سرشناسه : محمدي ري شهري، محمد، 1325-
عنوان و نام پديدآور : موسوعه العقائد الاسلاميه/محمد الريشهري ؛ بمساعده رضا برنجكار ؛ التحقيق مركز بحوث دار الحديث.
مشخصات نشر : قم: موسسه علمي فرهنگي دارالحديث، سازمان چاپ و نشر، 1384.
مشخصات ظاهري : 5 ج.
فروست : مركز بحوث دارالحديث؛ 85
شابك : (دوره):964-7489-99-4 ؛ (ج.1)964-7489-94-3 ؛ (ج.2)964-7489-95-1 ؛ (ج.3)964-7489-96-X ؛ (ج.4)964-7489-97-8 ؛ (ج.5)964-7489-98-6
يادداشت : چاپ دوم
يادداشت : چاپ اول: 1383.
يادداشت : جلد اول كتاب باهمكاري رضا برنجكار و عبدالهادي مسعودي ميباشد.
يادداشت : كتابنامه.
مندرجات : ج 1و 2. المعرفه .--ج 3 و 4 و 5. معرفة الله.
موضوع : اسلام -- عقايد -- احاديث.
موضوع : احاديث شيعه -- قرن 14.
شناسه افزوده : برنجكار، رضا، 1342-
شناسه افزوده : مسعودي، عبدالهادي، 1343-
شناسه افزوده : دارالحديث
شناسه افزوده : دارالحديث
رده بندي كنگره : BP211/5/م334م8
رده بندي ديويي : 297/4172
شماره كتابشناسي ملي : 1028220
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
لمحة عامّة الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة على عبده المصطفى محمّد خاتم النبيّين و آله الطيبين الطاهرين الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، سيّما مولانا الإمام المهدي الذي يملأ اللّه به الأرض قسطا وعدلاً بعد ما ملئت ظلما وجوراً، اللهمّ عجّل فرجه و سهّل مخرجه واجعلنا من أعوانه وأنصاره. تؤلّف العقائد الأُسس والقواعد الأصليّة لجميع الأديان والمذاهب. من هنا، فانّ المباحث العقيديّة تشكّل أهمّ فصل من تعاليم الأنبياء ، لذا نلاحظ أنّ قسما يُعتَنى به من القرآن الكريم والأحاديث المأثورة يتناول الموضوعات العقيديّة أيضا. إنّ المباحث العقيديّة تشغل موقعا متميّزاً في الجوامع الحديثيّة ، وقد اُنجزت حتّى الآن دراسات كثيرة في هذا المجال، بيد أنّ مايجب أن يُنجَز قليل بالنسبة إلى أهميّة الموضوع. يضاف إلى ذلك أنّ الحاجات البحثيّة في مجال الدين، والإمكانيّات الجديدة للبحث والتقصّي في عصرنا تفرض علينا تصنيف مجموعات أوفى بنظمٍ حديثٍ سهل المنال. في ضوء هذه الرؤية تقدّم «موسوعة العقائد الإسلاميّة» للباحثين النصوص
.
ص: 8
العقيديّة في شتّى المجالات _ من مبحث المعرفة وما يجب الاعتقاد به في الإسلام ومعرفة الإنسان والعالم ومعرفة الأديان والمذاهب _ بالخصائص الآتية :
خصائص موسوعة العقائد الإسلاميّةذكرنا في مقدّمة «موسوعة ميزان الحكمة» الخصائص الضروريّة للموسوعات الحديثيّة فيعصرنا الحالي، وفيما يأتينشير إلى الخصائص المهمّة لموسوعتنا هذه:
1 . الاستناد إلى القرآن والبرهانوهو أوّل الخصائص وأهمّها، فالاستهداء بالقرآن الكريم والبرهان السليم إلى جانب الأحاديث المأثورة يصبّ في ترسيخ العقائد الدينيّة ، نقول في إيضاح ذلك إنّ العلم واليقين في اُصول العقائد ضروريّان من منظار الإسلام، وليس للإنسان أن يعتقد بشيءٍ ويتّبعه من غير أن يعرفه. (1) إنّ الطريق إلى كسب العلم في العقائد هو البرهان العقليّ، أو الاستنارة بالقرآن الكريم والأحاديث الثابت صدورها . إنّ الدعامة الأصليّة لموسوعة العقائد الإسلاميّة في اُصول الاعتقادات كالتوحيد والنبوّة هي البراهين العقليّة المستضيئة بالقرآن والحديث؛ أي: إنّ هذه البراهين صالحة للاستناد إليها بغضّ النظر عن قائلها ، فلا ضرورة _ إذاً _ للتحليل السنديّ في مثل هذه الأحاديث. أمّا في فروع العقائد فإنّ هذه الموسوعة تحاول ما أمكنها أن تزوّد الباحث بالعلم أو الاطمئنان إلى صدور الأحاديث من خلال قوّة أسنادها أو تعزيز مضامينها عبر انسجامها مع القرآن و العقل و سائر الأحاديث.
.
ص: 9
2 . الشموليّةلقد انصبّت الجهود في هذه الموسوعة على أن تُنظَّم بشكل تشتمل فيه على جميع الآيات والأحاديث المرتبطة بالموضوعات العقيديّة المتنوّعة، بعد الاستعانة بالحاسوب، ولو افتُريَ كلامٌ على أئمّة الدين في بعض العقائد، فإنّه يقع تحت طائلة النقد والتحليل ، ومن الطبيعيّ أنّ هذا لايعني خلوّ الموسوعة من النقص، بل لامناص من وجود النقائص بسبب انبساط كثير من الموضوعات وتفريعاتها ، وسترفع إن شاءاللّه باقتراح الباحثين ودعمهم.
3 . التصنيف الموضوعيّ الشجريّتيسيراً لحصول الباحثين على النصوص العقيديّة، و تمهيداً لفهم معانيها بنحو أدقّ عمدت الموسوعة إلى وضع الأحاديث المرتبطة بكلّ موضوع بعد تبويبها جنبا إلى جنب على أساس تسلسل منطقي من الكلّيّ إلى الجزئيّ.
4 . الإيجازلقد حاولنا تقليص حجم الموسوعة جَهْدَ استطاعتنا على اتّسامها بالشموليّة. فحذف الأحاديث المتشابهة، وذكر عناوينها واختلافاتها في الهامش يحقّقان هذا الهدف ، وبهذه المزيّة يستطيع الباحث أن يصيب حظًّا أكبر من هذه المجموعة لتحقيق أهدافه البحثيّة في أقصر فرصة ممكنة.
5 . مدخل المباحث العقيديّةيتناول مدخل الموسوعة بالبحث والتحليل عدداً من المباحث المعاصرة التي يحتاج إليها الباحثون في ميدان المسائل الاعتقاديّة مفصّلاً.
.
ص: 10
6 . شرح، استنتاج، تحليل، نقدنلاحظ في بداية كثير من أقسام الموسوعة و فصولها أو في نهايتها تعليقات، واستنتاجات، و تحاليل، ونُقود تدلّ على مُخَطَّطٍ عامّ لذلك القسم. ومن الطبيعيّ أنّ هذا لايعني استغناء سائر الأقسام عن النقد و التحليل، بل إنّه أوّل خطوة نوعيّة لتمهيد الأرضيّة لبحوث ودراسات مبسوطه و متنوّعة في المجالات العقيديّة المختلفة.
7 . الفهرسةرغبةً في استنارة الباحثين بالخطابات المتنوّعة للنصوص العقيديّة، ستتمّ فهرسة هذه الخطابات لتكون في متناول الراغبين كلّاً على حدة. وستوفّر فهرسة الأحاديث العقيديّة مصحوبةً بالبرامج _ الفرصةَ لاستفادة الباحثين من هذه الأحاديث في سائر الفروع العلميّة والأخلاقيّة.
اُسلوب اختيار الآيات والروايات و تدوينهاثمّة نظام خاصّ لاختيار الآيات والأحاديث و تدوينها في مركز بحوث دارالحديث، لانجد ضرورةً هنا لاستعراضه مفصّلاً لكنّنا نشير إلى أهمّ النقاط فيما خخيأتي لإطلاع الباحثين عليها. 1 . إنّ الأحاديث المرويّة عن أهل بيت رسول اللّه _ صلوات اللّه عليهم أجمعين _ من وجهة نظرنا هي في حقيقتها حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كما قال الإمام عليُّ بن موسى الرضا عليهماالسلام : « إنّا عَنِ اللّهِ وعَن رَسولِهِ نُحَدِّثُ » (1) ، وكما قال الإمام جعفرُ بنُ محمّد الصادق عليهماالسلام :
.
ص: 11
« حَديثي حَديثُ أبي ، وحَديثُ أبي حَديثُ جَدّي ، وحَديثُ جَدّي حَديثُ الحُسَينِ ، وحَديثُ الحُسَينِ حَديثُ الحَسَنِ ، وحَديثُ الحَسَنِ حَديثُ أميرِ المُؤمِنينَ عليهم السلام ، وحَديثُ أميرِ المُؤمِنينَ حَديثُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وحَديثُ رَسولِ اللّهِ قَولُ اللّهِ عز و جل » . (1) من هذا المنظور تأتي كلمة « السنّة » في عنوان الكتاب لتعبّر عن هذا المدلول ، وتؤدّي المعنى الّذي يفيد باستخدام الكتاب لكلّ الأحاديث الواردة عن النَّبي وأهل بيته عليهم السلام على حدّ سواء . 2 . حاولنا أن نجمع كلّ الآيات والأحاديث المرتبطة بموضوع المباحث العقيديّة بعد إعداد القصاصات من المصادر الموجودة في دارالحديث عن طريق المفردات الدليليّة الأصليّة المتعلّقة بهذا الموضوع من خلال الاستعانة ببرامج الحاسوب الآلي، ثمّ يتمّ اختيار أشمل المصادر وأوثقها وأقدمها. 3 . تفادينا التكرار إلاّ في المواضع الآتية: أ _ وجود نقطة مهمّة كامنة في التفاوت بين المفردات. ب _ وجود تباين لفظيّ بين النّصّ الشيعيّ والسنّيّ. ج _ وجود تكرار في عدد من الأبواب بشرط ألّا يزيد الحديث على سطر واحد ، وفي غير المواضع المذكورة تُحذَف الأحاديث المتكرّرة ويضاف عنوانها في الهامش حسب النظام الخاصّ المتَّبَع. 4 . يتلو ذِكرَ الآياتِ المتعلّقة بالموضوع أحاديثُ النبيّ صلى الله عليه و آله وأهل البيت عليهم السلام حتّى الإمام المهدي عجّل اللّه فرجه بالترتيب إلّا الأحاديث الواردة في تفسير الآيات القرآنيّة ؛ فانّها مقدَّمة على جميع الأحاديث ، علما أنّ التناسق بين بعض الأحاديث
.
ص: 12
في المضمون قديؤدّي أحيانا إلى مخالفة الترتيب المذكور. 5 . تمّ تنظيم مصادر الأحاديث في الهامش وفقا لدرجات اعتبارها. 6 . إذا تيسّر الحصول على اُمّهات المصادر، فإنّ الحديث يُنقل منها إلّا عنوان «بحار الأنوار» في أحاديث أهل البيت عليهم السلام «وكنز العمّال» في أحاديث السنّة إذ يُذكر كلّ منهما في النهاية. 7 . إذا كان أحد الأحاديث مأثوراً عن النبيّ وعن أهل بيته في آنٍ واحد فانّ المأثور عن النبي يُذكر في النّصّ ، ويُشار إلى الآخر في الهامش. 8 . تبدأ الأحاديث باسم النبيّ صلى الله عليه و آله أو أهل بيته عليهم السلام إلّا إذا اقتضى النّصّ ذكر اسم الراوي، حينئذٍ يرد عنوان الكتاب المنقول عنه الحديث في البداية. 9 . للنبيّ صلى الله عليه و آله و أهل بيته عليهم السلام أسماء وألقاب متعدّدة، وقع الاختيار على واحد منها. 10 . يُشفَع اسم النبيّ صلى الله عليه و آله بالصلاة عليه، ولفظها « صلى الله عليه و آله » كما يُشفَع اسم الإمام مِن أهل بيته بالسلام، ولفظه « عليه السلام » تبجيلاً لهم، وإن اختلفت ألفاظ تكريمهم في الكتاب المنقول عنه الحديث، أمّا الآخرون فيُكتفَى بذكر أسمائهم. 11 . لقد وردت إرجاعات إلى بعض المصادر أحيانا بعد ذكر مصادر الحديث في الهامش من خلال لفظ: «راجع». وفي مثل هذه الحالات يلاحظ أنّ بين النّصّ المُرجَع إليه والنّصّ المنقول تفاوتا كبيراً، مع هذا الالتفات إلى ذلك مفيداً للباحث. 12 . إنّ الإرجاعات الواردة إلى الأبواب الأخرى تتبع التناسب في محتوى أحاديثها. في الختام أقدّم جزيل شكري إلى جميع الإخوة الأفاضل العاملين في دارالحديث على دورهم في تنظيم هذا المصنَّف الثمين بخاصّة الأخ المشرف على
.
ص: 13
قسم الكلام والعقائد سماحة الشّيخ الدكتور رضا برنجكار الذي يواصل العمل في الموسوعة الآن بفضل تعاونه وجهوده. كما أشكر الأخ الكريم سماحة الشيخ عبدالهادي مسعودي مدير الأقسام المشرفة على تصنيف الموسوعة، الذي انتظم القسم الثالث من الكتاب الأوّل بمساعيه ، وأبتهل إلى اللّه سبحانه أن يمنّ عليهم جميعا بمزيد التوفيق لخدمة المعارف الإسلاميّة الأصيلة إنّه عليم قدير. ربّنا عليك توكّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير محمّد الريشهري 11 ربيع الأوّل 1424 ه . ق 23/2/1382 ه . ش
.
ص: 14
. .
ص: 15
المبحث الأوّل : المعرفةالمدخلالقسم الأوّل : العقيدةالقسم الثّاني: العق_لالقسم الثالث: الجه_لالقسم الرابع : العلمالقسم الخامس : الحكمةالقسم السّادس : مبادئ المعرفةالقسم السّابع : موانع المعرفةالقسم الثّامن : تحصيل المعرفةالقسم التّاسع : تعليم المعرفةالقسم العاشر : العالم
.
ص: 16
. .
ص: 17
المدخلإنّ علم المعرفة الذي نال نصيبا كبيراً من الاهتمام في المباحث الفلسفيّة والعقائديّة أخيراً، وصار ميدانا لصراع العقائد الماديّة والسماويّة ذوماضٍ سحيقٍ ممتدّ ، فقد شهدت اليونان القديمة في عصر السفسطائيين وسقراط الخوض في مباحث متنوّعة مثل ماهيّة المعرفة ، وأدواتها ، ونطاقها ، وقيمتها . وتواصلت هذه المباحث إذ واكبها افلاطون وارسطو بعد ذلك . كانت المعرفة، بخاصّة مصادرها وأدواتها، أحد الموضوعات الرئيسة في المناظرات التي جرت بين أئمّة أهل البيت عليهم السلام _ ولا سيّما الإمام الصادق عليه السلام _ و بين المادّيّين في عصرهم خلال النصف الأوّل من القرن الثاني الهجريّ . (1) ونالت مباحث المعرفة الاهتمام بعد عصر النهضة في الغرب إلى أن جعل «كانت» علم المعرفة محورا للفلسفة واستقلّ هذا العلم في القرن الأخير وأصبح له
.
ص: 18
موقعا متميّزا بين العلوم ، وصُنِّفت كتب كثيرة في هذا المجال . ولمّا كان «علم المعرفة» هو أساس المباحث العقيديّة، فقد شغلت المباحث والنصوص المرتبطة بأبوابها المختلفة أوّل حلقة من حلقات النصوص العقيديّة، وتعرض هذه الحلقة في عشرة أقسام بالترتيب الآتي: القسم الأوّل يقدِّم للباحثين سبعة فصول تخص «العقيدة» ، وملاحظة هذا القسم قبل الدخول في متن المباحث العقيديّة لكلّ مدرسة؛ بخاصّة مباحث علم المعرفة مفيدة نافعة كثيراً. القسم الثاني يدور حول قوّة «العقل» (1) ويحتوي على سبعة فصول ناقشت حقيقة العقل، وخلقه، ومنزلته، وأنواعه، وقيمة قوّة الفكر، وتأكيد التعقّل، والتفكير والتفقّه لكسب المعرفة، والأسباب الماديّة والمعنويّة لتعزيز الفكر، ومعالم الاستهداء بقوّة العقل في الحياة وآفات العقل، وأحكام العاقل من منظار النصوص الإسلاميّة. القسم الثالث في «الجهل» ويشمل ثمانية فصول ضمّت تبيان معنى الجهل من منظور الإسلام، وحذّرت منه بشدّة، وعرّفت أنواع الجاهلين، و علامات الجهل والأحكام المرتبطة بالجاهلين. واحتوت الفصول الثلاثة الأخيرة من هذا القسم على موضوعات بالغة الأهميّة لافتة للنظر تدور حول الجاهليّة قبل الإسلام وبعده، وانتهاء عصر الجاهليّة في آخر الزمان بقيادة مهديّ آل محمّد صلى الله عليه و آله . القسم الرابع في «العلم» ويشتمل على أربعة فصول تناولت حقيقة العلم في
.
ص: 19
النصوص الإسلاميّة، وفضيلة العلم، وآثاره، وأقسامه. القسم الخامس في «الحكمة» وتحوي سبعة فصول تحدّثت بالتفصيل عن معنى الحكمة في القرآن والحديث، وفضيلة الحكمة و آثارها، وأهمّ التعاليم لبلوغ الحكمة الحقيقيّة، ومواصفات الحكماء اُولي الاستقامة. القسم السادس يدور حول «مبادئ المعرفة» في النصوص الاسلاميّة. ويشتمل على أربعة فصول استعرضت مبادئ العلم والحكمة، وأسباب المعارف العقليّة والقلبيّة، ومبادئ الإلهامات الغيبيّة. القسم السابع يتناول «موانع المعرفة» ويتكوّن من فصلين : الأوّل: يستبين حُجُبَ العلم والحكمة من منظور قرآنيّ وحديثيّ . الثاني : يوضّح ما يُزيل هذه الحجب . و من الحريّ بالذكر أنّ القسم السادس والسابع هما أهمّ الأقسام في مباحث علم المعرفة حسب الرؤية الإسلاميّة. القسم الثامن يتناول «كسب المعرفة» ويتألّف من خمسة فصول تتكفّل بتبيان وجوب كسب المعرفة، وفضيلة كسبها، وآداب ذلك وأحكامه من منظار إسلاميّ . القسم التاسع موضوعه «تعليم المعرفة» ويشتمل على أربعة فصول تناولت وجوب التعليم وفضيلته، وآدابه، والإجابة عن أسئلة الطَلَبة الجامعيّين على لسان أئمّة الإسلام. القسم العاشر يستعرض نقاطا مهمّةً حول «العلماء» وفيه ستّة فصول أسهبت في الحديث عن فضيلة العلماء، والآداب التي ينبغي أن يراعوها، و حقوق العالِم، والمعلّم والمتعلّم، وأصناف العلماء والحكماء القدوات، وخطر علماء السّوء على المجتمع ، وإليك تفصيل ما أجملناه:
.
ص: 20
. .
ص: 21
القسم الأوّل : العقيدةالفصل الأوّل: دور العقيدةالفصل الثاني: التقليد في العقيدةالفصل الثالث: التحقيق في العقيدةالفصل الرابع : تصحيح العقيدةالفصل الخامس : اختبار العقيدةالفصل السادس : حرّية العقيدةالفصل السابع : تعليم العقيدة
.
ص: 22
. .
ص: 23
الفصل الأوّل: دور العقيدةمعنى العقيدةإنّ كلمة «عقيدة» مشتقّة من المصدر «عقْد» الذي يعني الإحكام والشدَّ والربط ، وربطُ الشيءِ بشيءٍ آخر أو شدُّه إليه يمكن أن يكون حقيقيًّا ومادّيًّا حينا كتطعيم شجرةٍ ببرعمٍ أو بغصنٍ من شجرةٍ اُخرى ، ويمكن أن يكون اعتباريًّا ومعنويًّا حينا آخر كزواج رجلٍ بامرأةٍ يرتبط بها بواسطة عقد قرانه عليها . فالعقيدة إذاً عبارة عن ذلك الشيء الذي يتّصل بذهن الإنسان وروحه وفكره. فعندما يتقبّل الذهن أنّ الأرض تدور حول الشمس أو أنّ الشمس تدور حول الأرض، وعندما يتقبّل أنّ الدمَ يدور في الجسم أو لا يدور ، وعندما يتقبّل أنّ للكون خالقا أو ليس له ، وعندما يتقبّل أنّ الإنسان بعد مماته يحيا أو لا ، فتقبُّله لأيّ نظرية _ حقًّا كانت أم باطلاً _ يعني شدَّ تلك النظرية إلى الذهن وربطها به وإحكام صلتها فيه . هذهِ الصلة تسمّى «عقدا» وتلكَ النظريّة تسمّى «عقيدة» .
دور العقيدة في الحياةإنّ عقائد الإنسان وتصديقاته هي الأساس لجميع توجّهاته في الحياة ، وعليه ، فالعقيدة صاحبة الدور الأكبر في الحياة الفردية والاجتماعية ، وعلى حدّ قول
.
ص: 24
الباري سبحانه : «كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ» . (1) فعقائد الإنسان وتصديقاته هي التي تحدّد هيئته الباطنية وحقيقته الواقعية وتشكّلهما ، وهي التي تحفّزه إلى العمل وتحدّد اتّجاهه في الحياة ، فاذا كانت عقيدته صائبة مطابقة للواقع كان طريق حياته صائبا كذلك ، أمّا إذا كانت عقيدته فاسدة باطلة فإنّ طريق حياته لا يؤدّي إلّا إلى الضياع ، ومن ثَمّ كان اهتمام الإسلام بتصحيح العقيدة قبل أيّ شيء آخر . من المؤكّد أنّه ليست هناك مدرسة تفوق مدرسة الإسلام في تقديرها للعقيدة ، فالعقيدة في الإسلام هي المعيار لتقييم الأعمال ، وحتّى الأعمال الصالحة فإنّها تعتبر فاقدة لقيمتها ما لم تنبعث عن عقيدة صحيحة صائبة! يقول الإمام الباقر عليه السلام : لا يَنفَعُ مَعَ الشَّكِّ وَالجُحودِ عَمَلٌ. (2) وهذا يعني أنّ صحّة العمل وفائدته ودوره في تكامل الإنسان منوطٌ بصحّة عقيدة العامل ، فإن لم تتوفّر في الإنسان سلامة العقيدة وكان منكِراً لما هو حقّ أو اعتراه الشّك فيه فإنّ ما يتأتّى عن عقيدته من عمل لا يمكن أن يكون سالما أو يجدي نفعا ، ذلك لأنّ العقيدة هي التي تثير في الإنسان دافعا للعمل ، والدافع هو الذي يوجّه العمل ، والدافع والاتّجاه كلاهما يحدّدان مفهوم العمل ومعناه ولياقته وعدم لياقته . لذلك ، فإنَّ _ من وجهة نظر الإسلام _ أوّلَ ما يُطرح على الإنسان بعد مماته لدى
.
ص: 25
دخوله في عالم الآخرة من استجوابات مبدئيّة للتسجيل في ملفّ أعماله هو السؤال عن العقائد ، فأوّل سؤال عن العقيدة، لاعن العمل: بأيّ إلهٍ آمنت؟ وبأيّ دين اعتقدت؟ ومن اُسوتك ورائدك الذي اتّبعتَه؟ ولا يمكن العثور على مدرسة بين مدارس العالم تعير العقيدة الإنسانيّة ما يعيرها الإسلام من الاهتمام والقيمة والاحترام البالغ ، فالبحوث العقائديّة من منظار الإسلام تتصدّر البحوث الاُخرى على الإطلاق. فعلى المؤسّسات العلميّة الدينيّة والجامعات في الأقطار الإسلاميّة أن تُولي المحاضرات والبحوث والقضايا العقائديّة عظيم اهتمامها قبل كُلّ شيء. وسيأتي الحديث مفصّلاً في الأقسام القادمة من هذا الكتاب عن رؤية الإسلام للأهميّة التي تتَّسم بها مباحث علم المعرفة. و نشيرهنا إشارةً مقتضبة إلى قصّة تربويّة بالغة التعليم في هذا المجال.
قصّةٌ تَربويّةروى المرحوم الشيخ الصدوق (المتوفّى 381 ه ) _ وهو من أعلام محدّثي الشيعه في كتبه المعروفة: معاني الأخبار؛ والخصال؛ والتوحيد _ عن شخص يُدعى القدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه قال: إنّ أعرابيًّا قام يوم الجمل إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ، فقال: يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، أَتَقولُ إِنَّ اللّهَ واحِدٌ؟! سؤال لم تكن له أيّ مناسبة في نظر المقاتلين المنهمكين في القتال ولا شاغل لهم اِلّا التخطيط للعمليات والخطط الحربية وما يلزم لتنفيذها ، فلو أنّ سائلاً أراد أن يسأل عن شيء في ذلك الموقف فلابدّ أن يكون سؤاله مرتبطا بالحرب، بالمسألة الأصلية في ذلك اليوم ، فلمّا رأوا أنّ سؤال الأعرابي عن مسألة عقائدية تبدو
.
ص: 26
حسب الظاهر وكأنما لا مِساسَ لها بالمعركة من أيّ جهة وأنّ في إمكانه أن يطرح سؤاله ويحظى بجوابه في أيّ وقت آخر ، اشتاطوا غضبا جميعا من تصرّف هذا الرجل وعدم تقديره لظروف الوضع القائم ، وارتفعت أصواتهم بالاعتراض عليه ، كلٌّ من جانبه . فلمّا رأى الإمام علي عليه السلام ذلك الأعرابي وسط وابل من الاعتراض والتهجّم تداركه بعبارة تاريخية وموعظة تعليمية عظيمة ، تعبّر بدقّة عن أهمّية البحوث العقائديّة؛ حيث قال عليه السلام : دَعوهُ ؛ فَإِنَّ الَّذي يُريدُهُ الأَعرابِيُّ هُوَ الَّذي نُريدُهُ مِنَ القَومِ! إنّ عبارة الإمام هذه التي اُلقيت في تلك الظروف على غاية من الأهمّية ، وما أجدرها بالتأمّل والتّحقيق . فلو تصوّرنا الظروف في تلك اللحظات المصيرية الحاسمة بالنسبة للإمام عليه السلام لتجلَّى الواقع عن عدم توفّر المجال المناسب للإجابة على مثل هذا السؤال ، وأنّه كان في إمكان الإمام عليه السلام أن يحيل الإجابة إلى غيره ، أو أن يستمهلها إلى فرصةٍ أوسع؛ إلَا أنّه لا أحالها ولا اعتذر عنها لضيق الوقت ، وإنّما رآها فرصةً ليلقّن المسلمين درسا ، أراد أن يعلّمهم فلسفة الجهاد ، ويبيّن لنا أهمّية المسائل والبحوث العقائدية ودراستها والمحاضرة فيها . وإنّه عليه السلام رغم تلك اللحظات المصيريّة الحسّاسة وتأزُّم الظروف ، تصدَّى للإجابة عن تساؤل ذلك الأعرابي ، وبيان فلسفة الجهاد والقتال ، قائلاً : دعوه يسأل مسألته ، فنحن أيضا لا هدف لنا من قتالنا ضدّ هؤلاء القوم إلّا هذا ،
.
ص: 27
نحن لا نهدف التسلّط والاستغلال ، وإنّما هدفنا هو المعرفة والإدراك والتَّنَوُّر ، وما القتال إلّا من أجل تحطيم السدود وإزالة العراقيل ورفع الحجب التي تمنع الحقيقة من أن تتجلّى عن نفسها ، ففلسفة الجهاد هي تحرير الإنسان من ربقة المعتقدات الموهومة ، وتهيئة المناخ اللازم لتصحيح العقائد ، وازدهار المعتقدات العلمية الصحيحة . (1) وعليه ، فإنّ سؤال الأعرابي لم يقتصر على كونه ذا صلة مباشرة بالمسألة الأصلية ، وهي الحرب فحسب ، بل إنّه ليرتبط بها في أدقّ أبعادها وأعمقها ، ذلك لأنّ سؤاله يتعلّق بفلسفة القتال والجهاد ، وما من صلةٍ أقوى من صلة الشيء بفلسفته . لذلك أدار الإمام علي عليه السلام وجهه نحو الأعرابي وأجاب عن سؤاله في غاية الوقار والدقّة ، قائلاً : يا أَعرابِيُّ ، إِنَّ القَولَ في أَنَّ اللّهَ واحِدٌ عَلى أربَعَةِ أَقسامٍ : فَوَجهانِ مِنها لا يَجوزانِ عَلَى اللّهِ عز و جل ، ووَجهانِ يَثبُتانِ فيهِ . ثمّ وضّح له الإمام عليه السلام الأقسام الأربعة قسما قسما . (2)
.
ص: 28
. .
ص: 29
الفصل الثاني: التقليد في العقيدةمن المسائل التي تقتضي الضرورة أن نُلمّ بها أيضا قبل ذكر النّصوص العقائدية ودراسة اُصول العقائد الإسلامية، مسألة التقليد في اُصول العقائد ، من وجهتي نظر العقل والإسلام . فالواجب بادئَ ذي بَدءٍ أن نرى _ فيما لو احتكمنا إلى العقل _ من أين ينبغي لنا أن نكتسب مبادئنا العقائدية؟ وهل يجيز لنا العقل فيما يتعلّق بالرؤية الكونية والاُصول العقائدية تقليد الوالدين أو زعماء الحزب والمنظمة أو العلماء أو مَن نثق بهم ومَن إلى ذلك؟ بعبارة اُخرى : هل يجيز العقل للإنسان أن يكون مقلِّداً في عقائده؟ أو يوجب عليه التحقيق فيها؟ وبعد أن يجيب العقل على هذا السؤال علينا أن نستطلع الجواب في رأي الإسلام ، وهل يتّفق الجواب بين العقل والإسلام ، أو للإسلام جواب آخر؟ فلنبدأ البحث بالإجابة عن السؤال الأول : نحن الآن مثول مع العقل أمام محكمة الضمير ، نسأله : ما تكليفنا بالنسبة للاُصول العقائدية؟ هل التكليف بالتحقيق أو بالتقليد؟ وما أحوجنا الآن قبل الاستماع إلى جواب العقل أن نبيّن معنى كلمة «التقليد»
.
ص: 30
ومدلولها ونوضح المقصود منها .
ما التقليد ؟التقليد عبارة عن تقبّل رأي الآخرين دون المطالبة بالدليل والبرهان. (1) وهنا يَعِنُّ سؤال : هل يجيز العقل ذلك ، فيسمح للإنسان بقبول رأي من آخر أو آخرين بخصوص المسائل الاعتقادية دون ثبوته بالدليل والبرهان؟ أو لا يجيز ذلك؟ بل ويقضي على الإنسان بضرورة تحصيل عقائده عن طريق التحقيق ، وأنّ نظريات الآخرين وآراءهم لا تصبح أهلاً للقبول ، اللهمَّ الَا إذا كانت محقّقة مدعمة بالأدلّة والبراهين العقلية؟
حكم العقل بالنسبة للتقليد في العقائدبناءً على تعريف التقليد المشار إليه آنفا فإنّ العقل لا يسمح للإنسان مطلقا بأن يصبح مقلِّداً في المبادئ والاُسس العقائدية ، ذلك لأنّ الاُصول العقائدية تستلزم العلم ، والتقليد لا يكسب علما . وضرورة العلم بالنسبة لاُصول العقائد أمر لا يحتمل الشكّ ما دامت العقيدة أساسا للعمل ، فالعقل لا يجيز مطلقا وبصورة قطعية أن يبني الإنسان كلّ نشاطاته الفردية والاجتماعية على أساس عقيدة لا يعرف هو شخصيًّا صحّتها من سقمها أو مدى مطابقتها للواقع . أمّا كون التقليد لا يكسب أو لا يحقّق للإنسان علما فهو أمر بديهيّ واضح ، إذ لو كان التقليد يستحصل للإنسان علما لكانت قاطبة المدارس وجميع العقائد والأديان المختلفة في العالم _ ما كان منها وما يكون _ بالضرورة علميّة صحيحة
.
ص: 31
منطبقة على الواقع .
المقلِّد عالِمٌ خياليّأجَل ، إنّ التقليد لا يكسب علما ، ومبلغ إدراك المقلِّد هو أن يتخيَّل في نفسه أنّه عالم ، فهو عالمٌ في عالم الخيال لا في عالم الواقع . بعبارة اُخرى : المقلِّد عالِمٌ خيالي لا عالِمٌ واقعي . فما من أتباع دينٍ _ أيًّا كانوا _ إلّا ويعتبرون عقيدتهم صحيحةً منزّهةً عن كلّ خطأ ، ويُخيَّلُ إليهم أنّ عقيدتهم وحدها هي العقيدة الصائبة المطابقة للحقيقة ، ثم إنّهم يعتبرون هذا الخيال عِلما يقينيا. (1) ولو أنّ أتباع كلّ دين فكّروا في عقائدهم وأزالوا الموانع التي تحجب المعرفة (2) عن بصائرهم وعقولهم واستعاضوا التقليد بالتحقيق لارتفعت كلّ الخلافات من بين المدارس العقائدية في المجتمع البشري ، ولتوصّل الجميع إلى وجهة نظرٍ مشتركة ودينٍ واحد ، فالخلاف لا يوجد إلّا حيثما حلَّ العلم الخيالي محلّ العلم الحقيقي ، وحيث يوجد العلم بمفهومه الحقيقي لا مجال للخلاف .
التقليد في العقائد من وجهة نظر الإسلاملقد تبيّنت لنا وجهة نظر العقل بالنسبة للتقليد في المسائل العقائدية ، وبقي علينا أن نستطلع وجهة نظر الإسلام في هذا الصدد أيضا ، وهل الإسلام شأنه شأن العقل يحرّم التقليد في العقائد أو لا؟ وهنا يلزمنا أن نذكر أولاً وقبل كلّ شيء بأنّ المسائل الإسلامية بصورة عامة
.
ص: 32
تنقسم إلى قسمين هما : الأصول والفروع ، أي اُصول الدين فروعه . فاُصول الدين عبارة عن المبادئ والاُسس العقائديّة التي تشكّل القاعدة لمختلف المسائل الفقهية والسياسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وما إليها في الاسلام ، من قبيل الاعتقاد بالتوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد . أمّا فروع الدين فعبارة عن المقرّرات التي شرّعها الإسلام في تنظيم الصلة بين الإنسان وربّه من جهة ، وبينه وبين الآخرين من جهّةٍ اُخرى ، كالصلاة والصوم والخُمس والزكاة والحجّ وما إلى ذلك . أمّا بالنسبة إلى فروع الدين فإنّ الإسلام لا يقتصر على جواز التقليد فيها فحسب ، بل إنّه يوجب ذلك إيجابا ، ومرجع التقليد في فروع الدين بصورة محدّدة هو النبي صلى الله عليه و آله أو الإمام عليه السلام ، وفي حالة غيبة الإمام مرجع التقليد ، بالنسبة لمن لم يتخصّصوا في استنباط الأحكام في المسائل الإسلامية من الكتاب والسنّة ، هو المجتهد الذي تتوفّر فيه شرائط الاجتهاد. (1) أمّا موضوع بحثنا وتحقيقنا هنا فهو التقليد في اُصول الدين والاُسسِ العقائدية من وجهة نظر الإسلام ، وهل الإسلام كالعقل أيضا يحرّم التقليد في اُصول العقائد على الإطلاق؟ أو يجيزه؟ بعبارة اُخرى : ما رأي الإسلام في تكليف الناس تجاه الاُصول العقائدية؟ أتحقيق هو أم تقليد؟ إنّ كلّ من كان على علمٍ بالقرآن والنصوص الإسلامية يعرف أنّ الإسلام قد حرَّم التقليد في اُصول العقائد صراحة وبكلّ وضوح ، وأصرَّ على مطالبة الناس وشدّد التأكيد عليهم بأن يحقّقوا في المسائل العقائدية ، وأن لا ينساقوا مع عقيدة
.
ص: 33
أيًّامّا كانت إلّا بالتدقيق والبرهان العقلي . فالباري عز و جل لم يطلب أبداً من الناس أن يستسلموا لكلامه _ على سبيل المثال _ فيما يختصّ بإثبات وجوده أو إثبات نبوّة أنبيائه استسلاما تعبّديًّا تقليديًّا لا ينهض به برهان عقليّ ، إنّه سبحانه يستدلّ على إثبات وجوده ونبوّة مرسليه بالأدلّة العقلية ، ويدعو الناس إلى تحكيم العقل . وما من نبيّ دعا الناس إلى تقليده في اُصول العقائد وقبول كلامه دون تساؤل ، لمجرّد كونه مبعوثا من قِبل اللّه تعالى؛ بل إنّ الأنبياء جميعا كانوا يستندون إلى الأدّلة والبراهين العقلية على إثبات نبوّتهم ، ويدعون الناس إلى تحكيم العقل ، كما كانوا يطالبون معارضيهم أيضا بالإتيان بأدلّة وبراهين عقلية على إثبات ادّعاءاتهم ، قائلين : «هَاتُواْ بُرْهَ_نَكُمْ إِن كُنتُمْ صَ_دِقِينَ» . (1) كما نرى أنّ المجتهدين والمتخصّصين في المسائل الإسلامية لا يرون التقليد في اُصول العقائد صحيحا ، ولهذا فإنّهم يوصون الناس بالتحقيق والبحث في عقائدهم (2) ، وحتّى يتجلّى لنا رأي الإسلام بخصوص التقليد في اُصول العقائد بصورة دقيقة نستعرض بعض الآيات والأحاديث المرتبطة بهذا الموضوع .
التقليد في العقائد من وجهة نظر القرآنإنّ القرآن الكريم _ وفي آيات عديدة تتعلّق بالاُصول العقائدية _ يستقبح التقليد ويحرّمه ويشدّد في التنديد به ، وينبّه صراحةً على أنّه ما لم تحصل للإنسان معرفة كاملة ويقين قطعيّ بنظريةٍ أو عقيدةٍ مّا لا يحقّ له اتّباعها أو بناء حياته الفردية والاجتماعية على أساسها :
.
ص: 34
«وَ لَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» . (1) فهذه الآية الكريمة توصي الإنسان بما يصدر عن العقل من حكم صريح ، بمعنى : أيّها الانسان ، اتّبع نداء الضمير وما يُصدر العقل من أمر صريح واضح في المسائل العقيدية ، وإيّاك والتقليد الأعمى ، وما لم يتحقّق لديك الوعي بصحّة أيّ نظرية مّا لا تجعلها معياراً وملاكا لأعمالك ولا تتّبعها . وآية اُخرى : «إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» . (2) الصمّ والبكم في هذه الآية ليسوا مَن فقدوا حاسّة السمع وخرسوا عن الكلام ، وإنّما هم مَن تصفهم الآية بأنهم «لَا يَعْقِلُونَ» أي : ليسوا من أهل التعقّل والتفكير في المسائل العقائدية ، وهُمْ من اُشير إليهم في آية اُخرى بقوله : «لَهُ_مْ قُلُوبٌ لَايَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أعْيُنٌ لَايُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَايَسْمَعُونَ بِهَا» . (3) لهم قلوبٌ لا يصلون بها إلى الوعي والمعرفة ، ولهم عيونٌ لاترى الحقيقة ، ولهم آذانٌ لاتعي كلام الحقّ ، فالمقصود إذاً الذين يتّبعون الآخرين وهم غاضّي بصرهم وصامّي آذانهم وحابسي ألسنتهم ، المتّبعون عقائد الأغيار بدون دليل أو برهان ، بدلاً من أن يتّبعوا عقولهم وتفكيرهم الذاتي . وهكذا ، يحرّر القرآن الكريم يد الإنسان ورجله من أصفاد التقليد الأعمى ، ويعتقُ البشر من أغلال الرقّ الفكري للآخرين ، ويمنح أفراد المجتمع كلّاً على حدة استقلاله الفكري وحقّه في إبداء رأيه وإظهار وجهة نظره ، حتّى إذا ما حرّر الناس من ربقة التقليد العقيدي أهاب بهم إلى التأمّل والتحقيق .
.
ص: 35
وهنا ، نصل إلى نكتة على غاية من الحسّاسية والدقّة ، فالقرآن الكريم يسعى لتطهير أذهان الناس من خيال توهّم المرء نفسه عالما ، ليجعلهم علماء واقعيين . إنّ القرآن يسعى إلى إنقاذ اتباع المدارس كافةً والمعتقدين بجميع العقائد من مرض المعرفة الخيالية الناشئة عن التقليد الأعمى ، والوصول بهم إلى المعرفة الحقيقية والعلم الواقعي (1) ، ولهذا ، يحمل بشدّة على من يفضّلون التقليد على التحقيق ، والانصياع إلى السنن والتقاليد بدلاً من الانصياع إلى الحقائق والواقع . لقد وردت بهذا الخصوص آيات متعدّدة في القرآن الكريم ، نذكر منها اثنتين على سبيل المثال ؛ قال سبحانه : «وَإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلَى مَا أنزَلَ اللَّهُ وَإلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا» . (2) يعني عندما يُقال للمحافظين الجامدين على السنن التقليدية الموروثة والمتّبعين للتقاليد والعادات والعقائد المأثورة عن الآباء والاُمّهات والأقوام والقبائل والمجتمع : تعالوا وانظروا ماذا يقول اللّه ورسوله ، لقد سمعتم كلام الجميع ، تعالوا واسمعوا كلامنا أيضا ، ثمّ تدارسوا وارجعوا إلى عقولكم فتبيّنوا ما الأصحّ فيما بين هذه الكلمات ، فإذا تبيّن لكم صدق ما يقول اللّه ورسوله فتقبّلوا كلامهما واعملوا به ، وإن رأيتم أنّ ما يقوله آباؤكم واُمّهاتكم أو سنن قومكم وقبيلتكم أو خطط أحزابكم وتنظيماتكم هو الصواب فاتّبعوهم ، فيجيبون على هذا الكلام المنطقي بقولهم : لسنا في حاجة لسماع كلام اللّه ورسوله ، وحسبنا ما اكتفيا به من عقائدنا التقليدية وسنننا الموروثة التي وصلتنا من آبائنا .
.
ص: 36
فيردّ القرآن عليهم في آخر الآية مشيراً إلى العقل وحكمه الصريح الجليّ بقوله : «أوَ لَوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْ_ئا وَ لَا يَهْتَدُونَ» . (1) أي : أمنطقيّ ما تدّعون؟ وهل يقبل العقل هذا الجواب؟ وهل عليهم أن يقلّدوا آباءهم تقليدا أعمى، ولو كان آباؤهم قد اتّبعوا شيئا بلاتعقّل واختاروا عقيدةً بلا فهم، فيحذون حذوهم صمًّا بكما عميانا؟! (2)
التقليد في العقائد من منظور الحديثتطلق كلمة «إمَّعة» في لغة الحديث على من لا رأي له بل يقتدي بآراء غيره لا على سبيل التحقيق بل على سبيل التقليد .
لا تكن إمّعَةإنّ الإنسان، من منظار الإسلام، إمّا عليه أن يعرف الحقيقة أو أن يُحاول كشفها، ولايعملْ عملاً بلا علمٍ فيهلك (3) ، فقد اُثِرَ عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: ما مِن أَحدٍ إلّا عَلى بابِهِ مَلَكانِ، فَإِذا خَرَجَ قالا: أُغدُ عالِما أَو مُتَعَلِّما ولا تَكُنِ الثّالِثَ. (4) وقد يعبّر في الأحاديث الإسلاميّة عمّن ليس بعالم ولا متعلّم ب_ «الهمج الرعاع» كما جاء في الحديث النبوي :
.
ص: 37
النّاسُ اثنانِ وما عَدا ذلِكَ هَمَجٌ رعاعٌ. (1) وقد يعبّر ب_ «غُثَاء» كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : النّاسُ ثَلاثَةٌ: عالِمٌ ومُتَعَلِّمٌ وغُثاءٌ. (2) وقد يعبّر ب_ «إمَّعة» كما في النهاية في غريب الحديث : فيه : «أُغدُ عالِما أو مُتَعَلِّما ولا تَكُن إِمَّعَةً». الإمَّعَة بكسر الهمزة وتشديد الميم _ الذي لا رأي له ، فهو يتابع كلّ أحد على رأيه . والهاء فيه للمبالغة. ويقال فيه «إمَّعَ» أيضا. (3) بعبارة اُخرى : تطلق كلمة «إمّعة» في العربية على كلّ من لا يتمتّع بالاستقلال الفكري ولا يرى لنفسه حقَّ التفكير والإدلاء برأيه ، فعينُه واُذنه مرتهنتان بأقلام الآخرين وألسنتهم فيما يكتبون وما يقولون ، فيبقى هو وأمثاله دائما على انتظار لتلقّي ما يمليه مُنَظّر الحزب أو رئيس المنظّمة ، أو يتبعون غالبيّة الناس في طريقة تفكيرهم وعملهم . فالإمّعة : هو مَن لا يحمل نفسه على التفكير والتحقيق فيما يكتبه أو يقوله الآخرون . وهذه الأحاديث وصية للناس ، توصي الناس في اعتقاداتهم بأن يكونوا علماء أو متعلّمين ولا يكونوا مقلّدين ، وهذا من وجهة نظر الإسلام يعني : إمَّا أن يتأكّد الإنسان من أنّ معتقداته صحيحة وأنها حقّة ومطابقة للواقع ، وإمَّا أن يمارس التحقيق ويسعى لطلب العلم والمعرفة ، أمَّا أن يبقى إمَّعةً فهذا مالا يجوز له ، إذ ينبغي له أن لا يتّبع الآخرين ، يقلّدهم في عقائدهم ونظريّاتهم بدون تحقيق .
.
ص: 38
لقد رُويت في هذا المقام للإمام علي عليه السلام أبياتٌ ضمن رواية ، نذكر منها بعضها : إذا المشكلاتُ تصدَّينَ لي كشفتُ حقائقَها بالنظَرْ ولستُ بإمَّعةٍ في الرجال يُسائِلُ هذا وذا ، ما الخبَرْ ولكنّني مذرب (1) الأصغرين اُبيِّن (2) مَعْ ما مضَى ما غَبَر (3) وعليه، فإن أتباع الإسلام السائرين الحقيقيين على نهج النبي صلى الله عليه و آله وأهل البيت عليهم السلام هم اُولئك الذين لهم آراؤهم ووجهات نظرهم في المسائل النظرية والعقائدية ، وحاشاهم أن يقلّدوا هذا أو ذاك ، أو يأبهوا بما يُرمَوْن به لانفرادهم بلونهم عن لون المجتمع ، فهم لا يقبلون أيّ عقيدة أو رأي ، حتّى تُثبت بالتحقيق أنها حقّ وإن أجمع الناس على خلاف ذلك ، ولا ينتهجون سبيلاً ، إلّا على يقين من أنّه سواء السبيل ، ولا يقدمون على عمل ما لم يتشخّص لهم بالتأمّل والتدقيق أنّه منطقي وخيِّر ومقبول لدى العقل . وفي حديث آخر رواه الترمذي في صحيحه عن حُذيْفَةَ عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : لا تَكونوا إِمَّعَةً ؛ تَقولونَ : إِن أحسَنَ النّاسُ أَحسَنّا ، وإِن ظَلَموا ظَلَمنا ! ولكِن وَطِّنوا أَنفُسَكُم ؛ إِن أَحسَنَ النّاسُ أَن تُحسِنوا ، وإِن أَساؤوا فَلا تَظلِموا . (4) والإمام الصادق عليه السلام ، أيضا ، في وصيته لأحد أصحابه يقول :
.
ص: 39
لا تَكونَنَّ إِمَّعَةً . وفي توضيحه قال : تَقولُ : أنَا مَعَ النّاسِ وأنَا كَواحِدٍ مِنَ النّاسِ. (1) أي : لا تقلّد الآخرين في المسائل النظرية أو العملية ، وفكِّر في أقوالهم وأفعالهم لتتبيّن صحّة أقوالهم من عدمها وسلامة أفعالهم من خطئها ، ولا تقل : أنا مع الناس وأنا كواحدٍ منهم ، أقول ما يقولون ، وأفعل ما يفعلون . وفي رواية اُخرى عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال لأحد أصحابه يُدعى الفضل بن يونس : أبلِغ خَيراً وقُل خَيراً وَلا تَكُن إِمَّعَةً . قال الفضل بن يونس : وما الإمّعة؟ فقال الإمام عليه السلام : لا تَقُل أنَا مَعَ النّاسِ وأنَا كَواحِدٍ مِنَ النّاسِ . ثمّ روى الإمام عليه السلام أثناء توضيحه كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : يا أيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّما هُما نَجدانِ : نَجدُ خَيرٍ ، ونَجدُ شَرٍّ؛ فَلاَ يَكُن نَجدُ الشَّرِّ أحَبَّ إِلَيكُم مِنْ نَجدِ الخَيرِ. (2) فقول الرسول صلى الله عليه و آله : «إنّما هما نَجدان» إشارة إلى قوله تعالى : «وَ هَدَيْنَ_هُ النَّجْدَيْنِ» (3) ، بمعنى أن الانسان قد خلق بحيث يعرف الخير كما يعرف الشرّ ، ويعلم تماما ما الطيّب وما الخبيث .
.
ص: 40
وقول الرسول صلى الله عليه و آله _ إذ يشير إلى قول اللّه تعالى _ إنّما يتضمن استفهاما توبيخيا مؤدّاه : إذا لم يكن أمام الإنسان بُدٌّ إلّا من طريقين ، لماذا يعدل عن الطريق الذي يقرّر العقل صوابه إلى الآخر الذي ينهاه العقل عنه؟!! واستناد الإمام عليه السلام إلى حديث الرسول صلى الله عليه و آله في بيان مدلول كلمة «إمَّعة» يفيدنا أمرين : الأوّل : أنّ الباعث _ من وجهة النظر الاجتماعية _ على اختيار الإنسان للشرّ هو إمَّعِيَّتُهُ ، وكونه إمَّعةً يقلّد الآخرين في عقائدهم وأعمالهم تقليداً أعمى ، فلو أنّ البشر قد تحرّر يوما من قيد التقليد ، لانحلَّ كثير من المشاكل الاجتماعية . والآخر : أنّ الإنسان قد خُلق بحيث لو تحاشى التقليد لأصبح صاحب رأي ، ولاختار طريق الخير ، لأنّ العقل كفيلٌ بالتمييز بين ما هو خير وما هو شرّ ، والإسلام بدوره لا يدعو الناس إلَا إلى الخير والعدل واجتناب السوء والظلم. (1)
تقليد الشخصيّات في العقائدإنّ الملاحظة البالغة الأهميّة والجديرة بالعناية التي نلاحظها في الروايات الإسلامية حول محور التقليد في العقيدة هي شجب تقليد الشخصيات المذهبية في العقائد الدينية حتّى وإن كانت تلك العقائد حقّةً . فقد قال الإمام الصادق عليه السلام : مَن دَخَلَ في هذَا الدّينِ بِالرِّجالِ أَخرَجَهُ مِنهُ الرِّجالُ كَما أَدخَلوهُ فيهِ ، ومَن دَخَلَ فيهِ بالكِتابِ وَالسُّنَّةِ زالَتِ الجبالُ قَبلَ أَن يَزولَ. (2)
.
ص: 41
وقال أيضا : مَن عَرَفَ دينَهُ مِن كِتابِ اللّهِ عز و جل زالَتِ الجِبالُ قَبلَ أنْ يَزولَ ، ومَن دَخَلَ في أَمرٍ بِجَهلٍ خَرَجَ مِنهُ بِجَهلٍ. (1) وفي هاتين الروايتين عدّة نكات قيّمة بالغة الحسّاسية : أوّلاً : إنّ تقليد الشخصيّات الدينيّة في العقائد الدينية مذمومٌ مردود . ويتحتّم على الإنسان العاقل أن يكتسب معتقداته مشخَّصةً عن طريق التحقيق لاعن طريق التقليد . ثانيا : إنّ مَن اتّخذوا تقليد الشخصيّات الدينيّة مدخلاً للإسلام وصاروا مسلمين سيرتدّون عن الإسلام من حيث دخلوا ، إذا ما حدث وارتدّت تلك الشخصيّات عنه يوما مّا ، سوف يغيّر هؤلاء عقائدهم تبعا لهم ، وهذا ، لأنهم مسلمون بالتقليد ، ولأنّ عقائدهم فاقدة للأساس العلمي ، وعليه فالعقيدة التقليدية على الدوام في معرض التغيير والزوال . «مَن دَخلَ هذَا الدّينَ بِالرِّجالِ أَخرَجَهُ مِنهُ الرِّجالُ». ثالثا : إنّ من يعتنقون الإسلام وعقائده مقتدين في ذلك بالقرآن والحديث تتأصّل فيهم المعتقدات الدينيّة وتستحكم أكثر من استحكام الجبال ورسوخها في قلب الأرض ، ولا يمكن أن تزول هذه العقائد من قلب المقتدين بهدى القرآن والحديث حتّى ولو اقتلعت الجبال من قلب الأرض «ومَن دَخَلَ فيهِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ زالَتِ الجِبالُ قَبلَ أَن يَزولَ» . رابعا : إنّ القرآن والحديث يؤكدان على ضرورة استناد عقائد الإنسان إلى الموازين العقلية والعلمية ، فلو أنّه اعتقد بحقيقةٍ مّا على غير اُسس عقلية وعلميّة
.
ص: 42
فسوف ينكر نفس الحقيقة على نفس الاُسس بالذات «مَن دَخَلَ في أَمرٍ بِجَهلٍ خَرَجَ مِنهُ بِجَهلٍ» . إنّ النقاط التي يشير إليها الإمام الصادق عليه السلام في كلامه حقائق أثبتتها التجربة وأيَّدها التاريخ ، فكم من اُناسٍ على مدى ألفٍ وأربعمئة سنة للإسلام دخلوا إلى الإسلام من مدخل تقليد الشخصيات ، ثمّ ارتدّوا على أعقابهم إثر تقليدهم لهؤلاء الشخصيّات أيضا . وتاريخ الأديان السماوية يعرض لنا كيف أنّ تقليد الشخصيّات السياسية والدينيّة في الاُمور العقائدية _ أو بعبارة اُخرى : داء التبعية والاحتذاء الأعمى أو وَطْ ءُ أعقاب الرجال _ قد سدَّدَ أكثر الضربات إلى الأديان الإلهية ، وكم هي حلوة شيّقة دراسة تاريخ الأديان من هذا البُعد ، وكم هي ضرورية تعليمية ، ولكن لا مجال هنا لتناول هذا الأمر إذ إنّ بحثنا في هذا الفصل مقدمة لدراسة النصوص العقائدية في الإسلام ولذا نقتصر هنا على ذكر نموذج من اتباع الرجال في صدر الإسلام .
ظاهرة التبعية العمياء في صدر الإسلامحَدَثَ إبَّان حكومة أميرالمؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنَّ جمعا غفيراً من المسلمين المعاصرين للإمام واكبوا عدّةً من الشخصيّات السياسية والدينية إذ ذاك ، ممّن عرفوا بالناكثين والقاسطين والمارقين ، وكردّ فعلٍ لابتلائهم بداء وط ء أعقاب الرجال تخلّوا عن الإسلام الحقّ ، ولم يكتفوا حتّى تحشّدوا لمناهضته ، وأصابوا النبتةَ الحديثة في جذرها ، بما لاتزال مرارته تؤثر في نفس المجتمع الإسلامي .
.
ص: 43
فكان الإمام عليه السلام يتحرّق ألما وهو يشاهد المساعيَ والجهودَ التي بذلها نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله والمحبّون المخلصون للإسلام ، في سبيل تشكيل الحكومة والمجتمع الذي يعنيه الإسلام تُمْنَى بالفشل ، وذلك نتيجةً لسلوك اُناسٍ كانوا يوما من الأيام يحاربون معه وفي صفّه جنبا إلى جنب!! وكان ممّا يزيد في ألمه عليه السلام أن يرى من المسلمين مَن لا يسمح لنفسه بالتفكير حتّى يفهم ما إذا كان ما يقوله اُولئك الأشخاص صحيحا أم غير صحيح ، والطريق الذي سلكوه طريق حقٍّ أم طريق باطل ، وما إذا كان اُولئك الذين يتنحّطون للإسلام تحت رايته ينشدون الإسلام حقًّا أم أن الإسلام كان قنطرة الوصول إلى مآربهم الشخصية؟ لا شكَّ مطلقا في أنّ «الإمَّعين» أو قبيل الإمَّعة من المقلّدين العمى الصمّ للشخصيّات المنحرفة التِي كانت تعاصر الإمام كانوا أشدّ مثاراً لألمه من تلك الشخصيّات ذاتها ، إذ لولا هؤلاء الموالون لهم لما كانت سطوةٌ ولما استطاعوا شيئا . لقد روي عن الإمام عليه السلام في الحكمة 147 في نهج البلاغة ، ما هو تحليل سياسي اجتماعي ، قصير عميق ، للمجتمع المعاصر للإمام عليه السلام . وما أجدر لهذا التحليل بأن يكون لمجتمعنا الحاضر أيضا رائداً أو مسلكا ومنهجا . إنّ لهذا التحليل ميزتين تتطلّبان التأمّل : إحداهما : أنّ الإمام _ تعبيراً عن تحليله _ يأخذ يد كميل وهو من خاصّة أصحابه ويخرج به إلى الصحراء ، وهناك يلقي على كميل بتوجّع وتأوّه مطالب تعليمية صوّرت ما كان في قلبه من لوعة الألم والحزن . (1)
.
ص: 44
أُخراهما : أنّ الإمام _ قبل أن يتعرّض بالحديث لمجتمعه المعاصر _ استهلّ كلامه بتنبيه كُميل إلى استعداد القلوب وسعتها للوعي ، وأنّ من الناس من لهم هذا الاستعداد ، ومنهم من ليس لهم ذلك ، وأنّ الفضل على قدر هذا الاستعداد . فيتّضح أنّ الإمام لم ير مناسبة للتصريح بهذا الكلام الموجع لكلّ أحد ، فاستماع هذا الكلام يحتاج إلى استعداد لا يتوفّر في الجميع ، وإلّا فكيف يتكلّم الإمام عن عدد من المسلمين الصادقين ، اُولئك الذين عرفوا الإسلام حقّ المعرفة وظلّوا أوفياء له؟! وكيف يقول بأنّ أفراداً _ مع ما لهم من تلك السابقة المشرقة في الإسلام _ قد ودّعوا الإسلام لمجرّد أن هدَّد الخطر مصالحهم الشخصية؟! وكيف يقول بأنّ الكثيرين من أهل زمانه ممّن جذبتهم تنظيمات الشخصيّات البارزه في المجتمع باسم الإسلام ليسوا مسلمين ؟! ولم يفهموا الإسلام ، ودينهم معلّق بالشخصيّات التِي اعتقدوا بها واتّخذوها معياراً للحقّ والباطل . وعلى أيّ حال ، فالتحليل المُفعم بالألم والذي كان يبوح به الإمام علي عليه السلام إلى كميل كونه يعي شكوى الإمام من مجتمعه المعاصر آنذاك يبدأ من قوله : النّاسُ ثَلاثَةٌ : فَعالِمٌ رَبّانِيٌّ ، ومُتَعَلِّمٌ عَلى سَبيلِ نَجاةٍ ، وهَمَجٌ رَعاعٌ أتباعُ كُلِّ ناعِقٍ ، يَمِيلونَ مَعَ كُلِّ ريحٍ ، لَم يَستَضيؤوا بِنورِ عِلمٍ ، ولَم يَلجَؤُوا إِلى رُكنٍ وَثيقٍ. (1) فالإمام عليه السلام في هذا الكلام يقسّم الناس في مجتمعه أو مطلق الناس إلى ثلاث مجموعات : المجموعة الأُولى : وهم من عرفوا الحقيقة ، فعقيدتهم وعملهم ومواقِفهم الفردية والاجتماعية على أساس المعايير الصحيحة ، وهم من عبّر الإمام عنهم بقوله
.
ص: 45
«عالِمٌ رَبّانِيٌ» . المجموعة الثانية : وهم من لم يبلغوا الحقيقة بعدُ ، إلّا أنهم أهل تحقيق وتفكّر ، دائبون على طريق الحقيقة ، حتّى إذا ما بلغوها تحقّقت لهم النجاة ، وهم من عناهم الإمام بقوله «مُتَعَلِّمٌ عَلى سَبيلِ نَجاةٍ» . والمجموعة الثالثة : وهم اُناس لاعرفوا الحقيقة فيكونوا علماء ربّانيين ، ولا هم أهل تحقيق وتفكّر ودأب على طريق الحقيقة حتّى يصدق عليهم الوصف بالمتعلّمين على سبيل النجاة ، وإنّما هم اُناسٌ لايتيحون لأنفسهم فرصة التفكير والتحقيق أو يجيزون لها ذلك أصلاً ، وقد عبّر الإمام عن هذا القبيل من الناس بقوله : «هَمَجٌ رَعَاعٌ» . «همج» عند ابن الأثير ، تعني : الذباب الصغير الذي يحطُّ على وجوه الغنم والحمير ، وقيل : هو البعوض (1) ، وأما «الرعاع» فقد ذهب الفيروز آبادي إلى أنّه من لا فؤاد له ولا عقل. (2) لقد شبّه الإمام عليه السلام المجموعة الثالثة التي لا تكلّف خاطرها عناء التفكير والتحقيق بذباب أحمقَ يتطفّل على أحمق أكبر منه ليتغذّى عليه ، ذباب يندفع حيثما ارتفعت صيحة مّا دون أن يعرف صاحبها أو ما إذا كانت على حقّ أم على باطل ، فشأنها شأن الذباب تدفعه الريح حيثما هبّت يميل معها حيث تميل . ويرى الإمام عليه السلام أن العلَّة في انحدار هؤلاء الناس إلى هذا الدرك من الضعة والدناءة هي عدم استضاءتهم وتنوّرهم بنور العلم ، وافتقارهم إلى عقيدةٍ وأفكارٍ تنبني على اُسس وطيدة .
.
ص: 46
وهذا التصنيف الذي صنّفه الإمام عليه السلام لأفراد المجتمع ، هو ما رُوي عن النبي صلى الله عليه و آله ، اللهمَّ إلّا مِن فارق أنّ ما تحدث به الرسول صلى الله عليه و آله كان في صيغة الأمر ، وأمّا ما قاله الإمام علي عليه السلام فجاء في صورة الخبر ، فالرسول الأكرم يأمر المسلم بأن يكون عالما أو متعلّما ولا يجيز له أن يكون إمَّعة ، وأمّا الإمام علي عليه السلام فقد أخبر بأنّ المسلمين في زمانه ثلاثة : عالِمٌ ربّاني ، ومتعلمٌ على سبيل النجاة ، وهمج رعاع ، والمقصود من «همج رعاع» في كلام الإمام هو صنف الإمَّعة في حديث الرسول صلى الله عليه و آله ، أي الذين لا يستقلّون بأفكارهم وعقائدهم عن التقليد والتذيُّل للآخرين في عقائدهم؛ ومن ثَمَّ كانوا أخطر الأعداء لحكومة الحقّ والعدالة . (1) فالذي كان يؤلم الإمام علي عليه السلام هو أنّ غالبية الناس في عصره كانوا من المجموعة الثالثة ، كانوا من قبيل «الإمَّعة» ، كانوا إمَّعين «همجا رعاعا» يفتقرون إلى الاستقلال الفكري والعقائدي ، ويميلون مع الريح حيث تميل!! وأمّا المتعلّمون على سبيل نجاة فهمُ القليلون ، وعلى حدّ وصف الإمام علي عليه السلام لهم في حديثه مع كميل بن زياد النخعي : أنهم لا يستغلّون العلم ، ولا يستعملون آلة الدين للدنيا ، ولا ينقدح الشّكّ في قلوبهم لأول عارضٍ من شبهة ، ولاهم منهومون باللّذة ، ولا سلسو القياد للشهوة أو مُغرَمون بجمع المال وادّخاره . وأمّا المتعلمون على سبيل النجاة الذين هم قليلون ، فهم العلماء الربّانيون الذين وصفهم الإمام في آخر كلامه لكميل بقوله : اُولئِكَ وَاللّهِ الأَقَلّونَ عَدَداً . وهكذا نشاهد أنّ الإمام كانت ترافقه في الطريق اُناس لا هُم من أهل التمييز ولا هُم من أهل التحقيق، أي : لا هم علماء ولا هم متعلّمون . اُناسٌ تبع لشخصيات،
.
ص: 47
لم يقتصروا على الارتباط بها بعقولهم وأفكارهم ومعارفهم وعقائدهم فحسب ، بل لقد ارتبطوا بها مصيريا ارتباطا وثيقا فكانوا ينجرّون حيث يجرّونهم . لقد كان الإمام علي عليه السلام يسير في قوم أبوا أن يفهموا أو أعوزهم إمكان الفهم بأنّ الشخصيات التي كانوا يوالونها عرضة للخطأ كغيرهم ، فلم تساعدهم عقولهم على أن يفهموا أنّ من الممكن أن تشتبه الاُمور على طلحة والزبير أيضا ، وأن مقدّسي النهروان ليسوا معصومين من الخطأ كذلك . وكانت الأوضاع الاجتماعية آنذاك إلى درجةٍ من الغموض والالتباس حتّى أنّ البعض لم يحتمل أن يكون معاوية على خطأ!! ففي معركة الجمل وجّه أحد أصحاب الإمام وهو الحارث بن حوط إلى الإمام عليه السلام سؤالاً ، إنْ دلَّ فإنّما يدلُّ على المستوى الفكري للمسلمين آنذاك ، وذلك عندما رأى عائشة (اُمّ المؤمنين) في تلك الحرب على رأس الجيش المضادّ ، وشخصيات ذات سابقة في الإسلام ، مثل طلحة بل والزبير الذي يفوقه بماضيه ، حتّى لقد كان من المتحصّنين أثناء قضية السقيفة ببيت علي عليه السلام ، يرى في اُولئك الصحابة ممّن يضربون بسيوفهم عن ركاب (اُمّ المؤمنين) لم يستطع أن يتصوّر أنّ هذه الشخصيات البارزة في الإسلام على ضلالة في قتالها ضدّ علي عليه السلام ، فقد جاء إلى الإمام وقال : يا أميرالمؤمنين ، ما أرى طلحة والزبير وعائشة احتَجّوا إلّا على حقّ!! (1) وفي رواية اُخرى : إنّ الحارث عندما جاء إلى الإمام قال له : أتراني أظنّ أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟! (2)
.
ص: 48
حسبنا أن نتصوّر أنّه إذا كان بين أصحاب الإمام _ المواكبين له المغمورين بفيض من النور والعلم والمعرفة والروح المعنوية _ أفراد لم يكن في استطاعتهم أن يصدّقوا أنّ شخصيات ذات ماضٍ مشرّفٍ كطلحة والزبير على ضلالٍ في قتالهم عليًّا عليه السلام ، فما الذي يمكن أن يتوقّع ممّن عاصروا الإمام ولم يروه؟ ومهما كان ، فقد أجاب الإمام عن سؤال الحارث بكلام هو بحقّ كما قال طه حسين : «ليس هناك كلام أكثر إحكاما ورفعةً من هذا» . وقال : «لم يُسمَعْ كلامٌ بهذه العظمة منذ سكت الوحي وانقطع نداء السماء» . أمّا جواب الامام عليه السلام فهو : لا يُعرَفُ الحَقُّ بِالرِّجالِ ، اعرِفِ الحَقَّ تَعرِف أهلَهُ . (1) أي : أنّ اشتباه الأمر عليك وأمثالك هو أنك _ بدلاً من أن تجعل الحقّ والباطل مقياسا وميزانا للشخصيات _ اتّخذتَ الشخصيات معياراً للحقّ والباطل ، أتريد أن تعرف الحقّ بمقياس الأفراد؟! ولو أنك أجزت لنفسك أن تفكّر لعلمت أنّ الأمر على العكس تماما ، فالشخصيات _ مهمّا بلغوا من التعيّن والثقة في الاعتماد عليهم _ لا يمكن أن يكونوا معياراً لمعرفة الحقّ والباطل ، بل الحقّ والباطل ، هما معياران لمعرفة الشخصيات ، فاذا عرف الانسانُ الحقَّ فقد عرف أهله وإن لم تكن لهم سوابق ظاهرة أو صيت ذائع ، وإذا عُرِفَ الباطل تشخّص موالوه وإن كانوا من ذوي السوابق الطيّبة وعلى مقام من احترام الناس .
التقليد في فروع الدينثبت لدينا حتّى الآن أنّ التقليد في اُصول العقائد مذموم مردود في نظر العقل وفي رأي القرآن والحديث ، والسؤال الذي يمكن أن يتبادر إلى الذهن هنا هو : ما حكم
.
ص: 49
التقليد في فروع الدين؟ وهل التقليد فيها كالتقليد في اُصول الدين غيرصحيح؟ أو يتفاوت معه؟ والجواب على هذا السؤال هو : أنّ التقليد في فروع الدين ليس صحيحا فحسب ، بل إنّه لواجب ضروري لمن هم ليسوا من أهل الرّأي في المسائل الفقهية ، ولا يتأتَّى لهم بدون مراجعة أهل الاختصاص في هذا الباب أن يؤدّوا أعمالهم على الوجه الذي تقتضيه العقائد الدينية . وسؤال آخر هو : لماذا كان التقليد في اُصول الدين غير جائز عقلاً وشرعا على حين كان التقليد في فروع الدين لازما ضروريا؟ أو بعبارة اُخرى : إذا كان حكم العقل والقرآن والحديث يؤكّد صراحة على الإنسان أن لا يقبل نظرية الآخرين بدون معرفة وعلم واطّلاع ، وإذا كان التقليد في اُصول الدين غير جائز بدليل أنّه لا يكسب علما ، فلماذا كان التقليد في فروع الدين صحيحا بل واجبا؟! وإذا كان التقليد لا يكسب علما فالاُصول والفروع في ذلك سواء؛ فلماذا يقال إن التقليد في اُصول الدين غير صحيح ولكنه في الفروع صحيح؟! وأخيراً : لماذا يُرجَع إلى العقل في اُصول الدين ولا يكون ذلك بالنسبة لفروعه؟!
التقليد في فروع الدين حكمٌ عقليإنّ التقليد في فروع الدين هو في الحقيقة حُكمٌ عقلي . فلنوضح ذلك في مثال : افترض أنك مريض أو لديك في البيت مريض وتريد أن تراجع الطبيب فبماذا يشير العقل؟ وماذا أنت فاعل إذاً؟ أمّا فيما يختصّ بالطبيب وما إذا كان متخصّصا ومبعثا للاطمئنان فإنّ العقل يقول : اذهب واستشر ذوي الخبرة والاطّلاع ممّن يوثق بهم ، ثمّ اذهب إلى الطبيب
.
ص: 50
الأكبر خبرةً وتخصّصا وثقةً ، فإذا ما وصلت بعد التحقيق إلى هذا الطبيب وعرضت الحالة عليه وحدّدَ المرض وكتب وصفة العلاج فإنّ العقل لايمكن أن يسمح لك بأن تسأله : على أيّ أساس أو بأيّ دليل كتبت هذه الوصفة وأجزتَ هذه الأدوية ، وإنّما يقول : لستَ من أهل التخصّص ، خذ الوصفة التي يعطيكها الطبيب واعمل بها ، فهذا العمل بوصفة الطبيب هو بعينه تقليد الطبيب . وبناءً عليه، فإنّ هذا العقل الذي يأمر في حالة معرفة الطبيب بأن تذهب وتحقّق هو الذي يقول في صدد العمل بوصفته : إنّ تقليد الطبيب لازمٌ ضروري . فالتحقيق في المسائل العقيدية هو تماما عين التحقيق لمعرفة الطبيب ، التحقيق الذي يأمر به العقل ولا يسمح لإنسان بأن يقبل نظريةً من الآخرين ويعمل بها دون تحقيق ومعرفة ووعي تامّ ، والتقليد في فروع الدين كالعمل بوصفة الطبيب بعد التعرّف والاطّلاع على تخصّصه والاطمئنان إليه والثقة به ، وكما أنّ تقليد الطبيب بمعنى العمل بنظرّيته ووصفته لا يخالف أمر العقل بل إنّه تنفيذ دقيق لأمر العقل ؛ فإنّ التقليد في فروع الدين يعني العمل بنظرية المجتهد الجامع للشرائط ، المتخصّص في المسائل الدينية ، وهو بكلّ دقّة رجوع إلى العقل وإجراء لحكمه أيضا .
.
ص: 51
الفصل الثالث: التحقيق في العقيدةلقد برهنّا في البحوث السابقة على وجوب التحقيق في اُصول العقائد ، وذلك ضمن التأكيد على تحريم التقليد استناداً للعقل والدِّين ، ونتناول في هذا الفصل الحديث عن قيمة التحقيق في نظر الإسلام ، وأنّ الإسلام يدعو النّاس إلى التحقيق فيه ، وأنّه لا يعتبر المحقّق في هذا المجال كافراً ، وعليه ، فإنّ هذا الفصل سيتناول ثلاثة بحوث : 1 . التحقيق من وجهة النظر الإسلامية . 2 . علاقة العلم بالإيمان . 3 . العلاقة بين الجهل والكفر .
التحقيق من وجهة النظر الإسلاميةحتّى تتجلّى قيمة التحقيق ومعرفة الحقيقة في المسائل العقائدية من وجهة نظر الإسلام ، يجب دراسة المصطلحات الآتية : العقل ، العلم ، المعرفة ، الفكر ، الفقه ، الحكمة ، التدبّر ، التذكّر ، التبيّن ، النظر والرؤية ، وذلك استنادا لما جاء في القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة. (1)
.
ص: 52
إنّ ملاحظة هذه المصطلحات في النصوص الإسلامية تبرهن بلا شكّ أنّه ليست هناك مدرسة تقدّر التحقيق في المبادئ العقائدية ومعرفة الحقيقة، كما هو في الإسلام من تقدير لها ، وأنّ أيّ مدرسة لم تُقْدِمْ على إزالة العقبات من طريق التحقيق ومعرفة الحقيقة وتوفير الشروط اللازمة للوصول إلى الحقيقة مثلما أقدم الإسلام على ذلك. (1) فالإسلام يُلحُّ على دعوة النّاس إلى التحقيق والتفكّر والتفقّه والتعقّل في عقائده ومبادئه إلحاحا مثيراً للعجب جدّاً . فهو إذ يعتبر العلم رأس الفضائل ، وحجابا من الآفات ، وأنفعَ الكنوز ، وأساس كلّ خير ، وعماد الدِّين ؛ ويَزِنُ الإنسانَ بميزان معلوماته ، ويجعل طلب العلم في كلّ الأحوال فريضة على كلّ مسلم ومسلمة ، ويعتبر طلّابَ العلم أقرب النّاس مرتبةً للنبوَّة ، وأنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم حتّى يطأ عليها رضىً به ، وأنّ طالب العلم يستَغْفِر له كلّ شيء ، وأنّ من كان في طلب العلم كانت الجَنَّةُ في طلبه ، وأنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وأنّ مداد العلماء أرجح وزنا من دماء الشهداء ، وأنّ النظر إلى وجه العالم عبادة ، وأخيراً ، إذ يكلّل الإسلام العلم والعالم وطالب العلم بعشرات الفضائل الأُخرى (2) ، فكلّ ذلك من أجل تشجيع النّاس وترغيبهم في التثبّت وتحريرهم من قيود التقليد وحثّهم على تقدير أعمالهم وفقا للموازين العقلية والعلمية . فالإسلام يرى أنّه حتّى أبسط حركات الإنسان الإرادية يجب أن تكون مدروسةً ومسموحا بها من جانب العقل ، ففي وصية أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام
.
ص: 53
لكميل، قال : يا كُمَيلُ ما مِن حَرَكَةٍ إِلّا وأنتَ مُحتاجٌ فيها إِلى مَعرِفَةٍ . (1) وهذا يعني أن الإسلام لا يسمح للإنسان بالقيام بعمل دون التحقيق والعلم بصحّته ، فالعمل بدون التحقيق لايقتصر على كونه غير مصون من الخطأ فحسب، بل إنّه في حدّ ذاته خطأ كبير . فالإسلام يسعى إلى ترغيب النّاس في التحقيق ويشوقّهم إلى طلب العلم والمعرفة الحقيقية قبل أيّ شيء آخر ، ويعتبر أفضل المسلمين أكثرهم معرفةً ، لاعبادة، وهو مصداق قول الرسول صلى الله عليه و آله : أفضَلُكُم إِيمانا أَفضَلُكُم مَعرِفَةً. (2) كما رويت عن المعصومين عليهم السلام رواية اُخرى حول المسلم الأفضل من هو ؟ نصّها : بَعضُكُم أَكثَرُ صَلاةً مِن بَعضٍ ، وبَعضُكُم أَكثَرُ حَجًّا مِن بَعضٍ ، وبَعضُكُم أَكثَرُ صَدَقَةً مِن بَعضٍ ، وبَعضُكُم أَكثَرُ صِياما مِن بَعضٍ ، وأَفضَلُكُم أَفضَلُكُم مَعرِفَةً . (3) وهذا ما أوصَى به الإمامُ الباقر عليه السلام ، الإمامَ الصادق عليه السلام بقوله : يا بُنَيَّ، اعرِف مَنازِلَ الشّيعَةِ عَلى قَدرِ رِوايَتِهِم ومَعرِفَتِهِم ، فَإِنَّ المَعرِفَةَ هِيَ الدِّرايَةُ (4) لِلرِّوايَةِ .
.
ص: 54
و «الرواية» عبارة عن كلام منقول عن النَّبي صلى الله عليه و آله أو الإمام عليه السلام . أمّا «الدراية» فهي عبارة عن التحقيق والدراسة والاجتهاد للمعرفة وإدراك المفهوم الحقيقي للرواية وعين ما يقصده النَّبي صلى الله عليه و آله أو الإمام عليه السلام . بعبارة اُخرى : الرواية هي حفظ الحديث ونقله ، والدراية هي تفقّه الحديث وفهمه ، والراوي هو ناقل الحديث ، والفقيه هو المحقّق وعالِم الحديث . فالإمام الباقر عليه السلام يوصي ابنه الصادق عليه السلام أولاً بمعرفة منازل الشيعة على قدر رواياتهم ومعرفتهم ، ثمّ يوضّح بعد ذلك أنّ ما يعنيه بالمعرفة هو دراية الروايات ، ويقول : وبِالدِّراياتِ لِلرِّواياتِ يَعلُو المُؤمِنُ إِلى أَقصى دَرَجاتِ الإِيمانِ (1) أي : أنَّ ما يهمّ هو التحقيق والمعرفة وفهم الحديث ؛ لأنّ الرواية إذا لم تصحبها الدراية لا تجدي فتيلاً . ثمّ يواصل الإمام نقل رواية عن أميرالمؤمنين عليه السلام ، فيقول : إنّي نظرتُ في كتابٍ لعليّ عليه السلام فوجدت في الكتاب : أَنّ قيمَةَ كُلِّ امرِئٍ وقَدرَهُ مَعرِفَتُهُ (2) وقال الإمام الصادق عليه السلام في كلام آخر له بشأن قيمة دراية الرواية ومعرفة الحديث : حَديثٌ تَدريهِ خَيرٌ مِن أَلفِ حَديثٍ تَرويهِ (3) فرواية الحديث ونقله يمكن أن ينفع الآخرين أكثر من الراوي نفسه (4) و تكون
.
ص: 55
بالنسبة للراوي مفيدة لو أنّها اقترنت بالدراية ، ورواية الحديث دون درايته _ كما جاء في كلام الإمام عليه السلام _ لا تجدي نفعا للراوي ، بل ربما في بعض الأحيان مضرّةٌ له ولغيره أيضا ، إذ لو لم يكن الراوي على علم بالحديث فقد يتسبّب حتّى في تحريفه ، ولهذا قال أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام : عَلَيكُم بِالدِّراياتِ لا بِالرِّواياتِ. (1) وجاء في كلام آخر له عليه السلام : هِمَّةُ السُّفَهاءِ الرِّوايَةُ ، وهِمَّةُ العُلَماء الدِّرايَةُ (2) ونستخلص من هذه الروايات وأمثالها (3) ملاحظتين مهمّتين : الأُولى : أنّ الإسلام يقدّر التحقيق ومعرفة الحقيقة وتجنّب التقليد في المسائل النظرية تقديرا بالغا وأنّ المهمّ في نظر هذا الدِّين القويم هو العلم به ، لا روايته المجرّدة عن الفهم والتقدير ، بعبارة اُخرى : إنّ الإيمان يتحتّم عن طريق المعرفة والعلم ، لاعن طريق التعبّد العشوائي . والثانية : أنّ هداة هذا الدِّين واثقون بقطعية مطابقته للموازين العلمية والعقلية ، على نحو لو أنّ أهل التحقيق كانوا من أهل الإنصاف أيضا لوقفوا على حقّانية الإسلام ، وإلا فما معنى كلّ هذا التأكيد والحثّ على التحقيق؟!
علاقة العلم بالإيمانتثير مسألة الترابط بين العلم والإيمان _ من وجهة النظر الإسلامية _ لدى المحقّقين
.
ص: 56
اهتماما فائقا للغاية ، وهذا نظرا لما يدّعيه أشباه المثقّفين _ ممّن لا دين لهم المنكرون للمعتقدات الدِّينية _ من أنّه ليست هناك أيّ صلةٍ بين العلم والإيمان ، وأنّ المعتقدات المذهبية تتنافى مع العلم أصلاً ، وأنّ العلم ضدّ الإيمان والاعتقادات الدِّينية ، وعليه فأينما وُجِدَ العلم غابت المعتقدات الدِّينية ، وبالعكس أينما وُجِدَ الدِّين ضاق المجال لظهور العلم وازدهاره . فلننظر ماذا يقول الإسلام في ذلك الصدد : إنّ الصلة بين العلم والإيمان _ في نظر الإسلام _ صلة لا تنفكّ مطلقا؛ فالإيمان أصلاً ثمرة العلم ، والعالِمُ مؤمن؛ وعدم الإيمان نتيجة الجهل ، والقرآن الكريم يبيّن هذه الحقيقة في غاية البلاغة والدقّة في قوله تعالى : «وَ يَرَى الَّذِينَ اُوتُواْ الْعِلْمَ الَّذِى اُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ... » (1) وقوله : «وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ اُوتُواْ الْعِلْمَ أنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ» (2) فنلاحظ أن هذه الآيات تفيد بصراحة ووضوح أنّ الترابط بين العلم والإيمان ترابط لا يقبل الانفصال والعلماء يدركون ضرورة حقّانية الإسلام ، بمعنى أنّه إن اقتلعت جذور الجهل من المجتمع البشري ساد الإسلام العالم قاطبة؛ فإنّ الإسلام دينٌ علميّ منطقيّ يقوم على ضوابط عقلية . بعبارة اُخرى : _ بناءً على الآيات _ لا يتسنَّى لأحدٍ أن يصبح عالما بالمعنى الحقيقي للكلمة ويظفر بالعلم والمعرفة مادام لايعتقد ويؤمن بالإسلام ، أجل ، إنّ هذا الإمكان يتيسّر لمن يتخيّل أنّه عالم وصل إلى الحقيقة وهو غير مؤمن ، فهو إذ ذاك
.
ص: 57
يجمع بين تخيّل العلم وعدم الإيمان . أمّا العلم في حدّ ذاته فيصطحبه الإيمان ، إذ إنّ العلم والإيمان، كما جاء في الآيات السابقة لا ينفكّ أحدهما عن الآخر . ففي نظر الإسلام : أنّ العلم والإيمان توأمان يولدان معا ويموتان معا فما أجلّ ما استلهم الإمام عليّ عليه السلام القرآنَ حيث يقول : الإِيمانُ وَالعِلمُ أَخَوانِ تَوأَمانِ ورَفيقانِ لا يَفتَرِقانِ (1) وهذا يعني : أنّك لو شاهدت أحد توأمين متّصلين أو لقيت رفيقا ملازما لرفيقه فقد رأيت الآخر منهما ولقيته في عين الآن يقينا ، فكذلك الحال بالنسبة للعلم والإيمان ، فلو وصل الإنسان إلى العلم لوصل إلى الإيمان ولو وصل إلى الإيمان فقد وصل إلى العلم ومعرفة الحقيقة ، وقد روي عن النَّبي صلى الله عليه و آله في هذا المعنى حديث يسترعي النظر ، يبيّن علاقة العلم والإيمان بوجه آخر ، قال : العِلمُ حَياةُ الإِسلامِ وعِمادُ الإِيمانِ (2) فشبِّهت رابطة العلم بالإيمان في هذا الحديث بشيئين : أحدهما : صلة الجسم بالروح ، والآخر : صلة العمود بسقف البناء ، فلو فَقد الجسم روحه فقد جمد عن الحركة والنموّ ، وسقف البناء لايستقرّ لحظةً بدون دعامة ، وهكذا التلازم والترابط بين العلم والإيمان ، فالإسلام موجود متحقّق حيثما وُجِدَ العلم ، ويزدهر في المجالات العلمية في كلّ زمان ومكان . وهنا ننتقل إلى الموضوع الثالث من هذا الفصل ، أي : العلاقة بين الجهل والكفر ، وهل هذه العلاقة كالترابط بين العلم والإيمان؟ بمعنى أنّ الصلة بين الكفر والجهل
.
ص: 58
غير قابلة للانفصام هي الأُخرى ، وهل كلّ جاهلٍ كافرٌ، وكلّ كافرٍ جاهلٌ؟ أو هناك صلة اُخرى تربط بينهما؟
العلاقة بين الجهل والكفرالحقّ أنّ صلة الجهل بالكفر ليست كصلة العلم بالإيمان ، فالجهل والكفر ليسا توأمين لا ينفصلان أو يفترقان ؛ ذلك لأن_ّه من الممكن أن يكون الإنسان جاهلاً ولا يكون كافراً ، كما يمكن أن يكون كافراً ولا يكون جاهلاً . ولتوضيح هذا الإجمال تستدعي الضرورة الانتباه إلى مقدّمتين : إحداهما : حول معنى الكفر والكافر . والثانية : حول صوَر الإنسان في مواقفه التي يتّخذها لمواجهة الحقائق المعلومة والمجهولة .
أ _ معنى الكفر والكافرالكفر في اللغة : الإخفاء والستر ، لذا يقال لكلّ من ، ولكلّ ما أخفى شيئا ، أنّه كفره ، ويطلق عليه أنّه كافر . والإخفاء نوعان : عينيٌّ واعتباريٌّ ، فالإخفاء العيني كإخفاء بذرة تحت التراب ، والاعتباري كإخفاء الحقّ بالباطل ، والعكس صحيح . وعليه ، لو أظهر الإنسان شيئا على خلاف علمه واطّلاعه واعتقاده فعمله يُحتسب كفراً ويطلق عليه أنّه كافر ، ومن يعرف حقيقةً ويقول لا أعرفها ، وكذلك من لايعرف حقيقة ويقول أعرفها ، فكلاهما كافر ؛ لأنّ الأول قد أخفى علمه ، والثاني قد أخفى جهله ، أمّا من لايعرف حقيقة ويصرّح بقوله لا أعرفها فهذا ليس بكافر ، وإنما هو جاهل .
.
ص: 59
ب _ مواقف الإنسان في مواجهة الحقائقيمكن للإنسان أن يتّخذ في مواجهته للحقائق المعلومة أو المجهولة موقفا من أربعة : 1 . أن يعرف حقيقة ويقول : أعرفها . 2 . أن يعرف حقيقة ويقول : لا أعرفها . 3 . ألّا يعرف حقيقة ويقول : أعرفها . 4 . ألّا يعرف حقيقة ويقول : لا أعرفها ، أو يسكت . فأمّا الذي يعرف شيئا ويقول أعرفه فهو عالِمٌ ومؤمن . وأمّا الذي يعرف شيئا ويقول : لا أعرفه فهو عالِمٌ وكافر ؛ لأن_ّه يكتم علمه . وأمّا الذي لايعرف شيئا ويقول : أعرفه فهو جاهل وكافر ؛ لأن_ّه يخفي جهله . وأمّا من لايعرف شيئا ولا يتظاهر بالعلم فهو جاهل وليس كافراً . وعليه فالإنسان في مقابل الحقائق الوجودية عالِمٌ مؤمن ، أو عالِمٌ كافر ، أو جاهلٌ كافر ، أو جاهلٌ غير كافر . ويتّضح من هذا البيان أنّ الجهل والكفر لايرتبطان ببعضهما ارتباط العلم بالإيمان ، وإنما الصلة بينهما _ على حدّ تعبير المنطقيّين _ هي كصِلَةِ «العموم والخصوص من وجه» بمعنى أنّه يمكن أن يكون الإنسان كافراً ولا يكون جاهلاً ، أو يكون جاهلاً ولا يكون كافراً ، أو أن يكون جاهلاً وكافراً في الوقت ذاته .
الكافر الذي ليس جاهلاًإنّ مَن يُنكر حقيقة مّا وهو يعرف حقّانيتها كافرٌ وليس جاهلاً ؛ لأن_ّه يعرف تلك الحقيقة ، ومَثَله كمَثل مَن يَثبت له وجود اللّه تعالى بأدلَّةٍ مؤكّدةٍ واضحةٍ ولكنّه لدوافع خاصّة يتلفّظ بإنكار وجوده تعالى ، فهو على حدّ وصف الإمام عليّ عليه السلام : تَشهَدُ لَهُ أعلامُ الوُجودِ عَلى إِقرارِ قَلبِ ذِي الجُحودِ . (1)
.
ص: 60
ومصداق ذلك فِرعَوْنُ وأتباعه الذين أخبر القرآن عنهم بأنّهم عرفوا الحقيقة وتيقّنوها بالأدّلة والبراهين الجليَّة التي أتى بها نبيّ اللّه موسى عليه السلام لإثبات وجود اللّه تعالى وإثبات نبوّته عليه السلام ولكنهم أبوا الاعتراف بالحقيقة وكذّبوه وأنكروا وجود اللّه عز و جل بدافع من استعلائهم واستكبارهم وطغيانهم وإجرامهم ، وهذا ما قاله القرآن عنهم : «وَجَحَدُواْ بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَا أنفُسُهُمْ ظُ_لْما وَ عُلُوًّا» . (1) إنّ الأدلّة الواضحة التي أتى بها موسى عليه السلام ومنطقَه القويَّ ومعجزاتِه طمأنت فرعون وأتباعه إلى صدق موسى فيما يقول ، وإنّ اللّه الذي يتحدّث عنه موسى عليه السلام ويدّعي رسالته ويدعو الناس لعبادته هو خالق الكون وربُّ العالمين ، بَيدَ أنهم _ رغم هذا اليقين والطمأنينة القلبية _ أنكروا آيات اللّه وكذّبوا نبيَّهُ واعتبروا ربَّه اُسطورة! ألا يصحُّ لنا هنا أن نسأل : لماذا كان هذا؟! فيجيب القرآن الكريم على هذا السؤال بأنّ السبب والدافع لهذا الإنكار هو الظلم وحبّ الاستعلاء . لقد كانوا يعلمون بأنّهم لو اعترفوا بصدق موسى عليه السلام وحقّانيته وبربّه الذي أرسله لوجب أن ينتهوا عن الظلم والإجرام وحبّ التعالي والرئاسة ، ولكن هيهات منهم ذلك! فأخفوا علمهم وحجبوا الحقيقة بستار الكفر وأنكروا آيات اللّه عز و جل . لقد كان هذا في صدد الكافر غير الجاهل . أمّا الصورة الثانية فهي :
الجاهل الذي ليس كافراًإنّ من لايعرف حقيقة مّا ولا يدّعي بأنّه يعرفها هو جاهلٌ وليس كافراً ، بعبارة اُخرى : إن من لايبدي رأيا فيما لايعرف أو يعترف بجهله فيه جاهلٌ وليس كافراً ؛
.
ص: 61
لأن_ّه لم يُخفِ شيئا ، والكفر هو الإخفاء . يقول الإمام الصادق عليه السلام بهذا الخصوص : لَو أنَّ العِبادَ إِذا جَهِلوا وَقَفُوا ولَم يَجحَدوا لَم يَكفُروا. (1) يعني أنّ الكفر يتحقّق نتيجة لإنكار حقيقة مجهولة ، فاذا امتنع الإنسان عن إبداء الرأي في أمرٍ لايعرفه وانتهى عن إنكاره فهو ليس كافراً بتلك الحقيقة ؛ لأنّه سواء اعترف بجهله أو أمسك عن إبداء الرأي لم يُخفِ شيئا ، وعليه فإنّ مثل هذا الجاهل ليس كافراً وإن لم يكن مؤمنا . روى أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام هو محمّد بن مسلم ، قال : كنتُ عند أبي عبداللّه عليه السلام جالسا عن يساره وزرارة عن يمينه ، فدخل عليه أبوبصير ، فقال : يا أبا عبداللّه ، ما تقول فيمن شكّ في اللّه ؟ فقال : كافر يا أبامحمّد . قال : فشكّ في رسول اللّه ؟ فقال : كافر . قال : ثُمَّ التفت [الإمام] إلى زرارة ، فقال : إِنَّما يَكفُرُ إِذا جَحَدَ. (2) أي : لو أنّ أحداً شكَّ في وجود اللّه ولم ينكر وجوده عز و جل فليس كافراً ، إنّما الكافر مَن ينكر وجود اللّه تعالى مع قيام الشكّ في نفسه وعجزه عن الاستدلال على عدم وجوده سبحانه وتعالى .
.
ص: 62
جاء في تفسير العيّاشي نقلاً عن الإمام الصادق أو الإمام الباقر عليهماالسلام (1) في شأن إبراهيم عليه السلام لما جَنّ عليه اللّيل ورأى كوكبا ، قال : هذَا ربِّي . إنَّما كانَ طالِبا لِرَبِّهِ ولَم يَبْلُغْ كُفراً ، وإنَّهُ مَن فَكَّرَ مِنَ النّاسِ في مِثلِ ذلِكَ فَإِنَّهُ بِمَنزِلَتِهِ. (2) أي: إنّ مَن يبحث ليحصل على معرفة اللّه تعالى ليس كافراً، بل هو كالنّبي إبراهيم عليه السلام . وقد رويت عن الإمام عليّ عليه السلام في شأن الجاهل الذي لا يدّعي العلم رواية تسترعي النظر بما تتضمّنه من نقطة لطيفة ، وهي أنّه قال : لَو أنَّ العِبادَ حينَ جَهِلوا وَقَفُوا لَم يَكفُروا ولَم يَضِلّوا. (3) أمّا النكتة الجديرة بالاهتمام في هذه الرواية فهي _ طبقا لقول الإمام عليه السلام _ أنّ توقّف الجاهلين عن إبداء الرأي بالنسبة للحقائق المجهولة لهم لا يقتصر على إعفائهم من داء الكفر فقط ، بل سيحول دون أن يضلّوا أيضا ، يعني أنّ الجاهل بتوقّفه وإمساكه عن إظهار نظره ، يجذبه التحقيق والبحث عن الحقيقة تدريجيًّا ، فإن استقرّ على طريق التحقيق وكان هدفه الوصول إلى الحقيقة فإنّه في مجال اُصول العقائد سينجو من الضلال ويظفر بالحقيقة بأيدٍ من الإمدادات الإلهية . بعبارة اُخرى : كأنّ الإمام عليه السلام أراد أن يقول بأنّ أصل الضلال في العقيدة ومنشأه آراء جُهلاءَ غير متخصّصين . ولو أنّ هؤلاء الجُهلاء أمسكوا عن إبداء آرائهم أو إظهار نظرهم فيما لا علم لهم به لا قتلعت جذور الكفر والضلال من المجتمع البشري. (4)
.
ص: 63
الجاهل الكافرلو أنّ الكافر كان يعرف الحقيقة لَما كان جاهلاً ، ولو أنّ الجاهل لم يُخفِ جهله لَما كان كافرا . فإن أخفى الجاهل جهله فقد اجتمع فيه الجهل والكفر . وعليه ، فإنّ الجاهل الكافر هو من يبدي رأيه فيما لايعرف . وعندما نتعرّض بالبحث لموضوع معرفة اللّه تعالى سنوضّح أنّ منكري وجود اللّه عز و جلحتّى لو افترضنا جدلاً أنّهم أتوا بأدلّة صحيحة فإنّهم ما برهنوا في النهاية إلّا على شيءٍ واحدٍ ، هو أنَّ الإنسان لايجد سبيلاً لمعرفة ماوراء المادة ، أي : ليس في مقدوره أن يفهم ما إذا كان هناك شيء آخر وراء الطبيعة المحسوسة أم لا . (1) ولو أنّهم اعترفوا بجهلهم لم يكونوا كفّاراً ، ولكنّهم لا يقفون عند عدم الاعتراف بجهلهم فحسب ، بل يتجاوزونه إلى قطاف ثمرة الجهل ، ممّا يعتبرونه في نظرهم على أنّه هو العلم ، فيتّخذون من جهلهم أساسا لنظريّتهم بالنسبة للمسائل الميتافيزيقية وماوراء الطبيعة ، فإذا برأيهم أنّه لا وجود لشيءٍ أصلاً إلّا للطبيعة المحسوسة . وهكذا ، يتواءم الجهل والكفر ، فيخفي الإنسان جهله بعلم مزعوم .
الفاصل بين الإيمان والكفرفي المقام تجب الإجابة على السؤال التالي ، حيث ينبغي القول استنادا إلى ما مرّ في بيان العلاقة بين الجهل والكفر : إنّ هناك فاصلاً بين الكفر والإيمان ، وإنّ الشخص الّذي يشكّ في اُصول الإسلام العقيدية مع عدم إنكاره لها لا يعدّ مسلما ولا كافرا ، في حين أنّه لا توجد الفاصلة المذكورة بين الكفر والإيمان من الناحية الفقهية ، فكلّ شخص غير مؤمنٍ فهو كافر ؟ للجواب على هذا السؤال نقول : إنّ ما يخضع للدراسة في هذا الموضوع ، هو العلاقة بين الجهل والكفر من الناحية المعرفية لا من الناحية الفقهية ، صحيح أنّه لا توجد فاصلة بين الإيمان والكفر من الناحية الفقهية استنادا إلى النصوص الكثيرة
.
ص: 64
الواردة في هذا المجال (1) ، ولكن هناك فاصل بينهما بالتأكيد من الناحية المعرفية ، فالشاكّ لا يكون كافرا من الناحية المعرفية إلّا إذا أنكر اُصول الإسلام العقيدية ، وأمّا إذا لم ينكرها _ وخاصّةً إذا كان بصدد التحقّق والعثور على الحقيقة _ فليس بكافرٍ ، بل يعدّ جاهلاً ومستضعفا من الناحية العقيدية . وعلى هذا الأساس ، فليس هناك فاصلة بين الكفر والإيمان من الناحية الفقهية ، فكلّ من لا يكون مؤمنا حقيقةً أو حكما يُعتبر كافرا ، في حين أنّ بين الكفر والإيمان من الناحية العقيدية فاصلة . وبعبارةٍ اُخرى ، فمن الناحية المعرفية هناك فرق بين العالم والجاهل الّذي لا يُنكِر جَهلَه والجاهل الّذي يُنكِرُ جَهلَه ، والكافر هو الجاهل الّذي يُنكِرُ جهلَه ويدّعي العلم . بقي لدينا ختاما لهذا الفصل سؤالان مهمّان هما : الأوّل : هل التحقيق في أيّ مورد يحتّم الوصول بالنتيجة إلى الواقع ومعرفة الحق؟ بعبارة اُخرى : هل التحقيق أيًّا كان مورده يصل بالمحقّق والباحث بالضرورة إلى هدفه من البحث؟ أو أنّه من الممكن أن يحقّق الباحث ولا يصل إلى نتيجةٍ مّا؟ أو يخيَّل إليه أنّه وصل إلى معرفةٍ حقيقية بينما الواقع أنّه لم يصل؟ والآخر : هل هناك معيار وميزان لمعرفة صحّة نظريةٍ أو عقيدةٍ مّا أم لا؟ والجواب عن السؤال الأول هو : أنَّ للمعرفة موانع وشروطا ، فلو أنّ الباحث أو المحقّق قد أزال موانعها وحقّق شروطها لتوصّل بالضرورة إلى النتيجة المنشودة ، وسنتطرّق إلى شروط المعرفة وموانعها في القسم الخامس و السادس والسابع من كتاب المعرفة من هذه الموسوعة. (2) أمّا الإجابة عن السؤال الثاني فسيأتي في الفصلين القادمين ، إن شاء اللّه تعالى .
.
ص: 65
الفصل الرابع : تصحيح العقيدةلا يخفى أنّ من أهمّ المسائل التي تجب دراستها قبل البحوث العقائدية مسألة تصحيح العقيدة ، فهل هناك طريقة يمكن التوصّل بها إلى معرفة العقائد الصحيحة وإلى تصحيح العقائد الفاسدة؛ ما هي إذاً؟ والجواب : نعم . إنّ في النصوص الإسلامية في هذا الشأن توصيات دقيقة تسترعي الانتباه وإن كانت _ كما يظهر _ لم تُتناول بالبحث والتحليل حتّى الآن ، وهذه التوصيات من أبرز مايلزم وأهمّ ما يقتضي لمن يحاول سبْر أغوار البحوث العقائدية بعين باصرة لواقع الحال ورؤية غير قاصرة عن المآل ، أيًّا كانت عقيدته ومسلكه ومذهبه ، فالتزام هذه التوصيات يُوصل الباحث والمحقّق إلى ما يتوخّاه من تحقيقه ويوفّر له الثقة في نتائجه . والأجدر بنا _ قبل أن نتحدّث عن التوصيات الإسلامية اللازمة لتصحيح العقيدة _ أن نستعرض شيئا عن أخطر الأدواء العقائدية ، ألا وهو داء اعتبار الإنسان نفسه عالما .
داء اعتبار الإنسان نفسه عالماإنّ داء اعتبار الإنسان نفسه عالما أو بكلمة اُخرى داء العلم الخيالي نوع من
.
ص: 66
الأمراض النفسية التي يبتلى بها الكثيرون ويصعب تشخيص أعراضه ، فإن أزْمَنَ استحالت معالجته ، وهذا مايطلق عليه ب«الجهل المركّب» . ولتوضيح هذه الظاهرة نقول : إنّ الإنسان يواجه حقائق الوجود بأربع حالات : الحالة الأُولى : هي أنّه يعلم الشيءَ على حقيقته ويعلم أنّه يعلم ، فهو في هذه الحالة عالِمٌ حقيقي . الحالة الثانية : هي أنّه يعلم الشيءَ على حقيقته ولكنه لا يعلم أنّه يعلم ، فهو في هذه الحالة مصاب بالغفلة والنسيان ، ولذلك يسمَّى غافلاً . الحالة الثالثة : هي أنّه لا يعلم الشيءَ على حقيقته ويعلم أنّه لا يعلم ، أي أنّه عالِمٌ بجهله ، فهو اذاً جاهلٌ بسيط . الحالة الرابعة : هي أنّه لايعلم الشيءَ على حقيقته ولا يعلم أنّه لايعلم ، أي أنّه جاهلٌ بجهله ولكنه يتصوّر بأنه يعلم ، فهو في هذه الحالة يسمَّى جاهلاً مركّبا . (1) ولمزيدٍ من الإيضاح في الفرق بين الجهل البسيط والجهل المركّب نقول : إنّ الجهل البسيط جهلٌ لم يتركّب بجهلٍ آخر ، كعدم معرفة الطريق الفلاني أو الشخص الفلاني أو المسألة العلمية الفلانية ، أمّا الجهل المركّب أو المطْبِقْ فهو عبارة عن جهلين يتركّبان مع بعضهما بشكل خاصّ ، فالجهل الأول هو جهل الإنسان بالشيء ، فجهله اذاً هو الجهل البسيط ، والجهل الثاني هو تصّور الإنسان جهله علما ، وهذا جهلٌ آخر يتركّب مع الجهل الأول لينتج جهلاً مركّبا (2) أو مطبقا .
.
ص: 67
يجب أن نعترف _ ببالغ الأسف _ أنّ أغلب الناس مبتلون بهذا المرض الروحي السائد ، حيث تظهر أعراضه في مجال الكثير من الاُمور الاعتقادية والنظرية ، وخاصّةً في ثلاثة موارد يحدّدها الإمام الصادق عليه السلام في مجال المعتقدات الدينية والسياسية والاُمور الإدارية ، فيُروى عنه عليه السلام أنّه قال : ثَلاثُ خِلالٍ يَقولُ كُلُّ إِنسانٍ إنَّهُ عَلى صَوابٍ مِنها : دينُهُ الَّذي يَعتَقِدُهُ ، وهَواهُ الَّذي يَستَعلي عَلَيهِ ، وتَدبيرُهُ في اُمورِهِ. (1) فبهذه الخلال يتصوّر الجميع أنّ ما يقولونه صحيح مطابق للواقع ، ولا يحتمل أحدٌ ما أن يكون ادّعاؤه خطأ .
احتمال الخطأ في العقائد الدينيةمن العادة أنّ من يتّبع دينا أو مذهبا مّا لا يتطرّق إليه الشكّ في معتقداته الدينية ، فلا أحد يحتمل أن تكون عقائده خطأً ، ولو أنك استفسرت من شخصٍ مّا عن صحّة معتقداته أو سقمها لأجاب جازما بأنّ عقيدته وحدها هي الصحيحة المطابقة للواقع ، وأنّ كلّ من يقول بخلاف ذلك أو يعتقد بما يخالف عقيدته فاعتقاده غير صحيح وغير مطابق للواقع وقوله مجانب للعلم ، وعلى هذا الغِرار فإنّ الشيوعي يقول للكلِّ : إنّكم جميعا على خطأ ، وليس هناك إلّا مدرستي وعقيدتي وحدها هي التي تعتبر علميةً ، ولمَّا كان لايحتمل أن يكون ما اعتقده
.
ص: 68
خطأ فهو لا يسمح لنفسه بالتحقيق . ومن ثَمّ اعتبر الإمام الصادق عليه السلام في الحديث الآنف الذكر أنّ أمثال هذا التفكير الجزمي نوعٌ من الأمراض العقائدية السائدة ، وعليه ، فما دام الإنسان مصابا بهذا المرض فلا أملَ له في تصحيح عقيدته واختياره الدين الصحيح .
احتمال الخطأ في المعتقدات السياسيةالمعتقدات السياسية تأتي في المرحلة الثانية بعد المعتقدات الدينية ، لا من حيث عدم احتمال الإنسان لخطئه فيها فحسب ، بل ومن حيث جزمه بأنّ الحقّ بجانبه ، فالدول والحكومات والمنظمّات والفئات وكذلك العناصر التي تسعى للوصول إلى الحكم والقدرة جميعا يدّعون بأنّ الحقّ إلى جانبهم ، ولابدّ من أن تطّبق مبادؤهم ومعتقداتهم السياسية على أساس ما يستصوبونه ، وأنهم هم الأولى بحكم الناس . فالمسؤولون الأمريكيون مثلاً يعتبرون عقائدهم السياسية حقًّا ، ونفس الاعتبار لدى زعماء الحكومات الاُخرى أيضا . وفي أيّ دولة يعتبر كلّ حزب أو فئة فيها أنّه على الحقّ وأنّ منافسه على الباطل ، وكذلك الحال بالنسبة لعناصر المنظّمة أو الحزب الواحد ، فإنّ كلّ من يسعى لفرض سلطته يعتبر معتقداته السياسية حقًّا وما سواها باطلاً . فلو أننا تأمّلنا قليلاً أفعال اُولئك الذين يجهدون لإحراز المناصب والاستيلاء على السلطة وأمعنّا النظر في تصرّفاتهم لعلمنا بأنّ الكلّ لا يهدفون لشيء سوى الاستعلاء والهيمَنة ، وأنّ ما يدعون من عقائد سياسية ليست إلّا ذريعة وجسراً يَعبُرون عليه إلى السلطة لاغير ، ولهذا عبّر الإمام الصادق عليه السلام عن عقائد المتعطشين
.
ص: 69
إلى السلطة وبرامجهم السياسية ب«الهوى الذي يَستَعلي عليه» .
احتمال الخطأ في إدارة الاُموروالخلة الثالثة التي يعتبر كلّ شخص نفسه على صواب فيها هي كيفية تصريفه للاُمور وإدارتها ، فلا أحد يحتمل أن يكون مخطئا في إدارة الاُمور التي تفوّض إليه إدارتها ، بل إنه ليجزم بأنه أفضل مدير وأنّ تدبيره فيما يناط به من عمل أفضل تدبير ، والكل _ ابتداءً برئيس الحكومة وانتهاءً بربّ العائلة _ يرى الحقّ إلى جانبه في حُسن تدبيره ، وثمة لا يسمح لأحد بانتقاده . خلاصة القول ، إنّ الجزم في المعتقدات الدينية والسياسية والإدارية مرضٌ فكريٌّ وعقائديٌّ سائدٌ يهدّد المجتمع البشريّ قاطبةً . (1)
خطر داء اعتبار النفس عالماإنّ من أخطر الأمراض التي تهدّد الإنسان هو أن يتوهّم المرء نفسه عالما ، فاذا طرأ على الإنسان هذا المرض وأزمن لم يصعب عليه علاجه فحسب، بل ربّما استحال. لقد أثبتت التجارب أنّه لم يُشْفَ من المبتلين بهذا المرض إلّا القليل ، ذلك لأنّ من لا يعلم أنّه لايعلم لا يخطر بذهنه أن يفكّر في علاج مرض الجهل ، فكيف يفكّر في دوائه؟! ولهذا يعيش مغموراً في الجهل أبد الدهر . من يعلم ويعلم أنّه يعلم، وصل بحصان طربه إلى الأفلاك ، ومن لا يعلم ويعلم أنّه لايعلم فهو أيضا وصل بحماره الأعرج إلى الدار ، ومن لا يعلم ولا يعلم أنّه لا يعلم
.
ص: 70
بقي في الجهل المركّب أبد الدهر. 1
علاج داء اعتبار الإنسان نفسه عالماينبغي لنا بعد هذه المقدّمة الوجيزة أن نعرف بماذا يوصي الإسلام لتصحيح العقيدة وللوقاية من داء ادّعاء العلم واعتبار الإنسان نفسه عالما ومعالجته . فللوقاية من هذا الداء وعلاجه للوصول إلى العقيدة الصحيحة ركنان أساسيان ، هما : إزالة موانع المعرفة وتحرير بصيرة العقل ، وتوفير الشروط اللازمة للمعرفة ، والإسلام بدوره لايوصي بغيرهما ، ونظراً لأننا سنتعرّض لدراسة الموانع من المعرفة والشروط اللازمة لهابالشرح الكافي في القسم السادس والسابع من هذه السلسلة من البحوث لا نرى بأسا في إرجائها إلى وقتها . أمّا ما نعرضه في هذا الفصل ، فهو التوصيات المشخّصة التي وردت في النصوص الإسلامية بخصوص موانع تصحيح العقيدة أو شروط تصحيح العقيدة ، ولو أن مرجع هذا المطلب أيضا هو بحث موانع المعرفة وشروطها .
موانع تصحيح العقيدةإن موانع تصحيح العقيدة تعتبر من الاُمور التي تؤدّي بالفكر إلى الزلل والخطأ ، والباحث لا يستطيع _ إذا ما برزت أمامه _ أنّ يطمئنّ إلى مطابقة رأيه وعقيدته للواقع .
.
ص: 71
فالتاريخ يشهد بأنّ مؤسّس علم المنطق أرسطو (384 _ 447 ق .م) كان أوّل من فكّر في الوقاية من خطأ الفكر . لقد كانت بحوث سقراط وافلاطون أساسا لجهود أرسطو في كشف طريقة تحصيل العلم ، إلّا أنّ طبعه المدقّق لم يقتنع بالمباحث السقراطية ، ولم يعترف ببيان افلاطون فيما يختصّ بمنشأ العلم وسلوك طريق المعرفة ، أو يعتبرهما مطابقين للواقع ، وإنما تمكّن في مقابل المغالطة ومناقشة السّفسطائيين من اكتشاف القواعد الصحيحة للاستدلال واستنتاج الحقيقة ، وعلى هدى افلاطون وسقراط توصّل إلى وضع اُصول المنطق وقواعد القياس على أساس محكم ، لم يُضف أحد إليها شيئا مّا إلى يومنا هذا. (1) وقيل في تعريف المنطق : إنه عِلْمٌ آليٌّ (آلةٌ قانونيةٌ) تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر . ومنذ زمن بيكن (1560 _ 1625 م) وديكارت (1596 _ 1650 م) حصل تحوّل فكري في اُوربا ، أدّى إلى الاعتقاد بأنّ المنطق الارسطي غير كاف للوقاية من الخطأ في الفكر ، فقد كان ديكارت يعتقد أنّ قواعد المنطق رغم صوابها وثبوتها لا تجعل المجهول معلوما ، وأنّ فائدتها الحقيقية تكمن فقط في معرفة المصطلحات وتملّك القدرة على التفهيم والبيان ، وذلك لأنّ البرهان هو استخراج النتيجة من المقدّمات ، وإذا لم تكن المقدّمات معلومة فلن تتحقّق النتيجة ، وقواعد المنطق وحدها لاتكفي للحصول على معلوم ، فإذا ما توفّرت المقدّمات الصحيحة فالنتيجة حاصلة بذاتها ، والعقل السليم في الإنسان يستخدم القواعد المنطقية بالفطرة دونما احتياج إلى كلّ هذا البحث وجَدَلِ المناطقة ، أمّا إذا كانت المقدّمات المتوفّرة
.
ص: 72
لدينا خطأً فالنتيجة بطبيعة الحال خطأ أيضا ، والحاصل هو الضلال عن الحقيقة بدلاً من الاهتداء إليها ، ومن ثَمَّ ، ما أكثر ما أخطأ طلّاب العلم رغم وقوفهم التامّ على قواعد المنطق!! لقد أعلن ديكارت في بيانه الواضح ما أعلن فرنسيس بيكن بتأسيسه للأرغنون الجديد (1) ، أنهما قد وضعا منطقا جديداً . لقد اجتهد كلّ من العالم الإنجليزي بيكن، والفيلسوف الفرنسي ديكارت، للتأكيد على أنّ منطق ارسطاطاليس وسيلةٌ لكشف المجهولات ، وأنّ المدرسين (سكولاستكس) لا يجوز لهم في طريق المعرفة أن يُضيعوا معظم أوقاتهم فيما يولونه من أهمّية. (2) وهكذا تنبّه كلّ من بيكن وديكارت إلى إمكان حدوث الخطأ في الاستدلال عن طريقين : 1 . المقدّمات التي يفترضها الذهن على أنها معلومة ثمّ يتّخذها أساسا لبناء الاستدلال عليها ، على حين أنها لا تخرج عن كونها مواد ولوازم لبناء الاستدلال . 2 . الشكل والصورة والنظم والترتيب التي يكيّف فيها الذهن مواد الاستدلال ولوازمه . إنّ مقياس الخطأ في منطق أرسطو مرتبط بصورة الاستدلال ، ولذلك سمّي منطق أرسطو المنطق الصوري ، أو منطق الصورة ، فلم يأخذ هذا المنطق قياس الخطأ في المواد واللوازم ، بعين الاعتبار ، على حين أنّ المهمّ للوقاية من الخطأ في الفكر ولتصحيح العقيدة هو قياس الخطأ في المقدّمات والمواد الاُولى للقياس ، ذلك لأنّ العقل السليم يصطنع القواعد المنطقية بالفطرة ، رغما عن عدم احتوائه للمصطلحات
.
ص: 73
المنطقية . أمّا المنطق الجديد الذي يعرضه بيكن لقياس الخطأ في مواد الاستدلال ولوازمه فيتمثّل في اتّقاء موانع كشف الحقيقة ، هذه الموانع التي يعبّر عنها بالأوثان الطائفية ، والأوثان الشخصية ، والأوثان السوقية ، والأوثان المسرحية . فالإنسان مواجهٌ أثناء تحصيل العلم مشاكل وعقبات لابُدّ من تجنّبها ، أهمّها تلك الأخطاء التي يُبتلى الذهن بها ، ونظراً لأنّ هذه الأخطاء مدعاة للإضلال فقد اعتبرها أوثانا أو أصناما وقسّمها إلى أربعة اقسام : القسّم الأوّل : الأوثان الطائفية . أي : الأخطاء التي هي من خصائص الطبع البشري ، فكما أنّ المرايا المعوجَّة غير المستوية تكسر الأشعة الضوئية وتجعلها عوجاء منحرفة وتعكس الصور قبيحة مشوّهة فذهن الإنسان أيضا شأنه شأن هذه المرايا في تحريف المحسوسات والمعقولات وضياعها . . . مثلاً ، لو تصادف أنّ حُلْما من الأحلام قد تحوّل إلى حقيقة لصار مرجعا للذهن ، أمّا إذا لم يتحوّل الحلم إلى حقيقة فالذهن لا يذكره ولورآه مئة مرّة ولا يبني عليه ، وإنّما يتمسّك بما سبق أن اعتقد به ويتعصّب له ، وغالبا ما يفقد الإنصاف فيحكم حسب عواطفه ونفسيّاته ، ويتدخّل الغرور والنخوة والهلع والغضب والشهوة في آرائه بصورة تامّة ، فحواسّ الإنسان هي الاُخرى وإن كانت قاصرة معرّضة للخطأ . ثمَّ لا يجد الإنسان في نفسه رغبةً في إصلاح خطئها بالتأمّل والتمحيص ، بل يقتصر على رؤية ظاهر الأشياء ولا يسبر أغوارها . القسم الثاني : ويشمل الأوثان الشخصية أي : الأخطاء التي يرتكبها الشخص استجابةً لما تقتضيه طبيعته ، كأن يتعلّق الإنسان بشيء ويجعل ذلك الشيء أساسا أو ركيزةً يبني عليها عقائده ، كما حدث مع أرسطو ، فقد كان مولعا بالمنطق ، فبنى
.
ص: 74
عليه فلسفته ، وهناك أذهان تجذبها التشابهات والجمع بين الاُمور ، وهناك أذهان اُخرى يعنيها الاختلاف وفصل الاُمور عن بعضها ، وهناك بطبيعة الحال مَن يصدر الحكم القطعي في كلّ باب ، وهناك من يتردّد في إصدار الحكم ويتأمّل حتّى يصير شكّاكا . . . القسم الثالث : ويشمل الأوثان السوقية ، أي : الأخطاء التي تحدث نتيجةً لمجالسة الناس بعضهم بعضا ، مع نقصٍ وقصورٍ في الألفاظ والعبارات ، كالحظّ والصدفة والتنجيم . القسم الرابع : ويشمل الأوثان المسرحية ، أي : الأخطاء التي تنجم عن تعاليم الحكماء واستدلالاتهم المغلوطة. (1) ولتجنّب الأخطاء في الفكر وضمان صحّة المقدّمات أو المواد الاستدلالية وضع ديكارت مجموعة من الاُصول والقواعد ، الأصل الأول منها هو : لا أعتبر شيئا حقيقة ما لم يكن بديهيا بالنسبة لي ، وأتحاشى العجلة وسبق الذهن والرغبة بالنسبة للتصديقات ، ولا أقبل شيئا حتّى يتضح ويتميّز بشكل لايدع مجالاً لأدنى ظنّ أو شكّ فيه. (2)
موانع تصحيح العقيدة في القرآنسبق القرآن الكريم أن لخّص كلّ ما توصّل إليه العلماء الاُوربيون خلال عشرة قرون بخصوص التقويم لمقدّمات الاستدلال ، وذلك في الآية التالية ، وما نذكرها إلا كأُنموذج للمعجزات العلمية في القرآن ، قال سبحانه :
.
ص: 75
«إن يَتَّبِعُونَ إلَا الظَّنَّ وَ مَا تَهْوَى الْأَنفُسُ» (1) أي : أنّ هناك عاملين ينشأ عنهما خطأ الإنسان في آرائه وعقائده : أحدهما اتّباع الظنّ ، والآخر اتّباع الهوى النفسي . كما أنّ هناك اُموراً اُخرى وردت في الروايات الإسلامية باعتبارها مواضع زلل للفكر ، كالتعصّب والتقليد والاستبداد واللجاجة ، إلّا أنّ هذه الاُمور تعود كلّها إلى الأهواء النفسية ، أي أنّ كلّ ما جاء في الروايات الإسلامية بهذا الشأن هو في الحقيقة تفسير للآية الكريمة الآنفة الذكر وبيان لها . ونظراً إلى هذه المقدّمة نستعرض أهمّ موانع تصحيح العقيدة على ضوء القرآن الكريم والروايات الإسلامية ، وهذه الموانع _ كما سبقت الإشارة إليها _ هي : أ _ الظنّ . ب _ الميولات النفسية . ج _ التعصّب . د _ التقليد . ه _ الاستبداد . و _ اللجاجة .
أ _ الظنّوهو من أخطر العوامل التي تزلّ بأفكار الغالبية في العالم إلى مهاوي العقائد الباطلة الفاسدة .
.
ص: 76
وأول ما يوصي به القرآن الكريم لتصحيح العقيدة هو تجنّب الاعتماد على هذا المنزلق ، ويؤكّد على أتباعه بعدم بناء عقائدهم وآرائهم على دعائم الظنّ والشكّ والتسليم بشيء دونما تأكّد من صحّته وثبوته ، فيقول عزَّوجلَّ في صريح كلامه : «وَ لَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» . (1) ففي نظر القرآن أنّه لايحقّ لمسلم أن يقتفي شيئا أو يجعله مداراً لعمله ما لم يثبت له بنحو قطعيّ . كما ينتقد القرآن الكريم ذوي الآراء والعقائد الباطلة في أنهم لماذا يقولون ما ليس لهم به علم ، بقوله تعالى : «وَ تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ» . (2) وقد ردّ القرآن على منكري المعاد بأنهم معوزون إلى الدليل على إنكار الحياة بعد الموت ، وأنّ اعتقادهم لا يقوم على أساس علمي وإنّما يقوم على الظنّ والحدْس ، بقوله : «وَ قَالُواْ مَا هِىَ إلَا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَ نَحْيَا وَ مَا يُهْلِكُنَا إلَا الدَّهْرُ وَ مَا لَهُم بِذَ لِكَ مِنْ عِلْمٍ إنْ هُمْ إلَا يَظُنُّونَ» . (3) وكذلك يصبّ انتقاده واعتراضه على الذين يحسبون أنّ الإيجاد بلا هدف وأنّ الخلق باطل وعبث فارغ ، بأنّ اعتقادهم هذا لا ينشأُ عن علمٍ ، ولو أنهم دقّقوا النظر قليلاً لأدركوا أنهم ليسوا على وعي فيما يعتقدون ، وإنّما اعتقاداتهم قائمة على الظنّ ، لقوله تعالى :
.
ص: 77
«وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا بَ_طِلاً ذَ لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ» . (1) فلو أمعنَّا النظر فيالعقائد والآراء المتناقضة بين الناس في المجتمعات المختلفة وطرحناها على بساط البحث والتحليل الجذري لانتهينا بلا عناء إلى أنّ أغلب هذه العقائد فاقدة للاُسس العلمية جذريًّا وأنها لا تستند إلّا على الظنّ أو على الشكّ ، وأنّ أهل الدنيا كانوا وما زالوا يقتفون أثر الظنّ في المسائل العقائدية ، وخاصّةً في اُصولها ، ولهذا نرى القرآن يعلن صراحةً بأنّ من اتّبع الأكثرية فقد ضلّ ، من ذلك قوله تعالى : «وَإن تُطِعْ أكْثَرَ مَن فِى الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إن يَتَّبِعُونَ إلَا الظَّنَّ وَإنْ هُمْ إلَا يَخْرُصُونَ» . (2) أمَّا لو صمَّم أتباع المذاهب والمعتقدات المتناقضة جميعا على اقتفاء أثر العلم فقط وعدم الإيمان بشيءٍ إلّا بعد العلم به بصورة بديهية لانفضّت التناقضات والخلافات بين المذاهب كافّة . فالإمام الصادق عليه السلام يقول : إنَّ اللّهَ خَصَّ هذِهِ الاُمّةَ بِآيَتَينِ مِن كِتابِهِ ، أن لا يَقولوا إلّا ما يَعلَمونَ، وأن لا يَرُدّوا ما لا يَعلَمونَ ، ثُمّ قَرَأَ : «ألَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَ_قُ الْكِتَ_بِ أن لَايَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إلَا الْحَقَّ» . (3) وقَرَأَ : «بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ» (4) الآية. (5)
.
ص: 78
ب _ الميولات النفسيّةوهذا المانع في نظر القرآن ثاني أخطر مزالق الفكر ، ولا يَقِلّ خطراً عن سابقه إن لم يكن أكبر منه خطراً . فعندما يحبّ الإنسان شيئا ويتعلَّق به تعمَى بصيرة عقله وتُصَمُّ مسامع فكره ، وبالتالي لا يقدر أن يتبيّنَ أو يدركَ مواضع الضعف في محبوبه المعشوق ، وهكذا الحال بالنسبة لخصيصة المقْتِ ، وعليه ، لو أراد أن يميّز مواطن الضعف والقوّة في نظريةٍ مّا ويفكّر فيها تفكيراً صائبا فعليه أن يتحرّر من الميول والرغبات النفسية أولاً ؛ لأنّ هذه الميول والرغبات تؤثّر في اعتقاده ، شاء أم أبى . وعلى سبيل المثال لا الحصر ، أنّه اشتهر عن العلّامة الحِلِّي (1) عندما أراد أن يُفتي فيما إذا كان ماء البئر قد أصبح نجسا هل يمكن تطهيره أو لا؟ أمر بردم بئر منزله أولاً ، ثمّ بدأ بمطالعة النصوص الفقهية في هذا الصدد ، ثُمَّ أفتى بعد ذلك بأنه لو أصبح ماء البئر نجسا أمكن تطهيره طبقا لما جاء في الكتب الفقهية . فالعلّامة الحلّي كان يعلم أنّه لو لم تردم بئر منزله لأثّر وجودها في رأيه وفتواه بصورة لا إرادية ، وهذه حقيقة لا تُنكر ، فالإنسان لا يمكنه أن يدرك الحقائق العقلية حقَّ الإدراك أو يبدي رأيا صائبا فيها إلّا إذا ردمت بئر ميوله ورغباته النفسية وتحرّر ذهنه من قيد هواها (2) ، وعليه ، فكلّما تحرّر ذهن المحقّق أو الباحث من الميول والرغبات النفسية اقترب من الصواب ، كما قال الإمام علي عليه السلام : أقرَبُ الآراءِ مِنَ النُّهى أبعَدُها مِنَ الهَوى (3)
.
ص: 79
وقال أيضا : خَيرُ الآراءِ أَبعَدُها مِنَ الهَوى وأَقرَبُها مِنَ السَّدادِ (1) ويروى أيضا : أنّ أحد أصحاب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وهو زيد بن صوحان العبدي سأل الإمام عليه السلام قال : أيُّ النَّاسِ أثبت رأيا؟ فأجابه عليه السلام : مَن لَم يَغُرَّهُ النّاسُ مِن نَفسِهِ ، ولَم تَغُرَّهُ الدُّنيا بِتَشَوُّفِها (2)
ج _ التَّعَصُّبمانعٌ آخر في سلسلة الموانع التي تحول دون الوصول إلى الآراء الصائبة المطابقة للواقع هو التعصّب ، (3) وهو عبارة عن قمَّة التبعية للميول النفسية فيما يخصّ نصرة الفرد أو الجماعة أو شيئا آخر دون مراعاة الحقّ . فمحاباة القريب والقوم والقبيلة ، وموالاة الحزب والفئة والمنظّمة ، والانتصار للثقافة والعادات والتقاليد ، ونصرة الدين والمذهب ، والتحيّز للعرق واللّغة . . . وما إلى ذلك ، تغدوا تعصُّبا فيما لو بُنيت على أساس الميول والرغبات النفسية ، دون مراعاة الحقّ والعدالة وعلى حسابهما .
إمام المتعصّبينإنّ الشيطان _ على حدّ تعبير الامام علي عليه السلام _ هو إمام المتعصّبين واُسوتهم ، فيصفه بأنه : إِمامُ المُتَعَصِّبينَ وسَلَفُ المُستَكبِرينَ ، الَّذي وَضَعَ أساسَ العَصَبِيَّةِ. (4)
.
ص: 80
فأول المتعصّبين في العالم اذاً هو الشيطان ، وتعصّبه من نوع التعصّب العرقي ، فعندما أمره اللّه أن يسجد لآدم : «أبَى وَاسْتَكْبَرَ» تعصّبا منه لعِرْقه ، حيث كان يفضّل عِرْقه على عِرْق آدم ، لأنه خُلق من نار وآدم خُلق من طين .
نتائج التعصّباِنّ من اُولى نتائج هذه الصفة الشيطانية وأكثرها خطراً على الإنسان فيما لو ترسّخت في كيانه أنها تصبغ عقيدته بما يروق له من صِبْغ ، بعبارة أخرى : إنّ التعصّب بشكل عامّ نوع من الأمراض النفسانية التي تحول دون وصول الإنسان في دراساته وتحليلاته وآرائه إلى ماهو حقٌ وصائبٌ ومطابقٌ للواقع ، وعليه ، فإنّ الإنسان المتعصّب لن يصل في نهاية المطاف إلَا إلى ما تمليه عليه خصيصة التعصّب . فَداءُ التعصّب يدفع المصاب به إلى الحكم بملاك «القائل» بدل «القول» ، كما لا يتيح له فرصة التفكير في «القول» أحقٌّ هو أم باطل ، أصحيحٌ هو أم خطأ ، بل إنّه ليملي عليه أن ينظر إلى «القائل» فإن كان على غِرارِه فرأيهُ صائب ، وإلّا فرأيهُ غيرصحيح . ونصيحة الإسلام لتصحيح العقيدة هي التخلّي عن التعصّب (1) ، والعناية بقول القائل ، والتمعّن في فكرة صاحب العقيدة ، بغضّ النظر عنه شخصيا ، أيًّا كان هو ، وأيًّا كان رأي حزبه أو فرقته أو جماعته ، وسَواء أكان متّحداً معنا في المرام أم لا ، مسلما أم لا ، وأخيراً سيّان كان لنا صديقا أم عدوّاً . وما أروعه وأوفاه معنى قوله تعالى :
.
ص: 81
«فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ اُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ اُوْلَئِكَ هُمْ اُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» . (1) نفهم من هذه الآية أنّ أصحاب الفكر الذين نعموا بهُدى اللّه ووصايا القرآن والإسلام هم أولئك الذين يستمعون القول ، أيًّا كان قائله ، وبعد تحليله والتحقيق فيه ، يتّبعون أحسنه وأسَدَّه وأفضله . وبإلهامٍ من هذه الآية الكريمة جاء صراحةً فيما رواه في كنزالعمّال عن النبي صلى الله عليه و آله وروي فِي غرر الحكم عن أميرالمؤمنين عليه السلام أن : لا تَنظُر إِلى مَن قالَ وَانظُر إِلى ما قالَ. (2) ويُروى عن نبيّ اللّه عيسى عليه السلام أنّه قال : خُذُوا الحَقَّ مِن أَهلِ الباطِلِ ، ولا تَأخُذُوا الباطِلَ مِن أَهلِ الحَقِّ ، كونوا نُقّادَ الكَلامِ. (3) وهذا إن دلَّ فإنّما يدلّ على أنّه لا يجوز للمسلم أن يدفعه التعصّب لرفض سماع القول الحقّ من الآخرين ، وذلك لمجرّد كونهم ليسوا مسلمين ، وأنّ عقائدهم باطلة فاسدة ، أو لقبول الباطل ممّن يشاركونه في العقيدة ، فواجب المسلم هو نقد القول الصادر عن أيّ قائل كان ، بعد دراسته دراسة دقيقةً ضافية ، بغضّ النظر عن موقفه العامّ بالنسبة للحقّ والباطل ، فإن كان قوله حقًّا وجب عليه قبوله ولو كان قائله من أهل الباطل ، وإن كان باطلاً وجب عليه رفضه وإن كان قائله من أهل الحقّ ، ومهما يكن فإنّ المقياس هو الحقّ وليس القائل . وما الإسلام إلّا الاستسلام للحقّ ، ولهذا
.
ص: 82
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : مَن تَعَصَّبَ أَو تُعُصِّبَ لَهُ فَقَد خَلَعَ رَبَقَ الإِيمانِ (رِبقَةَ الإِسلامِ) مِن عُنُقِهِ. (1)
د _ التقليدإنّ التقليد في العقائد يعني قبول رأي شخص أو أشخاص آخرين دون المطالبة بالدليل والبرهان ، وهو من نتائج التعصّب والموانع التي تحول دون التحقيق والتوصّل إلى آراء ومعتقدات علميّة صحيحة مطابقة للواقع والحقيقة . إنّ التقليد غلٌّ يقيّد فكر الإنسان ، وما دام هذا الغلّ باقيا فتصحيح العقيدة أمرٌ محال . إنّ التقليد لايسمح للإنسان بالتفكير في آرائه وعقائده من حيث صحّتها وسقمها ومطابقتها للواقع والحقيقة وعدم مطابقتها ، وما إذا كانت علما حقيقيا أم خيال علم ، ومعرفةً أم توهّم معرفة واعتبار الإنسان نفسه عالما . إنّ التقليد يحول دون الفكر ونقد أفعال الآخرين وأفكارهم ومعتقداتهم وتحليلها بشكل حرّ . إنّ التقليد يحصر الإنسان في زنزانة أفكار المقلَّد ومعتقداته جبراً . التقليد يرغم الفكر على النظر إلى «القائل» بدلاً من «القول» . أمّا توصية الإسلام لتصحيح العقيدة فتتمثّل في تحطيم غلِّ التقليد والعجيب أنّه لم ينج منه إلّا ما ندر من الناس ، والأعجب منه اُولئك الباحثون الراتعون في أصفاد التقليد ويتصوّرون أنّ أفكارهم حرّة!!
.
ص: 83
ه _ الاستبدادإنّ المانع الخامس من موانع تصحيح العقيدة هو الاستبداد (1) بالرأي؛ وما هو إلَا أثر الانصياع مع الميول والرغبات النفسية نتيجةً لحدّة داء اعتبار النفس عالما . وداء الاستبداد بالرأي يضيّق فكر مُصابه حتّى يتجمّد ويتحجّر ، فيصير حجر عثرة في طريق الحقيقة ، وبالتالي يحمل المصاب على الاعتقاد بحقّانية أقواله وعقيدته ودينه ورأيه ، وببطلان كلّ ما يقوله مناوئوه ، فمتى ما ابتلي الإنسان بجمود الفكر تأبَّى البتَّ في آراء غيره فيما يعتبرُه حقًّا ، وأعرض عن التفكير فيما يقولون ، وبهذا لا يستطيع التوصّل إلى الحقيقة . وقد نُعِتَ الاستبداد في الروايات الإسلامية بأنه من مواطن الزلل الخطيرة ، إذا صمّم المتفكّر عليها دُحِضَ وهلك . وقال الإمام علي عليه السلام عن جمود الفكر والاستبداد الفكري : المُستَبِدُّ مُتَهَوِّرٌ فِي الخَطَاَ وَالغَلَطِ (2) وقال عليه السلام : الاِستِبدادُ بِرَأيِكَ يُزِلُّكَ ويُهَوِّرُكَ فِي المَهاوي (3) وقال الإمام الصادق عليه السلام : المُستَبِدُّ بِرَأيِهِ مَوقوفٌ عَلى مَداحِضِ الزَّلَلِ (4)
و _ اللجاجَةوهي الاُخرى مانعٌ من موانع تصحيح العقيدة ، وتعتبر بالنسبة للبحوث والمسائل
.
ص: 84
النظرية موطنا من مواطن الزلل الخطيرة التي تُسلُّ الفكر وتُضِلُّ الرأي دون أن يشعر صاحبه بانحرافه . وقد عبّر الإمام علي عليه السلام بعبارة لطيفة عن هذا الموطن الخفي من الزلل فقال : اللَّجاجَةُ تُسِلُّ (1) الرَّأيَ. (2) أي: كما يتسلّل السارق إلى الدار خلسةً فيسرق ما يشاء دون أن يشعر صاحبها، يتسلّل التعصّب واللجاج معا إلى الذهن، ويستحوذان على الفكر، فيصرفاه عن الصواب دون أن يشعر صاحبه، ومن ثمّ يسلبانه الرأي السديد. وهكذا فالحقيقة _ كما ورد في كلام أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام _ هي أنّ اُولي التعصّب واللجاجة لايتأتّى لهم أن يكونوا من أصحاب الرأي. قال عليه السلام : اللَّجوجُ لا رَأيَ لَهُ. (3) ولو أبدى اللجوج رأيا في قضيّة ما أو قضايا معيّنة وكان صائبا، فإن تعصّبه ولجاجته في إبداء رأيه يُفقدانه شأنه و وثاقته، كما قال الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام : اللَّجاجُ يُفسِدُ الرَّأيَ (4) وأخيراً، فاللجاجة كما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إيّاكَ وَاللَّجاجَةَ ؛ فَإِنَّ أوَّلَها جَهلٌ وآخِرَها نَدامَةٌ. (5) ومن الحريّ بالذكر إنّ ما جاء تحت عنوان «موانع تصحيح العقيدة» _ كما اُشير _ هي أهمّ الموانع ، وسوف يأتي ذكر كلّ الموانع في القسم السابع تحت
.
ص: 85
عنوان «موانع المعرفة».
شروط تصحيح العقيدةهذه الشروط هي التي تُعْوزُ المحقّق حتّى يدرك الحقيقة، و بغيرها لايتسنّى له الاطمئنان إلى نتائج تحقيقاته. وهي عبارة عن: 1 . التأنّي 2 . التجربة 3 . تمركز الفكر 4 . حركة الفكر 5 . تبادل النظر 6 . الإمدادات الغيبية .
1 . التأنّيوهو عدم التسرّع في إبداء الرأي ، والانتظار حتّى يتبلور . فحينما يفكر الباحث في مسألةٍ مّا يتوصّل مبدئيا إلى فكرة ساذجة لا يصحّ أن يعتمد عليها ، والتأنّي يتيح للباحث الفرصة بالتدريج عن طريق المطالعة الدقيقة وأخذ الأبعاد المختلفة للمسألة المعنيَّة في دائرة النظر ومراعاتها من جميع الجوانب ، حتّى يعرض فكرته ناضجةً قابلةً للاعتماد عليها ، وقد قال الإمام علي عليه السلام : الرَّأيُ مَعَ الأَناةِ ، وبِئسَ الظَّهيرُ الرَّأيُ الفَطيرُ (1) . (2) ونقيض التأنّي هو العجلة ، ونظراً لأنها تحرم الباحث من فرصة الدراسة الضافية
.
ص: 86
والتحقيق الكامل والاستقصاء المستوفى فهي تستدعي زلل الفكر والخطأ في التحليل ، مصداقا لقول أميرالمؤمنين عليه السلام : العَجَلُ يوجِبُ العِثارَ (1) وروي عن نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله أنّه قال : مَن تَأَنّى أصَابَ أو كادَ ، ومَن عَجِلَ أخطَأَ أو كَادَ (2) . فالتأنّي يقرّب الباحث من الرأي الصائب . فإذا ما توفّرت له الشروط اللازمة لتصحيح العقيدة أيضا أصاب الواقع ، وإلَا فلا أقَلَّ أصبح قريبا منه . وبالعكس ، فإنّ العجلة تُدني الباحث من الخطأ ، وحتّى لو أنّ العجول قد أصاب في تحليلاته فذلك من قبيل المصادفة ، ولهذا أوصى الإمام علي عليه السلام ابنه الحسن المجتبى عليه السلام قائلاً : أَنهاكَ عَنِ التَّسَرُّعِ بِالقَولِ وَالفِعلِ (3)
2 . التجربةإنّ آراء اُولئك الذين لا يتمتّعون بالتجربة والخبرة اللازمة لإبداء الرأي وعقائدهم وتحليلاتهم عادةً مّا غير واقعية وغير صائبة . ويصوّر الإمام عليّ عليه السلام دور التجربة وتأثيرها في المعرفة بقوله : كُلُّ مَعرِفَةٍ تَحتاجُ إِلَى التَّجارِبِ. (4) وفي حديث آخر يقسّم الإمام عليه السلام المعارف العقليّة إلى قسمين حيث يقول :
.
ص: 87
العَقلُ عَقلانِ: عَقلُ الطَّبعِ وعَقلُ التَّجرِبَةِ وكِلاهُما يُؤَدِّي المَنفَعَةَ. (1) وفي حديث آخر عنه عليه السلام : فِي التَّجارِبِ عِلمٌ مُستَأنَفٌ. (2) وما أوجز وأبلغ ما قاله الإمام علي عليه السلام في هذا الشأن : رَأيُ الرَّجُلِ عَلى قَدرِ تَجرِبتِهِ. (3) أي : كلّما ازدادت تجارب الإنسان فيما يبدي فيه الرأي من المسائل كان أقرب إلى الواقع . بعبارة اُخرى : من كان أكثر خبرةً وتجربةً كان رأيه أكثر سداداً ، وفي رواية اُخرى عنه عليه السلام : أملَكُ النّاسِ لِسَدادِ الرَّأيِ كُلُّ مُجَرَّبٍ (4) وعليه ، فإنّ الإمام عليه السلام يعتبر العلم الذي يحصل عن طريق التجربة أدقَّ من العلم الذي يُحصَّل في قاعة الدراسة ، وفي رأيه عليه السلام أن الطبَّ التجربي أقرب إلى الحِكمة وعلم الطبِّ من الطبِّ النظري والدراسة النظرية . ولذلك قال عليه السلام : المُجَرَّبُ أحكَمُ مِنَ الطَّبيبِ (5) ففي رأي الإمام بشكل عام أنّه لو توفّرت التجربة الكافية في أيّ عمل لكان ذلك العمل صحيحا وقد انجز على الوجه الذي ينبغي له ، إذ يقول عليه السلام : مَن حَفِظَ التَّجارِبَ أصابَت أفعالُهُ. (6)
.
ص: 88
3 . تمركز الفكرإنّ تمركز الفكر يحدّد للباحث أبعاد المسألة المطروحة لديه ويضعها في ضمن إطار مشخّص ، ومن ثَمَّ يظهر للمحقّق رأيه بناءً على الإلمام بكلّ ما تلزم ملاحظته بالنسبة لها ، وعليه ، فكلّما بادر الإنسان إلى البحث والتحقيق بأفكار أكثر تركيزاً كان أقرب إلى الحقيقة ، وكلّما قلَّ تركيزها كان أبعد عنها ، ولذلك لو أراد الباحث أن يكون رأيه صائبا تعيّن عليه توفير العوامل التي تساعد على تمركز الفكر وتجنّب الموانع التي تحول دون ذلك .
عوامل تمركز الفكرلقد وردت أهمّ العوامل التي تؤدي إلى تمركز الفكر في روايةٍ عن الإمام الصادق عليه السلام هذا نصّها : خَمسُ خِصالٍ مَن فَقَدَ واحِدَةً مِنهُنَّ لَم يَزَل ناقِصَ العَيشِ زائِلَ العَقلِ مَشغولَ القَلبِ: فَأوَّلُها صِحَّةُ البَدَنِ، وَالثّانِيَةُ الأَمنُ، وَالثّالِثَةُ السَّعَةُ فِي الرِّزقِ، وَالرّابِعَةُ الأَنيسُ المُوافِقُ... وَالخامِسَةُ _ وهِيَ تَجمَعُ هذِهِ الخِصالَ _ الدَّعَةُ. (1) فنلاحظ أنّ الإمام عليه السلام يبدأ أولاً بالحديث عن خصالٍ لكلٍّ منها دور أساسي في كمال العيش وسلامة الفكر وفراغ البال والتفكير الصائب ، فهذه الخصال هي التي يحقّق وجودها تركيز الفكر ، على حين أنّ عدمها يسلب التركيز منه ، ثمّ يوضّح الإمام بعد ذلك هذه الخصال الواحدة تلو الأُخرى .
4 . حركة الفكرإنّ حركة الفكر وحيويّته والحيلولة دون جموده شرط آخر من الشروط اللازمة
.
ص: 89
للتوصّل إلى العقيدة الصحيحة والرأي السديد ، وتوصية الإمام علي عليه السلام بهذا الخصوص هي : أمخِضُوا الرأيَ مَخضَ السّقَاءِ يُنتِج سَديدَ الآراءِ. (1) فلو أنّ الفكر تصلّب على رأي لأصابه الجمود والتحجّر ، وبالتالي يُشلُّ نشاطه ويتخلَّفُ عن الحركة والنموّ ويفقد القدرة على معرفة رأيه أو تمييزه من حيث الصحّة والبطلان أو الضعف والقوّة تمييزاً دقيقا ومعرفةً واقعية . ولهذا أكّد الإمام عليه السلام على الباحث _ حتّى يصل إلى العقائد الصحيحة والآراء السديدة _ وجوب التحرّر من جمود الفكر وتقليب الآراء العلمية على وجهات النظر المختلفة في ذهنه بشدّة مع حركة الفكر ، والتدقيق والتحقيق في الأبعاد المختلفة للموضوع محلّ النظر .
5 . تبادل وجهات النظروهو من الشرائط الاُخرى اللازمة لتصحيح العقيدة ، فمن توصيةٍ لأميرالمؤمنين عليه السلام : اِضرِبوا بَعضَ الرَّأيِ بِبَعضٍ يَتَوَلَّدُ مِنهُ الصَّوابُ. (2) نستنتج من هذا أنّ تبادل وجهات النظر بعيداً عن التعصّب يؤدّي بطبيعة الحال إلى بروز مواقع الضعف والقوّة والخطأ والصواب في الآراء المختلفة ، وعلى هذا الأساس ، فمن يجيز لنفسه الدراسة والبحث والتحقيق في آراء الآخرين يمكنه _ لو كان من أهل التحقيق والبحث _ أن يميّز النظر الصحيح من الخطأ ، فقد قال الإمام علي عليه السلام :
.
ص: 90
مَنِ استَقبَلَ وُجوهَ الآراءِ عَرَفَ مَواقِعَ الخَطَاَ (1) وبالعكس ، فإنّ من لايسمح لنفسه برؤية آراء الآخرين والاطّلاع عليها ويتعجَّل إبداء الرّأي في كلّ ما يرد عليه معتدّاً بدليل فكره معتمداً على رأيهِ العقلي لا يتأتّى له من آرائه الفجَّة المتهافتة _ على حدّ قول الإمام عليه السلام _ إلّا الابتلاء بالأخطاء المضنية : مَن جَهِلَ وُجوهَ الآراءِ أعيَتهُ الحِيَلُ. (2)
6 . الامدادات الغيبيةوهي صاحبة السهم الأكبر في التوصّل إلى المعتقدات العلمية ومعرفة الحقيقة وتصحيح العقيدة ، فمهما كان الإنسان حاذقا وعالما فبسبب محدودية معلوماته ، لا يقدر على الإحاطة بقضيةٍ من القضايا بكلّ حيثياتها ، وليس في إمكانه التوصّل إلى الحقيقة والواقع خاصّة في المسائل العلمية المعقّدة إلّا بالامدادات الغيبية ، أو بعبارة اُخرى يحتاج إلى نوعٍ من الإلهام والإشراق ، ومن هذه الحيثية يعتقد الكسس كارل بأنّ الاكتشافات العلمية ليست نتاجا لفكر الإنسان وحده ، حيث يقول : «يقينا إنّ الاكتشافات العلمية ليست نتاجا وثمرةً لفكر الإنسان ليس إلّا . فالنوابغ علاوةً على قدراتهم على الدراسة ودرك القضايا يتمتّعون بخصائص إبداعية اُخرى كالإشراق والتصوّر ، فهم يكشفون بالإشراق ما هو خافٍ على غيرهم ، ويبصرون الروابط المجهولة بين القضايا التي تبدو وكأنها لا صلة لها في الظاهر ، فيدركون
.
ص: 91
بفراستهم كنوزاً لم تكن معروفة . إنّ الرجال العظام يتمتّعون بموهبة هذا الإشراق فتراهم يعلمون ويعرفون ما يجب تعلّمه والتعرّف عليه دون الحاجة إلى الدليل والتحليل ، فالعالم الكبير يَنساقُ تلقائيا إلى طريق ينتهي إلى كشف جديد ، وهذه الحالة كانت تسمّى قبلَ هذا بالإلهام . والعلماء فريقان : فريقٌ منطقي ، وآخر إشراقي ، وجميع العلوم والتقدّم العلمي رهين هذين الفريقين ، حتّى العلوم الرياضية التي تستند على اُسس وقواعد منطقية تماما ، قد أخذت قسطها من الإشراق أيضا . . . والحياة العادية هي الاُخرى شأنها القضايا العلمية ، إنّ الإشراق عاملٌ قويٌّ في المعرفة لكنّه خطيرٌ في نفس الوقت ، إذ يصعب التمييز في بعض الأحيان بينه وبين التوهّم . . . وليس إلّا العظماء من الرجال والأطهار أصحاب القلوب الصافية الذين يبلغون به إلى الكمال وقمّة الحياة المعنوية ، إنّ هذه الموهبة مدهشة حقًّا ، ويبدو لنا أنّ إدراك الواقعية بدون دليل أو تعقّل أمرٌ لايقبل التفسير». (1) ويؤيّد هذا الرأي العالم الرياضي الفرنسي جاك هادا مارا ، حيث يقول : «حينما نتأمّل ظروف الاكتشافات والمخترعات يستحيل علينا أن نتجاهل الإدراكات الباطنية المفاجئة ، فكلّ عالم محقّق يشعر إلى حدٍّ ما بأنّ حياته ومسائله العلمية قد تكوّنت من خلال سلسلة من النشاطات المتناوبة ، كان لإرادته وشعوره ضِلْعٌ في البعض منها؛ وأمّا البقية فقد كانت حصيلة لسلسلة إلهامات باطنية». (2)
.
ص: 92
وعليه ، يمكن القول بأنّه كلّما ازدادت الإمدادات الغيبية والإلهامات الباطنية لدى العالِم كانت آراؤه وعقائده أكثر صوابا ، واستطاع كشف الكثير من الحقائق العلميّة، وإذا اكتملت الإمدادات الغيبيّة عند الإنسان غدت آراؤهُ وعقائدهُ مصونةً من الخطأ. لكن ما مصدر الإشراق والإلهامات الباطنيّة؟ هذا سؤال يعجز الماديّون عن الإجابة عنه ، أمّا الربّانيّون فيعرفون أنّ مصدرها هو اللّه عز و جل. فالله تعالى هو الذي يمنّ بهذه الموهبة على من يشاء كُلّ على قدر مايليق به، وكما تقضيه حكمة اللّه البالغة ، كما أنّ الدعاء وسيلة من الوسائل لنيل هذه الكفاءة. ولهذا كان الإمام السجّاد عليه السلام يدعو اللّه تعالى ويعلّمنا أن ندعوه ليعيننا على سداد آرائنا: وأَعوذُ بِكَ مِن دُعاءٍ مَحجوبٍ، ورَجاءٍ مَكذوبٍ، وحَياءٍ مَسلوبٍ، وَاحتِجاجٍ مَغلوبٍ، و رَأيٍ غَيرِ مُصيبٍ. بَيْدَ أنّا يجب أن نلتفت إلى أنّ الدعاء أحد مبادئ الإلهام والإشراق، ويؤدّي دوره إلى جانب مبادئهما الاُخرى ، وسيأتي شرح هذه المبادئ في الفصل الرابع من القسم السادس. (1)
.
ص: 93
الفصل الخامس : اختبار العقيدةنعرض في هذا الفصل مسألةً من أهمّ المسائل التي ينبغي أن نطرحها على بساط البحث قبل الورود إلى البحوث العقائدية ، وتلك هي اختبار العقيدة . فهل هناك مِعْيارٌ أو ميزانٌ يمكن للإنسان أن يختبر به عقيدته ورأيه ويقف على صحّتها؟ وكيف يتسنَّى للمحقّق أن يعلم أنّ ما يصفه هو أو يصفه غيره بأنه علمٌ وعقيدةٌ ونظريةٌ علميّة هو في الحقيقة علم وليس خيال علم واعتبار الإنسان نفسه عالما ؟ وهل في النصوص الإسلامية تعليمات ووصايا بخصوص اختبار العقائد أو لا ؟ والجواب على هذا السؤال هو : أنّ العقائد العلمية وكذلك العقائد غير العلمية ومرض اعتبار الإنسان نفسه عالما لها بكلّ تأكيد علائم وآثار يمكن للمحقّق بواسطتها اختبار آرائه واكتشاف صحّة عقائده وعقائد غيره وسقمها . وللإمام علي عليه السلام بخصوص علائم العقائد العلمية وغير العلمية بيانٌ جامعٌ مبسوط إلى حدٍّ مّا ، جديرٌ بدقّة النظر لما هو عليه من قيمة .
علائم العقائد العلميةنستهلّ بذكر كلام الإمام عن آثار العقائد العلمية وعلائمها ، وعن خصائص العلماء
.
ص: 94
الحقّ ، ثمّ نتناول ما ورد في كلامه عليه السلام من العلائم واحدةً واحدة بالدرس والبيان . قال أميرالمؤمنين عليه السلام : إِنَّ العالِمَ مَن عَرَفَ أنَّ ما يَعلَمُ فيما لا يَعلَمُ قَليلٌ ، فَعَدَّ نَفسَهُ بِذلِكَ جاهِلاً فَازدادَ بِما عَرَفَ مِن ذلِكَ في طَلَبِ العِلمِ اجتِهاداً ، فَما يَزالُ لِلعِلمِ طالِبا ، وفيهِ راغِبا ، ولَهُ مُستَفيداً ، ولِأَهلِهِ خاشِعا ، ولِرَأيِهِ مُتَّهِما ، ولِلصَّمتِ لازِما ، ولِلخَطَاَ حاذِراً ، ومِنهُ مُستَحيِيا ، وإِن وَرَدَ عَلَيهِ ما لا يَعرِفُ لَم يُنكِر ذلِكَ لِما قَرَّرَ بِهِ نَفسَهُ مِنَ الجَهالَةِ. (1) نستنتج من بيان الإمام سبع علائم للعلماء الحقيقيين والعقائد العلمية ، هي : الاهتمام بالمجهول ، التعطّش المتنامي لاكتساب العِلم ، التواضع إزاء أهل العلم ، اتّهام الرأي الذاتي ، اختيار الصمت ، التحفّظ من الخطأ ، عدم إنكار المجهول .
1 . الاهتمام بالمجهولاتإنّ العلماء الحقّ وأصحاب الآراء والعقائد العلمية على العكس من العلماء الخياليّين والمبتلين بداء اعتبار النفس عالما ممّن لا تشغل دائرة أنظارهم إلّا معلوماتهم فحسب وهم غافلون عمّا جهلوا ، يرون ما يجعلون ، ولا يعتبرون معلوماتهم شيئا أمام ما يشاهدونه من مجهولاتهم العظيمة غير المتناهية ، وهذا القبيل من العلماء في نظر علي عليه السلام هم من يكلَّلون بلقب العالِم؛ وآراؤهم في المسائل العقلية معتبرة موثوقة : إِنَّ العالِمَ مَن عَرَفَ أنَّ ما يَعلَمُ فيما لا يَعلَمُ قَليلٌ ، فَعَدَّ نَفسَهُ بِذلِكَ جاهِلاً. فالعالِم الحقيقي كلّما تزداد معلوماته تزداد مجهولاته ، وكلّما يزداد عِلمه يزداد وعيا بأن معلوماته المحدودة لايمكن أن تقاس بمجهولاته غير المحدودة . ومن
.
ص: 95
هذه الحيثية كان كلّ من يسلك طريق معرفة الحقائق والعقائد العلمية ، يصل إلى أنّ معلوماته من الضآلة بحيث لا تعدّ شيئاً بالنسبة لما يجهله ، فلا يرى أنّه بهذا النزر اليسير من العلم لايستحقّ أن ينعت عالما فحسب ، بل إنّه _ بمحاسبة دقيقة علميّة على أساس الواقع _ لايرى لنفسه مكانا في مصافّ العلماء . وإنّه هنا يشعر الإنسان أنّه كلّما ازداد علما اتّسعت الهوة بين ما علم وما جهل ، وبتعبير آخر : إنّ معدّل ارتفاع المستوى العلمي للإنسان متكافئ مع معدل الزيادة في مجهولاته . فمن ليست لديه أيّ معرفة عن الإنسان ليس لديه أيّ مجهول في مجال علم الإنسان ، فلو أنك سألت جاهلاً : ما الإنسان؟ لأجابك : هذا واضحٌ جدّاً ، الإنسان هو الموجود الذي يمشي على رجليه هنا وهناك ، والإنسان يعني الإنسان ، وهذا السؤال أصلاً بلا معنى!! ولو أنك سألته : أتجهل شيئا مّا عن الإنسان؟ لأجابك : كلّا ، وفي رأيي أنّ الانسان قد عُرِفَ حتّى لم يعُد في حاجة إلى تفسير أو بيان! أمَّا إذا بادر هذا الشخص بالتحقيق في علم الإنسان فإنّه كلّما اتّسع نطاق تحقيقه وتخصّصه في هذا العِلم ازدادت مجهولاته في مجال معرفة هذا الموجود العجيب المعقّد المعجون بالأسرار ، وكلّما تعمّق في وجود الإنسان اعترضته علامات استفهام أكثر فأكثر! أجل ، الإنسان بالنسبة للجهلاء موجودٌ قد تمّت المعرفة به تماما . أمّا لدى عالم محقّق مثل البروفسور كارل الذي قضى عمراً يحقّق في فرع علم الإنسان فإنّ حاصل هذا العمر من التحقيق ونتيجته هو كتاب «الإنسان ذلك المجهول موجودٌ لم يُعرف» . وليس الإنسان وحده هو الموجود الذي لم يُعرف بعدُ لدى العلماء الحقّ
.
ص: 96
الواقعيّين ، بل إنّ الموجودات في العالم على الإطلاق كائنا كائنا وذرَّةً ذرَّةً موجوداتٌ معقّدةٌ مشبّعةٌ بالأسرار ولم تُعرف أيضا ، وقيل : إنّ عالما فرنسيا يُدْعَى فيلسْتي دِي لامِنِهْ قال : «لو أنّ أحداً استطاع أن يعرِّف حَبَّةَ الرمل وضعت اللّه في اختياره» . اللّهمَّ لا حبّة الرمل الواحدة بل الذرَّة من ذرّاتها أيضا لا تزال تُعجِز الإنسان عن وضع تعريف دقيق لها ، أليس هذا ، ما نراه من أنّ العلم يكتشف كلّ يوم أسراراً جديدة داخل قلعة الذرّة وأسرارها المكنونة؟! أليس هذا إشارة إلى عجز العِلم حتّى الآن عن معرفة ذرَّة من ذرّات الوجود معرفةً كاملة؟! ومن ثَمّ فإنّ الوجود قاطبةً _ في نظر العالم الواقعي على خلافه في نظر العالم الخيالي _ مليءٌ بالأسرار معقّد غير معروف ، وما ازداد العالم عِلما على علم إلّا ازداد معرفةً بأسرار الوجود وتعقيده ، ممّا يؤدّي إلى ظهور مزيد من العلامات المحتاجة للتحقيق ، كما يتّضح له مزيد من المجهول . وبناءً عليه ، فكلّما ازدادت معلومات الإنسان ازدادت مجهولاته ، حتّى يرى العدد قاصراً عن بيان المسافة بين معلوماته ومجهولاته ، وذلك لأنّ معلوماته محدودة ومجهولاته لا تنتاهى ، والعدد عاجز عن إحصاء ما لا يتناهى ، وثمّة كان قول الإمام علي عليه السلام : إِنَّ العالِمَ مَن عَرَف أَنّ ما يَعلَمُ فيما لا يَعلَمُ قَليلٌ ، فَعَدَّ نَفسَهُ بِذلِكَ جاهِلاً. وهذا بعينه معنى القول المنسوب إلى سقراط : بَلَغتُ مِنَ العِلمِ حَتّى عَلِمتُ أَنّي جاهِلٌ 1
.
ص: 97
وروي عن ابن سينا أيضا : والقلب وإن بذل غاية جهده في هذا الوادي لم يعرف قيد شعرة رغم أنّه شق شعرة. فاعتبار العالم الواقعي نفسه جاهلاً نسبيا لا يقتصر على سقراط وأبي عليوأمثالهما ، وإنّما _ كما قال الإمام علي عليه السلام _ هو من المميّزات الخاصّة بالعلماءالحقيقيين على الإطلاق بدون استثناء ، وما العالم إلّا هذا . فلنرى ماذا يقول الإمام علي عليه السلام عن علمه ، وكيف يقارن بين ما يعلم وما يجهل : إنّ هذا الإمام الفذّ الّذي يقول : سَلوني قَبلَ أن تَفقِدوني. (1) إنّ هذا الإمام العبقريّ الّذي يقول: عِندي عِلمُ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ. (2) إنّ هذا العالم الّذي تنقصفُ الأقلام وتكِلّ الألسن عن وصفه ولن تبلغ غايتها يقول: اِندَمَجتُ عَلى مَكنونِ عِلمٍ لو بُحتُ بِهِ لَاضطَرَبتُمُ اضطِرابَ الأَرشيةِ فِي الطَّوِيِّ البَعيدَةِ. (3) إنّ هذا العالم العظيم، مع علمه الغزير هذا الّذييستهلك الأسماع دون وفاء الاستماع ، يعتبر ما يعلمه بالنّسبة لِما يجهل ، لا يُعدّ شيئا ، وعندما يتضرّع بالدّعاء إلى ربّه ، يقارن علمه بالعلم الّذي لا حصر له ، علمِ اللّه سبحانه ، فيُقرّ أمامه ويعترف بجهله . ففي دعاء «يستشير» الذي ذكر عليه السلام بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله علَّمه اِيّاهُ وأوصاه أن يعلّمه
.
ص: 98
للخليفة من بعده وأن يردّد في العشيّ والإبكار ، نشاهده يخاطب اللّه عز و جل متضرعا : أنتَ العالِمُ وأَنَا الجاهِلُ (1) وأنها لحقيقة واقعية علميّة دقيقة!! إنّ الإمام عليه السلام لم يكن ليجامل أو ليبالغ أوليحيد عن إطار الحقيقة قيد شعرة ، وكلّ ما يصدر عنه عين الحقيقة لا ذرّة من زيادة أو ذرّة من نقصان . العالِمُ مَن عَرَفَ قَدرَهُ هذه عبارة اُخرى للإمام علي عليه السلام أيضا في صدد علائم العالم الحقيقي والتمييز بينه وبين أشباه العلماء وإن كانت على الظاهر شبيهة بسالفتها في المعنى ، وأمّا كامل قوله عليه السلام فهو : العالِمُ مَن عَرَفَ قَدرَهُ ، وكَفى بِالمَرءِ جَهلاً أن لا يَعرِفَ قَدرَهُ (2) ولا يَخفى أنّ المراد من «قدْره» هو مقدار علمه ، أي : أنّ العالم الحقّ هو من عرَف مقدار علمه وسلم من الغرور العلمي وداء رؤية النفس عالما ، ومن لم يبلغ هذه المعرفه ولم يعرف قدْر ما يعلم بالنسبة لما يجهل ليس جديراً بأن يسمّى عالما ، وكائنا مّا كان مقدار ما لديه من العلوم المختلفة فإنّ جهله هذا كافٍ للتضليل وسقوط الاعتبار عن آرائه وعقائده .
2 . التّعطُّش المتنامي لاكتساب العِلمبعد أن يزن العالم معلوماته بالنسبة لمجهولاته بميزان الدقّة ويفهم أن مايعلم بالنسبة لما لايعلم، شيء لا يحتسب ، يشتدُّ ظمأ الاطّلاع والوعي في روحه ، ويزيد العشقُ والولعُ بالعلم قدْرتَه وسعيَه لمعرفة حقائق الوجود كما قال الإمام عليه السلام :
.
ص: 99
العالِمُ مَن لا يَشبَعُ مِنَ العِلمِ وَلا يَتَشَبَّعُ بِهِ. (1) وكما قال عليه السلام أيضا : العالِمُ الَّذي لا يَمِلُّ مِن تَعَلُّمِ العِلمِ. (2) وعلى النقيض تماما أشباه العلماء مَن يصدّهم داء اعتبار النفس عالما عن مداومة الدّراسة ، ولا يُتيح هذا الداء الفرصة للمصاب حتّى يحقّق فيما لايعلم ، بل يوهمه بأنه عليم بكلّ شيء ، ولم يعُد ينقصه ما يحصله أو يكتسبه من العلم .
3 . التواضع لأهل العلمالعلامة الثالثة التي أشار إليها الإمام عليه السلام ضمن ما أشار به إلى العالم الحقّ هي الخضوع والتواضع لأهل العلم . فمهما بلغ الإنسان من العلم إذا قارن ما علم بما جهلِ ، لم يتملّكه الغرور ، فيحبس نظره فيما علم ليس إلّا ، بل إنّه ليأخذ تحقيقات الآخرين وعلومهم بعين الاعتبار ويقدرها ، فلا يسعه أمام العلماء نظراً لعلمهم إلّا أن يخضع لهم ويتواضع . وعلى خلاف ذلك العلماء الخياليون الذين يعتبرون أنفسهم أعلم العلماء ، فإنّهم لا يفتأون يرفعون من قدرهم على حساب الآخرين وتحقيرهم . هؤلاء المرضى يتصوّرون أنّهم لو تواضعوا للعالم لكان ذلك منقصةً من قدرهم العلمي ، ويتوهّمون أنّ الناس سيعزون احترامهم للعلماء الآخرين إلى قلّة علمهم ، ولهذا يتظاهرون بأنّه لا يوجد من هو أعلم منهم، ويتعاملون باستنقاص مع آراء جميع العلماء ويعرِّضون بها، دون مطالعة متأنية وتدقيق .
.
ص: 100
4 . اتّهام الرأي الذاتيرابعة علامات العالم الحقّ فيما أورده الإمام عليه السلام من خصائص هي اتّهام الشخص رأيه ونظره . فالعالم الواقعي الواعي _ لأن مجهولاته لا تتناهى _ لا يبرّئ رأيه أو نظره من الخطأ مطلقا ، بل إنّه لينظر إليه بعين الاتّهام ، ولا يعتبر أيَّ فرضيةٍ نظريةً علميةً منطقيةً منطبقةً على الواقع ما لم تثبت لديه بصورة قطعية . فما أكثر الآراء والعقائد التي ظلّت القرون المتمادية على العالم باعتبارها نظريات علميّة قطعية ، لا يتبادر الشكّ في صحّتها لأيّ إنسان ، أو يسمح إنسان لنفسه بالارتياب في صحّتها ، حتّى أثبت التطوّر العلمي بطلانها؟! ودونك فرضية بطليموس في علم الهيئة وأمثالها في المسائل النظرية ليست قليلة .
5 . اختيار الصمتخامسة ميزات العالم الحقّ في كلام الإمام عليه السلام هي ملازمة الصمت . إنّ العالم الواقعي المدرك _ بأنّ معلوماته نزر يسير أمام مجهولاته التي لا تعدّ ولا تحدّ _ لا يسمح له عقله إبداء رايهِ في كلّ مسألة . روى الشهيد الثاني رحمه اللّه عن القاسم بن محمّد بن أبي بكر _ أحد فقهاء المدينة المتّفق على علمه وفقهه بين المسلمين _ أنّه سئل عن شيءٍ فقال : لا اُحسنه ، فقال السائل : إنّي جئت إليك لا أعرف غيرك فقال القاسم : لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي ، واللّه ما اُحسنه . فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه : يابن أخي الزمها ؛ فقال : واللّه ما رأيتك في مجلس أنبل منك مثل اليوم ، فقال القاسم :
.
ص: 101
وَاللّهِ لَأَن يُقطَعَ لِساني أَحَبُّ إِلَيَّ أَن أَتَكَلَّمَ بِما لا عِلمَ لي بِهِ. (1) وهكذا ، كلّ معاف من الغرور العلمي سالم من داء اعتبار النفس عالما ، ليس على استعداد مطلقا وبأيّ قيمة أن يُبديَ رأيا فيما لايعرف ، ومن ثَمَّ يلتزم السكوت والصمت ويمسك عن جواب الكثير من المسائل ، وهذا ما يتضمّنه البيان الرائع من الإمام علي عليه السلام حينما يقول : قولُ «لا أعلَمُ» نِصفُ العِلمِ. (2) إنّ هذا على خلاف المبتلين بالغرور العلمي واعتبار النفس عالما ، الذين لا يتريّثون بل يتعجّلون الإجابة عمّا يُسأَلون دون تأمّل ، اُولئك الذين لا يقتصر على وصفهم بأنّهم ليسوا علماء ، وإنّما هم مرضى ، أو كما نعتَهم الإمام الصادق عليه السلام بأنهم مجانين : إِنَّ مَن أجابَ في كُلِّ ما يُسأَلُ عَنهُ لَمَجنونٌ. (3)
6 . التحفّظ من الخطأوهو الميزة السادسة فيما أورد الإمام عليه السلام من علامات العالم الحقّ . فمن برئ من الغرور العلمي وعرف مقدار ما يجهله ، إذا أراد أن يبدي رأيا في مسألةٍ مّا استجمع فكره وسيطر على حواسّه حذر الوقوع في الخطأ ، ثمّ يُظهر رأيه بكلّ دقّة آخذا كلّ أبعاد المسألة المعنية وجوانبها المختلفة بعين الاعتبار . فلسان العاقل وراءَ عقله (4) دائما ، فلا ينطق مطلقا بكلام غير موزون ، تحاشيا
.
ص: 102
لارتكاب الخطأ فيما يقول ، على خلاف المبتلى بالغرور المؤوف باعتبار النفس عالما الذي يبدي رأيه ارتجالاً دون تأمّل في كلّ مايُعرض عليه .
7 _ عدم إنكار المجهولوآخر العلامات التي حدّد بها الإمام عليه السلام شخصية العالم الحقّ _ والذي يستحقّ من وجهة نظر الإمام عليه السلام أن يقال عنه عالم _ هي عدم إنكاره ما جهل وما يعلم : وإِن وَرَدَ عَلَيهِ ما لا يَعرِفُ لَم يُنكِرهُ ؛ لِما قَرَّرَ بِهِ نَفسَهُ مِنَ الجَهالَةِ . هذا المعافى السالم من الغرور العلمي العارف ضآلة معلوماته وعدم تناهي مجهولاته لا يجيز له عقله على أيّ حال أن ينكر ما لا يعرفه وما هو مجهول بالنسبة له . وبهذا المعنى نقل عن ابن سينا أنّه قال : كلّ ما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم يَذُدك عنه قائم البرهان . (1) وإنّها لحقيقة عقلية علميّة : أنّ «عدم المعرفة لا يدلّ على عدم الوجود» فما أكثر الأشياء التي لا علم للإنسان بها ، ولكنّها موجودة . وهل كان البشر قبل ألف سنة على علم بحركة الدم وحركة الذرّة ومئات الحقائق العلمية الاُخرى التي تكشّفت وثبتت اليوم؟ فهل كان عدم العلم بهذه الاُمور فيما سبق يمكن أن يكون دليلاً على عدم وجودها كحقيقة واقعية ؟ فلو أنّ الإنسان كان من أهل العلم بالمعنى الواقعي لعلم أنّ أكثر حقائق الوجود اُمور مجهولة بالنسبة للبشر .
.
ص: 103
وأميرالمؤمنين عليه السلام ضِمن كلام آخر له في بيان خصائص العالم الواقعي وأشباه العلماء يقول : لا تَقولوا بِما لا تَعرِفونَ ، فَإِنَّ أَكثَرَ الحَقِّ فيما تُنكِرونَ. (1) ولكنّ المسألة التي بلغت من الوضوح والبيان إلى هذا الحدّ وفهم كل ذي شعور أنّه لا حقّ له في إنكار ما لا يعرف وما هو مجهول لديه قدعمي عنها من علقوا بشباك الغرور العلمي فريسة لاعتبار النفس عالما ، ولا يرون إلّا خلافها . وهناك مزيدٌ من الإيضاح في هذا الصدد عندما نتحدّث عن اُولي علائم العقائد غير العلمية .
علائم المعتقدات غير العلميةويمكن اختبار العقائد غير العلمية والتعرّف عليها _ اُسوةً بما فعلنا بالنسبة للعقائد العلمية _ عن طريق خصائص صاحب العقيدة ، وبقول آخر : إنّ علائم العقائد هي عين علائم العلماء الخياليّين وخصائص الجهلاء أشباه العلماء ، التي وردت في كلام الإمام عليه السلام بعد أن بيّن علائم العالم . وفي هذا القسم أيضا نستهلّ بذكر نصّ الرواية ، ثمّ نطرح العلائم كلّا على حدة على بساط البحث : إِنَّ الجاهِلَ مَن عَدَّ نَفسَهُ بِما جَهِلَ مِن مَعرِفَةِ العِلمِ عالِما ، وبِرَأيِهِ مُكتَفِيا ، فَما يَزالُ مِنَ العُلَماءِ مُباعِداً ، وعَلَيهِم زارِيا ، ولِمَن خالَفَهُ مُخَطِّئا ، ولِما لَم يَعرِف مِنَ الأُمورِ مُضَلِّلاً ؛ فَإِذا وَرَدَ عَلَيهِ مِنَ الأَمرِ ما لا يَعرِفُهُ أَنكَرَهُ وكَذَّبَ بِهِ ، وقالَ بِجَهالَتِهِ : ما أَعرِفُ هذا ، وما أَراهُ كانَ ، وما أظُنُّ أَن يَكونَ، وأنّى كانَ ، ولا أعرِفُ ذلِكَ؛ لِثِقَتِهِ بِرَأيِهِ، وقِلَّةِ مَعرِفَتِهِ بِجَهالَتِهِ. فَما يَنفَكُّ مِمّا يَرى فيما يَلتَبِسُ عَلَيهِ رَأيُهُ ومِمّا لا يَعرِفُ لِلجَهلِ
.
ص: 104
مُستَفيداً ، ولِلحَقِّ مُنكِراً ، وفِي اللَّجاجَةِ مُتَجَرِّيا ، وعَن طَلَبِ العِلمِ مُستَكبِراً. (1) فبناءً على ما جاء في هذه الرواية يتّضح أنّ علائم العقائد غير العلمية ومشخّصات أشباه العلماء سبعٌ مقابل سبع للعقائد العلمية . وخلاصتها أنّها عبارة عن : عدم الاهتمام بمجهولاتهم ، عدم الاكتراث بآراء الآخرين ، اجتناب العلماء ، تخطئة المخالفين ، إنكار ما يجهلون ، اللجاجة في البحث العلمي ، والأنَفُ من تحصيل العلم . وإليك التحقيق في هذه العلائم وبيانها .
1 . عدم الاهتمام بالمجهولاتإنّ أول ما يميّز أصحاب الآراء غير العلمية _ مَن صوّر لهم مرض اعتبار النفس عالما في أنفسهم علماء _ أنهم لايرون مجهولاتهم ، فتعاظمت معلوماتهم القليلة التافهة وبدت كبيرة في أنظارهم ، حتّى يتصورون أنفسهم علماء على الاطلاق ، حتّى وكأنه لم يعد هناك مجهول بالنسبة لهم ، ولهذا نراهم يفرضون أنفسهم في كلّ موضوع كخبراء ، ويجيزون لأنفسهم عن طريق الظنّ والتخمين أو كما يقال اليوم عن طريق «التحليل» الحقّ في إبداء الرأي في أيّ شيء كان ، على أنّه رأي علميّ قطعي . هؤلاء الأفراد مهما كان مقدار علمهم أو معرفتهم بعلوم شتّى هم في نظر الإمام علي عليه السلام ليسوا غير أكفاء لصفة العالم أو لقبه فحسب ، بل ما أحقّهم بنعت الجهلاء الواقعيين والأغرار الفارغين :
.
ص: 105
إِنَّ الجاهِلَ مَن عَدَّ نَفسَهُ بِما جَهِلَ مِن مَعرِفَةِ العِلمِ عالِما . لأنّ الجهل بمقدار علمه أوقعه في أعماق بئر الجهل الظّلماء حيث لا نور يصل إليها فيفيده . وعليه ، فإنّ إحدى الطرق التي تُختبر بها العقيدة ويُميَّز بين العقائد العلمية وغير العلمية هي أن يُختبر صاحب العقيدة فيما إذا كان مصابا بالغرور العلمي معتلاً باعتبار النفس عالما أم أنّه معاف منهما؟ وما إذا كان يجيز لنفسه الإدلاء برأيه فيما لايعرف أم لا؟ وأخيراً ، إلى أيّ حدّ يعتبر نفسه عالما . لقد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : مَن قالَ «أنا عالِمٌ» فَهُوَ جاهِلٌ. (1) فاُولى خصائص العلماء وأهل الفهم سلامتهم من الغرور العلمي ، والعلماء الحقّ يدركون _ وهم على أول درجة من سلالم العلم _ أنّ معارفهم لا يُعتدّ بها أصلاً إزاء ما يجهلون ، وعلى هذا يتّضح أنّ المبتلين بالغرور العلمي والذين يحسبون أنهم يحتازون علما لم يضعوا أقدامهم على اُولى درجات المعرفة بعدُ ، وهذا مصداق قول أميرالمؤمنين عليه السلام : مَنِ ادَّعى مِنَ العِلمِ غايَتَهُ فَقَد أَظهَرَ مِن جَهلِهِ نِهايَتَهُ. (2) إنّ قصّار النظر وأصحاب الصّدور الضيّقة والسطحيّين إذا وصلوا ولو إلى نزر من العلم استبدَّ بهم الغرور العلمي ويقيسون مجهولاتهم على الإطلاق بمقياس هذا النزر من معلوماتهم ، وبالتالي يعتبرون أنفسهم علماء بصورة مطلقة . فاُستاذ الآداب المتخصّص فيها يتصوّر أنّ كلّ من كان على شاكلته في فهم
.
ص: 106
الآداب قد أحاط بكلّ شيءٌ علما ، وأنّ في إمكانه أن يحكم في أيّ مسألة كانت ويُظهر الرأي القاطع فيها . وعالم الرياضيات يرى أنّ قبيله من الرياضيين هم العلماء بالإطلاق ، وأنّ لهم الحقّ في إبداء آرائهم في كلّ أمر من الاُمور المختلفة حتّى العقائدية والاجتماعية . وهكذا الحال بالنسبة للفقيه والأصولي والفيلسوف والمفسّر وهلمّ جرّا ، فكلّ من تخصّص في فرعٍ من فروع العلم والمعرفة إذا ابتلى بالغرور العلمي ولم يعرف النسبة بين معلوماته ومجهولاته ولم يضع معلوماته في مكانها إزاء مجهولاته يزعم أنّه ما دام فكره في دائرة تخصّصه صائبا ، فلا يمكن إلَا أن يكون صائبا حتّى فيما يخرج عن دائرة اختصاصه ، ومن ثمَّ يعطي لنفسه الحقّ في إبداء الرأي في أيّ مسألة كانت . يُحكى أنّ نحويًّا ركب سفينةً ، وأثناء الحديث بينه وبين الربّان شاقَه أن يتظاهر بعلمه وقدر هذا العلم وحتّى يشوّق الربّان على تعلّمه ، سأله قائلاً : هل تعلّمت النحو؟! فأجاب الربّان : كلّا!! فقال النحوي : لقد أضعتَ نصف عمرك!! إنّ من لم يتعلّم النحو أضاع عمره في الجهل وعدم المعرفة ، فإن أردت أن تفوز بالنصف الثاني من عمرك وجب عليك أن تحصل هذا العلم!! ففكّر الربّان مَليًّا ، إلّا أن الجواب المناسب للردّ على هذا الأديب المغرور أعيى عليه ، وما هي إلا وعصفت الرياح وهاج البحر وغشيهم موجٌ كالظلل ، وغلب البحر السفينة على تعادلها يتقاذفها كلّ لحظة من صوب إلى صوب حتّى أشرفت على الغرق . التفت الربّان إلى النحوي فوجده قد فقَد نفسه هلعا ولم يعُد يدري يده من رجله! وكانت الفرصة المناسبة للإجابة على سؤاله ، فقال : يا اُستاذ ، هل تعلّمت السباحة؟ فأجاب النحوي : كلّا ، أنا لا اُجيدُ السباحة . فقال الربّان : لقد أضعت كلّ عمرك؛ فلا سبيل للنجاة الآن إلّا بالسباحة!!
.
ص: 107
وما أقلّ العلماء _ على خلاف هذا النحوي _ ممّن ليسوا فريسة الغرور العلمي ، وخاصّةً في المسائل العقائدية . أما المغرورون فالكلّ سواء ؛ ممّن لم يحقّقوا ومن اكتفى من البحر بالقطرة ، في أنهم يعلّقون نوط الاجتهاد على صدورهم ، ويعطون لأنفسهم الحقّ في إبداء الرأي ، حتّى فيما ليس من اختصاصهم .
أساس الاختلافات العقائديةوهنا بالذات يكمن أحد الجذور الأصلية للاختلافات العقائدية والتضادّ بين النظريات المختلفة السّائدة على العالم ، وذلك هو إبداء من ليسوا من أهل الاختصاص آراءَهم وتطفّلهم على الرأي . فالجاهل _ بما أنّه يعتبر نفسه عالما _ يُبدي رأيهُ ، وغيره من الجهلاء ينجرّون لرأيهِ على زعم أنّه عالم ، بدون أن تكون مسألة تخصّصه في دائرة رأيهم ، فيقتدون به ، وهنا منشأ العقائد والنظريات المختلفة المتضادّة . لقد روي عن الإمام علي عليه السلام كلام بهذا الخصوص ، لو أننا اعتبرناه من معجزات الإمام لما كنا مبالغين ، قال عليه السلام : لَو سَكَتَ الجاهِلُ مَا اختَلَفَ النّاسُ. (1) فالحقّ _ والحقّ يُقال _ لو أمسك الجاهل عن إبداء رأيه فيما لا يعرف ولم يُقْحِمْ عالم رأيهُ فيما لا يختصّ به لارتفعت الخلافات الفكرية والعقائدية من البين ، ولالتقت الأفكار في رأي مشترك. فلو التزم الجاهل في السوق والحوزة والجامعة وما إلى ذلك بالصمت والسكوت ، ولو كفَّ الجاهل عن التطفّل برأيه على الرأي السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي وما إلى ذلك ، ولو كبح الجاهل جماحه عن التدخّل بالقول في الفلسفة
.
ص: 108
أو الفقه أو الاُصول أو التفسير ، وأخيراً ، لو أنّ غير أهل الاختصاص لم يظهروا آراءهم وعقائدهم بالنسبة للمسائل العقائدية ، لاقتلعت اختلافات المجتمع البشري من جذورها . وإذا كنّا نشاهد في عصرنا الحاضر _ وعلى امتداد التاريخ _ العشرات من المدارس والمئات من العقائد والآلاف من الأفكار المختلفة والآراء المتباينة ، وأنّ كلَّ مَنْ جمعَ حوله لفيفا يَنصِبُ نفسه عليهم مُنظّراً وزعيم منظّمة ويفرض نظريته وعقيدته الخاصّة عليهم ثُمّ بحثنا عن سبب هذه الاختلافات بحثا جذريًّا لوصلنا إلى جذرها هذا الذي أشار إليه الإمام سلام اللّه عليه ، وأنّه إظهار الجهلاء وغير المتخصّصين وجهات أنظارهم الفجّة وإقحامهم آراءهم الفقاعية على الواقع والحقيقة . ولو أنّ أصحاب الأفكار المختلفة صمَّموا على أن لا يظهروا آراءهم بالنسبة لشيءٍ مّا لم يثبت لهم الرأي بصورة قطعية ، وألّا يعرضوا فرضياتهم التي لم تثبت بعدُ على أنها نظريات علميّة ، فإنّ الخلاف بين وجهات النّظر سيقتلع جذريا من بين المجتمع ، وستلتقي جميع الأفكار في مجال الحقائق الكونية في وجهة نظر مشتركة ، وذلك لأنّ الحقّ واحد لا غير ، ولا يمكن إلّا أن يكون واحداً بالضرورة . وفي كلّ هذه النظريات المتناقضة والأفكار المختلفة والعقائد المتضادّة لا محالة من عقيدة صحيحة علميّة مطابقة للواقع ، والباقيات غير صحيحة وغير علميّة وغير منطبقة على الواقع وكيف يتأتّى أن يكون قولي حقًّا وقولك حقا وقول الآخر كذلك وآراؤنا متناقضة تماما فيما بينها؟! ولكلٍّ منّا رأيهُ الخاصّ المغاير للآخرين؟!
.
ص: 109
2 . عدم الاكتراث بآراء الآخرينوثانية علامات أصحاب الآراء والعقائد غير العلمية هي أنهم لا يعترفون بآراء الآخرين بأيّ قيمة ، فلا يأبهون لعقائدهم أو يعتنون بها ، بل على حدّ قول الإمام عليه السلام : بِرَأيِهِ مُكتَفِيا . وعليه ، فإنَّ مِن طرق اختبار العقيدة أن يُختبر صاحبها ، هل يسمح لنفسه أن يخوض في آراء الآخرين وعقائدهم فيدرسها ويتأمّلها؟ أو أنّه يعتقد أنّ كلّ ما يقوله هو الصواب والصحيح ، وما يقوله غيره خطأ باطلٌ . فمن ابتُلِي بداء اعتبار النفس عالما _ من شأنه أن يعتبر نفسه عالما على الإطلاق _ فهو من هذا الحيث لا يشعر بحاجة إلى مطالعة آراء الآخرين أو دراستها . أمّا الصحيح السالم من هذا الداء العارف قدر معلوماته المحدودة إزاء مجهولاته الّتي لا تنتهي فإنّه يحتمل صحَّة الفهم لدى الآخرين ، فلا يكتفي برأيه بل يتّخذ رأي الآخرين موضوعا للبحث والدراسة أيضا . والإمام عليه السلام في رواية اُخرى يقول : ما اُعجِبَ بِرَأيِهِ إِلّا جاهِلٌ. (1)
3 . اجتنابُ العلماءثالثة علامات أصحاب الآراء والعقائد غير العلمية هي أنهم يتجنّبون الاقتراب من العلماء الحقّ ، وكأنهم خفافيش الليل تفرّ من ضوء الشمس ، وتقضي يومها المشرق بين دياجير القباب والكهوف . إنّ اُولئك النّاس على الظاهر يَفزعون أيضا من نور
.
ص: 110
العلم ومن العلماء الحقّ ، فلا يجيزون لأنفسهم الخروج من مخابئهم والدنوّ من العلماء الواقعيين والتنعّم بقبس من نور العلم ، مصداقا لقول الإمام عليه السلام : فَما يَزالُ مِنَ العُلَماءِ مُباعِداً ، وعَلَيهِم زارِيا . المتظاهرون بالعلم والمعرفة يهاجمون دائما من آراء العلماء وعقائدهم من بعيد ، فدأبُهم النَّقُّ لا النَّقد . فالمبتلى بداء اعتبار النفس عالما ليس على استعداد ليجالس عالما ليباحثه ويناظره ويحتكم إليه في عقائده . إنه يلقي بالرأي على عواهنه فيما يختصّ بالمبدأ أو المعاد أو ما يختصّ بالاقتصاد أو السياسية أو العدالة الاجتماعية أو إدارة شؤون الدولة وما إلى ذلك ، على أنّ رأيهُ هوالرأي الأوحد ولا غير ، ولا صحّة إلّا لما يقوله هو أو الحزب أو المجموعة أو المؤسّسة ، أمّا ما يقوله الآخَر فلا نصيب له من الصواب . حتّى إذا ما رفض المجتمع رأيه أو رأى الحزب أو الجمعية أو المؤسّسة ، شقّ العصا وتخلّف ليطلق لسانه بالنقد والنقيق .
4 . تخطئة المخالفينو رابعة علامات داء اعتبار النفس عالما وآثاره هي أنّ المصاب لا يفتأ يخطّئ آراء الآخرين وعقائدهم . أو بعبارة اُخرى : إنّ المبتلى بداء المعرفة الخيالية أو العلم الخيالي يعتقد أنّ مفتاح الوعي والتنوّر الفكري مُلكٌ لقبضته ، ويتصوّر أنّ على الآخرين فيما لو أرادوا أن لا يخطئوا في فهم آرائه وعقائده أن يلتزموا طريقة تفكيره ويقتفوا أثره حتّى يصلوا إلى ما وصل إليه ، فاذا لم يصلوا إلى ما وصل إليه فآراءهم وعقائدهم ، خطأ
.
ص: 111
وضلالة ، كما قال عليه السلام : ولِمَن خالَفَهُ مُخَطِّئا .
5 . إنكار ما يجهلونوخامسة علائم ذوي الآراء غير العلمية هي إنكارهم لما يجهلونه من الحقائق ، وبقول أميرالمؤمنين علي عليه السلام : إِنَّ الجاهِلَ . . . إذا وَرَدَ عَلَيهِ مِنَ الأَمرِ ما لايَعرِفُهُ أَنكَرَهُ وكَذَّبَ بِهِ ، وقالَ بِجَهالَتِهِ : ما أَعرِفُ هذا ، وما أَراهُ كانَ ، وما أَظُنُّ أن يَكونَ ، وأَنّى كانَ؟! ولا أَعرِفُ ذلِكَ ، لِثِقَتِهِ بِرَأيِهِ وقِلَّةِ مَعرِفَتِهِ بِجَهالَتِهِ . كما قال عليه السلام أيضا : لا تَرُدَّ عَلَى النّاسِ كُلَّ ما حَدَّثوكَ بِهِ ، فَكَفى بِذلِكَ جَهلاً. (1) فمثلاً : لو قيل قبل ألف عام لمصاب بداء اعتبار النفس عالما : إنّ هناك كائنات حيّةً _ من الصغر بحيث لاتراها العين المجرّدة _ هي سبب الأمراض الجسمية . أو قيل له : إنّ الدم يدور في الجسم ، فإن توقّف عن الدوران مات الإنسان؛ أو قيل له : إنّ المادّة تتكوّن من جزيئات صغيرة ، وكلّ جزيئة تتكوّن من ذرّات ، وفي كلّ ذرَّةٍ الكترونات تدور حول بروتونات أو نواة بسرعة مذهلة ، وإنّ الإنسان يصنع من هذه الذرّة أنواع الأسلحة المدمّرة التي تنسف الحياة في الكرة الأرضية نسفا في بضعة لحظات ، لكان قد نفاها من دون أدنى شكّ ، واعتبرها أوهاما وخرافات ، ولَزعم أنها لو كانت حقائق موجودة لكان قد عرفها بالضرورة!! وما دام لم يعرفها فهي ليست حقائق واقعية ، وكذّب من يدّعي وجودها ، فما يدع إلّا رأيا لايقوم على أساس علمي غير مطابق للواقع!!
.
ص: 112
إنّ الإمام عليّ عليه السلام ولأجل استئصال مثل هذا التعامل مع الحقائق العلميّة من قِبَل الذين يدّعون المعرفة ، يقول : وذلِكَ لِثِقَتِهِ بِرَأيِهِ وقِلَّةِ مَعرِفَتِهِ بِجَهالَتِهِ . وبعبارة اُخرى : لو أنّ اُولئك المنكرين _ لما جهلوا من الحقائق تحت تأثير داء اعتبار النفس عالما _ عرفوا مدى جهلهم وأنّ ما علموا لا يُعدّ شيئا مطلقا في مقابل ما جهلوا ، لما عبدوا عقائدهم أو اعتمدوها كلّ هذا الاعتماد ، ولما أنكروا ما لا علم لهم به . إنّ الإمام علي عليه السلام يوضّح الآثار الوخيمة لهذا المرض الخطير عند استرساله في الكلام : فَما يَنفَكُّ مِمّا يَرى فيما يَلتَبِسُ عَلَيهِ رَأيُهُ ومِمّا يَعرِفُ لِلجَهلِ مُستَفيداً ، ولِلحَقِّ مُنكِراً . وهذا ، أخطر أثر سيئ لاعتبار النفس عالما ، إذ أنّه لا يقتصر على القصر الدائم للمريض وقيده في أغلال الجهل وعدم المعرفة ودوام الزيادة على جهله المركّب ، بل إنه ليشتدّ ويتفاقم بالتدريج فتظهر للمريض جهالات مستحدثة في صورة العلم ، من شأنها أن توصد باب العلاج في وجهه أكثر فأكثر .
6 . اللجاجة في البحث العلميوسادسة العلامات التي تشخّص أصحاب الآراء والعقائد غير العلمية هي لجاجتهم وتعنّتهم في المباحث العلمية . فالمبتلى بهذا الداء حَرِج الصدر بصحّة قول الطرف المقابل دائما ، فتراه أثناء البحث والمناظرة يحاول أن يثبت قوله ، وأن يحمل المخاطب على قبول رأيه وعقيدته بصفاقة ولجاجة لا غير . كما قال عليه السلام :
.
ص: 113
وفِي اللَّجاجَةِ مُتَجَرِّيا .
7 . الأَنَفُ من تحصيل العلموهو العلامة السابعة والأخيرة التي تميّز أصحاب الآراء والعقائد غير العلميّة وتشخّصهم : وعَن طَلَبِ العِلمِ مُستَكبِراً . إنّ من أعماه ما يعلم عن المعرفة بما لا يعلم لا يكترث أو يأبه بآراء غيره ويجانب العلماء ويخطّئُ آراء المخالفين وعقائدهم ويسعى لتثبيت عقيدته بلجاجة ، وليس للتعلّم والتحقيق في نظره معنى ، فإنّ هذه الصفات تولّد في نفسه كِبراً وغروراً يحرمانه أبداً من معرفة حقائق الوجود .
.
ص: 114
. .
ص: 115
الفصل السادس : حرّية العقيدةإنّ حرية العقيدة إحدى المسائل المهمّة للغاية التي تحظى بالعناية في عالم اليوم ، وخاصّةً بعد صدور البيان الدولي بإعلان حقوق الانسان . لقد نصَّت المادة الثامنة عشرة من ميثاق الاُمم المتّحدة بخصوص الحقوق المدنية والسياسية على ما يأتي : 1 . يحقّ لكلّ إنسان أن يتمتّع بحرّية الفكر والوجدان والمذاهب ، ومنها حقّه في اعتناق المذهب والعقيدة التي يرغبها ، كما أنّ له الحقّ في التظاهر بمذهبه أو عقيدته انفراديا أو جماعيا ، سرّا أو علنا عن طريق العبادات وممارسته الفرائض والطقوس الدينيّة. 2 . لا يجوز أن يتعرّض أحد لمكروه يخلّ بحرّيته في التمتّع بدينه أو معتقده ، أو في اعتناق ما يودّه من مذهب أو عقيدة . 3 . لا يجوز أن تخضع حرّية التظاهر بالمذهب أو العقيدة لأيّ نوع من التحديد ، إلّا فيما ينحصر فيما يستوجب قانونا تفرضه الضرورة لحماية الأمن والنُّظم وسلامة الأوضاع أو الحفاظ على العفّة العامّة أو حفظ حقوق الآخرين وحرّياتهم الأساسية .
.
ص: 116
4 . تتعهّد الدول المتبنّية لهذا الميثاق باحترام حرّية الوالدين أو أولياء الاُمور القانونيين حسب ما هو كائن في تأمين التعليم المذهبي والأخلاقي لأطفالهم وفقا لمعتقداتهم الخاصّة . ونصّت المادّة التاسعة عشرة من نفس الميثاق على ما يأتي : 1 . يحقّ لكلّ أحد أن تكون له عقائد مصونا من تدخل الآخرين . 2 . لكلّ إنسان حقّه في حرّية التعبير عن رأيه ، بما يشمل حرّية البحث عن المعلومات والأفكار وتحصيلها ونشرها أيًّا كان نوعها ، بغضّ النظر عن الحدود ، وذلك سواء بصورة شفهية أو مكتوبة أو مطبوعة أو على شكل فنّ أو بأيّ وسيلة اُخرى يرغبها . 3 . تنفيذ الحقوق المذكورة في الفقرة الثانية من هذه المادّة يستوجب حقوقا ومسؤوليات خاصّة ، ولذا كان من الممكن أن تخضع لتحديدات معيّنة يقرّرها القانون ضرورة لما يلي : أ _ احترام حقوق الآخرين وحيثياتهم . ب _ حفظ الأمن الوطني أو النظام العامّ أو سلامة المجتمع أو عفافه . (1) ونريد في هذا الفصل أن نناقش مسألة حرّية العقيدة من وجهة نظر العقل وفي رأي الاسلام ، ثمّ نبيّن الهدف من عرض هذه المسألة في عالم اليوم ، وهذا يستلزم عرض ثلاث مسائل مبدئية مقدّمةً لبحثنا في هذا الفصل ، وهي : معنى العقيدة ، ومنشأ العقيدة ، ومعنى حرّية العقيدة .
معنى العقيدةلقد تناولنا هذا الموضوع بالشرح بصورة مفصّلة في الفصل الأول من هذا الكتاب ،
.
ص: 117
وقلنا : إنّ كلمة «العقيدة» هي الاسم من مادّة «عَقَدَ» وتعني الشّدَّ والربط ، فحينما ينجذب الرأي إلى الذهن ويرتبط به يُسمَّى عقيدة ، ولا فرق هنا بين الرأي الصائب أو الباطل ، وعليه ، فإنّ العقيدة تُطلق على كلّ ما يؤمن به الإنسان سواء أكان حقًّا أم باطلاً ، صحيحا أم خطأً ، مطابقا للواقع أم غير مطابق ، مفيداً له ولمجتمعه أم مضرّا .
منشأ العقيدةمن أين تنشأ عقائد الإنسان وتصديقاته؟ هذه العقائد التي تشكّل الأساس في تصرّفاته ومواقفه في الحياة كيف يؤمن الإنسان بشيء ويعتقده ويقتنع به؟! وإنّه لسؤال مهمّ للغاية ، يقتضي الإجابة عليه قبل البحث في مسألة حرّية العقيدة ، فالجواب عليه يساعد على إبداء الرأي في مسألة حرّية العقيدة بسهولة . فلو أننا أمْعَنَّا النظر قليلاً لتشخّص أنّ عقائد الإنسان وتصديقاته راجعة إلى أحد هذين المصدرين أو المنشأين : التحقيق و التقليد .
1 . التحقيقفالإنسان عندما يفكّر بمئِ حرّيته ويطالع ويحقّق في مسألةٍ مّا قد يتوصّل في هذا الصدد إلى عقيدةٍ مّا ، مثلا ، لو أنّه حقّق فيما إذا كانت الأرض تدور حول الشمس أم أنّ الشمس تدور حول الأرض أو فيما إذا كان هناك شيء آخر وراء المادّة أم لا . . . وما شاكل لكان حينئذٍ قد اتّخذ التحقيق أساسا ومنشأً تصدر عنه عقيدته ، سيّان أكان رأيه واعتقاده سديداً مطابقا للواقع أم لا .
2 . التقليدوقد لا تكون عقيدة الإنسان حصيلة دراسةٍ وفحصٍ يبنيان على تفكير حرّ ، إمّا أنّه
.
ص: 118
قد قبل العقيدة بلا دراسةٍ وأمّا قبلها بعد الدراسة ولكنّه بتأثيرٍ من التفكير المكبَّل بالتقليد ، وفي كلتا الحالتين يقوم اعتقاده على أساس التقليد . بناءً على ما تقدّم فالمنشأ الأساسي للعقيدة ومصدرها إمّا التحقيق وإمّا التقليد ، إلا أنّ هناك بطبيعة الحال منشأً ثالثا وهو الإلهام والإشراق ، ونظراً لكونه ليس مصدراً عامًّا بل هو خاصّ بمن يستثنون من الأفراد بما يخرجه عن نطاق بحثنا الآن فلنستمهله إلى حينه . (1) أمّا ما يسترعي الانتباه هنا فهو أنّه بمجرّد دراسة معمّقة يتّضح لنا أنّ أغلب عقائد الناس وتصديقاتهم فاقدة للأساس الفكري ولا أصل لها من البحث والاستدلال ، وإنّما هي ثمرة التقليد!! فالأب والامّ ، والقوم والقبيلة والبيئة ، والحزب والمنظّمة والجمعية ، والشخصيات المحترمة ، كلٌّ يلقّن الإنسان رأيا ووجهة نظرٍ ، يتقبّله تلقائيا فيقلّده دون أن يطالب بدليل أو برهان عليه ، فيألفه ثّم يتعوّد عليه رويداً رويداً حتّى ينعقد في ذهنه وروحه ويصير عقيدةً له . ولهذا كانت العائلة والبيئة عاملَين أساسين لهما دور كبير في بلورة عقائد الغالبية الساحقة من الناس ، وعلى وجه العموم فإنّ الآراء والمعتقدات تنتقل إلى الفرد عن طريق عائلته أو عن طريق من يعيش في بيئتهم ، وقليلٌ جدّاً اُولاء الذين يختارون عقائدهم على أساس البحث والتثبّت فقط ، ومن ثَمّ حذّر القرآن الكريم الإنسان من تقليد أكثر الناس ، قال تعالى : «وَإن تُطِعْ أكْثَرَ مَن فِى الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إن يَتَّبِعُونَ إلَا الظَّنَّ وَإنْ هُمْ إلَا يَخْرُصُونَ» . (2)
.
ص: 119
حرّية العقيدةولا بدّ لنا قبل البحث في حرّية العقيدة توضيح معنى هذه الحرّية ، فما لم يتضّح معناها لا يتسنّى لنا الحكم بصحّتها أو عدم صحّتها . ويمكن أن نتناول حرّية العقيدة بالتفسير من جوانب ثلاثة : الأول : الحرّية في انتخاب العقيدة ، وتعني أنّ الإنسان حرٌّ في الاعتقاد بما يريد . الثاني : الحرّية في التظاهر بالعقيدة ، وتعني أنّ الإنسان حرٌّ في الإفصاح عمّا اعتقده . الثالث : الحرّية في نشر العقيدة ، وتعني أنّ الإنسان حرٌّ في نشر عقيدته والترويج لها . وعليه ، فقد يتوجّه الحديث عن حرّية العقيدة إلى أحد هذه المعاني الثلاثة ، أو أنّه يتوجّه إليها جميعا . والآن _ بعد أن عرفنا معنى العقيدة ومنشأها وما ذكر في تفسير حرّية العقيدة _ فقد حانت الفرصة لنطالع رأي العقل فيها .
حرّية العقيدة في رؤية العقلإنّ للعقل رؤيةً ورأيا لكلّ واحدة من هذه المعاني فلا يسعه أن يحكم على كلّها حكما واحدا بصورة مطلقة لذا ينبغي أن يُدرس كلّ من هذه المعاني على حدة .
أ _ حرّية انتخاب العقيدةأول معاني حرّية العقيدة هو أن يكون الإنسان حرّاً في انتخاب ما يشاء من العقائد
.
ص: 120
فيؤمن بما يميل إليه قلبه ويعتقد ما يرغب فيه فؤاده . فلو أمعنّا النظر قليلاً لتبيّن لنا أنّ هذا النوع من حرّية العقيدة غير ممكن عقلاً ، فلا عقائد الإنسان وتصديقاته خاضعة لاختياره ، ولا هي خاضعة لاختيار غيره ، ولا في وسع الإنسان أن يعتقد بما يشاء على الإطلاق ، ولا في وسع أحد أن يرغمه على عقيدةٍ مّا ، وذلك لأنّ العقيدة ليست كالأزياء يختار الإنسان ويرفض منها ما يشاء ، كما وأنّه ليس هناك من يجبره على ارتداء هذا أو ذاك . الاعتقاد لدى الإنسان شيء كالحُبّ . والعشق والتعلّق والمحبّة اُمور خارجة عن إرادة العاشق ، فلا هو يستطيع أن يعشق هذا أو لا يعشق ذاك ، ولا هو في اختيار أحد ليحمله على عشق دون عشق ، وإذا كان الوقت نهاراً فكيف يتأتّى له أن يؤمن بأنه ليل ، وهل في إمكان أحد أن يجبره على تغيير عقيدته ، نعم ، قد يضطرّ أحد إلى قول بخلاف عقيدته ، أمّا أن يغيّر اعتقاده وما آمن به فهذا محال . في عام 1632 ميلادي وضع جاليلو كتابا عن عقائد بطليموس وكوبرنيك . وبعد عام من ذلك دعاه البابا إلى روما وأبلغه أنّ اعتقاده بدوران الأرض حول الشمس شِرْكٌ ، وأجبره على الجلوس على ركبتيه وطلب المغفرة ، وقيل : إنّ جاليلو نفّذ ما طلب منه البابا ، ولكنّه عندما خرج من عنده شوهد وهو يكتب على الأرض بإصبعه : «رغم كلّ هذا . . . الأرض تدور حول الشمس». (1) وإنّها لحالة واحدة يمكن فيها للعقيدة أن تقبل التغيير ، وهي عندما يتغيّر منشؤها والمحيط الذي نشأت فيه ، فلو أنّ منشأها كان التحقيق فقد يواجه المحقّق على مدى تحقيقه دلائل تثبت بطلان عقيدته السابقة ، ولو أنّ منشأها كان التقليد فإنّ
.
ص: 121
صِفادَ (1) التقليد عرضة للتّحطّم . (2)
ب _ حرّية الإفصاح عن الاعتقادوالمعنى الثاني من معاني حرية العقيدة هو حرّية الإنسان في الإعلان عن عقيدته والتظاهر بها ، وهي في نظر العقل من اُوليات حقوق الإنسان المسلّم بها؛ وأنّ لكلّ إنسان حقّ في أن يقول هذه عقيدتي ، وليس لأحدٍ مّا حقّ في مضايقته ، كما أنّ لكلّ إنسان أن يتصرّف في حياته الشخصية حسبما يريد ، طالما كان تصرّفه لا يتعارض مع حقوق غيره . وحرّية التظاهر بالعقيدة _ علاوةً على كونها حقًّا طبيعيًّا لكلّ إنسان _ تستوجب التقاء الآراء ونضج المعتقدات العلمية وتصحيح العقائد أيضا ، وليس لدى العقل أدنى شكّ في صحّة هذه الحرّية وضرورتها ، إلّا أن هناك مسألتين ينبغي بحثهما في هذا الصدد : المسألة الاُولى : أيحقُّ للإنسان أن يبدي رأيا خلافا لما يعلم وعلى خلاف عقيدته وإيمانه الواقعي؟ والمسألة الاُخرى : أيحقّ للإنسان عقلاً أن يرى من واجبه تصحيح العقائد الموهومة أو الفاسدة والتصديقات الشعواء أم لا ؟ وما ينبغي أن يُجاب به على السؤال الأول هو : أنّنا إذا احتكمنا إلى العقل فإنّه وإن كان يستهجن إظهار الرأي خلافا للاعتقاد الواقعي ويندّد به إلّا أنّه لا يرى مجوّزاً لسلب حرّية البيان ما دام لايمسّ الآخرين بالضرر .
.
ص: 122
أمّا جواب السؤال الآخر فهو : أنّ العقل في الوقت الذي يعلن حرّية التظاهر بالعقيدة فإنّه يرى وجوب الإقدام على تصحيح العقائد ويستلزم ذلك أيضا ، بدليلين ، أوّلهما : أنّ العقيدة أساس العمل وركيزته ، والمعتقدات الموهومة الفاسدة مفسدة مضيعة للمجتمع ، والآخر : أنّ مكافحة المعتقدات الموهومة جهدٌ يهدف إلى تحرير الفكر ، ولا يمكن للعقل إلّا أنّ يقتضي موجبات تحرّره . وبيان ذلك : أنّ حرّية العقيدة تتناقض أصلا مع حرّية الفكر ، فلا تتحقق حرّية العقيدة حيثما كانت حرّية الفكر ، فكما سبق أن وضّحنا أنّ العقيدة شيء يرتبط بالذهن وينعقد فيه ويندمج بروح الانسان ، فاذا لم تكن عقائد الإنسان قائمة على أساس فكري محقّق فهي أصفاد تشلُّ حركة الفكر وتحبس الروح في حصار الأوهام ، ولا تدع الإنسان حتّى يفكّر بحرّية أو يصل إلى المعتقدات العلمية المطابقة للواقع . وعليه ، فلا مندوحة أمامه إلّا أن يختار حرّية الفكر أو حرّية العقائد الموهومة ، فإذا ما اختار حرّية الفكر أصبح تحطيم أغلال العقائد الموهومة أمرا جدّيًّا مهمًّا ، وكذلك عندما يكون مكبّلاً بالأغلال لا يستطيع أن يحطّمها بنفسه ، ولابدّ له من شخص طليق ليحرّره ، ولا يستطيع الفكر المكبَّل بسلاسل المعتقدات الموهومة المرتهنة للعقائد الفاسدة أن يتحرّر منها وينجو بنفسه ما لم يتدراكه شخص طليق يقدم على تحطيم أغلاله وينقذه . وعليه ، فإنّ العقل يرى أن الإقدام على تصحيح عقائد الآخرين أمر ضروري واجب ، ونظراً لأنّ تصحيح العقائد ليس بالقوّة والإجبار كان الطريق إلى ذلك هو تنوير الأفكار وهدايتها إلى نضج العقائد الصحيحة وكمالها ، وتعريف الحقائق إلى الناس بالدليل والبرهان ، واستبدال التقليد بالتحقيق . ولو أنّ فرداً أو أفراداً أصبحوا حَجر عثرة في سبيل حرّية الفكر وتصحيح العقائد
.
ص: 123
لما بقي هناك مجال للدليل والبرهان ، حيث يحكم العقل بضرورة إزالة هذا العائق بالقوّة حتّى يتهيّأ المجال لازدهار العقائد الصحيحة وزوال العقائد الفاسدة .
ج _ حرّية نشر العقيدةوالمعنى الثالث لحرّية العقيدة هو حرّية نشرها والترويج لها وتبليغها للآخرين ، سواء كانت مبنية على التحقيق أو التقليد ، وسواء كانت مطابقة للواقع أو لم تكن ، وسواء كانت مفيدة للمجتمع أو مضرّة له . وعندما يحكم العقل _ بناءً على ما ذكر من الأدلّة _ بوجوب كفاح العقائد الموهومة فقد انتفى الشكّ في عدم الجواز للتبليغ بصورة مطلقة ، وإلّا فكيف يسيغ العقل أو يسمح بالترويج لعقائد وهمية عارية عن كلّ تحقيق، تكبّل الفكر وتشلّ نبوغ المجتمع وتتخلّف به عن سيرة التقدّم وتصيبه بالضرر؟! إنّ العقائد الباطلة الضارّة نوع من الأمراض النفسية ، والأمراض العقائدية أشدّ خَطراً وتفاقما من الأمراض الجسمية ، فاذا كان العقل لا يسمح لمريض أن يتنقّل بمرضه الجسماني بين المجتمع حذر تفشّي العدوى فيكف يسمح بحرّية تنقّل الأمراض النفسية؟!
الاعتقاد بالرقّ«الرّق أمر ذاتي في المستضعفين من الناس» عقيدة تُنسب إلى أرسطو حيث قال في كتابه «السياسة» : إنّ الطبيعة هي التي خَلقت العبد ، وإنّ البرابرة والشّعوب غير المتحضّرة خُلقت مبدئيًّا لأجل الانقياد والخدمة ، وقد خُلق اليونان زعماء ونبلاء. (1)
.
ص: 124
ويقول ويل ديورانت : أصبحت الرّقية بعد مضي عدّة قرون عادة اجتماعية ، وكان الناس ينظرون إليها بصفتها أمراً ضروريا وفطريا ، وكان أرسطو يعتبرها أمراً طبيعيا لامفرّ منه ، كما كان الحواري بولس يقدّس نظام الرّقية ويعتبره مماشيا للمشيئة الإلهية. (1) ويؤيد هذه العقيدة أرنست رونان ، فباعتقاده : أنّ الغربيّين هم من سلالة أرباب العمل ، وأنّ الشرقيّين من سلالة العمّال ، ولهذا تكثر الطبيعة من سلالة العمّال .
الاعتقاد بوأد البناتيقول ويل ديورانت : كان الناس في بعض أنحاء العالم _ كغينيا الجديدة وجزر سليمان وفيجي والهندوغيرها _ يخنقون المرأة ويدفنونها مع زوجها المتوفَّى ، أو كانوا يطلبون منها أن تقتل نفسها بعد موت زوجها كي تقوم بخدمته في الآخرة. (2) كما كان المشركون في زمن الرسول صلى الله عليه و آله يعتقدون بأنّ البنت وصمة عار لأهلها ، فكانوا يئدونها وهي حية .
الاعتقاد بالتغذية على الدميشير ويل ديورانت في حديثه عن عامل الحضارة بشكل عام إلى أنواع الأطعمة التي كان يتناولها الإنسان البدائي ، ابتداءً من حساء القمّل وانتهاءً بلحم الإنسان ، أمّا عن التغذية على الدم فكتب يقول :
.
ص: 125
إنّ دم الإنسان يُعدّ في الوقت الحاضر طعاما لذيذاً جدّاً بالنسبة للكثير من القبائل . . . والكثير من أفراد القبائل هم اُناس بُسطاء ذوو خصال حسنة ، ولكنّهم رغم ذلك يقومون في بعض الأحيان بشرب دم الإنسان بصفة دواء ، وفي أحيان اُخرى يشربونه وفاءً للنذر أو تنفيذاً لفريضة دينية ، بيدَ أنّ الاعتقاد السائد هو أنّه حينما يشرب شخص من دم شخص آخر تنتقل قدرته اليه. (1) وما ذكرناه ليس إلّا نموذجا للآلاف المؤلّفة من العقائد الوهمية الفاسدة السائدة في مختلف المجتمعات في العالم ، بحيث لو اُريد تأليف كتاب عن العقائد الخرافية الباطلة لبلغت مجلّداته العشرات . فهل كان العقل يوسم بنشر هذه العقائد الخطرة أو غيرها ممّا هو أخطر منها ، والذي يروّج له الاستكبار العالمي اليوم من أجل امتصاص دماء الشعوب ونهب ثرواتها واستعباد الإنسان عن طريق الرقّ والنخاسة الحديثة؟
الإسلام وحرّية العقيدةكنا نتحدّث حتّى الآن عن حرّية العقيدة في نظر العقل ، وقد وصلنا بالإجمال إلى أنَّ حرّية العقيدة بمعنى حرّية الإنسان في اختيار العقيدة لا يتّفق مع العقل ، وأنها بمعنى حرّيته في التظاهر بعقيدته ونشرها ، فذلك حقّ طبيعي ، وأمّا بمعنى حرّية الانسان في الترويج للمعتقدات الوهمية الضارّة وتبليغها للمجتمع فهذا ما يؤكّد العقل منعه بتاتا . والآن ، فما رأي الإسلام في حرّية العقيدة؟ فأمّا الجواب بالإجمال فهو : أنّ نظر الإسلام إلى حرّية العقيدة هو نظر العقل إليها
.
ص: 126
عينه ، وأمّا تفصيل هذا الإجمال فيقتضي دراسة رأي الإسلام بالنسبة لكلّ معنىً من معاني حرّية العقيدة على حدة .
حرّية اختيار العقيدة في رأي الإسلامسبق أن قلنا لدى بيان رأي العقل في حرّية اختيار العقيدة : إنَّ معتقدات الإنسان ليست خاضعةً لإرادته حتّى يعتقد بشيء أو لايعتقد به ، وقلنا أيضا : إنَّ العقيدة ليست كاللباس للإنسان خياره في انتقائه ، ومتى ماشاء بدّله ، أو يُضطَرّ على غير هوى منه إلى تبديله ، وإنّما العقيدة كالحبّ ، لا تتغيّر إلّا إذا تغيّر منشأها . فالعقيدة اذاً ليست أمراً اختياريا حتى يتمّ البحث عن حرّية الاختيار في الإسلام ، ومن ثَمَّ حينما جاءت طائفة من الأعراب من بني أسد إلى النبيّ صلى الله عليه و آله في موسم الجفاف وأعلنت إسلامها غير مؤمنين بالعقيدة الإسلامية بل لدوافع مادّية ألجأتها إلى هذا الاختيار (1) نزلت الآية الكريمة وهي قوله تعالى : «قَالَتِ الْأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَ لَ_كِن قُولُواْ أسْلَمْنَا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْاءِيمَ_نُ فِى قلُوبِكُمْ» . (2) والإسلام هو الإفصاح عن الإيمان بالمعتقدات الإسلامية ، والإيمان هو اعتقاد القلب بتلك العقائد وأمّا الإفصاح عن الرأي فيخضع لإرادة الإنسان ، ولكن اعتقاد القلب ليس كذلك . وعليه ، يمكن للإنسان أن يتظاهر بعقيدةٍ مّا لدوافع مختلفة ، أمّا الاعتقاد المؤمِن فهو من شأن القلب ، وهناك فقط عندما تَخْتَمِرُ الروح بالعقائد الإسلامية يمكن للإنسان أن يدّعي الإيمان .
.
ص: 127
حرّية التظاهر بالعقيدة في رأي الإسلامإنّ التروّي في القرآن والأحاديث الإسلامية والتاريخ الإسلامي كذلك يدلّ بأنّ الإسلام يعترف بحرّية التعبير عن العقيدة والتظاهر بها اعترافا رسميا ، ولا دين يولي هذه الحرّية ما يوليها الإسلام من الاحترام . فإنّ الإسلام لا يكتفي بالاعتراف بالحرّية في إظهار العقيدة فحسب ، وإنّما يرشد القرآن الكريم الناس إلى ضرورة استماع الأقوال المختلفة والآراء والعقائد المتباينة ، ونقدها ودراستها بفكر حرّ ، حتّى إذا ما استقرَّ التحقيق بهم على أفضل الكلام وأحكمه اختاروه واتّخذوه مقياسا للعمل ، وبعبارة اُخرى : إنَّ من تعاليم القرآن هو أن يتخذ الإنسان في حرية الرأي طريقا لتكامل العقائد الصحيحة واختيار أفضلها ، قال عزّ من قائل : «فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ» . (1) إنّ الحرّية في الإسلام لا تقتصر على إظهار العقيدة ، فالإنسان حرٌّ في إبداء الرأي حتّى وإن كان مخالفا لما يعتقده ويؤمن به ، وعلى الرغم من أنّ الإسلام يستهجن هذا العمل ويستوجب له العقوبة الاُخروية ، إلّا أنّه لا يجبره بالقوّة مطلقا على الاعتراف بالحقّ الذي يعرفه . وفي القرآن آيات عديدة تنصُّ صراحةً على أنّه لا إكراه في الإيمان ، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ليس مكلّفا بإرغام الناس على الإيمان عنوةً .
ما الإيمان ؟الإيمان هو التصديق الذي يصطحبه الإقرار والعمل بمقتضاه ، والإقرار بالعقائد
.
ص: 128
الإسلامية دون الاعتقاد القلبي بها ليس إيمانا (1) ، كما أنّ الاعتقاد القلبي دون الإقرار العملي ليس إيمانا أيضا ، ومن ثَمّ ، لم يكن فرعون مؤمنا لأنه وإن كان على يقين من حقّانية موسى عليه السلام فيما يقول مؤمنا برسالة موسى إيمانا قلبيا ولكنه لم يقرَّ بوحدانية اللّه ونبوّة موسى عليه السلام بدافع اللجاجة والاستكبار (2) ، حتّى إذا ما أشرف على الغرق اضطرّ إلى الاعتراف بالتوحيد والرسالة ، فقال : «ءَامَنتُ أنَّهُ لَا إلَ_هَ إلَا الَّذِى ءَامَنَتْ بِهِ بَنُواْ إسْرَ ءِيلَ وَ أنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . (3) وهنا كان فرعون مجبَراً على الإيمان ، كان لديه الإيمان القلبي ولم يقرّ بلسانه إلّا تحت رهبة الغرق والموت ، وحينذاك أقرّ فصار مؤمنا ، إلا أنّه إيمانٌ اضطراريّ تمّ بالإجبار . وعليه ، فللإيمان ركنان : الاعتقاد القلبي ، والإقرار العملي : فالركن الأول ليس في اختيار الإنسان ، فلا يستطيع أن يؤمن أو لايؤمن على هواه . أمّا الركن الآخر فله الخيار فيه ، ويمكنه أن يعترف بما آمن به وأن يعمل بمقتضاه ، أو لايعترف به عمليا . ومادام الاعتقاد القلبي _ وهو الركن الأول للإيمان _ لا يخضع لإرادة الإنسان أو اختياره فقد انتفى الإجبار عنه ، أي أنّه لايمكن تغيير عقيدة بممارسة القوّة على المعتقد ، أمّا الركن الثاني للإيمان _ وهو الإقرار العملي الخاضع لإرادة الانسان واختياره _ فهو مناط بالإجبار ، فيمكن أن يُجبر شخص على الاعتراف بعقائده
.
ص: 129
اعترافا عمليا ، أو على العمل بما يخالفها . وبعد أن تحدّد معنى الإيمان ينبغي أن لا تفوتنا الإشارة إلى أنّ المراد من الإجبار في قولنا : لا إجبار في الايمان هو الإجبار في الركن الثاني من ركني الإيمان ، لأنّ الإجبار كما أسلفنا لا يسري إلى الركن الأوّل . فلو قال أحدٌ بأنه يعتقد أنّ اللّه تعالى خالق الكون ولا إلهَ إلّا هو وجب عليه أن يعلم الدليل على ذلك ، ولو قال أنّه يعتقد أنَّ محمداً صلى الله عليه و آله رسول للّه وجب عليه أن يعلم لماذا كان محمدٌ رسول اللّه ، ولو قال أنّه يعتقد أنّ الإنسان يحيا بعد موته يوم القيامة للبَتِّ في أعماله وجب عليه أن يعرف الدليل على ذلك ، فإذا جهل الدليل ولم يعرفه أو ألقى اللوم على الوالدين أو المعلّم لأنهم هكذا قالوا! لن يقبل الإسلام عذره . ويقطع الإسلام بأنّ العقائد يجب أن تكون تحقيقية لا تقليدية ، وأنّ على كلّ إنسان أن يحكم في مسائله العقائدية الأساسية بنفسه دون غيره ، فأحكام غيره وآراؤه لاتجديه نفعا . وأكبر من هذا ، أنّ الإسلام لايرغم الإنسان حتّى على الاعتراف بمعتقداته ، وهذا هو المقصود من قولنا : لا إجبار في الإيمان ، فالإسلام لايرغم أحداً على الاعتراف بالعقائد الإسلامية دون إيمان بها ، ولا يقبل اعترافا تقليديا غفلاً من التحقيق والتفكير والعلم ، بل إنه ليعتبر حتّى اُولئك الذين يؤمنون بعقائده ولدوافع مختلفة لا يعترفون بها عمليا أنهم أحرار ، ولا يحقّ للمسلمين إرغامهم على الاعتراف العملي بها عنوة ، يقول سبحانه في محكم كتابه : «لَا إكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ» . (1)
.
ص: 130
وهذه الآية مضافا إلى رفضها الصريح للإكراه على العقائد الدينية فقد قدّمت الدليل صراحةً على حرّية الإنسان حتّى في الاعتراف العملي بما يعتقده حقًّا ، حيث قالت في البداية : إنّ قبول العقائد الإسلامية والاعتراف العملي بها ليس إجباريا ، وللناس الحرّية في اعتناق الإسلام : «لَا إكْرَاهَ فِى الدِّينِ» ثم أردفت مباشرةً بتقديم الدليل الكافل لهذه الحرّية بأنّ الطريق واضح ، فإمّا الهدى وإمّا الضلال : «قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ» . إنّ الدين، برنامج وطريق لتكامل الإنسان ، وحتّى ينفذ الإنسان هذا البرنامج ويطوي هذا الطريق ينبغي له إمّا أن يكون عالما بالطريق فيمكنه أن يطويه بإرادة وحرّية ، وإما أن يُساقَ في هذا الطريق إجباراً . وفي نظر القرآن الكريم أنّه إذا ما توضّحت معالم الطريق لتكامل الإنسان فغير منطقي أن يكون الدين إجباريا ، فمجرّد الدليل في حدّ ذاته يقتضي حرّية الإنسان في اختيار طريق تكامله . فالتكامل أمر اختياري ، والإنسان يدرك الحكمة في خلقه عالما يختار الطريق الصحيح بمل ء حرّيته واختياره ليس إلَا ، فإذا ما وضح الطريق الصحيح وأساء الإنسان الاستفادة من حرّيته وانحرف عن الطريق الذي يتيقّن صحّته ، إلى طريق يتيقّن خطأه فقد انتفى هنا معنى الإجبار ، فليترك ليتردّى وينال جزاء اختياره . والنقطة التي تسترعي النظر هنا بما لم يسبق أن نوِّهَ اليه _ فيما اطّلع عليه الراقم _ أنّ الدليل الذي تقدّمه هذه الآية الكريمة : «قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ» على حرّية الناس في اعتناق الإسلام بل وجميع الآيات التي تتعرّض لمسألة الإكراه والإجبار تفيدنا بأنّ الكلام عن اُولئك الذين تبيّن لهم الرشد من الغي فميَّزوا بينهما وفهموا حقّانية الإسلام حقّ فهمها وأدركوا عقائد الإسلام كما ينبغي لها ، إلّا أنهم _ لمختلف
.
ص: 131
الدواعي _ ليسوا على استعداد للاعتراف بما صدقوا! ومع ذلك فإنّ القرآن يصرّح بأنه لايحقّ لأحد أن يجبرهم على الاعتراف بالقوة! ومن الآيات الاُخرى التي ترفض الإكراه على الإيمان بالعقائد الإسلامية قوله تعالى : «وَ لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَامَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعا أفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ» . (1) وقد روى الإمام الرضا عليه السلام عن أجداده عن أميرالمؤمنين عليه السلام في شأن نزول هذه الآية : قالوا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : لو أكرهت يارسول اللّه من قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا وقوينا على عدونا ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : مَا كُنتُ لِأَلقَى اللّهَ عز و جل بِبِدعَةٍ لَم يُحدِث إِلَيَّ فيها شَيئا ومَا أنَا مِنَ المُتَكَلِّفينَ . فأنزل اللّه تبارك وتعالى : يا مُحَمَّدُ «وَ لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَامَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعا» . (2) أي : جبراً واضطراراً ، كما يؤمنون بعد موتهم عندما يأخذهم العذاب ، فلو أنّ الأمر كان كذلك لما استحقوا ثوابي ، ولكن اُريدهم أن يؤمنوا بحرّية ودون إجبار . وخلاصة القول في مفاد هذه الآية الكريمة وعلى ضوء شأن نزولها هو أنّ الإنسان قد خُلِقَ في نظام الخَلْقِ حُرّاً كي يكون تكامله وانحطاطه حسب اختياره شخصيا ، ويكون للثواب والعقاب الاُخروي معناه . وعليه ، لا يجوز فرض الإيمان على الإنسان ، لأنّ ذلك يتنافى والحكمة في خلقه ، وما كان للأنبياء أن يعملوا خلافا لسنّة الخلق والمشيئة الإلهية ولو كان ذلك سببا لقوّة الحكومة الإسلامية
.
ص: 132
وضعف أعدائها . وثالثةٌ من الآيات التي تنفي صراحة إجبار الإنسان على الإيمان أو فرضه عليه قوله سبحانه ، حيث يوجّه الخطاب فيها إلى نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله : «فَذَكِّرْ إنَّمَا أنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ» . (1) يعني أنّ مهمَّة الرسول هو التذكير والتوعية وتبليغ الرسالة السماوية والهداية إلى سواء السبيل ، وأن الناس هم الذين يجب عليهم التصميم واختيار الطريق القويم ، فالنبي لم يسلَّط من جانب اللّه على الخلق حتّى يفرض عليهم الإيمان عنوةً ، فمهمّة الأنبياء بيان العقيدة ، لا فرضها . والرابعة في هذا المجال قول اللّه عز و جل حيث يخاطب فيها نبيّه صلى الله عليه و آله : «وَ مَا أنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ» . (2) وتوضحُ هذه الآية عن أن النبيّ صلى الله عليه و آله كان كلَّما شاهد الناس مُقْمَحَةٌ أعناقهم إلى الأذقان في أغلال العقائد الباطلة الضارّة نال منه الأسى وعضَّه الألم ، ولم يدّخر وسعا لتحريرهم بأيَّ وسيلة ، حتّى إذا ما رأى أنّ مساعيه الدائبة لعتق عدد يُلاحظ منهم لا تجديهم نفعا برَّح به الألم حتّى أعيا جسمه عن تحمّل الآلام ، فكان لابدّ من تدارك اللّه فيلطّف حدّة الآلام التي نفّست عن شدّة رأفة النبيّ صلى الله عليه و آله بالناس ورحمته بهم. وهكذا كانت الآيات الآنفة الذكر نوعا من الترويح لخاطر النبيّ صلى الله عليه و آله على أنّ أساس مسؤوليته منحصرة في البلاغ لرسالات ربّه والتذكير بها ، وهي لاتتعدّى إلى الإجبار وفرض الإيمان على الناس ، وأنّه قد أدّى مهمّته دونما تقصير ، ولو أنّ اللّه
.
ص: 133
أراد أن يجبر الناس على الإيمان لتصرّف بشكل آخر . وهذا الذي استنبطناه من الآيات المذكورة يطالعنا بصورة أكثر وضوحا في آياتٍ اُخرى من جملتها قوله تعالى : «لَعَلَّكَ بَ_خِعٌ نَّفْسَكَ ألَا يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَ_لَّتْ أعْنَ_قُهُمْ لَهَا خَ_ضِعِينَ» . (1) وكذلك قوله سبحانه : «فَلَعَلَّكَ بَ_خِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثَ_رِهِمْ إن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَ_ذَا الْحَدِيثِ أسَفا * إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أيُّهُمْ أحْسَنُ عَمَلاً» . (2) فهذه الآيات تدلّ بوضوح على أن النبيّ صلى الله عليه و آله كان يعاني غُصَصا من تردّي الناس في أصفاد العقائد الوهمية وكراهتهم للحرّية وتقبّل العقائد الصحيحة ، كادت لشدّة حزنه أن تودي بحياته ، وما يستلفت النظر في الآيات الأخيرة التي نزلت تسليةً لخاطر النبيّ وسلوانا لمواساته صلى الله عليه و آله أنّ الإشارة في الآية الثالثة من سورة الشعراء إلى عدم الإكراه في الإيمان ، كما أشارت الآية السادسة من سورة الكهف إلى الحكمة في الحرّية ، وأنها اختبار للإنسان وتكامله .
مكافحة العقائد الموهومة في الإسلامربّما يستنتج ممّا سلف عن حرّية العقيدة وحرّية التعبير عنها أنّ الإسلام لايسمح باتّخاذ أيّ إجراء من أجل مكافحة العقائد الواهية وتصحيح المعتقدات المجانِفة للصواب ، وما دامت عقائد الإنسان تابعة لمبادئه الخاصة وخارجة عن اختياره وأنّ الكلّ أحرار في الإفصاح عن معتقداتهم وأنّه لا يجوز فرض الإيمان حتّى على
.
ص: 134
اولئك الذين أيقنوا صوابَه فلا معنى اذاً لمكافحة العقائد الموهومة . لكن لو تأمّلنا قليلاً اتّضح أنّ هذا الاستنتاج ما هو إلّا وهمٌ وتصوّر ، لأن عدم الخيار في العقيدة لايتنافى وتصحيح العقائد الخاطئة ، كما أنّ حرّية الإعلان والتظاهر بالعقيدة لا تنفي مكافحة الأوهام والخرافات العقائدية مكافحة أساسية ، بل إنّها لتهيِّئُ المجال لهذه المكافحة . فبينما نرى الإسلام يؤيّد حرّية التظاهر بالعقيدة من حيث كونها مجالاً لتكامل الإنسان نراه يؤكّد ضرورة مكافحة العقائد الموهومة ، من حيث كونها باعثا على تحرير الفكر من قيود المعتقدات الخرافية الباطلة ، ويتنبَّأُ بالنصر النهائي في هذا الكفاح ، ويؤمن بيومٍ يأتي مع مستقبل التاريخ ، فيه يتحرّر المجتمع البشري قاطبةً من قيود المعتقدات الباطلة ، وذلك يوم يهيمن الإسلام على العالم أجمع . (1) وأمّا دليل الإسلام على ضرورة مكافحة المعتقدات الباطلة فهو نفس الدليل الذي يقيمه العقل لنفس الضرورة ، والطريق الذي يعيّنه الإسلام لتصحيح العقائد الفاسدة هو عين الطريق الذي يحدّده العقل . فالإسلام لايسمح مطلقا للعقائد الباطلة غير الواقعية بأن تؤثّر على شاكلة الإنسان وهيئته الباطنية الواقعية وهي مصدر أعماله ومنشأ تصرّفاته ، فتبتني على اُسس مغلوطة غير علمية ، أو أنها تبقى على ما هي عليه من غلط إن كان ذلك . والإسلام لا يسمح مطلقا للعقائد المناقضة للعقل التي من شأنها أن تكبّل فكر الإنسان بأن تطعّم روحه ببراعمها ، فإن كانت قد طُعِّمت فلا يسمح لها أن تبقى أسيرة في أغلال العقائد الموهومة .
.
ص: 135
طريقة الإسلام في مكافحة العقائد الباطلةإنّ الطريق الذي عيّنه الإسلام لمكافحة المعتقدات الباطلة _ كما سبق أن أشرنا إليه _ هو نفس الطريق الذي حدّده العقل لذلك ، ولبيان ذلك يمكننا أن نقسم طريقة هذا الكفاح إلى قسمين : القسم الأول : طريقة الإسلام في إزالة العقائد الباطلة وتبرئة أذهان عامّة الناس منها . القسم الآخر : طريقته في مواجهة العراقيل التي تقف حَجر عثرة في طريق حرّية التعبير عن العقيدة وازدهار المعتقدات الصحيحة بين المجتمع . فأمّا الطريقة الأولى فتتمّ بالكفاح الإعلامي والتبليغ ، وأمّا الطريقة الاُخرى ، فتتمّ بالكفاح المسلّح .
الكفاح الإعلامي ضدّ المعتقدات الباطلةطريقة الإسلام ومنهاجه في مكافحة العقائد الباطلة والقضاء على المعتقدات الفاسدة في أذهان الناس ودعوتهم كافّةً لاعتناق العقائد الصحيحة المطابقة للحقيقة هي الاعتماد أولاً وقبل كلّ شيء على الدليل والبرهان والنصيحة والموعظة والمناظرة والنقاش الحرّ ، وبتعبير آخر : الكفاح الإعلامي أو التبليغ . والآية الآتية توضّح هذه الطريقة أو الاُسلوب بصورة واضحة ، حيث يوجّه اللّه سبحانه وتعالى تعليماته في هذا الصدد إلى النبيّ صلى الله عليه و آله بقوله : «ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جَ_دِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أحْسَنُ» . (1) فالقرآن الكريم ينصّ في هذه الآية على الأساليب المنطقية لتطهير أذهان الناس
.
ص: 136
من العقائد الباطلة ، ويأمر النبيّ صلى الله عليه و آله أن يوظّف هذه الأساليب في دعوة الناس إلى الإسلام وعقائده ، وهذه الأساليب هي :
1 . الحكمةإنّ أول الأساليب العملية لمكافحة المعتقدات الباطلة في الاسلام هو إقامة الدليل والبرهان والاستدلالات العقلية أو كما عبَّر القرآن «الحكمة» . ومعنى «الحكمة» كما جاء في مفردات الراغب _ هو إصابة الحقِّ بالعِلْمِ والعقل ، وبعبارة اُخرى : الحكمة عبارة عن كشف الحقائق بواسطة الاستدلال العلمي والعقلي (1) ، والإسلام يقدّم دائما الدليل والبرهان لإثبات دعاويه ، ويطالب المخالفين ببرهانهم. (2)
2 . الموعظةوهي الأُسلوب العمليّ الثاني الّذي يتوسّل به الإسلام في مكافحة العقائد الباطلة إلى جوار الدليل والبرهان . وهي عبارة عن أقوال تعليمية تثير الاعتبار وتحرّك عواطف السامع وتحفزها على قبول الحقّ ، وعليه ، فالحكمة عن طريق العقل ، والموعظة عن طريق العاطفة والمشاعر الباطنية تدعوان الإنسان إلى تحطيم قيود المعتقدات الباطلة . وممّا يلفت النظر في الآية الكريمة أنّ «الموعظة» قد قيّدت بوصفها «الحسنة» ، وهذا إشارة إلى أنّ الموعظة أو النصيحة لها أثرها في تحريك العواطف والمشاعر الباطنية لقبول الحقّ إذا كانت خالية من أيّ نوع من الكراهة _ كالفظاظه والتعالي
.
ص: 137
والإهانة _ وكانت موائمة لليسر والجمال ، فالجمال كيسر الحديث وحسن اللقاء وجمال الدافع وحتّى ملاحة القائل وما إلى ذلك جميعا لها أثرها الفعّال في نفاذ الموعظة إلى مكامن النفس ، على أنّ الأهمّ من هذا كلّه أن يكون الواعظ متّعظا بما يقول عاملاً به فأقبح العظات عظة الواعظ غير المتّعظ . وعليه ، فكلّما ازدادت الموعظة حُسنا ازداد أثرها في نفس السامع ، وما أكثر ما كانت العظات الحسنة أبلغ أثراً _ في نفوس عامّة الناس وجذبهم إلى العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة _ من الدليل والبرهان . أمّا المواعظ القبيحة فإنها لا تقتصر على كونها عديمة التأثير بل لها ردّ فعلٍ عكسي يؤدّي بالإنسان إلى إنكار ما آمن به بالدليل والبرهان .
3 . المناظرة والبحثوهي ثالثة الأساليب العملية في منهاج الإسلام لمكافحة العقائد غير العلمية جنبا إلى جنب مع ما سبق ، وهي ما عبّر عنها القرآن بألفاظٍ كالجدال والمراء . والجدال والمراء أو المناظرة عبارة عن البحث والحوار حول الفكرة على سبيل المنازعة والمغالبة ، أو بعبارة اُخرى : مصارعة الأفكار على مسرح البحث والحوار . وللقرآن في مخض الفكر بالمناظرة _ الأمر الذي يستوجب بيان الحقائق وتجلّي المعتقدات الصحيحة _ تعبيران : الأول: ما ورد فيالآية المعنيّة: الجدال بالتي هي أحسن . والآخر : المراء الظاهر. (1)
.
ص: 138
ف_ «الجدال بالتي هي أحسن» يعني ممارسة أسلم الطرق وأليق الأساليب في المناظرة ، حتّى يتجلى الحقّ ، و«المراء الظاهر» هو الإفادة من الأدلّة التي ثبت حجّيتها وظهرت قاطعيتها وأيقن بها الجميع ، والتي من شأنها أن تُفحم الطرف المقابل وتلقمه حجراً . والإسلام _ وهو رسالة أنبياء اللّه جميعا _ هو الواضع الأول لمنهاج النقاش الحرّ والمناظرة ، والنبيّ صلى الله عليه و آله _ وهو أعظم رسول إلهي _ هو الذي أعلن لأول مرّة منهاج النقاش الحرّ والمناظرة وتلاقي الأفكار السليمة في مجتمع عصر كانت الغلبة فيه للقوّة والمال ، وعلى هذا الغرار كان هو وعلماء أهل بيته هم الطليعة البارزة في هذا المجال ، ومن ثَمّ اختصّ قسم ملحوظ من كتب الحديث بمناظرات النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمه من أهل بيته عليهم السلام . (1) والجدير بالملاحظة هنا هو أنّ اُسلوب الإسلام للقضاء على المعتقدات غير العلميّة اُسلوبٌ علميٌّ منطقيٌّ تماما ، فلم يلجأ ولا يلجأ إلى السيف لهذا الفرض بتاتا ، فكان اُسلوب الرسول صلى الله عليه و آله في الدعوة _ بناءً على تعليمات القرآن _ مبتنيا على إقامة الأدلّة والبراهين وبذل المواعظ والنصائح والمناظرة بالتي هي أحسن ، وكان صلى الله عليه و آله يُعلن صراحةً بأنّ اُسلوبه واُسلوب من اتّبعه لدعوة الناس إلى الإيمان باللّه واعتناق الإسلام يستند إلى العلم والبصيرة : «قُلْ هَ_ذِهِ سَبِيلِى أدْعُواْ إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِى» . (2) وعليه ، فإنّه غاية من عدم الإنصاف أن يقال : إنّ الإسلام قد فُرِضَ على الناس بالقوّة ، ولا سيَما إذا كان هذا الافتراء قد صدر من جانب اُناسٍ قد سوّدت جرائمهم
.
ص: 139
وجه التاريخ في محاكم التفتيش . أجل ، إنّ الإسلام لايلجأ إلى قوّة السلاح لفرض عقائده وإنّما يلجأ إلى تحطيم الموانع والعقبات التي تحول دون انتشار العقائد الصحيحة وازدهارها .
الكفاح من أجل حرّية الفكرنعم ، عندما لا يجدي الدليل والبرهان والمناظرة والموعظة فتيلاً لايرى الإسلام مندوحةً إلّا مقابلة الموانع والسدود الّتي أمام طريق حرّية الفكر ، بالكفاح المسلّح والحرب. وهذه الموانع تتمثّل في النُظُم الفاسدة والتقاليد الخرافية التي تسلب الناس قدرتهم على التفكير والتشخيص ، وبالتالي على انتخاب العقائد الصحيحة . إنّ النُظُم الفاسدة المتهرّئة والقدرات الطاغية الجائرة التي تتغذّى وتنمو على جهل الناس وترى في وعيهم صورة واقعية لسقوطهم من أريكة الاقتدار لايمكنها أن تسمح بإعلان الحقائق للناس كما هي ، ومن هنا كانت هذه النُظُم في حقيقتها سدّا في طريق المعتقدات الصحيحة ، أو كما وصفها القرآن بأنها تصدّ عن سبيل اللّه . فالإسلام بعد أن يُتمّ الحجّة على هذه النُظُم يواجهها بالقوّة ، حتّى يزيل العقبات المانعة لحرّية الفكر ، ويفسح الطريق للوعي ونماء العقائد الصحيحة . وسوف نشاهد بعد _ في مبحث «النبوّة الخاصّة» فيما يختصّ بمعرفة النبيّ صلى الله عليه و آله واُسلوبه في مقابلة المخالفين _ أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله في مواجهته للقُدرات المناوئة كان يتوسّل بالدليل والبرهان كخطوة اُولى في مناظرته ، ثمّ المباهلة كخطوة ثانية وهي
.
ص: 140
تحكيم اللّه والاحتكام إليه ، فإذا لم تفلح المناظرة أو المباهلة فالحرب والقتال في ميادين الوغى هي الخطوة الأخيرة لإزالة السدود عن طريق الوعي وحرّية الفكر . وما المناظرة والمباهلة إلّا إتمام الحجّة على المعاندين . مضافا إلى النُظُم المتعفّنة قد تقوم السُنن والتقاليد المهيمنة على مجتمع من المجتمعات أحيانا بمثابة السدّ في طريق حرّية الفكر ، مثل : عبادة الأوثان وعبادة البقر وعبادة النار ، والعشرات بل المئات من العقائد الاُخرى المنافية للعقل ، التي لو تأمّلها الإنسان بفكر حرّ لم يلبث حتّى يُدرك أنها عقائد وهمية دونما أدنى شكّ ، إلّا أنّ السُنن والعادات الموروثة العمياء التي تطوّق أرواح المعتقدين وكأنها الأغلال استبدّت بالفكر ، لا تتيح للإنسان فرصة التفكّر والتعقّل ، وعلى حدّ قول الاُستاذ الشهيد العلّامة المطهّري : في البداية يظهر أصحاب المصالح الاستغلاليون ، ويحاولون تأسيس نظام ، وهذا النظام يحتاج بدون شكّ إلى مرتكز عقائدي ، فالمؤسّس يعلم ذاتيا ما هو صانع ، يعلم أنّه يخون ويعرف خيانته ، فهو يروّج بين الناس لفكرة أو صنم أو بقرة أو ثعبان ، فينخدع به جمعٌ منهم دون أن تتعلّق قلوبهم به ، وتمضي عدّة أعوام ، فيولد لهذه الجماعة أطفال يتربّون في أحضانهم يشاهدون أعمالهم ثمّ يبدؤون بالسير على خُطى الآباء . ومثلها كمثل الجِصّ الليّن يمكن تشكيله في أيّ شكل من الأشكال حتّى يستقر على شكل وقالب معيّن ، فيجف تدريجيا ويتصلّب أكثر فأكثر كلّما ازداد جفافا حتّى يصل من الصلابة إلى حدّ يعجز المعوَل عن هدمه ، والسؤال : أيجب أن يكافح هؤلاء أم لا ؟ أتشمل حرّية الفكر التي ندعو إليها هذه الفكرة والعقيدة؟ هذه المغالطة تعمُّ العالم اليوم ، حيث يقولون من جهة بضرورة حرّية عقل الإنسان وفكره ، ومن جهة اخرى يدعون إلى ضرورة حرّية العقيدة أيضا . فهل يجوز أن يكون عبَدة الأصنام
.
ص: 141
والبقر والثعابين و . . . أحراراً في عقائدهم ، في حين أنّ هذه العقائد مضادّة لحرّية الفكر مقيّدة لها؟ (1) هذه المعتقدات الخرافية الباطلة التي ترسّبت في الأذهان طوال القرون المتمادية لايمكن إزالتها بالأساليب المبدئية ، ولذا فإنّ الإسلام يوصي باستخدام القوّة لإبادة كلّ ما من شأنه عرقلة حرّية الفكر ويحول دون تحرّر المجتمع من العادات والتقاليد البائدة ورواسب الثقافات المتردّية . بيدَ أنّه _ وكما ذكرنا سابقا _ لايمكن استخدام القوّة العسكرية في مواجهة تلك المعتقدات مباشرةً ، فلهذا يوصي الإسلام بادئ ذي بَدء بضرب المعالم والآثار الاجتماعية لتلك المعتقدات والتقاليد المذمومة . فلأجل مكافحة عبادة الأصنام مثلاً لابدّ من هدم معابد الوثنيّين مثلما فعل النبيّ إبراهيم عليه السلام ، ولمكافحة عبادة البقر يجب رمي العِجْل في النار كما فعل النبيّ موسى عليه السلام . لقد كان النبيّ ابراهيم عليه السلام أول من كشف سرّ الخلق في زمانه وأصاب الرؤية الكونية الحقيقية بفكر طليق ، (2) وكان يتصدّى لقومٍ يعيشون في الأوهام ، قد قيّدت المعتقدات الباطلة أذهانهم ، فهم محرومون من أيسر تفكير وتعقّل؛ وقد حاول إنقاذهم عن طريق الاستدلال والنصح فلم يفلح ، الأمر الذي حداه إلى البرهنة العملية على أنّ الآلهة الأصنام التي كانوا يعبدونها ليست الإله الحقيقي ، بل هي من صنع أيديهم . ففي أحد الأيام خرج الناس من المدينة لأداء مراسم عيد خاصّ بهم ، فاستغلّ إبراهيم عليه السلام الفرصة ودخل معبد الأوثان وحمل عليها بالفأس وهشّمها إلّا واحداً ، هو كبيرها ، فعلّق الفأس في رقبته وخرج من المعبد . وقد كان عليه السلام يهدف من وراء
.
ص: 142
ذلك إلقاء التهمة على عاتق هذا الوثن الأكبر بأنه هو الذي هشّم الأوثان الاُخرى ، وبذلك يخلّص أذهان الناس من المعتقدات الخرافية ويحرّر أفكارهم . لمّا عاد الناس بعد احتفال العيد إلى المدينة علموا بأنّ المعبد قد خُرّب ، وكأنّ الأصنام قد اقتتلت وقتلت بعضها بعضا ، فدخلوا المعبد وشاهدوا الأصنام جميعا جذاذاً ، ولم يبق إلّا الصنم الكبير والفأس على رقبته . إنّ هذا المشهد لا يدلّ إلّا على أنّ الصنم الكبير هو المتّهم لاغيره ، إلّا أنهم كانوا يدركون بشعورهم الفطري أنّه لا يمكن لمجموعة من الكائنات غير الحية العديمة الشعور أن تدخل في نزاع معا ، فسارعوا في البحث عن المتّهم في الحادث ، أي النبيّ إبراهيم عليه السلام ، فلطالما انتقد عبادة الأوثان وسبق أن هدّد بتحطيمها ، فألقوا القبض عليه بتهمة قتل آلهتهم! وشرعوا في محاكمته على مرأىً من الملأ . وقد كان أول سؤال وجّه اليه ، هو : «ءَأنتَ فَعَلْتَ هَ_ذَا بِ_ئالِهَتِنَا يَ_إِبْرَ هِيمُ» . (1) أجاب عليه السلام بما يستهدف إحياء الضمائر الميّتة فيهم قائلاً بأنّ الدلائل تشير إلى أنّ الوثن الأكبر هو الفاعل ، فإذا كانت الأوثان لتنطق فاسألوهم ليخبروكم عن الفاعل . «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَ_ذَا فَسْ_ئلُوهُمْ إن كَانُواْ يَنطِقُونَ» . 2 إنّ ما يلفت النظر هنا هو أنّ الإسلام بعدما يحطّم الموانع ويحلّ عُقَد الأفكار المخطئة ويحرّر الذهن يقول للإنسان : الآن فكّر ، لترى ماذا يقول العقل ، فإن قال : إنّ الإسلام صائب ، فاقبله واعتنقه ، وإن قال : إنّ المدرسة الفلانية صحيحة ، فاقبلها واتبعها ، بعبارة اُخرى : إنّ الإسلام لايفكُّ غُلًا بالقوّة ليستبد له بآخر يحلّ محلّه ، أو يفرض على الإنسان عقيدة اُخرى حتّى وإن كانت على أساس من العقل والفكر ، بل إنّه يدعو إلى اختيار العقيدة على أساس التفكير والتحقيق حتّى ولو كانت تلك العقيدة عقيدةً إسلامية . بعد أن فُتحت مكّة وانصرف الناس عن عبادة الأصنام واُعلن العفو العامّ دخل أهل الحجاز في دين اللّه أفواجا ، إلّا زعماء المشركين الذين كانوا يخلقون المشاكل للمسلمين ، فقد باتوا يشعرون بالخطر ، ممّا حداهم إلى الهرب من مكّة المكرّمة . وكان صفوان بن اُميّه أحد الهاربين إلى جدّة . فإنّه فضلاً عن جرائمه الفادحة _ كان قد قتل مسلما انتقاما لأبيه اُمية بن خلف الذي قُتِل على أيدي المسلمين في بدر ، وذلك عندما صلَبَهُ أمامَ حشد كبير من أهل مكّة في وضح النهار ، ولهذا أهدر رسول اللّه صلى الله عليه و آله دمَه ، فعزم على أن يخرج من الحجاز عن طريق البحر فراراً من القتل ، وبخاصّة عندما علم بأنه من جملة العشرة الذين أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقتلهم وإهدار دمِهم . فطَلبَ عُمير بن وهب من رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يعفو عنه ، فقبِلَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله شفاعته ، وأعطاه عمامته ليدخلَ بها مكّة كعلامة أمان من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ،
.
ص: 143
ويصطحب معه إلى مكّة صفوان بن اُمية ، فذهب عُمير إلى جدّة وأخبر صفوان بذلك ، وقدِمَ به مكّة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا وقعت عينا رسول اللّه على كبير المجرمين بل أكبرهم يومئذ قال له ردّاً عليه لما سأله قائلاً «إنّ عُمير يزعم أنك أمتّني» : صدقت ، إنزل أبا وهب . ثمّ دعاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الإسلام ، فقال : اجعلني بالخيار شهرين ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنت بالخيار في أربعة أشهر ، وبهذا أمهله رسول اللّه صلى الله عليه و آله أربعة أشهر كفرصة يفكّر فيها في الإسلام ودعوة النبيّ . (1) ولعل الألطف من هذه القصّة قصة دخول سهيل بن عمر الإسلام ، قال : لمّا دخلَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكّة وظَهَرَ ، انقحمتُ بيتي وأغلقتُ عليَّ بابي ، وأرسلتُ إلى ابني عبداللّه بن سهيل أن اُطلب لي جواراً من محمّد ، وإنّي لا آمن أن اُقتَل ، وجعلت أتذكّر أثري عند محمّد وأصحابه؛ فليس أحدٌ أسوأ أثرا منّي ... . فذهب عبداللّه بن سهيل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : يا رسول اللّه ، تُؤَمِّنُهُ؟ فقال : نعم ، هو آمن بأمان اللّه ، فليَظْهر ، ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمن حوله : من لقيَ سُهيلَ بنَ عمروٍ فلا يشدُّ النظر إليه ، فليخرج ؛ فلعمري إنَّ سهيلاً له عقل وشرف ، وما مثلُ سهيل جهِلَ الإسلام ، ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنّه لم يكن له بنافع ! فخرج عبداللّه إلى أبيه فأخبره بمقالة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ فقال سهيل : كان واللّه بَرّاً ؛ صغيراً وكبيراً . فكان سهيل يُقبل ويُدبر ، وخرج إلى حنين مع النبيّ صلى الله عليه و آله وهو على شركه ، حتّى أسْلَمَ بالجِعِرّانة. (2)
.
ص: 144
هاتان القصّتان نموذجان واضحان للسيرة العمليّة لنبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله في معاملة المناوئين للعقيدة الإسلامية ، وهما تبرهنان عكس المزاعم التي يبثّها بعض المستشرقين للنيل من الإسلام والنبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله ، وعليه ، فإنّ المعارك والغزوات الإسلامية بناءً على تعاليم القرآن لم تكن إلّا إقداما على تحطيم الموانع دون حرّية الفكر ونماء المعتقدات الصحيحة. (1)
حرّية تبليغ العقيدة في الإسلامعلمنا حتّى الآن بأنّ الإسلام لا يؤيّد حرّية الإعلان عن العقيدة فحسب ، بل ويدافع عنها أيضا ، وعليه ؛ أيسمحُ الإسلام لكلّ صاحب عقيدة أيًّا كانت أن يبلّغها لغيرهِ؟ هذا ما يجب أن نعرفه ، وقد سبق أن أجبنا عن هذا السؤال لدى بياننا عن رأي العقل في هذا الموضوع ، وقلنا : إنّ العقل لايسمح لتبليغ العقيدة بحرّية مطلقةٍ ، وإنّ رأي الإسلام في هذا الصدد مطابق لرأي العقل ، ولمزيد من الايضاح نقول : إنّ تبليغ العقيدة يتمّ عن طريق الاستدلال والبرهنة ، والمبلِّغ يعتمد على العقل والمنطق إمّا بشكل حقيقي ، وإمّا بالتهريج والتحايل والتضليل . والإعلان عن العقائد ذات الأساس العقلي في حدّ ذاته يعتبر ترويجا وتبليغا لها بمقدار ما تتمتّع به من العقل والمنطق والاستدلال ، ومن ثَمَّ فالتبليغ بهذا المعنى منطوٍ تحت حرّية التظاهر والإعلان ، وقد بَيَّنَّا رأي الإسلام في هذا الخصوص بشكل وافٍ . وأمّا التبليغ عن طريق التهريج أو خلق الأجواء وتكييفها والتحايل لنشر
.
ص: 145
المعتقدات التي لا أساس لها من الفكر أو المنطق فإنه يترك آثاراً سيئة على المجتمع ، فلا العقل يسمح به _ كما سبق وأسلفنا _ ولا الإسلام ، يؤيّد ما لا يجيزه العقل . وعليه ، نقطع بغاية من الإيجاز فنقول : إنّ الإعلان عن الرأي والعقيدة مسموح به في الإسلام ، أمّا التهريج والشعوذة والتضليل لتفشّي المعتقدات الباطلة فهذا ما يحرّمه الإسلام .
حرّية الفكر في عالم اليومبقي علينا في هذا الفصل أن نتناول بالحديث موضوع حرّية الفكر في عالم اليوم ، والهدف من طرح هذا الموضوع في الأوساط الدولية عامّة ، وفي اُوربا بشكل خاصّ ، وكذلك الأهداف التي يرمي إليها الاستكبار العالمي وراء تأييده ومساندته لهذه الحرّية . يمكن القول بأنّ طرح هذا الموضوع في عصرنا الحاضر قد جاء نتيجةً لردود فعل المجتمعات إزاء محاكم التفتيش العقائدي التي كانت تخضع لسلطة أرباب الكنائس في القرون الوسطى ، ممّن كانوا لايسمحون لأحد بأن يبدي رأيه خلافا لما تقول الكنيسة ، حتّى ولو لم يكن رأيه ذا صلة بالمسائل الدينية ، فعلى سبيل المثال : لمَّا قالت الكنيسة بأنّ الشمس تدور حول الأرض ما كان لأحد الحقّ في القول بأنّ الحقيقة عكس ذلك ولو أثبت قوله بالأدلّة والبراهين ، وهذا هو ما حصل لجاليلو فقد حكمت عليه محكمة التفتيش العقائدي بالإعدام ، الأمر الذي اضطرّه إلى إعلان التوبة ، كما حكمت المحكمة نفسها على الآلاف من العلماء بإلقائهم في النار أحياءً . وكان القسّ الإيطالي برونو من جملة اُولئك العلماء الذين حكمت عليهم
.
ص: 146
المحكمة المذكورة بالحرق في النار عام 1600 م بتهمة اعتقادهم بأنّ الإنسان عندما يبلغ سِنَّ الرشد تتبلور لديه عقيدة مطابقة لعقله واستنباطه حول العالم ، ففي رأي المحكمة أن اعتقاد برونو كان دليلاً على معارضته للدين المسيحي ، ذلك لأنّ المحكمة الآنفة الذكر كانت تعتقد بأنه يجب على كلّ مسيحي يبلغ سنّ الرشد أن يعلن عن رأيه في الحياة الدنيا وفق ما جاء في الكتاب المقدّس ، لا حسبما يراه عقله واستنباطه ، وعليه ، كان برونو _ كما ادّعت المحكمة _ مرتدّاً عن دينه بسبب حلول الشيطان في جسمه ، ومن ثَمّ استوجب الحرق لطرد الشيطان من جسمه . أضف إلى ذلك أنّ الدين والمذهب في نظر المخطّطين للسياسات الدولية والفلاسفة الذين يستلهمون سياساتهم ليسا إلّا وسيلة للَّهو ، شأنهما شأن قصيدة أو فلم سينمائي ، لايهمّهم فيهما الصدق والكذب أو الحقّ والباطل ، وعلى حدّ تعبير الشهيد المطهّري : إنّ الدين والمذهب في رأي البعض من الفلاسفة الاُوروبيّين _ سواء كان يتمثّل بعبادة الأوثان أو عبادة البقر أو عبادة اللّه _ أمرٌ يختصّ ضمير الفرد . . . وفيما يختصّ المسائل الدينية والمذهبية فإنّهم لا يرغبون في الاعتراف بحقيقة الدين والنبوة ، ويتجاهلون أن يكون الأنبياء قد بعثوا حقًّا من قِبَلِ اللّه تعالى ، وإنّهم رسموا للناس طريق حقّ يضمن سعادتهم لو أنهم اتّبعوه ، ولذلك تراهم لايعترفون للدين بحقيقة أو منشأ ، ويقولون : نحن نعلم فقط أنّ الإنسان لايستطيع العيش بدون دين ، فأحد شروط العيش انشغال الإنسان وتسلّيه بشيء على أنّه دين أو معبود ، سواء كان المعبود هو اللّه تعالى أو إنسانا باسم المسيح أوبقراً أو فلزّاً أو خشبا. وعليه، لاتجوز مضايقة الناس ، دعهم ينتخبون ما يتناسب وأذواقهم ، فكلّ ما ينتخبونه حَسنٌ. (1)
.
ص: 147
هذا الاستنتاج من الدين والمذهب _ كما ذكرنا فيما مضى _ ليس مستوحىً من فكر يستند إلى قاعدة علميّة ولا فلسفية ، إنّما هو إيجاد أذهان تستغلّ العلم والفلسفة لأغراض سياسية ، فمخطّطو السياسات الاستكبارية الذين يدعون إلى حرّية العقيدة لايرغبون في الحقيقة أن يكون الكلُّ أحراراً في إظهار آرائهم ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى رشد العقائد السديدة ونمائها ، وتحرّر الناس من قيود العقائد الباطلة ، وبالتالي يضعون نهايةً لتلك القدرات السياسية ، وعليه ، فهم يجتهدون في تلهية الناس ، أملاً في التوصّل إلى مآربهم السياسية المعادية للشعوب ، وطالما كان الدين بمعزل عن السياسة وكانت المعتقدات الباطلة _ لا فرق هنا بين مختلف الأديان الباطلة _ أكبر دواعي التخدير واللهو أثراً ، تراهم يعلنون حرّيتها بما تقتضيه مصالحهم السياسية . هذا ، ولو أنّ الدين أخذ مكانه في عالم السياسة ونَمَتْ في ظلّه العقائد الصائبة وتحطّمت قيود المعتقدات الباطلة وانعتق الناس من نير القوى الاستكبارية وسلطانها ، لما توقّف الأمر على أن يحرِّمه اُولئك الداعون الرسميون لحرّية العقيدة فقط ، بل ولاُبيد أتباعه ومناصروه على أيدى هؤلاء المدّعين لحريّة العقيدة ، أنفسهم ، بحجَّة الدفاع عن حرّية العقيدة .
.
ص: 148
. .
ص: 149
الفصل السابع : تعليم العقيدةلمّا كان الهدف الأساس من «موسوعة العقائد الإسلامية» هو التمهيد للحصول على المعارف العقيديّة الحقيقيّة الأصيلة، أو هو _ في الحقيقة _ تعليم العقائد العلميّة الصحيحة المنسجمة مع الواقع، فمن الضروريّ أن نشير إلى عدد من الملاحظات قبل الدخول في صُلب المباحث المعرفيّة والعقيديّة:
أوّلاً : إمكانيّة تعليم العقائد الصحيحةإنّ أوّل سؤال يثار هو أنّنا إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ عقائد الإنسان خارجة عن اختياره، فكيف يتسنّى تعليم الناس العقائد الصحيحة المطابقة للواقع؟ والجواب هو أنّ عقائد الإنسان ليست كثيابه فيغيّرها أنّى شاء، بيد أنّ العقائد غير العلميّة قابلة للتغيير بعد اجتثاث جذور العقائد الوهميّة السقيمة. وتعليم العقائد على أساس الرؤية الإسلاميّة يعمد إلى تحقيق هذا الهدف وهو انّه بعد تحرير الفكر من قُيود التقليد، واستبدال البحث الوافي بالبحث الناقص، تترك العقائد الوهميّة مكانها للعقائد العلميّة الصحيحة. ومن البديهيّ أنّ هذا الأمر يتيسّر ولايتعذّر.
.
ص: 150
ثانيا : ضرورة تعليم العقائد الصحيحةبيّنا سابقا أنّ عقائد الإنسان هي آصرة روحه ونفسه؛ أي: إنّ العقائد الخاطئة تشوّه شكل الإنسان وباطنه الحقيقيّ وتُمرضه، فتُخرج بذلك حياته الفرديّة والاجتماعيّة عن مسارها الطبيعيّ. وما يمكن أن يقي الإنسانَ هذا الخطرَ هو علم المعرفة وتعليم العقائد العلميّة، من هنا يُعدُّ هذا العلم أهمّ العلوم وأثمنها وأكثرها ضرورةً، لأنّه يحولُ دون تطعيم الذهن بالعقائد الغالطة غير العلميّة، ويضمن سلامة الروح، لذا قال الإمام الباقر عليه السلام في سياق إرشاداته لجابر بن يزيد الجعفيّ: اِعلَم أنَّهُ لاعِلمَ كَطَلَبِ السَّلامَةِ ، ولاسَلامَةَ كَسَلامَةِ القَلبِ. (1) أجل، لاعلم كالعلم الذي يتوخّى ضمان سلامة قلب الإنسان وروحه، لأنّ معيار القيمة في كلّ علم يتمثّل في الخدمة التي يقدّمها للإنسان والمجتمع، ولمّا كان علم العقيدة وتنقيحها يؤدّي أهمّ دور في ضمان سلامة الفكر والروح، فإنّه من أثمن العلوم وأكثرها قيمةً وضرورة للإنسان.
ثالثا : التعليم الإلزاميجاء في المادّة الثالثة عشرة من ميثاق المنظّمة الدولية لحقوق الإنسان مايلي : يجب أن تكون التربية والتعليم في المراحل الابتدائية إلزاميا ومجّانا للجميع. (2) ولو أننا سألنا الموقّعين على هذا الميثاق : لماذا يسلبون العوامّ الاُمّيين حريّتهم بهذا الميثاق؟ ولماذا لا يدَعونهم أحراراً في اختيارهم الجهل؟ وما الدليل على
.
ص: 151
ضرورة كون التعليم إلزاميا؟! لأجابوا دون شكّ بأنّ التعليم ولو في أدنى مستوياته من الضروريات المتطلّبة لمعيشة الإنسان . نحن أيضا نؤيّد هذا الرأي ، من حيث إن نبيّنا صلى الله عليه و آله قد فرض العلم على كلّ مسلم ومسلمة (1) قبل ثلاثة عشر قرنا من ميلاد الموقّعين على الميثاق المذكور . إلّا أنّ الذي نأخذه على هؤلاء السادة هو : لماذا قصروا الضرورة الحيويّة على محو الاُمّيّة فأوجبوا محوها إجباراً دونما أدنى كلمة عن تعليم العقائد الصحيحة أصلاً ؟ ! هل الحدّ الأدنى من التعليم من ضروريات الحياة ولكن العقائد الصحيحة التي تهدي الحياة إلى وجهتها الصحيحة ليست من جملة ضروريات الحياة؟! وأيّهما أكثر ضرراً للإنسان ، العقائد الفاسدة أم الاُمّية؟ ثمّ هل كان الاُمّيون بجهلهم أكثر خَلْقا للمشكلات أم المتقفّون أصحاب العقائد الزائفة والاعوجاج الفكري والانحراف النفساني ؟ والحقيقة ، أننا لو حكمنا في متطلّبات المعيشة حكما عادلاً مبرّأ من المصالح السياسية لقلنا بأنه ليس هناك ما هو أكثر ضرورة من سلامة النفس ، ذلك لأنه لولا تمتّع الإنسان بسلامة نفسه لما استطاع أن يتمتّع بالجسم السالم أو بالعلم أو بأيّ شيء آخر ، كما جاء في كلام الإمام الباقر عليه السلام وهذه هي الضرورة التي تستدعي تمهيد ما يلزم لتعليم الناس كافّة المعتقدات الصحيحة ، بل وجعل تعليمها إلزاميا كالتعليم الابتدائي .
.
ص: 152
رابعا : أسلوب نيل العقائد الصحيحةتلاحظ ثلاثة أساليب للحصول على المعرفة الحقيقيّة والعقائد العلميّة الصحيحة ، وهي كما يأتي : 1 . اُسلوب الفلاسفة . 2 . اُسلوب المتكلّمين . 3 . اُسلوب الأنبياء . لقد تحدّث كلّ من الفلاسفة والمتكلّمين والأنبياء عن اُصول العقائد ، وكان لكلّ منهم اُسلوبه ومنهاجه الخاصّ في بيان المسائل العقائدية. (1)
ميزات اُسلوب الأنبياءيتمتّع اُسلوب الأنبياء عليهم السلام في تعليم اُصول العقائد بميزتين مهمّتين أساسيّتين ، يفتقر إليهما اُسلوب كلّ من الفلاسفة والمتكلّمين ، وهاتان الميزتان هما :
1 . العموميةفالاُولى تعني أنّ الأنبياء عليهم السلام كانوا يخاطبون الناس عامّة ويعلّمونهم كافّة ، أي أنهم على العكس من الفلاسفة والمتكلّمين ، فهم يعلّمون فئة خاصّة تفهم لغتهم واُسلوبهم ، بعبارة اُخرى : إنّ الفلاسفة حينما يتكلّمون عن المسائل العقائدية أو يؤلّفون كتبا فيها لا يخاطبون الناس كافّةً ، بل يخاطبون اُولئك الذين يتمتّعون بأذواق ومعلومات فلسفية أو كلامية ، أو مَن درسوا الفلسفة أو الكلام ، أو يبغون دراستها ، وعليه ، فلا يستفيد عامّة الناس من أقوالهم ومؤلّفاتهم .
.
ص: 153
أمّا الأنبياء فهم معلّمون ومربُّون للناس جميعا ، يرشدونهم إلى الاستناد إلى العقل والأدلّة والبراهين في المسائل العقائدية . فالذين يخاطبهم الأنبياء لا يقتصرون على المشتغلين بالفلسفة أو مريديها ، أو على ذوي الأذواق والمؤهّلات في علم الكلام ، أو على العلماء وطلّاب العلم ، أو على شريحة اجتماعية خاصّة ، بل هم الناس قاطبة بمختلف طبقاتهم وشرائحهم الاجتماعية ، ولهذا كان لابدّ للأنبياء أن يقولوا في المسائل العقائدية ما يسهل فهمه للجميع ، وأن يستدلّوا فيها بما يمكن للجميع أن يستوعبوه ، سواء في ذلك الجاهل الاُمّي والعالم النِحرير .
2 . الشموليّةوالميزة الاُخرى لاُسلوب الأنبياء الإلهيّين في تعليم المسائل العقائدية هي الجامعية أو الشمولية . فالعقيدة في منهاج الفلاسفة والكلاميّين تبحث بمعزل عن التطبيق العلمي . فالبحوث العقائدية على الطريقة الفلسفية والكلامية عبارة عن سلسلة من البحوث العلمية الجافّة الخارجة عن نطاق النشاطات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية ، في حين أنّ البحوث العقائدية على طريقة الأنبياء عليهم السلام بحوث شاملة جامعة بين العقيدة والعمل في نفس الوقت. إنّ تعليم العقيدة بهذا المنهاج الجامع يعرّف الإنسان حقائق المبدأ والمعاد من خلال الدلائل العلميّة والفلسفيّة الدقيقة تزامنا مع تعليمه أسمى القضايا العرفانيّة وأدقّ الموضوعات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة .
.
ص: 154
خامسا : منهج موسوعة العقائد الإسلاميةموسوعة العقائد الإسلاميّة بهدف إزالة العقائد الباطلة عن الناس و تعليمهم العقائد الحقّة، تقدِّم اُسس العقيدة الإسلاميّة على نهج الأنبياء ، وقد نظمت إرشادات القرآن الكريم والنبيّ صلى الله عليه و آله وأهل بيته صلوات اللّه عليهم أجمعين في مباحث علم المعرفة المتنوّعة واضطلعت بتبويبها تبويبا مشفوعا بالاستنتاج والتفسير والتحليل. إنّ الموسوعة تبيّن كيفيّة إرشادات الأنبياء أنفسهم لإثبات العقائد التي كانوا يدعون الناس إليها بعد ما كانوا يُحيلونهم إلى العقل في اُصول العقائد و يرون العقل مرجعا لتلك الأُصول. على ضوء ما تقدّم فإنّ هذه الموسوعة لا تفيد الباحثين فحسب بل إنّها تفيد عامّة الراغبين في التعرّف على نهج الأنبياء ومحجّتهم، كما أنّ الاستنارةَ بها تصون الباحثَ من الزلل العقيديّ ، فقد قال الإمام الصادق عليه السلام : مَن عَرفَ دينَهُ مِن كِتابِ اللّهِ عز و جل زالَتِ الجِبالُ قَبلَ أَن يَزولَ؛ ومَن دَخَلَ في أَمرٍ بِجَهلٍ خَرَجَ مِنهُ بِجَهلٍ . (1) يضاف إلى ذلك أنّ المعنييّن يستطيعون أن يتعرّفوا على الإعجاز العلميّ للنبيّوأهل بيته صلوات اللّه عليهم عبر براهين القرآن والأحاديث المأثورة في مجال الأُسس العقيديّة.
.
ص: 155
القسم الثّاني: العق_لالفصل الأوّل: معرفة العقلالفصل الثّاني : قيمة العقلالفصل الثّالث : التّعقّلالفصل الرابع : أسباب تقوية العقلالفصل الخامس : علامات العقلالفصل السّادس : آفات العقلالفصل السّابع : أحكام العاقل
.
ص: 156
. .
ص: 157
تحقيق في معنى العقلالتفكير والتعقّل عماد الإسلام، وركيزته الأساسية في العقائد والأخلاق والسلوك، فهذه الشريعة السماوية لا تبيح للإنسان تصديق ما لا يراه العقل صحيحا، ولا التحلّي بما يستهجنه العقل من السجايا، ولا الإتيان بما يستقبحه العقل من الأعمال. وانطلاقا من هذه الرؤية جاءت الخطابات القرآنية وأحاديث الرسول صلى الله عليه و آله وأحاديث أهل بيته عليهم السلام زاخرة بالمفردات الداعية إلى التفكير والتعقّل: كالتفكّر والتذكّر والتدبّر والتعقّل والتعلّم والتفقّه والذكر واللبّ والنُّهى، وجعلت هذه المحاور مدارا، وأكّدت عليها في توجّهاتها أكثر من أيّ شيء آخر؛ حيث تكرّرت في القرآن الكريم كلمة العلم ومشتقّاتها 779 مرّة، وكلمة الذكر 274 مرّة، والعقل 49 مرّة، والفقه 20 مرّة، والفكر 18 مرّة، واللبّ 16 مرّة، والتدبّر 4 مرّات. يرى الإسلام أنّ العقل أساس الإنسان، ومعيار لقيمته ودرجات كماله، وملاك لتثمين قيمة الأعمال، وميزان للجزاء، وحجّة اللّه الباطنية. (1) العقل أثمن منحة إلهيّة وُهبت للإنسان، وهو أوّل قاعدة للإسلام، وأهمّ ركائز
.
ص: 158
الحياة، وأجمل حلية يتحلّى بها الإنسان. (1) العقل أثمن ثروة، وأفضل صديق ومرشد ، وأحسن معاقل أهل الإيمان. (2) يرى الإسلام أنّ العلم بحاجة إلى العقل؛ لأنّ العلم بلا عقل مضرّة، ومن زاد علمه على عقله كان وبالاً عليه. (3) وخلاصة القول هي أنّ الإسلام يرى أنّ السبيل الوحيد للتكامل المادي والمعنوي، وإعمار الحياة الدنيا والآخرة، والوصول إلى مجتمع إنساني أفضل، وتحقيق الغاية السامية للإنسانية ، يكمن في التفكير السليم الصائب، وكلّ المآسي والنكبات التي مُنيت بها البشرية جاءت كنتيجة للجهل وعدم تسخير طاقة الفكر، ولهذا يعترف أصحاب العقائد الباطلة يوم القيامة عند الحساب بأسباب ما حلّ بهم من البلاء، قائلين: «لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أصْحَ_بِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقا لِّأَصْحَ_بِ السَّعِيرِ» . (4)
العقل في اللغةأصل العقل في اللغة بمعنى المنع والحجر والنهي والحبس؛ كعقل البعير بالعقال لمنعه من الحركة 5 ، ولدى الإنسان قوّة تسمّى بالعقل ، وهي التي تصونه من الجهل
.
ص: 159
وتحميه من الانزلاق فكرا وعملاً. لهذا قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : العَقلُ عِقالٌ مِنَ الجَهلِ. (1)
العقل في النصوص الإسلاميةقال المحدّث الكبير الشيخ الحرّ العاملي رضوان اللّه تعالى عليه في نهاية باب «وجوب طاعة العقل ومخالفة الجهل» حول معاني العقل ما يلي: «العقل يطلق في كلام العلماء والحكماء على معانٍ كثيرة (2) ، وبالتتبّع يعلم أنّه يطلق في الأحاديث على ثلاثة معانٍ : أحدها : قوة إدراك الخير والشرّ والتمييز بينهما، ومعرفة أسباب الاُمور، ونحو ذلك، وهذا هو مناط التكليف. وثانيها : حالة وملكة تدعو إلى اختيار الخير والمنافع واجتناب الشرّ والمضارّ. وثالثها : التعقّل بمعنى العلم، ولذا يقابَل بالجهل لا بالجنون . وأحاديث هذا الباب وغيره أكثرها محمول على المعنى الثاني والثالث، واللّه أعلم». (3) أقول: يتّضح من خلال التتبّع والتأمّل في الموارد التي استخدمت فيها كلمة «العقل» ومرادفاتها في النصوص الإسلامية أنّ هذه الكلمة تطلق على مبدأ إدراكات الإنسان تارة، وتطلق على النتيجة الحاصلة من إدراكاته تارة اُخرى. كما وأنّ لكلّ واحد من هذين المعنيين استخدامات مختلفة، منها:
.
ص: 160
أ _ استخدام «العقل» في ما يخصّ مبدأ الإدراكات:1 . مبدأ جميع المعارف الإنسانيّة:وهذا المعنى تشير إليه الأحاديث التي تفسّر حقيقة العقل ب_«النور» (1) ، أو تعتبر النور كمبدأ لوجود العقل (2) ، أو تنظر إليه كهديّة إلهية، وتذهب إلى أنّه أصل الإنسان. (3) فالإنسان _ كما يُستشفّ من هذه الأحاديث _ يتمتّع في وجوده الذاتي بطاقة نورانية تعتبر بمثابة الحياة للروح، وهذه الطاقة إذا كُتب لها النماء والتهذيب يتمكّن الإنسان في ظلّها من إدراك حقائق الوجود، والتمييز بين الحقائق الحسّية والغيبيّة ، واستجلاء الحقّ من الباطل، وفرز الخير من الشرّ، ومعرفة الصالح من الطالح. وإذا اُتيح تقوية هذه الطاقة النورانية وهذا الشعور الخفي، يتسنّى للإنسان عند ذاك اكتساب إدراكات تفوق التصوّر، حتّى أنّه يصبح قادرا على سبر أغوار عالم الغيب ببصيرة غيبيّة، ويتحوّل الغيب أمامه إلى شهود. (4) وهذه المرتبة من العقل هي التي عبّرت عنها النصوص الإسلامية بمرتبة اليقين.
2 . مبدأ التفكير:إنّ الاستخدام الآخر للعقل في النصوص الإسلامية يتمثّل في النظر إليه كمبدأ للتفكير، ويعرّف العقل في مثل هذه الموارد كمنشأ للفطنة والفهم والحفظ (5) ، وموضعه الدماغ. 6 وتعتبر الآيات والأحاديث التي تحثّ الإنسان على التعقّل والتفكير، وكذا
.
ص: 161
الأحاديث التي تطرح العقل التجريبي وعقل التعلّم إلى جانب عقل الطبع وعقل الموهبة، نماذجَ لاستخدام كلمة العقل بمعنى مبدأ التفكير.
3 . الوجدان الأخلاقي:وهو قوّة كامنة في أعماق ذات الإنسان تحثّه على التحلّي بالفضائل الأخلاقية وتردعه عن ركوب الرذائل. أو يمكن القول بعبارة اُخرى: إنّه شعور بانجذاب فطري نحو الفضيلة ونفور تلقائي من الرذيلة. فلو افترض الإنسانُ نفسَه في معزل عن جميع المعتقدات والتقاليد والأعراف الدينية والاجتماعية، فإذا تصوّر مفاهيم العدل والجور، والخير والشرّ ، والصدق والكذب، والوفاء بالعهد ونقض العهد، فإنّ فطرته تحكم بأنّ العدل والخير والصدق والوفاء بالعهد جميل، بينما الظلم والشرّ والكذب ونقض العهد قبيح. (1) إنّ الشعور بالميل إلى الفضائل والنفور من الرذائل يعتبر من وجهة نظر القرآن إلهاما إلهيا ، حيث ورد في القرآن الكريم: «وَ نَفْسٍ وَ مَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَاهَا» . (2) وهذا الشعور أو هذا الإلهام يشكّل الحجر الأساس في الهديّة المعرفية التي وهبها الباري تعالى للإنسان، وقد أطلقت النصوص الإسلامية على مبدئها _ الذي هو ذلك الشعور الخفي الذي يغرس في ذات الإنسان ميلًا إلى القيم الأخلاقية _ اسم العقل ، وكلّ القيم الأخلاقية الاُخرى بمثابة جنود للعقل، أمّا الرذائل فتعتبر جنودا للجهل. (3)
.
ص: 162
قضية تسترعي الانتباه:جاء في بعض الكتب حديث يُنسب إلى الإمام عليّ عليه السلام في تفسير العقل ، يتطابق مع أحد المعاني التي تذهب إليها الفلسفة في تفسيرها للعقل، ونصّ الحديث كالآتي: قالَ السّائِلُ: يا مَولايَ، ومَا العَقلُ؟ قالَ عليه السلام : «العَقلُ جَوهَرٌ دَرّاكٌ مُحيطٌ بِالأَشياءِ مِن جَميعِ جِهاتِها، عارِفٌ بِالشَّيءِ قَبلَ كَونِهِ؛ فَهُوَ عِلَّةُ المَوجوداتِ ، ونِهايَةُ المَطلَبِ». (1) وعلى الرغم من كثرة التنقيب الذي جرى للعثور على هذا الحديث في المصادر الأصلية، لم يُعثر على مصدرٍ له.
ب _ استخدامات «العقل» في نتيجة الإدراكات:1 . معرفة الحقائق:تستخدم كلمة «العقل» في النصوص الإسلامية _ إضافة إلى استعمالها في مبدأ إدراكات الشعور لدى المدرك _ في المدركات العقلية ومعرفة الحقائق المتعلّقة بالمبدأ والمعاد، وأبرز مثال على ذلك هو الأحاديث التي تضع العقل إلى جانب الأنبياء وتصفه بأنّه حجّة اللّه الباطنة. (2) كما أنّ الأحاديث التي تعتبر العقل مما يقبل التهذيب والتربية، وتصفه بأنّه معيار لقيمة الإنسان وبه يجازى ويثاب، أو تقسّمه إلى عقل طبع وعقل تجربة، وإلى مطبوع ومسموع، إنّما تقصد به عقل الوعي والمعرفة.
.
ص: 163
2 . العمل بمقتضى العقل:تستخدم كلمة العقل أحيانا بمعنى العمل بمقتضى القوّة العاقلة _ من باب المبالغة مثل: زيد عدل _ كالتعريف الذي روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في معنى العقل من أنّه : العَمَلُ بِطاعَةِ اللّهِ، وإِنَّ العُمّالَ بِطاعَةِ اللّهِ هُمُ العُقَلاءُ. (1) أو كما روي عن الإمام علي عليه السلام في قوله: العَقلُ أَن تَقولَ ما تَعرِفُ ، وتَعمَلُ بِما تَنطِقُ بِهِ. (2) واستخدم الجهل أيضا _ كاستخدام العقل _ بمعنى العمل بمقتضى ما تمليه طبيعة الجهل، كما ورد في الدعاء وكُلَّ جَهلٍ عَمِلتُهُ. (3)
حياة العقلالعقل حياة الروح، إلّا أنّ للعقل أيضا _ في رؤية النصوص الإسلامية _ حياةً وموتا، والتكامل المادي والمعنوي للإنسان رهين بحياة العقل، ويُقاس التجسيد الأساسي للحياة العقلية للإنسان بمدى فاعلية القوّة العاقلة لديه بما تعنيه من وازع أخلاقي ، وهذا واحد من الغايات الأساسية الكامنة وراء بعثة الأنبياء ، وهذا ما أشار إليه الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام عند بيانه للحكمة من وراء بعثة الأنبياء في قوله: ويُثيروا لَهُم دَفائِنَ العُقولِ. (4)
.
ص: 164
إنّ الإنسان قادر بطبيعته على تفعيل فكره لكشف أسرار الطبيعة، غير أنّ إحياء العقل لمعرفة الكمال المطلق والتخطيط في سبيل الانطلاق على مسار الغاية العليا للإنسانية لا يتيسّر إلّا للأنبياء. وكلّ ما ورد في الكتاب والسنّة عن العقل والجهل وعن صفات العقل وخصائصه وآثاره وأحكامه إنّما يختصّ بهذا المعنى من معاني العقل. وحينما يبلغ الإنسان أسمى مراتب الحياة العقلية في ضوء تعاليم الأنبياء، تتبلور لديه معرفة وبصيرة لايجد الخطأ إليها سبيلاً، وتبقى ملازمة له إلى حين بلوغه ذروة الكمال الإنساني. وفي هذا المعنى قال أميرالمؤمنين عليه السلام : قَد أَحيا عَقلَهُ، وأَماتَ نَفسَهُ، حَتّى دَقَّ جَليلُهُ ، ولَطُفَ غَليظُهُ، وبَرَقَ لَهُ لامِعٌ كَثيرُ البَرقِ؛ فَأَبانَ لَهُ الطَّريقَ، وسَلَكَ بِهِ السَّبيلَ، وتَدافَعَتهُ الأَبوابُ إِلى بابِ السَّلامَةِ ودارِ الإِقامَةِ، وثَبَتَت رِجلاهُ بِطُمَأنينَةِ بَدَنِهِ في قَرارِ الأَمنِ وَالرّاحَةِ بِمَا استَعمَلَ قَلبَهُ وأَرضى رَبَّهُ. (1) وبناءً على هذا، وانطلاقا من التعريف الذي يأتي في معنى العلم الحقيقي والحكمة الحقيقية (2) ، يتّضح لدينا أنّ النصوص الإسلامية طرحت ثلاث مفردات هي: العلم والحكمة والعقل، للتعبير عن قوّة نورانية باطنية بنّاءة في وجود الإنسان ، وهذه القوّة تُسمّى ب_«نور العلم» من حيث إنّها تقود الإنسان إلى التكامل المادّي والمعنوي، وتُسمّى ب_«الحكمة الحقيقية» من حيث ما تتّسم به من تماسك وابتعاد عن الخطأ، وتسمّى من ناحية اُخرى ب_«العقل» من حيث يدفع الإنسان إلى فعل الخير ويمنعه عن الانزلاق فكرا وعملًا، ويمكن البرهنة على هذا الزعم بكلّ جلاء
.
ص: 165
من خلال استقراء مبادئ العلم والحكمة (1) والعقل (2) واستقراء صفاتها وآثارها وآفاتها وعوائقها .
العقل النظري والعقل العمليهنالك رأيان في تفسير معنى العقل النظري والعقل العملي: يذهب الرأي الأوّل إلى أنّ العقل هو مبدأ الإدراك، ولا يوجد في هذا الصدد أيّ فارق بين العقل النظري والعقل العملي، وإنّما يكمن الفارق في الهدف؛ فإذا كان الهدف من إدراك الشيء هو معرفته لا العمل به، يُسمّى مبدأ الإدراك حينئذٍ بالعقل النظري ، من قبيل إدراك حقائق الوجود، أمّا إذا كان الهدف من الإدراك هو العمل، فيسمّى مبدأ الإدراك عند ذاك بالعقل العملي، من قبيل معرفة حسن العدل وقبح الجور، وحسن الصبر وقبح الجزع، وما إلى ذلك. وقد نُسب هذا الرأي إلى مشاهير الفلاسفة، ويمثّل العقل العملي _ وفقا لهذا الرأي _ مبدأ للإدراك وليس كمحفّز أو دافع. ويذهب الرأي الثاني إلى القول بأنّ التفاوت بين العقل النظري والعقل العملي تفاوت في الجوهر؛ أي في طبيعة الأداء الوظيفي لكلّ منهما؛ فالعقل النظري هو عبارة عن مبدأ الإدراك سواء كان الهدف من الإدراك هو المعرفة أم العمل، والعقل العملي مبدأللدوافع والمحفزات لا الإدراك، ومهمّة العقل العملي هي تنفيذ مدركات العقل النظري. وأوّل من قال بهذا الرأي _ على الأشهر _ هو ابن سينا، ومن بعده قطب الدين
.
ص: 166
الرازي صاحب المحاكمات ، وأخيرا المحقق النراقي صاحب كتاب «جامع السعادات». (1) أقول: النظرية الاُولى أقرب إلى معنى كلمة العقل، ولكنّ الأصح هو تفسير العقل العملي بمبدأ الإدراك والحفز؛ وذلك لأنّ الشعور الذي يتعاطى مع القيم الأخلاقية والعملية هو مبدأ الإدراك، وهو في الوقت ذاته مبدأ للدفع والحفز. وقوّة الإدراك هذه هي ذات العنصر الذي سُمّي من قبل بالوجدان الأخلاقي وسمّته النصوص الإسلامية بعقل الطبع، وهو ما سنوضّحه فيما يأتي:
عقل الطبع وعقل التجربةوبدلًا من تقسيم العقل إلى نظري وعملي وضعت له النصوص الإسلامية تقسيما من نوع آخر ، وصنّفته إلى «عقل طبع» و«عقل تجربة» أو «عقل مطبوع» و«عقل مسموع» ، حيث قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في هذا المضمار: العَقلُ عَقلانِ؛ عَقلُ الطَّبعِ وعَقلُ التَّجرِبَةِ، وكِلاهُما يُؤّدِّي المَنفَعَةَ. (2) وقال أيضا: رَأيتُ العَقلَ عَقلَينِ فَمَطبوعٌ ومَسموعُ لا يَنفَعُ مَسموعٌ إذا لَم يَكُ مَطبوعُ كَما لا تنفَعُ الشَّمسٌ وضَوءُ العَينِ مَمنوعُ. (3)
.
ص: 167
وممّا يسترعي الانتباه في هذا المجال هو ما روي عن الإمام علي عليه السلام فيما يخصّ هذا التقسيم، حيث روي عنه أنّه قال بشأن العلم: «العِلمُ عِلمانِ؛ مَطبوعٌ ومَسموعٌ، ولا يَنفَعُ المَسموعُ إذا لَم يَكُنِ المَطبوعُ». (1) والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: ما العقل والعلم المطبوع؟ وبِمَ يختلف عن العقل والعلم المسموع؟ ولماذا لا ينفع الإنسان عقل التجربة والعلم المسموع إذا لم يكن العقل والعلم المطبوع؟ والجواب هو: الظاهر أنّ المراد من العقل والعلم المطبوع هو مجموعة المعارف التي أودعها اللّه عز و جل في طبيعة كلّ إنسان؛ ليعثر بواسطتها على الطريق الذي يقوده إلى الكمال، ويسير بها على طريق الغاية النهائية لعالم الخلقة. وقد عبّر القرآن الكريم عن هذه المعارف الفطرية بإلهام الفجور والتقوى، وذلك في قوله: «وَ نَفْسٍ وَ مَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَاهَا» . (2) وهو ما يسمّى اليوم بالوجدان الأخلاقي. يعتبر عقل الطبع أو الوجدان الأخلاقي مبدأ للإدراك، وفي الوقت ذاته كمبدأ للحفز، ولو قُدّر له الانبعاث والتنامي على أساس تعاليم الأنبياء ليتسنّى للإنسان الاستفادة من سائر المعارف التي اختزنها عن طريق الدراسة والتجربة، ولتيسّر له تحقيق الحياة الإنسانية الطيّبة التي يصبو إليها. أمّا إذا مات عقل الطبع على أثر اتّباع الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فلا تنفع الإنسان عند ذاك أيّ معرفة في إيصاله إلى الحياة المنشودة، مثلما ورد في كلام أميرالمؤمنين عليه السلام الذي شبّه فيه عقل الطبع بالعين، وعقل التجربة بالشمس. ولا شكّ في أنّ رؤية الحقائق تستلزم وجود
.
ص: 168
عين سليمة من جهة، ووجود نور الشمس من جهة اُخرى . وكما أنّ نور الشمس لا يحول دون زلل الأعمى، فكذلك لا ينفع عقل التجربة في الحيلولة دون زلل من مات لديه عقل الطبع والوجدان الأخلاقي وسقوطه .
الفرق بين العاقل والعالميأتي في مدخل القسم الرابع أنّ لكلمة «العلم» في النصوص الإسلامية استخدامين: يُعنى أحدهما بجوهر العلم و حقيقته فيما يتناول الآخر قشره الظاهري فحسب. في الاستخدام الأوّل هنالك تلازم بين العقل والعلم كما روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه قال: العَقلُ وَالعِلمُ مَقرونانِ في قَرنٍ لا يَفتَرِقانِ ولا يَتَبايَنانِ. (1) وعلى هذا الأساس لا يوجد ثمّة فارق بين العالم والعاقل، وذلك لأنّ العاقل عالم، والعالم عاقل، حيث قال تعالى في كتابه الكريم: «وَ تِلْكَ الْأَمْثَ_لُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا يَعْقِلُهَا إلَا الْعَ__لِمُونَ» . (2) أمّا في الاستخدام الثاني فهنالك تفاوت بين العاقل والعالم، والعلم بحاجة إلى العقل، فقد يكون هناك عالم ولكنّه غير عاقل، وإذا اقترن العلم بالعقل كان ذا فائدة للعالِم وللعالَم. أمّا إذا تجرّد من العقل فلا خير فيه، بل ولا يخلو في مثل هذه الحالة من الضرر والخطر.
خطر العلم بلا عقلقال الإمام علي عليه السلام في هذا المعنى:
.
ص: 169
العَقلُ لَم يَجنِ عَلى صاحِبِهِ قَطُّ، وَالعِلمُ مِن غَيرِ عَقلٍ يَجني عَلى صاحِبِهِ. (1) وفي عالم اليوم تطوّر العلم غير أنّ العقل تناقص ، والمجتمع الحالي يمثّل مصداقا لمقولته عليه السلام حين يقول: مَن زادَ عِلمُهُ عَلى عَقلِهِ كانَ وَبالًا عَلَيهِ . (2) وهو أيضا مصداق لهذا البيت : إذا كنت ذا علم ولم تكُ عاقلًا فأنت كذي نعل وليس له رجلُ (3) لقد أصبح العلم في العصر الراهن _ نتيجة لابتعاده عن العقل _ سببا لاضطراب المجتمع البشري مادّيا ومعنويا وفسادهِ وانحطاطهِ، بدلًا من أن يكون عاملًا لاستقراره ورفاهه وتقدّمه وتكامله على الصعيدين المعنوي والمادّي؛ حيث تحوّل العلم في عالم اليوم إلى أداة لبلوغ المآرب السياسية والاقتصادية واللذائذ المادّية لدى فئة مستكبرة مرفّهة خاوية من العقل، استغلّت هذه الأداة أكثر من أي وقت آخر؛ للاستيلاء على الشعوب واستضعافها ودفعها إلى هاوية الانحراف. طالما بقي العلم بعيدا عن العقل، وما دام العقل لا يواكب العلم في تطوّره، لن يتسنّى لبني الإنسان أن يذوقوا طعم الاستقرار والسكينة وأفضل ما جاء في هذا المعنى هو قول الإمام علي عليه السلام : «أفضَلُ ما مَنَّ اللّهُ سُبحانَهُ بِهِ عَلى عِبادِهِ عِلمٌ ، وعَقلٌ، ومُلكٌ، وعَدلٌ». (4)
.
ص: 170
وخلاصة القول هي أنّ عالم اليوم بحاجة إلى العقل أكثر من أي وقت مضى، والقسم الأوّل من كتاب المعرفة الذي بين أيديكم له اليوم تطبيقات ثقافية واجتماعية وسياسية أكثر من أيّ وقت مضى .
.
ص: 171
الفصل الأوّل: معرفة العقل1 / 1حَقيقَةُ العَقلِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العَقلُ نورٌ خَلَقَهُ اللّهُ لِلإِنسانِ ، وجَعَلَهُ يُضيءُ عَلَى القَلبِ لِيَعرِفَ بِهِ الفَرقَ بَينَ المُشاهَداتِ مِنَ المُغَيَّباتِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :العَقلُ نورٌ فِي القَلبِ، يُفَرِّقُ بِهِ بَينَ الحَقِّ والباطِلِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَثَلُ العَقلِ فِي القَلبِ كَمَثَلِ السِّراجِ في وَسَطِ البَيتِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: الرّوحُ حَياةُ البَدَنِ ، وَالعَقلُ حَياةُ الرّوحِ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :خَلَقَ اللّهُ تَعالَى العَقلَ مِن أربَعَةِ أشياءَ : مِنَ العِلمِ ، وَالقُدرَةِ ، وَالنّورِ ، والمَشيئَةِ بِالأَمرِ ، فَجَعَلَهُ قائِما بِالعِلمِ دائِما فِي المَلَكوتِ. (5)
.
ص: 172
عنه عليه السلام :قِوامُ الإِنسانِ وبَقاؤُهُ بِأَربَعَةٍ : بِالنّارِ ، وَالنّورِ ، وَالرّيحِ ، وَالماءِ . فَبِالنّارِ يَأكُلُ ويَشرَبُ ، وبِالنّورِ يُبصِرُ ويَعقِلُ . . . ولَولا أنَّ النّورَ في بَصَرِهِ لَما أبصَرَ ولا عَقَلَ . (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ ضَوءَ الرّوحِ العَقلُ. (2)
راجع : ص 160 (مبدأ جميع المعارف الإنسانيّة) و 238 ح 293 و 294 ، و ج 2 ص 221 (الفصل الأول : حقيقة العلم) .
1 / 2خَلقُ العَقلِ وَالجَهلِالكتاب«وَ نَفْسٍ وَ مَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَاهَا» . (3)
«وَ لَا اُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ» . (4)
«وَ مَا اُبَرِّئُ نَفْسِى إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَة بِالسُّوءِ إلَا مَا رَحِمَ رَبِّى إنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ» . (5)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى خَلَقَ العَقلَ مِن نورٍ مَخزونٍ مَكنونٍ في سابِقِ
.
ص: 173
عِلمِهِ الَّذي لَم يَطَّلِع عَلَيهِ نَبِيٌّ مُرسَلٌ ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :أوَّلُ ما خَلَقَ اللّهُ سُبحانَهُ وتَعالَى العَقلُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ في حَديثِ خَلقِ العَقلِ _: ... ثُمَّ خَلَقَ العَقلَ فَاستَنطَقَهُ فَأَجابَهُ ، فَقالَ : وعِزَّتي وجَلالي ما خَلَقتُ خَلقا هُوَ أحَبُّ إلَيَّ مِنكَ ، [بِكَ] (3) آخُذُ، وبِكَ اُعطي ، وعِزَّتي لَاُكَمِّلَنَّكَ فيمَن أحبَبتُ ، ولَأَنقُصَنَّكَ فيمَن أبغَضتُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل رَكَّبَ فِي المَلائِكَةِ عَقلًا بِلا شَهوَةٍ ، ورَكَّبَ فِي البَهائِمِ شَهوَةً بِلا عَقلٍ ، ورَكَّبَ في بَني آدَمَ كِلَيهِما ، فَمَن غَلَبَ عَقلُهُ شَهوَتَهُ فَهُوَ خَيرٌ مِنَ المَلائِكَةِ ، ومَن غَلَبَت شَهوَتُهُ عَقلَهُ فَهُوَ شَرٌّ مِنَ البَهائِمِ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ العَقلَ وهُوَ أوَّلُ خَلقٍ مِنَ الرّوحانِيّينَ عَن يَمينِ العَرشِ مِن نورِهِ ، فَقالَ لَهُ : أدبِر فَأَدبَرَ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل فَأَقبَلَ ، فَقالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : خَلَقتُكَ خَلقا عَظيما وكَرَّمتُكَ عَلى جَمي_عِ خَلق_ي . ثُمَّ خَلَقَ الجَهلَ مِنَ البَحرِ الاُجاجِ ظُلمانِيًّا فَقالَ لَهُ : أدبِر فَأَدبَرَ ؛ ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل
.
ص: 174
فَلَم يُقبِل ، فَقالَ لَهُ : اِستَكبَرتَ ، فَلَعَنَهُ. (1)
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَاهَا» _: بَيَّنَ لَها ما تَأتي وما تَترُكُ. (2)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى: «وَ نَفْسٍ وَ مَا سَوَّاهَا» _: خَلَقَها وصَوَّرَها ، وقَولُهُ : «فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَاهَا» أي عَرَّفَها وألهَمَها ، ثُمَّ خَيَّرَها فَاختارَت. (3)
راجع: ص 243 ح 311 .
.
ص: 175
أضواء على خلق العقل والجهليمثّل خلق العقل والجهل، وكيفيّة تركيب هذين العنصرين المتضادّين ، والحكمة وراء تركيبهما في الإنسان على هذا النحو، أوسعَ موضوعات النظرة الإسلاميّة للإنسان شمولًا، وأكثر مبادئها التربويّة أهمّيّة. وإليك فيما يلي توضيحات مقتضبة حول هذه القضايا عبر استقراء الأحاديث الواردة في هذا الباب .
1 . خلق العقليمكن القول _ في ضوء الأحاديث المذكورة _ : إنّ المراد من خلق العقل هو إيجاد ذلك الشعور الخفيّ الذي لا يعلم حقيقته إلّا اللّه ، ولهذا لا يتوقّع أن تتمكّن البحوث العلميّة من إدراك كنه قوّة العقل ، ولكن يتأتّى تعريف هذه الظاهرة عن طريق خصائصها ومميّزاتها التي يعتبر من أهمّها ما يلي :
أ _ العقل أوّل مخلوقاُشير إلى هذه الخاصّيّة في عدّة أحاديث (1) ، ويمكن القول : إنّ الهويّة الحقيقيّة للإنسان ليست إلّا عقله ، وهذا ما صرّحت به روايات اُخرى. (2)
.
ص: 176
والأساس في خلقة الإنسان _ كما تفيد هذه الأحاديث _ هو العقل ، وخلقت بقيّة الأشياء تبعا له .
ب _ مخلوق من نوروفي ذلك إشارة إلى أنّ المهمّة الأساسيّة للعقل هي الإنارة (1) ، وإعطاء صورة عن الواقع والنظرة المستقبليّة ، ووضع الإنسان في مسار المعتقد الحقّ والعمل الصالح والخُلُق الفاضل (2) ، وباختصارٍ : وضعُهُ على طريق الهداية الموصلة إلى طريق التكامل .
ج _ النزوع إلى الحقّلقوّة العقل نزوع إلى التسليم أمام الحقّ ، وإذا كان العقل خالصا لا يخالطه جهل تجده يتّبع الحقّ ولا يقبل شيئا سواه : فَقالَ لَهُ : أدبِر ، فَأَدبَرَ . ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل ، فَأَقبَلَ. (3)
2 . خلق الجهليبدو من خلال النظرة الابتدائيّة أنّ خلق الجهل لا معنى له ، وذلك لأنّ الجهل معناه عدم العلم ، والعدم لا يُخلق ، وهذا ما يقتضي بطبيعة الحال تأويل الأحاديث الدالّة على خلق الجهل ، ولكن يتّضح من خلال التأمّل في هذه الروايات أنّ المراد من خلق الجهل هو إيجاد ذلك الشعور الخفيّ الذي هو في مقابل العقل ويُسمّى «جهلًا» أو«حمقا» من حيث دعوته الإنسان إلى فعل ما لا ينبغي له فعله ، ويُسمّى
.
ص: 177
ب«النفس الأمّارة بالسوء» من حيث دفعه إلى عمل القبيح ، ويُسمّى «شهوة» (1) من حيث تزيينه لكلّ ما هو فاسد . وأمّا خصائصه فهي كالآتي :
أ _ خُلِق بعد العقلتشير هذه الخاصّيّة إلى أنّ وجود الجهل وجود ذيليّ ، وأنّه اُودع في كيان الإنسان في أعقاب خلق العقل لحكمة وفلسفة خاصّة به .
ب _ خُلِق من الكدورة والظلمةوفي مقابل قوّة العقل المخلوقة من النور خُلِق الجهل من الكدورة والظلمة . وفي هذا المعنى إشارة إلى أنّ مقتضى قوّة الجهل يستدعيالتغاضي عن الحقائق ، والنزوع إلى المعتقدات الوهميّة ، وفعل القبيح ، أو بكلمة واحدة : الضّلالة والغيّ (2) ، ولا يُجنى من ورائه سوى المرارة والخيبة .
ج _ النزوع إلى الباطلوخلافا لما ينزع إليه العقل تميل قوّة الجهل إلى الاستسلام للباطل ، وإذا كان الجهل جهلًا تامًّا لا يخالطه شيء من العقل فإنّه لا يتّبع الحقّ إطلاقا . فَقالَ لَهُ : أدبِر ، فَأَدبَرَ . ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل ، فَلَم يُقبِل. (3)
3 . تركيب العقل والجهلإنّ أحد الجوانب التي تستلزم التأمّل ، فيما يخصّ خلق العقل والجهل هو تركيب
.
ص: 178
هذين العنصرين في وجود الإنسان . قال الإمام عليّ عليه السلام في بيانه لهذا التركيب : إنَّ اللّهَ عز و جل رَكَّبَ فِي المَلائِكَةِ عَقلًا بِلا شَهوَةٍ ، ورَكَّبَ فِي البَهائِمِ شَهوَةً بِلا عَقلٍ ، ورَكَّبَ في بَني آدَمَ كِلَيهِما. (1) لقد سُمّي عنصر الجهل في هذا الحديث «شهوة» ؛ فللملائكة عقل فحسب ، وللبهائم عنصر الشهوة فحسب ، فالملائكة عقل محض ، والبهائم جهل محض ، في حين ينطوي كيان الإنسان على مزيج مركّب من العقل والجهل ، أو العقل والشهوة ، أو العقل والنفس الأمّارة .
4 . الحكمة من تركيب العقل والجهلإنّ أهمّ قضيّة تتعلّق بخلق العقل والجهل هي الحكمة الكامنة وراء مزج هذين العنصرين المتضادّين ، ولماذا أودع اللّه الحكيم في كيان الإنسان النفس الأمّارة؟ ولماذا خلق له شهوة تدفع به نحو حضيض الجاهليّة؟ ولماذا لم يخلقه كالملائكة ، مجرّد عقل بلا شهوة لكي لا يحوم حول الرذائل؟ الجواب على ذلك : هو أنّ الخالق الحكيم أراد أن يخلق كائنا له قدرة على الاختيار ، فالحكمة والسرّ الكامن وراء هذا التركيب الممزوج من العقل والجهل في الإنسان هو خلق موجود حرّ له قدرة على الاختيار . فالملائكة بما أنّهم مجرّدون من الشهوة يمتنع صدور القبيح منهم (2) ، ولهذا لا يمكنهم اختيار طريق آخر غير ما يأمر به العقل . وكذلك البهائم ؛ بما أنّها مجرّدة من العقل فهي غير قادرة على اختيار طريق غير الطريق الذي تدعوها إليه شهوتها .
.
ص: 179
وأمّا الإنسان ، فنظرا لكونه مركّبا من عقل وشهوة فهو حرّ ولديه القدرة على الاختيار ، وهذا هو ما يوجب أفضليّة الإنسان على سائر الموجودات الاُخرى ، ولعلّه لأجل هذه الأفضليّة أثنى (1) الباري تعالى على ذاته عند خلقه للإنسان . وهذا هو مَرَدُّ الرواية الواردة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : ما مِن شَيءٍ أكرَمَ عَلَى اللّهِ مِنِ ابنِ آدَمَ. قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ولَا المَلائِكَةُ ؟ قالَ : المَلائِكَةُ مَجبورونَ بِمَنزِلَةِ الشَّمسِ وَالقَمَرِ. (2) ومن الطبيعيّ أنّ هذه الفضيلة الموجودة في كيان الإنسان بالقوّة لا تجد طريقها إلى حيّز التطبيق إلّا عندما يستثمر الإنسان هذه الحرّيّة من أجل تكامله الاختياري ، أما إذا أساء استغلالها واندحر العقل في مواجهته للشهوة فحينذاك تتحوّل نعمة الحرّيّة إلى نقمة . لهذا قال الإمام عليّ عليه السلام _ ضمن حديثه الذي نقلناه في بيان تركيب العقل والجهل _ : فَمَن غَلَبَ عَقلُهُ شَهوَتَهُ فَهُوَ خَيرٌ مِنَ المَلائِكَةِ ، ومَن غَلَبَت شَهوَتُهُ عَقلَهُ فَهُوَ شَرٌّ مِنَ البَهائِمِ. (3)
.
ص: 180
لِسُلَيمانَ عليه السلام : أخبِرني يا بُنَيَّ أينَ مَوضِعُ العَقلِ مِنكَ ؟ قالَ : الدِّماغُ.... (1)
علل الشرائع عن وهب بن منبِّه :إنَّهُ وُجِدَ فِي التَّوراةِ صِفَةُ خَلقِ آدَمَ عليه السلام : ... وجُعِلَ عَقلُهُ في دِماغِهِ. (2)
تعليق:وكما يلاحظ فإنّ قسما من أحاديث هذا الباب اعتبرت «القلب» كمركز للعقل والإدراك، في حين صرّح قسم آخر منها بأنّ «الدماغ» هو موضع الإدراكات . فهل هنالك ثمّة تعارض بين هاتين المجموعتين من الروايات ؟ أم أنّ لإدراكات الإنسان مركزين ، وأنّ «القلب» و «الدماغ» مركزان للمعرفة ويقعان في عرض بعضهما ؟ أم يتعامدان مع بعضهما طوليا ؟ والجواب : هو أنّ هاتين المجموعتين من الروايات لا تعارض بينهما ، وإنّما تكمن المفارقة في أنّ كلمة القلب استخدمت في النصوص الإسلامية على أربعة معانٍ ، هي : 1 _ مضخّة للدم 2 _ العقل 3 _ مركز للمعرفة الشهوديّة 4 _ الروح. (3) والقلب بالمعنى الرابع هو المبدأ الأساسي لجميع إدراكات الإنسان (4) ، والروايات التي اعتبرت القلب مسكنا للعقل تشير إلى هذا المعنى . وفي مثل هذه الحالة يقع «الدماغ» _ كما هو الحال بالنسبة للحواس الخمس _ في طول القلب لا في عرضه ، فاستنادا إلى هذه الرؤية يمكن القول إنّ موضع العقل هو الدماغ ؛ لأنّ
.
ص: 182
1 / 3مَوضِعُ العَقلِالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ العَقلَ فِي القَلبِ. (1)
عنه عليه السلام :القَلبُ وهُوَ أميرُ الجَوارِحِ الَّذي بِهِ تَعقِلُ وتَفهَمُ وتَصدُرُ عَن أمرِهِ ورَأيِهِ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :العَقلُ مَسكَنُهُ فِي القَلبِ. (3)
عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ الَّذي كَتَبَهُ إلَى المُفَضَّلِ يَذكُرُ فيهِ مُناظَرَةً لَهُ مَعَ طَبيبٍ هِندِيٍّ _: ثُمَّ قالَ [الطَّبيبُ] : أخبِرني بِمَ تَحتَجُّ في مَعرِفَةِ رَبِّكَ الَّذي تَصِفُ قُدرَتَهُ ورُبوبِيَّتَهُ ، وإنَّما يَعرِفُ القَلبُ الأَشياءَ كُلَّها بِالدَّلالاتِ الخَمسِ الَّتي وَصَفتُ لَكَ ؟ قُلتُ : بِالعَقلِ الَّذي في قَلبي ، وَالدَّليلِ الَّذي أحتَجُّ بِهِ في مَعرِفَتِهِ. (4)
عنه عليه السلام :مَوضِعُ العَقلِ الدِّماغُ ، ألا تَرى أنَّ الرَّجُلَ إذا كانَ قَليلَ العَقلِ قيلَ لَهُ: ما أخَفَّ دِماغَكَ ؟ ! (5)
الدرّ المنثور عن ابن عبّاس :أوحَى اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى إلى داوُدَ عليه السلام : . . . اُنظُر إلَى ابنِكَ فَاسأَلهُ عَن أربَعَ عَشرَةَ كَلِمَةً ، فَإِن أخبَرَكَ فَوَرِّثهُ العِلمَ وَالنُّبُوَّةَ . . . فَقالَ داوُدُ
.
ص: 181
إدراكات الإنسان تنتقل إلى الروح عن طريق الدماغ ، ويصح القول بأنّ مسكن العقل هو القلب ؛ لأنّ القلب إذا كان بمعنى الروح يصبح مبدأ لجميع الإدراكات الحسيّة والعقليّة والمعارف الشهوديّة .
1 / 4أنواعُ العَقلِالإمام عليّ عليه السلام :العَقلُ عَقلانِ : عَقلُ الطَّبعِ وعَقلُ التَّجرِبَةِ ، وكِلاهُما يُؤَدِّي المَنفَعَةَ. (1)
عنه عليه السلام : رَأيتُ العَقلَ عَقلَينِ فَمَطبوعٌ ومَسموعُ ولا يَنفَ_عُ مَس_م_وعٌ إذا لَ_م يَ_كُ مَطب__وعُ كَما لا يَنفَعُ الشَّمسُ وضَوءُ العَينِ مَمنوعُ (2)
راجع : ص 166 (عقل الطبع وعقل التجربة) و 189 (هديّة من اللّه ) .
1 / 5زِيادَةُ العَقلِ ونُقصانُهُ في أدوارِ الحَياةِالإمام عليّ عليه السلام :إذا شابَ العاقِلُ شَبَّ عَقلُهُ ، إذا شابَ الجاهِلُ شَبَّ جَهلُهُ. (3)
عنه عليه السلام :لا يَزالُ العَقلُ وَالحُمقُ يَتَغالَبانِ عَلَى الرَّجُلِ إلى ثَمانِيَ عَشرَةَ سَنَةً ، فَإِذا بَلَغَها غَلَبَ عَلَيهِ أكثَرُهُما فيهِ. (4)
.
ص: 183
عنه عليه السلام :يَثَّغِرُ (1) الصَّبِيُّ لِسَبعٍ ، ويُؤمَرُ بِالصَّلاةِ لِتِسعٍ ، ويُفَرَّقُ بَينَهُم فِي المَضاجِعِ لِعَشرٍ ، ويَحتَلِمُ لِأَربَعَ عَشرَةَ ، ويَنتَهي طولُهُ لِاءِحدى وعِشرينَ سَنَةً، ويَنتَهي عَقلُهُ لِثَمانٍ وعِشرينَ إلَا التَّجارِبَ. (2)
عنه عليه السلام :إنَّ الغُلامَ إنَّما يَثَّغِرُ في سَبعِ سِنينَ ، ويَحتَلِمُ في أربَعَ عَشرَةَ سَنَةً ، ويُستَكمَلُ طولُهُ في أربَعٍ وعِشرينَ سَنَةً ، ويُستَكمَلُ عَقلُهُ في ثَمانٍ وعِشرينَ سَنَةً ، فَما كانَ بَعدَ ذلِكَ فَإِنَّما هُوَ بِالتَّجارِبِ. (3)
عنه عليه السلام :يُرَبَّى الصَّبِيُّ سَبعا، ويُؤَدَّبُ سَبعا، ويُستَخدَمُ سَبعا، ومُنتَهى طولِهِ في ثَلاثٍ وعِشرينَ سَنَةً ... ، وعَقلِهِ في خَمسٍ وثَلاثينَ سَنَةً ، وما كانَ بَعدَ ذلِكَ فَبِالتَّجارِبِ. (4)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ الرَّجُلَ إذا كَبِرَ ذَهَبَ شَرُّ شَطرَيهِ وبَقِيَ خَيرُهُما ؛ ثَبَتَ عَقلُهُ ، وَاستَحكَمَ رَأيُهُ ، وقَلَّ جَهلُهُ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :يَزيدُ عَقلُ الرَّجُلِ بَعدَ الأَربَعينَ إلى خَمسينَ وسِتّينَ ، ثُمَّ يَنقُصُ عَقلُهُ بَعدَ ذلِكَ. (6)
راجع : ص 229 (ما يقوّي العقل) .
.
ص: 184
بحث في زمن زيادة النموّ العقليّ ونقصانهمن جملة القضايا المهمّة في التعليم والتربية هي مراعاة وقتهما وحينهما فلا شكّ في أنّ التعليم والتربية إذا لم يأتيا في أوانهما لا يكتب لهما النجاح . ولهذا فإنّ من الضروريّ إجراء دراسة لمعرفة إلى أيّ سِنّ تتنامى القُوى العقليّة وعند أيّ سنّ يتوقّف هذا النموّ ، وذلك لغرض تحديد أفضل فرصة للتربية . والأحاديث التي نوردها في هذا الباب مكرَّسة لهذه القضيّة المهمّة . وقد اهتمّت هذه الأحاديث بتعيين المقطع الزمنيّ الحاسم في حياة الإنسان ، وسنّ توقّف النموّ العقليّ ، وبداية اضمحلال العقل ، وإمكانيّة بقاء الفكر بكراً وحيويّا على الدوام .
أ _ المقطع الزمنيّ الحاسمأشارت الرواية 25 إلى أنّ المقطع الزمنيّ الحاسم في حياة الإنسان يمتدّ حتّى سنّ الثامنة عشرة ، ويتحدّد مصيره التربويّ خلال هذه الفترة ؛ فإمّا تهيمن عليه القوى العقليّة ، وإمّا يسقط في دوّامة الشهوات والرذائل . وفي أعقاب ذلك يصعب تغيير مسار الحياة .
.
ص: 185
ب _ سنّ توقّف النمو العقليّيتوقّف النموّ الطبيعيّ لعقل الإنسان _ كما تفيد الروايتان 26 و 27 _ عند سنّ 28 سنة . وجاء في الرواية 28 أنّ هذا النموّ يتوقّف عند سنّ 35 سنة . وأيّ زيادة اُخرى في طاقة العقل إنّما تأتي عن طريق كثرة التجارب .
ج _ بداية ضمور قوّة العقلتفيد الرواية 30 أنّ نموّ القوى العقليّة يستمرّ لدى الإنسان حتّى سنّ الستّين ، ليبدأ العقل بعد ذلك بالضمور والاضمحلال ، وقد أشار القرآن الكريم إلى اضمحلال قوّة الإدراك لدى الإنسان في سنّ الشيخوخة (1) بدون تحديد زمن ذلك على وجه الدقّة .
د _ شباب العقل في الشيخوخةصرّحت الروايتان 24 و 29 بإمكانيّة بقاء العقل شابًّا وقويًّا في سنّ الشيخوخة ، وأنّ العاقل لا يشيب عقله ، ولا تنتقص منه الشيخوخة شيئا ، ليس هذا فحسب ، بل يزداد عقله طاقة وحيويّة ، ولهذا ورد في رواية اُخرى عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال : «رَأيُ الشَّيخِ أحَبُّ إلَيَّ مِن جَلَدِ الغُلامِ». (2) وجاء في رواية اُخرى عنه عليه السلام أيضا أنّه قال : «رَأيُ الشَّيخِ أحَبُّ إلَيَّ مِن حيلَةِ الشّابِّ». (3)
.
ص: 186
وأمّا الجاهل فالشيخوخة لا تنقص من جهله بل تزيده جهلًا على جهله . وعلى هذا الأساس يتبيّن أنّ اضمحلال العقل في مرحلة الشيخوخة لا يأتي إلّا على من لم يوفّر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب .
نقاطٌ تسترعي الاهتمامفي الختام ، هنالك ثمّة نقاط تسترعي الانتباه في ما يخصّ تفسير روايات هذا الباب وفقا للتبويب الذي وردت فيه ، وهي :
1 . الالتفات إلى مفهوم العقليفهم عبر التأمّل في هذه الروايات أنّ المراد من العقل ليس أمرا واحدا ، وإنّما المراد من العقل في المجموعتين (أ) و (د) هوالعقل العمليّ ، في حين يراد منه في المجموعتين (ب) و (ج) المعنى الأوّل من معاني العقل ، أي القابليّة على المعرفة والتعلّم .
2 . اختلاف روايات المجموعة (ب)ذكرت الروايتان 26 و 27 أنّ السنّ الذي يتوقّف عنده الرشد الطبيعيّ للعقل هو 28 سنة ، في حين صرّحت الرواية 28 أنّه يتوقّف عند سنّ 35 . وإذا استطعنا إثبات أنّ هذه الروايات صادرة كلّها عن الإمام المعصوم ، فلابدّ من حمل اختلاف الروايات على اختلاف الأشخاص .
3 . ضرورة الدراسة الميدانيّةانطلاقا من أهمّيّة هذا الموضوع ، ونظرا لانعدام الاعتبار اللازم لروايات هذا الباب من حيث السند ، فإنّ الضرورة تقضي بإجراء دراسة ميدانيّة لإثبات صدورها عن
.
ص: 187
المعصوم ، ولتأييد حمل اختلافها على اختلاف الأشخاص . أرجو أن يبادر قسم التحقيق في دارالحديث إلى توفير المتطلّبات الّتي يستدعيها إجراء مثل هذه الدراسة بعون اللّه .
4 . العوامل الاُخرى المؤثِّرة في نماء العقل أو نقصانهيعتبر عامل السنّ أحد الأسباب التي تؤدي إلى نماء العقل أو نقصانه أو توقف نمائه ، وإلى جانبه توجد أيضا عوامل اُخرى لها تأثيرها في هذا المضمار سيأتي ذكرها في الفصل الخامس تحت عنوان «أسباب تقوية العقل» ، وفي الفصل السادس تحت عنوان «آفات العقل» .
.
ص: 188
. .
ص: 189
الفصل الثّاني : قيمة العقل2 / 1هَدِيَّةٌ مِنَ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العَقلُ هَدِيَّةٌ مِنَ اللّهِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :العُقولُ مَواهِبُ ، الآدابُ مَكاسِبُ. (2)
عنه عليه السلام :العَقلُ وِلادَةٌ ، وَالعِلمُ إفادَةٌ. (3)
عنه عليه السلام :إذا أرادَ اللّهُ بِعَبدٍ خَيرا مَنَحَهُ عَقلًا قَويما وعَمَلًا مُستَقيما. (4)
عنه عليه السلام :إنَّ مَن رَزَقَهُ اللّهُ عَقلًا قَويما وعَمَلًا مُستَقيما فَقَد ظاهَرَ لَدَيهِ النِّعمَةَ وأعظَمَ عَلَيهِ المِنَّةَ. (5)
.
ص: 190
الكافي عن أبي هاشم الجعفريّ :كُنّا عِندَ الرِّضا عليه السلام فَتَذاكَرنَا العَقلَ . . . قالَ : يا أبا هاشِمٍ ، العَقلُ حِباءٌ مِنَ اللّهِ . . . مَن تَكَلَّفَ العَقلَ لَم يَزدَد بِذلِكَ إلّا جَهلًا. (1)
سعد السعود :في سُنَنِ إدريسَ عليه السلام : إنَّ اللّهَ لَمّا أحَبَّ عِبادَهُ وَهَبَ لَهُمُ العَقلَ ، وَاختَصَّ أنبِياءَهُ وأولِياءَهُ بِروحِ القُدُسِ. (2)
راجع: ص 182 (أنواع العقل) .
2 / 2خَيرُ المَواهِبِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما قَسَمَ اللّهُ لِلعِبادِ شَيئا أفضَلَ مِنَ العَقلِ ، فَنَومُ العاقِلِ أفضَلُ مِن سَهَرِ الجاهِلِ ، وإفطارُ العاقِلِ أفضَلُ مِن صَومِ الجاهِلِ ، وإقامَةُ العاقِلِ أفضَلُ مِن شُخوصِ الجاهِلِ . ولا بَعَثَ اللّهُ رَسولاً ولا نَبِيًّا حَتّى يَستَكمِلَ العَقلَ ، ويَكونَ عَقلُهُ أفضَلَ مِن عُقولِ جَميعِ اُمَّتِهِ . وما يُضمِرُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله في نَفسِهِ أفضَلُ مِنِ اجتِهادِ جَميعِ المُجتَهِدينَ ، وما أدَّى العاقِلُ فَرائِضَ اللّهِ حَتّى عَقَلَ مِنهُ ، ولا بَلَغَ جَميعُ العابِدينَ في فَضلِ عِبادَتِهِم ما بَلَغَ العاقِلُ ، إنّ العُقَلاءَ هُم اُولُو الأَلبابِ ، الَّذينَ قالَ اللّهُ تَعالى : « إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ » (3) . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :تَبارَكَ الَّذي قَسَّمَ العَقلَ بَينَ عِبادِهِ أشتاتا ، إنَّ الرَّجُلَينِ لَيَستَوي
.
ص: 191
عَمَلُهُما وبِرُّهُما وصَومُهُما وصَلاتُهُما ، ولكِنَّهُما يَتَفاوَتانِ فِي العَقلِ كَالذَّرَّةِ في جَنبِ اُحُدٍ ، وما قَسَمَ اللّهُ لِخَلقِهِ حَظًّا هُوَ أفضَلُ مِنَ العَقلِ وَاليَقينِ. (1)
تاريخ اليعقوبيّ_ في ذِكرِ مَواعِظِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _: قيلَ لَهُ : ما أفضَلُ ما اُعطِيَ العَبدُ؟ قالَ : نَحيزَةٌ (2) مِن عَقلٍ يولَدُ مَعَهُ. قالوا : فَإِذا أخطَأَهُ ذلِكَ؟ قالَ : فَليَتَعَلَّم عَقلًا. (3)
جامع الأحاديث للقمّي :سُئِلَ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام : ما أفضَلُ ما اُعطِيَ الإِنسانُ ؟ قالَ : غَريزَةُ عَقلٍ . قيلَ : فَإِن لَم يَكُن ؟ قالَ : فَأَخٌ مُستَشيرٌ . قيلَ : فَإِن لَم يَكُن ؟ قالَ : فَصَمتٌ فِي المَجالِسِ . قيلَ : فَإِن لَم يَكُن ؟ قالَ : فَمَوتٌ عاجِلٌ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :خَيرُ المَواهِبِ العَقلُ. (5)
.
ص: 192
عنه عليه السلام :مِن كَمالِ النِّعَمِ وُفورُ العَقلِ. (1)
عنه عليه السلام :أفضَلُ النِّعَمِ العَقلُ. (2)
عنه عليه السلام :أفضَلُ حَظِّ الرَّجُلِ عَقلُهُ ؛ إن ذَلَّ أعَزَّهُ ، وإن سَقَطَ رَفَعَهُ ، وإن ضَلَّ أرشَدَهُ ، وإن تَكَلَّمَ سَدَّدَهُ. (3)
عنه عليه السلام :لا نِعمَةَ أفضَلُ مِن عَقلٍ. (4)
الإمام الحسن عليه السلام :العَقلُ أفضَلُ ما وَهَبَهُ اللّهُ تَعالى لِلعَبدِ ؛ إذ بِهِ نَجاتُهُ فِي الدُّنيا مِن آفاتِها وسَلامَتُهُ فِي الآخِرَةِ مِن عَذابِها. (5)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: وأفضَلُ قِسمِ اللّهِ لِلمَرءِ عَقلُهُ فَلَيسَ مِنَ الخَيراتِ شَيءٌ يُقارِبُ إذا أكمَلَ الرَّحمنُ لِلمَرءِ عَقلَهُ فَقَد كَمُلَت أخلاقُهُ ومَآرِبُه (6)
2 / 3أصلُ الإِنسانِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا مَعشَرَ قُرَيشٍ ! إنَّ حَسَبَ الرَّجُلِ دينُهُ ، ومُروءَتَهُ خُلُقُهُ ، وأصلَهُ عَقلُهُ. (7)
.
ص: 193
الإمام عليّ عليه السلام :أصلُ الإِنسانِ لُبُّهُ ، وعَقلُهُ دينُهُ ، ومُرُوَّتُهُ حَيثُ يَجعَلُ نَفسَهُ. (1)
عنه عليه السلام :الكَيِّسُ أصلُهُ عَقلُهُ ، ومُروءَتُهُ خُلُقُهُ ، ودينُهُ حَسَبُهُ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :أصلُ الرَّجُلِ عَقلُهُ ، وحَسَبُهُ دينُهُ ، وكَرَمُهُ تَقواهُ ، وَالنّاسُ في آدَمَ مُستَوونَ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :الإِنسانُ عَقلٌ وصورَةٌ ، فَمَن أخطَأَهُ العَقلُ ولَزِمَتهُ الصّورَةُ لَم يَكُن كامِلًا وكانَ بِمَنزِلَةِ مَن لا روحَ فيهِ ، فَمَن طَلَبَ العَقلَ المُتَعارَفَ فَليَعرِف صورَةَ الاُصولِ وَالفُضولِ ، فَإِنَّ كَثيرا مِنَ النّاسِ يَطلُبونَ [ الفُضولَ ] (4) ويُضَيِّعونَ الاُصولَ ، مَن أحرَزَ الأَصلَ اكتَفى بِهِ عَنِ الفَضلِ. (5)
عنه عليه السلام :عَقلُ المَرءِ نِظامُهُ ، وأدَ بُهُ قِوامُهُ ، وصِدقُهُ إمامُهُ ، وشُكرُهُ تَمامُهُ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :دِعامَةُ الإِنسانِ العَقلُ ، وَالعَقلُ مِنهُ الفِطنَةُ وَالفَهمُ وَالحِفظُ وَالعِلمُ ؛ وبِالعَقلِ يَكمُلُ ، وهُوَ دَليلُهُ ومُبصِرُهُ ومِفتاحُ أمرِهِ. (7)
راجع : ص 196 (دعامة المؤمن) .
.
ص: 194
2 / 4قيمَةُ الإِنسانِتيسير المطالب عن ابن عبّاس رفعه إلى النّبيّ صلى الله عليه و آله قال :أفضَلُ النّاسِ أعقَلُ النّاسِ . قالَ ابنُ عَبّاسٍ : وذلِكَ نَبِيُّكُم صلى الله عليه و آله . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :قيمَةُ كُلِّ امرِىً عَقلُهُ. (2)
عنه عليه السلام :يُنبِئُ عَن قيمَةِ كُلِّ امرِىً عِلمُهُ وعَقلُهُ. (3)
عنه عليه السلام :الإِنسانُ بِعَقلِهِ. (4)
عنه عليه السلام :عُنوانُ فَضيلَةِ المَرءِ عَقلُهُ وحُسنُ خُلُقِهِ. (5)
عنه عليه السلام :العَقلُ فَضيلَةُ الإِنسانِ. (6)
عنه عليه السلام :لِلإِنسانِ فَضيلَتانِ : عَقلٌ ومَنطِقٌ ، فَبِالعَقلِ يَستَفيدُ ، وبِالمَنطِقِ يُفيدُ. (7)
عنه عليه السلام :غايَةُ الفَضائِلِ العَقلُ. (8)
عنه عليه السلام :العَقلُ أشرَفُ مَزِيَّةٍ. (9)
عنه عليه السلام :إنَّمَا الشَّرَفُ بِالعَقلِ وَالأَدَبِ لا بِالمالِ وَالحَسَبِ. (10)
.
ص: 195
عنه عليه السلام :مِيزَةُ الرَّجُلِ عَقلُهُ ، وجَمالُهُ مُرُوَّتُهُ (1) .
2 / 5أوَّلُ قَواعِدِ الإِسلامِالإمام عليّ عليه السلام :قَواعِدُ الإِسلامِ سَبعَةٌ : فَأَوَّلُهَا العَقلُ وعَلَيهِ بُنِيَ الصَّبرُ ، وَالثّاني صَونُ العِرضِ وصِدقُ اللَّهجَةِ ، وَالثّالِثَةُ تِلاوَةُ القُرآنِ عَلى جِهَتِهِ ، وَالرّابِعَةُ الحُبُّ فِي اللّهِ وَالبُغضُ فِي اللّهِ ، وَالخامِسَةُ حَقُّ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ومَعرِفَةُ وَلايَتِهِم ، وَالسّادِسَةُ حَقُّ الإِخوانِ وَالمُحاماةُ عَلَيهِم ، وَالسّابِعَةُ مُجاوَرَةُ النّاسِ بِالحُسنى. (2)
2 / 6صَديقُ المَرءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :صَديقُ كُلِّ امرِىً عَقلُهُ ، وعَدُوُّهُ جَهلُهُ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: يا بُنَيَّ ، العَقلُ خَليلُ المَرءِ. (4)
عنه عليه السلام :المَرءُ صَديقُ ما عَقَلَ. (5)
عنه عليه السلام :العَقلُ صَديقٌ مَقطوعٌ ، الهَوى عَدُوٌّ مَتبوعٌ. (6)
.
ص: 196
عنه عليه السلام :العَقلُ صَديقٌ مَحمودٌ. (1)
عنه عليه السلام :العَقلُ خَيرُ صاحِبٍ. (2)
2 / 7خَليلُ المُؤمِنِ ودَليلُهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِلمُ خَليلُ المُؤمِنِ ، وَالعَقلُ دَليلُهُ ، وَالعَمَلُ قَيِّمُهُ ، وَالحِلمُ وَزيرُهُ ، وَالصَّبرُ أميرُ جُنودِهِ ، وَالرِّفقُ والِدُهُ ، وَاللّينُ أخوهُ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :العَقلُ خَليلُ المُؤمِنِ. (4)
عنه عليه السلام :حُسنُ العَقلِ أفضَلُ رائِدٍ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :العَقلُ دَليلُ المُؤمِنِ. (6)
2 / 8دِعامَةُ المُؤمِنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ شَيءٍ دِعامَةٌ ودِعامَةُ المُؤمِنِ عَقلُهُ ، فَبِقَدرِ عَقلِهِ تَكونُ عِبادَتُهُ لِرَبِّهِ. (7)
.
ص: 197
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ لِكُلِّ شَيءٍ آلَةً وعُدَّةً وآلَةُ المُؤمِنِ وعُدَّتُهُ العَقلُ ، ولِكُلِّ تاجِرٍ بِضاعَةٌ وبِضاعَةُ المُجتَهِدينَ العَقلُ ، ولِكُلِّ خَرابٍ عِمارَةٌ وعِمارَةُ الآخِرَةِ العَقلُ ، ولِكُلِّ سَفَرٍ فِسطاطٌ يَلجَؤونَ إلَيهِ وفِسطاطُ المُسلِمينَ العَقلُ. (1)
إرشاد القلوب :قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إنَّ مِن دِعامَةِ البَيتِ أساسَهُ ، ودِعامَةُ الدّينِ المَعرِفَةُ بِاللّهِ تَعالى وَاليَقينُ بِتَوحيدِهِ وَالعَقلُ القامِعُ . فَقالوا : ومَا القامِعُ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : الكَفُّ عَنِ المَعاصي وَالحِرصُ عَلى طاعَةِ اللّهِ وَالشُّكرُ عَلى جَميعِ إحسانِهِ وإنعامِهِ وحُسنِ بَلائِهِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :المُؤمِنُ كَيِّسٌ عاقِلٌ. (3)
راجع : ص 192 (أصل الإنسان) .
2 / 9أجمَلُ زينَةٍالإمام عليّ عليه السلام :العَقلُ أجمَلُ زينَةٍ ، وَالعِلمُ أشرَفُ مَزِيَّةٍ. (4)
عنه عليه السلام :لا جَمالَ أزيَنُ مِنَ العَقلِ. (5)
.
ص: 198
عنه عليه السلام :العَقلُ أحسَنُ حِليَةٍ. (1)
عنه عليه السلام :زينَةُ الرَّجُلِ عَقلُهُ. (2)
عنه عليه السلام :العَقلُ زَينٌ ، الحُمقُ شَينٌ. (3)
عنه عليه السلام :العَقلُ زَينٌ لِمَن رُزِقَهُ. (4)
عنه عليه السلام :العَقلُ ثَوبٌ جَديدٌ لا يَبلى. (5)
عنه عليه السلام :حَسَبُ المَرءِ عِلمُهُ ، وجَمالُهُ عَقلُهُ. (6)
عنه عليه السلام :حُسنُ العَقلِ جَمالُ الظَّواهِرِ وَالبَواطِنِ. (7)
عنه عليه السلام :مَن لَم يَكُن لَهُ عَقلٌ يَزينُهُ لَم يَنبُل. (8)
عنه عليه السلام :زَينُ الدّينِ العَقلُ. (9)
الإمام العسكريّ عليه السلام :حُسنُ الصّورَةِ جَمالٌ ظاهِرٌ ، حُسنُ العَقلِ جَمالٌ باطِنٌ. (10)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: يَعيشُ الفَتى فِي النّاسِ بِالعَقلِ إنَّهُ عَلَى العَقلِ يَجري عِلمُهُ وتَجارِبُه يَزينُ الفَتى فِي النّاسِ صِحَّةُ عَقلِهِ وإن كانَ مَحظورا عَلَيهِ مَكاسِبُه يَشينُ الفَتى فِي النّاسِ قِلَّةُ عَقلِهِ وإن كَرُمَت أعراقُهُ ومَناصِبُه (11)
.
ص: 199
راجع : ص 256 (مكارم الأخلاق) و 261 (محاسن الأعمال) .
2 / 10أغنَى الغِنىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا فَقرَ أشَدُّ مِنَ الجَهلِ ، ولا مالَ أعوَدُ مِنَ العَقلِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :أغنَى الغِنَى العَقلُ. (2)
عنه عليه السلام :العَقلُ أغنَى الغِنى ، وغايَةُ الشَّرَفِ فِي الآخِرَةِ وَالدُّنيا. (3)
عنه عليه السلام :لا غِنى أكبَرُ مِنَ العَقلِ. (4)
عنه عليه السلام :لا عُدَّةَ أنفَعُ مِنَ العَقلِ. (5)
عنه عليه السلام :كَفى بِالعَقلِ غِنًى . (6)
.
ص: 200
عنه عليه السلام :لا غِنى مِثلُ العَقلِ. (1)
عنه عليه السلام :لا فَقرَ لِعاقِلٍ. (2)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: أنفَسُ الأَعلاقِ (3) عَقلٌ قُرِنَ إلَيهِ حَظٌّ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :لا غِنى أخصَبُ مِنَ العَقلِ ، ولا فَقرَ أحَطُّ مِنَ الحُمقِ. (5)
2 / 11العِلمُ يُحتاجُ إلَيهِالإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: العَقلُ لَم يَجنِ عَلى صاحِبِهِ قَطُّ ، وَالعِلمُ مِن غَيرِ عَقلٍ يَجني عَلى صاحِبِهِ. (6)
عنه عليه السلام :كُلُّ عِلمٍ لا يُؤَيِّدُهُ عَقلٌ مَضَلَّةٌ. (7)
عنه عليه السلام :مَن زادَ عِلمُهُ عَلى عَقلِهِ كانَ وَبالًا عَلَيهِ. (8)
عنه عليه السلام :أفضَلُ ما مَنَّ اللّهُ سُبحانَهُ بِهِ عَلى عِبادِهِ عِلمٌ وعَقلٌ، ومُلكٌ وعَدلٌ. (9)
عنه عليه السلام :لا شَيءَ أحسَنُ مِن عَقلٍ مَعَ عِلمٍ ، وعِلمٍ مَعَ حِلمٍ ، وحِلمٍ مَعَ قُدرَةٍ. (10)
.
ص: 201
الإمام الباقر عليه السلام :إنّي لَأكرَهُ أن يَكونَ مِقدارُ لِسانِ الرَّجُلِ فاضِلاً عَلى مِقدارِ عِلمِهِ ، كما أكرَهُ أن يَكونَ مِقدارُ عِلمِهِ فاضِلاً عَلى مِقدارِ عَقلِهِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: إذا كُنتَ ذا عِلمٍ ولَم تَكُ عاقِلًا فَأَنتَ كَذي نَعلٍ ولَيسَ لَهُ رِجلُ وإن كُنتَ ذا عَقلٍ ولَم تَكُ عالِما فَأَنتَ كَذي رِجلٍ ولَيسَ لَهُ نَعلُ ألا إنَّمَا الإِنسانُ غِمدٌ لِعَقلِهِ ولا خَيرَ في غِمدٍ إذا لَم يَكُن نَصلُ (2)
راجع : ص 249 (العلم والحكمة) و 230 (العلم) .
2 / 12النَّوادِررسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ العَقلَ مِن نورٍ مَخزونٍ مَكنونٍ في سابِقِ عِلمِهِ الَّذي لَم يَطَّلِع عَلَيهِ نَبِيٌّ مُرسَلٌ ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ؛ فَجَعَلَ العِلمَ نَفسَهُ وَالفَهمَ روحَهُ ، وَالزُّهدَ رَأسَهُ ، وَالحَياءَ عَينَيهِ ، وَالحِكمَةَ لِسانَهُ ، وَالرَّأفَةَ فَمَهُ ، وَالرَّحمَةَ قَلبَهُ ، ثُمَّ حَشاهُ وقَوّاهُ بِعَشَرَةِ أشياءَ : بِاليَقينِ ، وَالإِيمانِ ، وَالصِّدقِ ، وَالسَّكينَةِ ، وَالإِخلاصِ ، وَالرِّفقِ ، وَالعَطِيَّةِ ، وَالقُنوعِ ، وَالتَّسليمِ ، وَالشُّكرِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :أغلَى الأشياءِ أصلاً وأحلاها ثَمَرَةً : صالِحُ الأعمالِ ، وحُسنُ الأدَبِ ، وعَقلٌ مُستَعمَلٌ. (4)
.
ص: 202
عنه عليه السلام :العُقولُ ذَخائِرُ ، وَالأَعمالُ كُنوزٌ. (1)
عنه عليه السلام :العَقلُ أقوى أساسٍ. (2)
عنه عليه السلام :العَقلُ قُربَةٌ ، الحُمقُ غُربَةٌ. (3)
عنه عليه السلام :العَقلُ أفضَلُ مَرجُوٍّ. (4)
عنه عليه السلام :العَقلُ يُحسِنُ الرَّوِيَّةَ (5) . (6)
عنه عليه السلام :العَقلُ شَرَفٌ كَريمٌ لا يَبلى. (7)
عنه عليه السلام :تَزكِيَةُ الرَّجُلِ عَقلُهُ. (8)
عنه عليه السلام :لا يَزكو عِندَ اللّهِ سُبحانَهُ إلّا عَقلٌ عارِفٌ ونَفسٌ عَزوفٌ. (9)
عنه عليه السلام :حَسَبُ الرَّجُلِ عَقلُهُ ، ومُروءَتُهُ خُلُقُهُ. (10)
عنه عليه السلام :غايَةُ المَرءِ حُسنُ عَقلِهِ. (11)
عنه عليه السلام :لِكُلِّ شَيءٍ غايَةٌ ، وغايَةُ المَرءِ عَقلُهُ. (12)
.
ص: 203
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ سُبحانَهُ يُحِبُّ العَقلَ القَويمَ وَالعَمَلَ المُستَقيمَ. (1)
عنه عليه السلام :العَقلُ لا يَنخَدِعُ. (2)
عنه عليه السلام :العَقلُ شِفاءٌ. (3)
عنه عليه السلام :العَقلُ حُسامٌ قاطِعٌ. (4)
عنه عليه السلام :لا عُدمَ أعدَمُ مِن عَدَمِ العَقلِ. (5)
عنه عليه السلام :الدّينُ لا يُصلِحُهُ إلَا العَقلُ. (6)
عنه عليه السلام :فَقدُ العَقلِ شَقاءٌ. (7)
عنه عليه السلام :لا مَرَضَ أضنى مِن قِلَّةِ العَقلِ. (8)
عنه عليه السلام :لَن يَنجَعَ الأَدَبُ حَتّى يُقارِنَهُ العَقلُ. (9)
الإمام الحسن عليه السلام :اِعلَموا أنَّ العَقلَ حِرزٌ وَالحِلمَ زينَةٌ. (10)
.
ص: 204
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، إنَّ لُقمانَ قالَ لِابنِهِ : يا بُنَيَّ ، إنَّ الدُّنيا بَحرٌ عَميقٌ ، قَد غَرِقَ فيها عالَمٌ كَثيرٌ ، فَلتَكُن سَفينَتُكَ فيها تَقوَى اللّهِ ، وحَشوُهَا الإِيمانَ ، وشِراعُهَا التَّوَكُّلَ ، وقَيِّمُهَا العَقلَ ، ودَليلُهَا العِلمَ ، وسُكّانُهَا الصَّبرَ. (1)
.
ص: 205
الفصل الثّالث : التّعقّل3 / 1تَأكيدُ التَّعَقُّلِالكتاب« كَذَ لِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَ_تِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » . (1)
« وَ هُوَ الَّذِى يُحْىِ وَ يُمِيتُ وَ لَهُ اخْتِلَ_فُ الَّيْلِ وَ النَّهَارِ أفَلَا تَعْقِلُونَ » . (2)
« كَذَ لِكَ يُحْىِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ ءَايَ_تِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » . (3)
« لَقَدْ أنزَلْنَا إلَيْكُمْ كِتَ_با فِيهِ ذِكْرُكُمْ أفَلَا تَعْقِلُونَ » . (4)
راجع : البقرة : 164، الأنعام: 32 و 151 ، الأعراف: 169 ، هود: 51 ، يوسف: 2 و 109 ، الرعد: 4 ، النحل : 12 و 67 ، الحجّ : 46 ، النور: 61 ، القصص: 60 ، العنكبوت: 35 ، الروم: 24 و 28 ، يس: 62 و 68 ، ص: 29 ، غافر: 67 و 70 ، الزخرف: 3 ، الجاثية: 5 و 13 ، الحديد: 17 .
.
ص: 206
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِستَرشِدُوا العَقلَ تَرشُدوا ، ولا تَعصوهُ فَتَندَموا. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لَم يُعبَدِ اللّهُ عز و جل بِشَيءٍ أفضَلَ مِنَ العَقلِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :سَيِّدُ الأَعمالِ فِي الدّارَينِ العَقلُ. (3)
تيسير المطالب عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه و آله_ أنَّهُ تَلا «تَبَ_رَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ» حَتّى بَلَغَ قَولَهُ: «أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلًا» ثُمَّ قالَ _: أيُّكُم أحسَنُ عَمَلًا فَهُوَ أحسَنُ عَقلًا ، وأورَعُ عَن مَحارِمِ اللّهِ ، وأسرَعُهُم في طاعَةِ اللّهِ تَعالى. (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصِيَّتِهِ إلَى ابنِ مَسعودٍ _: يَا ابنَ مَسعودٍ ، إذا عَمِلتَ عَمَلًا فَاعمَل بِعِلمٍ وعَقلٍ ، وإيّاكَ وأن تَعمَلَ عَمَلًا بِغَيرِ تَدَبُّرٍ وعِلمٍ ، فَإِنَّهُ جَلَّ جَلالُهُ يَقولُ : «وَلَا تَكُونُواْ كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أنكَ_ثا» (5) . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :خِيارُكُم فِي الجاهِلِيَّةِ خِيارُكُم فِي الإِسلام إذا فَقِهوا. (7)
عنه صلى الله عليه و آله :سَيِّدُ أهلِ الجَنَّةِ بَعدَ المُرسَلينَ أفضَلُهُم عَقلًا ، وأفضَلُ النّاسِ أعقَلُ النّاسِ. (8)
.
ص: 207
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إذَا اكتَسَبَ النّاسُ مِن أنواعِ البِرِّ لِيَتَقَرَّبوا بِها إلى رَبِّنا فَاكتَسِب أنتَ أنواعَ العَقلِ تَسبِقهُم بِالزَّلفِ وَالقُربَةِ وَالدَّرَجاتِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ. (1)
تاريخ بغداد عن عطاء :إنَّ ابنَ عَبّاسٍ دَخَلَ عَلى عائِشَةَ فَقالَ: يا اُمَّ المُؤمِنينَ ، أرَأيتِ الرَّجُلَ يَقِلُّ قِيامُهُ ويَكثُرُ رُقادُهُ ، وآخَرُ يَكثُرُ قِيامُهُ ويَقِلُّ رُقادُهُ ، أيُّهُما أحَبُّ إلَيكِ ؟ قالَت : سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَما سَأَلتَني . فَقالَ : أحسَنُهُما عَقلًا . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّما أسأَلُكَ عَن عِبادَتِهِما؟ فَقالَ : يا عائِشَةُ ، إنَّما يُسأَلانِ عَن عُقولِهِما ، فَمَن كانَ أعقَلَ كانَ أفضَلَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ. (2)
حلية الأولياء عن أبي أيّوب الأنصاريّ عن النّبيّ صلى الله عليه و آله :إنَّ الرَّجُلَينِ لَيَتَوَجَّهانِ إلَى المَسجِدِ فَيُصَلِّيانِ، فَيَنصَرِفُ أحَدُهُما وصَلاتُهُ أوزَنُ مِن اُحُدٍ ، ويَنصَرِفُ الآخَرُ وما تَعدِلُ صَلاتُهُ مِثقالَ ذَرَّةٍ . فَقالَ أبو حُمَيدٍ السّاعِدِيُّ : وكَيفَ يَكونُ ذلِكَ يا رَسولَ اللّهِ؟ قالَ : إذا كانَ أحسَنَهُما عَقلًا . قالَ : وكَيفَ يَكونُ ذلِكَ؟ قالَ : إذا كانَ أورَعَهُما عَن مَحارِمِ اللّهِ ، وأحرَصَهُما عَلَى المُسارَعَةِ إلَى الخَيرِ ، وإن كانَ دونَهُ فِي التَّطَوُّعِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ في حَديثِ المِعراجِ _: قالَ اللّهُ تَعالى : ... يا أحمَدُ ، اِستَعمِل عَقلَكَ
.
ص: 208
قَبلَ أن يَذهَبَ ، فَمَنِ استَعمَلَ عَقلَهُ لا يُخطِئُ ولا يَطغى. (1)
عنه عليه السلام :فَضلُ فِكرٍ وتَفَهُّمٍ أنجَعُ مِن فَضلِ تَكرارٍ ودِراسَةٍ. (2)
عنه عليه السلام :اِستَرشِدِ العَقلَ وخالِفِ الهَوى تَنجَح. (3)
عنه عليه السلام :العَقلُ رُقِيٌّ إلى عِلِّيّينَ. (4)
عنه عليه السلام :مَرتَبَةُ الرَّجُلِ بِحُسنِ عَقلِهِ. (5)
عنه عليه السلام :كَمالُ المَرءِ عَقلُهُ ، وقيمَتُهُ فَضلُهُ. (6)
عنه عليه السلام :كَمالُ الإِنسانِ العَقلُ. (7)
عنه عليه السلام :الجَمالُ فِي اللِّسانِ ، وَالكَمالُ فِي العَقلِ. (8)
عنه عليه السلام :يَتَفاضَلُ النّاسُ بِالعُلومِ وَالعُقولِ لا بِالأَموالِ وَالاُصولِ. (9)
عنه عليه السلام :إنَّ الزُّهدَ فِي الجَهلِ بِقَدرِ الرَّغبَةِ فِي العَقلِ. (10)
عنه عليه السلام :لا يَغُشُّ العَقلُ مَنِ استَنصَحَهُ. (11)
.
ص: 209
عنه عليه السلام :مَنِ استَعانَ بِالعَقلِ سَدَّدَهُ. (1)
عنه عليه السلام :مَنِ استَرفَدَ العَقلَ أرفَدَهُ. (2)
عنه عليه السلام :مَنِ اعتَبَرَ بِعَقلِهِ استَبانَ. (3)
عنه عليه السلام :مَن مَلَكَ عَقلَهُ كانَ حَكيما. (4)
عنه عليه السلام :غِطاءُ العُيوبِ العَقلُ. (5)
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى بَشَّرَ أهلَ العَقلِ وَالفَهمِ في كِتابِهِ فَقالَ : «فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ اُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ اُوْلَئِكَ هُمْ اُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» . (6) يا هِشامُ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أكمَلَ لِلنّاسِ الحُجَجَ بِالعُقولِ ، ونَصَرَ النَّبِيّينَ بِالبَيانِ ، ودَلَّهُم عَلى رُبوبِيَّتِهِ بِالأَدِلَّةِ ، فَقالَ : «وَ إلَ_هُكُمْ إلَ_هٌ وَ حِدٌ لَا إلَ_هَ إلَا هُوَ الرَّحْمَ_نُ الرَّحِيمُ * إنَّ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِى تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَ مَا أنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ بَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّيَ_حِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» . (7) يا هِشامُ، قَد جَعَلَ اللّهُ ذلِكَ دَليلًا عَلى مَعرِفَتِهِ بِأَنَّ لَهُم مُدَبِّرا ، فَقالَ : «وَسَخَّرَ لَكُمُ
.
ص: 210
الَّيْلَ وَ النَّهَارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّرَ ت بِأَمْرِهِ إنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» . (1) وقالَ : «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخا وَ مِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُواْ أجَلًا مُّسَمًّى وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (2) . وقالَ : «وَ اخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَ مَا أنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ تَصْرِيفِ الرِّيَ_حِ» (3) «وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَأَيَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (4) وقالَ : «يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْايَ_تِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (5) . وقالَ : «وَ جَنَّ_تٌ مِّنْ أعْنَ_بٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَ غَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَ حِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِى الْأُكُلِ إنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» . (6) وقالَ : «وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفا وَ طَمَعا وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْىِ بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يعْقِلُونَ» . (7) وقالَ : «قُلْ تَعَالَوْاْ أتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ألَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْ_ئا وَبِالْوَ لِدَيْنِ إحْسَ_نا وَلَا تَقْتُلُواْ أوْلَ_دَكُم مِّنْ إمْلَ_قٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَ حِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إلَا بِالْحَقِّ ذَ لِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» . (8) وقالَ : «هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أيْمَ_نُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِى مَا رَزَقْنَ_كُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أنفُسَكُمْ كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الْايَ_تِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» . (9)
.
ص: 211
يا هِشامُ ، ما بَعَثَ اللّهُ أنبِياءَهُ ورُسُلَهُ إلى عِبادِهِ إلّا لِيَعقِلوا عَنِ اللّهِ ، فَأَحسَنُهُمُ استِجابَةً أحسَنُهُم مَعرِفَةً ، وأعلَمُهُم بِأَمرِ اللّهِ أحسَنُهُم عَقلًا ، وأكمَلُهُم عَقلًا أرفَعُهُم دَرَجَةً فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ. (1)
تيسير المطالب عن جابر بن عبداللّه :إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و آله تَلا هذِهِ الآيَةَ: «وَ تِلْكَ الْأَمْثَ_لُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا يَعْقِلُهَا إلَا الْعَ__لِمُونَ» قالَ : العالِمُ الَّذي عَقَلَ عَنِ اللّهِ عز و جلفَعَمِلَ بِطاعَتِهِ وَاجتَنَبَ سَخَطَهُ. (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :قَسَمَ اللّهُ العَقلَ ثَلاثَةَ أجزاءٍ ، فَمَن كُنَّ فيهِ كَمُلَ عَقلُهُ ، ومَن لَم يَكُنَّ فَلا عَقلَ لَهُ : حُسنُ المَعرِفَةِ بِاللّهِ ، وحُسنُ الطّاعَةِ للّهِِ ، وحُسنُ الصَّبرِ عَلى أمرِ اللّهِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :كَم مِن عاقِلٍ عَقَلَ عَنِ اللّهِ عز و جل أمرَهُ وهُوَ حَقيرٌ عِندَ النّاسِ ذَميمُ المَنظَرِ ؛ يَنجو غَدا . وكَم مِن ظَريفِ اللِّسانِ جَميلِ المَنظَرِ عِندَ النّاسِ ؛ يَهلِكُ غَدا فِي القِيامَةِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :ما تَمَّ دينُ إنسانٍ قَطُّ حَتّى يَتِمَّ عَقلُهُ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :جَدَّ المَلائِكَةُ وَاجتَهَدوا في طاعَةِ اللّهِ بِالعَقلِ ، وجَدَّ المُؤمِنونَ مِن بَني آدَمَ وَاجتَهَدوا في طَاعَةِ اللّهِ عَلى قَدرِ عُقولِهِم فَأعمَلُهُم بِطاعَةِ اللّهِ أوفَرُهُم عَقلًا. (6)
تيسير المطالب عن ابن عبّاس رفعه إلى النّبيّ صلى الله عليه و آله :أفضَلُ النّاسِ أعقَلُ النّاسِ . قالَ
.
ص: 212
ابنُ عَبّاسٍ : وذلِكَ نَبِيُّكُم صلى الله عليه و آله . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :ما أنتُم وَالبَراءَةُ ؛ يَبرَأُ بَعضُكُم مِن بَعضٍ ! إنَّ المُؤمِنينَ بَعضُهُم أفضَلُ مِن بَعضٍ ، وبَعضُهُم أكثَرُ صَلاةً مِن بَعضٍ ، وبَعضُهُم أنفَذُ بَصَرا مِن بَعضٍ ، وَهِيَ الدَّرَجاتُ. (2)
راجع : ص 189 (الفصل الثانى : قيمة العقل) و243 (الفصل الخامس : علامات العقل) .
تنبيه:إنّ جميع الآيات والروايات التي تدعو الناس إلى التفكّر والتدبّر والتذكّر والتفقّه والتبصّر تؤكّد التعقّل في معرفة المسيرة الصحيحة للحياة وانتخابها .
3 / 2الحَثُّ عَلَى التَّفَكُّرِالكتاب«وَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَ_وَ تِ وَ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعا مِّنْهُ إنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . (3)
«وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ أنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أنفُسِكُمْ أزْوَ جا لِّتَسْكُنُواْ إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَ رَحْمَةً إنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . (4)
«هُوَ الَّذِى أنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُن_بِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنَ_بَ وَ مِن كُلِّ الثَّمَرَ تِ إنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . (5)
.
ص: 213
«وَ هُوَ الَّذِى مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِيهَا رَوَ سِىَ وَ أنْهَ_را وَ مِن كُلِّ الثَّمَرَ تِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ إنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . (1)
«إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أنزَلْنَ_هُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعَ_مُ حَتَّى إذَا أخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أهْلُهَا أنَّهُمْ قَ_دِرُونَ عَلَيْهَا أتَاهَا أمْرُنَا لَيْلاً أوْ نَهَارا فَجَعَلْنَ_هَا حَصِيدا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الْايَ_تِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . (2)
«أفَلَا يَنظُرُونَ إلَى الْاءِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَ إلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَ إلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَ إلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» . (3)
«قُل لَا أقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أقُولُ لَكُمْ إنِّى مَلَكٌ إنْ أتَّبِعُ إلَا مَا يُوحَى إلَىَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أفَلَا تَتَفَكَّرُونَ» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِبِلالٍ _: لَقَد نَزَلَت عَلَيَّ اللَّيلَةَ آيَةٌ ، وَيلٌ لِمَن قَرَأها ولَم يَتَفَكَّر فيها : «إنَّ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ ... » (5) _ الآيَةَ كُلَّها _ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :أصدَقُ المُؤمِنينَ إيمانا أشَدُّهُم تَفَكُّرا في أمرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ. (7)
التمحيص :رُوِيَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : لا يَكمُلُ المُؤمِنُ إيمانُهُ حَتّى يَحتَوِيَ عَلى مِئَةٍ وثَلاثِ خِصالٍ : فِعلٍ ، وعَمَلٍ ، ونِيَّةٍ ، وباطِنٍ ، وظاهِرٍ .
.
ص: 214
فَقالَ أميرُالمُؤمِنينَ عَلِيٌّ عليه السلام : يا رَسولَ اللّهِ ، ما يَكونُ المِئَةُ وثَلاثُ خِصالٍ؟ فَقالَ : يا عَلِيُّ ، مِن صِفاتِ المُؤمِنِ أن يَكونَ جَوّالَ الفِكرِ.... (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا عِبادَةَ مِثلُ التَّفَكُّرِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :تَفَكُّرُ ساعَةٍ خَيرٌ مِن قِيامِ لَيلَةٍ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :فِكرُ ساعَةٍ خَيرٌ مِن عِبادَةِ سَنَةٍ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :فِكرَةُ ساعَةٍ خَيرٌ مِن عِبادَةِ سِتّينَ ساعَةً. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :الفِكرُ عِبادَةٌ. (6)
عنه عليه السلام :فِكرُ ساعَةٍ قَصيرَةٍ خَيرٌ مِن عِبادَةٍ طَويلَةٍ. (7)
.
ص: 215
الإمام الصادق عليه السلام :تَفَكُّرُ ساعَةٍ خَيرٌ مِن عِبادَةِ سَنَةٍ ، قالَ اللّهُ : «إنَّمَا يَتَذَكَّرُ اُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» (1) . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :التَّفَكُّرُ حَياةُ قَلبِ البَصيرِ كَما يَمشِي المُستَنيرُ فِي الظُّلُماتِ بِالنّورِ ، فَعَلَيكُم بِحُسنِ التَّخَلُّصِ وقِلَّةِ التَّرَبُّصِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :لا عِلمَ كَالتَّفَكُّرِ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :بِالفِكرِ تَنجَلي غَياهِبُ (5) الاُمورِ. (6)
عنه عليه السلام :عَلَيكَ بِالفِكرِ؛ فَإِنَّهُ رُشدٌ مِنَ الضَّلالِ ، ومُصلِحُ الأَعمالِ. (7)
عنه عليه السلام :الفِكرُ يَهدي إلَى الرُّشدِ. (8)
عنه عليه السلام :الفِكرُ يَهدي. (9)
عنه عليه السلام :الفِكرُ إحدَى الهِدايَتَينِ . (10)
.
ص: 216
عنه عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ للحُسَينِ عليه السلام _: أي بُنَيَّ ! الفِكرَةُ تورِثُ نورا ، وَالغَفلَةُ ظُلمَةً. (1)
عنه عليه السلام :الفِكرُ يُنيرُ اللُّبَّ. (2)
عنه عليه السلام :الفِكرُ جِلاءُ العُقولِ. (3)
عنه عليه السلام :مَن طالَت فِكرَتُهُ حَسُنَت بَصيرَتُهُ. (4)
عنه عليه السلام :أفكِر (5) تَستَبصِر. (6)
عنه عليه السلام :تَفَكُّرُكَ يُفيدُكَ الاِستِبصارَ ، ويُكسِبُكَ الاِعتِبارَ. (7)
عنه عليه السلام :مَن تَفَكَّرَ أبصَرَ. (8)
الإمام الحسن عليه السلام :عَلَيكُم بِالفِكرِ ؛ فَإِنَّهُ حَياةُ قَلبِ البَصيرِ ، ومَفاتيحُ أبوابِ الحِكمَةِ. (9)
عنه عليه السلام :عَجَبٌ لِمَن يَتَفَكَّرُ في مَأكولِهِ كَيفَ لا يَتَفَكَّرُ في مَعقولِهِ! فَيُجَنِّبُ بَطنَهُ ما يُؤذيهِ ويودِعُ صَدرَهُ ما يُرديهِ (10) . (11)
.
ص: 217
3 / 3الحَثُّ عَلَى التَّفَقُّهِالكتاب«وَهُوَ الَّذِى أنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَ حِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْايَ_تِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ» . (1)
«قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِّن فَوْقِكُمْ أوْمِن تَحْتِ أرْجُلِكُمْ أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْايَ_تِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قَلبٌ لَيسَ فيهِ شَيءٌ مِنَ الحِكمَةِ كَبَيتٍ خَرِبٍ ، فَتَعَلَّموا وعَلِّموا وتَفَقَّهوا ولا تَموتوا جُهّالاً؛ فَإِنَّ اللّهَ لا يَعذِرُ عَلَى الجَهلِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النّاسُ! إنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَالفِقهُ بِالتَّفَقُّهِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ شَيءٍ دِعامَةٌ ، ودِعامَةُ الإِسلامِ الفِقهُ فِي الدّينِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ شَيءٍ عِمادٌ ، وعِمادُ هذَا الدّينِ الفِقهُ. (6)
.
ص: 218
عنه صلى الله عليه و آله :يَسيرُ الفِقهِ خَيرٌ مِن كَثيرِ العِبادَةِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :أفضَلُ العِبادَةِ الفِقهُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :خَيرُكُم فِي الإِسلامِ أحاسِنُكُم أخلاقا إذا فَقِهوا. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أفضَلَ النّاسِ أفضَلُهُم عَمَلاً إذا فَقِهوا في دينِهِم. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :النّاسُ مَعادِنُ؛ خِيارُهُم فِي الجاهِلِيَّةِ خِيارُهُم فِي الإِسلامِ إذا فَقِهوا. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :أحسَنُ حِليَةِ المُؤمِنِ التَّواضُعُ ، وجَمالُهُ التَّعَفُّفُ ، وشَرَفُهُ التَّفَقُّهُ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :المُؤمِنُ لَهُ قُوَّةٌ في دينٍ ، وحَزمٌ في لينٍ ، وإيمانٌ في يَقينٍ ، وحِرصٌ في فِقهٍ (7) . (8)
.
ص: 219
3 / 4التَّحذيرُ مِن تَركِ التَّعَقُّلِالكتاب«وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِْنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أعْيُنٌ لَايُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا اُوْلَئِكَ كَالأَْنْعَ_مِ بَلْ هُمْ أضَلُّ اُوْلَئِكَ هُمُ الْغَ_فِلُونَ» . (1)
«وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» . (2)
«وَ مَن كَانَ فِى هَ_ذِهِ أعْمَى فَهُوَ فِى الْاخِرَةِ أعْمَى وَ أضَلُّ سَبِيلًا» . (3)
«اُفٍّ لَّكُمْ وَ لِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أفَلَا تَعْقِلُونَ» . (4)
«وَ قَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أصْحَ_بِ السَّعِيرِ» . (5)
«وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَ لِكَ نَجْزِى كُلَّ كَفُورٍ* وَ هُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَ__لِحا غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ أوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّايَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَ جَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّ__لِمِينَ مِن نَّصِيرٍ» . (6)
«أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَا كَالْأَنْعَ_مِ بَلْ هُمْ أضَلُّ سَبِيلًا» . (7)
راجع : البقرة : 44 و 76 ، آل عمران : 65 ، يونس : 16 ، العنكبوت : 35 و 43 ، الصافّات : 138 ، فاطر : 37 ، الجاثية : 23 ، الأحقاف : 26 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِستَرشِدُوا العَقلَ تَرشُدوا ، ولا تَعصوهُ فَتَندَموا. (8)
.
ص: 220
الإمام عليّ عليه السلام :مَن عَجَزَ عَن حاضِرِ لُبِّهِ فَهُوَ عَن غائِبِهِ أعجَزُ. (1)
عنه عليه السلام :العاقِلُ يَتَّعِظُ بِالأَدَبِ ، وَالبَهائِمُ لا تَرتَدِعُ إلّا بِالضَّربِ. (2)
عنه عليه السلام :إنَّ الزُّهدَ فِي الجَهلِ بِقَدرِ الرَّغبَةِ فِي العَقلِ. (3)
عنه عليه السلام :مَن قَعَدَ بِهِ العَقلُ قامَ بِهِ الجَهلُ. (4)
عنه عليه السلام :نَعوذُ بِاللّهِ مِن سُباتِ العَقلِ وقُبحِ الزَّلَلِ (5) .
عنه عليه السلام :مَن لا يَعقِل يَهُن ، ومَن يَهُن لا يُوَقَّر. (6)
عنه عليه السلام_ في كلامٍ لَهُ _: أيَّتُهَا النُّفوسُ المُختَلِفَةُ ، وَالقُلوبُ المُتَشَتِّتَةُ ، الشّاهِدَةُ أبدانُهُم ، وَالغائِبَةُ عَنهُم عُقولُهُم ، أظأَرُكُم عَلَى الحَقِّ وأنتُم تَنفِرونَ عَنهُ نُفورَ المِعزى مِن وَعوَعَةِ الأَسَدِ ! (7)
عنه عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ لِأَصحابِهِ _: أيُّهَا القَومُ ، الشّاهِدَةُ أبدانُهُمُ ، الغائِبَةُ عَنهُم عُقولُهُمُ ، المُختَلِفَةُ أهواؤُهُمُ ، المُبتَلى بِهِم اُمَراؤُهُم ، صاحِبُكُم يُطيعُ اللّهَ وأنتُم تَعصونَهُ ، وصاحِبُ أهلِ الشّامِ يَعصِي اللّهَ وهُم يُطيعونَهُ ! (8)
الإمام الصادق عليه السلام :إذا أرادَ اللّهُ أن يُزيلَ مِن عَبدٍ نِعمَةً كانَ أوَّلُ ما يُغَيِّرُ مِنهُ عَقلَهُ. (9)
.
ص: 221
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أكمَلَ لِلنّاسِ الحُجَجَ بِالعُقولِ ... ثُمَّ وَعَظَ أهلَ العَقلِ ورَغَّبَهُم فِي الآخِرَةِ فَقالَ : «وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إلَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْاخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أفَلَا تَعْقِلُونَ» . (1) يا هِشامُ ، ثُمَّ خَوَّفَ الَّذينَ لا يَعقِلونَ عِقابَهُ فَقالَ تَعالى : «ثُمَّ دَمَّرْنَا الْاخَرِينَ * وَ إنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَ بِالَّيْلِ أفَلَا تَعْقِلُونَ» . (2) وقالَ : «إنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أهْلِ هَ_ذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ * وَ لَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا ءَايَة بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» . (3) يا هِشامُ ، إنَّ العَقلَ مَعَ العِلمِ فَقالَ : «وَ تِلْكَ الْأَمْثَ_لُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا يَعْقِلُهَا إلَا الْعَ__لِمُونَ» . (4) يا هِشامُ ، ثُمَّ ذَمَّ الَّذينَ لا يَعقِلونَ فَقالَ : «وَ إذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُواْ مَا أنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا ألْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أوَ لَوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْ_ئا وَ لَا يَهْتَدُونَ » . (5) وقالَ : «وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَا دُعَاءً وَ نِدَاءً صُمّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» . (6) وقالَ : «وَ مِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ (7) إلَيْكَ أفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَ لَوْ كَانُواْ لَا يَعْقِلُونَ» . (8) وقالَ : «أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَا كَالْأَنْعَ_مِ بَلْ هُمْ أضَلُّ سَبِيلًا» . (9) وقالَ : «لَا يُقَ_تِلُونَكُمْ جَمِيعا إلَا فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أوْ مِن وَرَاءِ
.
ص: 222
جُدُر بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعا وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَ لِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ» . (1) وقالَ : «وَ تَنسَوْنَ أنفُسَكُمْ وَ أنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَ_بَ أفَلَا تَعْقِلُونَ» . (2) يا هِشامُ ، ثُمَّ ذَمَّ اللّهُ الكَثرَةَ فَقالَ : «وَإن تُطِعْ أكْثَرَ مَن فِى الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ» . (3) وقالَ : «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» . (4) وقالَ : «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» . (5) يا هِشامُ ، ثُمَّ مَدَحَ القِلَّةَ فَقالَ : «وَ قَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ» . (6) وقالَ : «وَ قَلِيلٌ مَّا هُمْ» . (7) وقالَ : «وَ قَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمَ_نَهُ أتَقْتُلُونَ رَجُلًا أن يَقُولَ رَبِّىَ اللَّهُ» . (8) وقالَ : «مَنْ ءَامَنَ وَ مَا ءَامَنَ مَعَهُ إلَا قَلِيلٌ» . (9) وقالَ : «وَلَ_كِنَّ أكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» . (10) وقالَ : «وَأكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» (11) . (12)
الإمام الرضا عليه السلام :لا يُعبَأُ بِأَهلِ الدّينِ مِمَّن لا عَقلَ لَهُ. (13)
.
ص: 223
الكافي عن إسحاق بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :قُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ، إنَّ لي جارا كَثيرَ الصَّلاةِ كَثيرَ الصَّدَقَةِ كَثيرَ الحَجِّ لا بَأسَ بِهِ . فَقالَ : يا إسحاقُ ، كَيفَ عَقلُهُ ؟ قُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ، لَيسَ لَهُ عَقلٌ . فَقالَ : لا يُرتَفَعُ بِذلِكَ مِنهُ. (1)
راجع : ص 341 (ذمّ الجهل) .
3 / 5حُجِّيَّةُ العَقلِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :كُن مَعَ الحَقِّ حَيثُ كانَ ، ومَيِّز مَا اشتَبَهَ عَلَيكَ بِعَقلِكَ ؛ فَإِنَّه حُجَّةُ اللّهِ عَلَيكَ ووَديعَتُهُ (2) فيكَ وبَرَكاتُهُ (3) عِندَكَ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :العَقلُ رَسولُ الحَقِّ. (5)
عنه عليه السلام :العَقلُ شَرعٌ مِن داخِلٍ ، وَالشَّرعُ عَقلٌ مِن خارِجٍ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :حُجَّةُ اللّهِ عَلَى العِبادِ النَّبِيُّ ، وَالحُجَّةُ فيما بَينَ العِبادِ وبَينَ اللّهِ العَقلُ. (7)
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، إنَّ للّهِِ عَلَى النّاسِ حُجَّتَينِ :
.
ص: 224
حُجَّةً ظاهِرَةً وحُجَّةً باطِنَةً ، فَأَمَّا الظّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالأَنبِياءُ وَالأَئِمَّةُ عليهم السلام ، وأمَّا الباطِنَةُ فَالعُقولُ. (1)
عنه عليه السلام_ أيضا _: يا هِشامُ ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أكمَلَ لِلنّاسِ الحُجَجَ بِالعُقولِ ، ونَصَرَ النَّبِيّينَ بِالبَيانِ ، ودَلَّهُم عَلى رُبوبِيَّتِهِ بِالأَدِلَّةِ. (2)
الكافي عن أبي يعقوب البغداديّ :قالَ ابنُ السِّكّيتِ لِأَبِي الحَسَنِ عليه السلام : ... تَاللّهِ ما رَأيتُ مِثلَكَ قَطُّ ، فَمَا الحُجَّةُ عَلَى الخَلقِ اليَومَ ؟ قالَ : فَقالَ عليه السلام : العَقلُ ، يُعرَفُ بِهِ الصّادِقُ عَلَى اللّهِ فَيُصَدِّقُهُ ، وَالكاذِبُ عَلَى اللّهِ فَيُكَذِّبُهُ . قالَ : فَقالَ ابنُ السِّكّيتِ : هذا وَاللّهِ هُوَ الجَوابُ. (3)
3 / 6دَورُ العَقلِ في حِسابِ الأَعمالِالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل يُحاسِبُ العِبادَ عَلى قَدرِ ما آتاهُم مِنَ العُقولِ في دارِ الدُّنيا. (4)
الإمام الباقر عليه السلام_ في ذِكرِ بَعضِ ما أنزَلَ اللّهُ عَلى موسَى بنِ عِمرانَ عليه السلام _: فَانحَطَّ عَلَيهِ الوَحيُ ... فَقالَ لَهُ: أنَا اُؤاخِذُ عِبادي عَلى قَدرِ ما أعطَيتُهُم مِنَ العَقلِ. (5)
.
ص: 225
عنه عليه السلام :إنَّما يُداقُّ اللّهُ العِبادَ فِي الحِسابِ يَومَ القِيامَةِ عَلى قَدرِ ما آتاهُم مِنَ العُقولِ فِي الدُّنيا. (1)
عنه عليه السلام :إنّي نَظَرتُ في كِتابٍ لِعَلِيٍّ عليه السلام ، فَوَجَدتُ فِي الكِتابِ : إنَّ قيمَةَ كُلِّ امرِىً وقَدرَهُ مَعرِفَتُهُ ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى يُحاسِبُ النّاسَ عَلى قَدرِ ما آتاهُم مِنَ العُقولِ في دارِ الدُّنيا. (2)
راجع: ص 173 ح 10 .
3 / 7دَورُ العَقلِ في جَزاءِ الأَعمالِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا بَلَغَكُم عَن رَجُلٍ حُسنُ حالٍ فَانظُروا في حُسنِ عَقلِهِ ، فَإِنَّما يُجازى بِعَقلِهِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا رَأيتُمُ الرَّجُلَ كَثيرَ الصَّلاةِ كَثيرَ الصِّيامِ ، فَلا تُباهوا بِهِ حَتّى تَنظُروا كَيفَ عَقلُهُ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ الرَّجُلَ لَيَكونُ مِن أهلِ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَالحَجِّ وَالعُمرَةِ وَالجِهادِ ، وما يُجزى يَومَ القِيامَةِ إلّا بِقَدرِ عَقلِهِ. (5)
.
ص: 226
عنه صلى الله عليه و آله :الجَنَّةُ مِئَةُ دَرَجَةٍ ، تِسعٌ وتِسعونَ دَرَجَةً لِأَهلِ العَقلِ ، ودَرَجَةٌ لِسائِرِ النّاسِ الَّذينَ هُم دونَهُم. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :تَعَبَّدَ رَجُلٌ في صَومَعَةٍ ، فَمَطَرَتِ السَّماءُ ، فَأَعشَبَتِ الأَرضُ ، فَرَأى حِمارا يَرعى ، فَقالَ : رَبِّ لَو كانَ لَكَ حِمارٌ لَرَعَيتُهُ مَعَ حِماري . فَبَلَغَ ذلِكَ نَبِيًّا مِن أنبِياءِ بَني إسرائيلَ ، فَأَرادَ أن يَدعُوَ عَلَيهِ ، فَأَوحَى اللّهُ إلَيهِ : إنَّما اُجازِي العِبادَ عَلى قَدرِ عُقولِهِم. (2)
تحف العقول:أثنى قَومٌ بِحَضرَتِهِ [ صلى الله عليه و آله ] عَلى رَجُلٍ حَتّى ذَكَروا جَميعَ خِصالِ الخَيرِ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : كَيفَ عَقلُ الرَّجُلِ ؟ فَقالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، نُخبِرُكَ عَنهُ بِاجتِهادِهِ فِي العِبادَةِ وأصنافِ الخَيرِ تَسأَلُنا عَن عَقلِهِ ؟! فَقالَ صلى الله عليه و آله : إنَّ الأَحمَقَ يُصيبُ بِحُمقِهِ أعظَمَ مِن فُجورِ الفاجِرِ ، وإنَّما يَرتَفِعُ العِبادُ غَدا فِي الدَّرَجاتِ ويَنالونَ الزُّلفى مِن رَبِّهِم عَلى قَدرِ عُقولِهِم. (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لَمّا وَصَفوا عِندَهُ رَجُلًا بِحُسنِ عِبادَتِهِ _: اُنظُروا إلى عَقلِهِ فَإِنَّما يُجزَى العِبادُ يَومَ القِيامَةِ عَلى قَدرِ عُقولِهِم. (4)
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ يَرى موسَى بنُ عِمرانَ عليه السلام رَجُلًا مِن بَني إسرائيلَ يُطَوِّلُ سُجودَهُ ويُطَوِّلُ سُكوتَهُ ، فَلا يَكادُ يَذهَبُ إلى مَوضِعٍ إلّا وهُوَ مَعَهُ ، فَبَينا هُوَ يَوما مِنَ
.
ص: 227
الأَيّامِ في بَعضِ حَوائِجِهِ إذ مَرَّ عَلى أرضٍ مُعشِبَةٍ تَزهو وتَهتَزُّ . قالَ : فَتَأَوَّهَ الرَّجُلُ. فَقالَ لَهُ موسى : عَلى ماذا تَأَوَّهتَ ؟ قالَ : تَمَنَّيتُ أن يَكونَ لِرَبّي حِمارٌ أرعاهُ هاهُنا . قالَ : فَأَكَبَّ موسى عليه السلام طَويلًا بِبَصَرِهِ عَلَى الأَرضِ اغتِماما بِما سَمِعَ مِنهُ . قالَ : فَانحَطَّ عَلَيهِ الوَحيُ ، فَقالَ لَهُ : مَا الَّذي أكبَرتَ مِن مَقالَةِ عَبدي ؟! أنَا اُؤاخِذُ عِبادي عَلى قَدرِ ما أعطَيتُهُم مِنَ العَقلِ. (1)
الكافي عن سليمان الدّيلميّ :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : فُلانٌ مِن عِبادَتِهِ ودينِهِ وفَضلِهِ! (2) فَقالَ : كَيفَ عَقلُهُ ؟ قُلتُ : لا أدري . فَقالَ: إنَّ الثَّوابَ عَلى قَدرِ العَقلِ، إنَ رَجُلًا مِن بَنيإسرائيلَ كانَ يَعبُدُ اللّهَ فيجَزيرَةٍ مِن جَزائِرِ البَحرِ خَضراءَ نَضِرَةٍ كَثيرَةِ الشَّجَرِ ظاهِرَةِ الماءِ ، وإنَّ مَلَكا مِنَ المَلائِكَةِ مَرَّ بِهِ فَقالَ : يا رَبِّ ، أرِني ثَوابَ عَبدِكَ هذا ، فَأَراهُ اللّهُ تَعالى ذلِكَ ، فَاستَقَلَّهُ المَلَكُ ، فَأَوحَى اللّهُ تَعالى إلَيهِ : أنِ اصحَبهُ ، فَأَتاهُ المَلَكُ في صورَةِ إنسِيٍّ ، فَقالَ لَهُ : مَن أنتَ ؟ قالَ : أنَا رَجُلٌ عابِدٌ ، بَلَغَني مَكانُكَ وعِبادَتُكَ في هذَا المَكانِ فَأَتَيتُكَ لِأَعبُدَ اللّهَ مَعَكَ . فَكانَ مَعَهُ يَومَهُ ذلِكَ . فَلَمّا أصبَحَ قالَ لَهُ المَلَكُ : إنَّ مَكانَكَ لَنَزِهٌ ، وما يَصلُحُ إلّا لِلعِبادَةِ . فَقالَ لَهُ العابِدُ : إنَّ لِمَكانِنا هذا عَيبا .
.
ص: 228
فَقالَ لَهُ : وما هُوَ ؟ قالَ : لَيسَ لِرَبِّنا بَهيمَةٌ ، فَلَو كانَ لَهُ حِمارٌ رَعَيناهُ في هذَا المَوضِعِ ، فَإِنَّ هذَا الحَشيشَ يَضيعُ ! فَقالَ لَهُ ذلِكَ المَلَكُ : وما لِرَبِّكَ حِمارٌ ؟ فَقالَ : لَو كانَ لَهُ حِمارٌ ما كانَ يَضيعُ مِثلُ هذَا الحَشيشِ . فَأَوحَى اللّهُ إلَى المَلَكِ : إنَّما اُثيبُهُ عَلى قَدرِ عَقلِهِ. (1)
راجع: ص 190 (خير المواهب) .
.
ص: 229
الفصل الرابع : أسباب تقوية العقل4 / 1ما يُقَوِّي العَقلَأ _ الوَحيالكتاب«يَ_أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَ_نٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأنزَلْنَا إلَيْكُمْ نُورا مُّبِينا» . (1)
«اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّ_لُمَ_تِ إلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أوْلِيَاؤُهُمُ الطَّ_غُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إلَى الظُّ_لُمَ_تِ اُوْلَئِكَ أصْحَ_بُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَ__لِدُونَ» . (2)
«لَقَدْ أنزَلْنَا إلَيْكُمْ كِتَ_با فِيهِ ذِكْرُكُمْ أفَلَا تَعْقِلُونَ » . (3)
راجع : البقرة: 242 ، النور: 61 ، يوسف: 2 ، الزخرف: 3 .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :بَعَثَ فيهِم رُسُلَهُ وواتَرَ إلَيهِم أنبِياءَهُ ، لِيَستَأدوهُم ميثاقَ فِطرَتِهِ ،
.
ص: 230
ويُذَكِّروهُم مَنسِيَّ نِعمَتِهِ ، ويَحتَجّوا عَلَيهِم بِالتَّبليغِ ، ويُثيروا لَهُم دَفائِنَ العُقولِ. (1)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ بِعثَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: بَعَثَهُ بِالحَقِّ دالًا عَلَيهِ وهادِيا إلَيهِ ، فَهَدانا بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، وَاستَنقَذَنا بِهِ مِنَ الجَهالَةِ. (2)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى شَرَعَ الإِسلامَ وسَهَّلَ شَرائِعَهُ لِمَن وَرَدَهُ ، وأعَزَّ أركانَهُ لِمَن حارَبَهُ ، وجَعَلَهُ عِزًّا لِمَن تَوَلّاهُ وسِلما لِمَن دَخَلَهُ... وفَهما لِمَن تَفَطَّنَ ويَقينا لِمَن عَقَلَ. (3)
عنه عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ _: ولَم يُخلِ اللّهُ سُبحانَهُ خَلقَهُ مِن نَبِيٍّ مُرسَلٍ أو كِتابٍ مُنزَلٍ ... إلى أن بَعَثَ اللّهُ سُبحانَهُ مُحَمَّدا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِاءِنجازِ عِدَتِهِ ، وإتمامِ نُبُوَّتِهِ ، مَأخوذا عَلَى النَّبِيّينَ ميثاقُهُ ، مَشهورَةً سِماتُهُ ، كَريما ميلادُهُ ، وأهلُ الأَرضِ (الأَرَضينَ) يَومَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ ، وأهواءٌ مُنتَشِرَةٌ ، وطَرائِقُ (طَوائِفُ) مُتَشَتِّتَةٌ ، بَينَ مُشَبِّهٍ للّهِِ بِخَلقِهِ ، أو مُلحِدٍ فِي اسمِهِ ، أو مُشيرٍ إلى غَيرِهِ ، فَهَداهُم بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، وأنقَذَهُم بِمَكانِهِ مِنَ الجَهالَةِ. (4)
راجع : ج 2 ص 131 (الوحي) .
ب _ العِلمالكتاب«وَ تِلْكَ الْأَمْثَ_لُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا يَعْقِلُهَا إلَا الْعَ__لِمُونَ» . (5)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ العِلمَ حَياةُ القُلوبِ مِنَ الجَهلِ ، وضِياءُ الأَبصارِ مِنَ الظُّلمةِ ،
.
ص: 231
وَقُوَّةُ الأَبدانِ مِنَ الضَّعفِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّكَ مَوزونٌ بِعَقلِكَ ، فَزَكِّهِ بِالعِلمِ. (2)
عنه عليه السلام :أعوَنُ الأَشياءِ عَلى تَزكِيَةِ العَقلِ التَّعليمُ. (3)
عنه عليه السلام :العَقلُ غَريزَةٌ تَزيدُ بِالعِلمِ وَالتَّجارِبِ. (4)
عنه عليه السلام :العِلمُ يَزيدُ العاقِلَ عَقلًا. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :كَثرَةُ النَّظَرِ فِي الحِكمَةِ تَلقَحُ العَقلَ. (6)
عنه عليه السلام :كَثرَةُ النَّظَرِ فِي العِلمِ يَفتَحُ العَقلَ. (7)
الإمام الرّضا عليه السلام :مَن أبصَرَ فَهِمَ ، ومَن فَهِمَ عَقَلَ. (8)
راجع : ص 200 (العلم يحتاج إليه) و 249 (العلم والحكمة) .
ج _ الأَدَبرسول اللّه صلى الله عليه و آله :حُسنُ الأَدَبِ زينَةُ العَقلِ. (9)
الإمام عليّ عليه السلام :كُلُّ شَيءٍ يَحتاجُ إلَى العَقلِ ، وَالعَقلُ يَحتاجُ إلَى الأَدَبِ. (10)
.
ص: 232
عنه عليه السلام :إنَّ بِذَوِي العُقولِ مِنَ الحاجَةِ إلَى الأَدَبِ كَما يَظمَأُ الزَّرعُ إلَى المَطَرِ. (1)
عنه عليه السلام :نِعمَ قَرينُ العَقلِ الأَدَبُ. (2)
عنه عليه السلام :الأَدَبُ صورَةُ العَقلِ. (3)
عنه عليه السلام :صَلاحُ العَقلِ الأَدَبُ. (4)
عنه عليه السلام :الأَدَبُ هُوَ لَقاحُ العَقلِ وذَكاءُ القَلبِ. (5)
عنه عليه السلام :لا عَقلَ لِمَن لا أدَبَ لَهُ. (6)
عنه عليه السلام :ذَكِّ (7) عَقلَكَ بِالأَدَبِ كَما تُذَكَّى النّارُ بِالحَطَبِ. (8)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إدابُ العُلَماءِ زِيادَةٌ فِي العَقلِ. (9)
راجع : ص 256 (مكارم الأخلاق) .
د _ التَّجرِبَةالإمام عليّ عليه السلام :العَقلُ غَريزَةٌ تَزيدُ بِالعِلمِ وَالتَّجارِبِ. (10)
.
ص: 233
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: العَقلُ غَريزَةٌ تُرَبّيهَا التَّجارِبُ. (1)
عنه عليه السلام :نِعمَ العَونُ الأَدَبُ لِلنَّحيزَةِ (2) ، وَالتَّجارِبُ لِذِي اللُّبِّ. (3)
عنه عليه السلام :التَّجارِبُ لا تَنقَضي ، وَالعاقِلُ مِنها في زِيادَةٍ. (4)
الإمام الحسين عليه السلام :طولُ التَّجارِبِ زِيادَةٌ فِي العَقلِ. (5)
راجع : ص 266 (حفظ التّجارب) .
ه _ السَّيرُ فِي الأَرضِالكتاب«أفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَ_رُ وَ لَ_كِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ» . (6)
«قُلْ سِيرُواْ فِى الْأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْاخِرَةَ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» . (7)
«وَ لَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا ءَايَة بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» . (8)
«فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً وَ إنَّ كَثِيرا مِّنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَ_تِنَا لَغَ_فِلُونَ» . (9)
.
ص: 234
الحديثالدرّ المنثور عن ابن دينار :أوحَى اللّهُ إلى موسى عليه السلام : أنِ اتَّخِذ نَعلَينِ مِن حَديدٍ وعَصا ، ثُمَّ سِح فِي الأَرضِ ، فَاطلُبِ الآثارَ وَالعِبَرَ ، حَتّى تَحفُوَ النَّعلانِ وتَنكَسِرَ العَصا. (1)
داوود عليه السلام :قُل لِصاحِبِ العِلمِ يَتَّخِذ عَصا مِن حَديدٍ ونَعلَينِ مِن حَديدٍ ، ويَطلُبُ العِلمَ حَتّى تَنكَسِرَ العَصا وتَنخَرِقَ النَّعلانِ. (2)
و _ المَشوَرَةالإمام عليّ عليه السلام :مَن شاوَرَ ذَوِي العُقولِ استَضاءَ بِأَنوارِ العُقولِ. (3)
ز _ التَّقوىسعد السعود نقلاً عن كتابٍ ذُكرت فيه سنن إدريس عليه السلام :اِعلَموا (4) وَاستَيقِنوا أنَّ تَقوَى اللّهِ هِيَ الحِكمَةُ الكُبرى ، وَالنِّعمَةُ العُظمى ، وَالسَّبَبُ الدّاعي إلَى الخَيرِ ، وَالفاتِحُ لِأَبوابِ الخَيرِ وَالفَهمِ وَالعَقلِ. (5)
ح _ مُجاهَدَةُ النَّفسِالإمام عليّ عليه السلام :جاهِد شَهوَتَكَ وغالِب غَضَبَكَ وخالِف سوءَ عادَتِكَ ، تَزكُ نَفسُكَ ويَكمُل عَقلُكَ وتَستَكمِل ثَوابَ رَبِّكَ. (6)
.
ص: 235
الإمام الصادق عليه السلام :كَتَبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلى بَعضِ أصحابِهِ يَعِظُهُ : اُوصيكَ ونَفسي بِتَقوى مَن لا تَحِلُّ مَعصِيَتُهُ ولا يُرجى غَيرُهُ ولَا الغِنى إلّا بِهِ ، فَإِنَّ مَنِ اتَّقَى اللّهَ جَلَّ وعَزَّ وقَوِيَ وشَبِعَ ورَوِيَ ورُفِعَ عَقلُهُ عَن أهلِ الدُّنيا ، فَبَدَنُهُ مَعَ أهلِ الدُّنيا وقَلبُهُ وعَقلُهُ مُعايِنُ الآخِرَةِ ، فَ_أَطفَأَ بِضَوءِ قَلبِهِ ما أبصَرَت عَيناهُ مِن حُبِّ الدُّنيا فَقَذَّرَ حَرامَها ، وجانَبَ شُبُهاتِها ، وأضَرَّ وَاللّهِ بِالحَلالِ الصّافي ، إلّا ما لابُدَّ لَهُ مِن كِسرَةٍ مِنهُ يَشُدُّ بِها صُلبَهُ ، وثَوبٍ يُواري بِهِ عَورَتَهُ مِن أغلَظِ ما يَجِدُ وأخشَنِهِ ، ولَم يَكُن لَهُ فيما لا بُدَّ لَهُ مِنهُ ثِقَةٌ ولا رَجاءٌ ، فَوَقَعَت ثِقَتُهُ ورَجاؤُهُ عَلى خالِقِ الأَشياءِ ، فَجَدَّ وَاجتَهَدَ وأتعَبَ بَدَنَهُ حَتّى بَدَتِ الأَضلاعُ وغارَتِ العَينانِ ، فَأَبدَلَ اللّهُ لَهُ مِن ذلِكَ قُوَّةً في بَدَنِهِ وشِدَّةً في عَقلِهِ ، وما ذَخَرَ لَهُ فِي الآخِرَةِ أكثَرُ. (1)
ط _ ذِكرُ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :الذِّكرُ نورُ العَقلِ ، وحَياةُ النُّفوسِ ، وجِلاءُ الصُّدورِ. (2)
عنه عليه السلام :مَن كَثُرَ ذِكرُهُ استَنارَ لُبُّهُ. (3)
عنه عليه السلام :مَن ذَكَرَ اللّهَ سُبحانَهُ ، أحيَا اللّهُ قَلبَهُ ونَوَّرَ عَقلَهُ ولُبَّهُ. (4)
عنه عليه السلام :الذِّكرُ يُؤنِسُ اللُّبَّ ويُنيرُ القَلبَ ويَستَنزِلُ الرَّحمَةَ. (5)
عنه عليه السلام :الذِّكرُ هِدايَةُ العُقولِ وتَبصِرَةُ النُّفوسِ. (6)
.
ص: 236
ي _ الزُّهدُ فِي الدُّنياالإمام عليّ عليه السلام :مَن سَخَت نَفسُهُ عَن مَواهِبِ الدُّنيا فَقَدِ استَكمَلَ العَقلَ. (1)
ك _ اِتِّباعُ الحَقِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :وأمّا طاعَةُ النّاصِحِ فَيَتَشَعَّبُ مِنهَا الزِّيادَةُ فِي العَقلِ وكَمالُ اللُّبِّ. (2)
أعلام الدّين :تَذاكَرُوا العَقلَ عِندَ مُعاوِيَةَ ، فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : لا يَكمُلُ العَقلُ إلّا بِاتِّباعِ الحَقِّ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : ما في صُدورِكُم إلّا شَيءٌ واحِدٌ. (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ لُقمانَ قالَ لِابنِهِ : تَواضَع لِلحَقِّ تَكُن أعقَلَ النّاسِ. (4)
ل _ مُجالَسَةُ الحُكَماءِالإمام عليّ عليه السلام :جالِسِ الحُكَماءَ يَكمُل عَقلُكَ ، وتَشرُف نَفسُكَ ، ويَنتَفِ عَنكَ جَهلُكَ. (5)
عنه عليه السلام :مُجالَسَةُ الحُكَماءِ حَياةُ العُقولِ وشِفاءُ النُّفوسِ. (6)
م _ رَحمَةُ الجُهّالالإمام عليّ عليه السلام :مِن أوكَدِ أسبابِ العَقلِ رَحمَةُ الجُهّالِ. (7)
.
ص: 237
ن _ الاِستِعانَةُ بِاللّهِالإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ ارزُقني عَقلًا كامِلًا وعَزما ثاقِبا ولُبًّا راجِحا وقَلبا ذَكِيًّا وعِلما كَثيرا وأدَبا بارِعا ، وَاجعَل ذلِكَ كُلَّهُ لي ولا تَجعَلهُ عَلَيَّ ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ. (1)
بحار الأنوار :فِي المُناجاةِ الَّتي جاءَ بِها جَبرَئيلُ عليه السلام إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : وَامحُ اللّهُمَّ رَبِّ بِالتَّوبَةِ ما ثَبَتَ مِن ذُنوبي ، وَاغسِل بِقَبولِها جَميعَ عُيوبي ، وَاجعَلها جالِيَةً لِرَينِ (2) قَلبي ، شاحِذَةً (3) لِبَصيرةِ لُبّي. (4)
الإمام المهديّ عليه السلام_ في دُعاءٍ عَلَّمَهُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيِّ المِصرِيِّ _: إلهي وأسأَلُكَ ... أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأن تَهدِيَ لي قَلبي وتَجمَعَ لي لُبّي. (5)
راجع : ج 2 ص 149 (الدعاء) و 423 (الإستعانة باللّه في زيادة العلم) .
4 / 2ما يُقَوِّي الدِّماغَأ _ الدُّهنالإمام عليّ عليه السلام :الدُّهنُ يُلَيِّنُ البَشَرَةَ ، ويَزيدُ فِي الدِّماغِ. (6)
.
ص: 238
الإمام الصادق عليه السلام :دُهنُ البَنَفسَجِ يُرزِنُ الدِّماغَ. (1)
ب _ الدُّبّاءرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فيما أوصى بِهِ عَلِيًّا عليه السلام _: يا عَلِيُّ ، عَلَيكَ بِالدُّبّاءِ (2) فَكُلهُ، فَإِنَّهُ يَزيدُ فِي الدِّماغِ وَالعَقلِ. (3)
كنزالعمّال عن أنس :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُكثِرُ مِن أكلِ الدُّبّاءِ ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ لَتُحِبُّ الدُّبّاءَ! فَقالَ : الدُّبّاءُ يُكثِرُ الدِّماغَ ويَزيدُ فِي العَقلِ. (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلَيكُم بِالقَرعِ ، فَإِنَّهُ يَزيدُ فِي العَقلِ ويُكَبِّرُ الدِّماغَ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :كُلُوا اليَقطينَ فَلَو عَلِمَ اللّهُ أنَّ شَجَرَةً أخَفُّ مِن هذِهِ لَأَنبَتَها عَلى أخي يونُسَ عليه السلام . إذَا اتَّخَذَ أحَدُكُم مَرَقا فَليُكثِر فيهِ مِنَ الدُّبّاءِ ، فَإِنَّهُ يَزيدُ فِي الدِّماغِ وفِي العَقلِ. (6)
ج _ السَّفَرجَلالإمام الرّضا عليه السلام :عَلَيكُم بِالسَّفَرجَلِ ، فَإِنَّهُ يَزيدُ فِي العَقلِ. (7)
.
ص: 239
د _ الكَرَفسرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلَيكُم بِالكَرَفسِ، فَإِنَّهُ إن كانَ شَيءٌ يَزيدُ فِيالعَقلِ فَهُوَ هُوَ. (1)
ه _ اللَّحمالإمام الصادق عليه السلام :اللَّحمُ يُنبِتُ اللَّحمَ ويَزيدُ فِي العَقلِ ، ومَن تَرَكَ أكلَهُ أيّاما فَسَدَ عَقلُهُ. (2)
عنه عليه السلام :مَن تَرَكَ أكلَ اللَّحمِ أربَعينَ صَباحا ساءَ خُلُقُهُ وفَسَدَ عَقلُهُ ، ومَن ساءَ خُلُقُهُ فَأَذِّنوا في اُذُنِهِ بِالتَّثويبِ (3) . (4)
و _ اللُّبانرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلَيكُم بِاللُّبانِ (5) ؛ فَإِنَّهُ يَمسَحُ الحَرَّ (6) مِنَ القَلبِ كَما يَمسَحُ الإِصبَعُ العَرَقَ عَنِ الجَبينِ ، ويَشُدُّ الظَّهرَ ، ويَزيدُ فِي العَقلِ ، ويُذَكِّي الذِّهنَ ، ويَجلُو البَصَرَ ، ويُذهِبُ النِّسيانَ. (7)
عنه صلى الله عليه و آله :أطعِموا حَبالاكُمُ اللُّبانَ ؛ فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذا غُذِّيَ في بَطنِ اُمِّهِ بِاللُّبانِ اشتَدَّ قَلبُهُ وزيدَ في عَقلِهِ. (8)
.
ص: 240
ز _ الخَلّالإمام الصادق عليه السلام :الخَلُّ يَشُدُّ العَقلَ. (1)
الكافي عن محمّد بن عليّ الهمدانيّ :إنَّ رَجُلًا كانَ عِندَ الرِّضا عليه السلام بِخُراسانَ فَقُدِّمَت إلَيهِ مائِدَةٌ عَلَيها خَلٌّ ومِلحٌ فَافتَتَحَ عليه السلام بِالخَلِّ ، فَقالَ الرَّجُلُ : جُعِلتُ فِداكَ ، أمَرتَنا أن نَفتَتِحَ بِالمِلحِ ؟ ! فَقالَ : هذا مِثلُ هذا _ يَعنِي الخَلَّ _ وإنَّ الخَلَّ يَشُدُّ الذِّهنَ ويَزيدُ فِي العَقلِ. (2)
ح _ السَّدابأبو الحسن عليه السلام :السَّدابُ (3) يَزيدُ فِي العَقلِ. (4)
ط _ العَسَلالإمام الكاظم عليه السلام :فِي العَسَلِ شِفاءٌ مِن كُلِّ داءٍ ، مَن لَعِقَ لَعقَةَ عَسَلٍ عَلَى الرّيقِ يَقطَعُ البَلغَمَ ، ويَحسِمُ الصُّفرَةَ ، ويَمنَعُ المِرَّةَ السَّوداءَ ، ويُصَفِّي الذِّهنَ ، ويُجَوِّدُ الحِفظَ إذا كانَ مَعَ اللُّبانِ الذَّكَرِ. (5)
.
ص: 241
ي _ الرُّمّانُ مَعَ شَحمِهِالإمام الصادق عليه السلام :كُلُوا الرُّمّانَ بِشَحمِهِ ، فَإِنَّهُ يَدبَغُ المِعدَةَ ويَزيدُ فِي الذِّهنِ. (1)
ك _ الماءالكافي عن أبي طيفور المتطبّب :دَخَلتُ عَلى أبِي الحَسَنِ الماضي عليه السلام فَنَهَيتُهُ عَن شُربِ الماءِ . فَقالَ عليه السلام : وما بَأسٌ بِالماءِ وهُوَ يُديرُ الطَّعامَ فِي المِعدَةِ ، ويُسَكِّنُ الغَضَبَ ويَزيدُ فِي اللُّبِّ ، ويُطفِي المِرارَ. (2)
ل _ الحِجامَةرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحِجامَةُ تَزيدُ العَقلَ وتَزيدُ الحافِظَ حِفظا. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :الحِجامَةُ عَلَى الرّيقِ أمثَلُ ، وهِيَ تَزيدُ فِي العَقلِ ، وتَزيدُ فِي الحِفظِ ، وتَزيدُ الحافِظَ حِفظا. (4)
م _ الفَرفَخرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلَيكُم بِالفَرفَخِ ؛ فَهِيَ المُكَيِّسَةُ ، فَإِنَّهُ إن كانَ شَيءٌ يَزيدُ فِي العَقلِ فَهِيَ. (5)
.
ص: 242
ص: 243
الفصل الخامس : علامات العقل5 / 1جُنودُ العَقلِ وَالجَهلِالكافي عن سماعة بن مهران :كُنتُ عِندَ أبي عَبدِاللّهِ عليه السلام وعِندَهُ جَماعَةٌ مِن مَواليهِ ، فَجَرى ذِكرُ العَقلِ وَالجَهلِ ، فَقالَ أبو عَبدِاللّهِ عليه السلام : اِعرِفُوا العَقلَ وجُندَهُ وَالجَهلَ وجُندَهُ تَهتَدوا . قالَ سَماعَةُ : فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، لا نَعرِفُ إلّا ما عَرَّفتَنا . فَقالَ أبو عَبدِاللّهِ عليه السلام : إنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ العَقلَ وهُوَ أوَّلُ خَلقٍ مِنَ الرّوحانِيّينَ عَن يَمينِ العَرشِ مِن نورِهِ ، فَقالَ لَهُ : أدبِر فَأَدبَرَ ؛ ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل فَأَقبَلَ (1) ؛ فَقالَ اللّهُ تَبارَكَ
.
ص: 244
وتَعالى : خَلَقتُكَ خَلقا عَظيما وكَرَّمتُكَ عَلى جَميعِ خَلقي . 1 قالَ : ثُمَّ خَلَقَ الجَهلَ مِنَ البَحرِ الاُجاجِ ظُلمانِيًّا فَقالَ لَهُ : أدبِر فَأَدبَرَ ؛ ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل فَلَم يُقبِل ، فَقالَ لَهُ : اِستَكبَرتَ ، فَلَعَنَهُ . ثُمَّ جَعَلَ لِلعَقلِ خَمسَةً وسَبعينَ جُندا ، فَلَمّا رَأَى الجَهلُ ما أكرَمَ اللّهُ بِهِ العَقلَ وما أعطاهُ ، أضمَرَ لَهُ العَداوَةَ . فَقالَ الجَهلُ : يا رَبِّ ، هذا خَلقٌ مِثلي خَلَقتَهُ وكَرَّمتَهُ وقَوَّيتَهُ وأنَا ضِدُّهُ ولا قُوَّةَ لي بِهِ فَأَعطِني مِنَ الجُندِ مِثلَ ما أعطَيتَهُ . فَقالَ عز و جل : نَعَم ، فَإِن عَصَيتَ بَعدَ ذلِكَ أخرَجتُكَ وجُندَكَ مِن رَحمَتي . قالَ : قَد رَضيتُ . فَأَعطاهُ خَمسَةً وسَبعينَ جُندا . فَكانَ مِمّا أعطَى العَقلَ مِنَ الخَمسَةِ وَالسَّبعينَ الجُندَ : الخَيرُ وهُوَ وَزيرُ العَقلِ ، وجَعَلَ ضِدَّهُ الشَّرَّ وهُوَ وَزيرُ الجَهلِ . وَالإِيمانُ وضِدَّهُ الكُفرَ . وَالتَّصديقُ وضِدَّهُ الجُحودَ .
.
ص: 245
وَالرَّجاءُ وضِدَّهُ القُنوطَ . وَالعَدلُ وضِدَّهُ الجَورَ . وَالرِّضا وضِدَّهُ السَّخَطَ . وَالشُّكرُ وضِدَّهُ الكُفرانَ . وَالطَّمَعُ وضِدَّهُ اليَأسَ . وَالتَّوَكُّلُ وضِدَّهُ الحِرصَ . وَالرَّأفَةُ وضِدَّهَا القَسوَةَ . وَالرَّحمَةُ وضِدَّهَا الغَضَبَ . وَالعِلمُ وضِدَّهُ الجَهلَ . وَالفَهمُ وضِدَّهُ الحُمقَ . وَالعِفَّةُ وضِدَّهَا التَّهَتُّكَ . وَالزُّهدُ وضِدَّهُ الرَّغبَةَ . وَالرِّفقُ وضِدَّهُ الخُرقَ . وَالرَّهبَةُ وضِدَّهُ الجُرأةَ . وَالتَّواضُعُ وضِدَّهُ الكِبرَ . وَالتُّؤَدَةُ وضِدَّهَا التَّسَرُّعَ . وَالحِلمُ وضِدَّهَا السَّفَهَ . وَالصَّمتُ وضِدَّهُ الهَذَرَ . وَالاِستِسلامُ وضِدَّهُ الاِستِكبارَ . وَالتَّسليمُ وضِدَّهُ الشَّكَّ .
.
ص: 246
وَالصَّبرُ وضِدَّهُ الجَزَعَ . وَالصَّفحُ وضِدَّهُ الاِنتِقامَ . وَالغِنى وضِدَّهُ الفَقرَ . وَالتَّذَكُّرُ وضِدَّهُ السَّهوَ . وَالحِفظُ وضِدَّهُ النِّسيانَ . وَالتَّعَطُّفُ وضِدَّهُ القَطيعَةَ . وَالقُنوعُ وضِدَّهُ الحِرصَ . وَالمُؤاساةُ وضِدَّهَا المَنعَ . وَالمَوَدَّةُ وضِدَّهَا العَداوَةَ . وَالوَفاءُ وضِدَّهُ الغَدرَ . وَالطّاعَةُ وضِدَّهَا المَعصِيَةَ . وَالخُضوعُ وضِدَّهُ التَّطاوُلَ . وَالسَّلامَةُ وضِدَّهَا البَلاءَ . وَالحُبُّ وضِدَّهُ البُغضَ . وَالصِّدقُ وضِدَّهُ الكَذِبَ . وَالحَقُّ وضِدَّهُ الباطِلَ . وَالأَمانَةُ وضِدَّهَا الخِيانَةَ . وَالإِخلاصُ وضِدَّهُ الشَّوبَ . وَالشَّهامَةُ وضِدَّهَا البَلادَةَ . وَالفَهمُ وضِدَّهُ الغَباوَةَ .
.
ص: 247
وَالمَعرِفَةُ وضِدَّهَا الإِنكارَ . وَالمُداراةُ وضِدَّهَا المُكاشَفَةَ . وسَلامَةُ الغَيبِ وضِدَّهَا المُماكَرَةَ . وَالكِتمانُ وضِدَّهُ الإِفشاءَ . وَالصَّلاةُ وضِدَّهَا الإِضاعَةَ . وَالصَّومُ وضِدَّهُ الإِفطارَ . وَالجِهادُ وضِدَّهُ النُّكولَ . وَالحَجُّ وضِدَّهُ نَبذَ الميثاقِ . وصَونُ الحَديثِ وضِدَّهُ النَّميمَةَ . وبِرُّ الوالِدَينِ وضِدَّهُ العُقوقَ . وَالحَقيقَةُ وضِدَّهَا الرِّياءَ . وَالمَعروفُ وضِدَّهُ المُنكَرَ . وَالسَّترُ وضِدَّهُ التَّبَرُّجَ . وَالتَّقِيَّةُ وضِدَّهَا الإِذاعَةَ . وَالإِنصافُ وضِدَّهُ الحَمِيَّةَ . وَالتَّهيِئَةُ وضِدَّهَا البَغيَ . وَالنَّظافَةُ وضِدَّهَا القَذَرَ . وَالحَياءُ وضِدَّهَا الجَلَعَ . وَالقَصدُ وضِدَّهُ العُدوانَ . وَالرّاحَةُ وضِدَّهَا التَّعَبَ .
.
ص: 248
وَالسُّهولَةُ وضِدَّهَا الصُّعوبَةَ . وَالبَرَكَةُ وضِدَّهَا المَحقَ . وَالعافِيَةُ وضِدَّهَا البَلاءَ . وَالقَوامُ وضِدَّهُ المُكاثَرَةَ . وَالحِكمَةُ وضِدَّهَا الهَوى . وَالوَقارُ وضِدَّهُ الخِفَّةَ . وَالسَّعادَةُ وضِدَّهَا الشَّقاوَةَ . وَالتَّوبَةُ وضِدَّهَا الإِصرارَ . وَالاِستِغفارُ وضِدَّهُ الاِغتِرارَ . وَالمُحافَظَةُ وضِدَّهَا التَّهاوُنَ . وَالدُّعاءُ وضِدَّهُ الاِستِنكافَ . وَالنَّشاطُ وضِدَّهُ الكَسَلَ . وَالفَرَحُ وضِدَّهُ الحُزنَ . وَالاُلفَةُ وضِدَّهَا الفُرقَةَ . وَالسَّخاءُ وضِدَّهُ البُخلَ . فَلا تَجتَمِعُ هذِهِ الخِصالُ كُلُّها مِن أجنادِ العَقلِ إلّا في نَبِيٍّ أو وَصِيِّ نَبِيٍّ ، أو مُؤمِنٍ قَدِ امتَحَنَ اللّهُ قَلبَهُ لِلإِيمانِ ، وأمّا سائِرُ ذلِكَ مِن مَوالينا فَإِنَّ أحَدَهُم لا يَخلو مِن أن يَكونَ فيهِ بَعضُ هذِهِ الجُنودِ حَتّى يَستَكمِلَ ويَنقى مِن جُنودِ الجَهلِ، فَعِندَ ذلِكَ يَكونُ فِي الدَّرَجَةِ العُليا مَعَ الأَنبِياءِ وَالأَوصِياءِ ، وإنَّما يُدرَكُ ذلِكَ بِمَعرِفَةِ العَقلِ وجُنودِهِ ، وبِمُجانَبَةِ الجَهلِ وجُنودِهِ ، وَفَّقَنَا اللّهُ وإيّاكُم لِطاعَتِهِ ومَرضاتِهِ. (1)
.
ص: 249
5 / 2آثارُ العَقلِأ _ العِلمُ وَالحِكمَةُالكتاب«يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِىَ خَيْرا كَثِيرا وَمَا يَذَّكَّرُ إلَا أُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» . (1)
«إنَّ فِى ذَ لِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أوْ ألْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ » . (2)
راجع : آل عمران : 7 ، الرعد :19 ،إبراهيم : 52 ، ص : 29 و 43 ، الزمر : 9 و 21 ، غافر : 54 .
الحديثتفسير العيّاشي عن سليمان بن خالد :سَأَلتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ : «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِىَ خَيْرا كَثِيرا» فَقالَ : إنَّ الحِكمَةَ المَعرِفَةُ وَالتَّفَقُّهُ فِي الدّينِ ، فَمَن فَقِهَ مِنكُم فَهُوَ حَكيمٌ. (3)
الإمام الكاظم عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، إنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ في كِتابِهِ : «إنَّ فِى ذَ لِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ» يَعني : عَقلٌ : وقالَ : «وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَ_نَ الْحِكْمَةَ» . (4) قالَ : الفَهمَ وَالعَقلَ . . . يا هِشامُ ، ما بَعَثَ اللّهُ أنبِياءَهُ ورُسُلَهُ إلى عِبادِهِ إلّا لِيَعقِلوا عَنِ اللّهِ 5 ، فَأَحسَنُهُمُ
.
ص: 250
استِجابَةً أحسَنُهُم مَعرِفَةً ، وأعلَمُهُم بِأَمرِ اللّهِ أحسَنُهُم عَقلًا ، وأكمَلُهُم عَقلًا أرفَعُهُم دَرَجَةً فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ... يا هِشامُ ، كَيفَ يَزكو (1) عِندَ اللّهِ عَمَلُكَ ، وأنتَ قَد شَغَلتَ قَلبَكَ عَن أمرِ رَبِّكَ وأطَعتَ هَواكَ عَلى غَلَبَةِ عَقلِكَ ؟! . . . يا هِشامُ ، نُصِبَ الحَقُّ لِطاعَةِ اللّهِ ، ولا نَجاةَ إلّا بِالطّاعَةِ ، وَالطّاعَةُ بِالعِلمِ ، وَالعِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَالتَّعَلُّمُ بِالعَقلِ يُعتَقَدُ ، ولا عِلمَ إلّا مِن عالِمٍ رَبّانِيٍّ ، ومَعرِفَةُ العِلمِ بِالعَقلِ ... إنَّهُ لَم يَخَفِ اللّهَ مَن لَم يَعقِل عَنِ اللّهِ ، ومَن لَم يَعقِل عَنِ اللّهِ لَم يَعقِد قَلبَهُ عَلى مَعرِفَةٍ ثابِتَةٍ يُبصِرُها ويَجِدُ حَقيقَتَها في قَلبِهِ ، ولا يَكونُ أحَدٌ كَذلِكَ إلّا مَن كانَ قَولُهُ لِفِعلِهِ مُصَدِّقا ، وسِرُّهُ لِعَلانِيَتِهِ مُوافِقا ، لِأَنَّ اللّهَ تَبارَكَ اسمُهُ لَم يَدُلَّ عَلَى الباطِنِ الخَفِيِّ مِنَ العَقلِ إلّا بِظاهِرٍ مِنهُ ، وناطِقٍ عَنهُ. (2)
عنه عليه السلام_ أيضا _: يا هِشامُ ، إنَّ العَقلَ مَعَ العِلمِ ، فَقالَ : «وَ تِلْكَ الْأَمْثَ_لُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا يَعْقِلُهَا إلَا الْعَ__لِمُونَ» . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :العَقلُ وَالعِلمُ مَقرونانِ في قَرَنٍ لا يَفتَرِقانِ ولا يَتَبايَنانِ. (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ العَقلَ عِقالٌ مِنَ الجَهلِ ، وَالنَّفسَ مِثلُ أخبَثِ الدَّوابِّ ، فَإِن لَم تُعقَل حارَت ، فَالعَقلُ عِقالٌ مِنَ الجَهلِ. (5)
.
ص: 251
الإمام عليّ عليه السلام :مَن عَقَلَ فَهِمَ. (1)
عنه عليه السلام :العَقلُ أصلُ العِلمِ وداعِيَةُ الفَهمِ. (2)
عنه عليه السلام :بِالعُقولِ تُنالُ ذُروَةُ العُلومِ. (3)
عنه عليه السلام :العَقلُ مَركَبُ العِلمِ ، العِلمُ مَركَبُ الحِلمِ. (4)
عنه عليه السلام :العِلمُ عُنوانُ العَقلِ. (5)
عنه عليه السلام :العِلمُ يَدُلُّ عَلَى العَقلِ ، فَمَن عَلِمَ عَقَلَ. (6)
عنه عليه السلام :بِالعَقلِ استُخرِجَ غَورُ الحِكمَةِ ، وبِالحِكمَةِ استُخرِجَ غَورُ العَقلِ. (7)
عنه عليه السلام :الحِكمَةُ رَوضَةُ العُقَلاءِ ونُزهَةُ النُّبَلاءِ. (8)
عنه عليه السلام :مَن مَلَكَ عَقلَهُ كانَ حَكيما. (9)
الإمام الصادق عليه السلام :دِعامَةُ الإِنسانِ العَقلُ ، وَالعَقلُ مِنهُ الفِطنَةُ وَالفَهمُ وَالحِفظُ وَالعِلمُ ، وبِالعَقلِ يَكمُلُ ، وهُوَ دَليلُهُ ومُبصِرُهُ ومِفتاحُ أمرِهِ ، فَإِذا كانَ تَأييدُ عَقلِهِ مِنَ النّورِ كانَ عالِما حافِظا ذاكِرا فَطِنا فَهِما ، فَعَلِمَ بِذلِكَ كَيفَ ولِمَ وحَيثُ ، وعَرَفَ مَن نَصَحَهُ ومَن غَشَّهُ ، فَإِذا عَرَفَ ذلِكَ عَرَفَ مَجراهُ ومَوصولَهُ ومَفصولَهُ ، وأخلَصَ الوَحدانِيَّةَ للّهِِ
.
ص: 252
وَالإِقرارَ بِالطّاعَةِ ، فَإِذا فَعَلَ ذلِكَ كانَ مُستَدرِكا لِما فاتَ ، ووارِدا عَلى ما هُوَ آتٍ ، يَعرِفُ ما هُوَ فيهِ ولِأَيِّ شَيءٍ هُوَ هاهُنا ، ومِن أينَ يَأتيهِ ، وإلى ما هُوَ صائِرٌ ، وذلِكَ كُلُّهُ مِن تَأييدِ العَقلِ. (1)
عنه عليه السلام_ في بَيانِ جُنودِ العَقلِ وَالجَهلِ _: الحِكمَةُ وضِدُّهَا الهَوى. (2)
راجع : ص 200 (العلم يحتاج إليه) و ص 230 (العلم) و 357 (عداوة العلم والعالِم) .
ب _ مَعرِفَةُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قَسَّمَ اللّهُ العَقلَ ثَلاثَةَ أجزاءٍ ، فَمَن كُنَّ فيهِ كَمُلَ عَقلُهُ ، ومَن لَم يَكُنَّ فَلا عَقلَ لَهُ : حُسنُ المَعرِفَةِ بِاللّهِ ، وحُسنُ الطّاعَةِ للّهِِ ، وحُسنُ الصَّبرِ عَلى أمرِ اللّهِ. (3)
تحف العقول :قَدِمَ المَدينَةَ رَجُلٌ نَصرانِيٌّ مِن أهلِ نَجرانَ ، وكانَ فيهِ بَيانٌ ولَهُ وَقارٌ وهَيبَةٌ ، فَقيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما أعقَلَ هذَا النَّصرانِيَّ ؟! فَزَجَرَ القائِلَ وقالَ : مَه ! إنَّ العاقِلَ مَن وَحَّدَ اللّهَ وعَمِلَ بِطاعَتِهِ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :بِصُنعِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ ، وبِالعُقولِ تُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ ، وبِالفِكرَةِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ. (5)
.
ص: 253
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... الَّذي بَطَنَ مِن خَفِيّاتِ الاُمورِ ، وظَهَرَ فِي العُقولِ بِما يُرى في خَلقِهِ مِن عَلاماتِ التَّدبيرِ ، الَّذي سُئِلَتِ الأَنبِياءُ عَنهُ فَلَم تَصِفهُ بِحَدٍّ ولا بِبَعضٍ ، بَل وَصَفَتهُ بِفِعالِهِ ودَلَّت عَلَيهِ بِآياتِهِ ، لا تَستَطيعُ عُقولُ المُتَفَكِّرينَ جَحدَهُ ؛ لِأَنَّ مَن كانَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ فِطرَتَهُ وما فيهِنَّ وما بَينَهُنَّ وهُوَ الصّانِعُ لَهُنَّ ، فَلا مَدفَعَ لِقُدرَتِهِ. (1)
الكافي عن الحسن بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أوَّلَ الاُمورِ ومَبدَأها وقُوَّتَها وعِمارَتَها _ الَّتي لا يَنتَفِعُ شَيءٌ إلّا بِهِ _ العَقلُ الَّذي جَعَلَهُ اللّهُ زينَةً لِخَلقِهِ ونورا لَهُم ، فَبِالعَقلِ عَرَفَ العِبادُ خالِقَهُم وأنَّهُم مَخلوقونَ ، وأنَّهُ المُدَبِّرُ لَهُم وأنَّهُمُ المُدَبَّرونَ ، وأنَّهُ الباقي وهُمُ الفانونَ ، وَاستَدَلّوا بِعُقولِهِم عَلى ما رَأوا مِن خَلقِهِ ؛ مِن سَمائِهِ وأرضِهِ ، وشَمسِهِ وقَمَرِهِ ، ولَيلِهِ ونَهارِهِ ، وبِأَنَّ لَهُ ولَهُم خالِقا ومُدَبِّرا لَم يَزَل ولا يَزولُ ، وعَرَفوا بِهِ الحَسَنَ مِنَ القَبيحِ ، وأنَّ الظُّلمَةَ فِي الجَهلِ ، وأنَّ النّورَ فِي العِلمِ ، فَهذا ما دَلَّهُم عَلَيهِ العَقلُ . قيلَ لَهُ : فَهَل يَكتَفِي العِبادُ بِالعَقلِ دونَ غَيرِهِ؟ قالَ : إنَّ العاقِلَ لِدَلالَةِ عَقلِهِ الَّذي جَعَلَهُ اللّهُ قِوامَهُ وزينَتَهُ وهِدايَتَهُ عَلِمَ أنَّ اللّهَ هُوَ الحَقُّ ، وأنَّهُ هُوَ رَبُّهُ ، وعَلِمَ أنَّ لِخالِقِهِ مَحَبَّةً ، وأنَّ لَهُ كَراهِيَةً ، وأنَّ لَهُ طاعَةً ، وأنَّ لَهُ مَعصِيَةً ، فَلَم يَجِد عَقلَهُ يَدُلُّهُ عَلى ذلِكَ ، وعَلِمَ أنَّهُ لا يوصَلُ إلَيهِ إلّا بِالعِلمِ وطَلَبِهِ ، وأنَّهُ لا يَنتَفِعُ بِعَقلِهِ إن لَم يُصِب ذلِكَ بِعِلمِهِ ، فَوَجَبَ عَلَى العاقِلِ طَلَبُ العِلمِ والأَدَبِ الَّذي لا قِوامَ لَهُ إلّا بِهِ. (2)
.
ص: 254
الإمام الكاظم عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِهِشامٍ _: يا هِشامُ ، إنَّ ضَوءَ الجَسَدِ في عَينِهِ ، فَإِن كانَ البَصَرُ مُضيئا اِستَضاءَ الجَسَدُ كُلُّهُ . وإنَّ ضَوءَ الرّوحِ العَقلُ ، فَإِذا كانَ العَبدُ عاقِلًا كانَ عالِما بِرَبِّهِ ، وإذا كانَ عالِما بِرَبِّهِ أبصَرَ دينَهُ . وإن كانَ جاهِلًا بِرَبِّهِ لَم يَقُم لَهُ دينٌ . وكَما لا يَقومُ الجَسَدُ إلّا بِالنَّفسِ الحَيِّةِ فَكَذلِكَ لا يَقومُ الدّينُ إلّا بِالنِّيَّةِ الصّادِقَةِ ، ولا تَثبُتُ النِّيَّةُ الصّادِقَةُ إلّا بِالعَقلِ. (1)
الإمام الرضا عليه السلام :بِالعُقولِ يُعتَقَدُ التَّصديقُ بِاللّهِ. (2)
ج _ الدّينرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا دينَ لِمَن لا عَقلَ لَهُ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :هَبَطَ جَبرَئيلُ عَلى آدَمَ عليه السلام فَقالَ : يا آدَمُ ، إنّي اُمِرتُ أن اُخَيِّرَكَ واحِدَةً مِن ثَلاثٍ ، فَاختَرها ودَعِ اثنَتَينِ . فَقالَ لَهُ آدَمُ : يا جَبرَئيلُ ، ومَا الثَّلاثُ ؟ فَقالَ : العَقلُ وَالحَياءُ وَالدّينُ . فَقالَ آدَمُ : إنّي قَدِ اختَرتُ العَقلَ . فَقالَ جَبرَئيلُ لِلحَياءِ وَالدّينِ : اِنصَرِفا ودَعاهُ . فَقالا : يا جَبرَئيلُ ، إنّا اُمِرنا أن نَكونَ مَعَ العَقلِ حَيثُ كانَ . قالَ : فَشَأن_ُكُما ، وعَرَجَ. (4)
.
ص: 255
عنه عليه السلام :ما آمَنَ المُؤمِنُ حَتّى عَقَلَ. (1)
عنه عليه السلام :الدّينُ وَالأَدَبُ نَتيجَةُ العَقلِ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن كانَ عاقِلًا كانَ لَهُ دينٌ، ومَن كانَ لَهُ دينٌ دَخَلَ الجَنَّةَ. (3)
إرشادُ القُلوبِ:في تَوراةِ موسى عليه السلام : لا عَقلَ كَالدّينِ. (4)
راجع : ص 219 (التحذير من ترك التعقّل) .
د _ كمال الدينرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما تَمَّ دينُ إنسانٍ قَطُّ حَتّى يَتِمَّ عَقلُهُ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يُعجِبَنَّكَ إسلامُ امرِىً حَتّى تَنظُرَ ما مَعقولُ عَقلِهِ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يُعجِبكُم إسلامُ رَجُلٍ حَتّى تَعلَموا كُنهَ عَقلِهِ. (7)
الإمام عليّ عليه السلام :ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ كَمُلَ إيمانُهُ : العَقلُ ، وَالحِلمُ ، وَالعِلمُ. (8)
عنه عليه السلام :عَلى قَدرِ العَقلِ يَكونُ الدّينُ ، عَلى قَدرِ الدّينِ تَكونُ قُوَّةُ اليَقينِ. (9)
الإمام الكاظم عليه السلام :كَما لا يَقومُ الجَسَدُ إلّا بِالنَّفسِ الحَيَّةِ فَكَذلِكَ لا يَقومُ الدّينُ إلّا بِالنِّيَّةِ الصّادِقَةِ ، ولا تَثبُتُ النِّيَّةُ الصّادِقَةُ إلّا بِالعَقلِ. (10)
.
ص: 256
ه _ مَكارِمُ الأَخلاقِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِمَن قالَ لَهُ: أخبِرني عَنِ العَقلِ ما هُوَ ؟ وكَيفَ هُوَ ؟ وما يَتَشَعَّبُ مِنهُ وما لا يَتَشَعَّبُ ؟ وصِف لي طَوائِفَهُ كُلَّها _: إنَّ العَقلَ عِقالٌ مِنَ الجَهلِ ، وَالنَّفسُ مِثلُ أخبَثِ الدَّوابِّ ، فَإِن لَم تُعقَل حارَت ، فَالعَقلُ عِقالٌ مِنَ الجَهلِ ، وإنَّ اللّهَ خَلَقَ العَقلَ فَقالَ لَهُ : أقبِل فَأَقبَلَ ، وقالَ لَهُ : أدبِر فَأَدبَرَ ، فَقالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : وعِزَّتي وجَلالي ، ما خَلَقتُ خَلقا أعظَمَ مِنكَ ولا أطوَعَ مِنكَ ، بِكَ اُبدِئُ وبِكَ اُعيدُ ، لَكَ الثَّوابُ وعَلَيكَ العِقابُ . فَتَشَعَّبَ مِنَ العَقلِ الحِلمُ ، ومِنَ الحِلمِ العِلمُ ، ومِنَ العِلمِ الرُّشدُ ، ومِنَ الرُّشدِ العَفافُ ، ومِنَ العَفافِ الصِّيانَةُ ، ومِنَ الصِّيانَةِ الحَياءُ ، ومِنَ الحَياءِ الرَّزانَةُ ، ومِنَ الرَّزانَةِ المُداوَمَةُ عَلَى الخَيرِ ، ومِنَ المُداوَمَةِ عَلَى الخَيرِ كَراهِيَةُ الشَّرِّ ، ومِن كَراهِيَةِ الشَّرِّ طاعَةُ النّاصِحِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :التَّوَدُّدُ إلَى النّاسِ نِصفُ العَقلِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :حُسنُ الأَدَبِ دَليلٌ عَلى صِحَّةِ العَقلِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :فَسادُ الأَخلاقِ مُعاشَرَةُ السُّفَهاءِ ، وصَلاحُ الأَخلاقِ مُعاشَرَةُ العُقَلاءِ. (4)
عنه عليه السلام :الأَدَبُ فِي الإِنسانِ كَشَجَرَةٍ أصلُهَا العَقلُ. (5)
.
ص: 257
عنه عليه السلام :إنَّ الأَدَبَ حُجَّةُ العَقلِ ، وَالعِلمَ حُجَّةُ القَلبِ. (1)
عنه عليه السلام :أفضَلُ العَقلِ الأَدَبُ. (2)
عنه عليه السلام :حَدُّ العَقلِ النَّظَرُ فِي العَواقِبِ ، وَالرِّضا بِما يَجري بِهِ القَضاءُ. (3)
عنه عليه السلام :لِلحازِمِ مِن عَقلِهِ عَن كُلِّ دَنِيَّةٍ زاجِرٌ. (4)
عنه عليه السلام :ما ذَلَّ مَن أحسَنَ الفِكرَ. (5)
عنه عليه السلام :بِالعَقلِ كَمالُ النَّفسِ. (6)
عنه عليه السلام :الخُلُقُ المَحمودُ مِن ثِمارِ العَقلِ. (7)
عنه عليه السلام :ما جَمَّلَ الفَضائِلَ كَاللُّبِّ. (8)
عنه عليه السلام :العَقلُ شَجَرَةٌ ثَمَرُهَا السَّخاءُ والحَياءُ. (9)
عنه عليه السلام :مَنِ اتَّقَى اللّهَ عَقَلَ. (10)
عنه عليه السلام :العَقلُ شَجَرَةٌ أصلُهَا التُّقى ، وفَرعُهَا الحَياءُ ، وثَمَرَتُهَا الوَرَعُ . فَالتَّقوى تَدعو إلى خِصالٍ ثَلاثٍ : إلَى الفِقهِ فِي الدّينِ ، وَالزُّهدِ فِي الدُّنيا ، وَالاِنقِطاعِ إلَى اللّهِ تَعالى . وَالحَياءُ يَدعو إلى ثَلاثِ خِصالٍ : إلَى اليَقينِ ، وحُسنِ الخُلُقِ ، وَالتَّواضُعِ . وَالوَرَعُ
.
ص: 258
يَدعو إلى خِصالٍ ثَلاثٍ : إلى صِدقِ اللِّسانِ ، وَالمُسارَعَةِ إلَى البِرِّ ، وتَركِ الشُّبُهاتِ. (1)
عنه عليه السلام :كَسبُ العَقلِ الاِعتِبارُ وَالاِستِظهارُ، وكَسبُ الجَهلِ الغَفلَةُ والاِغتِرارُ. (2)
عنه عليه السلام :يُستَدَلُّ عَلى عَقلِ الرَّجُلِ بِالتَّحَلّي بِالعِفَّةِ وَالقَناعَةِ. (3)
عنه عليه السلام :عَلَيكَ بِالسَّخاءِ فَإِنَّهُ ثَمَرَةُ العَقلِ. (4)
عنه عليه السلام :كَفى بِالمَرءِ عَقلًا أن يُجمِلَ في مَطالِبِهِ. (5)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ العَقلِ مُداراةُ النّاسِ. (6)
عنه عليه السلام :عُنوانُ العَقلِ مُداراةُ النّاسِ. (7)
عنه عليه السلام :لا عَقلَ كَالتَّجاهُلِ. (8)
عنه عليه السلام :العَقلُ حَيثُ كانَ آلِفٌ مَألوفٌ. (9)
عنه عليه السلام :الاِحتِمالُ بُرهانُ العَقلِ وعُنوانُ الفَضلِ. (10)
عنه عليه السلام :ذُو العَقلِ لا يَنكَشِفُ إلّا عَنِ احتِمالٍ وإجمالٍ وإفضالٍ. (11)
عنه عليه السلام :لِكُلِّ شَيءٍ زَكاةٌ ، وزَكاةُ العَقلِ احتِمالُ الجُهّالِ. (12)
.
ص: 259
عنه عليه السلام :مُرُوَّةُ الرَّجُلِ عَلى قَدرِ عَقلِهِ. (1)
عنه عليه السلام :جِهادُ النَّفسِ بِالعِلمِ عُنوانُ العَقلِ. (2)
عنه عليه السلام :إنَّمَا العَقلُ التَّجَنُّبُ مِنَ الإِثمِ ، وَالنَّظَرُ فِي العَواقِبِ ، وَالأَخذُ بِالحَزمِ. (3)
عنه عليه السلام :العَقلُ يوجِبُ الحَذَرَ. (4)
عنه عليه السلام :. . . ومِن عَقلِهِ [أيِ المُؤمِنِ] إنصافُهُ مِن نَفسِهِ ، وتَركُهُ الغَضَبَ عِندَ مُخالَفَتِهِ ، وقَبولُهُ الحَقَّ إذا بانَ لَهُ. (5)
عنه عليه السلام :الحِلمُ نورٌ جَوهَرُهُ العَقلُ. (6)
عنه عليه السلام :مَعَ العَقلِ يَتَوَفَّرُ الحِلمُ. (7)
عنه عليه السلام :بِوُفورِ العَقلِ يَتَوَفَّرُ الحِلمُ. (8)
عنه عليه السلام :العَقلُ أنَّكَ تَقتَصِدُ فَلا تُسرِفُ ، وتَعِدُ فَلا تُخلِفُ ، وإذا غَضِبتَ حَلُمتَ. (9)
عنه عليه السلام :السَّكينَةُ عُنوانُ العَقلِ. (10)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ العَقلِ لُزومُ الحَقِّ. (11)
.
ص: 260
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ العَقلِ الصِّدقُ. (1)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ العَقلِ مَقتُ الدُّنيا وقَمعُ الهَوى. (2)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ العَقلِ الاِستِقامَةُ. (3)
عنه عليه السلام :مَن عَقَلَ سَمَحَ. (4)
عنه عليه السلام :إنَّ أصلَ العَقلِ العَفافُ ، وثَمَرَتَهُ البَراءَةُ مِنَ الآثامِ. (5)
عنه عليه السلام :مَن عَقَلَ فَهِمَ ، مَن عَقَلَ عَفَّ. (6)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: لا تَرضَيَنَّ قَولَ أحَدٍ حَتّى تَرضى فِعلَهُ ، ولا تَرضَ فِعلَهُ حَتّى تَرضى عَقلَهُ ، ولا تَرضَ عَقلَهُ حَتّى تَرضى حَياءَهُ ، فَإِنَّ الإِنسانَ مَطبوعٌ عَلى كَرَمٍ ولُؤمٍ ، فَإِن قَوِيَ الحَياءُ عِندَهُ قَوِيَ الكَرَمُ ، وإن ضَعُفَ الحَياءُ قَوِيَ اللُّؤمُ. (7)
عنه عليه السلام_ أيضا _: إنَّ مِلاكَ العَقلِ ومَكارِمِ الأَخلاقِ : صَونُ العِرضِ ، وَالجَزاءُ بِالفَرضِ ، وَالأَخذُ بِالفَضلِ ، وَالوَفاءُ بِالعَهدِ ، وَالإِنجازُ لِلوَعدِ. (8)
الإمام الحسن عليه السلام :لا أدَبَ لِمَن لا عَقلَ لَهُ. (9)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ العَقلِ _: التَّجَرُّعُ لِلغُصَّةِ حَتّى تُنالَ الفُرصَةُ. (10)
.
ص: 261
الإمام الحسين عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ العَقلِ _: التَّجَرُّعُ لِلغُصَّةِ ومُداهَنَةُ الأَعداءِ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :مُجامَلَةُ النّاسِ ثُلُثُ العَقلِ. (2)
عنه عليه السلام :لا يُعَدُّ العاقِلُ عاقِلًا حَتّى يَستَكمِلَ ثَلاثا : إعطاءَ الحَقِّ مِن نَفسِهِ عَلى حالِ الرِّضا وَالغَضَبِ ، وأن يَرضى لِلنّاسِ ما يَرضى لِنَفسِهِ ، وَاستِعمالَ الحِلمِ عِندَ العَثرَةِ. (3)
عنه عليه السلام :لَم يُقَسَّم بَينَ العِبادِ أقَلُّ مِن خَمسٍ : اليَقينِ ، وَالقُنوعِ ، وَالصَّبرِ ، وَالشُّكرِ ، وَالَّذي يُكَمِّلُ لَهُ هذا كُلَّهُ العَقلُ. (4)
راجع : ص 322 (ما ينبغي للعاقل) و 280 (صفات العقلاء) و 291 (صفات اُولي النُّهى) و 293 (صفات اُولي الألباب) و 359 (مساوئ الأخلاق) .
و _ مَحاسِنُ الأَعمالِالكتاب«أفَمَن يَعْلَمُ أنَّمَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أعْمَى إنَّمَا يَتَذَكَّرُ اُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» . (5)
.
ص: 262
«الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَ_قَ» . (1)
«وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أمَرَ اللَّهُ بِهِ أن يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :جَدَّ المَلائِكَةُ وَاجتَهَدوا في طاعَةِ اللّهِ بِالعَقلِ ، وجَدَّ المُؤمِنونَ مِن بَني آدَمَ وَاجتَهَدوا فِي طاعَةِ اللّهِ عَلى قَدرِ عُقولِهِم ، فَأَعمَلُهُم بِطاعَةِ اللّهِ أوفَرُهُم عَقلًا. (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ لَمّا سُئِلَ عَنِ العَقلِ _: العَمَلُ بِطاعَةِ اللّهِ ، وإنَّ العُمّالَ بِطاعَةِ اللّهِ هُمُ العُقَلاءُ. (4)
تيسير المطالب عن جابر بن عبداللّه :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله تَلا هذِهِ الآيَةَ : «وَ تِلْكَ الْأَمْثَ_لُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا يَعْقِلُهَا إلَا الْعَ__لِمُونَ» قالَ : العالِمُ الَّذي عَقَلَ عَنِ اللّهِ عز و جلفَعَمِلَ بِطاعَتِهِ وَاجتَنَبَ سَخَطَهُ. (5)
حلية الأولياء عن سويد بن غفلة :إنَّ أبا بَكرٍ خَرَجَ ذاتَ يَومٍ فَاستَقبَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : بِمَ بُعِثتَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : بِالعَقلِ . قالَ : فَكَيفَ لَنا بِالعَقلِ؟ فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إنَّ العَقلَ لا غايَةَ لَهُ ، ولكِن مَن أحَلَّ حَلالَ اللّهِ وحَرَّمَ حَرامَهُ سُمِّيَ عاقِلًا ، فَإِنِ اجتَهَدَ بَعدَ ذلِكَ سُمِّيَ عابِدا ، فَإِنِ اجتَهَدَ بَعدَ ذلِكَ سُمِّيَ جَوادا . فَمَنِ
.
ص: 263
اجتَهَدَ فِي العِبادَةِ وسَمَحَ في نَوائِبِ المَعروفِ بِلا حَظٍّ مِن عَقلٍ يَدُلُّهُ عَلَى اتِّباعِ أمرِ اللّهِ عز و جل وَاجتِنابِ ما نَهَى اللّهُ عَنهُ ، فَاُولئِكَ هُمُ الأَخسَرونَ أعمالًا ، الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وهُم يَحسَبونَ أنَّهُم يُحسِنونَ صُنعا. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :العُقولُ أئِمَّةُ الأَفكارِ ، وَالأَفكارُ أئِمَّةُ القُلوبِ ، وَالقُلوبُ أئِمَّةُ الحَواسِّ ، وَالحَواسُّ أئِمَّةُ الأَعضاءِ. (2)
عنه عليه السلام :عَلى قَدرِ العَقلِ تَكونُ الطّاعَةُ. (3)
عنه عليه السلام :مَن كَمُلَ عَقلُهُ حَسُنَ عَمَلُهُ. (4)
عنه عليه السلام :مَن قَدَّمَ عَقلَهُ عَلى هَواهُ حَسُنَت مَساعيهِ. (5)
عنه عليه السلام :مِن عَلاماتِ العَقلِ العَمَلُ بِسُنَّةِ العَدلِ. (6)
عنه عليه السلام :غَريزَةُ العَقلِ تَحدو عَلَى استِعمالِ العَدلِ. (7)
عنه عليه السلام :العَقلُ أن تَقولَ ما تَعرِفُ وتَعمَلَ بِما تَنطِقُ بِهِ. (8)
عنه عليه السلام :مَن قَوَّمَ لِسانَهُ زانَ عَقلَهُ. (9)
عنه عليه السلام :المَعذِرَةُ بُرهانُ العَقلِ. (10)
.
ص: 264
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ العَقلِ صُحبَةُ الأَخيارِ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :أفضَلُ طَبائِعِ العَقلِ العِبادَةُ ، وأوثَقُ الحَديثِ لَهُ العِلمُ ، وأجزَلُ حُظوظِهِ الحِكمَةُ ، وأفضَلُ ذَخائِرِهِ الحَسَناتُ. (2)
راجع : ص 274 (الفعل) و 280 (صفات العقلاء) و 291 (صفات اُولي النّهى) و 293 (صفات اُولي الألباب) .
ز _ وَضعُ الأَشياءِ مَواضِعَهاالإمام عليّ عليه السلام :العاقِلُ مَن وَضَعَ الأَشياءَ مَواضِعَها ، وَالجاهِلُ ضِدُّ ذلِكَ. (3)
نهج البلاغة :أن_َّهُ قيلَ لَهُ : صِف لَنَا العاقِلَ. فَقالَ عليه السلام : هُوَ الَّذي يَضَعُ الشَّيءَ مَواضِعَهُ . فَقيلَ : فَصِف لَنَا الجاهِلَ . فَقالَ : قَد فَعَلتُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :العاقِلُ مَن أحسَنَ صَنائِعَهُ ، ووَضَعَ سَعيَهُ في مَواضِعِهِ. (5)
عنه عليه السلام :لَيسَ عَلَى العاقِلِ اعتِراضُ المَقاديرِ ، إنَّما عَلَيهِ وَضعُ الشَّيءِ في حَقِّهِ. (6)
.
ص: 265
نكتة:وكما يلاحظ فإنّ أحد آثار العقل «وضع الأشياء مواضعها» ، ومن جهة اُخرى ورد هذا المعنى نفسه في تعريف العدل (1) ، والنتيجة التي يمكن استخلاصها من مقارنة هاتين المجموعتين من الأحاديث هي أنّ من جملة آثار العقل رعاية العدل ، وأنّ العاقل يعمل بالعدل ، وهذه النتيجة صرّحت بها أحاديث اُخرى أيضا. (2)
ح _ اِختِيارُ الأَصلَحِالإمام عليّ عليه السلام :العَقلُ يَأمُرُكَ بِالأَنفَعِ ، وَالمُروءَةُ تَأمُرُكَ بِالأَجمَلِ. (3)
عنه عليه السلام :مَن لَم يَعرِفِ الخَيرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ بِمَنزِلَةِ البَهيمَةِ. (4)
عنه عليه السلام :لَيسَ العاقِلُ مَن يَعرِفُ الخَيرَ مِنَ الشَّرِّ ، ولكِنَّ العاقِلَ مَن يَعرِفُ خَيرَ الشَّرَّينِ. (5)
ط _ اِغتِنامُ العُمُرِالإمام عليّ عليه السلام :العاقِلُ مَن لا يُضيعُ لَهُ نَفَسا فيما لا يَنفَعُهُ ، ولا يَقتَني ما لا يَصحَبُهُ. (6)
عنه عليه السلام :لَو صَحَّ العَقلُ لَاغتَنَمَ كُلُّ امرِىً مَهَلَهُ. (7)
راجع : ص 268 (ترك الفضول) .
.
ص: 266
ي _ صَوابُ القَولِالإمام عليّ عليه السلام :مِن دَلائِلِ العَقلِ النُّطقُ بِالصَّوابِ. (1)
عنه عليه السلام :جَميلُ القَولِ دَليلُ وُفورِ العَقلِ. (2)
عنه عليه السلام :يُستَدَلُّ عَلى عَقلِ الرَّجُلِ بِحُسنِ مَقالِهِ ، وعَلى طَهارَةِ أصلِهِ بِجَميلِ أفعالِهِ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :الرِّجالُ ثَلاثَةٌ : عاقِلٌ وأحمَقُ وفاجِرٌ . فَالعاقِلُ إن كُلِّمَ أجابَ ، وإن نَطَقَ أصابَ ، وإن سَمِعَ وَعى . وَالأَحمَقُ إن تَكَلَّمَ عَجِلَ ، وإن حَدَّثَ ذَهَلَ ، وإن حُمِلَ عَلَى القَبيحِ فَعَلَ . وَالفاجِرُ إنِ ائتَمَنتَهُ خانَكَ ، وإن حَدَّثتَهُ شانَكَ. (4)
راجع : ص 275 (الكلام) و 276 (السكوت) و280 (صفات العقلاء) .
ك _ حِفظُ التَّجارِبِالإمام عليّ عليه السلام :العَقلُ حِفظُ التَّجارِبِ ، وخَيرُ ما جَرَّبتَ ما وَعَظَكَ. (5)
عنه عليه السلام :حِفظُ التَّجارِبِ رَأسُ العَقلِ. (6)
الإمام الحسن عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ أبوهُ عليه السلام عَنِ العَقلِ _: حِفظُ قَلبِكَ مَا استَودَعتَهُ. (7)
الإمام عليّ عليه السلام :العاقِلُ مَن وَعَظَتهُ التَّجارِبُ. (8)
راجع: ص 232 (التجربة) .
.
ص: 267
ل _ حُسنُ التَّدبيرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا عَقلَ كَالتَّدبيرِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :أدَلُّ شَيءٍ عَلى غَزارَةِ العَقلِ حُسنُ التَّدبيرِ. (2)
عنه عليه السلام :مِنَ العَقلِ مُجانَبَةُ التَّبذيرِ وحُسنُ التَّدبيرِ. (3)
م _ إصابَةُ الظَّنِّالإمام عليّ عليه السلام :ظَنُّ العاقِلِ كَهانَةٌ. (4)
عنه عليه السلام :الظَّنُّ الصَّوابُ مِن شِيَمِ اُولِي الأَلبابِ. (5)
عنه عليه السلام :ظَنُّ العاقِلِ أصَحُّ مِن يَقينِ الجاهِلِ. (6)
عنه عليه السلام :ظَنُّ ذَوِي النُّهى وَالأَلبابِ أقرَبُ شَيءٍ مِنَ الصَّوابِ. (7)
.
ص: 268
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: العَقلُ الإِصابَةُ بِالظَّنِّ ومَعرِفَةُ ما لَم يَكُن بِما كانَ. (1)
راجع : ص 277 ح 505 و 506 .
ن _ الزُّهدُ فِي الدُّنياالإمام عليّ عليه السلام :حَدُّ العَقلِ الاِنفِصالُ عَنِ الفاني وَالاِتِّصالُ بِالباقي. (2)
عنه عليه السلام :فَضيلَةُ العَقلِ الزَّهادَةُ. (3)
عنه عليه السلام :رَدعُ النَّفسِ عَن زَخارِفِ الدُّنيا ثَمَرَةُ العَقلِ. (4)
عنه عليه السلام :مَن عَقَلَ قَنِعَ. (5)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن زَهِدَ في دُنيا فانِيَةٍ دَنِيَّةٍ ، ورَغِبَ في جَنَّةٍ سَنِيَّةٍ خالِدَةٍ عالِيَةٍ. (6)
راجع : ص 312 (حبّ الدنيا) .
س _ تَركُ الفُضولِالإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ العُقَلاءَ تَرَكوا فُضولَ الدُّنيا فَكَيفَ الذُّنوبُ ! وتَركُ الدُّنيا مِنَ الفَضلِ ، وتَركُ الذُّنوبِ مِنَ الفَرضِ. (7)
الإمام عليّ عليه السلام :إذا قَلَّتِ العُقولُ كَثُرَ الفُضولُ. (8)
.
ص: 269
عنه عليه السلام :مَن أمسَكَ عَنِ الفُضولِ عَدَّلَت رَأيَهُ العُقولُ. (1)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن رَفَضَ الباطِلَ. (2)
راجع: ص 265 (اغتنام العمر) .
ع _ التَّزَوُّدُ لِلآخِرَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ مِن خُطبَةٍ لَهُ يَومَ الجُمُعَةِ _: ألا وإنَّ مِن عَلاماتِ العَقلِ : التَّجافِيَ عَن دارِ الغُرورِ ، وَالإِنابَةَ إلى دارِ الخُلودِ ، وَالتَّزَوُّدَ لِسُكنَى القُبورِ ، وَالتَّأَهُّبَ لِيَومِ النُّشورِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :مِنَ العَقلِ التَّزَوُّدُ لِيَومِ المَعادِ. (4)
عنه عليه السلام :مَن عَمَّرَ دارَ إقامَتِهِ فَهُوَ العاقِلُ. (5)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن هَجَرَ شَهوَتَهُ وباعَ دُنياهُ بِآخِرَتِهِ. (6)
عنه عليه السلام :مَا العاقِلُ إلّا مَن عَقَلَ عَنِ اللّهِ وعَمِلَ لِلدّارِ الآخِرَةِ. (7)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن غَلَبَ هَواهُ ولَم يَبِع آخِرَتَهُ بِدُنياهُ. (8)
عنه عليه السلام :مَن عَقَلَ تَيَقَّظَ مِن غَفلَتِهِ ، وتَأَهَّبَ لِرِحلَتِهِ ، وعَمَرَ دارَ إقامَتِهِ. (9)
.
ص: 270
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ العُقَلاءَ زَهَدوا فِي الدُّنيا ورَغِبوا فِي الآخِرَةِ ، لِأَنَّهُم عَلِموا أنَّ الدُّنيا طالِبَةٌ مَطلوبَةٌ ، وَالآخِرَةَ طالِبَةٌ ومَطلوبَةٌ ، فَمَن طَلَبَ الآخِرَةَ طَلَبَتهُ الدُّنيا حَتّى يَستَوفِيَ مِنها رِزقَهُ ، ومَن طَلَبَ الدُّنيا طَلَبَتهُ الآخِرَةُ ، فَيَأتيهِ المَوتُ فَيُفسِدُ عَلَيهِ دُنياهُ وآخِرَتَهُ. (1)
عنه عليه السلام :إنَّ العاقِلَ نَظَرَ إلَى الدُّنيا وإلى أهلِها فَعَلِمَ أنَّها لا تُنالُ إلّا بِالمَشَقَّةِ ، ونَظَرَ إلَى الآخِرَةِ فَعَلِمَ أنَّها لا تُنالُ إلّا بِالمَشَقَّةِ ، فَطَلَبَ بِالمَشَقَّةِ أبقاهُما. (2)
عدّة الداعي عن سويد بن غفلة :دَخَلتُ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام بَعدَما بويِعَ بِالخِلافَةِ وهُوَ جالِسٌ عَلى حَصيرٍ صَغيرٍ لَيسَ فِي البَيتِ غَيرُهُ ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، بِيَدِكَ بَيتُ المالِ ولَستُ أرى في بَيتِكَ شَيئا مِمّا يَحتاجُ إلَيهِ البَيتُ ! فَقالَ عليه السلام : يَابنَ غَفَلَةَ ، إنَّ اللَّبيبَ (3) لا يَتَأَثَّثُ في دارِ النُّقلَةِ ، ولَنا دارُ أمنٍ قَد نَقَلنا إلَيها خَيرَ مَتاعِنا ، وإنّا عَن قَليلٍ إلَيها صائِرونَ. (4)
راجع: ص 268 (الزهد في الدنيا) .
ف _ النَّجاةرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَا استَودَعَ اللّهُ امرَأً عَقلًا إلَا استَنقَذَهُ بِهِ يَوما. (5)
التّاريخ الكبير :أتى قُرَّةُ بنُ هُبَيرَةَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : إنَّهُ كانَت لَنا أربابٌ تُعبَدُ مِن دونِ اللّهِ ، فَبَعَثَكَ اللّهُ ، فَدَعَوناهُنَّ فَلَم يُجِبنَ وسَأَلناهُنَّ فَلَم يُعطينَ ، وجِئناكَ فَهَدانَا اللّهُ .
.
ص: 271
وقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قَد أفلَحَ مَن رُزِقَ لُبًّا . قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، اُكسُني ثَوبَينِ مِن ثِيابِكَ قَد لَبِستَهُما ، فَكَساهُ . فَلَمّا كانَ بِالمَوقِفِ في عَرَفاتٍ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أعِد عَلَيَّ مَقالَتَكَ ، فَأَعادَ عَلَيهِ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أفلَحَ مَن رُزِقَ لُبًّا. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :العَقلُ يَهدي ويُنجي ، وَالجَهلُ يُغوي ويُردي. (2)
عنه عليه السلام :زِيادَةُ العَقلِ تُنجي. (3)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ العَقلِ العَمَلُ لِلنَّجاةِ. (4)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: إذا خُلِّيَ عِنانُ العَقلِ ولَم يُحبَس عَلى هَوى نَفسٍ أو عادَةِ دينٍ أو عَصَبِيَّةٍ لِسَلَفٍ ، وَرَدَ بِصاحِبِهِ عَلَى النَّجاةِ. (5)
عنه عليه السلام :رَأيُ العاقِلِ يُنجي. (6)
عنه عليه السلام :أصلُ العَقلِ الفِكرُ ، وثَمَرَتُهُ السَّلامَةُ. (7)
ص _ الخَتمُ بِالجَنَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصِيَّتِهِ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: العَقلُ مَا اكتُسِبَت بِهِ الجَنَّةُ ، وطُلِبَ بِهِ رِضَا الرَّحمنِ. (8)
.
ص: 272
عنه صلى الله عليه و آله :كَم مِن عاقِلٍ عَقَلَ عَنِ اللّهِ أمرَهُ وهُوَ حَقيرٌ عِندَ النّاسِ ذَميمُ المَنظَرِ يَنجو غَدا ! وكَم مِن ظَريفِ اللِّسانِ جَميلِ المَنظَرِ عِندَ النّاسِ يَهلِكُ غَدا فِي القِيامَةِ ! (1)
ربيع الأبرار عن أنس :قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، الرَّجُلُ يَكونُ حَسَنَ العَقلِ كَثيرَ الذُّنوبِ ؟ قالَ : ما مِن آدَمِيٍّ إلّا ولَهُ ذُنوبٌ وخَطايا يَقتَرِفُها ، فَمَن كانَت سَجِيَّتُهُ العَقلَ وغَريزَتُهُ اليَقينَ لَم تَضُرَّهُ ذُنوبُهُ . قيلَ : كَيفَ ذلِكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : لِأَنَّهُ كُلَّما أخطَأَ لَم يَلبَث أن تَدارَكَ ذلِكَ بِتَوبَةٍ ونَدامَةٍ عَلى ما كانَ مِنهُ ، فَيَمحو ذُنوبَهُ ، ويَبقى لَهُ فَضلٌ يَدخُلُ بِهِ الجَنَّةَ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :لَقَد سَبَقَ إلى جَنّاتِ عَدنٍ أقوامٌ ما كانوا أكثَرَ النّاسِ لا صَوما ولا صَلاةً ولا حَجًّا ولَا اعتِمارا ، ولكِنَّهُم عَقَلوا عَنِ اللّهِ مَواعِظَهُ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن كانَ عاقِلًا خُتِمَ لَهُ بِالجَنَّةِ إن شاءَ اللّهُ. (4)
الكافي عن محمّد بن عبد الجبّار عن بعض أصحابنا رفعه إلى الإمام الصّادق عليه السلام ، قال :قُلتُ لَهُ: مَا العَقلُ ؟ قالَ : ما عُبِدَ بِهِ الرَّحمنُ وَاكتُسِبَ بِهِ الجِنانُ . قالَ: قُلتُ : فَالَّذي كانَ في مُعاوِيَةَ ؟
.
ص: 273
فَقالَ : تِلكَ النَّكراءُ ، تِلكَ الشَّيطَنَةُ ، وهِيَ شَبيهَةٌ بِالعَقلِ ولَيسَت بِالعَقلِ. (1)
ق _ صَلاحُ كُلِّ أمرٍالإمام عليّ عليه السلام :بِالعَقلِ صَلاحُ كُلِّ أمرٍ. (2)
عنه عليه السلام :العَقلُ مُصلِحُ كُلِّ أمرٍ. (3)
ر _ خَيرُ الدُّنيا وَالآخِرَةِالإمام عليّ عليه السلام :العَقلُ يَنبوعُ الخَيرِ. (4)
عنه عليه السلام :بِالعَقلِ تُنالُ الخَيراتُ. (5)
عنه عليه السلام :كُلُّ نَجدَةٍ تَحتاجُ إلَى العَقلِ. (6)
عنه عليه السلام :العَقلُ مَنفَعَةٌ ، وَالعِلمُ مَرفَعَةٌ ، وَالصَّبرُ مَدفَعَةٌ. (7)
عنه عليه السلام :اِعقِل تُدرِك. (8)
الإمام الحسن عليه السلام :بِالعَقلِ تُدرَكُ الدّارانِ جَميعا ، ومَن حُرِمَ مِنَ العَقلِ حُرِمَهُما جَميعا. (9)
الإمام زين العابدين عليه السلام :العَقلُ قائِدُ الخَيرِ. (10)
.
ص: 274
الكافي عن عبد اللّه بن عجلان السّكونيّ :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : إنّي رُبَّما قَسَمتُ الشَّيءَ بَينَ أصحابي أصِلُهُم بِهِ ، فَكَيفَ اُعطيهِم ؟ فَقالَ : أعطِهِم عَلَى الهِجرَةِ فِي الدّينِ وَالعَقلِ وَالفِقهِ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أوَّلَ الاُمورِ ومَبدَأَها وقُوَّتَها وعِمارَتَهَا الَّتي لا يُنتَفَعُ شَيءٌ إلّا بِهِ : العَقلُ الَّذي جَعَلَهُ اللّهُ زينَةً لِخَلقِهِ ونورا لَهُم. (2)
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، مَن أرادَ الغِنى بِلا مالٍ ، وراحَةَ القَلبِ مِنَ الحَسَدِ، وَالسَّلامَةَ فِيالدّينِ، فَليَتَضَرَّع إلَى اللّهِ عز و جل في مَسأَلَتِهِ بِأَن يُكَمِّلَ عَقلَهُ ، فَمَن عَقَلَ قَنِعَ بِما يَكفيهِ ، ومَن قَنِعَ بِما يَكفيهِ استَغنى. (3)
5 / 3ما يُختَبَرُ بِهِ العَقلُأ _ الفِعلالإمام عليّ عليه السلام :كَيفِيَّةُ الفِعلِ تَدُلُّ عَلى كَمِّيَّةِ العَقلِ ، فَأَحسِن لَهُ الاِختِيارَ وأكثِر عَلَيهِ الاِستِظهارَ. (4)
عنه عليه السلام :كُن حَسَنَ المَقالِ ، جَميلَ الأَفعالِ ؛ فَإِنَّ مَقالَ الرَّجُلِ بُرهانُ فَضلِهِ ، وفِعالَهُ عُنوانُ عَقلِهِ. (5)
.
ص: 275
عنه عليه السلام :مَن أحسَنَ أفعالَهُ أعرَبَ عَن وُفورِ عَقلِهِ. (1)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن صَدَّقَ أقوالَهُ أفعالُهُ. (2)
راجع : ص 261 (محاسن الأعمال) و 279 (جوامع ما يختبر به العقل) .
ب _ الكَلامالإمام عليّ عليه السلام :كَلامُ الرَّجُلِ ميزانُ عَقلِهِ. (3)
عنه عليه السلام :عِندَ بَديهَةِ المَقالِ تُختَبَرُ عُقولُ الرِّجالِ. (4)
عنه عليه السلام :يُنبِئُ عَن عَقلِ كُلِّ امرِىً ما يَنطِقُ بِهِ لِسانُهُ. (5)
عنه عليه السلام :يُنبِئُ عَن عَقلِ كُلِّ امرِىً لِسانُهُ ، ويَدُلُّ عَلى فَضلِهِ بَيانُهُ. (6)
عنه عليه السلام :اللِّسانُ مِعيارٌ أرجَحَهُ العَقلُ وأطاشَهُ الجَهلُ. (7)
عنه عليه السلام :إيّاكَ وَالكَلامَ فيما لا تَعرِفُ طَريقَتَهُ ولا تَعلَمُ حَقيقَتَهُ ؛ فَإِنَّ قَولَكَ يَدُلُّ عَلى عَقلِكَ ، وعِبارَتَكَ تُنبِئُ عَن مَعرِفَتِكَ. (8)
عنه عليه السلام :يُستَدَلُّ عَلى عَقلِ كُلِّ امرِىً بِما يَجري عَلى لِسانِهِ. (9)
.
ص: 276
عنه عليه السلام :دَليلُ عَقلِ الرَّجُلِ قَولُهُ ، دَليلُ أصلِ المَرءِ فِعلُهُ. (1)
عنه عليه السلام :مَن أطلَقَ لِسانَهُ أبانَ عَن سُخفِهِ (2) . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أوحَى اللّهُ لِموسى عليه السلام : لا تَكونَنَّ مِكثارا بِالمَنطِقِ مِهذارا (4) ؛ إنَّ كَثرَةَ المَنطِقِ تَشينُ العُلَماءَ ، وتُبدي مَساوِئَ السُّخَفاءِ ، ولكِن عَلَيكَ بِذِي اقتِصادٍ ، فَإِنَّ ذلِكَ مِنَ التَّوفيقِ وَالسَّدادِ. (5)
راجع : ص 266 (صواب القول) و 280 ح 523 و 296 ح 640 .
ج _ السُّكوتالإمام عليّ عليه السلام :الصَّمتُ آيَةُ النُّبلِ وثَمَرَةُ العَقلِ. (6)
عنه عليه السلام :مَن عَقَلَ صَمَتَ. (7)
عنه عليه السلام :مَن أمسَكَ عَن فُضولِ المَقالِ شَهِدَت بِعَقلِهِ الرِّجالُ. (8)
عنه عليه السلام :مِن عَقلِ الرَّجُلِ أن لا يَتَكَلَّمَ بِجَميعِ ما أحاطَ بِهِ عِلمُهُ. (9)
.
ص: 277
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن عَقَلَ لِسانَهُ إلّا عَن ذِكرِ اللّهِ. (1)
عنه عليه السلام :العاقِلُ لا يَتَكَلَّمُ إلّا بِحاجَتِهِ أو حُجَّتِهِ. (2)
راجع : ص 266 (صواب القول) و 283 ح 544 و 296 ح 640 .
د _ الرَّأيالإمام عليّ عليه السلام :رَأيُ الرَّجُلِ ميزانُ عَقلِهِ. (3)
عنه عليه السلام :ظَنُّ الإِنسانِ ميزانُ عَقلِهِ ، وفِعلُهُ أصدَقُ شاهِدٍ عَلى أصلِهِ. (4)
عنه عليه السلام :ظَنُّ الرَّجُلِ عَلى قَدرِ عَقلِهِ. (5)
عنه عليه السلام :إنَّ العاقِلَ مِن عَقلِهِ في إرشادٍ ، ومِن رَأيِهِ فِي ازدِيادٍ ، فَلِذلِكَ رَأيُهُ سَديدٌ وفِعلُهُ حَميدٌ. (6)
راجع : ص 267 (إصابة الظنّ) و 280 ح 523 .
ه _ الرَّسولالإمام عليّ عليه السلام :رَسولُكَ تَرجُمانُ عَقلِكَ ، وكِتابُكَ أبلَغُ ما يَنطِقُ عَنكَ. (7)
.
ص: 278
عنه عليه السلام :رَسولُكَ تَرجُمانُ عَقلِكَ ، وَاحتِمالُكَ دَليلُ حِلمِكَ. (1)
عنه عليه السلام :بِعَقلِ الرَّسولِ وأدَبِهِ يُستَدَلُّ عَلى عَقلِ المُرسِلِ. (2)
راجع: ص 279 ح 516 وص 280 ح 522 .
و _ الكِتابالإمام عليّ عليه السلام :كِتابُ الرَّجُلِ عُنوانُ عَقلِهِ وبُرهانُ فَضلِهِ. (3)
عنه عليه السلام :إذا كَتَبتَ كِتابا فَأَعِد فيهِ النَّظَرَ قَبلَ خَتمِهِ ، فَإِنَّما تَختِمُ عَلى عَقلِكَ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :يُستَدَلُّ بِكِتابِ الرَّجُلِ عَلى عَقلِهِ ومَوضِعِ بَصيرَتِهِ ، وبِرَسولِهِ عَلى فَهمِهِ وفِطنَتِهِ. (5)
راجع: ص 279 ح 516 وص 280 ح 522 .
ز _ التَّصديقُ وَالإِنكارالإمام الصادق عليه السلام :إذا أرَدتَ أن تَختَبِرَ عَقلَ الرَّجُلِ في مَجلِسٍ واحِدٍ فَحَدِّثهُ في خِلالِ حَديثِكَ بِما لا يَكونُ ، فَإِن أنكَرَهُ فَهُوَ عاقِلٌ ، وإن صَدَّقَهُ فَهُوَ أحمَقُ. (6)
ح _ الخَليلالإمام عليّ عليه السلام :خَليلُ المَرءِ دَليلٌ عَلى عَقلِهِ ، وكَلامُهُ بُرهانُ فَضلِهِ. (7)
راجع: ص 279 ح 518 .
.
ص: 279
5 / 4جَوامِعُ ما يُختَبَرُ بِهِ العَقلُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :سَبعَةُ أشياءَ تَدُلُّ عَلى عُقولِ أصحابِها : المالُ يَكشِفُ عَن مِقدارِ عَقلِ صاحِبِهِ ، وَالحاجَةُ تَدُلُّ عَلى عَقلِ صاحِبِها ، وَالمُصيبَةُ تَدُلُّ عَلى عَقلِ صاحِبِها إذا نَزَلَت بِهِ ، وَالغَضَبُ يَدُلُّ عَلى عَقلِ صاحِبِهِ ، وَالكِتابُ يَدُلُّ عَلى عَقلِ صاحِبِهِ ، وَالرَّسولُ يَدُلُّ عَلى عَقلِ مَن أرسَلَهُ ، وَالهَدِيَّةُ تَدُلُّ عَلى مِقدارِ عَقلِ مُهديها. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :اِعتَبِروا عَقلَ الرَّجُلِ في ثَلاثٍ : في طولِ لِحيَتِهِ ، وكُنيَتِهِ ، ونَقشِ فَصِّ خاتَمِهِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :سِتَّةٌ تُختَبَرُ بِها عُقولُ الرِّجالِ : المُصاحَبَةُ ، وَالمُعامَلَةُ ، وَالوَلايَةُ ، وَالعَزلُ ، وَالغِنى ، وَالفَقرُ. (3)
عنه عليه السلام :سِتَّةٌ تُختَبَرُ بِها عُقولُ النّاسِ : الحِلمُ عِندَ الغَضَبِ ، وَالصَّبرُ عِندَ الرَّهَبِ ، وَالقَصدُ عِندَ الرَّغبِ ، وتَقوَى اللّهِ في كُلِّ حالٍ ، وحُسنُ المُداراةِ ، وقِلَّةُ المُماراةِ. (4)
عنه عليه السلام :ثَلاثٌ يُمتَحَنُ بِها عُقولُ الرِّجالِ ، هُنَّ : المالُ ، وَالوَلايَةُ ، وَالمُصيبَةُ. (5)
عنه عليه السلام :المَرءُ يَتَغَيَّرُ في ثَلاثٍ : القُربِ مِنَ المُلوكِ ، وَالوَلاياتِ ، وَالغَناءِ مِنَ الفَقرِ . فَمَن لَم يَتَغَيَّر في هذِهِ فَهُوَ ذو عَقلٍ قَويمٍ وخُلُقٍ مُستَقيمٍ. (6)
.
ص: 280
عنه عليه السلام :ثَلاثَةٌ تَدُلُّ عَلى عُقولِ أربابِها : الرَّسولُ ، وَالكِتابُ ، وَالهَدِيَّةُ. (1)
عنه عليه السلام :إنَّ مِن عَلامَةِ العاقِلِ أن يَكونَ فيهِ ثَلاثُ خِصالٍ : يُجيبُ إذا سُئِلَ ، ويَنطِقُ إذا عَجَزَ القَومُ عَنِ الكَلامِ ، ويُشيرُ بِالرَّأيِ الَّذي يَكونُ فيهِ صَلاحُ أهلِهِ ، فَمَن لَم يَكُن فيهِ مِن هذِهِ الخِصالِ الثَّلاثِ شَيءٌ فَهُوَ أحمَقُ. (2)
عنه عليه السلام :يُستَدَلُّ عَلى عَقلِ الرَّجُلِ بِكَثرَةِ وَقارِهِ وحُسنِ احتِمالِهِ ، وعَلى كَرَمِ أصلِهِ بِحُسنِ أفعالِهِ. (3)
عنه عليه السلام :عِندَ غُرورِ الأَطماعِ وَالآمالِ تَنخَدِعُ عُقولُ الجُهّالِ ، وتُختَبَرُ ألبابُ الرِّجالِ. (4)
عنه عليه السلام :رَزانَةُ العَقلِ تُختَبَرُ فِي الرِّضا وَالحُزنِ. (5)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: العَقلُ يَظهَرُ بِالمُعامَلَةِ ، وشِيَمُ الرِّجالِ تُعرَفُ بِالوَلايَةِ. (6)
5 / 5صِفاتُ العُقَلاءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :صِفَةُ العاقِلِ أن يَحلُمَ عَمَّن جَهِلَ عَلَيهِ ، ويَتَجاوَزَ عَمَّن ظَلَمَهُ ، ويَتَواضَعَ لِمَن هُوَ دونَهُ ، ويُسابِقَ مَن فَوقَهُ في طَلَبِ البِرِّ ، وإذا أرادَ أن يَتَكَلَّمَ تَدَبَّرَ فَإِن كانَ
.
ص: 281
خَيرا تَكَلَّمَ فَغَنِمَ ، وإن كانَ شَرًّا سَكَتَ فَسَلِمَ ، وإذا عَرَضَت لَهُ فِتنَةٌ استَعصَمَ بِاللّهِ وأمسَكَ يَدَهُ ولِسانَهُ ، وإذا رَأى فَضيلَةً انتَهَزَ بِها ، لا يُفارِقُهُ الحَياءُ ، ولا يَبدو مِنهُ الحِرصُ ، فَتِلكَ عَشرُ خِصالٍ يُعرَفُ بِهَا العاقِلُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ في بَيانِ ما يَتَشَعَّبُ مِنَ العَقلِ _: أمَّا الرَّزانَةُ فَيَتَشَعَّبُ مِنهَا: اللُّطفُ وَالحَزمُ ، وأداءُ الأَمانَةِ وتَركُ الخِيانَةِ ، وصِدقُ اللِّسانِ ، وتَحصينُ الفَرجِ ، وَاستِصلاحُ المالِ ، وَالاِستِعدادُ لِلعَدُوِّ ، وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ ، وتَركُ السَّفَهِ ، فَهذا ما أصابَ العاقِلُ بِالرَّزانَةِ . فَطوبى لِمَن تَوَقَّرَ ، ولِمَن لَم تَكُن لَهُ خِفَّةٌ ولا جاهِلِيَّةٌ ، وعَفا وصَفَحَ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّمَا العاقِلُ مَن عَقَلَ عَنِ اللّهِ أمرَهُ ونَهيَهُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :العاقِلُ يَستَريحُ في وَحدَتِهِ إلى عَقلِهِ ، وَالجاهِلُ يَتَوَحَّشُ مِن نَفسِهِ ؛ لِأَنَّ صَديقَ كُلِّ إنسانٍ عَقلُهُ ، وعَدُوَّهُ جَهلُهُ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :العاقِلُ لا يَكشِفُ إلّا عَن فَضلٍ وإن كانَ عَيِيًّا مَهينا عِندَ النّاسِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :العاقِلُ كَثيرُ الوَجَلِ ، قَليلُ الأَماني وَالأَمَلِ. (6)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: العاقِلُ إذا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أتبَعَها حِكمَةً
.
ص: 282
ومَثَلًا ، وَالأَحمَقُ إذا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أتبَعَها حَلِفا. (1)
عنه عليه السلام_ أيضا _: العاقِلُ يُنافِسُ الصّالِحينَ لِيَلحَقَ بِهِم ، ويُحِبُّهُم لِيُشارِكَهُم بِمَحَبَّتِهِ وإن قَصَّرَ عَن مِثلِ عَمَلِهِم. (2)
عنه عليه السلام_ أيضا _: العاقِلُ بِخُشونَةِ العَيشِ مَعَ العُقَلاءِ آنَسُ مِنهُ بِلينِ العَيشِ مَعَ السُّفَهاءِ. (3)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَنِ اتَّعَظَ بِغَيرِهِ. (4)
عنه عليه السلام :العاقِلُ يَطلُبُ الكَمالَ ، الجاهِلُ يَطلُبُ المالَ. (5)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن وَقَفَ حَيثُ عَرَفَ. (6)
عنه عليه السلام :العاقِلُ إذا عَلِمَ عَمِلَ ، وإذا عَمِلَ أخلَصَ ، وإذا أخلَصَ اعتَزَلَ. (7)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَنِ اتَّهَمَ رَأيَهُ ولَم يَثِق بِكُلِّ ما تُسَوِّلُ لَهُ نَفسُهُ. (8)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن يَملِكُ نَفسَهُ إذا غَضِبَ وإذا رَغِبَ وإذا رَهِبَ. (9)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن صانَ لِسانَهُ عَنِ الغيبَةِ. (10)
.
ص: 283
عنه عليه السلام :العاقِلُ إذا سَكَتَ فَكَرَ ، وإذا نَطَقَ ذَكَرَ ، وإذا نَظَرَ اعتَبَرَ. (1)
عنه عليه السلام :العاقِلُ عَدُوُّ لَذَّتِهِ ، الجاهِلُ عَبدُ شَهوَتِهِ. (2)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن أماتَ شَهوَتَهُ. (3)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن غَلَبَ نَوازِعَ أهوِيَتِهِ. (4)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن قَمَعَ هَواهُ بِعَقلِهِ. (5)
عنه عليه السلام :العاقِلُ يَعتَمِدُ عَلى عَمَلِهِ ، الجاهِلُ يَعتَمِدُ عَلى أمَلِهِ. (6)
عنه عليه السلام :العاقِلُ يَألَفُ مِثلَهُ ، الجاهِلُ يَميلُ إلى شِكلِهِ. (7)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن يَزهَدُ فيما يَرغَبُ فيهِ الجاهِلُ. (8)
عنه عليه السلام :العاقِلُ لا يَفرُطُ بِهِ عُنفٌ ، ولا يَقعُدُ بِهِ ضَعفٌ. (9)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن أحرَزَ أمرَهُ. (10)
عنه عليه السلام :العاقِلُ يَجتَهِدُ في عَمَلِهِ ويُقَصِّرُ مِن أمَلِهِ. (11)
عنه عليه السلام :العاقِلُ يَتَقاضى نَفسَهُ بِما يَجِبُ عَلَيهِ ، ولا يَتَقاضى لِنَفسِهِ بِما يَجِبُ لَهُ. (12)
.
ص: 284
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن تَغَمَّدَ الذُّنوبَ بِالغُفرانِ. (1)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن سَلَّمَ إلَى القَضاءِ وعَمِلَ بِالحَزمِ. (2)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن بَذَلَ نَداهُ. (3)
عنه عليه السلام :العاقِلُ يَضَعُ نَفسَهُ فَيَرتَفِعُ. (4)
عنه عليه السلام :إنَّ العاقِلَ يَتَّعِظُ بِالآدابِ ، وَالبَهائِمَ لا تَتَّعِظُ إلّا بِالضَّربِ. (5)
عنه عليه السلام :إنَّ العاقِلَ مَن نَظَرَ في يَومِهِ لِغَدِهِ ، وسَعى في فَكاكِ نَفسِهِ ، وعَمِلَ لِما لابُدَّ لَهُ مِنهُ ولا مَحيصَ لَهُ عَنهُ. (6)
عنه عليه السلام :إنَّ العاقِلَ لا يَنخَدِعُ لِلطَّمَعِ. (7)
عنه عليه السلام :كُلُّ عاقِلٍ مَحزونٌ. (8)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَهمومٌ مَغمومٌ. (9)
عنه عليه السلام :كُلُّ عاقِلٍ مَغمومٌ. (10)
عنه عليه السلام :لِلعاقِلِ في كُلِّ عَمَلٍ إحسانٌ ، لِلجاهِلِ في كُلِّ حالَةٍ خُسرانٌ. (11)
.
ص: 285
عنه عليه السلام :رَدعُ الهَوى شيمَةُ العُقَلاءِ. (1)
عنه عليه السلام :شيمَةُ العُقَلاءِ قِلَّةُ الشَّهوَةِ وقِلَّةُ الغَفلَةِ. (2)
عنه عليه السلام :ثَروَةُ العاقِلِ في عِلمِهِ وعَمَلِهِ ، ثَروَةُ الجاهِلِ في مالِهِ وأمَلِهِ. (3)
عنه عليه السلام :ضالَّةُ العاقِلِ الحِكمَةُ ، فَهُوَ أحَقُّ بِها حَيثُ كانَت. (4)
عنه عليه السلام :رَغبَةُ العاقِلِ فِي الحِكمَةِ ، وهِمَّةُ الجاهِلِ فِي الحَماقَةِ. (5)
عنه عليه السلام :غِنَى العاقِلِ بِحِكمَتِهِ ، وعِزُّهُ بِقَناعَتِهِ. (6)
عنه عليه السلام :غِنَى العاقِلِ بِعِلمِهِ. (7)
عنه عليه السلام :صَدرُ العاقِلِ صُندوقُ سِرِّهِ. (8)
عنه عليه السلام :لِسانُ العاقِلِ وَراءَ قَلبِهِ ، وقَلبُ الأَحمَقِ وَراءَ لِسانِهِ. (9)
عنه عليه السلام :قَلبُ الأَحمَقِ في فيهِ ، ولِسانُ العاقِلِ في قَلبِهِ. (10)
عنه عليه السلام :كَلامُ العاقِلِ قوتٌ ، وجَوابُ الجاهِلِ سُكوتٌ. (11)
.
ص: 286
عنه عليه السلام :غَضَبُ الجاهِلِ في قَولِهِ ، وغَضَبُ العاقِلِ في فِعلِهِ. (1)
عنه عليه السلام :قَطيعَةُ العاقِلِ لَكَ بَعدَ نَفاذِ الحيلَةِ فيكَ. (2)
عنه عليه السلام :مُرُوَّةُ العاقِلِ دينُهُ ، وحَسَبُهُ أدَبُهُ. (3)
عنه عليه السلام :سُلطانُ العاقِلِ يَنشُرُ مَناقِبَهُ. (4)
عنه عليه السلام :لا يَحلُمُ عَنِ السَّفيهِ إلَا العاقِلُ. (5)
عنه عليه السلام :نِصفُ العاقِلِ احتِمالٌ ، ونِصفُهُ تَغافُلٌ. (6)
عنه عليه السلام :اِحتَمِل ما يَمُرُّ عَلَيكَ ، فَإِنَّ الاِحتِمالَ سِترُ العُيوبِ ، وإنَّ العاقِلَ نِصفُهُ احتِمالٌ ونِصفُهُ تَغافُلٌ. (7)
عنه عليه السلام :ما حَقَّرَ نَفسَهُ إلّا عاقِلٌ ، ما نَقَّصَ نَفسَهُ إلّا كامِلٌ ، ما اُعجِبَ بِرَأيِهِ إلّا جاهِلٌ. (8)
عنه عليه السلام :لا تُعاتِبِ الجاهِلَ فَيَمقُتَكَ ، وعاتِبِ العاقِلَ يُحبِبكَ. (9)
عنه عليه السلام :كُن بِعَدُوِّكَ العاقِلِ أوثَقَ مِنكَ بِصَديقِكَ الجاهِلِ. (10)
عنه عليه السلام :عَداوَةُ العاقِلِ خَيرٌ مِن صَداقَةِ الجاهِلِ. (11)
.
ص: 287
عنه عليه السلام :أدرَكُ النّاسِ لِحاجَتِهِ ذُو العَقلِ المُتَرَفِّقُ. (1)
عنه عليه السلام :عَلَيكَ بِالصَّبرِ ، فَبِهِ يَأخُذُ العاقِلُ وإلَيهِ يَرجِعُ الجاهِلُ. (2)
عنه عليه السلام :تَلويحُ زَلَّةِ العاقِلِ لَهُ مِن أمَضِّ عِتابِهِ. (3)
عنه عليه السلام :إذا لَوَّحتَ لِلعاقِلِ فَقَد أوجَعتَهُ عِتابا. (4)
عنه عليه السلام :عُقوبَةُ العُقَلاءِ التَّلويحُ. (5)
عنه عليه السلام :التَّعريضُ لِلعاقِلِ أشَدُّ عِتابِهِ. (6)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: مِن صِفَةِ العاقِلِ أن لا يَتَحَدَّثَ بِما يُستَطاعُ تَكذيبُهُ فيهِ. (7)
عنه عليه السلام :كَلُّ الدُّنيا عَلَى العاقِلِ ، وَالأَحمَقُ خَفيفُ الظَّهرِ. (8)
عنه عليه السلام :الرِّجالُ ثَلاثَةٌ : عاقِلٌ وأحمَقُ وفاجِرٌ . فَالعاقِلُ الدّينُ شَريعَتُهُ ، وَالحِلمُ طَبيعَتُهُ ، وَالرَّأيُ سَجِيَّتُهُ ، إن سُئِلَ أجابَ ، وإن تَكَلَّمَ أصابَ ، وإن سَمِعَ وَعى ، وإن حَدَّثَ صَدَقَ ، وإنِ اطمَأَنَّ إلَيهِ أحَدٌ وَفى . وَالأَحمَقُ إنِ استُنبِهَ بِجَميلٍ غَفَلَ ، وإنِ استُنزِلَ عَن حَسَنٍ نَزَلَ ، وإن حُمِلَ عَلى جَهلٍ جَهِلَ ، وإن حَدَّثَ كَذَبَ ، لا يَفقَهُ ، وإن فُقِّهَ لا يَتَفَقَّهُ . وَالفاجِرُ إنِ ائتَمَنتَهُ خانَكَ ، وإن صاحَبتَهُ شانَكَ وإن وَثِقتَ بِهِ لَم يَنصَحكَ. (9)
.
ص: 288
الإمام الحسن عليه السلام :لا يَغُشُّ العاقِلُ مَنِ استَنصَحَهُ. (1)
عنه عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ، أنَا اُخبِرُكُم عَن أخٍ لي كانَ مِن أعظَمِ النّاسِ في عَيني ، وكانَ رَأسُ ما عَظُمَ بِهِ في عَيني صِغَرَ الدُّنيا في عَينِهِ . . . كانَ خارِجا مِن سُلطانِ الجَهالَةِ ، فَلا يَمُدُّ يَدَهُ إلّا عَلى ثِقَةٍ لِمَنفَعَةٍ. (2)
الإمام الحسين عليه السلام :إذا وَرَدَت عَلَى العاقِلِ مُلِمَّةٌ قَمَعَ الحُزنَ بِالحَزمِ ، وقَرَعَ العَقلَ لِلاِحتِيالِ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :العاقِلُ غَفورٌ ، وَالجاهِلُ خَتورٌ. (4)
عنه عليه السلام :صاحِبُ الفِقهِ وَالعَقلِ ذو كَآبَةٍ وحُزنٍ وسَهَرٍ. (5)
عنه عليه السلام :لا يُلسَعُ العاقِلُ مِن جُحرٍ مَرَّتَينِ. (6)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: العاقِلُ مَن كانَ ذَلولًا عِندَ إجابَةِ الحَقِّ ، مُنصِفا بِقَولِهِ ، جَموحا عِندَ الباطِلِ ، خَصيما بِقَولِهِ ، يَترُكُ دُنياهُ ولا يَترُكُ دينَهُ. (7)
الإمام الصّادق عليه السلام :العاقِلُ لا يَستَخِفُّ بِأَحَدٍ. (8)
.
ص: 289
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: ... العاقِلُ لا يُحَدِّثُ بِما يُنكِرُهُ العُقولُ ، ولا يَتَعَرَّضُ لِلتُّهمَةِ ، ولا يَدَعُ مُداراةَ مَنِ ابتُلِيَ بِهِ. (1)
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، إنَّ العاقِلَ رَضِيَ بِالدّونِ مِنَ الدُّنيا مَعَ الحِكمَةِ ولَم يَرضَ بِالدّونِ مِنَ الحِكمَةِ مَعَ الدُّنيا ، فَلِذلِكَ رَبِحَت تِجارَتُهُم . يا هِشامُ ، إنَّ العُقَلاءَ تَرَكوا فُضولَ الدُّنيا فَكَيفَ الذُّنوبُ ! وتَركُ الدُّنيا مِنَ الفَضلِ ، وتَركُ الذُّنوبِ مِنَ الفَرضِ . . . . يا هِشامُ ، إنَّ العاقِلَ لا يَكذِبُ وإن كانَ فيهِ هَواهُ . . . . يا هِشامُ ، إنَّ العاقِلَ لا يُحَدِّثُ مَن يَخافُ تَكذيبَهُ ولا يَسأَلُ مَن يَخافُ مَنعَهُ ، ولا يَعِدُ ما لا يَقدِرُ عَلَيهِ ، ولا يَرجو ما يُعَنَّفُ بِرَجائِهِ ، ولا يُقدِمُ عَلى ما يَخافُ فَوتَهُ بِالعَجزِ عَنهُ. (2)
عنه عليه السلام_ أيضا _: يا هِشامُ ، لِكُلِّ شَيءٍ دَليلٌ ، ودَليلُ العاقِلِ التَّفَكُّرُ ، ودَليلُ التَّفَكُّرِ الصَّمتُ . ولِكُلِّ شَيءٍ مَطِيَّةٌ ، ومَطِيَّةُ العاقِلِ التَّواضُعُ ، وكَفى بِكَ جَهلًا أن تَركَبَ ما نُهيتَ عَنهُ . يا هِشامُ ، لَو كانَ في يَدِكَ جَوزَةٌ وقالَ النّاسُ : في يَدِكَ لُؤلُؤَةٌ ، ما كانَ يَنفَعُكَ وأنتَ تَعلَمُ أنَّها جَوزَةٌ ، ولَو كانَ في يَدِكَ لُؤلُؤَةٌ وقالَ النّاسُ : إنَّها جَوزَةٌ ، ما ضَرَّكَ وأنتَ تَعلَمُ أنَّها لُؤلُؤَةٌ .
.
ص: 290
يا هِشامُ ، ما بَعَثَ اللّهُ أنبِياءَهُ ورُسُلَهُ إلى عِبادِهِ إلّا لِيَعقِلوا عَنِ اللّهِ ، فَأَحسَنُهُمُ استِجابَةً أحسَنُهُم مَعرِفَةً للّهِِ ، وأعلَمُهُم بِأَمرِ اللّهِ أحسَنُهُم عَقلًا ، وأعقَلُهُم أرفَعُهُم دَرَجَةً فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . يا هِشامُ ، ما مِن عَبدٍ إلّا ومَلَكٌ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ ، فَلا يَتَواضَعُ إلّا رَفَعَهُ اللّهُ ولا يَتَعاظَمُ إلّا وَضَعَهُ اللّهُ . يا هِشامُ ، إنَّ للّهِِ عَلَى النّاسِ حُجَّتَينِ حُجَّةً ظاهِرَةً وحُجَّةً باطِنَةً ، فَأَمَّا الظّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالأَنبِياءُ وَالأَئِمَّةُ ، وأمَّا الباطِنَةُ فَالعُقولُ . يا هِشامُ ، إنَّ العاقِلَ الَّذي لا يَشغَلُ الحَلالُ شُكرَهُ ولا يَغلِبُ الحَرامُ صَبرَهُ . يا هِشامُ ، مَن سَلَّطَ ثَلاثا عَلى ثَلاثٍ فَكَأَنَّما أعانَ هَواهُ عَلى هَدمِ عَقلِهِ : مَن أظلَمَ نورَ فِكرِهِ بِطولِ أمَلِهِ ، ومَحا طَرائِفَ حِكمَتِهِ بِفُضولِ كَلامِهِ ، وأطفَأَ نورَ عِبرَتِهِ بِشَهَواتِ نَفسِهِ ، فَكَأَنَّما أعانَ هَواهُ عَلى هَدمِ عَقلِهِ ، ومَن هَدَمَ عَقلَهُ أفسَدَ عَلَيهِ دينَهُ ودُنياهُ . يا هِشامُ ، كَيفَ يَزكو عِندَ اللّهِ عَمَلُكَ وأنتَ قَد شَغَلتَ عَقلَكَ عَن أمرِ رَبِّكَ وأطَعتَ هَواكَ عَلى غَلَبَةِ عَقلِكَ ؟! يا هِشامُ ، الصَّبرُ عَلَى الوَحدَةِ عَلامَةُ قُوَّةِ العَقلِ ، فَمَن عَقَلَ عَنِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالَى اعتَزَلَ أهلَ الدُّنيا وَالرّاغِبينَ فيها ، ورَغِبَ فيما عِندَ رَبِّهِ [ وكانَ اللّهُ] آنِسَهُ فِي الوَحشَةِ ، وصاحِبَهُ فِي الوَحدَةِ ، وغِناهُ فِي العَيلَةِ ، ومُعِزَّهُ في غَيرِ عَشيرَةٍ . يا هِشامُ ، نُصِبَ الخَلقُ لِطاعَةِ اللّهِ ، ولا نَجاةَ إلّا بِالطّاعَةِ ، وَالطّاعَةُ بِالعِلمِ ، وَالعِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَالتَّعَلُّمُ بِالعَقلِ يُعتَقَدُ ، ولا عِلمَ إلّا مِن عالِمٍ رَبّانِيٍّ ، ومَعرِفَةُ العالِمِ بِالعَقلِ .
.
ص: 291
يا هِشامُ ! قَليلُ العَمَلِ مِنَ العاقِلِ مَقبولٌ مُضاعَفٌ ، وكَثيرُ العَمَلِ مِن أهلِ الهَوى وَالجَهلِ مَردودٌ. (1)
5 / 6صِفاتُ اُولِي النُّهىالكتاب« الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدا وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَ أنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أزْوَ جا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى * كُلُواْ وَ ارْعَوْاْ أنْعَ_مَكُمْ إنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّأُوْلِى النُّهَى » . (2)
« أفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَ_كِنِهِمْ إنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّأُوْلِى النُّهَى » . (3)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام :قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إنَّ خِيارَكُم اُولُو النُّهى . (4) قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ، ومَن اُولُو النُّهى ؟ قالَ : هُم اُولُو الأَخلاقِ الحَسَنَة وَالأَحلامِ الرَّزينَةِ وصِلَةِ الأَرحامِ ، وَالبَرَرَةُ بِالاُمَّهاتِ وَالآباءِ ، وَالمُتَعاهِدونَ (5) لِلفُقَراءِ وَالجيرانِ وَاليَتامى ، ويُطعِمونَ الطَّعامَ ، ويُفشونَ السَّلامَ فِي العالَمِ ، ويُصَلّونَ وَالنّاسُ نِيامٌ غافِلونَ. (6)
.
ص: 292
جامع الأحاديث:قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : خِيارُكُم اُولُو النُّهى. قيلَ: يا رَسولَ اللّهِ، ومَن اُولُو النُّهى؟ فَقالَ: اُولُو النُّهى، اُولُو الأَحلامِ الصّادِقَةِ وَالأَخلاقِ الطّاهِرَةِ، المُطعِمونَ الطَّعامَ ، وَالمُفشونَ السَّلامَ ، وَالمُتَهَجِّدونَ بِاللَّيلِ وَالنّاسُ نِيامٌ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :في تَصاريفِ القَضاءِ عِبرَةٌ لِاُولِي الأَلبابِ وَالنُّهى. (2)
عنه عليه السلام :شيمَةُ ذَوِي الأَلبابِ وَالنُّهى الإِقبالُ عَلى دارِ البَقاءِ وَالإِعراضُ عَن دارِ الفَناءِ ، وَالتَّوَلُّهُ بِجَنَّةِ المَأوى. (3)
عنه عليه السلام :حُبُّ العِلمِ وحُسنُ الحِلمِ ولُزومُ الثَّوابِ مِن فَضائِلِ اُولِي النُّهى وَالأَلبابِ. (4)
عنه عليه السلام :في إخلاصِ الأَعمالِ تَنافُسُ اُولِي النُّهى وَالأَلبابِ. (5)
عنه عليه السلام :ضُروبُ الأَمثالِ تُضرَبُ لِاُولِي النُّهى وَالأَلبابِ. (6)
عنه عليه السلام :مَنِ استَشارَ ذَوِي النُّهى وَالأَلبابِ فازَ بِالحَزمِ وَالسَّدادِ. (7)
عنه عليه السلام :مَن شاوَرَ ذَوِي النُّهى وَالأَلبابِ فازَ بِالنُّجحِ وَالصَّوابِ. (8)
.
ص: 293
5 / 7صِفاتُ اُولِي الأَلبابِالكتاب« إنَّ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَايَ_تٍ لِّأُوْلِى الْأَلْبَ_بِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَ_ما وَقُعُودا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَ_ذَا بَ_طِلًا سُبْحَ_نَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ » . (1)
«فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ اُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ اُوْلَئِكَ هُمْ اُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» . (2)
«لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِى الْأَلْبَ_بِ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللَّبيبُ مَنِ اشتَغَلَ بِدينِهِ عَن كُلِّ أحَدٍ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :الرِّفقُ مِفتاحُ الصَّوابِ وشيمَةُ ذَوِي الأَلبابِ. (5)
عنه عليه السلام :لا أشجَعَ مِن لَبيبٍ. (6)
عنه عليه السلام :لا تَكمُلُ المُرُوَّةُ إلّا لِلَبيبٍ. (7)
.
ص: 294
عنه عليه السلام :ناظِرُ قَلبِ اللَّبيبِ بِهِ يُبصِرُ أمَدَهُ ، ويَعرِفُ غَورَهُ ونَجدَهُ. (1)
عنه عليه السلام :مَنِ استَعانَ بِذَوِي الأَلبابِ سَلَكَ سَبيلَ الرَّشادِ. (2)
عنه عليه السلام :ألا وإنَّ اللَّبيبَ مَنِ استَقبَلَ وُجوهَ الآراءِ بِفِكرٍ صائِبٍ ونَظَرٍ فِي العَواقِبِ. (3)
عنه عليه السلام :إنَّمَا اللَّبيبُ مَنِ استَسَلَّ الأَحقادَ. (4)
عنه عليه السلام :عَجِبتُ لِمَن يَرغَبُ فِي التَّكَثُّرِ مِنَ الأَصحابِ كَيفَ لا يَصحَبُ العُلَماءَ الأَلِبّاءَ الأَتقِياءَ، الَّذينَ يَغنَمُ فَضائِلَهُم ، وتَهديهِ عُلومُهُم ، وتُزَيِّنُهُ صُحبَتُهُم ! (5)
عنه عليه السلام :صُحبَةُ الوَلِيِّ اللَّبيبِ حَياةُ الرّوحِ. (6)
الإمام الباقر عليه السلام_ لِجابِرٍ _: يا جابِرُ . . . أنزِلِ الدُّنيا كَمَنزِلٍ نَزَلتَهُ ثُمَّ ارتَحَلتَ عَنهُ . . . لِأَنَّها عِندَ أهلِ اللُّبِّ وَالعِلمِ بِاللّهِ كَفَيءِ الظِّلالِ. (7)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّما اُولُو الأَلبابِ الَّذينَ عَمِلوا بِالفِكرَةِ حَتّى وَرِثوا مِنهُ حُبَّ اللّهِ. (8)
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، إنَّ العاقِلَ اللَّبيبَ مَن تَرَكَ ما لا طاقَةَ لَهُ بِهِ. (9)
.
ص: 295
5 / 8عَلاماتُ كَمالِ العَقلِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قَسَّمَ اللّهُ العَقلَ ثَلاثَةَ أجزاءٍ ، فَمَن كُنَّ فيهِ كَمُلَ عَقلُهُ ، ومَن لَم يَكُنَّ فَلا عَقلَ لَهُ : حُسنُ المَعرِفَةِ بِاللّهِ ، وحُسنُ الطّاعَةِ للّهِِ ، وحُسنُ الصَّبرِ عَلى أمرِ اللّهِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لَم يُعبَدِ اللّهُ عز و جل بِشَيءٍ أفضَلَ مِنَ العَقلِ ، ولا يَكونُ المُؤمِنُ عاقِلًا حَتّى يَجتَمِعَ فيهِ عَشرُ خِصالٍ : الخَيرُ مِنهُ مَأمولٌ ، وَالشَّرُّ مِنهُ مَأمونٌ ، يَستَكثِرُ قَليلَ الخَيرِ مِن غَيرِهِ ، ويَستَقِلُّ كَثيرَ الخَيرِ مِن نَفسِهِ ، ولا يَسأَمُ مِن طَلَبِ العِلمِ طولَ عُمرِهِ ، ولا يَتَبَرَّمُ بِطُلّابِ الحَوائِجِ قِبَلَهُ ، الذُّلُّ أحَبُّ إلَيهِ مِنَ العِزِّ ، وَالفَقرُ أحَبُّ إلَيهِ مِنَ الغِنى ، نَصيبُهُ مِنَ الدُّنيَا القوتُ ، وَالعاشِرةُ ومَا العاشِرَةُ : لا يَرى أحَدا إلّا قالَ : هُوَ خَيرٌ مِنّي وأتقى . إنَّمَا النّاسُ رَجُلانِ فَرَجُلٌ هُوَ خَيرٌ مِنهُ وأتقى وآخَرُ هُوَ شَرٌّ مِنهُ وأدنى ، فَإِذا رَأى مَن هُوَ خَيرٌ مِنهُ وأتقى تَواضَعَ لَهُ لِيَلحَقَ بِهِ ، وإذا لَقِيَ الَّذي هُوَ شَرٌّ مِنهُ وأدنى قالَ : عَسى خَيرُ هذا باطِنٌ ، وشَرُّهُ ظاهِرٌ ، وعَسى أن يُختَمَ لَهُ بِخَيرٍ ، فَإِذا فَعَلَ ذلِكَ فَقَد عَلا مَجدُهُ وسادَ أهلَ زَمانِهِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :ما عُبِدَ اللّهُ بِشَيءٍ أفضَلَ مِنَ العَقلِ ، وما تَمَّ عَقلُ امرِىً حَتّى يَكونَ فيهِ خِصالٌ شَتّى : الكُفرُ وَالشَّرُّ مِنهُ مَأمونانِ ، وَالرُّشدُ وَالخَيرُ مِنهُ مَأمولانِ ، وفَضلُ مالِهِ مَبذولٌ ، وفَضلُ قَولِهِ مَكفوفٌ ، ونَصيبُهُ مِنَ الدُّنيَا القوتُ ، لا يَشبَعُ مِنَ العِلمِ دَهرَهُ ،
.
ص: 296
الذُّلُّ أحَبُّ إلَيهِ مَعَ اللّهِ مِنَ العِزِّ مَعَ غَيرِهِ ، وَالتَّواضُعُ أحَبُّ إلَيهِ مِنَ الشَّرَفِ ، يَستَكثِرُ قَليلَ المَعروفِ مِن غَيرِهِ ، ويَستَقِلُّ كَثيرَ المَعروفِ مِن نَفسِهِ ، ويَرَى النّاسَ كُلَّهُم خَيرا مِنهُ ، وإنَّهُ شَرُّهُم في نَفسِهِ ، وهُوَ تَمامُ الأَمرِ. (1)
عنه عليه السلام :مِن كَمالِ عَقلِكَ استِظهارُكَ عَلى عَقلِكَ. (2)
عنه عليه السلام :مَن قَوِيَ عَقلُهُ أكثَرَ الاِعتِبارَ. (3)
عنه عليه السلام :مَن كَمُلَ عَقلُهُ حَسُنَ عَمَلُهُ ونَظَرُهُ إلى دينِهِ. (4)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: مَثَلُ الإِنسانِ الحَصيفِ (5) مَثَلُ الجِسمِ الصُّلبِ الكَثيفِ ، يَسخُنُ بَطيئا ، وتَبرُدُ تِلكَ السُّخونَةُ بِأَطوَلَ مِن ذلِكَ الزَّمانِ. (6)
عنه عليه السلام :مَن كَمُلَ عَقلُهُ استَهانَ بِالشَّهَواتِ. (7)
عنه عليه السلام :إذا كَمُلَ العَقلُ نَقَصَتِ الشَّهوَةُ. (8)
عنه عليه السلام :إذا تَمَّ العَقلُ نَقَصَ الكَلامُ. (9)
.
ص: 297
عنه عليه السلام :العَقلُ الكامِلُ قاهِرٌ لِلطَّبعِ السّوءِ. (1)
عنه عليه السلام :كُلَّمَا ازدادَ عَقلُ الرَّجُلِ قَوِيَ إيمانُهُ بِالقَدَرِ وَاستَخَفَّ بِالغِيَرِ. (2)
عنه عليه السلام :إزراءُ الرَّجُلِ عَلى نَفسِهِ بُرهانُ رَزانَةِ عَقلِهِ ، وعُنوانُ وُفورِ فَضلِهِ. (3)
عنه عليه السلام :غايَةُ العَقلِ الاِعتِرافُ بِالجَهلِ. (4)
عنه عليه السلام :تَمامُ العَقلِ استِكمالُهُ. (5)
عنه عليه السلام :بِتَركِ ما لا يَعنيكَ يَتِمُّ لَكَ العَقلُ. (6)
عنه عليه السلام_ في وَصفِ سالِكِ الطَّريقِ إلَى اللّهِ سُبحانَهُ _: قَد أحيا عَقلَهُ ، وأماتَ نَفسَهُ ، حَتّى دَقَّ جَليلُهُ ، ولَطُفَ غَليظُهُ وبَرَقَ لَهُ لامِعٌ كَثيرُ البَرقِ ، فَأَبانَ لَهُ الطَّريقَ ، وسَلَكَ بِهِ السَّبيلَ ، وتَدافَعَتهُ الأَبوابُ إلى بابِ السَّلامَةِ ، ودارِ الإِقامَةِ ، وثَبَتَت رِجلاهُ بِطُمَأنينَةِ بَدَنِهِ في قَرارِ الأَمنِ وَالرّاحَةِ ، بِمَا استَعمَلَ قَلبَهُ ، وأرضى رَبَّهُ. (7)
الإمام زين العابدين عليه السلام :كَفُّ الأَذى مِن كَمالِ العَقلِ. (8)
الإمام الصادق عليه السلام :كَمالُ العَقلِ في ثَلاثَةٍ : التَّواضُعِ للّهِِ ، وحُسنِ اليَقينِ ، وَالصَّمتِ إلّا مِن خَيرٍ. (9)
.
ص: 298
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، الصَّبرُ عَلَى الوَحدَةِ عَلامَةُ قُوَّةِ العَقلِ ، فَمَن عَقَلَ عَنِ اللّهِ اعتَزَلَ أهلَ الدُّنيا وَالرّاغِبينَ فيها ، ورَغِبَ فيما عِندَ اللّهِ ، وكانَ اللّهُ آنِسَهُ فِي الوَحشَةِ ، وصاحِبَهُ فِي الوَحدَةِ ، وغِناهُ فِي العَيلَةِ ، ومُعِزَّهُ مِن غَيرِ عَشيرَةٍ. (1)
5 / 9أعقَلُ النّاسِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أكمَلُ النّاسِ عَقلًا أطوَعُهُم للّهِِ وأعمَلُهُم بِطاعَتِهِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :أكمَلُ النّاسِ عَقلًا أخوَفُهُم للّهِِ وأطوَعُهُم لَهُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :أحسَنُكُم عَقلًا أورَعُكُم عَن مَحارِمِ اللّهِ وأعمَلُكُم (4) بِطاعَةِ اللّهِ. (5)
تنبيه الخواطر:قال صلى الله عليه و آله : إنَّ للّهِِ تَعالى خَواصًّا مِن خَلقِهِ يُسكِنُهُمُ الرَّفيعَ الأَعلى مِنَ الجِنانِ لِأَن_َّهُم كانوا أعقَلَهُم فِي الدُّنيا . قيلَ : وكَيفَ كانوا ؟ قالَ : كانَت هِمَّتُهُمُ المُسارَعَةَ إلى رَبِّهِم فيما يُرضيهِ ، فَهانَتِ الدُّنيا عَلَيهِم ولَم يَرغَبوا في فُضولِها ، فَصَبَروا قَليلًا وَاستَراحوا طَويلًا. (6)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ألا وإنَّ أعقَلَ النّاسِ عَبدٌ عَرَفَ رَبَّهُ فَأَطاعَهُ ، وعَرَفَ عَدُوَّهُ فَعَصاهُ ،
.
ص: 299
وعَرَفَ دارَ إقامَتِهِ فَأَصلَحَها ، وعَرَفَ سُرعَةَ رَحيلِهِ فَتَزَوَّدَ لَها. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :أعقَلُ النّاسِ مُحسِنٌ خائِفٌ ، وأجهَلُهُم مُسيءٌ آمِنٌ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :أعقَلُ النّاسِ أشَدُّهُم مُداراةً لِلنّاسِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :أعقَلُ النّاسِ أحياهُم. (4)
عنه عليه السلام :أعقَلُ النّاسِ أطوَعُهُم للّهِِ سُبحانَهُ. (5)
عنه عليه السلام :أعقَلُكُم أطوَعُكُم. (6)
عنه عليه السلام :أعقَلُ النّاسِ مَن أطاعَ العُقَلاءَ. (7)
عنه عليه السلام :أعقَلُ النّاسِ أقرَبُهُم مِنَ اللّهِ. (8)
عنه عليه السلام :أعقَلُ النّاسِ مَن ذَلَّ لِلحَقِّ فَأَعطاهُ مِن نَفسِهِ ، وعَزَّ بِالحَقِّ فَلَم يُهِن إقامَتَهُ وحُسنَ العَمَلِ بِهِ. (9)
عنه عليه السلام :أعقَلُ النّاسِ أبعَدُهُم عَن كُلِّ دَنِيَّةٍ. (10)
.
ص: 300
عنه عليه السلام :أعقَلُ النّاسِ مَن غَلَبَ جِدُّهُ هَزلَهُ ، وَاستَظهَرَ عَلى هَواهُ بِعَقلِهِ. (1)
عنه عليه السلام :أعقَلُ النّاسِ مَن لا يَتَجاوَزُ الصَّمتَ في عُقوبَةِ الجُهّالِ. (2)
عنه عليه السلام :أعقَلُ النّاسِ أنظَرُهُم فِي العَواقِبِ. (3)
عنه عليه السلام :أعقَلُ النّاسِ مَن كانَ بِعَيبِهِ بَصيرا ، وعَن عَيبِ غَيرِهِ ضَريرا. (4)
عنه عليه السلام :أعقَلُ النّاسِ أعذَرُهُم لِلنّاسِ. (5)
عنه عليه السلام :أفضَلُ العَقلِ مَعرِفَةُ الحَقِّ بِنَفسِهِ. (6)
عنه عليه السلام :أفضَلُ العَقلِ مُجانَبَةُ اللَّهوِ. (7)
عنه عليه السلام :أفضَلُ النّاسِ عَقلًا أحسَنُهُم تَقديرا لِمَعاشِهِ ، وأشَدُّهُمُ اهتِماما بِإِصلاحِ مَعادِهِ. (8)
عنه عليه السلام :أفضَلُ العَقلِ الرَّشادُ. (9)
عنه عليه السلام :أفضَلُ العَقلِ مَعرِفَةُ الإِنسانِ نَفسَهُ ، فَمَن عَرَفَ نَفسَهُ عَقَلَ ، ومَن جَهِلَها ضَلَّ. (10)
عنه عليه السلام :أفضَلُ العَقلِ الاِعتِبارُ ، وأفضَلُ الحَزمِ الاِستِظهارُ ، وأكبَرُ الحُمقِ الاِغتِرارُ. (11)
.
ص: 301
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: أرجَحُ النّاسِ عَقلًا وأكمَلُهُم فَضلًا : مَن صَحِبَ أيّامَهُ بِالمُوادَعَةِ ، وإخوانَهُ بِالمُسالَمَةِ ، وقَبِلَ مِنَ الزَّمانِ عَفوَهُ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :أكمَلُ النّاسِ عَقلًا أحسَنُهُم خُلُقا. (2)
عنه عليه السلام :أفضَلُ طَبائِعِ العَقلِ العِبادَةُ ، وأوثَقُ الحَديثِ لَهُ العِلمُ ، وأجزَلُ حُظوظِهِ الحِكمَةُ ، وأفضَلُ ذَخائِرِهِ الحَسَناتُ. (3)
حلية الأولياء عن وهب بن منبّه :قالَ لُقمانُ لِابنِهِ : يا بُنَيَّ ، اِعقِل عَنِ اللّهِ ، فَإِنَّ أعقَلَ النّاسِ عَنِ اللّهِ أحسَنُهُم عَقلًا ، وإنَّ الشَّيطانَ لَيَفِرُّ مِنَ العاقِلِ وما يَستَطيعُ أن يُكايِدَهُ. (4)
راجع: ص 295 (علامات كمال العقل) .
.
ص: 302
. .
ص: 303
الفصل السّادس : آفات العقل6 / 1الهَوىالكتاب«أفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَ_هَهُ هَوَاهُ وَ أضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَ_وَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أفَلَا تَذَكَّرُونَ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :آفَةُ العَقلِ الهَوى. (2)
عنه عليه السلام :الهَوى آفَةُ الأَلبابِ. (3)
عنه عليه السلام :يَسيرُ الهَوى يُفسِدُ العَقلَ. (4)
عنه عليه السلام :طاعَةُ الهَوى تُفسِدُ العَقلَ. (5)
.
ص: 304
عنه عليه السلام :غَلَبَةُ الهَوى تُفسِدُ الدّينَ وَالعَقلَ. (1)
عنه عليه السلام :الهَوى عَدُوُّ العَقلِ. (2)
عنه عليه السلام :ما ضادَّ العَقلَ كَالهَوى. (3)
عنه عليه السلام :لا عَقلَ مَعَ هَوىً. (4)
عنه عليه السلام :حِفظُ العَقلِ بِمُخالَفَةِ الهَوى وَالعُزوفِ عَنِ الدُّنيا. (5)
عنه عليه السلام :مَن غَلَبَ شَهوَتَهُ ظَهَرَ عَقلُهُ. (6)
عنه عليه السلام :مَن غَلَبَ هَواهُ عَقلَهُ افتَضَحَ. (7)
عنه عليه السلام :مَن غَلَبَ هَواهُ عَلى عَقلِهِ ظَهَرَت عَلَيهِ الفَضائِحُ. (8)
عنه عليه السلام :قَرينُ الشَّهوَةِ مَريضُ النَّفسِ مَعلولُ العَقلِ. (9)
عنه عليه السلام :كَم مِن عَقلٍ أسيرٍ تَحتَ هَوىً أميرٍ. (10)
عنه عليه السلام :صِل عَجَلَتَكَ بِتَأَنّيكَ ، وسَطوَتَكَ بِرِفقِكَ ، وشَرَّكَ بِخَيرِكَ ، وَانصُرِ العَقلَ عَلَى الهَوى ، تَملِكِ النُّهى. (11)
.
ص: 305
عنه عليه السلام :العَقلُ صاحِبُ جَيشِ الرَّحمنِ ، وَالهَوى قائِدُ جَيشِ الشَّيطانِ ، وَالنَّفسُ مُتَجاذَبَةٌ بَينَهُما ، فَأَيُّهُما غَلَبَ كانَت في حَيِّزِهِ. (1)
عنه عليه السلام :العَقلُ وَالشَّهوَةُ ضِدّانِ ، ومُؤَيِّدُ العَقلِ العِلمُ ، ومُزَيِّنُ الشَّهوَةِ الهَوى ، وَالنَّفسُ مُتَنازَعَةٌ بَينَهُما ، فَأَيُّهُما قَهَرَ كانَت في جانِبِهِ. (2)
عنه عليه السلام :حَرامٌ عَلى كُلِّ عَقلٍ مَغلولٍ بِالشَّهوَةِ أن يَنتَفِعَ بِالحِكمَةِ. (3)
عنه عليه السلام :مَن جانَبَ هَواهُ صَحَّ عَقلُهُ. (4)
عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ لِشُ_رَيحِ بنِ الحارِثِ قاضيهِ لَمّا بَلَغَهُ أنَّهُ ابتاعَ دارا بِثَمانينَ دينارا وكَتَبَ لَها كِتابا وأشهَدَ فيهِ شُهودا ، بَعدَ تَقريعِهِ وتَوبيخِهِ _ : شَهِدَ عَلى ذلِكَ العَقلُ إذا خَرَجَ مِن أسرِ الهَوى وسَلِمَ مِن عَلائِقِ الدُّنيا. (5)
عنه عليه السلام :مَن عَشِقَ شَيئا أعشى (أعمى) بَصَرَهُ وأمرَضَ قَلبَهُ ، فَهُوَ يَنظُرُ بِعَينٍ غَيرِ صَحيحَةٍ ، ويَسمَعُ بِاُذُنٍ غَيرِ سَميعَةٍ ، قَد خَرَقَتِ الشَّهَواتُ عَقلَهُ ، وأماتَتِ الدُّنيا قَلبَهُ. (6)
عنه عليه السلام :العَقلُ غِطاءٌ سَتيرٌ ، وَالفَضلُ جَمالٌ ظاهِرٌ ، فَاستُر خَلَلَ خُلُقِكَ بِفَضلِكَ ، وقاتِل هَواكَ بِعَقلِكَ ، تَسلَم لَكَ المَوَدَّةُ ، وتَظهَر لَكَ المَحَبَّةُ. (7)
عنه عليه السلام :ذَهابُ العَقلِ بَينَ الهَوى وَالشَّهوَةِ. (8)
.
ص: 306
عنه عليه السلام :لا يَجتَمِعُ العَقلُ وَالهَوى. (1)
عنه عليه السلام :لا عَقلَ مَعَ شَهوَةٍ. (2)
عنه عليه السلام :مَن لَم يَملِك شَهوَتَهُ لَم يَملِك عَقلَهُ. (3)
الإمام الباقر عليه السلام :لا عَقلَ كَمُخالَفَةِ الهَوى. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :الهَوى يَقظانُ وَالعَقلُ نائِمٌ. (5)
راجع:ج 2 ص 163 (اتّباع الهوى) .
6 / 2الذَّنبرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن قارَفَ ذَنبا فارَقَهُ عَقلٌ لا يَرجِعُ إلَيهِ أبَدا. (6)
راجع: ص 321 (ما يحرم على العاقل)، ج 2 ص 169 (الذنب) .
6 / 3طَبعُ القَلبِالكتاب«الَّذِينَ يُجَ_دِلُونَ فِى ءَايَ_تِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَ_نٍ أتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتا عِندَ اللَّهِ وَ عِندَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ كَذَ لِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ». (7)
.
ص: 307
«ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلًا إلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَ_تِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَ لِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ» . (1)
«كَذَ لِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» . (2)
«تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَ_تِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَ لِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَ_فِرِينَ» . (3)
راجع: النساء: 155 ، النحل: 108.
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الطّابَعُ مُعَلَّقٌ بِقائِمَةِ العَرشِ ، فَإِذَا انتُهِكَتِ الحُرمَةُ وعُمِلَ بِالمَعاصي وَاجتُرِئَ عَلَى اللّهِ بَعَثَ اللّهُ الطّابَعَ فَيَطبَعُ اللّهُ عَلى قَلبِهِ فَلا يَعقِلُ بَعدَ ذلِكَ شَيئا. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إيّاكُم وَاستِشعارَ الطَّمَعِ ؛ فَإِنَّهُ يَشوبُ القَلبَ شِدَّةَ الحِرصِ ، ويَختِمُ عَلَى القُلوبِ بِطَبائِعِ حُبِّ الدُّنيا. (5)
الإمام الحسين عليه السلام_ لَمّا عَبَّأَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ أصحابَهُ لِمُحارَبَتِهِ عليه السلام وأحاطوا بِهِ مِن كُلِّ جانِبٍ حَتّى جَعَلوهُ في مِثلِ الحَلقَةِ فَخَرَجَ عليه السلام حَتّى أتَى النّاسَ فَاستَنصَتَهُم فَأَبَوا أن يُنصِتوا حَتّى قالَ لَهُم _: وَيلَكُم ما عَلَيكُم أن تُنصِتوا إلَيَّ فَتَسمَعوا قَولي، وإنَّما أدعوكُم إلى سَبيلِ الرَّشادِ ... وكُلُّكُم عاصٍ لِأَمري غَيرُ مُستَمِعٍ قَولي ؛ فَقَد مُلِئَت بُطونُكُم مِنَ الحَرامِ وطُبِعَ عَلى قُلوبِكُم. (6)
.
ص: 308
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «لَهُمْ قُلُوبٌ لَايَفْقَهُونَ بِهَا» _: طَبَعَ اللّهُ عَلَيها فَلا تَعقِلُ. (1)
راجع: ج 2 ص 171 (أمراض القلب) .
6 / 4الأَمَلالإمام عليّ عليه السلام :اِعلَموا أنَّ الأَمَلَ يُسهِي العَقلَ ، ويُنسِي الذِّكرَ. (2)
عنه عليه السلام :إنَّ الأَمَلَ يُذهِبُ العَقلَ ، ويُكذِبُ الوَعدَ ، ويَحُثُّ عَلَى الغَفلَةِ ، ويورِثُ الحَسرَةَ. (3)
عنه عليه السلام :ما عَقَلَ مَن أطالَ أمَلَهُ. (4)
راجع: ص 367 ح 987 و 988 وص 369 ح 1010 وص 370 ح 1014 ج 2 ص 176 (الأمل) .
6 / 5الكِبرالإمام عليّ عليه السلام :شَرُّ آفاتِ العَقلِ الكِبرُ. (5)
الإمام الباقر عليه السلام :ما دَخَلَ قَلبَ امرِىً شَيءٌ مِنَ الكِبرِ إلّا نَقَصَ مِن عَقلِهِ مِثلُ ما دَخَلَهُ مِن ذلِكَ ؛ قَلَّ ذلِكَ أو كَثُرَ. (6)
.
ص: 309
6 / 6الغُرورالإمام عليّ عليه السلام :فَسادُ العَقلِ الاِغتِرارُ بِالخُدَعِ. (1)
عنه عليه السلام :لا يُلفَى (2) العاقِلُ مَغرورا. (3)
عنه عليه السلام :اِتَّقُوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ تَقِيَّةَ ذي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلبَهُ . . . ولَم تَفتِلهُ فاتِلاتُ الغُرورِ. (4)
6 / 7الغَضَبالإمام عليّ عليه السلام :الغَضَبُ يُفسِدُ الأَلبابَ ويُبعِدُ مِنَ الصَّوابِ. (5)
عنه عليه السلام :لا يَنبَغي أن يُعَدَّ عاقِلًا مَن يَغلِبُهُ الغَضَبُ وَالشَّهوَةُ. (6)
عنه عليه السلام :اِملِك حَمِيَّةَ نَفسِكَ وسَورَةَ غَضَبِكَ وسَطوَةَ يَدِكَ وغَربَ لِسانِكَ ، وَاحتَرِس في ذلِكَ كُلِّهِ بِتَأخيرِ البادِرَةِ ، وكَفِّ السَّطوَةِ حَتّى يَسكُنَ غَضَبُكَ ويَثوبَ إلَيكَ عَقلُكَ. (7)
عنه عليه السلام :غَيرُ مُنتَفِعٍ بِالحِكمَةِ عَقلٌ مَعلولٌ بِالغَضَبِ وَالشَّهوَةِ. (8)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن لَم يَملِك غَضَبَهُ لَم يَملِك عَقلَهُ. (9)
.
ص: 310
6 / 8الطَّمَعالإمام عليّ عليه السلام :أكثَرُ مَصارِعِ العُقولِ تَحتَ بُروقِ المَطامِعِ. (1)
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، إيّاكَ وَالطَّمَعَ ، وعَلَيكَ بِاليَأسِ مِمّا في أيدِي النّاسِ ، وأمِتِ الطَّمَعَ مِنَ المَخلوقينَ ، فَإِنَّ الطَّمَعَ مِفتاحٌ لِلذُّلِّ ، وَاختِلاسُ العَقلِ ، وَاختِلاقُ المُرُوّاتِ ، وتَدنيسُ العِرضِ ، وَالذَّهابُ بِالعِلمِ. (2)
6 / 9العُجبالإمام عليّ عليه السلام :عُجبُ المَرءِ بِنَفسِهِ أحَدُ حُسّادِ عَقلِهِ. (3)
عنه عليه السلام :إعجابُ المَرءِ بِنَفسِهِ دَليلٌ عَلى ضَعفِ عَقلِهِ. (4)
عنه عليه السلام :إعجابُ المَرءِ بِنَفسِهِ بُرهانُ نَقصِهِ وعُنوانُ ضَعفِ عَقلِهِ. (5)
عنه عليه السلام :العُجبُ يُفسِدُ العَقلَ. (6)
عنه عليه السلام :آفَةُ اللُّبِّ العُجبُ. (7)
.
ص: 311
عنه عليه السلام :إنَّ الإِعجابَ ضِدُّ الصَّوابِ وآفَةُ الأَلبابِ. (1)
عنه عليه السلام :المُعجَبُ لا عَقلَ لَهُ. (2)
عنه عليه السلام :رِضَا المَرءِ عَن نَفسِهِ بُرهانُ سَخافَةِ عَقلِهِ. (3)
عنه عليه السلام :مَن اُعجِبَ بِفِعلِهِ اُصيبَ بِعَقلِهِ. (4)
عنه عليه السلام :مَن أعجَبَهُ قَولُهُ فَقَد غَرَبَ عَقلُهُ. (5)
عنه عليه السلام :رِضاكَ عَن نَفسِكَ مِن فَسادِ عَقلِكَ. (6)
راجع: ص 352 (داء بلا دواء) .
6 / 10الاِستِغناءُ بِالعَقلِالإمام عليّ عليه السلام_ من وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ الحُسَينِ عليه السلام _: مَنِ استَغنى بِعَقلِهِ ضَلَّ. (7)
عنه عليه السلام :اِتَّهِموا عُقولَكُم ، فَإِنَّهُ مِنَ الثِّقَةِ بِها يَكونُ الخَطاءُ. (8)
راجع: ص 282 ح 541 .
.
ص: 312
6 / 11حُبُّ الدُّنياالإمام عليّ عليه السلام :سَبَبُ فَسادِ العَقلِ حُبُّ الدُّنيا. (1)
عنه عليه السلام :حُبُّ الدُّنيا يُفسِدُ العَقلَ ، ويُصِمُّ القَلبَ عَن سَماعِ الحِكمَةِ ، ويوجِبُ أليمَ العِقابِ. (2)
عنه عليه السلام :زَخارِفُ الدُّنيا تُفسِدُ العُقولَ الضَّعيفَةَ. (3)
عنه عليه السلام :الدُّنيا مَصرَعُ العُقولِ. (4)
عنه عليه السلام :اُهرُبوا مِنَ الدُّنيا ، وَاصرِفوا قُلوبَكُم عَنها ، فَإِنَّها سِجنُ المُؤمِنِ ، حَظُّهُ مِنها قَليلٌ ، وعَقلُهُ بِها عَليلٌ ، وناظِرُهُ فيها كَليلٌ. (5)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ أهلِ الدُّنيا _: نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ (مُغَفَّلَةٌ) ، واُخرى مُهمَلَةٌ ، قَد أضَلَّت عُقولَها ، ورَكِبَت مَجهولَها. (6)
عنه عليه السلام_ لِأَصحابِهِ _: اُفٍّ لَكُم ! لَقَد سَئِمتُ عِتابَكُم ! أرَضيتُم بِالحَياةِ الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ عِوَضا ؟! وبِالذُّلِّ مِنَ العِزِّ خَلَفا ؟! إذا دَعَوتُكُم إلى جِهادِ عَدُوِّكُم دارَت أعيُنُكُم كَأَنَّكُم مِنَ المَوتِ في غَمرَةٍ ، ومِنَ الذُّهولِ في سَكرَةٍ ، يُرتَجُ عَلَيكُم حَواري فَتَعمَهونَ ، وكَأَنَّ قُلوبَكُم مَألوسَةٌ فَأَنتُم لا تَعقِلونَ ! (7)
.
ص: 313
تنبيه الخواطر عن عبد اللّه بن سلام :يَقولُ اللّهُ فِي التَّوراةِ : إنَّ القُلوبَ المُتَعَلِّقَةَ بِحُبِّ الدُّنيا مَحجوبَةُ العُقولِ عَنّي. (1)
الاختصاص:قالَ اللّهُ لِداوُدَ عليه السلام : يا داودُ ، اِحذَرِ القُلوبَ المُعَلَّقَةَ بِشَهَواتِ الدُّنيا ، عُقولُها مَحجوبَةٌ عَنّي. (2)
راجع: ص 236 (الزهد في الدنيا) ، ج 2 ص 167 (حبّ الدنيا) .
6 / 12شُربُ الخَمرِالإمام عليّ عليه السلام :فَرَضَ اللّهُ . . . تَركَ شُربِ الخَمرِ تَحصينا لِلعَقلِ. (3)
الإمام الرضا عليه السلام :حَرَّمَ اللّهُ الخَمرَ لِما فيها مِنَ الفَسادِ ، ومِن تَغييرِها عُقولَ شارِبيها ، وحَملِها إيّاهُم عَلى إنكارِ اللّهِ عز و جل وَالفِريَةِ عَلَيهِ وعَلى رُسُلِهِ ، وسائِرِ ما يَكونُ مِنهُم مِنَ الفَسادِ وَالقَتلِ. (4)
6 / 13السَّكَراتُ الخَمسالإمام عليّ عليه السلام :يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يَحتَرِسَ مِن سُكرِ المالِ وسُكرِ القُدرَةِ وسُكرِ
.
ص: 314
العِلمِ وسُكرِ المَدحِ وسُكرِ الشَّبابِ ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ ذلِكَ رِياحا خَبيثَةً تَسلُبُ العَقلَ وتَستَخِفُّ الوَقارَ. (1)
6 / 14كَثرَةُ اللَّهوِالإمام عليّ عليه السلام :مَن كَثُرَ لَهوُهُ قَلَّ عَقلُهُ. (2)
عنه عليه السلام :لَم يَعقِل مَن وَلِهَ بِاللَّعِبِ وَاستُهتِرَ بِاللَّهوِ وَالطَّرَبِ. (3)
عنه عليه السلام :لا يَثوبُ العَقلُ مَعَ اللَّعِبِ. (4)
عنه عليه السلام :مَن غَلَبَ عَلَيهِ الهَزلُ (5) فَسَدَ عَقلُهُ. (6)
عنه عليه السلام :مَن كَثُرَ هَزلُهُ كَثُرَ سُخفُهُ. (7)
6 / 15البَطالَةالإمام الصادق عليه السلام :تَركُ التِّجارَةِ يَنقُصُ العَقلَ. (8)
.
ص: 315
عنه عليه السلام :تَركُ التِّجارَةِ مَذهَبَةٌ لِلعَقلِ. (1)
الكافي عن فُضيل الأعور :شَهِدتُ مُعاذَ بنَ كَثيرٍ قالَ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : إنّي قَد أيسَرتُ فَأَدَعُ التِّجارَةَ ؟ فَقالَ : إنَّكَ إن فَعَلتَ قَلَّ عَقلُكَ _ أو نَحوَهُ _ . (2)
تهذيب الأحكام عن معاذ بيّاع الأكسية :قالَ لي أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : يا مُعاذُ ، أضَعُفتَ عَنِ التِّجارَةِ أم زَهِدتَ فيها ؟ قُلتُ : ما ضَعُفتُ عَنها ولا زَهِدتُ فيها . قالَ : فَما لَكَ ؟ قُلتُ : كُنتُ أنتَظِرُ أمرَكَ وذلِكَ حينَ قُتِلَ الوَليدُ وعِندي مالٌ كَثيرٌ وهُوَ في يَدي ولَيسَ لِأَحَدٍ عِندي شَيءٌ ولا أراني آكُلُهُ حَتّى أموتَ . فَقالَ : لا تَترُكها ؛ فَإِنَّ تَركَها مَذهَبَةٌ لِلعَقلِ ، اِسعَ عَلى عِيالِكَ ، وإيّاكَ أن يَكونوا هُمُ السُّعاةَ عَلَيكَ. (3)
تهذيب الأحكام عن أسباط بن سالم بيّاع الزّطّي :سَأَلَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام يَوما وأنَا عِندَهُ عَن مُعاذٍ بَيّاعِ الكَرابيسِ . فَقيلَ : تَرَكَ التِّجارَةَ . فَقالَ : عَمَلُ الشَّيطانِ عَمَلُ الشَّيطانِ ، إنَّ مَن تَرَكَ التِّجارَةَ ذَهَبَ ثُلُثا عَقلِهِ ، أما عَلِمَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَدِمَت عيرٌ مِنَ الشّامِ فَاشتَرى مِنها وَاتَّجَرَ فَرَبِحَ فيها ما قَضى دَينَهُ. (4)
.
ص: 316
6 / 16طَلَبُ الفُضولِالإمام عليّ عليه السلام :ضَياعُ العُقولِ في طَلَبِ الفُضولِ. (1)
6 / 17صُحبَةُ الجاهِلِالإمام عليّ عليه السلام :مَن صَحِبَ جاهِلًا نَقَصَ مِن عَقلِهِ. (2)
عنه عليه السلام :مِن عَدَمِ العَقلِ مُصاحَبَةُ ذَوِي الجَهلِ. (3)
6 / 18التَّجاوُزُ عَنِ الحَدِّالإمام عليّ عليه السلام :لا عَقلَ لِمَن يَتَجاوَزُ حَدَّهُ وقَدرَهُ. (4)
عنه عليه السلام :ما عَقَلَ مَن عَدا طَورَهُ. (5)
6 / 19مُماراةُ السَّفيهِالإمام عليّ عليه السلام :مَن مارَى السَّفيهَ فَلا عَقلَ لَهُ. (6)
.
ص: 317
6 / 20تَركُ الاِستِماعِ مِنَ العاقِلِالإمام عليّ عليه السلام :مَن تَرَكَ الاِستِماعَ مِن ذَوِي العُقولِ ماتَ عَقلُهُ. (1)
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، مَن سَلَّطَ ثَلاثا عَلى ثَلاثٍ فَكَأَنَّما أعانَ عَلى هَدمِ عَقلِهِ : مَن أظلَمَ نورَ تَفَكُّرِهِ بِطولِ أمَلِهِ ، ومَحا طرائِفَ حِكمَتِهِ بِفُضولِ كَلامِهِ ، وأطفَأَ نورَ عِبرَتِهِ بِشَهَواتِ نَفسِهِ ، فَكَأَنَّما أعانَ هَواهُ عَلى هَدمِ عَقلِهِ ، ومَن هَدَمَ عَقلَهُ أفسَدَ عَلَيهِ دينَهُ ودُنياهُ. (2)
6 / 21كَثرَةُ أكلِ لَحمِ الوَحشِ وَالبَقَرِالإمام الرضا عليه السلام :الإِكثارُ مِن أكلِ لُحومِ الوَحشِ وَالبَقَرِ يورِثُ تَغَيُّرَ العَقلِ وتَحَيُّرَ الفَهمِ وتَبَلُّدَ الذِّهنِ وكَثرَةَ النِّسيانِ. (3)
راجع : ص 321 (ما يحرم على العاقل) و 328 (ما لا ينبغي للعاقل)، ج 2 ص 163 (الفصل الأوّل : حجب العلم والحكمة) .
.
ص: 318
. .
ص: 319
الفصل السّابع : أحكام العاقل7 / 1ما يَجِبُ عَلَى العاقِلِالكتاب« فَاتَّقُواْ اللَّهَ يَ_أُوْلِى الْأَلْبَ_بِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » . (1)
« فَاتَّقُواْ اللَّهَ يَ_أُوْلِى الْأَلْبَ_بِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَدْ أنزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرا » . (2)
الحديثتحف العقول :قالَ صلى الله عليه و آله : أربَعَةٌ تَلزَمُ كُلَّ ذي حِجًى وعَقلٍ مِن اُمَّتي . قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما هُنَّ ؟ قالَ : اِستِماعُ العِلمِ ، وحِفظُهُ ، ونَشرُهُ ، وَالعَمَلُ بِهِ. (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ العاقِلَ مَن أطاعَ اللّهَ وإن كانَ ذَميمَ المَنظَرِ حَقيرَ الخَطَرِ. (4)
.
ص: 320
عنه صلى الله عليه و آله_ لَمّا سُئِلَ عَنِ العَقلِ _: العَمَلُ بِطاعَةِ اللّهِ ، وإنَّ العُمّالَ بِطاعَةِ اللّهِ هُمُ العُقَلاءُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :أطِع رَبَّكَ تُسَمّى عاقِلًا ، ولا تَعصِهِ تُسَمّى جاهِلًا. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :العاقِلُ مَن عَصى هَواهُ في طاعَةِ رَبِّهِ. (3)
عنه عليه السلام :لَو لَم يُرَغِّبِ اللّهُ سُبحانَهُ فيطاعَتِهِ لَوَجَبَ أن يُطاعَ رَجاءَ رَحمَتِهِ. (4)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: يَجِبُ عَلَى العاقِلِ أن يَكونَ بِما أحيا عَقلَهُ مِنَ الحِكمَةِ أكلَفَ مِنهُ بِما أحيا جِسمَهُ مِنَ الغِذاءِ. (5)
عنه عليه السلام :اِتَّقُوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ تَقِيَّةَ ذي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلبَهُ ، وأنصَبَ الخَوفُ بَدَنَهُ ، وأسهَرَ التَّهَجُّدُ غِرارَ نَومِهِ ، وأظمَأَ الرَّجاءُ هَواجِرَ يَومِهِ ، وظَلَفَ الزُّهدُ شَهَواتِهِ ، وأوجَفَ الذِّكرُ بِلِسانِهِ ، وقَدَّمَ الخَوفَ لِأَمانِهِ ، وتَنَكَّبَ المَخالِجَ عَن وَضَحِ السَّبيلِ ، وسَلَكَ أقصَدَ المَسالِكِ إلَى النَّهجِ المَطلوبِ ، ولَم تَفتِلهُ فاتِلاتُ الغُرورِ ، ولَم تَعمَ عَلَيهِ مُشتَبِهاتُ الاُمورِ ، ظافِرا بِفَرحَةِ البُشرى وراحَةِ النُّعمى ، في أنعَمِ نَومِهِ وآمَنِ يَومِهِ . وقَد عَبَرَ مَعبَرَ العاجِلَةِ حَميدا ، وقَدَّمَ زادَ الآجِلَةِ سَعيدا ، وبادَرَ مِن وَجَلٍ ، وأكمَشَ في مَهَلٍ ، ورَغِبَ في طَلَبٍ ، وذَهَبَ عَن هَرَبٍ ، وراقَبَ في يَومِهِ غَدَهُ ، ونَظَرَ قُدُما أمامَهُ . فَكَفى بِالجَنَّةِ ثَوابا ونَوالًا ! وكَفى بِالنّارِ عِقابا ووَبالًا ! وكَفى بِاللّهِ مُنتَقِما ونَصيرا ! وكَفى بِالكِتابِ حَجيجا وخَصيما ! (6)
.
ص: 321
7 / 2ما يَحرُمُ عَلَى العاقِلِالكتاب«قُلْ تَعَالَوْاْ أتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ألَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْ_ئا وَبِالْوَ لِدَيْنِ إحْسَ_نا وَلَا تَقْتُلُواْ أوْلَ_دَكُم مِّنْ إمْلَ_قٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَ حِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إلَا بِالْحَقِّ ذَ لِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :لَو لَم يَنهَ اللّهُ سُبحانَهُ عَن مَحارِمِهِ لَوَجَبَ أن يَجتَنِبَهَا العاقِلُ. (2)
عنه عليه السلام :لَو لَم يَتَوَعَّدِ اللّهُ عَلى مَعصِيَتِهِ لَكانَ يَجِبُ أن لا يُعصى شُكرا لِنِعَمِهِ. (3)
عنه عليه السلام :أقَلُّ ما يَجِبُ لِلمُنعِمِ أن لا يُعصى بِنِعمَتِهِ. (4)
عنه عليه السلام :الاِنقِباضُ عَنِ المَحارِمِ مِن شِيَمِ العُقَلاءِ وسَجِيَّةِ الأَكارِمِ. (5)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن تَوَرَّعَ عَنِ الذُّنوبِ ، وتَنَزَّهَ عَنِ العُيوبِ. (6)
عنه عليه السلام :هِمَّةُ العاقِلِ تَركُ الذُّنوبِ وإصلاحُ العُيوبِ. (7)
عنه عليه السلام :العَقلُ مُنَزِّهٌ عَنِ المُنكَرِ ، آمِرٌ بِالمَعروفِ. (8)
.
ص: 322
عنه عليه السلام :ما كَذَبَ عاقِلٌ ، ولا زَنى مُؤمِنٌ. (1)
عنه عليه السلام :غَريزَةُ العَقلِ تَأبى ذَميمَ الفِعلِ. (2)
عنه عليه السلام :مِنَ العَقلِ مُجانَبَةُ التَّبذيرِ وحُسنُ التَّدبيرِ. (3)
عنه عليه السلام :لِلحازِمِ مِن عَقلِهِ عَن كُلِّ دَنِيَّةٍ زاجِرٌ. (4)
عنه عليه السلام :أصلُ العَقلِ العَفافُ ، وثَمَرَتُهُ البَراءَةُ مِنَ الآثامِ. (5)
عنه عليه السلام :لِلقُلوبِ خَواطِرُ سَوءٍ ، وَالعُقولُ تَزجُرُ عَنها. (6)
عنه عليه السلام :النُّفوسُ طَلِقَةٌ ، لكِنَّ أيدِيَ العُقولِ تُمسِك أعِنَّتَها عَنِ النُّحوسِ. (7)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ العاقِلَ لا يَكذِبُ وإن كانَ فيهِ هَواهُ. (8)
راجع : 375 (ركوب المناهي) .
7 / 3ما يَنبَغي لِلعاقِلِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَنبَغي لِلعاقِلِ إذا كانَ عاقِلًا أن يَكونَ لَهُ أربَعُ ساعاتٍ مِنَ النَّهارِ : ساعَةٌ يُناجي فيها رَبَّهُ ، وساعَةٌ يُحاسِبُ فيها نَفسَهُ ، وساعَةٌ يَأتي أهلَ العِلمِ
.
ص: 323
الَّذينَ يُبَصِّرونَهُ أمرَ دينِهِ ويَنصَحونَهُ ، وساعَةٌ يُخَلّي بَينَ نَفسِهِ ولَذَّتِها مِن أمرِ الدُّنيا فيما يَحِلُّ ويَجمُلُ. (1)
تنبيه الغافلين عن أبي ذرّ الغفاريّ :قُلتُ: يا رَسولَ اللّهِ ، ما كانَ في صُحُفِ إبراهيمَ؟ قالَ : كانَ فيها أمثالٌ وعِبَرٌ : يَنبَغي لِلعاقِلِ ما لَم يَكُن مَغلوبا في عَقلِهِ أن يَكونَ حافِظا لِلِسانِهِ ، عارِفا بِزَمانِهِ ، مُقبِلًا عَلى شَأنِهِ ، فَإِنَّهُ مَن حَسَبَ كَلامَهُ مِن عَمَلِهِ قَلَّ كَلامُهُ إلّا فيما يَعنيهِ. (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَنبَغي لِلعاقِلِ أن لا يَكونَ شاخِصا إلّا في ثَلاثٍ : طَلَبٍ لِمَعاشٍ ، أو خُطوَةٍ لِمَعادٍ ، أو لَذَّةٍ في غَيرِ مُحَرَّمٍ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصِيَّتِهِ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: يا عَلِيُّ ، لا يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يَكونَ ظاعِنا إلّا في ثَلاثٍ : مَرَمَّةٍ لِمَعاشٍ ، أو تَزَوُّدٍ لِمَعادٍ ، أو لَذَّةٍ في غَيرِ مُحَرَّمٍ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :عَلَى العاقِلِ أن يَكونَ بَصيرا بِزَمانِهِ. (5)
.
ص: 324
الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: يا بُنَيَّ ، إنَّهُ لابُدَّ لِلعاقِلِ مِن أن يَنظُرَ في شَأنِهِ ، فَليَحفَظ لِسانَهُ وَليَعرِف أهلَ زَمانِهِ. (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لَمّا سُئِلَ عَن صُحُفِ إبراهيمَ عليه السلام _: كانَت أمثالاً كُلُّها : ... وعَلَى العاقِلِ أن يَكونَ بَصيرا بِزَمانِهِ ، مُقبِلًا عَلى شَأنِهِ ، حافِظا لِلِسانِهِ. (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :رَأسُ العَقلِ بَعدَ الإِيمانِ بِاللّهِ عز و جل الحَياءُ وحُسنُ الخُلُقِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :رَأسُ العَقلِ بَعدَ الإِيمانِ بِاللّهِ عز و جل التَّحَبُّبُ إلَى النّاسِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :رَأسُ العَقلِ بَعدَ الدّينِ التَّوَدُّدُ إلَى النّاسِ ، وَاصطِناعُ الخَيرِ إلى كُلِّ بَرٍّ وفاجِرٍ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :رَأسُ العَقلِ المُداراةُ. (6)
.
ص: 325
عنه صلى الله عليه و آله :رَأسُ العَقلِ بَعدَ الإِيمانِ بِاللّهِ مُداراةُ النّاسِ في غَيرِ تَركِ حَقٍّ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :التَّثَبُّتُ رَأسُ العَقلِ ، وَالحِدَّةُ رَأسُ الحُمقِ. (2)
الإمام الحسن عليه السلام :رَأسُ العَقلِ مُعاشَرَةُ النّاسِ بِالجَميلِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :رَأسُ العَقلِ مُجاهَدَةُ الهَوى. (4)
عنه عليه السلام :ضادُّوا الهَوى بِالعَقلِ. (5)
عنه عليه السلام :مَن غَلَبَ عَقلُهُ هَواهُ أفلَحَ. (6)
عنه عليه السلام :مَن غَلَبَ عَقلُهُ شَهوَتَهُ وحِلمُهُ غَضَبَهُ كانَ جَديرا بِحُسنِ السّيرَةِ. (7)
عنه عليه السلام :داوُوا الغَضَبَ بِالصَّمتِ ، وَالشَّهوَةَ بِالعَقلِ. (8)
عنه عليه السلام :قاتِل هَواكَ بِعَقلِكَ تَملِك رُشدَكَ. (9)
عنه عليه السلام :الحِلمُ غِطاءٌ ساتِرٌ ، وَالعَقلُ حُسامٌ قاطِعٌ ، فَاستُر خَلَلَ خُلُقِكَ بِحِلمِكَ ، وقاتِل هَواكَ بِعَقلِكَ. (10)
.
ص: 326
عنه عليه السلام :الحَذَرَ الحَذَرَ أيُّهَا المُستَمِعُ ! وَالجِدَّ الجِدَّ أيُّهَا العاقِلُ ! ولا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبيرٍ. (1)
عنه عليه السلام :لَقَد أخطَأَ العاقِلُ اللّاهِي الرُّشدَ ، وأصابَهُ ذُو الاِجتِهادِ وَالجِدِّ. (2)
عنه عليه السلام :حَقٌّ عَلَى العاقِلِ العَمَلُ لِلمَعادِ وَالاِستِكثارُ مِنَ الزّادِ. (3)
عنه عليه السلام :حَقٌّ عَلَى العاقِلِ أن يَستَديمَ الاِستِرشادَ ويَترُكَ الاِستِبدادَ. (4)
عنه عليه السلام :يَنبَغي لِلعاقِلِ أن لا يَخلُوَ في كُلِّ حالَةٍ عَن طاعَةِ رَبِّهِ ومُجاهَدَةِ نَفسِهِ. (5)
عنه عليه السلام :يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يَكتَسِبَ بِمالِهِ المَحمَدَةَ ، ويَصونَ نَفسَهُ عَنِ المَسأَلَةِ. (6)
عنه عليه السلام :يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يُكثِرَ مِن صُحبَةِ العُلَماءِ وَالأَبرارِ ، ويَجتَنِبَ مُقارَنَةَ الأَشرارِ وَالفُجّارِ. (7)
عنه عليه السلام :يَنبَغي لِلعاقِلِ إذا عَلَّمَ أن لا يَعنُفَ ، وإذا عُلِّمَ أن لا يَأنَفَ. (8)
عنه عليه السلام :يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يُخاطِبَ الجاهِلَ مُخاطَبَةَ الطَّبيبِ المَريضَ. (9)
عنه عليه السلام :يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يَلمَحَ وَجهَهُ فِي المِرآةِ ، فَإِن كانَ حَسَنا فَلا يَخلِطهُ بِعَمَلِ القَبيحِ فَيَجمَعَ بَينَ الحَسَنِ وَالقَبيحِ (10) ، وإن كانَ قَبيحا فَلا يَعمَل قَبيحا فَيَكونَ قَد
.
ص: 327
جَمَعَ بَينَ القَبيحَينِ. (1)
عنه عليه السلام :يَنبَغي لِلعاقِلِ إذا أصابَتهُ نَكبَةٌ أن يَنامَ لَها حَتّى تَنقَضِيَ مُدَّتُها ، فَإِنَّ في رَفعِها قَبلَ انقِضاءِ مُدَّتِها زِيادَةً في مَكروهِها. (2)
عنه عليه السلام :يَنبَغي أن يَكونَ عِلمُ الرَّجُلِ زائِدا عَلى نُطقِهِ ، وعَقلُهُ غالِبا عَلى لِسانِهِ. (3)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يَستَعمِلَ فيما يَلتَمِسُهُ الرِّفقَ ومُجانَبَةَ الهَذَرِ. (4)
عنه عليه السلام_ أيضا _: يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يَتَذَكَّرَ عِندَ حَلاوَةِ الغِذاءِ مَرارَةَ الدَّواءِ. (5)
عنه عليه السلام_ أيضا _: يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يَمنَعَ مَعروفَهُ الجاهِلَ وَاللَّئيمَ وَالسَّفيهَ . أمَّا الجاهِلُ فَلا يَعرِفُ المَعروفَ ولا يَشكُرُ عَلَيهِ ، وأمَّا اللَّئيمُ فَأَرضٌ سَبخَةٌ لا تُنبِتُ ، وأمَّا السَّفيهُ فَيَقولُ : إنَّما أعطاني فَرَقا مِن لِساني. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يَكونَ صَدوقا لِيُؤمَنَ عَلى حَديثِهِ ، وشَكورا لِيَستَوجِبَ الزِّيادَةَ. (7)
الإمام عليّ عليه السلام :لِلعاقِلِ في كُلِّ عَمَلٍ إحسانٌ ، لِلجاهِلِ في كُلِّ حالَةٍ خُسرانٌ. (8)
عنه عليه السلام :لِلعاقِلِ في كُلِّ عَمَلٍ اِرتِياضٌ. (9)
.
ص: 328
عنه عليه السلام :لِلعاقِلِ في كُلِّ كَلِمَةٍ نُبلٌ. (1)
عنه عليه السلام :عَلَى العاقِلِ أن يُحصِيَ عَلى نَفسِهِ مَساوِيَها فِي الدّينِ وَالرَّأيِ وَالأَخلاقِ وَالأَدَبِ ، فَيَجمَعَ ذلِكَ في صَدرِهِ أو في كِتابٍ ويَعمَلَ في إزالَتِها. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :عَلَى العاقِلِ طَلَبُ العِلمِ وَالأَدَبِ الَّذي لا قِوامَ لَهُ إلّا بِهِ. (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :يَنبَغي لِلعاقِلِ إذا عَمِلَ عَمَلًا أن يَستَحيِيَ مِنَ اللّهِ ، وإذا (4) تَفَرَّدَ لَهُ بِالنِّعَمِ أن يُشارِكَ في عَمَلِهِ أحَدا غَيرَهُ. (5)
الإمام الرضا عليه السلام :يَنبَغي لِمَن عَقَلَ عَنِ اللّهِ أن لا يَتَّهِمَ اللّهَ في قَضائِهِ ولا يَستَبطِئَهُ في رِزقِهِ. (6)
7 / 4ما لا يَنبَغي لِلعاقِلِالإمام عليّ عليه السلام :لا يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يُظهِرَ سُرورا بِرَجاءٍ ؛ لِأَنَّ الرَّجاءَ غُرورٌ. (7)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: لَيسَ يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يَطلُبَ طاعَةَ غَيرِهِ وطاعَةُ نَفسِهِ عَلَيهِ مُمتَنِعَةٌ. (8)
.
ص: 329
عنه عليه السلام :لا يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يُقيمَ عَلَى الخَوفِ إذا وَجَدَ إلَى الأَمنِ سَبيلًا. (1)
عنه عليه السلام :عَجَبا لِلعاقِلِ كَيفَ يَنظُرُ إلى شَهوَةٍ يُعقِبهُ النَّظَرُ إلَيها حَسرَةً ! (2)
عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ لِشُرَيحِ بنِ الحارِثِ _: بَلَغَني أنَّكَ ابتَعتَ دارا بِثَمانينَ دينارا ، وكَتَبتَ لَها كِتابا ، وأشهَدتَ فيهِ شُهودا . يا شُرَيحُ ، أما إنَّهُ سَيَأتيكَ مَن لا يَنظُرُ في كِتابِكَ ولا يَسأَلُكَ عَن بَيِّنَتِكَ ، حَتّى يُخرِجَكَ مِنها شاخِصا ويُسلِمَكَ إلى قَبرِكَ خالِصا . فَانظُر يا شُرَيحُ لا تَكونُ ابتَعتَ هذِهِ الدّارَ مِن غَيرِ مالِكَ ، أو نَقَدتَ الثَّمَنَ مِن غَيرِ حَلالِكَ ، فَإِذا أنتَ قَد خَسِرتَ دارَ الدُّنيا ودارَ الآخِرَةِ ! أما إنَّكَ لَو كُنتَ أتَيتَني عِندَ شِرائِكَ مَا اشتَرَيتَ لَكَتَبتُ لَكَ كِتابا عَلى هذِهِ النُّسخَةِ فَلَم تَرغَب في شِراءِ هذِهِ الدّارِ بِدِرهَمٍ فَما فَوقُ ! وَالنُّسخَةُ هذِهِ : «هذا مَا اشتَرى عَبدٌ ذَليلٌ مِن مَيِّتٍ قَد اُزعِجَ لِلرَّحيلِ ، اشتَرى مِنهُ دارا مِن دارِ الغُرورِ ، مِن جانِبِ الفانينَ وخِطَّةِ الهالِكينَ . وتَجمَعُ هذِهِ الدّارَ حُدودٌ أربَعَةٌ : الحَدُّ الأَوَّلُ يَنتَهي إلى دَواعِي الآفاتِ ، وَالحَدُّ الثّاني يَنتَهي إلى دَواعِي المُصيباتِ ، وَالحَدُّ الثّالِثُ يَنتَهي إلَى الهَوَى المُردي ، وَالحَدُّ الرّابِعُ يَنتَهي إلَى الشَّيطانِ المُغوي ، وفيهِ يُشرَعُ بابُ هذِهِ الدّارِ . اِشتَرى هذَا المُغتَرُّ بِالأَمَلِ مِن هذَا المُزعَجِ بِالأَجَلِ هذِهِ الدّارَ بِالخُروجِ مِن عِزِّ القَناعَةِ وَالدُّخولِ في ذُلِّ الطَّلَبِ وَالضَّراعَةِ ، فَما أدرَكَ هذَا المُشتَري فيمَا اشتَرى مِنهُ مِن دَرَكٍ فَعَلى مُبَلبِلِ أجسامِ المُلوكِ ، وسالِبِ نُفوسِ الجَبابِرَةِ ، ومُزيلِ مُلكِ الفَراعِنَةِ ، مِثلِ كِسرى وقَيصَرَ ، وتُبَّعٍ وحِميَرَ ، ومَن جَمَعَ المالَ عَلَى المالِ فَأَكثَرَ ، ومَن بَنى وشَيَّدَ ، وزَخرَفَ ونَجَّدَ ، وَادَّخَرَ وَاعتَقَدَ ، ونَظَرَ بِزَعمِهِ لِلوَلَدِ ، إشخاصُهُم جَميعا إلى مَوقِفِ العَرضِ وَالحِسابِ ومَوضِعِ الثَّوابِ
.
ص: 330
وَالعِقابِ : إذا وَقَعَ الأَمرُ بِفَصلِ القَضاءِ «وَ خَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِ_لُونَ» (1) ، شَهِدَ عَلى ذلِكَ العَقلُ إذا خَرَجَ مِن أسرِ الهَوى ، وسَلِمَ مِن عَلائِقِ الدُّنيا». (2)
الإمام الصادق عليه السلام :ثَلاثَةُ أشياءَ لا يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يَنساهُنَّ عَلى كُلِّ حالٍ : فَناءُ الدُّنيا ، وتَصَرُّفُ الأَحوالِ ، وَالآفاتُ الَّتي لا أمانَ لَها. (3)
.
ص: 331
القسم الثالث: الجه_لالمدخلالفصل الأوّل : التحذير من الجهلالفصل الثّاني : أصناف الجهّالالفصل الثّالث : علامات الجهلالفصل الرابع : أحكام الجاهلالفصل الخامس : الجاهليّة الاُولىالفصل السادس : الجاهليّة الاُخرىالفصل السابع : ختام الجاهليّة
.
ص: 332
. .
ص: 333
تحقيق في معنى الجهليُستخلص ممّا طرحه الإسلام في شتّى أبواب نظريّة المعرفة أنّ هذا الدين الإلهيّ قد أعار _ قبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء _ أهمّيّة قصوى للفكر والوعي والمعرفة من أجل بناء المجتمع الفاضل الذي يصبو إليه ، وحذّر من مغبّة الجهل وتعطيل الفكر . فالإسلام يرى في الجهل آفة تهدّد ازدهار الإنسانيّة ، ومصدرا لكلّ المفاسد الفرديّة والاجتماعيّة (1) ، وما لم تستأصل هذه الآفة لا يتسنّى للفضيلة أن تسود ، ولا يتحقّق المجتمع الإنسانيالمنشود . فهذا الدين يعتبر الجهل سبب كلّ شرّ ، وأنّه أكبر وبال ، وأفتك الأمراض ، وأعدى الأعداء ، وأنّ الجاهل شرّ الدوابّ ، بل هو ميّتٌ بين الأحياء . ومن أجل الاستيعاب الصحيح لمعاني الآيات والأحاديث الواردة في ذمّ الجهل والجاهل وصفاته وأحكامه وضرورة القضاء على الجهل ، لابدّ _ ابتداءً _ من معرفة المعنى المراد منه .
.
ص: 334
وهل كلّ جهل _ في رأي الإسلام _ مذموم وخطير ، أم الجهل بمعناه الخاصّ ؟ وإذا كان الشقّ الثاني من السؤال هو الصحيح ، فلابدّ من تحديد طبيعة ذلك الجهل . فأيّ جهل يعتبر مصدرا لكلّ الشرور؟ وأيّ جهل يعدّ الوبال الأكبر؟ وأيّ جهل ذاك الذي يحتسب كأفتك الأمراض وأعتاها؟ وأيّ جهل هو الفقر الأكبر؟ وأيّ جهل هو أعدى الأعداء؟ وأيّ جاهل ذاك الذي نعته القرآن الكريم ب «شرّ الدوابّ» ووصفه الإمام عليّ عليه السلام ب «الميّت بين الأحياء» .
مفاهيم الجهلهنالك أربعة معانٍ للجهل المذموم ، هي : أوّلًا : مطلق الجهل . ثانيا : الجهل بعموم العلوم والمعارف المفيدة البنّاءة . ثالثا : الجهل بأهمّ المعارف الضروريّة للإنسان . رابعا : الجهل كقوّة مقابلة للعقل . وإليك في ما يليتوضيحا لهذه المعاني :
1 . مطلق الجهلعلى الرغم ممّا يتبادر إلى الذهن في الوهلة الاُولى من أنّ مطلق الجهل ضارّ ومذموم ، لكن يتّضح من خلال التأمّل أنّه ليس كلّ جهلٍ مذموما ولا كلّ علم
.
ص: 335
محمودا ، بل إنّ العلم شطر منه نافع بنّاء ، وشطر منه ضارّ مهلك ، ولهذا السبب حرّم الإسلام السعي لإدراك كنه بعض الاُمور والخفايا . وقد ورد مزيد من الإيضاحات لهذا الموضوع في الأحاديث المنقولة في باب «أحكام الجاهل» في هذا الفصل ، وفي الفقرة «ما يحرم تعلّمه» من أحكام التعلّم (1) ، وكذا في الفقرة «السؤال عمّا قد يضرّ جوابه» من آداب السؤال . (2)
2 . الجهل بالمعارف المفيدةلا ريب في أنّ الإسلام ينظر بعين الاحترام إلى جميع العلوم والمعارف المفيدة ويدعو إلى تعلّمها ، بل ويوجب ذلك فيما إذا كان المجتمع بحاجة إليها ولم يوجد مَن به الكفاية لأدائها. (3) إلّا أنّ هذا لا يعني بطبيعة الحال أنّ الجهل بكلّ هذه العلوم مذموم بالنسبة للجميع . وبعبارة اُخرى ، تدخل الآداب ، والصرف ، والنحو ، والمنطق ، والكلام ، والفلسفة ، والرياضيات ، والفيزياء ، والكيمياء ، وسائر العلوم والفنون الاُخرى في خدمة الإنسان ، وتحظى باحترام الدين الإسلاميّ ، بيد أنّه لا يمكن النظر إلى الجهل بكلّ هذه العلوم كمصدر لجميع الشرور ، واعتباره أشدّ المصائب ، وأعضَل الأدواء ، وألدّ الأعداء ، وأكبر صور الإملاق ، وأنّ كلّ من يجهل هذه العلوم أو بعضها هو شرّ الدواب ، وميّت بين الأحياء .
.
ص: 336
3 . الجهل بالمعارف الضروريّة للإنسانإنّ المعارف والعلوم التي تهيّئ للإنسان معرفة بدايته وغايته وتكشف له عن سبيل بلوغ الحكمة من وجوده ، تدخل في إطار أهمّ المعارف الضروريّة لحياته . فالإنسان لابدّ له أن يعرف كيف ظهر إلى الوجود ؟ وما الغاية من خلقه ؟ وكيف له العمل حتّى يصل إلى الحكمة المرجوّة من وجوده ؟ وما مصيره ؟ وما المخاطر التي تهدّده؟ والمعارف التي تتكفّل بالإجابة عن هذه الاستفسارات هيتراث الأنبياء ، هذه المعارف مبدأ لكلّ خير ، وتمهّد السبيل لازدهار العقل العمليّ وجوهر العلم ، والجهل بهذه المعارف يوقع المجتمع الإنساني في أشدّ المصائب والمحن ، ومن الطبيعيّ أنّ تعلّم مثل هذه المعارف لا يجدي نفعا بمفرده ، وإنّما هي ذات فاعليّة فيما لو كبح العقل جماح المفهوم الرابع للجهل ، وهو ما نبيّنه فيما يأتي .
4 . القوّة المقابلة للعقلإنّ النصوص الإسلاميّة تطرح للجهل مفهوما رابعا ، وهو _ خلافا للمعاني السابقة _ أمر وجوديّ لا عدميّ ، وذلك هو الشعور الخفيّ الذي يقع في مقابل العقل ، وهو بطبيعة الحال _ شأنه كشأن العقل _ مخلوق من قبل الباري تعالى (1) ، وله آثار ومقتضيات تُسمّى ب «جنود الجهل» تقع في مقابل «جنود العقل». (2) أمّا سبب تسمية هذه القوّة بالجهل فلوقوعها في مقابل العقل تماما ، ولهذه القوّة تسميات اُخرى أيضا مرّ بيانها في مبحث خلق العقل .
.
ص: 337
وكما جاء في الباب الأوّل من «علامات العقل» فقد اعتبرت جميع أنواع الحسن والجمال الاعتقاديّ والأخلاقيّ والعمليّ ، كالخير ، والعلم ، والمعرفة ، والحكمة ، والإيمان ، والعدل ، والإنصاف ، والاُلفة ، والرحمة ، والمودّة ، والرأفة ، والبركة ، والقناعة والسخاء ، والأمانة ، والشهامة ، والحياء ، والنظافة ، والرجاء ، والوفاء ، والصدق ، والحلم ، والصبر ، والتواضع ، والغنى ، والنشاط ، من جنود العقل . وفي مقابل هذا اعتبرت جميع القبائح الاعتقاديّة والأخلاقيّة والعمليّة ، كالشرّ والجهل (1) ، والحمق ، والكفر ، والجور ، والفرقة ، والقسوة ، والقطيعة ، والعداوة ، والبغض ، والغضب ، والمحق ، والحرص ، والبخل ، والخيانة ، والبلادة ، والجلع ، والتهتّك ، والقذر ، واليأس ، والغدر ، والكذب ، والسفه ، والجزع ، والتكبّر ، والفقر ، والكسل ، من جنود الجهل . والإنسان حرّ في اختيار أيّ واحدة من هاتين القوّتين واتّباعها وتنميتها . فهو قادر على اتّباع قوّة العقل ، ويمكنه بإحيائها إماتة الجهل والشهوة والنفس الأمّارة (2) ، وباستطاعته أن يبلغ الغاية العليا للإنسانيّة ويصبح خليفة للّه عن طريق تنمية جنود العقل ومقتضياته ، كما ويتسنّى له عبر الانقياد لقوّة الجهل وتنمية جنود الجهل ومقتضياته السقوط في أسفل سافلين. (3) تتجلّى ممّا سبق ذكره نقطتان تسترعيان الاهتمام ، وهما :
.
ص: 338
نقطتان تسترعيان الاهتمام1 . أخطر الجهلالنقطة الاُولى هي أنّ الإسلام على الرغم من شدّة محاربته للجهل وخاصّة بمفهومه الثالث ، إلّا أنّه يعتبر أخطر أنواعه هو نوعه الرابع ؛ أي اختيار السبيل الذي تدعو قوى الجهل الإنسانَ إليه واتّباعه ؛ لأنّ الإنسان إذا سلك النهج الذي يرسمه له العقل فسيحظى من غير شكّ بالتسديد والهداية من العلم والحكمة وسائر جنود العقل لبلوغ مبدأ الإنسانيّة وغايتها ، واكتساب جميع المعارف المفيدة البنّاءة ، ويصل على قدر استعداده وجهده إلى الحكمة من وراء خلقه . أمّا إذا اختار الإنسان طريقا من الطرق التي يقتضيها الجهل ، وأغلق جنودُ الجهل أمام وجهه سبيلَ إدراك المعارف البنّاءة والحقائق السامية التي تبصّره بالغاية العليا للإنسانيّة ، فإنّه في مثل هذه الحالة سيهلك بمرض الجهل حتّى لو كان أعلم العلماء على وجه الأرض ، ولن ينفعه علمه في هدايته «وَ أضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ» . (1) وعلى هذا الأساس ، حينما يطرح موضوع «الجهل» على بساط البحث ، يتركّز محور الحديث عادة حول مفهومه الرابع ، ثمّ تتدرّج من بعده سائر مفاهيم الجهل الاُخرى وفقا لأهمّيّة كلّ منها .
2 . المواجهة بين العقل والجهلإنّ القضيّة المهمّة الاُخرى هي إيضاح السرّ الكامن وراء المجابهة بين العقل والجهل في النصوص الإسلاميّة .
.
ص: 339
والسؤال الذي يثار في هذا الصدد يستهدف معرفة السبب الذي جعل النصوص الإسلاميّة _ ومن جملتها كتب الحديث _ تضع الجهل في مقابل العقل ، خلافا للنهج المتعارف الذي يضع الجهل كعنصر مقابل للعلم . فأنت حينما تراجع كتب الحديث لا تجد فيها عنوان «العلم والجهل» ، خلافا لعنوان «العقل والجهل» الذيتجده عادة في معظم الكتابات التفصيليّة أو كلِّها، والسرّ الكامن وراء ذلك هو أنّ الإسلام يعتبر الجهل بمفهومه الرابع _ وهو أمر وجوديّ ويقف في مقابل العقل _ أخطر من الجهل بمفهومَيه الثاني والثالث ، وهو أمر عدميّ ويقف في مقابل العلم . وبعبارة اُخرى : تدلل المواجهة بين العقل والجهل في النصوص الإسلاميّة على أنّ الجهل الذي هو في مواجهة العقل أخطر من الجهل الذي هو في مواجهة العلم ، وما لم تُستأصل جذور هذا الجهل من المجتمع لا يغنيه شيئا اقتلاع جذور الجهل المقابل للعلم ، وهذه نقطة في غاية الظرافة والدقّة ، فافهم واغتنم .
.
ص: 340
. .
ص: 341
الفصل الأوّل : التحذير من الجهل1 / 1ذَمُّ الجَهلِالكتاب«إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أن يَحْمِلْنَهَا وَ أشْفَقْنَ مِنْهَا وَ حَمَلَهَا الْاءِنسَ_نُ إنَّهُ كَانَ ظَ_لُوما جَهُولًا» . (1)
أ _ أعظَمُ المَصائِبِالحديثالإمام عليّ عليه السلام :أعظَمُ المَصائِبِ الجَهلُ. (2)
عنه عليه السلام :مِن أشَدِّ المَصائِبِ غَلَبَةُ الجَهلِ. (3)
عنه عليه السلام :شَرُّ المَصائِبِ الجَهلُ. (4)
.
ص: 342
الإمام الصادق عليه السلام :لا مُصيبَةَ أعظَمُ مِنَ الجَهلِ. (1)
ب _ أسوَأُ السُّقمِالإمام عليّ عليه السلام :أسوَأُ السُّقمِ الجَهلُ. (2)
عنه عليه السلام :الجَهلُ أدوَأُ الدّاءِ. (3)
عنه عليه السلام :لا داءَ أعيى مِنَ الجَهلِ. (4)
عنه عليه السلام :الجَهلُ داءٌ وعَياءٌ. (5)
عنه عليه السلام :الجَهلُ فِي الإِنسانِ أضَرُّ مِنَ الآكِلَةِ فِي البَدَنِ. (6)
ج _ أشَدُّ الفَقرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، لا فَقرَ أشَدُّ مِنَ الجَهلِ ، ولا مالَ أعوَدُ مِنَ العَقلِ. (7)
الإمام عليّ عليه السلام :لا غِنى كَالعَقلِ ، ولا فَقرَ كَالجَهلِ. (8)
.
ص: 343
عنه عليه السلام :لا غِنى لِجاهِلٍ. (1)
د _ أضَرُّ الأَعداءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :صَديقُ كُلِّ امرِىً عَقلُهُ ، وعَدُوُّهُ جَهلُهُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن لَم يَنفَعهُ فِقهُهُ ضَرَّهُ جَهلُهُ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :لا عَدُوَّ أضَرُّ مِنَ الجَهلِ. (4)
عنه عليه السلام :الجَهلُ أنكى عَدُوٍّ. (5)
الإمام العسكريّ عليه السلام :الجَهلُ خَصمٌ ، وَالحِلمُ حُكمٌ. (6)
ه _ أشيَنُ سَوءَةٍالإمام عليّ عليه السلام :لا سَوءَةَ أشيَنُ مِنَ الجَهلِ. (7)
عنه عليه السلام :كَفى بِالجَهلِ ذَمًّا أن يَبرَأ مِنهُ مَن هُوَ فيهِ ! (8)
.
ص: 344
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: ما أقبَحَ بِالصَّبيحِ الوَجهِ أن يَكونَ جاهِلًا ! كَدارٍ حَسَنَةِ البِناءِ وساكِنُها شَرٌّ ، وكَجَنَّةٍ يَعمُرُها بومٌ ، أو صِرمَةٍ يَحرُسُها ذِئبٌ. (1)
1 / 2ذَمُّ الجاهِلِالكتاب«إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَا استَرذَلَ اللّهُ تَعالى عَبدا إلّا حَظَرَ عَلَيهِ العِلمَ وَالأَدَبَ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :إذا أرذَلَ اللّهُ عَبدا حَظَرَ عَلَيهِ العِلمَ. (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :قَلبٌ لَيسَ فيهِ شَيءٌ مِنَ الحِكمَةِ كَبَيتٍ خَرِبٍ ، فَتَعَلَّموا وعَلِّموا ، وتَفَقَّهوا ولا تَموتوا جُهّالًا ، فَإِنَّ اللّهَ لا يَعذِرُ عَلَى الجَهلِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :الزّاهِدُ الجاهِلُ مَسخَرَةُ الشَّيطانِ. (6)
الإمام عليّ عليه السلام :عِظَمُ الجَسَدِ وطُولُهُ لا يَنفَعُ إذا كانَ القَلبُ خاوِيا. (7)
عنه عليه السلام :أبغَضُ الخَلائِقِ إلَى اللّهِ تَعالى الجاهِلُ ؛ لِأَنَّهُ حَرَمَهُ ما مَنَّ بِهِ عَلى خَلقِهِ وهُوَ العَقلُ. (8)
.
ص: 345
عنه عليه السلام :عَمَلُ الجاهِلِ وَبالٌ ، وعِلمُهُ ضَلالٌ. (1)
عنه عليه السلام :أشقَى النّاسِ الجاهِلُ. (2)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ مَيِّتٌ بَينَ الأَحياءِ. (3)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ صَغيرٌ وإن كانَ شَيخا ، وَالعالِمُ كَبيرٌ وإن كانَ حَدَثا. (4)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ صَخرَةٌ لا يَنفَجِرُ ماؤُها ، وشَجَرَةٌ لا يَخضَرُّ عودُها ، وأرضٌ لا يَظهَرُ عُشبُها. (5)
عنه عليه السلام :لِلجاهِلِ في كُلِّ حالَةٍ خُسرانٌ. (6)
عنه عليه السلام :كُلُّ جاهِلٍ مَفتونٌ. (7)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ حَيرانُ. (8)
عنه عليه السلام :سُلطانُ الجاهِلِ يُبدي مَعايِبَهُ. (9)
عنه عليه السلام :نِعمَةُ الجاهِلِ كَرَوضَةٍ عَلى مَزبَلَةٍ. (10)
عنه عليه السلام :كُلَّما حَسُنَت نِعمَةُ الجاهِلِ ازدادَ قُبحا فيها. (11)
.
ص: 346
عنه عليه السلام :دولَةُ الجاهِلِ كَالغَريبِ المُتَحَرِّكِ إلَى النُّقلَةِ. (1)
عنه عليه السلام :مَن لا عَقلَ لَهُ لا تَرتَجيهِ. (2)
عنه عليه السلام :لِسانُ البَرِّ يَأبى سَفَهَ الجُهّالِ. (3)
عنه عليه السلام :لا يَردَعُ الجَهولَ إلّا حَدُّ الحُسامِ. (4)
عنه عليه السلام_ في ذَمِّ أهلِ البَصرَةِ بَعدَ وَقعَةِ الجَمَلِ _: أرضُكُم قَريبَةٌ مِنَ الماءِ ، بَعيدَةٌ مِنَ السَّماءِ ، خَفَّت عُقولُكُم ، وسَفِهَت حُلومُكُم ، فَأَنتُم غَرَضٌ لِنابِلٍ ، واُكلَةٌ لِاكِلٍ ، وفَريسَةٌ لِصائِلٍ. (5)
عنه عليه السلام : لا تَصحَب أخَا الجَهلِ وإيّاكَ وإيّاهُ فَكَم مِن جاهِلٍ أردى حَليما حينَ آخاهُ (6)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ قَلبا لَيسَ فيهِ شَيءٌ مِنَ العِلمِ كَالبَيتِ الخَرابِ الَّذي لا عامِرَ لَهُ. (7)
الإمام العسكريّ عليه السلام :رِياضَةُ الجاهِلِ ورَدُّ المُعتادِ عَن عادَتِهِ كَالمُعجِزِ. (8)
.
ص: 347
لقمان عليه السلام :لَأَن يَضرِبَكَ الحَكيمُ فَيُؤذِيَكَ خَيرٌ مِن أن يُدهِنَكَ الجاهِلُ بِدُهنٍ طَيِّبٍ. (1)
راجع: ص 219 (التحذير من ترك التعقّل) .
1 / 3النَّوادِررسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما أعَزَّ اللّهُ بِجَهلٍ قَطُّ ، ولا أذَلَّ بِحِلمٍ قَطُّ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الجَهلُ بِالفَضائِلِ مِن أقبَحِ الرَّذائِلِ. (3)
عنه عليه السلام :الجَهلُ وَالبُخلُ مَساءَةٌ ومَضَرَّةٌ. (4)
عنه عليه السلام :لا قَرينَ شَرٌّ مِنَ الجَهلِ. (5)
عنه عليه السلام :الجَهلُ وَبالٌ. (6)
عنه عليه السلام :لا يَزكو مَعَ الجَهلِ مَذهَبٌ. (7)
عنه عليه السلام :إنَّكُم لَن تُحَصِّلوا بِالجَهلِ أرَبا ، ولَن تَبلُغوا بِهِ مِنَ الخَيرِ سَبَبا ، ولَن تُدرِكوا بِهِ مِنَ الآخِرَةِ مَطلَبا. (8)
عنه عليه السلام :إنَّ الزُّهدَ فِي الجَهلِ بِقَدرِ الرَّغبَةِ فِي العَقلِ. (9)
.
ص: 348
. .
ص: 349
الفصل الثّاني : أصناف الجهّالالإمام عليّ عليه السلام :الرِّجالُ أربَعَةٌ : رَجُلٌ يَدري ويَدري أنَّهُ يَدري فَذاكَ عالِمٌ فَاسأَلوهُ ، ورَجُلٌ لا يَدري ويَدري أنَّهُ لا يَدري فَذاكَ مُستَرشِدٌ فَأَرشِدوهُ ، ورَجُلٌ لا يَدري ولا يَدري أنَّهُ لا يَدري فَذاكَ جاهِلٌ فَارفُضوهُ ، ورَجُلٌ يَدري ولا يَدري أنَّهُ يَدري فَذاكَ نائِمٌ فَأَنبِهوهُ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :الرِّجالُ أربَعَةٌ : رَجُلٌ يَعلَمُ ويَعلَمُ أنَّهُ يَعلَمُ فَذاكَ عالِمٌ فَتَعَلَّموا مِنهُ ، ورَجُلٌ يَعلَمُ ولا يَعلَمُ أنَّهُ يَعلَمُ فَذاكَ نائِمٌ فَأَنبِهوهُ ، ورَجُلٌ لا يَعلَمُ ويَعلَمُ أنَّهُ لا يَعلَمُ فَذاكَ جاهِلٌ فَعَلِّموهُ ، ورَجُلٌ لا يَعلَمُ ولا يَعلَمُ أنَّهُ لا يَعلَمُ فَذاكَ أحمَقٌ فَاجتَنِبوهُ. (2)
.
ص: 350
. .
ص: 351
توضيح حول أنواع الجهلوكما أشارت الرواية الأخيرة فإنّ للإنسان في معرفة الحقائق أربع حالات ، لكلّ واحدة منها أحكامها وتكاليفها الخاصّة على الفرد والمجتمع . وهذه الحالات هي :
1 . العلمإنّ الحالة الاُولى هي العلم ؛ فمن يعلم ويعلم أنّه يعلم يقال له : عالم . وجدير بمثل هذا الشخص أن يكون معلّما لغيره ، وواجبه أن يكون معلّما ، وعلى الآخرين أن يتعلّموا منه ويسألوه ، «فَسْ_ئلُواْ أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» . (1)
2 . الغفلةوهي الحالة الثانية ، والغافل هو من يعلم ولا يعلم أنّه يعلم ، وهنا يجب على الواعين إيقاظه من نومة الغفلة ، «فَذاكَ نائِمٌ فَأَنبِهوهُ» ، «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» . (2)
.
ص: 352
3 . الجهل البسيطوهو الحالة الثالثة ، والجاهل هو من لا يعلم شيئا ؛ سواء كان يعلم أنّه لا يعلم أو لا يعلم أنّه لا يعلم ، وعلى كلّ الأحوال فإنّ على العالم تعليمه ، وعليه التعلّم ، وتشمله الآية الكريمة «فَسْ_ئلُواْ أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» .
4 . الجهل المركّبإنّ الحالة الرابعة هيالجهل المركّب الذي يتألّف من جهلين هما : عدم العلم ، وتوهّم العلم ، والجاهل المصاب بهذا الجهل لا يعلم ويتوهّم أنّه يعلم ، ويبدو أنّه المقصود بالجملة القائلة : «لا يَعلَمُ ، ولا يَعلَمُ أنَّهُ لا يَعلَمُ» ، وكذلك «لا يَدري ، ولا يَدري أنَّهُ لا يَدري» الواردة في روايتي هذا الفصل ، ولهذا صرّح الإمام عليّ عليه السلام أنّ واجب الآخرين إزاء مثل هذا الجاهل هو الرفض «فَذاكَ جاهِلٌ فَارفُضوهُ» ، وأمر الإمام الصادق عليه السلام الناس باجتنابه بقوله : «فَذاكَ أحمَقُ فَاجتَنِبوهُ» .
داء بلا دواء 1إنّ السؤال الذي يُثار هنا يرمي إلى تقصّي السبب الذي جعل الأحاديث _ الواردة في هذا الباب بشأن التعامل مع أصناف الجهّال _ توجب على الواعين من أبناء المجتمع تنبيه الغافل والجاهل البسيط ، في حين لا توجب عليهم شيئا إزاء المصاب بالجهل المركّب ، بل وتحثّهم على رفضه واجتنابه ؟ وجواب ذلك : هو أنّ الجهل المركّب أخطر أنواع الجهل ،وهو في الحقيقة داء لا دواء له ، فالشخص الذي لا يعلم ويتصوّر أنّه يعلم مُصاب ببلاء خطير هو الشعور
.
ص: 353
بأنّه يعلم ، ومثل هذا المرض إذا اتّخذ طابع المرض المزمن يتعذّر علاجه . قال الإمام الصادق عليه السلام في هذا المضمار : مَن اُعجِبَ بِنَفسِهِ هَلَكَ ، ومَن اُعجِبَ بِرَأيِهِ هَلَكَ ، وإنَّ عيسَى بنَ مَريَمَ عليه السلام قالَ : داوَيتُ المَرضى فَشَفَيتُهُم بِإِذنِ اللّهِ ، وأبرَأتُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ بِإِذنِاللّهِ ، وعالَجتُ المَوتى فَأَحيَيتُهُم بِإِذنِ اللّهِ ، وعالَجتُ الأَحمَقَ فَلَم أقدِر عَلى إصلاحِهِ .فَقيلَ : يا روحَ اللّهِ ، ومَا الأَحمَقُ ؟ قالَ : المُعجَبُ بِرَأيِهِ ونَفسِهِ ، الَّذي يَرَى الفَضلَ كُلَّهُ لَهُ لا عَلَيهِ ، ويوجِبُ الحَقَّ كُلَّهُ لِنَفسِهِ ولا يوجِبُ عَلَيها حَقًّا ، فَذاكَ الأَحمَقُ الَّذي لا حيلَةَ في مُداواتِهِ. (1) يتّضح في ضوء هذا التفسير أنّ الأحمق الحقيقيّ ليس المصاب بعاهة في دِماغه ويعجز عن إدراك الاُمور بسبب مرض جسديّ ؛ لأنّ مثل هذا المريض حتّى وإن استعصى علاجه بالطرق الطبيعيّة للمداواة ، يمكن معالجته بطرق الإعجاز .وإنّما الأحمق الحقيقيّ هو من يتمتّع بدماغ سالم ، إلّا أنّ مرض العجب والإحساس بأنّه يعلم هو الذي يفسد عليه عقله ، ويحلّ موته العقليّ نتيجة عدم استجابته لدعوة العقل العمليّ ، وميّتٌ كهذا يستحيل علاجه ، وحتّى النبيّ عيسى عليه السلام بإعجازه عيي عن مداواته . كان عليه السلام يعالج أنواع الأمراض البدنيّة بإذن اللّه وبدون أدوات ومواد طبّيّة ، وفوق ذلك كان يعالج الميّتة أجسامهم بالإحياء ، لكنّه عجز عن إحياء العقل الميّت ، وما من نبيّ له مثل هذه المقدرة . وقد خاطب القرآن الكريم خاتم الأنبياء محمّد صلى الله عليه و آله بقوله :
.
ص: 354
«فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَ لَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ» . (1) فالفكر عندما يموت لا يعود المرء يدرك شيئا من الدنيا إلّا ظاهرها ، ويتوهّم أنّ ما يفهمه منها هو الصحيح لا غير : «يَعْلَمُونَ ظَ_هِرا مِّنَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ عَنِ الْاخِرَةِ هُمْ غَ_فِلُونَ» . (2) وهنا لا جدوى لتعليم الميّت ، ومن يصاب بموت الفكر يستحيل إلى أخطر كائن حيّ ، أو كما وصفه القرآن الكريم : «إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» . ليس هذا فحسب بل سيكون الاقتراب منه أيضا مؤدّيا إلى حالة تنطوي على خطورة ؛ وذلك لأنّ مرض الفكر سريع العدوى ويحتمل أن يسري إلى الآخرين ، ومعنى هذا أنّ الناس يصبحون ملزمين باجتناب مثل هؤلاء الأشخاص والإعراض عنهم ، كما قال سبحانه وتعالى : «فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَ لَمْ يُرِدْ إلَا الْحَيَوةَ الدُّنْيَا» . (3)
.
ص: 355
الفصل الثّالث : علامات الجهل3 / 1آثارُ الجَهلِأ _ الكُفرالكتاب« وَ إذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُواْ مَا أنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا ألْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أوَ لَوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْ_ئا وَلَا يَهْتَدُونَ » . (1)
« وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَا دُعَاءً وَ نِدَاءً صُمّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ». (2)
« وَإذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلَوةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوا وَلَعِبا ذَ لِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّما يُدرَكُ الخَيرُ كُلُّهُ بِالعَقلِ ، ولا دينَ لِمَن لا عَقلَ لَهُ. (4)
.
ص: 356
عنه صلى الله عليه و آله :قِوامُ المَرءِ عَقلُهُ ، ولا دينَ لِمَن لا عَقلَ لَهُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :دينُ المَرءِ عَقلُهُ ، ومَن لا عَقلَ لَهُ لا دينَ لَهُ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :ما كَفَرَ الكافِرُ حَتّى جَهِلَ. (3)
عنه عليه السلام :الكافِرُ خَبٌّ (4) ، لَئيمٌ ، خَؤونٌ ، مَغرورٌ ، بِجَهلِهِ مَغبونٌ. (5)
عنه عليه السلام :الكافِرُ فاجِرٌ جاهِلٌ. (6)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ إذا جَمَدَ وَجَدَ ، وإذا وَجَدَ ألحَدَ. (7)
الكافي عن عليّ بن أسباط عنهم عليهم السلام: فيما وَعَظَ اللّهُ عز و جل بِهِ عيسى عليه السلام : ... يا عيسى ، لا تُشرِك بي شَيئا . . . وكُن مَعَ الحَقِّ حَيثُما كانَ وإن قُطِّعتَ واُحرِقتَ بِالنّارِ ، فَلا تَكفُر بي بَعدَ المَعرِفَةِ ، فَلا تَكونَنَّ مِنَ الجاهِلينَ. (8)
راجع : ص 252 (معرفة اللّه ) و 252 (الدين) و 382 (الوقوف عند الشبهة) .
.
ص: 357
ب _ الشُّروررسول اللّه صلى الله عليه و آله :الجَهلُ رَأسُ الشَّرِّ كُلِّهِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الجَهلُ أصلُ كُلِّ شَرٍّ. (2)
عنه عليه السلام :الجَهلُ فَسادُ كُلِّ أمرٍ. (3)
عنه عليه السلام :بِالجَهلِ يُستَثارُ ، كُلُّ شَرٍّ. (4)
عنه عليه السلام :الجَهلُ مَعدِنُ الشَّرِّ. (5)
ج _ عَداوَةُ العِلمِ وَالعالِمِالإمام عليّ عليه السلام :النّاسُ أعداءُ ما جَهِلوا. (6)
عنه عليه السلام :مَن جَهِلَ شَيئا عاداهُ. (7)
عنه عليه السلام :مَن جَهِلَ شَيئا عابَهُ. (8)
.
ص: 358
عنه عليه السلام :مَن قَصُرَ عَن مَعرِفَةِ شَيءٍ عابَهُ. (1)
عنه عليه السلام :ما ضادَّ العُلَماءَ كَالجُهّالِ. (2)
عنه عليه السلام :لا تُعادوا ما تَجهَلونَ ، فَإِنَّ أكثَرَ العِلمِ فيما لا تَعرِفونَ. (3)
راجع : ص 388 (إنكار ما يجهل) و 249 (العلم والحكمة) .
د _ مَوتُ النَّفسِالإمام عليّ عليه السلام :الجَهلُ مُميتُ الأَحياءِ ومُخَلِّدُ الشَّقاءِ. (4)
عنه عليه السلام :الجَهلُ مَوتٌ ، التَّواني فَوتٌ. (5)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ مَيِّتٌ وإن كانَ حَيًّا. (6)
عنه عليه السلام :العالِمُ حَيٌّ بَينَ المَوتى ، الجاهِلُ مَيِّتٌ بَينَ الأَحياءِ. (7)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: الجَهلُ بِالفَضائِلِ عِدلُ المَوتِ. (8)
عنه عليه السلام :مَنِ استَحكَمَت لي فيهِ خَصلَةٌ مِن خِصالِ الخَيرِ احتَمَلتُهُ عَلَيها وَاغتَفَرتُ فَقدَ ما سِواها ، ولا أغتَفِرُ فَقدَ عَقلٍ ولا دينٍ ؛ لِأَنَّ مُفارَقَةَ الدّينِ مُفارَقَةُ الأَمنِ ، فَلا يُتَهَنَّأُ بِحَياةٍ مَعَ مَخافَةٍ ، وفَقدَ العَقلِ فَقْدُ الحَياةِ ، ولا يُقاسُ إلّا بِالأَمواتِ. (9)
.
ص: 359
ه _ مَساوِئُ الأَخلاقِالدرّ المنثور عن صالح بن مسمار :بَلَغَني أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله تَلا هذِهِ الآيَةَ «يَ_أَيُّهَا الْاءِنسَ_نُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» (1) ثُمَّ قالَ : جَهلُهُ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الحِرصُ وَالشَّرَهُ وَالبُخلُ نَتيجَةُ الجَهلِ. (3)
عنه عليه السلام :رَأسُ الجَهلِ الخُرقُ. (4)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: أنتَ العالِمُ وأنَا الجاهِلُ ، عَصَيتُكَ بِجَهلي ، وَارتَكَبتُ الذُّنوبَ بِجَهلي ، وألهَتنِي الدُّنيا بِجَهلي ، وسَهَوتُ عَن ذِكرِكَ بِجَهلي ، ورَكَنتُ إلَى الدُّنيا بِجَهلي. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :الجَهلُ في ثَلاثٍ : الكِبرِ ، وشِدَّةِ المِراءِ ، وَالجَهلِ بِاللّهِ ، فَاُولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ. (6)
الإمام عليّ عليه السلام :ما عَقَلَ مَن بَخِلَ بِإِحسانِهِ. (7)
راجع: ص 256 (مكارم الأخلاق) . و _ الفُرقَة
الكتاب« لَا يُقَ_تِلُونَكُمْ جَمِيعا إلَا فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أوْ مِن وَرَاءِ جُدُر بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعا وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ » . (8)
.
ص: 360
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :لَو سَكَتَ الجاهِلُ مَا اختَلَفَ النّاسُ. (1)
عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ لِأَهلِ الكوفَةِ _: أيُّهَا القَومُ ، الشّاهِدَةُ أبدانُهُمُ ، الغائِبَةُ عَنهُم عُقولُهُمُ ، المُختَلِفَةُ أهواؤُهُمُ ، المُبتَلى بِهِم اُمَراؤُهُم ، صاحِبُكُم يُطيعُ اللّهَ وأنتُم تَعصونَهُ ! وصاحِبُ أهلِ الشّامِ يَعصِي اللّهَ وهُم يُطيعونَهُ ! (2)
عنه عليه السلام :أيَّتُهَا النُّفوسُ المُختَلِفَةُ ، وَالقُلوبُ المُتَشَتِّتَةُ ، الشّاهِدَةُ أبدانُهُم ، وَالغائِبَةُ عَنهُم عُقولُهُم ، أظأَرُكُم عَلَى الحَقِّ وأنتُم تَنفِرونَ عَنهُ نُفورَ المِعزى مِن وَعوَعَةِ الأَسَدِ ! (3)
ز _ الزَّلَّةالإمام عليّ عليه السلام :مَن جَهِلَ مَوضِعَ قَدَمِهِ زَلَّ. (4)
عنه عليه السلام :الجَهلُ يُزِلُّ القَدَمَ ويورِثُ النَّدَمَ. (5)
عنه عليه السلام :الجَهلُ مَطِيَّةٌ شَموسٌ (6) ، مَن رَكِبَها زَلَّ ومَن صَحِبَها ضَلَّ. (7)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ كَزَلَّةِ العالِمِ صَوابُهُ. (8)
.
ص: 361
عنه عليه السلام :صَوابُ الجاهِلِ كَالزَّلَّةِ مِنَ العاقِلِ. (1)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: مَوقِعُ الصَّوابِ مِنَ الجُهّالِ مِثلُ مَوقِعِ الخَطَاَ مِنَ العُلَماءِ. (2)
ح _ الذِّلَّةالإمام عليّ عليه السلام :مَن فاتَهُ العَقلُ لَم يَعدُهُ الذُّلُّ. (3)
عنه عليه السلام :كَم مِن عَزيزٍ أذَلَّهُ جَهلُهُ ! (4)
عنه عليه السلام :ذِلَّةُ الجَهلِ أعظَمُ ذِلَّةٍ. (5)
عنه عليه السلام :كَفى بِالجَهلِ ضَعَةً ! (6)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ يَرفَعُ نَفسَهُ فَيَتَّضِعُ. (7)
عنه عليه السلام :جَهلُ الغَنِيِّ يَضَعُهُ ، وعِلمُ الفَقيرِ يَرفَعُهُ. (8)
الإمام الصادق عليه السلام :الجَهلُ ذُلٌّ. (9)
ط _ الإِفراطُ وَالتَّفريطُالإمام عليّ عليه السلام :لا يُرَى الجاهِلُ إلّا مُفَرِّطا. (10)
.
ص: 362
عنه عليه السلام :لا تَرَى الجاهِلَ إلّا مُفرِطا أو مُفَرِّطا. (1)
راجع : موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : ج 6 (حروب الإمام عليّ / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / دراسة حول المارقين وجذور انحرافهم).
ي _ شَرُّ الدُّنيا وَالآخِرَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :شَرُّ الدُّنيا وَالآخِرَةِ مَعَ الجَهلِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الجَهلُ يُفسِدُ المَعادَ. (3)
ك _ النَّوادِررسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن قالَ : «أنَا عالِمٌ» فَهُوَ جاهِلٌ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :الجَهلُ ضَلالَةٌ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :الحُمقُ مِن ثِمارِ الجَهلِ. (6)
عنه عليه السلام :سِلاحُ الجَهلِ السَّفَهُ. (7)
عنه عليه السلام :مَن كَثُرَ نِزاعُهُ بِالجَهلِ دامَ عَماهُ عَنِ الحَقِّ. (8)
عنه عليه السلام :مَن جَهِلَ اُهمِلَ. (9)
.
ص: 363
عنه عليه السلام :الجَهلُ يَجلِبُ الغَرَرَ. (1)
عنه عليه السلام :مَن ضَيَّعَ عاقِلًا دَلَّ عَلى ضَعفِ عَقلِهِ. (2)
عنه عليه السلام :مَن قَلَّ عَقلُهُ ساءَ خِطابُهُ. (3)
عنه عليه السلام :مَن قَلَّ عَقلُهُ كَثُرَ هَزلُهُ. (4)
عنه عليه السلام :الطُّمَأنينَةُ إلى كُلِّ أحَدٍ قَبلَ الاِختِبارِ مِن قُصورِ العَقلِ. (5)
عنه عليه السلام :مَن وادَّ السَّخيفَ أعرَبَ عَن سُخفِهِ. (6)
عنه عليه السلام :طالِبُ الخَيرِ بِعَمَلِ الشَّرِّ فاسِدُ العَقلِ وَالحِسِّ. (7)
عنه عليه السلام :العَقلُ يَهدي ويُنجي ، وَالجَهلُ يُغوي ويُردي. (8)
الإمام زين العابدين عليه السلام :رَأيتُ أنَّ طَلَبَ المُحتاجِ إلَى المُحتاجِ سَفَهٌ مِن رَأيِهِ وضَلَّةٌ مِن عَقلِهِ. (9)
الإمام الباقر عليه السلام :المُرُوَّةُ أن لا تَطمَعَ فَتَذِلَّ ، وتَسأَلَ فَتُقِلَّ ، ولا تَبخَلَ فَتُشتَمَ ، ولا تَجهَلَ فَتُخصَمَ. (10)
الكافي عن محمّد بن خالد عن بعض أصحابنا عن الإمام الصّادق عليه السلام :لَيسَ بَينَ
.
ص: 364
الإِيمانِ وَالكُفرِ إلّا قِلَّةُ العَقلِ ، قيلَ : وكَيفَ ذاكَ يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ؟ قالَ : إنَّ العَبدَ يَرفَعُ رَغبَتَهُ إلى مَخلوقٍ، فَلَو أخلَصَ نِيَّتَهُ للّهِِ لَأَتاهُ الَّذي يُريدُ فيأسرَعَ مِن ذلِكَ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :لا يُفلِحُ مَن لا يَعقِلُ ، ولا يَعقِلُ مَن لا يَعلَمُ. (2)
الإمام الجواد عليه السلام :مَن لَم يَعرِفِ المَوارِدَ أعيَتهُ المَصادِرُ. (3)
3 / 2صِفاتُ الجُهّالِالكتاب«وَ إذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أتَتَّخِذُنَا هُزُوا قَالَ أعُوذُ بِاللَّهِ أنْ أكُونَ مِنَ الْجَ_هِلِينَ» . (4)
«قَالَ يَ_نُوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَ__لِحٍ فَلَا تَسْ_ئلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنِّى أعِظُكَ أن تَكُونَ مِنَ الْجَ_هِلِينَ» . (5)
«قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إلَيْهِ وَ إلَا تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أصْبُ إلَيْهِنَّ وَ أكُن مِّنَ الْجَ_هِلِينَ» . (6)
راجع : البقرة : 170 و 171 ، المائدة : 58 ، الحشر : 14 .
.
ص: 365
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أطِع رَبَّكَ تُسَمّى عاقِلًا ، ولا تَعصِهِ تُسَمّى جاهِلًا. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ الجاهِلَ مَن عَصَى اللّهَ وإن كانَ جَميلَ المَنظَرِ عَظيمَ الخَطَرِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِمَن سَأَلَهُ عَن أعلامِ الجاهِلِ _: إن صَحِبتَهُ عَنّاكَ (3) وإنِ اعتَزَلتَهُ شَتَمَكَ ، وإن أعطاكَ مَنَّ عَلَيكَ ، وإن أعطَيتَهُ كَفَرَكَ ، وإن أسرَرتَ إلَيهِ خانَكَ ، وإن أسَرَّ إلَيكَ اتَّهَمَكَ ، وإنِ استَغنى بَطِرَ وكانَ فَظًّا غَليظا ، وإنِ افتَقَرَ جَحَدَ نِعمَةَ اللّهِ ولَم يَتَحَرَّج ، وإن فَرِحَ أسرَفَ وطَغى ، وإن حَزِنَ أيِسَ ، وإن ضَحِكَ فَهَقَ (4) ، وإن بَكى خارَ (5) ، يَقَعُ فِي الأَبرارِ ، ولا يُحِبُّ اللّهَ ولا يُراقِبُهُ ، ولا يَستَحيي مِنَ اللّهِ ولا يَذكُرُهُ ، وإن أرضَيتَهُ مَدَحَكَ وقالَ فيكَ مِنَ الحَسَنَةِ ما لَيسَ فيكَ ، وإن سَخِطَ عَلَيكَ ذَهَبَت مِدحَتُهُ ووَقَعَ مِنَ السّوءِ ما لَيسَ فيكَ ، فَهذا مَجرَى الجاهِلِ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :الدُّنيا دارُ مَن لا دارَ لَهُ ، ومالُ مَن لا مالَ لَهُ ، ولَها يَجمَعُ مَن لا عَقلَ لَهُ ، وشَهَواتِها يَطلُبُ مَن لا فَهمَ لَهُ ، وعَلَيها يُعادي مَن لا عِلمَ لَهُ ، وعَلَيها يَحسُدُ مَن لا فِقهَ لَهُ ، ولَها يَسعى مَن لا يَقينَ لَهُ. (7)
عنه صلى الله عليه و آله :صِفَةُ الجاهِلِ : أن يَظلِمَ مَن خالَطَهُ ، ويَتَعَدّى عَلى مَن هُوَ دونَهُ ، ويَتَطاوَلَ
.
ص: 366
عَلى مَن هُوَ فَوقَهُ ، كَلامُهُ بِغَيرِ تَدَبُّرٍ ، إن تَكَلَّمَ أثِمَ ، وإن سَكَتَ سَها، وإن عَرَضَتلَهُ فِتنَةٌ سارَعَ إلَيها فَأَردَتهُ ، وإن رَأى فَضيلَةً أعرَضَ وأبطَأَ عَنها ، لا يَخافُ ذُنوبَهُ القَديمَةَ ولا يَرتَدِعُ فيما بَقِيَ مِن عُمُرِهِ مِنَ الذُّنوبِ ، يَتَوانى عَنِ البِرِّويُبطِئُ عَنهُ ، غَيرُ مُكتَرِثٍ لِما فاتَهُ مِن ذلِكَ أو ضَيَّعَهُ . فَتِلكَ عَشرُ خِصالٍ مِن صِفَةِ الجاهِلِ الَّذي حُرِمَ العَقلَ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :سِتُّ خِصالٍ يُعرَفُ فِي الجاهِلِ : الغَضَبُ مِن غَيرِ شَرٍّ ، وَالكَلامُ مِن غَيرِ نَفعٍ ، وَالعَطِيَّةُ في غَيرِ مَوضِعِها ، وإفشاءُ السِّرِّ ، وَالثِّقَةُ بِكُلِّ أحَدٍ ،لا يَعرِفُ صَديقَهُ مِن عَدُوِّهِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ الجاهِلَ لا يَكشِفُ إلّا عَن سَوءَةٍ وإن كانَ حَصيفا (3) ظَريفاعِندَ النّاسِ. (4)
عيسى عليه السلام_ لِلحَوارِيّينَ _: اِعلَموا أنَّ فيكُم خَصلَتَينِ مِنَ الجَهلِ : الضِّحكَ مِن غَيرِ عَجَبٍ ، وَالصُّبحَةَ (5) مِن غَيرِ سَهَرٍ. (6)
الإمام عليّ عليه السلام :لا يَجتَرِئُ عَلَى اللّهِ إلّا جاهِلٌ شَقِيٌّ. (7)
.
ص: 367
عنه عليه السلام :الجاهِلُ مَن أطاعَ هَواهُ في مَعصِيَةِ رَبِّهِ. (1)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ لا يَرعَوي. (2)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ مَنِ انخَدَعَ لِهَواهُ وغُرورِهِ. (3)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ مَن خَدَعَتهُ المَطالِبُ. (4)
عنه عليه السلام :إنَّمَا الجاهِلُ مَنِ استَعبَدَتهُ المَطالِبُ. (5)
عنه عليه السلام :غُرورُ الجاهِلِ بِمُحالاتِ الباطِلِ. (6)
عنه عليه السلام :العاقِلُ يَعتَمِدُ عَلى عَمَلِهِ ، الجاهِلُ يَعتَمِدُ عَلى أمَلِهِ. (7)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ يَعتَمِدُ عَلى أمَلِهِ ، ويُقَصِّرُ في عَمَلِهِ. (8)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ يَميلُ إلى شِكلِهِ. (9)
عنه عليه السلام :العاقِلُ يَطلُبُ الكَمالَ ، الجاهِلُ يَطلُبُ المالَ. (10)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ يَستَوحِشُ مِمّا يَأنَسُ بِهِ الحَكيمُ. (11)
.
ص: 368
عنه عليه السلام :اللِّسانُ مِعيارٌ أطاشَهُ (1) الجَهلُ وأرجَحَهُ العَقلُ. (2)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ مَنِ استَغَشَّ النَّصيحَ. (3)
عنه عليه السلام :قَد جَهِلَ مَنِ استَنصَحَ أعداءَهُ. (4)
عنه عليه السلام :طاعَةُ الجَهولِ تَدُلُّ عَلَى الجَهلِ. (5)
عنه عليه السلام :طاعَةُ الجَهولِ وكَثرَةُ الفُضولِ تَدُلّانِ عَلَى الجَهلِ. (6)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: إثباتُ الحُجَّةِ عَلَى الجاهِلِ سَهلٌ ، ولكِنَّ إقرارَهُ بِها صَعبٌ. (7)
عنه عليه السلام_ أيضا _: يَمنَعُ الجاهِلَ أن يَجِدَ ألَمَ الحُمقِ المُستَقِرِّ في قَلبِهِ ما يَمنَعُ السَّكرانَ أن يَجِدَ مَسَّ الشَّوكَةِ في يَدِهِ. (8)
عنه عليه السلام :مُعاداةُ الرِّجالِ مِن شِيَمِ الجُهّالِ. (9)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ لا يَعرِفُ تَقصيرَهُ ، ولا يَقبَلُ مِنَ النَّصيحِ لَهُ. (10)
.
ص: 369
عنه عليه السلام :ما أعجَبَ بِرَأيِهِ إلّا جاهِلٌ (1)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ لا يَعرِفُ العالِمَ ؛ لِأَنَّهُ لَم يَكُن قَبلُ عالِما. (2)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ لا يَرتَدِعُ ، وبِالمَواعِظِ لا يَنتَفِعُ. (3)
عنه عليه السلام :فِكرُ الجاهِلِ غَوايَةٌ. (4)
عنه عليه السلام :العالِمُ يَنظُرُ بِقَلبِهِ وخاطِرِهِ ، الجاهِلُ يَنظُرُ بِعَينِهِ وناظِرِهِ. (5)
عنه عليه السلام :غَضَبُ الجاهِلِ في قَولِهِ ، وغَضَبُ العاقِلِ في فِعلِهِ (6) .
عنه عليه السلام :رَأيُ الجاهِلِ يُردي. (7)
عنه عليه السلام :ضالَّةُ الجاهِلِ غَيرُ مَوجودَةٍ. (8)
عنه عليه السلام :زُهدُكَ في راغِبٍ فيكَ نُقصانُ عَقلٍ ، ورَغبَتُكَ في زاهِدٍ فيكَ ذُلُّ نَفسٍ. (9)
عنه عليه السلام :مِن عَدَمِ العَقلِ مُصاحَبَةُ ذَوِي الجَهلِ. (10)
عنه عليه السلام :كَثرَةُ الأَماني مِن فَسادِ العَقلِ. (11)
.
ص: 370
عنه عليه السلام :غِنَى العاقِلِ بِعِلمِهِ ، غِنَى الجاهِلِ بِمالِهِ. (1)
عنه عليه السلام :ثَروَةُ الجاهِلِ في مالِهِ وأمَلِهِ. (2)
عنه عليه السلام :إنَّ الجاهِلَ مِن جَهلِهِ في إغواءٍ ، ومِن هَواهُ في إغراءٍ ، فَقَولُهُ سَقيمٌ وفِعلُهُ ذَميمٌ. (3)
عنه عليه السلام :إنَّ قُلوبَ الجُهّالِ تَستَفِزُّهَا الأَطماعُ ، وتَرتَهِنُهَا المُنى ، وتَستَعلِقُهَا الخَدائِعُ. (4)
عنه عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! اِعلَموا أنَّهُ لَيسَ بِعاقِلٍ مَنِ انزَعَجَ مِن قَولِ الزّورِ فيهِ ، ولا بِحَكيمٍ مَن رَضِيَ بِثَناءِ الجاهِلِ عَلَيهِ ، النّاسُ أبناءُ ما يُحسِنونَ ، وقَدرُ كُلِّ امرِىً ما يُحسِنُ ، فَتَكَلَّموا فِي العِلمِ تَبَيَّن أقدارُكُم. (5)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: الجاهِلُ يَذُمُّ الدُّنيا ولا يَسخو بِإِخراجِ أقَلِّها ، يَمدَحُ الجودَ ويَبخَلُ بِالبَذلِ ، يَتَمَنَّى التَّوبَةَ بِطولِ الأَمَلِ ولا يُعَجِّلُها لِخَوفِ حُلولِ الأَجَلِ ، يَرجو ثَوابَ عَمَلٍ لَم يَعمَل بِهِ ، ويَفِرُّ مِنَ النّاسِ لِيُطلَبَ ، ويُخفي شَخصَهُ لِيَشتَهِرَ ، ويَذُمُّ نَفسَهُ لِيُمدَحَ ، ويَنهى عَن مَدحِهِ وهُوَ يُحِبُّ أن لا يُنتَهى مِنَ الثَّناءِ عَلَيهِ. (6)
عنه عليه السلام :رَغبَتُكَ فِي المُستَحيلِ جَهلٌ. (7)
عنه عليه السلام :الرُّكونُ إلَى الدُّنيا مَعَ ما تُعايِنُ مِنها جَهلٌ. (8)
.
ص: 371
عنه عليه السلام :طَلَبُ المَراتِبِ وَالدَّرَجاتِ بِغَيرِ عَمَلٍ جَهلٌ. (1)
عنه عليه السلام :إنَّ مِنَ الجَهلِ النَّومَ مِن غَيرِ سَهَرٍ. (2)
الإمام الحسن عليه السلام_ في جَوابِ أبيهِ لَمّا سَأَلَهُ عَن تَفسيرِ الجَهلِ _: سُرعَةُ الوُثوبِ عَلَى الفُرصَةِ قَبلَ الاِستِمكانِ مِنها ، وَالاِمتِناعُ عَنِ الجَوابِ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :مِن أخلاقِ الجاهِلِ الإِجابَةُ قَبلَ أن يَسمَعَ ، وَالمُعارَضَةُ قَبلَ أن يَفهَمَ ، وَالحُكمُ بِما لا يَعلَمُ. (4)
عنه عليه السلام :العاقِلُ غَفورٌ ، وَالجاهِلُ خَتورٌ (5) . (6)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: أدنى صِفَةِ الجاهِلِ دَعواهُ بِالعِلمِ بِلَا استِحقاقٍ ، وأوسَطُهُ الجَهلُ بِالجَهلِ ، وأقصاهُ جُحودُهُ. (7)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ مِنَ الجَهلِ الضِّحكَ مِن غَيرِ عَجَبٍ. (8)
عنه عليه السلام :الجَهلُ في ثَلاثٍ : في تَبَدُّلِ الإِخوانِ ، وَالمُنابَذَةِ بِغَيرِ بَيانٍ ، وَالتَّجَسُّسِ عَمّا لا يَعني. (9)
.
ص: 372
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: الجَهلُ صورَةٌ رُكِّبَت في بَني آدَمَ ، إقبالُها ظُلمَةٌ وإدبارُها نورٌ ، وَالعَبدُ مُتَقَلِّبٌ مَعَها كَتَقَلُّبِ الظِّلِّ مَعَ الشَّمسِ ، ألا تَرى إلَى الإِنسانِ تارَةً تَجِدُهُ جاهِلًا بِخِصالِ نَفسِهِ حامِدا لَها ، عارِفا بِعَيبِها في غَيرِهِ ساخِطا لَها ! وتارَةً تَجِدُهُ عالِما بِطِباعِهِ ساخِطا لَها ، حامِدا لَها في غَيرِهِ ! فَهُوَ مِنهُ مُتَقَلِّبٌ (1) بَينَ العِصمَةِ وَالخِذلانِ ، فَإِن قابَلَتهُ العِصمَةُ أصابَ ، وإن قابَلَهُ الخِذلانُ أخطَأَ . ومِفتاحُ الجَهلِ الرِّضا وَالاِعتِقادُ بِهِ ، ومِفتاحُ العِلمِ الاِستِبدالُ مَعَ إصابَةِ مُوافَقَةِ التَّوفيقِ . وأدنى صِفَةِ الجاهِلِ دَعواهُ بِالعِلمِ بِلَا استِحقاقٍ ، وأوسَطُهُ الجَهلُ بِالجَهلِ ، وأقصاهُ جُحودُهُ . ولَيسَ شَيءٌ إثباتُهُ حَقيقَةً نَفيُهُ إلَا الجَهلُ وَالدُّنيا وَالحِرصُ ، فَالكُلُّ مِنهُم كَواحِدٍ ، وَالواحِدُ مِنهُم كَالكُلِّ (2) . 3
الإمام الكاظم عليه السلام :تَعَجُّبُ الجاهِلِ مِنَ العاقِلِ أكثَرُ مِن تَعَجُّبِ العاقِلِ مِنَ الجاهِلِ. (3)
.
ص: 373
الإمام الهادي عليه السلام :الجاهِلُ أسيرُ لِسانِهِ. (1)
عنه عليه السلام :الهُزءُ فُكاهَةُ السُّفَهاءِ ، وصِناعَةُ الجُهّالِ. (2)
عيسى عليه السلام :بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ، إنَّ الحَكيمَ يَعتَبِرُ بِالجاهِلِ ، وَالجاهِلُ يَعتَبِرُ بِهَواهُ. (3)
3 / 3كَفى بِذلِكَ جَهلًاأ _ الإِعجابُ بِالرَّأيِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :كَفى بِالمَرءِ فِقها إذا عَبَدَ اللّهَ ، وكَفى بِالمَرءِ جَهلًا إذا اُعجِبَ بِرَأيِهِ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :حَسبُكَ مِنَ العِلمِ أن تَخشَى اللّهَ ، وحَسبُكَ مِنَ الجَهلِ أن تُعجَبَ بِعِلمِكَ. (5)
ب _ الرِّضا عَنِ النَّفسِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :كَفى بِالمَرءِ عِلما أن يَخشَى اللّهَ ، وكَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن يُعجَبَ بِنَفسِهِ. (6)
الإمام عليّ عليه السلام :كَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن يَرضى عَن نَفسِهِ. (7)
.
ص: 374
ج _ الجَهلُ بِعُيوبِ النَّفسِالإمام عليّ عليه السلام :كَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن يَجهَلَ عُيوبَ نَفسِهِ ، ويَطعَنَ عَلَى النّاسِ بِما لا يَستَطيعُ التَّحَوُّلَ عَنهُ. (1)
عنه عليه السلام :كَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن يَجهَلَ عَيبَهُ. (2)
د _ الجَهلُ بِقَدرِ النَّفسِالإمام عليّ عليه السلام :العالِمُ مَن عَرَفَ قَدرَهُ ، وكَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن لا يَعرِفَ قَدرَهُ. (3)
عنه عليه السلام :العالِمُ مَن عَرَفَ قَدرَهُ ، الجاهِلُ مَن جَهِلَ أمرَهُ. (4)
عنه عليه السلام :العاقِلُ مَن أحرَزَ أمرَهُ ، الجاهِلُ مَن جَهِلَ قَدرَهُ. (5)
عنه عليه السلام :كَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن يَجهَلَ قَدرَهُ. (6)
عنه عليه السلام_ في بَيانِ الصِّفاتِ اللّازِمَةِ لِكاتِبِ الوالي _: لا يَجهَلُ مَبلَغَ قَدرِ نَفسِهِ فِي الاُمورِ ، فَإِنَّ الجاهِلَ بِقَدرِ نَفسِهِ يَكونُ بِقَدرِ غَيرِهِ أجهَلَ. (7)
عنه عليه السلام :مَن جَهِلَ قَدرَهُ عَدا طَورَهُ. (8)
راجع: ص 376 (أجهل الناس) .
.
ص: 375
ه _ تَنافي العِلمِ وَالعَمَلِالإمام عليّ عليه السلام :كَفى بِالعالِمِ جَهلًا أن يُنافِيَ عِلمُهُ عَمَلَهُ. (1)
و _ إنكارُ ما يَأتي مِثلَهُالإمام عليّ عليه السلام :كَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن يُنكِرَ عَلَى النّاسِ ما يَأتي مِثلَهُ. (2)
لقمان عليه السلام :كَفى بِكَ جَهلًا أن تَنهى عَمّا تَركَبُ ، وكَفى بِكَ عَقلًا أن يَسلَمَ النّاسُ مِن شَرِّكَ. (3)
ز _ رُكوبُ المَناهي (4)الإمام عليّ عليه السلام :كَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن يَرتَكِبَ ما نُهِيَ عَنهُ. (5)
الإمام الكاظم عليه السلام :كَفى بِكَ جَهلًا أن تَركَبَ ما نُهيتَ عَنهُ. (6)
ح _ إظهارُ كُلِّ ما يَعلَمُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :حَسبُكَ مِنَ الكَذِبِ أن تُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعتَ ، [ و ] (7) مِنَ الجَهلِ أن تُظهِرَ كُلَّ ما عَلِمتَ. (8)
الإمام عليّ عليه السلام :لا تَتَكَلَّم بِكُلِّ ما تَعلَمُ ، فَكَفى بِذلِكَ جَهلًا. (9)
.
ص: 376
ط _ رَدُّ كُلِّ ما يَسمَعُالإمام عليّ عليه السلام :لا تَرُدَّ عَلَى النّاسِ كُلَّ ما حَدَّثوكَ بِهِ ، فَكَفى بِذلِكَ جَهلًا. (1)
ي _ الاِغتِرارُ بِاللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :كَفى بِالاِغتِرارِ بِاللّهِ جَهلًا. (2)
ك _ الضِّحكُ مِن غَيرِ عَجَبٍالإمام عليّ عليه السلام :كَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن يَضحَكَ مِن غَيرِ عَجَبٍ. (3)
راجع: ص 371 ح 1025 .
3 / 4أجهَلُ النّاسِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أنقَصُ النّاسِ عَقلًا أخوَفُهُم لِلسُّلطانِ وأطوَعُهُم لَهُ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :أنقَصُ النّاسِ عَقلًا أطوَعُهُم لِلشَّيطانِ وأعمَلُهُم بِطاعَتِهِ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :أنقَصُ النّاسِ عَقلًا مَن ظَلَمَ دونَهُ ولَم يَصفَح عَمَّنِ اعتَذَرَ إلَيهِ. (6)
.
ص: 377
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ أجهَلَ النّاسِ مَن لَم يَعرِف قَدرَهُ ، وكَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن لا يَعرِفَ قَدرَهُ. (1)
عنه عليه السلام :أعظَمُ الجَهلِ جَهلُ الإِنسانِ أمرَ نَفسِهِ. (2)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: أجهَلُ الجُهّالِ مَن عَثَرَ بِحَجَرٍ مَرَّتَينِ. (3)
عنه عليه السلام :أجهَلُ النّاسِ مُسيءٌ مُستَأنِفٌ. (4)
عنه عليه السلام :أجهَلُ النّاسِ المُغتَرُّ بِقَولِ مادِحٍ مُتَمَلِّقٍ ، يُحَسِّنُ لَهُ القَبيحَ ويُبَغِّضُ إلَيهِالنَّصيحَ. (5)
عنه عليه السلام :غايَةُ الجَهلِ تَبَجُّحُ (6) المَرءِ بِجَهلِهِ. (7)
عنه عليه السلام :أعظَمُ الجَهلِ مُعاداةُ القادِرِ ، ومُصادَقَةُ الفاجِرِ ، وَالثِّقَةُ بِالغادِرِ. (8)
عنه عليه السلام :رَأسُ الجَهلِ مُعاداةُ النّاسِ. (9)
عنه عليه السلام :تَكَثُّرُكَ بِما لا يَبقى لَكَ ولا تَبقى لَهُ مِن أعظَمِ الجَهلِ. (10)
.
ص: 378
عنه عليه السلام :مَنِ ادَّعى مِنَ العِلمِ غايَتَهُ فَقَد أظهَرَ مِن جَهلِهِ نِهايَتَهُ. (1)
عنه عليه السلام :مَنِ اصطَنَعَ (2) جاهِلًا بَرهَنَ عَن وُفورِ جَهلِهِ. (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن لَم يَرَ أنَّ للّهِِ عِندَهُ نِعمَةً إلّا في مَطعَمٍ ومَشرَبٍ ، قَلَّ عِلمُهُ وكَثُرَ جَهلُهُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :كَثرَةُ الخَطَاَ تُنذِرُ بِوُفورِ الجَهلِ. (5)
عنه عليه السلام :رَأسُ الجَهلِ الجَورُ. (6)
عنه عليه السلام :رَأسُ السُّخفِ العُنفُ. (7)
راجع : ص 298 (أعقل الناس) و 373 (كفى بذلك جهلا) .
.
ص: 379
الفصل الرابع : أحكام الجاهل4 / 1ما يَجِبُ عَلَى الجاهِلِأ _ التَّعَ_لُّمرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن لَم يَصبِر عَلى ذُلِّ التَّعَلُّمِ ساعَةً ، بَقِيَ في ذُلِّ الجَهلِ أبَدا. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَنبَغي لِلعالِمِ أن يَسكُتَ عَلى عِلمِهِ ، ولا يَنبَغي لِلجاهِلِ أن يَسكُتَ عَلى جَهلِهِ ، قالَ اللّهُ جَلَّ ذِكرُهُ : «فَسْ_ئلُواْ أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (2) . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :قالَ رَجُلٌ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما يَنفي عَنّي حُجَّةَ الجَهلِ ؟ قالَ : العِلمُ . قالَ : فَما يَنفي عَنّي حُجَّةَ العِلمِ ؟ قالَ : العَمَلُ. (4)
عنه عليه السلام :اِعلَموا أيُّهَا النّاسُ ! أنَّهُ مَن لَم يَملِك لِسانَهُ يَندَم ، ومَن لا يَتَعَلَّم يَجهَل ، ومَن
.
ص: 380
لا يَتَحَلَّم لا يَحلُم. (1)
عنه عليه السلام :مَن لَم يَتَعَلَّم لَم يَعلَم. (2)
عنه عليه السلام :لا يَستَحيِ الجاهِلُ إذا لَم يَعلَم أن يَتَعَلَّمَ. (3)
عنه عليه السلام :لا يَستَنكِفَنَّ مَن لَم يَكُن يَعلَمُ أن يَتَعَلَّمَ. (4)
عنه عليه السلام :عِلَّةُ الجَهلِ تُعرَضُ عَلَى العالِمِ. (5)
عنه عليه السلام :لَولا خَمسُ خِصالٍ لَصارَ النّاسُ كُلُّهُم صالِحينَ : أوَّلُهَا القَناعَةُ بِالجَهلِ ، وَالحِرصُ عَلَى الدُّنيا ، وَالشُّحُّ بِالفَضلِ ، وَالرِّياءُ فِي العَمَلِ ، وَالإِعجابُ بِالرَّأيِ. (6)
الجمل عن ابن جريج :كانَ مُحَمَّدُ بنُ الحَنَفِيَّةِ رضى الله عنه يَحمِلُ رايَةَ أبيهِ عليه السلام يَومَ الجَمَلِ ، ورَأى مِنهُ بَعضَ النُّكوصِ (7) فَأَخَذَ الرّايَةَ مِنهُ ، قالَ مُحَمَّدٌ : فَأَدرَكتُهُ وعالَجتُهُ عَلى أن يَرُدَّها فَأَبى عَلَيَّ طَويلًا ، ثُمَّ رَدَّها وقالَ : خُذها وأحسِن حَملَها وتَوَسَّط أصحابَكَ ولا تَخفِض عالِيَها ، وَاجعَلها مُستَشرِفَةً يَراها أصحابُكَ . فَفَعَلتُ ما قالَ لي ، فَقالَ عَمّارُ ابنُ ياسِرٍ : يا أبَا القاسِمِ ، ما أحسَنَ ما حَمَلتَ الرّايَةَ اليَومَ ! فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام :
.
ص: 381
«بَعدَ ماذا !!» . فَقالَ عَمّارٌ : مَا العِلمُ إلّا بِالتَّعَلُّمِ. (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أوحى إلى دانِيالَ . . . إنَّ أحَبَّ عَبيدي إلَيَّ التَّقِيُّ الطّالِبُ لِلثَّوابِ الجَزيلِ ، اللّازِمُ لِلعُلَماءِ ، التّابِعُ لِلحُلَماءِ ، القابِلُ عَنِ الحُكَماءِ. (2)
الإمام الباقر عليه السلام_ في خُطبَةِ أبي ذَرٍّ _: يا جاهِلُ تَعَلَّم ، فَإِنَّ قَلبا لَيسَ فيهِ شَيءٌ مِنَ العِلمِ كَالبَيتِ الخَرابِ الَّذي لا عامِرَ لَهُ. (3)
منية المريد :فِي الإِنجيلِ قالَ اللّهُ تَعالى فِي السّورَةِ السّابِعَةَ عَشرَةَ مِنهُ : وَيلٌ لِمَن سَمِعَ بِالعِلمِ ولَم يَطلُبهُ كَيفَ يُحشَرُ مَعَ الجُهّالِ إلَى النّارِ ؟! اُطلُبُوا العِلمَ وتَعَلَّموهُ ، فَإِنَّ العِلمَ إن لَم يُسعِدكُم لَم يُشقِكُم ، وإن لَم يَرفَعكُم لَم يَضَعكُم ، وإن لَم يُغنِكُم لَم يُفقِركُم ، وإن لَم يَنفَعكُم لَم يَضُرَّكُم. (4)
راجع: ج 2 ص 213 (الفصل الأوّل : وجوب التعلّم) .
ب _ التَّوبَةالإمام عليّ عليه السلام :مَن لَم يَرتَدِع يَجهَل . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاجعَلنا مِنَ الَّذينَ اشتَغَلوا بِالذِّكرِ عَنِ الشَّهَواتِ ، وخالَفوا دَواعِيَ العِزَّةِ بِواضِحاتِ المَعرِفَةِ ، وقَطَعوا أستارَ نارِ الشَّهَواتِ بِنَضحِ ماءِ التَّوبَةِ ، وغَسَلوا أوعِيَةَ الجَهلِ بِصَفوِ ماءِ الحَياةِ. (6)
.
ص: 382
ج _ التَّقوىالإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل يَقي بِالتَّقوى عَنِ العَبدِ ما عَزَبَ عَنهُ عَقلُهُ ، ويَجلي بِالتَّقوى عَنهُ عَماهُ وجَهلَهُ. (1)
د _ الوُقوفُ عِندَ الشُّبهَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: يا عَلِيُّ ، مِن صِفاتِ المُؤمِنِ أن يَكونَ . . . بَرِيًّا مِنَ المُحَرَّماتِ ، واقِفا عِندَ الشُّبُهاتِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :أصلُ الحَزمِ الوُقوفُ عِندَ الشُّبهَةِ. (3)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: أفضَلُ العِبادَةِ الإِمساكُ عَنِ المَعصِيَةِ وَالوُقوفُ عِندَ الشُّبهَةِ. (4)
عنه عليه السلام :لا وَرَعَ كَالوُقوفِ عِندَ الشُّبهَةِ. (5)
عنه عليه السلام :أفضَلُ الحَقِّ وُقوفُ الرَّجُلِ عِندَ عِلمِهِ. (6)
عنه عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام عِندَ الوَفاةِ _: اُوصيكَ يا بُنَيَّ بِالصَّلاةِ عِندَ وَقتِها ، وَالزَّكاةِ في أهلِها عِندَ مَحَلِّها ، وَالصَّمتِ عِندَ الشُّبهَةِ. (7)
عنه عليه السلام :لَو أنَّ العِبادَ حينَ جَهِلوا وَقَفوا لَم يَكفُروا ولَم يَضِلّوا. (8)
.
ص: 383
الإمام الصادق عليه السلام :لَو أنَّ العِبادَ إذا جَهِلوا وَقَفوا ولَم يَجحَدوا لَم يَكفُروا. (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إن وَضَحَ لَكَ أمرٌ فَاقبَلهُ ، وإلّا فَاسكُت تَسلَم ، ورُدَّ عِلمَهُ إلَى اللّهِ ، فَإِنَّكَ في أوسَعَ مِمّا بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ. (2)
الإمام الباقر عليه السلام :الوُقوفُ عِندَ الشُّبهَةِ خَيرٌ مِنَ الاِقتِحامِ فِي الهَلَكَةِ ، وتَركُكَ حَديثا لَم تَروِهِ خَيرٌ مِن رِوايَتِكَ حَديثا لَم تُحصِهِ. (3)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل أحَلَّ حَلالاً ، وحَرَّمَ حَراما ، وفَرَضَ فَرائِضَ ، وضَرَبَ أمثالاً ، وسَنَّ سُنَنا . . . فَإِن كُنتَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّكَ ويَقينٍ مِن أمرِكَ وتِبيانٍ مِن شَأنِكَ ، فَشَأنُكَ ، وإلّا فَلا تَرومَنَّ (4) أمرا أنتَ مِنهُ في شَكٍّ وشُبهَةٍ. (5)
الكافي عن زرارة بن أعين :سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام : ما حَقُّ اللّهِ عَلَى العِبادِ؟ قالَ : أن يَقولوا ما يَعلَمونَ ، ويَقِفوا عِندَ ما لا يَعلَمونَ. (6)
الكافي عن هاشم بن سالم :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : ما حَقُّ اللّهِ عَلى خَلقِهِ؟ فَقالَ : أن يَقولوا ما يَعلَمونَ ، ويَكُفّوا عَمّا لا يَعلَمونَ ، فَإِذا فَعَلوا ذلِكَ فَقَد أدَّوا
.
ص: 384
إلَى اللّهِ حَقَّهُ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :الصَّمتُ كَنزٌ وافِرٌ ، وزَينُ الحَليمِ ، وسِترُ الجاهِلِ. (2)
ه _ الاِعتِرافُ بِالجَهلِالإمام عليّ عليه السلام :غايَةُ العَقلِ الاِعتِرافُ بِالجَهلِ. (3)
عنه عليه السلام :إنَّ الدُّنيا لَم تَكُن لِتَستَقِرَّ إلّا عَلى ما جَعَلَهَا اللّهُ عَلَيهِ مِنَ النَّعماءِ وَالاِبتِلاءِ وَالجَزاءِ فِي المَعادِ أو ما شاءَ مِمّا لا تَعلَمُ ، فَإِن أشكَلَ عَلَيكَ شَيءٌ مِن ذلِكَ فَاحمِلهُ عَلى جَهالَتِكَ ، فَإِنَّكَ أوَّلُ ما خُلِقتَ بِهِ (4) جاهِلاً ثُمَّ عُلِّمتَ . وما أكثَرَ ما تَجهَلُ مِنَ الأَمرِ ( الأُمورِ ) ويَتَحَيَّرُ فيهِ رَأيُكَ ويَضِلُّ فيهِ بَصَرُكَ ، ثُمَّ تُبصِرُهُ بَعدَ ذلِكَ ! (5)
عنه عليه السلام :اِعلَم أنَّ الرَّاسِخينَ فِي العِلمِ هُمُ الَّذينَ أغناهُم عَنِ اقتِحامِ السُّدَدِ المَضروبَةِ دونَ الغُيوبِ الإِقرارُ بِجُملَةِ ما جَهِلوا تَفسيرَهُ مِنَ الغَيبِ المَحجُوبِ ، فَمَدَحَ اللّهُ تَعالَى اعتِرافَهُم بِالعَجزِ عَن تَناوُلِ ما لَم يُحيطوا بِهِ عِلما ، وسَمّى تَركَهُمُ التَّعَمُّقَ فيما لَم يُكَلِّفهُمُ البَحثَ عَن كُنهِهِ رُسوخا. (6)
.
ص: 385
الإمام الباقر عليه السلام :ما عَلِمتُم فَقولوا ، وما لَم تَعلَموا ، فَقولوا : اللّهُ أعلَمُ. (1)
و _ الاِعتِذارُ مِنَ الجَهلِالإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أعتَذِرُ إلَيكَ مِن جَهلي ، وأستَوهِبُكَسوءَ فِعلي. (2)
ز _ الاِستِعاذَةُ مِنَ الجَهلِسنن النسائي عن أمّ سلمة :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كانَ إذا خَرَجَ مِن بَيتِهِ قالَ : باسمِ اللّهِ ، رَبِّ أعوذُ بِكَ مِن أن أزِلَّ ، أو أضِلَّ ، أو أظلِمَ أو اُظلَمَ ، أو أجهَلَ أو يُجهَلَ عَلَيَّ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي . . . أعوذُ بِكَ مِنَ الجَهلِ وَالهَزلِ ، ومِن شَرِّ القَولِ وَالفِعلِ. (4)
عنه عليه السلام :إلهي . . . أعوذُ بِكَ مِن قُوَّتي ، وألوذُ بِكَ مِن جُرأتي ، وأستَجيرُ بِكَ مِن جَهلي ، وأتَعَلَّقُ بِعُرى أسبابِكَ مِن ذَنبي. (5)
عنه عليه السلام :أعوذُ بِكَ رَبّي أن أشتَرِيَ الجَهلَ بِالعِلمِ كَمَا اشتَرى غَيري ، أو السَّفَهَ بِالحِلمِ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ بِكَ نُمسي وبِكَ نُصبِحُ ، وبِكَ نَحيا ، وبِكَ نَموتُ ، وإلَيكَ
.
ص: 386
نَصيرُ ، وأعوذُ بِكَ مِن أن أذِلَّ أو اُذَلَّ ، أو أضِلَّ أو اُضَلَّ ، أو أظلِمَ أو اُظلَمَ ، أوأجهَلَ أو يُجهَلَ عَلَيَّ. (1)
الكافي عن عبدالرّحمن بن سيابة :أعطاني أبو عَبدِاللّهِ عليه السلام هذَا الدُّعاءَ : الحَمدُ للّهِِ وَلِيِّ الحَمدِ وأهلِهِ ومُنتَهاهُ ومَحَلِّهِ . . . وأعوذُ بِكَ مِن أن أشتَرِيَ الجَهلَ بِالعِلمِ ، وَالجَفاءَ بِالحِلمِ ، وَالجَورَ بِالعَدلِ ، وَالقَطيعَةَ بِالبِرِّ ، وَالجَزَعَ بِالصَّبرِ. (2)
ح _ الاِستِغفارُ مِنَ الجَهلِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ أنَّهُ كانَ يَدعو _: اللّهُمَّ اغفِر لي خَطيئَتي وجَهلي ، وإسرافي فيأمري ، وما أنتَ أعلَمُ بِهِ مِنّي ، اللّهُمَّ اغفِر لي هَزلي وجِدّي وخَطايايَ وعَمدي ، وكُلُّ ذلِكَ عِندي. (3)
4 / 2ما يَحرُمُ عَلَى الجاهِلِأ _ القَولُ بِغَيرِ عِلمٍالكتاب«وَ تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أفتَى النّاسَ بِغَيرِ عِلمٍ كانَ ما يُفسِدُهُ مِنَ الدّينِ أكثَرَ مِمّا يُصلِحُهُ. (5)
.
ص: 387
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أفتَى النّاسَ بِغَيرِ عِلمٍ وهُوَ لا يَعلَمُ النّاسِخَ مِنَ المَنسوخِ ، وَالمُحكَمَمِنَ المُتَشابِهِ فَقَد هَلَكَ وأهلَكَ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أفتَى النّاسَ بِغَيرِ عِلمٍ لَعَنَتهُ مَلائِكَةُ السَّماواتِ وَالأَرضِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن اُفتِي بِفُتيا غَيرَ ثَبتٍ فَإِنَّما إثمُهُ عَلى مَن أفتاهُ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :لا تُخبِر بِما لَم تُحِط بِهِ عِلما. (4)
عنه عليه السلام :لا تَقولوا بِما لا تَعرِفونَ ، فَإِنَّ أكثَرَ الحَقِّ فيما تُنكِرونَ. (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن... أن نَعضُدَ ظالِما... أو نَقولَ فِي العِلمِ بِغَيرِ عِلمٍ. (6)
الإمام الباقر عليه السلام :مَن أفتَى النّاسَ بِغَيرِ عِلمٍ ولا هُدًى مِنَ اللّهِ لَعَنَتهُ مَلائِكَةُ الرَّحمَةِ ومَلائِكَةُ العَذابِ ، ولَحِقَهُ وِزرُ مَن عَمِلَ بِفُتياهُ. (7)
.
ص: 388
ب _ إنكارُ ما يَجهَلُالكتاب«بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: إنَّ الجاهِلَ مَن عَدَّ نَفسَهُ بِما جَهِلَ مِن مَعرِفَةِ العِلمِ عالِما وبِرَأيِهِ مُكتَفِيا ، فَما يَزالُ لِلعُلَماءِ مُباعِدا وعَلَيهِم زارِيا ، ولِمَن خالَفَهُ مُخَطِّئا ، ولِما لَم يَعرِف مِنَ الأُمورِ مُضَلِّلاً ، فَإِذا وَرَدَ عَلَيهِ مِنَ الاُمورِ ما لَم يَعرِفهُ أنكَرَهُ وكَذَّبَ بِهِ وقالَ بِجَهالَتِهِ : ما أعرِفُ هذا ، وما أراهُ كانَ ، وما أظُنُّ أن يَكونَ ، وأنّى كانَ ؟ وذلِكَ لِثِقَتِهِ بِرَأيِهِ وقِلَّةِ مَعرِفَتِهِ بِجَهالَتِهِ . فَما يَنفَكُّ بِما يَرى مِمّا يَلتَبِسُ عَلَيهِ رَأيُهُ مِمّا لا يَعرِفُ لِلجَهلِ مُستَفيداً ، ولِلحَقِّ مُنكِراً ، وفِي الجَهالَةِ مُتَحَيِّرا ، وعَن طَلَبِ العِلمِ مُستَكبِرا. (2)
عنه عليه السلام :مَن جَهِلَ شَيئا عاداهُ. (3)
عنه عليه السلام :قُلتُ أربَعا أنزَلَ اللّهُ تَعالى تَصديقي بِها في كِتابِهِ : قُلتُ: المَرءُ مَخبوءٌ تَحتَ لِسانِهِ فَإِذا تَكَلَّمَ ظَهَرَ ، فَأَنزَلَ اللّهُ تَعالى: «وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ» . (4) قُلتُ : مَن جَهِلَ شَيئا عاداهُ ، فَأَنزَلَ اللّهُ : «بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ» . قُلتُ : قَدرُ _ أو قالَ: _ قيمَةُ كُلِّ امرِىً ما يُحسِنُ ، فَأَنزَلَ اللّهُ في قِصَّةِ
.
ص: 389
طالوتَ: «إنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ» . (1) قُلتُ : القَتلُ يُقِلُّ القَتلَ، فَأَنزَلَ اللّهُ: «وَ لَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَوةٌ يَ_أُوْلِى الْأَلْبَ_بِ» (2) . (3)
عنه عليه السلام :لَو حَدَّثتُكُم ما سَمِعتُ مِن فَمِ أبِي القاسِمِ صلى الله عليه و آله لَخَرَجتُم مِن عِندي وأنتُم تَقولونَ : إنَّ عَلِيًّا مِن أكذَبِ الكَذّابينَ وأفسَقِ الفاسِقينَ ، قالَ تَعالى : «بَلْ كَذَّبُواْ بِمَالَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ» . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ خَصَّ عِبادَهُ بِآيَتَينِ مِن كِتابِهِ : ألّا يَقولوا حَتّى يَعلَموا ،ولا يَرُدّوا ما لَم يَعلَموا ، وقالَ عز و جل : «ألَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَ_قُ الْكِتَ_بِ أن لَا يَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إلَا الْحَقَّ» (5) وقالَ : «بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ» . (6)
راجع: ص 357 (عداوة العلم والعالم) .
4 / 3ما مُدِحَ مِنَ الجَهلِالإمام عليّ عليه السلام :رُبَّ جاهِلٍ نَجاتُهُ جَهلُهُ. (7)
.
ص: 390
عنه عليه السلام :رُبَّ جَهلٍ أنفَعُ مِن علم. (1)
عنه عليه السلام :شَرُّ العِلمِ ما أفسَدتَ بِهِ رَشادَكَ. (2)
تاريخ دمشق عن إبراهيم بن محمّد بن عرفة :أنشَدَني أحمَدُ بنُ يَحيى ثَعلَبُ ، وذَكَرَ أنَّهُ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام : لَئِن كُنتُ مُحتاجا إلَى الحِلمِ (3) إنَّني إلَى الجَهلِ فيبَعضِ الأَحايينِ أحوَجُ وما كُنتُ أرضَى الجَهلَ خِدنا وصاحِبا ولكِنَّني أرضى بِهِ حينَ أحوَجُ ولي فَرَسٌ لِلحِلمِ بِالحِلمِ مُلجَمٌ ولي فَرَسٌ لِلجَهلِ بِالجَهلِ مُسرَجُ فَمَن شاءَ تَقويمي فَإِنّي مُقَوَّمٌ ومَن شاءَ تَعويجي فَإِنّي مُعَوَّجُ (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: اِثنانِ يَهونُ عَلَيهِما كُلُّ شَيءٍ : عالِمٌ عَرَفَ العَواقِبَ ، وجاهِلٌ يَجهَلُ ما هُوَ فيهِ. (5)
عنه عليه السلام_ أيضا _: إذا كانَ العَقلُ تِسعَةَ أجزاءٍ اِحتاجَ إلى جُزءٍ مِن جَهلٍ لِيُقدِمَ بِهِ صاحِبُهُ عَلَى الاُمورِ ، فَإِنَّ العاقِلَ أبَدا مُتَوانٍ (6) مُتَرَقِّبٌ مُتَخَوِّفٌ. (7)
الإمام الحسين عليه السلام :لَو عَقَلَ النّاسُ وتَصَوَّرُوا المَوتَ بِصورَتِهِ لَخَرِبَتِ الدُّنيا. (8)
الإمام العسكريّ عليه السلام :لَو عَقَلَ أهلُ الدُّنيا خَرِبَت. (9)
.
ص: 391
الإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: ولَو كانَ المَولودُ يولَدُ فَهِماً عاقِلاً لأَنكَرَ العالَمَ عِندَ وِلادَتِهِ ، ولَبَقِيَ حَيرانَ تائِهَ العَقلِ إذا رَأى ما لَم يَعرِف ، ووَرَدَ عَلَيهِ ما لَم يَرَ مِثلَهُ مِنِ اختِلافِ صُوَرِ العالَمِ مِنَ البَهائِمِ وَالطَّيرِ إلى غَيرِ ذلِكَ ، مِمّا يُشاهِدُهُ ساعَةً بَعدَ ساعَةٍ ويَوماً بَعدَ يَومٍ ، وَ اعتَبِر ذلِكَ بِأَنَّ مَن سُبِيَ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ ، وهُوَ عاقِلٌ يَكونُ كَالوالِهِ الحَيرانِ ، فَلا يُسرِعُ في تَعَلُّمِ الكَلامِ وقَبولِ الأَدَبِ ، كَما يُسرِعُ الَّذي يُسبى صَغيراً غَيرَ عاقِلٍ ، ثُمَّ لَو وُلِدَ عاقِلاً كانَ يَجِدُ غَضاضَةً إذا رَأى نَفسَهُ مَحمولاً مُرضَعاً مُعَصَّباً بِالخِرَقِ مُسَجّىً فِي المَهدِ؛ لِأَنَّهُ لا يَستَغني عَن هذا كُلِّهِ لِرِقَّةِ بَدَنِهِ ورُطوبَتِهِ حينَ يولَدُ ، ثُمَّ كانَ لا يوجَدُ لَهُ مِنَ الحَلاوَةِ وَالوَقعِ مِنَ القُلوبِ ما يوجَدُ لِلطِّفلِ ، فَصارَ يَخرُجُ إلَى الدُّنيا غَبِيّاً غافِلاً عَمّا فيهِ أهلُهُ فَيَلقَى الأَشياءَ بِذِهنٍ ضَعيفٍ ومَعرِفَةٍ ، ناقِصَةٍ ثُمَّ لا يَزالُ يَتَزايَدُ فِي المَعرِفَةِ قَليلاً قَليلاً وشَيئاً بَعدَ شَيءٍ وحالاً بَعدَ حالٍ ، حَتّى يَألَفَ الأَشياءَ ويَتَمَرَّنَ ويَستَمِرَّ عَلَيها ، فَيَخرُجُ مِن حَدِّ التَّأَمُّلِ لَها وَالحَيرَةِ فيها إلَى التَّصَرُّفِ وَالاِضطِرابِ إلَى المَعاشِ بِعَقلِهِ وحيلَتِهِ ، وإلَى الاِعتِبارِ والطّاعَةِ وَالسَّهوِ وَالغَفلَةِ وَالمَعصِيَةِ . وفي هذا أيضاً وُجوهٌ اُخَرُ ؛ فَإِنَّهُ لَو كانَ يولَدُ تامَّ العَقلِ مُستَقِلّاً بِنَفسِهِ ، لَذَهَبَ مَوضِعُ حَلاوَةِ تَربِيَةِ الأَولادِ وما قُدِّرَ أن يَكونَ لِلوالِدَينِ فِي الاِشتِغالِ بِالوَلَدِ مِنَ المَصلَحَةِ ، وما يوجِبُ تَربِيَةً لِلآباءِ عَلَى الأَبناءِ مِنَ المُكَلَّفاتِ بِالبِرِّ وَالعَطفِ عَلَيهِم عِندَ حاجَتِهِم إلى ذلِكَ مِنهُم ، ثُمَّ كانَ الأَولادُ لا يَألَفُونَ آباءَهُم ولا يَألَفُ الآباءُ أبنَاءَهُم ؛ لِأَنَّ الأَولادَ كانوا يَستَغنونَ عَن تَربِيَةِ الآباءِ وحِياطَتِهِم فَيَتَفَرَّقونَ عَنهُم حينَ يولَدونَ ، فَلا يَعرِفُ الرَّجُلُ أباهُ واُمَّهُ ، ولا يَمتَنِعُ مِن نِكاحِ اُمِّهِ واُختِهِ وذَواتِ المَحارِمِ مِنهُ إذا كانَ لا يَعرِفُهُنَّ ، وأقَلُّ ما في ذلِكَ مِنَ القَباحَةِ ، بَل هُوَ أشنَعُ وأعظَمُ وأفظَعُ
.
ص: 392
وأقبَحُ وأبشَعُ لَو خَرَجَ المَولودُ مِن بَطنِ اُمِّهِ ، وهُوَ يَعقِلُ أن يَرى مِنها ما لا يَحِلُّ لَهُ ولا يُحسِنُ بِهِ أن يَراهُ ، أفَلا تَرى كَيفَ اُقيمَ كُلُّ شَيءٍ مِنَ الخِلقَةِ عَلى غايَةِ الصَّوابِ وخَلا مِنَ الخَطَاَ دَقيقُهُ وجَليلُهُ؟! تَأَمَّلِ الآنَ _ يا مُفَضَّلُ _ ما سُتِرَ عَنِ الإِنسانِ عِلمُهُ مِن مُدَّةِ حَياتِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَو عَرَفَ مِقدارَ عُمُرِهِ وكانَ قَصيرَ العُمُرِ لَم يَتَهَنَّأ بِالعَيشِ مَعَ تَرَقُّبِ المَوتِ وتَوَقُّعِهِ لِوَقتٍ قَد عَرَفَهُ ، بَل كانَ يَكونُ بِمَنزِلَةِ مَن قَد فَني مالُهُ أو قارَبَ الفَناءَ فَقَدِ استَشعَرَ الفَقرَ وَالوَجَلَ مِن فَناءِ مالِهِ وخَوفِ الفَقرِ ، عَلى أنَّ الَّذي يَدخُلُ عَلَى الإِنسانِ مِن فَناءِ العُمُرِ أعظَمُ مِمّا يَدخُلُ عَلَيهِ مِن فَناءِ المالِ ؛ لِأَنَّ مَن يَقِلُّ مالُهُ يَأمُلُ أن يُستَخلَفَ مِنهُ فَيَسكُنَ إلى ذلِكَ ، ومَن أيقَنَ بِفَناءِ العُمُرِ استَحكَمَ عَلَيهِ اليَأسُ وإن كانَ طَويلَ العُمُرِ ، ثُمَّ عَرَفَ ذلِكَ وَثِقَ بِالبَقاءِ وَانهَمَكَ فِي اللَّذّاتِ وَالمَعاصي ، وعَمِلَ عَلى أنَّهُ يَبلُغُ مِن ذلِكَ شَهوَتَهُ ، ثُمَّ يَتوبُ في آخِرِ عُمُرِهِ ، وهذا مَذهَبٌ لا يَرضاهُ اللّهُ مِن عِبادِهِ ولا يَقبَلُهُ . . . فَإِن قُلتَ : أوَلَيسَ قَد يُقيمُ الإِنسانُ عَلَى المَعصِيَةِ حينا ، ثُمَّ يَتوبُ فَتُقبَلُ تَوبَتُهُ ؟! قُلنا : إنَّ ذلِكَ شَيءٌ يَكونُ مِنَ الإِنسانِ لِغَلَبَةِ الشَّهَواتِ وتَركِهِ مُخالَفَتَها مِن غَيرِ أن يُقَدِّرَها في نَفسِهِ ويَبنِيَ عَلَيهِ أمرَهُ فَيَصفَحُ اللّهُ عَنهُ ويَتَفَضَّلُ عَلَيهِ بِالمَغفِرَةِ ، فَأَمّا مَن قَدَّرَ أمرَهُ عَلى أن يَعصِيَ ما بَدا لَهُ ، ثُمَّ يَتوبَ آخِرَ ذلِكَ فَإِنَّما يُحاوِلُ خَديعَةَ مَن لا يُخادَعُ بِأَن يَتَسَلَّفَ التَّلَذُّذَ فِي العاجِلِ ويَعِدَ ويُمَنِّيَ نَفسَهُ التَّوبَةَ فِي الآجِلِ ، ولِأَنَّهُ لا يَفي بِما يَعِدُ مِن ذلِكَ فَإِنَّ النُّزوعَ مِنَ التَّرَفُّهِ وَالتَّلَذُّذِ ومُعاناةِ التَّوبَةِ _ ولا سِيَّما عِندَ الكِبَرِ وضَعفِ البَدَنِ _ أمرٌ صَعبٌ ، ولا يُؤمَنُ عَلَى الإِنسانِ مَعَ مُدافَعَتِهِ بِالتَّوبَةِ أن يُرهِقَهُ المَوتُ فَيَخرُجَ مِنَ الدُّنيا غَيرَ تائِبٍ ، كَما قَد يَكونُ عَلَى الواحِدِ دَينٌ إلى أجَلٍ
.
ص: 393
وقَد يَقدِرُ عَلى قَضائِهِ ، فَلا يَزالُ يُدافِعُ بِذلِكَ حَتّى يَحِلَّ الأَجَلُ وقَد نَفِدَ المالُ فَيَبقَى الدَّينُ قائِما عَلَيهِ . فَكانَ خَيرُ الأَشياءِ لِلإِنسانِ أن يُستَرَ عَنهُ مَبلَغُ عُمُرِهِ ، فَيَكونَ طولَ عُمُرِهِ يَتَرَقَّبُ المَوتَ ، فَيَترُكَ المَعاصِيَ ويُؤثِرَ العَمَلَ الصّالِحَ . فَإِن قُلتَ : وها هُوَ الآنَ قَد سُتِرَ عَنهُ مِقدارُ حَياتِهِ ، وصارَ يَتَرَقَّبُ المَوتَ في كُلِّ ساعَةٍ ، يُقارِفُ الفَواحِشَ ويَنتَهِكُ المَحارِمَ ! قُلنا : إنَّ وَجهَ التَّدبيرِ في هذَا البابِ هُوَ الَّذي جَرى عَلَيهِ الأَمرُ فيهِ ، فَإِن كانَ الإِنسانُ مَعَ ذلِكَ لا يَرعَوي ولا يَنصَرِفُ عَنِ المَساوىَ فَإِنَّما ذلِكَ مِن مَرَحِهِ ومِن قَساوَةِ قَلبِهِ لا مِن خَطَاً فِي التَّدبيرِ ؛ كَما أنَّ الطَّبيبَ قَد يَصِفُ لِلمَريضِ ما يَنتَفِعُ بِهِ ، فَإِن كانَ المَريضُ مُخالِفا لِقَولِ الطَّبيبِ لا يَعمَلُ بِما يَأمُرُهُ ولا يَنتَهي عَمّا يَنهاهُ عَنهُ لَم يَنتَفِع بِصِفَتِهِ ، ولَم يَكُنِ الإِساءَةُ في ذلِكَ لِلطَّبيبِ ، بَل لِلمَريضِ حَيثُ لَم يَقبَل مِنهُ . ولَئِن كانَ الإِنسانُ مَعَ تَرَقُّبِهِ لِلمَوتِ كُلَّ ساعَةٍ لا يَمتَنِعُ عَنِ المَعاصي فَإِنَّهُ لَو وَثِقَ بِطولِ البَقاءِ كانَ أحرى بِأَن يَخرُجَ إلَى الكَبائِرِ الفَظيعَةِ ، فَتَرَقُّبُ المَوتِ عَلى كُلِّ حالٍ خَيرٌ لَهُ مِنَ الثِّقَةِ بِالبَقاءِ ، ثُمَّ إنَّ تَرَقُّبَ المَوتِ وإن كانَ صِنفٌ مِنَ النّاسِ يَلهَونَ عَنهُ ولا يَتَّعِظونَ بِهِ ، فَقَد يَتَّعِظُ بِهِ صِنفٌ آخَرُ مِنهُم ويَنزَعونَ عَنِ المَعاصي ، ويُؤثِرونَ العَمَلَ الصّالِحَ ، ويَجودونَ بِالأَموالِ وَالعَقائِلِ النَّفيسَةِ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الفُقَراءِ وَالمَساكينِ ، فَلَم يَكُن مِنَ العَدلِ أن يُحرَمَ هؤُلاءِ الاِنتِفاعَ بِهذِهِ الخَصلَةِ لِتَضييعِ اُولئِكَ حَظَّهُم مِنها. (1)
راجع: ج 2 ص 287 (السؤال عمّا قد يضرّ جوابه) .
.
ص: 394
4 / 4ما يَنبَغي في مُعاشَرَةِ الجاهِلِأ _ السَّلامُ عِندَ المُخاطَبَةِالكتاب«وَ عِبَادُ الرَّحْمَ_نِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنا وَ إذَا خَاطَبَهُمُ الْجَ_هِلُونَ قَالُواْ سَلَ_ما» . (1)
«وَ إذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أعْرَضُواْ عَنْهُ وَ قَالُواْ لَنَا أعْمَ__لُنَا وَ لَكُمْ أعْمَ__لُكُمْ سَلَ_مٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِى الْجَ_هِلِينَ» . (2)
الحديثمسند ابن حنبل عن النّعمان بن مُقرّن :سَبَّ رَجُلٌ رَجُلاً عِندَهُ [ صلى الله عليه و آله ] فَجَعَلَ الرَّجُلُ المَسبوبُ ، يَقولُ : عَلَيكَ السَّلامُ . قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أما إنَّ مَلَكا بَينَكُما يَذُبُّ عَنكَ كُلَّما يَشتِمُكَ هذا . قالَ لَهُ : بَل أنتَ ، وأنتَ أحَقُّ بِهِ ، وإذا قالَ لَهُ : عَلَيكَ السَّلامُ قالَ : لا ، بَل لَكَ ، أنتَ أحَقُّ بِهِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ أصحابِهِ _: لَو رَأيتَهُم في نَهارِهِم إذا لَرَأيتَ قَوما «يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنا » ويَقولونَ لِلنّاسِ حُسنا ، «وَ إذَا خَاطَبَهُمُ الْجَ_هِلُونَ قَالُواْ سَلَ_ما » ، «وَ إذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَاما » . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ في وَصفِ الشِّيعَةِ _: إن خاطَبَهُم جاهِلٌ سَلَّمُوا ، وإن لَجَأَ إلَيهِم
.
ص: 395
ذُو الحاجَةِ مِنهُم رَحِمُوا ، وعِندَ المَوتِ هُم لا يَحزَنونَ. (1)
الأغاني :كانَ إبراهيمُ (2) شَديدَ الاِنحِرافِ عَن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَحَدَّثَ المَأمونَ يَوما أنَّهُ رَأى عَلِيًّا فِي النَّومِ ، فَقالَ لَهُ : مَن أنتَ ؟ فَأَخبَرَهُ أنَّهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، فَمَشَينا حَتّى جِئنا قَنطَرَةً ، فَذَهَبَ يَتَقَدَّمُني لِعُبورِها فَأَمسَكتُهُ ، وقُلتُ لَهُ : إنَّما أنتَ رَجُلٌ تَدَّعي هذَا الأَمرَ بِإِمرَةٍ ونَحنُ أحَقُّ بِهِ مِنكَ ! فَما رَأيتُ لَهُ فِي الجَوابِ بَلاغَةً كَما يوصَفُ عَنهُ . فَقالَ : وأيُّ شَيءٍ قالَ لَكَ ؟ فَقالَ : ما زادَني عَلى أن قالَ : سَلاما سَلاما ! فَقالَ لَهُ المَأمونُ : قَد وَاللّهِ أجابَكَ أبلَغَ جَوابٍ . قالَ : وكَيفَ ؟! قالَ : عَرَّفَكَ أنَّكَ جاهِلٌ لا يُجاوَبُ مِثلُكَ ، قالَ اللّهُ عز و جل : «وَ إذَا خَاطَبَهُمُ الْجَ_هِلُونَ قَالُواْ سَلَ_ما» . فَخَجِلَ إبراهيمُ ، وقالَ : لَيتَني لَم اُحَدِّثكَ بِهذَا الحَديثِ. (3)
راجع: ص 280 ح 528 وص 286 ح 582 .
ب _ السُّكوتُ عِندَ المُنازَعَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ موسى عليه السلام لَقِيَ الخِضرَ عليه السلام فَقالَ : أوصِني . فَقالَ الخِضرُ : . . . يا موسى ، تَفَرَّغ لِلعِلمِ إن كُنتَ تُريدُهُ، فَإِنَّمَا العِلمُ لِمَن تَفَرَّغَ
.
ص: 396
لَهُ . . . وأعرِض عَنِ الجُهّالِ ، وَاحلُم عَنِ السُّفَهاءِ ، فَإِنَّ ذلِكَ فَضلُ الحُلَماءِ وزَينُ العُلَماءِ ، إذا شَتَمَكَ الجاهِلُ فَاسكُت عَنهُ سَلَما وجانِبهُ حَزما ، فَإِنَّ ما بَقِيَ مِن جَهلِهِ عَلَيكَ وشَتمِهِ إيّاكَ أكثَرُ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: لا تُنازِع جاهِلًا. (2)
عنه عليه السلام :لا تُنازِعِ السُّفَهاءَ ولا تَستَهتِر بِالنِّساءِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ يُزري بِالعُقَلاءِ. (3)
الإمام الباقر عليه السلام :النّاسُ رَجُلانِ : مُؤمِنٌ وجاهِلٌ ، فَلا تُؤذِ المُؤمِنَ ، ولا تُجَهِّلِ الجاهِلَ فَتَكونَ مِثلَهُ. (4)
ج _ الحِلمرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ثَلاثٌ مَن لَم يَكُنَّ فيهِ لَم يَتِمَّ لَهُ عَمَلٌ : وَرَعٌ يَحجِزُهُ عَن مَعاصِي اللّهِ ، وخُلُقٌ يُداري بِهِ النّاسَ ، وحِلمٌ يَرُدُّ بِهِ جَهلَ الجاهِلِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :لا تَفضَحوا أنفُسَكُم لِتَشفوا غَيظَكُم ، و إن جَهِلَ عَلَيكُم جاهِلٌ فَليَسَعهُ حِلمُكُم. (6)
.
ص: 397
عنه عليه السلام_ مِن وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ الحَسَن عليه السلام _: اُوصيكَ بِمَغفِرَةِ الذَّنبِ ، وكَظمِ الغَيظِ ، وصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَالحِلمِ عِندَ الجاهِلِ. (1)
عنه عليه السلام :اِحتِمالُ الجاهِلِ صَدَقَةٌ. (2)
عنه عليه السلام :المُؤمِنُ حَليمٌ لا يَجهَلُ ، وإن جُهِلَ عَلَيهِ يَحلُمُ. (3)
عيون أخبار الرضا عن موسى بن محمّد المحاربي عن رجل :إنَّ المَأمونَ قالَ لَهُ [أيِ الإِمامِ الرِّضا عليه السلام ] : هَل رُوِّيتَ مِنَ الشِّعرِ شَيئا ؟ فَقالَ : قَد رُوِّيتُ مِنهُ الكَثيرَ . فَقالَ : أنشِدني أحسَنَ ما رُوِّيتَهُ فِي الحِلمِ . فَقالَ عليه السلام : إذا كانَ دوني مَن بُليتُ بِجَهلِهِ أبَيتُ لِنَفسي أن تُقابِلَ بِالجَهلِ وإن كانَ مِثلي في مَحَلّي مِنَ النُّهى أخَذتُ بِحِلمي كَي أجِلَّ عَنِ المِثلِ وإن كُنتُ أدنى مِنهُ فِي الفَضلِ وَالحِجى عَرَفتُ لَهُ حَقَّ التَّقَدُّمِ وَالفَضلِ فَقالَ لَهُ المَأمونُ : ما أحسَنَ هذا ، مَن قالَهُ ؟! فَقالَ : بَعضُ فِتيانِنا. (4)
راجع: ج 2 ص 405 (الحلم) .
.
ص: 398
د _ التَّعليمالإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، تَعَلَّم مِنَ العِلمِ ما جَهِلتَ ، وعَلِّمِ الجاهِلَ مِمّا عُلِّمتَ . عَظِّمِ العالِمَ لِعِلمِهِ ودَع مُنازَعَتَهُ ، وصَغِّرِ الجاهِلَ لِجَهلِهِ ولا تَطرُدهُ ولكِن قَرِّبهُ وعَلِّمهُ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :قَرَأتُ في كِتابِ عَلِيٍّ عليه السلام : إنَّ اللّهَ لَم يَأخُذ عَلَى الجُهّالِ عَهدا بِطَلَبِ العِلمِ حَتّى أخَذَ عَلَى العُلَماءِ عَهدا بِبَذلِ العِلمِ لِلجُهّالِ ؛ لِأَنَّ العِلمَ كانَ قَبلَ الجَهلِ. (2)
راجع : ج 2 ص 325 (الفصل الأوّل : وجوب التعليم) وص 331 (الفصل الثاني: فضل التعليم) .
ه _ عَدَمُ الوُثوقِالإمام عليّ عليه السلام :كُن بِعَدُوِّكَ العاقِلِ أوثَقَ مِنكَ بِصَديقِكَ الجاهِلِ. (3)
عنه عليه السلام :لا يوثَقُ بِعَهدِ مَن لا عَقلَ لَهُ. (4)
و _ العِصيانالإمام عليّ عليه السلام :اِعصِ الجاهِلَ تَسلَم. (5)
.
ص: 399
ز _ الإِعراضالكتاب«خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأعْرِضْ عَنِ الْجَ_هِلِينَ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أحكَمُ النّاسِ مَن فَرَّ مِن جُهّالِ النّاسِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّمَا النّاسُ رَجُلانِ : مُؤمِنٌ وجاهِلٌ ، فَلا تُؤذِ المُؤمِنَ ، ولا تُجاوِرِ الجاهِلَ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :كُفرُ النِّعمَةِ لُؤمٌ ، وصُحبَةُ الجاهِلِ شُؤمٌ. (4)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: لا يُؤمِنَنَّكَ مِن شَرِّ جاهِلٍ قَرابَةٌ ولا جِوارٌ ، فَإِنَّ أخوَفَ ما تَكونُ لِحَريقِ النّارِ أقرَبُ ما تَكونُ إلَيها. (5)
عنه عليه السلام :لا تَصحَب مَن فاتَهُ العَقلُ ، ولا تَصطَنِع مَن خانَهُ الأَصلُ ، فَإِنَّ مَن لا عَقلَ لَهُ يَضُرُّكَ مِن حَيثُ يَرى أنَّهُ يَنفَعُكَ ، ومَن لا أصلَ لَهُ يُسيءُ إلى مَن يُحسِنُ إلَيهِ. (6)
عنه عليه السلام :لا تَنتَصِح بِمَن فاتَهُ العَقلُ ، ولا تَثِق بِمَن خانَهُ الأَصلُ ، فَإِنَّ مَن فاتَهُ العَقلُ
.
ص: 400
يَغُشُّ مِن حَيثُ يَنصَحُ ، ومَن خانَهُ الأَصلُ يُفسِدُ مِن حَيثُ يُصلِحُ. (1)
عنه عليه السلام :شَرُّ مَن صاحَبتَ الجاهِلُ. (2)
عنه عليه السلام :شَرُّ الأَصحابِ الجاهِلُ. (3)
عنه عليه السلام :قَطيعَةُ الجاهِلِ تَعدِلُ صِلَةَ العاقِلِ. (4)
عنه عليه السلام :اِحذَرِ العاقِلَ إذا أغضَبتَهُ ، وَالكَريمَ إذا أهَنتَهُ ، وَالنَّذلَ إذا أكرَمتَهُ ، وَالجاهِلَ إذا صاحَبتَهُ. (5)
عنه عليه السلام :صَديقُ الجاهِلِ مَعرِضٌ لِلعَطَبِ. (6)
عنه عليه السلام :صَديقُ الجاهِلِ مَتعوبٌ مَنكوبٌ. (7)
الإمام العسكريّ عليه السلام :صَديقُ الجاهِلِ تَعِبٌ. (8)
الإمام الكاظم عليه السلام :مُحادَثَةُ العالِمِ عَلَى المَزابِلِ خَيرٌ مِن مُحادَثَةِ الجاهِلِ عَلَى الزَّرابِيِّ. (9)
.
ص: 401
الإمام الرضا عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى مُحَمَّدِ بنِ سِنانٍ _: حَرَّمَ اللّهُ عز و جلالتَّعَرُّبَ بَعدَ الهِجرَةِ لِلرُّجوعِ عَنِ الدّينِ وتَركِ المُؤازَرَةِ لِلأَنبِياءِ وَالحُجَجِ عليهم السلام ، وما في ذلِكَ مِنَ الفَسادِ وإبطالِ حَقِّ كُلِّ ذي حَقٍّ ، لا لِعِلَّةِ سُكنَى البَدوِ ، ولِذلِكَ لَو عَرَفَ الرَّجُلُ الدّينَ كامِلًا لَم يَجُز لَهُ مُساكَنَةُ أهلِ الجَهلِ ، وَالخَوفُ عَلَيهِ لِأَنَّهُ لا يُؤمَنُ أن يَقَعَ مِنهُ تَركُ العِلمِ وَالدُّخولُ مَعَ أهلِ الجَهلِ وَالتَّمادي في ذلِكَ. (1)
راجع: ص 395 ح 1140 .
.
ص: 402
. .
ص: 403
الفصل الخامس : الجاهليّة الاُولى5 / 1مَعنَى الجاهِلِيَّةِالكتاب«وَ لَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَ_هِلِيَّةِ الْأُولَى» . (1)
«وَ مَا ءَاتَيْنَ_هُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَ مَا أرْسَلْنَا إلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ» . (2)
«وَ مَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إذْ نَادَيْنَا وَ لَ_كِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْما مَّا أتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» . (3)
راجع: المائدة : 19 ، السجدة : 3 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّما سُمِّيَتِ الجاهِلِيَّةُ لِضَعفِ أعمالِها ، وجَهالَةِ أهلِها ... ، إنَّ أهلَ الجاهِلِيَّهِ عَبَدوا غَيرَ اللّهِ ، ولَهُم أجَلٌ يَنتَهونَ إلى مُدَّتِهِ ويَصيرونَ إلى نِهايَتِهِ ، مُؤَخَّرٌ عَنهُمُ العِقابُ إلى يَومِ الحِسابِ ، أمهَلَهُمُ اللّهُ بِقُدرَتِهِ وجَلالِهِ وعِزَّتِهِ ، فَغَلَبَ الأَعَزُّ الأَذَلَّ ،
.
ص: 404
وأكَلَ الكَبيرُ فيهَا الأَقَلَّ. (1)
مسند ابن حنبل عن جعفر بن أبي طالب_ فيما وَصَفَ بِهِ قَومَهُ لِلنَّجاشِيِّ مَلِكِ الحَبَشَةِ _: أيُّهَا المَلِكُ ، كُنّا قَوما أهلَ جاهِلِيَّةٍ ؛ نَعبُدُ الأَصنامَ ، ونَأكُلُ المَيتَةَ ، ونَأتِي الفَواحِشَ ، ونَقطَعُ الأَرحامَ ، ونُسيءُ الجِوارَ ، يَأكُلُ القَوِيُّ مِنَّا الضَّعيفَ ، فَكُنّا عَلى ذلِكَ حَتّى بَعَثَ اللّهُ إلَينا رَسولًا مِنّا ، نَعرِفُ نَسَبَهُ وصِدقَهُ ، وأمانَتَهُ وعَفافَهُ ، فَدَعانا إلَى اللّهِ لِنُوَحِّدَهُ ونَعبُدَهُ ونَخلَعَ ما كُنّا (نَعبُدُ) (2) نَحنُ وآباؤُنا مِن دونِهِ مِنَ الحِجارَةِ وَالأَوثانِ ، وأمَرَنا بِصِدقِ الحَديثِ ، وأداءِ الأَمانَةِ ، وصِلَةِ الرَّحِمِ ، وحُسنِ الجِوارِ ، وَالكَفِّ عَنِ المَحارِمِ وَالدِّماءِ ، ونَهانا عَنِ الفَواحِشِ ، وقَولِ الزّورِ ، وأكلِ مالِ اليَتيمِ ، وقَذفِ المُحصَنَةِ ، وأمَرَنا أن نَعبُدَ اللّهَ وَحدَهُ لا نُشرِكُ بِهِ شَيئا ، وأمَرَنا بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَالصِّيامِ ... فَصَدَّقناهُ ، وآمَنّا بِهِ ، وَاتَّبَعناهُ عَلى ما جاءَ بِهِ ، فَعَبَدنَا اللّهَ وَحدَهُ فَلَم نُشرِك بِهِ شَيئا ، وحَرَّمنا ما حَرَّمَ عَلَينا ، وأحلَلنا ما أحَلَّ لَنا ، فَعَدا عَلَينا قَومُنا فَعَذَّبونا وفَتَنونا عَن دينِنا، لِيَرُدّونا إلى عِبادَةِ الأَوثانِ مِن عِبادَةِ اللّهِ، وأن نَستَحِلَ ما كُنّا نَستَحِلُّ مِنَ الخَبائِثِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ولَيسَ أحَدٌ مِنَ العَرَبِ يَقرَاُ كِتابا ، ولا يَدَّعي نُبُوَّةً ولا وَحيا. 4
.
ص: 405
عنه عليه السلام :أرسَلَهُ عَلى حينِ فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وهَفوَةٍ عَنِ العَمَلِ ، وغَباوَةٍ مِنَ الاُمَمِ. (1)
عنه عليه السلام :أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، أرسَلَهُ وأعلامُ الهُدى دارِسَةٌ ، ومَناهِجُ الدّينِ طامِسَةٌ ، فَصَدَعَ بِالحَقِّ ، ونَصَحَ لِلخَلقِ. (2)
عنه عليه السلام :بَعَثَهُ حينَ لا عَلَمٌ قائِمٌ ، ولا مَنارٌ ساطِعٌ ، ولا مَنهَجٌ واضِحٌ. (3)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ سُبحانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِالحَقِّ حينَ دَنا مِنَ الدُّنيا الاِنقِطاعُ ، وأقبَلَ مِنَ الآخِرَةِ الاِطِّلاعُ ، وأظلَمَت بَهجَتُها بَعدَ إشراقٍ ، وقامَت بِأَهلِها عَلى ساقٍ ، وخَشُنَ مِنها مِهادٌ ، وأزِفَ (4) مِنها قِيادٌ ، فِي انقِطاعٍ مِن مُدَّتِها ، وَاقتِرابٍ مِن أشراطِها ، وتَصَرُّمٍ (5) مِن أهلِها ، وَانفِصامٍ مِن حَلقَتِها ، وَانتِشارٍ مِن سَبَبِها ، وعَفاءٍ (6) مِن أعلامِها ، وتَكَشُّفٍ مِن عَوراتِها ، وقِصَرٍ مِن طولِها. (7)
عنه عليه السلام :بَعَثَهُ وَالنّاسُ ضُلّالٌ في حَيرَةٍ ، وحاطِبونَ في فِتنَةٍ ، قَدِ استَهوَتهُمُ الأَهواءُ ، وَاستَزَلَّتهُمُ الكِبرِياءُ ، وَاستَخَفَّتهُمُ الجاهِلِيَّةُ الجَهلاءُ ، حَيارى في زَلزالٍ مِنَ الأَمرِ وبَلاءٍ مِنَ الجَهلِ ، فَبالَغَ صلى الله عليه و آله فِي النَّصيحَةِ ، ومَضى عَلَى الطَّريقَةِ ، ودَعا إلَى الحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ. (8)
عنه عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أرسَلَ إلَيكُمُ الرَّسولَ صلى الله عليه و آله وأنزَلَ إلَيهِ الكِتابَ بِالحَقِّ وأنتُم اُمِّيّونَ عَنِ الكِتابِ ومَن أنزَلَهُ ، وعَنِ الرَّسولِ ومَن أرسَلَهُ ، عَلى حينِ
.
ص: 406
فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وطولِ هَجعَةٍ (1) مِنَ الاُمَمِ ، وَانبِساطٍ مِنَ الجَهلِ ، وَاعتِراضٍ مِنَ الفِتنَةِ ، وَانتِقاضٍ مِنَ المُبرَمِ (2) ، وعَمًى عَنِ الحَقِّ ، وَاعتِسافٍ (3) مِنَ الجَورِ ، وَامتِحاقٍ مِنَ الدّينِ ، وتَلَظٍّ (ي) مِنَ الحُروبِ ، عَلى حينِ اصفِرارٍ مِن رِياضِ جَنّاتِ الدُّنيا ، ويُبسٍ مِن أغصانِها ، وَانتِثارٍ مِن وَرَقِها ، ويَأسٍ مِن ثَمَرِها ، وَاغوِرارٍ مِن مائِها ، قَد دَرَسَت أعلامُ الهُدى ، فَظَهَرت أعلامُ الرَّدى . فَالدُّنيا مُتَهَجِّمَةٌ في وُجوهِ أهلِها مُكفَهِرَّةٌ (4) ، مُدبِرَةٌ غَيرُ مُقبِلَةٍ ، ثَمَرَتُهَا الفِتنَةُ ، وطَعامُهَا الجيفَةُ ، وشِعارُهَا الخَوفُ ، ودِثارُهَا السَّيفُ ، مُزِّقتُم كُلَّ مُمَزَّقٍ وقَد أعمَت عُيونَ أهلِها ، وأظلَمَت عَلَيها أيّامُها ، قَد قَطَعوا أرحامَهُم ، وسَفَكوا دِماءَهُم ، ودَفَنوا فِي التُّرابِ المَوؤودَةَ بَينَهُم مِن أولادِهِم ، يَجتازُ دونَهُم طيبُ العَيشِ ورَفاهِيَةُ خُفوضِ الدُّنيا . لا يَرجونَ مِنَ اللّهِ ثَوابا ، ولا يَخافونَ وَاللّهِ مِنهُ عِقابا . حَيُّهُم أعمى نَجِسٌ ، ومَيِّتُهُم فِي النّارِ مُبلِسٌ (5) ، فَجاءَهُم بِنُسخَةِ ما فِي الصُّحُفِ الاُولى ، وتَصديقِ الَّذي بَينَ يَدَيهِ ، وتَفصيلِ الحَلالِ مِن رَيبِ الحَرامِ. (6)
عنه عليه السلام :أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، أرسَلَهُ بِالدّينِ المَشهورِ ... وَالنّاسُ في فِتَنٍ اِنجَذَمَ فيها حَبلُ الدّينِ ، وتَزَعزَعَت سَوارِي (7) اليَقينِ ، وَاختَلَفَ النَّجرُ (8) ، وتَشَتَّتَ
.
ص: 407
الأَمرُ ، وضاقَ المَخرَجُ ، وعَمِيَ المَصدَرُ ، فَالهُدى خامِلٌ ، وَالعَمى شامِلٌ . عُصِيَ الرَّحمنُ ، ونُصِرَ الشَّيطانُ ، وخُذِلَ الإِيمانُ ، فَانهارَت دَعائِمُهُ ، وتَنَكَّرَت مَعالِمُهُ ، ودَرَسَت سُبُلُهُ ، وعَفَت شُرُكُهُ . أطاعُوا الشَّيطانَ فَسَلَكوا مَسالِكَهُ ، ووَرَدوا مَناهِلَهُ ، بِهِم سارَت أعلامُهُ ، وقامَ لِواؤُهُ ، في فِتَنٍ داسَتهُم بِأَخفافِها ، ووَطِئَتهُم بِأَظلافِها ، وقامَت عَلى سَنابِكِها. (1) فَهُم فيها تائِهونَ حائِرونَ جاهِلونَ مَفتونونَ ، في خَيرِ دارٍ وشَرِّ جيرانٍ . نَومُهُم سُهودٌ وكُحلُهُم دُموعٌ ، بِأَرضٍ عالِمُها مُلجَمٌ وجاهِلُها مُكرَمٌ. (2)
عنه عليه السلام :أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهَ ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ونَجيبُهُ وصَفوَتُهُ . لا يُؤازى فَضلُهُ ، ولا يُجبَرُ فَقدُهُ . أضاءَت بِهِ البِلادُ بَعدَ الضَّلالَةِ المُظلِمَةِ ، وَالجَهالَةِ الغالِبَةِ ، وَالجَفوَةِ الجافِيَةِ ، وَالنّاسُ يَستَحِلّونَ الحَريمَ ويَستَذِلّونَ الحَكيمَ ، يَحيَونَ عَلى فَترَةٍ ويَموتونَ عَلى كَفرَةٍ. (3)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَعالى بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله وأنتُم مَعاشِرَ العَرَبِ عَلى شَرِّ حالٍ ، يَغذو أحَدُكُم كَلبَهُ ، ويَقتُلُ وَلَدَهُ ، ويُغيرُ عَلى غَيرِهِ فَيَرجِعُ وقَد اُغيرَ عَلَيهِ ، تَأكُلونَ العِلهِزَ (4) وَالهَبيدَ (5) وَالمَيتَةَ وَالدَّمَ ، تُنيخونَ عَلى أحجارٍ خُشنٍ وأوثانٍ مُضِلَّةٍ ، وتَأكُلونَ الطَّعامَ الجَشِبَ ، وتَشرَبونَ الماءَ الآجِنَ ، تَسافَكونَ دِماءَكُم ويَسبي بَعضُكُم بَعضا. (6)
عنه عليه السلام_ مِن رِسالَتِهِ إلى أصحابِهِ بَعدَ مَقتَلِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: إنَّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله
.
ص: 408
نَذيرا لِلعالَمينَ ، وأمينا عَلَى التَّنزيلِ ، وشَهيدا عَلى هذِهِ الاُمَّةِ ، وأنتُم يا مَعشَرَ العَرَبِ يَومَئِذٍ عَلى شَرِّ دينٍ وفي شَرِّ دارٍ ، مُنيخونَ عَلى حِجارَةٍ خُشنٍ وحَيّاتٍ صُمٍّ وشَوكٍ مَبثوثٍ فِي البِلادِ ، تَشرَبونَ الماءَ الخَبيثَ ، وتَأكُلونَ الطَّعامَ الجَشيبَ ، وتَسفِكونَ دِماءَكُم ، وتَقتُلونَ أولادَكُم ، وتَقطَعونَ أرحامَكُم ، وتَأكُلونَ أموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ ، سُبُلُكُم خائِفَةٌ ، وَالأَصنامُ فيكُم مَنصوبَةٌ ، وَالآثامُ بِكُم مَعصوبَةٌ ، ولا يُؤمِنُ أكثَرُهُم بِاللّهِ إلّا وهُم مُشرِكونَ. (1)
عنه عليه السلام_ فِي الاِعتِبارِ بِالاُمَمِ السّابِقَةِ وتَحذيرِ العُصاةِ المُتَكَبِّرينَ _: اِعتَبِروا بِحالِ وُلدِ إسماعيلَ وبَني إسحاقَ وبَني إسرائيلَ عَلَيهِمُ السَّلامُ . فَما أشَدَّ اعتِدالَ الأَحوالِ ، وأقرَبَ اشتِباهَ الأَمثالِ ! تَأَمَّلوا أمرَهُم في حالِ تَشَتُّتِهِم وتَفَرُّقِهِم ، لَيالِيَ كانَتِ الأَكاسِرَةُ وَالقَياصِرَةُ أربابا لَهُم ، يَحتازونَهُم (2) عَن ريفِ الآفاقِ ، وبَحرِ العِراقِ ، وخُضرَةِ الدُّنيا ، إلى مَنابِتِ الشّيحِ (3) ، ومَهافِي الرّيحِ ، ونَكَدِ (4) المَعاشِ ، فَتَرَكوهُم عالَةً مَساكينَ إخوانَ دَبَرٍ ووَبَرٍ (5) ، أذَلَّ الاُمَمِ دارا ، وأجدَبَهُم قَرارا ، لا يَأوونَ إلى جَناحِ دَعوَةٍ يَعتَصِمونَ بِها ، ولا إلى ظِلِّ اُلفَةٍ يَعتَمِدونَ عَلى عِزِّها ، فَالأَحوالُ مُضطَرِبَةٌ ، وَالأَيدي مُختَلِفَةٌ ، وَالكَثرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ ، في بَلاءِ أزلٍ وأطباقِ جَهلٍ ! مِن بَناتٍ مَوؤودَةٍ ، وأصنامٍ مَعبودَةٍ ، وأرحامٍ مَقطوعَةٍ ، وغاراتٍ مَشنونَةٍ . فَانظُروا إلى مَواقِعِ نِعَمِ اللّهِ عَلَيهِم حينَ بَعَثَ إلَيهِم رَسولًا _ فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طاعَتَهُم ، وجَمَعَ عَلى دَعوَتِهِ اُلفَتَهُم _ كَيفَ نَشَرَتِ النِّعمَةُ عَلَيهِم جَناحَ كَرامَتِها ، وأسالَت لَهُم
.
ص: 409
جَداوِلَ نَعيمِها ، وَالتَفَّتِ المِلَّةُ بِهِم في عَوائِدِ بَرَكَتِها ، فَأَصبَحوا في نِعمَتِها غَرِقينَ ، وفي خُضرَةِ عَيشِها فَكِهينَ . قَد تَرَبَّعَتِ الاُمورُ بِهِم في ظِلِّ سُلطانٍ قاهِرٍ ، وآوَتهُمُ الحالُ إلى كَنَفِ عِزٍّ غالِبٍ ، وتَعَطَّفَتِ الاُمورُ عَلَيهِم في ذُرى (1) مُلكٍ ثابِتٍ . فَهُم حُكّامٌ عَلَى العالَمينَ ، ومُلوكٌ في أطرافِ الأَرَضينَ . يَملِكونَ الاُمورَ عَلى مَن كانَ يَملِكُها عَلَيهِم ، ويُمضونَ الأَحكامَ فيمَن كانَ يُمضيها فيهِم ! لا تُغمَزُ (2) لَهُم قَناةٌ ، ولا تُقرَعُ لَهُم صَفاةٌ (3) ألا وإنَّكُم قَد نَفَضتُم أيدِيَكُم مِن حَبلِ الطّاعَةِ ، وثَلَمتُم حِصنَ اللّهِ المَضروبَ عَلَيكُم ، بِأَحكامِ الجاهِلِيَّةِ. (4)
فاطمة عليهاالسلام_ في خِطابِها لِلمُسلِمينَ بَعدَ أبيها _: كُنتُم عَلى شَفا حُفرَةٍ مِنَ النّارِ مَذقَةَ الشّارِبِ ، ونُهزَةَ (5) الطّامِعِ ، وقَبسَةَ العَجلانِ ، ومَوطِئَ الأَقدامِ ، تَشرَبونَ الطَّرقَ (6) ، وتَقتاتونَ القَدَّ (7) ، أذِلَّةً خاسِئينَ صاغِرينَ ، تَخافونَ أن يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ مِن حَولِكُم ، فَأَنقَذَكُمُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى بِأَبي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . (8)
الإمام الهادي عليه السلام_ في خُطبَتِهِ _: الحَمدُ للّهِِ العالِمِ بِما هُوَ كائِنٌ مِن قَبلِ أن يَدينَ لَهُ
.
ص: 410
مِن خَلقِهِ دائِنٌ . . . وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ المُصطَفى ووَلِيُّهُ المُرتَضى وبَعيثُهُ بِالهُدى ، أرسَلَهُ عَلى حينِ فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَاختِلافٍ مِنَ المِلَلِ ، وَانقِطاعٍ مِنَ السُّبُلِ ، ودُروسٍ مِنَ الحِكمَةِ ، وطُموسٍ مِن أعلامِ الهُدى وَالبَيِّناتِ ، فَبَلَّغَ رِسالَةَ رَبِّهِ ، وصَدَعَ بِأَمرِهِ ، وأدَّى الحَقَّ الَّذي عَلَيهِ ، وتُوُفِّيَ فَقيدا مَحمودا صلى الله عليه و آله . (1)
راجع : الإسراء : 31 _ 35 ، الأنعام : 152 ، الممتحنة : 12 .
.
ص: 411
كلام حول الجاهليّةالقرآن يسمّي عهد العرب المتّصل بظهور الإسلام بالجاهليّة ، وليس إلّا إشارة منه إلى أنّ الحاكم فيهم يومئذٍ الجهل دون العلم ، والمسيطر عليهم في كلّ شيء الباطل ، وسفر الرأي دون الحقّ ، وكذلك كانوا على ما يقصّه القرآن من شؤونهم . قال تعالى : «يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَ_هِلِيَّةِ» (1) ، وقال : «أفَحُكْمَ الْجَ_هِلِيَّةِ يَبْغُونَ» (2) ، وقال : «إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَ_هِلِيَّةِ» (3) ، وقال : «وَ لَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَ_هِلِيَّةِ الْأُولَى» . (4) كانت العرب يومئذٍ تجاور في جنوبها الحبشة وهي نصرانيّة ، وفي مغربها إمبراطوريّة الروم وهي نصرانيّة ، وفي شمالها الفرس وهم مجوس ، وفي غير ذلك الهند ومصر وهما وثنيّتان وفي أرضهم طوائف من اليهود ، وهم _ أعني العرب _ مع ذلك وثنيّون يعيش أغلبهم عيشة القبائل ، وهذا كلّه هو الذي أوجد لهم اجتماعا همجيًّا بدويًّا فيه أخلاط من رسوم اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة ، وهم سكارى
.
ص: 412
جهالتهم ، قال تعالى : «وَإن تُطِعْ أكْثَرَ مَن فِى الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إن يَتَّبِعُونَ إلَا الظَّنَّ وَإنْ هُمْ إلَا يَخْرُصُونَ» . (1) وقد كانت العشائر وهم البدو على ما لهم من خساسة العيش ودناءته يعيشون بالغزوات ، وشنّ الغارات ، واختطاف كلّ ما في أيدي آخرين من متاع أو عرض ، فلا أمن بينهم ولا أمانة ، ولا سلم ولا سلامة ، والأمر إلى من غلب ، والملك لمن وضع عليه يده . أما الرجال فالفضيلة بينهم سفك الدماء ، والحميّة الجاهليّة ، والكبر ، والغرور ، واتّباع الظالمين ، وهضم حقوق المظلومين ، والتعادي ، والتنافس ، والقمار ، وشرب الخمر ، والزنا ، وأكل الميتة والدم وحشف (2) التمر . وأمّا النساء فقد كنّ محرومات من مزايا المجتمع الإنسانيّ ، لا يملكن من أنفسهنّ إرادة ، ولا من أعمالهنّ عملًا ولا يملكن ميراثا ، ويتزوّج بهنّ الرجال من غير تحديد بحدّ كما عند اليهود وبعض الوثنيّة ، ومع ذلك فقد كنّ يتبرّجن بالزينة ، ويدعون من أحببن إلى أنفسهنّ ، وفشا فيهنّ الزنا والسفاح حتّى في المحصنات المزوّجات منهنّ ، ومن عجيب بروزهنّ أنّهنّ ربّما كنّ يأتين بالحجّ عاريات . وأمّا الأولاد فكانوا ينسبون إلى الآباء لكنّهم لا يورثون صغارا ، ويذهب الكبار بالميراث ، ومن الميراث زوجة المتوفّى ، ويحرم الصغار ذكورا وإناثا والنساء ، غير أنّ المتوفّى لو ترك صغيرا ورثه ، لكنّ الأقوياء يتولّون أمر اليتيم ويأكلون ماله ، ولو كان اليتيم بنتا تزوّجوها وأكلوا مالها ثمّ طلّقوها وخلّوا
.
ص: 413
سبيلها ، فلا مال تقتات به ولا راغب في نكاحها ينفق عليها ، والابتلاء بأمر الأيتام من أكثر الحوادث المبتلى بها بينهم لمكان دوام الحروب والغزوات والغارات ، فبالطبع كان القتل شائعا بينهم . وكان من شقاء أولادهم أنّ بلادهم الخربة وأراضيهم القفرة البائرة كان يسرع الجدب والقحط إليها ، فكان الرجل يقتل أولاده خشية الإملاق (1) ، وكانوا يئدون البنات (2) ، وكان من أبغض الأشياء عند الرجل أن يبشَّر بالاُنثى. (3) وأمّا وضع الحكومة بينهم فأطراف شبه الجزيرة وإن كانت ربّما ملك فيها ملوك تحت حماية أقوى الجيران وأقربها ، كإيران لنواحي الشمال ، والروم لنواحي الغرب ، والحبشة لنواحي الجنوب ، إلّا أنّ قرى الأوساط كمكّة ويثرب والطائف وغيرها كانت تعيش في وضع أشبه بالجمهوريّة وليس بها ، والعشائر في البدو بل حتّى في داخل القرى كانت تدار بحكومة رؤسائها وشيوخها وربّما تبدّل الوضع بالسلطنة . فهذا هو الهرج العجيب الذي كان يبرز في كلّ عدّة معدودة منهم بلَونٍ ، ويظهر في كلّ ناحية من أرض شبه الجزيرة في شكل مع الرسوم العجيبة والاعتقادات الخرافيّة الدائرة بينهم ، وأضف إلى ذلك بلاء الاُمّيّة وفقدان التعليم والتعلّم في بلادهم فضلًا عن العشائر والقبائل . وجميع ما ذكرناه من أحوالهم وأعمالهم والعادات والرسوم الدائرة بينهم ممّا يستفاد من سياق الآيات القرآنيّة والخطابات التي تخاطبهم بها أوضح استفادة ،
.
ص: 414
فتدبّر في المقاصد التي ترومها الآيات والبيانات التي تلقيها إليهم بمكّة أوّلاً ، ثمّ بعد ظهور الإسلام وقوّته بالمدينة ثانيا ، وفي الأوصاف التي تصفهم بها ، والاُمور التي تذمّها منهم وتلومهم عليها ، والنواهي المتوجّهة إليهم في شدّتها وضعفها . إذا تأمّلت كلّ ذلك تجد صحّة ما تلوناه عليك ، على أنّ التاريخ يذكر جميع ذلك ويتعرّض من تفاصيلها ما لم نذكره لإجمال الآيات الكريمة وإيجازها القول فيه . وأوجز كلمة وأوفاها لإفادة جمل هذه المعاني ما سمّى القرآن هذا العهد بعهد الجاهليّة فقد اُجمل في معناها جميع هذه التفاصيل . هذا حال عالم العرب ذلك اليوم. (1)
.
ص: 415
5 / 2دينُ الجاهِلِيَّةِأ _ عِبادَةُ غَيرِ اللّهِ«وَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْ_ئا وَ هُمْ يُخْلَقُونَ وَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَ لَا نَفْعا وَ لَا يَمْلِكُونَ مَوْتا وَ لَا حَيَوةً وَلَا نُشُورا» . (1)
راجع: الأعراف : 191 _ 195 ، سبأ : 22 .
ب _ جَعلُ الوَلَدِ للّهِِالكتاب«وَ يُنذِرَ الَّذِينَ قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدا * مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لَا لِابَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أفْوَ هِهِمْ إن يَقُولُونَ إلَا كَذِبا» . (2)
«وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَ_تِ سُبْحَ_نَهُ وَ لَهُم مَّا يَشْتَهُونَ» . (3)
«أفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلَئِكَةِ إنَ_ثا إنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيما» . (4)
«أمْ لَهُ الْبَنَ_تُ وَ لَكُمُ الْبَنُونَ» . (5)
.
ص: 416
«أفَرَءَيْتُمُ اللَّ_تَ وَ الْعُزَّى * وَمَنَوةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * ألَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنثَى * تِلْكَ إذا قِسْمَةٌ ضِيزَى» . 1
راجع: الأنعام : 100 و 101 ، الصافّات : 149 _ 154 ، الزخرف : 16 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ : كَذَّبَنِي ابنُ آدَمَ ولَم يَكُن لَهُ ذلِكَ ، وشَتَمَني ولَم يَكُن لَهُ ذلِكَ . فَأَمّا تَكذيبُهُ إيّايَ فَزَعَمَ أنّي لا أقدِرُ أن اُعيدَهُ كَما كانَ ، وأمّا شَتمُهُ إيّايَ فَقَولُهُ : لي وَلَدٌ ، فَسُبحاني أن أتَّخِذَ صاحِبَةً أو وَلَدا. (1)
صحيح البخاري عن مجاهد :قالَ كُفّارُ قُرَيشٍ : المَلائِكَةُ بَناتُ اللّهِ ، واُمَّهاتُهُم بَناتُ سَرَواتِ (2) الجِنِّ. (3)
تفسير الطبري عن ابن عبّاس_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَ_تِ ...» الآية _: يَجعَلونَ للّهِِ البَناتِ ، تَرضَونَهُنَّ لي ولا تَرضَونَهُنَّ لِأَنفُسِكُم . وذلِكَ
.
ص: 417
أنَّهُم كانوا فِي الجاهِلِيَّةِ إذا وُلِدَ لِلرَّجُلِ مِنهُم جارِيَةٌ أمسَكَها عَلى هونٍ أو دَسَّها فِي التُّرابِ وهِيَ حَيَّةٌ. (1)
ج _ جَعلُ الجِنِّ شُرَكاءَ للّهِِ«وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَ_ت بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَ_نَهُ وَتَعَ__لَى عَمَّا يَصِفُونَ» . (2)
«وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَئِكَةِ أهَ_ؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ * قَالُواْ سُبْحَ_نَكَ أنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ» . (3)
د _ جَعلُ النَّسَبِ بَينَ اللّهِ وَالجِنِّ«وَ جَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبا وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ» . (4)
ه _ تَحريمُ بَعضِ الأَنعامِالكتاب«قُلْ أرَءَيْتُم مَّا أنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاما وَ حَلَ_لًا قُلْ ءَاللَّهُ أذِنَ لَكُمْ أمْ عَلَى
.
ص: 418
اللَّهِ تَفْتَرُونَ» . (1)
«فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَ_لًا طَيِّبا وَ اشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ إن كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ وَ مَا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَ لَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَ_ذَا حَلَ_لٌ وَ هَ_ذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ» . (2)
«وَقَالُواْ هَ_ذِهِ أنْعَ_مٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إلَا مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأنْعَ_مٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأنْعَ_مٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * وَقَالُواْ مَا فِى بُطُونِ هَ_ذِهِ الْأَنْعَ_مِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أزْوَ جِنَا وَإن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ» . (3)
«مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَ لَ_كِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» . (4)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :البَحيرَةُ إذا وَلَدَت ووَلَدَ وَلَدُها بُحِرَت. (5)
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ تَعالى : «مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ» _: إنَّ أهلَ الجاهِلِيَّةِ كانوا إذا وَلَدَتِ النّاقَةُ وَلَدَينِ في بَطنٍ واحِدٍ قالوا : وَصَلَت ، فَلا يَستَحِلّونَ ذَبحَها ولا أكلَها ، وإذا وَلَدَت عَشرا جَعَلوها سائِبَةً ، ولا يَستَحِلّونَ ظَهرَها ولا أكلَها ، وَالحامُ : فَحلُ الإِبِلِ لَم يَكونوا يَستَحِلّونَهُ ، فَأَنزَلَ اللّهُ عز و جل : أنَّهُ لَم
.
ص: 419
يُحَرِّم شَيئا مِن ذلِكَ (1) . (2)
تعليق :كان الجهل المُطبِق الذي خيّم على العرب قبل الإسلام قد مهّد الأجواء لشيوخهم ورؤسائهم لاستغلال تلك الظروف ؛ فانتهزوا تلك الفترة من الرسل وسخّروا عواطف الناس الصادقة ومشاعرهم وسنّوا أحكاما وعادات اجتماعيّة تعود عليهم بالمنفعة ، وابتدعوا الكثير من البدع ، وكان من جملة هؤلاء شخص اسمه عمر بن لحي ، وكان هذا الشخص قد استحوذ حينذاك على واحدة من أهمّ ثروات العرب ، ألا وهي الإبل ، وابتدع لها سننا وأضفى عليها طابعا قدسيًّا قيّد بموجبه سبل الاستفادة والانتفاع من أربعة أنواع من الإبل كانت تُسمّى : البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحامي ، وكانت لها دلالات متباينة ولكنّها على نحو متقارب. (3) وتشترك جميعها في نقطة واحدة هي إضفاء نوع من الحرمة على هذه الإبل وتحريم لبنها ولحمها
.
ص: 420
ووبرها وظهرها على الكثير من الناس ، فيما أباحها للبعض الآخر كسدنة بيوت الأصنام وخدّامها . لقد اقترنت هذه البدعة بنظرة الاستخفاف التي كان العرب يعاملون بها المرأة ، فنجم عن ذلك تشديد هذا الحكم على النساء ، فكان لا يحقّ لهنّ أكل لحم هذه الإبل إلّا بعد موتها . وكان من نتيجة هذا التقليد أنّ السدنة وخدمة الأصنام اُبيحت لهم الاستفادة من المراعي والعيون والآبار على ندرتها في الجزيرة العربيّة ، ونجم عن ذلك أيضا أنّهم صاروا ينذرون الإبل للأصنام وسدنتها من باب الشكر أو لقضاء حاجة معيّنة ، إلّا أنّ القرآن انبرى لمحاربة هذه البدعة الجاهليّة بأربع آيات بيّنات ، واعتبر _ في سياق مكافحته لعبادة الأصنام والسنن البالية المرتبطة بها _ هذه الادّعاءات افتراءات محضة ، وفَضَحَ حقيقة سدنة الآلهة والأصنام وعبدتها ، وأعلن أنّ تحريم الإبل وتحليلها منوط بحكم اللّه سبحانه وتعالى الذي لم يحرّم هذه الأنواع الأربعة من الإبل ، وإنّما حرّم _ وخلافا لمعتقدات العرب في الجاهليّة _ الميتة وما اُهلّ لغير اللّه به .
و _ تَقسيمُ الحَرثِ وَالأَنعامِ بَينَ اللّهِ وَالأَصنامِ«وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَ_مِ نَصِيبا فَقَالُواْ هَ_ذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَ_ذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» . (1)
«وَقَالُواْ هَ_ذِهِ أنْعَ_مٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إلَا مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأنْعَ_مٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأنْعَ_مٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ» . (2)
.
ص: 421
«وَ يَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبا مِّمَّا رَزَقْنَ_هُمْ تَاللَّهِ لَتُسْ_ئلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ» . (1)
تعليق :إنّ المعتقدات الجاهليّة التي كانت تسود أوساط المجتمع العربي الجاهلي دفعت العرب _ باعتبارهم يؤمنون بوجود شركاء للّه (الأصنام) _ إلى بناء بيوت للآلهة والأصنام وتوفير المعاش لسدنتها وإشراكهم في حياتهم وأرزاقهم وممتلكاتهم من الزرع والماشية وتعيين سهم لهم إلى جانب سهم اللّه ، وجعلوا سهم اللّه ، للنفقات العامّة كإطعام الضيف وابن السبيل ، في حين جعلوا سهم الأصنام تحت تصرّف السدنة . وكان السدنة الطمّاعون كلّما أصابت الزرع آفة أو أعطى محصولًا أقلّ أو اختلط سهمهم بسهم اللّه ، يتذرّعون بخدعة مفادها «إنّ اللّه غنيّ» ، فيستوفون سهمهم كاملًا غير منقوص ، ويعوّضون نقص أسهمهم من سهم اللّه ، ولا يعوّضون بأيّ حال من الأحوال سهم اللّه من سهم الأصنام . ربّما كانت الزيادة والنقصان في المحصول تقع أحيانا نتيجة لأساليب التحايل التي سبقت الإشارة إليها ، وهي أنّ الماء كان إذا انساب عند السقي من الأرض التي زرع فيها سهم اللّه إلى الأرض التي فيها سهم الأصنام لم يكونوا يحولون دونه ، وإذا حصل العكس كانوا يمنعونه . إنّ هذه السنّة البالية كانت سائدة أيضا في المشاركة في الماشية وتقسيمها ، وهو ما اُشير إليه في الفصل السابق .
راجع : مجمع البيان : ج 4 ص 571 ، تفسير القمّيّ : ج 1 ص 217 ؛ تفسير الطبريّ : ج 5 الجزء 8 ص 40 ، الدرّ المنثور : ج 3 ص 362 ، المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام : ج 6 ص 193 .
.
ص: 422
ز _ الطَّوافُ عُرياالإمام الصادق عليه السلام :كانَتِ العَرَبُ فِي الجاهِلِيَّةِ عَلى فِرقَتَينِ : الحِلِّ وَالحُمسِ ، فَكانَتِ الحُمسُ قُرَيش ا ، وكانَتِ الحِلُّ سائِرَ العَرَبِ ، فَلَم يَكُن أحَدٌ مِنَ الحِلِّ إلّا ولَهُ حِرمِيٌّ مِنَ الحُمسِ ، ومَن لَم يَكُن لَهُ حِرمِيٌّ مِنَ الحُمسِ لَم يُترَك أن يَطوفَ بِالبَيتِ إلّا عُريانا . وكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حِرمِيًّا لِعِياضِ بنِ حِمارٍ المُجاشِعِيِّ ، وكانَ عِياضٌ رَجُلًا عَظيمَ الخَطَرِ ، وكانَ قاضِيا لِأَهلِ عُكاظٍ فِي الجاهِلِيَّةِ ، فَكانَ عِياضٌ إذا دَخَلَ مَكَّهَ ألقى عَنهُ ثِيابَ الذُّنوبِ وَالرَّجاسَةِ وأخَذَ ثِيابَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِطُهرِها فَلَبِسَها وطافَ بِالبَيتِ ، ثُمَّ يَرُدُّها عَلَيهِ إذا فَرَغَ مِن طَوافِهِ . فَلَمّا أن ظَهَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أتاهُ عِياضٌ بِهَدِيَّةٍ فَأَبى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن يَقبَلَها وقالَ : يا عِياضُ ، لَو أسلَمتَ لَقَبِلتُ هَدِيَّتَكَ ، إنَّ اللّهَ عز و جل أبى لي زَبدَ (1) المُشرِكينَ . ثُمَّ إنَّ عِياضا بَعدَ ذلِكَ أسلَمَ وحَسُنَ إسلامُهُ فَأَهدى إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله هَدِيَّةً فَقَبِلَها مِنهُ. (2)
عنه عليه السلام :كانَ سُنَّةً فِي العَرَبِ فِي الحَجِّ أنَّهُ مَن دَخَلَ مَكَّةَ وطافَ بِالبَيتِ في ثِيابِهِ لَم يَحِلَّ لَهُ إمساكُها ، وكانوا يَتَصَدَّقونَ بِها ولا يَلبَسونَها بَعدَ الطَّوافِ ، وكانَ مَن وافى مَكَّهَ يَستَعيرُ ثَوبا ويَطوفُ فيهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ ، ومَن لَم يَجِد عارِيَةً اِكتَرى ثِيابا ، ومَن لَم يَجِد عارِيَةً ولا كِراءً ولَم يَكُن لَهُ إلّا ثَوبٌ واحِدٌ طافَ بِالبَيتِ عُريانا . فَجاءَتِ امرَأةٌ مِنَ العَرَبِ وَسيمَةٌ جَميلَةٌ فَطَلَبَت ثَوبا عارِيَةً أو كِراءً فَلَم تَجِدهُ ، فَقالوا لَها: إن طُفتِ في ثِيابِكِ احتَجتِ أن تَتَصَدَّقي بِها .
.
ص: 423
فَقالَت : وكَيفَ أتَصَدَّقُ بِها ولَيسَ لي غَيرُها ؟! فَطافَت بِالبَيتِ عُريانَةً ، وأشرَفَ عَلَيهَا النّاسُ فَوَضَعَت إحدى يَدَيها عَلى قُبُلِها وَالاُخرى عَلى دُبُرِها ، فَقالَت مُرتَجِزَةً : اليَومَ يَبدو بَعضُهُ أو كُلُّهُ فَما بَدا مِنهُ فَلا اُحِلُّهُ فَلَمّا فَرَغَت مِنَ الطَّوافِ خَطَبَها جَماعَةٌ فَقالَت: إنَّ لي زَوجا. (1)
ح _ إنكارُ المَعادِ«وَ أمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ أفَلَمْ تَكُنْ ءَايَ_تِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَ كُنتُمْ قَوْما مُّجْرِمِينَ * وَ إذَا قِيلَ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ السَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا السَّاعَةُ إن نَّظُنُّ إلَا ظَنًّا وَ مَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ * وَ بَدَا لَهُمْ سَيِّ_ئاتُ مَا عَمِلُواْ وَ حَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ * وَ قِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَ_ذَا وَ مَأْوَاكُمُ النَّارُ وَ مَا لَكُم مِّن نَّ_صِرِينَ * ذَ لِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ ءَايَ_تِ اللَّهِ هُزُوا وَ غَرَّتْكُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَايُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ» . (2)
.
ص: 424
. .
ص: 425
تحقيق حول عقائد أهل الجاهليّةلقد عاش العرب في زمن الجاهليّة فترة طالت فيها مدّة انقطاع الأنبياء ونزول الوحي من السماء ؛ فكان ذلك سببا لتيههم في وادي الضلالة ، وبقوا حيارى يتخبّطون في غياهب الجهالة والضياع الفكريّ والعقائديّ . نقدّم للقارئ فيما يلي لَمحة مختصرة عمّا كانوا عليه من نِحَلٍ ومذاهب : 1 . لم يكونوا يعتقدون باللّه واليوم الآخر ، وكانوا يرون أنّ الحياة محدودة في هذه الدنيا ، ويقولون : «مَا هِىَ إلَا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَ نَحْيَا وَ مَا يُهْلِكُنَا إلَا دَّهْرُ» . (1) 2 . لم يكونوا يؤمنون بالمعاد ، كما يفهم من الآية الشريفة : «وَ إذَا قِيلَ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ السَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا السَّاعَةُ إن نَّظُنُّ إلَا ظَنًّا وَ مَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ» (2) ، وتنبئ الآية الشريفة : «وَ ضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَ نَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْىِ الْعِظَ_مَ وَ هِىَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أنشَأَهَا أوَّلَ مَرَّةٍ» (3) أنّهم كانوا يؤمنون بالنشأة الاُولى ، أو _ حسب التعبير الحديث _ كانوا يعترفون بوجود اللّه ، ولكنّهم لا يرجون
.
ص: 426
من اللّه ثوابا ولا يخافون منه عقابا. (1) 3 . كانوا يؤمنون بوجود شركاء للّه من الملائكة والجنّ تارة ، ومن الأصنام والشياطين تارة اُخرى ، وهؤلاء الشركاء قد يكون لهم دور في أصل الخلقة حينا ، أو يكون لهم مثل هذا الدور في تدبير الاُمور حينا آخر ، أو أنّهم كانوا يشبّهونه بموجودات مادّيّة ، أو يعبدون أحد هذه الموجودات المادّيّة بصفتها ربًّا لهذا العالم ، من كواكب أو حيوانات أو أشجار أو ... ، وأصحاب هذه العقيدة _ الذين يشتركون في بعض الأوجه مع أصحاب العقيدة الآنف ذكرها _ أكثر ما كانوا يقطنون الجزيرة العربيّة «وَ مَا يُؤْمِنُ أكْثَرُهُم بِاللَّهِ إلَا وَ هُم مُّشْرِكُونَ» . (2) 4 . كانت في بعض بقاع جزيرة العرب طائفتان من أهل الكتاب هم اليهودوالنصارى . ومن جملة المؤشّرات التاريخيّة الدالّة على وجود علماء وناس مسيحيّين في نجران (إلى الجنوب من المدينة) آية المباهلة (3) ، وكذلك المعارك الكبرى التي وقعت في صدر الإسلام وكان لليهود فيها دور أساسيّ ؛ كغزوة الأحزاب (الخندق) ، وما أعقبها من صراعات مع بني قينقاع وبني قريظة حتّى معركة خيبر . 5 . كان هناك أيضا أشخاص مجوس وصابئة ، إلّا أنّ عددهم لم يكن ممّا يُعتدّ به . 6 . كانت هناك إلى جانب هذه الفئات مجموعة تدين بدين إبراهيم الحنيف ، وكان عددهم قليلًا ، ونورد فيما يلي مسردا بأسمائهم :
.
ص: 427
1 _ أبو طالب (عمّ الرسول صلى الله عليه و آله ) . 1193 _ عامر بن الضرب العدوانيّ . 2 _ أبو قيس صرمة بن أبي أنس . 1194 عبدالطانجة بن ثعلب بن وبرة بن قضاعة . 3 _ أرباب بن رئاب . 1195 _ عبداللّه القضاعيّ . 4 _ أسعد أبو كرب الحميريّ . 1196 _ عبداللّه (والد الرسول صلى الله عليه و آله ) . 5 _ اُميّة بن أبي الصلت . 1197 _عبدالمطلب(جدّالرسول صلى الله عليه و آله ) . 6 _ بحيرا الراهب . 1198 _ عبيد بن الأبرص الأسديّ . 7 _ خالد بن سِنان العبسيّ . 1199 _ علاف بن شِهاب التميميّ . 8 _ زهير بن أبي سلمى . 1200 _ عمير بن جندب الجهنيّ . 9 _ زيدبن عمروبن نفيل بن عبدالعُزّى . 1201 _ كعب بن لُؤَيّ بن غالب . 10 _ سويد بن عامر المصطلقى . 1202 _ ملتمس بن اُميّة الكنانيّ . 11 _ سيف بن ذي يزن . 1203 _ وكيع بن زهير الأياديّ .
راجع : المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: ج 6 ص 59 _ 61 وص 406 و 449 _ 511، المحبّر: ص 171 ، مروج الذهب : ج 2 ص 126 ، الاُسطورة عندالعرب : ص 114 ، شرح نهج البلاغة لابن أبيالحديد : ج 1 ص 117 ، شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج 1 ص 205، تفسير الطبري : ج 14 الجزء 29 ص 99 ؛ تفسير القمّي : ج 2 ص 387 ، الميزان في تفسير القرآن : ج 4 ص 47 وج 18 ص 181 .
.
ص: 428
5 / 3أخلاقُ الجاهِلِيَّةِالكتاب«إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَ_هِلِيَّةِ» . (1)
«أرَءَيْتَ الَّذِى يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَ لِكَ الَّذِى يَدُعُ الْيَتِيمَ * وَ لَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن كانَ في قَلبِهِ حَبَّةٌ مِن خَردَلٍ مِن عَصَبِيَّةٍ بَعَثَهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ مَعَ أعرابِ الجاهِلِيَّةِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن قاتَلَ تَحتَ رايَةٍ عُمِّيَّةٍ (4) يَغضَبُ لِعَصَبَةٍ ، أو يَدعو إلى عَصَبَةٍ ، أو يَنصُرُ عَصَبَةً ، فَقُتِلَ ، فَقِتلَةٌ جاهِلِيَّةٌ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ أذهَبَ فَخرَ الجاهِلِيَّةِ وتَكَبُّرَها بِآبائِها ، كُلُّكُم لِادَمَ وحَوّاءَ كَطَفِّ الصّاعِ (6)
.
ص: 429
بِالصّاعِ ، وإنَّ أكرَمَكُم عِندَ اللّهِ أتقاكُم ، فَمَن أتاكُم تَرضَونَ دينَهُ وأمانَتَهُ فَزَوِّجوهُ. (1)
الإمام الباقر عليه السلام :صَعِدَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المِنبَرَ يَومَ فَتحِ مَكَّةَ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ اللّهَ قَد أذهَبَ عَنكُم نَخوَةَ الجاهِلِيَّةِ وتَفاخُرَها بِآبائِها . ألا إنَّكُم مِن آدَمَ عليه السلام وآدَمُ مِن طينٍ ، ألا إنَّ خَيرَ عِبادِ اللّهِ عَبدٌ اِتَّقاهُ ، إنَّ العَرَبِيَّةَ لَيسَت بِأَبٍ والِدٍ ولكِنَّها لِسانٌ ناطِقٌ ، فَمَن قَصُرَ بِهِ عَمَلُهُ لَم يُبلِغهُ حَسَبُهُ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :أطفِئوا ما كَمَنَ في قُلوبِكُم مِن نيرانِ العَصَبِيَّةِ وأحقادِ الجاهِلِيَّةِ ، فَإِنَّما تِلكَ الحَمِيَّةُ تَكونُ فِي المُسلِمِ مِن خَطَراتِ الشَّيطانِ ونَخَواتِهِ ونَزَغاتِهِ ونَفَثاتِهِ (3) . (4)
عنه عليه السلام :إيّاكُم وَالتَّحاسُدَ وَالأَحقادَ ، فَإِنَّهُما مِن فِعلِ الجاهِلِيَّةِ «وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُواْ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ» (5) . (6)
عنه عليه السلام :اللّهَ اللّهَ في كِبرِ الحَمِيَّةِ وفَخرِ الجاهِلِيَّةِ ! فَإِنَّهُ مَلاقِحُ الشَّنَآنِ ومَنافِخُ الشَّيطانِ الَّتي خَدَعَ بِهَا الاُمَمَ الماضِيَةَ وَالقُرونَ الخالِيَةَ ، حَتّى أعنَقوا في حَنادِسِ (7) جَهالَتِهِ ومَهاوي ضَلالَتِهِ ، ذُلُلًا عَن سِياقِهِ ، سُلُسا في قِيادِهِ . أمرا تَشابَهَتِ القُلوبُ فيهِ ، وتَتابَعَتِ القُرونُ عَلَيهِ ، وكِبرا تَضايَقَتِ الصُّدورُ بِهِ .
.
ص: 430
ألا فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن طاعَةِ ساداتِكُم وكُبَرائِكُمُ الَّذينَ تَكَبَّروا عَن حَسَبِهِم ، وتَرَفَّعوا فَوقَ نَسَبِهِم ، وألقَوُا الهَجينَةَ (1) عَلى رَبِّهِم ، وجاحَدُوا اللّهَ عَلى ما صَنَعَ بِهِم ، مُكابَرَةً لِقَضائِهِ ، ومُغالَبَةً لِالائِهِ ! فَإِنَّهُم قَواعِدُ أساسِ العَصَبِيَّةِ ، ودَعائِمُ أركانِ الفِتنَةِ ، وسُيوفُ اعتِزاءِ (2) الجاهِلِيَّةِ. (3)
عنه عليه السلام :لِيَتَأَسَّ صَغيرُكُم بِكَبيرِكُم ، وَليَرأف كَبيرُكُم بِصَغيرِكُم ، ولا تَكونوا كَجُفاةِ الجاهِلِيَّةِ : لا فِي الدّينِ يَتَفَقَّهونَ ، ولا عَنِ اللّهِ يَعقِلونَ ، كَقَيضِ (4) بَيضٍ في أداحٍ (5) يَكونُ كَسرُها وِزرا ، ويُخرِجُ حِضانُها شَرًّا. (6)
تفسير العيّاشي عن محمّد القصريّ عن الإمام الصّادق عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ عَنِ الصَّدَقَةِ . فَقالَ : اِقسِمها فيمَن قالَ اللّهُ ، ولا يُعطى مِن سَهمِ الغارِمينَ الَّذينَ يَغرَمونَ في مُهورِ النِّساءِ ، ولَا الَّذينَ يُنادونَ بِنِداءِ الجاهِلِيَّةِ . قُلتُ : وما نِداءُ الجاهِلِيَّةِ ؟ قالَ : الرَّجُلُ يَقولُ : يا آلَ بَني فُلانٍ ، فَيَقَعُ بَينَهُمُ القَتلُ ! ولا يُؤَدّى ذلِكَ مِن سَهمِ الغارِمينَ ، وَالَّذينَ لا يُبالونَ ما صَنَعوا بِأَموالِ النّاسِ. (7)
صحيح مسلم عن جابر :اِقتَتَلَ غُلامانِ ؛ غُلامٌ مِنَ المُهاجِرينَ وغُلامٌ مِنَ الأَنصارِ ، فَنادَى المُهاجِرُ أوِ المُهاجِرونَ : يالَلمُهاجِرينَ ! ونادَى الأَنصارِيُّ : يالَلأَنصارِ ! فَخَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : ما هذا دَعوى أهلِ الجاهِلِيَّةِ ؟ قالوا : لا يا رَسولَ اللّهِ ، إلّا أنَّ غُلامَينِ اقتَتَلا فَكَسَعَ أحَدُهُمَا الآخَرَ .
.
ص: 431
قالَ : فَلا بَأسَ ، وَليَنصُرِ الرَّجُلُ أخاهُ ظالِما أو مَظلوما ، إن كانَ ظالِما فَليَنهَهُ ، فَإِنَّهُ لَهُ نَصرٌ ، وإن كانَ مَظلوما فَليَنصُرهُ. (1)
تفسير القمّي :كانَ أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَأتونَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَيَسأَلونَهُ أن يَسأَلَ اللّهَ لَهُم ، وكانوا يَسأَلونَ ما لا يَحِلُّ لَهُم ، فَأَنزَلَ اللّهُ «وَ يَتَنَ_جَوْنَ بِالْاءِثْمِ وَالْعُدْوَ نِ وَ مَعْصِيَتِ الرَّسُولِ» وقَولُهُم لَهُ إذا أتَوهُ : أنعِم صَباحا ، وأنعِم مَساءً ، وهِيَ تَحِيَّةُ أهلِ الجاهِلِيَّةِ ، فَأَنزَلَ اللّهُ «وَ إذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ» فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : وقَد أبدَلَنَا اللّهُ بِخَيرٍ مِن ذلِكَ تَحِيَّةِ أهلِ الجَنَّةِ «السَّلامُ عَلَيكُم». (2)
5 / 4أعمالُ الجاهِلِيَّةِأ _ وَأدُ البَناتِالكتاب«وَإذَا بُشِّرَ أحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَ_لَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَ رَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ ألَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» . (3)
«وَ إذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ» . (4)
.
ص: 432
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ حَرَّمَ عَلَيكُم : عُقوقَ الاُمَّهاتِ ، ووَأدَ البَناتِ ، ومَنعَ وَهاتِ (1) ، وكَرِهَ لَكُم قيلَ وقالَ ، وكَثرَةَ السُّؤالِ ، وإضاعَةَ المالِ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :جاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : إنّي قَد وَلَدتُ بِنتا ورَبَّيتُها حَتّى إذا بَلَغَت فَأَلبَستُها وحَلَّيتُها ، ثُمَّ جِئتُ بِها إلى قَليبٍ (3) فَدَفَعتُها في جَوفِهِ ، وكانَ آخِرُ ما سَمِعتُ مِنها وهِيَ تَقولُ : يا أبَتاه ، فَما كَفّارَةُ ذلِكَ ؟ قالَ : ألَكَ اُمٌّ حَيَّةٌ ؟ قالَ : لا . قالَ : فَلَكَ خالَةٌ حَيَّةٌ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَابرَرها فَإِنَّها بِمَنزِلَةِ الاُمِّ يُكَفَّرُ عَنكَ ما صَنَعتَ . قالَ أبو خَديجَةَ : فَقُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : مَتى كانَ هذا ؟ فَقالَ : كانَ فِي الجاهِلِيَّةِ ، وكانوا يَقتُلونَ البَناتِ مَخافَةَ أن يُسبَينَ فَيَلِدنَ في قَومٍ آخَرينَ. (4)
راجع: ص 405 ح 1178 وص 407 ح 1181 و 1182 .
.
ص: 433
ب _ قَتلُ الأَولادِ«وَكَذَ لِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلَ_دِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ» . (1)
«قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أوْلَ_دَهُمْ سَفَهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ» . (2)
«يَ_أَيُّهَا النَّبِىُّ إذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَ_تُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْ_ئا وَ لَا يَسْرِقْنَ وَ لَا يَزْنِينَ وَ لَا يَقْتُلْنَ أوْلَ_دَهُنَّ وَ لَا يَأْتِينَ بِبُهْتَ_نٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أيْدِيهِنَّ وَ أرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» . (3)
«وَ لَا تَقْتُلُواْ أوْلَ_دَكُمْ خَشْيَةَ إمْلَ_قٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إيَّاكُمْ إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْ_ئا كَبِيرا» . (4)
ج _ الزِّناالكتاب«قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَ حِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِْثْمَ وَ الْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَ_نا وَأن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ» . (5)
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ «الْفَوَ حِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» _: «مَا
.
ص: 434
ظَهَرَ» : نِكاحُ امرَأةِ الأَبِ ، و «مَا بَطَنَ» : الزِّنا. (1)
الإمام الكاظم عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَ حِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِْثْمَ وَ الْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ» _: فَأَمّا قَولُهُ «ما ظَهَرَ مِنْها» يَعنِي الزِّنَا المُعلَنَ ، ونَصبَ الرّاياتِ الَّتي كانَت تَرفَعُهَا الفَواجِرُ لِلفَواحِشِ فِي الجاهِلِيَّةِ . وأمّا قَولُهُ عز و جل : «وَمَا بَطَنَ» يَعني ما نُكِحَ مِنَ الآباءِ ؛ لِأَنَّ النّاسَ كانوا قَبلَ أن يُبعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إذا كانَ لِلرَّجُلِ زَوجَةٌ وماتَ عَنها تَزَوَّجَهَا ابنُهُ مِن بَعدِهِ إذا لَم تَكُن اُمَّهُ ، فَحَرَّمَ اللّهُ عز و جل ذلِكَ. (2)
راجع: ص 404 ح 1171 .
د _ إكراهُ الفَتَياتِ عَلَى البِغاءِالكتاب«وَ لَا تُكْرِهُواْ فَتَيَ_تِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إنْ أرَدْنَ تَحَصُّنا لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ مَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إكْرَ هِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» . (3)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام :كانَتِ العَرَبُ وقُرَيشٌ يَشتَرونَ الإِماءَ ، ويَجعَلونَ عَلَيهِنَّ الضَّريبَةَ الثَّقيلَةَ ، ويَقولونَ : اِذهَبنَ وَازنينَ وَاكتَسِبنَ ، فَنَهاهُمُ اللّهُ عز و جل عَن ذلِكَ. (4)
.
ص: 435
ه _ الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصابُ وَالأَزلامُالكتاب«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَ_مُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَ_نِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » . (1)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام :لَمّا أنزَلَ اللّهُ عز و جل عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَ_مُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَ_نِ فَاجْتَنِبُوهُ» قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، مَا المَيسِرُ ؟ فَقالَ : كُلُّ ما تُقومِرَ بِهِ حَتَّى الكِعابُ وَالجَوزُ . قيلَ : فَمَا الأَنصابُ ؟ قالَ : ما ذَبَحوهُ لِالِهَتِهِم . قيلَ : فَمَا الأَزلامُ ؟ قالَ : قِداحُهُمُ الَّتي يَستَقسِمونَ بِها. (2)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَ_مُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَ_نِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» _: ... أمَّا الأَنصابُ فَالأَوثانُ الَّتي كانوا يَعبُدونَها المُشرِكونَ ، وأمَّا الأَزلامُ فَالأَقداحُ الَّتي كانَت تَستَقسِمُ بِها مُشرِكُو العَرَبِ فِي الجاهِلِيَّةِ. (3)
.
ص: 436
و _ لَطخُ المَولودِ بِالدَّمِعيون أخبار الرضا عن أسماء بنت عميس_ في بَيانِ وِلادَةِ الإِمامِ الحَسَنِ عليه السلام _: لَمّا كانَ يَومُ سابِعِهِ عَقَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَنهُ بِكَبشَينِ أملَحَينِ ، وأعطَى القابِلَةَ فَخِذا ودينارا ، ثُمَّ حَلَقَ رَأسَهُ وتَصَدَّقَ بِوَزنِ الشَّعرِ وَرِقا ، وطَلى رَأسَهُ بِالخَلوقِ ثُمَّ قالَ : يا أسماءُ ، الدَّمُ فِعلُ الجاهِلِيَّةِ. (1)
الكافي عن عاصم الكوزيّ :سَمِعتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام يَذكُرُ عَن أبيهِ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَقَّ عَنِ الحَسَنِ عليه السلام بِكَبشٍ وعَنِ الحُسَينِ عليه السلام بِكَبشٍ ، وأعطَى القابِلَةَ شَيئا ، وحَلَقَ رُؤوسَهُما يَومَ سابِعِهِما ، ووَزَنَ شَعرَهُما فَتَصَدَّقَ بِوَزنِهِ فِضَّةً . قالَ : فَقُلتُ لَهُ : يُؤخَذُ الدَّمُ فَيُلَطَّخُ بِهِ رَأسُ الصَّبِيِّ ؟ فَقالَ : ذاكَ شِركٌ . فَقُلتُ : سُبحانَ اللّهِ ! شِركٌ ؟ فَقالَ : لَو لَم يَكُن ذاكَ شِركا فَإِنَّهُ كانَ يُعمَلُ فِي الجاهِلِيَّةِ ونُهِيَ عَنهُ فِي الإِسلامِ. (2)
ز _ الطِّيَرَةمسند ابن حنبل عن أبي حسّان :إنَّ رَجُلًا قالَ لِعائِشةَ : إنَّ أبا هُرَيرَةَ يُحَدِّثُ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إنَّ الطِّيَرَةَ فِي المَرأةِ وَالدّارِ وَالدّابَّةِ ، فَغَضِبَت غَضَبا شَديدا فَطارَت شِقَّةٌ مِنها فِيالسَّماءِ وشِقَّةٌ فِيالأَرضِ.
.
ص: 437
فَقالَت: إنَّما كانَ أهلُ الجاهِلِيَّةِ يَتَطَيَّرونَ مِن ذلِكَ. (1)
المستدرك على الصحيحين عن عائشة :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : كانَ أهلُ الجاهِلِيَّهِ يَقولونَ : إنَّمَا الطِّيَرَةُ فِي المَرأةِ وَالدّابَّةِ وَالدّارِ ، ثُمَّ قَرَأت : «مَا أصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أنفُسِكُمْ إلَا فِى كِتَ_بٍ مِّن قَبْلِ أن نَّبْرَأهَا إنَّ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» (2) . (3)
ح _ الاِستِعاذَةُ بِالجِنِّالكتاب«وَ أنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْاءِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا» . (4)
الحديثتفسير القمّي عن زرارة :سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ: «أنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْاءِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا» قالَ : الرَّجُلُ يَنطَلِقُ إلَى الكاهِنِ الَّذي كانَ يوحي إلَيهِ الشَّيطانُ فَيَقولُ : قُل لِشَيطانِكَ : إنَّ فُلانا قَد (5) عاذَ بِكَ. (6)
ط _ الذَّبحُ لِلجِنِّالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ نَهى عَن ذَبائِحِ الجِنِّ ، قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، وما ذَبائِحُ الجِنِّ ؟
.
ص: 438
قالَ صلى الله عليه و آله : يَتَخَوَّفُ القَومُ مِن سُكّانِ الدّارِ فَيَذبَحونَ لَهُمُ الذَّبيحَةَ. (1)
ي _ التِّوَلدعائم الإسلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَهى عَنِ التَّمائِمِ وَالتِّوَلِ. 2 فَالتَّمائِمُ : ما يُعَلَّقُ مِنَ الكُتُبِ وَالخَرَزِ وغَيرِ ذلِكَ ، وَالتِّوَلُ : ما تَتَحَبَّبُ بِهِ النِّساءُ إلى أزواجِهِنَّ كَالكَهانَةِ وأشباهِها . ونَهى عَنِ السِّحرِ. (2)
ك _ النِّياحَةرسول اللّه صلى الله عليه و آله :النِّياحَةُ مِن عَمَلِ الجاهِلِيَّةِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن أمرِ الجاهِلِيَّةِ النِّياحَةُ ، وتَبَرُّؤُ امرِىً مِنِ ابنِهِ ، وفَخرُهُ عَلَى النّاسِ. (4)
سنن النسائي عن أنس :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أخَذَ عَلَى النِّساءِ حينَ بايَعَهُنَّ أن لا يَنُحنَ ،
.
ص: 439
فَقُلنَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ نِساءً أسعَدنَنا فِي الجاهِلِيَّةِ أفَنُسعِدُهُنَّ ؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لا إسعادَ فِي الإِسلامِ. (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «وَلَا يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ» (2) قالَ : النَّوحُ. (3)
ل _ الحَلفُ بِغَيرِ اللّهِتفسير العيّاشي عن زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ عَن قَولِهِ : «فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَاءَكُمْ أوْ أشَدَّ ذِكْرا» (4) . قالَ : إنَّ أهلَ الجاهِلِيَّةِ كانَ مِن قَولِهِم : كَلّا وأبيكَ ، بَلى وأبيكَ ، فَاُمِروا أن يَقولوا : لا وَاللّهِ ، وبَلى وَاللّهِ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :لا أرى أن يَحلِفَ الرَّجُلُ إلّا بِاللّهِ ، فَأَمّا قَولُ الرَّجُلِ : «لا بَل شانِئُكَ» فَإِنَّهُ مِن قَولِ أهلِ الجاهِلِيَّةِ ، ولَو حَلَفَ الرَّجُلُ بِهذا وأشباهِهِ لَتَرَكَ الحَلفَ بِاللّهِ. (6)
.
ص: 440
5 / 5مَحقُ الإِسلامِ لِعاداتِ الجاهِلِيَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل بَعَثَني رَحمَةً لِلعالَمينَ ، ولِأَمحَقَ المَعازِفَ وَالمَزاميرَ ، واُمورَ الجاهِلِيَّةِ ، وَالأَوثانَ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :أبغَضُ النّاسِ إلَى اللّهِ ثَلاثَةٌ : مُلحِدٌ فِي الحَرَمِ ، ومُبتَغٍ فِي الإِسلامِ سُنَّةَ الجاهِلِيَّةِ ، ومُطَّلِبٌ دَمَ امرِىً بِغَيرِ حَقٍّ لِيُهريقَ دَمَهُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن خُطبَتِهِ في عَرَفَةَ _: ألا كُلُّ شَيءٍ مِن أمرِ الجاهِلِيَّةِ تَحتَ قَدَمَيَّ مَوضوعٌ (3) ، ودِماءُ الجاهِلِيَّةِ مَوضوعَةٌ ، وإنَّ أوَّلَ دَمٍ أضَعُ مِن دِمائِنا دَمُ ابنِ رَبيعَةَ بنِ الحارِثِ _ كانَ مُستَرضِعا في بَني سَعدٍ فَقَتَلَتهُ هُذَيلٌ _ ورِبَا الجاهِلِيَّةِ مَوضوعٌ ، وأوَّلُ رِبا أضَعُ رِبانا رِبا عَبّاسِ بنِ عَبدِالمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوضوعٌ كُلُّهُ. (4)
الإصابة عن أبي عبيدة :كانَ مِن مَآثِرِ (5) يَشكُرَ فِي الجاهِلِيَّةِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله خَطَبَ يَومَ الفَتحِ
.
ص: 441
فَقالَ : ألا إنَّ كُلَّ مَكرُمَةٍ كانَت فِي الجاهِلِيَّةِ فَقَد جَعَلتُها تَحتَ قَدَمَيَّ إلَا السِّقايَةَ وَالسَّدانَةَ. (1) فَقامَ إلَيهِ الأَسوَدُ بنُ رَبيعَةَ بنِ أبِي الأَسوَدِ بنِ مالِكِ بنِ رَبيعَةَ بنِ جُمَيلِ بنِ ثَعلَبَةَ بنِ عَمرِو بنِ عُثمانَ بنِ حَبيبِ بنِ يَشكُرَ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ أبي كانَ تَصَدَّقَ بِمالٍ مِن مالِهِ عَلَى ابنِ السَّبيلِ فِي الجاهِلِيَّةِ ، فَإِن تَكُن لي تَكرِمَةً تَرَكتُها ، وإن لا تَكُن لي مَكرُمَةً فَأَنَا أحَقُّ بِها . فَقالَ : بَل هِيَ لَكَ مَكرُمَةٌ فَتَقَبَّلها. (2)
تفسير القمّي :حَجَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَجَّةَ الوَداعِ لِتَمامِ عَشرِ حِجَجٍ مِن مَقدَمِهِ المَدينَةَ ، فَكانَ مِن قَولِهِ بِمِنى أن حَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ثُمَّ قالَ : ... ألا وكُلُّ مَأثَرَةٍ أو بِدعَةٍ كانَت فِي الجاهِلِيَّةِ أو دَمٍ أو مالٍ فَهُوَ تَحتَ قَدَمَيَّ هاتَينِ ، لَيسَ أحَدٌ أكرَمَ مِن أحَدٍ إلّا بِالتَّقوى ، ألا هَل بَلَّغتُ ؟ قالوا : نَعَم . قالَ : اللّهُمَّ اشهَد . ثُمَّ قالَ : ألا وكُلُّ رِبا كانَ فِي الجاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوضوعٌ ، وأوَّلُ مَوضوعٍ مِنهُ رِبَا العَبّاسِ بنِ عَبدِالمُطَّلِبِ ، ألا وكُلُّ دَمٍ كانَ فِي الجاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوضوعٌ ، وأوَّلُ مَوضوعٍ دَمُ رَبيعَةَ ، ألا هَل بَلَّغتُ ؟ قالوا : نَعَم . قالَ : اللّهُمَّ اشهَد. (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ مِن خُطبَتِهِ في حَجَّةِ الوَداعِ _: إنَّ رِبَا الجاهِلِيَّةِ مَوضوعٌ وإنَّ أوَّلَ رِبا أبدَأُ بِهِ رِبَا العَبّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، وإنَّ دِماءَ الجاهِلِيَّةِ مَوضوعَةٌ وإنَّ أوَّلَ دَمٍ أبدَأُ بِهِ دَمُ عامِرِ بنِ رَبيعَةَ بنِ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، وإنَّ مَآثِرَ الجاهِلِيَّةِ
.
ص: 442
مَوضوعَةٌ غَيرَ السَّدانَةِ وَالسِّقايَةِ ، وَالعَمدُ قَوَدٌ وشِبهُ العَمدِ ما قُتِلَ بِالعَصا وَالحَجَرِ وفيهِ مِئَةُ بَعيرٍ ، فَمَنِ ازدادَ فَهُوَ مِنَ الجاهِلِيَّةِ. (1)
الإمام الباقر عليه السلام :صَعِدَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المِنبَرَ يَومَ فَتحِ مَكَّةَ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ، إنَّ اللّهَ قَد أذهَبَ عَنكُم نَخوَةَ الجاهِلِيَّةِ وتَفاخُرَها بِآبائِها . ألا إنَّكُم مِن آدَمَ عليه السلام وآدَمُ مِن طينٍ . ألا إنَّ خَيرَ عِبادِ اللّهِ عَبدٌ اِتَّقاهُ ، إنَّ العَرَبِيَّةَ لَيسَت بِأَبٍ والِدٍ ولكِنَّها لِسانٌ ناطِقٌ ، فَمَن قَصُرَ بِهِ عَمَلُهُ لَم يُبلِغهُ حَسَبُهُ . ألا إنَّ كُلَّ دَمٍ كانَ فِي الجاهِلِيَّةِ أو إحنَةٍ _ وَالإِحنَةُ : الشَّحناءُ _ فَهِيَ تَحتَ قَدَمي هذِهِ إلى يَومِ القِيامَةِ. (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ قَد وَضَعَ بِالإِسلامِ مَن كانَ فِي الجاهِلِيَّةِ شَريفا ، وشَرَّفَ بِالإِسلامِ مَن كانَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَضيعا ، وأعَزَّ بِالإِسلامِ مَن كانَ فِي الجاهِلِيَّةِ ذَليلًا ، وأذهَبَ بِالإِسلامِ ما كانَ مِن نَخوَةِ الجاهِلِيَّةِ وتَفاخُرِها بِعَشائِرِها وباسِقِ أنسابِها . فَالنّاسُ اليَومَ كُلُّهُم _ أبيَضُهُم وأسوَدُهُم ، وقُرَشِيُّهُم وعَرَبِيُّهُم وعَجَمِيُّهُم _ مِن آدَمَ ، وإنَّ آدَمَ خَلَقَهُ اللّهُ مِن طينٍ ، وإنَّ أحَبَّ النّاسِ إلَى اللّهِ عز و جل يَومَ القِيامَةِ أطوَعُهُم لَهُ وأتقاهُم. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّما أفاضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله خِلافَ أهلِ الجاهِلِيَّةِ كانوا يُفيضونَ بِإِيجافِ (4) الخَيلِ وإيضاعِ الإِبِلِ ، فَأَفاضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله خِلافَ ذلِكَ بِالسَّكينَةِ وَالوَقارِ وَالدَّعَةِ ، فَأَفِض بِذِكرِ اللّهِ وَالاِستِغفارِ وحَرِّك بِهِ لِسانَكَ ، فَإِذا مَرَرتَ بِوادي مُحَسِّرٍ
.
ص: 443
_ وهُوَ وادٍ عَظيمٌ بَينَ جَمعٍ ومِنى وهُوَ إلى مِنى أقرَبُ _ فَاسعَ فيهِ حَتّى تُجاوِزَهُ. (1)
الإمام الباقر عليه السلام :قالَ [ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ] لِعَلِيٍّ عليه السلام : يا عَلِيُّ ائتِ بَني خُزَيمَةَ مِن بَنِي المُصطَلِقِ فَأَرضِهِم مِمّا صَنَعَ خالِدُ بنُ الوَليدِ . ثُمَّ رَفَعَ صلى الله عليه و آله قَدَمَيهِ فَقالَ : يا عَلِيُّ ، اِجعَل قَضاءَ أهلِ الجاهِلِيَّةِ تَحتَ قَدَمَيكَ . فَأَتاهُم عَلِيٌّ عليه السلام ، فَلَمَّا انتَهى إلَيهِم حَكَمَ فيهِم بِحُكمِ اللّهِ عز و جل . فَلَمّا رَجَعَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله قالَ : يا عَلِيُّ ، أخبِرني بِما صَنَعتَ . . .. (2)
عنه عليه السلام :دَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ : يا عَلِيُّ ، اُخرُج إلى هؤُلاءِ القَومِ [ يَعني بَني جَذيمَةَ] فَانظُر في أمرِهِم ، وَاجعَل أمرَ الجاهِلِيَّةِ تَحتَ قَدَمَيكَ . فَخَرَجَ عَلِيٌّ حَتّى جاءَهُم ومَعَهُ مالٌ قَد بَعَثَ بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَوَدى لَهُمُ الدِّماءَ وما اُصيبَ لَهُم مِنَ الأَموالِ حَتّى إنَّهُ لَيَدي لَهُم ميلَغَةَ الكَلبِ. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل رَفَعَ بِالإِسلامِ الخَسيسَةَ ، وأتَمَّ بِهِ النّاقِصَةَ ، وأكرَمَ بِهِ اللُّؤمَ ، فَلا لُؤمَ عَلَى المُسلِمِ ، إنَّمَا اللُّؤمُ لُؤمُ الجاهِلِيَّةِ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :الأَكلُ عِندَ أهلِ المُصيبَةِ مِن عَمَلِ أهلِ الجاهِلِيَّةِ ، وَالسُّنَّةُ البَعثُ إلَيهِم بِالطَّعامِ كَما أمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله في آلِ جَعفَرِ بنِ أبي طالِبٍ لَمّا جاءَ نَعيُهُ. (5)
.
ص: 444
5 / 6ما اُبرِمَ مِن السُّنَنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصِيَّتِهِ لِمُعاذِ بنِ جَبَلٍ لَمّا بَعَثَهُ إلَى اليَمَنِ _: أمِت أمرَ الجاهِلِيَّةِ إلّا ما سَنَّهُ الإِسلامُ ، وأظهِر أمرَ الإِسلامِ كُلَّهُ صَغيرَهُ وكَبيرَهُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ أيضا _: أمِت أمرَ الجاهِلِيَّةِ إلّا ما حَسُنَ (2) . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَبدَ المُطَّلِبِ عليه السلام سَنَّ فِي الجاهِلِيَّةِ خَمسَ سُنَنٍ أجراهَا اللّهُ عز و جل فِي الإِسلامِ : حَرَّمَ نِساءَ الآباءِ عَلَى الأَبناءِ ، فَأَنزَلَ اللّهُ عز و جل: «وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَ_كَحَ ءَابَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ» (4) ، ووَجَدَ كَنزا فَأَخرَجَ مِنهُ الخُمسَ وتَصَدَّقَ بِهِ ، فَأَنزَلَ اللّهُ عز و جل: «وَاعْلَمُواْ أنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ...» (5) الآيَةَ ، ولَمّا حَفَرَ بِئرَ زَمزَمَ سَمّاها سِقايَةَ الحاجِّ ، فَأَنزَلَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى: «أجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ ...» (6) الآيَةَ ، وسَنَّ فِي القَتلِ مِئَةً مِنَ الإِبِلِ ، فَأَجرَى اللّهُ عز و جل ذلِكَ فِي الإِسلامِ ، ولَم يَكُن لِلطَّوافِ عَدَدٌ عِندَ قُرَيشٍ فَسَنَّ لَهُم عَبدُ المُطَّلِبِ سَبعَةَ أشواطٍ ، فَأَجرَى اللّهُ عز و جلذلِكَ فِي الإِسلامِ. (7)
.
ص: 445
عنه صلى الله عليه و آله :لا حِلفَ فِي الإِسلامِ ، وأيُّما حِلفٍ كانَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَزِدهُ الإِسلامُ إلّا شِدَّةً. (1)
الأدب المفرد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه :جَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عامَ الفَتحِ عَلى دَرَجِ الكَعبَةِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : مَن كانَ لَهُ حِلفٌ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَزِدهُ الإِسلامُ إلّا شِدَّةً. (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :كُلُّ قَسمٍ قُسِمَ فِي الجاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلى ما قُسِمَ لَهُ ، وكُلُّ قَسمٍ أدرَكَهُ الإِسلامُ فَهُوَ عَلى قَسمِ الإِسلامِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :أيُّما دارٍ أو أرضٍ قُسِمَت فِي الجاهِلِيَّةِ فَهِيَ عَلى قَسمِ الجاهِلِيَّةِ ، وأيُّما دارٍ أو أرضٍ أدرَكَهَا الإِسلامُ ولَم تُقسَم فَهِيَ عَلى قَسمِ الإِسلامِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :ما كانَ مِن ميراثٍ قُسِمَ فِي الجاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلى قِسمَةِ الجاهِلِيَّةِ ، وما كانَ مِن ميراثٍ أدرَكَهُ الإِسلامُ ، فَهُوَ عَلى قِسمَةِ الإِسلامِ. (5)
المعجم الكبير عن ابن عبّاس :كانَتِ القَسامَةُ فِي الجاهِلِيَّةِ حِجازا بَينَ النّاسِ ، وكانَ مَن حَلَفَ عَلى يَمينِ صَبرٍ أثِمَ فيها اُرِيَ عُقوبَةً مِنَ اللّهِ يُنكَلُ بِها مِنَ الجُرأةِ
.
ص: 446
عَلَى المَحارِمِ ، فَكانوا يَتَوَرَّعونَ عَن أيمانِ الصَّبرِ ويَخافونَها ، فَلَمّا بَعَثَ اللّهُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله أقَرَّ القَسامَةَ. (1)
علل الشرائع عن فضيل بن عياض :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : أفَيُعتَدُّ بِشَيءٍ مِن أمرِ الجاهِلِيَّةِ ؟ فَقالَ : إنَّ أهلَ الجاهِلِيَّةِ ضَيَّعوا كُلَّ شَيءٍ مِن دينِ (2) إبراهيمَ عليه السلام إلَا الخِتانَ وَالتَّزويجَ وَالحَجَّ ، فَإِنَّهُم تَمَسَّكوا بِها ولَم يُضَيِّعوها. (3)
صحيح البخاري عن عبداللّه بن عمر :إنَّ عُمَرَ قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنّي نَذَرتُ فِي الجاهِلِيَّةِ أن أعتَكِفَ لَيلَةً فِي المَسجِدِ الحَرامِ . قالَ : فَأَوفِ بِنَذرِكَ. (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ألا إنَّ رَجَبا شَهرُ اللّهِ الأَصَمُّ ، وهُوَ شَهرٌ عَظيمٌ ، وإنَّما سُمِّيَ الأَصَمَّ لِأَنَّهُ لا يُقارِنُهُ شَهرٌ مِنَ الشُّهورِ عِندَ اللّهِ عز و جل حُرمَةً وفَضلًا ، وكانَ أهلُ الجاهِلِيَّةِ يُعَظِّمونَهُ في جاهِلِيَّتِها ، فَلَمّا جاءَ الإِسلامُ لَم يَزدَد إلّا تَعظيما وفَضلًا. (5)
مسند ابن حنبل عن السائب بن عبداللّه :جيءَ بي إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله يَومَ فَتحِ مَكَّةَ ، جاءَ بي عُثمانُ بنُ عَفّانٍ وزُهَيرٌ ، فَجَعَلوا يُثنونَ عَلَيهِ ، فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لا تُعلِموني بِهِ قَد كانَ صاحِبي فِي الجاهِلِيَّةِ .
.
ص: 447
قالَ : قالَ : نَعَم يا رَسولَ اللّهِ ، فَنِعمَ الصّاحِبُ كُنتَ . قالَ : فَقالَ : يا سائِبُ ، اُنظُر أخلاقَكَ الَّتي كُنتَ تَصنَعُها فِي الجاهِلِيَّةِ فَاجعَلها فِي الإِسلامِ ؛ أقرِ الضَّيفَ ، وأكرِمِ اليَتيمَ ، وأحسِن إلى جارِكَ. (1)
الزهد للحسين بن سعيد عن زرارة :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : النّاسُ يَروونَ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ : أشرَفُكُم فِي الجاهِلِيَّةِ أشرَفُكُم فِي الإِسلامِ . فَقالَ عليه السلام : صَدَقوا ، ولَيسَ حَيثُ تَذهَبونَ ، كانَ أشرَفُهُم فِي الجاهِلِيَّةِ أسخاهُم نَفسا ، وأحسَنَهُم خُلقا ، وأحسَنَهُم جِوارا ، وأكَفَّهُم أذًى ، فَذلِكَ الَّذي إذا أسلَمَ لَم يَزِدهُ إسلامُهُ إلّا خَيرا. (2)
اُسد الغابة عن سويد بن الحارث :وَفَدتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله سابِعَ سَبعَةٍ مِن قَومي ، فَأَعجَبَهُ ما رَأى مِن سَمتِنا وزِيِّنا ، فَقالَ : ما أنتُم ؟ قُلنا : مُؤمِنونَ . فَتَبَسَّمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقالَ : إنَّ لِكُلِّ قَولٍ حَقيقَةً ، فَما حَقيقَةُ إيمانِكُم ؟ قالَ سُوَيدٌ : قُلنا : خَمسَ عَشرَةَ خَصلَةً ، خَمسٌ مِنها أمَرَتنا رُسُلُكَ أن نُؤمِنَ بِها ، وخَمسٌ أمَرَتنا رُسُلُكَ أن نَعمَلَ بِها ، وخَمسٌ مِنها تَخَلَّقنا بِها فِي الجاهِلِيَّةِ فَنَحنُ عَلَيها إلّا أن تَكرَهَ مِنها شَيئا . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَا الخَمسُ الَّتي أمَرَكُم رُسُلي أن تُؤمِنوا بِها ؟ قُلنا : أن نُؤمِنَ بِاللّهِ ، ومَلائِكَتِهِ ، وكُتُبِهِ ، ورُسُلِهِ ، وَالبَعثِ بَعدَ المَوتِ . قالَ : ومَا الخَمسُ الَّتي أمَرَتكُم رُسُلي أن تَعمَلوا بِها ؟
.
ص: 448
قُلنا : نَقولُ : لا إلهَ إلَا اللّهُ ومُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ ، ونُقيمُ الصَّلاةَ ، ونُؤتِي الزَّكاةَ ، ونَحُجُّ البَيتَ ، ونَصومُ رَمَضانَ . قالَ : ومَا الخَمسُ الَّتي تَخَلَّقتُم بِها فِي الجاهِلِيَّةِ ؟ قُلنا : الشُّكرُ عِندَ الرَّخاءِ ، وَالصَّبرُ عِندَ البَلاءِ ، وَالصَّبرُ في مَواطِنِ اللِّقاءِ ، وَالرِّضا بِمُرِّ القَضاءِ ، وَالصَّبرُ عِندَ شَماتَةِ الأَعداءِ . فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : حُلَماءُ عُلَماءُ ، كادوا مِن صِدقِهِم أن يَكونوا أنبِياءَ. (1)
.
ص: 449
الفصل السادس : الجاهليّة الاُخرى6 / 1الاِنقِلابُ عَلَى الأَعقابِالكتاب«وَمَا مُحَمَّدٌ إلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَ_بِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْ_ئا وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّ_كِرِينَ » . (1)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ لَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَ_هِلِيَّةِ الْأُولَى» (2) _: أي سَيَكونُ جاهِلِيَّةٌ اُخرى. (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :بُعِثتُ بَينَ جاهِلِيَّتَينِ ، لَاُخراهُما شَرٌّ مِن اُولاهُما. (4)
.
ص: 450
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَقومُ السّاعَةُ حَتّى يُقبَضَ العِلمُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن أشراطِ السّاعَةِ أن يَقِلَّ العِلمُ ، ويَظهَرَ الجَهلُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ مِن أشراطِ السّاعَةِ أن يُرفَعَ العِلمُ ، ويَثبُتَ الجَهلُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ بَينَ يَدَيِ السّاعَةِ لَأَيّاما يَنزِلُ فيهَا الجَهلُ ، ويُرفَعُ فيهَا العِلمُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :ألا وإنَّكُم قَد نَفَضتُم أيدِيَكُم مِن حَبلِ الطّاعَةِ ، وثَلَمتُم حِصنَ اللّهِ المَضروبَ عَلَيكُم بِأَحكامِ الجاهِلِيَّةِ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ قَدِ امتَنَّ عَلى جَماعَةِ هذِهِ الاُمَّةِ فيما عَقَدَ بَينَهُم مِن حَبلِ هذِهِ الاُلفَةِ الَّتي يَنتَقِلونَ في ظِلِّها ، ويَأوونَ إلى كَنَفِها ، بِنِعمَةٍ لا يَعرِفُ أحَدٌ مِنَ المَخلوقينَ لَها قيمَةً ، لِأَ نَّها أرجَحُ مِن كُلِّ ثَمَنٍ ، وأجَلُّ مِن كُلِّ خَطَرٍ ، وَاعلَموا أ نَّكُم صِرتُم بَعدَ الهِجرَةِ أعرابا ، وبَعدَ المُوالاةِ أحزابا ، ما تَتَعَلَّقونَ مِنَ الإِسلامِ إلّا بِاسمِهِ ، ولا تَعرِفونَ مِنَ الإِيمانِ إلّا رَسمَهُ. (5)
.
ص: 451
6 / 2ما يوجِبُ الرَّجعَةَ إلَى الجاهِلِيَّةِأ _ عَدَمُ مَعرِفَةِ الإِمامِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن ماتَ بِغَيرِ إمامٍ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن ماتَ ولَيسَ عَلَيهِ إمامٌ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن ماتَ ولا يَعرِفُ إمامَهُ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن ماتَ ولَيسَ في عُنُقِهِ بَيعَةٌ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن ماتَ ولَيسَ لَهُ إمامٌ مِن وُلدي ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً ، ويُؤخَذُ بِما عَمِلَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَالإِسلامِ. (5)
.
ص: 452
الإمام عليّ عليه السلام :لا يَخرُجُ المُسلِمُ فِي الجِهادِ مَعَ مَن لا يُؤمَنُ عَلَى الحُكمِ ولا يُنَفِّذُ فِي الفَيءِ أمرَ اللّهِ عز و جل ، فَإِن ماتَ في ذلِكَ كانَ مُعينا لِعَدُوِّنا في حَبسِ حُقوقِنا وَالإِشاطَةِ بِدِمائِنا ، وميتَتُهُ ميتَةٌ جاهِلِيَّةٌ. (1)
راجع: أهل البيت في الكتاب والسُّنّة: (القسم الثاني / الفصل الثالث: التحذير من عدم معرفتهم) .
ب _ شُربُ المُسكِرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما مِن أحَدٍ يَشرَبُها [أيِ الخَمرَ] فَيَقبَلَ اللّهُ لَهُ صَلاةَ أربَعينَ لَيلَةً ، ولا يَموتُ وفي مَثانَتِهِ مِنها شَيءٌ إلّا حُرِّمَت عَلَيهِ بِهَا الجَنَّةُ ، فَإِن ماتَ في أربَعينَ لَيلَةً ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :الخَمرُ اُمُّ الفَواحِشِ وَالكَبائِرِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :الخَمرُ جِماعُ الإِثمِ ، واُمُّ الخَبائِثِ ، ومِفتاحُ الشَّرِّ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مُدمِنُ الخَمرِ يَلقَى اللّهَ عز و جل كَعابِدِ وَثَنٍ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :شارِبُ الخَمرِ كَعابِدِ وَثَنٍ ، وشارِبُ الخَمرِ كَعابِدِ اللّاتِ وَالعُزّى. (6)
.
ص: 453
عنه صلى الله عليه و آله :مَن شَرِبَ الخَمرَ مَساءً أصبَحَ مُشرِكا ، ومَن شَرِبَ صَباحا أمسى مُشرِكا. (1)
أبوالحسن عليه السلام :شارِبُ الخَمرِ كافِرٌ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن شَرِبَ مُسكِرا فَأَذهَبَ عَقلَهُ، خَرَجَ مِنهُ روحُ الإِيمانِ. (3)
.
ص: 454
. .
ص: 455
تحقيق فيما يوجب الرجعة إلى الجاهليّةيصرّح القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أنّ عهد بعثة الرسول صلى الله عليه و آله هو عهد سيادة العقل والعلم ، وما سبقه جاهليّة . أمّا الحكمة من هذه التسمية فهي أنّ الفترة التي سبقت نبوّتَه حصل فيها تحريف للأديان السماويّة أو صدّت على الناس أبواب إدراك حقائق الوجود ، وحرمتهم من وجود نهج صحيح للحياة ، وكلّ ما عرض على الناس آنذاك باسم الدين كان مزيجا بالأوهام والخرافات ، وكانت الأديان المحرّفة أدوات بيد الحكومات ولصالح النفعيّين والانتهازيين والمرفّهين الذين لا يستشعرون آلام الناس . كانت بعثة الرسول صلى الله عليه و آله بداية لعصر العلم ؛ فكانت أكبر مسؤوليّة اضطلع بحملها تبيان الحقائق للناس ، وتعليمهم النهج الصحيح في الحياة ، ومحاربة ما لحق بالأديان السابقة من تحريف وما اُلصق بها من أوهام كانت تقدّم للمجتمع باسم الدين . كان صلوات اللّه عليه يرى في نفسه أبا عطوفا للناس ومعلّما حريصا عليهم ،
.
ص: 456
فكان يقول لهم : «أنَا لَكُم مِثلُ الوالِدِ ؛ اُعَلِّمُكُم». (1) كانت نبوّته والتعاليم التي جاء بها من قبل اللّه تعالى لتنظيم شؤون الحياة تطابق الموازين العقليّة والمعايير العلميّة ، وحتّى إنّ العلماء لو عَنَّ لهم تقصّي حقائقها لثبت لهم بكلّ جلاء صدق ارتباطه بمبدأ الوجود : «وَ يَرَى الَّذِينَ اُوتُواْ الْعِلْمَ الَّذِى اُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَ يَهْدِى إلَى صِرَ طِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» . (2) وانطلاقا من هذه الرؤية ، كان يحذّر الناس بشدّة من اتّباع ما لا علم لهم به ويتلو عليهم الآية الكريمة : «وَ لَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ اُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْ_ئولًا» . (3)
تحذير قرآنيّكثيرا ما يؤكّد القرآن ضرورة استمرار نهضة الإسلام العلميّة والثقافيّة ويحذّر المسلمين لئلّا يعودوا بعد الرسول إلى ما كانوا عليه في عهد الجاهليّة ، بقوله : «وَمَا مُحَمَّدٌ إلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإِيْن مَّاتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَ_بِكُمْ» . (4) وتعني هذه الآية ، وكذلك الآية 33 من سورة الأحزاب : «وَ لَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَ_هِلِيَّةِ الْأُولَى» وفقا لتفسير الإمام الباقر عليه السلام : «أي سَيَكونُ جاهِلِيَّةٌ اُخرى» إشارة إلى عودة الجهل في تاريخ الإسلام ، حتّى إنّه صلوات اللّه عليه قال في هذا الصدد : بُعِثتُ بَينَ جاهِلِيَّتَينِ ؛ لَاُخراهُما شَرٌّ مِن اُولاهُما. (5)
.
ص: 457
أسباب النكوصهناك ثمّة قضيّة ذات أهمّيّة لابدّ من تسليط الأضواء عليها ، تلك هي معرفة أسباب النكوص إلى عهد الجاهليّة ، وهو ما عبّر عنه القرآن بالانقلاب على الأعقاب ، ويمكن إجمالًا تقسيم عوامل النكوص إلى مجموعتين : فرديّة ، واجتماعيّة .
أ _ الأسباب الفرديّة للنكوصإنّ كلّ ما سيذكر تحت عنوان «حجب العلم والحكمة» (1) و «آفات العقل» (2) يُعدّ من أسباب انقلاب أفراد المجتمع على أعقابهم إلى الجاهليّة الاُولى التي وضع الرسول صلى الله عليه و آله حدًّا لها عبر محاربته لهذه العوامل ، وهذه الآفات العقليّة إذا ما وجدت لدى شخص ما بأيّ نسبة كانت فهيتقوده نحو الجاهليّة بنفس تلك النسبة . وثمّة روايات اُخرى أكّدت دخول شرب الخمر وتناول المسكر (3) في عداد العوامل الفرديّة لمثل هذا الانقلاب ، وعلّلت الروايات اللاحقة هذه الظاهرة معتبرة الخمر اُمّ الفواحش ومفتاح كلّ شرّ ؛ فالإدمان على المسكرات والمخدّرات يمهّد الأجواء لاجتماع كلّ حجب المعرفة ويجعل الإنسان عرضة للوقوع في مهاوي المعتقدات والأخلاق والأعمال الجاهليّة .
ب _ العوامل الاجتماعيّة للنكوصأمّا العوامل الاجتماعيّة لمثل هذا الرجوع القهقرى ، فهي نفس الأمراض التيتهدّد أساس النظام الإسلاميّ ، ومن أبرزها الاختلاف الذي قال فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
.
ص: 458
مَا اختَلَفَت اُمَّةٌ بَعدَ نَبِيِّها إلّا ظَهَرَ أهلُ باطِلِها عَلى أهلِ حَقِّها. (1) ومن العوامل الاُخرى للعودة إلى الجاهليّة _ وهو أخطرها طبعا _ زعامة أئمّة الضلال ، وهو ما قال فيه الرسول صلى الله عليه و آله : إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عَلى اُمَّتي الأَئِمَّةُ المُضِلّونَ. (2) وقد ورد أيضا أنّ عمر بن الخطّاب سأل كعب ا : إنّي أسألك عن أمر فلا تكتمني ، قال: لا واللّه ، لا أكتمك شيئا أعلمه، قال : ما أخوف شيء تخافه على اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله ؟ قال: أئمّة مضلّين ، قال عمر : صدقت ، قد اُسِرَّ إليّ ذلك وأعلمنيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (3) إنّ لأئمّة الضلال خطرا على الإسلام ودورا في إعادة المسلمين إلى عصر الجاهليّة إلى الحدّ الذي جعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يؤكّد في حديث معتبر ومتّفق عليه بين المسلمين أنّه : «مَن ماتَ بِغَيرِ إمامٍ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً» . ومعنى هذا أنّ في وجود أئمّة العدل والحقّ ضمانا لاستمرار عصر العلم ؛ أي عصر الإسلام الحقيقيّ ، وبانعدام تلك الزعامة ينقلب المجتمع الإسلاميّ إلى ما كان عليه في الجاهليّة الاُولى . لقد تحقّقت هذه الواقعة المريرة في تاريخ الإسلام ، وأضحت المجتمعات الإسلاميّة ، بل مجتمعات العالم بأسرها ، تتخبّط في مستنقع الجاهليّة الحديثة على الرغم ممّا أحرزته من تقدّم باهر في مجال العلوم التجربيّة. (4)
.
ص: 459
كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد قدّم البشرى لبني الإنسان في أنّ لهذا العهد نهاية أيضا ، إذ ستنمحي كلّ مخلّفات الجاهليّة من العالم بأسره عند قيام إمام من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، وهو المهديّ الذي سيُضاء العالم كلّه بنور العلم الحقيقيّ بفضل زعامته وهدايته ، ويُطوى بساط الفساد من وجه المعمورة ، وتسود العدالة كلّ الكون . وقد خصّصنا الفصل السابع من هذا القسم لبيان هذه البشائر . نأمل أن يكون انبعاث الإسلام من جديد في إيران من جملة إرهاصات تحقّق هذا الحُلُم .
.
ص: 460
. .
ص: 461
الفصل السابع : ختام الجاهليّةرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في ذِكرِ الأَئِمَّةِ عليهم السلام _: تاسِعُهُمُ القائِمُ الَّذي يَملَأُ اللّهُ عز و جل بِهِ الأَرضَ نورا بَعدَ ظُلمَتِها ، وعَدلاً بَعدَ جَورِها ، وعِلما بَعدَ جَهلِها. (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ بَعدَ بَيانِ المَلاحِمِ وَالفِتَنِ _: فَكَذلِكَ حَتّى يَبعَثَ اللّهُ رَجُلًا في آخِرِ الزَّمانِ ، وكَلَبٍ (2) مِنَ الدَّهرِ ، وجَهلٍ مِنَ النّاسِ ، يُؤَيِّدُهُ اللّهُ بِمَلائِكَتِهِ ، ويَعصِمُ أنصارَهُ ، ويَنصُرُهُ بِآياتِهِ ، ويُظهِرُهُ عَلى أهلِ الأَرضِ حَتّى يَدينوا طَوعا وكَرها ، يَملَأُ الأَرضَ قِسطا وعَدلاً ونورا وبُرهانا ، يَدينُ لَهُ عَرضُ البِلادِ وطولُها ، لا يَبقى كافِرٌ إلّا آمَنَ بِهِ ولا طالِحٌ إلّا صَلَحَ ، وتَصطَلِحُ في مُلكِهِ السِّباعُ ، وتُخرِجُ الأَرضُ نَبتَها ، وتُنزِلُ السَّماءُ بَرَكَتَها ، وتَظهَرُ لَهُ الكُنوزُ ، يَملِكُ ما بَينَ الخافِقَينِ أربَعينَ عاما . فَطوبى لِمَن أدرَكَ أيّامَهُ وسَمِعَ كَلامَهُ. (3)
.
ص: 462
عنه عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ يومِئُ فيها إلَى المَلاحِمِ _: وأخَذوا يَمينا وشِمالاً ظَعنا (طَعنا) في مَسالِكِ الغَيِّ وتَركا لِمَذاهِبِ الرُّشدِ . فَلا تَستَعجِلوا ما هُوَ كائِنٌ مُرصَدٌ ، ولا تَستَبطِئوا ما يَجيءُ بِهِ الغَدُ . فَكَم مِن مُستَعجِلٍ بِما إن أدرَكَهُ وَدَّ أنَّهُ لَم يُدرِكهُ ! وما أقرَبَ اليَومَ مِن تَباشيرِ غَدٍ ! يا قَومِ ، هذا إبّانُ (إيّانُ) وُرودِ كُلِّ مَوعودٍ ، ودُنُوٍّ مِن طَلعَةِ ما لا تَعرِفونَ . ألا وإنَّ مَن أدرَكَها مِنّا يَسري فيها بِسِراجٍ مُنيرٍ ، ويَحذو فيها عَلى مِثالِ الصّالِحينَ ؛ لِيَحُلَّ فيها رِبقا ، ويُعتِقَ فيها رِقًّا ، ويَصدَعَ شَعبا (1) ويَشعَبَ صَدعا في سُترَةٍ عَنِ النّاسِ ، لا يُبصِرُ القائِفُ أثَرَهُ ولَو تابَعَ نَظَرَهُ . ثُمَّ لَيُشحَذَنَّ فيها قَومٌ شَحذَ القَينِ (2) النَّصلَ (3) ، تُجلى بِالتَّنزيلِ أبصارُهُم ، ويُرمى بِالتَّفسيرِ في مَسامِعِهِم ، ويُغبَقونَ (4) كَأسَ الحِكمَةِ بَعدَ الصَّبوحِ. (5)
الإمام الباقر عليه السلام :إذا قامَ قائِمُنا وَضَعَ اللّهُ يَدَهُ عَلى رُؤوسِ العِبادِ فَجَمَعَ بِها عُقولَهُم وكَمُلَت بِهِ أحلامُهُم. (6)
الغيبة للنعماني عن الفضيل بن يسار :سَمِعتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام يَقولُ : إنَّ قائِمَنا إذا قامَ استَقبَلَ مِن جَهلِ النّاسِ أشَدَّ مِمَّا استَقبَلَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن جُهّالِ الجاهِلِيَّةِ . قُلتُ : وكَيفَ ذاكَ ؟
.
ص: 463
قالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أتَى النّاسَ وهُم يَعبُدونَ الحِجارَةَ وَالصُّخورَ وَالعيدانَ وَالخَشَبَ المَنحوتَةَ ، وإنَّ قائِمَنا إذا قامَ أتَى النّاسَ وكُلُّهُم يَتَأَوَّلُ عَلَيهِ كِتابَ اللّهِ يَحتَجُّ عَلَيهِ بِهِ . ثُمَّ قالَ : أما وَاللّهِ لَيُدخِلَنَّ عَلَيهِم عَدلَهُ جَوفَ بُيوتِهِم كَما يَدخُلُ الحَرُّ وَالقُرُّ ! (1)
الإمام الصادق عليه السلام :العِلمُ سَبعَةٌ وعِشرونَ حَرفا ، فَجَميعُ ما جاءَت بِهِ الرُّسُلُ حَرفانِ ، فَلَم يَعرِفِ النّاسُ حَتَّى اليَومِ غَيرَ الحَرفَينِ ، فَإِذا قامَ القائِمُ عليه السلام أخرَجَ الخَمسَةَ وَالعِشرينَ حَرفا فَبَثَّها فِي النّاسِ ، وضَمَّ إلَيهَا الحَرفَينِ حَتّى يَبُثَّها سَبعَةً وعِشرينَ حَرفا. (2)
عنه عليه السلام_ حينَما ذَكَرَ الكوفَةَ _: سَتَخلو كوفَةُ مِنَ المُؤمِنينَ ويَأرِزُ عَنهَا العِلمُ كَما تَأرِزُ الحَيَّةُ في جُحرِها . ثُمَّ يَظهَرُ العِلمُ بِبَلدَةٍ يُقالُ لَها : قُمُّ ، وتَصيرُ مَعدِنا لِلعِلمِ وَالفَضلِ حَتّى لا يَبقى فِي الأَرضِ مُستَضعَفٌ فِي الدّينِ حَتَّى المُخَدَّراتُ فِي الحِجالِ (3) ، وذلِكَ عِندَ قُربِ ظُهورِ قائِمِنا ، فَيَجعَلُ اللّهُ قُمَّ وأهلَهُ قائِمينَ مَقامَ الحُجَّةِ ، ولَولا ذلِكَ لَساخَتِ الأَرضُ بِأَهلِها ولَم يَبقَ فِي الأَرضِ حُجَّةٌ ، فَيَفيضُ العِلمُ مِنهُ إلى سائِرِ البِلادِ فِي المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، فَيَتِمُّ حُجَّةُ اللّهِ عَلَى الخَلقِ حَتّى لا يَبقى أحَدٌ عَلَى الأَرضِ لَم يَبلُغ إلَيهِ الدّينُ وَالعِلمُ ، ثُمَّ يَظهَرُ القائِمُ عليه السلام ويَصيرُ (4) سَبَبا لِنِقمَةِ اللّهِ وسَخَطِهِ عَلَى العِبادِ ، لِأَنَّ اللّهَ لا يَنتَقِمُ مِنَ العِبادِ إلّا بَعدَ إنكارِهِم حُجَّةً. (5)
.
ص: 464
بحار الأنوار عن السّيّد ابن طاووس_ في زِيارَةِ الإِمامِ المَهدِيِّ عَجَّلَ اللّهُ فَرَجَهُ _: اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وأهلِ بَيتِهِ ، وأرِنا سَيِّدَنا وصاحِبَنا وإمامَنا ومَولانا صاحِبَ الزَّمانِ ، ومَلجَأَ أهلِ عَصرِنا ، ومَنجى أهلِ دَهرِنا ، ظاهِرَ المَقالَةِ ، واضِحَ الدَّلالَةِ ، هادِيا مِنَ الضَّلالَةِ ، مُنقِذا مِنَ الجَهالَةِ. (1)
اللّهمّ إنّي أعتذر إليك من جهلي . اللّهمّ إنّي أستجير بك من جهلي . اللّهمّ اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به منّي . اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّدٍ وعجّل فرج قائمهم واملأبه الأرض نورا بعد ظلمتها وعلما بعد جهلها ،وارزقنا عقلاً كاملاً، وعزما ثاقبا، ولبّا راجحا، وعلما كثيرا، وأدبا بارعا، واجعل ذلك كلَّه لنا، ولا تجعله علينا. اللّهمّ صلّ على محمّد وآله، وتقبّل منّا، يا مبدّل السيّئات بالحسنات، بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
.
ص: 465
الفهرس التفصيلي .
ص: 466
. .
ص: 467
. .
ص: 468
. .
ص: 469
. .
ص: 470
. .
ص: 471
. .
ص: 472
. .
ص: 473
. .
ص: 474
. .
ص: 475
. .
ص: 476
. .
ص: 477
. .
ص: 478
. .
ص: 479
. .
ص: 480
. .
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
القسم الرابع : العلمتحقيق في معنى العلمالفصل الأوّل : حقيقة العلمالفصل الثاني : فضل العلمالفصل الثالث : آثار العلمالفصل الرابع : أقسام العلوم
.
ص: 8
. .
ص: 9
تحقيق في معنى العلم «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» . (1) لم يُقدِّر منهج من المناهج العلمَ والحكمة كما فعل الإسلام ، ولم يُحذِّر أيٌّ من الأديان ، الناسَ من خطر الجهل كما صنع الإسلام . إنّ العلم في الإسلام أُسّ القيم جميعها ، والجهل أصل المساوئ والمفاسد الفرديّة والاجتماعيّة كلّها (2) . يرى الإسلام أنّ الإنسان يحتاج إلى العلم والمعرفة في كلّ حركة من حركاته (3) . ولابدّ لعقائده ، وأخلاقه ، وأعماله أن تقوم على دعامة علميّة (4) . إنّ ما يحظى بأهميّة كبرى في مستهلّ الحديث عن موقف الإسلام من العلم والحكمة ، هو أنّ أيّ فرع من فروع العلم له الأهميّة والاعتبار عند الإسلام ؟
.
ص: 10
أيّ علمٍ يعدّ معيارا لقيمة الإنسان وأساسا للقيم جميعها ؟ (1) أيّ علمٍ يُحيي القلب ويهدي المرء ؟ (2) أيّ علمٍ يُحسَب أنفعَ كنز ، ويعتبر ميراث الأنبياء ، ويعدّ شرطا للعمل وكمال الإيمان ؟ (3) أيّ علمٍ يحبّب الإنسان إلى اللّه المنّان ، ويوجب إكرام الملائكة إيّاه ، واستغفار كلّ شيء له ، وتيسير طريق الجنّة للعالِم ؟ (4) وبكلمةٍ ، ينبغي أن نعرف نوع العلوم التي قصدها الإسلام في كلّ ما ورد فيه من وصاياه بالتعليم والتعلّم ، وما ذُكر في نصوصه من فضائل جمة للعلم والعالم ، ممّا ستقف عليه في هذا الكتاب ؛ هل أراد فرعا خاصّا من العلوم ؟ أو أنّ مطلق العلم في الرؤية الإسلاميّة ذو قيمةٍ ويحوي جميع هذه الفضائل ؟
مفهوم العلم في النصوص الإسلاميّةإنّ دراسة دقيقة للمواضع التي استُعملت فيها كلمة العلم والمعرفة في النصوص الإسلاميّة تدلّ على أنّ للعلم مفهومين في الإسلام بعامّة ، نسمّي أحدهما : حقيقة العلم وأصله ، ونُطلق على الآخر : ظاهر العلم وقشره . وتوضيح ذلك أنّ للعلم في الإسلام حقيقة وجوهرا ، وظاهرا وقشرا . وتعدّ ضروب العلوم الرسميّة _ الإسلاميّة وغير الإسلاميّة _ قشور العلم ، أمّا حقيقة العلم والمعرفة فهي شيء آخر .
.
ص: 11
عندما نتلو قوله تعالى : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَئكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ» (1) ، وقوله : «وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ» (2) ، وقوله : «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَ_ؤُاْ» (3) . فالمراد منها : حقيقة العلم وجوهره . وحينما نقرأ قوله سبحانه : «وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ» (4) ، وقوله : «وَ مَا تَفَرَّقُواْ إِلَا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ» (5) ، أو قوله : «وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَ_بَ إِلَا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ» (6) . فالمقصود منها : ظاهر العلم وقشره . ويثار هنا سؤال مُفاده : ما حقيقة العلم وكيف يتسنّى لنا أن نميّز حقيقة العلم من ظاهره وكيف يمكن كسب تلك الحقيقة ؟
حقيقة العلمإنّ حقيقة العلم نور يرى به الإنسان العالم كما هو ، ويجد موقعه في الوجود بسببه ، ولنور العلم درجات ، أرفعُها لا يكتفي بتعريف المرء على طريق تكامله ، بل يقتاده في هذا المسار ، ويبلغ به المقصد الأعلى للإنسانيّة . لقد تحدّث القرآن الكريم عن هذا النور بصراحة ، فقال : «أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَ_هُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِى الظُّ_لُمَ_تِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا» (7) ؟ !
.
ص: 12
وبعبارة اُخرى : «هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (1) ؟ ! قال الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام عن هذا النور وأهمّ خواصّه التي هي إيصال الإنسان إلى المقصد الأعلى للإنسانيّة «في وصف السالك الطريق إلى اللّه » : «قَد أحيا عَقلَهُ ، وأماتَ نَفسَهُ ، حَتّى دَقَّ جَليلُهُ ، ولَطُفَ غَليظُهُ ، وبَرَقَ لَهُ لامِعٌ كَثيرُ البَرقِ ، فَأبانَ لَهُ الطَّريقَ ، وسَلَكَ بِهِ السَّبيلَ ، وتَدافَعَتهُ الأبوابُ إلى بابِ السَّلامَةِ ، ودارِ الإقامَةِ ، وثَبَتَت رِجلاهُ بِطُمَأنينةِ بَدَنِهِ في قَرارِ الأمنِ وَالرّاحَةِ ، بِمَا استَعمَلَ قَلبَهُ ، وأرضى رَبَّهُ» (2) . إنّ الآيات والأحاديث التي تعدّ نورانيّة الإنسان مقدّمة لحركته الصحيحة في المجتمع تلقاء الكمال المطلق ، أو تفسّر العلم بالنور ، أو ترى أنّ العلم ملازم للإيمان باللّه ورسالة الأنبياء ، مقترنا بالصفات المرضيّة والأعمال الصالحة ، إنّما توضّح في الحقيقة جوهر العلم وحقيقته . ودليلنا على أنّ هذا النور هو لبّ العلم ، وجميع العلوم الرسميّة قشرٌ له ، هو أنّ قيمة العلوم المذكورة مرتبطة به . إنّ جوهر العلم هو الذي يهب العلم قيمة حقيقيّة ، أي يجعله في خدمة الإنسان وتكامله وسعادته ، وبغيره لا يفقد العلم مزاياه وآثاره فحسب ، بل يتحوّل إلى عنصر مضادّ للقيم الإنسانيّة . ولهذا نقول إنّ قيمة جوهر العلم مطلقة ، وقيمة العلوم الرسميّة مشروطة ، وشرط
.
ص: 13
قيمتها أن تكون في خدمة الإنسان ، ولا يمكنها أن تصبّ في خدمته إذا جُرّدت من جوهر العلم ، بل إنّها ربّما استخدمت ضدّ الإنسان . النقطة المهمّة اللافتة للنظر هي أنّ العلم عندما يفقد جوهره وخاصّيّته ، فلا يساوي الجهل فحسب ، بل يصبح أشدّ ضررا منه ؛ إذ يعجّل في حركة الإنسان نحو السقوط والانحطاط . إذا فقد العلم جوهره واتّجاهه الحقيقيّ ، فإنّه يُصبح كالدليل الذي يسوق المرء إلى هاوية الضلال ، بدل أن يهديه إلى سواء السبيل ، من هنا كلّما تقدّم العلم ، كان خطره أكبر على المجتمع الإنسانيّ . إنّ الخطر الكبير الذي يهدّد المجتمع البشري اليوم هو أنّ العلم قد ارتقى كثيرا ، بَيْد أنّه فقد جوهره وخاصّيته واتّجاهه السديد ، واستُخدم باتّجاه انحطاط الإنسانيّة وسقوطها . ويمكن أن ندرك بتأمّلٍ يسيرٍ ، الآفات التي فرضها العلم على المجتمع البشريّ في واقعنا المعاصر ، ونفهم ماذا تجرّع الإنسان من ويلات حين قبضت القوى الكبرى على سلاح العلم ، ونعرف كيف تعاملَ الناهبون _ الذين استغلّوا العلم لسلب الإنسان مادّيّا ومعنويّا _ بقسوةٍ ، ولا يرحمون أحدا . قال برشت «الإنسان المعاصر متنفّر من العلم ؛ لأنّ العلم هو الذي أوجد الفاشيّة وفرضها على البشريّة ، والعلم هو الذي وسّع رقعة الجوع لأوّل مرّة ، بحيث غدا اثنان _ من كلّ ثلاثة في العالم _ جياعا (1) . هل يمكن أن نسمّي وسائل النهب ، والجوع ، والقتل ، والفساد علما !
.
ص: 14
أهو علم ونور هذا الذي يسوق المجتمع شطر الفساد والضياع ، أم هو الجهل والظلمة ؟ هنا يستبين معنى الكلام النبويّ الدقيق ، إذ قال صلى الله عليه و آله : «إنَّ مِنَ العِلمِ جَهلاً» (1) . يثار هنا سؤال يقول : كيف يصير العلم جهلاً ألا يعني هذا تناقضا في الكلام بيد أنّنا إذا تأمّلنا فيه تبيّن لنا أنّه ليس تناقضا في الكلام ، بل هو كلام دقيق ذو مغزى . عندما يفقد العلم جوهره وخاصيّته ، فهو والجهل سواء . ولذا قال الإمام عليّ عليه السلام : «لا تَجعَلوا عِلمَكُم جَهلاً» (2) . أي لا تتصرّفوا تصرّفا يُفقد العلم خاصّيّته ، ويسلب منه اسمه الصحيح . لقد مُني العلم اليوم بهذا المصير المشؤوم بعد فقده جوهره واتّجاهه المستقيم السديد ، فأصبح كالجهل قاتلاً ، مُفسدا ، مدمِّرا ، بل أصبح أشدّ ضررا من الجهل! ما أروع كلام الإمام عليّ عليه السلام وما أدقّه ! إذ قال : «رُبَّ عالِمٍ قَتَلَهُ جَهلُهُ ، وعِلمُهُ مَعَهُ لا يَنفَعُهُ» (3) . إنّ المصير المؤسف للعالِم الذي يهلك من جهله عجيب حقّا ، فعند ما حدّث سعد بن أبي وقّاص رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرّةً ، بما جرى له في سفره ، قال له مصوّرا جهل القوم المرسل إليهم : أتيتك من قومٍ هم وأنعامهم سواء ! فقال له صلى الله عليه و آله : «يا سَعدُ ، ألا اُخبِرُكَ
.
ص: 15
بِأعجَبَ مِن ذلِكَ ؟ قَومٌ عَلِموا ما جَهَلَ هؤلاءِ ثُمَّ جَهَلوا كَجَهلِهِم» (1) . إنّ هذا الكلام يعبّر لنا عن مصير العلم في واقعنا المعاصر ، فالعالَم المتحضّر ذو العلم اليوم يعاني من الجهل حقّا ، وهو ضحيّة جهله ! وهكذا فعلم البشريّة يغزو الفضاء ويصل إلى القمر لكنّه عاجز عن أداء أقلّ دورٍ في حركة الإنسان نحو الكمال المطلق ووعي الإنسانيّة وتكاملها!
خصائص جوهر العلمخصائص جوهر العلم (2) وآثاره وعلاماته، في القرآن والأحاديث، تماثل خصائص حقيقة الحكمة (3) وجوهر العقل (4) وآثارهما وعلاماتهما ، وهذا التماثل يساعد كثيرا في طريق معرفة حقيقة العلم والعقل من منظار الإسلام ، سنكتفي فيما يأتي بالإشارة إلى فهرس لأهمّ هذه الخصائص :
1 . نور العلم متأصّل في فطرة الإنسانإنّ الأحاديث التي ترى أنّ العلم «مجبول في القلب» (5) ، أو التي تقسّمه إلى «مطبوع ومسموع» (6) ، أو التي تعبّر عنه بالنور الذي يقذفه اللّه في قلب من يشاء 7 ، وكذلك جميع الآيات والروايات التي ترى أنّ معرفة اللّه فطريّة 8 ، كلّ اُولئك يشير إلى هذه الخاصيّة .
.
ص: 16
2 . جوهر العلم حقيقة واحدةإنّ جوهر العلم حقيقة واحدة لا أكثر ، على عكس «العلوم الرسميّة» أو بتعبير الأحاديث «العلوم السمعيّة» فإنّها ذات الفروع المتنوّعة . ولعلّ مقولة «العِلمُ نُقطَةٌ كَثَّرَهَا الجاهِلونَ» (1) إشارة إلى هذه الخاصيّة .
3 . اقتران حقيقة العلم بالإيمانلقد نالت هذه الخاصيّة اهتماما في آيات وروايات جمّة ، محصّلتها أنّ الإنسان لا يمكن أن يكون عالما بالمفهوم الحقيقيّ ، وهو غير مؤمن . قال الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «الإيمانُ وَالعِلمُ أخَوانِ تَوأمانِ ، ورَفيقانِ لا يَفتَرِقانِ» (2) .
4 . العلم مقرون بخشية اللّهيرى القرآن الكريم أنّ العلم مقرون بخشية اللّه تعالى ، إذ أعلن هذا الكتاب السماويّ موقفه بجزمٍ وصراحة ، فقال : «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَ_ؤُا» . فالنّقطة الجديرة بالتأمّل هي ملازمة العلم خشيةَ اللّه في القرآن عند الحديث عن مجموعة من العلوم الطبيعيّة ، وفيما يأتي نصّ الآية الكريمة : «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَ تٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَ نُهَا وَ مِنَ الْجِبَالِ جُدَدُ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَ نُهَا وَ غَرَابِيبُ سُودٌ * وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعَ_مِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَ نُهُ كَذَ لِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَ_ؤُاْ إِنَّ
.
ص: 17
اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ» (1) . من هنا يمكن أن تؤدّي العلوم الطبيعيّة إلى خشية اللّه أيضا بشرط أن يرافقها النور الهادي من حقيقة العلم ، وينظر العالم إلى الطبيعة بنور العلم ، ويتأمّل به في ظواهرها المدهشة .
5 . الأخلاق الحميدة من بركات نور العِلممن بركات الحقيقة النورانيّة للعلم ، بناء النفس والأخلاق الفاضلة والصفات المحمودة ، وقد حظِيَت هذه الخاصيّة المهمّة بالاهتمام في روايات كثيرة (2) . قال الإمام عليّ عليه السلام : «كُلَّمَا ازدادَ عِلمُ الرَّجُلِ زادَت عِنايَتُهُ بِنَفسِهِ ، وبَذَلَ في رِياضَتِها وصَلاحِها جُهدَهُ» (3) .
6 . اقتران جوهر العلم والعمل الصالحإنّ العمل الصالح أحد الخصائص البارزة لنور العلم وقد أُكّد ذلك في روايات جمّة (4) ، وترى هذه الروايات أنّ الأعمال الصالحة ثمرة العلم ، وبدونها ينطفئ مصباح العلم في وجود الإنسان .
الطريق إلى كسب نور العلمسوف تلاحظ في هذا الكتاب أنّ مبدأ العلوم الرسميّة الحسّ والعقل (5) ، وأنّ طريق
.
ص: 18
كسبها التعليم والتعلّم (1) ، ومبدأ نور العلم القلب (2) ، بَيْد أنّ هذا العلم ليس قابلاً للتعلّم ، طريق كسبه في الخطوة الاُولى إزالة الحجب ، وفي الخطوة الثانية إعداد الشروط اللّازمة لظهوره (3) . إنّ نور العلم متأصّل في فطرة الإنسان ، وكسبه يعني تهيئة الشروط لازدهار الفطرة ، وحينئذٍ يظهر العلم نفسه كما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «العِلمُ مَجبولٌ في قُلوبِكُم ، تَأدَّبوا بِآدابِ الرَّوحانِيّينَ يَظهَرُ لَكُم» (4) . إنّ دور الطالب في كسب نور العلم هوإعداد الأرضيّة لظهوره فحسب ، وإلّا فإنّ مصباح نور العلم المتألّق ، هديّة إلهيّة للصالحين ، تفاض عليهم من عالم الغيب ، فتنير أعماق قلوبهم : «العِلمُ نورٌ وضياءٌ يَقذِفُهُ اللّهُ في قُلوبِ أولِيائِهِ» (5) . إنّ النقطة المهمّة اللافتة للنظر هي أنّ نور العلم وإن كان غير قابل للتعليم والتعلّم لكنّ مقدّماته تحتاج إليهما لا محالة ، وأكبر مهمّات الأنبياء وأوصيائهم وورثتهم _ العلماء الربّانيّين _ (6) هي تعليم مقدّمات هذا العلم . وجدير بالذّكر إنّ ما جاء في هذا الكتاب من الآداب والأحكام حول التعليم والتعلّم والعالِم ، في الحقيقة تمام الكلام في باب مقدمات تحصيل نور العلم
.
ص: 19
والمعرفة ، ممّا يحتاج إليه الأساتذة وطلّاب العلوم الإسلاميّة حاجة ماسّة ، وإنّه لَيمكن للأساتذة والطلّاب الجامعيّين ، في كافّة الفروع العلميّة ، أن يفوزوا بنور العلم إذا ما عُنوا بهذه الآداب والأحكام .
.
ص: 20
. .
ص: 21
الفصل الأوّل : حقيقة العلمالكتاب«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَئكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائمَا بِالْقِسْطِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ». (1)
«وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَ يَهْدِى إِلَى صِرَ طِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» . (2)
«وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ» . (3)
«إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَ_ؤُاْ» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِلمُ عِلمانِ : عِلمٌ فِي القَلبِ فَذاكَ العِلمُ النّافِعُ ، وعِلمٌ عَلَى اللِّسانِ
.
ص: 22
فَتِلكَ حُجَّةُ اللّهِ عَلى عِبادِهِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ نورٌ وضياءٌ يَقذِفُهُ اللّهُ في قُلوبِ أولِيائِهِ، ونَطَقَ بِهِ عَلى لِسانِهِم. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :لَيسَ العِلمُ بِكَثرَةِ التَّعَلُّمِ ، إنَّما هُوَ نورٌ يَقَعُ في قَلبِ مَن يُريدُ اللّهُ أن يَهدِيَهُ ، فَإِذا أرَدتَ العِلمَ فَاطلُب أوَّلًا في نَفسِكَ حَقيقَةَ العُبودِيَّةِ ، وَاطلُبِ العِلمَ بِاستِعمالِهِ ، وَاستَفهِمِ اللّهَ يُفهِمكَ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ عِلمانِ : مَطبوعٌ ومَسموعٌ ، ولا يَنفَعُ المَسموعُ إذا لَم يَكُنِ المَطبوعُ. (4)
عنه عليه السلام :لَيسَ العِلمُ فِي السَّماءِ فَيُنزَلُ إلَيكُم ، ولا في تُخومِ الأَرضِ فَيُخرَجُ لَكُم ، ولكِنَّ العِلمَ مَجبولٌ في قُلوبِكُم ، تَأَدَّبوا بِآدابِ الرّوحانِيّينَ يَظهَر لَكُم. (5)
عنه عليه السلام :العِلمُ مِصباحُ العَقلِ. (6)
.
ص: 23
عنه عليه السلام :العِلمُ حِجابٌ مِنَ الآفاتِ. (1)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ مَن يَحفَظُ اللّهُ بِهِم حُجَجَهُ وبَيِّناتِهِ _: هَجَمَ بِهِمُ العِلمُ عَلى حَقيقَةِ البَصيرَةِ ، وباشَروا روحَ اليَقينِ ، وَاستَلانوا مَا استَوعَرَهُ (2) المُترَفونَ ، وأنِسوا بِمَا استَوحَشَ مِنهُ الجاهِلونَ ، وصَحِبُوا الدُّنيا بِأَبدانٍ أرواحُها مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الأَعلى . اُولئِكَ خُلَفاءُ اللّهِ في أرضِهِ ، وَالدُّعاةُ إلى دينِهِ . آهِ آهِ شَوقاً إلى رُؤيَتِهِم. (3)
عنه عليه السلام :العِلمُ نُقطَةٌ كَثَّرَهَا الجاهِلونَ. (4)
تنبيه الخواطر :سُئِلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام عَنِ العِلمِ فَقالَ : أربَعُ كَلِماتٍ : أن تَعبُدَ اللّهَ بِقَدرِ حاجَتِكَ إلَيهِ ، وأن تَعصِيَهُ بِقَدرِ صَبرِكَ عَلَى النّارِ ، وأن تَعمَلَ لِدُنياكَ بِقَدرِ عُمُرِكَ فيها ، وأن تَعمَلَ لِاخِرَتِكَ بِقَدرِ بَقائِكَ فيها. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :وَجَدتُ عِلمَ النّاسِ كُلَّهُ في أربَعٍ : أوَّلُها : أن تَعرِفَ رَبَّكَ ، وَالثّاني : أن تَعرِفَ ما صَنَعَ بِكَ ، وَالثّالِثُ : أن تَعرِفَ ما أرادَ مِنكَ ، وَالرّابِعُ : أن تَعرِفَ ما يُخرِجُكَ مِن دينِكَ. (6)
قصص الأنبياء عن وهب بن منبّه اليمانيّ :أوحَى اللّهُ تَعالى إلى آدَمَ عليه السلام : إنّي أجمَعُ
.
ص: 24
لَكَ العِلمَ كُلَّهُ في أربَعِ كَلِماتٍ : واحِدَةٌ لي ، وواحِدَةٌ لَكَ ، وواحِدَةٌ فيما بَيني وبَينَكَ ، وواحِدَةٌ فيما بَينَكَ وبَينَ النّاسِ . فَأَمَّا الَّتي لي فَتَعبُدُني ولا تُشرِكُ بي شَيئاً ، وأمَّا الَّتي لَكَ فَأَجزيكَ بِعَمَلِكَ أحوَجَ ما تَكونُ إلَيهِ ، وأمَّا الَّتي فيما بَيني وبَينَكَ فَعَلَيكَ الدُّعاءُ وعَلَيَّ الإِجابَةُ ، وأمَّا الَّتي فيما بَينَكَ وبَينَ النّاسِ فَتَرضى لِلنّاسِ ما تَرضى لِنَفسِكَ. (1)
راجع : ص 53 (الفصل الثالث: آثار العلم) و 63 (الفصل الرابع: أقسام العلوم) و 134 (الإلهام) .
.
ص: 25
الفصل الثاني : فضل العلم2 / 1مِعيارُ قيمَةِ الإِنسانِالكتاب«قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أكثَرُ النّاسِ قيمَةً أكثَرُهُم عِلماً ، وأقَلُّ النّاسِ قيمَةً أقَلُّهُم عِلماً. (2)
صفات الشيعة عن ابن أبي عمير يرفعه إلى أحدهم عليهم السلام ، أنّه قال :بَعضُكُم أكثَرُ صَلاةً مِن بَعضٍ ، وبَعضُكُم أكثَرُ حَجّا مِن بَعضٍ ، وبَعضُكُم أكثَرُ صَدَقَةً مِن بَعضٍ ، وبَعضُكُم
.
ص: 26
أكثَرُ صِياما مِن بَعضٍ ، وأفضَلُكُم أفضَلُكُم (1) مَعرِفَةً. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :قيمَةُ كُلِّ امرِىً ما يَعلَمُهُ. (3)
عنه عليه السلام :ألا لا يَستَحيِيَنَّ مَن لا يَعلَمُ أن يَتَعَلَّمَ ، فَإِنَّ قيمَةَ كُلِّ امرِىً ما يَعلَمُ. (4)
عنه عليه السلام :قيمَةُ كُلِّ امرِىً ما يُحسِنُ (5) . 6
عنه عليه السلام :النّاسُ أبناءُ ما يُحسِنونَ ، وقَدرُ كُلِّ امرِىً ما يُحسِنُ ، فَتَكَلَّموا فِي العِلمِ تَبَيَّن أقدارُكُم. (6)
عنه عليه السلام :يُنبِئُ عَن قيمَةِ كُلِّ امرِىً عِلمُهُ وعَقلُهُ. (7)
.
ص: 27
عنه عليه السلام :يُنبِئُ عَن فَضلِكَ عِلمُكَ ، وعَن إفضالِكَ بَذلُكَ. (1)
عنه عليه السلام :يا مُؤمِنُ ، إنَّ هذَا العِلمَ وَالأَدَبَ ثَمَنُ نَفسِكَ فَاجتَهِد في تَعَلُّمِهِما ، فَما يَزيدُ مِن عِلمِكَ وأدَبِكَ يَزيدُ في ثَمَنِكَ وقَدرِكَ، فَإِنَّ بِالعِلمِ تَهتَدي إلى رَبِّكَ. (2)
عنه عليه السلام :يَتَفاضَلُ النّاسُ بِالعُلومِ وَالعُقولِ ، لا بِالأَموالِ ، والاُصولِ. (3)
عنه عليه السلام :لا يُعرَفُ الرَّجُلُ إلّا بِعِلمِهِ ، كَما لا يُعرَفُ الغَريبُ مِنَ الشَّجَرِ إلّا عِندَ حُضورِ الثَّمَرِ ، فَتَدُلُّ الأَثمارُ عَلى اُصولِها. (4)
عنه عليه السلام :لا تَستَعظِمَنَّ أحَداً حَتّى تَستَكشِفَ مَعرِفَتَهُ. (5)
الإمام الباقر عليه السلام :يا بُنَيَّ ، اعرِف مَنازِلَ الشّيعَةِ عَلى قَدرِ رِوايَتِهِم ومَعرِفَتِهِم، فَإِنَّ المَعرِفَةَ هِيَ الدِّرايَةُ لِلرِّوايَةِ ، وبِالدِّراياتِ لِلرِّواياتِ يَعلُو المُؤمِنُ إلى أقصى دَرَجاتِ الإِيمانِ . إنّي نَظَرتُ في كِتابٍ لِعَلِيٍّ عليه السلام فَوَجَدتُ فِي الكِتابِ : إنَّ قيمَةَ كُلِّ امرِىً وقَدرَهُ مَعرِفَتُهُ ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى يُحاسِبُ النّاسَ عَلى قَدرِ ما آتاهُم مِنَ العُقولِ في دارِ الدُّنيا. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :المُؤمِنُ عُلوِيٌّ ؛ لِأَ نَّهُ عَلا فِي المَعرِفَةِ. (7)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: لا فَضلَ إلّا لِأَهلِ العِلمِ ، إنَّهُمُ عَلَى الهُدى لِمَنِ استَهدى أدِلّاءُ وقيمَةُ المَرءِ ما قَد كانَ يُحسِنُهُ وَالجاهِلونَ لِأَهلِ العِلمِ أعداءُ (8)
.
ص: 28
راجع : ص 28 (رفعة الدارين) و 35 (أفضل شرف)، ج 1 ص 205 (تأكيد التعقّل) .
2 / 2أصلُ كُلِّ خَيرٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :خَيرُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ مَعَ العِلمِ ، وشَرُّ الدُّنيا وَالآخِرَةِ مَعَ الجَهلِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ رَأسُ الخَيرِ كُلِّهِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ أصلُ كُلِّ خَيرٍ ، الجَهلُ أصلُ كُلِّ شَرٍّ. (3)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: العِلمُ أصلُ كُلِّ حالٍ سَنِيٍّ ، ومُنتَهى كُلِّ مَنزِلَةٍ رَفيعَةٍ. (4)
2 / 3رِفعَةُ الدّارَينِالكتاب«يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَ_تٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» . (5)
.
ص: 29
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :النّاسُ يَعلَمونَ فِي الدُّنيا عَلى قَدرِ مَنازِلِهِم فِي الجَنَّةِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :تَعَلَّمُوا العِلمَ ، فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ حَسَنَةٌ ، ومُدارَسَتَهُ تَسبيحٌ ، وَالبَحثَ عَنهُ جِهادٌ ، وتَعليمَهُ مَن لا يَعلَمُهُ صَدَقَةٌ ، وبَذلَهُ لِأَهلِهِ قُربَةٌ ، لِأَنَّهُ مَعالِمُ الحَلالِ وَالحَرامِ ، وسالِكٌ بِطالِبِهِ سَبيلَ الجَنَّةِ ، وهُوَ أنيسٌ فِي الوَحشَةِ ، وصاحِبٌ فِي الوَحدَةِ ، ودَليلٌ عَلَى السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ ، وسِلاحٌ عَلَى الأَعداءِ ، وزَينٌ لِلأَخِلّاءِ . يَرفَعُ اللّهُ بِهِ أقواماً يَجعَلُهُم فِي الخَيرِ أئِمَّةً يُقتَدى بِهِم ، تُرمَقُ أعمالُهُم ، وتُقتَبَسُ آثارُهُم وتَرغَبُ المَلائِكَةُ في خِلَّتِهِم ، يَمسَحونَهُم في صَلاتِهِم بِأَجنِحَتِهِم ، ويَستَغفِرُ لَهُم كُلُّ شَيءٍ حَتّى حيتانِ البُحورِ وهَوامِّها ، وسِباعِ البَرِّ وأنعامِها ، لِأَنَّ العِلمَ حَياةُ القُلوبِ ، ونورُ الأَبصارِ مِنَ العَمى ، وقُوَّةُ الأَبدانِ مِنَ الضَّعفِ ، يُنزِلُ اللّهُ حامِلَهُ مَنازِلَ الأَخيارِ ، ويَمنَحُهُ مَجالِسَ الأَبرارِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . بِالعِلمِ يُطاعُ اللّهُ ويُعبَدُ ، وبِالعِلمِ يُعرَفُ اللّهُ ويُوَحَّدُ (2) ، وبِالعِلمِ توصَلُ الأَرحامُ ، وبِهِ يُعرَفُ الحَلالُ وَالحَرامُ ، وَالعِلمُ أمامَ العَمَلِ وَالعَمَلُ تابِعُهُ ، يُلهِمُهُ اللّهُ السُّعَداءَ ويَحرِمُهُ الأَشقِياءَ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ يَرفَعُ الوَضيعَ ، وتَركُهُ يَضَعُ الرَّفيعَ. (4)
.
ص: 30
عنه عليه السلام :جَهلُ الغَنِيِّ يَضَعُهُ ، وعِلمُ الفَقيرِ يَرفَعُهُ. (1)
عنه عليه السلام :طَلَبتُ القَدرَ وَالمَنزِلَةَ فَما وَجَدتُ إلّا بِالعِلمِ ، تَعَلَّموا يَعظُم قَدرُكُم فِي الدّارَينِ. (2)
عنه عليه السلام :كَفى بِالعِلمِ رِفعَةً. (3)
عنه عليه السلام :العَقلُ مَنفَعَةٌ ، وَالعِلمُ مَرفَعَةٌ ، وَالصَّبرُ مَدفَعَةٌ. (4)
عنه عليه السلام :العِلمُ مَجَلَّةٌ ، الجَهلُ مَضَلَّةٌ. (5)
عنه عليه السلام :أعَزُّ العِزِّ العِلمُ ؛ لِأَنَّ بِهِ مَعرِفَةَ المَعادِ وَالمَعاشِ ، وأذَلُّ الذُّلِّ الجَهلُ ؛ لِأَنَّ صاحِبَهُ أصَمُّ ، أبكَمُ ، أعمى ، حَيرانُ. (6)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: لَيسَ إلَى اللّهِ تَعالى طَريقٌ يُسلَكُ إلّا بِالعِلمِ ، وَالعِلمُ زَينُ المَرءِ فِي الدُّنيا وسِياقُهُ إلَى الجَنَّةِ ، وبِهِ يَصِلُ إلى رِضوانِ اللّهِ تَعالى. (7)
راجع : ص 25 (معيار قيمة الإنسان) و 35 (أفضل شرف) .
2 / 4قاتِلُ الجَهلِالإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ قاتِلُ الجَهلِ. (8)
.
ص: 31
عنه عليه السلام :العِلمُ قاتِلُ الجَهلِ ، ومُكسِبُ النُّبلِ. (1)
عنه عليه السلام :يَسيرُ العِلمِ يَنفي كَثيرَالجَهلِ. (2)
عنه عليه السلام :العِلمُ مُميتُ الجَهلِ. (3)
عنه عليه السلام :مَن قاتَلَ جَهلَهُ بِعِلمِهِ فازَ بِالحَظِّ الأَسعَدِ. (4)
2 / 5حَقيقَةُ الحَياةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ العِلمَ حَياةُ القُلوبِ ، ونورُ الأَبصارِ مِنَ العَمى ، وقُوَّةُ الأَبدانِ مِنَ الضَّعفِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : تَذاكُرُ العِلمِ بَينَ عِبادي مِمّا تَحيا عَلَيهِ القُلوبُ المَيِّتَةُ إذا هُمُ انتَهَوا فيهِ إلى أمري. (6)
الإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ مُحيِي النَّفسِ ، ومُنيرُ العَقلِ ، ومُميتُ الجَهلِ. (7)
عنه عليه السلام :العِلمُ إحدَى الحَياتَينِ. (8)
.
ص: 32
عنه عليه السلام :بِالعِلمِ تَكونُ الحَياةُ. (1)
عنه عليه السلام :العِلمُ حَياةٌ ، الإِيمانُ نَجاةٌ. (2)
عنه عليه السلام :العِلمُ حَياةٌ وشِفاءٌ. (3)
عنه عليه السلام :اِكتَسِبُوا العِلمَ يُكسِبكُمُ الحَياةَ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :العِلمُ حَياةُ القُلوبِ ومَصابيحُ الأَبصارِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: وفِي الجَهلِ قَبلَ المَوتِ مَوتٌ لِأَهلِهِ وأجسادُهُم قَبلَ القُبورِ قُبورُ وإنَّ امرَأً لَم يَحيَ بِالعِلمِ مَيِّتٌ ولَيسَ لَهُ حَتَّى النُّشورِ نُشورُ (6)
راجع : ص 375 (أحياء بين الأموات) .
2 / 6أفضَلُ الأَنيسَينِالإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ أفضَلُ الأَنيسَينِ. (7)
عنه عليه السلام :مَن خَلا بِالعِلمِ لَم توحِشهُ خَلوَةٌ. (8)
.
ص: 33
عنه عليه السلام :تَعَلَّمُوا العِلمَ . . . لِأَنَّهُ . . . الأَنيسُ فِي الوَحشَةِ ، وَالصّاحِبُ فِي الغُربَةِ ، وَالمُحَدِّثُ فِي الخَلوَةِ. (1)
عنه عليه السلام :عَلَيكُم بِطَلَبِ العِلمِ فَإِنَّ طَلَبَهُ فَريضَةٌ وهُوَ . . . صاحِبٌ فِي السَّفَرِ ، وأنَسٌ فِي الغُربَةِ. (2)
عنه عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: عِلمي مَعي أينَما قَد كُنتُ يَتبَعُني قَلبي وِعاءٌ لَهُ لا جَوفُ صُندوقِ إن كُنتُ فِي البَيتِ كانَ العِلمُ فيهِ مَعي أو كُنتُ فِي السّوقِ كانَ العِلمُ فِي السّوقِ (3)
2 / 7أفضَلُ الجَمالَينِالإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ أفضَلُ الجَمالَينِ. (4)
عنه عليه السلام :العِلمُ جَمالٌ لا يَخفى ونَسيبٌ لا يُجفى. (5)
عنه عليه السلام :الصَّبرُ أفضَلُ سَجِيَّةٍ ، وَالعِلمُ أشرَفُ حِليَةٍ وعَطِيَّةٍ. (6)
عنه عليه السلام :العِلمُ زَينُ الحَسَبِ. (7)
.
ص: 34
عنه عليه السلام :العِلمُ زَينُ الأَغنِياءِ وغِنَى الفُقَراءِ. (1)
عنه عليه السلام :مَن لَم يَكتَسِب بِالعِلمِ مالًا اكتَسَبَ بِهِ جَمالًا. (2)
عنه عليه السلام :مُزَيِّنُ الرَّجُلِ عِلمُهُ وحِلمُهُ. (3)
2 / 8أفضَلُ هِدايَةٍالإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ أفضَلُ هِدايَةٍ. (4)
عنه عليه السلام :العِلمُ أشرَفُ هِدايَةٍ. (5)
عنه عليه السلام :العِلمُ خَيرُ دَليلٍ. (6)
عنه عليه السلام :العِلمُ نِعمَ دَليلٌ. (7)
عنه عليه السلام :العِلمُ أوَّلُ دَليلٍ ، وَالمَعرِفَةُ آخِرُ نِهايَةٍ. (8)
عنه عليه السلام :لا دَليلَ أنجَحُ مِنَ العِلمِ. (9)
عنه عليه السلام :العِلمُ يَهدي إلَى الحَقِّ. (10)
.
ص: 35
عنه عليه السلام :إنَّ بِالعِلمِ تَهتَدي إلى رَبِّكَ ، وبِالأَدَبِ تُحسِنُ خِدمَةَ رَبِّكَ. (1)
عنه عليه السلام :العِلمُ يُرشِدُكَ ، وَالعَمَلُ يَبلُغُ بِكَ الغايَةَ. (2)
عنه عليه السلام :مَن عَلِمَ اهتَدى. (3)
عنه عليه السلام :إنَّ العِلمَ يَهدي ويُرشِدُ ويُنجي ، وإنَّ الجَهلَ يُغوي ويُضِلُّ ويُردي. (4)
عنه عليه السلام :كَما أنَّ العِلمَ يَهدِي المَرءَ ويُنجيهِ كَذلِكَ الجَهلُ يُضِلُّهُ ويُرديهِ. (5)
عنه عليه السلام :لا هِدايَةَ لِمَن لا عِلمَ لَهُ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ الظُّلمَةَ فِي الجَهلِ ، و إنَّ النّورَ فِي العِلمِ. (7)
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَم _: يا هِشامُ ، إنَّ لُقمانَ قالَ لِابنِهِ : ... يا بُنَيَّ إنَّ الدُّنيا بَحرٌ عَميقٌ قَد غَرِقَ فيها (فيهِ) عالَمٌ كَثيرٌ ، فَلتَكُن سَفينَتُكَ فيها تَقوَى اللّهِ ، وحَشوُهَا الإِيمانَ ، وشِراعُها التَّوَكُّلَ ، وقَيِّمُهَا العَقلَ ، ودَليلُهَا العِلمَ ، وسُكّانُهَا الصَّبرَ. (8)
2 / 9أفضَلُ شَرَفٍالإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ أفضَلُ شَرَفٍ. (9)
.
ص: 36
عنه عليه السلام :العِلمُ أفضَلُ شَرَفِ مَن لا قَديمَ لَهُ. (1)
عنه عليه السلام :لا شَرَفَ كَالعِلمِ. (2)
عنه عليه السلام :أشرَفُ الشَّرَفِ العِلمُ. (3)
عنه عليه السلام :لا عِزَّ أشرَفُ مِنَ العِلمِ. (4)
عنه عليه السلام :العِلمُ أعلى فَوزٍ. (5)
عنه عليه السلام :رُتبَةُ العِلمِ أعلَى الرُّتَبِ. (6)
عنه عليه السلام :العِلمُ جَلالَةٌ ، الجَهالَةُ ضَلالَةٌ. (7)
عنه عليه السلام :العَقلُ أجمَلُ زينَةٍ ، وَالعِلمُ أشرَفُ مَزِيَّةٍ. (8)
عنه عليه السلام :لاشَيءَ أحسَنُ مِن عَقلٍ مَعَ عِلمٍ، وعِلمٍ مَعَ حِلمٍ، وحِلمٍ مَعَ قُدرَةٍ. (9)
عنه عليه السلام :حَسَبُ المَرءِ عِلمُهُ ، وجَمالُهُ عَقلُهُ. (10)
عنه عليه السلام :العِلمُ أشرَفُ الأَحسابِ. (11)
.
ص: 37
عنه عليه السلام :رِياسَةُ العِلمِ أشرَفُ رِياسَةٍ. (1)
عنه عليه السلام :غايَةُ الفَضائِلِ العِلمُ. (2)
عنه عليه السلام :رَأسُ الفَضائِلِ العِلمُ. (3)
عنه عليه السلام :أفضَلُ ما مَنَّ اللّهُ سُبحانَهُ بِهِ عَلى عِبادِهِ : عِلمٌ وعَقلٌ ومُلكٌ وعَدلٌ. (4)
عنه عليه السلام :العِلمُ أجَلُّ بِضاعَةٍ. (5)
عنه عليه السلام :كَفى بِالعِلمِ شَرَفاً أنَّهُ يَدَّعيهِ مَن لا يُحسِنُهُ ويَفرَحُ بِهِ إذا نُسِبَ إلَيهِ. (6)
عنه عليه السلام :المَعرِفَةُ بُرهانُ الفَضلِ. (7)
الإمام الجواد عليه السلام :الشَّريفُ كُلُّ الشَّريفِ مَن شَرَفُهُ عِلمُهُ. (8)
راجع : ص 25 (معيار قيمة الإنسان) و 28 (رفعة الدارين) .
2 / 10أفضَلُ حِرزٍالإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ حِرزٌ. (9)
.
ص: 38
عنه عليه السلام :العِلمُ حِجابٌ مِنَ الآفاتِ. (1)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: إذا وُضِعَ المَيِّتُ في قَبرِهِ اعتَوَرَتهُ نيرانٌ أربَعٌ ، فَتَجيءُ الصَّلاةُ فَتُطفِئُ واحِدَةً ، ويَجيءُ الصَّومُ فَيُطفِئُ واحِدَةً ، وتَجيءُ الصَّدَقَةُ فَتُطفِئُ واحِدَةً ، ويَجيءُ العِلمُ فَيُطفِئُ الرّابِعَةَ ، ويَقولُ : لَو أدرَكتُهُنَّ لَأَطفَأتُهُنَّ كُلَّهُنَّ ، فَقَرَّ عَيناً ، فَأَنَا مَعَكَ ، ولَن تَرى بُؤساً. (2)
الإمام الباقر عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِجابِرِ بنِ يَزيدَ الجُعفِيّ _: اِدفَع عَن نَفسِكَ حاضِرَ الشَّرِّ بِحاضِرِ العِلمِ ، وَاستَعمِل حاضِرَ العِلمِ بِخالِصِ العَمَلِ ، وتَحَرَّز في خالِصِ العَمَلِ مِن عَظيمِ الغَفلَةِ بِشِدَّةِ التَّيَقُّظِ ، وَاستَجلِب شِدَّةَ التَّيَقُّظِ بِصِدقِ الخَوفِ ، وَاحذَر خَفِيَ التَّزَيُّنِ بِحاضِرِ الحَياةِ ، وتَوَقَّ مُجازَفَةَ الهَوى بِدَلالَةِ العَقلِ ، وقِف عِندَ غَلَبَةِ الهَوى بِاستِرشادِ العِلمِ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :العِلمُ جُنَّةٌ. (4)
2 / 11سِترُ العُيوبِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِلمُ وَالمالُ يَستُرانِ كُلَّ عَيبٍ ، وَالفَقرُ وَالجَهلُ يَكشِفانِ كُلَّ عَيبٍ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن كَساهُ العِلمُ ثَوبَهُ اختَفى عَنِ النّاسِ عَيبُهُ. (6)
.
ص: 39
2 / 12أنفَعُ كَنزٍالإمام عليّ عليه السلام :لا كَنزَ أنفَعُ مِنَ العِلمِ. (1)
عنه عليه السلام :العِلمُ أعظَمُ كَنزٍ. (2)
عنه عليه السلام :العِلمُ أفضَلُ قِنيَةٍ. (3)
عنه عليه السلام :العِلمُ كَنزٌ عَظيمٌ لا يَفنى. (4)
عنه عليه السلام :أفضَلُ الكُنوزِ مَعروفٌ يودَعُ الأَحرارَ ، وعِلمٌ يَتَدارَسُهُ الأَخيارُ. (5)
عنه عليه السلام :أفضَلُ الذَّخائِرِ عِلمٌ يُعمَلُ بِهِ ، ومَعروفٌ لا يُمَنُّ بِهِ. (6)
عنه عليه السلام :العِلمُ كَنزٌ. (7)
عنه عليه السلام :لا ذُخرَ كَالعِلمِ. (8)
عنه عليه السلام :غِنَى العاقِلِ بِعِلمِهِ. (9)
.
ص: 40
عنه عليه السلام :ثَروَةُ العاقِلِ في عِلمِهِ وعَمَلِهِ. (1)
عنه عليه السلام :ثَروَةُ العِلمِ تُنجي وتَبقى. (2)
تهذيب الأحكام عن أبي بصير عن الإمام الباقر عليه السلام :كَم إنسانٍ لَهُ حَقٌّ لا يَعلَمُ بِهِ ! قُلتُ : وما ذاكَ أصلَحَكَ اللّهُ؟ قالَ : إنَّ صاحِبَيِ الجِدارِ كانَ لَهُما كَنزٌ تَحتَهُ لا يَعلَمانِ بِهِ ، أما إنَّهُ لَم يَكُن بِذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ ، قُلتُ : فَما كانَ ؟ قالَ : كانَ عِلماً. (3)
لقمان عليه السلام_ لِابنِهِ يَعِظُهُ _: يا بُنَيَّ ، النّاسُ ثَلاثَةُ أثلاثٍ : ثُلُثٌ للّهِِ ، وثُلُثٌ لِنَفسِهِ ، وثُلُثٌ لِلدّودِ ، فَأَمّا ما هُوَ للّهِِ فَروحُهُ، وأمّا ما هُوَ لِنَفسِهِ فَعِلمُهُ ، وأمّا ما هُوَ لِلدّودِ فَجِسمُهُ. (4)
2 / 13ميراثُ الأَنبِياءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِلمُ ميراثي وميراثُ الأَنبِياءِ قَبلي. (5)
راجع : ص 370 (ورثة الأنبياء) .
2 / 14خَيرُ ميراثٍالإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ وِراثَةٌ كَريمَةٌ. (6)
.
ص: 41
عنه عليه السلام :العِلمُ وِراثَةٌ كَريمَةٌ ، ونِعمَةٌ عَميمَةٌ. (1)
عنه عليه السلام :عَلَيكَ بِالعِلمِ ، فَإِنَّهُ وِراثَةٌ كَريمَةٌ. (2)
عنه عليه السلام :العِلمُ وِراثَةٌ مُستَفادَةٌ. (3)
عنه عليه السلام :مَن ماتَ وميراثُهُ الدَّفاتِرُ وَالمَحابِرُ وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ. (4)
الكافي عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ خَيرَ ما وَرَّثَ الآباءُ لِأَبنائِهِمُ الأَدَبُ لَا المالُ ، فَإِنَّ المالَ يَذهَبُ وَالأَدَبَ يَبقى . قالَ مَسعَدَةُ : يَعني بِالأَدَبِ العِلمَ. (5)
2 / 15خَيرٌ مِنَ المالِالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ اللّهَ سُبحانَهُ يَمنَحُ المالَ مَن يُحِبُّ ويُبغِضُ ، ولا يَمنَحُ العِلمَ إلّا مَن أحَبَّ. (6)
عنه عليه السلام :العِلمُ أفضَلُ مِنَ المالِ بِسَبعَةٍ : الأَوَّلُ : أنَّهُ ميراثُ الأَنبِياءِ ، وَالمالَ ميراثُ الفَراعِنَةِ؛ الثّاني : العِلمُ لا يَنقُصُ بِالنَّفَقَةِ ، وَالمالُ يَنقُصُ بِها ؛ الثّالِثُ : يَحتاجُ المالُ إلَى الحافِظِ ، وَالعِلمُ يَحفَظُ صاحِبَهُ ؛ الرّابِعُ : العِلمُ يَدخُلُ فِي الكَفَنِ ، ويَبقَى المالُ ؛ الخامِسُ: المالُ يَحصُلُ لِلمُؤمِنِ وَالكافِرِ، وَالعِلمُ لا يَحصُلُ إلّا لِلمُؤمِنِ؛ السّادِسُ :
.
ص: 42
جَميعُ النّاسِ يَحتاجونَ إلَى العالِمِ في أمرِ دينِهِم ، ولا يَحتاجونَ إلى صاحِبِ المالِ ؛ السّابِعُ : العِلمُ يُقَوِّي الرَّجُلَ عَلَى المُرورِ عَلَى الصِّراطِ ، وَالمالُ يَمنَعُهُ. (1)
نهج البلاغة عن كميل بن زياد :أخَذَ بِيَدي أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَأَخرَجَني إلَى الجَبّانِ ، فَلَمّا أصحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَداءَ ، ثُمَّ قالَ : . . . اِحفَظ عَنّي ما أقولُ لَكَ : النّاسُ ثَلاثَةٌ : فَعالِمٌ رَبّانِيٌّ ، ومُتَعَلِّمٌ عَلى سَبيلِ نَجاةٍ ، وهَمَجٌ رَعاعٌ أتباعُ كُلِّ ناعِقٍ (صائِحٍ) يَميلونَ مَعَ كُلِّ ريحٍ ، لَم يَستَضيؤوا بِنورِ العِلمِ ، ولَم يَلجَؤوا إلى رُكنٍ وَثيقٍ . يا كُمَيلُ ، العِلمُ خَيرٌ مِنَ المالِ ، العِلمُ يَحرُسُكَ وأنتَ تَحرُسُ المالَ . وَالمالُ تَنقُصُهُ النَّفَقَةُ ، وَالعِلمُ يَزكو عَلَى الإِنفاقِ ، وصَنيعُ المالِ يَزولُ بِزَوالِهِ . يا كُمَيلَ بنَ زِيادٍ ، مَعرِفَةُ العِلمِ دينٌ يُدانُ بِهِ ، بِهِ يَكسِبُ الإِنسانُ الطّاعَةَ في حَياتِهِ وجَميلَ الاُحدوثَةِ بَعدَ وَفاتِهِ . وَالعِلمُ حاكِمٌ ، وَالمالُ مَحكومٌ عَلَيهِ . ياكُمَيلُ ، هَلَكَ خُزّانُ الأَموالِ وهُم أحياءٌ ، وَالعُلَماءُ باقونَ ما بَقِيَ الدَّهرُ ؛ أعيانُهُم مَفقودَةٌ وأمثالُهُم في القُلوبِ مَوجودَةٌ . ها إنَّ ها هُنا لَعِلماً جَمًّا _ وأشارَ بِيَدِهِ إلى صَدرِهِ _ لَو أصَبتُ لَهُ حَمَلَةً ! (2)
المواعظ العدديّة :رُوِيَ أنَّ أربَعَةً مِنَ الرَّهبانِيَّةِ أتَوا عَلِيّا عليه السلام لِيَمتَحِنوهُ ، فَقالوا : نَسأَ لُهُ عَن مَعنًى واحِدٍ بِلَفظٍ واحِدٍ ، فَإِن أجابَ بِجَوابٍ واحِدٍ فَهُوَ ناقِصٌ . فَدَخَلَ واحِدٌ وقالَ : أجَمعُ المالِ أفضَلُ أم جَمعُ العِلمِ؟
.
ص: 43
فَقالَ : بَل جَمعُ العِلمِ ؛ لِأَنَّ المالَ يَنقُصُ بِالإِنفاقِ وَالعِلمَ يَزدادُ . ثُمَّ دَخَلَ الثّاني فَسَأَ لَهُ مِثلَ ذلِكَ ، فَقالَ : بَلِ العِلمُ ؛ إذِ العِلمُ يَحفَظُ صاحِبَهُ وصاحِبُ المالِ يَحفَظُ مالَهُ . ثُمَّ دَخَلَ الثّالِثُ فَسَأَلَهُ كَذلِكَ ، فَقالَ : بَلِ العِلمُ ؛ لِأَنَّ مَن جَمَعَ العِلمَ يَزدادُ تَواضُعُهُ ، ومَن جَمَعَ المالَ يَزدادُ تَكَبُّرُهُ . ثُمَّ دَخَلَ الرّابِعُ وسَأَلَهُ كَذلِكَ ، وقالَ : بَلِ العِلمُ ؛ لِأَنَّ مَن جَمَعَ العِلمَ يَزدادُ أحِبّاؤُهُ ، ومَن جَمَعَ المالَ يَزدادُ أعداؤُهُ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: رَضينا قِسمَةَ الجَبّارِ فينا لَنا عِلمٌ ولِلأَعداءِ مالُ فَإِنَّ المالَ يَفنى عَن قَريبٍ وإنَّ العِلمَ باقٍ لا يَزالُ (2)
راجع : ص 217 (طلب العلم أوجب من طلب المال) .
2 / 16لا يُفنيهِ الإِنفاقُالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ النّارَ لا يَنقُصُها ما اُخِذَ مِنها ولكِن يُخمِدُها أن لا تَجِدَ حَطَباً ، وكَذلِكَ العِلمُ لا يُفنيهِ الاِقتِباسُ لكِن بُخلُ الحامِلينَ لَهُ سَبَبُ عَدَمِهِ. (3)
عنه عليه السلام :كُلُّ شَيءٍ يَنقُصُ عَلَى الإِنفاقِ إلَا العِلمَ. (4)
.
ص: 44
عنه عليه السلام :العِلمُ لا يَنقَطِعُ ولا يَنفَدُ ، كَالنّارِ لا يَنقُصُها ما يُؤخَذُ مِنها. (1)
راجع : ص 334 (إتقان العلم) .
2 / 17كَمالُ الإِيمانِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :نِعمَ وَزيرُ الإِيمانِ العِلمُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ حَياةُ الإِسلامِ وعِمادُ الإِيمانِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :أفضَلُكُم إيماناً أفضَلُكُم مَعرِفَةً. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :نِعمَ دَليلُ الإِيمانِ العِلمُ. (5)
عنه عليه السلام :نِعمَ قَرينُ (6) الإِيمانِ العِلمُ. (7)
عنه عليه السلام :حِفظُ الدّينِ ثَمَرَةُ المَعرِفَةِ ورَأسُ الحِكمَةِ. (8)
عنه عليه السلام :ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ كَمُلَ إيمانُهُ : العَقلُ ، وَالحِلمُ ، وَالعِلمُ. (9)
راجع : ص 53 (الإيمان) و 141 (الإيمان) .
.
ص: 45
2 / 18شَرطُ العَمَلِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَمَلٌ قَليلٌ في عِلمٍ خَيرٌ مِن كَثيرٍ في جَهلٍ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثُ صَلَواتٍ بِعِلمٍ أفضَلُ عِندَ اللّهِ عز و جل مِن ألفِ صَلاةٍ بِغَيرِ عِلمٍ ، وكَذلِكَ سائِرُ العَمَلِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا عَمِلتَ عَمَلًا فَاعمَل بِعِلمٍ وعَقلٍ ، وإيّاكَ وأن تَعمَلَ عَمَلًا بِغَيرِ تَدَبُّرٍ وعِلمٍ ، فَإِنَّهُ جَلَّ جَلالُهُ يَقولُ : «وَلَا تَكُونُواْ كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَ_ثًا» (3) . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن عَمِلَ عَلى غَيرِ عِلمٍ كانَ ما يُفسِدُ أكثَرَ مِمّا يُصلِحُ. (5)
جامع بيان العلم وفضله عن أنس :جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أيُّ الأَعمالِ أفضَلُ؟ قالَ : العِلمُ بِاللّهِ عز و جل . قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أيُّ الأَعمالِ أفضَلُ؟ قالَ : العِلمُ بِاللّهِ . قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أسأَلُكَ عَنِ العَمَلِ وتُخبِرُني عَنِ العِلمِ !
.
ص: 46
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ قَليلَ العَمَلِ يَنفَعُ مَعَ العِلمِ ، وإنَّ كَثيرَ العَمَلِ لا يَنفَعُ مَعَ الجَهلِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :ما مِن حَرَكَةٍ إلّا وأنتَ مُحتاجٌ فيها إلى مَعرِفَةٍ. (2)
عنه عليه السلام :قَليلُ العَمَلِ مَعَ كَثيرِ العِلمِ خَيرٌ مِن كَثيرِ العَمَلِ مَعَ قَليلِ العِلمِ وَالشَّكِّ وَالشُّبهَةِ. (3)
عنه عليه السلام :لا خَيرَ فِي العَمَلِ إلّا مَعَ العِلمِ. (4)
عنه عليه السلام :لَن يَزكُوَ العَمَلُ حَتّى يُقارِنَهُ العِلمُ. (5)
عنه عليه السلام :لَن يَصفُوَ العَمَلُ حَتّى يَصِحَّ العِلمُ. (6)
عنه عليه السلام :لا خَيرَ في عِبادَةٍ لا عِلمَ فيها ، ولا عِلمٍ لا فَهمَ فيهِ ، ولا قِراءَةٍ لا تَدَبُّرَ فيها. (7)
عنه عليه السلام :إنَّ العامِلَ بِغَيرِ عِلمٍ كَالسّائِرِ عَلى غَيرِ طَريقٍ ، فَلا يَزيدُهُ بُعدُهُ عَنِ الطَّريقِ الواضِحِ إلّا بُعداً مِن حاجَتِهِ . وَالعامِلُ بِالعِلمِ كَالسّائِرِ عَلَى الطَّريقِ الواضِحِ ، فَليَنظُر ناظِرٌ أسائِرٌ هُوَ أم راجِعٌ. (8)
عنه عليه السلام :لا خَيرَ في عَمَلٍ بِلا عِلمٍ. (9)
.
ص: 47
عنه عليه السلام :العَمَلُ بِلا عِلمٍ ضَلالٌ. (1)
عنه عليه السلام :عَمَلُ الجاهِلِ وَبالٌ ، وعِلمُهُ ضَلالٌ. (2)
عنه عليه السلام :المُتَعَبِّدُ بِغَيرِ عِلمٍ كَحِمارِ الطّاحونَةِ ؛ يَدورُ ولا يَبرَحُ مِن مَكانِهِ. (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :العامِلُ عَلى غَيرِ بَصيرَةٍ كَالسّائِرِ عَلى غَيرِ الطَّريقِ ، لا تَزيدُهُ سُرعَةُ السَّيرِ مِنَ الطَّريقِ إلّا بُعداً. (4)
عنه عليه السلام :مَن خافَ العاقِبَةَ تَثَبَّتَ عَنِ التَّوَغُّلِ فيما لا يَعلَمُ ، ومَن هَجَمَ عَلى أمرٍ بِغَيرِ عِلمٍ جَدَعَ أنفَ نَفسِهِ. (5)
الإمام الكاظم عليه السلام :قَليلُ العَمَلِ مِنَ العالِمِ مَقبولٌ مُضاعَفٌ ،وكَثيرُ العَمَلِ مِن أهلِ الهَوى وَالجَهلِ مَردودٌ. (6)
راجع : ص 57 (العمل) و 144 (العمل) و 396 (العمل) و 426 (ترك العمل) و 473 (الفصل السادس: علماء السوء) .
.
ص: 48
2 / 19لا نِهايَةَ لَهُالكتاب«وَ فَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ لا يَنتَهي. (2)
عنه عليه السلام :شَيئانِ لا تُبلَغُ غايَتُهُما : العِلمُ وَالعَقلُ. (3)
عنه عليه السلام :مَنِ ادَّعى مِنَ العِلمِ غايَتَهُ فَقَد أظهَرَ مِن جَهلِهِ نِهايَتَهُ. (4)
2 / 20النَّوادِررسول اللّه صلى الله عليه و آله :الشَّريعَةُ أقوالي، وَالطَّريقَهُ أفعالي، وَالحَقيقَهُ أحوالي، وَالمَعرِفَهُ رَأسُ مالي. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَا استَرذَلَ اللّهُ عَبداً إلّا حَرَمَهُ العِلمَ. (6)
.
ص: 49
عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ خَليلُ المُؤمِنِ ، وَالحِلمُ وَزيرُهُ ، وَالعَقلُ دَليلُهُ ، وَالعَمَلُ قَيِّمُهُ ، وَالصَّبرُ أميرُ جُنودِهِ ، وَالرِّفقُ والِدُهُ ، والبِرُّ أخوهُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ العِلمَ وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يُحِبُّ العِلمَ إلَا السَّعيدُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أغنِني بِالعِلمِ ، وزَيِّنّي بِالحِلمِ ، وأكرِمني بِالتَّقوى ، وجَمِّلني بِالعافِيَةِ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: لَيتَ شِعري أيَّ شَيءٍ أدرَكَ مَن فاتَهُ العِلمُ ! بَل أيَّ شَيءٍ فاتَ مَن أدرَكَ العِلمَ ! (5)
عنه عليه السلام :لَيسَ الخَيرُ أن يَكثُرَ مالُكَ ووَلَدُكَ ولكِنَّ الخَيرَ أن يَكثُرَ عِلمُكَ وأن يَعظُمَ حِلمُكَ. (6)
عنه عليه السلام :كُلُّ وِعاءٍ يَضيقُ بِما جُعِلَ فيهِ إلّا وِعاءَ العِلمِ فَإِنَّهُ يَتَّسِعُ بِهِ. (7)
عنه عليه السلام :كُلُّ شَيءٍ يَعِزُّ حينَ يَنزُرُ إلَا العِلمَ فَإِنَّهُ يَعِزُّ حينَ يَغزُرُ. (8)
.
ص: 50
عنه عليه السلام :صُحبةُ العالِمِ وَ اتِّباعُهُ دينٌ يُدانُ بِهِ و طاعَتُهُ مَكسَبَةٌ لِلحَسَناتِ مَمحاةٌ لِلسيّئاتِ وذَخيرَةٌ لِلمُؤمِنينَ. (1)
عنه عليه السلام :مَحَبَّةُ العِلمِ دينٌ يُدانُ بِهِ ، يَكسِبُ الإِنسانُ بِهِ الطّاعَةَ في حَياتِهِ ، وجَميلَ الاُحدوثَةِ بَعدَ وَفاتِهِ. (2)
عنه عليه السلام :حُبُّ العِلمِ وحُسنُ الحِلمِ ولُزومُ الثَّوابِ مِن فَضائِلِ اُولِي النُّهى والأَلبابِ. (3)
عنه عليه السلام :العِلمُ يُنجِدُ الفِكرَ. (4)
عنه عليه السلام :العِلمُ يُنجِدُ ، الحِكمَةُ تُرشِدُ. (5)
عنه عليه السلام :العِلمُ يُنجي مِنَ الاِرتِباكِ فِي الحَيرَةِ. (6)
عنه عليه السلام :العِلمُ يُنجيكَ ، الجَهلُ يُرديكَ. (7)
عنه عليه السلام :كُن عالِماً بِالحَقِّ عامِلًا بِهِ ، يُنجِكَ اللّهُ سُبحانَهُ. (8)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: العِلمُ سُلطانٌ ، مَن وَجَدَهُ صالَ بِهِ، ومَن لَم يَجِدهُ صيلَ عَلَيهِ. (9)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: قَليلُ العِلمِ إذا وَقَرَ فِي القَلبِ كَالطَّلِّ (10) يُصيبُ
.
ص: 51
الأَرضَ المُطمَئِنَّةَ فَتَعشَبُ. (1)
عنه عليه السلام :العِلمُ عِزٌّ . (2)
عنه عليه السلام :مَنِ استَرشَدَ العِلمَ أرشَدَهُ. (3)
عنه عليه السلام :العِلمُ داعِي الفَهمِ. (4)
عنه عليه السلام :بِالعِلمِ تُعرَفُ الحِكمَةُ. (5)
عنه عليه السلام :عَلَيكُم بِالعِلمِ ؛ فَإِنَّهُ صِلَةٌ بَينَ الإِخوانِ ، ودالٌّ عَلَى المُرُوَّةِ ، وتُحفَةٌ فِي المَجالِسِ ، وصاحِبٌ فِي السَّفَرِ ، ومُؤنِسٌ فِي الغُربَةِ. (6)
عنه عليه السلام :العَقلُ رائِدُ الرّوحِ وَالعِلمُ رائِدُ العَقلِ. (7)
عنه عليه السلام :لَيسَ لِسُلطانِ العِلمِ زَوالٌ. (8)
عنه عليه السلام :العُلومُ نُزهَةُ الاُدَباءِ. (9)
عنه عليه السلام :لا سَميرَ كَالعِلمِ. (10)
عنه عليه السلام :العِلمُ قائِدٌ ، وَالعَمَلُ سائِقٌ ، وَالنَّفسُ حَرونٌ (11) . (12)
.
ص: 52
عنه عليه السلام :المَعرِفَةُ نورُ القَلبِ. (1)
عنه عليه السلام :المَعرِفَةُ الفَوزُ بِالقُدسِ. (2)
عنه عليه السلام :العِلمُ ضالَّةُ المُؤمِنِ. (3)
عنه عليه السلام :مَن عَلِمَ غَورَ العِلمِ صَدَرَ عَن شَرائِعِ الحِكَمِ. (4)
عنه عليه السلام :خُذ بِالحَزمِ وَالزَمِ العِلمَ ، تُحمَد عَواقِبُكَ. (5)
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ رَزَقْنَ_هُم مِّنَ الطَّيِّبَ_تِ» (6) _: الرِّزقُ الطَّيِّبُ هُوَ العِلمُ. (7)
عنه عليه السلام :الرّوحُ عِمادُ الدّينِ ، وَالعِلمُ عِمادُ الرّوحِ ، وَالبَيانُ عِمادُ العِلمِ. (8)
الإمام الصادق عليه السلام :رَأسُ المالِ العِلمُ وَالصَّبرُ. (9)
الإمام الرضا عليه السلام :العِلمُ أجمَعُ لِأَهلِهِ مِنَ الآباءِ. (10)
راجع : ص 77 (الفصل الثاني: فضل الحكمة) .
.
ص: 53
الفصل الثالث : آثار العلم3 / 1الإِيمانالكتاب«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَام بِالْقِسْطِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ». (1)
«وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَ يَهْدِى إِلَى صِرَ طِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ». (2)
«وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أمّا عَلامَةُ العِلمِ فَأَربَعَةٌ : العِلمُ بِاللّهِ، وَالعِلمُ بِمُحِبّيهِ ، وَالعِلمُ بِفَرائِضِهِ،
.
ص: 54
وَالحِفظُ لَها حَتّى تُؤَدّى. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :أصلُ الإِيمانِ العِلمُ. (2)
عنه عليه السلام :الإِيمانُ وَالعِلمُ أخَوانِ تَوأَمانِ ، ورَفيقانِ لا يَفتَرِقانِ. (3)
عنه عليه السلام_ في ذِكرِ أوصافِ حُجَجِ اللّهِ عَلَى الخَلقِ _: هَجَمَ بِهِمُ العِلمُ عَلى حَقائِقِ الإِيمانِ، فَاستَلانوا روحَ اليَقينِ ، فَأَنِسوا بِمَا استَوحَشَ مِنهُ الجاهِلونَ ، وَاستَلانوا مَا استَوعَرَهُ المُترَفونَ ، صَحِبُوا الدُّنيا بِأَبدانٍ أرواحُها مُعَلَّقَةٌ بِالَمحَلِّ الأَعلى . اُولئِكَ خُلَفاءُ اللّهِ في أرضِهِ ، وحُجَجُهُ عَلى عِبادِهِ ... هاهِ هاهِ شَوقاً إلى رُؤيَتِهِم ! (4)
عنه عليه السلام :لِلعِلمِ ثَلاثُ عَلاماتٍ : المَعرِفَةُ بِاللّهِ ، وبِما يُحِبُّ ، ويَكرَهُ. (5)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ العِلمِ مَعرِفَةُ اللّهِ. (6)
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَم _: يا هِشامُ ، ما بَعَثَ اللّهُ أنبِياءَهُ ورُسُلَهُ إلى عِبادِهِ إلّا لِيَعقِلوا عَنِ اللّهِ ، فَأَحسَنُهُمُ استِجابَةً أحسَنُهُم مَعرِفَةً. (7)
راجع : ص 44 (كمال الإيمان) وص 141 (الإيمان) .
.
ص: 55
3 / 2الخَشيَةالكتاب«إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَ_ؤُاْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ» . (1)
«إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَ يَقُولُونَ سُبْحَ_نَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعًا» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصِيَّتِهِ لِأَبي ذَرٍّ _: يا أبا ذَرٍّ ، مَن اُوتِيَ مِنَ العِلمِ ما لا يُبكيهِ لَحَقيقٌ أن يَكونَ قَد اُوتِيَ عِلماً لا يَنفَعُهُ، لِأَنَّ اللّهَ نَعَتَ العُلَماءَ فَقالَ عز و جل : «إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَ يَقُولُونَ سُبْحَ_نَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعًا» . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :كَفى مِنَ العِلمِ الخَشيَةُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :سَبَبُ الخَشيَةِ العِلمُ. (5)
عنه عليه السلام :إذا زادَ عِلمُ الرَّجُلِ زادَ أدَ بُهُ وتَضاعَفَت خَشيَتُهُ لِرَبِّهِ. (6)
عنه عليه السلام :لا عِلمَ كَالخَشيَةِ. (7)
.
ص: 56
عنه عليه السلام :كَفى بِالخَشيَةِ عِلماً. (1)
عنه عليه السلام :حَسبُكَ مِنَ العِلمِ أن تَخشَى اللّهَ عز و جل ، وحَسبُكَ مِنَ الجَهلِ أن تُعجَبَ بِعَقلِكَ _ أو قالَ : بِعِلمِكَ _. (2)
عنه عليه السلام :غايَةُ المَعرِفَةِ الخَشيَةُ. (3)
عنه عليه السلام :أعلَمُكُم أخوَفُكُم. (4)
عنه عليه السلام :كُلُّ عالِمٍ خائِفٌ. (5)
عنه عليه السلام :أعظَمُ النّاسِ عِلماً أشَدُّهُم خَوفاً للّهِِ سُبحانَهُ. (6)
عنه عليه السلام :غايَةُ العِلمِ الخَوفُ مِنَ اللّهِ سُبحانَهُ. (7)
الإمام زين العابدين عليه السلام :سُبحانَكَ ! أخشى خَلقِكَ لَكَ أعلَمُهُم بِكَ ، وأخضَعُهُم لَكَ أعمَلُهُم بِطاعَتِكَ ، وأهوَنُهُم عَلَيكَ مَن أنتَ تَرزُقُهُ وهُوَ يَعبُدُ غَيرَكَ ! (8)
الإمام الصادق عليه السلام :كَفى بِخَشيَةِ اللّهِ عِلماً ، وكَفى بِالاِغتِرارِ بِهِ جَهلًا. (9)
.
ص: 57
عنه عليه السلام :إنَّ أعلَمَ النّاسِ بِاللّهِ أخوَفُهُم للّهِِ ، وأخوَفُهُم لَهُ أعلَمُهُم بِهِ ، وأعلَمُهُم بِهِ أزهَدُهُم فيها. (1)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: نَجوَى العارِفينَ تَدورُ عَلى ثَلاثَةِ اُصولٍ : الخَوفِ ، وَالرَّجاءِ ، وَالحُبِّ . فَالخَوفُ فَرعُ العِلمِ ، وَالرَّجاءُ فَرعُ اليَقينِ ، وَالحُبُّ فَرعُ المَعرِفَةِ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :الخَشيَةُ ميراثُ العِلمِ ، وَالعِلمُ شُعاعُ المَعرِفَةِ وقَلبُ الإِيمانِ ، ومَن حُرِمَ الخَشيَةَ لا يَكونُ عالِماً وإن شَقَّ الشَّعرَ بِمُتَشابِهاتِ العِلمِ. (3)
سنن الدارمي عن ابن عبّاس العَمي :بَلَغَني أنَّ داوُدَ النَّبِيَّ عليه السلام كانَ يَقولُ في دُعائِهِ : سُبحانَكَ اللّهُمَّ أنتَ رَبّي ، تَعالَيتَ فَوقَ عَرشِكَ ، وجَعَلتَ خَشيَتَكَ عَلى مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ ، فَأَقرَبُ خَلقِكَ مِنكَ مَنزِلَةً أشَدُّهُم لَكَ خَشيَةً ، وما عِلمُ مَن لَم يَخشَكَ ؟! وما حِكمَةُ مَن لَم يُطِع أمرَكَ ؟! (4)
3 / 3العَمَلمجمع البيان عن جابر :تَلَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله هذِهِ الآيَةَ : «وَ مَا يَعْقِلُهَا إِلَا الْعَ__لِمُونَ» (5) وقالَ : العالِمُ الَّذي عَقَلَ عَنِ اللّهِ ، فَعَمِلَ بِطاعَتِهِ ، وَاجتَنَبَ سَخَطَهُ. (6)
.
ص: 58
عنه صلى الله عليه و آله :العالِمُ مَن يَعمَلُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ العالِمَ مَن يَعمَلُ بِالعِلمِ وإن كانَ قَليلَ العَمَلِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَكونُ عالِماً حَتّى تَكونَ بِالعِلمِ عامِلًا. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :كَفى بِالمَرءِ عِلماً إذا عَبَدَ اللّهَ ، وكَفى بِالمَرءِ جَهلًا إذا اُعجِبَ بِرَأيِهِ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :ثَمَرَةُ العِلمِ العِبادَةُ. (5)
عنه عليه السلام :العِلمُ يُرشِدُكَ إلى ما أمَرَكَ اللّهُ بِهِ ، وَالزُّهدُ يُسَهِّلُ لَكَ الطَّريقَ إلَيهِ. (6)
عنه عليه السلام :مَعرِفَةُ العِلمِ دينٌ يُدانُ بِهِ ، بِهِ يَكسِبُ الإِنسانُ الطّاعَةَ في حَياتِهِ ، وجَميلَ الاُحدوثَةِ بَعدَ وَفاتِهِ. (7)
عنه عليه السلام :مَن عَرَفَ كَفَّ. (8)
عنه عليه السلام :ما عَلِمَ مَن لَم يَعمَل بِعِلمِهِ. (9)
.
ص: 59
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ العِلمِ إخلاصُ العَمَلِ. (1)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ العِلمِ العَمَلُ لِلحَياةِ. (2)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ العِلمِ العَمَلُ بِهِ. (3)
عنه عليه السلام :العِلمُ بِالعَمَلِ. (4)
عنه عليه السلام :العالِمُ مَن شَهِدَت بِصِحَّةِ أقوالِهِ أفعالُهُ. (5)
عنه عليه السلام :غايَةُ العِلمِ حُسنُ العَمَلِ. (6)
عنه عليه السلام :يا حَمَلَةَ العِلمِ اعمَلوا بِهِ ، فَإِنَّمَا العالِمُ مَن عَمِلَ بِما عَلِمَ ووافَقَ عِلمُهُ عَمَلَهُ ، وسَيَكونُ أقوامٌ يَحمِلونَ العِلمَ لايُجاوِزُ تَراقِيَهُم، يُخالِفُ عَمَلُهُم عِلمَهُم،وتُخالِفُ سَريرَتُهُم عَلانِيَتَهُم ، يَجلِسونَ حَلَقاً فَيُباهي بَعضُهُم بَعضاً ، حَتّى إنَّ الرَّجُلَ لَيَغضَبُ عَلى جَليسِهِ أن يَجلِسَ إلى غَيرِهِ ويَدَعَهُ ، اُولئِكَ لا تَصعَدُ أعمالُهُم في مَجالِسِهِم تِلكَ إلَى اللّهِ. (7)
الإمام الباقر عليه السلام :لا يُقبَلُ عَمَلٌ إلّا بِمَعرِفَةٍ ، ولا مَعرِفَةَ إلّا بِعَمَلٍ ، ومَن عَرَفَ دَلَّتهُ مَعرِفَتُهُ عَلَى العَمَلِ . ومَن لَم يَعرِف فَلا عَمَلَ لَهُ. (8)
الإمام الصادق عليه السلام :العِلمُ مَقرونٌ إلَى العَمَلِ ، فَمَن عَلِمَ عَمِلَ ، ومَن عَمِلَ عَلِمَ ، وَالعِلمُ
.
ص: 60
يَهتِفُ بِالعَمَلِ فَإِن أجابَهُ وإلَا ارتَحَلَ عَنهُ. (1)
عنه عليه السلام :لا يَقبَلُ اللّهُ عَمَلًا إلّا بِمَعرِفَةٍ ، ولا مَعرِفَةَ إلّا بِعَمَلٍ ، فَمَن عَرَفَ دَلَّتهُ المَعرِفَةُ عَلَى العَمَلِ، ومَن لَم يَعمَل فَلا مَعرِفَةَ لَهُ ، ألا إنَّ الإِيمانَ بَعضُهُ مِن بَعضٍ. (2)
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَ_ؤُاْ» (3) _: يَعني بِالعُلَماءِ مَن صَدَّقَ فِعلُهُ قَولَهُ ، ومَن لَم يُصَدِّق فِعلُهُ قَولَهُ فَلَيسَ بِعالِمٍ. (4)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: العالِمُ حَقًّا هُوَ الَّذي يَنطِقُ عَنهُ أعمالُهُ الصّالِحَةُ وأَورادُه الزّاكِيَةُ ، وصَدَّقَهُ تَقواهُ لا لِسانُهُ ومُناظَرَتُهُ ومُعادَلَتُهُ وتَصاوُلُهُ ودَعواهُ. (5)
راجع : ص 45 (شرط العمل) و 144 (العمل) و 396 (العمل) و 426 (ترك العمل) و 473 (الفصل السادس: علماء السوء) .
3 / 4الصَّلاحرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أمَّا العِلمُ ، فَيَتَشَعَّبُ مِنهُ الغِنى وإن كانَ فَقيراً ، وَالجودُ وإن كانَ بَخيلًا ،
.
ص: 61
وَالمَهابَةُ وإن كانَ هَيِّناً ، وَالسَّلامَةُ وإن كانَ سَقيماً ، وَالقُربُ وإن كانَ قَصِيًّا، وَالحَياءُ وإن كانَ صَلِفاً ، وَالرِّفعَةُ وإن كانَ وَضيعاً ، وَالشَّرَفُ وإن كانَ رَذلًا ، وَالحِكمَةُ ، وَالحُظوَةُ ، فَهذا مايَتَشَعَّبُ لِلعاقِلِ بِعِلمِهِ . فَطوبى لِمَن عَقَلَ وعَلِمَ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :كُلَّمَا ازدادَ عِلمُ الرَّجُلِ زادَت عِنايَتُهُ بِنَفسِهِ ، وبَذَلَ في رِياضَتِها وصَلاحِها جُهدَهُ. (2)
عنه عليه السلام :بِالعِلمِ يَستَقيمُ المُعوَجُّ. (3)
عنه عليه السلام :كَسبُ العِلمِ الزُّهدُ فِي الدُّنيا. (4)
عنه عليه السلام :التَّواضُعُ ثَمَرَةُ العِلمِ. (5)
عنه عليه السلام :لِسانُ العِلمِ الصِّدقُ. (6)
عنه عليه السلام :يا طالِبَ العِلمِ ، إنَّ العِلمَ ذو فَضائِلَ كَثيرَةٍ ؛ فَرَأسُهُ التَّواضُعُ ، وعَينُهُ البَراءَةُ مِنَ الحَسَدِ ، واُذُنُهُ الفَهمُ ، ولِسانُهُ الصِّدقُ ، وحِفظُهُ الفَحصُ ، وقَلبُهُ حُسنُ النِّيَّةِ ، وعَقلُهُ مَعرِفَةُ الأَشياءِ وَالاُمورِ، ويَدُهُ الرَّحمَةُ، ورِجلُهُ زِيارَةُ العُلَماءِ، وهِمَّتُهُ السَّلامَةُ، وحِكمَتُهُ الوَرَعُ ، ومُستَقَرُّهُ النَّجاةُ ، وقائِدُهُ العافِيَةُ، ومَركَبُهُ الوَفاءُ ، وسِلاحُهُ لينُ الكَلِمَةِ ، وسَيفُهُ الرِّضا ، وقَوسُهُ المُداراةُ ، وجَيشُهُ مُحاوَرَةُ العُلَماءِ ، ومالُهُ الأَدَبُ ، وذَخيرَتُهُ اجتِنابُ الذُّنوبِ ، وزادُهُ المَعروفُ ، وماؤُهُ المُوادَعَةُ ، ودَليلُهُ الهُدى ،
.
ص: 62
ورَفيقُهُ مَحَبَّةُ الأَخيارِ. (1)
عنه عليه السلام :رَأسُ العِلمِ التَّواضُعُ ، وبَصَرُهُ البَراءَةُ مِنَ الحَسَدِ ، وسَمعُهُ الفَهمُ ، ولِسانُهُ الصِّدقُ ، وقَلبُهُ حُسنُ النِّيَّةِ ، وعَقلُهُ مَعرِفَةُ أسبابِ الاُمورِ . ومِن ثَمَراتِهِ : التَّقوى ، وَاجتِنابُ الهَوى ، وَاتِّباعُ الحَقِّ ، ومُجانَبَةُ الذُّنوبِ ، ومَوَدَّةُ الإِخوانِ ، وَالاِستِماعُ مِنَ العُلَماءِ ، وَالقَبولُ مِنهُم . ومِن ثَمَراتِهِ : تَركُ الاِنتِقامِ عِندَ القُدرَةِ ، وَاستِقباحُ مُقارَبَةِ الباطِلِ ، وَاستِحسانُ مُتابَعَةِ الحَقِّ ، وقَولُ الصِّدقِ ، وَالتَّجافي عَن سُرورٍ في غَفلَةٍ ، وعَن فِعلِ ما يُعقِبُ نَدامَةً . وَالعِلمُ يَزيدُ العاقِلَ عَقلًا ، ويورِثُ مُتَعَلِّمَهُ صِفاتِ حَمدٍ ، فَيَجعَلُ الحَليمَ أميراً ، وذَا المَشوَرَةِ وَزيراً ، ويَقمَعُ الحِرصَ ، ويَخلَعُ المَكرَ ، ويُميتُ البُخلَ ، ويَجعَلُ مُطلَقَ الوَحشِ (2) مَأسوراً ، ويُعيدُ السَّدادِ قَريباً . (3)
راجع : ص 83 (الفصل الثالث: آثار الحكمة) .
.
ص: 63
الفصل الرابع : أقسام العلومالإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ عِلمانِ : عِلمٌ لا يَسَعُ النّاسَ إلَا النَّظَرُ فيهِ وهُوَ صِبغَةُ الإِسلامِ ، وعِلمٌ يَسَعُ النّاسَ تَركُ النَّظَرِ فيهِ وهُوَ قُدرَةُ اللّهِ عز و جل. (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِلمُ عِلمانِ : عِلمُ الأَديانِ ، وعِلمُ الأَبدانِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّمَا العِلمُ ثَلاثَةٌ : آيَةٌ مُحكَمَةٌ ، أو فَريضَةٌ عادِلَةٌ ، أو سُنَّةٌ قائِمَةٌ ، وما خَلاهُنَّ فَهُوَ فَضلٌ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ ثَلاثَةٌ : كِتابٌ ناطِقٌ ، وسُنَّةٌ ماضِيَةٌ ، ولا أدري. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ أكثَرُ مِن أن يُحصى. (5)
.
ص: 64
الإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ ثَلاثَةٌ : الفِقهُ لِلأَديانِ ، وَالطِبُّ لِلأَبدانِ ، وَالنَّحوُ لِلِّسانِ. (1)
عنه عليه السلام :العُلومُ أربَعَةٌ : الفِقهُ لِلأَديانِ ، وَالطِّبُّ لِلأَبدانِ ، وَالنَّحوُ لِلِّسانِ ، وَالنُّجومُ لِمَعرِفَةِ الأَزمانِ. (2)
عنه عليه السلام :العُلومُ أربَعَةٌ ، عِلمٌ يَنفَعُ ، وعِلمٌ يَشفَعُ ، وعِلمٌ يَرفَعُ ، وعِلمٌ يَضَعُ ، فَأَمَّا الَّذي يَنفَعُ : عِلمُ الشَّريعَةِ ، وأمَّا الَّذي يَشفَعُ فَعِلمُ القُرآنِ ، وأمَّا الَّذي يَرفَعُ فَالنَّحوُ ، وأمَّا الَّذي يَضَعُ فَعِلمُ النُّجومِ (3) . (4)
عنه عليه السلام :العِلمُ أكثَرُ مِن أن يُحاطَ بِهِ. (5)
عنه عليه السلام :العِلمُ أكثَرُ مِن أن يُحفَظَ. (6)
راجع : ص 21 (الفصل الأوّل: حقيقة العلم) و 299 (الفصل الخامس: أحكام التعلّم) .
.
ص: 65
القسم الخامس : الحكمةالفصل الأوّل : معنى الحكمةالفصل الثاني : فضل الحكمةالفصل الثالث : آثار الحكمةالفصل الرابع : رأس الحكمةالفصل الخامس : جوامع الحكمالفصل السادس : خصائص الحكماءالفصل السابع : النّوادر
.
ص: 66
. .
ص: 67
الفصل الأوّل : معنى الحكمةالكتاب«يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» . (1)
«وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَ_نَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَ مَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ» . (2)
«ذَ لِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ» . (3)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ في بَيانِ جُنودِ العَقلِ وَالجَهلِ _: الحِكمَةُ وضِدُّهَا الهَوى. (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ تَعالى : «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا» _: القُرآنَ. (5)
.
ص: 68
الإمام الصادق عليه السلام_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ» _: هُوَ القُرآنُ وَالفِقهُ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :حَدُّ الحِكمَةِ الإِعراضُ عَن دارِالفَناءِ ، وَالتَّوَلُّهُ (2) بِدارِ البَقاءِ. (3)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ الحِكمَةِ التَّنَزُّهُ عَنِ الدُّنيا ، وَالوَلَهُ بِجَنَّةِ المَأوى. (4)
عنه عليه السلام :أوَّلُ الحِكمَةِ تَركُ اللَّذّاتِ ، وآخِرُها مَقتُ الفانِياتِ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا» _: طاعَةُ اللّهِ ومَعرِفَةُ الإِمامِ. 6
عنه عليه السلام_ أيضا _: مَعرِفَةُ الإِمامِ ، وَاجتِنابُ الكَبائِرِ الَّتي أوجَبَ اللّهُ عَلَيهَا النّارَ . (6)
تفسير العيّاشي عن سليمان بن خالد :سَأَلتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ : «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا» . فَقالَ : إنَّ الحِكمَةَ المَعرِفَةُ وَالتَّفَقُّهُ فِي الدّينِ ، فَمَن فَقِهَ مِنكُم فَهُوَ حَكيمٌ. (7)
.
ص: 69
الكافي عن حمران بن أعين :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : قَولَ اللّهِ عز و جل : «فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَ_بَ» (1) ؟ فَقالَ : النُّبُوَّةَ . قُلتُ : «الْحِكْمَةَ» ؟ قالَ : الفَهمَ وَالقَضاءَ. (2)
الإمام الكاظم عليه السلام_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَ_نَ الْحِكْمَةَ» _: قالَ : الفَهمُ وَالعَقل. (3)
راجع : ص 83 (الفصل الثالث: آثار الحكمة) و 89 (الفصل الرابع: رأس الحكمة) و 91 (الفصل الخامس: جوامع الحِكَم) .
.
ص: 70
. .
ص: 71
تحقيق في معنى الحكمة وأقسامهاإنّ مصطلح «الحكمة» في اللغة مشتقّ من «الحُكم» وهو بمعنى المنع؛ لأنّ الحُكم العادل يمنع الظلم ويحدّ منه، وكذلك يُطلَق على لجام الفرس وأمثاله لفظ «الحَكَمة» لأنّها تقيّد الحيوان وتمنعه. ومن هنا قيل للعلم حكمة أيضا، لأنّه حول دون جهل العالم (1) ، كما قيل لكلّ شيء مُتْقَن لا يقبل النفاذ «مُحْكَم» (2) . قال الآلوسي في تفسير روح المعاني مبيّنا معنى الحكمة نقلاً عن كتاب البحر : «وفي (البحر) إنّ فيها تسعة وعشرين قولًا لأهل العلم ، قريبٌ بعضها من بعض . وعدّ بعضهم الأكثر منها اصطلاحًا واقتصارًا على ما رآه القائل فردًا مهمًّا من الحكمة ، وإلّا فهي فيالأصل مصدر من الإحكام، وهو الإتقان في علمٍ أو عملٍ أو قول أو فيها كلّها». (3) بناءً على ما تقدّم فإنّ كلمة الحكمة تُطلَق في مصطلح اللغة وعلمها على كلّ
.
ص: 72
شيء مُحكَم مُتقَن غير قابل للنفاذ سواء كان ماديّا أو معنويا .
الحكمة في القرآن والحديثلقد جاءت كلمة (الحكمة) في القرآن الكريم عشرين مرة، وامتدح الحقّ تعالى ذاته المقدّسة في الكتاب الكريم بصفة (الحكيم) 91 مرّة. إنّ التأمّل في الموارد المستعملة لهذا المصطلح في النصوص الإسلامية، يشير إلى أنّ الحكمة من وجهة نظر القرآن والحديث عبارة عن المقدّمات العلمية والعملية والروحية المحكمة المتقنة لنيل المقاصد الإنسانية السامية ، وما أوردوه في الأحاديث الشريفة في تفسير الحكمة في الواقع مصداق من مصاديق هذا التعريف المجمل .
أقسام الحكمةبناءً على ما ذكرناه في التعريف الإجمالي المتقدّم، فإنّ الحكمة من وجهة نظر القرآن والحديث تقسم إلى ثلاثة أنواع: الحكمة العلمية، الحكمة العملية، والحكمة الحقيقية (1) . إنّ مما يجدر ذكره أن هذا التقسيم وتلك التسميات هي حصيلة التأمل في استعمالات مصطلح الحكمة في القرآن المجيد والحديث الشريف (2) ، وكلّ واحدمن أقسام الحكمة ، من هذا المنظار يعتبر بمثابة درجة لمِرقاة راسخة ثابتة يستطيع
.
ص: 73
الإنسان من خلالها العروج إلى قمّة الكمال الإنساني. وممّا ينبغي معرفته أن الدرجة الاُولى من تلك المِرقاة _ أعني الحكمة العلمية _ قد وضع أنبياء اللّه تعالى حجر أساسها، أما الدرجة الثانية منها _ أعني الحكمة العملية _ فعلى الإنسان أن يتحمّل أعباءها وبعد الارتقاء إلى سُلّم هذه الدرجة تبقى الدرجة الأخيرة، وهي الحركة إلى مقام الكمال الإنساني، وتلك هي الحكمة الحقيقية التي تنال بالأسباب التي يهيئها الحقّ تعالى، وفيما يلي توضيح مختصر حول الأنواع الثلاثة من الحكمة :
1 . الحكمة العلميةإنّ المراد من الحكمة العلمية مطلق المعارف والعلوم الضرورية للوصول إلى مرتبة الكمال الإنساني، بعبارة اُخرى إنّ العلوم المتعلّقة بالعقائد والعلوم المتعلّقة بالأخلاق والأعمال كلّها حكمة، وفي هذا الاتجاه يقدّم القرآن الكريم ارشادات مختلفة في مجال العقائد والأخلاق والأعمال، وقد سمّاها جميعا الحكمة، يقول تعالى: «ذَ لِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ» (1) . جدير بالذكر أنّ هذا المفهوم من الحكمة أكّده القرآن الكريم في آيات عديدة باعتباره الخطوة الاُولى في فلسفة بعث الأنبياء، منها قوله تعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَ_تِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَ_بَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَ_لٍ مُّبِينٍ» (2) .
.
ص: 74
2 . الحكمة العمليةإنّ الحكمة العملية هي المنهج العملي للوصول إلى مرتبة الكمال الإنساني. ومن وجهة نظر القرآن الكريم، والحديث الشريف تطلق كلمة الحكمة على العلم والعمل باعتبارهما مقدمتين لتكامل الإنسان، وليس ثمة فرق بينهما، إلّا أنّ العلم هو الدرجة الاُولى في سُلّم الكمال الإنساني، والعمل هو الدرجة الثانية فيه، وقد اعتبرت الأحاديث التي تحثّ على طاعة اللّه سبحانه و مداراة الناس واجتناب المعاصي والذنوب والمكر والخداع وغيرها، إشارة إلى هذا النوع من الحكمة (1) .
3 . الحكمة الحقيقيةوهي تحكي عن الحالة النورانية والبصيرة التي تحصل للإنسان نتيجة تطبيق مقررات الحكمة العملية في الحياة، وفي الحقيقة إنّ الحكمة العلمية هي مقدمة للحكمة العملية، والحكمة العملية هي بداية الحكمة الحقيقية، وطالما لم يصل الإنسان إلى هذه الدرجة من الحكمة، لا يصبح حكيما حقيقيا ولو كان من أكبر اساتذة الحكمة. وفي الواقع أنّ الحكمة الحقيقية هي جوهر العلم (2) ونور العلم وعلم النور، من هنا تترتب عليها خواص العلم الحقيقي وآثاره، وعلى رأسها خشية اللّه سبحانه، على ما جاء في القرآن الكريم حيث يقول تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَ_ؤُاْ» . (3) وقد جاء عين هذا الأثر في كلام الرسول المصطفى صلى الله عليه و آله مترتبا على الحكمة
.
ص: 75
الحقيقية، قال صلى الله عليه و آله : «خَشيَةُ اللّهِ عز و جل رَأسُ كُلِّ حِكمَةٍ» (1) . إنّ الحكمة الحقيقة نزعة عقلانية وهي ضد النزعات النفسانية (2) ، وهي تقوى في النفس بنفس المقدار الذي تضعف فيه الميول النفسية (3) حتّى تتلاشى تلك الميول نهائيا (4) ، وفي هذا الحال يستيقظ العقل ويحيا بشكل كامل، فيمسك بزمام المرء، ومن ثمّ لاتبقى في وجوده أرضية لارتكاب الذنوب والأعمال غير اللائقة (5) ، وبالنتيجة تقترن الحكمة بالعصمة (6) ، وأخيرا تحصل للإنسان كل خصوصيات الحكيم والعالم الحقيقي فيصل إلى أعلى مراتب العلم والحكمة وأرفع درجات معرفة النفس ومعرفة الخالق سبحانه (7) . وفي هذه المرتبة السامية ينفصل قلب الإنسان عن كلّ ما هو فانٍ ويتعلق بعالم البقاء، وفي هذا يقول سيّد الحكماء وأمير العرفاء عليه السلام في تفسير الحكمة: «أوَّلُ الحِكمَةِ تَركُ اللَّذّاتِ ، وآخِرُها مَقتُ الفانِياتِ» (8) . ويقول عليه السلام أيضا : «حَدُّ الحِكمَةِ الإِعراضُ عَن دارِ الفَناءِ ، وَالتَّوَلُّهُ بِدارِ البَقاءِ» (9) .
.
ص: 76
أخيرا اتضح لدينا من خلال التأمّل في دور الحكمة في بناء الإنسان وتكامله ، لماذا يعتبر اللّه تعالى متاع الدنيا قليلاً حقيرا مهما كان كبيرا كثيرا ، فيقول سبحانه: «قُلْ مَتَ_عُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ» . (1) بينما يعتبر الحكمة خيرا كثيرا إذ يقول تعالى : «يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا» (2) .
.
ص: 77
الفصل الثاني : فضل الحكمةرسول اللّه صلى الله عليه و آله :كادَ الحَكيمُ أن يَكونَ نَبِيًّا. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى خَلَقَ العَقلَ مِن نورٍ مَخزونٍ مَكنونٍ في سابِقِ عِلمِهِ الَّذي لَم يَطَّلِع عَلَيهِ نَبِيٌّ مُرسَلٌ ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، فَجَعَلَ العِلمَ نَفسَهُ ، وَالفَهمَ روحَهُ ، وَالزُّهدَ رَأسَهُ ، وَالحَياءَ عَينَيهِ ، وَالحِكمَةَ لِسانَهُ ، وَالرَّأفَةَ فَمَهُ ، وَالرَّحمَةَ قَلبَهُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ خَلَقَ الإِسلامَ فَجَعَلَ لَهُ عَرصَةً ، وجَعَلَ لَهُ نوراً ، وجَعَلَ لَهُ حِصناً، وجَعَلَ لَهُ ناصِراً ، فَأَمّا عَرصَتُهُ فَالقُرآنُ ، وأمّا نورُهُ فَالحِكمَةُ، وأمّا حِصنُهُ فَالمَعروفُ، وأمّا أنصارُهُ فَأَنَا وأهلُ بَيتي وشيعَتُنا. (3)
.
ص: 78
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ الحِكمَةَ تَزيدُ الشَّريفَ شَرَفاً ، وتَرفَعُ العَبدَ المَملوكَ حَتّى تُجلِسَهُ مَجالِسَ المُلوكِ. (1)
لقمان عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ _: يا بُنَيَّ تَعَلَّمِ الحِكمَةَ تَشرُف ، فَإِنَّ الحِكمَةَ تَدُلُّ عَلَى الدّينِ ، وتُشَرِّفُ العَبدَ عَلَى الحُرِّ ، وتَرفَعُ المِسكينَ عَلَى الغَنِيِّ ، وتُقَدِّمُ الصَّغيرَ عَلَى الكَبيرِ ، وتُجلِسُ المِسكينَ مَجالِسَ المُلوكِ ، وتَزيدُ الشَّريفَ شَرَفاً ، وَالسَّيِّدَ سُؤدَداً ، وَالغَنِيَّ مَجداً ، وكَيفَ يَتَهَيَّأُ لَهُ أمرُ دينِهِ ومَعيشَتِهِ بِغَيرِ حِكمَةٍ ؟! ولَن يُهَيِّئَ اللّهُ عز و جل أمرَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ إلّا بِالحِكمَةِ. (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحِكمَةُ أقعَدَتِ المَساكينَ مَقاعِدَ العُلَماءِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :لا حَسَدَ إلّا فِي اثنَتَينِ : رَجُلٌ آتاهُ اللّهُ مالًا فَسَلَّطَهُ عَلى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ ، وآخَرُ آتاهُ اللّهُ حِكمَةً فَهُوَ يَقضي بِها ويُعَلِّمُها. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :ما أهدَى المَرءُ المُسلِمُ لِأَخيهِ هَدِيَّةً أفضَلَ مِن كَلِمَةِ حِكمَةٍ يَزيدُهُ اللّهُ بِها هُدًى أو يَرُدُّهُ بِها عَن رَدًى. (5)
.
ص: 79
عنه صلى الله عليه و آله :نِعمَتِ العَطِيَّةُ ونِعمَتِ الهَدِيَّةُ كَلِمَةُ حِكمَةٍ تَسمَعُها فَتَنطَوي عَلَيها ثُمَّ تَحمِلُها إلى أخٍ لَكَ مُسلِمٍ تُعَلِّمُهُ إيّاها تَعدِلُ عِبادَةَ سَنَةٍ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أولِياءَ اللّهِ سَكَتوا فَكانَ سُكوتُهُم ذِكراً ، ونَظَروا فَكانَ نَظَرُهُم عِبرَةً ، ونَطَقوا فَكانَ نُطقُهُم حِكمَةً. (2)
أيّوب عليه السلام :إنَّ اللّهَ يَزرَعُ الحِكمَةَ في قَلبِ الصَّغيرِ وَالكَبيرِ ، فَإِذا جَعَلَ اللّهُ العَبدَ حَكيماً فِي الصِّبا لَم يَضَع مَنزِلَتَهُ عِندَ الحُكَماءِ حَداثَةُ سِنِّهِ وهُم يَرَونَ عَلَيهِ مِنَ اللّهِ نورَ كَرامَتِهِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ لِهَمّامٍ لَمّا سَأَلَهُ عَن صِفَةِ المُؤمِنِ _: يا هَمّامُ ، المُؤمِنُ هُوَ الكَيِّسُ (4) الفَطِنُ . . . سُكوتُهُ فِكرَةٌ وكَلامُهُ حِكمَةٌ. (5)
عنه عليه السلام :إنَّ هذِهِ القُلوبَ تَمَلُّ كَما تَمَلُّ الأَبدانُ ، فَابتَغوا لَها طَرائِفَ الحِكَمِ. (6)
عنه عليه السلام :رَوِّحوا أنفُسَكُم بِبَديعِ الحِكمَةِ ، فَإِنَّها تَكِلُّ كَما تَكِلُّ الأَبدانُ. (7)
.
ص: 80
عنه عليه السلام :كُلُّ شَيءٍ يُمَلُّ ما خَلا طَرائِفَ الحِكَمِ. (1)
عنه عليه السلام :الحِكمَةُ رَوضَةُ العُقَلاءِ ، ونُزهَةُ النُّبَلاءِ. (2)
عنه عليه السلام :الحِكَمُ رِياضُ النُّبَلاءِ ، العُلومُ نُزهَةُ الاُدَباءِ. (3)
عنه عليه السلام :سَلامَةُ أهلِ الخِفَّةِ فِي الطّاعَةِ ثِقَلُ الميزانِ ، وَالميزانُ بِالحِكمَةِ وَالحِكمَةُ ، ضِياءٌ لِلبَصَرِ. (4)
عنه عليه السلام :اِستَشعِرِ الحِكمَةَ وتَجَلبَبِ السَّكينَةَ فَإِنَّهُما حِليَةُ الأَبرارِ. (5)
عنه عليه السلام :عَلَيكَ بِالحِكمَةِ فَإِنَّهَا الحِليَةُ الفاخِرَةُ. (6)
عنه عليه السلام :لِقاحُ الرِّياضَةِ دِراسَةُ الحِكمَةِ وغَلَبَةُ العادَةِ. (7)
عنه عليه السلام :غَنيمَةُ المُؤمِنِ وِجدانُ الحِكمَةِ. (8)
عنه عليه السلام :مَن لَهِجَ بِالحِكمَةِ فَقَد شَرَّفَ نَفسَهُ. (9)
عنه عليه السلام :مَن عُرِفَ بِالحِكمَةِ لَحَظَتهُ العُيونُ بِالوَقارِ وَالهَيبَةِ. (10)
.
ص: 81
عنه عليه السلام :حِكمَةُ الدَّنِيِّ تَرفَعُهُ ، وجَهلُ الشَّريفِ يَضَعُهُ. (1)
عنه عليه السلام :مَن تَفَكَّهَ بِالحِكَمِ لَم يَعدَمِ اللَّذَّةَ. (2)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ الحِكمَةِ الفَوزُ. (3)
عنه عليه السلام :لَو اُلقِيَتِ الحِكمَةُ عَلَى الجِبالِ لَقَلقَلَتها (4) . (5)
عنه عليه السلام :كَيفَ يَصبِرُ عَلى مُبايَنَةِ الأَضدادِ مَن لَم تُعِنهُ الحِكمَةُ ؟! (6)
عنه عليه السلام :مَن عَرَفَ الحِكمَةَ لَم يَصبِر عَنِ الاِزدِيادِ مِنها. (7)
عنه عليه السلام :غِنَى العاقِلِ بِحِكمَتِهِ ، وعِزُّهُ بِقَناعَتِهِ. (8)
عنه عليه السلام :اِعلَموا أنَّهُ لَيسَ مِن شَيءٍ إلّا ويَكادُ صاحِبُهُ يَشبَعُ مِنهُ ويَمَلُّهُ إلَا الحَياةَ ، فَإِنَّهُ لا يَجِدُ فِي المَوتِ راحَةً ، وإنَّما ذلِكَ بِمَنزِلَةِ الحِكمَةِ الَّتي هِيَ حَياةٌ لِلقَلبِ المَيِّتِ ، وبَصَرٌ لِلعَينِ العَمياءِ ، وسَمعٌ لِلاُذُنِ الصَّمّ_اءِ ، ورِيٌّ لِلظَّمآنِ ، وفيهَا الغِنى كُلُّهُ وَالسَّلامَةُ. (9)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: قوتُ الأَجسامِ الغِذاءُ ، وقوتُ العُقولِ الحِكمَةُ ، فَمَتى فَقَدَ واحِدٌ مِنهُما قوتَهُ بارَ وَاضمَحَلَّ. (10)
عنه عليه السلام_ أيضاً _: لَيسَ الموسِرُ مَن كانَ يَسارُهُ باقِياً عِندَهُ زَماناً يَسيراً وكانَ يُمكِنُ أن
.
ص: 82
يَغتَصِبَهُ غَيرُهُ مِنهُ ولا يَبقى بَعدَ مَوتِهِ لَهُ ، لكِنَّ اليَسارَ عَلَى الحَقيقَةِ هُوَ الباقي دائِماً عِندَ مالِكِهِ ولا يُمكِنُ أن يُؤخَذَ مِنهُ ويَبقى لَهُ بَعدَ مَوتِهِ ، وذلِكَ هُوَ الحِكمَةُ. (1)
منية المريد :فِي التَّوراةِ قالَ اللّهُ تَعالى لِموسى عليه السلام : عَظِّمِ الحِكمَةَ ، فَإِنّي لا أجعَلُ الحِكمَةَ في قَلبِ أحَدٍ إلّا وأرَدتُ أن أغفِرَ لَهُ ، فَتَعَلَّمها ثُمَّ اعمَل بِها ، ثُمَّ ابذِلها كَي تَنالَ بِذلِكَ كَرامَتي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ. (2)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: الَحِكْمَةُ ضِياءُ المَعرِفَةِ وميراثُ التَّقوى وثَمَرَةُ الصِّدقِ . ولَو قُلتُ : ما أنعَمَ اللّهُ عَلى عَبدٍ مِن عِبادِهِ بِنِعمَةٍ أعظَمَ وأنعَمَ وأرفَعَ وأجزَلَ وأبهى مِنَ الحِكمَةِ ، لَقُلتُ صادِقاً ! قالَ اللّهُ عز و جل : «يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» أي : لا يَعلَمُ ما أودَعتُ وهَيَّأتُ فِي الحِكمَةِ إلّا مَنِ استَخلَصتُهُ لِنَفسي وخَصَصتُهُ بِها . وَالحِكمَةُ هِيَ النَّجاةُ ، وصِفَةُ الحَكيمِ الثَّباتُ عِندَ أوائِلِ الاُمورِ وَالوُقوفُ عِندَ عَواقِبِها ، وهُوَ هادي خَلقِ اللّهِ إلَى اللّهِ تَعالى . (3)
راجع : ص 25 (الفصل الثاني: فضل العلم) .
.
ص: 83
الفصل الثالث : آثار الحكمة3 / 1ضَعفُ الشَّهوَةِالإمام عليّ عليه السلام :كُلَّما قَوِيَتِ الحِكمَةُ ضَعُفَتِ الشَّهوَةُ. (1)
عنه عليه السلام :اِغلِبِ الشَّهوَةَ تَكمُل لَكَ الحِكمَةُ. (2)
3 / 2مَعرِفَةُ العِبرَةِالإمام عليّ عليه السلام :مَن ثَبَتَت لَهُ الحِكمَةُ عَرَفَ العِبرَةَ. (3)
عنه عليه السلام :اليَقينُ عَلى أربَعِ شُعَبٍ : تَبصِرَةِ الفِطنَةِ ، وتَأَوُّلِ الحِكمَةِ ، ومَعرِفَةِ العِبرَةِ ، وسُنَّةِ الأَوَّلينَ . فَمَن أبصَرَ الفِطنَةَ عَرَفَ الحِكمَةَ ، ومَن تَأَوَّلَ الحِكمَةَ عَرَفَ العِبرَةَ ، ومَن عَرَفَ العِبرَةَ عَرَفَ السُّنَّةَ ، ومَن عَرَفَ السُّنَّةَ فَكَأَنَّما كانَ مَعَ الأَوَّلينَ وَاهتَدى
.
ص: 84
إلَى الَّتي هِيَ أقوَمُ ، ونَظَرَ إلى مَن نَجا بِما نجا ومَن هَلَكَ بِما هَلَكَ ، وإنَّما أهلَكَ اللّهُ مَن أهلَكَ بِمَعصِيَتِهِ ، وأنجى مَن أنجى بِطاعَتِهِ. (1)
3 / 3المَنعُ عَنِ السُّوءالإمام عليّ عليه السلام :لِلنُّفوسِ طَبائِعُ سوءٍ وَالحِكمَةُ تَنهى عَنها. (2)
3 / 4العِصمَةالإمام عليّ عليه السلام :قُرِنَتِ الحِكمَةُ بِالعِصمَةِ. (3)
عنه عليه السلام :الحِكمَةُ عِصمَةٌ ، العِصمَةُ نِعمَةٌ. (4)
عنه عليه السلام :لا حِكمَةَ إلّا بِعِصمَةٍ. (5)
3 / 5نورُ القَلبِعيسى عليه السلام :إنَّ الحِكمَةَ نورُ كُلِّ قَلبٍ. (6)
.
ص: 85
عنه عليه السلام :بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ الصَّقالَةَ تُصلِحُ السَّيفَ وتَجلوهُ ، كَذلِكَ الحِكمَةُ لِلقَلبِ تَصقُلُهُ وتَجلوهُ ، وهِيَ في قَلبِ الحَكيمِ مِثلُ الماءِ فِي الأَرضِ المَيتَةِ تُحيي قَلبَهُ كَما يُحيِي الماءُ الأَرضَ المَيتَةَ ، وهِيَ في قَلبِ الحَكيمِ مِثلُ النّورِ فِي الظُّلمَةِ يَمشي بِها فِي النّاسِ. (1)
عنه عليه السلام :أسرِعوا إلى بُيوتِكُمُ المُظلِمَةِ فَأَنيروا فيها ، كَذلِكَ فَأَسرِعوا إلى قُلوبِكُمُ القاسِيَةِ بِالحِكمَةِ قَبلَ أن تَرينَ (2) عَلَيهَا الخَطايا فَتَكونَ أقسى مِنَ حِجارَةِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :أحيِ قَلبَكَ بِالمَوعِظَةِ ، وأمِتهُ بِالزَّهادَةِ ، وقَوِّهِ بِاليَقينِ ، ونَوِّرهُ بِالحِكمَةِ. (4)
عنه عليه السلام :إنَّ قُلوبَ المُؤمِنينَ لَمَطوِيَّةٌ بِالإِيمانِ طَيًّا ، فَإِذا أرادَ اللّهُ إنارَةَ ما فيها فَتَحَها بِالوَحيِ فَزَرَعَ فيهَا الحِكمَةَ زارِعُها وحاصِدُها. (5)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ اللّهَ خَلَقَ قُلوبَ المُؤمِنينَ مَطوِيَّةً مُبهَمَةً عَلَى الإِيمانِ ، فَإِذا أرادَ استِنارَةَ ما فيها نَضَحَها بِالحِكمَةِ ، وزَرَعَها بِالعِلمِ ، وزارِعُها وَالقَيِّمُ عَلَيها رَبُّ العالَمينَ. (6)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ لُقمانَ قالَ لِابنِهِ : يا بُنَيَّ ، عَلَيكَ بِمَجالِسِ العُلَماءِ ، وَاستَمِع
.
ص: 86
كَلامَ الحُكَماءِ ، فَإِنَّ اللّهَ يُحيِي القَلبَ المَيتَ بِنورِ الحِكمَةِ كَما يُحيِي الأَرضَ المَيتَةَ بِوابِلِ المَطَرِ. (1)
3 / 6الرُّشدالإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ يُنجِدُ ، الحِكمَةُ تُرشِدُ. (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :هَلَكَ مَن لَيسَ لَهُ حَكيمٌ يُرشِدُهُ. (3)
3 / 7العِلمالإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ ثَمَرَةُ الحِكمَةِ وَالصَّوابُ مِن فُروعِها. (4)
عنه عليه السلام :بِالحِكمَةِ يُكشَفُ غِطاءُ العِلمِ. (5)
عنه عليه السلام :مَن كَشَفَ مَقالاتِ الحُكَماءِ انتَفَعَ بِحَقائِقِها. (6)
.
ص: 87
ص: 88
. .
ص: 89
الفصل الرابع : رأس الحكمةرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ أشرَفَ الحَديثِ ذِكرُ اللّهِ تَعالى ، ورَأسَ الحِكمَةِ طاعَتُهُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :خَشيَةُ اللّهِ رَأسُ كُلِّ حِكمَةٍ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :رَأسُ الحِكمَةِ مَخافَةُ اللّهِ عز و جل. (3)
سعد السعود نقلاً عن سنن إدريس عليه السلام :اِعمَلوا وَاستَيقِنوا أنَّ تَقوَى اللّهِ هِيَ الحِكمَةُ الكُبرى. (4)
.
ص: 90
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الرِّفقُ رَأسُ الحِكمَةِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :رَأسُ الحِكمَةِ مُداراةُ النّاسِ. (2)
عنه عليه السلام :رَأسُ الحِكمَةِ لُزومُ الحَقِّ. (3)
عنه عليه السلام :رَأسُ الحِكمَةِ لُزومُ الحَقِّ وطاعَةُ المُحِقِّ. (4)
عنه عليه السلام :حِفظُ الدّينِ ثَمَرَةُ المَعرِفَةِ ورَأسُ الحِكمَةِ. (5)
عنه عليه السلام :رَأسُ الحِكمَةِ تَجَنُّبُ الخُدَعِ. (6)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :تَقوَى اللّهِ عز و جل رَأسُ كُلِّ حِكمَةٍ. (7)
الإمام عليّ عليه السلام :تَجَرَّع مَضَضَ الحِلمِ ، فَإِنَّهُ رَأسُ الحِكمَةِ وثَمَرَةُ العِلمِ. (8)
.
ص: 91
الفصل الخامس : جوامع الحكمرسول اللّه صلى الله عليه و آله :كانَ فِي الدُّنيا حَكيمانِ يَلتَقِيانِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً فَيَعِظُ أحَدُهُما صاحِبَهُ ، فَالتَقَيا فَقالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ : عِظني وَاجمَع وأوجِز ، لا أقدِرُ أن أقِفَ عَلَيكَ مِنَ العِبادَةِ . فَقالَ : يا أخي ، اُنظُر أن لا يَراكَ اللّهُ حَيثُ نَهاكَ ، ولا يَفقِدَكَ حَيثُ أمَرَكَ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أصلَحَ أمرَ آخِرَتِهِ أصلَحَ اللّهُ أمرَ دُنياهُ ، ومَن أصلَحَ ما بَينَهُ وبَينَ اللّهِ أصلَحَ اللّهُ ما بَينَهُ وبَينَ النّاسِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :كانَتِ الفُقَهاءُ وَالحُكَماءُ إذا كاتَبَ بَعضُهُم بَعضاً كَتَبوا بِثَلاثٍ لَيسَ مَعَهُنَّ رابِعَةٌ : مَن كانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ كَفاهُ اللّهُ هَمَّهُ مِنَ الدُّنيا ، ومَن أصلَحَ سَريرَتَهُ أصلَحَ اللّهُ عَلانِيَتَهُ ، ومَن أصلَحَ فيما بَينَهُ وبَينَ اللّهِ أصلَحَ اللّهُ فيما بَينَهُ
.
ص: 92
وبَينَ النّاسِ. (1)
عنه عليه السلام :كانَتِ الحُكَماءُ فيما مَضى مِنَ الدَّهرِ تَقولُ : يَنبَغي أن يَكونَ الاِختِلافُ إلَى الأَبوابِ لِعَشرَةِ أوجُهٍ : أوَّلُها : بَيتُ اللّهِ عز و جل لِقَضاءِ نُسُكِهِ ، وَالقِيامِ بِحَقِّهِ ، وأداءِ فَرضِهِ . وَالثّاني : أبوابُ المُلوكِ الَّذينَ طاعَتُهُم مُتَّصِلَةٌ بِطاعَةِ اللّهِ عز و جل ، وحَقُّهُم واجِبٌ ، ونَفعُهُم عَظيمٌ ، وضَرُّهُم شَديدٌ . وَالثّالِثُ : أبوابُ العُلَماءِ الَّذينَ يُستَفادُ مِنهُم عِلمُ الدّينِ وَالدُّنيا . وَالرّابِعُ : أبوابُ أهلِ الجودِ وَالبَذلِ الَّذينَ يُنفِقونَ أموالَهُمُ التِماسَ الحَمدِ ، ورَجاءَ الآخِرَةِ . وَالخامِسُ : أبوابُ السُّفَهاءِ الَّذينَ يُحتاجُ إلَيهِم فِي الحَوادِثِ ، ويُفزَعُ إلَيهِم فِي الحَوائِجِ . وَالسّادِسُ : أبوابُ مَن يُتَقَرَّبُ إلَيهِ مِنَ الأَشرافِ لِالتِماسِ الهِبَةِ وَالمُروءَةِ وَالحاجَةِ . وَالسّابِعُ : أبوابُ مَن يُرتَجى عِندَهُمُ النَّفعُ فِي الرَّأيِ وَالمَشوَرَةِ ، وتَقوِيَةِ الحَزمِ، وأخذِ الاُهبَةِ لِما يُحتاجُ إلَيهِ . وَالثّامِنُ : أبوابُ الإِخوانِ لِما يَجِبُ مِن مُواصَلَتِهِم ، ويَلزَمُ مِن حُقوقِهِم .
.
ص: 93
وَالتّاسِعُ : أبوابُ الأَعداءِ الَّتي تَسكُنُ بِالمُداراةِ غَوائِلُهُم ، ويُدفَعُ بِالحِيَلِ وَالرِّفقِ وَاللُّطفِ وَالزِّيارَةِ عَداوَتُهُم . وَالعاشِرُ : أبوابُ مَن يُنتَفَعُ بِغِشيانِهِم ، ويُستَفادُ مِنهُم حُسنُ الأَدَبِ ، ويُؤنَسُ بِمُحادَثَتِهِم. (1)
الخصال عن عامر الشّعبيّ :تَكَلَّمَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بِتِسعِ كَلِماتٍ ارتَجَلَهُنَّ ارتِجالًا (2) ، فَقَأنَ عُيونَ البَلاغَةِ ، وأيتَمنَ (3) جَواهِرَ الحِكمَةِ ، وقَطَعنَ جَميعَ الأَنامِ عَنِ اللَّحاقِ بِواحِدَةٍ مِنهُنَّ . ثَلاثٌ مِنها فِي المُناجاةِ ، وثَلاثٌ مِنها فِي الحِكمَةِ ، وثَلاثٌ مِنها فِي الأَدَبِ . فَأَمَّا اللّاتي فِي المُناجاةِ ، فَقالَ : إلهي كَفى لي عِزًّا أن أكونَ لَكَ عَبداً ، وكَفى بي فَخراً أن تَكونَ لي رَبًّا ، أنتَ كَما اُحِبُّ فَاجعَلني كَما تُحِبُّ . وأمَّا اللّاتي فِي الحِكمَةِ ، فَقالَ : قيمَةُ كُلِّ امرِىً ما يُحسِنُهُ ، وما هَلَكَ امرُؤٌ عَرَفَ قَدرَهُ ، وَالمَرءُ مَخبُوٌّ تَحتَ لِسانِهِ . وأمَّا اللّاتي فِي الأَدَبِ ، فَقالَ : اُمنُن عَلى مَن شِئتَ تَكُن أميرَهُ ، وَاحتَج إلى مَن شِئتَ تَكُن أسيرَهُ ، وَاستَغنِ عَمَّن شِئتَ تَكُن نَظيرَهُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: وأيُّ كَلِمَةِ حُكمٍ جامِعَةٍ ؛ أن تُحِبَّ لِلنّاسِ ما تُحِبُّ لِنَفسِكَ وتَكرَهَ لَهُم ما تَكرَهُ لَها ! (5)
.
ص: 94
معاني الأخبار عن شريح بن هانئ :سَأَلَ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام ابنَهُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ : يا بُنَيَّ مَا العَقلُ ؟ قالَ : حِفظُ قَلبِكَ مَا استَودَعتَهُ . قالَ : فَمَا الحَزمُ ؟ قالَ : أن تَنتَظِرَ فُرصَتَكَ وتُعاجِلَ ما أمكَنَكَ . قالَ : فَمَا المَجدُ ؟ قالَ : حَملُ المَغارِمِ (1) وَابتِناءُ المَكارِمِ . قالَ : فَمَا السَّماحَةُ ؟ قالَ : إجابَةُ السّائِلِ ، وبَذلُ النّائِلِ . قالَ : فَمَا الشُّحُّ ؟ قالَ : أن تَرَى القَليلَ سَرَفاً ، وما أنفَقتَ تَلَفاً . قالَ : فَمَا الرِّقَّةُ ؟ قالَ : طَلَبُ اليَسيرِ ، ومَنعُ الحَقيرِ . قالَ : فَمَا الكُلفَةُ ؟ قالَ : التَّمَسُّكُ بِمَن لا يُؤمِنُكَ ، وَالنَّظَرُ فيما لا يَعنيكَ . قالَ : فَمَا الجَهلُ ؟ قالَ : سُرعَةُ الوُثوبِ عَلَى الفُرصَةِ قَبلَ الاِستِمكانِ مِنها ، وَالاِمتِناعُ عَنِ الجَوابِ .
.
ص: 95
ونِعمَ العَونُ الصَّمتُ في مَواطِنَ كَثيرَةٍ وإن كُنتَ فَصيحاً . ثُمَّ أقبَلَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ عَلَى الحُسَينِ ابنِهِ عليه السلام فَقالَ لَهُ : يا بُنَيَّ مَا السُّؤدَدُ ؟ قالَ : اِصطِناعُ العَشيرَةِ ، وَاحتِمالُ الجَريرَةِ . قالَ : فَمَا الغِنى ؟ قالَ : قِلَّةُ أمانيكَ ، وَالرِّضى بِما يَكفيكَ . قالَ : فَمَا الفَقرُ ؟ قالَ : الطَّمَعُ ، وشِدَّةُ القُنوطِ . قالَ : فَمَا اللُّؤمُ ؟ قالَ : إحرازُ المَرءِ نَفسَهُ ، وإسلامُهُ عِرسَهُ . قالَ : فَمَا الخُرقُ ؟ قالَ : مُعاداتُكَ أميرَكَ ومَن يَقدِرُ عَلى ضَرِّكَ ونَفعِكَ . ثُمَّ التَفَتَ إلَى الحارِثِ الأَعوَرِ فَقالَ : يا حارِثُ ، عَلِّموا هذِهِ الحِكَمَ أولادَكُم ؛ فَإِنَّها زِيادَةٌ فِي العَقلِ وَالحَزمِ وَالرَّأيِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :اِبذِل لِصَديقِكَ كُلَّ المَوَدَّةِ ، ولا تَبذِل لَهُ كُلَّ الطُّمَأنينَةِ ، وأعطِهِ كُلَّ المُواساةِ ، ولا تُفضِ إلَيهِ بِكُلِّ الأَسرارِ ، توفِي الحِكمَةَ حَقَّها ، وَالصَّديقَ واجِبَهُ. (2)
عنه عليه السلام :مِنَ الحِكمَةِ أن لا تُنازِعَ مَن فَوقَكَ ، ولا تَستَذِلَّ مَن دونَكَ ، ولا تَتَعاطى ما لَيسَ في قُدرَتِكَ ، ولا يُخالِفَ لِسانُكَ قَلبَكَ ولا قَولُكَ فِعلَكَ ، ولا تَتَكَلَّمَ فيما لا تَعلَمُ،
.
ص: 96
ولا تَترُكَ الأَمرَ عِندَ الإِقبالِ وتَطلُبَهُ عِندَ الإِدبارِ. (1)
عنه عليه السلام :مِنَ الحِكمَةِ طاعَتُكَ لِمَن فَوقَكَ ، وإجلالُكَ مَن في طَبَقَتِكَ ، وإنصافُكَ لِمَن دونَكَ. (2)
عنه عليه السلام :يا أيُّهَا النّاسُ ! إنَّهُ لَم يَكُن للّهِِ سُبحانَهُ حُجَّةٌ في أرضِهِ أوكَدَ مِن نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ولا حِكمَةٌ أبلَغَ مِن كِتابِهِ القُرآنِ العَظيمِ. (3)
جامع الأخبار :كَتَبَ رَجُلٌ عالِمٌ مِن أهلِ التَّصَوُّفِ أربَعينَ حَديثاً ، ثُمَّ اختارَ مِنها أربَعَ كَلِماتٍ قالَها أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وطَرَحَ الاُخرى فِيالبَحرِ ، وهِيَ : أطِعِ اللّهَ بِقَدرِ حاجَتِكَ إلَيهِ ، وَاعصِ اللّهَ بِقَدرِ طاقَتِكَ عَلى عُقوبَتِهِ ، وَاعمَل لِدُنياكَ بِقَدرِ مَقامِكَ فيها ، وَاعمَل لِاخِرَتِكَ بِقَدرِ بَقائِكَ فيها. (4)
المناقب :إنَّ خِضراً وعَلِيًّا عليهماالسلام قَدِ اجتَمَعا ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : قُل كَلِمَةَ حِكمَةٍ . فَقالَ : ما أحسَنَ تَواضُعَ الأَغنِياءِ لِلفُقَراءِ قُربَةً إلَى اللّهِ ! فَقالَ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام : وأحسَنُ من ذلِكَ تيهُ (5) الفُقَراءِ عَلَى الأَغنِياءِ ثِقَةً بِاللّهِ . فَقالَ الخِضرُ : لِيُكتَب هذا بِالذَّهَبِ. (6)
.
ص: 97
الإمام الباقر عليه السلام :قيلَ لِلُقمانَ : مَا الَّذي أجمَعتَ عَلَيهِ مِن حِكمَتِكَ ؟ قالَ : لا أتَكَلَّفُ ما قَد كُفيتُهُ ، ولا اُضَيِّعُ ما وُلّيتُهُ. (1)
الزهد عن سيّار :قيلَ لِلُقمانَ : ما حِكمَتُكَ ؟ قالَ : لا أسأَلُ عَمّا كُفيتُ ، ولا أتَكَلَّفُ ما لا يَعنيني. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :قالَ لُقمانُ لِابنِهِ : . . . يا بُنَيَّ ، سَيِّدُ أخلاقِ الحِكمَةِ دينُ اللّهِ تَعالى ، ومَثَلُ الدّينِ كَمَثَلِ الشَّجَرَةِ الثّابِتَةِ ، فَالإِيمانُ بِاللّهِ ماؤُها ، وَالصَّلاةُ عُروقُها ، وَالزَّكاةُ جِذعُها ، وَالتَّآخي فِي اللّهِ شُعَبُها ، وَالأَخلاقُ الحَسَنَةُ وَرَقُها ، وَالخُروجُ عَن مَعاصِي اللّهِ ثَمَرُها ، ولا تَكمُلُ الشَّجَرَةُ إلّا بِثَمَرَةٍ طَيِّبَةٍ ، كَذلِكَ الدّينُ لا يَكمُلُ إلّا بِالخُروجِ عَنِ المَحارِمِ. (3)
عنه عليه السلام :تَبِعَ حَكيمٌ حَكيماً سَبعَمِئَةِ فَرسَخٍ في سَبعِ كَلِماتٍ ، فَلَمّا لَحِقَ بِهِ قالَ لَهُ : يا هذا ، ما أرفَعُ مِنَ السَّماءِ ، وأوسَعُ مِنَ الأَرضِ ، وأغنى مِنَ البَحرِ ، وأقسى مِنَ الحَجَرِ ، وأشَدُّ حَرارَةً مِنَ النّارِ ، وأشَدُّ بَرداً مِنَ الزَّمهَريرِ ، وأثقَلُ مِنَ الجِبالِ الرّاسِياتِ ؟ فَقالَ لَهُ : يا هذا ، الحَقُّ أرفَعُ مِنَ السَّماءِ ، وَالعَدلُ أوسَعُ مِنَ الأَرضِ ، وغِنَى النَّفسِ أغنى مِنَ البَحرِ ، وقَلبُ الكافِرِ أقسى مِنَ الحَجَرِ ، وَالحَريصُ الجَشِعُ أشَدُّ حَرارَةً مِنَ النّارِ ، وَاليَأسُ مِن رَوحِ اللّهِ أشَدُّ بَرداً مِنَ الزَّمهَريرِ ، وَالبُهتانُ عَلَى البَريءِ أثقَلُ مِنَ الجِبالِ الرّاسِياتِ. (4)
.
ص: 98
عنه عليه السلام :في حِكمَةِ آلِ داوُدَ: عَلَى العاقِلِ أن يَكونَ عارِفاً بِزَمانِهِ ، مُقبِلًا عَلى شَأنِهِ ، حافِظاً لِلِسانِهِ. (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :كانَ فيها [ أي صُحُفِ إبراهيمَ عليه السلام ] : . . . عَلَى العاقِلِ ما لَم يَكُن مَغلوباً عَلى عَقلِهِ أن يَكونَ لَهُ ساعاتٌ : ساعَةٌ يُناجي فيها رَبَّهُ عز و جل ، وساعَةٌ يُحاسِبُ نَفسَهُ ، وساعَةٌ يَتَفَكَّرُ فيما صَنَعَ اللّهُ عز و جل إلَيهِ ، وساعَةٌ يَخلو فيها بِحَظِّ نَفسِهِ مِنَ الحَلالِ ، فَإِنَّ هذِهِ السّاعَةَ عَونٌ لِتِلكَ السّاعاتِ ، وَاستِجمامٌ لِلقُلوبِ وتَوزيعٌ لَها. (2)
الإمام الرضا عليه السلام :اُمِرَ النّاسُ بِالقِراءَةِ فِي الصَّلاةِ لِئَلّا يَكونَ القُرآنُ مَهجوراً مُضَيَّعاً ، وليَكُن مَحفوظاً مَدروساً ، فَلا يَضمَحِلَّ ولا يُجهَلَ ، وإنَّما بُدِئَ بِالحَمدِ دونَ سائِرِ السُّوَرِ لِأَنَّهُ لَيسَ شَيءٌ مِنَ القُرآنِ وَالكَلامِ جُمِعَ فيهِ مِن جَوامِعِ الخَيرِ وَالحِكمَةِ ما جُمِعَ في سورَةِ الحَمدِ . . . فَقَدِ اجتَمَعَ فيهِ مِن جَوامِعِ الخَيرِ وَالحِكمَةِ مِن أمرِ الآخِرَةِ وَالدُّنيا ما لا يَجمَعُهُ شَيءٌ مِنَ الأشياءِ. (3)
لقمان عليه السلام_ في وَصاياهُ لِابنِهِ _: يا بُنَيَّ ، تَعَلَّمتُ سَبعَةَ (4) آلافٍ مِنَ الحِكمَةِ ، فَاحفَظ مِنها أربَعَةً ومُرَّ مَعي إلَى الجَنَّةِ : أحكِم سَفينَتَكَ فَإِنَّ بَحرَكَ عَميقٌ ، وخَفِّف حَملَكَ فَإِنَّ العَقَبَةَ كَؤودٌ ، وأكثِرِ الزّادَ فَإِنَّ السَّفَرَ بَعيدٌ ، وأخلِصِ العَمَلَ فَإِنَّ الناقِدَ بَصيرٌ. (5)
.
ص: 99
الفصل السادس : خصائص الحكماء6 / 1مَا يَنبَغي لِلحَكِيمرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا رَأَيتُمُ المُؤمِنَ صَموتاً فَادنوا مِنهُ ؛ فَإِنَّهُ يُلقِي الحِكمَةَ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :كَسبُ الحِكمَةِ إجمالُ النُّطقِ ، وَاستِعمالُ الرِّفقِ. (2)
عنه عليه السلام :الصَّمتُ حُكمٌ (3) ، وَالسُّكوتُ سَلامَةٌ. (4)
الإمام الكاظم عليه السلام :قِلَّةُ المَنطِقِ حُكمٌ عَظيمٌ ، فَعَلَيكُم بِالصَّمتِ فَإِنَّهُ دَعَةٌ حَسَنَةٌ ، وقِلَّةُ
.
ص: 100
وِزرٍ ، وخِفَّةٌ مِنَ الذُّنوبِ. (1)
الإمام الرضا عليه السلام :مِن عَلاماتِ الفِقهِ : الحِلمُ وَالعِلمُ وَالصَّمتُ ، إنَّ الصَّمتَ بابٌ مِن أبوابِ الحِكمَةِ ، إنَّ الصَّمتَ يُكسِبُ المَحَبَّةَ ، إنَّهُ دَليلٌ عَلى كُلِّ خَيرٍ. (2)
المستدرك عن أنس :إنَّ لُقمانَ كانَ عِندَ داوُدَ وهُوَ يُسرِدُ (3) الدِّرعَ فَجَعَلَ يَفتِلُهُ هكَذا بِيَدِهِ ، فَجَعَلَ لُقمانُ يَتَعَجَّبُ ويُريدُ أن يَسأَلَهُ ويَمنَعُهُ حِكمَتُهُ أن يَسأَلَهُ ، فَلَمّا فَرَغَ مِنها صَبَّها عَلى نَفسِهِ ، فَقالَ : نِعمَ دِرعُ الحَربِ هذِهِ . فَقالَ لُقمانُ : الصَّمتُ مِنَ الحِكمَةِ ، وقَليلٌ فاعِلُهُ ، كُنتُ أرَدتُ أن أسأَلَكَ فَسَكَتُّ حَتّى كَفَيتَني. (4)
الإمام العسكريّ عليه السلام :قَلبُ الأَحمَقِ في فَمِهِ ، وفَمُ الحَكيمِ في قَلبِهِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَكيمُ يَشفِي السّائِلَ ويَجودُ بِالفَضائِلِ. (6)
عنه عليه السلام :الحُكَماءُ أشرَفُ النّاسِ أنفُساً ، وأكثَرُهُم صَبراً ، وأسرَعُهُم عَفواً ، وأوسَعُهُم أخلاقاً. (7)
.
ص: 101
عنه عليه السلام :الحَكيمُ مَن جازَى الإِساءَةَ بِالإِحسانِ. (1)
عنه عليه السلام :مَن مَلَكَ عَقلَهُ كانَ حَكيماً. (2)
الإمام الباقر عليه السلام :بَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في بَعضِ أسفارِهِ إذ لَقِيَهُ رَكبٌ ، فَقالوا : السَّلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللّهِ . فَقالَ : ما أنتُم ؟ فَقالوا : نَحنُ مُؤمِنونَ يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : فَما حَقيقَةُ إيمانِكُم ؟ قالوا : الرِّضا بِقَضاءِ اللّهِ ، وَالتَّفويضُ إلَى اللّهِ ، وَالتَّسليمُ لِأَمرِ اللّهِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : عُلَماءُ حُكَماءُ كادوا أن يَكونوا مِنَ الحِكمَةِ أنبِياءَ ، فَإِن كُنتُم صادِقينَ فَلا تَبنوا ما لا تَسكُنونَ ، ولا تَجمَعوا ما لا تَأكُلونَ ، وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذي إلَيهِ تُرجَعونَ. (3)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: صِفَةُ الحَكيمِ الثَّباتُ عِندَ أوائِلِ الاُمورِ ، وَالوُقوفُ عِندَ عَواقِبِها ، وهُوَ هادي خَلقِ اللّهِ إلَى اللّهِ تَعالى. (4)
عيسى عليه السلام :بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ الحَكيمَ يَعتَبِرُ بِالجاهِلِ ، وَالجاهِلُ يَعتَبِرُ بِهَواهُ. (5)
لقمان عليه السلام :إنَّ أخلاقَ الحَكيمِ عَشرَةُ خِصالٍ : الوَرَعُ ، وَالعَدلُ ، وَالفِقهُ ، وَالعَفوُ ، وَالإِحسانُ ، وَالتَّيَقُّظُ ، وَالتَّحَفُّظُ ، وَالتَّذَكُّرُ ، وَالحَذَرُ ، وحُسنُ الخُلُقِ ، وَالقَصدُ. (6)
.
ص: 102
6 / 2ما لا يَنبَغي لِلحَكيمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَيسَ بِحَكيمٍ مَن لَم يُعاشِر بِالمَعروفِ مَن لا يَجِدُ مِن مُعاشَرَتِهِ بُدًّا حَتّى جَعَلَ اللّهُ لَهُ مِن ذلِكَ فَرَجاً. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :لَيسَ الحَكيمُ مَن لَم يُدارِ مَن لا يَجِدُ بُدًّا مِن مُداراتِهِ. (2)
عنه عليه السلام :لَيسَ بِحَكيمٍ مَن شَكا ضُرَّهُ إلى غَيرِ رَحيمٍ. (3)
عنه عليه السلام :لَيسَ بِحَكيمٍ مَنِ ابتَذَلَ بِانبِساطِهِ إلى غَيرِ حَميمٍ. (4)
عنه عليه السلام :لَيسَ الحَكيمُ مَن قَصَدَ بِحاجَتِهِ إلى غَيرِ كَريمٍ. (5)
عنه عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! اِعلَموا أنَّهُ لَيسَ بِعاقِلٍ مَنِ انزَعَجَ مِن قَولِ الزّورِ فيهِ ، ولا بِحَكيمٍ مَن رَضِيَ بِثَناءِ الجاهِلِ عَلَيهِ. (6)
عنه عليه السلام :خَمسٌ يُستَقبَحنَ مِن خَمسٍ : كَثرَةُ الفُجورِ مِنَ العُلَماءِ ، وَالحِرصُ فِي الحُكَماءِ، وَالبُخلُ فِي الأَغنِياءِ، وَالقِحَةُ (7) فِي النِّساءِ، ومِنَ المَشايِخِ الزِّنا. (8)
.
ص: 103
عنه عليه السلام :سَفَهُكَ عَلى مَن في دَرَجَتِكَ نِقارٌ كَنِقارِ الدّيكَينِ ، وهِراشٌ كَهِراشِ الكَلبَينِ ، ولَن يَفتَرِقا إلّا مَجروحَينِ أو مَفضوحَينِ ، ولَيسَ ذلِكَ فِعلَ الحُكَماءِ ولا سُنَّةَ العُقَلاءِ ، ولَعَلَّهُ أن يَحلُمَ عَنكَ فَيَكونَ أوزَنَ مِنكَ وأكرَمَ ، وأنتَ أنقَصَ مِنهُ وألأَمَ. (1)
عنه عليه السلام :الإِكثارُ يُزِلُّ الحَكيمَ ، ويُمِلُّ الحَليمَ ، فَلا تُكثِر فَتُضجِرَ ، وتُفَرِّط فَتُهَن. (2)
راجع : ص 369 (خصائص العلماء) .
.
ص: 104
. .
ص: 105
الفصل السابع : النّوادررسول اللّه صلى الله عليه و آله :كونوا يَنابيعَ الحِكمَةِ ، مَصابيحَ الهُدى ، أحلاسَ (1) البُيوتِ ، سُرُجَ اللَّيلِ ، جُدُدَ القُلوبِ ، خُلقانَ الثِّيابِ ، تُعرَفونَ في أهلِ السَّماءِ وتَخفَونَ في أهلِ الأَرضِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا حَليمَ إلّا ذو عَثرَةٍ ، ولا حَكيمَ إلّا ذو تَجرِبَةٍ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ في بَيانِ آثارِ الوُضوءِ وجَزاءِ عامِلِها _: أوَّلُ ما يَمَسُّ الماءَ يَتَباعَدُ عَنهُ الشَّيطانُ ، فَإِذا تَمَضمَضَ نَوَّرَ اللّهُ قَلبَهُ ولِسانَهُ بِالحِكمَةِ. (4)
.
ص: 106
عنه صلى الله عليه و آله :الإِيمانُ يَمانِيٌّ ، وَالحِكمَةُ يَمانِيَّةٌ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :أتاكُم أهلُ اليَمَنِ أضعَفَ قُلوباً وأرَقَّ أفئِدَةً ، الفِقهُ يَمانٍ ، وَالحِكمَةُ يَمانِيَّةٌ. (2)
عيسى عليه السلام :كَما تَرَكَ لَكُمُ المُلوكُ الحِكمَةَ فَدَعوا لَهُمُ الدُّنيا. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :التَّوَكُّلُ حِصنُ الحِكمَةِ. (4)
عنه عليه السلام :زَينُ الحِكمَةِ الزُّهدُ فِي الدُّنيا. (5)
عنه عليه السلام :جَمالُ الحِكمَةِ الرِّفقُ وحُسنُ المُداراةِ. (6)
عنه عليه السلام :بِالعِلمِ تُعرَفُ الحِكمَةُ. (7)
عنه عليه السلام :مَن عَلِمَ غَورَ العِلمِ صَدَرَ عَن شَرائِعِ الحِكَمِ. (8)
.
ص: 107
عنه عليه السلام :قَد يَزِلُّ الحَكيمُ. (1)
عنه عليه السلام :إنَّ كَلامَ الحُكَماءِ إذا كانَ صَواباً كانَ دَواءً ، وإذا كانَ خَطَأً كانَ داءً. (2)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ يَستَوحِشُ مِمّا يَأنَسُ بِهِ الحَكيمُ. (3)
عنه عليه السلام :النّاسُ يَستَحِلّونَ الحَريمَ ، ويَستَذِلّونَ الحَكيمَ ، يَحيَونَ عَلى فَترَةٍ ، ويَموتونَ عَلى كَفرَةٍ ... ثُمَّ يَأتي بَعدَ ذلِكَ طالِعُ الفِتنَةِ الرَّجوفِ ، وَالقاصِمَةِ الزَّحوفِ . . . تَغيضُ فيهَا الحِكمَةُ. (4)
عنه عليه السلام_ في وَصفِ المُؤمِنينَ في عَصرِ القائِمِ عليه السلام _: ويُغبَقونَ (5) كَأسَ الحِكمَةِ بَعدَ الصَّبوحِ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : إنّي لَستُ كُلَّ كَلامِ الحَكيمِ أتَقَبَّلُ ، إنَّما أتَقَبَّلُ هَواهُ وهَمَّهُ ، فَإِن كانَ هَواهُ وهَمُّهُ في رِضايَ جَعَلتُ هَمَّهُ تَقديساً وتَسبيحاً. (7)
.
ص: 108
. .
ص: 109
القسم السّادس : مبادئ المعرفةالفصل الأوّل : أدوات العلم والحكمةالفصل الثاني : سبل المعارف العقليّةالفصل الثالث : طرق المعارف القلبيّةالفصل الرابع : مبادئ الإلهامالفصل الخامس : نطاق المعرفة
.
ص: 110
. .
ص: 111
الفصل الأوّل : أدوات العلم والحكمة1 / 1الحِسّالكتاب«وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَ_تِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْ_ئا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصَ_رَ وَ الْأَفْ_ئدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :القَلبُ يَنبوعُ الحِكمَةِ ، وَالاُذُنُ مَغيضُها (2) . (3)
عنه عليه السلام :إنَّ مَحَلَّ الإِيمانِ الجَنانُ ، وسَبيلَهُ الاُذُنانِ. (4)
عنه عليه السلام :العُيونُ طَلائِعُ القُلوبِ. (5)
.
ص: 112
1 / 2العَقلالكتاب«كَذَ لِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَ_تِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» . (1)
«أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا» . (2)
«كَذَ لِكَ يُحْىِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ ءَايَ_تِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» . (3)
«لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَ_بًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» . 4
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :بِالعُقولِ تُنالُ ذُرْوَةُ العُلومِ. (4)
عنه عليه السلام :العَقلُ أصلُ العِلمِ وداعِيَةُ الفَهمِ. (5)
عنه عليه السلام :العَقلُ مَركَبُ العِلمِ. (6)
عنه عليه السلام :بِالعَقلِ استُخرِجَ غَورُ الحِكمَةِ ، وبِالحِكمَةِ استُخرِجَ غَورُ العَقلِ. (7)
.
ص: 113
عنه عليه السلام :لَيسَتِ الرَّوِيَّةُ (1) كَالمُعايَنَةِ مَعَ الإِبصارِ ؛ فَقَد تَكذِبُ العُيونُ أهلَها ، ولا يَغُشُّ العَقلُ مَنِ استَنصَحَهُ. (2)
عنه عليه السلام :لَيسَ الرُّؤيَةُ مَعَ الإِبصارِ ؛ قَد تَكذِبُ الأَبصارُ أهلَها. (3)
عنه عليه السلام :العُقولُ أئِمَّةُ الأَفكارِ ، وَالأَفكارُ أئِمَّةُ القُلوبِ ، وَالقُلوبُ أئِمَّةُ الحَواسِّ ، وَالحَواسُّ أئِمَّةُ الأَعضاءِ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :يَغوصُ العَقلُ عَلَى الكَلامِ فَيَستَخرِجُهُ مِن مَكنونِ الصَّدرِ ، كَما يَغوصُ الغائِصُ عَلَى اللُّؤلُ_ؤِ المُستَكِنَّةِ فِي البَحرِ. (5)
عنه عليه السلام :دِعامَةُ الإِنسانِ العَقلُ ، وَالعَقلُ مِنهُ الفِطنَةُ وَالفَهمُ وَالحِفظُ وَالعِلمُ ، وبِالعَقلِ يَكمُلُ ، وهُوَ دَليلُهُ ومُبصِرُهُ ومِفتاحُ أمرِهِ ، فَإِذا كانَ تَأييدُ عَقلِهِ مِنَ النّورِ كانَ عالِماً ، حافِظاً ، ذاكِراً ، فَطِناً ، فَهِماً ، فَعَلِمَ بِذلِكَ كَيفَ ولِمَ وحَيثُ ، وعَرَفَ مَن نَصَحَهُ ومَن غَشَّهُ ، فَإِذا عَرَفَ ذلِكَ عَرَفَ مَجراهُ ومَوصولَهُ ومَفصولَهُ ، وأخلَصَ الوَحدانِيَّةَ للّهِِ ، وَالإِقرارَ بِالطّاعَةِ ، فَإِذا فَعَلَ ذلِكَ كانَ مُستَدرِكاً لِما فاتَ ، ووارِداً عَلى ما هُوَ آتٍ ، يَعرِفُ ما هُوَ فيهِ ، و لِأَيِّ شَيءٍ هُوَ هاهُنا ، ومِن أينَ يَأتيهِ ، وإلى ما هُوَ صائِرٌ ، وذلِكَ كُلُّهُ مِن تَأييدِ العَقلِ. (6)
عنه عليه السلام_ مِن وَصِيَّةِ لُقمانَ لِابنِهِ _: إنَّ العاقِلَ إذا أبصَرَ بِعَينِهِ شَيئاً عَرَفَ الحَقَّ مِنهُ ،
.
ص: 114
وَالشّاهِدُ يَرى ما لا يَرَى الغائِبُ. (1)
راجع : ص 117 ح 1723 و 125 ح 1761 .
1 / 3القَلبُالكتاب«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما مِن عَبدٍ إلّا في وَجهِهِ عَينانِ يُبصِرُ بِهِما أمرَ الدُّنيا ، وعَينانِ في قَلبِهِ يُبصِرُ بِهِما أمرَ الآخِرَةِ ، فَإِذا أرادَ اللّهُ بِعَبدٍ خَيراً فَتَحَ عَينَيهِ الَّتي في قَلبِهِ ، فَأَبصَرَ بِهِما ما وُعِدَ بِالغَيبِ ومِمّا غيبَ ، فَآمَنَ الغَيبَ بِالغَيبِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :لَولا أنَّ الشَّياطينَ يَحومونَ عَلى قُلوبِ بَني آدَمَ لَنَظَروا إلَى المَلَكوتِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :لَولا تَمريغُ قُلوبِكُم أو تَزَيُّدُكُم فِي الحَديثِ لَسَمِعتُم ما أسمَعُ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدُّعاء _: إلهي هَب لي كَمالَ الانقِطاعِ إلَيكَ ، وأنِر أبصارَ قُلوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها إلَيكَ ، حَتّى تَخرِقَ أبصارُ القُلوبِ حُجُبَ النّورِ ، فَتَصِلَ إلى مَعدِنِ العَظَمَةِ ، وتَصيرَ أرواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدسِكَ. (6)
.
ص: 115
عنه عليه السلام :أعجَبُ ما فِي الإِنسانِ قَلبُهُ ، ولَهُ مَوادُّ مِنَ الحِكمَةِ وأضدادٌ مِن خِلافِها. (1)
عنه عليه السلام :الحِكمَةُ شَجَرَةٌ تَنبُتُ فِي القَلبِ ، وتُثمِرُ عَلَى اللِّسانِ. (2)
عنه عليه السلام :أرى نورَ الوَحيِ وَالرِّسالَةِ ، وأشُمُّ ريحَ النُّبُوَّةِ ، ولَقَد سَمِعتُ رَنَّةَ (رَنَةَ) الشَّيطانِ حينَ نَزَلَ الوَحيُ عَلَيهِ صلى الله عليه و آله فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما هذِهِ الرَّنَّةُ ؟ فَقالَ : هذَا الشَّيطانُ قَد أيِسَ مِن عِبادَتِهِ ، إنَّكَ تَسمَعُ ما أسمَعُ ، وتَرى ما أرى ، إلّا أ نَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ ، ولكِنَّكَ لَوَزيرٌ ، وإنَّكَ لَعَلى خَيرٍ. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :ألا إنَّ لِلعَبدِ أربَعَ أعيُنٍ : عَينانِ يُبصِرُ بِهِما أمرَ دينِهِ ودُنياهُ ، وعَينانِ يُبصِرُ بِهِما أمرَ آخِرَتِهِ ، فَإِذا أرادَ اللّهُ بِعَبدٍ خَيراً فَتَحَ لَهُ العَينَينِ اللَّتَينِ في قَلبِهِ ، فَأَبصَرَ بِهِمَا الغَيبَ في أمرِ آخِرَتِهِ ، وإذا أرادَ بِهِ غَيرَ ذلِكَ تَرَكَ القَلبَ بِما فيهِ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :ما مِن قَلبٍ إلّا ولَهُ اُذُنانِ : عَلى إحداهُما مَلَكٌ مُرشِدٌ ، وعَلَى الاُخرى شَيطانٌ مُفَتِّنٌ ، هذا يَأمُرُهُ وهذا يَزجُرُهُ ، الشَّيطانُ يَأمُرُهُ بِالمَعاصي وَالمَلَكُ يَزجُرُهُ عَنها ، وهُوَ قَولُ اللّهِ عز و جل : «عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» (5) . (6)
.
ص: 116
عنه عليه السلام :ما مِن مُؤمِنٍ إلّا ولِقَلبِهِ اُذُنانِ في جَوفِهِ : اُذُنٌ يَنفِثُ فيهَا الوَسواسُ الخَنّاسُ ، واُذُنٌ يَنفِثُ فيهَا المَلَكُ ، فَيُؤَيِّدُ اللّهُ المُؤمِنَ بِالمَلَكِ ، فَذلِكَ قَولُهُ : «وَ أَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ» (1) . (2)
عنه عليه السلام :إنَّ لِلقَلبِ اُذُ نَينِ ، روحُ الإِيمانِ يُسارُّهُ بِالخَيرِ ، وَالشَّيطانُ يُسارُّهُ بِالشَّرِّ ، فَأَيُّهُما ظَهَرَ عَلى صاحِبِهِ غَلَبَهُ. (3)
عنه عليه السلام_ لِسُلَيمانَ بنِ خالِدِ _: يا سُلَيمانُ ، إنَّ لَكَ قَلباً ومَسامِعَ ، وإنَّ اللّهَ إذا أرادَ أن يَهدِيَ عَبداً فَتَحَ مَسامِعَ قَلبِهِ ، وإذا أرادَ بِهِ غَيرَ ذلِكَ خَتَمَ مَسامِعَ قَلبِهِ فَلا يَصلُحُ أبَداً ، وهُوَ قَولُ اللّهِ تَعالى : «أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» (4) . (5)
راجع : ص 111 ح 1695 و 116 (المبدأ الأصلي لجميع الإدراكات) .
1 / 4المَبدَأُ الأَصلِيُّ لِجَميعِ الإِدراكاتِالإمام عليّ عليه السلام :القَلبُ مُصحَفُ الفِكرِ. (6)
عنه عليه السلام :القَلبُ مُصحَفُ البَصَرِ. (7)
عنه عليه السلام :القَلبُ يَنبوعُ الحِكمَةِ وَالاُذُنُ مَغيضُها. (8)
.
ص: 117
الإرشاد_ في مُناظَرَةِ الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام مَعَ أبي شاكِرٍ الدَّيصانِيّ _: قالَ أبو شاكِرٍ : ... قَد عَلِمتَ أنّا لا نَقبَلُ إلّا ما أدرَكناهُ بِأَبصارِنا ، أو سَمِعناهُ بِآذانِنا ، أو ذُقناهُ بِأَفواهِنا ، أو شَمَمناهُ بِاُنوفِنا ، أو لَمَسناهُ بِبَشَرَتِنا . فَقالَ أبو عَبدِاللّهِ عليه السلام : ذَكَرتَ الحَواسَّ الخَمسَ وهِيَ لا تَنفَعُ فِي الاِستِنباطِ إلّا بِدَليلٍ ، كَما لا تُقطَعُ الظُّلمَةُ بِغَيرِ مِصباحٍ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ في ذِكرِ مُناظَرَةٍ لَهُ مَعَ طَبيبٍ هِندِيٍّ _: قالَ : أخبِرني بِمَ تَحتَجُّ في مَعرِفَةِ رَبِّكَ الَّذي تَصِفُ قُدرَتَهُ ورُبوبِيَّتَهُ ، وإنَّما يَعرِفُ القَلبُ الأَشياءَ كُلَّها بِالدَّلالاتِ الخَمسِ الَّتي وَصَفتُ لَكَ ؟ قُلتُ : بِالعَقلِ الَّذي في قَلبي ، وَالدَّليلِ الَّذي أحتَجُّ بِهِ في مَعرِفَتِهِ ... أمّا إذا أبَيتَ إلَا الجَهالَةَ، وزَعَمتَ أنَّ الأَشياءَ لا يُدرَكُ إلّا بِالحَواسِّ، فَإِنّي اُخبِرُكَ أنَّهُ لَيسَ لِلحَواسِّ دَلالَةٌ عَلَى الأَشياءِ ، ولا فيها مَعرِفَةٌ إلّا بِالقَلبِ، فَإِنَّهُ دَليلُها ومُعَرِّفُهَا الأَشياءَ الَّتي تَدَّعي أنَّ القَلبَ لا يَعرِفُها إلّا بِها. (2)
الإمام الرضا عليه السلام :إنَّ كُلَّ ما أوجَدَتكَ الحَواسُّ فَهُوَ مَعنًى مُدرَكٌ لِلحَواسِّ، وكُلُّ حاسَّةٍ تَدُلُّ عَلى ما جَعَلَ اللّهُ عز و جل لَها في إدراكِها ، وَالفَهمُ مِنَ القَلبِ بِجَميعِ ذلِكَ كُلِّهِ. (3)
راجع : ص 114 (القلب) .
.
ص: 118
. .
ص: 119
أضواء على مبادئ المعرفةيتبيّن من الآيات والرّوايات الملحوظة في هذا الفصل أنّ في وجود الإنسان ثلاثة مبادئ للمعرفة ، وترتبط معارفه ومعلوماته بواحدٍ منها ، وهي :
أ _ الحسّإنّ الحواسّ الظّاهرة نوافذ ترتبط بها المعارف الأوّليّة عن الوجود ، وإذا أُغلقت إحداها فإنّ المعرفة الخاصّة بها تُسلَب من الإنسان ، كما قيل : «مَن فَقَد حِسّا فَقَد عِلما» .
ب _ العقلإنّه مركز الشّعور والإدراك ، ووظيفته إدراك الحُسن والقُبح في الأفعال وتركيب المفاهيم الّتي تنتقل إليه عن طريق الحواس ، وتجربتها ، وانتزاعها ، وتعميمها ، وتعميقها والتصديق والاستنتاج .
.
ص: 120
ج _ القلبلقد استُعمل في أربعة معانٍ هي : 1 _ مضخّة الدم (1) . 2 _ العقل (2) . 3 _ مركز المعارف الشّهوديّة (3) . 4 _ الرّوح (4) . وفي مباحث علم المعرفة عندما يُذكر القلب إلى جانب العقل كأحد مبادئ المعرفة ، فإنّما يراد به المعنى الثّالث ، وهو مركز المعارف الشّهوديّة . والنقطة المهمّة الّتي عُني بها في «1 / 4 . المبدأ الأصلي لجميع الإدراكات» هي أنّ المبدأ والمصدر الأصليّ لجميع إدراكات الإنسان وأحاسيسه هو روحه ، والمبادئ الثّلاثة للمعرفة _ أي الحسّ ، والعقل ، والقلب _ هي بمنزلة المسالك الّتي تتّصل الرّوح بالوجود عن طريقها ، من هنا ، حين يستعمل القلب في المعنى الثاني أو الثالث يُستعمل في الواقع في بُعدٍ من أبعاده أو درجة من درجاته (5) .
.
ص: 121
الفصل الثاني : سبل المعارف العقليّة2 / 1التَّفَكُّرالكتاب«وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ» . (1)
«فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» . (2)
«كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الْايَ_تِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . (3)
«إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . (4)
«لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» . (5)
«وَ تِلْكَ الْأَمْثَ_لُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» . (6)
.
ص: 122
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :لا عِلمَ كَالتَّفَكُّرِ. (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ التَّفَكُّرَ حَياةُ قَلبِ البَصيرِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الفِكرُ يَهدي. (3)
عنه عليه السلام :الفِكرُ إحدَى الهِدايَتَينِ. (4)
عنه عليه السلام :الفِكرُ يوجِبُ الاِعتِبارَ ، ويُؤمِنُ العِثارَ ، ويُثمِرُ الاِستِظهارَ. (5)
عنه عليه السلام :الفِكرُ مِرآةٌ صافِيَةٌ. (6)
عنه عليه السلام :الفِكرَةُ نورٌ ، وَالغَفلَةُ ضَلالَةٌ. (7)
عنه عليه السلام :الفِكرُ يُفيدُ الحِكمَةَ. (8)
.
ص: 123
عنه عليه السلام :فِكرُ العاقِلِ هِدايَةٌ. (1)
عنه عليه السلام :فِكرُكَ يَهديكَ إلَى الرَّشادِ. (2)
عنه عليه السلام :مَن أكثَرَ الفِكرَ فيما تَعَلَّمَ أتقَنَ عِلمَهُ ، وفَهِمَ ما لَم يَكُن يَفهَمُ. (3)
عنه عليه السلام :مَن تَفَكَّرَ أبصَرَ. (4)
عنه عليه السلام :مَن فَكَّرَ أبعَدَ العَواقِبَ. (5)
عنه عليه السلام :مَن طالَت فِكرَتُهُ حَسُنَت بَصيرَتُهُ. (6)
عنه عليه السلام :مَن فَهِمَ عَلِمَ غَورَ العِلمِ. (7)
عنه عليه السلام :تَفَكُّرُكَ يُفيدُكَ الاِستِبصارَ ويُكسِبُكَ الاِعتِبارَ. (8)
عنه عليه السلام :لا بَصيرَةَ لِمَن لا فِكرَ لَهُ. (9)
عنه عليه السلام :لا تُخلِ نَفسَكَ مِن فِكرَةٍ تَزيدُكَ حِكمَةً ، وعِبرَةٍ تُفيدُكَ عِصمَةً. (10)
عنه عليه السلام :لِقاحُ العِلمِ التَّصَوُّرُ وَالفَهمُ. (11)
عنه عليه السلام :العِلمُ بِالفَهمِ. (12)
.
ص: 124
عنه عليه السلام :الفَهمُ آيَةُ العِلمِ. (1)
عنه عليه السلام :الفَضائِلُ أربَعَةُ أجناسٍ : أحَدُهَا الحِكمَةُ ، وقِوامُها فِي الفِكرَةِ. (2)
عنه عليه السلام :رَحِمَ اللّهُ امرَأً تَفَكَّرَ فَاعتَبَرَ ، وَاعتَبَرَ فَأَبصَرَ. (3)
عنه عليه السلام :كَفى بِالفِكرِ رُشداً. (4)
عنه عليه السلام :رَأسُ الاِستِبصارِ الفِكرَةُ. (5)
عنه عليه السلام :أفكِر تَستَبصِر. (6)
الإمام الحسن عليه السلام :عَلَيكُم بِالفِكرِ ، فَإِنَّهُ حَياةُ قَلبِ البَصيرِ ، ومَفاتيحُ أبوابِ الحِكمَةِ. (7)
2 / 2التَّعَلُّمالكتاب«الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْاءِنسَ_نَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» . (8)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ. (9)
.
ص: 125
الإمام عليّ عليه السلام :مَن لَم يَتَعَلَّم لَم يَعلَم. (1)
عنه عليه السلام :مَن تَعَلَّمَ عَلِمَ. (2)
عنه عليه السلام :بِالتَّعَلُّمِ يُنالُ العِلمُ. (3)
عنه عليه السلام :تَعَلَّم تَعلَم ، وتَكَرَّم تُكرَم. (4)
عنه عليه السلام :اِسمَع تَعلَم ، وَاصمُت تَسلَم. (5)
عنه عليه السلام :مَنِ استَرشَدَ عَلِمَ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :دِراسَةُ العِلمِ لِقاحُ المَعرِفَةِ. (7)
الإمام الكاظم عليه السلام :العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَالتَّعَلُّمُ بِالعَقلِ يُعتَقَدُ ، ولا عِلمَ إلّا مِن عالِمٍ رَبّانِيٍّ ، ومَعرِفَةُ العِلمِ بِالعَقلِ. (8)
2 / 3العِبرَةالكتاب«أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى
.
ص: 126
الْأَبْصَ_رُ وَ لَ_كِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ» . (1)
«قُلْ سِيرُواْ فِى الْأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْاخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» . (2)
الحديثتفسير ابن كثير عن مالك بن دينار :أوحَى اللّهُ تَعالى إلى موسى عليه السلام : أن يا موسى اتَّخِذ نَعلَينِ مِن حَديدٍ وعَصاً ، ثُمَّ سِح فِي الأَرضِ وَاطلُبِ الآثارَ وَالعِبَرَ حَتّى تَتَخَرَّقَ النَّعلانِ وتُكسَرَ العَصا. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :مَنِ اعتَبَرَ أبصَرَ ، ومَن أبصَرَ فَهِمَ ، ومَن فَهِمَ عَلِمَ. (4)
عنه عليه السلام :مَنِ اعتَبَرَ بِعَقلِهِ استَبانَ. (5)
عنه عليه السلام :رَحِمَ اللّهُ امرَأً تَفَكَّرَ فَاعتَبَرَ ، وَاعتَبَرَ فَأَبصَرَ. (6)
عنه عليه السلام :دَوامُ الاِعتِبارِ يُؤَدّي إلَى الاِستِبصارِ ، ويُثمِرُ الاِزدِجارَ. (7)
عنه عليه السلام :في كُلِّ اعتِبارٍ اِستِبصارٌ. (8)
.
ص: 127
عنه عليه السلام :الاِعتِبارُ يَقودُ إلَى الرَّشادِ. (1)
عنه عليه السلام :الاِعتِبارُ يُفيدُكَ الرَّشادَ. (2)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: العِبرَةُ تورِثُ ثَلاثَةَ أشياءَ : العِلمَ بِما يَعمَلُ ، وَالعَمَلَ بِما يَعلَمُ ، وعِلمَ ما لَم يَعلَم. (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلى وسافِر فَفِي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ تَفَرُّجُ هَمٍّ واكتِسابُ مَعيشَةٍ وعِلمٌ وآدابٌ وصُحبَةُ ماجِدِ (4)
2 / 4التَّجرِبَةالإمام عليّ عليه السلام :العَقلُ عَقلانِ : عَقلُ الطَّبعِ ، وعَقلُ التَّجرِبَةِ ، وكِلاهُما يُؤَدِّي المَنفَعَةَ. (5)
عنه عليه السلام :فِي التَّجارِبِ عِلمٌ مُستَأنَفٌ. (6)
.
ص: 128
عنه عليه السلام :التَّجارِبُ عِلمٌ مُستَفادٌ. (1)
عنه عليه السلام :كُلُّ مَعرِفَةٍ تَحتاجُ إلَى التَّجارِبِ. (2)
2 / 5مَعرِفَةُ الأَضدادِالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ المُلهِمِ عِبادَهُ حَمدَهُ ، وفاطِرِهِم عَلى مَعرِفَةِ رُبوبِيَّتِهِ ، الدّالِّ عَلى وُجودِهِ بِخَلقِهِ ، وبِحُدوثِ خَلقِهِ عَلى أزَلِهِ ، وبِاشتِباهِهِم عَلى أن لا شِبهَ لَهُ. (3)
عنه عليه السلام :بِتَشعيرِهِ المَشاعِرَ عُرِفَ أن لا مَشعَرَ لَهُ ، وبِتَجهيرِهِ الجَواهِرَ عُرِفَ أن لا جَوهَرَ لَهُ ، وبِمُضادَّتِهِ بَينَ الأَشياءِ عُرِفَ أن لا ضِدَّ لَهُ ، وبِمُقارَنَتِهِ بَينَ الأَشياءِ عُرِفَ أن لا قَرينَ لَهُ. (4)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... الدّالِّ عَلى قِدَمِهِ بِحُدوثِ خَلقِهِ، وبِحُدوثِ خَلقِهِ عَلى وُجودِهِ ،
.
ص: 129
وبِاشتِباهِهِم عَلى أن لا شِبهَ لَهُ. (1)
عنه عليه السلام :اِعلَموا أنَّكُم لَن تَعرِفُوا الرُّشدَ حَتّى تَعرِفُوا الَّذي تَرَكَهُ ، ولَن (2) تَأخُذوا بِميثاقِ الكِتابِ حَتّى تَعرِفُوا الَّذي نَقَضَهُ ، ولَن تَمَسَّكوا بِهِ حَتّى تَعرِفُوا الَّذي نَبَذَهُ ، ولَن تَتلُوا الكِتابَ حَقَّ تِلاوَتِهِ حَتّى تَعرِفُوا الَّذي حَرَّفَهُ ، ولَن تَعرِفُوا الضَّلالَةَ حَتّى تَعرِفُوا الهُدى ، ولَن تَعرِفُوا التَّقوى حَتّى تَعرِفُوا الَّذي تَعَدّى. (3)
عنه عليه السلام :إنَّما يُعرَفُ قَدرُ النِّعَمِ بِمُقاساةِ ضِدِّها. (4)
.
ص: 130
. .
ص: 131
الفصل الثالث : طرق المعارف القلبيّة3 / 1الوَحيالكتاب«عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى» . (1)
«وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ» . (2)
«عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ» . (3)
«وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَ_بِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِلمُ ميراثي وميراثُ الأَنبِياءِ قَبلي. (5)
.
ص: 132
عنه صلى الله عليه و آله :إنّا أهلُ بَيتٍ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ ، ومَوضِعُ الرِّسالَةِ ، ومُختَلَفُ المَلائِكَةِ ، وبَيتُ الرَّحمَةِ ، ومَعدِنُ العِلمِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إذَا التَبَسَت عَلَيكُمُ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ فَعَلَيكُم بِالقُرآنِ . . . لَهُ ظَهرٌ وبَطنٌ ؛ فَظاهِرُهُ حُكمٌ ، وباطِنُهُ عِلمٌ . . . فيهِ مَصابيحُ الهُدى ، ومَنارُ الحِكمَةِ ، ودَليلٌ عَلَى المَعرِفَةِ لِمَن عَرَفَ الصِّفَةَ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ القُرآنِ _: مَنِ ابتَغَى العِلمَ في غَيرِهِ أضَلَّهُ اللّهُ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :القُرآنُ أفضَلُ الهِدايَتَينِ. (4)
عنه عليه السلام_ في وَصفِ قُدرَةِ اللّهِ سُبحانَهُ _: هُوَ الَّذي أسكَنَ الدُّنيا خَلقَهُ ، وبَعَثَ إلَى الجِنِّ وَالإِنسِ رُسُلَهُ لِيَكشِفوا لَهُم عَن غِطائِها. (5)
عنه عليه السلام :كَلامُ اللّهِ شِفاءٌ. (6)
.
ص: 133
عنه عليه السلام :تَعَلَّمُوا القُرآنَ فَإِنَّهُ أحسَنُ الحَديثِ ، وتَفَقَّهوا فيهِ فَإِنَّهُ رَبيعُ القُلوبِ ، وَاستَشفوا بِنورِهِ فَإِنَّهُ شِفاءُ الصُّدورِ. (1)
عنه عليه السلام_ في وَصفِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _: سِراجٌ لَمَعَ ضَوؤُهُ ، وشِهابٌ سَطَعَ نورُهُ ، وزَندٌ بَرَقَ لَمعُهُ. (2)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ القُرآنِ _: هُوَ رَبيعُ القُلوبِ ويَنابيعُ العِلمِ ، وهُوَ الصِّراطُ المُستَقيمُ ، هُوَ هُدًى لِمَنِ ائتَمَّ بِهِ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :في كِتابِ اللّهِ نَجاةٌ مِنَ الرَّدى ، وبَصيرَةٌ مِنَ العَمى ، ودَليلٌ إلَى الهُدى. (4)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل أنزَلَ فِي القُرآنِ تِبياناً لِكُلِّ شَيءٍ ، حَتّى وَاللّهِ ما تَرَكَ شَيئاً يَحتاجُ إلَيهِ العَبدُ ، حَتّى وَاللّهِ ما يَستَطيعُ عَبدٌ أن يَقولَ : لَو كانَ فِي القُرآنِ هذا، إلّا وقَد أنزَلَهُ اللّهُ فيهِ ! (5)
عنه عليه السلام :كانَ في وَصِيَّةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام لِأَصحابِهِ : اِعلَموا أنَّ القُرآنَ هُدَى اللَّيلِ وَالنَّهارِ ، ونورُ اللَّيلِ المُظلِمِ عَلى ما كانَ مِن جُهدٍ وفاقَةٍ. (6)
.
ص: 134
الكافي عن عبد الأعلى :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : أصلَحَكَ اللّهُ ، هَل جُعِلَ فِي النّاسِ أداةٌ يَنالونَ بِهَا المَعرِفَةَ ؟ فَقالَ : لا . قُلتُ : فَهَل كُلِّفُوا المَعرِفَةَ ؟ قالَ : لا ، عَلَى اللّهِ البَيانُ «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا وُسْعَهَا» (1) ، و «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا مَا ءَاتَاهَا» (2) . (3)
قرب الإسناد عن البزنطيّ :قُلتُ لِأَبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : لِلنّاسِ فِي المَعرِفَةِ صُنعٌ ؟ قالَ : لا . قُلتُ : لَهُم عَلَيها ثَوابٌ ؟ قالَ : يَتَطَوَّلُ عَلَيهِم بِالثَّوابِ كَما يَتَطَوَّلُ عَلَيهِم بِالمَعرِفَةِ. (4)
راجع : ص 193 (القرآن) .
3 / 2الإِلهامالكتاب«فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا ءَاتَيْنَ_هُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَ عَلَّمْنَ_هُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا» . (5)
.
ص: 135
«وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَ لَا تَخَافِى وَ لَا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا أرادَ اللّهُ بِعَبدٍ خَيرا فَقَّهَهُ فِي الدّينِ وألهَمَهُ رُشدَهُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :سَأَلتُ جَبرَئيلَ عَن عِلمِ الباطِنِ ، فَقالَ : سَأَلتُ اللّهَ عز و جل عَن عِلمِ الباطِنِ ، فَقالَ : هُوَ سِرٌّ بَيني وبَينَ أحبابي وأولِيائيوأصفِيائي ، اُودِعُهُ في قُلوبِهِم ، لايَطَّلِعُ عَلَيهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُرسَلٌ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :عِلمُ الباطِنِ سِرٌّ مِن سِرِّ اللّهِ عز و جل ، وحُكمٌ مِن حُكمِ اللّهِ ، يَقذِفُهُ في قُلوبِ مَن يَشاءُ مِن أولِيائِهِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ مِنَ العِلمِ كَهَيئَةِ المَكنونِ لايَعلَمُهُ إلَا العُلَماءُ بِاللّهِ ، فَإِذا نَطَقوا بِهِ لا يُنكِرُهُ إلّا أهلُ الغِرَّةِ بِاللّهِ عز و جل. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :مِن خَزائِنِ الغَيبِ تَظهَرُ الحِكمَةُ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ» (7) _:
.
ص: 136
يَحولُ بَينَهُ وبَينَ أن يَعلَمَ أنَّ الباطِلَ حَقٌّ. (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :مَن لَم يَعقِل عَنِ اللّهِ لَم يَعقِد قَلبَهُ عَلى مَعرِفَةٍ ثابِتَةٍ يُبصِرُها ويَجِدُ حَقيقَتَها في قَلبِهِ. (2)
الإمام الرضا عليه السلام :إنَّ العَبدَ إذَا اختارَهُ اللّهُ عز و جل لِاُمورِ عِبادِهِ شَرَحَ صَدرَهُ لِذلِكَ ، وأودَعَ قَلبَهُ يَنابيعَ الحِكمَةِ ، وألهَمَهُ العِلمَ إلهاماً. (3)
الاختصاص عن الحارث بن المغيرة :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : ما عِلمُ عالِمِكُم ، أجُملَةٌ يُقذَفُ في قَلبِهِ أو يُنكَتُ في اُذُنِهِ ؟ فَقالَ : وَحيٌ كَوَحيِ اُمِّ موسى. (4)
راجع : ص 21 (الفصل الأوّل: حقيقة العلم) و 141 (الفصل الرابع: مبادئ الإلهام)، أهل البيت في الكتاب والسنَّة : القسم الرابع / الفصل الثالث / الإلهام .
3 / 3الوَسوَسَةالكتاب«وَإِنَّ الشَّيَ_طِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ» . (5)
.
ص: 137
«وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَ_نُ أَعْمَ__لَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِى ءٌ مِّنكُمْ إِنِّى أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ» . (1)
«إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَ_رِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَ_نُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلَى لَهُمْ» . (2)
«الشَّيْطَ_نُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَ سِعٌ عَلِيمٌ» . (3)
«وَ مِنَ النَّاسِ مَن يُجَ_دِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَ_نٍ مَّرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَ يَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ» . (4)
«يَ_بَنِى ءَادَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَ_نُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَ تِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَ_طِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ» . (5)
«وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شَارِكْهُمْ فِى الْأَمْوَ لِ وَ الْأَوْلَ_دِ وَعِدْهُمْ وَ مَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَ_نُ إِلَا غُرُورًا» . (6)
«لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَامُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ الْأَنْعَ_مِ وَلَامُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَ_نَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَ_نُ إِلَا غُرُورًا» . (7)
.
ص: 138
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَةٍ لَهُ يَذُمُّ فيها أتباعَ الشَّيطانِ _: اِتَّخَذُوا الشَّيطانَ لِأَمرِهِم مِلاكاً ، وَاتَّخَذَهُم لَهُ أشراكاً ، فَباضَ وفَرَّخَ في صُدورِهِم ، ودَبَّ ودَرَجَ في حُجورِهِم ، فَنَظَرَ بِأَعيُنِهِم ، ونَطَقَ بِأَلسِنَتِهِم ، فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ ، وزَيَّنَ لَهُمُ الخَطَلَ ، فِعلَ مَن قَد شَرِكَهُ الشَّيطانُ في سُلطانِهِ ، ونَطَقَ بِالباطِلِ عَلى لِسانِهِ. (1)
عنه عليه السلام :اِحذَروا عَدُوًّا نَفَذَ فِي الصُّدورِ خَفِيًّا ، ونَفَثَ فِي الآذانِ نَجِيًّا. (2)
عنه عليه السلام :الشَّيطانُ مُوَكَّلٌ بِهِ [أي العَبد] ، يُزَيِّنُ لَهُ المَعصِيَةَ لِيَركَبَها ، ويُمَنّيهِ التَّوبَةَ لِيُسَوِّفَها. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي الشُّكرِ _: فَلَولا أنَّ الشَّيطانَ يَختَدِعُهُم عَن طاعَتِكَ ما عَصاكَ عاصٍ ، ولَولا أنَّهُ صَوَّرَ لَهُمُ الباطِلَ في مِثالِ الحَقِّ ما ضَلَّ عَن طَريقِكَ ضالٌّ. (4)
منية المريد :رُوِيَ أنَّ رَجُلًا قالَ لِلحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليهم السلام : اِجلِس حَتّى نَتَناظَرَ فِي الدّينِ ، فَقالَ : يا هذا أ نَا بَصيرٌ بِديني مَكشوفٌ عَلَيَّ هُدايَ ، فَإِن كُنتَ جاهِلًا بِدينِكَ فَاذهَب فَاطلُبهُ ، ما لي ولِلمُماراةِ ؟ وإنَّ الشَّيطانَ لَيُوَسوِسُ لِلرَّجُلِ ويُناجيهِ ويَقولُ : ناظِرِ النّاسَ لِئَلّا يَظُنّوا بِكَ العَجزَ وَالجَهلَ. (5)
.
ص: 139
الإمام الصادق عليه السلام_ فِي احتِجاجِهِ عَلى زِنديقٍ قالَ لَهُ : أفَمِن حِكمَتِهِ أن جَعَلَ لِنَفسِهِ عَدُوًّا ، وقَد كانَ ولا عَدُوَّ لَهُ ، فَخَلَقَ كَما زَعَمتَ «إبليسَ» فَسَلَّطَهُ عَلى عَبيدِهِ يَدعوهُم إلى خِلافِ طاعَتِهِ ، ويَأمُرُهُم بِمَعصِيَتِهِ ، وجَعَلَ لَهُ مِنَ القُوَّةِ ، كَما زَعَمتَ ، يَصِلُ بِلُطفِ الحيلَةِ إلى قُلوبِهِم ، فَيُوَسوِسُ إلَيهِم فَيُشَكِّكُهُم في رَبِّهِم ، ويُلَبِّسُ عَلَيهِم دينَهُم ، فَيُزيلُهُم عَن مَعرِفَتِهِ ، حَتّى أنكَرَ قَومٌ لَمّا وَسوَسَ إلَيهِم رُبوبِيَّتَهُ وعَبَدوا سِواهُ ، فَلِمَ سَلَّطَ عَدُوَّهُ عَلى عَبيدِهِ ، وجَعَلَ لَهُ السَّبيلَ إلى إغوائِهِم ؟ ! قالَ عليه السلام _: إنَّ هذَا العَدُوَّ الَّذي ذَكَرتَ لا تَضُرُّهُ عَداوَتُهُ ، ولا تَنفَعُهُ وَلايَتُهُ . وعَداوَتُهُ لا تَنقُصُ مِن مُلكِهِ شَيئاً ، ووَلايَتُهُ لا تَزيدُ فيهِ شَيئاً ، وإنَّما يُتَّقَى العَدُوُّ إذا كانَ في قُوَّةٍ يَضُرُّ ويَنفَعُ ، إن هَمَّ بِمُلكٍ أخَذَهُ ، أو بِسُلطانٍ قَهَرَهُ ، فَأَمّا إبليسُ فَعَبدٌ ، خَلَقَهُ لِيَعبُدَهُ ويُوَحِّدَهُ ، وقَد عَلِمَ حينَ خَلَقَهُ ما هُوَ وإلى ما يَصيرُ إلَيهِ ، فَلَم يَزَل يَعبُدُهُ مَعَ مَلائِكَتِهِ حَتَّى امتَحَنَهُ بِسُجودِ آدَمَ ، فَامتَنَعَ مِن ذلِكَ حَسَداً وشَقاوَةً غَلَبَت عَلَيهِ ، فَلَعَنَهُ عِندَ ذلِكَ ، وأخرَجَهُ عَن صُفوفِ المَلائِكَةِ ، وأنزَلَهُ إلَى الأَرضِ مَلعوناً مَدحوراً ، فَصارَ عَدُوَّ آدَمَ ووُلدِهِ بِذلِكَ السَّبَبِ ، وما لَهُ مِنَ السَّلطَنَةِ عَلى وُلدِهِ إلَا الوَسوَسَةُ ، وَالدُّعاءُ إلى غَيرِ السَّبيلِ ، وقَد أقَرَّ مَعَ مَعصِيَتِهِ لِرَبِّهِ بِرُبوبِيَّتِهِ. (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في مُناجاتِهِ _: إلهي أشكو إلَيكَ عَدُوًّا يُضِلُّني ، وشَيطاناً يُغويني ، قَد مَلَأَ بِالوَسواسِ صَدري ، وأحاطَت هَواجِسُهُ بِقَلبي ، يُعاضِدُ لِيَ الهَوى ، ويُزَيِّنُ لي حُبَّ الدُّنيا ، ويَحولُ بَيني وبَينَ الطّاعَةِ وَالزُّلفى. (2)
.
ص: 140
تفسير العيّاشي عن هارون بن خارجة عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :قُلتُ لَهُ : إنّي أفرَحُ مِن غَيرِ فَرَحٍ أراهُ في نَفسي ولا في مالي ولا في صَديقي ، وأحزَنُ مِن غَيرِ حُزنٍ أراهُ في نَفسي ولا في مالي ولا في صَديقي ؟ قالَ : نَعَم ، إنَّ الشَّيطانَ يُلِمُّ (1) بِالقَلبِ فَيَقولُ : لَو كانَ لَكَ عِندَ اللّهِ خَيراً ما أدالَ (2) عَلَيكَ عَدُوَّكَ ، ولا جَعَلَ بِكَ إلَيهِ حاجَةً ، هَل تَنتَظِرُ إلّا مِثلَ الَّذِي انتَظَرَ الَّذينَ مِن قَبلِكَ فَهَل قالوا شَيئاً ؟ فَذاكَ الَّذي يَحزَنُ مِن غَيرِ حُزنٍ . وأمَّا الفَرَحُ فَإِنَّ المَلَكَ يُلِمُّ بِالقَلبِ فَيَقولُ : إن كانَ اللّهُ أراكَ عَلَيكَ عَدُوَّكَ وجَعَلَ بِكَ إلَيهِ حاجَةً ، فَإِنَّما هِيَ أيّامٌ قَلائِلُ أبشِر بِمَغفِرَةٍ مِنَ اللّهِ وفَضلٍ . وهُوَ قَولُ اللّهِ : «الشَّيْطَ_نُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً» . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً نَكَتَ في قَلبِهِ نُكتَةً بَيضاءَ ، وفَتَحَ مَسامِعَ قَلبِهِ ، ووَكَّلَ بِهِ مَلَكاً يُسَدِّدُهُ ، وإذا أرادَ بِعَبدٍ سوءاً نَكَتَ في قَلبِهِ نُكتَةً سَوداءَ وشَدَّ عَلَيهِ مَسامِعَ قَلبِهِ ، ووَكَّلَ بِهِ شَيطاناً يُضِلُّهُ . ثُمَّ تَلا هذِهِ الآيَةَ : «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَ_مِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا» الآية (4) . (5)
.
ص: 141
الفصل الرابع : مبادئ الإلهام4 / 1الإِيمانالكتاب«وَ مَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الإِيمانُ عُريانٌ ، ولِباسُهُ التَّقوى ، وزينَتُهُ الحَياءُ ، ومالُهُ الفِقهُ ، وثَمَرَتُهُ العِلمُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :خَمسٌ لا يَجتَمِعنَ إلّا في مُؤمِنٍ حَقًّا يُوجِبُ اللّهُ لَهُ بِهِنَّ الجَنَّةَ : النّورُ فِي القَلبِ ، وَالفِقهُ فِي الإِسلامِ ، وَالوَرَعُ فِي الدّينِ ، وَالمَوَدَّةُ فِي النّاسِ ، وحُسنُ السَّمتِ فِي الوَجهِ. (3)
.
ص: 142
الإمام عليّ عليه السلام_ من خُطبَةٍ يَذكُرُ فيهَا الإِيمانَ ودَعائِمَهُ _: إنَّ اللّهَ . . . ارتَضَى الإِيمانَ . . . وجَعَلَهُ عِزًّا لِمَن والاهُ . . . وبُرهاناً لِمَن تَكَلَّمَ بِهِ ، وشَرَفاً لِمَن عَرَفَهُ ، وحِكمَةً لِمَن نَطَقَ بِهِ ، ونوراً لِمَنِ استَضاءَ بِهِ. (1)
راجع : ص 44 (كمال الإيمان) ص 53 (الإيمان) .
4 / 2الإِخلاصالكتاب«وَ الَّذِينَ جَ_هَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما أخلَصَ عَبدٌ للّهِِ عز و جل أربَعينَ صَباحاً إلّا جَرَت يَنابيعُ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :عِندَ تَحَقُّقِ الإِخلاصِ تَستَنيرُ البَصائِرُ. (4)
عنه عليه السلام :هُدِيَ مَن أخلَصَ إيمانَهُ. (5)
راجع : ص 147 ح 1842 و 245 (الإخلاص) و 269 (التعلّم لغير اللّه ) و 343 (الإخلاص) و 434 (الرياء).
.
ص: 143
4 / 3حُبُّ أهلِ البَيتِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أرادَ الحِكمَةَ فَليُحِبَّ أهلَ بَيتي. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :ألا ومَن أحَبَّ عَلِيًّا أثبَتَ اللّهُ في قَلبِهِ الحِكمَةَ ، وأجرى عَلى لِسانِهِ الصَّوابَ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن أحَبَّنا أهلَ البَيتِ وحَقَّقَ حُبَّنا في قَلبِهِ جَرى يَنابيعُ الحِكمَةِ عَلى لِسانِهِ. (3)
4 / 4خَشيَةُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَو خِفتُمُ اللّهَ حَقَّ خيفَتِهِ لَعَلِمتُمُ العِلمَ الَّذي لا جَهلَ مَعَهُ ، ولَو عَرَفتُمُ اللّهَ حَقَّ مَعرِفَتِهِ لَزالَت بِدُعائِكُمُ الجِبالُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :خَشيَةُ اللّهِ مِفتاحُ كُلِّ حِكمَةٍ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن خَشِيَ اللّهَ كَمُلَ عِلمُهُ. (6)
.
ص: 144
عنه عليه السلام :إنَّ مِن أحَبِّ عِبادِ اللّهِ إلَيهِ عَبداً أعانَهُ اللّهُ عَلى نَفسِهِ ، فَاستَشعَرَ الحُزنَ ، وتَجَلبَبَ الخَوفَ ، فَزَهَرَ مِصباحُ الهُدى في قَلبِهِ. (1)
4 / 5العَمَلالكتاب«إِن تُطِيعُوهُ تهْتَدُواْ» . (2)
«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ ءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَ يَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن عَمِلَ بِما يَعلَمُ وَرَّثَهُ اللّهُ عِلمَ ما لَم يَعلَم. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن عَلِمَ عِلماً أتَمَّ اللّهُ لَهُ أجرَهُ ، ومَن تَعَلَّمَ فَعَمِلَ عَلَّمَهُ اللّهُ ما لَم يَعلَم. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :ما زَكا العِلمُ بِمِثلِ العَمَلِ بِهِ. (6)
.
ص: 145
الإمام زين العابدين عليه السلام :العَمَلُ وِعاءُ الفَهمِ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن عَمِلَ بِما عَلِمَ كُفِيَ ما لَم يَعلَم. (2)
راجع : ص 45 (شرط العمل) و 57 (العمل) و 396 (العمل) و 426 (ترك العمل) و 473 (الفصل السادس: علماء السوء) .
4 / 6الصَّلاةرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لِلمُصَلّي حُبُّ المَلائِكَةِ ، وهُدًى ، وإيمانٌ ، ونورُ المَعرِفَةِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :صَلاةُ اللَّيلِ مَرضاةٌ لِلرَّبِّ ، وحُبُّ المَلائِكَةِ ، وسُنَّةُ الأَنبِياءِ ، ونورُ المَعرِفَةِ ، وأصلُ الإِيمانِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ العَبدَ إذا تَخَلّى بِسَيِّدِهِ في جَوفِ اللَّيلِ المُظلِمِ وناجاهُ أثبَتَ اللّهُ النّورَ في قَلبِهِ ، فَإِذا قالَ : يا رَبِّ يا رَبِّ ، ناداهُ الجَليلُ جَلَّ جَلالُهُ : لَبَّيكَ عَبدي ، سَلني اُعطِكَ ، وتَوَكَّل عَلَيَّ أكفِكَ . ثُمَّ يَقولُ جَلَّ جَلالُهُ لِمَلائِكَتِهِ : يا مَلائِكَتِي ، انظُروا إلى عَبدي فَقَد تَخَلّى بي في جَوفِ اللَّيلِ المُظلِمِ وَالبَطّالونَ لاهونَ وَالغافِلونَ نِيامٌ ، اِشهَدوا أنّي قَد غَفَرتُ لَهُ. (5)
.
ص: 146
4 / 7الصَّومالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله سَألَ رَبَّهُ لَيلَةَ المِعراجِ فَقالَ : ... يا رَبِّ ، وما ميراثُ (1) الصَّومِ ؟ قالَ : الصَّومُ يورِثُ الحِكمَةَ ، وَالحِكمَةُ تورِثُ المَعرِفَةَ ، وَالمَعرِفَةُ تورِثُ اليَقينَ. (2)
راجع : ص 148 (قلّة الأكل) و 186 (كثرة الأكل) و 267 (الاعتدال في الأكل) .
4 / 8الزُّهدرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِأَصحابِهِ _: هَل مِنكُم مَن يُريدُ أن يُؤتِيَهُ اللّهُ عِلماً بِغَيرِ تَعَلُّمٍ وهُدًى بِغَيرِ هِدايَةٍ ؟ هَل مِنكُم مَن يُريدُ أن يُذهِبَ اللّهُ عَنهُ العَمى ويَجعَلَهُ بَصيراً ؟ ألا إنَّهُ مَن رَغِبَ فِي الدُّنيا وأطالَ أمَلَهُ فيها أعمَى اللّهُ قَلبَهُ عَلى قَدرِ ذلِكَ ، ومَن زَهَدَ فِي الدُّنيا وقَصَّرَ أمَلَهُ فيها أعطاهُ اللّهُ عِلماً بِغَيرِ تَعَلُّمٍ ، وهُدًى بِغَيرِ هِدايَةٍ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا رَأَيتُمُ الرَّجُلَ قَد اُعطِيَ زُهداً فِي الدُّنيا وقِلَّةَ مَنطِقٍ ، فَاقتَرِبوا مِنهُ ، فَإِنَّهُ يُلقِي الحِكمَةَ. (4)
.
ص: 147
الإمام عليّ عليه السلام :بِالزُّهدِ تُثمِرُ الحِكمَةُ. (1)
عنه عليه السلام :مَن زَهَدَ فِي الدُّنيا ولَم يَجزَع مِن ذُلِّها ولَم يُنافِس في عِزِّها ، هَداهُ اللّهُ بِغَيرِ هِدايَةٍ مِن مَخلوقٍ ، وعَلَّمَهُ بِغَيرِ تَعليمٍ ، وأثبَتَ الحِكمَةَ في صَدرِهِ وأجراها عَلى لِسانِهِ. (2)
4 / 9أكلُ الحَلالِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أكَلَ مِنَ الحَلالِ صَفا قَلبُهُ ورَقَّ ، ودَمَعَت عَيناهُ ، ولَم يَكُن لِدَعوَتِهِ حِجابٌ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أكَلَ الحَلالَ أربَعينَ يَوماً ، نَوَّرَ اللّهُ قَلبَهُ ، وأجرى يَنابيعَ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن أخلَصَ للّهِِ أربَعينَ صَباحاً ، يَأكُلُ الحَلالَ ، صائِماً نَهارَهُ ، قائِماً لَيلَهُ ، أجرَى اللّهُ سُبحانَهُ يَنابيعَ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ. (5)
.
ص: 148
عنه عليه السلام :ضِياءُ القَلبِ مِن أكلِ الحَلالِ. (1)
راجع: ص 172 ح 1924.
تعليق :يظهر من التأمّل في الأحاديث التي تدلّ على دور الطعام الحلال في قبول العبادات ، وأنّ العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل ، أنّ لهذا المبدأ دورا أساسيّا في تأثير ساير مبادئ العلم وَالحكمة ، فراجع وتأمّل .
4 / 10قِلَّةُ الأَكلِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا أقَلَّ الرَّجُلُ الطُّعمَ مَلَأَ جَوفَهُ نوراً. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :نورُ الحِكمَةِ الجوعُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن سَرَّهُ أن يُخَلِّصَ نَفسَهُ مِن إبليسَ فَليُذِب (4) شَحمَهُ ولَحمَهُ بِقِلَّةِ الطَّعامِ، فَإِنَّ مِن قِلَّةِ الطَّعامِ حُضورَ المَلائِكَةِ، وكَثرَةَ التَّفكيرِ فيما عِندَ اللّهِ عز و جل . (5)
.
ص: 149
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله سَأَلَ رَبَّهُ سُبحانَهُ لَيلَةَ المِعراجِ فَقالَ : . . . يا رَبِّ ما ميراثُ الجوعِ؟ قالَ : الحِكمَةُ ، وحِفظُ القَلبِ ، وَالتَّقَرُّبُ إلَيَّ ، وَالحُزنُ الدّائِمُ، وخِفَّةُ المُؤنَةِ بَينَ النّاسِ ، وقَولُ الحَقِّ ، ولا يُبالي عاشَ بِيُسرٍ أم بِعُسرٍ . . . يا أحمَدُ ، إنَّ العَبدَ إذا جاعَ بَطنُهُ وحَفِظَ لِسانَهُ عَلَّمتُهُ الحِكمَةَ ، وإن كانَ كافِراً تَكونُ حِكمَتُهُ حُجَّةً عَلَيهِ ووَبالًا ، وإن كانَ مُؤمِناً تَكونُ حِكمَتُهُ لَهُ نوراً وبُرهاناً وشِفاءً ورَحمَةً ، فَيَعلَمُ ما لَم يَكُن يَعلَمُ ، ويُبصِرُ ما لَم يَكُن يُبصِرُ ، فَأَوَّلُ ما اُبَصِّرُهُ عُيوبَ نَفسِهِ حَتّى يُشغَلَ بِها عَن عُيوبِ غَيرِهِ ، واُبَصِّرُهُ دَقائِقَ العِلمِ حَتّى لا يَدخُلَ عَلَيهِ الشَّيطانُ. (1)
راجع : ص 146 (الصوم) و 186 (كثرة الأكل) و 267 (الاعتدال في الأكل) .
4 / 11الدُّعاءرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أرِنَا الحَقائِقَ كَما هِيَ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ يَ_ومَ الجُمُعَةِ _: اللّهُمَّ اغفِر لِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ ، وَالمُسلِمينَ وَالمُسلِماتِ ، اللّهُمَّ اجعَلِ التَّقوى زادَهُم ، وَالإِيمانَ وَالحِكمَةَ في قُلوبِهِم. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: وهَب لي نوراً أمشي بِهِ فِي النّاسِ ، وأهتَدي بِهِ
.
ص: 150
فِي الظُّلُماتِ ، وأستَضيءُ بِهِ مِنَ الشَّكِّ وَالشُّبُهاتِ. (1)
عنه عليه السلام_ أيضا _: وكُن لي عِندَ أحسَنِ ظَنّي بِكَ يا أكرَمَ الأَكرَمينَ ، وأيِّدني بِالعِصمَةِ ، وأنطِق لِساني بِالحِكمَةِ. (2)
الاحتجاج عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحِميَريّ :خَرَجَ التَّوقيعُ مِنَ النّاحِيَةِ المُقَدَّسَةِ حَرَسَهَا اللّهُ تَعالى : ... اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ نَبِيِّ رَحمَتِكَ وكَلِمَةِ نورِكَ ، وأن تَملَأَ قَلبي نورَ اليَقينِ ... وبَصَري نورَ الضِّياءِ ، وسَمعي نورَ وَعيِ الحِكمَةِ. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ أعطِني بَصيرَةً في دينِكَ ، وفَهماً في حُكمِكَ ، وفِقهاً في عِلمِكَ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :رَبِّ ... أسأَلُكَ بِاسمِكَ العَظيمِ ... النّورَ عِندَ الظُّلمَةِ ، وَالبَصيرَةَ عِندَ تَشَبُّهِ الفِتنَةِ. (5)
عنه عليه السلام :أسأَلُكَ اللّهُمَّ الهُدى مِنَ الضَّلالَةِ، وَالبَصيرَةَ مِنَ العَمى، وَالرُّشدَ مِنَ الغَوايَةِ. (6)
.
ص: 151
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ ... اجعَلِ النّورَ في بَصَري ، وَالبَصيرَةَ في ديني. (1)
راجع: ص 423 (الاستعانة باللّه في زيادة العلم) .
تنبيه :إنَّ مبادئ الإلهام لا تقتصر على الموارد المذكورة، فسنتحدّث عن مبادئ الإلهام في الفصل الثّاني من القسم الرّابع تحت عنوان «ما يزيل الحُجُب» .
.
ص: 152
. .
ص: 153
الفصل الخامس : نطاق المعرفة5 / 1مالا سَبيلَ لِلعَقلِ إلى مَعرِفَتِهِأ _ حَقيقَةُ اللّهِالكتاب«يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا» . (1)
«وَالرَّ سِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :اُنظُر أيُّهَا السّائِلُ ، فَما دَلَّكَ القُرآنُ عَلَيهِ مِن صِفَتِهِ فَائتَمَّ بِهِ ، وَاستَضِئ بِنورِ هِدايَتِهِ . وما كَلَّفَكَ الشَّيطانُ عِلمَهُ مِمّا لَيسَ فِي الكِتابِ عَلَيكَ فَرضُهُ ولا في سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وأئِمَّةِ الهُدى أثَرُهُ ، فَكِل عِلمَهُ إلَى اللّهِ سُبحانَهُ ، فَإِنَّ ذلِكَ مُنتَهى حَقِّ اللّهِ عَلَيكَ .
.
ص: 154
وَاعلَم أنَّ الرّاسِخينَ فِي العِلمِ هُمُ الَّذينَ أغناهُم عَنِ اقتِحامِ السُّدَدِ (1) المَضروبَةِ دونَ الغُيوبِ الإِقرارُ بِجُملَةِ ما جَهِلوا تَفسيرَهُ مِنَ الغَيبِ المَحجوبِ ، فَمَدَحَ اللّهُ تَعالَى اعتِرافَهُم بِالعَجزِ عَن تَناوُلِ ما لَم يُحيطوا بِهِ عِلما ، وسَمّى تَركَهُمُ التَّعَمُّقَ فيما لَم يُكَلِّفهُمُ البَحثَ عَن كُنهِهِ رُسوخا؛ فَاقتَصِر عَلى ذلِكَ ، ولا تُقَدِّر عَظَمَةَ اللّهِ سُبحانَهُ عَلى قَدرِ عَقلِكَ فَتَكونَ مِنَ الهالِكينَ. (2)
عنه عليه السلام_ في تَنزيهِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: إنَّكَ أنتَ اللّهُ الَّذي لَم تَتَناهَ فِي العُقولِ فَتَكونَ في مَهَبِّ فِكرِها مُكَيَّفا ، ولا في رَوِيّاتِ خَواطِرِها فَتَكونَ مَحدودا مُصَرَّفا. (3)
عنه عليه السلام_ أيضا _: مُمتَنِعٌ عَنِ الأَوهامِ أن تَكتَنِهَهُ (4) ، وعَنِ الأَفهامِ أن تَستَغرِقَهُ ، وعَنِ الأَذهانِ أن تُمَثِّلَهُ ، قَد يَئِسَت مِنِ استِنباطِ الإِحاطَةِ بِهِ طَوامِحُ العُقولِ ، ونَضَبَت عَنِ الإِشارَةِ إلَيهِ بِالاِكتِناهِ بِحارُالعُلومِ ، ورَجَعَت بِالصِّغَرِ عَنِ السُّمُوِّ إلى وَصفِ قُدرَتِهِ لَطائِفُ الخُصومِ. (5)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: غايَةُ كُلِّ مُتَعَمِّقٍ في مَعرِفَةِ الخالِقِ سُبحانَهُ الاِعتِرافُ بِالقُصورِ عَن إدراكِها. (6)
.
ص: 155
الإمام الرضا عليه السلام :أمَّا اللَّطيفُ فَلَيسَ عَلى قِلَّةٍ وقَضافَةٍ (1) وصِغَرٍ ، ولكِنَّ ذلِكَ عَلَى النَّفاذِ فِي الأَشياءِ وَالاِمتِناعِ مِن أن يُدرَكَ ؛ كَقَولِكَ لِلرَّجُلِ : لَطُفَ عَنّي هذَا الأَمرُ ، ولَطُفَ فُلانٌ في مَذهَبِهِ ، وقَولِهِ يُخبِرُكَ أنَّهُ غَمَضَ فيهِ العَقلُ وفاتَ الطَّلَبُ وعادَ مُتَعَمِّقا مُتَلَطِّفا لا يُدرِكُهُ الوَهمُ ، فَكَذلِكَ لُطفُ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى عَن أن يُدرَكَ بِحَدٍّ أو يُحَدَّ بِوَصفٍ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: تاهَت في أدنى أدانيها طامِحاتُ العُقولِ في لَطيفاتِ الاُمورِ ، فَتَبارَكَ اللّهُ الَّذي لا يَبلُغُهُ بُعدُ الهِمَمِ ، ولا يَنالُهُ غَوصُ الفِطَنِ. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إلهي قَصُرَتِ الأَلسُنُ عَن بُلوغِ ثَنائِكَ كَما يَليقُ بِجَلالِكَ وَانحَسَرَتِ الأَبصارُ دونَ النَّظَرِ إلى سُبُحاتِ وَجهِكَ ولَم تَجعَل لِلخَلقِ طَريقا إلى مَعرِفَتِكَ إلّا بِالعَجزِ عَن مَعرِفَتِكَ. (4)
ب _ كُنهُ صِفَةِ الرَّسولِ وَالإمامِ وَالمُؤمِنِالإمام الصادق عليه السلام :فَكَما لا تَقدِرُ الخَلائِقُ عَلى كُنهِ صِفَةِ اللّهِ عز و جل فَكَذلِكَ لا تَقدِرُ عَلى كُنهِ صِفَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَكَما لا تَقدِرُ عَلى كُنهِ صِفَةِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله كَذلِكَ لا تَقدِرُ عَلى كُنهِ صِفَةِ الإمامِ ، وَكَما لا تَقدِرُ عَلى كُنهِ صِفَةِ الإمامِ كَذلِكَ لا يَقدِرونَ
.
ص: 156
عَلى كُنهِ صِفَةِ المُؤمِنِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: غايَةُ كُلِّ مُتَعَمِّقٍ في عِلمِنا أن يَجهَلَ. (2)
ج _ حَقيقَةُ الرّوحِالكتاب«وَ يَسْ_ئلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَ مَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَا قَلِيلاً» . (3)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «وَ يَسْ_ئلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى» _: خَلقٌ مِن خَلقِ اللّهِ ، وَاللّهُ يَزيدُ فِي الخَلقِ ما يَشاءُ. (4)
بصائر الدرجات عن أبي بصير :سَأَلتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام ... قُلتُ : «وَ نَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ» (5) ، قالَ : مِن قُدرَتِهِ. (6)
الكافي عن أبي بصير :سَأَلتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَسْ_ئلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى» .
.
ص: 157
قالَ : خَلقٌ أعظَمُ مِن جَبرَئيلَ وميكائيلَ ، كانَ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ مَعَ الأَئِمَّةِ ، وهُوَ مِنَ المَلَكوتِ (1) . (2)
د _ الأَحكامالكتاب«كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ ءَايَ_تِنَا وَ يُزَكِّيكُمْ وَ يُعَلِّمُكُمُ الْكِتَ_بَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ» . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :ولَو أرادَ اللّهُ أن يَخلُقَ آدَمَ مِن نورٍ يَخطَفُ الأَبصارَ ضِياؤُهُ ، ويَبهَرُ العُقولَ رُواؤُهُ (4) ، وطيبٍ يَأخُذُ الأَنفاسَ عَرفُهُ (5) ، لَفَعَلَ! ولَو فَعَلَ لَظَلَّت لَهُ الأَعناقُ خاضِعَةً ، ولَخَفَّتِ البَلوى فيهِ عَلَى المَلائِكَةِ . ولكِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ يُبتَلي خَلقَهُ بِبَعضِ ما يَجهَلونَ أصلَهُ ، تَمييزا بِالاِختِبارِ لَهُم ، ونَفيا لِلاِستِكبارِ عَنهُم ، وإبعادا لِلخُيَلاءِ مِنهُم. (6)
الإمام الرضا عليه السلام_ فِي الفِقهِ المَنسوبِ إلَيهِ _: إنَّمَا امتَحَنَ اللّهُ عز و جل النّاسَ بِطاعَتِهِ لِما عَقَلوهُ وما لَم يَعقِلوهُ ؛ إيجابا لِلحُجَّةِ وقَطعا لِلشُّبهَةِ. (7)
.
ص: 158
الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ دينَ اللّهِ عز و جل لا يُصابُ بِالعُقولِ النّاقِصَةِ وَالآراءِ الباطِلَةِ وَالمقاييسِ الفاسِدَةِ ، ولا يُصابُ إلّا بِالتّسليمِ ، فَمَن سَلَّمَ لَنا سَلِمَ ، ومَنِ اقتَدى بِنا هُدِيَ ، ومَن كانَ يَعمَلُ بِالقِياسِ وَالرَّأيِ هَلَكَ ، ومَن وَجَدَ في نَفسِهِ شَيئا مِمّا نَقولُهُ أو نَقضي بِهِ حَرَجا كَفَرَ بِالَّذي أنزَلَ السَّبعَ المَثانِيَ وَالقُرآنَ العَظيمَ ، وهُوَ لا يَعلَمُ. (1)
الإمام الباقر عليه السلام_ لِزُرارَةَ _: يا زُرارَةُ ، إيّاكَ وأصحابَ القِياسِ فِي الدّينِ ، فَإِنَّهُم تَرَكوا عِلمَ ما وُكِّلوا بِهِ وتَكَلَّفوا ما قَد كُفوهُ ، يَتَأَوَّلونَ الأَخبارَ ويَكذِبونَ عَلَى اللّهِ عز و جل ، وكَأَنّي بِالرَّجُلِ مِنهُم يُنادى مِن بَينِ يَدَيهِ فَيُجيبُ مِن خَلفِهِ ، ويُنادى مِن خَلفِهِ فَيُجيبُ مِن بَينِ يَدَيهِ ؛ قَد تاهوا وتَحَيَّروا فِي الأَرضِ وَالدّينِ. (2)
5 / 2خَطَرُ التَّعَمُّقِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَيَتَعَمَّقُنَّ أقوامٌ مِن هذِهِ الاُمَّةِ ، حَتّى يَقولَ أحَدُهُم : هذا اللّهُ خَلَقَني ، فَمَن خَلَقَهُ؟! (3)
مسند ابن حنبل عن أنس :أشهَدُ لَسَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ أقواما يَتَعَمَّقونَ فِي الدّينِ ، يَمرُقونَ (4) كَما يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. (5)
.
ص: 159
الإمام عليّ عليه السلام :الغُلُوُّ عَلى أربَعِ شُعَبٍ : عَلَى التَّعَمُّقِ بِالرَّأيِ ، وَالتَّنازُعِ فيهِ ، وَالزَّيغِ ، وَالشِّقاقِ . فَمَن تَعَمَّقَ لَم يُنِب إلَى الحَقِّ ولَم يَزدَد إلاّ غَرَقا فِي الغَمَراتِ ، ولَم تَنحَسِر عَنهُ فِتنَةٌ إلّا غَشِيَتهُ اُخرى ، وَانخَرَقَ دينُهُ فَهُوَ يَهوي في أمرٍ مَريجٍ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الكُفرُ عَلى أربَعِ دَعائِمَ : عَلَى التَّعَمُّقِ ، وَالتَّنازُعِ ، وَالزَّيغِ ، وَالشِّقاقِ . فَمَن تَعَمَّقَ لَم يُنِب إلَى الحَقِّ. (2)
راجع : موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : الحرب الثالثة : وقعة النهروان / المدخل : دراسة حول المارقين وجُذور انحرافهم.
.
ص: 160
. .
ص: 161
القسم السّابع : موانع المعرفةالفصل الأوّل : حجب العلم والحكمةالفصل الثاني : ما يزيل الحجب
.
ص: 162
. .
ص: 163
الفصل الأوّل : حجب العلم والحكمة1 / 1اتِّبَاعُ الهَوىالكتاب«أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَ_هَهُ هَوَاهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَ_وَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ» . (1)
«وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَ_هُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا تَستَشيروا أهلَ العِشقِ فَلَيسَ لَهُم رَأيٌ ، وإنَّ قُلوبَهُم مُحتَرِقَةٌ ، وفِكَرَهُم مُتَواصِلَةٌ ، وعُقولَهُم سالِبَةٌ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :حُبُّكَ لِلشَّيءِ يُعمي ويُصِمُّ. (4)
.
ص: 164
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أكَلَ طَعاماً لِلشَّهوَةِ حَرَّمَ اللّهُ عَلى قَلبِهِ الحِكمَةَ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :آفَةُ العَقلِ الهَوى. (2)
عنه عليه السلام :الهَوى شَريكُ العَمى. (3)
عنه عليه السلام :الشَّهَواتُ مَصائِدُ الشَّيطانِ. (4)
عنه عليه السلام :إنَّما بَدءُ وُقوعِ الفِتَنِ أهواءٌ تُتَّبَعُ ، وأحكامٌ تُبتَدَعُ ، يُخالَفُ فيها كِتابُ اللّهِ ، ويَتَوَلّى عَلَيها رِجالٌ رِجالًا عَلى غَيرِ دينِ اللّهِ . فَلَو أنَّ الباطِلَ خَلَصَ مِن مِزاجِ الحَقِّ لَم يَخفَ عَلَى المُرتادينَ ، ولَو أنَّ الحَقَّ خَلَصَ مِن لَبسِ الباطِلِ انقَطَعَت عَنهُ ألسُنُ المُعانِدينَ ، ولكِن يُؤخَذُ مِن هذا ضِغثٌ ومِن هذا ضِغثٌ فَيُمزَجانِ! فَهُنالِكَ يَستَولِي الشَّيطانُ عَلى أولِيائِهِ ، ويَنجُو الَّذينَ سَبَقَت لَهُم مِنَ اللّهِ الحُسنى. (5)
عنه عليه السلام :مُجالَسَةُ أهلِ الهَوى مَنساةٌ لِلإِيمانِ ، ومَحضَرَةٌ لِلشَّيطانِ. (6)
عنه عليه السلام :إنَّكَ إن أطَعتَ هَواكَ أصَمَّكَ وأعماكَ ، وأفسَدَ مُنقَلَبَكَ وأرداكَ. (7)
عنه عليه السلام :مَنِ اتَّبَعَ هَواهُ ، أعماهُ وأصَمَّهُ وأذَلَّهُ وأضَلَّهُ. (8)
.
ص: 165
عنه عليه السلام :إنَّكُم إن أمَّرتُم عَلَيكُمُ الهَوى ، أصَمَّكُم وأعماكُم وأرداكُم. (1)
عنه عليه السلام :اُوصيكُم بِمُجانَبَةِ الهَوى ، فَإِنَّ الهَوى يَدعو إلَى العَمى ، وهُوَ الضَّلالُ فِي الآخِرَةِ وَالدُّنيا. (2)
عنه عليه السلام :مَن عَشِقَ شَيئاً أعشى (أعمى) بَصَرَهُ وأمرَضَ قَلبَهُ ، فَهُوَ يَنظُرُ بِعَينٍ غَيرِ صَحيحَةٍ ، ويَسمَعُ بِاُذُنٍ غَيرِ سَميعَةٍ ، قَد خَرَقَتِ الشَّهَواتُ عَقلَهُ ، وأماتَتِ الدُّنيا قَلبَهُ ، ووَلِهَت عَلَيها نَفسُهُ ، فَهُوَ عَبدٌ لَها ولِمَن في يَدَيهِ شَيءٌ مِنها ، حَيثُما زالَت زالَ إلَيها ، وحَيثُما أقبَلَت أقبَلَ عَلَيها. (3)
عنه عليه السلام :كَيفَ يَستَطيعُ الهُدى مَن يَغلِبُهُ الهَوى ؟ ! (4)
عنه عليه السلام :كَم مِن عَقلٍ أسيرٍ تَحتَ هَوى أميرٍ. (5)
عنه عليه السلام :أشعِر قَلبَكَ التَّقوى وخالِفِ الهَوى ، تَغلِبِ الشَّيطانَ. (6)
عنه عليه السلام :لا تَجتَمِعُ الشَّهوَةُ وَالحِكمَةُ. (7)
عنه عليه السلام :لا تَسكُنُ الحِكمَةُ قَلباً مَعَ شَهوَةٍ. (8)
.
ص: 166
عنه عليه السلام :حَرامٌ عَلى كُلِّ عَقلٍ مَغلولٍ بِالشَّهوَةِ أن يَنتَفِعَ بِالحِكمَةِ. (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :أوحَى اللّهُ تَعالى إلى داوُدَ عليه السلام : يا داوُدُ ، حَذِّر وأنذِر أصحابَكَ عَن حُبِّ الشَّهَواتِ ، فَإِنَّ المُعَلَّقَةَ قُلوبُهُم بِشَهَواتِ الدُّنيا قُلوبُهُم مَحجوبَةٌ عَنّي. (2)
راجع : ج 1 ص 303 (الهوى) .
1 / 2اتِّبَاعُ الظَّنّ«وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَا يَخْرُصُونَ» . (3)
«وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا بَ_طِلاً ذَ لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ». (4)
«وَ قَالُواْ مَا هِىَ إِلَا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَ نَحْيَا وَ مَا يُهْلِكُنَا إِلَا الدَّهْرُ وَ مَا لَهُم بِذَ لِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَا يَظُنُّونَ» . (5)
«إِن يَتَّبِعُونَ إِلَا الظَّنَّ وَ مَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَ لَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى» . (6)
«وَ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَا الظَّنَّ وَ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْ_ئا» . (7)
راجع: ج 1 ص 303 (الهوى) .
.
ص: 167
1 / 3حُبُّ الدُّنيارسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما لي أرى حُبَّ الدُّنيا قَد غَلَبَ عَلى كَثيرٍ مِنَ النّاسِ ، حَتّى كَأَنَّ المَوتَ في هذِهِ الدُّنيا عَلى غَيرِهِم كُتِبَ ، وكَأَنَّ الحَقَّ في هذِهِ الدُّنيا عَلى غَيرِهِم وَجَبَ ، وحَتّى كَأَن لَم يَسمَعوا ويَرَوا مِن خَبَرِ الأَمواتِ قَبلَهُم ! سَبيلُهُم سَبيلُ قَومٍ سَفرٍ عَمّا قَليلٍ إلَيهِم راجِعونَ ، بُيوتُهُم أجداثُهُم ويَأكُلونَ تُراثَهُم ، فَيَظُنّونَ أ نَّهُم مُخَلَّدونَ بَعدَهُم . هَيهاتَ هَيهاتَ! أما يَتَّعِظُ آخِرُهُم بِأَوَّلِهِم ؟ لَقَد جَهِلوا ونَسوا كُلَّ واعِظٍ في كِتابِ اللّهِ ، وأمِنوا شَرَّ كُلِّ عاقِبَةِ سَوءٍ ، ولَم يَخافوا نُزولَ فادِحَةٍ (1) وبَوائِقَ حادِثَةٍ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :اِرفِضِ الدُّنيا ؛ فَإِنَّ حُبَّ الدُّنيا يُعمي ويُصِمُّ ويُبكِمُ ، ويُذِلُّ الرِّقابَ. (3)
عنه عليه السلام :مَن غَلَبَتِ الدُّنيا عَلَيهِ عَمِيَ عَمّا بَينَ يَدَيهِ. (4)
عنه عليه السلام :مَن قَصَرَ نَظَرَهُ عَلى أبناءِ الدُّنيا عَمِيَ عَن سَبيلِ الهُدى. (5)
عنه عليه السلام_ في ذَمِّ الدُّنيا _: مَن راقَهُ زِبرِجُها أعقَبَت ناظِرَيهِ كَمَها (6) . (7)
.
ص: 168
عنه عليه السلام :لِحُبِّ الدُّنيا صَمَّتِ الأَسماعُ عَن سَماعِ الحِكمَةِ ، وعَمِيَتِ القُلوبُ عَن نورِ البَصيرَةِ. (1)
عنه عليه السلام :حُبُّ الدُّنيا يُفسِدُ العَقلَ ، ويُصِمُّ القَلبَ عَن سَماعِ الحِكمَةِ ، ويوجِبُ أليمَ العِقابِ. (2)
عنه عليه السلام :إنَّ مَن غَرَّتهُ الدُّنيا بِمُحالِ الآمالِ ، وخَدَعَتهُ بِزورِ الأَماني ، أورَثَتهُ كَمَهاً، وألبَسَتهُ عَمًى ، وقَطَعَتهُ عَنِ الاُخرى ، وأورَدَتهُ مَوارِدَ الرَّدى. (3)
عنه عليه السلام :سَبَبُ فَسادِ العَقلِ حُبُّ الدُّنيا. (4)
عنه عليه السلام :زَخارِفُ الدُّنيا تُفسِدُ العُقولَ الضَّعيفَةَ. (5)
عنه عليه السلام :اُهرُبوا مِنَ الدُّنيا وَاصرِفوا قُلوبَكُم عَنها ؛ فَإِنَّها سِجنُ المُؤمِنِ ، حَظُّهُ مِنها قَليلٌ ، وعَقلُهُ بِها عَليلٌ ، وناظِرُهُ فيها كَليلٌ (6) . (7)
عنه عليه السلام :الدُّنيا مَصرَعُ العُقولِ. (8)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ أهلِ الدُّنيا _: نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ ، واُخرى مُهمَلَةٌ ، قَد أضَلَّت عُقولَها ، ورَكِبَت مَجهولَها. (9)
راجع : ص 428 (حبّ الدنيا) ، ج 1 ص 312 (حبّ الدُّنيا) .
.
ص: 169
1 / 4الذَّنبالكتاب«كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» . (1)
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى مَنْ هُوَ كَ_ذِبٌ كَفَّارٌ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» _: الذَّنبُ عَلَى الذَّنبِ حَتّى يَسوَدَّ القَلبُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ المُؤمِنَ إذا أذنَبَ كانَت نُكتَةٌ سَوداءُ في قَلبِهِ ، فَإِن تابَ ونَزَعَ وَاستَغفَرَ صُقِلَ قَلبُهُ ، فَإِن زادَ زادَت ، فَذلِكَ الرّانُ الَّذيذَكَرَهُ اللّهُ في كِتابِهِ : «كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ العَبدَ لَيُذنِبُ الذَّنبَ فَيَنسى بِهِ العِلمَ الَّذي كانَ قَد عَلِمَهُ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :وَجَدتُ الخَطيئَةَ سَواداً فِي القَلبِ ، وشَيناً فِي الوَجهِ ، ووَهناً فِي العَمَلِ. (6)
.
ص: 170
الإمام الباقر عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أربَعٌ يُمِتنَ القَلبَ : الذَّنبُ عَلَى الذَّنبِ ، وكَثرَةُ مُناقَشَةِ النِّساءِ _ يَعني مُحادَثَتَهُنَّ _ ومُماراةُ الأَحمَقِ ؛ تَقولُ ويَقولُ ولا يَرجِعُ إلى خَيرٍ أبَداً ، ومُجالَسَةُ المَوتى . فَقيلَ لَهُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ومَا المَوتى ؟ قالَ : كُلُّ غَنِيٍّ مُترَفٍ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :لا أحسَبُ أحَدَكُم يَنسى شَيئاً مِن أمرِ دينِهِ إلّا لِخَطيئَةٍ أخطَأَها. (2)
عنه عليه السلام :النِّفاقُ يَبدَأُ نُقطَةً سَوداءَ فِي القَلبِ ، كُلَّمَا ازدادَ النِّفاقُ ازدادَت سَواداً حَتّى يَسوَدَّ القَلبُ كُلُّهُ ، وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، لَو شَقَقتُم عَن قَلبِ مُؤمِنٍ لَوَجَدتُموهُ أبيَضَ ، ولَو شَقَقتُم عَن قَلبِ مُنافِقٍ لَوَجَدتُموهُ أسوَدَ. (3)
عنه عليه السلام :نَكَدُ (4) العِلمِ الكَذِبُ ، ونَكَدُ الجِدِّ اللَّعِبُ. (5)
عنه عليه السلام :لا وَجَعَ أوجَعُ لِلقُلوبِ مِنَ الذُّنوبِ. (6)
الإمام الباقر عليه السلام :ما مِن شَيءٍ أفسَدَ لِلقَلبِ مِن خَطيئَةٍ. (7)
راجع : ص 201 (التوبة) و 169 (الذنب) .
.
ص: 171
1 / 5أمراضُ القَلبِالكتاب«ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَ لِكَ فَهِىَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً» . (1)
«فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَ_رُ وَ لَ_كِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ» . (2)
«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الطّابَعُ مُعَلَّقَةٌ بِقائِمَةٍ مِن قَوائِمِ العَرشِ ، فَإِذَا انتُهِكَتِ الحُرمَةُ واُجرِيَت عَلَى الخَطايا وعُصِيَ الرَّبُّ ، بَعَثَ اللّهُ الطّابَعَ فَيَطبَعُ عَلى قَلبِهِ ، فَلا يَعقِلُ بَعدَ ذلِكَ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :أعمَى العَمَى الضَّلالَةُ بَعدَ الهُدى ، وخَيرُ الأَعمالِ ما نَفَعَ ، وخَيرُ الهُدى مَا اتُّبِعَ ، وشَرُّ العَمى عَمَى القَلبِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :الحِكمَةُ لا تَحِلُّ قَلبَ المُنافِقِ إلّا وهِيَ عَلَى ارتِحالٍ. (6)
عنه عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ _: لَو فَكَّروا في عَظيمِ القُدرَةِ وجَسيمِ النِّعمَةِ لَرَجَعوا إلَى الطَّريقِ ، وخافوا عَذابَ الحَريقِ ، ولكِنَّ القُلوبَ عَليلَةٌ ، وَالبَصائِرَ مَدخولَةٌ. (7)
.
ص: 172
الإمام الحسين عليه السلام_ مُخاطِباً جَيشَ عُمَرَ بنِ سَعدٍ بَعدَ أنِ استَنصَتَهُم فَلَم يُنصِتوا_: وَيلَكُم ما عَلَيكُم أن تُنصِتوا إلَيَّ فَتَسمَعوا قَولي ، وإنَّما أدعوكُم إلى سَبيلِ الرَّشادِ . . . وكُلُّكُم عاصٍ لِأَمري غَيرُ مُستَمِعٍ قَولي ؛ فَقَد مُلِئَت بُطونُكُم مِنَ الحَرامِ وطُبِعَ عَلى قُلوبِكُم. (1)
الإمام الباقر عليه السلام :ما ضُرِبَ عَبدٌ بِعُقوبَةٍ أعظَمَ مِن قَسوَةِ القَلبِ. (2)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ مَن كَانَ فِى هَ_ذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الْاخِرَةِ أَعْمَى» _: مَن لَم يَدُلَّهُ خَلقُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافُ اللَّيلِ وَالنَّهارِ ودَوَرانُ الفَلَكِ بِالشَّمسِ وَالقَمَرِ وَالآياتُ العَجيباتُ عَلى أنَّ وَراءَ ذلِكَ أمراً هُوَ أعظَمُ مِنها، فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أعمى؛ فَهُوَ عَمّا لَم يُعايَن أعمى وأضَلُّ سَبيلًا. (3)
الإمام الرِّضا عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ مَن كَانَ فِى هَ_ذِهِ أَعْمَى ...» _: يَعني أعمى عَنِ الحَقائِقِ المَوجودَةِ. (4)
الإمام الهادي عليه السلام :الحِكمَةُ لا تَنجَعُ (5) فِي الطِّباعِ الفاسِدَةِ. (6)
راجع: ج 1 ص 306 (طبع القلب) .
1 / 6الظُّلمالكتاب«يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ فِى الْاخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّ__لِمِينَ
.
ص: 173
وَ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ» . (1)
«ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَ_تِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَ لِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ» . (2)
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّ__لِمِينَ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إيّاكُم وَالظُّلمَ فَإِنَّهُ يُخَرِّبُ قُلوبَكُم. (4)
1 / 7الكُفرالكتاب«إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَ_فِرِينَ» . (5)
«كَذَ لِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَ_فِرِينَ» . (6)
«كَذَ لِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَ_فِرِينَ» . (7)
.
ص: 174
الحديثعيون أخبار الرضا عن إبراهيم بن أبي محمود :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام ... عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَ عَلَى سَمْعِهِمْ» (1) . قالَ : الخَتمُ هُوَ الطَّبعُ عَلى قُلوبِ الكُفّارِ عُقوبَةً عَلى كُفرِهِم ، كَما قالَ عز و جل : «بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَا قَلِيلاً» (2) . (3)
1 / 8الفِسق«إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَ_سِقِينَ» . (4)
«وَ إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَ_قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِى وَ قَد تَّعْلَمُونَ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَ اللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَ_سِقِينَ» . (5)
«وَ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ءَايَ_ت بَيِّنَ_تٍ وَ مَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَا الْفَ_سِقُونَ» . (6)
«هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَ_طِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ» . (7)
1 / 9الإِسراف«إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ» . (8)
.
ص: 175
«كَذَ لِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ» . (1)
1 / 10الغَفلَةالكتاب«وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِْنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَايَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَايُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَايَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَ_ئِكَ كَالأَْنْعَ_مِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَ_ئِكَ هُمُ الْغَ_فِلُونَ» . (2)
«لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَ_ذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَ_اءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في بَيانِ عَلامَةِ الغافِلِ _: أمّا عَلامَةُ الغافِلِ فَأَربَعَةٌ : العَمى ، وَالسَّهوُ ، وَاللَّهوُ ، وَالنِّسيانُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :اِحذَرُوا الغَفلَةَ فَإِنَّها مِن فَسادِ الحِسِّ. (5)
عنه عليه السلام :مَن غَفَلَ جَهِلَ. (6)
عنه عليه السلام :دَوامُ الغَفلَةِ يُعمِي البَصيرَةَ. (7)
.
ص: 176
عنه عليه السلام :الغَفلَةُ ضَلالَةٌ. (1)
عنه عليه السلام :الغَفلَةُ ضَلالُ النُّفوسِ. (2)
عنه عليه السلام :مَن غَلَبَت عَلَيهِ الغَفلَةُ ماتَ قَلبُهُ. (3)
عنه عليه السلام :كَفى بِالغَفلَةِ ضَلالًا. (4)
عنه عليه السلام :الفِكرَةُ تورِثُ نوراً ، وَالغَفلَةُ ظُلمَةً. (5)
1 / 11الأَمَلالكتاب«ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَ يَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» . (6)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن يَرغَبُ فِيالدُّنيا فَطالَ فيها أمَلُهُ أعمَى اللّهُ قَلبَهُ عَلى قَدرِ رَغبَتِهِ فيها. (7)
الإمام عليّ عليه السلام :اِعلَموا أنَّ الأَمَلَ يُسهِي العَقلَ ويُنسِي الذِّكرَ. (8)
.
ص: 177
عنه عليه السلام :اِعلَموا عِبادَ اللّهِ أنَّ الأَمَلَ يُذهِبُ العَقلَ ، ويُكذِبُ الوَعدَ ، ويَحُثُّ عَلَى الغَفلَةِ. (1)
عنه عليه السلام :ما عَقَلَ مَن أطالَ أمَلَهُ. (2)
عنه عليه السلام :الأَماني تُعمي أعيُنَ البَصائِرِ. (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :مَن سَلَّطَ ثَلاثاً عَلى ثَلاثٍ فَكَأَنَّما أعانَ عَلى هَدمِ عَقلِهِ : مَن أظلَمَ نورَ تَفَكُّرِهِ بِطولِ أمَلِهِ ، ومَحا طَرائِفَ حِكمَتِهِ بِفُضولِ كَلامِهِ ، وأطفَأَ نورَ عِبرَتِهِ بِشَهَواتِ نَفسِهِ ، فَكَأَنَّما أعانَ هَواهُ عَلى هَدمِ عَقلِهِ ، ومَن هَدَمَ عَقلَهُ أفسَدَ عَلَيهِ دينَهُ ودُنياهُ. (4)
راجع : ج 1 ص 308 (الأمل) .
1 / 12الكِبرالكتاب«كَذَ لِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» . (5)
الحديثالإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ الزَّرعَ يَنبُتُ فِي السَّهلِ ولا يَنبُتُ فِي الصَّفا ، فَكَذلِكَ الحِكمَةُ
.
ص: 178
تَعمُرُ في قَلبِ المُتَواضِعِ ولا تَعمُرُ في قَلبِ المُتَكَبِّرِ الجَبّارِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :شَرُّ آفاتِ العَقلِ الكِبرُ. (2)
الإمام الباقر عليه السلام :ما دَخَلَ قَلبَ امرِىً شَيءٌ مِنَ الكِبرِ إلّا نَقَصَ مِن عَقلِهِ مِثلُ ما دَخَلَهُ مِن ذلِكَ ، قَلَّ ذلِكَ أو كَثُرَ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :الكِبرُ مِصيَدَةُ إبليسَ العُظمى. (4)
عنه عليه السلام :اللّهَ اللّهَ في عاجِلِ البَغيِ ، وآجِلِ وَخامَةِ الظُّلمِ ، وسوءِ عاقِبَةِ الكِبرِ ، فَإِنَّها مِصيَدَةُ إبليسَ العُظمى ، ومَكيدَتُهُ الكُبرى. (5)
1 / 13العُجبالإمام عليّ عليه السلام :العُجبُ يُفسِدُ العَقلَ. (6)
عنه عليه السلام :آفَةُ اللُّبِّ العُجبُ. (7)
عنه عليه السلام :إنَّ الإِعجابَ ضِدُّ الصَّوابِ وَآفَةُ الأَلبابِ. (8)
.
ص: 179
عنه عليه السلام :عُجبُ المَرءِ بِنَفسِهِ أحَدُ حُسّادِ عَقلِهِ. (1)
عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ لِلأَشتَرِ النَّخَعِيّ _: إيّاكَ وَالإِعجابَ بِنَفسِكَ ، وَالثِّقَةَ بِما يُعجِبُكَ مِنها ، وحُبَّ الإِطراءِ ، فَإِنَّ ذلِكَ مِن أوثَقِ فُرَصِ الشَّيطانِ في نَفسِهِ ، لِيَمحَقَ ما يَكونُ مِن إحسانِ المُحسِنينَ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن اُعجِبَ بِنَفسِهِ هَلَكَ ، ومَن اُعجِبَ بِرَأيِهِ هَلَكَ ، وإنَّ عيسَى بنَ مَريَمَ عليه السلام قالَ : داوَيتُ المَرضى فَشَفَيتُهُم بِإِذنِ اللّهِ ، وأبرَأتُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ بِإِذنِ اللّهِ ، وعالَجتُ المَوتى فَأَحيَيتُهُم بِإِذنِ اللّهِ ، وعالَجتُ الأَحمَقَ فَلَم أقدِر على إصلاحِهِ ! فَقيلَ : يا روحَ اللّهِ ، ومَا الأَحمَقُ ؟ قالَ : المُعجَبُ بِرَأيِهِ ونَفسِهِ ، الَّذي يَرَى الفَضلَ كُلَّهُ لَهُ لا عَلَيهِ ، ويوجِبُ الحَقَّ كُلَّهُ لِنَفسِهِ ولا يوجِبُ عَلَيها حَقًّا ، فَذاكَ الأَحمَقُ الَّذي لا حيلَةَ في مُداواتِهِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :العُجبُ هَلاكٌ ، وَالصَّبرُ مِلاكٌ. (4)
1 / 14الغُرورالإمام عليّ عليه السلام :فَسادُ العَقلِ الاِغتِرارُ بِالخُدَعِ. (5)
.
ص: 180
عنه عليه السلام :لا يُلفَى العاقِلُ مَغروراً. (1)
عنه عليه السلام :غُرورُ الشَّيطانِ يُسَوِّلُ ويُطمِعُ. (2)
عنه عليه السلام :اِتَّقُوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ تَقِيَّةَ ذي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلبَهُ ... ولَم تَفتِلهُ فاتِلاتُ الغُرورِ. (3)
عنه عليه السلام :ثُمَّ أسكَنَ سُبحانَهُ آدَمَ داراً أرغَدَ فيها عَيشَهُ ، وآمَنَ فيها مَحَلَّتَهُ ، وحَذَّرَهُ إبليسَ وعَداوَتَهُ ، فَاغتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفاسَةً عَلَيهِ بِدارِ المُقامِ ، ومُرافَقَةِ الأَبرارِ ، فَباعَ اليَقينَ بِشَكِّهِ. (4)
1 / 15الطَّمَععيسى عليه السلام :إنَّهُ لَيسَ عَلى كُلِّ حالٍ يَصلُحُ العَسَلُ فِي الزِّقاقِ ، وكَذلِكَ القُلوبُ لَيسَ عَلى كُلِّ حالٍ تَعمُرُ الحِكمَةُ فيها ، إنَّ الزِّقَّ ما لَم يَنخَرِق أو يَقحَل (5) أو يَتفَل (6) فَسَوفَ يَكونُ لِلعَسَلِ وِعاءً ، وكَذلِكَ القُلوبُ ما لَم تَخرِقهَا الشَّهَواتُ، ويُدَنِّسهَا الطَّمَعُ ويُقسِهَا النَّعيمُ فَسَوفَ تَكونُ أوعِيَةً لِلحِكمَةِ. (7)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الطَّمَعُ يُذهِبُ الحِكمَةَ مِن قُلوبِ العُلَماءِ. (8)
.
ص: 181
الإمام عليّ عليه السلام :أكثَرُ مَصارِعِ العُقولِ تَحتَ بُروقِ المَطامِعِ. (1)
الإمام الكاظم عليه السلام_ مِن وَصِيَّتِهِ لِهِشامِ بنِ الحَكَم _: يا هِشامُ ، إيّاكَ وَالطَّمَعَ ، وعَلَيكَ بِاليَأسِ مِمّا في أيدِيالنّاسِ . وأمِتِ الطَّمَعَ مِنَ المَخلوقينَ ، فَإِنَّ الطَّمَعَ مِفتاحٌ لِلذُّلِّ ، وَاختِلاسُ العَقلِ ، وَاختِلاقُ المُرُوّاتِ ، وتَدنيسُ العِرضِ ، وَالذَّهابُ بِالعِلمِ. (2)
1 / 16الغَضَبالإمام عليّ عليه السلام :الحِدَّةُ ضَربٌ مِنَ الجُنونِ لِأَنَّ صاحِبَها يَندَمُ ، فَإِن لَم يَندَم فَجُنونُهُ مُستَحكِمٌ. (3)
عنه عليه السلام :الغَضَبُ يُفسِدُ الأَلبابَ ، ويُبعِدُ مِنَ الصَّوابِ. (4)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: قَليلُ الغَضَبِ كَثيرٌ في أذَى النَّفسِ وَالعَقلِ ، وَالضَّجَرُ مُضَيِّقٌ لِلصَّدرِ ، مُضعِفٌ لِقُوَى العَقلِ. (5)
عنه عليه السلام :لا يَنبَغي أن يُعَدَّ عاقِلًا مَن يَغلِبُهُ الغَضَبُ وَالشَّهوَةُ. (6)
عنه عليه السلام :غَيرُ مُنتَفِعٍ بِالحِكمَةِ عَقلٌ مَعلولٌ بِالغَضَبِ وَالشَّهوَةِ. (7)
.
ص: 182
الإمام الباقر عليه السلام :لَمّا دَعا نوحٌ عليه السلام رَبَّهُ عز و جل عَلى قَومِهِ أتاهُ إبليسُ لَعَنَهُ اللّهُ ، فَقالَ : يا نوحُ . . . اُذكُرني في ثَلاثَةِ مَواطِنَ ، فَإِنّي أقرَبُ ما أكونُ إلَى العَبدِ إذا كانَ في إحداهُنَّ : اُذكُرني إذا غَضِبتَ ، وَاذكُرني إذا حَكَمتَ بَينَ اثنَينِ ، وَاذكُرني إذا كُنتَ مَعَ امرَأَةٍ خالِياً لَيسَ مَعَكُما أحَدٌ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :الغَضَبُ مَمحَقَةٌ لِقَلبِ الحَكيمِ . وقالَ : مَن لَم يَملِك غَضَبَهُ لَم يَملِك عَقلَهُ. (2)
1 / 17اللَّهو وكَثرَةُ الضحِّكِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إيّاكَ وكَثرَةَ الضِّحكِ ؛ فَإِنَّهُ يُميتُ القَلبَ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن كَثُرَ لَهوُهُ قَلَّ عَقلُهُ. (4)
عنه عليه السلام :لَم يَعقِل مَن وَلِهَ بِاللَّعِبِ ، وَاستُهتِرَ بِاللَّهوِ وَالطَّرَبِ. (5)
عنه عليه السلام :لا يَثوبُ (6) العَقلُ مَعَ اللَّعِبِ. (7)
.
ص: 183
عنه عليه السلام :مَن كَثُرَ ضِحكُهُ ماتَ قَلبُهُ. (1)
1 / 18الاِستِبدادالإمام عليّ عليه السلام :المُستَبِدُّ مُتَهَوِّرٌ فِي الخَطَاَ وَالغَلَطِ. (2)
عنه عليه السلام :الاِستِبدادُ بِرَأيِكَ يُزِلُّكَ ويُهَوِّرُكَ فِي المَهاوي. (3)
عنه عليه السلام :اِتَّهِموا عُقولَكُم فَإِنَّهُ مِنَ الثِّقَةِ بِها يَكونُ الخَطاءُ. (4)
عنه عليه السلام :مَنِ استَغنى بِعَقلِهِ ضَلَّ. (5)
عنه عليه السلام :مَنِ استَغنى بِعَقلِهِ زَلَّ (6) . (7)
الإمام الصادق عليه السلام :المُستَبِدُّ بِرَأيِهِ مَوقوفٌ عَلى مَداحِضِ الزَّلَلِ. (8)
1 / 19التَّعَصُّبالكتاب«إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَ_هِلِيَّةِ» . (9)
.
ص: 184
«وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْ_ئا وَلَا يَهْتَدُونَ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن كانَ في قَلبِهِ حَبَّةٌ مِن خَردَلٍ مِن عَصَبِيَّةٍ بَعَثَهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ مَعَ أعرابِ الجاهِلِيَّةِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن كانَ غَرَضُهُ الباطِلَ لَم يُدرِكِ الحَقَّ ولَو كانَ أشهَرَ مِنَ الشَّمسِ. (3)
1 / 20المِراءالإمام عليّ عليه السلام :مَن كَثُرَ مِراؤُهُ بِالباطِلِ دامَ عَماهُ عَنِ الحَقِّ. (4)
عنه عليه السلام :مَن كَثُرَ مِراؤُهُ لَم يَأمَنِ الغَلَطَ. (5)
عنه عليه السلام :إيّاكُم وَالجِدالَ فَإِنَّهُ يورِثُ الشَّكَّ. (6)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: كَثرَةُ الجِدالِ تورِثُ الشَّكَّ. (7)
.
ص: 185
عنه عليه السلام :الشَّكُّ عَلى أربَعِ شُعَبٍ : عَلَى التَّماري و ... . (1)
1 / 21اللَّجاجرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إيَّاكَ وَاللَّجاجَةَ ؛ فَإنَّ أوَّلَها جَهلٌ ، وآخِرَها نَدامةٌ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :اللَّجاجَةُ تُسِلُّ الرَّأيَ. (3)
عنه عليه السلام :اللَّجوجُ لا رَأيَ لَهُ. (4)
عنه عليه السلام :اللَّجاجُ يُفسِدُ الرَّأيَ. (5)
1 / 22شُربُ الخَمرِالإمام عليّ عليه السلام :فَرَضَ اللّهُ . . . تَركَ شُربِ الخَمرِ تَحصيناً لِلعَقلِ. (6)
الإمام الرضا عليه السلام :حَرَّمَ اللّهُ الخَمرَ لِما فيها مِنَ الفَسادِ ، ومِن تَغييرِها عُقولَ شارِبيها ، وحَملِها إيّاهُم عَلى إنكارِ اللّهِ عز و جل ، وَالفِريَةِ عَلَيهِ وعَلى رُسُلِهِ ، وسائِرِ ما يَكونُ مِنهُم مِنَ الفَسادِ وَالقَتلِ. (7)
.
ص: 186
1 / 23كَثرَةُ الأَكلرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا تَشبَعوا فَيُطفَأَ نورُ المَعرِفَةِ مِن قُلوبِكُم. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :البُعدُ مِنَ اللّهِ _ الَّذي قُوِيَ بِهِ عَلَى المَعاصِي _ الشِّبَعُ ، فَلا تُشبِعوا بُطونَكُم فَيُطفَأَ نورُ الحِكمَةِ مِن صُدورِكُم. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :القَلبُ يَمُجُّ (3) الحِكمَةَ عِندَ امتِلاءِ البَطنِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَدخُلُ الحِكمَةُ جَوفاً مُلِئَ طَعاماً. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :التُّخمَةُ تُفسِدُ الحِكمَةَ. (6)
عنه عليه السلام :البِطنَةُ تَمنَعُ الفِطنَةَ. (7)
عنه عليه السلام :البِطنَةُ تَحجُبُ الفِطنَةَ. (8)
عنه عليه السلام :إذا مُلِئَ البَطنُ مِنَ المُباحِ عَمِيَ القَلبُ عَنِ الصَّلاحِ. (9)
.
ص: 187
عنه عليه السلام :لا فِطنَةَ مَعَ بِطنَةٍ. (1)
عنه عليه السلام :لا تُجمَعُ الفِطنَةُ وَالبِطنَةُ. (2)
عنه عليه السلام :مَن زادَ شِبَعُهُ كَظَّتهُ البِطنَةُ ، مَن كَظَّتهُ البِطنَةُ حَجَبَتهُ عَنِ الفِطنَةِ. (3)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: مَن شَبِعَ عوقِبَ فِي الحالِ ثَلاثَ عُقوباتٍ : يُلقَى الغِطاءُ عَلى قَلبِهِ ، وَالنُّعاسُ عَلى عَينِهِ ، وَالكَسَلُ عَلى بَدَنِهِ. (4)
راجع : ص 146 (الصوم) و 148 (قلّة الأكل) ، ص 267 (الاعتدال في الأكل) .
1 / 24النَّوادِررسول اللّه صلى الله عليه و آله :آفَةُ العِلمِ النِّسيانُ ، وإضاعَتُهُ أن تُحَدِّثَ بِهِ غَيرَ أهلِهِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :آفَةُ العِلمِ الخُيَلاءُ (6) . (7)
الإمام عليّ عليه السلام :آفَةُ العِلمِ تَركُ العَمَلِ بِهِ. (8)
.
ص: 188
عنه عليه السلام :لا يُؤتَى العِلمُ إلّا مِن سوءِ فَهمِ السّامِعِ. (1)
عنه عليه السلام :ما أفادَ العِلمَ مَن لَم يَعلَم (2) ، ولا نَفَعَ الحِلمَ مَن لَم يَحلُم. (3)
عنه عليه السلام :لا يُدرَكُ العِلمُ بِراحَةِ الجِسمِ. (4)
عنه عليه السلام :رَأسُ العِلمِ الرِّفقُ ، وآفَتُهُ الخُرقُ (5) . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن رَقَّ وَجهُهُ رَقَّ عِلمُهُ. (7)
راجع : ج 1 ص 303 (الفصل السادس: آفات العقل) .
.
ص: 189
مسائل حول حُجُب العلم والحكمةالمسألة الاُولى: نطاق حُجُب العلم والحكمةإنّ السّؤال الأوّل حول ما يطرح في هذا الفصل بوصفه «حُجُب العلم والحكمة» يدور حول النطاق الذي تؤثّر فيه هذه الحُجُب هل تحول كلّها دون ضروب المعرفة الحسّيّة، والعقليّة ، والقلبيّة ، أو أنّها تؤثّر إلى حدّ معيّنٍ . للإجابة عن هذا السّؤال ، ينبغي أن نقسّم الحُجُب المذكورة في هذا الفصل إلى عدّة مجموعات : المجموعة الأُولى : حُجُب العلوم الرّسميّة وآفاتها ، مثل «مَن رَقَّ وَجهُهُ رَقَّ عِلمُهُ» (1) ، أو «لا يُدرَكُ العِلمُ بِراحَةِ الجِسمِ» (2) . هذه المجموعة من الحُجُب الّتي تعدّ من حُجُب المعارف العقليّة اختصّت بأقلّ عدد من الأحاديث في هذا الفصل . المجموعة الثانية : الحُجُب الّتي تشمل إعاقتُها المعارفَ العقليّة والقلبيّة ، نحو العُجب ، والغرور ، والتّعصّب ، والاستبداد ، والغضب ، والشّره في الطّعام ، وشرب
.
ص: 190
الخمر (1) . هذه الحُجُب تحرم الفكر من التّشخيص الصحيح للحقائق العقليّة ، وتمنع القلب من بركات الإلهامات والإرشادات الغيبيّة الإلهيّة . المجموعة الثّالثة : حُجُب العلم الحقيقيّ (2) أو موانع نور العلم والحكمة ، مثل : الظّلم ، والكفر ، والإسراف ، والفِسق ، والذنب عامّةً (3) . هذه الحُجُب تُظلم مرآة القلب ، وتُمرض الرّوح ، وتحرم المرء من جوهر العلم والحكمة وانوارهما وإن كان ذا درجات عالية في العلوم الرّسميّة، وإذا أزمن هذا المرض ، فسد جوهر مرآة القلب ، وخرج الإنسان بالضرورة من مدار الهداية الإلهيّة ، ومُني بالضّياع في وادي الضّلالة الأبديّة . قال تعالى واصفا هؤلاء : «كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * كَلَا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَ_ئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ» (4) . وقال سبحانه : «لَهُمْ قُلُوبٌ لَايَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَايُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَايَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَ_ئِكَ كَالأَْنْعَ_مِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَ_ئِكَ هُمُ الْغَ_فِلُونَ» (5) . إنّ القراءة الدقيقة لهذا الفصل تدلّ على أنّ القرآن الكريم والحديث الشّريف قد أكّدا _ في مبحث موانع المعرفة _ هذه المجموعة من الحُجُب .
المسألة الثّانية: أصل حُجُب نور العلم والحكمةأشرنا إلى أنّ الظّلم ، والكفر ، والإسراف ، والفِسق ، وبعامّة : كلّ ما عدّه الإسلام ذنبا ، هي موانع نور العلم والحكمة ، والنقّطة المهمّة اللافتة للنّظر هي إنّنا إذا توفّرنا على
.
ص: 191
استقصاء دقيق نستنتج أنّ موانع نور العلم والحكمة جميعها تتّصل بجذر أصليّ واحد ، هو غلبة الهوى ، من هنا أوردنا الهوى في صدر موانع المعرفة . إنّ الهوى عاصفة تثير غبارا يحمل صنوفا من الأسواء ، وهذا الغبار يُسوّد مرآة القلب ، ويحرم الإنسان من نور العلم والحكمة ، وهكذا يضلّ في الطريق وهو يعلم ! أنّه يضلّ كما قال اللّه سبحانه وتعالى : «أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَ_هَهُ هَوَاهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَ_وَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ» (1) . من هذا المنطلق ، يصبح قطع دابر الهوى ضروريّا لمقارعة حُجُب نور العلم والحكمة (2) .
المسألة الثالثة : مبادئ الوسوسةالنقطة المهمّة الأُخرى اللّافتة للنّظر في دراسة هذا الفصل هي أنّ موانع نور العلم والحكمة تُعدّ مبادئ لوساوس الشّيطان أيضا ، وهذه الحُجُب لا تحرم الإنسان من المعارف الحقيقيّة والإلهامات الرّبانية فحسب ، بل تجعله عرضة لهمزات الشّياطين وما ينبثق عنها من أحاسيس وإدراكات كاذبة ، لذا فقد ورد في الرّوايات الّتي مرّت بنا أنّ الهوى والكِبْر كما أنّهما آفتان للعقل كذلك شراكان للشيطان أيضا (3) . وفي هذا المجال جاء في مناجاة «الشاكين» المنسوبة إلى الإمام زين العابدين عليه السلام :
.
ص: 192
«إلهي ، أشكو إلَيكَ عَدُوًّا يُضِلُّني وشَيطانًا يُغويني ، قَد مَلأََ بِالوَسواسِ صَدري ، وأحاطَت هَواجِسُهُ بِقَلبي . يُعاضِدُ لِيَ الهَوى ، ويُزَيِّنُ لي حُبَّ الدُّنيا ، ويَحُولُ بَيني وبَينَ الطّاعَةِ وَالزُّلفى» (1) . في ضوء ذلك يتبيّن لنا أنّ العامل الأساسيّ لسلطان الشيطان على الإنسان هو الهوى الّذي يفتح الطّريق لنفثات الشّيطان من خلال وضع حُجُب المعرفة ، فمن أزال هذه الحُجُب ، وبلغ منزلة العبوديّة للّه كما قال القرآن الكريم ، فلا سلطان للشّيطان عليه في الوساوس والنّفثات والنزغات . «إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَ_نٌ» (2) .
.
ص: 193
الفصل الثاني : ما يزيل الحجب2 / 1القُرآنالكتاب«كِتَ_بٌ أَنزَلْنَ_هُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّ_لُمَ_تِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَ طِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ». (1)
راجع : إبراهيم: 5 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :خَيرُ الدَّواءِ القُرآنُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ هذَا القُرآنَ حَبلُ اللّهِ ، وَالنّورُ المُبينُ ، وَالشِّفاءُ النّافِعُ. (3)
.
ص: 194
عنه صلى الله عليه و آله :القُرآنُ هُوَ الدَّواءُ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :كَلامُ اللّهِ دَواءُ القَلبِ. (2)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ القُرآنِ _: جَعَلَهُ اللّهُ ... دَواءً لَيسَ بَعدَهُ داءٌ ، ونوراً لَيسَ مَعَهُ ظُلمَةٌ. (3)
عنه عليه السلام_ أيضاً _: إنَّ فيهِ شِفاءً مِن أكبَرِ الدّاءِ : وهُوَ الكُفرُ ، وَالنِّفاقُ ، وَالغَيُّ ، وَالضَّلالُ. (4)
عنه عليه السلام_ أيضاً _: فيهِ رَبيعُ القَلبِ ، ويَنابيعُ العِلمِ ، وما لِلقَلبِ جِلاءٌ غَيرُهُ. (5)
راجع : ص 131 (الوحي) .
2 / 2المَوعِظَةالكتاب«يَ_أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِى الصُّدُورِ وَ هُدًى وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ» . (6)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :بِالمَواعِظِ تَنجَلِي الغَفلَةُ. (7)
.
ص: 195
عنه عليه السلام :المَواعِظُ حَياةُ القُلوبِ. (1)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ الوَعظِ الاِنتِباهُ. (2)
عنه عليه السلام :المَواعِظُ صِقالُ النُّفوسِ وجِلاءُ القُلوبِ. (3)
عنه عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! استَصبِحوا مِن شُعلَةِ مِصباحٍ واعظٍ مُتَّعِظٍ. (4)
عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلَى ابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: أحيِ قَلبَكَ بِالمَوعِظَةِ. (5)
2 / 3التَّقوىالكتاب«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا» . (6)
«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ ءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَ يَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» . (7)
راجع : البقرة : 2 و 66 ، آل عمران : 138 ، المائدة : 46 ، يونس : 6 .
.
ص: 196
الحديثمجمع البيان عن ابن عبّاس :قَرَأَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «وَ مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا» (1) قالَ : مِن شُبُهاتِ الدُّنيا ، ومِن غَمَراتِ المَوتِ ، وشَدائِدِ يَومِ القِيامَةِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :اِعلَموا أنَّهُ مَن يَتَّقِ اللّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجاً مِنَ الفِتَنِ ، ونوراً مِنَ الظُّلَمِ. (3)
عنه عليه السلام :إنَّ تَقوَى اللّهِ دَواءُ داءِ قُلوبِكُم ، وبَصَرُ عَمى أفئِدَتِكُم ، وشِفاءُ مَرَضِ أجسادِكُم ، وصَلاحُ فَسادِ صُدورِكُم ، وطُهورُ دَنَسِ أنفُسِكُم ، وجِلاءُ عَشا أبصارِكُم. (4)
عنه عليه السلام :هُدِيَ مَن أشعَرَ التَّقوى قَلبَهُ. (5)
عنه عليه السلام :مَن غَرَسَ أشجارَ التُّقى جَنى ثِمارَ الهُدى. (6)
عنه عليه السلام :أينَ العُقولُ المُستَصبِحَةُ بِمَصابيحِ الهُدى ! وَالأَبصارُ اللّامِحَةُ إلى مَنارِ التَّقوى ! (7)
2 / 4الذِّكرالكتاب«وَ مَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَ_نِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَ_نًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ» . (8)
.
ص: 197
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ ذِكرَ اللّهِ شِفاءٌ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :ذِكرُ اللّهِ شِفاءُ القُلوبِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ سقالَةَ (3) القُلوبِ ذِكرُ اللّهِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :بِذِكرِ اللّهِ تَحيَى القُلوبُ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :جِلاءُ هذِهِ القُلوبِ ذِكرُ اللّهِ وتِلاوَةُ القُرآنِ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ لِلوَسواسِ خَطماً كَخَطمِ الطّائِرِ ، فَإِذا غَفَلَ ابنُ آدَمَ وَضَعَ ذلِكَ المِنقارَ في اُذُنِ القَلبِ يُوَسوِسُ ، فَإِنِ ابنَ آدَمَ ذَكَرَ اللّهَ عز و جلنَكَصَ وخَنَسَ ، فَذلِكَ سُمِّيَ الوَسواسَ. (7)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ آدَمَ شَكا إلَى اللّهِ ما يَلقى مِن حَديثِ النَّفسِ وَالحُزنِ ، فَنَزَلَ عَلَيهِ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ لَهُ : يا آدَمُ ، قُل : لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ . فَقالَها فَذَهَبَ عَنهُ الوَسوَسَةُ وَالحُزنُ. (8)
.
ص: 198
عنه صلى الله عليه و آله :مَن وَجَدَ مِن هذَا الوَسواسِ فَليَقُل : آمَنتُ بِاللّهِ ورَسولِهِ ، ثَلاثاً ، فَإِنَّ ذلِكَ يَذهَبُ عَنهُ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ اللّهَ سُبحانَهُ وتَعالى جَعَلَ الذِّكرَ جِلاءً لِلقُلوبِ : تَسمَعُ بِهِ بَعدَ الوَقرَةِ ، وتُبصِرُ بِهِ بَعدَ العَشوَةِ ، وتَنقادُ بِهِ بَعدَ المُعانَدَةِ ، وما بَرِحَ للّهِِ _ عَزَّت آلاؤُهُ _ فِي البُرهَةِ بَعدَ البُرهَةِ وفي أزمانِ الفَتَراتِ عِبادٌ ناجاهُم في فِكرِهِم ، وكَلَّمَهُم في ذاتِ عُقولِهِم ، فَاستَصبَحوا بِنورِ يَقَظَةٍ فِي الأَبصارِ وَالأَسماعِ وَالأَفئِدَةِ. (2)
عنه عليه السلام :الذِّكرُ هِدايَةُ العُقولِ ، وتَبصِرَةُ النُّفوسِ. (3)
عنه عليه السلام :لا هِدايَةَ كَالذِّكرِ. (4)
عنه عليه السلام :الذِّكرُ نورُ العَقلِ ، وحَياةُ النُّفوسِ ، وجِلاءُ الصُّدورِ. (5)
عنه عليه السلام :الذِّكرُ يُؤنِسُ اللُّبَّ ، ويُنيرُ القَلبَ ، ويَستَنزِلُ الرَّحمَةَ. (6)
عنه عليه السلام :الذِّكرُ جِلاءُ البَصائِرِ ، ونورُ السَّرائِرِ. (7)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ الذِّكرِ استِنارَةُ القُلوبِ. (8)
عنه عليه السلام :مَن كَثُرَ ذِكرُهُ استَنارَ لُبُّهُ. (9)
.
ص: 199
عنه عليه السلام :مَن ذَكَرَ اللّهَ استَبصَرَ. (1)
عنه عليه السلام :مَن ذَكَرَ اللّهَ سُبحانَهُ أحيَا اللّهُ قَلبَهُ ، ونَوَّرَ عَقلَهُ ولُبَّهُ. (2)
عنه عليه السلام :أصلُ صَلاحِ القَلبِ اشتِغالُهُ بِذِكرِ اللّهِ. (3)
عنه عليه السلام :ذِكرُ اللّهِ جِلاءُ الصُّدورِ ، وطُمَأنينَةُ القُلوبِ. (4)
عنه عليه السلام :ذِكرُ اللّهِ دَواءُ أعلالِ النُّفوسِ. (5)
عنه عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِلحَسَنِ عليه السلام _: اُوصيكَ بِتَقوَى اللّهِ _ أي بُنَيَّ _ ولُزومِ أمرِهِ ، وعِمارَةِ قَلبِكَ بِذِكرِهِ. (6)
عنه عليه السلام :يا مَنِ اسمُهُ دَواءٌ وذِكرُهُ شِفاءٌ. (7)
الكافي عن جميل بن درّاج عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :قُلتُ لَهُ : إنَّهُ يَقَعُ في قَلبي أمرٌ عَظيمٌ . فَقالَ : قُل : لا إلهَ إلَا اللّهُ . فَكُلَّما وَقَعَ في قَلبي شَيءٌ. قُلتُ : لا إلهَ إلَا اللّهُ ، فَيَذهَبُ عَنّي. (8)
.
ص: 200
2 / 5الاِستِعاذَةالكتاب«قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَ_هِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ» . (1)
«وَ قُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَ تِ الشَّيَ_طِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ» . (2)
«وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَ_نِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» . (3)
«فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَ_نِ الرَّجِيمِ» . (4)
«فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَ_نِ الرَّجِيمِ» . (5)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَنِ استَعاذَ بِاللّهِ فِي اليَومِ عَشرَ مَرّاتٍ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ ، وَكَّلَ اللّهُ بِهِ مَلَكاً يَرُدُّ عَنهُ الشَّياطينَ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ إبليسَ لَهُ خُرطومٌ كَخُرطومِ الكَلبِ واضِعُهُ عَلى قَلبِ ابنِ آدَمَ يُذَكِّرُهُ الشَّهَواتِ وَاللَّذّاتِ ، ويَأتيهِ بِالأَماني ، ويَأتيهِ بِالوَسوَسَةِ عَلى قَلبِهِ لِيُشَكِّكَهُ في رَبِّهِ ، فَإِذا قالَ العَبدُ : «أعوذُ بِاللّهِ السَّميعِ العَليمِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ وأعوذُ بِاللّهِ أن يَحضُرونِ إنَّ اللّهَ هُوَ السَّميعُ العَليمُ» خَنَسَ الخُرطومُ عَنِ القَلبِ. (7)
.
ص: 201
الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ الاُمورَ الوارِدَةَ عَلَيكُم في كُلِّ يَومٍ ولَيلَةٍ _ مِن مُظلِماتِ الفِتَنِ وحَوادِثِ البِدَعِ وسُنَنِ الجَورِ وبَوائِقِ الزَّمانِ وهَيبَةِ السُّلطانِ ووَسوَسَةِ الشَّيطانِ _ لَتُثَبِّطُ القُلوبَ عَن تَنَبُّهِها وتُذهِلُها عَن مَوجودِ الهُدى ومَعرِفَةِ أهلِ الحَقِّ إلّا قَليلًا مِمَّن عَصَمَ اللّهُ ، فَلَيسَ يَعرِفُ تَصَرُّفَ أيّامِها وتَقَلُّبَ حالاتِها وعاقِبَةَ ضَرَرِ فِتنَتِها إلّا مَن عَصَمَ اللّهُ ونَهَجَ سَبيلَ الرُّشدِ وسَلَكَ طَريقَ القَصدِ ، ثُمَّ استَعانَ عَلى ذلِكَ بِالزُّهدِ فَكَرَّرَ الفِكرَ وَاتَّعَظَ بِالصَّبرِ. (1)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ عَلَى الشَّيطانِ _: اللّهُمَّ وما سَوَّلَ لَنا مِن باطِلٍ فَعَرِّفناهُ ، وإذا عَرَّفتَناهُ فَقِناهُ ، وبَصِّرنا ما نُكايِدُهُ بِهِ ، وألهِمنا ما نُعِدُّهُ لَهُ ، وأيقِظنا عَن سِنَةِ الغَفلَةِ بِالرُّكونِ إلَيهِ ، وأحسِن بِتَوفيقِكَ عَونَنا عَلَيهِ. (2)
2 / 6التَّوبَةرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ لِلقُلوبِ صَدَأً كَصَدَاَ الحَديدِ ، وجِلاؤهَا الاستِغفارُ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن تابَ اهتَدى. (4)
.
ص: 202
عنه عليه السلام :التَّوبَةُ تُطَهِّرُ القُلوبَ ، وتَغسِلُ الذُّنوبَ. (1)
راجع : ص 169 (الذنب) .
2 / 7البَلاءالكتاب«وَ لَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» . (2)
«وَ مَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْ_ئرُونَ» . (3)
«فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ» . (4)
الحديثالإمام العسكريّ عليه السلام :اللّهُ هُوَ الَّذي يَتَأَلَّهُ إلَيهِ عِندَ الحَوائِجِ وَالشَّدائِدِ كُلُّ مَخلوقٍ عِندَ انقِطاعِ الرَّجاءِ مِن كُلِّ مَن هُوَ دونَهُ ، وتَقَطُّعِ الأَسبابِ مِن جَميعِ ما سِواهُ. (5)
.
ص: 203
توضيح حول دواء حجب العلم والحكمةنلاحظُ في هذا الفصل أنّ القرآن الكريم عرض الموعظة ، والتّقوى ، والذّكر ، والاستعاذة ، والتّوبة ، والبلاء ، أدويّةً شافيّة للأدواء النّاتجة عن وساوس الشّيطان وحُجُب المعرفة ، وفيما يأتي عدد من النّقاط الجديرة بالاهتمام حول دور هذه الأدوية في تمزيق الحُجُب المذكورة والمحافظة على سلامة الرّوح :
1 . غذاء الرّوح ومبدأ الإلهامإنّ أوّل نقطة مهمّة لافتة للنّظر في أدوية حُجُب العلم والحكمة هي أنّ هذه الأدوية هي غذاء للرّوح ومبادئ للإلهام ، مضافا إلى تمزيقها حُجُب المعرفة من الفكر والقلب . بعبارة أُخرى ، لا منافاة بين تطبيب هذه الأُمور ، وكَونها مبدأً للإلهامات الغيبيّة الإلهيّة ، كما نلاحظ في أدوية الجسم أنّ غذائيّة الدّواء كمال له ، وهكذا في أدواء الرّوح ، فإنّ أدوية حُجُب المعرفة تمتاز بهذه الخاصيّة المهمّة . من هنا ، فإنّ ما جاء في هذا الفصل باعتباره دواءً لحجاب العلم والحكمة يمكن أن يُذكر في الفصل الرّابع تحت عنوان (مبادئ الإلهام) ، بخاصّة قد وردت في النّصّ
.
ص: 204
عناوين صريحة كالقرآن ، والتّقوى ، والذّكر ، الّتي تقوم بدور مؤثّر في الإلهامات الإلهيّة والمعارف الحقيقيّة ، وما حدانا على ذكر هذه الأُمور بوصفها دواءً هو دورها في علاج أدواء الرّوح وتمزيق حُجُب المعرفة ، والنّصّ على هذا الدّور في كثير من الآيات والرّوايات (1) .
2 . نطاق تأثير أدوية المعرفةإنّ النّقطة الأُخرى الجديرة بالتّأمّل فيما يرتبط بأدوية المعرفة هي : أيّ مجموعة من حُجُب المعرفة يمكن ازالتها بواسطة هذه الأدوية هل هي كلّها هل يمكن معالجة الموانع الحسّيّة وحُجُب العلوم الرّسميّة بهذه الأدوية وأخيرا ما المدى الّذي يبلغه تأثير أدوية المعرفة . وجوابنا أنّ التّأمّل في الآيات والأحاديث الواردة في هذا المجال تدلّ على أنّ هذه الأدوية تتعلّق بالمجموعة الثّالثة من حُجُب العلم والحكمة ، أي : حُجُب العلم الحقيقيّ . وإن كنّا لا ننكر تأثيرها الإجماليّ في إزالة بعض حُجُب العلوم الرّسميّة .
3 . كيفيّة استعمال أدوية المعرفةالنّقطة الثّالثة هي : كيف نستعمل أدوية المعرفة وفي أيّ ظروف تؤثّر هذه الأدوية في تمزيق الحُجُب لا يسعنا الجواب عن هذا السّؤال الآن مفصّلاً ، بَيْد أنّا نقول بإجمال : إنّ لاستعمال كلّ واحدٍ من هذه الأدوية شروطه ، فإذا تهيّأت أمكننا أن نتوقّع التّأثير ، فعلى سبيل المثال ، تلاوة القرآن تزيل صدأ حُجُب المعرفة من مرآة الرّوح ، وتصقل القلب ، وتُعدّه للإفادة من الإفاضات الغيبيّة والإلهامات الإلهيّة ، ولكنْ ثمّة
.
ص: 205
شرطان أساسيّان لتأثير هذا الدّواء ، أوّلهما : التّدبّر فإنّه روي عن الإمام عليّ عليه السلام «لاخَيرَ في قِراءَةٍ لَيسَ فيها تَدَبُّرٌ» (1) . وثانيهما : الاجتناب عن حُجُب المعرفة ولو مؤقّتا ، فإذا قرأ أحدٌ القرآنَ بتدبّر ولم يجتنب عن الظّلم ، والتّعصّب ، والاستبداد والكبر ، والعُجب ، وشرب الخمر ، فتلاوته غير شافية قال اللّه سبحانه : «إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّ__لِمِينَ» (2) . «إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَ_سِقِينَ» (3) . إنّ القرآن هدىً ، ولكنّه هدىً لمن أزال عن طريقه حُجُب الهدى الّتي هي حُجُب العلم والحكمة نفسها : «ذَ لِكَ الْ_كِتَ_بُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ» (4) . وإذا فقد التّالي شروط التّلاوة ، فالقرآن لا يشفيه ولا يزيل الحُجُب عن قلبه بل يضيف حجابا إلى تلك الحُجب ، قال تعالى : «وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَ لَا يَزِيدُ الظَّ__لِمِينَ إِلَا خَسَارًا» (5) . ومثل هذا القارئ لا تشمله رحمة الحقّ ، بل تلاحقه لعنة القرآن . قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «رُبَّ تالٍ لِلقُرآنِ وَالقُرآنُ يَلعَنُهُ» (6) . وهكذا سائر أدوية العلم والحكمة فلها شروطها الخاصّة بها ، ونرجئ الحديث عنها إلى وقت آخر .
4 . أُصول أدوية المعرفةإنّ ما ذُكر في هذا الفصل بوصفه دواءً للمعرفة يعود إلى عاملين : أحدهما القرآن، ويمكن أن نطلق عليه اصطلاح «الدّواء التّشريعيّ» ، والآخر البلاء ، وهو
.
ص: 206
«الدّواء التّكويني» . بعبارة أُخرى : جعل اللّه تعالى دواءين في نظام الخِلْقة لعلاج المرضى المصابين بمرض حُجُب العلم والحكمة : أحدهما تعاليم الأنبياء ، والآخر الحوادث الطّبيعيّة المرّة المثيرة للعِبَر . إنّ القرآن الكريم ، الّذي هو أكمل المناهج في تعاليم الأنبياء ، يعالج مرضى المعرفة عن طريق الموعظة ، والتّقوى ، وذكر اللّه ، والدّعاء ، والاستعاذة بالحقّ ، والتّوبة . إنّ البلايا والحوادث المُرّة تعتبر الدّواء المهدِّئ لهذه الأمراض، إلى جانب تعاليم الأنبياء الّتي هي الدّواء الأساس لأمراض الرّوح ، بخاصّة أمراض المعرفة ، وهي توصَف عند الضّرورة : «وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّبِىٍّ إِلَا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِوَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ» (1) .
5 . أقسام حُجُب المعرفةإنّ حُجُب العلم والحكمة ثلاثة ، اثنان منها تُعالَج بأدوية المعرفة ، وواحدة لا يتسنّى علاجها :
أ _ حُجُب رقيقةإنّ حُجُب العلم والحكمة الّتي مرّ شرحها في الفصل الأوّل جراثيم مرض الروح وحُجُب القلب الحائلة دون نور العلم ، وهذه الحُجُب رقيقة في بداية المرض ، يمكن لتعاليم الأنبياء أن تزيلها بيُسرٍ .
.
ص: 207
ب _ حُجُب سميكة عرضة للزّوالإذا لم تُعالج حُجُب المعرفة فإنّ حُجُب الفكر والقلب تتراكم تدريجا ، وهذه الحُجُب المتراكمة تُعالَج مادامت لا تُفسِد جوهر مرآة القلب ، وقد يُستعان بدواء البلاء من أجل تمزيق هذه الحُجُب ، وهذا الدّواء أقوى من دواء الموعظة . إنّ جلاء صدأ القلب بالموعظة كجلاء المرآة بالماء ، وجلاء صدأ القلب بالبلاء صقل للسّيف بالنّار ؛ فإنّ كثيرا من أنواع الصدأ لايمكن أن يُعالَج إلّا بالنّار . من هنا قال القرآن الكريم في فلسفة البلاء ومصائب الحياة : «وَ لَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (1) . وقد قال الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام في هذا المجال : «إذا رَأيتَ اللّهَ سُبحانَهُ يُتابِعُ عَلَيكَ البَلاءَ فَقَد أيقَظَكَ» (2) .
ج _ حُجُب سميكة لن تزولإذا تراكم صدأ حُجُب المعرفة بنحو فسد معه جوهر مرآة القلب ، فإنّ نار البلاء تعجز عن صقل جوهر الرّوح ، وحينئذٍ يتعذّر علاج المريض كما قال عليٌّ عليه السلام : «ومَن لَم يَنفَعُهُ اللّهُ بِالبَلاءِ وَالتَّجارِبِ لَم يَنتَفِع بِشَيءٍ مِنَ العِظَةِ» (3) ، أجل «كَيفَ يُراعِي النَّبأَةَ مَن أصَمَّتهُ الصَّيحَةُ» (4) ! إنّ علامة مرض المعرفة الّذي يتعذّر علاجه هي أنّ المريض يُمنى بتعصّب شديد في عقائده الباطلة ، ولا يستعدّ لقبول الحقّ أبدا ، وفي وصف أمثاله قال تعالى : «وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ» (5) .
.
ص: 208
وليس للموعظة ولسوط البلاء أن يجلوا الصّدأ عن قلوب هؤلاء المرضى المتعصّبين ، بل ليس لإعجاز أيّ نبيٍّ أن يعالج مرضهم . لذا قال عيسى عليه السلام : «داوَيتُ المَرضى فَشَفَيتُهُم بِإِذنِ اللّهِ ، وأبرَأتُ الأَكمَهَ والأَبرَصَ بِإِذنِ اللّهِ ، وعالَجتُ المَوتى فَأَحيَيتُهُم بِإِذنِ اللّهِ . وعالَجتُ الأحمَقَ فَلَم أقدِر عَلى إصلاحِهِ ! فَقيلَ : يا روحَ اللّهِ ، ومَا الأَحمَقُ ؟ قالَ : المُعجَبُ بِرَأيِهِ ونَفسِهِ ، الَّذي يَرَى الفَضلَ كُلَّهُ لَهُ لا عَلَيهِ ويوجِبُ الحَقَّ كُلَّهُ لِنَفسِهِ ولا يوجِبُ عَلَيها حَقَّا ، فَذاكَ الأَحمَقُ الَّذي لا حيلَةَ في مُداواتِهِ» (1) . ويمكن أن نقسّم المتعصّبين المعاندين الّذين لا يتسنّى زوال الحُجُب عنهم إلى قسمين : الأوّل : الّذين يتنبّهون ويعترفون بالحقّ إذا نزل بهم عذاب الاستئصال ، أي البلاء الّذي يعقبه الموت والهلاك . الثّاني : الّذين لا يتنبّهون ولا يؤثّر فيهم عذاب الاستئصال . كان فرعون من القسم الأوّل وأبو جهل من القسم الثّاني ، لقد مُني فرعون وأتباعه بالتّعصّب والكِبر واللَّجاجة ، وبعامّة بحجب المعرفة ، بحيث لم تنبّههم مواعظ موسى عليه السلام (2) ، ولا معجزاته لإثبات نبوّته (3) الّتي حلّت بهم نتيجة مخالفتهم للحقّ ، بَيْد أنّ سوط «عذاب الاستئصال» أرغم فرعون على الاعتراف بالحقّ : «إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا الَّذِى ءَامَنَتْ بِهِ بَنُواْ إِسْرَ ءِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (4) !
.
ص: 209
أمّا أبو جهل فلم يُذعِن للحقّ حتّى عند الموت ، لذا عندما مرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله على القتلى بعد معركة بدر ووصل إلى جسد أبي جهل ، قال : «إنَّ هذا أعتى عَلَى اللّهِ مِن فِرعَونَ ، إنَّ فِرعَونَ لَمّا أيقَنَ بِالهَلاكِ وَحَّدَ اللّهَ ، وإنَّ هذا لَمّا أيقَنَ بِالهَلاكِ دَعا بِاللّاتِ وَالعُزّى». (1) إنّ الّذين لا يُفيقون من مواعظ الأنبياء وتحذيرهم ، ولا يؤثّر فيهم سوط البلاء ، بل سوط عذاب الاستئصال أيضا ، فإنّ سوط الموت يوقظهم ويزيل حُجُب الغفلة وحواجز المعرفة عن بصائرهم ، أجَل «النّاسُ نِيامٌ فَإِذا ماتُوا انتَبَهوا» (2) . قال تعالى مخاطبا المجرمين المتعصّبين ، الّذين نبّههم سوط الموت ، في عرصات القيامة : «لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَ_ذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَ_اءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» (3) . اللّهمّ وفّقنا أن نتّعظ بمواعظ الأنبياء وأئمّة الهدى قبل أن يَعِظنا سوط الموت .
.
ص: 210
. .
ص: 211
القسم الثّامن : تحصيل المعرفةالفصل الأوّل : وجوب التعلّمالفصل الثاني : فضل التّعلّمالفصل الثالث : آداب التّعلّمالفصل الرابع : آداب السّؤالالفصل الخامس : أحكام التّعلّم
.
ص: 212
. .
ص: 213
الفصل الأوّل : وجوب التعلّم1 / 1وُجوبُ التَّعَلُّمِ عَلى كُلِّ مُسلِمٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :طَلَبُ العِلمِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ مُسلِمٍ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :طَلَبُ العِلمِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ مُسلِمٍ ومُسلِمَةٍ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :طَلَبُ العِلمِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ مُسلِمٍ ، ألا إنَّ اللّهَ يُحِبُّ بُغاةَ العِلمِ. (3)
.
ص: 214
عنه صلى الله عليه و آله :طَلَبُ العِلمِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ مُسلِمٍ ، فَاطلُبُوا العِلمَ مِن مَظانِّهِ ، وَاقتَبِسوهُ مِن أهلِهِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :ما مِن مُؤمِنٍ ولا مُؤمِنَةٍ ولا حُرٍّ ولا مَملوكٍ إلّا وللّهِِ عَلَيهِ حَقٌّ واجِبٌ أن يَتَعَلَّمَ مِنَ العِلمِ ويَتَفَقَّهَ فيهِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :قَلبٌ لَيسَ فيهِ شَيءٌ مِنَ الحِكمَةِ كَبَيتٍ خَرِبٍ ، فَتَعَلَّموا وعَلِّموا ، وتَفَقَّهوا ولا تَموتوا جُهّالًا ؛ فَإِنَّ اللّهَ عز و جل لا يَعذِرُ عَلَى الجَهلِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :طَلَبُ العِلمِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ مُؤمِنٍ ، فَاغدُ أيُّهَا العَبدُ عالِماً أو مُتَعَلِّماً ولا خَيرَ فيما بَينَ ذلِكَ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :طَلَبُ العِلمِ فَريضَةٌ ، وبَذلُهُ لِلنّاسِ فَريضَةٌ ، وَالنَّصيحَةُ لَهُم فَريضَةٌ ، وَالجِهادُ في سَبيلِ اللّهِ عز و جل فَريضَةٌ. (5)
تحف العقول :قالَ صلى الله عليه و آله : أربَعَةٌ تَلزَمُ كُلَّ ذي حِجًى وعَقلٍ مِن اُمَّتي . قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما هُنَّ ؟ قالَ : اِستِماعُ العِلمِ ، وحِفظُهُ ، ونَشرُهُ ، وَالعَمَلُ بِهِ. (6)
.
ص: 215
الإمام عليّ عليه السلام :عَلَيكُم بِطَلَبِ العِلمِ ، فَإِنَّ طَلَبَهُ فَريضَةٌ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :طَلَبُ العِلمِ فَريضَةٌ. (2)
منية المريد :فِي الإِنجيلِ قالَ اللّهُ تَعالى فِي السّورَةِ السّابِعَةَ عَشرَةَ مِنهُ : وَيلٌ لِمَن سَمِعَ بِالعِلمِ ولَم يَطلُبهُ ، كَيفَ يُحشَرُ مَعَ الجُهّالِ إلَى النّارِ ؟ ! اُطلُبُوا العِلمَ وتَعَلَّموهُ ، فَإِنَّ العِلمَ إن لَم يُسعِدكُم لَم يُشقِكُم ، وإن لَم يَرفَعكُم لَم يَضَعكُم ، وإن لَم يُغنِكُم لَم يُفقِركُم ، وإن لَم يَنفَعكُم لَم يَضُرَّكُم ، ولا تَقولوا : نَخافُ أن نَعلَمَ فَلا نَعمَلَ ، ولكِن قولوا : نَرجو أن نَعلَمَ ونَعمَلَ ، وَالعِلمُ يَشفَعُ لِصاحِبِهِ ، وحَقٌّ عَلَى اللّهِ أن لا يُخزِيَهُ . إنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ يَومَ القِيامَةِ : يا مَعشَرَ العُلَماءِ ، ماظَنُّكُم بِرَبِّكُم ؟ فَيَقولونَ : ظَنُّنا أن يَرحَمَنا ويَغفِرَ لَنا . فَيَقولُ تَعالى : فَإِنّي قَد فَعَلتُ ، إنّي قَدِ استَودَعتُكُم حِكمَتي لا لِشَرٍّ أرَدتُهُ بِكُم ، بَل لِخَيرٍ أرَدتُهُ بِكُم ، فَادخُلوا في صالِحِ عِبادي إلى جَنَّتي بِرَحمَتي. (3)
1 / 2وُجوبُ التَّعَلُّمِ عَلى كُلِّ حالٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اُطلُبُوا العِلمَ ولَو بِالصّينِ ؛ فَإِنَّ طَلَبَ العِلمِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ مُسلِمٍ. (4)
.
ص: 216
الفردوس عن ابن عبّاس : «وَ إِذْ قَالَ لُقْمَ_نُ لِابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ ... » (1) ... يا بُنَيَّ ، إن كانَ بَينَكَ وبَينَ العِلمِ بَحرٌ مِن نارٍ يُحرِقُكَ وبَحرٌ مِن ماءٍ يُغرِقُكَ ، فَانفُذهُما إلَى العِلمِ حَتّى تَقتَبِسَهُ وتَعَلَّمَهُ ، فَإِنَّ تَعَلُّمَ العِلمِ دَليلُ الإِنسانِ ، وعِزُّ الإِنسانِ ، ومَنارُ الإِيمانِ ، ودَعائِمُ الأَركانِ ، ورِضَا الرَّحمنِ. (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :لَو يَعلَمُ النّاسُ ما في طَلَبِ العِلمِ لَطَلَبوهُ ولَو بِسَفكِ المُهَجِ (3) وخَوضِ اللُّجَجِ (4) ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أوحى إلى دانِيالَ : إنَّ أمقَتَ عَبيدي إلَيَّ الجاهِلُ المُستَخِفُّ بِحَقِّ أهلِ العِلمِ ، التّارِكُ لِلاِقتِداءِ بِهِم . وإنَّ أحَبَّ عَبيدي إلَيَّ التَّقِيُّ الطّالِبُ لِلثَّوابِ الجَزيلِ ، اللّازِمُ لِلعُلَماءِ ، التّابِعُ لِلحُلَماءِ ، القابِلُ عَنِ الحُكَماءِ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :اُطلُبُوا العِلمَ ولَو بِخَوضِ اللُّجَجِ وشَقِّ المُهَجِ. (6)
عنه عليه السلام :طَلَبُ العِلمِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ حالٍ. (7)
فائدة :المعروف المنسوب إلى النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «اطلبوا العِلم من المهد إلى اللحد» . وجاء هذا المضمون في «آداب المتعلّمين» ، و«الوافي» بالنّحو الآتي : «قيل : وقت الطّلب من المهد إلى اللحد» (8) . وورد في هامش «آداب المتعلّمين» ما نصّه:
.
ص: 217
«و في الأثر المعروف: اطلبوا العِلم من المهد إلى اللحد» ، (1) وفي هامش «تفسير القمّيّ» أيضا : «ومنه الحديث المعروف : اطلبوا العِلم من المهد إلى اللحد» (2) . ونظم الشّاعر الفارسيّ هذا الكلام شعرا ، فقال : چنين گفت پيغمبر راستگو زگهواره تا گور دانش بجو (3) بيد أنّا لم نعثر على هذا التعبير في الجوامع الرّوائيّة، رغم الجهود المبذولة. وَالمبالغه المذكورة فيهذا الكلام هي بالشّعر أشبه منها بكلام النّبيّ صلى الله عليه و آله . وقد سمّى محقّقو «آداب المتعلّمين» و «تفسير القمّيّ» هذا الكلام حديثا، بلا تحقيق .
1 / 3طَلَبُ العِلمِ أوجَبُ مِن طَلَبِ المالِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :خُيِّرَ سُلَيمانُ بَينَ المُلكِ وَالمالِ وَالعِلمِ فَاختارَ العِلمَ ، فَاُعطِيَ العِلمَ وَالمالَ وَالمُلكَ بِاختِيارِهِ العِلمَ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! اِعلَموا أنَّ كَمالَ الدّينِ طَلَبُ العِلمِ وَالعَمَلُ بِهِ ، وأنَّ طَلَبَ العِلمِ أوجَبُ عَلَيكُم مِن طَلَبِ المالِ، إنَ المالَ مَقسومٌ بَينَكُم مَضمونٌ لَكُم ، قَد قَسَمَهُ عادِلٌ بَينَكُم وضَمِنَهُ ، سَيَفي لَكُم بِهِ ، وَالعِلمُ مَخزونٌ عَلَيكُم عِندَ أهلِهِ قَد اُمِرتُم بِطَلَبِهِ مِنهُم ، فَاطلُبوهُ وَاعلَموا أنَّ كَثرَةَ المالِ مَفسَدَةٌ لِلدّينِ مَقساةٌ لِلقُلوبِ ، وأنَّ كَثرَةَ العِلمِ وَالعَمَلِ بِهِ مَصلَحَةٌ لِلدّينِ وسَبَبٌ إلَى الجَنَّةِ ، وَالنَّفَقاتُ تَنقُصُ المالَ وَالعِلمُ يَزكو
.
ص: 218
عَلى إنفاقِهِ ، فَإِنفاقُهُ بَثُّهُ إلى حَفَظَتِهِ ورُواتِهِ. (1)
الإمام الباقر عليه السلام :سارِعوا في طَلَبِ العِلمِ ، فَوَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ لَحَديثٌ واحِدٌ في حَلالٍ وحَرامٍ تَأخُذُهُ عَن صادِقٍ خَيرٌ مِنَ الدُّنيا وما حَمَلَت مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ. (2)
راجع : ص 41 (خير من المال) .
1 / 4التَّحذيرُ مِن تَركِ التَّعَلُّمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما مِن أحَدٍ إلّا عَلى بابِهِ مَلَكانِ ، فَإِذا خَرَجَ قالا : اُغدُ عالِماً أو مُتَعَلِّماً ولا تَكُنِ الثّالِثَ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :اُغدُ عالِماً أو مُتَعَلِّماً أو مُستَمِعاً أو مُحِبًّا ، ولا تَكُنِ الخامِسَ فَتَهلِكَ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :اُغدُ عالِماً أو مُتَعَلِّماً أو مُستَمِعاً أو مُحَدِّثاً ، ولا تَكُنِ الخامِسَ فَتَهلِكَ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :اُغدُ عالِماً أو مُتَعَلِّماً أو مُجيباً أو سائِلًا ، ولا تَكُنِ الخامِسَ فَتَهلِكَ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :اُغدُ عالِماً أو مُتَعَلِّماً ، وإيّاكَ أن تَكونَ لاهِياً مُتَلَذِّذاً. (7)
.
ص: 219
عنه صلى الله عليه و آله :النّاسُ اثنانِ : عالِمٌ ومُتَعَلِّمٌ ، وما عَدا ذلِكَ هَمَجٌ رَعاعٌ لا يَعبَأُ اللّهُ بِهِم. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لَيسَ مِنّي إلّا عالِمٌ أو مُتَعَلِّمٌ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا خَيرَ فيمَن كانَ في اُمَّتي لَيسَ بِعالِمٍ ولا مُتَعَلِّمٍ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :النّاسُ رَجُلانِ : عالِمٌ ومُتَعَلِّمٌ ، ولا خَيرَ فيما سِواهُما. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :خُذُوا العِلمَ قَبلَ أن يَنفَدَ ، فَإِنَّ ذَهابَ العِلمِ ذَهابُ حَمَلَتِهِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :قَلبٌ لَيسَ فيهِ شَيءٌ مِنَ الحِكمَةِ كَبَيتٍ خَرِبٍ ، فَتَعَلَّموا وعَلِّموا وتَفَقَّهوا ولا تَموتوا جُهّالًا ، فَإِنَّ اللّهَ لا يَعذِرُ عَلَى الجَهلِ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :لا خَيرَ فِي العَيشِ إلّا لِرَجُلَينِ : عالِمٍ مُطاعٍ أو مُستَمِعٍ واعٍ. (7)
عنه صلى الله عليه و آله :اُغدُ عالِماً أو مُتَعَلِّماً أو أحِبَّ العُلَماءَ ، ولا تَكُن رابِعاً فَتَهلِكَ بِبُغضِهِم. (8)
الإمام عليّ عليه السلام :اُغدُ عالِماً أو مُتَعَلِّماً ، ولا تَكُنِ الثّالِثَ فَتَعطَبَ. (9)
.
ص: 220
عنه عليه السلام :كُن عالِماً ناطِقاً أو مُستَمِعاً واعِياً ، وإيّاكَ أن تَكونَ الثّالِثَ. (1)
عنه عليه السلام :إذا لَم تَكُن عالِماً ناطِقاً فَكُن مُستَمِعاً واعِياً. (2)
عنه عليه السلام_ لِكُمَيلِ بنِ زِياد _: يا كُمَيلُ ، إنَّ هذِهِ القُلوبَ أوعِيَةٌ ، فَخَيرُها أوعاها لِلخَيرِ . وَالنّاسُ ثَلاثَةٌ : فَعالِمٌ رَبّانِيٌّ ، ومُتَعَلِّمٌ عَلى سَبيلِ نَجاةٍ ، وهَمَجٌ رَعاعٌ أتباعُ كُلِّ ناعِقٍ ، لَم يَستَضيؤوا بِنورِ العِلمِ ولَم يَلجَؤوا إلى رُكنٍ وَثيقٍ . إنَّ هاهُنا لَعِلماً _ وأشارَ بِيَدِهِ إلى صَدرِهِ _ لَو أصَبتُ لَهُ حَمَلَةً ! لَقَد أصَبتُ لَقِناً (3) غَيرَ مَأمونٍ يَستَعمِلُ الدّينَ لِلدُّنيا ، ويَستَظهِرُ بِحُجَجِ اللّهِ عَلى كِتابِهِ ، وبِنِعَمِهِ عَلى مَعاصيهِ ، اُفٍّ لِحامِلِ حَقٍّ لا يُصَيِّرُهُ لَهُ ، يَنقَدِحُ الشَّكُّ في قَلبِهِ بِأَوَّلِ عارِضٍ مِن شُبهَةٍ ، لا يَدري أينَ الحَقُّ ، إن قالَ أخطَأَ ، وإن أخطَأَ لَم يَدرِ ، مَشغوفٌ بِما لا يَدري حَقيقَتَهُ ، فَهُوَ فِتنَةٌ لِمَنِ افتُتِنَ بِهِ ، وإنَّ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ مَن عَرَّفَهُ اللّهُ دينَهُ ، وكَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن لا يَعرِفَ دينَهُ. (4)
عنه عليه السلام :لا يَستَنكِفَنَّ مَن لَم يَكُن يَعلَمُ أن يَتَعَلَّمَ. (5)
الإمام الباقر عليه السلام :اُغدُ عالِماً خَيراً ، وتَعَلَّم خَيراً. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :النّاسُ ثَلاثَةٌ : عالِمٌ ، ومُتَعَلِّمٌ ، وغُثاءٌ (7) . (8)
.
ص: 221
عنه عليه السلام :لَستُ اُحِبُّ أن أرَى الشّابَّ مِنكُم إلّا غادِياً في حالَينِ : إمّا عالِماً أو مُتَعَلِّماً ، فَإِن لَم يَفعَل فَرَّطَ ، فَإِن فَرَّطَ ضَيَّعَ ، وإن ضَيَّعَ أثِمَ ، وإن أثِمَ سَكَنَ النّارَ والَّذي بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِالحَقِّ. (1)
عنه عليه السلام :لا يَنبَغي لِمَن لَم يَكُن عالِماً أن يُعَدَّ سَعيداً ، ولا لِمَن لَم يَكُن وَدوداً أن يُعَدَّ حَميداً. (2)
.
ص: 222
. .
ص: 223
الفصل الثاني : فضل التّعلّم2 / 1تَأكيدُ طَلَبِ العِلمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :تَعَلَّمُوا العِلمَ ؛ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ حَسَنَةٌ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :اُطلُبُوا العِلمَ ؛ فَإِنَّهُ السَّبَبُ بَينَكُم وبَينَ اللّهِ عز و جل. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :تَعَلَّمُوا العِلمَ وعَلِّموهُ النّاسَ ، تَعَلَّمُوا الفَرائِضَ وعَلِّموهُ النّاسَ ، تَعَلَّمُوا القُرآنَ وعَلِّموهُ النّاسَ ، فَإِنِّي امرُؤٌ مَقبوضٌ ، وَالعِلمُ سَيُقبَضُ ، وتَظهَرُ الفِتَنُ حَتّى يَختَلِفَ اثنانِ في فَريضَةٍ لا يَجِدانِ أحَداً يَفصِلُ بَينَهُما. (3)
.
ص: 224
عنه صلى الله عليه و آله :أفضَلُ الأَعمالِ عَلى ظَهرِ الأَرضِ ثَلاثَةٌ : طَلَبُ العِلمِ ، وَالجِهادُ ، وَالكَسبُ ؛ لِأَنَّ طالِبَ العِلمِ حَبيبُ اللّهِ ، وَالغازي وَلِيُّ اللّهِ ، وَالكاسِبُ صَديقُ اللّهِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَجالِسُ العِلمِ عِبادَةٌ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :العالِمُ وَالمُتَعَلِّمُ شَريكانِ فِي الأَجرِ ولا خَيرَ في سائِرِ النّاسِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ العالِمَ وَالمُتَعَلِّمَ في الأَجرِ سَواءٌ ، يَأتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَفَرَسَي رِهانٍ يَزدَحِمانِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :العالِمُ وَالمُتَعَلِّمُ شَريكانِ فِي الخَيرِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :الشّاخِصُ في طَلَبِ العِلمِ كَالمُجاهِدِ في سَبيلِ اللّهِ. (6)
عنه عليه السلام :ضادُّوا الجَهلَ بِالعِلمِ. (7)
عنه عليه السلام :رُدُّوا الجَهلَ بِالعِلمِ. (8)
.
ص: 225
عنه عليه السلام :اُطلُبُوا العِلمَ تَرشُدوا. (1)
عنه عليه السلام :اُطلُبِ العِلمَ تَزدَد عِلماً. (2)
عنه عليه السلام :اِقتَنِ العِلمَ ، فَإِنَّكَ إن كُنتَ غَنِيًّا زانَكَ ، وإن كُنتَ فَقيراً مانَكَ (3) . (4)
عنه عليه السلام :مُدارَسَةُ العِلمِ لَذَّةُ العُلَماءِ. (5)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ المُتَّقينَ _: مِن عَلامَةِ أحَدِهِم أنَّكَ تَرى لَهُ قُوَّةً في دينٍ، وحَزماً في لينٍ ، وإيماناً في يَقينٍ ، وحِرصاً في عِلمٍ ، وعِلماً في حِلمٍ. (6)
عنه عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ، اِعلَموا أنَّ كَمالَ الدّينِ طَلَبُ العِلمِ وَالعَمَلُ بِهِ. (7)
عنه عليه السلام :تَعَلَّمِ العِلمَ وَاعمَل بِهِ وَانشُرهُ في أهلِهِ ، يُكتَب لَكَ أجرُ تَعَلُّمِهِ وعَمَلِهِ إن شاءَ اللّهُ تَعالى. (8)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: تَعَلَّمُوا العِلمَ وإن لَم تَنالوا بِهِ حَظًّا ، فَلَأَن يُذَمَّ الزَّمانُ لَكُم أحسَنُ مِن أن يُذَمَّ بِكُم. (9)
.
ص: 226
عنه عليه السلام :مَن تَرَكَ الاِستِماعَ مِن ذَوِي العُقولِ ماتَ عَقلُهُ. (1)
عنه عليه السلام_ لِحَمّادِ بنِ عيسى بَعدَ ذِكرِ عَلاماتِ الدّينِ _: ولِكُلِّ واحِدَةٍ مِن هذِهِ العَلاماتِ شُعَبٌ يَبلُغُ العِلمُ بِها أكثَرَ مِن ألفِ بابٍ وألفِ بابٍ وألفِ بابٍ ، فَكُن يا حَمّادُ طالِباً لِلعِلمِ في آناءِ اللَّيلِ وأطرافِ النَّهارِ. (2)
لقمان عليه السلام_ لاِبنِهِ يَعِظُهُ _: يا بُنَيَّ ، اِجعَل في أيّامِكَ ولَياليكَ وساعاتِكَ نَصيباً لَكَ في طَلَبِ العِلمِ ، فَإِنَّكَ لَن تَجِدَ لَهُ تَضييعاً مِثلَ تَركِهِ. (3)
عنه عليه السلام_ أيضا _: لا تَترُكِ العِلمَ زَهادَةً فيهِ ورَغبَةً فِي الجَهالَةِ ، يا بُنَيَّ اختَرِ المَجالِسَ عَلى عَينِكَ ، فَإِن رَأَيتَ قَوماً يَذكُرونَ اللّهَ فَاجلِس إلَيهِم ، فَإِنَّكَ إن تَكُن عالِماً يَنفَعكَ عِلمُكَ ويَزيدوكَ عِلماً ، وإن تَكُن جاهِلًا يُعَلِّموكَ ، ولَعَلَّ اللّهَ تَعالى أن يُظِلَّهُم بِرَحمَةٍ فَتَعُمَّكَ مَعَهُم. (4)
الإمام الهادي عليه السلام :إنَّ العالِمَ وَالمُتَعَلِّمَ شَريكانِ فِي الرُّشدِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: وثِق بِاللّهِ رَبِّكَ ذِي المَعالي وذِي الآلاءِ وَالنِّعَمِ الجِسامِ وكُن لِلعِلمِ ذا طَلَبٍ وبَحثٍ وناقِش فِي الحَلالِ وفِي الحَرامِ وبِالعَوراءِ لا تَنطِق ولكِن بِما يُرضِي الإِلهَ مِنَ الكَلامِ (6)
.
ص: 227
عنه عليه السلام_ أيضاً _: العِلمُ زَينٌ فَكُن لِلعِلمِ مُكتَسِبًا وكُن لَهُ طالِبًا ما كُنتَ مُقتَبِسا وَاركَن إلَيهِ وثِق بِاللّهِ وَاغنَ بِهِ وكُن حَليماً رَصينَ العَقلِ مُحتَرِسا لا تَسأَمَنَّ فَإِمّا كُنتَ مُنهَمِكًا فِيالعِلمِ يَومًا وإمّا كُنتَ مُنغَمِسا وكُن فَتًى ناسِكًا مَحضَ التُّقى وَرِعًا لِلدّينِ مُغتَنِماً لِلعِلمِ مُفتَرِسا فَمَن تَخَلَّقَ بِالآدابِ ظَلَّ بِها رَئيسَ قَومٍ إذا ما فارَقَ الرُّؤَسا وَاعلَم هُديتَ بِأَنَّ العِلمَ خَيرُ صَفًا أضحى لِطالِبِهِ مِن فَضلِهِ سَلِسا (1)
عنه عليه السلام_ أيضاً _: لَو صيغَ مِن فِضَّةٍ نَفسٌ عَلى قَدَرٍ لَعادَ مِن فَضلِهِ لَمّا صَفا ذَهَبا ما لِلفَتى حَسَبٌ إلّا إذا كَمُلَت آدابُهُ وحَوَى الآدابَ وَالحَسَبا فَاطلُب فَدَيتُكَ عِلمًا وَاكتَسِب أدَبا تَظفَر يَداكَ بِهِ وَاستَجمِلِ الطَّلَبا (2)
2 / 2فَضلُ طالِبِ العِلمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :طالِبُ العِلمِ بَينَ الجُهّالِ كَالحَيِّ بَينَ الأَمواتِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :طالِبُ العِلمِ لا يَموتُ ، أو يُمَتَّعَ جَدَّهُ (4) بِقَدرِ كَدِّهِ. (5)
.
ص: 228
عنه صلى الله عليه و آله :طالِبُ العِلمِ طالِبُ الرَّحمَةِ ، طالِبُ العِلمِ رُكنُ الإِسلامِ ، ويُعطى أجرَهُ مَعَ النَّبِيّينَ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن خَرَجَ مِن بَيتِهِ لِيَلتَمِسَ باباً مِنَ العِلمِ كَتَبَ اللّهُ عز و جل لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ ثَوابَ نَبِيٍّ مِنَ الأَنبِياءِ ، وأعطاهُ اللّهُ بِكُلِّ حَرفٍ يَسمَعُ أو يَكتُبُ مَدينَةً فِي الجَنَّةِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن خَرَجَ في طَلَبِ العِلمِ كانَ في سَبيلِ اللّهِ حَتّى يَرجِعَ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ أن يَنظُرَ إلى عُتَقاءِ اللّهِ مِنَ النّارِ فَليَنظُر إلَى المُتَعَلِّمينَ ، فَوَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، ما مِن مُتَعَلِّمٍ يَختَلِفُ إلى بابِ العالِمِ المُعَلِّمِ إلّا كَتَبَ اللّهُ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ عِبادَةَ سَنَةٍ ، وبَنَى اللّهُ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ مَدينَةً فِي الجَنَّةِ ، ويَمشي عَلَى الأَرضِ وهِيَتَستَغفِرُ لَهُ ، ويُمسي ويُصبِحُ مَغفوراً لَهُ ، وشَهِدَتِ المَلائِكَةُ أنَّهُم عُتَقاءُ اللّهِ مِنَ النّارِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا جاءَ المَوتُ طالِبَ العِلمِ وهُوَ عَلى هذِهِ الحالِ ماتَ وهُوَ شَهيدٌ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن طَلَبَ العِلمَ فَأَدرَكَهُ كانَ لَهُ كِفلانِ مِنَ الأَجرِ ، فَإِن لَم يُدرِكهُ كانَ لَهُ كِفلٌ مِنَ الأَجرِ. (6)
.
ص: 229
عنه صلى الله عليه و آله :مَن جاءَ أجَلُهُ وهُوَ يَطلُبُ العِلمَ لَقِيَ اللّهَ ولَم يَكُن بَينَهُ وبَينَ النَّبِيّينَ إلّا دَرَجَةُ النُّبُوَّةِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن جاءَتهُ مَنِيَّتُهُ وهُوَ يَطلُبُ العِلمَ فَبَينَهُ وبَينَ الأنبِياءِ دَرَجَةٌ. (2)
عنه عليه السلام :الشّاخِصُ في طَلَبِ العِلمِ كَالُمجاهِدِ في سَبيلِ اللّهِ ، إنَّ طَلَبَ العِلمِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ مُسلِمٍ ، وكَم مِن مُؤمِنٍ يَخرُجُ مِن مَنزِلِهِ في طَلَبِ العِلمِ فَلا يَرجِعُ إلّا مَغفوراً ! (3)
عنه عليه السلام :لِطالِبِ العِلمِ عِزُّ الدُّنيا وفَوزُ الآخِرَةِ. (4)
كنزالعمّال عن ابن مسعود :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذا رَأَى الَّذينَ يَبتَغونَ العِلمَ قالَ : مَرحَباً بِكُم يَنابيعَ الحِكمَةِ ، مَصابيحَ الظُّلَمِ ، خُلقانَ الثِّيابِ ، جُدُدَ القُلوبِ ، رَيحانَ كُلِّ قَبيلَةٍ. (5)
جامع بيان العلم وفضله عن أبي هارون العبديّ وشهر بن حوشب :كُنّا إذا أتَينا أبا سَعيدٍ الخُدرِيَ يَقولُ : مَرحَباً بِوَصِيَّةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «سَتُفتَحُ لَكُمُ الأَرضُ ويَأتيكُم قَومٌ _ أو قالَ : غِلمانٌ _ حَديثَةٌ أسنانُهُم يَطلُبونَ العِلمَ ويَتَفَقَّهونَ فِي الدّينِ ويَتَعَلَّمونَ مِنكُم ، فَإِذا جاؤوكُم فَعَلِّموهُم وألطِفوهُم ووَسِّعوا لَهُم فِي المَجلِسِ وأفهِموهُمُ الحَديثَ . فَكانَ أبو سَعيدٍ يَقولُ لَنا : مَرحَباً بِوَصِيَّةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، أمَرَنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن نُوَسِّعَ لَكُم فِي المَجلِسِ وأن نُفَهِّمَكُمُ الحَديثَ. (6)
.
ص: 230
الأمالي عن أبي هارون العبديّ :كُنّا إذا أتَينا أبا سَعيدٍ الخُدرِيَّ قالَ : مَرحَباً بِوَصِيَّةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «سَيَأتيكُم قَومٌ مِن أقطارِ الأَرضِ يَتَفَقَّهونَ ، فَإِذا رَأَيتُموهُم فَاستَوصوا بِهِم خَيراً» ، ويَقولُ : أنتُم وَصِيَّةُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . (1)
سنن الدارمي عن عامر بن إبراهيم :كانَ أبُو الدَّرداءِ إذا رَأى طَلَبَةَ العِلمِ قالَ : مَرحَباً بِطَلَبَةِ العِلمِ ! وكانَ يَقولُ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أوصى بِكُم. (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ طالِبَ العِلمِ إذا خَرَجَ مِن مَنزِلِهِ لَم يَضَع رِجلَهُ عَلى رَطبٍ ولا يابِسٍ مِنَ الأَرضِ إلّا سَبَّحَت لَهُ إلَى الأَرَضينَ السّابِعَةِ. (3)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ جَميعَ دَوابِّ الأَرضِ لَتُصَلّي عَلى طالِبِ العِلمِ حَتَّى الحيتانِ فِي البَحرِ. (4)
راجع : ص 238 (فوائد طلب العلم) و 372 ح 2710 .
2 / 3فَضلُ طَلَبِ العِلمِ عَلَى العِبادَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :طَلَبُ العِلمِ أفضَلُ عِندَ اللّهِ عز و جل مِنَ الصَّلاةِ وَالصِّيامِ وَالحَجِّ وَالجِهادِ
.
ص: 231
في سَبيلِ اللّهِ عز و جل . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :طَلَبُ العِلمِ ساعَةً خَيرٌ مِن قِيامِ لَيلَةٍ ، وطَلَبُ العِلمِ يَوماً خَيرٌ مِن صِيامِ ثَلاثَةِ أشهُرٍ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن خَرَجَ يَطلُبُ باباً مِن عِلمٍ لِيَرُدَّ بِهِ باطِلًا إلى حَقٍّ أو ضَلالَةً إلى هُدًى ، كانَ عَمَلُهُ ذلِكَ كَعِبادَةِ مُتَعَبِّدٍ أربَعينَ عاماً. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ باباً مِنَ العِلمِ عَمِلَ بِهِ أو لَم يَعمَل كانَ أفضَلَ مِن أن يُصَلِّيَ ألفَ رَكعَةٍ تَطَوُّعاً. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن خَرَجَ مِن بَيتِهِ يَلتَمِسُ باباً مِنَ العِلمِ لِيَنتَفِعَ بِهِ ويُعَلِّمَهُ غَيرَهُ ، كَتَبَ اللّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطوَةٍ عِبادَةَ ألفِ سَنَةٍ صِيامَها وقِيامَها ، وحَفَّتهُ المَلائِكَةُ بِأَجنِحَتِها ، وصَلّى عَلَيهِ طُيورُ السَّماءِ وحيتانُ البَحرِ ودَوابُّ البَرِّ ، وأنزَلَهُ اللّهُ مَنزِلَةَ سَبعينَ صِدّيقاً ، وكانَ خَيراً لَهُ أن لَو كانَتِ الدُّنيا كُلُّها لَهُ فَجَعَلَها فِي الآخِرَةِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِأَبي ذَ رٍّ _: يا أبا ذَ رٍّ ، لَأَن تَغدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِن كِتابِ اللّهِ خَيرٌ لَكَ مِن أن تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكعَةٍ ، ولَأَن تَغدُوَ فَتَعَلَّمَ باباً مِنَ العِلمِ عُمِلَ بِهِ أو لَم يُعمَل خَيرٌ مِن أن
.
ص: 232
تُصَلِّيَ ألفَ رَكعَةٍ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :ما مِن مُتَعَلِّمٍ يَختَلِفُ إلى بابِ العالِمِ إلّا كَتَبَ اللّهُ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ عِبادَةَ سَنَةٍ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن طَلَبَ العِلمَ فَهُوَ كَالصّائِمِ نَهارَهُ القائِمِ لَيلَهُ ، وإنَّ باباً مِنَ العِلمِ يَتَعَلَّمُهُ الرَّجُلُ خَيرٌ لَهُ مِن أن يَكونَ أبو قُبَيسٍ ذَهَباً فَأَنفَقَهُ في سَبيلِ اللّهِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :الكَلِمَةُ مِن كَلامِ الحِكمَةِ يَسمَعُهَا الرَّجُلُ المُؤمِنُ فَيَعمَلُ بِها أو يُعَلِّمُها خَيرٌ مِن عِبادَةِ سَنَةٍ. (4)
جامع بيان العلم وفضله عن عبد اللّه بن عمرو :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَرَّ بِمَجلِسَينِ في مَسجِدِهِ : أحَدُ المَجلِسَينِ يَدعونَ اللّهَ ويَرغَبونَ إلَيهِ ، وَالآخَرُ يَتَعَلَّمونَ الفِقهَ ويُعَلِّمونَهُ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : كِلَا المَجلِسَينِ عَلى خَيرٍ ، وأحَدُهُما أفضَلُ مِنَ الآخَرِ صاحِبِهِ ، أمّا هؤُلاءِ فَيَدعونَ اللّهَ ويَرغَبونَ إلَيهِ ، فَإِن شاءَ أعطاهُم وإن شاءَ مَنَعَهُم ، وأمّا هؤُلاءِ فَيَتَعَلَّمونَ ويُعَلِّمونَ الجاهِلَ ، وإنَّما بُعِثتُ مُعَلِّماً ، ثُمَّ أقبَلَ فَجَلَسَ مَعَهُم. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :بابٌ مِنَ العِلمِ يَتَعَلَّمُهُ الإِنسانُ خَيرٌ لَهُ مِن ألفِ رَكعَةٍ تَطَوُّعاً. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا جَلَسَ المُتَعَلِّمُ بَينَ يَدَيِ العالِمِ فَتَحَ اللّهُ تَعالى عَلَيهِ سَبعينَ باباً مِنَ الرَّحمَةِ ، ولا يَقومُ مِن عِندِهِ إلّا كَيَومِ وَلَدَتهُ اُمُّهُ ، وأعطاهُ اللّهُ بِكُلِّ حَرفٍ ثَوابَ سِتّينَ
.
ص: 233
شَهيداً ، وكَتَبَ اللّهُ لَهُ بِكُلِّ حَديثٍ عِبادَةَ سَبعينَ سَنَةً ، وبَنى لَهُ بِكُلِّ وَرَقَةٍ مَدينَةً ، كُلُّ مَدينَةٍ مِثلُ الدُّنيا عَشرَ مَرّاتٍ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :بَينَما أنَا جالِسٌ في مَسجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إذ دَخَلَ أبو ذَرٍّ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، جَنازَةُ العابِدِ أحَبُّ إلَيكَ أم مَجلِسُ العِلمِ ؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا أبا ذَرٍّ ، الجُلوسُ ساعَةً عِندَ مُذاكَرَةِ العِلمِ أحَبُّ إلَى اللّهِ مِن ألفِ جَنازَةٍ مِن جَنائِزِ الشُّهَداءِ ، وَالجُلوسُ سَاعَةً عِندَ مُذاكَرَةِ العِلمِ أحَبُّ إلَى اللّهِ مِن قِيامِ ألفِ لَيلَةٍ يُصَلّى في كُلِّ لَيلَةٍ ألفُ رَكعَةٍ ، وَالجُلوسُ ساعَةً عِندَ مُذاكَرَةِ العِلمِ أحَبُّ إلَى اللّهِ مِن ألفِ غَزوَةٍ وقِراءَةِ القُرآنِ كُلِّهِ . قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، مُذاكَرَةُ العِلمِ خَيرٌ مِن قِراءَةِ القُرآنِ كُلِّهِ ؟ ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا أبا ذَرٍّ ، الجُلوسُ ساعَةً عِندَ مُذاكَرَةِ العِلمِ أحَبُّ إلَى اللّهِ مِن قِراءَةِ القُرآنِ كُلِّهِ اثنَي عَشَرَ ألفَ مَرَّةٍ ، عَلَيكُم بِمُذاكَرَةِ العِلمِ ، فَإِنَّ بِالعِلمِ تَعرِفونَ الحَلالَ مِنَ الحَرامِ ... يا أبا ذَرٍّ ، الجُلوسُ ساعَةً عِندَ مُذاكَرَةِ العِلمِ خَيرٌ لَكَ مِن عِبادَةِ سَنَةٍ صِيامِ نَهارِها وقِيامِ لَيلِها. (2)
عنه عليه السلام :طَلَبُ العِلمِ أفضَلُ مِنَ العِبادَةِ ، قالَ اللّهُ عز و جل : «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَ_ؤُا» (3) . (4)
روضة الواعظين :رَوى بَعضُ الصَّحابَةِ : جاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا
.
ص: 234
رَسولَ اللّهِ ، إذا حَضَرَت جَنازَةٌ أو حَضَرَ مَجلِسُ عالِمٍ ، أيُّهُما أحَبُّ إلَيكَ أن أشهَدَ؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إن كانَ لِلجَنازَةِ مَن يَتبَعُها ويَدفِنُها فَإِنَّ حُضورَ مَجلِسِ العالِمِ أفضَلُ مِن حُضورِ ألفِ جَنازَةٍ ، ومِن عِيادَةِ ألفِ مَريضٍ ، ومِن قِيامِ ألفِ لَيلَةٍ ، ومِن صِيامِ ألفِ يَومٍ ، ومِن ألفِ دِرهَمٍ يُتَصَدَّقُ بِها عَلَى المَساكينِ ، ومِن ألفِ حَجَّةٍ سِوَى الفَريضَةِ ، ومِن ألفِ غَزوَةٍ سِوَى الواجِبِ تَغزوها في سَبيلِ اللّهِ بِمالِكَ ونَفسِكَ . وأينَ تَقَعُ هذِهِ المَشاهِدُ مِن مَشهَدِ عالِمٍ ! أما عَلِمتَ أنَّ اللّهَ يُطاعُ بِالعِلمِ ويُعبَدُ بِالعِلمِ ، وخَيرُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ مَعَ العِلمِ ، وشَرُّ الدُّنيا وَالآخِرَةِ مَعَ الجَهلِ ؟ ! (1)
راجع : ص 339 ح 2595 و 382 (فضل العالم على العابد) .
.
ص: 235
تنبيهات حول فضل العلم على العبادة1 . أيّ علم وأيّ عبادة ؟سيأتي في الفصل الخامس أنّ للتعلّم من الوجهة الفقهيّة خمسة أحكام . وفي ضوء ذلك يقسم العلم إلى واجب ، وحرام ، ومستحبّ ، ومكروه ، ومباح ، وإذا نظرنا إلى العبادة على أنّ لها خمسة أحكام بالمفهوم العامّ ، فإنّ صور التّزاحم بين التعلّم والتعبّد تصل إلى خمس وعشرين صورةً من منظور عقليّ . لذا نلاحظ أنّ أوّل مسألة في مقام ترجيح العلم على العبادة هي : أيّ علمٍ يُرجَّح وأيّ عبادة يُرجَّح عليها . إنّ التّأمّل في الأحاديث الّتي ترجّح العلم على العبادة ، يدلّ على أنّ المقصود هو ترجيح التعلّم الواجب أو المستحبّ على العبادات المستحبّة ، ومن الطبيعي أنّ فضيلة التعلّم الواجب والتعبّد المستحب لا تُقاس بفضيلة التعلّم والتعبّد المستحبّين ، ولعلّ الأحاديث المأثورة في الفضائل العجيبة لتبيان فضيلة العلم على العبادة ترتبط بهذه الصورة من صور التزاحم (1) .
.
ص: 236
والاحتمال الآخر في تبيين الأحاديث الواردة في ترجيح العلم على العبادة هو النظر إلى العلم والعبادة بذاتهما وبدون الأخذ بعين الاعتبار الأحكام الفقهيّة الخمسة ، أي : العلم ذاتا مقدَّم على العبادة ، ويمكن أن تكون لهذا التقدّم أسباب متنوّعة ، منها أنّ العبادة متعذّرة بغير العلم .
2 . الدور البنّاء للعبادة إلى جانب العلممضت الإشارة في الفصول المتقدّمة إلى الدور الأساسيّ البنّاء للعبادات في ظهور نور العلم والإلهامات القلبيّة (1) ، وتمّ تأكيد أنّ جوهر العلم لا يستديم في وجود الإنسان بلا عمل (2) . من هنا ، فإنّ الأحاديث الّتي ترجّح العلم على العبادة لا تهدف إلى إضعاف الدور البنّاء للعبادة إلى جانب العلم أو إنكاره ، بل تؤكّد ضرورة تقارنهما وتُحذّر من العبادات الجاهلة . وسيأتي في القسم السابع أنّ العبادة بلا علم لا قيمة لها ، بل هي مدعاة للخطر (3) . من هذا المنطلق لا يمكن أن تُتّخذ أحاديث هذا الفصل ذريعة لترك العبادات ، حتّى المستحبّة منها ، نُقل أنّ شخصا سأل المحقّق الكبير الشيخ الأنصاريّ رضوان اللّه تعالى عليه عن التعارض بين صلاة الليل والمطالعات العلميّة : أيّهما مقدّمة على الأُخرى وكان الشيخ يعلم أنّ السائل من هواة النارجيلة ، وأنّ سؤاله ذريعة لترك نافلة الليل ، فأجابه قائلاً : لِمَ تُوجِد تعارضا بين صلاة الليل والمطالعة ! قل : أيّهما تتقدّم على الاُخرى : المطالعة أو النّارجيلة .
.
ص: 237
3 . المبالغة في بيان فضيلة العلمإنّ بعض الأحاديث المذكورة في هذا الفصل الّتي عرضت موضوعات حول بيان فضيلة العلم ورجحانه على العبادة تبدو عليها المبالغة ، ويعسر قبولها بلا توضيحٍ وافٍ ، كأنْ يُذكر أنّ في جلوس المتعلّم أمام العالم ثواب ستّين شهيدا ، أو أنّ الحضور في مجلس العالم أفضل من ألف غزوة مندوبة ... مع أنّ سند هذه الأحاديث ليس له الاعتبار الكافي لإثبات هذه الفضائل ، لكن ردّ هذه الأحاديث لا يتيسّر ، من خلال ملاحظة الاستدلال الوارد في الحديث النبويّ صلى الله عليه و آله : «خَيرُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ مَعَ العِلمِ ، وشَرُّ الدُّنيا وَالآخِرَةِ مَعَ الجَهلِ» (1) . والواقع أنّ هذه الأحاديث عمدت إلى ضروب التأكيد لتشجيع الناس على العلم ، ومادام المرء محتاجا إلى التعلّم والحضور في مجلس العالم من أجل رفع مستوى معرفته ، فليس له أن يترك مجلس العلم بأيّ ذريعةٍ كانت ، حتّى لو كانت ذريعة الحجّ والجهاد المستحبّين !
.
ص: 238
2 / 4فَوائِدُ طَلَبِ العِلمِأ _ مَحَبَّةُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :طالِبُ العِلمِ حَبيبُ اللّهِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :طالِبُ العِلمِ أحَبَّهُ اللّهُ وأحَبَّهُ المَلائِكَةُ وأحَبَّهُ النَّبِيّونَ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :طالِبُ العِلمِ مَحفوفٌ بِعِنايَةِ اللّهِ. (3)
راجع : ص 370 (أحبّاء اللّه ) .
ب _ إكرامُ المَلائِكَ_ةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجنِحَتَها لِطالِبِ العِلمِ رِضًى بِهِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجنِحَتَها رِضاءً لِطالِبِ العِلمِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن غَدا يَطلُبُ عِلماً كانَ في سَبيلِ اللّهِ حَتّى يَرجِعَ ، وَالمَلائِكَةُ لَتَضَعُ أجنِحَتَها لِطالِبِ العِلمِ. (6)
.
ص: 239
عنه صلى الله عليه و آله :ما غَدا رَجُلٌ يَلتَمِسُ عِلماً إلّا فَرَشَت لَهُ المَلائِكَةُ أجنِحَتَها رِضاءً بِما يَصنَعُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :ما مِن خارِجٍ خَرَجَ مِن بَيتِهِ في طَلَبِ العِلمِ إلّا وَضَعَت لَهُ المَلائِكَةُ أجنِحَتَها 2 رِضًى بِما يَصنَعُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا خَرَجَ الرَّجُلُ في طَلَبِ العِلمِ كَتَبَ اللّهُ لَهُ أثَرَهُ حَسَناتٍ ، فَإِذَا التَقى هُوَ وَالعالِمُ فَتَذاكَرا مِن أمرِ اللّهِ تَعالى شَيئاً أظَلَّتهُمَا المَلائِكَةُ ونودِيا مِن فَوقِهِما : أن قَد غَفِرتُ لَكُما. (3)
المعجم الكبير عن صفوان بن عسّال المراديّ :أتَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ مُتَّكِئٌ فِي المَسجِدِ عَلى بُردٍ (4) لَهُ ، فَقُلتُ لَهُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنّي جِئتُ أطلُبُ العِلمَ . فَقالَ : مَرحَباً بِطالِبِ العِلمِ ، طالِبُ العِلمِ لَتَحُفُّهُ المَلائِكَةُ وتُظِلُّهُ بِأَجنِحَتِها ، ثُمَّ
.
ص: 240
يَركَبُ بَعضُهُ بَعضاً حَتّى يَبلُغُوا السَّماءَ الدُّنيا مِن حُبِّهِم لِما يَطلُبُ. (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن غَدا في طَلَبِ العِلمِ أظَلَّت عَلَيهِ المَلائِكَةُ ، وبورِكَ لَهُ في مَعيشَتِهِ ولَم يَنقُص مِن رِزقِهِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن خَرَجَ مِن بَيتِهِ يَطلُبُ عِلماً شَيَّعَهُ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ يَستَغفِرونَ لَهُ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجنِحَتَها لِطَلَبَةِ العِلمِ مِن شيعَتِنا. (4)
عنه عليه السلام :إنَّ طالِبَ العِلمِ لَيُشَيِّعُهُ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ مِن مُقَرَّبِي السَّماءِ. (5)
الإمام الباقر عليه السلام :ما مِن عَبدٍ يَغدو في طَلَبِ العِلمِ أو يَروحُ إلّا خاضَ الرَّحمَةَ ، وهَتَفَت بِهِ المَلائِكَةُ : مَرحَباً بِزائِرِاللّهِ ، وسَلَكَ مِنَ الجَنَّةِ مِثلَ ذلِكَ المَسلَكِ. (6)
ج _ تَكَفُّلُ الرِّزقِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن طَلَبَ العِلمَ تَكَفَّلَ اللّهُ بِرِزقِهِ. (7)
.
ص: 241
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى قَد تَكَفَّلَ لِطالِبِ العِلمِ بِرِزقِهِ خاصَّةً عَمّا ضَمِنَهُ لِغَيرِهِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَفَقَّهَ في دينِ اللّهِ كَفاهُ اللّهُ هَمَّهُ ورَزَقَهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ. (2)
د _ استِغفارُ كُلِّ شَيءٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّهُ يَستَغفِرُ لِطالِبِ العِلمِ مَن فِي السَّماءِ ومَن فِي الأَرضِ حَتَّى الحوتُ فِي البَحرِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ طالِبَ العِلمِ لَيَستَغفِرُ لَهُ كُلُّ شَيءٍ حَتّى حيتانِ البَحرِ وهَوامِّ الأَرضِ وسِباعِ البَرِّ وأنعامِهِ، فَاطلُبُوا العِلمَ فَإِنَّهُ السَّبَبُ بَينَكُم وبَينَ اللّه عز و جل . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :طالِبُ العِلمِ أفضَلُ عِندَ اللّهِ مِنَ المُجاهِدينَ وَالمُرابِطينَ وَالحُجّاجِ وَالعُمّارِ وَالمُعتَكِفينَ وَالمُجاوِرينَ ، وَاستَغفَرَت لَهُ الشَّجَرُ وَالرِّياحُ وَالسَّحابُ وَالبِحارُ وَالنُّجومُ وَالنَّباتُ وكُلُّ شَيءٍ طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ. (5)
.
ص: 242
عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثَةٌ يَستَغفِرُ لَهُمُ السَّماواتُ وَالأَرضُ وَالمَلائِكَةُ وَاللَّيلُ وَالنَّهارُ : العُلَماءُوَالمُتَعَلِّمونَ وَالأَسخِياءُ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :طالِبُ العِلمِ تَستَغفِرُ لَهُ المَلائِكَةُ وتَدعو لَهُ فِي السَّماءِ وَالأَرضِ. (2)
ه _ غُفرانُ الذُّنوبِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَنِ انتَقَلَ لِيَتَعَلَّمَ عِلماً غُفِرَ لَهُ قَبلَ أن يَخطُوَ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ طالِبَ العِلمِ إذا ماتَ غَفَرَ اللّهُ لَهُ ولِمَن حَضَرَ جَنازَتَهُ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن طَلَبَ العِلمَ كانَ كَفّارَةً لِما مَضى. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَاانتَعَلَ عَبدٌ قَطُّ ولا تَخَفَّفَ ولا لَبِسَ ثَوباً لِيَغدُوَ في طَلَبِ عِلمٍ إلّا غَفَرَ اللّهُ لَهُ ذُنوبَهُ حَيثُ يَخطو عَتَبَةَ بابِهِ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ حَرفاً مِنَ العِلمِ غَفَرَ اللّهُ لَهُ البَتَّةَ. (7)
الإمام عليّ عليه السلام :كَم مِن مُؤمِنٍ يَخرُجُ مِن مَنزِلِهِ في طَلَبِ العِلمِ فَلا يَرجِعُ إلّا مَغفوراً ! (8)
و _ سُهولَةُ طَريقِ الجَنَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما مِن رَجُلٍ يَسلُكُ طَريقاً يَطلُبُ فيهِ عِلماً إلّا سَهَّلَ اللّهُ لَهُ بِهِ
.
ص: 243
طَريقَ الجَنَّةِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن سَلَكَ طَريقاً يَطلُبُ فيهِ عِلماً سَلَكَ اللّهُ بِهِ طَريقاً إلَى الجَنَّةِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :أوحَى اللّهُ إلَيَّ أ نَّهُ مَن سَلَكَ مَسلَكاً يَطلُبُ فيهِ العِلمَ سَهَّلتُ لَهُ طَريقاً إلَى الجَنَّةِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن سَلَكَ طَريقاً يَلتَمِسُ فيهِ عِلماً سَهَّلَ اللّهُ لَهُ بِهِ طَريقاً إلَى الجَنَّةِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :ما مِن عَبدٍ يَخرُجُ يَطلُبُ عِلماً إلّا وَضَعَت لَهُ المَلائِكَةُ أجنِحَتَها ، وسُلِكَ بِهِ طَريقٌ إلَى الجَنَّةِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كانَ في طَلَبِ العِلمِ كانَتِ الجَنَّةُ في طَلَبِهِ ، ومَن كانَ في طَلَبِ المَعصِيَةِ كانَتِ النّارُ في طَلَبِهِ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن غَدا يُريدُ العِلمَ يَتَعَلَّمُهُ للّهِِ فَتَحَ اللّهُ لَهُ باباً إلَى الجَنَّةِ ، وفَرَشَت لَهُ المَلائِكَهُ أكنافَها ، وصَلَّت عَلَيهِ مَلائِكَةُ السَّماواتِ وحيتانُ البَحرِ. (7)
.
ص: 244
عنه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ شَيءٍ طَريقٌ ، وطَريقُ الجَنَّةِ العِلمُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :النّاسُ يَعلَمونَ (2) فِي الدُّنيا عَلى قَدرِ مَنازِلِهِم فِي الجَنَّةِ. (3)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: لَيسَ إلَى اللّهِ تَعالى طَريقٌ يُسلَكُ إلّا بِالعِلمِ ، وَالعِلمُ زَينُ المَرءِ فِي الدُّنيا وسِياقُهُ إلَى الجَنَّةِ ، وبِهِ يَصِلُ إلى رِضوانِ اللّهِ تَعالى. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن مَشى في طَلَبِ العِلمِ خُطوَتَينِ ، وجَلَسَ عِندَ العالِمِ ساعَتَينِ ، وسَمِعَ مِنَ المُعَلِّمِ كَلِمَتَينِ ، أوجَبَ اللّهُ لَهُ جَنَّتَينِ ؛ كَما قالَ اللّهُ : «وَ لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ» (5) . (6)
عنه عليه السلام :مَجلِسُ العِلمِ رَوضَةُ الجَنَّةِ. (7)
.
ص: 245
الفصل الثالث : آداب التّعلّمأ _ ما يَنبَغي3 / 1الإِخلاصرسول اللّه صلى الله عليه و آله :طالِبُ العِلمِ للّهِِ عز و جل كَالغادي وَالرّائِحِ في سَبيلِ اللّهِ عز و جل. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :طالِبُ العِلمِ للّهِِ أفضَلُ عِندَ اللّهِ مِنَ المُجاهِدِ في سَبيلِ اللّهِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن طَلَبَ العِلمَ للّهِِ عز و جل لَم يُصِب مِنهُ باباً إلَا ازدادَ في نَفسِهِ ذُلًا ، ولِلنّاسِ تَواضُعاً ، وللّهِِ خَوفاً ، وفِي الدّينِ اجتِهاداً ، فَذلِكَ الَّذي يَنتَفِعُ بِالعِلمِ فَليَتَعَلَّمهُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :طَلَبُ العِلمِ فِي اللّهِ عز و جل مَعَ السَّمتِ الحَسَنِ وَالعَمَلِ الصّالِحِ ، جُزءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ. (4)
.
ص: 246
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ باباً مِنَ العِلمِ لِيُعَلِّمَهُ لِلنّاسِ ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ ، أعطاهُ اللّهُ أجرَ سَبعينَ نَبِيًّا. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَطلُبُوا العِلمَ لِتُباهوا بِهِ العُلَماءَ ، ولا لِتُماروا بِهِ السُّفَهاءَ ، ولا لِتَصرِفوا بِهِ وُجوهَ النّاسِ إلَيكُم ، فَمَن فَعَلَ ذلِكَ فَهُوَ فِي النّارِ ، ولكِن تَعَلَّموهُ للّهِِ ولِلدّارِ الآخِرَةِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ العِلمَ يُحيي بِهِ الإِسلامَ ، لَم يَكُن بَينَهُ وبَينَ الأَنبِياءِ إلّا دَرَجَةٌ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن جاءَهُ المَوتُ وهُوَ يَطلُبُ العِلمَ لِيُحيِيَ بِهِ الإِسلامَ ، فَبَينَهُ وبَينَ النَّبِيّينَ دَرَجَةٌ واحِدَةٌ فِي الجَنَّةِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :قالَ الخِضرُ : ... يا موسى تَعَلَّم ما تَعَلَّمَنَّ لِتَعمَلَ بِهِ ، ولا تَعَلَّمهُ لِتُحَدِّثَ (5) بِهِ ، فَيَكونَ عَلَيكَ بَورُهُ (6) ، ويَكونَ لِغَيرِكَ نورُهُ. (7)
عنه صلى الله عليه و آله_ في ذِكرِ صِفاتِ المُؤمِنِ _: لا يَرُدُّ الحَقَّ مِن عَدُوِّهِ ، لا يَتَعَلَّمُ إلّا لِيَعلَمَ ، ولا يَعلَمُ إلّا لِيَعمَلَ. (8)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ العِلمَ لِلتَّكَبُّرِ ماتَ جاهِلًا ، ومَن تَعَلَّمَ لِلقَولِ دونَ العَمَلِ ماتَ مُنافِقاً ،
.
ص: 247
ومَن تَعَلَّمَهُ لِلمُناظَرَةِ ماتَ فاسِقاً ، ومَن تَعَلَّمَهُ لِكَثرَةِ المالِ ماتَ زِنديقاً ، ومَن تَعَلَّمَهُ لِلعَمَلِ ماتَ عارِفاً. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :رَحِمَ اللّهُ امرَأً . . . يَتَعَلَّمُ لِلتَّفَقُّهِ وَالسَّدادِ. (2)
عنه عليه السلام :مَن تَعَلَّمَ العِلمَ لِلعَمَلِ بِهِ لَم يوحِشهُ كَسادُهُ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن تَعَلَّمَ العِلمَ وعَمِلَ بِهِ وعَلَّمَ للّهِِ ، دُعِيَ في مَلَكوتِ السَّماواتِ عَظيما ، فَقيلَ : تَعَلَّمَ للّهِِ وعَمِلَ للّهِِ وعَلَّمَ للّهِِ. (4)
راجع : ص 142 (الإخلاص) و269 (التعلّم لغير اللّه ) و 343 (الإخلاص) و 434 (الرياء) .
3 / 2اِختِيارُ المُعَلِّمِ الصّالِحِالكتاب«فَلْيَنظُرِ الْاءِنسَ_نُ إِلَى طَعَامِهِ» . (5)
الحديثالكافي عن زيد الشحّام عن أبي جعفر عليه السلام_ في قول اللّه عز و جل : «فَلْيَنظُرِ الْاءِنسَ_نُ إِلَى
.
ص: 248
طَعَامِهِ» _قالَ : قُلتُ : ما طَعامُهُ ؟ قالَ : عِلمُهُ الَّذي يَأخُذُهُ ؛ عَمَّن يَأخُذُهُ. (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ هذَا العِلمَ دينٌ ، فَانظُروا عَمَّن تَأخُذونَ دينَكُم. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ دينٌ وَالصَّلاةُ دينٌ ، فَانظُروا مِمَّن تَأخُذونَ هذَا العِلمَ ، وكَيفَ تُصَلّونَ هذِهِ الصَّلاةَ ، فَإِنَّكُم تُسأَلونَ يَومَ القِيامَةِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَقعُدوا إلّا إلى عالِمٍ يَدعوكُم مِن ثَلاثٍ إلى ثَلاثٍ : مِنَ الكِبرِ إلَى التَّواضُعِ ، ومِنَ المُداهَنَةِ إلَى المُناصَحَةِ ، ومِنَ الجَهلِ إلَى العِلمِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَجلِسوا عِندَ كُلِّ داعٍ مُدَّعٍ يَدعوكُم مِنَ اليَقينِ إلَى الشَّكِّ ، ومِنَ الإِخلاصِ إلَى الرِّياءِ ، ومِنَ التَّواضُعِ إلَى التَّكَبُّرِ ، ومِنَ النَّصيحَةِ إلَى العَداوَةِ ، ومِنَ الزُّهدِ إلَى الرَّغبَةِ . وتَقَرَّبوا مِن عالِمٍ يَدعوكُم مِنَ الكِبرِ إلَى التَّواضُعِ ، ومِنَ الرِّياءِ إلَى الإِخلاصِ ، ومِنَ الشَّكِّ إلَى اليَقينِ ، ومِنَ الرَّغبَةِ إلَى الزُّهدِ ، ومِنَ العَداوَةِ إلَى النَّصيحَةِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :لا يُؤخَذُ العِلمُ إلّا مِن أربابِهِ. (6)
.
ص: 249
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: ما لي أرَى النّاسَ إذا قُرِّبَ إلَيهِمُ الطَّعامُ لَيلًا تَكَلَّفوا إنارَةَ المَصابيحِ لِيُبصِروا ما يُدخِلونَ بُطونَهُم ، ولا يَهتَمّونَ بِغِذاءِ النَّفسِ بِأَن يُنيروا مَصابيحَ ألبابِهِم بِالعِلمِ ؛ لِيَسلَموا مِن لَواحِقِ الجَهالَةِ وَالذُّنوبِ فِي اعتِقاداتِهِم وأعمالِهِم ! (1)
الإمام الحسن عليه السلام :عَجَبٌ لِمَن يَتَفَكَّرُ في مَأكولِهِ، كَيفَ لا يَتَفَكَّرُ في مَعقولِهِ ؛ فَيُجَنِّبُ بَطنَهُ ما يُؤذيهِ ، ويودِعُ صَدرَهُ ما يُزَكّيهِ (2) ! (3)
الإمام الكاظم عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، نُصِبَ الحَقُّ لِطاعَةِ اللّهِ ، ولا نَجاةَ إلّا بِالطّاعَةِ ، وَالطّاعَةُ بِالعِلمِ ، وَالعِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَالتَّعَلُّمُ بِالعَقلِ يُعتَقَدُ ، ولا عِلمَ إلّا مِن عالِمٍ رَبّانِّيٍّ ، ومَعرِفَةُ العِلمِ بِالعَقلِ. (4)
ذو القرنين_ في وَصِيَّتِهِ _: لا تَتَعَلَّمِ العِلمَ مِمَّن لَم يَنتَفِع بِهِ ، فَإِنَّ مَن لَم يَنفَعهُ عِلمُهُ لا يَنفَعُكَ. (5)
3 / 3رِعايَةُ الأَهَمِّ فَالأَهَمِّالتوحيد عن ابن عبّاس :جاءَ أعرابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، عَلِّمني مِن غَرائِبِ العِلمِ . قالَ : ما صَنَعتَ في رَأسِ العِلمِ حَتّى تَسأَلَ عَن غَرائِبِهِ ؟ !
.
ص: 250
قالَ الرَّجُلُ : ما رَأسُ العِلمِ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : مَعرِفَةُ اللّهِ حَقَّ مَعرِفَتِهِ . قالَ الأَعرابِيُّ : وما مَعرِفَةُ اللّهِ حَقَّ مَعرِفَتِهِ ؟ قالَ : تَعرِفُهُ بِلا مِثلٍ ولا شِبهٍ ولا نِدٍّ ، وأنَّهُ واحِدٌ أحَدٌ ظاهِرٌ باطِنٌ أوَّلٌ آخِرٌ، لا كُفوَ لَهُ ولا نَظيرَ، فَذلِكَ حَقُّ مَعرِفَتِهِ. (1)
تنبيه الغافلين عن عبد اللّه بن مسوَر الهاشميّ :جاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وقالَ : جِئتُكَ لِتُعَلِّمَني مِن غَرائِبِ العِلمِ . قالَ : ما صَنَعتَ في رَأسِ العِلمِ ؟ قالَ : وما رَأسُ العِلمِ ؟ قالَ : هَل عَرَفتَ الرَّبَّ عز و جل ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَماذا فَعَلتَ في حَقِّهِ ؟ قالَ : ما شاءَ اللّهُ . قالَ : وهَل عَرَفتَ المَوتَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَماذا أعدَدتَ لَهُ ؟ قالَ : ما شاءَ اللّهُ . قالَ : اِذهَب فَاحكُم بِها هُناكَ ، ثُمَّ تَعالَ حَتّى اُعَلِّمَكَ مِن غَرائِبِ العِلمِ .
.
ص: 251
فَلَمّا جاءَهُ بَعدَ سِنينَ . قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ضَع يَدَكَ عَلى قَلبِكَ ، فَما لا تَرضى لِنَفسِكَ لا تَرضاهُ لِأَخيكَ المُسلِمِ ، وما رَضيتَهُ لِنَفسِكَ فَارضَهُ لِأَخيكَ المُسلِمِ ، وهُوَ مِن غَرائِبِ العِلمِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :سَل عَمّا لابُدَّ لَكَ مِن عِلمِهِ ولا تُعذَرُ في جَهلِهِ. (2)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: العُمُرُ أقصَرُ مِن أن تَعَلَّمَ كُلَّ ما يَحسُنُ بِكَ عِلمُهُ ، فَتَعَلَّمِ الأَهَمَّ فَالأَهَمَّ. (3)
عنه عليه السلام_ مِن وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: ... وأن أبتَدِئَكَ بِتَعليمِ كِتابِ اللّهِ عز و جلوتَأويلِهِ ، وشَرائِعِ الإِسلامِ وأحكامِهِ ، وحَلالِهِ وحَرامِهِ ، لا اُجاوِزُ ذلِكَ بِكَ إلى غَيرِهِ. (4)
الإمام الباقر عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ الجامِعِ _: واشغَل قَلبي بِحِفظِ ما لا تَقبَلُ مِنّي جَهلَهُ. (5)
راجع : ص 312 (من كلّ علم أحسنه) .
3 / 4التَّفَرُّغرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ الخِضرُ [ لِموسى عليه السلام ] : ... يا موسى ، تَفَرَّغ لِلعِلمِ إن كُنتَ تُريدُهُ ، فَإِنَّمَا العِلمُ لِمَن يَفرُغُ لَهُ. (6)
.
ص: 252
الإمام زين العابدين عليه السلام :حَقُّ العِلمِ أن تُفَرِّغَ لَهُ قَلبَكَ ، وتُحَضِّرَ ذِهنَكَ ، وتُذَكِّرَ لَهُ سَمعَكَ ، وتَشتَحِذَ (1) لَهُ فِطنَتَكَ ؛ بِسَترِ اللَّذّاتِ ورَفضِ الشَّهَواتِ. (2)
عنه عليه السلام_ في رِسالَةِ الحُقوقِ _: وأمّا حَقُّ سائِسِكَ بِالعِلمِ فَالتَّعظيمُ لَهُ ... وَالمَعونَةُ لَهُ عَلى نَفسِكَ فيما لا غِنى بِكَ عَنهُ مِنَ العِلمِ ، بِأَن تُفَرِّغَ لَهُ عَقلَكَ ، وتُحَضِّرَهُ فَهمَكَ ، وتُزَكِّيَ لَهُ قَلبَكَ ، وتُجَلِّيَ لَهُ بَصَرَكَ ؛ بِتَركِ اللَّذّاتِ ونَقصِ الشَّهَواتِ. (3)
راجع : ص 438 ح 3080 .
3 / 5الدرايةرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ العُلَماءَ هِمَّتُهُمُ الدِّرايَةُ ، وإنَّ السُّفَهاءَ هِمَّتُهُمُ الرِّوايَةُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :عَلَيكُم بِالدِّراياتِ لا بِالرِّواياتِ. (5)
الإمام الباقر عليه السلام :بِالدِّراياتِ لِلرِّواياتِ يَعلُو المُؤمِنُ إلى أقصى دَرَجاتِ الإِيمانِ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :حَديثٌ تَدريهِ خَيرٌ مِن ألفِ حَديثٍ تَرويهِ. (7)
مسند ابن حنبل عن أبي عبد الرّحمن :حَدَّثَنا مَن كانَ يُقرِئُنا مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ،
.
ص: 253
أنَّهُم كانوا يَقتَرِئونَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَشرَ آياتٍ ، فَلا يَأخُذونَ فِي العَشرِ الاُخرى حَتّى يَعلَموا ما في هذِهِ مِن العِلمِ وَالعَمَلِ. (1)
3 / 6المُشافَهَةرسول اللّه صلى الله عليه و آله :خُذُوا العِلمَ مِن أفواهِ الرِّجالِ. (2)
3 / 7حُسنُ الاِستِماعِالإمام عليّ عليه السلام :إذا جَلَستَ إلى عالِمٍ فَكُن عَلى أن تَسمَعَ أحرَصَ مِنكَ عَلى أن تَقولَ ، وتَعَلَّم حُسنَ الاِستِماعِ كَما تَعَلَّمُ حُسنَ القَولِ ، ولا تَقطَع عَلى أحَدٍ حَديثَهُ. (3)
عنه عليه السلام :مَن أحسَنَ الاِستِماعَ تَعَجَّلَ الاِنتِفاعَ. (4)
عنه عليه السلام :رَحِمَ اللّهُ امرَأً سَمِعَ حُكماً فَوَعى ، ودُعِيَ إلى رَشادٍ فَدَنا. (5)
الإمام الحسن عليه السلام_ في وَصفِ أخٍ صالِحٍ كانَ لَهُ _: كانَ إذا جامَعَ العُلَماءَ عَلى أن يَستَمِعَ أحرَصَ مِنهُ عَلى أن يَقولَ. (6)
.
ص: 254
3 / 8الكِتابَةالمستدرك على الصحيحين عن عمرو بن العاص :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قَيِّدُوا العِلمَ . قُلتُ : وما تَقييدُهُ ؟ قالَ : كِتابَتُهُ. (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِحبِسوا عَلَى المُؤمِنينَ ضالَّتَهُم : العِلمَ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِهِلالِ بنِ يَسارٍ حينَ قَرَّرَ لَهُ العِلمَ وَالحِكمَةَ _: هَل مَعَكَ مَحبَرَةٌ؟ (3)
الإمام عليّ عليه السلام :قَيِّدُوا العِلمَ ، قَيِّدُوا العِلمَ. (4)
الإمام الحسن عليه السلام_ إذ دَعا بَنيهِ وبَني أخيهِ وقالَ _: إنَّكُم صِغارُ قَومٍ ، ويوشِكُ أن تَكونوا كِبارَ قَومٍ آخَرينَ ، فَتَعَلَّمُوا العِلمَ ، فَمَن لَم يَستَطِع مِنكُم أن يَحفَظَهُ فَليَكتُبهُ وليَضَعهُ في بَيتِهِ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :اُكتُبوا فَإِنَّكُم لا تَحفَظونَ حَتّى تَكتُبوا. (6)
عنه عليه السلام :القَلبُ يَتَّكِلُ عَلَى الكِتابَةِ. (7)
.
ص: 255
عنه عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَر _: اُكتُب وبُثَّ عِلمَكَ في إخوانِكَ ، فَإِن مُتَّ فَأَورِث كُتُبَكَ بَنيكَ ؛ فَإِنَّهُ يَأتي عَلَى النّاسِ زَمانُ هَرجٍ لا يَأنَسونَ فيهِ إلّا بِكُتُبِهِم. (1)
3 / 9السُّؤالرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِلمُ خَزائِنُ ومِفتاحُهَا السُّؤالُ ، فَاسأَلوا رَحِمَكُمُ اللّهُ ، فَإِنَّهُ تُؤجَرُ أربَعَةٌ : السّائِلُ ، وَالمُتَكَلِّمُ ، وَالمُستَمِعُ ، وَالمُحِبُّ لَهُم. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ذُكِرَ لَهُ أنَّ رَجُلًا أصابَتهُ جَنابَةٌ عَلى جُرحٍ كانَ بِهِ ، فَاُمِرَ بِالغُسلِ فَاغتَسَلَ فَكُزَّ (3) فَماتَ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قَتَلوهُ ، قَتَلَهُمُ اللّهُ ، إنَّما كانَ دَواءُ العِيِّ السُّؤالَ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :المَسأَلَةُ خِباءُ (5) العُيوبِ. (6)
عنه عليه السلام :مَن سَأَلَ عَلِمَ. (7)
.
ص: 256
عنه عليه السلام :اِسأَل تَعلَم. (1)
عنه عليه السلام :مَن سَأَلَ استَفادَ. (2)
عنه عليه السلام :مَن سَأَلَ في صِغَرِهِ أجابَ في كِبَرِهِ. (3)
عنه عليه السلام :القُلوبُ أقفالٌ مَفاتِحُهَا السُّؤالُ. (4)
عنه عليه السلام :ألا رَجُلٌ يَسأَلُ فَيَنتَفِعَ ويَنفَعَ جُلَساءَهُ. (5)
عنه عليه السلام :مَنِ استَرشَدَ عَلِمَ. (6)
الإمام زين العابدين عليه السلام :لا تَزهَد في مُراجَعَةِ الجَهلِ، وإن كُنتَ قَد شُهِرتَ بِتَركِهِ. (7)
الإمام الباقر عليه السلام_ في جَوابِ مَسائِلِ أبي إسحاقَ اللَّيثِيّ _: سَل ولا تَستَنكِف ولا تَستَحيِ ؛ فَإِنَّ هذَا العِلمَ لا يَتَعَلَّمُهُ مُستَكبِرٌ ولا مُستَحيٍ. (8)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ هذَا العِلمَ عَلَيهِ قُفلٌ ، ومِفتاحُهُ المَسأَلَةُ. (9)
عنه عليه السلام_ لِحَمرانَ بنِ أعيَنَ في شَيءٍ سَأَلَهُ _: إنَّما يَهلِكُ النّاسُ لِأَنَّهُم لا يَسأَلونَ. (10)
الكافي عن يونس بن عبد الرّحمن عن بعض أصحابه :سُئِلَ أبُو الحَسَنِ عليه السلام : هَل يَسَعُ
.
ص: 257
النّاسَ تَركُ المَسأَلَةِ عَمّا يَحتاجونَ إلَيهِ ؟ فَقالَ : لا. (1)
كفاية الأثر عن عبد الغفّار بن القاسم عن الإمام الباقر عليه السلام :ألا إنَّ مَفاتيحَ العِلمِ السُّؤالُ ، وأنشَأَ يَقولُ : شِفاءُ العَمى طولُ السُّؤالِ وإنَّما تَمامُ العَمى طولُ السُّكوتِ عَلَى الجَهلِ (2)
الإمام عليّ عليه السلام : صَبَرتُ عَلى مُرِّ الاُمورِ كَراهَةً وأبقَيتُ في ذاكَ الصَّوابَ مِنَ الأَمرِ إذا كُنتَ لا تَدري ولَم تَكُ سائِلًا عَنِ العِلمِ مَن يَدري جَهِلتَ ولاتَدري (3)
راجع : ص 444 ح 3118 .
3 / 10التَّفَكُّرالإمام عليّ عليه السلام :مَن أكثَرَ الفِكرَ فيما تَعَلَّمَ ، أتقَنَ عِلمَهُ وفَهِمَ ما لَم يَكُن يَفهَمُ. (4)
عنه عليه السلام :ألا لا خَيرَ في عِلمٍ لَيسَ فيهِ تَفَهُّمٌ. (5)
3 / 11التَّذاكُرُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلَيكُم بِمُذاكَرَةِ العِلمِ. (6)
.
ص: 258
الإمام الباقر عليه السلام :تَذاكُرُ العِلمِ دِراسَةٌ ، وَالدِّراسَةُ صَلاةٌ حَسَنَةٌ. (1)
3 / 12مَعرِفَةُ الآراءِالإمام عليّ عليه السلام :مَنِ استَقبَلَ وُجوهَ الآراءِ عَرَفَ مَواقِعَ الخَطاَ (2)
عنه عليه السلام :مَن جَهِلَ وُجوهَ الآراءِ أعيَتهُ الحِيَلُ. (3)
عنه عليه السلام :ألا وإنَّ اللَّبيبَ مَنِ استَقبَلَ وُجوهَ الآراءِ بِفِكرٍ صائِبٍ ونَظَرٍ فِي العَواقِبِ. (4)
أيّوب عليه السلام :لا يَعرِفُ الرَّجُلُ خَطَأَ مُعَلِّمِهِ حَتّى يَعرِفَ الاِختِلافَ. (5)
3 / 13قَبولُ الحَقِّ مِمَّن أتى بِهِالكتاب«فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَ_ئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ أُوْلَ_ئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» . (6)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :غَريبَتانِ ؛ كَلِمَةُ حِكمَةٍ مِن سَفيهٍ فَاقبَلوها ، وكَلِمَةُ سَفَهٍ مِن حَكيمٍ
.
ص: 259
فَاغفِروها ، فَإِنَّهُ لا حَليمَ إلّا ذوعَثرَةٍ ولا حَكيمَ إلّا ذوتَجرِبَةٍ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :الحِكمَةُ ضالَّةُ المُؤمِنِ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :الحِكمَةُ ضالَّةُ المُؤمِنِ ، فَحَيثُما وَجَدَ أحَدُكُم ضالَّتَهُ فَليَأخُذها. (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :خُذِ الحِكمَةَ ولا يَضُرُّكَ مِن أيِّ وِعاءٍ خَرَجَت. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :لا تَنظُر إلى مَن قالَ ، وَانظُر إلى ما قالَ. (5)
عنه عليه السلام :خُذِ الحِكمَةَ مِمَّن أتاكَ بِها ، وَانظُر إلى ما قالَ ، ولا تَنظُر إلى مَن قالَ. (6)
عنه عليه السلام :قَد يَقولُ الحِكمَةَ غَيرُ الحَكيمِ. (7)
عنه عليه السلام :ضالَّةُ العاقِلِ الحِكمَةُ ، فَهُوَ أحَقُّ بِها حَيثُ كانَت. (8)
عنه عليه السلام :ضالَّةُ الحَكيمِ الحِكمَةُ ، فَهُوَ يَطلُبُها حَيثُ كانَت. (9)
.
ص: 260
عنه عليه السلام :الحِكمَةُ ضَالَّةُ المُؤمِنِ ، فَخُذِ الحِكمَةَ ولَو مِن أهلِ النِّفاقِ. (1)
عنه عليه السلام :الحِكمَةُ ضالَّةُ كُلِّ مُؤمِنٍ ، فَخُذوها ولَو مِن أفواهِ المُنافِقينَ. (2)
عنه عليه السلام :خُذِ الحِكمَةَ أنّى كانَت ، فَإِنَّ الحِكمَةَ تَكونُ في صَدرِ المُنافِقِ فَتَلَجلَجُ في صَدرِهِ حَتّى تَخرُجَ فَتَسكُنَ إلى صَواحِبِها في صَدرِ المُؤمِنِ. (3)
عنه عليه السلام :الحِكمَةُ ضالَّةُ المُؤمِنِ ، فَاطلُبوها ولَو عِندَ المُشرِكِ تَكونوا أحَقَّ بِها وأهلَها. (4)
عنه عليه السلام :خُذُوا الحِكمَةَ ولَو مِنَ المُشرِكينَ. (5)
عنه عليه السلام :الحِكمَةُ ضالَّةُ المُؤمِنِ ، فَالتَقِفها ولَو مِن أفواهِ المُشرِكينَ. (6)
عنه عليه السلام :الحِكمَةُ ضالَّةُ المُؤمِنِ ، فَليَطلُبها ولَو في أيدي أهلِ الشَّرِّ. (7)
عنه عليه السلام :تَعَلَّم عِلمَ مَن يَعلَمُ ، وعَلِّم عِلمَكَ مَن يَجهَلُ ، فَإِذا فَعَلتَ ذلِكَ عَلَّمَكَ ما جَهِلتَ وَانتَفَعتَ بِما عَلِمتَ. (8)
عنه عليه السلام :العِلمُ ضالَّةُ المُؤمِنِ فَخُذوهُ ولَو مِن أيدِي المُشرِكينَ ، ولا يَأنَف أحَدُكُم أن يَأخُذَ الحِكمَةَ مِمَّن سَمِعَها مِنهُ. (9)
.
ص: 261
عنه عليه السلام :الحِكمَةُ ضالَّةُ المُؤمِنِ يَطلُبُها ولَو في أيدِي الشَّرَطِ (1) . (2)
الإمام الكاظم عليه السلاماِعلَموا أنَّ الكَلِمَةَ مِنَ الحِكمَةِ ضالَّةُ المُؤمِنِ ، فَعَلَيكُم بِالعِلمِ قَبلَ أن يُرفَعَ ، ورَفعُهُ غَيبَةُ عالِمِكُم بَينَ أظهُرِكُم. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :لا تُحَقِّرِ اللُّؤلُؤَةَ النَّفيسَةَ أن تَجتَلِبَها مِنَ الكِبَا (4) الخَسيسَةِ ، فَإِنَّ أبي حَدَّثَني قالَ : سَمِعتُ أميرَالمُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : إنَّ الكَلِمَةَ مِنَ الحِكمَةِ تَتَلَجلَجُ في صَدرِ المُنافِقِ نُزوعاً إلى مَظانِّها حَتّى يَلفِظَ بِها فَيَسمَعَهَا المُؤمِنُ فَيَكونَ أحَقَّ بِها وأهلَها فَيَلقَفَها. (5)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: قالَ الحُكَماءُ : خُذِ الحِكمَةَ مِن أفواهِ المَجانينِ. (6)
عيسى عليه السلام :خُذُوا الحَقَّ مِن أهلِ الباطِلِ ، ولا تَأخُذُوا الباطِلَ مِن أهلِ الحَقِّ ، كونوا نُقّادَ الكَلامِ ، فَكَم مِن ضَلالَةٍ زُخرِفَت بِآيَةٍ مِن كِتابِ اللّهِ كَما زُخرِفَ الدِّرهَمُ مِن نُحاسٍ بِالفِضَّةِ المُمَوَّهَةِ ! النَّظَرُ إلى ذلِكَ سَواءٌ ، وَالبُصَراءُ بِهِ خُبَراءُ. (7)
عنه عليه السلام_ لِلحَوارِيّينَ _: بِحَقٍّ أقولُ لَكُم ؛ لَو وَجَدتُم سِراجاً يَتَوَقَّدُ بِالقَطِرانِ في لَيلَةٍ مُظلِمَةٍ لَاستَضَأتُم بِهِ ولَم يَمنَعكُم مِنهُ ريحُ نَتنِهِ ، كَذلِكَ يَنبَغي لَكُم أن تَأخُذُوا
.
ص: 262
الحِكمَةَ مِمَّن وَجَدتُموها مَعَهُ ولا يَمنَعَكُم مِنهُ سوءُ رَغبَتِهِ فيها. (1)
أيّوب عليه السلام :إنَّ اللّهَ يَزرَعُ الحِكمَةَ في قَلبِ الصَّغيرِ وَالكَبيرِ ، فَإِذا جَعَلَ اللّهُ العَبدَ حَكيماً فِي الصِّبا لَم يَضَع مَنزِلَتَهُ عِندَ الحُكَماءِ حَداثَةُ سِنِّهِ ، وهُم يَرَونَ عَلَيهِ مِنَ اللّهِ نورَ كَرامَتِهِ. (2)
حلية الأولياء عن ميمون بن مهران :نَزَلَ حُذَيفَةُ وسَلمانُ _ رَضِيَ اللّهُ تَعالى عَنْهُما _ عَلى نَبَطِيَّةٍ. فَقالا لَها : هَل هاهُنا مَكانٌ طاهِرٌ نُصَلّي فيهِ ؟ فَقالَتِ النَّبَطِيَّةُ : طَهِّر قَلبَكَ . فَقالَ أحَدُهُما لِلآخَرِ : خُذها حِكمَةٌ مِن قَلبٍ كافِرٍ. (3)
تعليق :لقد أكّدت الأحاديث الواردة تحت هذا العنوان قبول الحقّ وتلقي الحكمة وَالعلم من أيّ شخص كان حتّى لو كان مشركا ، في حين ذكرت الأحاديث السابقة في موضوع «اختيار المعلّم الصالح» شروطا معيّنة للمعلّم ، فينبغي أن نقول في الجمع بين هذه الأحاديث : إنّ قبول الحقّ من أيّ أحدٍ لا ينافي اختيار المعلّم الصّالح ؛ لأنّ قبول الحقّ لا شرط له ، أمّا اختيار المعلّم الرسمي فله شرطه . كما يجب الالتفات إلى أنّ لسلوك المعلّم وأخلاقه دورا أساسيّا في تربية المتعلّم وإعداده . من هنا ، لابدّ للمعلّم أن يكون متخلّقا بالأخلاق الحسنة ، إذ أنّ التّربية وَالتعليم متقارنان متلازمان ، يضاف إلى ذلك أنّ المعلّم إذا كان غير صالح ولا يعمل بعلمه ، فمن المحتمل أن يعرِض موضوعات سقيمة في تضاعيف موضوعات صحيحة ،
.
ص: 263
وَالمتعلّم غير منتبه لذلك ، أو أنّه يطرح موضوعا صحيحا لا يعمل به ، فتنتقل حالته هذه إلى المتعلّم ، ولا توجد تلك الآفات في التعلّم في الموارد الخاصّة وقبول الحقّ من غير الصلحاء ممّن ليس له صفة المعلّم .
3 / 14الحِرصرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَيسَ مِن أخلاقِ المُؤمِنِ المَلَقُ (1) إلّا في طَلَبِ العِلمِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا حَسَدَ ولا مَلَقَ إلّا في طَلَبِ العِلمِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن كَلِفَ (4) بِالعِلمِ فَقَد أحسَنَ إلى نَفسِهِ. (5)
راجع : ص 427 ح 3023 .
3 / 15الدَّوامالإمام عليّ عليه السلام :لا فِقهَ لِمَن لا يُديمُ الدَّرسَ. (6)
عنه عليه السلام :لا يُحرِزُ العِلمَ إلّا مَن يُطيلُ دَرسَهُ. (7)
.
ص: 264
عنه عليه السلام :مَن أكثَرَ مُدارَسَةَ العِلمِ لَم يَنسَ ما عَلِمَ ، وَاستَفادَ ما لَم يَعلَم. (1)
عنه عليه السلام :اُطلُبِ العِلمَ تَزدَد عِلماً. (2)
راجع : ص 420 (عدم الإكتفاء بما يعلم) و 423 (الاستعانة باللّه في زيادة العلم) ، و126 ح 1762 .
3 / 16الصَّبرالكتاب«قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَ لَا أَعْصِى لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلَا تَسْ_ئلْنِى عَن شَىْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانطَ_لَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَ لَا تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا * فَانطَ_لَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَ_مًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّة بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا نُّكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْ ء بَعْدَهَا فَلَا تُصَ_حِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذْرًا» . (3)
الحديثعيسى عليه السلام :حَصِّنوا بابَ العِلمِ ، فَإِنَّ بابَهُ الصَّبرُ. (4)
.
ص: 265
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن لَم يَصبِر عَلى ذُلِّ التَّعَلُّمِ ساعَةً ، بَقِيَ في ذُلِّ الجَهلِ أبَداً. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :عَلَى المُتَعَلِّمِ أن يُدئِبَ نَفسَهُ في طَلَبِ العِلمِ ، ولا يَمَلَّ مِن تَعَلُّمِهِ ، ولا يَستَكثِرَ ما عَلِمَ. (2)
عنه عليه السلام :مَن لَم يُدئِب نَفسَهُ فِي اكتِسابِ العِلمِ ، لَم يُحرِز قَصَباتِ السَّبقِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: لَو كانَ هذَا العِلمُ يَحصُلُ بِالمُنى ما كانَ يَبقى فِي البَرِيَّةِ جاهِلُ اِجهَد ولا تَكسَل ولا تَكُ غافِلاً فَنَدامَةُ العُقبى لِمَن يَتَكاسَلُ (4)
3 / 17الوَرَعرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن لَم يَتَوَرَّع في تَعَلُّمِهِ ابتَلاهُ اللّهُ بِأَحَدِ ثَلاثَةِ أشياءَ : إمّا يُميتُهُ في شَبابِهِ ، أو يوقِعُهُ فِي الرَّساتيقِ (5) ، أو يَبتَليهِ بِخِدمَةِ السُّلطانِ. (6)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: العِلمُ صِبغُ النَّفسِ ، ولَيسَ يَفوقُ صِبغُ الشَّيءِ حَتّى يَنظُفَ مِن كُلِّ دَنَسٍ. (7)
عنه عليه السلام_ أيضاً _: إذا أرَدتَ العِلمَ وَالخَيرَ فَانفُض عَن يَدِكَ أداةَ الجَهلِ وَالشَّرِّ ، فَإِنَّ
.
ص: 266
الصّائِغَ لا يَتَهَيَّأُ لَهُ الصِّياغَةُ إلّا إذا ألقى أداةَ الفِلاحَةِ عَن يَدِهِ. (1)
عنه عليه السلام :لا يَزكُو العِلمُ بِغَيرِ وَرَعٍ. (2)
المعجم الأوسط :مِن وَصايَا الخِضرِ لِموسى عليهماالسلام : أشعِر قَلبَكَ التَّقوى تَنَلِ العِلمَ. (3)
3 / 18التَّواضُعُ لِلمُعَلِّمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :تَواضَعوا لِمَن تَعَلَّمونَ مِنهُ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :اُطلُبوا مَعَ العِلمِ السَّكينَةَ وَالحِلمَ ، لينوا لِمَن تُعَلِّمونَ ولِمَن تَعَلَّمتُم مِنهُ ، ولا تَكونوا مِن جَبابِرَةِ العُلَماءِ فَيَغلِبَ جَهلُكُم عِلمَكُم. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :تَواضَعوا لِمَن تَتَعَلَّمونَ مِنهُ العِلمَ ولِمَن تُعَلِّمونَهُ ، ولا تَكونوا مِن جَبابِرَةِ العُلَماءِ فَلا يَقومَ جَهلُكُم بِعِلمِكُم (6) . (7)
عنه عليه السلام :لا يَتَعَلَّمُ مَن يَتَكَبَّرُ. (8)
الإمام الصادق عليه السلام :تَواضَعوا لِمَن طَلَبتُم مِنهُ العِلمَ ، ولا تَكونوا عُلَماءَ جَبّارينَ فَيَذهَبَ باطِلُكُم بِحَقِّكُم. (9)
.
ص: 267
إرشاد القلوب :جاءَ فِي الحَديثِ القُدسِيّ : يا أحمَدُ ، إنَّ أهلَ الدُّنيا كَثيرٌ فيهِمُ الجَهلُ وَالحُمقُ ، لا يَتَواضَعونَ لِمَن يَتَعَلَّمونَ مِنهُ، وهُم عِندَ أنفُسِهِم عُقَلاءُ، وعِندَ العارِفينَ حُمَقاءُ. (1)
راجع : ص 344 (التواضع للمتعلّم) و 441 (التواضع له) .
3 / 19الاِعتِدالُ فِي الأَكلِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : وَضَعتُ خَمسَةً في خَمسَةٍ وَالنّاسُ يَطلُبونَها في خَمسَةٍ فَلا يَجِدونَها : وَضَعتُ العِلمَ فِي الجوعِ وَالجَهدِ ، وَالنّاسُ يَطلُبونَهُ بِالشَّبعَةِ وَالرّاحَةِ فَلا يَجِدونَهُ... . (2)
المواعظ العدديّة :جاءَ فِي الحَديثِ القُدسِيّ : إنّي وَضَعتُ أربَعَةً في أربَعَةِ مَواضِعَ وَالنّاسُ يَطلُبونَها في غَيرِها فَلا يَجِدوها أبَداً ؛ إنّي وَضَعتُ العِلمَ فِي الجوعِ وَالغُربَةِ ، وَالنّاسُ يَطلُبونَهُ فِي الشِّبَعِ وَالوَطَنِ فَلَم (3) يَجِدوهُ أبَداً.... (4)
راجع : ص 146 (الصوم) و 148 (قلّة الأكل) و 186 (كثرة الأكل) .
3 / 20التَّبكيررسول اللّه صلى الله عليه و آله :اُغدوا في طَلَبِ العِلمِ ، فَإِنَّ الغُدُوَّ بَرَكَةٌ ونَجاحٌ. (5)
.
ص: 268
عنه صلى الله عليه و آله :اُغدوا في طَلَبِ العِلمِ ، فَإِنّي سَأَلتُ رَبّي أن يُبارِكَ لِاُمَّتي في بُكورِها ، ويَجعَلَ ذلِكَ يَومَ الخَميسِ. (1)
3 / 21اِغتِنامُ الفُرصَةِ فِي الصِّغَرِ والشَّبابِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَثَلُ الَّذي يَتَعَلَّمُ العِلمَ في صِغَرِهِ كَمَثَلِ الوَشمِ عَلَى الصَّخرَةِ ، ومَثَلُ الَّذي يَتَعَلَّمُ العِلمَ في كِبَرِهِ كَالَّذي يَكتُبُ عَلَى الماءِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :أوَّلُ هذِهِ الاُمَّةِ يَتَعَلَّمُ صِغارُها مِن كِبارِها ، وَآخِرُها يَتَعَلَّمُ كِبارُها مِن صِغارِها. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :أ يُّما ناشِئٍ نَشَأَ في طَلَبِ العِلمِ وَالعِبادَةِ حَتّى يَكبُرَ ، أعطاهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ ثَوابَ اثنَينِ وسَبعينَ صِدّيقاً. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن لَم يطلُبِ العِلمَ صَغيراً فَطَلَبَهُ كَبيراً فَماتَ ، ماتَ شَهيداً. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :يا مَعشَرَ الفِتيانِ ، حَصِّنوا أعراضَكُم بِالأَدَبِ ، ودينَكُم بِالعِلمِ. (6)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: تَعَلَّمُوا العِلمَ صِغاراً تَسودوا بِهِ كِباراً. (7)
.
ص: 269
عنه عليه السلام :مَن لَم يَتَعَلَّم فِي الصِّغَرِ لَم يَتَقَدَّم فِي الكِبَرِ. (1)
عنه عليه السلام :مَن سَأَلَ في صِغَرِهِ أجابَ في كِبَرِهِ. (2)
عنه عليه السلام : حَرِّض بَنيكَ عَلَى الآدابِ فِيالصِّغَرِ كَيما تَقَرَّ بِهِ عَيناكَ فِي الكِبَرِ وإنَّما كامِلُ الآدابِ يَجمَعُها في عُنفُوانِ الصِّبا كَالنَّقشِ فِيالحَجَرِ هِيَ الكُنوزُ الَّتي تَنمو ذَخائِرُها ولا يُخافُ عَلَيها حادِثُ الغِيَرِ النّاسُ اِثنانِ ذو عِلمٍ ومُستَمِعٌ واعٍ وسائِرُهُم كَاللَّغوِ وَالعَكَرِ (3)
ب _ ما لا يَنبَغي3 / 22التَّعَلُّمُ لِغَيرِ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ العِلمَ رِياءً وسُمعَةً يُريدُ بِهِ الدُّنيا ، نَزَعَ اللّهُ بَرَكَتَهُ، وضَيَّقَ عَلَيهِ مَعيشَتَهُ ، ووَكَلَهُ اللّهُ إلى نَفسِهِ ، ومَن وَكَلَهُ اللّهُ إلى نَفسِهِ فَقَد هَلَكَ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن طَلَبَ العِلمَ لِأَربَعٍ دَخَلَ النّارَ : لِيُباهِيَ بِهِ العُلَماءَ ، أو يُمارِيَ بِهِ السُّفَهاءَ ، أو لِيَصرِفَ بِهِ وُجوهَ النّاسِ إلَيهِ ، أو يَأخُذَ بِهِ مِنَ الاُمَراءِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن طَلَبَ العِلمَ لِيُجارِيَ بِهِ العُلَماءَ ، أو لِيُمارِيَ بِهِ السُّفَهاءَ ، أو يَصرِفَ بِهِ
.
ص: 270
وُجوهَ النّاسِ إلَيهِ ، أدخَلَهُ اللّهُ النّارَ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَعَلَّمُوا العِلمَ لِتُماروا بِهِ السُّفَهاءَ ، وتُجادِلوا بِهِ العُلَماءَ ، ولِتَصرِفوا بِهِ وُجوهَ النّاسِ إلَيكُم ، وَابتَغوا بِقَولِكُم ما عِندَ اللّهِ ؛ فَإِنَّهُ يَدومُ ويَبقى ويَنفَدُ ما سِواهُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَعَلَّمُوا العِلمَ لِتُباهوا بِهِ العُلَماءَ ، ولا لِتُماروا بِهِ السُّفَهاءَ ، ولا تَخَيَّروا بِهِ المَجالِسَ ، فَمَن فَعَلَ ذلِكَ فَالنّارَ النّارَ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن طَلَبَ العِلمَ لِيُباهِيَ بِهِ العُلَماءَ ، ويُمارِيَ بِهِ السُّفَهاءَ فِي المَجالِسِ ، لَم يَرَح رائِحَةَ الجَنَّةِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ عِلماً لِيُمارِيَ بِهِ السُّفَهاءَ ، أو يُجادِلَ بِهِ العُلَماءَ ، أو لِيَدعُوَ النّاسَ إلى نَفسِهِ ، فَهُوَ مِن أهلِ النّارِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَتَعَلَّمُوا العِلمَ لِتُماروا بِهِ السُّفَهاءَ ، ولا تَتَعَلَّمُوا العِلمَ لِتُجادِلوا بِهِ العُلَماءَ ، ولا تَتَعَلَّمُوا العِلمَ لِتَستَميلوا بِهِ وُجوهَ الاُمَراءِ ، ومَن فَعَلَ ذلِكَ فَهُوَ فِي النّارِ. (6)
.
ص: 271
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ العِلمَ لِيُمارِيَ بِهِ العُلَماءَ ، أو يُجارِيَ بِهِ السُّفَهاءَ ، أو يَتَأَكَّلَ بِهِ النّاسَ ، فَالنّارُ أولى بِهِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصِيَّتِهِ لِأَبي ذَرٍّ _: يا أباذَرٍّ ... مَن طَلَبَ عِلماً لِيَصرِفَ بِهِ وُجوهَ النّاسِ إلَيهِ لَم يَجِد ريحَ الجَنَّةِ . يا أباذَرٍّ ؛ مَنِ ابتَغَى العِلمَ لِيَخدَعَ بِهِ النّاسَ لَم يَجِد ريحَ الجَنَّةِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اُناساً مِن اُمَّتي سَيَتَفَقَّهونَ فِي الدّينِ ، ويَقرَؤونَ القُرآنَ ، ويَقولونَ : نَأتِي الاُمَراءَ فَنُصيبُ مِن دُنياهُم ونَعتَزِلُهُم بِدينِنا ، ولا يَكونُ ذلِكَ ، كَما لا يُجتَنى مِنَ القَتادِ إلَا الشَّوكُ كَذلِكَ لا يُجتَنى مِن قُربِهِم إلّا (3) ! (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن طَلَبَ العِلمَ لِلدُّنيا وَالمَنزِلَةِ عِندَ النّاسِ وَالحُظوَةِ عِندَ السُّلطانِ ، لَم يُصِب مِنهُ باباً إلَا ازدادَ في نَفسِهِ عَظَمَةً ، وعَلَى النّاسِ استِطالَةً ، وبِاللّهِ اغتِراراً ، وفِي الدّينِ جَفاءً ، فَذلِكَ الَّذي لا يَنتَفِعُ بِالعِلمِ فَليَكُفَّ وليُمسِكَ عَنِ الحُجَّةِ عَلى نَفسِهِ وَالنَّدامَةِ وَالخِزيِ يَومَ القِيامَةِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ عِلماً مِمّا يُبتَغى بِهِ وَجهُ اللّهِ عز و جل ، لا يَتَعَلَّمُهُ إلّا لِيُصيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنيا ، لَم يَجِد عَرفَ (6) الجَنَّةِ يَومَ القِيامَةِ. (7)
.
ص: 272
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ العِلمَ يُريدُ بِهِ الدُّنيا ، وآثَرَ عَلَيهِ حُبَّ الدُّنيا وزينَتَهَا استَوجَبَ سَخَطَ اللّهِ عَلَيهِ ، وكانَ فِي الدَّرَكِ الأَسفَلِ مِنَ النّارِ مَعَ اليَهودِ وَالنَّصارَى الَّذينَ نَبَذوا كِتابَ اللّهِ تَعالى ، قالَ اللّهُ تَعالى : «فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَ_فِرِينَ» (1) . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ عِلماً لِغَيرِ اللّهِ أو أرادَ بِهِ غَيرَ اللّهِ ، فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ مَن تَعَلَّمَ العِلمَ لِيُمارِيَ بِهِ السُّفَهاءَ ، أو يُباهِيَ بِهِ العُلَماءَ ، أو يَصرِفَ وُجوهَ النّاسِ إلَيهِ لِيُعَظِّموهُ ، فَليَتَبوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ ، فإنَّ الرِّئاسَةَ لا تَصلُحُ إلّا للّهِِ ولِأَهلِها. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أخَذَ العِلمَ مِن أهلِهِ وعَمِلَ بِعِلمِهِ نَجا ، ومَن أرادَ بِهِ الدُّنيا فَهِيَ حَظُّهُ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن طَلَبَ العِلمَ يُريدُ بِهِ حَرثَ الدُّنيا لَم يَنَل حَرثَ الآخِرَةِ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أوَّلَ النّاسِ يُقضى يَومَ القِيامَةِ عَلَيهِ . . . رَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرآنَ فَاُتِيَ بِهِ ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها . قالَ : فَما عَمِلتَ فيها ؟ قالَ : تَعَلَّمتُ العِلمَ وعَلَّمتُهُ وقَرَأتُ فيكَ القُرآنَ . قالَ : كَذَبتَ ولكِنَّكَ تَعَلَّمتَ العِلمَ لِيُقالَ عالِمٌ ، وقَرَأتَ القُرآنَ لِيُقالَ هُوَ قارِئٌ .
.
ص: 273
فَقَد قيلَ ! ثُمَّ اُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجهِهِ حَتّى اُلقِيَ فِي النّارِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :اِحذَر مِمَّن . . . يَتَعَلَّمُ لِلمِراءِ ، ويَتَفَقَّهُ لِلرِّياءِ ، يُبادِرُ الدُّنيا ، ويُؤاكِلُ التَّقوى ، فَهُوَ بَعيدٌ مِنَ الإِيمانِ ، قَريبٌ مِنَ النِّفاقِ ، مُجانِبٌ لِلرُّشدِ ، مُوافِقٌ لِلغَيِّ ، فَهُوَ باغٍ غاوٍ ، لا يَذكُرُ المُهتَدينَ. (2)
عنه عليه السلام :لَو أنَّ حَمَلَةَ العِلمِ حَمَلوهُ بِحَقِّهِ لَأَحَبَّهُمُ اللّهُ ومَلائِكَتُهُ وأهلُ طاعَتِهِ مِن خَلقِهِ ، ولكِنَّهُم حَمَلوهُ لِطَلَبِ الدُّنيا ، فَمَقَتَهُمُ اللّهُ وهانوا عَلَى النّاسِ. (3)
عنه عليه السلام :خُذوا مِنَ العِلمِ ما بَدا لَكُم ، وإيّاكُم أن تَطلُبوهُ لِخِصالٍ أربَعٍ : لِتُباهوا بِهِ العُلَماءَ ، أو تُماروا بِهِ السُّفَهاءَ ، أو تُراؤوا بِهِ فِي المَجالِسِ ، أو تَصرِفوا وُجوهَ النّاسِ إلَيكُم لِلتَّرَؤُّسِ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِمُحَمَّدِ بنِ النُّعمانِ _: يَابنَ النُّعمانِ ، لا تَطلُبِ العِلمَ لِثَلاثٍ : لِتُرائِيَ بِهِ ، ولا لِتُباهِيَ بِهِ ، ولا لِتُمارِيَ . ولا تَدَعهُ لِثَلاثٍ : رَغبَةٍ فِي الجَهلِ ، وزَهادَةٍ فِي العِلمِ ، وَاستِحياءٍ مِنَ النّاسِ. (5)
عنه عليه السلام :قالَ لُقمانُ لِابنِهِ : يا بُنَيَّ ، لا تَتَعَلَّمِ العِلمَ لِتُباهِيَ بِهِ العُلَماءَ ، أو تُمارِيَ بِهِ
.
ص: 274
السُّفَهاءَ ، أو تُزانَ بِهِ فِي المَجالِسِ. (1)
راجع : ص 269 (التعلّم لغير اللّه ) و 142 (الإخلاص) و 434 (الرياء) و 245 (الإخلاص) و 343 (الإخلاص) .
فائدة:لقد نقلت بعض الأحاديث مقابل أحاديث هذا الباب، وكذلك أحاديث الباب الأوّل من آداب التّعلّم الّتي تؤكّد الإخلاص في النيّة، واجتناب التّعلّم بدوافع غير إلهيّة ، يبدو أنّها معارضة لهذه الأحاديث وهذه الأحاديث هي:
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن طَلَبَ العِلمَ لِغَيرِ اللّهِ لَم يَخرُج مِنَ الدُّنيا حَتّى يَأتِيَ عَلَيهِ العِلمُ فَيَكونَ للّهِِ . ومَن طَلَبَ العِلمَ للّهِِ فَهُوَ كَالصّائِمِ نَهارَهُ وَالقائِمِ لَيلَهُ . وإنَّ باباً مِنَ العِلمِ يَتَعَلَّمُهُ الرَّجُلُ خَيرٌ مِن أن يَكونَ لَهُ أبو قُبَيسٍ ذَهَباً فَأَنفَقَهُ في سَبيلِ اللّهِ تَعالى. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ الرَّجُلَ لَيَطلُبُ العِلمَ وما يُريدُ اللّهَ ، فَما يَزالُ بِهِ العِلمُ حَتّى يَجعَلَهُ للّهِِ عز و جل . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: تَعَلَّمُوا العِلمَ ولَو لِغَيرِ اللّهِ ، فَإِنَّهُ سَيَصيرُ للّهِِ. (4)
.
ص: 275
تعليق :إنّ هذه الأحاديث وإن لم يكن لها اعتبار لازم للتعارض ، بَيْد أنّ التأمّل في مضمونها يفيد عدم وجود تعارض ، وذلك أنّ هذه الأحاديث لا تريد أن تدعو الناس إلى الرياء في طلب المعارف الدينيّة أو تقلّل من دور الإخلاص في بركات تحصيل العلم، بل تشير إلى نقطة دقيقة بالغة الأهميّة ، وهي أنّ أحد معطيات المعارف الإسلاميّة وبركاتها حثّ طالب العلم على الإخلاص . وكم هم الّذين يدخلون الحوزات العلميّة أو يعكفون على البحث والتحقيق في حقل المعارف الدينيّة بحوافز غير ربّانيّة ! بَيْد أنّ تعرّفهم على معارف الإسلام النورانيّة _ بخاصّة تأمّلهم في دور الإخلاص وخطر الحوافز الفاسدة _ يساعدهم على بلوغ درجات رفيعة من الإخلاص تدريجا . وإذا اشترطنا الإخلاص في كلّ من يريد التعرف على المعارف الإسلاميّة فقد حرمنا الكثيرين من التعرّف على المعارف الدينيّة وَالعلوم الحقيقيّة .
3 / 23الاِستِحياءرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا يَستَحيِ الشَّيخُ أن يَجلِسَ إلى جَنبِ الشّابِّ فَيَتَعَلَّمَ مِنهُ العِلمَ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَستَحيِ الشَّيخُ أن يَتَعَلَّمَ العِلمَ كَما لا يَستَحي أن يَأكُلَ الخُبزَ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :أتى نِساءٌ إلى بَعضِ نِساءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَحَدَّثنَها ، فَقالَت لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ هؤُلاءِ نِسوَةٌ جِئنَ يَسأَلنَكَ عَن شَيءٍ يَستَحيينَ مِن ذِكرِهِ .
.
ص: 276
قالَ : لِيَسأَلنَ عَمّا شِئنَ ، فَإِنَّ اللّهَ لا يَستَحيي مِنَ الحَقِّ. (1)
عنه عليه السلام :لا يَستَحيِ العالِمُ إذا لَم يَعلَم أن يَتَعَلَّمَ. (2)
راجع : ص 273 ح 2372 .
3 / 24التَّفَرُّقُ فِي المَجلِسِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا جَلَستُم إلَى المُعَلِّمِ أو جَلَستُم في مَجالِسِ العِلمِ فَادنوا ، وليَجلِس بَعضُكُم خَلفَ بَعضٍ ، ولا تَجلِسوا مُتَفَرِّقينَ كَما يَجلِسُ أهلُ الجاهِلِيَّةِ. (3)
3 / 25جَوَامِعُ الآدابرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أوَّلُ العِلمِ الصَّمتُ ، وَالثّانِي الاِستِماعُ ، وَالثّالِثُ العَمَلُ بِهِ ، وَالرّابِعُ نَشرُهُ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :تَعَلَّمُوا الصَّمتَ ، ثُمَّ الحِلمَ ، ثُمَّ العِلمَ ، ثُمَّ العَمَلَ بِهِ ، ثُمَّ أبشِروا. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ لا يَحصُلُ إلّا بِخَمسَةِ أشياءَ : أوَّلُها بِكَثرَةِ السُّؤالِ ، وَالثّاني
.
ص: 277
بِكَثرَةِ الاِشتِغالِ ، وَالثّالِثُ بِتَطهيرِ الأَفعالِ ، وَالرّابِعُ بِخِدمَةِ الرِّجالِ ، وَالخامِسُ بِاستِعانَةِ ذِي الجَلالِ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام :جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، مَا العِلمُ ؟ قالَ : الإِنصاتُ . قالَ : ثُمَّ مَه ؟ قالَ : الاِستِماعُ . قالَ : ثُمَّ مَه ؟ قالَ : الحِفظُ . قالَ : ثُمَّ مَه ؟ قالَ : العَمَلُ بِهِ . قالَ : ثُمَّ مَه يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : نَشرُهُ. (2)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: المُتَعَلِّمُ يَحتاجُ إلى رَغبَةٍ وإرادَةٍ (3) وفَراغٍ ونُسُكٍ وخَشيَةٍ وحِفظٍ وحَزمٍ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :اُطلُبُوا العِلمَ مِن مَعدِنِ العِلمِ. (5)
.
ص: 278
عنه عليه السلام :شاوِر في أمرِكَ الَّذينَ يَخشَونَ اللّهَ تَعالى ، وطَلَبُ العِلمِ مِن أعلَى الاُمورِ وأصعَبِها ، فَكانَتِ المُشاوَرَةُ فيهِ أهَمَّ وأوجَبَ. (1)
مشكاة الأنوار عن عنوان البصريّ_ وكانَ شَيخاً كَبيراً قَد أتى عَلَيهِ أربَعٌ وتِسعونَ سَنَةً _: كُنتُ أختَلِفُ إلى مالِكِ بنِ أنَسٍ سِنينَ ، فَلَمّا حَضَرَ جَعفَرٌ الصّادِقُ عليه السلام المَدينَهَ اختَلَفتُ إلَيهِ وأحبَبتُ أن آخُذَ عَنهُ كَما أخَذتُ مِن مالِكٍ ، فَقالَ لي يَوماً : إنّي رَجُلٌ مَطلوبٌ ومَعَ ذلِكَ لي أورادٌ في كُلِّ ساعَةٍ مِن آناءِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ فَلا تَشغَلني عَن وِردي فَخُذ عَن مالِكٍ وَاختَلِف إلَيهِ كَما كُنتَ تَختَلِفُ إلَيهِ . فَاغتَمَمتُ مِن ذلِكَ وخَرَجتُ مِن عِندِهِ وقُلتُ في نَفسي : لَو تَفَرَّسَ فِيَّ خَيراً لَما زَجَرَني عَنِ الاِختِلافِ إلَيهِ وَالأَخذِ عَنهُ ، فَدَخَلتُ مَسجِدَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله وسَلَّمتُ عَلَيهِ ، ثُمَّ رَجَعتُ مِنَ القَبرِ إلَى الرَّوضَةِ وصَلَّيتُ فيها رَكعَتَينِ وقُلتُ : أسأَلُكَ يا اللّهُ يا اللّهُ أن تَعطِفَ عَلَيَّ قَلبَ جَعفَرٍ وتَرزُقَني مِن عِلمِهِ ما أهتَدي بِهِ إلى صِراطِكَ المُستَقيمِ . ورَجَعتُ إلى داري مُغتَمّا حَزيناً ولَم أختَلِف إلى مالِكِ بنِ أنَسٍ لِما اُشرِبَ قَلبي مِن حُبِّ جَعفَرٍ ، فَما خَرَجتُ مِن داري إلّا إلَى الصَّلاةِ المَكتوبَةِ حَتّى عيلَ صَبري ، فَلَمّا ضاقَ صَدري تَنَعَّلتُ وتَرَدَّيتُ وقَصَدتُ جَعفَرًا ، وكانَ بَعدَما صَلَّيتُ العَصرَ ، فَلَمّا حَضَرتُ بابَ دارِهِ استَأذَنتُ عَلَيهِ فَخَرَجَ خادِمٌ لَهُ . فَقالَ : ما حاجَتُكَ ؟ فَقُلتُ : السَّلامُ عَلَى الشَّريفِ . فَقالَ : هُوَ قائِمٌ في مُصَلّاهُ ، فَجَلَستُ بِحِذاءِ بابِهِ ، فَما لَبِثتُ إلّا يَسيراً إذ خَرَجَ خادِمٌ لَهُ .
.
ص: 279
قالَ : اُدخُل عَلى بَرَكَةِ اللّهِ ، فَدَخَلتُ وسَلَّمتُ عَلَيهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ. وقالَ : اِجلِس غَفَرَ اللّهُ لَكَ ، فَجَلَستُ ، فَأَطرَقَ مَلِيًّا ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ. وقالَ : أبو مَن ؟ قُلتُ : أبو عَبدِاللّهِ . قالَ : ثَبَّتَ اللّهُ كُنيَتَكَ ووَفَّقَكَ لِمَرضاتِهِ . قُلتُ في نَفسي : لَو لَم يَكُن لي مِن زِيارَتِهِ وَالتَّسليمِ عَلَيهِ غَيرُ هذَا الدُّعاءِ لَكانَ كَثيراً ، ثُمَّ أطرَقَ مَلِيًّا ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ. فَقالَ : يا أبا عَبدِاللّهِ ما حاجَتُكَ؟ قُلتُ : سَأَلتُ اللّهَ أن يَعطِفَ قَلبَكَ عَلَيَّ ويَرزُقَني مِن عِلمِكَ ، وأرجو أنَّ اللّهَ تَعالى أجابَني فِي الشَّريفِ ما سَأَلتُهُ . فَقالَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، لَيسَ العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، إنَّما هُوَ نورٌ يَقَعُ في قَلبِ مَن يُريدُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى أن يَهدِيَهُ ، فَإِن أرَدتَ العِلمَ فَاطلُب أوَّلًا مِن نَفسِكَ حَقيقَةَ العُبودِيَّةِ ، وَاطلُبِ العِلمَ بِاستِعمالِهِ ، وَاستَفهِمِ اللّهَ يُفهِمكَ . قُلتُ : يا شَريفُ . فَقالَ : قُل يا أبا عَبدِاللّهِ . قُلتُ : يا أبا عَبدِاللّهِ ، ما حَقيقَةُ العُبودِيَّةِ ؟ قالَ : ثَلاثَةُ أشياءَ : أن لا يَرَى العَبدُ لِنَفسِهِ فيما خَوَّلَهُ اللّهُ إلَيهِ مِلكاً ؛ لِأَنَّ العَبيدَ لا يَكونُ لَهُم مِلكٌ ، يَرَونَ المالَ مالَ اللّهِ يَضَعونَهُ حَيثُ أمَرَهُمُ اللّهُ تَعالى بِهِ ، ولا يُدَبِّرُ العَبدُ لِنَفسِهِ تَدبيراً ، وجُملَةُ اشتِغالِهِ فيما أمَرَهُ اللّهُ تَعالى بِهِ ونَهاهُ عَنهُ ، فَإِذا لَم يَرَ
.
ص: 280
العَبدُ لِنَفسِهِ فيما خَوَّلَهُ اللّهُ تَعالى مِلكاً هانَ عَلَيهِ الإِنفاقُ فيما أمَرَهُ اللّهُ تَعالى أن يُنفِقَ فيهِ ، وإذا فَوَّضَ العَبدُ تَدبيرَ نَفسِهِ عَلى مُدَبِّرِهِ هانَ عَلَيهِ مَصائِبُ الدُّنيا ، وإذَا اشتَغَلَ العَبدُ بِما أمَرَهُ اللّهُ تَعالى ونَهاهُ لا يَتَفَرَّغُ مِنهُما إلَى المِراءِ وَالمُباهاةِ مَعَ النّاسِ ، فَإِذا أكرَمَ اللّهُ العَبدَ بِهذِهِ الثَّلاثِ هانَ عَلَيهِ الدُّنيا وإبليسُ وَالخَلقُ ، ولا يَطلُبُ الدُّنيا تَكاثُراًوتَفاخُراً ، ولا يَطلُبُ عِندَ النّاسِ عِزًّا وعُلُوًّا ، ولا يَدَعُ أيّامَهُ باطِلًا ، فَهذا أوَّلُ دَرَجَةِ المُتَّقينَ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «تِلْكَ الدَّارُ الْاخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَ الْعَ_قِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» . (1) قُلتُ : يا أبا عَبدِاللّهِ أوصِني . فَقالَ : اُوصيكَ بِتِسعَةِ أشياءَ ، فَإِنَّها وَصِيَّتي لِمُريدِي الطَّريقِ إلَى اللّهِ عز و جل ، وَاللّهَ أسأَلُ أن يُوَفِّقَكَ لِاستِعمالِهِ ؛ ثَلاثَةٌ مِنها في رِياضَةِ النَّفسِ ، وثَلاثَةٌ مِنها فِي الحِلمِ ، وثَلاثَةٌ مِنها فِي العِلمِ ، فَاحفَظها وإيّاكَ وَالتَّهاوُنَ بِها . قالَ عُنوانُ : فَفَرَّغتُ قَلبي لَهُ . فَقالَ : أمَّا اللَّواتي فِي الرِّياضَةِ ، فَإِيّاكَ أن تَأكُلَ ما لا تَشتَهيهِ فَإِنَّهُ يورِثُ الحَماقَةَ وَالبُلهَ ، ولا تَأكُل إلّا عِندَ الجوعِ ، وإذا أكَلتَ فَكُل حَلالًا وسَمِّ اللّهَ ، واذكُر حَديثَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله : ما مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعاءً شَرًّا مِن بَطنِهِ ، فَإِن كانَ لابُدَّ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ وثُلُثٌ لِشَرابِهِ وثُلُثٌ لِنَفسِهِ . وأمَّا اللَّواتي فِي الحِلمِ ، فَمَن قالَ لَكَ : إن قُلتَ واحِدَةً سَمِعتَ عَشراً ، فَقُل : إن قُلتَ عَشراً لَم تَسمَع واحِدَةً ، ومَن شَتَمَكَ فَقُل : إن كُنتَ صادِقاً فيما تَقولُ فَاللّهَ أسألُ أن يَغفِرَها لي ، وإن كُنتَ كاذِباً فيما تَقولُ فَاللّهَ أسأَلُ أن يَغفِرَها لَكَ ، ومَن وَعَدَكَ
.
ص: 281
بِالجَفاءِ فَعِدهُ بِالنَّصيحَةِ وَالدُّعاءِ . وأمَّا اللَّواتي فِي العِلمِ ، فَاسأَلِ العُلَماءَ ما جَهِلتَ ، وإيّاكَ أن تَسأَلَهُم تَعَنُّتاً وتَجرِبَةً ، وإيّاكَ أن تَعمَلَ بِرَأيِكَ شَيئاً ، وخُذ بِالاِحتِياطِ في جَميعِ ما تَجِدُ إلَيهِ سَبيلًا ، وَاهرُب مِنَ الفُتيا هَرَبَكَ مِنَ الأَسَدِ ، ولا تَجعَل رَقَبَتَكَ لِلنّاسِ جِسراً . قُم عَنّي يا أبا عَبدِاللّهِ ، فَقَد نَصَحتُ لَكَ ، ولا تُفسِد عَلَيَّ وِردي ، فَإِنِّي امرُؤٌ ضَنينٌ بِنَفسي ، وَالسَّلامُ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام : ألا لا تَنالُ العِلمَ إلّا بِسِتَّةٍ سَاُنبيكَ عَن مَجموعِها بِبَيانِ ذَكاءٌ وحِرصٌ وَاصطِبارٌ وبُلغَةٌ وإرشادُ اُستاذٍ وطولُ زَمانِ (2)
.
ص: 282
. .
ص: 283
الفصل الرابع : آداب السّؤالأ _ ما يَنبَغي فيه4 / 1التَّعَقُّلالإمام عليّ عليه السلام :أمّا بَعدُ ، أيُّهَا النّاسُ ! إذا سَأَلَ سائِلٌ فَليَعقِل ، وإذا سُئِلَ فَليَتَثَبَّت ؛ فَوَاللّهِ لَقَد نَزَلَت بِكُم نَوازِلُ البَلاءِ وحَقائِقُ الاُمورِ ؛ لِفَشَلِ كَثيرٍ مِنَ المَسؤولينَ ، وإطراقِ كَثيرٍ مِنَ السّائِلينَ. (1)
4 / 2السُّؤالُ تَفَقُّهًارسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا قَعَدَ أحَدُكُم إلى أخيهِ فَليَسأَلهُ تَفَقُّهاً ، ولا يَسأَلهُ تَعَنُّتاً. (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ لِسائِلٍ سَأَلَهُ عَن مُعضِلَةٍ _: سَل تَفَقُّهاً ولا تَسأَل تَعَنُّتاً ؛ فَإِنَّ الجاهِلَ
.
ص: 284
المُتَعَلِّمَ شَبيهٌ بِالعالِمِ ، وإنَّ العالِمَ المُتَعَسِّفَ شَبيهٌ بِالجاهِلِ المُتَعَنِّتِ. (1)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ المُؤمِنِ _: يَصمُتُ لِيَسلَمَ ، ويَسأَلُ لِيَفهَمَ. (2)
الإمام الحسين عليه السلام :كانَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام بِالكوفَةِ فِي الجامِعِ إذ قامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِن أهلِ الشّامِ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي أسأَلُكَ عَن أشياءَ . فَقالَ : سَل تَفَقُّهاً ولا تَسأَل تَعَنُّتاً. (3)
المناقب_ في سيرَةِ الإمامِ الباقِرِ عليه السلام _: قالَ الأبرَشُ الكَلبِيُّ لِهِشامٍ : مَن هذَا الَّذِي احتَوَشَهُ أهلُ العِراقِ ويَسأَلونَهُ ؟ قالَ : هذا نَبِيُّ الكوفَةِ ، وهُوَ يَزعُمُ أنَّهُ ابنُ رَسولِ اللّهِ وباقِرُ العِلمِ ومُفَسِّرُ القُرآنِ ، فَاسأَلهُ مَسأَلَةً لا يَعرِفُها ، فَأَتاهُ. وقالَ : يَا ابنَ عَلِيٍّ قَرَأتَ التَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَالزَّبورَ وَالفُرقانَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَإِنّي سائِلُكَ عَن مَسائِلَ . قالَ : سَل ، فَإِن كُنتَ مُستَرشِداً فَسَتَنتَفِعُ بِما تَسأَلُ عَنهُ ، وإن كُنتَ مُتَعَنِّتاً فَتَضِلُّ بِما تَسأَلُ عَنهُ. (4)
الكافي عن الحسين بن علوان :سَأَلَ رَجُلٌ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام عَن طَعمِ الماءِ .
.
ص: 285
فَقالَ : سَل تَفَقُّهاً ولا تَسأَل تَعَنُّتاً ؛ طَعمُ الماءِ طَعمُ الحَياةِ. (1)
4 / 3حُسنُ السُّؤالِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :حُسنُ السُّؤالِ نِصفُ العِلمِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن أحسَنَ السُّؤالَ عَلِمَ. (3)
عنه عليه السلام :مَن عَلِمَ أحسَنَ السُّؤالَ. (4)
عنه عليه السلام :أجمِلوا فِي الخِطابِ تَسمَعوا جَميلَ الجَوابِ. (5)
4 / 4رِعايَةُ حَقِّ السّابِقِالإمام الصادق عليه السلام :أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله رَجُلانِ : رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ ورَجُلٌ مِن ثَقيفٍ . فَقالَ الثَّقيفِيُّ : يا رَسولَ اللّهِ ، حاجَتي . فَقالَ : سَبَقَكَ أخوكَ الأَنصارِيُّ .
.
ص: 286
فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنّي عَلى ظَهرِ سَفَرٍ وإنّي عَجلانُ . وقالَ الأَنصارِيُّ : إنّي قَد أذِنتُ لَهُ. (1)
ب _ ما لا يَنبَغي فيه4 / 5السُّؤالُ تَعَنُّتًاالاختصاص عن ابن عبّاس :قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ] لِعَبدِاللّهِ بنِ سَلامٍ] : الحَمدُ للّهِِ عَلى نَعمائِهِ ، يَابنَ سَلامٍ ، أجِئتَني سائِلًا أو مُتَعَنِّتاً ؟ قالَ : بَل سائِلًا يا مُحَمَّدُ . قالَ : عَلَى الضَّلالَةِ أم عَلَى الهُدى ؟ قالَ : بَل عَلَى الهُدى يا مُحَمَّدُ . فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : فَسَل عَمّا تَشاءُ. (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :شِرارُ النّاسِ الَّذينَ يَسأَلونَ عَن شِرارِ المَسائِلِ ؛ كَي يُغَلِّطوا بِهَا العُلَماءَ. (3)
سنن أبي داود عن معاوية :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله نَهى عَنِ الغَلوطاتِ (4) . (5)
.
ص: 287
الإمام عليّ عليه السلام :النّاسُ مَنقوصونَ مَدخولونَ إلّا مَن عَصَمَ اللّهُ ، سائِلُهُم مُتَعَنِّتٌ ، ومُجيبُهُم مُتَكَلِّفٌ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِعُنوانَ البَصرِيِّ فِي العِلمِ _: فَاسأَلِ العُلَماءَ ما جَهِلتَ ، وإيّاكَ أن تَسأَلَهُم تَعَنُّتاً وتَجرِبَةً ، وإيّاكَ أن تَعمَلَ بِرَأيِكَ شَيئاً. (2)
راجع : ص 283 ح 2392 _ 2393 و 284 ح 2395 _ 2397 .
4 / 6السُّؤالُ عَمّا قَد يَضُرُّ جَوابُهُالكتاب«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسْ_ئلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْ_ئلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْءَانُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ» . (3)
«قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلَا تَسْ_ئلْنِى عَن شَىْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اُسكُتوا عَمّا سَكَتَ اللّهُ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى حَدَّ لَكُم حُدوداً فَلا تَعتَدوها ، وفَرَضَ عَلَيكُم فَرائِضَ فَلا تُضَيِّعوها ، وسَنَّ لَكُم سُنَناً فَاتَّبِعوها ، وحَرَّمَ عَلَيكُم حُرُماتٍ فَلا تَهتِكوها ، وعَفا
.
ص: 288
لَكُم عَن أشياءَ رَحمَةً مِنهُ لَكُم مِن غَيرِ نِسيانٍ فَلا تَتَكَلَّفوها. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :دَعوني ما تَرَكتُكُم ، إنَّما أهلَكَ مَن كانَ قَبلَكُم سُؤالُهُم وَاختِلافُهُم عَلى أنبِيائِهِم ، فَإِذا نَهَيتُكُم عَن شَيءٍ فَاجتَنِبوهُ ، وإذا أمَرتُكُم بِأَمرٍ فَأتوا مِنهُ مَا استَطَعتُم. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لَولا أنَّ بَني إسرائيلَ قالوا : «وَ إِنَّ_آ إِن شَآءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ» (3) ما اُعطوا أبَداً ، ولَو أنَّهُمُ اعتَرَضوا بَقَرَةً مِنَ البَقَرِ فَذَبَحوها لَأَجزَأَت عَنهُم ، ولكِنَّهُم شَدَّدوا فَشَدَّدَ اللّهُ عَلَيهِم. (4)
مسند أبي يعلى عن ابن عمر :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : لا يَزالُ هذَا الحَيُّ مِن قُرَيشٍ آمِنينَ حَتّى يَرُدّوهُم عَن دينِهِم (كفّار حمنا ) (5) . قالَ : فَقامَ إلَيهِ رَجُلٌ. فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أفِي الجَنَّةِ أنَا أم فِي النّارِ ؟ قالَ : فِي الجَنَّةِ . ثُمَّ قامَ إلَيهِ آخَرُ فَقالَ : أفِي الجَنَّةِ أنَا أم فِي النّارِ ؟ ( قالَ : فِي النّارِ ) .
.
ص: 289
ثُمَّ قالَ : اُسكُتوا عَنّي ما سَكَتُّ عَنكُم ، فَلَولا أن لا تَدافَنوا لَأَخبَرتُكُم بِمَلَئِكُم مِن أهلِ النّارِ حَتّى تَعرِفوهُم عِندَ المَوتِ ، ولَو اُمِرتُ أن أفعَلَ لَفَعَلتُ. (1)
الإمام الرضا عليه السلام :إنَّ رَجُلًا مِن بَني إسرائيلَ قَتَلَ قَرابَةً لَهُ ثُمَّ أخَذَهُ وطَرَحَهُ عَلى طَريقِ أفضَلِ سِبطٍ مِن أسباطِ بَني إسرائيلَ ، ثُمَّ جاءَ يَطلُبُ بِدَمِهِ ، فَقالوا لِموسى عليه السلام : إنَّ سِبطَ آلِ فُلانٍ قَتَلوا فُلاناً ، فَأَخبِرنا مَن قَتَلَهُ ؟ قالَ : اِيتوني بِبَقَرَةٍ ، «قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَ_هِلِينَ» (2) ، ولَو أنَّهُم عَمَدوا إلى أيِّ بَقَرَةٍ أجزَأَتهُم ولكِن شَدَّدوا فَشَدَّدَ اللّهُ عَلَيهِم . «قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَ لَا بِكْرٌ» (3) _ يعني لا صَغيرَةٌ ولا كَبيرَةٌ _ «عَوَان بَيْنَ ذَ لِكَ» (4) ، ولَو أنَّهُم عَمَدوا إلى أيِّ بَقَرَةٍ أجزَأَتهُم ، ولكِن شَدَّدوا فَشَدَّدَ اللّهُ عَلَيهِم . «قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّ_ظِرِينَ» (5) ، ولَو أنَّهُم عَمَدوا إلى أيِّ بَقَرَةٍ لَأَجزَأَتهُم ، ولكِن شَدَّدوا فَشَدَّدَ اللّهُ عَلَيهِم . «قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَ_بَهَ عَلَيْنَا وَ إِنَّ_آ إِن شَآءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لَا تَسْقِى الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الْ_ئ_نَ جِئْتَ بِالْحَقِّ» (6) .
.
ص: 290
فَطَلَبوها ، فَوَجَدوها عِندَ فَتًى مِن بَني إسرائيلَ ، فَقالَ : لا أبيعُها إلّا بِمِل ءِ مَسكِها (1) ذَهَباً . فَجاؤوا إلى موسى عليه السلام فَقالوا لَهُ ذلِكَ . فَقالَ : اِشتَروها . فَاشتَرَوها وجاؤوا بِها ، فَأَمَرَ بِذَبحِها ، ثُمَّ أمَرَ أن يُضرَبَ المَيِّتُ بِذَنَبِها ، فَلَمّا فَعَلوا ذلِكَ حَيِيَ المَقتولُ ، وقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ ابنَ عَمّي قَتَلَني دونَ مَن يُدَّعى عَلَيهِ قَتلي . فَعَلِموا بِذلِكَ قاتِلَهُ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ موسَى بنُ عِمرانَ عليه السلام لِبَعضِ أصحابِهِ : إنَّ هذِهِ البَقَرَةَ لَها نَبَأٌ . فَقالَ : وما هُوَ ؟ قالَ : إنَّ فَتَىً مِن بَني إسرائيلَ كانَ بارًّا بِأَبيهِ وإنَّهُ اشتَرى تَبيعاً فَجاءَ إلى أبيهِ ورَأى أنَّ المَقاليدَ تَحتَ رَأسِهِ ، فَكَرِهَ أن يوقِظَهُ فَتَرَكَ ذلِكَ البَيعَ ، فَاستَيقَظَ أبوهُ ، فَأَخبَرَهُ ، فَقالَ لَهُ : أحسَنتَ ، خُذ هذِهِ البَقَرَةَ فَهِيَ لَكَ عِوَضاً لِما فاتَكَ . قالَ : فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ موسَى بنُ عِمرانَ عليه السلام : اُنظُروا إلَى البِرِّ ما بَلَغَ بِأَهلِهِ ؟ ! (2)
الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (3) قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، أفي كُلِّ عامٍ ؟ فَسَكَتَ ، فَقالوا : أفي كُلِّ عامٍ ؟
.
ص: 291
فَسَكَتَ . قالَ : ثُمَّ قالوا : أفي كُلِّ عامٍ ؟ فَقالَ : لا ، ولَو قُلتُ نَعَم لَوَجَبَت . فَأَنزَلَ اللّهُ تَعالى : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسْ_ئلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» (1) إلى آخر الآية. (2)
سنن ابن ماجة عن أنس :قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ! الحَجُّ في كُلِّ عامٍ ؟ قالَ : لَو قُلتُ : نَعَم لَوَجَبَت ، ولَو وَجَبَت لَم تَقوموا بِها ، ولَو لَم تَقوموا بِها عُذِّبتُم. (3)
مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس :خَطَبَنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ، كُتِبَ عَلَيكُمُ الحَجُّ . قالَ : فَقامَ الأَقرَعُ بنُ حابِسٍ فَقالَ : أفي كُلِّ عامٍ يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَقالَ : لَو قُلتُها لَوَجَبَت ، ولَو وَجَبَت لَم تَعمَلوا بِها ولَم تَستَطيعوا أن تَعمَلوا بِها ، الحَجُّ مَرَّةٌ فَمَن زادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ. (4)
مسند ابن حنبل :إنَّ رَجُلًا قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، الحَجُّ كُلَّ عامٍ ؟ فَقالَ : بَل حَجَّةٌ عَلى كُلِّ إنسانٍ ، ولَو قُلتُ : نَعَم كُلَّ عامٍ ، لَكانَ كُلَّ عامٍ. (5)
.
ص: 292
صحيح البخاري عن أنس :خَطَبَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله خُطبَةً ما سَمِعتُ مِثلَها قَطُّ . قالَ : لَو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لَضَحِكتُم قَليلًا ولَبَكَيتُم كَثيراً . فَغَطّى أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وُجوهَهُم، لَهُم خَنينٌ . فَقالَ رَجُلٌ : مَن أبي ؟ قالَ : فُلانٌ . فَنَزَلَت هذِهِ الآيَةُ «لَا تَسْ_ئلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» . (1)
صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعريّ :سُئِلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَن أشياءَ كَرِهَها ، فَلَمّا أكثَروا عَلَيهِ المَسأَلَةَ غَضِبَ وقالَ : سَلوني . فَقامَ رَجُلٌ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، مَن أبي ؟ قالَ : أبوكَ حُذافَةُ . ثُمَّ قامَ آخَرُ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، مَن أبي ؟ فَقالَ : أبوكَ سالِمٌ مَولى شَيبَةَ . فَلَمّا رَأى عُمَرُ ما بِوَجهِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ الغَضَبِ قالَ : إنّا نَتوبُ إلَى اللّهِ عز و جل. (2)
صحيح البخاري عن ابن عبّاس :كانَ قَومٌ يَسأَلونَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله استِهزاءً، فَيَقولُ الرَّجُلُ : مَن أبي ؟ ويَقولُ الرَّجُلُ _ تَضِلُّ ناقَتُهُ _ : أينَ ناقَتي ؟ فَأَنزَلَ اللّهُ فيهِم هذِهِ الآيَةَ : «لَا تَسْ_ئلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» حَتّى فَرَغَ
.
ص: 293
مِنَ الآيَةِ كُلِّها. (1)
الكافي عن أبي الجارود :قالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : إذا حَدَّثتُكُم بِشَيءٍ فَاسأَلوني مِن كِتابِ اللّهِ . ثُمَّ قالَ في بَعضِ حَديثِهِ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَهى عَنِ القيلِ وَالقالِ ، وفَسادِ المالِ ، وكَثرَةِ السُّؤالِ . فَقيلَ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، أينَ هذا مِن كِتابِ اللّهِ ؟ قالَ : إنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : «لَا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَ_ح بَيْنَ النَّاسِ» (2) وقالَ : «وَلَا تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَ لَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَ_مًا» (3) وقالَ : «لَا تَسْ_ئلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» . (4)
الإمام الباقر عليه السلام :اِشتَرِ الجُبنَ مِن أسواقِ المُسلِمينَ مِن أيدِي المُصَلّينَ ، ولا تَسأَل عَنهُ إلّا أن يَأتِيَكَ مَن يُخبِرُكَ عَنهُ. (5)
عنه عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ الفُضَيلُ وزُرارَةُ ومُحَمَّدُ بنُ مُسلِمٍ عَن شِراءِ اللَّحمِ مِنَ الأَسواقِ ولا يُدرى ما يَصنَعُ القَصّابونَ _: كُل إذا كانَ ذلِكَ في أسواقِ المُسلِمينَ ولا تَسأَل عَنهُ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :يا أيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا اللّهَ ولا تُكثِرُوا السُّؤالَ ، إنَّما هَلَكَ مَن كان قَبلَكُم بِكَثرَةِ سُؤالِهِم أنبِياءَهُم ، وقَد قالَ اللّهُ عز و جل : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسْ_ئلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» وَاسأَلوا عَمّا فَرَضَ اللّهُ عَلَيكُم ، وَاللّهِ إنَّ الرَّجُلَ يَأتيني فَيَسأَلُني
.
ص: 294
فَاُخبِرُهُ فَيَكفُرُ ، ولَو لَم يَسأَلني ما ضَرَّهُ ، وقالَ اللّهُ : «وَإِن تَسْ_ئلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْءَانُ تُبْدَ لَكُمْ» (1) إلى قَولِهِ : «قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَ_فِرِينَ» (2) . (3)
عنه عليه السلام :إنَّ عَلِيًّا عليه السلام كانَ يَقولُ : أبهِموا ما أبهَمَهُ اللّهُ. (4)
عنه عليه السلام :خَمسَةُ أشياءَ يَجِبُ عَلَى النّاسِ أن يَأخُذوا بِها ظاهِرَ الحُكمِ : الوَلاياتُ ، وَالتَّناكُحُ ، وَالمَواريثُ ، وَالذَّبائِحُ ، وَالشَّهاداتُ ، فَإِذا كانَ ظاهِرُهُ ظاهِراً مَأموناً جازَت شَهادَتُهُ ، ولا يُسأَلُ عَن باطِنِهِ. (5)
نهج البلاغة :خَطَبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بِهذِهِ الخُطبَةِ [أي خُطبَةَ الأَشباحِ] عَلى مِنبَرِ الكوفَةِ ، وذلِكَ أنَّ رَجُلًا أتاهُ فَقالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، صِف لَنا رَبَّنا مِثلَما نَراهُ عِياناًلِنَزدادَ لَهُ حُبًّا وبِهِ مَعرِفَةً . فَغَضِبَ ونادى : الصَّلاةَ جامِعَةً ، فَاجتَمَعَ النّاسُ حَتّى غَصَّ المَسجِدُ بِأَهلِهِ . فَصَعِدَ المِنبَرَ وهُوَ مُغضَبٌ مُتَغَيِّرُ اللَّونِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ وصَلّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قالَ : . . . فَانظُر أيُّهَا السّائِلُ : فَما دَلَّكَ القُرآنُ عَلَيهِ مِن صِفَتِهِ فَائتَمَّ بِهِ وَاستَضِئ بِنورِ هِدايَتِهِ ، وما كَلَّفَكَ الشَّيطانُ عِلمَهُ مِمّا لَيسَ فِي الكِتابِ عَلَيكَ فَرضُهُ ، ولا في سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وأئِمَّةِ الهُدى أثَرُهُ ، فَكِل عِلمَهُ إلَى اللّهِ سُبحانَهُ ، فَإِنَّ ذلِكَ مُنتَهى حَقِّ اللّهِ عَلَيكَ. (6)
.
ص: 295
سنن الترمذي عن سلمان :سُئِلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنِ السَّمنِ وَالجُبنِ وَالفِراءِ . فَقالَ : الحَلالُ ما أحَلَّ اللّهُ في كِتابِهِ ، وَالحَرامُ ما حَرَّمَ اللّهُ في كِتابِهِ ، وما سَكَتَ عَنهُ فَهُوَ مِمّا عَفا عَنهُ. (1)
كتاب من لا يحضره الفقيه :سَأَلَ سُلَيمانُ بنُ جَعفَرٍ الجَعفَرِيُّ العَبدَ الصّالِحَ موسَى بنَ جَعفَرٍ عليه السلام عَنِ الرَّجُلِ يَأتِي السُّوقَ فَيَشتَري جُبَّةَ فِراءٍ ، لا يَدري أذَكِيَّةٌ هِيَ أم غَيرُ ذَكِيَّةٍ ، أيُصَلّي فيها ؟ فَقالَ : نَعَم لَيسَ عَلَيكُمُ المَسأَلَةُ ، إنَّ أبا جَعفَرٍ عليه السلام كانَ يَقولُ : إنَّ الخَوارِجَ ضَيَّقوا عَلى أنفُسِهِم بِجَهالَتِهِم ، إنَّ الدّينَ أوسَعُ مِن ذلِكَ. (2)
تهذيب الأحكام عن إسماعيل بن عيسى :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ عليه السلام عَن جُلودِ الفِراءِ يَشتَريهَا الرَّجُلُ في سُوقٍ مِن أسواقِ الجَبَلِ ، أيَسأَلُ عَن ذَكاتِهِ إذا كانَ البائِعُ مُسلِماً غَيرَ عارِفٍ ؟ قالَ : عَلَيكُم أنتُم أن تَسأَلوا عَنهُ إذا رَأَيتُمُ المُشرِكينَ يَبيعونَ ذلِكَ ، وإذا رَأَيتُم يُصَلّونَ فيهِ فَلا تَسأَلوا عَنهُ. (3)
الكافي عن عمر بن حنظلة :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : إنّي تَزَوَّجتُ امرَأَةً فَسَأَلتُ عَنها فَقيلَ فيها . فَقالَ : وأنتَ لِمَ سأَلتَ أيضاً ! لَيسَ عَلَيكُمُ التَّفتيشُ. (4)
الكافي عن الكاهليّ عن رجل عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :قُلتُ : أمُرُّ فِي الطَّريقِ
.
ص: 296
فَيَسيلُ عَلَيَّ الميزابُ في أوقاتٍ أعلَمُ أنَّ النّاسَ يَتَوَضَّؤونَ ؟ قالَ : قالَ : لَيسَ بِهِ بَأسٌ ، لا تَسأَل عَنهُ. (1)
راجع : ج 1 ص 389 (ما مدح من الجهل) .
4 / 7السُّؤالُ عَمّا لا فائِدَةَ فيهِالإمام عليّ عليه السلام :سَل عَمّا يَعنيكَ ، ودَع ما لا يَعنيكَ. (2)
عنه عليه السلام :لا تَسأَل عَمّا لا يَكونُ ؛ فَفِي الَّذي قَد كانَ لَكَ شُغلٌ. (3)
عنه عليه السلام :لا تَسأَلَنَّ عَمّا لَم يَكُن ؛ فَفِي الَّذي قَد كانَ عِلمٌ كافٍ. (4)
راجع : ص 283 (السؤال تفقّها) و 286 (السؤال تعنّتا) .
4 / 8كَثرَةُ السُّؤالِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ ... كَرِهَ لَكُم : قيلَ وقالَ ، وكَثرَةَ السُّؤالِ ، وإضاعَةَ المالِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :رَحِمَ اللّهُ مُؤمِناً تَكَلَّمَ فَغَنِمَ ، أو سَكَتَ فَسَلِمَ ، إنّي أكرَهُ لَكُم عَن قيلَ وقالَ ،
.
ص: 297
وإضاعَةَ المالِ ، وكَثرَةَ السُّؤالِ. (1)
المعجم الأوسط عن عبد اللّه بن مسعود :جاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : أوصِني . فَقالَ : دَع قيلَ وقالَ ، وكَثرَةَ السُّؤالِ ، وإضاعَةَ المالِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :كَثرَةُ السُّؤالِ تورِثُ المَلالَ. (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل يُبغِضُ القيلَ وَالقالَ ، وإضاعَةَ المالِ ، وكَثرَةَ السُّؤالِ. (4)
راجع : ص 293 ح 2421 و 448 ح 3140 و 448 ح 3141 .
تعليق :إن قلتَ : قرأنا في الحديث 2383 المأثور عن الإمام عليّ عليه السلام أنّ «العلم لا يحصل إلّا بخمسة أشياء ، أوّلها : بكثرة السؤال . . .» مع أنّنا نلاحظ في هذه الأحاديث ذمّا لكثرة السؤال ، فكيف يكون الجمع بينهما قلتُ : كثرة السؤال مشروطة بألّا تكون مضرّة ، بل تكون مفيدة ، ولا تفضي إلى سأم المخاطَب وأذاه ، بل تؤدّي إلى زيادة العلم ، تكون ممدوحةً ، فإذا فُقد أحد الشروط ، فالسؤال قبيح وكثرته أقبح . من هنا ، فإنّ الأحاديث التي ترغّب المتعلّم في السؤال وكثرته محمولة على الأسئلة الحائزةِ الشروطَ الثلاثة . والأحاديث التي تنهى عن السؤال أو كثرته محمولة على الحالات التي لا يتوفّر فيها أحد الشروط ؛ ولكن يبدو أنّ القصد من النهي عن كثرة السؤال هنا هو طرح الأسئلة التي لا فائدة فيها ، كما ذكر العلّامة المجلسيّ في «مرآة العقول» .
.
ص: 298
راجع : مرآة العقول : ج1 ص204 ، منية المريد : ص257 (الآداب المختصّة بالمتعلّم : عدم تكرار سؤال ما يعلمه) .
.
ص: 299
الفصل الخامس : أحكام التّعلّمأ _ ما يَجِبُ تَعَلُّمُهُ5 / 1مَعرِفَةُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أفضَلُ العِلمِ لا إلهَ إلَا اللّهُ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ بِاللّهِ أفضَلُ العِلمَينِ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أفضَلَ الفَرائِضِ وأوجَبَها عَلَى الإِنسانِ مَعرِفَةُ الرَّبِّ وَالإِقِرارُ لَهُ بِالعُبودِيَّةِ. (3)
راجع : ص 249 ح 2236 و 250 ح 2237 .
.
ص: 300
5 / 2دَعائِمُ الإِسلامِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن ماتَ مِن اُمَّتي ولَيسَ لَهُ إمامٌ مِنهُم يَعرِفُهُ فَهِيَ ميتَةٌ جاهِلِيَّةٌ ، فَإِن جَهِلَهُ وعاداهُ فَهُوَ مُشرِكٌ ، وإن جَهِلَهُ ولَم يُعادِهِ ولَم يُوالِ لَهُ عَدُوًّا فَهُوَ جاهِلٌ ولَيسَ بِمُشرِكٍ. (1)
الكافي عن سليم بن قيس :سَمِعتُ عَلِيّا صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ يَقولُ : ... أدنى ما يَكونُ بِهِ العَبدُ مُؤمِناً أن يُعَرِّفَهُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى نَفسَهُ فَيُقِرَّ لَهُ بِالطّاعَةِ ، ويُعَرِّفَهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله فَيُقِرَّ لَهُ بِالطّاعَةِ ، ويُعَرِّفَهُ إمامَهُ وحُجَّتَهُ في أرضِهِ وشاهِدَهُ عَلى خَلقِهِ فَيُقِرَّ لَهُ بِالطّاعَةِ . قُلتُ لَهُ : يا أميرَالمُؤمِنينَ ، وإن جَهِلَ جَميعَ الأَشياءِ إلّا ما وَصَفتَ ؟ قالَ : نَعَم ، إذا اُمِرَ أطاعَ وإذا نُهِيَ انتَهى. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :عَلَيكُم بِطاعَةِ مَن لا تُعذَرونَ بِجَهالَتِهِ. (3)
عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى مُعاوِيَةَ _: اِتَّقِ اللّهَ فيما لَدَيكَ ، وَانظُر في حَقِّهِ عَلَيكَ ، وَارجِع إلى مَعرِفَةِ ما لا تُعذَرُ بِجَهالَتِهِ. (4)
عنه عليه السلام :كَفى مِن أمرِ الدّينِ أن تَعرِفَ ما لا يَسَعُ جَهلُهُ. (5)
عنه عليه السلام :العِلمُ عِلمانِ : عِلمٌ لا يَسَعُ النّاسَ إلَا النَّظَرُ فيهِ وهُوَ صِبغَةُ الإِسلامِ ، وعِلمٌ
.
ص: 301
يَسَعُ النّاسَ تَركُ النَّظَرِ فيهِ وهُوَ قُدرَةُ اللّهِ عز و جل. (1)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: إن لَم تَعلَم مِن أينَ جِئتَ ، لَم تَعلَم إلى أينَ تَذهَبُ. (2)
عنه عليه السلام :رَحِمَ اللّهُ امرَأً عَرَفَ مِن أينَ وفي أينَ وإلى أينَ. (3)
عنه عليه السلام :الزَمُ العِلمِ بِكَ ما دَلَّكَ عَلى صَلاحِ دينِكَ وأبانَ لَكَ عَن فَسادِهِ. (4)
عنه عليه السلام :أولَى العِلمِ بِكَ ما لا يُتَقَبَّلُ العَمَلُ إلّا بِهِ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :لا يَسَعُ النّاسَ حَتّى يَسأَلوا ويَتَفَقَّهوا ويَعرِفوا إمامَهُم. (6)
الكافي عن الحارث بن المغيرة :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ : قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «مَن ماتَ لا يَعرِفُ إمامَهُ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً» ؟ قالَ : نَعَم . قُلتُ : جاهِلِيَّةً جَهلاءَ أو جاهِلِيَّةً لا يَعرِفُ إمامَهُ ؟ قالَ : جاهِلِيَّةَ كُفرٍ ونِفاقٍ وضَلالٍ. (7)
الإمام الصادق عليه السلام :خَرَجَ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام عَلى أصحابِهِ ، فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ اللّهَ جَلَّ ذِكرُهُ ما خَلَقَ العِبادَ إلّا لِيَعرِفوهُ ، فَإِذا عَرَفوهُ عَبَدوهُ ، فَإِذا عَبَدوهُ استَغنَوا بِعِبادَتِهِ عَن عِبادَةِ مَن سِواهُ .
.
ص: 302
فَقالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، بِأَبي أنتَ واُمّي ، فَما مَعرِفَةُ اللّهِ ؟ قالَ : مَعرِفَةُ أهلِ كُلِّ زَمانٍ إمامَهُمُ الَّذي يَجِبُ عَلَيهِم طاعَتُهُ. (1)
ينابيع المودّة عن عيسى بن السّريّ :قُلتُ لِجَعفَرٍ الصّادِقِ عليه السلام : حَدِّثني عَمّا ثَبَتَ عَلَيهِ دَعائِمُ الإِسلامِ إذا أخَذتُ بِها زَكا عَمَلي ولَم يَضُرَّني جَهلُ ما جَهِلتُ . قالَ : شَهادَةُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وأنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ ، وَالإِقرارُ بِما جاءَ بِهِ مِن عِندِ اللّهِ ، وحَقٌّ فِي الأَموالِ مِنَ الزَّكاةِ ، وَالإِقرارُ بِالوَلايَةِ الَّتي أمَرَ اللّهُ بِها وَلايَةِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن ماتَ لا يَعرِفُ إمامَهُ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً . قالَ اللّهُ عز و جل : «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» (2) فَكانَ عَلِيٌّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ثُمَّ صارَ مِن بَعدِهِ حَسَنٌ ثُمَّ حُسَينٌ ثُمَّ مِن بَعدِهِ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ ثُمَّ مِن بَعدِهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ، وهكَذا يَكونُ الأَمرُ ، إنَّ الأَرضَ لا تَصلُحُ إلّا بِإِمامٍ ، ومَن ماتَ لا يَعرِفُ إمامَهُ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً. (3)
رجال الكشّي عن عيسى بن السّريّ :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : حَدِّثني عَن دَعائِمِ الإِسلامِ الَّتي بُنِيَ عَلَيها ، ولا يَسَعُ أحَدا مِنَ النّاسِ تَقصيرٌ عَن شَيءٍ مِنهَا ، الَّذي مَن قَصَّرَ عَن مَعرِفَةِ شَيءٍ مِنها كُبِتَ (4) عَلَيهِ دينُهُ ولَم يُقبَل مِنهُ عَمَلُهُ ، ومَن عَرَفَها وعَمِلَ بِها صَلُحَ دينُهُ وقُبِلَ مِنهُ عَمَلُهُ ، ولَم يَضِق بِهِ ما فيهِ بِجَهلِ شَيءٍ مِنَ الاُمورِ جَهِلَهُ . قالَ : فَقالَ : شَهادَةُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وَالإِيمانُ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَالإِقرارُ بِما جاءَ بِهِ مِن عِندِ اللّهِ .
.
ص: 303
ثُمَّ قالَ : الزَّكاةُ وَالوَلايَةُ شَيءٌ دونَ شَيءٍ ، فَضلٌ يُعرَفُ لِمَن أخَذَ بِهِ . قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «مَن ماتَ لا يَعرِفُ إمامَهُ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً» . وقالَ اللّهُ عز و جل : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام ، وقالَ الآخَرونَ : لا ، بَل مُعاوِيَةُ . وكانَ حَسَنٌ ثُمَّ كانَ حُسَينٌ ، وقالَ الآخَرونَ : هُوَ يَزيدُ بنُ مُعاوِيَةَ لا سَواءٌ . ثُمَّ قالَ : أزيدُكَ ؟ قالَ بَعضُ القَومِ : زِدهُ جُعِلتُ فِداكَ . قالَ : ثُمَّ كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ ، ثُمَّ كانَ أبو جَعفَرٍ ، وكانَتِ الشّيعَةُ قَبلَهُ لا يَعرِفونَ ما يَحتاجونَ إلَيهِ مِن حَلالٍ ولا حَرامٍ إلّا ما تَعَلَّموا مِنَ النّاسِ ، حَتّى كانَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام فَفَتَحَ لَهُم وبَيَّنَ لَهُم وعَلَّمَهُم ، فَصاروا يُعَلِّمونَ النّاسَ بَعدَما كانوا يَتَعَلَّمونَ مِنهُم ، وَالأَمرُ هكَذا يَكونُ ، وَالأَرضُ لا تَصلُحُ إلّا بِإِمامٍ . ومَن ماتَ لا يَعرِفُ إمامَهُ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً ، وأحوَجُ ما تَكونُ إلى هذا إذا بَلَغَت نَفسُكَ هذَا المَكانَ _ وأشارَ بِيَدِهِ إلى حَلقِهِ _ وَانقَطَعتَ مِنَ الدُّنيا تَقولُ : لَقَد كُنتُ عَلى رَأيٍ حَسَنٍ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :وأمّا ما فَرَضَهُ اللّهُ عز و جل مِنَ الفَرائِضِ في كِتابِهِ فَدَعائِمُ الإِسلامِ ، وهِيَ خَمسُ دَعائِمَ ، وعَلى هذِهِ الفَرائِضِ بُنِيَ الإِسلامُ ، فَجَعَلَ سُبحانَهُ لِكُلِّ فَريضَةٍ مِن هذِهِ الفَرائِضِ أربَعَةَ حُدودٍ ، لا يَسَعُ أحَداً جَهلُها ، أوَّلُهَا الصَّلاةُ ، ثُمَّ الزَّكاةُ ، ثُمَّ الصِّيامُ ، ثُمَّ الحَجُّ ، ثُمَّ الوَلايَةُ وهِيَ خاتِمَتُها وَالحافِظَةُ لِجَميعِ الفَرائِضِ وَالسُّنَنِ. (2)
الكافي عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير ، قال :سَمِعتُهُ يَسأَلُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام ، فَقالَ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ، أخبِرني عَنِ الدّينِ الَّذِي افتَرَضَ اللّهُ عز و جل عَلَى العِبادِ
.
ص: 304
ما لا يَسَعُهُم جَهلُهُ ولا يُقبَلُ مِنهُم غَيرُهُ ، ما هُوَ ؟ . . . فَقالَ : شَهادَةُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وإقامُ الصَّلاةِ ، وإيتاءُ الزَّكاةِ ، وحِجُّ البَيتِ مَنِ استَطاعَ إلَيهِ سَبيلًا ، وصَومُ شَهرِ رَمَضانَ . ثُمَّ سَكَتَ قَليلًا ، ثُمَّ قالَ : وَالوَلايَةُ _ مَرَّتَينِ _ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :أحسِنُوا النَّظَرَ فيما لا يَسَعُكُم جَهلُهُ ، وَانصَحوا لِأَنفُسِكُم ، وجاهِدوا في طَلَبِ ما لا عُذرَ لَكُم في جَهلِهِ ، فَإِنَّ لِدينِ اللّهِ أركاناً لا يَنفَعُ مَن جَهِلَها شِدَّةُ اجتِهادِهِ في طَلَبِ ظاهِرِ عِبادَتِهِ ، ولا يَضُرُّ مَن عَرَفَها _ فَدانَ بِها _ حُسنُ اقتِصارٍ، ولاسَبيلَ لِأَحَدٍ إلى ذلِكَ إلّا بِعَونٍ مِنَ اللّهِ عز و جل . (2)
5 / 3فَرائض الدّينِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلَيكُم بِمُذاكَرَةِ العِلمِ ، فَإِنَّ بِالعِلمِ تَعرِفونَ الحَلالَ مِنَ الحَرامِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :رَحِمَ اللّهُ مَن تَعَلَّمَ فَريضَةً أو فَريضَتَينِ فَعَمِلَ بِهِما أو عَلَّمَهُما مَن يَعمَلُ بِهِما. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :تَعَلَّمُوا الفَرائِضَ وعَلِّموها ، فَإِنَّهُ نِصفُ العِلمِ ، وهُوَ يُنسى ، وهُوَ أوَّلُ شَيءٍ يُنزَعُ مِن اُمَّتي. (5)
.
ص: 305
عنه صلى الله عليه و آله :تَعَلَّمُوا العِلمَ وعَلِّموهُ النّاسَ ، تَعَلَّمُوا الفَرائِضَ وعَلِّموهُ النّاسَ ، تَعَلَّمُوا القُرآنَ وعَلِّموهُ النّاسَ فَإِنِّي امرُؤٌ مَقبوضٌ ، وَالعِلمُ سَيُقبَضُ وتَظهَرُ الفِتَنُ حَتّى يَختَلِفَ اثنانِ في فَريضَةٍ لا يَجِدانِ أحَداً يَفصِلُ بَينَهُما. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :أوجَبُ العِلمِ عَلَيكَ ما أنتَ مَسؤولٌ عَنِ العَمَلِ بِهِ. (2)
عيسى عليه السلام :كَيفَ يَصيرُ إلَى الجَنَّةِ مَن لا يُبصِرُ مَعالِمَ الدّينِ ؟ ! (3)
سنن الدارمي عن أبي ذ رٍّ :أمَرَنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن لا يَغلِبونا عَلى ثَلاثٍ : أن نَأمُرَ بِالمَعروفِ ، ونَنهى عَنِ المُنكَرِ ، ونُعَلِّمَ النّاسَ السُّنَنَ. (4)
الإمام الباقر عليه السلام :تَفَقَّهوا فِي الحَلالِ وَالحَرامِ وإلّا فَأَنتُم أعرابٌ (5) . (6)
عنه عليه السلام :سارِعوا في طَلَبِ العِلمِ ، فَوَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ لَحَديثٌ واحِدٌ في حَلالٍ وحَرامٍ تَأخُذُهُ عَن صادِقٍ، خَيرٌ مِنَ الدُّنيا وما حَمَلَت مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ. (7)
الإمام الصادق عليه السلام :لَيتَ السِّياطَ عَلى رُؤوسِ أصحابي حَتّى يَتَفَقَّهوا فِي الحَلالِ وَالحَرامِ. (8)
.
ص: 306
علل الشرائع عن زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد العجليّ :قالَ رَجُلٌ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : إنَّ لِيَ ابناً قَد أحَبَّ أن يَسأَلَكَ عَن حَلالٍ وحَرامٍ ، لا يَسأَلُكَ عَمّا لا يَعنيهِ ؟ فَقالَ : وهَل يَسأَلُ النّاسُ عَن شَيءٍ أفضَلَ مِنَ الحَلالِ وَالحَرامِ ؟ ! (1)
ب _ ما يَنبَغي تَعَلُّمُهُ5 / 4مَعرِفَةُ النَّفسِالإمام عليّ عليه السلام :المَعرِفَةُ بِالنَّفسِ أنفَعُ المَعرِفَتَينِ. (2)
عنه عليه السلام :أفضَلُ المَعرِفَةِ مَعرِفَةُ الإِنسانِ نَفسَهُ. (3)
عنه عليه السلام :أفضَلُ الحِكمَةِ مَعرِفَةُ الإِنسانِ نَفسَهُ ووُقوفُهُ عِندَ قَدرِهِ. (4)
عنه عليه السلام :غايَةُ المَعرِفَةِ أن يَعرِفَ المَرءُ نَفسَهُ. (5)
عنه عليه السلام :مَعرِفَةُ النَّفسِ أنفَعُ المَعارِفِ. (6)
عنه عليه السلام :أفضَلُ العَقلِ مَعرِفَةُ الإِنسانِ نَفسَهُ ، فَمَن عَرَفَ نَفسَهُ عَقَلَ ، ومَن جَهِلَها ضَلَّ. (7)
عنه عليه السلام :كَفى بِالمَرءِ مَعرِفَةً أن يَعرِفَ نَفسَهُ. (8)
.
ص: 307
عنه عليه السلام :مَن جَهِلَ نَفسَهُ كانَ بِغَيرِ نَفسِهِ أجهَلَ. (1)
عنه عليه السلام :مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَهُوَ لِغَيرِهِ أعرَفُ. (2)
عنه عليه السلام :كَيفَ يَعرِفُ غَيرَهُ مَن يَجهَلُ نَفسَهُ ؟ ! (3)
عنه عليه السلام :لا تَجهَل نَفسَكَ ؛ فَإِنَّ الجاهِلَ مَعرِفَةَ نَفسِهِ جاهِلٌ بِكُلِّ شَيءٍ. (4)
عنه عليه السلام :عَجِبتُ لِمَن يُنشِدُ ضالَّتَهُ وقَد أضَلَّ نَفسَهُ فَلا يَطلُبُها ! (5)
عنه عليه السلام :كَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن يَجهَلَ نَفسَهُ. (6)
عنه عليه السلام :مَن لَم يَعرِف نَفسَهُ بَعُدَ عَن سَبيلِ النَّجاةِ ، وخَبَطَ فِي الضَّلالِ وَالجَهالاتِ. (7)
عنه عليه السلام :أعظَمُ الجَهلِ جَهلُ الإِنسانِ أمرَ نَفسِهِ. (8)
عنه عليه السلام :مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَقَدِ انتَهى إلى غايَةِ كُلِّ مَعرِفَةٍ وعِلمٍ. (9)
عنه عليه السلام :أكثَرُ النّاسِ مَعرِفَةً لِنَفسِهِ أخوَفُهُم لِرَبِّهِ. (10)
عنه عليه السلام :عَجِبتُ لِمَن يَجهَلُ نَفسَهُ كَيفَ يَعرِفُ رَبَّهُ ! (11)
بحارالأنوار عن صحف إدريس عليه السلام :مَن عَرَفَ الخَلقَ عَرَفَ الخالِقَ ، ومَن عَرَفَ
.
ص: 308
الرِّزقَ عَرَفَ الرّازِقَ ، ومَن عَرَفَ نَفسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ. (1)
الإمام الرضا عليه السلام :أفضَلُ العَقلِ مَعرِفَةُ الإِنسانِ نَفسَهُ. (2)
5 / 5عُلومُ أهلِ البَيتِمعاني الأخبار عن عبد السّلام بن صالح الهرويّ :سَمِعتُ أبَا الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام يَقولُ : رَحِمَ اللّهُ عَبداً أحيا أمرَنا . فَقُلتُ لَهُ : فَكَيفَ يُحيي أمرَكُم ؟ قالَ : يَتَعَلَّمُ عُلومَنا ويُعَلِّمُهَا النّاسَ ؛ فَإِنَّ النّاسَ لَو عَلِموا مَحاسِنَ كَلامِنا لَاتَّبَعونا. (3)
5 / 6ما يَزيدُ فِي العَمَلِ والصَّلاحِالإمام عليّ عليه السلام :أحمَدُ العِلمِ عاقِبَةً ما زادَ في عَمَلِكَ فِيالعاجِلِ ، وأزلَفَكَ فِي الآجِلِ. (4)
عنه عليه السلام :أشرَفُ العِلمِ ما ظَهَرَ فِي الجَوارِحِ وَالأَركانِ. (5)
عنه عليه السلام :أوضَعُ العِلمِ ما وَقَفَ عَلَى اللِّسانِ ، وأرفَعُهُ ما ظَهَرَ فِي الجَوارِحِ وَالأَركانِ. (6)
عنه عليه السلام :خَيرُ العُلومِ ما أصلَحَكَ. (7)
.
ص: 309
عنه عليه السلام :خَيرُ العِلمِ ما أصلَحتَ بِهِ رَشادَكَ ، وشَرُّهُ ما أفسَدتَ بِهِ مَعادَكَ. (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ بعد الطَّلَبِ مِنَ اللّهِ أشياءَ لِنَفسِهِ علَى الشَّيطانِ _: ... اللّهُمَّ وَاعمُم بِذلِكَ مَن شَهِدَ لَكَ بِالرُّبوبِيَّةِ ، وأخلَصَ لَكَ بِالوَحدانِيَّةِ ، وعاداهُ لَكَ بِحَقيقَةِ العُبودِيَّةِ ، وَاستَظهَرَ بِكَ عَلَيهِ في مَعرِفَةِ العُلومِ الرَّبّانِيَّةِ. (2)
الإمام الباقر عليه السلام :اِعلَم أنَّهُ لا عِلمَ كَطَلَبِ السَّلامَةِ ، ولا سَلامَةَ كَسَلامَةِ القَلبِ. (3)
تنبيه الخواطر :رُوِيَ عَنِ الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام أنَّهُ قالَ لِبَعضِ تَلامِذَتِهِ : أيَّ شَيءٍ تَعَلَّمتَ مِنّي ؟ قالَ لَهُ : يا مَولايَ ، ثَمانَ مَسائِلَ ، قالَ لَهُ عليه السلام : قُصَّها عَلَيَّ لِأَعرِفَها . قالَ : الاُولى : رَأَيتُ كُلَّ مَحبوبٍ يُفارِقُ عِندَ المَوتِ حَبيبَهُ فَصَرَفتُ هِمَّتي إلى ما لا يُفارِقُني بَل يُؤنِسُني في وَحدَتي ، وهُوَ فِعلُ الخَيرِ . فَقالَ : أحسَنتَ وَاللّهِ . الثّانِيَةُ : رَأَيتُ قَوماً يَفخَرونَ بِالحَسَبِ وآخَرينَ بِالمالِ وَالوَلَدِ وإذا ذلِكَ لا فَخرَ ، ورَأَيتُ الفَخرَ العَظيمَ ، في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (4) فَاجتَهَدتُ أن أكونَ عِندَهُ كَريماً . قالَ : أحسَنتَ وَاللّهِ . الثّالِثَةُ : رَأَيتُ لَهوَ النّاسِ وطَرَبَهُم ، وسَمِعتُ قَولَهُ تَعالى : «وَ أَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى» . (5) فَاجتَهَدتُ في صَرفِ الهَوى عَن نَفسي حَتَّى استَقَرَّت عَلى طاعَةِ اللّهِ تَعالى .
.
ص: 310
قالَ : أحسَنتَ وَاللّهِ . الرّابِعَةُ : رَأَيتُ كُلَّ مَن وَجَدَ شَيئاً يَكرُمُ عِندَهُ اجتَهَدَ في حِفظِهِ ، وسَمِعتُ قَولَهُ سُبحانَهُ يَقولُ : «مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَ_عِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» (1) فَأَحبَبتُ المُضاعَفَةَ ولَم أرَ أحفَظَ مِمّا يَكونُ عِندَهُ ، فَكُلَّما وَجَدتُ شَيئاً يَكرُمُ عِندي وَجَّهتُ بِهِ إلَيهِ لِيَكونَ لي ذُخراً إلى وَقتِ حاجَتي إلَيهِ . قالَ : أحسَنتَ وَاللّهِ . الخامِسَةُ : رَأَيتُ حَسَدَ النّاسِ بَعضِهِم لِلبَعضِ فِي الرِّزقِ ، وسَمِعتُ قَولَهُ تَعالى : «نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَ_تٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» (2) ، فَما حَسَدتُ أحَداًولا أسِفتُ عَلى ما فاتَني . قالَ : أحسَنتَ وَاللّهِ . السّادِسَةُ : رَأَيتُ عَداوَةَ بَعضِهِم لِبَعضٍ في دارِ الدُّنيا وَالحَزازاتِ الَّتي في صُدورِهِم ، وسَمِعتُ قَولَ اللّهِ تَعالى : «إِنَّ الشَّيْطَ_نَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا» (3) فَاشتَغَلتُ بِعَداوَةِ الشَّيطانِ عَن عَداوَةِ غَيرِهِ . قالَ : أحسَنتَ وَاللّهِ . السّابِعَةُ : رَأَيتُ كَدحَ النّاسِ وَاجتِهادَهُم في طَلَبِ الرِّزقِ ، وسَمِعتُ قَولَهُ تَعالى : «وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ * مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَ مَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» (4) فَعَلِمتُ أنَّ وَعدَهُ وقَولَهُ صِدقٌ
.
ص: 311
فَسَكَنتُ إلى وَعدِهِ ورَضيتُ بِقَولِهِ ، وَاشتَغَلتُ بِما لَهُ عَلَيَّ عَمّا لي عِندَهُ . قالَ : أحسَنتَ وَاللّهِ . الثّامِنَةُ قالَ : رَأيتُ قَوماً يَتَّكِلونَ عَلى صِحَّةِ أبدانِهِم وقَوماً عَلى كَثرَةِ أموالِهِم ، وقَوماً عَلى خَلقٍ مِثلِهِم ، وسَمِعتُ قَولَهُ تَعالى : «وَ مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَ مَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» (1) فَاتَّكَلتُ عَلَى اللّهِ وزالَ اتِّكالي عَلى غَيرِهِ . فَقالَ لَهُ : وَاللّهِ إنَّ التَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَالزَّبورَ وَالفُرقانَ وسائِرَ الكُتُبِ تَرجِعُ إلى هذِهِ الثَّمانِ المَسائِلِ. (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :أولَى العِلمِ بِكَ ما لا يَصلُحُ لَكَ العَمَلُ إلّا بِهِ ، وأوجَبُ العِلمِ عَلَيكَ ما أنتَ مَسؤولٌ عَنِ العَمَلِ بِهِ ، وألزَمُ العِلمِ لَكَ ما دَلَّكَ عَلى صَلاحِ قَلبِكَ ، وأظهَرَ لَكَ فَسادَهُ ، وأحمَدُ العِلمِ عاقِبَةً ما زادَكَ في عَمَلِكَ العاجِلِ ، فَلا تَشغَلَنَّ بِعِلمِ ما لا يَضُرُّكَ جَهلُهُ ، ولا تَغفُلَنَّ عَن عِلمِ ما يَزيدُ في جَهلِكَ تَركُهُ. (3)
5 / 7ما يَنفَعُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :خَيرُ العِلمِ ما نَفَعَ. (4)
.
ص: 312
الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ هَمّامٌ عَن صِفَةِ المُتَّقينَ _: غَضّوا أبصارَهُم عَمّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِم ، ووَقَفوا أسماعَهُم عَلَى العِلمِ النّافِعِ لَهُم. (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ في تَفسيرِ الصِّناعاتِ _: ... كَذلِكَ السِّكّينُ وَالسَّيفُ وَالرُّمحُ وَالقَوسُ وغَيرُ ذلِكَ مِن وُجوهِ الآلَةِ الَّتي قَد تُصرَفُ إلى جِهاتِ الصَّلاحِ وجِهاتِ الفَسادِ وتَكونُ آلَةً ومَعونَةً عَلَيهِما ، فَلا بَأسَ بِتَعليمِهِ وتَعَلُّمِهِ وأخذِ الأَجرِ عَلَيهِ وفيهِ وَالعَمَلِ بِهِ وفيهِ لِمَن كانَ لَهُ فيهِ جِهاتُ الصَّلاحِ مِن جَميعِ الخَلائِقِ ومُحَرَّمٌ عَلَيهِم فيهِ تَصريفُهُ إلى جِهاتِ الفَسادِ وَالمَضارِّ ، فَلَيسَ عَلَى العالِمِ وَالمُتَعَلِّمِ إثمٌ ولا وِزرٌ ؛ لِما فيهِ مِنَ الرُّجحانِ في مَنافِعِ جِهاتِ صَلاحِهِم وقِوامِهِم بِهِ وبَقائِهِم ، وإنَّمَا الإِثمُ وَالوِزرُ عَلَى المُتَصَرِّفِ بِها في وُجوهِ الفَسادِ وَالحَرامِ. (2)
راجع : ص 64 ح 1549 .
5 / 8مِن كُلِّ عِلمٍ أحسَنُهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِلمُ أكثَرُ مِن أن يُحصى ، فَخُذ مِن كُلِّ شَيءٍ أحسَنَهُ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ أكثَرُ مِن أن يُحاطَ بِهِ ، فَخُذوا مِن كُلِّ عِلمٍ أحسَنَهُ. (4)
عنه عليه السلام :خُذوا مِن كُلِّ عِلمٍ أحسَنَهُ ، فَإِنَّ النَحلَ يَأكُلُ مِن كُلِّ زَهرٍ أزيَنَهُ ، فَيَتَوَلَّدُ
.
ص: 313
مِنهُ جَوهَرانِ نَفيسانِ : أحَدُهُما فيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ ، وَالآخَرُ يُستَضاءُ بِهِ. (1)
راجع : ص 249 (رعاية الأهمّ فالأهمّ) .
5 / 9اللُّغاتُ المُختَلِفَةُكنزالعمّال عن زيد بن ثابت :أمَرَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن أتَعَلَّمَ السُّريانِيَّةَ. (2)
المعجم الكبير عن زيد بن ثابت :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّهُ يَأتيني كُتُبٌ مِنَ النّاسِ ولا اُحِبُّ أن يَقرَأها كُلُّ أحَدٍ ، فَهَل تَستَطيعُ أن تَتَعلَّمَ كِتابَ السُّريانِيَّةِ؟ قُلتُ : نَعَم ، فَتَعَلَّمتُها في سَبعَ عَشرَةَ. (3)
سنن الترمذي عن زيد بن ثابت :أمَرَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن أتَعَلَّمَ لَهُ كِتابَ يَهودَ . قالَ : إنّي وَاللّهِ ما آمَنُ يَهودَ عَلى كِتابٍ . قالَ : فَما مَرَّ بي نِصفُ شَهرٍ حَتّى تَعَلَّمتُهُ لَهُ . قالَ : فَلَمّا تَعَلَّمتُهُ كانَ إذا كَتَبَ إلى يَهودَ كَتَبتُ إلَيهِم ، وإذا كَتَبوا إلَيهِ قَرَأتُ لَهُ كِتابَهُم. (4)
.
ص: 314
ج _ ما يَحرُمُ تَعَلُّمُهُ5 / 10ما يُؤَدّي إلَى الفَسادِالإمام عليّ عليه السلام :شَرُّ العِلمِ ما أفسَدتَ بِهِ رَشادَكَ. (1)
عنه عليه السلام :رُبَّ عِلمٍ أدّى إلى مَضَلَّتِكَ. (2)
عنه عليه السلام :رُبَّ مَعرِفَةٍ أدَّت إلى تَضليلٍ. (3)
عنه عليه السلام :رُبَّ عالِمٍ قَتَلَهُ عِلمُهُ. (4)
عنه عليه السلام :كُلُّ عِلمٍ لا يُؤَيِّدُهُ عَقلٌ ، مَضَلَّةٌ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام_ في تَفسيرِ الصِّناعاتِ _: ما يَكونُ مِنهُ وفيهِ الفَسادُ مَحضاً ، ولايَكونُ فيهِ ولا مِنهُ شَيءٌ مِن وُجوهِ الصَّلاحِ فَحَرامٌ تَعليمُهُ وتَعَلُّمُهُ وَالعَمَلُ بِهِ وأخذُ الأَجرِ عَلَيهِ ، وجَميعُ التَّقَلُّبِ فيهِ مِن جَميعِ وُجوهِ الحَرَكاتِ كُلِّها. (6)
5 / 11علم النُّجومرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَنِ اقتَبَسَ عِلماً مِنَ النُّجومِ، اقتَبَسَ شُعبَةً مِنَ السِّحرِ زادَما زادَ. (7)
.
ص: 315
عنه صلى الله عليه و آله :أخافُ عَلى اُمَّتي بَعدي ثَلاثاً : حَيفُ الأَئِمَّةِ ، وإيمانٌ بِالنُّجومِ ، وتَكذيبٌ بِالقَدَرِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ قَد طَهَّرَ هذِهِ القَريَةَ مِنَ الشِّركِ إن لَم تُضِلَّهُمُ النُّجومُ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! إيّاكُم وتَعَلُّمَ النُّجومِ ، إلّا ما يُهتَدى بِهِ في بَرٍّ أو بَحرٍ ، فَإِنَّها تَدعو إلَى الكَهانَةِ ، وَالمُنَجِّمُ كَالكاهِنِ ، وَالكاهِنُ كَالسّاحِرِ ، وَالسّاحِرُ كَالكافِرِ ، وَالكافِرُ فِي النّارِ. (3)
الإمام الحسين عليه السلام :لَمّا افتَتَحَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله خَيبَرَ ... نَهى عَن خِصالٍ تِسعَةٍ : ... وعَنِ النَّظَرِ فِي النُّجومِ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ في جَوابِ الزِّنديقِ لَمّا قالَ لَهُ : ما تَقولُ في عِلمِ النُّجومِ ؟ _: هُوَ عِلمٌ قَلَّت مَنافِعُهُ وكَثُرَت مَضَرّاتُهُ ، لِأَنَّهُ لا يُدفَعُ بِهِ المَقدورُ ولا يُتَّقى بِهِ المَحذورُ ، إن أخبَرَ المُنَجِّمُ بِالبَلاءِ لَم يُنجِهِ التَّحَرُّزُ مِنَ القَضاءِ ، وإن أخبَرَ هُوَ بِخَيرٍ لَم يَستَطِع تَعجيلَهُ ، وإن حَدَثَ بِهِ سوءٌ لَم يُمكِنهُ صَرفُهُ ، وَالمُنَجِّمُ يُضادُّ اللّهَ في عِلمِهِ بِزَعمِهِ أنَّهُ يَرُدُّ قَضاءَ اللّهِ عَن خَلقِهِ. (5)
الخصال عن نصر بن قابوس :سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام يَقولُ : المُنَجِّمُ مَلعونٌ ، وَالكاهِنُ مَلعونٌ ... .
.
ص: 316
وقالَ عليه السلام : المُنَجِّمُ كَالكاهِنِ ، وَالكاهِنُ كَالسّاحِرِ ، وَالسّاحِرُ كَالكافِرِ ، وَالكافِرُ فِي النّارِ. (1)
تعليق :يتبيّن من التأمّل في نصّ هذه الأحاديث أنّ المقصود من علم النجوم المحرّم تعلّمه ليس العلم بمفهومه المعاصر، بل المقصود هو التعرّف على تأثير النجوم في مصير الإنسان، وَالتنبّؤ بحوادث المستقبل عن طريق المطالعة في سير الكواكب مطلقا أو على أنّها مؤثّرات.
5 / 12السِّحرالكتاب«وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَ_طِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَ_نَ وَ مَا كَفَرَ سُلَيْمَ_نُ وَ لَ_كِنَّ الشَّيَ_طِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ مَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَ_رُوتَ وَ مَ_رُوتَ» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :مَن تَعَلَّمَ شَيئاً مِنَ السِّحرِ كانَ آخِرَ عَهدِهِ بِرَبِّهِ. (3)
.
ص: 317
الخصال عن نصر بن قابوس :سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام يَقولُ: السّاحِرُ مَلعونٌ... . وقالَ عليه السلام : المُنَجِّمُ كَالكاهِنِ ، وَالكاهِنُ كَالسّاحِرِ ، وَالسّاحِرُ كَالكافِرِ ، وَالكافِرُ فِي النّارِ. (1)
د _ ما لا يَنبَغي تَعَلُّمُهُ5 / 13ما لا يَنفَعُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عِلمُ النَّسَبِ عِلمٌ لا يَنفَعُ وجَهالَةٌ لا تَضُرُّ. (2)
المراسيل عن زيد بن أسلم :قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما أعلَمَ فُلاناً ! قالَ : بِمَ ؟ قالوا : بِأَنسابِ النّاسِ . قالَ : عِلمٌ لا يَنفَعُ ، وجَهالَةٌ لا تَضُرُّ. (3)
جامع بيان العلم وفضله عن أبي هريرة :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله دَخَلَ المَسجِدَ فَرَأى جَمعاً مِنَ النّاسِ عَلى رَجُلٍ فَقالَ : وما هذا ؟ قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، رَجُلٌ عَلّامَةٌ . قالَ : ومَا العَلّامَةُ ؟ قالوا : أعلَمُ النّاسِ بِأَنسابِ العَرَبِ ، وأعلَمُ النّاسِ بِعَرَبِيَّةٍ ، وأعلَمُ النّاسِ بِشِعرٍ ، وأعلَمُ النّاسِ بِمَا اختَلَفَ فيهِ العَرَبُ .
.
ص: 318
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : هذا عِلمٌ لا يَنفَعُ وجَهلٌ لا يَضُرُّ. (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :دَخَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المَسجِدَ فَإِذا جَماعَةٌ قَد أطافوا بِرَجُلٍ فَقالَ : ما هذا ؟ فَقيلَ : عَلّامَةٌ . فَقالَ : ومَا العَلّامَةُ ؟ فَقالوا لَهُ : أعلَمُ النّاسِ بِأَنسابِ العَرَبِ ووَقائِعِها وأيّامِ الجاهِلِيَّةِ وَالأَشعارِ العَرَبِيَّةِ . فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ذاكَ عِلمٌ لا يَضُرُّ مَن جَهِلَهُ ولا يَنفَعُ مَن عَلِمَهُ. (2)
راجع : ص 21 (الفصل الأوّل: حقيقة العلم) و 63 (الفصل الرابع: أقسام العلوم) و 423 (الاستعانة باللّه للانتفاع بالعلم) و 424 (الاستعاذة باللّه من عدم الانتفاع بالعلم) و 475 ح 3211، منية المريد : ص 379 (مراتب أحكام العلم الشرعي وما اُلحق به) .
.
ص: 319
توضيح حول أحكام التعلّمإنّ أحكام التعلّم في ضوء الأحاديث الواردة في هذا الفصل تنقسم إلى خمسة أقسام : التعلّم الواجب ، والمستحبّ ، والحرام ، والمكروه ، والمباح . والأساس في هذا التّقسيم هو دور العلم الّذي يراد تعلّمه في تكامل الإنسان أو انحطاطه مادّيًّا ومعنويًّا ، أو انعدام دوره ، فيما يأتي توضيح مختصر حول كلّ حكم من هذه الأحكام :
1 . التعلّم الواجب :يجب على الناس وجوبا عينيًّا أو كفائيًّا (1) طلب كلّ علمٍ يُعدّ مقدّمة للبناء المادّي أو المعنويّ ، الدّنيويّ أو الأُخرويّ ، الفرديّ أو الاجتماعيّ وبدونه يتهدّد أساس الحياة المادّية والمعنويّة للإنسان :
أ _ العلوم الواجب طلبها وجوبا عينيّاإنّ كلّ علم يعدّ مقدّمة للبناء الفرديّ ، وبغيره لا يستطيع أفراد المجتمع القيام
.
ص: 320
بواجباتهم الاعتقاديّة والعمليّة ، فطلبه واجب على الجميع من منظار الإسلام ، كمعرفة العقائد ، ومعرفة الواجبات والمحرّمات ، أو القيم وضدّها في الإسلام ، فهذه واجبة على أفراد المجتمع كلّهم ، وإذا قام بها أحد فلا يسقط التكليف عن الآخرين .
ب _ العلوم الواجب طلبها وجوبا كفائيّاإنّ كلّ علمٍ مقدّمة للبناء وتأمين الحاجات الاجتماعيّة ، وبغيره لا يستطيع المجتمع مواصلة حياته ، أو أنه يواجه مشكلةً حادّة ، أو لا يتمكّن من الدفاع عن نفسه في مقابل الهجوم المحتمل للعدوّ ، فإنّ طلبه واجب كفائيّ على كلّ مستطيع ؛ أي يجب على جميع الّذين لديهم الاستعداد لطلب ذلك العلم أن يتعلّموه ، ولكنْ إذا نهض عدد منهم _ بحدّ الكفاية _ لتعلّمه ، سقط التّكليف عن الآخرين . على هذا الأساس ، تتباين الاختصاصات الّتي طلبها واجب كفائي تبعا لحاجات المجتمع في أزمنة متفاوتة . مثلًا ، عندما لا يحتاج المجتمع الإسلاميّ إلى علم الذرّة ، فلا وجوب في تحصيله ، ولكن إذا احتاج إليه من أجل الدفاع عن نفسه ، فطلبه واجب كفائيّ ، حسب الآية الكريمة : «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ» (1) . وإذا كان عدد المستعدّين لطلبه محدودا، وعجز الآخرون عن ذلك ، فإنّ الوجوب الكفائيّ يتبدّل إلى وجوب عينيّ عليهم .
2 . التعلّم المستحبّإنّ كلّ علمٍ يمثّل مقدّمة لتقوية البنية المادّيّة أو المعنويّة للفرد أو المجتمع، ولكن تركه لا يهدّد الحاجات الأساسيّة للإنسان فتعلّمه ممدوح ومستحبّ ، وإذا تعلّمه المرء بدافعٍ إلهي فهو مثاب ومأجور عند اللّه تعالى ، ويعدّ تعلّم العلوم الخارجة عن
.
ص: 321
الحاجات الضروريّة للمجتمع ، من مصاديق التعلّم الممدوح .
3 . التعلّم الحرامإنّ كلّ علمٍ يبعث على الفساد ويضرّ الفرد أو المجتمع فتعلّمه حرام من منظور إسلاميّ ، كالسحر ، والكهانة ، والنجوم الّتي كانت شائعة في غابر التاريخ ، وكذلك العلوم الّتي تستخدم باتّجاه الغزو الثقافي ، وفساد الأخلاق في العالم المعاصر ، أو علم أسلحة الدمار الشامل ، إلّا إذا كان للدفاع أو لأغراض سلميّة .
4 . التعلّم المكروهإنّه تعلّم العلم الّذي لا يُعدّ مقدّمة للفساد ، ولكن ليس فيه فائدة أيضا ، كعلم الأنساب في الجاهليّة ، كما أُثر في الأحاديث أنّ «عِلمُ النَّسَبِ عِلمٌ لا يَنفَعُ وجَهالَةٌ لا تَضُرُّ» . وإذا تمّ تقويم هذه العلوم من حيث هي فتعلّمها مباح . أمّا إذا قوِّمت من حيث أنّها تؤدّي إلى ضياع العمر وتُبعد الإنسان عن هدف الإنسانيّة ، فتعلّمها لغو مذموم مكروه ، وعلى المسلم أن يتحاماه وفقا للآية الكريمة : «وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ» (1) .
5 . التعلّم المباحإنّ العلوم الّتي تخدم المجتمع ، إذا كان تعلّمها بنيّة القربة والخدمة فهو مستحبّ . وإذا كان لتمشية أُمور المعيشة والمصالح المادّيّة فهو مباح ، باستثناء العلوم الإسلاميّة ؛ فإنّ الأحاديث شدّدت على ذمّ تعلّمها إذا كان لبواعث غير إلهيّة (2) .
.
ص: 322
. .
ص: 323
القسم التّاسع : تعليم المعرفةالفصل الأوّل : وجوب التّعليمالفصل الثاني : فضل التّعليمالفصل الثالث : آداب التّعليمالفصل الرابع : آداب الجواب
.
ص: 324
. .
ص: 325
الفصل الأوّل : وجوب التّعليم1 / 1وُجوبُ التَّعليمِ عَلَى العالِمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما أخَذَ اللّهُ الميثاقَ عَلَى الخَلقِ أن يَتَعَلَّموا حَتّى أخَذَ عَلَى العُلَماءِ أن يُعَلِّموا. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى يَسأَلُ العَبدَ عَن فَضلِ عِلمِهِ كَما يَسأَلُهُ عَن فَضلِ مالِهِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَنبَغي لِلعالِمِ أن يَسكُتَ عَلى عِلمِهِ ، ولا يَنبَغي لِلجاهِلِ أن يَسكُتَ عَلى جَهلِهِ ، قالَ اللّهُ جَلَّ ذِكرُهُ : «فَسْ_ئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (3) . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :ما أخَذَ اللّهُ عَلى أهلِ الجَهلِ أن يَتَعَلَّموا حَتّى أخَذَ عَلى أهلِ العِلمِ
.
ص: 326
أن يُعَلِّموا. (1)
عنه عليه السلام :ما أخَذَ اللّهُ ميثاقاً مِن أهلِ الجَهلِ بِطَلَبِ تِبيانِ العِلمِ حَتّى أخَذَ ميثاقاً مِن أهلِ العِلمِ بِبَيانِ العِلمِ لِلجُهّالِ ؛ لِأَنَّ العِلمَ كانَ قَبلَ الجَهلِ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :قَرَأتُ في كِتابِ عَلِيٍّ عليه السلام : إنَّ اللّهَ لَم يَأخُذ عَلَى الجُهّالِ عَهداً بِطَلَبِ العِلمِ حَتّى أخَذَ عَلَى العُلَماءِ عَهداً بِبَذلِ العِلمِ لِلجُهّالِ ، لِأَنَّ العِلمَ كانَ قَبلَ الجَهلِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :مِنَ المَفروضِ عَلى كُلِّ عالِمٍ أن يَصونَ بِالوَرَعِ جانِبَهُ ، وأن يَبذِلَ عِلمَهُ لِطالِبِهِ. (4)
راجع : ص 326 (حرمة كتمان العلم) و 332 (زكاة العلم) و 333 (أفضل الصدقة) و 415 (ردّ البدعة) .
1 / 2حُرمَةُ كِتمانِ العِلمِالكتاب«إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَ_بِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَ_ئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ إِلَا النَّارَ وَ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ وَ لَا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» . (5)
.
ص: 327
«إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَ_تِ وَ الْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّ_هُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَ_بِ أُوْلَ_ئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّ_عِنُونَ» . (1)
«وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَ_قَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَ_بَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما آتَى اللّهُ عز و جل عالِماً عِلماً إلّا أخَذَ عَلَيهِ الميثاقَ أن لا يَكتُمَهُ أحَداً. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كَتَمَ عِلماً مِمّا يَنفَعُ اللّهُ بِهِ في أمرِ النّاسِ ، أمرِ الدّينِ ؛ ألجَمَهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ بِلِجامٍ مِنَ النّارِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :أيُّما رَجُلٍ آتاهُ اللّهُ عِلماً فَكَتَمَهُ ، لَقِيَ اللّهَ يَومَ القِيامَةِ مُلجَماً بِلِجامٍ مِن نارٍ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن سُئِلَ عَن عِلمٍ ثُمَّ كَتَمَهُ ، اُلجِمَ يَومَ القِيامَةِ بِلِجامٍ مِن نارٍ. (6)
.
ص: 328
عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ لا يَحِلُّ مَنعُهُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا لَعَنَ آخِرُ هذِهِ الاُمَّةِ أوَّلَها ، فَمَن كَتَمَ حَديثاً فَقَد كَتَمَ ما أنزَلَ اللّهُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَثَلُ الَّذي يَتَعَلَّمُ العِلمَ ثُمَّ لا يُحَدِّثُ بِهِ كَمَثَلِ الَّذي يَكنِزُ الكَنزَ فَلا يُنفِقُ مِنهُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :لا أعرِفَنَّ رَجُلًا مِنكُم عَلِمَ عِلماً فَكَتَمَهُ فَرَقاً (4) مِنَ النّاسِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ العالِمَ الكاتِمَ عِلمَهُ يُبعَثُ أنتَنَ أهلِ القِيامَةِ ريحاً ، يَلعَنُهُ كُلُّ دابَّةٍ حَتّى دَوابِّ الأَرضِ الصِّغارِ. (6)
عنه عليه السلام :لا تُمسِك عَن إظهارِ الحَقِّ إذا وَجَدتَ لَهُ أهلًا. (7)
عنه عليه السلام :مَن كَتَمَ عِلماً فَكَأَنَّهُ جاهِلٌ. (8)
عنه عليه السلام :الكاتِمُ لِلعِلمِ غَيرُ واثِقٍ بِالإِصابَةِ فيهِ. (9)
.
ص: 329
عنه عليه السلام_ في خُطبَتِهِ لَمّا بويِعَ وبَعدَ إخبارِهِ بِابتِلاءِ النّاسِ _: وَاللّهِ ما كَتَمتُ وَسمَةً ، ولا كَذَبتُ كِذبَةً. (1)
الإمام الباقر عليه السلام :العُلَماءُ في أنفُسِهِم خانَةٌ إن كَتَمُوا النَّصيحَةَ ، إن رَأَوا تائِهاً ضالًا لا يَهدونَهُ أو مَيِّتاً لا يُحيونَهُ ، فَبِئسَ ما يَصنَعونَ ، لِأَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أخَذَ عَلَيهِمُ الميثاقَ فِي الكِتابِ أن يَأمُروا بِالمَعروفِ وبِما اُمِروا بِهِ ، وأن يَنهَوا عَمّا نُهوا عَنهُ ، وأن يَتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوى ، ولا يَتَعاوَنوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوانِ. (2)
راجع : ص 325 (وجوب التعليم على العالم) و 332 (زكاة العلم) و 333 (أفضل الصدقة) و 415 (ردّ البدعة) .
1 / 3الوَلايَةُ والتَّعليمرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِمُعاذٍ لَمّا بَعَثَهُ إلَى اليَمَنِ _: يا مُعاذُ ، عَلِّمهُم كِتابَ اللّهِ ، وأحسِن أدَ بَهُم عَلَى الأَخلاقِ الصّالِحَةِ . . . ثُمَّ بُثَّ فيهِمُ المُعَلِّمينَ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :فَأَمّا حَقُّكُم عَلَيَّ فَ_ . . . تَعليمُكُم كَي لا تَجهَلوا ، وتَأديبُكُم كَيما تَعلَموا. (4)
.
ص: 330
عدّة الداعي :يُروى عَن سَيِّدِنا أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام : أ نَّهُ لَمّا كانَ يَفرُغُ مِنَ الجِهادِ يَتَفَرَّغُ لِتَعليمِ النّاسِ وَالقَضاءِ بَينَهُم ، فَإِذا يَفرُغُ مِن ذلِكَ اشتَغَلَ في حائِطٍ لَهُ يَعمَلُ فيهِ بِيَدِهِ وهُوَ مَعَ ذلِكَ ذاكِرٌ للّهِِ جَلَّ جَلالُهُ. (1)
.
ص: 331
الفصل الثاني : فضل التّعليم2 / 1سُنَّةُ الأَنبِياءِالكتاب«رَبَّنَا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَ_تِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَ_بَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» . (1)
«كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ ءَايَ_تِنَا وَ يُزَكِّيكُمْ وَ يُعَلِّمُكُمُ الْكِتَ_بَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ» . (2)
«لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَ_تِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَ_بَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَ_لٍ مُّبِينٍ» . (3)
«هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَ_تِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَ_بَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَ_لٍ مُّبِينٍ» . (4)
.
ص: 332
الحديثإرشاد القلوب :رُوِيَ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّ إِبْرَ هِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (1) أنَّهُ كانَ يُعَلِّمُ الخَيرَ. (2)
سنن ابن ماجة عن عبداللّه بن عمرو :خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذاتَ يَومٍ مِن بَعضِ حُجَرِهِ فَدَخَلَ المَسجِدَ فَإِذا هُوَ بِحَلقَتَينِ : إحداهُما يَقرَؤونَ القُرآنَ ويَدعونَ اللّهَ ، وَالاُخرى يَتَعَلَّمونَ ويُعَلِّمونَ . فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : كُلٌّ عَلى خَيرٍ هؤُلاءِ يَقرَؤونَ القُرآنَ ويَدعونَ اللّهَ ، فَإِن شاءَ أعطاهُم وإن شاءَ مَنَعَهُم ، وهؤُلاءِ يَتَعَلَّمونَ ويُعَلِّمونَ ، وإنَّما بُعِثتُ مُعَلِّماًفَجَلَسَ مَعَهُم. (3)
سنن الدارمي عن عبد اللّه بن عمرو :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَرَّ بِمَجلِسَينِ في مَسجِدِهِ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : كِلاهُما عَلى خَيرٍ ، وأحَدُهُما أفضَلُ مِن صاحِبِهِ ، أمّا هؤُلاءِ فَيَدعونَ اللّهَ ويَرغَبونَ إلَيهِ ، فَإِن شاءَ أعطاهُم وإن شاءَ مَنَعَهُم ، وأمّا هؤُلاءِ فَيَتَعَلَّمونَ الفِقهَ وَالعِلمَ ، ويُعَلِّمونَ الجاهِلَ ، فَهُم أفضَلُ . وإنَّما بُعِثتُ مُعَلِّماً . ثُمَّ جَلَسَ فيهِم. (4)
2 / 2خَصائِصُ التَّعليمِأ _ زَكاةُ العِلمِالإمام عليّ عليه السلام :بَذلُ العِلمِ زَكاةُ العِلمِ. (5)
.
ص: 333
عنه عليه السلام :زَكاةُ العِلمِ نَشرُهُ. (1)
عنه عليه السلام :زَكاةُ العِلمِ بَذلُهُ لِمُستَحِقِّهِ وَاجهادُ النَّفسِ فِي العَمَلِ بِهِ. (2)
الإمام الباقر عليه السلام :زَكاةُ العِلمِ أن تُعَلِّمَهُ عِبادَ اللّهِ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ لِكُلِّ شَيءٍ زَكاةً وزَكاةُ العِلمِ أن يُعَلِّمَهُ أهلَهُ. (4)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ مِمَّا رَزَقْنَ_هُمْ يُنفِقُونَ» (5) _: إنَّ مَعناهُ : ومِمّا عَلَّمناهُم يَبُثّونَ. (6)
راجع : ص 325 (وجوب التعليم على العالم) و 326 (حرمة كتمان العلم) و 333 (أفضل الصدقة) و 415 (ردّ البدعة) .
ب _ أفضَلُ الصَّدَقَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أفضَلُ الصَّدَقَةِ أن يَتَعَلَّمَ المَرءُ المُسلِمُ عِلماً ثُمَّ يُعَلِّمَهُ أخاهُ المُسلِمَ. (7)
عنه صلى الله عليه و آله :ما تَصَدَّقَ النّاسُ بِصَدَقَةٍ مِثلِ عِلمٍ يُنشَرُ. (8)
.
ص: 334
عنه صلى الله عليه و آله :مِنَ الصَّدَقَةِ أن يَتَعَلَّمَ الرَّجُلُ العِلمَ ويُعَلِّمَهُ النّاسَ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :فَضلُ عِلمِكَ تَعودُ بِهِ عَلى أخيكَ الَّذي لا عِلمَ عِندَهُ صَدَقَةٌ مِنكَ عَلَيهِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: لَيسَ كُلُّ ذي عَينٍ يُبصِرُ ، ولا كُلُّ ذي اُذُنٍ يَسمَعُ ، فَتَصَدَّقوا عَلى اُولِي العُقولِ الزَّمِنَةِ (3) ، وَالأَلبابِ الحائِرَةِ بِالعُلومِ الَّتي هِيَ أفضَلُ صَدَقاتِكُم . ثُمَّ تَلا : «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَ_تِ وَ الْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّ_هُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَ_بِ أُوْلَ_ئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّ_عِنُونَ» (4) . (5)
2 / 3فَوائِدُ التَّعليمِأ _ إتقانُ العِلمِالإمام عليّ عليه السلام :المالُ تَنقُصُهُ النَّفَقَةُ ، وَالعِلمُ يَزكو عَلَى الإِنفاقِ. (6)
الإمام الحسن عليه السلام :عَلِّمِ النّاسَ وتَعَلَّم عِلمَ غَيرِكَ ، فَتَكونَ قَد أتقَنتَ عِلمَكَ وعَلِمتَ ما لَم تَعلَم. (7)
راجع : ص 43 (لا يفنيه الإنفاق).
.
ص: 335
ب _ تَزكِيَةُ العَقلِالإمام عليّ عليه السلام :أعوَنُ الأَشياءِ عَلى تَزكِيَةِ العَقلِ التَّعليمُ. (1)
ج _ صَدَقَةٌ جارِيَةٌرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن عَلَّمَ عِلماً فَلَهُ أجرُ مَن عَمِلَ بِهِ ، لا يَنقُصُ مِن أجرِ العامِلِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :خَيرُ ما يُخَلِّفُ الرَّجُلُ مِن بَعدِهِ ثَلاثٌ : وَلَدٌ صالِحٌ يَدعو لَهُ ، وصَدَقَةٌ تَجري يَبلُغُهُ أجرُها ، وعِلمٌ يُعمَلُ بِهِ مِن بَعدِهِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :يَجيءُ الرَّجُلُ يَومَ القِيامَةِ ولَهُ مِنَ الحَسَناتِ كَالسَّحابِ الرُّكامِ أو كَالجِبالِ الرَّواسي فَيَقولُ : يا رَبِّ ، أنّى لي هذا ولَم أعمَلها ؟ فَيَقولُ : هذا عِلمُكَ الَّذي عَلَّمتَهُ النّاسَ يُعمَلُ بِهِ مِن بَعدِكَ. (4)
الإمام الباقر عليه السلام :مَن عَلَّمَ بابَ هُدًى فَلَهُ مِثلُ أجرِ مَن عَمِلَ بِهِ ، ولا يُنقَصُ اُولئِكَ مِن اُجورِهِم شَيئاً . ومَن عَلَّمَ بابَ ضَلالٍ كانَ عَلَيهِ مِثلُ أوزارِ مَن عَمِلَ بِهِ ، ولا يُنقَصُ اُولئِكَ مِن أوزارِهِم شَيئاً. (5)
الكافي عن أبي بصير :سَمِعتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام يَقولُ : مَن عَلَّمَ خَيراً فَلَهُ مِثلُ أجرِ مَن عَمِلَ بِهِ . قُلتُ : فَإِن عَلَّمَهُ غَيرَهُ يَجري ذلِكَ لَهُ؟
.
ص: 336
قالَ : إن عَلَّمَهُ النّاسَ كُلَّهُم جَرى لَهُ . قُلتُ : فَإِن ماتَ؟ قالَ : وإن ماتَ. (1)
د _ اِستِغفارُ كُلِّ شَيءٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مُعَلِّمُ الخَيرِ يَستَغفِرُ لَهُ كُلُّ شَيءٍ حَتَّى الحيتانُ فِي البَحرِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ مُعَلِّمَ الخَيرِ يَستَغفِرُ لَهُ دَوابُّ الأَرضِ وحيتانُ البَحرِ وكُلُّ ذي روحٍ فِي الهَواءِ وجَميعُ أهلِ السَّماءِ وَالأَرضِ ، وإنَّ العالِمَ وَالمُتَعَلِّمَ فِي الأَجرِ سَواءٌ يَأتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَفَرَسَي رِهانٍ يَزدَحِمانِ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :مُعَلِّمُ الخَيرِ يَستَغفِرُ لَهُ دَوابُّ الأَرضِ وحيتانُ البُحورِ وكُلُّ صَغيرَةٍ وكَبيرَةٍ في أرضِ اللّهِ وسَمائِهِ. (4)
ه _ صَلَواتُ كُلِّ شَيءٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الخَلقُ كُلُّهُم يُصَلّونَ عَلى مُعَلِّمِ الخَيرِ ؛ حَتّى حيتانُ البَحرِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ ومَلائِكَتَهُ وأهلَ سَماواتِهِ وأرَضيهِ وَالنّونَ فِي البَحرِ يُصَلّونَ عَلَى الَّذينَ يُعَلِّمونَ النّاسَ الخَيرَ. (6)
.
ص: 337
2 / 4فَضلُ المُعَلِّمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ اغفِر لِلمُعَلِّمينَ _ ثَلاثاً _ ، وأطِل أعمارَهُم ، وبارِك لَهُم في كَسبِهِم. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :الدُّنيا مَلعونَةٌ ؛ مَلعونٌ ما فيها إلّا ذِكرَ اللّهِ وما والاهُ أو مُعَلِّما أو مُتَعَلِّما. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :ألا اُخبِرُكُم عَنِ الأَجوَدِ الأَجوَدِ ؟ اللّهُ الأَجوَدُ الأَجوَدُ ، وأنَا أجوَدُ وُلدِ آدَمَ ، وأجوَدُهُم مِن بَعدي رَجُلٌ عَلِمَ عِلماً فَنَشَرَ عِلمَهُ ، يُبعَثُ يَومَ القِيامَةِ اُمَّةً واحِدَةً ، ورَجُلٌ جادَ بِنَفسِهِ في سَبيلِ اللّهِ حَتّى يُقتَلَ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا قالَ المُعَلِّمُ لِلصَّبِيِّ : قُل «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» ، فَقالَ الصَّبِيُّ : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» ، كَتَبَ اللّهُ بَراءَةً لِلصَّبِيِّ وبَراءَةً لِأَبَوَيهِ وبَراءَةً لِلمُعَلِّمِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :تَعليمُ العِلمِ كَفّارَةُ الكَبائِرِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا تَعَلَّمتَ باباً مِنَ العِلمِ كانَ خَيراً لَكَ مِن أن تُصَلِّيَ ألفَ رَكعَةٍ تَطَوُّعاً مُتَقَبَّلَةً ، وإذا عَلَّمتَ النّاسَ ، عُمِلَ بِهِ أو لَم يُعمَل بِهِ ، فَهُوَ خَيرٌ لَكَ مِن ألفِ رَكعَةٍ تُصَلّيها تَطَوُّعاً مُتَقَبَّلَةً. (6)
.
ص: 338
عنه صلى الله عليه و آله :مَن جاءَ مَسجِدي هذا لَم يَأتِهِ إلّا لِخَيرٍ يَتَعَلَّمُهُ أو يُعَلِّمُهُ فَهُوَ بِمَنزِلَةِ المُجاهِدِ في سَبيلِ اللّهِ ، ومَن جاءَ لِغَيرِ ذلِكَ فَهُوَ بِمَنزِلَةِ الرَّجُلِ يَنظُرُ إلى مَتاعِ غَيرِهِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :الغُدُوُّ وَالرَّواحُ في تَعَلُّمِ العِلمِ أفضَلُ عِندَ اللّهِ مِنَ الجِهادِ في سَبيلِ اللّهِ عز و جل . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :أشَدُّ مِن يُتمِ اليَتيمِ الَّذِي انقَطَعَ عَن اُمِّهِ وأبيهِ ، يُتمُ يَتيمٍ اِنقَطَعَ عَن إمامِهِ ولا يَقدِرُ عَلَى الوُصولِ إلَيهِ ولا يَدري كَيفَ حُكمُهُ فيما يُبتَلى بِهِ مِن شَرائِعِ دينِهِ . ألا فَمَن كانَ مِن شيعَتِنا عالِماً بِعُلومِنا وهذَا الجاهِلُ بِشَريعَتِنَا المُنقَطِعُ عَن مُشاهَدَتِنا يَتيمٌ في حِجرِهِ ، ألا فَمَن هَداهُ وأرشَدَهُ وعَلَّمَهُ شَريعَتَنا كانَ مَعَنا فِي الرَّفيقِ الأَعلى. (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: إذا كانَ الآباءُ هُمُ السَّبَبَ فِي الحَياةِ ، فَمُعَلِّمُو الحِكمَةِ وَالدّينِ هُمُ السَّبَبُ في جَودَتِها. (4)
عنه عليه السلام :مَن كانَ مِن شيعَتِنا عالِماً بِشَريعَتِنا ، فَأَخرَجَ ضُعَفاءَ شيعَتِنا مِن ظُلمَةِ جَهلِهِم إلى نورِ العِلمِ الَّذي حَبَوناهُ بِهِ ، جاءَ يَومَ القِيامَةِ وعَلى رَأسِهِ تاجٌ مِن نورٍ يُضيءُ لِأَهلِ جَميعِ العَرَصاتِ ، وحُلَّةٌ لا يُقَوَّمُ لِأَقَلِّ سِلكٍ مِنهَا الدُّنيا بِحَذافيرِها ، ثُمَّ يُنادي مُنادٍ : يا عِبادَ اللّهِ ، هذا عالِمٌ مِن تَلامِذَةِ بَعضِ عُلَماءِ آلِ مُحَمَّدٍ ، ألا فَمَن أخرَجَهُ فِي الدُّنيا مِن حَيرَةِ جَهلِهِ فَليَتَشَبَّث بِنورِهِ لِيُخرِجَهُ مِن حَيرَةِ ظُلمَةِ هذِهِ العَرَصاتِ إلى نُزَهِ
.
ص: 339
الجِنانِ ، فَيَخرُجُ كُلُّ مَن كانَ عَلَّمَهُ فِي الدُّنيا خَيراً ، أو فَتَحَ عَن قَلبِهِ مِنَ الجَهلِ قُفلًا ، أو أوضَحَ لَهُ عَن شُبهَةٍ. (1)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ الَّذي يُعَلِّمُ العِلمَ مِنكُم لَهُ أجرٌ مِثلُ أجرِ المُتَعَلِّمِ ولَهُ الفَضلُ عَلَيهِ، فَتَعَلَّمُوا العِلمَ مِن حَمَلَةِ العِلمِ، وعَلِّموهُ إخوانَكُم كَما عَلَّمَكُموهُ العُلَماءُ. (2)
عيسى عليه السلام :مَن عَلِمَ وعَمِلَ وعَلَّمَ ، عُدَّ فِي المَلَكوتِ الأَعظَمِ عَظيما. (3)
سنن الدارمي عن الحسن :سُئِلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَن رَجُلَينِ كانا في بَني إسرائيلَ : أحَدُهُما كانَ عالِماً يُصَلِّي المَكتوبَةَ ثُمَّ يَجلِسُ فَيُعَلِّمُ النّاسَ الخَيرَ ، وَالآخَرُ يَصومُ النَّهارَ ويَقومُ اللَّيلَ ، أيُّهُما أفضَلُ ؟ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَضلُ هذَا العالِمِ الَّذي يُصَلِّي المَكتوبَةَ ثُمَّ يَجلِسُ فَيُعَلِّمُ النّاسَ عَلَى العابِدِ الَّذي يَصومُ النَّهارَ ويَقومُ اللَّيلَ كَفَضلي عَلى أدناكُم رَجُلًا. (4)
2 / 5النَّوادِررسول اللّه صلى الله عليه و آله :تَعَلَّمُوا العِلمَ وعَلِّموهُ النّاسَ. (5)
.
ص: 340
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل رَفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ فِي الأَمرِ كُلِّهِ ، ويُحِبُّ كُلَّ قَلبٍ خاشِعٍ حَزينٍ رَحيمٍ ، يُعَلِّمُ النّاسَ الخَيرَ ويَدعو إلى طاعَةِ اللّهِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: يا عَلِيُّ ، مِن صِفاتِ المُؤمِنِ أن يَكونَ . . . ضِحكُهُ تَبَسُّماً ، وَاجتِماعُهُ تَعَلُّماً ، مُذَكِّرُ الغافِلِ ، مُعَلِّمُ الجاهِلِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثٌ مِن حَقائِقِ الإِيمانِ : الإِنفاقُ مِنَ الإِقتارِ ، وإنصافُكَ النّاسَ مِن نَفسِكَ ، وبَذلُ العِلمِ لِلمُتَعَلِّمِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ في صِفَةِ المُؤمِنِ _: لا يَخرُقُ بِهِ فَرَحٌ ، ولا يَطيشُ بِهِ مَرَحٌ ، مُذَكِّرٌ لِلعالِمِ ، مُعَلِّمٌ لِلجاهِلِ. (4)
عنه عليه السلام :شُكرُ العالِمِ عَلى عِلمِهِ أن يَبذِلَهُ لِمَن يَستَحِقُّهُ. (5)
عنه عليه السلام :مِلاكُ العِلمِ نَشرُهُ. (6)
عنه عليه السلام :جَمالُ العِلمِ نَشرُهُ ، وثَمَرَتُهُ العَمَلُ بِهِ ، وصِيانَتُهُ وَضعُهُ في أهلِهِ. (7)
عنه عليه السلام :شُكرُ العالِمِ عَلى عِلمِهِ عَمَلُهُ بِهِ وبَذلُهُ لِمُستَحِقِّهِ. (8)
.
ص: 341
الإمام الكاظم عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: يا هِشامُ ، تَعَلَّم مِنَ العِلمِ ما جَهِلتَ ، وعَلِّمِ الجاهِلَ مِمّا عُلِّمتَ. (1)
لقمان عليه السلام :يا بُنَيَّ ، تَعَلَّم مِنَ العُلَماءِ ما جَهِلتَ ، وعَلِّمِ النّاسَ ما عَلِمتَ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :العِلمُ المَصونُ كَالسِّراجِ المُطبَقِ عَلَيهِ. (3)
.
ص: 342
. .
ص: 343
الفصل الثالث : آداب التّعليم3 / 1الإِخلاصرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العالِمُ إذا أرادَ بِعِلمِهِ وَجهَ اللّهِ عز و جل هابَهُ كُلُّ شَيءٍ ، وإذا أرادَ بِعِلمِهِ أن يَكنِزَ بِهِ الكُنوزَ هابَ مِن كُلِّ شَيءٍ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :أخلِص للّهِِ عَمَلَكَ وعِلمَكَ وحُبَّكَ وبُغضَكَ وأخذَكَ وتَركَكَ وكَلامَكَ وصَمتَكَ. (2)
عنه عليه السلام :طوبى لِمَن أخلَصَ للّهِِ عِلمَهُ وعَمَلَهُ ، وحُبَّهُ وبُغضَهُ ، وأخذَهُ وتَركَهُ ، وكَلامَهُ وصَمتَهُ. (3)
عنه عليه السلام :أفضَلُ العِلمِ ما اُخلِصَ فيهِ. (4)
راجع: ص 142 (الإخلاص) و 269 (التعلّم لغير اللّه ) و 434 (الرياء) و 245 (الإخلاص).
.
ص: 344
3 / 2المُواساةُ بَينَ المُتَعَلِّمينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أبعَدُ الخَلقِ مِنَ اللّهِ رَجُلانِ : رَجُلٌ يُجالِسُ الاُمَراءَ فَما قالوا مِن جَورٍ صَدَّقَهُم عَلَيهِ ، ومُعَلِّمُ الصِّبيانِ لا يُواسي بَينَهُم ولا يُراقِبُ اللّهَ فِي اليَتيمِ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ» _: لِيَكُنِ النّاسُ عِندَكَ فِي العِلمِ سَواءً. (2)
3 / 3تَوقيرُ المُتَعَلِّمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :وَقِّروا مَن تُعَلِّمونَهُ العِلمَ. (3)
3 / 4التَّواضُعُ لِلمُتَعَلِّمِتنبيه الخواطر :صَنَعَ عيسى عليه السلام لِلحَوارِيّينَ طَعاماً فَلَمّا أكَلوا وَضّاهُم (4) بِنَفسِهِ ، وقالوا : يا روحَ اللّهِ، نَحنُ أولى أن نَفعَلَهُ مِنكَ. قالَ: إنَّما فَعَلتُ هذا لِتَفعَلوهُ بِمَن تُعَلِّمونَ. (5)
.
ص: 345
الإمام عليّ عليه السلام :مَن تَواضَعَ لِلمُتَعَلِّمينَ وذَلَّ لِلعُلَماءِ سارَ بِعِلمِهِ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :اُطلُبُوا العِلمَ وتَزَيَّنوا مَعَهُ بِالحِلمِ وَالوَقارِ ، وتَواضَعوا لِمَن تُعَلِّمونَهُ العِلمَ. (2)
راجع: ص 266 (التواضع للمعلّم) و 409 (خفض الجناح) و 441 (التواضع له) .
3 / 5الرِّفقرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لينوا لِمَن تُعَلِّمونَ ولِمَن تَتَعَلَّمونَ مِنهُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِّموا ويَسِّروا ، عَلِّموا ويَسِّروا _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ وإذا غَضِبتَ فَاسكُت _ مَرَّتَينِ _ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ لَم يَبعَثني مُعَنِّتاً ولا مُتَعَنِّتاً ، ولكِن بَعَثَني مُعَلِّماً مُيَسِّراً. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِّموا ولا تُعَنِّفوا ، فَإِنَّ المُعَلِّمَ خَيرٌ مِنَ المُعَنِّفِ (6) . (7)
مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : عَلِّموا ويَسِّروا ولا تُعَسِّروا. (8)
.
ص: 346
صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السّلميّ :بَينا أنَا اُصَلّي مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ ، فَقُلتُ : يَرحَمُكَ اللّهُ ، فَرَمانِي القَومُ بِأَبصارِهِم . فَقُلتُ : وا ثُكلَ اُمِّياه ، ما شَأنُكُم تَنظُرونَ إلَيَّ ؟! فَجَعَلوا يَضرِبونَ بِأَيديهِم عَلى أفخاذِهِم ، فَلَمّا رَأَيتُهُم يُصَمِّتونَني ، لكِنّي سَكَتُّ . فَلَمّا صَلّى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَبِأَبي هُوَ واُمّي ، ما رَأَيتُ مُعَلِّماً قَبلَهُ ولا بَعدَهُ أحسَنَ تَعليما مِنهُ ؛ فَوَاللّهِ ما كَهَرَني ولا ضَرَبَني ولا شَتَمَني ، قالَ : إنَّ هذِهِ الصَّلاةَ لا يَصلُحُ فيها شَيءٌ مِن كَلامِ النّاسِ ، إنَّما هُوَ التَّسبيحُ وَالتَّكبيرُ وقِراءَةُ القُرآنِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :لا تُكثِرِ العِتابَ ؛ فَإِنَّهُ يورِثُ الضَّغينَةَ ويَجُرُّ إلَى البِغضَةِ ، وَاستَعتِب مَن رَجَوتَ إعتابَهُ. (2)
عنه عليه السلام :عَلَى العالِمِ إذا عَلَّمَ أن لا يُعَنِّفَ ، وإذا عُلِّمَ أن لا يَأنَفَ. (3)
3 / 6بَذلُ العِلمِ لِمُستَحِقِّهِ ومَنعُهُ مِن غَيرِ أهلِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :آفَةُ العِلمِ النِّسيانُ ، وإضاعَتُهُ أن تُحَدِّثَ بِهِ غَيرَ أهلِهِ. (4)
.
ص: 347
عنه صلى الله عليه و آله :واضِعُ العِلمِ عِندَ غَيرِ أهلِهِ كَمُقَلِّدِ الخَنازيرِ الجَوهَرَ وَاللُّؤلُؤَ وَالذَّهَبَ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تُعَلِّقُوا الدُّرَّ في أعناقِ الخَنازيرِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَطرَحُوا الدُّرَّ في أفواهِ الكِلابِ. (3)
عيسى عليه السلام :يا مَعشَرَ الحَوارِيّينَ ، لا تُلقُوا اللُّؤلُؤَ لِلخِنزيرِ ، فَإِنَّهُ لا يَصنَعُ بِهِ شَيئاً، ولا تُعطُوا الحِكمَةَ مَن لا يُريدُها، فَإِنَّ الحِكمَةَ أحسَنُ مِنَ اللُّؤلُؤِ، ومَن لايُريدُها أشَرُّ مِنَ الخِنزيرِ. (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ عيسَى بنَ مَريَمَ عليه السلام قامَ في بَني إسرائيلَ، فَقالَ: يا بَني إسرائيلَ، لا تُحَدِّثوا بِالحِكمَةِ الجُهّالَ فَتَظلِموها، ولا تَمنَعوها أهلَها فَتَظلِموهُم. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ المَسيحُ عليه السلام يَقولُ: إنَّ التّارِكَ شِفاءَ المَجروحِ مِن جُرحِهِ شَريكٌ لِجارِحِهِ لا مَحالَةَ، وذلِكَ أنَّ الجارِحَ أرادَ فَسادَ المَجروحِ وَالتّارِكَ لِاءِشفائِهِ لَم يَشَأ
.
ص: 348
صَلاحَهُ، فَإِذا لَم يَشَأ صَلاحَهُ فَقَد شاءَ فَسادَهُ اضطِراراً، فَكَذلِكَ لا تُحَدِّثوا بِالحِكمَةِ غَيرَ أهلِها فَتَجهَلوا، ولا تَمنَعوها أهلَها فَتَأثَموا، وليَكُن أحَدُكُم بِمَنزِلَةِ الطَّبيبِ المُداوي إن رَأى مَوضِعاً لِدَوائِهِ وإلّا أمسَكَ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :واضِعُ العِلمِ عِندَ غَيرِ أهلِهِ ظالِمٌ لَهُ. (2)
عنه عليه السلام :إنَّ الحُكَماءَ ضَيَّعُوا الحِكمَةَ لَمّا وَضَعوها عِندَ غَيرِ أهلِها. (3)
عنه عليه السلام :لا تُحَدِّثِ الجُهّالَ بِما لا يَعلَمونَ فَيُكَذِّبوكَ بِهِ ، فَإِنَّ لِعِلمِكَ عَلَيكَ حَقًّا وحَقُّهُ عَلَيكَ بَذلُهُ لِمُستَحِقِّهِ ومَنعُهُ مِن غَيرِ مُستَحِقِّهِ. (4)
عنه عليه السلام :لَيسَ كُلُّ العِلمِ يَستَطيعُ صاحِبُ العِلمِ أن يُفَسِّرَهُ لِكُلِّ النّاسِ ؛ لِأَنَّ مِنهُمُ القَوِيَّ وَالضَّعيفَ ، ولِأَنَّ مِنهُ ما يُطاقُ حَملُهُ ومِنهُ ما لا يُطاقُ حَملُهُ ، إلّا مَن يُسَهِّلُ اللّهُ لَهُ حَملَهُ وأعانَهُ عَلَيهِ مِن خاصَّةِ أولِيائِهِ. (5)
عنه عليه السلام :إنَّ هاهُنا لَعِلماً جَمًّا _ وأشارَ بِيَدِهِ إلى صَدرِهِ _ لَو أصَبتُ لَهُ حَمَلَةً ! بَلى أصَبتُ لَقِناً غَيرَ مَأمونٍ عَلَيهِ ، مُستَعمِلًا آلَةَ الدّينِ لِلدُّنيا ، ومُستَظهِراً بِنِعَمِ اللّهِ عَلى عِبادِهِ ، وبِحُجَجِهِ عَلى أولِيائِهِ ؛ أو مُنقاداً لِحَمَلَةِ الحَقِّ ، لا بَصيرَةَ لَهُ في أحنائِهِ ، يَنقَدِحُ الشَّكُ في قَلبِهِ لِأَوَّلِ عارِضٍ مِن شُبهَةٍ . ألا لا ذا ولا ذاكَ ! أو مَنهوماً بِاللَّذَّةِ ، سَلِسَ القِيادِ لِلشَّهوَةِ ، أو مُغرَماً بِالجَمعِ وَالاِدِّخارِ ، لَيسا مِن رُعاةِ الدّينِ في شَيءٍ ، أقرَبُ شَيءٍ شَبَهاً بِهِما الأَنعامُ السّائِمَةُ ! كَذلِكَ يَموتُ العِلمُ بِمَوتِ حامِليهِ. (6)
.
ص: 349
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: نَقلُ الصُّخورِ مِن مَواضِعِها أهوَنُ مِن تَفهيمِ مَن لا يَفهَمُ. (1)
عنه عليه السلام_ أيضاً _: اِحتَرِس مِن ذِكرِ العِلمِ عِندَ مَن لا يَرغَبُ فيهِ ، ومِن ذِكرِ قَديمِ الشَّرَفِ عِندَ مَن لا قَديمَ لَهُ ، فَإِنَّ ذلِكَ مِمّا يُحقِدُهُما عَلَيكَ. (2)
عنه عليه السلام_ أيضاً _: لا تُحَدِّث بِالعِلمِ السُّفَهاءَ فَيُكَذِّبوكَ ، ولَا الجُهّالَ فَيَستَثقِلوكَ، ولكِن حَدِّث بِهِ مَن يَتَلَقّاهُ مِن أهلِهِ بِقَبولٍ وفَهمٍ ، يَفهَمُ عَنكَ ما تَقولُ ، ويَكتُمُ عَلَيكَ ما يَسمَعُ ، فَإِنَّ لِعِلمِكَ عَلَيكَ حَقًّا ، كَما أنَّ عَلَيكَ في مالِكَ حَقًّا ، بَذلُهُ لِمُستَحِقِّهِ ، ومَنعُهُ عَن غَيرِ مُستَحِقِّهِ. (3)
عنه عليه السلام_ أيضاً _: لا تُعامِلِ العامَّةَ فيما اُنعِمَ بِهِ عَلَيكَ مِنَ العِلمِ كَما تُعامِلُ الخاصَّةَ ، وَاعلَم أنَّ للّهِِ سُبحانَهُ رِجالًا أودَعَهُم أسراراً خَفِيَّةً ومَنَعَهُم عَن إشاعَتِها ، وَاذكُر قَولَ العَبدِ الصّالِحِ لِموسى وقَد قالَ لَهُ : «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا» (4) . (5)
عنه عليه السلام :مِن صِفَةِ العالِمِ أن لا يَعِظَ إلّا مَن يَقبَلُ عِظَتَهُ ، ولا يَنصَحَ مُعجَباً بِرَأيِهِ ، ولا يُخبِرَ بِما يَخافُ إذاعَتَهُ. (6)
تحف العقول :وَصِيَّتُهُ [ الإمامِ الكاظِمِ] عليه السلام لِهِشام : ... يا هِشامُ ... إيّاكَ أن تَغلِبَ الحِكمَةَ وتَضَعَها في أهلِ الجَهالَةِ .
.
ص: 350
قالَ هِشامٌ : فَقُلتُ لَهُ: فَإِن وَجَدتُ رَجُلًا طالِباً لَهُ غَيرَ أنَّ عَقلَهُ لا يَتَّسِعُ لِضَبطِ ما اُلقِي إلَيهِ؟ قالَ عليه السلام : فَتَلَطَّف لَهُ فِي النَّصيحَةِ، فَإِن ضاقَ قَلبُهُ فَلا تَعرِضَنَّ نَفسَكَ لِلفِتنَةِ. وَاحذَر رَدَّ المُتَكَبِّرينَ، فَإِنَّ العِلمَ يُذَلُّ عَلى أن يُملى عَلى مَن لا يُفيقُ. قُلتُ : فَإِن لَم أجِد مَن يَعقِلُ السُّؤالَ عَنها؟ قالَ عليه السلام : فَاغتَنِم جَهلَهُ عَنِ السُّؤالِ حَتّى تَسلَمَ مِن فِتنَةِ القَولِ وعَظيمِ فِتنَةِ الرَّدِّ. (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام : يا رُبَّ جَوهَرِ عِلمٍ لَو أبوحُ بِهِ لَقيلَ لي أنتَ مِمَّن يَعبُدُ الوَثَنا ولَاستَحَلَّ رِجالٌ مُسلِمونَ دَمي يَرَونَ أقبَحَ ما يَأتونَهُ حَسَنا إنّي لَأَكتُمُ مِن عِلمي جَواهِرَهُ كَي لا يَرَى الحَقَّ ذو جَهلٍ فَيَفتَتِنا وقَد تَقَدَّمَ في هذا أبو حَسَنٍ إلَى الحُسَينِ ووَصّى قَبلَهُ حَسَنا (2)
3 / 7عَدَمُ أخذِ الاُجرَةِ لِتَعليمِ مَعالِمِ الدّينِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَكتوبٌ فِي الكِتابِ الأَوَّلِ : يَا ابنَ آدَمَ ، عَلِّم مَجّاناً كَما عُلِّمتَ مَجّاناً. (3)
.
ص: 351
الإمام عليّ عليه السلام :لا يَكونُ العالِمُ عالِماً حَتّى ... لا يَأخُذَ عَلى عِلمِهِ شَيئاً مِن حُطامِ الدُّنيا. (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :مَن كَتَمَ عِلماً أحَداً ، أو أخَذَ عَلَيهِ أجراً رَفداً ، فَلا يَنفَعُهُ أبَداً. (2)
عيسى عليه السلام_ لِلحَوارِيّينَ _: لا تَأخُذوا مِمَّن تُعَلِّمونَ مِنَ الأَجرِ إلّا مِثلَ الَّذي أعطَيتُموني. (3)
راجع : ص 429 (اتّخاذ علم الدين مهنة) و 450 ح 3152 و 452 ح 3157، التبليغ في الكتاب والسنّة : (الفصل السابع / بحث حول أجر التبليغ).
.
ص: 352
. .
ص: 353
الفصل الرابع : آداب الجواب4 / 1ما يوجِبُ الصَّوابَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن تَأنّى أصابَ أو كادَ ، ومَن عَجَّلَ أخطأَ أو كادَ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن أعمَلَ فِكرَهُ أصابَ جَوابَهُ. (2)
عنه عليه السلام :دَعِ الحِدَّةَ وتَفَكَّر فِي الحُجَّةِ وتَحَفَّظ مِنَ الخَطَلِ ، تَأمَنِ الزَّلَلَ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :ثَلاثَةٌ يُستَدَلُّ بِها عَلى إصابَةِ الرَّأيِ: حُسنُ اللِّقاءِ ، وحُسنُ الاِستِماعِ ، وحُسنُ الجَوابِ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :الرَّأيُ مَعَ الأَناةِ ، وبِئسَ الظَّهيرُ الرَّأيُ الفَطيرُ. (5)
.
ص: 354
الأمالي عن أبي الأسود :إنَّ رَجُلًا سَأَلَ أميرَالمُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام عَن سُؤالٍ ، فَبادَرَ فَدَخَلَ مَنزِلَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَقالَ : أينَ السّائِلُ؟ فَقالَ الرَّجُلُ : ها أنَا ذا يا أميرَ المُؤمِنينَ. قالَ: ما مَسأَلَتُكَ؟ قالَ: كَيتَ وكَيتَ ، فَأَجابَهُ عَن سُؤالِهِ . فَقيلَ: يا أميرَ المُؤمِنينَ ، كُنّا عَهِدناكَ إذا سُئِلتَ عَنِ المَسأَلَةِ كُنتَ فيها كَالسِّكَّةِ المُحماةِ جَواباً ، فَما بالُكَ أبطَأتَ اليَومَ عَن جَوابِ هذَا الرَّجُلِ حَتّى دَخَلتَ الحُجرَةَ ثُمَّ خَرَجتَ فَأَجَبتَهُ؟ فَقالَ: كُنتُ حاقِناً ، ولا رَأيَ لِثَلاثَةٍ: لِحاقِنٍ ، ولا حازِقٍ 1 . (1)
4 / 2ما يوجِبُ الخَطَأَالإمام عليّ عليه السلام :مَن أسرَعَ فِي الجَوابِ لَم يُدرِكِ الجَوابَ. (2)
عنه عليه السلام :إذَا ازدَحَمَ الجَوابُ خَفِيَ الصَّوابُ. (3)
.
ص: 355
عنه عليه السلام :قَلَّما يُصيبُ رَأيُ العَجولِ. (1)
عنه عليه السلام :المُستَبِدُّ مُتَهَوِّرٌ فِي الخَطَاَ وَالغَلَطِ. (2)
الإمام الحسن عليه السلام :لا يَعزِبُ الرَّأيُ إلّا عِندَ الغَضَبِ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :مِن أخلاقِ الجاهِلِ الإِجابَةُ قَبلَ أن يَسمَعَ. (4)
عنه عليه السلام :إنَّ مَن أجابَ في كُلِّ ما يُسأَلُ عَنهُ لَمَجنونٌ. (5)
4 / 3قَولُ «لا أعلَمُ»رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ من وَصِيَّتِهِ لِأَبي ذَرٍّ _: يا أباذَرٍّ ، إذا سُئِلتَ عَن عِلمٍ لا تَعلَمُهُ فَقُل: «لا أعلَمُهُ» تَنجُ مِن تَبِعَتِهِ ، ولا تُفتِ النّاسَ بِما لا عِلمَ لَكَ بِهِ تَنجُ مِن عَذابِ يَومِ القِيامَةِ. (6)
الإمام عليّ عليه السلام :قَولُ : «لا أعلَمُ» نِصفُ العِلمِ. (7)
عنه عليه السلام :ألا لا يَستَقبِحَنَّ مَن سُئِلَ عَمّا لا يَعلَمُ أن يَقولَ : «لا أعلَمُ». (8)
.
ص: 356
عنه عليه السلام :إذا كُنتَ جاهِلًا فَتَعَلَّم ، وإذا سُئِلتَ عَمّا لا تَعلَمُ فَقُل : «اللّهُ ورَسولُهُ أعلَمُ». (1)
سنن الدارمي عن رَزين أبي النّعمان عن الإمام عليّ عليه السلام :إذا سُئِلتُم عَمّا لا تَعلَمونَ فَاهرُبوا . قالوا : وكَيفَ الهَرَبُ يا أميرَ المُؤمِنينَ؟ قالَ : تَقولونَ : «اللّهُ أعلَمُ». (2)
الإمام عليّ عليه السلام :لا يَستَحيِ أحَدُكُم إذا سُئِلَ عَمّا لا يَعلَمُ أن يَقولَ: «لا أعلَمُ». (3)
عنه عليه السلام :لا يَستَحيِ العالِمُ ... إذا سُئِلَ عَمّا لا يَعلَمُ أن يَقولَ: «اللّهُ أعلَمُ». (4)
عنه عليه السلام :لا يَستَحيِ العالِمُ إذا سُئِلَ عَمّا لا يَعلَمُ أن يَقولَ: «لا عِلمَ لي بِهِ». (5)
عنه عليه السلام :أربَعٌ لَو شُدَّتِ المَطايا إلَيهِنَّ حَتّى يُنضَينَ لَكانَ قَليلًا : لا يَرجُ العَبدُ إلّا رَبَّهُ ، ولا يَخَف إلّا ذَنبَهُ ، ولا يَستَحيِ الجاهِلُ أن يَتَعَلَّمَ ، ولا يَستَحيِ العالِمُ إذا سُئِلَ عَمّا لا يَعلَمُ أن يَقولَ: «لا أعلَمُ». (6)
عنه عليه السلام :مَن تَرَكَ قَولَ : «لا أدري» اُصيبَت مَقاتِلُهُ (7) . (8)
.
ص: 357
الإمام الباقر عليه السلام :ما عَلِمتُم فَقولوا ، وما لَم تَعلَموا فَقولوا : «اللّهُ أعلَمُ». (1)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن سُئِلَ عَن عِلمٍ فَقالَ: «لا أدري» فَقَد ناصَفَ العِلمَ. (2)
عنه عليه السلام :إذا سُئِلَ الرَّجُلُ مِنكُم عَمّا لا يَعلَمُ فَليَقُل: «لا أدري» ، ولا يَقُل : «اللّهُ أعلَمُ» ، فَيوقِعَ في قَلبِ صاحِبِهِ شَكًّا . وإذا قالَ المَسؤولُ : «لا أدري» فَلا يَتَّهِمُهُ السّائِلُ. (3)
عنه عليه السلام :إذا سُئِلتَ عَمّا لا تَعلَمُ ، فَقُل : «لا أدري» ؛ فَإِنَّ «لا أدري» خَيرٌ مِنَ الفُتيا. (4)
عنه عليه السلام :لِلعالِمِ إذا سُئِلَ عَن شَيءٍ وهُوَ لا يَعلَمُهُ أن يَقولَ : «اللّهُ أعلَمُ» ، ولَيسَ لِغَيرِ العالِمِ أن يَقولَ ذلِكَ. (5)
سنن الدارمي عن عزرة التميميّ :قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : وا بَردَها عَلَى الكَبِدِ _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ . قالوا : وما ذلِكَ يا أميرَالمُؤمِنينَ؟ قالَ : أن يُسأَلَ الرَّجُلُ عَمّا لا يَعلَمُ ، فَيَقولَ : «اللّهُ أعلَمُ». (6)
راجع : ص 419 (الاعتراف بالجهل) و 427 (دعوى العلم) و 63 ح 1545 .
.
ص: 358
. .
ص: 359
فضل الاعتراف بالجهلروى ابن قتيبة عن أفلاطون أنّه قال: لو لا أنّ في قول «لا أعلم» سببا لأنّي أعلم لقلت : «إنّي لا أعلم». (1) وقال الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي في كتابه منية المريد في بيان آداب المعلِّم في درسه: الثالث والعشرون _ وهو من أهمِّ الآداب _ : إذا سُئِلَ عن شيءٍ لا يعرفه ، أو عرض في الدرس ما لايعرفه ، فليقل: لا أعرفه ، أو لا أتحقّقه ، أو لا أدري ، أو حتّى اُراجع النظر في ذلك . ولا يستنكف عن ذلك ؛ فمِن عِلْم العالم أن يقول فيما لا يعلم: لا أعلمُ ، واللّه أعلم . قال عليّ عليه السلام : إذا سُئِلتُم عَمّا لا تَعلَمونَ فَاهرُبوا ، قالوا: وكَيفَ الهَرَبُ قالَ: تَقولونَ: اللّهُ أعلَمُ (2) . وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: ما عَلِمتُم فَقولوا ، وما لَم تَعلَموا فَقولوا: اللّهُ أعلَمُ ؛
.
ص: 360
إنَّ الرَّجُلَ لَيُسرِعُ بِالآيَةِ (1) مِنَ القُرآنِ يَخِرُّ فيها أبعَدَ ما بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ (2) . وعن زرارة بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام : ما حقُّ اللّه على العباد قال: أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لايعلمون (3) . وعن الصادق عليه السلام : إنَّ اللّه خص عباده بآيتين من كتابه: أن لا يقولوا حتّى يعلموا ، ولا يردّوا ما لم يعلموا ، قال اللّه عز و جل: «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَ_قُ الْكِتَ_بِ أَن لَايَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلَا الْحَقَّ» (4) وقال: «بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ» (5) . (6) وعن ابن عبّاس: إذا ترك العالمُ «لا أدري» اُصيبت مقاتله (7) . وعن ابن مسعود: إذا سُئل أحدكم عما لا يدري ، فليقل: لا أدري ؛ فإنّه ثلث العلم . وقال آخر: «لا أدري» ثلث العلم. وقال بعضُ الفضلاء: ينبغي للعالم أن يورّث أصحابه «لا أدري» . ومعناه أن يكثر منها لتسهل عليهم ويعتادوها ، فيستعملوها في وقت الحاجة. وقال آخر: تعلّم «لا أدري» فإنّك إن قلت: لا أدري ، علّموك حتّى تدري ، وإن قلت: أدري ، سألوك حتّى لا تدري.
.
ص: 361
واعلم أنّ قول العالم: «لا أدري» لا يضع منزلته ، بل يزيدها رفعة ويزيده في قلوب الناس عظمة ، تفضّلًا من اللّه تعالى عليه ، وتعويضا له بالتزامه الحقّ ، وهو دليل واضح على عظمة محلّه وتقواه وكمال معرفته . ولا يقدح في المعرفة الجهل بمسائل معدودة. وإنّما يستدلّ بقوله: «لا أدري» على تقواه ، وأنّه لا يجازف في فتواه ، وأنّ المسألة من مشكلات المسائل . وإنّما يمتنع مِن «لا أدري» من قلّ علمه وعدمت تقواه وديانته ؛ لأنّه يخاف لقصوره أن يسقط من أعين الناس ، وهذه جهالة اُخرى منه؛ فإنّه بإقدامه على الجواب فيما لا يعلم يبوء بالإثم العظيم ، ولا يصرفه عمّا عرف به من القصور ، بل يستدلّ به على قصوره ، ويظهر اللّه تعالى عليه ذلك بسبب جرأته على التقوّل في الدين ، تصديقا لما ورد في الحديث القدسيّ: مَن أفسَدَ جَوّانيّه أفسَدَ اللّهُ بَرّانيّه . (1) ومن المعلوم أ نّه إذا رؤي المحققون يقولون في كثير من الأوقات: «لا أدري» ، وهذا المسكين لا يقولها أبدا ، يعلم أنّهم يتورّعون لدينهم وتقواهم، وأنّه يجازف لجهله وقلة دينه ، فيقع فيما فرّ منه ، واتّصف بما احترز عنه لفساد نيّته وسوء طويّته . وقد قال النبيُّ صلى الله عليه و آله : المُتَشبّعُ بِما لَم يُعطَ كَلابسِ ثَوبَي زُورٍ . (2) وقد أدّب اللّه تعالى العلماء بقصّة موسى والخضر عليهماالسلامحين لم يردّ موسى عليه السلام العلم
.
ص: 362
إلى اللّه تعالى لمّا سئل : هل أحدٌ أعلم منك (1) بما حكاه اللّه عنهما من الآيات (2) المؤذنة بغاية الذلّ من موسى عليه السلام وغاية العظمة من الخضر عليه السلام (3) . و قال الشهيد الثاني في موضع آخر : وعن مالك بن أنس أنّه سئل عن ثمان وأربعين مسألة ، فقال في اثنتين وثلاثين منها : لا أدري . وفي رواية اُخرى: أنّه سئل عن خمسين مسألة ، فلم يجب في واحدة منها . وكان يقول: من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنّة والنار وكيف خلاصه ، ثمّ يجيب. وسئل يوما عن مسألة فقال: لا أدري . فقيل: هي مسألة خفيفة سهلة! فغضب وقال : ليس من العلم شيء خفيف ، أما سمعت قول اللّه تعالى: «إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلاً» (4) . فالعلم كلُّه ثقيل. وعن القاسم بن محمّد بن أبي بكر (5) أحد فقهاء المدينة _ المتّفق على علمه وفقهه بين المسلمين _ أنّه سئل عن شيء فقال: لا اُحسنه ، فقال السائل: إنّي جئتُ إليك لا أعرف غيرك ! فقال القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي، واللّه ما اُحسنه . فقال شيخ من قريش جالسٌ إلى جنبه: يابن أخي الزمها ، فواللّه ما رأيتك
.
ص: 363
في مجلس أنبل منك مثل اليوم . فقال القاسم: واللّه لأن يقطع لساني أحبُّ إليَّ أن أتكلم بما لا علم لي به. وعن الحسن بن محمّد بن شرفشاه الأسترآبادي (1) أنّه دخلت عليه يوما امرأةٌ فسألته عن أشياء مشكلة في الحيض ، فعجز عن الجواب ، فقالت له المرأة: أنت عذبتك واصلة إلى وسطك وتعجز عن جواب امرأة . فقال: يا خالة ، لو علمتُ كلَّ مسألةٍ يُسأل عنها لوَصَلت عَذَبتي إلى قَرنِ الثور (2) .
.
ص: 364
4 / 4السُّكوتالإمام عليّ عليه السلام :رُبَّ كَلامٍ جَوابُهُ السُّكوتُ. (1)
عنه عليه السلام :إنَّ مِنَ السُّكوتِ ما هُوَ أبلَغُ مِنَ الجَوابِ. (2)
عنه عليه السلام :بَخٍّ بَخٍّ لِعالِمٍ عَمِلَ فَجَدَّ ، وخافَ البَياتَ فَأَعَدَّ وَاستَعَدَّ ، إن سُئِلَ نَصَحَ وإن تُرِكَ صَمَتَ ، كَلامُهُ صَوابٌ وسُكوتُهُ مِن غَيرِ عِيٍّ جَوابٌ. (3)
عنه عليه السلام :تَركُ جَوابِ السَّفيهِ أبلَغُ جَوابِهِ. (4)
عنه عليه السلام :إذا حَلُمتَ عَنِ الجاهِلِ فَقَد أوسَعتَهُ جَواباً. (5)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: قابِلِ السَّفيهَ بِالإِعراضِ عَنهُ وتَركِ الجَوابِ يَكُنِ النّاسُ أنصارَكَ ، لِأَنَّهُ مَن جاوَبَ السَّفيهَ فَكَأَنَّهُ قَد وَضَعَ الحَطَبَ عَلَى النّارِ. (6)
عيون أخبار الرضا عن موسى بن محمّد المحاربي عن رجل ذكر اسمه عن الإمام الرّضا عليه السلام :إنَّ المَأمونَ قالَ لَهُ : أنشِدني أحسَنَ ما رُوّيتَهُ فِي السُّكوتِ عَنِ الجاهِلِ وتَركِ عِتابِ الصَّديقِ .
.
ص: 365
فَقالَ عليه السلام : إنّي لَيَهجُرُنِي الصَّديقُ تَجَنُّبًا فَاُريهِ أنَّ لِهَجرِهِ أسبابا وأراهُ إن عاتَبتُهُ أغرَيتُهُ فَأَرى لَهُ تَركَ العِتابِ عِتابا وإذا بُليتُ بِجاهِلٍ مُتَحَكِّمٍ يَجِدُ المُحالَ مِنَ الاُمورِ صَوابا أولَيتُهُ مِنِّي السُّكوتَ ، ورُبَّما كانَ السُّكوتُ عَنِ الجَوابِ جَوابا فَقالَ المَأمونُ: ما أحسَنَ هذا ! هذا مَن قالَهُ؟ فَقالَ : لِبَعضِ فِتيانِنا. (1)
4 / 5النَّوادِررسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِيُّ مِنَ الشَّيطانِ ، ولَيسَ العِيُّ عِيَّ اللِّسانِ ولكِن قِلَّةُ المَعرِفَةِ بِالحَقِّ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :لِكُلِّ قَولٍ جَوابٌ. (3)
عنه عليه السلام :مِن بُرهانِ الفَضلِ صائِبُ الجَوابِ. (4)
عنه عليه السلام :رُبَّما اُرتِجَ عَلَى الفَصيحِ الجَوابُ. (5)
عنه عليه السلام :رُبَّما خَرِسَ البَليغُ عَن حُجَّتِهِ. (6)
معاني الأخبار عن شريح بن هانئ :سَألَ أميرُ المُؤمِنينَ ابنَهُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ عليهماالسلام
.
ص: 366
فَقالَ : يا بُنَيَّ ، مَا العَقلُ؟ قالَ: حِفظُ قَلبِكَ مَا استَودَعتَهُ ... قالَ: فَمَا الجَهلُ؟ قالَ : سُرعَةُ الوُثوبِ عَلَى الفُرصَةِ قَبلَ الاِستِمكانِ مِنها ، وَالاِمتِناعُ عَنِ الجَوابِ ، ونِعمَ العَونُ الصَّمتُ في مَواطِنَ كَثيرَةٍ وإن كُنتَ فَصيحاً (1) . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ في جَوابِ مَن قالَ لَهُ: ألَيسَ هُوَ قادِرٌ أن يَظهَرَ لَهُم حَتّى يَرَوهُ فَيَعرِفوهُ فَيُعبَدَ عَلى يَقينٍ ؟ _: لَيسَ لِلمُحالِ جَوابٌ. (3)
.
ص: 367
القسم العاشر : العالمالفصل الأوّل : فضل العالمالفصل الثاني : آداب العالمالفصل الثالث : حقوق العالم والمعلّم والمتعلّمالفصل الرابع : أصناف العلماءالفصل الخامس : الأمثال العليا في العلم والحكمةالفصل السادس : علماء السّوء
.
ص: 368
. .
ص: 369
الفصل الأوّل : فضل العالم1 / 1خَصائِصُ العُلَماءِأ _ اُمَناءُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العُلَماءُ اُمَناءُ اللّهِ عَلى خَلقِهِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :العُلَماءُ اُمَناءُ اُمَّتي. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :العالِمُ أمينُ اللّهِ فِي الأَرضِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ وَديعَةُ اللّهِ في أرضِهِ ، وَالعُلَماءُ اُمَناؤُهُ عَلَيهِ ، فَمَن عَمِلَ بِعِلمِهِ أدّى أمانَتَهُ ، ومَن لَم يَعمَل كُتِبَ في ديوانِ اللّهِ تَعالى أنَّهُ مِنَ الخائِنينَ. (4)
.
ص: 370
عنه صلى الله عليه و آله :العالِمُ وَكيلُ اللّهِ تَعالى ، يُعطيهِ بِكُلِّ حَديثٍ نوراً يَومَ القِيامَةِ ، وكَتَبَ اللّهُ لَهُ بِكُلِّ حَديثٍ عِبادَةَ ألفِ سَنَةٍ. (1)
الإمام الحسين عليه السلام_ لِطائِفَةٍ مِن عُلَماءِ عَصرِهِ _: أنتُم أعظَمُ النّاسِ مُصيبَةً لِما غُلِبتُم عَلَيهِ مِن مَنازِلِ العُلَماءِ لَو كُنتُم تَشعُرونَ ؛ ذلِكَ بِأَنَّ مَجارِيَ الاُمورِ وَالأَحكامِ عَلى أيدِي العُلَماءِ بِاللّهِ ، الاُمَناءِ عَلى حَلالِهِ وحَرامِهِ. (2)
ب _ أحِبّاءُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أوحَى اللّهُ عز و جل إلى إبراهيمَ عليه السلام : يا إبراهيمُ ، وإنّي عَليمٌ اُحِبُّ كُلَّ عَليمٍ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: أشرَفُ الأَشياءِ العِلمُ ، وَاللّهُ تَعالى عالِمٌ يُحِبُّ كُلَّ عالِمٍ. (4)
راجع : ص 238 (محبّة اللّه ) .
ج _ وَرَثَةُ الأَنبِياءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ العُلَماءَ وَرَثَةُ الأَنبِياءِ ، وإنَّ الأَنبِياءَ لَم يُوَرِّثوا ديناراً ولا دِرهَماً ، ولكِن وَرَّثُوا العِلمَ ، فَمَن أخَذَ مِنهُ أخَذَ بِحَظٍّ وافِرٍ. (5)
.
ص: 371
عنه صلى الله عليه و آله :العُلَماءُ وَرَثَةُ الأَنبِياءِ ، يُحِبُّهُم أهلُ السَّماءِ ، ويَستَغفِرُ لَهُمُ الحيتانُ فِي البَحرِ إذا ماتوا. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :أكرِمُوا العُلَماءَ فَإِنَّهُم وَرَثَةُ الأَنبِياءِ ، فَمَن أكرَمَهُم فَقَد أكرَمَ اللّهَ ورَسولَهُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :العُلَماءُ مَفاتيحُ الجَنَّةِ وخُلَفاءُ الأَنبِياءِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :حَمَلَةُ العِلمِ فِي الدُّنيا خُلَفاءُ الأَنبِياءِ ، وفِي الآخِرَةِ مِنَ الشُّهَداءِ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ لِوَلَدِهِ مُحَمَّدٍ _: تَفَقَّه فِي الدّينِ ، فَإِنَّ الفُقَهاءَ وَرَثَةُ الأَنبِياءِ. (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :سادَةُ النّاسِ فِي الدُّنيَا الأَسخِياءُ ، وفِي الآخِرَةِ أهلُ الدّينِ وأهلُ الفَضلِ وَالعِلمِ ؛ لِأَنَّ العُلَماءَ وَرَثَةُ الأَنبِياءِ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ العُلَماءَ وَرَثَةُ الأَنبِياءِ ، وذاكَ أنَّ الأَنبِياءَ لَم يُوَرِّثوا دِرهَماً ولا ديناراً ، وإنَّما أورَثوا أحاديثَ مِن أحاديثِهِم ، فَمَن أخَذَ بِشَيءٍ مِنها فَقَد أخَذَ حَظًّا وافِراً ... . (7)
راجع : ص 40 (ميراث الأنبياء) .
د _ أقرَبُ النّاسِ إلَى الأَنبِياءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عُلَماءُ اُمَّتي كَأَنبِياءِ بَني إسرائيلَ. (8)
.
ص: 372
عنه صلى الله عليه و آله :لِلأَنبِياءِ عَلَى العُلَماءِ فَضلُ دَرَجَتَينِ ، ولِلعُلَماءِ عَلَى الشُّهَداءِ فَضلُ دَرَجَةٍ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن جاءَهُ المَوتُ وهُوَ يَطلُبُ العِلمَ لِيُحيِيَ بِهِ الإِسلامَ فَبَينَهُ وبَينَ النَّبِيّينَ دَرَجَةٌ واحِدَةٌ فِي الجَنَّةِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أكرَمَ العِبادِ عِندَ اللّهِ تَعالى بَعدَ الأَنبِياءِ العُلَماءُ ثُمَّ حَمَلَةُ القُرآنِ ، يَخرُجونَ مِنَ الدُّنيا كَما يَخرُجُ الأَنبِياءُ ، ويُحشَرونَ مِنَ القُبورِ مَعَ الأَنبِياءِ ، ويَمُرّونَ عَلَى الصِّراطِ مَعَ الأَنبِياءِ ، ويُثابونَ ثَوابَ الأَنبِياءِ ، فَطوبى لِطالِبِ العِلمِ وحامِلِ القُرآنِ مِمّا لَهُم عِندَ اللّهِ مِنَ الكَرامَةِ وَالشَّرَفِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :أقرَبُ النّاسِ مِن دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ أهلُ العِلمِ وأهلُ الجِهادِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :يَشفَعُ يَومَ القِيامَةِ ثَلاثَةٌ : الأَنبِياءُ ثُمَّ العُلَماءُ ثُمَّ الشُّهَداءُ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :تَعَلَّمُوا العِلمَ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ يَبعَثُ يَومَ القِيامَةِ الأَنبِياءَ ثُمَّ العُلَماءَ ثُمَّ الشُّهَداءَ ثُمَّ سائِرَ الخَلقِ عَلى دَرَجاتِهِم. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :لَيسَ مِن عالِمٍ إلّا وقَد أخَذَ اللّهُ ميثاقَهُ يَومَ أخَذَ ميثاقَ النَّبِيّينَ ، يَرفَعُ عَنهُ مَساوِئَ عَمَلِهِ بِمَجالِسِ عِلمِهِ إلّا أنَّهُ لا يوحى إلَيهِ. (7)
.
ص: 373
منية المريد :قالَ مُقاتِلُ بنُ سُلَيمانَ : وجدتُ فِي الإنجيلِ : إنَّ اللّهَ تَعالى قالَ لِعيسى عليه السلام : عَظِّمِ العُلَماءَ وَاعرِف فَضلَهُم ، فَإِنّي فَضَّلتُهُم عَلى جَميعِ خَلقي إلَا النَّبِيّينَ وَالمُرسَلينَ ، كَفَضلِ الشَّمسِ عَلَى الكَواكِبِ ، وكَفَضلِ الآخِرَةِ عَلَى الدُّنيا ، وكَفَضلي عَلى كُلِّ شَيءٍ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ أولَى النّاسِ بِالأَنبِياءِ عليهم السلام أعلَمُهُم بِما جاؤوا بِهِ. (2)
ه _ أطهَرُ النّاسِ أخلاقًاالإمام عليّ عليه السلام :العُلَماءُ أطهَرُ النّاسِ أخلاقاً ، وأقَلُّهُم فِي المَطامِعِ أعراقاً. (3)
راجع : ص 229 ح 2146 .
و _ مِدادُهُم أفضَلُ مِن دِماءِ الشُّهَداءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :وُزِنَ حِبرُ العُلَماءِ بِدَمِ الشُّهَداءِ فَرَجَحَ عَلَيهِم. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :يُحاسَبُ النّاسُ بِأَعمالِهِم ، وَالعُلَماءُ عَلى حَسَبِ عَمَلِهِم ، فَيوزَنُ عَمَلُ أحَدِهِم مَعَ عَمَلِهِ ، وإنَّ مِدادَ العُلَماءِ فِي الميزانِ أثقَلُ مِن دَمِ الشُّهَداءِ وأكثَرُ ثَواباً يَومَ القِيامَةِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ وُزِنَ مِدادُ العُلَماءِ بِدِماءِ الشُّهَداءِ ، فَيَرجَحُ مِدادُ العُلَماءِ
.
ص: 374
عَلى دِماءِ الشُّهَداءِ. (1)
راجع : ص 393 ح 2825 .
ز _ حُكّامٌ عَلَى المُلوكِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العالِمُ سُلطانُ اللّهِ فِي الأَرضِ ، فَمَن وَقَعَ فيهِ فَقَد هَلَكَ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :العُلَماءُ حُكّامٌ عَلَى النّاسِ. (3)
عنه عليه السلام :المُلوكُ حُكّامٌ عَلَى النّاسِ وَالعِلمُ حاكِمٌ عَلَيهِم ، وحَسبُكَ مِنَ العِلمِ أن تَخشَى اللّهَ ، وحَسبُكَ مِنَ الجَهلِ أن تُعجَبَ بِعِلمِكَ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :المُلوكُ حُكّامُ النّاسِ ، وَالعُلَماءُ حُكّامٌ عَلَى المُلوكِ. (5)
ح _ النَّظَرُ إلَيهِم عِبادَةٌرسول اللّه صلى الله عليه و آله :النَّظَرُ إلى وَجهِ العالِمِ عِبادَةٌ. (6)
.
ص: 375
عنه صلى الله عليه و آله :النَّظَرُ في وَجهِ العالِمِ حُبًّا لَهُ عِبادَةٌ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :النَّظَرُ إلَى العالِمِ عِبادَةٌ ، وَالنَّظَرُ إلَى الإِمامِ المُقسِطِ عِبادَةٌ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :جُلوسُ ساعَةٍ عِندَ العُلَماءِ أحَبُّ إلَى اللّهِ مِن عِبادَةِ ألفِ سَنَةٍ ، وَالنَّظَرُ إلَى العالِمِ أحَبُّ إلَى اللّهِ مِنِ اعتِكافِ سَنَةٍ في البَيتِ (3) الحَرامِ، وزِيارَةُ العُلَماءِ أحَبُّ إلَى اللّهِ تَعالى مِن سَبعينَ طَوافاً حَولَ البَيتِ ، وأفضَلُ مِن سَبعينَ حَجَّةً وعُمرَةً مَبرورَةً مَقبولَةً ، ورَفَعَ اللّهُ تَعالى لَهُ سَبعينَ دَرَجَةً ، وأنزَلَ اللّهُ عَلَيهِ الرَّحمَةَ ، وشَهِدَت لَهُ المَلائِكَةُ أنَّ الجَنَّةَ وَجَبَت لَهُ. (4)
تنبيه الخواطر :سُئِلَ الإِمامُ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصّادِقُ عليه السلام عَن قَولِهِ صلى الله عليه و آله : «النَّظَرُ في وُجوهِ العُلَماءِ عِبادَةٌ» . فَقالَ : هُوَ العالِمُ الَّذي إذا نَظَرتَ إلَيهِ ذَكَّرَكَ الآخِرَةَ ، ومَن كانَ خِلافَ ذلِكَ فَالنَّظَرُ إلَيهِ فِتنَةٌ. (5)
ط _ أحياءٌ بَينَ الأَمواتِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العالِمُ بَينَ الجُهّالِ كَالحَيِّ بَينَ الأَمواتِ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :سَتَكونُ فِتَنٌ ، يُصبِحُ الرَّجُلُ فيها مُؤمِناً ويُمسي كافِراً ، إلّا مَن أحياهُ اللّهُ بِالعِلمِ. (7)
.
ص: 376
الإمام عليّ عليه السلام :العالِمُ حَيٌّ بَينَ المَوتى. (1)
عنه عليه السلام :العُلَماءُ باقونَ ما بَقِيَ اللَّيلُ وَالنَّهارُ. (2)
عنه عليه السلام :ما ماتَ مَن أحيا عِلماً. (3)
عنه عليه السلام :مَن نَشَرَ حِكمَةً ذُكِرَ بِها. (4)
عنه عليه السلام :العالِمُ حَيٌّ وإن كانَ مَيِّتاً ، الجاهِلُ مَيِّتٌ وإن كانَ حَيًّا. (5)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: نَقُم بِعِلمٍ ولا نَبغي بِهِ بَدَلًا فَالنّاسُ مَوتى وأهلُ العِلمِ أحياءُ (6)
راجع : ص 31 (حقيقة الحياة) .
ي _ مَوتُهُم ثُلمَةٌ فِي الدّينِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَوتُ العالِمِ ثُلمَةٌ فِي الإِسلامِ، لا يَسُدُّهَا اختِلافُ اللَّيلِ وَالنَّهارِ. (7)
عنه صلى الله عليه و آله :مَوتُ العالِمِ مُصيبَةٌ لا تُجبَرُ ، وثُلمَةٌ لا تُسَدُّ ، وهُوَ نَجمٌ طَمَسَ (8) ، ومَوتُ قَبيلَةٍ أيسَرُ مِن مَوتِ عالِمٍ. (9)
.
ص: 377
عنه صلى الله عليه و آله :ما قَبَضَ اللّهُ عالِماً إلّا كانَ ثَغرَةً فِي الإِسلامِ لا تُسَدُّ بِمِثلِهِ (1) إلى يَومِ القِيامَةِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ لا يَقبِضُ العِلمَ انتِزاعاً يَنتَزِعُهُ مِنَ العِبادِ ، ولكِن يَقبِضُ العِلمَ بِقَبضِ العُلَماءِ ، حَتّى إذا لَم يُبقِ عالِماً ، اِتَّخَذَ النّاسُ رُؤوساً جُهّالًا ، فَسُئِلوا فَأَفتَوا بِغَيرِ عِلمٍ ، فَضَلّوا وأضَلّوا. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :لَمَوتُ ألفِ عابِدٍ أيسَرُ عِندَ اللّهِ مِن مَوتِ رَجُلٍ عاقِلٍ عَقَلَ عَنِ اللّهِ عز و جلحَلالَهُ وحَرامَهُ ، وإن لَم يَكُن يَزيدُ عَلَى الفَريضَةِ شَيئاً. (4)
المواعظ العدديّة عن أبي اُمامة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :خُذُوا العِلمَ قَبلَ أن يَذهَبَ . قالوا : وكَيفَ يَذهَبُ العِلمُ يا نَبِيَّ اللّهِ وفينا كِتابُ اللّهِ ؟! قالَ : فَغَضِبَ ، لا يُغضِبُهُ اللّهُ ، ثُمَّ قالَ : ثَكَلَتكُم اُمَّهاتُكُم ، أوَلَم تَكُنِ التَّوراةُ وَالإِنجيلُ في بَني إسرائيلَ فَلَم يُغنِيا عَنهُم شَيئاً ؟! إنَّ ذَهابَ العِلمِ أن يَذهَبَ حَمَلَتُهُ ، إنَّ ذَهابَ العِلمِ أن يَذهَبَ حَمَلَتُهُ. (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في قَولِ اللّهِ تَعالى: «أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا» (6) _:
.
ص: 378
ذَهابُ العُلَماءِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :ثُلمَةُ الدّينِ مَوتُ العُلَماءِ. (2)
عنه عليه السلام :إذا ماتَ العالِمُ ثُلِمَ فِي الإِسلامِ ثُلمَةٌ لا يَسُدُّها إلّا خَلَفٌ مِنهُ. (3)
عنه عليه السلام :إذا ماتَ العالِمُ ثُلِمَ فِي الإِسلامِ ثُلمَةٌ لا يَسُدُّها شَيءٌ إلى يَومِ القِيامَةِ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إذا ماتَ المُؤمِنُ الفَقيهُ ثُلِمَ فِي الإِسلامِ ثُلمَةٌ لا يَسُدُّها شَيءٌ. (5)
الإمام الكاظم عليه السلام :إذا ماتَ المُؤمِنُ ... ثُلِمَ فِي الإِسلامِ ثُلمَةٌ لايَسُدُّها شَيءٌ ؛ لِأَنَّ المُؤمِنينَ الفُقَهاءَ حُصونُ الإِسلامِ كَحِصنِ سورِ المَدينَةِ لَها. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :ما مِن أحَدٍ يَموتُ مِنَ المُؤمِنينَ أحَبَّ إلى إبليسَ مِن مَوتِ فَقيهٍ. (7)
ك _ يَبكي عَلى مَوتِهِم كُلُّ شَيءٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العالِمُ إذا ماتَ بَكى عَلَيهِ كُلُّ شَيءٍ حَتَّى الحيتانُ فِي البَحرِ. (8)
.
ص: 379
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ السَّماءَ وَالأَرضَ لَتَبكي عَلَى المُؤمِنِ إذا ماتَ أربَعينَ صَباحاً ، وإنَّها لَتَبكي عَلَى العالِمِ إذا ماتَ أربَعينَ شَهراً. (1)
راجع : ص 99 (الفصل السادس : خصائص الحكماء) .
1 / 2خَصائِصُ الرّاسِخينَ فِي العِلمِالكتاب«لَّ_كِنِ الرَّ سِخُونَ فِى الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَوةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ أُوْلَ_ئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا» . (2)
«هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَ_بَ مِنْهُ ءَايَ_تٌ مُّحْكَمَ_تٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَ_بِ وَأُخَرُ مُتَشَ_بِهَ_تٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَ_بَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَا اللَّهُ وَالرَّ سِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الرّاسِخونَ فِي العِلمِ مَن بَرَّت يَمينُهُ ، وصَدَقَ لِسانُهُ ، وَاستَقامَ بِهِ قَلبُهُ ، وعَفَّ بَطنُهُ وفَرجُهُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :اِعلَم أنَّ الرّاسِخينَ فِي العِلمِ هُمُ الَّذينَ أغناهُم عَنِ اقتِحامِ السُّدَدِ
.
ص: 380
المَضروبَةِ دونَ الغُيوبِ الإِقرارُ بِجُملَةِ ما جَهِلوا تَفسيرَهُ مِنَ الغَيبِ المَحجوبِ ، فَمَدَحَ اللّهُ _ تَعالى _ اِعتِرافَهُم بِالعَجزِ عَن تَناوُلِ ما لَم يُحيطوا بِهِ عِلماً ، وسَمّى تَركَهُمُ التَّعَمُّقَ فيما لَم يُكَلِّفهُمُ البَحثَ عَن كُنهِهِ رُسوخاً. (1)
عنه عليه السلام :أينَ الَّذينَ زَعَموا أنَّهُمُ الرّاسِخونَ فِي العِلمِ دونَنا ، كَذِباً وبَغياً عَلَينا ، أن رَفَعَنَا اللّهُ ووَضَعَهُم ، وأعطانا وحَرَمَهُم ، وأدخَلَنا وأخرَجَهُم ، بِنا يُستَعطَى الهُدى ويُستَجلَى العَمى. (2)
الإمام الباقر عليه السلام_ في تفسير الرّاسِخونَ فِي العِلمِ _: مَن لا يَختَلِفُ في عِلمِهِ. (3)
1 / 3خَصائِصُ أعلَمِ النّاسِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أعلَمُ النّاسِ مَن جَمَعَ عِلمَ النّاسِ إلى عِلمِهِ. (4)
.
ص: 381
عنه صلى الله عليه و آله :سَأَلَ موسى رَبَّهُ عز و جل قالَ : رَبِّ أيُّ عِبادِكَ أعلَمُ؟ قالَ : عالِمٌ لا يَشبَعُ مِنَ العِلمِ يَجمَعُ عِلمَ النّاسِ إلى عِلمِهِ. (1)
جامع بيان العلم وفضله عن كعب :قالَ موسى عليه السلام : يا رَبِّ أيُّ عِبادِكَ أعلَمُ؟ قالَ : عالِمٌ غَرثانُ (2) مِنَ العِلمِ . ويوشَكُ أن تَرَوا جُهّالَ النّاسِ يَتَباهَونَ بِالعِلمِ ويَتَغايَرونَ عَلَيهِ كَما تَتَغايَرُ النِّساءُ عَلَى الرِّجالِ ، فَذاكَ حَظُّهُم مِنهُ. (3)
لقمان عليه السلام_ لِمَن قالَ لَهُ: أيُّ النّاسِ أعلَمُ ؟ _: مَنِ ازدادَ مِن عِلمِ النّاسِ إلى عِلمِهِ. (4)
المستدرك على الصحيحين عن عبداللّه بن مسعود :قالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ... يا عَبدَ اللّهِ بنَ مَسعودٍ . قُلتُ : لَبَّيكَ وسَعدَيكَ _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _. قالَ : هَل تَدري أيُّ النّاسِ أعلَمُ؟ قُلتُ : اللّهُ ورَسولُهُ أعلَمُ . قالَ : فَإِنَّ أعلَمَ النّاسِ أبصَرُهُم بِالحَقِّ إذَا اختَلَفَتِ النّاسُ. (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِرَجُلٍ قالَ لَهُ : اُحِبُّ أن أكونَ أعلَمَ النّاسِ _: اِتَّقِ اللّهَ تَكُن أعلَمَ النّاسِ. (6)
الإمام عليّ عليه السلام :أعلَمُ النّاسِ المُستَهتَرُ (7) بِالعِلمِ. (8)
.
ص: 382
عنه عليه السلام :أعلَمُ النّاسِ مَن لَم يُزِلِ الشَّكُّ يَقينَهُ. (1)
عنه عليه السلام :أعظَمُ النّاسِ عِلماً أشَدُّهُم خَوفاً للّهِِ سُبحانَهُ. (2)
راجع : ص 31 ح 1326 .
1 / 4فَضلُ العالِمِ عَلَى العابِدِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :فَضلُ العالِمِ عَلَى العابِدِ كَفَضلِ القَمَرِ عَلى سائِرِ النُّجومِ لَيلَةَ البَدرِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ فَضلَ العالِمِ عَلَى العابِدِ كَفَضلِ الشَّمسِ عَلَى الكَواكِبِ ، وفَضلَ العابِدِ عَلى غَيرِ العابِدِ كَفَضلِ القَمَرِ عَلَى الكَواكِبِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :فَضلُ العالِمِ عَلَى العابِدِ كَفَضلي عَلى أدناكُم. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :فَضلُ العالِمِ عَلَى الشَّهيدِ دَرَجَةٌ ، وفَضلُ الشَّهيدِ عَلَى العابِدِ دَرَجَةٌ ، وفَضلُ النَّبِيِّ عَلَى العالِمِ دَرَجَةٌ ، وفَضلُ القُرآنِ عَلى سائِرِ الكَلامِ كَفَضلِ اللّهِ عَلى خَلقِهِ ، وفَضلُ العالِمِ عَلى سائِرِ النّاسِ كَفَضلي عَلى أدناهُم. (6)
.
ص: 383
عنه صلى الله عليه و آله :فُضِّلَ العالِمُ عَلَى العابِدِ سَبعينَ دَرَجَةً ، ما بَينَ كُلِّ دَرَجَتَينِ كَما بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :فَضلُ العالِمِ عَلَى العابِدِ سَبعونَ دَرَجَةً ، بَينَ كُلِّ دَرَجَتَينِ حُضرُ الفَرَسِ (2) سَبعينَ عاماً ، وذلِكَ لِأَنَّ الشَّيطانَ يَضَعُ البِدعَةَ لِلنّاسِ فَيُبصِرُهَا العالِمُ فَيُزيلُها ، وَالعابِدُ يُقبِلُ عَلى عِبادَتِهِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :فَضلُ المُؤمِنِ العالِمِ عَلَى المُؤمِنِ العابِدِ سَبعونَ دَرَجَةً. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :بَينَ العالِمِ وَالعابِدِ مِئَةُ دَرَجَةٍ ، بَينَ كُلِّ دَرَجَتَينِ حُضرُ (5) الجَوادِ المُضمَرِ سَبعينَ سَنَةً. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :لَساعَةٌ مِن عالِمٍ يَتَّكِئُ عَلى فِراشِهِ يَنظُرُ في عِلمِهِ خَيرٌ مِن عِبادَةِ العابِدِ سَبعينَ عاماً. (7)
عنه صلى الله عليه و آله :رَكعَةٌ مِن عالِمٍ بِاللّهِ خَيرٌ مِن ألفِ رَكعَةٍ مِن مُتَجاهِلٍ بِاللّهِ. (8)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن وَصِيَّتِهِ لعليّ عليه السلام _: يا عَلِيُّ ، رَكعَتَينِ يُصَلّيهِمَا العالِمُ أفضَلُ مِن ألفِ
.
ص: 384
رَكعَةٍ يُصَلِّيهَا العابِدُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ أيضاً _: يا عَلِيُّ، نَومُ العالِمِ أفضَلُ مِن عِبادَةِ العابِدِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :يَبعَثُ اللّهُ تَعالَى العالِمَ وَالعابِدَ يَومَ القِيامَةِ ، فَإِذَا اجتَمَعا عِندَ الصِّراطِ ، قيلَ لِلعابِدِ : اُدخُلِ الجَنَّةَ فَانعَم فيها بِعِبادَتِكَ ، وقيلَ لِلعالِمِ : قِف هاهُنا في زُمرَةِ الأَنبِياءِ ، فَاشفَع فيمَن أحسَنتَ أدَبَهُ فِي الدُّنيا. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :ما عُبِدَ اللّهُ بِشَيءٍ أفضَلَ مِن فِقهٍ فِي الدّينِ ، ولَفَقيهٌ واحِدٌ أشَدُّ عَلَى الشَّيطانِ مِن ألفِ عابِدٍ ، وإنَّ لِكُلِّ شَيءٍ عِماداً ، وعِمادُ الدّينِ الفَقيهُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :رَكعَتانِ مِن عالِمٍ خَيرٌ مِن سَبعينَ رَكعَةً مِن جاهِلٍ ؛ لِأَنَّ العالِمَ تَأتيهِ الفِتنَةُ فَيَخرُجُ مِنها بِعِلمِهِ ، وتَأتِي الجاهِلَ فَيَنسِفُهُ نَسفاً. (5)
عنه عليه السلام :العالِمُ أعظَمُ أجراً مِنَ الصّائِمِ القائِمِ الغازي في سَبيلِ اللّهِ. (6)
.
ص: 385
عنه عليه السلام :نَومٌ عَلى عِلمٍ خَيرٌ مِنِ اجتِهادٍ عَلى جَهلٍ. (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عالِمٌ يُنتَفَعُ بِعِلمِهِ خَيرٌ مِن ألفِ عابِدٍ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :عالِمٌ أفضَلُ مِن ألفِ عابِدٍ، وألفِ زاهِدٍ، وألفِ مُجتَهِدٍ. (3)
عنه عليه السلام :الرّاوِيَةُ لِحَديثِنا يَشُدُّ بِهِ قُلوبَ شيعَتِنا أفضَلُ مِن ألفِ عابِدٍ. (4)
عنه عليه السلام :يَأتي صاحِبُ العِلمِ قُدّامَ العابِدِ بِرَبوَةٍ مَسيرَةَ خَمسِمِئَةِ عامٍ. (5)
الإمام الرضا عليه السلام :يُقالُ لِلعابِدِ يَومَ القِيامَةِ : نِعمَ الرَّجُلُ كُنتَ ؛ هِمَّتُكَ ذاتُ نَفسِكَ ، وكَفَيتَ النّاسَ مَؤونَتَكَ ، فَادخُلِ الجَنَّةَ . ألا إنَّ الفَقيهَ مَن أفاضَ عَلَى النّاسِ خَيرَهُ ، وأنقَذَهُم مِن أعدائِهِم ، ووَفَّرَ عَلَيهِم نِعَمَ جِنانِ اللّهِ تَعالى ، وحَصَّلَ لَهُم رِضوانَ اللّهِ تَعالى ، ويُقالُ لِلفَقيهِ : يا أيُّهَا الكافِلُ لِأَيتامِ آلِ مُحَمَّدٍ ، الهادي لِضُعَفاءِ مُحِبّيهِم ومُواليهِم، قِف حَتّى تَشفَعَ لِكُلِّ مَن أخَذَ عَنكَ أو تَعَلَّمَ مِنكَ. (6)
راجع : ص 230 (فضل طلب العلم على العبادة) و 339 ح 2595.
.
ص: 386
1 / 5مَثَلُ العُلَماءِأ _ كَمَثَلِ النُّجومِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ مَثَلَ العُلَماءِ فِي الأَرضِ كَمَثَلِ النُّجومِ فِي السَّماءِ ، يُهتَدى بِها في ظُلُماتِ البَرِّ وَالبَحرِ ، فَإِذَا انطَمَسَتِ النُّجومُ أوشَكَ أن تَضِلَّ الهُداةُ. (1)
راجع : ص 382 ح 2767 _ 2768 .
ب _ كَالبَدرِالإمام عليّ عليه السلام :إنَّمَا العُلَماءُ فِي النّاسِ كَالبَدرِ فِي السَّماءِ يُضيءُ نورُهُ عَلى سائِرِ الكَواكِبِ. (2)
ج _ كَمَن مَعَهُ السِّراجُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لابُدَّ لِلمُؤمِنِ مِن أربَعَةِ أشياءَ : دابَّةٍ فارِهَةٍ ، ودارٍ واسِعَةٍ ، وثِيابٍ جَميلَةٍ ، وسِراجٍ مُنيرٍ . قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، لَيسَ لَنا ذلِكَ فَما هِيَ ؟ قالَ صلى الله عليه و آله : أمَّا الدّابَّةُ الفارِهَةُ فَعَقلُهُ ، وأمَّا الدّارُ الواسِعَةُ فَصَبرُهُ ، وأمَّا الثِّيابُ الجَميلَةُ فَحَياهُ ، وأمَّا السِّراجُ المُنيرُ فَعِلمُهُ. (3)
.
ص: 387
الإمام الباقر عليه السلام :العالِمُ كَمَن مَعَهُ شَمعَةٌ تُضيءُ لِلنّاسِ ، فَكُلُّ مَن أبصَرَ بِشَمعَتِهِ دَعا لَهُ بِخَيرٍ ، كَذلِكَ العالِمُ مَعَهُ شَمعَةٌ تُزيلُ ظُلمَةَ الجَهلِ وَالحَيرَةِ ، فَكُلُّ مَن أضاءَت لَهُ فَخَرَجَ بِها مِن حَيرَةٍ ، أو نَجا بِها مِن جَهلٍ ، فَهُوَ مِن عُتَقائِهِ مِنَ النّارِ ، وَاللّهُ يُعَوِّضُهُ عَن ذلِكَ بِكُلِّ شَعرَةٍ لِمَن أعتَقَهُ ما هُوَ أفضَلُ لَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِمِئَةِ ألفِ قِنطارٍ عَلى غَيرِ الوَجهِ الَّذي أمَرَ اللّهُ عز و جل بِهِ ، بَل تِلكَ الصَّدَقَةُ وَبالٌ عَلى صاحِبِها ، لكِن يُعطيهِ اللّهُ ما هُوَ أفضَلُ مِن مِئَةِ ألفِ رَكعَةٍ يُصَلّيها مِن بَينِ يَدَيِ الكَعبَةِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: العالِمُ مِصباحُ اللّهِ فِي الأَرضِ ، فَمَن أرادَ اللّهُ بِهِ خَيراً اِقتَبَسَ مِنهُ. (2)
راجع : ص 477 (مثل العالم بلا عمل) .
1 / 6فَوائِدُ مُجالَسَةِ العالِمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما مِن مُؤمِنٍ يَقعُدُ ساعَةً عِندَ العالِمِ إلّا ناداهُ رَبُّهُ عز و جل : جَلَستَ إلى حَبيبي ، وعِزَّتي وجَلالي لَاُسكِنَنَّكَ الجَنَّةَ مَعَهُ ولا اُبالي. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :ألا فَاغتَنِموا مَجالِسَ العُلَماءِ ، فَإِنَّها رَوضَةٌ مِن رِياضِ الجَنَّةِ ، تَنزِلُ عَلَيهِمُ الرَّحمَةُ وَالمَغفِرَةُ ، كَالمَطَرِ مِنَ السَّماءِ ، يَجلِسونَ بَينَ أيديهِم مُذنِبينَ ويَقومونَ مَغفورينَ لَهُم، وَالمَلائِكَةُ يَستَغفِرونَ لَهُم ماداموا جُلوساً عِندَهُم، وإنَّ اللّهَ يَنظُرُ إلَيهِم
.
ص: 388
فَيَغفِرُ لِلعالِمِ وَالمُتَعَلِّمِ وَالنّاظِرِ وَالمُحِبِّ لَهُم. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :جُلوسُ ساعَةٍ عِندَ العالِمِ في مُذاكَرَةِ العِلمِ أحَبُّ إلَى اللّهِ تَعالى مِن مِئَةِ ألفِ رَكعَةٍ تَطَوُّعاً ، ومِئَةِ ألفِ تَسبيحَةٍ ، ومِن عَشرِ آلافِ فَرَسٍ يَغزو بِهَا المُؤمِنُ في سَبيلِ اللّهِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِأَبي ذَرٍّ _: يا أبا ذَرٍّ ، الجُلوسُ ساعَةً عِندَ مُذاكَرَةِ العِلمِ خَيرٌ لَكَ مِن عِبادَةِ سَنَةٍ ، صِيامِ نَهارِها وقِيامِ لَيلِها. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مُجالَسَةُ العُلَماءِ عِبادَةٌ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :جاوِرِ العُلَماءَ تَستَبصِر. (5)
عنه عليه السلام :جالِسِ العُلَماءَ يَزدَد عِلمُكَ ، ويَحسُن أدَبُكَ ، وتَزكُ نَفسُكَ. (6)
عنه عليه السلام :مُجالَسَةُ العُلَماءِ زِيادَةٌ. (7)
عنه عليه السلام :صاحِبِ العُقَلاءَ وجالِسِ العُلَماءَ وَاغلِبِ الهَوى ، تُرافِقِ المَلَأَ الأَعلى. (8)
عنه عليه السلام :جالِسِ العُلَماءَ تَسعَد. (9)
.
ص: 389
عنه عليه السلام :مُعاشَرَةُ ذَوِي الفَضائِلِ حَياةُ القُلوبِ. (1)
عنه عليه السلام :مُجالَسَةُ الحُكَماءِ حَياةُ العُقولِ وشِفاءُ النُّفوسِ. (2)
عنه عليه السلام :مَن خالَطَ العُلَماءَ وُقِّرَ ، ومَن خالَطَ الأَنذالَ حُقِّرَ. (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا تَجلِسوا مَعَ كُلِّ عالِمٍ ، إلّا عالِماً يَدعوكُم مِن خَمسٍ إلى خَمسٍ : مِنَ الشَّكِّ إلَى اليَقينِ ، ومِنَ العَداوَةِ إلَى النَّصيحَةِ ، ومِنَ الكِبرِ إلَى التَّواضُعِ ، ومِنَ الرِّياءِ إلَى الإِخلاصِ ، ومِنَ الرَّغبَةِ إلَى الزُّهدِ. (4)
الإمام الكاظم عليه السلام :مُحادَثَةُ العالِمِ عَلَى المَزابِلِ خَيرٌ مِن مُحادَثَةِ الجاهِلِ عَلَى الزَّرابِيِّ (5) . (6)
لقمان عليه السلام_ لاِبنِهِ يَعِظُهُ _: أي بُنَيَّ ، صاحِبِ العُلَماءَ وجالِسهُم ، وزُرهُم في بُيوتِهِم ، لَعَلَّكَ أن تُشبِهَهُم فَتَكونَ مِنهُم. (7)
عنه عليه السلام_ أيضا _: يا بُنَيَّ ، جالِسِ العُلَماءَ وزاحِمهُم بِرُكبَتَيكَ ، فَإِنَّ اللّهَ يُحيِي القُلوبَ بِنورِ الحِكمَةِ كَما يُحيِي اللّهُ الأَرضَ المَيتَةَ بِوابِلِ السَّماءِ . (8)
راجع : ص 443 (مجالسته) .
.
ص: 390
1 / 7العُلَماءُ يَومَ القِيامَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ مَسأَلَةً واحِدَةً قُلِّدَ يَومَ القِيامَةِ ألفُ قِلادَةٍ مِن نورٍ ، وغُفِرَ لَهُ ألفُ ذَنبٍ ، وبُنِيَ لَهُ مَدينَةٌ مِن ذَهَبٍ ، وكُتِبَ لَهُ بِكُلِّ شَعرَةٍ عَلى جَسَدِهِ حَجَّةٌ وعُمرَةٌ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :يَقولُ اللّهُ عز و جل لِلعُلَماءِ يَومَ القِيامَةِ : . . . إنّي لَم أجعَل عِلمي وحُكمي فيكُم إلّا وأنَا اُريدُ أن أغفِرَ لَكُم عَلى ما كانَ فيكُم ولا اُبالي. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ جَمَعَ اللّهُ العُلَماءَ فَقالَ: إنّي لَم أستَودِع حِكمَتي قُلوبَكُم وأنَا اُريدُ أن اُعَذِّبَكُم، اُدخُلُوا الجَنَّةَ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ جَمَعَ اللّهُ العُلَماءَ فَيَقولُ لَهُم : عِبادي ، إنّي اُريدُ بِكُمُ الخَيرَ الكَثيرَ بَعدَما أنتُم تَحمِلونَ الشِّدَّةَ مِن قِبَلي وكَرامَتي وتَعبُدُنِي النّاسُ بِكُم ، فَأَبشِروا فَإِنَّكُم أحِبّائي وأفضَلُ خَلقي بَعدَ أنبِيائي ، فَأَبشِروا فَإِنّي قَد غَفَرتُ لَكُم ذُنوبَكُم وقَبِلتُ أعمالَكُم ، ولَكُم فِي النّاسِ شَفاعَةٌ مِثلُ شَفاعَةِ أنبِيائي ، وإنّي مِنكُم راضٍ ولا أهتِكُ سُتورَكُم ولا أفضَحُكُم في هذَا الجَمعِ. (4)
الإمام العسكريّ عليه السلام :يَأتي عُلَماءُ شيعَتِنَا ، القَوّامونَ بِضُعَفاءِ مُحِبّينا وأهلِ وَلايَتِنا يَومَ القِيامَةِ ، وَالأَنوارُ تَسطَعُ مِن تيجانِهِم ، عَلى رَأسِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُم تاجُ بَهاءٍ ، قَدِ انبَثَّت تِلكَ الأَنوارُ في عَرَصاتِ القِيامَةِ ودَورُها مَسيرَةُ ثَلاثِمِئَةِ ألفِ سَنَةٍ ، فَشُعاعُ
.
ص: 391
تيجانِهِم يَنبَثُّ فيها كُلِّها. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :حَضَرَتْ امرَأَةٌ عِندَ الصِّدّيقَةِ فاطِمَةَ الزَّهراءِ عليهاالسلام ، فَقالَت : إنَّ لي والِدَةً ضَعيفَةً ، وقَد لَبَسَ عَلَيها في أمرِ صَلاتِها شَيءٌ ، وقَد بَعَثَتني إلَيكِ أسأَلُكِ . فَأَجابَتها فاطِمَةُ عليهاالسلامعَن ذلِكَ ، ثُمَّ ثَنَّت فَأَجابَت ، ثُمَّ ثَلَّثَت فَأَجابَت ، إلى أن عَشَّرَت فَأَجابَت ، ثُمَّ خَجِلَت مِنَ الكَثرَةِ ، فَقالَت : لا أشُقُّ عَلَيكِ يا بِنتَ رَسولِ اللّهِ . قالَت فاطِمَةُ عليهاالسلام : هاتي وسَلي عَمّا بَدا لَكِ ، أرَأَيتِ مَنِ اكتُرِيَ يَوماً يَصعَدُ إلى سَطحٍ بِحِملٍ ثَقيلٍ وكِراؤُهُ مِئَةُ ألفِ دينارٍ أيَثقُلُ عَلَيهِ ؟ فَقالَت : لا . فَقالَت : اُكتُريتُ أنَا لِكُلِّ مَسأَلَةٍ بِأَكثَرَ مِن مِل ءِ ما بَينَ الثَّرى إلَى العَرشِ لُؤلُؤاً ، فَأَحرى أن لا يَثقُلَ عَلَيَّ ؛ سَمِعتُ أبي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ عُلَماءَ شيعَتِنا يُحشَرونَ فَيُخلَعُ عَلَيهِم مِن خِلَعِ الكَراماتِ عَلى قَدرِ كَثرَةِ عُلومِهِم وجِدِّهِم في إرشادِ عِبادِ اللّهِ ، حَتّى يُخلَعَ عَلَى الواحِدِ مِنهُم ألفُ ألفِ خِلعَةٍ مِن نورٍ ، ثُمَّ يُنادي مُنادي رَبِّنا عز و جل : أيُّهَا الكافِلونَ لِأَيتامِ آلِ مُحَمَّدٍ ، النّاعِشونَ لَهُم عِندَ انقِطاعِهِم عَن آبائِهِمُ الَّذينَ هُم أئِمَّتُهُم ، هؤُلاءِ تَلامِذَتُكُم وَالأَيتامُ الَّذينَ كَفَلتُموهُم ونَعَشتُموهُم ، فَاخلَعوا عَلَيهِم كَما خَلَعتُموهُم خِلَعَ العُلومِ فِي الدُّنيا . فَيَخلَعونَ عَلى كُلِّ واحِدٍ مِن اُولئِكَ الأَيتامِ عَلى قَدرِ ما أخَذوا عَنهُم مِنَ العُلومِ ، حَتّى إنَّ فيهِم _ يَعني فِي الأَيتامِ _ لَمَن يُخلَعُ عَلَيهِ مِئَةُ ألفِ خِلعَةٍ ، وكَذلِكَ يَخلَعُ هؤُلاءِ الأَيتامُ عَلى مَن تَعَلَّمَ مِنهُم .
.
ص: 392
ثُمَّ إنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ : أعيدوا عَلى هؤُلاءِ العُلَماءِ الكافِلينَ لِلأَيتامِ حَتّى تُتِمّوا لَهُم خِلَعَهُم وتُضَعِّفوها ، فَيُتَمَّ لَهُم ما كانَ لَهُم قَبلَ أن يَخلَعوا عَلَيهِم ، ويُضاعَفُ لَهُم ، وكَذلِكَ مَن بِمَرتَبَتِهِم مِمَّن يُخلَعُ عَلَيهِم عَلى مَرتَبَتِهِم . وقالَت فاطِمَةُ عليهاالسلام : يا أمَةَ اللّهِ ، إنَّ سِلكاً مِن تِلكَ الخِلَعِ لَأَفضَلُ مِمّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ ألفَ ألفِ مَرَّةٍ ، وما فَضلٌ فَإِنَّهُ مَشوبٌ بِالتَّنغيصِ وَالكَدَرِ. (1)
منية المريد :فِي الإنجيل : إنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ يَومَ القِيامَةِ : يا مَعشَرَ العُلَماءِ ، ما ظَنُّكُم بِرَبِّكُم ؟ فَيَقولونَ : ظَنُّنا أن يَرحَمَنا ويَغفِرَ لَنا . فَيَقولُ تَعالى : فَإِنّي قَد فَعَلتُ ، إنّي قَدِ استَودَعتُكُم حِكمَتي لا لِشَرٍّ أرَدتُهُ بِكُم ، بَل لِخَيرٍ أرَدتُهُ بِكُم ، فَادخُلوا في صالِحِ عِبادي إلى جَنَّتي بِرَحمَتي. (2)
1 / 8النَّوادِررسول اللّه صلى الله عليه و آله :نَومُ العالِمِ عِبادَةٌ ، ونَفَسُهُ تَسبيحٌ ، وعَمَلُهُ مُضاعَفٌ ، ودُعاؤُهُ مُستَجابٌ ، وذَنبُهُ مَغفورٌ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :فَضلُ العالِمِ عَلى غَيرِهِ كَفَضلِ النَّبِيِّ عَلى اُمَّتِهِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :البَرَكَةُ مَعَ أكابِرِكُم أهلِ العِلمِ. (5)
.
ص: 393
عنه صلى الله عليه و آله :العُلَماءُ قادَةٌ ، وَالمُتَّقونَ سادَةٌ ، ومُجالَسَتُهُم زِيادَةٌ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ العالِمَ لَيَستَغفِرُ لَهُ مَن فِي السَّماواتِ ومَن فِي الأَرضِ حَتَّى الحيتانُ فِي الماءِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :ما مِن عالِمٍ أو مُتَعَلِّمٍ يَمُرُّ بِقَريَةٍ مِن قُرَى المُسلِمينَ . . . ولَم يَأكُل مِن طَعامِهِم ولَم يَشرَب مِن شَرابِهِم ، ودَخَلَ مِن جانِبٍ وخَرَجَ مِن جانِبٍ ، إلّا رَفَعَ اللّهُ تَعالى عَذابَ قُبورِهِم أربَعينَ يَوماً. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أهلَ الجَنَّةِ لَيَحتاجونَ إلَى العُلَماءِ فِي الجَنَّةِ ، وذلِكَ أنَّهُم يَزورونَ اللّهَ تَعالى في كُلِّ جُمُعَةٍ ، فَيَقولُ لَهُم : تَمَنَّوا عَلَيَّ ما شِئتُم ، فَيَلتَفِتونَ إلَى العُلَماءِ. فَيَقولونَ : ماذا نَتَمَنّى؟ فَيَقولونَ : تَمَنَّوا عَلَيهِ كَذا وكَذا ، فَهُم يَحتاجونَ إلَيهِم فِي الجَنَّةِ كَما يَحتاجونَ إلَيهِم فِي الدُّنيا. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :سَأَلتُ جِبرائيلَ عليه السلام فَقُلتُ : العُلَماءُ أكرَمُ عِندَ اللّهِ أمِ الشُّهَداءُ؟ فَقالَ : العالِمُ الواحِدُ أكرَمُ عَلَى اللّهِ مِن ألفِ شَهيدٍ ، فَإِنَّ اقتِداءَ العُلَماءِ بِالأَنبِياءِوَاقتِداءَ الشُّهَداءِ بِالعُلَماءِ. (5)
.
ص: 394
الإمام عليّ عليه السلام :بَخٍ بَخٍ لِعالِمٍ عَلِمَ فَكَفَّ ، وخافَ البَياتَ فَأَعَدَّ وَاستَعَدَّ ، إن سُئِلَ أفصَحَ وإن تُرِكَ سَكَتَ ، كَلامُهُ صَوابٌ وسُكوتُهُ عَن غَيرِ عِيٍّ عَنِ الجَوابِ. (1)
عنه عليه السلام :رُتبَةُ العالِمِ أعلَى المَراتِبِ. (2)
عنه عليه السلام :عالِمٌ مُعانِدٌ خَيرٌ مِن جاهِلٍ مُساعِدٍ. (3)
عنه عليه السلام :العالِمُ يَنظُرُ بِقَلبِهِ وخاطِرِهِ ، الجاهِلُ يَنظُرُ بِعَينِهِ وناظِرِهِ. (4)
عنه عليه السلام :العالِمُ يَعرِفُ الجاهِلَ لِأَنَّهُ كانَ قَبلُ جاهِلًا ، الجاهِلُ لا يَعرِفُ العالِمَ لِأَنَّهُ لَم يَكُن قَبلُ عالِماً. (5)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: اِثنانِ يَهونُ عَلَيهِما كُلُّ شَيءٍ : عالِمٌ عَرَفَ العَواقِبَ ، وجاهِلٌ يَجهَلُ ما هُوَ فيهِ. (6)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ يُحِبُّ المُؤمِنَ العالِمَ الفَقيهَ الزّاهِدَ الخاشِعَ الحَيَّ الحَليمَ الحَسَنَ الخُلقِ وَالمُقتَصِدَ المُنصِفَ المُتَعَفِّفَ. (7)
عنه عليه السلام :الجاهِلُ صَغيرٌ وإن كانَ شَيخاً ، وَالعالِمُ كَبيرٌ وإن كانَ حَدَثاً. (8)
عنه عليه السلام :لا يَنتَصِفُ (9) عالِمٌ مِن جاهِلٍ. (10)
.
ص: 395
الإمام الحسين عليه السلام :لَو أنَّ العالِمَ كُلَّ ما قالَ أحسَنَ وأصابَ لَأَوشَكَ أن يُجَنَّ مِنَ العُجبِ ، وإنَّمَا العالِمُ مَن يَكثُرُ صَوابُهُ. (1)
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشام _: يا هِشامُ ، مَن أكرَمَهُ اللّهُ بِثَلاثٍ فَقَد لَطَفَ لَهُ : عَقلٍ يَكفيهِ مَؤونَةَ هَواهُ ، وعِلمٍ يَكفيهِ مَؤونَةَ جَهلِهِ ، وغِنًى يَكفيهِ مَخافَةَ الفَقرِ. (2)
الإمام الهادي عليه السلام :أرجَحُ مِنَ العِلمِ حامِلُهُ. (3)
إرشاد القلوب :قالَ الجَوادُ عليه السلام : مَا اجتَمَعَ رَجُلانِ إلّا كانَ أفضَلُهُما عِندَ اللّهِ آدَبَهُما . فَقيلَ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ قَد عَرَفنا فَضلَهُ عِندَ النّاسِ ، فَما فَضلُهُ عِندَ اللّهِ؟ فَقالَ : بِقِراءَةِ القُرآنِ كَما اُنزِلَ ، ويَروي حَديثَنا كَما قُلنا ، ويَدعُو اللّهَ مُغرَماً بِدُعائِهِ . (4)
ربيع الأبرار عن موسى عليه السلام :قالَ : يا إلهي مَن أحَبُّ النّاسِ إلَيكَ؟ قالَ : عالِمٌ يَطلُبُ عالِماً. (5)
.
ص: 396
الفصل الثاني : آداب العالمأ _ ما يَنبَغي لِلعالِمِ2 / 1العَمَلرسول اللّه صلى الله عليه و آله :تَعَلَّموا ما شِئتُم إن شِئتُم أن تَعلَموا ، فَلَن يَنفَعَكُمُ اللّهُ بِالعِلمِ حَتّى تَعمَلوا. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنّي لا أخافُ عَلَيكُم فيما لا تَعلَمونَ ، ولكِنِ انظُروا كَيفَ تَعمَلونَ فيما تَعلَمونَ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَزولُ قَدَما عَبدٍ يَومَ القِيامَةِ حَتّى يُسأَلَ عَن أربَعٍ : عَن عُمرِهِ فيما أفناهُ ، وعَن جَسَدِهِ فيما أبلاهُ ، وعَن مالِهِ مِن أينَ اكتَسَبَهُ وفيما وَضَعَهُ ، وعَن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ. (3)
.
ص: 397
عنه صلى الله عليه و آله :مَن غَلَبَ عِلمُهُ هَواهُ فَهُوَ عِلمٌ نافِعٌ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ إمامُ العَمَلِ وَالعَمَلُ تابِعُهُ ، يُلهِمُهُ اللّهُ السُّعَداءَ ويَحرِمُهُ الأَشقِياءَ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :كونوا لِلعِلمِ رُعاةً ولا تَكونوا لَهُ رُواةً ، فَقَد يَرعَوي مَن لا يَروي ، وقَد يَروي مَن لا يَرعَوي ، إنَّكُم لَن تَكونوا عالِمينَ حَتّى تَكونوا بِما عَلِمتُم عامِلينَ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن خالَفَ هَواهُ أطاعَ العِلمَ. (4)
عنه عليه السلام :مَن قاتَلَ جَهلَهُ بِعِلمِهِ فازَ بِالحَظِّ الأَسعَدِ. (5)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام _: عَقَلُوا الدّينَ عَقلَ وِعايَةٍ ورِعايَةٍ ، لا عَقلَ سَماعٍ ورِوايَةٍ ، فَإِنَّ رُواةَ العِلمِ كَثيرٌ ، ورُعاتَهُ قَليلٌ. (6)
عنه عليه السلام :اِعقِلُوا الخَبَرَ إذا سَمِعتُموهُ عَقلَ رِعايَةٍ لا عَقلَ رِوايَةٍ ، فَإِنَّ رُواةَ العِلمِ كَثيرٌ ، ورُعاتَهُ قَليلٌ. (7)
عنه عليه السلام :مَن جُمِعَ فيهِ سِتُّ خِصالٍ ما يَدَعُ لِلجَنَّةِ مَطلَباً ولا عَنِ النّارِ مَهرَباً : مَن عَرَفَ اللّهَ فَأَطاعَهُ ، وعَرَفَ الشَّيطانَ فَعَصاهُ ، وعَرَفَ الحَقَّ فَاتَّبَعَهُ ، وعَرَفَ الباطِلَ فَاتَّقاهُ ،
.
ص: 398
وعَرَفَ الدُّنيا فَرَفَضَها ، وعَرَفَ الآخِرَةَ فَطَلَبَها. (1)
عنه عليه السلام :إن أحبَبتَ أن تَكونَ أسعَدَ النّاسِ بِما عَلِمتَ فَاعمَل. (2)
عنه عليه السلام :أطِعِ العِلمَ وَاعصِ الجَهلَ تُفلِح. (3)
عنه عليه السلام :العِلمُ يُرشِدُكَ ، وَالعَمَلُ يَبلُغُ بِكَ الغايَةَ. (4)
عنه عليه السلام :اِعمَل بِالعِلمِ تُدرِك غُنما. (5)
عنه عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! إذا عَلِمتُم فَاعمَلوا بِما عَلِمتُم لَعَلَّكُم تَهتَدونَ. (6)
عنه عليه السلام :اِعمَلوا بِالعِلمِ تَسعَدوا. (7)
عنه عليه السلام :العِلمُ رُشدٌ لِمَن عَمِلَ بِهِ. (8)
عنه عليه السلام :العامِلُ بِالعِلمِ كَالسّائِرِ عَلَى الطَّريقِ الواضِحِ. (9)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: ما أحسَنَ العِلمَ يَزينُهُ العَمَلُ ! وما أحسَنَ العَمَلَ يَزينُهُ الرِّفقُ ! (10)
عنه عليه السلام :بِحُسنِ العَمَلِ تُجنى ثَمَرَةُ العِلمِ ، لا بِحُسنِ القَولِ. (11)
.
ص: 399
عنه عليه السلام :فَضيلَةُ العِلمِ العَمَلُ بِهِ. (1)
عنه عليه السلام :خَيرُ العِلمِ ما قارَنَهُ العَمَلُ. (2)
عنه عليه السلام :تَمامُ العِلمِ استِعمالُهُ. (3)
عنه عليه السلام :تَمامُ العِلمِ العَمَلُ بِموجَبِهِ. (4)
عنه عليه السلام :مِن كَمالِ العِلمِ العَمَلُ بِما يَقتَضيهِ. (5)
عنه عليه السلام :العَمَلُ بِالعِلمِ مِن تَمامِ النِّعمَةِ. (6)
عنه عليه السلام :جَمالُ العالِمِ عَمَلُهُ بِعِلمِهِ. (7)
عنه عليه السلام :أحسَنُ العِلمِ ما كانَ مَعَ العَمَلِ. (8)
عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى مُعاوِيَة _: اِعلَموا أنَّ خِيارَ عِبادِ اللّهِ الَّذينَ يَعمَلونَ بِما يَعلَمونَ ، وأنَّ شِرارَهُمُ الجُهّالُ الَّذينَ يُنازِعونَ بِالجَهلِ أهلَ العِلمِ ، فَإِنَّ لِلعالِمِ بِعِلمِهِ فَضلًا ، وإنَّ الجاهِلَ لَن يَزدادَ بِمُنازَعَةِ العالِمِ إلّا جَهلًا. (9)
عنه عليه السلام :مَن عَمِلَ بِالعِلمِ بَلَغَ بُغيَتَهُ مِنَ الآخِرَةِ ومُرادَهُ. (10)
عنه عليه السلام :تَعَلَّمُوا العِلمَ تُعرَفوا بِهِ ، وَاعمَلوا بِهِ تَكونوا مِن أهلِهِ ، فَإِنَّهُ سَيَأتي بَعدَ هذا
.
ص: 400
زَمانٌ لا يَعرِفُ فيهِ تِسعَةُ عُشَرائِهِمُ (1) المَعروفَ ، ولا يَنجو مِنهُ إلّا كُلُّ نُوَمَةٍ ، فَاُولئِكَ أئِمَّةُ الهُدى ومَصابيحُ العِلمِ لَيسوا بِالمَساييحِ ولَا المَذاييعِ (2) البُذرِ. (3)
عنه عليه السلام :قِوامُ الدّينِ وَالدُّنيا بِأَربَعَةٍ : عالِمٍ مُستَعمِلٍ عِلمَهُ ، وجاهِلٍ لا يَستَنكِفُ أن يَتَعَلَّمَ ، وجَوادٍ لا يَبخَلُ بِمَعروفِهِ ، وفَقيرٍ لا يَبيعُ آخِرَتَهُ بِدُنياهُ ، فَإِذا ضَيَّعَ العالِمُ عِلمَهُ استَنكَفَ الجاهِلُ أن يَتَعَلَّمَ ، وإذا بَخِلَ الغَنِيُّ بِمَعروفِهِ باعَ الفَقيرُ آخِرَتَهُ بِدُنياهُ. (4)
عنه عليه السلام :إذا رُمتُمُ (5) الاِنتِفاعَ بِالعِلمِ فَاعمَلوا بِهِ ، وأكثِرُوا الفِكرَ في مَعانيهِ ، تَعِهِ القُلوبُ. (6)
عنه عليه السلام :قَليلُ العِلمِ مَعَ العَمَلِ خَيرٌ مِن كَثيرِهِ بِلا عَمَلٍ. (7)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ : مَنِ العالِمُ ؟ _: مَنِ اجتَنَبَ المَحارِمَ. (8)
عنه عليه السلام :يَحتاجُ العِلمُ إلَى العَمَلِ. (9)
عنه عليه السلام :مِلاكُ العِلمِ العَمَلُ بِهِ. (10)
عنه عليه السلام :شَرُّ العِلمِ عِلمٌ لا يُعمَلُ بِهِ. (11)
.
ص: 401
عنه عليه السلام :عِلمٌ بِلا عَمَلٍ كَشَجَرٍ بِلا ثَمَرٍ. (1)
عنه عليه السلام :عِلمٌ بِلا عَمَلٍ كَقَوسٍ بِلا وَتَرٍ. (2)
عنه عليه السلام :كَمالُ العِلمِ العَمَلُ. (3)
عنه عليه السلام :أنفَعُ العِلمِ ما عُمِلَ بِهِ. (4)
عنه عليه السلام :عَلَى العالِمِ أن يَعمَلَ بِما عَلِمَ ، ثُمَّ يَطلُبَ تَعَلُّمَ ما لَم يَعلَم. (5)
عنه عليه السلام :إنَّكُم إلَى العَمَلِ بِما عَلِمتُم أحوَجُ مِنكُم إلى تَعَلُّمِ ما لَم تَكونوا تَعلَمونَ. (6)
الإمام زين العابدين عليه السلام :العِلمُ دَليلُ العَمَلِ ، وَالعَمَلُ وِعاءُ الفَهمِ. (7)
عنه عليه السلام :كانَ نَقشُ خاتَمِ حُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام «عَلِمتَ فَاعمَل». (8)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاء _: ثُمَّ استَعمِلني بِما تُلهِمُني مِنهُ ، ووَفِّقني لِلنُّفوذِ فيما تُبَصِّرُني مِن عِلمِهِ ، حَتّى لا يَفوتَنِي استِعمالُ شَيءٍ عَلَّمتَنيهِ ، ولا تَثقُلَ أركاني عَنِ الحُفوفِ فيما ألهَمتَنيهِ. (9)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ رُواةَ الكِتابِ كَثيرٌ ، وإنَّ رُعاتَهُ قَليلٌ ، وكَم مِن مُستَنصِحٍ لِلحَديثِ مُستَغِشٍّ لِلكِتابِ ، فَالعُلَماءُ يَحزُنُهُم تَركُ الرِّعايَةِ ، وَالجُهّالُ يَحزُنُهُم حِفظُ الرِّوايَةِ ، فَراعٍ يَرعى حَياتَهُ ، وراعٍ يَرعى هَلَكَتَهُ ، فَعِندَ ذلِكَ اختَلَفَ الرّاعِيانِ
.
ص: 402
و تَغايَرَ الفَريقانِ. (1)
عنه عليه السلام_ في تفسير قوله تعالى : «فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَ الْغَاوُنَ» (2) _: الغاوونَ هُمُ الَّذِينَ عَرَفوا الحَقَّ وَعَمِلُوا بِخِلافِهِ. (3)
عنه عليه السلام :كانَ المَسيحُ عليه السلام يَقولُ لِأَصحابِهِ : إنَّما اُعَلِّمُكُم لِتَعمَلوا ، ولا اُعَلِّمُكُم لِتُعجَبوا ، إنَّكُم لَن تَنالوا ما تُريدونَ إلّا بِتَركِ ما تَشتَهونَ وبِصَبرِكُم عَلى ما تَكرَهونَ. (4)
عنه عليه السلام :تَعَلَّموا ما شِئتُم أن تَعمَلوا ، فَلَن يَنفَعَكُمُ اللّهُ بِالعِلمِ حَتّى تَعمَلوا بِهِ ، لِأَنَّ العُلَماءَهِمَّتُهُمُ الرِّعايَةُ ، وَالسُّفَهاءَ هِمَّتُهُمُ الرِّوايَةُ. (5)
الإمام الكاظم عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِهِشام _: يا هِشامُ ، إنَّ كُلَّ النّاسِ يُبصِرُ النُّجومَ ، ولكِن لا يَهتَدي بِها إلّا مَن يَعرِفُ مَجارِيَها ومَنازِلَها . وكَذلِكَ أنتُم تَدرُسونَ الحِكمَةَ ولكِن لا يَهتَدي بِها مِنكُم إلّا مَن عَمِلَ بِها. (6)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ ، أسأَلُكَ بِحَقِّ مَن حَقُّهُ عَلَيكَ عَظيمٌ ، أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأن تَرزُقَنِي العَمَلَ بِما عَلَّمتَني مِن مَعرِفَةِ حَقِّكَ. (7)
عيسى عليه السلام :رَأَيتُ حَجَراً مَكتوباً عَلَيهِ : اِقلِبني .
.
ص: 403
فَقَلَبتُهُ ، فَإِذا عَلَيهِ مِن باطِنِهِ : مَن لا يَعمَلُ بِما يَعلَمُ مَشومٌ عَلَيهِ طَلَبُ ما لايَعلَمُ ، ومَردودٌ عَلَيهِ ما عَلِمَ. (1)
الكافي عن عبدالرحمن بن أبي ليلى :سَمِعتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام يَقولُ : إذا سَمِعتُمُ العِلمَ فَاستَعمِلوهُ ، ولتَتَّسِع قُلوبُكُم ، فَإِنَّ العِلمَ إذا كَثُرَ في قَلبِ رَجُلٍ لا يَحتَمِلُهُ قَدَرَ الشَّيطانُ عَلَيهِ ، فَإِذا خاصَمَكُمُ الشَّيطانُ فَأَقبِلوا عَلَيهِ بِما تَعرِفونَ ، فَإِنَّ كَيدَ الشَّيطانِ كانَ ضَعيفاً . فَقُلتُ : ومَا الَّذي نَعرِفُهُ؟ قالَ : خاصِموهُ بِما ظَهَرَ لَكُم مِن قُدرَةِ اللّهِ عز و جل . (2)
الكافي عن هاشم بن البريد :جاءَ رَجُلٌ إلى عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليه السلام فَسَأَلَهُ عَن مَسائِلَ ، فَأَجابَ ، ثُمَّ عادَ لِيَسأَلَ عَن مِثلِها ، فَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : مَكتوبٌ فِي الإِنجيلِ : لا تَطلُبوا عِلمَ ما لا تَعلَمونَ ولَمّا تَعمَلوا بِما عَلِمتُم ، فَإِنَّ العِلمَ إذا لَم يُعمَل بِهِ لَم يَزدَد صاحِبُهُ إلّا كُفراً ، ولَم يَزدَد مِنَ اللّهِ إلّا بُعداً. (3)
لقمان عليه السلام_ لِابنِهِ يَعِظُهُ _: يا بُنَيَّ ، لا تَتَعَلَّم ما لا تَعلَمُ حَتّى تَعمَلَ بِما تَعلَمُ. (4)
راجع : ص 426 (ترك العمل) و 473 (الفصل السادس : علماء السوء) و 45 (شرط العمل) و 57 (العمل) و 144 (العمل).
.
ص: 404
2 / 2مَكارِمُ الأَخلاقِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :تَعَلَّمُوا العِلمَ وتَعَلَّموا لِلعِلمِ السَّكينَةَ وَالوَقارَ ، وتَواضَعوا لِمَن تَعَلَّمونَ مِنهُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَنِ ازدادَ عِلماً ثُمَّ لَم يَزدَد زُهداً لَم يَزدَد مِنَ اللّهِ إلّا بُعداً. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :الوَرَعُ حَسَنٌ ، ولكِن فِي العُلَماءِ أحسَنُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :زينَةُ العِلمِ الإِحسانُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :رَأسُ العِلمِ الرِّفقُ ، رَأسُ الجَهلِ الخُرقُ (5) . (6)
عنه عليه السلام :رَأسُ العِلمِ التَّمييزُ بَينَ الأَخلاقِ ، وإظهارُ مَحمودِها ، وقَمعُ مَذمومِها. (7)
راجع: ص 405 (الحلم) و 408 (الصمت) و 409 (خفض الجناح) .
.
ص: 405
2 / 3الحِلمالكتاب«وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ» . (1)
«وَ إِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ» . (2)
«وَ كَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :نِعمَ وَزيرُ العِلمِ الحِلمُ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :زَينُ العِلمِ حِلمُ أهلِهِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، ما جُمِعَ شَيءٌ إلى شَيءٍ أفضَلُ مِن حِلمٍ إلى عِلمٍ. (6)
الإمام عليّ عليه السلام_ في صِفَةِ المُتَّقينَ _: يَمزُجُ الحِلمَ بِالعِلمِ ، وَالقَولَ بِالعَمَلِ. (7)
.
ص: 406
عنه عليه السلام :لا عِلمَ لِمَن لا حِلمَ لَهُ. (1)
عنه عليه السلام :يَحتاجُ العِلمُ إلَى الحِلمِ. (2)
عنه عليه السلام :وَقارُ الحِلمِ زينَةُ العِلمِ. (3)
عنه عليه السلام :نِعمَ قَرينُ الحِلمِ العِلمُ. (4)
عنه عليه السلام :تَعَلَّمُوا العِلمَ ، وتَعَلَّموا لِلعِلمِ السَّكينَةَ وَالحِلمَ ، ولا تَكونوا جَبابِرَةَ العُلَماءِ. (5)
عنه عليه السلام :كَمالُ العِلمِ الحِلمُ ، وكَمالُ الحِلمِ كَثرَةُ الاِحتِمالِ وَالكَظمِ. (6)
عنه عليه السلام :حُسنُ الحِلمِ دَليلُ وُفورِ العِلمِ. (7)
عنه عليه السلام :لَن يُثمِرَ العِلمُ حَتّى يُقارِنَهُ الحِلمُ. (8)
عنه عليه السلام :الحِلمُ زِينَةُ العِلمِ. (9)
عنه عليه السلام :رَأسُ العِلمِ الحِلمُ. (10)
عنه عليه السلام :إنَّ أفضَلَ العِلمِ السَّكينَةُ وَالحِلمُ. (11)
عنه عليه السلام :الحِلمُ حِليَةُ العِلمِ وعِلَّةُ السِّلمِ. (12)
.
ص: 407
عنه عليه السلام :لا شَيءَ أحسَنُ مِن عَقلٍ مَعَ عِلمٍ ، وعِلمٍ مَعَ حِلمٍ ، وحِلمٍ مَعَ قُدرَةٍ. (1)
عنه عليه السلام :مِن أشرَفِ العِلمِ التَّحَلّي بِالحِلمِ. (2)
عنه عليه السلام :العِلمُ قائِدُ الحِلمِ. (3)
عنه عليه السلام :عَلَيكَ بِالحِلمِ فَإِنَّهُ ثَمَرَةُ العِلمِ. (4)
عنه عليه السلام :رَدُّ الغَضَبِ بِالحِلمِ ثَمَرَةُ العِلمِ. (5)
عنه عليه السلام :العِلمُ أصلُ الحِلمِ. (6)
عنه عليه السلام :الحِلمُ ثَمَرَةُ العِلمِ. (7)
عنه عليه السلام :غايَةُ العِلمِ السَّكينَةُ وَالحِلمُ. (8)
عنه عليه السلام :تَجَرَّع مَضَضَ الحِلمِ ، فَإِنَّهُ رَأسُ الحِكمَةِ وثَمَرَةُ العِلمِ. (9)
عنه عليه السلام :بِالعِلمِ تُدرَكُ دَرَجَةُ الحِلمِ. (10)
عنه عليه السلام :مَنِ ارتَوى مِن مَشرَبِ العِلمِ تَجَلبَبَ جِلبابَ الحِلمِ. (11)
عنه عليه السلام :العِلمُ مَركَبُ الحِلمِ. (12)
.
ص: 408
الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ العُلَماءَ هُمُ الحُلَماءُ الرُّحَماءُ. (1)
الإمام الباقر عليه السلام :ما شيبَ شَيءٌ بِشَيءٍ أحسَنُ مِن حِلمٍ بِعِلمٍ. (2)
عنه عليه السلام_ في رِسالَتِهِ إلى سَعدِ الخَيرِ _: الحِلمُ لِباسُ العالِمِ فَلا تَعرَيَنَّ مِنهُ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :عَلَيكَ بِالحِلمِ فَإِنَّهُ رُكنُ العِلمِ. (4)
عنه عليه السلام :اُطلُبُوا العِلمَ وتَزَيَّنوا مَعَهُ بِالحِلمِ وَالوَقارِ. (5)
2 / 4الصَّمتالإمام عليّ عليه السلام :كُن صَموتاً مِن غَيرِ عِيٍّ ؛ فَإِنَّ الصَّمتَ زينَةُ العالِمِ ، وسِترُ الجاهِلِ. (6)
عنه عليه السلام :الصَّمتُ زَينُ العِلمِ ، وعُنوانُ الحِلمِ. (7)
عنه عليه السلام :يَنبَغي أن يَكونَ عِلمُ الرَّجُلِ زائِداً عَلى نُطقِهِ ، وعَقلُهُ غالِباً عَلى لِسانِهِ. (8)
عنه عليه السلام :لا تَتَكَلَّم بِكُلِّ ما تَعلَمُ ، فَكَفى بِذلِكَ جَهلًا. (9)
الإمام الباقر عليه السلام :صَمتُ الأَديبِ عِندَ اللّهِ أفضَلُ مِن تَسبيحِ الجاهِلِ. (10)
.
ص: 409
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : يا طالِبَ العِلمِ ، إنَّ لِلعالِمِ ثَلاثَ عَلاماتٍ : العِلمَ وَالحِلمَ وَالصَّمتَ. (1)
راجع : ص 276 ح 2382 _ 2383 و 277 ح2385 و 364 (السكوت) و 427 ح 3023 .
2 / 5خَفضُ الجَناحِالإمام عليّ عليه السلام :خَفضُ الجَناحِ زينَةُ العِلمِ. (2)
الكافي عن محمّد بن سنان رفعه ، قال :قالَ عيسَى بنُ مَريَمَ عليه السلام : يا مَعشَرَ الحَوارِيّينَ ، لي إلَيكُم حاجَةٌ ، اِقضوها لي . قالوا : قُضِيَت حاجَتُكَ يا روحَ اللّهِ . فَقامَ فَغَسَلَ أقدامَهُم . فَقالوا : كُنّا نَحنُ أحَقَّ بِهذا يا روحَ اللّهِ! فَقالَ : إنَّ أحَقَّ النّاسِ بِالخِدمَةِ العالِمُ ، إنَّما تَواضَعتُ هكَذا لِكَيما تَتَواضَعوا بَعدي فِي النّاسِ كَتَواضُعي لَكُم . بِالتَّواضُعِ تَعمُرُ الحِكمَةُ لا بِالتَّكَبُّرِ ، وكَذلِكَ فِي السَّهلِ يَنبُتُ الزَّرعُ لا فِي الجَبَلِ. (3)
راجع: ص 344 (التواضع للمتعلّم) .
.
ص: 410
2 / 6استِنقَاذُ الجاهِلِالإمام الصادق عليه السلام_ في زِيارَةِ الإمامِ الحُسَينِ عليه السلام _: اللّهُمَّ إنّي أشهَدُ أنَّ هذا قَبرُ ابنِ حَبيبِكَ وصَفوَتِكَ مِن خَلقِكَ ، وأنَّهُ الفائِزُ بِكَرامَتِكَ ، أكرَمتَهُ بِكِتابِكَ ، وخَصَصتَهُ وَائتَمَنتَهُ عَلى وَحيِكَ ، وأعطَيتَهُ مَواريثَ الأَنبِياءِ ، وجَعَلتَهُ حُجَّةً عَلى خَلقِكَ ، فَأَعذَرَ فِي الدُّعاءِ ، وبَذَلَ مُهجَتَهُ فيكَ ؛ لِيَستَنقِذَ عِبادَكَ مِنَ الضَّلالَةِ وَالجَهالَةِ وَالعَمى وَالشَّكِّ وَالاِرتِيابِ إلى بابِ الهُدى مِنَ الرَّدى. (1)
عنه عليه السلام_ في زِيارَةِ الإِمامِ الحُسَينِ عليه السلام يَومَ الأَربَعينَ _: اَللّهُمَّ إنّي أشهَدُ أنَّهُ وَلِيُّكَ وَابنُ وَلِيِّكَ ، وصَفِيُّكَ وَابنُ صَفِيِّكَ ، الفائِزُ بِكَرامَتِكَ ، أكرَمتَهُ بِالشَّهادَةِ ، وحَبَوتَهُ بِالسَّعادَةِ ، وَاجتَبَيتَهُ بِطيبِ الوِلادَةِ ، وجَعَلتَهُ سَيَّداً مِنَ السّادَةِ وقائِداً مِنَ القادَةِ وذائِداً مِنَ الذّادَةِ ، وأعطَيتَهُ مَواريثَ الأَنبِياءِ ، وجَعَلتَهُ حُجَّةً عَلى خَلقِكَ مِنَ الأَوصِياءِ ، فَأَعذَرَ فِي الدُّعاءِ ، ومَنَحَ النُّصحَ ، وبَذَلَ مُهجَتَهُ فيكَ ؛ لِيَستَنقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وحَيرَةِ الضَّلالَةِ. (2)
2 / 7مُكافَحَةُ إبليسَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما مِن شَيءٍ أقطَعَ لِظَهرِ إبليسَ مِن عالِمٍ يَخرُجُ في قَبيلَةٍ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :وَالَّذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَعالِمٌ واحِدٌ أشَدُّ عَلى إبليسَ مِن ألفِ عابِدٍ ، لِأَنَّ
.
ص: 411
العابِدَ لِنَفسِهِ وَالعالِمَ لِغَيرِهِ. (1)
الإمام الباقر عليه السلام :وَاللّهِ لَمَوتُ عالِمٍ أحَبُّ إلى إبليسَ مِن مَوتِ سَبعينَ عابِداً. (2)
عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى سَعدِ الخَيرِ _: يا أخي ، إنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ في كُلٍّ مِنَ الرُّسُلِ بَقايا مِن أهلِ العِلمِ يَدعونَ مَن ضَلَّ إلَى الهُدى ويَصبِرونَ مَعَهُم عَلَى الأَذى ، يُجيبونَ داعِيَ اللّهِ ويَدعونَ إلَى اللّهِ ، فَأَبصِرهُم رَحِمَكَ اللّهُ ، فَإِنَّهُم في مَنزِلَةٍ رَفيعَةٍ وإن أصابَتهُم فِي الدُّنيا وَضيعَةٌ ، إنَّهُم يُحيونَ بِكِتابِ اللّهِ المَوتى ويُبَصِّرونَ بِنورِ اللّهِ مِنَ العَمى ، كَم مِن قَتيلٍ لِاءبليسَ قَد أحيَوهُ ! وكَم مِن تائِهٍ ضالٍّ قَد هَدَوهُ ! يَبذِلونَ دِماءَهُم دونَ هَلَكَةِ العِبادِ ، وما أحسَنَ أثَرَهُم عَلَى العِبادِ ! وأقبَحَ آثارَ العِبادِ عَلَيهِم ! (3)
الإمام الصادق عليه السلام :عُلَماءُ شيعَتِنا مُرابِطونَ فِي الثَّغرِ الَّذي يَلي إبليسَ وعَفاريتَهُ ، يَمنَعونَهُم عَنِ الخُروجِ عَلى ضُعَفاءِ شيعَتِنا ، وعَن أن يَتَسَلَّطَ عَلَيهِم إبليسُ وشيعَتُهُ النَّواصِبُ. (4)
الإمام الكاظم عليه السلام :فَقيهٌ واحِدٌ يُنقِذُ يَتيماً مِن أيتامِنا المُنقَطِعينَ عَن مُشاهَدَتِنا بِتَعَلُّمِ ما هُوَ مُحتاجٌ إلَيهِ ، أشَدُّ عَلى إبليسَ مِن ألفِ عابِدٍ ؛ لِأَنَّ العابِدَ هَمُّهُ ذاتُ نَفسِهِ فَقَط ، وهذا هَمُّهُ مَعَ ذاتِ نَفسِهِ ذاتُ عِبادِ اللّهِ وإمائِهِ ، لِيُنقِذَهُم مِن يَدِ إبليسَ ومَرَدَتِهِ ولِذلِكَ هُوَ أفضَلُ عِندَ اللّهِ مِن ألفِ عابِدٍ وألفِ ألفِ عابِدٍ. (5)
.
ص: 412
الإمام الهادي عليه السلام :لَولا مَن يَبقى بَعدَ غَيبَةِ قائِمِكُم عليه السلام مِنَ العُلَماءِ الدّاعينَ إلَيهِ ، وَالدّالّينَ عَلَيهِ ، وَالذّابّينَ عَن دينِهِ بِحُجَجِ اللّهِ ، وَالمُنقِذينَ لِضُعَفاءِ عِبادِ اللّهِ مِن شِباكِ إبليسَ ومَرَدَتِهِ ، ومِن فِخاخِ النَّواصِبِ ، لَما بَقِيَ أحَدٌ إلَا ارتَدَّ عَن دينِ اللّهِ ، ولكِنَّهُمُ الَّذينَ يُمسِكونَ أزِمَّةَ قُلوبِ ضُعَفاءِ الشّيعَةِ كَما يُمسِكُ صاحِبُ السَّفينَةِ سُكّانَها ، اُولئِكَ هُمُ الأَفضَلونَ عِندَ اللّهِ عز و جل . (1)
2 / 8مُكافَحَةُ الظّالِمِالإمام عليّ عليه السلام :لَولا حُضورُ الحاضِرِ ، وقِيامُ الحُجَّةِ بِوُجودِ النّاصِرِ ، وما أخَذَ اللّهُ عَلَى العُلَماءِ ألّا يُقارّوا عَلى كِظَّةِ ظالِمٍ ولا سَغَبِ مَظلومٍ ، لَأَلقَيتُ حَبلَها عَلى غارِبِها. (2)
الإمام الحسين عليه السلام_ فِي الأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ _: اِعتَبِروا أيُّهَا النّاسُ بِما وَعَظَ اللّهُ بِهِ أولِياءَهُ مِن سوءِ ثَنائِهِ عَلَى الأَحبارِ إذ يَقولُ : «لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّ_نِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْاءِثْمَ» (3) ، وقالَ : «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرَ ءِيلَ _ إلى قوله _ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ» (4) . وإنَّما عابَ اللّهُ ذلِكَ عَلَيهِم لِأَنَّهُم كانوا يَرَونَ مِنَ الظَّلَمَةِ الَّذينَ بَينَ أظهُرِهِمُ المُنكَرَ وَالفَسادَ فَلا يَنهَونَهُم عَن ذلِكَ ؛
.
ص: 413
رَغبَةً فيما كانوا يَنالونَ مِنهُم ، ورَهبَةً مِمّا يَحذَرونَ ، وَاللّهُ يَقولُ : «فَلَا تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ» (1) ، وقالَ : «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَ_تُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ» . (2) فَبَدَأَ اللّهُ بِالأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ فَريضَةً مِنهُ ، لِعِلمِهِ بِأَنَّها إذا اُدِّيَت واُقيمَتِ استَقامَتِ الفَرائِضُ كُلُّها هَيِّنُها وصَعبُها ؛ وذلِكَ أنَّ الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ دُعاءٌ إلَى الإِسلامِ مَعَ رَدِّ المَظالِمِ ، ومُخالَفَةِ الظّالِمِ ، وقِسمَةِ الفَيءِ وَالغَنائِمِ ، وأخذِ الصَّدَقاتِ مِن مَواضِعِها ، ووَضعِها في حَقِّها . ثُمَّ أنتُم ، أيَّتُهَا العِصابَةُ ، عِصابَةٌ بِالعِلمِ مَشهورَةٌ ، وبِالخَيرِ مَذكورَةٌ ، وبِالنَّصيحَةِ مَعروفَةٌ ، وبِاللّهِ في أنفُسِ النّاسِ مُهابَةٌ ، يَهابُكُمُ الشَّريفُ ، ويُكرِمُكُمُ الضَّعيفُ ، ويُؤثِرُكُم مَن لا فَضلَ لَكُم عَلَيهِ ولا يَدَ لَكُم عِندَهُ ، تَشفَعونَ فِي الحَوائِجِ إذَا امتَنَعَت مِن طُلّابِها ، وتَمشونَ فِي الطَّريقِ بِهَيبَةِ المُلوكِ وكَرامَةِ الأَكابِرِ . ألَيسَ كُلُّ ذلِكَ إنَّما نِلتُموهُ بِما يُرجى عِندَكُم مِنَ القِيامِ بِحَقِّ اللّهِ وإن كُنتُم عَن أكثَرِ حَقِّهِ تُقَصِّرونَ ؟ ! فَاستَخفَفتُم بِحَقِّ الأَئِمَّةِ ، فَأَمّا حَقُّ الضُّعَفاءِ فَضَيَّعتُم ، وأمّا حَقُّكُم بِزَعمِكُم فَطَلَبتُم . فَلا مالًا بَذَلُتموهُ ،ولا نَفساً خاطَرتُم بِها لِلَّذي خَلَقَها ، ولا عَشيرَةً عادَيتُموها في ذاتِ اللّهِ ، أنتُم تَتَمَنَّونَ عَلَى اللّهِ جَنَّتَهُ ومُجاوَرَةَ رُسُلِهِ وأماناً مِن عَذابِهِ ! لَقَد خَشيتُ عَلَيكُم أيُّهَا المُتَمَنّونَ عَلَى اللّهِ أن تَحِلَّ بِكُم نَقمَةٌ مِن نَقَماتِهِ ؛ لِأَنَّكُم بَلَغتُم مِن كَرامَةِ اللّهِ مَنزِلَةً فُضِّلتُم بِها ، ومَن يُعرَفُ بِاللّهِ لا تُكرِمونَ ، وأنتُم بِاللّهِ في عِبادِهِ تُكرَمونَ ! وقَد تَرَونَ عُهودَ اللّهِ مَنقوضَةً فَلا تَفزَعونَ ، وأنتُم لِبَعضِ ذِمَمِ آبائِكم
.
ص: 414
تَفزَعونَ ، وذِمَّةُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَحقورَةٌ !وَالعُميُ وَالبُكمُ وَالزَّمنى فِي المَدائِنِ مُهمَلَةٌ لا تُرحَمونَ ، ولا في مَنزِلَتِكُم تَعمَلونَ ، ولا مَن عَمِلَ فيها تُعينونَ ، وبِالإِدهانِ وَالمُصانَعَةِ عِندَ الظَّلَمَةِ تَأمَنونَ ! كُلُّ ذلِكَ مِمّا أمَرَكُمُ اللّهُ بِهِ مِنَ النَّهيِ وَالتَّناهي وأنتُم عَنهُ غافِلونَ ! وأنتُم أعظَمُ النّاسِ مُصيبَةً لِما غُلِبتُم عَلَيهِ مِن مَنازِلِ العُلَماءِ لَو كُنتُم تَشعُرونَ ! ذلِكَ بِأَنَّ مَجارِيَ الاُمورِ وَالأَحكامِ عَلى أيدِي العُلَماءِ بِاللّهِ الاُمَناءِ عَلى حَلالِهِ وحَرامِهِ ، فَأَنتُمُ المَسلوبونَ تِلكَ المَنزِلَةَ ، وما سُلِبتُم ذلِكَ إلّا بِتَفَرُّقِكُم عَنِ الحَقِّ وَاختِلافِكُم فِي السُّنَّةِ بَعدَ البَيِّنَةِ الواضِحَةِ ! ولَو صَبَرتُم عَلَى الأَذى وتَحَمَّلتُمُ المَؤونَةَ في ذاتِ اللّهِ كانَت اُمورُ اللّهِ عَلَيكُم تَرِدُ وعَنكُم تَصدُرُ وإلَيكُم تَرجِعُ ، ولكِنَّكُم مَكَّنتُمُ الظَّلَمَةَ مِن مَنزِلَتِكُم واستَسلَمتُم اُمورَ اللّهِ في أيديهِم ! يَعمَلونَ بِالشُّبُهاتِ ويَسيرونَ فِي الشَّهَواتِ ، سَلَّطَهُم عَلى ذلِكَ فِرارُكُم مِنَ المَوتِ وإعجابُكُمُ بِالحَياةِ الَّتي هِيَ مُفارِقَتُكُم ، فَأَسلَمتُمُ الضُّعَفاءَ في أيديهِم ، فَمِن بَينِ مُستَعبَدٍ مَقهورٍ وبَينِ مُستَضعَفٍ عَلى مَعيشَتِهِ مَغلوبٍ ، يَتَقَلَّبونَ فِي المُلكِ بِآرائِهِم ، ويَستَشعِرونَ الخِزيَ بِأَهوائِهِمُ اقتِداءً بِالأَشرارِ وجُرأَةً عَلَى الجَبّارِ، فيكُلِّ بَلَدٍ مِنهُم عَلى مِنبَرِهِ خَطيبٌ يَصقَعُ. فَالأَرضُ لَهُم شاغِرَةٌ وأيديهِم فيها مَبسوطَةٌ وَالنّاسُ لَهُم خَوَلٌ (1) لا يَدفَعونَ يَدَ لامِسٍ ، فَمِن بَينِ جَبّارٍ عَنيدٍ وذي سَطوَةٍ عَلَى الضَّعَفَةِ شَديدٍ ، مُطاعٍ لا يَعرِفُ المُبدِئَ المُعيدَ ، فَيا عَجَباً ومالي ( لا ) أعجَبُ وَالأَرضُ مِن غاشٍّ غَشومٍ ، ومُتَصَدِّقٍ ظَلومٍ ،
.
ص: 415
وعامِلٍ عَلَى المُؤمِنينَ بِهِم غَيرُ رَحيمٍ ! فَاللّهُ الحاكِمُ فيما فيهِ تَنازَعنا ، وَالقاضي بِحُكمِهِ فيما شَجَرَ بَينَنا ! اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنَّهُ لَم يَكُن ما كانَ مِنّا تَنافُساً في سُلطانٍ ، ولَا التِماساً مِن فُضولِ الحُطامِ ، ولكِن لِنُرِيَ المَعالِمَ مِن دينِكَ ، ونُظهِرَ الإِصلاحَ في بِلادِكَ ، ويَأمَنَ المَظلومونَ مِن عِبادِكَ ، ويُعمَلَ بِفَرائِضِكَ وسُنَنِكَ وأحكامِكَ ، فَإِن لَم تَنصُرونا وتُنصِفونا قَوِيَ الظَّلَمَةُ عَلَيكُم ، وعَمِلوا في إطفاءِ نورِ نَبِيِّكُم . وحَسبُنَا اللّهُ وعَلَيهِ تَوَكَّلنا وإلَيهِ أنَبنا وإلَيهِ المَصيرُ. (1)
2 / 9رَدُّ البِدعَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا ظَهَرَتِ البِدَعُ في اُمَّتي فَليُظهِرِ العالِمُ عِلمَهُ ، فَمَن لَم يَفعَل فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا ظَهَرَتِ البِدَعُ ولَعَنَ آخِرُ هذِهِ الاُمَّةِ أوَّلَها ، فَمَن كانَ عِندَهُ عِلمٌ فَليَنشُرهُ ، فَإِنَّ كاتِمَ العِلمِ يَومَئِذٍ كَكاتِمِ ما أنزَلَ اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ للّهِِ عِندَ كُلِّ بِدعَةٍ تَكيدُ الإِسلامَ وأهلَهُ مَن يَذُبُّ عَنهُ ، ويَتَكَلَّمُ بِعَلاماتِهِ ، فَاغتَنِموا تِلكَ المَجالِسَ بِالذَبِّ عَنِ الضُّعَفاءِ ، وتَوَكَّلوا عَلَى اللّهِ وكَفى بِاللّهِ وَكيلًا. (4)
.
ص: 416
علل الشرائع عن يونس بن عبدالرحمن عن الصادقِين عليهم السلام: إذا ظَهَرَتِ البِدَعُ فَعَلَى العالِمِ أن يُظهِرَ عِلمَهُ ، فَإِن لَم يَفعَل سُلِبَ مِنهُ نورُ الإِيمانِ. (1)
راجع: ص 325 (وجوب التعليم على العالم) و 326 (حرمة كتمان العلم) و 332 (زكاة العلم) و 333 (أفضل الصدقة) .
2 / 10التَّناصُحرسول اللّه صلى الله عليه و آله :تَناصَحوا فِي العِلمِ ، فَإِنَّ خِيانَةَ أحَدِكُم في عِلمِهِ أشَدُّ مِن خِيانَتِهِ في مالِهِ ، وإنَّ اللّهَ سائِلُكُم يَومَ القِيامَةِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ فيما كَتَبَ إلى مُعاوِيَة _: وإنّي لَأَعِظُكَ مَعَ عِلمي بِسابِقِ العِلمِ فيكَ مِمّا لا مَرَدَّ لَهُ دونَ نَفاذِهِ ، ولكِنَّ اللّهَ تَعالى أخَذَ عَلَى العُلَماءِ أن يُؤَدُّوا الأَمانَةَ وأن يَنصَحُوا الغَوِيَّ وَالرَّشيدَ. (3)
2 / 11مَعرِفَةُ قَدرِهِالإمام عليّ عليه السلام :العالِمُ مَن عَرَفَ قَدرَهُ ، وكَفى بِالمَرءِ جَهلًا أن لا يَعرِفَ قَدرَهُ. (4)
.
ص: 417
عنه عليه السلام :العالِمُ مَن عَرَفَ قَدرَهُ. (1)
راجع : ص 427 ح 3023.
2 / 12المُباحَثَةرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : تَذاكُرُ العِلمِ بَينَ عِبادي مِمّا تَحيا عَلَيهِ القُلوبُ المَيتَةُ إذا هُمُ انتَهَوا فيهِ إلى أمري. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :تَذاكَروا وتَلاقَوا وتَحَدَّثوا ، فَإِنَّ الحَديثَ جِلاءٌ لِلقُلوبِ ، إنَّ القُلوبَ لَتَرينُ كَما يَرينُ السَّيفُ ، جِلاؤُهَا الحَديثُ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :تَزاوَروا وتَذاكَرُوا الحَديثَ ، إلّا تَفعَلوا يَدرُس. (4)
الإمام الباقر عليه السلام :تَذاكُرُ العِلمِ دِراسَةٌ ، وَالدِّراسَةُ صَلاةٌ حَسَنَةٌ. (5)
الكافي عن أبي الجارود :سَمِعتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام يَقولُ : رَحِمَ اللّهُ عَبداً أحيَا العِلمَ . قالَ : قُلتُ : وما إحياؤُهُ؟ قالَ : أن يُذاكِرَ بِهِ أهلَ الدّينِ وأهلَ الوَرَعِ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :القُلوبُ تُربٌ ، وَالعِلمُ غَرسُها ، وَالمُذاكَرَةُ ماؤُها ، فَإِذَا انقَطَعَ عَنِ التُّربِ ماؤُها جَفَّ غَرسُها. (7)
.
ص: 418
عنه عليه السلام :تَلاقوا وتَحادَثُوا العِلمَ ، فَإِنَّ بِالحَديثِ تُجلَى القُلوبُ الرائِنَةُ ، وبِالحَديثِ إحياءُ أمرِنا ، فَرَحِمَ اللّهُ مَن أحيا أمرَنا. (1)
2 / 13التَّوَقُّفُ عِندَ الجَهلالكتاب«وَ لَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَ_ئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْ_ئولًا» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: مِن صِفاتِ المُؤمِنِ أن يَكونَ بَرِيًّا مِنَ المُحَرَّماتِ، واقِفاً عِندَ الشُّبُهاتِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :لا تُخبِر بِما لَم تُحِط بِهِ عِلماً. (4)
عنه عليه السلام :لا تَقُل ما لا تَعلَمُ فَتُتَّهَمَ بإِخبارِكَ بِما تَعلَمُ. (5)
عنه عليه السلام :اِستَصبِحوا مِن شُعلَةِ واعِظٍ مُتَّعِظٍ ، وَاقبَلوا نَصيحَةَ ناصِحٍ مُتَيَقِّظٍ ، وقِفوا عِندَ ما أفادَكُم مِنَ التَّعليمِ. (6)
الكافي عن زرارة :سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام : ما حَقُّ اللّهِ عَلَى العِبادِ ؟ قالَ : أن يَقولوا ما يَعلَمونَ ، ويَقِفوا عِندَ ما لا يَعلَمونَ. (7)
.
ص: 419
الإمام الصادق عليه السلام :لَو أنَّ العِبادَ إذا جَهِلوا وقَفوا ولَم يَجحَدوا ، لَم يَكفُروا. (1)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ خَصَّ عِبادَهُ بِآيَتَينِ مِن كِتابِهِ : أن لا يَقولوا حَتّى يَعلَموا ، ولا يَرُدّوا ما لَم يَعلَموا . قالَ اللّهُ عز و جل : «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَ_قُ الْكِتَ_بِ أَن لَايَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلَا الْحَقَّ» (2) ، و قالَ : «بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ» (3) . (4)
الكافي عن هشام بن سالم :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : ما حَقُّ اللّهِ عَلى خَلقِهِ؟ فَقالَ : أن يَقولوا ما يَعلَمونَ ، ويَكُفّوا عَمّا لا يَعلَمونَ. (5)
2 / 14الاِعتِرافُ بِالجَهلِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي المُناجاةِ الَّتي عَلَّمَها عَلِيّا عليه السلام _: أنتَ العالِمُ وأنَا الجاهِلُ. (6)
الإمام عليّ عليه السلام :غايَةُ العَقلِ الاِعتِرافُ بِالجَهلِ. (7)
عنه عليه السلام :إنَّ الدُّنيا لَم تَكُن لِتَستَقِرَّ إلّا عَلى ما جَعَلَهَا اللّهُ عَلَيهِ مِنَ النَّعماءِ ، وَالاِبتِلاءِ ، وَالجَزاءِ فِي المَعادِ ، أو ما شاءَ مِمّا لا تَعلَمُ ، فَإِن أشكَلَ عَلَيكَ شَيءٌ مِن ذلِكَ
.
ص: 420
فَاحمِلهُ عَلى جَهالَتِكَ ، فَإِنَّكَ أوَّلُ ما خُلِقتَ بِهِ جاهِلًا ثُمَّ عُلِّمتَ . وما أكثَرَ ما تَجهَلُ مِنَ الأَمرِ [ الاُمورِ ]ويَتَحَيَّرُ فيهِ رَأيُكَ ! ويَضِلُّ فيهِ بَصَرُكَ ثُمَّ تُبصِرُهُ بَعدَ ذلِكَ ! (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي الاِستِقالَةِ _: . . . فَمَن أجهَلُ مِنّي يا إلهي بِرُشدِهِ ؟ ومَن أغفَلُ مِنّي عَن حَظِّهِ؟ ومَن أبعَدُ مِنّي مِنِ استِصلاحِ نَفسِهِ . . . حينَ اُنفِقُ ما أجرَيتَ عَلَيَّ مِن رِزقِكَ فيما نَهَيتَني عَنهُ مِن مَعصِيَتِكَ ؟ (2)
راجع : ص 355 (قول لا أعلم) و 427 (دعوى العلم) .
2 / 15عَدَمُ الاِكتِفاءِ بِما يَعلَمُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :كُلُّ صاحِبِ عِلمٍ غَرثانُ (3) إلى عِلمٍ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَشبَعُ عالِمٌ مِن عِلمٍ حَتّى يَكونَ مُنتَهاهُ الجَنَّةَ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لَن يَشبَعَ المُؤمِنُ مِن خَيرٍ يَسمَعُهُ حَتّى يَكونَ مُنتَهاهُ الجَنَّةَ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَكونُ المُؤمِنُ عاقِلًا حَتّى يَجتَمِعَ فيهِ عَشرُ خِصالٍ : . . . لا يَسأَمُ مِن طَلَبِ العِلمِ طولَ عُمُرِهِ. (7)
.
ص: 421
عنه صلى الله عليه و آله :مَنهومانِ (1) لا يَشبَعانِ : طالِبُ عِلمٍ وطالِبُ دُنيا . وبِنَيلِ هذَينِ السَّبَبَينِ يَجمَعُ السَّعيدُ قُطرَيِ المُرادِ ، ويَنالُ البُغيَةَ مِن إصلاحِ المَعاشِ وَالمَعادِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَنهومانِ لا يَشبَعانِ : طالِبُ دُنيا وطالِبُ عِلمٍ ، فَمَنِ اقتَصَرَ مِنَ الدُّنيا عَلى ما أحَلَّ اللّهُ لَهُ سَلِمَ ، ومَن تَناوَلَها مِن غَيرِ حِلِّها هَلَكَ ، إلّا أن يَتوبَ أو يُراجِعَ ، ومَن أخَذَ العِلمَ مِن أهلِهِ وعَمِلَ بِعِلمِهِ نَجا ، ومَن أرادَ بِهِ الدُّنيا فَهِيَ حَظُّهُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :أجوَعُ النّاسِ طالِبُ العِلمِ ، وأشبَعُهُمُ الَّذي لا يَبتَغيهِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا أتى عَلَيَّ يَومٌ لا أزدادُ فيهِ عِلماً ، فَلا بورِكَ في طُلوعِ شَمسِ ذلِكَ اليَومِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن مَعادِنِ التَّقوى تَعَلُّمُكَ إلى ما قَد عَلِمتَ ما لَم تَعلَم ، وَالتَّقصيرُ فيما قَد عَلِمتَ قِلَّةُ الزِّيادَةِ فيهِ ، وإنَّما يُزهِدُ الرَّجُلَ في عِلمِ ما لَم يَعلَم قِلَّةُ الاِنتِفاعِ بِما قَد عَلِمَ. (6)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن عَرَفَ الحِكمَةَ لَم يَصبِر عَنِ الاِزدِيادِ مِنها. (7)
.
ص: 422
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: لَو كانَ أحَدٌ مُكتَفِياً مِنَ العِلمِ لَاكتَفى نَبِيُّ اللّهِ موسى ، وقَد سَمِعتُم قَولَ_هُ : «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا» (1) . (2)
عنه عليه السلام :عَلَى العالِمِ أن يَتَعَلَّمَ ما لَم يَعلَم ، ويُعَلِّمَ النّاسَ ما قَد عَلِمَ. (3)
عنه عليه السلام :العالِمُ مَن لا يَشبَعُ مِنَ العِلمِ ولا يَتَشَبَّعُ بِهِ. (4)
عنه عليه السلام :العالِمُ الَّذي لا يَمِلُّ مِن تَعَلُّمِ العِلمِ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :أربَعَةٌ لا يَشبَعنَ مِن أربَعَةٍ : الأَرضُ مِنَ المَطَرِ ، وَالعَينُ مِنَ النَّظَرِ ، وَالاُنثى مِنَ الذَّكَرِ ، وَالعالِمُ مِنَ العِلمِ. (6)
الكافي عن عليّ بن أسباط عنهم عليهم السلام :فيما وَعَظَ اللّهُ عز و جل بِهِ عيسى عليه السلام : يا عيسى ... كُن حَيثُما كُنتَ عالِماً مُتَعَلِّماً. (7)
داود عليه السلام :قُل لِصاحِبِ العِلمِ يَتَّخِذ عَصاً مِن حَديدٍ ونَعلَينِ مِن حَديدٍ ، ويَطلُبِ العِلمَ حَتّى تَنكَسِرَ العَصا وتَنخَرِقَ النَّعلانِ. (8)
راجع: ص 263 (الدوام) و 423 (الاستعانة باللّه في زيادة العلم) و 427 ح 3023 ص 126 ح 1762 .
.
ص: 423
2 / 16الاِستِعانَةُ بِاللّهِ في زِيادَةِ العِلمِالكتاب«وَ قُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ كانَ إذَا استَيقَظَ مِنَ اللَّيلِ يَقولُ _: لا إلهَ إلّا أنتَ سُبحانَكَ ، اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ لِذَنبي وأسأَلُكَ بِرَحمَتِكَ ، اللّهُمَّ زِدني عِلماً ولا تُزِغ قَلبي بَعدَ إذ هَدَيتَني وهَب لي مِن لَدُنكَ رَحمَةً إنَّكَ أنتَ الوَهّابُ. (2)
راجع : ص 263 (الدوام) ، ص 149 (الدعاء) .
2 / 17الاِستِعانَةُ بِاللّهِ لِلاِنتِفاعِ بِالعِلمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ انفَعني بِما عَلَّمتَني ، وعَلِّمني ما يَنفَعُني ، وزِدني عِلماً. (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعائِهِ _: اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ عِلماً نافِعاً ، ورِزقاً واسِعاً. (4)
.
ص: 424
الإمام عليّ عليه السلام :لا يَنفَعُ عِلمٌ بِغَيرِ تَوفيقٍ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ في دُعائِهِ _: وانفَعنا بِما عَلَّمتَنا وزِدنا عِلماً نافِعاً . (2)
2 / 18الاِستِعاذَةُ بِاللّهِ مِن عَدَمِ الاِنتِفاعِ بِالعِلمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :سَلُوا اللّهَ عِلماً نافِعاً ، وتَعَوَّذوا بِاللّهِ مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ ومِن قَلبٍ لا يَخشَعُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ أن أقولَ حَقًّا لَيسَ فيهِ رِضاكَ ألَتمِسُ بِهِ أحَداً سِواكَ ، وأعوذُ بِكَ أن أتَزَيَّنَ لِلنّاسِ بِشَيءٍ يَشينُني عِندَكَ ، وأعوذُ بِكَ أن أكونَ عِبرَةً لِأَحَدٍ مِن خَلقِكَ ، وأعوذُ بِكَ أن يَكونَ أحَدٌ مِن خَلقِكَ أسعَدَ بِما عَلَّمتَني مِنّي. (5)
.
ص: 425
2 / 19الاِستِعاذَةُ مِنَ الجَهلِسنن النسائي عن اُمّ سلمة :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كانَ إذا خَرَجَ مِن بَيتِهِ قالَ : بِسمِ اللّهِ ، رَبِّ أعوذُ بِكَ مِن أن أزِلَّ أو أضِلَّ ، أو أظلِمَ أو اُظلَمَ ، أو أجهَلَ أو يُجهَلَ عَلَيَّ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن دُعاءٍ لَهُ يَومَ الهَريرِ بِصِفّينَ _: اللّهُمَّ إنّي . . . أعوذُ بِكَ مِنَ الجَهلِ وَالهَزلِ ، ومِن شَرِّ القَولِ وَالفِعلِ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ في دُعاءِ الصَّباحِ وَالمَساءِ _: اللّهُمَّ بِكَ نُمسي وبِكَ نُصبِحُ ، وبِكَ نَحيا ، وبِكَ نَموتُ ، وإلَيكَ نَصيرُ ، وأعوذُ بِكَ مِن أن أذِلَّ أو اُذَلَّ ، أو أضِلَّ أو اُضَلَّ ، أو أظلِمَ أو اُظلَمَ ، أو أجهَلَ أو يُجهَلَ عَلَيَّ. (3)
الكافي عن عبد الرّحمن بن سيابة :أعطاني أبو عَبدِاللّهِ عليه السلام هذَا الدُّعاءَ : الحَمدُ للّهِِ وَلِيِّ الحَمدِ وأهلِهِ ومُنتَهاهُ ومَحَلِّهِ ... وأعوذُ بِكَ مِن أن أشتَرِيَ الجَهلَ بِالعِلمِ ، وَالجَفاءَ بِالحِلمِ ، وَالجَورَ بِالعَدلِ ، وَالقَطيعَةَ بِالبِرِّ ، وَالجَزَعَ بِالصَّبرِ (4)
2 / 20الاِستِغفارُ مِنَ الجَهلِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ أنَّهُ كانَ يَدعو _: اللّهُمَّ اغفِر لي خَطيئَتي وجَهلي ، وإسرافي في أمري، وما أنتَ أعلَمُ بِهِ مِنّي . اللّهُمَّ اغفِر لي هَزلي وجِدّي وخَطايايَ وعَمدي ،
.
ص: 426
وكُلُّ ذلِكَ عِندي. (1)
2 / 21الاِعتِذارُ مِنَ الجَهلِالإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أعتَذِرُ إلَيكَ مِن جَهلي ، وأستَوهِبُكَ سوءَ فِعلي. (2)
ب _ ما لا يَنبَغي لِلعالِمِ2 / 22تَركُ العَمَلِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَنِ ازدادَ عِلماً ولَم يَزدَد هُدًى ، لَم يَزدَد مِنَ اللّهِ إلّا بُعداً. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ العِلمَ ولَم يَعمَل بِما فيهِ ، حَشَرَهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ أعمى. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ العالِمَ العامِلَ بِغَيرِهِ كَالجاهِلِ الحائِرِ الَّذي لا يَستَفيقُ عَن جَهلِهِ ؛ بَل قَد رَأَيتُ أنَّ الحُجَّةَ عَلَيهِ أعظَمُ ، وَالحَسرَةَ أدوَمُ عَلى هذَا العالِمِ المُنسَلِخِ مِن عِلمِهِ مِنها عَلى هذَا الجاهِلِ المُتَحَيِّرِ في جَهلِهِ ، وكِلاهُما حائِرٌ بائِرٌ. (5)
عنه عليه السلام :يَقبُحُ بِالرَّجُلِ أن يَقصُرَ عَمَلُهُ عَن عِلمِهِ ، ويَعجِزُ فِعلُهُ عَن قَولِهِ. (6)
عنه عليه السلام :عِلمُ المُنافِقِ في لِسانِهِ ، عِلمُ المُؤمِنِ في عَمَلِهِ. (7)
.
ص: 427
عنه عليه السلام :لا يَترُكُ العَمَلَ بِالعِلمِ إلّا مَن شَكَّ فِي الثَّوابِ عَلَيهِ. (1)
عنه عليه السلام :لا يَعمَلُ بِالعِلمِ إلّا مَن أيقَنَ بِفَضلِ الأَجرِ فيهِ. (2)
عنه عليه السلام :تارِكُ العَمَلِ بِالعِلمِ غَيرُ واثِقٍ بِثَوابِ العَمَلِ. (3)
راجع : ص 57 (العمل) و473 (الفصل السادس : علماء السوء) و 45 (شرط العمل) و144 (العمل) و 396 (العمل) .
2 / 23دَعوَى العِلمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن قالَ أنَا عالِمٌ ، فَهُوَ جاهِلٌ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ لِلحَسَنِ عليه السلام _: قَرَعتُكَ بِأَنواعِ الجَهالاتِ لِئَلّا تَعُدَّ نَفسَكَ عالِماً ، فَإِن وَرَدَ عَلَيكَ شَيءٌ لا تَعرِفُهُ (5) أكبَرتَ ذلِكَ ، فَإِنَّ العالِمَ مَن عَرَفَ أنَّ ما يَعلَمُ فيما لا يَعلَمُ قَليلٌ ، فَعَدَّ نَفسَهُ بِذلِكَ جاهِلًا فَازدادَ بِما عَرَفَ مِن ذلِكَ في طَلَبِ العِلمِ اجتِهاداً ، فَما يَزالُ لِلعِلمِ طالِباً وفيهِ راغِباً ولَهُ مُستَفيداً ، ولِأَهلِهِ خاشِعاً ولرأيه مُتَّهِما (6) ، ولِلصَّمتِ لازِماً ، ولِلخَطَاَ حاذِراً ومِنهُ مُستَحيِياً ، وإن وَرَدَ عَلَيهِ ما لا يَعرِفُ لَم يُنكِر ذلِكَ لِما قَرَّرَ بِهِ نَفسَهُ مِنَ الجَهالَةِ. (7)
.
ص: 428
عنه عليه السلام :رُبَّ مُدَّعٍ لِلعِلمِ لَيسَ بِعالِمٍ. (1)
راجع: ص 355 (قول لا أعلم) و 419 (الاعتراف بالجهل) و 263 (الحرص) و 416 (معرفة قدره) و 420 (عدم الإكتفاء بما يعلم) و 433 (الغرور) .
2 / 24حُبُّ الدُّنيارسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ الدُّنيا ذَهَبَ خَوفُ الآخِرَةِ مِن قَلبِهِ ، وما آتَى اللّهُ عَبداً عِلماً فَازدادَ لِلدُّنيا حُبًّا إلَا ازدادَ اللّهُ عَلَيهِ غَضَباً. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ الصَّفَا (3) الزُّلالَ الَّذي لا يَثبُتُ عَلَيهِ أقدامُ العُلَماءِ الطَّمَعُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذَكَرَ فَضلَ العُلَماءِ ، فَقالَ : قُلوبُهُم مَلأى مِنَ الدّاءِ ، ولا داءَ أشَدُّ مِن حُبِّ الدُّنيا ، ولا دَواءَ أكبَرُ مِن تَركِها ، فَاترُكُوا الدُّنيا تَصِلوا إلى رَوحِ الآخِرَةِ. (5)
عنه عليه السلام :لا يَستَفِزُّ خُدَعُ الدُّنيَا العالِمَ. (6)
عنه عليه السلام :كَم مِن عالِمٍ قَد أهلَكَتهُ الدُّنيا. (7)
الإمام الصادق عليه السلام :مَنِ ازدادَ فِي اللّهِ عِلماً وَازدادَ لِلدُّنيا حُبًّا ، ازدادَ مِنَ اللّهِ بُعداً
.
ص: 429
وَازدادَ اللّهُ عَلَيهِ غَضَباً. (1)
عنه عليه السلام :إذا رَأَيتُمُ العالِمَ مُحِبًّا لِدُنياهُ فَاتَّهِموهُ عَلى دينِكُم ، فَإِنَّ كُلَّ مُحِبٍّ لِشَيءٍ يَحوطُ ما أحَبَّ. (2)
عيسى عليه السلام :كَيفَ يَكونُ مِن أهلِ العِلمِ مَن هُوَ في مَسيرِهِ إلى آخِرَتِهِ وهُوَ مُقبِلٌ عَلى دُنياهُ ، وما يَضُرُّهُ أحَبُّ إلَيهِ مِمّا يَنفَعُهُ ؟ ! (3)
عنه عليه السلام :كَيفَ يَكونُ مِن أهلِ العِلمِ مَن دُنياهُ آثَرُ عِندَهُ مِن آخِرَتِهِ ، وهُوَ فِي الدُّنيا أفضَلُ رَغبَةً ؟ ! (4)
عنه عليه السلام :الدّينارُ داءُ الدّينِ ، وَالعالِمُ طَبيبُ الدّينِ ، فَإِذا رَأَيتُمُ الطَّبيبَ يَجُرُّ الدّاءَ إلى نَفسِهِ فَاتَّهِموهُ ، وَاعلَموا أنَّهُ غَيرُ ناصِحٍ لِغَيرِهِ. (5)
راجع : ص 167 (حبّ الدنيا) .
2 / 25اِتِّخاذُ عِلمِ الدّينِ مِهنَةًرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ يُحِبُّ العَبدَ يَتَّخِذُ المِهنَةَ يَستَغني بِها عَنِ النّاسِ ، ويُبغِضُ العَبدَ
.
ص: 430
يَتَعَلَّمُ العِلمَ يَتَّخِذُهُ مِهنَةً. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :عَلَّمَ اللّهُ عز و جل آدَمَ ألفَ حِرفَةٍ مِنَ الحِرَفِ ، فَقالَ لَهُ : قُل لِوُلدِكَ وذُرِيَّتِكَ : إن لَم تَصبِروا فَاطلُبُوا الدُّنيا بِهذِهِ الحِرَفِ ، ولا تَطلُبوها بِدينٍ ، فَإِنَّ الدّينَ لي وَحدي خالِصاً ، وَيلٌ لِمَن طَلَبَ بِالدّينِ الدُّنيا ، وَيلٌ لَهُ ! (2)
عنه صلى الله عليه و آله :اُوحِيَ إلى بَعضِ الأَنبِياءِ : قُل لِلَّذينَ يَتَفَقَّهونَ لِغَيرِ الدّينِ ، ويَتَعَلَّمونَ لِغَيرِ العَمَلِ ، ويَطلُبونَ الدُّنيا بِعَمَلِ الآخِرَةِ ، يَلبَسونَ لِلنّاسِ مُسوكَ الكِباشِ وقُلوبُهُم كَقُلوبِ الذِّئابِ، وألسِنَتُهُم أحلى مِنَ العَسَلِ، وقُلوبُهُم أمَرُّ مِنَ الصَّبِرِ : إيّايَ يُخادِعونَ ؟ ! وبي يَستَهزِئونَ ؟ ! لَاُتيحَنَّ لَهُم فِتنَةً تَذَرُ الحَليمَ فيهِم حَيراناً. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عَلَيكُم إذا تُفُقِّهَ لِغَيرِ الدّينِ ، وتُعُلِّمَ لِغَيرِ العَمَلِ ، وطُلِبَتِ الدُّنيا بِعَمَلِ الآخِرَةِ. (4)
عنه عليه السلام :إنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ يَقولُ : كَيفَ أنتُم إذا لَبَسَتكُم فِتنَةٌ يَربو فيهَا الصَّغيرُ ، ويَهرَمُ فيهَا الكَبيرُ ! يَجرِي النّاسُ عَلَيها ويَتَّخِذونَها سُنَّةً ، فَإِذا غُيِّرَ مِنها شَيءٌ ، قيلَ : قَد غُيِّرَتِ السُّنَّةُ وقَد أتَى النّاسُ مُنكَراً ، ثُمَّ تَشتَدُّ البَلِيَّةُ وتُسبَى الذُّرِّيَّةُ ، وتَدُقُّهُمُ الفِتنَةُ كَما تَدُقُّ النّارُ الحَطَبَ وكَما تَدُقُّ الرَّحى بِثِفالِها ، ويَتَفَقَّهونَ لِغَيرِ اللّهِ ، ويَتَعَلَّمونَ لِغَيرِ العَمَلِ ، ويَطلُبونَ الدُّنيا بِأَعمالِ الآخِرَةِ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن أرادَ الحَديثَ لِمَنفَعَةِ الدُّنيا لَم يَكُن لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصيبٌ ، ومَن
.
ص: 431
أرادَ بِهِ خَيرَ الآخِرَةِ أعطاهُ اللّهُ خَيرَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ. (1)
راجع: ص 350 (عدم أخذ الاُجرة لتعليم معالم الدين) و 450 ح 3153 و 452 ح 3157 .
2 / 26مُخالَطَةُ السُّلطانِ الجائِرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا رَأَيتَ العالِمَ يُخالِطُ السُّلطانَ مُجالَسَةً كَثيرَةً ، فَاعلَم أنَّهُ لِصٌّ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل يُحِبُّ الاُمَراءَ إذا خالَطُوا العُلَماءَ ، وإنَّ اللّهَ يَمقُتُ العُلَماءَ إذا خالَطُوا الاُمَراءَ ، لِأَنَّ العُلَماءَ إذا خالَطُوا الاُمَراءَ رَغِبوا فِي الدُّنيا ، وإنَّ الاُمَراءَ إذا خالَطُوا العُلَماءَ رَغِبوا فِي الآخِرَةِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :العُلَماءُ اُمَناءُ الرَّسولِ عَلى عِبادِ اللّهِ ما لَم يُخالِطُوا السُّلطانَ _ يَعني فِي الظُّلمِ _ فَإِذا فَعَلوا ذلِكَ فَقَد خانُوا الرُّسُلَ ، فَاحذَروهُم وَاعتَزِلوهُم. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اُناساً مِن اُمَّتي سَيَتَفَقَّهونَ فِي الدّينِ ويَقرَؤونَ القُرآنَ ، ويَقولونَ : نَأتِي الاُمَراءَ فَنُصيبُ مِن دُنياهُم ونَعتَزِلُهُم بِدينِنا ، ولا يَكونُ ذلِكَ ، كَما لا يُجتَنى مِنَ القَتادِ إلَا الشَّوكُ ، كَذلِكَ لا يُجتَنى مِن قُربِهِم إلّا (5) . (6)
.
ص: 432
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أبغَضَ الخَلقِ إلَى اللّهِ عز و جل العالِمُ يَزورُ العُمّالَ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :ما مِن عالِمٍ أتى صاحِبَ سُلطانٍ طَوعاً إلّا كانَ شَريكَهُ في كُلِّ لَونٍ يُعَذَّبُ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الفُقَهاءُ اُمَناءُ الرُّسُلِ ما لَم يَدخُلوا فِي الدُّنيا . قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، وما دُخولُهُم فِي الدُّنيا ؟ قالَ : اِتِّباعُ السُّلطانِ ، فَإِذا فَعَلوا ذلِكَ فَاحذَروهُم عَلى دينِكُم. (3)
عنه عليه السلام :مَلعونٌ مَلعونٌ عالِمٌ يَؤُمُّ سُلطاناً جائِراً مُعيناً لَهُ عَلى جَورِهِ. (4)
عنه عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِ جُندَب _: يَا ابنَ جُندَبٍ ، قَديماً عَمِرَ الجَهلُ وقَوِيَ أساسُهُ ، وذلِكَ لِاتِّخاذِهِم دينَ اللّهِ لَعِباً ، حَتّى لَقَد كانَ المُتَقَرِّبُ مِنهُم إلَى اللّهِ بِعِلمِهِ يُريدُ سِواهُ ، اُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ. (5)
2 / 27طَلَبُ الرِّفعَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِحذَرُوا الشَّهوَةَ الخَفِيَّةَ : العالِمُ يُحِبُّ أن يُجلَسَ إلَيهِ. (6)
.
ص: 433
الإمام عليّ عليه السلام :مَن تَرَفَّعَ بِعِلمِهِ وَضَعَهُ اللّهُ بِعَمَلِهِ. (1)
عنه عليه السلام :آفَةُ العُلَماءِ حُبُّ الرِّئاسَةِ. (2)
عيسى عليه السلام :إنَّ أبغَضَ العُلَماءِ إلَى اللّهِ رَجُلٌ يُحِبُّ الذِّكرَ بِالمَغيبِ ، ويُوَسَّعُ لَهُ فِي المَجالِسِ ، ويُدعى إلَى الطَّعامِ ، وتُفرَغُ لَهُ المَزاوِدُ ، بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ اُولئِكَ قَد أخَذوا اُجورَهُم فِي الدُّنيا ، وإنَّ اللّهَ يُضاعِفُ لَهُمُ العَذابَ يَومَ القِيامَةِ. (3)
راجع : ص 433 (الغرور) .
2 / 28الغُروربحارالأنوار :فِي التَّوراةِ : قُل لِصاحِبِ العِلمِ : لا يَغتَرَّ بِكَثرَةِ عِلمِهِ ، فَإِنِ اغتَرَّ فَليَعلَم أنَّهُ مَتى يَموتُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :لا يَكونُ السَّفَهُ وَالغِرَّةُ (5) في قَلبِ العالِمِ. (6)
عنه عليه السلام :مِن فَضلِ عِلمِكَ استِقلالُكَ لِعِلمِكَ. (7)
راجع : ص 427 ح 3023 و 432 (طلب الرفعة).
.
ص: 434
2 / 29الحَسَدمنية المريد :قالَ صلى الله عليه و آله : سِتَّةٌ يَدخُلونَ النّارَ قَبلَ الحِسابِ بِسِتَّةٍ . قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ مَن هُم ؟ قالَ : الاُمَراءُ بِالجَورِ ، وَالعَرَبُ بِالعَصَبِيَّةِ ، وَالدَّهاقينُ بِالكِبرِ ، وَالتُّجّارُ بِالخِيانَةِ ، وأهلُ الرُّستاقِ بِالجَهالَةِ ، وَالعُلَماءُ بِالحَسَدِ. (1)
الإمام الباقر عليه السلام :لا يَكونُ العَبدُ عالِماً حَتّى لا يَكونَ حاسِداً لِمَن فَوقَهُ ، ولا مُحَقِّراً لِمَن دونَهُ. (2)
2 / 30الحِرصالإمام الحسين عليه السلام_ في بَيانِ أقبَحِ الأَشياءِ _: الحِرصُ فِي العالِمِ. (3)
2 / 31الرِّياءرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن راءَى النّاسَ بِعِلمِهِ راءَى اللّهُ بِهِ يَومَ القِيامَةِ. (4)
.
ص: 435
عنه صلى الله عليه و آله :مَن سَمَّعَ النّاسَ بِعِلمِهِ سَمَّعَ اللّهُ بِهِ سامِعَ خَلقِهِ يَومَ القِيامَةِ وحَقَّرَهُ وصَغَّرَهُ. (1)
راجع : ص 142 (الإخلاص) و 269 (التعلّم لغيراللّه ) و 245 (الإخلاص) و 343 (الإخلاص).
2 / 32كَثرَةُ الضِّحكِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَنبَغي لِلعالِمِ أن يَكونَ قَليلَ الضِّحكِ ، كَثيرَ البُكاءِ ، لا يُمازِحُ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :تَعَلَّمُوا العِلمَ ، فَإِذا تَعَلَّمتُموهُ فَاكظِموا عَلَيهِ ، ولا تَخلِطوهُ بِضِحكٍ ولابِلَعِبٍ فَتَمُجَّهُ القُلوبُ، فَإِنَّ العالِمَ إذا ضَحِكَ ضَحكَةً مَجَّ مِنَ العِلمِ مَجَّةً. (3)
2 / 33النَّوادِررسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَنبَغي لِلعالِمِ أن يَكونَ قَليلَ الضِّحكِ ، كَثيرَ البُكاءِ ، لا يُمازِحُ ولا يُصاخِبُ ولا يُماري ولا يُجادِل ، إن تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ ، وإن صَمَتَ صَمَتَ عَنِ الباطِلِ ، وإن دَخَلَ دَخَلَ بِرِفقٍ ، وإن خَرَجَ خَرَجَ بِحِلمٍ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :رَأسُ مالِ العالِمِ تَركُ الكِبرِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :حِفظُ الحِجاجِ زينَةُ العِلمِ. (6)
.
ص: 436
عنه صلى الله عليه و آله_ في ذِكرِ وَصِيَّةِ الخِضرِ لِموسى عليهماالسلام_: قالَ الخِضرُ : ... أعرِض عَنِ الجُهّالِ وباطِلِهِم ، وَاحلُم عَنِ السُّفَهاءِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ فِعلُ الحُكَماءِ وزَينُ العُلَماءِ. (1) 3068 . الإمام عليّ عليه السلام : إنَّمَا العالِمُ مَن دَعاهُ عِلمُهُ إلَى الوَرَعِ وَالتُّقى ، وَالزُّهدِ في عالَمِ الفَناءِ ، وَالتَّوَلُّهِ بِجَنَّةِ المَأوى. (2)
عنه عليه السلام :إذا عَلَوتَ فَلا تُفَكِّر فيمَن دونَكَ مِنَ الجُهّالِ ، ولكِنِ اقتَدِ بِمَن فَوقَكَ مِنَ العُلَماءِ. (3)
عنه عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : ألا اُنَبِّئُكُم بِالفَقيهِ كُلِّ الفَقيهِ؟ قالوا : بَلى . قالَ : مَن لَم يُقَنِّطِ النّاسَ مِن رَحمَةِ اللّهِ ، ولَم يُؤيِسهُم مِن رَوحِ اللّهِ ، ولَم يُؤَمِّنهُم مِن مَكرِ اللّهِ ، ولا يَدَعُ القُرآنَ رَغبَةً عَنهُ إلى ما سِواهُ ، ألا لا خَيرَ في عِبادَةٍ لَيسَ فيها تَفَقُّهٌ ، ولا عِلمٍ لَيسَ فيهِ تَفَهُّمٌ ، ولا قِراءَةٍ لَيسَ فيها تَدَبُّرٌ. (4)
عنه عليه السلام :العالِمُ كُلُّ العالِمِ مَن لَم يَمنَعِ العِبادَ الرَّجاءَ لِرَحمَةِ اللّهِ ، ولَم يُؤَمِّنهُم مَكرَ اللّهِ. (5)
عنه عليه السلام :ألا اُنَبِّئُكُم بِالعالِمِ كُلِّ العالِمِ ؟ مَن لَم يُزَيِّن لِعِبادِ اللّهِ مَعاصِيَ اللّهِ ، ولَم يُؤَمِّنهُم مَكرَهُ ، ولَم يُؤيِسهُم مِن رَوحِهِ. (6)
.
ص: 437
عنه عليه السلام :خَمسٌ يُستَقبَحنَ مِن خَمسٍ : كَثرَةُ الفُجورِ مِنَ العُلَماءِ ، وَالحِرصُ فِي الحُكَماءِ ، وَالبُخلُ فِي الأَغنِياءِ ، وَالقِحَةُ (1) فِي النِّساءِ ، ومِنَ المَشايخِ الزِّنا. (2)
عنه عليه السلام :بَلَغَنا أنَّ رَجُلًا في بَني إسرائيلَ جَمَعَ ثَمانينَ تابوتاً مِنَ العِلمِ ، فَأَوحَى اللّهُ تَعالى إلى نَبِيٍّ مِنَ الأَنبِياءِ أن قُل لِهذَا الحَكيمِ: لَو جَمَعتَ مِثلَهُ مَعَهُ لا يُنتَفَعُ بِهِ إلّا أن تَعمَلَ بِهذِهِ الثَّلاثَةِ أشياءَ: أوَّلُها: أن لا تُحِبَّ الدُّنيا ، فَإِنَّها لَيسَت بِدارِ المُؤمِنينَ. وَالثّاني: أن لا تُصاحِبَ الشَّيطانَ ، فَإِنَّهُ لَيسَ بِرَفيقِ المُؤمِنينَ. وَالثّالِثُ: أن لا تُؤذِيَ المُؤمِنينَ ، فَإِنَّهُ لَيسَ بِحِرفَةِ المُؤمِنينَ. (3)
عنه عليه السلام :شَينُ العِلمِ الصَّلَفُ. (4)
عنه عليه السلام :أبغَضُ العِبادِ إلَى اللّهِ سُبحانَهُ العالِمُ المُتَجَبِّرُ. (5)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: حَصِّن عِلمَكَ مِنَ العُجبِ ، ووَقارَكَ مِنَ الكِبرِ. (6)
الإمام الحسين عليه السلام :مِن دَلائِلِ العالِمِ انتِقادُهُ لِحَديثِهِ ، وعِلمُهُ بِحَقائِقِ فُنونِ النَّظَرِ. (7)
الإمام الصادق عليه السلام :قالَ لُقمانُ لِابنِهِ : لِلعالِمِ ثَلاثُ عَلاماتٍ : العِلمُ بِاللّهِ ، وبِما يُحِبُّ ، وبِما يَكرَهُ. (8)
.
ص: 438
عنه عليه السلام :كانَ أبوذَرٍّ يَقولُ في خُطبَتِهِ : يا مُبتَغِيَ العِلمِ ، كَأَنَّ شَيئاً مِنَ الدُّنيا لَم يَكُن شَيئاً إلّا ما يَنفَعُ خَيرُهُ ويَضُرُّ شَرُّهُ إلّا مَن رَحِمَ اللّهُ . يا مُبتَغِيَ العِلمِ لا يَشغَلكَ أهلٌ ولا مالٌ عَن نَفسِكَ ، أنتَ يَومَ تُفارِقُهُم كَضَيفٍ بِتَّ فيهِم ثُمَّ غَدَوتَ عَنهُم إلى غَيرِهِم ، وَالدُّنيا وَالآخِرَةُ كَمَنزِلٍ تَحَوَّلتَ مِنهُ إلى غَيرِهِ ، وما بَينَ المَوتِ وَالبَعثِ إلّا كَنَومَةٍ نِمتَها ثُمَّ استَيقَظتَ مِنها . يا مُبتَغِيَ العِلمِ ، قَدِّم لِمَقامِكَ بَينَ يَدَيِ اللّهِ عز و جل ، فَإِنَّكَ مُثابٌ بِعَمَلِكَ ؛ كَما تَدينُ تُدانُ. (1)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: آفَةُ العُلَماءِ عَشَرَةُ أشياءَ : الطَّمَعُ ، وَالبُخلُ ، وَالرِّياءُ ، وَالعَصَبِيَّةُ ، وحُبُّ المَدحِ ، وَالخَوضُ فيما لَم يَصِلوا إلى حَقيقَتِهِ ، وَالتَّكَلُّفُ في تَزيينِ الكَلامِ بِزَوائِدِ الأَلفاظِ ، وقِلَّةُ الحَياءِ مِنَ اللّهِ عز و جل ، والاِفتِخارُ ، وتَركُ العَمَلِ بِما عَلِموا. (2)
راجع : ص 102 (ما لا ينبغي للحكيم) .
.
ص: 439
الفصل الثالث : حقوق العالم والمعلّم والمتعلّم3 / 1حُقوقُ العالِمِأ _ الإِكرامرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أكرِمُوا العُلَماءَ ووَقِّروهُم. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :أكرِمُوا العُلَماءَ فَإِنَّهُم عِندَ اللّهِ كُرَماءُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أكرَمَ عالِماً فَقَد أكرَمَني ، ومَن أكرَمَني فَقَد أكرَمَ اللّهَ ، ومَن أكرَمَ اللّهَ فَمَصيرُهُ إلَى الجَنَّةِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أكرَمَ فَقيهاً مُسلِما لَقِيَ اللّهَ يَومَ القِيامَةِ وهُوَ عَنهُ راضٍ ، ومَن أهانَ فَقيهاً مُسلِماً لَقِيَ اللّهَ يَومَ القِيامَةِ وهُوَ عَلَيهِ غَضبانُ. (4)
.
ص: 440
عنه صلى الله عليه و آله :حُرمَةُ العالِمِ العامِلِ بِعِلمِهِ كَحُرمَةِ الشُّهَداءِ وَالصِّدّيقينَ. (1)
منية المريد عن مقاتل بن سليمان :وَجَدتُ فِي الإِنجيلِ : أنَّ اللّهَ تَعالى قالَ لِعيسى عليه السلام : عَظِّمِ العُلَماءَ وَاعرِف فَضلَهُم ، فَإِنّي فَضَّلتُهُم عَلى جَميعِ خَلقي إلَا النَّبِيّينَ وَالمُرسَلينَ ، كَفَضلِ الشَّمسِ عَلَى الكَواكِبِ ، وكَفَضلِ الآخِرَةِ عَلَى الدُّنيا ، وكَفَضلي عَلى كُلِّ شَيءٍ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :عَلَيكَ بِمُداراةِ النّاسِ ، وإكرامِ العُلَماءِ. (3)
عنه عليه السلام :يُكرَمُ العالِمُ لِعِلمِهِ ، وَالكَبيرُ لِسِنِّهِ ، وذُو المَعروفِ لِمَعروفِهِ ، وَالسُّلطانُ لِسُلطانِهِ. (4)
عنه عليه السلام :مَن وَقَّرَ عالِماً فَقَد وَقَّرَ رَبَّهُ. (5)
الاحتجاج :رُويَ عَنِ الحَسَنِ العَسكَريِّ عليه السلام أنَّهُ اتَّصَلَ بِأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ العَسكَرِيِّ عليه السلام أنَّ رَجُلًا مِن فُقَهاءِ شيعَتِهِ كَلَّمَ بَعضَ النُّصّابِ فَأَفحَمَهُ بِحُجَّتِهِ حَتّى أبانَ عَن فَضيحَتِهِ ، فَدَخَلَ إلى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام وفي صَدرِ مَجلِسِهِ دَستٌ عَظيمٌ مَنصوبٌ وهُوَ قاعِدٌ خارِجَ الدَّستِ، وبِحَضرَتِهِ خَلقٌ مِنَ العَلَوِيّينَ وبَني هاشِمٍ ، فَما زالَ يَرفَعُهُ حَتّى أجلَسَهُ في ذلِكَ الدَّستِ. (6)
.
ص: 441
ب _ عَدَمُ الاِستِخفافِ بِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَنِ احتَقَرَ صاحِبَ العِلمِ فَقَدِ احتَقَرَني ، ومَنِ احتَقَرَني فَهُوَ كافِرٌ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :لا يَستَخِفُّ بِالعِلمِ وأهلِهِ إلّا أحمَقُ جاهِلٌ. (2)
عنه عليه السلام :لا تُحَقِّرَنَّ عَبداً آتاهُ اللّهُ عِلماً ، فَإِنَّ اللّهَ تَعالى لَم يُحَقِّرهُ حينَ آتاهُ إيّاهُ. (3)
عنه عليه السلام :إيّاكَ أن تَستَخِفَّ بِالعُلَماءِ ، فَإِنَّ ذلِكَ يُزري بِكَ ويُسيءُ الظَنَّ بِكَ وَالمَخيلَةَ فيكَ. (4)
عنه عليه السلام :لا تَزدَرِيَنَّ العالِمَ وإن كانَ حَقيراً ، لا تُعَظِّمَنَّ الأَحمَقَ وإن كانَ كَبيراً. (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أوحى إلى دانِيالَ : إنَّ أمقَتَ عَبيدي إلَيَّ الجاهِلُ المُستَخِفُّ بِحَقِّ أهلِ العِلمِ ، التّارِكُ لِلاِقتِداءِ بِهِم. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :العاقِلُ لا يَستَخِفُّ بِأَحَدٍ ، وأحَقُّ مَن لا يُستَخَفُّ بِهِ ثَلاثَةٌ: العُلَماءُ وَالسُّلطانُ وَالإِخوانُ، لِأَنَّهُ مَنِ استَخَفَّ بِالعُلَماءِ أفسَدَ دينَهُ. (7)
ج _ التَّواضُعُ لَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :تَواضَعوا لِلعالِمِ وَارفَعوهُ ، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَرفَعُ العالِمَ وتَخفِضُ أجنِحَتَها وتَستَغفِرُ لَهُ. (8)
راجع : ص 266 (التواضع للمعلّم) و 344 (التواضع للمتعلّم) .
.
ص: 442
د _ غَضُّ الصَّوتِ عِندَهُالكتاب«إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَ تَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَ_ئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن غَضَّ صَوتَهُ عِندَ العُلَماءِ جاءَ يَومَ القِيامَةِ مَعَ الَّذينَ امتَحَنَ اللّهُ قُلوبَهُم لِلتَّقوى مِن أصحابي ، ولا خَيرَ فِي التَّمَلُّقِ وَالتَّواضُعِ إلّا ما كانَ فِي اللّهِ عز و جلفي طَلَبِ العِلمِ. (2)
ه _ مُتابَعَتُهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِتَّبِعُوا العُلَماءَ ، فَإِنَّهُم سُرُجُ الدُّنيا ومَصابيحُ الآخِرَةِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :اِعلَموا أنَّ صُحبَةَ العالِمِ وَاتِّباعَهُ دينٌ يُدانُ اللّهُ بِهِ ، وطاعَتَهُ مَكسَبَةٌ لِلحَسَناتِ مَمحاةٌ لِلسَّيِّئاتِ ، وذَخيرَةٌ لِلمُؤمِنينَ ورِفعَةٌ فيهِم في حَياتِهِم وجَميلٌ بَعدَ مَماتِهِم. (4)
عنه عليه السلام :قَد جَعَلَ اللّهُ لِلعِلمِ أهلًا ، وفَرَضَ عَلَى العِبادِ طاعَتَهُم بِقَولِهِ تَعالى : «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» (5) . (6)
.
ص: 443
عنه عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ _: يا بُنَيَّ اِقبَل مِنَ الحُكَماءِ مَواعِظَهُم، وتَدَبَّر أحكامَهُم. (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أوحى إلى دانِيالَ: ... إنَّ أحَبَّ عَبيدي إلَيَّ التَّقِيُّ الطّالِبُ لِلثَّوابِ الجَزيلِ، اللّازِمُ لِلعُلَماءِ، التّابِعُ لِلحُلَماءِ، القابِلُ عَنِ الحُكَماءِ. (2)
و _ زِيارَتُهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن زارَ عالِماً فَكَأَنَّما زارَني ، ومَن صافَحَ العُلَماءَ فَكَأَنَّما صافَحَني. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَنِ استَقبَلَ العُلَماءَ فَقَدِ استَقبَلَني ، ومَن زارَ العُلَماءَ فَقَد زارَني. (4)
ز _ مُجالَسَتُهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن جالَسَ العُلَماءَ فَقَد جالَسَني ، ومَن جالَسَني فَكَأَنَّما جالَسَ رَبّي عز و جل . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :نِعمَ الشَّيءُ العِلمُ ، إذا طَلَبتُم فَأَحسِنوا فِي الطَّلَبِ وكونوا عُلَماءَ ، فَإِن لَم تَكونوا فَتَعَلَّموا مِنَ العُلَماءِ ، فَإِن لَم تَعَلَّموا مِنَ العُلَماءِ فَجالِسوا ، فَإِن لَم تُجالِسُوا العُلَماءَ فَأَحِبُّوا العُلَماءَ ، وإيّاكُم والأَربَعَ : أن لا تَكونوا عُلَماءَ ، وأن لا تَعَلَّموا مِنَ العُلَماءِ ، وأن لا تُجالِسُوا العُلَماءَ ، وأن لا تُحِبُّوا العُلَماءَ فَيُكِبَّكُم فِي النّارِ. (6)
.
ص: 444
عنه صلى الله عليه و آله :المُفتونَ سادَةٌ ، العُلَماءُ وَالفُقَهاءُ قادَةٌ ، اُخِذَ عَلَيهِم أداءُ مَواثيقِ العِلمِ ، وَالجُلوسُ إلَيهِم بَرَكَةٌ ، وَالنَّظَرُ إلَيهِم نورٌ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :الأَنبِياءُ قادَةٌ ، وَالفُقَهاءُ سادَةٌ ، ومُجالَسَتُهُم زِيادَةٌ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :قالَ لُقمانُ لِابنِهِ : يا بُنَيَّ ، صاحِبِ العُلَماءَ وَاقرُب مِنهُم ، وجالِسهُم وزُرهُم في بُيوتِهِم، فَلَعَلَّكَ تُشبِهُهُم فَتَكونَ مَعَهُم، وَاجلِس مَعَ صُلَحائِهِم، فَرُبَّما أصابَهُمُ اللّهُ بِرَحمَةٍ فَتَدخُلُ فيها وإن كُنتَ طالِحاً. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :جالِسِ العُلَماءَ تَزدَد عِلماً. (4)
عنه عليه السلام :لِقاءُ أهلِ المَعرِفَةِ عِمارَةُ القُلوبِ ومُستَفادُ الحِكمَةِ. (5)
عنه عليه السلام :جالِسِ العُلَماءَ يَزدَد عِلمُكَ ، ويَحسُن أدَبُكَ ، وتَزكُ نَفسُكَ. (6)
عنه عليه السلام :مُجالَسَةُ الحُكَماءِ حَياةُ العُقولِ وشِفاءُ النُّفوسِ. (7)
عنه عليه السلام :جالِسِ الحُكَماءَ يَكمُل عَقلُكَ، وتَشرُف نَفسُكَ، ويَنتَفِ عَنكَ جَهلُكَ. (8)
عنه عليه السلام :جالِس أهلَ الوَرَعِ وَالحِكمَةِ وأكثِر مُناقَشَتَهُم، فَإِنَّكَ إن كُنتَ جاهِلًا عَلَّموكَ، وإن كُنتَ عالِماً اِزدَدتَ عِلماً. (9)
.
ص: 445
عنه عليه السلام :مَجلِسُ الحِكمَةِ غَرسُ الفُضَلاءِ. (1)
عنه عليه السلام :خَيرُ مَن صاحَبتَ ذَوُو العِلمِ وَالحِلمِ. (2)
عنه عليه السلام :خالِف نَفسَكَ تَستَقِم ، وخالِطِ العُلَماءَ تَعلَم. (3)
عنه عليه السلام :عَجِبتُ لِمَن يَرغَبُ فِي التَّكَثُّرِ مِنَ الأَصحابِ كَيفَ لا يَصحَبُ العُلَماءَ الأَلِبّاءَ الأَتقِياءَ ؛ الَّذينَ يَغنَمُ فَضائِلَهُم ، وتَهديهِ عُلومُهُم ، وتُزَيِّنُهُ صُحبَتُهُم ! (4)
عنه عليه السلام :صاحِبِ العُقَلاءَ ، وجالِسِ العُلَماءَ ، وَاغلِبِ الهَوى ؛ تُرافِقِ المَلَأَ الأَعلى. (5)
عنه عليه السلام :يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يُكثِرَ مِن صُحبَةِ العُلَماءِ وَالأَبرارِ ، ويَجتَنِبَ مُقارَنَةَ الأَشرارِ وَالفُجّارِ. (6)
عنه عليه السلام :لا تَصحَب إلّا عاقِلًا تَقِيًّا ، ولا تُعاشِر إلّا عالِماً زَكِيًّا ، ولا تودِع سِرَّكَ إلّا مُؤمِناً وَفِيًّا. (7)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعاءِ السَّحَرِ _: لَعَلَّكَ فَقَدتَني مِن مَجالِسِ العُلَماءِ فَخَذَلتَني. (8)
.
ص: 446
عيسى عليه السلام_ لِلحَوارِيّينَ _: يا بَني إسرائيلَ ، زاحِمُوا العُلَماءَ في مَجالِسِهِم ولَو جُثُوًّا (1) عَلَى الرُّكَبِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ يُحيِي القُلوبَ المَيتَةَ بِنورِ الحِكمَةِ كَما يُحيِي الأَرضَ المَيتَةَ بِوابِلِ (2) المَطَرِ. (3)
راجع : ص 387 (فوائد مجالسة العالم) و 85 ح 1613 .
ح _ مُساءَلَتُهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :سائِلُوا العُلَماءَ ، وخاطِبُوا الحُكَماءَ ، وجالِسُوا الفُقَراءَ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :جالِس أهلَ الوَرَعِ وَالحِكمَةِ ، وأكثِر مُناقَشَتَهُم ، فَإِنَّكَ إن كُنتَ جاهِلًا عَلَّموكَ ، وإن كُنتَ عالِماً اِزدَدتَ عِلماً. (5)
عنه عليه السلام :مُناقَشَةُ العُلَماءِ تُنتِجُ فَوائِدَهُم وتُكسِبُ فَضائِلَهُم. (6)
عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ حينَ وَلّاهُ مِصرَ _: أكثِر مُدارَسَةَ العُلَماءِ ومُناقَشَةَ الحُكَماءِ ، في تَثبيتِ ما صَلَحَ عَلَيهِ أمرُ بِلادِكَ ، وإقامَةِ مَا استَقامَ بِهِ النّاسُ قَبلَكَ. (7)
عنه عليه السلام :خَيرُ مَن شاوَرتَ ذَوُو النُّهى وَالعِلمِ ، واُولُو التَّجارِبِ وَالحَزمِ. (8)
راجع : ص 255 (السؤال) و 443 (مجالسته) .
.
ص: 447
ط _ خِدمَتُهُالإمام عليّ عليه السلام :إذا رَأَيتَ عالِماً فَكُن لَهُ خادِماً. (1)
عيسى عليه السلام :إنَّ أحَقَّ النّاسِ بِالخِدمَةِ العالِمُ. (2)
ي _ تَركُ مُماراتِهِالإمام الصادق عليه السلام :وَصِيَّةُ وَرَقَةَ بنِ نَوفَلٍ لِخَديجَةَ بِنتِ خُوَيلِدٍ عليهاالسلام إذا دَخَلَ عَلَيها يَقولُ لَها : يا بِنتَ أخي لا تُماري جاهِلًا ولا عالِماً ، فَإِنَّكِ مَتى مارَيتِ جاهِلًا آذاكِ ، ومَتى مارَيتِ عالِماً مَنَعَكِ عِلمَهُ ، وإنَّما يَسعَدُ بِالعُلَماءِ مَن أطاعَهُم. (3)
الإمام الكاظم عليه السلام_ مِن وَصِيَّتِهِ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: عَظِّمِ العالِمَ لِعِلمِهِ، ودَع مُنازَعَتَهُ. (4)
الإمام الرضا عليه السلام :لا تُمارِيَنَّ العُلَماءَ فَيَرفِضوكَ ، ولا تُمارِيَنَّ السُّفَهاءَ فَيَجهَلوا عَلَيكَ. (5)
لقمان عليه السلام :لا تُجادِلِ العُلَماءَ فَتَهونَ عَلَيهِم ويَرفِضوكَ ، ولا تُجادِلِ السُّفَهاءَ فَيَجهَلوا عَلَيكَ ويَشتِموكَ ، ولكِنِ اصبِر نَفسَكَ لِمَن هُوَ فَوقَكَ فِي العِلمِ ولِمَن هُوَ دونَكَ ، فَإِنَّما يَلحَقُ بِالعُلَماءِ مَن صَبَرَ لَهُم ولَزِمَهُم وَاقتَبَسَ مِن عِلمِهِم في رِفقٍ. (6)
ك _ النَّوادِرالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ مِن حَقِّ العالِمِ أن لا تُكثِرَ السُّؤالَ عَلَيهِ ، ولا تَسبِقَهُ فِي الجَوابِ ،
.
ص: 448
ولا تُلِحَّ عَلَيهِ إذا أعرَضَ ، ولا تَأخُذَ بِثَوبِهِ إذا كَسِلَ ، ولا تُشيرَ إلَيهِ بِيَدِكَ ، ولا تَغمِزَهُ بِعَينِكَ ، ولا تُسارَّهُ في مَجلِسِهِ ، ولا تَطلُبَ عَوراتِهِ ، وأن لا تَقولَ : قالَ فُلانٌ خِلافَ قَولِكَ ، ولا تُفشِيَ لَهُ سِرًّا ، ولا تَغتابَ عِندَهُ أحَداً ، وأن تَحفَظَ لَهُ شاهِداً وغائِباً ، وأن تَعُمَّ القَومَ بِالسَّلامِ وتَخُصَّهُ بِالتَّحِيَّةِ ، وتَجلِسَ بَينَ يَدَي_هِ ، وإن كانَت لَهُ حاج_َةٌ سَبَقتَ القَومَ إلى خِدمَتِهِ ، ولا تَمِ_لَّ مِن طولِ صُحبَتِهِ ، فَإِنَّما هُوَ مِثلُ النَّخلَةِ فَانتَظِر مَتى تَسقُطُ عَلَيكَ مِنها مَنفَعَةٌ. (1)
عنه عليه السلام_ في رِوايةٍ اُخرى _: إنَّ مِن حَقِّ العالِمِ أن لا تُكثِرَ عَلَيهِ بِالسُّؤالِ ، ولا تُعَنِّتَهُ فِي الجَوابِ ، وأن لا تُلِحَّ عَلَيهِ إذا كَسِلَ ، ولا تَأخُذَ بِثَوبِهِ إذا نَهَضَ ، ولا تُفشِيَنَّ لَهُ سِرًّا ، ولا تَغتابَنَّ عِندَهُ أحَداً ، ولا تَطلُبَنَّ عِشرَتَهُ ، وإن زَلَّ قَبِلتَ مَعذِرَتَهُ ، وعَلَيكَ أن تُوَقِّرَهُ وتُعَظِّمَهُ للّهِِ ما دامَ يَحفَظُ أمرَ اللّهِ ، ولا تَجلِسَ أمامَهُ ، وإن كانَت لَهُ حاجَةٌ سَبَقتَ القَومَ إلى خِدمَتِهِ. (2)
عنه عليه السلام :أحَقُّ النّاسِ بِالرَّحمَةِ عالِمٌ يَجري عَلَيهِ حُكمُ جاهِلٍ ، وكَريمٌ يَستَولي عَلَيهِ لَئيمٌ ، وبَرٌّ تَسَلَّطَ عَلَيهِ فاجِرٌ. (3)
3 / 2حُقوقُ المُعَلِّمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمتَ مِنهُ حَرفاً ، صِرتَ لَهُ عَبداً. (4)
.
ص: 449
منية المريد :قالَ صلى الله عليه و آله : مَن عَلَّمَ أحَداً مَسأَلَةً مَلَكَ رِقَّهُ . قيلَ : أيَبيعُهُ ويَشتَريهِ؟ قالَ : بَل يَأمُرُهُ ويَنهاهُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثَةٌ لا يَستَخِفُّ بِهِم إلّا مُنافِقٌ بَيِّنٌ نِفاقُهُ : ذو شَيبَةٍ فِي الإِسلامِ ، ومُعَلِّمُ الخَيرِ ، وإمامٌ عادِلٌ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :المُعَلِّمونَ خَيرُ النّاسِ ؛ كُلَّما (3) اُخلِقَ الذِّكرُ جَدَّدوهُ ، أعطوهُم ولا تَستَأجِروهُم فَتُحرِجوهُم ، فَإِنَّ المُعَلِّمَ إذا قالَ لِلصَّبِيِّ : قُل بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ فَقالَ ، كَتَبَ اللّهُ بَراءَةً لِلصَّبِيِّ وبَراءَةً لِلمُعَلِّمِ وبَراءَةً لِأَبَوَيهِ مِنَ النّارِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أحَقَّ ما أخَذتُم عَلَيهِ أجراً كِتابُ اللّهِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :أكرِم ضَيفَكَ وإن كانَ حَقيراً ، وقُم عَن مَجلِسِكَ لِأَبيكَ ومُعَلِّمِكَ وإن كُنتَ أميراً. (6)
عنه عليه السلام :ثَلاثٌ لا يُستَحيى مِنهُنَّ : خِدمَةُ الرَّجُلِ ضَيفَهُ ، وقِيامُهُ عَن مَجلِسِهِ لِأَبيهِ ومُعَلِّمِهِ ، وطَلَبُ الحَقِّ وإن قَلَّ. (7)
.
ص: 450
عنه عليه السلام :لا تَجعَلَنَّ ذَرَبَ لِسانِكَ (1) عَلى مَن أنطَقَكَ ، وبَلاغَةَ قَولِكَ عَلى مَن سَدَّدَكَ. (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :حَقُّ سائِسِكَ بِالعِلمِ التَّعظيمُ لَهُ وَالتَّوقيرُ لِمَجلِسِهِ وحُسنُ الاِستِماعِ إلَيهِ وَالإِقبالُ عَلَيهِ ، وأن لا تَرفَعَ عَلَيهِ صَوتَكَ ، ولا تُجيبَ أحَداً يَسأَلُهُ عَن شَيءٍ حَتّى يَكونَ هُوَ الَّذي يُجيبُ ، ولا تُحَدِّثَ في مَجلِسِهِ أحَداً ، ولا تَغتابَ عِندَهُ أحَداً ، وأن تَدفَعَ عَنهُ إذا ذُكِرَ عِندَكَ بِسوءٍ ، وأن تَستُرَ عُيوبَهُ وتُظهِرَ مَناقِبَهُ ، ولا تُجالِسَ لَهُ عَدُوًّا ولا تُعادِيَ لَهُ وَلِيًّا ، فَإِذا فَعَلتَ ذلِكَ شَهِدَت لَكَ مَلائِكَةُ اللّهِ عز و جلبِأَنَّكَ قَصَدتَهُ ، وتَعَلَّمتَ عِلمَهُ للّهِِ جَلَّ وَعَزَّ اسمُهُ لا لِلنّاسِ. (3)
عنه عليه السلام_ في رِوايَهٍ اُخرى _: أمّا حَقُّ سائِسِكَ بِالعِلمِ فَالتَّعظيمُ لَهُ وَالتَّوقيرُ لِمَجلِسِهِ وحُسنُ الاِستِماعِ إلَيهِ وَالإِقبالُ عَلَيهِ وَالمَعونَةُ لَهُ عَلى نَفسِكَ فيما لا غِنى بِكَ عَنهُ مِنَ العِلمِ ، بِأَن تُفَرِّغَ لَهُ عَقلَكَ ، وتُحَضِّرَهُ فَهمَكَ ، وتُزَكِّيَ لَهُ قَلبَكَ ، وتُجَلِّيَ لَهُ بَصَرَكَ بِتَركِ اللَّذّاتِ ونَقصِ الشَّهَواتِ ، وأن تَعلَمَ أنَّكَ فيما ألقى إلَيكَ رَسولُهُ إلى مَن لَقِيَكَ مِن أهلِ الجَهلِ ، فَلَزِمَكَ حُسنُ التَّأدِيَةِ عَنهُ إلَيهِم ، ولا تَخُنهُ في تَأدِيَةِ رِسالَتِهِ وَالقِيامِ بِها عَنهُ إذا تَقَلَّدتَها. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :المُعَلِّمُ لا يُعَلِّمُ بِالأَجرِ ، ويَقبَلُ الهَدِيَّةَ إذا اُهدِيَ إلَيهِ. (5)
عنه عليه السلام :مَنِ احتاجَ النّاسُ إلَيهِ لِيُفَقِّهَهُم في دينِهِم فَيَسأَلُهُمُ الاُجرَةَ ، كانَ حَقيقاً عَلَى
.
ص: 451
اللّهِ تَعالى أن يُدخِلَهُ نارَ جَهَنَّمَ. (1)
معاني الأخبار عن حمزة بن حمران :سَمِعتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام يَقولُ : مَنِ استَأكَلَ بِعِلمِهِ افتَقَرَ . فَقُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ، إنَّ في شيعَتِكَ ومُواليكَ قَوماً يَتَحَمَّلونَ عُلومَكُم ويَبُثّونَها في شيعَتِكُم ، فَلا يَعدَمونَ عَلى ذلِكَ مِنهُمُ البِرَّ ، وَالصِّلَةَ ، وَالإِكرامَ ! فَقالَ عليه السلام : لَيسَ اُولئِكَ بِمُستَأكِلينَ ، إنَّمَا المُستَأكِلُ بِعِلمِهِ الَّذي يُفتي بِغَيرِ عِلمٍ ولا هُدًى مِنَ اللّهِ عز و جل ؛ لِيُبطِلَ بِهِ الحُقوقَ طَمَعاً في حُطامِ الدُّنيا. (2)
الكافي عن الفضل بن أبي قرّة :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : هؤُلاءِ يَقولونَ: إنَّ كَسبَ المُعَلِّمِ سُحتٌ . فَقالَ : كَذَبوا أعداءُ اللّهِ ، إنَّما أرادوا أن لا يُعَلِّمُوا القُرآنَ ، لَو أنَّ المُعَلِّمَ أعطاهُ رَجُلٌ دِيَةَ وَلَدِهِ لَكانَ لِلمُعَلِّمِ مُباحا. (3)
الكافي عن حسّان المعلّم :سَأَلتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام عَنِ التَّعليمِ . فَقالَ : لا تَأخُذ عَلَى التَّعليمِ أجراً . قُلتُ : الشِّعرُ وَالرَّسائِلُ وما أشبَهَ ذلِكَ اُشارِطُ عَلَيهِ؟ قالَ : نَعَم ، بَعدَ أن يَكونَ الصِّبيانُ عِندَكَ سَواءً (4) فِي التَّعليمِ لا تُفَضِّلُ بَعضَهُم عَلى بَعضٍ. (5)
.
ص: 452
المناقب :قيل : إنَّ عَبدَالرَّحمنِ السُّلَمِيَّ عَلَّمَ وَلَدَ الحُسَينِ عليه السلام الحَمدَ ، فَلَمّا قَرَأَها عَلى أبيهِ أعطاهُ ألفَ دينارٍ وألفَ حُلَّةٍ وحَشا فاهُ دُرًّا . (1) فَقيلَ لَهُ في ذلِكَ . قالَ : وأينَ يَقَعُ هذا مِن عَطائِهِ؟ يَعني تَعليمَهُ ، وأنشَدَ الحُسَينُ عليه السلام : إذا جادَتِ الدُّنيا عَلَيكَ فَجُد بِها عَلَى النّاسِ طُرًّا قَبلَ أن تَتَفَلَّتِ فَلَا الجودُ يُفنيها إذا هِيَ أقبَلَت ولَا البُخلُ يُبقيها إذا ما تَوَلَّتِ (2)
راجع : ص 350 (عدم أخذ الاُجرة لتعليم معالم الدين) و 429 (اتخاذ علم الدين مهنة) .
3 / 3حُقوقُ المُتَعَلِّمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ النّاسَ لَكُم تَبَعٌ ، وإنَّ رِجالًا يَأتونَكُم مِن أقطارِ الأَرَضينَ يَتَفَقَّهونَ فِي الدّينِ ، فَإِذا أتَوكُم فَاستَوصوا بِهِم خَيراً. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :حَقُّ الصَّغيرِ رَحمَتُهُ في تَعليمِهِ وَالعَفوُ عَنهُ وَالسَّترُ عَلَيهِ وَالرِّفقُ بِهِ وَالمَعونَةُ لَهُ. (4)
.
ص: 453
عنه عليه السلام :أمّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بِالعِلمِ ، فَأَن تَعلَمَ أنَّ اللّهَ عز و جل إنَّما جَعَلَكَ قَيِّما لَهُم فيما آتاكَ مِنَ العِلمِ وفَتَحَ لَكَ مِن خَزائِنِهِ ، فَإِن أحسَنتَ في تَعليمِ النّاسِ ولَم تَخرُق بِهِم ولَم تَضجَر عَلَيهِم زادَكَ اللّهُ مِن فَضلِهِ ، وإن أنتَ مَنَعتَ النّاسَ عِلمَكَ أو خَرَقتَ بِهِم عِندَ طَلَبِهِمُ العِلمَ مِنكَ كانَ حَقًّا عَلَى اللّهِ عز و جل أن يَسلُبَكَ العِلمَ وبَهاءَهُ ويُسقِطَ مِنَ القُلوبِ مَحَلَّكَ. (1)
عنه عليه السلام_ في رِوايَةٍ اُخرى _: أمّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بِالعِلمِ ، فَأَن تَعلَمَ أنَّ اللّهَ قَد جَعَلَكَ لَهُم فيما آتاكَ مِنَ العِلمِ ، ووَلّاكَ مِن خِزانَةِ الحِكمَةِ ، فَإِن أحسَنتَ فيما وَلّاكَ اللّهُ مِن ذلِكَ وقُمتَ بِهِ لَهُم مَقامَ الخازِنِ الشَّفيقِ ، النّاصِحِ لمَولاهُ في عَبيدِهِ ، الصّابِرِ المُحتَسِبِ الَّذي إذا رَأى ذا حاجَةٍ أخرَجَ لَهُ مِنَ الأَموالِ الَّتي في يَدَيهِ كُنتَ راشِداً ، وكُنتَ لِذلِكَ آمِلًا مُعتَقِداً ، وإلّا كُنتَ لَهُ خائِناً ، ولِخَلقِهِ ظالِماً ، ولِسَلبِهِ وعِزِّهِ مُتَعَرِّضاً. (2)
.
ص: 454
. .
ص: 455
الفصل الرابع : أصناف العلماءرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عُلَماءُ هذِهِ الاُمَّةِ رَجُلانِ : رَجُلٌ آتاهُ اللّهُ عِلماً فَبَذَلَهُ لِلنّاسِ ولَم يَأخُذ عَلَيهِ طَمَعاً (1) ولَم يَشتَرِ بِهِ ثَمَناً ، فَذلِكَ تَستَغفِرُ لَهُ حيتانُ البَحرِ ودَوابُّ البَرِّ وَالطَّيرُ في جَوِّ السَّماءِ ، ويَقدَمُ عَلَى اللّهِ سَيِّداً شَريفاً حَتّى يُرافِقَ المُرسَلينَ . ورَجُلٌ آتاهُ اللّهُ عِلماً فَبَخِلَ بِهِ عَن عِبادِ اللّهِ وأخَذَ عَلَيهِ طَمَعاً وَاشتَرى بِهِ ثَمَناً ، فَذاكَ يُلجَمُ يَومَ القِيامَةِ بِلِجامٍ مِن نارٍ ، ويُنادي مُنادٍ : هذَا الَّذي آتاهُ اللّهُ عِلماً فَبَخِلَ بِهِ عَن عِبادِ اللّهِ ، وأخَذَ عَلَيهِ طَمَعاً وَاشتَرى بِهِ ثَمَناً ، وكَذلِكَ حَتّى يَفرُغَ مِنَ الحِسابِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :العُلَماءُ رَجُلانِ : رَجُلٌ عالِمٌ آخِذٌ بِعِلمِهِ فَهذا ناجٍ ، وعالِمٌ تارِكٌ لِعِلمِهِ فَهذا هالِكٌ . وإنَّ أهلَ النّارِ لَيَتَأَذَّونَ مِن ريحِ العالِمِ التّارِكِ لِعِلمِهِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :العُلَماءُ ثَلاثَةٌ : رَجُلٌ عاشَ بِهِ النّاسُ وعاشَ بِعِلمِهِ ، ورَجُلٌ عاشَ بِهِ النّاسُ
.
ص: 456
وأهلَكَ نَفسَهُ ، ورَجُلٌ عاشَ بِعِلمِهِ ولَم يَعِش بِهِ أحَدٌ غَيرُهُ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :طَلَبَةُ العِلمِ ثَلاثَةٌ فَاعرِفهُم بِأَعيانِهِم وصِفاتِهِم : صِنفٌ يَطلُبُهُ لِلجَهلِ وَالمِراءِ ، وصِنفٌ يَطلُبُهُ لِلاِستِطالَةِ وَالخَتلِ ، وصِنفٌ يَطلُبُهُ لِلفِقهِ وَالعَقلِ . فَصاحِبُ الجَهلِ وَالمِراءِ موذٍ مُمارٍ مُتَعَرِّضٌ لِلمَقالِ في أندِيَةِ الرِّجالِ بِتَذاكُرِ العِلمِ وصِفَةِ الحِلمِ ، وقَد تَسَربَلَ بِالخُشوعِ وتَخَلّى مِنَ الوَرَعِ فَدَقَّ اللّهُ مِن هذا خَيشومَهُ ، وقَطَعَ مِنهُ حَيزومَهُ . وصاحِبُ الاِستِطالَةِ وَالخَتلِ ، ذو خِبٍّ ومَلَقٍ ، يَستَطيلُ عَلى مِثلِهِ مِن أشباهِهِ ، ويَتَواضَعُ لِلأَغنِياءِ مِن دونِهِ ، فَهُوَ لِحَلوائِهِم هاضِمٌ ، ولِدينِهِ حاطِمٌ ، فَأَعمَى اللّهُ عَلى هذا خَبَرَهُ وقَطَعَ مِن آثارِ العُلَماءِ أثَرَهُ . وصاحِبُ الفِقهِ وَالعَقلِ ذو كَآبَةٍ وحُزنٍ وسَهَرٍ ، قَد تَحَنَّكَ في بُرنُسِهِ ، وقامَ اللَّيلَ في حِندِسِهِ ، يَعمَلُ ويَخشى وَجِلًا داعِياً مُشفِقاً ، مُقبِلًا عَلى شَأنِهِ ، عارِفاً بِأَهلِ زَمانِهِ ، مُستَوحِشاً مِن أوثَقِ إخوانِهِ ، فَشَدَّ اللّهُ مِن هذا أركانَهُ ، وأعطاهُ يَومَ القِيامَةِ أمانَهُ. (2)
عنه عليه السلام :إنَّ مِنَ العُلَماءِ مَن يُحِبُّ أن يَخزُنَ عِلمَهُ ولا يُؤخَذَ عَنهُ ، فَذاكَ فِي الدَّرَكِ الأَوَّلِ مِنَ النّارِ . ومِنَ العُلَماءِ مَن إذا وُعِظَ أنِفَ وإذا وَعَظَ عَنُفَ ، فَذاكَ فِي الدَّرَكِ الثّاني مِنَ النّارِ . ومِنَ العُلَماءِ مَن يَرى أن يَضَعَ العِلمَ عِندَ ذَوِي الثَّروَةِ وَالشَّرَفِ ، ولا يَدري لَهُ فِي المَساكينِ وَضعاً ، فَذاكَ فِي الدَّرَكِ الثّالِثِ مِنَ النّارِ . ومِنَ العُلَماءِ مَن يَذهَبُ في عِلمِهِ مَذهَبَ الجَبابِرَةِ وَالسَّلاطِينِ ، فَإِن رُدَّ عَلَيهِ
.
ص: 457
شَيءٌ مِن قَولِهِ أو قُصِّرَ في شَيءٍ مِن أمرِهِ غَضِبَ ، فَذاكَ فِي الدَّرَكِ الرّابِعِ مِنَ النّارِ . ومِنَ العُلَماءِ مَن يَطلُبُ أحاديثَ اليَهودِ وَالنَّصارى لِيُغزِرَ بِهِ ويُكثِرَ بِهِ حَديثَهُ ، فَذاكَ فِي الدَّرَكِ الخامِسِ مِنَ النّارِ . ومِنَ العُلَماءِ مَن يَضَعُ نَفسَهُ لِلفُتيا ويَقولُ : سَلوني ، ولَعَلَّهُ لا يُصيبُ حَرفاً واحِداً وَاللّهُ لا يُحِبُّ المُتَكَلِّفينَ ، فَذاكَ فِي الدَّرَكِ السّادِسِ مِنَ النّارِ . ومِنَ العُلَماءِ مَن يَتَّخِذُ عِلمَهُ مُروءَةً وعَقلًا (1) ، فَذاكَ فِي الدَّرَكِ السّابِعِ مِنَ النّارِ. (2)
عيسى عليه السلام_ لِلحَوارِيّينَ _: بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ النّاسَ فِي الحِكمَةِ رَجُلانِ : فَرَجُلٌ أتقَنَها بِقَولِهِ وصَدَّقَها بِفِعلِهِ . ورَجُلٌ أتقَنَها بِقَولِهِ وضَيَّعَها بِسوءِ فِعلِهِ ، فَشَتّانَ بَينَهما ! فَطوبى لِلعُلَماءِ بِالفِعلِ ، ووَيلٌ لِلعُلَماءِ بِالقَولِ. (3)
.
ص: 458
. .
ص: 459
الفصل الخامس : الأمثال العليا في العلم والحكمة5 / 1الأَنبِياءالكتاب«أُوْلَ_ئِكَ الَّذِينَ ءَاتَيْنَ_هُمُ الْكِتَ_بَ وَالْحُكْمَ (1) وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَ_ؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَ_فِرِينَ» . (2)
«وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَ_قَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَ_بٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَ لِكُمْ إِصْرِى قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّ_هِدِينَ» . (3)
«وَ اذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِىِّ وَ الْاءِشْرَاقِ *
.
ص: 460
وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ * وَ شَدَدْنَا مُلْكَهُ وَءَاتَيْنَ_هُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطَابِ» . (1)
«فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَ_كِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَ__لَمِينَ» .
«وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَ_بَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْاءِنجِيلَ» . (2)
«إِذْ قَالَ اللَّهُ يَ_عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ وَعَلَى وَ لِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَ_بَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْاءِنجِيلَ» .
«وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ءَاتَيْنَ_هُ حُكْمًا وَ عِلْمًا وَ كَذَ لِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ» . (3)
«وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ءَاتَيْنَ_هُ حُكْمًا وَ عِلْمًا وَ كَذَ لِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ» .
«وَ لَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَ_تِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَ لِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ» . (4)
«وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَ_بَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا» .
«ذَ لِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَ_هًا ءَاخَرَ فَتُلْقَى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا». (5)
«يَ_يَحْيَى خُذِ الْكِتَ_بَ بِقُوَّةٍ وَ ءَاتَيْنَ_هُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» .
الحديثالإمام الباقر عليه السلام :ماتَ زَكَرِيّا عليه السلام فَوَرِثَهُ ابنُهُ يَحيَى عليه السلام الكِتابَ وَالحِكمَةَ وهُوَ صَبِيٌّ صَغيرٌ، أما تَسمَعُ لِقَولِهِ عز و جل: «يَ_يَحْيَى خُذِ الْكِتَ_بَ بِقُوَّةٍ وَ ءَاتَيْنَ_هُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» . (6)
.
ص: 461
الكافي عن عليّ بن أسباط :رَأَيتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام وقَد خَرَجَ عَلَيَّ فَأَخَذتُ النَّظَرَ إلَيهِ، وجَعَلتُ أنظُرُ إلى رَأسِهِ ورِجلَيهِ لِأَصِفَ قامَتَهُ لِأَصحابِنا بِمِصرَ، فَبَينا أنَا كَذلِكَ حَتّى قَعَدَ فَقالَ: يا عَلِيُّ، إنَّ اللّهَ احتَجَّ فِي الإِمامَةِ بِمِثلِ مَا احتَجَّ بِهِ فِي النُّبُوَّةِ، فَقالَ: «وَ ءَاتَيْنَ_هُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» ، «وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ» (1) ، «وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» (2) ، فَقَد يَجوزُ أن يُؤتَى الحِكمَةَ وهُوَ صَبِيٌّ ، ويَجوزُ أن يُؤتاها وهُوَ ابنُ أربَعينَ سَنَةً. (3)
مجمع البيان عن عليّ بن أسباط :قَدِمتُ المَدينَةَ وأنَا اُريدُ مِصرَ، فَدَخَلتُ عَلى أبي جَعفَرٍ مُحَمَّدٍ بنِ عَلِيٍّ الرِّضا عليهماالسلام وهُوَ إذ ذاكَ خُماسِيٌّ ، فَجَعَلتُ أتَأَمَّلُهُ لِأَصِفَهُ لِأَصحابِنا بِمِصرَ، فَنَظَرَ إلَيَّ فَقالَ لي: يا عَلِيُّ، إنَّ اللّهَ قَد أخَذَ فِي الإِمامَةِ كَما أخَذَ فِي النُّبُوَّةِ، قالَ: «وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ءَاتَيْنَ_هُ حُكْمًا وَ عِلْمًا» (4) وقالَ: «وَ ءَاتَيْنَ_هُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» فَقَد يَجوزُ أن يُعطَيَ الحُكمَ ابنَ أربَعينَ سَنَةً، ويَجوزُ أن يُعطاهُ الصَّبِيَّ. (5) الأمثال العليا في العلم والحكمة
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ الغِلمانُ لِيَحيَى بنِ زَكَرِيّا عليه السلام : اِذهَب بِنا نَلعَبُ. فَقالَ يَحيى عليه السلام : ما لِلَّعِبِ خُلِقنا! اِذهَبوا نُصَلّي، فَهُوَ قَولُ اللّهِ: «وَ ءَاتَيْنَ_هُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» . (6)
الإمام عليّ عليه السلام_ في ذِكرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: اِختارَهُ مِن شَجَرَةِ الأَنبِياءِ ، ومِشكاةِ الضِّياءِ ،
.
ص: 462
وذُؤابَةِ (1) العَلياءِ ، وسُرَّةِ البَطحاءِ ، ومَصابيحِ الظُّلمَةِ ، ويَنابيعِ الحِكمَةِ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :سَأَلَ داوُدُ النَّبِيُّ سُلَيمانَ عليهماالسلام وأرادَ عِلمَ ما بَلَغَ مِنَ الحِكمَةِ . قالَ : يا بُنَيَّ أخبِرني أيُّ شَيءٍ أبرَدُ ؟ قالَ: عَفوُ اللّهِ عَنِ النّاسِ ، وعَفوُ النّاسِ بَعضِهِم عَن بَعضٍ لا شَيءَ أبرَدُ مِنهُ . قالَ : فَأَيُّ شَيءٍ أحلى ؟ قالَ : المَحَبَّةُ ، هِيَ رَوحُ اللّهِ بَينَ عِبادِهِ حَتّى إنَّ الفَرَسَ لَيَرفَعُ حافِرَهُ عَن وَلَدِهِ . فَضَحِكَ داوُدُ عليه السلام عِندَ إجابَةِ سُلَيمانَ عليه السلام . (3)
5 / 2آلُ إبراهيمالكتاب«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَ_بَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَ_هُم مُّلْكًا عَظِيمًا» . (4)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى: «فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَ_بَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَ_هُم مُّلْكًا عَظِيمًا» _: فَأَمَّا الكِتابُ فَهُوَ النُّبُوَّةُ، وأمَّا الحِكمَةُ فَهُمُ الحُكَماءُ مِنَ الأَنبِياءِ مِنَ الصَّفوَةِ. (5)
.
ص: 463
عنه عليه السلام :إنَّمَا الحُجَّةُ في آلِ إبراهيمَ عليه السلام لِقَولِ اللّهِ عز و جل: «فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَ_بَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَ_هُم مُّلْكًا عَظِيمًا» فَالحُجَّةُ الأَنبِياءُ عليهم السلام وأهلُ بُيوتاتِ الأَنبِياءِ عليهم السلام حَتّى تَقومَ السّاعَةُ، لِأَنَّ كِتابَ اللّهِ يَنطِقُ بِذلِكَ ووَصِيَّةُ اللّهِ جَرَت بِذلِكَ فِي العَقِبِ مِنَ البُيوتِ الَّتي رَفَعَها تَبارَكَ وتَعالى عَلَى النّاسِ فَقالَ : «فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ» (1) وهِيَ بُيوتاتُ الأَنبِياءِ وَالرُّسُلِ وَالحُكَماءِ وأئِمَّةِ الهُدى. (2)
5 / 3بَنو إسرائيلَ«وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِى إِسْرَ ءِيلَ الْكِتَ_بَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ وَ رَزَقْنَ_هُم مِّنَ الطَّيِّبَ_تِ وَ فَضَّلْنَ_هُمْ عَلَى الْعَ_لَمِينَ» . (3)
5 / 4آلُ مُحَمَّدٍالإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ أهلِ البَيتِ عليهم السلام _: هُم مَوضِعُ سِرِّهِ (4) ولَجَأُ أمرِهِ ، وعَيبَةُ (5) عِلمِهِ، ومَوئِلُ (6) حُكمِهِ، وكُهوفُ كُتُبِهِ، وجِبالُ دينِهِ. (7)
.
ص: 464
عنه عليه السلام_ أيضا _: هُم مَصابيحُ الظُّلَمِ، ويَنابيعُ الحِكَمِ، ومَعادِنُ العِلمِ، ومَواطِنُ الحِلمِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّهُم خاصَّةُ نورٍ يُستَضاءُ بِهِ ، وأئِمَّةٌ يُقتَدى بِهِم ، وهُم عَيشُ العِلمِ ومَوتُ الجَهلِ ، هُمُ الَّذينَ يُخبِرُكُم حُكمُهُم [ حِلمُهُم ]عَن عِلمِهِم ، وصَمتُهُم عَن مَنطِقِهِم ، وظاهِرُهُم عَن باطِنِهِم ، لا يُخالِفونَ الدّينَ ولا يَختَلِفونَ فيهِ. (2)
عنه عليه السلام :نَحنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، ومَحَطُّ الرِّسالَةِ، ومُختَلَفُ المَلائِكَةِ، ومعادِنُ العِلمِ، ويَنابيعُ الحُكمِ، ناصِرُنا ومُحِبُّنا يَنتَظِرُ الرَّحمَةَ، وعَدُوُّنا ومُبغِضُنا يَنتَظِرُ السَّطوَةَ. (3)
عنه عليه السلام :ألا وإنّا أهلَ البَيتِ أبوابُ الحِكَمِ ، وأنوارُ الظُّلَمِ ، وضِياءُ الاُمَمِ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :نَحنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وبَيتُ الرَّحمَةِ، ومَفاتيحُ الحِكمَةِ، ومَعدِنُ العِلمِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :تَاللّهِ لَقَد عُلِّمتُ تَبليغَ الرِّسالاتِ، وإتمامَ العِداتِ، وتَمامَ الكَلِماتِ، وعِندَنا _ أهلَ البَيتِ _ أبوابُ الحُكمِ، وضِياءُ الأَمرِ. (6)
تاريخ دمشق عن عبد اللّه (ابن مسعود) :كُنتُ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَسُئِلَ عَن عَلِيٍّ عليه السلام . فَقالَ: قُسِمَتِ الحِكمَةُ عَشَرَةَ أجزاءٍ فَاُعطِيَ عَلِيٌّ تِسعَةَ أجزاءٍ، وَالنّاسُ
.
ص: 465
جُزءاً واحِداً. (1)
الكافي عن يزيد الكناسيّ :سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام ... فَقالَ : ... لَيسَ تَبقَى الأَرضُ يا أبا خالِدٍ يَوماً واحِداً بِغَيرِ حُجَّةٍ للّهِِ عَلَى النّاسِ مُنذُ يَومِ خَلَقَ اللّهُ آدَمَ عليه السلام وأسكَنَهُ الأَرضَ . فَقُلتُ: جُعِلتُ فِداكَ، أكانَ عَلِيٌّ عليه السلام حُجَّةً مِنَ اللّهِ ورَسولِهِ عَلى هذِهِ الاُمَّةِ في حَياةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ: نَعَم، يَومَ أقامَهُ لِلنّاسِ ونَصَبَهُ عَلَماً ودَعاهُم إلى وَلايَتِهِ وأمَرَهُم بِطاعَتِهِ . قُلتُ: وكانَت طاعَةُ عَلِيٍّ عليه السلام واجِبَةً عَلَى النّاسِ في حَياةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وبَعدَ وَفاتِهِ؟ فَقالَ: نَعَم، ولكِنَّهُ صَمَتَ فَلَم يَتَكَلَّم مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وكانَتِ الطّاعَةُ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى اُمَّتِهِ وعَلى عَلِيٍّ عليه السلام في حَياةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وكانَتِ الطّاعَةُ مِنَ اللّهِ ومِن رَسولِهِ عَلَى النّاسِ كُلِّهِم لِعَلِيٍّ عليه السلام بَعدَ وَفاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام حَكيماً عالِماً. (2)
5 / 5لُقمانرسول اللّه صلى الله عليه و آله :حَقًّا أقولُ: لَم يَكُن لُقمانُ نَبِيًّا ولكِن كانَ عَبداً كَثيرَ التَّفَكُّرِ، حَسَنَ
.
ص: 466
اليَقينِ، أحَبَّ اللّهَ فَأَحَبَّهُ ومَنَّ عَلَيهِ بِالحِكمَةِ. (1)
تفسير القمّي عن حمّاد :سَأَلتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام عَن لُقمانَ وحِكمَتِهِ الَّتي ذَكَرَهَا اللّهُ عز و جل . فَقالَ : أما وَاللّهِ ما اُوتِيَ لُقمانُ الحِكمَةَ بِحَسَبٍ ولا مالٍ ولا أهلٍ ولا بَسطٍ في جِسمٍ ولا جَمالٍ، ولكِنَّهُ كانَ رَجُلًا قَوِيًّا في أمرِ اللّهِ، مُتَوَرِّعاً فِي اللّهِ، ساكِتاً سَكيناً، عَميقَ النَّظَرِ، طَويلَ الفِكرِ، حَديدَ النَّظَرِ، مُستَعبِراً بِالعِبَرِ، لَم يَنَم نَهاراً قَطُّ، ولَم يَرَهُ أحَدٌ مِنَ النّاسِ عَلى بَولٍ ولا غائِطٍ ولَا اغتِسالٍ لِشِدَّةِ تَسَتُّرِهِ، وعُمقِ نَظَرِهِ، وتَحَفُّظِهِ في أمرِهِ، ولَم يَضحَك مِن شَيءٍ قَطُّ مَخافَةَ الإِثمِ، ولَم يَغضَب قَطُّ، ولَم يُمازِح إنساناً قَطُّ، ولَم يَفرَح بِشَيءٍ إن أتاهُ مِن أمرِ الدُّنيا، ولا حَزِنَ مِنها عَلى شَيءٍ قَطُّ. وقَد نَكَحَ مِنَ النِّساءِ ووُلِدَ لَهُ مِنَ الأَولادِ الكَثيرَةِ وقَدَّمَ أكثَرَهُم أفراطاً (2) ، فَما بَكى عَلى مَوتِ أحَدٍ مِنهُم، ولَم يَمُرَّ بِرَجُلَينِ يَختَصِمانِ أو يَقتَتِلانِ إلّا أصلَحَ بَينَهُما، ولَم يَمضِ عَنهُما حَتّى يُحابّا، ولَم يَسمَع قَولًا قَطُّ مِن أحَدٍ استَحسَنَهُ إلّا سَأَلَ عَن تَفسيرِهِ وعَمَّن أخَذَهُ، وكانَ يُكثِرُ مُجالَسَةَ الفُقَهاءِ وَالحُكَماءِ، وكانَ يَغشَى القُضاةَ وَالمُلوكَ وَالسَّلاطينَ، فَيَرثي لِلقُضاةِ مَا ابتُلوا بِهِ، ويَرحَمُ لِلمُلوكِ وَالسَّلاطينِ لِغِرَّتِهِم بِاللّهِ وطُمَأنينَتِهِم في ذلِكَ ، ويَعتَبِرُ ويَتَعَلَّمُ ما يَغلِبُ بِهِ نَفسَهُ ويُجاهِدُ بِهِ هَواهُ ويَحتَرِزُ بِهِ مِنَ الشَّيطانِ. فَكانَ يُداوي قَلبَهُ بِالفِكرِ ، ويُداوي نَفسَهُ بِالعِبَرِ، وكانَ لا يَظعَنُ إلّا فيما يَنفَعُهُ، فَبِذلِكَ اُوتِيَ الحِكمَةَ ومُنِحَ العِصمَةَ، فَإِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أمَرَ طوائِفَ مِنَ المَلائِكَهِ حينَ انتَصَفَ النَّهارُ وهَدَأَتِ العُيونُ بِالقائِلَةِ، فَنادَوا لُقمانَ حَيثُ يَسمَعُ ولا يَراهُم،
.
ص: 467
فَقالوا: يا لُقمانُ، هَل لَكَ أن يَجعَلَكَ اللّهُ خَليفَةً فِي الأَرضِ تَحكُمُ بَينَ النّاسِ؟ فَقالَ لُقمانُ: إن أمَرَنِي اللّهُ بِذلِكَ فَالسَّمعُ وَالطّاعَةُ لِأَنَّهُ إن فَعَلَ بي ذلِكَ أعانَني عَلَيهِ وعَلَّمَني وعَصَمَني، وإن هُوَ خَيَّرَني قَبِلتُ العافِيَةَ . فَقالَتِ المَلائِكَةُ: يا لُقمانُ، لِمَ قُلتَ ذلِكَ؟ قالَ: لِأَنَّ الحُكمَ بَينَ النّاسِ مِن أشَدِّ المَنازِلِ مِنَ الدّينِ وأكثَرِها فَتناً وبَلاءً ما يُخذَلُ (1) ولا يُعانُ ويَغشاهُ الظُّلَمُ مِن كُلِّ مَكانٍ، وصاحِبُهُ فيهِ بَينَ أمرَينِ، إن أصابَ فيهِ الحَقَّ فَبِالحَرِيِّ أن يَسلَمَ، وإن أخطَأَ أخطَأَ طَريقَ الجَنَّةِ، ومَن يَكُن فِي الدُّنيا ذَليلًا وضَعيفاً كانَ أهوَنُ عَلَيهِ فِي المَعادِ أن يَكونَ فيهِ حَكَماً سَرِيًّا شَريفاً، ومَنِ اختارَ الدُّنيا عَلَى الآخِرَةِ يَخسَرُهُما كِلتَيهِما، تَزولُ هذِهِ ولا تُدرَكُ تِلكَ. قالَ: فَتَعَجَّبَتِ المَلائِكَةُ مِن حِكمَتِهِ وَاستَحسَنَ الرَّحمنُ مَنطِقَهُ، فَلَمّا أمسى وأخَذَ مَضجَعَهُ مِنَ اللَّيلِ أنزَلَ اللّهُ عَلَيهِ الحِكمَةَ فَغَشّاهُ بِها مِن قَرنِهِ إلى قَدَمِهِ وهُوَ نائِمٌ، وغَطّاهُ بِالحِكمَةِ غِطاءً فَاستَيقَظَ وهُوَ أحكَمُ النّاسِ في زَمانِهِ، وخَرَجَ عَلَى النّاسِ يَنطِقُ بِالحِكمَةِ ويُثبِتُها فيها. (2)
5 / 6قُسُّ بنُ ساعِدَةَالإمام الباقر عليه السلام :بَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذاتَ يَومٍ بِفِناءِ الكَعبَةِ يَومَ افتَتَحَ مَكَّةَ إذ أقبَلَ إلَيهِ وَفدٌ فَسَلَّموا عَلَيهِ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَنِ القَومُ؟ قالوا: وَفدُ بَكرِ بنِ وائِلٍ . قالَ: فَهَل عِندَكُم عِلمٌ مِن خَبَرِ قُسِّ بنِ ساعِدَةَ الأَيادِيِّ؟ قالوا: نَعَم يا رَسولَ اللّهِ .
.
ص: 468
قالَ: فَما فَعَلَ؟ قالوا: ماتَ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الحَمدُ للّهِِ رَبِّ المَوتِ ورَبِّ الحَياةِ، كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ (1) ، كَأَنّي أنظُرُ إلى قُسِّ بنِ ساعِدَةَ الأَيادِيِّ وهُوَ بِسوقِ عُكاظٍ عَلى جَمَلٍ لَهُ أحمَرَ وهُوَ يَخطُبُ النّاسَ ويَقولُ: اِجتَمِعوا أيُّهَا النّاسُ، فَإِذَا اجتَمَعتُم فَأَنصِتوا، فَإِذا أنصَتُّم فَاسمَعوا، فَإِذا سَمِعتُم فَعوا، فَإِذا وَعَيتُم فَاحفَظوا، فَإِذا حَفِظتُم فَاصدُقوا . ألا إنَّهُ مَن عاشَ ماتَ، ومَن ماتَ فاتَ، ومَن فاتَ فَلَيسَ بِآتٍ، إنَّ فِي السَّماءِ خَبَراً ، وفِي الأَرضِ عِبَراً، سَقفٌ مَرفوعٌ، ومِهادٌ مَوضوعٌ، ونُجومٌ تَمورُ (2) ، ولَيلٌ يَدورُ، وبِحارُ ماءٍ ( لا ) تَغورُ. يَحلِفُ قُسٌّ ما هذا بِلَعِبٍ ، وإنَّ مِن وَراءِ هذا لَعَجَباً، ما لي أرَى النّاسَ يَذهَبونَ فَلا يَرجِعونَ ! أرَضوا بِالمُقامِ فَأَقاموا ؟! أم تُرِكوا فَناموا ؟! يَحلِفُ قُسٌّ يَميناً غَيرَ كاذِبَةٍ، إنَّ للّهِِ ديناً هُوَ خَيرٌ مِنَ الدّينِ الَّذي أنتُم عَلَيهِ. ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : رَحِمَ اللّهُ قُسًّا يُحشَرُ يَومَ القِيامَةِ اُمَّةً وَحدَهُ . قالَ: هَل فيكُم أحَدٌ يُحسِنُ مِن شِعرِهِ شَيئاً؟ فَقالَ بَعضُهُم: سَمِعتُهُ يَقولُ: فِي الأَوَّلينَ الذّاهِبينَ مِنَ القُرونِ لَنا بَصائِر لَمّا رَأَيتُ مَوارِدَ لِلمَوتِ لَيسَ لَها مَصادِر ورَأَيتُ قَومي نَحوَها تَمضِي الأَكَابِرُ وَالأَصاغِر لا يَرجِعُ الماضِي إلَيَّ ولا مِنَ الباقينَ غابِر (3) أيقَنتُ أنّي لا مَحالَةَ حَيثُ صارَ القَومُ صائِر وبَلَغَ مِن حِكمَةِ قُسِّ بنِ ساعِدَةَ ومَعرِفَتِهِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كانَ يَسأَلُ مَن يَقدَمُ عَلَيهِ مِن أيادٍ مِن حِكَمِهِ ويُصغي إلَيهِ سَمعَهُ. (4)
.
ص: 469
5 / 7مثرمُ بنُ رَغيبٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في صِفَةِ المثرمِ بنِ زغيبِ بنِ الشَّيقبان (1) _: كانَ مِن أحَدِ العُبّادِ، قَد عَبَدَ اللّهَ تَعالى مِئَتَينِ وسَبعينَ سَنَةً، لَم يَسأَلهُ حاجَةً إلّا أجابَهُ، إنَّ اللّهَ عز و جل أسكَنَ في قَلبِهِ الحِكمَةَ، وألهَمَهُ بِحُسنِ طاعَتِهِ لِرَبِّهِ. (2)
5 / 8سَلمانالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا قالَ لَهُ ابنُ الكَوّا : يا أميرَالمُؤمِنينَ، فَأَخبِرني عَن سَلمانَ الفارِسِيّ _: بَخٍ بَخٍ! سَلمانُ مِنّا أهلَ البَيتِ، ومَن لَكُم بِمِثلِ لُقمانَ الحَكيمِ عَلِمَ
.
ص: 470
عِلمَ الأَوَّلِ وَالآخِرِ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّما صارَ سَلمانُ مِنَ العُلَماءِ ، لِأَنَّهُ امرُؤٌ مِنّا أهلَ البَيتِ ، فَلِذلِكَ نَسَبتُهُ إلَى العُلَماءِ. (2)
رجال الكشّي عن الفضيل بن يسار عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال :قالَ لي : تَروي ما يَروِي النّاسُ أنَّ عَلِيًّا عليه السلام قالَ في سَلمانَ : أدرَكَ عِلمَ الأَوَّلِ وعِلمَ الآخِرِ؟ قُلتُ: نَعَم . قالَ: فَهَل تَدري ما عَنى؟ قُلتُ: يَعني عِلمَ بَني إسرائيلَ وعِلمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله . فَقالَ: لَيسَ هكَذا يَعني، ولكِن عِلمَ النَّبِيِّ وعِلمَ عَلِيٍّ وأمرَ النَّبِيِّ وأمرَ عَلِيٍّ عليهماالسلام. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :أدرَكَ سَلمانُ العِلمَ الأَوَّلَ وَالعِلمَ الآخِرَ ، وهُوَ بَحرٌ لا يُنزَحُ ، وهُوَ مِنّا أهلَ البَيتِ. (4)
5 / 9روبيلرسول اللّه صلى الله عليه و آله عَن جَبرَئيلَ عليه السلام :أنَّ يونُسَ بنَ مَتّى عليه السلام بَعَثَهُ اللّهُ إلى قَومِهِ وهُوَ ابنُ
.
ص: 471
ثَلاثينَ سَنَةً ... فَلَم يُؤمِن بِهِ ولَم يَتَّبِعهُ مِن قَومِهِ إلّا رَجُلانِ ، اسمُ أحَدِهِما روبيلُ وَاسمُ الآخَرِ تَنوخا ، وكانَ روبيلُ مِن أهلِ بَيتِ العِلمِ وَالنُّبُوَّةِ وَالحِكمَةِ، وكانَ قَديمَ الصُّحبَةِ لِيونُسَ بنِ مَتّى مِن قَبلِ أن يَبعَثَهُ اللّهُ بِالنُّبُوَّةِ، وكانَ تَنوخا رَجُلًا مُستَضعَفاً عابِداً زاهِداًمُنهَمِكاً فِي العِبادَةِ ولَيسَ لَهُ عِلمٌ ولا حُكمٌ ، وكانَ روبيلُ صاحِبَ غَنَمٍ يَرعاها ويَتَقَوَّتُ مِنها ، وكانَ تَنوخا رَجُلًا حَطّاباً يَحتَطِبُ عَلى رَأسِهِ ويَأكُلُ مِن كَسبِهِ ، وكانَ لِروبيلَ مَنزِلَةٌ مِن يونُسَ غَيرُ مَنزِلَةِ تَنوخا لِعِلمِ روبيلَ وحِكمَتِهِ وقَديمِ صُحبَتِهِ. (1)
.
ص: 472
. .
ص: 473
الفصل السادس : علماء السّوء6 / 1تَحذيرُ العالِمِ بِلا عَمَلٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :وَيلٌ لِمَن لا يَعلَمُ ، ووَيلٌ لِمَن عَلِمَ ثُمَّ لا يَعمَلُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :وَيلٌ لِمَن عَلِمَ ولَم يَنفَعهُ عِلمُهُ _ سَبعَ مَرّاتٍ _ ، ووَيلٌ لِمَن لَم يَعلَم ولَو شاءَ لَعَلِمَهُ _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :كُلُّ عِلمٍ وَبالٌ عَلى صاحِبِهِ يَومَ القِيامَةِ إلّا مَن عَمِلَ بِهِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصِيَّتِهِ لِعَبدِ اللّهِ بنِ مَسعودٍ _: يَابنَ مَسعودٍ، مَن تَعَلَّمَ العِلمَ ولَم يَعمَل بِما فيهِ حَشَرَهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ أعمى. (4)
.
ص: 474
عنه صلى الله عليه و آله :العالِمُ وَالعِلمُ وَالعَمَلُ فِي الجَنَّةِ ، فَإِذا لَم يَعمَلِ العالِمُ بِما يَعلَمُ كانَ العِلمُ وَالعَمَلُ فِي الجَنَّةِ وكانَ العالِمُ فِي النّارِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن لَم يَنفَعهُ عِلمُهُ ضَرَّهُ جَهلُهُ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : ما يَنفي عَنّي حُجَّةَ الجَهلِ؟ قالَ : العِلمُ . قالَ : فَما يَنفي عَنّي حُجَّةَ العِلمِ؟ قالَ : العَمَلُ. (3)
عنه عليه السلام :العِلمُ كُلُّهُ حُجَّةٌ إلّا ما عُمِلَ بِهِ. (4)
عنه عليه السلام :عِلمٌ بِلا عَمَلٍ حُجَّةٌ للّهِِ عَلَى العَبدِ. (5)
عنه عليه السلام :مَن لَم يَعمَل بِالعِلمِ كانَ حُجَّةً عَلَيهِ ووَبالًا. (6)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: يا عالِمُ ، قَد قامَ عَلَيكَ حُجَّةُ العِلمِ فَاستَيقِظ مِن رَقدَتِكَ. (7)
عنه عليه السلام :أشَدُّ النّاسِ نَدَماً عِندَ المَوتِ العُلَماءُ غَيرُ العامِلينَ. (8)
.
ص: 475
عنه عليه السلام :مَن لَم يَهدِهِ العِلمُ أضَلَّهُ الجَهلُ. (1)
عنه عليه السلام :مَن خالَفَ عِلمَهُ عَظُمَت جَريمَتُهُ وإثمُهُ. (2)
عنه عليه السلام :عِلمٌ لا يُصلِحُكَ ضَلالٌ ، ومالٌ لا يَنفَعُكَ وَبالٌ. (3)
عنه عليه السلام :العِلمُ بِلا عَمَلٍ وَبالٌ ، العَمَلُ بِلا عِلمٍ ضَلالٌ. (4)
عنه عليه السلام :عِلمٌ لا يَنفَعُ كَدَواءٍ لا يَنجَعُ. (5)
عنه عليه السلام_ من كِتابِهِ إلَى الحَسَنِ عليه السلام _: إنَّ خَيرَ القَولِ ما نَفَعَ ، وَاعلَم أنَّهُ لا خَيرَ في عِلمٍ لا يَنفَعُ ولا يُنتَفَعُ بِعِلمٍ لا يَحِقُّ تَعَلُّمُهُ. (6)
عنه عليه السلام :لا خَيرَ في قَلبٍ لا يَخشَعُ وعَينٍ لا تَدمَعُ وعِلمٍ لا يَنفَعُ. (7)
عنه عليه السلام_ وهُوَ يَصِفُ زَمانَهُ _: أيُّهَا النّاسُ ! إنّا قَد أصبَحنا في دَهرٍ عَنودٍ وزَمَنٍ كَنودٍ ، يُعَدُّ فيهِ المُحسِنُ مُسيئاً ، ويَزدادُ الظّالِمُ فيهِ عُتُوّاً ، لا نَنتَفِعُ بِما عَلِمنا ، ولا نَسأَلُ عَمّا جَهِلنا. (8)
عنه عليه السلام :كَفى بِالعالِمِ جَهلًا أن يُنافِيَ عِلمُهُ عَمَلَهُ. (9)
عنه عليه السلام :مَن لَم يَتَعاهَد عِلمَهُ فِي الخَلَاَ فَضَحَهُ فِي المَلَاَ (10)
.
ص: 476
عنه عليه السلام :مَن أضاعَ عِلمَهُ التَطَمَ. (1)
عنه عليه السلام :قَطَعَ العِلمُ عُذرَ المُتَعَلِّلينَ. (2)
الإمام الحسن عليه السلام :قَطَعَ العِلمُ عُذرَ المُتَعَلِّمينَ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ مِن أشَدِّ النّاسِ عَذاباً يَومَ القِيامَةِ مَن وَصَفَ عَدلًا وعَمِلَ بِغَيرِهِ. (4)
عيسى عليه السلام :أشقَى النّاسِ مَن هُوَ مَعروفٌ عِندَ النّاسِ بِعِلمِهِ مَجهولٌ بِعَمَلِهِ. (5)
عنه عليه السلام :لَيسَ بِنافِعِكَ أن تَعلَمَ ما لَم تَعمَل . إنَّ كَثرَةَ العِلمِ لا يَزيدُكَ إلّا جَهلًا ما لَم تَعمَل بِهِ. (6)
عنه عليه السلام :إنَّهُ لَيسَ بِنافِعِكَ أن تَعلَمَ ما لَم تَعلَم ولَمّا تَعمَل بِما قَد عَلِمتَ ، إنَّ كَثرَةَ العِلمِ لا تَزيدُ إلّا كِبراً إذا لَم تَعمَل بِهِ. (7)
عنه عليه السلام :إلى مَتى تَصِفونَ الطَّريقَ لِلمُدلِجينَ (8) ، وأنتُم مُقيمونَ مَعَ المُتَحَيِّرينَ ؟ !إنَّما يَنبَغي مِنَ العِلمِ القَليلُ ، ومِنَ العَمَلِ الكَثيرُ. (9)
الكافي عن عليّ بن أسباط عنهم عليهم السلام: فيما وَعَظَ اللّهُ عز و جل به عيسى عليه السلام : ... يا عيسى ،
.
ص: 477
كَم اُطيلُ النَّظَرَ واُحسِنُ الطَّلَبَ وَالقَومُ في غَفلَةٍ لا يَرجِعونَ ، تَخرُجُ الكَلِمَةُ مِن أفواهِهِم لا تَعيها قُلوبُهُم ، يَتَعَرَّضونَ لِمَقتي ويَتَحَبَّبونَ بِقُربي إلَى المُؤمِنينَ ! (1)
راجع: ص 57 (العمل) و 426 (ترك العمل) و 477 (كثرة العلماء بلا عمل) و 477 (مثل العالم بلا عمل) و 479 (العالم بلا عمل جاهل) و 45 (شرط العمل) ص 144 (العمل) و 396 (العمل) .
6 / 2كَثرَةُ العُلَماءِ بِلا عَمَلٍالإمام عليّ عليه السلام :العِلمُ كَثيرٌ وَالعَمَلُ قَليلٌ. (2)
عنه عليه السلام :ما أكثَرَ مَن يَعلَمُ العِلمَ ولا يَتَّبِعُهُ ! (3)
عنه عليه السلام :إنَّ رُواةَ العِلمِ كَثيرٌ ورُعاتَهُ قَليلٌ. (4)
عنه عليه السلام :رُبَّ عالِمٍ غَيرِ مُنتَفِعٍ. (5)
6 / 3مَثَلُ العالِمِ بِلا عَمَلٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العالِمُ بِغَيرِ عَمَلٍ كَالمِصباحِ يُحرِقُ نَفسَهُ ويُضيءُ لِلنّاسِ. (6)
.
ص: 478
عنه صلى الله عليه و آله :مَثَلُ العالِمِ الَّذي يُعَلِّمُ النّاسَ الخَيرَ ويَنسى نَفسَهُ كَمَثَلِ السِّراجِ يُضيءُ لِلنّاس ويُحرِقُ نَفسَهُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ الَّذي لا يُعمَلُ بِهِ كَالكَنزِ الَّذي لا يُنفَقُ مِنهُ ، أتعَبَ صاحِبُهُ نَفسَهُ في جَمعِهِ ولَم يَصِل إلى نَفعِهِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ مَثَلَ عِلمٍ لا يَنفَعُ كَمَثَلِ كَنزٍ لا يُنفَقُ في سَبيلِ اللّهِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَثَلُ الَّذي يَجلِسُ يَسمَعُ الحِكمَةَ ثُمَّ لا يُحَدِّثُ عَن صاحِبِهِ إلّا بِشَرِّ ما يَسمَعُ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أتى راعِياً فَقالَ: يا راعي، أجزِرني شاةً مِن غَنَمِكَ، قالَ: اِذهَب فَخُذ بِاُذُنِ خَيرِها، فَذَهَبَ فَأَخَذَ بِاُذُنِ كَلبِ الغَنَمِ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ العالِمَ العامِلَ بِغَيرِهِ كَالجاهِلِ الحائِرِ الَّذي لا يَستَفيقُ عَن جَهلِهِ. (5)
عنه عليه السلام :العالِمُ بِلا عَمَلٍ كَالرّامي بِلا وَتَرٍ. (6)
.
ص: 479
عيسى عليه السلام :مَثَلُ عُلَماءِ السَّوءِ مَثَلُ صَخرَةٍ وَقَعَت عَلى فَمِ النَّهرِ ، لا هِيَ تَشرَبُ الماءَ ولا هِيَ تَترُكُ الماءَ يَخلُصُ إلَى الزَّرعِ. (1)
لقمان عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ _: مَثَلُ الحِكمَةِ بِغَيرِ طاعَةٍ مَثَلُ الجَسَدِ بِلا نَفَسٍ، أو مَثَلُ الصَّعيدِ بِلا ماءٍ، ولا صَلاحَ لِلجَسَدِ بِلا نَفَسٍ ولا لِلصَّعيدِ بِغَيرِ ماءٍ ، ولا لِلحِكمَةِ بِغَيرِ طاعَةٍ. (2)
راجع : ص 386 (مثل العلماء) .
6 / 4العالِمُ بِلا عَمَلٍ جاهِلٌرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ مِنَ العِلمِ جَهلًا. (3)
مسند البزّار عن عمّار بن ياسر :بَعَثَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى حَيٍّ مِن قَيسٍ اُعَلِّمُهُم شَرائِعَ الإِسلامِ ، فَإِذا قَومٌ كَأَنَّهُمُ الإِبِلُ الوَحشِيَّةُ ، طامِحَةً أبصارُهُم ، لَيسَ لَهُم هَمٌّ إلّا شاةٌ أو بَعيرٌ ، فَانصَرَفتُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَقالَ : يا عَمّارُ ، ما عَمِلتَ؟ فَقَصَصتُ عَلَيهِ قِصَّةَ القَومِ ، وأخبَرتُهُ بِما بِهِم مِنَ السَّهوَةِ (4) . قالَ : يا عَمّارُ ألا اُخبِرُكَ بِأَعجَبَ مِنهُم؟
.
ص: 480
قَومٌ عَلِموا ما جَهِلَ اُولئِكَ ثُمَّ سَهَوا كَسَهوِهِم. (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في جَوابِهِ لِسَعدٍ حينَ قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أتَيتُكَ مِن قَومٍ هُم وأنعامُهُم سَواءٌ _: يا سَعدُ ، ألا اُخبِرُكَ بِأَعجَبَ مِن ذلِكَ ؟ قَومٌ عَلِموا ما جَهِلَ هؤُلاءِ ثُمَّ جَهِلوا كَجَهلِهِم. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :رُبَّ حامِلِ فِقهٍ غَيرِ فَقيهٍ ، ومَن لَم يَنفَعهُ عِلمُهُ ضَرَّهُ جَهلُهُ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :لا تَجعَلوا عِلمَكُم جَهلًا ويَقينَكُم شَكًّا ، إذا عَلِمتُم فَاعمَلوا ، وإذا تَيَقَّنتُم فَأَقدِموا. (4)
عنه عليه السلام :لا تَجعَل يَقينَكَ شَكًّا ، ولا عِلمَكَ جَهلًا ، ولا ظَنَّكَ حَقًّا ، وَاعلَم أنَّهُ لَيسَ لَكَ مِنَ الدُّنيا إلّا ما أعطَيتَ فَأَمضَيتَ وقَسَمتَ فَسَوَّيتَ ولَبِستَ فَأَبلَيتَ. (5)
عنه عليه السلام :رُبَّ عالِمٍ قَد قَتَلَهُ جَهلُهُ وعِلمُهُ مَعَهُ لا يَنفَعُهُ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ الزِّنديقُ : أفَيَكونُ العالِمُ جاهِلًا؟ _: عالِمٌ بِما يَعلَمُ وجاهِلٌ بِما يَجهَلُ. (7)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ... وأعوذُ بِكَ مِن أن أشتَرِيَ الجَهلَ بِالعِلمِ وَالجَفاءَ بِالحِلمِ. (8)
.
ص: 481
6 / 5ذَمُّ عُلَماءِ السَّوءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :شَرُّ النّاسِ عُلَماءُ السَّوءِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :شِرارُ النّاسِ شِرارُ العُلَماءِ فِي النّاسِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِأَبي ذَرٍّ _: يا أبا ذَرٍّ ، اِعلَم أنَّ كُلَّ شَيءٍ إذا فَسَدَ فَالمِلحُ دَواؤُهُ ، فَإِذا فَسَدَ المِلحُ فَلَيسَ لَهُ دَواءٌ. (3)
عيسى عليه السلام_ لِلحَوارِيّينَ _: يا مِلحَ الأَرضِ : لا تَفسُدوا ، فَإِنَّ كُلَّ شَيءٍ إذا فَسَدَ فَإِنَّهُ (4) يُداوى بِالمِلحِ ، و إنَّ المِلحَ إذا فَسَدَ فَلَيسَ لَهُ دَواءٌ. (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَأتي عَلَى النّاسِ زَمانٌ . . . عُلَماؤُهُم وفُقَهاؤُهُم خَوَنَةٌ فَجَرَةٌ ، ألا إنَّهُم أشرارُ خَلقِ اللّهِ ، وكَذلِكَ أتباعُهُم ومَن يَأتيهِم ويَأخُذُ مِنهُم ويُحِبُّهُم ويُجالِسُهُم ويُشاوِرُهُم أشرارُ خَلقِ اللّهِ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :يَأتي عَلَى النّاسِ زَمانٌ عُلَماؤُها مَيتَةٌ وحُكَماؤُها مَيتَةٌ ، تَكثُرُ المَساجِدُ وَالقُرّاءُ حَتّى لا يَجِدونَ عالِماً إلَا الرَّجُلَ بَعدَ الرَّجُلِ. (7)
.
ص: 482
عنه صلى الله عليه و آله :يَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ رِجالٌ يَختِلونَ الدُّنيا بِالدّينِ ، يَلبَسونَ لِلنّاسِ جُلودَ الضَّأنِ مِنَ اللّينِ، ألسِنَتُهُم أحلى مِنَ السُّكَّرِ ، وقُلوبُهُم قُلوبُ الذِّئابِ ، يَقولُ اللّهُ عز و جل : أبِيَ يَغتَرّونَ ؟ ! أم عَلَيَّ يَجتَرِئُون ؟ !، فَبي حَلَفتُ لَأَبعَثَنَّ عَلى اُولئِكَ مِنهُم فِتنَةً تَدَعُ الحَليمَ مِنهُم حَيراناً (1) . (2)
تحف العقول :قيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : أيُّ النّاسِ شَرٌّ ؟ قالَ : العُلَماءُ إذا فَسَدوا. (3)
سنن الدارمي عن الأحوص بن حكيم عن أبيه :سَألَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله عَنِ الشَّرِّ . فقالَ : لا تَسأَلوني عَنِ الشَّرِّ وَاسأَلوني عَنِ الخَيرِ _ يَقولُها ثَلاثاً _ ثُمَّ قالَ : ألا إنَّ شَرَّ الشَّرِّ شِرارُ العُلَماءِ ، وإنَّ خَيرَ الخَيرِ خِيارُ العُلَماءِ ! (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ في صِفَةِ أبغَضِ الخَلائِقِ إلَى اللّهِ _: . . . ورَجُلٌ قَمَشَ جَهلًا في جُهّالِ النّاسِ . . . قَد سَمّاهُ أشباهُ النّاسِ عالِماً ولَم يَغنَ فيهِ يَوماً سالِماً . . . لا يَحسَبُ العِلمَ في شَيءٍ مِمّا أنكَرَ ، ولا يَرى أنَّ وَراءَ ما بَلَغَ فيهِ مَذهَباً ، إن قاسَ شَيئاً بِشَيءٍ لَم يُكَذِّب نَظَرَهُ ، وإن أظلَمَ عَلَيهِ أمرٌ اِكتَتَمَ بِهِ لِما يَعلَمُ مِن جَهلِ نَفسِهِ. (5)
عنه عليه السلام_ مِن جَوابٍ لِكِتابٍ كَتَبَهُ مُعاوِيَةُ _: تَصِفُ الحِكمَةَ ولَستَ مِن أهلِها، وتَذكُرُ التَّقوى وأنتَ عَلى ضِدِّها ! (6)
.
ص: 483
عنه عليه السلام :إنَّ مِن أحَبِّ عِبادِ اللّهِ إلَيهِ عَبداً أعانَهُ اللّهُ عَلى نَفسِهِ . . . مِصباحُ ظُلُماتٍ ، كَشّافُ عَشَواتٍ ، مِفتاحُ مُبهَماتٍ دَفّاعُ مُعضِلاتٍ ، دَليلُ فَلَواتٍ ، يَقولُ فَيُفهِمُ ، ويَسكُتُ فَيَسلَمُ . . وآخَرُ قَد تَسَمّى عالِماً ولَيسَ بِهِ ، فَاقتَبَسَ جَهائِلَ مِن جُهّالٍ ، وأضاليلَ مِن ضُلّالٍ ، ونَصَبَ لِلنّاسِ أشراكاً مِن حَبائِلِ غُرورٍ وقَولِ زورٍ . . . يَقولُ : أقِفُ عِندَ الشُّبُهاتِ وفيها وَقَعَ ، ويَقولُ : أعتَزِلُ البِدَعَ وبَينَهَا اضطَجَعَ ، فَالصّورَةُ صورَةُ إنسانٍ ، وَالقَلبُ قَلبُ حَيَوانٍ ، لا يَعرِفُ بابَ الهُدى فَيَتَّبِعَهُ، ولا بابَ العَمى فَيَصُدَّ عَنهُ، وذلِكَ مَيِّتُ الأَحياءِ ! (1)
عنه عليه السلام :أمقَتُ العِبادِ إلَى اللّهِ الفَقيرُ المَزهُوُّ وَالشَّيخُ الزّاني وَالعالِمُ الفاجِرُ. (2)
عنه عليه السلام :لا خَيرَ فِي الكَذّابينَ ولا فِي العُلَماءِ الأَفّاكينَ. (3)
عنه عليه السلام :لا خَيرَ في عِلمِ الكَذّابينَ. (4)
عيسى عليه السلام :وَيلَكُم عُلَماءَ السَّوءِ ، الاُجرَةَ تَأخُذونَ وَالعَمَلَ لا تَصنَعونَ ! يوشِكُ رَبُّ العَمَلِ (5) أن يَطلُبَ عَمَلَهُ، ويوشِكُ أن يَخرُجوا مِنَ الدُّنيا إلى ظُلمَةِ القَبرِ ، كَيفَ يَكونُ مِن أهلِ العِلمِ مَن مَصيرُهُ إلى آخِرَتِهِ وهُوَ مُقبِلٌ عَلى دُنياهُ، وما يَضُرُّهُ أشهى إلَيهِ مِمّا يَنفَعُهُ ! (6)
.
ص: 484
عنه عليه السلام :بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ شَرَّ النّاسِ لَرَجُلٌ عالِمٌ آثَرَ دُنياهُ عَلى عِلمِهِ ، فَأَحَبَّها وطَلَبَها وجَهَدَ عَلَيها حَتّى لَوِ استَطاعَ أن يَجعَلَ النّاسَ في حَيرَةٍ لَفَعَلَ ، وماذا يُغني عَنِ الأَعمى سَعَةُ نورِ الشَّمسِ وهُوَ لا يُبصِرُها ؟ ! كَذلِكَ لا يُغني عَنِ العالِمِ عِلمُهُ إذ هُوَ لَم يَعمَل بِهِ . ما أكثَرَ ثِمارَ الشَّجَرِ ولَيسَ كُلُّها يَنفَعُ ويُؤكَلُ ! وما أكثَرَ العُلَماءَ ولَيسَ كُلُّهُم يَنتَفِعُ بِما عَلِمَ ! وما أوسَعَ الأَرضَ ولَيسَ كُلُّها تُسكَنُ ! وما أكثَرَ المُتَكَلِّمينَ ولَيسَ كُلُّ كَلامِهِم يُصَدَّقُ ! فَاحتَفِظوا مِنَ العُلَماءِ الكَذَبَةِ الَّذينَ عَلَيهِم ثِيابُ الصّوفِ مُنَكِّسي رُؤوسِهِم إلَى الأَرضِ يُزَوِّرونَ بِهِ الخَطايا يَرمُقونَ مِن تَحتِ حَواجِبِهِم كَما تَرمُقُ الذِّئابُ ، وقَولُهُم يُخالِفُ فِعلَهُم ، وهَل يُجتَنى مِنَ العَوسَجِ العِنَبُ ، ومِنَ الحَنظَلِ التّينُ ؟ ! وكَذلِكَ لا يُؤَثِّرُ قَولُ العالِمِ الكاذِبِ إلّا زوراً ، ولَيسَ كُلُّ مَن يَقولُ يَصدُقُ . . . وَيلَكُم يا عُلَماءَ السَّوءِ ! لا تُحَدِّثوا أنفُسَكُم أنَّ آجالَكُم تَستَأخِرُ مِن أجلِ أنَّ المَوتَ لَم يَنزِل بِكُم ، فَكَأَنَّهُ قَد حَلَّ بِكُم فَأَظعَنَكُم ، فَمِنَ الآنَ فَاجعَلُوا الدَّعوَةَ في آذانِكُم ، ومِنَ الآنَ فَنوحوا عَلى أنفُسِكُم ، ومِنَ الآنَ فَابكوا عَلى خَطاياكُم ، ومِنَ الآنَ فَتَجَهَّزوا وخُذوا اُهبَتَكُم وبادِرُوا التَّوبَةَ إلى رَبِّكُم . . . وَيلَكُم يا عُلَماءَ السَّوءِ ! ألَم تَكونوا أمواتاً فَأَحياكُم ؟ فَلَمّا أحياكُم مُتُّم ؟ ! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا اُمِّيّينَ فَعَلَّمَكُم ؟ فَلَمّا عَلَّمَكُم نَسيتُم ؟ ! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا جُفاةً فَفَقَّهَكُمُ اللّهُ ؟ فَلَمّا فَقَّهَكُم جَهِلتُم ؟ ! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا ضُلّالًا فَهَداكُم ؟ فَلَمّا هَداكُم ضَلَلتُم ؟ ! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا عُمياً فَبَصَّرَكُم ؟ فَلَمّا بَصَّرَكُم عَميتُم ؟ !
.
ص: 485
وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا صُمًّا فَأَسمَعَكُم ؟ فَلَمّا أسمَعَكُم صَمِمتُم ؟ ! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا بُكماً فَأَنطَقَكُم ؟ فَلَمّا أنطَقَكُم بَكِمتُم ؟ ! وَيلَكُم ! ألَم تَستَفتِحوا ؟ فَلَمّا فُتِحَ لَكُم نَكَصتُم عَلى أعقابِكُم ؟ ! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا أذِلَّةً فَأَعَزَّكُم ؟ فَلَمّا عَزَزتُم قَهَرتُم وَاعتَدَيتُم وعَصَيتُم ؟ ! وَيلَكُم ! ألَم تَكونوا مُستَضعَفينَ فِي الأَرضِ تَخافونَ أن يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ فَنَصَرَكُم وأيَّدَكُم ؟ فَلَمّا نَصَرَكُمُ استَكبَرتُم وتَجَبَّرتُم؟ ! فَيا وَيلَكُم مِن ذُلِّ يَومِ القِيامَةِ كَيفَ يُهينُكُم ويُصَغِّرُكُم .؟ ! ويا وَيلَكُم يا عُلَماءَ السَّوءِ ! إنَّكُم لَتَعمَلونَ عَمَلَ المُلحِدينَ وتَأمُلونَ أمَلَ الوارِثينَ وتَطمَئِنّونَ بِطُمَأنينَةِ الآمِنينَ ! ولَيسَ أمرُ اللّهِ عَلى ما تَتَمَنَّونَ وتَتَخَيَّرونَ ، بَل لِلمَوتِ تَتَوالَدونَ ، ولِلخَرابِ تَبنونَ وتَعمُرونَ ، ولِلوارِثينَ تَمهَدونَ ! (1)
عنه عليه السلام :يا عُلَماءَ السَّوءِ ، تَأمُرونَ النّاسَ يَصومونَ ويُصَلّونَ ويَتَصَدَّقونَ ولا تَفعَلونَ ما تَأمُرونَ ! وتَدرُسونَ ما لا تَعلَمونَ فَيا سوءَ ما تَحكُمونَ ! تَتوبونَ بِالقَولِ وَالأَمانِيِّ وتَعمَلونَ بِالهَوى ! وما يُغني عَنكُم أن تُنَقّوا جُلودَكُم وقُلوبُكُم دَنِسَةٌ. (2)
عنه عليه السلام :إلى كَم يَسيلُ الماءُ عَلَى الجَبَلِ لا يَلينُ؟! إلى كَم تَدرُسونَ الحِكمَةَ لا يَلينُ عَلَيها قُلوبُكُم؟! (3)
عنه عليه السلام :لا تَكونوا كَالمُنخُلِ يُخرِجُ مِنهُ الدَّقيقَ الطَّيِّبَ ويُمسِكُ النُّخالَةَ. كَذلِكَ أنتُم
.
ص: 486
تُخرِجونَ الحِكمَةَ مِن أفواهِكُم ويَبقَى الغِلُّ (1) في صُدورِكُم. (2)
6 / 6خَطَرُ زَلَّةِ العالِمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِحذَروا زَلَّةَ العالِمِ ، فَإِنَّ زَلَّتَهُ تُكَبكِبُهُ فِي النّارِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّما أتَخَوَّفُ عَلى اُمَّتي مِن بَعدي ثَلاثَ خِصالٍ : أن يَتَأَوَّلُوا القُرآنَ عَلى غَيرِ تَأويلِهِ ، أو يَتَّبِعوا زَلَّةَ العالِمِ ، أو يَظهَرَ فيهِمُ المالُ حَتّى يَطغَوا ويَبطَروا . وسَاُنَبِّئُكُمُ المَخرَجَ مِن ذلِكَ . . . أمَّا العالِمُ فَانتَظِروا فَيئَتَهُ ولا تَتَّبِعوا زَلَّتَهُ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :زَلَّةُ العالِمِ كَانكِسارِ السَّفينَةِ ؛ تَغرَقُ وتُغرِقُ. (5)
عنه عليه السلام :زَلَّةُ العالِمِ تُفسِدُ عَوالِمَ. (6)
عنه عليه السلام :زلَّةُ العالِمِ كَبيرَةُ الجِنايَةِ. (7)
عنه عليه السلام :لا زَلَّةَ أشَدُّ مِن زَلَّةِ عالِمٍ. (8)
.
ص: 487
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: مَعصِيَةُ العالِمِ إذا خَفِيَت لَم تَضُرَّ إلّا بِصاحِبِها، وإذا ظَهَرَت ضَرَّت صاحِبَها وَالعامَّةَ. (1)
عيسى عليه السلام_ لَمّا قيلَ لَهُ : يا روحَ اللّهِ وكَلِمَتَهُ ، مَن أشَدُّ النّاسِ فِتنَةً ؟ _: زَلَّةُ العالِمِ ؛ إذا زَلَّ العالِمُ زَلَّ بِزَلَّتِهِ عالَمٌ كَثيرٌ. (2)
6 / 7خَطَرُ عُلَماءِ السَّوءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :وَيلٌ لِاُمَّتي مِن عُلَماءِ السَّوءِ ، يَتَّخِذونَ هذَا العِلمَ تِجارَةً يَبيعونَها مِن اُمَراءِ زَمانِهِم رِبحاً لِأَنفُسِهِم ، لا أربَحَ اللّهُ تِجارَتَهُم. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إيّاكُم وجيرانَ الأَغنِياءِ ، وعُلَماءَ الاُمَراءِ ، وقُرّاءَ الأَسواقِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّما أخافُ عَلَيكُم كُلَّ مُنافِقٍ عَليمٍ، يَتَكَلَّمُ بِالحِكمَةِ ويَعمَلُ بِالجَورِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :إنّي أخافُ عَلَيكُم كُلَّ عَليمِ اللِّسانِ مُنافِقِ الجَنانِ ، يَقولُ ما تَعلَمونَ ويَفعَلُ ما تُنكِرونَ. (6)
عنه عليه السلام :إذا لَم يَعمَلِ العالِمُ بِعِلمِهِ استَنكَفَ الجاهِلُ أن يَتَعَلَّمَ مِنهُ ، لِأَنَّ العالِمَ إذا
.
ص: 488
لَم يَعمَل بِالعِلمِ لا يَنفَعُ العِلمُ إيّاهُ ولا غَيرَهُ وإن جَمَعَ العِلمَ بِالأَوقارِ (1) . (2)
عنه عليه السلام :إذا ضَيَّعَ العالِمُ عِلمَهُ استَنكَفَ الجاهِلُ أن يَتَعَلَّمَ. (3)
عنه عليه السلام :آفَةُ العامَّةِ العالِمُ الفاجِرُ. (4)
عنه عليه السلام :إنَّما زَهَدَ النّاسُ في طَلَبِ العِلمِ لِما يَرَونَ مِن قِلَّةِ انتِفاعِ مَن عَلِمَ بِلا عَمَلٍ. (5)
الإمام العسكريّ عليه السلام :قيلَ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام : مَن خَيرُ خَلقِ اللّهِ بَعدَ أئِمَّةِ الهُدى ومَصابيحِ الدُّجى؟ قالَ : العُلَماءُ إذا صَلُحوا . قيلَ : فَمَن شِرارُ خَلقِ اللّهِ بَعدَ إبليسَ وفِرعَونَ ونُمرودَ ، وبَعدَ المُتَسَمّينَ بِأَسمائِكُم ، وَالمُتَلَقِّبينَ بِأَلقابِكُم ، وَالآخِذينَ لِأَمكِنَتِكُم ، وَالمُتَأَمِّرينَ في مَمالِكِكُم؟ قالَ : العُلَماءُ إذا فَسَدوا ، هُمُ المُظهِرونَ لِلأَباطيلِ ، الكاتِمونَ لِلحَقائقِ ، وفيهِم قالَ اللّهُ عز و جل : «أُوْلَ_ئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّ_عِنُونَ * إِلَا الَّذِينَ تَابُواْ» (6) . (7)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ عُلَماءِ السَّوءِ _: هُم أضَرُّ عَلى ضُعَفاءِ شيعَتِنا مِن جَيشِ يَزيدَ عَلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليهماالسلام وأصحابِهِ ، فَإِنَّهُم يَسلُبونَهُمُ الأَرواحَ وَالأَموالَ ، وهؤُلاءِ عُلَماءُ
.
ص: 489
السَّوءِ النّاصِبونَ المُتَشَبِّهونَ بِأَنَّهُم لَنا مُوالونَ ، ولِأَعدائِنا مُعادونَ ، يُدخِلونَ الشَّكَّ وَالشُّبهَةَ عَلى ضُعَفاءِ شيعَتِنا فَيُضِلّونَهُم ويَمنَعونَهُم عَن قَصدِ الحَقِّ المُصيبِ . . .. (1)
6 / 8خَطَرُ العالِمِ الفاجِرِ والجاهِلِ النّاسِكِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :هَلاكُ اُمَّتي عالِمٌ فاجِرٌ وعابِدٌ جاهِلٌ ، وشَرُّ الشَّرِّ أشرارُ العُلَماءِ ، وخَيرُ الخَيرِ خِيارُ العُلَماءِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :رُبَّ عابِدٍ جاهِلٍ ورُبَّ عالِمٍ فاجِرٍ ، فَاحذَرُوا الجُهّالَ مِنَ العُبّادِ ، وَالفُجّارَ مِنَ العُلَماءِ ، فَإِنَّ اُولئِكَ فِتنَةُ الفِتَنِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :قَصَمَ ظَهري عالِمٌ مُتَهَتِّكٌ وجاهِلٌ مُتَنَسِّكٌ ، فَالجاهِلُ يَغُشُّ النّاسَ بِتَنَسُّكِهِ ، وَالعالِمُ يُنَفِّرُهُم بِتَهَتُّكِهِ. (4)
عنه عليه السلام :قَطَعَ ظَهرِيَ اثنانِ : عالِمٌ فاسِقٌ يَصُدُّ عَن عِلمِهِ بِفِسقِهِ ، وجاهِلٌ ناسِكٌ يَدعُو النّاسَ إلى جَهلِهِ بِنُسكِهِ. (5)
عنه عليه السلام :قَطَعَ ظَهري رَجُلانِ مِنَ الدُّنيا : رَجُلٌ عَليمُ اللِّسانِ فاسِقٌ ، ورَجُلٌ جاهِلُ القَلبِ ناسِكٌ ، هذا يَصُدُّ بِلِسانِهِ عَن فِسقِهِ ، وهذا بِنُسكِهِ عَن جَهلِهِ ، فَاتَّقُوا الفاسِقَ مِنَ العُلَماءِ وَالجاهِلَ مِنَ المُتَعَبِّدينَ ، اُولئِكَ فِتنَةُ كُلِّ مَفتونٍ ، فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله
.
ص: 490
يَقولُ : يا عَلِيُّ ، هَلاكُ اُمَّتي عَلى يَدَي كُلِّ مُنافِقٍ عَليمِ اللِّسانِ. (1)
عنه عليه السلام :كَم مِن عالِمٍ فاجِرٍ وعابِدٍ جاهِلٍ ! فَاتَّقُوا الفاجِرَ مِنَ العُلَماءِ وَالجاهِلَ مِنَ المُتَعَبِّدينَ. (2)
عنه عليه السلام :اِتَّقُوا الفاسِقَ مِنَ العُلَماءِ وَالجاهِلَ مِنَ المُتَعَبِّدينَ ، اُولئِكَ فِتنَةُ كُلِّ مَفتونٍ. (3)
الإمام الباقر عليه السلام :إيّاكُم وَالجُهّالَ مِنَ المُتَعَبِّدينَ ، وَالفُجّارَ مِنَ العُلَماءِ ؛ فَإِنَّهُم فِتنَةُ كُلِّ مَفتونٍ ! (4)
6 / 9شِدَّةُ حِسابُ العُلَماءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل يُعافِي الاُمِّيّينَ يَومَ القِيامَةِ ما لا يُعافِي العُلَماءَ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :ألا وإنَّ اللّهَ يَغفِرُ لِلجاهِلِ أربَعينَ ذَنباً قَبلَ أن يَغفِرَ لِلعالِمِ ذَنباً واحِداً ! (6)
الإمام الصادق عليه السلام :يُغفَرُ لِلجاهِلِ سَبعونَ ذَنباً قَبلَ أن يُغفَرَ لِلعالِمِ ذَنبٌ واحِدٌ. (7)
.
ص: 491
6 / 10عِقابُ عُلَماءِ السَّوءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أوحَى اللّهُ إلى داوُدَ عليه السلام : لا تَجعَل بَيني وبَينَكَ عالِماً مَفتوناً بِالدُّنيا فَيَصُدَّكَ عَن طَريقِ مَحَبَّتي ، فَإِنَّ اُولئِكَ قُطّاعُ طَريقِ عِبادِيَ المُريدينَ ، إنَّ أدنى ما أنَا صانِعٌ بِهِم أن أنزَعَ حَلاوَةَ مُناجاتي عَن قُلوبِهِم. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أشَدَّ النّاسِ عَذاباً يَومَ القِيامَةِ عالِمٌ لَم يَنفَعهُ اللّهُ بِعِلمِهِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أشَدَّ النّاسِ عَذاباً يَومَ القِيامَةِ مَن قَتَلَ نَبِيًّا ، أو قَتَلَ أحَدَ والِدَيهِ ، أو عالِمٌ لَم يَنتَفِع بِعِلمِهِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثَةٌ يَدخُلونَ النّارَ : قاتِلٌ لِلدُّنيا (4) ، وعالِمٌ أرادَ أن يُذكَرَ لا يَحتَسِبُ عِلمَهُ ، ورَجُلٌ وُسِعَ عَلَيهِ فَجادَ بِهِ فِي الثَّناءِ وذِكرِ الدُّنيا. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ ، ثُمَّ تَفَقَّهَ فِي الدّينِ ، ثُمَّ أتى صاحِبَ سُلطانٍ تَمَلُّقاً إلَيهِ وطَمَعاًلِما في يَدَيهِ ، خاضَ بِقَدرِ خُطاهُ في نارِ جَهَنَّمَ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أهلَ النّارِ لَيَتَأَذَّونَ مِن ريحِ العالِمِ التّارِكِ لِعِلمِهِ ، وإنَّ أشَدَّ أهلِ النّارِ نَدامَةً
.
ص: 492
وحَسرَةً رَجُلٌ دَعا عَبداً إلَى اللّهِ فَاستَجابَ لَهُ وقَبِلَ مِنهُ ، فَأَطاعَ اللّهَ فَأَدخَلَهُ اللّهُ الجَنَّةَ ، وأدخَلَ الدّاعِيَ النّارَ بِتَركِ عِلمِهِ وَاتِّباعِهِ الهَوى وطولِ الأَمَلِ ، أمَّا اتِّباعُ الهَوى فَيَصُدُّ عَنِ الحَقِّ ، وطولُ الأَمَلِ يُنسِي الآخِرَةَ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصِيَّتِهِ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: يا عَلِيُّ ، إنَّ في جَهَنَّمَ رَحاءً مِن حَديدٍ تُطحَنُ بِها رُؤوسُ القُرّاءِ وَالعُلَماءِ المُجرِمينَ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ في جَهَنَّمَ رَحًى تَطحَنُ عُلَماءَ السَّوءِ طَحناً. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :يُؤتى بِعُلَماءِ السَّوءِ يَومَ القِيامَةِ فَيُقذَفونَ في نارِ جَهَنَّمَ ، فَيَدورُ أحَدُهُم في جَهَنَّمَ بِقَصَبِهِ كَما يَدورُ الحِمارُ بِالرَّحى ، فَيُقالُ لَهُ : يا وَيلَكَ ، بِكَ اهتَدَينا فَما بالُكَ؟ قالَ : إنّي كُنتُ اُخالِفُ ما كُنتُ أنهاكُم. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :لا يَستَوي عِندَ اللّهِ فِي العُقوبَةِ الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمونَ ، نَفَعَنَا اللّهُ وإيّاكُم بِما عَلِمنا وجَعَلَهُ لِوَجهِهِ خالِصاً إنَّهُ سَميعٌ مُجيبٌ. (5)
عنه عليه السلام :السُّلطانُ الجائِرُ وَالعالِمُ الفاجِرُ أشَدُّ النّاسِ نِكايَةً (6) . (7)
عنه عليه السلام :وَقودُ النّارِ يَومَ القِيامَةِ كُلُّ غَنِيٍّ بَخِلَ بِمالِهِ عَلَى الفُقَراءِ ، وكُلُّ عالِمٍ باعَ الدّينَ بِالدُّنيا. (8)
.
ص: 493
عنه عليه السلام :أعظَمُ النّاسِ وِزراً العُلَماءُ المُفَرِّطونَ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :أوحَى اللّهُ تَعالى إلى داوُدَ عليه السلام : إنَّ أهوَنَ ما أنَا صانِعٌ بِعَبدٍ غَيرِ عامِلٍ بِعِلمِهِ مِن سَبعينَ عُقوبَةً باطِنِيَّةً أن اُخرِجَ مِن قَلبِهِ حَلاوَةَ ذِكري. (2)
عيسى عليه السلام :وَيلٌ لِلعُلَماءِ السَّوءِ كَيفَ تَلَظّى عَلَيهِمُ النّارُ ؟ ! (3)
مكارم الأخلاق عن عبداللّه بن مسعود :بَكى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وبَكَينا لِبُكائِهِ . وقُلنا : يا رَسولَ اللّهِ ، ما يُبكيكَ ؟ فَقالَ : رَحمَةً لِلأَشقِياءِ ، يَقولُ اللّهُ تَعالى : «وَ لَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُواْ فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ» (4) يَعني : العُلَماءَ وَالفُقَهاءَ. (5)
راجع : ص 490 (شدّة حساب العلماء) .
الحَمدُللّهِ الّذي هَدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهتديَ لَولا أن هَدانَا اللّهُ . اللّهُمَّ إنّي أعتَذِرُ إلَيكَ مِن جَهلي . اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ أن أشتَرِيَ الجَهلَ بِالعِلمِ . اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن أن أزِلَّ، أو أضِلَّ، أو أجهَلَ، أو يُجهَلَ عَلَيَّ . اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ أن أكونَ عِبرَةً لِأَحَدٍ مِن خَلقِكَ ، وأعوذُ بِكَ أن يَكونَ أحَدٌ مِن خَلقِكَ أسعَدَ بِما عَلَّمتَني مِنّي . اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ .
.
ص: 494
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ و آلِهِ وانفَعنا بِما عَلَّمتَنا، وعَلِّمنا ما يَنفَعُنا وزِدنا عِلمًا . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ نَبِيِّ رَحمَتِكَ ، وكَلِمَةِ نورِكَ، واملَأ قُلوبَنا نورَ اليَقينِ، و سَمعَنا نورَ وَعيِ الحِكمَةِ، و أيِّدنا بِالعِصمَةِ . اللّهُمَّ أرِنَا الحَقائِقَ كَما هِيَ، و عَلِّمنا مِن عِلمِكَ المَخزونِ ، وهَب لَنا نورًا نَمشي بِهِ فِي النّاسِ، ونَهتَدي بِهِ فِي الظُّلُماتِ ، و نَستَضيءُ بِهِ مِنَ الشَّكِّ والشُّبُهاتِ . اللّهُمَّ حَقِّقنا بِحَقائِقِ أهلِ القُربِ، واسلُك بِنا مَسلَكَ أهلِ الجَذبِ، واجعَلنا مِنَ الَّذينَ يُغبَقونَ كأسَ الحِكمَةِ بَعدَ الصَّبوحِ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ و آلِ مُحَمَّدٍ، وتَقَبَّل مِنّا ولا تُخَيِّب سَعيَنا ولا تُخزِنا يَومَ القِيامَةِ، يا مُبَدِّلَ السَّيِّئاتِ بِالحَسَناتِ ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ .
.
ص: 495
الفهرس التفصيلي .
ص: 496
. .
ص: 497
. .
ص: 498
. .
ص: 499
. .
ص: 500
. .
ص: 501
. .
ص: 502
. .
ص: 503
. .
ص: 504
. .
ص: 505
. .
ص: 506
. .
ص: 507
. .
ص: 508
. .
ص: 509
. .
ص: 510
. .
ص: 511
. .
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
ص: 9
المدخلالحمد للّه الأوّل بلا أوّل كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصر عن رؤيته أبصار الناظرين ، و عجزت عن نعته أوهام الواصفين . والحمد للّه على ما عرّفنا من نفسه ، وألهمنا من شكره ، وفتح لنا من أبواب العلم بربوبيّته ، ودلّنا عليه من الإخلاص له في توحيده ، وجنّبنا من الإلحاد والشكّ في أمره . حمدا يرتفع منّا إِلى أعلى علّيّين ، في كتابٍ مرقوم ، يشهده المقرّبون . والصلاة على عبده المصطفى محمّد خاتم النبيّين وآله الطيّبين الطاهرين الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وعلى أصحابه الذين أحسنوا الصحبة ، واستجابوا له ، وأسرعوا إِلى وفادته ، وسابقوا إِلى دعوته . إِنّ معرفة اللّه سبحانه من أهمّ القضايا التي شغلت ذهن الإنسان على مرّ التاريخ ، وصُنِّفت فيها كتب كثيرة ، لكن هل يتسنّى لنا أن نسأل عن أفضل كتابٍ يُعرِّف الناسَ بخالقهم؟
الكتاب الأفضل في معرفة اللّهلا ريب في أنّ أفضل كتابٍ في معرفة اللّه تعالى هو الكتاب الذي دوّنه أفضلُ عارفٍ باللّه ، وهو اللّه _ جلّ وعلا _ نفسه ، وليس لأحدٍ أن يعرف ذاته كذاته المقدّسة عينها ،
.
ص: 10
ثُمّ لم يعرفه من مخلوقاته أحد كأنبيائه وأوصيائهم ، ومن هنا قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله للإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «يا عَلِيُّ ، ما عَرفَ اللّهَ حَقَّ مَعرِفَتِهِ غيري وغَيرَكَ». (1) على هذا الأساس يُعدُّ القرآن الكريم وكلام أهل البيت أفضل وسيلةٍ لمعرفة اللّه _ جلّ شأنه _ وتعريفه ، وأفضل كتاب في معرفة اللّه هو الكتاب المستنير بتعاليم القرآن و السُنّة ، المسترشد بهما ، و أنّ إِهمال هذه التعاليم ، والاستناد على الفكر الوضعيّ الناقص لا يُبعدان الباحثَ عن الطريق الذي يؤدّي به إِلى المقصد فحسب ، بل يجعلانه عرضةً لخطر الضلال أيضا .
دراسة الأبحاث في معرفة اللّهإِنّ الدِّراسة الدقيقة للأبحاث التي توفّرت على معرفة اللّه لحدّ الآن من جهةٍ ، والتأمّل في تعاليم الكتاب والسنّة في هذا الشأن من جهة أُخرى ، تدلّ على مدى قصور المسلمين أو تقصيرهم _ ولا سيما الباحثين منهم _ في هذا المجال . إِنّ هذه الدراسة تُرشد إِلى أنّ اللّه تعالى نفسه هو أفضل من أرشد الناس إِلى أدلّة معرفته بواسطة رُسُله ، وأعمقُ من كان ، وأبسطُ من هدى إِلى ذلك وأنفعُ في الوقت ذاته ، بَيْدَ أنّ ما قاله فيما يتعلّق بالتأمّل والتحقيق في هذه الأدلّة لم يَنَلْ نصيبه من البحث . وتُشعر هذه الدراسة أنّه على الرغم ممّا بذله الباحثون المسلمون من وقتٍ كثير محقّقين في هذا الموضوع ، ومع وجود الكتب الجمّة في هذا المجال ، لكنّ أدلّة اللّه سبحانه على وجوده ما زالت بحاجةٍ إِلى البحث والتحقيق كما هي حقّها . وتهدي هذه الدراسة إِلى أنّ الآيات التي تتحدّث عن معرفة اللّه _ أي: الإنسان ،
.
ص: 11
والحيوانات ، والأرض ، والجبال ، والماء ، والبحار ، والنباتات ، والرياح ، والسحاب ، والمطر ، والشمس ، والقمر ، واللّيل ، والنهار ، والنجوم ، وأخيرا من أصغر ذرّات العالم إِلى أكبر الأجرام السماويّة _ لو دُرست بشكلٍ علميّ جامعيّ من منظور قرآنيّ ، لَمَا تقدّم المسلمون اليوم في الكلام والفلسفة والحكمة فحسب ، بل في جميع العلوم التجريبيّة أيضا ، ولَعَمَرَتهم معرفة اللّه القائمة على تعاليم القرآن ، والدِّين ، والدنيا: «فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ» (1) .
التعقّل ، لا التعبّدمن البديهيّ أنّ المقصود من الاستنارة بتعاليم القرآن والحديث لمعرفة اللّه تعالى ليس القبول التعبّدي بها فيُشكل على أنّ حجّيّة القرآن والحديث تستند إِلى إِثبات وجود اللّه ، فلو استند إِثبات وجوده تعالى إِلى الكتاب والسنّة يكون دورا ، وهو باطلٌ عقلاً، بل المقصود هو الاستهداء بالأدلّة والبراهين العقليّة المستقاة من القرآن والحديث بنحوٍ يستطيع العقل فيه أن يدرك وجود الخالق وصفاته عبر التأمّل فيها بغضّ النظر عن قائلها ، فالتعقّل هو المعيار في الإقرار بوجود اللّه لا التعبّد . وفي ضوء ذلك ، لا ضرورة لدراسة أسناد الأحاديث المرتبطة بمعرفة اللّه والتحقيق فيانتسابها إِلى أهل البيت من أجل الاستضاءة بها؛ لأنّ ما فيها من الفاعليّة والتأثير هو البراهين العقليّة الكامنة فيها ، لا انتسابها إِلى أهل البيت عليهم السلام فحسب . أجل ، بعد إِثبات التوحيد والنبوّة ، وحجيّة كلام أهل البيت عليهم السلام عن طريق العقل ، لو ورد عن طريق النقل كلام لهم في صفات اللّه سبحانه لا يستند إِلى البرهان فلابدّ من سبره و تحليله للاقتناع من انتسابه إِليهم. وإِذا ثبت جزما أنّه منهم ، فالعقل يحكم بقبوله تعبّدا .
.
ص: 12
معرفة اللّه من منظار القرآن والحديثإِذا أخذنا بعين الاعتبار الملاحظات المشار إِليها فإنّ المجموعة التي أمامكم تحت عنوان «معرفة اللّه » محاولة في طريق معرفة اللّه تعالى على أساس تعاليمه نفسه . وهذا الكتاب الذي يمثّل امتدادا لكتاب «المعرفة» المتكفّل بدراسة موضوعات متنوّعة ترتبط بالمعرفة من منظار القرآن والحديث ، يقدّم الحلقة الثانية من حلقات «موسوعة العقائد الإسلاميّة في الكتاب والسنّة» . إِنّ كتابنا هذا يتناول النصوص الإسلاميّة في معرفة اللّه لأوّل مرّة ، وقد جُمعت فيه وسُبكت بنظم جديد سهل المنال مشفوعةً بالتحليل وتبيان النقاط المطلوبة لتكون دانيةً إِلى أيدي الباحثين ، وفيما يلي أقسام البحث : القسم الأوّل: «التعرّف على اللّه » ويشتمل على عشرة فصول هي بالترتيب: قيمة معرفة اللّه ، الهداة إِلى معرفة اللّه ، مبادئ معرفة اللّه ، طرق معرفة اللّه ، دور معرفة الخلق في معرفة الخالق ، طرق الوصول إِلى أسمى مراتب معرفة اللّه ، آثار معرفة اللّه ، آفاق معرفة اللّه ، ما ورد في حجب اللّه ، موانع معرفة اللّه . القسم الثاني: «التعرف على توحيد اللّه » ، ويضمّ فصلين : الأوّل : قيمة التوحيد ، وهو في الحقيقة مكمّل للفصل الأوّل من القسم الأوّل ؛ لأنّ معرفة اللّه الحقيقيّة ليست إِلّا توحيده . الثاني : مراتب التوحيد ، وقد نوقش فيه التوحيد في الذات ، والتوحيد في الصفات ، والتوحيد في الأفعال ، والتوحيد في الطاعة ، والتوحيد في العبادة . القسم الثالث : «التّعرف على أسماء اللّه » ، ويتألّف من خمسة فصول بيّنت القصد من أسماء اللّه تعالى ، وفسّرت معاني «الإله» ، و «اللّه » ، و«اللّه أكبر» ، و «باسم اللّه » في لغة الأحاديث المأثورة ، و استبانت أيضا أقسام أسماء اللّه ، والأسماء اللفظيّة ،
.
ص: 13
والأسماء التكوينيّة ، ومنتخبا من الأسماء ، وعدد الأسماء اللفظيّة والتكوينيّة ، وتفسير الاسم الأعظم ، ودور الأسماء الإلهيّة في تدبير عالم الوجود . القسم الرابع: «التعرف على الصفات الثبوتيّة» ، و يشمل ثلاثة وتسعون فصلاً فصول توفّرت على تفسير أبرز الصفات الثبوتيّة لخالق الكَون في الرؤية القرآنيّة والحديثيّة ؛ وذلك في سياق تبيان النقاط المهمّة التي يجدر الاهتمام بها في كيفيّة وصف اللّه سبحانه . القسم الخامس : «التعرّف على الصفات السلبيّة» ويتكوّن من ثمانية فصول تحدّثت عن أهمّ الصفات السلبيّة للحقّ تعالى نحو: المِثْل ، والحدّ ، والتجزّؤ ، والتغيير ، والجسم ، والصورة ، والوالد ، والولد ، والسِّنة ، والنوم ، والحركة ، والسكون على ما أفاده منطوق النصوص الإسلاميّة . وفي الختام يطيب لي أن أقدّم جزيل الشكر وبالغ التقدير لجميع الإخوة الأفاضل والباحثين الكرام العاملين في دار الحديث ممّن أدّوا دورا محمودا في تنظيم هذه المجموعة النفيسة الثمينة ، ولاسيّما الأخ الفاضل الجليل حجّة الإسلام والمسلمين الدكتور رضا بِرِنْجْكار ، أبتهل إِلى المولى الكريم سبحانه _ وهو الكاتب الحقيقيّ لها _ أن يمنّ على الجميع بالأجر والثواب كما هو أهله من الفضل والكرامة . ربّنا تقبّل منّا إِنّك أنت السميع العليم . محمّد المحمّدي الريشهري 7 ربيع الأوّل 1424 ه
.
ص: 14
. .
ص: 15
القسم الأوّل : التعرّف على اللّهالفصل الأوّل : قيمة معرفة اللّهالفصل الثاني: الهداة إلى معرفة اللّهالفصل الثالث: مبادئ معرفة اللّهالفصل الرابع: طرق معرفة اللّهالفصل الخامس: دور معرفة الخلق في معرفة الخالقالفصل السادس : طرق الوصول إلى أسمى مراتب معرفة اللّهالفصل السابع: آثار معرفة اللّهالفصل الثامن: آفاق معرفة اللّهالفصل التاسع: ما ورد في حجب اللّهالفصل العاشر: موانع معرفة اللّه
.
ص: 16
. .
ص: 17
الفصل الأوّل : قيمة معرفة اللّه1 / 1رَأسُ العِلمِ وثَمَرَتُهُالإمام الرضا عليه السلام :جاءَ رَجُلٌ إِلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وقالَ : ما رَأسُ العِلمِ؟ قالَ : مَعرِفَةُ اللّهِ حَقَّ مَعرِفَتِهِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :ثَمَرَةُ العِلمِ مَعرِفَةُ اللّهِ . (2)
1 / 2أَعلَى المَعارِفِالإمام عليّ عليه السلام :مَعرِفَةُ اللّهِ سُبحانَهُ أَعلَى المَعارِفِ . (3)
عنه عليه السلام :العِلمُ بِاللّهِ أَفضَلُ العِلمَينِ . (4)
.
ص: 18
عنه عليه السلام :مَن عَرَفَ اللّهَ كَمُلَت مَعرِفَتُهُ . (1)
1 / 3قِوامُ الدِّينِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :دِعامَةُ الدِّينِ وأَساسُهُ المَعرِفَةُ بِاللّهِ عز و جل ، وَاليَقينُ ، وَالعَقلُ النَّافِعُ ؛ وهُوَ الكَفُّ عَن مَعاصِي اللّهِ عز و جل . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :أَوَّلُ الدِّينِ مَعرِفَتُهُ . (3)
عنه عليه السلام :رَأسُ الأَمرِ مَعرِفَةُ اللّهِ تَعالى ، وعَمودُهُ طاعَةُ اللّهِ عز و جل . (4)
الإمام الرضا عليه السلام :أَوَّلُ عِبادَةِ اللّهِ مَعرِفَتُهُ . (5)
عنه عليه السلام :لا دِيانَةَ إِلّا بَعدَ المَعرِفَةِ ، ولا مَعرِفَةَ إِلّا بِالإِخلاصِ . (6)
.
ص: 19
1 / 4أَفضَلُ الفَرائِضِتنبيه الخواطر :سَأَلَ رَجُلٌ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَن أَفضَلِ الأَعمالِ، فَقالَ : العِلمُ بِاللّهِ وَالفِقهُ في دينِهِ ، وكَرَّرَهُما عَلَيهِ . فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أسأَ لُكَ عَنِ العَمَلِ فَتُخبِرُني عَنِ العِلمِ ! فَقالَ صلى الله عليه و آله : إِنَّ العِلمَ يَنفَعُكَ مَعَهُ قَليلُ العَمَلِ ، وإِنَّ الجَهلَ لا يَنفَعُكَ مَعَهُ كَثيرُ العَمَلِ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :التَّفَكُّرُ في عَظَمَةِ اللّهِ وجَنَّتِهِ ونارِهِ ساعَةً خَيرٌ مِن قِيامِ لَيلَةٍ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ أَفضَلَ الفَرائِضِ وأَوجَبَها عَلَى الإِنسانِ مَعرِفَةُ الرَّبِّ ، وَالإِقرارُ لَهُ بِالعُبودِيَّةِ . (3)
1 / 5أَطيَبُ اللَّذائِذِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِذا دَخَلَ أَهلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ نودوا : يا أَهلَ الجَنَّةِ ، إِنَّ لَكُم عِندَ اللّهِ مَوعِدا لَم تَرَوهُ . فَقالوا : وما هُوَ ؟ ألَم يُبَيِّض وُجوهَنا ، ويُزَحزِحنا عَنِ النَّارِ ، ويُدخِلنَا الجَنَّةَ ؟ قالَ : فَيُكشَفُ الحِجابُ ، قالَ : فَيَنظُرونَ إِلَيهِ، فَوَاللّهِ ما أَعطاهُمُ اللّهُ شَيئا
.
ص: 20
أحَبَّ إِلَيهِم مِنهُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :أَسأَ لُكَ الرِّضاءَ بَعدَ القَضاءِ ، وأَسأَ لُكَ بَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ ، وأَسأَ لُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلى وَجهِكَ ، وَالشَّوقَ إِلى لِقائِكَ ، في غَيرِ ضَرّاءَ مُضِرَّةٍ ، ولا فِتنَةٍ مُضِلَّةٍ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :ما يَسُرُّني لَو مِتُّ طِفلاً وأُدخِلتُ الجَنَّةَ ولَم أكبُر فَأَعرِفَ رَبّي عز و جل . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إِلهي ما ألَذَّ خَواطِرَ الإِلهامِ بِذِكرِكَ عَلَى القُلوبِ ! وما أَحلَى المَسيرَ إِلَيكَ بِالأَوهامِ في مَسالِكِ الغُيوبِ ! وما أَطيَبَ طَعمَ حُبِّكَ ! وما أَعذَبَ شُربَ قُربِكَ ! فَأَعِذنا مِن طَردِكَ وإِبعادِكَ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :لَو يَعلَمُ النَّاسُ ما في فَضلِ مَعرِفَةِ اللّهِ عز و جل ما مَدّوا أَعيُنَهُم إِلى ما مَتَّعَ اللّهُ بِهِ الأَعداءَ مِن زَهرَةِ الحَياةِ الدُّنيا ونَعيمِها ، وكانَت دُنياهُم أَقَلَّ عِندَهُم مِمّا يَطَؤونَهُ بِأَرجُلِهِم ، ولَنَعِموا بِمَعرِفَةِ اللّهِ _ جَلَّ وعَزَّ _ ، وتَلَذَّذوا بِها تَلَذُّذَ مَن لَم يَزَل في رَوضاتِ الجِنانِ مَعَ أَولِياءِ اللّهِ . إِنَّ مَعرِفَةَ اللّهِ عز و جل آنِسٌ مِن كُلِّ وَحشَةٍ ، وصاحِبٌ مِن كُلِّ وَحدَةٍ ، ونورٌ مِن كُلِّ ظُلمَةٍ ، وقُوَّةٌ مِن كُلِّ ضَعفٍ ، وشِفاءٌ مِن كُلِّ سُقمٍ . (5)
راجع : ص 357 (الفصل الأوّل : قيمة التوحيد) .
.
ص: 21
الفصل الثاني: الهداة إلى معرفة اللّه2 / 1اللّهُالكتاب«إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى » . (1)
«يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لَا تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلَ_مَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْاءِيمَ_نِ إِن كُنتُمْ صَ_دِقِينَ » . (2)
«لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَ_كِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاءُ» . (3)
«إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَ_كِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» . (4)
راجع : البقرة : 120 ، آل عمران : 73 ، الأنعام : 71 ، الأعراف: 43 ، طه: 50 ، النور : 35 .
.
ص: 22
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ _ جَلَّ جَلالُهُ _ : عِبادي ، كُلُّكُم ضالٌّ إِلّا مَن هَدَيتُهُ ، وكُلُّكُم فَقيرٌ إِلّا مَن أَغنَيتُهُ ، وكُلُّكُم مُذنِبٌ إِلّا مَن عَصَمتُهُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أَصبَحَ ولايَذكُرُ أَربَعَةَ أَشياءَ أَخافُ عَلَيهِ زَوالَ النِّعمَةِ : أَوَّلُها أن يَقولَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي عَرَّفَني نَفسَهُ ولَم يَترُكني عُميانَ القَلبِ . .. . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :اِعرِفُوا اللّهَ بِاللّهِ ، وَالرَّسولَ بِالرِّسالَةِ ، وأُولِي الأَمرِ بِالأَمرِ بِالمَعروفِ وَالعَدلِ وَالإِحسانِ . (3)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ الجَمَلِ _: لكِنَّكَ يا مَولايَ بَدَأتَني أَوَّلاً بِإِحسانِكَ ، فَهَدَيتَنيِ لدِينِكَ ، وعَرَّفتَني نَفسَكَ . (4)
عنه عليه السلام_ في دُعاءٍ عَلَّمَهُ نَوفا البِكالِيّ _: أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي ظَهَرتَ بِهِ لِخاصَّةِ أولِيائِكَ فَوَحَّدوكَ وعَرَفوكَ فَعَبَدوكَ بِحَقيقَتِكَ ، أن تُعَرِّفَني نَفسَكَ لِأُقِرَّ لَكَ بِرُبوبِيَّتِكَ عَلى حَقيقَةِ الإِيمانِ بِكَ ، ولا تَجعَلني يا إِلهي مِمَّن يَعبُدُ الاِسمَ دونَ المَعنى ، وَالحَظني بِلَحظَةٍ مِن لَحَظاتِكَ تُنَوِّر بِها قَلبي بِمَعرِفَتِكَ خاصَّةً ومَعرِفَةِ أولِيائِكَ ،
.
ص: 23
إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (1)
عنه عليه السلام_ في دُعاءٍ كانَ يَدعو بِهِ بَعدَ رَكعَتَيِ الفَجرِ _: يا مَن دَلَّ عَلى ذاتِهِ بِذاتِهِ ، وتَنَزَّهَ عَن مُجانَسَةِ مَخلوقاتِهِ ، وجَلَّ عَن مُلاءَمَةِ كَيفِيّاتِهِ . (2)
الكافي عن عليّ بن عقبة :سُئِلَ أَميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام : بِمَ عَرَفتَ رَبَّكَ؟ قالَ : بِما عَرَّفَني نَفسَهُ . قيلَ: وكَيفَ عَرَّفَكَ نَفسَهُ؟ قالَ : لا يُشبِهُهُ صورَةٌ ، ولا يُحَسُّ بِالحَواسِّ ، ولا يُقاسُ بِالنَّاسِ ، قَريبٌ في بُعدِهِ بَعيدٌ في قُربِهِ ، فَوقَ كُلِّ شَيءٍ ولا يُقالُ: شَيءٌ فَوقَهُ ، أَمامَ كُلِّ شَيءٍ ولا يُقالُ : لَهُ أَمامٌ ، داخِلٌ فِي الأَشياءِ لا كَشَيءٍ داخلٍ في شَيءٍ ، وخارِجٌ مِنَ الأَشياءِ لا كَشَيءٍ خارِجٍ مِن شَيءٍ ، سُبحانَ مَن هُوَ هكَذا ولا هكَذا غَيرُهُ ، ولِكُلِّ شَيءٍ مُبتَدَأٌ . (3)
التوحيد عن سلمان الفارسيّ :سَأَلَ الجاثَلِيقُ (4) مِن عَلِيٍّ عليه السلام : أخبِرني ، عَرَفتَ اللّهَ بِمُحَمَّدٍ ، أَم عَرَفتَ مُحَمَّدا بِاللّهِ عز و جل ؟ فَقالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام : ما عَرَفتُ اللّهَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ولكِن عَرَفتُ مُحَمَّدا بِاللّهِ عز و جل حينَ خَلَقَهُ وأَحدَثَ فيهِ الحُدودَ مِن طولٍ وعَرضٍ ، فَعَرَفتُ أنَّهُ مُدَبَّرٌ مَصنوعٌ بِاستِدلالٍ وإِلهامٍ مِنهُ وإِرادَةٍ ، كَما أَلهَمَ المَلائِكَةَ طاعَتَهُ وعَرَّفَهُم نَفسَهُ بِلا شِبهٍ ولا كَيفٍ . (5)
.
ص: 24
الإمام الحسين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: أنتَ الَّذي هَدَيتَ . (1)
عنه عليه السلام_ فيما نُسِبَ إلَيهِ مِن دُعاءِ عَرَفَةَ _: إِلهي عَلِمتُ بِاختِلافِ الآثارِ وتَنَقُّلاتِ الأَطوارِ ، أنَّ مُرادَكَ مِنّي أن تَتَعَرَّفَ إِلَيَّ في كُلِّ شَيءٍ حَتّى لا أجهَلَكَ في شَيءٍ... إِلهي تَرَدُّدي فِي الآثارِ يوجِبُ بُعدَ المَزارِ ، فَاجمَعني عَلَيكَ بِخِدمَةٍ توصِلُني إِلَيكَ ، كَيفَ يُستَدَلُّ عَليكَ بِما هُوَ في وُجودِهِ مُفتَقِرٌ إِلَيكَ ، أيَكونُ لِغَيرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيسَ لَكَ حَتّى يَكونَ هُوَ المُظهِرُ لَكَ! مَتى غِبتَ حَتّى تَحتاجَ إِلى دَليلٍ يَدُلُّ عَلَيكَ! ومَتى بَعُدتَ حَتّى تَكونَ الآثارُ هِيَ الَّتي توصِلُ إِلَيكَ ! عَمِيَت عَينٌ لا تَراكَ عَلَيها رَقيبا ، وخَسِرَت (2) صَفقَةُ عَبدٍ لَم تَجعَل لَهُ مِن حُبِّكَ نَصيبا . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ المَعروفِ بِدُعاءِ أبي حَمزَةَ الثُّمالِيِّ _: (بِكَ) عَرَفتُكَ وأنتَ دَلَلتَني عَلَيكَ ، ودَعَوتَني إِلَيكَ ، ولَولا أنتَ لَم أدرِ ما أنتَ . (4)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وقِنا مِنكَ ، وَاحفَظنا بِكَ ، وَاهدِنا إِلَيكَ ، ولاتُباعِدنا عَنكَ؛ إِنَّ مَن تَقِهِ يَسلَم، ومَن تَهدِهِ يَعلَم، ومَن تُقَرِّبهُ إِلَيكَ يَغنَم. (5)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: سُبحانَكَ! بَسَطتَ بِالخَيراتِ يَدَكَ ، وعُرِفَتِ الهِدايَةُ مِن عِندِكَ ، فَمَنِ التَمَسَكَ لِدينٍ أو دُنيا وَجَدَكَ . (6)
.
ص: 25
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الأَوَّلِ بِلا أوَّلٍ كانَ قَبلَهُ، وَالآخِرِ بِلا آخِرٍ يَكونُ بَعدَهُ، الَّذي قَصُرَت عَن رُؤيَتِهِ أَبصارُ النّاظِرينَ، وعَجَزَت عَن نَعتِهِ أَوهامُ الواصِفينَ، ابتَدَعَ بِقُدرَتِهِ الخَلقَ ابتِداعا وَاختَرَعَهُم عَلى مَشِيَّتِهِ اختِراعا، ثُمَّ سَلَكَ بِهِم طَريقَ إِرادَتِهِ وبَعَثَهُم في سَبيلِ مَحَبَّتِهِ. (1) وَالحَمدُ للّهِِ الَّذي لَو حَبَسَ عَن عِبادِهِ مَعرِفَةَ حَمدِهِ عَلى ما أَبلاهُم مِن مِنَنِهِ المُتَتابِعَةِ ، وأسبَغَ عَلَيهِم مِن نِعَمِهِ المُتَظاهِرَةِ ، لَتَصَرَّفوا في مِنَنِهِ فَلَم يَحمَدوهُ ، وتَوَسَّعوا في رِزقِهِ فَلَم يَشكُروهُ ، ولَو كانوا كذلِكَ لَخَرَجوا مِن حُدودِ الإِنسانِيَّةِ إِلى حَدِّ البَهيمِيَّةِ ، فَكانوا كما وَصَفَ في مُحكَمِ كِتابِهِ : «إِنْ هُمْ إِلَا كَالْأَنْعَ_مِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» . (2) وَالحَمدُ للّهِِ عَلى ما عَرَّفَنَا مِن نَفسِهِ ، وألهَمَنا مِن شُكرِهِ ، وفَتَحَ لَنا مِن أَبوابِ العِلمِ بِرُبوبِيَّتِهِ ، ودَلَّنا عَلَيهِ مِنَ الإِخلاصِ لَهُ في تَوحيدِهِ ، وجَنَّبَنا مِنَ الإِلحادِ وَالشَّكِّ في أمرِهِ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ ... فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَامنَعنا بِعِزِّكَ مِن عِبادِكَ، وأغنِنا عَن غَيرِكَ بِإِرفادِكَ (4) ، وَاسلُك بِنا سَبيلَ الحَقِّ بِإِرشادِكَ. (5)
عنه عليه السلام :سُبحانَكَ ما أَضيَقَ الطُّرُقَ عَلى مَن لَم تَكُن دَليلَهُ! وما أَوضَحَ الحَقَّ عِندَ مَن هَدَيتَهُ سَبيلَهُ! إِلهي فَاسلُكِ بِنا سُبُلَ الوُصولِ إِلَيكَ، وسَيِّرنا في أقرَبِ الطُّرُقِ لِلوُفودِ عَلَيكَ، قَرِّب عَلَينَا البَعيدَ وسَهِّل عَلَينَا العَسيرَ الشَّديدَ. (6)
.
ص: 26
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ وَلِيُّ الأَصفِياءِ وَالأَخيارِ، ولَكَ الخَلقُ وَالاِختِيارُ، وقَد أَلبَستَني فِي الدُّنيا ثَوبَ عافِيَتِكَ، وأَودَعتَ قَلبي صَوابَ مَعرِفَتِكَ،... اجعَلنا مِنَ الَّذين أَوضَحتَ لَهُمُ الدَّليلَ عَلَيكَ، وفَسَحتَ لَهُمُ السَّبيلَ إِلَيكَ، فَاستَشعَروا (1) مَدارِعَ الحِكمَةِ، وَاستَطرَفوا (2) سُبُلَ التَّوبَةِ، حَتّى أَناخوا في رِياضِ الرَّحمَةِ، وسَلِموا مِنَ الاِعتِراضِ بِالعِصمَةِ. (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ اجعَلني مِنَ الَّذينَ جَدّوا في قَصدِكَ فَلَم يَنكِلوا، وسَلَكُوا الطَّريقَ إِلَيكَ فَلَم يَعدِلوا (4) ، وَاعتَمَدوا عَلَيكَ فِي الوُصولِ حَتّى وَصَلوا، فَرَوِيَت قُلوبُهُم مِن مَحَبَّتِكَ، وأَنِسَت نُفوسُهُم بِمَعرِفَتِكَ، فَلَم يَقطَعهُم عَنكَ قاطِعٌ، ولا مَنَعَهُم عَن بُلوغِ ما أمَّلوهُ لَدَيكَ مانِعٌ، فَهُم فيمَا اشتَهَت أنفُسُهُم خالِدونَ. (5)
عنه عليه السلام :فَيامَن أَكرَمَني بِتَوحيدِهِ ، وعَصَمَني عَنِ الضَّلال بِتَسديدِهِ ، وألزَمَني إِقامَةَ حُدودِهِ ، لا تَسلُبني ما وَهَبتَ لي مِن تَحقيقِ مَعرِفَتِكَ ، وأحيِني بِيَقينٍ أَسلَمُ بِهِ مِن الإِلحادِ في صِفَتِكَ . (6)
الإمام الباقر عليه السلام :يا من أَتحَفَني بِالإِقرارِ بِالوَحدانِيَّةِ ، وحَباني بِمَعرِفَةِ الرُّبوبِيَّةِ ، وخَلِّصني مِنَ الشَّكِّ وَالعَمى ... . (7)
عنه عليه السلام_ لِرَجُلٍ وقَد كَلَّمَهُ بِكَلامٍ كَثيرٍ _: أَيُّهَا الرَّجُلُ ، تَحتَقِرُ الكَلامَ وتَستَصغِرُهُ! اِعلَم
.
ص: 27
أنَّ اللّهَ عز و جل لَم يَبعَثْ رُسُلَهُ حَيثُ بَعَثَها ومَعَها ذَهَبٌ ولا فِضَّةٌ ، ولكِن بَعَثَها بِالكَلامِ ، وإِنَّما عَرَّفَ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ نَفسَهُ إِلى خَلقِهِ بِالكَلامِ وَالدَّلالاتِ عَلَيهِ وَالأَعلامِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :أسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي تَجَلَّيتَ بِهِ لِلكَليمِ عَلَى الجَبَلِ العَظيمِ ، فَلَمّا بَدا شُعاعُ نورِ الحُجُبِ العَظيمَةِ أثبَتَّ مَعرِفَتَكَ في قُلوبِ العارِفينَ بِمَعرِفَةِ تَوحيدِكَ ، فَلا إِلهَ إِلّا أنتَ . (2)
عنه عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: فَكِّر يا مُفَضَّلُ ، فيما أُعطِيَ الإِنسانُ عِلمَهُ وما مُنِعَ ؛ فَإِنَّهُ أُعطِيَ عِلمَ جَميعِ ما فيهِ صَلاحُ دينِهِ ودُنياهُ ، فَمِمّا فيهِ صَلاحُ دينِهِ مَعرِفَةُ الخالِقِ _ تبارَكَ وتَعالى _ بِالدَّلائِلِ وَالشَّواهِدِ القائِمَةِ فِي الخَلقِ . (3)
عنه عليه السلام :لا دَليلَ عَلَى اللّهِ بِالحَقيقَةِ غَيرُ اللّهِ ، ولا داعِيَ إِلَى اللّهِ فِي الحَقيقَةِ سِوَى اللّهِ ، إنَّ اللّهَ سُبحانَهُ دَلَّنا بِنَفسِهِ مِن نَفسِهِ عَلى نَفسِهِ . (4)
عنه عليه السلام :لَيسَ للّهِِ عَلى خَلقِهِ أن يَعرِفوا قَبلَ أن يُعَرِّفَهُم ، ولِلخَلقِ عَلَى اللّهِ أن يُعَرِّفَهُم ، وللّهِِ عَلَى الخَلقِ إِذا عَرَّفَهُم أن يَقبَلوهُ . (5)
الكافي عن منصور بن حازم :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : إِنّي ناظَرتُ قَوما ، فَقُلتُ لَهُم : إِنَّ اللّهَ _ جَلَّ جَلالُهُ _ أَجَلُّ وأَعَزُّ وأَكرَمُ مِن أن يُعرَفَ بِخَلقِهِ ، بَلِ العِبادُ يُعرَفونَ بِاللّهِ . فَقالَ : رَحِمَكَ اللّهُ . (6)
.
ص: 28
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ أَمرَ اللّهِ كُلَّهُ عَجيبٌ ، إِلّا أنَّهُ قَدِ احتَجَّ عَلَيكُم بِما قَد عَرَّفَكُم مِن نَفسِهِ . (1)
عنه عليه السلام :مَن زَعَمَ أنَّهُ يَعرِفُ اللّهَ بِحِجابٍ أو بِصورَةٍ أو بِمِثالٍ فَهُوَ مُشرِكٌ ؛ لِأَنَّ الحِجابَ وَالمِثالَ وَالصّورَةَ غَيرُهُ ، وإِنَّما هُوَ واحِدٌ مُوَحَّدٌ ، فَكَيفَ يُوَحِّدُ مَن زَعَمَ أنَّهُ عَرَفَهُ بِغَيرِهِ ! إِنَّما عَرَفَ اللّهَ مَن عَرَفَهُ بِاللّهِ ، فَمَن لَم يَعرِفهُ بِهِ فَلَيسَ يَعرِفُهُ ، إِنَّما يَعرِفُ غَيرَهُ . وَاللّهُ خالِقُ الأَشياءِ لا مِن شَيءٍ ، يُسَمّى بِأَسمائِهِ ، فَهُوَ غَيرُ أسمائِهِ وَالأَسماءُ غَيرُهُ ، وَالموصوفُ غَيرُ الواصِفِ ، فَمَن زَعَمَ أنَّهُ يُؤمِنُ بِما لا يَعرِفُ فَهُوَ ضالٌّ عَنِ المَعرِفَةِ ، لا يُدرِكُ مَخلوقٌ شَيئا إِلّا بِاللّهِ ، ولا تُدرَكُ مَعرِفَةُ اللّهِ إِلّا بِاللّهِ . (2)
الكافي عن عبد الأعلى :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : أَصلَحَكَ اللّهُ ، هَل جُعِلَ فِي النّاسِ أَداةٌ يَنالونَ بِهَا المَعرِفَةَ ؟ قالَ : فَقالَ : لا . قُلتُ : فَهَل كُلِّفُوا المَعرِفَةَ ؟ قالَ : لا ، عَلَى اللّهِ البَيانُ : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا وُسْعَهَا» (3) و «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا مَا ءَاتَاهَا» (4) . (5)
تفسير العيّاشي عن محمّد بن حكيم :كَتَبتُ رُقعَةً إِلى أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فيها : أتَستَطيعُ النَّفسُ المَعرِفَةَ ؟
.
ص: 29
فَقالَ : لا . فَقُلتُ : يَقولُ اللّهُ : «الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَ_اءٍ عَن ذِكْرِى وَ كَانُواْ لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا» (1) ! قالَ : هُوَ كَقَولِهِ : «مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَ مَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ» (2) . قُلتُ : يُعاتِبُهُم (3) ؟ قالَ : لَم يَعتِبهُم بِما صَنَعَ قُلوبُهُم ، ولكِن يُعاتِبُهُم بِما صَنَعوا ، ولَو لَم يَتَكَلَّفوا لَم يَكُن عَلَيهِم شَيءٌ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ في جَوابِ عَبدِالرَّحيمِ القَصيرِ لمّا سَأَلَهُ عَنِ المَعرِفَةِ وَالجُحودِ هَل هُما مَخلوقانِ _: سَأَلتَ عَنِ المَعرِفَةِ ما هِيَ ، فَاعلَم _ رَحِمَكَ اللّهُ _ أنَّ المَعرِفَةَ مِن صُنعُ اللّهِ عز و جل فِي القَلبِ مَخلوقَةٌ ، وَالجُحودَ صُنعِ اللّهِ فِي القَلبِ مَخلوقٌ ، ولَيسَ لِلعِبادِ فيهِما مِن صُنعٍ ، ولَهُم فيهِمَا الاِختيارُ مِنَ الاِكتِسابِ ، فَبِشَهوَتِهِمُ الإِيمانَ اختارُوا المَعرِفَةَ ، فَكانوا بِذلِكَ مُؤمِنينَ عارِفينَ ، وبِشَهوَتِهِمُ الكُفرَ اختارُوا الجُحودَ ، فَكانوا بِذلِكَ كافِرينَ جاحِدينَ ضُلّالاً ، وذلِكَ بِتَوفيقِ اللّهِ لَهُم وخِذلانِ مَن خَذَلَهُ اللّهُ ، فَبِالاِختِيارِ وَالاِكتسابِ عاقَبَهُمُ اللّهُ وأَثابَهُم . (5)
الكافي عن محمّد بن حكيم :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : المَعرِفَةُ مِن صُنعِ مَن هِيَ ؟ قالَ : مِن صُنعِ اللّهِ ، لَيسَ لِلعِبادِ فيها صُنعٌ . (6)
.
ص: 30
التوحيد عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام :أنَّهُ سُئِلَ عَنِ المَعرِفَةِ أهِيَ مُكتَسَبَةٌ ؟ فَقالَ : لا . فَقيلَ لَهُ : فَمِن صُنعِ اللّهِ عز و جل ومِن عَطائِهِ هِيَ ؟ قالَ : نَعَم ، ولَيسَ لِلعِبادِ فيها صُنعٌ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :سِتَّةُ أشياءَ لَيسَ لِلعِبادِ فيها صُنعٌ : المَعرِفَةُ ، وَالجَهلُ ، وَالرِّضا ، وَالغَضَبُ ، وَالنَّومُ ، وَاليَقظَةُ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي أَكرَمَني بِمَعرِفَتِهِ ومَعرِفَةِ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، ومَن فَرَضَ اللّهُ طاعَتَهُ رَحمَةً مِنهُ لي ، وتَطَوُّلاً مِنهُ عَلَيَّ بِالإِيمانِ . (3)
قرب الإسناد عن البزنطيّ :قُلتُ لِأَبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : لِلنّاسِ فِي المَعرِفَةِ صُنعٌ ؟ قالَ : لا . قُلتُ : لَهُم عَلَيها ثَوابٌ ؟ قالَ : يَتَطَوَّلُ عَلَيهِم بِالثَّوابِ كَما يَتَطَوَّلُ عَلَيهِم بِالمَعرِفَةِ . (4)
الإمام الجواد عليه السلام :قامَ رَجُلٌ إِلَى الرِّضا عليه السلام ، فَقالَ لَهُ: يَا بنَ رَسولِ اللّهِ صِف لَنا رَبَّكَ ، فَإِنَّ مَن قَبلَنا قَدِ اختَلَفوا عَلَينا .
.
ص: 31
فَقالَ الرِّضا عليه السلام : إِنَّهُ مَن يَصِفُ رَبَّهُ بِالقِياسِ لا يَزالُ الدَّهرَ فِي الاِلتِباسِ ، مائِلاً عَنِ المِنهاجِ ، ظاعِنا فِي الاِعوِجاعِ ، ضالّاً عَنِ السَّبيلِ ، قائِلاً غَيرَ الجَميلِ . أُعَرِّفُهُ بِما عَرَّفَ بِهِ نَفسَهُ مِن غَيرِ رُؤيَةٍ ، وأَصِفُهُ بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ مِن غَيرِ صورَةٍ ، لا يُدرَكُ بِالحَواسِّ ولا يُقاسُ بِالنّاسِ ، مَعروفٌ بِغَيرِ تَشبيهٍ ، ومُتَدانٍ في بُعدِهِ لا بِنَظيرٍ ، لا يُمَثَّلُ بِخَليقَتِهِ ولا يَجورُ في قَضِيَّتِهِ ، الخَلقُ إِلى ما عَلِمَ مُنقادونَ وعَلى ما سَطَرَ فِي المَكنونِ (1) مِن كِتابِهِ ماضونَ ، ولا يَعمَلونَ خِلافَ ما عَلِمَ مِنهُم ولا غَيرَهُ يُريدونَ ، فَهُوَ قَريبٌ غَيرُ مُلتَزِقٍ وبَعيدٌ غَيرُ مُتَقَصٍّ ، يُحَقَّقُ ولا يُمَثَّلُ ، ويُوَحَّدُ ولا يُبَعَّضُ ، يُعرَفُ بِالآياتِ ويُثبَتُ بِالعَلاماتِ ، فَلا إِلهَ غَيرُهُ الكَبيرُ المُتَعالِ . (2)
بحار الأنوار عن صُحف إدريس عليه السلام :بِالحَقِّ عُرِفَ الحَقُّ ، وبِالنُّورِ أُهتُدِي إِلَى النُّورِ ، وبِالشَّمسِ أُبصِرَتِ الشَّمسُ ، وبِضَوءِ النّارِ رُئِيَتِ النّارُ ، ولَن يَسَعَ صَغيرٌ ما هُوَ أكبَرُ مِنهُ ، ولا يَقِلُّ ضَعيفٌ ما هُوَ أَقوى مِنهُ ، ولا يُحتاجُ فِي الدَّلالَةِ عَلَى الشَّيءِ المُنيرِ بِما هُوَ دونَهُ ، ولا يَضِلُّ عَنِ الطَّريقِ إِلّا المَأخوذُ بِهِ عَنِ التَّوفيقِ ، وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ . (3)
راجع : ص 45 (الفِطْرَة) و59 (الميثاقُ الفِطريُّ) و62 (تجلّي الفِطْرَةِ عِندَ الشَّدائدِ) .
.
ص: 32
. .
ص: 33
تحليل لأَحاديث معرفة اللّه باللّهقرأنا في أَحاديث هذا الباب أنّ اللّه تعالى عرّف نفسه للناس ، وأنّ عليهم أن يعرفوه به ، وبملاحظة هذه الأحاديث يُثار سؤال وهو: ما المقصود من معرفة اللّه باللّه ؟ للمحدّثين والحكماء آراء شتّى في الإجابة عن السؤال ، كما يلاحظ بنظرةٍ بدائيّة في متن الأحاديث تفاسير مختلفة لمعرفة اللّه باللّه ، لكنّ التأمَّل فيها يستبين أن لا خلاف يلوح في الأُفق . وما يُستشفّ من التأمّل في النصوص المأثورة هو أنّ المعرفة الحقيقيّة للّه سبحانه لا تتيسّر إِلّا باللّه نفسه ، وليس لأحدٍ أن يعرّفه للنّاس حقّ تعريفه إِلّا هو _ جلّ شأنه _ ، من هنا أخذ سبحانه على نفسه هداية النّاس ، كما قال في كتابه: «إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى» (1) ، يُثار هنا سؤال آخر مفاده: كيف يعرّف اللّه نفسه للنّاس ، ويهديهم إِليه؟
كيف عرّف اللّه نفسه للناس؟لو تأمّلنا لرأينا أنّ اللّه تعالى قد عرّفَ نفسه للنّاس ، وهيّأ للبشر أَنواع الآلات
.
ص: 34
والأَدوات والإمكانيّات الداخليّة والخارجيّة لمعرفته بكلّ طريق متيسّر ، من هنا قال شيخ المحدّثين في تفسير كلام أَمير المؤمنين عليّ عليه السلام إِذ قال: «اعرفوا اللّهَ باللّهِ» : «عَرَفنَا اللّهَ بِاللّهِ لأَِنّا إن عَرَفناهُ بعُقولِنا فَهُوَ عز و جل واهِبُها؛ وإن عَرَفناهُ عز و جل بِأَنبِيائِهِ ورُسُلِهِ وحُجَجِهِ عليهم السلام فَهُوَ عز و جلباعِثُهُم ومُرسِلُهُم ومُتَّخِذُهُم حُجَجا؛ وإن عَرَفناهُ بِأَنفُسِنا فَهُوَ عز و جلمُحدِثُها ، فَبِهِ عَرَفناهُ» (1) . إِنّ ما أَودع اللّه في داخل وجود الإنسان لمعرفته ، هو فطرة معرفته ، والعقل والقلب ، تلك الأُمور التي سيأتي تفصيلها في الفصل الثالث تحت عنوان «مبادئ معرفة اللّه » ، وما جعل في خارج وجوده ، هو الوحي والأنبياء . ومهمّة الأَنبياء عليهم السلام ، كما قال الإمام عليّ عليه السلام هي هداية الفطرة والعقل ، وإِزالة الموانع والحجب التي تحول دون معرفة اللّه من بصائرهم: «فَبَعَثَ فيهِم رُسُلَهُ ، وواتَرَ إِلَيهِم أَنبِياءَهُ ، لِيَستَأدوهُم ميثاقَ فِطرَتِهِ ، ويُذَكِّروهُم مَنسِيَّ نِعمَتِهِ ، ويَحتَجّوا عَلَيهِم بِالتَّبليغِ ، ويُثيروا لَهُم دَفائِنَ العُقولِ ، ويُروهُم آياتِ المَقدِرَةِ ...» (2) في ضوء ذلك ، وكما ورد في عدّة أَحاديث (3) ، المعرفة من صنع اللّه ، فهو الذي علّم الإنسان أدوات معرفته ، وهيّأ له سبيل كسبها . و يستطيع الإنسان أن يشاهد مظاهر جماله سبحانه ببصيرته جليّةً ، مستظهرا بهداية الأنبياء وإِزالة موانع المعرفة . وانطلاقا من هذا التحليل يمكننا أن نقدّم ثلاثة تفاسير واضحة لمعرفة اللّه باللّه وفقا لمراتب معرفة اللّه :
.
ص: 35
1 . معرفة اللّه عن طريق الآثاريعرّف اللّه الخالق الحكيم القدير الإنسان بنفسه من خلال إِراءَتِه آثار علمه وقدرته وحكمته في نظام الوجود ، ويشير عدد من الأحاديث إِلى هذا التفسير . «إِنَّما عَرَّفَ اللّهُ _ جَلَّ و عَزَّ _ نَفسَهُ إِلى خَلقِهِ بِالكَلامِ وَالدَّلالاتِ عَلَيهِ وَالأَعلامِ» (1) .
2 . معرفة اللّه عن طريق التنزيه والتقديستنزيه الخالق سبحانه وتقديسه عن مشابهة المخلوقات هو التفسير الثاني لمعرفة اللّه باللّه . قال المحدّث الأقدم الشيخ الكلينيّ قدس سره في تبيان هذا التفسير : «إنّ اللّه خلق الأَشخاص والأَنوار والجواهر والأَعيان ؛ فالأَعيان : الأَبدان ، والجواهر : الأرواح ، وهو _ جلّ وعزّ _ لا يشبه جسما ولا روحا ، وليس لأَحد في خلق الروح الحسّاس الدرّاك أَمر ولا سبب ، هو المتفرّد بخلق الأَرواح والأَجسام ، فإذا نفى عنه الشبهين : شبه الأَبدان وشبه الأَرواح ، فقد عرف اللّه باللّه ، وإذا شبّهه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف اللّه باللّه » (2) . وقال صدر الدِّين الشيرازيّ قدس سره في معرفة اللّه باللّه عن طريق التنزيه والتقديس : «وهو أن يستدلّ أَوّلاً بوجود الأَشياء على وجود ذاته ، ثمّ يعرف ذاته بنفي المثل والشبه عنه . . . فإذا نفى عنه ما عداه وسلب عنه شبه ما سواه سواء كانت أبدانا أو أرواحا ، فعرف أنّه منزّه عن أن يوصف بشيء غير ذاته . . . فمن عرف اللّه بأنّه لا يشبه شيئا من الأَشياء ولا يشبهه شيء ، فقد عرف اللّه باللّه لا بغيره» (3) .
.
ص: 36
وجاء هذا التفسير أَيضا في عدد من الأَحاديث كقول أَمير المؤمنين عليه السلام في جواب من سأَله: كيف عرّفك نفسه؟ «لا يَشبَهُهُ صورَةٌ ، ولا يُحَسُّ بالحَواسِّ ولا يُقاسُ بِالنّاسِ» (1) .
3 . معرفة اللّه عن طريق الشهود القلبيّإِنّ أتمّ تفسير لمعرفة اللّه باللّه هو معرفته بواسطة الشهود القلبيّ إِذ أنّ «استطالة الشيء بنفسه تُغني عن وصفه» ، أو كما جاء في الأدب الفارسيّ (2) ما تعريبه: «بزوغ الشَّمس دليل على الشَّمس» . وأشار عدد من الأحاديث إِلى هذا التفسير (3) كالذي ورد في صُحُف إِدريس عليه السلام : «بِالحَقِّ عُرِفَ الحَقُّ ، وبِالنّورِ أُهتُدِيَ إِلَى النّورِ وبِالشَّمسِ أُبصِرَتِ الشَّمسُ» . (4) وقال صدر الدِّين الشيرازيّ قدس سره في شرح أُصول الكافي حول معرفة اللّه باللّه : «إِنّ معرفة اللّه باللّه له وجهان أحدهما : إِدراك ذاته بطريق المشاهدة وصريح العرفان . والثاني : بطريق التنزيه والتقديس...» (5) . وقال الإمام الخميني رحمه الله في شرح : «اِعرِفُوا اللّهَ بِاللّهِ ، وَالرَّسولَ بِالرِّسالَةِ ، وأُولِي الأَمرِ بِالأَمرِ بِالمَعروفِ وَالعَدلِ وَالإِحسانِ» : «فبعد أن يغادر السالك إلى اللّه _ بخطوات ترويض النفس والتقوى الكاملة _ بيت النفس ، ولم يصطحب معه في هذا الخروج العُلقة الدنيوية، والتعيّنات،
.
ص: 37
ويتحقق له السفر إلى اللّه سبحانه، يتجلى له الحق المتعالي قبل كل شيء، على قلبه المقدس بالأُلوهية ومقام ظهور الأسماء والصفات . ويكون هذا التجلّي أيضا مرتّبا ومنظّما، حيث ينطلق من الأسماء المحاطة مرورا بالأسماء المحيطة حسب شدّة السير وضعفه وحسب قوّة قلب السالك وضعفه على التفصيل الذي لا يستوعبه هذا الكتاب المختصر، حتى ينتهي إلى رفض كل تعيّنات عالم الوجود سواء كانت تعيّنات تعود إلى نفسه أو تعيّنات راجعة إلى غيره والتي تعتبر _ أي هذه التعينات الغيرية _ في المنازل والمراحل التالية من التعيّنات العائدة إلى نفسه أيضا وبعد الرفض المطلق ، يتمّ التجلّي بالأُلوهية، ومقام اللّه الذي هو مقام أحديّة جمع ظهور الأسماء، وتظهر «إعرِفُوا اللّهَ _ بِاللّهِ _ » في مرتبتها الأوّليّة النّازلة . ولدى وصول العارف إلى هذا المقام والمنزلة، يفنى في هذا التجلّي، فإذا وسعته العناية الأزليّة، لحصل للعارف الفاني في هذا التجلّي، استيناس، ولزالت عنه وحشة الطريق ونصب السفر، واستفاق، فلم يقتنع بهذا المقام، ويستمرّ بخطوات ملؤها الشوق والعشق، ويكون الحقّ المتعالي في سفر العشق هذا مبدأ السفر والباعث على السفر ونهاية السفر، وتتمّ خطواته في أنوار التجلّي، فيسمع هاتفا يقول له «تَقَدَّم» ويستمرّ في التقدّم إلى أن تتجلّى في قلبه بصورة مرتّبة ومنظّمة، الأسماء والصفات في مقام الواحديّة، حتى يبلغ مقام الأحديّة، ومقام الاسم الأعظم الذي هو اسم اللّه ، فيتحقق في هذا المقام «اِعرِفُوا اللّهَ بِاللّهِ» في مرتبة عالية . ويوجد أيضا بعد هذا المقام، مقام آخر لا مجال لذكره فعلاً». (1)
.
ص: 38
2 / 2الأَنبياءالكتاب«وَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَا نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا أَنَا فَاعْبُدُونِ» . (1)
«وَ لَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَ اجْتَنِبُواْ الطَّ_غُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَ مِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَ__لَةُ فَسِيرُواْ فِى الْأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَ_قِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ» . (2)
«قُلْ هَ_ذِهِ سَبِيلِى أَدْعُواْ إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِى وَ سُبْحَ_نَ اللَّهِ وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» . (3)
«أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْاءِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَ إِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَ إِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ ... المُحتَجِبِ بِنورِهِ دونَ خَلقِهِ ... وَابتَعَثَ فيهِمُ النَّبِيِّينَ ... لِيَعقِلَ العِبادُ عَن رَبِّهِم ما جَهِلوهُ؛ فَيَعرِفوهُ بِرُبوبِيَّتِهِ بَعدَما أَنكَروا ، ويُوَحِّدوهُ بِالإِلهِيَّةِ بَعدَما عَضَدوا (5) . (6)
.
ص: 39
الإمام عليّ عليه السلام_ في بَيانِ رِسالَةِ الأَنبِياءِ _: فَبَعَثَ فيهِم رُسُلَهُ ، وواتَرَ (1) إِلَيهِم أنبِياءَهُ؛ لِيَستَأدوهُم ميثاقَ فِطرَتِهِ ، ويُذَكِّروهُم مَنسِيَّ نِعمَتِهِ ، ويَحتَجّوا عَلَيهِم بِالتَّبليغِ . (2)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِالحَقِّ لِيُخرِجَ عِبادَهُ مِن عِبادَةِ عِبادِهِ إِلى عِبادَتِهِ ، ومِن عُهودِ عِبادِهِ إِلى عُهودِهِ ، ومِن طاعَةِ عِبادِهِ إِلى طاعَتِهِ ، ومِن وِلايَةِ عِبادِهِ إلى وِلايَتِهِ ؛ بَشيرا ونَذيرا وداعِيا إلَى اللّهِ بِإِذنِهِ وسِراجا مُنيرا ، عَودا وبَدءا وعُذرا ونُذرا ، بِحُكمٍ قَد فَصَّلَهُ وتَفصيلٍ قَد أَحكَمَهُ ، وفُرقانٍ قَد فَرَّقَهُ وقُرآنٍ قَد بَيَّنَهُ ، لِيَعلَمَ العِبادُ رَبَّهُم إِذ جَهِلوهُ ، ولِيُقِرّوا بِهِ إِذ جَحَدوهُ ، ولِيُثبِتوهُ بَعدَ إِذ أَنكَروهُ . (3)
عنه عليه السلام :بَعَثَ اللّهُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِالحَقِّ لِيُخرِجَ عِبادَهُ مِن عِبادَةِ الأَوثانِ إِلى عِبادَتِهِ ، ومِن طاعَةِ الشَّيطانِ إِلى طاعَتِهِ ، بِقُرآنٍ قَد بَيَّنَهُ وأحكَمَهُ ، لِيَعلَمَ العِبادُ رَبَّهُم إِذ جَهِلوهُ ، ولِيُقِرّوا بِهِ بَعدَ إِذ جَحَدوهُ ، ولِيُثبِتوهُ بَعدَ إِذ أَنكَروهُ . (4)
الإمام الصّادق عليه السلام_ لِلزِّنديقِ الّذي سألَهُ : مِن أينَ أَثبَتَّ الأَنبياءَ ؟ _: إِنّا لَمّا أثبَتنا أنّ لَنا خالِقا صانِعا مُتَعالِيا عنّا وعن جَميعِ ما خَلَقَ ، وكانَ ذلكَ الصّانِعُ حَكيما مُتَعالِيا لَم يَجُز أن يُشاهِدَهُ خَلقُهُ ، ولا يُلامِسوهُ ، فيُباشِرَهُم ويُباشِروهُ ، ويُحاجَّهُم ويُحاجُّوهُ ، ثَبَتَ أنَّ لَهُ سُفَراءَ في خَلقِهِ يُعَبِّرونَ عَنهُ إِلى خَلقِهِ وعِبادِهِ ، ويَدُلّونَهُم على مصالِحِهِم ومَنافِعِهِم ، وما بهِ بَقاؤهُم وفي تَركِهِ فَناؤهُم . (5)
.
ص: 40
الإمام الكاظم عليه السلام :ما بَعَثَ اللّهُ أنبِياءَهُ ورُسُلَهُ إِلى عِبادِهِ إِلّا لِيَعقِلوا عَنِ اللّهِ . (1)
2 / 3أهل البيترسول اللّه صلى الله عليه و آله :أنا وعَلِيٌّ أبَوا هذِهِ الاُمَّةِ ، مَن عَرَفَنا فَقَد عَرَفَ اللّهَ عز و جل ، ومَن أَنكَرَنا فَقَد أنكَرَ اللّهَ عز و جل . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، ما عُرِفَ اللّهُ إِلّا بي ثُمَّ بِكَ ، مَن جَحَدَ وِلايَتَكَ جَحَدَ اللّهَ رُبوبِيَّتَهُ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَو شاءَ لَعَرَّفَ العِبادَ نَفسَهُ ، ولكَن جَعَلَنا أبوابَهُ وصِراطَهُ وسَبيلَهُ وَالوَجهَ الَّذي يُؤتى مِنهُ ؛ فَمَن عَدَلَ عَن وِلايَتِنا أو فَضَّلَ عَلَينا غَيرَنا فَإِنَّهُم عَنِ الصِّراطِ لَناكِبونَ ، فَلا سَواءٌ مَنِ اعتَصَمَ النَّاسُ بِهِ ولا سَواءٌ (4) حَيثُ ذَهَبَ النَّاسُ إِلى عُيونٍ كَدِرَةٍ يَفرَغُ بَعضُها في بَعضٍ ، وذَهَبَ مَن ذَهَبَ إِلَينا إِلى عُيونٍ صافِيَةٍ تَجري بِأَمرِ رَبِّها ، لا نَفادَ لَها ولا انقِطاعَ . (5)
عنه عليه السلام :أنَا بابُ حِطَّةٍ ، مَن عَرَفَني وعَرَفَ حَقّي فَقَد عَرَفَ رَبَّهُ ؛ لِأَنّي وَصِيُّ نَبِيِّهِ في أَرضِهِ . (6)
.
ص: 41
عنه عليه السلام :مَعرِفَتي بِالنُّورانِيَّةِ مَعرِفَةُ اللّهِ عز و جل ، ومَعرِفَةُ اللّهِ عز و جل مَعرِفَتي بِالنُّورانِيَّةِ ، وهُوَ الدّينُ الخالِصُ الَّذي قالَ اللّهُ تَعالى : «وَ مَا أُمِرُواْ إِلَا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَ يُقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُواْ الزَّكَوةَ وَ ذَ لِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» (1) . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :بِنا عُبِدَ اللّهُ ، وبِنا عُرِفَ اللّهُ ، وبِنا وُحِّدَ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ . (3)
تفسير العيّاشي عن أبي حمزة الثمالي :قالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : يا أبا حَمزَةَ ، إِنَّما يَعبُدُ اللّهَ مَن عَرَفَ اللّهَ ، فَأَمّا مَن لا يَعرِفُ اللّهَ كَأَنَّما يَعبُدُ غَيرَهُ هكَذا ضالّاً . قُلتُ : أصلَحَكَ اللّهُ ، وما مَعرِفَةُ اللّهِ ؟ قالَ : يُصَدِّقُ اللّهَ ويُصَدِّقُ مُحَمَّدا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله في مُوالاةِ عَلِيٍّ وَالاِئتِمامِ بِهِ ، وبِأَئِمَّةِ الهُدى مِن بَعدِهِ ، وَالبَراءَةِ إِلَى اللّهِ مِن عَدُوِّهُم ، وكَذلِكَ عِرفانُ اللّهِ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :جاءَ ابنُ الكَوّاءِ إِلى أَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، «وَعَلَى الأَْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلَام بِسِيمَاهُمْ» (5) . فَقالَ : نَحنُ عَلَى الأَعرافِ ، نَعرِفُ أَنصارَنا بِسيماهُم ، ونَحنُ الأَعرافُ الَّذي لا يُعرَفُ اللّهُ عز و جل إِلّا بَسبيلِ مَعرِفَتِنا . (6)
.
ص: 42
عنه عليه السلام :الأَوصِياءُ هُم أَبوابُ اللّهِ عز و جل الَّتي يُؤتى مِنها ، ولَولاهُم ما عُرِفَ اللّهُ عز و جل ، وبِهِمُ احتَجَّ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى عَلى _ خَلقِهِ . (1)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ خَلَقَنا فَأَحسَنَ خَلقَنا ، وصوََّرَنا فَأَحسَنَ صُوَرَنا ، فَجَعَلَنا خُزّانَهُ في سَماواتِهِ وأَرضِهِ ، ولَولانا ما عُرِفَ اللّهُ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام_ في زِيارَةِ الأَئِمَّةِ عليهم السلام _: السَّلامُ عَلى مَحالِّ مَعرِفَةِ اللّهِ . . . مَن عَرَفَهُم فَقَد عَرَفَ اللّهَ ، ومَن جَهِلَهُم فَقَد جَهِلَ اللّهَ . (3)
راجع: أهل البيت في الكتاب والسنّة : القسم الثالث / الفصل الأوّل / أبواب اللّه .
2 / 4أَتبَاعُ الأَنبِيَاءِالكتاب«قُلْ هَ_ذِهِ سَبِيلِى أَدْعُواْ إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِى» . (4)
الحديثالكافي عن الزّهريّ :دَخَلَ رِجالٌ مِن قُرَيشٍ عَلى عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِما _ فَسَأَلوهُ : كَيفَ الدَّعوَةُ إِلَى الدِّينِ ؟
.
ص: 43
قالَ : تَقولُ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أَدعوكُم إِلَى اللّهِ عز و جل ، وإِلى دينِهِ . وجِماعُهُ أَمرانِ : أَحَدُهُما : مَعرِفَةُ اللّهِ عز و جل ، وَالآخَرُ : العَمَلُ بِرِضوانِهِ . وإِنَّ مَعرِفَةَ اللّهِ عز و جل : أن يُعرَفَ بِالوَحدانِيَّةِ ، وَالرَّأفَةِ ، وَالرَّحمَةِ ، وَالعِزَّةِ ، وَالعِلمِ ، وَالقُدرَةِ ، وَالعُلُوِّ عَلى كُلِّ شَيءٍ ، وأنَّهُ النَّافِعُ الضّارُّ ، القاهِرُ لِكُلِّ شَيءٍ ، الَّذي لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ، وهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ ، وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ . وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، وأنَّ ما جاءَ بِهِ هُوَ الحَقُّ مِن عِندِ اللّهِ عز و جل ، وما سِواهُ هُوَ الباطِلُ . فَإِذا أَجابوا إِلى ذلِكَ فَلَهُم ما لِلمُسلِمينَ ، وعَلَيهِم ما عَلَى المُسلِمينَ . (1)
.
ص: 44
. .
ص: 45
الفصل الثالث: مبادئ معرفة اللّه3 / 1الفِطْرَةالكتاب«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَ لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لَ_كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ » . (1)
«صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عَ_بِدُونَ » . (2)
«حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ » . (3)
«وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» . (4)
راجع : العنكبوت : 61 ، الزخرف : 9 .
.
ص: 46
الحديثالكافي عن زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ» ؟ قالَ : الحَنيفِيَّةُ مِنَ الفِطرَةِ الَّتي فَطَرَ اللّهُ النّاسَ عَلَيها «لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ» قال : فَطَرَهُم عَلَى المَعرِفَةِ بِهِ . (1)
التوحيد عن زرارة :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : _ أَصلَحَكَ اللّهُ _ قَولُ اللّهِ عز و جل في كِتابِهِ : «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» ؟ قالَ : فَطَرَهُم عَلَى التَّوحيدِ عِندَ الميثاقِ عَلى مَعرِفَتِهِ أنَّهُ رَبُّهُم . قُلتُ : وخاطَبوهُ ؟ قالَ: فَطَأطَأَ رَأسَهُ، ثُمَّ قالَ: لَولا ذلِكَ لَم يَعلَموا مَن رَبُّهُم ولا مَن رازِقُهُم. (2)
معاني الأخبار عن زرارة :سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ» وقُلتُ : مَا الحَنيفِيَّةُ ؟ (3) قالَ : هِيَ الفِطرَةُ . (4)
المحاسن عن زرارة :سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ تَعالى : «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» .
.
ص: 47
قالَ : فَطَرَهُم عَلى مَعرِفَتِهِ أنَّهُ رَبُّهُم ، ولَو لا ذلِكَ لَم يَعلَموا إِذا سُئِلوا مَن رَبُّهُم ولا مَن رازِقُهُم . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : كُلُّ مَولودٍ يولَدُ عَلَى الفِطرَةِ ؛ يَعني عَلَى المَعرِفَةِ بِأَنَّ اللّهَ عز و جل خالِقُهُ ، كَذلِكَ قَولُهُ : «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» . (2)
الكافي عن زرارة :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّه عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» . قالَ: فَطَرَهُم جَميعا عَلَى التَّوحيدِ . (3)
الكافي عن هشام بن سالم عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :قُلتُ : «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» ؟ قالَ : التَّوحيدُ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً» _: الإسلامُ . (5)
.
ص: 48
تفسير الطبري عن قتادة_ في قَولِهِ تَعالى: «صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً» _: إِنَّ اليَهودَ تَصبِغُ أبناءَها يَهودَ ، وَالنَّصارى تَصبِغُ أبناءَها نَصارى ، وإِنَّ صِبغَةَ اللّهِ الإسلامُ ، فَلا صِبغَةَ أَحسَنُ مِن الإِسلامِ ولا أَطهَرُ ، وهُوَ دينُ اللّهِ الَّذي بَعَثَ بِهِ نوحاوَالأَنبِياءَ بَعدَهُ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :كُلُّ مَولودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ حَتّى يُعرِبَ (2) عَنهُ لِسانُهُ ، فإِذا أعرَبَ عَنهُ لِسانُهُ إِمّا شاكِرا وإِمّا كَفورا . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :كُلُّ نَسَمَةٍ تولَدُ عَلَى الفِطرَةِ حَتّى يُعرِبَ عَنها لِسانُها ، فَأَبَواها يُهَوِّدانِها ويُنَصِّرانِها . (4)
مسند ابن حنبل عن الأسود بن سريع :إِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَ سَرِيَّةً يَومَ حُنَينَ فَقاتَلُوا المُشرِكينَ ، فَأَفضى بِهِمُ القَتلُ إِلَى الذُّرِّيَّةِ ، فَلَمّا جاؤوا قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما حَمَلَكُم عَلى قَتلِ الذُّرِّيَّةِ ؟ قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، إِنَّما كانوا أَولادَ المُشرِكينَ . قال : أوَهَل خِيارُكُم إِلّا أَولادُ المُشرِكينَ ؟! وَالَّذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ما مِن نَسَمَةٍ
.
ص: 49
تولَدُ إِلّا عَلَى الفِطرَةِ حَتّى يُعرِبَ عَنها لِسانُها . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما مِن مَولودٍ إِلّا يولَدُ عَلَى الفِطرَةِ ، فَأَبَواهُ يُهَوِّدانِهِ أو يُنَصِّرانِهِ أو يُمَجِّسانِهِ ، كَما تُنتَجُ البَهيمَةُ بَهيمَةً جَمعاءَ هَل تُحِسّونَ فيها مِن جَدعاءَ ؟ (2)
سنن الترمذي عن أبي هريرة :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : كُلُّ مَولودٍ يُولَدُ عَلَى المِلَّةِ ، فَأَبَواهُ يُهَوِّدانِهِ أو يُنَصِّرانِهِ أو يُشَرِّكانِهِ . قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، فَمَن هَلَكَ قَبلَ ذلِكَ ؟ قالَ : اللّهُ أعلَمُ بِما كانوا عامِلينَ بِهِ . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :كُلُّ مَولودٍ يولَدُ مِن والِدٍ (4) كافِرٍ أو مُسلِمٍ فَإِنَّما يولَدون عَلَى الفِطرَةِ عَلَى الإِسلامِ كُلُّهُم ، ولكِنَّ الشَّياطينَ أتَتهُم فَاجتالَتهُم (5) عَن دينِهِم فَهَوَّدَتهُم ونَصَّرَتهُم ومَجَّسَتهُم ، وأَمَرَتهُم أن يُشرِكوا بِاللّهِ ما لم يُنَزِّل بِهِ سُلطانا . (6)
.
ص: 50
عنه صلى الله عليه و آله :ألا إِنَّ رَبّي أمَرَني أن أُعَلِّمَكُم ما جَهِلتُم مِمّا عَلَّمَني يَومي هذا . . . إِنّي خَلَقتُ (1) عِبادي حُنَفاءَ كُلَّهُم، وإِنَّهُم أَتَتهُمُ الشَّياطينُ فَاجتالَتهُم عَن دينِهِم. (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن فَتَقَ العُقولَ بِمَعرِفَتِهِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ خَلَقتَ القُلوبَ عَلى إِرادَتِكَ ، وفَطَرتَ العُقولَ عَلى مَعرِفَتِكَ ، فَتَمَلمَلَتِ (4) الأَفئِدَةُ مِن مَخافَتِكَ ، وصَرَخَتِ القُلوبُ بِالوَلَهِ ، وتَقاصَرَ وُسعُ قَدرِ العُقولِ عَنِ الثَّناءِ عَلَيكَ ، وَانقَطَعَتِ الأَلفاظُ عَن مِقدارِ مَحاسِنِكِ ، وكَلَّتِ الأَلسُنُ عَن إِحصاءِ نِعَمِكَ ، فَإِذا وَلَجَت بِطُرُقِ البَحثِ عَن نَعتِكَ بَهَرَتها حَيرَةُ العَجزِ عَن إِدراكِ وَصفِكَ ، فَهِيَ تَرَدَّدُ فِي التَّقصيرِ عَن مُجاوَزَةِ ما حَدَّدتَ لَها ؛ إِذ لَيسَ لَها أن تَتَجاوَزَ ما أَمَرتَها . (5)
تفسير العيّاشي عن زرارة :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ : «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ» إِلى قَولِهِ : «قَالُواْ بَلَى» . قالَ : كانَ مُحَمَّدٌ عَلَيهِ وآلِهِ السَّلامُ أوَّلَ مَن قالَ: بَلى . قُلتُ : كانَت رُؤيَةً مُعايَنَةً ؟ قالَ : فَأَثبَتَ المَعرِفَةَ في قُلوبِهِم . (6)
.
ص: 51
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ المُلهِمِ عِبادَهُ حَمدَهُ ، وفاطِرِهِم عَلى مَعرِفَةِ رُبوبِيَّتِهِ، الدّالِّ عَلى وُجودِهِ بِخَلقِهِ... لا تَحجُبُهُ الحُجُبُ، وَالحِجابُ بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ خَلقُهُ إِيّاهُم ؛ لِامتِناعِهِ مِمّا يُمكِنُ في ذَواتِهِم، ولِاءِمكانٍ (1) مِمّا يَمتَنِعُ مَنهُ، ولِافتِراقِ الصّانِعِ مِنَ المَصنوعِ، وَالحادِّ مِنَ المَحدودِ، وَالرَّبِّ مِنَ المَربوبِ. (2)
عنه عليه السلام :إِنَّ أفضَلَ ما يَتَوَسَّلُ بِهِ المُتَوَسِّلونَ : الإِيمانُ بِاللّهِ ورَسولِهِ ، وَالجِهادُ في سَبيلِ اللّهِ ، وكَلِمَةُ الإِخلاصِ ؛ فَإِنَّهَا الفِطرَةُ . (3)
الكافي عن بكير بن أعين :كانَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام يَقولُ: إِنَّ اللّهَ أَخَذَ ميثاقَ شيعَتِنا بِالوِلايَةِ وهُم ذَرٌّ يَومَ أَخَذَ الميثاقَ عَلَى الذَّرِّ، وَالإِقرارَ لَهُ بِالرُّبوبِيَّةِ ولِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله بِالنُّبُوَّةِ. (4)
الإمام الباقر عليه السلام :كانَت شَريعَةُ نوحٍ عليه السلام أن يُعبَدَ اللّهُ بِالتَّوحيدِ وَالإِخلاصِ وخَلعِ الأَندادِ ، وهِيَ الفِطرَةُ الَّتي فُطِرَ النَّاسُ عَلَيها ، وأخَذَ اللّهُ ميثاقَهُ عَلى نوحٍ عليه السلام وعَلَى النَّبِيِّينَ عليهم السلام أن يَعبُدُوا اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ ولا يُشرِكوا بِهِ شَيئا . (5)
.
ص: 52
الإمام الحسين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: لكِنَّكَ أخرَجتَني رَأفَةً مِنكَ وتَحَنُّنا عَلَيَّ ، لِلَّذي سَبَقَ لي مِنَ الهُدَى الَّذي فيهِ يَسَّرتَني ، وفيهِ أَنشَأتَني ، ومَن قَبلِ ذلِكَ رَؤُفتَ بي بِجَميلِ صُنعِكَ وسَوابِغِ نِعمَتِكَ . . . فَرَبَّيتَني زائِدا في كُلِّ عامٍ ، حَتّى إِذا كَمُلَت فِطرَتي وَاعتَدَلَت سَريرَتي أَوجَبتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ ؛ بِأن أَلهَمتَني مَعرِفَتَك ، ورَوَّعتَني بِعَجائِبِ فِطرَتِكَ ، وأَنطَقتَني لِما ذَرَأتَ في سَمائِكَ وأَرضِكَ مِن بَدائِعِ خَلقِكَ ، ونَبَّهتَني لِذِكرِكَ وشُكرِكَ وواجِبِ طاعَتِكَ وعِبادَتِكَ ، وفَهَّمتَني ما جاءَت بِهِ رُسُلُكَ ، ويَسَّرتَ لي تَقَبُّلَ مَرضاتِكَ ، ومَنَنتَ عَلَيَّ في جَميعِ ذلِكَ بِعَونِكَ ولُطفِكَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ النّاسَ كُلَّهُم عَلَى الفِطرَةِ الَّتي فَطَرَهُم عَلَيها ، لا يَعرِفُونَ إِيمانا بِشَريعَةٍ ، ولا كُفرا بِجُحودٍ ، ثُمَّ بَعَثَ اللّهُ الرُّسُلَ تَدعو العِبادَ إِلَى الإِيمانِ بِهِ ؛ فَمِنهُم مَن هَدَى اللّهُ ، ومِنهُم مَن لَم يَهدِهِ اللّهُ . (2)
عنه عليه السلام :كانَ إِبراهيمُ عليه السلام في شَبيبَتِهِ (3) عَلَى الفِطرَةِ الَّتي فَطَرَ اللّهُ عز و جلالخَلقَ عَلَيها ، حَتّى هَداهُ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ إِلى دينِهِ وَاجتَباهُ . (4)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ سُبحانَهُ _: عارِفٌ بِالمَجهولِ ، مَعروفٌ عِندَ كُلِّ جاهِلٍ . (5)
عنه عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: فَكِّر يا مُفَضَّلُ ، فيما أُعطِيَ الإِنسانُ عِلمَهُ وما مُنِعَ ؛ فَإِنَّهُ أُعطِيَ عِلمَ جَميعِ ما فيهِ صَلاحُ دينِهِ ودُنياهُ ؛ فَمِمّا فيهِ صَلاحُ دينِهِ مَعرِفَةُ الخالِقِ
.
ص: 53
_ تَبارَكَ وتَعالى _ بِالدَّلائِلِ وَالشَّواهِدِ القائِمَةِ فِي الخَلقِ ، ومَعرِفَةُ الواجِبِ عَلَيهِ مِنَ العَدلِ عَلَى النّاسِ كافَّةً ، وبِرَّ الوالِدَينِ ، وأَداءِ الأَمانَةِ ، ومُؤاساةِ أهلِ الخَلَّةِ (1) ، وأَشباهِ ذلِكَ مِمّا قَد توجَدُ مَعرِفَتُهُ وَالإِقرارُ وَالاِعتِرافُ بِهِ فِي الطَّبعِ وَالفِطرَةِ مِن كُلِّ أُمَّةٍ مُوافِقَةٍ أو مُخالِفَةٍ . (2)
عنه عليه السلام :قالَ موسى بنُ عِمرانَ عليه السلام : يا رَبِّ ، أيُّ الأَعمالِ أَفضَلُ عِندَكَ ؟ فَقالَ : حُبُّ الأَطفالِ ؛ فَإِنّي فَطَرتُهُم عَلى تَوحيدي ؛ فَإِن أَمَتُّهُم أَدخَلتُهُم بِرَحمَتي جَنّتي . (3)
الإمام الرضا عليه السلام :بِصُنعِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ ، وبِالعُقولِ تُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ ، وبِالفِطرَةِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ . (4)
راجع : ص21 (اللّهُ عزّ وجلّ) و59 (الميثاقُ الفِطريُّ) و62 (تجلّي الفطرة عند الشَّدائِد) .
.
ص: 54
. .
ص: 55
توضيح حول فطرة معرفة اللّهإِنّ أوّل مبدأ لمعرفة اللّه هو فطرة الإنسان وجبلّته. وتنقسم الآيات والأَحاديث التي تدلّ على هذا المفهوم _ كما لوحظ في الفصل الثالث _ إِلى ثلاثة طوائف ، هي : الطائفة الأُولى : الآيات والأَحاديث الدالّة على أنّ معرفة اللّه أُودعت في سرائر الناس جميعا بشكل شعور فطريّ . وقد وردت صفوة هذه الآيات والأحاديث في الحديث النبويّ الشريف : «كُلُّ مَولودٍ يولَدُ عَلَى الفِطرَةِ ، يَعني عَلَى المَعرِفَةِ بِأَنَّ اللّهَ عز و جل خالِقُهُ» (1) . الطائفة الثانية : النصوص الدالّة على أنّ اللّه سبحانه أخذ الميثاق من الناس قاطبةً على ربوبيّته قبل ولادتهم ، كقوله تعالى: «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا» (2) . سأَل زُرارةُ _ وهو من أجلّاء أصحاب الإمام الصادق عليه السلام _ الإمامَ عن كيفيّة أخذ
.
ص: 56
اللّه الإقرارَ بربوبيّته من جميع الناس ، فقال عليه السلام : «ثَبَتَتِ المَعرِفَةُ في قُلوبِهِم» . وقد جاء في بعض الأَخبار: «أثبَتَ المَعرِفَةَ في قُلوبِهِم» (1) . و عن ابن مسكان عن أَبي عبد اللّه عليه السلام في قَولِهِ تَعالى : «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى» قال : قُلتُ : مُعايَنَةً كانَ هذا ؟ قالَ عليه السلام : نَعَم ، فَثَبَتَتِ المَعرِفَةُ ونَسُوا المَوقِفَ وسَيَذكُرونَهُ ، ولَولا ذلِكَ لَم يَدرِ أَحَدٌ مَن خالِقُهُ ورازِقُهُ ، فَمِنهُم مَن أَقَرَّ بِلِسانِهِ فِي الذَّرِّ ولَم يُؤمِن بِقَلبِهِ ، فَقالَ اللّهُ : «فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ» (2) . (3) الجدير بالذكر أنّه يمكن تفسير الآيات والأَحاديث التي تناولت بيان الميثاق الفطريّ بتفسيرين : 1 . أن يكون ظاهر هذه الآيات والأَحاديث مشيرا إِلى مرحلةٍ من حياة البشر قبل نشأة الدنيا إِذ عرّف اللّه فيها نفسه لجميع الناس وخاطبهم: «ألستُ بربّكم» ؟ ، فأجابوا كلّهم: «بَلَى» ، واعترفوا بربوبيّته . هكذا انعقد ميثاق بين الإنسان وربّه يُدعى الميثاق الفطريّ ، ويتمثّل أثر هذا الميثاق في المعرفة القلبيّة للإنسان باللّه ، وتتجلّى هذه المعرفة في ظروف خاصّة ،
.
ص: 57
وإِن لم يذكر أحد خصوصيات موقف الميثاق ، كما قال الإمام الصادق عليه السلام في تبيان آية الميثاق: «ثَبَتَت المَعرِفَةُ ونَسُوا المَوقِفَ وسَيَذكُرونَهُ ، ولَولا ذلِكَ لَم يَدرِ أحَدٌ مَن خالِقُهُ و رازِقُهُ» (1) . 2 . أنّ المقصود من السؤال والجواب والميثاق هو غير المتداوَل منها ، وإنّما هو ميثاق فطرة الإنسان مع اللّه تعالى ، واعترافه بربوبيّة اللّه الأَحد هو تلك المعرفة التي أَودعها اللّه في فطرة البشر وثبّتها . الطائفة الثالثة : النصوص التي تدلّ على أنّ طبيعة الإنسان بنحو أنّه إِذا مُنيَ بربقة المصائب والشدائد زالت موانع المعرفة من بصيرته وفي هذه الحالة يشعر بكلّ وجوده حقيقة اللّه سبحانه وتعالى ، ويمدّ يد الفاقة إِلى ذلك الغنيّ. ومحصّلة الآيات القرآنيّة في هذا المجال وردت في كلام نورانيّ للإمام العسكريّ عليه السلام ، فقد قال سلام اللّه عليه: «اللّهُ ، هُوَ الَّذي يَتَأَلَّهُ إِلَيهِ عِندَ الحَوائِجِ والشَّدائِدِ كُلُّ مَخلوقٍ عِندَ انقِطاعِ الرَّجاءِ مِن كُلِّ مَن هُوَ دونَهُ ، وتَقَطُّعِ الأسبابِ مِنَ جَميعِ ما سِواهُ» (2) .
معنى فطرة معرفة اللّهلهذه الفطرة معنيان: الفطرة العقليّة ، والفطرة القلبيّة . إِنّ القصد من فطرة معرفة اللّه العقليّة هو : أنّ اللّه سبحانه خلق عقل الإنسان بشكل يكون التوجّه إِلى الوجود والنظام المسيطر عليه باعثا على إِيجاد الاعتقاد بوجود اللّه ذاتيّا وبلا حاجة إِلى الاستدلال .
.
ص: 58
أمّا الفطرة القلبية لمعرفة اللّه تعني : أنّ اللّه سبحانه قد جعل معرفته في قلب الإنسان وروحه بحيث لو ارتفعت الحجب وأُزيلت الحواجز ، تجلّت تلك المعرفة الأصيلة ، فيجد الإنسان نفسه في رحاب الخالق . بناءً على هذا ، فإنّ التفاوت بين المعرفة الفطريّة العقليّة والقلبيّة ، كالفرق بين العلم والوجدان ، أو بتعبير نصّ الروايات كالفرق بين الإيمان واليقين .
أَوضح براهين التوحيد الفطريّإِنّ القسم الثالث من النصوص التي أُشير إِليها تبيّن أَوضح البراهين التجربيّة على التوحيد الفطريّ ، وقد استند إِليها القرآن مرارا لتعريف اللّه تعالى كحقيقة يعرفها الإنسان ذاتيّا ويجد نفسه محتاجا إِليها . إِنّ التجربة تدلّ على أنّ مشكلات الحياة إِذا ألمّت بالإنسان ، وعجزت كلّ السبل والحِيَل عن حلّها وعلاجها ، أزالت يد البلاء القويّة حجب المعرفة ، وحينئذٍ يغدو الناس جميعا حتّى المنكرون للّه عارفين باللّه مستمدّينه في أُمورهم .
.
ص: 59
3 / 1 _ 1الميثاقُ الفِطرِيُّالكتاب«وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَ_ذَا غَ_فِلِينَ » . (1)
«أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَ_بَنِى ءَادَمَ أَن لَا تَعْبُدُواْ الشَّيْطَ_نَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَ أَنِ اعْبُدُونِى هَ_ذَا صِرَ طٌ مُّسْتَقِيمٌ » . (2)
الحديثتفسير العيّاشي عن زرارة :سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ : «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ» إِلى قوله : «أَنفُسِهِمْ» . قالَ : أَخرَجَ اللّهُ مِن ظَهرِ آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ إِلى يَومِ القِيامَةِ ، فَخَرَجوا وهُم كَالذَّرِّ (3) ، فَعَرَّفَهُم نَفسَهُ وأَراهُم نَفسَهُ ، ولَولا ذلِكَ ما عَرَفَ أَحَدٌ رَبَّهُ ، وذلِكَ قَولُهُ : «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» (4) . (5)
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ» إِلى قَولِهِ : «شَهِدْنَا» _: ثَبَتَتِ المَعرِفَةُ ونَسُوا المَوقِفَ وسَيَذكُرونَهُ ، ولَولا ذلِكَ لَم يَدرِ أحَدٌ مَن خالِقُهُ ولا مَن رازِقُهُ . (6)
.
ص: 60
تفسير العيّاشي عن أبي بصير :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : أَخبِرني عَن الذَّرِّ حَيثُ أَشهَدَهُم عَلى أَنفُسِهِم ، «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى» ، وأَسَرَّ بَعضَهُم خِلافَ ما أظهَرَ ، فَقُلتُ : كَيفَ عَلِمُوا القَولَ حَيثُ قيلَ لَهُم : أَلَستُ بِرَبِّكُم ؟ قالَ : إِنَّ اللّهَ جَعَلَ فيهِم ما إِذا سَأَلَهُم أجابوهُ . (1)
تفسير العيّاشي عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى» _: قالوا بِأَلسِنَتِهِم ؟ قالَ : نَعَم ، وقالوا بِقُلوبِهِم . فَقُلتُ : وأيُّ شَيءٍ كانوا يَومَئِذٍ ؟ قالَ : صَنَعَ مِنهُم ما اكتَفى بِهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ» _: كانَ ذلِكَ مُعايَنَةً للّهِِ ، فَأَنساهُمُ المُعايَنَةَ وأَثبَتَ الإِقرارَ في صُدورِهِم ، ولَولا ذلِكَ ما عَرَفَ أَحَدٌ خالِقَهُ ولا رازِقَهُ ، وهُوَ قَولُ اللّهِ : «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» (3) . (4)
تفسير القمّي عن ابن مسكان عن الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى» قال: قُلتُ : مُعايَنَةً كانَ هذا ؟
.
ص: 61
قالَ : نَعَم ، فَثَبَتَتِ المَعرِفَةُ ونَسُوا المَوقِفَ وسَيَذكُرونَهُ ، ولَولا ذلِكَ لَم يَدرِ أحَدٌ مَن خالِقُهُ ورازِقُهُ ، فَمِنهُم مَن أقَرَّ بِلِسانِهِ فِي الذَّرِّ ولَم يُؤمِن بِقَلبِهِ ، فَقالَ اللّهُ : «فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ» (1) . (2)
تفسير العيّاشي عن زرارة :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ : «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ» إِلى قَولِهِ : «قَالُواْ بَلَى» . قالَ : كانَ مُحَمَّدٌ عَلَيهِ وآلِهِ السَّلامُ أوَّلَ مَن قالَ: بَلى . قُلتُ : كانَت رُؤيَةً مُعايَنَةً ؟ قالَ : فَأَثبَتَ المَعرِفَةَ في قُلوبِهِم ونَسوا ذلِكَ الميثاقَ ، وسَيَذكُرونَهُ بَعدُ ، ولَولا ذلِكَ لَم يَدرِ أَحَدٌ مَن خالِقُهُ ولا مَن رازِقُهُ . (3)
المحاسن عن زرارة :سَألتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ : «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى» . قالَ : ثَبَتَتِ المَعرِفَةُ في قُلوبِهِم ، ونَسُوا المَوقِفَ ، وسَيَذكُرونَهُ يَوما مّا ، ولَولا ذلِكَ لَم يَدرِ أَحَدٌ مَن خالِقهُ ولا مَن رازِقهُ (4) .
الإمام الصادق عليه السلام :نَحنُ نَحمَدُ اللّهَ عَلَى النِّعَمِ السّابِغَةِ وَالحُجَجِ البالِغَةِ ، وَالبَلاءِ المَحمودِ عِندَ الخاصَّةِ وَالعامَّةِ ، فَكانَ مِن نِعَمِهِ العِظامِ وآلائِهِ الجِسامِ الَّتيأَنعَمَ بِها تَقريرُهُ قُلوبَهُم بِرُبوبِيَّتِهِ ، وأَخذُهُ ميثاقَهُم بِمَعرِفَتِهِ . (5)
.
ص: 62
3 / 1 _ 2تَجَلِّي الفِطرَةِ عِندَ الشَّدائدِالكتاب«وَ إِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ » . (1)
«وَجَ_وَزْنَا بِبَنِى إِسْرَ ءِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا الَّذِى ءَامَنَتْ بِهِ بَنُواْ إِسْرَ ءِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ » . (2)
«وَ مَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْ_ئرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ » . (3)
راجع : الزمر : 8 ، 49 ، يونس : 12 ، 22 ، الإسراء : 67 ، العنكبوت : 65 ، الأنعام : 40 ، 41 .
الحديثربيع الأبرار :قالَ رَجُلٌ لِجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام : مَا الدَّليلُ عَلَى اللّهِ ؟ ولا تَذكُر لِيَ العالَمَ وَالعَرَضَ وَالجَوهَرَ . فَقالَ لَهُ : هَل رَكِبتَ البَحرَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : هَل عَصَفَت بِكُمُ الرّيحُ حَتّى خِفتُمُ الغَرقَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَهَلِ انقَطَعَ رَجاؤُكَ مِنَ المَركَبِ وَالمَلّاحينَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَهَل تَتَبَّعَت نَفسُكَ أنَّ ثَمَّ مَن يُنجيكَ ؟ قالَ : نَعَم .
.
ص: 63
قالَ : فَإِنَّ ذاكَ هُوَ اللّهُ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَا إِيَّاهُ» (1) ، «إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْ_ئرُونَ» . (2)
راجع : ص21 (اللّه عزّوجلّ) و45 (الفِطْرَة) و59 (الميثاق الفِطْريّ) .
الإمام العسكريّ عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» _: «اللّهُ» هُوَ الّذي يَتَأَلَّهُ إِلَيهِ عِندَ الحَوائِجِ وَالشَّدائِدِ كُلُّ مَخلوقٍ عِندَ انقِطاعِ الرَّجاءِ مِن كُلِّ مَن هُوَ دونَهُ ، وتَقَطُّعِ الأَسبابِ مِن جَميعِ ما سِواهُ . يَقولُ : بِاسمِ اللّهِ أي : أَستَعينُ عَلى أُموري كُلِّها بِاللّهِ الَّذي لا تَحِقُّ العِبادَةُ إِلّا لَهُ ، المُغيثِ إِذَا استُغيثَ ، وَالمُجيبِ إِذا دُعِيَ . وهُوَ ما قالَ رَجُلٌ لِلصَّادِقِ عليه السلام : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، دُلَّني عَلَى اللّهِ ما هُوَ ؟ فَقَد أكثَرَ عَلَيَّ المُجادِلونَ وحَيَّروني . فَقالَ لَهُ : يا عَبدَ اللّه ، هَل رَكِبتَ سَفينَةً قَطُّ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَهَل كُسِرَ بِكَ حَيثُ لا سَفينَةَ تُنجيكَ ولا سِباحَةَ تُغنيكَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَهَل تَعَلَّقَ قَلبُكَ هُنالِكَ أنَّ شَيئا مِنَ الأَشياءِ قادِرٌ عَلى أن يُخَلِّصَكَ مِن وَرطَتِكَ ؟ فَقالَ : نَعَم . قالَ الصَّادِقُ عليه السلام : فَذلِكَ الشَّيءُ هُوَ اللّهُ القادِرُ عَلَى الإِنجاءِ حَيثُ لا مُنجِيَ ، وعَلَى الإغاثَةِ حَيثُ لا مُغيثَ . ثُمَّ قالَ الصّادِقُ عليه السلام : ولَرُبَّما تَرَكَ بَعضُ شيعَتِنا فِي افتِتاح أمرِهِ بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، فَيَمتَحِنُهُ اللّهُ بِمَكروهٍ لِيُنَبِّهَهُ عَلى شُكرِ اللّهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ وَالثَّناءِ عَلَيهِ ، ويَمحَقَ عَنهُ وَصمَةَ تَقصيرِهِ عِندَ تَركِهِ قَولَ: بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ .
.
ص: 64
قالَ : وقامَ رَجُلٌ إِلى عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام فَقالَ : أَخبِرني عَن مَعنى «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» . فَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام : حَدَّثَني أَبي عَن أَخيهِ الحَسَنِ عَن أَبيهِ أميرِالمُؤمِنينَ عليه السلام : أنَّ رَجُلاً قامَ إِلَيهِ فَقالَ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، أَخبِرني عَن «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» ما مَعناهُ ؟ فَقالَ : إِنَّ قَولَكَ : «اللّه » أَعظَمُ اسمٍ مِن أَسماءِ اللّهِ عز و جل ، وهُوَ الاِسمُ الَّذي لا يَنبَغي أن يُسَمّى بِهِ غَيرُ اللّهِ ، ولَم يَتَسَمَّ بِهِ مَخلوقٌ . فَقالَ الرَّجُلُ : فَما تَفسيرُ قَولِهِ : «اللّه » ؟ قالَ : هُوَ الَّذي يَتَأَلَّهُ إِلَيهِ عِندَ الحَوائِجِ وَالشَّدائِدِ كُلُّ مَخلوقٍ عِندَ انقِطاعِ الرَّجاءِ مِن جَميعِ مَن هُوَ دونَهُ ، وتَقَطُّعِ الأَسبابِ مِن كُلِّ مَن سِواهُ ، وذلِكَ أنَّ كُلَّ مُتَرَئِّسٍ في هذِهِ الدُّنيا ومُتَعَظِّمٍ فيها وإِن عَظُمَ غِناؤُهُ وطُغيانُهُ وكَثُرَت حَوائِجُ مَن دَونَهُ إِلَيهِ ؛ فَإِنَّهُم سَيَحتاجونَ حَوائِجَ لا يَقدِرُ عَلَيها هذَا المُتَعاظِمُ ، وكَذلِكَ هذَا المُتَعاظِمُ يَحتاجُ حَوائِجَ لا يَقدِرُ عَلَيها ، فَيَنقَطِعُ إِلَى اللّهِ عِندَ ضَرورَتِهِ وفاقَتِهِ ، حَتّى إِذا كَفى هَمَّهُ عادَ إِلى شِركِهِ ، أما تَسمَعُ اللّهَ عز و جل : «قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَ_دِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ» . (1) فَقالَ اللّهُ عز و جل لِعِبادِهِ: أَيُّهَا الفُقَراءُ إِلى رَحمَتي، إِنّي قَد أَلزَمتُكُمُ الحاجَةَ إِلَيَّ في كُلِّ حالٍ، وذِلَّةَ العُبودِيَّةِ في كُلِّ وَقتٍ، فَإِلَيَّ فَافزَعوا في كُلِّ أمرٍ تَأخُذونَ فيهِ ، وتَرجونَ تَمامَهُ وبُلوغَ غايَتِهِ ؛ فَإِنّي إِن أَرَدتُ أن أُعطِيَكُم لَم يَقدِر غَيري عَلى مَنعِكُم، وإِن أَرَدتُ أن أَمنَعَكُم لَم يَقدِر غَيري عَلى إِعطائِكُم؛ فَأَنَا أحَقُّ مَن سُئِلَ ، وأَولى مَن
.
ص: 65
تُضُرِّعَ إِلَيهِ ، فَقولوا عِندَ افتِتاحِ كُلِّ أَمرٍ صَغيرٍ أو عَظيمٍ : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» ، أي أَستَعينُ عَلى هذَا الأَمرِ بِاللّهِ الَّذي لا يَحِقُّ العِبادَةُ لِغَيرِهِ ، المُغيثِ إِذَا استُغيثَ ، المُجيبِ إِذا دُعي . (1)
3 / 2العَقلُ3 / 2 _ 1العَقلُ أوَّلُ الأُمورِ ومَبدَؤهاالكافي عن الحسن بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ أوَّلَ الأُمورِ ومَبدَأَها وقُوَّتَها وعِمارَتَهَا الَّتيلايَنتَفِعُ شَيءٌ إِلّا بِهِ العَقلُ الَّذيجَعَلَهُ اللّهُ زينَةً لِخَلقِهِ ونورا لَهُم ، فَبِالعَقلِ عَرَفَ العِبادُ خالِقَهُم وأنَّهُم مَخلوقونَ ، وأنَّهُ المُدَبِّرُ لَهُم وأنَّهُمُ المُدَبَّرونَ ، وأنَّهُ الباقي وهُمُ الفانونَ ، وَاستَدَلّوا بِعُقولِهِم عَلى ما رَأَوا مِن خَلقِهِ ؛ مِن سَمائِهِ وأَرضِهِ ، وشَمسِهِ وقَمَرِهِ ، ولَيلِهِ ونَهارِهِ ، وبِأَنَّ لَهُ ولَهُم خالِقا ومُدَبِّرا لَم يَزَل ولا يَزولُ ، وعَرَفوا بِهِ الحَسَنَ مِنَ القَبيحِ ، وأنَّ الظُّلمَةَ فِي الجَهلِ ، وأنَّ النُّورَ فِي العِلمِ ، فَهذا ما دَلَّهُم عَلَيهِ العَقلُ . قيلَ لَهُ : فَهَل يَكتَفِي العِبادُ بِالعَقلِ دونَ غَيرِهِ ؟ قالَ : إِنَّ العاقِلَ _ لِدَلالَةِ عَقلِهِ الَّذي جَعَلَهُ اللّهُ قِوامَهُ وزينَتَهُ وهِدايَتَهُ _ عَلِمَ أنَّ اللّهَ هُوَ الحَقُّ ، وأنَّهُ هُوَ رَبُّهُ ، وعَلِمَ أنَّ لِخالِقِهِ مَحَبَّةً ، وأنَّ لَهُ كَراهِيَةً ، وأنَّ لَهُ طاعَةً ، وأنَّ لَهُ مَعصِيَةً ، فَلَم يَجِد عَقلَهُ يَدُلُّهُ عَلى ذلِكَ ، وعَلِمَ أنَّهُ لا يوصَلُ إِلَيهِ إِلّا بِالعِلمِ وطَلَبِهِ ،
.
ص: 66
وأنَّهُ لا يَنتَفِعُ بِعقلِهِ ، إِن لَم يُصِب ذلِكَ بِعِلمِهِ ، فَوَجَبَ عَلَى العاقِلِ طَلَبُ العِلمِ وَالأَدَبِ الَّذي لا قِوامَ لَهُ إِلّا بِهِ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :بِالعُقولِ يُعتَقَدُ التَّصديقُ بِاللّهِ . (2)
3 / 2 _ 2العاقِلُ لا يَستَطيعُ جَحدَ ما لا يَعرِفُالكافي عن هشام بن الحكم :كانَ بِمِصرَ زِنديقٌ تَبلُغُهُ عَن أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام أشياءُ ، فَخَرَجَ إِلَى المَدينَةِ لِيُناظِرَهُ ، فَلَم يُصادِفهُ بِها ، وقيلَ لَهُ : إِنَّهُ خارِجٌ بِمَكَّةَ ، فَخَرَجَ إِلى مَكَّهَ ونَحنُ مَعَ أَبي عَبدِ اللّهِ ، فَصادَفَنا ونَحنُ مَعَ أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فِي الطَّوافِ _ وكانَ اسمَهُ عَبدُ المَلِكِ وكُنيَتَهُ أَبو عَبدِ اللّهِ _ فَضَرَبَ كِتفَهُ كِتفَ أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقالَ لَهُ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : مَا اسمُكَ ؟ فَقالَ : اسمي عَبدُ المَلِكِ . قالَ : فَما كُنيَتُكَ ؟ قالَ : كُنيَتي أَبو عَبدِ اللّهِ . فَقالَ لَهُ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : فَمَن هذَا المَلِكُ الَّذي أنتَ عَبدُهُ ؟ أمِن مُلوكِ الأَرضِ أم مِن مُلوكِ السَّماءِ ؟ وأَخبِرني عَنِ ابنِكَ عَبدُ إِلهِ السَّماءِ أم عَبدُ إِلهِ الأَرضِ ؟ قُل ما شِئتَ تُخصَمُ ! قالَ هِشامُ بنُ الحَكَمِ : فَقُلتُ لِلزِّنديقِ : أما تَرُدُّ عَلَيهِ؟ قالَ : فَقَبَّحَ قَولي . فَقالَ أَبو عَبدِ اللّهِ : إِذا فَرَغتُ مِنَ الطَّوافِ فَأتِنا . فَلَمّا فَرَغَ أبو عَبدِ اللّهِ أتاهُ الزِّنديقُ فَقَعَدَ بَينَ يَدَي أَبي عَبدِ اللّهِ ونَحنُ مُجتَمِعونَ عِندَهُ ، فَقالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام لِلزِّنديقِ : أتَعلَمُ أنَّ لِلأَرضِ تَحتا وفَوقا ؟ قالَ : نَعَم .
.
ص: 67
قالَ : فَدَخَلتَ تَحتَها ؟ قالَ : لا . قالَ : فَما يُدريكَ ما تَحتُها ؟ قالَ : لا أَدري إِلّا أنّي أظُنُّ أن لَيسَ تَحتَها شَيءٌ . فَقالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : فَالظَّنُّ عَجزٌ ، لِما لا تَستَيقِنُ ؟ ثُمَّ قالَ أَبو عَبدِ اللّهِ : أفَصَعِدتَ السَّماءَ ؟ قالَ : لا . قال : أفَتَدري ما فيها ؟ قالَ : لا . قالَ : عَجَبا لَكَ! لَم تَبلُغِ المَشرِقَ ، ولَم تَبلُغِ المَغرِبَ ، ولَم تَنزِلِ الأَرضَ ، ولَم تَصعَدِ السَّماءَ ، ولَم تَجُز هُناكَ فَتَعرِفَ ما خَلفَهُنَّ ، وأنتَ جاحِدٌ بِما فيهِنَّ ، وهَل يَجحَدُ العاقِلُ ما لا يَعرِفُ ؟! قالَ الزِّنديقُ : ما كَلَّمَني بِهذا أحَدٌ غَيرُكَ! فَقالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : فَأَنتَ مِن ذلِكَ في شَكٍّ ؛ فَلَعَلَّهُ هُوَ ، ولَعَلَّهُ لَيسَ هُوَ ؟ فَقالَ الزِّنديقُ : ولَعَلَّ ذلِكَ . فَقالَ أَبو عَبدِاللّهِ عليه السلام : أَيُّهَا الرَّجُلُ، لَيسَ لِمَن لا يَعلَمُ حُجَّةٌ عَلى مَن يَعلَمُ، ولا حُجَّةَ لِلجاهِلِ . يا أَخا أهلِ مِصرَ تَفَهَّم عَنّي، فَإِنّا لا نَشُكُّ فِياللّهِ أبَدا، أما تَرَى الشَّمسَ وَالقَمَرَ وَاللَّيلَ وَالنَّهارَ يَلِجانِ فَلا يَشتَبِهانِ، ويَرجِعانِ قَدِ اضطُرّا لَيسَ لَهُما مَكانٌ إِلّا مَكانَهُما ، فَإِن كانا يَقدِرانِ عَلى أن يَذهَبا فَلِمَ يَرجِعانِ ؟ وإِن كانا غَيرَ مُضطَرَّينِ فَلِمَ لا يَصيرُ اللَّيلُ نَهارا وَالنَّهارُ لَيلاً ؟ أُضطُرّا وَاللّهِ يا أخا أهلِ مِصرَ إِلى دَوامِهِما ، وَالَّذِي اضطَرَّهُما أحكَمُ مِنهُما وأكبَرُ . فَقالَ الزِّنديقُ : صَدَقتَ . (1)
.
ص: 68
3 / 2 _ 3الاِحتِياطُ العَقليُّ فِي العَقائِدِالإمام عليّ عليه السلام_ مِمّا نُقِلَ عَنهُ عليه السلام ، وقيلَ : هُما لِغَيرِهِ _: زَعَمَ المُنَجِّمُ وَالطَّبيبُ كِلاهُما أن لا مَعادَ فَقُلتُ ذاكَ إِلَيكُما إِن صَحَّ قَولُكُما فَلَستُ بِخاسِرٍ أو صَحَّ قَولي فَالوَبالُ عَلَيكُما (1)
عنه عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إِلَيهِ _: قالَ المُنَجِّمُ وَالطَّبيبُ كِلاهُما لَن يُحشَرَ الأَمواتُ قُلتُ إِلَيكُما (2) إِن صَحَّ قولُكُما فَلَستُ بِخاسِرٍ إِن صَحَّ قَولي فَالخَسارُ إِلَيكُما (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ في مُناظَرَتِهِ لِلطَّبيبِ الهِندِيِّ _: قُلتُ : أرَأَيتَ إِن كانَ القَولُ قَولَكَ ، فَهَل يُخافُ عَلَيَّ شَيءٌ مِمّا أُخَوِّفُكَ بِهِ مِن عِقابِ اللّهِ ؟ قالَ : لا . قُلتُ : أفَرَأَيتَ إِن كانَ كَما أَقولُ _ وَالحَقُّ في يَدي _ ألَستُ قَد أَخَذتُ فيما كُنتُ أُحاذِرَ مِن عِقابِ الخالِقِ بِالثِّقَةِ ، وأنَّكَ قَد وَقَعتَ بِجُحودِكَ وإِنكارِكَ فِي الهَلَكَةِ ؟ قالَ : بَلى . قُلتُ : فَأَيُّنا أَولى بِالحَزمِ وأقرَبُ مِنَ النَّجاةِ ؟ قالَ : أنتَ . (4)
الكافي عن أبي منصور المتطبّب :أخبَرَني رَجُلٌ مِن أَصحابي ، قالَ : كُنتُ أنَا وابنُ أبِي العَوجاءِ وعَبدُ اللّهِ بنُ المُقَفَّعِ فِي المَسجِدِ الحَرامِ ، فَقالَ ابنُ المُقَفَّعِ : تَرَونَ
.
ص: 69
هذَا الخَلقَ _ وأومَأَ بِيَدِهِ إِلى مَوضِعِ الطَّوافِ _ ما مِنهُم أحَدٌ أُوجِبُ لَهُ اسمَ الإِنسانِيَّةِ إِلّا ذلِكَ الشَّيخَ الجالِسَ _ يَعني أبا عَبدِ اللّهِ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام _ فَأَمَّا الباقونَ فَرَعاعٌ (1) وبَهائِمُ . فَقالَ لَهُ ابنُ أبِي العَوجاءِ : وكَيفَ أَوجَبتَ هذَا الاِسمَ لِهذَا الشَّيخِ دونَ هؤُلاءِ ؟ قالَ : لِأَنّي رَأَيتُ عِندَهُ ما لَم أرَهُ عِندَهُم . فَقالَ لَهُ ابنُ أَبِي العَوجاءِ : لابُدَّ مِنِ اختِبارِ ما قُلتَ فيهِ مِنهُ . قالَ: فَقالَ لَهُ ابنُ المُقَفَّعِ : لا تَفعَل ؛ فَإِنّي أَخافُ أن يُفسِدَ عَلَيكَ ما في يَدِكَ . فَقالَ : لَيسَ ذا رَأيَكَ ، ولكِنَّكَ تَخافُ أن يَضعُفَ رأيُكَ عِندي في إِحلالِكَ إِيّاهُ المَحَلَّ الَّذي وَصَفتَ . فَقالَ ابنُ المُقَفَّعِ: أمّا إِذا تَوَهَّمتَ عَلَيَّ هذا فَقُم إِلَيهِ ، وتَحَفَّظ مَا استَطَعتَ مِنَ الزَّلَلِ ، ولا تَثنِ عِنانَكَ إِلَى استِرسالٍ فَيُسَلِّمَكَ إِلى عِقالٍ ، وسِمهُ ما لَكَ أو عَلَيكَ . قالَ: فَقامَ ابنُ أَبِي العَوجاءِ، وبَقيتُ أنَا وَابنُ المُقَفَّعِ جالِسَينِ ، فَلَمّا رَجَعَ إِلَينا ابنُ أَبِي العَوجاءِ ، قالَ : وَيلَكَ يَابنَ المُقَفَّعِ ، ما هذا بِبَشَرٍ ! وإِن كانَ فِي الدُّنيا روحانِيٌّ يَتَجَسَّدُ إِذا شاءَ ظاهِرا ويَتَرَوَّحُ إِذا شاءَ باطِنا فَهُوَ هذا ! فَقالَ لَهُ : وكَيفَ ذلِكَ ؟ قالَ : جَلَستُ إِلَيهِ ، فَلَمّا لَم يَبقَ عِندَهُ غَيرِي ابتَدَأَني . فَقالَ : إِن يَكُنِ الأَمرُ عَلى ما يَقولُ هؤُلاءِ _ وهُوَ عَلى ما يَقولونَ ؛ يَعني أهلَ الطَّوافِ _ فَقَد سَلِموا وعَطِبتُم ، وإِن يَكُنِ الأَمرُ عَلى ما تَقولونَ _ ولَيسَ كَما تَقولونَ _ فَقَدِ استَوَيتُم وهُم .
.
ص: 70
فَقُلتُ لَهُ : يَرحَمُكَ اللّهُ ! وأيَّ شَيءٍ نَقولُ؟ وأيَّ شَيءٍ يَقولونَ ؟ ما قَولي وقولُهُم إِلّا واحِدا . فَقالَ : وكَيفَ يَكونُ قَولُكَ وقَولُهُم واحِدا وهُم يَقولونَ : إِنَّ لَهُم مَعادا وثَوابا وعِقابا ، ويَدينونَ بِأَنَّ فِي السَّماءِ إِلها وأنَّها عُمرانٌ ، وأنتُم تَزعُمونَ أنَّ السَّماءَ خَرابٌ لَيسَ فيها أَحَدٌ ؟ (1)
الكافي عن بعض أصحابنا رفعه_ في مُناظَرَةِ الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام مَعَ ابنِ أَبِي العَوجاءِ ، قالَ عليه السلام _: أرَأَيتَ لَو كانَ مَعَكَ كيسٌ فيهِ جَواهِرُ، فَقالَ لَكَ قائِلٌ : هَل فِي الكيسِ دينارٌ ؟ فَنَفَيتَ كَونَ الدِّينارِ فِي الكيسِ ، فَقالَ لَكَ : صِف لِيَ الدِّينارَ وكُنتَ غَيرَ عالِمٍ بِصِفَتِهِ ، هَل كانَ لَكَ أن تَنفِيَ كَونَ الدِّينارِ عَنِ الكيسِ وأنتَ لا تَعلَمُ ؟ قالَ : لا . فَقالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : فَالعالَمُ أَكبَرُ وأَطوَلُ وأَعرَضُ مِنَ الكيسِ ، فَلَعَلَّ فِي العالَمِ صَنعَةً مِن حَيثُ لا تَعلَمُ صِفَةَ الصَّنعَةِ مِن غَيرِ الصَّنعَةِ ! فَانقَطَعَ عَبدُ الكَريمِ وأَجابَ إِلَى الإِسلامِ بَعضُ أَصحابِهِ ، وبَقِيَ مَعَهُ بَعضٌ . (2)
الكافي عن محمّد بن عبد اللّه الخراسانيّ خادم الرضا عليه السلام :دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الزَّنادِقَةِ عَلى أَبِي الحَسَنِ عليه السلام وعِندَهُ جَماعَةٌ، فَقالَ أَبُو الحَسَنِ عليه السلام : أيُّهَا الرَّجُلُ، أرَأَيتَ إِن كانَ القَولُ قَولَكُم _ ولَيس هُوَ كَما تَقولونَ _ أَلَسنا وإِيّاكُم شَرَعا سَواءً، لايَضُرُّنا ما صَلَّينا وصُمنا وزَكَّينا وأَقرَرنا؟ فَسَكَتَ الرُّجُلُ، ثُمَّ قالَ أَبُو الحَسَنِ عليه السلام : وإِن كانَ القَولُ قَولَنا _ وهُوَ قَولُنا _ أَلَستُم قَد هَلَكتُم ونَجَونا؟ (3)
.
ص: 71
3 / 2 _ 4العَقلُ لا يَستَطيعُ جَحدَ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ... الَّذي بَطَنَ مِن خَفِيّاتِ الأُمورِ ، وظَهَرَ فِي العُقولِ بِما يُرى في خَلقِهِ مِن عَلاماتِ التَّدبيرِ ، الَّذي سُئِلَتِ الأَنبِياءُ عَنهُ ، فَلَم تَصِفهُ بِحَدٍّ ولا بِبَعضٍ ، بَل وَصَفَتهُ بِفِعالِهِ ودَلَّت عَلَيهِ بِاياتِهِ ، لا تَستَطيعُ عُقولُ المُتَفَكِّرينَ جَحدَهُ ؛ لِأَنَّ مَن كانَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ فِطرَتَهُ وما فيهِنَّ وما بَينَهُنَّ ، وهُوَ الصَّانِعُ لَهُنَّ ؛ فَلا مَدفَعَ لِقُدرَتِهِ . (1)
عنه عليه السلام_ في بَيانِ عَظَمَةِ اللّهِ جَلَّ و عَلا _: وأرانا مِن مَلَكوتِ قُدرَتِهِ ، وعَجائِبِ ما نَطَقَت بِهِ آثارُ حِكمَتِهِ، وَاعتِرافِ الحاجَةِ مِنَ الخَلقِ إِلى أن يُقيمَها بِمِساكِ (2) قُوَّتِهِ ، ما دَلَّنا بِاضطِرارِ قِيامِ الحُجَّةِ لَهُ عَلى مَعرِفَتِهِ ، فَظَهَرَتِ البَدائِعُ الَّتي أحدَثَتها آثارُ صَنعَتِهِ وأَعلامُ حِكمَتِهِ، فَصار كُلُ ما خَلَقَ حُجَّةً لَهُ ودَليلاًعَلَيهِ؛ وإِن كانَ خَلقا صامِتا ، فَحُجَّتُهُ بِالتَّدبيرِ ناطِقَةٌ ، ودَلالَتُهُ عَلَى المُبدِعِ قائِمَةٌ . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي بَطَنَ خَفِيّاتِ الأُمورِ ، ودَلَّت عَلَيهِ أَعلامُ الظُّهورِ ، وَامتَنَعَ عَلى عَينِ البَصيرِ ؛ فَلا عَينُ مَن لَم يَرَهُ تُنكِرُه ، ولا قَلبُ مَن أثبَتَهُ يُبصِرُهُ . . . فَهُوَ الَّذي تَشهَدُ لَهُ أَعلامُ الوُجودِ عَلى إِقرارِ قَلبِ ذي الجُحُودِ . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... ذِي المِنَنِ الَّتي لا يُحصيهَا العادّونَ ، وَالنِّعَمِ
.
ص: 72
الَّتي لا يُجازيهَا المُجتَهِدونَ ، وَالصَّنائِعِ الَّتي لا يَستَطيعُ دَفعَها الجاحِدونَ ، وَالدَّلائِلِ الَّتي يَستَبصِرُ بِنورِهَا المَوجودونَ . (1)
راجع : ص117 (الباب الأوّل : جوامع آيات معرفة اللّه في الخلقة) .
3 / 3القلب3 / 3 _ 1رُؤيَةُ اللّهِ بِالقَلبِالكتاب«مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى» . (2)
الحديثمجمع البيان عن أبي ذرّ وأبي سعيد الخدري :إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله سُئِلَ عَن قَولِهِ : «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى» . قالَ : رَأيتُ نُورا . (3)
التوحيد عن محمّد بن الفضيل :سَأَلتُ أَبَا الحَسَنِ عليه السلام : هَل رَأى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَبَّهُ عز و جل ؟ فَقالَ : نَعَم بِقَلبِهِ رَآهُ ، أما سَمِعتَ اللّهَ عز و جل يَقولُ : «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى» أي لَم يَرَهُ بِالبَصَرِ ، ولكِن رَآهُ بِالفُؤادِ . (4)
.
ص: 73
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أسأ لَكُ بِالاِسمِ الَّذي فَتَقتَ بِهِ رَتقَ عَظيمِ جُفونِ عُيونِ النّاظِرينَ ، الَّذي بِهِ تَدبيرُ حِكمَتِكَ وشَواهِدُ حُجَجِ أَنبِيائِكَ ، يَعرِفونَكَ بِفِطَنِ القُلوبِ ، وأنتَ في غَوامِضِ مُسَرّاتِ سَريراتِ الغُيوبِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :يا مَن لا يَبعُدُ عَن قُلوبِ العارِفينَ. (2)
السنن الكبرى عن أبي ذرّ :رَأى النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله رَبَّهُ تَبارَكَ وتَعالى بِقَلبِهِ ولَم يَرَهُ بِبَصَرِهِ . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :رَأَيتُ رَبّي عز و جل لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :رَأَيتُ رَبّي _ تَبارَكَ وتَعالى _ . (5)
صحيح مسلم عن أبي ذرّ :سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله : هَل رَأَيتَ رَبَّكَ ؟ قالَ : نورٌ ، أنّى (6) أَراهُ؟ (7)
.
ص: 74
صحيح مسلم عن عبد اللّه بن شقيق :قُلتُ لِأَبي ذَرٍّ : لَو رَأيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَسَأَلتُهُ . فَقالَ : عَن أيِّ شَيءٍ كُنتَ تَسأَلُهُ ؟ قالَ : كُنتُ أسأَلُهُ : هَل رَأَيتَ رَبَّكَ ؟ قالَ أَبو ذَرٍّ : قَد سَأَلتُ ، فَقالَ : رَأَيتُ نورا . (1)
مجمع البيان عن أبي العالية :سُئِلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله هَل رَأَيتَ رَبَّكَ لَيلَةَ المِعراجِ؟ قالَ : رَأَيتُ نَهرا، ورَأَيتُ وَراءَ النَّهرِ حِجابا ، ورَأَيتُ وَراءَ الحِجابِ نورا لَم أرَ غَيرَ ذلِكَ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :قالَ : رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَمّا أُسرِيَ بي إِلَى السَّماءِ ، بَلَغَ بي جَبرَئيلُ مَكانا لَم يَطَأهُ قَطُّ جَبرَئيلُ . فَكُشِفُ لَهُ ، فَأَراهُ اللّهُ مِن نورِ عَظَمَتِهِ ما أَحَبَّ . (3)
التوحيد عن مرازم عن الإمام الصادق عليه السلام :سَمِعتُهُ يَقولُ: رَأى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَبَّهُ عز و جل . يَعني بِقَلبِهِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :ما رَأَيتُ شَيئا إِلّا وقَد رَأَيتُ اللّهَ قَبلَهُ (5) .
عنه عليه السلام :لَم أَعبُد رَبّا لَم أَرَهُ ، ما رَأَيتُ شَيئا إِلّا ورَأَيتُ اللّهَ فيهِ أو قَبلَهُ أو مَعَهُ (6) .
عنه عليه السلام_ في مُناظَرَتِهِ لِليَهودِيِّ الشَّامِيِّ ، وقَد قالَ لَهُ : فَإنَّ هذا سُلَيمانُ أُعطِيَ مُلكا
.
ص: 75
لا يَنبَغي لِأَحَدٍ مِن بَعدِهِ! _: لَقد كانَ كَذلِكَ ، ومُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله أُعطِيَ ما هُوَ أَفضَلُ مِن هذا ؛ إِنَّهُ أُسرِيَ بِهِ مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصى مَسيرَةَ شَهرٍ ، وعُرِجَ بِهِ فِي مَلَكوتِ السَّماواتِ مَسيرَةَ خَمسينَ ألفَ عامٍ ، في أَقَلَّ مِن ثُلثِ لَيلَةٍ ، حَتَّى انتَهى إِلى ساقِ العَرشِ ، فَدَنا بِالعِلمِ فَتَدَلّى فَدُلِّيَ لَهُ مِنَ الجَنَّةِ رَفرَفٌ أخضَرُ ، وغَشِيَ النُّورُ بَصَرَهُ ، فَرَأى عَظَمَةَ رَبِّهِ عز و جلبِفُؤادِهِ ولَم يَرَها بِعَينِهِ ، فَكان كَقابِ قَوسَينِ بَينَهُ وبَينَها أو أدنى . (1)
عنه عليه السلام_ مِن دُعاءٍ عَلَّمَهُ نَوفا البِكالِيَّ _: إِلهي تَناهَت أَبصارُ النّاظِرينَ إِلَيكَ بِسَرائِرِ القُلوبِ ، وطالَعَت أَصغَى السّامِعينَ لَكَ نَجِيّاتِ الصُّدورِ ، فَلَم يَلقَ أَبصارُهُم رَدّا دونَ ما يُريدونَ ، هَتَكتَ بَينَكَ وبَينَهُم حُجُبَ الغَفلَةِ ، فَسَكَنوا في نورِكَ ، وتَنَفَّسوا بِروحِكَ . (2)
الإمام الحسين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: أنتَ الَّذي أَشرَقتَ الأَنوارَ في قُلوبِ أولِيائِكَ ، حَتّى عَرَفوكَ ووَحَّدوكَ . (3)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: كَيفَ يُستَدَلُّ عَلَيكَ بِما هُوَ في وُجودِهِ مُفتَقِرٌ إِلَيك ، أيَكونُ لِغَيرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيسَ لَكَ حَتّى يَكونَ هُوَ المُظهِرُ لَكَ؟ مَتى غِبتَ حَتّى تَحتاجَ إِلى دَليلٍ يَدُلُّ عَلَيكَ؟! ومَتى بَعُدتَ حَتّى تَكونَ الآثارُ هِيَ الَّتي توصِلُ إِلَيكَ؟! عَمِيَت عَينٌ لا تَراكَ عَلَيها رَقيبا ، وخَسِرَت (4) صَفقَةُ عَبدٍ لَم تَجعَل لَهُ مِن حُبِّكَ نَصيبا . إِلهي أَمَرتَ بِالرُّجوعِ إِلَى الآثارِ فَأَرجِعني إِلَيكَ بِكَسوَةِ الأَنوارِ وهِدايَةِ
.
ص: 76
الاِستِبصارِ ، حَتّى أَرجِعَ إِلَيكَ مِنها كَما دَخَلتُ إِلَيكَ مِنها ، مَصونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إِلَيها ، ومَرفوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاِعتِمادِ عَلَيها ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :لَيسَ بَينَ اللّهِ وبَينَ حُجَّتِهِ حِجابٌ ، فَلا (2) للّهِِ دونَ حُجَّتِهِ سِترٌ . (3)
الكافي عن يعقوب بن إسحاق :كَتَبتُ إِلى أَبي مُحَمَّدٍ عليه السلام . . . وسَأَلتُهُ : هَل رَأى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَبَّهُ ؟ فَوَقَّعَ عليه السلام : إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أرى رَسولَهُ بِقَلبِهِ مِن نورِ عَظَمَتِهِ ما أَحَبَّ . (4)
3 / 3 _ 2مَعنى رُؤيَةِ اللّهِ بِالقَلبِالإمام الصادق عليه السلام :بَينا أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَخطُبُ عَلى مِنبَرِ الكوفَةِ ، إِذ قامَ إِلَيهِ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ ذِعلِبٌ ، ذو لِسانٍ بَليغٍ فِي الخُطَبِ شُجاعُ القَلبِ ، فَقالَ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ هَل رَأَيتَ رَبَّكَ؟ قالَ : وَيلَكَ يا ذِعلِبُ ، ما كُنتُ أَعبُدُ رَبّا لَم أَرَهُ . فَقالَ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ كَيفََرأَيتَهُ؟ قالَ : وَيلَكَ يا ذِعلِبُ ، لَم تَرَهُ العُيوُن بِمُشاهَدَةِ الأَبصارِ ولكِن رَأَتهُ القُلوبُ بِحَقائِقِ الإِيمانِ ، وَيلَكَ يا ذِعلِبُ ، إِنَّ رَبّي لَطيفُ اللَّطافَةِ لا يُوصَفُ بِاللُّطفِ ، عَظيمُ العَظَمَةِ لا يُوصَفُ بالعِظَمِ ، كَبيرُ الكِبرِياءِ لا يُوصَفُ بِالكِبَرِ ، جَليلُ الجَلالَةِ لا يُوصَفُ بِالغِلَظِ ،
.
ص: 77
قَبلَ كُلِّ شَيءٍ لا يُقالُ شَيءٌ قَبلَهُ ، وبَعدَ كُلِّ شَيءٍ لا يُقالُ لَهُ بَعدٌ ، شاءَ الأَشياءَ لا بِهِمَّةٍ ، دَرّاكٌ (1) لا بِخَديعَةٍ فِي الأَشياءِ كُلِّها ، غَيرُ مُتَمازِجٍ بِها ولا بائِنٌ مِنها ، ظاهِرٌ لا بِتَأويلِ المُباشَرَةِ ، مُتَجَلٍّ (2) لا بِاستِهلالِ رُؤيَةٍ ، ناءٍ لا بِمَسافَةٍ ، قَريبٌ لا بِمُداناةٍ . (3)
عنه عليه السلام :إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهودِ أتى أَميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : يا عَليُّ ، هَل رَأيتَ رَبَّكَ؟ فَقالَ: ما كُنتُ بِالَّذي أَعبُدُ إِلها لَم أَرَهُ . ثُمَّ قالَ: لَم تَرَهُ العُيونُ في مُشاهَدَةِ الأَبصارِ ، غَيرَ أنَّ الإيمانَ بِالغَيبِ بَينَ عَقدِ القُلوبِ . (4)
الكافي عن سنان :حَضَرتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام ، فَدَخَلَ عَلَيهِ رَجُلٌ مِنَ الخَوارِجِ ، فَقالَ لَهُ : يا أبا جَعفَرٍ ، أيَّ شَيءٍ تَعبُدُ ؟ قالَ : اللّهَ تَعالى . قالَ : رَأَيتَهُ ؟ قالَ : بَل لَم تَرَهُ العُيونُ بِمُشاهَدَةِ الأَبصارِ ، ولكِن رَأَتهُ القُلوبُ بِحَقائِقِ الإِيمانِ . (5)
تاريخ دمشق عن المدائني :بَينَما مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ في فِناءِ الكَعبَةِ ، فَإِذا أَعرابِيٌّ فَقالَ لَهُ : هَل رَأَيتَ اللّهَ حَيثُ عَبَدتَهُ ؟
.
ص: 78
فَأَطرَقَ وأَطرَقَ مَن كانَ حَولَهُ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ إِلَيهِ فَقالَ : ما كُنتُ لِأَعبُدَ شَيئا لَم أرَهُ . فَقالَ : وكَيفَ رَأَيتَهُ ؟ قالَ : لَم تَرَهُ الأَبصارُ بِمُشاهَدَةِ العِيانِ ، ولكِن رَأَتهُ القُلوبُ بِحَقائِقِ الإِيمانِ ، لا يُدرَكُ بِالحَواسِّ ، ولا يُقاسُ بِالنَّاسِ ، مَعروفٌ بِالآياتِ ، مَنعوتٌ بِالعَلاماتِ ، لا يَجورُ في قَضِيَّتِهِ ، بانَ مِنَ الأَشياءِ وبانَتِ الأَشياءُ مِنهُ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» ، ذلِكَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ . فَقالَ الأَعرابِيُّ : اللّهُ أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسالاتِهِ . (1)
كفاية الأثر عن هشام :كُنتُ عِندَ الصّادِقِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام إِذ دَخَلَ عَلَيهِ مُعاوِيَةُ بنُ وَهَبٍ ، وعَبدُ المَلِكِ بنُ أَعيَنَ ، فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ بنُ وَهَبٍ : يَاابنَ رَسولِ اللّهِ ، ما تَقولُ فِي الخَبَرِ الَّذي رُوِيَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَأى رَبَّهُ ، عَلى أيِّ صورَةٍ رَآهُ ؟ وعَنِ الحَديثِ الَّذي رَوَوهُ أنَّ المُؤمِنينَ يَرَونَ رَبَّهُم فِي الجَنَّةِ ، عَلى أيِّ صورَةٍ يَرَونَهُ ؟ فَتَبَسَّمَ عَلَيهِ السَّلامُ ، ثُمَّ قالَ : يا فُلانُ ، ما أقبَحَ بِالرَّجُلِ يَأتي عَلَيهِ سَبعونَ سَنَةً ، أو ثَمانونَ سَنَةً ، يَعيشُ في مِلكِ اللّهِ ، ويَأكُلُ مِن نِعَمِهِ ، لا يَعرِفُ اللّهَ حَقَّ مَعرِفَتِهِ . ثُمَّ قالَ عليه السلام : يا مُعاوِيَةُ ، إِنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله لَم يَرَ رَبَّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ بِمُشاهَدَةِ العِيانِ ، وإِنَّ الرُّؤيَةَ عَلى وَجهَينِ : رُؤيَةَ القَلبِ ورُؤيَةَ البَصَرِ ؛ فَمَن عَنى بِرُؤيَةِ القَلبِ فَهُوَ مُصيبٌ ، ومَن عَنى بِرُؤيَةِ البَصَرِ فَقَد كَفَرَ بِاللّهِ وبِآياتِهِ ؛ لِقَولِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن شَبَّهَ اللّهَ بِخَلقِهِ فَقَد كَفَرَ . (2)
.
ص: 79
التوحيد عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام :قُلتُ لَهُ : أَخبِرني عَنِ اللّهِ عز و جلهَل يَراهُ المُؤمِنونَ يَومَ القِيامَةِ ؟ قالَ : نَعَم ، وقَد رَأَوهُ قَبلَ يَومَ القِيامَةِ . فَقُلتُ : مَتى ؟ قالَ: حينَ قالَ لَهُم: «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى» (1) ، ثُمَّ سَكَتَ ساعَةً، ثُمَّ قالَ: وإِنَّ المُؤمِنينَ لَيَرَونَهُ فِي الدُّنيا قَبلَ يَومِ القِيامَةِ ، ألَستَ تَراهُ في وَقتِكَ هذا ؟ قالَ أبو بَصيرٍ : فَقُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فدِاكَ ! فَأُحَدِّثُ بِهذا عَنكَ ؟ فَقالَ : لا ، فَإِنَّكَ إِذا حَدَّثتَ بِهِ فَأَنكَرَهُ مُنكِرٌ جاهِلٌ بِمَعنى ما تَقولُهُ ، ثُمَّ قَدَّرَ أنَّ ذلِكَ تَشبيهٌ كَفَرَ ، ولَيسَتِ الرُّؤيَةُ بِالقَلبِ كَالرُّؤيَةِ بِالعَينِ ، تَعالَى اللّهُ عَمّا يَصِفُهُ المُشَبِّهونَ وَالمُلحِدونَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِزِنديقٍ سَأَلَهُ كَيفَ يَعبُدُ اللّهَ الخَلقُ ولَم يَرَوهُ ؟ _: رَأَتهُ القُلوبُ بِنورِ الإِيمانِ ، وأَثبَتَتهُ العُقولُ بِيَقظَتِها إِثباتَ العِيانِ ، وأَبصَرَتهُ الأَبصارُ بِما رَأَتهُ مِن حُسنِ التَّركيبِ ، وإِحكامِ التَّأليفِ ، ثُمَّ الرُّسُلُ وآياتُها ، وَالكُتُبُ ومُحكَماتُها ، وَاقتَصَرَتِ العُلَماءُ عَلى ما رَأَت مِن عَظَمَتِهِ دونَ رُؤيَتِهِ . (3)
عنه عليه السلام_ حينَ سَألَهُ مُحَمَّدٌ الحَلَبِيُّ : هَل رَأى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَبَّهُ؟ _: نَعَم ، رَآهُ بِقَلبِهِ. فَأمّا رَبُّنا _ جَلَّ جَلالُهُ _ فَلا تُدرِكُهُ أبصارُ النّاظِرينَ ، وَلا تُحيطُ بِهِ أسماعُ السّامِعينَ . (4)
.
ص: 80
. .
ص: 81
دراسة حول رؤية اللّه القلبيةالقلب أحد طرق معرفة اللّه بناءً على ما ورد في أحاديث هذا الباب. فليس بإمكاننا رؤية اللّه بالقلب فحسب، بل صرّح عظماء المسلمين عن تجربتهم في رؤيته القلبية . والسؤال هنا : ما المقصود برؤية اللّه القلبية؟ ألا يمكننا القول بتعذّر رؤية اللّه بالقلب بنفس السبب الّذي امتنعت رؤيته بالبصر؟!
أقسام الرؤية القلبيةالجواب هو أنّ هناك معنيين لرؤية اللّه القلبية، أحدهما ممكن ، والآخر ممتنع :
1 . إحاطة القلب باللّهالمعنى الأوّل للرؤية القلبية هو: أن يحيط القلب بالذّات المقدّسة للّه سبحانه، ويدركه الإنسان ببصيرة قلبه . وهذا الصنف من الرؤية القلبية للّه مستحيلة كالرؤية الحسية . فليس بإمكان المحدود أن يحيط باللامحدود . ولا فرق في هذا بين البصيرة والباصرة، وكما يقول الإمام علي عليه السلام :
.
ص: 82
لا تُحيطُ بِهِ الأَبصارُ وَالقُلوبُ . (1) وأيضا ممّا قاله عليه السلام : عَظُمَ أن تَثبُتَ رُبوبِيَّتُهُ بِإحاطَةِ قَلبٍ أو بَصَرٍ . (2)
2 . المعرفة الشهودية للّهالمعنى الآخر للرؤية القلبية هو: شكل من التجارب الباطنية الّتي تنكشف بموجبها الحُجب المظلمة والنورانية، وتتجلّى أنوار جلال الحقّ قدس سره وجماله للسالك . وتسمّى هذه الحالة بالمعرفة الشهودية، وأيّ بيان لهذه الحالة للمحجوبة قلوبهم، كوصف الجمال لشخص أعمى . وقد وصف مَن حاز شرف المعرفة الشهودية حالته الباطنية بعبارات ك_«تجلّى اللّه للقلب» . و«رؤية أنوار العظمة الإلهية» ، و«الاتصال بمعدن العظمة». لكن الحقيقة أنّ المعنى الحقيقي لهذه الجمل غير قابل للاستيعاب أيضا للقلوب المحجوبة .
.
ص: 83
الفصل الرابع: طرق معرفة اللّه4 / 1مَعرِفَةُ النَّفسِالكتاب«وَ فِى الْأَرْضِ ءَايَ_تٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَ فِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» . (1)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ سُبحانَهُ : «وَ فِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» _: إِنَّهُ خَلَقَكَ سَميعا بَصيرا ، تَغضَبُ وتَرضى ، وتَجوعُ وتَشبَعُ ؛ وذلِكَ كُلُّهُ مِن آياتِ اللّهِ تَعالى . (2)
التوحيد عن هشام بن سالم (3) :التوحيد عن هشام بن سالم 4 : حَضَرتُ مُحَمَّدَ بنَ النُّعمانِ الأَحوَلَ ، فَقامَ إِلَيهِ رَجُلٌ فَقالَ لَهُ : بِمَ عَرَفتَ رَبَّكَ؟
.
ص: 84
قالَ : بِتَوفيقِهِ وإِرشادِهِ وتَعريفِهِ وهِدايَتِهِ . قالَ : فَخَرَجتُ مِن عِندِهِ ، فَلَقيتُ هِشامَ بنَ الحَكَمِ ، فَقُلتُ لَهُ : ما أَقولُ لِمَن يَسأَلُني فَيَقولُ لي : بِمَ عَرَفتَ رَبَّكَ؟ فَقالَ : إِن سَأَلَ سائِلٌ فَقالَ : بِمَ عَرَفتَ رَبَّكَ؟ قُلتَ : عَرَفتُ اللّهَ _ جَلَّ جَلالُهُ _ بِنَفسي؛ لِأَنَّها أَقرَبُ الأَشياءِ إِلَيَّ، وذلِكَ أنّي أَجِدُها أبعاضا مُجتَمِعَةً وأَجزاءً مُؤتَلِفَةً ، ظاهِرَةَ التَّركيبِ ، مُتَبَيَّنَةَ الصَّنعَةِ ، مَبْنِيَّةً عَلى ضُروبٍ مِنَ التَّخطيطِ وَالتَّصويرِ، زائِدَةً مِن بَعدِ نُقصانٍ، وناقِصَةً مِن بَعدِ زِيادَةٍ، قَد أُنشِئَ لَها حَواسٌّ مُختَلِفَةٌ وجَوارِحُ مُتَبايِنَةٌ؛ مِن بَصَرٍ وَسمعٍ وشَامٍّ وذائِقٍ ولامِسٍ ، مَجبولَةً عَلَى الضَّعفِ وَالنَّقصِ وَالمَهانَةِ ، لا تُدرِكُ واحِدَةٌ مِنها مُدرَكَ صاحِبَتِها ولا تَقوى عَلى ذلِكَ ، عاجِزَةً عِندَ اجتِلابِ المَنافِعِ إِلَيها ودَفعِ المَضارِّ عَنها، وَاستَحالَ فِيالعُقولِ وُجودُ تَأليفٍ لامُؤَلِّفِ لَهُ، وثَباتُ صورَةٍ لا مُصَوِّرَ لَها ، فَعَلِمتُ أنَّ لَها خالِقا خَلَقَها ، ومُصَوِّرا صَوَّرَها ، مُخالِفا لَها عَلى جَميعِ جِهاتِها ، قالَ اللّهُ عز و جل : «وَ فِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَقَد عَرَفَ رَبَّهُ . (2)
الأمالي :رُوِيَ أنَّ بَعضَ أَزواجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله سَأَلَتهُ : مَتى يَعرِفُ الإِنسانُ رَبَّهُ ؟ فَقالَ : إِذا عَرَفَ نَفسَهُ . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أَعرَفُكُم بِنَفسِهِ أَعرَفُكُم بِرَبِّهِ . (4)
.
ص: 85
عوالي اللآلي :رُوِيَ في بَعضِ الأَخبارِ أنَّهُ دَخَلَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَجُلٌ اسمُهُ مُجاشِعٌ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ كَيفَ الطَّريقُ إِلى مَعرِفَةِ الحَقِّ؟ فَقالَ صلى الله عليه و آله : مَعرِفَةُ النَّفسِ . فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، كَيفَ الطَّريقُ إِلى مُوافَقَةِ الحَقِّ؟ قالَ : مُخالَفَةُ النَّفسِ . قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، فكَيفَ الطَّريقُ إِلى رِضاءِ الحَقِّ؟ قالَ : سُخطُ النَّفسِ . فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، فكَيفَ الطَّريقُ إِلى وَصلِ الحَقِّ؟ قالَ : هَجرُ النَّفسِ . فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، فكَيفَ الطَّريقُ إِلى طاعَةِ الحَقِّ؟ قالَ : عِصيانُ النَّفسِ . فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، فكَيفَ الطَّريقُ إِلى ذِكرِ الحَقِّ؟ قالَ : نِسيانُ النَّفسِ . فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، فكَيفَ الطَّريقُ إِلى قُربِ الحَقِّ؟ قالَ : التَّباعُدُ عَن النَّفسِ . فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، فكَيفَ الطَّريقُ إِلى أُنسِ الحَقِّ؟ قالَ : الوَحشَةُ مِنَ النَّفسِ . فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، كَيفَ الطَّريقُ إِلى ذلِكَ؟
.
ص: 86
قالَ : الاستِعانَةُ بِالحَقِّ عَلَى النَّفسِ (1) .
مصباح الشريعة_ فيما نسبه إلى الإمام الصادق عليه السلام _: قالَ صلى الله عليه و آله : اُطلُبُوا العِلمَ ولَو بِالصّينِ . وهُوَ عِلمُ مَعرِفَةِ النَّفسِ ، وفيهِ مَعرِفَةُ الرَّبِّ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :عَجِبتُ لِمَن يَجهَلُ نَفسَهُ ، كَيفَ يَعرِفُ رَبَّهُ؟! (3)
عنه عليه السلام :أَكثَرُ النّاسِ مَعرِفَةً لِنَفسِهِ أَخوَفُهُم لِرَبِّهِ . (4)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إِلَيهِ _: مَن عَجَزَ عَن مَعرِفَةِ نَفسِهِ فَهُوَ عَن مَعرِفَةِ خالِقِهِ أَعجَزُ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :العَجَبُ مِن مَخلوقٍ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ يَخفى عَلى عِبادِهِ وهُوَ يَرى أثَرَ الصُّنعِ في نَفسِهِ ، بِتَركيبٍ يُبهِرُ عَقلَهُ ، وتَأليفٍ يُبطِلُ جُحودَه (6) ! (7)
عنه عليه السلام :إِنَّ الصّورَةَ الإِنسانِيَّةَ أَكبَرُ حُجَّةِ اللّهِ عَلى خَلقِهِ ، وهِيَ الكِتابُ الَّذي كَتَبَهُ بِيَدِهِ ، وهِيَ الهَيكَلُ الَّذي بَناهُ بِحِكمَتِهِ ، وهِيَ مَجموعُ صُوَرِ العالَمينَ ، وهِيَ المُختَصَرُ مِنَ العُلومِ فِي اللَّوحِ المَحفوظِ ، وهِيَ الشّاهِدُ عَلى كُلِّ غائِبٍ ، وهِيَ الحُجَّةُ عَلى كُلِّ جاحِدٍ ، وهِيَ الطَّريقُ المُستَقيمُ إِلى كُلِّ خَيرٍ ، وهِيَ الصِّراطُ
.
ص: 87
المَمدودُ بَينَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ . (1)
بحار الأنوار عن صُحف إدريس عليه السلام :مَن عَرَفَ الخَلقَ عَرَفَ الخالِقَ ، ومَن عَرَفَ الرِّزقَ عَرَفَ الرّازِقَ ، ومَن عَرَفَ نَفسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ . (2)
راجع : ص 99 (التَّجرِبَة) و 129 (الباب الثاني : خلق الإنسان) .
.
ص: 88
تحليل حول دور معرفة النفس في معرفة اللّهإِنّ في خلق الإنسان علامات و دلالات واضحة على معرفة اللّه من منظور القرآن الكريم ، وكلّ من لم يكن لجوجا وأَراد أن يقرّ بحقائق الوجود معتمدا على الدليل والبرهان ؛ فإنّه يستطيع أن يتعرّف على خالق العالم وحقيقة الحقائق إِذا أَمعن النظر في حِكَم وجوده ، كما قال سبحانه وتعالى: «وَ فِى خَلْقِكُمْ وَ مَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ ءَايَ_تٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ» (1) . «وَ فِى الْأَرْضِ ءَايَ_تٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَ فِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» (2) . «سَنُرِيهِمْ ءَايَ_تِنَا فِى الْأَفَاقِ وَ فِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ...» (3) . تصرّح الآيات المذكورة بأنّ الدليل في وجود الإنسان لمعرفة خالق العالم ليس واحدا بل توجد أدلّة كثيرة ، ولهذا عبّرت الآيات الكريمة بلفظ الجمع ، بل لا يستطيع الإنسان أن يكون عارفا بنفسه حقّا وغير عارف باللّه .
.
ص: 89
أَقسام أحاديث الدعوة إلى معرفة النفسإِنّ الأحاديث الإسلاميّة مستلهمةً من القرآن الكريم ، تؤكّد معرفة النفس كثيرا ، ويمكن أن نقسّمها أَربعة أَقسام :
1 . قيمة معرفة النفسالقسم الأوّل : إنّ الأحاديث التي تعدّ معرفة النفس أكثر المعارف قيمةً كالّتي رُوِيَت عن أَمير المؤمنين عليّ عليه السلام إِذ قال: «أَفضَلُ المَعرِفَةِ مَعرِفَةُ الإِنسانِ نَفسَهُ» (1) . «المَعرِفَةُ بِالنَّفسِ أَنفَعُ المَعرِفَتَينِ» (2) . «أَفضَلُ الحِكمَةِ مَعرِفَةُ الإِنسانِ نَفسَهُ» (3) . «غايَةُ المَعرِفَةِ أَن يَعرِفَ المَرءُ نَفسَهُ» (4) . «مَعرِفَةُ النَّفسِ أنفَعُ المَعارِفِ» (5) . وعن الإمام الباقر عليه السلام : «لا مَعرِفَةَ كَمَعرِفَتِكَ بِنَفسِكَ» (6) .
2 . مضارّ الجهل بالنفسالقسم الثاني : الأحاديث التي تناولت المضارّ الناشئة عن جهل الإنسان نفسه ، فقد أَكّدت هذه الأحاديث أنّ الإنسان لا يستطيع أن يمتلك رؤية كَونيّة صحيحة ولا
.
ص: 90
يظفر بطريق الفلاح والنجاة في الحياة ما لم يعرف نفسه . فيما يأتي قسم من كلمات الإمام عليّ عليه السلام في هذا الموضوع: «مَن جَهِلَ نَفسَهُ كانَ بِغَيرِ نَفسِهِ أجهَلَ» (1) . «كَيفَ يَعرِفُ غَيرَهُ مَن يَجهَلُ نَفسَهُ» (2) . «لا تَجهَل نَفسَكَ فَإِنَّ الجاهِلَ مَعرِفَةَ نَفسِهِ جاهِلٌ بِكُلِّ شَيءٍ» (3) . «مَن لَم يَعرِف نَفسَهُ بَعُدَ عَن سَبيلِ النَّجاةِ ، وخَبَطَ فِي الضَّلالِ وَالجَهالاتِ» (4) .
3 . مفتاح معرفة الوجودالقسم الثالث : الأحاديث التي تنصّ على أنّ معرفة النفس مقدّمة لمعرفة الوجود ومفتاح لها ، كما نُقل عن الإمام عليّ عليه السلام قوله: «مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَهُوَ لِغَيرِهِ أعرَفُ» (5) . وقوله: «مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَقَدِ انتَهى إِلى غايَةِ كُلِّ مَعرِفَةٍ وعِلمٍ» (6) .
4 . مفتاح معرفة اللّهالقسم الرابع : الأحاديث التي تجعل معرفة النفس مفتاحا لمعرفة اللّه سبحانه ، بل مساويةً لها ، وقد لوحظت في الفصل الرابع ، أشهرها الحديث الشريف الذي رُوي عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، والإمام عليّ عليه السلام ، قالا:
.
ص: 91
«مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَقَد عَرَفَ رَبَّهُ» (1) .
5 . القصد من معرفة النفسالقسم الخامس : الأحاديث التي تبيّن القصد من معرفة النفس وتفسّر ذلك ، كالتي وردت في الفصل الرابع ، وجميع الأحاديث التي ستأتي في الباب الثاني حول خلق الإنسان . والآن لمّا كان الحديث الشريف «مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَقَد عَرَفَ رَبَّهُ» قد نال اهتمام العلماء ولاسيّما أُولي الحكمة والعرفان من بين جميع الآيات والأَحاديث التي دعت الناس إِلى معرفة النفس ، فمن الضروريّ الالتفات كما يبدو إِلى عدد من الموضوعات في هذا المجال :
وقفة عند حديث «مَن عَرَفَ نَفسَه...»الأوّل : سند الحديثنقل هذا الحديث الشريف «مَن عَرَفَ نَفسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ» في مختلف المصادر الروائيّة _ كما لوحظ في الفصل الرابع _ لكنّه يخلو من سند متّصل بأهل البيت عليهم السلام . إِنّ هذا الحديث واحد من مئة كلمة اختارها أَبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفّى سنة 255 ه من قصار كلمات أَمير المؤمنين عليه السلام . وسمّاها «مطلوب كلّ طالب من كلام أَمير المؤمنين عليّ بن أَبي طالب» ، وقال في وصفها: «كلّ كلمة تفي بألف من محاسن كلام العرب» (2) . وتذهب بعض الروايات إِلى أنّ مضمون هذا الحديث كان قبل الإسلام أَيضا فقد
.
ص: 92
ورد في صحف إِدريس عليه السلام (1) ، وقد نُقل عن الراغب الاصفهانيّ أنّه قال في رسالة «تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين» : «قد رُوي إِنّه ما أَنزل اللّه من كتاب إِلّا وفيه: اعرف نفسك يا إِنسان تعرف ربّك» (2) . أَجل ، يُصطلح على الحديث المذكور عنوان المُرسَل ، وإِسناده غير واضح ، بَيْدَ أنّ مضمونه قد ورد في الآيات المشار إِليها ، وهو في الحقيقة شرح و تفسير لتلك الآيات ، فلا حاجة إِلى جرح السند وتعديله ، من هنا أَيّده كثير من المحدّثين والمحقّقين واستندوا إِليه . الثاني : شروح الحديث كان هذا الحديث الشريف منذ أمدٍ بعيد مَثار اهتمام العلماء بخاصّة الحكماء وأُولي العرفان ، وقد صُنِّفت رسالات ومقالات كثيرة فيه ، فيما يأتي بعض شروحه المستقلّة: (3) 1 . الرسالة الوجوديّة في معنى قوله صلى الله عليه و آله : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» . طبعة القاهرة . 2 . رسالة «بالفارسيّة» في شرح حديث: «من عرف نفسه» لعماد الدين بن يونس بَنجْهِزاري . طبعها الأُستاذ حسن زاده آمُلي (4) . 3 . رسالة «بالفارسيّة» في شرح حديث: «من عرف نفسه» للعارف عبد اللّه بليانيّ . وطُبعت مع رسائل أُخرى سنة 1394 ه . (5)
.
ص: 93
4 . رسالة في شرح حديث : «من عرف نفسه» للأُستاذ حسن زاده آملي ، وطُبعت باللغة الفارسية بعنوان «هزار و يك كلمه» يعني باللغة العربية : ألف كلمة وكلمة . (1) وقد أَورد العلّامة الطهراني في الذريعة خمس رسائل في شرح هذا الحديث . (2) 5 . عدّة رسائل بالفارسيّة في شرح حديث: «من عرف نفسه» إحداها للأُستاذ حسن زاده آملي . وهي مخطوطة (3) . 6 . والاُخرى لأحمد بن زين الدين الإحسائيّ (4) ، والثالثة لأحمد بن صالح بن طوق القطيفيّ ، والرابعة لصدر الدين الكاشف الدزفوليّ (1174 _ 1256 ه) ، والخامسة لعماد الدين المازندرانيّ ، والسادسة لعلي بن أَحمد بن الحسين آل عبد الجبّار القطيفيّ (1287 ه ) . كما يوجد شرحان للحديث المذكور مجهولي المؤلف . (5) 7 . والسابعة لمولانا برهان البغداديّ . (6) 8 . شرح حديث : «أَعلمكم بنفسه أعلمكم بربّه» ، الملّا إِسماعيل الخواجوئي المازندرانيّ . (7)
.
ص: 94
9 . مرآة المحقّقين في معنى من عرف نفسه ، الشيخ محمود الشبستريّ. (فارسي) . (1) 10 . زبدة الطريق في معنى من عرف نفسه ، درويش علي بن يوسف كوكدي(فارسي) . (2) 11 . معنى من عرف نفسه ، الشيخ حبيب العجميّ . (3) 12 . الغوثيّة شرح من عرف نفسه ، عبد القادر الجيلانيّ . (4) 13 . الفصوص في قول من عرف نفسه ، محيي الدين بن عربي . (5) 14 . النوريّة في حديث من عرف نفسه ، آغا شمس الدين . (6) 15 . أسرار الدقائق ، شرح حديث «من عرف نفسه» ، الشيخ بدر الدين السماويّ . (7) 16 . شرح حديث من عرف نفسه ، الإمام محمّد الغزاليّ . (8) 17 . القول الأشبه في حديث من عرف نفسه ، جلال الدين أَبو بكر السيوطيّ . 9 18 . نقطة الوحدة في معنى من عرف نفسه ، الشيخ أبو إسحاق (تركي) . 10 19 . معنى من عرف نفسه ، الإمام محمّد الغزاليّ (تركي) . 11
.
ص: 95
20 . رسالة قبس المقتبس ، الملّا حبيب شريف الكاشانيّ (فارسي) . (1) 21 . الغوثيّة شرح من عرف نفسه فقد عرف ربّه ، السيّد محمّد مهدي التنكابني(فارسي) . (2) يضاف إِلى هذه الرسائل المستقلّة وجود شروح ضمنيّة كثيرة أَيضا على هذا الحديث ، نشير فيما يأتي إِلى بعضها : 1 . صَدْ كلمه «بالفارسية» ، رشيد الدين وطواط ، الكلمة السادسة ، ص 5 _ 6 . 2 . الميزان في تفسير القرآن ، ج 6 ، ص 169 _ 176 . 3 . صَدْ كلمه «بالفارسية» ، الأُستاذ حسن زاده ، الكلمة 26 . 4 . هزار و يك نكته «بالفارسية» ، النّكات : 105 ، 128 ، 541 .
الثالث : معاني الحديثقيل فيه معان كثيرة ذكر منها الأُستاذ حسن زاده آملي اثنين وتسعين معنىً تحت عنوان: بعض المعاني الواردة في الحديث الشريف: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» (3) . يعتقد البعض أنّ في هذا الحديث إِشاراتٍ لطيفة وإِرشادات بيّنة لأُصول الدين: معرفة اللّه ، والصفات الثبوتيّة والسلبيّة ، والعدل ، والنبوّة ، والإمامة ، والمعاد (4) . ويرى بعض آخر أنّ جميع القضايا الفلسفيّة الأصيلة ومطالب الحكمة المتعالية
.
ص: 96
القويمة والحقائق العرفانيّة الرصينة يمكن استنباطها منه (1) . ويذهب فريق ثالث إِلى أنّ جميع أُصول الدين وفروعه ، وكافّة الأحكام الدنيويّة والأُخرويّة ، وأحكام الربوبيّة والعبوديّة كلّها تلخّصت في هذا الحديث (2) . إِنّ تقويم ما قيل في شرح هذا الحديث يتطلّب فرصة أُخرى ، لكن يبدو أنّ الالتفات إِلى ثلاث نقاط ضروريّ من أَجل تبيان القصد منه بدقّة ، هي : 1 . التأمّل في الآيات الكريمة التي يتعلّق بها هذا الحديث الشريف . 2 . ملاحظة الروايات التي تعدّ بمنزلة الشرح لهذا الحديث. 3 . الرجوع إِلى ما فهمه أَصحاب الأئمّة من معرفة النفس. ويدلّ تحليل لما قيل في معاني الحديث المذكور على أنّ النقاط التي أُشير إِليها إِمّا لم تنل نصيبها من الاهتمام أو قَلّ الاهتمام بها .
الرابع : أَوضح معاني الحديثإِنّ مقتضى الدقّة في الآيات التي تدعو الإنسان إِلى معرفة اللّه بمعرفة نفسه ، ومجموع الأَحاديث التي تبيّنها وتفسّرها ، وكذلك الرجوع إِلى فهم المتكلّمين من أَصحاب أَهل البيت ، كلّ ذلك يُفضي إِلى أنّ أَوضح معاني الحديث الدعوة إِلى معرفة النفس ، والتدبّر في الحِكَم التي مضت في خلق الإنسان ، وتُعبّر عن العلم والقدرة المطلقة لخالقه ، وهذه الحِكَم التي شُرحت في متن القرآن والأَحاديث هي كيفيّة خلق الإنسان من تراب ، وكيفيّة نشأته من نطفة ، وتصوير الجنين في الرحم ، ونفخ
.
ص: 97
الروح في الجنين ، واختلاف الأَلسن والأَلوان ، وتأَمين الأطعمة المطلوبة... إِلخ. وقد فُصّلت في الباب الثاني وهي من أيسر السبل إِلى معرفة اللّه (1) ، وقد أَوجز الإمام الصادق عليه السلام آيات الحكمة وآثار الصنع في وجود الإنسان بقوله: «وَالعَجَبُ مِن مَخلوقٍ يَزعُمُ أَنَّ اللّهَ يَخفى عَلى عِبادِهِ وهُوَ يَرى أَثَرَ الصُّنعِ في نَفسِهِ بِتَركيبٍ يُبهِرُ عَقلَهُ وتَأليفٍ يُبطِلُ حُجَّتَهُ» (2) . وقوله عليه السلام في بيان الآية 53 من سورة فصّلت : «وَ فِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» : «إنَّهُ خَلَقَكَ سَميعا بَصيرا ، تَغضَبُ وتَرضى ، وتَجوعُ وتَشبَعُ ، وذلِكَ كُلُّهُ مِن آياتِ اللّهِ» (3) . من اللافت للنظر أنّ هشام بن الحكم _ وهو من تلاميذ الإمام الصادق عليه السلام وأَصحابه المتكلّمين _ استنبط نفس المعنى من الآيات والأَحاديث الواردة في معرفة النفس ، فقد قال في صدد معرفة اللّه عن طريق معرفة النفس: عَرَفتُ اللّهَ _ جَلَّ جَلالُهُ _ بِنَفسي لأَِنَّها أقرَبُ الأَشياءِ إِلَيَّ ، وذلِكَ أنّي أجِدُها أبعاضا مُجتَمِعَةً وأجزاءً مُؤتَلِفَةً ... (4) . ويشير في الختام إِلى أنّ القصد من قوله تعالى: «وَ فِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» هو هذا المعنى نفسه . لكنّنا نأسف شديد الأَسف على أنّ المعنى الواضح الذي أَكدّه القرآن الكريم والأَحاديث في تبيين حديث معرفة النفس قد غُفِلَ عنه تماما ولم يذكر في عداد الشروح الملحوظة حتّى بوصفه معنىً كسائر المعاني _ التي فُرض بعضها على
.
ص: 98
الحديث الشريف _ ولو أنّ علماء المسلمين أَخذوا برسالة القرآن في معرفة النفس لفاقوا جميع علماء العالم في العلوم المرتبطة بعلم معرفة الإنسان . الخامس : مراتب معرفة النفس لا شكّ في أنّ لمعرفة النفس مراتب كمعرفة اللّه ، لذا نقرأ في الحديث العَلَويّ قوله عليه السلام : «أعرَفُكُم بِنَفسِهِ أعرَفُكُم بِرَبِّهِ» (1) . إِنّ أوطأ المراتب في معرفة النفس ميسّرة لعامّة الناس ، بيد أنّه كلّما زادت معلومات الإنسان بنفسه ، زادت معرفته باللّه سبحانه ، إِلى أن يظفر بالمعرفة الشهوديّة للنّفس ، وهناك يفوز بالمعرفة الشهوديّة للحقّ تعالى ، ويشهد وحدانيّته إِلى جانب الملائكة وأُولي العلم: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ» (2) . ولا يتيسّر بلوغ هذه المرتبة من المعرفة إِلّا عن طريق المجاهدة التي سيأتي الحديث عنها في الفصل السادس .
.
ص: 99
4 / 2التَّجرِبَةِالإمام عليّ عليه السلام :عُرِفَ اللّهُ سُبحانَهُ بَفَسخِ العَزائِمِ ، وحَلِّ العُقودِ ، وكَشفِ الضُّرِّ وَالبَلِيَّةِ عَمَّن أَخلَصَ لَهُ النِّيَّةَ . (1)
عنه عليه السلام :عَرَفتُ اللّهَ سُبحانَهُ بِفَسخِ العَزائِمِ ، وحَلِّ العُقودِ ، ونَقضِ الهِمَمِ . (2)
جامع الأخبار :سُئِلَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : مَا الدَّليلُ عَلى إِثباتِ الصَّانِعِ ؟ قالَ : ثَلاثَةُ أشياءَ : تَحويلُ الحالِ ، وضَعفُ الأَركانِ ، ونَقضُ الهِمَّةِ . (3)
الإمام الحسين عليه السلام :إِنَّ رَجُلاً قامَ إِلى أَميرِ المُؤمِنينَ ، فَقالَ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، بِماذا عَرَفتَ رَبَّكَ ؟ قالَ : بِفَسخِ العَزمِ ، ونَقضِ الهَمِّ ، لَمّا هَمَمتُ فَحيلَ بَيني وبَينَ هَمّي ، وعَزَمتُ فَخالَفَ القَضاءُ عَزمي ؛ عَلِمتُ أنَّ المُدَبِّرَ غَيري . (4)
التوحيد عن هشام بن سالم :سُئِلَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : فَقيلَ لَهُ : بِما عَرَفتَ رَبَّكَ ؟ قالَ : بِفَسخِ العَزمِ ، ونَقضِ الهَمِّ ؛ عَزَمتُ فَفَسَخَ عَزمي ، وهَمَمتُ فَنَقَضَ هَمّي . (5)
.
ص: 100
الإمام الصادق عليه السلام_ لِابنِ أَبِي العَوجاءِ لَمّا قالَ : ما مَنَعَهُ إِن كان الأَمرُ كَما يَقولونَ أن يَظهَرَ لِخَلقِهِ ويَدعوهُم إِلى عِبادَتِهِ حَتّى لا يَختَلِفَ مِنهُمُ اثنانِ ، ولِمَ احتَجَبَ عَنهُم وأرسَلَ إِلَيهِمُ الرُّسُلَ ؟ ولو باشَرَهُم بِنَفسِهِ كانَ أَقرَبَ إِلَى الإِيمانِ بِهِ _: وَيلَكَ وكَيفَ احتَجَبَ عَنكَ مَن أَراكَ قُدرَتَهُ في نَفسِكَ ؛ نُشوءَكَ ولَم تَكُن ، وكِبَرَكَ بَعدَ صِغَرِكَ ، وقُوَّتَكَ بَعدَ ضَعفِكَ وضَعفَكَ بَعدَ قُوَّتِكَ ، وسُقمَكَ بَعدَ صِحَّتِكِ وصِحَّتَكَ بَعدَ سُقمِكَ ، ورِضاكَ بَعدَ غَضَبِكَ وغَضَبَك بَعدَ رِضاكَ ، وحُزنَكَ بَعدَ فَرَحِكَ وفَرَحَكَ بَعدَ حُزنِكَ ، وحُبَّكَ بَعدَ بُغضِكَ وبُغضَكَ بَعدَ حُبِّكَ ، وعَزمَكَ بَعدَ أَناتِكَ وأَناتَكَ بعد عَزمِكَ ، وشَهوَتَكَ بَعدَ كَراهَتِكَ وكَراهَتَكَ بَعدَ شَهوَتِكَ ، ورَغبَتَكَ بَعدَ رَهبَتِكَ ورَهبَتَكَ بَعدَ رَغبَتِكَ ، ورَجاءَكَ بَعدَ يَأسِكَ ويَأسَكَ بَعدَ رَجائِكَ ، وخاطِرَكَ بِما لَم يَكُن في وَهمِك ، وعُزوبَ ما أنتَ مُعتَقِدُهُ عَن ذِهنِكَ . (1)
راجع : ص 83 (معرفة النفس) و 135 ح 3545.
.
ص: 101
توضيح حول تأثير التجربة في معرفة اللّهيمكن أن نفسّر معرفة اللّه عن طريق التجربة بنمطين ، وهما كما يأتي : الأوّل : تطرأ في الحياة الخاصّة لكلّ إِنسان حالات وحوادث متنوّعة ، وهي تعبّر عن تدبير المدبّر من جهة ، وأن لا تأثير للإنسان نفسه في إِيجادها من جهة أُخرى ، كأنّه يعتزم بجزمٍ على القيام بعملٍ ينتهي بضرره في الحقيقة لكنّه ينصرف عنه بلا دليل عقليّ خاصّ يمتلكه ، ثمّ يتبيّن بعد ذلك أنّه لو كان فَعَلَهُ لضرّه وأَخسره ، فمن ذا الذي حال بينه وبين عزمه القاطع وأَنقذه من الخطر؟ إِنّ التأمّل في هذه التجربة كما لوحظ في الكلام العلويّ يوصل الإنسان إِلى نتيجة ، هي أنّ مدبّر حياة الإنسان غيره ، وما هو إِلّا اللّه الحكيم العليم القدير ، كما نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى : «وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ» (1) . أَجل ، فاللّه سبحانه هو الذي يحول بين الإنسان وقلبه ، ويسبّب فسخ عزيمته ونقض همّته . على هذا المنوال نلاحظ أنّ الطفولة ، والشباب ، والشيخوخة ، والضعف ، والقوّة ،
.
ص: 102
والصحّة ، والمرض ، وسائر الحالات التي تعرض للإنسان ، _ وهي خارجة عن إِرادته وتدبيره _ تعبّر عن حكم مدبِّر سواه . وهذا التفسير للتجربة فرع من معرفة اللّه عن طريق معرفة النفس حقّا ، من هنا يتسنّى لنا أن نعدّ هذه الأحاديث من الأحاديث الشارحة للحديث المأثور : «مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَقَد عَرَفَ رَبَّهُ» . الثانيّ : معنى معرفة اللّه عن طريق التجربة تجربة تتجلّى للموحّدين المتّقين المخلَصين : «عُرِفَ اللّهُ سُبحانَهُ بِفَسخِ العَزائِمِ ، وحَلِّ العُقودِ ، وكَشفِ الضُّرِّ وَالبَلِيَّةِ عَمَّن أخلَصَ لَهُ النِّيَّةَ» (1) . ولحلّ مشكلات الحياة ودفع بليّاتها طريق آخر غير الطرق العاديّة والمادّيّة المعروفة ، وذلك هو التّقوى ، والتوكّل ، والإخلاص ، وينصّ القرآن الكريم على هذا في قوله عَزَّ من قائل : «وَ مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَ مَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» (2) . ويؤكّد أَيضا : «وَ الَّذِينَ جَ_هَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» (3) . ولكلّ باحثٍ أن يجرّب التوحيد ، بل النبوّة عبر الاختبار العمليّ للآيات المذكورة في حياة الموحّدين المتّقين المخلصين .
.
ص: 103
4 / 3التفكّر في حُدوثِ العالَمِالكتاب«أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْ ءٍ أَمْ هُمُ الْخَ__لِقُونَ * أَمْ خَلَقُواْ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ » . (1)
«اللَّهُ خَ__لِقُ كُلِّشَىْ ءٍ » . (2)
«قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ الَّذِى فَطَرَهُنَّ وَ أَنَا عَلَى ذَ لِكُم مِّنَ الشَّ_هِدِينَ» . (3)
راجع : الأنعام : 14 ، يوسف : 101 ، فاطر : 1 ، الزمر : 46 ، الشورى : 11 .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... الدّالِّ عَلى قِدَمِهِ بِحُدوثِ خَلقِهِ ، وبِحُدوثِ خَلقِهِ عَلى وُجودِهِ . . . مُستَشهِدٌ بِحُدوثِ الأَشياءِ عَلى أَزَلِيَّتِهِ ، وبِما وَسَمَها بِهِ مِن العَجزِ عَلى قُدرَتِهِ ، وبِمَا اضطَرَّها إِلَيهِ مِنَ الفَناءِ عَلى دَوامِهِ . (4)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ المُلهِمِ عِبادَهُ حَمدَهُ ، وفاطِرِهِم عَلى مَعرِفَةِ رُبوبِيَّتِهِ ، الدالِّ عَلى وُجودِهِ بِخَلقِهِ ، وبِحُدوثِ خَلقِهِ عَلى أَزَلِهِ . (5)
عنه عليه السلام :أمّا الاِحتِجاجُ عَلى مَن أَنكَرَ الحُدوثَ مَعَ ما تَقَدَّمَ ، فَهُوَ أنّا لَمّا رَأَينا هذَا
.
ص: 104
العالَمَ المُتَحَرِّكَ مُتَناهِيَةً أَزمانُهُ وأعيانُهُ وحَرَكاتُهُ وأَكوانُهُ ، وجَميعُ ما فيهِ ، ووَجَدنا ما غابَ عَنّا مِن ذلِكَ يَلحَقُهُ النِّهايَةُ ، ووَجَد[نَا ]العَقلَ يَتَعَلِّقُ بِما لا نِهايَةَ ، و لَولا ذلِكَ لَم يَجِدِ العَقلُ دَليلاً يُفَرِّقُ ما بَينَهُما ، ولَم يَكُن لَنا بُدٌّ مِن إِثباتِ ما لا نِهايَةَ لَهُ مَعلوما مَعقولاً أَبَدِيّا سَرمَدِيّا ، لَيسَ بِمَعلومٍ أنَّهُ مَقصورُ القُوى ، ولا مَقدورٌ ولا مُتَجَزِّئٌ ولا مُنقَسِمٌ ، فَوَجَبَ عِندَ ذلِكَ أن يَكونَ ما لا يَتَناهى مِثلَ ما يَتَناهى . وإِذ قَد ثَبَتَ لَنا ذلِكَ ، فَقَد ثَبَتَ في عُقولِنا أنَّ ما لا يَتَناهى هُوَ القَديمُ الأَزَلِيُّ ، وإِذا ثَبَتَ شَيءٌ قَديمٌ وشَيءٌ مُحدَثٌ ، فَقَدِ استَغنَى القَديمُ الباري لِلأَشياءِ عَنِ المُحدَثِ الَّذي أَنشَأَهُ وبَرَأَهُ وأَحدَثَهُ ، وصَحَّ عِندَنا بِالحُجَّةِ العَقلِيَّةِ أنَّهُ المُحدِثُ لِلأَشياءِ ، وأنَّهُ لا خالِقَ إِلّا هُوَ ، فَتَبارَكَ اللّهُ المُحدِثُ لِكُلِّ مُحدَثٍ ، الصّانِعُ لِكُلِّ مَصنوعٍ ، المُبتَدِعُ لِلأَشياءِ مِن غَيرِ شَيءٍ . وإِذا صَحَّ أنّي لا أَقدِرُ أن أُحدِثَ مِثلِي استَحال أن يُحدِثَني مِثلي ، فَتَعالَى المُحدِثُ لِلأَشياءِ عَمّا يَقولُ المُلحِدونَ عُلُوّا كَبيرا . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ: مَا الدَّليلُ عَلى أنَّ لِلعالَمِ صانِعا ؟ : أَكثَرُ الأَدِلَّةِ في نَفسي ؛ لِأَنّي وَجَدتُها لا تَعدو أَحَدَ أمرَين : إِمّا أن أَكونَ خَلَقتُها وأنَا مَوجودٌ ، وإِيجادُ المَوجودِ مُحالٌ ، وإِمّا أن أكونَ خَلَقتُها وأنَا مَعدومٌ ؛ فَكَيفَ يَخلُقُ لا شَيءٌ ؟ فَلَمّا رَأَيتُهُما فاسِدَتَينِ مِنَ الجِهَتَينِ جَميعا عَلِمتُ أنَّ لي صانِعا ومُدَبِّرا . (2)
عنه عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ أَبو شاكِرٍ الدَّيصانِيُّ: مَا الدَّليلُ عَلى أنَّ لَكَ صانِعا ؟ _ : وَجَدتُ نَفسي
.
ص: 105
لا تَخلو مِن إِحدى جِهَتَينِ : إِمّا أن أَكونَ صَنَعتُها أنَا أو صَنَعَها غَيري ؛ فَإِن كُنتُ صَنَعتُها أنَا فَلا أَخلو مِن أَحَدِ مَعنَيَينِ : إِمّا أن أَكونَ صَنَعتُها وكانَت مَوجودَةً ، أو صَنَعتُها وكانَت مَعدومَةً ؛ فَإِن كُنتُ صَنَعتُها وكانَت مَوجودَةً فَقَدِ استَغنَت بِوُجودِها عَن صَنعَتِها ، وإِن كانَت مَعدومَةً فَإِنَّكَ تَعلَمُ أنَّ المَعدومَ لا يُحدِثُ شَيئا ، فَقَد ثَبَتَ المَعنَى الثّالِثُ أنَّ لي صانِعا ؛ وهُوَ اللّهُ رَبُّ العالَمينَ ، فَقامَ وما أَحارَ جَوابا (1) . (2)
عنه عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ ابنُ أَبِي العَوجاءِ : مَا الدَّليلُ عَلى حَدَثِ الأَجسامِ ؟ _: إِنّي ما وَجَدتُ شَيئا صَغيرا ولا كَبيرا إِلّا وإِذا ضُمَّ إِلَيهِ مِثلُهُ صارَ أَكبَرَ ، وفي ذلِكَ زَوالٌ وَانتِقالٌ عَنِ الحالَةِ الأُولى ، ولَو كانَ قَديما ما زالَ ولا حالَ ؛ لِأَنَّ الَّذي يَزولُ ويَحولُ يَجوزُ أن يوجَدَ ويَبطُلَ ، فَيَكونُ بِوُجودِهِ بَعدَ عَدَمِهِ دُخولٌ فِي الحَدَثِ ، وفي كونِهِ فِي الأَزَلِ دُخولُهُ فِي العَدَمِ ، ولَن تَجتَمِعَ صِفَةُ الأَزَلِ وَالعَدَمِ وَالحُدوثِ وَالقِدَمِ في شَيءٍ واحِدٍ . فَقالَ عَبدُ الكَريمِ : هَبكَ عَلِمتَ في جَريِ الحالَتَينِ وَالزَّمانَينِ عَلى ما ذَكَرتَ ، وَاستَدلَلتَ بِذلِكَ عَلى حُدوثِها ، فَلَو بَقِيَتِ الأَشياءُ عَلى صِغَرِها ، مِن أينَ كانَ لَكَ أن تَستَدِلَّ عَلى حُدوثِهِنَّ ؟ فَقالَ العالِمُ عليه السلام : إِنَّما نَتَكَلَّمُ عَلى هذَا العالَمِ المَوضوعِ ، فَلَو رَفَعناهُ ووَضَعنا عالَما آخَرَ كانَ لا شَيءَ أَدَلُّ عَلَى الحَدَثِ مِن رَفعِنا إِيّاهُ ووَضِعنا غَيرَهُ ، ولكِن أُجيبُكَ مِن حَيثُ قَدَرتَ أن تُلزِمَنا ، فَنَقولُ : إِنَّ الأَشياءَ لَو دامَت عَلى صِغَرِها لَكانَ فِي الوَهمِ أنَّهُ مَتى ضُمَّ شَيءٌ إِلى مِثلِهِ كانَ أكبَرَ ، وفي جَوازِ التَّغييرِ عَلَيهِ خُروجُهُ مِنَ القِدَمِ ، كَما أنَّ
.
ص: 106
في تَغييرهِ دُخولَهُ فِي الحَدَثِ ، لَيسَ لَكَ وَراءَهُ شَيءٌ يا عَبدَ الكَريمِ ، فَانقَطَعَ وخَزِيَ . (1)
التوحيد عن هشام بن الحكم :دَخَلَ أَبو شاكِرٍ الدَّيصانِيِّ عَلى أَبي عَبدِ اللّهِ الصّادِقِ عليه السلام فَقالَ لَهُ : إِنَّكَ أَحَدُ النُّجومِ الزَّواهِرِ ، وكانَ آباؤُكَ بُدورا بَواهِرَ ، وأُمَّهاتُكَ عَقيلاتٍ عَباهِرَ ، وعُنصُرُكَ مِن أَكرَمِ العَناصِرِ ، وإِذا ذُكِرَ العُلَماءُ فَبِكَ تُثَنَّى الخَناصِرُ ، فخَبِّرني أيُّهَا البَحرُ الخَضِمُّ الزّاخِرُ ، مَا الدَّليلُ عَلى حُدوثِ العالَِمِ ؟ فَقالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : نَستَدِلُّ عَلَيهِ بِأَقرَبِ الأَشياءِ . قال : وما هُوَ؟ فَدَعا أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام بِبَيضَةٍ فَوَضَعَها عَلى راحَتِهِ ، فَقالَ : هذا حِصنٌ مَلمومٌ ، داخِلُهُ غِرقِئُ (2) رَقيقٌ لَطيفٌ ، بِهِ فِضَّةٌ سائِلَةٌ وذَهَبَةٌ مائِعَةٌ ، ثُمَّ تَنفَلِقُ عَن مِثلِ الطّاووسِ ، أ دَخَلَها شَيءٌ ؟ فَقالَ : لا . قالَ : فَهذَا الدَّليلُ عَلى حُدوثِ العالَمِ . قالَ : أَخبَرتَ فَأَوجَزتَ ، وقُلتَ فَأَحسَنتَ ، وقَد عَلِمتَ أنّا لا نَقبَلُ إِلّا ما أَدرَكناهُ بِأَبصارِنا ، أو سَمِعناهُ بِاذانِنا ، أو شَمَمناه بِمَناخِرِنا ، أو ذُقناهُ بِأَفواهِنا ، أو لَمَسناهُ بِأَكُفِّنا ، أو تُصوِّرَ فِي القُلوبِ بَيانا ، أوِ استَنبَطَهُ الرَّوِيّاتُ (3) إِيقانا . فَقالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : ذَكَرتَ الحَواسَّ الخَمسَ ، وهِيَ لا تَنفَعُ شَيئا بِغَيرِ دَليلٍ ، كَما لا يُقطَعُ الظُّلمَةُ بِغَيرِ مِصباحٍ . (4)
.
ص: 107
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ الأَشياءَ تَدُلُّ عَلى حُدوثِها مِن . . . تَحَرُّكِ الأَرضِ ومَن عَلَيها ، وَانقِلابِ الأَزمِنَةِ ، وَاختِلافِ الوَقتِ ، وَالحَوادِثِ الَّتي تَحدُثُ فِي العالَمِ ، مِن زِيادَةٍ ونُقصانٍ ، ومَوتٍ وبَلاءٍ ، وَاضطِرارِ النَّفسِ إِلَى الإِقرارِ بأَنَّ لَها صانِعا ومُدَبِّرا . أما تَرَى الحُلوَ يَصيرُ حامِضا ، وَالعَذبَ مُرّا ، والجَديدَ بالِيا ، وكُلٌّ إِلى تَغَيُّرٍ وفَناءٍ ؟! (1)
الكافي_ في خَبَرِ مُناظَرَةِ الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام لِابنِ أَبِي العَوجاءِ _: فَقالَ[ عليه السلام ]لَهُ : أ مَصنوعٌ أنتَ أو غَيرُ مَصنوعٍ ؟ فَقالَ عَبدُ الكَريمِ بنُ أبِي العَوجاءِ : بَل ، أنَا غَيرُ مَصنوعٍ . فَقالَ لَهُ العالِمُ عليه السلام : فَصِف لي لَو كُنتَ مَصنوعا كَيفَ كُنتَ تَكونُ ؟ فَبَقِيَ عَبدُ الكَريمِ مَلِيّا لا يُحيرُ جَوابا ، ووَلِعَ بِخَشَبَةٍ كانَت بَينَ يَدَيهِ ، وهُوَ يَقولُ : طَويلٌ عَريضٌ عَميقٌ قَصيرٌ مُتَحَرِّكٌ ساكِنٌ ، كُلُّ ذلِكَ صِفَةُ خَلقِهِ . فَقالَ لَهُ العالِمُ : فَإِن كُنتَ لَم تَعلَم صِفَةَ الصَّنعَةِ غَيرَها فَاجعَل نَفسَكَ مَصنوعا لِما تَجِدُ في نَفسِكَ مِمّا يَحدُثُ مِن هذِهِ الأُمورِ . (2)
التوحيد عن أبي الصلت الهرويّ :سَأَلَ المَأمونُ أبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ موسَى الرِّضا عليهماالسلامعَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ هُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (3) . فَقالَ : إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ . . . خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أيّامٍ وهُوَ
.
ص: 108
مُستَولٍ عَلى عَرشِهِ ، وكانَ قادِرا عَلى أن يَخلُقَها في طَرفَةِ عَينٍ ، ولكِنَّهُ عز و جلخَلَقَها في سِتَّةِ أيّامٍ ؛ لِيُظهِرَ لِلمَلائِكَةِ ما يَخلُقُهُ مِنها شَيئا بَعدَ شَيءٍ ، وتَستَدِلَّ بِحُدوثِ ما يُحدَثُ عَلى اللّهِ تَعالى ذِكرُهُ مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ . (1)
التوحيد عن الحسين بن خالد عن الإمام الرضا عليه السلام :أنَّهُ دَخَل عَلَيهِ رَجُلٌ ، فَقالَ لَهُ : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، مَا الدَّليلُ عَلى حَدَثِ العالَمِ ؟ قال : أنتَ لَم تَكُن ثُمَّ كُنتَ ، وقَد عَلِمتَ أنَّكَ لَم تُكَوِّن نَفسَكَ ، ولا كَوَّنَكَ مَن هُوَ مِثلُكَ . (2)
.
ص: 109
بحث حول عدد الطرق إلى اللّهإِذا تأمّلنا في الآيات والأَحاديث الملحوظة في الفصول الثلاثة المتقدّمة حول طرق معرفة اللّه أمكننا أن ندرك أنّ لمعرفة اللّه من منظور القرآن والحديث ثلاثة طرق أصليّة تعود إِليها الطرق الأُخرى . وهي : 1 . معرفة النفس . 2 . معرفة العالم . 3 . المجاهدة . إِنّ الطريق الأَوّل والثاني علميّان ، والطريق الثالث عمليّ ، فقد أُشير إِلى هذه الطرق في الآية الكريمة الآتية : « سَنُرِيهِمْ ءَايَ_تِنَا فِى الْأفَاقِ وَ فِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ شَهِيدٌ » (1) . والطريق الثالث _ أي : تسخير الجهود كلّها من أجل تطبيق الأَوامر والتعاليم الإلهيّة في الحياة _ هو طريق الوصول إِلى أعلى درجات معرفة اللّه ، أي: المعرفة
.
ص: 110
الشهوديّة ، والطريقان الأَوّل والثاني يمثّلان إِراءة الطريق فحسب ، أمّا الطريق الثالث فإنّه يضمن بلوغ الهدف . «وَ الَّذِينَ جَ_هَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» (1) . وبطيّ هذا الطريق لا يبلغ الإنسان أعلى مراتب معرفة اللّه فحسب ، بل يظفر بأعلى درجات معرفة النفس ، ومعرفة العالم أيضا . في ضوء ذلك يتسنّى لنا أن نقول : إِنّ الصراط الإلهيّ المستقيم واحد لا أكثر ، وهو الدِّين الذي أراه الأنبياء لتكامل الإنسان . والطرق الأُخرى ليست سُبلاً إِلى اللّه إِلّا إِذا انتهت إِلى هذا الطريق الرئيس .
الطرق إلى اللّه عدد أنفاس الخلائقثمة تساؤل جدير بالإثارة ، وهو: إِذا كانت «الطرق إِلى اللّه عدد أنفاس الخلائق» الواردة في كلام عدد من المحدّثين والحكماء كمبدأ ثابت ، وتارةً تطرح كحديث نبويّ ، فهل ينافي هذا الأَمر وحدة الصراط الإلهيّ المستقيم؟ إِنّ الجواب هو أنّ هذا الكلام لم يرد في أيّ مصدر من المصادر الحديثيّة المعتمدة ، وقد تفرّد المرحوم الملّا أَحمد النراقي _ رضوان اللّه تعالى عليه _ بذكره في كتاب «مَثْنَوي طاقْديس» كحديث من الأَحاديث (2) . سواءٌ أَ كان هذا الكلام حديثا أم لم يكن ، فإنّه لا يعني ما أُستند إِليه بعض أَدعياء الثّقافة في عصرنا من التعدّديّة الدينيّة ، بل يعني أنّ الطرق الفرعيّة المتّصلة بالطريق الأصليّ للدِّين المسمّى الصراط المستقيم كثيرة ، وكلّ شخص يستطيع أن يبلغه من
.
ص: 111
الطريق الذي يناسب قابليّته واستعداده. يقول العلّامة المجلسيّ قدس اللّه سرّه في هذا الشأن : «ثمّ إِنّ أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان، وتحصيل الاطمئنان، كمّا وكيفا، شدّةً وضعفا، سرعةً وبطئا، حالاً وعلما، وكشفا وعيانا وإِن كان أصل المعرفة فطريا، إِمّا ضروري أو يهتدى إِليه بأدنى تنبيه، فلكلّ طريقة هداه اللّه عز و جلإِليها إِن كان من أهل الهداية، والطرق إِلى اللّه بعدد أنفاس الخلائق، وهم درجات عند اللّه «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَ_تٍ» » (1) . (2)
.
ص: 112
. .
ص: 113
الفصل الخامس: دور معرفة الخلق في معرفة الخالقيعتبر القرآن الكريم جميع ما في عالم الوجود آياتٍ واضحة وعلائم بينة ودلالات قاطعة على وجود خالق الكون ، يعني أنّ الموجودات جميعا من أَصغر الذرّات إِلى أَكبر المجرّات ومن النواة إِلى أَكبر الأَجرام السماوية ومن المخلوقات المرئية وغير المرئية ، كلّها خلقت لتكون آيةً واضحةً ومرآةً صادقةً ودليلاً قاطعا على وجود خالقها . وإِذا لم يكن ثمّة حجاب على نظر الإنسان ، ولم تُغلِق موانعُ المعرفة القلبية والعقلية مسامعَ قلبه وعقله ، فإنّه حيثما يتطلع في مرآة الموجودات الكونيّة من الأَرض والجبال والصحاري والبحار والأَشجار وغيرها ، يتجلّى له الخالق _ جلّ وعلا _ فالكون كلّه شاهد عليه ، وكلّ ما في الآفاق دليلٌ عليه ، فما أَروعَ قول الشاعر : فيا عجبا كيف يُعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ وفي كلّ شيء له آيةٌ تدلّ على أنّه واحدُ ومن وجهة النظر القرآنية لا يمكن أن يكون الإنسان عارفا بالعالم وغير عارفٍ باللّه ، أي أنّه يرى المخلوقات ولا يرى خالقها ، ولا يمكن أن يتطلّع في مرآة
.
ص: 114
الوجود فلا يتجلّى له خالق الوجود ، إِلّا أن يكون هناك نقصٌ في نظره . إِنّ هذه الحقيقة القرآنية طرحها أَميرالمؤمنين عليّ عليه السلام في مواضع مختلفة بعبارات متعدّدة وبشكلٍ ساحرٍ يستهوي القلوب ، وحديثه عليه السلام في هذا المجال يعدّ من أَبلغ البيان لمعرفة اللّه تعالى عن طريق الآيات والدلالات ، ومنها قوله عليه السلام : «الحَمدُ لِلّهِ المُتَجَلِّيَ لِخَلقِهِ بِخَلقِهِ ، وَالظّاهِرِ لِقُلوبِهِم بِحُجَّتِهِ» (1) . قد تمرّون على هذه العبارة مرّ الكرام ، وفي الواقع أنّ روعتها وعمقها في غِنىً عن الشرح والتوضيح ، فإنّ تجلّي الخالق للإنسان ليس بالأَمر الذي يمكن وصفه بالكتابة والكلام ، إِنّه أَمرٌ ذوقيٌّ نظريّ ، ومن الطبيعي أنّ من سلمت ذائقة روحه وثقبت عين بصيرته مثل أَمير المؤمنين عليّ عليه السلام ؛ فإنّه يعتبر الخلق كلّه مرآة لجمال الخالق وجلاله .
تجلّي الخالق في مرآة الخلقإِنّ إِدراك تجلّي الخالق في مرآة الخلق يتناسب شدّةً وضعفا مع ميزان قوّة رؤية الإنسان ، فكلّما كانت موانع المعرفة عنده أقلّ وقوّة الرؤية العقلية والقلبية أكثر ، فإنّ تجلّي الخالق _ تبارك وتعالى _ في مرآة الخلق بالنسبة له أكثر إِحساسا وأشدّ إِدراكا . إِنّ المحقّق البحراني ، في بيانه لأَنواع الادراكات الإنسانية لتجلّيات الخالق في الخلق ، يُصنّف الناسَ إِلى أَربعة أَصناف فيقول : «إنّ تجلّيه يعود إلى إجلاء معرفته من مصنوعاته لقلوب عباده ، حتى أَشبهت كلّ ذرةٍ من مخلوقاته مرآةً ظهر فيها لهم ، فهم يشاهدونه على قدر قبولهم لمشاهدته وتفاوت تلك المشاهدة بحسب تفاوت أَشعّة أَبصار بصائرهم ؛ فمنهم : من يرى
.
ص: 115
الصنيعة أَولاً والصانع ثانيا . ومنهم : من يراهما معا . ومنهم : من يرى الصانع أولاً . ومنهم : من لا يرى مع الصّانع غيره» (1) . ولأَجل توضيح هذا التقسيم فإنّنا نذكر مثالاً يوضّح إِلى حدّ ما هذا المطلب ؛ لو كانت لديك مرآة وتريد أن تنظر إِلى صورة شيء معيّن فيها ، فإنّك تارة ترى المرآة أَوّلاً ثمّ ترى الصورة ، وتارة ترى المرآة والصورة معا ، أي عند رؤية الصورة تنتبه إِلى المرآة أيضا ، وتارة ترى الصورة أَوّلاً ثُمّ تنتبه إِلى المرآة ، وتارة تُمعِن النّظر في الصورة إِلى الحدّ الذي لا تنتبه إِلّا إِلى الصورة التي في المرآة ، فلا ترى شيئا آخر غيرها . ومع الاعتناء بهذا المثال فإنّه يمكن تقسيم الناس ، الذين يتمتّعون بالبصيرة العقلية من حيث إِدراك تجلّي الخالق في مرآة الخلق ، إِلى أربعة أقسام : القسم الأول : أُولئك الذين يراجعون مرآة الخلق ، فيشاهدون تلك المرآة أَوّلاً ، ثُمّ يتجلّى الخالق ثانيا لعقولهم من خلال مطالعة مرآة الخلق وملاحظتها . القسم الثاني : الذين يتمتعون بقوّة رؤية أَدقّ ، فيعرفون الخالق قبل معرفة القسم الأَوّل ، حيث يرون مرآة الخلق والخالق في آنٍ واحد ، وبعبارة أُخرى : إِنّهم يرون الخالق في هذه المرآة وبواسطتها ، أي في الوقت الذي ترى عيونهم الجبل والبحر والشجر وغيرها من الموجودات ، فإنّهم يرون الخالق _ جلّ وعلا _ بالبصيرة العقلية . القسم الثالث : أُولئك الّذين تعشّقوا الخالق وتولّهوا به إِلى درجة ، حينما ينظرون إِلى مرآة الخلق ، يرون الخالق أَوّلاً ، ثُمّ ينتبهون إِلى الخلق ، فهم يتوصّلون إِلى
.
ص: 116
الخلق عن طريق الخالق ، ولا يتوصّلون إِلى الخالق عن طريق الخلق . القسم الرابع : هم الذين في أَوج المعرفة الإلهية ، وإِنّ معرفتهم ومحبّتهم للّه سبحانه بلغت حدّا بحيث لا يرون شيئا إِلّا هو تعالى ، وهذه المرتبة لا يبلغها إِلّا الأَنبياء عليهم السلام ومن بلغ الكمال من البشر الذين يرون أنّ الوجود الحقيقي منحصر باللّه تعالى وحدَه ، ووجود ما عداه سبحانه اعتباريّ كالظلّ (1) .
.
ص: 117
الباب الأوّل: جوامع آيات معرفة اللّه في الخلقةالكتاب«إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَايَ_تٍ لِّأُوْلِى الْأَلْبَ_بِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَ_مًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَ_ذَا بَ_طِلاً سُبْحَ_نَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ » . (1)
«إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِى تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ بَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّيَ_حِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » . (2)
«إِنَّ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ لَايَ_تٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ * وَ فِى خَلْقِكُمْ وَ مَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ ءَايَ_تٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَ اخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ تَصْرِيفِ الرِّيَ_حِ ءَايَ_تٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ ءَايَ_تُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَىِّ حَدِيث بَعْدَ اللَّهِ وَ ءَايَ_تِهِ يُؤْمِنُونَ » . (3)
.
ص: 118
«إِنَّ فِى اخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ » . (1)
«وَ مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا تُغْنِى الْايَ_تُ وَ النُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ » . (2)
«قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في بَيانِ صِفاتِ الباري جَلَّ و عَلا _: فَوقَ كُلِّ شَيءٍ عَلا ، ومِن كُلِّ شَيءٍ دَنا ، فَتَجَلّى لِخَلقِهِ مِن غَيرِ أن يَكونَ يُرى . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :يا مَن فِي السَّماءِ عَظَمَتُهُ ، يا مَن فِي الأَرضِ آياتُهُ ، يا مَن في كُلِّ شَيءٍ دَلائِلُهُ ، يا مَن فِي البِحارِ عَجائِبُهُ ، يا مَن فِي الجِبالِ خَزائِنُهُ ، يا مَن يَبدَأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعيدُهُ ، يا مَن إِلَيهِ يَرجِعُ الأَمرُ كُلُّهُ ، يا مَن أَظهَرَ في كُلِّ شَيءٍ لُطفَهُ ، يا مَن أَحسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ ، يا مَن تَصَرَّفَ فِي الخَلائِقِ قُدرَتُهُ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :إِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَتاهُ ناسٌ مِن أَيادٍ ، فَقالَ لَهُم : وَيحَكُم! ما فَعَلَ قُسُّ بنُ ساعِدَةَ ؟ قالوا : ماتَ يا رَسولَ اللّهِ .
.
ص: 119
فَقالَ صلى الله عليه و آله : ما أَحَدٌ كانَ مِن أَهلِ الجاهِلِيَّةِ كانَ أَحَبَّ إِلَيَّ أن أَلقاهُ مِنهُ لِشَيءٍ سَمِعتُهُ مِنهُ فِيسوقٍ، وأنَا مَعَ عَمّي أَبيطالِبٍ غُلامٌ ، سَمِعتُهُ وَالنَّاسُ حَولَهُ، وهُوَ يَقولُ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنّي قد بَلَغتُ سِنّا ، فَاسمَعوا مَقالَتي : أَرى سَماءً مَبنيَّةً، وأَرى شَمسا مَضحِيَّةً، وأَرى قَمَرا بَدرِيّا، وأَرى نُجوما تَسري، وأَرى جِبالاً مَرسِيَّةً ، وأَرى أَرضا مَدحُوَّةً ، وأرى لَيلاً ونَهارا ومَطَرا وشِتاءً وصَيفا ونَباتا، وأَرى مَن ماتَ لا يَرجِعُ، فَلا أَدري رَضوا فَقاموا، أم سَخَطوا فَناموا ! أمّا بَعدُ ؛ فَإِنّ لِهذِهِ الأَشياءِ رَبّا يُدَبِّرُها لِمَن عَقِلَ فِي اختلافِ هذِهِ الأَشياءِ . (1)
عنه عليه السلام :كَفى بِإِتقانِ الصُّنعِ لَها [ أي المَخلوقاتِ ] آيَةً ، وبِمُرَكَّبِ الطَّبعِ عَلَيها دَلالَةً ، وبِحُدوثِ الفِطَرِ عَلَيها قِدمَةً ، وبِإِحكامِ الصَّنعَةِ لَها عِبرَةً . (2)
عنه عليه السلام :بِصُنعِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ ، وبِالعُقولِ تُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ ، وبِالفِكرَةِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ ، وبِاياتِهِ احتَجَّ عَلى خَلقِهِ . (3)
عنه عليه السلام :بِصُنعِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ ، وبِالعُقولِ تُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ ، وبِالنَّظرِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ . (4)
عنه عليه السلام :بِصُنعِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ ، وبِالعُقولِ تُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ ، وبِالتَّفَكُّرِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ ، مَعروفٌ بِالدَّلالاتِ ، مَشهودٌ بِالبَيِّناتِ . (5)
.
ص: 120
عنه عليه السلام :ظَهَرَ للعُقولِ بِما أَرانا مِن عَلاماتِ التَّدبيرِ المُتقَنِ ، وَالقَضاءِ المُبرَمِ . (1)
عنه عليه السلام :ظَهَرَ فِي العُقولِ بِما يُرى في خَلقِهِ مِن عَلاماتِ التَّدبيرِ . . . وهُوَ الحَكيمُ العَليمُ ، أَتقَنَ ما أَرادَ مِن خَلقِهِ مِنَ الأَشباحِ كُلِّها ، لا بِمِثالٍ سَبَقَ إِلَيهِ ، ولا لُغوبٍ دَخَلَ عَلَيهِ في خَلقِ ما خَلَقَ لَدَيهِ . (2)
عنه عليه السلام :ظَهَرَت فِي بَدائِعِ الَّذي أَحدَثَها آثارُ حِكمَتِهِ ، وصارَ كُلُّ شَيءٍ خَلَقَ حُجَّةً لَهُ ومُنتَسِبا إِلَيهِ ؛ فَإِن كانَ خَلقا صامِتا فَحُجَّتُهُ بِالتَّدبيرِ ناطِقَةٌ فيهِ . (3)
عنه عليه السلام :عَجِبتُ لِمَن شَكَّ فِي اللّهِ وهُوَ يَرى خَلقَ اللّهِ . (4)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن إِثباتِ الصّانِعِ _: البَعرَةُ تَدُلُّ عَلَى البَعيرِ ، وَالرَّوثَةُ تَدُلُّ عَلَى الحَميرِ ، وآثارُ القَدَمِ تَدُلُّ عَلَى المَسير ، فَهَيكَلٌ عِلوِيٌّ بِهذِهِ اللَّطافَةِ ، ومَركَزٌ سِفلِيٌّ بِهذِهِ الكَثافَةِ ، كَيفَ لا يَدُلّانِ عَلَى اللَّطيفِ الخَبيرِ ؟! (5)
عنه عليه السلام_ فيما نُسِبَ إلَيهِ أنَّهُ كانَ كَثيرا ما يَقولُ إِذا فَرَغَ مِن صَلاةِ اللَّيلِ _: أَشهَدُ أنَّ السَّماواتِ وَالأَرضَ وما بَينَهُما آياتٌ تَدُلُّ عَلَيكَ، وشواهِدُ تَشهَدُ بِما إِلَيهِ دَعَوتَ. كُلُّ ما يُؤَدّي عَنكَ الحُجَّةَ ، ويَشهَدُ لَكَ بِالرُّبوبِيَّةِ ، مَوسومٌ بِاثارِ نِعمَتِكَ ومَعالِمِ تَدبيرِكَ. عَلَوتَ بِها عَن خَلقِكَ، فَأَوصَلتَ إِلَى القُلوبِ مِن مَعرِفَتِكَ ما آنَسَها مِن وَحشَةِ الفِكرِ ، وكَفاها رَجمَ الاِحتِجاجِ ؛ فَهِيَ مَعَ مَعرِفَتِها بِكَ ووَلَهِها إِلَيكَ شاهِدَةٌ بِأَنَّك لا تَأخُذُكَ
.
ص: 121
الأَوهامُ ، ولا تُدرِكُكَ العُقولُ وَلَا الأَبصارُ . (1)
عنه عليه السلام :بِها [ أي بِالمَخلوقَاتِ ] تَجَلّى صانِعُها لِلعُقولِ . (2)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي ... تَتَلَقّاهُ الأَذهانُ لا بِمُشاعَرَةٍ ، وتَشهَدُ لَهُ المَرائي لا بِمُحاضَرَةٍ . لَم تُحِط بِهِ الأَوهامُ ، بَل تَجَلّى لَها بِها . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ المُتَجَلّي لِخَلقِهِ بِخَلقِهِ ، وَالظّاهِرِ لِقُلوبِهِم بِحُجَّتِهِ . (4)
عنه عليه السلام :أَقامَ مِن شَواهِدِ البَيِّناتِ عَلى لَطيفِ صَنعَتِهِ ، وعَظيمِ قُدرَتِهِ ، مَا انقادَت لَهُ العُقولُ مُعتَرِفَةً بِهِ ، ومُسَلِّمَةً لَهُ ، ونَعَقَت في أَسماعِنا دَلائِلُهُ عَلى وَحدانِيَّتِهِ . (5)
عنه عليه السلام_ لَمّا قالَ لَهُ الجاثَليقُ في مُناظَرَتِهِ : خَبِّرني عَنهُ تَعالى ، أ مُدرَكٌ بِالحَواسِّ عِندَكَ فَيَسلُكَ المُستَرشِدُ في طَلَبِهِ استِعمالَ الحَواسِّ ، أم كَيفَ طَريقُ المَعرِفَةِ بِهِ إِن لَم يَكُنِ الأَمرُ كَذلِكَ؟ فَقالَ _: تَعالَى المَلِكُ الجَبّارُ أن يُوصَفَ بِمِقدارٍ ، أو تُدرِكَهُ الحَواسُّ أو يُقاسَ بِالنّاسِ ، وَالطَّريقُ إِلى مَعرِفَتِهِ صَنائِعُهُ الباهِرَةُ لِلعُقولِ، الدّالَّةُ ذَوِي الاِعتبارِ بِما هُوَ عِندَهُ مَشهودٌ ومَعقولٌ. (6)
عنه عليه السلام_ في خلَقِ السَّماءِ وَالكَونِ _: وكَذلِكَ السَّماءُ وَالهَواءُ ، وَالرِّياحُ وَالماءُ ، فَانظُر
.
ص: 122
إِلَى الشَّمسِ وَالقَمَرِ ، وَالنَّباتِ وَالشَّجَرِ ، وَالماءِ وَالحَجَرِ ، وَاختِلافِ هذَا اللَّيلِ وَالنَّهارِ ، وتَفَجُّرِ هذِهِ البِحارِ ، وكَثرَةِ هذِهِ الجِبالِ ، وطولِ هذِهِ القِلالِ (1) ، وتَفَرُّقِ هذِهِ اللُّغاتِ ، وَالأَلسُنِ المُختَلِفاتِ . فَالوَيلُ لِمَن أنكَر المُقَدِّرَ ، وجَحَدَ المُدَبِّرَ ! زَعَموا أنَّهُم كَالنَّباتِ ما لَهُم زارِعٌ ، ولا لِاختِلافِ صُوَرِهِم صانِعٌ ؛ ولَم يَلجَؤوا إِلى حُجَّةٍ فيمَا ادَّعَوا ، ولا تَحقيقٍ لِما أَوعَوا . وهَل يَكونُ بِناءٌ مِن غَيرِ بانٍ ، أو جِنايَةٌ مِن غَيرِ جانٍ؟! (2)
عنه عليه السلام_ في ذِكرِ الدُّنيا وَ المَخلوقاتِ _: ولَوِ اجتَمَعَ جَميعُ حَيَوانِها ؛ مِن طَيرِها وبَهائِمِها ، وما كانَ مِن مُراحِها وسائِمِها ، وأَصنافِ أَسناخِها وأَجناسِها ، ومُتَبَلِّدَةِ أُمَمِها وأَكياسِها ، عَلى إِحداثِ بَعوضَةٍ ، ما قَدَرَت عَلى إِحداثِها ، ولا عَرَفَت كَيفَ السَّبيلُ إِلى إِيجادِها ، ولَتَحَيَّرَت عُقولُها في عِلمِ ذلِكَ وتاهَت ، وعَجَزَت قُواها وتَناهَت ، ورَجَعَت خاسِئَةً حَسيرَةً ، عارِفَةً بِأَنَّها مَقهورَةٌ ، مُقِرَّةً بِالعَجزِ عَن إِنشائِها ، مُذعِنَةً بِالضَّعفِ عَن إِفنائِها ! (3)
الإمام الحسين عليه السلام_ فيما نُسِبَ إلَيهِ مِن دُعاءِ عَرَفَةَ _: أنتَ الَّذي تَعَرَّفتَ إِلَيَّ في كُلِّ شَيءٍ ، فَرَأَيتُكَ ظاهِرا في كُلِّ شَيءٍ ، وأنتَ الظّاهِرُ لِكُلِّ شَيءٍ . (4)
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ مَن كَانَ فِى هَ_ذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الْاخِرَةِ أَعْمَى وَ أَضَلُّ سَبِيلاً» (5) _: مَن لَم يَدُلَّهُ خَلقُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ، وَاختِلافُ اللَّيلِ وَالنَّهارِ ، ودَوَرانُ الفَلَكِ وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ ، وَالآياتُ العَجيباتُ عَلى أنَّ وَراءَ ذلِكَ أَمرا أَعظَمَ
.
ص: 123
مِنهُ «فَهُوَ فِى الْأَخِرَةِ أَعْمَى وَ أَضَلُّ سَبِيلاً» ، فَهُوَ عَمّا لَم يُعايِن أَعمى وأَضَلُّ . (1)
عنه عليه السلام :كَفى لِأُولِي الأَلبابِ بِخَلقِ الرَّبِّ المُسَخِّرِ ، ومُلكِ الرَّبِّ القاهِرِ ، وجَلالِ الرَّبِّ الظّاهِرِ ، ونورِ الرَّبِّ الباهِرِ ، وبُرهانِ الرَّبِّ الصّادِقِ ، وما أَنطَقَ بِهِ أَلسُنَ العِبادِ، وما أَرسَلَ بِهِ الرَّسُلَ، وما أَنزَلَ عَلَى العِبادِ؛ دَليلاً عَلَى الرَّبِّ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ الزِّنديقُ : مَا الدَّليلُ عَلَيهِ ؟ قالَ _: وُجودُ الأَفاعيلِ دَلَّت عَلَى أنَّ صانِعا صَنَعَها . ألا تَرى أنَّكَ إِذا نَظَرتَ إِلى بِناءٍ مُشَيِّدٍ مَبنِيٍّ عَلِمتَ أنَّ لَهُ بانِيا وإِن كُنتَ لَم تَرَ البانِيَ ولَم تُشاهِدهُ؟! (3)
عنه عليه السلام :لَو لَم يَكُنِ الشّاهِدُ دَليلاً عَلَى الغائِبِ ، لَما كانَ لِلخَلقِ طَريقٌ إِلى إِثباتِهِ تَعالى . (4)
عنه عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: يا مُفَضَّلُ ، أَوَّلُ العِبَرِ وَالأَدِلَّةِ عَلَى الباري _ جَلَّ قُدسُهُ _ تَهيِئَةُ هذَا العالَمِ ، وتَأليفُ أَجزائِهِ ونَظمُها عَلى ما هِيَ عَلَيهِ ؛ فَإِنَّكَ إِذا تَأَمَّلتَ العالَمَ بِفِكرِكَ ومَيَّزتَهُ بِعَقلِكَ وَجَدتَهُ كَالبَيتِ المَبنِيِّ ، المُعَدِّ فيهِ جَميعُ ما يَحتاجُ إِلَيهِ عِبادُهُ ، فَالسَّماءُ مَرفوعَةٌ كَالسَّقفِ ، وَالأَرضُ مَمدودَةٌ كَالبِساطِ ، وَالنُّجومُ مَنضودَةٌ كَالمَصابيحِ ، وَالجَواهِرُ مَخزونَةٌ كَالذَّخائِرِ ، وكُلُّ شَيءٍ فيها لِشَأنِهِ مُعَدٌّ ، وَالإِنسانُ كَالمُمَلَّكِ ذلِكَ البَيتِ ، وَالمُخَوَّلِ جَميعَ ما فيهِ ، وضُروبُ النَّباتِ مُهَيَّأَةٌ لِمَارِبِهِ ، وصُنوفُ الحَيَوانِ مَصروفَةٌ في مَصالِحِهِ ومَنافِعِهِ ، فَفي هذا دَلالةٌ واضِحَةٌ عَلى أنَّ العالَمَ مَخلوقٌ بِتَقديرٍ وحِكمَةٍ ، ونِظامٍ ومُلاءَمَةٍ ، وأنَّ الخالِقَ لَهُ واحِدٌ ، وهُوَ الَّذي
.
ص: 124
أَلَّفَهُ ونَظَمَهُ بَعضا إِلى بَعضٍ . (1)
عنه عليه السلام_ أَيضا _: اِعلَم _ يا مُفَضَّلُ _ أنَّ اسمَ هذَا العالَم بِلِسانِ اليونانِيَّةِ الجارِيَ المَعروفَ عِندَهُم «قوسموس» وتَفسيرُهُ «الزّينَةُ» وكَذلِكَ سَمَّتهُ الفَلاسَفَةُ ومَنِ ادَّعَى الحِكمَةَ ، أفَكانوا يُسَمّونَهُ بِهذَا الاِسمِ إِلّا لِما رَأَوا فيهِ مِنَ التَّقديرِ وَالنِّظامِ ؟ فَلَم يَرضَوا أن يُسَمّوهُ تَقديرا ونِظاما حَتّى سَمَّوهُ زينَةً ؛ لِيُخبِروا أنَّهُ _ مَعَ ما هُوَ عَلَيهِ مِنَ الصَّوابِ وَالإِتقانِ _ عَلى غايَةِ الحُسنِ وَالبَهاءِ . أَعجَبُ _ يا مُفَضَّلُ _ مِن قَومٍ لا يَقضونَ صَناعَةَ الطِّبِّ بِالخَطَاَ وهُم يَرَونَ الطَّبيبَ يُخطِئُ ، ويَقضون عَلَى العالَمِ بِالإِهمالِ ولا يَرَون شَيئا مِنهُ مُهمَلاً ! بَل أعجَبُ مِن أَخَلاقِ مَن ادَّعَى الحِكمَةَ حَتّى جَهِلوا مَواضِعَها فِي الخَلقِ ، فَأَرسَلوا أَلسِنَتَهُم بِالذَّمِّ لِلخالِقِ _ جَلَّ وعَلا _ ! بَلِ العَجَبُ مِنَ المَخذولِ «مانيّ» حينَ ادَّعى عِلمَ الأَسرارِ ، وعَمِيَ عَن دَلائِلِ الحِكمَةِ فِي الخَلقِ ، حَتّى نَسَبَهُ إِلَى الخَطَاَ، ونَسَبَ خالِقَهُ إِلَى الجَهلِ ، تَبارَكَ الحَليمُ الكَريمُ ! وأَعجَبُ مِنهُم جَميعا المُعَطِّلَةُ الَّذين راموا أن يُدرَكَ بِالحِسِّ ما لا يُدرَكُ بِالعَقلِ ، فَلَمّا أَعوَزَهُم ذلِكَ خَرَجوا إِلَى الجُحُودِ وَالتَّكذيبِ فَقالوا : ولِمَ لا يُدرَكُ بِالعَقلِ ؟ قيلَ : لِأَنَّهُ فَوقَ مَرتَبَةِ العَقلِ كَما لا يُدرِكُ البَصَرُ ما هُوَ فَوقَ مَرتَبَتِهِ ؛ فَإِنَّكَ لَو رَأَيتَ حَجَرا يَرتَفِعُ فِي الهَواءِ عَلِمتَ أنَّ رامِيا رَمى بِهِ ، فَلَيسَ هذَا العِلمُ مِن قِبَلِ البَصَرِ ، بَل مِن قِبَلِ العَقلِ ؛ لِأَنَّ العَقلَ هُوَ الَّذي يُمَيِّزُهُ ، فَيَعلَمُ أنَّ الحَجَرَ لا يَذهَبُ عُلوا مِن تِلقاءِ نَفسِهِ . أفَلا تَرى كَيفَ وَقَفَ البَصَرُ عَلى حَدِّهِ فَلَم يَتَجاوَزهُ ؟ فَكذلِكَ يَقِفُ العَقلُ عَلى
.
ص: 125
حَدِّهِ مِن مَعرِفَةِ الخالِقِ فَلا يَعدوهُ ، ولكِن يَعقِلُهُ بِعَقلٍ أقَرَّ أنَّ فيهِ نَفسا ولَم يُعايِنها ولَم يُدرِكها بِحاسَّةٍ مِنَ الحَواسِّ . وعَلى حَسَبِ هذا أَيضا نَقولُ : إِنَّ العَقلَ يَعرِفُ الخالِقَ مِن جِهَةٍ توجِبُ عَلَيهِ الإِقرارَ ، ولا يَعرِفُهُ بِما يوجِبُ لَهُ الإِحاطَةَ بِصِفَتِهِ . . . فَأَمّا أَصحابُ الطَّبائِعِ فَقالوا : إِنَّ الطَّبيعَةَ لا تَفعَلُ شَيئا لِغَيرِ مَعنىً ، ولا تَتَجاوَزُ عَمّا فيهِ تَمامُ الشَّيءِ في طَبيعَتِهِ ، وزَعَموا أنَّ الحِكمَةَ تَشهَدُ بِذلِكَ ، فَقيلَ لَهُم : فَمَن أَعطَى الطَّبيعَةَ هذِهِ الحِكمَةَ وَالوُقوفَ عَلى حُدودِ الأَشياءِ بِلا مُجاوَزَةٍ لَها ، وهذا قَد تَعجِزُ عَنهُ العُقولُ بَعدَ طولِ التَّجارِبِ ، فَإِن أَوجَبوا لِلطَّبيعَةِ الحكِمَةَ وَالقُدرَةَ عَلى مِثلِ هذِهِ الأَفعالِ فَقَد أَقَرّوا بِما أَنكَروا ؛ لِأَنَّ هذِهِ هِيَ صِفاتُ الخالِقِ ، وإِن أَنكَروا أن يَكونَ هذا لِلطَّبيعَةِ فَهذا وَجهُ الخَلقِ يَهتِفُ بِأَنَّ الفِعلَ لِلخالِقِ الحَكيمِ . (1)
عنه عليه السلام :فَنَظَرَتِ العَينُ إِلى خَلقٍ مُختَلِفٍ مُتَّصِلٍ بَعضُهُ بِبَعضٍ ، ودَلَّهَا القَلبُ عَلى أنَّ لِذلِكَ خالِقا ، وذلِكَ أنَّهُ فَكَّرَ حَيثُ دَلَّتهُ العَينُ عَلى ما عايَنَت مِن عِظَمِ السَّماءِ وَارتِفاعِها فِي الهَواءِ ، بِغَيرِ عَمَدٍ ولا دِعامَةٍ تُمسِكُها ، وأنَّها لا تَتَأَخَّرُ فَتَنكَشِطَ، ولاتَتَقَدَّمُ فَتَزولَ، ولاتَهبِطُ مَرَّةً فَتَدنُوَ، ولاتَرتَفِعُ فَلا تُرى. (2)
عنه عليه السلام_ لِزِنديقٍ قالَ لَهُ : أَخبِرني أَيُّهَا الحَكيمُ ، ما بالُ السَّماءِ لا يَنزِلُ مِنها إِلَى الأَرضِ أَحدٌ ، ولا يَصعَدُ مِنَ الأَرضِ إِلَيها بَشَرٌ ، ولا طَريقٌ إِلَيها ولا مَسلَكٌ ، فَلَو نَظَرَ العِبادُ في كُلِّ دَهرٍ مَرَّةً مَن يَصعَدُ إِلَيها ويَنزِلُ لَكانَ ذلِكَ أَثبَتُ فِي الرُّبوبِيَّةِ ، وأَنفى لِلشَّكِّ وأَقوى لِليَقينِ ، وأَجدَرُ أن يَعلَمَ العِبادُ أنَّ هُناكَ مُدَبِّرا إِلَيهِ يَصعَدُ الصّاعِدُ ، ومِن عِندِهِ يَهِبطُ الهابِطُ ؟ _: إِنَّ كُلَّ ماتَرى فِيالأَرضِ مِنَ التَّدبيرِ إِنَّما هُوَ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ ، ومِنها
.
ص: 126
يَظهَرُ ، أما تَرَى الشَّمسَ مِنها تَطلَعُ ، وهِيَ نورُ النَّهارِ ، وفيها قِوامُ الدُّنيا ، ولَو حُبِسَت حارَ مَن عَلَيها وهَلَكَ ، وَالقَمرَ مِنها يَطلَعُ ، وهُوَ نورُ اللَّيلِ ، وبِهِ يُعلَمُ عَدَدُ السِّنينَ وَالحِسابُ وَالشُّهورُ والأَيّامُ ، ولَو حُبِسَ لَحارَ مَن عَلَيها وفَسَدَ التَّدبيرُ ، وفِي السَّماءِ النُّجومُ الَّتي يُهتَدى بِها في ظُلُماتِ البَرِّ والبَحرِ ، ومِنَ السَّماءِ يَنزِلُ الغَيثُ الَّذي فيهِ حَياةُ كُلِّ شَيءٍ ؛ مِنَ الزَّرعِ وَالنَّباتِ وَالأَنعامِ ، وكُلِّ الخَلقِ لَو حُبِسَ عَنهُم لَما عاشوا . وَالرِّيحَ لَو حُبِسَت أيّاما لَفَسَدَتِ الأَشياءُ جَميعا وتَغَيَّرَت ، ثُمَّ الغَيمَ وَالرَّعدَ وَالبَرقَ وَالصَّواعِقَ ، كُلُّ ذلِكَ إِنَّما هُوَ دَليلٌ عَلى أنَّ هُناكَ مُدَبِّرا يُدَبِّرُ كُلَّ شَيءٍ ، ومِن عِندِهِ يَنزِلُ ، وقَد كَلَّمَ اللّهُ موسى وناجاهُ ، ورَفَعَ اللّهُ عيسَى بنَ مَريَمَ ، وَالمَلائِكَةُ تَنزِلُ مِن عِندِهِ ، غَيرَ أنَّكَ لا تُؤمِنُ بِما لَم تَرَهُ بِعَينِكَ ، وفيما تَراهُ بِعَينِكَ كِفايَةٌ أن تَفهَمَ وتَعقِلَ . (1)
عنه عليه السلام :ولَعَمري لَو تَفَكَّروا في هذِهِ الأُمورِ العِظامِ لَعايَنوا مِن أَمرِ التَّركيبِ البَيِّنِ ، ولُطفِ التَّدبيرِ الظّاهِرِ ، ووُجودِ الأَشياءِ مَخلوقَةً بَعدَ أن لَم تَكُن ، ثُمَّ تَحَوُّلِها مِن طَبيعَةٍ إِلى طَبيعَةٍ ، وصَنيعَةٍ بَعدَ صَنيعَةٍ ، ما يَدُلُّهُم ذلِكَ عَلَى الصَّانِعِ ؛ فَإِنَّهُ لا يَخلو شَيءٌ مِنها مِن أن يَكونَ فيهِ أَثرُ تَدبيرٍ وتَركيبٍ يَدُلُّ عَلى أنَّ لَهُ خالِقا مُدَبِّرا ، وتَأليفٍ بِتَدبيرٍ يَهدي إِلى واحِدٍ حَكيمٍ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الزَّنادِقَةِ : فَمَا الدَّليلُ عَلَيهِ ؟ _: إِنّي لَمّا نَظَرتُ إِلى جَسَدي ولَم يُمكِنّي فيهِ زِيادَةٌ ولا نُقصانٌ فِي العَرضِ وَالطُّولِ ودَفعِ المَكارِهِ عَنهُ وجَرِّ المَنفَعَةِ إِلَيهِ ، عَلِمتُ أنَّ لِهذَا البُنيانِ بانِيا ، فَأَقرَرتُ بِهِ مَعَ ما أَرى مِن دَوَرانِ الفَلَكِ بِقُدرَتِهِ ، وإِنشاءِ السَّحابِ وتَصريفِ الرِّياحِ ومَجرَى الشَّمسِ وَالقَمَرِ وَالنُّجومِ ،
.
ص: 127
وغَيرِ ذلِكَ مِنَ الآياتِ العَجيباتِ المُبَيَّناتِ ، عَلِمتُ أنَّ لِهذَا مُقَدِّرا ومُنشِئا . (1)
عيون أخبار الرضا عن الحسن بن عليّ بن فضّال :قُلتُ لَهُ [ الإمامِ الرِّضا عليه السلام ] : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ، لِمَ خَلَقَ اللّهُ عز و جل الخَلقَ عَلى أَنواعٍ شَتّى ولَم يَخلُقهُ نَوعا واحِدا؟ فَقالَ : لِئَلّا يَقَعَ فِي الأَوهامِ أنَّهُ عاجِزٌ ، فَلا تَقَعُ صورَةٌ في وَهمِ مُلحِدٍ إِلّا وقَد خَلَقَ اللّهُ عز و جل عَلَيها خَلقا ، ولا يَقولُ قائِلٌ : هَل يَقدِرُ اللّهُ عز و جلعَلى أن يَخلُقَ عَلى صُورَةِ كَذا وكَذا إِلّا وَجَدَ ذلِكَ في خَلقِهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ فَيَعلَمُ بِالنَّظَرِ إِلى أَنواعِ خَلقِهِ أنَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :يُدَلُّ عَلَى اللّهِ عز و جل بِصِفاتِهِ ، ويُدرَكُ بِأَسمائِهِ ، ويُستَدَلُّ عَلَيهِ بِخَلقِهِ . (3)
عنه عليه السلام :نِظامُ تَوحيدِ اللّهِ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ؛ لِشَهادَةِ العُقولِ أنَّ كُلَّ صِفَةٍ ومَوصوفٍ مَخلوقٌ ، وشَهادَةِ كُلِّ مَخلوقٍ أنَّ لَهُ خالِقا لَيسَ بِصِفَةٍ ولا مَوصوفٍ ، وشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ ومَوصوفٍ بِالاِقتِرانِ ، وشَهادَةِ الاِقتِرانِ بِالحَدَثِ ، وشَهادَةِ الحَدَثِ بِالامتِناعِ مِنَ الأَزَلِ المُمتَنِعِ مِنَ الحَدَثِ . (4)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ مَن كَانَ فِى هَ_ذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الْاخِرَةِ أَعْمَى وَ أَضَلُّ سَبِيلاً» _: يَعني أَعمى عِنِ الحَقائِقِ المَوجودَةِ . (5)
.
ص: 128
الإمام الجواد عليه السلام :كُلُّ مُتَجَزِّىً أو مُتَوَهَّمٍ بِالقِلَّةِ وَالكَثرَةِ فَهُوَ مَخلوقٌ دالٌّ عَلى خالِقٍ لَهُ . (1)
المزار الكبير_ فِي الدُّعاءِ _: صارَ كُلُّ شَيءٍ خَلَقتَهُ حُجَّةً لَكَ ومُنتَسَبا إِلى فِعلِكَ ، وصادِرا عَن صُنعِكَ ، فَمِن بَينِ مُبتَدَعٍ يَدُلُّ عَلى إِبداعِكَ ، ومُصَوَّرٍ يَشهَدُ بِتَصويرِكَ ، ومُقَدَّرٍ يُنبِئُ عَن تَقديرِكَ ، ومُدَبَّرٍ يَنطِقُ عَن تَدبيرِكَ ، ومَصنوعٍ يومِئُ إِلى تَأثيرِكَ ، وأنتَ لِكُلِّ جِنسٍ مِن مَصنوعاتِكَ ومَبروءاتِكَ (2) ومَفطوراتِكَ صانِعٌ و بارِئٌ وفاطِرٌ . (3)
بحار الأنوار عن المولى محمّد تقي المجلسي قدس سره :قالَ سُبحانَهُ : كُنتُ كَنزا مَخفِيّا ، فَأَحبَبتُ أن أُعرَفَ ، فَخَلَقتُ الخَلقَ لِكَي أعرَفَ . (4)
راجع : ص 65 (العقل) .
.
ص: 129
الباب الثّاني: خلق الإنسان2 / 1جَوامِعُ آيات مَعْرِفَةِ اللّهِ في خلق الإنسانالكتاب«وَ فِى خَلْقِكُمْ وَ مَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ ءَايَ_تٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ» .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ فِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ » (1) _: قالَ : سَبيلُ الغائِطِ وَالبَولِ . (2)
عنه عليه السلام :أَيُّهَا المَخلوقُ السَوِيُّ ، وَالمُنشَأُ المَرعِيُّ في ظُلُماتِ الأَرحامِ ، ومُضاعَفاتِ الأَستارِ ، بُدِئتَ مِن سُلالَةٍ مِن طينٍ ، ووُضِعتَ في قَرارٍ مَكينٍ ، إِلى قَدَرٍ مَعلومٍ ، وأَجَلٍ مَقسومٍ ، تَمورُ (3) في بَطنِ أُمِّكَ جَنينا لا تُحيرُ دُعاءً ، ولا تَسمَعُ نِداءً .
.
ص: 130
ثُمَّ أُخرِجتَ مِن مَقَرِّكَ إِلى دارٍ لَم تَشهَدها ، ولَم تَعرِف سُبُلَ مَنافِعِها ؛ فَمَن هَداكَ لِاجتِرارِ الغِذاءِ مِن ثَديِ أُمِّكَ ، وعَرَّفَكَ عِندَ الحاجَةِ مَواضِعَ طَلَبِكَ وَإِرادَتِكَ ؟ (1)
بحار الأنوار عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام : فَكِّر_ يا مُفَضَّلُ _في أَعضاءِ البَدَنِ أَجمَعَ وتَدبيرِ كُلٍّ مِنها لِلإِربِ (2) ؛ فَاليَدانِ لِلعِلاجِ ، وَالرِّجلانِ لِلسَّعيِ ، وَالعَينانِ لِلاِهتِداءِ ، وَالفَمُ لِلاِغتِذاءِ ، وَالمِعدَةُ لِلهَضمِ ، وَالكَبِدُ لِلتَّخليصِ ، وَالمَنافِذُ لِتَنفيذِ الفُضولِ ، وَالأَوعِيَةُ لِحَملِها ، وَالفَرجُ لِاءِقامَةِ النَّسلِ ، وكَذلِكَ جَميعُ الأَعضاءِ إِذا تَأَمَّلتَها وأَعمَلتَ فِكرَكَ فيها ونَظَرَكَ ؛ وَجَدتَ كُلَّ شَيءٍ مِنها قَد قُدِّرَ لِشَيءٍ عَلى صَوابٍ وحِكمَةٍ . فَقُلتُ : يا مَولايَ ، إِنَّ قَوما يَزعُمونَ أنَّ هذا مِن فِعلِ الطَّبيعَةِ ! فَقالَ : سَلهُم عَن هذِهِ الطَّبيعَةِ ، أهِيَ شَيءٌ لَهُ عِلمٌ وقُدرَةٌ عَلى مِثلِ هذِهِ الأَفعالِ ، أم لَيسَت كَذلِكَ ؟ فَإِن أَوجَبوا لَهَا العِلمَ وَالقُدرَةَ فَما يَمنَعُهُم مِن إِثباتِ الخالِقِ فَإِنَّ هذِهِ صَنعَتُهُ؟ وإِن زَعَموا أنَّها تَفعَلُ هذِهِ الأَفعالَ بِغَيرِ عِلمٍ ولا عَمدٍ ، وكانَ في أَفعالِها ما قَد تَراهُ مِنَ الصَّوابِ وَالحِكمَةِ عُلِمَ أنَّ هذَا الفِعلَ لِلخالِقِ الحَكيمِ ، وأنَّ الَّذي سَمَّوهُ طَبيعَةً هُوَ سُنَّةٌ في خَلقِهِ الجارِيَةِ عَلى ما أَجراها عَلَيهِ ... . أُنظُرِ الآنَ إِلى هذِهِ الحَواسِّ الَّتي خُصَّ بِهَا الإِنسانُ في خَلقِهِ وشُرِّفَ بِها عَلى غَيرِهِ ، كَيفَ جُعِلَتِ العَينانُ فِي الرَّأسِ كَالمَصابيحِ فَوقَ المَنارَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِن مُطالَعَةِ الأَشياءِ ، ولَم تُجعَل فِي الأَعضاءِ الَّتي تَحتَهُنَّ كَاليَدَينِ وَالرِّجلَينِ فَتَعرِضَهَا الآفاتُ ، وتُصيبَها مِن مُباشَرَةِ العَمَلِ وَالحَرَكَةِ ما يُعَلِّلُها ويُؤَثِّرُ فيها ويَنقُصُ مِنها ، ولا
.
ص: 131
فِي الأَعضاءِ الَّتي وَسَطَ البَدَنِ كَالبَطنِ وَالظَّهرِ فَيَعسُرَ تَقَلُّبُها وَاطِّلاعُها نَحوَ الأَشياءِ ، فَلَمّا لَم يَكُن لَها في شَيءٍ مِن هذِهِ الأَعضاءِ مَوضِعٌ كانَ الرَّأسُ أَسنَى المَواضِعِ لِلحَواسِّ ، وهُوَ بِمَنزِلَةِ الصَّومِعَةِ لَها . فَجَعَلَ الحَواسَّ خَمسا تَلقى خَمسا لِكَيلا يَفوتَها شَيءٌ مِنَ المَحسوساتِ ، فَخَلَقَ البَصَرَ لِيُدرِكَ الأَلوانَ ؛ فَلَو كانَتِ الأَلوانُ ولَم يَكُن بَصَرٌ يُدرِكُها لَم يَكُن مَنفَعَةٌ فيها ، وخَلَقَ السَّمعَ لِيُدرِكَ الأَصواتَ ؛ فَلَو كانَتِ الأَصواتُ ولَم يَكُن سَمعٌ يُدرِكُها لَم يَكُن فيها إِربٌ ، وكَذلِكَ سائِرُ الحَواسِّ . ثُمَّ هذا يَرجِعُ مُتَكافِئا ؛ فَلَو كانَ بَصَرٌ ولَم يَكُن ألوانٌ لَما كانَ لِلبَصَرِ مَعنىً ، ولَو كانَ سَمعٌ ولَم يَكُن أصواتٌ لَم يَكُن لِلسَّمعِ مَوضِعٌ . فَانظُر كَيفَ قَدَّرَ بَعضَها يَلقى بَعضا فَجَعَلَ لِكُلِّ حاسَّةٍ مَحسوسا يَعمَلُ فيهِ ، ولِكُلِّ مَحسوسٍ حاسَّةً تُدرِكُهُ . ومَعَ هذا فَقَد جُعِلَت أَشياءُ مُتَوَسِّطَةً بَينَ الحَواسِّ وَالمَحسوساتِ ، لا يَتِمُّ الحَواسُّ إِلّا بِها ، كَمِثلِ الضِّياءِ وَالهَواءِ ؛ فَإِنَّهُ لَو لَم يَكُن ضِياءٌ يُظهِرُ اللَّونَ لِلبَصَرِ لَم يَكُنِ البَصَرُ يُدرِكُ اللَّونَ ، ولَو لَم يَكُن هَواءٌ يُؤَدِّي الصَّوتَ إِلَى السَّمعِ لَم يَكُنِ السَّمعُ يُدرِكُ الصَّوتَ ، فَهَل يَخفى عَلى مَن صَحَّ نَظَرُهُ وأَعمَلَ فِكرَهُ أنَّ مِثلَ هذَا الَّذي وَصَفتُ من تَهيِئَةِ الحَواسِّ وَالمَحسوساتِ بَعضُها يَلقى بَعضا ، وتَهِيئَةِ أَشياءَ أُخَرَ بِها تَتِمُّ الحَواسُّ لا يَكونُ إِلّا بِعَمدٍ وتَقديرٍ مِن لَطيفٍ خَبيرٍ ؟ (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ في بَيانِ مَراحِلِ كَمالِ الطِّفلِ _: لَو كانَ المَولودُ يُولَدُ فَهِما عاقِلاً لَأَنكَرَ العالَمَ عِنَد وِلادَتِهِ، ولَبَقِيَ حَيرانَ تائِهَ العَقلِ إِذا رَأى ما لَم يَعرِف ووَرَدَ عَلَيهِ ما لَم يَرَ مِثلَهُ مِنِ اختِلافِ صُوَرِ العالَمِ مِنَ البَهائِمِ وَالطَّيرِ إِلى غَيرِ ذلِكَ مِمّا يُشاهِدُهُ
.
ص: 132
ساعَةً بَعدَ ساعَةٍ ويَوما بَعدَ يَومٍ، وَاعتَبَرَ ذلِكَ بِأَنَّ مَن سُبِيَ مِن بَلَدٍ إِلى بَلَدٍ وهُوَ عاقِلٌ يَكونُ كَالوالِهِ الحَيرانِ، فَلا يُسرِعُ في تَعَلُّمِ الكَلامِ وقَبولِ الأَدَبِ كَما يُسرِعُ الَّذي يُسبى صَغيرا غَيرَ عاقِلٍ . ثُمَّ لَو وُلِدَ عاقِلاً كانَ يَجِدُ غَضاضَةً (1) إِذا رَأى نَفسَهُ مَحمولاً مُرضَعا مُعَصَّبا بِالخِرَقِ مُسَجّىً فِي المَهدِ ؛ لِأَ نَّهُ لا يَستَغني عَن هذا كُلِّهِ لِرِقَّةِ بَدَنِهِ ورُطوبَتِهِ حينَ يولَدُ، ثُمَّ كانَ لا يوجَدُ لَهُ مِنَ الحَلاوَةِ وَالوَقعِ مِنَ القُلوبِ ما يوجَدُ لِلطِّفلِ، فَصارَ يَخرُجُ إِلَى الدُّنيا غَبِيّا غافِلاً عَمّا فيهِ أهلُهُ فَيَلقَى الأَشياءَ بِذِهنٍ ضَعيفٍ ومَعرِفَةٍ ناقِصَةٍ، ثُمَّ لا يَزالُ يَتَزايَدُ فِي المَعرِفَةِ قَليلاً قَليلاً وشَيئا بَعدَ شَيءٍ وحالاً بَعدَ حالٍ حَتّى يَألَفَ الأَشياءَ ويَتَمَرَّنَ ويَستَمِرَّ عَلَيها، فَيَخرُجَ مِن حَدِّ التَّأَمُّلِ لَها وَالحَيرَةِ فيها إِلَى التَّصَرُّفِ وَالاِضطِرابِ إِلَى المَعاشِ بِعَقلِهِ وحيلَتِهِ، وإِلَى الاِعتِبارِ وَالطَّاعَةِ وَالسَّهوِ وَالغَفلَةِ وَالمَعصِيَةِ. وفي هذا أَيضا وُجوهٌ أُخَرُ ؛ فَإِنَّهُ لَو كانَ يولَدُ تامَّ العَقلِ مُستَقِلّاً بِنَفسِهِ لَذَهَبَ مَوضِعُ حَلاوَةِ تَربِيَةِ الأَولادِ ، وما قَدَرَ أن يَكونَ لِلوالِدَينِ فِي الاِشتِغالِ بِالوَلَدِ مِنَ المَصلَحَةِ وما يوجِبُ التَّربِيَةَ لِلآباءِ عَلَى الأَبناءِ مِنَ المُكَلَّفاتِ بِالبِرِّ وَالعَطفِ عَلَيهِم عِندَ حاجَتِهِم إِلى ذلِكَ مِنهُم، ثُمَّ كانَ الأَولادُ لا يَألَفونَ آباءَهُم ، ولا يَألَفُ الآباءُ أَبناءَهُم ؛ لِأَنَّ الأَولادَ كانوا يَستَغنونَ عَن تَربِيَةِ الآباءِ وحِياطَتِهِم فَيَتَفَرَّقونَ عَنهُم حينَ يولَدونَ، فَلا يَعرِفُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّهُ ولا يَمتَنِعُ مِن نِكاحِ أُمِّهِ وأُختِهِ وذَواتِ المَحارِمِ مِنهُ إِذا كانَ لا يَعرِفُهُنَّ، وأَقَلُّ ما في ذلِكَ مِنَ القَباحَةِ ، بَل هُوَ أَشنَعُ وأَعظَمُ وأَفظَعُ وأَقبَحُ وأَبشَعُ لَو خَرَجَ المَولودُ مِن بَطنِ أُمِّهِ وهُوَ يَعقِلُ أن يَرى مِنها ما لا يَحِلُّ لَهُ ولا يَحسُنُ بِهِ أن يَراهُ. أفَلا تَرى كَيفَ أُقيمَ كُلُّ شَيءٍ مِنَ الخِلقَةِ عَلى غايَةِ الصَّوابِ
.
ص: 133
وخَلا مِنَ الخَطَاَ دَقيقُهُ وجَليلُهُ. (1)
راجع : ص 83 (معرفةُ النَّفسِ) و 99 (التَّجرِبَةِ).
2 / 2خَلقُ الإِنسانِ مِنَ التُّرابِالكتاب«وَمِنْ ءَايَ_تِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ » . (2)
«فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَ_هُم مِّن طِينٍ لَازِب » . (3)
«خَلَقَ الْاءِنسَ_نَ مِن صَلْصَ_لٍ كَالْفَخَّارِ » . (4)
راجع : الحجّ : 5 ، الأنعام : 2 ، الحِجْر : 26 ، المؤمنون : 12 ، غافر : 67 ، فاطر : 11 .
الحديثعلل الشرائع عن أبي عبد اللّه بن يزيد :حَدَّثَني يَزيدُ بنُ سَلّامٍ أنَّهُ سَأَلَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ .. . : فَأَخبِرني عَن آدَمَ لِمَ سُمِّيَ آدَمَ ؟ قالَ : لِأَنَّهُ خُلِقَ مِن طينِ الأَرضِ وأَديمِها . قالَ : فَادَمُ خُلِقَ مِن طينٍ كُلِّهِ أو طينٍ واحدٍ ؟ قالَ : بَل مِنَ الطِّينِ كُلِّهِ ، ولَو خُلِقَ مِن طينٍ واحِدٍ لَما عَرَفَ النّاسُ بَعضُهُم بَعضا ، وكانوا عَلى صورَةٍ واحِدَةٍ .
.
ص: 134
قالَ : فَلَهُم فِي الدُّنيا مَثَلٌ ؟ قالَ : التُّرابُ فيهِ أَبيضُ وفيهِ أَخضَرُ وفيهِ أَشقَرُ وفيهِ أَغبَرُ وفيهِ أَحمَرُ وفيهِ أَزرَقُ ، وفيهِ عَذبٌ وفيهِ مِلحٌ ، وفيهِ خَشِنٌ وفيهِ لَيِّنٌ وفيهِ أَصهَبُ ، فَلِذلِكَ صارَ النّاسُ فيهِم لَيِّنٌ وفيهِم خَشِنٌ ، وفيهِم أَبيَضُ وفيهِم أَصفَرُ وأحمَرُ وأَصهَبُ وأَسوَدُ عَلى ألوانِ التُّرابِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :أَوَّلُ مَن قاسَ إِبليسُ ؛ قالَ : «خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ» (2) ، ولَو عَلِمَ إِبليسُ ما جَعَلَ اللّهُ في آدَمَ لَم يَفتَخِر عَلَيهِ . ثُمَّ قالَ : إِنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ المَلائِكَةَ مِنَ النّورِ ، وخَلَقَ الجانَّ مِنَ النّارِ ، وخَلَقَ الجِنَّ؛ صِنفا مِنَ الجانِّ مِنَ الرِّيحِ ، وخَلَقَ صِنفا مِنَ الجِنِّ مِنَ الماءِ ، وخَلَقَ آدَمَ مِن صَفحَةِ الطّينِ . (3)
2 / 3خَلقُ الإِنسانِ مِنَ النُّطفَةِالكتاب«وَ هُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَ صِهْرًا وَ كَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا » . (4)
«فَلْيَنظُرِ الْاءِنسَ_نُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ » . (5)
.
ص: 135
«أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ * فَجَعَلْنَ_هُ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ » . (1)
«إِنَّا خَلَقْنَا الْاءِنسَ_نَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَ_هُ سَمِيعَا بَصِيرًا » . (2)
راجع : النحل : 4 ، القيامة : 37 ، 38 ، فاطر : 11 ، غافر : 67 ، المؤمنون : 14 ، يس : 77 .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَةٍ يَصِفُ فيها خَلقَ الإِنسانِ _: أم هذَا الَّذي أَنشَأَهُ في ظُلُماتِ الأَرحامِ وشُغُفِ الأَستارِ نُطفَةً دِهاقا .. . ثُمَّ مَنَحَهُ قَلبا حافِظا ، ولِسانا لافِظا ، وبَصَرا لاحِظا ؛ لِيَفهَمَ مُعتَبِرا ، ويُقَصِّرَ مُزدَجِرا ، حَتّى إِذا قامَ اعتِدالُهُ ، وَاستَوى مِثالُهُ ، نَفَرَ مُستَكبِرا . (3)
عنه عليه السلام_ في تَقديسِ اللّهِ جَلَّ و عَلا _: عالِمُ السِّرِّ مِن ضَمائِرِ المُضمِرينَ . . . ومَحَطِّ الأَمشاجِ (4) مِن مَسارِبِ (5) الأَصلابِ . (6)
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ» _: ماءُ الرَّجُلِ وماءُ المَرأَةِ اختَلَطا جَميعا . (7)
بحار الأنوار عن صحُف إدريس عليه السلام :فازَ _ يا أُخنوخُ _ مَن عَرَفَني ، وهَلَك مَن أَنكَرَني . عَجَبا لِمَن ضَلَّ عَنّي ولَيسَ يَخلو في شَيءٍ مِنَ الأَوقاتِ مِنّي ، كَيفَ يَخلو وأنا أَقرَبُ إِلَيهِ مِن كُلِّ قَريبٍ ، وأَدنى إِلَيهِ مِن حَبلِ الوَريدِ ؟
.
ص: 136
ألَستَ أَيُّهَا الإِنسانُ العَظيمُ عِندَ نفَسِهِ في بُنيانِهِ ، القَوِيُّ لَدى هِمَّتِهِ في أَركانِهِ ، مَخلوقا مِنَ النُّطفَةِ المَذِرةِ ، ومُخرَجا مِنَ الأَماكِنِ القَذِرَةِ ، تَنحَطُّ مِن أَصلابِ الآباءِ كَالنُّخاعَةِ إِلى أَرحامِ النِّساءِ ، ثُمَّ يَأتيكَ أَمري فَتَصيرُ عَلَقَةً ، لَو رَأَتكَ العُيونُ لَاستَقذَرَتكَ ، ولَو تَأَمَّلَتكَ النُّفوسُ لَعافَتكَ ، ثُمَّ تَصيرُ بِقُدرَتي مُضغَةً لا حَسَنَةً فِي المَنظَرِ ، ولا نافِعَةً فِي المَخبَرِ ، ثُمَّ أَبعَثُ إِلَيكَ أَمرا مِن أَمري ، فَتُخلَقُ عُضوا عُضوا ، وتُقَدَّرُ مَفصِلاً مَفصِلاً ، مِن عِظامٍ مَغشِيَّةٍ ، وعُروقٍ مُلتَوِيَةٍ ، وأَعصابٍ مُتَناسِبَةٍ ، ورِباطاتٍ ماسِكَةٍ ، ثُمَّ يَكسوكَ لَحما ، ويُلبِسُكَ جِلدا ، تُجامَعُ مِن أَشياءَ مُتَبايِنَةٍ ، وتُخلَقُ مِن أَصنافٍ مُختَلِفَةٍ ، فَتَصيرُ بِقُدرَتي خَلقا سَوِيّا لا روحَ فيكَ تُحَرِّكُكَ ، ولا قُوَّةَ لَكَ تُقِلُّكَ ... فَأَنفُخُ فيكَ الرّوحَ ، وأَهَبُ لَكَ الحَياةَ ، فَتَصيرُ بِإِذني إِنسانا ، لا تَملِكُ نَفعا ولا ضَرّا ، ولا تَفعَلُ خَيرا ولا شَرّا ، مَكانُكَ مِن أُمِّكَ تَحتَ السُّرَّةِ ، كَأنَّكَ مَصرورٌ في صُرَّةٍ ، إِلى أن يَلحَقَكَ ما سَبَقَ مِنّي مِنَ القَضاءِ ، فَتَصيرَ مِن هُناكَ إِلى وَسعِ الفَضاءِ ، فَتَلقى ما قَدَّرَكَ مِنَ السَّعادَةِ أوِ الشَّقاءِ ، إِلى أَجَلٍ مِنَ البَقاءِ مُتَعَقِّبٌ لا شَكَّ بِالفَناءِ ، أأنتَ خَلَقتَ نَفسَكَ ، وسَوَّيتَ جِسمَكَ ، ونَفَختَ روحَكَ ؟ إِن كُنتَ فَعَلتَ ذلِكَ وأنتَ النُّطفَةُ المَهينَةُ ، وَالعَلَقَةُ المُستَضعَفَةُ ، وَالجَنينُ المَصرورُ في صُرَّةٍ ، فَأَنتَ الآنَ في كَمالِ أَعضائِكَ ، وطَراءَةِ مائِكَ ، وتَمامِ مَفاصِلِكَ ، ورَيَعانِ شَبابِك ، أَقوى وأَقدَرُ ؛ فَاخلُق لِنَفسِكَ عُضوا آخَرَ ، وَاستَجلِب قُوَّةً إِلى قُوَّتِكَ ، وإِن كُنتَ أنتَ دَفَعتَ عَن نَفسِكَ في تِلكَ الأَحوالِ طارِقاتِ الأَوجاعِ وَالأَعلالِ ، فَادفَع عَن نَفسِكَ الآنَ أَسقامَكَ ، ونَزِّه عَن بَدَنِكَ آلامَكَ ، وإِن كُنتَ أنتَ نَفَختَ الرّوحَ في بَدَنِكَ وجَلَبتَ الحَياةَ الَّتي تُمسِكُكَ ، فَادفَعِ المَوتَ إِذا حَلَّ بِكَ ، وأبقِ يَوما واحِدا عِندَ حُضورِ أَجَلِكَ . فَإِن لَم تَقدِر أَيُّهَا الإِنسانُ عَلى شَيءٍ مِن ذلِكَ ، وعَجَزتَ عَنهُ كُلِّهِ ، فَاعلَم أنَّكَ
.
ص: 137
حَقّا مَخلوقٌ ، وأنّي أنَا الخالِقُ ، وأنَّكَ أنتَ العاجِزُ ، وأنّي أنَا القَوِيُّ القادِرُ ، فَاعرِفني حينَئِذٍ وَاعبُدني حَقَّ عِبادَتي ، وَاشكُر لي نِعمَتي أَزِدكَ مِنها ، وَاستَعِذ بي مِن سُخطَتي أُعِذكَ مِنها ؛ فَإِنّي أنَا اللّهُ الَّذي لا أعبَأُ بِما أَخلُقُ ، ولا أَتعَبُ ولا أَنصَبُ فيما أَرزُقُ ، ولا أَلغَبُ ، إِنّما أَمري إِذا أَرَدتُ شَيئا أن أَقولَ لَهُ كُن فَيَكونُ . (1)
2 / 4تَصويرُ الجَنينِ فِي الرَّحِمِالكتاب«هُوَ الَّذِى يُصَوِّرُكُمْ فِى الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » . (2)
«يَ_أَيُّهَا الْاءِنسَ_نُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ » . (3)
«خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ » . (4)
«اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَ السَّمَاءَ بِنَاءً وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَ_تِ ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَ__لَمِينَ » . (5)
«هُوَ اللَّهُ الْخَ__لِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » . (6)
«لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَ_نَ فِى كَبَدٍ » . (7)
.
ص: 138
«مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا » . (1)
«يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَ_تِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِى ظُ_لُمَ_تٍ ثَلَ_ثٍ ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ» . (2)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَلَقَدْ خَلَقْنَ_كُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَ_كُمْ» (3) _: أمّا «خَلَقْنَ_كُمْ» ؛ فَنُطفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضغَةً ، ثُمَّ عَظما ثمَّ لَحما ، وأمّا «صَوَّرْنَ_كُمْ» ؛ فَالعَينَ وَالأَنفَ وَالأُذُنَينِ وَالفَمَ وَاليَدَينِ وَالرِّجلَينِ صَوَّرَ هذا ونَحوَهُ ، ثُمَّ جَعَلَ الدَّميمَ وَالوَسيمَ وَالطَّويلَ وَالقَصيرَ وأَشباهَ هذا . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ يَقولُ في كِتابِهِ : «لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَ_نَ فِى كَبَدٍ» يَعني : مُنتَصِبا في بَطنِ أُمِّهِ ، مَقاديمُهُ إِلى مَقاديمِ أُمِّهِ ، ومَاخيرُهُ إِلى مَاخيرِ أُمِّهِ ، غِذاؤُهُ مِمّا تَأكُلُ أُمُّهُ ، ويَشرَبُ مِمّا تَشرَبُ أُمُّهُ ، تُنَسِّمُهُ (5) تَنسيما . (6)
علل الشرائع عن حمّاد بن عثمان :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : إِنّا نَرَى الدَّوابَّ في بُطونِ أَيديهَا الرُّقعَتَينِ مِثلَ الكَيِّ ؛ فَمِن أيِّ شَيءٍ ذلِكَ ؟ فَقالَ : ذلِكَ موَضِعُ مِنخَرَيهِ في بَطنِ أُمِّهِ وَابنُ آدَمَ مُنتَصِبٌ في بَطنِ أُمِّهِ ، وذلِكَ قَولُ اللّهِ تَعالى : «لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَ_نَ فِى
.
ص: 139
كَبَدٍ» وما سِوَى ابنِ آدَمَ فَرَأسُهُ في دُبُرِهِ ويَداهُ بَينَ يَدَيهِ . (1)
تفسير القمّي : «لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَ_نَ فِى كَبَدٍ» أي مُنتَصِبا ولَم يُخلَق مِثلُهُ شَيءٌ . (2)
تفسير ابن أبي حاتم عن أبي ذرّ :قالَ رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله : إذا مَكَثَ المَنِيُّ فِي الرَّحِمِ أربَعينَ لَيلَةً أتاهُ مَلَكُ النُّفوسِ فَعَرَجَ بِهِ إلىَ الرَّبِّ فَيَقولُ : يا رَبِّ أذَكَرُ أم اُنثى؟ فَيَقضِي اللّهُ ما هُوَ قاضٍ فَيَقولُ : أشَقِيٌّ أم سَعيدٌ؟ فَيُكتَبُ ما هُوَ لاقٍ . وقَرَأَ أبو ذَرٍّ مِن فاتِحَةِ التَّغابُنِ خَمسَ آياتٍ (3) إلى قَولِهِ : «وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ» . (4)
الإمام الحسين عليه السلام :أَقبَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : يا أَبَا الحَسَنِ ... ما أَوَّلُ نِعمَةٍ بَلاكَ اللّهُ عز و جل وأَنعَمَ عَلَيكَ بِها ؟ قالَ : أن خَلَقَني _ جَلَّ ثَناؤُهُ _ ولَم أَكُ شَيئا مَذكورا . قالَ : صَدَقتَ ، فَمَا الثّانِيَةُ؟ قالَ : أن أَحسَنَ بي إِذ خَلَقَني فَجَعَلَني حَيّا لا مَيِّتا . قالَ : صَدَقتَ ، فَمَا الثّالِثَةُ ؟ قالَ : أن أَنشَأَني _ فَلَهُ الحَمدُ _ في أَحسَنِ صورَةٍ وأعدَلِ تَركيبٍ .
.
ص: 140
قالَ : صَدَقتَ . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :إِذا وَقَعَتِ النُّطفَةُ فِي الرَّحِمِ استَقَرَّت فيها أَربَعينَ يَوما ، وتَكونُ عَلَقَةً أَربَعينَ يَوما ، وتَكونُ مُضغَةً أَربَعينَ يَوما ، ثُمَّ يَبعَثُ اللّهُ مَلَكَينِ خَلّاقَينِ فَيُقالُ لَهُما : اُخلُقا كَما يُريدُ اللّهُ ذَكَرا أو أُنثى ، صَوِّراهُ واكتُبا أَجَلَهُ ورِزقَهُ ومَنِيَّتَهُ وشَقِيّا أو سَعيدا ، وَاكتُبا للّهِِ الميثاقَ الَّذي أَخَذَهُ عَلَيهِ فِي الذَّرِّ بَينَ عَينَيهِ ، فَإِذا دَنا خُروجُهُ مِن بَطنِ أُمِّهِ بَعَثَ اللّهُ إِلَيهِ مَلَكا يُقالُ لَهُ زاجِرٌ فَيَزجُرُهُ ، فَيَفزَعُ فَزَعا فَيَنسَى الميثاقَ ويَقَعُ إِلَى الأَرضِ يَبكي مِن زَجرَةِ المَلَكِ . (2)
عنه عليه السلام_ في ذِكرِ أطوارِ الخِلقَةِ _: ثُمَّ يَبعَثُ اللّهُ مَلَكَينِ خَلّاقَينِ يَخلُقانِ فِي الأَرحامِ ما يَشاءُ اللّهُ ، فَيَقتَحِمانِ في بَطنِ المَرأَةِ مِن فَمِ المَرأَةِ فَيَصلانِ إِلَى الرَّحِمِ ، وفيهَا الرّوحُ القَديمَةُ المَنقولَةُ في أَصلابِ الرِّجالِ وَأَرحامِ النِّساءِ ، فَيَنفُخانِ فيها روحَ الحَياةِ وَالبَقاءِ ، ويَشُقّانِ لَهُ السَّمعَ وَالبَصَرَ وجَميعَ الجَوارِحِ وجَميعَ ما فِي البَطنِ بِإِذنِ اللّهِ ، ثُمَّ يوحِي اللّهُ إِلَى المَلَكَينِ : اُكتُبا عَلَيهِ قَضائي وقَدَري ونافِذَ أَمري ، وَاشتَرِطا لِيَ البَداءَ فيما تَكتُبانِ ، فَيَقولانِ : يا رَبِّ ما نَكتُبُ ؟ فَيوحِي اللّهُ إِلَيهِما أنِ ارفَعا رُؤوسَكُما إِلى رَأسِ أُمِّهِ ، فَيَرفَعانِ رُؤوسَهُما ، فَإِذَا اللَّوحُ يَقرَعُ جَبهَةَ أُمِّهِ ، فَيَنظُرانِ فيهِ ، فَيَجِدانِ فِي اللَّوحِ صورَتَهُ وزينَتَهُ وأَجَلَهُ وميثاقَهُ شَقِيّا أو سَعيدا وجَميعَ شَأنِهِ . قالَ : فَيُملي أَحَدُهُما عَلى صاحِبِهِ فَيَكتُبانِ جَميعَ ما فِي اللَّوحِ ويَشتَرِطانِ البَداءَ فيما يَكتُبانِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ في بَيانِ كَيفِيَّةِ نُشوءِ الأَبدانِ _: أَوَّلُ ذلِكَ تَصويرُ الجَنينِ فِي
.
ص: 141
الرَّحِمِ حَيثُ لا تَراهُ عَينٌ ولا تَنالُهُ يَدٌ، ويُدَبِّرُهُ حَتّى يَخرُجَ سَوِيّا مُستَوفِيا جَميعَ ما فيهِ قِوامُهُ وصَلاحُهُ مِنَ الأَحشاءِ وَالجَوارِحِ وَالعَوامِلِ ، إِلى ما في تَركيبِ أَعضائِهِ مِنَ العِظامِ وَاللَّحمِ وَالشَّحمِ وَالمُخِّ وَالعَصَبِ وَالعُروقِ وَالغَضاريفِ ، فَإِذا خَرَج إِلَى العالَمِ تَراهُ كَيفَ يَنمي بِجَميعِ أَعضائِهِ ، وهُوَ ثابِتٌ عَلى شَكلٍ وهَيئَةٍ لا تَتَزايَدُ ولا تَنقُصُ ، إِلى أن يَبلُغَ أشُدَّهُ ، إِن مُدَّ في عُمُرِهِ أو يَستَوفِي مُدَّتَهُ قَبلَ ذلِكَ، هَل هذا إِلّا مِن لَطيفِ التَّدبيرِ وَالحِكمَةِ؟ (1)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ إِذا أرادَ أن يَخلُقَ خَلقا جَمَعَ كُلَّ صورَةٍ بَينَهُ وبَينَ آدَمَ ، ثُمَّ خَلَقَهُ عَلى صورَةِ إِحداهُنَّ ، فَلا يَقولَنَّ أَحَدٌ لِوَلَدِهِ هذا لا يُشبِهُني ولا يُشبِهُ شَيئا مِن آبائي . (2)
عنه عليه السلام_ لِلمُفَضَّل بنِ عُمَرَ _: نَبتَدِئُ _ يا مُفَضَّلُ _ بِذِكرِ خَلقِ الإِنسانِ فَاعتَبِر بِهِ؛ فَأَوَّلُ ذلِكَ ما يُدَبَّرُ بِهِ الجَنينُ فِي الرَّحِمِ ، وهُوَ مُحجوبٌ في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ : ظُلمَةِ البَطنِ، وظُلمَةِ الرَّحِمِ، وظُلمَةِ المَشيمَةِ، حَيثُ لا حيلَةَ عِندَهُ فيطَلَبِ غِذاءٍ ولادَفعِ أذىً، ولَا استِجلابِ مَنفَعَةٍ ولادَفعِ مَضَرَّةٍ؛ فَإِنَّهُ يَجري إِلَيهِ مِن دَمِ الحَيضِ ما يَغذوهُ كَما يَغذُو الماءُ النَّباتَ ، فَلا يَزالُ ذلِكَ غِذاؤُهُ حَتّى إِذا كَمُلَ خَلقُهُ، وَاستَحكَمَ بَدَنُهُ، وقَوِيَ أَديمُهُ عَلى مُباشَرَةِ الهَواءِ ، وبَصَرُهُ عَلى مُلاقاةِ الضِّياءِ، هاجَ الطَّلقُ بِأُمِّهِ فَأَزعَجَهُ أَشَدَّ إِزعاجٍ وأَعنَفَهُ حَتّى يولَدَ، و إِذا وُلِدَ صُرِفَ ذلِكَ الدَّمُ الَّذي كانَ يَغذوهُ مِن دَمِ أُمِّهِ إِلى ثَديَيها، فَانقَلَبَ الطَّعمُ وَاللَّونُ إِلى ضَربٍ آخَرَ مِنَ الغِذاءِ ، وهُوَ أَشَدُّ مُوافَقَةً لِلمَولودِ مِنَ الدَّمِ ، فَيُوافيهِ في وَقتِ حاجَتِهِ إِلَيهِ ، فَحينَ يُولَدُ قَد تَلَمَّظَ وحَرَّكَ شَفَتَيهِ طَلَبا لِلرِّضاعِ فَهُوَ يَجِدُ ثَديَي أُمِّهِ كَالإداوَتَينِ (3) المُعَلَّقَتَينِ
.
ص: 142
لِحاجَتِهِ إِلَيهِ ، فَلا يَزالُ يَغتَذي بِاللَّبَنِ ما دامَ رَطبَ البَدَنِ ، رَقيقَ الأَمعاءِ ، لَيِّنَ الأَعضاءِ ، حَتّى إِذا تَحَرَّكَ وَاحتاجَ إِلى غِذاءٍ فيهِ صَلابَةٌ لِيَشتَدَّ ويَقوى بَدَنُهُ طَلَعَت لَهُ الطَّواحِنُ مِنَ الأَسنانِ وَالأَضراسِ ، لِيَمضَغَ بِهِ الطَّعامَ فَيَلينَ عَلَيهِ ويَسهُلَ لَهُ إِساغَتُهُ ، فَلا يَزالُ كَذلِكَ حَتّى يُدرِكَ ، فَإِذا أَدرَكَ وكانَ ذَكَرا طَلَعَ الشَّعرُ في وَجهِهِ ، فَكانَ ذلِكَ عَلامَةَ الذَّكَرِ وعِزَّ الرَّجُلِ الَّذي يَخرُجُ بِهِ مِن حَدِّ الصِّبا وشَبَهَ النِّساءِ ، وإِن كانَت أُنثى يَبقى وَجهُها نَقِيّا مِنَ الشَّعر ، لِتَبقى لَهَا البَهجَةُ وَالنَّضارَةُ الَّتي تُحَرِّكُ الرِّجالَ لِما فيهِ دَوامُ النَّسلِ وبَقاؤُهُ . اِعتَبِر _ يا مُفَضَّلُ _ فيما يُدَبَّرُ بِهِ الإِنسانُ في هذِهِ الأَحوالِ المُختَلِفَةِ ، هَل تَرى يُمكِنُ أن يَكونَ بِالإِهمالِ ؟ أفَرَأَيتَ لَو لَم يَجرِ إِلَيه ذلِكَ الدَّمُ وهُوَ فِي الرَّحِمِ ؛ ألَم يَكُن سَيَذوي (1) ويَجِفُّ كَما يَجِفُّ النَّباتُ إِذا فَقَدَ الماءَ ؟ ولَو لَم يُزعِجهُ المَخاضُ عِندَ استِحكامِهِ ؛ ألَم يَكُن سَيَبقى فِي الرَّحِمِ كَالمَوؤودِ فِي الأَرضِ ؟ ولَو لَم يُوافِقهُ اللَّبَنُ مَعَ وِلادَتِهِ ؛ ألَم يَكُن سَيَموتُ جوعا ، أو يَغتَذي بِغِذاءٍ لا يُلائِمُهُ ولا يَصلَحُ عَلَيهِ بَدَنُهُ ؟ ولَو لَم تَطلَع عَلَيهِ الأَسنانُ في وَقتِها ؛ ألَم يَكُن سَيَمتَنِعُ عَلَيهِ مَضغُ الطَّعامُ وإِساغَتُهُ ، أو يُقيمُهُ عَلَى الرِّضاعِ فَلا يَشُدُّ بَدَنَهُ ، ولا يَصلَحَ لِعَمَلٍ ؟ ثُمَّ كانَ تَشتَغِلُ أُمُّهُ بِنَفسِهِ عَن تَربِيَةِ غَيرِهِ مِنَ الأَولادِ ، ولَو لَم يَخرُجِ الشَّعرُ في وَجهِهِ في وَقتِهِ ؛ ألَم يَكُن سَيَبقى في هَيئَةِ الصِّبيانِ وَالنِّساءِ ؛ فَلا تَرى لَهُ جَلالَةً ولا وَقارا ؟ فَإِن كانَ الإِهمالُ يَأتي بِمِثلِ هذَا التَّدبيرِ فَقَد يَجِبُ أن يَكونَ العَمدُ وَالتَّقديرُ يَأَتِيانِ بِالخَطَاَ وَالمُحالِ ؛ لِأَنَّهُما ضِدُّ الإِهمالِ ، وهذا فَظيعٌ مِنَ القَولِ ، وجَهلٌ مِن قائِلِهِ ؛ لِأَنَّ الإِهمالَ لا يَأتي بِالصَّوابِ ، وَالتَّضادَّ لا يَأتي بِالنِّظامِ ، تَعالَى اللّهُ عَمّا يَقولُ المُلحِدونَ عُلُوّا كَبيرا . (2)
.
ص: 143
2 / 5نَفخُ الرّوحِ في الجَنينِالكتاب«وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَ_نَ مِن سُلَ__لَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَ_هُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَ_مًا فَكَسَوْنَا الْعِظَ_مَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَ_هُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَ__لِقِينَ » . (1)
«كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنتُمْ أَمْوَ تًا فَأَحْيَ_كُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » . (2)
راجع : الحجّ : 66 ، الجاثية : 26 ، 56 .
الحديثالإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «ثُمَّ أَنشَأْنَ_هُ خَلْقًا ءَاخَرَ» _: هُوَ نَفخُ الرّوحِ فيهِ . (3)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ عز و جل إِذا أَرادَ أن يَخلُقَ النُّطفَةَ الَّتي مِمّا أَخَذَ عَلَيها الميثاقَ في صُلبِ آدَمَ أو ما يَبدو لَهُ فيهِ ويَجعَلَها فِي الرَّحِمِ حَرَّكَ الرَّجُلَ لِلجِماعِ ، وأَوحى إِلَى الرَّحِمِ أنِ افتَحي بابَكِ حَتّى يَلِجَ فيكَ خَلقي وقَضائِيَ النّافِذُ وقَدَري ، فَتَفتَحُ الرَّحِمُ بابَها ، فَتَصِلُ النُّطفَةُ إِلَى الرَّحِمِ ، فَتَرَدَّدُ فيهِ أَربَعينَ يَوما ، ثُمَّ تَصيرُ عَلَقَةً أَربَعينَ يَوما ، ثُمَّ تَصيرُ مُضغَةً أَربَعينَ يَوما ، ثُمَّ تَصيرُ لَحما تَجري فيهِ عُروقٌ مُشتَبِكَةٌ . ثُمَّ يَبعَثُ اللّهُ مَلَكَينِ خَلّاقَينِ يَخلُقانِ فِي الأَرحامِ ما يَشاءُ اللّهُ ، فَيَقتَحِمانِ في بَطنِ المَرأَةِ مِن فَمِ المَرأَةِ ، فَيَصِلانِ إِلَى الرَّحِمِ وفيهَا الرّوحُ القَديمَةُ المَنقولَةُ في أصلابِ
.
ص: 144
الرِّجالِ وأَرحامِ النِّساءِ ، فَيَنفُخانِ فيها روحَ الحَياةِ وَالبَقاءِ ، ويَشُقّانِ لَهُ السَّمعَ وَالبَصَرَ وجَميعَ الجَوارِحِ وجَميعَ ما فِي البَطنِ بِإِذنِ اللّهِ . (1)
الإمام الصّادق عليه السلام_ فِي الجَنينِ _: إِذا بَلَغَ أَربَعَةَ أشهُرٍ فَقَد صارَت فيهِ الحَياةُ ، وقَدِ استَوجَبَ الدِّيَةَ . (2)
2 / 6اِختِلافُ الأَلسِنَةِ وَالأَلوانِالكتاب«وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ خَلْقُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَاخْتِلَ_فُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوَ نِكُمْ إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّلْعَ__لِمِينَ». (3)
«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَ تٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَ نُهَا وَ مِنَ الْجِبَالِ جُدَد بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَ نُهَا وَ غَرَابِيبُ سُودٌ * وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعَ_مِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَ نُهُ كَذَ لِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَ_ؤُاْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ » . (4)
الحديثمجمع الزوائد عن ابن عبّاس :جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : أيَصبِغُ رَبُّكَ ؟ فقالَ : نَعَم ، صِباغا لا يَنفَضُّ ؛ أَحمَرَ وأَصفَرَ وأَبيَضَ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: تَأَمَّل _ يا مُفَضَّلُ _ ما أَنعَمَ اللّهُ تَقَدَّسَت أَسماؤُه
.
ص: 145
بِهِ عَلَى الإِنسانِ ، مِن هذَا النُّطقِ الَّذي يُعَبِّرُ بِهِ عَمّا في ضَميرِهِ ، وما يَخطُرُ بِقَلبِهِ ، ونَتيجَةِ فِكرِهِ ، وبِهِ يَفهَمُ عَن غَيرِهِ ما في نَفسِهِ ، ولَو لا ذلِكَ كانَ بِمَنزِلَةِ البَهائِمِ المُهمَلَةِ ، الَّتي لا تُخبِرُ عَن نَفسِها بِشَيءٍ ، ولا تَفهَمُ عَن مُخبِرٍ شَيئا . (1)
2 / 7الرَّزقالكتاب«يَ_أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَ__لِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ » . (2)
«اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَ لِكُم مِّن شَىْ ءٍ سُبْحَ_نَهُ وَ تَعَ_لَى عَمَّا يُشْرِكُونَ » . (3)
«قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ» . (4)
«قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَ الأَْبْصَ_رَ وَ مَن يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَ مَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ » . (5)
«أَمَّن يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَ_هٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَ_نَكُمْ إِن كُنتُمْ صَ_دِقِينَ » . (6)
.
ص: 146
«أَمَّنْ هَ_ذَا الَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِى عُتُوٍّ وَ نُفُورٍ » . (1)
راجع: الأنفال : 26 ، النحل : 72 ، غافر : 64 ، البقرة : 22 و172 ، الجاثية : 5 ، إبراهيم : 32 ، الذاريات : 58 .
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام :قَالَ عز و جل : «فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَ تِ رِزْقًا لَّكُمْ» يَعني : مِمّا يُخرِجُهُ مِنَ الأَرضِ رِزقا لَكُم ، «فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا» أي : أَشباها وأَمثالاً مِنَ الأَصنامِ الَّتي لا تَعقِلُ ولا تَسمَعُ ولا تُبصِرُ ولا تَقدِرُ عَلى شَيءٍ ، «وَ أَنتُمْ تَعْلَمُونَ» (2) أنَّها لا تَقدِرُ عَلى شَيءٍ مِن هذِهِ النِّعَمِ الجَليلَةِ الَّتي أَنعَمَها عَلَيكُم رَبُّكُم _ تَبارَكَ وتَعالى _ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :تَمورُ في بَطنِ أُمِّكَ جَنينا ، لا تُحيرُ دُعاءً ولا تَسمَعُ نِداءً ، ثُمَّ أُخرِجتَ مِن مَقَرِّكَ إِلى دارٍ لَم تَشهَدها ، ولَم تَعرِف سُبُلَ مَنافِعِها ؛ فَمَن هَداكَ لِاجتِرارِ الغِذاءِ مِن ثَديِ أُمِّكَ، وعَرَّفَكَ عِندَالحاجَةِ مَواضِعَ طَلَبِكَ وإِرادَتِكَ ؟ (4)
الإمام الحسين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: أنتَ الَّذي رَزَقتَ ، أنتَ الَّذي أَعطَيتَ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :ما أَقبَحَ بِالرَّجُلِ يَأتي عَلَيهِ سَبعونَ سَنَةً ، أو ثَمانونَ سَنَةً ، يَعيشُ في مُلكِ اللّهِ ، ويَأكُلُ مِن نِعَمِهِ ، لا يَعرِفُ اللّهَ حَقَّ مَعرِفَتِهِ . (6)
بحار الأنوار عن صُحف إدريس عليه السلام :يا أَيُّهَا الإِنسانُ ، اُنظُر وتَدَبَّر ، وَاعقِل وتَفَكَّر ، هَل
.
ص: 147
لَكَ رازِقٌ سِوايَ يَرزُقُكَ ؟ أو مُنعِمٌ غَيري يُنعِمُ عَلَيكَ ؟ ألَم أُخرِجكَ مِن ضيقِ مَكانِكَ فِي الرَّحِمِ إِلى أَنواعٍ مِنَ النِّعَمِ ؟ أخرَجتُكَ مِنَ الضّيقِ إِلَى السَّعَةِ ، ومِنَ التَّعَبِ إِلَى الدَّعَةِ ، ومِنَ الظُّلمَةِ إِلَى النّورِ ، ثُمَّ عَرَفتُ ضَعفَكَ عَمّا يُقيمُكَ ، وعَجزَكَ عَمّا يَفوتُكَ ، فَأَدرَرتُ لَكَ مِن صَدرِ أُمِّكَ عَينَينِ مِنهُما طَعامُكَ وشَرابُكَ ، وفيهِما غِذاؤُكَ ونَماؤُكَ ، ثُمَّ عَطَفتُ بِقَلبِها عَلَيكَ ، وصَرَفتُ بِوُدِّها إِلَيكَ ، كَي لا تَتَبَرَّمَ بِكَ مَعَ إِيذائِكَ لَها ، ولا تَطرَحَكَ مَعَ إِضجارِك إِيّاها ، ولا تَقَزَّزَكَ مَعَ كَثرَةِ عاهاتِكَ ، ولا تَستَقذِرَكَ مَعَ تَوالي آفاتِكَ وقاذوراتِكَ ، تَجوعُ لِتُشبِعَكَ ، وتَظمَأُ لِتُروِيَكَ ، وتَسهَرُ لِتُرقِدَكَ ، وتَنصَبُ لِتُريحَكَ ، وتَتعَبُ لِتُرفِدَكَ ، وتَتَقَذَّرُ لِتُنظِّفَكَ ، لَولا ما أَلقَيتُ عَلَيها مِنَ المَحَبَّةِ لَكَ لَأَلقَتكَ في أَوّلِ أذىً يَلحَقُها مِنكَ ، فَضلاً عَن أن تُؤثِرَكَ في كُلِّ حالٍ ، ولا تُخَلِّيكَ لَها مِن بالٍ ، ولَو وَكَلتُكَ إِلى وُكدِكَ (1) ، وجَعَلتُ قُوَّتَكَ وقِوامَكَ مِن جُهدِكَ ، لَمُتَّ سَريعا ، وفُتَّ ضائِعا . هذِهِ عادَتي فِي الإِحسانِ إِلَيكَ، وَالرَّحمَةِ لَكَ ، إِلى أن تَبلُغَ أَشُدَّكَ ، وبَعدَ ذلِكَ إِلى مُنتَهى أَجلِكَ ، أُهَيِّئُ لَكَ في كُلِّ وَقتٍ مِن عُمُرِكَ ما فيهِ صَلاحُ أَمرِكَ مِن زِيادَةٍ في خَلقِكَ ، وتَيسيرٍ لِرِزقِكَ ، أُقدِّرُ مُدَّةَ حَياتِكَ قَدرَ كِفايَتِكَ ما لا تَتَجاوَزُهُ وإِن أَكثَرتَ مِنَ التَّعَبِ ، ولا يَفوتُكَ وإِن قَصُرتَ فِي الطَّلَبِ ؛ فَإِن ظَنَنتَ أنَّكَ الجالِبُ لِرِزقِكَ ، فَما لَكَ تَرومُ أن تَزيدَ فيهِ ولا تَقدِرَ ؟ أم ما لَكَ تَتعَبُ في طَلَبِ الشَّيءِ فَلَستَ تَنالُهُ ، ويَأتيكَ غَيرُهُ عَفوا مِمّا لا تَتَفَكَّرُ فيهِ ، ولا تَتَعَنّى لَهُ ، أم ما لَكَ تَرى مَن هُوَ أَشَدُّ مِنكَ عَقلاً وأَكثَرُ طَلَبا مَحروما مَجذوذا ؟ ومَن هُوَ أَضعَفُ مِنكَ عَقلاً وأَقَلُّ طَلَبا مَحروزا مَجدودا ؟ أَتَراكَ أنتَ الَّذي هَيَّأتَ لِمَشرَبِكِ ومَطعَمِكَ سِقاءَينِ في صَدرِ أُمِّكَ ؟ أم
.
ص: 148
تَراكَ سَلَّطتَ عَلى نَفسِكَ وَقتَ السَّلامَةِ الدَّاءَ ، أو جَلَبتَ لَها وَقتَ السُّقمِ الشِّفاءَ ؟ ألا تَنظُرُ إِلَى الطَّيرِ الَّتي تَغدو خِماصا ، وتَروحُ بِطانا ؟ ألَها زَرعٌ تَزرَعُهُ ، أو مالٌ تَجمَعُهُ ، أو كَسبٌ تَسعى فيهِ ، أوِ احتِيالٌ تَتَوَسَّمُ بِتَعاطيهِ ؟ اِعلَم أَيُّهَا الغافِلُ ، أنَّ ذلِكَ كُلَّهُ بِتَقديري ، لا أُنادُّ ولا أُضادُّ في تَدبيري ، ولا يَنقُصُ ولا يَزادُ مِن تَقديري ؛ ذلِكَ أنّي أنَا اللّهُ الرَّحيمُ الحَكيمُ . (1)
2 / 8الطَّيِّبات من الرِّزقالكتاب«اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَ السَّمَاءَ بِنَاءً وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَ_تِ ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَ__لَمِينَ » (2)
«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَ_تِ مَا رَزَقْنَ_كُمْ وَ اشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ » . (3)
راجع : البقرة : 57 ، الأعراف : 32 و160 ، الأنفال : 26 ، النحل : 72 ، الإسراء : 70 ، طه : 81 ، المؤمنون : 51 .
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعاءٍ لَهُ فِي التَّحميدِ للّهِِ عز و جل _: الحَمدُ للّهِِ الَّذِي اختارَ لَنا مَحاسِنَ الخَلقِ ، وأَجرى عَلَينا طَيِّباتِ الرِّزقِ ، وجَعَلَ لَنا الفَضيلَةَ بِالمَلَكَةِ عَلى جَميعِ الخَلقِ ، فَكُلُّ خَليقَتِهِ مُنقادَةٌ لَنا بِقُدرَتِهِ ، وصائِرَةٌ إِلى طاعَتِنا بِعِزَّتِهِ . (4)
.
ص: 149
2 / 9شَهوَةُ الأَكلِالكافي عن عبد اللّه بن بكير عن رجل :أمَرَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام بِلَحمٍ فَبُرِّدَ ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ مِن بَعدُ ، فَقالَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَني أَشتَهيهِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: فَكِّر _ يا مُفَضَّلُ _ فِي الأَفعالِ الَّتي جُعِلَت فِي الإِنسانِ مِنَ الطَّعمِ وَالنَّومِ وَالجِماعِ وما دُبِّرَ فيها ؛ فَإِنَّهُ جُعِلَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنها فِي الطِّباعِ نَفسِهِ مُحَرِّكٌ يَقتَضيهِ ويَستَحِثُّ بِهِ . . . ولَو كانَ الإِنسانُ إِنَّما يَصيرُ إِلى أَكلِ الطَّعامِ لِمَعرِفَتِهِ بِحاجَةِ بَدَنِهِ إِلَيهِ ، ولَم يَجِد مِن طِباعِهِ شَيئا يَضطَرُّهُ إِلى ذلِكَ ؛ كانَ خَليقا أن يَتَوانى عَنهُ أَحيانا بِالتَّثَقُّلِ وَالكَسَلِ ، حَتّى يَنحَلَّ بَدَنُهُ فَيَهلِكَ . (2)
2 / 10وُصولُ الغِذاءِ إلَى البَدَنِالإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفضَّلِ بنِ عُمَرَ _: فَكِّر _ يا مُفَضَّلُ _ في وُصولِ الغِذاءِ إِلَى البَدَنِ وما فيهِ مِنَ التَّدبيرِ ؛ فَإِنَّ الطَّعامَ يَصيرُ إِلَى المِعدَةِ فَتَطبَخُهُ ، وتَبعَثُ بِصَفوِهِ إِلَى الكَبِدِ في عُروقٍ رِقاقٍ واشِجَةٍ (3) بَينَها ، قَد جُعِلَت كَالمَصفى لِلغِذاءِ ، لِكَيلا يَصِلَ إِلَى الكَبِدِ مِنهُ شَيءٌ فَيَنكَأَها ، وذلِكَ أنَّ الكَبِدَ رَقيقَةٌ لا تَحتَمِلُ العُنفَ ، ثُمَّ إِنّ الكَبِدَ تَقبَلُهُ ، فَيَستَحيلُ بِلُطفِ التَّدبيرِ دَما ، ويَنفُذُ إِلَى البَدَنِ كُلِّهِ في مَجاري مُهَيَّأَةٍ لِذلِكَ ، بِمَنزِلَةِ
.
ص: 150
المَجارِي الَّتي تُهَيَّأُ لِلماءِ حَتّى يَطَّرِدَ فِي الأَرضِ كُلِّها ، ويَنفُذُ ما يَخرُجُ مِنهُ مِنَ الخَبَثِ وَالفُضولِ إِلى مَفائِضَ قَد أُعِدَّت لِذلِكَ ، فَما كانَ مِنهُ مِن جِنسِ المِرَّةِ الصَّفراءِ جَرى إِلَى المَرارَةِ ، وما كانَ مِن جِنسِ السَّوداءِ جَرى إِلَى الطِّحالِ ، وما كانَ مِنَ البُلَّةِ وَالرُّطوبَةِ جَرى إِلَى المَثانَةِ . فَتَأَمَّل حِكمَةَ التَّدبيرِ فِي تَركيبِ البَدَنِ ، ووَضعِ هذِهِ الأَعضاءِ مِنهُ مَواضِعَها ، وإِعدادِ هذِهِ الأَوعِيَةِ فيهِ لِتَحمِلَ تِلكَ الفُضولَ ، لِئَلّا تَنتَشِرَ فِي البَدَنِ فَتُسقِمَهُ وتَنهَكَهُ ، فَتَبارَكَ مَن أَحسَنَ التَّقديرَ وأَحكَمَ التَّدبيرَ ، ولَهُ الحَمدُ كَما هُوَ أَهلُهُ ومُستَحِقُّهُ . (1)
2 / 11النَّومالكتاب«وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ مَنَامُكُم بِالَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ ابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ » . (2)
«أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا الَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَ النَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » . (3)
راجع : الفرقان : 47 ، النبأ : 9 ، الزمر : 42 .
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ لِلمفُضَّلِ بنِ عُمَرَ _: فَكِّر _ يا مُفَضَّلُ _ فِي الأَفعالِ الَّتي جُعِلَت فِي الإِنسان مِنَ الطَّعمِ وَالنَّومِ . . . لَو كانَ إِنَّما يَصيرُ إِلَى النَّومِ بِالتَّفَكُّرِ في حاجَتِهِ إِلى راحَةِ البَدَنِ وإِجمامِ قُواهُ كانَ عَسى أن يَتَثاقَلَ عَن ذلِكَ فَيَدمَغَهُ حَتّى يَنهَكَ بَدنُهُ . (4)
.
ص: 151
2 / 12اللِّباسالكتاب«يَ_بَنِى ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَ رِى سَوْءَ تِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَ لِكَ خَيْرٌ ذَ لِكَ مِنْ ءَايَ_تِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ » . (1)
«وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِ_لَ_لاً وَ جَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَ_نًا وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرَ بِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرَ بِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَ لِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ » . (2)
«وَ تَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا» . (3)
راجع: فاطر: 12 .
الحديثالإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تعالى : «يَ_بَنِى ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَ رِى سَوْءَ تِكُمْ وَرِيشًا...» _: فَأَمَّا اللِّباسُ فَالثِّيابُ الَّتي يَلبَسونَ ، وأمَّا الرِّياشُ فَالمَتاعُ وَالمالُ ، وأمّا لِباسُ التَّقوى فَالعَفافُ ؛ لِأَنَّ العَفيفَ لا تَبدو لَهُ عُورَةٌ وإِن كانَ عارِيا مِنَ الثِّيابِ ، وَالفاجِرُ بادِي العَورَةِ وإِن كان كاسِيا مِنَ الثِّيابِ ، يَقولُ : «وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَ لِكَ خَيْرٌ» يَقولُ : العَفافُ خَيرٌ «ذَ لِكَ مِنْ ءَايَ_تِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» . (4)
.
ص: 152
2 / 13البَيتالكتاب«وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَ جَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَ_مِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَ مِنْ أَصْوَافِهَا وَ أَوْبَارِهَا وَ أَشْعَارِهَا أَثَ_ثًا وَ مَتَ_عًا إِلَى حِينٍ » . (1)
الحديثالإمامُ الباقرُ عليه السلام_ في قولِ اللّه : «لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا كَذَ لِكَ» _: لَم يَعْلَم_وا صَنْعَةَ البُيوتِ . (2)
2 / 14الزوجالكتاب«وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَ جًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » . (3)
«فَاطِرُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَ جًا وَ مِنَ الْأَنعَ_مِ أَزْوَ جًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » . (4)
«وَ اللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَ جًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَ لَا تَضَعُ إِلَا بِعِلْمِهِ وَ مَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَا فِى كِتَ_بٍ إِنَّ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ » . (5)
راجع : الأعراف : 189 ، النحل : 72 ، النجم : 45 ، القيامة : 39 ، النبأ : 8 ، الليل : 3 .
.
ص: 153
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: لَو رَأَيتَ فَردا مِن مِصراعَينِ فيهِ كَلُّوبٌ (1) أكُنتَ تَتَوَهَّمُ أنَّهُ جُعِلَ كَذلِكَ بِلا مَعنىً ؟ بَل كُنتَ تَعلَمُ ضَرورَةً أنَّهُ مَصنوعٌ يَلقى فَردا آخَرَ، فَتَبَرُّزُهُ لِيَكونَ فِي اجتِماعِهِما ضَربٌ مِنَ المَصلَحَةِ، وهكَذا تَجِدُ الذَّكَرَ مِنَ الحَيَوانِ كَأَنَّهُ فَردٌ مِن زَوجٍ مُهَيَّأٌ مِن فَردٍ أُنثى، فَيَلتَقِيانِ لِما فيهِ مِن دَوامِ النَّسلِ وبَقائِهِ ، فَتَبّا وخَيبَةً وتَعسا لِمُنتَحِلِي الفَلسَفَةِ ! كَيفَ عَمِيَت قُلوبُهُم عَن هذِهِ الخِلقَةِ العَجيبَةِ حَتّى أَنكَرُوا التَّدبيرَ وَالعَمدَ فيها؟! (2)
2 / 15أَداةُ التَّعلمِالكتاب«الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْاءِنسَ_نَ مَا لَمْ يَعْلَمْ » . (3)
«وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَ_تِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْ_ئا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصَ_رَ وَ الْأَفْ_ئدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » . (4)
الحديثتفسير القمّيّ : «اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ» قالَ : عَلَّمَ الإِنسانَ الكِتابَةَ الَّتي بِها تَتِمُّ أُمورُ الدُّنيا في مَشارِقِ الأَرضِ ومَغارِبِها . (5)
.
ص: 154
. .
ص: 155
تأمّلات حول آيات معرفة اللّه في خلق الإنسانمن وجهة النظر القرآنية في خلق الإنسان آيات بيّنات ودلالات واضحات تقوده إِلى معرفة اللّه سبحانه ، وهذا يعني أن الإنسان لا يمكن أن يرى نفسه دون أن يرى ربّه ، أو يكون عارفا بنفسه وغير عارفٍ بربّه ، ففي القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدّث عن هذا الموضوع ، يمكن تقسيمها موضوعيا إِلى تسعة أقسام ، فيما يلي توضيح موجز (1) حول هذه الآيات :
1 . خلق الإنسان من ترابإِنّ الباحث في كيفية السير التكاملي للتراب والتفاعلات الّتي تحدث في هذه المادة الجامدة حتّى تصير إِنسانا ، يلاحظ مدى النظم والحكمة والتدبير ، بالقدر الذي لو كان يتحلّى بأَدنى حدٍّ من الإنصاف فليس له إِلّا الاعتراف بالخالق الحكيم والإذعان للمدبّر العالم القادر . فالقرآن الكريم يتضمّن نظريات دقيقة تلفت النظر حول المواد الأَوليّة الّتي
.
ص: 156
تشكّل النواة الأُولى لخلق الإنسان ، وقد أَذعن التطور العلمي بصحّتها وصحّة ارتباط هذا الكتاب السماوي بمصدر الوحي الإلهي . إِنّ التراب (1) من وجهة النظر القرآنية عبارة عن عصارة الطين (2) والماء (3) والعَلق (4) والنطفة (5) ، وتلك مبادئ خلق الإنسان التي تجعل من العقل حين يتأَمّلها ويتأَمّل السير التكاملي للتراب حتّى يصير إِنسانا كاملاً ، لا مناص له إِلّا الاعتراف بالخالق القادر الحكيم ، وممّا يجدر ذكره أنّه قبل أَربعة عشر قرنا وفي الأجواء التي كان الناس يعتقدون فيها بأن المرأة هي مجرد وعاء لخلق الإنسان وليس لها أي دور في وجوده ، إِنّ القرآن الكريم يصرّح بواضح العبارة بأنّ النواة الأُولى في خلق الإنسان مَزيجٌ من نطفة الرجل والمرأة ، قال تعالى : «إِنَّا خَلَقْنَا الْاءِنسَ_نَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ» (6) . (7)
2 . تصوير الجنينبعد تكميل المواد اللازمة لإنشاء البدن وتهيئتها لأَجل تصوير الجنين ، يفصل الخالق العالم القادر خلايا الدماغ والعين والأُذن والقلب واليد والرِّجْل وسائر الأَعضاء بعضها عن بعض ، وتتعرف كلّ واحدة على واجبها ، ثُمّ يصوّره وفق ما توجبه حكمته البالغة ، قال تعالى : «هُوَ الَّذِى يُصَوِّرُكُمْ فِى الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ
.
ص: 157
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (1) .
3 . إيجاد الحياةإِنّ القرآن الكريم يوعز في موارد متعددة (2) ظاهرة الحياة العجيبة إِلى خالق الكون القادر على كلّ شيء ، ويعتبر ذلك واحدة من الآيات الإلهية والأَدلة التي لا تقبل الإنكار على وجود اللّه تعالى ، فبناءً على هذه الحقيقة يتوجه أَحيانا باللوم إِلى المنكرين ، قال تعالى : «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنتُمْ أَمْوَ تًا فَأَحْيَ_كُمْ» (3) .
4 . النومالنوم هو الأَساس لتجديد القوى المنهكة ورمزٌ للنشاط والحيوية ، وهو يستهلك نحو ثلث عمر الإنسان ، وقد ثبت أن قلّة النوم والأَرَق يؤديان إِلى سلب النشاط والحيوية ، فضلاً عن تلف الأَعصاب وإِنهاك القوى وضعف جهاز التفكّر ، كما أنّ إِدامة الأرق يؤدي إِلى الموت المحقق ، حتّى أنّه قيل : «إِنّه من الممكن بقاء الإنسان حيّا بدون غذاء إِلى ستّة أسابيع ، ولكنه سيموت إِذا لم ينم عشرة أَيام بلياليها» (4) ، بناءً على ما تقدّم فإنّ تدبير النوم لحياة الإنسان واحدة من الدلالات التي تشير إِلى معرفة الخالق _ جل وعلا _ ، قال تعالى : «وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ مَنَامُكُم بِالَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ ابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأيَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» (5) .
.
ص: 158
5 . الرزقإِنّ توفير مصادر التغذية التي يحتاج إِليها الإنسان ، وكلّ الأَحياء الأُخرى والتوفيق بين حاجات الإنسان الغذائية وبين سعيه وجهده الطبيعي ، دليل آخر على التوحيد ومعرفة اللّه سبحانه ، قال تعالى : «هَلْ مِنْ خَ__لِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ» (1) ؟!
6 . الزوجلو فرضنا جدلاً أنّ رجلاً قد خلق عن طريق الصِّدَف المتوالية ، فهل يمكن التصديق بخلق موجود آخر من نفس الجنس باسم المرأة وعن طريق الصدفة أَيضا ، وبعث الطمأنينة في الحياة المشتركة بينهما على أساس العشق والمحبة لأجل الحفاظ على النسل؟! أليس هذا البرهان كافيا لِئَن يُثبت أنّ وراء عالم الوجود خالقا حكيما وقادرا ؟ بلى ، قال تعالى : «وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَ جًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَاوَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (2) .
7 . اللباسإِنّ وجود مصادر اللباس في الأَرض مثل وجود مصادر الغذاء والماء ، يثبت أنّ العالم وُجِد وفق خطّة حكيمة وحسابات دقيقة لم تخفَ فيها عن النظر الثاقب لموجدها حتّى أَبسط المسائل الجزئية مادامت ضرورية لإدامة الحياة ، إِنه يعلم أنّ الإنسان لا يمتلك المقاومة إِزاء الحرّ والبرد مثل باقي الحيوانات ، فضلاً عن أنّ رعاية شؤون العفّة والحفاظ على القيم الأَخلاقية لا يتيسران بدون وجود اللباس ،
.
ص: 159
من هنا وفّر الخالق للإنسان المصارد التي يحتاج إِليها لأَجل تهيئة اللباس والمسكن ، كما وفّر له المواد اللازمة لصناعة الملابس التي يحتاج إِليها للزينة أو تلك التي ضرورية في الحرب ، قال تعالى : «وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ... » وقال : «قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَ رِى سَوْءَ تِكُمْ» وقال : «وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرَ بِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرَ بِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ» وقال : «تَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا» (1) .
8 . أَدوات استيعاب العلمإِنّ تدارك الأَدوات الداخلية والخارجية لاستيعاب العلم آية أُخرى تضاف إِلى آيات خلق الإنسان ، ودليل آخر يضاف إِلى إِثبات التوحيد ومعرفة الخالق . لقد وفّر الخالق الحكيم من ناحية أَدوات استيعاب العلم في بواطن وجود الإنسان ، قال تعالى : «وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَ_تِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْ_ئا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصَ_رَ وَ الْأَفْ_ئدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (2) . ومن ناحية أُخرى وفّر له أَنواع اللوازم والآلات الضرورية الخارجية للقراءة والكتابة ودراسة العلم . إِنّ النقطة التي تجدر الإشارة إِليها هي أن القرآن الكريم أَقسم بالقلم والكتاب من بين أَدوات التعليم والتعلم ، قال تعالى : «ن وَ الْقَلَمِ وَ مَا يَسْطُرُونَ» وذلك لأنّ القلم والكتاب يُعدّان مصدرين خارجيين لكلّ العلوم والمعارف الإنسانية ، ومن هنا فإنّ هذا الكتاب السماوي يعتبر القلم والكتابة من الآيات الإلهية التي تشير إِلى وجود الشعور والتدبير في نظام الوجود ، قال تعالى : «الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْاءِنسَ_نَ مَا لَمْ
.
ص: 160
يَعْلَمْ» (1) .
9 . اختلاف اللغات والصورإِنّ اختلاف لغات الناس وصورهم وأَلوانهم واحدة أُخرى من دلائل معرفة الخالق _ جلّ وعلا _ ، فإذا كان الصانع مجردا من الشعور حاله حال المصانع الانتاجية الأُخرى فإنّ إِنتاجه سيكون بلا شكّ على وتيرةٍ واحدةٍ ونمطٍ واحدٍ . ومن جهة أُخرى فإنّ الحياة الاجتماعية لا يمكن أن تتيسّر دون تهيئة الأَسباب التي تؤدي إِلى معرفة الناس بعضهم لبعض ، فلو فرضنا أنّ كلَّ النَّاس في مجتمع ما قد خُلقوا على شكل واحد ، وقيافة واحدة ، ولون واحد ، ونبرة صوتية واحدة بحيث لا يمكن التمييز بين شخص وآخر؛ الوالد عن الولد ، والزوجة عن غيرها ، والمجرم عن البريء ، والآمر عن المأمور ، والرئيس عن المرؤوس ، الدائن عن المَدِين ، والصديق عن العدو ، فكيف يمكن تصوّر العيش في مثل مجتمع هكذا؟ وفي هذا الاتّجاه يؤكّد القرآن الكريم : «وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ خَلْقُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَاخْتِلَ_فُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوَ نِكُم إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأيَ_تٍ لِّلْعَ__لِمِينَ» (2) .
.
ص: 161
الباب الثّالث: خلق الحيوانالكتاب«وَ فِى خَلْقِكُمْ وَ مَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ ءَايَ_تٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ » . (1)
«وَ أَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ» . (2)
«أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَ_مًا فَهُمْ لَهَا مَ__لِكُونَ * وَ ذَلَّلْنَ_هَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَ مِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَ لَهُمْ فِيهَا مَنَ_فِعُ وَ مَشَارِبُ أَفَلَايَشْكُرُونَ» . (3)
«وَ إِنَّ لَكُمْ فِى الْأَنْعَ_مِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَ لَكُمْ فِيهَا مَنَ_فِعُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَ عَلَيْهَا وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ » . (4)
«وَ جَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَ الْأَنْعَ_مِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُاْ عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ» . (5)
.
ص: 162
«وَ الْأَنْعَ_مَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ ءٌ وَ مَنَ_فِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ » . (1)
«وَ إِنَّ لَكُمْ فِى الْأَنْعَ_مِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّ_رِبِينَ » . (2)
«أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَ تٍ فِى جَوِّ السَّ_مَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَا اللَّهُ إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » . (3)
«قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَ_مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَىْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى » . (4)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :لَو فَكَّروا في عَظِيمِ القُدرَةِ ، وجَسيمِ النِّعمَةِ ، لَرَجَعوا إِلَى الطَّريقِ ، وخافوا عَذابَ الحَريقِ ، ولكِنِ القُلوبُ عَليلَةٌ ، وَالبَصائِرُ مَدخولَةٌ . ألا يَنظُرونَ إِلى صَغيرِ ما خَلَقَ ، كَيفَ أَحكَمَ خَلقَهُ ، وأَتقَنَ تَركيبَهُ ، وفَلَقَ لَهُ السَّمعَ وَالبَصَرَ ، وسَوّى لَهُ العَظمَ وَالبَشَرَ ؟! اُنظُروا إِلَى النَّملَةِ في صِغَرِ جُثَّتِها ، ولَطافَةِ هَيئَتِها ، لا تَكادُ تُنالُ بِلَحظِ البَصَرِ ، ولا بِمُستَدرَكِ الفِكرِ ، كَيفَ دَبَّت عَلى أَرضِها ، وصُبَّت (ضُنَّت) على رِزقِها، تَنقُلُ الحَبَّةَ إِلى جُحرِها، وتُعِدُّها في مُستَقَرِّها، تَجمَعُ في حَرِّها لِبَردِها، وفي وِردِها لِصَدرِها، مَكفولٌ بِرِزقِها، مَرزوقَةٌ بِوِفقِها، لا يُغفِلُهَا المَنّانُ، ولا يَحرِمُهَا الدَّيّانُ، ولَو فِي الصَّفَا اليابِسِ، وَالحَجَرِالجامِسِ! ولَو فَكَّرتَ في مَجاري أَكلِها ، في عُلوِها وسُفلِها ، وما فِي الجَوفِ مِن شَراسيفِ
.
ص: 163
بَطنِها، وما فِي الرَّأسِ مِن عَينِها وأُذُنِها، لَقَضَيتَ مِن خَلقِها عَجَبا، ولَقيتَ من وَصفِها تَعَبا! فَتَعالَى الَّذي أَقامَها عَلى قَوائِمِها ، وبَناها عَلى دَعائِمِها لَم يَشرَكهُ في فِطرَتِها فاطِرٌ ، ولَم يُعِنُهُ عَلى خَلقِها قادِرٌ . ولَو ضَرَبتَ في مَذاهِبِ فِكرِكَ لِتَبلُغَ غاياتِهِ ، ما دَلَّتكَ الدَّلالَةُ إِلّا عَلى أنَّ فاطِرَ النَّملَةِ هُوَ فاطِرُ النَّخلَةِ (النَّحلَةِ) ؛ لِدَقيقِ تَفصيلِ كُلِّ شَيءٍ ، وغامِضِ اختِلافِ كُلِّ حَيٍّ (شَيءٍ) ، ومَا الجَليلُ وَاللَّطيفُ وَالثَّقيلُ وَالخَفيفُ وَالقَوِيُّ وَالضَّعيفُ في خَلقِهِ إِلّا سَواءٌ ... . فَالوَيلُ لِمَن أنكَرَ المُقَدِّرَ وَجَحَدَ المُدَبِّرَ! زَعَموا أنَّهُم كَالنَّباتِ ما لَهُم زارِعٌ ، ولا لِاختِلافِ صُوَرِهِم صانِعٌ ، ولَم يَلجَؤوا إِلى حُجَّةٍ فيمَا ادَّعَوا ، ولا تَحقيقٍ لِما أوعَوا ؛ وهَل يَكونُ بِناءٌ مِن غَيرِ بانٍ ، أو جِنايَةٌ مِن غَيرِ جانٍ؟! وإِن شِئتَ قُلتَ فِي الجَرادَةِ ، إِذ خَلَقَ لَها عَينَينِ حَمراوَينِ ، وأَمرَجَ لَها حَدَقَتَينِ قَمراوَينِ ، وجَعَلَ لَهَا السَّمعَ الخَفِيَّ ، وفَتَحَ لَهَا الفَمَ السَّوِيَّ ، وجَعَلَ لَهَا الحِسَّ القَوِيَّ ، ونابَينِ بِهِما تَقرِضُ ، ومِنجَلَينِ بِهِما تَقبِضُ . يَرهَبُها الزُّرّاعُ في زَرعِهِم ، ولا يَستَطيعونَ ذَبَّها ولَو أَجلَبوا بِجَمعِهِم ، حَتّى تَرِدَ الحَرثَ في نَزَواتِها ، وتَقضي مِنهُ شَهَواتِها ، وخَلقُها كُلُّهُ لا يُكَوِّنُ إِصبَعا مُستَدِقَّةً . فَتَبارَكَ اللّهُ الَّذي يَسجُدُ لَهُ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ طَوعا وكَرها ، ويُعَفِّرُ لَهُ خَدّا ووَجها ، ويُلقي إِلَيهِ بِالطّاعَةِ سِلما وضَعفا ، ويُعطي لَهُ القِيادَ رَهبَةً وخَوفا، فَالطَّيرُ مُسَخَّرَةٌ لِأَمرِهِ، أَحصى عَدَدَ الرِّيشِ مِنها وَالنَّفسَ، وأَرسى قَوائِمَها عَلَى النَّدى وَاليَبسِ، وقَدَّرَ أَقواتَها، وأَحصى أَجناسَها؛ فَهذا غُرابٌ وهذا عُقَابٌ، وهذا حَمامٌ وهذا نَعَامٌ، دَعا كُلَّ طائِرٍ بِاسمِهِ، وكَفَلَ لَهُ بِرِزقِهِ. (1)
.
ص: 164
جامع الأخبار :سُئِلَ جَعفَرٌ الصّادِقُ عليه السلام : مَا الدَّليلُ عَلى صانِعِ العالَمِ ، قالَ : لَقيتُ حِصنا مَزلَقا أَملَسَ لا فُرجَةَ فيهِ ولا خِلَلَ ، ظاهِرُهُ مِن فِضَّةٍ مائِعَةٍ ، وباطِنُهُ مِن ذَهَبٍ مائعٍ ، اِنفَلَقَ مِنهُ طاووسٌ وغُرابٌ ونَسرٌ وعُصفورٌ ، فَعَلِمتُ أنَّ لِلخَلقِ صانِعا . (1)
الكافي عن محمّد بن إسحاق :أَتى [ عَبدُ اللّهِ الدَّيصانيُّ ] بابَ أَبي عَبدِ اللّهِ فَاستَأذَنَ عَلَيهِ فَأَذِنَ لَهُ ، فَلَمّا قَعَدَ ، قالَ لَهُ : يا جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ ، دُلَّني عَلى مَعبودي . . . فَقالَ لَهُ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : اِجلِس ، وإِذا غُلامٌ لَهُ صَغيرٌ في كَفِّهِ بَيضَةٌ يَلعَبُ بِها ، فَقالَ لَهُ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : ناوِلني _ يا غُلامُ _ البَيضَةَ ، فَناوَلَهُ إِيّاها ، فَقالَ لَهُ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : يا دَيصانيُّ ، هذا حِصنٌ مَكنونٌ ، لَهُ جِلدٌ غَليظٌ ، وتَحتَ الجِلدِ الغَليظِ جِلدٌ رَقيقٌ ، وتَحتَ الجِلدِ الرَّقيقِ ذَهَبَةٌ مائِعَةٌ وفِضَّةٌ ذائِبَةٌ ، فَلاَ الذَّهَبَةُ المائِعَةُ تَختَلِطُ بِالفِضَّةِ الذّائِبَةِ ، ولَا الفِضَّةُ الذّائِبَةُ تَختَلِطُ بِالذَّهَبَةِ المائِعَةِ ، فَهِيَ عَلى حالِها لَم يَخرُج مِنها خارِجٌ مُصلِحٌ فَيُخبِرَ عَن صَلاحِها ، ولا دَخَلَ فيها مُفسِدٌ فَيُخبِرَ عَن فَسادِها ، لا يُدرى لِلذَّكَرِ خُلِقَت أم لِلأُنثى ، تَنفَلِقُ عَن مِثلِ أُلوانِ الطَّواويسِ ، أتَرى لَها مُدَبِّرا ؟ قالَ : فَأَطرَقَ مَلِيّا ، ثُمَّ قالَ : أَشهَدُ أن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ وأنَّ مُحَمَداعَبدُهُ ورَسولُهُ ، وأنَّكَ إِمامٌ وحُجَّةٌ مِنَ اللّهِ عَلى خَلقِهِ ، وأنَا تائِبٌ مِمّا كُنتُ فيهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: تَأمَّل _ يامُفَضَّلُ _ جِسمَ الطّائِرِ وخِلقَتَهُ ؛ فَإنَّهُ حينَ قُدِّرَ أن يَكونَ طائِرا فِي الجَوِّ خُفِّفَ جِسمُهُ وأُدمِجَ خَلقُهُ، فَاقتُصِرَ بِهِ مِنَ القَوائِمِ الأَربَعِ عَلَى اثنَتَينِ، ومِنَ الأَصابِعِ الخَمسِ عَلى أَربَعٍ ، ومِن مَنفَذَينِ لِلزِّبلِ وَالبَولِ عَلى
.
ص: 165
واحِدٍ يَجمَعُهُما ، ثُمَّ خُلِقَ ذا جُؤجُؤٍ مُحَدَّدٍ لِيَسهُلَ عَلَيهِ أن يَخرِقَ الهَواءَ كَيفَ ما أَخَذَ فيهِ ، كَما جُعِلَ السَّفينَةُ بِهذِهِ الهَيئَةِ لَتَشُقَّ الماءَ وتَنفذَ فيهِ ، وجُعِلَ في جَناحَيهِ وذَنَبِهِ ريشاتٌ طُولٌ مِتانٌ لِيَنهَضَ بِها لِلطَّيَرانِ ، وكُسِيَ كُلُّهُ الرّيشَ لِيُداخِلَهُ الهَواءُ فَيُقِلَّهُ . ولَمّا قُدِّرَ أن يَكونَ طُعمُهُ الحَبَّ وَاللَّحمَ يَبلَعُهُ بَلعا بِلا مَضغٍ ؛ نُقِصَ مِن خَلقِهِ الأسنانُ ، وخُلِقَ لَهُ مِنقارٌ صُلبٌ جاسٍ يَتَناولَ بِهِ طُعمَهُ فَلا يَنسَجِحُ مِن لَقطِ الحَبِّ ، ولا يَتَقَصَّفُ مِن نَهشِ اللَّحمِ . ولَمّا عُدِمَ الأَسنانَ وصارَ يَزدَرِدُ الحَبَّ صَحيحا وَاللَّحمَ غَريضا ، أُعينَ بِفَضلِ حَرارَةٍ فِي الجَوفِ تَطحَنُ لَهُ الطُّعمَ طَحنا يَستَغني بِهِ عَن المَضغِ ؛ وَاعتَبِر ذلِكَ بِأنَّ عَجَمَ العِنَبِ وغَيرِهِ يَخرُجُ مِن أَجوافِ الإنسِ صَحيحا ، ويُطحَنُ في أَجوافِ الطَّيرِ لا يُرى لَهُ أثَرٌ ! ثُمَّ جُعِلَ مِمّا يَبيضُ بَيضا ولا يَلِدُ وِلادَةً ؛ لِكَيلا يَثقُلَ عِنِ الطَّيَرانِ ، فَإنَّهُ لَو كانَتِ الفِراخُ في جَوفِهِ تَمكُثُ حَتّى تَستَحكِمَ لَأَثقَلَتهُ وعاقَتهُ عَن النُّهوضِ وَالطَّيَرانِ . فَجَعَلَ كُلَّ شَيءٍ مِن خَلقِهِ مُشاكِلاً لِلأَمرِ الَّذي قَدَّر أن يَكونَ عَلَيهِ (1) .
تفسير القمّي_ في قَولِهِ تَعالى : «وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَىْ ءٍ مَّوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَ_يِشَ وَ مَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَ زِقِينَ» (2) _: قالَ : لِكُلِّ ضَربٍ مِنَ الحَيَوانِ قَدَّرنا شَيئا مُقَدَّرا . (3)
راجع : بحار الأنوار : ج 3 ص 90 _ 109 .
.
ص: 166
. .
ص: 167
تأمّلات حول آيات معرفة اللّه في خلق الحيوانإِنّ الحكمة التي أُشير لها في صدد خلق الإنسان غالبا ما تصدق على خلق الحيوان كذلك ، فضلاً عن أنّ هناك نصوص إِسلامية خاصّة بخلق الحيوان تؤكّد ذكر الأَدلة والإشارات الخاصة بمعرفة اللّه تعالى ، سنشيرهنا باختصار إِلى عدد منها :
1 . أَنواع الحيوانإِنّ القرآن الكريم قد ذكر الدليل على معرفة اللّه سبحانه من خلال تنوع الحيوانات في أَربعة مواضع ، وهي : قوله تعالى : «وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ خَلْقُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ» (1) وقوله تعالى : «وَ فِى خَلْقِكُمْ وَ مَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ ءَايَ_تٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ» (2) وقوله تعالى : «وَ أَلْقَى فِى الْأَرْضِ رَوَ سِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَ بَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ» (3) وقوله تعالى: «إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِى تَجْرِى
.
ص: 168
فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ بَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّيَ_حِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَأيَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (1) . يقول الاُستاذ «ميكستر» أُستاذ علم الحيوان في «كالج وتن» : إِنّ أَنواع الحيوانات كثيرة جدّا ، إِذا أَردنا إِحصاءها فإنّها ستكون بعدد النجوم ... ومع وجود هذا التنوع فإن هناك نظاما وترتيبا خاصّا لكلِّ نوع من هذه الأَنواع (2) .
2 . حِكمة صغر الحَشراتيقول العالم الرومي «بيني» : إِذا كان للزنبور هيبة العقاب وللخُنفساء قوة الأَسد ، فإنّ عالمنا سيكون سوقا للفوضى! لكن الحِكمة البالغة لخالق العالم جعلت كلّ شيء متناسبا مع النظام العام السَّائد على العالم ، قال تعالى : «إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ» (3) .
3 . ميزات كلّ حيوانإِنّ أَحد الدلائل الإلهية الكبرى في خلق الحيوانات هو أنَّ لكلِّ نوع منها ميزات معينة تنطبق على ظروف حياته ، ولو فقدت تلك الميزات فلا يمكنها إِدامة الحياة ، والاستدلال بهذا البرهان كان واحدا من أَدلة نبيّ اللّه موسى عليه السلام لأَجل إِثبات التوحيد لفرعون حينما قال فرعون له ولأَخيه هارون : «فَمَن رَّبُّكُمَا
.
ص: 169
يَ_مُوسَى» (1) فقال موسى مجيبا : «رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَىْ ءٍ خَلْقَهُ» (2) . (3) أي : أنّ لكلّ شيء في نظام الخلق ميزات متعلقة به تنطبق على حاجاته ، وهذا التوافق دليل واضح على أنّ الخالق الحكيم القادر هو المدّبر لعالم الوجود . يقول الإمام الصادق عليه السلام في بيانه للميزات التي تحتاج إِليها الطيور مشيرا إِلى هذه الحكمة المهمّة في نظام الخلق : «فَجَعَلَ كُلَّ شَيءٍ مِن خَلقِهِ مُشاكِلاً لِلأَمرِ الَّذي قَدَّرَ أن يَكونَ عَلَيهِ» (4) .
4 . الشعور الفطري للحيواناتيقول «كرسى موريسن» في أَدلته السبعة على إِثبات وجود اللّه تعالى : إِنّ دليلي الثالث هو سلوك الحيوانات الّذي يقودنا بكلّ صراحة إِلى وجود الخالق الرحيم ، اللّه الّذي وهب لها الشعور الفطري ، ولو كانت محرومة من مثل هذا الشعور لما استطاعت أَداء أي دورٍ (5) . إِنّ الاستدلال بالشعور الفطري كان الدليل الثاني لنبيّ اللّه موسى عليه السلام على إِثبات التوحيد لفرعون : «رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَىْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى» .
5 . دور الحيوانات في حياة الإنسانتعرّض القرآن الكريم إِلى ذكر دور الحيوانات في حياة الإنسان في آيات عديدة ،
.
ص: 170
ويعتبر ذلك من أَدلّة التوحيد ، لأنّه يحكي عن إِحاطة علم الخالق بحاجات الإنسان وضمانها له ، قال تعالى : «وَ أَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ» (1) إِلى آخر الآية .
6 . خضوع الحيوانات للإنسانإِنّ الحيوانات وسائر الموجودات خاضعة للإنسان ، كما أنّ عددا منها مسخّرٌ لخدمة البشر ، هذا مع أنّها ليست أَقلّ من البشر من حيث العدد ولا هي عاجزة من حيث القوة ، فمن ذلّلها إِذا وجعلها خاضعة للإنسان وفي خدمته؟ يقول القرآن الكريم في جوابه على هذا السؤال : «وَ ذَلَّلْنَ_هَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَ مِنْهَا يَأْكُلُونَ» (2) ، كما يقول الإمام الصادق عليه السلام في بيان سبب خضوع الحيوانات للإنسان : «ثمّ مُنِعَت الذِّهنَ وَالعَقلَ لِتَذِلَّ لِلإِنسانِ فَلا تَمتَنِعُ عَلَيهِ» (3) . افرض أنّ الحيوانات وسائر الموجودات إِذا كانت تتمتع بنعمة العقل واتخاذ القرار بالحرب والقتال ضد الإنسان ، فكيف سيكون مصير المجتمع البشري؟!
.
ص: 171
الباب الرّابع: خلق النّباتالكتاب«وَ هُوَ الَّذِى أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَىْ ءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَ_لْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّ_تٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَ_بِهٍ انظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِى ذَ لِكُمْ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » . (1)
«وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَ_شِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ » . (2)
«وَ الْأَرْضَ مَدَدْنَ_هَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَ سِىَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَىْ ءٍ مَّوْزُونٍ » . (3)
«إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَىِّ ذَ لِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ» . (4)
«أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّ رِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَ_هُ حُطَ_مًا فَظَ_لْتُمْ تَفَكَّهُونَ » . (5)
.
ص: 172
«أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ * ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِ_ئونَ » . (1)
راجع : إبراهيم : 32 ، عبس : 26 و 27 ، النحل : 65 ، يس : 34 .
الحديثالسنن الكبرى عن أَبي هريرة :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لا يَقولَنَّ أَحَدُكُم : زَرَعتُ ، ولكِن لِيَقُل : حَرَثتُ . قالَ أَبو هُرَيرَةَ : ألَم تَسمَعوا إِلى قَولِ اللّهِ عز و جل : «أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّ رِعُونَ» . (2)
المستدرك على الصحيحين عن حجر بن قيس المدريّ :بِتُّ عِندَ أَميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أَبي طالِبٍ عليه السلام فَسَمِعتُهُ وهُوَ يُصَلِّي اللَّيلَ يَقرَأُ ، فَمَرَّ بِهذِهِ الآيَةِ : «أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَ__لِقُونَ» (3) ، قالَ : بَل أنتَ يا رَبِّ _ ثَلاثا _ ثُمَّ قَرَأَ : «أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّ رِعُونَ» ، قالَ : بَل أنتَ يا رَبِّ ، بل أنتَ يا رَبِّ ، بَل أنتَ يا رَبِّ ، ثُمَّ قَرَأَ : «أَفَرَءَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ * ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ » (4) ، قالَ : بَل أنتَ يا رَبِّ _ ثَلاثا _ ثُمَّ قَرَأَ : «أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ * ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِ_ئونَ» قالَ : بَل أنتَ يا رَبِّ _ ثَلاثا _ . (5)
.
ص: 173
الإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: تَأَمَّلِ الحِكمَةَ في خَلقِ الشَّجَرِ وأَصنافِ النَّباتِ ؛ فَإِنَّها لَمّا كانَت تَحتاجُ إِلَى الغِذاءِ الدّائِمِ كَحاجَةِ الحَيَوانِ ، ولَم يَكُن لَها أَفواهٌ كَأَفواهِ الحَيَوانِ ، ولا حَرَكَةٌ تَنبَعِثُ بِها لِتَناوُلِ الغِذاءِ ، جُعِلَت أُصولُها مَركوزَةً فِي الأَرضِ لِتَنزِعَ مِنهَا الغِذاءَ فَتُؤَدِّيَهُ إِلَى الأَغصانِ وما عَلَيها مِنَ الوَرَقِ وَالثَّمَرِ ، فَصارَتِ الأَرضُ كَالأُمِّ المُرَبِّيَةِ لَها ، وصارَت أُصولُها الَّتي هِيَ كَالأَفواهِ مُلتَقِمَةً لِلأَرضِ لِتَنزِعَ مِنهَا الغِذاءَ كَما يُرضِعُ أَصنافَ الحَيَوانِ أُمَّهاتُها . (1)
.
ص: 174
تأمّلات حول آيات معرفة اللّه في خلق النباتلقد لوحظ فيما مضى ، أنّ القرآن والأَحاديث الإسلامية يدعوان الإنسان إِلى التأَمل والمطالعة في خلق شتّى النّباتات والحِكَم الّتي أُخذت بعين الاعتبار فيها في طريق معرفة اللّه ، ومن وجهة نظر القرآن الكريم أنّ حياة النباتات من جهات مختلفة يمكن أن تقود المفكرين إِلى خالق العالم الحكيم ، فيما يلي نشير إِلى عددٍ منها :
1 . بعث الحياة في المواد الميتةإِنّ النقطة الأُولى الجديرة بالبحث هي التحقيق في كيفية بعث الحياة والنضارة في البذور الميتة والفروع الذابلة من النبات ، قال تعالى : «وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَ_شِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» (1) .
2 . التنظيم الدقيق الموزون للنباتاتإِنّ التنظيم الدقيق والتَّعقيد والجمال والتوازن العجيب في حياة عالم النبات ، حين يلاحظه العقل لا يتردّد في الاعتراف والإذعان للخالق المدبر القادر الحكيم ، قال
.
ص: 175
تعالى : «وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَىْ ءٍ مَّوْزُونٍ» (1) .
3 . أَنواع النباتاتإِنّ النباتات كالحيوانات من حيث تعدّد أَنواعها التي يصعب احصاؤها ، ولكلِّ نوع من أَنواع النبات مقررات وخصائص معينة في نظام الخلق ، وكلّ منها يعدّ آية على وجود الخالق المدبر ، قال تعالى : «وَ تَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْج بَهِيجٍ * ذَ لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ» (2) .
4 . نظام الزوجية في النباتاتعندما أعلن شارل لينه في أَواسط القرن الثامن عشر عن اكتشاف كون النباتات تشتمل على الجنسين الذكر والأُنثى أَيضا ، أَثار هذا الموضوع غضب الجهاز الدِّيني المسيحي ، فعدّوا مؤلفاته من كتب الضلال ، إِلّا أنّ القرآن الكريم صرّح بهذه الحقيقة قبل أَربعة عشر قرنا معلنا قانون الزوجية في عالم النبات ، وداعيا النّاس إِلى التفكّر بهذه الدلالة التوحيدية على طريق السير إِلى معرفة اللّه سبحانه . قال تعالى : «أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ» (3) وسيأتي (4) أنه يظهر من القرآن والأَحاديث أنّ قانون الزوجية عامّ لكل موجودات العالم ولا يخصّ عالم النبات وحدَه .
.
ص: 176
. .
ص: 177
الباب الخامس: خلق الأزواجالكتاب«وَ مِن كُلِّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » . (1)
«سُبْحَ_نَ الَّذِى خَلَقَ الْأَزْوَ جَ كُلَّهَا مِمَّا تُن_بِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَ مِمَّا لَا يَعْلَمُونَ » . (2)
«أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَةً وَ مَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ » . (3)
راجع : الرعد : 3 ، النحل : 72 ، طه : 53 ، الروم : 21 ، لقمان : 10 ، فاطر : 11 ، الزخرف : 12 ، الشورى : 11 ، ق : 7 ، الذاريات : 49 ، النجم : 45 ، الرحمن : 52 ، القيامة : 39 ، النبأ : 8 ، الليل : 3 .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :مُؤَلِّفٌ بَينَ مُتَعادِياتِها ، ومُفَرِّقٌ بَينَ مُتَدانِياتِها ، دالَّةٌ بِتَفرِيقِها عَلى مُفَرِّقِها ، وبِتَأليفِها عَلى مُؤَلِّفِها ، وذلِكَ قَولُهُ تَعالى : «وَ مِن كُلِّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ
.
ص: 178
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (1) . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في رده على الدهرية الذين يقولون أنَّ العالم قديم غير محدث _: هذَا الَّذي تُشاهِدونَهُ مِنَ الأَشياءِ بَعضُها إِلى بَعضٍ يَفتَقِرُ ؛ لِأَنَّهُ لا قِوامَ لِلبَعضِ إِلّا بِما يَتَّصِلُ بِهِ ، ألا تَرَى البِناءَ مُحتاجا بَعضُ أَجزائِهِ إِلى بَعضٍ ، وإِلّا لَم يَتَّسِق ولَم يَستَحكِم ، وكَذلِكَ سائِرُ ما تَرَونَ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :... وأمَّا الجَماداتُ فَهُوَ يُمسِكُها بِقُدرَتِهِ ، ويُمسِكُ المُتَّصِلَ مِنها أن يَتَهافَتَ ، ويُمسِكُ المُتَهافِتَ مِنها أن يَتَلاصَقَ . (4)
عنه عليه السلام :أَحالَ الأَشياءَ لِأَوقاتِها ، ولَأَمَ (5) بَينَ مُختَلِفاتِها ، وغَرَّزَ غَرائِزَها ، وأَلزَمَها أَشباحَها . (6)
عنه عليه السلام :فَأَقامَ مِنَ الأَشياءِ أَوَدَها (7) ، ونَهَجَ حُدودَها ، ولاءَم بِقُدرَتِهِ بَينَ مُتَضادِّها ،
.
ص: 179
ووَصَلَ أَسبابَ قَرائِنِها . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :ولَم يَخلُق شَيئا فَردا قائِما بِنَفسِه دونَ غَيرِهِ لِلَّذي أَرادَ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى نَفسِهِ ، وإِثباتِ وُجودِهِ ، وَاللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ فَردٌ واحِدٌ ، لا ثانِيَ مَعَهُ يُقيمُهُ ، ولا يَعضُدُهُ ولا يُمسِكُهُ ، وَالخَلقُ يُمسِكُ بَعضُهُ بَعضا بِإِذنِ اللّهِ ومَشِيئَتهِ . (2)
.
ص: 180
. .
ص: 181
تأمّلات حول آيات معرفة اللّه في خلق الأزواجإِنّ قانون الزوجية العامّة الذي يحكم عالم المادة ، هو أَهمّ القوانين التكوينية لخلق العالم ؛ لأنّ وجود عالم المادة وبقاءه رهنٌ بهذا القانون ، وممّا تجدر الإشارة إِليه هو أنّ اكتشاف هذا القانون في الوقت الحاضر حصيلة لمساعٍ علميّة حثيثة استمرت لعدّة قرون ، فحسبا لقول انشتاين : لقد أَدرك البشر بعد مضي 2500 سنة من البحث والدراسة أَسرار قلعة الذرّة ، فتوصّل إِلى أنّ جميع العالم المادي يتكون من الذرّة ، وأنّ الذرّة تتكوّن من اتحاد الألكترون والبروتون ، وأنّ وجود المادة وبقاءها رهنٌ بحالة الاتصال والتجاذب القائمة بين نوعين متضادين ، الأَول موجب ، والآخر سالب ، بينما يظهر من القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنا بأنّ خلق العالم قائم على أساس الزّوجيَّة . وأنّ حكمة قانون الزوجية العامة وفلسفته هو تذكير الإنسان ولفت انتباهه إِلى الخالق الحكيم جلّت قدرته ، والتحرك في الاتجاه الذي رسمه لضمان سعادة البشر ، قال تعالى : «وَ مِن كُلِّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ» (1) .
.
ص: 182
وقد أَكّد الإمام الرضا عليه السلام على أنّ الحكمة من نظام الزوجية العامة هو إِثبات وجود اللّه تعالى والدلالة على وحدانيته ، قال عليه السلام : «ولَم يَخلُق شَيئا فَردا قائِما بِنَفسِهِ دونَ غَيرِهِ لِلَّذي أَرادَ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى نَفسِهِ وإثباتِ وُجودِهِ ، فَاللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ فَردٌ واحِدٌ لا ثانِيَ مَعَهُ يُقيمُهُ ولا يَعضدُهُ ولا يُمسِكُهُ ، وَالخَلقُ يُمسِكُ بَعضَهُ بَعضا بِإِذنِ اللّهِ ومَشيئَتِهِ» (1) . بناءً على هذه التأَملات في قانون الزوجية العامّة الذي يحكم هذا العالم ، وعلى ضوء ما جاء عن هذا القانون في القرآن والسُّنّة ، يتبيّن لنا أنّه ليس دليلاً على التوحيد وحسب ، ولكنه برهان على النبوة والإمامة أيضا .
.
ص: 183
الباب السادس: خلق الأرضالكتاب«وَ فِى الْأَرْضِ ءَايَ_تٌ لِّلْمُوقِنِينَ » . (1)
«وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ». (2)
«إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَ لَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا » . (3)
«قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الْأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَ لِكَ رَبُّ الْعَ__لَمِينَ * وَ جَعَلَ فِيهَا رَوَ سِىَ مِن فَوْقِهَا وَ بَ_رَكَ فِيهَا وَ قَدَّرَ فِيهَا أَقْوَ تَهَا فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ » . (4)
«أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَ_دًا * وَ الْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَ خَلَقْنَ_كُمْ أَزْوَ جًا » . (5)
«وَ مَا ذَرَأَ لَكُمْ فِى الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَ نُهُ إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ » . (6)
.
ص: 184
«أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَ أَمْوَ تًا » . (1)
«اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَ السَّمَاءَ بِنَاءً وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَ_تِ ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَ__لَمِينَ » . (2)
راجع : البقرة : 22 ، آل عمران: 190 ، يونس: 6 ، الحِجر : 19 ، طه : 53 ، الأنبياء : 31 ، الرعد : 3 و 4 ، إبراهيم : 32 ، النحل : 10 و 18 ، الكهف : 7 ، الشعراء : 7 و 8 و149 ، النمل : 60 و 61 ، لقمان : 10 و 11 ، فاطر : 27 و 28 ، يس : 33 و 36 ، غافر: 57 ، فصّلت : 39 ، الشورى : 29 ، الزخرف : 10 ، الجاثية : 13 ، ق : 7 و 8 ، الذاريات : 48 و 49 ، الرحمن : 10 و 13 ، الحديد : 17 ، الطلاق : 12 ، الملك : 15 ، نوح : 19 و 20 ، المرسلات : 27 ، الطارق : 12 ، الغاشية: 20، الشمس : 6 .
الحديثتفسير القمّي :نَظَرَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام في رُجوعِهِ مِن صِفّينَ إِلَى المَقابِرِ فَقالَ : هذِهِ كِفاتُ الأَمواتِ ، أي مَساكِنُهُم ، ثُمَّ نَظَرَ إِلى بُيوتِ الكوفَةِ فَقالَ : هذِهِ كِفاتُ الأَحياءِ ، ثُمَّ تَلا قَولَهُ : «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَ أَمْوَ تًا» . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَ شًا» (4) _: جَعَلَها مُلائِمَةً لِطَبائِعِكُم ، مُوافِقَةً لِأَجسادِكُم ، لَم يَجعَلها شَديدَةَ الحَميِ وَالحَرارَةِ فَتُحرِقَكُم ، ولا شَديدَةَ البَردِ فَتُجمِدَكُم ، ولا شَديدَةَ طِيبِ الرّيحِ فَتَصدَعَ هاماتِكُم ، ولا شدَيدَةَ النَّتنَ فَتُعطِبَكُم ، ولا شَديدَةَ اللّينِ كَالماءِ فَتُغرِقَكُم ، ولا شَديدَةَ الصَّلابَةِ فَتَمتَنِعَ عَلَيكُم في دورِكم وأَبنِيَتِكُم وقُبورِ مَوتاكُم ، ولكِنَّهُ عز و جلجَعَلَ فيها مِنَ المَتانَةِ ما تَنتَفِعونَ بِهِ ، وتَتَماسَكونَ وتَتَماسَكُ عَلَيها أَبدانُكُم وبُنيانُكُم ، وجعَلَ فيها ما تَنقادُ بِهِ لِدورِكُم
.
ص: 185
وقُبورِكُم وكَثيرٍ مِن مَنافِعِكُم ، فَلِذلِكَ جَعَلَ الأَرضَ فِراشا لَكُم . (1)
تفسير القمّي : «أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الْأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ» ومَعنى يَومَينِ ، أي وَقتَينِ ، اِبتِداءُ الخَلقِ وَانقِضاؤهُ «وَ جَعَلَ فِيهَا رَوَ سِىَ مِن فَوْقِهَا وَ بَ_رَكَ فِيهَا وَ قَدَّرَ فِيهَا أَقْوَ تَهَا» أي لا يَزولُ ويَبقى «فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ» يَعني في أَربَعَةِ أوقاتٍ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا مَن فِي السَّماءِ عَظَمَتُهُ ، يا مَن فِي الأَرضِ آياتُهُ ، يا مَن في كُلِّ شَيءٍ دَلائِلُهُ . . . يا مَن جَعَلَ الأَرضَ مِهادا . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ فَرَغَ مِن خَلقِهِ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ : أَوَّلُهُنَّ يَومُ الأَحَدِ ، والإِثنَينِ ، وَالثُّلاثاءِ ، وَالأَربِعاءِ ، وَالخَميسِ ، وَالجُمُعَةِ ؛ خَلَقَ يَومَ الأَحَدِ السَّماواتِ ، وخَلَقَ يَومَ الإِثنَينِ الشَّمسَ وَالقَمَرَ ، وخَلَقَ يَومَ الثُّلاثاءِ دَوابَّ البَحرِ ودَوابَّ البَرِّ ، وفَجَّرَ الأَنهارَ وقَوَّتَ الأَقواتَ وخَلَقَ الأَشجارَ يَومَ الأَربَعاءِ ، وخَلَقَ يَومَ الخَميسِ الجَنَّةَ وَالنّارَ ، وخَلَقَ آدَمَ عليه السلام يَومَ الجُمُعَةِ ، ثُمَّ أَقبَلَ عَلَى الأَمرِ يَومَ السَّبتِ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ الأَرضَ بِكُم بَرَّةٌ ؛ تَتَيَمَّمونَ مِنها ، وتُصَلّونَ عَلَيها فِي الحَياةِ الدُّنيا ، وهِيَ لَكُم كِفاتٌ فِي المَماتِ ، وذلِكَ مِن نِعمَةِ اللّهِ . (5)
.
ص: 186
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ رَبَّ السَّقفِ المَرفوعِ . . . ورَبَّ هذِهِ الأَرضِ الَّتي جَعَلتَها قَرارا لِلأَنامِ ، ومَدرَجا لِلهَوامِّ وَالأَنعامِ ، وما لا يُحصى مِمّا يُرى وما لا يُرى . (1)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: سُبحانَكَ ما أَعظَمَ شَأنَكَ ، وأَعلى مَكانَكَ ، وأَنطَقَ بِالصِّدقِ بُرهانَكَ ، وأَنفَذَ أَمرَكَ ، وأَحسَنَ تَقديرَكَ ، سَمَكتَ السَّماءَ فَرَفَعتَها ، ومَهَّدتَ الأَرضَ فَفَرَشتَها ، وأَخرَجتَ مِنها ماءً ثَجّاجا (2) ، ونَباتا رَجراجا ، فَسَبَّحَكَ نَباتُها ، وجَرَت بِأَمرِكَ مِياهُها ، وقاما عَلى مُستَقَرِّ المَشيئَةِ كَما أَمَرتَهُما . (3)
عنه عليه السلام_ أَيضا _: أنتَ الَّذي فِي السَّماءِ عَظَمَتُكَ ، وفِي الأَرضِ قُدرَتُكَ وعَجائِبُكَ . (4)
عنه عليه السلام_ في تَعظيمِ اللّهِ جَلَّ و عَلا _: فَمَن فَرَّغَ قَلبَهُ وأَعمَلَ فِكرَهُ لِيَعلَمَ كَيفَ أَقَمتَ عَرشَكَ ، وكَيفَ ذَرَأتَ خَلقَكَ ، وكَيفَ عَلَّقتَ فِي الهَواءِ سَماواتِكَ ، وكَيفَ مَدَدتَ عَلى مَورِ الماءِ أَرضَكَ ، رَجَعَ طَرفُهُ حَسيرا ، وعَقلُهُ مَبهورا ، وسَمعُهُ والِها ، وفِكرُهُ حائِرا . (5)
عنه عليه السلام_ في عَجيبِ صَنعَةِ الكَونِ _: وأَرسى أَرضا يَحمِلُهَا الأَخضَرُ المُثعَنجِرُ (6) وَالقَمقامُ (7) المُسَخَّرُ (المُسَجَّرُ) ، قَد ذَلَّ لِأَمرِهِ ، وأَذعَنَ لِهَيبَتِهِ ، ووَقَفَ الجارِي مِنهُ
.
ص: 187
لِخَشيَتِهِ ، وجَبَلَ جَلاميدَها ونُشوزَ مُتونِها وأطوادِها ، فَأَرساها في مَراسيها ، وأَلزَمَها قَراراتِها ، فَمَضَت رُؤوسُها فِي الهَواءِ ، ورَسَت أُصولُها فِي الماءِ ، فَأَنهَدَ جِبالَها عَن سُهولِها ، وأَساخَ قواعِدَها في مُتونِ أَقطارِها ومَواضِعِ أَنصابِها ، فَأَشهَقَ قِلالَها ، وأَطالَ أَنشازَها ، وجَعَلَها لِلأَرضِ عِمادا ، وأَرَّزَها فيها أَوتادا ، فَسَكَنتَ عَلى حَرَكَتِها مِن أن تَميدَ بِأَهلِها ، أو تَسيخَ بِحَملِها ، أو تَزولَ عَن مَواضِعِها . فَسُبحانَ مَن أَمسَكَها بَعدَ مَوَجانِ مِياهِها ، وأَجمَدَها بَعدَ رُطوبَةِ أَكنافِها ، فَجَعَلَها لِخَلقِهِ مِهادا ، وبَسَطَها لَهُم فِراشا ، فَوقَ بَحرٍ لُجِّيٍّ ، راكِدٍ لا يَجري ، وقائِمٍ لا يَسري ، تُكَركِرُه (1) الرِّياحُ العَواصِفُ وتَمخُضُهُ الغَمامُ الذَّوارِفُ ، «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى» (2) . (3)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ الأَرضِ ودَحوِها عَلَى الماءِ _: كَبَسَ الأَرضَ عَلى مَورِ أَمواجٍ مُستَفحِلَةٍ، ولُجَجِ بِحارٍ زاخِرَةٍ، تَلتَطِمُ أواذِيُّ أَمواجِها، وتَصطَفِقُ مُتَقاذِفاتُ أَثباجِها ، وتَرغو زَبَدا كَالفُحولِ عِندَ هِياجِها ، فَخَضَعَ جِماحُ الماءِ المُتَلاطِمِ لِثِقَلِ حَملِها ، وسَكَنَ هَيجُ ارتِمائِهِ إِذ وَطِئَتهُ بِكَلكَلِها وذَلَّ (ظَلَّ) مُستَخذِيا إِذ تَمَعَّكَت عَلَيهِ بِكَواهِلِها ، فَأَصبَحَ بَعدَ اصطِخابِ أَمواجِهِ ساجِيا مَقهورا ، وفي حِكمَةِ الذُّلِّ مُنقادا أَسيرا . وسَكَنَتِ الأَرضُ مَدحُوَّةً في لُجَّةِ تَيّارِهِ ، ورَدَّت مِن نَخوةِ بَأوِهِ وَاعتِلائِهِ ، وشُموخِ أَنفِهِ وسُمُوِّ غُلوائِهِ ، وكَعَمَتهُ عَلى كِظَّةِ جَريَتِهِ ، فَهَمَدَ بَعدَ نَزَقاتِهِ ، ولَبَدَ بَعدَ زَيَفانِ وَثباتِهِ . فَلَمّا سَكَنَ هَيجُ الماءِ مِن تَحتِ أَكنافِها ، وحَملِ شَواهِقِ الجِبالِ الشُّمَّخِ البُذَّخِ
.
ص: 188
عَلى أَكتافِها ، فَجَّرَ يَنابيعَ العُيونِ مِن عَرانينِ أُنوفِها ، وفَرَّقَها في سُهوبِ بيدِها وأَخاديدِها ، وعَدَّلَ حَرَكاتِها بِالرّاسِياتِ مِن جَلاميدِها ، وذَواتِ الشَّناخيبِ الشُّمِّ مِن صَياخيدِها ، فَسَكَنَت مِنَ المَيَدانِ لِرَسوبِ الجِبالِ في قِطَعِ أَديمِها ، وتَغَلغُلِها مُتَسَرِّبَةً في جَوباتِ خَياشيمِها ، ورُكوبِها أَعناقَ سُهولِ الأَرَضينَ وجَراثيمِها . وفَسَحَ بَينَ الجَوِّ وبَينَها ، وأَعَدَّ الهَواءَ مُتَنَسَّما لِساكِنِها ، وأَخرَجَ إِلَيها أَهلَها عَلى تَمامِ مَرافِقِها ، ثُمَّ لَم يَدَع جُرُزَ الأَرضِ الَّتي تَقصُرُ مِياهُ العُيونِ عَن رَوابيها ، ولا تَجِدُ جَداوِلُ الأَنهارِ ذَريعَةً إِلى بُلوغِها ، حَتّى أَنشَأَ لَها ناشِئَةَ سَحابٍ تُحيي مَواتَها ، وتَستَخرِجُ نَباتَها . أَلَّفَ غَمامَها بَعدَ افتِراقِ لُمَعِهِ ، وتَبايُنِ قَزَعِهِ ، حَتّى إِذا تَمَخَّضَت لُجَّةُ المُزنِ فيهِ ، وَالتَمَعَ بَرقُهُ في كُفَفِهِ ، ولَم يَنَم وَميضُهُ في كَنَهوَرِ رَبابِهِ (1) ، ومُتَراكِمِ سَحابِهِ ، أَرسَلَهُ سَحّا مُتَدارِكا ، قَد أَسَفَّ هَيدَبُهُ ، تَمريهِ الجَنوبُ دِررَ أَهاضيبِهِ ودُفَعَ شَابيبِهِ . فَلَمّا أَلقَتِ السَّحابُ بَركَ بِوانَيها، وبَعاعَ مَا استَقَلَّت بِهِ مِنَ العِب ءِ المَحمولِ عَلَيها ، أَخرَجَ بِهِ مِن هَوامِدِ الأَرضِ النَّباتَ ، ومِن زُعرِ الجِبالِ الأَعشابَ ، فَهِيَ تَبهَجُ بِزينَةِ رِياضِها ، وتَزدَهي بِما أُلبِسَتهُ مِن رَيطِ أَزاهيرِها ، وحِليَةِ ما سُمِطَت بِهِ مِن ناضِرِ أَنوارِها ، وجَعَلَ ذلِكَ بَلاغا لِلأَنام ، ورِزقا لِلأَنعامِ، وخَرَقَ الفِجاجَ في آفاقِها، وأَقامَ المَنارَ لِلسّالِكينَ عَلى جَوادِّ طُرُقِها. (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: خَلَقتَنا بِقُدرَتِكَ ولَم نَكُ شَيئا ، وصَوَّرتَنا فِي الظَّلماءِ بِكُنهِ لُطفِكَ ، وأَنهَضتَنا إِلى نَسيمِ رَوحِكَ ، وغَذَوتَنا بِطيبِ رِزقِكَ ، ومَكَّنتَ لَنا
.
ص: 189
في مِهادِ أَرضِكَ ، ودَعَوتَنا إِلى طاعَتِكَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: فَكِّر _ يا مُفَضَّلُ _ فيما خَلَقَ اللّهُ عز و جلعِليةَ هذِهِ الجَواهِرِ الأَربَعَةِ لِيَتَّسِعَ ما يُحتاجُ إِلَيهِ مِنها ، فَمِن ذلِكَ سَعَةُ هذِهِ الأَرضِ وَامتِدادُها ، فَلَولا ذلِكَ كَيفَ كانَت تَتَّسِعُ لِمَساكِنِ النّاسِ ومَزارِعِهِم ومَراعيهِم ومَنابِتِ أخشابِهِم وأَحطابِهِم ، وَالعَقاقيرِ العَظيمَةِ ، وَالمَعادِنِ الجَسيمَةِ غِناؤُها ؟ ولَعَلَّ مَن يُنكِرُ هذِهِ الفَلَواتِ الخاوِيَةَ وَالقِفارَ الموحِشَةَ فَيَقولُ : ما المَنفَعَةُ فِيها ؟ فَهِيَ مَأوى هذِهِ الوُحوشِ ومَحالُّها ومَرعاها ، ثُمَّ فيها بَعدُ مُتَنَفَّسٌ ومُضطَرَبٌ لِلنّاسِ إِذَا احتاجوا إِلَى الاِستِبدالِ بِأَوطانِهِم ؛ فَكَم بَيداءَ وكَم فَدفَدٍ (2) حالَت قُصورا وجِنانا بِانتِقالِ النّاسِ إِلَيها وحُلولِهِم فيها ، ولَولا سَعَةُ الأَرضِ وفُسحَتُها لَكانَ النّاسُ كَمَن هُوَ في حِصارٍ ضَيِّقٍ لا يَجِدُ مَندوحَةً عَن وَطَنِهِ إِذا حَزَبَهُ أَمرٌ يَضطَرُّهُ إِلَى الاِنتِقالِ عَنهُ . ثُمَّ فَكِّر في خَلقِ هذِهِ الأَرضِ _ عَلى ما هِيَ عَلَيهِ _ حينَ خُلِقَت راتِبَةً راكِنَةً ، فَتَكونَ مَوطِنا مُستَقَرّا لِلأَشياءِ ، فَيَتَمَكَّنُ النّاسُ مِنَ السَّعىِ عَلَيها في مَاربِهِم ، وَالجُلوسِ عَلَيها لِراحَتِهِم ، وَالنَّومِ لِهَدئِهِم ، وَالإِتقانِ لِأَعمالِهِم ؛ فَإِنَّها لَو كانَت رَجراجَةً مُتَكَفِّئَةً لَم يَكونوا يَستَطيعونَ أن يُتقِنُوا البِناءَ وَالتِّجارَةَ وَالصِّناعَةَ وما أَشبَه ذلِكَ ، بَل كانوا لا يَتَهَنَّؤونَ بِالعَيشِ وَالأَرضُ تَرتَجُّ مِن تَحتِهِم . وَاعتَبِر ذلِكَ بِما يُصيبُ النّاسَ حينَ الزَّلازِلِ عَلى قِلَّةِ مَكثِها حَتّى يَصيروا إِلى تَركِ مَنازِلِهِم وَالهَرَبِ عَنها . . . ثُمَّ إِنَّ الأَرضَ في طِباعِها الَّذي طَبَعَهَا اللّهُ عَلَيهِ بَارِدَةٌ يابِسَةٌ وكَذلِكَ الحِجارَةُ ،
.
ص: 190
وإِنَّمَا الفَرقُ بَينَها وبَينَ الحِجارَةِ فَضلُ يُبسٍ فِي الحِجارَةِ ، أفَرَأَيتَ لَو أنَّ اليُبسَ أَفرَطَ عَلَى الأَرضِ قَليلاً حَتّى تَكونَ حَجَرا صَلدا أكانَت تُنبِتُ هذَا النَّباتَ الّذي بِهِ حَياةُ الحَيَوانِ ؟ وكانَ يُمكِنُ بِها حَرثٌ أو بِناءٌ ؟ أفَلا تَرى كَيفَ تَنصب (1) مِن يُبسِ الحِجارَةِ وجُعِلَت عَلى ما هِيَ عَلَيهِ مِنَ اللّينِ وَالرَّخاوَةِ ولِتُهَيَّأَ لِلاِعتِمادِ ؟ ومِن تَدبيرِ الحَكيمِ _ جَلَّ وعَلا _ في خِلقَةِ الأَرضِ أنَّ مَهَبَّ الشِّمالِ أَرفَعُ مِن مَهَبِّ الجَنوبِ ، فَلِمَ جَعَلَ اللّهُ عز و جل كَذلِكَ إِلّا لِيَنحَدِرَ المِياهُ عَلى وَجهِ الأَرضِ فَتَسقِيَها وتُروِيَها ؟ ثُمَّ تَفيضَ آخِرَ ذلِكَ إِلَى البَحرِ ، فَكَأَنّما يَرفَعُ أَحَدَ جانِبَيِ السَّطحِ ويَخفَضُ الآخَرَ لِيَنحَدِرَ الماءُ عَنهُ ولا يَقومَ عَلَيهِ ، كَذلِكَ جَعَلَ مَهَبَّ الشِّمالِ أَرفَعَ مِن مَهَبِّ الجَنوبِ لِهذِهِ العِلَّةِ بِعَينِها ، ولَولا ذلِكَ لَبَقِيَ الماءُ مُتَحَيِّرا عَلى وَجهِ الأَرضِ ، فَكانَ يَمنَعُ النَّاسَ مِن إِعمالِها ، ويَقطَعُ الطُّرُقَ وَالمَسالِكَ . (2)
عنه عليه السلام_ أَيضا _: فَكِّر _ يا مُفَضَّلُ _ في هذِهِ المَعادِنِ وما يَخرُجُ مِنها مِنَ الجَواهِرِ المُختَلِفَةِ ، مِثلَ الجُصِّ وَالكِلسِ وَالجِبسِ والزَّرانيخِ والمَرتَك (3) وَالقونيا وَالزّيبَقِ وَالنُّحاسِ وَالرَّصاصِ وَالفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالزَّبَرجَدِ وَالياقوتِ وَالزُّمُرُّدِ وضُروبِ الحِجارَةِ ، وكَذلِكَ ما يَخرُجُ مِنها مِن القارِ وَالمومِيا (4) وَالكِبريتِ وَالنَّفطِ وغَيرِ ذلِكَ مِمّا يَستَعمِلُهُ النّاسُ في مَآرِبِهِم . فَهَل يَخفى عَلى ذي عَقلٍ أنّ هذِهِ كُلَّها ذَخائِرُ ذُخِرَت لِلإِنسانِ في هذِهِ الأَرضِ
.
ص: 191
لِيَستَخرِجَها فَيَستَعمِلَها عِندَ الحاجَةِ إِلَيها ؟ ثُمَّ قَصُرَت حيلَةُ النّاسِ عَمّا حاولَوا مِن صَنعَتِها عَلى حَصرِهِم وَاجتِهادِهِم في ذلِكَ ؛ فإِنَّهُم لَو ظَفِروا بما حاوَلوا مِن هذَا العِلمِ كانَ لا مَحالَةَ سَيَظهَرُ ويَستَفيضُ فِي العالَمِ حَتّى تَكثُرَ الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ ويَسقُطا عِندَ النّاسِ فَلا يَكونَ لَهُما قيمَةٌ . (1)
الكافي عن هشام بن الحكم_ في خَبرِ مُحاجَّةِ الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام لِزِنديقٍ مِن أَهلِ مِصرَ: قالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : يا أَخا أَهلِ مِصرَ ، إِنَّ الَّذي تَذهَبونَ إِلَيهِ وتَظُنّونَ أنَّهُ الدَّهرُ إِن كانَ الدَّهرُ يَذهَبُ بِهِم لِمَ لا يَرُدُّهُم؟ وإِن كانَ يَرُدُّهُم لِمَ لا يَذهَبُ بِهِم ؟ القَومُ مُضطَرّونَ . يا أخا أَهلِ مِصرَ ، لِمَ السَّماءُ مَرفوعَةٌ ، وَالأَرضُ مَوضوعَةٌ ؟ لِمَ لا تَسقُطُ (2) السَّماءُ عَلَى الأَرضِ ؟ لِمَ لا تَنحَدِرُ الأَرضُ فَوقَ طِباقِها ولا يَتَماسَكانِ ولا يَتَماسَكُ مَن عَلَيها ؟ قالَ الزِّنديقُ : أَمسكَهَمُا اللّهُ رَبُّهُما وسَيِّدُهُما . قالَ : فَامَنَ الزِّنديقُ عَلى يَدَي أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام . (3)
.
ص: 192
. .
ص: 193
تأَمّلات حول آيات معرفة اللّه في خلق الأرضتُعدُّ الأَرض واحدة أُخرى من الدلائل الواضحة على التوحيد ومعرفة الخالق _ جلّ وعلا _ ، وقد أَقسم اللّه تعالى بها في قوله : «وَالْأَرْضِ وَ مَا طَحَ_اهَا» (1) وأَشار القرآن الكريم في أَكثر من ثلاثين موضعا إِلى الخلق والنظم والتدبير السَّائد على الأَرض ، ودعا أَتباعه إِلى دراسة علم طبقات الأَرض باعتباره أَحد الطرق الموصلة إِلى معرفة اللّه سبحانه . ومن وجهة نظر القرآن والأَحاديث الإسلامية ، هناك المزيد من الدروس والعبر التي تدلّنا على التوحيد ومعرفة اللّه من خلال خلق الأَرض ، نشير إِلى أَهمّها :
أَولاً : حجم الأَرضإِنّ أَول ما يطالعنا من دلائل التوحيد عند تأَمّل خلق الأَرض ، هو مقدار حجمها الهائل ، فلو كانت الأَرض بمقدار القمر ، وكان قطرها يعادل ربع قطرها الحالي ، فإنّ قوة الجاذبية لا تكفي لحفظ الماء والهواء على الأَرض ، فترتفع درجات الحرارة بشكل مهلك ، وبخلاف ذلك ، لو كان قطر الأَرض ضعف قطرها الحالي ، فإنّ سطح
.
ص: 194
الأَرض سيكون أَربعة أَضعاف سطحها الحالي ، وترتفع قوة جذبها إِلى ضعفين عمّا هي عليه الآن ، كما تنخفض درجات الحرارة بشكل خطير ، ويرتفع ضغط الهواء من كيلو غرام على السنتيمتر المربع الواحد إِلى كيلو غرامين ، وكلّ هذه العوامل لها ردود فعل شديدة على الحياة في الأَرض . إِنّ هذا لهو فعل الخالق الحكيم الذي جعل كلّ شيء في نظام الخلق بالمقدار الذي تقتضيه فلسفة خلقه ، قال تعالى : «إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ» (1) . (2)
ثانيا : استقرار الأَرض في الفضاءإِنّ الدرس الآخر المستفاد من تأَمّل خلق الأَرض ، هو كون الأَرض عائمةً في الفضاء ، والسيطرة عليها عن طريق أَعمدة غير مرئيّة تتمثّل بقوة الجاذبية ، وهذا الأَمر العجيب الجدير بالتأَمل يعتبره القرآن الكريم إِحدى آيات قدرة الخالق الحكيم وتدبيره ، فيصرّح بالقول : «وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ» (3) . إِنّ لهذه الآية دلالة واضحة بأنّ الأَرض وسائر الأَجرام السماوية قائمةٌ في الفضاء بدون أَعمدة وأُسس وروابط مادية محسوسة ، وليس ثمة شيء يقيمها غير أَمر اللّه تعالى (4) ، وفي آية أُخرى ، يؤكّد القرآن الكريم بأنّ اللّه تعالى وحدَه هو الذي يحفظ السَّماء والأَرض ويمنعهما من السقوط ، حيث يقول :
.
ص: 195
«إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ أَن تَزُولَا» (1) . على ضوء آيات القرآن الكريم أَشارت الأَحاديث الإسلامية أَيضا إِلى مسأَلة كون الأَرض عائمة في الفضاء بعبارات واضحة ، مثل : «بَسَطَ الأَرضَ عَلَى الهَواءِ بِغَيرِ أَركانٍ». (2) و «أقامَها بِغَيرِ قَوائِمَ ، ورَفَعَها بِغَيرِ دَعائِمَ» (3) و«أقامَ الأَرضَ بِغَيرِ سَنَدٍ» (4) و«اِستَقَرَّتِ الأَرَضونَ بِأَوتادِها فَوقَ الماءِ» (5) وغيرها . والنقطة المهمة الأُخرى الجديرة بالذكر هي كيفية إِجراء الأَمر الإلهي في إِقامة الأرض والأَجرام السَّماوية في الفضاء ، وحفظها ضمن مداراتها الخاصة ، وقد ذُكرت هذه المسأَلة بوضوح في آيتين أُخريين ، هما قوله تعالى : «اللَّهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَ_وَ تِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» (6) . وقوله : «خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» (7) . إِنّ هاتين الآيتين توضّحان الأَمر والإمساك الإلهيين الواردين في الآيتين المتقدّمتين آنفا ، أي أنّ عدم سقوط السَّماوات والأَرض بأمر اللّه سبحانه ، وبواسطة
.
ص: 196
دعائم غير مرئية ، تسمّى علميا اليوم قوة الجاذبية ، من هنا فإنّ أَحد أَصحاب الإمام الرضا عليه السلام واسمه حسين بن خالد حينما سأَله عليه السلام عن قوله تعالى : «وَ السَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ» (1) ، أَجاب الإمام عليه السلام : «هِيَ مَحبوكَةٌ إِلَى الأرضِ» وشبّك بين أَصابعة ، ثُمّ تابع حسين ابن خالد السؤال مجددا : كيف هي محبوكة إِلى الأَرض ، واللّه يقول : «رَفَعَ السَّمَ_وَ تِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» ؟ فقال الإمام عليه السلام : «سُبحانَ اللّهِ! ألَيسَ اللّهُ يَقولُ : «بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» ؟!» قال حسين بن خالد : بلى . فقال الإمام عليه السلام : «ثَمَّ عَمَدٌ ولكِن لا تَرَونَها» (2) .
ثالثا : استقرار الأَرض بأَربع عشرة حركةالدرس الآخر في خلق الأَرض هو كونها مستقرّةً بشكل تام بواسطة أَربعة عشر نوعا من أَنواع الحركة (3) ، بيد أنّها تبدو لساكنيها كأَنّها ثابتة وليس ثمة أيّ حركة ، وعندما نحاول إِدراك الأَهمية الفائقة لهذا الموضوع لابد أن نتصوّر بأنّ هذه السفينة الفضائية العظيمة التي اسمها الأَرض ، تحمل اليوم نحو ستّة مليارات مسافر ، وتطير في الفضاء في حركتها الوضعية بسرعة تعادل «1440» كيلومتر في الساعة ، وفي حركتها التبعية بسرعة «000/70» كيلومتر ، وفي حركتها الانتقالية بسرعة «280/107» كيلومتر ، وهي مع هذا الوصف مستقرة استقرارا تاما ، وقد أكد القرآن
.
ص: 197
الكريم والحديث الشريف مكررا هذا الدرس البليغ باعتباره أَحد الأدلة على معرفة اللّه سبحانه ، ودعا النَّاس إِلى التأَمّل فيه ، قال تعالى : «اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا» (1) . وقال : «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَ_دًا» (2) .
رابعا : توفير المعادن والفلزاتلقد أَودع الخالق الحكيم أَنواعا متعددة من المعادن والفلزات في باطن الأَرض ، كي يستفيد منها الإنسان ويوفّر حاجاته المختلفة ، وفي ذلك دليلٌ آخر على معرفة اللّه سبحانه من خلال التأَمل في آفاق الأرض ، ولا ريب في أنّ وجود هذه المعادن والفلزات يعتبر من العوامل الأَصيلة التي تسهم في تقدم الفنّ والعلم والحضارة البشريّة (3) . فضلاً عن جميع ما أَشرنا إِليه سابقا ، فإنّ كلّ التدابير المتّخذة في نظام الخلق لجعل الأَرض صالحةً لحياة الإنسان _ وقد بحثنا بعضها في أَبواب أُخرى من هذه المجموعة _ تعتبر من آيات معرفة اللّه سبحانه في خلق الأَرض .
راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج 2 (القسم الحادي عشر : الأرض) .
.
ص: 198
. .
ص: 199
الباب السابع: خلق الجبالالكتاب«وَ تَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَ هِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْ ءٍ إِنَّهُ خَبِير بِمَا تَفْعَلُونَ » . (1)
«وَ الْجِبَالَ أَوْتَادًا » . (2)
«وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِ_لَ_لاً وَ جَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَ_نًا» . (3)
«وَ أَلْقَى فِى الْأَرْضِ رَوَ سِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ» . (4)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي ... وَتَّدَ بِالصُّخورِ مَيَدانَ (5) أَرضِهِ . (6)
.
ص: 200
عنه عليه السلام_ فِي صِفَةِ الأَرضِ _: وعَدَّلَ حَرَكاتِها بِالرّاسِياتِ مِن جَلاميدِها ، وذَواتِ الشَّناخيبِ الشُّمِّ مِن صَياخيدِها . (1)
عنه عليه السلام_ أَيضا _: وأَرسى أَرضا يَحمِلُهَا الأَخضَرُ ... وجَبَلَ جَلاميدَها ونُشوزَ مُتونِها وأَطوادِها ، فَأَرساها في مَراسيها ، وأَلزَمَها قَراراتِها ، فَمَضَت رُؤوسُها فِي الهَواءِ ، ورسَتَ أُصولُها فِي الماءِ ، فَأَنهَدَ جِبالَها عَن سُهولِها ، وأَساخَ قَواعِدَها في مُتونِ أَقطارِها ومَواضِعِ أَنصابِها ، فَأَشهَقَ قِلالَها ، وأَطالَ أَنشازَها ، وجَعَلَها لِلأَرضِ عِمادا ، وأَرَّزها فيها أَوتادا ، فَسَكَنَت عَلى حَرَكَتِها من أن تَميدَ بِأَهلِها ، أو تَسيخَ بِحَملِها ، أو تَزولَ عَن مَواضِعِها ، فَسُبحانَ مَن أَمسَكَها بَعدَ مَوَجانِ مِياهِها . (2)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ رَبَّ السَّقفِ المَرفوعِ ، وَالجَوِّ المَكفوفِ . . . ورَبَّ الجِبالِ الرَّواسِي الَّتي جَعَلتَها لِلأَرضِ أَوتادا ، ولِلخَلقِ اعتِمادا . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: أُنظُر _ يا مُفَضَّلُ _ إِلى هذِهِ الجِبالِ المَركومَةِ مِنَ الطّينِ وَالحِجارَةِ الَّتي يَحسَبُهَا الغافِلونَ فَضلاً لا حاجَةَ إِلَيها ، وَالمَنافِعُ فيها كَثيرةٌ ؛ فَمِن ذلِكَ أن يَسقُطَ عَلَيها الثُّلوجُ فَيَبقى (4) في قِلالِها لِمَن يَحتاجُ إِلَيهِ ، ويَذوبُ ما ذابَ مِنهُ فَتَجري مِنهُ العُيونُ الغَزيرَةُ الَّتي تَجتَمِعُ مِنها الأَنهارُ العِظامُ ، ويَنبُتُ فيها ضُروبٌ مِنَ النَّباتِ وَالعَقاقيرِ الَّتي لا يَنبُتُ مِثلُها فِي السَّهلِ ، ويَكونُ فيها كُهوفٌ ومَقايلُ لِلوُحوشِ مِنَ السِّباعِ العادِيَةِ ، ويُتَّخَذُ مِنهَا الحُصونُ وَالقِلاعُ المَنيعَةُ لِلتَّحَرُّزِ مِنَ الأَعداءِ ، ويُنحَتُ مِنهَا الحِجارَةُ لِلبِناءِ وَالأَرحاءِ ، ويوجَدُ فيها مَعادِنُ لِضُروبٍ مِنَ
.
ص: 201
الجَواهِرِ ، وفيها خِلالٌ أُخرى لا يَعرِفُها إِلّا المُقَدِّرُ لَها في سابِقِ عِلمِهِ . (1)
تفسير القمّي : «وَ تَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَ هِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْ ءٍ» قالَ : فِعلَ اللّهِ الَّذي أَحكَمَ كُلَّ شَيءٍ . (2)
.
ص: 202
. .
ص: 203
تأمّلات حول آيات معرفة اللّه في خلق الجبالوأَخيرا بتقدّم علم طبقات الأَرض «الجيولوجيا» أَثبت هذا العلم ضرورة وجود الجبال لغرض ضمان استقرار الأَرض وصلاحيتها للحياة ، لكن القرآن الكريم استطاع كشف هذا السّر العلمي قبل أَربعة عشر قرنا من الزمان ، حيث بيّن بصراحة بعض الأَدوار التي تلعبها الجبال في حياة الإنسان ، وقد استخدم هذا الكتاب السَّماوي اصطلاح «الجبال» تسعا وثلاثين مرة ، وعبّر عنها بكلمة «الرواسي» في تسع مرات ، كما دعا النَّاس إِلى التأَمل والمطالعة لهذه الظاهرة العجيبة للسير في معرفة اللّه تعالى ، وفيما يلي أَهم الملاحظات المثيرة من خلال تأَمل خلق الجبال :
أولاً : نصب الجبالإِنّ الملاحظة الأُولى الجديرة بالتأَمل التي دعا القرآن الكريم الإنسان إِلى التأَمّل فيها ، هي كيفية نصب الجبال في الأَرض ، قال تعالى : «أَفَلَا يَنظُرُونَ ... إِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ» (1) . حقا من يستطيع أن ينصب هذه الجبال بهذا الحجم والوزن في قلب الأَرض ، وأن يربط جذورها بعضها ببعض غير الخالق القادر الحكيم؟ هل مثل هذا
.
ص: 204
العمل العظيم من صنع الصدفة الصّماء العمياء؟!
ثانيا : دور الجبال في استقرار الأَرضإنّ الأَرض تقع في معرض الاهتزاز والاضطراب الشديد والتلاشي من جهتين : 1 . الحركات السريعة المتعددة ، الوضعية والتبعية ، والانتقالية . 2 . استعداد الغازات المتراكمة في أَعماق الأَرض للانفجار بشدة متناهية . من هنا فإنّ الأَرض تحتاج إِلى روابط محكمة دائمة وأَوتاد عظيمة تتناسب مع حجمها ووزنها ، لكي تربط طبقاتها المختلفة بعضها ببعض ، وتمنعها من الاهتزاز والتلاشي ، وقد أَشارت التحقيقات العلمية إِلى أنّ الروابط الدائمة والأَوتاد المحكمة التي توجب استحكام الأَرض واستقرارها ، هي الجبال بجذورها العميقة ووزنها الثقيل ، وقد بيّن القرآن الكريم في ثلاثة موارد فائدة الجبال في الحدّ من اضطراب الأَرض وتزلزلها ، قال تعالى : «وَجَعَلْنَا فِى الْأَرْضِ رَوَ سِىَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ» (1) . وقال : «وَ أَلْقَى فِى الْأَرْضِ رَوَ سِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ» (2) . وقال : «وَ أَلْقَى فِى الْأَرْضِ رَوَ سِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَ أَنْهَ_رًا وَ سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» (3) . وفي موضع آخر ذكر الجبال باعتبارها أَوتادا للأَرض حيث قال :
.
ص: 205
«أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَ_دًا * وَ الْجِبَالَ أَوْتَادًا» (1) . وقد تقدّم كلام دقيق بديع لأَميرالمؤمنين عليّ عليه السلام في تفسير هذه الآيات وتبيينها في الباب السادس (2) .
ثالثا : دور الجبال في حفظ الإنسانإِنّ الجبال تحافظ على الإنسان من جهات مختلفة _ فهي تقف كالسدّ العظيم والجدران الشاهقة بوجه الرياح الباردة الّتي تهبّ من المحيط المنجمد الشمالي _ ولولا تلك الأَسوار الشَّوامخ والجدران الشواهق لاختلّت ظروف العيش في بيئة الحياة نتيجة تلك الرياح العاتية الباردة ، ثمّ إِنّ الجبال تقف حائلاً أمام الرياح البحرية الرطبة التي تحمل الغيوم ، وبالنتيجة يتساقط المطر أو الثلج حول أَطرافها . فضلاً عن ذلك فإنّ الجبال الشاهقة تغيّر درجات حرارة المناطق المجاورة لها فتخفّف من وطأَة الحرارة الشديدة ، يقول تعالى في إِشارة إِلى واحدة من حِكم خلق الجبال : «وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِ_لَ_لاً وَ جَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَ_نًا» (3) .
رابعا : دور الجبال في تصفية المياهإنّ إحدى طرق تصفية المياه كما يلي : حينما تمرّ المياه خلال الطبقات المختلفة المتراكمة بعضها فوق بعض ، فإنّ الشَّوائب والجراثيم تترسّب في ثنايا المنافذ ، ومن ثمّ يتخلّل الماء من تحتها رقراقا عذبا ، كذلك تلعب الجبال دورا مهما في تصفية
.
ص: 206
المياه الثلجية وعذوبتها ؛ ذلك لأنّ الثلوج التي تُختزن في أَعالي الجبال عند فصل الشتاء تذوب بالتدريج ، ويمرّ ماؤها متخلّلاً طبقات الجبال الصخرية ، فيصفى بشكل طبيعي ، ويجري من تحت الجبال على شكل عيون وينابيع رَقراقةً عذبة ، وكلّما ازداد ارتفاع الجبال ازدادت مياهها عذوبةً ونقاءً (1) ، وقد أَشار القرآن الكريم إِلى هذا الأَمر باعتباره درسا في معرفة اللّه سبحانه ، حيث يقول : «وَ جَعَلْنَا فِيهَا رَوَ سِىَ شَ_مِخَ_تٍ وَ أَسْقَيْنَ_كُم مَّاءً فُرَاتًا» (2) .
خامسا : فوائد أُخرى للجباللم تقتصر منافع الجبال وأَدوارها في حياة الإنسان على ما ذكرناه فحسب ، لذا فإنّ الإمام الصادق عليه السلام حينما يشير في حديثٍ له إِلى فوائد الجبال المتعددة ومنها : خزن الثلوج ، وعيون الماء ، وأَنواع الأَعشاب الطبيعيّة ، وتوفير البيئة الصالحة لعيش الحيوانات البرية وغيرها ، يقول عليه السلام : «وفيها خِلالٌ أُخرى لا يَعرِفُها إلّا المُقَدِّرُ لَها في سابِقِ عِلمِهِ» (3) .
.
ص: 207
الباب الثامن: خلق الماءالكتاب«أَفَرَءَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ * ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَ_هُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ » . (1)
«أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَ_هُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْ ءٍ حَىٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ » . (2)
«وَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَ جًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى» . (3)
راجع : النحل : 10 و11 و65 ، البقرة : 164 ، الحجّ : 63 ، النمل : 60 ، إبراهيم : 32 ، الفرقان : 48 ، الأنفال : 11 ، النور : 45 .
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً» _: يَعني المَطَرَ يُنزِلُهُ مِن عُلوٍ لِيَبلُغَ قُلَلَ جِبالِكُم وتِلالِكُم وهِضابَكُم وأَوهادَكُم (4) ، ثُمَّ فَرَّقَهُ رَذاذا
.
ص: 208
ووابِلاً (1) وهَطلاً لِتَنشَفَهُ أَرَضوكُم ، ولَم يَجعَل ذلِكَ المَطَرَ نازِلاً عَلَيكُم قِطعَةً واحِدَةً ، فَيُفسِدَ أَرَضيكُم وأَشجارَكَم وزُروعَكُم وثِمارَكُم . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا تَمنَعوا عِبادَ اللّهِ فَضلَ الماءِ وَالكَلَاَ ولا نارا ؛ فَإِنَّ اللّهَ جَعَلَها مَتاعا (3) لِلمُقوينَ ، وقُوَّةً لِلمُستَضعَفينَ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله إِذا شَرِبَ الماءَ قالَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي سَقانا عَذبا زُلالاً ، ولَم يَسقِنا مِلحا أُجاجا ، ولَم يُؤاخِذنا بِذُنوبِنا . (5)
عنه عليه السلام_ وسَأَلَهُ رَجُلٌ عَن طَعمِ الماءِ _: سَل تَفَقُّها ولا تَسأَل تَعَنُّتا ! طَعمُ الماءِ طَعمُ الحَياةِ . (6)
.
ص: 209
.
.
ص: 210
تأمّلات حول آيات معرفة اللّه في خلق الماءإنّ القرآن الكريم يعتبر خلق الماء أَحد الآيات والدلالات الكبرى على معرفة اللّه سبحانه ، وهو الآية التي يتمكن الباحثون عن طريق البحث والمطالعة فيها التعرّف على الخالق الحكيم ، والنقاط التي أَكّدها هذا الكتاب السماوي في هذا الخصوص عبارة عن :
1 . رمز الحياةيعدّ الماء من وجهة نظر القرآن الكريم رمزا للحياة ، ودوره في إِيجاد الأَحياء وديمومة الحياة دليل واضح قاطع على التوحيد ، من هذه الناحية يتوجّه هذا الكتاب السَّماوي إِلى أُولئك الذين يصرّون على الكفر رغم مشاهدة هذا الدليل الواضح باللوم والتقريع ، قال تعالى : «أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَ_هُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْ ءٍ حَىٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ» (1) . ويقول أَيضا :
.
ص: 211
«وَ اللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» (1) .
2 . زينة الأَرضإِنّ جمال الأَرض وطراوتها ونضارتها لها علاقة مباشرة بالتدبير الحكيم في خلق الماء والسحاب والهواء والمطر ، قال تعالى : «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» (2) . وقد خاطب القرآن الكريم المشركين ودعاهم إلى التفكّر في هذا التدبير ، وعبْر هذا السبيل دعاهم إِلى التوحيد ، قال تعالى : «ءَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُن_بِتُواْ شَجَرَهَا أَءِلَ_هٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ» (3) .
3 . ضمان مصادر الغذاءإِنّ التأَمّل في دور الماء في ضمان مصادر الغذاء يجعل الإنسان أَيضا يتعرف على الخالق الحكيم ، قال تعالى : «اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَ تِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَ_رَ» (4) .
.
ص: 212
4 . ضمان حاجة الشربإِنّ خلق الماء العذب السائغ إِلى جانب الماء المالح الأُجاج لضمان حاجات شرب الكائنات الحيّة يعتبر واحدا من دلائل التوحيد ومعرفة اللّه سبحانه ، وإِذا لم يكن للماء أيّ دور سوى هذا فهو كافٍ لإثبات الحكمة والتدبير في الخلق ، وقد جاء في القرآن الكريم حول آية التوحيد هذه قوله : «أَفَرَءَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ * ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَ_هُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ» (1) وقوله : «قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعِينِ» (2) .
5 . أساس النظافة والطهارةإِنّ النظافة تعتبر واحدة من حِكَم خلق الماء ، وفي هذا المجال لا يمكن أن يحلّ محلّه أيّ شيء ، وهذه الحكمة لوحدها كافية لئن تضع هذا الأَصل الحيويّ في صفّ الآيات الإلهيّة العظمى والدلائل الكبرى لمعرفة اللّه تعالى ، وقد أَشار القرآن الكريم إِلى هذه الحكمة في موضعين كما يلي؛ قال تعالى : «وَ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا» . (3) وقال تعالى : «وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ» (4) . وهناك نقاط مهمة أُخرى في خلق الماء جديرة بالتأَمل والمطالعة ، لكن لا مجال لشرحها وتوضيحها في هذا المقال (5) .
.
ص: 213
الباب التاسع: خلق البحرالكتاب«وَ هُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » . (1)
«وَ هُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَ_ذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَ هَ_ذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَ حِجْرًا مَّحْجُورًا » . (2)
راجع : الفرقان : 53 ، النمل : 61 ، الجاثية : 12 ، الطور : 6 ، الملك : 30 ، الرحمن : 19 _ 22 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنّي أسأَ لُكَ . . . بِالاِسمِ الَّذِي استَقَرَّت بِهِ الأَرَضونَ عَلى قَرارِها ، وَالجِبالُ عَلى أَماكِنِها ، وَالبِحارُ عَلى حُدودِها . (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دعاء الجوشن الكبير _: يا مَن فِي كُلِّ شَيءٍ دَلائِلُهُ ، يا مَن فِي
.
ص: 214
البِحارِ عَجائِبُهُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :أنتَ الَّذي فِي السَّماءِ عَظَمَتُكَ ، وفِي الأَرضِ قُدرَتُكَ ، وفِي البِحارِ عَجائِبُكَ . (2)
بحار الأنوار عن سلمان الفارسي :رَأيتُ عَلى حَمائِلِ سَيفِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام كِتابةً فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ما هذِهِ الكِتابَةُ عَلى سَيفِكَ؟ فَقالَ : هذِهِ إحدى عَشرَةَ كَلِمَةً عَلّمَنيها رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله : ... يا مَنِ البِحارُ بِقُدرَتِهِ مَجرِيَّةٌ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا مَقنوطٌ مِن رَحمَتِهِ ، ولا مَخلُوٌّ مِن نِعمَتِهِ ، ولا مُؤيِسٌ مِن رَوحِهِ ، ولا مُستَنكَفٌ عَن عِبادَتِهِ الَّذي بِكَلِمَتِهِ قامَتِ السَّماواتُ السَّبعُ ، وَاستَقَرَّتِ الأَرضُ المِهادُ ، وثَبَتَتِ الجبالُ الرَّواسي ، وجَرَتِ الرِّياحُ اللَّواقِحُ ، وسارَ في جَوِّ السَّماءِ السَّحابُ ، وقامَت عَلى حُدودِهَا البِحارُ . (4)
فاطمة عليهاالسلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي مَن تَوَكَّلَ عَلَيهِ كَفاهُ ، الحَمدُ للّهِِ سامِكِ (5) السَّماءِ ، وساطِحِ الأَرضِ ، وحاصِرِ البِحارِ . (6)
الإمام الحسن عليه السلام :اللّهُمَّ يا مَن جَعَلَ بَينَ البَحرَينِ حاجِزا وبُروجا وحِجرا مَحجورا . (7)
.
ص: 215
الإمام الصادق عليه السلام :إِذا أَرَدتَ أن تَعرِفَ سَعَةَ حِكمَةِ الخالِقِ ، وقِصَرَ عِلمِ المَخلوقينَ ؛ فَانظُر إِلى ما فِي البِحارِ مِن ضُروبِ السَّمَكِ ، ودَوابِّ الماءِ ، وَالأَصدافِ وَالأَصنافِ الَّتي لا تُحصى ولا تُعرَفُ مَنافِعُها إِلَا الشَّيءَ بَعدَ الشَّيءِ ، يُدرِكُهُ النّاسُ بِأَسبابٍ تُحدَثُ . (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :سُبحانَ مَن أَلَجَّ البِحارَ بِقُدرَتِهِ . (2)
.
ص: 216
تأمّلات حول آيات معرفة اللّه في خلق البحرإِنّ الخالق الحكيم جعل من البحار إِحدى الآيات الكبرى لمعرفته ، لِما تتضمنه تلك البحار من مصادر الحياة والثروة الدائمة التي سخّرها الخالق لخدمة المجتمع الإنساني . ولقد تعرّض القرآن الكريم والسنة الشريفة لذكر الدلائل الخفية في عالم البحار بشكل مكرر ، ودعا الإنسان إِلى التأَمل والمطالعة حول عجائب البحار وخفاياها المحيّرة وبيان دورها في حياة الإنسان ، وفيما يلي نشير بشكل مجمل إِلى النقاط الجديرة بالذكر في هذا المجال التي أَكّدتها النصوص الإسلامية :
1 . دور البحار في ضمان مصادر الغذاءلا ريب في أنّ البحر يوفّر قسما لا بأس به من المواد الغذائية التي يحتاج إِليها الإنسان ، وهذا من الوجهة القرآنية يُعدّ علامة من علامات التدبير في نظام الخلق ودليلاً واضحا على معرفة اللّه سبحانه ، قال تعالى : «هُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا » (1) . إِنّ أَسماك البحر تلعب دورا رئيسا في غذاء الإنسان ، كما أنّها مصدر لغذاء كثير
.
ص: 217
من أَنواع الطيور ، فطبقا للاحصاءات العلمية فإنّ الطيور البحرية لسواحل الجزر الصخرية والجبال الساحلية فقط تستهلك فيكل عام 000/500/2 طن من الأَسماك ، هذا فضلاً عن أنّ البحر يعتبر مصدرا دائما للأَملاح الضرورية في غذاء الإنسان .
2 . دور البحار في ضمان وسائل الزينةإِنّ البحر إِضافة إِلى توفيره قسما من المواد الغذائية التي يحتاج إِليها الإنسان ، يوفّر له أَيضا قسما من وسائل الزينة والحلي ، والقرآن الكريم يشير إِلى هذه الحكمة بقوله : «وَ تَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا» (1) وقوله : «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَىِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجَانُ» (2) . اللؤلؤ : درّ ثمين _ كلّما كان أكبر ، كان أثمن _ ينشأ في بطن أنواع من الصدفيات في قاع البحار . والمرجان من الحيوانات البحرية الجميلة يستخدم للزينة وله فوائد طبية أَيضا.
3 . دور البحر في الحمل والنقللقد أَشار القرآن الكريم إِلى دور البحر في الحمل والنقل باعتبارهما من آيات التدبير ومعرفة الخالق سبحانه ، قال تعالى : «وَ ءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَ خَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ * وَ إِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَ لَا هُمْ يُنقَذُونَ» (3) وحتّى في الوقت الحاضر وعلى الرغم من تعدّد وسائط النقل الجوي
.
ص: 218
والبري فإنّ السفن تؤدي دورا مهمّا في الحمل والنقل .
4 . الحائل غير المرئي بين بحرينتعرّض القرآن الكريم في موضعين إِلى ذكر ظاهرة مثيرة للعجب ؛ وهي جعل حاجزٍ غير مرئي بين بحرين متلاصقين بحيث لا يلتبس أَحدهما بالآخر ولا يغلب عليه ، وقد اعتبر ذلك آيةً من آيات التدبير في نظام الخلق ومن الأَدلة على معرفة الخالق _ جلّ وعلا _ . الموضع الأوّل : في سورة الفرقان : «وَ هُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَ_ذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَ هَ_ذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَ حِجْرًا مَّحْجُورًا» (1) . البرزخ : هو الحجاب غير المرئي بين ماءين أَحدهما عذب والآخر مالح ، ولعلّه بسبب التفاوت بينهما في الكثافة والوزن الخاص لكلّ منهما بحيث لا يختلطان لمدّة طويلة ، ولتوضيح هذا الأمر فإنّ كلّ الأَنهار الكبرى للماء العذب التي تصبّ في البحر ، تدفع المياه المالحة إِلى الخلف ، فيصير الماء في جانب الساحل عذبا ، ويستمر هذا الوضع لمدّة طويلة ، وممّا يجدر ذكره أنّه بمساعدة ظاهرة المدّ والجزر لمياه البحر تندفع المياه العذبة في الأَنهار وهي صالحة للاستفادة منها لغرض الزراعة . الموضع الثاني : في سورة الرحمن : «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» علاوة على ما تقدم من المعاني السابقة ، يمكن الإشارة في هذه الآية إِلى أنّ الأَنهار العظيمة التي تجري في المحيطات ، ومن أَهمها ما يسمّى ب_ «كلف استريم» ، هذه المياه بعضها يتحرك في المناطق التي بالقرب من خطِّ الاستواء فهي حارّة ، حتّى أنّ لونها يغاير أَحيانا لون المياه المجاورة لها ، وقد يصل عرضها إِلى «150» كيلومترا ، وعمقها إِلى بضعة مئات من الأَمتار ، وتصل سرعتها في بعض
.
ص: 219
المناطق خلال يوم واحد إِلى مِئة وستين كيلومترا ، وممّا يجدر ذكره أنّ هذه الأَنهار العظيمة لا تختلط مع المياه المجاورة لها إِلا قليلاً (1) .
5 . عجائب البحارلا ريب في أنّ كلّ ما في عالم الخلق عجيب يشير إِلى قدرة الخالق وحكمته ، لكنّ بعض الظواهر أَكثر إِثارة من غيرها ، وفي هذا الجانب يقول الرسول الأَكرم صلى الله عليه و آله في بعض دعائه : «يا مَن في كُلِّ شَيءٍ دَلائِلُهُ ، يا مَن فِي البِحارِ عَجائِبُهُ» (2) . إِنّ التأَمّل في خلق عشرات آلاف الأَنواع من الأَحياء البحرية وكذلك التّأَمّل في حياتها لدليل على هذا الكلام .
6 . الكشف التدريجي لمنافع البحر مع تقدّم العلمإِنّ الذي تقدّم ممّا ذكرناه عن أَدلّة معرفة الخالق من خلال خلق البحار ودورها في حياة الإنسان ، عبارة عن ظواهر مفهومة للنَّاس في عصر النزول وما تلاه من القرون ، وممّا لاريب فيه أنّ منافع البحار ودلائل معرفة اللّه الخفية فيها ، لا تقتصر على التي ذكرناها ، إِذ أنّ للبحر منافع أُخرى تدخل في حياة الإنسان ، إِن لم تكن أكثر وأَهمّ من الفوائد التي ذكرناها فبلا شكّ أنّها ليست أَقلّ منها ، ومنها : نزول المطر ، ولطافة الجو ، وضمان رطوبة الأَرض ، فضلاً عن استخراج عناصر كثيرة من ماء البحر دخلت في صناعات الأَدوية بعد تطور العلم ، مثل : المغنيسيوم ، والبوتاسيوم ، وسلفات الصوديوم وغيرها . لقد أَشار الإمام الصادق عليه السلام إِلى الكشف التدريجي لمنافع البحر وإِلى الفوائد
.
ص: 220
والأَدلّة التي لم تُعرَف في تلك الأَيام بقوله عليه السلام : «إِذا أرَدتَ أَن تَعرِفَ سَعَةَ حِكمَةَ الخالِقِ وقِصَرِ عِلمِ المَخلوقينَ ، فَانظُر إِلى ما فِي البِحارِ مِن ضُروبِ السَّمَكِ ودَوابِّ الماءِ وَالأَصدافِ ، وَالأَصنافِ الَّتي لا تُحصى ولا تُعرَفُ مَنافِعُها إِلَا الشَّيء يُدرِكُهُ النّاسُ بِأَسبابٍ تَحدُثُ » (1) .
.
ص: 221
الباب العاشر: خلق الرّياح والسّحاب والمطرالكتاب«وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَ تٍ وَ لِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ» . (1)
«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِى سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَ__لِهِ وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَ يَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَ_رِ » . (2)
«وَ اخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ تَصْرِيفِ الرِّيَ_حِ ءَايَ_تٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » . (3)
راجع : البقرة: 164 ، الأعراف: 57 ، الحِجْر : 22 ، الإسراء : 69 ، الأنبياء : 81 ، الفرقان : 48 ، النمل : 63 ، الروم : 51 ، فاطر : 9 ، الذاريات : 1 ، القمر : 19 ، المرسلات : 1 ، 3 .
الحديثتفسير القمّي :قولُهُ : «وَ تَصْرِيفِ الرِّيَ_حِ ءَايَ_تٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» أي تَجيءُ مِن كُلِّ
.
ص: 222
جانِبٍ ، ورُبَّما كانَت حارَّةً ، ورُبَّما كانَت بارِدَةً ، ومِنها ما يُسَيِّرُ السَّحابَ ، ومِنها ما يَبسُطُ الرِّزقَ فِي الأَرضِ ، ومِنها ما يَلقَحُ الشَّجَرَةَ . (1)
نثر الدرّ :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ عِندَ هُبوبِ الرِّيحِ : اللّهُمَّ اجعَلها رِياحا ولا تَجعَلها ريحا . وَالعَرَبُ تَقولُ : لا يَلقَحُ السَّحابُ إِلّا مِن رِياحٍ ، ومُصَدِّقُ ذلِكَ قوَلُ اللّهِ تَعالى : «وَ اللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَ_حَ فَتُثِيرُ سَحَابًا» (2) . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ السَّحابَ غَرابيلَ لِلمَطَرِ ، هِيَ تُذيبُ البَرَدَ (4) حَتّى يَصيرَ ماءً لِكَيلا لا يَضُرَّ بِهِ شَيئا يُصيبُهُ . الَّذي تَرَونَ فيهِ مِنَ البَرَدِ وَالصَّواعِقِ نِقمَةٌ مِنَ اللّهِ عز و جل ، يُصيبُ بِها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :السَّحابُ غِربالُ المَطَرِ ، لَولا ذلِكَ لَأَفسَدَ كُلَّ شَيءٍ وَقَعَ عَلَيهِ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :لَولَا السَّحابُ لَخَرِبَتِ الأَرضُ ، فَما أَنبَتَت شَيئا ، ولكِنَّ اللّهَ يَأَمُرُ السَّحابَ فَيُغَربِلُ الماءَ ، فَيُنزِلُ قَطرا ، وأنَّهُ أُرسِلَ عَلى قَومِ نوحٍ بِغَيرِ سَحابٍ . (7)
.
ص: 223
تأملات حول آيات معرفة اللّه في خلق الرياح والسحاب والمطرمن جملة الدلالات الإلهيّة الكبرى التي ذكرها القرآن الكريم في كثير من آياته هي الهواء والسحاب والمطر ، فقد ورد ذكرها فيه نحو 105 مرة بأَسمائها المتعدّدة وآثارها المختلفة ، معا أو متفرقةً ، ويمكن تأمّل هذا المبحث كسائر المباحث القرآنية في الطبيعيات من جانبين : الأَول : وجود النظام الخاص في إنشاء الهواء والسحاب والمطر ، والحكمة الجارية في خلقها . الثاني : الإعجاز القرآني وكيفية الاستنتاج في هذا المجال ، فضمن الآيات التي ورد فيها ذكر الهواء والسحاب والمطر والكيفيات المتعلّقة بها ، تأتي بعض التعبيرات التي يُستنتج منها أنّها تنطبق انطباقا عجيبا دقيقا على اكتشافات علم الأَنواء الجويّة والمعلومات والنظريات العلمية الحديثة ، ممّا يدلّ على أن مُرسِل القرآن ومُنزِله هو نفس مُرسِل الهواء ومنزل المطر ، هذا مع أنّ القرآن لا يريد تدوين أُصول الفيزياء ، وقوانينه أو يعلّمنا نظريات الأَنواء الجوية ، كلّا لكن نريد أن نقول في هذا المجال أن القرآن الكريم تكلّم عن الهواء والمطر بشكل لم يأت نظيره في أي كلام أو كتاب
.
ص: 224
بشري إلى ما قبل القرن الأخير ، وقد ألّف في هذا الموضوع المهندس مهدي بازرگان كتابا مستقلاً (بالفارسية) تحت عنوان «باد و باران در قرآن» أي «الريح والمطر في القرآن» أُوصي الراغبين بالاستزادة حول هذا الموضوع بمطالعة هذا الكتاب .
.
ص: 225
الباب الحادي عشر: خلق الليل والنّهارالكتاب«وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ الَّيْلُ وَ النَّهَارُ وَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ » . (1)
«وَ هُوَ الَّذِى خَلَقَ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ » . (2)
«إِنَّ فِى اخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ » . (3)
«وَ جَعَلْنَا الَّيْلَ وَ النَّهَارَ ءَايَتَيْنِ فَمَحَوْنَا ءَايَةَ الَّيْلِ وَ جَعَلْنَا ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسَابَ» . (4)
«قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَ_مَةِ مَنْ إِلَ_هٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ » . (5)
«قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَ_مَةِ مَنْ إِلَ_هٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ
.
ص: 226
تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ » . (1)
راجع : آل عمران : 27 ، الأنعام: 96، الأعراف: 54 ، يونس : 67 ، الرعد : 3 ، إبراهيم : 33 ، الحجّ : 61 ، المؤمنون : 80 ، النور: 44، الفرقان: 47 و 62 ، النمل: 27 ، القصص : 73 ، الروم : 23 ، لقمان : 29 ، فاطر : 13 ، يس: 37، الزمر: 5 ، غافر: 61، الحديد: 6 ، النبأ : 10 و 11 ، الفجر : 1 و 4 .
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ عِندَ الصَّباحِ وَالمَساءِ _: الحَمدُ للّهِِ الَّذي خَلَقَ اللَّيلَ وَالنَّهارَ بِقُوَّتِهِ ، ومَيَّزَ بَينَهُما بِقُدرَتِهِ ، وجَعَلَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما حَدّا مَحدودا ، وأَمَدا مَمدودا ، يولِجُ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما في صاحبِهِ ، ويولِجُ صاحِبَهُ فيهِ ، بِتَقديرٍ مِنهُ لِلعِبادِ فيما يَغذوهُم بِهِ ، ويُنشِئُهُم عَلَيهِ . فَخَلَقَ لَهُمُ اللَّيلَ لِيَسكُنوا فيهِ مِن حَرَكاتِ التَّعَبِ ، ونَهَضاتِ النَّصَبِ (2) ، وجَعَلَهُ لِباسا لِيَلبَسوا مِن راحَتِهِ ومَنامِهِ ، فَيَكونَ ذلِكَ لَهُم جَماما وقُوَّةً ، ولِيَنالوا بِهِ لَذَّةً وشَهوَةً . وخَلَقَ لَهُم النَّهارَ مُبصِرا لِيَبتَغوا فيهِ مِن فَضلِهِ ولِيَتَسبَّبوا إِلى رِزقِهِ ويَسرَحوا في أَرضِهِ ، طَلَبا لِما فيهِ نَيلُ العاجِلِ مِن دُنياهُم ، ودَرَكُ الآجِلِ في أُخراهُم ، بِكُلِّ ذلِكَ يُصلِحُ شَأَنَهُم ، ويَبلو أَخبارَهُم ، ويَنظُرُ كَيفَ هُم في أَوقاتِ طاعَتِهِ ، ومنازِلِ فُروضِهِ ، ومَواقِعِ أَحكامِهِ «لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَ__ئواْ بِمَا عَمِلُواْ وَ يَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى» (3) . اللّهُمَّ فَلَكَ الحَمدُ عَلى ما فَلَقتَ لَنا مِنَ الإِصباحِ ، ومَتَّعتَنا بِهِ مِن ضَوءِ النَّهارِ ، وبَصَّرتَنا مِن مَطالِبِ الأَقواتِ ، ووَقَيتَنا فِيهِ مِن طَوارِقِ الآفاتِ . (4)
.
ص: 227
تأمّلات في آيات معرفة اللّه في خلق اللّيل والنّهارلقد دعا القرآن الكريم النَّاس في أَكثر من ثلاثين موضعا إِلى التأَمّل في اللّيل والنهار باعتبارهما آيتين تقودان إِلى معرفة اللّه سبحانه وظاهرتين عجيبتين في نظام الخلق تحكيان عن حكمة الخالق وعظمته ، وقد عبّر القرآن الكريم عن هاتين الظاهرتين بتعبيرات عديدة : منها : ما يصرّح بأنّ اللّيل والنهار من آيات يوجود اللّه تعالى ، حيث يقول : «وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ الَّيْلُ وَ النَّهَارُ» . (1) ويقول : «وَ جَعَلْنَا الَّيْلَ وَ النَّهَارَ ءَايَتَيْنِ» . (2) ومنها : ما يصرّح بأنّهما من خلق اللّه وكونهما مسخّرين للإنسان بأَمره تعالى ، يقول : «وَ هُوَ الَّذِى خَلَقَ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ» . (3)
.
ص: 228
ويقول : «وَ سَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ» (1) . ومنها : ما يصرّح بأنّه تعالى هو الذي : «يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَ يُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ » (2) . وهناك تعبيرات أُخرى تدعو العقلاء إِلى التأَمّل والتفكر في ظاهرة اللّيل والنهار ، ولعلّ أَوضح تعبير يفهمه جلّ النَّاس عن حكمة توالي اللّيل والنهار ، هو ما جاء في الآيات 71 _ 73 من سورة القصص ، حيث يقول تعالى : «قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَ_مَةِ مَنْ إِلَ_هٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَ_مَةِ مَنْ إِلَ_هٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَ مِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» . نشير هنا إِلى أنّ الأَرض لو كانت لا تدور حول محورها ، وبقي نصفها غارقا في ظلام سرمدي ونصفها الآخر في ضياءٍ دائمٍ ، فليس بالإمكان مطلقا العيش عليها ، وعلى ضوء هذا يمكن القول إِنّ دوران الأَرض المنظّم ، وتوالي اللّيل والنهار بشكل دقيق محسوب ، يحكي عن دقّة النظم والتدبير ، ويدلّ على توحيد الخالق تعالى . وممّا يجدر ذكره على ضوء ما جاء في القرآن الكريم أنّ الاستدلال باللّيل والنهار على وجود اللّه لا يتيسّر لجميع الأَفهام ، بل أَشارت الآيات القرآنية إِلى فئات معينة تستطيع التأَمل في ظاهرة اللّيل والنهار لغرض معرفة خالق الوجود والسير
.
ص: 229
على صراط الحياة المستقيم ، وتلك الفئات كما يلي :
1 . أُولو الأَبصارقال تعالى : «يُقَلِّبُ اللَّهُ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِى الْأَبْصَ_رِ» (1) .
2 . أُولو الأَلبابقال تعالى : «إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَايَ_تٍ لِّأُوْلِى الْأَلْبَ_بِ» (2) .
3 . أَهل التقوىقال تعالى : «إِنَّ فِى اخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ» (3) .
4 . أَهل الإيمانقال تعالى : «أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا الَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَ النَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأيَ_تٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (4) .
.
ص: 230
وفي الواقع أنّ الشرط الأَساسي للاستفادة من آيات معرفة اللّه سبحانه ودلائلها ، هو التخلص من موانع المعرفة وحُجبها (1) ، لو حجبت الرّؤية العقليّة عن النَّاس لسُلب منهم إِمكان إِدراك الحقائق العقلية ، ومن هنا فإنَّ القرآن الكريم يعدّ الأَشخاص من أُولي الأَبصار وأُولي الأَلباب وأَهل التقوى والإيمان ، إِذا كانوا يستفيدون من رؤية عقولهم ؛ لأَجل إِدراك الحقائق التي توصلهم إِلى سلوك طريق الحياة الصحيح . بناءً على ذلكِ فإنّ أَقلّ درجات التقوى ، هي التقوى العقلية الضرورية إِلى حدّ الوصول إِلى أَدنى درجات معرفة اللّه الّتي تسهم في إِزالة موانع المعرفة شرط الاستفادة من التأَمل في آيات معرفة اللّه ، فإذا ارتقت التقوى العقلية بواسطة الإيمان إِلى التقوى الشرعية ، فإنّها تزيد من مراتب معرفة الإنسان إِلى أَعلى درجات التقوى حتّى يصل إِلى قمة هرم المعرفة فلا يرى في عالم الوجود شيئا إِلّا اللّه سبحانه (2) . على ضوء ما تقدّم من التحليل نصل إِلى نتيجة مفادها أنّ الآيات التي تعتبر جماعات خاصة _ مثل : «أُولي الأَلباب» و «أُولي الأَبصار» ... _ لفهم أَدلة معرفة اللّه ، تشير إِلى شرطية رفع موانع المعرفة وحجبها للوصول إِلى معرفة اللّه ودرجات تلك المعرفة ، وأنّ كلّاً من تلك الآيات في الحقيقة مكملة للأُخرى .
.
ص: 231
الباب الثاني عشر: خلق الشمس والقمرالكتاب«وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ الَّيْلُ وَ النَّهَارُ وَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَ لَا لِلْقَمَرِ وَ اسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ » . (1)
«وَ الشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَ_ا ذَ لِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنَ_هُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَن_بَغِى لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ » . (2)
«الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ » . (3)
«فَالِقُ الْاءِصْبَاحِ وَجَعَلَ الَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَ لِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» . (4)
«هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَ الْقَمَرَ نُورًا وَ قَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسَابَ مَا
.
ص: 232
خَلَقَ اللَّهُ ذَ لِكَ إِلَا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْايَ_تِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » . (1)
راجع : البقرة : 189 ، الأعراف : 54 ، يونس : 6 ، الرعد : 2 ، إبراهيم : 33 ، النحل : 12 ، الإسراء : 12 ، الكهف : 86 و 90 ، الأنبياء : 33 ، المؤمنون : 80 ، الفرقان : 45 و 46 و 61 ، العنكبوت : 61 ، لقمان : 29 ، فاطر : 13 ، الصافّات : 5 ، الزمر : 5 ، الرحمن : 17 ، المعارج : 40 ، نوح : 16 ، المدثّر : 32 ، التكوير : 1 ، الفجر : 1 و 4 ، الشمس : 1 و 2 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لَمّا رَأَى الشَّمسَ عِندَ غُروبِها قالَ _: في نارِ اللّهِ الحامِيَةِ ، لَولا ما يَزَعُها (2) مِن أَمرِ اللّهِ لَأَهلَكَت ما عَلَى الأَرضِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن قَولِهِ عِندَ رُؤيَةِ الهِلالِ _: أَيُّهَا الخَلقُ المُطيعُ ، الدّائِبُ السَّريعُ ، المُتَرَدِّدُ في فَلَكِ التَّدبيرِ ، المُتَصَرِّفُ في مَنازِلِ التَّقديرِ ، آمَنتُ بِمَن نَوَّرَ بِكَ الظُّلَمَ ، وأَضاءَ بِكَ البُهَمَ ، وجَعَلَكَ آيَةً مِن آياتِ سُلطانِهِ ، وَامتَهَنَكَ بِالزِّيادَةِ وَالنُّقصانِ ، وَالطُّلوعِ والأُفولِ ، وَالإِنارَةِ وَالكُسوفِ ، في كُلِّ ذلِكَ أنتَ لَهُ مُطيعٌ وإِلى إِرادَتِهِ سَريعٌ ، سُبحانَهُ ما أَحسَنَ ما دَبَّرَ وأَتقَنَ ما صَنَعَ في مُلكِهِ ! وجَعَلَكَ اللّهُ هِلالَ شَهرٍ حادِثٍ لِأَمرٍ حادِثٍ ، جَعَلَكَ اللّهُ هِلالَ أَمنٍ وإِيمانٍ ، وسَلامَةٍ وإِسلامٍ ، هِلالَ أَمَنَةٍ مِنَ العاهاتِ وسَلامَةٍ مِنَ السَّيِّئاتِ ، اللّهُمَّ اجعَلنا أَهدى مَن طَلَعَ عَلَيهِ ، وأَزكى مَن نَظَرَ إِلَيهِ ، وصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وآلِهِ ، اللّهُمَّ افعَل بي كَذا وكَذا يا أَرحَمَ الرَّاحِمينَ . (4)
.
ص: 233
تأمّلات حول آيات معرفة اللّه في خلق الشمس والقمرتعتبر الشَّمس والقمر في وجهة نظر القرآن دليلين واضحين على الخالق القادر الحكيم ، وقد دعا القرآن الكريم المجتمع البشريّ نحو سبع عشرة مرّة بأَساليب متباينة إِلى التأَمّل في هاتين الظاهرتين العجيبتين في عالم الخلق ، كما قال سبحانه وتعالى : «وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ الَّيْلُ وَ النَّهَارُ وَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ» (1) . إِنّ الدروس التي تستعرض خَلْقَ الشَّمس والقمر في مسير معرفة اللّه يمكن إِجمالها في العناوين (2) التالية :
أَوّلاً : نظام الشمس والقمرقال تعالى : «وَ الشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَ_ا ذَ لِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنَ_هُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَن_بَغِى لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ
.
ص: 234
وَ لَا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» (1) .
ثانيا : حركة الشَّمس والقمررغم أنّ الشمس تعتبر مركز المنظومة الشَّمسية ، والأَرض تدور حولها ، إِلّا أنّها ليست ساكنة ، فلها حركات وضعية باتجاه الشمال ، وتدور حول مركز المجرّة ، وللقمر كذلك حركات انتقاليه ووضعية ، فهو يدور حول الأرض ، ويدور مع المجموعة الشَّمسية . وقد وردت في القرآن الكريم آيات عديدة ترشد إِلى معرفة اللّه من خلال التأمّل في الحركة المنظمة للشَّمس والقمر ، منها قوله تعالى : «وَ هُوَ الَّذِى خَلَقَ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» (2) . ومنها قوله تعالى : «وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُّسَمًّى» (3) .
ثالثا : سجود الشَّمس والقمر للّهالمقصود من سجود الشَّمس والقمر للّه سبحانه هو نهاية الخضوع والطاعة والتسليم التكويني له تعالى ، بحيث إِنّهما لم يقصّرا في أَداء ما أَمرهما به في نظام الخلق منذ ملايين السنين ، ولم يتجاوزا مدارهما المعيّن لهما ولو بمقدار ذرّة واحدة ، قال تعالى : «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَ_وَ تِ وَ مَن فِى الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ ... » (4) .
.
ص: 235
رابعا : تسخير الشَّمس والقمر للإنسانإِنّ النقطة الأَهمّ الجديرة بالتأَمّل في طريق معرفة اللّه من خلال خلق الشَّمس والقمر ، هي أنّ الشَّمس بحجمها الذي يفوق حجم الأَرض بمليون وثلاثمئة وواحدٍ وتسعين أَلف مرّة (1) ، والقمر بحجمه الذي يعادل 491 من حجم الأَرض 2 ، كلاهما أَزاء أَمر الخالق ساجدان وخاضعان ، ومسخّران لخدمة حياة الإنسان ، وقد تكرّر ذكر هذا الأَمر في القرآن الكريم ، فقال : «وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ» (2) . وقد يتبادر إِلى الذهن هذا السؤال : أيّ ربح يجنيه الإنسان من تسخير الشَّمس والقمر؟ وبعبارة أُخرى : ما دور الشَّمس والقمر في حياة الإنسان؟ للإجابة على هذا السؤال لاحظ العنوان الخامس والسادس فيما يلي .
خامسا : دور الشَّمس في توفير الضوء والحياةإِنّ وجود الحياة على سطح الكرة الأَرضية يرتبط ارتباطا وثيقا لا انفصام له بضوء الشَّمس ، بناءً على ذلك فإنّ خلق الشَّمس وتسخيرها للإنسان هو في الحقيقة مقدمة لخلق الإنسان واستمرار حياته «وَ جَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا» (3) وحينما ينطفئ هذا
.
ص: 236
السراج الوهّاج سيحلّ الظلام والبرد القاتل ، ويخيّم على كلّ أَطراف الأَرض ، فلا يهبّ نسيم ، ولا هناك سحاب ، ولا مطر أو ثلج و تنضب العيون ، وتتوقف الأَنهار والشلالات ، ولا تنمو النباتات ، ولن يبقى أيّ مصدر من مصادر الغذاء ، وتغطّي كتل الثلوج العظيمة سطح الأَرض ، وبالتّالي يخمد سراج الحياة على وجه الأَرض . وممّا يجدر ذكره أنّ مصادر الضوء والذخائر المعدنية الموجودة الآن في بواطن الأَرض ، مثل : النفط والفَحم والذّهب والفضّة وغيرها هي أَيضا رهنٌ لضوء الشَّمس .
سادسا : دور الشَّمس والقمر في تقويم التاريخإِنّ حساب الزمان يعتبر واحدا من الأَركان الأَساسية في حياة الإنسان ، والشَّمس والقمر علاوة على ما يلعبانه من أَدوار مهمّة في حياة الإنسان ، فهما وسيلتان لحساب الزَّمان ومعرفة التاريخ ، إِنّهما على الرّغم من حجمهما ووزنهما الهائلين ، ساعتان دقيقتان تعملان بنظم ودقّة متناهية ، بحيث إِنّهما تعملان ملايين السنين ولم يقصّرا أو يزوّدا حتّى ثانية واحدة أو أَقلّ من الثانية ، وهذا واحد من الدروس على طريق معرفة اللّه سبحانه ، قال تعالى : «فَالِقُ الْاءِصْبَاحِ وَجَعَلَ الَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَ لِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» (1) .
.
ص: 237
الباب الثالث عشر: خلق السّماواتالكتاب«إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَايَ_تٍ لِّأُوْلِى الْأَلْبَ_بِ » . (1)
«لَخَلْقُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَ لَ_كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ » . (2)
«وَ مِنْ ءَايَ_تِهِ خَلْقُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَ هُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ». (3)
«إِنَّ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ لَايَ_تٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ » . (4)
«قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا تُغْنِى الْايَ_تُ وَ النُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ » . (5)
«وَ كَأَيِّن مِّنْ ءَايَةٍ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَ هُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ » . (6)
«وَ جَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَ هُمْ عَنْ ءَايَ_تِهَا مُعْرِضُونَ » . (7)
.
ص: 238
«الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَ_وَ تٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَ_نِ مِن تَفَ_وُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَ هُوَ حَسِيرٌ » . (1)
راجع : البقرة : 22 ، آل عمران : 191 ، يونس : 6، ق : 6 .
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَالسَّمَاءَ بِنَ_اءً» (2) _: سَقفا مِن فَوقِكُم مَحفوظا ، يُديرُ فيها شَمسَها وقَمَرَها ونُجومَها لِمَنافِعِكُم . (3)
تفسير القمّي : «وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَ_وَ تٍ طِبَاقًا» (4) قالَ : بَعضُها طَبَقٌ لِبَعضٍ «مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَ_نِ مِن تَفَ_وُتٍ » (5) قال : يَعني مِن فَسادٍ «فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ» أي مِن عَيبٍ «ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ» قالَ : اُنظُر في مَلَكوتِ السَّماواتِ وَالأَرضِ «كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَ هُوَ حَسِيرٌ» (6) ، أي يَقصُرُ وهُوَ حَسيرٌ ، أي مُنقَطِعٌ . قَولُهُ : «وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَ_بِيحَ» (7) قالَ : بِالنُّجومِ . (8)
تفسير القمّي :قوله : «وَ كَأَيِّن مِّنْ ءَايَةٍ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَ هُمْ عَنْهَا
.
ص: 239
مُعْرِضُونَ» (1) قالَ : الكُسوفُ وَالزَّلزَلَةُ وَالصَّواعِقُ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :بَينا رَجُلٌ مُستَلقٍ عَلى ظَهرِهِ يَنظُرُ إِلَى السَّماءِ وإِلَى النُّجومِ ويَقولُ : وَاللّهِ إِنَّ لَكِ لَرَبّا هُوَ خالِقُكِ ، اللّهُمَّ اغفِر لي _ قالَ : _ فَنَظَرَ اللّهُ عز و جل إِلَيهِ ، فَغَفَرَ لَهُ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ في تَمجيدِ اللّهِ عز و جل _: سُبحانَكَ ما أَعظَمَ ما نَرى مِن خَلقِكَ ، وما أَصغَرَ كُلَّ عَظيمَةٍ في جَنبِ قُدرَتِكَ ، وما أَهوَلَ ما نَرى مِن مَلَكوتِكَ ، وما أَحقَرَ ذلِكَ فيما غابَ عَنّا مِن سُلطانِكَ ، وما أَسبَغَ نِعَمَكَ فِي الدُّنيا ، وما أَصغَرَها في نِعَمِ الآخِرَةِ ! (4)
عنه عليه السلام_ أَيضا _: ومَا الَّذي نَرى مِن خَلقِكَ ، ونَعجَبُ لَهُ مِن قُدرَتِكَ ، ونَصِفُهُ مِن عَظيم سُلطانِكَ ، وما تَغَيَّبَ عَنّا مِنهُ وقَصُرَت أَبصارُنا عَنهُ ، وَانتَهَت عُقولُنا دونَهُ ، وحالَت سُتورُ الغُيوبِ بَينَنا وبَينَهُ أَعظَمُ . فَمَن فَرَّغَ قَلبَهُ ، وأَعمَلَ فِكرَهُ ؛ لِيَعلَمَ كَيفَ أَقَمتَ عَرشَكَ ، وكَيفَ ذَرَأتَ خَلقَكَ ، وكَيفَ عَلَّقتَ فِي الهَواء سَماواتِكَ ، وكَيفَ مَدَدتَ عَلى مَورِ الماءِ أَرضَكَ ؛ رَجَعَ طَرفُهُ حَسيرا ، وعَقلُهُ مَبهورا ، وسَمعُهُ والِها ، وفِكرُهُ حائِرا . (5)
عنه عليه السلام :فَمِن شَواهِدِ خَلقِهِ خَلقُ السَّماواتِ مُوَطَّداتٍ بِلا عَمَدٍ ، قائِماتٍ بِلا سَنَدٍ ، دَعاهُنَّ فَأَجَبنَ طائِعاتٍ مُذعِناتٍ ، غَيرَ مُتَلَكِّئاتٍ ولا مُبطِئاتٍ ، ولَولا إِقرارُهُنَّ لَهُ بِالرُّبوبِيَّةِ ، وإِذعانُهُنَّ بِالطَّواعِيَةِ ، لَما جَعَلَهُنَّ مَوضِعا لِعَرشِهِ، ولا مَسكَنا لِمَلائِكَتِهِ،
.
ص: 240
ولا مَصعَدا لِلكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ مِن خَلقِهِ. جَعَلَ نُجومَها أَعلاما يَستَدِلُّ بِهَا الحَيرانُ في مُختَلَفِ فِجاجِ الأَقطارِ. لَم يَمنَع ضَوءَ نورِها ادلِهمامُ سُجُفِ (1) اللَّيلِ المُظلِمِ، ولَا استَطاعَت جَلابيبُ سَوادِ الحَنادِسِ أن تَرُدَّ ما شاعَ فِي السَّماواتِ مِن تَلَألُوَ نورِ القَمَرِ . (2)
عنه عليه السلام :ونَظَمَ بِلا تَعليقٍ رَهَواتِ فُرَجِها ، ولاحَمَ صُدوعَ انفِراجِها ، ووَشَّجَ بَينَها وبَينَ أَزواجِها، وذَلَّلَ لِلهابِطينَ بِأَمرِهِ وَالصّاعِدينَ بِأَعمالِ خَلقِهِ حُزونَةَ مِعراجِها ، وناداها بَعدَ إِذ هِيَ دُخانٌ ، فَالتَحَمَت عُرى أَشراجِها ، وفَتَقَ بَعدَ الاِرتِتاقِ صَوامِتَ أَبوابِها ، وأَقامَ رَصَدا مِنَ الشُّهُبِ الثَّواقِبِ عَلى نِقابِها ، وأَمسَكَها مِن أن تَمورَ في خَرقِ الهَواءِ بِأَيدِهِ ، وأَمَرَها أن تَقِفَ مُستَسلِمَةً لِأَمرِهِ ، وجَعَلَ شَمسَها آيَةً مُبصِرَةً لِنَهارِها ، وقَمَرِها آيَةً مَمحُوَّةً مِن لَيلِها ، وأَجراهُما في مَناقِلِ مَجراهُما ، وقَدَّر سَيرَهُما في مَدارِجِ دَرَجِهِما ، لِيُمَيِّزَ بَينَ اللَّيلِ وَالنَّهارِ بِهِما، ولِيُعلَمَ عَدَدُ السِّنينَ وَالحِسابُ بِمَقاديرِهِما، ثُمَّ عَلَّقَ في جَوِّها فَلَكَها، وناطَ بِها زينَتَها، مِن خَفِيّات دَرارِيِّها، ومَصابيحِ كَواكِبِها، ورَمى مُستَرِقِي السَّمعِ بِثَواقِبِ شُهُبِها ، وأَجراها عَلى إِذلالِ تَسخيرِها ، مِن ثَباتِ ثابِتِها ، ومَسيرِ سائِرِها ، وهُبوطِها وصُعودِها ، ونُحوسِها وسُعودِها . (3)
.
ص: 241
تأمّلات حول آيات معرفة اللّه في خلق السماءإِنّ كلمة «السَّماء» مشتقة في اللغة من الجذر «سمو» بمعنى كلّ عالٍ مطلّ ، من هنا يطلق لفظ السَّماء على سقف البيت (1) ، وقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم «313» مرّة بصورة مفرد أو جمع ، وعبّرت عن معانٍ مختلفة ، كما يلي : 1 . الجهة العليا المجاورة للأَرض ، كما في قوله تعالى : «أَلَمْ تَرَكَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَ فَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ» (2) . 2 . المنطقة البعيدة عن سطح الأَرض «محلّ السحاب» ، كما في قوله تعالى : «وَ نَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَ_رَكًا» (3) . 3 . الطبقة الجوية المتراكمة في أَطراف الأَرض ، كما في قوله تعالى : «وَ جَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا» (4) . 4 . الأَجرام السَّماوية ، كما في قوله تعالى : «رَفَعَ السَّمَ_وَ تِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» .
.
ص: 242
5 . ما يحيط بجميع الأَجرام السَّماوية ، كما في قوله تعالى : «وَ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَ_بِيحَ» (1) . 6 . مقام القرب الإلهي الذي ينتهي إِليه زمام جميع الأُمور ، كما في قوله تعالى : «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ» (2) . أما الدروس المستقاة من خلق السَّماوات على طريق معرفة الخالق _ جلّ وعلا _ ، التي أَشار إِليها القرآن الكريم ، فهي تتعلق بالمعنى الثالث والرابع والخامس من المعاني المتقدمة ، من هنا فإنّ المحاور الجديرة بالتأَمّل والبحث هي ، كما يلي :
أَولاً : سعة السَّماءإِنّ الملاحظة الأُولى الحريّة بالتأَمّل عند مشاهدة السَّماء ، هي سعتها المحيِّرة التي تفوق التصور ، فوَفقا للحسابات العلمية إِنّنا لو سافرنا في طائرة مفترضة تسير بسرعة الضوء _ أي أنّها تقطع في كل ثانية ثلاثمئة أَلف كيلومتر _ فإنّنا سنصل إِلى الشَّمس بعد ثماني دقائق وعشرين ثانية ، ونصل إِلى الجدي بعد خمسين سنة ، وإِلى العيوق بعد تسعين سنة ، وإِذا أَردنا أن نسافر إِلى أول مجرّة وبنفس السرعة المتقدّمة ، فإنّ رحلتنا تستغرق سبعمئة أَلف سنة ضوئية ، ولقطع المسافة من طرف المجرّة إِلى طرفها الآخر نحتاج إِلى مئتي سنة ضوئية ، وعلى أَساس مايقوله علماء النجوم : هناك في الكون ما لا يقلّ عن مئة أَلف مجرّة مثل مجرّتنا ، وممّا يزيد من الحيرة والعجب هو أنّ كلّ ما ذكرناه عن سفرنا الكونيّ الذّهني يعتبر في وجهة النظر القرآنية منحصرا في سماء واحدة ، هي السَّماء الأُولى أو الدنيا (3) .
.
ص: 243
إِنّ أَميرالمؤمنين عليه السلام يقول مشيرا إِلى هذه العظمة التي لا تُوصَف ، وذلك في معرض دعائه مخاطبا الخالق القادر الحكيم : سُبحانَكَ ما أَعظَمَ ما نَرى من خَلقِكَ! وما أَصغَرَ كُلَّ عَظيمَةٍ في جَنبِ قُدرَتِكَ! وما أَهوَلَ ما نَرى مِن مَلَكوتِكَ ! ومَا أحقَرَ ذلِكَ فيما غابَ عَنّا مِن سُلطانِكَ ! (1)
ثانيا : مصابيح السَّماءمن جهة أُخرى يدعو القرآن الكريم في آيات عديدة بالنظر إِلى السَّماء والنّجوم التي فيها باعتبارها مصابيح مضيئة جميلة ، جعلها أَحسن الخالقين دليلاً على علمه وقدرته وحكمته قال سبحانه وتعالى : «أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَ_هَا وَ زَيَّنَّ_هَا» (2) . فإنّ مثل هذا النظر والتأَمّل ربّما يفوق فضلاً على كثير من العبادات ، كما يستفاد ذلك من سلوك الإمام زين العابدين عليه السلام : قُرِّبَ إِلى عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليه السلام طَهورُهُ في يَومِ وِردِهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِناءِ لِيَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَنَظَرَ إلَى السَّماءِ وَالقَمَرِ وَالكَواكِبِ ، ثُمَّ جَعَلَ يُفَكِّرُ في خَلقِها ، حَتّى أصبَحَ وأذَّنَ المُؤَذِّنُ ويَدُهُ فِي الإِناءِ (3) .
ثالثا : السقف المحفوظلقد أَشرنا في معاني السَّماء الواردة في القرآن الكريم ، إِلى أن أَحدها يعني الجوّ المحيط في أطراف الأَرض ، يقول «فرانك آلن» أُستاذ الفيزياء الحيويّة : إِن الغلاف
.
ص: 244
الغازي المتكوّن من عدّة غازات يحافظ على الحياة على سطح الأَرض ، حيث يبلغ سَمْكه نحو «800» كيلومتر ، بحيث يستطيع أن يقف كالدرع الواقي للأَرض ويحفظها من شرّ النيازك والشهب ومختلف الأَحجار السَّماوية المُمِيتة التي تصطدم به ، وهي تنزل بمقدار عشرين مليون حجر في اليوم ، وتبلغ سرعتها في الفضاء ، نحو خمسين كيلومتر في الثانية . كما يحافظ الغلاف الغازي على درجة الحرارة عند سطح الأَرض في الحدود المناسبة للحياة ، ويدّخر مقدارا كبيرا من الماء والبخار اللازمين للحياة وينقلهما من المحيطات إِلى اليابسة . كما أنّ سُمْك الغلاف الغازي المحيط بالأَرض يجعل الأَشعة الكونية النافذة عبره إِلى أَطراف الأَرض بمعدلٍ كافٍ لنموّ النّباتات ، وخلال ذلك يقوم الغلاف الغازي بإتلاف كلّ الجراثيم المضرّة ويُوجِد الفيتامينات المفيدة (1) . إِنّ هذه التحقيقات في الواقع تفسير لهذا الدرس في معرفة اللّه ، الذي يقول فيه القرآن : «وَ جَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَ هُمْ عَنْ ءَايَ_تِهَا مُعْرِضُونَ» . وقوله تعالى : «أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأَيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ» (2) .
.
ص: 245
رابعا : استقرار الأَجرام السَّماوية في الفضاءاستقرار الأجرام السَّماوية في الفضاء بدون عمد ولا دعامة والسيطرة عليها بواسطة قوة الجاذبية التي عبّر عنها القرآن الكريم بالعمد غير المرئيّة ، هو درس آخر من دروس التوحيد ومعرفة اللّه تعالى ، من وجهة نظر القرآن الكريم ، وقد أشار إِلى ذلك في موضعين : قوله تعالى : «اللَّهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَ_وَ تِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» . وقوله تعالى : «خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» (1) . على ضوء هاتين الآيتين وحديث الإمام الرضا عليه السلام الذي قدمناه في الفقرة الثانية من دروس معرفة اللّه من خلال خلق الأَرض ، يُرفَع الستار عن حقيقة علميّة لم يكن يعرفها أَحد في زمان النزول ، إِذ كانت هيئة «بطليموس» هي السّائدة آنذاك على المحافل العلمية وأَفكار الناس ، حيث تقول : إِنّ السَّماء تتكون من عدّة كرات متداخلة بعضها فوق بعض كطبقات البصل ، وإِنّ أيّا من تلك الكرات ليست حرّةً عائمة في الفضاء بدون أَعمدة ، بل كلّ منها تعتمد على الأُخرى وتتّكئ عليها ، هذه هي فحوى نظرية بطليموس ، التي توصّل العلم والمعرفة البشرية إِلى كونها موهومة وليس لها أي واقعية ، وذلك بعد نحو أَلف سنة من عصر النزول ، حيث أَثبت العلم بأنّ كلّ واحد من الأَجرام السَّماوية عائم في مكانه ومستقرّ في مداره بدون أن يعتمد على شيء أو يتّكئ عليه ، والشيء الوحيد الذي يُقرّها في مواضعها ضمن مداراتها هو تعادل قوة الجذب والدفع ، حيث إِنّ إِحدى القوتين ترتبط بوزن
.
ص: 246
الكوكب والثانية ترتبط بحركته ، وذلك التعادل بصورة عمود غير مرئيّ يحافظ على الأَجرام السَّماوية في مواضعها .
خامسا : النظام الدقيق السَّائد على الأَجرام السَّماويةإِنّ الحركة المنظّمة الدّقيقة للأَجرام السَّماوية في مداراتها الخاصَّة درس آخر للتوحيد ، فإنّ النظام السَّائد على الأَجرام السَّماوية لا يضمن عدم اصطدام بعضها ببعض فحسب ، بل يساعد على التّنبّؤ بالنسبة إِلى الأَحداث السَّماوية ، فهل يمكن التصديق بالقول : إِنّ الصدفة العمياء ، هي التي جعلت مليارات الأَجرام السَّماوية التي أَكثرها أَكبر حجما من الأَرض بآلاف المرات ، تتحرك ملايين السنين بسرعة فائقة بدون أَدنى انحراف عن مداراتها؟ إِنّ القرآن الكريم قد بيّن هذا الدرس عن معرفة اللّه سبحانه في قوله : «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَ لَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا» (1) . وفي قوله تعالى : «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى الْأَرْضِ وَ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ» (2) .
سادسا : الاهتداء بالنجومإِنّ الدرس الحكيم الآخر في خلق السَّماء الذي أَشار إِليه القرآن هو الاهتداء بالنجوم ، الذي يعتبر أَحد بركات النظام المهيمن على السَّماء ، فلو كانت حركة
.
ص: 247
النجوم غير منظّمة ومداراتها غير معينة ، كيف يستطيع الإنسان أن يهتدي إِلى طريقه وهو في عرض البحار أو مفازات الصحاري الجرداء أو الطرق المجهولة في السَّماء؟ إِنّها النجوم التي تساعده في تعيين جهته ، ومداراتها التي تُعينه على الاهتداء إِلى طريقه (1) ، وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا الدرس التوحيدي بقوله : «هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِى ظُ_لُمَ_تِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْايَ_تِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (2) . ولكن يشترط هنا الأَخذ بنظر الاعتبار توضيحنا المتقدّم (3) ، وهو أنّ الذين يستطيعون الاستفادة من هذه الدروس في مسير التوحيد ومعرفة اللّه ، هم أُولئك الذين أَزالوا حُجب المعرفة عن أَبصار عقولهم وفهمهم فحسب ، كما في قوله تعالى : «قَدْ فَصَّلْنَا الْأيَ_تِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » . هؤلاء هم الذين كلما ازدادت معرفتهم بأَسرار السَّماء وما فيها من الآيات ، ازدادوا إِيمانا ويقينا ، كما روي عن أَميرالمؤمنين عليه السلام : مَنِ اقتَبَسَ عِلما مِن عِلمِ النُّجومِ مِن حَمَلَةِ القُرآنِ ازدادَ بِهِ إيمانا ويَقينا ، ثُمَّ تَلا : «إِنَّ فِى اخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ لَأيَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ» (4) . (5)
.
ص: 248
. .
ص: 249
الفصل السادس : طرق الوصول إلى أسمى مراتب معرفة اللّه6 / 1ذِكرُ اللّهِالكتاب«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً * هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَ مَلَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّ_لُمَ_تِ إِلَى النُّورِ وَ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» (1) .
الحديثعدّة الداعي :في بَعضِ الأَحاديثِ القُدسِيَّةِ : أَيُّما عَبدٍ اطَّلَعتُ عَلى قَلبِهِ فَرَأَيتُ الغالِبَ عَلَيهِ التَّمَسُّكَ بِذِكري تَوَلَّيتُ سِياسَتَهُ ، وكُنتُ جَليسَهُ ومُحادِثَهُ وأَنيسَهُ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَقولُ اللّهُ تَعالى : إِذا كانَ الغالِبُ عَلى عَبدِيَ الاِشتِغالَ بي جَعَلتُ نَعيمَهُ ولَذَّتَهُ في ذِكري، فَإِذا جَعَلتُ نَعيمَهُ ولَذَّتَهُ فيذِكري عَشَقَني وعَشَقتُهُ ، فَإِذا عَشَقَني وعَشَقتُهُ رَفَعتُ الحِجابَ فيما بَيني وبَينَهُ ، وصِرتُ مَعالِما بَين عَينَيهِ ،
.
ص: 250
لا يَسهو إِذا سَهَا النَّاسُ ، أُولئِكَ كَلامُهُم كَلامُ الأَنبِياءِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :ذِكرُ اللّهِ قوتُ النُّفوسِ ، ومُجالَسَةُ المَحبوبِ . (2)
عنه عليه السلام :ذاكِرُ اللّهِ مُؤانِسُهُ . (3)
عنه عليه السلام_ في مُناجاتِهِ في شَهرِ شَعبانَ _: (أسأَ لُكَ) أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأن تَجعَلَني مِمَّن يُديمُ ذِكرَكَ ولا يَنقُضُ عَهدَكَ . (4)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إِلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: إِنَّ العَبدَ إِذا ذَكَرَ اللّهَ تَعالى بِالتَّعظيمِ خالِصا اِرتَفَعَ كُلُّ حِجابٍ بَينَهُ وبَينَ اللّهِ مِن قَبلِ ذلِكَ . . . وإِذا غَفَلَ عَن ذِكرِ اللّهِ كَيفَ تَراهُ بَعدَ ذلِكَ مَوقوفا مَحجوبا قَد قَسا وأَظلَمَ مُنذُ فارَقَ نورَ التَّعظيمِ . (5)
6 / 2الصَّلاةرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الصَّلاةُ مِن شَرائِعِ الدّينِ ، وفيها مَرضاةُ الرَّبِّ عز و جل ، وهِيَ مِنهاجُ الأَنبِياءِ ، ولِلمُصَلّي حُبُّ المَلائِكَةِ ، وهُدىً وإِيمانٌ ، ونورُ المَعرِفَةِ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :صَلاةُ اللَّيلِ مَرضاةُ الرَّبِّ ، وحُبُّ المَلائِكَةِ ، وسُنَّةُ الأَنبِياءِ ، ونُورُ المَعرِفَةِ ،
.
ص: 251
وأُصَلُ الإِيمانِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في تَفسيرِ مَقاطِعِ الأَذانِ وَالإِقامَةِ _: ومَعنى «قَد قامَتِ الصَّلاةُ» فِي الإِقامَةِ ، أي حانَ وَقتُ الزِّيارَةِ وَالمُناجاةِ ، وقَضاءِ الحَوائِجِ ، ودَركِ المُنى ، وَالوُصولِ إِلَى اللّهِ عز و جل ، وإِلى كَرامَتِهِ وغُفرانِهِ وعَفوِهِ ورِضوانِهِ . (2)
6 / 3الجَوعُ وَالصَّومالإمام عليّ عليه السلام_ في ذِكرِ حَديثِ مِعراجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: قالَ [ صلى الله عليه و آله ] : يا رَبِّ ما ميراثُ (3) الجوعِ؟ قالَ : الحِكمَةُ ، وحِفظُ القَلبِ ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَيَّ ، وَالحُزنُ الدَّائمُ ، وخِفَّةُ المُؤنَةِ بَينَ النَّاسِ، وقَولُ الحَقِّ، ولا يُبالي عاشَ بِيُسرٍ أم بِعُسرٍ... . الصَّومُ يُورِثُ الحِكْمَةَ ، وَالحِكْمَةُ تُورِثُ المَعْرِفَةَ ، وَالمَعْرِفَةُ تُورثُ اليَقينَ . . . . يا أَحمَدُ ، إِنَّ العَبدَ إِذا جاعَ بَطنُهُ وحَفِظَ لِسانَهُ عَلَّمتُهُ الحِكمَةَ ، وإِن كانَ كافرا تَكونُ حِكمَتُهُ حُجَّةً عَلَيهِ ووَبالاً ، وإِن كانَ مُؤمِنا تَكونُ حِكمَتُهُ لَهُ نُورا وبُرهانا وشِفاءً ورَحمةً ؛ فَيَعلَمَ ما لَم يَكُن يَعلَمُ ويُبصِرَ ما لَم يَكُن يُبصِرُ ، فَأوَّلُ ما أُبَصِّرُهُ عُيوبَ نَفسِهِ حَتّى يُشغَلَ بِها عَن عُيوبِ غَيرِهِ ، وأُبَصِّرُهُ دَقائِقَ العِلمِ حَتّى لا يَدخُلَ عَلَيهِ الشَّيطانُ . (4)
.
ص: 252
6 / 4مَحَبَّةُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :المَحَبَّةُ أَساسُ المَعرِفَةِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في ذِكرِ حَديثِ مِعراجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: قالَ اللّهُ تَعالى : ... أمَّا الحَياةُ الباقِيَةُ ، فَهِيَ الَّتي يَعمَلُ لِنَفسِهِ حَتّى تَهونَ عَلَيهِ الدُّنيا ، وتَصغُرَ في عَينَيهِ ، وتَعظُمَ الآخِرَةُ عِندَهُ . . . فَإِذا فَعَلَ ذلِكَ أَسكَنتُ في قَلبِهِ حُبّا حَتّى أَجعَلَ قَلبَهُ لي ، وفَراغَهُ وَاشتِغالَهُ وهَمَّهُ وحَديثَهُ مِنَ النِّعمَةِ الَّتي أَنعَمتُ بِها عَلى أَهلِ مَحَبَّتي مِن خَلقي ، وأَفتَحَ عَينَ قَلبِهِ وسَمعِهِ حَتّى يَسمَعَ بِقَلبِهِ ، ويَنظُرَ بِقَلبِهِ إِلى جَلالي وعَظَمَتي . (2)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إِلَيهِ _: مَنِ اشتاقَ خَدَمَ ، ومَن خَدَمَ اتَّصَلَ ، ومَنِ اتَّصَلَ وَصَلَ ، ومَن وَصَلَ عَرَفَ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إِلهي فَاجعَلنا مِنَ الَّذينَ تَوَشَّحَت أَشجارُ الشَّوقِ إِلَيكَ في حَدائِقِ صُدورِهِم . . . وقَرَّت بِالنَّظَرِ إِلى مَحبوبِهِم أَعيُنُهُم . (4)
الإمام الصّادق عليه السلام :وَهَبَ [ اللّهُ ] لِأَهلِ مَحَبَّتِهِ القُوَّةَ عَلى مَعرِفَتِهِ ، ووَضَعَ عَنهُم ثِقلَ العَمَلِ بِحَقيقَةِ ما هُم أَهلُهُ . (5)
مختصر بصائر الدرجات عن يونس بن ظبيان عن الصادق عليه السلام :إِنَّما أُولُو الأَلبابِ الَّذينَ عَمِلوا بِالفِكرَةِ حَتّى وَرِثوا مِنهُ حُبَّ اللّهِ ؛ فَإنَّ حُبَّ اللّهِ إِذا وَرِثَهُ القَلبُ استَضاءَ وأَسرَعَ
.
ص: 253
إِلَيهِ اللُّطفُ ، فَإِذا نَزَلَ مَنزِلَةَ اللُّطفِ صارَ مِن أَهلِ الفَوائِدِ ، [ فَإِذا صارَ مِن أهلِ الفَوائِدِ] (1) تَكَلَّمَ بِالحِكمَةِ ، فَإِذا تَكَلَّمَ بِالحِكمَةِ صارَ صاحِبَ فِطنَةٍ ، فَإِذا نَزَلَ مَنزِلَةَ الفِطنَةِ عَمِلَ بِها فِي القُدرَةِ ، فَإِذا عَمِلَ بِها فِي القُدرَةِ عَرَفَ الأَطباقَ السَّبعَةَ ، فَإِذا بَلَغَ إِلى هذِهِ المَنزِلَةِ صارَ يَتَقَلَّبُ فِكرُهُ بِلُطفٍ وحِكمَةٍ وبَيانٍ ، فَإِذا بَلَغَ هذِهِ المَنزِلَةَ جَعَلَ شَهوَتَهُ ومَحَبَّتَهُ في خالِقِهِ ، فَإِذا فَعَلَ ذلِكَ نَزَلَ المَنزِلَةَ الكُبرى ، فَعايَنَ رَبَّهُ في قَلبِهِ ، ووَرِثَ الحِكمَةَ بِغَيرِ ما وَرِثَهُ الحُكَماءُ ، ووَرِثَ العِلمَ بِغَيرِ ما وَرِثَهُ العُلماءُ ، ووَرِثَ الصِّدقَ بِغَيرِ ما وَرِثَهُ الصِّدِّيقونَ . إِنَّ الحُكَماءَ وَرِثُوا الحِكمَةَ بِالصَّمتِ ، وإِنَّ العُلَماءَوَرِثُوا العِلمَ بِالطَلَبِ ، وإِنَّ الصِّدِّيقينَ وَرِثُوا الصِّدقَ بِالخُشوعِ وطُولِ العِبادَةِ ، فَمَن أَخَذَ بِهذِهِ الصَّفَةِ إِمّا أن يُسفَلَ أو يُرفَعَ ، وأَكثَرُهُم يُسفلُ ولا يُرفعُ إِذا لَم يَرعَ حَقَّ اللّهِ ولَم يَعمَل بِما أَمَرَ بِهِ فَهذِهِ مَنزِلَةُ مَن لَم يَعرِفهُ حَقَّ مَعرِفَتِهِ ، ولَم يُحِبَّهُ حَقَّ مَحَبَّتِهِ ، فَلا تُغَرَّنَّكَ صَلاتُهُم وصِيامُهُم ورِواياتُهُم وكَلامُهُم وعُلومُهُم ؛ فَإِنَّهُمُ حُمُرٌ مُستَنفِرَةٌ . ثُمَّ قالَ : يا يونُسُ ، إِذا أَرَدتَ العِلمَ الصَّحيحَ فَعِندَنا أَهلَ البَيتِ ؛ فَإِنّا وَرِثناهُ ، وأُوتينا شَرعَ الحِكمَةِ وفَصلَ الخِطابِ . (2)
حلية الأَولياء عن إبراهيم بن أَدهم :إِنَّ اللّهَ تَعالى أَوحى إِلى يَحيَى بنِ زَكَرِيّا عليهماالسلام : يا يَحيى إِنّي قَضَيتُ عَلى نَفسي ألّا يُحِبَّني عَبدٌ مِن عِبادي أَعلَمُ ذلِكَ مِنهُ إِلّا كُنتُ سَمعَهُ الَّذي يَسمَعُ بِهِ ، وبَصَرَهُ الَّذي يُبصِرُ بِهِ ، ولِسانَهُ الَّذي يَتَكَلَّمُ بِهِ ، وقَلبَهُ الَّذي يَفهَمُ بِهِ ، فَإِذا كانَ ذلِكَ كَذلِكَ بَغَّضتُ إِلَيهِ الاشتِغالَ بِغَيري ، وأَدَمتُ فِكرَتَهُ ، وأَسهَرتُ لَيلَهُ ، وأَظمَأَتُ نَهارَهُ .
.
ص: 254
يا يَحيى ، أنا جَليسُ قَلبِهِ وغايَةُ أُمنِيَّتِهِ وأَمَلِهِ ، أهَبُ لَهُ كُلَّ يَومٍ وساعَةٍ ؛ فَيَتَقَرَّبُ مِنّي وأتَقَرَّبُ مِنهُ ، أَسمَعُ كَلامَهُ وأُجيبُ تَضَرُّعَهُ ، فَوَعِزَّتي وجَلالي لَأَبعَثَنَّهُ مَبعَثا يَغبِطُهُ بِهِ النَّبِيّونَ وَالمُرسَلونَ ، ثُمَّ آمُرُ مُنادِيا يُنادي : هذا فُلانُ بنُ فُلانٍ ، وَلِيُّ اللّهِ وصَفِيُّهُ ، وخِيَرَتُهُ مِن خَلقِهِ ، دَعاهُ إِلى زِيارَتِهِ لِيَشفِيَ صَدرَهُ مِنَ النَّظَرِ إِلى وَجهِهِ الكَريمِ . (1)
المحجّة البيضاء :في أَخبارِ داوودَ عليه السلام : إِنَّ اللّهَ عز و جل أوحى إِلَيهِ : ... يا داوودُ ، إنّي خَلَقتُ قُلوبَ المُشتاقينَ مِن رِضواني ، ونَعَّمتُها بِنُورِ وَجهي . . . فَقالَ داوودُ : يا رَبِّ ، بِمَ نالوا مِنكَ هذا ؟ قالَ : بِحُسنِ الظَّنِّ ، وَالكَفِّ عَنِ الدُّنيا وأَهلِها ، وَالخَلَواتِ بي ومُناجاتِهِم لي ، وإِنَّ هذا مَنزِلٌ لا يَنالُهُ إِلّا مَن رَفَضَ الدُّنيا وأَهلَها ، ولَم يَشتَغِل بِشَيءٍ مِن ذِكرِها ، وفَرَّغَ قَلبَهُ لي ، وَاختارَني عَلى جَميعِ خَلقي ، فَعِندَ ذلِكَ أَعطِفُ عَلَيهِ ، فَأُفَرِّغُ نَفسَهُ لَهُ ، وأَكشِفُ الحِجابَ فيما بَيني وبَينَهُ ، حَتّى يَنظُرَ إِلَيّ نَظَرَ النّاظِرِ بِعَينِهِ إِلَى الشَّيءِ . (2)
راجع : المحبّة في الكتاب والسنّة : (القسم الثاني / الفصل السابع / لقاء اللّه ) .
تعليق :إِنّ حبّ اللّه سبحانه أَحد الطرق إِلى بلوغ كمال معرفته ، كما جاء في أَحاديث هذا الفصل ، من جهة أُخرى نقرأ في الفصل السابع أنّ أَوّل أَثر لمعرفة اللّه _ جلّ شأنه _ هو حبّه ، فكيف يمكن أن يكون حبّ اللّه طريقا لبلوغ معرفته ، ونتيجةً ومحصَّلةً لذلك في آنٍ واحدٍ؟
.
ص: 255
الجواب هو أنّه لا مِراءَ في أنّ حبّه تعالى ثمرة لمعرفته ؛ لأنّ الإنسان لايمكن أن يُحبّ من لا يعرفه ، لكنّ حبّ اللّه بدوره مقدّمة لنيل درجات أَعلى من معرفة اللّه . بتعبير آخر : كلّ درجة من المعرفة ممهِّدة لحبّ أَكثر ، وكلّ درجة من الحبّ مقدّمة لمعرفةٍ أَوفر ، حتّى يظفر السالك بأَعلى درجات المعرفة الشهوديّة ، وهذا هو معنى «المحبّة أَساس المعرفة» .
6 / 5الاِنقِطاعُ إلَى اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: إِلهي مَن ذَا الَّذِي انقَطَعَ إِلَيكَ فَلَم تَصِلهُ؟! (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ العَبدَ . . . إِذا تَوَجَّهَ إِلى مُصَلّاهُ لِيُصَلِّيَ ، قالَ اللّهُ عز و جل لِمَلائِكَتِهِ : يا مَلائِكَتيأما تَرَونَ هذا عَبدي كَيفَ قَدِ انقَطَعَ عَن جَميعِ الخَلائِقِ إِلَيَّ، وأَمَّلَ رَحمَتي وجودي ورَأفَتي؟ أُشهِدُكم أنّي أَختَصُّهُ بِرَحمَتي وكَراماتي . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ من مُناجاتِهِ فِي شَهرِ شَعبانَ _: إِلهي هَب لي كَمالَ الاِنقِطاعِ إِلَيكَ ، وأَنِر أَبصارَ قُلوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها إِلَيكَ ، حَتّى تَخرِقَ أَبصارُ القُلوبِ حُجُبَ النُّورِ ، فَتَصِلَ إِلى مَعدِنِ العَظَمَةِ ، وتَصيرَ أَرواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدسِكَ . (3)
عنه عليه السلام :الوُصلَةُ بِاللّهِ فِي الاِنقِطاعِ عَنِ النَّاسِ. (4)
عنه عليه السلام :لَن تَتَّصِلَ بِالخالِقِ حَتّى تَنقَطِعَ عَنِ الخَلقِ. (5)
.
ص: 256
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ الجُمُعَةِ _: اللّهُمَّ وجَدِّد لي وُصلَةَ الاِنقِطاعِ إِلَيكَ ، وَاصدُد قُوى سَبَبي عَن سِواكَ ، حَتّى أَفِرَّ عَن مَصارِعِ الهَلَكاتِ إِلَيكَ ، وأَحُثَّ الرِّحلَةَ إِلى إِيثارِكَ بِاستِظهارِ اليَقينِ فيكَ ؛ فَإِنَّهُ لا عُذرَ لِمَن جَهِلَكَ بَعدَ استِعلاءِ الثَّناءِ عَلَيكَ ، ولا حُجَّةَ لِمَنِ اختُزِلَ عَن طَريقِ العِلمِ بِكَ مَعَ إِزاحَةِ اليَقينِ مَواقِعَ الشَّكِّ فيكَ ، ولا يَبلُغُ إِلى فَضائِلِ القِسَمِ إِلّا بِتَأييدِكَ وتَسديدِكَ ، فَتَوَلَّني بِتَأييدٍ مِن عَونِكَ ، وكافِني عَلَيهِ بِجَزيلِ عَطائِكَ . (1)
6 / 6وِلايَةُ أَهلِ البَيتِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :نَحنُ الوَسيلَةُ إِلَى اللّهِ ، وَالوُصلَةُ إِلى رِضوانِ اللّهِ ، ولَنا العِصمَةُ وَالخِلافَةُ وَالهِدايَةُ ، و فينَا النُّبُوَّةُ وَالوِلايَةُ وَالإِمامَةُ ، ونَحنُ مَعدِنُ الحِكمَةِ و بابُ الرَّحمَةِ وشَجَرَةُ العِصمَةِ ، ونَحنُ كَلِمَةُ التَّقوى وَالمَثَلُ الأَعلى وَالحُجَّةُ العُظمى وَالعُروَةُ الوُثقى الَّتي مَن تَمَسَّكَ بِها نَجا . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :تَقَرَّبوا إِلَى اللّهِ بِتَوحيدِهِ وطاعَةِ مَن أَمَرَكُم أن تُطيعوهُ ، ولا تُمسِكوا بِعِصَمِ الكَوافِرِ (3) . (4)
.
ص: 257
عنه عليه السلام :نَحنُ الأَعرافُ الَّذي لا يُعرَفُ اللّهُ عز و جل إِلّا بِسَبيلِ مَعرِفَتِنا . . . إِنّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَو شاءَ لَعَرَّفَ العِبادَ نَفسَهُ ، ولكِن جَعَلَنا أَبوابَهُ وصِراطَهُ وسَبيلَهُ وَالوَجهَ الَّذي يُؤتى مِنهُ ، فَمَن عَدَلَ عَن وِلايَتِنا أَو فَضَّلَ عَلَينا غَيرَنا فَإِنَّهُم عَنِ الصِّراطِ لَناكِبونَ (1) . فَلا سَواءٌ مَنِ اعتَصَمَ النّاسُ بِهِ ولا سَواءٌ ، حَيثُ ذَهَبَ النّاسُ إِلى عُيونٍ كَدِرَةٍ يَفرَغُ بَعضُها في بَعضٍ ، و ذَهَبَ مَن ذَهَبَ إِلَينا إِلى عُيونٍ صافِيَةٍ تَجري بِأَمرِ رَبِّها ، لا نَفادَ لَها ولَا انقِطاعَ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام_ في وَصفِ الأَئِمَّةِ عليهم السلام _: هُمُ الصِّراطُ المُستَقيمُ ، هُمُ السَّبيلُ الأَقوَمُ . . . أَمنٌ لِمَن التَجَأَ إِلَيهِمُ ، وأَمانٌ لِمَن تَمَسَّكَ بِهِم ، إِلَى اللّهِ يَدعونَ . (3)
الامام الصادق عليه السلام :إِذا نَظَرتَ إِلَى السَّماءِ فَقُل : سُبحانَ مَن جَعَلَ فِي السَّماءِ بُروجا ، وجَعَلَ فيها سِراجا وقَمَرا مُنيرا ، وجَعَلَ لَنا نُجوما قِبلَةً نَهتَدي بِها إِلَى التَّوَجُّه إِلَيهِ في ظُلُماتِ البَرِّ وَالبَحرِ ، اللّهُمَّ كَما هَدَيتَنا إِلَى التَّوَجُّهِ إِلَيكَ إِلى (4) قِبلَتِكَ المَنصوبَةِ لِخَلقِكَ ، فَاهدِنا إِلى نُجومِكَ الَّتي جَعَلتَها أَمانا لِأَهلِ الأَرضِ ولِأَهلِ السَّماءِ حَتّى نَتَوَجَّهَ بِهِم إِلَيكَ ، فَلا يَتَوَجَّهُ المُتَوَجِّهونَ إِلَيكَ إِلّا بِهِم ، ولا يَسلُكُ الطَّريقَ إِلَيكَ مَن سَلَكَ مِن غَيرِهِم ، ولا لَزِمَ المَحَجَّةَ مَن لَم يَلزَمهُم ، اِستَمسَكتُ بِعُروَةِ اللّهِ الوُثقى ، وَاعتَصَمتُ بِحَبلِ اللّهِ المَتينِ . (5)
.
ص: 258
عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إِلَى المُفَضَّلِ _: ... وَاللّهُ _ تَبارَكَ و تَعالى _ إِنَّما أَحَبَّ أن يُعرَفَ بِالرِّجالِ وأن يُطاعَ بِطاعَتِهِم ، فَجَعَلَهُم سَبيلَهُ و وَجهَهُ الَّذي يُؤتى مِنهُ ، لايَقبَلُ مِنَ العِبادِ غَيرَ ذلِكَ «لَا يُسْ_ئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْ_ئلُونَ» (1) . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :مَن سَرَّهُ أن يَنظُرَ إِلَى اللّهِ بِغَيرِ حِجابٍ ، ويَنظُرَ اللّهُ إِلَيهِ بِغَيرِ حِجابٍ فَليَتَوَلَّ آلَ مُحَمَّدٍ ، وَليَتَبَرَّأ مِن عَدُوِّهِم ، وليَأتَمَّ بِإِمامِ المُؤمِنينَ مِنهُم ؛ فَإِنَّهُ إِذا كانَ يَومُ القِيامَةِ نَظَرَ اللّهُ إِلَيهِ بِغَيرِ حِجابٍ ، ونَظَرَ إِلَى اللّهِ بِغَيرِ حِجابٍ . (3)
الإمام الهادي عليه السلام_ فِي الزِّيارَةِ الجامِعَةِ الكَبيرَةِ _: مَن أَرادَ اللّهَ بَدَأَ بِكُم ، ومَن وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنكُم ، ومَن قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُم (4) .
راجع : ص 40 (أهل البيت) .
6 / 7الاستعانةُ بِاللّهالإمام عليّ عليه السلام_ مِن مُناجاتِهِ في شَهرِ شَعبانَ _: إِلهي وأَلحِقني بِنُورِ عِزِّكَ الأَبهَجِ ؛ فَأَكونَ لَكَ عارِفا وعَن سِواكَ مُنحَرِفا ، ومِنكَ خائِفا مُراقِبا ، يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ . (5)
.
ص: 259
عنه عليه السلام_ مِن دُعاءٍ عَلَّمَهُ نَوفا البَكالِيَّ _: أسَأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي ظَهَرتَ بِهِ لِخاصَّةِ أَولِيائِكَ ، فَوَحَّدوكَ وعَرَفوكَ فَعَبَدوكَ بِحَقيقَتِكَ ، أن تُعَرِّفَني نَفسَكَ لِأُقِرَّ لَكَ بِرُبوبِيَّتِكَ عَلى حَقيقَةِ الإِيمانِ بِكَ ، ولا تَجعَلَني يا إِلهي مِمَّن يَعبُدُ الاِسمَ دونَ المَعنى ، وَالحَظني بِلَحظَةٍ مِن لَحَظاتِكَ تُنَوِّرُ بِها قَلبي بِمَعرِفَتِكَ خاصَّةً ومَعرِفَةِ أَوليائِكَ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (1)
الإمام الحسين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: إِلهي تَرَدُّدي فِي الآثارِ يوجِبُ بُعدَ المَزارِ ، فَاجمَعني عَلَيكَ بِخِدمَةٍ توصِلُني إِلَيكَ ، كَيفَ يُستَدَلُّ عَلَيكَ بِما هُوَ في وُجودِهِ مُفتَقِرٌ إِلَيكَ ؟ أيَكونُ لِغَيرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيسَ لَكَ حَتّى يَكونَ هُوَ المُظهِرُ لَكَ ! مَتى غِبتَ حَتّى تَحتاجَ إِلى دَليلٍ يَدُلُّ عَلَيكَ ! . . . وبِكَ أَستَدِلُّ عَلَيكَ ، فَاهدِني بِنُورِكَ إِلَيكَ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ اجعَلني مِنَ الَّذينَ جَدّوا في قَصدِكَ فَلَم يَنكِلوا ، و سَلَكُوا الطَّريقَ إِلَيكَ فَلَم يَعدِلوا ، وَاعتَمَدوا عَلَيكَ فِي الوُصولِ حَتّى وَصَلوا . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجعَلنا مِنَ الَّذينَ فَتَقتَ لَهُم رَتقَ عَظيمِ غَواشي جُفونِ حَدَقِ عُيونِ القُلوبِ ، حَتّى نَظَروا إِلى تَدبيرِ حِكمَتِكَ ، وشَواهِدِ حُجَجِ بَيِّناتِكَ ، فَعرَفوكَ بِمَحصولِ فِطَنِ القُلوبِ ، وأنتَ في غَوامِضِ سُتُراتِ حُجُبِ القُلوبِ . فَسُبحانَكَ أيُّعَينٍ تَقومُ بِها نُصبَ نُورِكَ، أم تَرقَأُ إِلى نُورِ ضِياءِ قُدسِكَ، أو أيُّ فَهمٍ يَفهَمُ ما دونَ ذلِكَ إِلَا الأَبصارَ الَّتي كَشَفتَ عَنها حُجُبَ العَمِيَّةِ ، فَرَقَت أَرواحُهُم عَلى أَجنِحَةِ المَلائِكَةِ ، فَسَمّاهُم أَهلُ المَلَكوتِ زُوّارا ، وأَسماهُم أَهلُ الجَبَروتِ عُمّارا ،
.
ص: 260
فَتَرَدَّدوا في مَصافِّ المُسَبِّحينَ ، وتَعَلَّقوا بِحِجابِ القُدرَةِ ، وناجَوا رَبَّهُم عِندَ كُلِّ شَهوَةٍ ، فَحَرَّقَت (1) قُلوبُهُم حُجُبَ النّورِ ، حَتّى نَظَروا بِعَينِ القُلوبِ إِلى عِزِّ الجَلالِ في عِظَمِ المَلَكوتِ ، فَرَجَعَتِ القُلوبُ إِلَى الصُّدورِ عَلَى النِّيّاتِ بِمَعرِفَةِ تَوحيدِكَ ، فَلا إِلهَ إِلّا أنتَ ، وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ ، تَعالَيتَ عَمّا يَقولُ الظّالِمونَ عُلُوّا كَبيرا . (2)
عنه عليه السلام :لِقاؤُكَ قُرَّةُ عَيني ، ووَصلُكَ مُنى نَفسي ، وإِلَيكَ شَوقي ، وفي مَحَبَّتِكَ وَلَهي ، وإِلى هَواكَ صَبابَتي ، وَرِضاكَ بُغيَتي ، ورُؤيَتُكَ حاجَتي . (3)
عنه عليه السلام :إِلهي فَاجعَلنا مِمَّنِ اصطَفَيتَهُ لِقُربِكَ ووِلايَتِكَ ، وأَخلَصتَهُ لِوُدِّكَ ومَحَبَّتِكَ ، وشَوَّقتَهُ إِلى لِقائِكَ ، ورَضَّيتَهُ بِقَضائِكَ ، ومَنَحتَهُ بِالنَّظَرِ إِلى وَجهِكَ . . . وخَصَصتَهُ بِمَعرِفَتِكَ . . . وَامنُن بِالنَّظَرِ إِلَيكَ عَلَيَّ . (4)
عنه عليه السلام :أسأَ لُكَ بِسُبُحاتِ (5) وَجهِكَ ، وبِأَنوارِ قُدسِكَ ، وأَبتَهِلُ إِلَيكَ بِعَواطِفِ رَحمَتِكَ ، ولَطائِفِ بِرِّكَ ، أن تُحَقِّقَ ظَنّي بِما أُؤَمِّلُهُ مِن جَزيلِ إِكرامِكَ ، وجَميلِ إِنعامِكَ ، فِي القُربى مِنكَ ، وَالزُّلفى لَدَيكَ ، وَالتَّمَتُّعِ بِالنَّظَرِ إِلَيكَ . (6)
عنه عليه السلام :إِلهي فَاجعَلنا مِنَ الَّذينَ تَوَشَّحَت أَشجارُ الشَّوقِ إِلَيكَ في حَدائِقِ صُدورِهِم ، وأَخَذَت لَوعَةُ مَحَبَّتِكَ بِمَجامِعِ قُلوبِهِم ، فَهُم إِلى أَوكارِ الأَفكارِ يَأوونَ ، وفي رِياضِ القُربِ وَالمُكاشَفَةِ يَرتَعونَ . . . قَد كُشِفَ الغِطاءُ عَن أَبصارِهِم . . . وَانشَرَحَت
.
ص: 261
بِتَحقيقِ المَعرِفَةِ صُدورُهُم . . . وقَرَّت بِالنَّظَرِ إِلى مَحبوبِهِم أَعيُنُهم . . . وَاجعَلنا مِن أَخَصِّ عارِفيكَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ مِن دُعاءٍ عَلَّمَهُ زُرارَةَ _: اللّهُمَّ عَرِّفني نَفسَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِن لَم تُعَرِّفني نَفسَكَ لَم أَعرِف نَبِيَّكَ ، اللّهُمَّ عَرِّفني رَسولَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِن لَم تُعَرِّفني رَسولَكَ لَم أَعرِف حُجَّتَكَ ، اللّهُمَ عَرِّفني حُجَّتَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِن لَم تُعَرِّفني حُجَّتَكَ ضَلَلتُ عَن ديني . (2)
الإمام الرضا عليه السلام_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ» (3) _: اِستِرشادٌ لِأَدبِهِ ، وَاعتِصامٌ بِحَبلِهِ ، وَاستِزادَةٌ فِي المَعرِفَةِ بِرَبِّهِ وبِعَظَمَتِهِ وبِكِبرِيائِهِ . (4)
راجع : ص 433 ح 4009 .
.
ص: 262
تحليل حول طرق الوصول إلى أَسمى درجات معرفة اللّهإِنّ مامرّ من النصوص تحت عنوان «طرق الوصول إِلى أَسمى مراتب معرفة اللّه (1) » يعدّ من أَهمّ التعاليم في السير والسلوك إِلى اللّه وأَقومها وأَضمنها ، وهو ما أُشير إِليه في النصوص الإسلاميّة ، ولا يتسنّى العبور من منازل السلوك وبلوغ ذروة اليقين والمعرفة الشهوديّة إِلّا بالعمل بها ، وعلى هذا المنوال تبدأُ حركة الإنسان نحو الكمال المطلق حقّا وموجز القول في بيان هذه الطرق ، كما يلي :
أَوّلاً : ذكر اللّهأَلا بذكر اللّه سبحانه تبدأُ أَوّل خطوة في السير والسلوك إِلى اللّه ، قال الإمام أَميرالمؤمنين عليّ بن أَبي طالب عليه السلام عن تأثير ذكر اللّه في بناء الإنسان : «أصلُ صَلاحِ القَلبِ اشتِغالُهُ بِذِكرِ اللّهِ» . (2) إِنّ ذكر اللّه في الحقيقة مفتاح تزكية النفس ، ذلك أَنّه يُفرغ المرء من بهيميّته ويطهّر قلبه من الرذائل الأَخلاقيّة ، ويُعِدّه لتلقّي نور اليقين تدريجا ، وقد اهتمّت النّصوص الإسلاميّة بالتأثير المصيريّ الحاسم لذكر اللّه في بناء الإنسان مفصّلاً ،
.
ص: 263
نشيرهنا _ على سبيل المثال _ إِلى ثلاثة أَقسام منها : القسم الأَوّل : الأَحاديث الَّتي تؤكّد تأثير الذكر في تهذيب القلب و وقايتهِ من الأَمراض ، كالذي نُقل عن الإمام أَميرالمؤمنين عليه السلام إِذ قال : «ذِكرُ اللّهِ مَطرَدَةٌ لِلشَّيطانِ» . (1) «ذِكرُ اللّهِ رَأسُ مالِ كُلِّ مُؤمِنٍ ، ورِبحُهُ السَّلامَةُ مِنَ الشَّيطانِ» . (2) «ذِكرُ اللّهِ دَواءُ أعلالِ النُّفوس» . (3) «يا مَنِ اسمُهُ دَواءٌ وذِكرُهُ شِفاءٌ» . (4) القسم الثاني : الأَحاديث التي ترى أنّ ذكر اللّه تعالى يُفضي إِلى شرح الصدر وتنوير القلب والفكر ، وبعث الحياة وإيجاد الحواسّ الباطنيّة ، والنضج والتكامل المعنويّ ككلام الإمام أَميرالمؤمنين عليه السلام في هذا المجال : «إِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ وتَعالى جَعَلَ الذِّكرَ جلاءً لِلقُلوبِ ، تَسمَعُ بِهِ بَعدَ الوَقرةِ ، وتُبصِرُ بِهِ بَعدَ العِشوَةِ ، وتَنقادُ بِهِ بَعدَ المُعانَدَةِ» . (5) وكلامه عليه السلام : «دَوامُ الذِّكرِ يُنيرُ القَلبَ وَالفِكرَ» . (6) وكلامه عليه السلام : «مُداوَمَةُ الذِّكرِ قوتُ الأَرواحِ ومِفتاحُ الصَّلاحِ» . (7)
.
ص: 264
القسم الثالث : الأَحاديث التي تنصّ على أنّ ثمرة ذكر اللّه هي معرفة اللّه ، والأُنس به ومحبّته ، كالمأثور عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال : «مَن أكثَرَ ذِكرَ اللّهِ عز و جل أَحَبَّهُ اللّهُ» . (1) وقال أميرالمؤمنين عليه السلام : «الذِّكرُ مِفتاحُ الأُنسِ» . (2) إنّ جميع الأَحاديث التي مرّت في الباب الأَوّل والثاني من هذا الفصل أَيضا ، وفي هذا الضوء ، ذكر اللّه في الخطوة الأُولى من خطوات السلوك يصقل مرآة القلب من صداَ الأَخلاق الرديئة وسيّئات الأَعمال ، وفي الخطوة الثانية يمهّد الأَرضية لانعكاس المعارف الشهوديّة فيه بعد تنويره ، ومن ثَمّ الظفر بمعرفة اللّه ومحبّته . وبالنظر إِلى عطيات ذكر اللّه وبركاته وتأثيره الهامّ في بناء الإنسان والمجتمع التوحيديّ ، أَكّد القرآن الكريم والأَحاديث المأثورة كثرة الذكر ، بل استمراره وديمومته مرارا ، قال تعالى : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا» (3) . وقال سبحانه : «فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَوةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَ_مًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ» (4) . وقال جلّ شأنه :
.
ص: 265
«الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَ_مًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ» (1) . وقال الإمام الصادق عليه السلام : «ما مِن شَيء إِلّا ولَهُ حَدٌّ يَنتَهي إِلَيه ، إِلَا الذِّكر فَلَيسَ لَهُ حَدٌّ يَنتَهي إِلَيهِ... ثمّ تلا قوله تعالى : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا» » (2) . ومن الضروريّ الالتفات إِلى النقاط الآتية فيما يتعلّق بتأَثير الذكر في بناء الإنسان :
1 . استمرار الذكر وديمومتهإِنّ ما يُفضي إِلى ظهور معطيات الذكر في تخلية القلب وتجليه وبلوغ المعرفة الشهوديّة هو استمرار الذكر وديمومته ، كما صرّح به عدد من النصوص المتقدّمة ، ولعلّ الخروج من الظلمات والدخول إِلى عالم النُّور في الآية الثانية والأَربعين من سورة الأَحزاب بعد الأمر بكثرة الذكر يعود إِلى هذا السبب ، قال تعالى : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً * هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَ مَلَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّ_لُمَ_تِ إِلَى النُّورِ وَ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» (3) . من هنا ، فإنّ الذكر الذي لا ديمومة له ولا يتمكّن من القلب يتعذّر عليه أَن يقوم بدور في مسير المعرفة الشهوديّة . لقد قدم الفقيه والمحدّث الكبير المرحوم الفيض الكاشانيّ رحمه الله خمسةً وعشرين تعليما في رسالة «زاد السالك» أَجاب فيها عن رسالة أَحد العلماء ، وقد سأَله عن
.
ص: 266
كيفيّة سلوك طريق الحقّ ، حيث قال في التعليم الثامن عشر: إنّ الانشغال بقدرٍ من الأَذكار والأَوراد في أَوقات معيّنة ، ولا سيّما بعد فريضة الصلاة ، وترويض اللسان على ذكر الحقّ تعالى في أَغلب الأَحيان ما أَمكن ، ولو كانت الجوارح منهمكة بأُمور أُخرى ، فتلك سعادة نِعِمّا وأُثر عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّ لسانه كان مترطّبا بالكلمة الطيّبة المتمثّلة بالتهليل؛ قول : «لا إله إلّا اللّه » ؛ وذلك عند أَكله ، وكلامه ، ومشيه ، وما شابهها (1) . إذ إنّ هذا ممدّ لكلّ سالك وعون قويّ له ، وإذا اقترن الذكر القلبيّ بالذكر اللسانيّ ، فستفتح له الأَبواب وتُقبل عليه البركات خلال مدّة قليلة ، و عليه أن يسعى في ذكر الحقّ دوما وأَبدا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ؛ لئلّا يغفل عن اللّه سبحانه ، إذ إنّ أَيّ عمل لا يقوم مقام الذكر الدائم في السلوك ، وهذا مدد قويّ في ترك مخالفة الحقّ سبحانه في ارتكاب المعاصي (2) .
2 . أَتمّ مصاديق الذِّكرالصلاة أَتمّ مصاديق الذِّكر ، والآية الكريمة «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى» (3) تشير إِلى هذه النقطة الدَّقيقة ، وإِذا أُقيمت الصلاة بآدابها وشروطها بخاصّة حضور القلب ، فإنّها في الخطوة الأُولى تُبعد جميع الرذائل والأَدناس عن الإنسان ، وتجعله متّصفا بصفة التقوى . وفي الخطوة الثانية ، توصل السالك إِلى بساط المعرفة الشهوديّة والقرب وحبّ
.
ص: 267
اللّه ، كمّا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم عدّ «نور المعرفة» (1) من بركات الصلاة ، وشبّهها الإمام عليّ عليه السلام بمعراج الروح إِلى «الوصول إِلى اللّه » (2) وزيارته .
3 . حقيقة الذِّكرالنقطة الأُخرى هي أنّ حقيقة الذِّكر ، هي الشعور بالحضور في رحاب اللّه _ جلّ جلاله _ ، من هنا فإنّ الذكر اللفظيّ بلا توجّه قلبيّ لا يؤثّر في تنوير القلب تأَثيرا يُذكَر . وآية التوجّه القلبيّ إِلى خالق الكون الشعور بالمسؤوليّة في جميع المجالات ، والذِّكر بهذا المعنى بخاصّة استمراره وديمومته صعب مستصعب ، كما قال الإمام الصادق عليه السلام لأَحد أَصحابه : «ألا أُخبِرُكَ بِأَشَدِّ ما فَرَضَ اللّهُ عز و جل عَلى خَلقِهِ [ ثلاث ]؟ قُلتُ : بَلى . قالَ : إنصافُ النّاسِ مِن نَفسِكَ ، ومُؤاساتُكَ أخاكَ ، وذِكرُ اللّهِ في كُلِّ مَوطِنٍ . أما إنّي لا أقولُ : سُبحانَ اللّهِ ، وَالحَمدُ للّهِِ ، ولا إلهَ إلَا اللّهُ ، واللّهُ أكبَرُ ، وإن كانَ هذا مِن ذاكَ ، ولكِن ذِكرُ اللّهِ _ جَلَّ وعَزَّ _ في كُلِّ مَوطِنٍ إذا هَجَمتَ عَلى طاعَةٍ أو عَلى مَعصِيَةٍ» (3) .
4 . شرط الانتفاع بالذِّكرإنّ من الشروط المهمّة لقبول الصلاة والاستمتاع ببركاتها التي أَكّدتها النصوص الإسلاميّة هي الزكاة ، من هنا يدعو القرآن الكريم النَّاس إِلى إيتاء الزكاة مع إِقامة الصلاة ، لقد قال الإمام الرضا عليه السلام في هذا الشأن :
.
ص: 268
«إنَّ اللّهَ عز و جل أمَرَ بِثَلاثَةٍ مَقرونٍ بِها ثَلاثَةٌ أُخرى : أمَرَ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ، فَمَن صَلّى ولم يُزَكِّ لَم تُقبَل مِنهُ صَلاتُهُ...» (1) . وبلغ إِيتاء الزكاة من التأثير في الإفادة من معطيات الصلاة مبلغا أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال فيه : «لاصَلاةَ لِمَن لا زَكاةَ لَهُ» (2) . ومن الحريّ بالذكر أَنّ الزكاة في مفهومها العام تشمل مطلق الحقوق الماليّة الواجبة والمستحبّة ، لذلك حينما سئل الإمام الصادق عليه السلام : في كم تجب الزكاة من المال؟ قال : «الزَّكاةُ الظّاهِرَةَ أمِ الباطِنَةَ تُريدُ؟» قالَ : أُريدُهُما جَميعا ، فَقالَ : «أمَّا الظّاهِرَةُ فَفي كُلِّ ألفٍ خَمسَةٌ وعشرونَ دِرهما ، وأمَّا الباطِنَةُ فَلا تَستَأثِر عَلى أَخيكَ بِما هُوَ أَحوَجُ إِلَيهِ (3) مِنكَ» (4) . من هنا ، يتسنّى لنا أَن نقول : إِنّ مطلق الإحسان إِلى النَّاس ، وحلّ معضلاتهم لوجه اللّه تعالى شرط للانتفاع التام ببركات مطلق الذكر ، وعلى رأسها الصلاة .
ثانيا : رعاية آداب الطعاملقد أَشرنا إِلى أَنّ ذكر اللّه عز و جل غذاء الروح ، وكلّما ازداد هذا الغذاء فيها زادت قوّتها ، وعظم صفاء القلب ونورانيّته ، وعلى العكس من ذلك الأَغذية المادّيّة ، فكلّما أَكثر الإنسان منها تضاعف ضررها على جسمه وروحه ، والاكتفاء بالمقدار الضروريّ
.
ص: 269
من الزاد يضمن صحّة الإنسان جسما وروحا . ويمكن أَن نقسّم الأَحاديث المأثورة عن تأثير الأَكل على السير والسلوك والمعرفة إِلى أَربعة أَقسام :
1 . الطّعام الحلال وصفاء القلبالقسم الأَوّل : الأَحاديث التي تنصّ على أَنّ تناول الغذاء الحلال يُفضي إِلى صفاء القلب واستنارته ، كما رُوي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «مَن أكَلَ مِنَ الحَلالِ صَفا قَلبُهُ ورَقَّ» (1) . «مَن أكَلَ الحَلالَ أربَعينَ يَوما، نَوَّرَ اللّهُ قَلبَهُ، وأَجرى يَنابيعَ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ » (2) .
2 . قلّة الطعام وتنوير القلبالقسم الثاني : الأَحاديث التي تذهب إِلى أَنّ قلّة الطعام والجوع باعثان على تنوير القلب ، كالذي أُثر عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . قال : «إذا أقَلَّ الرَّجُلُ الطُّعمَ مُلِئَ جَوفُهُ نورا» (3) . وقال : «نورُ الحِكمَةِ الجوعُ» (4) .
.
ص: 270
3 . تأثير الصِّيام في المعرفة الشهوديّةالقسم الثالث : الأَحاديث التي ترى أنّ الصِّيام سبب في وصول الإنسان إِلى درجة اليقين ، كما جاء في حديث المعراج : «الصَّومُ يورِثُ الحِكمَةَ ، وَالحِكمَةُ تورِثُ المَعرِفَةَ ، وَالمَعرِفَةُ تورِثُ اليَقينَ» (1) . جدير بالذّكر أنّ اليقين أَعلى مراتب الإيمان ، وهو المعرفة الشهوديّة نفسها .
4 . الحافز الربّانيّ على الأَكل واستنارة القلبالقسم الرابع : الأَحاديث التي توصي بامتلاك دافع ربّانيّ في كلّ عمل ، ومنها الأَكل ، كالذي نُقل عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قوله في وصيّته لأَبي ذرّ : «يا أَبا ذَرٍّ لِيَكُن لَكَ في كُلِّ شَيءٍ نِيَّةٌ صالِحَةٌ ، حَتَّى فِي النَّومِ وَالأَكلِ» (2) . إنّ ثمرة الإخلاص في جميع الأَعمال استنارة البصيرة ، كما رُوي عن الإمام أَميرالمؤمنين عليه السلام أَنّه قال : «عِندَ تَحَقُّقِ الإِخلاصِ تَستَنيرُ البَصائِرُ» (3) . وهذه الدرجة من الإخلاص إِذا تواصلت أَربعين يوما ، فإنّ القلب يستنير ويظفر بالمعارف الحقيقيّة الأَصيلة حتّى تجري ينابيع الحكمة على لسان صاحبه . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم :
.
ص: 271
«ما أَخلَصَ عَبدٌ للّهِِ عز و جل أَربَعينَ صَباحا إِلّا جَرَت يَنابيعُ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ» (1) . وإذا كان السالك صائما في هذه الأَيّام الأَربعين ، فلا ريب في أَنّ بلوغ المقصد سيكون أَقرب ، كما روي عن الإمام أَميرالمؤمنين عليه السلام قوله : «مَن أخلَصَ للّهِِ أربَعينَ صَباحا ، يَأكُلُ الحَلالَ ، صائِما نهارَهُ ، قائِما لَيلَهُ ، أجرَى اللّهُ سُبحانَهُ يَنابيعَ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ» (2) .
ثالثا : ولاية أهل البيتإنّ طريق التوحيد والسلوك إِلى المعرفة الشهوديّة والكمال المطلق صعب مستصعَب ، وفيه قُطّاع طرقٍ كثيرون ، فقطعه بلا توجيه وإِرشاد ومؤازرة من القادة الربّانيّين الذين بلغوا الهدف وعُصموا من الزلل _ وهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلموأَهل بيته عليهم السلام _ عمل خَطِر مُوبِق ، بل مُحال ، فمن المهمّ هنا الالتفات إِلى ثلاث نقاط وهي ، كما يأتي :
1 . تأثير أَهل البيت في معرفة اللّهفي ضوء الأَحاديث الملحوظة ، إنّ أَهل البيت هم أَبواب معرفة اللّه وسبل الوصول إِلى رضوانه ، أَي : إِنّهم وحدهم المحيطون بالمعارف الإسلاميّة الأَصيلة ، وهم الذين يستطيعون أن يعرّفوا الناس بخالقهم الحقيقيّ ، ويهدونهم حتّى بلوغ أَسمى مراتب التوحيد على أَساس تعاليم الوحي ، كما نخاطبهم بذلك في الزيارة الجامعة الكبيرة المرويّة عن الإمام الهادي عليه السلام :
.
ص: 272
«بِمُوالاتِكُم عَلَّمَنَا اللّهُ مَعالِمَ دينِنا» (1) .
2 . تأثير أَهل البيت في الهداية الباطنيّة للإنسانإنّ دراسة دقيقة للنصوص الإسلاميّة المأثورة في الإمامة والقيادة تدلّ على أنّ تأثير أَهل البيت ، وبعامّة الكُمَّل في كلّ عصر الذين يسمّون الأَئمّة في هداية النَّاس هو أَكثر من إِراءة الطريق إِلى الكمال المطلق ، بل يضاف إلى الهداية العامّة ، إنّ الإمام يرافقُ المستعدّين ويمدّهم في قطع الطريق وبلوغ الهدف أَيضا ، أَي : إنّ نفوس أُولئك المستعدّين تتربّى بقبس الأَنوار الباطنيّة للإمام تكوينيّا ، وتسير صوب الكمال المطلق . لقد نقل المرحوم الكلينيّ _ رضوان اللّه عليه _ في باب «الأئمّة نور اللّه » من كتابه الجليل «الكافي» ستّ روايات فُسّرت فيها كلمة «النور» في عدد من الآيات القرآنيّة بأَئمّة أَهل البيت ، منها رواية نقلها أَبو خالد الكابليّ ، فقال : سأَلت أَبا جعفر [ الإمام الباقر عليه السلام ]عن قوله تعالى : «فَ_ئامِنُواْ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا» (2) فقال : «النّورُ وَاللّهِ الأَئِمَّةُ مِن آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله إِلى يَومِ القِيامَةِ ، وهُم وَاللّهِ نورُ اللّهِ الَّذي أُنزِلَ ، وهُم وَاللّهِ نورُ اللّهِ فِي السَّماواتِ وفِي الأَرضِ ، وَاللّهِ يا أبا خالِدٍ لَنورُ الإِمامِ في قُلوبِ المُؤمِنينَ أنوَرُ مِنَ الشَّمسِ المُضيئَةِ بِالنَّهارِ؛ وهُم وَاللّهِ يُنَوِّرونَ قُلوبَ المُؤمِنينَ ، ويَحجُبُ اللّهُ عز و جل نورَهُم عَمَّن يَشاءُ فَتُظلِمُ قُلوبُهُم؛ وَاللّهِ يا أبا خالِدٍ لا يُحِبُّنا عَبدٌ ويَتَوَلّانا حَتّى يُطَهِّرَ اللّهُ قَلبَهُ ...» (3) . فمن وحي هذا الكلام نعرف أنّ الإمام كالشَّمس الساطعة تشعُّ على الباطن
.
ص: 273
الخافي للعالم أَكثر ممّا تشعّه الشَّمس المحسوسة ، وتُنير ملكوت السَّماوات والأَرض وسرائر المؤمنين . وهذا النور لا يُبيّن طريق السير والسلوك لهم فحسب ، بل يرافقهم حتّى بلوغ الهدف . بعبارة أُخرى : كما أنّ الشَّمس المحسوسة _ فضلاً عن إِضاءتها _ تؤثّر في التكامل المادّي للإنسان تكوينيّا ، فإنّ الشمس المعنويّة للإمام _ مضافا إلى إِرشادها التشريعيّ _ تؤثّر في التكامل المعنويّ للإنسان تكوينيّا أَيضا . إنّ العلّامة الطباطبائيّ _ رضوان اللّه عليه _ يقول في هذا الشأن : «أَطلق القرآن الكريم كلمة الإمام على مَن له درجات القرب ، وكان أَميرا لقافلة أَهل الولاية ، وحافظا لارتباط الإنسانية بهذه الحقيقة ، فالإمام هو الّذي اصطفاه اللّه سبحانه للسير بصراط الولاية قُدما ، وهو الّذي أَمسك بزمام الهداية المعنوية ، وعندما تشعُّ الولاية في قلوب العباد فإنّها أَشعة وخطوط ضوئيّة من منبع النور الّذي عنده ، والمواهب المتفرّقة روافد متصلة ببحره اللامتناهي» (1) . «وبالجمله فالإمام هادٍ يهدي بأَمر ملكوتيّ يصاحبه ، فالإمامة بحسب الباطن نحو ولاية للنَّاس في أَعمالهم ، وهدايتها إيصالها إيّاهم إلى المطلوب بأَمر اللّه دون مجرّد إراءة الطريق الذي هو شأَن النبيّ والرسول وكلّ مؤمن يهدي إلى اللّه سبحانه بالنصح والموعظة الحسنة» (2) . بكلام آخر : إِنّ الهداية الباطنيّة النورانيّة التي تتهيّأ للإنسان إِثر قيامه بالواجبات الإلهيّة تُفاض عليه بواسطة الإنسان الكامل والإمام (3) ، من هنا ، لا تفعل الأَعمال الصالحة في تكامل الإنسان فعلها بلاصلة معنويّة به ، ولهذا عُدَّت ولاية أَهل البيت
.
ص: 274
شرطا لقبول الأَعمال ، كما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ نَبِيّا لَو أَنَّ رَجُلاً لَقِيَ اللّهَ بِعَمَلِ سَبعينَ نَبِيّا ثُمَّ لَم يَأتِ بِوِلايَةِ أُولِي الأَمرِ مِنّا أهلَ البَيتِ ما قَبِلَ اللّهُ مِنهُ صَرفا ولا عَدلاً» . (1) ونقرأَ في الزيارة الجامعة المرويّة عن الإمام الهادي عليه السلام : «وبِمُوالاتِكُم تُقبَلُ الطّاعَةُ المُفتَرَضَةُ ، ولَكُمُ المَوَدَّةُ الواجِبَةُ» . (2) أجل ، ببركة ولاية أَهل البيت عليهم السلام وطاعتهم يستطيع السالك أن يظفر بأَعلى مراتب التوحيد والمعرفة الشهوديّة ، كما قال الإمام الرضا عليه السلام : «مَن سَرَّهُ أَن يَنظُرَ إِلَى اللّهِ بِغَيرِ حِجابٍ ، ويَنظُرَ اللّهُ إلَيهِ بِغَيرِ حِجابٍ فَليَتَوَلَّ آلَ مُحَمَّدٍ ، وَليَتَبَرّأ مِن عَدُوِّهِم» . (3)
3 . التأثير المتبادل لمعرفة اللّه ومعرفة أَهل البيتالنقطة الأُخرى اللافتة للنظر فيما يخصّ تأثير أَهل البيت في معرفة اللّه هي تأَكيد عدد من الروايات _ كما لوحظ (4) _ أَنّ معرفة اللّه عز و جل لا تتيسّر إِلّا عن طريق معرفة أَهل البيت عليهم السلام ، ومن جهة أُخرى ، جاء في بعض الرّوايات أنّ معرفة أَهل البيت متأخّرة عن معرفة اللّه ، ونقرأ في دعاءٍ علّمه الإمام الصادق عليه السلام زرارة قوله : «اللّهُمَّ عَرِّفني نَفسَكَ فَإِنَّكَ إن لَم تُعَرِّفني نَفسَكَ لَم أعرِف نَبِيَّكَ ، اللّهُمَّ عَرِّفني رَسولَكَ فَإِنَّكَ إن لَم تُعَرِّفني رَسولَكَ لَم أعرِف حُجَّتَكَ ، اللّهُمَّ عَرِّفني حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إن لَم تُعَرِّفني حُجَّتَكَ ضَلَلتُ عَن ديني» . (5)
.
ص: 275
وأَبْيَنُ من هذا الكلام ، حين سأل رئيس النصارى أَميرالمؤمنين عليه السلام قائلاً : عرفتَ اللّه بمحمّدٍ ، أَم عرفت محمّدا باللّه ؟ فقال عليه السلام : «ما عَرَفتُ اللّهَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وسلم ، ولكِن عَرَفتُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله وسلم بِاللّهِ ...» . (1) فكيف يمكن الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات؟ الجواب هو أنّ هذه الأَحاديث تعبّر عن التأثير المتبادل لمعرفة اللّه ومعرفة أَهل البيت ، فمن جهةٍ معرفة النبيّ صلى الله عليه و آله وأَهل بيته ، كما جاء في الحديث أَعلاه فرع من معرفة اللّه ، ذلك أنّ النبوّة لا تكتسب معناها إلّا بعد إِثبات وجود اللّه ، ومن جهةٍ أُخرى ، ما لم يَدْعُ الأَنبياءُ النَّاس إلى معرفة اللّه ، وما لم يهيّئوا أَرضيّة التفكّر في براهين التوحيد بين ظهراني النَّاس ، لا يتوجّه أَحد صوب معرفة اللّه عز و جل ، حينئذٍ _ كما بيّنا _ لا يتسنّى نيلُ الدرجات العليا من معرفة اللّه إلّا عن طريق تعليمات النبيّ صلى الله عليه و آله وأَهل بيته عليهم السلام وإِرشاداتهم . على هذا الأَساس لا تعارض بين الطائفتين من الروايات المشار إليها ، أي : في البداية يدعو الأَنبياء وأَوصياؤهم النَّاس إلى معرفة اللّه على أَساس البرهان ، وبعد أن عرفوا اللّه سبحانه تدعوهم عقولهم إلى اتّباع رسل اللّه والقادة الربّانيّين ، ويمهّد أَئمّة الدين الأَرضيّة لتعالي الإنسان وبلوغ الدرجات العليا من مراتب معرفة اللّه .
رابعا : الاستعانة باللّهإنّ التعليم الرابع في السلوك إلى اللّه هو التضرّع إلى اللّه _ جلّ شأنه _ والاستعانة به ، وللدعاء في إِيصال السالك إلى الهدف طريقيّة وموضوعيّة ، وتعود طريقيّته إلى أنّه مصدر توفيق الإنسان للقيام بسائر برامج السلوك ، أَمّا موضوعيّته فتؤول إلى أنّه لُبُّ
.
ص: 276
العبادة (1) . بل يمكن أن نقول إِذا تحقّقت شروط الدعاء فإنّه من أَقرب طرق الوصول إلى الهدف ، بل هو نفسه الطريق الأَقرب إلى ذلك ، كما قال تعالى : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» (2) . من هنا ، يعير الأَنبياء وأَولياء اللّه أَهميّة خاصّة للدعاء ومناجاة اللّه سبحانه ، وكانوا يستمدّونه قبل غيرهم . قال الإمام الباقر عليه السلام _ في تفسير قوله تعالى : «إِنَّ إِبْرَ هِيمَ لَأَوَّ هٌ حَلِيمٌ » _: «الأوّاهُ هُوَ الدَّعّاءُ» (3) . قال الإمام الصادق عليه السلام في جدّه أَميرالمؤمنين عليه السلام : «كانَ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام رَجُلاً دَعّاءً» . (4) وما ورد في الباب السابع من هذا الفصل ، نموذج من أَدعية أَهل البيت عليهم السلام التي ترشدنا إلى الحصول على مراتب عالية من معرفة اللّه _ جلّ شأنه _ . وبشأن هذا الأَمر نقطتان جديرتان بالاهتمام ، هما :
1 . الدعاء مع السعيالنقطة الأُولى هي أنّ الدعاء يُثمر إذا رافقه السعي وبذل غاية الجهد للقيام بسائر التعاليم المشار إليها ، بل لا تتحقّق حقيقة الدعاء إلّا بالمجاهدة ، لذا قال الإمام
.
ص: 277
الرضا عليه السلام في حديث عنه : «مَن سَأَلَ اللّهَ التَّوفيقَ ولَم يَجتَهِد فَقَدِ استَهَزأَ بِنَفسِهِ» (1) . 2 . أهمّ شروط الدعاء لاستجابة الدعاء شروط فصّلتها الأَحاديث والروايات المأثورة (2) ، لكنّ أَهمّها الإخلاص ، وموافقة القلب اللسان بخاصّة الانقطاع (3) عن الأَسباب والتوجّه التامّ إلى المولى الحقّ عظم شأنه ، بل إنّ سائر الشروط مقدّمة لتحقيق هذه الحالة عند المتضرّع الداعي ، كما نقل عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال في جواب من طلب منه الاسم الأَعظم حتّى يُستجاب دعاؤه : «كُلُّ اسمٍ مِن أَسماءِ اللّهِ ، فَفَرِّغ قَلبَكَ عَن كُلِّ ما سِواهُ وَادعُهُ بِأَيِّ اسمٍ شِئتَ» . (4) إنّ أَفضل عامل للانقطاع عن غير اللّه عشقه ومحبّته سبحانه. وإكسير المحبّة يستقطب السالك إلى اللّه استقطابا يقطع آصرة روحه عن كلّ ما سواه ، وكلّما زاد الحبّ زادت حالة الانقطاع عن غير اللّه وتضاعف الاتّصال بمعدن العظمة .
خامسا : إحياء العقل وإماتة النفستتنامى القوى العقلانيّة للسالك إلى اللّه تدريجا بتطبيقه التعاليم الأَربعة التي مرّ شرحها ، وتموت فيه الأَهواء البهيميّة إِلى أن يبلغ نقطةً يقول إمام العارفين وأَميرالمؤمنين _ صلوات اللّه وسلامه عليه _ في وصفه لها : «قَد أَحيا عَقلَهُ ، وأَماتَ نَفسَهُ ، حَتّى دَقَّ جَليلُهُ ، ولَطُفَ غَليظُهُ ، وبَرَقَ لَهُ لامِعٌ كَثيرُ
.
ص: 278
البَرقِ ، فَأَبانَ لَهُ الطَّريقَ وسَلَكَ بِهِ السَّبيلَ ، وتَدافَعَتهُ الأَبوابُ إلى بابِ السَّلامَةِ ، ودارِ الإقامَةِ ، وثَبَتَت رِجلاهُ بِطُمَأنينَةِ بَدَنِهِ في قَرارِ الأَمنِ وَالرّاحَةِ بِما استَعمَلَ قَلبَهُ ، وأَرضى رَبَّهُ» (1) . إلهي أَيّها المنّان بالجسيم الرحمن الرحيم بحرمة أَنبيائك وأَوليائك وبحقّ محمّدوأَهل بيته _ صلواتك عليه وعليهم _ أَن تمنّ على ذي القلم الكسير عبدك البائس المتهتّك بالتوفيق للسلوك نحوك ، وتُذيقه حلاوة معرفتك الحقيقيّة ، وتصونه من شديد اللوم الذي تخاطب به عبادك بقولك : «لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ» ، ولا تفضحه في الدارَين . اللّهمَّ اجعلني من الذين جدّوا في قصدك فلم ينكلوا ، وسلكوا الطريق إليك فلم يعدلوا ، واعتمدوا عليك في الوصول حتّى وصلوا فرويت قلوبهم من محبّتك ، وآنست نفوسهم بمعرفتك فلم يقطعهم عنك قاطع ، ولا منعهم عن بلوغ ما أَمّلوه لديك مانع ، فهم فيما اشتهت أَنفسهم خالدون ولا يحزنهم الفزع الأَكبر وتتلقّاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون .
.
ص: 279
الفصل السابع: آثار معرفة اللّه7 / 1مَحَبَّةُ اللّهِالكتاب«وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا مَن هُوَ غايَةُ مُرادِ المُريدينَ ، يامَن هُوَ مُنتَهى هِمَمِ العارِفينَ ، يا مَن هُوَ مُنتَهى طَلَبِ الطّالِبينَ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا أَمَلَ العارِفينَ ، ورَجاءَ الآمِلينَ . (3)
عنه عليه السلام :الشَّوقُ خُلصانُ العارِفينَ . (4)
.
ص: 280
عنه عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ في صِفَةِ المَلائِكَةِ _: ووَصَلَت حَقائِقُ الإِيمانِ بَينَهُم وبَينَ مَعرِفَتِهِ ، وقَطَعَهُمُ الإِيقانُ بِهِ إلَى الوَلَهِ (1) إلَيهِ ، ولَم تُجاوِز رَغَباتُهُم ما عِندَهُ إلى ما عِندَ غَيرِهِ . قَد ذاقوا حَلاوَةَ مَعرِفَتِهِ ، وشَرِبوا بِالكَأسِ الرَّوِيَّةِ مِن مَحَبَّتِهِ ، وتَمَكَّنَت مِن سُوَيداءِ (2) قُلوبِهِم وَشيجَةُ (3) خيفَتِهِ . (4)
عنه عليه السلام :الشَّوقُ شيمَةُ الموقِنينَ (5) .
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: يا غايَةَ آمالِ العارِفينَ ، يا غِياثَ المُستَغيثينَ ، يا حَبيبَ قُلوبِ الصَّادِقينَ (6) .
الإمام الحسن عليه السلام :مَن عَرَفَ اللّهَ أَحَبَّهُ (7) .
الإمام زين العابدين عليه السلام :إلهي ما أَلَذَّ خَواطِرَ الإِلهامِ بِذِكرِكَ عَلَى القُلوبِ! وما أَحلَى المَسيرَ إلَيكَ بِالأَوهامِ في مَسالِكِ الغُيوبِ! وما أَطيَبَ طَعمَ حُبِّكَ! وما أَعذَبَ شِربَ قُربِكَ! فَأَعِذنا مِن طَردِكَ وإبعادِكَ، وَاجعَلنا مِن أَخَصِّ عارِفيكَ. (8)
مصباح الشريعة_ فيما نسب إلى الإمام الصّادِقِ عليه السلام _: نَجوَى العارِفينَ تَدورُ عَلى
.
ص: 281
ثَلاثَةِ أُصولٍ : الخَوفِ وَالرَّجاءِ وَالحُبِّ ؛ فَالخَوفُ فَرعُ العِلمِ ، وَالرَّجاءُ فَرعُ اليَقينِ ، وَالحُبُّ فَرعُ المَعرِفَةِ (1) ؛ فَدَليلُ الخَوفِ الهَرَبُ ، ودَليلُ الرَّجاءِ الطَّلَبُ ، ودَليلُ الحُبِّ إيثارُ المَحبوبِ عَلى ما سِواهُ ؛ فَإذا تَحَقَّقَ العِلمُ فِي الصَّدرِ خافَ ، وإذا صَحَّ الخَوفُ هَرَبَ ، وإذا هَرَبَ نَجا وإذا أَشرَقَ نورُ اليَقينِ فِي القَلبِ شاهَدَ الفَضلَ ، وإذا تَمَكَّنَ مِنهُ رَجا ، وإذا وَجَدَ حَلاوَةَ الرَّجاءِ طَلَبَ ، وإذا وُفِّقَ لِلطَّلَبِ وَجَدَ ، وإذا تَجَلّى ضِياءُ المَعرِفَةِ فِي الفُؤادِ هاجَ ريحُ المَحَبَّةِ ، وإذا هاج ريحُ المَحَبَّةِ استَأنَسَ في ظِلالِ المَحبوبِ ، وآثَرَ المَحبوبَ عَلى ما سِواهُ . (2)
مصباح الشريعة_ فيما نسب إلى الإمام الصّادق عليه السلام _: العارِفُ شَخصُهُ مَعَ الخَلقِ وقَلبُهُ مَعَ اللّهِ تَعالى ، ولَو سَها قَلبُهُ عَنِ اللّهِ تَعالى طَرفَةَ عَينٍ لَماتَ شَوقا إلَيهِ ، وَالعارِفُ أَمينُ وَدائِعِ اللّهِ تَعالى ، وكَنزُ أَسرارِهِ ، ومَعدِنُ نورِه ، ودَليلُ رَحمَتِهِ عَلى خَلقِهِ ، ومَطِيَّةُ عُلومِهِ ، وميزانُ فَضلِهِ وعَدلِهِ ، وقَد غَنِيَ عَنِ الخَلقِ وَالمُرادِ وَالدُّنيا ؛ فَلا مُؤنِسَ لَهُ سِوَى اللّهِ ، ولا نُطقَ ولا إشارَةَ ولا نَفَسَ إلّا بِاللّهِ تَعالى وللّهِِ ومِنَ اللّهِ ومَعَ اللّهِ ، فَهُوَ في رِياضِ قُدسِهِ مُتَرَدِّدٌ ، ومِن لَطائِفِ فَضلِهِ مُتَزَوِّدٌ ، وَالمَعرِفَةُ أَصلٌ فَرعُهُ الإِيمانُ . (3)
.
ص: 282
7 / 2خَشيَةُ اللّهِالكتاب«إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَ_ؤُاْ» . (1)
الحديثسنن الدارمي عن عطاء :قالَ موسى : ... يا رَبِّ ، أَيُّ عِبادِكَ أَخشى لَكَ ؟ قالَ : أَعلَمُهُم بي . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن كانَ بِاللّهِ أَعرَفَ كانَ مِنَ اللّهِ أَخوَفَ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :أَعلَمُ النّاسِ بِاللّهِ أَكثَرُهُم خَشيَةً لَهُ . (4)
عنه عليه السلام :أَعلَمُ النّاسِ بِاللّهِ سُبحانَهُ أَخوَفُهُم مِنهُ . (5)
عنه عليه السلام :عَجِبتُ لِمَن عَرَفَ اللّهَ كَيفَ لا يَشتَدُّ خَوفُهُ ؟! (6)
عنه عليه السلام :الخَوفُ جِلبابُ العارِفينَ . (7)
عنه عليه السلام :البُكاءُ مِن خيفَةِ اللّهِ لِلبُعدِ عَنِ اللّهِ عِبادَةُ العارِفينَ . (8)
.
ص: 283
عنه عليه السلام :يَنبَغي لِمَن عَرَفَ اللّهَ سُبحانَهُ ألّا يَخلُوَ قَلبُهُ مِن رَجائِهِ وخَوفِهِ . (1)
عنه عليه السلام_ مِن دُعاءٍ كانَ يَدعو بِهِ بَعدَ رَكعَتَيِ الفَجرِ _: سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبِحَمدِكَ! مَن ذا يَعرِفُ قَدرَكَ فَلا يَخافُكَ ، ومَن ذا يَعلَمُ ما أَنتَ فَلا يَهابُكَ؟! (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في تَمجيدِ اللّهِ عز و جل _: سُبحانَكَ ، عَجَبا لِمَن (3) عَرَفَكَ كَيفَ لا يَخافُكَ ؟! (4)
عنه عليه السلام :مَا العِلمُ بِاللّهِ وَالعَمَلُ إِلّا إِلفانِ مُؤتَلِفانِ ؛ فَمَن عَرَفَ اللّهَ خافَهُ . (5)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في زِيارَةِ قَبرِ أَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: اللّهُمَّ إِنَّ قُلُوبَ المُخْبِتينَ إِلَيكَ والِهَةٌ ، ... وأَفئِدَةَ العارِفينَ مِنكَ فازِعَةٌ . (6)
الإمام الباقر عليه السلام :في حِكمَةِ آلِ داوودَ : ... يا ابنَ آدَمَ ، أَصبَحَ قَلبُكَ قاسِيا وأَنتَ لِعَظَمَةِ اللّهِ ناسِيا ؛ فَلَو كُنتَ بِاللّهِ عالِما ، وبِعَظَمَتِهِ عارِفا لَم تَزَل مِنهُ خائِفا ، ولِوَعدِهِ راجِيا ، وَيحَكَ ، كَيفَ لا تَذكُرُ لَحَدَكَ ، وَانفِرادَكَ فيهِ وَحدَكَ؟ ! (7)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أَوحى إِلى داوودَ عليه السلام : . . . ما لي أَراكَ ساكِتا ؟
.
ص: 284
قالَ : خَشيَتُكَ أَسكَتَتني . (1)
7 / 3الرَّغبَةُ فيما عِندَ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ داوودُ عليه السلام : يا رَبِّ! حَقٌّ لِمَن عَرَفَكَ أَلّا يَقطَعَ رَجاءَهُ مِنكَ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :يَنبَغي لِمَن عَرَفَ اللّهَ سُبحانَهُ أَن يَرغَبَ فيما لَدَيهِ . (3)
عنه عليه السلام :عَجِبتُ لِمَن عَرَفَ رَبَّهُ كَيفَ لا يَسعى لِدارِ البَقاءِ! (4)
عوالي اللآلي :فِي الحَديثِ أَنَّ داوودَ عليه السلام قالَ : يا رَبِّ ، ما يَحمِلُ (5) لِمَن عَرَفَكَ أَن يَقطَعَ رَجاءَهُ مِنكَ . (6)
7 / 4طاعَةُ اللّهِالإمام زين العابدين عليه السلام :مَا العِلمُ بِاللّهِ وَالعَمَلُ إِلّا إِلفانِ مُؤتَلِفانِ ؛ فَمَن عَرَفَ اللّهَ خافَهُ
.
ص: 285
وحَثَّهُ الخَوفُ عَلَى العَمَلِ بِطاعَةِ اللّهِ ، وإِنَّ أَربابَ العِلمِ وأَتباعَهُمُ الَّذينَ عَرَفُوا اللّهَ فَعَمِلوا لَهُ ورَغِبوا إِلَيهِ ، وقَد قالَ اللّهُ : «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَ_ؤُاْ» . (1)
7 / 5اجتِنابُ المَحارِمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن عَرَفَ اللّهَ وعَظَّمَهُ مَنَعَ فاهُ مِنَ الكَلامِ ، وبَطنَهُ مِنَ الطَّعامِ ، وعَفا (2) نَفسَهُ بِالصِّيامِ وَالقِيامِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن عَرَفَ كَفَّ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام :إِن قالَ قائِلٌ : لِمَ أُمِرَ الخَلقُ بِالإِقرارِ بِاللّهِ وبِرَسولِهِ وحُجَّتِهِ وبِما جاءَ مِن عِندِ اللّهِ ؟ قيلَ : لِعِلَلٍ كَثيرَةٍ : مِنها : أَنَّ مَن لَم يُقِرَّ بِاللّهِ لَم يَتَجَنَّب مَعاصِيَهُ ، ولَم يَنتَهِ عَنِ ارتِكابِ الكَبائِرِ ، ولَم يُراقِب أَحَدا فيما يَشتَهي ويَستَلِذُّ مِنَ الفَسادِ وَالظُّلمِ ، وإِذا فَعَلَ النّاسُ هذِهِ الأَشياءَ
.
ص: 286
وَارتَكَبَ كُلُّ إِنسانٍ ما يَشتَهي ويَهواهُ مِن غَيرِ مُراقَبَةٍ لِأَحَدٍ كانَ في ذلِكَ فَسادُ الخَلقِ أَجمَعينَ ، ووُثوبُ بَعضِهِم عَلى بَعضٍ ، فَغَصَبُوا الفُروجَ وَالأَموالَ ، وأَباحُوا الدِّماءَ وَالسَّبيَ ، وقَتَلَ بَعضُهُم بَعضا مِن غَيرِ حَقٍّ ولا جُرمٍ ، فَيَكونُ في ذلِكَ خَرابُ الدُّنيا ، وهَلاكُ الخَلقِ ، وفَسادُ الحَرثِ وَالنَّسلِ . ومِنها : أَنَّ اللّهَ عز و جل حَكيمٌ ، ولا يَكونُ الحَكيمُ ولا يُوصَفُ بِالحِكمَةِ إِلّا الَّذي يَحظُرُ الفَسادَ ويَأمُرُ بِالصَّلاحِ ويَزجُرُ عَنِ الظُّلمِ ويَنهى عَنِ الفَواحِشِ ، ولا يَكونُ حَظرُ الفَسادِ وَالأَمرُ بِالصَّلاحِ وَالنَّهيُ عَنِ الفَواحِشِ إِلّا بَعدَ الإِقرارِ بِاللّهِ ومَعرِفَةِ الآمِرِ وَالنَّاهي ؛ فَلَو تُرِكَ النَّاسُ بِغَيرِ إِقرارٍ بِاللّهِ ولا مَعرِفَةٍ لَم يَثبُت أَمرٌ بِصَلاحٍ ، ولا نَهيٌ عَن فَسادٍ ؛ إِذ لا آمِرَ ولا ناهِيَ . ومِنها : أَنّا قَد وَجَدنَا الخَلقَ قَد يَفسُدونَ بِأُمورٍ باطِنَةٍ مَستورَةٍ عَنِ الخَلقِ ، فَلَولَا الإِقرارُ بِاللّهِ وخَشيَتُهُ بِالغَيبِ لَم يَكُن أَحَدٌ إِذا خَلا بِشَهوَتِهِ وَإِرادَتِهِ يُراقِبُ أَحَدا في تَركِ مَعصِيَةٍ وَانتِهاكِ حُرمَةٍ وَارتِكابِ كَبيرٍ (1) ، إِذا كانَ فِعلُهُ ذلِكَ مَستورا عَنِ الخَلقِ بِغَيرِ مُراقِبٍ لِأَحَدٍ فَكانَ يَكونُ في ذلِكَ هَلاكُ الخَلقِ أَجمَعينَ ، فَلَم يَكُن قِوامُ الخَلقِ وصَلاحُهُم إِلّا بِالإِقرارِ مِنهُم بِعَليمٍ خَبيرٍ يَعلَمُ السِّرَّ وأَخفى ، آمِرٌ بِالصَّلاحِ ، ناهٍ عَنِ الفَسادِ ، ولا يَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ ؛ لِيَكونَ في ذلِكَ انزِجارٌ لَهُم يَخلون بِهِ مِن أَنواعِ الفَسادِ . (2)
.
ص: 287
7 / 6الزُّهدُ فِي الدُّنياالإمام عليّ عليه السلام :يَسيرُ المَعرِفَةِ يوجِبُ الزُّهدَ فِي الدُّنيا . (1)
عنه عليه السلام :مَن صَحَّت مَعرِفَتُهُ انصَرَفَت عَنِ العالَمِ الفاني نَفسُهُ وهِمَّتُهُ . (2)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ المَعرِفَةِ العُزوفُ عَن دارِ الفَناءِ . (3)
عنه عليه السلام :كُلُّ عارِفٍ عائِفٌ . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إِنَّ جَميعَ ما طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ في مَشارِقِ الأَرضِ ومَغارِبِها ، بَحرِها وبَرِّها وسَهلِها وجَبَلِها عِندَ وَلِيٍّ مِن أَولِياءِ اللّهِ وأَهَلِ المَعرِفَةِ بِحَقِّ اللّهِ كَفَيءِ الظِّلالِ . (5)
الإمام الصّادق عليه السلام :مَن عَرَفَ اللّهَ خافَ اللّهَ ، ومَن خافَ اللّهَ سَخَت نَفسُهُ عَنِ الدُّنيا . (6)
عنه عليه السلام :إِنَّ أَعلَمَ النّاسِ بِاللّهِ أَخوَفُهُم للّهِِ ، وأَخوَفُهُم لَهُ أَعلَمُهُم بِهِ ، وأَعلَمُهُم بِهِ أَزهَدُهم فيها (7) . (8)
.
ص: 288
7 / 7التَّقوىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ شَيءٍ مَعدِنٌ ، ومَعدِنُ التَّقوى قُلوبُ العارِفينَ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي أَلهَمَ بِفَواتِحِ عِلمِهِ النّاطِقينَ، وأَنارَ بِثَواقِبِ (2) عَظَمَتِهِ قُلوبَ المُتَّقينَ. (3)
مصباح الشريعة_ فيما نسب إلى الإمام الصّادق عليه السلام _: التَّقوى ماءٌ يَنفَجِرُ مِن عَينِ المَعرِفَةِ بِاللّهِ تَعالى ، يَحتاجُ إِلَيهِ كُلُّ فَنٍّ مِنَ العِلمِ ، وهُوَ لا يَحتاجُ إِلّا إِلى تَصحيحِ المَعرِفَةِ بِالخُمودِ تَحتَ هَيبَةِ اللّهِ وسُلطانِهِ . (4)
7 / 8التَّوَحُّدالإمام عليّ عليه السلام :مَن عَرَفَ اللّهَ تَوَحَّدَ . (5)
عنه عليه السلام :مَن عَرَفَ الحَقَّ لَم يَعتَدَّ بِالخَلقِ . (6)
.
ص: 289
7 / 9التَّواضُعُ للّهِالإمام عليّ عليه السلام :لا يَنبَغي لِمَن عَرَفَ عَظَمَةَ اللّهِ أَن يَتَعَظَّمَ ؛ فَإِنَّ رِفعَةَ الَّذينَ يَعلَمونَ ما عَظَمَةُ اللّهِ أَن يَتَواضَعوا لَهُ . (1)
7 / 10التَّسليمُ لِقَضاءِ اللّهِالإمام الباقر عليه السلام :أَحَقُّ خَلقِ اللّهِ أَن يُسَلِّمَ لِما قَضَى اللّهُ عز و جل مَن عَرَفَ اللّهَ عز و جل . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِسُفيانَ الثَّورِيِّ _: يا سُفيانُ ، ثِق بِاللّهِ تَكُن عارِفا . (3)
7 / 11الرِّضا بِقَضاءِ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ عز و جل : عَلامَةُ مَعرِفَتي في قُلوبِ عِبادي حُسنُ مَوقِعِ قَدري ألّا أُشتَكى ولا أُستَبطى ولا أُستَخفى . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ من دُعاءٍ نُسِبَ إِلَيهِ _: كَيفَ أَحزَنُ وقَد عَرَفتُكَ؟! (5)
.
ص: 290
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ أَعلَمَ النّاسِ بِاللّهِ أَرضاهُم بِقَضاءِ اللّهِ عز و جل . (1)
مصباح الشريعة_ فيما نسب إلى الإمام الصَّادِقُ عليه السلام _: صِفَةُ الرِّضا أَن يَرضَى المَحبوبَ والمَكروه ، وَالرِّضا شُعاعُ نورِ المَعرِفَةِ . (2)
موسى عليه السلام_ في خِطابِهِ لِلباري جَلَّ و عَلا _: يا رَبِّ ، حَقٌّ لِمَن عَرَفَكَ أَن يَرضى بِما صَنَعتَ . (3)
7 / 12استِبشارُ الوَجهِ وحُزنُ القَلبِالإمام عليّ عليه السلام :العارِفُ وَجهُهُ مُستَبشِرٌ مُتَبَسِّمٌ ، وقَلبُهُ وَجِلٌ مَحزونٌ . (4)
عنه عليه السلام :كُلُّ عارِفٍ مَهمومٌ . (5)
تعليق:تقدّم سابقا نفي الحزن عن العارف ، بيد أنّ في هذا الحديث قد جاء اعتبار الحزن من خصائصه ، وفي الجمع بين الحديثين يمكن القول : إنّ العارف مسرور من جهة ومحزون من جهة أُخرى ؛ فهو من ناحية مترع بالأمل والسرور حينما ينظر إلى رحمة اللّه وصفاته الجمالية ، ومن ناحية أُخرى محزون حينما يفكر بغضب اللّه
.
ص: 291
سبحانه وصفاته الجلالية ، ويمكن القول أيضا : إنّ العارف يصبح مسرورا حينما يتجلّى الخالق تعالى لقلبه ، ويضحى حزينا في غير ذلك لفقدانه تلك الحال ، أو أنّ العارف مسرور بالدرجات العُلى التي وصل إليها في معرفة الحقّ تعالى ، وحزين حينما يكون فاقدا لتلك الدرجات .
7 / 13الغِنى عَن خَلقِ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :مَن سَكَنَ قَلبَهُ العِلمُ بِاللّهِ سَكَنَهُ الغِنى عَن خَلقِ اللّهِ . (1)
7 / 14السَّهَرُ بِذِكرِ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :سَهَرُ العُيونِ بِذِكرِ اللّهِ خُلصانُ العارِفينَ ، وحُلوانُ المُقَرَّبينَ . (2)
إرشاد القلوب :كانَ مِمّا ناجى بِهِ الباري تَعالى داوودَ عليه السلام : ... يا داوودُ ، إِنَّ العارِفينَ كَحَلوا أَعيُنَهُم بِمِروَدِ (3) السَّهَرِ، وقاموا لَيلَهُم يَسهَرونَ يَطلُبونَ بِذلِكَ مَرضاتي. (4)
7 / 15كَثرَةُ الدُّعاءِالإمام عليّ عليه السلام :أَعلَمُ النّاسِ بِاللّهِ أَكثَرُهُم لَهُ مَسأَلَةً . (5)
.
ص: 292
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ _: إِلهي كَيفَ أَدعوكَ وقَد عَصَيتُكَ؟! وكَيفَ لا أَدعوكَ وقَد عَرَفتُكَ؟! (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :يا مَن آنَسَ العارِفينَ بِطيبِ مُناجاتِهِ . (2)
7 / 16استِجابَةُ الدُّعاءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ عز و جل : مَن أَهانَ لي وَلِيّا فَقَد أَرصَدَ لِمُحارَبَتي . وما تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدٌ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ ، وإِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنّافِلَةِ حَتّى أُحِبَّهُ، فَإِذا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذي يَسمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذي يُبصِرُ بِهِ، ولِسانَهُ الَّذي يَنطِقُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بِها، إِن دَعانيأَجَبتُهُ، وإِن سَأَلَني أَعطَيتُهُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ تَعالى قالَ : مَن عادى لي وَلِيّا فَقَد آذَنتُهُ بِالحَربِ . وما تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمّا افتَرَضتُ عَلَيهِ . وما يَزالُ عَبدي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوافِلِ حَتّى أُحِبَّهُ ، فَإِذا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذي يَسمَعُ بِهِ ، وبَصَرَهُ الَّذي يُبصِرُ بِهِ ، ويَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بِها ، ورِجلَهُ الَّتي يَمشي بِها ، وإِن سَأَلَني لَأُعطِيَنَّهُ ، ولَئِنِ استَعاذَني لَأُعيذَنَّهُ . (4)
.
ص: 293
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : ما يَزالُ عَبدي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوافِلِ حَتّى أُحِبَّهُ؛ فَأَكونَ أَنَا سَمعَهُ الَّذي يَسمَعُ بِهِ ، وبَصَرَهُ الَّذي يُبصِرُ بِهِ ، ولِسانَهُ الَّذي يَنطِقُ بِهِ ، وقَلبَهُ الَّذي يَعقِلُ بِهِ ، فَإِذا دَعا أَجَبتُهُ ، وإِذا سَأَلَني أَعطَيتُهُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لَو عَرَفتُمُ اللّهَ تَعالى حَقَّ مَعرِفَتِهِ لَزالَت بِدُعائِكُمُ الجِبالُ! (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لَو عَرَفتُمُ اللّهَ عز و جل حقَّ مَعرِفَتِهِ لَمَشَيتُم عَلَى البُحورِ ، ولَزالَت بِدُعائِكُمُ الجِبالُ . ولَو خِفتُمُ اللّهَ حَقَّ خَوفِهِ لَعَلِمتُمُ العِلمَ الَّذي لَيسَ مَعَهُ جَهلٌ ، وما بَلَغَ ذلِكَ أَحَدٌ ولا أَتى ، اللّهُ عز و جل أَعظَمُ مِن أَن يَبلُغَ أَحَدٌ أَمرَهُ كُلَّهُ! (3)
7 / 17الفَوزُ وَالفَلاحُالإمام عليّ عليه السلام :مَن عَرَفَ اللّهَ سُبحانَهُ لَم يَشقَ أَبَدا . (4)
بحار الأنوار عن صُحف إدريس عليه السلام :فازَ يا أَخنوخُ مَن عَرَفَني ، وهَلَكَ مَن أَنكَرَني ، عَجَبا لِمَن ضَلَّ عَنّي ولَيسَ يَخلو في شَيءٍ مِنَ الأَوقاتِ مِنّي ، كَيفَ يَخلو وأَنَا أَقرَبُ إِلَيهِ مِن كُلِّ قَريبٍ ، وأَدنى إِلَيهِ مِن حَبلِ الوَريدِ؟ (5)
راجع : ص 361 ، ح 3900 .
.
ص: 294
7 / 18المجتمع الأَمثلالكتاب«مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعَا بَصِيرًا» (1) .
«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَ_تٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ وَلَ_كِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَ_هُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» (2) .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إِلى مُحَمَّدِ بنِ أَبي بَكرٍ وأَهلِ مِصرَ _: عَلَيكُم بِتَقوَى اللّهِ ؛ فَإِنَّها تَجمَعُ مِنَ الخَيرِ ما لا يَجمَعُ غَيرُها ، ويُدرَكُ بِها مِنَ الخَيرِ ما لا يُدرَكُ بِغَيرِها ؛ مِن خَيرِ الدُّنيا وخَيرِ الآخِرَةِ ، قالَ اللّهُ عز و جل : « وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هَ_ذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَ لَدَارُ الْاخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ » (3) . اِعلَموا _ يا عِبادَ اللّهِ _ أَنَّ المُؤمِنَ يَعمَلُ لِثَلاثٍ مِنَ الثَّوابِ : إِمّا لِخَيرِ الدُّنيا ، فَإِنَّ اللّهَ يُثيبُهُ بِعَمَلِهِ في دُنياهُ ؛ قالَ اللّهُ سُبحانَهُ لإِِبراهيمَ : «وَ ءَاتَيْنَ_هُ أَجْرَهُ فِى الدُّنْيَا وَ إِنَّهُ فِى الْاخِرَةِ لَمِنَ الصَّ__لِحِينَ » (4) ، فَمَن عَمِلَ للّهِِ تَعالى أَعطاهُ أَجرَهُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وكَفاهُ المُهِمَّ فيهِما . وقَد قالَ اللّهُ عز و جل : «يَ_عِبَادِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هَ_ذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللَّهِ وَ سِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّ_بِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ » (5) ،
.
ص: 295
فَما أَعطاهُمُ اللّهُ فِي الدُّنيا لَم يُحاسِبهُم بِهِ فِي الآخِرَةِ . قالَ اللّهُ عز و جل : «لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَ زِيَادَةٌ» (1) ، فَالحُسنى هِيَ الجَنَّةُ ، وَالزِّيادَةُ هِيَ الدُّنيا . وإِمّا لِخَيرِ الآخِرَةِ ، فَإِنَّ اللّهَ عز و جل يُكَفِّرُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ سَيِّئَةً ؛ قالَ اللّهُ عز و جل : «إِنَّ الْحَسَنَ_تِ يُذْهِبْنَ السَّيِّ_ئاتِ ذَ لِكَ ذِكْرَى لِلذَّ كِرِينَ » (2) ، حَتّى إِذا كانَ يَومُ القِيامَةِ حُسِبَت لَهُم حَسَناتُهُم ، ثُمَّ أَعطاهُم بِكُلِّ واحِدَةٍ عَشرَ أَمثالِها إِلى سَبعِمِئَةِ ضِعفٍ ؛ قالَ اللّهُ عز و جل : «جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَ_اءً حِسَابًا » (3) ، وقالَ : «أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَ هُمْ فِى الْغُرُفَ_تِ ءَامِنُونَ » (4) . فَارغَبوا في هذا _ رَحِمَكُمُ اللّهُ _ وَاعمَلوا لَهُ ، وتَحاضّوا (5) عَلَيهِ . وَاعلَموا _ يا عِبادَ اللّهِ _ أَنَّ المُتَّقينَ حازوا عاجِلَ الخَيرِ وآجِلَهُ ؛ شارَكوا أَهلَ الدُّنيا في دُنياهُم ، ولَم يُشارِكهُم أَهلُ الدُّنيا في آخِرَتِهِم ؛ أَباحَهُمُ اللّهُ مِنَ الدُّنيا ما كَفاهُم وبِهِ أَغناهُم ؛ قالَ اللّهُ عَزَّ اسمُهُ : « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَ الطَّيِّبَ_تِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الآْيَ_تِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (6) . سَكَنُوا الدُّنيا بِأَفضَلِ ما سُكِنَت ، وأَكَلوها بِأَفضَلِ ما أُكِلَت ؛ شارَكوا أَهلَ الدُّنيا في دُنياهُم ، فَأَكَلوا مَعَهُم مِن طَيِّباتِ ما يَأكُلونَ ، وشَرِبوا مِن طَيِّباتِ ما يَشرَبونَ ، ولَبِسوا
.
ص: 296
مِن أَفضَلِ ما يَلبَسونَ ، وسَكَنوا مِن أَفضَلِ ما يَسكُنونَ ، وتَزَوَّجوا مِن أَفضَلِ ما يَتَزَوَّجونَ ، ورَكِبوا مِن أَفضَلِ ما يَركَبونَ ؛ أَصابوا لَذَّةَ الدُّنيا مَعَ أَهلِ الدُّنيا ، وهُم غَدا جيرانُ اللّهِ ، يَتَمَنَّونَ عَلَيهِ فَيُعطيهِم ما تَمَنَّوهُ ، ولا يَرُدُّ لَهُم دَعوَةً ، ولا يَنقُصُ لَهُم نَصيباً مِنَ اللَّذَّةِ . فَإِلى هذا _ يا عِبادَ اللّهِ _ يَشتاقُ إِلَيهِ مَن كانَ لَهُ عَقلٌ ، ويَعمَلُ لَهُ بِتَقوَى اللّهِ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إِلّا بِاللّهِ . (1)
راجع : ص 17 (الفصل الأوّل : قيمة معرفة اللّه ) و 359 (الفصل الأوّل : قيمة التوحيد) ، التنمية الإقتصادية في الكتاب والسنّة : القسم الأوّل / الفصل الأوّل / سعادة الدنيا والآخرة و القسم الأوّل / الفصل الثاني / قوام الدين والدنيا.
.
ص: 297
تلخيص ما مرَّ من دور معرفة اللّهيمكن أَن نلخّص ما مرّ من معطيات معرفة اللّه وبركاتها ودورها في حياة الإنسان في قسمين:
1 . دور معرفة اللّه في الحياة الفرديّةإنّ أَهمّ بركات معرفة اللّه في الحياة الفرديّة ، حبّ اللّه تعالى والأُنس به ، إذ إنّ الإنسان يعشق الجمال فطريّا ، ولمّا كان اللّه سبحانه جامعا لكلّ ضروب الجمال ، وكان جمال أُولي الجمال مستمدّا منه ، فإنّ المرء لا يمكن أَن يعرف اللّه ولا يحبّه! فقد قال الإمام الحسن المجتبى عليه السلام : «مَن عَرَفَ اللّهَ أَحَبَّهُ» (1) . وكلّما زادت معرفة الإنسان بخالقه زاد حبّه له إِلى أن يصبح في مقام «التامّين في محبّة اللّه » (2) . إنّ المحبّة التي تنبثق عن المعرفة بالنظر إلى أَوامر اللّه ونواهيه ، وما وعد اللّه
.
ص: 298
سبحانه في ثواب من عمل بأَوامره وجزاء من خالف نواهيه ، تقترن بالخشية والرغبة ، وتدعو المرء إلى جميع القيم العقيديّة ، والأَخلاقيّة ، والعمليّة السّامية ، وترك المفاهيم الّتي تضاد القيم .
2 . دور معرفة اللّه في الحياة الاجتماعيّةلمّا كانت معرفة اللّه هي الأَساس للقيم العقيديّة والأَخلاقيّة والعمليّة فهي أَعرف قواعد المجتمع الإنسانيّ المثاليّ أَصالةً أَيضا ، من هنا لا يمكن أَن نتوقّع من مجتمع لا يعتقد باللّه مراعاة القيم الإنسانيّة وعلى رأسها العدالة الاجتماعيّة ، لذا قال الإمام الرضا عليه السلام في فلسفة عبادة اللّه : «لِعِلَلٍ كَثيرَةٍ ، مِنها أنَّ مَن لَم يُقِرَّ بِاللّهِ عز و جل لَم يَتَجَنَّب مَعاصِيَهُ ، ولَم يَنتَهِ عَنِ ارتِكابِ الكَبائِرِ ولَم يُراقِب أحَدا فيما يَشتَهي ويَستَلِذُّ مِنَ الفَسادِ وَالظُّلمِ...» (1) . لا ريب في أَنّ استقرار القيم الأَخلاقيّة في المجتمع لا يتيسّر بلا أَساس دينيّ ولا اعتقاد باللّه ، ولو كان العالم عبثا وبلا شعور ، وتساوى العادل والظالم ، والمحسن والمسيء في بلوغ نقطة واحدة بعد الموت ، فبأيّ دليل يمكن أن ندعو المجتمع إلى رعاية القيم الإنسانيّة السّاميّة ، أي : العدالة ، والإيثار ، ومكافحة الظلم والجريمة؟ ولأيّ سبب يضحّي الإنسان نفسه للآخرين ولا يضحيّ الآخرون أنفسهم له؟! من هنا ينبغي أن نقول : إنّ المادّيّة تقتضي إلغاء القيم الأَخلاقيّة ، وتبنّي القيم الأَخلاقيّة يستلزم إلغاء المادّيّة . وعلى العكس من ذلك فإنّ الاعتقاد باللّه وهدفيّة عالم الوجود ممهّدان للمجتمع
.
ص: 299
الأَمثل والتكامل المادّيّ والمعنويّ للإنسان ، كما قال خالق الوجود _ جلّ شأنه _ : « مَن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْأخِرَةِ » (1) . وإذا قُدّر للمجتمع البشريّ يوما أن يرسّخ صلته بخالق الكون ، كما ينبغي فإنّه يمهّد لنفسه أَفضل أَنواع الحياة ، على أَمل ذلك اليوم المنشود إن شاء اللّه (2) .
.
ص: 300
. .
ص: 301
الفصل الثامن: آفاق معرفة اللّه8 / 1حَقُّ مَعرِفَةِ اللّهِ وحدُّهاالتوحيد عن ابن عبّاس :جاءَ أَعرابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ عَلِّمني مِن غَرائِبِ العِلمِ . قالَ : ما صَنَعتَ في رَأسِ العِلمِ حَتّى تَسأَلَ عَن غَرائِبِهِ ؟! قالَ الرَّجُلُ : ما رَأسُ العِلمِ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : مَعرِفَةُ اللّهِ حَقَّ مَعرِفَتِهِ . قالَ الأَعرابِيُّ : وما مَعرِفَةُ اللّهِ حَقَّ مَعرِفَتِهِ ؟ قالَ : تَعرِفُهُ بِلا مِثلٍ ولا شِبهٍ ولا نِدٍّ ، وأَنَّهُ واحِدٌ أَحَدٌ ، ظاهِرٌ باطِنٌ ، أَوَّلٌ آخِرٌ ، لا كُفوَ لَهُ ولا نَظيرَ ، فَذلِكَ حَقُّ مَعرِفَتِهِ . (1)
.
ص: 302
الإمام الكاظم عليه السلام :أَوَّلُ الدِّيانَةِ بِهِ مَعرِفَتُهُ ، وكَمالُ مَعرِفَتِهِ تَوحيدُهُ ، وكَمالُ تَوحيدِهِ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ . (1)
التوحيد عن طاهر بن حاتم بن ماهويه :كَتَبتُ إِلَى الطَيِّبِ _ يَعني أَبَا الحَسَنِ موسى عليه السلام _ : مَا الَّذي لا تُجزِئُ مَعرِفَةُ الخالِقِ بِدونِهِ ؟ فَكَتَبَ : لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، ولَم يَزَل سَميعا وعَليما وبَصيرا ، وهُوَ الفَعّالُ لِما يُريدُ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن أَدنَى المَعرِفَةِ _: الإِقرارُ بِأَنَّهُ لا إِلهَ غَيرُهُ ، ولا شِبهَ لَهُ ولا نَظيرَ ، وأَنَّهُ قَديمٌ مُثبَتٌ مَوجودٌ غَيرُ فَقيدٍ ، وأَنَّهُ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ أَفضَلَ الفَرائِضِ وأَوجَبَها عَلَى الإِنسانِ مَعرِفَةُ الرَّبِّ وَالإِقرارُ لَهُ بِالعُبودِيَّةِ ، وحَدُّ المَعرِفَةِ أَنَّهُ لا إِلهَ غَيرُهُ ولا شَبيهَ لَهُ ولا نَظيرَ لَهُ ، وأَنَّهُ يُعرَفُ أَنَّهُ قَديمٌ مُثبَتٌ بِوُجودٍ غَيرِ فَقيدٍ ، مَوصوفٌ مِن غَيرِ شَبيهٍ ولا مُبطِلٍ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام_ فِي الفِقهِ المَنسوبِ إلَيهِ _: أَروي أَنَّ المَعرِفَةَ التَّصديقُ وَالتَّسليمُ وَالإِخلاصُ فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ، وأَروي أَنَّ حَقَّ المَعرِفَةِ أَن يُطيعَ ولا يَعصِيَ ، ويَشكُرَ ولا يَكفُرَ . (5)
.
ص: 303
8 / 2لا تُدرِكُهُ الأَبصارُالكتاب«لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » . (1)
«يَسْ_ئلُكَ أَهْلُ الْكِتَ_بِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَ_بًا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَ لِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّ_عِقَةُ بِظُ_لْمِهِمْ» . (2)
«وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَ_تِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِى وَلَ_كِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَ_نَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :فَوقَ كُلِّ شَيءٍ عَلا ، ومِن كُلِّ شَيءٍ دَنا ، فَتَجَلّى لِخَلقِهِ مِن غَيرِ أَن يَكونَ يُرى ، وهُوَ بِالمَنظَرِ الأَعلى . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ» _: إِحاطَةُ الوَهمِ ... اللّهُ أَعظَمُ مِن أَن يُرى بِالعَينِ . (5)
.
ص: 304
الإمام الرضا عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ» _: لا تُدرِكُهُ أَوهامُ القُلوبِ ، فَكَيفَ تُدرِكُهُ أَبصارُ العُيونِ ! (1)
المحاسن عن أبي هاشم الجعفريّ :أَخبَرَنِي الأَشعَثُ بنُ حاتِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ الرِّضا عليه السلام عَن شَيءٍ مِنَ التَّوحيدِ ، فَقالَ : أَلا تَقرَأُ القُرآنَ ؟ قُلتُ : نَعَم . قالَ : اِقرَأ : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ» ، فَقَرَأتُ . فَقالَ : مَا الأَبصارُ ؟ قُلتُ : أَبصارُ العَينِ . قالَ : لا ، إِنَّما عَنَى الأَوهامَ ؛ لا تُدرِكُ الأَوهامُ كَيفِيَّتَهُ ، وهُوَ يُدرِكُ كُلَّ فَهمٍ . (2)
الكافي عن أبي هاشم الجعفريّ :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام (3) : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ» ؟ فَقالَ : يا أَبا هاشِمٍ ، أَوهامُ القُلوبِ أَدَقُّ مِن أَبصارِ العُيونِ ، أَنتَ قَد تُدرِكُ بِوَهمِكَ السِّندَ وَالهِندَ وَالبُلدانَ الَّتي لَم تَدخُلها ولا تُدرِكُها بِبَصَرِكَ ، وأَوهامُ القُلوبِ لا تُدرِكُهُ فَكَيفَ أَبصارُ العُيونِ ؟! (4)
التوحيد عن صفوان بن يحيى :سَأَلَني أَبو قُرَّةَ المُحَدِّثُ أَن أُدخِلَهُ عَلى أَبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام فَاستَأَذَنتُهُ في ذلِكَ فَأَذِنَ لي ، فَدَخَلَ عَلَيهِ فَسَأَلَهُ عَنِ الحَلالِ وَالحَرامِ
.
ص: 305
وَالأَحكامِ حَتّى بَلَغَ سُؤالُهُ التَّوحيدَ ، فَقالَ أَبو قُرَّةَ : إِنّا رُوّينا أنَّ اللّهَ عز و جلقَسَّمَ الرُّؤيَةَ وَالكَلامَ بَينَ اثنَينِ ، فَقَسَّمَ لِمُوسى عليه السلام الكَلامَ وَلِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله الرُّؤيَةَ . فَقالَ أَبُو الحَسَنِ عليه السلام فَمَنِ المُبَلِّغُ عَنِ اللّهِ عز و جل إِلَى الثَّقَلَينِ الجِنِّ وَالإنسِ : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ» (1) «وَ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا» (2) و «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» (3) أَلَيسَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : بَلى؟ قالَ : فَكَيفَ يَجِيءُ رَجُلٌ إِلَى الخَلقِ جَميعا فَيُخبِرُهُم أَنَّهُ جاءَ مِن عِندِ اللّهِ وَأَنَّهُ يَدعوهُم إِلَى اللّهِ بِأَمرِ اللّهِ وَيَقولُ : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ» «وَ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا» وَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» ثُمَّ يَقولُ : أَنَا رَأَيتُهُ بِعَيني ، وَأَحَطتُ بِهِ عِلما وَهُوَ عَلى صُورَةِ البَشَرِ ، أَما تَستَحيونَ؟! ما قَدَرَتِ الزَّنادِقَةُ أَن تَرمِيَهُ بِهذا ؛ أَن يَكونَ يَأتِي عَنِ اللّهِ بِشَيءٍ ، ثُمَّ يَأتي بِخِلافِهِ مِن وَجهٍ آخَرَ!! قالَ أَبو قُرَّةَ : فَإنَّهُ يَقولُ : «وَ لَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى» (4) ؟ فَقالَ أَبُو الحَسَنِ عليه السلام : إِنَّ بَعدَ هذِهِ الآيَةِ ما يَدُلُّ عَلى ما رَأَى ، حَيثُ قالَ : «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى» (5) يَقولُ : ما كَذَبَ فُؤادُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ما رَأَت عَيناهُ ، ثُمَّ أَخبَرَ بِما رَأَى فَقالَ : «لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَ_تِ رَبِّهِ الْكُبْرَى» (6) ، فَاياتُ اللّهِ عز و جلغَيرُ اللّهِ ، وَقَد قالَ : «وَ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا» 7 فَإذا رَأَتهُ الأَبصارُ فَقَد أَحاطَت بِهِ العِلمُ وَوَقَعَتِ المَعرِفَةُ .
.
ص: 306
فَقالَ أَبو قُرَّةَ : فَتُكَذِّبُ بِالرِّواياتِ؟ فَقالَ أَبُو الحَسَنِ عليه السلام : إِذا كانَتِ الرِّواياتُ مُخالِفَةً لِلقُرآنِ كَذَّبتُ بِها ، وَما أَجمَعَ المُسلِمون عَلَيهِ أَنَّهُ لا يُحاطُ بِهِ عِلمٌ (1) وَلا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ، وَلَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :ظاهِرٌ لا بِتَأويلِ المُباشَرَةِ ، مُتَجَلٍّ لا بِاستِهلالِ رُؤيَةٍ . (3)
عنه عليه السلام :الرّادِعُ أَناسِيَّ (4) الأَبصارِ عَن أَن تَنالَهُ أَو تُدرِكَهُ . (5)
عنه عليه السلام_ فِي تَمجيدِ اللّهِ عز و جل _: لَم يَنتَهِ إِلَيكَ نَظَرٌ ، ولَم يُدرِككَ بَصَرٌ . أَدرَكتَ الأَبصارَ ، وأَحصَيتَ الأَعمالَ (الأَعمارَ) . (6)
عنه عليه السلام :لَم تَقَع عَلَيهِ الأَوهامُ فَتُقَدِّرَهُ شَبَحا ماثِلاً ، ولَم تُدرِكهُ الأَبصارُ فَيَكونَ بَعدَ انتِقالِها حائِلاً... كَلَّت (7) عَن إِدراكِهِ طُروفُ العُيونِ، وقَصُرَت دونَ بُلوغِ صِفَتِهِ أَوهامُ الخَلائِقِ . (8)
.
ص: 307
عنه عليه السلام :مَن جازَ عَلَيهِ البَصَرُ والرُّؤيَةُ فَهُوَ مخَلوقٌ ، ولابُدَّ لِلمَخلوقِ مِنَ الخالِقِ . (1)
عنه عليه السلام :لا تَنالُهُ الأَبصارُ مِن مَجدِ جَبَروتِهِ ؛ إِذ حَجَبَها بِحُجُبٍ لا تَنفُذُ في ثِخَنِ كَثافَتِهِ ، ولا تَخرِقُ إِلى ذِي العَرشِ مَتانَةَ خَصائِصِ سُتُراتِهِ ، الَّذي صَدَرَتِ الأُمورُ عَن مَشِيئَتِهِ . (2)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ . . . المُمتَنِعَةِ مِنَ الصِّفاتِ ذاتُهُ ، ومِنَ الأَبصارِ رُؤيَتُهُ ، ومِنَ الأَوهامِ الإحاطَةُ بِهِ . (3)
عنه عليه السلام :قَد حَسَرَ (4) كُنهُهُ نَوافِذَ الأَبصارِ ، وقَمَعَ وُجودُهُ جَوائِلَ (5) الأَوهامِ . (6)
فاطمة عليهاالسلام :المُمتَنِعُ مِنَ الأَبصارِ رُؤيَتُهُ ، ومِنَ الأَلسُنِ صِفَتُهُ ، ومِنَ الأَوهامِ كَيفِيَّتُهُ . (7)
الإمام الحسين عليه السلام_ فِي وِترِهِ _: اللّهُمَّ إِنَّكَ تَرى ولا تُرى ، وأَنتَ بِالمَنظَرِ الأَعلى ، وإِنَّ إِلَيكَ الرُّجعى ، وإِنَّ لَكَ الآخِرَةَ والاُولى ، اللّهُمَّ إِنّا نَعوذُ بِكَ مِن أَن نَذِلَّ ونَخزى . (8)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الأَوَّلِ بِلا أَوَّلٍ كانَ قَبلَهُ ، وَالآخِرِ بِلا آخِرٍ يَكونُ
.
ص: 308
بَعدَهُ ، الَّذي قَصُرَت عَن رُؤيَتِهِ أَبصارُ النّاظِرينَ ، وعَجَزَت عَن نَعتِهِ أَوهامُ الواصِفينَ . (1)
الإمام الصّادق عليه السلام :يَا ابنَ آدَمَ ، لَو أَكَلَ قَلبَكَ طائِرٌ لَم يُشبِعهُ ، وبَصَرُكَ لَو وُضِعَ عَلَيهِ خَرقُ إِبرَةٍ لَغَطّاهُ ، تُريدُ أَن تَعرِفَ بِهِما مَلَكوتَ السَّماواتِ وَالأَرضِ ؟! إِن كُنتَ صادِقا فَهذِهِ الشَّمسُ خَلقٌ مِن خَلقِ اللّهِ ، فَإِن قَدَرتَ أَن تَملَأَ عَينَيكَ مِنها فَهُوَ كَما تَقولُ . (2)
الأمالي عن إبراهيم الكرخيّ :قُلتُ لِلصّادِقِ عليه السلام : إِنَّ رَجُلاً رَأَى رَبَّهُ عز و جل في مَنامِهِ، فمَا يَكونُ ذلِكَ ؟ فَقالَ : ذلِكَ رَجُلٌ لا دينَ لَهُ ، إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يُرى فِي اليَقظَةِ ولا فِي المَنامِ ، ولا فِي الدُّنيا ولا فِي الآخِرَةِ . (3)
الأمالي عن إسماعيل بن الفضل :سَأَلتُ أَبا عَبدِاللّهِ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الصّادِقَ عليه السلام عَنِ اللّهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ هَل يُرى فِي المَعادِ ؟ فَقالَ : سُبحانَ اللّهِ وتَعالى عَن ذلِكَ عُلُوّا كَبيرا ! يَا ابنَ الفَضلِ ، إِنَّ الأَبصارَ لا تُدرِكَ إِلّا ما لَهُ لَونٌ وكَيفِيَّةٌ ، وَاللّهُ خالِقُ الأَلوانِ وَالكَيفِيَّةِ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام :إِنَّ أَوهامَ القُلوبِ أَكبَرُ مِن أَبصارِ العُيونِ ، فَهُوَ لا تُدرِكُهُ الأَوهامُ وهُوَ يُدرِكُ الأَوهامَ . (5)
التوحيد عن محمّد بن عبداللّه الخراساني خادم الرضا عليه السلام :دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الزَّنادِقَةِ (6) عَلَى الرِّضا عليه السلام وعِندَهُ جَماعَةٌ... قالَ [الرَّجُلُ]: فَلِمَ لا تُدرِكُهُ حاسَّةُ البَصَرِ؟ قالَ:
.
ص: 309
لِلفَرقِ بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ الَّذينَ تُدرِكُهُم حاسَّةُ الأَبصارِ مِنهُم ومِن غَيرِهِم، ثُمَّ هُوَ أَجَلُّ مِن أَن يُدرِكَهُ بَصَرٌ، أَو يُحيطَ بِهِ وَهمٌ، أَو يَضبُطَهُ عَقلٌ. (1)
الكافي عن أحمد بن إسحاق :كَتَبتُ إِلى أَبِي الحَسَنِ الثّالِثِ عليه السلام أَسأَلُهُ عَنِ الرُّؤيَةِ ومَا اختَلَفَ فيهِ النّاسُ ، فَكَتَبَ : لا تَجوزُ الرُّؤيَةُ ما لَم يَكُن بَينَ الرّائي وَالمَرئِيِّ هَواءٌ يَنفُذُهُ البَصَرُ ، فَإِذَا انقَطَعَ الهَواءُ (2) عَنِ الرّائي وَالمَرئِيِّ لَم تَصِحَّ الرُّؤيَةُ وكانَ في ذلِكَ الاِشتِباهُ ؛ لِأَنَّ الرّائِيَ مَتى ساوَى المَرئِيَّ فِي السَّبَبِ الموجِبِ بَينَهُما فِي الرُّؤيَةِ وَجَبَ الاِشتباهُ وكانَ ذلِكَ التَّشبيهُ ؛ لِأَنَّ الأَسبابَ لابُدَّ مِن اتِّصالِها بِالمُسَبَّباتِ . (3)
الكافي عن محمّد بن عبيد :كَتَبتُ إِلى أَبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام أَسأَلُهُ عَنِ الرُّؤيَةِ وما تَرويهِ العامَّةُ وَالخاصَّةُ وسَأَلتُهُ أَن يَشرَحَ لي ذلِكَ ، فَكَتَبَ بِخَطِّهِ : اِتَّفَقَ الجَميعُ لا تَمانُعَ بَينَهُم أَنَّ المَعرِفَةَ مِن جِهَةِ الرُّؤيَةِ ضَرورَةٌ ، فَإِذا جازَ أَن يُرَى اللّهُ بِالعَينِ وَقَعَتِ المَعرِفَةُ ضَرورَةً ، ثُمَّ لَم تَخلُ تِلكَ المَعرِفَةُ مِن أَن تَكونَ إِيمانا أَو لَيسَت بِإِيمانٍ ؛ فَإِن كانَت تِلكَ المَعرِفَةُ مِن جِهَةِ الرُّؤيَةِ إِيمانا ، فَالمَعرِفَةُ الَّتي في دارِ الدُّنيا مِن جِهَةِ الاِكتِسابِ لَيسَت بِإيِمانٍ؛ لِأَنَّها ضِدُّهُ ، فَلا يَكونُ فِي الدُّنيا مُؤمِنٌ؛ لِأَنَّهُم لَم يَرَوُا اللّهَ
.
ص: 310
عَزَّ ذِكرُهُ ، وإِن لَم تَكُن تِلكَ المَعرِفَةُ الَّتي مِن جِهَةِ الرُّؤيَةِ إِيمانا ، لَم تَخلُ هذِهِ المَعرِفَةُ الَّتي مِن جِهَةِ الاِكتِسابِ أَن تَزولَ ، ولا تَزولَ فِي المَعادِ . فَهذا دَليلٌ عَلى أَنَّ اللّهَ عز و جل لا يُرى بِالعَينِ؛ إِذِ العَينُ تُؤَدّي إِلى ما وَصَفناهُ . (1)
.
ص: 311
كلام في بطلان القول بجواز رؤية اللّه بالبصريعتقد أَتباع مدرسة أَهل البيت بامتناع الرؤية الحسّيّة للّه تعالى على أَساس تعاليم الكتاب والسنّة والحكم القطعيّ للعقل والبرهان ، ومِثلهم في هذه العقيدة أَتباع مدرسة المعتزلة من أَهل السنّة ، أمّا الأَشاعرة وطائفة من أَهل الحديث الذين يُدْعَون المشبّهة أَو الحشويّة ، فإنّهم يقولون بإمكان الرؤية الحسّيّة إِلّا أَنّ الحشويّه يقولون : بأنّ اللّه سبحانه وتعالى جسمٌ ، والأَشاعرة _ على ما نقل القاضي الإيجيّ _ «معتقدون أَنّ اللّه ليس جسما ولا في جهةٍ ، ولذا يستحيل مواجهته وتقليب العين إِليه وأمثال ذلك ، مع ذلك يصحّ أَن ينكشف لعباده انكشاف القمر ليلة البدر ، كما ورد في الأَحاديث» . (1) والفرق الآخر بين الأَشاعرة والحشويّة أَنّ الحشويّة يقولون : إِنّ اللّه يُرى في الدنيا والآخرة . (2) أَمّا الأَشاعرة فيذهبون إِلى أَنّ اللّه لا يُرى بالعين إِلّا في الآخرة ، ولكن رؤيته لا تستلزم كونه جسما ، ولا تشبيها للخالق بالمخلوق .
.
ص: 312
الدليل العقليّ للقائلين بجواز الرؤيةعلى الرغم من أَنّ القائلين بإمكان رؤية اللّه بالعين يزعمون أَنّ لهم دليلاً عقليّا وآخر نقليّا ، لكنّ بطلان دليلهم العقليّ من الوضوح بمكانٍ أَنّه لا يحتاج إِلى نقاش ، نحو : صِرف وجود الأَشياء يقتضي إِمكان رؤيتها (1) ، أَو قول ابن تيميّة : «فإنّ الرؤية وجود محض ، وهي إِنّما تتعلّق بموجود لا بمعدوم ، فما كان أَكمل وجود ، بل كان وجوده واجبا فهو أَحقّ بها ممّا يلازمه من العدم...» . (2) والجواب عن هذا الكلام هو : أَوّلاً : إِنّ إِثبات هذا الزعم بأنّ صرف الوجود يقتضي إِمكان الرؤية ، أَو أَنّ ما كان أَكمل وجودا ، فهو أَحقّ بالرؤية يحتاج إِلى دليل . ثانيا : دلّت التجربة على أَنّ كثيرا من الأَشياء تتعذّر رؤيته الحسّيّة ، فهل استطاع أَحد أَن يرى قوّة التفكّر بالعين لحدّ الآن؟! ثالثا : كما لوحظ في الروايات المأثورة عن أَهل البيت عليهم السلام ، فإنّ العين لا تستطيع أَن ترى إِلّا ما كان له لون وكيفيّة ، ومثل هذا الشيء لا يمكن أَن يكون خالقا غير محدود .
الدليل النقليّ للقائلين بجواز الرؤيةأَمّا دليلهم النقليّ الذي وصفه القاضي الإيجيّ بأنّه الدليل الأَصليّ لإثبات إِمكان الرؤية فهو الأَحاديث التي نشير إِلى عدد منها فيما يأتي : 1 . عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله في قوله تعالى : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ...» (3)
.
ص: 313
«من البهاء والحسن ، ناظرة في وجه اللّه تعالى» (1) . 2 . وعنه أَيضا : قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إِنَّ أَدنى أَهلِ الجَنَّةِ مَنزِلَةً لَمَن يَرى في مُلكِهِ أَلفَي سَنَةٍ ، وإِنَّ أَفضَلَهُم مَنزِلَةً لَمَن يَنظُرُ في وَجهِ اللّهِ تَعالى كُلَّ يَومٍ مَرَّتَينِ ، ثُمَّ تَلا : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ» قالَ : البَياضُ وَالصَّفاء «إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» (2) قالَ : يَنظُرُ كُلَّ يَومٍ في وَجهِ اللّهِ عز و جل» . (3) 3 . وفي صحيح مسلم عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «إِذا دَخَلَ أَهلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ ، قالَ : يَقولُ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ : تُريدونَ شَيئا أَزيدُكُم ؟ فَيَقولونَ : أَلَم تُبَيِّض وُجوهَنا ؟ أَلَم تُدخِلنَا الجَنَّةَ وتُنَجِّنا مِنَ النّارِ ؟ قالَ : فَيَكشِفُ الحِجابَ ، فَما أُعطوا شَيئا أَحَبَّ إِلَيهِم مِنَ النَّظَرِ إِلى رَبِّهِم عز و جل» . (4) وجواب ما استندوا إِليه كدليلٍ نقليّ على إِمكان الرؤية بالبصر هو : على فرض أَن نقبل زعم أَهل الحديث صحّة الأَحاديث المذكورة ، نقول : أَوّلاً : للرؤية في هذه الروايات قابليّة الانطباق على الرؤية القلبيّة بالتفسير الصحيح الذي سيأتي .
.
ص: 314
ثانيا : نظرا إِلى أَنّ القرآن والبرهان فنّدا إِمكان الرؤية الحسيّة ، فلو أَنّ روايةً لا تقبل التوجيه ، فهي مرفوضة قطعا ، لذا قال الإمام الرضا عليه السلام في جواب أَبي قرّة حين سأله : فتكذّب بالروايات؟ : «إذا كانَتِ الرِّواياتُ مُخالِفَةً لِلقُرآنِ كَذَّبتُ بِها» (1) . كذلك لا يصحّ الاستدلال بقوله تعالى : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ » على إِمكان الرؤية الحسيّة ؛ لأَنّ الجمع بين هذه الآية وسائر الآيات التي تدلّ على عدم إِمكان الرؤية الحسيّة نحو قوله تعالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ » (2) يقتضي أَنّ الرؤية الحسيّة غير مقصودة ، كما فسّرت الروايات المأثورة عن أَهل البيت عليهم السلام النظر إِلى اللّه في الآية المذكورة بالنظر إِلى رحمة اللّه ، أَو ثوابه ، أَو النظر إِلى وجه الأَنبياء والأَولياء (3) . ومن الجدير بالذكر أَنّ ماورد في هذه الروايات نماذجُ من مصاديق تفسير النظر إِلى وجه اللّه ، والنموذج الأَمثل الأَسطع هو رؤية اللّه القلبيّة التي سيأتي تفسيرها (4) ، ولم يُشر إِلى هذا المعنى فى الروايات المذكورة للحيلولة دون استغلاله فى ما لا ينبغي .
.
ص: 315
8 / 3لا تَحُسُّهُ الحَواسُّالإمام عليّ عليه السلام :لا تَلمِسُهُ لامِسَةٌ ، ولا تُحِسُّهُ حاسَّةٌ . (1)
الكافي عن عليّ بن عُقبة :سُئِلَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : بِمَ عَرَفتَ رَبَّكَ ؟ قالَ : بِما عَرَّفَني نَفسَهُ . قيلَ : وكَيفَ عَرَّفَكَ نَفسَهُ ؟ قالَ : لا يُشبِهُهُ صورَةٌ ، ولا يُحَسُّ بِالحَواسِّ ، ولا يُقاسُ بِالنّاسِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ في تَنزيهِهِ سُبحانَهُ وتَعالى _: سُبحانَ مَن لا يَعلَمُ أَحَدٌ كَيفَ هُوَ إِلّا هُوَ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَميعُ البَصيرُ ، لا يُحَدُّ ولا يُحَسُّ ولا يُجَسُّ (3) ، ولا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ولَا الحَواسُّ ، ولا يُحيطُ بِهِ شَيءٌ ، ولا جِسمٌ ولا صورَةٌ ولا تَخطيطٌ (4) ولا تَحديدٌ . (5)
عنه عليه السلام_ كانَ يَقولُ _: الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا يُحَسُّ ولا يُجَسُّ ولا يُمَسُّ ، ولا يُدرَكُ بِالحَواسِّ الخَمسِ ، ولا يَقَعُ عَلَيهِ الوَهمُ ، ولا تَصِفُهُ الأَلسُنُ ، وكُلُّ شيءٍ حَسَّتهُ الحَواسُّ أَو لَمَسَتهُ الأَيدي فَهُوَ مَخلوقٌ . (6)
.
ص: 316
عنه عليه السلام_ لِزندِيقٍ قالَ لَهُ : فَما هُوَ ؟ _: لا يُدرَكُ بِالحَواسِّ الخَمسِ ، لا تُدرِكُهُ الأَوهامُ ولا تَنقُصُهُ الدُّهورُ ولا تُغَيِّرُهُ الأَزمانُ . (1)
عنه عليه السلام :غَيرُ مَحسوسٍ ولا مَجسوسٍ ، لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ . (2)
عنه عليه السلام :كُلُّ موَهومٍ بِالحَواسِّ مُدرَكٌ بِهِ تَحُدُّهُ الحَواسُّ وتُمَثِّلُهُ فَهُوَ مَخلوقٌ . (3)
عنه عليه السلام_ في مُناظَرَتِهِ لِلطَّبيبِ الهِندِيِّ _: قُلتُ : إِنَّهُ لَمّا عَجَزَت حَواسُّكَ عَن إِدراكِ اللّهِ أَنكَرتَهُ، وأَنَا لَمّا عَجَزَت حَواسّي عَن إِدراكِ اللّهِ تَعالى صَدَّقتُ بِهِ. قالَ : وكَيفَ ذلِكَ ؟ قُلتُ : لِأَنَّ كُلَّ شَيءٍ جَرى فيهِ أَثرُ تَركيبٍ لِجِسمٍ ، أَو وَقَعَ عَلَيهِ بَصَرٌ لِلَونٍ ، فَما أَدرَكَتهُ الأَبصارُ وَنالَتهُ الحَواسُّ فَهُ وَ غَيرُ اللّهِ سُبحانَهُ؛ لِأَنَّهُ لا يُشبِهُ الخَلقَ ، وأَنَّ هذَا الخَلقَ يَنتَقِلُ بِتَغييرٍ وزَوالٍ ، وكُلُّ شَيءٍ أَشبَهَ التَّغييرَ وَالزَّوالَ فَهُوَ مِثلُهُ ، ولَيسَ المَخلوقُ كَالخالِقِ ، ولاَ المُحدَثُ كَالمُحدِثِ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام_ لِلزِّنديقِ الَّذي سَأَلَ : كَيفَ هُوَ وأَينَ هُوَ ؟ _: وَيلَكَ! إِنَّ الَّذي ذَهَبتَ إِلَيه غَلَطٌ . هُوَ أَيَّنَ الأَينَ بِلا أَينٍ ، وكَيَّفَ الكَيفَ بِلا كَيفٍ ، فَلا يُعرَفُ بِالكَيفوفِيَّةِ ، ولا بِأَينونِيَّةِ ، ولا يُدرَكُ بِحاسَّةٍ ، ولا يُقاسُ بِشَيءٍ . (5)
.
ص: 317
8 / 4لا يَبلُغُ أَحَدٌ كُنهَ مَعرِفَتِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن لا يَعلَمُ ما هُوَ إِلّا هُوَ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ في تَنزيهِ اللّهِ سُبحانَهُ _: سُبحانَكَ ما عَرَفناكَ حَقَّ مَعرِفَتِكَ . (2)
عوالي اللآلي :رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أَنَّهُ قالَ : لا يَبلُغُ أَحدٌ كُنهَ (3) مَعرِفَتِهِ . فَقيلَ : ولا أَنتَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : ولا أَنَا ، اللّهُ أَعلى وأَجَلُّ أَن يَطَّلِعَ أَحدٌ عَلى كُنهِ مَعرِفَتِهِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي أَظهَرَ مِن آثارِ سُلطانِهِ وجَلالِ كِبرِيائِهِ ما حَيَّرَ مُقَلَ (5) العُقولِ مِن عَجائِبِ قُدرَتِهِ ، ورَدَعَ خَطَراتِ هَماهِمِ (6) النُّفوسِ عَن عِرفانِ كُنهِ صِفَتِهِ . (7)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ . . . الظّاهِرِ بِعَجائِبِ تَدبيرِهِ لِلنّاظِرينَ ، وَالباطِنِ بِجَلالِ عِزَّتِهِ عَن فِكرِ المُتَوَهِّمينَ . (8)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الّذي مَنَعَ الأَوهامَ أَن تَنالَ إِلّا وُجودَهُ ، وحَجَبَ العُقولَ أَن تَتَخيََّلَ
.
ص: 318
ذاتَهُ ؛ لِامتِناعِها مِنَ الشَّبَهِ وَالتَّشاكُلِ . (1)
عنه عليه السلام :لَم تَبلُغهُ العُقولُ بِتَحديدٍ فَيَكونَ مُشَبَّها ، ولَم تَقَع عَلَيهِ الأَوهامُ بِتَقديرٍ فَيَكونَ مُمَثَّلاً . (2)
عنه عليه السلام :مَنِ اعتَمَدَ عَلَى الرَّايِ وَالقِياسِ في مَعرِفَةِ اللّهِ ، ضَلَّ وتَشَعَّبَت عَلَيهِ الأُمورُ . (3)
عنه عليه السلام :تبَارَكَ اللّهُ الَّذي لا يَبلُغُهُ بُعدُ الهِمَمِ ، ولا ينَالُهُ غَوصُ الفِطَنِ . (4)
عنه عليه السلام :تَتَلقّاهُ الأَذهانُ لا بِمُشاعَرَةٍ ، وتَشهَدُ لَهُ المَرائيُ لا بِمُحاضَرَةٍ ، لَم تُحِط بِهِ الأَوهامُ ، بَل تَجَلّى لَها بِها . (5)
عنه عليه السلام_ في تَنزيهِ اللّهِ سُبحانَهُ _: إِنَّكَ أَنتَ اللّهُ الَّذي لَم تَتَناهَ فِيالعُقولِ فَتَكونَ فيمَهَبِّ فِكرِها مُكَيَّفا، ولا فيرَوِيّاتِ خَواطِرِها فَتَكونَ مَحدودا مُصَرَّفا (6) . (7)
عنه عليه السلام :عَظُمَ عَن أَن تَثبُتَ رُبوبِيَّتُهُ بِإِحاطَةِ قَلبٍ أَو بَصَرٍ . (8)
.
ص: 319
عنه عليه السلام :لا تَنالُهُ التَّجزِئَةُ وَالتَّبعيضُ ، ولا تُحِيطُ بِهِ الأَبصارُ وَالقُلوبُ . (1)
عنه عليه السلام_ في تَمجيدِ اللّهِ عز و جل _: فَلَسنا نَعلَمُ كُنهَ عَظَمَتِكَ ، إِلّا أَنّا نَعلَمُ أَنَّكَ حَيٌّ قَيّومٌ لا تَأَخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَومٌ ، لَم يَنتَهِ إِلَيكَ نَظَرٌ ، ولَم يُدرِككَ بَصَرٌ . (2)
عنه عليه السلام :مُحَرَّمٌ عَلى بَوارِعِ ثاقِباتِ الفِطَنِ تَحديدُهُ ، وعَلى عَوامِقِ ناقِباتِ الفِكرِ تَكييفُهُ . . . مُمتَنِعٌ عَنِ الأَوهامِ أَن تَكتَنِهَهُ ، وعَنِ الأَفهامِ أَن تَستَغرِقَهُ ، وعَنِ الأَذهانِ أَن تُمَثِّلَهُ . (3)
عنه عليه السلام_ في تَمجيدِ اللّهِ عز و جل _: كَلَّتِ الأَوهامُ عَن تَفسيرِ صِفَتِكَ ، وَانحَسَرَتِ العُقولُ عَن كُنهِ عَظَمَتِكَ . . . وكَلَّ دونَ ذلِكَ تَحبيرُ (4) اللُّغاتِ ، وضَلَّ هُنالِكَ التَّدبيرُ في تَصاريفِ الصِّفاتِ ؛ فَمَن تَفَكَّرَ في ذلِكَ رَجَعَ طَرفُهُ (5) إِلَيهِ حَسيرا ، وعَقلُهُ مَبهورا ، وتَفَكُّرُهُ مُتَحَيِّرا . (6)
عنه عليه السلام :فَلَيسَت لَهُ صِفةٌ تُنالُ ، ولا حَدٌّ تُضرَبُ لَهُ فيهِ الأَمثالُ ، كَلَّ دونَ صِفاتِهِ تَحبيرُ اللُّغاتِ ، فَضَلَّ هُناكَ تَصاريفُ الصِّفاتِ ، وحارَ في مَلَكوتِهِ عَميقاتُ مَذاهِبِ التَّفكيرِ ، وَانقَطَعَ دونَ الرُّسوخِ في عِلمِهِ جَوامِعُ التَّفسيرِ ، وحالَ دونَ غَيبِهِ المَكنونِ حُجُبٌ مِنَ الغُيوبِ تَاهَت في أَدنى أَدانيها طامِحاتُ (7) العُقولِ في
.
ص: 320
لَطيفاتِ الأُمورِ . (1)
عنه عليه السلام :أَزَلُهُ نُهيَةٌ لِمَجاوِلِ الأَفكارِ ، ودَوامُهُ رَدعٌ لِطامِحاتِ العُقولِ . (2)
عنه عليه السلام_ كانَ يَقولُ إِذا سَبَّحَ اللّهُ تَعالى ومَجَّدَهُ _: سُبحانَهُ مَن إِذا تَناهَتِ (3) العُقولُ في وَصفِهِ كانَت حائِرَةً عَن دَرَكِ السَّبيلِ إِلَيهِ ، وتَبارَكَ مَن إِذا غَرَقَتِ الفِطَنُ (4) في تَكييفِهِ لَم يَكُن لَها طَريقٌ إِلَيهِ غَيرَ الدَّلالَةِ عَلَيهِ. (5)
عنه عليه السلام :تَوَلَّهَتِ القُلوبُ إِلَيهِ لِتَجرِيَ في كَيفِيَّةِ صِفاتِهِ، وغَمَضَت مَداخِلُ العُقولِ في حَيثُ لا تَبلُغُهُ الصِّفاتُ لِتَناوُلِ عِلمِ ذاتِهِ ، رَدَعَها (6) وهِيَ تَجوبُ مَهاوِيَ سُدَفِ الغُيوبِ مُتَخَلِّصَةً إِلَيهِ سُبحانَهُ. (7)
عنه عليه السلام :العَجزُ عَن دَركِ الإِدراكِ إِدراكٌ . (8)
عنه عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إِلَيهِ _: كَيفِيَّةُ المَرءِ لَيسَ المَرءُ يُدرِكُها فَكَيفَ كَيفِيَّةُ الجَبّارِ فِي القِدَمِ هُوَ الَّذي أَنشَأَ الأَشياءَ مُبتَدِعا فَكَيفَ يُدرِكُهُ مُستَحدَثُ النَّسَمِ (9)
.
ص: 321
فاطمة عليهاالسلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذِي احتَجَبَ عَن كُلِّ مَخلوقٍ يَراهُ بِحَقيقَةِ الرُّبوبِيَّةِ وقُدرَةِ الوَحدانِيَّةِ، فَلَم تُدرِكهُ الأَبصارُ. (1)
الإمام الحسن عليه السلام :لا تُدرِكُ العُقولُ وأَوهامُها ، ولا الفِكَرُ وخَطَراتُها، ولَا الأَلبابُ وأَذهانُها صِفَتَهُ فَتَقولَ : مَتى ؟ ولا بُدِئَ مِمّا ؟ ولا ظاهِرٌ عَلى ما ؟ ولا باطِنٌ فيما ؟ ولا تارِكٌ فَهَلّا (2) ؟ (3)
الإمام الحسين عليه السلام :اِحتَجَبَ عَنِ العُقولِ ، كَمَا احتَجَبَ عَنِ الأَبصارِ . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: أَنتَ الَّذي قَصُرَتِ الأَوهامُ عَن ذاتِيَّتِكَ ، وعَجَزَتِ الأَفهامُ عَن كَيفِيَّتِكَ ، ولَم تُدرِكِ الأَبصارُ مَوضِعَ أَينِيَّتِكَ . (5)
عنه عليه السلام_ من دُعائِهِ في صَلاةِ اللَّيلِ _: ضَلَّت فيكَ الصِّفاتُ ، وتَفَسَّخَت دونَكَ النُّعوتُ ، وحارَت في كِبرِيائِكَ لَطائِفُ الأَوهامِ . (6)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي القُنوتِ _: اللّهُمَّ إِنّي دَعَوتُكَ دُعاءَ مَن عَرَفَكَ وتَسَبَّلَ (7) إِلَيكَ ، وآلَ بِجَميعِ بَدَنِهِ إِلَيكَ ، سُبحانَكَ ! طَوَتِ الأَبصارُ في صَنعَتِكَ مَديدَتَها ، وثَنَتِ الأَلبابُ عَن كُنهِكَ أَعِنَّتَها ، فَأَنتَ المُدرِكُ غَيرُ المُدرَكِ ، وَالمُحيطُ غَيرُ المُحاطِ . (8)
.
ص: 322
الإمام الباقر عليه السلام :إِنَّما يُعقَلُ ما كانَ بِصِفَةِ المَخلوقِ ، ولَيسَ اللّهُ كَذلِكَ . (1)
عنه عليه السلام_ لِجابِرٍ الجُعفِيِّ _: يا جابِرُ ، إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا نَظيرَ لَهُ ولا شَبيهَ ، تَعالى عَن صِفَةِ الواصِفينَ ، وجَلَّ عَن أَوهامِ المُتَوَهِّمينَ ، وَاحتَجَبَ عَن أَعيُنِ النّاظِرينَ ، لا يَزولُ مَعَ الزّائِلينَ ، ولا يَأفِلُ مَعَ الآفِلينَ ، لَيسَ كَمَثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ العَليمُ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا تُقَدَّرُ قُدرَتُهُ ، ولا يَقدِرُ العِبادُ عَلى صِفَتِهِ ، ولا يَبلُغونَ كُنهَ عِلمِهِ ولا مَبلَغَ عَظَمَتِهِ ، ولَيسَ شَيءٌ غَيرَهُ ، هُوَ نورٌ لَيسَ فيهِ ظُلمَةٌ ، وصِدقٌ لَيسَ فيهِ كِذبٌ ، وعَدلٌ لَيسَ فيهِ جَورٌ ، وحَقٌّ لَيسَ فيهِ باطِلٌ ، كَذلِكَ لَم يَزَل ولا يَزالُ أَبَدَ الآبِدينَ . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :إِنَّهُ لا تُقَدِّرُهُ العُقولُ ، ولا تَقَعُ عَلَيهِ الأَوهامُ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام :لا تَضبُطُهُ العُقولُ ، ولا تَبلُغُهُ الأَوهامُ ، ولا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ، ولا يُحيطُ بِهِ مِقدارٌ . عَجَزَت دونَهُ العِبارَةُ ، وكَلَّت دونَهُ الأَبصارُ ، وضَلَّ فيهِ تَصاريفُ الصِّفاتِ . اِحتَجَبَ بِغَيرِ حِجابٍ مَحجوبٍ ، وَاستَتَرَ بِغَيرِ سِترٍ مَستورٍ ، عُرِفَ بِغَيرِ رُؤيَةٍ ، ووُصِفَ بِغَيرِ صورَةٍ . (5)
.
ص: 323
عنه عليه السلام :ما تَوَهَّمتُم مِن شَيءٍ فَتَوَهَّمُوا اللّهَ غَيرَهُ . (1)
الإمام الجواد عليه السلام :رَبُّنا _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا شِبهَ لَهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ، ولا كَيفَ ولا نِهايَةَ ولا تَبصارَ بَصَرٍ ، ومُحَرَّمٌ عَلَى القُلوبِ أَن تُمَثِّلَهُ ، وعَلَى الأَوهامِ أَن تَحُدَّهُ ، وعَلَى الضَّمائِرِ أَن تُكَوِّنَهُ ، جَلَّ وعَزَّ عَن أَداةِ خَلقِهِ وسِماتِ بَرِيَّتِهِ ، وتَعالى عَن ذلِكَ عُلُوّا كَبيرا . (2)
الإمام الهادي عليه السلام :إِلهي تاهَت أَوهامُ المُتَوَهِّمينَ ، وقَصُرَ طَرفُ الطارِفينَ ، وتلاشَت أَوصافُ الواصِفينَ ، واَضمَحَلَّت أَقاويلُ المُبطِلينَ عَنِ الدَّركِ لِعَجيبِ شَأنِكَ ، أَوِ الوُقوع بِالبُلوغِ إِلى عُلُوِّكَ . (3)
8 / 5النَّهيُ عَنِ التَّفَكُّرِ في ذاتِهرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ أَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى» (4) _: لا فِكرَةَ فِي الرَّبِّ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : «وَ أَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى» ، فَإِذَا انتَهَى الكَلامُ إِلَى اللّهِ فَأَمسِكوا . (6)
.
ص: 324
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :تَفَكَّروا في خَلقِ اللّه ولا تَفَكَّروا فِي اللّهِ فَتَهلِكوا . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :تَفَكَّروا في آلاءِ اللّهِ ولا تَتَفَكَّروا فِي اللّهِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :تَفَكَّروا في كُلِّ شَيءٍ ، ولا تَفَكَّروا فِي اللّهِ تَعالى . (3)
تنبيه الخواطر عن ابن عبّاس :إِنَّ قَوما تَفَكَّروا فِي اللّهِ عز و جل ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : تَفَكَّروا في خَلقِ اللّهِ ولا تَفَكَّروا فِي اللّهِ ؛ فَإِنَّكُم لَن تُقَدِّروا قَدرَهُ . (4)
العظمة عن ابن عبّاس :دَخَلَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ونَحنُ فِي المَسجِدِ حَلَقٌ ، قالَ لَنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فيمَ أَنتُم ؟ قُلنا : نَتَفَكَّرُ فِي الشَّمسِ كَيفَ طَلَعَت ، وكَيفَ غَرَبَت . قالَ: أَحسَنتُم! كونوا هكَذا، تَفَكَّروا فِيالمَخلوقِ ولاتَفَكَّروا فِيالخالِقِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن تَفَكَّرَ في ذاتِ اللّهِ أَلحَدَ . (6)
عنه عليه السلام :مَن أَفكَرَ في ذاتِ اللّهِ تَزَندَقَ (7) . (8)
.
ص: 325
الإمام الباقر عليه السلام :إِيّاكُم وَالتَّفَكُّرَ فِي اللّهِ ، ولكِن إِذا أَرَدتُم أَن تَنظُروا إِلى عَظَمَتِهِ فَانظُروا إِلى عَظيمِ خَلقِهِ . (1)
عنه عليه السلام :تَكَلَّموا في خَلقِ اللّهِ ولا تَتَكَلَّموا فِي اللّهِ ؛ فَإِنَّ الكَلامَ فِي اللّهِ لا يَزدادُ صاحِبُهُ إِلّا تَحَيُّرا . (2)
عنه عليه السلام :تَكَلَّموا فيما دونَ العَرشِ ولا تَكَلَّموا فيما فَوقَ العَرشِ ؛ فَإِنَّ قَوما تَكَلَّموا فِي اللّهِ عز و جل فَتاهوا حَتّى كانَ الرَّجُلُ يُنادى مِن بَينِ يَدَيهِ فَيُجيبُ مِن خَلفِهِ ، ويُنادى مِن خَلفِهِ فَيُجيبُ مِن بَينَ يَدَيهِ . (3)
عنه عليه السلام :اُذكُروا مِن عَظَمَةِ اللّهِ ما شِئتُم ولا تَذكُروا ذاتَهُ ؛ فَإِنَّكُم لا تَذكُرونَ مِنهُ شَيئا إِلّا وهُوَ أَعظَمُ مِنهُ . (4)
عنه عليه السلام :دَعُوا التَّفَكُّرَ فِي اللّهِ؛ فَإِنَّ التَّفَكُّرَ فِي اللّهِ لا يَزيدُ إِلّا تَيها ؛ لِأَنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ولا تَبلُغُهُ الأَخبارُ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :إِيّاكُم وَالتَّفَكُّرَ فِي اللّهِ؛ فَإِنَّ التَّفَكُّرَ فِي اللّهِ لا يَزيدُ إِلّا تَيهاً ؛ لِأَنَّ اللّهَ عز و جل لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ولا يوصَفُ بِمِقدارٍ . (6)
.
ص: 326
عنه عليه السلام :مَن نَظَرَ فِي اللّهِ كَيفَ هُوَ هَلَكَ . (1)
راجع : ص 375 ح 3934 .
8 / 6النَّهيُ عَنِ التعمّق في صفتهالإمام عليّ عليه السلام :أُنظُر أَيُّهَا السَّائِلُ ؛ فَما دَلَّكَ القُرآنُ عَلَيهِ مِن صِفَتِهِ فَائتَمَّ بِهِ ، وَاستَضِئ بِنورِ هِدايَتِهِ ، وما كَلَّفَكَ الشَّيطانُ عِلمَهُ مِمّا لَيسَ فِي الكِتابِ عَلَيكَ فَرضُهُ ولا في سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وأَئِمَّةِ الهُدى أَثَرُهُ ، فَكِل عِلمَهُ إِلَى اللّهِ سُبحانَهُ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ مُنتَهى حَقِّ اللّهِ عَلَيكَ . وَاعلَم أَنَّ الرّاسِخينَ فِي العِلمِ هُمُ الَّذينَ أَغناهُم عَنِ اقتِحام السُّدَدِ المَضروبَةِ دونَ الغُيوبِ ، الإِقرارُ بِجُملَةِ ما جَهِلوا تَفسيرَهُ مِنَ الغَيبِ المَحجُوبِ ، فَمَدَحَ اللّهُ تَعالى اعتِرافَهُم بِالعَجزِ عَن تَناوُلِ ما لَم يُحيطوا بِهِ عِلما ، وسَمّى تَركَهُمُ التَّعَمُّقَ فيما لَم يُكَلِّفهُمُ البَحثَ عَن كُنهِهِ رُسوخا . فَاقتَصِر عَلى ذلِكَ ، ولا تُقَدِّر عَظَمَةَ اللّهِ سُبحانَهُ عَلى قَدرِ عَقلِكَ فَتَكونَ مِنَ الهالِكينَ . (2)
عنه عليه السلام :الكُفرُ عَلى أَربَعِ دَعائِمَ : عَلَى التَّعَمُّقِ ، وَالتَّنازُعِ ، وَالزَّيغِ ، وَالشِّقاقِ؛ فَمَن تَعَمَّقَ لَم يُنِب إِلَى الحَقِّ . . . (3) .
.
ص: 327
الإمام زين العابدين عليه السلام_ كانَ إِذا قَرَأَ هذِهِ الآيَةَ : «وَ إِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا» (1) يقولُ _: سُبحانَ مَن لَم يَجعَل في أَحَدٍ مِن مَعرِفَةِ نِعَمِهِ إِلّا المَعرِفَةَ بِالتَّقصيرِ عَن مَعرِفَتِها ، كَما لَم يَجعَل في أَحَدٍ مِن مَعرِفَةِ إِدراكِهِ أَكثَرَ مِنَ العِلمِ أَنَّهُ لا يُدِركُهُ ، فَشَكَرَ _ جَلَّ وعَزَّ _ مَعرِفَةَ العارِفينَ بِالتَّقصيرِ عَن مَعرِفَةِ شُكرِهِ فَجَعَلَ مَعرِفَتَهُم بِالتَّقصيرِ شُكرا ، كَما عَلِمَ عِلمَ العالِمينَ أَنَّهُم لا يُدرِكونَهُ فَجَعَلَهُ إِيمانا ، عِلما مِنهُ أَنَّهُ قَدَّ وُسعِ العِبادِ فَلا يَتجاوَزُ ذلِكَ . (2)
الكافي عن عاصم بن حميد :سُئِلَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام عَنِ التَّوحيدِ فَقالَ : إِنَّ اللّهَ عز و جل عَلِمَ أَنَّهُ يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ أَقوامٌ مُتَعَمِّقونَ ، فَأَنزَلَ اللّهُ تَعالى «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » (3) وَالآياتِ مِن سورَةِ الحَديدِ إِلى قَولِهِ : «وَ هُوَ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُورِ» (4) ، فَمَن رامَ وَراءَ ذلِكَ فَقَد هَلَكَ . (5)
.
ص: 328
. .
ص: 329
كلام حول معنى «التعمّق» في معرفة اللّهوَهِمَ عددٌ من كبار أُولي العرفان في تفسير الحديث الذي نقله المرحوم الكليني رحمه اللهعن الإمام زين العابدين عليه السلام حول «التعمّق» غافلين عن معناه في اللغة والأَحاديث المأثورة ، فقد فسّروا كلامه عليه السلام : «إِنَّ اللّهَ عز و جل عَلِمَ أَنَّهُ يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ أَقوامٌ مُتَعَمِّقونَ ، فَأَنزَلَ اللّهُ تَعالى «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » وَالآياتِ مِن سورَةِ الحَديدِ إِلى قَولِهِ: «وَ هُوَ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُورِ» ، فَمَن رامَ وَراءَ ذلِكَ فَقَد هَلَكَ» (1) . بأنّه لمّا كان اللّه تعالى يعلم بأنّ أُناسا سوف يأتون في آخر الزمان يستقصون و يتمعّنون ، أَنزل سورة التوحيد والآيات الأُولى من سورة الحديد ، و بهذا البيان استخرجوا مدح أَهل العرفان في آخر الزمان و طبّقوا الحديث المذكور على ما فهموهُ من التوحيد ، بيد أَنّ مراجعةً للمصادر الأَصيلة في اللغة والحديث التي وردت فيها كلمة «التعمّق» ، والتدقيق في ذيل كلامه عليه السلام يجعلان الباحث يوقن بأنّ فهمهم للحديث المذكور غير سديد قطعا ، وتوضيح ذلك
.
ص: 330
فيما يلي :
1 . «التعمّق» في اللّغةقال الخليل بن أَحمد الفراهيديّ: «المتعمّق: المبالغ في الأَمر المتشدّد فيه ، الذي يطلب أَقصى غايته»، (1) ومثله عن ابن منظور في لسان العرب. (2) وفي ضوء ذلك نلاحظ أَنّ غاية الجهد لبلوغ العمق وأَقصى الشيء يُسمّى في اللغة تعمّقا .
2 . الأَحاديث التي تناولت كلمة «التعمّق»إِنّ التنقيب في مواضع استعمال كلمة «التعمّق» في الأَحاديث المنقولة في مصادر الفريقين لا يُريب الباحث في أَنّ القصد من هذه الكلمة في الثقافة الإسلاميّة هو الإفراط ، والتطرّف ، والخروج من حدّ الاعتدال ، ويمكن أَن نقسّم هذه الأَحاديث إِلى أَربعة أَقسام :
أ _ مدح ترك التعمّق في صفات اللّهالطائفة الأُولى : الأَحاديث التي تصف الراسخين في العلم وتُثني على تركهم التعمّق في صفات اللّه ، بل في جميع القضايا الغيبيّة ، مثل قول أَمير المؤمنين عليّ بن أَبي طالب عليه السلام : «فَمَدَحَ اللّهُ تَعالَى اعتِرافَهُم بِالعَجزِ عَن تَناوُلِ ما لَم يُحيطوا بِهِ عِلما ، وسَمّى تَركَهُمُ التَّعَمُّقَ فيما لَم يُكَلِّفهُمُ البَحثَ عَن كُنهِهِ رُسوخا» (3) .
.
ص: 331
ولهذه الأَحاديث أَهمّيّة خاصّة في هذا المبحث لاتّساقها والقرآن الكريم .
ب _ خطر مطلق التعمّقالطائفة الثانية : الأَحاديث التي تصف مطلق التعمّق بالخطر كالذي أُثر عن الإمام أَمير المؤمنين عليه السلام من عدّه التعمّق دعامة من دعائم الكفر: «الكُفرُ عَلى أَربَعِ دَعائِمَ: عَلَى التَّعَمُّقِ ... فَمَن تَعَمَّقَ لَم يُنِب إِلَى الحَقِّ». (1)
ج _ التحذير من التعمّق في الدِّينالطائفة الثالثة : الأَحاديث التي حذّرت من التطرّف في قضايا الدين الفرعيّة نحو قوله صلى الله عليه و آله : «إِيّاكُم وَالتَّعَمُّقَ فِي الدّينِ ! فَإِنَّ اللّهَ تَعالى قَد جَعَلَهُ سَهلاً ، فَخُذوا مِنهُ ما تُطيقونَ ...» (2) . وقول الإمام الكاظم عليه السلام : «لا تَعَمُّقَ فِي الوُضوءِ» (3) . وقال العلّامة المجلسيّ في بيان هذه الرواية : «أَي : بإكثار الماء ، أَو بالمبالغة كثيرا في إِيصال الماء زائدا عن الإسباغ المطلوب» (4) .
.
ص: 332
د _ عاقبة التعمّق في الدِّينالطائفة الرابعة : الأَحاديث التي ترى أَنّ عاقبة التطرّف والإفراط الدِّينيّ هي الخروج من الدِّين ، كما نقل عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قوله: «إنَّ أقواما يَتَعَمَّقونَ فِي الدّينِ يَمرُقونَ كَما يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ». (1) ونلاحظ في ضوء ما تقدّم أَنّ التعمّق في معرفة اللّه والشؤون الدِّينيّة ، كما تفيده ثقافة الحديث في الإسلام ليس فحسب ، بل محظورٌ مذمومٌ أَيضا . وما ورد في كلام الإمام زين العابدين عليه السلام «إِنّ أقواما سَيَتَعَمَّقونَ في آخِرِ الزَّمانِ» يعبّر عن انحرافهم العقيديّ ، إِذ أنّ اللّه تعالى أَنزل سورة التوحيد والآيات الأُولى من سورة الحديد لئلّا يعمّ انحرافهم . إِنّ ما جاء في ذيل كلام الإمام عليه السلام إِذ قال: «فَمَن رامَ وَراءَ ذلِكَ هَلَكَ» يدلّ على أَنّ المسلمين يجب أَن يكتفوا في معرفة صفات اللّه ، بماورد في هذه الآيات وما وضّحه أَهل البيت عليهم السلام في هذا المجال ، ولا يسبروا الغور في المباحث التي لا يبلغ عُمقَها فكرهم (2) ، فلا عاقبة للتعمّق في ذات اللّه سبحانه وصفاته إِلّا الهلاك .
راجع : ج 2 ص 158 (خطر التعمّق) .
.
ص: 333
الفصل التاسع: ما ورد في حجب اللّه9 / 1لا حِجابَ بَينَ اللّهِ وبَينَ خَلقِهِالإمام عليّ عليه السلام_ في صِفَةِ الخالِقِ جَلّ وعَلا _: لا شَبَحٌ فيُتَقَصّى ، ولا مَحجوبٌ فَيُحوى . (1)
عنه عليه السلام_ في جَوابِ مَن قالَ لَهُ كَيفَ رَأيتَ رَبَّكَ _: بِمُقارَنَتِهِ بَينَ الأَشياءِ عُرِفَ أَن لا قَرينَ لَهُ . . . حَجَبَ بَعضَها عَن بَعضٍ لِيُعلَمَ أَن لا حِجابَ بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ . (2)
التوحيد عن الحارث الأعور عن الإمام عليّ عليه السلام :أَنَّهُ دَخَلَ السّوقَ ، فَإِذا هُوَ بِرَجُلٍ مُوَلّيهِ ظَهرَهُ يَقولُ : لا وَالَّذِي احتَجَبَ بِالسَّبعِ . فَضَرَبَ عَلِيٌّ عليه السلام ظَهرَهُ ، ثُمَّ قالَ : مَنِ الَّذِي احتَجَبَ بِالسَّبعِ ؟ قالَ : اللّهُ يا أَميرَ المُؤمِنينَ .
.
ص: 334
قالَ : أَخطَأتَ ثَكَلَتكَ أُمُّكَ ! إِنَّ اللّهَ عز و جل لَيسَ بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ حِجابٌ ؛ لِأَنَّهُ مَعَهُم أَينَما كانوا . قال : ما كَفّارَةُ ما قُلتُ يا أَميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : أن تَعلَمَ أنَّ اللّهَ مَعَكَ حَيثُ كُنتَ . قالَ : أُطعِمُ المَساكينَ ؟ قالَ : لا ، إِنَّما حَلَفتَ بِغَيرِ رَبِّكَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعرِفُ اللّهَ بِحِجابٍ أَو بِصورَةٍ أَو بِمِثالٍ فَهُوَ مُشرِكٌ ؛ لِأَنَّ حِجابَهُ ومِثالَهُ وصورَتَهُ غَيرُهُ . (2)
الكافي عن ابن أَبي العوجاء :قُلتُ لَهُ [ أَي الإمامِ الصادِقِ عليه السلام ] : ... ولِمَ احتَجَبَ عَنهُم وأَرسَل إِلَيهِمُ الرُّسُلَ ؟ ولو باشَرَهُم بِنَفسِهِ كانَ أَقرَبَ إِلَى الإِيمانِ بِهِ ؟ فَقالَ لي : وَيلَكَ ! وكَيفَ احتَجَبَ عَنكَ مَن أَراكَ قُدرَتَهُ في نَفسِكَ ؛ نُشوءَكَ ولَم تَكُن ، وكِبَرَكَ بَعدَ صِغَرِكَ ، وقُوَّتَكَ بَعدَ ضَعفِكَ وضَعفَكَ بَعدَ قُوَّتِكَ ، وسُقمَكَ بَعدَ صِحَّتِكَ وصِحَّتَكَ بَعدَ سُقمِكَ ، ورِضاكَ بَعدَ غَضَبِكَ وغَضَبَكَ بَعدَ رِضاكَ ، وحُزنَكَ بَعدَ فَرَحِكَ وفَرَحَكَ بَعدَ حُزنِكَ ، وحُبَّكَ بَعدَ بُغضِكَ وبُغضَكَ بَعدَ حُبِّكَ ، وعَزمَكَ بَعدَ أَناتِكَ وأَناتَكَ بَعدَ عَزمِكَ ، وشَهوَتَكَ بَعدَ كَراهَتِكَ وكَراهَتَكَ بَعدَ شَهوَتِكَ ، ورَغبَتَكَ بَعدَ رَهبَتِكَ ورَهبَتَكَ بَعدَ رَغبَتِكَ ، ورَجاءَكَ بَعدَ يَأسِكَ ويَأسَكَ بَعدَ رَجائِكَ ، وخاطِرَكَ بِما لَم يَكُن في وَهمِكَ ، وعُزوبَ ما أَنتَ مُعتَقِدُهُ عَن ذِهنِكَ ، وما زالَ يُعَدِّدُ عَلَيَّ قُدرَتَهُ الَّتي هِيَ في
.
ص: 335
نَفسِيَ الَّتي لا أَدفَعُها حَتّى ظَنَنتُ أَنَّهُ سَيَظهَرُ فيما بَيني وبَينَهُ . (1)
9 / 2مَحجوبٌ بَغَيرِ حِجابٍالإمام الكاظم عليه السلام :لَيسَ بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ حِجابٌ غَيرُ خَلقِهِ ، احتَجَبَ بِغَيرِ حِجابٍ مَحجوبٍ ، وَاستَتَرَ بِغيرِ سِترٍ مَستورٍ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :اِحتَجَبَ بِغَيرِ حِجابٍ مَحجوبٍ ، وَاستَتَر بِغَيرِ سِترٍ مَستورٍ . (3)
9 / 3لا حِجابَ بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ غَيرَ خَلقِهِالإمام عليّ عليه السلام_ في جَوابِ مَن قالَ لَهُ : كَيفَ رأيتَ رَبَّكَ؟ _: بِمُقارَنَتِهِ بَينَ الأَشياءِ عُرِفَ أَن لا قَرينَ لَهُ . . . حَجَبَ بَعضَها عَن بَعضٍ ، لِيُعلَمَ أَن لا حِجابَ بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ غَيرَ خَلقِهِ . (4)
عنه عليه السلام :لا تَشمُلُهُ المَشاعِرُ ، ولا تَحجُبُهُ الحُجُبُ ، وَالحِجابُ بَينَهُ وبَينَ خَلقِه خَلقُهُ إِيّاهُم ؛ لِامتِناعِهِ مِمّا يُمكِنُ في ذَواتِهِم ، ولِاءمكانٍ مِمّا يَمتَنِعُ مِنهُ ، ولِافتِراقِ الصّانِعِ
.
ص: 336
مِنَ المَصنوعِ ، وَالحادِّ مِنَ المَحدودِ ، وَالرَّبِّ مِنَ المَربوبِ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :خَلقُ اللّهِ الخَلقَ حِجابٌ بَينَهُ وبَينَهُم ، ومُبايَنَتُهُ إِيّاهُم مُفارَقَتُهُ إِنِّيَّتَهُم . (2)
9 / 4حِجابُهُ النُّورُالكتاب«وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى » . (3)
«يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ » . (4)
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : . . . «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» _: ذاكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله دَنا مِن حُجُبِ النُّورِ ، فَرَأَى مَلَكوتَ السَّماواتِ ، ثُمَّ تَدَلّى صلى الله عليه و آله ، فَنَظَرَ مِن تَحتِهِ إِلى مَلَكوتِ الأَرضِ حَتّى ظَنَّ أَنَّهُ فِي القُربِ مِنَ الأَرضِ كَقابِ قَوسَينِ أَو أَدنى . (5)
.
ص: 337
الإمام الرضا عليه السلام_ في قَولِهِ عز و جل : «يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ» _: حِجابٌ مِن نُورٍ يُكشَفُ فَيَقَعُ المُؤمِنونَ سُجَّدا . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ عز و جل ... حِجابُهُ النّورُ ، لَو كَشَفَهُ لَأَحرَقَت سُبُحاتُ وَجهِهِ مَا انتَهى إِلَيهِ بَصَرُهُ مِن خَلقِهِ (2) . (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ يا مَنِ احتَجَبَ بِشُعاعِ نورِهِ عَن نَواظِرِ خَلقِهِ ، يا مَن تَسَربَلَ بِالجَلالِ وَالعَظَمَةِ ، وَاشتَهَرَ بِالتَّجَبُّرِ في قُدسِهِ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :الحَمدِ للّهِِ . . . وهُوَ الكَينونُ أَوَّلاً ، والدَّيمومُ أَبدا المُحتَجِبُ بِنورِهِ دونَ خَلقِهِ ، فِي الأُفُقِ الطَّامِحِ ، وَالعِزِّ الشَّامِخِ ، وَالمُلكِ الباذِخِ ، فَوقَ كُلِّ شَيءٍ عَلا ، ومِن كُلِّ شَيءٍ دَنا ، فَتَجَلّى لِخَلقِهِ مِن غَيرِ أَن يَكونَ يُرى ، وهُوَ بِالمَنظَرِ الأَعلى ، فَأَحَبَّ الاِختِصاصَ بِالتَّوحيدِ ؛ إِذِ احتَجَبَ بِنُورِهِ ، وسَما في عُلُوِّهِ ، واستَتَرَ عَن خَلقِهِ ، وبَعَثَ إِلَيهِمُ الرُّسُلَ ؛ لِتَكونَ لَهُ الحُجَّةُ البالِغَةُ عَلى خَلقِهِ ، ويَكونَ رُسُلُهُ إِلَيهِم شُهداءَ عَلَيهِم ، وَابتَعَثَ فيهِمُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ ومُنذِرينَ ، لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ، ويَحيا مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ، ولِيَعقِلَ العِبادُ عَن رَبِّهِم ما جَهِلوهُ ، فَيَعرِفوهُ بِرُبوبِيَّتِهِ بَعدَ ما أَنكَروا ، ويُوَحِّدوهُ
.
ص: 338
بِالإِلهِيَّةِ بَعدَما عَضَدوا . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في مُناجاتِهِ في شَهرِ شَعبانَ _: إِلهي هَب لي كَمالَ الاِنقِطاعِ إِلَيكَ ، وأَنِر أَبصارَ قُلوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها إِلَيكَ ، حَتّى تَخرِقَ أَبصارُ القُلوبِ حُجُبَ النّورِ، فَتَصِلَ إِلى مَعدِنِ العَظَمَةِ، وتَصيرَ أَرواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدسِكَ. (2)
التوحيد عن يونس بن عبد الرحمن :قُلتُ لِأَبِي الحَسَنِ موسَى بنِ جَعفَرٍ عليهماالسلام : لِأَيِّ عِلَّةٍ عَرَجَ اللّهُ بِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله إِلَى السَّماءِ ، ومِنها إِلى سِدرَةِ المُنتَهى ، ومِنها إِلى حُجُبِ النُّورِ ، وخاطَبَهُ وناجاهُ هُناكَ وَاللّهُ لا يُوصَفُ بِمَكانٍ ؟ فَقالَ عليه السلام : إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يُوصَفُ بِمَكانٍ ولا يَجري عَلَيهِ زَمانٌ ، ولكِنَّهُ عز و جل أَرادَ أَن يُشَرِّفَ بِهِ مَلائِكَتَهُ وسُكّانَ سَماواتِهِ ، ويُكرِمَهُم بِمُشاهَدَتِهِ ، ويُرِيَهُ مِن عَجائِبِ عَظَمَتِهِ ما يُخبِرُ بِهِ بَعدَ هُبوطِهِ ، ولَيسَ ذلِكَ عَلى ما يَقولُ المُشَبِّهونَ ، سُبحانَ اللّهِ وتَعالى عَمّا يُشرِكونَ . (3)
9 / 5حِجابُهُ النُّورُ وَالظُّلمَةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ عز و جل دونَ سَبعينَ أَلفَ حِجابٍ مِن نورٍ وظُلمَةٍ ، وما يَسمَعُ مِن نَفسٍ
.
ص: 339
شَيئا من حِسِّ تِلكَ الحُجُبِ إِلّا زَهَقَت . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ بَينَ اللّهِ وبَينَ خَلقِهِ سَبعينَ (تِسعينَ) (2) أَلفَ حِجابٍ ، وأَقرَبُ الخَلقِ إِلَى اللّهِ أَنَا وإِسرافيلُ ، وبَينَنا وبَينَهُ أَربَعَةُ حُجُبٍ ، حِجابٌ مِن نُورٍ ، وحِجابٌ مَن ظُلمَةٍ ، وحِجابٌ مِنَ الغَمامِ ، وحِجابٌ مِنَ الماءِ . (3)
عوالي اللآلي :رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أَنَّهُ قالَ : إِنَّ للّهِِ سَبعينَ حِجابا . وفي رِوايَةٍ أُخرى : سَبعَمِئَةِ حِجابٍ . وفي أُخرى : سَبعينَ أَلفَ حِجابٍ مِن نُورٍ وظُلمَةٍ ، لَو كَشَفَها عَن وَجهِهِ لَاحتَرَقَت (4) سُبُحاتُ وَجهِهِ ما أَدرَكَهُ بَصَرُهُ مِن خَلقِهِ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في مُناجاتِهِ _: اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجعَلنا مِنَ الَّذين فَتَقتَ لَهُم رَتقَ عَظيمِ غَواشي جُفونِ حَدَقِ عُيونِ القُلوبِ ، حَتّى نَظَروا إِلى تَدبيرِ حِكمَتِكَ وشَواهِدِ حُجَجِ بَيِّناتِكَ ، فَعَرَفوكَ بِمَحصولِ فِطَنِ القُلوبِ ، وأَنتَ في غَوامِضِ سُتُراتِ حُجُبِ القُلوبِ ، فَسُبحانَكَ أَيُّ عَينٍ تَقومُ بِها نُصبَ نُورِكَ ، أَم تَرقَأُ إِلى نورِ ضِياءِ قُدسِكَ ؟ أَو أَيُّ فَهمٍ يَفهَمُ ما دونَ ذلِكَ إِلَا الأَبصارَ الَّتي كَشَفتَ عَنها حُجُبَ العَمِيَّةِ ، فَرَقَت أَرواحُهُم عَلى أَجنِحَةِ المَلائِكَةِ ، فَسَمّاهُم أَهلُ المَلَكوتِ
.
ص: 340
زُوّارا ، وأَسماهُم أَهلُ الجَبَروتِ عُمّارا ، فَتَرَدَّدوا في مَصافِّ المُسَبِّحينَ ، وتَعَلَّقوا بِحِجابِ القُدرَةِ ، وناجَوا رَبَّهُم عِندَ كُلِّ شَهَوةٍ ، فَحَرَّقَت (1) قُلوبُهُم حُجُبَ النُّورِ ، حَتّى نَظَروا بِعَينِ القُلوبِ إِلى عِزِّ الجَلالِ في عِظَمِ المَلَكوتِ ، فَرَجَعَتِ القُلوبُ إِلَى الصُّدورِ عَلَى النِّيّاتِ بِمَعرِفَةِ تَوحيدِكَ ، فَلا إِلهَ إِلّا أَنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ ، تَعالَيتَ عَمّا يَقولُ الظّالِمونَ عُلُوّا كَبيرا . (2)
.
ص: 341
نظرة على روايات الحجبإِنّ ما رُوي في حجب اللّه تعالى ينقسم _ كما لوحظ _ إِلى خمسة أَقسام هي : الأَوّل : الروايات التي تؤكّد انعدام الحجاب بين اللّه والخلق ، وهذه الروايات تشير إِلى صفته سبحانه و تعالى بالظاهر ، وقد تمّ تبيينها في عدد من الروايات ، كما يأتي : «الظّاهِر لِقُلوبِهِم بِحُجَّتِهِ» (1) . «الظّاهِر بِعجائِبِ تَدبيرِهِ لِلنّاظِرينَ» (2) . الثاني : الروايات التي تدلّ على أَنّ اللّه _ جلّ شأنه _ محجوب مع أَنّه لا حجاب له ، وهي تشير إِلى صفته _ جلّ وعلا _ بالباطن ، كما جاء توضيحه في كلام الإمام أَمير المؤمنين عليه السلام إِذ قال: «الباطِن بِجَلالِ عِزَّتِهِ عَن فِكرِ المُتَوَهِّمينَ» 3 . الثالث : الروايات التي تدلّ على أَنّ الحجاب بين اللّه والخلق يتمثّل في كَونهم مخلوقين ، إِذ من المحال أَن يُحيط المخلوق المحدود بالخالق الذي لا حدود له ، فضلاً عن أَنّ جميع الأَحاديث التي مرّت في الباب الرابع من هذا الفصل تدلّ على
.
ص: 342
هذا المعنى أَيضا . (1) الرابع : الروايات التي تعبّر عن حجاب اللّه _ عزّ وجلّ _ بالنّور . ولعلّ المراد من الحجب النورانيّة _ كما قيل _ رؤية العابد عبادة نفسه ، فإنّ العبادة نور ، لكن إِنْ رآها السالك يُصَب بنوع من الأَنانية التي تحجب المعرفة الشهودية. وقيل : إِنّ المراد بالحجب النورانيّة ، المخلوقات الأَفضل ، بمعنى أَنّ كلّ مخلوق أَفضل يحجب ما دونه ؛ لأَنّه واسطة الفيض إِليه . ولكن لا يستقيم هذا الاحتمال مع ما مرّ من الأَحاديث في هذا الشأَن ، فتأَمّل . إِذا ، يتيسّر لنا أَن نقول : إِنّ المراد من خرق حجب النُّور بأَبصارُ القلوب الوارد في المناجاة الشعبانيّة : «وأنِر أَبصارَ قُلوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها إِلَيكَ حَتّى تَخرِقَ أَبصارُ القُلوبِ حُجُبَ النّورِ فَتَصِلَ إلى مَعدِنِ العَظَمَةِ ...» هو أَنّ السالك في سلوكه إِلى اللّه يبلغ نقطةً تُماط فيها حجب الأَنانيّة كلّها نتيجة لشدّة حبّ اللّه سبحانه فلا يَرَى شيئا إِلّا اللّه سبحانه وتعالى ، وكما قال الشاعر الفارسيّ حافظ الشيرازيّ ما تعريبه : لا حجاب بين العاشق والمعشوق فنفسك هي الحجاب يا حافظ فأزحها وهذه المرحلة من معرفة اللّه وإِن كانت تمثّل أَعلى منازل السلوك وأَسمى درجات المعرفة لكنّها لا تعني إِحاطة المخلوق بالخالق ومعرفة كنه اللّه سبحانه قطعا ، من هنا فإنّ سيد المرسلين وإمام أَهل المعرفة أجمعين إِذ يصرح على أنّ معرفة الكنه غير ميسّرة له أَيضا ، يقول:
.
ص: 343
«اللّهُ أعلى وأجَلُّ أن يَطَّلِعَ أَحَدٌ عَلى كُنهِ مَعرِفَتِهِ» . (1) وقال أَيضا : «يامَن لا يَعلَمُ ما هُوَ إلّا هُوَ» . (2) وقال كذلك: «سُبحانَكَ ما عَرَفناكَ حَقَّ مَعرِفَتِكَ» . (3) الخامس : الروايات التي تقسم حجب اللّه تعالى إِلى حجب نورانيّة وظلمانيّة ، وأَشرنا قبل ذلك إِلى المعنى المحتمَل للحجبِ النورانيّة، (4) أَمّا القصد من الحجب الظلمانيّة فهو _ على ما يبدو _ الصدأَ الذي يرين على البصائر ويحول دون معرفة اللّه بسبب الأَعمال غير الصالحة ، كما جاء في القرآن الكريم : «كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * كَلَا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ» (5) . وسيأتي شرح هذه الموانع في الفصل العاشر . ويقول الشاعر حافظ الشيرازيّ مشيرا إِلى هذه الحجب ما تعريبه : لا نقاب ولا حجاب يحول دون جمال الحبيب ولكن أزح الغبار حتّى يتيسّر لك النظر . توضيح العلّامة المجلسيّ حول روايات الحجب : قال العلّامة المجلسيّ رحمه الله في تبيين الروايات التي هي مثار البحث:
.
ص: 344
«والتحقيق أَنّ لتلك الأَخبار ظهرا وبطنا وكلاهما حقّ فأما ظهرها ، فإنّه سبحانه كما خلق العرش والكرسي مع عدم احتياجه إِليهما ، كذلك خلق عندهما أَستارا وحجبا وسرادقات ، وحشاها من أَنواره الغريبة المخلوقة له ؛ ليظهر لمن يشاهدها من الملائكة وبعض النبيين ولمن يسمعها من غيرهم عظمة قدرته وجلال هيبته وسعة فيضه ورحمته ، ولعلّ اختلاف الأَعداد باعتبار أَنّ في بعض الإطلاقات اعتبرت الأَنواع ، وفي بعضها الأَصناف ، وفي بعضها الأَشخاص أَو ضمّ بعضها إِلى بعض في بعض التعبيرات ، أَو أكتُفي بذكر بعضها في بعض الروايات ، وأَما بطنها فلأنّ الحجب المانعة عن وصول الخلق إِلى معرفة كُنه ذاته وصفاته أُمور كثيرة : منها : ما يرجع إِلى نقص المخلوق وقواه ومداركه بسبب الإمكان والافتقار والاحتياج والحدوث ، وما يتبع ذلك من جهات النقص والعجز ، وهي الحجب الظلمانية. ومنها : ما يرجع إِلى نوريته وتجرّده وتقدّسه ووجوب وجوده وكماله وعظمته وجلاله وسائر ما يتبع ذلك ، وهي الحجب النورانية ، وارتفاع تلك الحجب بنوعيه محال ، فلو ارتفعت لم يبقَ بغير ذات الحق شيء ، أَو المراد بكشفها رفعها في الجملة بالتخلّي عن الصفات الشهوانية والأَخلاق الحيوانية ، والتخلّق بالأَخلاق الربّانية بكثرة العبادات والرياضات والمجاهدات وممارسة العلوم الحقّة ، فترتفع الحجب بينه وبين ربِّه سبحانه في الجملة ، فيحرق ما يظهر عليهم من أَنوار جلاله تعيّناتهم وإِراداتهم وشهواتهم ، فيرون بعين اليقين كماله سبحانه ونقصهم ، وبقاءه وفناءهم وذلهم ، وغناه وافتقارهم ، بل يرون وجودهم المستعار في جنب وجوده الكامل عدما ، وقدرتهم الناقصة في جنب قدرته الكاملة عجزا ، بل يتخلّون عن إِرادتهم وعلمهم وقدرتهم ،
.
ص: 345
فيتصرّف فيهم إِرادته وقدرته وعلمه سبحانه ، فلا يشاؤون إِلّا أَن يشاء اللّه ، ولا يريدون سوى ما أَراد اللّه ، ويتصرّفون في الأَشياء بقدرة اللّه ، فيحيون الموتى ، ويردّون الشَّمس، ويشقّون القمر، كما قال أَمير المؤمنين عليه السلام : «ما قَلَعتُ بابَ خَيبرَ بِقُوَّةٍ جِسمانِيَّةٍ ، بَل بِقُوَّةٍ رَبّانِيَّةٍ» (1) . والمعنى الذي يمكن فهمه ولا ينافي أُصول الدِّين من الفناء في اللّه والبقاء باللّه هو هذا المعنى 2 ، وبعبارة اُخرى : الحجب النورانية الموانع التي للعبد عن
.
ص: 346
الوصول إِلى قربه وغاية ما يمكنه من معرفته سبحانه من جهة العبادات كالرياء والعجب والسمعة والمراء وأَشباهها ، والظلمانية ما يحجبه من المعاصي عن الوصول إِليه ، فإذا ارتفعت تلك الحجب تجلّى اللّه له في قلبه ، وأَحرق محبّة ما سواه حتّى نفسه عن نفسه ... وكلّ ذلك لا يوجب عدم وجوب الإيمان بظواهرها إِلّا بمعارضة نصوص صحيحة صريحة صارفة عنها وأَول الإلحاد سلوك التأويل من غير دليل ، واللّه الهادي إِلى سواء السبيل» (1) .
.
ص: 347
الفصل العاشر: موانع معرفة اللّه10 / 1السَّيِّئاتُالكتاب«ثُمَّ كَانَ عَ_قِبَةَ الَّذِينَ أَسَ__ئواْ السُّوأَى أَن كَذَّبُواْ بِ_ئايَ_تِ اللَّهِ وَ كَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ » . (1)
«كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * كَلَا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ» . (2)
الحديثالكافي عن محمّد بن يزيد الرفاعي رفعه :إِنَّ أَميرَ المؤمِنينَ عليه السلام سُئِلَ عَنِ الوُقوفِ بِالجَبَلِ ، لِمَ لَم يَكُن فِي الحَرَمِ ؟ فَقالَ : لِأَنَّ الكَعبةَ بَيتُهُ وَالحَرَمَ بابُهُ ، فَلَمّا قَصَدوهُ وافِدينَ وَقَفَهُم بِالبابِ يَتَضَرَّعونَ . قيلَ لَهُ : فَالمَشعَرُ الحَرامُ لِمَ صارَ فِي الحَرَمِ ؟
.
ص: 348
قالَ : لِأَنَّهُ لَمّا أَذِنَ لَهُم بِالدُّخولِ وَقَفَهُم بِالحِجابِ الثّاني ، فَلَمّا طالَ تَضَرُّعُهُم بِها أَذِنَ لَهُم لِتَقريبِ قُربانِهِم ، فَلَمّا قَضَوا تَفَثَهُم (1) [ و] (2) تَطَهَّروا بِها مِنَ الذُّنوبِ الَّتي كانَت حِجابا بَينَهُم وبَينَهُ أَذِنَ لَهُم بِالزِّيارَةِ عَلَى الطَّهارَةِ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: وأَعلَمُ أنَّكَ لِلرّاجي بِمَوضِعِ إِجابَةٍ . . . وأَنَّ الرّاحِلَ إِلَيكَ قَريبُ المَسافَةِ ، وأَنَّكَ لا تَحتَجِبُ عَن خَلقِكَ إِلّا أَن تَحجُبَهُمُ الأَعمالُ دونَكَ . (4)
الاحتجاج :لَمّا دَخَلَ عَليُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام وحَرَمُهُ عَلى يَزيدَ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ ، وجيءَ بِرَأَسِ الحُسَينِ عليه السلام ، ووُضِعَ بَينَ يَدَيهِ في طَستٍ ، فَجَعَلَ يَضرِبُ ثَناياهُ بِمِخصَرَةٍ (5) كانَت في يَدِهِ ... . فَقامَت إِلَيهِ زَينَبُ بِنتُ عَلِيٍّ _ وأُمُّها فاطِمَةُ بِنتُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ وقالَت : الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ وَالصَلاةُ عَلى جَدّي سَيِّدِ المُرسَلينَ ، صَدَقَ اللّهُ سُبحانَهُ كَذلِكَ يَقولُ : «ثُمَّ كَانَ عَ_قِبَةَ الَّذِينَ أَسَ__ئواْ السُّوأَى أَن كَذَّبُواْ بِ_ئايَ_تِ اللَّهِ وَ كَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ» (6) . أَظَنَنتَ يا يَزيدُ ، أَنَّكَ حينَ أَخَذتَ عَلَينا أَقطارَ الأَرضِ ، وضَيَّقتَ عَلَينا آفاقَ
.
ص: 349
السَّماءِ ، فَأَصبَحنا لَكَ في إِسارِ الذُّلِّ ، نُساقُ إِلَيكَ سَوقا في قِطارٍ ، وأَنتَ عَلَينا ذُو اقتِدارٍ ، أَنَّ بِنا مِنَ اللّهِ هَوانا وعَلَيكَ مِنهُ كَرامَةً وَامتِنانا ، وأَنَّ ذلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ وجَلالَةِ قَدرِكَ ، فَشَمَختَ بِأَنفِكَ ، ونَظَرتَ في عِطفِكَ ، تَضرِبُ أَصدَرَيكَ (1) فَرَحا ، وتَنفُضُ (2) مِذرَوَيكَ (3) مَرَحا ، حينَ رَأَيتَ الدُّنيا لَكَ مُستَوسِقَةً وَالأُمورَ لَدَيكَ مُتَّسِقَةً ، وحينَ صَفا لَكَ مُلكُنا ، وخَلَصَ لَكَ سُلطانُنا ، فَمَهلاً مَهلاً لا تَطِش جَهلاً ، أَنَسيتَ قَولَ اللّهِ عز و جل : «وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ» (4) . (5)
بحار الأنوار عن محمّد بن أبي مسهر عن أبيه عن جدّه :كَتَبَ المُفَضَّلُ بنُ عُمَرَ الجُعفِيُّ إِلى أَبي عَبدِ اللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ عليهماالسلام يُعلِمُهُ أنَّ أَقواما ظَهَروا مِن أَهلِ هذِهِ المِلَّةِ يَجحَدونَ الرُّبوبِيَّةَ ، ويُجادِلونَ عَلى ذلِكَ ، ويَسأَلُهُ أَن يَرُدَّ عَلَيهِم قَولَهُم ، ويَحتَجَّ عَلَيهِم فيمَا ادَّعَوا بِحَسَبِ ما احتَجَّ بِهِ عَلى غيَرِهِم ، فَكَتَبَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : بِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحيم أَمّا بَعدُ ؛ وَفَّقَنَا اللّهُ وإِيّاكَ لِطاعَتِهِ ، وأَوجَبَ لَنا بِذلِكَ رِضوانَهُ بِرَحمَتِهِ . وَصَلَ كِتابُكُ تَذكُرُ فيِهِ ما ظَهَرَ في مِلَّتِنا ، وذلِكَ مِن قَومٍ مِن أَهلِ الإِلحادِ بِالرُّبوبِيَّةِ ، قَد كَثُرَت عِدَّتُهُم ، وَاشتَدَّت خُصومَتُهُم ، وتَسأَلُ أَن أَصنَعَ لِلرَّدِّ عَلَيهِم ، وَالنَّقضِ لِما في أَيديهِم ، كِتابا عَلى نَحوِ ما رَدَدتُ عَلى غَيرِهِم ، مِن أَهلِ البِدَعِ وَالاِختِلافِ .
.
ص: 350
ونَحنُ نَحمَدُ اللّهَ عَلَى النِّعَمِ السّابِغَةِ ، وَالحُجَجِ البالِغَةِ ، وَالبَلاءِ المَحمودِ عِندَ الخاصَّةِ وَالعامَّةِ ، فَكانَ مِن نِعَمِهِ العِظامِ وآلائِهِ الجِسامِ الَّتي أَنعَمَ بِها تَقريرُهُ قُلوبَهُم بِرُبوبِيَّتِهِ ، وأَخذُهُ مِيثاقَهُم بِمَعرِفَتِهِ ، وإِنزالُهُ عَلَيهِم كِتابا فيهِ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ ، مِن أَمراضِ الخَواطِرِ ومُشتَبَهاتِ الأُمورِ ، ولَم يَدَع لَهُم ولا لِشَيءٍ مِن خَلقِهِ حاجَةً إِلى مَن سِواهُ ، وَاستَغنى عَنهُم ، وكانَ اللّهُ غَنِيّا حَميدا . ولَعَمري ما أُتِيَ الجُهّالُ مِن قِبَلِ رَبِّهِم وإِنَّهُم لَيَرَونَ الدَّلالاتِ الواضِحاتِ وَالعَلاماتِ البَيِّناتِ في خَلقِهِم ، وما يُعايِنونَ مِن مَلَكوتِ السَّماواتِ وَالأَرضِ ، وَالصُّنعِ العَجيبِ المُتقَنِ الدَّالِّ عَلَى الصَّانِعِ ، وَلكِنَّهُم قَومٌ فَتَحوا عَلى أَنفُسِهِم أَبوابَ المَعاصي ، وسَهَّلوا لَها سَبيلَ الشَّهَواتِ ، فَغَلَبَتِ الأَهواءُ عَلى قُلوبِهِم ، وَاستَحوَذَ الشَّيطانُ بِظُلمِهِم عَلَيهِم ، وكَذلِكَ يَطبَعُ اللّهُ عَلى قُلوبِ المُعتَدينَ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الزَّنادِقَةِ عَن سَبَبِ احتجابِ الباري عز و جل_: إِنَّ الحِجابَ عَلَى الخَلقِ لِكَثرَةِ ذُنوبِهِم ، فَأَمّا هُوَ فَلا يَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ في آناءِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ . (2)
10 / 2الظُّلمالكتاب«بَلْ هُوَ ءَايَ_ت بَيِّنَ_تٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَ مَا يَجْحَدُ بِ_ئايَ_تِنَا إِلَا الظَّ__لِمُونَ » . (3)
.
ص: 351
«وَجَحَدُواْ بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُ_لْمًا وَ عُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَ_قِبَةُ الْمُفْسِدِينَ » . (1)
«قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَ_كِنَّ الظَّ__لِمِينَ بِ_ئايَ_تِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ » . (2)
الحديثتفسير الطبري عن أبي صالح :جاءَ جِبريلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وهُوَ جالِسٌ حَزينٌ ، فَقالَ لَهُ : ما يَحزُنُكَ ؟ فَقالَ : كَذَّبني هؤُلاءِ . فَقالَ لَهُ جِبرِيلُ : إِنَّهُم لا يُكَذِّبونَكَ ، إِنَّهُم لَيَعلَمونَ أَنَّكَ صادِقٌ «وَلَ_كِنَّ الظَّ__لِمِينَ بِ_ئايَ_تِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :إِنَّ أبا جَهلٍ قالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : إِنّا لا نُكَذِّبُكَ ولكِن نُكَذِّبُ بِما جِئتَ بِهِ ، فَأَنزَلَ اللّهُ : «فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَ_كِنَّ الظَّ__لِمِينَ بِ_ئايَ_تِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» . (4)
10 / 3الاِستِكبارالكتاب«سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَ_تِىَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى الأَْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لَا يُؤْمِنُواْ بِهَا
.
ص: 352
وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَ لِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِ_ئايَ_تِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَ_فِلِينَ » . (1)
راجع : النمل: 14 ، المؤمنون: 46 ، الجاثية: 8 و 31 ، الأحقاف: 10 ، غافر: 35 ، لقمان : 7 ، الزمر: 59 _ 60 .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :بُنِيَ الكُفرُ عَلى أَربَعِ دَعائِمَ: الفِسقِ ، وَالغُلُوِّ ، وَالشَّكِّ ، وَالشُّبهَةِ. وَالفِسقُ عَلى أَربَعِ شُعَبٍ: عَلَى الجَفاءِ، وَالعَمى، وَالغَفلَةِ، وَالعُتُوِّ. (2)
عنه عليه السلام :مَنِ استَكبَرَ أَدبَرَ عَنِ الحَقِّ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :أُصولُ الكُفرِ ثَلاثَةٌ: الحِرصُ ، وَالاِستِكبارُ ، وَالحَسَدُ . (4)
10 / 4الجَهلالإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ: يا مُفَضَّلُ ، إِنَّ الشُّكّاكَ جَهِلُوا الأَسبابَ وَالمَعانِيَ فِي الخِلقَةِ ، وقَصُرَت أَفهامُهُم عَن تَأَمُّلِ الصَّوابِ وَالحِكمَةِ فيما ذَرَأَ الباري جَلَّ قُدسُهُ ، وبَرَأَ مِن صُنوفِ خَلقِهِ فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَالسَّهلِ وَالوَعرِ ، فَخَرَجوا بِقِصَرِ عُلومِهِم إِلَى الجُحودِ ، وبِضَعفِ بَصائِرِهِم إِلَى التَّكذيبِ وَالعُنودِ ، حَتّى أَنكَروا خَلقَ
.
ص: 353
الأَشياءِ ، وَادَّعَوا أَنَّ كَونَها بِالإِهمالِ ، لا صَنعَةَ فيها ولا تَقديرَ ولا حِكمَةَ مِن مُدَبِّرٍ ولا صانِعٍ ، تَعالَى اللّهُ عَمّا يَصِفونَ . (1)
10 / 5الغَفلَةالإمام عليّ عليه السلام_ مِن دُعاءٍ عَلَّمَهُ نَوفا البِكالِيَّ _: إِلهي تَناهَت أَبصارُ النّاظِرينَ إِلَيكَ بِسَرائِرِ القُلوبِ ، وطالَعَت أَصغَى السّامِعينَ لَكَ نَجِيّاتِ الصُّدورِ ، فَلَم يَلقَ أَبصارَهُم رَدٌّ دونَ ما يُريدونَ ، هَتَكتَ بَينَكَ وبَينَهُم حُجُبَ الغَفلَةِ ، فَسَكَنوا في نورِكَ وتَنَفَّسوا بِرَوحِكَ . (2)
10 / 6الهَوىمروج الذهب :قدَ كانَ مَن ذَكَرنا مِنَ الأُمَمِ لا يَجحَدُ الصّانِعَ _ جَلَّ وعَزَّ _ ، ويَعلَمونَ أَنَّ نوحا عليه السلام كانَ نَبِيّا ، وأَنَّهُ وَفى لِقَومِهِ بِما وَعَدَهُم مِنَ العَذابِ ، إِلّا أَنَّ القَومَ دَخَلَت عَلَيهِم شُبَهٌ بَعدَ ذلِكَ لِتَركِهِمُ البَحثَ واستِعمالَ النَّظَرِ ، ومالَت نُفوسُهُم إِلَى الدَّعَةِ (3) ، وما تَدعو إِلَيهِ الطَّبائِعُ مِنَ المَلاذِّ وَالتَّقليدِ ، وكانَ في نُفوسِهِم هَيبَةُ الصّانِعِ ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَيهِ بِالتَّماثيلِ وعِبادَتُها ؛ لِظَنِّهِم أَنَّها مُقَرِّبَةٌ لَهُم إِلَيهِ . (4)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: لا حِجابَ أَظلَمُ وأَوحَشُ
.
ص: 354
بَينَ العَبدِ وبَينَ اللّهِ مِنَ النَّفسِ وَالهَوى ، ولَيسَ لِقَتلِهِما وقَطعِهِما سِلاحٌ وآلَةٌ مِثلُ الاِفتِقارِ إِلَى اللّهِ ، وَالخُشوعِ وَالخُضوعِ وَالجوعِ وَالظَّمَاَ بِالنَّهارِ وَالسَّهَرِ بِاللَّيلِ ؛ فَإِن ماتَ صاحِبُهُ ماتَ شَهيدا ، وإِن عاشَ وَاستَقامَ أَدّى عاقِبَتُهُ إِلَى الرِّضوانِ الأَكبَرِ . (1)
10 / 7مَرَضُ القَلبِالإمام عليّ عليه السلام :لَو فَكَّروا في عَظيمِ القُدرَةِ وجَسيمِ النِّعمَةِ لَرَجَعُوا إِلَى الطَّريقِ ، وخَافُوا عَذابَ الحَريقِ ، ولكِنِ القُلوبُ عَليلَةٌ وَالبَصائِرُ مَدخُولَةٌ . (2)
راجع : ج 2 ص 163 (الفصل الأوّل : حجب العلم والحكمة) .
.
ص: 355
القسم الثاني : التعرّف على توحيد اللّهوفيه فصلان :الفصل الأوّل: قيمة التّوحيدالفصل الثاني : مراتب التّوحيد
.
ص: 356
. .
ص: 357
ص: 358
1 / 3كَلِمَةُ التَّقوىرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في تَفسيرِ «لا إِلهَ إِلَا اللّهُ» _: قَولُهُ : لا إِلهَ إِلَا اللّهُ يَعني وَحدانِيَّتَهُ ، لا يُقبَلُ الأَعمالُ إِلّا بِها ، وهِيَ كَلِمَةُ التَّقوى ، يُثَقِّلُ اللّهُ بِهَا المَوازينَ يَومَ القِيامَةِ . (1)
1 / 4ثَمَنُ الجَنَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :التَّوحيدُ ثَمَنُ الجَنَّةِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ عز و جل قالَ : ما جَزاءُ مَن أَنعَمتُ عَلَيهِ بِالتَّوحيدِ إِلَا الجَنَّةُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن ماتَ وهُوَ يَعلَمُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَا اللّهُ دَخَلَ الجَنَّةَ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن قالَ : «لا إِلهَ إِلَا اللّهُ» مُخلِصا دَخَلَ الجَنَّةَ ، وإِخلاصُهُ أَن تَحجُزَهُ «لا إِلهَ
.
ص: 359
إِلَا اللّهُ» عَمّا حَرَّمَ اللّهُ عز و جل . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ «لا إِلهَ إِلَا اللّهُ» كَلِمَةٌ عَظيمَةٌ كَريمَةٌ عَلَى اللّهِ عز و جل ، مَن قالَها مُخلِصا استَوجَبَ الجَنَّةَ ، ومَن قالَها كاذِبا عَصَمَت مالَهُ ودَمَهُ ، وكانَ مَصيرُهُ إِلى النّارِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ في مَوعِظَتِهِ لِابنِ مَسعودٍ _: إِذا تَكَلَّمتَ ب_ «لا إِلهَ إِلَا اللّهُ» ولَم تَعرِف حَقَّها ؛ فَإِنَّهُ مَردودٌ عَلَيكَ . (3)
1 / 5حَياةُ النَّفسِالإمام عليّ عليه السلام :التَّوحيدُ حَياةُ النَّفسِ . (4)
1 / 6عُروَةُ اللّهِ الوُثقىالإمام الباقر عليه السلام :عُروَةُ اللّهِ الوُثقى التَّوحيدُ . (5)
.
ص: 360
1 / 7حِصنُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :حَدَّثَني جَبرَئيلُ سَيِّدُ المَلائِكَةِ ، قالَ : قالَ اللّهُ سَيِّدُ السّاداتِ عز و جل : إِنّي أَنَا اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنَا ، فَمَن أَقَرَّ لي بِالتَّوحيدِ دَخَلَ حِصني ، ومَن دَخَلَ حِصني أَمِنَ مِن عَذابي . (1)
1 / 8أفضَلُ الأَعمالِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :«لا إِلهَ إِلَا اللّهُ» ، لا يَسبِقُها عَمَلٌ ، ولا تَترُكُ ذَنبا . (2)
الأَمالي عن محمّد بن سماعة :سَأَلَ بَعضُ أَصحابِنَا الصّادِقَ عليه السلام ، فَقالَ لَهُ : أَخبِرني أَيُّ الأَعمالِ أَفضَلُ ؟ قالَ : تَوحيدُكَ لِرَبِّكَ . قالَ : فَما أَعظَمُ الذُّنوبِ ؟ قالَ : تَشبيهُكَ لِخالِقِكَ . (3)
1 / 9سَبَبُ المَغفِرَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِذا قالَ العَبدُ : «أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ» ، قالَ اللّهُ تَعالى : يا مَلائِكَتي ،
.
ص: 361
عَلِمَ عَبدي أَنَّهُ لَيسَ لَهُ رَبٌّ غَيري ، أُشهِدُكُم أَنّي غَفَرتُ لَهُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَزالُ قَولُ: «لا إِلهَ إِلَا اللّهُ» يَرفَعُ سَخَطَ اللّهِ عَنِ العِبادِ ، حَتّى إِذا نَزَلوا بِالمَنزِلِ الَّذي لا يُبالونَ ما نَقَصَ مِن دينِهِم إِذا سَلِمَت دُنياهُم ، فَقالوا عِندَ ذلِكَ ، قالَ اللّهُ تَعالى لَهُم : كَذِبتُم كَذِبتُم . (2)
1 / 10سَبَبُ دَفعِ البَلاءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :«لا إِلهَ إِلَا اللّهُ» تَدفَعُ عَن قائِلِها تِسعَةً وتِسعينَ بابا مِنَ البَلاءِ أَدناهَا الهَمُّ . (3)
راجع: ص 17 (الفصل الأوّل : قيمَةُ مَعرِفَةِ اللّهِ) .
1 / 11سَبَبُ الفلاحرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قولوا: «لا إِلهَ إِلَا اللّهُ» تُفلِحوا . (4)
.
ص: 362
. .
ص: 363
الفصل الثاني : مراتب التّوحيدالمرتبة الاولى : التّوحيد في الذّاتموضوع التَّوحيد من أَهمّ موضوعات معرفة اللّه سبحانه بعد إِثبات وجوده ، وهو جدير بالمناقشة والتحليل من جوانب مختلفة . لقد تمّ في هذا الفصل تنظيم النصوص المرتبطة بأهمّ المباحث التَّوحيديّة تحت عنوان مراتب التَّوحيد ، وهي تبدأَ من التَّوحيد في الذّات ، وتنتهي بالتَّوحيد في العبادة الذي يمثّل أَعلى المراتب في معرفة اللّه تعالى ، وذلك على المنوال الذي تلاحظونه . إِنّ التوحيد الذاتيّ الذي يجسّد أَوّل مرتبة من مراتب التَّوحيد ، بمعنى نفي الشريك ، والتشبيه ، والجزء عن ذات الحقّ تعالى ، وستلاحظون في الأَبواب الآتية البراهين العقليّة على توحيد الذات وتفسيرها و تبيانها من وحي القرآن والحديث .
.
ص: 364
1 / 1ما يَدُلُّ عَلى وَحدَةِ ذاتِهِالكتاب«وَ مَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَ_هًا ءَاخَرَ لَا بُرْهَ_نَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَ_فِرُونَ» . (1)
«أَمَّن يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَ_هٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَ_نَكُمْ إِن كُنتُمْ صَ_دِقِينَ» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: اِعلَم يا بُنَيَّ أَنَّهُ لَو كانَ لِرَبِّكَ شَريكٌ لَأَتَتكَ رُسُلُهُ ، ولَرَأَيتَ آثارَ مُلكِهِ وسُلطانِهِ ، ولَعَرَفتَ أفعالَهُ وصِفاتِهِ ، ولكِنَّهُ إِلهٌ واحِدٌ كَما وَصَفَ نَفسَهُ ، لا يُضادُّهُ في مُلكِهِ أَحَدٌ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ: كَيفَ هُوَ اللّهُ الواحِدُ؟ _: واحِدٌ في ذاتِهِ فَلا واحِدٌ كَواحِدٍ ؛ لِأَنَّ ما سِواهُ مِنَ الواحِدِ مُتَجَزِّئٌ ، وهُوَ تَبارَكَ وتَعالى واحِدٌ لا يَتَجَزَّأُ ولا يَقَعُ عَلَيهِ العَدُّ . (4)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ: مَا الدَّليلُ عَلَى الواحِدِ؟ _: ما بِالخَلقِ مِنَ الحاجَةِ . (5)
الإمام الرضا عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الثَّنَوِيَّةِ: إِنَّ صانِعَ العالَمِ اثنانِ ، فَمَا الدَّليلُ عَلى
.
ص: 365
أَنَّهُ واحِدٌ؟ قالَ _: قَولُكَ: إِنَّهُ اثنانِ دَليلٌ عَلى أَنَّهُ واحِدٌ ؛ لِأَنَّكَ لَم تَدَّعِ الثّانِيَ إِلّا بَعدَ إِثباتِكَ الواحِدَ ، فَالواحِدُ مُجمَعٌ عَلَيهِ ، وأَكثَرُ مِن واحِدٍ مُختَلَفٌ فيهِ . (1)
راجع : ص 400 (ما يدلُّ على وحدةِ الرُّبوبيَّة) و 402 (ما يدلّ على وحدةِ التَّدبير) .
1 / 2تَفسيرُ التَّوحيدِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ لِكُلِّ شَيءٍ نِسبَةً ، وإِنَّ نِسبَةَ اللّهِ : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» (2) . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :التَّوحيدُ ظاهِرُهُ في باطِنِهِ ، وباطِنُهُ في ظاهِرِهِ ، ظاهِرُهُ مَوصوفٌ لا يُرى ، وباطِنُهُ مَوجودٌ لا يَخفى ، يُطلَبُ بِكُلِّ مَكانٍ ولَم يَخلُ مِنهُ مَكانٌ طَرفَةَ عَينٍ ، حاضِرٌ غَيرُ مَحدودٍ ، وغائِبٌ غَيرُ مَفقودٍ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُ واحِدٌ واحِدِيُّ المَعنى ، وَالإِنسانُ واحِدٌ ثَنَوِيُّ المَعنى ؛ جِسمٌ وعَرَضٌ وبَدَنٌ وروحٌ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ سُبحانَهُ _: كُلُّ مُسمّىً بِالوَحدَةِ غَيرَهُ قَليلٌ . (6)
عنه عليه السلام_ في قَولِ المُؤَذِّنِ: أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ _: إِعلامٌ بِأَنَّ الشَّهادَةَ لا تَجوزُ
.
ص: 366
إِلّا بِمَعرِفَتِهِ مِنَ القَلبِ ، كَأَنَّهُ يَقولُ: أَعلَمُ أَنَّهُ لا مَعبودَ إِلَا اللّهُ عز و جل ، وأَنَّ كُلَّ مَعبودٍ باطِلٌ سِوَى اللّهِ عز و جل ، وأُقِرُّ بِلِساني بِما في قَلبي مِنَ العِلمِ بِأَنَّهُ لا إِلهَ إِلَا اللّهُ ، وأَشهَدُ أَنَّهُ لا مَلجَأَ مِنَ اللّهِ إِلّا إِلَيهِ ، ولا مَنجى مِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ وفِتنَةِ كُلِّ ذي فِتنَةٍ إِلّا بِاللّهِ. وفِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ: أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ. مَعناهُ: أَشهَدُ أَن لا هادِيَ إِلَا اللّهُ ، ولا دَليلَ لي إِلَى الدّينِ إِلَا اللّهُ ، وأُشهِدُ اللّهَ بِأَنّي أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ ، وأُشهِدُ سُكّانَ السَّماواتِ وسُكّانَ الأَرَضينَ وما فيهِنَّ مِنَ المَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجمَعينَ ، وما فيهِنَّ مِنَ الجِبالِ وَالأَشجارِ وَالدَّوابِّ وَالوُحوشِ ، وكُلِّ رَطبٍ ويابِسٍ بِأَنَّي أَشهَدُ أَن لا خالِقَ إِلَا اللّهُ ، ولا رازِقَ ولا مَعبودَ ولا ضارَّ ولا نافِعَ ولا قابِضَ ولا باسِطَ ولا مُعطِيَ ولا مانِعَ ولا ناصِحَ ولا كافِيَ ولا شافِيَ ولا مُقَدِّمَ ولا مُؤَخِّرَ إِلَا اللّهُ ، لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ ، وبِيَدِهِ الخَيرُ كُلُّهُ ، تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ العالَمينَ . (1)
فاطمة عليهاالسلام_ فِي احتِجاجِها عَلَى القَومِ لَمّا مَنَعوها فَدَكا _: أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإِخلاصَ تَأويلَها ، وضَمَّنَ القُلوبَ مَوصولَها ، وأَنارَ فِي التَّفَكُّرِ مَعقولَها . (2)
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ _تَبارَكَ وتَعالى _ : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» _ : «قُل» أَي أَظهِر ما أَوحَينا إِلَيكَ ونَبَّأَناكَ بِهِ بِتَأليفِ الحُروفِ الَّتي قَرَأَناها لَكَ، لِيَهتَدِيَ بِها مَن أَلقَى السَّمعَ وهُوَ شَهيدٌ، و«هُوَ» اسمٌ مُكَنّىً مُشارٌ إِلى غائِبٍ، فَالهاءُ تَنبيهٌ عَلى مَعنىً ثابِتٍ، وَالواوُ
.
ص: 367
إِشارَةٌ إِلَى الغائِبِ عَنِ الحَواسِّ ، كَما أَنَّ قَولَكَ: «هذا» إِشارَةٌ إِلَى الشّاهِدِ عِندَ الحَواسِّ؛ وذلِكَ أَنَّ الكُفّارَ نَبَّهوا عَن آلِهَتِهِم بِحَرفِ إِشارَةِ الشّاهِدِ المُدرَكِ، فَقالوا: هذِهِ آلِهَتُنَا المَحسوسَةُ المُدرَكَةُ بِالأَبصارِ، فَأَشِر أَنتَ يا مُحَمَّدُ إِلى إِلهِكَ الَّذي تَدعو إِلَيهِ حَتّى نَراهُ ونُدرِكَهُ ولا نَأَ لَهَ فيهِ . فَأَنزَلَ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» فَالهاءُ تَثبيتٌ لِلثّابِتِ، وَالواوُ إِشارَةٌ إِلَى الغائِبِ عَن دَرَكِ الأَبصارِ ولَمسِ الحَواسِّ، وأَنَّهُ تَعالى عَن ذلِكَ ، بَل هُوَ مُدرِكُ الأَبصارِ ومُبدِعُ الحَواسِّ. (1)
عنه عليه السلام :تَعَلُّقُ القَلبِ بِالمَوجودِ شِركٌ ، وبِالمَفقودِ كُفرٌ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :هُوَ واحِدٌ واحِدِيُّ الذَّاتِ ، بائِنٌ مِن خَلقِهِ . (3)
عنه عليه السلام :خالِقُنا لا مَدخَلَ لِلأَشياءِ فيهِ ؛ لِأَنَّهُ واحِدٌ واحِدِيُّ الذَّاتِ ، واحِدِيُّ المَعنى . (4)
عنه عليه السلام :مَن قَال لِلإِنسانِ: واحِدٌ ، فَهذا لَهُ اسمٌ ولَهُ شَبيهٌ ، وَاللّهُ واحِدٌ وهُوَ لَهُ اسمٌ ولا شَيءَ لَهُ شَبيهٌ ، ولَيسَ المَعنى واحِدا. وأَمَّا الأَسماءُ فَهِيَ دَلالَتُنا عَلَى المُسَمّى ؛ لِأَنّا قَد نَرَى الإِنسانَ واحِدا وإِنَّما نُخبِرُ واحِدا إِذا كانَ مُفرَدا ، فَعُلِمَ أَنَّ الإِنسانَ في نَفسِهِ لَيسَ بِواحِدٍ فِي المَعنى ؛ لِأَنَّ أَعضاءَهُ مُختَلِفَةٌ وأَجزاءَهُ لَيسَت سَواءً ، ولَحمَهُ غَيرُ دَمِهِ ، وعَظمَهُ غَيرُ عَصَبِهِ ، وشَعرَهُ غَيرُ ظُفرِهِ ، وسَوادَهُ غَيرُ بَياضِهِ ، وكَذلِكَ سائِرُ الخَلقِ.
.
ص: 368
وَالإِنسانُ واحِدٌ فِي الاِسمِ ، ولَيسَ بِواحِدٍ فِي الاِسمِ وَالمَعنى وَالخَلقِ ، فَإِذا قيلَ للّهِِ فَهُوَ الواحِدُ الَّذي لا واحِدَ غَيرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا اختِلافَ فيهِ . (1)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» _: نِسبَةُ اللّهِ إِلى خَلقِهِ ، أَحَدا صَمَدا (2) أَزَلِيّا صَمَدِيّا ، لا ظِلَّ لَهُ يُمسِكُهُ ، وهُوَ يُمسِكُ الأَشياءَ بِأَظِلَّتِها ، عارِفٌ بِالمَجهولِ ، مَعروفٌ عِندَ كُلِّ جاهِلٍ ، فَردانِيّا ، لا خَلقُهُ فيهِ ولا هُوَ في خَلقِهِ ، غَيرُ مَحسوسٍ ولا مَجسوسٍ (3) ، لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ، عَلا فَقَرُبَ ودَنا فَبَعُدَ ، وعُصِيَ فَغَفَرَ وأُطيعَ فَشَكَرَ ، لا تَحويهِ أَرضُهُ ولا تُقِلُّهُ سَماواتُهُ ، حامِلُ الأَشياءِ بِقُدرَتِهِ ، دَيمومِيٌّ أَزَلِيٌّ ، لا يَنسى ولا يَلهو ولا يَغلَطُ ولا يَلعَبُ ، ولا لِاءِرادَتِهِ فَصلٌ ، وفَصلُهُ جَزاءٌ ، وأَمرُهُ واقِعٌ ، لَم يَلِد فَيورَثَ ، ولَم يُولَد فَيُشارَكَ ، ولَم يَكُن لَهُ كُفُوا أَحَدٌ . (4)
عنه عليه السلام :إِنَّ اليَهودَ سَأَلوا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالوا: اِنسِب لَنا رَبَّكَ ! فَلَبِثَ ثَلاثا لا يُجيبُهُم ، ثُمَّ نَزَلَت: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» إِلى آخِرِها . (5)
التوحيد عن هشام بن سالم :دَخَلتُ عَلى أَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام فَقالَ لي: أتَنعَتُ اللّهَ؟ فَقُلتُ: نَعَم . قالَ: هاتِ .
.
ص: 369
فَقُلتُ: هُوَ السَّميعُ البَصيرُ. قالَ: هذِهِ صِفَةٌ يَشتَرِكُ فيهَا المَخلوقونَ! قُلتُ: فَكَيفَ تَنعَتُهُ؟ فَقالَ: هُوَ نُورٌ لا ظُلمَةَ فيهِ ، وحَياةٌ لا مَوتَ فيهِ ، وعِلمٌ لا جَهلَ فيهِ ، وحَقٌّ لا باطِلَ فيهِ . فَخَرَجتُ مِن عِندِهِ ، وأَنا أَعلَمُ النَّاسِ بِالتَّوحيدِ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ: كَيفَ هُوَ اللّهُ الواحِدُ؟ _: واحِدٌ في ذاتِهِ فَلا واحِدٌ كَواحِدٍ ؛ لِأَنَّ ما سِواهُ مِنَ الواحِدِ مُتَجَزِّئٌ ، وهُوَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ واحِدٌ لا يَتَجَزَّأُ ولا يَقَعُ عَلَيهِ العَدُّ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :إِنَّ اللّهَ المُبدِئُ الواحِدُ ، الكائِنُ الأَوَّلُ ، لَم يَزَل واحِدا لا شَيءَ مَعَهُ ، فَردا لا ثانِيَ مَعَهُ . (3)
الكافي عن عبد العزيز بن المهتدي :سَأَلتُ الرِّضا عليه السلام عَنِ التَّوحيدِ ، فَقالَ: كُلُّ مَن قَرَأَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» وآمَنَ بِها فَقَد عَرَفَ التَّوحيدَ. قُلتُ : كَيفَ يَقرَؤُها؟ قالَ : كَما يَقرَؤُهَا النّاسُ ، وزادَ فيهِ : كَذلِكَ اللّهُ رَبّي ، كَذلِكَ اللّهُ رَبّي . (4)
.
ص: 370
الكافي عن الفتح بن يزيد الجرجاني_ أَنَّهُ قالَ لِأَبِي الحَسَنِ عليه السلام (1) لَمّا سَمِعَ كلامَهُ فِي التَّوحيدِ _: لكِنَّكَ قُلتَ: الأَحَدُ الصَّمَدُ ، وقُلتَ: لا يُشبِهُهُ شَيءٌ ، وَاللّهُ واحِدٌ وَالإِنسانُ واحِدٌ ، أَلَيسَ قَد تَشابَهَتِ الوَحدانِيَّةُ؟! قالَ: يا فَتحُ ، أَحَلتَ (2) ثَبَّتَكَ اللّهُ ، إِنَّمَا التَّشبيهُ فِي المَعاني ، فَأَمّا فِي الأَسماءِ فَهِيَ واحِدَةٌ ، وهِيَ دالَّةٌ عَلَى المُسَمّى . (3)
الإمام الجواد عليه السلام :ما سِوَى الواحِدِ مُتَجَزِّئٌ ، وَاللّهُ واحِدٌ لا مُتَجَزِّئٌ ولا مُتَوَهَّمٌ بِالقِلَّةِ وَالكَثرَةِ ، وكُلُّ مُتَجَزِّىً أَو مُتَوَهَّمٍ بِالقِلَّةِ وَالكَثرَةِ فَهُوَ مَخلوقٌ دالٌّ عَلى خالِقٍ لَهُ . (4)
الكافي عن أبي هاشم الجعفري :سَأَلتُ أَبا جَعفَرٍ الثّانِيَ عليه السلام : ما مَعنَى الواحِدِ؟ فَقالَ: إِجماعُ الأَلسُنِ عَلَيهِ بِالوَحدانِيَّةِ كَقَولِهِ تَعالى: «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» (5) . (6)
.
ص: 371
1 / 3المَذهَبُ الحَقُّ فِي التَّوحيدِالإمام الصادق عليه السلام :النّاسُ فِي التَّوحيدِ عَلى ثَلاثَةِ أَوجُهٍ: مُثبِتٌ ونافٍ ومُشَبِّهٌ ؛ فَالنافي مُبطِلٌ ، وَالمُثبِتُ مُؤمِنٌ ، وَالمُشَبِّهُ مُشرِكٌ . (1)
عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ لِعَبدِ الرَّحيمِ القَصيرِ _: سَأَلتَ _ رَحمِكَ اللّهُ _ عَنِ التَّوحيدِ وما ذَهَبَ إِلَيهِ مَن قَبلَكَ ، فَتَعالَى اللّهُ الَّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ، تَعالى عَمّا يَصِفُهُ الواصِفونَ المُشَبِّهونَ اللّهَ بِخَلقِهِ، المُفتَرونَ عَلَى اللّهِ! فَاعلَم _ رَحِمَكَ اللّهُ _ أَنَّ المَذهَبَ الصَّحيحَ فِي التَّوحيدِ ما نَزَلَ بِهِ القُرآنُ مِن صِفاتِ اللّهِ _ جَلَّ وعَزَّ _ ، فَانفِ عَنِ اللّهِ تَعالَى البُطلانَ وَالتَّشبيهَ ، فَلا نَفيَ ولا تَشبيهَ ، هُوَ اللّهُ الثّابِتُ المَوجودُ ، تَعالَى اللّهُ عَمّا يَصِفُهُ الواصِفونَ ، ولا تَعدُوا القُرآنَ فَتَضِلّوا بَعدَ البَيانِ . (2)
التوحيد عن محمّد بن عيسى بن عبيد :قال لي أَبُو الحَسَنِ عليه السلام : ما تَقولُ إِذا قيلَ لَكَ: أَخبِرني عَنِ اللّهِ عز و جل شَيءٌ هُوَ أَم لا؟ قالَ: فَقُلتُ لَهُ: قَد أَثبَتَ اللّهُ عز و جل نَفسَهُ شَيئا ، حَيثُ يَقولُ : «قُلْ أَىُّ شَىْ ءٍ أَكْبَرُ شَهَ_دَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيد بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ» (3) ، فَأَقولُ: إِنَّهُ شَيءٌ لا كَالأَشياءِ ؛ إِذ في نَفيِ الشَّيئِيَّةِ عَنهُ إِبطالُهُ ونَفيُهُ .
.
ص: 372
قالَ لي: صَدَقتَ وأَصَبتَ ، ثُمَّ قالَ لِيَ الرِّضا عليه السلام : لِلنّاسِ فِي التَّوحيدِ ثَلاثَةُ مَذاهِبَ: نَفيٌ ، وتَشبيهٌ ، وإِثباتٌ بِغَيرِ تَشبيهٍ. فَمَذهَبُ النَّفيِ لا يَجوزُ ، ومَذهَبُ التَّشبيهِ لا يَجوزُ ؛ لِأَنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يُشبِهُهُ شَيءٌ ، وَالسَّبيلُ فِي الطَّريقَةِ الثّالِثَةِ إِثباتٌ بِلا تَشبيهٍ . (1)
راجع : ج 4 ص 22 (الخروج من حدّ التشبيه والتعطيل) .
1 / 4التَّوحيدُ الخالِصُالإمام عليّ عليه السلام :أَوَّلُ الدّينِ مَعرِفَتُهُ ، وكَمالُ مَعرِفَتِهِ التَّصديقُ بِهِ ، وكَمالُ التَّصديقِ بِهِ تَوحيدُهُ ، وكَمالُ تَوحيدِهِ الإِخلاصُ لَهُ ، وكَمالُ الإِخلاصِ لَهُ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ، لِشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّها غَيرُ المَوصوفِ ، وشَهادَةِ كُلِّ مَوصوفٍ أَنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُ غايَةُ مَن غَيّاهُ ، وَالمُغَيّى (3) غَيرُ الغايَةِ ، تَوَحَّدَ بِالرُّبوبِيَّةِ ، ووَصَفَ
.
ص: 373
نَفسَهُ بِغَيرِ مَحدودِيَّةٍ ، فَالذّاكِرُ اللّهَ غَيرُ اللّهِ ، وَاللّهُ غَيرُ أَسمائِهِ ، وكُلُّ شَيءٍ وَقَعَ عَليهِ اسمُ شَيءٍ سِواهُ فَهُوَ مَخلوقٌ . أَلا تَرى إِلى قَولِهِ: «العِزَّةُ للّهِِ ، العَظَمَةُ للّهِِ» وقالَ : «وَلِلَّهِ الأَْسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا» (1) وقالَ : «قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَ_نَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى» (2) فَالأَسماءُ مُضافَةٌ إِلَيهِ ، وهُوَ التَّوحيدُ الخالِصُ . (3)
عنه عليه السلام :اِسمُ اللّهِ غَيرُ اللّهِ ، وكُلُّ شَيءٍ وَقَعَ عَلَيهِ اِسمُ شَيءٍ فَهُوَ مَخلوقٌ ما خَلا اللّهَ ، فَأَمّا ما عَبَّرَتِ الأَلسُنُ عَنهُ أَو عَمِلَتِ الأَيدي فيهِ فَهُوَ مَخلوقٌ وَاللّهُ غايَةُ مَن غاياهُ ، وَالمُغيّى غَيرُ الغايَةِ ، وَالغايَةُ مَوصوفَةٌ ، وكُلُّ مَوصوفٍ مَصنوعٌ ، وصانِعُ الأَشياءِ غَيرُ مَوصوفٍ بِحَدٍّ مُسَمّىً ، لَم يَتَكَوَّن فَتُعرَفَ كَينونَتُهُ بِصُنعِ غَيرِهِ ، ولَم يَتَناهَ إِلى غايَةٍ إِلّا كانَت غَيرَهُ ، لا يَذِلُّ مَن فَهِمَ هذَا الحُكمَ أَبَدا ، وهُوَ التَّوحيدُ الخالِصُ ، فَاعتَقِدوهُ وصَدِّقوهُ وتَفَهَّموهُ بِإِذنِ اللّهِ عز و جل . ومَن زَعَمَ أَنَّهُ يَعرِفُ اللّهَ بِحِجابٍ أَو بِصورَةٍ أَو بِمِثالٍ فَهُوَ مُشرِكٌ ؛ لِأَنَّ الحِجابَ وَالمِثالَ وَالصّورَةَ غَيرُهُ ، وإِنَّما هُوَ واحِدٌ مُوَحَّدٌ ، فَكَيفَ يُوَحِّدُ مَن زَعَمَ أَنَّهُ عَرَفَهُ بِغَيرِهِ ، إِنَّما عَرَفَ اللّهَ مَن عَرَفَهُ بِاللّهِ فَمَن لَم يَعرِفهُ بِهِ فَلَيسَ يَعرِفُهُ ، إِنَّما يَعرِفُ غَيرَهُ ، وَاللّهُ خالِقُ الأَشياءِ لا مِن شَيءٍ. يُسَمّى بِأَسمائِهِ فَهُوَ غَيرُ أَسمائِهِ وَالأَسماءُ غَيرُهُ ، وَالمَوصوفُ غَيرُ الواصِفِ. فَمَن زَعَمَ أَنَّهُ يُؤمِنُ بِما لا يَعرِفُ فَهُوَ ضالٌّ عَنِ المَعرِفَةِ. لا يُدرِكُ مَخلوقٌ شَيئا
.
ص: 374
إِلّا بِاللّهِ ، ولا تُدرَكُ مَعرِفَةُ اللّهِ إِلّا بِاللّهِ ، وَاللّهُ خِلوٌ مِن خَلقِهِ ، وخَلقُهُ خِلوٌ مِنهُ. إِذا أَرادَ اللّهُ شَيئا كانَ كَما أَرادَ بِأَمرِهِ مِن غَيرِ نُطقٍ ، لا مَلجَأَ لِعِبادِهِ مِمّا قَضى ، ولا حُجَّةَ لَهُم فيمَا ارتَضى ، لَم يَقدِروا عَلى عَمَلٍ ولا مُعالَجَةٍ مِمّا أَحدَثَ في أَبدانِهِمُ المَخلوقَةِ إِلّا بِرَبِّهِم ، فَمَن زَعَمَ أَنَّهُ يَقوى عَلى عَمَلٍ لَم يُرِدهُ اللّهُ عز و جل ، فَقَد زَعَمَ أَنَّ إِرادَتَهُ تَغلِبُ إِرادَةَ اللّهَ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ العالَمينَ (1) . (2)
الإمام الجواد عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ إِقرارا بِنِعمَتِهِ ، ولا إِلهَ إِلَا اللّهُ إِخلاصا لِوَحدانِيَّتِهِ . (3)
1 / 5ما يَمتَنِعُ فِي التَّوحيدِالإمام عليّ عليه السلام :ما وَحَّدَهُ مَن كَيَّفَهُ ، ولا حَقيقَتَهُ أَصابَ مَن مَثَّلَهُ ، ولا إِيّاهُ عَنى مَن شَبَّهَهُ . (4)
عنه عليه السلام :دَليلُهُ آياتُهُ ، ووُجودُهُ إِثباتُهُ ، ومَعرِفَتُهُ تَوحيدُهُ ، وتَوحيدُهُ تَمييزُهُ مِن خَلقِهِ ، وحُكمُ التَّمييزِ بَينونَةُ صِفَةٍ لا بَينونَةُ عُزلَةٍ ، إِنَّهُ رَبٌّ خالِقٌ غَيرُ مَربوبٍ مَخلوقٍ ، كُلَّما يُتَصَوَّرُ فَهُوَ بِخِلافِهِ . (5)
.
ص: 375
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ التَّوحيدِ _: التَّوحيدُ أَلّا تَتَوَهَّمَهُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ رَجُلٌ أَن يَذكُرَ لَهُ مِنَ التَّوحيدِ ما يَسهَلُ الوُقوفُ عَلَيهِ ويَتَهَيَّأُ حِفظُهُ _: أَمَّا التَّوحيدُ فَأَلّا تُجَوِّزَ عَلى رَبِّكَ ما جازَ عَلَيكَ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :لَيسَ اللّهَ عَرَفَ مَن عَرَفَ بِالتَّشبيهِ ذاتَهُ ، ولا إِيّاهُ وَحَّدَ مَنِ اكتَنَهَهُ ، ولا حَقيقَتَهُ أَصابَ مَن مَثَّلَهُ ، ولا بِهِ صَدَّقَ مَن نَهّاهُ . (3)
الكافي عن أَبي الحسن عليه السلام :اللّهُ _ جَلَّ جَلالُهُ _ هُوَ واحِدٌ لا واحِدَ غَيرُهُ ، لَا اختِلافَ فيهِ ، ولا تَفاوُتَ ، ولا زِيادَةَ ولا نُقصانَ . (4)
.
ص: 376
. .
ص: 377
المرتبة الثّانية : التّوحيد في الصّفاتإِنّ التَّوحيد الوصفيّ يعني نفي الصفات الزائدة عن الذات الإلهية ، وهذا المطلب يلازم التَّوحيد الذاتي؛ إِذ على أَساس التَّوحيد الذاتي أَنّ اللّه تعالى غير مركّب من أَجزاء ، وقبول الصفات الزائدة على الذات يستلزم أَنّ اللّه تعالى مركّب من الذات والصفات . والتَّوحيد الوصفيّ يتعلّق بصفات الذات لا صفات الفعل ، وبعبارة أُخرى : إِنّ صفات الذات كالعلم والقدرة هي عين ذاته تعالى ، أَمّا صفات الفعل كالإرادة والكلام فهي من أَفعاله تعالى وهي حادثة . لقد اعتبر بعض المحقّقين التّوحيد الوصفيّ بمعنى توحيد اللّه سبحانه في الصفات الكمالية ، وهذا الرأي مفاد بعض الأَحاديث ، مثل : «كُلُّ عَزيزٍ غَيرَهُ ذَليلٌ ، وكُلُّ قَوِيٍّ غَيرَهُ ضَعيفٌ ، وكُلُّ مالِكٍ غَيرَهُ مَملوكٌ ...» . (1) وقد ذكرنا هذا المعنى للتوحيد الوصفيّ والأَحاديث المتعلقة به في ذيل التَّوحيد الذاتي .
.
ص: 378
2 / 1صِفاتُ اللّهِ عَينُ ذاتِهِالإمام عليّ عليه السلام :أَوَّلُ عِبادَةِ اللّهِ مَعرِفَتُهُ ، وأَصلُ مَعرِفَتِهِ تَوحيدُهُ ، ونِظامُ تَوحيدِهِ نَفيُ التَّشبيهِ عَنهُ ، جَلَّ عَن أَن تَحُلَّهُ الصِّفاتُ؛ لِشَهادَةِ العُقولِ أَنَّ كُلَ مَن حَلَّتهُ الصِّفاتُ مَصنوعٌ ، وشَهادَةِ العُقولِ أَنَّهُ _ جَلَّ جَلالُهُ _ صانِعٌ لَيسَ بِمَصنوعٍ. بِصُنعِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ، وبِالعُقولِ تُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ، وبِالنَّظَرِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ. جَعَلَ الخَلقَ دَليلاً عَلَيهِ ، فَكَشَفَ بِهِ عَن رُبوبِيَّتِهِ. هُوَ الواحِدُ الفَردُ في أَزَلِيَّتِهِ ، لا شَريكَ لَهُ في إِلهِيَّتِهِ ، ولا نِدَّ لَهُ في رُبوبِيَّتِهِ ، بِمُضادَّتِهِ بَينَ الأَشياءِ المُتَضادَّةِ عُلِمَ أَن لا ضِدَّ لَهُ ، وبِمُقارَنَتِهِ بَينَ الأُمورِ المُقتَرِنَةِ عُلِمَ أَن لا قَرينَ لَهُ . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :إِنَّ رَبّي _ تَبارَكَ وتَعالى _ كانَ ولَم يَزَل حَيّا بِلا كَيفٍ ، ولَم يَكُن لَهُ كانَ ولا كانَ لِكَونِهِ كَونُ كَيفٍ ، ولا كانَ لَهُ أَينٌ ، ولا كانَ في شَيءٍ ولا كانَ عَلى شَيءٍ ، ولَا ابتَدَعَ لِمَكانِهِ مَكانا ولا قَوِيَ بَعدَما كَوَّنَ الأَشياءَ ، ولا كانَ ضَعيفا قَبلَ أَن يُكَوِّنَ شَيئا ، ولا كانَ مُستَوحِشا قَبلَ أَن يَبتَدِعَ شَيئا ، ولا يُشبِهُ شَيئا مَذكورا ، ولا كانَ خِلوا مِنَ المُلكِ قَبلَ إِنشائِهِ ولا يَكونُ مِنهُ خِلوا بَعدَ ذَهابِهِ ، لَم يَزَل حَيّا بِلا حَياةٍ ومَلِكا قادِرا قَبلَ أَن يُنشِئَ شَيئا ، ومَلِكا جَبّارا بَعدَ إِنشائِهِ لِلكَونِ . فَلَيسَ لِكَونِهِ كَيفٌ ولا لَه أَينٌ ولا لَهُ حَدٌّ ، ولا يُعرَفُ بِشَيءٍ يُشبِهُهُ ولا يَهرَمُ لِطولِ البَقاءِ ، ولا يَصعَقُ لِشَيءٍ ، بَل لِخَوفِهِ تَصعَقُ الأَشياءُ كُلُّها ، كانَ حَيّا بِلا حَياةٍ حادِثَةٍ ، ولا كَونٍ مَوصوفٍ ولا كَيفٍ مَحدودٍ ولا أَينٍ مَوقوفٍ عَلَيهِ ، ولا مَكانٍ جاوَرَ شَيئا ،
.
ص: 379
بَل حَيٌّ يُعرَفُ ومَلِكٌ لَم يَزَل لَهُ القُدرَةُ وَالمُلكُ ، أَنشَأَ ما شاءَ حينَ شاءَ بِمَشيئَتِهِ ، لا يُحَدُّ ولا يُبَعَّضُ ولا يَفنى ، كانَ أَوَّلاً بِلا كَيفٍ ويَكونُ آخِرا بِلا أَينٍ ، وكُلُّ شَيءٍ هالِكٌ إِلّا وَجهَهُ ، لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ العالَمينَ . (1)
الكافي عن محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام_ في صِفَةِ القَديمِ _: إِنَّهُ واحِدٌ ، صَمَدٌ ، أَحَدِيُّ المَعنى ، لَيسَ بِمَعانٍ كَثيرَةٍ مُختَلِفَةٍ . قالَ: قُلتُ: _ جُعِلتُ فِداكَ _ يَزعُمُ قَومٌ مِن أَهلِ العِراقِ أَنَّهُ يَسمَعُ بِغَيرِ الَّذي يُبصِرُ ، ويُبصِرُ بِغَيرِ الَّذي يَسمَعُ! قالَ: فَقالَ: كَذَبوا وأَلحَدوا وشَبَّهوا ؛ تَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ ، إِنَّهُ سَميعٌ بَصيرٌ ، يَسمَعُ بِما يُبصِرُ ، ويُبصِرُ بِما يَسمَعُ . قالَ: قُلتُ: يَزعُمونَ أَنَّهُ بَصيرٌ عَلى ما يَعقِلونَهُ . قالَ: فَقالَ: تَعالَى اللّهُ! إِنَّما يُعقَلُ ما كانَ بِصِفَةِ المَخلوقِ ، ولَيسَ اللّهُ كَذلِكَ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :رَبُّنا نورِيُّ الذّاتِ ، حَيُّ الذّاتِ ، عالِمُ الذّاتِ ، صَمَدِيُّ الذّاتِ . (3)
عنه عليه السلام_ لِزِنديقٍ حينَ سَأَلَهُ: أَتَقولُ: إِنَّهُ سَميعٌ بَصيرٌ؟ _: هُوَ سَميعٌ بَصيرٌ ، سَميعٌ بِغَيرِ جارِحَةٍ وبَصيرٌ بِغَيرِ آلَةٍ ، بَل يَسمَعُ بِنَفسِهِ ويُبصِرُ بِنَفسِهِ ، ولَيسَ قَولي: «إِنَّهُ سَميعٌ بِنَفسِهِ» أَنَّهُ شَيءٌ وَالنَّفسُ شَيءٌ آخَرُ ، ولكِنّي أَرَدتُ عِبارَةً عَن نَفسي إِذ كُنتُ مَسؤولاً ، وإِفهاما لَكَ إِذ كُنتَ سائِلاً ، فَأَقولُ: يَسمَعُ بِكُلِّهِ لا أَنَّ كُلَّهُ لَهُ بَعضٌ ؛ لِأَنَّ
.
ص: 380
الكُلَّ لَنا (لَهُ) بَعضٌ ، ولكن أَرَدتُ إِفهامَكَ وَالتَّعبيرَ عَن نَفسي ، ولَيسَ مَرجِعي في ذلِكَ كُلِّهِ إِلّا أَنَّهُ السَّميعُ البَصيرُ ، العالِمُ الخَبيِرُ بِلَا اختِلافِ الذّاتِ ولا اختِلافِ مَعنىً . (1)
عنه عليه السلام :لَم يَزَلِ اللّهُ عَليما سَميعا بَصيرا ، ذاتٌ عَلّامَةٌ سَميعَةٌ بَصيرةٌ . (2)
التوحيد عن أبان بن عثمان الأحمر :قُلتُ لِلصّادِقِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام : أَخبِرني عَنِ اللّهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَم يَزَل سَميعا بَصيرا عَليما قادِرا ؟ قالَ: نَعَم. قُلتُ لَهُ: إِنَّ رَجُلاً يَنتَحِلُ مُوالاتَكُم أَهلَ البَيتِ ، يَقولُ: إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَم يَزَل سَميعا بِسَمعٍ ، وبَصيرا بِبَصَرٍ ، وعَليما بِعِلمٍ ، وقادِرا بِقُدرَةٍ! فَغَضِبَ عليه السلام ثُمَّ قالَ: مَن قالَ ذلِكَ ودانَ بِهِ فَهُوَ مُشرِكٌ ولَيسَ مِن وِلايَتِنا عَلى شَيءٍ ، إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ ذاتٌ عَلّامَةٌ سَميعَةٌ بَصيرَةٌ قادِرَةٌ . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :أَوَّلُ الدِّيانَةِ بِهِ مَعرِفَتُهُ ، وكَمالُ مَعرِفَتِهِ تَوحيدُهُ ، وكَمالُ تَوحيدِهِ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ؛ بِشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّها غَيرُ المَوصوفِ ، وشَهادَةِ المَوصوفِ أَنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ ، وشَهادَتِهِما جَميعا بِالتَّثنِيَةِ المُمتَنِعِ مِنهُ الأَزَلُ . (4)
.
ص: 381
الإمام الرضا عليه السلام :أَوَّلُ عِبادَةِ اللّهِ مَعرِفَتُهُ ، وأَصلُ مَعرِفَةِ اللّهِ تَوحيدُهُ ، ونِظامُ تَوحيدِ اللّهِ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ؛ لِشَهادَةِ العُقولِ أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ ومَوصوفٍ مَخلوقٌ ، وشَهادَةِ كُلِّ مَخلوقٍ أَنَّ لَهُ خالِقا لَيسَ بِصِفَةٍ ولا مَوصوفٍ ، وشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ ومَوصوفٍ بِالاِقتِرانِ ، وشَهادَةِ الاِقتِرانِ بِالحَدَثِ ، وشَهادَةِ الحَدَثِ بِالامتِناعِ مِنَ الأَزَلِ المُمتَنِعِ مِنَ الحَدَثِ . (1)
التوحيد عن الحسين بن خالد :سَمِعتُ الرِّضا عَلِيَّ بنَ موسى عليهماالسلام يَقولُ: لَم يَزَلِ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ عَليما قادِرا حَيّا قَديما سَميعا بَصيرا. فَقُلتُ لَهُ: يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، إِنَّ قَوما يَقولونَ: إِنَّهُ عز و جل لَم يَزَل عالمِا بِعِلمٍ ، وقادِرا بِقُدرَةٍ ، وحَيّا بِحَياةٍ ، وقَديما بِقِدَمٍ ، وسَميعا بِسَمعٍ ، وبَصيرا بِبَصَرٍ. فَقالَ عليه السلام : مَن قالَ ذلِكَ ودانَ بِهِ فَقَدِ اتَّخَذَ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخرى ، ولَيسَ مِن وِلايَتِنا عَلى شَيءٍ . ثُمَّ قالَ عليه السلام : لَم يَزَلِ اللّهُ عز و جل عَليما قادِرا حَيّا قَديما سَميعا بَصيرا لِذاتِهِ ، تَعالى عَمّا يَقولُ المُشرِكونَ وَالمُشَبِّهونَ عُلُوّا كَبيرا . (2)
2 / 2الفَرقُ بَينَ صِفاتِ ذاتِهِ وصِفاتِ فِعلِهِالكافي عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام :لَم يَزَلِ اللّهُ عز و جل رَبَّنا وَالعِلمُ ذاتُهُ
.
ص: 382
ولا مَعلومَ ، وَالسَّمعُ ذاتُهُ ولا مَسموعَ ، وَالبَصَرُ ذاتُهُ ولا مُبصَرَ ، وَالقُدرَةُ ذاتُهُ ولا مَقدورَ، فَلَمّا أَحدَثَ الأَشياءَ وكانَ المَعلومُ وَقَعَ العِلمُ مِنهُ عَلَى المَعلومِ، وَالسَّمعُ عَلَى المَسموعِ ، وَالبَصَرُ عَلَى المُبصَرِ ، وَالقُدرَةُ عَلَى المَقدورِ ... . قُلتُ: فَلَم يَزَلِ اللّهُ مُتَكَلِّما؟ قالَ: فَقالَ: إِنَّ الكَلامَ صِفَةٌ مُحدَثَةٌ لَيسَت بِأَزَلِيَّةٍ ، كانَ اللّهُ عز و جل ولا مُتَكَلِّمَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام _ لَمّا سُئِلَ:لَم يَزَلِ اللّهُ مُريدا؟ _ : إِنَّ المُريدَ لا يَكونُ إِلّا لِمُرادٍ مَعَهُ ، لَم يَزَلِ اللّهُ عالِما قادِرا ثُمَّ أَرادَ . (2)
الكافي عن بكير بن أعين :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : عِلمُ اللّهِ ومَشيئَتُهُ هُما مُختَلِفانِ أَو مُتَّفِقانِ؟ فَقالَ: العِلمُ لَيسَ هُوَ المَشيئَةُ ، أَلا تَرى أَنَّكَ تَقولُ: سَأَفعَلُ كَذا إِن شاءَ اللّهُ ، ولا تَقولُ سَأَفعَلُ كَذا إِن عَلِمَ اللّهُ! فَقَولُكَ: «إِن شاءَ اللّهُ» دَليلٌ عَلى أَنَّهُ لَم يَشَأ ، فَإِذا شاءَ كانَ الَّذي شاءَ كَما شاءَ ، وعِلمُ اللّهِ السّابِقُ (3) لِلمَشيئَةِ . (4)
التوحيد عن الحسن بن محمّد النوفلي_ في ذِكرِ مَجلِسِ الرِّضا عليه السلام مَعَ سُلَيمانَ المَروزِيِّ مُتَكَلِّمِ خُراسانَ عِندَ المَأَمونِ فِي التَّوحيدِ _: ... فَقالَ المَأمونُ : يا سُلَيمانُ ، سَل أَبا الحَسَنِ عَمّا بَدا لَكَ ، وعَلَيكَ بِحُسنِ الاِستِماعِ وَالإِنصافِ .
.
ص: 383
قالَ سُلَيمانُ: يا سَيِّدي أَسأَ لُكَ ؟ قالَ الرِّضا عليه السلام : سَل عَمّا بَدا لَكَ . قالَ: ما تَقولُ فيمَن جَعَلَ الإِرادَةَ اسما وصِفَةً ، مِثلَ حَيٍّ وسَميعٍ وبَصيرٍ وقَديرٍ؟ قالَ الرِّضا عليه السلام : إِنَّما قُلتُم : حَدَثَتِ الأَشياءُ وَاختَلَفَت ؛ لِأَنَّهُ شاءَ وأَرادَ ، ولَم تَقولوا : حَدَثَت وَاختَلَفَت ؛ لِأَنَّهُ سَميعٌ بَصيرٌ ، فَهذا دَليلٌ عَلى أَنَّها لَيست بِمِثلِ سَميعٍ ولا بَصيرٍ ولا قَديرٍ . قالَ سُلَيمانُ: فَإِنَّهُ لَم يَزَل مُريدا ، قالَ: يا سُلَيمانُ ، فَإِرادَتُهُ غَيرُهُ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَقَد أَثبَتَّ مَعَهُ شَيئا غَيرَهُ لَم يَزَل ! قالَ سُلَيمانُ: ما أَثبَتُّ . قالَ الرِّضا عليه السلام : أَهِيَ مُحدَثَةٌ؟ قالَ سُلَيمانُ: لا ، ما هِيَ مُحدَثَةٌ . فَصاحَ بِهِ المَأَمونُ ، وقالَ: يا سُلَيمانُ ، مِثلُهُ يُعايا أَو يُكابَرُ ؟! عَلَيكَ بِالإِنصافِ ، أَما تَرى مَن حَولَكَ مِن أَهلِ النَّظَرِ ؟ ثُمَ قالَ: كَلِّمهُ يا أَبَا الحَسَنِ ، فَإِنَّهُ مُتَكَلِّمُ خُراسانَ . فَأَعادَ عَلَيهِ المَسأَلَةَ ، فَقالَ : هِيَ مُحدَثَةٌ يا سُلَيمانُ ؛ فَإِنَّ الشَّيءَ إِذا لَم يَكُن أَزَلِيّا كانَ مُحدَثا ، وإِذا لَم يَكُن مُحدَثا كانَ أَزَلِيّا . قالَ سُلَيمانُ: إِرادَتُهُ مِنهُ ، كَما أَنَّ سَمعَهُ مِنهُ وبَصَرَهُ مِنهُ وعِلمَهُ مِنهُ . قالَ الرِّضا عليه السلام : فَإِرادَتُهُ نَفسُهُ؟
.
ص: 384
قالَ: لا . قالَ عليه السلام : فَلَيسَ المُريدُ مِثلَ السَّميعِ وَالبَصيرِ . قالَ سُلَيمانُ: إِنَّما أَرادَ نَفسُهُ ، كَما سَمِعَ نَفسُهُ وأَبصَرَ نَفسُهُ وعَلِمَ نَفسُهُ. قالَ الرِّضا عليه السلام : ما مَعنى أَرادَ نَفسُهُ ؟ أَرادَ أَن يَكونَ شَيئا ، أَو أَرادَ أَن يَكونَ حَيّا ، أَو سَميعا أَو بَصيرا أَو قَديرا! قالَ: نَعَم . قالَ الرِّضا عليه السلام : أَفَبِإِرادَتِهِ كانَ ذلِكَ؟! قالَ سُلَيمانُ: لا . قالَ الرِّضا عليه السلام : فَلَيسَ لِقَولِكَ: أَرادَ أَن يَكونَ حَيّا سَمعيا بَصيرا مَعنىً إِذا لَم يَكُن ذلِكَ بِإِرادَتِهِ ! قالَ سُلَيمانُ: بَلى ، قَد كانَ ذلِكَ بِإِرادَتِهِ . فَضَحِكَ المَأمونُ ومَن حَولَهُ وضَحِكَ الرِّضا عليه السلام ، ثُمَّ قالَ لَهُم: اِرفَقوا بِمُتُكَلِّمِ خُراسانَ . يا سُلَيمانُ ، فَقَد حالَ عِندَكُم عَن حالَةٍ وتَغَيَّرَ عَنها ، وهذا مِمّا لا يُوصَفُ اللّهُ عز و جل بِهِ . فَانقَطَعَ. ثُمَّ قالَ الرِّضا عليه السلام : يا سُلَيمانُ، أَسأَ لُكَ مَسأَلَةً . قالَ: سَل _ جُعِلتُ فِداكَ! _ . قالَ: أَخبِرني عَنكَ وعَن أَصحابِكَ تُكَلِّمونَ النّاسَ بِما يَفقَهونَ ويَعرِفونَ ، أَو بِما لا يَفقَهونَ ولا يَعرِفونَ؟! قالَ: بَل ، بِما يَفقَهونَ ويَعرِفونَ . قالَ الرِّضا عليه السلام : فَالَّذي يَعلَمُ النّاسُ أَنَّ المُريدَ غَيرُ الإِرادَةِ ، وأَنَّ المُريدَ قَبلَ الإِرادَةِ ،
.
ص: 385
وأَنَّ الفاعِلَ قَبلَ المَفعولِ ، وهذا يُبطِلُ قَولَكُم: إِنَّ الإِرادَةَ وَالمُريدَ شَيءٌ واحِدٌ . قالَ: _ جُعِلتُ فِداكَ ! _ لَيسَ ذاكَ مِنهُ عَلى ما يَعرِفُ النّاسُ ولا عَلى ما يَفقَهونَ . قالَ عليه السلام : فَأَراكُمُ ادَّعَيتُم عِلمَ ذلِكَ بِلا مَعرِفَةٍ ، وقُلتُم: الإِرادَةُ كَالسَّمعِ وَالبَصَرِ إِذا كانَ ذلِكَ عِندَكُم عَلى ما لا يُعرَفُ ولا يُعقَلُ ! فَلَم يُحِر جَوابا . ثُمَّ قالَ الرِّضا عليه السلام : يا سُلَيمانُ ، هَل يَعلَمُ اللّهُ عز و جل جَميعَ ما فِي الجَنَّةِ وَالنّارِ؟! قالَ سُلَيمانُ: نَعَم . قالَ: أَفَيَكونُ ما عَلِمَ اللّهُ عز و جل أَنَّهُ يَكونُ مِن ذلِكَ؟ قالَ: نَعَم . قالَ: فَإِذا كانَ حَتّى لا يَبقى مِنهُ شَيءٌ إِلّا كانَ أَيَزيدُهُم أَو يَطويهِ عَنهُم ؟ قالَ سُلَيمانُ: بَل يَزيدُهُم . قالَ: فَأَراهُ في قَولِكَ: قَد زادَهُم ، ما لَم يَكُن في عِلمِهِ أَنَّهُ يَكونُ . قالَ: _ جُعِلتُ فِداكَ ! _ وَالمَزيدُ لا غايَةَ لَهُ . قالَ عليه السلام : فَلَيسَ يُحيطُ عِلمُهُ عِندَكَم بِما يَكونُ فيهِما إِذا لَم يُعرَف غايَةُ ذلِكَ ، وإِذا لَم يُحِط عِلمُهُ بِما يَكونُ فيهِما لَم يَعلَم ما يَكونُ فيهِما قَبلَ أَن يَكونَ ، تَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ عُلُوّا كَبيرا . قالَ سُلَيمانُ: إِنَّما قُلتُ: لا يَعلَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ لا غايَةَ لِهذا ، لِأَنَّ اللّهَ عز و جل وَصَفَهُما بِالخُلودِ وكَرِهنا أَن نَجعَلَ لَهُمَا انقِطاعا . قالَ الرِّضا عليه السلام : لَيسَ عِلمُهُ بِذلِكَ بِموجِبٍ لِانقِطاعِهِ عَنهُم ؛ لِأَنَّهُ قَد يَعلَمُ ذلِكَ ثُمَّ
.
ص: 386
يَزيدُهُم ثُمَّ لا يَقطَعُهُ عَنهُم ، وكَذلِكَ قالَ اللّهُ عز و جل في كِتابِهِ: «كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَ_هُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ» (1) وقالَ عز و جل لِأَهلِ الجَنَّةِ: «عَطَ_اءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» (2) وقالَ عز و جل: «وَ فَ_كِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَ لَا مَمْنُوعَةٍ» (3) فَهُوَ _ جَلَّ وعَزَّ _ يَعلَمُ ذلِكَ ولا يَقطَعُ عَنهُم الزِّيادَةَ . أَرَأَيتَ ما أَكَلَ أَهلُ الجَنَّةِ وما شَرِبوا أَلَيسَ يُخلِفُ مَكانَهُ؟! قالَ: بَلى . قالَ: أَفَيَكونُ يَقطَعُ ذلِكَ عَنهُم وقَد أَخلَفَ مَكانَهُ؟! قالَ سُلَيمانُ: لا . قالَ: فَكَذلِكَ كُلُّ ما يَكونُ فيها إِذا أَخلَفَ مَكانَهُ فَلَيسَ بِمَقطوعٍ عَنهُم . قالَ سُلَيمانُ: بَل يَقطَعُهُ عَنهُم فَلا يَزيدُهُم . قالَ الرِّضا عليه السلام : إِذا يَبيدُ ما فيهِما ، وهذا يا سُلَيمانُ إِبطالُ الخُلودِ وخِلافُ الكِتابِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ: «لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَ لَدَيْنَا مَزِيدٌ» (4) ويَقولُ عز و جل : «عَطَ_اءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» ويَقولُ عز و جل: «وَ مَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ» (5) ويَقولُ عز و جل: «خَ__لِدِينَ فِيهَا أَبَدًا» (6) ويَقولُ عز و جل: «وَ فَ_كِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَ لَا مَمْنُوعَةٍ» ! فَلَم يُحِر جَوابا. ثُمَّ قالَ الرِّضا عليه السلام : يا سُلَيمانُ ، أَلا تُخبِرُني عَنِ الإِرادَةِ فِعلٌ هِيَ أَم غَيرُ فِعلٍ؟
.
ص: 387
قالَ: بَل هِيَ فِعلٌ . قالَ: فَهِيَ مُحدَثَةٌ ؛ لِأَنَّ الفِعلَ كُلَّهُ مُحدَثٌ . قالَ: لَيسَت بِفِعلٍ . قالَ: فَمَعَهُ غَيرُهُ لَم يَزَل . قالَ سُلَيمانُ: الإِرادَةُ هِيَ الإِنشاءُ . قالَ: يا سُلَيمانُ هذَا الَّذِي ادَّعَيتُموهُ (1) عَلى ضِرارٍ وأَصحابِهِ مِن قَولِهِم: إِنَّ كُلَّ ما خَلَقَ اللّهُ عز و جل في سَماءٍ أَو أَرضٍ أَو بَحرٍ أَو بَرٍّ مِن كَلبٍ أَو خِنزيرٍ أَو قِردٍ أَو إِنسانٍ أَو دابَّةٍ إِرادَةُ اللّهِ عز و جل ، وإِنَّ إِرادَةَ اللّهِ عز و جل تَحيا وتَموتُ ، وتَذهَبُ ، وتَأكُلُ وتَشرَبُ ، وتَنكَحُ وتَلِدُ ، وتَظلِمُ ، وتَفعَلُ الفَواحِشَ ، وتَكفُرُ ، وتُشرِكُ ، فَتُبَرِّئُ مِنها وتُعاديها ، وهذا حَدُّها. قالَ سُلَيمانُ: إِنَّها كَالسَّمعِ وَالبَصَرِ وَالعِلمِ . قالَ الرِّضا عليه السلام : قَد رَجَعتَ إِلى هذا ثانِيَةً ، فَأَخبِرني عَنِ السَّمعِ وَالبَصَرِ وَالعِلمِ أَمَصنوعٌ؟ قالَ سُلَيمانُ: لا . قالَ الرِّضا عليه السلام : فَكَيفَ نَفَيتُموهُ فَمَرَّةً قُلتُم لَم يُرِد ومَرَّةً قُلتُم أَرادَ ، ولَيسَت بِمَفعولٍ لَهُ! قالَ سُلَيمانُ: إِنَّما ذلِكَ كَقَولِنا مَرَّةً عَلِمَ ومَرَّةً لَم يَعلَم .
.
ص: 388
قالَ الرِّضا عليه السلام : لَيسَ ذلِكَ سَواءً ؛ لِأَنَّ نَفيَ المَعلومِ لَيسَ بِنَفيِ العِلمِ ، ونَفيَ المُرادِ نَفيُ الإِرادَةِ أَن تَكونَ ؛ لِأَنَّ الشَّيءَ إِذا لَم يُرَد لَم يَكُن إِرادَةٌ ، وقَد يَكونُ العِلمُ ثابِتا وإِن لَم يَكُنِ المَعلومُ بِمَنزِلَةِ البَصَرِ؛ فَقَد يَكونُ الإِنسانُ بَصيرا وإِن لَم يَكُن المُبصَرُ ، ويَكونُ العِلمُ ثابِتا وإِن لَم يَكُنِ المَعلومُ . (1) قالَ سُلَيمانُ: إِنَّها مَصنوعَةٌ . قالَ عليه السلام : فَهِيَ مُحدَثَةٌ لَيسَت كَالسَّمعِ وَالبَصَرِ ؛ لِأَنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ لَيسا بِمَصنوعَينِ وهذِهِ مَصنوعَةٌ . قالَ سُلَيمانُ: إِنَّها صِفَةٌ مِن صِفاتِهِ لَم تَزَل . قالَ: فَيَنبَغي أَن يَكونَ الإِنسانُ لَم يَزَل ؛ لِأَنَّ صِفَتَهُ لَم تَزَل ! قالَ سُلَيمانُ: لا ؛ لِأَنَّهُ لَم يَفعَلها . قالَ الرِّضا عليه السلام : يا خُراسانِيُّ ما أَكثَرَ غَلَطَكَ ! أَفَلَيسَ بِإِرادَتِهِ وقَولِهِ تَكَوُّنُ الأَشياءِ؟! قالَ سُلَيمانُ: لا . قالَ: فَإِذا لَم يَكُن بِإِرادَتِهِ ولا مَشيئَتهِ ولا أَمرِهِ ولا بِالمُباشَرَةِ فَكَيفَ يَكونُ ذلِكَ؟! تَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ . فَلَم يُحِر جَوابا. ثُمَّ قالَ الرِّضا عليه السلام : أَلا تُخبِرُني عَن قَولِ اللّهِ عز و جل: «وَ إِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا» (2) يَعني بِذلِكَ أَنَّهُ يُحدِثُ إِرادَةً؟!
.
ص: 389
قالَ لَهُ: نَعَم . قالَ: فَإِذا أَحدَثَ إِرادَةً كانَ قَولُكَ : إِنَّ الإِرادَةَ هِيَ هُوَ أَم شَيءٌ مِنهُ باطِلاً ؛ لِأَنَّهُ لا يَكونُ أَن يُحدِثَ نَفسَهُ ولا يَتَغَيَّرَ عَن حالِهِ ، تَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ . قالَ سُلَيمانُ: إِنَّهُ لَم يَكُن عَنى بِذلِكَ أَنَّهُ يُحدِثُ إِرادَةً . قالَ: فَما عَنى بِهِ ؟ قالَ: عَنى فِعلَ الشَّيءِ. قالَ الرِّضا عليه السلام : وَيلَكَ ! كَم تُرَدِّدُ هذِهِ المَسأَلَةَ ، وقَد أَخبَرتُكَ أَنَّ الإِرادَةَ مُحدَثَةٌ ؛ لِأَنَّ فِعلَ الشَّيءِ مُحدَثٌ . قالَ: فَلَيسَ لَها مَعنىً . قالَ الرِّضا عليه السلام : قَد وَصَفَ نَفسَهُ عِندَكُم حَتّى وَصَفَها بِالإِرادَةِ بِما لا مَعنى لَهُ، فَإِذا لَم يَكُن لَها مَعنىً قَديمٌ ولا حَديثٌ بَطَلَ قَولُكُم : إِنَّ اللّهَ لَم يَزَل مُريدا. قالَ سُلَيمانُ: إِنَّما عَنَيتُ أَنَّها فِعلٌ مِنَ اللّهِ لَم يَزَل . قالَ: أَلا تَعلَمُ أَنَّ ما لَم يَزَل لا يَكونُ مَفعولاً وحَديثا وقَديما في حالَةٍ واحِدَةٍ؟! فَلَم يُحِر جَوابا. قالَ الرِّضا عليه السلام : لا بَأسَ ، أَتمِم مَسأَلَتَكَ . قالَ سُلَيمانُ: قُلتُ: إِنَّ الإِرادَةَ صِفَةٌ مِن صِفاتِهِ . قالَ الرِّضا عليه السلام : كَم تُرَدِّدُ عَلَيَّ أَنَّها صِفَةٌ مِن صِفاتِهِ . وصِفَتُهُ مُحدَثَةٌ أَو لَم تَزَل؟! قالَ سُلَيمانُ: مُحدَثَةٌ .
.
ص: 390
قالَ الرِّضا عليه السلام : اللّهُ أَكبَرُ ، فَالإِرادَةُ مُحدَثَةٌ وإِن كانَت صِفَةً مِن صِفاتِهِ لَم تَزَل ؟ فَلَم يَرُدَّ شَيئا. قالَ الرِّضا عليه السلام : إِنَّ ما لَم يَزَل لا يَكونُ مَفعولاً . قالَ سُلَيمانُ: لَيسَ الأَشياءُ إِرادَةً ، ولَم يُرِد شَيئا. قالَ الرِّضا عليه السلام : وَسوَستَ يا سُلَيمانُ ، فَقَد فَعَلَ وخَلَقَ ما لَم يُرِد خَلقَهُ ولا فِعلَهُ ، وهذِهِ صِفَةُ مَن لا يَدري ما فَعَلَ ، تَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ. قالَ سُلَيمانُ: يا سَيِّدي قَد أَخبَرتُكَ أَنَّها كَالسَّمعِ وَالبَصَرِ وَالعِلمِ . قالَ المَأمونُ: وَيلَكَ يا سُلَيمانُ ، كَم هذَا الغَلَطُ وَالتَّرَدُّدُ ، اقطَع هذا وخُذ في غَيرِهِ إِذ لَستَ تَقوى عَلى هذَا الرَّدِّ . قالَ الرِّضا عليه السلام : دَعهُ يا أَميرَالمُؤمِنينَ ، لا تَقطَع عَلَيهِ مَسأَلَتَهُ فَيَجعَلَها حُجَّةً . تَكَلَّم يا سُلَيمانُ . قالَ: قَد أَخبَرتُكَ أَنَّها كَالسَّمعِ وَالبَصَرِ وَالعِلمِ . قالَ الرِّضا عليه السلام : لا بَأسَ ، أَخبِرني عَن مَعنى هذِهِ أَمعنىً واحِدٌ أَم مَعانٍ مُختَلِفَةٌ؟! قالَ سُلَيمانُ: بَل مَعنىً واحِدٌ . قالَ الرِّضا عليه السلام : فَمَعنَى الإِراداتِ كُلِّها مَعنىً واحِدٌ؟ قالَ سُلَيمانُ: نَعَم . قالَ الرِّضا عليه السلام : فَإِن كانَ مَعناها مَعنىً واحِدا كانَت إِرادَةُ القِيامِ وإِرادَةُ القُعودِ
.
ص: 391
وإِرادَةُ الحَياةِ وإِرادَةُ المَوتِ ، إِذا كانَت إِرادَتُهُ واحِدَةً لَم يَتَقَدَّم بَعضُها بَعضا ولَم يُخالِف بَعضُها بَعضا ، وكانَ شَيئا واحِدا ! قالَ سُلَيمانُ: إِنَّ مَعناها مُختَلِفٌ . قالَ عليه السلام : فَأَخبِرني عَنِ المُريدِ أَهُوَ الإِرادَةُ أَو غَيرُها؟! قالَ سُلَيمانُ: بَل هُوَ الإِرادَةُ . قالَ الرِّضا عليه السلام : فَالمُريدُ عِندَكُم يَختَلِفُ إِن كانَ هُوَ الإِرادَةُ ؟ قالَ: يا سَيِّدي ، لَيسَ الإِرادَةُ المُريدَ . قالَ عليه السلام : فَالإِرادَةُ مُحدَثَةٌ ، وإِلّا فَمَعَهُ غَيرُهُ. افهَم وزِد في مَسأَلَتِكَ. قالَ سُلَيمانُ: فَإِنَّها اسمٌ مِن أَسمائِهِ . قالَ الرِّضا عليه السلام : هَل سَمّى نَفسَهُ بِذلِكَ؟ قالَ سُلَيمانُ: لا ، لَم يُسَمِّ نَفسَهُ بِذلِكَ . قالَ الرِّضا عليه السلام : فَلَيسَ لَكَ أَن تُسَمِّيَهُ بِما لَم يُسَمِّ بِهِ نَفسَهُ . قالَ: قَد وَصَفَ نَفسَهُ بِأَنَّهُ مُريدٌ . قالَ الرِّضا عليه السلام : لَيسَ صِفَتُهُ نَفسَهُ أَنَّهُ مُريدٌ إِخبارا عَن أنَّهُ إِرادَةٌ ولا إِخبارا عَن أَنَّ الإِرادَةَ اسمٌ مِن أَسمائِهِ . قالَ سُلَيمانُ: لِأَنَّ إِرادَتَهُ عِلمُهُ . قالَ الرِّضا عليه السلام : يا جاهِلُ ، فِإِذا عَلِمَ الشَّيءَ فَقَد أَرادَهُ .
.
ص: 392
قالَ سُلَيمانُ: أَجَل . قالَ عليه السلام : فَإِذا لَم يُرِدهُ لَم يَعلَمهُ . قالَ سُلَيمانُ: أَجَل . قالَ عليه السلام : مِن أَينَ قُلتَ ذاكَ ، ومَا الدَّليلُ عَلى أَنَّ إِرادَتَهُ عِلمُهُ ، وقَد يَعلَمُ ما لا يُريدُهُ أَبَدا ، وذلِكَ قَولُهُ عز و جل : «وَ لَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ» (1) فَهُوَ يَعلَمُ كَيفَ يَذهَبُ بِهِ وهُوَ لا يَذهَبُ بِهِ أَبَدا . قالَ سُلَيمانُ: لِأَنَّهُ قَد فَرَغَ مِنَ الأَمرِ فَلَيسَ يَزيدُ فيهِ شَيئا . قالَ الرِّضا عليه السلام : هذا قَولُ اليَهودِ. فَكَيفَ قالَ عز و جل: «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ» (2) ؟ قالَ سُلَيمانُ: إِنَّما عَنى بِذلِكَ أَنَّهُ قادِرٌ عَلَيهِ . قالَ عليه السلام : أَفَيَعِدُ ما لا يَفي بِهِ؟! فَكَيفَ قالَ عز و جل: «يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ» (3) وقالَ عز و جل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (4) وقَد فَرَغَ مِنَ الأَمرِ ؟! فَلَم يُحِر جَوابا . قالَ الرِّضا عليه السلام : يا سُلَيمانُ ، هَل يَعلَمُ أَنَّ إِنسانا يَكونُ ولا يُريدُ أَن يَخلُقَ إِنسانا أَبَدا ، وأَنَّ إِنسانا يَموتُ اليَومَ ولا يُريدُ أَن يَموتَ اليَومَ؟ قالَ سُلَيمانُ: نَعَم . قالَ الرِّضا عليه السلام : فَيَعلَمُ أَنَّهُ يَكُون ما يُريدُ أَن يَكونَ ، أَو يَعلَمُ أَنَّهُ يَكونُ ما لا يُريدُ أَن يَكونَ؟!
.
ص: 393
قالَ: يَعلَمُ أَنَّهُما يَكونانِ جَميعا . قالَ الرِّضا عليه السلام : إِذا يَعلَمُ أَنَّ إِنسانا حَيٌّ مَيِّتٌ ، قائِمٌ قاعِدٌ ، أَعمى بَصيرٌ في حالٍ واحِدَةٍ ، وهذا هُوَ المُحالُ ! قالَ: _ جُعِلتُ فِداكَ ! _ فَإِنَّهُ يَعلَمُ أَنَّهُ يَكونُ أَحدُهُما دونَ الآخَرِ . قالَ عليه السلام : لا بَأسَ ، فَأَيَّهُمُا يَكونُ ؛ الَّذي أَرادَ أَن يَكونَ ، أَوِ الَّذي لَم يُرِد أَن يَكونَ ؟ قالَ سُلَيمانُ: الَّذي أَرادَ أَن يَكونَ . فَضَحِكَ الرِّضا عليه السلام وَالمَأمونُ وأَصحابُ المَقالاتِ. قالَ الرِّضا عليه السلام : غَلَطتَ وتَرَكتَ قَولَكَ: إِنَّهُ يَعلَمُ أَنَ إِنسانا يَموتُ اليَومَ وهُوَ لا يُريدُ أَن يَموتَ اليَومَ ، وأَنَّهُ يَخلُقُ خَلقا وهُوَ لا يُريدُ أَن يَخلُقَهُم، فَإِذا لَم يَجُزِ العِلمُ عِندَكُم بِما لَم يُرِد أَن يَكونَ فَإِنَّما يَعلَمُ أَن يَكونَ ما أَرادَ أَن يَكونَ. قالَ سُلَيمانُ: فَإِنَّما قَولي: إِنَّ الإِرادَةَ لَيسَت هُوَ ولا غَيرَهُ . قالَ الرِّضا عليه السلام : يا جاهِلُ ، إِذا قُلتَ: لَيسَت هُوَ ؛ فَقَد جَعَلتَها غَيرَهُ ، وإِذا قُلتَ: لَيسَت هِيَ غَيرَهُ ؛ فَقَد جَعَلتَها هُوَ ! قالَ سُلَيمانُ: فَهُوَ يَعلَمُ كَيفَ يَصنَعُ الشَّيءَ؟ قالَ عليه السلام : نَعَم . قالَ سُلَيمانُ: فَإِنَّ ذلِكَ إِثباتٌ لِلشَّيءِ . قالَ الرِّضا عليه السلام : أَحَلتَ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَد يُحسِنُ البِناءَ وإِن لَم يَبنِ ، ويُحسِنُ الخِياطَةَ
.
ص: 394
وإِن لَم يَخِط ، ويُحسِنُ صنعَةَ الشَّيءِ وإِن لَم يَصنَعهُ أَبَدا . ثُمَّ قالَ لَهُ: يا سُلَيمانُ هَل يَعلَمُ أَنَّهُ واحِدٌ لا شَيءَ مَعَهُ؟! قالَ: نَعَم . قالَ: أَفَيَكونُ ذلِكَ إِثباتا لِلشَّيءِ؟ قالَ سُلَيمانُ: لَيسَ يَعلَمُ أَنَّهُ واحِدٌ لا شَيءَ مَعَهُ. قالَ الرِّضا عليه السلام : أَفَتَعلَمُ أَنتَ ذاكَ؟ قالَ: نَعَم . قالَ: فَأَنتَ يا سُلَيمانُ أَعلَمُ مِنهُ إِذا ! قالَ سُلَيمانُ: المَسأَلَةُ مُحالٌ . قالَ: مُحالٌ عِندَكَ أَنَّهُ واحِدٌ لا شَيءَ مَعَهُ ، وأَنَّهُ سَميعٌ بَصيرٌ حَكيمٌ عَليمٌ قادِرٌ؟ قالَ: نَعَم . قالَ عليه السلام : فَكَيفَ أَخبَرَ اللّهُ عز و جل أَنَّهُ واحِدٌ حَيٌّ سَميعٌ بَصيرٌ عَليمٌ خَبيرٌ وهُوَ لا يَعلَمُ ذلِكَ! وهذا رَدُّ ما قالَ وتَكذيبُهُ ، تَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ . ثُمَّ قالَ الرِّضا عليه السلام : فَكَيفَ يُريدُ صُنعَ ما لا يَدري صُنعَهُ ولا ما هُوَ! وإِذا كانَ الصّانِعُ لا يَدري كَيفَ يَصنَعُ الشَّيءَ قَبلَ أَن يَصنَعَهُ فَإِنَّما هُوَ مُتَحَيِّرٌ ، تَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ. قالَ سُلَيمانُ: فَإِنَّ الإِرادَةَ القُدرَةُ . قالَ الرِّضا عليه السلام : وهُوَ عز و جل يَقدِرُ عَلى ما لا يُريدُهُ أَبَدا ، ولا بُدَّ مِن ذلِكَ لِأَنَّهُ قالَ
.
ص: 395
_ تَبارَكَ وتَعالى _ : «وَ لَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ» فلَو كانَتِ الإِرادَةُ هِيَ القُدرَةُ كانَ قَد أَرادَ أَن يَذهَبَ بِهِ لِقُدرَتِهِ . فَانقَطَعَ سُليمانُ . قالَ المَأمونُ عِندَ ذلِكَ: يا سُلَيمانُ ، هذا أَعلَمُ هاشِمِيٍّ. ثُمَّ تَفَرَّقَ القَومُ . (1)
.
ص: 396
. .
ص: 397
المرتبة الثّالثة : التّوحيد في الأفعالإِنّ التَّوحيد في الأَفعال ، يعني : كلّ فعل يحدث في هذا العالم هو تحت سلطنة الخالق وبمشيئته وتقديره تعالى ، وليس ثمة فاعل يوازي الخالق أَو مستقلّ عنه ، وينطبق هذا المعنى على جميع الأَفعال الإلهيّة ، ومن بين الأَفعال الإلهية المهمّة : الخلق ، والربوبية ، والتدبير ، من هنا طرحت في ذيل التَّوحيد في الأَفعال .
3 / 1التَّوحيدُ فِي الخالِقِيَّةِالكتاب«قُلِ اللَّهُ خَ__لِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ وَ هُوَ الْوَ حِدُ الْقَهَّ_رُ» . (1)
«هُوَ اللَّهُ الْخَ__لِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى» . (2)
«هَلْ مِنْ خَ__لِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ» . (3)
.
ص: 398
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، لَيسَ خالِقا ولا رازِقا سِواكَ يا اللّهُ ، وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الظّاهِرِ في كُلِّ شَيءٍ بِالقُدرَةِ وَالكِبرِياءِ وَالبُرهانِ وَالسُّلطانِ يا اللّهُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ عز و جل : ومَن أَظلَمُ مِمَّن ذَهَبَ يَخلُقُ كَخَلقي ! فَليَخلُقوا ذَرَّةً (2) أَو لِيَخلُقوا حَبَّةً أَو شَعيرَةً . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :سُبحانَكَ الَّذي لا إِلهَ غَيرُهُ ... بَديعُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ، المُبدِعُ غَيرَ المُبتَدِعِ ، خالِقُ ما يُرى وما لا يُرى . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ الخَلقَ لا شَريكَ لَهُ ، لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ وَالدُّنيا وَالآخِرَةُ ، وهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ وخالِقُهُ ، خَلَقَ الخَلقَ وأَوجَبَ أَن يَعرِفوهُ بِأَنبِيائِهِ ، فَاحتَجَّ عَلَيهِم بِهِم ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله هُوَ الدَّليلُ عَلَى اللّهِ عز و جل ، وهُوَ عَبدٌ مَخلوقٌ مَربوبٌ اِصطَفاهُ اللّهُ لِنَفسِهِ بِرِسالَتِهِ . (5)
راجع : ج4 ص171 (الفصل الثاني والعشرون : الخالق) و ج 5 ص 3 (الفصل الخمسون : الفاعل ، الفعّال) .
.
ص: 399
3 / 2التَّوحيدُ فِي الرُّبوبِيَّةِ3 / 2 _ 1لا رَبَّ غَيرُهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ ولا إِلهَ غَيرُكَ ، أَنتَ رَبُّ الأَربابِ ، ومالِكُ الرِّقابِ ، وصاحِبُ العَفوِ وَالعِقابِ ، أَسأَ لُكَ بِالرُّبوبِيَّةِ الَّتِي انفَرَدتَ بِها أَن تُعتِقَني مِنَ النَّارِ بِقُدرَتِكَ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَةٍ لَهُ فِي التَّوحيدِ _: عَلِمَ ما خَلَقَ وخَلَقَ ما عَلِمَ لا بِالتَّفكيرِ في عِلمٍ حادِثٍ أَصابَ ما خَلَقَ ، ولا شُبهَةٍ دَخَلَت عَلَيهِ فيما لَم يَخلُق ، لكِن قَضاءٌ مُبرَمٌ وعِلمٌ مُحكَمٌ وأَمرٌ مُتقَنٌ ، تَوَحَّدَ بِالرُّبوبِيَّةِ وخَصَّ نَفسَهُ بِالوَحدانِيَّةِ . (2)
عنه عليه السلام_ مِن خُطبَتِهِ بِصِفِّينَ _: فَإِنَّما أَنَا وأَنتُم عَبيدٌ مَملوكونَ لِرَبٍّ لا رَبَّ غَيرُهُ ، يَملِكُ مِنّا ما لا نَملِكُ مِن أَنفُسِنا . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :اَللّهُ غايَةُ مَن غَيّاهُ ، وَالمُغَيّى غَيرُ الغايَةِ ، تَوَحَّدَ بِالرُّبوبِيَّةِ ووَصَفَ نَفسَهُ بِغَيرِ مَحدودِيَّةٍ . (4)
.
ص: 400
الإمام الهادي عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن تَفَرَّدَ بِالرُّبوبِيَّةِ وتَوَحَّدَ بِالوَحدانِيَّةِ ، يا مَن أَضاءَ بِاسمِهِ النَّهارُ وأَشرَقَت بِهِ الأَنوارُ . (1)
3 / 2 _ 2ما يَدُلُّ عَلى وَحدَةِ الرُّبوبِيَّةِالإمام عليّ عليه السلام :اَللّهُ أَكبَرُ الحَليمُ العَليمُ الَّذي لَهُ في كُلِّ صِنفٍ مِن غَرائِبِ فِطرَتِهِ وعَجائِبِ صَنعَتِهِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ تَوجِبُ لَهُ الرُّبوبِيَّةَ ، وعَلى كُلِّ نَوعٍ مِن غَوامِضِ تَقديرِهِ وحُسنِ تَدبيرِهِ دَليلٌ واضِحٌ وشاهِدُ عَدلٍ يَقضِيانِ لَهُ بِالوَحدانِيَّةِ . (2)
عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ فِي التَّوحيدِ _: بِصُنعِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ ، وبِالعُقولِ تُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ ، وبِالنَّظَرِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ ، جَعَلَ الخَلقَ دَليلاً عَلَيهِ فَكَشَفَ بِهِ عَن رُبوبِيَّتِهِ ، هُوَ الواحِدُ الفَردُ في أَزَلِيَّتِهِ ، لا شَريكَ لَهُ في إِلهِيَّتِهِ ، ولا نِدَّ لَهُ في رُبوبِيَّتِهِ . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ _: إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ بَشَّرَ أَهلَ العَقلِ وَالفَهمِ في كِتابِهِ ، فَقالَ: «فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ أُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» (4) ، يا هِشامُ ، إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أَكمَلَ لِلنّاسِ الحُجَجَ بِالعُقولِ ، ونَصَرَ النَّبِيّينَ بِالبَيانِ ودَلَّهُم عَلى رُبوبِيَّتِهِ بِالأَدِلَّةِ ، فَقالَ: «وَ إِلَ_هُكُمْ إِلَ_هٌ وَ حِدٌ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الرَّحْمَ_نُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِى خَلْقِ
.
ص: 401
السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِى تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ بَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّيَ_حِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » (1) . (2)
راجع : ج 4 ص 217 (الفصل السادس والعشرون : الربّ) .
3 / 3التَّوحيدُ فِي التَّدبيرِ3 / 3 _ 1لا يُدَبِّرُ الأَمرَ إلَا اللّهُالكتاب«قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَ الأَْبْصَ_رَ وَ مَن يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَ مَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا مَن لا يُدَبِّرُ الأَمرَ إِلّا هُوَ . (4)
.
ص: 402
3 / 3 _ 2ما يَدُلُّ عَلى وَحدَةِ التَّدبيرِالكتاب«لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلَا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَ_نَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ» . (1)
«مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَ_هٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَ_ه بِمَا خَلَقَ وَ لَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَ_نَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ» . (2)
«قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْاْ إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلاً * سُبْحَ_نَهُ وَ تَعَ__لَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا» . (3)
الحديثتفسير القمّي : «قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْاْ إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلاً » قالَ: لَو كانَتِ الأَصنامُ آلِهَةً كَما يَزعُمونَ لَصَعِدوا إِلَى العَرشِ . (4)
تفسير القمّي :رَدَّ اللّهُ عَلَى الثَّنَوِيَّةِ الَّذينَ قالوا بِإِلهَينِ ، فَقالَ اللّهُ تَعالى: «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَ_هٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَ_ه بِمَا خَلَقَ وَ لَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ » قالَ: لَو كانَ إِلهَينِ كَما زَعَمتُم لَكانا يَختَلِفانِ ، فَيَخلُقُ هذا ولا يَخلُقُ هذا ، ويُريدُ هذا ولا يُريدُ هذا ، ويَطلُبُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُمَا الغَلَبَةَ ، وإِذا أَرادَ أَحَدُهُما خَلقَ إِنسانٍ أَرادَ
.
ص: 403
الآخَرُ خَلقَ بَهيمَةٍ ، فَيَكونُ إِنسانا وبَهيمَةً في حالَةٍ واحِدَةٍ ، وهذا غَيرُ مَوجودٍ ، فَلَمّا بَطَلَ هذا ثَبَتَ التَّدبيرُ وَالصُّنعُ لِواحِدٍ ، ودَلَّ أَيضا التَّدبيرُ وثَباتُهُ وقِوامُ بَعضِهِ بِبَعضٍ عَلى أنَّ الصّانِعَ واحِدٌ ، وذلكَ قَولُهُ: «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ » إِلى قَولِهِ: «لَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ » ، ثُمَّ قالَ آنِفا: «سُبْحَ_نَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ » . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ _: لَو ضَرَبتَ في مَذاهِبِ فِكرِكَ لِتَبلُغَ غاياتِهِ ، ما دَلَّتكَ الدَّلالَةُ إِلّا عَلى أَنَّ فاطِرَ النَّملَةِ هُوَ فاطِرُ النَّخلَةِ (النَّحلَةِ) ، لِدَقيقِ تَفصيلِ كُلِّ شَيءٍ ، وغامِضِ اختِلافِ كُلِّ حَيٍّ ، ومَا الجَليلُ وَاللَّطيفُ ، وَالثَّقيلُ وَالخَفيفُ ، وَالقَوِيُّ وَالضَّعيفُ في خَلقِهِ إِلّا سَواءٌ . (2)
عنه عليه السلام :لَمّا لَم يَكُن إِلى إِثباتِ صانِعِ العالَمِ طَريقٌ إِلّا بِالعَقلِ ؛ لِأَنَّهُ لا يُحَسُّ فَيُدرِكُهُ العِيانُ أَو شَيءٌ مِنَ الحَواسِّ ، فَلَو كانَ غَيرَ واحِدٍ ، بَلِ اثنَينِ أَو أَكثَرَ لَأَوجَبَ العَقلُ عِدَّةَ صُنّاعٍ كَما أَوجَبَ إِثباتَ الصَّانِعِ الواحِدِ ، ولَو كانَ صانِعُ العالَمِ اثنَينِ لَم يَجرِ تَدبيرُهُما عَلى نِظامٍ ، ولَم يَنسَق أَحوالُهُما عَلى إِحكامٍ ولا تَمامٍ ؛ لِأَنَّهُ مَعقولٌ مِنَ الاِثنَينِ الاِختِلافُ في دَواعيهِما وأَفعالِهِما . ولا يَجوزُ أَن يُقالَ: إِنَّهُما مُتَّفِقانِ ولا يَختَلِفانِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَن جازَ عَلَيهِ الاِتِّفاقُ جازَ عَلَيهِ الاِختِلافُ ، أَلا تَرى أَنَّ المُتَّفِقَينِ لا يَخلو أَن يَقدِرَ كُلٌّ مِنهُما عَلى ذلِكَ أَو لا يَقدِرُ كُلٌّ مِنهُما عَلى ذلِكَ ، فَإِن قَدَرا كانا جَميعا عاجِزَينِ ، وإِن لَم يَقدِرا كانا جاهِلَينِ ، وَالعاجِزُ وَالجاهِلُ لا يَكونُ إِلها ولا قَديما . (3)
.
ص: 404
الإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: يا مُفَضَّلُ ، أَوَّلُ العِبَرِ وَالأَدِلَّةِ عَلَى الباري جَلَّ قُدسُهُ تَهيِئَةُ هذَا العالَمِ وتَأليفُ أَجزائِهِ ونَظمُها عَلى ما هِيَ عَلَيهِ ؛ فَإِنَّكَ إِذا تَأَمَّلتَ العالَمَ بِفِكرِكَ ومَيَّزتَهُ بِعَقلِكَ وَجَدتَهُ كَالبَيتِ المَبنِيِّ المُعَدِّ فيهِ جَميعُ ما يَحتاجُ إِلَيهِ عِبادُهُ ، فَالسَّماءُ مَرفوعَةٌ كَالسَّقفِ ، وَالأَرضُ مَمدودَةٌ كَالبِساطِ ، وَالنُّجومُ مَنضودَةٌ كَالمَصابيحِ ، وَالجَواهِرُ مَخزونَةٌ كَالذَّخائِرِ ، وكُلُّ شَيءٍ فيها لِشَأنِهِ مُعَدٌّ ، وَالإِنسانُ كَالمُمَلَّكِ ذلِكَ البَيتِ ، وَالمُخَوَّلِ جَميعَ ما فيهِ ، وضُروبُ النَّباتِ مُهَيَّأَةٌ لِمَارِبِهِ ، وصُنوفُ الحَيَوانِ مَصروفَةٌ في مَصالِحِهِ ومَنافِعِهِ ، فَفي هذا دَلالَةٌ واضِحَةٌ عَلى أَنَّ العالَمَ مَخلوقٌ بِتَقديرٍ وحِكمَةٍ ، ونِظامٍ ومُلائَمَةٍ ، وأَنَّ الخالِقَ لَهُ واحِدٌ وهُوَ الَّذي أَلَّفَهُ ونَظَمَه بَعضا إِلى بَعضٍ . (1)
عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ فِي التَّوحيدِ بَعدَ أَن ذَكَرَ بَعضَ آياتِ اللّهِ سُبحانَهُ _: فَكُلُّ هذا مِمّا يَستَدِلُّ بِهِ القَلبُ عَلَى الرَّبِّ سُبحانَهُ وتَعالى، فَعَرَفَ القَلبُ بِعَقلِهِ أَنَّ مَن دَبَّرَ هذِهِ الأَشياءَ هُوَ الواحِدُ العَزيزُ الحَكيمُ الَّذي لَم يَزَل ولا يَزالُ، وأَنَّهُ لَو كانَ فِي السَّماواتِ وَالأَرَضينَ آلِهَةٌ مَعَهُ سُبحانَهُ لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ، ولَعَلا بَعضُهُم عَلى بَعضٍ، ولَفَسَدَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُم عَلى صاحِبِهِ. وكَذلِكَ سَمِعَتِ الأُذُنُ ما أَنزَلَ المُدَبِّرُ مِنَ الكُتُبِ تَصديقا لِما أَدرَكَتهُ القُلوبُ بِعُقولِها، وتَوفيقِ اللّهِ إِيّاها، وما قالَهُ مَن عَرَفَهُ كُنهَ مَعرِفَتِهِ بِلا وَلَدٍ ولا صاحِبَةٍ ولا شَريكٍ، فَأَدَّتِ الأُذُنُ ما سَمِعَت مِنَ اللِّسانِ بِمَقالَةِ الأَنبِياءِ إِلَى القَلبِ. (2)
.
ص: 405
عنه عليه السلام_ في مُناظَرَتِهِ لِلزِّنديقِ _: لا يَخلو قَولُكَ: إِنَّهُمَا اثنانِ ، مِن أَن يَكونا قَديمَينِ قَوِيَّينِ ، أَو يَكونا ضَعيفَينِ ، أَو يَكونَ أَحدُهُمُا قَوِيّا وَالآخَرُ ضَعيفا ؛ فَإِن كانا قَوِيَّينِ فَلِمَ لا يَدفَعُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما صاحِبَهُ ويَتَفَرَّدُ بِالتَّدبيرِ؟ وإِن زَعَمتَ أَنَّ أَحَدَهُما قَوِيٌّ وَالآخَرَ ضَعيفٌ ، ثَبَتَ أَنَّهُ واحِدٌ كَما نَقولُ ، لِلعَجزِ الظّاهِرِ فِي الثّاني فَإِن قُلتَ: إِنَّهُمَا اثنانِ ؛ لَم يَخلُ مِن أَن يَكونا مُتَّفِقَينِ مِن كُلِّ جِهَةٍ أَو مُفتَرِقَينِ مِن كُلِّ جِهَةٍ ؛ فَلَمّا رَأَينَا الخَلقَ مُنتَظِما وَالفَلَكَ جارِيا وَالتَّدبيرَ واحِدا وَاللَّيلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ دَلَّ صِحَّةُ الأَمرِ وَالتَّدبيرِ وَائتِلافُ الأَمرِ عَلى أَنَّ المُدَبِّرَ واحِدٌ. ثُمَّ يَلزَمُكَ إِنِ ادَّعَيتَ اثنَينِ فُرجَةٌ ما بَينَهُما حَتّى يَكونَا اثنَينِ ، فَصارَتِ الفُرجَةُ ثالِثا بَينَهُما قَديما مَعَهُما ، فَيَلزَمُكَ ثَلاثَةٌ ، فَإِنِ ادَّعَيتَ ثَلاثَةً لَزِمَكَ ما قُلتَ فِي الاِثنَينِ حَتّى تَكونَ بَينَهُم فُرجَةٌ فَيَكونوا خَمسَةً ، ثُمَّ يَتَناهى فِي العَدَدِ إِلى ما لا نِهايَةَ لَهُ فِي الكَثرَةِ . (1)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ : مَا الدَّليلُ عَلى أَنَّ اللّهَ واحِدٌ؟ قالَ _: اِتِّصالُ التَّدبيرِ ، وتمَامُ الصُّنعِ ، كَما قالَ عز و جل : «لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلَا اللَّهُ لَفَسَدَتَا» . (2)
عنه عليه السلام_ بَعدَ الإِشارَةِ إِلى آياتِ اللّهِ سُبحانَهُ فِي السَّماءِ وَالأَرضِ _: فَعَرَفَ القَلبُ بِالأَعلامِ المُنيرَةِ الواضِحَةِ أَنَّ مُدَبِّرَ الأُمورِ واحِدٌ ، وأَنَّهُ لَو كانَ اثنَينِ أَو ثَلاثَةً لَكانَ
.
ص: 406
في طولِ هذِهِ الأَزمِنَةِ وَالأَبَدِ وَالدَّهرِ اختِلافٌ فِي التَّدبيرِ ، وتَناقُضٌ فِي الأُمورِ ، ولَتَأَخَّرَ بَعضٌ وتَقَدَّمَ بَعضٌ ، ولَكانَ تَسَفَّلَ بَعضُ ما قَد عَلا ولَعَلا بَعضُ ما قَد سَفَلَ ، ولَطَلَعَ شَيءٌ وغابَ ؛ فَتَأَخَّرَ عَن وَقتِهِ أَو تَقَدَّمَ ما قَبلَهُ ، فَعَرَفَ القَلبُ بِذلِكَ أَنَّ مُدَبِّرَ الأَشياءِ ما غابَ مِنها وما ظَهَرَ هُوَ اللّهُ الأَوَّلُ ، خالِقُ السَّماءِ ومُمسِكُها ، وفارِشُ الأَرضِ وداحيها (1) ، وصانِعُ ما بَينَ ذلِكَ مِمّا عَدَّدنا وغَيرِ ذلك مِمّا لَم يُحصَ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: لَيسَ لَكَ فِي الخَلقِ شَريكٌ ، ولَو كانَ لَكَ شَريكٌ لَتَشابَهَ عَلَينا ولَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ ، ولَعَلا عُلُوّا كَبيرا ، جَلَّ قَدرُكَ عَن مُجاوَرَةِ الشُّركَاءِ . (3)
3 / 3 _ 3ما يُنافِي التَّوحيدَ فِي التَّدبيرِالكتاب«وَ مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَا وَ هُم مُّشْرِكُونَ» . (4)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى: «وَ مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم ... » _: مِن ذلِكَ قَولُ الرَّجُلِ: لا ، وحَياتِكَ . (5)
تفسير العياشي عن مالك بن عطيّة عن الإمام الصادق عليه السلام_ أَيضا _: هُوَ الرَّجُلُ يَقولُ:
.
ص: 407
لَولا فُلانٌ لَهَلَكتُ ، ولَولا فُلانٌ لَأَصَبتُ كَذا وكَذا ، ولَولا فُلانٌ لَضاعَ عِيالي ، أَلا تَرى أَنَّهُ قَد جَعَلَ للّهِِ شَريكا في مُلكِهِ يَرزُقُهُ ويَدفَعُ عَنهُ؟! قالَ قُلتُ: فَيَقولُ: لَولا أَنَّ اللّهَ مَنَّ عَلَيَّ بِفُلانٍ لَهَلَكتُ؟ قالَ: نَعَم ، لا بَأسَ بِهذا . (1)
راجع : ج 5 ص 185 (الفصل الثاني والسبعون : المدبّر) .
.
ص: 408
. .
ص: 409
المرتبة الرّابعة : التّوحيد في الحكمالتَّوحيد فيالحكم عبارة عن توحيده تعالى في تشريع الأَحكام وتقنينها. ويرى القرآن الكريم أَنّ للّه سبحانه وحده حقّ التشريع ووضع القوانين والأَمر بتطبيقها ، ويَعدُّ اتّباع كلّ قانون لحياة الانسان الفرديّة والاجتماعيّة ما عدا قانون اللّه شركا . إِنّ الدليل على أَنّ تشريع القوانين و تنفيذها للّه وحده ، هو أَنّ مَن يعرف الإنسان وحاجاته ، ويعلم مبادئ تكامله أَكثر من غيره ، ومن كان متحرّرا من الهوى والخوف في تنفيذ القانون ، هو أَفضل المشرّعين ، وما من أَحد يتّصف بهذه الخصائص بشكل كامل إِلّا اللّه سبحانه ، ولمّا كان تعالى خالقا للإنسان ، عارفا بقابليّاته وحاجاته ، العالم المطلق الذي يخبُر مبادئ تكامله ، والغنيّ المطلق ، فلا مانع يحول دون حكمه أَو حكومته . على هذا الأَساس يصف القرآن الكريم اللّهَ سبحانه بأنّه «خير الحاكمين» و «أَحكم الحاكمين» و «خير الفاصلين» . وأَنّ التشريع له وحدَه «إِن الحكم إِلّا للّه » ، وأَنّ الحكومة حقّ لخلفائه في الأَرض . قال جلّ شأنه : «يَ_دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَ_كَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لَا تَتَّبِعِ الْهَوَى» (1) .
.
ص: 410
الكتاب«وَهُوَ خَيْرُ الْحَ_كِمِينَ» . (1)
«وَ أَنتَ أَحْكَمُ الْحَ_كِمِينَ» . (2)
«مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِىٍّ وَ لَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ أَحَدًا» . (3)
«إِنِ الْحُكْمُ إِلَا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَ_صِلِينَ» . (4)
«إِنِ الْحُكْمُ إِلَا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَا تَعْبُدُواْ إِلَا إِيَّاهُ ذَ لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لَ_كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» . (5)
«وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْ ءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ» . (6)
«أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَ_سِبِينَ» . (7)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا تُسَمّوا أَولادَكُمُ الحَكَمَ ولا أَبَا الحَكَمِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ الحَكَمُ . (8)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ لا أَشكو إِلى أَحَدٍ سِواكَ ، ولا أَستَعينُ بِحاكِمٍ غَيرِكَ ، حاشاكَ . (9)
راجع : ج 4 ص 125 (الفصل الخامس عشر : الحاكم) .
.
ص: 411
. .
ص: 412
المرتبة الخامسة : التّوحيد في الطّاعةإِنّ معنى التَّوحيد في الطَّاعة هو أَنّه ليس لأَحد أَن يُطاع إِلّا اللّه والذين اختارهم لأُمور عباده ، فاتّباع غير أَمر اللّه إِذا كان خلاف أَمره شركٌ ، وإِن كان الآمر هوى النفس الذي يعبّر القرآن عنه بالإله في قوله تعالى: «أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَ_هَهُ هَوَاهُ » (1) . والتَّوحيد في الطَّاعة شرط للتَّوحيد في التشريع والتقنين ، ذلك إِذا كان التشريع للّه وحده فإنّ إِطاعة غيره إِذا كان أَمره مخالفا لأَمر اللّه تعني اتّخاذ شريك للّه في التشريع . وفي ضوء ذلك، فاجتناب طاعة الأَهواء غير المشروعة والجبابرة الذين يعبّر عنهم القرآن الكريم بالطواغيت ، بل اجتناب اتّباع كل شيء وكلّ شخص يدعو الإنسان إِلى القيام بعمل يخالف أَمر اللّه سبحانه ضروريّ للحصول على هذه المرتبة من التَّوحيد ، و بجملة واحدة: إِنّ الإثم ومعصية اللّه في الحقيقة والواقع شرك في الطَّاعة.
.
ص: 413
بناءً على هذا فالموحّد الذي ليس بمشرك مطلقا هو الذي يجتنب الإثم و معصية اللّه مطلقا ، لذا قال الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: «وَ مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَا وَ هُم مُّشْرِكُونَ» : «شِركُ طاعَةٍ ولَيسَ شِركَ عِبادَةٍ» . (1) والتَّوحيد في الطاعة كالتقوى له ثلاث مراحل هي: الاُولى : أَداء الواجبات وترك المحرّمات الإلهيّة . الثانية : عمل المستحبّات وترك المكروهات . الثالثة : اجتناب كلّ ما ليس له صبغة إِلهيّة سواءٌ كان حراما أَم مكروها أَم مباحا . ففي وصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأَبي ذرّ _ رضوان اللّه عليه _ حين قال له: «يا أباذَرٍّ، لِيَكُن لَكَ في كُلِّ شَيءٍ نِيَّةٌ صالِحَةٌ حَتَّى فِي النَّومِ وَالأَكلِ» . (2) إِشارة إِلى هذه المرحلة من التَّوحيد التي تعدّ من أَعلى مراحل التَّوحيد في الطَّاعة قال اللّه عز و جل : «فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُواْ وَ أَطِيعُواْ وَ أَنفِقُواْ خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَ مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» . (3) «مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَ_كَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا» . (4) «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» . (5)
.
ص: 414
«وَ مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَا وَ هُم مُّشْرِكُونَ» . (1) «وَ لَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَ اجْتَنِبُواْ الطَّ_غُوتَ» . (2) «وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّ_غُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَ أَنَابُواْ إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى» . (3) «اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَ_نَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلَا لِيَعْبُدُواْ إِلَ_هًا وَ حِدًا لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ سُبْحَ_نَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» . (4) «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا» . (5)
الحديثتفسير العيّاشي عن أَبي الصباح الكناني عن الإمام الباقر عليه السلام :إِيّاكُم وَالوَلائِجَ (6) ، فَإِنَّ كُلَّ وَليجَةٍ دونَنا فَهِيَ طاغوتٌ _ أَو قالَ : نِدٌّ _ . (7)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى: «وَ مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَا وَ هُم مُّشْرِكُونَ» _: شِركُ طاعَةٍ ولَيسَ شِركَ عِبادَةٍ . (8)
عنه عليه السلام_ أيضا _: يُطيعُ الشَّيطانَ مِن حَيثُ لا يَعلَمُ فَيُشرِكُ . (9)
.
ص: 415
الكافي عن عبد اللّه الكاهلي عن الإمام الصادق عليه السلام :لَو أَنَّ قَوما عَبَدُوا اللّهَ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأَقامُوا الصَّلاةَ ، وآتَوُا الزَّكاةَ ، وحَجُّوا البَيتَ ، وصاموا شَهرَ رَمَضانَ ؛ ثُمَّ قالوا لِشَيءٍ صَنَعَهُ اللّهُ أَو صَنَعَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أَلا صَنَعَ خِلافَ الَّذي صَنَعَ؟ أَو وَجَدوا ذلِكَ في قُلوبِهِم ، لَكانوا بِذلِكَ مُشرِكينَ . ثُمَ تَلا هذِهِ الآيَةَ: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا» . ثُمَّ قالَ أَبو عَبدِاللّهِ عليه السلام : عَلَيكُم بِالتَّسليمِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ بَني أُمَيَّةَ أَطلَقوا لِلنَّاسِ تَعليمَ الإِيمانِ ولَم يُطلِقوا تَعليمَ الشِّركِ ، لِكَي إِذا حَمَلوهُم عَلَيهِ لَم يَعرِفوهُ . (2)
عنه عليه السلام_ وقَد سَأَلَهُ أَبو بَصيرٍ عَن قَولِهِ تَعالى: «اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَ_نَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ» _: أَمَا وَاللّهِ ما دَعَوهُم إِلى عِبادَةِ أَنفُسِهِم ، ولَو دَعَوهُم إِلى عِبادَةِ أَنفُسِهِم لَما أَجابوهُم ، ولكِن أَحَلّوا لَهُم حَراما وحَرَّموا عَلَيهِم حَلالاً فَعَبَدوهُم مِن حَيثُ لا يَشعُرونَ . (3)
عنه عليه السلام_ لِأَبي بَصيرٍ في قَولِهِ تَعالى: «وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّ_غُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَ أَنَابُواْ إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى» (4) _: أَنتُم هُم ، ومَن أَطاعَ جَبّارا فَقَد عَبَدَهُ . (5)
عنه عليه السلام :مَرَّ عيسى بنُ مَريَمَ عليه السلام عَلى قَريَةٍ قَد ماتَ أَهلُها ... فَقالَ: يا أَهلَ هذِهِ القَريَةِ ،
.
ص: 416
فَأَجابَهُ مِنهُم مُجيبٌ: لَبَّيكَ يا روحَ اللّهِ وكَلِمَتَهُ . فَقالَ: وَيحَكُم ، ما كانَت أَعمالُكُم؟ قالَ: عِبادَةُ الطَّاغوتِ وحُبُّ الدُّنيا ، مَعَ خَوفٍ قَليلٍ وأَمَلٍ بَعيدٍ وغَفلَةٍ في لَهوٍ ولَعِبٍ . فَقالَ: كَيفَ كانَ حُبُّكُم لِلدُّنيا؟ قالَ: كَحُبِّ الصِّبِيِّ لِاُمِّهِ ؛ إِذا أَقبَلَت عَلَينا فَرِحنا وسُرِرنا ، وإِذا أَدبَرَت عَنّا بَكَينا وحَزَنّا . قالَ: كَيفَ كانَت عِبادَتُكُم لِلطّاغوتِ؟ قالَ: الطّاعَةُ لِأَهلِ المَعاصي . (1)
عنه عليه السلام :مَعنى صِفَةِ الإِيمانِ الإِقرارُ وَالخُضوعُ للّهِِ بِذُلِّ الإِقرارِ وَالتَّقَرُّبُ إِلَيهِ بِهِ وَالأَداءُ لَهُ بِعِلمِ كُلِّ مَفروضٍ مِن صَغيرٍ أَو كَبيرٍ مِن حَدِّ التَّوحيدِ فَما دونَهُ إِلى آخِرِ بابٍ مِن أَبوابِ الطّاعَةِ أَوَّلاً فَأَوّلاً ، مَقرونٌ ذلِكَ كُلُّهُ بَعضُهُ إِلى بَعضٍ مَوصولٌ بَعضُهُ بِبَعضٍ ، فَإِذا أَدَّى العَبدُ ما فَرَضَ عَلَيهِ مِمّا وَصَلَ إِلَيهِ عَلى صِفَةِ ما وَصَفناهُ ، فَهُوَ مُؤمِنٌ مُستَحِقٌّ لِصِفَةِ الإِيمانِ ... . ومَعنَى الشِّركِ: كُلُّ مَعصِيَةٍ عُصِيَ اللّهُ بِها بِالتَّدَيُّنِ فَهُوَ مُشرِكٌ صَغيرَةً كانَت المَعصِيَةُ أَو كَبيرَةً ، فَفاعِلُها مُشرِكٌ . (2)
.
ص: 417
المرتبة السادسة : التّوحيد في العبادةالعبادة في اللغة هي : اللين والذلّ (1) ، وعبادة اللّه : التذلّل والخضوع أَمامه، ويُستعمَل التَّوحيد في العبادة قرآنيّا وروائيّا بمعنيين هما: 1 . إِطاعة اللّه وحده وترك عبادة غيره ، كما جاء في قوله تعالى: «وَ لَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَ اجْتَنِبُواْ الطَّ_غُوتَ» . (2) وقوله سبحانه: «وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّ_غُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَ أَنَابُواْ إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى» . (3) وهذا المعنى للتَّوحيد في العبادة هو نفس التَّوحيد في الطَّاعة الذي تقدّم توضيحه من قبل . 2 . خلوص النيّة في عبادة اللّه وحدَه . إِنّ التَّوحيد في الطّاعة و إِن كان يلازم التَّوحيد في العبادة أَيضا _ لأَنّ طاعة
.
ص: 418
الأَوامر الإلهيّة بنحو مطلق يستلزم إِخلاص النيّة _ ولكن ارتأينا لتوحيد العبادة عنوانا مستقلاً ، للتنبّه على أَنّ الرياء في الطَّاعة والعبادة شرك. أَعلى مراتب التَّوحيد إِنّ أَعلى مراتب الإخلاص أَو التَّوحيد في العبادة ، هي أَنّ الإنسان في عبادته وطاعته للّه تعالى لا يطلب أَجرا ، بل إِنّ عشق اللّه سبحانه وحبّه يدفعانه إِلى طاعته ، كما قال الإمام الصادق عليه السلام : «إِنَّ النّاسَ يَعبُدونَ اللّهَ عز و جل عَلى ثَلاثَةِ أوجُهٍ ، فَطَبَقَةٌ يَعبُدونَهُ رَغبَةً في ثَوابِهِ فَتِلكَ عِبادَةُ الحرُصَاءِ ، وهُوَ الطَّمَعُ ، وآخَرونَ يَعبُدونَهُ فَرَقا مِنَ النّارِ فَتِلكَ عِبادَةُ العَبيدِ ، وهِيَ الرَّهبَةُ ، ولكِنّي أعبُدُهُ حُبّا لَهُ عز و جل فَتِلكَ عِبادَةُ الكِرامِ ، وهُوَ الأَمنُ». (1) قال سبحانه وتعالى : «وَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَا نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا أَنَا فَاعْبُدُونِ» . (2) «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» . (3) «أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى مَنْ هُوَ كَ_ذِبٌ كَفَّارٌ» . (4) «قُلْ يَ_أَهْلَ الْكِتَ_بِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَا نَعْبُدَ إِلَا اللَّهَ
.
ص: 419
وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْ_ئا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» . (1) «قُلْ يَ_أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى شَكٍّ مِّن دِينِى فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَ لَ_كِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُمْ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَ لَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَ لَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّ__لِمِينَ» . (2) «قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَ لِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» . (3) «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَ_هُكُمْ إِلَ_هٌ وَ حِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَ__لِحًا وَ لَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا» . (4)
راجع : البقرة: 83 ، يوسف: 40 .
الحديثالمعجم الكبير عن شدّاد بن أَوس :قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إِذا جَمَعَ اللّهُ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ بِبَقيعٍ (5) واحِدٍ يَنفُذُهُمُ البَصَرُ ويُسمِعُهُمُ الدَّاعي ، قالَ: أَنَا خَيرُ شَريكٍ ، كُلُّ عَمَلٍ كانَ عُمِلَ لي في دارِ الدُّنيا كانَ لي فيهِ شَريكٌ فَأَنَا أَدَعُهُ اليَومَ ، ولا أَقبَلُ اليَوم إِلّا
.
ص: 420
خالِصا . ثُمَّ قَرَأَ: «إِلَا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» (1) «مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَ__لِحًا وَ لَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا» . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لم آتِكُم إِلّا بِخَيرٍ ؛ آتَيتُكم أَن تَعبُدُوا اللّهَ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ... وأَن تَدَعُوا اللّاتَ وَالعُزّى . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى: «فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَ__لِحًا وَ لَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا» _: الرَّجُلُ يَعمَلُ شَيئا مِنَ الثَّوابِ لا يَطلُبُ بِهِ وَجهَ اللّهِ إِنَّما يَطلُبُ تَزكِيَةَ النّاسِ ، يَشتَهي أَن يُسمِعَ بِهِ النّاسَ ، فَهذَا الَّذي أَشرَكَ بِعِبادَةِ رَبِّهِ . (4)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» (5) _: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» : إِخلاصُ العِبادَةِ ، «وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» : أَفضَلُ ما طَلَبَ بِه العِبادُ حَوائِجَهُم. (6)
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «حَنِيفًا مُّسْلِمًا» _: خالِصا مُخلِصا ، لَيسَ فيهِ شَيءٌ مِن عِبادَةِ الأَوثانِ . (7)
الإمام الرضا عليه السلام : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» رَغبَةٌ وتَقَرُّبٌ إِلَى اللّهِ تَعالى ذِكرُهُ ، وإِخلاصٌ لَهُ بِالعَمَلِ دونَ غَيرِهِ ، «وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» اِستِزادَةٌ مِن تَوفيقِهِ وعِبادَتِهِ وَاستِدامَةٌ لِما
.
ص: 421
أَنعَمَ اللّهُ عَلَيهِ ونَصَرَهُ . (1)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ في تَفسيرِ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» _: قالَ اللّهُ عز و جل: قولوا يا أَيُّهَا الخَلقُ المُنعَمُ عَلَيهِم: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» أَيُّهَا المُنعِمُ عَلَينا ، نُطيعُكَ مُخلِصينَ مَعَ التَّذَلُّلِ وَالخُشوعِ بِلا رِياءٍ ولا سُمعَةٍ «وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» : مِنكَ نَسأَلُ المَعونَةَ عَلى طاعَتِكَ لِنُؤَدِّيَها كَما أَمَرتَ ، ونَتَّقِيَ مِن دُنيانا عَمّا عَنهُ نَهَيتَ ، ونَعتَصِمَ مِنَ الشَّيطانِ ومِن سائِرِ مَرَدَةِ الإِنسِ مِنَ المُضِلّينَ ، ومِنَ المُؤذينَ الظّالِمينَ بِعِصمَتِكَ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :العِبادَةُ الخالِصَةُ ألّا يَرجُوَ الرَّجُلُ إِلّا رَبَّهُ ، ولا يَخافَ إِلّا ذَنبَهُ . (3)
عنه عليه السلام :طوبى (4) لِمَن أَخلَصَ للّهِِ العِبادَةَ وَالدُّعاءَ ، ولَم يَشغَل قَلبَهُ بِما تَرى عَيناهُ ، ولَم يَنسَ ذِكرَ اللّهِ بِما تَسمَعُ أُذُناهُ . (5)
عنه عليه السلام :مِن أَحَبِّ الكَلامِ إِلَى اللّهِ هؤُلاءِ الكَلِماتُ: اللّهُمَّ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، اللّهُمَّ لا نَعبُدُ إِلّا إِيّاكَ ، اللّهُمَّ لا نُشرِكُ بِكَ شَيئا ، اللّهُمَّ إِنّي ظَلَمتُ نَفسي فَاغفِرلي ؛ فَإِنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إِلّا أَنتَ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أُشهِدُكَ وكَفى بِكَ شَهيدا ، وأُشهِدُ مَلائِكَتَكَ وحَمَلَةَ
.
ص: 422
عَرشِكَ وسُكّانَ سَماواتِكَ وأَرضِكَ ، بِأَنَّكَ أَنتَ اللّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، المَعبودُ الَّذي لَيسَ مِن لَدُن عَرشِكَ إِلى قَرارِ أَرضِكَ مَعبودٌ يُعبَدُ سِواكَ إِلّا باطِلٌ مُضَمحِلٌّ غَيرُ وَجهِكَ الكَريمِ ، لا إِلهَ إِلّا أَنتَ المَعبودُ فَلا مَعبودَ سِواكَ ، تَعالَيتَ عَمّا يَقولُ الظّالِمونَ عُلُوّا كَبيرا . (1)
الإمام الرضا عليه السلام_ في كِتابِهِ لِلمَأمونِ لَمّا سَأَلَهُ أَن يَكتُبَ لَهُ مَحضَ الإِسلامِ عَلى سَبيلِ الإِيجازِ وَالاِختِصارِ _: إِنَّ مَحضَ الإِسلامِ شَهادَةُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، إِلها واحِدا أَحَدا فَردا صَمَدا قَيّوما (2) سَميعا بَصيرا قَديرا قَديما قائِما باقِيا ، عالِما لا يَجهَلُ ، قادِرا لا يَعجِزُ ، غَنِيّا لا يَحتاجُ ، عَدلاً لا يَجورُ ، وأَنَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ ولَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، لا شِبهَ لَهُ ولا ضِدَّ لَهُ ولا نِدَّ لَهُ ولا كُفؤَ لَهُ ، وأَنَّهُ المَقصودُ بِالعِبادَةِ وَالدُّعاءِ وَالرّغبَةِ وَالرَّهبَةِ . (3)
.
ص: 423
القسم الثالث : التعرّف على أسماء اللّهوفيه فصول :الفصل الأوّل : معنى أسماء اللّهالفصل الثاني: أصناف أسماء اللّهالفصل الثالث: عدد أسماء اللّهالفصل الرابع : الإسم الأعظمالفصل الخامس : دور أسماءِ اللّه في تدبير العالم
.
ص: 424
. .
ص: 425
الفصل الأوّل : معنى أسماء اللّههناك اختلاف في الآراء حول الجذر اللغوي للاسم ، فالكوفيّون يرون أَنّه مشتقّ من«الوسم» بمعنى العلامة ، ويرى البصريّون أَنّه مشتقّ من «السموّ» بمعنى العلوّ والرفعة ، بيد أَنّهم يعترفون بأنّه يستعمل من حَيثُ المَعنى اللغوي بمعنى العلامة . (1) أَمّا «الصفة» فقد جاءت بهذه الهيئة ولكنّ أَصلها اللغوي هو «الوصف» كما أَنّ «العِدَة» اشتقّت من «الوعد» . و بناءً على هذا فإنّ «الصفة» هي مصدر بمعنى الوصف، ولكنّها في كثير من الأَحيان تستعمل بمعنى اسم المصدر ، و يراد منها حينئذٍ الأَمارة والعلامة (2) ، غير أَنّ الصفة أَمارة تبيّن إِحدى خصائص الموصوف (3) . وعلى هذا فالاسم والصفة كلاهما بمعنى العلامة والأَمارة للمسمّى والموصوف؛ فالاسم يشمل كلّ علامة و أَمارة ، و أَمّا الصفة ، فهي علامة مخصّصة و مقيّدة . و من هنا فإنَّ بين الاسم والصفة علاقة عموم و خصوص مطلق ، أَي
.
ص: 426
أَنّ كلّ صفة اسم ولكن ليس كلّ اسم صفة ، فالأَعلام و الأَسماء الخاصّة ، مثل «زيد» و «بكر» أَسماء وليست صفات . أَمّا الأَسماء الدالّة على الأَوصاف فهي أسماء وصفات كالعالم والعلم . (1) أَمّا في علوم الأَدب والعرفان و الكلام فإنّ للاسم والصفة إِطلاقات أُخرى أَيضا؛ فطبقا لإحدى الإطلاقات في العلوم الأدبية ، تكون المصادر كالعلم والقدرة أسماء وليست بصفات ، أما المشتقات كالعالم والقادر فهي صفات وليست بأسماء . و يحمل الاسم والصفة في العرفان النظري مَعنىً معاكسا تماما للمعنى المذكور . (2) وأَمّا الأَحاديث في بيان أَسماء اللّه وصفاته فلم يؤخذ فيها بنظر الاعتبار التفاوت الموجود في الاصطلاحات المختلفة للاسم والصفة ؛ وأُطلق الاسم والصفة كلاهما على الكمالات من قبيل «العلم» ، و على الصفات المتّصفة بالكمالات مثل «العالم» ، نذكر على سبيل المثال أَنّ بعض الأَحاديث في خصوص السميع و البصير استخدمت فيها لفظة «الصفة» (3) . وفي بعضها الآخر استخدمت لفظة «الاسم» (4) ، بل إِنّ هذين المعنيين أُطلقا حتى على كلمتي العلم والعالِم في الحديث الواحد . وقد صرّحت بعض الأَحاديث بأنّ الاسم والصفة على مَعنى واحد ، فقد رُوي عَن الإمام الباقر عليه السلام أَنّه قالَ:
.
ص: 427
«إنَّ الأَسماءَ صِفاتٌ وَصَفَ بِها نَفسَهُ» . (1) و عندما سأَل محمّد بن سنان الإمام الرضا عليه السلام : مَا الاِسمُ؟ قالَ : «صِفَةٌ لمَوصوفٍ» . (2) بناءً على ما سبق ذكرُه فإنّ جميع أَسماء اللّه صفاتُه ، و كلّ صفاته أَسماؤه . وقد جاء الفصل بين الأَسماء والصفات في تقسيمات هذا الكتاب بناءً على ما اقتضاه نظم التأليف وليس من باب الفصل في المعنى. بناءً على المعنى اللغوي للاسم والصفة ، وانطلاقا من وحدة مصداقهما بشأَن اللّه تعالى ، نستنتج في ضوء الأَحاديث الواردة في هذا المجال أَنّ أَسماء اللّه هي من نوع صفاته، وأَنّه تعالى ليس له اسم إِلّا ويحمل صفة من صفاته . ومن هنا فإنّ اللّه سبحانه و تعالى ليس له اسم عَلَم جامد غير مشتقّ جاء كعلامة له فقط من غير أَن ينطوي على وصف من أَوصافه ، و يمكن القول بعبارة أُخرى : إِنّ الاسم بشأن اللّه مقيّد ، وكون أَسماء اللّه علامة هي من جهة كونها ذات دلالة على وصف خاصّ به. و سنرى عند تفسير لفظ الجلالة «اللّه » أَنّ لهذا الاسم جذر اشتقاقي أَيضا ، وقد ذكرت الأَحاديث الشريفة جذورا مختلفة له. (3) قال العلّامة الطباطبائي قدس سره في بيان معنى الأَسماء الحسنى : «نحن أَوّل ما نفتح أَعيننا ونشاهد من مناظر الوجود ما نشاهده يقع إِدراكنا على أَنفسنا وعلى أَقرب الأُمور منّا ، وهي روابطنا مع الكون الخارج من
.
ص: 428
مستدعيات قوانا العاملة لإبقائنا ، فأَنفسنا وقوانا وأَعمالنا المتعلّقة بها ، هي أَوّل ما يدقّ باب إدراكنا لكنّا لا نرى أَنفسنا إِلّا مرتبطة بغيرها ولا قوانا ولا أَفعالنا إِلّا كذلك ، فالحاجة من أَقدم ما يشاهده الإنسان ، يشاهدها من نفسه ومن كلّ ما يرتبط به من قواه وأَعماله والدنيا الخارجة ، وعند ذلك يقضي بذات ما يقوم بحاجته ويسدّ خلّته وإِليه ينتهي كلّ شيء ، وهو اللّه سبحانه ، ويصدّقنا في هذا النظر والقضاء قوله تعالى : «يَ_أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ» . (1) وقد عجز التاريخ عن العثور على بدء ظهور القول بالربوبيّة بين الأَفراد البشريّة ، بل وجده وهو يصاحب الإنسانيّة إِلى أَقدم العهود التي مرّت على هذا النوع حتّى أَنّ الأَقوام الوحشيّة التي تحاكي الإنسان الأَوّلي في البساطة لما اكتشفوهم في أَطراف المعمورة كقطّان أَميركا وأُستراليا وجدوا عندهم القول بقوى عالية هي وراء مستوى الطبيعة ينتحلون بها ، وهو قول بالربوبيّة وإِن اشتبه عليهم المصداق فالإذعان بذات ينتهي إِليها أَمر كلّ شيء من لوازم الفطرة الإنسانيّة لايحيد عنه إِلّا من انحرف عن إِلهام فطرته لشبهة عرضت له كمن يضطرّ نفسه على الاعتياد بالسمّ وطبيعته تحذّره بإلهامها ، وهو يستحسن ما ابتلي به . ثمّ إِنّ أَقدم ما نواجهه في البحث عن المعارف الإلهيّة أَنّا نذعن بانتهاء كلّ شيء إِليه ، وكينونته ووجوده منه فهو يملك كلّ شيء لعلمنا أَنّه لو لم يملكها لم يمكن أَن يفيضها ويفيدها لغيره على أَنّ بعض هذه الأَشياء ممّا ليست حقيقته إِلّا مبنيّة على الحاجة منبئة عن النقيصة ، وهو تعالى منزّه عن كلّ حاجة ونقيصة ؛ لأَنّه الذي إِليه يرجع كلّ شيء في رفع حاجته ونقيصته .
.
ص: 429
فله الملك _ بكسر الميم وبضمّها _ على الإطلاق ، فهو سبحانه يملك ما وجدناه في الوجود من صفة كمال ؛ كالحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر والرزق والرحمة والعزّة وغير ذلك . فهو سبحانه حيّ ، قادر ، عليم ، سميع ، بصير ؛ لأَنّ في نفيها إِثبات النقص ولا سبيل للنقص إِليه . ورازق ، ورحيم ، وعزيز ، ومحيي ، ومميت ، ومبدئ ، ومعيد ، وباعث ، إِلى غير ذلك ؛ لأَنّ الرزق والرحمة والعزّة والإحياء والإماتة والإبداء والإعادة والبعث له ، وهو السبّوح القدّوس العليّ الكبير المتعال ، إِلى غير ذلك ، نعني بها نفي كلّ نعت عدميّ ، وكلّ صفة نقص عنه . فهذا طريقنا إِلى إِثبات الأَسماء والصفات له تعالى على بساطته ، وقد صدّقنا كتاب اللّه في ذلك حيث أَثبت الملك _ بكسر الميم _ والملك _ بضمّ الميم _ له على الإطلاق في آيات كثيرة لا حاجة إِلى إِيرادها» . (1)
.
ص: 430
1 / 1أسماؤُهُ تَعبيرٌالإمام الرضا عليه السلام_ مِن كَلامِهِ فِي التَّوحيدِ _: أَسماؤُهُ تَعبيرٌ ، وأَفعالُهُ تَفهيمٌ ، وذاتُهُ حَقيقَةٌ . (1)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ الاِسمِ ما هُوَ ؟ قالَ _: صِفَةٌ لِمَوصوفٍ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ في دُعاءٍ عَلَّمَهُ نَوفا البِكالِيَّ _: فَأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي ظَهَرتَ بِهِ لِخاصَّةِ أَولِيائِكَ فَوَحَّدوكَ وعَرَفوكَ فَعَبَدوكَ بِحَقيقَتِكَ أَن تُعَرِّفَني نَفسَكَ ؛ لِأُقِرَّ لَكَ بِرُبوبِيَّتِكَ عَلى حَقيقَةِ الإِيمانِ بِكَ ، ولا تَجعَلني يا إِلهي مِمَّن يَعبُدُ الاِسمَ دونَ المَعنى ، وَالحَظني بِلَحظَةٍ مِن لَحَظاتِكَ تُنَوِّرُ بِها قَلبي بِمَعرِفَتِكَ خاصَّةً ومَعرِفَةِ أَولِيائِكَ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (3)
الكافي عن عبد الرحمن بن أبي نجران :_ أو قُلتُ لَهُ _كَتَبتُ إِلى أَبي جَعفَرٍ عليه السلام : جَعَلَنِي اللّهُ فِداكَ ! نَعبُدُ الرَّحمنَ الرَّحيمَ الواحِدَ الأَحَدَ الصَّمَدَ ؟ قالَ : فَقالَ : إِنَّ مَن عَبَدَ الاِسمَ دونَ المُسَمّى بِالأَسماءِ أَشرَكَ وكَفَرَ وجَحَدَ ولَم يَعبُد شَيئا ، بَلِ اعبُدِ اللّهَ الواحِدَ الأَحَدَ الصَّمَدَ ، المُسَمّى بِهذِهِ الأَسماءِ دونَ الأَسماءِ ؛ إِنَّ الأَسماءَ صِفاتٌ وَصَفَ بِها نَفسَهُ . (4)
.
ص: 431
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ الزِّنديقُ عَنِ اللّهِ : ما هُوَ ؟ _: هُوَ الرَّبُّ ، وهُوَ المَعبودُ ، وهُوَ اللّهُ ، ولَيسَ قَولي : «اللّه » إِثباتَ هذِهِ الحُروفِ أَلفٍ ، لامٍ ، هاءٍ ، ولكِنّي أَرجِعُ إِلى مَعنى هُوَ شَيءٌ خالِقُ الأَشياءِ وصانِعُها ، وَقَعَت عَلَيهِ هذِهِ الحُروفُ ، وهُوَ المَعنَى الَّذي يُسَمّى بِهِ اللّهُ ، وَالرَّحمنُ وَالرَّحيمُ وَالعَزيزُ وأَشباهُ ذلِكَ مِن أَسمائِهِ ، وهُوَ المَعبودُ _ جَلَّ وعَزَّ _ . (1)
الكافي عن النضر بن سويد :عَن هِشامِ بنِ الحَكَمِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن أَسماءِ اللّهِ وَاشتِقاقِها : «اللّه » مِمّا هُوَ مُشتَقٌّ ؟ فَقالَ : يا هِشامُ ، «اللّهُ» مُشتَقٌّ مِن إِلهٍ ، وإِلهٌ يَقتَضي مَألوها ، وَالاِسمُ غَيرُ المُسَمّى ، فَمَن عَبَدَ الاِسمَ دونَ المَعنى فَقَد كَفَرَ ولَم يَعبُد شَيئا ، ومَن عَبَدَ الاِسمَ وَالمَعنى فَقَد أَشرَكَ وعَبَدَ اثنَينِ ، ومَن عَبَدَ المَعنى دونَ الاِسم فَذاكَ التَّوحيدُ ، أَفَهِمتَ يا هِشامُ ؟ قالَ : قُلتُ : زِدني . قالَ : للّهِِ تِسعَةٌ وتِسعونَ اسما ، فَلَو كانَ الاِسمُ هُوَ المُسَمّى لَكان كُلُّ اسمٍ مِنها إِلها ، ولكِنَّ «اللّهَ» مَعنىً يُدَلُّ عَلَيهِ بِهذِهِ الأَسماءِ ، وكُلُّها غَيرُهُ . يا هِشامُ ، الخُبزُ اسمٌ لِلمَأَكولِ ، وَالماءُ اسمٌ لِلمَشروبِ ، وَالثَّوبُ اسمٌ لِلمَلبوسِ ، وَالنَّارُ اسمٌ لِلمُحرِقِ . أَفَهِمتَ يا هِشامُ فَهما تَدفَعُ بِهِ وتُناضِلُ بِهِ أَعداءَنا المُتَّخِذينَ مَعَ اللّهِ عز و جل غَيرَهُ ؟ قُلتُ : نَعَم .
.
ص: 432
فَقالَ : نَفَعَكَ اللّهُ بِهِ وثَبَّتَكَ يا هِشامُ . قالَ : فَوَاللّهِ ما قَهَرَني أَحَدٌ فِي التَّوحيدِ حَتّى قُمتُ مَقامي هذا . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن عَبَدَ اللّهَ بِالتَّوَهُّمِ فَقَد كَفَرَ ، ومَن عَبَدَ الاِسمَ دونَ المَعنى فَقَد كَفَرَ ، ومَن عَبَدَ الاِسمَ وَالمَعنى فَقَد أَشرَكَ ، ومَن عَبَدَ المَعنى بِإِيقاعِ الأَسماءِ عَلَيهِ بِصِفاتِهِ الَّتي وَصَفَ بِها نَفسَهُ فَعَقَدَ عَلَيهِ قَلبُهُ ، ونَطَقَ بِهِ لِسانُهُ في سَرائِرِهِ وعَلانِيَتِهِ فَأُولئِكَ أَصحابُ أَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام حَقّا _ وفي حَديثٍ آخَرَ _ : أُولئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقّا _ . (2)
عنه عليه السلام_ لِزِنديقٍ سَأَلَهُ : كَيفَ جازَ لِلخَلقِ أَن يَتَسَمَّوا بِأَسماءِ اللّهِ تَعالى ؟ _: إِنَّ اللّهَ جَلَّ ثَناؤُهُ وتَقَدَّسَت أَسماؤُهُ أَباحَ لِلنّاسِ الأَسماءَ ، ووَهَبَها لَهُم ، وقَد قالَ القائِلُ مِنَ النّاسِ لِلواحِدِ : واحِدٌ ، ويَقولُ للّهِِ : واحِدٌ ، ويَقولُ : قَوِيٌّ ، وَاللّهُ تَعالى قَوِيٌّ ، ويَقولُ : صانِعٌ ، وَاللّهُ صانِعٌ ، ويَقولُ : رازِقٌ ، وَاللّهُ رازِقٌ ، ويَقولُ : سَميعٌ بَصيرٌ ، وَاللّهُ سَميعٌ بَصيرٌ ، وما أَشبَهَ ذلِكَ . فَمَن قالَ لِلإِنسانِ : واحِدٌ فَهذا لَهُ اسمٌ ولَهُ شَبيهٌ ، وَاللّهُ واحِدٌ وهُوَ لَهُ اسمٌ ولا شَيءَ لَهُ شَبيهٌ ، ولَيسَ المَعنى واحِدا . وأَمَّا الأَسماءُ فَهِيَ دَلالَتُنا عَلَى المُسَمّى ؛ لِأَنّا قَد نَرَى الإِنسانَ واحِدا وإِنَّما نُخبِرُ واحِدا إِذا كانَ مُفرَدا ، فَعُلِمَ أَنَّ الإِنسانَ في نَفسِهِ لَيسَ بِواحِدٍ فِي المَعنى ؛ لِأَنَّ أَعضاءَهُ مُختَلِفَةٌ ، وأَجزاءَهُ لَيسَت سَواءً ، ولَحمَهُ غَيرُ دَمِهِ ، وعَظمَهُ غَيرُ عَصَبِهِ ، وشَعرَهُ غَيرُ ظُفرِهِ ، وسَوادَهُ غَيرُ بَياضِهِ ، وكَذلِكَ سائِرُ الخَلقِ ، وَالإِنسانُ واحِدٌ في الاِسمِ ، ولَيسَ بِواحِدٍ فِي الاِسمِ وَالمَعنى وَالخَلقِ ، فَإِذا قيلَ للّهِِ فَهُوَ الواحِدُ الَّذي
.
ص: 433
لا واحِدَ غَيرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا اختِلافَ فيهِ ، وهُوَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ سَميعٌ وبَصيرٌ وقَوِيٌّ وعَزيزٌ وحَكيمٌ وعَليمٌ ، فَتَعالَى اللّهُ أَحسَنُ الخالِقينَ . (1)
عنه عليه السلام :اِسمُ اللّهِ غَيرُهُ ، وكُلُّ شَيءٍ وَقَعَ عَلَيهِ اسمُ شَيءٍ فَهُوَ مَخلوقٌ ما خَلَا اللّهَ . (2)
الكافي عن ابن سنان :سَأَلتُ أَبَا الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : هَل كانَ اللّهُ عز و جل عارِفا بِنَفسِهِ قَبلَ أَن يَخلُقَ الخَلقَ ؟ قالَ : نَعَم . قُلتُ : يَراها ويَسمَعُها ؟ قالَ : ما كانَ مُحتاجا إِلى ذلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَم يَكُن يَسأَلُها ولا يَطلُبُ مِنها ، هُوَ نَفسُهُ ونَفسُهُ هُوَ ، قُدرَتُهُ نافِذَةٌ ، فَلَيسَ يَحتاجُ إِلى أَن يُسَمِّيَ نَفسَهُ ، ولكِنَّهُ اختارَ لِنَفسِهِ أَسماءً لِغَيرِهِ يَدعوهُ بِها ؛ لِأَنَّهُ إِذا لَم يُدعَ بِاسمِهِ لَم يُعرَف ، فَأَوَّلُ مَا اختارَ لِنَفسِهِ «العَلِيُّ العَظيمُ» لِأَنَّهُ أَعلَى الأَشياءِ كُلِّها ، فَمَعناهُ اللّهُ ، وَاسمُهُ العَلِيُّ العَظيمُ هُوَ أَوَّلُ أَسمائِهِ ، عَلا عَلى كُلِّ شَيءٍ . (3)
الإمام الرضا عليه السلام :اِعلَم أَنَّهُ لا يَكونُ صِفَةٌ لِغَيرِ مَوصوفٍ ، ولَا اسمٌ لِغَيرِ مَعنىً ، ولا حَدٌّ لِغَيرِ مَحدودٍ ، وَالصِّفاتُ وَالأَسماءُ كُلُّها تَدُلُّ عَلَى الكَمالِ وَالوُجودِ ، ولا تَدُلُّ عَلَى الإِحاطَةِ ، كَما تَدُلُّ عَلَى الحُدودِ الَّتي هِيَ التَّربيعُ وَالتَّثليثُ وَالتَّسديسُ ؛ لِأَنَّ اللّهَ _ عَزَّ وجَلَّ وتَقَدَّسَ _ تُدرَكُ مَعرِفَتُهُ بِالصِّفاتِ وَالأَسماءِ ، ولا تُدرَكُ بِالتَّحديدِ بِالطّولِ
.
ص: 434
وَالعَرضِ وَالقِلَّةِ وَالكَثرَةِ وَاللَّونِ وَالوَزنِ وما أَشبَهَ ذلِكَ ، ولَيسَ يَحُلُّ بِاللّهِ جَلَّ وتَقَدَّسَ شَيءٌ مِن ذلِكَ حَتّى يَعرِفَهُ خَلقُهُ بِمَعرِفَتِهِم أَنفُسَهُم بِالضَّرورَةِ الَّتي ذَكَرنا ، ولكِن يُدَلُّ عَلَى اللّهِ عز و جل بِصِفاتِهِ ، ويُدرَكُ بِأَسمائِهِ . . . فَلَو كانَت صِفاتُهُ جَلَّ ثَناؤُهُ لا تَدُلُّ عَلَيهِ ، وأَسماؤُهُ لا تَدعو إِلَيهِ ، وَالمَعلَمَةُ مِنَ الخَلقِ لا تُدرِكُهُ لِمَعناهُ كانَت العِبادَةُ مِنَ الخَلقِ لِأَسمائِهِ وصِفاتِهِ دُونَ مَعناهُ ، فَلَولا أَنَّ ذلِكَ كَذلِكَ لَكانَ المَعبودُ المُوَحَّدُ غَيرَ اللّهِ تَعالى ؛ لِأَنَّ صِفاتِهِ وأَسماءَهُ غَيرُهُ . (1)
تعليق:كما لاحظنا فإنّ الأَحاديث بيّنت أَوجها مختلفة لإطلاق الأسماء والصفات . وهذه الأَسماء والصفات يجب أَن تستخدم بشكل لايفضي إِلى أُمور من قبيل تشبيه الخالق بالمخلوق ، أَو نفي الخالق أَو تعطيل المعرفة ، أَو إِيجاد صور ذهنيّة و إِحاطة بالذات الإلهيّة ، فالباري عز و جل يوصف تارة بأَفعاله ، وقد تفسّر صفات اللّه تارة أُخرى تفسيرا سلبيّا. والإنسان يقيم علاقته مع اللّه _ جلّ و علا _ من خلال هذه الأَسماء والصفات ، و يدعوه و يتضرّع إِلَيهِ في إِطار معرفته له ، ولكن ينبغي الالتفات إِلى أَن أَسماء اللّه لا موضوع لها ، وكلّها تعبير عَن الذات الإلهية المقدّسة ، والإنسان يتوجّه عَن طريق هذه الأَسماء إِلى اللّه الذي يعرفه بالفطرة .
1 / 1 _ 1مَعنَى «الإلهِ»الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: أَنتَ إِلهِي المالِكُ الَّذي مَلَكتَ المُلوكَ، فَتَواضَعَ لِهَيبَتِكَ
.
ص: 435
الأَعِزّاءُ ودانَ لَكَ بِالطّاعَةِ الأَولِياءُ، فَاحتَوَيتَ بِإِلهِيَّتِكَ عَلَى المَجدِ وَالسَّناءِ. (1)
عنه عليه السلام :لَيسَ بِإِلهٍ مَن عُرِفَ بِنَفسِهِ، هُوَ الدّالُّ بِالدَّليلِ عَلَيهِ، وَالمُؤَدّي بِالمَعرِفَةِ إِلَيهِ. (2)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ الَّذي لايَتَعاظَمُكَ غُفرانُ الذُّنوبِ وكَشفُ الكُروبِ... لِأَنَّكَ الباقِي الرَّحيمُ الَّذي تَسَربَلتَ (3) بِالرُّبوبِيَّةِ، وتَوَحَّدتَ بِالإِلهِيَّةِ وتَنَزَّهتَ مِنَ الحَيثوثِيَّةِ ، فَلَم يَجِدكَ واصِفٌ مَحدودا بِالكَيفوفِيَّةِ... . (4)
الإمام الحسن عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَسمَعُ الشَّيءَ فَيَذكُرُهُ دَهرا ، ثُمَّ يَنساهُ في وَقتٍ الحاجَةِ إِلَيهِ كَيفَ هذا؟ _: أَمَّا الرَّجُلُ الَّذي يَنسَى الشَّيءَ ، ثُمَّ يَذكُرُهُ فَما مِن أَحدٍ إِلّا عَلى رَأَسِ فُؤادِهِ حُقَّةٌ مَفتوحَةُ الرَّأَسِ، فَإِذا سَمِعَ الشَّيءَ وَقَعَ فيها، فَإِذا أَرادَ اللّهُ أَن يُنسِيَها أَطبَقَ عَلَيها، وإِذا أَرادَ اللّهُ أَن يُذَكِّرَهُ فَتَحَها، وهذا دَليلُ الإِلهِيَّةِ. (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ بَديعَ السَّماواتِ وَالأَرضِ، ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ، رَبَّ الأَربابِ وإِلهَ كُلِّ مَألوهٍ ، وخالِقَ كُلِّ مَخلوقٍ. (6)
الإمام الباقر عليه السلام :إِنَّ تَفسيرَ الإلهِ هُوَ الَّذي أَلِهَ الخَلقُ عَن دَركِ ماهِيَّتِهِ وكَيفِيَّتِهِ ، بِحِسٍّ أَو بِوَهمٍ ، لا بَل هُوَ مُبدِعُ الأَوهامِ وخالِقُ الحَواسِّ . (7)
.
ص: 436
عنه عليه السلام_ في قُنوتِهِ _: اللّهُمَّ . . . بِعُبَيدِكَ ضَعفُ البَشَرِيَّةِ وعَجَزُ الإِنسانِيَّةِ، ولَكَ سُلطانُ الإِلهِيَّةِ ومَلكَةُ البَرِيَّةِ. (1)
الإمام الصّادق عليه السلام :لايُكَوِّنُ الشَّيءَ لا مِن شَيءٍ إِلّا اللّهُ، ولا يَنقُلُ الشَّيءَ مِن جَوهَرِيَّتِهِ إِلى جَوهَرٍ آخَرَ إِلَا اللّهُ، ولا يَنقُلُ الشَّيءَ مِنَ الوُجودِ إِلَى العَدَمِ إِلَا اللّهُ. (2)
عنه عليه السلام :قَدِمَ وَفدٌ مِن أَهلِ فِلَسطينَ عَلَى الباقِرِ عليه السلام فَسَأَلوهُ عَن مَسائِلَ فَأَجابَهُم، ثُمَّ سَأَلوهُ عَنِ الصَّمَدِ ، فَقالَ: تَفسيرُهُ فيهِ ؛ الصَّمَدُ خَمسَةُ أَحرُفٍ : فَالأَلِفُ دَليلٌ عَلى إِنِّيَّتِهِ، وهُوَ قَولُهُ عز و جل : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ» (3) وذلِكَ تَنبيهٌ وإِشارَةٌ إِلَى الغائِبِ عَن دَرَكِ الحَواسِّ، وَاللّامُ دَليلٌ عَلى إِلهِيَّتِهِ بِأَنَّهُ هُوَ اللّهُ، وَالأَلِفُ وَاللّامُ مُدغَمانِ لا يَظهَرانِ عَلَى اللِّسانِ ولا يَقَعانِ فِي السَّمعِ ويَظهَرانِ فِي الكِتابَةِ، دَليلانِ عَلى أَنَّ إِلهِيَّتَهُ بِلُطفِهِ خافِيَةٌ لا تُدرَكُ بِالحَواسِّ، ولا تَقَعُ في لِسانِ واصِفٍ ولا أُذُنِ سامِعٍ ؛ لِأَنَّ تَفسيرَ الإِلهِ هُوَ الَّذي أَلِهَ الخَلقُ عَن دَرَكِ ماهِيَّتِهِ وكَيفِيَّتِهِ بِحِسٍّ أَو بِوَهمٍ، لا بَل هُوَ مُبدِعُ الأَوهامِ وخالِقُ الحَواسِّ، وإِنَّما يَظهَرُ ذلِكَ عِندَ الكِتابَةِ، [ فَهُوَ] (4) دَليلٌ عَلى أَنَّ اللّهَ سُبحانَهُ أَظهَرَ رُبوبيَّتَهُ في إِبداعِ الخَلقِ، وتَركيبِ أَرواحِهِمُ اللَّطيفَةِ في أَجسادِهِمُ الكَثيفَةِ، فَإِذا نَظَرَ عَبدٌ إِلى نَفسِهِ لَم يَرَ روحَهُ، كَما أَنَّ لامَ الصَّمَدِ لا تَتَبَيَّنُ ولا تَدخُلُ في حاسَّةٍ مِنَ الحَواسِّ الخَمسِ، فَإِذا نَظَرَ إِلَى الكِتابَةِ ظَهَرَ له ما خَفِيَ ولَطُفَ . فَمَتى تَفَكَّرَ العَبدُ في ماهِيَّةِ البارئِ وكَيفِيَّتِهِ، أَلِهَ فيهِ وتَحَيَّرَ ولَم تُحِط فِكرَتُهُ
.
ص: 437
بِشَيءٍ يَتَصَوَّرُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عز و جل خالِقُ الصُّوَرِ، فَإِذا نَظَرَ إِلى خَلقِهِ ثَبَتَ لَهُ أَنَّهُ عز و جلخالِقُهُم ومُرَكِّبُ أَرواحِهِم في أَجسادِهِم. (1)
الكافي عن هشام بن الحكم :قالَ أَبو شاكِرٍ الدَّيَصانِيُّ : إِنَّ فِي القُرآنِ آيَةً هِيَ قَولُنا . قُلتُ: ما هِيَ؟ فَقالَ: «وَ هُوَ الَّذِى فِى السَّمَاءِ إِلَ_هٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَ_هٌ» (2) فَلَم أَدرِ بِما أُجيبُهُ! فَحَجَجتُ فَخَبَّرتُ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقالَ: هذا كَلامُ زَنديقٍ خَبيثٍ، إِذا رَجَعتَ إِلَيهِ فَقُل لَهُ: مَا اسمُكَ بِالكوفَةِ؟ فَإِنَّهُ يَقولُ: فُلانٌ . فَقُل لَهُ : مَا اسمُكَ بِالبَصرَةِ؟ فَإِنَّهُ يَقولُ: فُلانٌ . فَقُل: كَذلِكَ اللّهُ رَبُّنا فِي السَّماءِ إِلهٌ وفِي الأَرضِ إِلهٌ ، وفِي البِحارِ إِلهٌ وفِي القِفارِ إِلهٌ وفي كُلِّ مَكانٍ إِلهٌ . قالَ: فَقَدِمتُ فَأَتَيتُ أَبا شاكِرٍ فَأَخبَرتُهُ، فَقالَ: هذِهِ نُقِلَت مِنَ الحِجازِ. (3)
الإمام الرضا عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ في تَوحيدِ اللّهِ سُبحانَهُ _: لَهُ مَعنَى الرُّبوبِيَّةِ إِذ لا مَربوبَ ، وحَقيقَةُ الإِلهِيَّةِ إِذ لا مَألوهَ. (4)
1 / 1 _ 2مَعنَى «اللّهِ»الإمام عليّ عليه السلام :«اللّهُ» مَعناهُ المَعبودُ الَّذي يَألَهُ فِيهِ الخَلقُ ويؤلَهُ إِلَيهِ ، وَاللّهُ هُوَ المَستورُ
.
ص: 438
عَن دَركِ الأَبصارِ ، المَحجوبُ عَنِ الأَوهامِ وَالخَطَراتِ . (1)
عنه عليه السلام :«اللّهُ» أَعظَمُ اسمٍ مِنَ أَسماءِ اللّهِ عز و جل ، وهُوَ الاِسمُ الَّذي لا يَنبَغي أَن يُسَمّى بِهِ غَيرُ اللّهِ ، ولَم يَتَسَمَّ بِهِ مَخلوقٌ . (2)
عنه عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ ووارِثُهُ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ إِلهُ الآلِهَةِ. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن مَعنى بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ _: حَدَّثَني أَبي، عَن أخيهِ الحَسَنِ عَن أبيهِ أَميرِ المُؤمِنينَ عليهم السلام : أَنَّ رَجُلاً قامَ إِلَيهِ فَقالَ: يا أَميرَ المُؤمِنينَ، أخبِرني عَن «بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ» ما مَعناهُ؟ فَقالَ: إِنَّ قَولَكَ «اللّهُ» أَعظَمُ اسمٍ مِن أَسماءِ اللّهِ عز و جل ، وهُوَ الاِسمُ الَّذي لا يَنبَغي أَن يُسَمّى بِهِ غَيرُ اللّهِ، ولَن يَتَسَمَّ بِهِ مَخلوقٌ. فَقالَ الرَّجُلُ: فَما تَفسيرُ قَولِهِ : «اللّه »؟ قالَ: هُوَ الَّذي يَتَأَلَّهُ (4) إِلَيهِ عِندَ الحَوائِجِ وَالشَّدائِدِ كُلُّ مخَلوقٍ عِندَ انقِطاعِ الرَّجاءِ مِن جَميعِ مَن هُوَ دونَهُ، وتَقَطُّعِ الأَسبابِ مِن كُلِّ مَن سِواهُ، وذلِكَ أَنَّ كُلَّ مُتَرَئِّسٍ في هذِهِ الدُّنيا ومُتَعَظِّمٍ فيها _ وإِن عَظُمَ غِناؤُهُ وطُغيانُهُ وكَثُرَت حَوائِجُ مَن دونَهُ إِلَيهِ _ فَإِنَّهُم سَيَحتاجونَ حَوائِجَ لا يَقدِرُ عَلَيها هذَا المُتَعاظِمُ، وكَذلِكَ هذَا المُتَعاظِمُ يَحتاجُ حَوائِجَ لا يَقدِرُ عَلَيها، فَيَنقَطِعُ إِلَى اللّهِ عِندَ ضَرورَتِهِ وفاقَتِهِ، حَتّى إِذا كَفى هَمَّهُ عادَ
.
ص: 439
إِلى شِركِهِ . أَما تَسمَعُ اللّهَ عز و جل يَقولُ: «قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَ_دِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ» . (1) فَقالَ اللّهُ عز و جل لِعِبادِهِ: أَيُّهَا الفُقَراءُ إِلى رَحمَتي، إِنّي قَد أَلزَمتُكُمُ الحاجَةَ إِلَيَّ في كُلِّ حالٍ، وذِلَّةَ العُبودِيَّةِ في كُلِّ وَقتٍ، فَإِلَيَّ فَافزَعوا في كُلِّ أَمرٍ تَأخُذونَ فيهِ وتَرجونَ تَمامَهُ وبُلوغَ غايَتِهِ، فَإِنّي إِن أَرَدتُ أَن أُعطِيَكُم لَم يَقدِر غَيري عَلى مَنعِكُم، وإِن أَرَدتُ أَن أَمنَعَكُم لَم يَقدِر غَيري عَلى إِعطائِكُم، فَأَنَا أَحَقُّ مَن سُئِلَ وأَولى مَن تُضُرِّعَ إِلَيهِ، فَقولوا عِندَ افتِتاحِ كُلِّ أَمرٍ صَغيرٍ أَو عَظيمٍ . «بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ» أَي أَستَعينُ عَلى هذَا الأَمرِ بِاللّهِ الَّذي لا يَحِقُّ العِبادَةُ لِغَيرِهِ ، المُغيثِ إِذَا استُغيثَ، وَالمُجيبِ إِذا دُعِيَ، الرَّحمنِ الَّذي يَرحَمُ، بِبَسطِ الرِّزقِ عَلَينَا، الرَّحيمِ بِنا في أَديانِنا ودُنيانا وآخِرَتِنا، خَفَّفَ عَلَينَا الدّينَ وجَعَلَهُ سَهلاً خَفيفا، وهُوَ يَرحَمُنا بِتَمَيُّزِنا مِن أَعدائِهِ. (2)
الإمام الباقر عليه السلام :«اللّهُ» مَعناهُ المَعبودُ الَّذي أَلِهَ الخَلقُ عَن دَركِ ماهِيَّتِهِ ، وَالإِحاطَةِ بِكَيفِيَّتِهِ ، ويَقولُ العَرَبُ: أَلِهَ الرَّجُلُ إِذا تَحَيَّرَ فِي الشَّيءِ فَلَم يُحِط بِهِ عِلما ، ووَلَهَ إِذا فَزِعَ إِلى شَيءٍ مِمّا يَحْذَرُهُ ويَخافُهُ ، فَالإلهُ هُوَ المَستورُ عَن حَواسِّ الخَلقِ . . . فَمَعنى قَولِهِ: «اللّهُ أَحَدٌ» المَعبودُ الَّذي يَألَهُ الخَلقُ عَن إِدراكِهِ ، وَالإِحاطَةِ بِكَيفِيَّتِهِ ، فَردٌ بِإِلهِيَّتِهِ ، مُتَعالٍ عَن صِفاتِ خَلقِهِ . (3)
.
ص: 440
الإمام الكاظم عليه السلام_ في مَعنَى «اللّهِ» _: اِستَولى عَلى ما دَقَّ وجَلَّ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :إِنَّ في تَسمِيَةِ اللّهِ عز و جل الإِقرارَ بِرُبوبِيَّتِهِ وتَوحيدِهِ . (2)
راجع : ص 431 ح 4004 و 4005 و 442 ح 4035، بحار الأنوار : ج3 ص226 .
1 / 1 _ 3مَعنى «اللّهُ أَكبَرُ»رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في تَفسيرِ «اللّهُ أَكبَرُ» _: أَمّا قَولُهُ : «اللّهُ أَكبَرُ» فَهِيَ كَلِمَةٌ لَيسَ أَعلاها كَلامٌ ، وأَحَبُّها إِلَى اللّهِ ، يَعني لَيسَ أَكبَرُ مِنهُ ؛ لِأَنَّهُ يُستَفتَحُ الصَّلواتُ بِهِ ، لِكَرامَتِهِ عَلَى اللّهِ ، وهُوَ اسمٌ مِن أَسماءِ اللّهِ الأَكبَرِ . (3)
الكافي عن ابن محبوب عمّن ذكره عن الإمام الصّادق عليه السلام :قالَ رَجُلٌ عِندَهُ: «اللّهُ أَكبَرُ» . فَقالَ : اللّهُ أَكبَرُ مِن أَيِّ شَيءٍ ؟ فَقالَ : مِن كُلِّ شَيءٍ . فَقالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : حَدَّدتَهُ . فَقالَ الرَّجُلُ : كَيفَ أَقولُ ؟
.
ص: 441
قالَ : قُل : اللّهُ أَكبَرُ مِن أَن يُوصَفَ . (1)
الكافي عن جميع بن عمير :قالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : أيُّ شَيءٍ «اللّهُ أكبَرُ» ؟ فَقُلتُ : اللّهُ أَكبَرُ مِن كُلِّ شَيءٍ . فَقالَ : وكانَ ثَمَّ شَيءٌ فَيَكونُ أَكبَرَ مِنهُ ؟! فَقُلتُ : وما هُوَ ؟ قالَ : اللّهُ أَكبَرُ مِن أَن يُوصَفَ . (2)
راجع : ج 5 ص 101 (الفصل التاسع والخمسون : الكبير ، المتكبّر) .
1 / 1 _ 4مَعنى «بِاسمِ اللّهِ»الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: . . . بِاسمِ اللّهِ كَلِمَةِ المُعتَصِمينَ ومَقالَةِ المُتَحَرِّزينَ . (3)
التوحيد عن الحسن بن عليّ بن فضّال :سَأَلتُ الرِّضا عَلِيَّ بنَ موسى عليهماالسلامعَن «بِاسمِ اللّهِ» . قالَ : مَعنى قَولِ القائِلِ : بِاسمِ اللّهِ ، أَي أَسِمُ عَلى نَفسي سِمَةً مِن سِماتِ اللّهِ عز و جل ؛ وهِيَ العِبادَةُ .
.
ص: 442
قالَ : فَقُلتُ لَهُ : ما السِّمَةُ ؟ فَقالَ : العَلامَةُ . (1)
الكافي عن عبد اللّه بن سنان :سَأَلتُ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن تَفسيرِ «بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ» قالَ: الباءُ بَهاءُ اللّهِ، وَالسّينُ سَناءُ اللّهِ، وَالميمُ مَجدُ اللّهِ . ورَوى بَعضُهُم : الميمُ مُلكُ اللّهِ، وَاللّهُ إِلهُ كُلِّ شَيءٍ، الرَّحمنُ بِجَميعِ خَلقِهِ ، وَالرَّحيمُ بِالمُؤمِنينَ خاصَّةً. (2)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» _: اللّهُ هُوَ الَّذي يَتَأَلَّهُ إِلَيهِ عِندَ الحَوائِجِ وَالشَّدائِدِ كُلُّ مَخلوقٍ عِندَ انقِطاعِ الرَّجاءِ مِن كُلِّ مَن هُوَ دونَهُ ، وتَقَطُّعِ الأَسبابِ مِن جَميعِ ما سِواهُ ، يَقولُ : «بِاسمِ اللّهِ» أَي أَستَعينُ عَلى أُموري كُلِّها بِاللّهِ الَّذي لا تَحِقُّ العِبادَةُ إِلّا لَهُ ، المُغيثِ إِذَا استُغيثَ ، وَالمُجيبِ إِذا دُعِيَ . (3)
راجع : ص 438 ح 4025 .
.
ص: 443
الفصل الثاني: أصناف أسماء اللّه2 / 1الأَسماءُ اللَّفظِيَّةُالإمام عليّ عليه السلام :ما مِن حَرفٍ إِلّا وهُوَ اسمٌ مِن أَسماءِ اللّهِ عز و جل . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :هذِهِ «ك_هيعص» أَسماءُ اللّهِ مُقَطَّعَةً . (2)
2 / 2الأَسماءُ التَّكوِينِيَّةُالإمام عليّ عليه السلام :أَنَا أَسماءُ اللّهِ الحُسنى ، وأَمثالُهُ العُليا ، وآياتُهُ الكُبرى . (3)
عنه عليه السلام :نَحنُ الاِسمُ المَخزونُ المَكنونُ ، نَحنُ الأَسماءُ الحُسنَى الَّتي إِذا سُئِلَ اللّهُ عز و جل بِها
.
ص: 444
أَجابَ ، نَحنُ الأَسماءُ المَكتوبَةُ عَلَى العَرشِ . (1)
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «تَبَ_رَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِى الْجَلَ_لِ وَ الْاءِكْرَامِ» (2) _: نَحنُ جَلالُ اللّهِ وكَرامَتُهُ الَّتي أَكرَمَ اللّهُ العِبادَ بِطاعَتِنا . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :مِنَّا . . . الاِسمُ المَخزونُ وَالعِلمُ المَكنونُ . (4)
عنه عليه السلام_ في زِيارَةِ أَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: السَّلامُ عَلَى اسمِ اللّهِ الرَّضِيِّ ، ووَجهِهِ المُضيءِ . (5)
الإمام الرضا عليه السلام :إِذا نَزَلَت بِكُم شِدَّةٌ فَاستَعينوا بِنا عَلَى اللّهِ ، وهُوَ قَولُ اللّهِ : «وَلِلَّهِ الأَْسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا» (6) قالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : نَحنُ وَاللّهِ الأَسماءُ الحُسنى ، الَّذي لا يُقبَلُ مِن أَحَدٍ إِلّا بِمَعرِفَتِنا ، قالَ: «فَادْعُوهُ بِهَا» . (7)
الإمام الهادي عليه السلام :نَحنُ الكَلِماتُ الَّتي لا تُدرَكُ فَضائِلُنا ولا تُستَقصى . (8)
راجع : بحار الأنوار : ج24 ص173 باب «إنّهم عليهم السلام كلمات اللّه وولايتهم الكلم الطيّب» .
.
ص: 445
2 / 3المُستَأثَرُ مِنَ الأَسماءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعائِهِ المُسَمّى بِالأَسماءِ الحُسنى _: يا اللّهُ وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذي لا يُحيطُ بِهِ عِلمُ العُلَماءِ ، يا اللّهُ وَأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي لا يَحويهِ حُكمُ الحُكَماءِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ للّهِِ تَعالى أَربعَةَ آلافِ اسمٍ : أَلفٌ لا يَعلَمُها إِلَا اللّهُ ، وأَلفٌ لا يَعلَمُها إِلَا اللّهُ وَالمَلائِكَةُ ، وأَلفٌ لا يَعلَمُها إِلَا اللّهُ وَالمَلائِكَةُ وَالنَّبِيّونَ ، وأَمَّا الأَلفُ الرّابِعُ فَالمُؤمِنونَ يَعلَمونَهُ : ثَلاثُمِئَةٍ مِنها فِي التَّوراةِ ، وثَلاثُمِئَةٍ فِي الإِنجيلِ ، وثَلاثُمِئَةٍ فِي الزَّبورِ ، ومِئَةٌ فِي القُرآنِ ، تِسعةٌ وتِسعونَ ظاهِرَةٌ ، وواحِدٌ مَكتومٌ ، مَن أَحصاها دَخَلَ الجَنَّةَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :ما قالَ عَبدٌ قَطُّ إِذا أَصابَهُ هَمٌّ وحُزنٌ : «اللّهُمَّ إِنّي عَبدُكَ وَابنُ عَبدِكَ وَابنُ أَمَتِكَ ، ناصِيَتي بِيَدِكَ ، ماضٍ فِيَّ حُكمُكَ ، عَدلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ ، أَسأَ لُكَ بِكُلِّ اسمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيتَ بِهِ نَفسَكَ ، أَو أَنزَلتَهُ في كتابِكَ ، أَو عَلَّمتَهُ أَحَدا مِن خَلقِكَ ، أَوِ استَأثَرتَ بِهِ في عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ ، أَن تَجعَلَ القُرآنَ رَبيعَ قَلبي ، ونورَ صَدري ، وجَلاءَ حُزني ، وذَهابَ هَمّي» إِلّا أَذهَبَ اللّهُ عز و جل هَمَّهُ ، وأَبدَلَهُ مَكانَ حُزنِهِ فَرَحا . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِمَن قالَ لَهُ : يَدخُلُنِي الغَمُّ _: أَكثِر من أَن تَقولَ : «اَللّهُ اللّهُ رَبّي لا أُشرِكُ بِهِ شَيئا» ، فَإذا خِفتَ وَسوَسَةً أَو حَديثَ نَفسٍ فَقُل : «اللّهُمَّ إِنّي عَبدُكَ وَابنُ
.
ص: 446
عَبدِكَ وَابنُ أَمَتِكَ ، ناصِيَتي بِيَدِكَ ، عَدلٌ فِيَّ حُكمُكَ ، ماضٍ فِيَّ قَضاؤُكَ ، اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِكُلِّ اسمٍ هُوَ لَكَ أَنزَلتَهُ في كِتابِكَ ، أَو عَلَّمتَهُ أَحَدا مِن خَلقِكَ ، أَوِ استَأثَرتَ بِهِ في عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ ، أَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأَن تَجعَلَ القُرآنَ نورَ بَصَري ، ورَبيعَ قَلبي ، وجَلاءَ حُزني ، وذَهابَ هَمّي ، اللّهُ اللّهُ رَبّي لا أُشرِكُ بِهِ شَيئا» . (1)
الإمام الكاظم عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِكُلِّ اسمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيتَ بِهِ نَفسَكَ ، أَو أَنزَلتَهُ في شَيءٍ مِن كُتُبِكَ ، أَوِ استَأثَرتَ بِهِ في عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ ، أَو عَلَّمتَهُ أَحَدا مِن خَلقِكَ ، أَن تَجعَلَ القُرآنَ رَبيعَ قَلبي ، وشِفاءَ صَدري ، ونورَ بَصَري ، وذَهابَ هَمّي وحُزني ؛ فَإِنَّهُ لا حَولَ ولا قُوَّةَ إِلّا بِكَ . (2)
راجع : ج 5 ص 41 ح 5004 .
.
ص: 447
الفصل الثالث: عدد أسماء اللّه3 / 1عَدَدُ الأَسماءِ اللَّفظِيَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ فِي القُرآنِ تِسعَةً وتِسعينَ اسما ، مَن أَحصاها كُلَّها دَخَلَ الجَنَّةَ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ للّهِِ تِسعَةً وتِسعينَ اسما ، مِئَةً إِلّا واحِدا ، مَن أَحصاها دَخَلَ الجَنَّةَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ للّهِِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ تِسعَةً وتِسعينَ اسما ؛ مِئَةً إِلّا واحِدا، مَن أَحصاها دَخَلَ الجَنَّةَ، وهِيَ : اللّهُ، الإِلهُ ، الواحِدُ ، الأَحَدُ ، الصَّمَدُ (3) ، الأَوَّلُ ، الآخِرُ ، السَّميعُ ، البَصيرُ، القَديرُ،
.
ص: 448
القاهِرُ ، العَلِيُّ ، الأَعلَى ، الباقِي ، البَديعُ ، البارِئُ ، الأَكرَمُ، الظّاهِرُ، الباطِنُ، الحَيُّ، الحَكيمُ ، العَليمُ ، الحَليمُ ، الحَفيظُ ، الحَقُّ ، الحَسيبُ (1) ، الحَميدُ ، الحَفيُّ ، الرَّبُّ ، الرَّحمنُ ، الرَّحيمُ ، الذَّارِئُ (2) ، الرَّزّاقُ ، الرَّقيبُ ، الرَّؤوفُ، الرَّائِي، السَّلامُ، المُؤمِنُ، المُهيمِنُ ، العَزيزُ ، الجَبّارُ ، المُتَكَبِّرُ ، السَّيِّدُ ، السُّبّوحُ (3) ، الشَّهيدُ ، الصّادِقُ ، الصّانِعُ ، الطّاهِرُ ، العَدلُ ، العَفُوُّ ، الغَفورُ ، الغَنِيُّ ، الغِياثُ ، الفاطِرُ ، الفَردُ ، الفَتّاحُ ، الفالِقُ ، القَديمُ ، المَلِكُ ، القُدّوسُ ، القَوِيُّ ، القَريبُ ، القَيّومُ ، القابِضُ ، الباسِطُ ، قاضِي الحاجاتِ ، المَجيدُ ، المَولَى ،المَنّانُ ، المُحيطُ، المُبينُ، المُقيتُ، المُصَوِّرُ، الكَريمُ ، الكَبيرُ ، الكافي ،كاشِفُ الضُّرِّ ، الوَترُ ، النُّورُ ، الوَهّابُ ، النّاصِرُ ، الواسِعُ ، الوَدودُ ، الهادِي ، الوَفِيُّ ، الوَكيلُ ، الوارِثُ ، البَرُّ ، الباعِثُ ، التَّوّابُ ، الجَليلُ ، الجَوادُ ، الخَبيرُ ، الخالِقُ ، خَيرُ النّاصِرينَ ، الدَّيّانُ (4) ، الشَّكورُ ، العَظيمُ ، اللَّطيفُ ، الشَّافي . (5)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ الأَسماءِ التِّسعَةِ وَالتِّسعينَ الَّتي مَن أَحصاها دَخَلَ الجَنَّةَ 6 _: هِيَ فِي القُرآنِ :
.
ص: 449
فَفِيالفاتِحَةِ خَمسَةُ أَسماءٍ: يا أللّهُ، يارَبُّ، يا رَحمانُ، يا رَحيمُ، يا مالِكُ. وفِي البَقَرَةِ ثَلاثَةٌ وثَلاثونَ اسما : يا مُحيطُ ، يا قَديرُ ، يا عَليمُ ، يا حَكيمُ ، يا عَلِيُّ ، يا عَظيمُ ، يا تَوّابُ ، يا بَصيرُ ، يا وَلِيُّ ، يا واسِعُ ، يا كافي ، يا رَؤوفُ ، يا بَديعُ ، يا شاكِرُ ، يا واحِدَ ، يا سَميعُ ، يا قابِضُ ، يا باسِطُ ، يا حَيُّ ، يا قَيّومُ ، يا غَنِيُّ ، يا حَميدُ ، يا غَفورُ ، يا حَليمُ ، يا إِلهُ ، يا قَريبُ ، يا مُجيبُ ، يا عَزيزُ ، يا نَصيرُ ، يا قَوِيُّ ، يا شَديدُ ، يا سَريعُ ، يا خَبيرُ . وفي آلِ عِمرانَ : يا وَهّابُ ، يا قائِمُ ، يا صادِقُ ، يا باعِثُ ، يا مُنعِمُ ، يا مُتَفَضِّلُ. وفِي النِّساءِ : يا رَقيبُ ، يا حَسيبُ ، يا شَهيدُ ، يا مُقيتُ ، يا وَكيلُ ، يا عَلِيُّ ، يا كَبيرُ . وفِي الأَنعامِ : يا فاطِرُ ، يا قاهِرُ ، يا لَطيفُ ، يا بُرهانُ . وفِي الأَعرافِ : يا مُحيي ، يا مُميتُ . وفِي الأَنفالِ : يا نِعمَ المَولى ، يا نِعمَ النَّصيرُ . وفي هودٍ : يا حَفيظُ ، يا مَجيدُ ، يا وَدودُ ، يا فَعّالُ لِما يُريدُ . وفِي الرَّعدِ : يا كَبيرُ ، يا مُتَعالِ . وفِي إِبراهيمُ : يا مَنّانُ ، يا وارِثُ . وفِي الحِجرِ : يا خَلّاقُ . وفي مَريمَ : يا فَردُ .
.
ص: 450
وفي طه : يا غَفّارُ . وفي «قَد أَفلَحَ» : يا كَريمُ . وفِي النُّور : يا حَقُّ ، يا مُبينُ . وفِي الفُرقانِ : يا هادي . وفي سَبَأٍ : يا فَتّاحُ . وفِي الزُّمَرِ : يا عالِمُ . وفي غافِرٍ : يا غافِرُ ، يا قابِلَ التَّوبَةِ ، يا ذَا الطَّولِ ، يا رَفيعُ . وفِي الذَّارِياتِ : يا رَزّاقُ ، يا ذَا القُوَّةِ ، يا مَتينُ . وفِي الطور : يا برّ . وفِي «اقتَرَبَت» : يا مَليكُ ، يا مُقتَدِرُ . وفِي الرَّحمن : يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ ، يا رَبَّ المَشرِقَينِ ، يا رَبُّ المَغرِبَينِ ، يا باقي ، يا مُهَيمِنُ . وفِي الحَديدِ : يا أَوَّلُ ، يا آخِرُ ، يا ظاهِرُ ، يا باطِنُ . وفِي الحَشرِ : يا مَلِكُ ، يا قُدّوسُ ، يا سَلامُ ، يا مُؤمِنُ ، يا مُهَيمِنُ ، يا عَزيزُ ، يا جَبّارُ ، يا مُتَكَبِّرُ ، يا خالِقُ ، يا بارِئُ ، يا مُصَوِّرُ . وفِي البُروجِ : يا مُبدِئُ ، يا مُعيدُ . وفِي الفَجرِ : يا وَترُ . وفِي الإِخلاصِ : يا أَحَدُ ، يا صَمَدُ . (1)
.
ص: 451
كلام في عدد الأسماء الحسنى اللفظيةقال العلّامة الطباطبائي قدس سره : «لا دليل في الآيات الكريمة على تعيّن عدد للأسماء الحسنى تتعين به ، بل ظاهر قوله : «اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ لَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى» (1) ، وقوله: «وَلِلَّهِ الأَْسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا» (2) ، وقوله : «لَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ» (3) ، وأَمثالها من الآيات أَنّ كلّ اسم في الوجود هو أَحسن الأَسماء في معناها فهو له تعالى فلا تتحدّد أَسماؤه الحسنى بمحدّد . والذي ورد منها في لفظ الكتاب الإلهي مئة وبضعة وعشرون اسما ، هي : أ _ الإله ، الأَحد ، الأَول ، الآخر ، الأَعلى ، الأَكرم ، الأَعلم . أَرحم الراحمين ، أَحكم الحاكمين ، أَحسن الخالقين ، أَهل التقوى ، أَهل المغفرة ، الأَقرب ، الأَبقى . ب _ البارئ ، الباطن ، البديع ، البرّ ، البصير . ت _ التوّاب . ج _ الجبّار ، الجامع .
.
ص: 452
ح _ الحكيم ، الحليم ، الحي ، الحق ، الحميد ، الحسيب ، الحفيظ ، الحفي . خ _ الخبير ، الخالق ، الخلاق ، الخير ، خير الماكرين ، خير الرازقين ، خير الفاصلين ، خير الحاكمين ، خير الفاتحين ، خير الغافرين ، خير الوارثين ، خير الرَّاحمين ، خير المنزلين . ذ _ ذوالعرش ، ذوالطول ، ذوالانتقام ، ذو الفضل العظيم ، ذوالرَّحمة ، ذوالقوة ، ذوالجلال والإكرام ، ذوالمعارج . ر _ الرّحمن ، الرَّحيم ، الرؤوف ، الرَّب ، رفيع الدَّرجات ، الرَّزاق ، الرَّقيب . س _ السَّميع ، السَّلام ، سريع الحساب ، سريع العقاب . ش _ الشَّهيد ، الشَّاكر ، الشَّكور ، شديد العقاب ، شديد المحال . ص _ الصَّمد . ظ _ الظَّاهر . ع _ العليم ، العزيز ، العفو ، العلي ، العظيم ، علّام الغيوب ، عالم الغيب والشَّهادة . غ _ الغنيّ ، الغفور ، الغالب ، غافر الذنب ، الغفار . ف _ فالق الإصباح ، فالق الحبّ والنوى ، الفاطر ، الفتّاح . ق _ القوي ، القدّوس ، القيّوم ، القاهر ، القهّار ، القريب ، القادر ، القدير ، قابل التوب ، القائم على كل نفس بما كسبت . ك _ الكبير ، الكريم ، الكافي . ل _ اللطيف . م _ الملك ، المؤمن ، المهيمن ، المتكبرّ ، المصوّر ، المجيد ، المجيب ، المبين ،
.
ص: 453
المولى ، المحيط ، المقيت ، المتعال ، المحيي ، المتين ، المقتدر ، المستعان ، المبدي ، مالك الملك . ن _ النَّصير ، النُّور . و _ الوهّاب ، الواحد ، الولي ، الوالي ، الواسع ، الوكيل ، الودود . ه_ الهادي . وقد تقدّم أَنّ ظاهر قوله : «وللّه الأَسماء الحسنى» «وله الأَسماء الحسنى» أَنّ معاني هذه الأَسماء له تعالى حقيقة وعلى نحو الأَصالة ، ولغيره تعالى بالتبع فهو المالك لها حقيقة ، وليس لغيره إِلّا ما ملكه اللّه من ذلك ، وهو مع ذلك مالك لما ملكه غيره لم يخرج عن ملكه بالتمليك ، فله سبحانه حقيقة العلم مثلاً ، وليس لغيره منه إِلّا ما وهبه له ، وهو مع ذلك له لم يخرج من ملكه وسلطانه . . . وأَمّا ما ورد مستفيضا ممّا رواه الفريقان عن النَّبي صلى الله عليه و آله : «إِنَّ للّهِِ تِسعَةً وتِسعينَ اسما مِئَةً إِلّا واحِدا مَن أَحصاها دَخَلَ الجَنَّةَ» أَو ما يقرب من هذا اللفظ فلا دلالة فيها على التوقيف . هذا بالنظر إِلى البحث التفسيري ، وأَمّا البحث الفقهي فمرجعه فن الفقه والاحتياط في الدِّين يقتضي الاقتصار في التسمية بما ورد من طريق السمع ، وأَمّا مجرّد الإجراء والإطلاق من دون تسمية فالأَمر فيه سهل» . (1)
.
ص: 454
3 / 2عدد الأَسماء التكوينيّةالكتاب«وَ لَوْ أَنَّمَا فِى الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَ_مٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَ_تُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » . (1)
«قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَ_تِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَ_تُ رَبِّى وَ لَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا » . (2)
«وَ إِن تَعُدُّواْ نَعَمتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا» . (3)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى: «قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ . . .» _: قَد أَخبَرَكَ أَنَّ كَلامَ اللّهِ عز و جل لَيسَ لَهُ آخِرٌ ولا غايَةٌ ، ولا يَنقَطِعُ أَبَدا . (4)
تعليقأَسماء اللّه وكلماته التكوينيّة بمعناها العامّ تشمل جميع مخلوقات اللّه ، و على هذا الأَساس فإنّ كلمات اللّه لا عدَّ لها ولاحصر ، والمخلوقات غير قادرة على إِحصائها ، ولكن هذا لايعني طبعا أَنّ اللّه غير قادر على إِحصائها؛ فهو تعالى يعلم عدد جميع مخلوقاته؛ ولهذا نرى القرآن الكريم يعلن: «وَ أَحْصَى كُلَّ شَىْ ءٍ عَدَدَا» (5) ، «لَا يُغَادِرُ
.
ص: 455
صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَا أَحْصَ_اهَا» (1) ، «وَ كُلَّ شَىْ ءٍ أَحْصَيْنَ_هُ كِتَ_بًا» . (2) وإِضافة إِلى الأَسماء والكلمات التكوينيّة العامّة ، فإنّ للّه تعالى أَسماء وكلمات تكوينيّة خاصّة أَيضا تذكر تحت عنوان «أَسماء اللّه الحسنى» ، أو «أَمثاله العليا» ، أو «آياته الكبرى» ، أَو «اسم اللّه الرضيّ» ، و مصداقُها البارز الأَنبياءُوالأَولياء وأَهل البيت عليهم السلام .
.
ص: 456
. .
ص: 457
ص: 458
مُهج الدعوات عن معاوية بن عمّار ع_ن الإمام الصادق عليه السلام : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ » اِسمُ اللّهِ الأَكبَرُ . أَو قالَ : الأَعظَمُ . (1)
4 / 1 _ 2آياتٌ مِنَ القُرآنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِسمُ اللّهِ الأَعظَمُ في هاتَينِ الآيَتَينِ : «وَ إِلَ_هُكُمْ إِلَ_هٌ وَ حِدٌ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الرَّحْمَ_نُ الرَّحِيمُ» (2) ، وفاتِحَةِ سورَةِ آلِ عِمرانَ : «الم * اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ» (3) . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :اِسمُ اللّهِ الأَعظَمُ الَّذي إِذا دُعِيَ بِهِ أَجابَ في سُوَرٍ ثَلاثٍ : البَقَرَةِ ، وآلِ عِمرانَ ، وطه . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :اِسمُ اللّهِ الأَعظَمُ الَّذي إِذا دُعِيَ بِهِ أَجابَ في هذِهِ الآيِةِ مِن آلِ عِمرانَ : «قُلِ
.
ص: 459
اللَّهُمَّ مَ__لِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ» (1) إِلى آخِرِهِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :هَل أَدُلُّكُم عَلَى اسمِ اللّهِ الأَعظَمِ الَّذي إِذا دُعِيَ بِهِ أَجابَ ، وإِذا سُئِلَ بِهِ أَعطى الدَّعوَةُ الَّتي دَعا بِها يونُسُ ، حَيثُ ناداهُ فِي الظُّلُماتِ الثَّلاثِ : «لَا إِلَ_هَ إِلَا أَنتَ سُبْحَ_نَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّ__لِمِينَ» (3) . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :اِسمُ اللّهِ الأَعظَمُ في سِتِّ آياتٍ في آخِرِ سورَةِ الحَشرِ . (5)
كنز العمّال عن البراء بن عازب :قُلتُ لِعَلِيٍّ عليه السلام : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، أسأَ لُكَ بِاللّهِ ورَسولِهِ إِلّا خَصَصتَني بِأَعظَمِ ما خَصَّكَ بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَاختَصَّهُ بِهِ جِبريلُ ، وأَرسَلَهُ بِهِ الرَّحمنُ ، فَضَحِكَ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : يا بَراءُ إِذا أَرَدتَ أَن تَدعُوَ اللّهَ عز و جل بِاسمِهِ الأَعظَمِ ، فَاقرَأَ مِن أَوَّلِ سورَةِ الحَديدِ إِلى آخِرِ سِتِّ آياتٍ مِنها إِلى « . . . عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُورِ» ، وآخِرَ سورَةِ الحَشرِ يَعني أَربَعَ آياتٍ ، ثُمَّ ارفَع يَدَيكَ فَقُل : «يا مَن هُوَ هكَذا ، أَسأَ لُكَ بِحَقِّ هذِهِ الأَسماءِ أَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمِّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأَن تَفعَلَ بي كَذا وكَذا مِمّا تُريدُ» . فَوَ الَّذي لا إِلهَ غَيرُهُ لَتُقبِلَنَّ (6) بِحاجَتِكَ إِن شاءَ اللّهُ . (7)
.
ص: 460
الإمام الصادق عليه السلام :اِسمُ اللّهِ الأَعظَمُ مُقَطَّعٌ في أُمِّ الكِتابِ . (1)
عنه عليه السلام : «ال_م» هُوَ حَرفٌ مِن حُروفِ اسمِ اللّهِ الأَعظَمِ المُقَطَّعِ فِي القُرآنِ ، الَّذي يُؤَلِّفُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَالإِمامُ ، فَإِذا دَعا بِهِ أُجيبَ . (2)
4 / 1 _ 3نُصوصٌ مِنَ الأَدعِيَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لَمّا سَمِعَ رَجُلاً يَقولُ : اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِأَنَّ لَكَ الحَمدَ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ ، المَنّانُ ، بَديعُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ، ذُوالجَلالِ وَالإِكرامِ _: لَقَد سَأَلَ اللّهَ بِاسمِهِ الأَعظَمِ، الَّذي إِذا سُئِلَ بِهِ أَعطى ، وإِذا دُعِيَ بِهِ أَجابَ . (3)
سنن ابن ماجة عن بريدة :سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله رَجُلاً يَقولُ : اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِأَنَّكَ أَنتَ اللّهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذي لَم يَلِد ولَم يولَد ولَم يَكُن لَهُ كُفُوا أَحَدٌ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَقَد سَأَلَ اللّهَ بِاسمِهِ الأَعظَمِ ، الَّذي إِذا سُئِلَ بِهِ أَعطى ، وإِذا دُعِيَ بِهِ أَجابَ . (4)
.
ص: 461
سنن أبي داوود عن حفص عن أنس :أَنَّهُ كانَ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله جالِسا ورَجُلٌ يُصَلّي ، ثُمَّ دَعَا : اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بأَنَّ لَكَ الحَمدَ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، المَنّانُ ، بَديعُ السَّماواتِ وَالأَرضِ، يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ ، يا حَيُّ يا قَيّومُ . فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لَقَد دَعا اللّهَ بِاسمِهِ العَظيمِ ، الَّذي إِذا دُعِيَ بِهِ أَجابَ ، وإِذا سُئِلَ بِهِ أَعطى . (1)
الأدب المفرد عن أنس :كُنتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله دَعا رَجُلٌ فَقالَ : يا بَديعَ السَّماواتِ ، يا حَيُّ يا قَيّومُ ، إِنّي أَسأَ لُكَ . فَقالَ : أتَدرونَ بِما دَعا ؟ وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، دَعَا اللّهَ بِاسمِهِ الَّذي إِذا دُعِيَ بِهِ أَجابَ . (2)
الإمام الحسين عليه السلام عن الإمام عليّ عليه السلام :رَأَيتُ الخِضرَ عليه السلام فِي المَنامِ قَبلَ بَدرٍ بِلَيلَةٍ ، فَقُلتُ لَهُ : عَلِّمني شَيئا أُنصَرُ بِهِ عَلَى الأَعداءِ . فَقالَ : قُل : «يا هُوَ ، يا مَن لا هُوَ إِلَا هُوَ» ، فَلَمّا أَصبَحتُ قَصَصتُها عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ لي : يا عَلِيُّ عُلِّمتَ الاِسمَ الأَعظَمَ . فَكانَ عَلى لِساني يَومَ بَدرٍ . وإِنَّ أَميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام قَرَأَ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» ، فَلَمّا فَرَغَ قالَ : يا هُوَ ، يا مَن لا هُوَ إِلّا هُوَ ، اغفِر لي وَانصُرني عَلَى القَومِ الكافِرينَ . وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقولُ ذلِكَ يَومَ صِفّينَ وهُوَ يُطارِدُ ، فَقالَ لَهُ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، ما هذِهِ الكِناياتُ ؟
.
ص: 462
قالَ : اِسمُ اللّهِ الأَعظَمُ ، وعِمادُ التَّوحيدِ للّهِِ لا إِلهَ إِلّا هُوَ ، ثُمَّ قُرَأَ : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ» ، وآخِرَ الحَشرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلّى أَربَع رَكعاتٍ قَبلَ الزَّوالِ. (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :كُنتُ أَدعُو اللّهَ سُبحانَهُ سَنَةً عَقيبَ كُلِّ صَلاةٍ أَن يُعَلِّمَنِي الاِسمَ الأَعظَمَ، فَإِنّي ذاتَ يَومٍ قَد صَلَّيتُ الفَجرَ ، إِذ غَلَبتَني عَينايَ وأَنَا قاعِدٌ ، وإِذا أَنَا بِرَجُلٍ قائِمٍ بَينَ يَدَيَّ يَقولُ لي : سَأَلتَ اللّهَ تَعالى أَن يُعَلِّمَكَ الاِسمَ الأَعظَمَ؟ قُلتُ : نَعَم . قالَ : قُل : «اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ اللّهِ ، اللّهِ ، اللّهِ ، اللّهِ ، اللّهِ ، الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ» . قالَ : فَوَ اللّهِ ما دَعَوت بِها (2) لِشَيءٍ إِلّا رَأَيتُ نُجحَهُ . (3)
الإمام الرضا عليه السلام :مَن قالَ بَعدَ صَلاةِ الفَجرِ : «بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، لا حَولَ ولا قُوَّةَ إِلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ» مِئَةَ مَرَّةٍ ، كانَ أَقرَبَ إِلَى اسمِ اللّهِ الأَعظَمِ مِن سَوادِ العَينِ إِلى بَياضِها ، وإِنَّهُ دَخَلَ فيهَا اسمُ اللّهِ الأَعظَمُ . (4)
4 / 1 _ 4كُلُّ اسمٍ مِن أَسماءِ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لَمّا سُئِلَ عَنِ اسمِ اللّهِ الأَعظَمِ _: كُلُّ اسمٍ مِن أَسماءِ اللّهِ، فَفَرِّغ قَلبَكَ
.
ص: 463
عَن كُلِّ ما سِواهُ ، وَادعُهُ بِأَيِّ اسمٍ شِئتَ ، فَلَيسَ فِي الحَقيقَةِ للّهِِ اسمٌ دونَ اسمٍ ، بَل هُوَ الواحِدُ القَهّارُ . (1)
4 / 2مَن كانَ عِندَهُ الاِسمُ الأَعظَمُالكتاب«قالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَ_بِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قالَ هَ_ذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِى ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِىٌّ كَرِيمٌ » . (2)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام :إِنَّ اسمَ اللّهِ الأَعظَمَ عَلى ثَلاثَةٍ وسَبعينَ حَرفا ، وإِنَّما كانَ عِندَ آصَفَ مِنها حَرفٌ واحِدٌ ، فَتَكَلَّمَ بِهِ ، فَخُسِفَ بِالأَرضِ ما بَينَهُ وبَينَ سَريرِ بِلقَيسَ ، حَتّى تَناوَلَ السَّريرَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ عادَتِ الأَرضُ كَما كانَت أَسرَعَ مِن طَرفَةِ عَينٍ ، ونَحنُ عِندَنا مِنَ الاِسمِ الأَعظَمِ اثنانِ وسَبعونَ حَرفا ، وحَرفٌ واحِدٌ عِندَ اللّهِ تَعالى، اِستَأثَرَ بِه في عِلمِ الغَيبِ عِندَهُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إِلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ سُلَيمانُ عِندَهُ اسمُ اللّهِ الأَكبَرُ ، الَّذي إِذا سَأَلَهُ أَعطى ، وإِذا
.
ص: 464
دَعا بِهِ أَجابَ ، ولَو كانَ اليَومَ لَاحتاجَ إِلَينا . (1)
عنه عليه السلام :سَلمانُ عُلِّمَ الاِسمَ الأَعظَمَ . (2)
بصائر الدرجات عن عبد اللّه بن بكير عن أَبي عبد اللّه عليه السلام :كُنتُ عِندَهُ فَذَكَروا سُليمانَ وما أُعطِيَ مِنَ العِلمِ وما أُوتِيَ مِنَ المُلكِ ، فَقالَ لي : وما أُعطِيُ سُليمانُ بنُ داوودَ؟ إِنَّما كانَ عِندَهُ حَرفٌ واحِدٌ مِنَ الاِسمِ الأَعظَمِ ، وصاحِبُكُمُ الَّذي قالَ اللّهُ : «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَ_بِ» (3) وكانَ وَاللّهِ عِندَ عَلِيٍّ عليه السلام عِلمُ الكِتابِ ، فَقُلتُ : صَدَقتَ وَاللّهِ، جُعِلتُ فِداكَ! (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ عيسَى بنَ مَريَمَ عليه السلام أُعطِيَ حَرفَينِ وكانَ يَعمَلُ بِهِما ، وأُعطِيَ موسى أَربَعَةَ أَحرُفٍ ، وأُعطِيَ إِبراهيمُ ثَمانِيَةَ أَحرُفٍ ، وأُعطِيَ نوحٌ خَمسَةَ عَشَرَ حَرفا ، وأُعطِيَ آدَمُ خَمسَةً وعِشرينَ حَرفا ، وإِنَّ اللّهَ تَعالى جَمَعَ ذلِكَ كُلَّهُ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وإِنَّ اسمَ اللّهِ الأَعظَمَ ثَلاثَةٌ وسَبعونَ حَرفا ، أَعطى مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله اثنَينِ وسَبعينَ حَرفا ، وحُجِبَ عَنهُ حَرفٌ واحِدٌ . (5)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ وتَعالى جَعَلَ اسمَهُ الأَعظَمَ عَلى ثَلاثَةٍ وسَبعينَ حَرفا ، فَأَعطى آدَمَ مِنها خَمسَةً وعِشرينَ حَرفا ، وأَعطى نوحا مِنها خَمسَةَ عَشَرَ حَرفا ، وأَعطى
.
ص: 465
إِبراهيمَ مِنها ثَمانِيَةَ أَحرُفٍ ، وأَعطى موسى مِنها أَربَعَةَ أَحرُفٍ ، وأَعطى عيسى مِنها حَرفَينِ ؛ فَكانَ يُحيي بِهِمَا (1) المَوتى ، ويُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ ، وأَعطى مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله اثنَينِ وسَبعينَ حَرفا ، وَاحتَجَبَ بِحَرفٍ لِئَلّا يَعلَمَ أحَدٌ ما في نَفسِهِ ، ويَعلَمُ ما في أَنفُسِ العِبادِ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :أُعطِيَ بَلعَمُ بنُ باعورا الاِسمَ الأَعظَمَ ، فَكان يَدعو بِهِ فَيُستَجابُ لَهُ. (3)
راجع : أهل البيت في الكتاب والسنّة : (القسم الرابع / الفصل الثاني / اسم اللّه الأعظم) .
.
ص: 466
. .
ص: 467
تحقيق في معنى الاسم الأعظمتكرّر موضوع الاسم الأَعظم للّه عز و جل في الأَحاديث ، وبخاصّة في الأَدعية كثيرا ، وذُكر أَنّ كلّ إِنسان يدعو اللّه به يُستجاب دعاؤه ، وأَنّ أَهل البيت عليهم السلام يعرفون جميع حروفه إِلّا حرفا واحدا منه ، فما ذلك الاسم؟ إِنّ روايات الباب مختلفة كما لوحظ ولا يمكن الإجابة عن هذا السؤال بشكلٍ قاطع من وجهة نظر الروايات ، لكن يتسنّى لنا أَن نقول: هَبْ أَنّ هذه الروايات صحيحة فإنّ الاسم الأَعظم الذي كان عند الأَنبياء وأَهل البيت عليهم السلام بالخصائص المذكورة له يجب أَن يكون شيئا غير الأَلفاظ الواردة في الروايات المذكورة لا محالة . لقد أَدّى فقدان الدليل القاطع على المراد من الاسم الأَعظم إِلى تضارب الآراء فيه ، حتّى نقل السيوطيّ عشرين قولاً منها: ذهب جماعة منهم : أَبو جعفر الطبريّ ، وأبو الحسن الأَشعريّ ، وأبو حاتم بن حيّان ، والباقلاني إِلى أَنّ الأَسماء الإلهيّة كلّها عظيمة ، ولا وجود لاسم أَعظم من الأَسماء الأُخرى .
.
ص: 468
وذهب بعضهم : إِلى وجود الاسم الأَعظم ، لكن لا يعلمه إِلّا اللّه تعالى وحدَه . ورأَى بعض آخر : أَنّ الاسم الأَعظم خافٍ بين الأَسماء الحسنى . وقال آخرون: الاسم الأَعظم ، هو كلّ اسم يدعو به العبد ربّه بكلّ وجوده (1) . ومنهم : من ذكر أَنّ الاسم الأَعظم اسم جامع للأَسماء كلّها (2) . ومنهم : من يعتقد أَنّ الأَنبياء مظاهر أُمّهات أَسماء الحقّ ، وهي داخلة في الاسم الأَعظم الجامع ، ومظهر الحقيقة المحمّديّة (3) . أَجل ، إِنّ الخلاف في تبيان ما غمضت حقيقته على الباحثين طبيعيّ ، بيد أَنّي وجدتُ بين الآراء المختلفة التي لاحظتها أَنّ كلام العلّامة الطباطبائي في تبيينه هو أَفضلها .
أَفضل تحقيق في تبيان الاسم الأَعظمقال العلّامة الطباطبائي قدس سره _ في بيان معنى الاسم الأَعظم _ : «شاع بين النّاس أَنّه اسم لفظي من أَسماء اللّه سبحانه إِذا دعي به استجيب ، ولا يشذّ من أَثره شيء غير أَنّهم لما لم يجدوا هذه الخاصّة في شيء من الأَسماء الحسنى المعروفة ولا في لفظ الجلالة ، اعتقدوا أَنّه مؤلّف من حروف مجهولة تأليفا مجهولاً لنا لو عثرنا عليه أَخضعنا لإرادتنا كلّ شيء . وفي مزعمة أَصحاب العزائم والدعوات أَنّ له لفظا يدلُّ عليه بطبعه لا بالوضع
.
ص: 469
اللغوي غير أَنّ حروفه وتأليفها تختلف باختلاف الحوائج والمطالب ، ولهم في الحصول عليه طرق خاصة يستخرجون بها حروفا أَولاً ، ثمّ يؤلّفونها ويدعون بها على ما نعرفه من راجع فنهم (1) . وفي بعض الروايات الواردة إِشعار ما بذلك ، كما ورد أَنّ «بسم اللّه الرحمن الرحيم» أَقرب إِلى اسم اللّه الأَعظم من بياض العين إِلى سوادها ، وما ورد أَنّه في آية الكرسي ، وأَوّل سورة آل عمران ، وما ورد أَنّ حروفه متفرقة في سورة الحمد يعرفها الإمام وإِذا شاء أَلّفها ودعا بها فأستجيب له ، وما ورد أَنّ آصف بن برخيا وزير سليمان دعا بما عنده من حروف اسم اللّه الأَعظم فأَحضر عرش ملكة سبأ عند سليمان في أَقل من طرفة عين ، وما ورد أَنّ الاسم الأَعظم على ثلاثة وسبعين حرفا قسم اللّه بين أَنبيائه اثنين وسبعين منها ، واستأَثر واحدا منها عنده في علم الغيب ، إِلى غير ذلك من الروايات المشعرة بأنّ له تأليفا لفظيا . والبحث الحقيقي عن العلّة والمعلول وخواصّها يدفع ذلك كلّه فإنّ التأثير الحقيقي يدور مدار وجود الأَشياء في قوته وضعفه والمسانخة بين المؤثر والمتأَثر، والاسم اللفظي إِذا اعتبرنا من جهة خصوص لفظه كان مجموعة أَصوات مسموعة هي من الكيفيات العرضية ، وإِذا اعتبر من جهة معناه المتصوّر كان صورة ذهنية لا أَثر لها من حيث نفسها في شيء البتة ، ومن المستحيل أَن يكون صوت أَوجدناه من طريق الحنجرة أَو صورة خيالية نصوّرها في ذهننا بحيث يقهر بوجوده وجود كلّ شيء ، ويتصرّف فيما نريده على ما نريده فيقلب السماء أَرضا والأَرض سماءً ويحوّل الدنيا إِلى الآخرة وبالعكس وهكذا ، وهو في نفسه معلول لإرادتنا . والأَسماء الإلهية واسمه الأَعظم خاصّة وإِن كانت مؤثرة في الكون ووسائط
.
ص: 470
وأَسبابا لنزول الفيض من الذات المتعالية في هذا العالم المشهود ، لكنها إِنّما تؤثر بحقائقها لا بالأَلفاظ الدالّة في لغة كذا عليها ، ولا بمعانيها المفهومة من أَلفاظها المتصورة في الأَذهان ، ومعنى ذلك أَنّ اللّه سبحانه هو الفاعل الموجد لكلّ شيء بما له من الصفة الكريمة المناسبة له التي يحويها الاسم المناسب ، لا تأثير اللفظ أَو صورة مفهومة في الذهن أَو حقيقة أُخرى غير الذات المتعالية ، إِلّا أَنّ اللّه سبحانه وعد إِجابة دعوة ، من دعاه كما في قوله : «أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ» (1) ، وهذا يتوقّف على دعاء وطلب حقيقي ، وأَن يكون الدعاء والطلب منه تعالى لا من غيره _ كما تقدم في تفسير الآية _ فمن انقطع عن كلّ سبب واتصل بربِّه لحاجة من حوائجه فقد اتصل بحقيقة الاسم المناسب لحاجته فيؤثر الاسم بحقيقته ويستجاب له ، وذلك حقيقة الدعاء بالاسم فعلى حسب حال الإسم الذي انقطع إِليه الداعي يكون حال التأثير خصوصا وعموما ، ولو كان هذا الاسم هو الاسم الأَعظم انقاد لحقيقته كلّ شيء واستجيب للداعي به دعاؤه على الإطلاق. وعلى هذا يجب أَن يحمل ما ورد من الروايات والأَدعية في هذا الباب دون الاسم اللفظي أَو مفهومه. ومعنى تعليمه تعالى نبيا من أَنبيائه أَو عبدا من عباده أسما من أَسمائه أَو شيئا من الاسم الأَعظم هو أَن يفتح له طريق الانقطاع إِليه تعالى باسمه ذلك في دعائه ومسألته فإن كان هناك اسم لفظي وله معنى مفهوم فإنّما ذلك ؛ لأَجل أَن الأَلفاظ ومعانيها وسائل وأَسباب تحفظ بها الحقائق نوعا من الحفظ فافهم ذلك» (2) .
.
ص: 471
الفصل الخامس : دور أسماءِ اللّه في تدبير العالمرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعائِهِ المُسمّى بِالأَسماءِ الحُسنى _: أَسأَ لُكَ وأَدعوكَ بِاسمِكَ الَّذي تَقطَعُ بِهِ العُروقَ مِنَ العِظامِ ، ثُمَّ تُنبِتُ عَلَيهَا اللَّحمَ بِمَشِيئَتِكَ ، فَلا يَنقُصُ مِنها مِثقالُ ذَرَّةٍ بِعَظيمِ ذلِكَ الاِسمِ بِقُدرَتِكَ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي تَعلَمُ بِهِ ما فِي السَّماءِ وما فِي الأَرضِ وما فِي الأَرحامِ ولا يَعلَمُ ذلِكَ أَحَدٌ غَيرُكَ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي تَنفُخُ بِهِ الأَرواحَ فِي الأَجسادِ فَيَدخُلُ بِعَظيمِ ذلِكَ الاِسمِ كُلُّ روحٍ إِلى جَسَدِها ، ولا يَعلَمُ بِتِلكَ الأَرواحِ الَّتي صَوَّرتَ في جَسَدِهَا المُسَمّى في ظُلُماتِ الأَحشاءِ إِلّا أَنتَ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّتي (1) تَعلَمُ بِهِ ما فِي القُبورِ وتُحَصِّلُ بِهِ ما فِي الصُّدورِ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي أَنبَتَّ بِهِ اللُّحومَ عَلَى العِظامِ فَتَنبُتُ عَلَيها بِذلِكَ الاِسمِ يا اللّهُ .
.
ص: 472
وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ القادِرِ بِكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ يا أللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي خَلَقتَ بِهِ الحَياةَ مِن مَشيئَتِكَ العُظمى إِلى أَجَلٍ مُسَمّىً يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي خَلَقتَ بِهِ المَوتَ وأَجرَيتَهُ فِي الخَلقِ عِندَ انقِطاعِ آجالِهِم وفَراغِ أَعمالِهِم يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي طَيَّبتَ بِهِ نُفوسَ عِبادِكَ ، فَطابَت لَهُم أَسماؤُكَ الحُسنى وآلآؤُكَ الكُبرى يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ المُصَوِّرِ الماجِدِ الواحِدِ الَّذي خَشَعَت لَهُ الجِبالُ وما فيها يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي تَقولُ بِهِ لِلشَّيءِ كُن فَيَكونُ بِقُدرَتِكَ يا اللّهُ . . . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الّذي تَجري بِهِ الفُلكَ فِي البَحرِ المُسَلسَلِ المَحبوسِ بِقُدرَتِكَ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الّذي يُسَبِّحُ لَكَ بِهِ قَطرُ المَطَرِ وَالسَّحابُ الحامِلاتُ قَطَراتِ رَحمَتِكَ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي أَجرَيتَ بِهِ وابِلَ السَّحابِ فِي الهَواءِ بِقُدرَتِكَ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي تُنَزِّلُ بِهِ قَطرَ المَطَرِ مِنَ المُعصِراتِ ماءً ثَجّاجا (1) فَتَجعَلُهُ فَرَجا يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذِي مَلَأتَ بِهِ قُدسَكَ بِعَظيمِ التَّقديسِ يا قُدّوسُ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذِي استَعانَ بِهِ حَمَلَةُ عَرشِكَ فَأَعَنتَهُم وطَوَّقتَهُمُ احتِمالَهُ
.
ص: 473
فَحَمَلوهُ بِذلِكَ الاِسمِ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي خَلَقتَ بِهِ الكُرسِيَّ سَعَةَ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي خَلَقتَ بِهِ العَرشَ العَظيمَ الكَريمَ وعَظَّمتَ خَلقَهُ فَكان كَما شِئتَ أَن يَكونَ بِذلِكَ الاِسمِ يا عَظيمُ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي طَوَّقتَ بِهِ العَرشَ بِهَيبَةِ العِزَّةِ وَالسُّلطانِ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي تُخرِجُ بِهِ نَباتَ الأَرضِ مَنافِعَ لِخَلقِكَ وغِيَاثا يا اللّهُ ... . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي خَلَقتَ بِهِ النُّجومَ وجَعَلتَ مِنها رُجوما لِلشَّياطينِ ما بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي تَنتَثِرُ بِهِ الكَواكِبُ نَثرا لِدَعوَتِكَ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي يَطيرُ بِهِ الطَّيرُ في جَوِّ السَّماءِ صافّاتٍ بِأَمرِكَ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي أُحضِرَت بِهِ الأَرَضونَ لِأَمرِكَ يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي يُسَبِّحُ لَكَ بِهِ كُلُّ شَيءٍ بِلُغاتٍ مُختَلِفَةٍ يا اللّهُ ... . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي شَقَقتَ بِهِ الأَرضَ شَقّا ، وأَنبَتَّ فيها حَبّا وعِنَبا وقَضبا (1) ، وزَيتونا ونَخلاً ، وحَدائِقَ غُلبا (2) ، وفاكِهَةً وأَبّا (3) يا اللّهُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي تُخرِجُ بِهِ الحُبوبَ مِنَ الأَرضِ ، فَتُزَيِّنُ بِها الأَرضَ ، فَتُذَكِّرُ بِنِعمَتِكَ يا أللّهُ .
.
ص: 474
وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي تُسَبِّحُ لَكَ بِهِ الضَّفادِعُ فِي البِحارِ وَالأَنهارِ وَالغُدرانِ بِأَلوانِ صِفاتِها وَاختِلافِ لُغاتِها يا أللّهُ ... . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الظّاهِرِ في كُلِّ شَيءٍ بِالقُدرَةِ وَالكِبرِياءِ وَالبُرهانِ وَالسُّلطانِ يا اللّهُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في دُعائِهِ المَعروفِ بِدُعاءِ كُمَيلٍ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَلُكَ . . . بِأَسمائِكَ الَّتي غَلَبَت (2) أَركانَ كُلِّ شَيءٍ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ عَقيبَ الصَّلاةِ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذي بِهِ تَقومُ السَّماءُ وَالأَرضُ ، وبِاسمِكَ الَّذي بِهِ تَجمَعُ المُتَفَرِّقَ وتُفَرِّقُ المُجتَمِعَ ، وبِاسمِكَ الَّذي تُفَرِّقُ بِهِ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ ، وبِاسمِكَ الَّذي تَعلَمُ بِهِ كَيلَ البِحارِ وعَدَدَ الرِّمالِ ووَزنَ الجِبالِ ، أَن تَفعَلَ بي كَذا وكَذا . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ في دُعاءِ الإِلحاحِ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي بِهِ تَقومُ السَّماءُ وبِهِ تَقومُ الأَرضُ، وبِهِ تُفَرِّقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ ، وبِهِ تَجمَعُ بَينَ المُتَفَرِّقِ ، وبِهِ تُفَرِّقُ بَينَ المُجتَمِعِ ، وبِهِ أَحصَيتَ عَدَدَ الرِّمالِ وزِنَةَ الجِبالِ وكَيلَ البِحارِ . (5)
الإمام الكاظم عليه السلام_ في دُعاءٍ لَهُ بَعدَ صَلاةِ جَعفَرٍ _: أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي تَحشُرُ بِهِ
.
ص: 475
المَوتى إِلَى المَحشَرِ ، يا مَن لا يَقدِرُ عَلى ذلِكَ أَحَدٌ غَيرُهُ ، أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي تُحيي بِهِ العِظامَ وهِيَ رَميمٌ . (1)
الإمام المهدي عليه السلام_ في قُنوتِهِ _: أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي كَوَّنتَ بِهِ طَعمَ المِياهِ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي أَجرَيتَ بِهِ الماءَ في عُروقِ النَّباتِ بَينَ أَطباقِ الثَّرى ، وسُقتَ الماءَ إِلى عُروقِ الأَشجارِ بَينَ الصَّخرَةِ الصَّمّاءِ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي كَوَّنتَ بِهِ طَعمَ الثِّمارِ وأَلوانَها . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي بِهِ تُبدِئُ وتُعيدُ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الفَردِ الواحِدِ المُتَفَرِّدِ بِالوَحدانِيَّةِ المُتَوَحِّدِ بِالصَّمَدانِيَّةِ بِاسمِكَ (2) . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي فَجَّرتَ بِهِ الماءَ مِنَ الصَّخرَةِ الصَّماءِ وسُقتَهُ مِن حَيثُ شِئتَ . وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الَّذي خَلَقتَ بِهِ خَلقَكَ ورَزَقتَهُم كَيفَ شِئتَ وكَيفَ شاؤوا . (3)
.
ص: 476
. .
ص: 477
الفهرس التفصيلي .
ص: 478
. .
ص: 479
. .
ص: 480
. .
ص: 481
. .
ص: 482
. .
ص: 483
. .
ص: 484
. .
ص: 485
. .
ص: 486
. .
ص: 487
. .
ص: 488
. .
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
ص: 9
القسم الرابع : التعرّف على الصفات الثبوتيّة
.
ص: 10
. .
ص: 11
المدخلإنّ القصد من الصفات الثبوتيّة هو الصفات التي يتّصف بها اللّه تعالى سواء ، كانت صفات الذات أَم صفات الفعل ، وقبل الحديث المفصّل عن هذه الصفات ، أَكّد الفصل الأَوّل عددا من النقاط المهمّة في معرفة صفات اللّه عز و جل : 1 . إنّما اللّه سبحانه وحدَه قادر على وصف نفسه فقط ؛ لأنّ غيره لا يعرفه حقّ معرفته ، فهو في الحقيقة يفوق وصف من سواه . 2 . ينبغي أَلّا يُفضي وصفه تعالى إِلى تشبيهه ولا يؤدّي إِلى تعطيله ، أَي : هو حقيقة ، هي مبدأَ الحقائق كلّها ولا يُشبه مخلوقا أَبدا . 3 . كلّ وصفٍ لخالق الكَون بمعنى الإحاطة بذاته لا نصيب له من الحقيقة والواقع . 4 . إِنّ ما يقبل الوصف أَفعال اللّه سبحانه ، لا ذاته . 5 . لصفات اللّه معناها الخاصّ وليست بالمعنى الذي يُطلَق على غيره . وتكفّل الفصل الثاني حتّى ختام هذا القسم بعرض أَبرز الصفات الثبوتيّة للّه عز و جل مقرونةً بالآيات والأَحاديث التي اشتملت على هذه الصفات وذلك بنظمٍ حديثٍ ومنالٍ
.
ص: 12
يسيرٍ ، وما يَلفت النظرَ في هذا المجال النقاط الآتية : أ _ من الواضح أنّ صفات اللّه عز و جل أَكثر من الصفات الواردة في هذه الفصول ، وملاكنا في الاختيار ، محوريّة الصفة وكثرة الآيات والأَحاديث التي تدور حولها. ب _ تمّ تنظيم الصفات الثبوتيّة حسب الحروف الهجائية إلّا الصفات المتقاربة أَو المتقابلة في المعنى ، فإنّها عُرضت في موضعٍ واحدٍ . ج _ في بداية كلّ صفة خلاصة لمعناها اللغويّ وكيفيّة عرضها في القرآن الكريم ، وبعض النقاط التي تُيسّر البحث في تلك الصفة ، وفهم الآيات والأَحاديث المتعلَّقة بها .
.
ص: 13
الفصل الأوّل : ما يجب في معرفة صفات اللّه1 / 1وَصفُهُ بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ الخالِقَ لا يوصَفُ إِلّا بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ ، وكَيفَ يوصَفُ الخالِقُ الَّذي تَعجِزُ الحَواسُّ أن تُدرِكَهُ ، وَالأَوهامُ أَن تَنالَهُ ، وَالخَطَراتُ أن تَحُدَّهُ ، وَالأَبصارُ الإحاطَةَ بِهِ ؟! جَلَّ عَمّا يَصِفُهُ الواصِفونَ ، نَأى (1) في قُربِهِ وقَرُبَ في نَأيِهِ، كَيَّفَ الكَيفِيَّةَ؛ فَلا يُقالُ لَهُ: كَيفَ، وأَيَّنَ الأَينَ ؛ فَلا يُقالُ لَهُ: أَينَ،وهُوَ مُنقَطِعُ الكَيفِيَّةِ فيهِ وَالأَينونِيَّةِ، فَهُوَالأَحَدُ الصَّمَدُ كَما وَصَفَ نَفسَهُ، وَالواصِفونَ لا يَبلُغونَ نَعتَهُ، لَم يَلِد ولَم يُولَد ولَم يَكُن لَهُ كُفُوا أَحَدٌ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَةٍ لَهُ في جَوابِ رَجُلٍ قالَ لَهُ : صِف لَنا رَبَّنا مِثلَما نَراهُ عِيانا _: فَانظُر أَيُّهَا السّائِلُ: فَما دَلَّكَ القُرآنُ عَلَيهِ مِن صِفَتِهِ فَائتَمَّ بِهِ وَاستَضِئ
.
ص: 14
بِنورِ هِدايَتِهِ ، وما كَلَّفَكَ الشَّيطانُ عِلمَهُ مِمّا لَيسَ فِي الكِتابِ عَلَيكَ فَرضُهُ ، ولا في سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وأَئِمَّةِ الهُدى أَثَرُهُ ، فَكِل عِلمَه إِلَى اللّهِ سُبحانَهُ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ مُنتَهى حَقِّ اللّهِ عَلَيكَ . وَاعلَم أَنَّ الرّاسِخينَ فِي العِلم هُمُ الَّذينَ أَغناهُم عَنِ اقتِحامِ السُّدَدِ المَضروبَةِ دونَ الغُيوبِ ، الإِقرارُ بِجُملَةِ ما جَهِلوا تَفسيرَهُ مِنَ الغَيبِ المَحجوبِ ، فَمَدَحَ اللّهُ _ تَعالَى _ اعترافَهُم بِالعَجزِ عَن تَناوُلِ ما لَم يُحيطوا بِه عِلما ، وسَمّى تَركَهُمُ التَّعَمُّقَ فيما لَم يُكَلِّفهُمُ البَحثَ عَن كُنهِهِ رُسوخا ، فَاقتَصِر عَلى ذلِكَ ، ولا تُقَدِّر عَظَمَةَ اللّهِ سُبحانَهُ عَلى قَدرِ عَقلِكَ فَتَكونَ مِنَ الهالِكينَ . هُوَ القادِرُ الَّذي إِذَا ارتَمَتِ الأَوهامُ لِتُدرِكَ مُنقَطَعَ قُدرَتِهِ ، وحاوَلَ الفِكرُ المُبَرَّأُ مِن خَطَراتِ الوَساوِسِ أن يَقَعَ عَلَيهِ في عَميقاتِ غُيوبِ مَلَكوتِهِ ، وتَوَلَّهَتِ القُلوبُ إِلَيهِ ، لِتَجرِيَ في كَيفِيَّة صِفاتِهِ ، وغَمَضَت مَداخِلُ العُقولِ في حَيثُ لا تَبلُغُهُ الصِّفاتُ لِتَناوُلِ عِلمِ ذاتِهِ ، رَدَعَها وهِيَ تَجوبُ مَهاوِيَ سُدَفِ الغُيوبِ ، مُتَخَلِّصَةً إِلَيهِ _ سُبحانَهُ _ فَرَجَعَت إِذ جُبِهَت مُعتَرِفَةً بِأَنَّهُ لا يُنالُ بِجَورِ الاِعتِسافِ كُنهُ مَعرِفَتِهِ ، ولا تَخطُرُ بِبالِ أُولِي الرَّوِيّاتِ (1) خاطِرَةٌ مِن تَقديرِ جَلالِ عِزَّتِهِ . (2)
.
ص: 15
الإمام عليّ عليه السلام :سُبحانَهُ! هُوَ كَما وَصَفَ نَفسَهُ، وَالواصِفونَ لا يَبلُغونَ نَعتَهُ. (1)
عنه عليه السلام :إِنَّ مَن يَعجِزُ عَن صِفاتِ ذِي الهَيئَةِ وَالأَدَواتِ فَهُوَ عَن صِفاتِ خالِقِهِ أَعجَزُ ، ومَن تَناوَلَهُ بِحُدودِ المَخلوقينَ أَبعَدُ . (2)
عنه عليه السلام :كَيفَ يَصِفُ إِلهَهُ منَ يَعجِزُ عَن صِفَةِ مَخلوقٍ مِثلِهِ! (3)
عنه عليه السلام :لَم يُطلِع العُقولَ عَلى تَحديدِ صِفَتِهِ ، ولَم يَحجُبها عَن وَاجِبِ مَعرِفَتِهِ . (4)
عنه عليه السلام :مَن وَصَفَ اللّهَ فَقَد حَدَّهُ ، ومَن حَدَّهُ فَقَد عَدَّهُ ، ومَن عَدَّهُ فَقَد أَبطَلَ أَزَلَهُ ، ومَن قالَ : أَينَ ؟ فَقَد غَيّاهُ ، ومَن قالَ : عَلامَ ؟ فَقَد أَخلى مِنهُ ، ومَن قالَ : فيمَ ؟ فَقَد ضَمَّنَهُ . (5)
عنه عليه السلام :كَمالُ تَوحيدِهِ الإِخلاصُ لَهُ ، وكَمالُ الإِخلاصِ لَهُ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ؛ لِشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّها غَيرُ المَوصوفِ ، وشَهادَةِ كُلِّ مَوصوفٍ أَنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ ؛ فَمَن وَصَفَ اللّهَ فَقَد قَرَنَهُ ... . (6)
عنه عليه السلام :قَد جَهِلَ اللّهَ مَنِ استَوصَفَهُ ، وتَعَدّاهُ مَن مَثَّلَهُ ، وأَخطَأَهُ مَنِ اكتَنَهَهُ (7) ، فَمَن قالَ : أَينَ ؟ فَقَد بَوَّأَهُ ، ومَن قالَ : فيمَ ؟ فَقَد ضَمَّنَهُ ، ومَن قالَ : إِلامَ ؟ فَقَد نَهّاهُ ، ومَن قالَ : لِمَ؟
.
ص: 16
فَقَد عَلَّلَهُ ، ومَن قالَ : كَيفَ ؟ فَقَد شَبَّهَهُ ، ومَن قالَ : إِذ ؛ فَقَد وَقَّتَهُ ، ومَن قالَ : حَتّى ؛ فَقَد غَيّاهُ ، ومَن غَيّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ ، ومَن جَزَّأَهُ فَقَد وَصَفَهُ ، ومَن وَصَفَهُ فَقَد أَلحَدَ فيهِ ، ومَن بَعَّضَهُ فَقَد عَدَلَ عَنهُ . (1)
عنه عليه السلام :لَم تَرَهُ سُبحانَهُ العُقولُ فَتُخبِرَ عَنهُ ، بَل كانَ تَعالى قَبلَ الواصِفينَ بِهِ لَهُ . (2)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي ... لا يَتَعاوَرُهُ زِيادَةٌ ولا نُقصانٌ ، ولا يوصَفُ بِأَينٍ ولا بِمَ ولا مَكانٍ . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ . . . الَّذي سُئِلَتِ الأَنبياءُ عَنهُ فَلَم تَصِفهُ بِحَدٍّ ولا بِبَعضٍ ، بَل وَصَفَته بِفِعالِهِ ، ودَلَّت عَلَيهِ بِآياتِهِ . (4)
عنه عليه السلام :لا تَقَعُ الأَوهامُ لَهُ عَلى صِفَةٍ ، ولا تُعقَدُ القُلوبُ مِنهُ عَلى كَيفِيَّةٍ . (5)
عنه عليه السلام :لا يُوصَفُ بِالأَزواجِ ، ولا يُخلَقُ بِعِلاجٍ ، ولا يُدرَكُ بِالحَواسِّ . . . بَل إِن كُنتَ صادِقا أَيُّهَا المُتَكَلِّفُ لِوَصفِ رَبِّكَ ، فَصِف جِبريلَ وميكائيلَ وجُنودَ المَلائِكَةِ
.
ص: 17
المُقَرَّبينَ في حُجُراتِ القُدُسِ ، مُرجَحِنّينَ (1) مُتُوَلِّهَةً عُقولُهُم أَن يَحُدّوا أَحسَنَ الخالِقينَ ، فَإِنّما يُدرَكُ بِالصِّفاتِ ذَوو الهَيئاتِ وَالأَدَواتِ ، ومَن يَنقَضي إِذا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالفَناءِ . (2)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... الَّذي لا يُدرِكُهُ بُعدُ الهِمَمِ ، ولا يَنالُهُ غَوصُ الفِطَنِ ، الَّذي لَيسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحدودٌ . . . مَن جَهِلَهُ فَقَد أَشارَ إِلَيهِ ، ومَن أَشارَ إِلَيهِ فَقَد حَدَّهُ ، ومَن حَدَّهُ فَقَد عَدَّهُ ، ومَن قالَ : فيمَ ؟ فَقَد ضَمَّنَهُ ، ومَن قالَ : عَلامَ ؟ فَقَد أَخلى مِنهُ . (3)
عنه عليه السلام :لَيسَت لَهُ صِفَةٌ تُنالُ ، ولا حَدٌّ تُضرَبُ لَهُ فيهِ الأَمثالُ ، كَلَّ دونَ صِفاتِهِ تَحبيرُ اللُّغاتِ ، وضَلَّ هُناكَ تَصاريفُ الصِّفاتِ ، وحارَ في مَلَكوتِهِ عَميقاتُ مَذاهِبِ التَّفكيرِ، وَانقَطَعَ دونَ الرُّسوخِ في عِلمِهِ جَوامِعُ التَّفسيرِ ، وحالَ دونَ غيبِهِ المَكنونِ حُجُبٌ مِنَ الغُيوبِ ، تاهَت في أَدنى أَدانيها طامِحاتُ العُقولِ في لَطيفاتِ الأُمورِ . (4)
الإمام الحسين عليه السلام :أَصِفُ إِلهي بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ ، وأُعَرِّفُهُ بِما عَرَّفَ بِهِ نَفسَهُ ؛ لا يُدرَكُ بِالحَواسِّ ، ولا يُقاسُ بِالنّاسِ ، فَهُوَ قَريبٌ غَيرُ مُلتَصِقٍ وبَعيدٌ غَيرُ مُتَقَصٍّ ، يُوَحَّدُ ولا يُبَعَّضُ ، مَعروفٌ بِالآياتِ ، مَوصوفٌ بِالعَلاماتِ ، لا إِلهَ إِلّا هُوَ الكَبيرُ المُتَعالُ . (5)
عنه عليه السلام :لا يَقدِرُ الواصِفونَ كُنهَ عَظَمَتِهِ، ولا يَخطُرُ عَلَى القُلوبِ مَبلَغُ جَبَروتِهِ؛ لِأَنَّهُ
.
ص: 18
لَيسَ لَهُ فِي الأَشياءِ عَديلٌ ، ولا تُدرِكُهُ العُلَماءُ بِأَلبابِها ، ولا أَهلُ التَّفكيرِ بِتَفكيرِهِم إِلّا بِالتَّحقيقِ إِيقانا بِالغَيبِ ؛ لِأَنَّهُ لا يُوصَفُ بِشَيءٍ مِن صِفاتِ المَخلوقينَ ، وهُوَ الواحِدُ الصَّمَدُ ، ما تُصُوِّرَ في الأَوهامِ فَهُوَ خِلافُهُ . لَيسَ بِرَبٍّ مَن طُرِحَ تَحتَ البَلاغِ ، ومَعبودٍ مَن وُجِدَ في هَواءٍ أَو غَيرِ هَواءٍ . (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: ضَلَّت فيكَ الصِّفاتُ ، وتَفَسَّخَت دونَك النُّعوتُ ، وحارَت في كِبرِيائِكَ لَطائِفُ الأَوهامِ . (2)
عنه عليه السلام_ أَيضا _: اللّهُمَّ يا مَن لا يَصِفُهُ نَعتُ الواصِفينَ . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ . . . الَّذي قَصُرَت عَن رُؤيَتِهِ أَبصارُ النَّاظِرينَ ، وعَجَزَت عَن نَعتِهِ أَوهامُ الواصِفينَ . (4)
عنه عليه السلام :لَوِ اجتَمَعَ أَهلُ السَّماءِ وَالأَرضِ أَن يَصِفُوا اللّهَ بِعَظَمَتِهِ لَم يَقدِروا. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ لا يوصَفُ ، وكَيفَ يوصَفُ وقَد قالَ في كتابِهِ : «وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (6) !! فَلا يوصَفُ بِقَدرٍ إِلّا كانَ أَعظَمَ مِن ذلِكَ . (7)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ تَبارَكَ اسمُهُ . . . عَجَزَ الواصِفونَ عَن كُنهِ صِفَتِهِ ، ولا يُطيقونَ حَملَ مَعرِفَةِ إِلهِيَّتِهِ ، ولا يَحُدّونَ حُدودَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالكَيفِيَّةِ لا يُتَناهى إِلَيهِ . (8)
.
ص: 19
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ عَظيمٌ رَفيعٌ لا يَقدِرُ العِبادُ عَلى صِفَتِهِ ، ولا يَبلُغونَ كُنهَ عَظَمَتِهِ ، لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ ، ولا يُوصَفُ بِكَيفٍ ولا أَينٍ وحَيثٍ ، وكَيفَ أَصِفُهُ بِالكَيفِ ؟! وهُوَ الَّذي كَيَّفَ الكَيفَ حَتّى صارَ كَيفا ، فَعَرَفتُ الكَيفَ بِما كَيَّفَ لَنا مِنَ الكَيفِ ، أَم كَيفَ أَصِفُهُ بِأَينٍ ؟! وهُوَ الَّذي أَيَّنَ الأَينَ حَتّى صارَ أَينا ، فَعَرَفتُ الأَينَ بِما أَيَّنَ لَنا مِنَ الأَينِ ، أَم كَيفَ أَصِفُهُ بِحَيثٍ ؟! وهُوَ الَّذي حَيَّثَ الحَيثَ حَتّى صارَ حَيثا ، فَعَرَفتُ الحَيثَ بِما حَيَّثَ لَنا مِنَ الحَيثِ . فَاللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ داخِلٌ في كُلِّ مَكانٍ وخارِجٌ مِن كُلِّ شَيءٍ ، لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ ، لا إِلهَ إِلّا هُوَ العَلِيُّ العَظيمُ ، وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ . (1)
الكافي عن جميع بن عمير :قالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : أيُّ شَيءٍ «اللّهُ أكبر» ؟ فَقُلتُ : اللّهُ أَكبَرُ مِن كُلِّ شَيءٍ . فَقالَ : وكانَ ثَمَّ شَيءٌ فَيَكونُ أَكبَرَ مِنهُ ؟ فَقُلتُ : وما هُوَ ؟ قالَ : اللّهُ أَكبَرُ مِن أَن يوصَفَ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :مَن ظَنَّ بِاللّهِ الظُّنونَ هَلَكَ ، فَاحذَروا في صِفاتِهِ مِن أَن تَقِفوا لَهُ عَلى حَدٍّ تَحُدّونَهُ بِنَقصٍ أَو زِيادَةٍ ، أَو تَحريكٍ أَو تَحَرُّكٍ ، أَو زَوالٍ أَوِ استِنزالٍ ،
.
ص: 20
أَو نُهوضٍ أَو قُعودٍ ؛ فَإِنَّ اللّهَ جَلَّ وعَزَّ عَن صِفَةِ الواصِفينَ ونَعتِ النّاعِتينَ وتَوَهُّمِ المُتَوَهِّمينَ . (1)
عنه عليه السلام :لا تَتَجاوَز فِي التَّوحيدِ ما ذَكَرَهُ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ فَتَهلِكَ . (2)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ أَعلى وأَجَلُّ وأَعظَمُ مِن أَن يُبلَغَ كُنهُ صِفَتِهِ ، فَصِفوهُ بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ ، وكُفّوا عَمّا سِوى ذلِكَ . (3)
عنه عليه السلام _ لَمّا سُئِلَ عَن شَيءٍ مِنَ التَّوحيدِ _ :أَوَّلُ الدِّيانَةِ بِهِ مَعرِفَتُهُ ، وكَمالُ مَعرِفَتِهِ تَوحيدُهُ ، وكَمالُ تَوحيدِهِ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ؛ بِشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّها غَيرُ المَوصوفِ ، وشَهادَةِ المَوصوفِ أَنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ ، وشَهادَتِهِما جَميعا بِالتَّثنِيَةِ المُمتَنِعِ مِنهُ الأَزَلُ . فَمَن وَصَفَ اللّهَ فَقَد حَدَّهُ ، ومَن حَدَّهُ فَقَد عَدَّهُ ، ومَن عَدَّهُ فَقَد أَبطَلَ أَزَلَهُ ، ومَن قالَ : كَيفَ ؟ فَقَدِ استَوصَفَهُ ، ومَن قالَ : فيمَ ؟ فَقَد ضَمَّنَهُ ، ومَن قالَ : عَلامَ ؟ فَقَد جَهِلَهُ ، ومَن قالَ : أَينَ ؟ فَقَد أَخلى مِنهُ ، ومَن قالَ : ما هُوَ ؟ فَقَد نَعَتَهُ ، ومَن قالَ : إِلامَ ؟ فَقَد غاياهُ . عالِمٌ إِذ لا مَعلومَ ، وخالِقٌ إِذ لا مَخلوقَ ، ورَبٌّ إِذ لا مَربوبَ ، وكَذلِكَ يوصَفُ رَبُّنا ، وفَوقَ ما يَصِفُهُ الواصِفونَ . (4)
.
ص: 21
الإمام الرضا عليه السلام_ لَمّا سَمِعَ كَلاما فِي التَّشبيهِ ، خَرَّ ساجِدا وقالَ _: سُبحانَكَ ما عَرَفوكَ ولا وَحَّدوكَ ، فَمِن أَجلِ ذلِكَ وَصَفوك ، سُبحانَكَ لو عَرَفوكَ لَوَصفوكَ بِما وَصَفتَ بِهِ نَفسَكَ . (1)
تفسير العيّاشي عن ذي الرياستين :قُلتُ لِأَبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : _ جُعِلتُ فِداكَ ! _ أَخبِرني عَمّا اختَلَفَ فيهِ النّاسُ مِنَ الرُّؤيَةِ ، فَقالَ بَعضُهُم : لا يُرى . فَقالَ : يا أَبَا العَبّاسِ ، مَن وَصَفَ اللّهَ بِخِلافِ ما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ فَقَد أَعظَمَ الفِريَةَ عَلَى اللّهِ ، قالَ اللّهُ : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (2) هذه الأَبصارُ لَيسَت هِيَ الأَعيُنَ ؛ إِنَّما هِيَ الأَبصارُ الَّتي فِي القَلبِ ، لا يَقَعُ عَلَيهِ الأَوهامُ ولا يُدرَكُ كَيفَ هُوَ . (3)
الإمام الجواد عليه السلام :قامَ رَجُلٌ إِلَى الرِّضا عليه السلام فَقالَ لَهُ : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، صِف لَنا رَبَّكَ ؛ فَإِنَّ مَن قِبَلَنا قَدِ اختَلَفوا عَلَينا . فَقالَ الرِّضا عليه السلام : إِنَّهُ مَن يَصِفُ رَبَّهُ بِالقِياسِ لا يَزالُ الدَّهرُ فِي الاِلتِباسِ ، مائِلاً مِنَ المِنهاجِ ، ظاعِنا فِي الاعوِجاجِ ، ضالّاً عَنِ السَّبيلِ ، قائِلاً غَيرَ الجَميلِ ، أُعَرِّفُهُ بِما عَرَّفَ بِهِ نَفسَهُ مِن غَيرِ رُؤيَةٍ ، وأَصِفُهُ بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ مِن غَيرِ صورَةٍ ؛ لا يُدرَكُ بِالحَواسِّ ، ولا يُقاسُ بِالنّاسِ ، مَعروفٌ بِغَيرِ تَشبيهٍ . (4)
.
ص: 22
الكافي عن إبراهيم بن محمّد الهمداني :كَتَبتُ إِلى الرَّجُلِ عليه السلام [يَعني الإِمامَ الهادِيَ عليه السلام ] . . . فَكَتَبَ بِخَطِّهِ : سُبحانَ مَن لا يُحَدُّ ولا يُوصَفُ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ العَليمُ _ أَو قالَ _ : البَصيرُ . (1)
راجع : ج 3 ص 301 (الفصل الثامن : آفاق معرفة اللّه ) .
1 / 2الخُروجُ مِن حَدِّ التَّشبيهِ وَالتَّعطيلِالإمام زين العابدين عليه السلام :قولوا : نورٌ لا ظَلامَ فيهِ ، وحَياةٌ لا مَوتَ فيهِ ، وصَمَدٌ لا مَدخَلَ فيهِ . ثُمَّ قالَ : مَن كانَ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، وكانَ نَعتُهُ لا يُشبِهُ نَعتَ شَيءٍ فَهُوَ ذاكَ . (2)
الإمام الجواد عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ : يَجوزُ أَن يُقالَ للّهِِ : إِنَّهُ شَيءٌ ؟ قالَ _: نَعَم ، يُخرِجُهُ مِن الحَدَّينِ حَدِّ التَّعطيلِ وحَدِّ التَّشبيهِ . (3)
عوالي اللآلي عنهم عليهم السلام: التَّوحيدُ نَفيُ الحَدَّينِ: حَدِّ التَّشبيهِ وحَدِّ التَّعطيلِ . (4)
.
ص: 23
الإمام عليّ عليه السلام :لَيسَ بِإِلهٍ مَن عُرِفَ بِنَفسِهِ ، هُوَ الدَّالُّ بِالدَّليلِ عَلَيهِ ، وَالمُؤَدّي بِالمَعرِفَةِ إِلَيهِ . (1)
راجع : ج 3 ص 371 (المذهب الحقّ في التوحيد) ، ج 5 ص 331 (الفصل الأوّل : المِثل) .
1 / 3التَّعريفُ بِغَيرِ صورَةٍ وإحاطَةٍالإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ العَقلَ يَعرِفُ الخالِقَ مِن جِهَةٍ توجِبُ عَلَيهِ الإِقرارَ ، ولا يَعرِفُهُ بِما يوجِبُ لَهُ الإِحاطَةَ بِصِفَتِهِ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :عُرِفَ بِغَيرِ رُؤيَةٍ ، ووُصِفَ بِغَيرِ صورَةٍ ، ونُعِتَ بِغَيرِ جَسمٍ ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ الكَبيرُ المُتَعالِ . (3)
1 / 4الوَصفُ بِالفِعالِالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي ... لا يُوصَفُ بِأَينٍ ولا بِمَ ولا مَكانٍ ، الَّذي بَطَنَ مِن خَفِيّاتِ الأُمورِ ، وظَهَرَ فِي العُقولِ بِما يُرى في خَلقِهِ مِن عَلاماتِ التَّدبيرِ ، الَّذي سُئِلَتِ الأَنبِياءُ عَنهُ فَلَم تَصِفهُ بِحَدٍّ ولا بِبَعضٍ ، بَل وَصَفَتهُ بِفِعالِهِ . (4)
.
ص: 24
الإمام الرضا عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ» (1) وعَن قَولِهِ : «اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ» (2) وعَن قَولِهِ : «وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ» (3) وعَن قَولِهِ : «يُخَ_دِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَ_دِعُهُمْ» (4) _: إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يَسخَرُ ولا يَستَهزِئُ ولا يَمكُرُ ولا يُخادِعُ ، ولكِنَّ اللّهَ عز و جل يُجازيهِم جَزاءَ السُّخرِيَةِ ، وجَزاءَ الاِستِهزاءِ ، وجَزاءَ المَكرِ ، وجَزاءَ الخَديعَةِ ، تَعالَى اللّهُ عَمّا يَقولُ الظّالِمونَ عُلُوّا كَبيرا . (5)
1 / 5وُجوهُ إطلاقِ الأَسماءِ وَالصِّفاتِالكافي عن أبي هاشم الجعفريّ :كُنتُ عِندَ أَبي جَعفَرٍ الثّاني عليه السلام ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقالَ : أَخبِرني عَنِ الرَّبِّ _ تَبارَكَ وتَعالى _ ، لَهُ أَسماءٌ وصِفاتٌ في كِتابِهِ ؟ وأَسماؤُهُ وصِفاتُهُ هِيَ هُوَ ؟ فَقالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : إِنَّ لِهذَا الكَلامِ وَجهَينِ : إِن كُنتَ تَقولُ : هِيَ هُوَ ، أي أَنَّهُ ذو عَدَدٍ وكَثرَةٍ ؛ فَتَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ ، وإِن كُنتَ تَقولُ : هذِهِ الصِّفاتُ وَالأَسماءُ لَم تَزَل ؛ فَإِنَّ «لَم تَزَل» مُحتَمِلٌ مَعنَيَينِ : فَإِن قُلتَ : لَم تَزَل عِندَهُ في عِلمِهِ وهُوَ مُستَحِقُّها ، فَنَعَم ، وإِن كُنتَ تَقولُ : لَم يَزَل
.
ص: 25
تَصويرُها وهِجاؤُها وتَقطيعُ حُروفِها ؛ فَمَعاذَ اللّهِ أَن يَكونَ مَعَهُ شَيءٌ غَيرُهُ ، بَل كانَ اللّهُ ولا خَلقَ ، ثُمَّ خَلَقَها وَسيلَةً بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ ، يَتَضَرَّعونَ بِها إِلَيهِ ويَعبُدونَهُ ، وهِيَ ذِكرُهُ وكانَ اللّهُ ولا ذِكرَ ، وَالمَذكورُ بِالذِّكرِ هُوَ اللّهُ القَديمُ الَّذي لَم يَزَل ، وَالأَسماءُ وَالصِّفاتُ مَخلوقاتٌ ، وَالمَعاني (1) وَالمَعنِيُّ بِها هُوَ اللّهُ الَّذي لا يَليقُ بِهِ الاِختِلافُ ولا الاِئتِلافُ ، وإِنَّما يَختَلِفُ وتَأتَلِفُ (2) المُتَجَزِّئُ ، فَلا يُقالُ : اللّهُ مُؤتَلِفُ ولَا اللّهُ قَليلٌ ولا كَثيرٌ ، ولكِنَّهُ القَديمُ في ذاتِهِ ؛ لِأَنّ ما سِوَى الوَاحِدِ مُتَجَزِّئٌ ، وَاللّهُ واحِدٌ لا مُتَجَزِّئٌ ولا مُتَوَهَّمٌ بِالقِلَّةِ وَالكَثرَةِ ، وكُلُّ مُتَجَزِّىً أَو مُتَوَهَّمٍ بِالقِلَّةِ وَالكَثرَةِ فَهُوَ مَخلوقٌ دالٌّ عَلى خالِقٍ لَهُ . فَقَولُكَ : إِنَّ اللّهَ قَديرٌ ، خَبَّرتَ أَنَّهُ لا يُعجِزُه شَيءٌ ، فَنَفَيتَ بِالكَلِمَةِ العَجزَ وجَعَلتَ العَجزَ سِواهُ ، وكَذلِكَ قَولُكَ : عالِمٌ ، إِنَّما نَفَيتَ بِالكَلِمَةِ الجَهلَ وَجَعلتَ الجَهلَ سِواهُ ، وإِذا أَفنَى اللّهُ الأَشياءَ أَفنَى الصّورَةَ وَالهِجاءَ وَالتَّقطيعَ ، ولا يَزالُ مَن لَم يَزَل عالِما . فَقالَ الرَّجُلُ : فَكَيفَ سَمَّينا رَبَّنا سَميعا ؟ فَقالَ : لِأَنَّهُ لا يَخفى عَلَيهِ ما يُدرَكُ بِالأَسماعِ ، ولَم نَصِفهُ بِالسَّمعِ المَعقولِ فِي الرَّأسِ ، وكَذلِكَ سَمَّيناهُ بَصيرا ؛ لِأَنَّهُ لا يَخفى عَلَيهِ ما يُدرَكُ بِالأَبصارِ ، مِن لَونٍ أَو شَخصٍ أَو غَيرِ ذلِكَ ، ولَم نَصِفهُ بِبَصَرِ لَحظَةِ العَينِ ، وكَذلِكَ سَمّيناهُ لَطيفا لِعِلمِهِ بِالشَّيءِ اللَّطيفِ مِثلِ البَعوضَةِ وأَخفى مِن ذلِكَ ، ومَوضِعِ النُّشوءِ مِنها ، وَالعَقلِ وَالشَّهوَةِ لِلسِّفادِ وَالحَدَبِ عَلى نَسلِها ، وإِقامَ بَعضِها عَلى بَعضٍ ، ونَقلِهَا الطَّعامَ
.
ص: 26
وَالشَّرابَ إِلى أَولادِها فِي الجِبالِ وَالمَفاوِزِ (1) وَالأَودِيَةِ وَالقِفارِ (2) ، فَعَلِمنا أَنَّ خالِقَها لَطيفٌ بِلا كَيفٍ ، وإِنَّمَا الكَيفِيَّةُ لِلمَخلوقِ المُكَيَّفِ . وكذلِكَ سَمَّينا رَبَّنا قَوِيّا لا بِقُوَّةِ البَطشِ المَعروفِ مِنَ المَخلوقِ ، ولَو كانَت قُوَّتُهُ قُوَّةَ البَطشِ المَعروفِ مِنَ المَخلوقِ لَوَقَعَ التَّشبيهُ ، ولَاحتَمَلَ الزِّيادَةَ ، ومَا احتَمَلَ الزِّيادَةَ احتَمَلَ النُّقصانَ ، وما كانَ ناقِصا كانَ غَيرَ قَديمٍ ، وما كانَ غَيرَ قَديمٍ كانَ عاجِزا ، فَرَبُّنا _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا شِبهَ لَهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا كَيفَ ولا نِهايةَ ولا تَبصارَ بَصَرٍ ، ومُحَرَّمٌ عَلَى القُلوبِ أَن تُمَثِّلَهُ ، وعَلَى الأَوهامِ أَن تَحُدَّهُ ، وعَلَى الضَّمائِرِ أَن تُكَوِّنَهُ ، جَلَّ وعَزَّ عَن أَداةِ خَلقِهِ وسِماتِ بَرِيَّتِهِ ، وتَعالى عَن ذلِكَ عُلُوّا كَبيرا . (3)
.
ص: 27
الفصل الثاني : الأحد ، الواحدالأَحد والواحد لغةً«الأَحد» : صفة مشبهة ، و«الواحد» : اسم فاعل ، وكلاهما مشتقان من مادة «وحد» ، وهو يدلّ على الانفراد (1) ، وبما أنّ دلالة الصفة المشبهة على الجذر والمادة أَكثر وأَقوى من دلالة اسم الفاعل ، لذا فإنّ دلالة «الأَحد» على الانفراد أَكثر من دلالة «الواحد» ، ومن الطبيعي هناك تفاوت بين الصفتين في مقام الاستعمال ، بحيث لا يمكن استعمال إِلّا إِحدى الصفتين في بعض الموارد ، مثلاً لم تستعمل كلمة «أَحد» في مقام الوصف لغير اللّه تعالى ، بينما استعملت «أَحد عشر» ولم تستعمل «واحد عشر» ، وقال أبو إسحاق النحوي : «إنّ الأحد شيء بني لنفي ما يذكر معه من العدد والواحد اسم لمفتتح العدد وأحد يصلح في الكلام في موضع الجحود وواحد في موضع الإثبات» (2) ، وبغضّ النظر عن هذه النكات فإنّ الأَحد بمعنى الواحد ، لذا صرّح الجوهري بأنّ الأَحد بمعنى الواحد (3) ، ويقول الفيومي : الواحد هو الأَحد (4) .
.
ص: 28
الأَحد والواحد في القرآن والحديثلقد وُصِف تعالى في القرآن الكريم بصفة الأَحد مرة واحدة في سورة التَّوحيد ، ووُصِف «21» مرة بصفة الواحد في مواضع مختلفة من سور القرآن الكريم ، ولم يرد في الحديث ثمة تفاوت بين الأَحد والواحد ، وقد نُقل عن الإمام الباقر عليه السلام قوله : «الأَحَدُ والواحِدُ بِمَعنى واحِدٍ ، وهُوَ المُتَفَرِّدُ الَّذي لا نَظيرَ لَهُ» (1) . إِنّ صفة الأَحد والواحد تدلّ بلا ريب على توحيد الخالق ، وبما أَنّنا قد بينّا فيما تقدّم عدة مطالب حول هذا الموضوع في بحث التَّوحيد ومراتبه ، لذا نكتفي هنا بهذا القدر .
2 / 1إلهٌ واحِدٌ ، أَحَدٌالكتاب«وَ إِلَ_هُكُمْ إِلَ_هٌ وَ حِدٌ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الرَّحْمَ_نُ الرَّحِيمُ » . (2)
«أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَى قُل لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَ_هٌ وَ حِدٌ وَإِنَّنِى بَرِى ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ » . (3)
«قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَ_هُكُمْ إِلَ_هٌ وَ حِدٌ» . (4)
«وَ قالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُواْ إِلَ_هَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَ_هٌ وَ حِدٌ فَإِيَّ_ىَ فَارْهَبُونِ » . (5)
.
ص: 29
«قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَ مَا مِنْ إِلَ_هٍ إِلَا اللَّهُ الْوَ حِدُ الْقَهَّارُ » . (1)
«أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَ_بَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَ__لِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ وَ هُوَ الْوَ حِدُ الْقَهَّ_رُ » . (2)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام :الأَحَدُ: الفَردُ المُتَفَرِّدُ ، وَالأَحَدُ وَالواحِدُ بِمَعنىً واحِدٍ ؛ وهُوَ المُتَفَرِّدُ الَّذي لا نَظيرَ لَهُ . وَالتَّوحيدُ: الإِقرارُ بِالوَحدَةِ وهُوَ الاِنفِرادُ. وَالواحِدُ: المُتَبائِنُ الَّذي لا يَنبَعِثُ مِن شَيءٍ ولا يَتَّحِدُ بِشَيءٍ. ومِن ثَمَّ قالوا: إِنَّ بِناءَ العَدَدِ مِنَ الواحِدِ ولَيسَ الواحِدُ مِنَ العَدَدِ ؛ لِأَنَّ العَدَدَ لا يَقَعُ عَلَى الواحِدِ ، بَل يَقَعُ عَلَى الاِثنَينِ ، فَمَعنى قَولِهِ: «اللَّهُ أَحَدٌ» المَعبودُ الَّذي يَألَهُ (3) الخَلقُ عَن إِدراكِهِ وَالإِحاطَةِ بِكَيفِيَّتِهِ ، فَردٌ بِإِلهِيَّتِهِ ، مُتَعالٍ عَن صِفاتِ خَلقِهِ . (4)
2 / 2واحِدٌ فَلا وَلَدَ لَهُالكتاب«إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَ_ئامِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَ_ثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَ_هٌ وَ حِدٌ سُبْحَ_نَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً » . (5)
.
ص: 30
«لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَ_ثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَ_هٍ إِلَا إِلَ_هٌ وَ حِدٌ» . (1)
«اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَ_نَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلَا لِيَعْبُدُواْ إِلَ_هًا وَ حِدًا لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ سُبْحَ_نَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ » . (2)
راجع : البقرة: 133 ، يوسف : 39 ، إبراهيم : 48 و52 ، النحل : 22 ، الأنبياء : 108 ، الحجّ : 34 ، العنكبوت : 46 ، الصافّات : 4 ، الزمر : 4 ، غافر : 16 ، فصّلت : 6 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ أَنتَ الواحِدُ فَلا وَلَدَ لَكَ . (3)
راجع : ج 5 ص 357 (الفصل السادس : الوالِدُ والوَلَدُ) .
2 / 3واحِدٌ لا بِعَدَدٍالإمام عليّ عليه السلام :واحِدٌ لا بِعَدَدٍ ، ودائِمٌ لا بِأَمَدٍ (4) ، وقائِمٌ لا بِعَمَدٍ . (5)
عنه عليه السلام :الأَحَدُ لا بِتَأويلِ عَدَدٍ . (6)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... الواحِدِ بِلا تَأويلِ عَدَدٍ . (7)
.
ص: 31
الإمام الرضا عليه السلام :أَحَدٌ لا بِتَأويلِ عَدَدٍ . (1)
الخصال عن شريح بن هانئ :إِنَّ أَعرابِيّا قامَ يَومَ الجَمَلِ إِلى أَميرِالمُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، أَتَقولُ: إِنَّ اللّهَ واحِدٌ؟ قالَ: فَحَمَلَ النّاسُ عَلَيهِ ، وقالوا : يا أَعرابِيُّ ، أَما تَرى ما فيهِ أَميرُ المُؤمِنينَ مِن تَقَسُّمِ القَلبِ؟! فَقالَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : دَعوهُ ؛ فَإِنَّ الَّذي يُريدُهُ الأَعرابِيُّ هُوَ الَّذي نُريدُهُ مِنَ القَومِ. ثُمَّ قالَ: يا أَعرابِيُّ ، إِنَّ القَولَ في أَنَّ اللّهَ واحِدٌ عَلى أَربَعَةِ أَقسامٍ: فَوَجهانِ مِنها لا يَجوزانِ عَلَى اللّهِ عز و جل ، ووَجهانِ يَثبُتانِ فيهِ . فَأَمَّا اللَّذانِ لا يَجوزانِ عَلَيهِ فَقَولُ القائِلِ : «واحِدٌ» يَقصُدُ بِهِ بابَ الأَعدادِ ، فَهذا ما لا يَجوزُ ؛ لِأَنَّ ما لا ثانِيَ لَهُ لا يَدخُلُ في بابِ الأَعدادِ ، أَما تَرى أَنَّهُ كَفَرَ مَن قالَ: إِنَّهُ ثالِثُ ثَلاثةٍ. وقَولُ القائِلِ «هُوَ واحِدٌ مِنَ النّاسِ» يُريدُ بِهِ النَّوعَ مِنَ الجِنسِ ، فَهذا ما لا يَجوزُ ؛ لِأَنَّهُ تَشبيهٌ ، وجَلَّ رَبُّنا وتَعالى عَن ذلِكَ . وأَمَّا الوَجهانِ اللَّذانِ يَثبُتانِ فيهِ فَقَولُ القائِلِ: «هُوَ واحِدٌ لَيسَ لَهُ فِي الأَشياءِ شِبهٌ» كَذلِكَ رَبُّنا ، وقَولُ القائِلِ: «إِنَّهُ عز و جل أَحَدِيُّ المَعنى» يَعني بِهِ أَنَّهُ لا يَنقَسِمُ في وُجودٍ ولا عَقلٍ ولا وَهمٍ ، كَذلِكَ رَبُّنا عز و جل . (2)
.
ص: 32
2 / 4لَهُ وَحدَانِيَّةُ العَدَدِالإمام زين العابدين عليه السلام :لَكَ يا إِلهي وَحدانِيَّةُ العَدَدِ ، ومَلَكَةُ القُدرَةِ الصَّمَدِ ، وفَضيلَةُ الحَولِ وَالقُوَّةِ ، وَدَرَجَةُ العُلُوِّ وَالرِّفعَةِ . (1)
تعليقإِنّ هذا الحديث لا يتعارض مع الأَحاديث التي تصف اللّه تعالى بأنّه «واحد بلا عدد» ، ووجه الجمع بينها يتبيّن من خلال الحديث اللاحق المنقول عن الإمام الباقر عليه السلام ، فقد جاء في هذا الحديث أنّ معنى الواحد «المتفرّد الذي لا نظير له» لذا لا يقبل التثنية والتعدّد . من هنا لا يعدّون الواحد من الأَعداد ، بينما يعدّون الاثنين وما بعدها من الأَعداد ، إِذ إِنّ في معنى العدد التثنية والتعدّد ، وعلى هذا الأَساس معنى «لك يا إِلهي وحدانية العدد» أَن ما يتعلق بالواحد الذي لا يقبل التعدّد وليس جزءا من الأَعداد ، ينطبق على الخالق أَيضا ، يعني أَنّ اللّه ليس قابلاً للتعدّد ، أَما في الأَحاديث التي تقول : «واحد لا بعدد» فالمراد المعنى اللغوي للعدد ، يعني أَنّه في وحدانيته تعالى غير قابل للتعدد ، وبناءً على ذلك فالعبارتان «وحدانية العدد» و«واحد لا بعدد» تبينان مطلبا واحدا ، وهو أَنّ اللّه تعالى واحد ومتفرد ، وبالنتيجة لا يقبل التعدد ، وهناك تفاسير أُخرى ذكرت في إِيضاح هذا المطلب (2) .
.
ص: 33
الفصل الثالث : الأوّل ، الآخرالأَوّل والآخر لغةًالأَوّل في اللغة بمعنى مبتَدأ الشيء والآخر منتهاه . وذكر ابن فارس معنيين أَصليين للهمزة والواو واللام : أَحدهما الابتداء ، والآخر الانتهاء ، والبناءُ الذي يدلّ على المعنى الأَوّل ، هو الأَوّل ، والذي يدلّ على المعنى الثاني ، هو الأَيّل (1) . وقال في المعنى الآخر : الهمزة والخاء والراء أَصل واحد وإِليه يرجع جميع فروعه وهو خلاف التقدّم (2) .
الأَوّل والآخر في القرآن والحديثجاء الأَوّل والآخر في القرآن والحديث ، بمعنيين هما:
.
ص: 34
1 . الأَوّل والآخر المطلقانوهذا المعنى للّه تعالى وحدَه لا يشاركه فيه غيره ، وما من أَوّل مطلق وآخر مطلق إِلّا هو . وورد هذان اللفظان بهذا المعنى مرّة واحدة في القرآن الكريم ، وذلك في الآية الثالثة من سورة الحديد . قال سبحانه: « هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْاخِرُ وَ الظَّ_هِرُ وَ الْبَاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ » . وقال العلّامة الطباطبائيّ قدس سره : «المراد من أَوّليّته وآخريّته سبحانه إحاطته بجميع الأَشياء... فكلّ ما فُرض أَوّلاً فهو قبله ، فهو الأَوّل دون الشيء المفروض أَوّلاً ، وكلّ ما فرض آخرا فهو بعده لإحاطة قدرته به من فوقه ... فأَوّليّته وآخريّته تعالى فرعان من فروع اسمه «المحيط» ، والمحيط من فروع قدرته المطلقة ... ويمكن تفريع الأسماء الأَربعة على إحاطة وجوده بكلّ شيء ... فإنّ وجوده تعالى قبل وجود كلّ شيء وبعده ...» (1) . ومن الجدير ذكره أَنّ أَوّليّة اللّه و آخريّته في الروايات التي ستلاحظونها بمعنى أَوّليّته وآخريّته في الوجود ، من هنا تعود أَوّليّته وآخريّته إِلى تفرّده في الأَزليّة وَالأَبديّة .
2 . الأَوّل والآخر النسبيّانإِنّ إِطلاق الأَوّل والآخر على غير اللّه سبحانه في القرآن والحديث نسبيّ ، مثل: «أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» (2) و «أَوَّلُ الْعَ_بِدِينَ» (3) وغيرهما .
.
ص: 35
من هنا نرى أَنّ ما ورد في زيارة أَهل البيت عليهم السلام تبيانا لخصائصهم عند مخاطبتهم: «أَنتم الأَوّل والآخر» (1) هو بمعنى الأَوّليّة والآخريّة النسبيّتين ولا غلوّ في حقّهم (2) .
3 / 1مَعنى أَوَّلِيَّةِ اللّهِ وآخِرِيَّتِهِالكتاب«هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْاخِرُ وَ الظَّ_هِرُ وَ الْبَاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ أَنتَ الأَوَّلُ فَلَيسَ قَبلَكَ شَيءٌ ، وأَنتَ الآخِرُ فَلَيسَ بَعدَكَ شَيءٌ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :يوشِكُ قُلوبُ النّاسِ أَن تَمتَلِئَ شَرّا حَتّى يُجرِي النّاسُ فَضلاً بَينَ النّاسِ ما يَجِدُ قَلبا يَدخُلُهُ ، ولا يَزالُ النّاسُ يَسأَلونَ عَن كُلِّ شَيءٍ حَتّى يَقولوا : كانَ اللّهُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، فَما كانَ قَبلَ اللّهِ ؟ فَإِذا قالوا لَكُم فَقولوا : كانَ اللّهُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ،
.
ص: 36
ولَيسَ فَوقَهُ شَيءٌ ، وهُوَ الآخِرُ بَعدَ كُلِّ شَيءٍ ؛ فَلَيسَ بَعدَهُ شَيءٌ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَزالُ النّاسُ يَسأَلونَ عَن كُلِّ شَيءٍ حَتّى يَقولوا : هذا اللّهُ كانَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، فَماذا كانَ قَبلَ اللّهِ ؟ فَإِن قالوا لَكُم ذلِكَ ، فَقولوا : هُوَ الأَوَّلُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ؛ فَلَيسَ بَعدَهُ شَيءٌ ، وهُوَ الظّاهِرُ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ ، وهُوَ الباطِنُ دونَ كُلِّ شَيءٍ ، وهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ الَّذي كانَ في أَوَّلِيَّتِهِ وَحدانِيّا . (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسَأَ لُكَ . . . بِوَجهِكَ الباقي بَعدَ فَناءِ كُلِّ شَيءٍ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الأَوَّلِ قَبلَ كُلِّ أَوَّلٍ ، وَالآخِرِ بَعدَ كُلِّ آخِرٍ ، وبِأَوَّلِيَّتِهِ وَجَبَ أَن لا أَوَّلَ لَهُ ، وبِآخِرِيَّتِهِ وَجَبَ أَن لا آخِرَ لَهُ . (5)
عنه عليه السلام :الأَوَّلُ الَّذي لَم يَكُن لَهُ قَبلٌ ؛ فَيَكونَ شَيءٌ قَبلَهُ ، وَالآخِرُ الَّذي لَيسَ لَهُ بَعدٌ ؛ فَيَكونَ شَيءٌ بَعدَهُ . (6)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الأَوَّلِ فَلا شَيءَ قَبلَهُ ، وَالآخِرِ فَلا شَيءَ بَعدَهُ . (7)
.
ص: 37
عنه عليه السلام :أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، الأَوَّلُ لا شَيءَ قَبلَهُ ، والآخِرُ لا غايَةَ لَهُ . (1)
عنه عليه السلام :لا تَصحَبُهُ الأَوقاتُ، ولا تَرفِدُهُ الأَدَواتُ، سَبَقَ الأَوقاتَ كونُهُ، وَالعَدَمَ وُجودُه ، وَالاِبتِداءَ أَزَلُهُ . . . مَنَعَتها «مُنذُ» القِدمَةَ (2) ، وحَمَتها «قَد» الأَزَلِيَّةَ . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لَم تَسبِق لَهُ حالٌ حالاً ، فَيَكونَ أَوَّلاً قَبلَ أَن يَكونَ آخِرا . (4)
عنه عليه السلام :تَعالَى الَّذي لَيسَ لَهُ وَقتٌ مَعدودٌ ، ولا أَجَلٌ مَمدودٌ ، ولا نَعتٌ مَحدودٌ . . . لَيسَ لَهُ أَوَّلٌ مُبتَدَأٌ ، ولا غايَةُ مُنتَهىً ، ولا آخِرٌ يفنى . (5)
عنه عليه السلام :لَم يَتَقَدَّمهُ وَقتٌ ولا زَمانٌ . (6)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... الَّذي لَيسَت في أَوَّلِيَّتِهِ نِهايَةٌ ، ولا لِاخِرِيَّتِهِ حَدٌّ ولا غايَةٌ ، الَّذي لَم يَسبِقهُ وَقتٌ ، ولَم يَتَقَدَّمهُ زَمانٌ . (7)
عنه عليه السلام :الَّذي لَم يَزَل ولا يَزالُ وَحدانِيّا أَزَلِيّا قَبلَ بَدءِ الدُّهورِ ، وبَعدَ صُروفِ الأُمورِ ،
.
ص: 38
الَّذي لا يَبيدُ ولا يَنفَدُ . (1)
عنه عليه السلام :لا يَزولُ أَبَدا ولَم يَزَل ، أَوَّلٌ قَبلَ الأَشياءِ بِلا أَوَّلِيَّةٍ ، وآخِرٌ بَعدَ الأَشياءِ بِلا نِهايَةٍ . (2)
عنه عليه السلام :لَيسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابتِداءٌ ، ولا لاِ زَلِيَّتِهِ انقِضاءٌ ، هُوَ الأَوَّلُ ولَم يَزَل ، وَالباقي بِلا أَجَلٍ . . . لا يُقالُ لَهُ : «مَتى ؟» ولا يُضرَبُ لَهُ أَمَدٌ بِ_ «حَتّى» . . . قَبلَ كُلِّ غايَةٍ ومُدَّةٍ ، وكُلِّ إِحصاءٍ وعِدَّةٍ . (3)
عنه عليه السلام :قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ؛ لا يُقالُ شَيءٌ قَبلَهُ ، وبَعدَ كُلِّ شَيءٍ ؛ لا يُقالُ لَهُ بَعدٌ . . . مَوجودٌ لا بَعدَ عَدَمٍ . (4)
عنه عليه السلام :الأَوَّلُ الَّذي لا غايَةَ لَهُ فَيَنتَهِيَ ، ولا آخِرَ لَهُ فَيَنقَضِيَ . (5)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الكائِنِ قَبلَ أَن يَكونَ كُرسِيٌّ أَو عَرشٌ ، أَو سَماءٌ أَو أَرضٌ ، أَو جانٌّ أَو إِنسٌ . (6)
عنه عليه السلام :لا أَمَدَ لِكَونِهِ ، ولا غايَةَ لِبَقائِهِ . (7)
.
ص: 39
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ المَعروفِ بِدُعاءِ كُمَيلٍ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ . . . بِنورِ وَجهِكَ الَّذي أَضاءَ لَهُ كُلُّ شَيءٍ ، يا نورُ يا قُدّوسُ ، يا أَوَّلَ الأَوَّلينَ ، ويا آخِرَ الآخِرينَ . (1)
الإمام الحسن عليه السلام_ لَمّا قيلَ لَهُ : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، صِف لي رَبَّكَ حَتّى كَأَنّي أَنظُرُ إِلَيهِ، فَأَطرَقَ مَلِيّا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأَسَهُ وقالَ _: الحَمدُ للّهِِ الَّذي لَم يَكُن لَهُ أَوَّلٌ مَعلومٌ، ولا آخِرٌ مُتناهٍ، ولا قَبلٌ مدركٌ، ولا بَعدٌ مَحدودٌ، ولا أَمَدٌ بِحَتّى. (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: وأَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، الأَوَّلُ قَبلَ كُلِّ أَحَدٍ ، وَالآخِرُ بَعدَ كُلِّ عَدَدٍ . (3)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي التَّحميدِ للّهِِ عز و جل _: الحَمدُ للّهِِ الأَوَّلِ بِلا أَوَّلٍ كانَ قَبلَهُ ، وَالآخِرِ بِلا آخِرٍ يَكونُ بَعدَهُ ، الَّذي قَصُرَت عَن رُؤيَتِهِ أَبصارُ النّاظِرينَ ، وعَجَزَت عَن نَعتِهِ أَوهامُ الواصِفينَ . (4)
الإمام الباقر عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ اللّهِ مَتى كانَ؟ _: مَتى لَم يَكُن حَتّى أُخبِرَكَ مَتى كانَ؟ سُبحانَ مَن لَم يَزَل ولايَزالُ، فَردا صَمَدا لَم يَتَّخِذ صاحِبَةً ولا وَلَدا . (5)
الكافي عن زرارة :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : أَكانَ اللّهُ ولا شَيءَ ؟ قالَ : نَعَم ، كانَ ولا شَيءَ .
.
ص: 40
قُلتُ : فَأَينَ كانَ يَكونُ ؟ وكانَ مُتَّكِئا فَاستَوى جالِسا ، وقالَ : أَحَلتَ يا زُرارَةُ ، وسَأَلتَ عَنِ المَكانِ إِذ لا مَكانَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ تَبارَكَ اسمُهُ ... لَم يَزَل ولا يَزالُ ، وهُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ ، وَالظّاهِرُ وَالباطِنُ ، فَلا أَوَّلَ لِأَوَّلِيَّتِهِ . (2)
عنه عليه السلام_ في سُجودِهِ _: لا إِلهَ إِلّا أَنتَ حَقّا حَقّا ، الأَوَّلُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وَالآخِرُ بَعدَ كُلِّ شَيءٍ . (3)
عنه عليه السلام :هُوَ الأَوَّلُ بِلا كَيفٍ ، وهُوَ الآخِرُ بِلا نِهايَةٍ ، لَيسَ لَهُ مِثلٌ ، خَلَقَ الخَلقَ وَالأَشياءَ لا مِن شَيءٍ ولا كَيفٍ ، بِلا عِلاجٍ ولا مُعاناةٍ ولا فِكرٍ ولا كَيفٍ ، كَما أَنَّهُ لا كَيفَ لَهُ ، وإِنَّما الكَيفَ بِكَيفِيَّةِ المَخلوقِ ؛ لِأَنَّهُ الأَوَّلُ لا بَدءَ لَهُ ولا شِبهَ ولا مِثلَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ (4) ، لا يُدرَكُ بِبَصَرٍ ، ولا يُحَسُّ بِلَمسٍ ، ولا يُعرَفُ إِلّا بِخَلقِهِ ، تَبارَكَ وتَعالى . (5)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ الأَوَّلِ وَالآخِرِ _: الأَوّلَُ لاعَن أَوَّلٍ قَبلَهُ ، ولاعَن بَدءٍ سَبَقَهُ ، وَالآخِرُ لاعَن نِهايَةٍ كما يُعقَلُ مِن صِفَةِ المَخلوقينَ ، ولكِن قَديمٌ أَوَّلٌ آخِرٌ ، لَم يَزَل ولا يَزولُ بِلا بَدءٍ ولا نِهايةٍ ، لا يَقَعُ عَلَيهِ الحُدوثُ ولا يَحولُ مِن حالٍ إِلى حالٍ ، خالِقُ كُلِّ شَيءٍ . (6)
.
ص: 41
الكافي عن ابن أبي يعفور :سَأَلتُ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْاخِرُ» (1) وقُلتُ : أَمَّا الأَوَّلُ فَقَد عَرَفناهُ ، وأَمَّا الآخِرُ فَبَيِّن لَنا تَفسيرَهُ . فَقالَ : إِنَّهُ لَيسَ شَيءٌ إِلّا يَبيدُ أَو يَتَغَيَّرُ ، أَو يَدخُلُهُ التَّغَيَّرُ وَالزَّوالُ ، أَو يَنتَقِلُ مِن لَونٍ إِلى لَونٍ ، ومِن هَيئَةٍ إِلى هَيئَةٍ ، ومِن صِفَةٍ إِلى صِفَةٍ ، ومِن زِيادَةٍ إِلى نُقصانٍ ، ومِن نُقصانٍ إِلى زِيادَةٍ ، إِلّا رَبَّ العالَمينَ ؛ فَإِنَّهُ لَم يَزَل ولا يَزالُ بِحالَةٍ واحِدَةٍ ، هُوَ الأَوَّلُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وهُوَ الآخِرُ عَلى ما لَم يَزَل ، ولا تَختَلِفُ عَلَيهِ الصِّفاتُ وَالأَسماءُ كَما تَختَلِفُ عَلى غَيرِهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :جاءَ حِبرٌ مِنَ الأَحبارِ إِلى أَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، مَتى كانَ رَبُّكَ ؟ فَقالَ لَهُ : ثَكَلَتكَ أُمُّكَ! ومَتى لَم يَكُن حَتّى يُقالَ : مَتى كانَ ؟ كانَ رَبّي قَبلَ القَبلِ بِلا قَبلٍ ، وبَعدَ البَعدِ بِلا بَعدٍ ، ولا غايَةَ ولا مُنتَهى لِغايَتِهِ ، انقَطَعَتِ الغاياتُ عِندَهُ فَهُوَ مُنتَهى كُلِّ غايَةٍ . (3)
التوحيد عن أَبي بصير :أَخرَجَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام حُقّا (4) ، فَأَخرَجَ مِنهُ وَرَقَةً ، فَإِذا فيها : سُبحانَ الواحِدِ الَّذي لا إِلهَ غَيرُهُ ، القَديمِ المُبدِىَ الَّذي لا بَدِيءَ لَهُ ، الدَّائِمِ الَّذي لا نَفادَ لَهُ . (5)
.
ص: 42
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ تَبارَكَ و تَعالى ... كانَ إِذ لَم يَكُن أَرضٌ ولا سَماءٌ ، ولا لَيلٌ ولا نَهارٌ ، ولا شَمسٌ ولا قَمَرٌ ولا نُجومٌ ، ولا سَحابٌ ولا مَطَرٌ ولا رِياحٌ . (1)
بحار الأنوار عن الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ أَنتَ كَما أَنتَ حَيثُ أَنتَ ، لا يَعلَمُ أَحَدٌ كَيفَ أَنتَ إِلّا أَنتَ ، لا تَحولُ عَمّا كُنتَ فِي الأَزَل حَيثُ كُنتَ ، ولا تَزولُ ولا تَوَلّى ، أَوَّلِيَّتُكَ مِثلُ آخِرِيَّتِكَ ، وآخِرِيَّتُكَ مِثلُ أَوَّلِيَّتِكَ إِذا أُفنِيَ الخَلائِقُ وأُظهِرَ الحَقائِقُ ، لا يَعرِفُ بِمَكانِكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُكَرَّمٌ ، ولا أَحَدٌ يَعرِفُ أَينيَّتَكَ ولا كَيفِيَّتَكَ ولا كَينونِيَّتَكَ ، فَأَنتَ الأَحَدُ الأَبَدُ ، ومُلكُكَ سَرمَدٌ ، وسُلطانُكَ لا يَنقَضي ، لا لَكَ زَوالٌ ، ولا لِمُلكِكَ نَفادٌ ، ولا لِسُلطانِكَ تَغَيُّرٌ ، مُلكُكُ دائِمٌ ، وسُلطانُكَ قَديمٌ ، مِنكَ وبِكَ لا بِأَحَدٍ ولا مِن أَحَدٍ ؛ لِأَنَّكَ لَم تَزَل كُنتَ ، الأَزَلُ بِكَ لا أَنتَ بِهِ ، أَنتَ الدَّوامُ لَم تَزَل ، سُبحانَكَ وتَعالَيتَ عَمّا يَقولونَ عُلُوّا كَبيرا . (2)
الإمام الجواد عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في قُنوتِهِ _: اللّهُمَّ أَنتَ الأَوَّلُ بِلا أَوَّلِيَّةٍ مَعدودَةٍ ، والآخِرُ بِلا آخِرِيَّةٍ مَحدودَةٍ . (3)
التوحيد عن عليّ بن مهزيار :كَتَبَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام إِلى رجُلٍ بِخَطِّهِ وقَرَأتُهُ في دُعاءٍ كَتَبَ بِهِ أَن يَقولَ : يا ذَا الَّذي كانَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، ثُمَّ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ ، ثُمَّ يَبقى ويَفنى كُلُّ شَيءٍ . (4)
.
ص: 43
3 / 2الدَّليلُ عَلى أَوَّلِيَّةِ اللّهِ وآخِرِيَّتِهِالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... الدَّالِّ عَلى وُجودِهِ بِخَلقِهِ، وبِحُدوثِ خَلقِهِ عَلى أَزَلِهِ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :خَلقُ اللّهِ الخَلقَ حِجابٌ بَينَهُ و بَينَهُم ... وَابتِداؤُهُ إِيّاهُم دَليلُهُم عَلى أَن لَا ابتِداءَ لَهُ ، لِعَجزِ كُلِّ مُبتَدَاً عَن ابتِداءِ غَيرِهِ . (2)
راجع : ج 5 ص 57 (الفصل الرابع والخمسون : القَديمُ ، الأَزَليّ) .
.
ص: 44
. .
ص: 45
الفصل الرابع : البارِئالبارِئ لغةًالبارئ في اللغة اسم فاعل من مادّة «برأَ» ، وهو أَصلان : أَحدهما «الخلق» ، والآخر «التباعد من الشيء ومزايلته». ومن الأَصل الأَوّل يقال: برأَ اللّه الخلق ، يبرؤهم ، بَرْءا: خلقهم ، وهو البارئ: الخالق (1) .
البارئ في القرآن والحديثلقد ورد اسم «البارئ» أربع مرّات في القرآن الكريم ، الأُولى بلفظ «البارئ» (2) ومرّتين بلفظ «بارئكم» (3) ، والرابعة بلفظ «نبرأَها» (4) كفعل نُسب إِلى اللّه تعالى . وبيّنت الأَحاديث خصائص هذه الصفة . فبعضها ذكر أَنّ اللّه سبحانه بارئ جميع
.
ص: 46
الأَشياء والخلائق : «يا بارئ كلّ شيء» (1) ، «بارئ الخلائق أجميعن» (2) . وبعضها ذكر بارئيّته _ جلّ شأنه _ بلا مثال احتذى به: «سُبحانَ البارِىَ لِكُلِّ شَيءٍ عَلى غَيرِ مِثالٍ خَلا مِن غَيرِهِ» (3) . من هنا ، لم يُوجِد اللّهُ الأَشياء في العالم على أَساس مُثُل أَزليّة غير مخلوقة ، وفعله غير محكوم بالمثُل والصور الأَزليّة الثابتة ، كما زعم افلاطون 4 ، وقد أَورد ابن الأَثير هذه الصفه فيتعريف البارئ، فقال: «البارئ: هو الذيخلق الخلق لا عن مثال» (4) . (5)
4 / 1بارِئُ كُلِّ شَيءٍ و صانِعُهُالكتاب«هُوَ اللَّهُ الْخَ__لِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى» . (6)
.
ص: 47
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا رَبَّ كُلِّ شَيءٍ وصانِعَهُ ، يا بارِئَ (1) كُلِّ شَيءٍ وخالِقَهُ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :سُبحانَ البارِىَ لِكُلِّ شَيءٍ عَلى غَيرِ مِثالٍ خَلا مِن غَيرِهِ. (3)
4 / 2بارِئُ الخَلائِقِ أجمَعينَالإمام زين العابدين عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، مالِكِ يَومِ الدِّينِ ، بارِىَ الخَلائِقِ أَجمَعينَ ... (4)
الإمام الصَّادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ بارِىَ خَلقِ المَخلوقينَ بِعِلمِهِ ، ومُصَوِّرِ أَجسادِ العِبادِ بِقُدرَتِهِ. (5)
الإمام الكاظم عليه السلام :يا كَهفي حينَ تُعيينِي المَذاهِبُ ، وتَضيقُ عَلَيَّ الأَرضُ بِما رَحُبَت ، ويا بارِئَ خَلقي رَحمَةً بي وقَد كانَ عَن خَلقي غَنِيّا. (6)
4 / 3بارِئُ السَّماواتِ وَالأَرضِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا بارِئَ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ. (7)
.
ص: 48
4 / 4صِفَةُ البارِىَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا بارِئُ لا بَدءَ لَهُ ، يا دائِمُ لا نَفادَ لَهُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ يا لا إِلهَ إِلّا أَنتَ البارِئُ بِغَيرِ غايَةٍ يا أللّهُ ، وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ يا لا إِلهَ إِلّا أَنتَ الدَّائِمُ بِغَيرِ فَناءٍ يا أللّهُ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ البارِئُ المُنشِئُ بِلا مِثالٍ خَلا مِن غَيرِهِ. (3)
عنه عليه السلام :يا بارِئُ لا نِدَّ لَكَ ، يا دائِمُ لا نَفادَ لَكَ. (4)
الإمام الرضا عليه السلام_ في تَنزيهِ الباري جَلَّ وعَلا _: لَيسَ مُنذُ خَلَقَ استَحَقَّ مَعنَى الخالِقِ ، ولا بِإِحداثِهِ البَرايَا استَفادَ مَعنَى البارِئِيَّةِ ، كَيفَ ولا تُغَيِّبُهُ مُذ ، ولا تُدنيهِ قَد ، ولا تَحجُبُهُ لَعَلَّ ، ولا تُوَقِّتُهُ مَتى ، ولا تَشمُلُهُ حين ، ولا تُقارِنُهُ مَعَ ، إِنَّما تَحُدُّ الأَدَواتُ أَنفُسَها ، وتُشيرُ الآلَةُ إِلى نَظائِرِها. (5)
.
ص: 49
الفصل الخامس : الباسط ، القابضالباسط و القابض لغةًإِنّ «الباسط» اسم فاعل من مادّة «بسط» وهو امتداد الشيء ، فالبساط : ما يُبسط والبسطة في كلّ شيء : السَعَة ، بسط اللّه الرزق : كثّره ووسّعه (1) . إِنَّ «القابض» اسم فاعل من مادّة «قبض» وهي تدلّ على شيء مأخوذ ، وتجمّع في شيء . وهو في قبضته ، أَي : في ملكه . وقبض اللّه الرزق ، خلاف بَسَطَه ووَسَعه (2) .
الباسط و القابض في القرآن والحديثلقد نُسبت مشتقّات مادّة «بسط» إِلى اللّه تعالى إِحدى عشرة مرّةً في القرآن الكريم (3) ، ومشتقّات مادّة «قبض» أَربع مرّات (4) ، بيد أَنّ صفتَي الباسط والقابض
.
ص: 50
لم تردا فيه . وقد استُعملت صفة البسط للّه في معظم مواضع القرآن في مجال الرزق ، ووردت في الرياح في موضع واحد (1) ، كما أَنّ صفة القبض وردت في موضعين ، أَحدهما بشأن الظّلّ (2) ، والآخر بشأن الأَرض (3) ، أَمّا البسط في الأَحاديث فيدور حول أُمور مختلفة كالخير والرحمة ، والسّحاب ، والرزق ، والعدل والحقّ . والقبض فيها يحوم حول أُمور كالظلّ ، والأَرواح ، والأَرزاق ، كما انحصرت هاتان الصفتان في اللّه عز و جل فهو الباسط والقابض لجميع الأَشياء والمخلوقات . لقد جاء البسط في الأَحاديث بمعنى الإعطاء والتوسيع ، وذكرت في تفسير القبض معاني هي المنع والضيق ، والأَخذ والقبول ، والملك ، وهذه المعاني هي المعاني اللغويّة نفسها ، غير أَنّ الحريّ بالتوضيح في معنى الملك هو أَنّ الملك يناسب الأَخذ والمنع ؛ لأَنّ مالك الشيء من حيث ملكيّته للشيء يأخذ ذلك الشيء ، ويمنع الآخرين من تملّكه .
5 / 1مَعنى بَسطِهِ وقَبضِهِالتوحيد عن سليمان بن مِهران:سَأَلتُ أَبا عَبدِاللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل: «وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ» . (4) فَقالَ : يَعني مِلكَهُ ، لا يَملِكُها مَعَهُ أَحَدٌ . وَالقَبضُ مِنَ اللّهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ في مَوضِعٍ آخَرَ : المَنعُ ، وَالبَسطُ مِنهُ : الإِعطاءُ
.
ص: 51
وَالتَّوسيعُ ، كَما قالَ عز و جل : «وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُ_طُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (1) يَعني يُعطي ويُوَسِّعُ ويَمنَعُ ويُضَيِّقُ . وَالقَبضُ مِنهُ عز و جل في وَجهٍ آخَرَ : الأَخذُ ، وَالأَخذُ في وَجهٍ القَبولُ مِنهُ ، كَما قالَ : «وَ يأْخُذُ الصَّدَقَ_تِ» (2) أَي يَقبَلُها مِن أَهلِها ويُثِيبُ عَلَيها . (3)
5 / 2الباسِطُ القابِضُالكتاب«وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُ_طُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ الحَقِّ المُبينِ ، ذِي القُوَّةِ المَتينِ ، وَالفَضلِ العَظيمِ ، الماجِدِ الكَريمِ ، المُنعِمِ المُتَكَرِّمِ ، الواسِعِ ... القابِضِ الباسِطِ المانِعِ ... باسِطِ اليَدَينِ بِالرَّحمَةِ ... مُنزِلِ الغَيثِ ، باسِطِ الرِّزقِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: سُبحانَهُ مِن رازِقٍ ما أَقبَضَهُ ، وسُبحانَهُ مِن قابِضٍ ما أَبسَطَهُ . 6
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الكَريمِ الأَكرَمِ، يا أَكرَمَ الأَكرَمينَ يا أللّهُ، وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ العَجيبِ القابِضِ الباسِطِ ، يَداكَ مَبسوطَتانِ بِالخَيرِ وَالجَبَروتِ
.
ص: 52
يا أللّهُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أَنتَ ... البَديعُ القابِضُ ، الباسِطُ الدَّاعي . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ يا عاصِمُ يا قائِمُ، يا دائِمُ يا راحِمُ، يا سالِمُ يا حاكِمُ، يا عالِمُ يا قاسِمُ، يا قابِضُ يا باسِطُ . (3)
الإمام الصَّادق عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ ... يا باسِطُ يا قابِضُ، يا سَلامُ يا مُؤمِنُ. (4)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: سُبحانَ مَن هُوَ الحَقُّ ، سُبحانَ القابِضِ الباسِطِ . (5)
عنه عليه السلام :أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، القابِضُ الباسِطُ . (6)
عنه عليه السلام_ وسُئِلَ عَنِ الأَسماءِ التِّسعَةِ وَالتِّسعينَ الَّتي مَن أَحصاها دَخَلَ الجَنَّةَ _: هِيَ فِي القُرآنِ ، فَفِي ... البَقَرَةِ : ثَلاثَةٌ وثَلاثونَ اسما : ... يا سَميعُ ، يا قابِضُ ، يا باسِطُ . (7)
5 / 3قابِضُ كُلِّ شَيءٍ وباسِطُهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا قابِضَ كُلِّ شَيءٍ وباسِطَهُ. (8)
.
ص: 53
5 / 4لا قابِضَ ولا باسِطَ إلّا هُوَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ لا قابِضَ لِما بَسَطتَ ، ولا باسِطَ لَما قَبَضتَ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في تَفسيرِ الأَذانِ _: فِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ «أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ» مَعناهُ : أَشهَدُ أَن لا هادِيَ إِلَا اللّهُ ... ولا ضارَّ ولا نافِعَ ، ولا قابِضَ ولا باسِطَ ، ولا مُعطِيَ ولا مانِعَ ، ولا دافِعَ ولا ناصِحَ ، ولا كافِيَ ولا شافِيَ ، ولا مُقَدِّمَ ولا مُوَخِّرَ إِلَا اللّهُ . (2)
5 / 5باسِطُ السَّماواتِ وَالأَرضِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن هُوَ باسِطُ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا عَظيمَ الأَسماءِ ، يا باسِطَ الأَرضِ ، ويا رافِعَ السَّماءِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :سُبحانَ مَن أَمسَكَها [ أَيِ الأَرضَ ] بَعدَ مَوَجانِ مِياهِها ، وأَجمَدَها بَعدَ
.
ص: 54
رُطوبَةِ أَكنافِها (1) ، فَجَعَلَها لِخَلقِهِ مِهادا (2) ، وبَسَطَها لَهُم فِراشا ، فَوقَ بَحرٍ لُجِّيٍّ (3) راكِدٍ لا يَجري ، وقائِمٍ لا يَسري . (4)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي ... رَفَعَ السَّماءَ بِغَيرِ عَمَدٍ ، وبَسَطَ الأَرضَ عَلَى الهَواءِ بِغَيرِ أَركانٍ . (5)
5 / 6باسِطُ السَّحابِ فِي السَّماءِ«اللَّهُ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَ_حَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِى السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَ يَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَ__لِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ» . (6)
5 / 7باسِطُ الخَيرِ وَالرَّحمَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ فَاصرِف عَنّي مَقاديرَ كُلِّ بَلاءٍ ، ومَقضِيَّ كُلِّ لَأواءٍ (7) ، وَابسُط عَلَيَّ كَنَفا مِن رَحمَتِكَ ، ولُطفا مِن عَفوِكَ ، وحِرزا مِن حِفظِكَ ، ونَجاةً مِن نِقمَتِكَ ، وسَعَةً مِن
.
ص: 55
فَضلِكَ ، وتَماما مِن نِعمَتِكَ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعاءٍ عَلَّمَهُ إِيّاهُ جَبرَئيلُ عليه السلام _: ... يا باسِطَ اليَدَينِ بِالرَّحمَةِ ... . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الفاشي في خَلقِهِ حَمدُهُ ، الظّاهِرِ بِالكِبرِياءِ مَجدُهُ ، الباسِطِ بِالخَيرِ يَدَهُ . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... باسِطِ اليَدَينِ بِالخَيرِ ، وَهّابِ الخَيرِ كَيفَ يَشاءُ . (4)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ النّاشِرِ فِي الخَلقِ فَضلَهُ ، وَالباسِطِ فيهِم بِالجودِ يَدَهُ . (5)
عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ لِلأَشتَرِ النَّخَعِيِّ _: اِحتَمِلِ الخُرقَ (6) مِنهُم وَالعِيَّ (7) ، ونَحِّ عَنهُمُ الضِّيقَ وَالأَنَفَ (8) ؛ يَبسُطِ اللّهُ عَلَيكَ بِذلِكَ أَكنافَ رَحمَتِهِ . (9)
.
ص: 56
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: سُبحانَكَ بَسَطتَ بِالخَيراتِ يَدَكَ. (1)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ... وَابسُط عَلَيَّ طَولَكَ (2) . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الفاشي فِي الخَلقِ أَمرُهُ وحَمدُهُ ، الظّاهِرِ بِالكَرَمِ مَجدُهُ ، الباسِطِ بِالجودِ يَدَهُ . (4)
5 / 8باسِطُ الرِّزقِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن بِيَدِهِ مَقاليدُ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ ، يا مَن يَبسُطُ الرِّزقَ عَلى أَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعائِهِ عَقيبَ صَلاةِ الظُّهرِ _: اللّهُمَّ لا تَدَع لي ذَنبا إِلّا غَفَرتَهُ ، ولا هَمّا إِلّا فَرَّجتَهُ ، ولا سُقما إِلّا شَفَيتَهُ ، ولا عَيبا إِلّا سَتَرتَهُ ، ولا رِزقا إِلّا بَسَطتَهُ . (6)
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ يُبَيِّنُ فيهِ مَعنى بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ _: الرَّحمنُ الَّذي
.
ص: 57
يَرحَمُ ، بِبَسطِ الرِّزقِ عَلَينا . (1)
الإمام الحسين عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عن أَرزاقِ العِبادِ _: أَرزاقُ العِبادِ فِي السَّماءِ الرّابِعَةِ ، يُنَزِّلُهَا اللّهُ بِقَدَرٍ ويَبسُطُها بِقَدَرٍ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: رِزقُكَ مَبسوطٌ لِمَن عَصاكَ ، وحِلمُكَ مُعتَرِضٌ لِمَن ناواكَ (3) . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :سُبحانَ اللّهِ الَّذي ... يَبسُطُ الرِّزقَ بِعِلمِهِ . (5)
5 / 9باسِطُ العَدلِ وَالحَقِّالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ ... وَابسُط عَدلَكَ ، وأَظهِر دينَكَ . (6)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: فَإِنَّكَ أَنتَ اللّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، الفاشي فِي الخَلقِ رَفدُكَ (7) ، الباسِط بِالجودِ يَدَكَ . (8)
.
ص: 58
5 / 10قابِضُ الظِّلِّ«أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّ_لَّ وَ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً * ثُمَّ قَبَضْنَ_هُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا» . (1)
5 / 11قابِضُ الأَرواحِ والأَرزاقِالإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: لا إِلهَ إِلّا أَنتَ الأَوَّلُ قَبلَ خَلقِكَ ، وَالآخِرُ بَعدَهُم ، وَالظَّاهِرُ فَوقَهُم ، وَالقاهِرُ لَهُم ، وَالقادِرُ مِن وَرائِهِم وَالقَريبُ مِنهُم ، ومالِكُهُم وخالِقُهُم ، وقابِضُ أَرواحِهِم ورازِقُهُم . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاقبِض عَلَى الصِّدقِ نَفسي . (3)
5 / 12يَبسُطُ الرِّزقَ لِمنَ يَشاءُ ويَقدِرُ«اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ» . (4)
.
ص: 59
«مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَ_عِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُ_طُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» . (1)
5 / 13حِكمَةُ بَسطِهِ وقَبضِهِالكتاب«وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِى الْأَرْضِ وَ لَ_كِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِير بَصِيرٌ» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَةٍ لَهُ _: قَدَّرَ الأَرزاقَ فَكَثَّرَها وقَلَّلَها ، وقَسَّمَها عَلَى الضِّيقِ وَالسَّعَةِ ، فَعَدَلَ فيها لِيَبتَلِيَ مَن أَرادَ بِمَيسورِها ومَعسورِها ، ولِيَختَبِرَ بِذلِكَ الشُّكرَ وَالصَّبرَ مِن غَنِيِّها وفَقيرِها . (3)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَ لُكُمْ وَأَوْلَ_دُكُمْ فِتْنَةٌ» (4) _: مَعنى ذلِكَ أَنَّهُ يَختَبِرُهُم بِالأَموالِ وَالأَولادِ لِيَتَبَيَّنَ السّاخِطَ لِرِزقِهِ وَالرّاضيَ بِقِسمِهِ ، وإِن كانَ سُبحانَهُ أَعلَمَ بِهِم مِن أَنفُسِهِم . (5)
.
ص: 60
. .
ص: 61
الفصل السادس: الباقيالباقي لغةًالباقي في اللغة اسم فاعل من مادّة «بقي» وهو الدوام. قال الخليل: يقال: بقي الشيء ، يبقى ، بقاءً ، وهو ضدّ الفناء (1) . قال ابن الأَثير: في أَسماء اللّه تعالى «الباقي» ، هو الذي لا ينتهي تقدير وجوده في الاستقبال إِلى آخر ينتهي إِليه ، ويُعبّر عنه بأنّه أَبديّ الوجود (2) . فالباقيلغويّا هو الذيلايفنى ولا آخريّة له ولا انتهاء، وهو دائم في طرف الأَبد.
الباقي في القرآن والحديثاستُعملت مشتقّات مادّة «بقي» التي تتّصل باللّه سبحانه ستّ مرّات في القرآن الكريم: «وَ اللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى» (3) ؛ «وَ يَبْقَى وَجْهُ رَبِّ_كَ ذُو الْجَلَ_لِ وَ الْاءِكْرَامِ» (4) ؛ «وَ مَا
.
ص: 62
عِندَ اللَّهِ بَاقٍ» (1) ؛ «وَ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقَى» (2) ؛ «وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقَى» (3) . لقد وردت الخصائص الآتية لهذه الصفة في الأَحاديث ، كما يأتي : «الباقي بِلا أجَلٍ» (4) ، «الباقي بِغَيرِ مُدَّةٍ» (5) ، «الباقي الدّائِم بِغَيرِ غايَةٍ ولا فَناءٍ» (6) ، «الباقي بَعدَ فَناءِ الخَلقِ» (7) ، «الباقي بَعدَ كُلِّ شَيءٍ» (8) ؛ «الباقِي الَّذي لا يَزولُ» (9) . إِنّ هذه الخصائص في الحقيقة تعبّر عن المعنى اللغويّ للباقي ، وتؤكّد إِطلاق معناه على اللّه سبحانه وحدَه ، وهكذا فبقاء اللّه تعالى غير مشروط بأيّ شرط ، وسيبقى _ جلّ شأنه _ بعد فناء العالم كلّه .
6 / 1يَبقى ويَفنى كُلُّ شَيءٍالكتاب«كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَ يَبْقَى وَجْهُ رَبِّ_كَ ذُو الْجَلَ_لِ وَ الْاءِكْرَامِ» . (10)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعائِهِ يَومَ الأَحزابِ _: يا صَريخَ المَكروبينَ ، يا مُجيبَ دَعوَةِ
.
ص: 63
المُضطَرّينَ .. . أَنتَ اللّهُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وأَنتَ اللّهُ بَعدَ كُلِّ شَيءٍ ، وأَنتَ اللّهُ تَبقى ويَفنى كُلُّ شَيءٍ .. . وأَنتَ الدَّائِمُ الَّذي لا يَفنى ، وأَنتَ الَّذي أَحَطتَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلما ، وأَحصَيتَ كُلَّ شَيءٍ عَدَدا ، أَنتَ البَديعُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وَالباقي بَعدَ كُلِّ شَيءٍ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعائِهِ في عَرَفاتٍ _: أَمسى ظُلمي مُستَجيرا بِعَفوِكَ .. . وأَمسى وَجهِيَ الفاني مُستَجيرا بِوَجهِكَ الباقي. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ المَلِكُ المُبينُ .. . الباقي بَعدَ فَناءِ الخَلقِ ، العَظيمُ الرُّبوبِيَّةِ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :يا غايَةَ أَمَلِ الآمِلينَ ، وجَبّارَ السَّماواتِ وَالأَرَضينَ ، وَالباقيَ بَعدَ فَناءِ الخَلقِ أَجمَعينَ. (4)
الكافي عن عبد اللّه بن عبد الرحمن عن أَبي جعفر عليه السلام :قالَ لي : أَلا أُعَلِّمُكَ دُعاءً تَدعو بِهِ ، إِنّا أَهلَ البَيتِ إِذا كَرَبَنا أَمرٌ وتَخَوَّفنا مِنَ السُّلطانِ أَمرا لا قِبَلَ لَنا بِهِ نَدعو بِهِ. قُلتُ : بَلى ، بِأَبي أَنتَ وأُمّي يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ! قالَ : قُل : يا كائِنا قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، ويا مُكَوِّنَ كُلِّ شَيءٍ ، ويا باقي بَعدَ كُلِّ شَيءٍ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وَافعَل بي كَذا وكَذا. (5)
.
ص: 64
الإمام الكاظم عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ .. . يا نُورُ يا قُدّوسُ ، يا أَوَّلُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ويا باقي بَعدَ كُلِّ شَيءٍ . (1)
6 / 2الباقي بِلا أَجلٍالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ خالِقِ العِبادِ ، وساطِحِ المِهادِ .. . هُوَ الأَوَّلُ ولَم يَزَل ، وَالباقي بِلا أَجَلٍ. (2)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ المُتَوَحِّدِ بِالقِدَمِ وَالأَزَلِيَّةِ ، الَّذي لَيسَ لَهُ غايَةٌ في دَوامِهِ ولا لَهُ أَوَّلِيَّةٌ ... هُوَ الباقي بِغَيرِ مُدَّةٍ ... (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا يَكونُ كائِنٌ غَيرُهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الأَوَّلُ لا شَيءَ قَبلَهُ ، وهُوَ الآخِرُ لا شَيءَ مِثلُهُ ، وهُوَ الباقِي الدّائِمُ بِغَيرِ غايَةٍ ولا فَناءٍ .. . العالِمُ بِغَيرِ تَكوينٍ ، الباقي بِغَيرِ كُلفَةٍ. (4)
عنه عليه السلام :اِعتَصَمتُ بِاللّهِ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ البَديعُ الرَّفيعُ ، الحَيُّ الدّائِمُ الباقِي الَّذي لا يَزولُ. (5)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا يَكونُ كائِنٌ غَيرُهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الأَوَّلُ لا شَيءَ قَبلَهُ ، وهُوَ
.
ص: 65
الآخِرُ لا شَيءَ مِثلُهُ ، وهُوَ الباقِي الدّائِمُ بِغَيرِ غايَةٍ ولا فَناءٍ. (1)
الفصول المختارة عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ :سَمِعتُ عَلِيّا عليه السلام يُنشِدُ ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَسمَعُ : أَنا أَخُو المُصطَفى لا شَكَّ في نَسَبي مَعَهُ رُبّيتُ وسِبطاهُ هُما وَلَدي جَدّي وجَدُّ رَسولِ اللّهِ مُنفَرِدٌ وفاطِمُ زَوجَتي لا قَولَ ذي فَنَدِ (2) فَالحَمدُ للّهِِ شُكرا لا شَريكَ لَهُ البَرِّ بِالعَبدِ وَالباقي بِلا أَمَدِ قالَ : فَابتَسَمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقالَ : صَدَقتَ يا عَلِيُّ. (3)
.
ص: 66
. .
ص: 67
الفصل السابع: البَديء ، البديعالبديءُ والبديعُ لغةًالبديء والبديع في اللغة كلاهما فعيل بمعنى فاعل من مادّة «بدأَ» و«بدع». وهما متقاربان في المعنى. قال ابن فارس: «بدأَ» من افتتاح الشيء ، يقال: بدأَت بالأَمر وابتدأَت ، من الابتداء (1) ، وقال أَيضا : «بدع» ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال (2) . قال ابن الأَثير : في أَسماء اللّه تعالى «المبدئ» ، هو الذي أَنشأ الأَشياء واخترعها ابتداءً من غير سابق مثال (3) ، وقال أَيضا : في أَسماء اللّه تعالى «البديع» ، هو الخالق المخترع لا عن مثال سابق (4) . بناءً على ما تقدّم ، فالبديء والبديع في اللغة هو الذي أَحدث الأَشياء ابتداءً وبلا سابق مثالٍ .
.
ص: 68
البديء والبديع في القرآن والحديثوردت مشتقّات مادّة «بدأَ» اثنتي عشرة مرّةً في القرآن الكريم فيما يتعلّق باللّه سبحانه، وورد اسم «البديع» مرّتين بلفظ «بَدِيعُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ» (1) ، ونسبت الأَحاديث مزيّتين أَساسيتين لهذين الاسمين من أَسماء الجلالة ، إِحداهما كونه «لا مِن شيءٍ» ، والأُخرى كونه «عَلى غَيرِ مِثالٍ» . على سبيل المثال : «اِبتَدَأَ الأَشياءَ لا مِن شَيءٍ» (2) ؛ «اِبتَدَأتَ الخَلقَ لا مِن شَيءٍ كانَ مِن أصلٍ يُضافُ إلَيهِ فِعلُكَ» (3) ؛ «المُبتَدِع لِلأَشياءِ مِن غَيرِ شَيءٍ» (4) ؛ «اِبتَدَعَ الخَلقَ عَلى غَيرِ مِثالٍ امتَثَلَهُ» (5) . وحريّ بالقول في توضيح هاتين المزيّتين أنّ المعنى اللغوي للبديء والبديع افتتاح الشيء ، والإنشاء والإحداث الابتدائيّ بلا سابقة ، وسابقة الشيء وعدم ابتدائيّته إِمّا من جهة المادّة ، أَو من جهة الصورة . بعبارة أُخرى: وجود سابقة للشيء إِمّا يتمثّل في أَنّ المادّة الأَوّليّة لذلك الشيء كانت موجودة سابقا وأَنشأَ الصانع الشيء منها ، أَو يتمثّل في وجود صورة الشيء من قبل ، وهذان النوعان من السابقة يلاحظان بوضوح في عمل الخيّاط الذي يقصّ القماش على أَساس عيّنةٍ موجودة سابقا ويخيطه فيصير لباسا كان قد صُوِّر في تلك العيّنة (6) ، في حين نفت الأَحاديث كلا النوعين من السابقة للّه في إِحداث الأَشياء وإِنشائها .
راجع : ص 171 (الفصل الثاني والعشرون : الخالق) .
.
ص: 69
7 / 1بَديعُ السَّماواتِ وَالأَرضِ«بَدِيعُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ» . (1)
«بَدِيعُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَ_حِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْ ءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ» . (2)
7 / 2اِبتَدَأَ مَا ابتَدَعَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ الَّذي كانَ في أَزَلِيَّتِهِ (3) وَحدانِيّا . . . اِبتَدَأَ مَا ابتَدَعَ ، وأنشَأَ ما خَلَقَ عَلى غَيرِ مِثالٍ كانَ سَبَقَ بِشَيءٍ مِمّا خَلَقَ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَتِهِ يَومَ الجُمُعَةِ _: الحَمدُ للّهِِ أَهلِ الحَمدِ ووَلِيِّهِ ، ومُنتَهَى الحَمدِ ومَحَلِّهِ ، البَديءِ البَديعِ ، الأَجَلِّ الأَعظَمِ ، الأَعَزِّ الأَكرَمِ . (5)
الإمام الحسن عليه السلام_ مِمّا قالَهُ في صِفَةِ الرَّبِّ جَلَّ وعَلا _: خَلَقَ الخَلقَ فَكانَ بَديئا بَديعا ، اِبتَدَأَ مَا ابتَدَعَ ، وَابتَدَعَ مَا ابتَدَأَ . (6)
الإمام زين العابدين والإمام الباقر عليهماالسلام_ فِي الدُّعاءِ _: أَنتَ أَرحَمُ الرّاحِمينَ ، البَديءُ
.
ص: 70
البَديعُ الَّذي لَيسَ كَمِثلِكَ شَيءٌ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ البَديءِ الرَّفيعِ . . . . (2)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في قُنوتِهِ _: يا مَن عَنَتِ الوُجوهُ لِهَيبَتِهِ ، وخَضَعَتِ الرِّقابُ لِجَلالَتِهِ ، ووَجِلَتِ القُلوبُ مِن خيفَتِهِ ، وَارتَعَدَتِ الفَرائِصُ (3) مِن فَرَقِهِ (4) ، يا بَديءُ يا بَديعُ يا قَويُّ . (5)
7 / 3يَبدَأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعيدُهُالكتاب«وَ هُوَ الَّذِى يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» . (6)
«يَوْمَ نَطْوِى السَّمَاءَ كَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَ_عِلِينَ» . (7)
«إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ» . (8)
.
ص: 71
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا بَديعَ البَدائِعِ ومُعيدَها بَعدَ فَنائِها بِقُدرَتِهِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :إِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ يَعودُ بَعدَ فَناءِ الدُّنيا وَحدَهُ لا شَيءَ مَعَهُ ، كَما كانَ قَبلَ ابتِدائِها كَذلِكَ يَكونُ بَعدَ فَنائِها . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ يُمَجِّدُ نَفسَهُ في كُلِّ يَومٍ ولَيلَةٍ ثَلاثَ مَرّاتٍ ، فَمَن مَجَّدَ اللّهَ بِما مَجَّدَ بِهِ نَفسَهُ ثُمَّ كانَ في حَالِ شَقوَةٍ حَوَّلَهُ اللّهُ عز و جل إِلى سَعادَةٍ . يَقولُ : . . . أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ مِنكَ بَدَأَ الخَلقُ وإِلَيكَ يَعودُ . (3)
7 / 4صِفَةُ ابتِدائِهِ وَابتِداعِهِالكافي عن أحمد بن محمّد بن خالد رفعه :أَتى جَبرَئيلُ عليه السلام إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : إِنَّ رَبَّكَ يَقولُ لَكَ : إِذا أَرَدتَ أَن تَعبُدَني يَوما ولَيلَةً حَقَّ عِبادَتي فَارفَع يَدَيكَ إِلَيَّ وقُل : . . . سُبحانَكَ رَبَّنا وتَعالَيتَ وتَبارَكتَ وتَقَدَّستَ . . . اِبتَدَعتَ كُلَّ شَيءٍ بِحِكمَتِكَ وعِلمِكَ . (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا مُبدِئَ البَدائِعِ، لَم يَبتَغِ فيإِنشائِها عَونَ أَحَدٍ
.
ص: 72
مِن خَلقِهِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعائِهِ يَومَ الأَحزابِ _: أَنتَ البَديعُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وَالباقي بَعدَ كُلِّ شَيءٍ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن خُطبَتِهِ في غَديرِ خُمٍّ _: أَشهَدُ بِأَنَّهُ اللّهُ الَّذي مَلَأَ الدَّهرَ قُدسُهُ ، وَالَّذي يَغشَى الأَبَدَ نورُهُ ، وَالَّذي يُنفِدُ أَمرَهُ بِلا مُشاوَرَةِ مُشيرٍ ، ولا مَعَهُ شَريكٌ في تَقديرٍ ، ولا تَفاوُتٍ في تَدبيرٍ ، صَوَّرَ ما أَبدَعَ عَلى غَيرِ مِثالٍ ، وخَلَقَ ما خَلَقَ بِلا مَعونَةٍ مِن أَحَدٍ ولا تَكَلُّفٍ ولَا احتِيالٍ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ في صِفاتِهِ تَعالى _: هُوَ القادِرُ . . . الَّذِي ابتَدَعَ الخَلقَ عَلى غَيرِ مِثالٍ اِمتَثَلَهُ ، ولا مِقدارٍ اِحتَذى عَلَيهِ مِن خالِقٍ مَعبودٍ كانَ قَبلَهُ . (4)
عنه عليه السلام :اِبتَدَعَ ما خَلَقَ بِلا مِثالٍ سَبَقَ ، ولا تَعَبٍ ولا نَصَبٍ . (5)
عنه عليه السلام :تَبارَكَ اللّهُ المُحدِثُ لِكُلِّ مُحدَثٍ ، الصّانِعُ لِكُلِّ مَصنوعٍ ، المُبتَدِعُ لِلأَشياءِ مِن غَيرِ شَيءٍ . (6)
.
ص: 73
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ الرَّبِّ جَلَّ وعَلا _: خارِجٌ مِنَ الأَشياءِ لا كَشَيءٍ خارِجٍ مِن شَيءٍ ، سُبحانَ مَن هُوَ هكَذا ولا هكَذا غَيرُهُ ، ولِكُلِّ شَيءٍ مُبتَدَأٌ . (1)
عنه عليه السلام :لا يُقالُ : كانَ بَعدَ أَن لَم يَكُن ، فَتَجرِيَ عَلَيهِ الصِّفاتُ المُحدَثاتُ، ولا يَكونُ بَينَها وبَينَهُ فَصلٌ ، ولا لَهُ عَلَيها فضَلٌ ؛ فَيَستَوِيَ الصّانِعُ وَالمَصنوعُ ، ويَتَكافَأَ المُبتَدَعُ وَالبَديعُ . (2)
عنه عليه السلام :فَسُبحانَ الَّذي لا يَؤودُهُ (3) خَلقُ مَا ابتَدَأَ ، ولا تَدبيرُ ما بَرَأَ . (4)
عنه عليه السلام :تَعاليتَ يا رَبِّ . . . أَشهَدُ أَنَّ الأَعيُنَ لا تُدرِكُكَ وَالأَوهامَ لا تَلحَقُكَ، وَالعُقولَ لا تَصِفُكَ ، وَالمَكانَ لا يَسَعُكَ ، وكَيفَ يَسَعُ المَكانُ مَن خَلَقَهُ وكانَ قَبلَهُ ، أَم كَيفَ تُدرِكُهُ الأَوهامُ ولا نِهايَةَ لَهُ ولا غايَةَ ، وكَيفَ تَكونُ لَهُ نِهايَةٌ وغايَةٌ وهُوَ الَّذِي ابتَدَأَ الغاياتِ وَالنَّهاياتِ ! (5)
عنه عليه السلام_ بَعدَ أَن بَيَّنَ جُملَةً مِن صِفاتِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: ذلِكَ مُبتَدِعُ الخَلقِ ووارِثُهُ . (6)
عنه عليه السلام :اِعتَصَمتُ بِاللّهِ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ البَديعُ الرَّفيعُ ، الحَيُّ الدّائِمُ الباقِي الَّذي لا يَزولُ . (7)
.
ص: 74
عنه عليه السلام_ مِن خُطبَةٍ لَهُ ذَكَرَ فيها إِحاطَةَ عِلمِهِ تَعالى بِكُلِّ شَيءٍ، ثُمَّ قالَ _: لَم يَلحَقهُ في ذلِكَ كُلفَةٌ ، ولَا اعتَرَضَتهُ في حِفظِ مَا ابتَدَعَ مِن خَلقِهِ عارِضَةٌ . (1)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ سُؤالَ مَن لَم يَجِد لِسُؤالِهِ مَسؤولاً سِواكَ . . . لِأَنَّكَ الأَوَّلُ الَّذِي ابتَدَأَتَ الاِبتِداءَ فَلَوَيتَهُ (2) بِأَيدي تَلَطُّفِكَ . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ اللّابِسِ الكِبرِياءَ بِلا تَجسيدٍ ، وَالمُرتَدي بِالجَلالِ بِلا تَمثيلٍ . . . اِبتَدَأَ ما أَرادَ ابتِداءَهُ وأَنشَأَ ما أَرادَ إِنشاءَهُ عَلى ما أَرادَ مِنَ الثَّقَلَينِ الجِنِّ وَالإِنسِ ؛ لِيَعرِفوا بِذلِكَ رُبوبِيَّتَهُ وتَمَكَّنَ فيهِم طاعَتُهُ . (4)
عنه عليه السلام :أُوصيكُم عِبادَ اللّهِ وأُوصي نَفسي بِتَقوَى اللّهِ الَّذِي ابتَدَأَ الأُمورَ بِعِلمِهِ ، وإِلَيهِ يَصيرُ غَدا ميعادُها . (5)
عنه عليه السلام _ مِن خُطبَةٍ يَذكُرُ فيها خَلقَ العالَمِ _ :أَنشَأَ الخَلقَ إِنشاءً وابتَدَأَهُ ابتِداءً بِلا رَوِيَّةٍ (6) أَجالَها ، ولا تَجرِبَةٍ اِستَفادَها ، ولا حَرَكَةٍ أَحدَثَها ، ولا هَمامَةِ (7) نَفسٍ اِضطَرَبَ فيها . . . عالِما بِها قَبلَ ابتِدائِها . (8)
.
ص: 75
عنه عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ بَديعُ (1) البَرايا ، لَم يَبغِ في إِنشائِها عَونا مِن خَلقِه . (2)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي تَوَحَّدَ بِصُنعِ الأَشياءِ ، وفَطَرَ أَجناسَ البَرايا عَلى غَيرِ مِثالٍ سَبَقَهُ في إِنشائِها ، ولا إِعانَةِ مُعينٍ عَلَى ابتِداعِها ، بَلِ ابتَدَعَها بِلُطفِ قُدرَتِهِ ، فَامتَثَلَت لِمَشيئَتِهِ خاضِعَةً مُستَحدَثَةً لِأَمرِهِ الواحِدِ الأَحَدِ. (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا يَموتُ ولا تَنقَضي عَجائِبُهُ ؛ لِأَنَّهُ كُلَّ يَومٍ في شَأنٍ مِن إِحداثِ بَديعٍ لَم يَكُن . (4)
الإمام الحسين عليه السلام :هُوَ اللّهُ الصَّمَدُ الَّذي لا مِن شَيءٍ ، ولا في شَيءٍ ، ولا عَلى شَيءٍ ، مُبدِعُ الأَشياءِ وخالِقُها . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الأَوَّلِ بِلا أَوَّلٍ كانَ قَبلَهُ . . . اِبتَدَعَ بِقُدرَتِهِ الخَلقَ اِبتداعا ، وَاختَرَعَهُم عَلى مَشِيئَتِهِ اختِراعا . (6)
الإمام الباقر عليه السلام :إِنَّ اللّهَ تَعالى لَمّا كانَ مُتَفَرِّدا بِالوَحدانِيَّةِ ، ابتَدَأَ الأَشياءَ لا مِن شَيءٍ . (7)
عنه عليه السلام :تَفسيرُ الإِلهِ : هُوَ الَّذي أَلِهَ (8) الخَلقُ عَن دَرَكِ ماهِيَّتِهِ وكَيفِيَّتِهِ بِحِسٍّ أَو
.
ص: 76
بِوَهمٍ (1) ، لا بَل هُوَ مُبدِعُ الأَوهامِ وخالِقُ الحَواسِّ . (2)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ الباري جَلَّ وعَلا _: . . . ولا كانَ مُستَوحِشا (3) قَبلَ أَن يَبتَدِعَ شَيئا ، ولا يُشبِهُ شَيئا مَذكورا . (4)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «بَدِيعُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ» (5) _: إِنَّ اللّهَ عز و جلابتَدَعَ الأَشياءَ كُلَّها بِعِلمِهِ عَلى غَيرِ مِثالٍ كانَ قَبلَهُ ، فَابتَدَعَ السَّماواتِ وَالأَرَضينَ ولَم يَكُن قَبلَهُنَّ سَماواتٌ ولا أَرَضونَ ، أَما تَسمَعُ لِقَولِهِ تَعالى : «وَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» (6) . (7)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ الباري جَلَّ وعَلا _: . . . ولا كانَ خِلوا مِنَ المُلكِ قَبلَ إِنشائِهِ ولا يَكونُ مِنهُ خِلوا بَعدَ ذَهابِهِ ، لَم يَزَل حَيّا بِلا حَياةٍ ومَلِكا قادِرا قَبلَ أَن يُنشِئَ شَيئا ، ومَلِكا جَبّارا (8) بَعدَ إِنشائِهِ لِلكَونِ . (9)
الإمام الصادق عليه السلام :سُبحانَ اللّهِ العَظيمِ . . . أَبدَعَ ما بَرَأَ إِتقانا وصُنعا ، نَطَقَتِ الأَشياءُ المُبهَمَةُ عَن قُدرَتِهِ . (10)
.
ص: 77
عنه عليه السلام :إِنَّما خَلَقَ الأَشياءَ مِن غَيرِ حاجَةٍ ولا سَبَبٍ ، اِختِراعا وَابتِداعا . (1)
عنه عليه السلام :اللّهُ أَكبَرُ . . . مُدَبِّرُ الأُمورِ وباعِثُ مَن فِي القُبورِ ، قابِلُ الأَعمالِ ، مُبدِئُ الخَفِيّاتِ ، مُعلِنُ السَّرائِرِ . (2)
عنه عليه السلام :اللّهُ أَكبَرُ أَوَّلُ كُلِّ شَيءٍ وآخِرُهُ ، وبَديعُ كُلِّ شَيءٍ ومُنتَهاهُ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ اغفِر لي ما لا يَضُرُّكَ ، وأَعطِني ما لا يَنقُصُكَ ، فَإِنَّكَ الوَسيعُ رَحمَتُهُ ، البَديعُ حِكمَتُهُ . (4)
عنه عليه السلام :يا إِلهَ الأَنبِياءِ ووَلِيَّ الأَتقِياءِ وبَديعَ مَزيدِ الكَرامَةِ . (5)
الإمام الرضا عليه السلام :خَلقُهُ تَعالَى الخَلقَ حِجابٌ بَينَهُ وبَينَهُم . . . وَابتِداؤُهُ لَهُم دَليلٌ عَلى أَنَّ لَا ابتِداءَ لَهُ ، لِعَجزِ كُلِّ مُبتَدَئٍ مِنهُم عَنِ ابتِداءٍ مِثلِهِ . (6)
.
ص: 78
عنه عليه السلام :كَيَّفَ الكَيفَ فَلا يُقالُ لَهُ : كَيفَ ، وأَيَّنَ الأَينَ فَلا يُقالُ لَهُ : أَينَ ؛ إِذ هُوَ مُبدِعُ الكَيفوفِيَّةِ وَالأَينونِيَّةِ . (1)
عنه عليه السلام :اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ سابِقٌ لِلإِبداعِ ؛ لِأَنَّهُ لَيسَ قَبلَهُ عز و جل شَيءٌ ولا كانَ مَعَهُ شَيءٌ ، وَالإِبداعُ سابِقٌ لِلحُروفِ . (2)
عنه عليه السلام :اِعلَم أَنَّ الإِبداعَ وَالمَشِيئَةَ وَالإِرادَةَ مَعناها واحِدٌ، وأَسماؤُها ثَلاثَةٌ. (3)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: إِنَّكَ وَلِيُّ المَزيدِ ، مُبتَدِئٌ بِالجودِ . (4)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ فاطِرِ الأَشياءِ إِنشاءً ، ومُبتَدِعِها ابتِداعا بِقُدرَتِهِ وحِكمَتِهِ ، لا مِن شَيءٍ فَيَبطُلَ الاِختِراعُ ، ولا لِعِلَّةٍ فَلا يَصِحَّ الاِبتِداعُ ، خَلَقَ ما شاءَ كَيفَ شاءَ مُتَوَحِّدا بِذلِكَ . (5)
.
ص: 79
الفصل الثامن: البرّ ، البارّالبَرُّ والبارُّ لغةً«البرّ» صفة مشبهة ، و«البارّ» اسم فاعل من مادّة «بَرَّ» . قال ابن فارس : «برّ» أَربعة أُصول : الصدق ، حكاية صوتٍ ، وخلاف البحر ، ونبت... [ ومن الأَصل الأَوّل ]قولهم : هو يبرّ ذا قرابته ، وأَصله الصدق في المحبّة ، يقال: رَجُلٌ بَرّ وبارّ (1) . قال الفيوميّ : بررتُ والدي: أَحسنتُ الطاعة إِليه ورفقتُ به وتحرّيتُ محابّه وتوقّيتُ مكارهه (2) . قال ابن الأَثير: في أَسماء اللّه تعالى «البرّ» هو العطوف على عبادهِ ببرّه ولطفه ... والبِرّ : الإحسان (3) .
البرّ والبارّ في القرآن والحديثورد اسم «البرّ» بشكل «البرّ الرحيم» مرّةً واحدةً في القرآن الكريم ، وجاء في
.
ص: 80
الأَحاديث أَنّه تعالى بارّ بعباده ، بل هو أَبرّ من جميع الخلائق : «يا بَرُّ يا رَحيمُ ، أنتَ أبَرُّ بي مِن أبي وأُمّي ومِن جَميعِ الخَلائِقِ» (1) . وجاء أَيضا أنّ برّه تعالى تتابع على عباده ، وبرّه لم يزل في أَيّام الحياة وهو مرجوّ في أَيّام الممات (2) . والدليل على ذلك هو أَنّ الإنسان يتنعّم ببرّ اللّه سبحانه وإِحسانه طوال حياته ، وكلّ نعمةٍ من النعم ، ومنها نعمة الوجود والحياة ليست من حقّه ، بل تعود إِلى إِحسان اللّه تعالى وبرّه .
8 / 1البَرُّ الرَّحيمُالكتاب«إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ » . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ .. . البَرُّ الرَّحيمُ بِمَن لَجَأَ إِلى ظِلِّهِ وَاعتَصَمَ بِحَبلِهِ. (4)
8 / 2بِرُّهُ قَديمٌالإمام عليّ عليه السلام :إِلهي ، لَم يَزَل بِرُّكَ عَلَيَّ أَيّامَ حَياتي ، فَلا تَقطَع بِرَّكَ عَنّي في مَماتي .
.
ص: 81
إِلهي ، كَيفَ آيَسُ مِن حُسنِ نَظَرِكَ لي بَعدَ مَماتي وأَنتَ لَم تُوَلِّني إِلَا الجَميلَ في حَياتي. (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي المُناجاةِ الإِنجيلِيَّةِ _: سَيِّدي عَوَّدتَني إِسعافي بِكُلِّ ما أَسأَ لُكَ ... وأَعلَمُ أَنَّكَ لا تَكِلُ اللّاجينَ إِلَيكَ إِلى غَيرِكَ ، ولا تُخلِي الرَّاجينَ لِحُسنِ تَطَوُّلِكَ مِن نَوافِلِ (2) بِرِّكَ. سَيِّدي تَتابَعَ مِنكَ البِرُّ وَالعَطاءُ ، فَلَزِمَنِي الشُّكرُ وَالثَّناءُ ، فَما مِن شَيءٍ أَنشُرُهُ وأَطويهِ مِن شُكرِكَ ، ولا قَولٍ أُعيدُهُ وأُبديهِ في ذِكرِكَ ، إِلّا كُنتَ لَهُ أَهلاً ومَحَلّاً ، وكانَ في جَنبِ مَعروفِكَ مُستَصغَرا مُستَقَلّاً. (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :اللّهُمَّ بِبِرِّكَ القَديمِ ، ورَأفَتِكَ بِبَرِيَّتِكَ اللَّطيفَةِ ، وشَفَقَتِكَ بِصَنعَتِكَ المُحكَمَةِ ... . (4)
8 / 3أَبَرُّ مِن جَميعِ الخَلائِقِالإمام الصادق عليه السلام :كانَ أَميرُ المُؤمِنينَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ يَقولُ إِذا فَرَغَ مِنَ الزَّوالِ: اللّهُمَّ إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَيكَ بِجودِكَ وكَرَمِكَ... يا أَهلَ التَّقوى وأَهلَ المَغفِرَةِ ، يا بَرُّ يا
.
ص: 82
رَحيمُ ، أَنتَ أَبَرُّ بي مِن أَبي وأُمّي ومِن جَميعِ الخَلائِقِ ... (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي المُناجاةِ الإِنجيلِيَّةِ _: يا مَن هُوَ أَبَرُّ بي مِنَ الوالِدِ الشَّفيقِ ، وأَقرَبُ إِليَّ مِنَ الصّاحِبِ اللَّزيقِ (الرَّفيقِ) ، أَنتَ مَوضِعُ أُنسي فِي الخَلوَةِ إِذا أَوحَشَنِي المَكانُ ، ولَفَظَتنِي الأَوطانُ ، وفارَقَتنِي الاُلّافُ وَالجيرانُ ، وَانفَرَدتُ في مَحَلٍّ ضَنكٍ ، قَصيرِ السَّمكِ ، ضَيِّقِ الضَّريحِ ، مُطَبَّقِ الصَّفيحِ ، مَهولٍ مَنظَرُهُ ، ثَقيلٍ مَدَرُهُ ، مُخَلّاةٍ (مُستَقِلَّةٍ) بِالوَحشَةِ عَرَصتُهُ ، مُغَشّاةٍ بِالظُّلمَةِ ساحَتُهُ ، عَلى غَيرِ مِهادٍ ولا وِسادٍ ، وَلا تَقدِمَةِ زادٍ وَلَا اعتِدادٍ ، فَتَدارَكني بِرَحمَتِكَ الَّتي وَسِعَتِ الأَشياءَ أَكنافُها ، وجَمَعَتِ الأَحياءَ أَطرافُها ، وَعَمَّتِ البَرايا أَلطافُها ، وعُد عَلَيَّ بِعَفوِكَ يا كَريمُ ، ولا تُؤاخِذني بِجَهلي يا رَحيمُ . (2)
8 / 4بارٌّ بِعبادِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ العَلِيِّ العالِي المُتَعالِي المُبارَكِ البارِّ ، يا بارُّ بِعِبادِهِ يا أللّهُ. (3)
.
ص: 83
الفصل التاسع: البصيرالبصير لغةً«بصير» فعيل بمعنى الفاعل مشتقّ من مادّة «بصر» وهو أَصلان أَحدهما العلم بالشيء ، والآخر الغلظة ، والبصير مشتقّ من الأَصل الأَوّل بمعنى العالم (1) . والبصر بمعنى النُّور ، ومبصرة يعني مضيئة مشتقّة من الأَصل الأَوّل ؛ لأَنّ النور مصدر العلم والعلم نوع من الإضاءة (2) . ويبدو أَنّ السبب في إِطلاق البصر على العين هو أَنّ العين من أَهمّ طرق العلم ، وعلى هذا الأَساس البصير يعني العالم ، ولا ضرورة في استعمال البصر والبصير _ بمعنى الرؤية بالعين _ والبصيرة هي من مشتقات مادّة «البصر» أَيضا ، وتستعمل بمعنى الحجّة ، والفطنة ، والعبرة ، والعقيدة الدينيّة الصحيحة ، ولا تلاحظ الرؤية بالعين في هذه المعاني (3) . يقول ابن الأَثير : في أَسماء اللّه تعالى «البصير» ، هو الذي يشاهد الأَشياء كلّها
.
ص: 84
ظاهرها وخافيها بغير جارحة ، والبصر عبارة في حقّه عن الصفة التي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات (1) .
البصير في القرآن والحديثورد مضمون «إنّ اللّه بما تعملون بصير» تسع عشرة مرّةً في القرآن الكريم ، (2) ومضمون «سميع بصير» أحد عشر مرّة (3) ، ومضمون «خبير بصير» خمس مرات (4) ، ومضمون «اللّه بصير بالعباد» أربع مرّات (5) ، ومضمون «كان ربّك بصيرا» مرة واحدة (6) ، ومضمون «كنت بنا بصيرا» مرة واحدة (7) ، و مضمون «إنّ ربّه كان به بصيرا» مرّة واحدة (8) ، ومضمون «إنّه بكلّ شيء بصير» مرّة واحدة (9) . إِنّ هذه الآيات تدلّ على ملاحظتين أَساسيتين: الأُولى : إِثبات صفة «البصير» للّه . والثانية : إِطلاق هذه الصفة وتعلّقها بكلّ شيء ومنها العباد وأَعمالهم . وبيّنت الأَحاديث نقاطا متعدّدة حول صفة «البصير» ، وينصّ بعضها على أَنّ كَون اللّه بصيرا لا يعني إِدراك الأَشياء بإحدى الحواسّ الخمس ، أَي : العين : «بَصيرٌ لا يوصَفُ بِالحاسَّةِ» (10) . وينفي بعض الأَحاديث كلّ آلةٍ لبصر اللّه سبحانه : «بَصيرٌ لا بِأَداةٍ» (11) .
.
ص: 85
وفسّر قسم من الأَحاديث بصره تعالى بعلمه المطلق بالمبصرات: «إنّما يُسمّى تَبارَكَ وتَعالى بِهذِهِ الأَسماءِ ؛ لِأَنَّهُ لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ مِمّا لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ، مِن شَخصٍ صَغيرٍ أو كَبيرٍ؛ أو دَقيقٍ أو جَليلٍ؛ ولا نَصِفُهُ بَصيرا بِمُلاحَظَةِ عَينٍ كَالمَخلوقِ» (1) . وذهبت طائفة من الأَحاديث إِلى أَنّ البصير صفة ذاتيّة: «لَم يَزَلِ اللّهُ عز و جل رَبَّنا وَالعِلمُ ذاتُهُ ولا مَعلومَ ، وَالسَّمعُ ذاتُهُ ولا مَسموعَ ، وَالبَصَرُ ذاتُهُ ولا مُبصَرَ» (2) . البصير من فروع علمه سبحانه والعليم صفة ذاتيّة له .
9 / 1صِفَةُ بَصَرِهِالكتاب«وَاللَّهُ يَقْضِى بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَىْ ءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ». (3)
«وَ كَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا » . (4)
«إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِير بَصِيرٌ » . (5)
«وَ أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتُواْ الزَّكَوةَ وَ مَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» . (6)
«إِنَّ اللَّهَ بَصِير بِالْعِبَادِ » . (7)
«إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْ ء بَصِيرٌ» . (8)
.
ص: 86
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن لا يَحجُبُهُ شَيءٌ عَن شَيءٍ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :كُلُّ بَصيرٍ غَيرَهُ يَعمى عَن خَفِيِّ الأَلوانِ ، ولَطيفِ الأَجسامِ . (2)
عنه عليه السلام :بَصيرٌ إِذ لا مَنظورَ إِلَيهِ مِن خَلقِهِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ الزِّنديقُ : أَفَرَأَيتَ قَولَهُ : سَميعٌ بَصيرٌ عالِمٌ؟ _: قالَ : إِنَّما يُسمّى _ تَبارَكَ وتَعالى _ بِهذِهِ الأَسماءِ ؛ لِأَنَّهُ لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ مِمّا لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ، مِن شَخصٍ صَغيرٍ أَو كَبيرٍ ، أَو دَقيقٍ أَو جَليلٍ ، ولا نَصِفُهُ بَصيرا بِلَحظ عَينٍ كَالمَخلوقِ . (4)
عنه عليه السلام :لَم يَزَلِ اللّهُ عز و جل ربَّنا . . . وَالبَصَرُ ذاتُهُ ولا مُبصَرَ . . . فَلَمّا أَحدَثَ الأَشياءَ وَقَعَ . . . البَصَرُ عَلَى المُبصَرِ . (5)
الإمام الكاظم عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبِحَمدِكَ ... أَنتَ ... بَصيرٌ لا يَرتابُ . (6)
الإمام الرضا عليه السلام :قُلنا : إِنَّهُ بَصيرٌ لا بِبَصَرٍ ؛ لِأَنَّهُ يَرى أَثَرَ الذَّرَّةِ السَّحماءِ (7) في اللَّيلَةِ الظَّلماءِ عَلَى الصَّخرةِ السَّوداءِ ، ويَرى دَبيبَ النَّملِ فِي اللَّيلَةِ الدَّجِيَّةِ ، ويَرى مَضارَّها ومَنافِعَها وأَثَرَ سِفادِها وفِراخَها ونَسلَها ، فَقُلنا عِندَ ذلِكَ : إِنَّهُ بَصيرٌ لا كَبَصَرِ خَلقِهِ . (8)
.
ص: 87
عنه عليه السلام :... وهكَذَا البَصَرُ لا بِخَرتٍ مِنهُ أَبصَرَ ، كَما أَنّا نُبصِرُ بِخَرتٍ منّا لا نَنتَفِعُ بِهِ في غَيرِهِ ، ولكِنَّ اللّهَ بَصيرٌ لا يَحتَمِلُ شَخصا مَنظورا إِلَيهِ، فَقَد جَمَعَنَا الاِسمُ وَاختَلَفَ المَعنى . (1)
عنه عليه السلام :إِنَّهُ يَسمَعُ بِما يُبصِرُ ويَرى بِما يَسمَعُ ، بَصيرٌ لا بِعَينٍ مِثلِ عَينِ المَخلوقينَ ، وسَميعٌ لا بِمِثلِ سَمعِ السّامِعينَ ، لكِن لَمّا لَم يَخفَ عَلَيهِ خافِيَةٌ مِن أَثَرِ الذَّرَّةِ السَّوداءِ عَلَى الصَّخرَةِ الصَّمّاءِ فِي اللَّيلَةِ الظَّلماءِ تَحتَ الثَّرى وَالبِحارِ ، قُلنا : بَصيرٌ لا بِمِثلِ عَينِ المَخلوقينَ . (2)
الإمام الجواد عليه السلام :كَذلِكَ سَمَّيناه بَصيرا ؛ لِأَنَّهُ لا يَخفى عَلَيهِ ما يُدرَكُ بِالأَبصارِ ، مِن لَونٍ أَو شَخصٍ أَو غَيرِ ذلِكَ ، ولَم نَصِفهُ بِبَصَرِ لَحظَةِ العَينِ . (3)
9 / 2ما لا يُوصَفُ بَصَرُهُ بِهِالإمام عليّ عليه السلام :بَصيرٌ لا بِأَداةٍ . (4)
.
ص: 88
عنه عليه السلام :البَصيرُ لا بِتَفريقِ آلَةٍ . (1)
عنه عليه السلام :بَصيرٌ لا يُوصَفُ بِالحاسَّةِ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :وهكَذَا البَصَرُ لا بِخَرتٍ مِنهُ أَبصَرَ ، كما أَنّا نُبصِرُ بِخَرتٍ مِنّا لا نَنتَفِعُ بِهِ في غَيرِهِ . (3)
.
ص: 89
الفصل العاشر: التّوّابالتَّوّاب لغةًالتوّاب في اللغة صيغة مبالغة من مادّة «توب» وهو يدلّ على الرجوع . يقال: تاب من ذنبه ، أَي : رجع عنه (1) . والتوبة : الرجوع من الذنب (2) . فالتوّاب بمعنى الراجع كثيرا .
التَّوّاب في القرآن والحديثنُسبت مشتقّات مادّة «توب» إِلى اللّه سبعا وثلاثين مرّةً في القرآن الكريم ، فقد جاء مضمون «التوّاب الرحيم» تسع مرّات ؛ و «إنّه كان توّابا» مرّةً واحدة؛ و«تواب حكيم» مرّة واحدة ومضمون «قابل التوب» ثلاث مرّات . وقد استعملت الأَحاديثُ التوبةَ للإنسان وللّه أَيضا ، وعدّ أَحدها توبةَ اللّه قبولَه توبةَ الإنسان: «التَوّاب القابِل لِلتَّوباتِ» (3) .
.
ص: 90
إجابة عن سؤال قد يثار سؤال حول توبة اللّه مفاده : إِذا نُسبت التوبة إِلى العبد المذنب جاءت بمعنى الرجوع من الذنب ، فما معناها إِذا نُسبت إِلى اللّه ، وقيل: «تاب اللّه عليه» و «هو التوّاب»؟ قيل في الجواب : تاب اللّه عليه : غفر له وأَنقذه من المعاصي (1) ، أَو وفّقه للتوبة (2) ، أَو عاد عليه بالمغفرة ، أَو يتوب على عبده بفضله إِذا تاب إِليه من ذنبه (3) . إِنّنا نعلم أَنّ المؤمنين والصالحين من عباد اللّه يحظون بعناية خاصّة من لدنه تعالى ، لكنّ العبد إِذا اجترح سيّئةً فإنّ هذه العناية تُسلَب منه ، في حين إِذا تاب ورجع عن ارتكاب الذنب فإنّ اللّه سبحانه يعوذ إِليه أَيضا، وعَودُاللّه إِلى التائب بمعنى قبوله توبته ، وعفوه عنه ، ومغفرته له ، وشموله بعناياته الخاصّة مرّةً أُخرى . قال العلّامة الطباطبائي قدس سره في تفسير قوله تعالى: «فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَ_تٍ فَتَابَ عَلَيْهِ» : التلقي هو التلقن ، وهو أَخذ الكلام مع فهم وفقه وهذا التلقي كان هو الطريق المسهل لآدم عليه السلام توبته . ومن ذلك يظهر أنَّ التوبة توبتان : توبه من اللّه تعالى وهي الرجوع إِلى العبد بالرَّحمة ، وتوبة من العبد وهي الرجوع إِلى اللّه بالاستغفار والانقلاع من المعصية . وتوبة العبد محفوفة بتوبتين : من اللّه تعالى ، فإنّ العبد لا يستغني عن ربِّه في حال من الأَحوال ، فرجوعه عن المعصية إِليه يحتاج إِلى توفيقه تعالى وإِعانته ورحمته حتّى يتحقق منه التوبة ، ثُم تمس الحاجة إِلى قبوله تعالى وعنايته ورحمته ، فتوبة العبد إِذا قبلت كانت بين توبتين من اللّه ، كما يدلّ عليه قوله
.
ص: 91
تعالى : «ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ» (1) . (2)
10 / 1تَوّابٌ رَحيمٌالكتاب«وَ اتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في قِصَّةِ آدَمَ عليه السلام _: فَلَمّا أَقَرّا لِرَبِّهِما بِذَنبِهِما وأَنَّ الحُجَّةَ مِنَ اللّهِ لَهُما ، تَدارَكَتهُما رَحمَةُ الرَّحمنِ الرَّحيمِ فَتابَ عَلَيهِما رَبُّهُما إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ . قالَ اللّهُ : يا آدَمُ اهبِط أَنتَ وزَوجُكَ إِلَى الأَرضِ ، فَإِذا أَصلَحتُما أَصلَحتُكُما ، وإِن عَمِلتُما لي قَوَّيتُكُما ، وإِن تَعَرَّضتُما لِرِضايَ تَسارَعتُ إِلى رِضاكُما ، وإِن خِفتُما مِنّي آمَنتُكُما مِن سَخَطي . قالَ : فَبَكَيا عِندَ ذلِكَ وقالا : رَبَّنا فَأَعِنّا عَلى صَلاحِ أَنفُسِنا وعَلَى العَمَلِ بِما يُرضيكَ عَنّا. قالَ اللّهُ لَهُما : إِذا عَمِلتُما سوءا فَتوبا إِلَيَّ مِنُه أَتُب عَلَيكُما ، وأَنَا اللّهُ التَّوّابُ الرَّحيمُ. (4)
.
ص: 92
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام لَمّا سَأَلَهُ عَنِ الكَلِماتِ في قَولِهِ تَعالى : «فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَ_تٍ» (1) ما هِيَ ؟ _: سُبحانَكَ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، عَمِلتُ سوءا وظَلَمتُ نَفسي ، فَتُب عَلَيَّ إِنَّكَ أَنتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ. (2)
الإمام الحسن عليه السلام :جاءَ نَفَرٌ مِنَ اليَهودِ إِلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالوا : .. . لِأَيِّ شَيءٍ أَمَرَ اللّهُ بِالوُقوفِ بِعَرَفاتٍ بَعدَ العَصرِ؟ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إِنَّ العَصرَ هِيَ السَّاعَةُ الَّتي عَصى فيها آدَمُ رَبَّهُ ، فَفَرَضَ اللّهُ عز و جلعَلى أُمَّتِيَ الوُقوفَ وَالتَّضَرُّعَ وَالدُّعاءَ في أَحَبِّ المَواضِعِ إِلَيهِ، وتَكَفَّلَ لَهُم بِالجَنَّةِ ، وَالسَّاعَةُ الَّتي يَنصَرِفُ فيهَا النّاسُ هِيَ السّاعَةُ الَّتي تَلَقّى فيها آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ ، فَتابَ عَلَيهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ. ثُمَّ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : وَالَّذي بَعَثَني بَالحَقِّ بَشيرا ونَذيرا ، إِنَّ للّهِِ بابا فِي السَّماءِ الدُّنيا يُقالُ لَهُ : بابُ الرَّحمَةِ ، وبابُ التَّوبَةِ ، وبابُ الحاجاتِ ، وبابُ التَّفَضُّلِ ، وبابُ الإِحسانِ ، وبابُ الجودِ ، وبابُ الكَرَمِ ، وبابُ العَفوِ ، ولا يَجتَمِعُ بِعَرَفاتٍ أَحَدٌ إِلَا اسَتأهَلَ مِنَ اللّهِ في ذلِكَ الوَقتِ هذِهِ الخِصالَ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :إِلهي، الطّاعَةُ تَسُرُّكَ وَالمَعصِيَةُ لا تَضُرُّكَ ، فَهَب لي ما يَسُرُّكَ وَاغفِر لي ما لا يَضُرُّكَ ، وتُب عَلَيَّ إِنَّكَ أَنتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ. (4)
.
ص: 93
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ فَكَما أَمَرتَ بِالتَّوبَةِ وضَمِنتَ القَبولَ ، وحَثَثتَ عَلَى الدُّعاءِ ووَعَدتَ الإِجابَةَ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وَاقبَل تَوبَتي ، ولا تُرجِعني مَرجِعَ الخَيبَةِ مِن رَحمَتِكَ ، إِنَّكَ أَنتَ التَّوّابُ عَلَى المُذنِبينَ ، وَالرَّحيمُ لِلخاطِئينَ المُنيبينَ (1) . (2)
الكافي عن كثير بن كلثمة عن أَحدهما عليهماالسلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَ_تٍ» _: قالَ .. . لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبِحَمدِكَ ، عَمِلتُ سوءا وظَلَمتُ نَفسي فَتُب عَلَيَّ إِنَّكَ أَنتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَ هِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَ_تٍ فَأَتَمَّهُنَّ » (4) ما هذِهِ الكَلِماتُ _: هِيَ الكَلِماتُ الَّتي تَلقّاها آدَمُ مِن رَبِّهِ فَتابَ عَلَيهِ ، وهُوَ أَنَّهُ قالَ : «يا رَبِّ ، أَسأَ لُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وعَلِيٍّ وفاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ إِلّا تُبتَ عَلَيَّ» ، فَتابَ اللّهُ عَلَيهِ ، إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ. (5)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ إِنّي عَمِلتُ سوءا وظَلَمتُ نَفسي فَاغفِر لي وَارحَمني وتُب عَلَيَّ إِنَّكَ أَنتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ. (6)
.
ص: 94
الإمام الكاظم عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِهشامٍ _: اِعلَم : أَنَّ اللّهَ .. . لَم يَفرِجِ المَحزونينَ (1) بِقَدرِ حُزنِهِم ، ولكِن بِقَدرِ رَأَفَتِهِ ورَحمَتِهِ ، فَما ظَنُّكَ بِالرَّؤوفِ الرَّحيمِ الَّذي يَتَوَدَّدُ إِلى مَن يُؤذيهِ بِأَولِيائِهِ ، فَكَيفَ بِمَن يُؤذى فيهِ! وما ظَنُّكَ بِالتَّوّابِ الرَّحيمِ الَّذي يَتوبُ عَلى مَن يُعاديهِ ، فَكَيفَ بِمَن يَتَرَضّاهُ ويَختارُ عَداوَةَ الخَلقِ فيهِ! (2)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ فِي التَّفسيرِ المَنسوبِ إِلَيهِ _: قالَ اللّهُ تَعالى : «فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَ_تٍ» يَقولُها فَقالَها «فَتَابَ» اللّهُ «عَلَيْهِ» بِها «إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » التَّوّابُ القابِلُ لِلتَّوباتِ ، الرَّحيمُ بِالتّائِبينَ. (3)
10 / 2تَوّابٌ حَكيمٌ«وَ أَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ » . (4)
10 / 3قابِلُ التَّوبِ«غَافِرِ الذَّنبِ وَ قَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِى الطَّوْلِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ » . (5)
«وَ هُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَ يَعْفُواْ عَنِ السَّيِّ_ئاتِ وَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ » . (6)
.
ص: 95
10 / 4تَوّابٌ عَلى أَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن هُوَ غافِرٌ لِأَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ ، يا مَن هُوَ تَوّابٌ عَلى أَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ. (1)
10 / 5تَوّابٌ عَلى مَن تابَ إلَيهِالإمام عليّ عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ المُقبِلُ عَلى مَن أَعرَضَ عَن ذِكرِهِ ، التَّوّابُ عَلى مَن تابَ إِلَيهِ مِن عَظيمِ ذَنبِهِ. (2)
.
ص: 96
. .
ص: 97
الفصل الحادي عَشَر: الجابر ، الجبّارالجابر والجبّار لغةً«الجابر» اسم فاعل من «جَبَرَ ، يَجْبُرُ» من مادّة «جبر» وهو جنس من العظمة والعلوّ والاستقامة (1) ، والجبر أَن تغني الرجل من فقر ، أَو تصلح عظمه من كسر (2) . يقال: جبرتُ العظم جبرا : أَصلحته ، وجبرتُ اليتيم: أَعطيتُه (3) . قال الراغب: أَصل الجبر: إِصلاح الشيء بضرب من القهر... وقد يقال الجبر تارةً في الإصلاح المجرّد... وتارةً في القهر المجرّد (4) . «الجبّار» صيغة مبالغة من «أَجبَرَ ، يُجبِرُ» من مادّة «جبر». يقال: أَجبرت فلانا على الأَمر ، ولا يكون ذلك إِلّا بالقهر وجنس من التعظّم عليه 5 .
.
ص: 98
قال ابن الأَثير: في أَسماء اللّه تعالى: «الجبّار» ومعناه الذي يقهر العباد على ما أَراد من أَمرٍ ونهي (1) .
الجابر والجبّار في القرآن والحديثورد اسم «الجبّار» في صدد اللّه مرّةً واحدةً في القرآن الكريم (2) ، ولم يرد فيه اسم «الجابر» ، وذكر القرآن الكريم صفة «الجبّاريّة» لغير اللّه تعالى تسع مرّات ، وذمّها في ثمان منها ، كقوله على سبيل المثال : «وَ خَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» (3) ، وقوله: «كَذَ لِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» (4) . وقد عدّت الأَحاديث هذه الصفة من صفات اللّه المختصّة به : «أنتَ جَبّارُ مَن فِي السَّماواتِ وجَبّارُ مَن فِي الأَرضِ ، لا جَبّارَ فيهِما غَيرُكَ» . (5) والدليل على حصر هذه الصفة به سبحانه هو أَنّ العظمة المطلقة والقهر والغلبة على العالم هي لخالق العالم ومالكه وحدَه ، وليس لمخلوق مثل هذه الصفة ، و من هنا لو جعل أَحد نفسه مكان اللّه ، وحكّم إِرادته ، لا إِرادة اللّه ، على الآخرين ، وتعامل معهم بمنطق القوّة والجور ، فعمله مصداق الظلم ، والذمّ يلحقه . قال الراغب في هذا المجال: الجبّار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادّعاء منزلةٍ من التعالي لا يستحقّها ، وهذا لا يقال إِلّا على طريق الذمّ 6 ، وذكرت
.
ص: 99
الأَحاديث المأَثورة معطيات ومزايا عديدة لصفة «الجبّار» و «الجابر» ، ومن معطيات صفة «الجبّار» ومزاياها: الغلبة ، ونفي الضدّ والندّ والوزير ، وممّا يتعلّق بجابريّة اللّه تعالى: الفقر ، والمسكنة ، والمرض .
11 / 1العَزيزُ الجَبّارُالكتاب«هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَ_مُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ» . (1)
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام :اِعتَصَمتُ بِاللّهِ الَّذي مَنِ اعتَصَمَ بِهِ نَجا مِن كُلِّ خَوفٍ ، وتَوَكَّلتُ عَلَى اللّهِ العَزيزِ الجَبّارِ. (2)
11 / 2جَبّارُ كُلِّ مَخلوقٍالإمام عليّ عليه السلام _ فِي الدُّعاءِ _ :أَنتَ إِلهُ كُلِّ شَيءٍ وخالِقُهُ ، وجَبّارُ كُلِّ مَخلوقٍ ورازِقُهُ. (3)
عنه عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ العَزيزُ المَنيعُ الغالِبُ في أَمرِهِ فَلا شَيءَ يُعادِلُهُ ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ الحَميدُ الفَعّالُ ذُو المَنِّ عَلى جَميعِ خَلقِهِ ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ ذُو البَطشِ الشَّديدِ الَّذي لا يُطاقُ
.
ص: 100
انتِقامُهُ ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ العالي فِي ارتِفاعِ مَكانِهِ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ قُوَّتُهُ ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ الجَبّارُ المُذِلُّ كُلَّ شَيءٍ بِقَهرِ عِزِّهِ وسُلطانِهِ ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ نورُ كُلِّ شَيءٍ وهُداهُ ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ القُدّوسُ الظّاهِرُ عَلى كُلِّ شَيءٍ فَلا شَيءَ يُعادِلُهُ. (1)
11 / 3جَبّارُ السَّماواتِ وَالأَرَضينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا جَبّارَ السَّماواتِ وجَبّارَ الأَرَضينَ ، ويا مَن لَهُ مَلَكوتُ (2) السَّماواتِ ومَلَكوتُ الأَرَضينَ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعاءٍ عَلَّمَه إِيّاهُ جَبرَئيلُ عليه السلام _: أَنتَ جَبّارُ مَن فِي السَّماواتِ وجَبّارُ مَن فِي الأَرضِ ، لا جَبّارَ فيهِما غَيرُكَ. (4)
11 / 4جَبّارُ الدُّنيارسول اللّه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعائِهِ في شَهرِ رَمَضانَ _: يا رَحمانَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ورَحيمَهُما ، وجَبّارَ الدُّنيا ، ويا مَلِكَ المُلوكِ. (5)
.
ص: 101
11 / 5صِفَةُ جَبَروتِهِالكافي عن أحمد بن محمّد بن خالد رفعه قال :أَتى جَبَرئيلُ عليه السلام إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : إِنَّ رَبَّكَ يَقولُ لَكَ : إِذا أَرَدتَ أَن تَعبُدَني يَوما ولَيلَةً حَقَّ عِبادَتي فَارفَع يَدَيكَ إِلَيَّ وقُل : .. . اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ كُلُّهُ ، ولَكَ المَنُّ كُلُّهُ ، ولَكَ الفَخرُ كُلُّهُ ، ولَكَ البَهاءُ كُلُّهُ ، ولَكَ النّورُ كُلُّهُ ، ولَكَ العِزَّةُ كُلُّها ، ولَكَ الجَبَروتُ كُلُّها ، ولَكَ العَظَمَةُ كُلُّها. (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :تَوَكَّلتُ عَلَى الجَبّارِ الَّذي لا يَقهَرُهُ أَحَدٌ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :سُبحانَهُ مِن كَبيرٍ ما أَجبَرَهُ ، وسُبحانَهُ مِن جَبّارٍ ما أَديَنَهُ ، وسُبحانَهُ مِن دَيّانٍ ما أَقضاهُ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: هُوَ اللّهُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ في دَيمومَتِهِ فَلا شَيءَ يُعادِلُهُ . (4)
عنه عليه السلام :اللّهُ أَكبَرُ ، المُحتَجِبُ بِالمَلَكوتِ وَالعِزَّةِ ، المُتَوَحِّدُ بِالجَبَروتِ وَالقُدَرةِ، المُتَرَدّي (5) بِالكِبرِياءِ وَالعَظَمَةِ ، وَاللّهُ أَكبَرُ ، المُتَقَدِّسُ بِدَوامِ السُّلطانِ. (6)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي تَرَدّى بِالحَمدِ ، وتَعَطَّفَ (7) بِالفَخرِ ، وتَكَبَّرَ بِالمَهابَةِ ، وَاستَشعَرَ
.
ص: 102
بِالجَبَروتِ ، وَاحتَجَبَ بِشُعاعِ نورِهِ عَن نَواظِرِ خَلقِهِ. (1)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ .. . المُهَيمِنِ بِقُدرَتِهِ ، وَالمُتَعالي فَوقَ كُلِّ شَيءٍ بِجَبَروتِهِ. (2)
عنه عليه السلام _ مِن خُطبَةٍ لَهُ في عَجيبِ صَنعَةِ الكَونِ _ :وكانَ مِنِ اقتِدارِ جَبَروتِهِ ، وبَديعِ لَطائِفِ صَنعَتِهِ ، أَن جَعَلَ مِن ماءِ البَحرِ الزّاخِرِ (3) المُتَراكِمِ المُتَقاصِفِ (4) ، يَبَسا جامِدا ، ثُمَّ فَطَرَ مِنهُ أَطباقا ، فَفَتَقَها سَبعَ سَماواتٍ بَعدَ ارتِتاقِها (5) . (6)
الإمام الحسين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عاشوراءَ _: اللّهُمَّ مُتَعالِيَ المَكانِ ، عَظيمَ الجَبَروتِ ... (7)
عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ فِي التَّوحيدِ _: لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ ، استَخلَصَ الوَحدانِيَّةَ وَالجَبَروتَ .. . لا يَخطُرُ عَلَى القُلوبِ مَبلَغُ جَبَروتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيسَ لَهُ فِي الأَشياءِ عَديلٌ ، ولا تُدرِكُهُ العُلَماءُ بِأَلبابِها ، ولا أَهلُ التَّفكيرِ بِتَفكيرِهِم ، إِلّا بِالتَّحقيقِ ، إِيقانا بِالغَيبِ ؛ لِأَنَّهُ لا يُوصَفُ بِشَيءٍ مِن صِفاتِ المَخلوقينَ ، وهُوَ الواحِدُ الصَّمَدُ ، ما تُصُوِّرَ فِي الأَوهامِ فَهُوَ خِلافُهُ . لَيسَ بِرَبٍّ مَن
.
ص: 103
طُرِحَ تَحتَ البَلاغِ ، ومَعبودٍ مَن وُجِدَ في هَواءٍ أَو غَيرِ هَواءٍ. هُوَ فِي الأَشياءِ كائِنٌ لا كَينونَةَ مَحظورٍ بِها عَلَيهِ ، ومِنَ الأَشياءِ بائِنٌ لا بَينونَةَ غائِبٍ عَنها . لَيسَ بِقادِرٍ مَن قارَنَهُ ضِدٌّ ، أَو ساواهُ نِدٌّ . (1) لَيسَ عَنِ الدَّهرِ قِدَمُهُ ، ولا بِالنّاحِيَةِ أَمَمُهُ (2) ، احتَجَبَ عَنِ العُقولِ كَمَا احتَجَبَ عَنِ الأَبصارِ ، وعَمَّن فِي السَّماءِ احتِجابُهُ كَمَن فِي الأَرضِ ، قُربُهُ كَرامَتُهُ ، وبُعدُهُ إِهانَتُهُ ، لا تُحِلُّه في ، ولا تُوَقِّتُهُ إِذ ، ولا تُؤامِرُهُ إِن . عُلُوُّهُ مِن غَيرِ تَوَقُّلٍ (3) ، ومَجيئُهُ مِن غَيرِ تَنَقُّلٍ ، يوجِدُ المَفقودَ ، ويَفقِدُ المَوجودَ ، ولا تَجتَمِعُ لِغَيرِهِ الصِّفَتانِ في وَقتٍ. يُصيبُ الفِكرُ مِنهُ الإيمانَ بِهِ مَوجودا ووُجودُ الإيمانِ لا وُجودُ صِفَةٍ ، بِهِ توصَفُ الصِّفاتُ لا بِها يوصَفُ ، وبِهِ تُعرَفُ المَعارِفُ لا بِها يُعرَفُ . فَذلِكَ اللّهُ لا سَمِيَّ لَهُ سُبحانَهُ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ. (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ يُمَجِّدُ اللّهُ جَلَّ وعَلا _: اِنهَدَّتِ المُلوكُ لِهَيبَتِهِ ، وعَلا أَهلَ السُّلطانِ بِسُلطانِهِ ورُبوبِيَّتِهِ ، وأَبادَ الجَبابِرَةَ بِقَهرِهِ ، وأَذَلَّ العُظَماءَ بِعِزِّهِ ، وأَسَّسَ الأُمورَ بِقُدرَتِهِ ، وبَنَى المَعالِيَ بِسُؤدَدِهِ (5) ، وتَمَجَّدَ بِفَخرِهِ ، وفَخَرَ بِعِزِّهِ ، وعَزَّ بِجَبَرُوتِهِ. (6)
عنه عليه السلام_ فِي الدٌّعاءِ _: يا مَن حازَ كُلَّ شَيءٍ مَلَكوتا ، وقَهَرَ كُلَّ شَيءٍ جَبَروتا ،
.
ص: 104
صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :يا مَن قامَت بِجَبَروتِهِ الأَرضُ وَالسَّماواتُ. (2)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ .. . مُعَلِّمِ مَن خَلَقَ مِن عِبادِهِ اسمَهُ ، ومُدَبِّرِ خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ بَعَظَمَتِهِ ، الَّذي وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ خَلقُ كُرسِيِّهِ ، وعَلا بِعَظَمَتِهِ فَوقَ الأَعلَينَ ، وقَهَرَ المُلوكَ بِجَبَروتِهِ ، الجَبّارِ الأَعلَى المَعبودِ في سُلطانِهِ. (3)
عنه عليه السلام :يا مَلِكاً في عَظَمَتِهِ ، يا جَبّاراً في قُوَّتِهِ ، يا لَطيفاً في قُدرَتِهِ. (4)
الإمام الكاظم عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ .. . بِجَبَروتِكَ الَّتي غَلَبَت كُلَّ شَيءٍ. (5)
عنه عليه السلام :لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ؛ خَلَوتَ فِي المَلَكوتِ ، وَاستَتَرتَ بِالجَبَروتِ ، وحارَت أَبصارُ مَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ، وذَهَلَت (6) عُقولُهُم في فِكرِ عَظَمَتِكَ. (7)
الإمام الرضا عليه السلام :يا مَن تَفَرَّدَ بِالمُلكِ فَلا نِدَّ لَهُ في مَلَكوتِ سُلطانِهِ ، وتَوَحَّدَ بِالكِبرِياءِ فَلا ضِدَّ لَهُ في جَبَروتِ شَأنِهِ. (8)
الإمام الهادي عليه السلام :إِلهي .. . شَمَختَ فِي العُلُوِّ بِعِزِّ الكِبرِ ، وَارتَفَعتَ مِن وَراءِ كُلِّ غَورَةٍ (9)
.
ص: 105
ونِهايَةٍ بِجَبَروتِ الفَخرِ. (1)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ لِمَن تَوَهَّمَ أَنَّهُ عز و جل لا يَعلَمُ بِالشَّيءِ حَتّى يَكونَ _: تَعالَى الجَبّارُ العالِمُ بِالأَشياءِ قَبلَ كَونِها. (2)
بحار الأنوار عن صحف إدريس عليه السلام :عَجَبا لِمَن غَنِيَ عَنِ اللّهِ ، وفي مَوضِعِ كُلِّ قَدَمٍ ومَطرَفِ عَينٍ ومَلمَسِ يَدٍ دَلالَةٌ ساطِعَةٌ وحُجَّةٌ صادِعَةٌ عَلى أَنَّهُ تَبارَكَ واحِدٌ لا يُشارَكُ ، وجَبّارٌ لا يُقاوَمُ ، وعالِمٌ لا يَجهَلُ. (3)
إدريس عليه السلام :يا جَبّارُ المُذَلِّلُ كُلَّ شَيءٍ بِقَهرِ عَزيزِ سُلطانِهِ ، يا نُورَ كُلِّ شَيءٍ ، أَنتَ الَّذي فَلَقَ الظُّلُماتِ نورُهُ ، يا قُدّوسُ الطّاهِرُ مِن كُلِّ سوءٍ ولا شَيءَ يَعدِلُهُ. (4)
11 / 6صِفَةُ تَجَبُّرِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا أللّهُ يا أللّهُ يا أللّهُ ، أَنتَ اللّهُ الَّذي لا إِلهَ غَيرُكَ .. . تَكَرَّمتَ عَن أَن يَكونَ لَكَ شَبيهٌ ، وتَجَبَّرتَ عَن أَن يَكونَ لَكَ ضِدٌّ ، فَأَنتَ اللّهُ المَحمودُ بِكُلِّ لِسانٍ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ يا مَنِ احتَجَبَ بِشُعاعِ نورِهِ عَن نَواظِرِ خَلقِهِ، يا مَن تَسَربَلَ بِالجَلالِ وَالعَظَمَةِ، وَاشتَهَرَ بِالتَّجَبُّرِ في قُدسِهِ. (6)
.
ص: 106
عنه صلى الله عليه و آله_ أَيضا _: لا إِلهَ غَيرُكَ ، تَعالَيتَ أن يَكونَ لَكَ وَلَدٌ أو شَريكٌ ، وتَجَبَّرتَ أَن يَكونَ لَكَ نِدٌّ ، لا إِله إِلّا أَنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :تَعالَيتَ وتَجَبَّرتَ عَنِ اتِّخاذِ وَزيرٍ ، وتَعَزَّزتَ مِن مُؤامَرَةِ شَريكٍ. (2)
فاطمة عليهاالسلام :الحَمدُ للّهِِ المُتَكَبِّرِ في سُلطانِهِ ، العَزيزِ في مَكانِهِ ، المُتَجَبِّرِ في مُلكِهِ. (3)
الإمام الباقر عليه السلام :اللّهُمَّ رَبَّ الضِّياءِ وَالعَظَمَةِ ، وَالنَّورِ وَالكِبرِياءِ وَالسُّلطانِ، تَجَبَّرتَ بِعَظَمَةِ بَهائِكَ ... . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ مِن دُعائِهِ عِندَ حُضورِ شَهرِ رَمَضانَ _: أَيقَنتُ أَنَّكَ أَنتَ أَرحَمُ الرّاحِمينَ في مَوضِعِ العَفوِ وَ الرَّحمَةِ ، وأَشَدُّ المُعاقِبينَ في مَوضِعِ النَّكالِ (5) وَالنَّقِمَةِ، وأَعظَمُ المُتَجَبِّرينَ فيمَوضِعِ الكِبرِياءِ وَالعَظَمَةِ. (6)
عنه عليه السلام_ في دُعاءِ السُّجودِ _: يا أللّهُ يا أللّهُ ، أَنتَ الَّذي لا إِلهَ غَيرُكَ ، تَعالَيتَ عَن أَن يَكونَ لَكَ وَلَدٌ ، وتَعَظَّمتَ أَن يَكونَ لَكَ نِدٌّ. يا نورَ النُّورِ ، تَكَرَّمتَ عَن أَن يَكونَ لَكَ شَبيهٌ ، وتَجَبَّرتَ أَن يَكونَ لَكَ ضِدٌّ أَو شَريكٌ . (7)
.
ص: 107
11 / 7جَبّارُ الجَبابِرَةِالإمام الهادي عليه السلام :تَبارَكَ إِلهُ إِبراهيمَ وإِسماعيلَ وإِسحاقَ ويَعقوبَ ، رَبُّ الأَربابِ ، ومالِكُ المُلوكِ ، وجَبّارُ الجَبابِرَةِ ، ومَلِكُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ. (1)
11 / 8جَبّارٌ لا يُعانُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنَّكَ .. . جَبّارٌ لا تُعانُ. (2)
11 / 9جَبّارٌ لا يَظلِمُالإمام الكاظم عليه السلام :سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبِحَمدِكَ... قَيّومٌ لا يَنامُ، وجَبّارٌ لا يَظلِمُ. (3)
11 / 10جَبّارٌ حَليمٌرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي احتِجاجِهِ عَلى أَبي جَهلٍ _: أما عَلِمتَ قِصَّةَ إِبراهيمَ الخَليلِ عليه السلام لَمّا رُفِعَ فِي المَلَكوتِ ، وذلِكَ قَولُ رَبّي «وَكَذَ لِكَ نُرِى إِبْرَ هِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ » (4) ، قَوَّى اللّهُ بَصَرَهُ لَمّا رَفَعَهُ دونَ السَّماءِ حَتّى
.
ص: 108
أَبصَرَ الأَرضَ ومَن عَلَيها ظاهِرينَ ومُستَتِرينَ ، فَرَأَى رَجُلاً وَامرَأَةً عَلى فاحِشَةٍ فَدَعا عَلَيهِما بِالهَلاكِ فَهَلَكا ، ثُمَّ رَأى آخَرَينِ فَدَعا عَلَيهِما بِالهَلاكِ فَهَلَكا ، ثُمَّ رَأَى آخَرَينِ فَهَمَّ بِالدُّعاءِ عَلَيهِما بِالهَلاكِ ، فَأَوحَى اللّهُ إِلَيهِ: يا إِبراهيمُ ، أُكفُف دَعوَتَكَ عَن عِبادي وإِمائي ؛ فَإِنّي أَنَا الغَفورُ الرَّحيمُ الجَبّارُ الحَليمُ ، لا تَضُرُّني ذُنوبُ عِبادي ، كَما لا تَنفَعُني طاعَتُهُم .. . يا إِبراهيمُ، فَخَلِّ بَيني وبَينَ عِبادي فَإِنّيأَرحَمُ بِهِم مِنكَ ، وخَلِّ بَيني وبَينَ عِبادي، فَإِنّي أَنَا الجَبّارُ الحَليمُ العَلّامُ الحَكيمُ ، أُدَبِّرُهُم بِعِلمي وأُنفِذُ فيهم قَضائي وقَدَري. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ العَزيزِ الجَبّارِ ، الحَليمِ الغَفّارِ ، الواحِدِ القَهّارِ ، الكَبيرِ المُتَعالِي. (2)
11 / 11ذَلَّ مَن تَجَبَّرَ غَيرَهُالإمام عليّ عليه السلام_ في تَعظيمِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: ذَلَّ مَن تَجَبَّرَ غَيرَهُ ، وصَغُرَ مَن تَكَبَّرَ دونَهُ ، وتَواضَعَتِ الأَشياءُ لِعَظَمَتِهِ. (3)
عنه عليه السلام_ في ذَمِّ إِبليسَ _: فَعَدُوُّ اللّهِ إِمامُ المُتَعَصِّبينَ ، وسَلَفُ المُستَكبِرينَ ، الَّذي وَضَعَ أَساسَ العَصَبِيَّةِ، و نازَعَ اللّهَ رِداءَ الجَبَرِيَّةِ (4) ، وَادَّرَعَ لِباسَ التَّعَزُّزِ. (5)
.
ص: 109
عنه عليه السلام :إِيّاكَ ومُساماةَ (1) اللّهِ في عَظَمَتِهِ ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ في جَبَروتِهِ ، فَإِنَّ اللّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبّارٍ ، ويُهينُ كُلَّ مُختالٍ. (2)
11 / 12جابِرُ كُلِّ كَسيرٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا صانِعَ كُلِّ مَصنوعٌ ، ويا جابِرَ كُلِّ كَسيرٍ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعائِهِ فِي الاِستِسقاءِ _: اللّهُمَّ اسقِنا غَيثا مُغيثا سَريعا مُمرِعا (4) عَريضا واسِعا غَزيرا ، تَرُدُّ بِهِ النَّهيضَ (5) ، وتَجبُرُ بِهِ المَريضَ. (6)
الإمام عليّ عليه السلام :أَسأَ لُكَ فَأَجِدُكَ فِي المَواطِنِ كُلِّها لي جابِرا، وفِي الأُمورِ ناظِرا. (7)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ .. . وبي فاقَةٌ إِلَيكَ لا يَجبُرُ مَسكَنَتَها إِلّا فَضلُكَ ، ولا يَنعَشُ مِن خَلَّتِها (8)
.
ص: 110
إِلّا مَنُّكَ وجودُكَ. (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :يا غَنِيَّ الأَغنِياءِ ، ها نَحنُ عِبادُكَ بَينَ يَدَيكَ ، وأَنَا أَفقَرُ الفُقَراءِ إِلَيكَ ، فَاجبُر فاقَتَنا (2) بِوُسعِكَ. (3)
عنه عليه السلام_ في مُناجاةِ التّائِبينَ _: فَوَعِزَّتِكَ ما أَجِدُ لِذُنوبي سِواكَ غافِرا ، ولا أَرى لِكَسري غَيرَكَ جابِرا. (4)
عنه عليه السلام_ في مُناجاةِ المُعتَصِمينَ _: يا كَنزَ المُفتَقِرينَ، ويا جابِرَ المُنكَسِرينَ. (5)
عنه عليه السلام :كَم مِن ظَنٍّ حَسَنٍ حَقَّقتَ ، وعَدَمٍ جَبَرتَ. (6)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وَاجبُر بِالقُرآنِ خَلَّتَنا مِن عَدَمِ الإِملاقِ (7) . (8)
الإمام الصادق عليه السلام :يا حاضِرُ يا جابِرُ يا حافِظُ. (9)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ اغفِر لي وَارحَمني وَاجبُرني. (10)
.
ص: 111
ص: 112
. .
ص: 113
الفصل الثاني عَشَر: الجاعلالجاعل لغةًالجاعل في اللغة اسم فاعل من مادّة «جعل» ، وتستعمل هذه المادّة في مشتقّاتها الفعليّة ، مثل جَعَلَ : يَجْعَلُ لازما ، ومتعديّا إِلى مفعول به واحد ، ومتعديا إِلى مفعولين ، والأَوّل بمعنى : صار وطفق ، مثل: «جعل زيدٌ يقول كذا» . والثاني بمعنى : خَلَقَ ، وأَوجَدَ ، ووَضَعَ . والثالث بمعنى : صَنَعَ ، وصَيَّرَ ، وظنّ ، ونَسَبَ . (1)
الجاعل في القرآن والحديثاستعملت مشتقّات مادّة «جعل» في القرآن الكريم ثلاثمئة وست وأربعين مرّة ، واُسندت إلى اللّه في أكثر من مئتين وثمانين منها، ومتعلّق جعل اللّه في تلك الآيات والأَحاديث أَشياء متنوّعة، مثل: النُّور، والظلمة، والشمس ، والقمر ، والنهار ، واللَّيل، والأَنبياء إلخ ، ومعظم استعمالات جاعل أَو المشتقات الأُخرى لجعل في القرآن والأَحاديث التعدّيّ إِلى مفعولين ومعانيها: صَنَعَ وصيّر ، مثل قوله تعالى: «جَعَلَ لَكُمُ
.
ص: 114
الْأَرْضَ فِرَ شًا» (1) أَي : صنع وصيّر لكم الأَرض فراشا . ويستعمل أَيضا متعدّيا إِلى مفعول به واحد أَحيانا بمعنى خلق وأَوجد كقوله تعالى: «وَجَعَلَ الظُّ_لُمَ_تِ وَالنُّورَ» (2) .
12 / 1جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً«وَ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَ_ئِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» . (3)
12 / 2جاعِلُ اللَّيلِ وَالنَّهارِالكتاب«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّ_لُمَ_تِ وَالنُّورَ» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا بَديعَ السَّماواتِ، يا جاعِلَ الظُّلُماتِ، يا راحِمَ العَبَراتِ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام_ مِن دُعائِهِ بَعدَ رَكعَتَيِ الفَجرِ _: سُبحانَ رَبِّ الصَّباحِ وفالِقِ الإِصباحِ، وجاعِلِ اللَّيلِ سَكَنا وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ حُسبانا (6) . (7)
.
ص: 115
12 / 3جاعِلُ الظِّلِّ وَالحَرورِالكتاب«وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِ_لَ_لاً وَ جَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَ_نًا وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرَ بِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرَ بِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَ لِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ» . (1)
الحديثالإمام العسكري عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي الصَّباحِ _: ... يا شافِيَ الصُّدورِ، يا جاعِلَ الظِّلِّ وَالحَرورِ (2) ، يا عالِما بِذاتِ الصُّدورِ. (3)
12 / 4جاعِلُ البَرَكاتِالإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا قاضِيَ الحاجاتِ، يا مُنجِحَ الطَّلِباتِ، يا جاعِلَ البَرَكاتِ. (4)
12 / 5جاعِلُ كُلِّ شَيءٍالإمام الصادق عليه السلام_ في أَدعِيَةِ العَشرِ الأَواخِرِ مِن شَهرِ رَمَضانَ _: يا رَبَّ لَيلَةِ القَدرِ
.
ص: 116
وجاعِلَها خَيرا مِن أَلفِ شَهرٍ... يا فالِقَ (1) الإِصباحِ ويا جاعِلَ اللَّيلِ سَكَنا وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ حُسبانا... يا جاعِلَ اللَّيلِ لِباسا وَالنَّهارِ مَعاشا وَالأَرضِ مِهادا وَالجِبالِ أَوتادا... يا جاعِلَ اللَّيلِ وَالنَّهارِ آيَتَينِ، يا مَن مَحا آيَةَ اللَّيلِ وجَعَلَ آيَةَ النَّهارِ مُبصِرَةً لِنَبتَغِيَ فَضلاً مِن رَبِّنا ورِضوانا.... أَسأَ لُكَ أَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وأَن تَجعَلَ اسمي فِي السُّعَداءِ. (2)
كمال الدين عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني :دَخَلتُ عَلى سَيِّدي عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام ، فَلَمّا بَصُرَ بي ، قالَ لي: مَرحَبا بِكَ يا أَبَا القاسِمِ، أَنتَ وَلِيُّنا حَقّا. قالَ: فَقُلتُ لَهُ: يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ، إِنّي أُريدُ أَن أَعرِضَ عَلَيكَ دِيني، فَإِن كانَ مَرضِيّا ثَبَتُّ عَلَيهِ حَتّى أَلقَى اللّهَ عز و جل . فَقالَ: هاتِ يا أَبَا القاسِمِ . فَقُلتُ: إِنّي أَقولُ: إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ واحِدٌ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ، خارِجٌ عَنِ الحَدَّينِ؛ حَدِّ الإِبطالِ وحَدِّ التَّشبيهِ، وإِنَّهُ لَيسَ بِجِسمٍ ولا صورَةٍ، ولا عَرَضٍ ولا جَوهَرٍ، بَل هُوَ مُجَسِّمُ الأَجسامِ، ومُصَوِّرُ الصُّوَرِ، وخالِقُ الأَعراضِ وَالجَواهِرِ، ورَبُّ كُلِّ شَيءٍ ومالِكُهُ وجاعِلُهُ ومُحدِثُهُ... . فَقالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام : يا أَبَا القاسِمِ، هذا وَاللّهِ دينُ اللّهِ الَّذِي ارتَضاهُ لِعِبادِهِ، فَاثبُت عَلَيهِ، ثَبَّتَكَ اللّهُ بِالقَولِ الثَّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وفِي الآخِرَةِ. (3)
.
ص: 117
الفصل الثالث عَشَر: الحافظ ، الحفيظالحافظ والحفيظ لغةًالحافظ في اللغة اسم فاعل ، والحفيظ فعيل بمعنى فاعل ، كلاهما من مادّة «حفظ» ، وهو يدلّ على مراعاة الشيء ومنعه من الضياع والتلف (1) . قال ابن منظور: الحفيظ من صفات اللّه عز و جل: لا يعزب عن حفظه الأَشياء كلّها مثقال ذرّة في السَّماوات والأَرض ، وقد حفظ على خلقه وعباده ما يعملون من خيرٍ أَو شرّ ، وقد حفظ السَّماوات والأَرض بقدرته ولا يؤودُه حفظهما وهو العليّ العظيم. وقال : الحفظ نقيض النسيان (2) ، وهو أَيضا منع الشيء من الضياع في العلم والذكر .
.
ص: 118
الحافظ والحفيظ في القرآن والحديثورد اسم «الحافظ» و«الحفيظ» خمس مرّات في القرآن الكريم (1) ، وقد ذكرت الآيات والأَحاديث خصائص متنوّعة للحافظ والحفيظ كاسمين من أَسماء اللّه تعالى ، أَهمّها اثنتان هما: 1 . ذهبت بعض الأَحاديث إِلى أَنّ صفة الحافظ هي للّه وحدَه: «لا حافظ إِلّا أَنت» (2) . وفي تبرير هذا الأَمر نقطتان جديرتان بالاهتمام : الأُولى: إِنّ حدوث المخلوقات وبقاءها يتحقّقان باللّه سبحانه ، ولو لم يتعلّق فيضه وإِرادته بالكائنات لحظة واحدة ، لفنيت ، بناءً على ذلك فالحافظ الحقيقيّ والمطلق لجميع الموجودات هو اللّه وحده ، والثانية : إِذا وُجد كمال الحفظ في الموجودات فهو كغيره من الكمالات يترشّح من اللّه تعالى ويعود إِليه . 2 . إِنّ صفة الحافظ للّه تعالى في الآيات والأَحاديث تأَتي تارةً بمعنى الحفظ من الفناء في الخارج : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَ_ئودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ» (3) . وتارةً أُخرى بمعنى حفظ الشيء في العلم: «سُبحانَ مَن هُوَ حافِظٌ لا يَنسى» (4) . وكما جاء في المعنى اللغويّ فإنّ الحفظ في الأَصل يعني «مراعاة الشيء ومنعه من الضياع والتلف» ، ويلاحظ هذا الحفظ أَحيانا وجوديّا وخارجيّا ، وأَحيانا معرفيّا وعلميّا ، وهما ملحوظان في اللغة ، وفي الآيات والأَحاديث على حدّ سواء .
.
ص: 119
13 / 1عَلى كُلِّ شَيءٍ حَفيظٌ«فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَ يَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَ لَا تَضُرُّونَهُ شَيْ_ئا إِنَّ رَبِّى عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ حَفِيظٌ » . (1)
13 / 2خَيرٌ حافِظا«قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَ_فِظًا وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّ حِمِينَ ». (2)
13 / 3لا حافِظَ إلّا هُوَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في الدُّعاءِ _: اِرحَم ذُلّي وتَضَرُّعي ، وفَقري وفاقَتي ، فَما لي رَجاءٌ غَيرُك ، ولا أَمَلٌ سِواكَ ، ولا حافِظٌ إِلّا أَنتَ. (3)
13 / 4صِفَةُ حِفظِهِالكتاب«اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَمَا فِى الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىْ ءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَا بِمَا
.
ص: 120
شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَ_ئودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ » . (1)
«وَ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَ مَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ » . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا حافِظَ مَنِ استَحفَظَهُ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :يا حافِظا لا يَغفُلُ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنَّكَ حَيٌّ لا تَموتُ ... وسَميعٌ لا تَذهَلُ ، وجَوادٌ لا تَبخَلُ ، وحافِظٌ لا تَغفُلُ ، وقائِمٌ لا تَسهو ، ودائِمٌ لا تَفنى ، ومُحتَجِبٌ لا تُرى ، وباقٍ لا تَبلى ، وواحِدٌ لا تُشَبَّهُ ، ومُقتَدِرٌ لا تُنازَعُ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :أَثبِت في قَضائِكَ وقَدَرِكَ البَرَكَةَ في نَفسي وأَهلي ومالي في لَوحِ الحِفظِ المَحفوظِ بِحِفظِكَ ، يا حَفيظُ الحافِظُ حِفظُهُ احفَظني بِالحِفظِ الَّذي جَعَلتَ مَن حَفِظتَهُ بِهِ مَحفوظا. (6)
الإمام الباقر عليه السلام :قالَ إِبراهيمُ عليه السلام [لِذِي القَرنَينِ] : بِمَ قَطَعتَ الدَّهرَ؟ قالَ : بِإِحدى عَشرَةَ كَلِمَةً (7) ، وهِيَ : سُبحانَ مَن هُوَ باقٍ لا يَفنى ، سُبحانَ مَن هُوَ عالِمٌ لا يَنسى ، سُبحانَ مَن هُوَ حافِظٌ لا يَسقُطُ ... . (8)
.
ص: 121
الإمام الصادق عليه السلام :سُبحانَ مَن هُوَ عَظيمٌ لا يُرامُ (1) ، سُبحانَ مَن هُوَ قائِمٌ لا يَلهو ، سُبحانَ مَن هُوَ حافِظٌ لا يَنسى. (2)
الإمام الرضا عليه السلام :اللّهُمَّ اضرِب عَلَيَّ سُرادِقاتِ (3) حِفظِكَ الَّذي لا يَهتِكُهُ الرِّياحُ ، ولا تَخرِقُهُ الرَّماحُ ، وَاكفِني شَرَّ ما أَخافُهُ بِروحِ قُدسِكَ الَّذي مَن أَلقَيتَهُ عَلَيهِ كانَ مَستورا عَن عُيونِ النّاظِرينَ ، وكَبيرا في صُدورِ الخَلائِقِ أَجمَعينَ. (4)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَلَا يَ_ئودُهُ حِفْظُهُمَا» _: أَي لا يَثقُلُ عَلَيهِ حِفظُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرضِ. (5)
.
ص: 122
. .
ص: 123
الفصل الرابع عَشَر: الحافي، الحفيّالحافي والحفي لغةً«الحافي» في اللغة اسم فاعل و«الحفيّ» فعيل بمعنى فاعل من مادّة «حفي» وهو ثلاثة أُصول : المنع ، استقصاء السؤال ، والحفاء خلاف الانتعال. ومن الأَصل الثاني قولهم: حفيت إِليه في الوصيّة: بالغت وتحفّيت به: بالغت في إِكرامه . والحفي : المتقصي في السؤال . حفيت بفلان وتحفّيت ، إِذا عُنيتَ به . والحفي : العالم بالشيء (1) . حَفِيَ فلان بفلان : إِذا برّهُ وأَلطفهُ . الحفي : اللطيف. حفي فلان بفلان : إِذا قام في حاجته وأَحسن مثواه . التحفّي : الكلام واللقاء الحسن (2) .
الحافي والحفيّ في القرآن والحديثورد اسم «الحفيّ» للّه سبحانه مرّةً واحدةً في القرآن الكريم : «إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا» (3) . والحفيّ والحافي في هذه الآية والأَحاديث بمعنى المبالغ في البرّ والسؤال والمراقبة
.
ص: 124
والعناية بأَحوال عباده ، وهي مأخوذه من الأَصل الثاني لمادّة «حفي» .
الكتاب«إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :سَيِّدي أَنتَ بِحاجَتي عَليمٌ ، فَكُن بِها حَفِيّا فَإِنَّكَ بِها عالِمٌ غَيرُ مُعَلَّمٍ ، وأَنتَ بِها واسِعٌ غَيرُ مُتَكَلِّفٍ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ الخالِقُ الكافِي الباقِي الحافي . (3)
الإمام الحسين عليه السلام :إِلهي كَيفَ تَكِلُني وقَد تَوَكَّلتَ لي ، وكَيفَ أُضامُ وأَنتَ النّاصِرُ لي ، أَم كَيفَ أَخيبُ وأَنتَ الحَفِيُّ بي. (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ قَد تَعلَمُ ما يُصلِحُني مِن أَمرِ دُنيايَ وآخِرَتي ، فَكُن بِحَوائِجي حَفِيّا. (5)
.
ص: 125
الفصل الخامس عَشَر: الحاكمالحاكِم لغةً«الحاكم» في اللغة اسم فاعل من مادّة «حكم» وهو المنع (1) . ويُطلق على من يبتّ في نزاعات النّاس ، ويؤخذ بكلامه (2) ، وحكم الحاكم في الحقيقة مانع الظلم والنزاع .
الحاكم في القرآن والحديثلقد ورد تعبير «خير الحاكمين» في القرآن الكريم ثلاث مرّات ، وتعبير «أَحكم الحاكمين» مرّتين ، موصوفا بهما اللّه تعالى ، وقد نُسبت المشتقّات الأُخرى لمادّة «حكم» إِلى اللّه عَزَّ اسمه سبعا وثلاثين مرّةً . إِنّ حكم اللّه ينقسم في أَحد التقاسيم إِلى قسمين : تشريعيّ ، وتكوينيّ ، فالحكم التشريعيّ عبارة عن أَوامر اللّه سبحانه ونواهيه التي بلّغها الأَنبياء والأَئمّة المعصومون عليهم السلام للنَّاس في قالب الأَحكام التكليفيّة الخمسة . أَمّا حكمه التكوينيّ تعالى فهو عبارة عن الإرادة والقضاء والقدر الإلهيّ
.
ص: 126
الجاري في العالم . إِنّ حقّ التشريع والأَمر والنهي لخالق النَّاس ومالكهم ويجب أَن تعود أَحكام الآخرين إِلى الحكم الإلهيّ وتكون مطابقة لشريعة اللّه ، وقد نسبت الأَحاديث إِلى حكم اللّه خصائص ، مثل : العدالة ، والإنصاف ، والخير ، والحُسن .
15 / 1أحْكَمُ الحاكِمينَالكتاب«وَ نَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنتَ أَحْكَمُ الْحَ_كِمِينَ» . (1)
«أَفَحُكْمَ الْجَ_هِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ» . (2)
«وَ اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَ اصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحَ_كِمِينَ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ رَفيعِ الدَّرَجاتِ ، ذِي العَرشِ ... وهُوَ أَحكَمُ الحاكِمينَ ، وأَسرَعُ الحاسِبينَ ، وحُكمُهُ عَدلٌ وهُوَ لِلحَمدِ أَهلٌ . (4)
15 / 2عادِلٌ في حُكمِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُ عَظيمُ الآلاءِ ، دائِمُ النَّعماءِ ... عادِلٌ في حُكمِهِ ، عالِمٌ في مُلكِهِ . (5)
.
ص: 127
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... الَّذي صَدَقَ في ميعادِهِ ، وَارتَفَعَ عَن ظُلمِ عِبادِهِ ، وقامَ بِالقِسطِ في خَلقِهِ ، وعَدَلَ عَلَيهِم في حُكمِهِ . (1)
عنه عليه السلام :اِعلَموا أَنَّ لِكُلِّ حَقٍّ طالِبا ، ولِكُلِّ دَمٍ ثائِرا ، وَالطّالِبُ بِحَقِّنا كَقِيامِ الثّائِرِ بِدِمائِنا ، وَالحاكِمُ في حَقِّ نَفسِهِ هُوَ العادِلُ الَّذي لا يَحيفُ (2) ، وَالحاكِمُ الَّذي لا يَجورُ ، وهُوَ اللّهُ الواحِدُ القَهّارُ . (3)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في يَومِ الثُّلاثاءِ _: أَمرُكَ ماضٍ ، ووَعدُكَ حَتمٌ ، وحُكمُكَ عَدلٌ ، لا يَعزُبُ (4) عَنكَ شَيءٌ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي العيدَينِ وَالجُمُعَةِ _: عادَتُكَ الإِحسانُ إِلَى المُسيئينَ ، وسُنَّتُكَ الإِبقاءُ عَلَى المُعتَدينَ ، حَتّى لَقَد غَرَّتهُم أَناتُكَ عَنِ الرُّجوعِ ، وصَدَّهُم إِمهالُكَ عَنِ النُّزوعِ ، وإِنَّما تَأَنَّيتَ بِهِم لِيَفيؤوا إِلى أَمرِكَ ، وأَمهَلتَهُم ثِقَةً بِدَوامِ مُلكِكَ ، فَمَن كانَ مِن أَهلِ السَّعادَةِ خَتَمتَ لَهُ بِها ، ومَن كانَ مِن أَهلِ الشَّقاوَةِ خَذَلتَهُ لَها ، كُلُّهُم صائِرونَ إِلى حُكمِكَ ، وأُمورُهُم آئِلَةٌ إِلى أَمرِكَ ، لَم يَهِن عَلى طولِ مُدَّتِهِم سُلطانُكَ ، ولَم يَدحَض لِتَركِ مُعاجَلَتِهِم بُرهانُكَ ، حُجَّتُكَ قائِمَةٌ لا تُدحَضُ ، وسُلطانُكَ ثابِتٌ لا يَزولُ ، فَالوَيلُ الدَّائِمُ لِمَن جَنَحَ عَنكَ ، وَالخَيبَةُ الخاذِلَةُ لِمَن خابَ مِنكَ ، وَالشَّقاءُ الأَشقى لِمَن اغتَرَّ بِكَ ، ما أَكثَرَ تَصَرُّفَهُ في عَذابِكَ ، وما أَطوَلَ تَرَدُّدَهُ في عِقابِكَ ، وما أَبعَدَ غايَتَهُ مِنَ الفَرَجِ ، وما أَقنَطَهُ مِن سُهولَةِ المَخرَجِ ، عَدلاً مِن قَضائِكَ
.
ص: 128
لا تَجورُ فيهِ ، وإِنصافا مِن حُكمِكَ لا تَحيفُ عَلَيهِ ، فَقَد ظاهَرتَ الحُجَجَ ، وأَبلَيتَ الأَعذارَ ، وقَد تَقَدَّمتَ بِالوَعيدِ ، وتَلَطَّفتَ فِي التَّرغيبِ ، وضَرَبتَ الأَمثالَ ، وأَطَلتَ الإِمهالَ ، وأَخَّرتَ وأَنتَ مُستَطيعٌ لِلمُعاجَلَةِ ، وتَأَنَّيتَ وأَنتَ مَليءٌ بِالمُبادَرَةِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :فَقَد عَلِمتُ يا إِلهي أَنَّهُ لَيسَ في حُكمِكَ ظُلمٌ ، ولا في نِقمَتِكَ عَجَلَةٌ ، وإِنَّما يَعجَلُ مَن يَخافُ الفَوتَ ، ويَحتاجُ إِلَى الظُّلمِ الضَّعيفُ ، وقَد تَعالَيتَ يا إِلهي عَن ذلِكَ . (2)
عنه عليه السلام :أَسأَ لُكَ بِالاِسمِ الَّذي جَعَلتَهُ عِندَ مُحَمَّدٍ وعِندَ عَلِيٍّ وعِندَ الحَسَنِ وَالحُسَينِ وعِندَ الأَئِمَّةِ كُلِّهِم _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم أَجمَعينَ _ ، أَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأَن تَقضِيَ لي يا رَبِّ حاجَتي وتُيَسِّرَ لي عَسيرَها ، وتَكفِيَني مُهِمَّها ، وتَفتَحَ لي قُفلَها ، فَإِن فَعَلتَ فَلَكَ الحَمدُ ، وإِن لَم تَفعَل فَلَكَ الحَمدُ غَيرَ جائِرٍ في حُكمِكَ ، ولا مُتَّهَمٍ في قَضائِكَ ، ولا حائِفٍ في عَدلِكَ . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، الحَيِّ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ ، الحَيِّ الَّذي لا يَموتُ ، وَالقائِمِ الَّذي لا يَتَغَيَّرُ ، وَالدَّائِمِ الَّذي لا يَفنى وَالقاسِطِ الَّذي لا يَزولُ ، وَالعَدلِ الَّذي لا يَجورُ ، وَالحاكِمِ الَّذي لا يَحيفُ ، وَاللَّطيفِ الَّذي لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ ، وَالواسِعِ الَّذي لا
.
ص: 129
يَبخَلُ ، وَالمُعطي مَن يَشاءُ ما يَشاءُ ، وَالأَوَّلِ الَّذي لا يُدرَكُ . (1)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ فِي التَّفسيرِ المَنسوبِ إِلَيهِ _: قالَ اللّهُ عز و جللِبَني إِسرائيلَ : وَاذكُروا «إِذْ أَخَذْنَا مِيثَ_قَ بَنِى إِسْرَ ءِيلَ» عَهدَهُمُ المُؤَكَّدَ عَلَيهِم «لَا تَعْبُدُونَ إِلَا اللَّهَ» (2) أَي لا يُشَبِّهوهُ بِخَلقِهِ ، ولا يَجوروهُ في حُكمِهِ . (3)
راجع : ج 3 ص 409 (المرتبة الرابعة : التَّوحيدُ في الحُكم) .
15 / 3يَحكُمُ ما يُريدُ«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَ_مِ إِلَا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّى الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ» . (4)
.
ص: 130
. .
ص: 131
الفصل السادس عَشَر: الحسيبالحسيب لغةًالحسيب في اللغة فعيل من مادّة «حسب» وله معنيان رئيسان: الأَوّل: العدّ ، تقول: حسبتُ الشيء أَحسبه حسبا وحُسبانا . والثاني: الكفاية؛ تقول: شيء حساب ، أَي: كافٍ. ويقال: أَحسبتُ فلانا: إِذا أَعطيته ما يُرضيه (1) . بناءً على هذا ، للحسيب في اللغة معنيان: الأَوّل: المحاسب؛ والثاني : الكافي .
الحسيب في القرآن والحديثورد اسم الحسيب في القرآن الكريم ثلاث مرّات (2) ، واسم «الحاسب» مرّتين (3) ، ولفظ «سريع الحساب» ثماني مرّات (4) ، ولفظ «بغير حساب» ستّ مرّات (5) .
.
ص: 132
ويبدو أَنّ تعبير «سريع الحساب» ، و«أَسرع الحاسبين» ، و «بغير حساب» في المعنى الأَوّل للحساب ، أَمّا استعمالات اسم «الحسيب» ، و«الحاسب» في القرآن والأَحاديث فهي صالحة للتفسير بكلا المعنيين المذكورين وإِن كان المعنى الأَوّل أَقرب ، كقوله تعالى: «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ حَسِيبًا» (1) أَو الحديث المأَثور : «واللّهُ حَسيبٌ بَينَنا وبَينَكُم فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ» (2) .
16 / 1حَسيبٌ عَلى كُلِّ شَيءٍالكتاب« وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ حَسِيبًا » . (3)
الحديثمعاني الأخبار عن قيس بن عاصم :وَفَدتُ مَعَ جَماعَةٍ مِن بَني تَميمٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَدَخَلتُ وعِندَهُ الصَّلصالُ بنُ الدَّلَهمَسِ فَقُلتُ : يا نَبِيَّ اللّهِ عِظنا مَوعِظَةً نَنتَفِعُ بِها ، فَإِنّا قَومٌ نَعيرُ (4) بِالبَرِيَّةِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا قَيسُ ، إِنَّ مَعَ العِزِّ ذُلّاً ، وإِنَّ مَعَ الحَياةِ مَوتا ، وإِنَّ مَعَ الدُّنيا آخِرَةً ، وإِنَّ لِكُلِّ شَيءٍ حَسيبا ، وعَلى كُلِّ شَيءٍ رَقيبا. (5)
.
ص: 133
الإمام عليّ عليه السلام :حاسِب نَفسَكَ لِنَفسِكَ ، فَإِنَّ غَيرَها مِنَ الأَنفُسِ لَها حَسيبٌ غَيرُكَ. (1)
فاطمة عليهاالسلام_ مِن كَلامِها لِلقَومِ لَمّا هَجَموا عَلى دارِها _: لكِنَّكُم قَطَعتُمُ الأَسبابَ بَينَكُم وبَينَ نَبِيِّكُم ، وَاللّهُ حَسيبٌ بَينَنا وبَينَكُم فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ. (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :دَخَلَ الحُسَينُ عليه السلام عَلى عَمِّي الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ عليهماالسلاملَمّا سُقِيَ السَّمَّ ، فَقامَ لِحاجَةِ الإِنسانِ ، ثُمَّ رَجَعَ ، فَقالَ : لَقَد سُقيتُ السَّمَّ عِدَّةَ مِرارٍ ، فَما سُقيتُ مِثلَ هذِهِ ... . فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : يا أَخي ، مَن سَقاكَ؟ قالَ : وما تُريدُ بِذلِكَ ؟ فَإِن كانَ الَّذي أَظُنُّهُ فَاللّهُ حَسيبُهُ ، وإِن كانَ غَيرَهُ فَما أُحِبُّ أَن يؤخَذَ بي بَريءٌ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ .. . يا مَن عَلى كُلِّ شَيءٍ رَقيبٌ ، وعَلى كُلِّ شَيءٍ حَسيبٌ ، ومِن كُلِّ عَبدٍ قَريبٌ. (4)
عيون أخبار الرضا عن أحمد بن الحسين كاتب أبي الفيّاض عن أبيه :حَضَرنا مَجلِسَ عَلِيِّ بنِ موسى عليه السلام ، فَشَكا رَجُلٌ أَخاهُ ، فَأَنشَأَ يَقولُ : أَعذِر أَخاكَ عَلى ذُنوبِهِ وَ استُر وغَطِّ عَلى عُيوبِهِ وَ اصبِر عَلى بَهتِ السَّفيهِ وَ لِلزَّمانِ عَلى خُطوبِهِ ودَعِ الجَوابَ تَفَضُّلا و كِلِ الظَّلومَ إِلى حَسيبِهِ (5)
.
ص: 134
16 / 2سَريعُ الحِسابِالكتاب«لِيَجْزِىَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ » . (1)
راجع : البقرة : 202 ، آل عمران : 19 و 199 ، المائدة : 4 ، الأنعام : 165 ، الرعد : 41 ،النور : 39 ، غافر : 17 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُ أَكبَرُ ، ذُو السُّلطانِ المَنيعِ ، وَالإِنشاءِ البَديعِ ، وَالشَّأنِ الرَّفيعِ ، وَالحِسابِ السَّريعِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ رفيعِ الدَّرَجاتِ ... سَريعِ الحِسابِ ، شَديدِ العِقابِ. (3)
نهج البلاغة :سُئِلَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] : كَيفَ يُحاسِبُ اللّهُ الخَلقَ عَلى كَثرَتِهِم ؟ فَقالَ عليه السلام : كَما يَرزُقُهُم عَلى كَثرَتِهِم . فَقيلَ : كَيفَ يُحاسِبُهُم ولا يَرَونَهُ ؟ فَقالَ عليه السلام : كَما يَرزُقُهم ولا يَرَونَهُ. (4)
.
ص: 135
16 / 3أَسرَعُ الحاسِبينَالكتاب«ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَ_سِبِينَ» . (1)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا أَبصَرَ النّاظِرينَ ، ويا أَسمَعَ السّامِعينَ ، ويا أَسرَعَ الحاسِبينَ ، ويا أَرحَمَ الرّاحِمينَ. (2)
16 / 4كَفى بِهِ حَسيباالكتاب«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَ__لَ_تِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَ لَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَا اللَّهَ وَ كَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا » . (3)
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي الرَّهبَةِ _: ولَو أَنَّ أَحَدا اِستَطاعَ الهَرَبَ مِن رَبِّهِ لَكُنتُ أَنَا أَحَقَّ بِالهَرَبِ مِنكَ ، وأَنتَ لا تَخفى عَلَيكَ خافِيَةٌ فِي الأَرضِ ولا فِي
.
ص: 136
السَّماءِ إِلّا أَتَيتَ بِها ، وكَفى بِكَ جازِيا ، وكَفى بِكَ حَسيبا. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام إِذا دَخَلَ شَهرُ رَمَضانَ لا يَضرِبُ عَبدا لَهُ ولا أَمَةً ، وكانَ إِذا أَذنَبَ العَبدُ وَالأَمَةُ يَكتُبُ عِندَهُ : أَذنَبَ فُلانٌ ، أَذنَبَت فُلانَةُ ، يَومَ كَذا وكَذا ، ولَم يُعاقِبهُ ، فَيَجتَمِعُ عَلَيهِمُ الأَدَبُ. حَتّى إِذا كانَ آخِرُ لَيلَةٍ مِن شَهرِ رَمَضانَ دَعاهُم وجَمَعَهُم حَولَهُ ، ثُمَّ أَظهَرَ الكِتابَ ، ثُمَّ قالَ : يا فُلانُ فَعَلتَ كَذا وكَذا ، ولَم أُؤَدِّبكَ ، أَتَذكُرُ ذلِكَ؟ فَيَقولُ : بَلى يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، حَتّى يَأَتِيَ عَلى آخِرِهِم ، ويُقَرِّرُهُم جَميعا ، ثُمَّ يَقومُ وَسَطَهُم ، ويَقولُ لَهُم : اِرفَعوا أَصواتَكُم وقولوا : يا عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ ، إِنَّ رَبَّكَ قَد أَحصى عَلَيكَ كُلَّ ما عَمِلتَ كَما أَحصَيتَ عَلَينا كُلَّ ما عَمِلنا ، ولَدَيهِ كِتابٌ يَنطِقُ عَلَيكَ بِالحَقِّ ، لا يُغادِرُ صَغيرَةً ولا كَبيرَةً مِمّا أَتَيتَ إِلّا أَحصاها ، وتَجِدُ كُلَّ ما عَمِلتَ لَدَيهِ حاضِرا ، كَما وَجَدنا كُلَّ ما عَمِلنا لَدَيكَ حاضِرا ، فَاعفُ وَاصفَح كَما تَرجو مِنَ المَليكِ العَفوَ ، وكَما تُحِبُّ أَن يَعفُوَ المَليكُ عَنكَ ، فَاعفُ عَنّا تَجِدهُ عَفُوّا ، وبِكَ رَحيما ، ولَكَ غَفورا ، ولا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَدا ، كَما لَدَيكَ كِتابٌ يَنطِقُ عَلَينا بِالحَقِّ لا يُغادِرُ صَغيرَةً و لا كَبيرَةً مِمّا أَتَيناها إِلّا أَحصاها . فَاذكُر يا عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ ذُلَّ مَقامِك بَينَ يَدَي رَبِّكَ الحَكَمِ العَدلِ ، الَّذي لا يَظلِمُ
.
ص: 137
مِثقالَ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ ، ويَأتي بِها يَومَ القِيامَةِ ، وكَفى بِاللّهِ حَسيبا وشَهيدا ، فَاعفُ وَاصفَح يَعفو عَنكَ المَليكُ ويَصفَح ... (1)
.
ص: 138
. .
ص: 139
الفصل السابع عَشَر: الح_قّالحقّ لغةًالحقّ في أَصل اللغة يدلّ على إِحكام الشيء وصحّته ، فالحقّ نقيض الباطل (1) ، وهو حقّ الشيء ، إِذا وَجَبَ وثَبَتَ (2) . قال ابن الأَثير : في أَسماء اللّه تعالى: «الحقّ» هو الموجود حقيقةً ، المتحقّق وجوده وإِلهيّتهُ (3) .
الحقّ في القرآن والحديثنُسب اسم «الحق» للذات الإلهيّة إِحدى عشرة مرّةً في القرآن الكريم ، مثل: «رَبُّكُمُ الْحَقُّ» (4) ؛ و «الْمَلِكُ الْحَقُّ» (5) ؛ و «أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ» (6) .
.
ص: 140
وقد نُسب الحقّ أَيضا إِلى أَفعال اللّه تعالى وأَقواله في مواضع كثيرة كقوله: «خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ» (1) ؛ وقوله: «أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» (2) ؛ وقوله: «وَ اللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ» (3) . وقد أُطلق الحقّ في الأَحاديث على ذات اللّه سبحانه وأَقواله وأَفعاله أَيضا . قال الإمام الباقر عليه السلام في الدعاء : «اللّهُمَّ أنتَ الحَقُّ ، وقَولُكَ الحَقُّ ، ووَعدُكَ الحَقُّ ، وأنتَ مَليكُ الحَقِّ» . والظاهر أَنّ إِطلاق الحقّ على ذات اللّه سبحانه من باب «زيدٌ عدلٌ» وهو يدلّ على المبالغة في حقّانيّته تعالى (4) .
17 / 1هُوَ الحَقُّالكتاب«ذَ لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْىِ الْمَوْتَى وَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ » . (5)
«فَذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَا الضَّلَ_لُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ * كَذَ لِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ » . 6
الحديثالإمام الحسين عليه السلام :إِذا قَرقَرَتِ الدَّجاجَةُ تَقولُ : يا إِلهَ الحَقِّ ، أَنتَ الحَقُّ ، وقَولُكَ
.
ص: 141
الحَقُّ ، يا أللّهُ يا حَقُّ. (1)
الإمام الباقر عليه السلام :بِكَ يا إِلهي ، أَنزَلتُ حَوائِجِي اللَّيلَةَ ، فَاقضِها يا قاضِيَ حَوائِجِ السّائِلينَ ، اللّهُمَّ أَنتَ الحَقُّ ، وقَولُكَ الحَقُّ ، ووَعدُكَ الحَقُّ ، وأَنتَ مَليكُ الحَقِّ ، أَشهَدُ أَنَّ لِقاءَكَ حَقٌّ ... . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا قيلَ لَهُ : هَل يَكتَفِي العِبادُ بِالعَقلِ دونَ غَيرِهِ؟ _: إِنَّ العاقِلَ لِدَلالَةِ عَقلِهِ الَّذي جَعَلَهُ اللّهُ قِوامَهُ وزينَتَهُ وهِدايَتَهُ ، عَلِمَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الحَقُّ وأَنَّهُ هُوَ رَبُّهُ. (3)
17 / 2المَولَى الحَقُّ«ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَ_سِبِينَ » . (4)
«هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ» . (5)
17 / 3المَلِكُ الحَقُّ«فَتَعَ__لَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ » . (6)
.
ص: 142
17 / 4الحَقُّ المُبينُالكتاب«يَوْمَ_ئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ » . (1)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :كانَ فيما وَعَظَ اللّهُ عز و جل بِهِ عيسَى بنَ مَريَمَ عليه السلام : ... يا عيسى ، كُلُّ وَصِيَّتي نَصيحَةٌ لَكَ ، وكُلُّ قَولي حَقٌّ ، وأَنَا الحَقُّ المُبينُ ، وحَقّا أَقولُ : لَئِن أَنتَ عَصَيتَني بَعدَ أَن أَنبَأتُكَ ، ما لَكَ مِن دوني وَلِيٌّ ولا نَصيرٌ. (2)
عنه عليه السلام :أَشهَدُ أَنَّ اللّهَ هُوَ الحَقُّ المُبينُ. 3
الإمام الرضا عليه السلام :اللّهُمَّ إِنَّ كُلَّ مَعبودٍ مِن لَدُن عَرشِكَ إِلى قَرارِ أَرضِكَ فَهُوَ باطِلٌ سِواكَ ، فَإِنَّكَ أَنتَ اللّهُ الحَقُّ المُبينُ. (3)
.
ص: 143
17 / 5فِعلُهُ الحَقُّ«وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلَا بِالْحَقِّ وَ إِنَّ السَّاعَةَ لَاتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ » . (1)
«وَ اللَّهُ يَقْضِى بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَىْ ءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » . (2)
«الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ » . (3)
«مَا نُنَزِّلُ الْمَلَ_ئِكَةَ إِلَا بِالْحَقِّ وَ مَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ » . (4)
«وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّ_تٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَ_رُ خَ__لِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً » . (5)
«ذَ لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَ_بَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِى الْكِتَ_بِ لَفِى شِقَاق بَعِيدٍ » . (6)
«يَ_أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَ_ئامِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا » . (7)
«لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْ ءٍ إِلَا كَبَ_سِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ
.
ص: 144
لِيَبْلُغَ فَاهُ وَ مَا هُوَ بِبَ__لِغِهِ وَ مَا دُعَاءُ الْكَ_فِرِينَ إِلَا فِى ضَلَ_لٍ » . (1)
«وَ يُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَ_تِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ » . (2)
راجع : ص 140 ح 4418 و 141 ح 4419 .
.
ص: 145
الفصل الثامن عَشَر: الحكيمالحكيم لغةًتمّ اشتقاق «الحكيم» من مادّة «حكم» ، وذكرت كتب اللغة معنيين أَصليين للحكم ، أَحدهما «المنع» والآخر «الاستحكام» (1) . واستنادا إِلى هذين المعنيين الأَصليين يستعمل الحكيم في مفهومين هما «العالم وصاحب الحكمة» و «المتقن للأُمور» (2) . ويدلّ الحكيم في المعنى الأَوّل على صفة ذاتيّة ، أَمّا في المعنى الثاني فيدلّ على صفة فعليّة ، ومن الطبيعيّ أَنّنا يجب أَن نتنبّه إِلى أَنّ المعنيين مترابطان ؛ لأَنّ العمل المتقن لا يصدر إِلّا عن صاحب العلم والحكمة .
الحكيم في القرآن والحديثجاء ذكر صفة «الحكيم» إِلى جانب صفة «العزيز» سبعا وأَربعين مرّةً في القرآن الكريم ، وإِلى جانب صفة «العليم» ستّا وثلاثين مرّةً ، ومع صفة «الخبير» أَربع مرّات ، ومع كلِّ من صفة «العليّ» ، و «التوّاب» ، و«الحميد» ، و«الواسع» مرّةً
.
ص: 146
واحدةً . ووردت المشتقّات الأُخرى لمادّة «حكم» خمسا وثلاثين مرّةً في القرآن الكريم منسوبةً إِلى اللّه سبحانه . لقد ذهبت الأَحاديث إِلى أَنّ عجائب الخلقة ، آيات على الحكمة الإلهيّة ، وهذا المعنى قابل للتفسير مع كلا المعنيين اللغويين للحكيم ، وطبقا للمعنى الأَوّل فإنّ المخلوقات تدلّ على علم اللّه سبحانه وحكمته ، أَمّا المعنى الثاني فمفاده أَنّ المخلوقات تعكس الإتقان في أَفعال اللّه جلّ شأنه .
راجع : ج 2 ص 71 (تحقيق في معنى الحكمة وأقسامها).
18 / 1الحَكيمُ العَليمُ«وَ هُوَ الَّذِى فِى السَّمَاءِ إِلَ_هٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَ_هٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» . (1)
18 / 2الحَكيمُ الخَبيرُ«وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ عَ__لِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَ_دَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ » . (2)
18 / 3الحَكيمُ الحَميدُ«لَا يَأْتِيهِ الْبَ_طِ_لُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » . (3)
.
ص: 147
18 / 4العَزيزُ الحَكيمُ«إِنَّ هَ_ذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَ_هٍ إِلَا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » . (1)
18 / 5العَليُّ الحَكيمُ«وَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاىءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ » . (2)
18 / 6التَّوّابُ الحَكيمُ«وَ لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ وَ أَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ » . (3)
18 / 7الواسِعُ الحَكيمُ«وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَ سِعًا حَكِيمًا » . (4)
.
ص: 148
18 / 8صِفَةُ حِكمَتِهِالإمام عليّ عليه السلام :وأَرانا مِن مَلَكوتِ قُدرَتِهِ ، وعَجائِبِ ما نَطَقَت بِهِ آثارُ حِكمَتِهِ . . . ما دَلَّنا بِاضطِرارِ قِيامِ الحُجَّةِ لَهُ عَلى مَعرِفَتِهِ ، فَظَهَرَتِ البَدائِعُ الَّتي أَحدَثَتها آثارُ صَنعَتِهِ وأَعلامُ حِكمَتِهِ ، فَصارَ كُلُّ ما خَلَقَ حُجَّةً لَهُ ودَليلاً عَلَيهِ . (1)
عنه عليه السلام_ في خَلقِ اللّهِ الأَشياءَ _: وفَرَّقَها أَجناسا مُختَلِفاتٍ فِي الحُدودِ وَالأَقدارِ ، وَالغَرائِزِ وَالهَيئاتِ ، بَدايا خَلائِقَ أَحكَمَ صُنعَها ، وفَطَرَها عَلى ما أَرادَ وَابتَدَعَها . (2)
عنه عليه السلام_ في خَلقِ الخُفّاشِ _: ومِن لَطائِفِ صَنعَتِهِ ، وعَجائِبِ خِلقَتِهِ ، ما أَرانا مِن غَوامِضِ الحِكمَةِ في هذِهِ الخَفافيشِ الَّتي يَقبِضُهَا الضِّياءُ الباسِطُ لِكُلِّ شَيءٍ ، ويَبسُطُها الظَّلامُ القابِضُ لِكُلِّ حَيٍّ . (3)
عنه عليه السلام :أَمرُهُ قَضاءٌ وحِكمَةٌ ، ورِضاهُ أَمانٌ ورَحمَةٌ ، يَقضي بِعِلمٍ ويَعفو بِحِلمٍ . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :سُبحانَكَ مِن . . . حَكيمٍ ما أَعَرَفَكَ! (5)
الإمام الباقر عليه السلام لَمّا قيلَ لَهُ :كَيفَ لا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ؟ قالَ : لِأنَّهُ لا يَفعَلُ إِلّا ما كانَ حِكمَةً وصَوابا . (6)
.
ص: 149
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يَفعَلُ لِعبِادِهِ إِلّا الأَصلَحَ لَهُم ، ولا يَظلِمُ النّاسَ شَيئا ، ولكِنَّ النّاسَ أَنفُسَهُم يَظلِمونَ . (1)
الإمام الرِّضا عليه السلام :سُبحانَ مَن خَلَقَ الخَلقَ بُقَدرَتِهِ ، وأَتقَنَ ما خَلَقَ بِحِكمَتِهِ ، ووَضَعَ كُلَّ شَيءٍ مِنهُ مَوضِعَهُ بِعِلمِهِ ، سُبحانَ مَن يَعلَمُ خائِنَةَ الأَعيُنِ وما تُخفِي الصُّدورُ ، ولَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ . (2)
راجع : ج 3 ص 113 (الفصل الخامس : دَوْرُ مَعرِفَةِ الخَلقِ في معرفة الخالق) .
18 / 9الجَوابُ عَمّا يوهِمُ خِلافَ الحِكمَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : . . . وإِنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن لا يَصلُحُ إِيمانُهُ إِلّا بِالفَقرِ ولَو أَغنَيتُهُ لَأَفسَدَهُ ذلِكَ، وإِنَ مِن عِباديَالمُؤمِنينَ لَمَن لا يَصلُحُ إِيمانُهُ إِلّا بِالغِناءِ ولَو أَفقَرتُهُ لَأَفسَدَهُ ذلِكَ ، وإِنّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن لا يَصلُحُ إِيمانُهُ إِلّا بِالسُّقمِ ولَو صَحَّحتُ جِسمَهُ لَأَفسَدَهُ ذلِكَ ، وإِن مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن لا يَصلُحُ إِيمانُهُ إِلّا بِالصِّحَّةِ ولَو أَسقَمتُهُ لَأَفسَدَهُ ذلِكَ ، إِنّي أُدَبِّرُ عِبادي لِعِلمي بِقُلوبِهِم ؛ فَإِنّي عَليمٌ خَبيرٌ . (3)
.
ص: 150
عنه صلى الله عليه و آله :يَقولُ اللّهُ تَعالى : تَفَضَّلتُ عَلى عَبدي بِأَربَعِ خِصالٍ : سَلَّطتُ الدّابَّةَ عَلَى الحَبَّةِ ، ولَولا ذلِكَ لَادَّخَرَها المُلوكُ كَما يَدَّخِرونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ ، وأَلقَيتُ النَّتنَ عَلَى الجَسَدِ ، ولَولا ذلِكَ ما دَفَنَ خَليلٌ خَليلَهُ أَبَدا ، وسَلَّطتُ السَّلوَ عَلَى الحُزنِ ، ولَولا ذلِكَ لَانقَطَعَ النَّسلُ ، وقَضَيتُ الأَجَلَ وأَطَلتُ الأَمَلَ ، ولَولا ذلِكَ لَخَرِبَتِ الدُّنيا ، ولَم يَتَهَنَّ ذو مَعيشَةٍ بِمَعيشَتِهِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إِلَيهِ _: مِنَ الحِكمَةِ جَعلُ المالِ في أَيدِي الجُهّالِ ؛ فَإِنَّهُ لَو خُصَّ بِهِ العُقَلاءُ لَماتَ الجُهّالُ جوعا ، ولكِنَّهُ جُعِلَ في أَيدِي الجُهّالِ ، ثُمَّ استَنزَلَهُم عَنهُ العُقَلاءُ بِلُطفِهِم وفِطنَتهِم . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :إِنَّ داوودَ النبيّ _ صلوات اللّه عَلَيهِ _ كانَ ذاتَ يَومٍ في مِحرابِهِ إِذ مَرَّت بِهِ دودَةٌ حَمراءُ صَغيرَةٌ تَدُبُّ حَتَّى انتَهَت إِلى مَوضِعِ سُجودِهِ ، فَنَظَرَ إِلَيها داوودُ وحَدَّثَ في نَفسِهِ : لِمَ خُلِقَت هذِهِ الدّودَةُ ؟ فَأَوحَى اللّهُ إِلَيها تَكَلَّمي ، فَقالَت لَهُ : يا داوودُ ، هَل سَمِعتَ حِسّي أَو استَبَنتَ عَلى صَفا أَثَري ؟ فَقالَ لَها داوودُ : لا . قالَت : فَإنَّ اللّهَ يَسمَعُ دَبيبي ونَفَسي وحِسّي ، ويَرى أَثَرَ مَشيي ، فَاخفِض مِن صَوتِكَ . (3)
الاحتجاج :مِن سُؤالِ الزِّنديقِ الَّذي سَأَلَ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ أَن قالَ : . . .
.
ص: 151
أَخبِرني عَنِ اللّهِ أَلَهُ شَريكٌ في مُلكِهِ ، أَو مُضادٌّ لَهُ في تَدبيرِهِ ؟ قالَ : لا . قالَ : فَما هذَا الفَسادُ الموَجودُ فِي العالَمِ ؛ مِن سِباعٍ ضارِيَةٍ ، وهَوامٍّ مُخَوِّفَةٍ ، وخَلقٍ كَثيرٍ مُشَوَّهَةٍ ، ودودٍ وبَعوضٍ وحَيّاتٍ وعَقارِبَ ، وزَعَمتَ أَنَّهُ لا يَخلُقُ شَيئا إِلّا لِعِلَّةٍ ، لِأَنَّهُ لا يَعبَثُ ؟ قالَ : أَلَستَ تَزعُمُ أَنَّ العَقارِبَ تَنفَعُ مِن وَجَعِ المَثانَةِ وَالحَصاةِ ، ولِمَن يَبولُ فِي الفِراشِ ، وأَنَّ أَفضَلَ التِّرياقِ ما عولِجَ مِن لُحومِ الأَفاعي ؛ فَإِنَّ لُحومَها إِذا أَكَلَهَا المَجذومُ بِشَبٍّ نَفَعَهُ ، وتَزعُمُ أَنَّ الدُّودَ الأَحمَرَ الَّذي يُصابُ تَحتَ الأَرضِ نافِعٌ لِلأكِلَةِ ؟ (1) قالَ : نَعَم . قالَ عليه السلام : فَأَمَّا البَعوضُ وَالبَقُّ فَبَعضُ سَبَبِهِ أَنَّهُ جُعِلَ أَرزاقَ بَعضِ الطَّيرِ ، وأَهانَ بِها جَبّارا تَمَرَّدَ عَلَى اللّهِ وتَجَبَّرَ ، وأَنكَرَ رُبوبِيَّتَهُ ، فَسَلَّطَ اللّهُ عَلَيهِ أَضعَفَ خَلقِهِ لِيُرِيَهُ قُدرَتَهُ وعَظَمَتَهُ ، وهِيَ البَعوضَةُ ، فَدَخَلَت في مِنخَرِهِ حَتّى وَصَلَت إِلى دِمِاغِهِ فَقَتَلَتهُ . وَاعلَم أَنّا لَو وَقَفنا عَلى كُلِّ شَيءٍ خَلَقَهُ اللّهُ تَعالى لِمَ خَلَقَهُ ؟ لِأَيِّ شَيءٍ أَنشَأَهُ ؟ لَكُنّا قدَ ساوَيناهُ في عِلمِهِ ، وعَلِمنا كُلَّ ما يَعلَمُ ، وَاستَغنَينا عَنهُ ، وكُنّا وهُوَ فِي العِلمِ سَواءً . قالَ : فَأَخبِرني هَل يُعابُ شَيءٌ مِن خَلقِ اللّهِ وتَدبيرِهِ ؟
.
ص: 152
قالَ : لا . قالَ : فَإِنَّ اللّهَ خَلَقَ خَلقَهُ غُرلاً (1) ، أَذلِكَ مِنهُ حِكمَةٌ أَم عَبَثٌ ؟ قالَ : بَل حِكمَةٌ مِنهُ . قالَ : [ فَلِمَ] (2) غَيَّرتُم خَلقَ اللّهِ ، وجَعَلتُم فِعلَكُم في قَطعِ الغُلفَةِ أَصوَبَ مِمّا خَلَقَ اللّهُ لَها ، وعِبتُمُ الأَغلَفَ ، وَاللّهُ خَلَقَهُ ، ومَدَحتُمُ الخِتانَ وهُوَ فِعلُكُم ، أَم تَقولون إِنَّ ذلِكَ مِنَ اللّهِ كانَ خَطَأً غَيرَ حِكمَةٍ ؟! قالَ عليه السلام : ذلِكَ مِنَ اللّهِ حِكمَةٌ وصَوابٌ ، غَيرَ أَنَّهُ سَنَّ ذلِكَ وأَوجَبَهُ عَلى خَلقِهِ ، كما أَنَّ المَولودَ إِذا خَرَجَ مِن بَطنِ أُمِّهِ وَجَدنا سُرَّتَهُ مُتَّصِلَةً بِسُرَّةِ أُمِّهِ كذلِكَ خَلَقَهَا الحَكيمُ فَأَمَرَ العِبادَ بِقَطعِها ، وفي تَركِها فَسادٌ بَيِّنٌ لِلمَولودِ وَالأُمِّ ، وكَذلِكَ أَظفارُ الإِنسانِ أَمَرَ إِذا طالَت أَن تُقَلَّمَ ، وكانَ قادِرا يَومَ دَبَّرَ خَلقَ الإِنسانِ أَن يَخلُقَها خِلقَةً لا تَطولُ ، وكذلِكَ الشَّعرُ مِنَ الشَّارِبِ وَالرَّأَسِ ، يَطولُ فَيُجَزُّ ، وكَذلِكَ الثِّيرانُ خَلَقَهَا اللّهُ فُحولَةً ، وإِخصاؤُها أَوفَقُ ، ولَيسَ في ذلِكَ عَيبٌ في تَقديرِ اللّهِ عز و جل . (3)
راجع : التوحيد للصَّدوق : ص 398 (باب إنّ اللّه تعالى لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم) .
.
ص: 153
الفصل التاسع عَشَر: الحلي_مالحليم لغةً«الحليم» مشتقّ من مادّة «حلم» ، و«الحلم» في اللغة ذو معان مختلفة هي : «ترك العجلة» (1) ، و«الأَناة» (2) ، و «الصفح والستر» (3) .
الحليم في القرآن والحديثجاء ذكر صفة «الحليم» إِلى جانب صفة «الغفور» ستّ مرّات في القرآن الكريم ، وثلاث مرّات مع صفة «العليم» ، ومرّة واحدة مع صفة «الغنيّ» ، ومرّة واحدةً أَيضا مع صفة «الشكور» . إِنّ الآيات والأَحاديث تذهب إِلى أَنّ حلم اللّه سبحانه يتحقّق غالبا بالنسبة إِلى معاصي العباد ، من هنا نجد حلم اللّه على أَساس المعنى اللغويّ بمعنى الغضّ عن معاصي العباد ، وأَنّه لا يعجل في مجازات العاصين ، بل يصبر لهم ويمنحهم فرصة
.
ص: 154
فرصة التَّوبة والتدارك . استخدمت هذه الصفة في القرآن الكريم في الموارد التي تبين مواجهة الباري سبحانه للعاصين له بلحاظ المعنى اللغوي للحليم وهو «عدم إسراع اللّه سبحانه في عقوبة المذنبين وامهالهم للتوبة والرجوع عن المعصية» ولما كانت العجلة في عقوبة المذنب مع احتمال رجوعه وتوبته من صفات الجاهل، استخدم القرآن الكريم صفة الحلم قرينة لصفة العلم، كما فسّر الحلم الالهي في الأحاديث الشريفة بعدم صدور فعل الجهل عنه، وعدم العجلة في عقوبة المذنبين .
19 / 1الحَليمُ الّذي لا يَجهَلُالكتاب«إِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ » . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعائِهِ يَومَ الأَحزابِ _: إِلهي أَنتَ الحَليمُ الَّذي لا يَجهَلُ . (2)
19 / 2الحَليمُ الّذي لا يَعجَلُالكتاب«وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ » . (3)
.
ص: 155
«وَاللَّهُ غَنِىٌّ حَلِيمٌ » . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أَوحَى اللّهُ عز و جل إِلى أَخِي العُزَيرِ : ... لا تَأمَن مَكري حَتّى تَدخُلَ جَنَّتي ، فَاهَتزَّ عُزَيرٌ يَبكي ، فَأَوحَى اللّهُ إِلَيهِ : لا تَبكِ يا عُزَيرُ ؛ فَإِن عَصَيتَني بِجَهلِكَ غَفَرتُ لَكَ بِحِلمي ؛ لِأَنّي كَريمٌ لا أَعجَلُ بِالعُقوبَةِ عَلى عِبادي وأَنَا أَرحَمُ الرَّاحِمينَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :يا مَن هُوَ بِمَن عَصاهُ حَليمٌ . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ عز و جل _: الحَليمُ الَّذي لا يَعجَلُ . (4)
.
ص: 156
. .
ص: 157
الفصل العشرون: الحميد ، المحمود ، الحامدالحميد و المحمود والحامد لغةً«الحميد» و«المحمود» و«الحامد» مشتقّة من مادّة «حمد» وهو يدلّ على خلاف الذمّ . يقال: حمدت فلانا أَحمده ، ورجل محمود ومحمّد إِذا كثرت خصاله المحمودة غير المذمومة (1) . وحمدته على شجاعته وإِحسانه حمدا: أَثنيتُ عليه (2) . و «الحميد» فعيل بمعنى مفعول «المحمود» أَو فاعل «الحامد». قال ابن الأَثير: الحمد والشكر متقاربان ، والحمد أَعمّهما ، لأَنّك تحمد الإنسان على صفاته الذاتيّة وعلى عطائه ولا تشكره على صفاته (3) . قال الفيوميّ : الحمد غير الشكر ؛ لأَنّه يستعمل لصفة في الشخص وفيه معنى التعجّب ، يكون فيه معنى التعظيم للممدوح وخضوع المادح ... وأَمّا الشكر فلا يكون إِلّا في مقابلة الصنيع ، فلا يقال: شكرته على شجاعته 4 .
.
ص: 158
الحميد والمحمود والحامد في القرآن والحديثمشتقّات مادّة «حمد» المنسوبة إِلى اللّه تعالى في القرآن الكريم ستّون ، وورد اسم «الحميد» مع اسم «الغنيّ» عشر مرّات (1) ، ومع اسم «العزيز» ثلاث مرّات (2) ، ومع اسم «المجيد» مرّة واحدة (3) ، ومع اسم «الحكيم» مرّة واحدةً أَيضا (4) ، ومع اسم «الولي» مرّة واحدة (5) ، وبلفظ «صراط الحميد» مرّة واحدة أَيضا (6) . والظاهر من استعمالات القرآن والحديث أَنّ الحمد والشكر ، كما قال ابن الأَثير : «متقاربان والحمد أَعمهما» لأَنّ اللّه سبحانه وتعالى يُحمد على صفاته الذاتية وعلى عطائه ، ولا يُشكر على صفاته . وفي الحديث: «يا مَن هُوَ مَحمودٌ في كُلِّ خِصالِهِ» (7) ، «يا أللّهُ المَحمودُ في كُلِّ فِعالِهِ» (8) ، «الحَمدُ للّهِِ المَحمودِ بِنِعَمِهِ» (9) . قال السيّد في رياض السالكين: «الحمد هو الثناء على ذي علم لكماله ذاتيّا كان كوجوب الوجود والاتّصاف بالكمالات والتنزّه عن النقائص ، أَو وصفيّا ككَون صفاته كاملة واجبة ، أَو فعليّا كَكون أَفعاله مشتملة على الحكمة» (10) .
.
ص: 159
وأَطلق اسم «الحامد» على اللّه في بعض الأَحاديث. ومتعلّق هذا الحمد إِمّا اللّه سبحانه أَو مخلوقاته ، وحمد اللّه في كلّ حال يعني الثناء الإلهيّ البحت ، وهو خارج عن معنى التعظيم والخضوع الذي يُبديه الحامد للمحمود .
20 / 1الحَميدُ المَجيدُالكتاب«قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكَ_تُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ » . (1)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :و أَمّا «ح_م » فَمَعناهُ : الحَميدُ المَجيدُ. (2)
20 / 2الغَنِيُّ الحَميدُ«وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ » . (3)
راجع : النساء: 131 ، إبراهيم: 8 ، الحجّ: 64 ، لقمان: 12 و 26، فاطر: 15، الحديد: 24، الممتحنة: 6، التغابن: 6.
20 / 3الحَكيمُ الحَميدُ«لَا يَأْتِيهِ الْبَ_طِ_لُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » . (4)
.
ص: 160
20 / 4الوَلِيُّ الحَميدُ«وَ هُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَ يَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَ هُوَ الْوَلِىُّ الْحَمِيدُ » . (1)
20 / 5العَزيزُ الحَميدُ«كِتَ_بٌ أَنزَلْنَ_هُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّ_لُمَ_تِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَ طِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ » . (2)
راجع : سبأ : 6 ، البروج : 8 .
20 / 6أوَّلُ مَحمودٍالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ أَوَّلِ مَحمودٍ ، وآخِرِ مَعبودٍ ، وأَقرَبِ مَوجودٍ ، البَديءِ بِلا مَعلومٍ لِأَزَلِيَّتِهِ ، ولا آخِرَ لِأَوَّليَّتِهِ. (3)
20 / 7أحَقُّ مَحمودٍالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ أَحَقِّ مَحمودٍ بِالحَمدِ ، وأَولاهُ بِالمَجدِ. (4)
.
ص: 161
20 / 8المَحمودُ الحَميدُرسول اللّه صلى الله عليه و آله _ في حَديثِ المِعراجِ _ :فَالتَفَتُّ عَن يَمينِ العَرشِ فَوَجَدتُ عَلى ساقِ العَرشِ الأَيمَنِ مَكتوبا : لا إِلهَ إِلّا أَنَا وَحدي لا شَريكَ لي ، مُحَمَّدٌ رَسولي ، أَيَّدتُهُ بِعَلِيٍّ . يا أَحمَدُ شَقَقتُ اسمَكَ مِنِ اسمي ، أَنَا اللّهُ المَحمودُ الحَميدُ. (1)
20 / 9خُيرُ حامِدٍ و مَحمودٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا خَيرَ ذاكِرٍ ومَذكورٍ ، يا خَيرَ شاكِرٍ ومَشكورٍ ، يا خَيرَ حامِدٍ ومَحمودٍ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ أَيضا _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ يا أَحَدُ يا واحِدُ يا شاهِدُ يا ماجِدُ يا حامِدُ. (3)
20 / 10المَحمودُ لا يَزالُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ الَّذي عَلا في تَوَحُّدِهِ ، ودَنا في تَفَرُّدِهِ .. . مَجيدا لَم يَزَل ، مَحمودا لا يَزالُ. (4)
.
ص: 162
20 / 11المَحمودُ غَيرُ المَحدودِالإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: بِاسمِ المَحمودِ غَيرِ المَحدودِ (1) ، المُستَحِقِّ لَهُ عَلَى السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ ، بِاسمِ المَذكورِ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ. (2)
20 / 12المَحمودُ في كُلِّ خِصالِهِالإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ إِن أَدخَلتَنِي الجَنَّةَ فَأَنتَ مَحمودٌ ، وإِن عَذَّبتَني فَأَنتَ مَحمودٌ ، يا مَن هُوَ مَحمودٌ في كُلِّ خِصالِهِ ، صَلِّ عَلى مُحَمِّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وَافعَل بي ما تَشاءُ وأَنتَ مَحمودٌ. (3)
20 / 13المَحمودُ في كُلِّ فِعالِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ آدَمَ لَمّا رَأَى النُّورَ ساطِعا مِن صُلبِهِ ؛ إِذ كانَ اللّهُ قَد نَقَلَ أَشباحَنا مِن ذُروَةِ العَرشِ إِلى ظَهرِهِ ، رَأَى النُّورَ ولَم يَتَبَيَّنِ الأَشباحُ ... فَقالَ : ما هذِهِ الأَشباحُ؟ فَقالَ اللّهُ تَعالى : يا آدَمُ، هذِهِ أَشباحُ أَفضَلِ خَلائِقي وبَرِيّاتي : هذا مُحَمَّدٌ وأَنَا المَحمودُ الحَميدُ في أَفعالي ، شَقَقتُ لَهُ اسما مِنِ اسمي... . (4)
.
ص: 163
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «ال_م » _: دَلَّ بِ_«اللامِ» عَلى قَولِكَ المَلِكِ العَظيمِ القاهِرِ لِلخَلقِ أَجمَعينَ ، ودَلَّ بِ_ «الميمِ» عَلى أَنَّهُ المَجيدُ المَحمودُ في كُلِّ أَفعالِهِ. (1)
إدريس عليه السلام :يا أللّهُ المَحمودُ في كُلِّ فِعالِهِ. (2)
20 / 14المَحمودُ في كُلِّ صُنعِهِالإمام عليّ عليه السلام :إِلهي ... أَنتَ الكَريمُ المَحمودُ في كُلِّ ما تَصنَعُهُ. (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الكَريمِ في مُلكِهِ ، القاهِرِ لِمَن فيهِ ، القادِرِ عَلى أَمرِهِ ، المَحمودِ في صُنعِهِ. (4)
20 / 15المَحمودُ بِكُلِّ لِسانٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: أَنتَ اللّهُ المَحمودُ بِكُلِّ لِسانٍ. (5)
.
ص: 164
20 / 16المَحمودُ بِنِعمَتِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ المَحمودِ بِنِعمَتِهِ ، المَعبودِ بِقُدرَتِهِ ، المُطاعِ بِسُلطانِهِ ... . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ أَهلِ الحَمدِ ووَلِيِّهِ ، ومُنتَهَى الحَمدِ ومَحَلِّهِ ... المَحمودِ بِامتِنانِهِ وبِإِحسانِهِ. (2)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الأَحَدِ المَحمودِ الَّذي تَوَحَّدَ بِمُلكِهِ ، وعَلا بِقُدرَتِهِ ، أَحمَدُهُ عَلى ما عَرَّفَ مِن سَبيلِهِ ، و ألهَمَ مِن طاعَتِهِ ، وعَلَّمَ مِن مَكنونِ حِكمَتِهِ ، فَإِنَّهُ مَحمودٌ بِكُلِّ ما يولي ، مَشكورٌ بِكُلِّ ما يُبلي. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي. .. هُوَ أَهلٌ لِكُلِّ حَمدٍ .. . المَحمودُ لِبَذلِ نَوائِلِهِ. (4)
الإمام الكاظم عليه السلام :أَنتَ الصَّمَدُ ... المَعبودُ بِالعُبودِيَّةِ ، وَالمَحمودُ بِالنِّعَمِ. (5)
.
ص: 165
الفصل الحادي والعشرون: الح_يّالحيّ لغةً واصطلاحاالحيّ صفة مشبهة من مادّة «حيي». وهو أَصلان: أَحدهما: خلاف الموت ، والآخر الاستحياء الذي [ هو] ضدّ الوقاحة (1) . و«الحي» مشتقّ من المعنى الأَوّل ، ويختلف الفلاسفة والمتكلّمون في تفسير الحياة الإلهيّة ، لكنّهم جميعا ذكروا العلم والقدرة في تفسير هذه الصفة ، وذهب البعض إِلى أَنّ معناه «الفعّال الدرّاك» (2) . ورأَى بعض آخر أَنّ الحياة هي مبدأ العلم والقدرة (3) . وبينهم من قال: «معناه هو أَنّه لا يستحيل أَن يكون عالما قادرا» (4) .
الحيّ في القرآن والحديثنسب القرآن الكريم صفة «الحيّ» مقرونةً بصفة «القيّوم» إِلى اللّه عز و جل في ثلاثة
.
ص: 166
مواضع (1) ، وبقوله : «لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» في موضع واحد (2) ، وبقوله: «لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ» في ثلاثة مواضع (3) ، وبقوله: «الَّذِى لَا يَمُوتُ» في موضع واحد (4) ، وقد تكرّرت عبارة «يُحْىِ وَيُمِيتُ» تسع مرّات (5) وعبارة «نُحْيىِ وَنُمِيتُ» مرّتين (6) . وقد نُسب إحياء الموتى إلى اللّه سبع مرّات (7) ، ومعنى إِخراج الحيّ من الميّت وبالعكس في أَربع آيات (8) ، ومعنى إِحياء الأَرض بعد موتها تسع مرّات (9) ، ومعنى إِماتة النَّاس وإِحيائهم خمس مرّات (10) في القرآن الكريم. لقد عدّت الأَحاديث المأثورة الحياة الإلهيّة بلا كيفيّة ، وعلى هذا الأَساس لا يمكن وصف ذاتها وحقيقتها ، والتوضيحات المذكورة للحياة الإلهيّة في الأَحاديث إِمّا لها جانب سلبيّ ، وتبيّن التفاوت بين الحياة الإلهيّة وحياة المخلوقات ، وإِمّا تشير إِلى آثار الحياة الإلهيّة ولوازمها ، ومن هذه التوضيحات يمكن الإشارة إِلى الموارد الآتية: حياة اللّه ليست بمعنى أَنّها ذات مدّةٍ ولها أَجلٌ معيّن ، حياته غير حادثة بل أَزليّة أَبديّة؛ اللّه هو المصدر لحياة المخلوقات الحيّة .
.
ص: 167
21 / 1صِفَةُ حَياتِهالكتاب«اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» . (1)
«اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ » . (2)
«وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِ » . (3)
«وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِى لَا يَمُوتُ» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا حَيّا قَبلَ كُلِّ حَيٍّ ، يا حَيّا بَعدَ كُلِّ حَيٍّ ، يا حَيُّ الَّذي لَيسَ كَمِثلِهِ حَيٌّ ، يا حَيُّ الَّذي لا يُشارِكُهُ حَيٌّ ، يا حَيُّ الَّذي لا يَحتاجُ إِلى حَيٍّ ، يا حَيُّ الَّذي يُميتُ كُلَّ حَيٍّ ، يا حَيُّ الَّذي يَرزُقُ كُلَّ حَيٍّ ، يا حَيّا لَم يَرِثِ الحَياةَ مِن حَيٍّ ، يا حَيُّ الَّذي يُحيِي المَوتى ، يا حَيُّ يا قَيّومُ لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَومٌ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا حَيُّ قَبلَ كُلِّ حَيٍّ ، يا حَيُّ بَعدَ كُلِّ حَيٍّ ، يا حَيُّ مَعَ كُلِّ حَيٍّ ، يا حَيُّ حينَ لا حَيّ ، يا حَيُّ يَبقى ويَفنى كُلُّ حَيٍّ ، يا حَيُّ لا
.
ص: 168
إِلهَ إِلّا أَنتَ ، يا حَيُّ يا كَريمُ ، يا مُحيِي المَوتى . (1)
الإمام الباقر عليه السلام_ إِذ قيلَ لَهُ : أَخبِرني عَن رَبِّكَ مَتى كانَ ؟ _: وَيلَكَ ، إِنَّما يُقالُ لِشَيءٍ لَم يَكُن : مَتى كانَ ؟ إِنَّ رَبّي _ تَبارَكَ وتَعالى _ كانَ ولَم يَزَل حَيّا بِلا كَيفٍ . . . كانَ حَيّا بِلا حَياةٍ حادِثَةٍ . (2)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ نُورٌ لا ظُلمَةَ فيهِ ، وعِلمٌ لا جَهلَ فيهِ ، وحَياةٌ لا موتَ فيهِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُ نُورٌ لا ظَلامَ فيهِ ، وحَيٌّ لا مَوتَ لَهُ . . . حَيُّ الذّاتِ . (4)
الإمام الكاظم عليه السلام :كانَ عز و جل إِلها حَيّا بِلا حَياةٍ حادِثَةٍ . . . بَل حَيٌّ لِنَفسِهِ . (5)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ لا إِلهَ إِلّا هُوَ _ كانَ حَيّا بِلا كَيفٍ ولا أَينٍ . (6)
21 / 2هُوَ حَياةُ كُلِّ شَيءٍالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ اللّهِ _: هُوَ حَياةُ كُلِّ شَيءٍ ، ونُورُ كُلِّ شَيءٍ ، سُبحانَهُ
.
ص: 169
وتَعالى عَمّا يَقولونَ عُلُوّا كَبيرا . . . وبِحَياتِهِ حَيِيَت قُلوبُهُم ، وبِنورِهِ اهتَدَوا إِلى مَعرِفَتِهِ . (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام _ في مُناجاتِهِ _ :وأَنَّكَ أَقَمتَ بِقُدسِكَ حَياةَ كُلِّ شَيءٍ ، وجَعَلتَهُ نَجاةً لِكُلِّ حَيٍّ . (2)
راجع : ج 5 ص 167 (الفصل التاسع والستون : المحيي ، المميت) .
.
ص: 170
. .
ص: 171
الفصل الثاني والعشرون: الخال_قالخالق لغةًإِنّ «الخالق» اسم فاعل من مادّة «خلق» ، والخلق في الأَصل بمعنى التقدير ، ويستعمل بمعنى إِيجاد الشيء على أَساس التقدير (1) .
الخالق في القرآن والحديثلقد جاء قوله تعالى : «خالق كلّ شيء» أَربع مرّات (2) في القرآن الكريم ، وقوله : «أحسن الخالقين» مرّتين (3) ، و«إنّي خالق بشرا» مرّتين أيضا (4) ، و«الخلّاق العليم» كذلك (5) ، و«هو اللّه الخالق البارئ المصوّر» مرّةً واحدةً (6) ، و «هل من خالق غير اللّه يرزقكم» كذلك (7) . وفي الأَحاديث مباحث كثيرة بشأن الخلقة ومبادئها وخصائصها الإيجابيّة
.
ص: 172
والسلبيّة وما جاء في هذه المجموعة قسم من مباحث الخلقة ، وستأَتي المباحث الباقية في موسوعة «ميزان الحكمة» تحت عنوان «الخلقة» . لقد ذهبت الأَحاديث إِلى أَنّ العلم والتقدير والمشيئة من مبادئ الخلقة الّتي تشير إِلى المعنى الأَصليِّ للخلقة لغويّا ، ومن أَهمّ خصائص الخلقة في الأَحاديث نفي المثال والأُصول الأَزليّة ، أَي: إِنّ اللّه سبحانه لم يوجد الأَشياءَ في العالم على أَساس أَمثلة أَزليّة ، والفعل الإلهي غير محكوم بالأَمثلة والصور الأَزليّة الثابتة ، من جهة أُخرى إِنّ اللّه تعالى لم يخلق العالم من مادّة وأَصل أَزليّ وغير مخلوق ، من هنا صورة العالم ومادّته كلتاهما حادثة وبديعة . لقد جاء في الآيات والأَحاديث الخلق من شيء أَحيانا بالنسبة إِلى اللّه سبحانه . كقوله مثلاً: «خَلَقَ الْاءِنسَ_نَ مِن صَلْصَ_لٍ كَالْفَخَّارِ» (1) .
راجع : ص 67 (الفصل السابع : البديءُ ، البديعُ) .
22 / 1مَبادِئُ الخِلقَةِ22 / 1 _ 1العِلمُالكتاب«أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » . (2)
.
ص: 173
«بَدِيعُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَ_حِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْ ءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ » . (1)
«إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّ_قُ الْعَلِيمُ » . (2)
راجع : البقرة : 29 ، المائدة : 97 ، الروم : 54 ، يس : 79 و81 ، الزخرف : 9 .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :. . . مُبتَدعِ الخَلائِقِ بِعِلمِهِ ، ومُنشِئِهِم بِحُكمِهِ ، بِلَا اقتِداءٍ ولا تَعليمٍ ولَا احتِذاءٍ لِمِثالِ صانِعٍ حَكيمٍ ، ولا إِصابَةِ خَطَأٍ ولا حَضرَةِ مَلَأٍ . (3)
التوحيد عن مروان بن مسلم :دَخَلَ ابنُ أَبِي العَوجاءِ عَلى أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فَقالَ : أَلَيسَ تَزعُمُ أَنَّ اللّهَ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ ؟ فَقالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : بَلى . فَقالَ : أنَا أَخلُقُ . فَقالَ عليه السلام لَهَ : كَيفَ تَخلُقُ ؟! فَقالَ : أُحدِثُ فِي المَوضِعِ ، ثُمَّ أَلبَثُ عَنهُ فَيَصيرُ دَوابَّ ، فَأَكونُ أَنَا الَّذي خَلَقتُها . فَقالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : ألَيسَ خالِقُ الشَّيءِ يَعرِفُ كَم خَلقُهُ ؟ قالَ : بَلى . قالَ : فَتَعرِفُ الذَّكَرَ مِنها مِنَ الأُنثى ، وتَعرِفُ كَم عُمُرُها ؟ فَسَكَتَ . (4)
.
ص: 174
الكافي عن محمّد بن مسلم :سَأَلتُ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «أَعْطَى كُلَّ شَىْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى » . (1) قالَ : لَيسَ شَيءٌ مِن خَلقِ اللّهِ إِلّا وهُوَ يُعرَفُ مِن شَكلِهِ الذَّكَرُ مِنَ الأُنثى . قُلتُ : ما يَعني «ثُمَّ هَدَى » . قالَ : هَداهُ لِلنِّكاحِ وَالسِّفاحِ مِن شَكلِهِ . (2)
رجال الكشّي عن أَبي جعفر الأَحول :قالَ ابنُ أَبِي العَوجاءِ مَرَّةً : أَلَيسَ مَن صَنَعَ شَيئا وأَحدَثَهُ حَتّى يُعلَمَ أَنَّهُ مِن صَنعَتِهِ فَهُوَ خالِقُهُ ؟ قُلتُ (3) : بَلى . [قالَ :] (4) فَأَجِّلني شَهرا أَو شَهرَينِ ، ثُمَّ تَعالَ حَتّى أُرِيَكَ ، قالَ : فَحَجَجتُ فَدَخَلتُ عَلى أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقالَ : أما إِنَّهُ قَد هَيَّأ لَكَ شَأنَينِ (5) وهُوَ جاءٍ بهِ مَعَهُ بِعِدَّةٍ مِن أَصحابِهِ ، ثُمَّ يُخرِجُ لَكَ الشَّأنَينِ قَدِ امتَلآ دودا ، ويَقولُ لَكَ : هذا الدّودُ يَحدُثُ مِن فِعلي ، فَقُل لَهُ : إِن كانَ مِن صُنعِكَ وأَنتَ أَحدَثتَهُ فَمَيِّز ذُكورَهُ مِنَ الإِناثِ . فَقالَ : هذِهِ وَاللّهِ لَيسَت مِن أَبزارِكَ (6) ، هذِهِ الَّتي حَمَلَتهَا الإِبِلُ مِنَ الحجِازِ . (7)
.
ص: 175
22 / 1 _ 2القُدرَةُالكتاب«وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ » . (1)
راجع : البقرة : 20 ، آل عمران : 29 و189 ، المائدة : 120 ، النور : 45 ، الروم : 54 ، فاطر : 1 و44 ، التغابن : 1 ، الملك : 1 .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :فَطَرَ الخَلائِقَ بِقدُرَتِهِ . (2)
راجع : ج 5 ص 43 (الفصل الثاني والخمسون : القادِرُ ، القَديرُ) .
22 / 1 _ 3التَّقديرُالكتاب«إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قَدَّرَ اللّهُ المَقاديرَ قَبلَ أَن يخَلُقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ بِخَمسينَ أَلفَ
.
ص: 176
سَنَةٍ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ عز و جل قَدَّرَ المَقاديرَ ، ودَبَّرَ التَّدابيرَ قَبلَ أَن يَخلُقَ آدَمَ بِأَلفَي عامٍ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :قَدَّرَ ما خَلَقَ فَأَحكَمَ تَقديرَهُ . (3)
الإمام المهديّ عليه السلام_ فِي الدُّعاء _: إِنَّكَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالباطِنُ ، لَم تَكُن مِن شَيءٍ ولَم تَبِن عَن شَيءٍ ، كُنتَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ وأَنتَ الكائِنُ بَعدَ كُلِّ شَيءٍ، وَالمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَيءٍ، خَلَقتَ كُلَّ شَيءٍ بِتَقديرٍ وأَنتَ السَّميعُ البَصيرُ. (4)
راجع : ج 5 ص 215 (الفصل السابع والسبعون : المقدِّر) .
22 / 1 _ 4المَشيئَةُالكتاب«اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ » . (5)
«يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ » . (6)
.
ص: 177
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :فَإِذا قالَ المُؤَذِّنُ «اللّهُ أَكبَرُ» فَإِنَّهُ يَقولُ : اللّهُ الَّذي لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ ، وبِمَشيئَتِهِ كانَ الخَلقُ ، ومِنهُ كانَ كُلُّ شَيءٍ لِلخَلقِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :خَلَقَ اللّهُ المَشيئَةَ بِنَفسِها ، ثُمَّ خَلَقَ الأَشياءَ بِالمَشيئَةِ . (2)
22 / 1 _ 5جَوامِعُ مَبادِئِ الخِلقَةِالإمام الصادق عليه السلام :لا يَكونُ شَيءٌ فِي الأَرضِ ولا فِي السَّماءِ إِلّا بِهذِهِ الخِصالِ السَّبعِ : بِمَشيئَةٍ وإِرادَةٍ وقَدَرٍ وقَضاءٍ وإِذنٍ وكتِابٍ وأَجَلٍ ؛ فَمَن زَعَمَ أَنَّهُ يَقدِرُ عَلى نَقضِ واحِدَةٍ فَقَد كَفَرَ . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :لا يَكونُ شَيءٌ فِي السَّماواتِ ولا فِي الأَرضِ إِلّا بِسَبعٍ : بِقَضاءٍ وقَدَرٍ وإِرادَةٍ ومَشيئَةٍ وكِتابٍ وأَجَلٍ وإِذنٍ ؛ فَمَن زَعَمَ غَيرَ هذا فَقَد كَذِبَ عَلَى اللّهِ أَو رَدَّ عَلَى اللّهِ عز و جل . (4)
الكافي عن عليّ بن إبراهيم الهاشمي :سَمِعتُ أَبَا الحَسَنِ موسَى بنَ جَعفَرٍ عليهماالسلاميَقولُ :
.
ص: 178
لا يَكونُ شَيءٌ إِلّا ما شاءَ اللّهُ وأَرادَ وقَدَّرَ وقَضى . قُلتُ : ما مَعنى شاءَ ؟ قالَ : اِبتِداءُ الفِعلِ . قلُتُ : ما مَعنى قَدَّرَ ؟ قالَ : تَقديرُ الشَّيءِ مِن طولِهِ وعَرضِهِ. قُلتُ: ما مَعنى قَضى؟ قالَ: إِذا قَضى أَمضاهُ، فَذلِكَ الَّذي لا مَرَدَّ لَهُ. (1)
22 / 2خَصائِصُ الخِلقَةِ22 / 2 _ 1الحَقُّالكتاب«وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ عَ__لِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَ_دَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ » . (2)
.
ص: 179
22 / 2 _ 2الحُسنُالكتاب«الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقَهُ» . (1)
«فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَ__لِقِينَ » . (2)
«أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَ__لِقِينَ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ تَعالى : «أَحْسَنَ كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقَهُ» _: أَما إِنَّ اِستَ القِرَدَةِ لَيسَت بِحَسَنةٍ ولكِنَّهُ أَحكَمَ خَلقَها . (4)
مسند ابن حنبل عن الشريد :أَبصَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَجُلاً يَجُرُّ إِزارَهُ ، فَأَسرَعَ إِلَيهِ أَو هَروَلَ فَقالَ : اِرفَع إِزارَكَ وَاتَّقِ اللّهَ . قالَ : إِنّي أَحنَفُ تَصطَكُّ رُكبَتايَ . فَقالَ : اِرفَع إِزارَك ؛ فَإِنّ كُلَّ خَلقِ اللّهِ عز و جل حَسَنٌ . (5)
مسند ابن حنبل عن القاسم بن عبد الرحمن عن عمرو الأَنصاري ، قالَ :بَينا هُوَ يَمشي
.
ص: 180
قَد أَسبَلَ إِزارَهُ إِذ لَحِقَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقَد أَخَذَ بِناصِيَةِ نَفَسِهِ وهُوَ يَقولُ : اللّهُمَّ عَبدُكَ ابنُ عَبدِكَ ابنُ أُمَتِكَ . قالَ عَمرٌو : فَقُلتُ يا رَسولَ اللّهِ ، إِنّي رَجُلٌ حَمشُ السّاقَينِ . (1) فَقالَ : يا عَمرُو ، إِنَّ اللّهَ عز و جل قَد أَحسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ . (2)
جامع الأخبار :رُوِيَ أَنَّ نوحا عليه السلام مَرَّ عَلى كَلبٍ كَريهِ المَنظَرِ ، فَقالَ نوحٌ : ما أَقبَحَ هذَا الكَلبَ ! فَجَثَا الكَلبُ ، وقالَ بِلِسانٍ طَلقٍ ذَلقٍ (3) : إِن كُنتَ لا تَرضى بِخَلقِ اللّهِ فَحَوِّلني يا نَبِيَّ اللّهِ! فَتَحَيَّرَ نوحٌ عليه السلام وأَقبَلَ يَلومُ نَفسَهُ بِذلِكَ ، وناحَ عَلى نَفسِهِ أَربَعينَ سَنَةً ،حَتّى ناداهُ اللّه تَعالى : إِلى مَتى تَنوحُ يا نوحُ ، فَقَد تُبتُ عَلَيكَ . (4)
.
ص: 181
تحليل حول حُسن الخلقة«الحُسن» ضد «القبح» . يقول الراغب في معنى «الحُسن» : «الحسن عبارة عن كل مُبهجٍ مرغوبٍ فيه ، وذلك ثلاثة أَضرب : مستحسن من جهة العقل ، ومستحسن من جهة الهوى ، ومستحسن من جهة الحسّ» (1) . إِنّ هذا التقسيم للحُسن يقوم على أَساس الجهات المدركة التي تتلقى الحُسن في الإنسان . غير أَنَّ حقيقة الحُسن عبارة عن تناسق أَجزاء كلّ شيء مع بعضها ، وانسجام كلّ الأَجزاء مع ما هو خارج ذاته من هدف وغاية ، فجمالُ الوجه إذا على سبيل المثال يعني تناسب أَجزائه ، وحُسن العدالة يعني انسجامها مع هدف المجتمع المتمدّن ، حيث ينالُ كلّ ذي حقّ حقّه وقس على ذلك . إِمعان النظر في أَنواع المخلوقات من حيث تناسقها وتناسب أَجزائها وانطوائها على ما تحتاجه من تركيب وتجهيز بشكل كامل تام ، يجعل الباحث واثقا بأنّ كل واحد من هذه المخلوقات قد خُلق على أَفضل ما يمكن تصوره : «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَ__لِقِينَ » (2) .
.
ص: 182
من الممكن أَن نجد شيئا من الأَشياء ، ليس جميلاً في نظرنا بمقارنته بغيره ، لكنّه في الواقع جميل لنفسه وفي إِطار نظام الخليقة ، فقد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله في معرض حديثه عن قوله سبحانه : «الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقَهُ » : أما إنَّ إستَ القِرَدَةِ لَيسَت بِحَسَنَةٍ ولكِنَّهُ أحكَمَ خَلقَها (1) . إِنّ هذا المعنى ينسجم أَيضا مع المفهوم اللغوي لكلمة «أحْسَنَ» يقول الفيومي : أحسنت الشيء : عرفته وأتقنته (2) . على هذا الأساس فسّرت الفقرة «ما يحسن» من قول أمير المؤمنين عليه السلام : «قيمَةُ كُلِّ امرِئٍ ما يُحسِنُ» ب_ «ما يَعلَمُ» . قال الخليل بن أحمد الفراهيدي : أحثّ جملة على طلب العلم، قول عليّ بن أبي طالب: «قيمَةُ كُلِّ أمرِئٍ ما يُحسِنُ».
.
ص: 183
22 / 2 _ 3التَّجَدُّدُالكتابالخال_ق«يَسْ_ئلُهُ مَن فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ » . (1)
«وَ السَّمَاءَ بَنَيْنَ_هَا بِأَيْيْدٍ وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ » . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ تِعالى : «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ » _: مِن شَأنِهِ أَن يَغفِرَ ذَنبا ، ويُفَرِّجَ كَربا ، ويَرفَعَ قَوما ويَخفِضَ آخَرينَ . (3)
تفسير القمّي :قَوُلُهُ تَعالى : «يَسْ_ئلُهُ مَن فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ » قالَ : يُحيي ويُميتُ ، ويَرزُقُ ويَزيدُ ويَنقُصُ . (4)
22 / 2 _ 4الحُدوثُالكتاب«بَدِيعُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَ_حِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْ ءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ
.
ص: 184
عَلِيمٌ * ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ خَ__لِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ» . (1)
«قُلِ اللَّهُ خَ__لِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ وَ هُوَ الْوَ حِدُ الْقَهَّ_رُ » . (2)
«ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَ__لِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الكائِنُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وَالمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَيءٍ ، وَالكائِنُ بَعدَ فَناءِ كُلِّ شَيءٍ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، كُنتَ إِذ لَم تَكُن سَماءٌ مَبنِيَّةٌ ، ولا أَرضٌ مَدحِيَّةٌ (5) ، ولا شَمسٌ مُضيئَةٌ ، ولا لَيلٌ مُظلِمٌ ، ولا نَهارٌ مُضيءٌ ، ولا بَحرٌ لُجّيٌّ (6) ، ولا جَبَلٌ راسٍ ، ولا نَجمٌ سارٍ ، ولا قَمَرٌ مُنيرٌ ، ولا ريحٌ تَهُبُّ ، ولا سَحابٌ يَسكُبُ ، ولا بَرقٌ يَلمَعُ ، ولا رَعدٌ يُسَبِّحُ ، ولا روحٌ تَنَفَّسُ ، ولا طائِرٌ يَطيرُ ، ولا نارٌ تَتَوَقَّدُ ، ولا ماءٌ يَطَّرِدُ (7) ، كُنتَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وكَوَّنتَ كُلَّ شَيءٍ ، وقَدَرتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ ، وَابتَدَعتَ كُلَّ شَيءٍ . (8)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا يَموتُ ولا تَنَقضي عَجائِبُهُ ؛ لِأَ نَّهُ كُلَّ يَومٍ في
.
ص: 185
شَأنٍ منِ إِحداثِ بَديعٍ لَم يَكُن . (1)
الإمام الحسن عليه السلام :خَلَقَ الخَلقَ ، فَكانَ بَديئا بَديعاً اِبتَدَأَ مَا ابتَدَعَ . (2)
راجع : ج 4 ص 116 ح 4382.
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ اللّهُ عز و جل ولا شَيءَ غَيرُهُ . (3)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «بَدِيعُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ» _: أَي مُبدِعُهُما ومُنشِئُهُما بِعِلمِهِ ، ابتِداءً لا مِن شَيءٍ ولا عَلى مِثالٍ سَبَقَ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي كانَ إِذ لَم يَكُن شَيءٌ غَيرُهُ . (5)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ خِلوٌ مِن خَلقِهِ ، وخَلقُهُ خِلوٌ مِنهُ ، وكُلُّ ما وَقَعَ عَلَيهِ اسمُ شَيءٍ ما خَلا اللّهَ فَهُوَ مَخلوقٌ ، وَاللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ ، تَبارَكَ الَّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ . (6)
.
ص: 186
الإمام الكاظم عليه السلام :خالِقٌ إِذ لا مَخلوقَ ، ورَبٌّ إِذ لا مَربوبَ . (1)
عنه عليه السلام :كُلُّ شَيءٍ سِواهُ مَخلوقٌ . (2)
عنه عليه السلام :هُوَ القَديمُ وما سِواهُ مَخلوقٌ مُحدَثٌ . (3)
الإمام الجواد عليه السلام :يا ذَا الَّذي كانَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، ثُمَّ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ ، ثُمَّ يَبقى ويَفنى كُلُّ شَيءٍ . (4)
الإمام الهادي عليه السلام :إِنَّ الجِسمَ مُحدَثٌ وَاللّهُ مُحدِثُهُ ومُجَسِّمُهُ . (5)
راجع : ص 196 (اصول أزليّة) وج 5 ص 57 (الفصل الرابع والخمسون : القديم ، الأزليّ) و ص 65 (كان اللّه ولم يكن معه شيء) .
22 / 2 _ 5الخَلقُ الدَّفعِيُّالكتاب«وَ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ » . (6)
.
ص: 187
«إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْ_ئا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ » . (1)
«إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْ ءٍ إِذَا أَرَدْنَ_هُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ » . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :فَأَمَّا القُدرَةُ فَقَولُهُ تَعالى : «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْ ءٍ إِذَا أَرَدْنَ_هُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ » فَهذِهِ القُدرَةُ التّامَّةُ الَّتي لا يَحتاجُ صاحِبُها إِلى مُباشَرَةِ الأَشياءِ، بَل يَختَرِعُها كَما يَشاءُ سُبحانَهُ ، ولا يَحتاجُ إِلَى التَّرَوّي في خَلقِ الشَّيءِ ، بَل إِذا أَرادَهُ صارَ عَلى ما يُريدُهُ مِن تَمامِ الحِكمَةِ ، وَاستَقامَ التَّدبيرُ لَهُ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ ، وقُدرَةٍ قاهِرَةٍ بانَ بِها مِن خَلقِهِ . (3)
الإمام الرضا عليه السلام :إِنَّما أَمُرهُ كَلَمحِ البَصَرِ أَو هُوَ أَقرَبُ ، إِذا شاءَ شَيئا فَإِنَّما يَقولُ لَهُ : «كُن» ، فَيَكونُ بِمَشيئَتِهِ وإِرادَتِهِ ، ولَيسَ شَيءٌ مِن خَلقِهِ أَقرَبَ إِلَيهِ مِن شَيءٍ ، ولا شَيءٌ مِنهُ هُوَ أَبعَدَ مِنهُ مِن شَيءٍ . (4)
راجع : ص 192 (الرّويّة) و193 (الإحتيال) و195 (النّصب) و 199 (جوامع ما لم يكن في مبادِئ الخلقة) .
22 / 2 _ 6الخَلقُ التَّدريجِيُّالكتاب«إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَالأَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْ_لُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَ ت بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ تَبَارَكَ
.
ص: 188
اللَّهُ رَبُّ الْعَ__لَمِينَ » . (1)
راجع : يونس : 3 ، هود : 7 ، الفرقان : 59 ، السجدة : 4 ، ق : 38 ، الحديد : 4 .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :ولَو شاءَ أَن يَخلُقَها في أَقَلَّ مِن لَمحِ البَصَرِ لَخَلَقَ ، ولكِنَّهُ جَعَلَ الأَناةَ وَالمُداراةَ مِثالاً لِأُمَنائِهِ ، وإِيجابا لِلحُجُّةِ عَلى خَلقِهِ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ، وهُوَ مُستَولٍ عَلى عَرشِهِ ، وكانَ قادِرا عَلى أَن يَخلُقَها في طَرفَة عَينٍ ، ولكِنَّهُ عز و جل خَلَقَها في سِتَّةِ أَيّامٍ لِيُظهِرَ لِلمَلائِكَةِ ما يَخلُقُهُ مِنها شَيئا بَعدَ شَيءٍ ، وتَستَدِلَّ بِحُدوثِ ما يُحدَثُ عَلَى اللّهِ تَعالى ذِكرُهُ مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ . (3)
22 / 3ما لا يُوصَفُ بِهِ خالِقِيَّتُهُ22 / 3 _ 1الحاجَةُالإمام عليّ عليه السلام_ في تَنزيهِ اللّهِ سُبحانَهُ _: لَم تَخلُقِ الخَلقَ لِوَحشَةٍ ، ولَا استَعمَلتَهُم لِمَنفَعَةٍ . (4)
.
ص: 189
عنه عليه السلام :لَم يُكَوِّنها لِتَشديدِ سُلطانٍ ، ولا خَوفٍ مِن زَوالٍ ولا نُقصانٍ ، ولَا استِعانَةٍ عَلى ضِدٍّ مُناوٍ ، ولا نِدٍّ مُكاثِرٍ ، ولا شَريكٍ مُكابِرٍ . (1)
فاطمة عليهاالسلام :كَوَّنَها [ أَي الأَشياءَ ] بِقُدرَتِهِ ، وذَرَأَها بِمَشِيئَتِهِ مِن غَيرِ حاجَةٍ منهُ إِلى تَكويِنها . (2)
عنها عليهاالسلام :اِبتَدَعَ الأَشياءَ لا مِن شَيءٍ كانَ قَبلَها . . . مِن غَير حاجَةٍ منهُ إِلى تَكوينِها ، ولا فائِدَةٍ لَهُ في تَصويرِها ، إِلّا تَثبيتا لِحِكمَتِهِ ، وتَنبيها عَلى طاعَتِهِ ، وإِظهارا لَقُدرَتِهِ ، تَعَبُّدا لِبَرِيَّتِهِ ، وإِعزازا لِدَعوَتِهِ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ في طَلَبِ العَفوِ _: أَستَوهِبُكَ _ يا إِلهي _ نَفسِيَ الَّتي لَم تَخلُقها لِتَمتَنِعَ بِها مِن سُوءٍ ، أَو لتَطَرَّقَ بها إِلى نَفعٍ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :هُوَ الخالِقُ لِلأَشياءِ لا لِحاجَةٍ . (5)
الإمام الرضا عليه السلام :فَلَو كانَ خَلَقَ ما خَلَقَ لِحاجَةٍ مِنهُ لجازَ لِقائلٍ أَن يَقولَ : يَتَحَوَّلُ إِلى ما خَلَقَ لِحاجَتِهِ إِلى ذلِكَ ، ولكِنَّهُ عز و جل لَم يَخلُق شَيئا لِحاجَتِهِ ، ولَم يَزَل ثابِتا لا في شَيءٍ ولا عَلى شَيءٍ ، إِلّا أَنَّ الخَلقَ يُمسِكُ بَعضُهُ بَعضا ويَدخُلُ بَعضُهُ في بَعض ويَخرجُ مِنهُ ، وَاللّهُ تَقَدَّسَ بِقدرَتِهِ يُمسِكُ ذلِكَ كُلَّهُ ، ولَيسَ يَدخُلُ في شَيءٍ ولا
.
ص: 190
يَخرُجُ مِنهُ ولا يَؤودُهُ حِفظُهُ ولا يَعجِزُ عَن إِمساكِهِ ، ولا يَعرِفُ أَحَدٌ مِنَ الخَلقِ كَيفَ ذلِكَ إِلّا اللّهُ عز و جل ، ومَن أَطلَعَهُ عَلَيهِ مِن رُسُلِهِ وِأَهلِ سِرِّهِ وَالمُستَحفِظينَ لِأَمرِهِ وخُزّانِهِ القائِمينَ بِشَريعَتِهِ . (1)
التوحيد عن الحسن بن محمّد النوفلي_ في ذِكرِ مَجلِسِ الرِّضا عليه السلام مَعَ أَصحابِ المَقالاتِ _: فَقالَ عِمرانُ الصّابِئُ : أَخبِرني عَنِ الكائِنِ الأَوَّلِ وعَمّا خَلَقَ ؟ قالَ عليه السلام : سَأَلتَ فَافهَم ، أَمَّا الواحِدُ فَلَم يَزَل واحِدا كائِنا لا شَيءَ مَعَهُ ، بِلا حُدودٍ ولا أَعراضٍ ولا يَزالُ كذلِكَ ، ثُمَّ خَلَقَ خَلقا مُبتَدِعا مُختَلِفا بِأَعراضٍ وحُدودٍ مُختَلِفَةٍ ، لا في شَيءٍ أَقامَهُ ، ولا في شَيءٍ حَدَّهُ ، ولا عَلى شيءٍ حَذاهُ ، ولا مَثَّلَهُ لَهُ ، فَجَعَلَ مِن بَعدِ ذلِكَ الخَلقِ صَفوَةً وغَيرَ صَفوةٍ ، وَاختِلافا وَائتِلافا وأَلوانا وذَوقا وطَعما لا لِحاجَةٍ كانَت مِنُه إِلى ذلِكَ ، ولا لِفَضلِ مَنزِلَةٍ لَم يَبلُغها إِلّا بِهِ ، ولا رَأَى لِنَفسِهِ فيما خَلَقَ زِيادَةً ولا نُقصانا ، تَعقِلُ هذا يا عِمرانُ ؟ قالَ : نَعَم ، وَاللّهِ يا سَيِّدي . قالَ عليه السلام : وَاعلَم يا عِمرانُ ، أَنَّهُ لَو كانَ خَلَقَ ما خَلَقَ لِحاجَةٍ لَم يَخلُق إِلّا مَن يَستَعينُ بِه عَلى حاجَتِهِ ، ولَكانَ يَنبَغي أَن يَخلُقَ أَضعافَ ما خَلَقَ ؛ لِأنَّ الأَعوانَ كُلَّما كَثُروا كانَ صاحِبُهُم أَقوى ، وَالحاجَةُ يا عِمرانُ لا يَسَعُها ؛ لِأَنَّهُ لَم يُحدِث مِنَ الخَلقِ شَيئا إِلّا حَدَثَت فيهِ حاجَةٌ أُخرى . ولذلِكَ أَقولُ : لَم يَخلُقِ الخَلقَ لِحاجَةٍ ، ولكِن نَقَلَ بِالخَلقِ الحَوائِجَ بَعضِهِم إِلى بَعضٍ ، وفَضَّلَ بَعضَهُم عَلى بَعضٍ بِلا حاجَةٍ مِنهُ إِلى مَن فَضَّلَ ، ولا نِقمَةٍ مِنهُ
.
ص: 191
عَلى مَن أَذَلَّ ، فَلِهذا خَلَقَ . (1)
عنهم عليهم السلام :اللّهُمَّ يا ذَا القُدرَةِ الَّتي صَدَرَ عَنهَا العالَمُ مُكَوَّنا مَبروءا عَلَيها ، مَفطورا تَحتَ ظِلِّ العَظَمَةِ ، فَنَطَقَت شَواهِدُ صُنعِكَ فيهِ بِأَنَّكَ أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، مُكَوِّنُهُ وبارِئُهُ وفاطِرُهُ ، ابتَدَعتَهُ لا مِن شَيءٍ ، ولا عَلى شَيءٍ ، ولا في شَيءٍ ، ولا لِوَحشَةٍ دَخَلَت عَلَيكَ إِذ لا غَيرُكَ ، ولا حاجَةٍ بَدَت لَكَ في تَكوينِهِ ، ولَا استِعانَةٍ مِنكَ عَلَى الخَلقِ بَعدَهُ ، بَل أَنشَأتَهُ لِيَكونَ دَليلاً عَلَيكَ ، بِأَنَّكَ بائِنٌ مِنَ الصُّنعِ ، فَلا يُطيقُ المُنصِفُ لِعَقلِهِ إِنكارَكَ ، وَالمَوسومُ بِصِحَّةِ المَعرِفَةِ جُحُودَكَ . (2)
علل الشرائع عن عبد اللّه بن سلام :في صُحُفِ موسَى بنِ عِمرانَ عليه السلام : يا عِبادي ، إِنّي لَم أَخلُق لِأَستَكثِرَ بِهِم مِن قِلَّةٍ ، ولا لِانَسَ بِهِم من وَحشَةٍ ، ولا لِأَستَعينَ بِهِم عَلى شَيءٍ عَجَزتُ عَنهُ ، ولا لِجَرِّ مَنفَعَةٍ ولا لِدَفعِ مَضَرَّةٍ ، ولَو أَنَّ جَميعَ خَلقي مِن أَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ اجتَمَعوا عَلى طاعَتي وعِبادَتي لا يَفتُرونَ عَن ذلِكَ لَيلاً ولا نَهارا ما زادَ ذلِكَ في مُلكي شَيئا ، سُبحاني وتَعالَيتُ عَن ذلِكَ . (3)
22 / 3 _ 2العَبَثُالكتاب«أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَ_كُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ » . (4)
.
ص: 192
«مَا خَلَقْنَا السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلَا بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّا أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ » . (1)
«وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا بَ_طِلاً ذَ لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ » . (2)
«وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا لَ_عِبِينَ » . (3)
راجع : آل عمران : 191 ، الأنعام : 73 ، الزمر : 5 ، الروم : 8 ، العنكبوت : 44 ، الحِجر : 85 ، الدخان : 39 ، الجاثية : 22 ، التغابن : 3 ، ص : 27 .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :ما خَلَقَ اللّهُ سُبحانَهُ أَمرأً عَبَثا فَيَلهُوَ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ : لِمَ خَلَقَ اللّهُ الخَلقَ ؟ _: إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَم يَخلُق خَلقَهُ عَبَثا ولَم يَترُكهُم سُدىً ، بَل خَلَقَهُم لِاءظهارِ قُدرَتِهِ ، ولِيُكَلِّفَهُم طاعَتَهُ ، فَيَستَوجِبوا بِذلِكَ رِضوانَهُ ، وما خَلَقَهُم لِيَجلِبَ مِنهُم مَنفَعَةً ، ولا لِيَدفَعَ بِهِم مَضَرَّةً ، بَل خَلَقَهُم لِيَنفَعَهُم ويوصِلَهُم إِلى نَعيمِ الأَبَدِ . (5)
22 / 3 _ 3الرَّوِيَّةُالإمام عليّ عليه السلام :خَلَقَ الخَلقَ مِن غَيرِ رَوِيَّةٍ ؛ إِذ كانَتِ الرَّوِيّاتُ لا تَليقُ إِلّا بِذَوِي
.
ص: 193
الضَّمائِرِ ، ولَيسَ بِذي ضَميرٍ في نَفسِهِ . (1)
عنه عليه السلام :أَنشَأَ الخَلقَ إِنشاءً ، وَابْتَدَأَهُ ابتِداءً ، بِلا رَوِيَّةٍ أَجالَها ، ولا تَجرِبَةٍ استَفادَها . (2)
22 / 3 _ 4الاِحتِيالُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :خَلَقَ ما خَلَقَ بِلا مَعونَةٍ مِن أَحَدٍ ، ولا تَكَلُّفٍ ولَا احتِيالٍ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :لَم يَذرَاَ الخَلقَ بِاحتِيالٍ . (4)
22 / 3 _ 5المِثالُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِبتَدَأَ مَا ابتَدَعَ ، وأَنشَأَ ما خَلَقَ عَلى غَيرِ مِثالٍ كانَ سَبَقَ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :اِبتَدَعَ ما خَلَقَ بِلا مِثالٍ سَبَقَ . (6)
عنه عليه السلام :خَلَقَ الخَلقَ عَلى غَيرِ تَمثيلٍ ، ولا مَشورَةِ مُشيرٍ ، ولا مَعونَةِ مُعينٍ ، فَتَمَّ خَلقُهُ
.
ص: 194
بِأَمرِهِ ، وأَذعَنَ لِطاعَتِهِ فَأَجابَ . (1)
عنه عليه السلام :الَّذِي ابتَدَعَ الخَلقَ عَلى غَيرِ مِثالٍ امتَثَلَهُ ، ولا مِقدارٍ احتَذى عَلَيهِ مِن خالِقٍ مَعبودٍ كانَ قَبلَهُ . (2)
فاطمة عليهاالسلام :وأَنشَأَها [ أَي الأَشياءَ ] بِلَا احتِذاءِ أَمثِلَةٍ اِمتَثَلَها . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، الَّذي أَنشَأتَ الأَشياءَ مِن غَيرِ سِنخٍ ، وصَوَّرتَ ما صَوَّرتَ مِن غَيرِ مِثالٍ ، وَابتَدَعتَ المُبتَدَعاتِ بِلَا احتِذاءٍ . (4)
الإمام الباقر عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «بَدِيعُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ» _: إِنَّ اللّهَ عز و جل ابتَدَعَ الأَشياءَ كُلَّها بِعِلمِهِ عَلى غَيرِ مِثالٍ كانَ قَبلَهُ ، فَابتَدَعَ السَّماواتِ وَالأَرَضينَ ولَم يَكُن قَبلَهُنَّ سَماواتٌ ولا أَرَضونَ . (5)
22 / 3 _ 6الجارِحَةُالإمام عليّ عليه السلام :صانِعٌ لا بِجارِحَةٍ . (6)
راجع : ج 5 ص 117 ح 5182 .
.
ص: 195
22 / 3 _ 7النَّصَبُالكتاب«وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ مَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ » . (1)
«إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ لِلّهِ المَعروفِ مِن غَيرِ رُؤيَةٍ ، وَالخالِقِ مِن غَيرِ مَنصَبةٍ ، خَلَقَ الخَلائِقَ بِقُدرَتِهِ . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ لِلّهِ ... الخالِقِ لا بِمَعنى حَرَكَةٍ ونَصَبٍ . (4)
عنه عليه السلام :لا يَؤودُهُ خَلقُ ما ابتَدَأَ . (5)
عنه عليه السلام :اِبتَدَعَ ما خَلَقَ ، بِلا مِثالٍ سَبَقَ ولا تَعَبٍ ولا نَصَبٍ . (6)
.
ص: 196
22 / 3 _ 8التَّغييرُالإمام الرضا عليه السلام_ لِمَن قالَ لَهُ : يا سَيِّدي أَلا تُخبِرُني عَنِ الخالِقِ إِذا كانَ واحِدا لا شَيءَ غَيرُهُ ولا شَيءَ مَعَهُ ، أَلَيسَ قَد تَغَيَّرَ بِخَلقِهِ الخَلقَ ؟ قال _: لَم يَتَغَيَّر عز و جل بِخَلقِ الخَلقِ ، ولكِنَّ الخَلقَ يَتَغَيَّرُ بِتَغييرِهِ . (1)
22 / 3 _ 9أُصولٌ أَزَلِيَّةٌالإمام عليّ عليه السلام :لَم يَخلُقِ الأَشياءَ مِن أُصولٍ أَزَلِيَّةٍ ولا مِن أَوائِلَ أَبَدِيَّةٍ ، بَل خَلَقَ ما خَلَقَ ، فَأَقامَ حَدَّهُ ، وصَوَّرَ ما صَوَّرَ فَاَسَنَ صورَتَهُ . (2)
عنه عليه السلام :لَم يَزَل رَبُّنا مُقتَدِرا عَلى ما يَشاءُ ، مُحيطا بِكُلِّ الأَشياءِ، ثُمَّ كَوَّنَ ما أَرادَ بِلا فِكرَةٍ حادِثَةٍ أَصابَ ، ولا شُبهَةٍ دَخَلَت عَلَيهِ فيما أَرادَ ، وإِنَّهُ عز و جل خَلَقَ نورا اِبتَدَعَهُ مِن غَيرِ شَيءٍ ، ثُمَّ خَلَقَ مِنهُ ظُلمَةً ، وكانَ قَديرا أَن يَخلُقَ الظُّلمَةَ لا مِن شَيءٍ كَما خَلَقَ النُّورَ مِن غَيرِ شَيءٍ . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ لِلّهِ الواحِدِ الأَحَدِ الصَّمَدِ المُتَفَرِّدِ ، الَّذي لا مِن شَيءٍ كانَ ، ولا مِن شَيءٍ
.
ص: 197
خَلَقَ ما كانَ . . . وكُلُّ صانِعِ شَيءٍ فَمِن شَيءٍ صَنَعَ ، وَاللّهُ لا مِن شَيءٍ صَنَعَ ما خَلَقَ . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَم يَزَل عالِما قَديما ، خَلَقَ الأَشياءَ لا مِن شَيءٍ ، ومَن زَعَمَ أَنَّ اللّهَ تَعالى خَلَقَ الأَشياءَ مِن شَيءٍ فَقَد كَفَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَو كانَ ذلِكَ الشَّيءُ الَّذي خَلَقَ مِنهُ الأَشياءَ قَديما مَعَهُ في أَزَلِيَّتِهِ وهُوِيَّتِهِ كانَ ذلِكَ الشَّيءُ أَزَلِيّا ، بَل خَلَقَ اللّهُ تَعالى الأَشياءَ كُلَّها لا مِن شَيءٍ . (2)
عنه عليه السلام_ حينَ سُئِلَ عَنِ الشَّيءِ خَلَقَهُ مِن شَيءٍ أَو مِن لا شَيءٍ؟ _: خَلَقَ الشَّيءَ لا مِن شَيءٍ كانَ قَبلَهُ ، ولَو خَلَقَ الشَّيءَ مِن شَيءٍ إِذا لَم يَكُن لَهُ انقِطاعٌ أَبَدا ، ولَم يَزَلِ اللّهُ إِذا ومَعَهُ شَيءٌ ، ولكِن كانَ اللّهُ ولا شَيءَ مَعَهُ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :لا يُكَوِّنُ الشَّيءَ لا مِن شَيءٍ إِلَا اللّهُ ، ولا يَنقُلُ الشَّيءَ مِن جَوهَرِيَّتِهِ إِلى جَوهَرٍ آخَرَ إِلَا اللّهُ ، ولا يَنقُلُ الشَّيءَ مِنَ الوُجودِ إِلَى العَدَمِ إِلَا اللّهُ . (4)
فاطمة عليهاالسلام :اِبتَدَعَ الأَشياءَ لا مِن شَيءٍ كانَ قَبلَها . (5)
الاحتجاج_ في ذِكرِ حِوارِ الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام مع زِنديقٍ _: قالَ الزِّنديقُ : مِن أَيِّ شَيءٍ خَلَقَ اللّهُ الأَشياءَ؟
.
ص: 198
قالَ عليه السلام : مِن لا شَيءٍ . فَقالَ : كَيفَ يَجيءُ مِن لا شَيءٍ شَيءٌ ؟ قالَ عليه السلام : إِنَّ الأَشياءَ لا تَخلو أَن تَكون خُلِقَت مِن شَيءٍ أَو مِن غَيرِ شَيءٍ ، فَإن كانَت خُلِقَت مِن شَيءٍ كانَ مَعَهُ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ الشَّيءَ قَديمٌ ، وَالقَديمُ لا يَكونُ حَديثا ولا يَفنى ولا يَتَغَيَّرُ ، ولا يَخلو ذلِكَ الشَّيءُ مِن أَن يَكونَ جَوهَرا واحِدا ولَونا واحِدا ؛ فَمِن أَينَ جاءَت هذِهِ الأَلوانُ المُختَلِفَةُ ، وَالجَواهِرُ الكَثيرَةُ الموَجودَةُ في هذَا العالَمِ مِن ضُروبٍ شَتّى ؟ ومِن أَينَ جاءَ المَوتُ إِن كانَ الشَّيءُ الَّذي أُنشِئَت مِنهُ الأَشياءُ حَيّا ؟ ومِن أَينَ جاءَت الحَياةُ إِن كانَ ذلِكَ الشَّيءُ مَيِّتا ؟ ولا يَجوزُ أَن يكَونَ مِن حَيٍّ ومَيِّتٍ قَديمَينِ لَم يَزالا ؛ لِأَنَّ الحَيَّ لا يَجيءُ مِنهُ مَيِّتٌ وهُوَ لَم يَزَل حَيّا ، ولا يجَوزُ أَيضا أن يَكونَ المَيِّتُ قَديما لَم يَزَل بِما هُوَ بِهِ مِنَ المَوتِ ؛ لِأَنَّ المَيِّتَ لا قُدرَةَ لَهُ ولا بقَاءَ . قالَ : فَمِن أَينَ قالوا : إِنَّ الأَشياءَ أَزَلِيَّةٌ ؟ قالَ : هذِهِ مَقالَةُ قوَمٍ جَحَدوا مُدَبِّرَ الأَشياءِ ، فَكَذَّبُوا الرُّسُلَ ومَقالَتَهُم ، وَالأَنبِياءَ وما أَنبَؤوا عَنهُ وسَمَّوا كُتُبَهُم أَساطيرَ ، ووَضَعُوا لِأَنفُسِهِم دينا بِآرائِهِم وَاستِحسانِهِم . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ فاطِرِ الأَشياءِ إِنشاءً ، ومُبتَدِعِها ابتِداعا بِقُدرَتِهِ وحِكمَتِهِ ، لا مِن شَيءٍ فَيَبطُلَ الاِختِراعُ ، ولا لِعِلَّةٍ فَلا يَصِحَّ الاِبتِداعُ . (2)
.
ص: 199
أبو الحسن عليه السلام :إِنَّ كُلَّ صانِعِ شَيءٍ فَمِن شَيءٍ صَنَعَ ، وَاللّهُ الخالِقُ اللَّطيفُ الجَليلُ خَلَقَ وصَنَعَ لا مِن شَيءٍ . (1)
راجع : ص 183 (الحدوث) و35 (معنى أوّلية اللّه وآخِريّته) و ج 5 ص 65 (كان اللّه ولم يكن معه شيء) .
22 / 3 _ 10جَوامِعُ مالَم يَكُن في مَبادِئِ الخِلقَةِالإمام عليّ عليه السلام :سبُحانَ الَّذي لا يَؤُودُهُ خَلقُ مَا ابتَدَأَ ، ولا تَدبيرُ ما بَرَأَ ، ولا مِن عَجزٍ ولا مِن فَترَةٍ بِما خَلَقَ اكتَفى ، عَلِمَ ما خَلَقَ وخَلَقَ ما عَلِمَ ، لا بِالتَّفكيرِ في عِلمٍ حادِثٍ أَصابَ ما خَلَقَ ، ولا شُبهَةٍ دَخَلَت عَلَيهِ فيما لَم يَخلُق ، لكِن قَضاءٌ مُبرَمٌ وعِلمٌ مُحكَمٌ وأَمرٌ مُتقَن . (2)
عنه عليه السلام :إِنَّما صَدَرَتِ الأُمورُ عَن مَشيئَتِهِ ، المُنشِئُ أَصنافَ الأَشياءِ بِلا رَوِيَّةِ فِكرٍ آلَ إِلَيها ، ولا قَريحَةِ غَريزَةٍ أَضمَرَ عَلَيها ، ولا تَجرِبَةٍ أَفادَها مِن حَوادِثِ الدُّهورِ ، ولا شَريكٍ أَعانَهُ عَلَى ابتِداعِ عَجائِبِ الأُمورِ ، فَتَمَّ خَلقُهُ بِأَمرِهِ ، وأَذعَنَ لِطاعَتِهِ ، وأَجابَ إِلى دَعوَتِهِ ، لَم يَعتَرِض دونَهُ رَيثُ المُبطِىَ، ولا أَناةُ المُتَلَكِّىَ، فَأَقامَ مِنَ الأَشياءِ أَوَدَها ، ونَهَجَ حُدودَها ، ولاءَمَ بِقُدرَتِهِ بَينَ مُتضادِّها ، ووَصَلَ أَسبابَ قَرائِنِها ، وفَرَّقَها أَجناسا مُختَلِفاتٍ فِي الحُدودِ وَالأَقدارِ ، وَالغَرائِزِ وَالهَيئاتِ ، بَدايا خَلائِقَ أَحكَمَ
.
ص: 200
صُنعَها ، وفَطَرَها عَلى ما أَرادَ وَابتَدَعَها ! (1)
عنه عليه السلام :أَنشَأَ الخَلقَ إِنشاءً ، وَابتَدَأَهُ ابِتداءً ، بِلا رَوِيَّةٍ أَجالَها ، ولا تَجرِبَةٍ اِستَفادَها ، ولا حَرَكَةٍ أَحدَثَها ، ولا هَمامَةِ نَفسٍ اِضطَرَبَ فيها . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، الَّذي أَنشَأتَ الأَشياءَ مِن غَيرِ سِنخٍ ، وصَوَّرتَ ما صَوَّرتَ مِن غَيرِ مِثالٍ ، وَابتَدَعتَ المُبتَدَعاتِ بِلَا احتِذاءٍ ، أَنتَ الَّذي قَدَّرتَ كُلَّ شَيءٍ تَقديرا ، ويَسَّرتَ كُلَّ شَيءٍ تَيسيرا ، ودَبَّرتَ ما دونَكَ تَدبيرا ، وأَنتَ الَّذي لَم يُعِنكَ عَلى خَلقِكَ شَريكٌ ، ولَم يُؤازِركَ في أَمرِكَ وَزيرٌ ، ولَم يَكُن لَكَ مُشاهِدٌ ولا نَظيرٌ . (3)
الإمام الرضا عليه السلام :لَهُ مَعنَى الرُّبوبِيَّةِ إِذ لا مَربوبَ ، وحَقيقَةُ الإِلهِيَّةِ إِذ لا مَألوهَ ، ومَعنَى العالِمِ ولا مَعلومَ ، ومَعنَى الخالِقِ ولا مَخلوقَ ، وتَأويلُ السَّمعِ ولا مَسموعَ ، لَيسَ مُنذُ خَلَقَ استَحَقَّ مَعنَى الخالِقِ ، ولا بِإِحداثِهِ البَرايا استَفادَ مَعنَى البارِئِيَّةِ ، كَيفَ ولا تُغَيِّبُهُ مُذ ، ولا تُدنيهِ قَد ، ولا تَحجُبُهُ لَعَلَّ ، ولا تُوَقِّتُهُ مَتى ، ولا تَشمُلُهُ حينَ ، ولا تُقارِنُهُ مَعَ ، إِنَّما تَحُدُّ الأَدَواتُ أَنفُسَها ، وتُشيرُ الآلَةُ إِلى نَظائِرِها . (4)
راجع : ج 5 ص 29 (الفصل التاسع والأربعون : الفاطر) و ص33 (الفصل الخمسون : الفاعل، الفعّال) ، ج 3 ص 397 (التوحيد في الخالقية) .
.
ص: 201
الفصل الثالث والعشرون: الخبي_رالخبير لغةًالخبير في اللغة فعيل بمعنى فاعل من مادّة «خبر» وهو يدلّ على علم ، فالخبير بمعنى «عليم» (1) ، وقد ذهب ابن الأَثير إِلى أَنّه العالم بما كان وبما يكون وعارف بحقيقة الشيء. (2) وفي ضوء ذلك يُلاحظ في اسم «الخبير» عناية مطلقة .
الخبير في القرآن والحديثلقد ذكر القرآن الكريم صفة «الخبير» إِلى جانب صفة «اللطيف» خمس مرّات ، وإِلى جانب صفة «الحكيم» أَربع مرّات ، ومع صفة «العليم» أَربع مرّات أَيضا ، وقد بيّن القرآن الكريم كون اللّه _ جلّ وعلا _ خبيرا بالإنسان وبأعماله وذنوبه في ثلاثين موضعا ، وأَمّا صفة «الخبير» من دون أَن تقرن بصفة أُخرى فقد جاءت في مورد واحد فقط في الآية الرابعة عشرة من سورة فاطر .
.
ص: 202
لقد وردت صفة «الخبير» في الأَحاديث بمعنى «الَّذي لا يَعزُبُ عَنهُ شَيءٌ ولا يَفوتُهُ» ، و «الَّذي يَعلَمُ السِّرَّ وأَخفى» ممّا يدلّ على العلم المطلق العميق .
23 / 1الخَبيرُ البَصيرُ«إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا» . (1)
23 / 2الحَكيمُ الخَبيرُ«عَ__لِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَ_دَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ» . (2)
23 / 3اللَّطيفُ الخَبيرُ«لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » . (3)
23 / 4العُليمُ الخَبيرُ«إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير » . (4)
.
ص: 203
23 / 5الخَبيرُ الّذي لا يَعزُبُ عَنهُ شَيءٌالإمام الرضا عليه السلام :أَمَّا الخَبيرُ فَالَّذي لا يَعزُبُ عَنهُ شَيءٌ ولا يَفوتُهُ ، لَيسَ لِلتَّجرِبَةِ ولا لِلاِعتِبارِ بِالأَشياءِ ، فَعِندَ التَّجرِبَةِ وَالاِعتِبارِ عِلمانِ ولَولاهُما ما عُلِمَ ؛ لِأَنَّ مَن كانَ كَذلِكَ كانَ جاهِلاً ، وَاللّهُ تَعالى لَم يَزَل خَبيرا بِما يَخلُقُ ، وَالخَبيرُ مِنَ النّاسِ المُستَخبِرُ عَن جَهلِ المُتَعَلِّمِ ، فَقَد جَمَعَنَا الاِسمُ وَاختَلَفَ المَعنى . (1)
عنه عليه السلام :لَم يَكُن قِوامُ الخَلقِ وصَلاحُهُم إِلّا بِالإِقرارِ مِنهُم بِعَليمٍ خَبيرٍ ، يَعلَمُ السِّرَّ وأَخفى ، آمِرٌ بِالصَّلاحِ ، ناهٍ عَنِ الفَسادِ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبِحَمدِكَ ... أَنتَ ... خَبيرٌ لا يَذهَلُ . (3)
راجع : ص 325 (الفصل الحادي والأربعون : العالم ، العليم) .
.
ص: 204
. .
ص: 205
الفصل الرابع والعشرون: الرّازق، الرّزّاقالرزّاق والرازق لغةً«الرزّاق» فعّال من أَبنية المبالغة ، وهو مبالغة في «الرازق» . ويستعمل «الرزق» في اللغة بالمعنى العام «للعطاء» و «ما يُنتفَع به» حينا (1) ، وبالمعنى الخاصّ «ما به قوام الجسم و نماؤه» حينا آخر (2) .
الرزّاق والرازق في القرآن والحديثلقد جاءت مشتقّات مادّة «رزق» في القرآن الكريم قُرابة سبعين مرّةً ، ووُصف تعالى بأنّه «هُوَ الرَّزَّاقُ» (3) أَو «خَيْرُ الرَّ زِقِينَ» (4) أَو «يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» (5) . وبيّنت الأَحاديث رازقيّة اللّه بشكل مطلق عام : «رازق كلّ مرزوق» ، «رازق العاصي والمطيع» .
.
ص: 206
إِنّ أَلفاظ القرآن والأَحاديث بشأن رزّاقيّة اللّه سبحانه و رازقيّته تُحمَل على المعنى العام لهاتين الصفتين ، أَي: «معطي العطاء وما يُنتفَع به» ، كما يُحمل على معناهما الخاصّ ، أَي: «مُعطي ما به قوام الشيء ونماؤه» وإِن كان المعنى الخاصّ أَقرب .
24 / 1هُوَ الرَّزّاقُ«مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَ مَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ » . (1)
24 / 2خَيرُ الرَّازِقينَ«وَ إِذَا رَأَوْاْ تِجَ_رَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَ تَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجَ_رَةِ وَ اللَّهُ خَيْرُ الرَّ زِقِينَ » . (2)
24 / 3يَرزُقُكُم مِنَ السَّماءِ وَ الأَرضِ«يَ_أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَ__لِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ » . (3)
«قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَ إِنَّ_ا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَ_لٍ مُّبِينٍ ». (4)
.
ص: 207
«هُوَ الَّذِى يُرِيكُمْ ءَايَ_تِهِ وَ يُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَ مَا يَتَذَكَّرُ إِلَا مَن يُنِيبُ » . (1)
«وَ اخْتِلَ_فِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ تَصْرِيفِ الرِّيَ_حِ ءَايَ_تٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » . (2)
«وَ نَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَ_رَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّ_تٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ * وَ النَّخْلَ بَاسِقَ_تٍ لَّهَا طَ_لْعٌ نَّضِيدٌ * رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ وَ أَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَ لِكَ الْخُرُوجُ » . (3)
«قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَ الأَْبْصَ_رَ وَ مَن يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَ مَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ » . (4)
24 / 4رازِقُ كُلِّ مَرزوقٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ .. . يا رازِقَ كُلِّ مَرزوقٍ ، يا مَلِكَ كُلِّ مَملوكٍ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :سُبحانَ اللّهِ المَلِكِ الواحِدِ الحَميدِ .. . رازِقِ الأَرزاقِ ، وخالِقِ الأَخلاقِ. (6)
24 / 5رازِقُ البَشَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجوشَنِ الكَبيرِ _: يا مَن لا يَخفى عَلَيهِ أثَرٌ ، يا رازِقَ
.
ص: 208
البَشَرِ ، يا مُقَدِّرَ كُلِّ قَدَرٍ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ أَيضا _: اللّهُمَّ إِنّي أسأَ لُكَ بِاسمِكَ .. . يا عالِمَ السِّرِّ ، يا فالِقَ الحَبِّ ، يا رازِقَ الأَنامِ (2) . (3)
المصباح للكفعمي_ فِي الدُّعاءِ عِندَ اصفِرارِ الشَّمسِ إِلى غُروبِها _: اللّهُمَّ يا خالِقَ السَّقفِ المَرفوعِ ، وَالمِهادِ المَوضوعِ ، ورازِقَ العاصي وَالمُطيعِ ، الَّذي لَيسَ مِن دونِهِ وَلِيٌّ ولا شَفيعٌ. (4)
24 / 6رازِقُ المُقِلّينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا رازِقَ المُقِلّينَ ، يا راحِمَ المَساكينِ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا أَوَّلَ الأَوَّلينَ ، يا آخِرَ الآخِرينَ ، يا ذَا القُوَّةِ المَتينِ ، يا رازِقَ المَساكينِ. (6)
.
ص: 209
الفصل الخامس والعشرون: الرّؤوفالرَّؤوف لغةً«الرَّؤوف» فعول بمعنى فاعل من «رأَف». قال الصاحب بن عبّاد: الرأَفة : الرحمة (1) ، وقال الجوهريّ : الرأَفة : أَشدّ الرحمة (2) . وقال ابن الأَثير: في أَسماء اللّه تعالى «الرَّؤوف» هو الرَّحيم بعباده العطوف عليهم بأَلطافه ، والرأَفة أَرقّ من الرَّحمة ، ولا تكاد تقع في الكراهة ، والرَّحمة قد تقع في الكراهة للمصلحة (3) .
الرَّؤوف في القرآن والحديثورد اسم «الرَّؤوف» في القرآن الكريم إِحدى عشرة مرّةً ، فورد مضمون «بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ» مرّتين (4) ، ومضمون «رَءُوفُ بِالْعِبَادِ» مرّتين أيضا (5) ، ومضمون «بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» مرّة واحدة (6) ، ومضمون «بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» مرّة واحدة
.
ص: 210
أيضا (1) ، كما وردت مطلقة في أربع مواضع (2) . وبيّنت الأَحاديث خصائص عديدة لاسم الرَّؤوف ، بيد أَنّ النقطة المهمّة هي علاقة الرأَفة بالرَّحمة في الأَحاديث . فقد جاء في الأَدعية المأثورة : «يا رَؤوفا في رَحمَتِهِ» (3) ، «بِرَأَفَتِكَ أَرجو رَحمَتَكَ» (4) ، «أَسأَلُكَ بِرَحمَتِكَ الَّتي اشتَقَقتَها مِن رَأَفَتِكَ» (5) ، والظاهر من هذه الأَدعية أَنّ الرأَفة سبب للرحمة؛ فكلّ رأَفة معها رحمة وليس العكس ؛ لأَنّ الرأَفة أَشدّ وأَرقّ من الرَّحمة ، وينسجم هذا الموضوع مع ما قاله الجوهريّ ، وابن الأَثير أَيضا ، وقد نقلنا قوليهما سلفا .
25 / 1الرَّؤوفُ الرَّحيمُالكتاب«وأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ » . (6)
«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى الْأَرْضِ وَ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ » . (7)
«هُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ ءَايَ_ت بَيِّنَ_تٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّ_لُمَ_تِ إِلَى النُّورِ وَ إِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ » . (8)
.
ص: 211
«وَكَذَ لِكَ جَعَلْنَ_كُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَ مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَا إِلَا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَ إِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَ_نَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ » . (1)
«لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِىِّ وَ الْمُهَ_جِرِينَ وَ الْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ » . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنَّكَ قَد خَلَقتَ بِرَأَفَتِكَ أَقواما أَطاعوكَ فيما أَمَرتَهُم ، وعَمِلوا لَكَ فيما خَلَقتَهُم لَهُ ، فَإِنَّهُم لَم يَبلُغوا ذلِكَ إِلّا بِكَ ، ولَم يُوَفِّقهُم لَهُ غَيرُكَ ، يا كَريمُ كانَت رَحمَتُكَ لَهُم قَبلَ طاعَتِهِم لَكَ. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ رَبّي ومَولايَ وسَيِّدي وأَمَلي وإِلهي .. . لَكَ القُدرَةُ في أَمري ، وناصِيَتي بِيَدِكَ ، لا يَحولُ أَحَدٌ دونَ رِضاكَ ، بِرَأَفَتِكَ أَرجو رَحمَتَكَ ، وبِرَحمَتِكَ أَرجو رِضوانَكَ ، لا أَرجو ذلِكَ بِعَمَلي. (4)
الإمام الكاظم عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِهِشامٍ _: اِعلَم أَنَّ اللّهَ .. . لَم يَفرِجِ المَحزونينَ (5) بِقَدرِ حُزنِهِم ، ولكِن بِقَدرِ رَأَفَتِهِ ورَحمَتِهِ ، فَما ظَنُّكَ بِالرَّؤوفِ الرَّحيمِ الَّذي يَتَوَدَّدُ إِلى مَن يُؤذيهِ بِأَوليائِهِ ، فَكَيفَ بِمَن يُؤذى فيهِ! (6)
.
ص: 212
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ بَعدَ صَلاةِ جَعفَرٍ _: أَسأَ لُكَ بِرَحمَتِكَ الَّتِي اشتَقَقتَها مِن رَأَفَتِكَ ، وأَسأَ لُكَ بِرَأَفَتِكَ الَّتي اشتَقَقتَها مِن حِلمِكَ. (1)
الخضر عليه السلام_ في دُعائِهِ _: يا شامِخا مِن عُلُوِّهِ (2) ... ، يا رَؤوفا في رَحمَتِهِ. (3)
25 / 2رَؤوفٌ بِالعِبادِالكتاب«يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوف بِالْعِبَادِ » . (4)
«وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوف بِالْعِبَادِ » . (5)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الكَريمِ في مُلكِهِ ، القاهِرِ لِمَن فيهِ القادِرِ عَلى أَمرِهِ ، المَحمودِ في صُنعِهِ ، اللَّطيفِ بِعِلمِهِ الرَّؤوفِ بِعِبادِهِ ، المُستَأثِرِ في جَبَروتِهِ في عِزِّ جَلالِهِ وهَيبَتِهِ. (6)
.
ص: 213
عنه عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ .. . الرَّؤوفُ بِمَن رَجاهُ لِتَفريجِ هَمِّهِ. (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أُشهِدُكَ .. . أَنّي أَشهَدُ أَنَّكَ أَنتَ اللّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، قائِمٌ بِالقِسطِ ، عَدلٌ فِي الحُكمِ ، رَؤوفٌ بِالعِبادِ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: تَأَمَّل مِشفَرَ (3) الفيلِ وما فيهِ مِن لَطيفِ التَّدبيرِ ، فَإِنَّه يَقومُ مَقامَ اليَدِ في تَناوُلِ العَلَفِ وَالماءِ وَازدِرادِهِما (4) إِلى جَوفِهِ ، ولَولا ذلِكَ مَا استَطاعَ أَن يَتَناوَلَ شَيئا مِنَ الأَرضِ ؛ لِأَنَّهُ لَيسَت لَهُ رَقَبَةٌ يَمُدُّها كَسائِرِ الأَنعامِ ، فَلَمّا عَدِمَ العُنُقَ أُعِينَ مَكانَ ذلِكَ بِالخُرطومِ الطَّويلِ لِيُسدِلَهُ (5) فَيَتَناوَلَ بِهِ حاجَتَهُ ، فَمَن ذَا الَّذي عَوَّضَهُ مَكانَ العُضوِ الَّذي عَدِمَهُ ما يَقومُ مَقامَهُ إِلَا الرَّؤوفَ بِخَلقِهِ ، وكَيفَ يَكونُ هذا بِالإِهمالِ كَما قالَتِ الظَّلَمَةُ؟! (6)
25 / 3أَرأَفُ الأَرأَفينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعائِهِ بَعدَ الصَّلاةِ المَعروفَةِ بِالكامِلَةِ _: يا أَكرَمَ مِن كُلِّ كَريمٍ ، وأَرأَفَ مِن كُلِّ رَؤوفٍ ، وأعطَفَ مِن كُلِّ عَطوفٍ. (7)
.
ص: 214
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ. .. يا أَرأَفَ مَنِ استُغيثَ ، ويا أَكرَمَ مَن سُئِلَ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ. .. أَنتَ مَلجَأُ الخائِفِ الغَريقِ ، وأَرأَفُ مِن كُلِّ شَفيقٍ. (2)
الإمام الحسن عليه السلام :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَدعو بِهذَا الدُّعاءِ بَينَ كُلِّ رَكعَتَينِ مِن صَلاةِ الزَّوالِ : اللّهُمَّ أَنتَ أَكرَمُ مَأتِيٍّ وأَكرَمُ مَزورٍ ، وخَيرُ مَن طُلِبَ إِلَيهِ الحاجاتُ ، وأَجوَدُ مَن أَعطى ، وأَرحَمُ مَنِ استُرحِمَ ، وأَرأَفُ مَن عَفا. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: سُبحانَكَ مِن لَطيفٍ ما أَلطَفَكَ ، ورَؤوفٍ ما أَرأَفَكَ ، وحَكيمٍ ما أَعرَفَكَ! (4)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ. .. يا أَوسَعَ مَن جادَ وأَعطى ، ويا أَرأَفَ مَن مَلَكَ ، ويا أَقرَبَ مَن دُعِيَ. (5)
عنه عليه السلام :أَنتَ يا رَبِّ أَرحَمُ ، وبِعِبادِكَ أَعلَمُ ، وبِسُلطانِكَ أَرأَفُ ، وبِمُلكِكَ أَقدَمُ. (6)
الإمام العسكريّ عليه السلام :إِلهي مَسَّني وأَهلِيَ الضُّرُّ ، وأَنتَ أَرحَمُ الرّاحِمينَ ، وأَرأَفُ الأَرأَفينَ. (7)
.
ص: 215
25 / 4رَؤُوفٌ بأَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا رَؤوفا بِأَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ ، يا أللّهُ. (1)
25 / 5رَأفَتُهُ لا تَنفَدُالإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في وَداعِ شَهرِ رَمَضانَ _: اللّهُمَّ وما أَلمَمنا (2) بِهِ في شَهرِنا هذا مِن لَمَمٍ أَو إِثمٍ. .. فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وَاستُرنا بِسِترِكَ ، وَاعفُ عَنّا بِعَفوِكَ ، ولا تَنصِبنا فيهِ لِأَعيُنِ الشّامِتينَ ، ولا تَبسُط عَلَينا فيهِ أَلسُنَ الطّاغينَ ، وَاستَعمِلنا بِما يَكونُ حِطَّةً وكَفّارَةً لِما أَنكَرتَ مِنّا فيهِ ، بِرَأَفَتِكَ الَّتي لا تَنفَدُ ، وفَضلِكَ الَّذي لا يَنقُصُ. (3)
25 / 6رَأَفَتُهُ صَلاحُ أَمرِ المُذنِبينَالإمام الحسين عليه السلام :اللّهُمَّ .. . يا مَن أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلما ، ووَسِعَ المُستَقبِلينَ (4) رَأَفَةً وحِلما. (5)
.
ص: 216
الإمام زين العابدين عليه السلام :أَنا يا إِلهي ، أَكثَرُ ذُنوبا ، وأَقبَحُ آثارا ، وأَشنَعُ أَفعالاً ، وأَشَدُّ فِي الباطِلِ تَهَوُّرا ، وأَضعَفُ عِندَ طاعَتِكَ تَيَقُّظا ، وأَقَلُّ لِوَعيدِكَ انتِباها وَارتِقابا مِن أَن أُحصِيَ لَكَ عُيوبي ، أَو أَقدِرَ عَلى ذِكرِ ذُنوبي ، وإِنَّما أُوَبِّخُ (1) بِهذا نَفسي طَمَعا في رَأَفَتِكَ الَّتي بِها صَلاحُ أَمرِ المُذنِبينَ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :سُبحانَ مَنِ اعتَزَّ بِالعَظَمَةِ ، وَاحتَجَبَ بِالقُدرَةِ ، وَامتَنَّ بِالرَّحمَةِ .. . أَحاطَ بِكُلِّ الكُلِّ عِلما ، ووَسِعَ المُذنِبينَ رَأَفَةً وحِلما ، وأَبدَعَ ما بَرَأَ إِتقانا وصُنعا. (3)
25 / 7ما لا يُوصَفُ رَأَفَتُهُ بِهِالإمام عليّ عليه السلام :إِنَّ رَبّي ... جَليلُ الجَلالَةِ لا يُوصَفُ بِالغِلَظِ ، رَؤوفُ الرَّحمَةِ لا يُوصَفُ بِالرِّقَّةِ . (4)
.
ص: 217
الفصل السادس والعشرون: الرّبّالربُّ لغةًالربُّ صفة مشبهة من مادّة «ربب» والربّ في اللغة يطلق على المالك والسيّد والخالق والمصلح للشيء (1) . وقيل: اشتقّ «ربّ» من التربية ، يقال: رببته وربّيته بمعنى واحد (2) ، وعندما يطلق الربّ على غير اللّه في اللغة ، فإنّما يراد به بعض المعاني المذكورة . مثلاً: «ربّ القوم» بمعنى : سيّد القوم ، و«ربّ المال» بمعنى : مالك المال ، لكن علينا أَن نلاحظ المقصود منه بالنسبة إِلى اللّه تعالى .
الربُّ في القرآن والحديثالربُّ من الأَسماء الكثيرة التكرار في القرآن والأَحاديث ، فهو أَكثر استعمالاً في اللّه تعالى بعد اسم «اللّه » في القرآن الكريم ، وذُكر فيه ما يربو على تسعمئة مرّةٍ . وإِذا أَمعنّا النظر في استعمالات «الربّ» في القرآن والأَحاديث ، استبان لنا
.
ص: 218
أَنّ جميع المعاني الموجودة للربّ في اللغة يُقصَد منها ربوبيّة اللّه سبحانه ، وهكذا يتّضح أَنّ ربوبيّة اللّه بالنسبة إِلى الموجودات في العالم تعني أَنّه هو الذي خلَقَ العالم ، وهو مالكه وسيّده ومولاه الحقيقيّ ، وأَنّ إِصلاحه التكوينيّ والتشريعيّ له وحدَه _ جلّ شأنه _ ، وهذا المعنى للربّ يختصّ باللّه دون غيره ولا ينطبق على الموجودات الأُخرى .
26 / 1دَليلُ رُبوبِيَّتِهِالإمام عليّ عليه السلام :أَتقَنَ ما أَرادَ مِن خَلقِهِ مِنَ الأَشباحِ كُلِّها لا بِمِثالٍ سَبَقَ إِلَيهِ، ولا لُغوبٍ (1) دَخَلَ عَلَيهِ في خَلقِ ما خَلَقَ لَدَيهِ ، ابتَدَأَ ما أرادَ ابتِداءَهُ وأنشَأَ ما أَرادَ إِنشاءَهُ عَلى ما أَرادَ مِنَ الثَّقَلَينِ الجِنِّ وَالإِنسِ لِيَعرِفوا بِذلِكَ رُبوبِيَّتَهُ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :كَفى لِأُولِي الأَلبابِ بِخَلقِ الرَّبِّ المُسَخِّرِ ، ومُلكِ الرَّبِّ القاهِرِ ، وجَلالِ الرَّبِّ الظّاهِرِ ، ونُورِ الرَّبِّ الباهِرِ ، وبُرهانِ الرَّبِّ الصّادِقِ ، وما أَنطَقَ بِهِ أَلسُنَ العِبادِ ، وما أَرسَلَ بِهِ الرُّسُلَ ، وما أَنَزلَ عَلَى العِبادِ دَليلاً عَلَى الرَّبِّ . (3)
الإمام الصَّادق عليه السلام :العاقِلُ لِدَلالَةِ عَقلِهِ الَّذي جَعَلَهُ اللّهُ قِوامَهُ وزينَتَهُ وهِدايَتَهُ عَلِمَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الحَقُّ وأَنَّهُ هُوَ رَبُّهُ ، وعَلِمَ أَنَّ لِخالِقِهِ مَحَبَّةً وأَنَّ لَهُ كَراهِيَةً ، وأَنَّ لَهُ طاعَةً وأَنَّ لَهُ مَعصِيَةً . (4)
.
ص: 219
عنه عليه السلام :نَصَبَ لَهُم عُقوباتٍ فِي العاجِلِ وعُقوباتٍ فِي الآجِلِ ، ومَثوباتٍ فِي العاجِلِ ومَثوباتٍ فِي الآجِلِ ، لِيُرَغِّبَهُم بِذلِكَ فِي الخَيرِ ويُزَهِّدَهُم فِي الشَّرِّ ، ولِيُذِلَّهُم بِطَلَبِ المَعاشِ وَالمَكاسِبِ ، فَيَعلَموا بِذلِكَ أَنَّهُم مَربوبونَ وعِبادٌ مَخلوقونَ ، ويُقبِلوا عَلى عِبادَتِهِ فَيَستَحِقّوا بِذلِكَ نَعيمَ الأَبَدِ وجَنَّةَ الخُلدِ . (1)
الكافي عن محمّد بن زيد :جِئتُ إِلَى الرِّضا عليه السلام أَسأَلُهُ عَنِ التَّوحيدِ ، فَأَملى عَلَيَّ: الحَمدُ للّهِِ فاطِرِ الأَشياءِ إِنشاءً ومُبتَدِعِهَا ابتِداعا بِقُدرَتِهِ وحِكمَتِهِ ، لا مِن شَيءٍ فَيَبطُلَ الاِختِراعُ ولا لِعِلَّةٍ فَلا يَصِحَّ الاِبتِداعُ ، خَلَقَ ما شاءَ كَيفَ شاءَ مُتَوَحِّدا بِذلِكَ لِاءِظهارِ حِكمَتِهِ وحَقيقَةِ رُبوبِيَّتِهِ . (2)
26 / 2رَبُّ كُلِّ شَيءٍالكتاب«قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِى رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَىْ ءٍ» . (3)
«سُبْحَ_نَ رَبِّ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ» . (4)
«اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» . (5)
.
ص: 220
«إِنَّ إِلَ_هَكُمْ لَوَ حِدٌ * رَّبُّ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا بَيْنَهُمَا وَ رَبُّ الْمَشَ_رِقِ» . (1)
«فَبِأَىِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ * فَبِأَىِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ» . (2)
«فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَ_رِقِ وَ الْمَغَ_رِبِ إِنَّا لَقَ_دِرُونَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَ مَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ» . (3)
«وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً * رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً» . (4)
«الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» . (5)
راجع : الأنعام: 71 ، يونس: 37 ، الشعراء: 164 و 180 و 192 ، النمل: 8 و 44 ، القصص: 30 ، السجدة:2، الصافّات:87 و182، الزمر: 75، الزخرف: 46، الجاثية: 36، الواقعة:80 ، الحشر: 16 ، الحاقّة: 43 ، التكوير: 29 ، المطفّفين: 6 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ أَن يُعَلِّمَهُ دُعاءً يُوَسِّعُ اللّهُ بِهِ رِزقَهُ _: قُل: يا ماجِدُ يا واحِدُ ، يا كَريمُ يا دائِمُ ، أَتَوَجَّهُ إِلَيكَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحمَةِ صلى الله عليه و آله ، يا مُحَمَّدُ يا رَسولَ اللّهِ إِنّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى اللّهِ رَبِّكَ ورَبّي ورَبِّ كُلِّ شَيءٍ ... . (6)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا رَبَّ النَّبِيِّينَ وَالأَبرارِ ، يا رَبَّ الصِّدّيقينَ وَالأَخيارِ ، يا رَبَّ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، يا رَبَّ الصِّغارِ وَالكِبارِ ، يا رَبَّ الحُبوبِ وَالثِّمارِ ، يا رَبَّ الأَنهارِ وَالأَشجارِ ، يا رَبَّ الصَّحاري وَالقِفارِ ، يا رَبَّ البَراري وَالبِحارِ ، يا رَبَّ
.
ص: 221
اللَّيلِ وَالنَّهارِ ، يا رَبَّ الإِعلانِ وَالإِسرارِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله دَخَلَ عَلى رَجُلٍ مِن بَني هاشِمٍ وهُوَ يَقضي (2) ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قُل: لا إِلهَ إِلَا اللّهُ العَلِيُّ العَظيمُ ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ العَليمُ الكَريمُ ، سُبحانَ اللّهِ رَبِّ السَّماواتِ السَّبعِ ورَبِّ الأَرَضينَ السَّبعِ وما بَينَهُنَّ ورَبِّ العَرشِ العَظيمِ ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ. (3)
عنه عليه السلام :كانَ أَبي عليه السلام يَقولُ إِذا أَصبَحَ ... اللّهُمَّ رَبَّ المَشعَرِ الحَرامِ ، ورَبَّ البَلَدِ الحَرامِ ، ورَبَّ الحِلِّ وَالحَرامِ ، أَبلِغ مُحَمَّدا وآلَ مُحَمَّدٍ عَنِّي السَّلامَ ... سُبحانَ اللّهِ رَبِّ السَّماواتِ وَالأَرَضينَ وما بَينَهُما ورَبِّ العَرشِ العَظيمِ . (4)
عنه عليه السلام :مَن دَعا إِلَى اللّهِ أَربَعينَ صَباحا بِهذَا العَهدِ كانَ مِن أَنصارِ قائِمِنا عَلَيهِ السَّلامُ ، فَإِن ماتَ قَبلَهُ أَخرَجَهُ اللّهُ تَعالى مِن قَبرِهِ وأَعطاهُ اللّهُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ أَلفَ حَسَنَةٍ ومَحا عَنهُ أَلفَ سَيِّئَةٍ ، وهُوَ: اللّهُمَّ رَبَّ النُّورِ العَظيمِ، ورَبَّ الكُرسِيِّالرَّفيعِ، ورَبَّ البَحرِ المَسجورِ (5) ، ومُنزِلَ التَّوراةِ والإِنجيلِ وَالزَّبورِ ، ورَبَّ الظِّلِّ وَالحَرورِ ، ومُنزِلَ الفُرقانِ العَظيمِ ، ورَبَّ
.
ص: 222
المَلائِكَةِ المُقَرَّبينَ ، وَالأَنبِياءِ وَالمُرسَلينَ ، اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِوَجهِكَ الكَريمِ ، وبِنُورِ وَجهِكَ المُنيرِ ، وبِمُلكِكَ القَديمِ... . (1)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في وَداعِ شَهرِ رَمَضانَ _: يا رَبَّ لَيلَةِ القَدرِ وجاعِلَها خَيرا مِن أَلفِ شَهرٍ ، رَبَّ اللَّيّلِ وَالنَّهارِ ، وَالجِبالِ وَالبِحارِ ، وَالظُّلَمِ وَالأَنوارِ ، وَالأَرضِ وَالسَّماءِ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :اللّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبعِ وَالأَرَضينَ السَّبعِ وما فيهِنَّ وما بَينَهُنَّ ورَبَّ العَرشِ العَظيمِ ، ورَبَّ السَّبعِ المَثاني (3) وَالقُرآنِ العَظيمِ ، ورَبَّ إِسرافيلَ وميكائيلَ وجَبرَئيلَ ، ورَبَّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وأَهلِ بَيتِهِ... . (4)
26 / 3رَبٌّ إذ لا مَربوبَالإمام عليّ عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: كانَ رَبّا إِذ لا مَربوبَ ، وإِلها إِذ لا مَألوهَ وعالِما إِذ لا مَعلومَ ، وسَميعا إِذ لا مَسموعَ . (5)
.
ص: 223
عنه عليه السلام_ أَيضا _: عالِمٌ إِذ لا مَعلومَ ، ورَبٌّ إِذ لا مَربوبَ ، وقادِرٌ إِذ لا مَقدورَ . (1)
الإمام الكاظم عليه السلام_ أَيضا _: عالِمٌ إِذ لا مَعلومَ ، وخالِقٌ إِذ لا مَخلوقَ ، ورَبٌّ إِذ لا مَربوبَ ، وكَذلِكَ يوصَفُ رَبُّنا وفَوقَ ما يَصِفُهُ الواصِفونَ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام_ مِن كَلامِهِ فِي التَّوحيدِ _: لَهُ مَعنَى الرُّبوبِيَّةِ إِذ لا مَربوبَ ، وحَقيقَةُ الإِلهِيَّةِ إِذ لا مَألوهَ ، ومَعنَى العالِمِ ولا مَعلومَ ، ومَعنَى الخالِقِ ولا مَخلوقَ ، وتَأويلُ السَّمعِ ولا مَسموعَ . (3)
26 / 4رَبُّ الأَربابِالإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ بَديعَ السَّماواتِ وَالأَرضِ ، ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ ، رَبَّ الأَربابِ ، وإِلهَ كُلِّ مَألوهٍ ، وخالِقَ كُلِّ مَخلوقٍ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي أَصبَحنا وَالمُلكُ لَهُ ... يا مالِكَ المُلكِ ورَبَّ الأَربابِ وسَيِّدَ السّاداتِ . (5)
.
ص: 224
26 / 5صِفَةُ رُبوبِيَّتِهِالكتاب«سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِى خَلَقَ فَسَوَّى * وَ الَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى» . (1)
«يَ_أَيُّهَا الْاءِنسَ_نُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ» . (2)
«قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الْأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَ لِكَ رَبُّ الْعَ__لَمِينَ» . (3)
«اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَ السَّمَاءَ بِنَاءً وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَ_تِ ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَ__لَمِينَ * هُوَ الْحَىُّ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ فَ_ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ * قُلْ إِنِّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِىَ الْبَيِّنَ_تُ مِن رَّبِّى وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَ__لَمِينَ» . (4)
«قَالَ أَفَرَءَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّى إِلَا رَبَّ الْعَ__لَمِينَ * الَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ * وَ الَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ * وَ إِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَ الَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ * وَ الَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِي_ئتِى يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِى حُكْمًا وَ أَلْحِقْنِى بِالصَّ__لِحِينَ» . (5)
«قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَ_مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَىْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى فِى كِتَ_بٍ لَا يَضِلُّ رَبِّى وَ لَا يَنسَى» . (6)
.
ص: 225
«يَ_أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَ شًا وَالسَّمَاءَ بِنَ_اءً وَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَ تِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَ أَنتُمْ تَعْلَمُونَ» . (1)
«سُبْحَ_نَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» . (2)
«تَبَ_رَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِى الْجَلَ_لِ وَ الْاءِكْرَامِ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ المَلِكُ المُبينُ ... الأَوَّلُ غَيرُ مَصروفٍ (4) ، وَالباقي بَعدَ فَناءِ الخَلقِ ، العَظيمُ الرُّبوبِيَّةِ ، نُورُ السَّماواتِ وَالأَرَضينَ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ الَّذي لا يَتَعاظَمُكَ غُفرانُ الذُّنوبِ وكَشفُ الكُروبِ ، وأَنتَ عَلّامُ الغُيوبِ وساتِرُ العُيوبِ ؛ لِأَنَّكَ الباقِي الرَّحيمُ الَّذي تَسَربَلتَ (6) بِالرُّبوبِيَّةِ وتَوَحَّدتَ بِالإلهِيَّةِ . (7)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: فَأَحَقُّ ما أُقَدِّمُ إِلَيكَ قَبلَ ذِكرِ حاجَتي وَالتَّفَوُّهِ بِطَلِبَتي ، شَهادَتي بِوَحدانِيَّتِكَ ، وإِقراري بِرُبوبِيَّتِكَ ، الَّتي ضَلَّت عَنهَا الآراءُ وتاهَت فيهَا العُقولُ ، وقَصُرَت دونَهَا الأَوهامُ وكَلَّت عَنهَا الأَحلامُ ، وَانقَطَعَ دونَ كُنهِ مَعرِفَتِها
.
ص: 226
مَنطِقُ الخَلائِقِ ، وكَلَّتِ الأَلسُنُ عَن غايَةِ وَصفِها . (1)
الإمام الرضا عليه السلام_ لِرَجُلٍ مِنَ الزَّنادِقَةِ _: وَيلَكَ لَمّا عَجَزَت حَواسُّكَ عَن إِدراكِهِ أَنكَرتَ رُبوبِيَّتَهُ ، ونَحنُ إِذا عَجَزَت حَواسُّنا عَن إِدراكِهِ أَيقَنّا أَنَّهُ رَبُّنا بِخِلافِ شَيءٍ مِنَ الأَشياءِ . (2)
راجع : ج 3 ص 399 (التوحيد في الربوبية) .
.
ص: 227
الفصل السابع والعشرون: الرَّحمن ، الرَّحيمالرحمن ، الرحيم لغةً«الرحمن» في اللغة فعلان ، و«الرحيم» فعيل ، كلاهما صيغتان للمبالغة من مادّة «رحم» هو يدلّ على الرقّة والعطف والرأَفة (1) ، وعلى الرغم من أَنّ صيغتَي فعلان وفعيل من صيغ المبالغة إِلّا أَنّ فعلان أَبلغ من فعيل ، ومن ثمّ فدلالة الرحمن على الرحمة أَقوى من دلالة الرحيم (2) .
الرحمن والرحيم في القرآن والحديثذكر القرآن الكريم صفة «الرحيم» إِلى جانب صفة «الغفور» أحد وسبعين مرّةً ، ومع «العزيز» ثلاث عشرة مرّةً (3) ، ومع «التوّاب» تسع مرّات (4) ، ومع «الرؤوف»
.
ص: 228
كذلك (1) ، ومع «الرحمن» خمس مرّات (2) _ بالإضافة إِلى ورودهما معا في البسملة مئة وثلاثة عشر موضعا _ ومع كلّ من «الودود (3) » ، و «الربّ (4) » و«البرّ (5) » مرّةً واحدةً ، وذكر لفظ «كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا » مرّتين (6) ، و «كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» مرّة واحدةً (7) ، وقد نُسبت الرحمة إِلى اللّه عز و جل في مواضع كثيرة من القرآن الكريم. إِنّ صفة «الرحمن» في بعض الأَحاديث تدلّ على رحمته العامّة لجميع مخلوقاته ، أَمّا صفة «الرحيم» فهي تدلّ على رحمته الخاصّة التي تشمل المؤمنين: «الرَّحمنُ بِجَميعِ خَلقِهِ ، وَالرَّحيمُ بِالمُؤمِنينَ خاصَّةً» (8) ، وقد وردت تفاسير أُخرى لاسم «الرحمن» و«الرحيم» في الأَحاديث أيضا ، والملاحظة المهمّة في رحمة اللّه هي أَنّ الرحمة تُستعمل في الرقّة والتعطّف تارةً ، وفي أَثر الرقّة كالمغفرة تارةً أُخرى (9) ، بيد أنّ الرقّة لمّا كانت تدلّ على التغيّر والانفعال ، وذلك من أَوصاف المخلوقات الناقصة ، ولا ينطبق على الذات الالهيّة ، فالرحمة عندما تستعمل للّه فهي تعني أَفعالاً كالمغفرة وإِثابة العباد ، ورزقهم ، وهي من آثار الرقّة والرأَفة (10) .
.
ص: 229
27 / 1مَعنَى الرَّحمنِ وَالرَّحيمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ عيسَى بنَ مَريَمَ قالَ : الرَّحمنُ رَحمانُ الدُّنيا ، وَالرَّحيمُ رَحيمُ الآخِرَةِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءٍ عَلَّمَهُ اللّهُ إِيّاهُ _: يا رَحمانَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ورَحيمَهُما . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الرَّحمنُ الَّذي يَرحَمُ بِبَسطِ الرِّزقِ عَلَينا ، الرَّحيمُ بِنا في أَديانِنا ودُنيانا وآخِرَتِنا . (3)
عنه عليه السلام_ في كِتابِه إِلى قَيصَرَ _: وأَمّا سُؤالُكَ عَنِ الرَّحمنِ ، فَهُوَ عَونٌ لِكُلِّ مَن آمَنَ بِهِ ، وهُو اسمٌ لَم يَتَسمَّ بِهِ غَيرُ الرَّحمنِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ ، وأَمَّا الرَّحيمُ ، فَرَحيمُ مَن عَصى وتابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحا . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» _: . . . الرَّحمنُ
.
ص: 230
بِجمَيعِ خَلقِهِ ، وَالرَّحيمُ بِالمُؤمِنينَ خاصَّةً . (1)
الإمام العسكري عليه السلام_ فِي التَّفَسيرِ المَنسوبِ إِلَيهِ _: الرَّحمنُ العاطِفُ عَلى خَلقِهِ بِالرِّزقِ ، لا يَقطَعُ عَنُهم مَوادَّ رِزقِهِ وإِنِ انقَطَعوا عَن طاعَتِهِ . الرَّحيمُ بِعِبادِهِ المُؤمِنينَ في تخَفيفِهِ عَلَيهِم طاعاتِهِ ، وبِعِبادِهِ الكافِرينَ فِي الرِّفقِ بِهِم في دُعائِهِم إِلى موافَقَتِهِ . قالَ: وإِنَّ أَميرَالمُؤمِنينَ عليه السلام قالَ: الرَّحمنُ هُوَ العاطِفُ عَلى خَلقِهِ بِالرِّزقِ . (2)
27 / 2خَصائِصُ رَحمَتِهِ27 / 2 _ 1كَتَبَ عَلى نَفَسِهِ الرَّحمَةَالكتاب«وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِ_ئايَ_تِنَا فَقُلْ سَلَ_مٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءَا بِجَهَ__لَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ » . (3)
«قُل لِّمَن مَّا فِى السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ قُل لِّلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَ_مَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ » . (4)
.
ص: 231
الحديثمصباح المتهجّد_ في تَسبيحِ يَومِ الاِثنَينِ _: سُبحانَ الَّذي كَتَبَ عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ . (1)
بحار الأنوار_ في دُعاءِ الاستِئذانِ عَلَى السِّردابِ المُقَدَّسِ وَالأَئمَّةِ عليهم السلام _: سُبحانَ مَن كَتَبَ عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ قَبلَ ابتِداءِ خَلقِهِ . (2)
27 / 2 _ 2ذو رَحمَةٍ واسِعَةٍالكتاب«فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَ سِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ تَعالى لَيَعجَبُ مِن يَأسِ العَبدِ مِن رَحمَتِهِ ، وقُنوطِهِ مِن عَفوِهِ مَعَ عَظيمِ سَعَةِ رَحمَتِهِ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: إِنَّكَ تَسَمَّيتَ لِسَعَةِ رَحمَتِكَ الرَّحمنَ الرَّحيمَ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لَو تَعلَمونَ قَدرَ رَحمَةِ اللّهِ تَعالى لَاتَّكَلتُم عَلَيها . (6)
.
ص: 232
الإمام عليّ عليه السلام :كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إِذا نَزَلَ بِهِ كَربٌ أَو هَمٌّ دَعا : يا . . . رَحمانَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ورَحيمَهُمَا ، ارحَمني رَحمَةً تُغنيني بِها عَن رَحمَةِ مَن سِواكَ يا أَرحَمَ الرّاحِمينَ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أَوحَى اللّهُ عز و جل إِلى داوودَ عليه السلام : يا داوودُ ، كَما لا تَضيقُ الشَّمسُ عَلى مَن جَلَسَ فيها ، كَذلِكَ لا تَضيقُ رَحمَتي عَلى مَن دَخَلَ فيها . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :هُوَ الَّذِي اشتَدَّت نِقمَتُهُ عَلى أَعدائِهِ في سَعَةِ رَحمَتِهِ ، وَاتَّسَعَت رَحمَتُهُ لِأَولِيائِهِ في شِدَّةِ نِقمَتِهِ . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ لِلّهِ . . . الَّذي لا تَبرَحُ 4 مِنهُ رَحمَةٌ ، ولا تُفقَدُ لَهُ نِعمَةٌ . (4)
عنه عليه السلام :مُتَقَدِّسٌ بِعُلُوِّهِ ، مُتَكَبِّرٌ بِسُمُوِّهِ ، لَيسَ يُدرِكُهُ بَصَرٌ ، ولَم يُحِط بِهِ نَظَرٌ ، قَوِيٌّ مَنيعٌ ، بَصيرٌ سَميعٌ ، عَلِيٌّ حَكيمٌ ، رَؤُوفٌ رَحيمٌ ، عَزيزٌ عَليمٌ ، عَجَزَ في وَصفِهِ مَن يَصِفُهُ ، وضَلَّ في نَعتِهِ مَن يَعرِفُهُ ، قَرُبَ فَبَعُدَ وبَعُدَ فَقَرُبَ ، يُجيبُ دَعوَةَ مَن يَدعوهُ ، ويَرزُقُ عَبدَهُ ويَحبوهُ ، ذو لُطفٍ خَفِيٍّ ، وبَطشٍ قَوِيٍّ ، ورَحمَةٍ موسِعَةٍ ، وعُقوبَةٍ موجِعَةٍ ، رَحمَتُهُ جَنَّةٌ عَريضَةٌ مُؤنِقَةٌ ، وعُقوبَتُهُ جَحيمٌ مُؤصَدَةٌ موبِقَةٌ . (5)
.
ص: 233
الإمام زين العابدين عليه السلام :لا يَهلِكُ مُؤمِنٌ بَينَ ثَلاثِ خِصالٍ : شَهادَةِ أَن لا إِلهَ إِلّا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وشَفاعَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَسَعَةِ رَحمَةِ اللّهِ . (1)
عنه عليه السلام_ لَمّا قيلَ لَهُ يَوما : إِنّ الحَسَنَ البَصرِيَّ قالَ : لَيسَ العَجَبُ مِمَّن هَلَكَ كَيفَ هَلَكَ ، وإِنَّمَا العَجَبُ مِمَّن نَجا كَيفَ نَجا ، قالَ _: أَنَا أَقولُ : لَيسَ العَجَبُ مِمّن نَجا كَيفَ نَجا ، وإِنَّمَا العَجَبُ مِمّن هَلَكَ كَيفَ هَلَكَ مَعَ سَعَةِ رحمَةِ اللّهِ تَعالى! (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ في دُعاءِ شَهرِ رَجَبٍ _: يا مَن يُعطي مَن سَأَلَهُ ، يا مَن يُعطي مَن لَم يَسأَلهُ ومَن لَم يَعرِفهُ تَحَنُّنا مِنهُ ورَحمَةً . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام_ لِهِشامٍ _: اِعلَم أَنَّ اللّهَ لَم يَفرِجِ المَحزونينَ بِقَدرِ حُزنِهِم ، ولكِن بِقَدرِ رَأَفَتهِ ورَحمَتِهِ ، فَما ظَنُّكَ بِالرَّؤُوفِ الرَّحيمِ الَّذي يَتَودَّدُ إِلى مَن يُؤذيه بِأَوليائِهِ ، فَكَيفَ بِمَن يُؤذى فيهِ ، وما ظَنُّك بِالتَّوّابِ الرَّحيمِ الَّذي يَتوبُ عَلى مَن يُعاديهِ ، فَكَيفَ بِمَن يَتَرَضّاهُ ويَختارُ عَداوَةَ الخَلقِ فيهِ . (4)
27 / 2 _ 3وَسِعَت رَحمَتُهُ كُلَّ شَيءٍالكتاب«الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْ ءٍ رَّحْمَةً وَ عِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَ اتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ
.
ص: 234
الْجَحِيمِ » . (1)
«وَاكْتُبْ لَنَا فِى هَ_ذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الْاخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قالَ عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْ ءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَالَّذِينَ هُم بِ_ئايَ_تِنَا يُؤْمِنُونَ » . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِفتَخَرتِ الجَنَّةُ وَالنّارُ ، فَقالَتِ النّارُ : يا رَبِّ ، يَدخُلُنِي الجَبابِرَةُ وَالمُتَكَبِّرونَ وَالمُلوكُ وَالأَشرافُ . وقالَتِ الجَنَّةُ : أَي رَبِّ ، يَدخُلُنِي الضُّعفَاءُ وَالفُقَراءُ وَالمَساكينُ ، فَيَقولُ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لِلنّارِ : أَنتِ عَذابي أُصيبُ بِكِ مَن أَشاءُ ، وقالَ لِلجَنَّةِ : أَنتِ رَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ ، ولِكُلِّ واحِدَةٍ مِنكُما مِلؤُها . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إِلَيهِ _: يَسُرُّني مِنَ القُرآنِ كَلِمَةٌ أَرجوها لِمنَ أَسرَفَ عَلى نفَسِهِ «قالَ عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْ ءٍ» فَجَعَلَ الرَّحمَةَ عُموما وَالعذابَ خُصوصا . (4)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِرَحمَتِكَ الَّتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي الاِستِقالَةِ _: . . . أَنتَ الَّذي وَسِعتَ كُلَّ شَيءٍ رَحمَةً وعِلما ، وأَنتَ الَّذي جَعَلتَ لِكُلِّ مَخلوقٍ في نِعَمِكَ سَهما ، وأَنتَ
.
ص: 235
الَّذي عَفوُهُ أَعلى مِن عِقابِهِ ، وأَنتَ الَّذي تَسعى رَحمَتُهُ أَمامَ غَضَبِهِ ، وأَنتَ الَّذي عَطاؤُهُ أَكثَرُ مِن مَنعِهِ ، وأَنتَ الَّذِي اتَّسَعَ الخَلائِقُ كُلُّهُم في وُسعِهِ ، وأَنتَ الَّذي لا يَرغَبُ في جَزاءِ مَن أَعطاهُ ، وأَنتَ الَّذي لا يُفرِطُ في عِقابِ من عَصاهُ . (1)
27 / 2 _ 4سَبَقَت رَحمَتُهُ غَضَبَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ : يا آدَمُ . . . خَلَقتُ رَحمَتي قَبلَ غَضَبي . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ : سَبَقَت رَحمَتي غَضَبي . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ لَمّا قَضَى الخَلقَ كَتَبَ عِندَهُ فَوقَ عَرشِهِ : إِنَّ رَحمَتي سَبَقَت غَضَبي . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :وَاللّهُ تَعالى يَقولُ : وعِزَّتي وجَلالي وَارتِفاعِ مَكاني، إِنّي لا أُعَذِّبُ أَحَدا مِن خَلقي إِلّا بِحُجَّةٍ وبُرهانٍ وعِلمٍ وبَيانٍ ؛ لِأَنَّ رَحمَتي سَبَقَت غَضَبي ، وكَتَبتُ الرَّحمَةَ عَلَيَّ ؛ فَأَنَا الرّاحِمُ الرَّحيمُ ، وأَنَا الوَدودُ العَلِيُّ . (5)
المحجّة البيضاء :رُوِيَ أَنَّهُ إِذا كانَ يَومُ القِيامَةِ أَخرَجَ اللّهُ تعالى كِتابا مِن تَحتِ العَرشِ فيهِ : إِنَّ رَحمَتي سَبَقَت غَضَبي ، وأَنَا أَرحَمُ الرّاحِمينَ ، فَيَخرُجُ مِن النّارِ
.
ص: 236
مِثلا أَهلِ الجَنَّةِ . (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: أَنتَ الَّذي تَسعى رَحمَتُهُ أَمامَ غَضَبِهِ. (2)
الإمام الباقر عليه السلام :إِنَّ اللّهَ عز و جل . . . خَلَقَ الرَّحمَةَ قَبلَ الغَضَبِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: أَسأَ لُكَ . . . بِاسمِكَ الَّذي بِهِ سَبَقَت رحَمَتُكَ غَضَبَكَ . (4)
27 / 2 _ 5رَحمَتُهُ بابُ كُلِّ حَقٍّعيسى عليه السلام_ في مَواعِظِهِ _: رَحمَةُ اللّهِ بابُ كُلِّ حَقٍّ . (5)
27 / 2 _ 6كُلُّ رَحمَةٍ مِن فَضلِ رحمَتِهِبحار الأنوار عن صُحف إدريس عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي . . . بِرَحمَتِهِ وَصَلَ المُسلِمونَ إِلى رَحمَتِهِ . (6)
حلية الأولياء عن محمّد بن كعب القرظي :قَرَأتُ فِي التَّوراةِ أَو في صُحُفِ إِبراهيمَ الخَليلِ فَوَجَدتُ فيها : يَقولُ اللّهُ : يَا ابنَ آدَمَ ، ما أَنصَفتَني خَلَقتُكَ ولَم تَكُ شَيئا ، وجَعَلتُكَ بَشَرا سَوِيّا ، وخَلَقتُكَ مِن سُلالَةٍ مِن طينٍ ، فَجَعَلتُكَ نُطفَةً في قَرارٍ مَكينٍ . . .
.
ص: 237
ثُمَّ قَذَفتُ لَكَ في قَلبِ والِدِكَ الرَّحمَةَ . (1)
الإمام العسكري عليه السلام_ فِي التَّفسيرِ المَنسوبِ إِلَيهِ _: قالَ اللّهُ تَعالى : يا موسى ، أَتَدري ما بَلَغَت رَحمَتي (2) إِيّاكَ؟ فَقالَ موسى : أَنتَ أَرحَمُ بي مِن أَبي وأُمّي . قالَ اللّهُ تَعالى : يا موسى ، وإِنَّما رَحِمَتكَ أُمُّكَ لِفَضلِ رَحمَتي ؛ فَأَنَا الَّذي رَقَّقتُها عَلَيكَ ، وَطَيَّبتُ قَلبَها لِتَترُكَ طَيِّبَ وَسَنِها (3) لِتَربِيَتِكَ ، ولَو لَم أَفعَل ذلِكَ بِها لَكانَت هِيَ وسائِرُ النِّساءِ سَواءً . (4)
27 / 2 _ 7راحِمُ كُلِّ مَرحومٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا راحِمَ كُلِّ مَرحومٍ . (5)
27 / 2 _ 8راحِمُ مَنِ استَرحَمَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا راحِمَ مَنِ استَرحَمَهُ . (6)
.
ص: 238
عنه صلى الله عليه و آله :يَقولُ اللّهُ تَعالى : أُنظُروا في ديوانِ عَبدي ، فَمَن رَأَيتُموهُ سَأَلَنِي الجَنَّةَ أَعطَيتُهُ ، ومَنِ استَعاذَني مِنَ النّارِ أَعَذتُهُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :لا يُبعِدُ اللّهُ إِلّا مَن أَبَى الرَّحمَةَ ، وفارَقَ العِصمَةَ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: أَولَى الأُمورِ بِكَ في عَظَمَتِكَ رَحمَةُ مَنِ استَرحَمَكَ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إِذا طَلَبتُمُ الحاجَةَ فَمَجِّدُوا اللّهَ العَزيزَ الجَبّارَ وَامدَحوهُ وَأَثنوا عَلَيهِ . تَقولُ : يا أَجوَدَ مَن أَعطى ، ويا خَيرَ من سُئِلَ ، يا أَرحَمَ مَنِ استُرحِمَ. (4)
27 / 2 _ 9راحِمُ مَن لا راحِمَ لَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا راحِمَ مَن لا راحِمَ لَهُ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :يا مَن يَرحَمُ من لا يَرحَمُهُ العِبادُ . (6)
.
ص: 239
27 / 2 _ 10راحِمُ كُلِّ حَزينٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا أللّهُ يا رَحيمَ كُلِّ مُستَرحِمٍ ومَفزَعَ كُلِّ مَلهوفٍ (1) ، يا أللّهُ يا راحِمَ كُلِّ حَزينٍ يَشكو بَثَّهُ (2) وحُزنَهُ إِلَيهِ. (3)
المصباح في الأدعية :اللّهُمَّ أَنتَ الكاشِفُ لِلمُلِمّاتِ (4) ، وَالكافي لِلمُهِمّاتِ، وَالمُفَرِّجُ لِلكُرُباتِ ، وَالسّامِعُ لِلأَصواتِ ، وَالمُخرِجُ مِنَ الظُّلُماتِ ، وَالمُجيبُ لِلدَّعَواتِ ، الرَّاحِمُ لِلعَبَراتِ ، جَبّارُ السَّماواتِ وَالأَرضِ. (5)
27 / 2 _ 11راحِمُ المَساكينِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا رازِقَ المُقِلّينَ (6) ، يا راحِمَ المَساكينِ ، يا وَلِيَّ المُؤمِنينَ ، يا ذَا القُوَّةِ المَتينِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وأَهلِ بَيتِهِ. (7)
.
ص: 240
27 / 2 _ 12راحِمُ رَنَّةِ العَليلِالإمام الحسين عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لَيسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ .. . راحِمِ كُلِّ ضارِعٍ (1) ، ومُنزِلِ المَنافِعِ وَالكِتابِ الجامِعِ بِالنّورِ السَّاطِعِ ، وهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ ولِلدَّرَجاتِ رافِعٌ ، ولِلكُرُباتِ دافِعٌ ولِلجَبابِرَةِ قامِعٌ ، وَراحِمُ عَبرَةِ كُلِّ ضارِعٍ ودافِعُ ضَرعَةِ كُلِّ ضارِعٍ ، فَلا إِلهَ غَيرُهُ. (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :يا راحِمَ رَنَّةِ (3) العَليلِ ، ويا عالِمَ ما تَحتَ خَفِيِّ الأَنينِ ، اجعَلني مِنَ السالِمينَ في حِصنِكَ الَّذي لا تَرومُهُ الأَعداءُ ، ولا يَصِلُ إِلَيَّ فيهِ مَكروهُ الأَذى ، فَأَنتَ مُجيبُ مَن دَعا ، وراحِمُ مَن لاذَ بِكَ وشَكا ، أَستَعطِفُكَ عَلَيَّ ، وأَطلُبُ رَحمَتَكَ لِفاقَتي. (4)
27 / 2 _ 13الرّاحِمُ الغَفورُالإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ الوَلِيُّ المُرشِدُ ، وَالغَنِيُّ المُرفِدُ (5) ، وَالعَونُ المُؤَيِّدُ ، الرّاحِمُ الغَفورُ. (6)
.
ص: 241
27 / 2 _ 14أَرحَمُ الرّاحِمينَالكتاب«قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَ_فِظًا وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّ حِمِينَ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا أللّهُ يا أَرحَمَ الرّاحِمينَ ، يا سامِعَ كُلِّ صَوتٍ ، يا أَبصَرَ النّاظِرينَ ، يا أَسرَعَ الحاسِبينَ ، يا أَحكَمَ الحاكِمينَ ، يا خَيرَ الغافِرينَ ، يا خَيرَ الشّاكِرينَ ، يا خَيرَ الفاصِلينَ ، يا خَيرَ الرّازِقينَ ، يا رازِقَ المُقِلّينَ ، يا راحِمَ المُذنِبينَ ، يا مُقيلَ عَثرَةِ العاثِرينَ .. . أَنتَ المُستَعانُ. (2)
الأدب المفرد عن أبي هريرة :أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله رَجُلٌ ومَعَهُ صَبِيٌّ ، فَجَعَلَ يَضُمُّهُ إِلَيهِ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أَتَرحَمُهُ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَاللّهُ أَرحَمُ بِكَ مِنكَ بِهِ ، وهُوَ أَرحَمُ الرَّاحِمينَ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ الَّتي يَذكُرُ فيهَا الإيمانَ _: . . . اللّهَ اللّهَ ما أَوسَعَ ما لَدَيهِ مِنَ التَّوبَةِ وَالرَّحمَةِ وَالبُشرى وَالحِلمِ العَظيمِ ، وما أَنكَرَ ما لَدَيهِ مِنَ الأَنكالِ وَالجَحيمِ وَالعِزَّةِ وَالقُدرَةِ وَالبَطشِ الشَّديدِ ، فَمَن ظَفِرَ بِطاعَةِ اللّهِ اختارَ كَرامَتَهُ ،
.
ص: 242
ومَن لَم يَزَل في مَعصِيَةِ اللّهِ ذاقَ وَبيلَ نِقمَتِهِ . هُنالِكَ عُقبَى الدّارِ . (1)
عنه عليه السلام :البَرُّ الرَّحيمُ بِمنَ لَجأَ إِلى ظِلِّهِ وَاعتَصَمَ بِحَبلِهِ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ عِندَ الصَّباحِ وَالمَساءِ _: إِنَّكَ أَنتَ المَنّانُ (3) بِالجَسيمِ ، الغافِرُ لِلعَظيمِ ، وأَنتَ أَرحَمُ مِن كُلِّ رَحيمٍ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ الأَخيارِ الأَنجَبينَ... . (4)
الإمام الباقر عليه السلام :اللّهُمَّ ما قَدَّمتُ وما أَخَّرتُ ، وما أَغفَلتُ وما تَعَمَّدتُ وما تَوانَيتُ (5) ، وما أَعلَنتُ وما أَسرَرتُ ، فَاغفِرهُ لي يا أَرحَمَ الرّاحِمينَ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُ أَعظَمُ مِن كُلِّ شَيءٍ ، وأَرحَمُ مِن كُلِّ شَيءٍ ، وأَعلى مِن كُلِّ شَيءٍ ، وأَملَكُ مِن كُلِّ شَيءٍ ، و أَقدَرُ مِن كُلِّ شَيءٍ. (7)
الإقبال عن أبي عمرو محمّد بن محمّد بن نصر السكوني :سَألتُ أبابَكرٍ أحمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عُثمانَ البَغداديَّ أن يُخرِجَ إلَيَّ أدعِيَةَ شَهرِ رَمَضانَ الَّتي كانَ عَمُّهُ أبو جَعفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُثمانَ بنِ السَّعيدِ العَمرِيُّ ، فَأَخرَجَ إلَيَّ دَفتَرا مُجلَّدا بِأَحمَرَ ، فَنَسَختُ مِنهُ أدعِيَةً كَثيرَةً وكانَ مِن جُملَتِها : وتَدعو بِهذا الدُّعاءِ ... وأَيقَنتُ أَنَّكَ أَرحَمُ الرّاحِمينَ في مَوضِعِ العَفوِ وَالرّحمَةِ ، وأَشَدُّ المُعاقِبينَ في مَوضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ ، وأَعظَمُ
.
ص: 243
المُتَجَبِّرينَ في مَوضِعِ الكِبرياءِ وَالعَظَمَةِ (1) . (2)
27 / 2 _ 15خَيرُ الرّاحِمينَالكتاب«وَ قُل رَّبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنتَ خَيْرُ الرَّ حِمِينَ » . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أُشهِدُك أَنَّكَ لا إِلهَ إِلَا أَنتَ ، وأَنَّكَ الواحِدُ الصَّمَدُ .. . فَاغفِر لي وَارحَمني وأَنتَ خَيرُ الرّاحِمينَ. (4)
27 / 2 _ 16لا تولِهُهُ رَحمَةٌ عَن عِقابٍالإمام عليّ عليه السلام :لا تَحجُزُهُ هِبَةٌ عَن سَلبٍ ، ولا يَشغَلُهُ غَضَبٌ عَن رَحمَةٍ ، ولا تولِهُهُ (5) رَحمَةٌ عَن عِقابٍ . (6)
.
ص: 244
27 / 3ما لا يُوصَفُ رَحمَتُهُ بِهِالإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ الرَّحمَةَ وما يَحدُثُ لَنا مِنها شَفَقَةٌ ومِنها جودٌ ، وإِنَّ رَحمَةَ اللّهِ ثَوابُهُ لِخَلقِهِ ، وَالرَّحمَةُ مِنَ العِبادِ شَيئانِ : أَحَدُهُما يُحدِثُ فِي القَلبِ الرَّأفَةَ وَاللُّطفَ وَالرِّقَّةَ لِما يُرى بِالمَرحومِ مِنَ الضُّرِّ وَالحاجَةِ وضُروب البَلاءِ ، وَالآخَرُ ما يَحدُثُ مِنّا من بَعدِ الرَّأفَةِ عَلَى المَرحومِ وَالرَّحمَةُ مِنّا ما نَزَلَ بِهِ . وقَد يَقولُ القائِلُ : أُنظُر إِلى رَحمَةِ فُلانٍ ، وإِنَّما يُريدُ الفِعلَ الَّذي حَدَثَ عَنِ الرِّقَّةِ الَّتي في قَلبِ فُلانٍ ، وإِنَّما يُضافُ إِلَى اللّهِ عز و جل مِن فِعلِ ما حَدَثَ عَنّا مِن هذِهِ الأَشياءِ، وأَمَّا المَعنَى الَّذي هُوَ فِي القَلبِ فَهُوَ مَنفِيٌّ عَنِ اللّهِ ، كَما وَصَفَ عَن نَفسِهِ ، فَهُوَ رَحيمٌ لا رَحمَةُ رِقَّةٍ . (1)
.
ص: 245
الفصل الثامن والعشرون: الرّفيع ، الرّافعالرَّفيع والرَّافع لغةً«الرفيع» فعيل من أَبنية المبالغة ، وهو مبالغة في «الرافع» ، وقد ورد «الرفع» في اللغة بمعنى «خلاف الوضع والخفض» (1) ، و«تقريب الشيء» ، و«إِذاعة الشيء وإِظهاره» (2) ، ويُستعمَل الرفيع بمعنى الشريف (3) . قال ابن الأَثير: في أَسماء اللّه تعالى «الرافع» هو الذي يرفع المؤمنين بالإسعاد وأَولياءه بالتقريب وهو ضدّ الخفض (4)
الرَّفيع والرَّافع في القرآن والحديثوردت مشتقّات مادّة «رفع» في القرآن الكريم منسوبةً إِلى اللّه تعالى ثماني عشرة
.
ص: 246
مرّةً ، واستعمل اسم «الرَّفيع» (1) مرّة واحدة فيه ، كما استعمل اسم «الرَّافع» (2) مرّةً واحدة أَيضا ، وقد عرض القرآن الكريم والأَحاديث المأثورة صفة الرافعيّة للّه تارةً بالنسبة إِلى الأُمور التكوينيّة كالسَّماء أَو السَّماوات ، وأُخرى بالنسبة إِلى الأُمور القِيَميّة والتشريعيّة كالدرجات أَو الأَعمال .
28 / 1رَفيعُ الدَّرَجاتِ«رَفِيعُ الدَّرَجَ_تِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ». (3)
28 / 2رافِعُ الدَّرَجاتِالكتاب«يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَ_تٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ » . (4)
«وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءَاتَيْنَ_هَا إِبْرَ هِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَ_تٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ » . (5)
«وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَ_ئِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَ_تٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا ءَاتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيم » . (6)
.
ص: 247
«وَ رَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ » . (1)
«إِذْ قَالَ اللَّهُ يَ_عِيسَى إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَ_مَةِ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ » . (2)
«وَ اذْكُرْ فِى الْكِتَ_بِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَ رَفَعْنَ_هُ مَكَانًا عَلِيًّا » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ .. . وأَشهَدُ أَنَّهُ الفَعّالُ لِما يُريدُ ، وَالقادِرُ عَلى كُلِّ شَيءٍ ، وَالصّانِعُ لِما يُريدُ ، وَالقاهِرُ مَن يَشاءُ ، وَالرّافِعُ مَن يَشاءُ ، مالِكُ المُلكِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ ولا أَسأَلُ غَيرَكَ ، وأَرغَبُ إِليكَ ولا أَرغَبُ إِلى غَيرِكَ ، أَسأَ لُكَ يا أَمانَ الخائِفينَ ، وجارَ المُستَجيرينَ ، أَنتَ الفَتّاحُ ذُو الخَيراتِ ، مُقيلُ العَثَراتِ ، ماحِي السَّيِّئاتِ ، وكاتِبُ الحَسَناتِ ، ورافِعُ الدَّرَجاتِ. (5)
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُ الدّافِعُ النّافِعُ ، اللّهُ الرّافِعُ الواضِعُ ... اللّهُ القائِمُ الدّائِمُ ، اللّهُ الرَّفيعُ الرّافِعُ. (6)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الخافِضِ الرّافِعِ ، الضّارِّ النّافِعِ ، الجَوادِ الواسِعِ. (7)
الإمام الكاظم عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِهِشامٍ _: اِعلَم أَنَّ اللّهَ لَم يَرفَعِ المُتَواضِعينَ بِقَدرِ
.
ص: 248
تَواضُعِهِم ، ولكِن رَفَعَهُم بِقَدرِ عَظَمَتِهِ ومَجدِهِ. (1)
28 / 3رافِعُ السَّماواتِالكتاب«اللَّهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَ_وَ تِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْأَيَ_تِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ » . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ .. . رافِعِ السَّماءِ بِغَيرِ عَمَدٍ ، ومُجرِي السَّحابِ بِغَيرِ صَفَدٍ (3) ، قاهِرِ الخَلقِ بِغَيرِ عَدَدٍ. (4)
.
ص: 249
الفصل التاسع والعشرون: الرّقيبالرَّقيب لغةً«الرَّقيب» فعيل بمعنى فاعل من «رقب» وهو يدلّ على انتصاب لمراعاة شيء ، من ذلك «الرَّقيب» وهو الحافظ (1) . قال ابن الأَثير : في أَسماء اللّه تعالى «الرَّقيب» وهو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء (2) .
الرَّقيب في القرآن والحديثلقد ورد اسم «الرَّقيب» في القرآن الكريم منسوبا إِلى اللّه تعالى ثلاث مرّات (3) ، ووصفت بعض الآيات والأَحاديث اللّه تعالى بأنّه رقيب على جميع الموجودات ومنها الإنسان ، كقوله سبحانه: «وَ كَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ رَّقِيبًا» (4) ، لكنّ بعض
.
ص: 250
الأَحاديث يذهب إِلى أَنّ رقابة اللّه تجري على من يطلب الحفظ من اللّه سبحانه ، مثل: «يا مَن هُوَ بِمَنِ استَحفَظَهُ رَقيبٌ» (1) ، وعلى هذا، فالرقابة على قسمين : الأوّل : العام الشامل لجميع الموجودات والثاني: محافظة خاصة .
29 / 1الرَّقيبُ عَلى كُلِّ شَيءٍالكتاب«وَ كَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ رَّقِيبًا » . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أَنتَ اللّهُ وأَنتَ الرَّحمنُ .. . ذُو القُوَّةِ المَتينُ ، الرَّقيبُ الحَفيظُ ذُو الجَلالِ وَالإِكرامِ العَظيمُ العَليمُ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ. .. لا يَعزُبُ عَنكَ شَيءٌ ، ولا يَفوتُكُ شَيءٌ ، وإِلَيكَ مَرَدُّ كُلِّ شَيءٍ ، وأَنتَ الرَّقيبُ عَلى كُلِّ شَيءٍ. (4)
29 / 2الرَّقيبُ عَلَى الإِنسانِالكتاب«يَ_أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَ حِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
.
ص: 251
كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا » . (1)
«مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَا مَا أَمَرْتَنِى بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّادُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ شَهِيدٌ » . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا مَن هُوَ بِمَنِ استَحفَظَهُ رَقيبٌ ، يا مَن هُوَ بِمَن رَجاهُ كَريمٌ. (3)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الوارِثِ الوَكيلِ ، الشَّهيدِ الرَّقيبِ المُجيبِ ، المُحيطِ الحَفيظِ الرَّقيبِ. (4)
عنه عليه السلام_ في الدُّعاءِ _: فَأَسأَ لُكَ بِالقُدرَةِ الَّتي قَدَّرتَها ... أَن تَهَبَ لي في هذِهِ اللَّيلَةِ ... كُلَّ سَيِّئَةٍ أَمَرتَ بِإِثباتِهَا الكِرامَ الكاتِبينَ الَّذينَ وَكَّلتَهُم بِحِفظِ ما يَكُونُ مِنّي وجَعَلتَهُم شُهودا عَلَيَّ مَعَ جَوارِحي ، وكُنتَ أَنتَ الرَّقيبَ عَلَيَّ مِن وَرائِهِم. (5)
.
ص: 252
. .
ص: 253
الفصل الثلاثون: السّبّوح ، القدّوسالسُّبّوحُ وَالقُدّوسُ لغةً«السُّبّوح» صيغة المبالغة من مادة «سبح» وهو جنس من العبادة ، والتَّسبيح : التنزيه ، والتنزيه : التبعيد ، والعرب تقول : سبحان من كذا ، أَي ما أَبعده . سبحانَ اللّه : التنزيه للّه ، نُصب على المصدر كأنّه قال : أُبرِّئُ اللّه من السوء براءةً (1) . «القُدّوس» صيغة المبالغة من مادة «قدس» وهو يدلّ على الطُّهر (2) ، والقدّوس هو الطاهر المنزّه عن العيوب والنقائص .
السُّبّوح والقُدّوس في القرآن والحديثلم ترد صفة «السُّبوح» في القرآن الكريم ، أَما مشتقات مادة «سبح» فقد وردت أَكثر من تسعين مرة ، وكان من بينها (15) مرّة بلفظ «سبحان» ، و جاءت صفة «القُدوس» في القرآن الكريم مرتين وفي كلتيهما اقترنت بصفة «الملك». (3)
.
ص: 254
ووردت صفة «السُّبوح» مقترنة بِ_ «القُدوس» في أَحاديث متعددة ، وعلى سبيل المثال روي عن الرسول الأَكرم صلى الله عليه و آله أَنّه كان يقول في سجوده وفي ركوعه: «سُبّوحا قُدّوسا رَبَّ المَلائِكَةِ وَالرّوحِ». (1) وروي عن أَمير المؤمنين علي عليه السلام أَنه كان يقول: «سُبّوحا قُدّوسا تَعالى أَن يَجرِيَ مِنهُ ما يَجري مِنَ المَخلوقينَ». (2) وورد عن الأَئمّة الأَطهار عليهم السلام أنَّهم كانوا يقولون: «يا قُدّوسُ يا نورَ القُدسِ ، يا سُبّوحُ يا مُنتَهَى التَّسبيحِ» (3) . وقد رأَينا في البحث اللغوي أَن هاتين الصفتين «السُّبوح والقُدوس» متقاربتان من حيث المعنى ، فكلاهما يدلان على تنزيه الخالق _ جلّ و علا _ من النقائص والعيوب ، وقد جاء في الآيات والأَحاديث الكثير من الموارد المهمّة التي يجب تنزيه الخالق منها ، ومن جملتها: الشريك ، والولد ، والتجسيم ، وفعل العبث ، ومن الطبيعي أَن التنزيه لا ينحصر بهذه الموارد ، فيجب تنزيه الخالق من كل النواقص والعيوب ، وكما جاء في الحديث: «يا أللّهُ ، القُدّوس الطّاهِر مِن كُلِّ شَيءٍ» (4) . أَما سبب تأَكيد الآيات القرآنية والأَحاديث الشريفة على موارد التنزيه المذكورة أَعلاه ، فهو لكون تلك الموارد موضع ابتلاء أَكثر من غيرها ، فكثير من الأَفراد ينسبون الشريك أَو الولد للّه سبحانه ، وآخرون ينسبونه تعالى إِلى التجسيم وفعل العبث ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا .
.
ص: 255
30 / 1المَلِكُ القُدّوسُالكتاب«هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ» . (1)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ عَلِيّا _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وآلِهِ _ كانَ يَقولُ إِذا أَصبَحَ : سُبحانَ اللّهِ المَلِكِ القُدّوسِ _ ثَلاثا _ . (2)
عنه عليه السلام :إِنَّ للّهِِ عز و جل ثَلاثَ ساعاتٍ فِي اللَّيلِ وثَلاثَ ساعاتٍ فِي النَّهارِ يُمَجِّدُ فيهنَّ نَفسَهُ ... إِنّي أَنَا اللّهُ المَلِكُ القُدّوسُ السَّلامُ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :سُبحانَ رَبِّيَ المَلِكِ القُدّوسِ . (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما مِن صَباحٍ يُصبِحُ العِبادُ فيهِ إِلّا ومُنادٍ يُنادي : سُبحانَ المَلِكِ القُدّوسِ . (5)
.
ص: 256
عنه صلى الله عليه و آله :أَكثِر مِن أَن تَقولَ هذا ... : سُبحانَ اللّهِ رَبّي المَلِكِ القُدّوسِ ، رَبِّ المَلائِكَهِ وَالرّوحِ، خالِقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ، ذِي العِزَّةِ وَالجَبَروتِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :قُل سُبحانَ اللّهِ المَلِكِ القُدّوسِ ، رَبِّ المَلائِكَةِ وَالرّوحِ ، جَلَّلتَ السَّماواتِ وَالأَرضَ بِالعِزَّةِ وَالجَبَروتِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ إِذا سَلَّمَ فِي الوَترِ قالَ _: سُبحانَ المَلِكِ القُدّوسِ . (3)
30 / 2مَعنَى التَّسبيحِالكتاب«سُبْحَ_نَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» . (4)
«سُبْحَ_نَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» . (5)
الحديثالمستدرك عن طلحة بن عبيداللّه :سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَن تَفسيرِ سُبحانَ اللّهِ . قالَ : هُوَ تَنزيهُ اللّهِ عَن كُلِّ سوءٍ . (6)
.
ص: 257
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِذا قالَ العَبدُ سُبحانَ اللّهِ ، فَقَد أَنِفَ 1 للّهِِ ، وحَقٌ عَلَى اللّهِ أَن يَنصُرَهُ . (1)
التوحيد عن يزيد بن الأَصمّ :سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ ، فَقالَ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ما تَفسيرُ : سُبحانَ اللّهِ؟ قالَ : إِنَّ في هذَا الحائِطِ رَجُلاً كانَ إِذا سُئِلَ أَنبَأَ ، وإِذا سُكِتَ ابتَدَأَ . فَدَخَلَ الرَّجُلُ فَإِذا هُوَ عَلِيُّ بنُ أَبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقَالَ : يا أَبَا الحَسَنِ ما تَفسيرُ سُبحانَ اللّهِ؟ قالَ هُوَ تَعظيمُ جَلالِ اللّهِ عز و جل ، وتَنزيهُهُ عَمّا قالَ فيهِ كُلُّ مُشرِكٍ ، فَإِذا قالَهَا العَبدُ صَلّى عَلَيهِ كُلُّ مَلَكٍ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ وقَد سَأَلَهُ عَن تَفسيرِ سُبحانَ اللّهِ _: أَنَفَةٌ للّهِِ ، أَما تَرَى الرَّجُلَ إِذا عَجِبَ مِنَ الشَّيءِ ، قالَ : سُبحانَ اللّهِ . (3)
الكافي عن هِشام الجواليقيّ :سَأَلتُ أَبا عَبدِاللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «سُبحانَ اللّهِ» ما يَعني بِهِ؟ قالَ : تَنزيهُهُ . (4)
.
ص: 258
30 / 3مَعنَى التَّقديسِالكتاب«هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَ_مُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَ_نَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ» . (1)
«يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَ مَا فِى الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا قُدّوسُ ، الطّاهِرُ فَلا شَيءَ كَمِثلِهِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :يا أللّهُ ، القُدّوسُ الطّاهِرُ مِن كُلِّ شَيءٍ فَلا شَيءَ يُعادِلُهُ . (4)
الإمام الكاظم عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: تَقَدَّستَ يا قُدُّوسُ عَنِ الظُّنونِ وَالحُدوسِ (5) ، وأَنتَ المَلِكُ القُدُّوسُ بارِئُ الأَجسامِ . (6)
إدريس عليه السلام :يا قُدّوسُ ، الطّاهِرُ مِن كُلِّ سوءٍ ولا شَيءَ يَعدِلُهُ . (7)
.
ص: 259
30 / 4قُدّوسُ السَّماواتِ وَالأَرضِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا قاضِيَ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ ، يا قَيّومَ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ ، يا قُدّوسَّ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ ، يا مُؤمِنَ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ . (1)
.
ص: 260
. .
ص: 261
الفصل الحادي والثلاثون: السّلامالسَّلام لغةًالسَّلام مشتقّ من «سلم». وهو يدلّ على السِّلم والصحّة والعافية والبراءة من العيب والنقص والمرض (1) ، و«السَّلام» إِمّا مصدر ثلاثيّ مجرّد ، قال ابن منظور: «السَّلام» في الأَصل : «السلامة» (2) ، يقال: سَلِمَ يسلم سلاما وسلامةً ، ومن هنا قال أَهل العلم: اللّه _ جلّ ثناؤه _ هو السَّلام ، لسلامته ممّا يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء، (3) وإِمّا مصدر باب تفعيل: سلّم ، يسلّم تسليما وسلاما ، وتأَويل «السَّلام» بهذا المعنى في حقّ اللّه تعالى أَنّه ذو السَّلام الذي يملك السَّلام، أَي: يخلص من المكروه. 4
السَّلام في القرآن والحديثوردت مشتقّات مادّة «سلم» منسوبةً إِلى اللّه سبحانه أَربع مرّات في القرآن الكريم ،
.
ص: 262
ويمكن أَن يراد من السَّلام في الآية الشريفة : «هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَ_مُ» (1) كلا المعنيين الواردين للسَّلام اللذين مرّا في معناه اللغويّ . أَمّا في الآيات الكريمة: «سَلَ_مٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ» (2) و «قِيلَ يَ_نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَ_مٍ مِّنَّا» (3) و «لَ_كِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ» (4) فالمعنى الثاني للسَّلام هو المقصود ، والمراد من هذه الآيات مصدريّة اللّه للسَّلام لا وصف الذات الإلهيّة بالسَّلام وخلوّها من العيب والنقص . وقد أَشارت الأَحاديث إِلى كلا المعنيين الواردين للسَّلام ، على سبيل المثال: «اللَّهمّ أَنتَ السَّلامُ ومِنكَ السَّلامُ» (5) .
31 / 1القُدّوسُ السَّلامُ«هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَ_مُ» . (6)
31 / 2مَعنَى السَّلامِتفسير القمّي_ في قَولِهِ عز و جل : «سَلَ_مٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ» (7) _: السَّلامُ مِنهُ تَعالى هُوَ الأَمانُ. (8)
.
ص: 263
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ السَّلامَ اسمٌ مِن أَسماءِ اللّهِ تَعالى ، وَضَعَهُ اللّهُ فِي الأَرضِ. (1)
الإمام الباقر عليه السلام :إِنَّ السَّلامَ اسمٌ مِن أَسماءِ اللّهِ عز و جل . (2)
31 / 3هُوَ السَّلامُ ومِنهُ السَّلامُ وإلَيهِ السَّلامُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في ذِكرِ أَحوالِ أَهلِ الجَنَّةِ _: قالوا : رَبَّنا أَنتَ السَّلامُ ومِنكَ السَّلامُ، ولَكَ يَحِقُّ الجَلالُ وَالإِكرامُ. فَقالَ: أَنَا السَّلامُ ومَعَي السَّلامُ، ولي يَحِقُّ الجَلالُ وَالإِكرامُ. فَمَرحَباً بِعِبادي... . (3)
فاطمة عليهاالسلام :إِنَّ اللّهَ هُوَ السَّلامُ، ومِنهُ السَّلامُ، وإِلَيهِ السَّلامُ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ السَّلامُ ومِنكَ السَّلامُ. (5)
.
ص: 264
. .
ص: 265
الفصل الثاني والثلاثون: السّميعالسَّميع لغةً«السَّميع» فعيل بمعنى فاعل من أَبنية المبالغة ، مشتقّ من مادّة «سمع» وهو في الأَصل إِيناس الشيء بالأُذن (1) ، والسَّمع مصدر سمع يسمع ، ويستعمل في معنى أُذن. قال ابن الأَثير: في أَسماء اللّه تعالى «السَّميع» وهو الذي لا يعزب عن إِدراكه مسموع وإِن خفي ، فهو يسمع بغير جارحة (2) .
السَّميع في القرآن والحديثلقد ذكر القرآن الكريم صفة «السميع» مقرونةً بصفة «العليم» اثنين وثلاثين مرّةً (3) ، وبصفة «البصير» عشر مرّات (4) ، وبصفة «القريب» مرّةً واحدةً (5) ، وذكر «سميع الدّعاء»
.
ص: 266
مرّتين (1) ، وكَون اللّه سميعا في الآيات والأَحاديث شعبة من كَونه عليما وبمعنى كونه عليما بالمسموعات والأَصوات ، ولا يخفى على اللّه كلام وصوت حتّى لو كان خفيةً ، وكَون اللّه سميعا ليس كالمخلوقات المسبوقة بالجهل ، والمتحقّق سمعها بواسطة الأَداة والآلة .
32 / 1مَن تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطقَهُالكتاب«إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » . (2)
«هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ » . (3)
«إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ » . (4)
«أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْوَاهُم بَلَى وَ رُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» . (5)
الحديثمسند ابن حنبل عن عبد اللّه بن مسعود :كُنتُ مُستَتِرا بِأَستارِ الكَعبَةِ ، فَجاءَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ ،
.
ص: 267
كَثيرٌ شَحمُ بُطونِهِم ، قَليلٌ فِقهُ قُلوبِهِم ، قُرَشِيٌّ وخَتَناهُ (1) ثَقَفِيّانِ ، أَو ثَقَفِيٌّ وخَتَناهُ قُرَشِيّانِ ، فَتَكَلَّموا بِكَلامٍ لَم أَفهَمهُ ، فَقالَ بَعضُهُم : أَتَرونَ أَنَّ اللّهَ عز و جليَسمَعُ كَلامَنا هذا ؟ فَقالَ الآخَرانِ : إِنّا إِذا رَفَعنا أَصواتَنا سَمِعَهُ ، وإِذا لَم نَرفَع أَصواتَنا لَم يَسمَعهُ ! وقالَ الآخَرُ : إِن سَمِعَ مِنهُ شَيئا سَمِعَهُ كُلَّهُ ، قالَ : فَذَكَرتُ ذلِكَ لِلنَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَأَنزَلَ اللّهُ عز و جل : «وَ مَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لَا أَبْصَ_رُكُمْ وَ لَا جُلُودُكُمْ وَ لَ_كِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَ ذَ لِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِى ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَل_كُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَ_سِرِينَ » (2) . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطقَهُ ، ومَن سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ . (4)
راجع : ص 331 ح 4847 .
32 / 2صِفَةُ سَمعِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا سامِعَ الأَصواتِ ، يا عالِمَ الخَفِيّاتِ، يا دافِعَ البَلِيّاتِ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :يا مَن يَعلَمُ مُرادَ المُريدينَ ، يا مَن يَعلَمُ ضَميرَ الصَّامِتينَ ، يا مَن يَسمَعُ أَنينَ الواهِنينَ (6) ، يا مَن يَرى بُكاءَ الخائِفينَ... يا دائِمَ البَقاءِ ، يا سامِعَ الدُّعاءِ ،
.
ص: 268
يا واسِعَ العَطاءِ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :كانَ . . . سَميعا إِذ لا مَسموعَ . (2)
عنه عليه السلام :كُلُّ سَميعٍ غَيرُهُ يَصَمُّ عَن لَطيفِ الأَصواتِ ، ويُصِمُّهُ كَبيرُها ، ويَذهَبُ عَنهُ ما بَعُد مِنها . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ المَلِكُ الَّذي لا يُملَكُ، وَالواحِدُ الَّذي لا شَريكَ لَكَ ، يا سامِعَ السِّرِّ وَالنَّجوى . (4)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَوضِعَ كُلِّ شَكوى ، ويا سامِعَ كُلِّ نَجوى ، وشاهِدَ كُلِّ مَلَاً، وعالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ. (5)
الإمام الباقر عليه السلام :إِنَّهُ سَميعٌ بَصيرٌ ، يَسمَعُ بِما يُبصِرُ ويُبصِرُ بِما يَسمَعُ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّما سُمِّيَ سَميعا ؛ لِأَنَّهُ «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ وَ لَا أَدْنَى مِن ذَ لِكَ وَ لَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ» (7) ، يَسمَعُ النَّجوى ، ودَبيبَ النَّملِ عَلَى الصَّفا ، وخَفَقانَ الطَّيرِ فِي الهَواءِ ، لا تَخفى عَلَيهِ
.
ص: 269
خافِيَةٌ ولا شَيءٌ مِمّا أَدرَكَتهُ الأَسماعُ وَالأَبصارُ ، وما لا تُدرِكُهُ الأَسماعُ وَالأَبصارُ ، ما جَلَّ مِن ذلِكَ وما دَقَّ ، وما صَغُرَ وما كَبُرَ ، ولم نَقُل سَميعا بَصيرا كَالسَّمعِ المَعقولِ مِنَ الخَلقِ . (1)
عنه عليه السلام :لَم يَزَلِ اللّهُ عز و جل رَبَّنا . . . وَالسَّمعُ ذاتُهُ ولا مَسموعَ وَفَلَمّا أَحدَثَ الأَشياءَ وكانَ المَعلومُ وَقَعَ العِلمُ مِنهُ على المَعلومِ وَالسَّمعُ عَلَى المَسموعِ . (2)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا عَلِيُّ يا عَظيمُ ، يا رَحمانُ يا رَحيمُ ، يا سامِعَ الدَّعَواتِ ، يا مُعطِيَ الخَيراتِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وأَهلِ بَيتِ مُحَمَّدٍ. (3)
الإمام الكاظم عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ ... أَنتَ ... سَميعٌ لا يَشُكُّ . (4)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا سابِقَ كُلِّ فَوتٍ ، يا سامِعا لِكُلِّ صَوتٍ قَوِيٍّ أَو خَفِيٍّ، يا مُحيِيَ النُّفوسِ بَعدَ المَوتِ ، لا تَغشاكَ الظُّلُماتُ الحِندِسِيَّةُ (5) ، ولا تَشابَهُ عَلَيكَ اللُّغاتُ المُختَلِفَةُ، ولا يَشغَلُكَ شَيءٌ عَن شَيءٍ، يا مَن لا تَشغَلُهُ دَعوَةُ داعٍ دَعاهُ مِنَ الأَرضِ عَن دَعوَةِ داعٍ دَعاهُ مِنَ السَّماءِ ، يا مَن لَهُ عِندَ كُلِّ شَيءٍ مِن خَلقِهِ سَمعٌ سامِعٌ وَبَصرٌ نافِذٌ. (6)
الإمام الرضا عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ ، يا سامِعَ كُلِّ صَوتٍ ، ويا بارِئَ (7) النُّفوسِ بَعدَ
.
ص: 270
المَوتِ ، ويا مَن لا تَغشاهُ الظُّلُماتُ ، ولا تَتَشابَهُ عَلَيهِ الأَصواتُ ، ولا تُغَلِّطُهُ الحاجاتُ. (1)
عنه عليه السلام :سُمِّيَ رَبُّنا سَميعا لا بِخَرتٍ (2) فيهِ يَسمَعُ بِهِ الصَّوتَ ولا يُبصِرُ بِهِ ، كَما إِنَّ خَرْتَنَا الَّذي بِهِ نَسمَعُ لا نَقوى بِهِ عَلَى البَصَرِ ، ولكِنَّهُ أَخبَرَ أَنَّهُ لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ مِنَ الأَصواتِ ، لَيسَ عَلى حَدِّ ما سُمّينا نَحنُ ، فَقَد جَمَعَنا الاِسمُ بِالسَّمعِ وَاختَلَفَ المَعنى . (3)
عنه عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ رَجُلٌ : أَخبِرني عَن قَولِكُم : إِنَّهُ لَطيفٌ وسَميعٌ ... _: قُلنا : إِنَّهُ سَميعٌ لا يَخفى عَلَيهِ أَصواتُ خَلقِهِ ما بَينَ العَرشِ إِلَى الثَّرى مِنَ الذَّرَّةِ إِلى أَكبَرَ مِنها في بَرِّها وبَحرِها ، ولا يَشتَبِهُ عَلَيهِ لُغاتُها ، فَقُلنا عِندَ ذلِكَ : إِنَّهُ سَميعٌ لا بِأُذُنٍ . (4)
عنه عليه السلام :إِنَّهُ يَسمَعُ بِما يُبصِرُ ويَرى بِما يَسمَعُ ، بَصيرٌ لا بِعَينٍ مِثلِ عَينِ المَخلوقينَ ، وسَميعٌ لا بِمثلِ سَمعِ السّامِعينَ . . . ولَمّا لَم يَشتَبِه عَلَيهِ ضُروبُ اللُّغاتِ ، ولَم يَشغَلهُ سَمعٌ عَن سَمعٍ ، قُلنا : سَميعٌ لا مِثلُ سَمعِ السّامِعينَ . (5)
الإمام الجواد عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ : كَيفَ سُمِّيَ رَبُّنا سَميعا ؟ _: لِأَنَّهُ لا يَخفى عَلَيهِ
.
ص: 271
ما يُدرَكُ بِالأَسماعِ ، ولَم نَصِفهُ بِالسَّمعِ المَعقولِ فِي الرَّأَسِ . (1)
32 / 3ما لا يُوصَفُ سَمعُهُ بِهِالإمام عليّ عليه السلام :السَّميعُ لا بِأَداةٍ . (2)
عنه عليه السلام :سَميعٌ لا بِآلَةٍ . (3)
عنه عليه السلام :السَّميعُ لا بِتَفريقِ آلَةٍ . (4)
عنه عليه السلام :سَميعٌ لِلأَصواتِ المُختَلِفَةِ ، بِلا جَوارِحَ لَه مُؤتَلِفَةٍ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا قيلَ لَهُ : أَتَقولُ إِنَّهُ سَميعٌ بَصيرٌ ؟ _: هُوَ سَميعٌ بَصيرٌ ، سَميعٌ بِغَيرِ جارِحَةٍ ، وبَصيرٌ بِغَيرِ آلَةٍ ، بَل يَسمَعُ بِنَفسِهِ ويُبصِرُ بِنَفسِهِ ، ولَيسَ قَولي : إِنَّهُ سَميعٌ بِنَفسِهِ أَنَّهُ شَيءٌ وَالنَّفسُ شَيءٌ آخَرُ ، ولكِنّي أَرَدتُ عِبارَةً عَن نَفسي إِذ كُنتُ
.
ص: 272
مَسؤولاً ، وإِفهاما لَكَ إِذ كُنتَ سائِلاً . فَأَقولُ : يَسمَعُ بِكُلِّهِ لا أَنَّ كُلَّهُ لَهُ بَعضٌ ؛ لِأَنَّ الكُلَّ لَنا (لَهُ) بَعضٌ ، ولكِن أَرَدتُ إِفهامَكَ ، وَالتَّعبيرَ عَن نَفسي ولَيسَ مَرجِعي في ذلِكَ كُلِّهِ إِلّا أَنَّهُ السَّميعُ البَصيرُ العالِمُ الخبَيرُ ، بِلَا اختِلافِ الذّاتِ ولا اختِلافِ مَعنىً . (1)
.
ص: 273
الفصل الثالث والثلاثون: الشّافع ، الشّفيعالشَّافع والشَّفيع لغةً«الشَّفيع» مبالغة في «الشَّافع» ، مشتقّ من «شفع» وهو يدلّ على مقارنة الشيئين ، ومن ذلك الشَّفع خلاف الوتر ، وهو الزوج (1) ، والشَّفاعة تستعمل في مورد السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم (2) ، والشَّافع : الطالب لغيره يتشفّع به إِلى المطلوب ، يقال : تشفّعتُ بفلان إِلى فلان فشفّعني فيه ، واسم الطالب : شفيع (3) . إِنّ وجه إِطلاق الشَّفيع للطالب أَنّ الطالب ينضمّ إِلى الشخص لوصوله إِلى المطلوب ، واللّه تعالى شفيع للإنسان ، بل لا شفيع في الحقيقة غيره تعالى ؛ لإنّ الإنسان لايصل إِلى مطلوبه إِلّا بتوفيق اللّه وتقديره وقضائه (4) ، وهناك وجه آخر لإطلاق الشفيع على اللّه تعالى انّ اسم اللّه تعالى شفيع ؛ لأَنّ الأَسماء وسائط بين اللّه
.
ص: 274
وبين خلقه في إِيصال الفيض إِليهم (1) .
الشَّافع والشَّفيع في القرآن والحديثلقد استُعملت المشتقّات المختلفة لمادّة «شفع» في القرآن الكريم إِحدى وثلاثين مرّةً ، واستُعمل اسم «الشَّفيع» ثلاث مرّات (2) ، وقد انحصرت الشَّفاعة بالأَصالة في اللّه وحده ، كما نطق القرآن والأَحاديث ، أَمّا شفاعة الآخرين فهي ممكنة بإذن اللّه سبحانه .
33 / 1لَهُ الشَّفاعَةُ جَميعا«أَمِ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَ لَوْ كَانُواْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْ_ئا وَ لَا يَعْقِلُونَ* قُلْ لِّلَّهِ الشَّفَ_عَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» . (3)
33 / 2لا شَفيعَ غَيرُهُالكتاب«اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِىٍّ وَ لَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ» . (4)
«وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْس بِمَا
.
ص: 275
كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِىٌّ وَلَا شَفِيعٌ» . (1)
«وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِىٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» . (2)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :يا مَن لا يَعلَمُ كَيفَ هُوَ وحَيثُ هُوَ وقُدرَتَهُ إِلّا هُوَ ، يا مَن سَدَّ الهَواءَ بِالسَّماءِ ، وكَبَسَ الأَرضَ عَلَى الماءِ ، وَاختارَ لِنَفسِهِ أَحسَنَ الأَسماءِ، يا مَن سَمّى نَفسَهُ بِالاِسمِ الَّذي بِهِ تُقضى حاجَةُ كُلِّ طالِبٍ يَدعوهُ بِهِ، وأَسأَ لُكَ بِذلِكَ الاِسمِ فَلا شَفيعَ أَقوى لي مِنهُ، وبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ أَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وأَن تَقضِيَ لي حَوائِجي. (3)
33 / 3خَيرُ شَفيعٍالإمام العسكري عليه السلام :اللّهُمَّ وقَد قَصَدتُ إِلَيكَ بِرَغبَتي، وقَرَعَت بابَ فَضلِكَ يَدُ مَسأَلَتي، وناجاكَ بِخُشوعِ الاِستِكانَةِ (4) قَلبي، ووَجَدَكَ خَيرَ شَفيعٍ لي إِلَيكَ. (5)
.
ص: 276
33 / 4لا شَفيعَ إِلّا بِإِذنِهِالكتاب«مَا مِن شَفِيعٍ إِلَا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ» . (1)
«مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَا بِإِذْنِهِ» . (2)
«يَوْمَ_ئِذٍ لَا تَنفَعُ الشَّفَ_عَةُ إِلَا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَ_نُ وَ رَضِىَ لَهُ قَوْلًا» . (3)
«وَ كَم مِّن مَّلَكٍ فِى السَّمَ_وَ تِ لَا تُغْنِى شَفَ_عَتُهُمْ شَيْ_ئا إِلَا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَ يَرْضَى» . (4)
«وَ لَا تَنفَعُ الشَّفَ_عَةُ عِندَهُ إِلَا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ» . (5)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى: «وَ لَا تَنفَعُ الشَّفَ_عَةُ عِندَهُ إِلَا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ» _: لا يَشفَعُ أَحَدٌ مِن أَنبِياءِ اللّهِ ورُسُلِهِ يَومَ القِيامَةِ حَتّى يَأَذَنَ اللّهُ لَهُ ، إِلّا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَإِنَّ اللّهَ قَد أَذِنَ لَهُ فِي الشَّفاعَةِ مِن قَبلِ يَومِ القِيامَةِ ، وَالشَّفاعَةُ لَهُ ولِلأَئِمَّةِ مِن وُلدِهِ ، ثُمَّ بَعدَ ذلِكَ لِلأَنبِياءِ عليهم السلام . (6)
.
ص: 277
الفصل الرابع والثلاثون: الشافيالشَّافي لغةًالشَّافي : اسم فاعل من مادة «شفى» وهو يدلّ على الإشراف على الشيء؛ يقال : أَشفى على الشيء ، إِذا أَشرف عليه ، وسُمّي الشَّفاء شفاءً لغلبته للمرض وإِشفائه عليه (1) ... شفى اللّه المريض ، يشفيه ، شفاءً : عافاه (2) .
الشَّافي في القرآن والحديثتستعمل كلمة الشفاء في القرآن والحديث بمعنى علاج الأَمراض الجسمية تارةً ، مثل : «وَ إِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ» (3) وتارة بمعنى علاج الأَمراض الروحية والعقلية ، مثل : «وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ» (4) ويراد باللّه تعالى «الشَّافي» كلا المعنيين ، بل كما ورد في الحديث : «لا شافي إِلّا اللّه » .
.
ص: 278
من البديهي أَن الشَّافي هو اللّه سبحانه ، وانحصار هذه الصفة به تعالى لا يعني نفي الأَسباب في نظام الخلق ، بل القرآن الكريم وسيلة لعلاج الأَمراض الروحية والعقلية ، أَمّا الدعاء والدواء فوسيلة لعلاج الأَمراض الجسمية ، وفي كلا الأَمرين مسبب الأَسباب هو اللّه تعالى .
34 / 1شافِي الصُّدورِالكتاب«يَ_أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِى الصُّدُورِ وَ هُدًى وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ» . (1)
«وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَ لَا يَزِيدُ الظَّ__لِمِينَ إِلَا خَسَارًا» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: أَسأ لُكَ يا قاضِيَ الأُمورِ ، ويا شافِيَ الصُّدورِ .. . . (3)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا باعِثَ مَن فِي القُبورِ ، يا شافِيَ الصُّدورِ . (4)
.
ص: 279
34 / 2شافِي السُّقمِالكتاب«وَ إِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ» . (1)
«يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَ نُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الفَرَجِ _: يا سابِغَ النِّعَمِ ، يا كاشِفَ الأَلَمِ ، يا شافِيَ السُّقمِ . (3)
34 / 3شافي كُلِّ بَلوىالفصول المهمّة عن أَبي حمزة الثُّماليّ :كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام يَقولُ لِأَولادِهِ : يا بَنِيَّ ، إِذا أَصابَتكُم مُصيبَةٌ مِن مَصائِبِ الدُّنيا ، أَو نَزَلَ بِكُم فاقَةٌ أَو أَمرٌ فادِحٌ ... فَليَقُل : يا مَوضِعَ كُلِّ شَكوى ، يا سامِعَ كُلِّ نَجوى ، يا شافِيَ كُلِّ بَلوى .. . . (4)
34 / 4لا شافِيَ إلّا هُوَالإمام عليّ عليه السلام :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِذا دَخَلَ عَلى مَريضٍ قال : أَذهِبِ البَأسَ رَبَّ
.
ص: 280
البَأَسِ (1) ، وَاشفِ أَنتَ الشّافي لا شافِيَ إِلّا أَنتَ . (2)
عنه عليه السلام_ في تَفسيرِ الأَذانِ _: فِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ : «أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ» مَعناهُ : أَشهَدُ أَن لا هادِيَ إِلَا اللّهُ ... ولا كافِيَ ولا شافِيَ ، ولا مُقَدِّمَ ولا مُؤَخِّرَ إِلَا اللّهُ . (3)
34 / 5شافِي مَنِ استَشفاهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا شافِيَ مَنِ استَشفاهُ . (4)
.
ص: 281
الفصل الخامس والثلاثون: الشّاكر ، الشّكورالشَّاكر والشَّكور لغةً«الشَّكور» مبالغة في «الشَّاكر» والشُّكر : الثناء على المحسن بما أَولاكَه من المعروف (1) ، ويكون الشكر بالقول والعمل (2) ، والشُّكر مثل الحمد إِلّا أَنّ الحمد أَعمّ منه ، فإنّك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة ، وعلى معروفه ، ولا تشكره إِلّا على معروفه دون صفاته . (3)
الشَّاكر والشَّكور في القرآن والحديثلقد وردت هاتان الصفتان منسوبتين إِلى اللّه ستّ مرّات في القرآن الكريم ، ثلاثا مع صفة «الغفور» (4) ، واثنتان مع صفة «العليم» (5) ، ومرّة واحدة مع صفة «الحليم» (6) .
.
ص: 282
لقد ورد في الأَحاديث أَنّ اللّه تعالى هو الشَّاكر لمن شكره وللمطيع له ، وشكر اللّه سبحانه قبول طاعة العبد وازدياد النعم .
35 / 1شاكِرٌ عَليمٌالكتاب«وكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا» . (1)
الحديثعيسى عليه السلام_ في مَواعِظِهِ _: لا يَنقُصُ اللّهَ كَثرَةُ ما يُعطيكُم ويَرزُقُكُم، بَل بِرِزقِهِ تَعيشونَ وبِهِ تَحيَونَ، يَزيدُ مَن شَكَرَهُ، إِنَّهُ شاكِرٌ عَليمٌ. (2)
35 / 2غَفورٌ شَكورٌالكتاب«إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ» . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي اليَومِ الثّالِثِ عَشَرَ مِن كُلِّ شَهرٍ _: اللّهُمَّ وعافِني في دِيني ودُنيايَ وآخِرَتي فَإِنَّكَ عَلى ذلِكَ قَديرٌ، اللّهُمَّ وأَسأَ لُكَ أَن تَتَقَبَّلَ مِنّي فَإِنَّكَ شَكورٌ. (4)
.
ص: 283
الإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ الغَفورُ الشَّكورُ. (1)
35 / 3صِفَةُ شُكرِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أَنتَ الذّاكِرُ لِمَن ذَكَرَكَ، الشّاكِرُ لِمَن شَكَرَكَ، المُجيبُ لِمَن دَعاكَ، المُغيثُ لِمَن ناداكَ، وَالمُرجي لِمَن رَجاكَ، المُقبِلُ عَلى مَن ناجاكَ، المُعطي لِمَن سَأَلَكَ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ الشّاكِرُ لِلمُطيعِ لَهُ، المُملي (3) لِلمُشرِكِ بِهِ، القَريبُ مِمَّن دَعاهُ عَلى حالِ بُعدِهِ، وَالبَرُّ الرَّحيمُ بِمَن لَجَأَ إِلى ظِلِّهِ وَاعتَصَمَ بِحَبلِهِ. (4)
الإمام الحسين عليه السلام :اللّهُمَّ مُتَعالِيَ المَكانِ، عَظيمَ الجَبَروتِ... شَكورٌ إِذا شُكِرتَ، وذَكورٌ إِذا ذُكِرتَ. (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ... فَلَكَ الحَمدُ عَلى ما وَقَيتَنا مِنَ البَلاءِ، ولَكَ الشُّكرُ عَلى ما خَوَّلتَنا مِنَ النَّعماءِ... حَمدا يُخَلِّفُ حَمدَ الحامِدينَ وَراءَهُ، حَمدا يَملَأُ أَرضَهُ وسَماءَهُ، إِنَّكَ المَنّانُ بِجَسيمِ المِنَنِ، الوَهّابُ لِعَظيمِ النِّعَمِ، القابِلُ يَسيرَ الحَمدِ، الشّاكِرُ قَليلَ الشُّكرِ. (6)
.
ص: 284
. .
ص: 285
الفصل السادس والثلاثون: الشّهيد، الشّاهدالشَّهيد و الشَّاهد لغةًإِنّ «الشَّهيد» مبالغة في «الشَّاهد» مشتقّ من «شهد» ، وهو يدلّ على علم وحضور وإِعلام (1) ، قال ابن الأَثير : في أَسماء اللّه تعالى «الشَّهيد» هو الذي لا يغيب عنه شيء . والشَّاهد : الحاضر ، وفعيل من أَبنية المبالغة في فاعل ، فإذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم ، وإِذا أُضيف إِلى الأُمور الباطنة فهو الخبير ، وإِذا أُضيف إِلى الأُمور الظاهرة فهو الشَّهيد ، (2) إنّ اللّهَ على كلّ شيءٍ شهيدٌوقد يعتبر مع هذا أَن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم (3) .
الشَّهيد والشَّاهد في القرآن والحديثلقد ورد اسم «الشَّهيد» من أَسماء اللّه تعالى في القرآن الكريم تسع عشرة مرّة ،
.
ص: 286
وتكرّر مضمون قوله : «إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ شَهِيدٌ » ثماني مرّات (1) ، وقوله : «كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا » ثماني مرّات أَيضا (2) . وقد جاء اسم «الشهيد» في الآيات والأَحاديث بمعنى الحضور العلميّ للّه في العالم وموجوداته ، وهكذا يتبيّن أَنّ للّه سبحانه حضورا في جميع الموجودات ، بيد أَنّ هذا لا يعني الحلول والاتّحاد الوجودي ، بل يعني الحضور والإحاطة العلميّين .
36 / 1صِفَةُ شُهودِهِ36 / 1 _ 1عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌالكتاب«إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ شَهِيدٌ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا خَيرَ شاهِدٍ ومَشهودٍ . (4)
.
ص: 287
عنه صلى الله عليه و آله :يا شاهِدا غَيرَ غائِبٍ، يا قَريبا غَيرَ بَعيدٍ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :شاهِدُ كُلِّ نَجوى ، لا كَمُشاهَدَةِ شَيءٍ مِنَ الأَشياءِ، عَلَا السَّماواتِ العُلى إِلَى الأَرَضِينَ السُّفلى ، وأَحاطَ بِجَميعِ الأَشياءِ عِلما ، فَعَلَا الَّذي دَنا ، ودَنَا الَّذي عَلا ، لَهُ المَثَلُ الأَعلى ، وَالأَسماءُ الحُسنى ، تَبارَكَ وتَعالى . (2)
عنه عليه السلام :حَدَّ الأَشياءَ كُلَّها عِندَ خَلقِهِ إِبانَةً لَها مِن شِبهِهِ ، وإِبانَةً لَهُ مِن شِبهِها ، لَم يَحلُل فيها فَيُقالَ : هُوَ فيها كائِنٌ ، ولَم يَن ءَ عَنها فَيُقالَ : هُوَ مِنها بائِنٌ ، ولَم يَخلُ مِنها فَيُقالَ لَهُ : أَينَ ، لكِنَّهُ سُبحانَهُ أَحاطَ بِها عِلمُهُ ، وأَتقَنَها صُنعُهُ ، وأَحصاها حِفظُهُ . لَم يَعزُب عَنهُ خَفِيّاتُ غُيوبِ الهَواءِ ، ولا غَوامِضُ مَكنونِ ظُلَمِ الدُّجى ، ولا ما فِي السَّماواتِ العُلى إِلَى الأَرضِينَ السُّفلى ، لِكُلِّ شَيءٍ مِنها حافِظٌ ورَقيبٌ ، وكُلُّ شَيءٍ مِنها بِشَيءٍ مُحيطٌ ، وَالمُحيطُ بِما أَحاطَ مِنهَا الواحِد الأَحَد الصَّمَد . (3)
عنه عليه السلام :سُبحانَ اللّهِ شاهِدِ كُلِّ نَجوى بِعِلمِهِ، ومُبايِنِ كُلِّ جِسمٍ بِنَفسِهِ. (4)
الإمام الحسن عليه السلام _ مِن دُعائِهِ في لَيلَةِ القَدرِ _ :يا غائِبا غَيرَ مَفقودٍ، ويا شاهِدا غَيرَ مَشهودٍ، يُطلَبُ فَيُصابُ ولَم يَخلُ مِنهُ السَّماواتُ وَالأَرضُ وما بَينَهُما طَرفَةَ عَينٍ، لا يُدرَكُ بِكَيفٍ، ولا يُؤَيَّنُ بِأَينٍ ولا بِحَيثٍ. (5)
.
ص: 288
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ... أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ، الغائِبُ الشّاهِدُ. (1)
الإمام الكاظم عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في شَهرِ رَمَضانَ _: يا شاهِدَ كُلِّ نَجوى، ويا عالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ، ويا دافِعَ كُلِّ ما تَشاءُ مِن بَلِيَّةٍ. (2)
الإمام الرضا عليه السلام :يا عالِمَ خَطَراتِ قُلوبِ العارِفينَ، وشاهِدَ لَحَظاتِ أَبصارِ النّاظِرينَ. (3)
الإمام الهادي عليه السلام :يا بارُّ (4) يا وَصولُ ، يا شاهِدَ كُلِّ غائِبٍ ، ويا قَريبُ غَيرَ بَعيدٍ ، ويا غالبُ غَيرَ مَغلوبٍ . (5)
الإمام المهدي عليه السلام_ في دُعاءِ أَيّامِ رَجَبٍ _: يا مَوصوفا بِغَيرِ كُنهٍ (6) ، ومَعروفا بِغَيرِ شِبهٍ ، حادَّ كُلِّ مَحدودٍ ، وشاهِدَ كُلِّ مَشهودٍ. (7)
.
ص: 289
36 / 1 _ 2هُوَ مَعَكُم أَينَما كُنتُمالكتاب«هُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الْأَرْضِ وَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَ مَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » . (1)
«وَ مَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَ مَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءَانٍ وَ لَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَ مَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى السَّمَاءِ وَ لَا أَصْغَرَ مِن ذَ لِكَ وَ لَا أَكْبَرَ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مُّبِينٍ» . (2)
«وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » . (3)
«وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَ لَ_كِن لَا تُبْصِرُونَ » . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا ناصِرا غَيرَ مَنصورٍ ، يا شاهِدا غَيرَ غائِبٍ ، يا قَريبا غَيرَ بَعيدٍ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :إِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ عِندَ إِضمارِ كُلِّ مُضمِرٍ ، وقَولِ كُلِّ قائِلٍ ، وعَمَلِ كُلِّ عامِلٍ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ... يا شاهِدا لا يَغيبُ، يا غالِبا غَيرَ مَغلوبٍ. (7)
.
ص: 290
عنه عليه السلام_ لَمّا قالَ لَهُ ابنُ أَبِي العَوجاءِ : ذَكَرتَ يا أَبا عَبدِ اللّهِ فَأَحَلتَ عَلى غائِبٍ _: وَيلَكَ! كَيفَ يَكونُ غائِبا مَن هُوَ مَعَ خَلقِهِ شاهِدٌ ، وإِلَيهِم أَقرَبُ مِن حَبلِ الوَريدِ ، يَسمَعُ كَلامَهُم ويَرى أَشخاصَهُم ويَعلَمُ أَسرارَهُم . (1)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا شاهِدَ كُلِّ نَجوى ، ويا عالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ ، ويا شاهِدُ غَيرَ غائِبٍ . (2)
36 / 1 _ 3هُوَ بِكُلِّ مَكانٍالكتاب«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَ مَا فِى الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ وَ لَا أَدْنَى مِن ذَ لِكَ وَ لَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ موسى لَمّا نودِيَ مِنَ الشَّجَرَةِ «اخْلَعْ نَعْلَيْكَ» (4) أَسرَعَ الإِجابَةَ ، وتابَعَ التَّلبِيَةَ ، وقالَ : إِنّي أَسمَعُ صَوتَكَ ، وأُحِسُّ وَجسَكَ ، ولا أَرى مَكانَكَ ،
.
ص: 291
فَأَينَ أَنتَ ؟ فَقالَ : أَنا فَوقَكَ وتَحتَكَ ، وأَمامَكَ وخَلفَكَ ، ومُحيطٌ بِكَ ، وأَقرَبُ إِلَيكَ مِن نَفسِكَ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :إِنَّهُ لَبِكُلِّ مَكانٍ ، وفي كُلِّ حينٍ وأَوانٍ ، ومَعَ كُلِّ إِنسٍ وجانٍّ . (2)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... المُشاهِدِ لِجَميعِ الأَماكِنِ بِلَا انتِقالٍ إِلَيها . (3)
عنه عليه السلام :مَن زَعَمَ أَنّ إِلهَنا مَحدودٌ فَقَد جَهِلَ الخالِقَ المَعبودَ ، ومَن ذَكَرَ أَنَّ الأَماكِنَ بِهِ تُحيطُ لَزِمَتهُ الحَيرَةُ وَالتَّخليطُ ، بل هُوَ المُحيطُ بِكُلِّ مَكانٍ ، فَإن كُنتَ صادِقا أَيُّهَا المُتَكَلِّفُ لِوَصفِ الرَّحمنِ بِخِلافِ التَّنزيلِ وَالبُرهانِ فَصِف لي جَبرَئيلَ وميكائيلَ وإِسرافيلَ ، هَيهاتَ ، أَتَعجِزُ عَن صفة مَخلوقٍ مِثلِكَ وتَصِفُ الخالِقَ المَعبودَ ! وأنتَ تُدرِكُ صِفَةَ رَبِّ الهَيئَةِ وَالأدَواتِ ، فَكَيفَ مَن لَم تَأَخُذهُ سِنَةٌ ولا نَومٌ لَهُ ما فِي الأَرَضينَ وَالسَّماواتِ وما بَينَهُما وهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ؟! (4)
الإرشاد_ في ذِكرِ خَبرِ يَهودِيٍّ سَأَلَ أَبا بَكرٍ عَنِ اللّهِ تَعالى أَينَ هُوَ؟ فَقالَ لَهُ : فِي السَّماءِ عَلَى العَرشِ _: فَولَّى الحَبرُ مُتَعَجِّبا يَستَهزِئُ بِالإِسلامِ ، فَاستَقبَلَهُ أَميرُ المُؤمَنينَ عليه السلام فَقالَ لَهُ : يا يَهودِيُّ ، قَد عَرَفتُ ما سَأَلتَ عَنهُ وما أُجِبتَ بِهِ ، وإِنّا نَقولُ : إِنَّ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ أَيَّنَ الأَينَ فَلا أَينَ لَهُ ، وجَلَّ عَن أَن يَحوِيَهُ مَكانٌ ، وهو في كُلِّ مَكانٍ بِغَيرِ مُماسَّةٍ ولا مُجاوَرَةٍ ، يُحيطُ عِلما بِما فيها ولا يَخلو شَيءٌ
.
ص: 292
مِنها مِن تَدبيرِهِ ، وإِنّي مُخبِرُكَ بِما جاءَ في كِتابٍ مِن كُتُبِكُم يُصَدِّقُ ما ذَكَرتُهُ لَكَ ، فَإن عَرَفتَهُ أَتُؤمِنُ بِهِ ؟ قالَ اليَهودِيُّ : نَعَم . قالَ : أَلَستُم تَجِدونَ في بَعضِ كُتُبِكُم أَنَّ موسَى بنَ عِمرانَ عليه السلام كانَ ذاتَ يَومٍ جالِسا إِذ جاءَهُ مَلَكٌ مِنَ المَشرِقِ ، فَقالَ لَهُ موسى : مِن أَينَ أَقبَلتَ ؟ قالَ : مِن عِندِ اللّهِ عز و جل، ثُمَّ جاءَهُ مَلَكٌ مِنَ المَغرِبِ فَقالَ لَهُ : مِن أَينَ جِئتَ ؟ قالَ : مِن عِندِ اللّهِ ، وجاءَهُ مَلَكٌ آخَرُ ، فَقالَ : قَد جَئتُكَ مِنَ السَّماءِ السّابِعَةِ مِن عِندِ اللّهِ تَعالى ، وجاءَهُ مَلَكٌ آخَرُ ، فَقالَ : قَد جِئتُكَ مِنَ الأَرضِ السّابِعَةِ السُّفلى مِن عِندِ اللّهِ عَزَّ اسمُهُ . فَقالَ موسى عليه السلام : سُبحانَ مَن لا يَخلو مِنهُ مَكانٌ ، ولا يَكونُ إِلى مَكانٍ أَقرَبَ مِن مَكانٍ . فَقالَ اليَهودِيُّ : أَشهَدُ أَنَّ هذا هُوَ الحَقُّ ، وأَنَّكَ أَحَقُّ بِمَقامِ نَبِيِّكَ مِمَّنِ استَولى عَلَيهِ . (1)
الإمام الحسين عليه السلام :قالَ أَميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أَبي طالبٍ عليه السلام في بَعضِ خُطَبِهِ : مَنِ الَّذي حَضَرَ سِبَختَ الفارِسِيَّ وهُوَ يُكَلِّمُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ القَومُ : ما حَضَرَهُ مِنّا أَحَدٌ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : لكِنّي كُنتُ مَعَهُ عليه السلام وقَد جاءَهُ سِبَختُ ، وكانَ رَجُلاً مِن مُلوكِ فارِسَ وكانَ ذَرِبا (2) ، فَقالَ : يا مُحَمَّدُ إِلى ما تَدعو ؟
.
ص: 293
قالَ : أَدعو إِلى شَهادَةِ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ وأَنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ . فَقالَ سِبَختُ : وأَينَ اللّهُ يا مُحَمَّدُ؟ قالَ : هُوَ في كُلِّ مَكانٍ مَوجودٌ بِآياتِهِ . قالَ : فَكَيفَ هُوَ ؟ فَقالَ : لا كَيفَ لَهُ ولا أَينَ ؛ لِأَنَّهُ عز و جل كَيَّفَ الكَيفَ وأَيَّنَ الأَينَ . قالَ : فَمِن أَينَ جاءَ ؟ قالَ : لا يُقالُ لَهُ : جاءَ ، وإِنَّما يُقالُ : جاءَ لِلزّائِلِ مِن مَكانٍ إِلى مَكانٍ ، ورَبُّنا لا يوصَفُ بِمَكانٍ ولا بِزَوالٍ ، بَل لَم يَزَل بِلا مَكانٍ ولا يَزالُ . فَقالَ : يا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ لَتَصِفُ رَبّا عَظيما بِلا كَيفٍ ، فَكَيفَ لي أَن أَعلَمَ أَنَّهُ أَرسَلَكَ ؟ فَلَم يَبقَ بِحَضرَتِنا ذلِكَ اليَومَ حَجَرٌ ولا مَدَرٌ ولا جَبَلٌ ولا شَجَرٌ ولا حَيَوانٌ إِلّا قالَ مَكانَهُ : أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلّا اللّهُ وأَنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، وقُلتُ أَنَا أَيضا : أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلّا اللّهُ وأَنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ . فَقالَ : يا مُحَمَّدُ مَن هذا ؟ فَقالَ : هذا خَيرُ أَهلي وأَقرَبُ الخَلقِ مِنّي ، لَحمُهُ مِن لَحمي ، ودَمُهُ مِن دَمي ، وروحُهُ مِن روحي ، وهُوَ الوَزيرُ مِنّي في حَياتي ، وَالخَليفَةُ بَعدَ وَفاتي ، كَما كانَ هارونُ مِن موسى إِلّا أَنَّهُ لا نَبيَّ بَعدي ، فَاسمَع لَهُ وأَطِع فَإِنَّهُ عَلَى الحَقِّ ،
.
ص: 294
ثُمَّ سَمّاهُ عَبدَ اللّهِ . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :قَدِمَ أُسقُفُ نَجرانَ عَلى عُمَرَ بنِ الخَطّابِ فَقالَ : ... أَخبِرني أَنتَ يا عُمَرُ أَينَ اللّهُ تَعالى ؟ فَغَضِبَ عُمَرُ ، فَقالَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أنا أُجيبُكَ وسَل عَمّا شِئتَ ، كُنّا عِندَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذاتَ يَومٍ أَتاهُ مَلَكٌ فَسَلَّمَ ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مِن أَينَ أُرسِلتَ ؟ قالَ : مِن سَبعِ سَماواتٍ مِن عِندِ رَبّي ، ثُمَّ أَتاهُ مَلَكٌ آخَرُ فَسَلَّمَ ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مِن أَينَ أُرسِلتَ ؟ فَقالَ : مِن سَبعِ أَرَضينَ مِن عِندِ رَبّي ، ثُمَّ أَتاهُ مَلَكٌ آخَرُ فَسَلَّمَ ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مِن أَينَ أُرسِلتَ ؟ قالَ : مِن مَشرِقِ الشَّمسِ مِن عِندِ رَبّي ، ثُمَّ أَتاهُ مَلَكٌ آخَرُ ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مِن أَينَ أُرسِلتَ . فَقالَ : مِن مَغرِبِ الشَّمسِ مِن عِندِ رَبّي ، فَاللّهُ هاهُنا وهاهُنا وهاهُنا فِي السَّماءِ إِلهٌ وفِي الأَرضِ إِلهٌ وهُوَ الحَكيمُ العَليمُ . (2)
عنه عليه السلام :كانَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله صَديقانِ يَهودِيّانِ ، قَد آمَنا بِموسى رَسولِ اللّهِ ، وأَتَيا مُحَمَّدا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسمِعا مِنهُ ، وقَد كانا قَرَآ التَّوراةَ وصُحُفَ إِبراهيمَ وموسى عليهماالسلام ، وعَلِما عِلمَ الكُتُبِ الأُولى ، فَلَمّا قَبَضَ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ رَسولَهُ صلى الله عليه و آله أَقبَلا يَسأَلانِ عَن صاحِبِ الأَمرِ بَعدَهُ . . . فَأَرشَدَهُما إِلى عَلِيٍّ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ ، فَلَمّا جاءاهُ فَنَظَرا إِلَيهِ قالَ أَحَدُهُما
.
ص: 295
لِصاحِبِهِ : إِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذي نَجِدُ صِفَتَهُ فِي التَّوراةِ أَنَّهُ وَصِيُّ هذَا النَّبِيِّ وخَليفَتُهُ وزَوجُ ابنَتِهِ وأَبُو السِّبطَينِ وَالقائِمُ بِالحَقِّ مِن بَعدِهِ . . . ثُمَّ قالا لَهُ : فَأَينَ رَبُّكَ عز و جل ؟ قالَ لَهُما عَليٌّ _ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ _ : إِن شِئتُما أَنبَأتُكُما بِالَّذي كانَ عَلى عَهدِ نَبِيِّكُما موسى عليه السلام ، وإِن شِئتُما أَنبَأتُكُما بِالَّذي كانَ عَلى عَهدِ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . قالا : أَنبِئنا بِالَّذي كانَ عَلى عَهدِ نَبِيِّنا موسى عليه السلام . قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أَقبَلَ أَربَعَةُ أَملاكٍ : مَلَكٌ مِنَ المَشرِقِ ، ومَلَكٌ مِنَ المَغرِبِ ، ومَلَكٌ مِنَ السَّماءِ ، ومَلَكٌ مِنَ الأَرضِ، فَقالَ صاحِبُ المَشرِقِ لِصاحِبِ المَغرِبِ : مِن أَينَ أَقبَلتَ ؟ قالَ أَقبَلتُ مِن عِندِ رَبّي ، وقالَ صاحِبُ المَغرِبِ لِصاحِبِ المَشرِقِ : مِن أَينَ أَقبَلتَ ؟ قالَ : أَقبَلتُ مِن عِندِ رَبّي ، وقالَ النّازِلُ مِنَ السَّماءِ لِلخارِجِ مِنَ الأَرضِ : مِن أَينَ أَقبَلتَ ؟ قالَ : أَقبَلتُ مِن عِندِ رَبِّي ، وقالَ الخارِجُ مِنَ الأَرضِ لِلنَّازِلِ مِنَ السَّماءِ : مِن أَينَ أَقبَلتَ ؟ قالَ : أَقبَلتُ مِن عِندِ رَبِّي ، فَهذا ما كانَ عَلى عَهدِ نَبِيِّكُما موسى عليه السلام ، وأَمّا ما كانَ عَلى عَهدِ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله فَذلِكَ قَولُهُ في مُحكَمِ كِتابِهِ : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ وَ لَا أَدْنَى مِن ذَ لِكَ وَ لَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ» الآية . (1)
.
ص: 296
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ» قَالَ: هُوَ واحِدٌ وأَحَدِيُّ الذَّاتِ ، بائِنٌ مِن خَلقِهِ ، وبِذاكَ وَصَفَ نَفسَهُ ، وهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ مُحيطٌ بِالإِشرافِ وَالإِحاطَةِ وَالقُدرَةِ «لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ لَا فِى الْأَرْضِ وَ لَا أَصْغَرُ مِن ذَ لِكَ وَ لَا أَكْبَرُ» بِالإِحاطَةِ وَالعِلمِ لا بِالذَّاتِ ؛ لِأَنَّ الأَماكِنَ مَحدودَةٌ ، تَحويها حُدودٌ أَربَعَةٌ ، فَإِذا كانَ بِالذَّاتِ لَزِمَهَا الحَوايَةُ (1) . (2)
التوحيد عن أَبي جعفر(3) : سَأَلتُ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل «وَ هُوَ اللَّهُ فِى السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ» . قالَ : كَذلِكَ هُوَ فِي كُلِّ مَكانٍ . قُلتُ : بِذاتِهِ . قالَ : وَيحَكَ ، إِنَّ الأَماكِنَ أَقدارٌ ، فَإِذا قُلتَ : في مَكانٍ بِذاتِهِ ، لَزِمَكَ أَن تَقولَ : في أَقدارٍ وغَير ذلِكَ ، ولكِن هُوَ بائِنٌ مِن خَلقِهِ ، مُحيطٌ بِما خَلَقَ عِلما وقُدرَةً وإِحاطَةً وسُلطانا ومُلكا . (4)
الكافي عن هشام بن الحكم :قالَ أَبو شاكِرٍ الدَّيصانِيُّ : إِنَّ فِي القُرآنِ آيَةً هِيَ قَولُنا ، قُلتُ : ما هِيَ ؟ قالَ : «وَ هُوَ الَّذِى فِى السَّمَاءِ إِلَ_هٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَ_هٌ» ، فَلَم أَدرِ بِما أُجيبُهُ ، فَحَجَجتُ فَخَبَّرتُ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقالَ : هذا كَلامُ زِنديقٍ خَبيثٍ ، إِذا
.
ص: 297
رَجَعتَ إِلَيهِ فَقُل لَهُ : ما اسمُكَ بِالكوفَةِ ؟ فَإِنَّهُ يَقولُ : فُلانٌ ، فَقُل لَهُ : مَا اسمُكَ بِالبَصرَةِ ؟ فَإِنَّهُ يَقولُ : فُلانٌ ، فَقُل : كَذلِكَ اللّهُ رَبُّنا فِي السَّماءِ إِلهٌ ، وفِي الأَرضِ إِلهٌ ، وفِي البِحارِ إِلهٌ ، وفِي القِفارِ إِلهٌ ، وفي كُلِّ مَكانٍ إِلهٌ . قالَ : فَقَدِمتُ فَأَتَيتُ أَبا شاكِرٍ ، فَأَخبَرتُهُ ، فَقالَ : هذِهِ نُقِلَت مِنَ الحِجازِ . (1)
راجع : ج 5 ص 77 (الفصل الخامس والخمسون : القريب) .
36 / 2ما لا يُوصَفُ شُهودُهُ بِهِ36 / 2 _ 1حَوايَةُ الأَماكِنِالإمام عليّ عليه السلام :لا تَحويهِ الأَماكِنُ ، ولا تَضمَنُهُ الأَوقاتُ ، ولا تَحُدُّهُ الصِّفاتُ ، ولا تَأخُذُهُ السِّناتُ . (2)
عنه عليه السلام :لا كانَ في مَكانٍ فَيَجوزَ عَلَيهِ الاِنتِقالُ . (3)
عنه عليه السلام_ لَمّا قالَ لَهُ رَجُلٌ : أَينَ المَعبودُ ؟ _: لا يُقالُ لَهُ : أَينَ ؛ لِأَنَّهُ أَيَّنَ الأَينِيَّةَ ، ولا يُقالُ لَهُ : كَيفَ ؛ لِأَنَّهُ كَيَّفَ الكَيفيَّةَ ، ولا يُقالُ لَهُ : ما هُوَ ؛ لِأَنَّهُ خَلَقَ الماهِيَّةَ . سُبحانَهُ مِن عَظيمٍ تاهَتِ الفِطَنُ في تَيّارِ أَمواجِ عَظَمَتِهِ ، وحَصَرَتِ الأَلبابُ عَن ذِكرِ أَزلِيَّتِهِ ،
.
ص: 298
وتحَيََّرَتِ العُقولُ في أَفلاكِ مَلَكوتِهِ . (1)
عنه عليه السلام :من قالَ : أَينَ ، فَقَد غَيّاهُ . (2)
عنه عليه السلام_ لَمّا قيلَ لَهُ : أَينَ كانَ رَبُّنا قَبلَ أَن يَخلُقَ سَماءً وأَرضا ؟ _: «أَينَ» سُؤالٌ عَن مَكانٍ، وكانَ اللّهُ ولا مَكانَ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: أَنتَ الَّذي لا يَحويكَ مَكانٌ . (4)
علل الشرائع عن ثابت بن دينار :سَأَلتُ زَينَ العابِدينَ عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبي طالِبٍ عليه السلام عَنِ اللّهِ _ جَلَّ جَلالُهُ _ هَل يُوصَفُ بِمَكانٍ ؟ فَقالَ : تَعالى عَن ذلِكَ . قُلتُ : فَلِمَ أَسرى بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله إِلَى السَّماءِ ؟ قالَ : لِيُرِيَهُ مَلَكوتَ السَّماواتِ وما فيها مِن عَجائِبِ صُنعِهِ وبَدائِعِ خَلقِهِ . قُلتُ : فَقَولُ اللّهِ عز و جل : «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى » (5) قالَ : ذاكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ دَنا مِن حُجُبِ النّورِ فَرَأَى مَلَكوتَ السَّماواتِ ، ثُمَّ تَدَلّى صلى الله عليه و آله فَنَظَرَ مِن تَحتِهِ إِلى مَلَكوتِ الأَرضِ حَتّى ظَنَّ أَنَّهُ فِي القُربِ مِنَ الأَرضِ
.
ص: 299
كَقابِ قَوسَينِ أَو أَدنى . (1)
من لا يحضره الفقيه عن زيد بن عليّ :سَأَلتُ أَبي سَيِّدَ العابِدينَ عليه السلام فَقُلتُ لَهُ ... : يا أَبَه ، أَلَيسَ اللّهُ _ جَلَّ ذِكرُهُ _ لا يوصَفُ بِمَكانٍ ؟ فَقالَ : بَلى ، تَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ عُلُوّا كَبيرا . قُلتُ : فَما مَعنى قَولِ موسى عليه السلام لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِرجِع إِلى رَبِّكَ ؟ فَقالَ : مَعناهُ مَعنى قَولِ إِبراهيمَ عليه السلام : «إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ » (2) ومَعنى قَولِ موسى عليه السلام : «وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى » (3) ومَعنى قَولِهِ عز و جل : «فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ» (4) ، يَعني : حُجّوا إِلى بَيتِ اللّهِ . يا بُنَيَّ إِنَّ الكَعبَةَ بَيتُ اللّهِ فَمَن حَجَّ بَيتَ اللّهِ فَقَد قَصَدَ إِلَى اللّهِ ، وَالمَساجِدَ بُيوتُ اللّهِ ، فَمَن سَعى إِلَيها فَقَد سَعى إِلَى اللّهِ وقَصَدَ إِلَيهِ ، وَالمُصَلّي ما دامَ في صَلاتِهِ فَهُوَ واقِفٌ بَينَ يَدَيِ اللّهِ عز و جل ؛ فَإِنَّ للّهِِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ بِقاعا في سَماواتِهِ ، فَمَن عُرِجَ بِهِ إِلى بُقعَةٍ مِنها فَقَد عُرِجَ بِهِ إِلَيهِ أَلا تَسمَعُ اللّهَ عز و جل يَقولُ : «تَعْرُجُ الْمَلَ_ئِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ» (5) ويَقولُ عز و جل : «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّ__لِحُ يَرْفَعُهُ» (6) . (7)
.
ص: 300
الكافي عن زرارة :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : أَكانَ اللّهُ ولا شَيءَ ؟ قالَ : نَعَم ، كانَ ولا شَيءَ . قُلتُ : فَأَينَ كانَ يَكونُ ؟ وكانَ مُتَّكِئَا فَاستَوى جالِسا ، وقالَ : أَحَلتَ يا زُرارَةُ ، وسَأَلتَ عَنِ المَكانِ إِذ لا مَكانَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ يَهودِيّا يُقالُ لَهُ : سِبَختُ ، جاءَ إِلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، جِئتُ أَسأَ لُكَ عَن رَبِّكَ ، فَإِن أَنتَ أَجَبتَني عَمّا أَسأَ لُكَ عَنهُ وإِلّا رَجَعتُ . قالَ : سَل عَمّا شِئتَ . قالَ : أَينَ رَبُّكَ ؟ قالَ : هُوَ في كُلِّ مَكانٍ ولَيسَ في شَيءٍ مِنَ المَكانِ المَحدودِ . قالَ : وكَيفَ هُوَ ؟ قالَ : وكَيفَ أَصِفُ رَبّي بِالكَيفِ وَالكَيفُ مَخلوقٌ ، وَاللّهُ لا يوصَفُ بِخَلقِهِ . (2)
عنه عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ ابنُ أَبِي العَوجاءِ : أَهُوَ في كُلِّ مَكانٍ ؟ أَلَيسَ إِذا كانَ في السَّماءِ كَيفَ يَكونُ فِي الأَرضِ ، وإِذا كانَ فِي الأَرضِ كَيفَ يَكونُ فِي السَّماءِ ؟! _: إِنَّما
.
ص: 301
وَصَفتَ المَخلوقَ الَّذي إِذَا انتَقَلَ عَن مَكانٍ اِشتَغَلَ بِهِ مَكانٌ وخَلا مِنهُ مَكانٌ ؛ فَلا يَدري فِي المَكانٍ الَّذي صارَ إِلَيهِ ما يَحدُثُ في المَكانِ الَّذي كانَ فيهِ ، فَأَمَّا اللّهُ العَظيمُ الشَّأنُ المَلِكُ الدَّيّانُ فَلا يَخلو مِنهُ مَكانٌ ، ولا يَشتَغِلُ بِهِ مَكانٌ ، ولا يَكونُ إِلى مَكانٍ أَقرَبَ مِنهُ إِلى مَكانٍ . (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :لا تُحيطُ بِهِ الأَقطارُ ، ولا يَحويهِ مَكانٌ ، ولا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ ، وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ . (2)
عنه عليه السلام_ لَمّا قيلَ لَهُ : لِأَيِّ عِلَّةٍ عَرَجَ اللّهُ بِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله إِلَى السَّماءِ ، ومِنها إِلى سِدرَةِ المُنتَهى ، ومِنهُما إِلى حُجُبِ النّورِ ، وخاطَبَهُ وناجاهُ هُناكَ وَاللّهُ لا يُوصَفُ بِمَكانٍ ؟ قال _ : إِنَّ اللّهَ _تَبارَكَ وتَعالى _ لا يوصَفُ بِمَكانٍ ولا يَجري عَلَيهِ زَمانٌ ، ولكِنَّهُ عز و جل أَرادَ أَن يُشَرِّفَ بِهِ مَلائِكَتَهُ وسُكّانَ سَماواتِهِ ويُكرِمَهُم بِمُشاهَدَتِهِ ، ويُرِيَهُ مِن عَجائِبِ عَظَمَتِهِ ما يُخبِرُ بِهِ بَعدَ هُبوطِهِ ، ولَيسَ ذلِكَ عَلى ما يَقولُ المُشَبِّهونَ ، سُبحانَ اللّهِ وتَعالى عَمّا يُشرِكونَ . (3)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ كانَ لَم يَزَل بِلا زَمانٍ ولا مَكانٍ ، وهُوَ الآنَ
.
ص: 302
كَما كانَ لا يَخلو مِنهُ مَكانٌ ، ولا يَشغَلُ بِهِ مَكانٌ ، ولا يَحُلُّ في مَكانٍ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يوصَفُ بِمَكانٍ ، ولا يُدرَكُ بِالأَبصارِ وَالأَوهامِ . (2)
معاني الأخبار عن الحسن بن فضّال :سَأَلتُ الرِّضا عَلِيَّ بنَ موسى عليهماالسلامعَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «كَلَا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَ_ئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ » (3) فَقالَ : إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يوصَفُ بِمَكانٍ يَحُلُّ فيهِ فَيُحجَبَ عَنهُ فيهِ عِبادُهُ ، ولكِنَّهُ عز و جليَعني أَنَّهُم عَن ثَواب رَبِّهِم مَحجوبونَ . وسَأَلتُهُ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ جَاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا » (4) ، فَقالَ : إِنَّ اللّهَ عز و جل لا يوصَفُ بِالمَجيءِ وَالذَّهابِ ، تَعالى عَنِ الاِنتِقالِ ، إِنَّما يَعني بِذلِكَ : وجاءَ أَمرُ رَبِّكَ وَالمَلَك صَفّا صَفّا . وسَأَلتُهُ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «هَلْ يَنظُرُونَ إِلَا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِى ظُ_لَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَ_ئِكَةُ» (5) قالَ : يَقولُ : هَل يَنظُرونَ إِلّا أَن يَأتِيَهُمُ اللّهُ بِالمَلائِكَةِ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ وهكَذا نَزَلَت . (6)
.
ص: 303
36 / 2 _ 2الوُلوجُ فِي الأَشياءِالإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَةٍ لَهُ فِي التَّوحيدِ _: لا أَنَّ الأَشياءَ تَحويهِ فَتُقِلَّهُ أَو تُهوِيَهُ ، أَو أَنَّ شَيئا يَحمِلُهُ فَيُميلَهُ أَو يُعَدِّلَهُ ، لَيسَ فِي الأَشياءِ بِوالِجٍ ، ولا عَنها بِخارِجٍ . (1)
عنه عليه السلام :لَم يَحلُل فيهَا [الأَشياء] فَيُقالَ : هُوَ فيها كائِنٌ ، ولَم يَن ءَ عَنها فَيُقالَ : هُوَ مِنها بائِنٌ . (2)
عنه عليه السلام :فِي الأَشياءِ كُلِّها غَيرُ مُتَمازِجٍ بِها ، ولا بائِنٌ مِنها . (3)
عنه عليه السلام :فارَقَ الأَشياءَ لا عَلَى اختِلافِ الأَماكِنِ ، ويَكونُ فيها لا عَلى وَجهِ المُمازَجَةِ . (4)
عنه عليه السلام :مَن قالَ : عَلامَ ؟ فَقَد أَخلى مِنهُ ، ومَن قالَ : فيمَ ؟ فَقَد ضَمَّنَهُ . (5)
.
ص: 304
عنه عليه السلام :البائِنُ لا بِتَراخي مَسافَةٍ . (1)
عنه عليه السلام :بانَ مِنَ الأَشياءِ بِالقَهرِ لَها وَالقُدرَةِ عَلَيها ، وبانَتِ الأَشياءُ مِنهُ بِالخُضوعِ لَهُ وَالرُّجوعِ إِلَيهِ . (2)
الإمام الحسين عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: هُوَ فِي الأَشياءِ كائِنٌ لا كَينونَةَ مَحظورٍ بِها عَلَيهِ ، ومِنَ الأَشياءِ بائِنٌ لا بَينونَةَ غائِبٍ عَنها ، لَيسَ بِقادِرٍ مَن قارَنَهُ ضِدٌّ ، أَو ساواهُ نِدٌّ ، لَيسَ عَنِ الدَّهرِ قِدَمُهُ ، ولا بِالنّاحِيَةِ أَمَمُهُ ، احتَجَبَ عَنِ العُقولِ ، كَمَا احتَجَبَ عَنِ الأَبصارِ ، وعَمَّن فِي السَّماءِ احتِجابُهُ كَمَن فِي الأَرضِ ، قُربُهُ كَرامَتُهُ ، وبُعدُهُ إِهانَتُهُ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :لا خَلقُهُ فيهِ ، ولا هُوَ فِي خَلقِهِ . (4)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ خِلوٌ مِن خَلقِهِ وخَلقُهُ خِلوٌ مِنهُ ، وكُلُّ ما وَقَعَ عَلَيهِ اِسمُ شَيءٍ ما خَلا اللّهَ فَهُوَ مَخلوقٌ وَاللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ ، تَبارَكَ الَّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ . (5)
عنه عليه السلام :هُوَ . . . بائِنٌ مِن خَلقِهِ . (6)
.
ص: 305
تعليق :يثبت أَميرالمؤمنين علي عليه السلام في بعض المواضع البينونة بين الخالق والمخلوق ، وينفيها في مواضع أُخرى ، والمراد من البينونة إِثبات التباين الذاتي والوصفيّ ، يعني أَنّه ليس هناك أَي صفة من صفات الذات الإلهية تشبه صفة المخلوقات ، فاللّه سبحانه قاهر قادر ذاتا ، والمخلوقات خاضعة فقيرة عاجزة ذاتا ، والمراد غير الصحيح من البينونة هو البينونة المكانية ؛ لأَنّ اللّه تعالى ليس له مكان ، حتّى يصبح بائنا عن مخلوقاته من حيث المكان ؛ لأَنّ المكان من صفات المخلوقات ، وما جاء في بعض العبارات من صفة المكان ؛ فإنّه يعني إِحاطة علمه بالمكان ولا يعني حلوله فيه ، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا .
36 / 3حِكمَةُ رَفعِ اليَدَينِ فِي الدُّعاءِالإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام: إِنَّ أَميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام قالَ : إِذا فَرَغَ أَحَدُكُم مِنَ الصَّلاةِ فَليَرفَع يَدَيهِ إِلَى السَّماءِ وليَنصَب فِي الدُّعاءِ ، فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ سَبَأ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، ألَيسَ اللّهُ في كُلِّ مَكانٍ ؟ فَقالَ : بَلى . قالَ : فَلِمَ يَرفَعُ يَدَيهِ إِلَى السَّماءِ ؟ قالَ : أَما تَقَرَأُ فِي القُرآنِ «وَ فِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَ مَا تُوعَدُونَ» (1) فَمِن أَينَ يُطلَبُ الرِّزقُ إِلّا مِن مَوضِعِهِ ، ومَوضِعُ الرِّزقِ وما وَعَدَ اللّهُ السَّماءُ . (2)
.
ص: 306
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ : مَا الفَرقُ بَينَ أَن تَرفَعوا أَيدِيَكُم إِلَى السَّماءِ وبَينَ أَن تَخفِضوها نَحوَ الأَرضِ ؟ قال _: ذلِكَ في عِلمِهِ وإِحاطَتِهِ وقُدرَتِهِ سَواءٌ ، ولكِنَّهُ عز و جلأَمرَ أَولِيائَهُ وعِبادَهُ بِرَفعِ أَيديهِم إِلَى السَّماءِ نَحوَ العَرشِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مَعدِنَ الرِّزقِ ، فَثَبَّتنا ما ثَبَّتَهُ القُرآنُ وَالأَخبارُ عَنِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله حينَ قالَ : اِرفَعوا أَيدِيَكُم إِلَى اللّهِ عز و جل . وهذا يُجمِعُ عَلَيهِ فِرَقُ الأُمَّةِ كُلُّها . (1)
.
ص: 307
الفصل السابع والثلاثون: الصّادقالصَّادق لغةً«الصَّادق» اسم فاعل من مادّة «صدق» وهو يدلّ على قوّة في الشيء قولاً وغيره ، من ذلك الصدق: خلاف الكذب ، سمّي لقوّته في نفسه ؛ ولأَنّ الكذب لا قوّة له ، وهو باطل ، وأَصل هذا من قولهم شيء صدق ، أَي: صُلب (1) .
الصَّادق في القرآن والحديثوردت مشتقّات مادّة «صدق» منسوبة إِلى اللّه تعالى في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرّة (2) ، ووُصف اللّه سبحانه في هذه الآيات بالصدق في القول والحديث حينا ، وبالصدق في الوعد حينا آخر ، وبالصدق مطلقا حينا ثالثا. وينبغي أَن نقول في وجه المناسبة بين صدق اللّه في الكلام والوعد وبين المعنى اللغويّ للصدق ، أَي : القوّة : واللّه تعالى لقوّة كلامه ووعده صادق الكلام وصادق
.
ص: 308
الوعد ، أَي : إِنّ كلامه مطابق للواقع ، لا كذب فيه وهو لا يخلف الميعاد ، بل هو أَصدق الصادقين ؛ لأَنّه أَقوى الأَقوياء وكلّ قوّة منه تعالى .
37 / 1أصدَقُ الصَّادِقينَالكتاب«وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً» . (1)
«وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ... يا أَحكَمَ الحاكِمينَ، يا أَعدَلَ العادِلينَ، يا أَصدَقَ الصّادِقينَ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :يا مَن يَحكُمُ ما يَشاءُ ويَفعَلُ ما يُريدُ... يا أَصدَقَ الصّادِقينَ، ويا أَرحَمَ الرّاحِمينَ. (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ في أَبياتٍ نُسِبَت إِلَيهِ _: ولا تَبخَسَنَّهُ (5) حَقَّهُ وَاردُدِ الوَرى إِلَيهِ فَإِنَّ اللّهَ أَصدَقُ قائِلِ (6)
.
ص: 309
37 / 2صادِقُ الوَعدِالكتاب«وَ قَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَ_مِلِينَ» . (1)
«ثُمَّ صَدَقْنَ_هُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَ_هُمْ وَ مَن نَّشَاءُ وَ أَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ» . (2)
«وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَ_زَعْتُمْ فِى الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْاخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ». (3)
«لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَ لِكَ فَتْحًا قَرِيبًا» . (4)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ باعِثَ الحَمدِ، ووارِثَ الحَمدِ، وبَديعَ الحَمدِ، ومُبتَدِعَ الحَمدِ، ووافِيَ العَهدِ، وصادِقَ الوَعدِ، وعَزيزَ الجُندِ، قَديمَ المَجدِ. (5)
بحار الأنوار_ فِي الدُّعاءِ عِندَ قَبرِ الحُسَينِ عليه السلام _: الحَمدُ للّهِِ النّافِذِ أَمرُهُ، الصّادِقِ وَعدُهُ، لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ، وهُوَ السَّميعُ العَليمُ. (6)
.
ص: 310
37 / 3صادِقُ الكَلامِالكتاب«وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَ_تِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ مُقسِطَ (2) المِيزانِ، رَفيعَ المَكانِ، قاضِيَ البُرهانِ، صادِقَ الكَلامِ، ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ. (3)
.
ص: 311
الفصل الثامن والثلاثون: الصّمدالصَّمد لغةً«الصَّمد» صفة مشبهة من مادّة «صمد» . وله معنيان : أَحدهما: القصد ، والآخر : الصلابة في الشيء (1) . إِنّ إِطلاق اسم «الصَّمد» على اللّه سبحانه في ضوء المعنى الأَوّل يعود إِلى أَنّ اللّه هو السيّد المصمود إِليه في الحوائج ، وفي ضوء المعنى الثاني يعود إِلى أَنّ اللّه هو الذي لا جوف له ، والقصد من «لا جوف له» خلوّه من النقص ، ومن هنا فصمديّته تعالى تعني أَنّه الوجود المطلق ، ولا سبيل للنقص إِلى ذاته المقدّسة ، وعلى هذا الأَساس ، لا يصحّ إِشكال المرحوم الكلينيّ الذي يستلزم تفسيره الثاني ، أَي فيه تشبيه الخالق بالمخلوق (2) .
الصَّمد في القرآن والحديثلقد وردت صفة «الصَّمد» مرّةً واحدةً في القرآن الكريم (3) ، وقد فَسّرت الأَحاديث
.
ص: 312
صفة «الصَّمد» بكلا المعنيين المذكورين في البحث اللغويّ. وتشير بعض التعابير مثل «السَّيِّدُ المَصمودُ إِلَيهِ فِي القَليلِ وَالكَثيرِ» (1) إِلى المعنى الأَوّل ، وبعضها يشير إِلى المعنى الثاني نحو: «الصَّمَدُ الَّذي لا جَوفَ لُهُ» (2) ، والملاحظة اللافتة للنظر في الأَحاديث هي أَنّ صفات سلبيّة عديدة قد تُطرح في تفسير الصَّمد أَحيانا ، وهذا اللون من التفسير هو من لوازم المعنى الثاني للصَّمد ؛ ذلك أَنّ الكمال المطلق للّه يقتضي أَن نسلب منه جميع النقائص .
38 / 1الصَّمَدُ الّذي لا جَوفَ لَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الصَّمَدُ الَّذي لا جَوفَ لَهُ . (3)
الإمام الحسين عليه السلام :الصَّمَدُ : الَّذي لا جَوفَ لَهُ، وَالصَّمَدُ: الَّذي بِهِ اِنتَهى سُؤدَدُهُ، وَالصَّمَدُ: الَّذي لا يَأكُلُ ولا يَشرَبُ ، وَالصَّمَدُ : الَّذي لا يَنامُ ، وَالصَّمَدُ الَّذي لَم يَزَل ولا يَزالُ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا قيلَ لَهُ : مَا الصَّمَدُ؟ قالَ _: الَّذي لَيسَ بِمُجَوَّفٍ . (5)
راجع : ص 343 ح 4902 .
.
ص: 313
38 / 2الصَّمَدُ القائِمُ بِنَفسِهِالإمام الباقر عليه السلام :كانَ مُحَمَّدُ بنُ الحَنَفِيَّةِ رضى الله عنه يَقولُ : الصَّمَدُ القائِمُ بِنَفسِهِ الغَنِيُّ عَن غَيرِهِ ، وقالَ غَيرُهُ : الصَّمَدُ المُتَعالي عَنِ الكَونِ وَالفَسادِ ، وَالصَّمَدُ الَّذي لا يُوصَفُ بِالتَّغايُرِ . (1)
38 / 3الصَّمَدُ الّذي يَصمدُ إلَيهِ كُلُّ شَيءٍالإمام الباقر عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن شَيءٍ مِنَ التَّوحيدِ _: إِنَّ اللّهَ تَبارَكَت أَسماؤُهُ الَّتي يُدعى بِها ، وتَعالى في عُلُوِّ كُنهِهِ ، واحِدٌ تَوَحَّدَ بِالتَّوحيدِ في تَوَحُّدِهِ ، ثُمَّ أَجراهُ عَلى خَلقِهِ ، فَهُوَ واحِدٌ صَمَدٌ قُدّوسٌ ، يَعبُدُهُ كُلُّ شَيءٍ ، ويَصمُدُ إِلَيهِ كُلُّ شَيءٍ ، ووَسِعَ كُلَّ شَيءٍ عِلما . (2)
الإمام الجواد عليه السلام_ لَمّا قيلَ لَهُ : مَا الصَّمَدُ ؟ قالَ _: السَّيِّدُ المَصمودُ إِلَيهِ فِي القَليلِ وَالكَثيرِ . (3)
.
ص: 314
38 / 4الصَّمَدُ السَّيِّدُ المُطاعُالإمام الباقر عليه السلام :الصَّمَدُ : السَّيِّدُ المُطاعُ ، الَّذي لَيسَ فَوقَهُ آمِرٌ وناهٍ . (1)
38 / 5الصَّمَدُ مَن اجتَمَعَ فيهِ الصِفاتُ السَّلبِيَّةُسنن الترمذي عن اُبيّ بن كعب :إِنَّ المُشرِكينَ قالوا لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِنسِب لَنا رَبَّكَ ، فَأَنزَلَ اللّهُ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ » (2) فَالصَّمَدُ : الَّذي لَم يَلِد ولَم يُولَد ؛ لِأَنَّهُ لَيسَ شَيءٌ يُولَدُ إِلّا سَيَموتُ ، ولا شَيءٌ يَموتُ إِلّا سَيورَثُ ، وإِنَّ اللّهَ عز و جللا يَموتُ ولا يورَثُ «وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد » . (3) قالَ : لَم يَكُن لَهُ شَبيهٌ ولا عَدلٌ ولَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :تَأويلُ الصَّمَدِ لا اسمٌ ولا جِسمٌ ، ولا مِثلٌ ولا شِبهٌ ، ولا صورَةٌ ولا تِمثالٌ ، ولا حَدٌّ ولا مَحدودٌ ، ولا مَوضِعٌ ولا مَكانٌ ، ولا كَيفٌ ولا أَينٌ ، ولا هُنا ولا ثَمَّة ، ولا عَلى ولا خَلاءٌ ولا مَلاءٌ ، ولا قِيامٌ ولا قُعودٌ ، ولا سُكونٌ ولا حَرَكاتٌ ، ولا ظُلمانِيٌّ ولا نورانِيٌّ ، ولا روحانِيٌّ ولا نَفسانِيٌّ ، ولا يَخلو مِنهُ مَوضِعٌ ولا يَسَعُهُ مَوضِعٌ ، ولا عَلى لَونٍ ، ولا عَلى خَطَرِ قَلبٍ ، ولا عَلى شَمِّ رائِحَةٍ ، مَنفِيٌّ مِن
.
ص: 315
هذِهِ الأَشياءِ . (1)
عنه عليه السلام :صَمَدٌ لا بِتَبعيضِ بَددٍ (2) . (3)
الإمام الحسين عليه السلام :إِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ قَد فَسَّرَ الصَّمَدَ ، فَقالَ : «اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ » . ثُمَّ فَسَّرَهُ ، فَقالَ : «لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَد * وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد » . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الصَّمَدُ : الَّذي لا شَريكَ لَهُ ، ولا يَؤودُهُ حِفظُ شَيءٍ ، ولا يَعزُبُ عَنهُ شَيءٌ . (5)
الإمام الباقر عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي مَنَّ عَلَينا ووَفَّقَنا لِعِبادَتِهِ ، الأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذي لَم يَلِد ولَم يُولَد ولَم يَكُن لَهُ كُفُوا أَحَدٌ ، وجَنَّبَنا عِبادَةَ الأَوثانِ ، حَمدا سَرمَدا وشُكرا واصِبا . (6)
الإمام الكاظم عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: أَنتَ الصَّمَدُ الَّذي لا يَطعَمُ . (7)
الإمام الرضا عليه السلام :ولا صَمَدَ صَمدَهُ مَن أَشارَ إِلَيهِ . (8)
.
ص: 316
تحف العقول عن داوود بن القاسم :سَأَلتُهُ [الجوادَ عليه السلام ] عَنِ الصَّمَدِ ؟ فَقالَ عليه السلام : الَّذي لا سُرَّةَ (1) لَهُ . قُلتُ : فَإِنَّهُم يَقولونَ : إِنَّهُ الَّذي لا جَوفَ لَهُ ؟ فَقالَ عليه السلام : كُلُّ ذي جَوفٍ لَهُ سُرَّةٌ . (2)
.
ص: 317
الفصل التاسع والثلاثون: الظّاهر ، الباطنالظَّاهر والباطن لغةً«الظَّاهر» اسم فاعل من مادّة «ظهر» وهو يدلّ على قوّة وبروز ، ومن ذلك ظهر الشيء ، يظهر ظهورا ، فهو ظاهر ، إِذا انكشف وبرز ؛ ولذلك سمّي وقت الظهر والظهيرة، وهو أَظهر أَوقات النهار وأَضوؤها ، والأَصل فيه ظهر الإنسان وهو خلاف بطنه ، وهو يجمع البُروز والقوّة (1) . و«الباطن» اسم فاعل من مادّة «بطن» وهو خلاف الظهر والانكشاف . باطن الأَمر: دَخْلَتُه ، خلاف ظاهره (2) .
الظَّاهر والباطن في القرآن والحديثلقد ورد كلّ من الظَّاهر والباطن في القرآن الكريم مرة واحدة: «هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْاخِرُ وَ الظَّ_هِرُ وَ الْبَاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ» (3) ، وقد استُنبط في الأَحاديث من ظهور اللّه
.
ص: 318
تعالى معنى سلطانه وقهره وغلبته على المخلوقات تارة ، ومعنى ظهوره على القوى المدركه للإنسان عن طريق الآثار وعلامات التدبير تارة أُخرى ، حيث ينطبق هذان المعنيان على مفهوم القوّة والبروز المذكورين في اللّغة لكلمة «ظهر» . أَمّا صفة البطون للّه ، فقسم من الأَحاديث ، يقول إِنّها تعني علم اللّه ببواطن الأُمور ، وقسم منها فسّرها بعجز الفكر البشريّ عن الإحاطة بالذات الإلهيّة . إنّ السؤال الذي يمكن أَن يُثار حول هاتين الصفتين وكيف تُطلَق هاتان الصفتان المتضادتان على اللّه في آنٍ واحدٍ؟ يقول أَمير المؤمنين عليّ عليه السلام في الجواب عن هذا السؤال ما مضمونه أَنّ حيثيّة الظهور هي غير حيثيّة البطون ، وأَنّ اللّه سبحانه ظاهر على العقول من حيث أَفعاله ، لكنّه باطن عنها من حيث ذاته ، ولا يتيسّر للإنسان بقواه المدركة أَن يُحيط بالذات الإلهيّة . لقد أَشار بعض الأَحاديث إِلى المعاني الخاطئة لصفتي الظهور والبطون أَيضا ، فمثلاً ظهور اللّه ليس بمعنى إِمكان رؤيته الحسّيّة ، كما إِنّه لا يحاذي شيئا ، وبطون اللّه ليس بمعنى اللطافة والدخول في شيء والاختفاء فيه .
39 / 1صِفَةُ ظُهورِهِ وبُطونِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :هُوَ الظّاهِرُ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ ، وهُوَ الباطِنُ دونَ كُلِّ شَيءٍ ، وهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ . (1)
.
ص: 319
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: أَنتَ الظّاهِرُ فَلَيسَ فَوقَكَ شَيءٌ ، وأَنتَ الباطِنُ فَلَيسَ دونَكَ شَيءٌ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :هُوَ الظّاهِرُ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ ولَيسَ فَوقَهُ شَيءٌ ، وهُوَ الباطِنُ دونَ كُلِّ شَيءٍ ولَيسَ دونَهُ شَيءٌ ، وهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الظّاهِرُ فَلا شَيءَ فَوقَهُ ، وَالباطِنُ فَلا شَيءَ دونَهُ . (3)
عنه عليه السلام :هُوَ الظّاهِرُ عَلَيها بِسُلطانِهِ وعَظَمَتِهِ، وهُوَ الباطِنُ لَها بِعِلمِهِ ومَعرِفَتِهِ. (4)
عنه عليه السلام :الظّاهِرُ عَلى كُلِّ شَيءٍ بِالقَهرِ لَهُ . (5)
عنه عليه السلام :الَّذي بَطَنَ مِن خَفِيّاتِ الأُمورِ ، وظَهَرَ فِي العُقول بِما يُرى في خَلقِهِ مِن عَلاماتِ التَّدبيرِ . (6)
عنه عليه السلام :الظّاهِرُ لِقُلوبِهِم بِحُجَّتِهِ . (7)
عنه عليه السلام :الظّاهِرُ بِعَجائِبِ تَدبيرِهِ لِلنّاظِرينَ ، وَالباطِنُ بِجَلالِ عِزَّتِهِ عَن فِكرِ المُتَوَهِّمينَ . (8)
.
ص: 320
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لَم تَسبِق لَهُ حالٌ حالاً ، فَيَكونَ أَوَّلاً قَبلَ أَن يَكونَ آخِرا ، ويَكونَ ظاهِرا قَبلَ أَن يَكونَ باطِنا . . . كُلُّ ظاهِرٍ غَيرُهُ باطِنٌ ، وكُلُّ باطِنٍ غَيرُهُ غَيرُ ظاهِرٍ . (1)
عنه عليه السلام :لا يُجِنُّهُ (2) البُطونُ عَنِ الظُّهورِ ، ولا يَقطَعُهُ الظُّهورُ عَنِ البُطونِ ، قَرُبَ فَنَأى ، وعَلا فَدَنا ، وظَهَرَ فَبَطَنَ ، وبَطَنَ فَعَلَنَ . (3)
الإمام الرضا عليه السلام :وأَمَّا الظّاهِرُ فَلَيسَ مِن أَجلِ أَنَّهُ عَلَا الأَشياءَ بِرُكوبٍ فَوقَها وقُعودٍ عَلَيها وتَسَنُّمٍ لِذُراها ، ولكِن ذلِكَ لِقَهرِهِ ولِغَلَبَتِهِ الأَشياءَ وقُدرَتِهِ عَلَيها ، كَقَولِ الرَّجُلِ : ظَهَرتُ عَلى أَعدائي وأَظهَرَنِي اللّهُ عَلى خَصمي ، يُخبِرُ عَنِ الفَلجِ وَالغَلَبَةِ ، فَهكَذا ظُهورُ اللّهِ عَلَى الأَشياءِ . ووَجهٌ آخَرُ أَنَّهُ الظّاهِرُ لِمَن أَرادَهُ ، ولا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ ، وأَنَّهُ مُدَبِّرٌ لِكُلِّ ما بَرَأَ ، فَأَيُّ ظاهِرٍ أظهَرُ وأَوضَحُ مِنَ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى؟ لِأَنَّكَ لا تَعدَمُ صَنعَتَهُ حَيثُما تَوَجَّهَت ، وفيكَ مِن آثارِهِ ما يُغنيكَ ، وَالظّاهِرُ مِنّا البارِزُ بِنَفسِهِ وَالمَعلومُ بِحَدِّهِ ، فَقَد جَمَعَنَا الاِسمُ ولَم يَجمَعنَا المَعنى . وأَمَّا الباطِنُ فَلَيسَ عَلى مَعنَى الاِستِبطانِ لِلأَشياءِ ؛ بِأَن يَغورَ فيها ، ولكِن ذلِكَ مِنهُ عَلى استِبطانِهِ لِلأَشياءِ عِلما وحِفظا وتَدبيرا ، كَقولِ القائِلِ : أَبطَنتُهُ ، يَعني خَبَرتُهُ وعَلِمتُ مَكتومَ سِرِّهِ ، وَالباطِنُ مِنَّا الغائِبُ فِي الشَّيءِ المُستَتِرُ ، وقَد جَمَعَنَا الاِسمُ وَاختَلَفَ المَعنى . (4)
.
ص: 321
39 / 2ما لا يُوصَفُ ظُهورُهُ وبُطونُهُ بِهِالإمام عليّ عليه السلام :الظّاهِرُ لا بِرُؤيَةٍ ، وَالباطِنُ لا بِلَطافَةٍ . (1)
عنه عليه السلام :الظّاهِرُ لا يُقالُ «مِمَّ» ، وَالباطِنُ لا يُقالُ «فيمَ» . (2)
عنه عليه السلام :الباطِنُ لا بِاجتِنانٍ (3) ، وَالظَّاهِرُ البائِنُ لا بِتَراخي مَسافَةٍ . (4)
عنه عليه السلام :باطِنٌ لا بِمُداخَلَةٍ ، ظاهِرٌ لا بِمُزايَلَةٍ . (5)
عنه عليه السلام :الباطِنُ لا بِاجتِنانٍ ، الظّاهِرُ لا بِمُحاذٍ . (6)
الإمام الرضا عليه السلام :ظاهِرٌ لا بِتَأويلِ المُباشَرَةِ ، مُتَجَلٍّ لا بِاستِهلالِ رُؤيَةٍ ، باطِنٌ لا بِمُزايَلَةٍ . (7)
راجع : ج 5 ص 15 (الفصل السادس والأربعون : الغائب) .
.
ص: 322
. .
ص: 323
الفصل الأربعون: العادلالعادل لغةً واصطلاحا«العادل» اسم فاعل من مادّة «عدل» وله معنيان متضادّان: أَحدهما الاستواء ، والآخر الاعوجاج (1) ، واسم «العادل» مشتقّ من المعنى الأَوّل ، والعدل: الحكم بالحقّ (2) . فالعدل يعني إذا رعاية الحقّ وإِعطاء الحقّ صاحبَه ، وفي مقابله الظلم والجور وهو تضييع الحقوق وانتهاك حقوق الآخرين (3) ، ويستعمل العدل الإلهيّ في اصطلاح متكلّمي الإماميّة بمعنىً أَعمّ ، وهو تنزيه الباري عن فعل القبيح والإخلال بالواجب (4) ، وانطلاقا من هذا تدلّ صفة العدل على أَنّ أَفعال اللّه سبحانه حسنة ، وأَنّه لا يرتكب القبيح .
.
ص: 324
العادل في القرآن والحديثلقد ورد تنزيه اللّه عز و جل عن الظلم في خمسة وثلاثين موضعا من القرآن الكريم ، بيد أَنّه _ تبارك وتعالى _ لم يوصف باسم العادل فيه ، وإِنّما جاء في إِحدى الآيات قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ» (1) ، وفي آية أُخرى: «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا» (2) . ومع أَنّه سبحانه وُصِف في الأَحاديث باسم العادل أَحيانا ، لكنّ معظم الأَحاديث وصفته باسم «العدل» للدلالة على المبالغة في العدل . وقد جاء العدل الإلهيّ في الأَحاديث إِلى جانب التَّوحيد كأَساس للدِّين: «إِنَّ أَساسَ الدّينِ التَّوحيدُ وَالعَدلُ» (3) ، وبسبب أَهميّة العدل الإلهيّ عَدَّ متكلّمو الإماميّة العدل من أُصول الدين . لقد ورد في الأَحاديث ، أَنّ اتهام اللّه بالمسؤولية عن الأَعمال الّتي نرتكبها فنلامُ عليها حسب نظرية الجبر يتعارض مع عدله الإلهيّ ، إِذ في الحقيقة بمعنى إِجبار الإنسان على الذنب ومعاقبته بسبب ارتكابه المعاصي وانتهاكه لحقّه ؛ لأَنّ الفاعل الحقيقيّ في هذه الفرضيّة هو اللّه _ جلّ وعلا _ لا الإنسان ، كذلك أنّ من حقّ الإنسان أَلّا يُعاقَب على عملٍ لم يرتكبه . جدير بالذكر أنّ النصوص الّتي تدلّ على العدل الإلهي والمباحث المتعلّقة بها تأَتي في المجلّد السادس من الموسوعة وقد أغمضنا عن ذكرها هنا حذرا من التكرار .
.
ص: 325
الفصل الحادي والأربعون: العالم، العَليمالعالم والعليم لغةً«العليم» فعيل بمعنى فاعل من مادّة «علم» وهو في الأَصل يدلّ على أَثَرٍ بالشيء يتميّز به عن غيره . (1) والعلم : نقيض الجهل ، وهو المعرفة ، والعلم : اليقين ، والعليم مثل العالم ، هو الذي اتّصف بالعلم . (2)
العالم والعليم في القرآن والحديثلقد ورد ذكر علم اللّه عز و جل ما يقرب من مئتين وخمسين مرّةً في القرآن الكريم ، وقيل الكثير عن علم اللّه في الأَحاديث أَيضا ، وقد جاء في القرآن والأَحاديث أَنّ خلق الموجودات في العالم ونظمها وتماسكها ، وكذلك قدرة اللّه المطلقة من علامات علم اللّه المطلق ودلالاته . لمّا كانت صفة العلم موجودة في المخلوقات أَيضا ، فقد تكفّلت الأَحاديث عند توضيح العلم الإلهيّ بتبيان الفوارق بين علم اللّه وعلم المخلوقات ، ونفى وجود
.
ص: 326
الشبه بينهما . وعلم اللّه سبحانه من صفاته الذاتيّة ، ومِن ثَمَّ فهو غير حادث ولا مكتسَب ، ولا يتحقّق بالآلات والأَدوات . إِنّ علم اللّه مطلق لا يتناهى ، وللّه تعالى إِحاطة علميّة بكلّ شيء ومنها الكلّيّات والجزئيّات ، وهو يعلم بالأَشياء قبل وجودها ولا تفاوت بين علمه بها قبل وجودها وعلمه بها بعد وجودها . إِنّ للّه جلّ شأنه _ غير العلم الذاتيّ _ علم آخر أَيضا يُدعى العلم الفعليّ ، والمقصود من العلم الفعليّ العلوم المثبّتة في اللوح ، يعطي الملائكة والأَنبياء شيئا من هذا العلم ، ويدلّهم على اللوح الذي سُجّلت فيه بعض العلوم والحوادث التي تقع في المستقبل ، وهذا العلم _ على عكس العلم الذاتيّ _ حادث ومحدود ويقبل البداء ، سنتحدّث عن هذا الموضوع أَكثر في بحث البداء في العدل الإلهيّ .
41 / 1صِفَةُ عِلمِهِ41 / 1 _ 1عالِمٌ بِكُلِّ شَيءٍالكتاب«إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيم » . 1
.
ص: 327
«إِنَّمَا إِلَ_هُكُمُ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْ ءٍ عِلْمًا » . (1)
«قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَمَا فِى الْأَرْضِ» . (2)
«وَ إِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفَى » . (3)
«عَ__لِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهَ_دَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ» . (4)
«إِنَّ اللَّهَ عَلِيم بِمَا يَفْعَلُونَ » . (5)
«اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَ مَا تَزْدَادُ وَ كُلُّ شَىْ ءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ * عَ__لِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهَ_دَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَن جَهَرَ بِهِ وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْف بِالَّيْلِ وَ سَارِب بِالنَّهَارِ » . (6)
.
ص: 328
«وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُ_لُمَ_تِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مُّبِينٍ » . (1)
«قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَ إِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ» . (2)
«اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَ_وَ تٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عِلْمَا» . (3)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفَى» _: «السِّرَّ» ما كَتَمتَهُ في نَفسِكَ ، «وَ أَخْفَى» ما خَطَرَ بِبالِكَ ثُمَّ أُنسيتَهُ . (4)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ» (5) _: أَلَم تَرَ إِلى الرَّجُلِ يَنظُرُ إِلَى الشَّيءِ وكَأَنَّهُ لا يَنظُرُ إِلَيهِ؟ فَذلِكَ خائِنَةُ الأَعيُنِ . (6)
.
ص: 329
جامع الأحاديث عن عبد اللّه بن منصور عن أبيه :سَأَلتُ مَولانا أَبَا الحَسَنِ موسَى بنَ جَعفَرٍ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفَى » قالَ : فَقالَ لي : سَأَلتُ أَبي ، قالَ : سَأَلتُ جَدّي عليه السلام ، قالَ : سَأَلتُ أَبي عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ عليهماالسلام ، قالَ : سَأَلتُ أَبي الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ عليه السلام ، قالَ : سَأَلتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفَى » قالَ : سَأَلتُ اللّهَ عز و جل فَأَوحى إِلَيَّ : إِنّي خَلَقتُ في قَلبِ آدَمَ عِرقَينِ يَتَحَرَّكانِ بِشَيءٍ مِنَ الهَواءِ ، فَإن يَكُن في طاعَتي كَتَبتُ لَهُ حَسناتٍ ، وإِن يَكُن في مَعصِيَتي لَم أَكتُب عَلَيهِ شَيئا حَتّى يُواقِعَ الخَطيئَةَ ، فَاذكُرُوا اللّهَ عَلى ما أَعطاكُم أَيُّهَا المُؤمِنونَ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في دُعائِهِ المَعروفِ بِدُعاءِ كُمَيلٍ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ . . . بِعِلمِكَ الَّذي أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ . (2)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: كُلُّ سِرٍّ عِندَكَ عَلانِيةٌ . (3)
عنه عليه السلام_ أَيضا _: كُلُّ غَيبٍ عِندَكَ شَهادَةٌ . (4)
عنه عليه السلام :العالِمُ بِما تُكِنُّ الصُّدورُ وما تَخونُ العُيونُ . (5)
عنه عليه السلام :خَرَقَ عِلمُهُ باطِنَ غَيبِ السُّتُراتِ ، وأَحاطَ بِغُموضِ عَقائِدِ السَّريراتِ . (6)
.
ص: 330
عنه عليه السلام :عالِمُ السِّرِّ مِن ضَمائِرِ المُضمِرينَ، ونَجوَى المُتَخافِتينَ، وخَواطِرِ رَجمِ الظُّنونِ، وعُقَدِ عَزيماتِ اليَقينِ، ومَسارِقِ إِيماضِ (1) الجُفونِ، وما ضَمِنَتهُ أَكنانُ (2) القُلوبِ، وغَياباتُ الغُيوبِ، وما أَصغَت لِاستِراقِهِ مَصائِخُ الأَسماعِ، ومَصائِفُ الذَّرِّ (3) ، ومَشاتِي الهَوامِّ، ورَجعِ الحَنينِ مِنَ المولَهاتِ (4) ، وهَمسِ الأَقدامِ، ومُنفَسَحِ الثَّمَرَةِ مِن وَلائجِ (5) غُلُفِ الأَكمامِ، ومُنقَمَعِ الوُحوشِ مِن غيرانِ (6) الجِبالِ وأَودِيَتِها، ومُختَبَاَ البَعوضِ بَينَ سوقِ الأَشجارِ وأَلحِيَتِها (7) ، ومَغرِزِ الأَوراقِ مِنَ الأَفنانِ، ومَحَطِّ الأَمشاجِ (8) مِن مَسارِبِ الأَصلابِ، وناشِئَةِ الغُيومِ ومُتَلاحِمِها، ودُرورِ قَطرِ السَّحابِ ومُتَراكِمِها، وما تَسفِي (9) الأَعاصيرُ بِذُيولِها، وتَعفُو الأَمطارُ بِسُيولِها، وعَومِ بَناتِ (10) الأَرضِ في كُثبانِ الرِّمالِ، ومُسَتَقَرِّ ذَواتِ الأَجنِحَةِ بَذُرى شَناخيبِ (11) الجِبالِ، وتَغريدِ ذَواتِ المَنطِقِ في دَياجيرِ الأَوكارِ، وما أَوعَبَتهُ الأَصدافُ وحَضَنَت عَلَيهِ أَمواجُ البِحارِ، وما غَشِيَتهُ سُدفَةُ (12) لَيلٍ أَو ذَرَّ عَلَيهِ شارِقُ نَهارٍ، ومَا اعتَقَبَت عَلَيهِ أَطباقُ الدَّياجيرِ وسُبُحاتُ
.
ص: 331
النّورِ، وأَثَرِ كُلِّ خَطوَةٍ، وحِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ، ورَجعِ كُلِّ كَلِمَةٍ، وتَحريكِ كُلِّ شَفَةٍ، ومُستَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ، ومِثقالِ كُلِّ ذَرَّةٍ، وهَماهِمِ (1) كُلِّ نَفسٍ هامَّةٍ، وما عَلَيها مِن ثَمَرِ شَجَرَةٍ، أَو ساقِطِ وَرَقَةٍ، أَو قَرارَةِ نُطفَةٍ، أَو نَقاعَةِ دَمٍ ومُضغَةٍ (2) ، أَو ناشِئَةِ خَلقٍ وسُلالَةٍ، لَم يَلحَقهُ في ذلِكَ كُلفَةٌ، ولَا اعتَرَضَتهُ في حِفظِ مَا ابتَدَعَ مِن خَلقِهِ عارِضَةٌ، ولَا اعتَوَرَتهُ في تَنفيذِ الأُمورِ وتَدابيرِ المَخلوقينَ مَلالَةٌ ولا فَترَةٌ، بل نَفَذَهُم عِلمُهُ وأَحصاهُم عَدَدُهُ، ووَسِعَهُم عَدلُهُ، وغَمَرَهُم فَضلُهُ، مَعَ تَقصيرِهِم عَن كُنهِ ما هُوَ أَهلُهُ. (3)
عنه عليه السلام :أَيُّهَا النّاسُ ، اتَّقُوا اللّهَ الَّذي إِن قُلتُم سَمِعَ ، وإِن أَضمَرتُم عَلِمَ . (4)
عنه عليه السلام :يَعلَمُ اللّهُ سُبحانَهُ ما فِي الأَرحامِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى ، وقَبيحٍ أَو جَميلٍ ، وسَخِيٍّ أَو بَخيلٍ ، وشَقِيٍّ أَو سَعيدٍ ، ومَن يَكونُ فِي النّارِ حَطَبا أَو فِي الجِنانِ لِلنَّبِيِّينَ مُرافِقا . (5)
عنه عليه السلام :يَعلَمُ عَجيجَ الوُحوشِ فِي الفَلَواتِ ، ومَعاصِيَ العِبادِ فِي الخَلَواتِ ، وَاختِلافَ النِّينانِ (6) فِي البِحارِ الغامِراتِ ، وتَلاطُمَ الماءِ بِالرِّياحِ العاصِفاتِ . (7)
عنه عليه السلام :قَد عَلِمَ السَّرائِرَ ، وخَبَرَ الضَّمائِرَ ، لَهُ الإِحاطَةُ بِكُلِّ شَيءٍ . (8)
عنه عليه السلام :قَد أَحاطَ عِلمُ اللّهِ سُبحانَهُ بِالبَواطِنِ ، وأَحصَى الظَّواهِرَ . (9)
.
ص: 332
عنه عليه السلام :كُلُّ باطِنٍ عِندَ اللّهِ جَلَّت آلاؤُهُ ظاهِرٌ . (1)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ عِندَ إِضمارِ كُلِّ مُضمِرٍ ، وقَولِ كُلِّ قائِلٍ ، وعَمَلِ كُلِّ عامِلٍ . (2)
عنه عليه السلام :قَسَمَ أَرزاقَهُم ، وأَحصى آثارَهُم وأَعمالَهُم ، وعَدَدَ أَنفُسِهِم ، وخائِنَةَ أَعيُنِهِم ، وما تُخفي صُدورُهُم مِنَ الضَّميرِ . (3)
عنه عليه السلام :عِلمُهُ بِما فِي السَّماواتِ العُلى كَعِلمِهِ بِما فِي الأَرَضِ السُّفلى وعِلمُهُ بِكُلِّ شَيءٍ ، لا تُحَيِّرُهُ الأَصواتُ ، ولا تَشغَلُهُ اللُّغاتُ . (4)
عنه عليه السلام :فَسُبحانَ مَن لا يَخفى عَلَيهِ سَوادُ غَسَقٍ داجٍ ، ولا لَيلٍ ساجٍ ، في بِقاعِ الأَرضِينَ المُتَطَأطِئاتِ ، ولا في يَفاعِ (5) السُّفعِ (6) المُتَجاوِراتِ ، وما يَتَجَلجَلُ بِهِ الرَّعدُ في أُفُقِ السَّماء ، وما تَلاشَت عَنهُ بُروقُ الغَمامِ ، وما تَسقُطُ منِ وَرَقَةٍ تُزيلُها عَن مَسقَطِها عَواصِفُ الأَنواءِ وَانهِطالُ السَّماءِ! ويَعلَمُ مَسقَطَ القَطرَةِ ومَقَرَّها ، ومَسحَبَ الذَّرَّةِ ومَجَرَّها ، وما يَكفِي البَعوضَةَ مِن قوتِها ، وما تَحمِلُ الأُنثى في بَطنِها . (7)
عنه عليه السلام :لا يَعزُبُ عَنهُ عَدَدُ قَطرِ الماءِ ، ولا نُجومِ السَّماءِ ، ولا سَوافِي الرِّيحِ فِي الهَواءِ ، ولا دَبيبُ النَّملِ عَلَى الصَّفا ، ولا مَقيلُ الذَّرِّ فِي اللَّيلَةِ الظَّلماءِ ، يَعلَمُ
.
ص: 333
مَساقِطَ الأَوراقِ وخَفِيَّ طَرفِ الأَحداقِ . (1)
عنه عليه السلام :لا يَخفى عَلَيهِ مِن عِبادِهِ شُخوصُ لَحظَةٍ ، ولا كُرورُ لَفظَةٍ ، ولَا ازدِلافُ رَبوَةٍ (2) ، ولا انبِساطُ خُطوَةٍ في لَيلٍ داجٍ ولا غَسَقٍ ساجٍ . (3)
عنه عليه السلام :لَم يَعزُب عَنهُ خَفِيّاتُ غُيوبِ الهَواءِ ، ولا غَوامِضُ مَكنونِ ظُلَمِ الدُّجى ، ولا ما فِي السَّماواتِ العُلى إِلى الأَرَضينَ السُّفلى . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاء _: يا أللّهُ الَّذي لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ فِي الأَرضِ ولا فِي السَّماءِ ، وكَيفَ يَخفى عَلَيكَ يا إِلهي ما أَنتَ خَلَقتَهُ ؟ وكَيفَ لا تُحصي ما أَنتَ صَنَعتَهُ ؟ أَو كَيفَ يَغيبُ عَنكَ ما أَنتَ تُدَبِّرُهُ ؟ أَو كَيفَ يَستَطيعُ أَن يَهرَبَ مِنكَ مَن لا حَياةَ لَهُ إِلّا بِرِزقِكَ ؟ أَو كَيفَ يَنجو مِنكَ مَن لا مَذهَبَ لَهُ في غَيرِ مُلكِكَ . (5)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في صَلاةِ اللَّيلِ _: اللّهُمَّ وقَد أَشرَفَ عَلى خَفايا الأَعمالِ عِلمُكَ ، وَانكَشَفَ كُلُّ مَستورٍ دُونَ خُبرِكَ ، ولا تَنطَوي عَنكَ دَقائِقُ الأُمورِ ، ولا تَعزُبُ عَنكَ غَيِّباتُ السَّرائِرِ . (6)
الإمام الباقر عليه السلام_ في حَديثٍ طَويلٍ _: فَإِذا عُرِضَت هذِهِ الأَعمالُ كُلُّها عَلَى اللّهِ تَعالى
.
ص: 334
قالَ: أَنَا عَدلٌ لا أَجورُ... إِنّي أَنَا اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنَا، عالِمُ السِّرِّ وأَخفى، وأَنَا المُطَّلِعُ عَلى قُلُوبِ عِبادي، لا أَحيفُ (1) ولا أَظلِمُ، ولا أُلزِمُ أَحَدا إِلّا ما عَرَفتُهُ مِنهُ قَبلَ أَن أَخلُقَهُ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ فيما يُقالُ في صَلاةِ العيدَينِ _: اللّهُ أَكبَرُ أَوَّلُ كُلِّ شَيءٍ وآخِرُهُ، وبَديعُ (3) كُلِّ شَيءٍ ومُنتَهاهُ، وعالِمُ كُلِّ شَيءٍ ومَعادُهُ (4) . (5)
عنه عليه السلام_ في بَيانِ مَعنى تَسمِيَةِ اللّهِ بِالعَليمِ _: إِنَّما سُمِّيَ عَليما ؛ لِأَنَّهُ لا يَجهَلُ شَيئا مِنَ الأَشياءِ، لا تَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ في الأَرضِ ولا فِي السَّماءِ ، عَلِمَ ما يَكونُ وما لا يَكونُ، وما لَو كانَ كَيفَ يَكونُ، ولَم نَصِف عَليما بِمَعنى غَريزَةٍ يَعلَمُ بِها ، كَما أَنَّ لِلخَلقِ غَريزَةً يَعلَمونَ بِها ، فَهذا ما أَرادَ مِن قَولِهِ : عَليمٌ ، فَعَزَّ مَن جَلَّ عَنِ الصِّفاتِ ، ومَن نَزَّهَ نَفسَهُ عَن أَفعالِ خَلقِهِ فَهذا هُوَ المَعنى ، ولَولا ذلِكَ ما فَصَلَ بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ فَسُبحانَهُ وتَقَدَّسَت أَسماؤُهُ . (6)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ ولا أَعلَمُ، وتَقدِرُ ولا أَقدِرُ، وتَقضي ولا أَقضي، وأَنتَ عَلّامُ الغُيوبِ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ... . (7)
الإمام الكاظم عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ ... أَنتَ ... عالِمٌ لا يَجهَلُ . (8)
.
ص: 335
الإمام الرضا عليه السلام_ فِي الدُّعاء _: سُبحانَ مَن خَلَقَ الخَلقَ بِقُدرَتِهِ ، وأَتقَنَ ما خَلَقَ بِحِكمَتِهِ ، ووَضَعَ كُلَّ شَيءٍ مِنهُ مَوضِعَهُ بِعِلمِهِ ، سُبحانَ مَن يَعلَمُ خائِنَةَ الأَعيُنِ وما تُخفِي الصُّدورُ ، ولَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ . (1)
الإمام الهادي عليه السلام :الأَشياءُ كُلُّها لَهُ سَواءٌ عِلما وقُدرَةً ومُلكا وإِحاطَةً . (2)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: ومَعرِفَتُكَ بِما نُبطِنُهُ كَمَعرِفَتِكَ بِما نُظهِرُهُ ، ولا يَنطَوي عَنكَ شَيءٌ مِن أُمورِنا . (3)
راجع : ص 343 ح 4905 .
41 / 1 _ 2عالِمٌ إذ لا مَعلومَالإمام عليّ عليه السلام :عالِمٌ إِذ لا مَعلومَ . (4)
عنه عليه السلام :كانَ رَبّا إِذ لا مَربوبَ ، وإِلها إِذ لا مَألوهَ ، وعالِما إِذ لا مَعلومَ . (5)
عنه عليه السلام :أَحالَ الأَشياءَ لِأَوقاتِها . . . عالِما بِها قَبلَ ابتِدائِها . (6)
.
ص: 336
عنه عليه السلام :أَحاطَ بِالأَشياءِ عِلما قَبلَ كَونِها ، فَلَم يَزدَد بِكَونِها عِلما ، عِلمُهُ بِها قَبلَ أَن يُكَوِّنَها كَعِلمِهِ بَعدَ تَكوينِها . (1)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الواحِدِ بِغَيرِ تَشبيهٍ، العالِمِ بِغَيرِ تَكوينٍ، الباقي بِغَيرِ كُلفَةٍ، الخالِقِ بِغَيرِ مَنصَبَةٍ (2) . (3)
جامع بيان العلم عن النزّال بن سبرة :قيلَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، إِنَّ هاهُنا قَوما يَقولونَ : إِنَّ اللّهَ لا يَعلَمُ ما يكُونُ حَتّى يَكونَ . فَقالَ : ثَكَلَتهُم أُمَّهاتُهُم ! مِن أَينَ قالوا ذلِكَ ؟ قيلَ : يَتَأَوَّلونَ القُرآنَ في قَولِهِ عز و جل : «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَ_هِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّ_بِرِينَ وَ نَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ » (4) . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : مَن لَم يَعلَم هَلَكَ ، ثُمَّ صَعِدَ المِنبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وأَثنى عَلَيهِ . ثُمَّ قالَ : أَيُّهَا النّاسُ ! تَعَلَّمُوا العِلمَ وَاعمَلوا بِهِ ، ومَن أَشكَلَ عَلَيهِ شَيءٌ مِن كِتابِ اللّهِ فَليَسأَلني عَنهُ . إِنَّهُ بَلَغَني أَنَّ قَوما يَقولونَ : إِنَّ اللّهَ لا يَعلمُ ما يَكونُ حَتّى يَكونَ لِقَولِهِ عز و جل : «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَ_هِدِينَ مِنكُمْ» الآيَة ، وإِنَّما قَولُهُ عز و جل : «حَتَّى نَعْلَمَ» يَقولُ : حَتّى نَرى مَن كُتِبَ عَلَيهِ الجِهادُ وَالصَّبرُ إِن جاهَدَ وصَبَرَ عَلى ما نابَهُ وأَتاهُ مِمّا قَضَيتُ عَلَيهِ . (5)
.
ص: 337
الإمام الباقر عليه السلام :ما زالَ اللّهُ عالِما تَبارَكَ وتَعالى ذِكرُهُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :لَم يَزَلِ اللّهُ عز و جل رَبَّنا وَالعِلمُ ذاتُهُ ولا مَعلومَ . . . فَلَمّا أَحدَثَ الأَشياءَ وكانَ المَعلومُ وَقَعَ العِلمُ مِنهُ عَلَى المَعلومِ . (2)
الكافي عن منصور بن حازم :سَأَلتُ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام : أَرَأَيتَ ما كانَ وما هُوَ كائِنٌ إِلى يَومِ القِيامَةِ ، أَلَيسَ في عِلمِ اللّهِ ؟ قالَ : بَلى ، قَبلَ أَن يَخلُقَ الخَلقَ . (3)
التوحيد عن عبد اللّه بن مسكان :سَأَلتُ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى : أَكانَ يَعلَمُ المَكانَ قَبلَ أَن يَخلُقَ المَكانَ ، أَم عَلِمَهُ عِندَما خَلَقَهُ وبَعدَما خَلَقَهُ ؟ فَقالَ : تَعالَى اللّهُ ، بَل لَم يَزَل عالِما بِالمَكانِ قَبلَ تَكوينِهِ كَعِلمِهِ بِهِ بَعدَ ما كَوَّنَهُ ، وكَذلِكَ عِلمُهُ بِجَميعِ الأَشياءِ كَعِلمِهِ بِالمَكانِ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن قَولِ اللّهِ : «أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَ_هَدُواْ مِنكُمْ» (5) _: إِنَّ اللّهَ هُوَ أَعلَمُ بِما هُوَ مُكَوِّنُهُ قَبلَ أَن يُكَوِّنَهُ وَهُم ذَرٌّ ، وعَلِمَ مَن يُجاهِدُ مِمَّن لا يُجاهِدُ ، كَما عَلِمَ أَنَّهُ يُميتُ خَلقَهُ قَبلَ أَن يُميتَهُم ، ولَم يُرِهِم مَوتَهُم
.
ص: 338
وهُم أَحياءٌ . (1)
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «عَ__لِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَ_دَةِ» _: الغَيبُ ما لَم يَكُن ، وَالشَّهادَةُ ما قَد كانَ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ : أَيَعلَمُ اللّهُ الشَّيءَ الَّذي لَم يَكُن أَن لَو كانَ كَيفَ كانَ يَكونُ ؟ _: إِنَّ اللّهَ تَعالى هُوَ العالِمُ بِالأَشياءِ قَبلَ كَونِ الأَشياءِ ، قالَ عز و جل : «إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ » (3) وقالَ لِأَهلِ النّارِ : «وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَ_ذِبُونَ » (4) فَقَد عَلِمَ عز و جل أَنَّهُ لَو رَدّوهُم لَعادوا لِما نُهوا عَنهُ ، وقالَ لِلمَلائِكَةِ لَمّا قالَت : «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ » (5) فَلَم يَزَلِ اللّهُ عز و جل عِلمُهُ سابِقا لِلأَشياءِ قَديما قَبلَ أَن يَخلُقَها، فَتَبارَكَ اللّهُ رَبُّنا وتَعالى عُلُوّا كَبيرا، خَلَقَ الأَشياءَ وعِلمُهُ بِها سابِقٌ لَها كَما شاءَ، كَذلِكَ رَبُّنا لَم يَزَل عالِما سَميعا بَصيرا. (6)
41 / 1 _ 3لا فَرقَ في عِلمِهِ بَينَ الماضي والمُستَقبَلِالإمام عليّ عليه السلام :عِلمُهُ بِالأَمواتِ الماضينَ كَعِلمِهِ بِالأَحياءِ الباقينَ ، وعِلمُهُ بِما فِي
.
ص: 339
السَّماواتِ العُلى كَعِلمِهِ بِما فِي الأَرَضينَ السُّفلى . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ اللّهُ عز و جل ولا شَيءَ غَيرُهُ ، ولَم يَزَل عالِما بِما يَكونُ ، فَعِلمُهُ بِهِ قَبلَ كَونِهِ كَعِلمِهِ بِهِ بَعدَ كَونِهِ . (2)
التوحيد عن ابن مسكان:سَأَلتُ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ اللّهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ ، أَكانَ يَعلَمُ المَكانَ قَبلَ أَن يَخلُقَ المَكانَ، أَم عَلِمَهُ عِندَما خَلَقَهُ وبَعدَما خَلَقَهُ؟ فَقالَ: تَعالَى اللّهُ ، بَل لَم يَزَل عالِما بِالمَكانِ قَبلَ تَكوينِهِ كَعِلمِهِ بِهِ بَعدَما كَوَّنَهُ، وكَذلِكَ عِلمُهُ بِجَميعِ الأَشياءِ كَعِلمِهِ بِالمَكانِ. (3)
الإمام الرضا عليه السلام :لَم يَزَلِ اللّهُ عالِما بِالأَشياءِ قَبلَ أَن يَخلُقَ الأَشياءَ كَعِلمِهِ بِالأَشياءِ بَعدَما خَلَقَ الأَشياءَ . (4)
41 / 1 _ 4عِلمُهُ بِلا تَعليمٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في تَمجيدِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: سُبحانَكَ الَّذي لا إِلهَ غَيرُهُ . . . عالِمُ كُلِّ شَيءٍ بِغَيرِ مُعَلِّمٍ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :العالِمُ بِلَا اكتِسابٍ ولَا ازدِيادٍ ولا عِلمٍ مُستَفادٍ . . . لَيسَ إِدراكُهُ بِالإِبصارِ ، ولا عِلمُهُ بِالإِخبارِ . (6)
.
ص: 340
عنه عليه السلام :كُلُّ عالِمٍ غَيرُهُ مُتَعَلِّمٌ . (1)
عنه عليه السلام :كُلُّ عالِمٍ فَمِن بَعدِ جَهلٍ تَعَلَّمَ ، وَاللّهُ لَم يَجهَل ولَم يَتَعَلَّم . (2)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ العَلِيِّ عَن شَبَهِ المَخلوقينَ، الغالِبِ لِمَقالِ الواصِفينَ... لَيسَ إِدراكُهُ بِالإِبصارِ، ولا عِلمُهُ بِالإِخبارِ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :العالِمُ كُلَّ شَيءٍ بِغَيرِ تَعليمٍ . (4)
الإمام العسكري عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: لا إِلهَ إِلّا أَنتَ خالِقُ ما يُرى وما لا يُرى، العالِمُ بِكُلِّ شَيءٍ بِغَيرِ تَعليمٍ، أَسأَ لُكَ بِآلائِكَ ونَعمائِكَ (5) ، بِأَنَّكَ اللّهُ الرَّبُّ الواحِدُ. (6)
41 / 1 _ 5عِلمُهُ لَيسَ بِأَداةٍالإمام عليّ عليه السلام :عَلِمَها [أَيِ الأَشياءَ] لا بِأَداةٍ لا يَكونُ العِلمُ إِلّا بِها ، ولَيسَ بَينَهُ وبَينَ مَعلومِهِ عِلمُ غَيرِهِ بِهِ كانَ عالِما بِمَعلومِهِ . (7)
.
ص: 341
الإمام الرضا عليه السلام :إِنَّما سُمِّيَ اللّهُ تَعالى بِالعِلمِ (1) بِغَيرِ عِلمٍ حادِثٍ عَلِمَ بِهِ الأَشياءَ ، استَعان بِهِ عَلى حِفظِ ما يَستَقبِلُ مِن أَمرِهِ ، وَالرَّوِيَّةِ فيما يَخلُقُ مِن خَلقِهِ ، ويُفسِدُ ما مَضى مِمّا أَفنى مِن خَلقِهِ مِمّا لَو لَم يَحضُرهُ ذلِكَ العِلمُ ويَغيبُهُ كانَ جاهِلاً ضَعيفا ، كَما أَنّا لَو رَأَينا عُلَماءَ الخَلقِ إِنَّما سُمّوا بِالعِلمِ لِعِلمٍ حادِثٍ إِذ كانوا فيهِ جَهَلَةً ، ورُبَّما فارَقَهُمُ العِلمُ بِالأَشياءِ فَعادوا إِلَى الجَهلِ . (2)
41 / 1 _ 6لَهُ عِلمٌ عامٌّ وعِلمٌ خاصٌّالإمام الباقر عليه السلام_ لِحُمرانَ بنِ أَعيَنَ في قَولِهِ تَعالى : «عَ__لِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ» (3) _: أَمّا قَولُهُ : «عَ__لِمُ الْغَيْبِ» فَإِنَّ اللّهَ عز و جلعالِمٌ بِما غابَ عَن خَلقِهِ فيما يُقَدِّرُ مِن شَيءٍ، ويَقضيهِ في عِلمِهِ قَبلَ أَن يَخلُقَهُ وقَبلَ أَن يُفضِيَهُ إِلَى المَلائِكَةِ، فَذلِكَ يا حُمرانُ ، عِلمٌ مَوقوفٌ عِندَهُ إِلَيهِ فيهِ المَشيئَةُ فَيَقضيهِ إِذا أَرادَ، ويَبدو لَهُ فيهِ فَلا يُمضيهِ؛ فَأَمَّا العِلمُ الَّذي يُقَدِّرُهُ اللّهُ عز و جلفَيَقضيهِ ويُمضيهِ، فَهُوَ العِلمُ الَّذِي انتَهى إِلى رَسولِ اللّهِ ثُمَّ إِلَينا. (4)
عنه عليه السلام :العِلمُ عِلمانِ : فَعِلمٌ عِندَ اللّهِ مَخزونٌ لَم يُطلِع عَلَيهِ أَحَدا مِن خَلقِهِ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ ، فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإنَّهُ سَيَكونُ ، لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ
.
ص: 342
ولا مَلائِكَتَهُ ولا رُسُلَهُ ، وعِلمٌ عِندَهُ مَخزونٌ يُقَدِّمُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويُثبِتُ ما يَشاءُ . (1)
عنه عليه السلام :إِنَّ للّهِِ تَعالى عِلما خاصّا وعِلما عامّا ؛ فَأَمَّا العِلمُ الخاصُّ فَالعِلمُ الَّذي لَم يُطلِع عَلَيهِ مَلائِكَتَهُ المُقَرَّبينَ وأَنبِياءَهُ المُرسَلينَ ، وأَمّا عِلمُهُ العامُّ فَإِنَّهُ عِلمُهُ الَّذي أَطلَعَ عَلَيهِ مَلائِكَتَهُ المُقَرَّبينَ وأَنبِياءَهُ المُرسَلينَ ، وقَد وَقَعَ إِلَينا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ للّهِِ عِلمَينِ : عِلما أَظهَرَ عَلَيهِ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأَنبِياءَهُ فَذلِكَ قَد عَلِمناهُ ، وعِلما اِستَأثَرَ بِهِ ، فَإذا بَدا لَهُ في شَيءٍ مِنهُ أَعلَمَنا ذلِكَ ، وعَرَضَ عَلَى الأَئِمَّةِ الَّذينَ كانوا قَبلَنا . (3)
عنه عليه السلام :إِنَّ للّهِِ عِلمَينِ : عِلمٌ مَكنونٌ مَخزونٌ لا يَعلَمُهُ إِلّا هُوَ ؛ مِن ذلِكَ يَكونُ البَداءُ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأَنبِياءَهُ ؛ فَنَحنُ نَعلَمُهُ . (4)
41 / 2ما لا يُوصَفُ عِلمُهُ بِهِالإمام عليّ عليه السلام :وحارَ في مَلَكوتِهِ عَميقاتُ مَذاهِبِ التَّفكيرِ ، وَانقَطَعَ دونَ الرُّسوخِ في
.
ص: 343
عِلمِهِ جَوامِعُ التَّفسيرِ ، وحالَ دونَ غَيبِهِ المَكنونِ حُجُبٌ مِنَ الغُيوبِ ، تاهَت في أَدنى أَدانيها طامِحاتُ العُقولِ في لَطيفاتِ الأُمورِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُ نورٌ لا ظَلامَ فيهِ، وحَيٌّ لا مَوتَ لَهُ، وعالِمٌ لا جَهلَ فيهِ، وصَمَدٌ لا مَدخلَ فيهِ، رَبُّنا نورِيُّ الذّاتِ، حَيُّ الذّاتِ، عالِمُ الذّاتِ، صَمَدِيُّ الذّاتِ. (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :عِلمُ اللّهِ لا يوصَفُ مِنهُ بِأَينٍ ، ولا يوصَفُ العِلمُ مِنَ اللّهِ بِكَيفٍ، ولايَفرُدُ العِلمُ مِنَ اللّهِ، ولا يُبانُ اللّهُ مِنهُ، ولَيسَ بَينَ اللّهِ وبَينَ عِلمِهِ حَدٌّ. (3)
الإمام الرضا عليه السلام :إِنَّما سُمِّيَ اللّهُ تَعالى بِالعِلمِ بِغَيرِ عِلمٍ حادِثٍ عَلِمَ بِهِ الأَشياءَ، استَعانَ بِهِ عَلى حِفظِ ما يَستَقبِلُ مِن أَمرِهِ، وَالرَّوِيَّةِ فيما يَخلُقُ مِن خَلقِهِ، ويُفسِدُ ما مَضى مِمّا أَفنى مِن خَلقِهِ، مِمّا لَو لَم يَحضُرهُ ذلِكَ العِلمُ ويَغيبُهُ كانَ جاهِلاً ضَعيفا ، كَما إِنّا لَو رَأَينا عُلَماءَ الخَلقِ إِنَّما سُمّوا بِالعِلمِ لِعِلمٍ حادِثٍ، إِذ كانوا فيهِ جَهَلَةً ورُبَّما فارَقَهُمُ العِلمُ بِالأَشياءِ فَعادوا إِلَى الجَهلِ، وإِنَّما سُمِّيَ اللّهُ عالِما ؛ لِأَنَّهُ لا يَجهَلُ شَيئا، فَقَد جَمَعَ الخالِقَ وَالمَخلوقَ اسمُ العالِمِ وَاختَلَفَ المَعنى عَلى ما رَأَيتَ. (4)
الكافي عن الكاهلي :كَتَبتُ إِلى أَبِي الحَسَنِ عليه السلام في دُعاءٍ : الحَمدُ للّهِِ مُنتَهى عِلمِهِ ، فَكَتَبَ إِلَيَّ : لا تَقولَنَّ مُنتَهى عِلمِهِ ، فَلَيسَ لِعِلمِهِ مُنتَهى ، ولكِن قُل : مُنتَهى رِضاهُ . (5)
.
ص: 344
41 / 3دَليلُ عِلمِهِالكتاب«أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » . (1)
«وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَ_نَ وَ نَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » . (2)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدَّليلِ عَلى حِكمَةِ اللّهِ وعِلمِهِ وقُدرَتِهِ _: اِتِّصالُ الخَلقِ بِعضِهِ بِبَعضِ ، وإِنَّ ذلِكَ مِن مُدَبِّرٍ حَكيمٍ عالِمٍ قَديرٍ . (3)
راجع : ص 201 (الفصل الثالث والعشرون : الخبير) و 172 (العلم) ، ج 3 ص 117 (الباب الأوّل : جوامع آيات معرفة اللّه في الخلقة) .
.
ص: 345
الفصل الثاني والأربعون: العزيزالعزيز لغةً«العزيز» فعيل بمعنى فاعل من مادّة «عَزَّ» وهو يدلّ على شدّة وقوّة وما ضاهاهما من غلبة وقهر (1) ، وفي أَسماء اللّه تعالى «العزيز» هو الغالب القويّ الذي لا يُغلَب (2) .
العزيز في القرآن والحديثلقد وردت صفة «العزيز» إِلى جانب صفة «الحكيم» سبع وأَربعين مرّةً في القرآن الكريم (3) ، وإِلى جانب صفة «الرَّحيم» ثلاث عشرة مرّةً (4) ، ومع صفة «العليم» ستّ مرّات (5) ، ومع صفة «القويّ» سبع مرّات (6) ، ومع صفة «ذو انتقام» أَربع مرّات (7) ، ومع
.
ص: 346
صفة «الغفّار» ثلاث مرّات (1) ، ومع صفة «الحميد» كذلك (2) ، ومع صفة «الغفور» مرّتين (3) ، ومع كلّ من «الوهّاب» (4) ، و«المقتدر» (5) مرّة واحدةً ، ووردت مرّةً واحدةً بهذه الصورة: «الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَ_مُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ» (6) . وقد ذهبت الآيات والأَحاديث إِلى أَنّ العزّة للّه جميعا ، والعزّة المطلقة منحصرة فيه وحدَه ؛ لأَنّ كلّ عزيز غيره ذليل .
42 / 1للّهِ العِزَّةُ جَميعاالكتاب«مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّ__لِحُ يَرْفَعُهُ وَ الَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّ_ئاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَ مَكْرُ أُوْلَ_ئِكَ هُوَ يَبُورُ » . (7)
«يَقُولُونَ لَ_ئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لَ_كِنَّ الْمُنَ_فِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ » . (8)
.
ص: 347
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :لَم يُولَد سُبحانَهُ فَيَكونَ فِي العِزِّ مُشارَكا . (1)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لَبِسَ العِزَّ وَالكِبرِياءَ ، وَاختارَهُما لِنَفسِهِ دونَ خَلقِهِ . (2)
عنه عليه السلام :كُلُّ عَزيزٍ غَيرُهُ ذَليلٌ . (3)
42 / 2خَصائِصُ عِزَّتِهِالكتاب«تَنزِيلُ الْكِتَ_بِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ » . (4)
«يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ » . (5)
«إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَ_ؤُاْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ » . (6)
«كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُّسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّ_رُ » . (7)
«وَ مَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَا أَن يُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ » . (8)
.
ص: 348
«إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ » . (1)
«كَذَّبُواْ بِ_ئايَ_تِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَ_هُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ » . (2)
«أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ » . (3)
«فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ » . (4)
«هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَ_مُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَ_نَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ » . (5)
«إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » . (6)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :عِزُّ كُلِّ ذَليلٍ . (7)
.
ص: 349
عنه عليه السلام :تَواضَعَتِ الأَشياءُ لِعَظَمَتِهِ ، وَانقادَت لِسُلطانِهِ وعِزَّتِهِ . (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في صَلاةِ اللَّيلِ _: اللّهُمَّ يا ذَا المُلكِ المُتَأَبِّدِ بِالخُلودِ ، وَالسُّلطانِ المُمتَنِعِ بِغَيرِ جُنودٍ ولا أَعوانٍ ، وَالعِزِّ الباقي عَلى مَرِّ الدُّهورِ وخَوالِي الأَعوامِ ومَواضِي الأَزمانِ وَالأَيّامِ ، عَزَّ سُلطانُكَ عِزّا لا حَدَّ لَهُ بِأَوَّلِيَّةٍ ، ولا مُنتَهى لَهُ بِآخِرِيَّةٍ ، وَاستَعلى مُلكُكَ عُلُوّا ، سَقَطَتِ الأَشياءُ دونَ بلوغِ أَمَدِهِ ، ولا يَبلُغُ أَدنى مَا استَأثَرتَ بِهِ مِن ذلِكَ أَقصى نَعتِ النّاعِتينَ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :العَزيزُ الَّذي لا يُذَلُّ . (3)
.
ص: 350
. .
ص: 351
الفصل الثالث والأربعون: العظيمالعظيم لغةً«العظيم» فعيل بمعنى فاعل من مادّة «عظم» وهو يدلّ على كِبَر وقوّة (1) ، والعظمة: الكبرياء (2) .
العظيم في القرآن والحديثلقد ورد اسم «العظيم» مقرونا باسم «العليّ» مرّتين في القرآن الكريم (3) ، وورد ثلاث مرّات مع اسم «الربّ» (4) ، ومرّة مع اسم «اللّه » (5) ، وإِنّ إِطلاق اسم «العظيم» على اللّه في الآيات والأَحاديث قابل للتفسير بوجهين :
.
ص: 352
أ _ الصفة الذاتيّةإِنّ القصد من عظمة اللّه في هذا الوجه العظمة التي تليق بشأنه لا العظمة في الطول والعرض والعمق ، التي هي من شأن الأَجسام ، وتعني عظمة اللّه سبحانه أَنّ له الكمالات المطلقة غير المحدودة بنحو تعجز فيه القوى الذهنيّة للإنسان عن الإحاطة بكنهها وحقيقتها ، وقد قال الإمام عليّ عليه السلام : «لا تُقَدِّر عَظَمَةَ اللّهِ سُبحانَهُ عَلى قَدرِ عَقلِكَ فَتَكونَ مِنَ الهالِكينَ» (1) . قال ابن الأَثير: في أَسماء اللّه «العظيم» هو الذي جاوز قدره وجلّ عن حدود العقول ، حتّى لا تتصوّر الإحاطة بكنهه و حقيقته ، والعظم من صفات الأَجسام: كِبَر الطول والعرض والعمق ، واللّه تعالى جلّ قدره عن ذلك (2) .
ب _ الصفة الفعليّةالقصد من عظمة اللّه في هذا الوجه أَنّ اللّه تعالى خالق العالم العظيم ، وقد نُقل عن الإمام الصَّادق عليه السلام قوله: «إِنَّما قُلنا إِنَّهُ قَوِيٌّ لِلخَلقِ القَوِيّ ، وكَذلِكَ قَولُنا: العَظيم والكَبير» (3) .
43 / 1للّهِ العَظَمَةُ وَالكِبرِياءُالكتاب«فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ » . (4)
.
ص: 353
«إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ » . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَقولُ اللّهُ عز و جل : لِيَ العَظَمَةُ وَالكِبرِياءُ وَالفَخرُ ، وَالقَدرُ سِرّي ، فَمَن نازَعَني في واحِدَةٍ مِنهُنَّ كَبَبتُهُ فِي النّارِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ في حَديثِ المِعراجِ وقَد قالَ لَهُ سُبحانَهُ : أُنظُر إِلى عَرشي _: فَنَظَرتُ إِلى عَظَمَةٍ ذَهَبَت لَها نَفسي وغُشِيَ عَلَيَّ ، فَاُلهِمتُ أَن قُلتُ : سُبحانَ رَبِّيَ العَظيمِ وبِحَمدِهِ لِعِظَمِ ما رَأَيتُ ، فَلَمّا قُلتُ ذلِكَ تَجَلَّى الغَشيُ عَنّي حَتّى قُلتُها سَبعا . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ لِليَهودِيِّ الَّذي سَأَلَ عَن مُعجِزاتِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله _: إِنَّهُ أُسرِيَ بِهِ مِن المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصى مَسيرَةَ شَهرٍ ، وعُرِجَ بِهِ في مَلَكوتِ السَّماواتِ مَسيرَةَ خَمسينَ أَلفَ عامٍ في أَقَلَّ مِن ثُلثِ لَيلَةٍ ، حَتّى انتَهى إِلى ساقِ العَرشِ فَدَنا بِالعِلمِ فَتَدَلّى ، فَدُلِّيَ لَهُ مِنَ الجَنَّةِ رَفرَفٌ أَخضَرُ ، وغَشِيَ النّورُ بَصَرَهُ ، فَرَأَى عَظَمَةَ رَبِّهِ عز و جل بِفُؤادِهِ ولَم يَرَها بِعَينِهِ . (4)
التوحيد عن يونس بن عبد الرحمن :قُلتُ لِأَبِي الحَسَنِ موسَى بنِ جَعفَرٍ عليه السلام : لِأَيِّ عِلَّةٍ عَرَجَ اللّهُ بِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله إِلَى السَّماءِ ، ومِنها إِلى سِدرَةِ المُنتَهى ، ومِنها إِلى حُجُبِ النُّورِ ، وخاطَبَهُ وناجاهُ هُناكَ وَاللّهُ لا يوصَفُ بِمَكانٍ ؟ فَقالَ عليه السلام : إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يُوصَفُ بِمَكانٍ ، ولا يَجري عَلَيهِ زَمانٌ ،
.
ص: 354
ولكِنَّهُ عز و جل أَرادَ أَن يُشَرِّفَ بِهِ مَلائِكَتَهُ وسُكّانَ سَماواتِهِ ، ويُكرِمَهُم بِمُشاهَدِتِهِ ، ويُرِيَهُ مِن عَجائِبِ عَظَمَتِهِ ما يُخبِرُ بِهِ بَعدَ هُبوطِهِ ، ولَيسَ ذلِكَ عَلى ما يَقولُ المُشَبِّهونَ ، سُبحانَ اللّهِ وتَعالى عَمّا يُشرِكونَ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا أَعظَمَ مِن كُلِّ عَظيمٍ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :فَلا إِلهَ إِلَا اللّهُ مِن عَظيمٍ ما أَعظَمَهُ ، وجَليلٍ ما أَجَلَّهُ ، وعَزيزٍ ما أَعَزَّهُ ، وتَعالى عَمّا يَقولُ الظّالِمونَ عُلُوّا كَبيرا . (3)
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا » (4) _: لا تَخافونَ للّهِِ عَظَمَةً . (5)
الإمام الكاظم عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ العَلِيِّ العَظيمِ ، الَّذي بِعَظَمَتِهِ ونورِهِ أَبصَرَ قُلوبَ المُؤمِنينَ ، وبِعَظَمَتِهِ ونورِهِ عاداهُ الجاهِلونَ ، وبِعَظَمَتِهِ ونورِهِ ابتَغى مَن فِي السَّماواتِ ومَن فِي الأَرضِ إِلَيهِ الوَسيلةَ بِالأَعمالِ المُختَلِفَةِ ، وَالأَديانِ المُتَضادَّةِ . (6)
.
ص: 355
43 / 2عَظَمَتُهُ مَلَأت كُلَّ شَيءٍالإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ الَّذي عَلَّمَهُ كُمَيلَ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ ... بِعَظَمَتِكَ الَّتي مَلَأَت كُلَّ شَيءٍ ، وبِسُلطانِكَ الَّذي عَلا كُلَّ شَيءٍ . (1)
عنه عليه السلام :تواضَعَتِ الأَشياءُ لِعَظَمَتِهِ ، وَانقادَت لِسُلطانِهِ وعِزَّتِهِ . (2)
43 / 3صَغُرَ كُلُّ عَظيمٍ عِندَ عَظَمَتِهِالإمام عليّ عليه السلام :صَغُرَ كُلُّ جَبّارٍ في عَظَمَةِ اللّهِ . (3)
عنه عليه السلام :فَاستَجيبوا للّهِِ وآمِنوا بِهِ ، وعَظِّمُوا اللّهَ الَّذي لا يَنبَغي لِمَن عَرَفَ عَظَمَةَ اللّهِ أَن يَتَعَظَّمَ ؛ فَإِنَّ رِفعَةَ الَّذينَ يَعلَمونَ ما عَظَمَةُ اللّهِ أَن يَتَواضَعوا لَهُ . (4)
الإمام الباقر عليه السلام :قالَ جَبرَئيلُ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : . . . لَيسَ شَيءٌ يَدنو مِنَ الرَّبِّ إِلّا صَغُرَ لِعَظَمَتِهِ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أَوحى إِلى داوودَ عليه السلام : . . . ما لي أَراكَ مُتَذَلِّلاً ؟
.
ص: 356
قالَ : عَظيمُ جَلالِكَ الَّذي لا يُوصَفُ ذَلَّلَني . (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :صَغُرَ كُلُّ عَظيمٍ عِندَ عَظَمَةِ اللّهِ . (2)
الأمالي عن ابن عبّاس :لَمّا مَضى لِعيسى عليه السلام ثَلاثونَ سَنَةً بَعَثَهُ اللّهُ عز و جل إِلى بَني إِسرائِيلَ ، فَلَقِيَهُ إِبليسُ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ عَلى عَقَبَةِ بَيتِ المَقدِسِ وهِيَ عَقَبَةُ أَفيقٍ . فَقالَ لَهُ : يا عيسى ، أَنتَ الَّذي بَلَغَ مِن عِظَمِ رُبوبِيَّتِكَ أَن تَكَوَّنتَ مِن غَيرِ أَبٍ ؟ قالَ عيسى عليه السلام : بَلِ العَظَمَةُ لِلَّذي كَوَّنَني ، وكَذلِكَ كَوَّنَ آدَمَ وحَوّاءَ . قالَ إِبليسُ : يا عيسى ، فَأَنتَ الَّذي بَلَغَ مِن عِظَمِ رُبوبِيَّتِكَ أَنَّكَ تَكَلَّمتَ فِي المَهدِ صَبِيّا ؟ قالَ عيسى عليه السلام : يا إِبليسُ ، بَلِ العَظَمَةُ لِلَّذي أَنطَقَني في صِغَري ولو شاءَ لَأَبكَمَني . قالَ إِبليسُ : فَأَنتَ الَّذي بَلَغَ مِن عِظَمِ رُبوبِيَّتِكَ أَنَّكَ تَخلُقُ مِنَ الطّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ فَتَنفُخُ فيهِ فَيَصيرُ طَيرا ؟ قالَ عيسى عليه السلام : بَلِ العَظَمَةُ لِلَّذي خَلَقَني وخَلَقَ ما سَخَّرَ لي . قالَ إِبليسُ : فَأَنتَ الَّذي بَلَغَ مِن عِظَمِ رُبوبِيَّتِكَ أَنَّكَ تَشفي المَرضى ؟ قالَ عيسى عليه السلام : بَلِ العَظَمَةُ لِلَّذي بِإِذنِهِ أشفيهِم ، وإِذا شاءَ أَمرَضَني . قالَ إِبليسُ : فَأَنتَ الَّذي بَلَغَ مِن عِظَمِ رُبوبِيَّتِكَ أَنَّكَ تُحيِي المَوتى ؟
.
ص: 357
قالَ عيسى عليه السلام : بَلِ العَظَمَةُ لِلَّذي بِإِذنِهِ أُحييهِم ، ولا بُدَّ مِن أَن يُميتَ ما أَحيَيتُ ويُميتَني . قالَ إِبليسُ : يا عيسى ، فَأَنتَ الَّذي بَلَغَ مِن عِظَمِ رُبوبِيَّتِكَ أَنَّك تَعبُرُ البَحرَ فَلا تَبتَلُّ قَدَماكَ ولا تَرسُخُ فيهِ ؟ قالَ عيسى عليه السلام : بَلِ العَظَمَةُ لِلَّذي ذَلَّلَهُ لي ، ولَو شاءَ أَغرَقَني . قالَ إِبليسُ : يا عيسى ، فَأَنتَ الَّذي بَلَغَ مِن عِظَمِ رُبوبِيَّتِكَ أَنَّهُ سَيَأتي عَلَيكَ يَومٌ تَكونُ السَّماواتُ وَالأَرضُ ومَن فيهِنّ دونَكَ ، وأَنتَ فَوقَ ذلِكَ كُلِّهِ تُدَبِّرُ الأَمرَ ، وتُقَسِّمُ الأَرزاقَ ؟ فَأَعظَمَ عيسى عليه السلام ذلِكَ مِن قَولِ إِبليسَ الكافِرِ اللَّعينِ ، فَقالَ عيسى عليه السلام : سُبحانَ اللّهِ مِل ءَ سَماواتِهِ وأَرَضيهِ ، ومِدادَ كَلِماتِهِ ، وزِنَةَ عَرشِهِ ، ورِضا نَفسِهِ! (1)
راجع : ص 349 ح 4911 .
43 / 4ما لا يُوصَفُ عَظَمَتُهُ بِهِالإمام عليّ عليه السلام :عَظيمُ العَظَمَةِ لا يوصَفُ بِالعِظَمِ ، كَبيرُ الكِبرِياءِ لا يوصَفُ بِالكِبَرِ ، جَليلُ الجَلالَةِ لا يوصَفُ بِالغِلَظِ . (2)
.
ص: 358
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذِي انحَسَرَتِ الأَوصافُ عَن كُنهِ مَعرِفَتِهِ ، ورَدَعَت عَظَمَتُهُ العُقولَ ، فَلَم تَجِد مَساغا إِلى بُلوغِ غايَةِ مَلَكوتِهِ . (1)
عنه عليه السلام :لا تُقَدِّر عَظَمَةَ اللّهِ سُبحانَهُ عَلى قَدرِ عَقلِكَ فَتَكونَ مِنَ الهالِكينَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ عَظيمٌ رَفيعٌ لا يَقدِرُ العِبادُ عَلى صِفَتِهِ ، ولا يَبلُغونَ كُنهَ عَظَمَتِهِ . (3)
.
ص: 359
الفصل الرابع والأربعون: العفوّالعفوّ لغةً«العفوّ» فعول من مادّة «عفو» وهو أَصلان يدلّ أَحدهما على ترك الشيء والآخر على طلبه ، فالأَوّل: العفو: عفو اللّه تعالى عن خلقه ، وذلك تركه إِيّاهم فلا يعاقبهم فضلاً منه . قال الخليل: «وكلّ من استحقّ عقوبةً فتركته فقد عفوت عنه ، والأَصل الآخر الذي معناه الطلب قول الخليل: إِنّ العُفاةَ طلّاب المعروف (1) .
العفوّ في القرآن والحديثلقد وردت مشتقّات مادّة «عفو» ثماني عشرة مرّةً في القرآن الكريم موصوفا بها اللّه سبحانه (2) . وذُكر اسم «العفوّ مع اسم «الغفور» أَربع مرّات (3) ، ومع اسم «القدير» مرّةً
.
ص: 360
واحدةً (1) ، وكما قيل في البحث اللغويّ فإنّ «عفو» بمعنى ترك ، والعفوّ بمعنى التارك ، ومن جهة أُخرى فإنّ الترك يحتاج إِلى متعلّق ، ومتعلّق ترك اللّه في الآيات والأَحاديث معاصي العباد ، والمقصود من ترك اللّهِ المعاصيَ هو أَنّه تعالى يترك العقاب عليها . قال الراغب : «العفو : القصد لتناول الشيء ، وعفوت عنه قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه فالعفو هو التجافي عن الذنب ، وقولهم في الدعاء «أَسألك العفو والعافية» أَي ترك العقوبة والسلامة». (2)
44 / 1عَفُوٌّ قَديرٌ«إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا » . (3)
44 / 2عَفُوٌّ غَفورٌالكتاب«وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا » . (4)
راجع : النساء : 43 ، المجادلة : 2 .
.
ص: 361
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: إِنَّ عَظيمَ عَفوِكَ يَسَعُ المُعتَرِفينَ ، وجَسيمَ غُفرانِكَ يَعُمُّ التَّوّابينَ . (1)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: هذا مَقامُ مَنِ ... استَغاثَ بِكَ مِن عَظيمِ ما وَقَعَ بِهِ في عِلمِكَ ، وقَبيحِ ما فَضَحَهُ في حُكمِكَ ، مِن ذُنوبٍ أَدبَرَت لَذّاتُها فَذَهَبَت ، وأَقامَت تَبِعاتُها فَلَزِمَت ، لا يُنكِرُ يا إِلهي عَدلَكَ إِن عاقَبتَهُ ، ولا يَستَعظِمُ عَفوَكَ إِن عَفَوتَ عَنهُ ورَحمِتَهُ ؛ لِأَنَّكَ الرَّبُّ الكَريمُ الَّذي لا يَتَعاظَمُهُ غُفرانُ الذَّنبِ العَظيمِ . (2)
44 / 3صِفَةُ عَفوِهِالكتاب«وَ هُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَ يَعْفُواْ عَنِ السَّيِّ_ئاتِ وَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ » . (3)
«وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ » . (4)
راجع : الشورى : 34 ، البقرة : 52 و 286 ، آل عمران : 152 و 155 ، النساء : 153 ، المائدة : 95 و 101 ، التوبة: 43 و 66.
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَريمٌ تُحِبُّ العَفوَ ، فَاعفُ عَنّي. (5)
.
ص: 362
الإمام زين العابدين عليه السلام :إِلهي ، الذُّنوبُ صِفاتُنا ، وَالعَفوُ صِفاتُكَ. (1)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن عَفوُهُ أَكثَرُ مِن نِقمَتِهِ . (2)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن رَحمَتُهُ واسِعَةٌ ، وعَفوُهُ عَظيمٌ . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: سَيِّدي عَفوُك أَعظَمُ مِن كُلِّ جُرمٍ . (4)
الزهد عن أبي عُبَيدَةَ الحَذّاء :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : _ جُعِلتُ فِداكَ ! _ ، ادعُ اللّهَ لي فَإِنَّ لي ذُنوبا كَثيرَةً . فَقالَ : مَه يا أَبا عُبَيدَةَ ، لا يَكونُ الشَّيطانُ عَونا عَلى نَفسِكَ ، إِنَّ عَفوَ اللّهِ لا يُشبِهُهُ شَيءٌ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا حَسَنَ البَلاءِ عِندي ، يا كَريمَ العَفوِ عَنّي ، يا مَن لا غِنى لِشَيءٍ عَنهُ ، يا مَن لابُدَّ لِشَيءٍ مِنهُ ، يا مَن مَصيرُ كُلِّ شَيءٍ إِلَيهِ، يا مَن رِزقُ كُلِّ شَيءٍ عَلَيهِ ، تَوَلَّني ولا تُوَلِّني أَحَدا مِن شِرارِ خَلقِكَ ، وكَما خَلَقتَني فَلا تُضَيِّعني. (6)
.
ص: 363
44 / 4العَفوُ أَحَبُّ إلَيهِ مِنَ العُقوبَةِالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... الَّذي عَظُمَ حِلمُهُ فَعَفا . (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: إلهي! ... إِنَّ عَفوَكَ عَنّي أَحَبُّ إِلَيكَ مِن عُقوبَتي . (2)
44 / 5عَفوُهُ تَفَضُّلٌالإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ يا مَن لا يَرغَبُ فِي الجَزاءِ ، ويا مَن لا يَندَمُ عَلَى العَطاءِ ، ويا مَن لا يُكافِئُ عَبدَهُ عَلَى السَّواءِ ، مِنَّتُكَ ابتِداءٌ ، وعَفوُكَ تَفَضُّلٌ ، وعُقوبَتُكَ عَدلٌ . (3)
.
ص: 364
. .
ص: 365
الفهرس التفصيلي .
ص: 366
. .
ص: 367
. .
ص: 368
. .
ص: 369
. .
ص: 370
. .
ص: 371
. .
ص: 372
. .
ص: 373
. .
ص: 374
. .
ص: 375
. .
ص: 376
. .
ص: 377
. .
ص: 378
. .
ص: 379
. .
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
ص: 9
الفصل الخامس والأربعون: العليّالعليّ لغةً«العليّ» فعيل بمعنى فاعل من علا يعلو من مادّة «علو» ، وهو يدلّ على السموّ والارتفاع (1) ، و«العليّ»: الرفيع (2) . قال ابن الأَثير : «العليّ» الذي ليس فوقه شيء في المرتبة والحكم ، و «المتعالي»: الذي جلّ عن إِفك المفترين وعلا شأنه ، وقيل: جلّ عن كلّ وصفٍ وثناء . هو متفاعل من العلوّ ، وقد يكون بمعنى العالي (3) .
العليّ في القرآن والحديثلقد استُعملت صفة «العليّ» في القرآن الكريم خمس مرّات مع صفة «الكبير» (4) ، ومرّتين مع صفة «العظيم» (5) ، ومرّة مع صفة «الحكيم» (6) . ووردت صفة «المتعال» مرّة
.
ص: 10
واحدةً أَيضا (1) ، وقد استُعمل اسم «العليّ» ومشتقّات مادّة «علو» في الآيات والأَحاديث بالنسبة إِلى أُمور عديدة ، مثلاً : «تَعَ__لَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (2) ، «العَليّ عَن شِبهِ المَخلوقينَ» (3) ، «عليّ المكان» (4) ، «أَعلى مِن كُلِّ شَيءٍ» (5) ، وقد نزّهت مثلُ هذه الآيات والأَحاديث اللّهَ تعالى عن كلّ نقصٍ وعيب من خلال اسم «العليّ» ومشتقّات مادّة «علوّ» .
45 / 1العَلِيُّ الكَبيرُ«ذَ لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَ_طِ_لُ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ » . (6)
راجع : النساء : 34 ، لقمان : 30 ، سبأ : 23 ، الزمر : 67 ، غافر : 12.
45 / 2العَلِيُّ العَظيمُالكتاب«لَهُ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَ مَا فِى الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ » . (7)
راجع : البقرة : 255 .
.
ص: 11
الحديثالإمام الرضا عليه السلام_ في أَسماءِ اللّهِ تَعالى _: اِختارَ لِنَفسِهِ أَسماءً لِغَيرِهِ يَدعوهُ بِها ؛ لِأَنَّهُ إِذا لَم يُدعَ بِاسمِهِ لَم يُعرَف ، فَأَوَّلُ مَا اختارَ لِنَفسِهِ : العَلِيُّ العَظيمُ ؛ لِأَنَّهُ أَعلَى الأَشياءِ كُلِّها ، فَمَعناهُ اللّهُ ، وَاسمُهُ العَلِيُّ العَظيمُ هُوَ أَوَّلُ أَسمائِهِ ، عَلا عَلى كُلِّ شَيءٍ. (1)
45 / 3العَلِيُّ الحَكيمُ«وَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاىءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ » . (2)
45 / 4العَلِيُّ الأَعلىالكتاب«وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَ مَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى » . (3)
«سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى » . (4)
.
ص: 12
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُ الصَّمَدُ الدَّيّانُ ، اللّهُ العَلِيُّ الأَعلى. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ .. . العَلِيِّ الأَعلَى المُتَعالي ، الأَوَّلِ الآخِرِ ، الظّاهِرِ الباطِنِ. (2)
45 / 5صِفَةُ عُلُوِّهِالكتاب«خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَ__لَى عَمَّا يُشْرِكُونَ » . (3)
«قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْاْ إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلاً * سُبْحَ_نَهُ وَ تَعَ__لَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا » . (4)
«وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَ_ت بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَ_نَهُ وَتَعَ__لَى عَمَّا يَصِفُونَ » . (5)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ العَلِيِّ عَن شَبَهِ المَخلوقينَ ، الغالِبِ لِمَقالِ الواصِفينَ. (6)
فاطمة عليهاالسلام :الحَمدُ للّهِِ العَلِيِّ المَكانِ ، الرَّفيعِ البُنيانِ. (7)
.
ص: 13
الإمام الحسن عليه السلام :اللّهُمَّ يا مَن جَعَلَ بَينَ البَحرَينِ حاجِزا وبُروجا ، وحِجرا مَحجورا ، يا ذَا القُوَّةِ وَالسُّلطانِ ، يا عَلِيَّ المَكانِ ، كَيفَ أَخافُ وأَنتَ أَمَلي ، وكَيفَ أُضامُ (1) وعَلَيكَ مُتَّكَلي. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ .. . العَظيمِ الشَّأنِ ، الكَريمِ في سُلطانِهِ ، العَلِيِّ في مَكانِهِ ، المُحسِنِ فِي امتِنانِهِ. (3)
عنه عليه السلام :اللّهُ أَعظَمُ مِن كُلِّ شَيءٍ، وأَرحَمُ مِن كُلِّ شَيءٍ، وأَعلى مِن كُلِّ شَيءٍ. (4)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ. .. أَنتَ أَعَزُّ وأَجَلُّ ، وأَسمَعُ وأَبصَرُ ، وأَعلى وأَكبَرُ ، وأَظهَرُ وأَشكَرُ ، وأَقدَرُ وأَعلَمُ ، وأَجبَرُ وأَكبَرُ ، وأَعظَمُ وأَقرَبُ ، وأَملَكُ وأَوسَعُ ، وأَمنَعُ وأَعطى ، وأَحكَمُ وأَفضَلُ وأَحمَدُ ؛ مِن [ أَن] (5) تُدرِكُ العِيانُ عَظَمَتَكَ ، أَو يَصِفَ الواصِفونَ صِفَتَكَ ، أَو يَبلُغوا غايَتَكَ. (6)
الإمام الكاظم عليه السلام :إِنَّ اللّهَ أَعلى وأَجَلُّ وأَعظَمُ مِن أَن يُبلَغَ كُنهُ (7) صِفَتِهِ ، فَصِفوهُ بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ ، وكُفّوا عَمّا سِوى ذلِكَ. (8)
.
ص: 14
. .
ص: 15
الفصل السادس والأربعون: الغائبالغائب لغةً«الغائب» اسم فاعل من مادّة «غيب» وهو يدلّ على «تستّر الشيء عن العيون» (1) ، ويُستعمل في «بَعُدَ» ، و «سافر» ، و«دُفن» ، ونظائرها (2) ، والسبب في هذه الاستعمالات هو أَنّ الإنسان إِذا بَعُدَ ، أَو سافر أَو دُفن في القبر ، تستّر عن العيون، لذلك لا يدلّ الغائب على موجود إِلّا إِذا خفي عن العيون والحواس .
الغائب في القرآن والحديثلم ينسب القرآن الكريم صفة «الغائب» إِلى اللّه ، حتّى نفت آية كَون اللّه تعالى غائبا (3) ، أَمّا الأَحاديث فقد أَطلقت هذه الصفة على اللّه ، إِذ جاء فيها على سبيل المثال : «الغائِب عَنِ الحَواسِّ ... الغائِب عَن دَركِ الأَبصارِ ولَمسِ الحَواسِّ» (4) ، و «الغائِب الَّذي
.
ص: 16
لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ» (1) ، ومع هذا ورد في بعض الأَحاديث : «واللّهُ تَعالى لَيسَ بِغائِبٍ» (2) ، بل ورد في أَحد الأَحاديث السبب في كون اللّه سبحانه غيرَ غائب ما نصّه: «كَيفَ يَكونُ غائِبا مَن هُوَ مَعَ خَلقِهِ شاهِدٌ وإِلَيهِم أَقرَبُ مِن حَبلِ الوَريدِ يَسمَعُ كَلامَهُم ويَرى أَشخاصَهُم ويَعلَمُ أَسرارَهُم» (3) . وصفوة القول : إنّ الأَحاديث التي وصفت اللّه بالغيبة تستبين غَيبته عن العيون والحواس، فى حين أَنّ الأَحاديث التي تنفي غيبته سبحانه تنفي غيبته المطلقة، و تثبت حضوره وشهادته، وتقرّر صلته بالإنسان . بعبارة أُخرى، غَيبته _ جلّ شأنه _ لجهةٍ، وشهادته لجهةٍ أُخرى، ولا ينبغي أن نجعل إِحدى الصفتين مطلقةً بشكلٍ لا يبقى فيه مكان للصفة الأُخرى، من هنا نلاحظ أَنّ في الأَحاديث المعهودة ذُكرت صفة «الغائب» أَو غيبة اللّه مثل «الغائب عن الحواس» أَو وردت صفة الغائب مع صفة الشاهد والأَوصاف المشابهة ، مثل: «الغائب الشاهد» و «غائب غير مفقود» . إِنّنا نعلم أَنّ ضمير «هو» للمفرد الغائب، واستعمل القرآن والأَحاديث هذا الضمير في اللّه ، وذهب بعض المفسّرين إِلى أَنّ هذا الضمير من أَسماء اللّه (4) ، وعلى هذا الأَساس، يعبّر ضمير «هو» عن صفة اللّه بالغيبة، ونقرأَ في بعض الأَحاديث والأَدعية استعمال لفظ «يا هو» في اللّه (5) ، فاجتمع فيه شهادة اللّه وحضوره مع غَيبته .
.
ص: 17
46 / 1مَعنى غَيبَتِهِالإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» _: «هُوَ» اسمٌ مُكَنَّى مُشارٌ إِلى غائِبٍ ، فَالهاءُ تَنبيهٌ عَلى مَعنَى ثابِتٍ ، وَالواوُ إِشارَةٌ إِلَى الغائِبِ عَنِ الحَواسِّ ، كَما أَنَّ قَولَكَ: «هذا» إِشارَةٌ إِلَى الشّاهِدِ عِندَ الحَواسِّ ، وذلِكَ أَنَّ الكُفّارَ نَبَّهوا عَن آلِهَتِهِم بِحَرفِ إِشارَةِ الشّاهِدِ المُدرَكِ ، فَقالوا: هذِهِ آلِهَتُنَا المَحسوسَةُ المُدرَكَةُ بِالأَبصارِ ، فَأَشِر أَنتَ يا مُحَمَّدُ إِلى إِلهِكَ الَّذي تَدعو إِلَيهِ حَتّى نَراهُ ونُدرِكَهُ ولا نَألَهَ فيهِ . فَأَنزَلَ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» فَالهاءُ تَثبيتٌ لِلثّابِتِ ، وَالواوُ إِشارَةٌ إِلَى الغائِبِ عَن دَركِ الأَبصارِ ولَمسِ الحَواسِّ . (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ لِجابِرٍ _: يا جابِرُ أَوَ تَدري مَا المَعرِفَةُ ؟ المَعرِفَةُ إِثباتُ التَّوحيدِ أَوَّلاً ، ثُمَّ مَعرِفَةُ المَعاني ثانِيا ... أَمّا إِثباتُ التَّوحيدِ : مَعرِفَةُ اللّهِ القَديمِ الغائِبِ الَّذي لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ ، وهُوَ غَيبٌ باطِنٌ سَتُدرِكُهُ ، كَما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ ... . (2)
46 / 2الغائِبُ الشَّاهِدُالإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ... أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ، الغائِبُ الشّاهِدُ. (3)
.
ص: 18
46 / 3ما لا يُوصَفُ غَيبَتُهُ بِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :التَّوحيدُ ظاهِرُهُ في باطِنِهِ ، وباطِنُهُ في ظاهِرِهِ ، ظاهِرُهُ مَوصوفٌ لا يُرى ، وباطِنُهُ مَوجودٌ لا يَخفى ، يُطلَبُ بِكُلِّ مَكانٍ ، ولَم يَخلُ عَنهُ مَكانٌ طَرفَةَ عَينٍ ، حاضِرٌ غَيرُ مَحدودٍ ، وغائِبٌ غَيرُ مفقودٍ . (1)
الإمام الحسن عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في لَيلَةِ القَدرِ _: يا باطِنا في ظُهورِهِ ، ويا ظاهِرا في بُطونِهِ ، يا باطِنا لَيسَ يَخفى ، يا ظاهِرا لَيسَ يُرى ، يا مَوصوفا لا يَبلُغُ بِكَينونَتِهِ مَوصوفٌ ، ولا حَدٌّ مَحدودٌ ، يا غائِبا غَيرَ مَفقودٍ ، ويا شاهِدا غَيرَ مَشهودٍ ، يُطلَبُ فَيُصابُ ، ولَم يَخلُ مِنهُ السَّماواتُ وَالأَرضُ وما بَينَهُما طَرفَةَ عَينٍ ، لا يُدرَكُ بِكَيفٍ ، ولا يُؤَيَّنُ بِأَينٍ ولا بِحَيثٍ. أَنتَ نورُ النّورِ ، ورَبُّ الأَربابِ ، أَحَطتَ بِجَميعِ الأُمورِ . (2)
راجع : ج 4 ص 317 (الفصل التاسع والثلاثون : الظّاهر ، الباطن) .
.
ص: 19
الفصل السابع والأربعون: الغافر ، الغفور ، الغفّارالغافر والغفور والغفّار لغةً«الغافر» اسم فاعل ، و «الغفور» و «الغفّار» صيغتان للمبالغة بمعنى «الغافر» ، كلّها مشتقّ من مادّة «غفر» وهو يدلّ على الستر والتغطية (1) .
الغافر والغفور والغفّار في القرآن والحديثلقد وردت مشتقّات مادّة «غفر» في القرآن الكريم مئتين وأربع وثلاثين مرّةً ، فقد جاءت صفة «الغفور» إِحدى وتسعين مرّة ، وصفة «الغفّار» خمس مرّات (2) ، وصفة «الغافر» مرّتين (3) . واستُعملت هذه الصفات في القرآن الكريم بأَشكال مختلفة ، منها مع صفات أُخرى مثل «الرحيم» ، و«الحليم» ، و«العفوّ» ، و«الربّ» ، و«العزيز» ، و«الشكور» ، وقد استُعملت المغفرة الإلهيّة في القرآن والأَحاديث بالنسبة إِلى معاصي الناس . بناءً
.
ص: 20
على هذا وبالنظر إِلى المعنى اللغويّ ، فإنّ مادّة «غفر» ، و«الغافر» ، و«الغفور» ، و«الغفّار» بمعنى الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم .
47 / 1غَفّارُ الذُّنوبِالكتاب«وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صَ__لِحًا ثُمَّ اهْتَدَى» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الغافِرِ، يا غَفّارَ الذُّنوبِ يا أللّهُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ يا أللّهُ، يا رَحمانُ يا رَحيمُ يا كَريمُ... يا غافِرَ الخَطيئاتِ، يا مُعطِيَ المَسأَلاتِ، يا قابِلَ التَّوباتِ، يا سامِعَ الأَصواتِ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :رَجَبٌ شَهرُ الاِستِغفارِ لِأُمَّتي ، أَكثِروا فيهِ الاِستِغفارَ ، فَإِنَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ. (4)
.
ص: 21
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ يَقولُ: أَنَا جَليسُ مَن جالَسَني، ومُطيعُ مَن أَطاعَني، وغافِرُ مَنِ استَغفَرَني. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ غافِرٌ إِلّا مَن شَرَدَ عَلَى اللّهِ شِرادَ البَعيرِ (2) عَلى أَهلِهِ. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَهب لي ما يَجِبُ عَلَيَّ لَكَ، وعافِني مِمّا أَستَوجِبُهُ مِنكَ، وأَجِرني (4) مِمّا يَخافُهُ أَهلُ الإِساءَةِ، فَإِنَّكَ مَليءٌ بِالعَفوِ، مَرجُوٌّ لِلمَغفِرَةِ، مَعروفٌ بِالتَّجاوُزِ ، لَيسَ لِحاجَتي مَطلَبٌ سِواكَ، ولا لِذَنبي غافِرٌ غَيرَكَ. (5)
الكافي عن محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام ، قالَ:يا مُحَمَّدَ بنَ مُسلِمٍ، ذُنوبُ المُؤمِنِ إِذا تابَ مِنها مَغفورَةٌ لَهُ، فَليَعمَلِ المُؤمِنُ لِما يَستَأنِفُ بَعدَ التَّوبَةِ وَالمَغفِرَةِ، أَما وَاللّهِ إِنَّها لَيسَت إِلّا لِأَهلِ الإِيمانِ. قُلتُ: فَإِن عادَ بَعدَ التَّوبَةِ وَالاِستِغفارِ مِنَ الذُّنوبِ وعادَ فِي التَّوبَةِ؟! فَقالَ: يا مُحَمَّدَ بنَ مُسلِمٍ، أَتَرَى العَبدَ المُؤمِنَ يَندَمُ عَلى ذَنبِهِ ويَستَغفِرُ مِنُه ويَتوبُ ثُمَّ لا يَقبَلُ اللّهُ تَوبَتَهُ؟ قُلتُ: فَإِنَّهُ فَعَلَ ذلِكَ مِرارا، يُذنِبُ ثُمَّ يَتوبُ ويَستَغفِرُ اللّهَ. فَقالَ: كُلَّما عادَ المُؤمِنُ بِالاِستِغفارِ وَالتَّوبَةِ عادَ اللّهُ عَلَيهِ بِالمَغفِرَةِ، وإِنَّ اللّهَ غَفورٌ
.
ص: 22
رَحيمٌ يَقبَلُ التَّوبَةَ ويَعفو عَنِ السَّيِّئاتِ، فَإِيّاكَ أَن تُقَنِّطَ المُؤمِنينَ مِن رَحمَةِ اللّهِ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الغَفورِ الغَفّارِ، الوَدودِ التَّوّابِ الوَهّابِ، الكَبيرِ السَّميعِ البَصيرِ. (2)
47 / 2يَغفِرُ الذُّنوبَ جَميعاالكتاب«قُلْ يَ_عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ غافِرُ كُلِّ ذَنبٍ، إِلّا رَجُلاً اغتَصَبَ امرَأَةً مَهرَها، أو أَجيرا أُجرَتَهُ، أَو رَجُلاً باعَ حُرّا. (4)
47 / 3يَغفِرُ الذُّنوبَ قَبلَ الإِستِغفارِالكتاب«إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّ_ئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا» . (5)
.
ص: 23
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أَوحَى اللّهُ إِلى داوودَ عليه السلام : ما مِن عَبدٍ يَعتَصِمُ بي دونَ خَلقي أَعرِفُ ذلِكَ مِن نِيَّتِهِ فَتَكيدُهُ السَّماواتُ بِمَن فيها إِلّا جَعَلتُ لَهُ مِن بَينِ ذلِكَ مَخرَجا، وما مِن عَبدٍ يَعتَصِمُ بِمَخلوقٍ دوني أَعرِفُ ذلِكَ مِن نِيَّتِهِ إِلّا قَطَعتُ أَسبابَ السَّماواتِ بَينَ يَدَيهِ وأَرسَختُ الهَوى مِن تَحتِ قَدَميهِ، وما مِن عَبدٍ يُطيعُني إِلّا وأَنَا مُعطيهِ قَبلَ أَن يَسأَلَني، وغافِرٌ لَهُ قَبلَ أَن يَستَغفِرَني. (1)
.
ص: 24
. .
ص: 25
الفصل الثامن والأربعون: الغنيّالغنيّ لغةً«الغنيّ» فعيل بمعنى فاعل من «غنى» وهو يدلّ على الكفاية (1) ، فغناه سبحانه بمعنى عدم حاجته مطلقا .
الغنيّ في القرآن والحديثلقد ذكر القرآن الكريم صفة «الغنيّ» مقرونةً بصفة «الحميد» عشر مرّات (2) ، ومرّة واحدة مع كلّ من «الحليم» (3) و «ذو الرحمة» (4) و «الكريم» (5) ، وذكر «غنيّ عن العالمين» مرّتين (6) ،
.
ص: 26
كما ذكر كلّاً من «غنيّ عنكم» (1) و «سبحانه هو الغنيّ» (2) و «اللّه الغني وأَنتم الفقراء» (3) مرّة واحدة ، كما أَكّدت الأَحاديث الغنى المطلق للّه واستغناءه عن جميع المخلوقات واحتياج المخلوقات إِليه وانحصار الغِنى المطلق به سبحانه وتعالى .
48 / 1غَنِيٌّ عَمّا سِواهُالكتاب«إِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ الْعَ__لَمِينَ » . (4)
«وَ قَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَ مَن فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ» . (5)
راجع : المؤمن : 7 .
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ فيما عَلَّمَهُ أَحَدَ أَصحابِهِ فِي الاِحتِجاجِ عَلَى ابنِ أَبِي العَوجاءِ _: ويَقولُ لَكَ : أَلَيسَ تَزعُمُ أَنَّهُ غَنِيٌّ ؟ فَقُل : بَلى . فَيَقولُ : أَيَكونُ الغَنِيُّ عِندَكَ مِنَ المَعقولِ في وَقتٍ مِنَ الأَوقاتِ لَيسَ عِندَهُ ذَهَبٌ ولا فِضَّةٌ ؟ فَقُل لَهُ : نَعَم .
.
ص: 27
فَإِنَّهُ سَيَقولُ لَكَ : كَيفَ يَكونُ هذا غَنِيّا ؟ فَقُل لَهُ : إِن كانَ الغِنى عِندَك أَن يَكونَ الغَنِيُّ غَنِيّا مِن فِضَّتِهِ وذَهَبِهِ وتِجارَتِهِ فَهذا كُلُّهُ مِمّا يَتَعامَلُ النّاسُ بِهِ ، فَأَيُّ القِياسِ أَكثَرُ وأَولى بِأن يُقالَ غَنِيٌّ مَن أَحدَثَ الغِنى فَأَغنى بِهِ النّاسَ قَبلَ أَن يَكونَ شَيءٌ وهُوَ وَحدَهُ ؟ أَو مَن أَفادَ مالاً مِن هِبَةٍ أَو صَدَقَةٍ أَو تِجارَةٍ ؟! (1)
الإمام الرضا عليه السلام :لَم يَخلُقِ اللّهُ العَرشَ لِحاجَةٍ بِهِ إِلَيهِ ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنِ العَرشِ وعَن جَميعِ ما خَلَقَ . (2)
48 / 2استِمرارُ غِناهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعاءٍ عَلَّمَهُ عَلِيّا عليه السلام _: اللُّهُمَّ إِنَّكَ . . . غَنِيٌّ لا تَفتَقِرُ . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :غَنِيٌّ لا يَحتاجُ . (4)
عنه عليه السلام :الغَنِيُّ الَّذي لا يَفتَقِرُ . (5)
.
ص: 28
الإمام الرضا عليه السلام :إِنَّ مَحضَ الإِسلامِ شَهادَةُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ إِلها واحِدا أَحَدا ... غَنِيّا لا يَحتاجُ ، عَدلاً لا يَجورُ . (1)
48 / 3فَقيرٌ ما سِواهُالكتاب«يَ_أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :كُلُّ شَيءٍ خاشِعٌ لَهُ ، وكُلُّ شَيءٍ قائِمٌ بِهِ ، غِنى كُلِّ فَقيرٍ ، وعِزُّ كُلِّ ذَليلٍ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في طَلَبِ الحَوائِجِ _: يا مَن يُستَغنى بِهِ ولا يُستَغنى عَنهُ ، ويا مَن يُرغَبُ إِلَيهِ ولا يُرغَبُ عَنهُ ، ويا مَن لا تُفني خَزائِنَهُ المَسائِلُ ، ويا مَن لا تُبَدِّلُ حِكمَتَهُ الوَسائِلُ ، ويا مَن لا تَنقَطِعُ عَنهُ حَوائِجُ المُحتاجينَ ، ويا مَن لا يُعَنّيهِ دُعاءُ الدّاعينَ ، تَمَدَّحتَ بِالغَناءِ عَن خَلقِكَ وأَنتَ أَهلُ الغِنى عَنهُم ، ونَسَبتَهُم إِلَى الفَقرِ وهُم أَهلُ الفَقرِ إِلَيكَ . (4)
.
ص: 29
الفصل التاسع والأربعون: الفاطرالفاطر لغةً«الفاطر» اسم فاعل من مادّة «فطر» وهو يدلّ على فتح شيء وإِبرازه (1) ، ولهذا يستعمل في الشقّ والخلق والإيجاد الابتدائيّ . قال ابن عبّاس : ما كنت أَدري ما «فاطر السَّماوات والأَرض» حتّى أَتاني أَعرابيّان يختصمان في بئر ، فقال أَحدهما: أَنا فطرتها ، أَي: أَنا ابتدأَتُ حفرها (2) . واللّه تعالى فاطر الأَشياء ؛ لأَنّ ابتداء الأَشياء وخلقتها بإرادته تعالى .
الفاطر في القرآن والحديثذُكرت صفة «الفاطر» في القرآن الكريم ستّ مرّات (3) . واللّه تعالى في الأَحاديث فاطر السَّماوات والأَرض وما فيها ، وفاطر أَصناف البرايا ، ومبدأُ فاطريّته سبحانه قدرته وحكمته .
.
ص: 30
49 / 1فاطِرُ الأشياءِالكتاب«قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالأَرضِ عالِمَ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ الرَّحمنَ الرَّحيمَ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ من خُطبَةٍ لَهُ _: بَدايا خَلائِقَ أَحكَمَ صُنعَها، وفَطَرَها عَلى ما أَرادَ وَابتَدَعَها . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مالِكَ خَزائِنِ الأَقواتِ ، وفاطِرَ أَصنافِ البَرِيّاتِ ، وخالِقَ سَبعِ طَرائِقَ مَسلوكاتٍ مِن فَوقِ سَبعِ أَرَضِينَ مُذَلَّلاتٍ، العالي في وَقارِ العِزِّ وَالمَنَعَةِ . (4)
.
ص: 31
49 / 2فاطِرُ الأَلوانِ وَالأَقدارِالإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: أَنتَ الرَّؤوفُ الَّذي مَلَكتَ الخَلائِقَ كُلَّهُم ، وفَطَرتَهُم أَجناسا مُختَلِفاتِ الأَلوانِ وَالأَقدارِ عَلى مَشِيئَتِكَ . (1)
49 / 3فَطَرَها بِقُدرَتِهِ وحِكمَتِهِالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا يَبلُغُ مِدحَتَهُ القائِلونَ . ولا يُحصي نَعماءَهُ العادّونَ ، ولا يُؤَدّي حَقَّهُ المُجتَهِدونَ ، الَّذي لا يُدرِكُهُ بُعدُ الهِمَمِ ولا يَنالُهُ غَوصُ الفِطَنِ (2) . الَّذي لَيسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحدودٌ ، ولا نَعتٌ مَوجودٌ، ولا وَقتٌ مَعدودٌ ولا أَجَلٌ مَمدودٌ . فَطَرَ الخَلائِقَ بِقُدرَتِهِ . (3)
الإمام الرضا عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ فاطِرِ الأَشياءِ إِنشاءً ، ومُبتَدِعِها ابتِداعا بِقُدرَتِهِ وحِكمَتِهِ ، لا مِن شَيءٍ فَيَبطلَ الاِختِراعُ ، ولا لِعِلَّةٍ فَلا يَصِحَّ الاِبتِداعُ . (4)
راجع : ص 33 (الفصل الخمسون : الفاعل ، الفعّال) ، ج 4 ص 171 (الفصل الثاني والعشرون : الخالق) .
.
ص: 32
. .
ص: 33
الفصل الخمسون: الفاعل ، الفعّالالفاعل والفعّال لغةًفعّال مبالغة في فاعل، من مادّة «فعل» وهو يدلّ على إِحداث شيءٍ من عمل وغيره (1) ، والفعل: التأثير من جهة مؤثّر (2) .
الفاعل والفعّال في القرآن والحديثلقد استُعملت مشتقّات مادّة «فعل» في القرآن ثمانية عشر مرّةً بشأن اللّه ، فقد وردت صفة «الفعّال» مرّتين (3) ، وصفة «الفاعل» على هيئة الجمع ثلاث مرّات (4) ، وقد وصفت الآيات القرآنيّة والأَحاديث اللّهَ أَنّه فاعل وفعّال لما يريد ، ففاعليّته تعالى فاعليّة بالإرادة ، من جهة أُخرى ، إِنّ فاعليّة اللّه ليست كفاعليّة الإنسان التي تتحقّق بالأَدوات والآلات والمباشرة .
.
ص: 34
كما رأَينا في البحث اللغويّ إِنّ الفاعليّة تدلّ على إِحداث شيء من الأَشياء وعلى التأثير ، لذلك يتبيّن أَنّ إِثبات صفة الفاعل والفعّال للّه يدلّ على إِحداث العالم والتأثير فيه بواسطته ، ويمكن أَن نعدّ هذه الرؤية في مقابل رؤية أُخرى كرؤية «ارسطو» الذي لم يعتقد بفعل اللّه ومشيئته في العالم (1) ، ولمّا كانت فاعليّة اللّه من نوع الخالقيّة فإنّ معظم المباحث التي تتّصل بفاعليّة اللّه ذُكر في الحديث عن صفة الخالقيّة .
50 / 1فَعّالٌ لِما يُريدُالكتاب«وَ هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ» . (2)
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: أَنتَ الفاعِلُ لِما تَشاءُ ، تُعَذِّبُ مَن تَشاءُ بِما تَشاءُ كَيفَ تَشاءُ ، وتَرحَمُ مَن تَشاءُ بِما تَشاءُ كَيفَ تَشاءُ ، لا تُسأَلُ عَن فِعلِكَ ، ولا تُنازَعُ في مُلكِكَ ، ولا تُشارَكُ في أَمرِكَ ، ولا تُضادُّ في حُكمِكَ ، ولا يَعتَرِضُ عَلَيكَ أَحَدٌ في تَدبيرِكَ ، لَكَ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ العالَمينَ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: أَنتَ الفَعّالُ لِما تُريدُ ، وأَنتَ القَريبُ
.
ص: 35
وأَنتَ البَعيدُ ، وأَنتَ السَّميعُ وأَنتَ البَصيرُ . (1)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: هُوَ مُتَعالٍ نافِذُ الإِرادَةِ وَالمَشيئَةِ فَعّالٌ لِما يَشاءُ . (2)
50 / 2فاعِلٌ لا بِاضطِرابِ آلَةٍالإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَةٍ لَهُ فِي التَّوحيدِ _: فاعِلٌ لا بِاضطِرابِ آلَةٍ ، مُقَدِّرٌ لا بِجَولِ فِكرَةٍ . (3)
عنه عليه السلام :مَن وَصَفَ اللّهَ سُبحانَهُ فَقَد قَرَنَهُ ، ومَن قَرَنَهُ فَقَد ثَنّاهُ ، ومَن ثَنّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ ، ومَن جَزَّأَهُ فَقَد جَهِلَهُ ، ومَن جَهِلَهُ فَقَد أشارَ إِلَيهِ ، ومَن أشارَ إِلَيهِ فَقَد حَدَّهُ ، ومَن حَدَّهُ فَقَد عَدَّهُ ، ومَن قالَ: «فيمَ» فَقَد ضَمَّنَهُ ، ومَن قالَ: «عَلامَ» فَقَد أَخلى مِنهُ. كائِنٌ لا عَن حَدَثٍ ، مَوجودٌ لا عَن عَدَمٍ ، مَعَ كُلِّ شَيءٍ لا بِمُقارَنَةٍ ، وغَيرُ كُلِّ شَيءٍ لا بِمُزايَلَةٍ ، فاعِلٌ لا بِمَعنَى الحَرَكاتِ وَالآلَةِ . (4)
50 / 3فاعِلٌ بِغَيرِ مُباشَرَةٍالإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا فَعّالاً بِغَيرِ مُباشَرَةٍ ، وعَلّاما بِغَيرِ مُعاشَرَةٍ ، وقادِرا
.
ص: 36
بِغَيرِ مُكاثَرَةٍ . (1)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ يا مُدرِكَ الهارِبينَ ، ويا مَلجَأَ الخائِفينَ ، ويا صَريخَ المُستَصرِخينَ ... يا فاعِلاً بِغَيرِ مُباشَرَةٍ ، يا عالِماً من غَيرِ مُعَلِّمٍ . (2)
راجع : ص 29 (الفصل التاسع والأربعون : الفاطر) ، ج 3 ص 397 (المرتبة الثالثة : التوحيد في الأفعال) ، ج 4 ص 171 (الفصل الثاني والعشرون : الخالق) .
.
ص: 37
الفصل الحادي والخمسون: القائم ، القيّومالقائم ، القيّوم لغةً«القائم» من مادّة «قوم» بمعنى الانتصاب وعدم الاتّكاء على شيء آخره (1) ، وقام قوما وقَومَةً ، وقياما ، وقامةً: انتصب ، فهو قائم (2) ، والقيّوم على وزن فيعول صيغة مبالغة للقائم ، ويبيّن معناه بالتأَكيد والمبالغة .
القائم والقيّوم في القرآن والحديثوردت صفة «القائم» مرّتين في القرآن الكريم (3) ، وصفة «القيّوم» مع صفة «الحيّ» ثلاث مرّات (4) ، وقيام اللّه في القرآن والأَحاديث ليس بمعنى قيام المخلوقات ، أَي: ليس بمعنى «انتِصاب وقِيامٍ عَلى ساقٍ في كبدٍ» (5) ؛ لأَنّ هذا الضرب من القيام يعبّر
.
ص: 38
عن النقص ، وقيام اللّه في الآيات والأَحاديث بشكل عام ذو معنيين هما:
1 . القيام في ذاتهإِنّ القصد من القيام في نفسه قائميّة اللّه بذاته وبغضّ النظر عن سائر الموجودات ، لذا فقيام اللّه بمعنى أَنّه لا يعتمد على غيره ، ولا يتبع أَحدا ، ولا يأخذه نوم وغفلة وسهو ، ويمكن أَن تشير إِلى المعنى الأَوّل للقيام أَلفاظ مثل «إِنَّ اللّهَ قائِمٌ باقٍ ، وما دونَهُ حَدَثٌ حائِلٌ زائِلٌ» (1) و «القائِم الَّذي لا يَتَغَيَّرُ» (2) .
2 . القيام بشؤون غيرهقيام اللّه بالنسبة إِلى الأَشياء الأُخرى إِخبار عن كَونه حافظا ، كما ورد في حديث الإمام الرضا عليه السلام : «قائِم يُخبرُ أَنَّهُ حافِظٌ» فقيامه بأُمور الموجودات بمعنى أنّه حافظ بقاءها ومتولٍّ أُمورها ، كما جاء «قوام الشيء» في اللغة بمعنى «عماده الذي يقوم به» (3) ، وحينما يقال: «فلان قوام أَهل بيته وقيامهم» فإنّه يعني «هو الذي يقيم شأنهم» (4) ، لذلك يتسنّى لنا أَن نقول إِنّ قائميّة اللّه وقيّوميّته بلا نسبة إِلى سائر الموجودات بمعنى أَنّه مُوجدها وحافظها ومدبّرها ، وهي قائمة به سبحانه من جميع الجهات ، ويمكن أَن تشير إِلى المعنى الثاني للقيام تعابير مثل: «أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ» (5) و «قَائِمَا بِالْقِسْطِ» (6) و « يامَن كُلُّ شَيءٍ قائِمٌ بِهِ» (7) .
.
ص: 39
51 / 1صِفَةُ قِيامِهِالكتاب«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَا بِالْقِسْطِ » . (1)
«أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ» . (2)
«اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ» . (3)
«وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُ_لْمًا » . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ إِنَّكَ . . . قائِمٌ لا تَسهو . (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ في تَنزيهِ اللّهِ وتَعظيمِهِ _: سُبحانَ (6) الَّذي لا إِلهَ غَيرُهُ ، الإلهُ العالِمُ الدّائِمُ الَّذي لا يَنفَدُ ، القائِمُ الَّذي لا يَغفُلُ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :يا مَن كُلُّ شَيءٍ قائِمٌ بِهِ ، يا مَن كُلُّ شَيءٍ صائِرٌ إِلَيهِ . (8)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: الحَمدُ للّهِِ ... القَيّومِ الَّذي لا يَنامُ . (9)
.
ص: 40
عنه عليه السلام_ أَيضا _: أنتَ . . . القَيّومُ الَّذي لا زَوالَ لَكَ . (1)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ المَعروفِ مِن غَيرِ رُؤيَةٍ ، وَالخالِقِ مِن غَيرِ رَوِيَّةٍ ، الَّذي لَم يَزَل قائِما دائِما ، إِذ لا سَماءٌ ذاتُ أَبراجٍ ، ولا حُجُبٌ ذاتُ إِرتاجٍ ، ولا لَيلٌ داجٍ ، ولا بَحرٌ ساجٍ ، ولا جَبَلٌ ذو فِجاجٍ ، ولا فَجٌّ ذُو اعوِجاجٍ ، ولا أَرضٌ ذاتُ مِهادٍ ، ولا خَلقٌ ذُو اعتِمادٍ . (2)
عنه عليه السلام :إِنّ اللّهَ قائِمٌ باقٍ ، وما دونَهُ حَدَثٌ حائِلٌ زائِلٌ ، ولَيسَ القَديمُ الباقي كَالحَدَثِ الزّائِلِ . (3)
عنه عليه السلام :كُلُّ مَعروفٍ بِنَفسِهِ مَصنوعٌ ، (4) وكُلُّ قائِمٍ في سِواهُ مَعلولٌ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :سُبحانَ مَن هُوَ قائِمٌ لا يَلهو . (6)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، الحَيِّ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ ، الحَيِّ الَّذي لا يموتُ ، وَالقائِمِ الَّذي لا يَتَغَيَّرُ . (7)
.
ص: 41
عنه عليه السلام :سُبحانَ الدّائِمِ القائِمِ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :اسمُ اللّهِ الأَكبَرُ : يا حَيُّ يا قَيّومُ . (2)
الإمام المهدي عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في قُنوتِهِ _: أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ المَخزونِ المَكنونِ الحَيِّ القَيّومِ ، الَّذِي استَأثَرتَ بِهِ في عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ ، لَم يَطَّلِع عَلَيهِ أَحَدٌ مِن خَلقِكَ . (3)
51 / 2ما لا يُوصَفُ قِيامُهُ بِهِالإمام عليّ عليه السلام :دائِمٌ لا بِأَمَدٍ ، وقائِمٌ لا بِعَمَدٍ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام :هُوَ قائِمٌ لَيسَ عَلى مَعنَى انتِصابٍ وقِيامٍ عَلى ساقٍ في كَبَدٍ (5) كَما قامَتِ الأَشياءُ ، ولكِن قائِمٌ يُخبِرُ أَنَّهُ حافِظٌ ، كَقولِ الرَّجُلِ : القائِمُ بِأَمرِنا فُلانٌ وَاللّهُ هُوَ القائِمُ عَلى كُلِّ نَفسٍ بِما كَسَبَت ، وَالقائِمُ أَيضا في كَلامِ النّاسِ الباقي ، وَالقائِمُ أَيضا يُخبِرُ عَنِ الكِفايَةِ ، كَقَولِكَ لِلرَّجُلِ : قُم بِأَمرِ بَني فُلانٍ :
.
ص: 42
أَي اكفِهِم ، وَالقائِمُ مِنّا قائِمٌ عَلى ساقٍ ، فَقَد جَمَعنَا الاِسمُ ولَم نَجمَعِ المَعنى . (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :لا أَقولُ : إِنَّهُ قائِمٌ فَأُزيلَهُ عَن مَكانِهِ ، ولا أَحُدُّهُ بِمَكانٍ يكَونُ فيهِ ، ولا أَحُدُّهُ أَن يَتَحَرَّكَ في شَيءٍ مِنَ الأَركانِ وَالجوَارِحِ . (2)
.
ص: 43
الفصل الثاني والخمسون: القادر ، القديرالقادر ، القدير لغةًإِنّ «القادر» اسم فاعل من مادّة «قدر» ، و «القدير» فعيل بمعنى فاعل من مادّة «قدر» وهو يدلّ على مبلغ الشيء وكنهه ونهايته (1) . قَدْر الشيء : مبلغه . قَدَرْتُ الشّيءَ من التقدير . قَدَرْتُ على الشيء : قويتُ عليه وتمكّنت منه والاسم القدرة (2) . و «القدير» و «القادر» يكونان من القدرة ، ويكونان من التقدير (3) . ولمّا كانت صفات «المقتدر» ، «والمُقيت» ، و «المهيمن» قريبةً من صِفتَي «القدير» و «القادر» في المعنى ، فإنّنا نشير إِليها أَيضا . «فالمقتدر» اسم فاعل من اقتدر ، يقتدر ، اقتدار ، من مادّة «قدر» . والاقتدار على الشيء : القدرة عليه (4) . قال ابن الأَثير : في أسماء اللّه تعالى «القادِر ، والمُقْتَدِر ،
.
ص: 44
والقَدِير» فالقادر : اسم فاعل ، من قَدَر يَقْدِر ؛ والقدير : فَعيل منه ، وهو للمبالغة . والمقتدر : مُفْتَعِل ، من اقْتَدَر ، وهو أَبْلَغ . (1) و«المُقيت» اسم فاعل من «قوت» وهو يدلّ على إِمساك وحفظ وقدرة على شيء . المُقيت : الحافظ والشاهد والقادر والمقتدر (2) . و «المهيمن» مُفَيْعل من الأَمانة ، أَصله مُؤَيمن ، فأُبدلت الهاء من الهمزة . المهيمن : الرقيب ، الشاهد ، القائم بأُمور الخلق ، المؤتمن (3) .
القادر ، القدير في القرآن والحديثلقد وردت صفة «القدير» في القرآن الكريم خمسا وأَربعين مرّةً ، وصفة «القادر» بصيغة المفرد والجمع اثنتي عشرة مرّةً (4) ، وصفة «المقتدر» بصيغة المفرد والجمع أَربع مرّات (5) ، وصفة «المُقيت» مرّةً واحدةً (6) ، وصفة المهيمن مرّة واحدةً (7) ، كذلك وردت صفة «القدير» خمسا وثلاثين مرّةً في مضمون «إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» ، وأَربع مرّات مع صفة «العليم» (8) ، ومرّةً واحدةً مع صفة «الغفور» (9) . وورد كل من التعابير التالية مرة واحدة أيضا «عَفُوًّا قَدِيرًا» (10) ، و «اللَّهُ
.
ص: 45
قَدِيرٌ» (1) و «كَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا» (2) . إِنّ الآيات والأَحاديث قد ذهبت إِلى أَنّ وجود المخلوقات دليل على قدرة اللّه ، كذلك قدرة اللّه مطلقة ، واللّه سبحانه قادر على كلّ أَمر ممكن ، وليس كالمخلوقات القادرة على بعض الأُمور ، والعاجزة عن القيام بأُمور أُخرى ، فقدرات المخلوقات تصدر عن اللّه تعالى ، في حيث أَنّ قدرته _ جلّ شأنه _ ذاتيّة وغير معلولة لموجود آخر ، ومن ثمّ فهي أَزليّة أَبديّة . لقد جاء في بعض الأَحاديث والتفاسير أَنّ صفة «المُقيت» بمعنى صفة «المقتدر» (3) . وصفة «المهيمن» في بعض الأَحاديث هي «المُهَيمِن بِقُدرَتِهِ» (4) و «خَلَقَ فَأَتقَنَ ، وأَقامَ فَتَهَيمَنَ» (5) .
52 / 1صِفَةُ قُدرَتِهِالكتاب«إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ » . (6)
«وَ كَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ مُّقْتَدِرًا » . (7)
«وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَىْ ءٍ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ لَا فِى الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا » . (8)
.
ص: 46
«فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَ_دِرُونَ » . (1)
راجع : آل عمران : 26 و 29 و 189 ، النساء : 133 ، المائدة : 17 و 19 و 40 و 720 ، الأنعام : 17 و 37 و 65 ، التوب_ة : 39 ، ه_ود : 4 ، الح_جّ : 6 ، الروم : 50 ، فصّلت : 39 ، الشورى : 9 ، الأحقاف : 33 ، الحديد : 2 ، الحشر : 6 ، التغابن : 1 ، التحريم : 8 ، الملك : 1 ، الأحزاب : 27 ، الفتح : 21 ، القمر : 44 و 55 ، الزخرف : 42 ، الإسراء : 99 ، يس : 81 ، القيامة : 40 ، الطارق : 8 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعائِهِ إِذا أَمسى _: اللّهُمَّ إِنَّكَ بِجَميعِ حاجَتي عالِمٌ ، وإِنَّكَ عَلى جَميعِ نُجحِها قادِرٌ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ . . . القادِرُ عَلى ما أَقدَرَهُم عَلَيهِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :هُوَ القادِرُ الَّذي إِذَا ارتَمَتِ الأَوهامُ لِتُدرِكَ مُنقَطَعَ قُدرَتِهِ ، وحاوَلَ الفِكرُ المُبَرّأُ مِن خَطَراتِ الوَساوِسِ أن يَقَعَ عَلَيهِ في عَميقاتِ غُيوبِ مَلَكوتِهِ ، وتَوَلَّهَتِ القُلوبُ إِلَيهِ لِتَجرِيَ في كَيفِيَّةِ صِفاتِهِ ، وغَمَضَت مَداخِلُ العُقولِ في حَيثُ لا تَبلُغُهُ الصِّفاتُ لِتَناوُلِ عِلمِ ذاتِهِ ، رَدَعَها وهِيَ تَجوبُ مَهاوِيَ سُدَفِ الغُيوبِ مُتَخَلِّصَةً إِلَيهِ سُبحانَهُ . (4)
عنه عليه السلام :كُلُّ قادِرٍ غَيرُهُ يَقدِرُ ويَعجِزُ . (5)
.
ص: 47
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الواحِدِ الأَحَدِ الصَّمَدِ المُتَفَرِّدِ ، الَّذي لا مِن شَيءٍ كانَ ، ولا مِن شَيءٍ خَلَقَ ما كانَ ، قُدرَةٌ بانَ بِها مِنَ الأَشياءِ وبانَتِ الأَشياءُ مِنهُ . (1)
عنه عليه السلام :كُلُّ قادِرٍ غَيرُ اللّهِ سُبحانَهُ مَقدورٌ . (2)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ المَعروفِ بِدُعاءِ كُمَيلٍ _: اللّهُمَّ عَظُمَ سُلطانُكُ ، وعَلا مَكانُكَ ، وخَفِيَ مَكرُكَ ، وظَهَرَ أَمرُكَ ، وغَلَبَ قَهرُكَ ، وجَرَت قُدرَتُكَ ، ولا يُمكِنُ الفِرارُ مِن حُكومَتِكَ . (3)
عنه عليه السلام_ في خُطبَةٍ يَذكُرُ فيها صِفاتِ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ _: قادِرٌ إِذ لا مَقدورَ . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي مَنَّ عَلَينا ... بِقُدرَتِهِ الّتي لا تَعجِزُ عَن شَيءٍ وإِن عَظُمَ ، ولا يَفوتُها شَيءٌ وإِن لَطُفَ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا تُقَدَّرُ قُدرَتُهُ ، ولا يَقدِرُ العِبادُ عَلى صِفَتِهِ ، ولا يَبلُغونَ كُنهَ عِلمِهِ ، ولا مَبلَغَ عَظَمَتِهِ ، ولَيسَ شَيءٌ غَيرَهُ . (6)
عنه عليه السلام :لَم يَزَلِ اللّهُ عز و جل رَبَّنا . . . وَالقُدرَةُ ذاتُهُ ولا مَقدورَ ، فَلَمّا أَحدَثَ الأَشياءَ وكانَ
.
ص: 48
المَعلومُ وَقَعَ العِلمُ عَلَى المَعلومِ . . . وَالقُدرَةُ عَلَى المَقدورِ . (1)
عنه عليه السلام :لَم يَزَلِ اللّهُ _ جَلَّ اسمُهُ _ عالِما بِذاتِهِ ولا مَعلومَ ، ولَم يَزَل قادِرا بِذاتِهِ ولا مَقدورَ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :إِنَّ اللّهَ تَعالى ... القادِرُ الَّذي لا يَعجِزُ ، وَالقاهِرُ الَّذي لا يُغلَبُ . (3)
عيون أخبار الرضا عن محمّد بن عرفة :قُلتُ لِلرِّضا عليه السلام : خَلَقَ اللّهُ الأَشياءَ بِالقُدرَةِ أَم بِغَيرِ القُدرَةِ ؟ فَقالَ عليه السلام : لا يَجوزُ أَن يَكونَ خَلقُ الأَشياءِ بِالقُدرَةِ ؛ لِأَنَّكَ إِذا قُلتَ : خَلَقَ الأَشياءَ بِالقُدرَةِ ، فَكَأَنَّكَ قَد جَعَلتَ القُدرَةَ شَيئا غَيرَهُ ، وجَعَلتَها آلَةً لَهُ بِها خَلَقَ الأَشياءَ ، وهذا شِركٌ ، وإِذا قُلتَ : خَلَقَ الأَشياءَ بِغَيرِ قُدرَةٍ (4) ، فَإِنَّما تَصِفُهُ أَنَّهُ جَعَلَها بِاقتِدارٍ عَلَيها وقُدرَةٍ ، ولكِن لَيسَ هُوَ بِضَعيفٍ ولا عاجِزٍ ولا مُحتاجٍ إِلى غَيرِهِ ، بَل هُوَ سُبحانَهُ قادِرٌ لِذاتِهِ لا بِالقُدرَةِ . (5)
راجع : ج 4 ص 175 ح 4474 وص 335 ح 4868 .
تعليق:قالَ أَكثر المعتزلة : لا يوصف البارئ بالقدرة على شيء يقدر عليه عباده ، ومحال أَن
.
ص: 49
يكون مقدور واحد لقادرين . (1) ويلزم من قول المعتزلة الآنف الذكر أَنّ اللّه سبحانه عاجز إِزاء قدرة الإنسان ، وهذا هو معنى التفويض الباطل ، وفي مقابل هذا القول ورد في أَحاديث أَهل البيت عليهم السلام أنّ اللّه تعالى وإن أَقدر عباده على أَفعالهم الاختياريّة باعتبار أنّ وجود هذه القدرة من شروط التكليف ، إلّا أنّه تعالى متسلّط على قدرتهم ؛ لأنّ هذه القدرة واقعة في طول قدرته تعالى.
52 / 2دَليلُ قُدرَتِهِالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... المُستَشهِدِ بِآياتِهِ عَلى قُدرَتِهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: أُنظُر إِلى هذَا الجَرادِ ما أَضعَفَهُ وأَقواهُ ؛ فَإِنَّكَ إِذا تَأَمَّلتَ خَلقَهُ رَأَيتَهُ كَأَضعَفِ الأَشياءِ ، وإِن دَلَفَت (3) عَساكِرُهُ نَحوَ بَلَدٍ مِنَ البُلدانِ لَم يَستَطِع أَحَدٌ أَن يَحمِيَهُ مِنهُ . أَلا تَرى أَنَّ مَلِكا مِن مُلوكِ الأَرضِ لَو جَمَعَ خَيلَهُ ورَجِلَهُ لِيَحمِيَ بِلادَهُ مِنَ الجَرادِ لَم يَقدِر عَلى ذلِكَ ؟ أَفَلَيسَ مِنَ الدَّلائِلِ عَلى قُدرَةِ الخالِقِ أَن يَبعَثَ أَضعَفَ خَلقِهِ إِلى أَقوى خَلقِهِ فَلا يَستطيعُ دَفعَهُ ؟ أُنظُر إِلَيهِ كَيفَ يَنسابُ عَلى وَجهِ الأَرضِ مِثلُ السَّيلِ ، فَيَغشِي السَّهلَ وَالجَبَلَ وَالبَدوَ وَالحَضَرَ ، حَتّى يَستُرَ نورَ الشَّمسِ بِكَثرَتِهِ ، فَلَو كانَ
.
ص: 50
هذا مِمّا يُصنَعُ بِالأَيدي مَتى كانَ يَجتَمِعُ مِنهُ هذِهِ الكَثَرَةُ ؟ وفي كَم مِن سَنَةٍ كانَ يَرتَفِعُ ؟ فَاستَدِلَّ بِذلِكَ عَلَى القُدرَةِ الَّتي لا يَؤودُها (1) شَيءٌ ويَكثُرُ عَلَيها . (2)
الإمام الرضا عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ : لِمَ خَلَقَ اللّهُ عز و جل الخَلقَ عَلى أَنواعٍ شَتّى ولَم يَخلُقهُ نَوعا واحِدا ؟ قالَ _: لِئَلّا يَقَعَ في الأَوهامِ أَنَّهُ عاجِزٌ ، فَلا تَقَعُ صورَةٌ في وَهمِ مُلحِدٍ إِلّا وقَد خَلَقَ اللّهُ عز و جل عَلَيها خَلقا ، ولا يَقولُ قائِلٌ : هَل يَقدِرُ اللّهُ عز و جل عَلى أَن يَخلُقَ عَلى صورَةِ كَذا وكَذا إِلّا وَجَدَ ذلِكَ في خَلقِهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ ، فَيُعلَمُ بِالنَّظَرِ إِلى أَنواعِ خَلقِهِ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (3)
راجع : ص 316 ح 5499 وج 4 ص 344 ح 4906 .
52 / 3قُدرَةُ اللّهِ وَالمُحالُالإمام الصادق عليه السلام :قيلَ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام : هَل يَقدِرُ رَبُّكَ أَن يُدخِلَ الدُّنيا في بَيضَةٍ مِن غَيرِ أَن يُصَغِّرَ الدُّنيا أَو يُكَبِّرَ البَيضَةَ ؟ فَقالَ : إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يُنسَبُ إِلى العَجزِ ، وَالَّذي سَأَلتَني لا يَكونُ . (4)
عنه عليه السلام :جاءَ رَجُلٌ إِلى أَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : أيقَدِرُ اللّهُ أن يُدخِلَ الأَرضَ
.
ص: 51
في بَيضَةٍ ولا يُصَغِّرَ الأَرضَ ولا يُكَبِّرَ البَيضَةَ ؟ فَقالَ : وَيلَكَ ! إِنَّ اللّهَ لا يُوصَفُ بِالعَجزِ ، ومَن أَقدَرُ مِمَّن يُلَطِّفُ الأَرضَ ويُعَظِّمُ البَيضَةَ؟ (1)
الإمام الرضا عليه السلام لَمّا سُئِلَ :هَل يَقدِرُ رَبُّكَ أَن يَجعَلَ السَّماواتِ وَالأَرضَ وما بَينَهُما في بَيضَةٍ ؟ قالَ _ : نَعَم ، وفي أَصغَرَ مِنَ البَيضَةِ ، قَد جَعَلَها في عَينِكَ ، وهِيَ أَقَلُّ مِنَ البَيضَةِ ؛ لِأَنَّكَ إِذا فَتَحتَها عايَنتَ السَّماءَ وَالأَرضَ وما بَينَهُما ، ولو شاءَ لَأَعماكَ عَنها . (2)
.
ص: 52
. .
ص: 53
الفصل الثالث والخمسون: القاهر ، القهّارالقاهر ، القهّار لغةً«القهّار» مبالغة في «القاهر» ومن مادّة «قهر» بمعنى الغلبة (1) ، ولذلك نجد أَنّ القاهر والقهّار صفتان نسبيّتان تعبّران عن نوعٍ من ارتباط موجود بموجود آخر .
القاهر ، القهّار في القرآن والحديثاستعمل القرآن الكريم صفة «القاهر» مرّتين بقوله: «وَ هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ» (2) ، واستعمل صفة «القهّار» ستّ مرّات مع صفة «الواحد» (3) ، وقاهريّة اللّه سبحانه في الأَحاديث بنحو مطلق وبالنسبة إلى كلّ ما سواه . من جهة أُخرى ، إنّ قاهريّة اللّه ليست كقاهريّة المخلوقات التي تشوبها الحيلة والمكر والنصب عادةً ، وغالبيّتها في جهة تصاحبه مغلوبيّتها من جهة أُخرى ، بل إنّ قاهريّته تعالى تعني أنّ جميع الموجودات لمّا كانت مخلوقة للّه وقائمة به فهي محتاجة إليه
.
ص: 54
في وجودها وجميع شؤونها وترتدي لباس الذلّة والمسكنة أَمامه .
53 / 1مَعنى قاهِريَّتِهِالإمام عليّ عليه السلام :الواحِدُ الصَّمَدُ ، وَالمُتَكَبِّرُ عَنِ الصّاحِبَةِ وَالوَلَدِ ، رافِعُ السَّماءِ بِغَيرِ عَمَدٍ ، ومُجرِي السَّحابِ بِغَيرِ صَفَدٍ (1) ، قاهِرُ الخَلقِ بِغَيرِ عَدَدٍ . (2)
الإمام الرِّضا عليه السلام :. . . أَمَّا القاهِرُ فَلَيسَ عَلى مَعنى عِلاجٍ ونَصبٍ وَاحتِيالٍ ومُداراةٍ ومَكرٍ ، كَما يَقهَرُ العِبادُ بَعضُهُم بَعضا ، وَالمَقهورُ مِنهُم يَعودُ قاهِرا وَالقاهِرُ يَعودُ مَقهورا ، ولكِن ذلِكَ مِنَ اللّهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ عَلى أَنَّ جَميعَ ما خَلَقَ مُلَبَّسٌ بِهِ الذُّلُّ لِفاعِلِهِ ، وقِلَّةُ الاِمتِناعِ لِما أَرادَ بِهِ ، لَم يَخرُج مِنُه طَرفَةَ عَينٍ أَن يَقولَ لَهُ : «كُن» فَيَكونُ ، وَالقاهِرُ مِنّا عَلى ما ذَكَرتُ ووَصَفتُ ، فَقَد جَمَعَنَا الِاسمُ وَاختَلَفَ المَعنى ، وهكَذا جَميعُ الأَسماءِ وإِن كُنّا لَم نَستَجمِعها . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: . . . أَنتَ عَزيزٌ ذُو انتِقامٍ ، قَيّومٌ لا تَنامُ ، قاهِرٌ لا تُغلَبُ ولا تُرامُ ، ذُو البَأسِ الَّذي لا يُستَضامُ . (4)
53 / 2قاهِرُ الأَعداءِ وَالأَضدادِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا صاحِبَ الغُرَباءِ ، يا ناصِرَ الأَولياءِ ، يا قاهِرَ الأَعداءِ . (5)
.
ص: 55
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُ أَكبَرُ القاهِرُ لِلأَضدادِ ، المُتَعالي عَنِ الأَندادِ ، المُتَفَرِّدُ بِالمِنَّةِ عَلى جَميعِ العِبادِ . (1)
عنه عليه السلام :اِتَّسَعَت رَحمَتُهُ لِأَولِيائِهِ في شِدَّةِ نِقمَتِهِ ، قاهِرٌ مَن عازَّهُ ، ومُدَمِّرٌ من شاقَّهُ ، ومُذِلٌّ مَن ناواهُ ، وغالِبٌ مَن عاداهُ . (2)
53 / 3القاهِرُ لِكُلَّ شَيءٍالإمام عليّ عليه السلام :لا شَيءَ إِلَا اللّهُ الواحِدُ القَهّارُ الَّذي إِليهِ مَصيرُ جَميعِ الأُمورِ ، بِلا قُدرَةٍ مِنها كانَ ابتِداءُ خَلقِها ، وبِغَيرِ امتِناعٍ مِنها كانَ فَناؤُها ، ولَو قَدَرَت عَلَى الاِمتِناعِ لَدامَ بَقاؤُها. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ حينَ سُئِلَ كَيفَ الدَّعوَةُ إِلى الدِّينِ؟ _: تَقولُ: بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ أَدعوكُم إِلَى اللّهِ عز و جل وإِلى دينِهِ ، وجِماعُهُ أَمرانِ : أَحَدُهُما مَعرِفَةُ اللّهِ عز و جل ، وَالآخَرُ العَمَلُ بِرِضوانِهِ ، وإِنَّ مَعرِفَةَ اللّهِ عز و جل أَن يُعرَفَ بِالوَحدانيَّةِ وَالرَّأَفَةِ وَالرَّحمَةِ وَالعِزَّةِ وَالعِلمِ وَالقُدرَةِ وَالعُلُوِّ عَلى كُلِّ شَيءٍ ، وأَنَّهُ النّافِعُ الضّارُّ القاهِرُ لِكُلِّ شَيءٍ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :بِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرَّحيمِ ، لا حَولَ ولا قُوَّةَ إِلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ ،
.
ص: 56
اللّهُ رَبُّ المَلائِكَةِ وَالرّوحِ وَالنَّبِيّينَ وَالمُرسَلينَ ، وقاهِرُ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرَضينَ ، وخالِقُ كُلِّ شَيءٍ ومالِكُهُ ... . (1)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ في شَرحِ «الم» _: الأَلِفُ حَرفٌ مِن حُروفِ قَولِ اللّهِ ، دَلَّ بِ_ «الأَلف» عَلى قَولِكَ اللّهُ ، ودَلَّ ب_ «اللّام» عَلى قَولِكَ المَلِكِ العَظيمِ القاهِرِ لِلخَلقِ أَجمَعينَ ، ودَلَّ بِ_ «الميم» عَلى أَنَّهُ المَجيدُ المَحمودُ في كُلِّ أَفعالِهِ . (2)
.
ص: 57
الفصل الرابع والخمسون: القديم ، الأزليّالقديم ، الأزلي لغةً«القديم» فعيل بمعنى فاعل من مادّة «قدم» وهو يدلّ على سَبْق ، ثمّ يتفرّع منه ما يقاربه ، يقولون: القِدَم: خلاف الحدوث ، ويقال: شيء قديم: إِذا كان زمانه سالفا ، ويقال: قَدَم ، يَقدُم ، قَدما ، أَي : تقدّم (1) ، بناءً على هذا ، القديم تارةً يستعمل في الموجود الذي ليس لوجوده ابتداء والموجود الذي لم يزل ، وتارةً يستعمل في الموجود الذي زمانه سالف. الأَزليّ ، نسبةً إِلى الأَزل ، قال الخليل: الأَزل: شدّة الزمان (2) . قال ابن فارس : «أَزل» أَصلان : الضيق ، والكذب ... أَمّا الأَزل الذي هو القِدَم ، فالأَصل ليس بقياس ، ولكنّه كلام موجز مُبدَل ، إِنّما كان «لم يزل» فأرادوا النسبة إِليه فلم يستقم ، فنسبوا إِلى يزل ، ثُمّ قلبوا الياء همزة فقالوا: أَزليّ (3) .
.
ص: 58
القديم ، الأزليّ في القرآن والحديثلم ترد صفة «القديم» و«الأَزليّ» في القرآن الكريم . وقيل في البحث اللغويّ أنّ الأَزليّ بمعنى القديم ، والقديم تارةً يستعمل في الموجود الذي ليس لوجوده ابتداء ، والموجود الذي لم يزل ، وتارةً يستعمل في الموجود الذي زمانه سالف . وعندما تنسب الأَحاديث القديم والأَزليّ إِلى ذات اللّه وصفاته الذاتيّة فإنّ المعنى الأَوّل هو المقصود ، وعندما تنسب ذلك إِلى المخلوقات وأَفعال اللّه كالإحسان والعفو والغفران فالمعنى الثاني هو المراد . ويمكن أن نشير من القسم الأَوّل إِلى أَلفاظٍ مثل: «القَديمُ ، المُبدِئُ الَّذي لا بَدءَ لَهُ» (1) ، و «القَديمُ لا يَكونُ حَديثا ولا يَفنى ولا يَتَغَيَّرُ» (2) ، و «لَن تَجتَمِعَ صِفَةُ الأَزَلِ وَالعَدَمِ وَالحُدوثِ وَالقِدَمِ في شَيءٍ واحِدٍ» (3) . ومن القسم الثاني إِلى أَلفاظ نحو: «وإِحسانُكَ القَديمُ إِلَيَّ» (4) ، و «إِن تَعفُ عَنّي فَقديما شَمَلَني عَفوُكَ وأَلبَسَتني عافِيَتُكَ» (5) ، و «يا مَن عَفوُهُ قَديمٌ» (6) . ومن الخليق بالذكر أَنّ الأَحاديث التي تحمل عنوان «صفة قدمه» المرتبطة بصفاته الذاتيّة سبحانه تشير إِلى المعنى الأَوّل للقديم ، وإِنّ قسما من الأَحاديث
.
ص: 59
التي تحمل عنوان «ما رُوي في قدم أَسمائه وأَفعاله» المرتبطة بصفاته الفعليّة وأَفعاله تعالى تشير إِلى المعنى الثاني له .
54 / 1صِفَةُ قِدَمِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أَنتَ اللّهُ .. . الشَّهيدُ القَديمُ ، العَلِيُّ العَظيمُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ المَلِكِ الرَّحيمِ ، الأَوَّلِ القَديمِ ، خالِقِ العَرشِ وَالسَّماواتِ وَالأَرَضينَ ... أَشهَدُ أَنَّ كُلَّ مَعبودٍ مِن عَرشِكَ إِلى قَرارِ أَرضِكَ باطِلٌ غَيرَ وَجهِكَ الكَريمِ المَعبودِ القَديمِ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا يَزولُ ولا يَزالُ ، الحَمدُ للّهِِ الَّذي كانَ قَبلَ كانَ ولا يوجَدُ لِكانَ مَوضِعٌ قَبلَهُ. (3)
عنه عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ الَّذي لا حَيَّ مَعَهُ في دَيمومَةِ بَقائِهِ ، قَيّومٌ قَيّومٌ لا يَفوتُ شَيءٌ عِلمَهُ ولا يَؤُودُهُ (4) ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ الباقي بَعدَ كُلِّ شَيءٍ وآخِرَهُ ، دائِمٌ بِغَيرِ فَناءٍ ، ولا زَوالَ لِمُلكِهِ. (5)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ المُتَوَحِّدِ بِالقِدَمِ وَالأَزَلِيَّةِ ، الَّذي لَيسَ لَهُ غايَةٌ في دَوامِهِ ولا لَهُ
.
ص: 60
أَوَّلِيَّةٌ .. . هُوَ الباقي بِغَيرِ مُدَّةٍ. (1)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالَى اسمُهُ _ عَلى ما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ بِالاِنفِرادِ وَالوَحدانِيَّةِ ، هُوَ النّورُ الأَزَلِيُّ القَديمُ الَّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، لا يَتَغَيَّرُ ، ويَحكُمُ ما يَشاءُ ويَختارُ. (2)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ الرَّبِّ مَتى كانَ؟ _: كانَ بِلا كَينونِيَّةٍ ، كانَ بِلا كَيفٍ ، كانَ لَم يَزَل بِلا كَمٍّ وبِلا كَيفٍ ، كانَ لَيسَ لَهُ قَبلٌ ، هُوَ قَبلَ القَبلِ بِلا قَبلٍ ولا غايَةٍ ولا مُنتَهىً ، اِنقَطَعَت عَنهُ الغايَةُ ، وهُوَ غايَةُ كُلِّ غايَةٍ. (3)
عنه عليه السلام :إِنّا لَمّا رَأَينا هذَا العالَمَ المُتَحَرِّكَ مُتَناهِيَةً أزمانُهُ وأعيانُهُ وحَرَكاتُهُ وأَكوانُهُ وجَميعُ ما فيهِ ، ووَجَدنا ما غابَ عنّا مِن ذلِكَ يَلحَقُهُ النِّهايَةُ ووَجدنَا العَقلَ يَتَعَلَّقُ بِما لا نِهايَةَ ، ولَولا ذلِكَ لَم يَجِدِ العَقلُ دَليلاً يُفَرِّقُ ما بَينَهُما ، ولَم يَكُن لَنا بُدٌّ مِن إِثباتِ ما لا نِهايَةَ لَهُ مَعلوما مَعقولاً أَبَدِيّا سَرمَدِيّا (4) لَيسَ بِمَعلومٍ أَنَّهُ مَقصورُ القُوى ، ولا مُقدورٌ ولا مُتَجَزِّئٌ ولا مُنقَسِمٌ ، فَوَجَبَ عِندَ ذلِكَ أَن يَكونَ ما لا يَتَناهى مِثلَ ما يَتَناهى. و إِذ قَد ثَبَتَ لَنا ذلِكَ فَقَد ثَبَتَ في عُقولِنا أَنَّ ما لا يَتَناهى هُوَ القَديمُ الأَزَلِيُّ ، وإِذا ثَبَتَ شَيءٌ قَديمٌ وشَيءٌ مُحدَثٌ فَقَدِ استَغنَى القَديمُ البارِئُ لِلأَشياءِ عَنِ المُحدَثِ
.
ص: 61
الَّذي أَنشَأَهُ وبَرَأَهُ وأَحدَثَهُ ، وصَحَّ عِندَنا بِالحُجَّةِ العَقلِيَّةِ أَنَّهُ المُحدِثُ لِلأَشياءِ وأَنَّهُ لا خالِقَ إِلّا هُوَ ، فَتَبارَكَ اللّهُ المُحدِثُ لِكُلِّ مُحدَثٍ ، الصّانِعُ لِكُلِّ مَصنوعٍ ، المُبتَدِعُ لِلأَشياءِ مِن غَيرِ شَيءٍ. (1)
الإمام الحسن عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الواحِدِ بِغَيرِ تَشبيهٍ ، الدّائِمِ بِغَيرِ تَكوينٍ .. . العَزيزِ لَم يَزَل قَديما فِي القِدَمِ. (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ الوَلِيُّ المُرشِدُ .. . وَالرّازِقُ الكَريمُ وَالسّابِقُ القَديمُ. (3)
الإمام الباقر عليه السلام :اللّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ الحَيُّ القَيّومُ ، الدّائِمُ الدَّيمومُ ، القَديمُ الأَزَلِيُّ الأَبَدِيُّ ، بَديعُ السَّماواتِ وَالأَرضِ. (4)
التوحيد عن سليمان بن مهران :قُلتُ لِجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام : هَل يَجوزُ أَن نَقولَ : إِنَّ اللّهَ عز و جل في مَكانٍ؟ فَقالَ : سُبحانَ اللّهِ وتَعالى عَن ذلِكَ ، إِنَّهُ لَو كانَ في مَكانٍ لَكانَ مُحدَثا ، لِأَنَّ الكائِنَ في مَكانٍ مُحتاجٌ إِلَى المَكانِ ، وَالاِحتِياجُ مِن صِفاتِ المُحدَثِ لا مِن صِفاتِ القَديمِ. (5)
الإمام الصادق عليه السلام :يا ذَا القُوَّةِ القَوِيَّةِ ، وَالقِدَمِ الأَزَلِيَّةِ. (6)
عنه عليه السلام_ في بَيانِ احتِجاجاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: ... ثُمَّ أَقبَلَ صلى الله عليه و آله عَلَى النَّصارى فَقالَ لَهُم :
.
ص: 62
وأَنتُم قُلتُم : إِنَّ القَديمَ عز و جل اتَّحَدَ بِالمَسيحِ ابنِهِ ، فَمَا الَّذي أَرَدتُموهُ بِهذَا القَولِ؟ أَرَدتم أَنَّ القَديمَ صارَ مُحدَثا لِوُجودِ هذَا المُحدَثِ الَّذي هُوَ عيسى ، أَوِ المُحدَثِ الَّذي هُوَ عيسى صارَ قَديما لِوُجودِ القَديمِ الَّذي هُوَ اللّهُ ، أَو مَعنى قَولِكُم : إِنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ أَنَّهُ اختَصَّهُ بِكَرامَةٍ لَم يُكرِم بِها أَحَدا سِواهُ. فَإِن أَرَدتُم أَنَّ القَديمَ صارَ مُحدَثا فَقَد أَبطَلتُم ؛ لِأَنَّ القَديمَ مُحالٌ أَن يَنقَلِبَ فَيَصيرَ مُحدَثا. و إِن أَرَدتُم أَنَّ المُحدَثَ صارَ قَديما فَقَد أَحَلتُم ؛ لِأَنَّ المُحدَثَ أَيضا مُحالٌ أَن يَصيرَ قَديما . و إِن أَرَدتم أَنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ بِأَنَّهُ اختَصَّهُ وَاصطَفاهُ عَلى سائِرِ عِبادِهِ ، فَقَد أَقرَرتُم بِحُدوثِ عيسى وبِحُدوثِ المَعنَى الَّذِي اتَّحَدَ بِهِ مِن أَجلِهِ ، لِأَنَّهُ إِذا كانَ عيسى مُحدَثا وكانَ اللّهُ اتَّحَدَ بِهِ _ بِأَن أَحدَثَ بِهِ مَعنىً صارَ بِهِ أَكرَمَ الخَلقِ عِندَهُ _ فَقَد صارَ عيسى وذلِكَ المَعنى مُحدَثَينِ ، وهذا خِلافُ ما بَدَأَتُم تَقولونَهُ . (1)
التوحيد عن أبي بصير:أَخرَجَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام حُقّا (2) ، فَأَخرَجَ مِنهُ وَرَقَةً فَإِذا فيها: سُبحانَ الواحِدِ الَّذي لا إِلهَ غَيرُهُ ، القَديمِ المُبدِئِ الَّذي لا بَديءَ (3) لَهُ ، الدّائِمِ الَّذي لا نَفادَ لَهُ. (4)
.
ص: 63
الاحتجاج :مِن سُؤالِ الزِّنديقِ الَّذي سَأَلَ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ أَن قالَ : .. . مِن أَيِّ شَيءٍ خَلَقَ اللّهُ الأَشياءَ؟ قالَ عليه السلام : مِن لا شَيءٍ . فَقالَ : كَيفَ يَجيءُ مِن لا شَيءٍ شَيءٌ؟ قالَ عليه السلام : إِنَّ الأَشياءَ لا تَخلو أَن تَكونَ خُلِقَت مِن شَيءٍ أَو مِن غَيرِ شَيءٍ ؛ فَإِن كانَت خُلِقَت مِن شَيءٍ كانَ مَعَهُ فَإِنَّ ذلِكَ الشَّيءَ قَديمٌ ، وَالقَديمُ لا يَكونُ حَديثا ولا يَفنى ولا يَتَغَيَّرُ. (1)
الكافي عن أَبي الحسن عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن أَدنَى المَعرِفَةِ _: الإِقرارُ بِأَنَّهُ لا إِلهَ غَيرُهُ ولا شِبهَ لَهُ ولا نَظيرَ ، وأَنَّهُ قَديمٌ مُثبَتٌ مَوجودٌ غَيرُ فَقيدٍ ، وأَنَّهُ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ. (2)
الإمام الرضا عليه السلام :اِعلَم _ عَلَّمَكَ اللّهُ الخَيرَ _ إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ قَديمٌ وَالقِدَمُ صِفَتُهُ الَّتي دَلَّتِ العاقِلَ عَلى أَنَّهُ لا شَيءَ قَبلَهُ ولا شَيءَ مَعَهُ في دَيمومِيَّتِهِ ، فَقَد بانَ لَنا بِإِقرارِ العامَّةِ مُعجِزَةُ الصِّفَةِ أَنَّهُ لا شَيءَ قَبلَ اللّهِ ولا شَيءَ مَعَ اللّهِ في بَقائِهِ ، وبَطَلَ قَولُ مَن زَعَمَ أَنَّهُ كانَ قَبلَهُ أَو كانَ مَعَهُ شَيءٌ ، وذلِكَ أَنَّهُ لَو كانَ مَعَهُ شَيءٌ في بَقائِهِ لَم يَجُز أَن يَكونَ خالِقا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَم يَزَل مَعَهُ فَكَيفَ يَكونُ خالِقا لِمَن لَم يَزَل مَعَهُ؟ ولو كانَ قَبلَهُ شَيءٌ كانَ الأَوَّلُ ذلِكَ الشَّيءَ لا هذا ، وكانَ الأَوَّلُ أَولى بِأَن يَكونَ خالِقا لِلأَوَّلِ ، ثُمَّ وَصَفَ نَفسَهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ بِأَسماءٍ دَعَا الخَلقَ إِذ خَلَقَهُم وتَعَبَّدَهُمَ وَابتَلاهُم إِلى أَن يَدعوهُ بِها ، فَسَمّى نَفسَهُ : سَميعا بَصيرا قادِرا قائِما ناطِقا ظاهِرا باطِنا لَطيفا
.
ص: 64
خَبيرا قَوِيّا عَزيزا حَكيما عَليما. (1)
التوحيد عن الحسين بن خالد :سَمِعتُ الرِّضا عَلِيَّ بنَ موسى عليهماالسلاميَقولُ : لَم يَزَلِ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ عَليما قادِرا حَيّا قَديما سَميعا بَصيرا . فَقُلتُ لَهُ : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، إِنَّ قَوما يَقولونَ : إِنَّهُ عز و جل لَم يَزَل عالِما بِعِلمٍ ، وقادِرا بِقُدرَةٍ ، وحَيّا بِحَياةٍ ، وقَديما بِقِدَمٍ ، وسَميعا بِسَمعٍ ، وبَصيرا بِبَصَرٍ . فَقالَ عليه السلام : مَن قالَ ذلِكَ ودانَ بِهِ فَقَدِ اتَّخَذَ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخرى ، ولَيسَ مِن وِلايَتِنا عَلى شَيءٍ ، ثُمَّ قالَ عليه السلام : لَم يَزَلِ اللّهُ عز و جل عَليما قادِرا حَيّا قَديما سَميعا بَصيرا لِذاتِهِ ، تَعالى عَمّا يَقولُ المُشرِكونَ وَالمُشَبِّهونَ عُلُوّا كَبيرا. (2)
الإمام الجواد عليه السلام :هُوَ اللّهُ القَديمُ الَّذي لَم يَزَل وَالأَسماءُ وَالصِّفاتُ مَخلوقاتٌ ، وَالمَعاني وَالمَعنِيُّ بِها هُوَ اللّهُ الَّذي لا يَليقُ بِهِ الاِختِلافُ ولَا الاِئتِلافُ ، وإِنَّما يَختَلِفُ ويَأتَلِفُ المُتَجَزِّئُ ، فَلا يُقالُ : اللّهُ مُؤتَلِفٌ ، ولا : اللّهُ قَليلٌ ، ولا كَثيرٌ ، ولكِنَّهُ القَديمُ في ذاتِهِ ؛ لِأَنَّ ما سِوَى الواحِدِ مُتَجَزِّئٌ ، وَاللّهُ واحِدٌ لا مُتَجَزِّئٌ .. . وما كانَ ناقِصا كانَ غَيرَ قَديمٍ ، وما كانَ غَيرَ قَديمٍ كانَ عاجِزا. (3)
الإمام العسكري عليه السلام :بِاسمِ اللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ الحَليمِ الكَريمِ ، القَديمِ الَّذي لا يَزولُ. (4)
.
ص: 65
الأمان :عوذَةٌ رُوِيَ أَنَّها وُجدِتَ في قائِمِ سَيفِ مَولانا عَلِيِّ بنِ أَبي طالِبٍ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ وكانَت في قائِمِ سَيفِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وهِيَ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، يا أللّهُ يا أللّهُ يا أللّهُ ، أَسأَ لُكَ يا مَلِكَ المُلوكِ ، الأَوَّلَ القَديمَ الأَبَدِيَّ الَّذي لا يَزولُ ولا يَحولُ (1) . (2)
راجع : ج 3 ص 103 (التفكّر في حدوث العالَم) .
54 / 2كانَ اللّهُ وَلَم يَكُن مَعَهُ شَيءٌرسول اللّه صلى الله عليه و آله :كانَ اللّهُ ولَم يَكُن شَيءٌ غَيرَهُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :كانَ اللّهُ ولَم يَكُن شَيءٌ قَبلَهُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :كانَ اللّهُ ولا شَيءَ غَيرُهُ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :كانَ اللّهُ ولَيسَ شَيءٌ غَيرَهُ . (6)
.
ص: 66
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ اللّهُ ولا شَيءَ غَيرُهُ ، لا مَعلومٌ ولا مَجهولٌ . (1)
عنه عليه السلام :كانَ اللّهُ عز و جل ولا شَيءَ غَيرُهُ، ولَم يَزَل عالِما بِما يَكونُ، فَعِلمُهُ بِهِ قَبلَ كَونِهِ كَعِلمِهِ بِهِ بَعدَ كَونِهِ . (2)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ كانَ ولا شَيءَ غَيرُهُ، نورا لا ظَلامَ فيهِ، وصادِقا لا كِذبَ فيهِ، وعالِما لا جَهلَ فيه، وحَيّا لا مَوتَ فيهِ، وكَذلِكَ هُوَ اليَومُ، وكَذلِكَ لا يَزالُ أَبَدا . (3)
الكافي عن محمّد بن عطيّة :جاءَ رَجُلٌ إِلى أَبي جَعفَرٍ عليه السلام مِن أَهلِ الشّامِ مِن عُلَمائِهِم ، فَقالَ : يا أَبا جَعفَرٍ ، جِئتُ أَسأَ لُكَ عَن مَسأَلَةٍ قَد أَعيَت عَلَيَّ أَن أَجِدَ أَحَدا يُفَسِّرُها ، وقَد سَأَلتُ عَنها ثَلاثَةَ أَصنافٍ مِنَ النّاسِ ، فَقالَ كُلُّ صِنفٍ مِنهُم شَيئا غَيرَ الَّذي قالَ الصِّنفُ الآخَرُ . فَقالَ لَهُ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : ما ذاكَ؟ قالَ : فَإِنّي أَسأَ لُكَ عَن أَوَّلِ ما خَلَقَ اللّهُ مِن خَلقِهِ؟ فَإِنَّ بَعضَ مَن سَأَلتُهُ قالَ : القَدَرُ ، وقالَ بَعضُهُمُ : القَلَمُ ، وقالَ بَعضُهُمُ : الرّوحُ . فَقالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : ما قالوا شَيئا ، أُخبِرُكَ أنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ كانَ ولا شَيءَ غَيرُهُ ، وكانَ عَزيزا ولا أَحَدَ كانَ قَبلَ عِزِّهِ ، وذلِكَ قَولُهُ : «سُبْحَ_نَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» (4) وكانَ الخالِقُ قَبلَ المَخلوقِ ، ولَو كانَ أَوَّلُ ما خَلَقَ مِن خَلقِهِ
.
ص: 67
الشَّيءَ مِنَ الشَّيءِ إِذا لَم يَكُن لَهُ انقِطاعٌ أَبَدا ، ولَم يَزَلِ اللّهُ إِذا ومَعَهُ شَيءٌ لَيسَ هُوَ يَتَقَدَّمُهُ ، ولكِنَّهُ كانَ إِذ لا شَيءَ غَيرُهُ ، وخَلَقَ الشَّيءَ الَّذي جَميعُ الأَشياءِ مِنهُ ؛ وهُوَ الماءُ الَّذي خَلَقَ الأَشياءَ مِنهُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ اللّهُ ولَم يَكُن مَعَهُ شَيءٌ . (2)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي كانَ إِذ لَم يَكُن شَيءٌ غَيرَهُ، وكَوَّنَ الأَشياءَ . (3)
الإمام الرضا عليه السلام_ في بَيان بُطلانِ قَولِ مَن زَعَمَ أَنَّهُ تَعالى كانَ مَعَهُ شَيءٌ _: لَو كانَ مَعَهُ شَيءٌ في بَقائِهِ لَم يَجُز أَن يَكونَ خالِقا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَم يَزَل مَعَهُ ، فَكَيفَ يَكونُ خالِقا لِمَن لَم يَزَل مَعَهُ ؟ (4)
عنه عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ عِمرانُ الصّابي : أَخبِرني ؛ نُوَحِّدُ اللّهَ بِحَقيقَةٍ أَم نُوَحِّدُهُ بِوَصفٍ؟ _: إِنَّ النُّورَ البَديءَ الواحِدَ الكَونَ الأَوَّلَ واحِدٌ لا شَريكَ لَهُ ولا شَيءَ مَعَهُ ، فَردٌ لا ثانِيَ مَعَهُ ، ولا مَعلومَ ولا مَجهولَ ، ولا مُحكَمَ ولا مُتَشابِهَ . (5)
عنه عليه السلام :اِعلَم _ عَلَّمَكَ اللّهُ الخَيرَ _ أَنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ قَديمٌ، وَالقِدَمُ صِفَتُهُ الَّتي دَلَّت العاقِلَ عَلى أَنَّهُ لا شَيءَ قَبلَهُ ولا شَيءَ مَعَهُ في دَيمومِيَّتِهِ، فَقَد بانَ لَنا بِإِقرارِ العامَّةِ مُعجِزَةُ الصِّفَةِ أَنَّهُ لا شَيءَ قَبلَ اللّهِ ولا شَيءَ مَعَ اللّهِ في بَقائِهِ، وبَطَلَ قَولُ مَن زَعَمَ أَنَّهُ كانَ قَبلَهُ أَو كانَ مَعَهُ شَيءٌ ، وذلِكَ أَنَّهُ لَو كانَ مَعَهُ شَيءٌ في بَقائِهِ لَم يَجُز أَن يَكونَ خالِقا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَم يَزَل مَعَهُ، فَكَيفَ يَكونُ خالِقا لِمَن لَم يَزَل مَعَهُ، ولَو كانَ قَبلَهُ شَيءٌ
.
ص: 68
كانَ الأَوَّلُ ذلِكَ الشَّيءَ لا هذا؟ وكانَ الأَوَّلُ أَولى بِأَن يَكونَ خالِقا لِلأَوَّلِ (1) . (2)
الكافي عن أبي هاشم الجعفري :كُنتُ عِندَ أَبي جَعفَرٍ الثّانِي عليه السلام ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقالَ : أَخبِرني عَنِ الرَّبِّ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَهُ أَسماءٌ وصِفاتٌ في كِتابِهِ؟ وأَسماؤُهُ وصِفاتُهُ هِيَ هُوَ؟ فَقالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : إِنَّ لِهذَا الكَلامِ وَجهَينِ؛ إِن كُنتَ تَقولُ : «هِيَ هُوَ» أَي إِنَّهُ ذو عَدَدٍ وكَثرَةٍ ، فَتَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ . وإِن كُنتَ تَقولُ : هذِهِ الصِّفاتُ وَالأَسماءُ لَم تَزَل ، فَإِنَّ «لَم تَزَل» مُحتَمِلٌ (3) مَعنَيَينِ؛ فَإِن قُلتَ : لَم تَزَل عِندَهُ في عِلمِهِ وهُوَ مُستَحِقُّها ، فَنَعَم ، وإِن كُنتَ تَقولُ : لَم يَزَل تَصويرُها وهِجاؤُها وتَقطيعُ حُروفِها ، فَمَعاذَ اللّهِ أَن يَكونَ مَعَهُ شَيءٌ غَيرُهُ ، بَل كانَ اللّهُ ولا خَلقَ ، ثُمَّ خَلَقَها وَسيلَةً بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ ، يَتَضَرَّعونَ بِها إِلَيهِ ويَعبُدونَهُ ، وهِيَ ذِكرُهُ ، وكانَ اللّهُ ولا ذِكرَ ، وَالمَذكورُ بِالذِّكرِ هُوَ اللّهُ القَديمُ الَّذي لَم يَزَل . (4)
الإمام الهادي عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ التَّوحيدِ فَقيلَ لَهُ : لَم يَزَل اللّهُ وَحدَهُ لا شَيءَ مَعَهُ، ثُمَّ خَلَقَ الأَشياءَ بَديعا وَاختارَ لِنَفسِهِ الأَسماءَ، ولَم تَزَلِ الأَسماءُ وَالحُروفُ لَهُ مَعَهُ قَديمَةً؟ قالَ _: لَم يَزَلِ اللّهُ مَوجودا ثُمَّ كَوَّنَ ما أَرادَ . (5)
راجع : ج 4 ص 33 (الفصل الثالث : الأَوّل ، الآخِر) وص 183 (الحدوث) و ص 196 (أُصول أَزليّة) .
.
ص: 69
بَحثٌ حَولَ حَدِيثِ «كانَ اللّهُ وَلَم يَكن مَعَهُ شَيءٌ»إِنّ حديث «كانَ اللّهُ ولَم يَكُن مَعَهُ شَيءٌ» (1) قد نُقِل في الجوامع الحديثيّة بتعابير مختلفة ومتنوّعة ، منها : «كانَ اللّهُ ولا شَيءَ غَيرَه» (2) ؛ ومنها «كانَ إذ لَم يَكُن شَيءٌ غَيرَهُ» (3) ؛ ومنها «لَم يَزَلِ اللّهُ مَوجودا ثُمَّ كَوَّنَ ما أرادَ» (4) ؛ ومنها «كانَ اللّهُ ولا خَلقَ» (5) ؛ ومنها «لا شَيءَ قَبلَهُ ولا شَيءَ مَعَهُ في دَيمومِيَّتِهِ» (6) . وهذا الضرب من الأَحاديث في مقام إِثبات تفرّد اللّه في الاتّصاف بصفة «القديم» وإِثبات حدوث العالم ، لا إِثبات صفة «القديم» فحسب . ونُقل أَنّ الجُنيد حين سمع حديث «كانَ اللّهُ ولَم يَكُن مَعَهُ شَيءٌ» قال : «الآن كما كان» (7) . ويريد الجنيد بإضافته هذا اللفظ أَن يبيّن وحدة الوجود ، وأَن ليس في الدار غيره ديّار ، من هنا ليس مع اللّه شيء الآن كما لم يكن معه شيء من قبل ولا
.
ص: 70
تفاوت بين الآن وقبل (1) ، وهذا الموضوع غير منسجم مع مفاد الأَحاديث المذكورة ومقصودها ، فهذه الأَحاديث تحاول أَن تثبت التفاوت بين الآن وقبل (الحاضر والماضي) : كان اللّه ولم يُخلق شيء ، لكن المخلوقات خُلقت الآن ، وفي ضوء هذا إِنّ صفة القدم تنحصر في اللّه ، والموجودات الأُخرى حادثة ولها الآن وجود حقّا ، لذا جاء في بعض الأَحاديث : «لَم يَزَل اللّهُ مَوجودا ثُمَّ كَوَّنَ ما أرادَ»؛ «كانَ إذ لَم يَكُن شَيءٌ غَيرهُ ، وكَوَّنَ الأَشياءَ»؛ «لَم يَزَلِ اللّهُ وَحدَهُ لا شَيءَ مَعَهُ ، ثُمَّ خَلَقَ الأَشياءَ» . بناءً على هذا هناك تفاوت حقيقيّ بين ما قبل الخلقة وما بعدها ، ذلك أَنّ المخلوقات كانت معدومةً سابقا ، والآن هي موجودة حقّا ، وقد جاء في حديثٍ مأثور عن الإمام الرضا عليه السلام في إِثبات تفرّد اللّه في القِدَم ، وإِثبات حدوث المخلوقات : «لَو كانَ مَعَهُ شَيءٌ في بَقائِهِ لَم يَجُز أَن يَكونَ خالِقا لَهُ» . أَي : ما يستلزم الخلقة هو «كانَ اللّهُ ولَم يَكُن مَعَهُ شَيءٌ» ثمّ خلق اللّه الأَشياء . لقد حاول البعض أَن يجد مستندا روائيّا لعبارة الجُنيد ، فذهب إِلى أَنّها والحديث المأثور عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام إِذ قال : «إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ كانَ لَم يَزَل بِلا زَمانٍ ولا مَكانٍ وهُوَ الآنَ كَما كانَ» (2) شيءٌ واحدٌ . (3) في حين أَنّه لا علاقة لحديثه عليه السلام بكلام الجنيد ، وأَساسا بحديث «كانَ اللّهُ ولَم يَكُن مَعَهُ شَيءٌ» ؛ لأَنّ الذي جاء في حديث الإمام موسى بن جعفر عليه السلام هو أَنّ اللّه ليس له زمان ومكان في الماضي وكذلك الآن ، أَي : إِنّه سبحانه غير محدود بزمان ومكان سواءٌ قبل الخلقة أَم بعدها ، مثلما نقول : كان اللّه عالما والآن كما كان ، لذلك لم يرد في هذا الحديث كلام حول المخلوقات وحدوثها ونفي صفة القِدَم عنها وإِثبات تفرّد اللّه سبحانه في صفة القِدَم .
.
ص: 71
54 / 3ما رُويَ في قِدَمِ أَسمائِهِ وَأَفعالِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ الَّذي كانَ في أَوَّلِيَّتِهِ وَحدانِيّا ، وفي أَزَلِيَّتِهِ مُتَعَظِّما بِالإِلهِيَّةِ ، مُتَكَبِّرا بِكِبرِيائِهِ وجَبَروتِهِ (1) ، ابتَدَأَ مَا ابتَدَعَ وأَنشَأَ ما خَلَقَ عَلى غَيرِ مِثالٍ كانَ سَبَقَ بِشَيءٍ مِمّا خَلَقَ ، رَبُّنَا القَديمُ بِلُطفِ رُبوبِيَّتِهِ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إِذا أَماتَ اللّهُ الخَلائِقَ ولَم يَبقَ شَيءٌ لَهُ روحٌ يَقولُ اللّهُ عز و جل : يا مَلِكَ المَوتِ .. . أَذَقتَ عِبادي و أَنبِيائي وأَوِليائي ورُسُلِيَ المَوتَ ، وقَد سَبَقَ في عِلمِيَ القَديمِ _ وأَنَا عَلّامُ الغُيوبِ _ أَنَّ كُلَّ شَيءٍ هالِكٌ إِلّا وَجهي ، وهذِهِ نَوبَتُكَ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ يا أللّهُ .. . يا عَظيمُ يا قَديمُ .. . يا مَن هُوَ في مُلكِهِ مُقيمٌ ، يا مَن هُوَ في سُلطانِهِ قَديمٌ .. . يا مَن هُوَ في حِكمَتِهِ لَطيفٌ ، يا مَن هُوَ في لُطفِهِ قَديمٌ .. . يا أَحكَمَ مِن كُلِّ حَكيمٍ ، يا أَقدَمَ مِن كُلِّ قَديمٍ .. . يا عَظيمَ المَنِّ ، يا كَثيرَ الخَيرِ ، يا قَديمَ الفَضلِ ، يا دائِمَ اللُّطفِ .. . يا جَميلَ الثَّناءِ ، يا قَديمَ السَّناءِ (4) .. . يا مَن هُوَ في حِكمَتِهِ عَظيمٌ ، يا مَن هُوَ في إِحسانِهِ قَديمٌ .. . يا مَن مُلكُهُ قَديمٌ ، يا مَن فَضلُهُ عَميمٌ ، يا مَن عَرشُهُ عَظيمٌ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله :يا قَديمَ الإِحسانِ بِأَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ. (6)
.
ص: 72
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ المَكنونِ المَخزونِ الطُّهرِ الطّاهِرِ المُبارَكِ ، وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ العَظيمِ وسُلطانِكَ القَديمِ. (1)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ. .. لَكَ الحَمدُ وَلِيَّ الحَمدِ ، ولَكَ الحَمدُ مالِكَ الحَمدِ ، ولَكَ الحَمدُ قَديمَ الحَمدِ ، ولَكَ الحَمدُ صادِقَ الوَعدِ. (2)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: لَكَ المَنُّ القَديمُ ، وَالسُّلطانُ الشّامِخُ. (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَحمَدُكَ وأَنتَ لِلحَمدِ أَهلٌ عَلى حُسنِ صُنعِكَ إِلَيَّ ، وتَعَطُّفِكَ عَلَيَّ ، وعَلى ما وَصَلتَني بِهِ من نورِكَ ، وتَدارَكتَني بِهِ مِن رَحمَتِك ، وأَسبَغتَ عَلَيَّ مِن نِعمَتِكَ ، فَقَدِ اصطَنَعتَ عِندي يا مَولايَ ما يَحِقُّ لَكَ بِهِ جَهدي وشُكري لِحُسنِ عَفوِكَ وبَلائِكَ القَديمِ عِندي. (4)
الإمام الحسين عليه السلام :ثُمَّ إِذ خَلَقتَني مِن حُرّ (5) الثَّرى لَم تَرضَ لي يا إِلهي بِنِعمَةٍ دونَ أُخرى ، ورَزَقتَني مِن أنواعِ المَعاشِ وصُنوفِ الرِّياشِ ، بِمَنِّكَ العَظيمِ عَلَيَّ ، وإِحسانِكَ القَديمِ إِلَيَّ ، حَتّى إِذا أَتمَمتَ عَلَيَّ جَميعَ النِّعَمِ ، وصَرَفتَ عَنّي كُلَّ النِّقَمِ ... (6)
.
ص: 73
الإمام زين العابدين عليه السلام :سَيِّدي أَنَا أَسأَ لُكَ ما لا أَستَحِقُّ ، وأَنتَ أَهلُ التَّقوى وأَهلُ المَغفِرَةِ ، فَاغفِر لي وأَلبِسني مِن نَظَرِكَ ثَوبا يُغَطّي عَلَيَّ التَّبِعاتِ ، وتَغفِرُها لي ولا أُطالَبُ بِها ، إِنّك ذو مَنٍّ قَديمٍ وصَفحٍ عَظيمٍ. (1)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ ... إِنَّكَ ذُو الفَضلِ العَظيمِ ، وَالمَنِّ القَديمِ. (2)
عنه عليه السلام :إِذا أَرَدتَ بِقَومٍ فِتنَةً أَو سوءا فَنَجِّني مِنها لِواذا (3) بِكَ ، وإِذ لَم تُقِمني مَقامَ فَضيحَةٍ في دُنياكَ فَلا تُقِمني مِثلَهُ في آخِرَتِكَ ، وَاشفَع لي أَوائِلَ مِنَنِكَ بِأَواخِرِها ، وقَديمَ فَوائِدِكَ بِحَوادِثِها. (4)
عنه عليه السلام :يا إِلهي ، أَيُّ الحالَينِ أَحَقُّ بِالشُّكرِ لَكَ ، وأَيُّ الوَقتَينِ أَولى بِالحَمدِ لَكَ ، أَوَقتُ الصِّحَّةِ الَّتي هَنَّأتَني فيها طَيِّباتِ رِزقِكَ ، ونَشَّطتَني بِها لِابتِغاءِ مَرضاتِكَ وفَضلِكَ ، وقَوَّيتَني مَعَها عَلى ما وَفَّقتَني لَهُ مِن طاعَتِكَ ، أَم وَقتُ العِلَّةِ الَّتي مَحَّصتَني (5) بِها ، وَالنِّعَمِ الَّتي أَتحَفتَني بِها ، تَخفيفا لِما ثَقُلَ بِهِ عَلى ظَهري مِنَ الخَطيئاتِ ، وتَطهيرا لِمَا انغَمَستُ فيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ ، وتَنبيها لِتَناوُلِ التَّوبَةِ ، وتَذكيرا لِمَحوِ الحَوبَةِ (6) بِقَديمِ النِّعمَةِ. (7)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ. .. إِن تُعَذِّبني فَإِنّي لِذلِكَ أَهلٌ ، وهُوَ يا رَبِّ مِنكَ عَدلٌ ، وإِن تَعفُ عَنّي
.
ص: 74
فَقَديما شَمَلَني عَفوُكَ ، وأَلبَستَني عافِيَتَكَ. (1)
عنه عليه السلام :يا رَبِّ .. . أَنتَ الجَوادُ الَّذي لا يَضيقُ عَفوُكَ ، ولا يَنقُصُ فَضلُكَ ، ولا تَقِلُّ رَحمَتُكَ ، وقَد تَوَثَّقنا مِنكَ بِالصَّفحِ القَديمِ وَالفَضلِ العَظيمِ. (2)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ. .. ما كانَ مِن عَمَلٍ سَيِّىً أَتَيتُهُ فَعَلى عِلمٍ مِنّي بِأَنَّكَ تَراني وأَنَّكَ غَيرُ غافِلٍ عَنّي، مُصَدِّقٌ مِنكَ بِالوَعيدِ (3) لي، ولِمَن كانَ في مِثلِ حالي، وأَثِقُ بَعدَ ذلِكَ مِنكَ بِالصَّفحِ الكَريمِ ، وَالعَفوِ القَديمِ ، وَالرَّحمَةِ الواسِعَةِ. (4)
الإمام الكاظم عليه السلام :اللّهُمَّ بِبِرِّكَ القَديمِ ، ورَأَفَتِكَ بِبَرِيَّتِكَ (5) اللَّطيفَةِ ، وشَفَقَتِكَ بِصَنعَتِكَ المُحكَمَةِ ... . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ وَلِيَّ الحَمدِ ، ومُنتَهَى الحَمدِ ، وفِيَّ الحَمدِ عَزيزَ الجُندِ ، قَديمَ المَجدِ. (7)
عنه عليه السلام :إِلهي ، عَلِمتَ كُلَّ شَيءٍ ، وقَدَّرتَ كُلَّ شَيءٍ ، وهَدَيتَ كُلَّ شَيءٍ ، ودَعَوتَ كُلَّ شَيءٍ إِلى جَلالِكَ وجَلالِ وَجهِكَ وعِظَمِ مُلكِكَ وتَعظيمِ سُلطانِكَ وقَديمِ أَزَلِيَّتِكَ
.
ص: 75
ورُبوبِيَّتِكَ. (1)
عنه عليه السلام :يا مَن عَفوُهُ قَديمٌ ، وبَطشُهُ (2) شَديدٌ. (3)
عنه عليه السلام :إِنَّ موسَى عليه السلام احتَبَسَ عَنهُ الوَحيُ أَربَعينَ أَو ثَلاثينَ صَباحا ، فَصَعِدَ عَلى جَبَلٍ بِالشّامِ يُقالُ لَهُ : أَريحا ، فَقالَ : يا رَبِّ ، إِن كُنتَ حَبَستَ عَنّي وَحيَكَ وكَلامَكَ لِذُنوبِ بَني إِسرائيلَ ، فَغُفرانُكَ القَديمُ. (4)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِموجِباتِ رَحمَتِكَ وأَسمائِكَ العِظامِ ، وبِكُلِّ اسمٍ لَكَ عَظيمٍ ، وأَسأَ لُكَ بِوَجهِكَ الكَريمِ وبِفَضلِكَ القَديمِ. (5)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ لِوَداعِ شَهرِ رَمَضانَ _: اللّهُمَّ وأَسأَ لُكَ بِرَحمَتِكَ وطَولِكَ وعَفوِكَ ونَعمائِكَ وجَلالِكَ ، وقَديمِ إِحسانِكَ وَامتِنانِكَ ، ألّا تَجعَلَهُ آخِرَ العَهدِ مِنّا لِشَهرِ رَمَضانَ. (6)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِالعَظيمِ مِن آلائِكَ ، وَالقَديمِ مِن نَعمائِكَ ، وَالمَخزونِ مِن أَسمائِكَ. (7)
.
ص: 76
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ مِن مَنِّكَ بِأَقدَمِهِ وكُلُّ مَنِّكَ قَديمٌ ، اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِمَنِّكَ كُلِّهِ. (1)
الإمام الرضا عليه السلام :إِنَّ اللّهَ تَعالى هُوَ العالِمُ بِالأَشياءِ قَبلَ كَونِ الأَشياءِ .. . فَلَم يَزَلِ اللّهُ عز و جلعِلمُهُ سابِقا لِلأَشياءِ ، قَديما قَبلَ أَن يَخلُقَها ، فَتَبارَكَ رَبُّنا [و] (2) تَعالى عُلُوّا كَبيرا ، خَلَقَ الأَشياءَ وعِلمُهُ بِها سابِقٌ لَها كَما شاءَ ، كَذلِكَ لَم يَزَل رَبُّنا عَليما سَميعا بَصيرا. (3)
مهج الدعوات :دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلى فاطِمَةَ الزَّهراءِ عليهاالسلام ، فَوَجَدَ الحَسَنَ عليه السلام مَوعوكا (4) ، فَشَقَّ ذلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَنَزَلَ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ : يا مُحَمَّدُ أَلا أُعَلِّمُكَ مَعاذَةً (5) تَدعو بِها فَيَنجَلي بِها عَنهُ ما يَجِدُهُ؟ قالَ : بَلى . قالَ : قُل : اللّهُمَّ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ العَلِيُّ العَظيمُ ، ذُو السُّلطانِ القَديمِ وَالمَنِّ العَظيمِ ... . (6)
راجع : ج 4 ص 33 (الفصل الثالث : الأَوَّلُ ، الآخِرُ) .
.
ص: 77
الفصل الخامس والخمسون: القريبالقريب لغةً«القريب» فعيل بمعنى فاعل ، مشتقّ من مادّة «قرب» وهو يدلّ على خلاف البُعد (1) .
القريب في القرآن والحديثوردت مشتقّات مادّة «قرب» منسوبة إلى اللّه خمس مرّات في القرآن الكريم ، فقد جاءت صفة القريب مع صفة «المجيب» مرّةً واحدةً (2) ، ومع صفة «السميع» مرّة واحدةً أَيضا (3) ، ووحدها كذلك (4) . كما عُدَّ النصر الإلهيّ قريبا، مرّةً واحدةً ، وكذا الرحمة الإلهيّة (5) . لقد أَكّد القرآن والأَحاديث قرب اللّه إِلى الموجودات في العالم بخاصّة الإنسان ، بل قال سبحانه في الإنسان: «وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» (6) .
.
ص: 78
ونطقت الأَحاديث بتفاوت قرب اللّه وقرب الكائنات الأُخرى ، ونفت عن اللّه سبحانه لوازم قرب المخلوقات بعضها إِلى البعض الآخر . بناءً على هذا ، في الوقت الذي لا ينسجم قرب المخلوقات بعضها من بعض مع بعدها وتعالي أَحدها على الآخر ، وكذلك ما يستلزمه قرب المخلوقات من الالتصاق والملابسة ، فإنّ قرب اللّه هو في عين بُعده ومصحوب بالتعالي وبلا التصاق وملابسة ومداناة . والنقطة المهمّة في صفة «القريب» هي أَنّ القرب صنفان: صنف تكوينيّ : من جهة أَنّ قربه سبحانه من الموجودات الأُخرى لا يتفاوت ، وأَنّه قريب منها بقياس واحد ، وقد جاء في الأَحاديث : «اِستَوى في كُلِّ شَيءٍ فَلَيسَ شَيءٌ أَقرَبَ إِلَيهِ مِن شَيءٍ» (1) . وصنف تشريعيّ معنويّ : ومن هذه الجهة هو سبحانه أَقرب إِلى المؤمنين من الملحدين ، والعباد ، بمقدار الإيمان والأَعمال يتقرّبون إِلى اللّه تعالى .
55 / 1قَريبٌ في بُعدِهِالإمام عليّ عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ جَلَّ و عَلا _: قَريبٌ في بُعدِهِ ، بَعيدٌ في قُربِهِ . (2)
الكافي عن أبي الحسن(3) عليه السلام : نَأى في قُربِهِ وقَرُبَ في نَأيِهِ ؛ فَهُوَ في نَأيِهِ قَريبٌ ،
.
ص: 79
وفي قُربِهِ بَعيدٌ . (1)
55 / 2قَريبٌ في عُلُوِّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا عالي ؛ القَريبُ في عُلُوِّهِ وَارتِفاعِهِ ودَوامِهِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ أَيضاً _: يا قَريبُ ؛ المُجيبُ المُتَداني دونَ كُلِّ شَيءٍ ، يا عالي ؛ الشّامِخُ فِي السَّماءِ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ عُلُوُّهُ وَارتِفاعُهُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :يا مَن هُوَ في عُلُوِّهِ قَريبٌ ، يا مَن هُوَ في قُربِهِ لَطيفٌ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ المُتَعالِي القَريبُ في عُلُوِّ ارتِفاعِهِ دُنُوُّهُ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :كانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبي طالِبٍ عليهماالسلاميُصَلّي ، فَمَّرَ بَينَ يَدَيهِ رَجُلٌ فَنَهاهُ بَعضُ جُلَسائِهِ ، فَلَمَّا انصَرَفَ مِن صَلاتِهِ ، قالَ لَهُ : لِمَ نَهَيتَ الرَّجُلَ؟ قالَ : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ حَظَرَ (6) فيما بَينَكَ وبَينَ المِحرابِ .
.
ص: 80
فَقالَ : وَيحَكَ ، إِنَّ اللّهَ عز و جل أَقرَبُ إِلَيَّ مِن أَن يَحظُرَ فيما بَيني وبَينهُ أَحَدٌ . (1)
55 / 3قَريبٌ إلى مَن دَعاهُالكتاب«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» . (2)
«وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ» . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :لا إِلهَ إِلّا اللّهُ الشّاكِرُ لِلمطيعِ لَهُ ، المُملي لِلمُشرِكِ بِهِ ، القَريبُ مِمَّن دَعاهُ عَلى حالِ بُعدِهِ ، وَالبَرُّ الرَّحيمُ بِمَن لَجَأَ إِلى ظِلِّهِ وَاعتَصَمَ بِحَبلِهِ .
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ لِوُلدِهِ عليهم السلام _: وأَعِذنا مِن عَذابِ السَّعيرِ ، وأَعطِ جَميعَ المُسلِمينَ وَالمُسلِماتِ وَالمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ مِثلَ الَّذي سَأَلتُكَ لِنَفسي ولِوُلدي في عاجِلِ الدُّنيا وآجِلِ الآخِرَةِ ، إِنَّكَ قَريبٌ مُجيبٌ سَميعٌ عَليمٌ عَفُوٌّ غَفورٌ رَؤوفٌ رَحيمٌ «ءَاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الْاخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» (4) . (5)
.
ص: 81
55 / 4قَريبٌ إلى مَن حاوَلَ قُربَهُالإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ لِوَداعِ شَهرِ رَمَضانَ _: أَنتَ المَليءُ بِما رُغِبَ فيهِ إِلَيكَ ، الجَوادُ بِما سُئِلتَ مِن فَضلِكَ ، القَريبُ إِلى مَن حاوَلَ قُربَكَ . (1)
55 / 5أَقرَبُ مِن كُلِّ قَريبٍالكتاب«وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَ_نَ وَ نَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» . (2)
«فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَ أَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَ لَ_كِن لَا تُبْصِرُونَ» . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ أَوَّلِ مَحمودٍ وآخِرِ مَعبودٍ وأَقرَبِ مَوجودٍ ، البَديءِ بِلا مَعلومٍ لِأَزَلِيَّتِهِ ، ولا آخِرَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ، وَالكائِنِ قَبلَ الكَونِ بَغَيرِ كِيانٍ . (4)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن هُوَ أَقرَبُ إِلَيَّ مِن حَبلِ الوَريدِ ، يا فَعّالاً لِما يُريدُ . (5)
.
ص: 82
55 / 6ما لا يُوصَفُ قُربُهُ بِهِالإمام عليّ عليه السلامقَريبٌ مِنَ الأَشياءِ غَيرَ مُلابِسٍ (1) ، بَعيدٌ مِنها غَيرَ مُبايِنٍ . (2)
عنه عليه السلام :المُتَعالي عَنِ الخَلقِ بِلا تَباعُدٍ مِنهُم ، القَريبُ مِنهُم بِلا مُلامَسَةٍ مِنهُ لَهُم . (3)
عنه عليه السلام :لَم يَقرُب مِنَ الأَشياءِ بِالتِصاقٍ ، ولَم يَبعُد عَنها بِافتِراقٍ . (4)
عنه عليه السلام :سَبَقَ فِي العُلُوِّ فَلا شَيءَ أَعلى مِنهُ ، وقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلا شَيءَ أَقرَبُ مِنهُ ، فَلَا استِعلاؤُهُ باعَدَهُ عَن شَيءٍ مِن خَلقِهِ ، ولا قُربُهُ ساواهُم فِي المَكانِ بِهِ . (5)
الإمام الحسين عليه السلام :قَريبٌ غَيرُ مُلتَصِقٍ ، وبَعيدٌ غَيرُ مُتَقَصٍّ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى: «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» (7) _: اِستَوى في كُلِّ شَيءٍ ، فَلَيسَ شَيءٌ أَقرَبَ إِلَيهِ مِن شَيءٍ ، لَم يَبعُد مِنهُ بَعيدٌ ، ولَم يَقرُب مِنهُ قَريبٌ ،
.
ص: 83
اِستَوى في كُلِّ شَيءٍ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :مُبايِنٌ لا بِمَسافَةٍ ، قَريبٌ لا بِمُداناةٍ . (2)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ جَلَّ و عَلا _: قَريبٌ غَيرُ مُلتَزِقٍ وبَعيدٌ غَيرُ مُتَقَصٍّ . (3)
55 / 7الرَّاحِلُ إلَيهِ قَريبُ المَسافَةِالإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: وَأَعلَمُ أَنَّكَ لِلرّاجي بِمَوضِعِ إِجابَةٍ . . . وَأَنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَريبُ المَسافَةِ . (4)
ربيع الأبرار :قالَ موسى عليه السلام : يا رَبِّ أَينَ أَجِدُكَ ؟ قالَ: يا موسى ، إِذا قَصَدتَ إِلَيَّ فَقَد وَصَلتَ . (5)
راجع : المحبّة في الكتاب والسنّة : (القسم الثاني / الفصل الثاني / العزم) .
.
ص: 84
. .
ص: 85
الفصل السادس والخمسون: القويالقويّ لغةً«القويّ» فعيل بمعنى فاعل من مادّة «قوي» وهو يدلّ على شدّةٍ وخلافِ ضعفٍ؛ فالقويّ خلاف الضعيف (1) .
القويّ في القرآن والحديثوُصف اللّه سبحانه بمشتقّات مادّة «قوي» في القرآن الكريم ثلاثة عشر مرّة، ورد في ثلاث منها أَنّ القوّة للّه (2) ، وفي سبع منها ذكرت صفة «القويّ» مع صفة «العزيز» (3) ، وجاءت هذه الصفة مع عبارة «شديد العقاب» مرّتين (4) . ووردت عبارة «شديد القوى» مرة واحدة . (5) وقد استُعملت صفة «القوي» في القرآن والأَحاديث كصفةٍ ذاتيّة ، وصفة فعليّة ،
.
ص: 86
وقوّة اللّه سبحانه كصفة ذاتيّة تعني عدم ضعفه ، وجملة: «قَوِيٌّ لا تَضعُفُ» (1) تشير إِلى هذا المعنى. وقوّته تعالى كصفة فعليّة تعني خلقه الموجودات العظيمة القويّة ، وإِليها تُشير جملة: «إِنَّما قُلنا: إِنَّهُ قَوِيٌّ لِلخَلقِ القَوِيِّ» (2) .
56 / 1مَعنى قُوَّتِهِالإمام الصادق عليه السلام :إِنَّما سُمِّيَ رَبُّنا _ جَلَّ جَلالُهُ _ قَوِيّا لِلخَلقِ العَظيمِ القَوِيِّ الَّذي خَلَقَ ، مِثلِ الأَرضِ وما عَلَيها ، مِن جِبالِها وبِحارِها ورِمالِها وأَشجارِها وما عَلَيها ، مِنَ الخَلقِ المُتَحَرِّكِ مِنَ الإِنسِ ومِنَ الحَيَوانِ ، وتَصريفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ المُسَخَّرِ المُثَقَّلِ بِالماءِ الكَثيرِ ، وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ وعِظَمِهِما وعِظَمِ نورِهِما ، الَّذي لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ بُلوغاً ولا مُنتَهىً ، وَالنُّجومِ الجارِيَةِ ودَوَرانِ الفَلَكِ وغِلَظِ السَّماءِ ، وعِظَمِ الخَلقِ العَظيمِ ، وَالسَّماءِ المُسَقَّفَةِ فَوقَنا راكِدَةً فِي الهَواءِ ، وما دونَها مِنَ الأَرضِ المَبسوطَةِ ، وما عَلَيها مِنَ الخَلقِ الثَّقيلِ ، وهِيَ راكِدَةٌ لا تَتَحَرَّكُ ، غَيرَ أَنَّهُ رُبَّما حَرَّكَ فيها ناحيةً ، وَالنّاحِيَةُ الأُخرى ثابِتَةٌ ، ورُبَّما خَسَفَ مِنها ناحِيَةً وَالنّاحِيَةُ الأُخرى قائِمَةٌ، يُرينا قُدرَتَهُ ويَدُلُّنا بِفِعلِهِ عَلى مَعرِفَتِهِ . فَلِهذا سُمِّيَ قَوِيّا ، لا لِقَوَّةِ البَطشِ المَعروفَةِ مِنَ الخَلقِ ، ولَو كانَت قُوَّتُهُ تُشبِهُ قُوَّةَ الخَلقِ لَوَقَعَ عَلَيهِ التَّشبيهُ ، وكانَ مُحتَمِلاً لِلزِّيادَةِ ، ومَا احتَمَلَ الزِّيادَةَ كانَ ناقِصا ، وما كانَ ناقِصا لَم يَكُن تامّا ، وما لَم يَكُن تامّا كانَ عاجِزا ضَعيفا ، وَاللّهُ عز و جل لا يُشَبَّهُ بِشَيءٍ ، وإِنَّما قُلنا : إِنَّهُ قَوِيٌّ لِلخَلقِ القَوِيِّ . (3)
.
ص: 87
الإمام الجواد عليه السلام :سَمَّينا رَبَّنا قَوِيّا ، لا بِقُوَّةِ البَطشِ المَعروفِ مِنَ المَخلوقِ ، ولَو كانَت قُوَّتُهُ قُوَّةَ البَطشِ المَعروفِ مِنَ المَخلوقِ لَوَقَعَ التَّشبيهُ ولَاحتَمَلَ الزِّيادَةَ ، ومَا احتَمَلَ الزِّيادَةَ احتَمَلَ النُّقصانَ ، وما كانَ ناقِصا كانَ غَيرَ قَديمٍ ، وما كانَ غَيرَ قَديمٍ كانَ عاجِزا . (1)
56 / 2خَصائِصُ قُوَّتِهِالكتاب«أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا» . (2)
«لَا قُوَّةَ إِلَا بِاللَّهِ» . (3)
«هُوَ الْقَوِىُّ الْعَزِيزُ » . (4)
«ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ » . (5)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ الَّذي . . . لَهُ الإِحاطِةُ بِكُلِّ شَيءٍ ، وَالغَلَبَةُ عَلى كُلِّ شَيءٍ ، وَالقُوَّةُ في كُلِّ شَيءٍ . (6)
.
ص: 88
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنَّكَ حَيٌّ لا تَموتُ .. . وقَوِيٌّ لا تَضعُفُ ، وحَليمٌ لا تَعجَلُ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :يا أَشرَفَ مِن كُلِّ شَريفٍ ، يا أَرفَعَ مِن كُلِّ رَفيعٍ ، يا أَقوى مِن كُلِّ قَوِيٍّ. (2)
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ . . . بِقُوَّتِكَ الَّتي قَهَرتَ بِها كُلَّ شَيءٍ ، وخَضَعَ لَها كُلُّ شَيءٍ ، وذَلَّ لَها كُلُّ شَيءٍ . (3)
عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ عِندَ تِلاوَتِهِ : «يَ_أَيُّهَا الْاءِنسَ_نُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» (4) _: فَتَعالى مِن قَوِيٍّ ما أَكرَمَهُ ! وتَواضَعتَ مِن ضَعيفٍ ما أَجرَأَكَ عَلى مَعصِيَتِهِ! (5)
عنه عليه السلام :كُلُّ شَيءٍ خاشِعٌ لَهُ ، وكُلُّ شَيءٍ قائِمٌ بِهِ ، غِنى كُلِّ فَقيرٍ ، وعِزُّ كُلِّ ذَليلٍ ، وقُوَّةُ كُلِّ ضَعيفٍ . (6)
عنه عليه السلام :كُلُّ قَويٍّ غَيرُهُ ضَعيفٌ . (7)
عنه عليه السلام_ في بَيانِ مَعنى قَولِ المُؤَذِّنِ «اللّهُ أَكبَرُ» _: لِقَولِهِ «اللّهُ أَكبَرُ» مَعانٍ كَثيرَةٌ .. . الثّالِثُ : «اللّهُ أَكبَرُ» أَيِ القادِرُ عَلى كُلِّ شَيءٍ ، يَقدِرُ عَلى ما يَشاءُ ، القَوِيُّ لِقُدرَتِهِ المُقتَدِرُ عَلى خَلقِهِ ، القَوِيُّ لِذاتِهِ ، وقُدرَتُهُ قائِمَةٌ عَلَى الأَشياءِ كُلِّها ، إِذا قَضى أَمرا فَإِنَّما يَقولُ لَهُ كُن فَيَكونُ. (8)
.
ص: 89
عنه عليه السلام :اِعتَصَمتُ بِاللّهِ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ ، الَّذي هُوَ في عُلُوِّهِ دانٍ ، وفي دُنُوِّهِ عالٍ ، وفي سُلطانِهِ قَوِيٌّ. (1)
الإمام الحسن عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا شَديدَ القُوى ، يا شَديدَ المِحالِ (2) . (3)
الكافي عن أبي بصير :جاءَ رَجُلٌ إِلى أَبي جَعفَرٍ عليه السلام فَقالَ لَهُ : أخبِرني عَن رَبِّكَ مَتى كانَ؟ فَقالَ : وَيلَكَ! إِنَّما يُقالُ لِشَيءٍ لَم يَكُن مَتى كانَ ، إِنَّ رَبّي _ تَبارَكَ وتَعالى _ كانَ ولَم يَزَل حَيّا بِلا كَيفٍ ، ولَم يَكُن لَهُ كانَ ولا كانَ لِكَونِهِ كَونَ كَيفٍ ولا كانَ لَهُ أَينٌ ولا كانَ في شَيءٍ ولا كانَ عَلى شَيءٍ ، ولَا ابتَدَعَ لِمَكانِهِ مَكانا ولا قَوِيَ بَعدَ ما كَوَّنَ الأَشياءَ ، ولا كانَ ضَعيفا قَبلَ أَن يُكَوِّنَ شَيئا ، ولا كانَ مُستَوحِشا قَبلَ أَن يَبتَدِعَ شَيئا ، ولا يُشبِهُ شَيئا مَذكورا. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الحَليمِ الرَّشيدِ ، القَوِيِّ الشَّديدِ ، المُبدِىَ المُعيدِ ، الفَعّالِ لِما يُريدُ. (5)
الإمام الكاظم عليه السلام :كُلُّ قَويٍّ ضَعيفٌ عِندَ قُوَّةِ اللّهِ . (6)
.
ص: 90
. .
ص: 91
الفصل السابع والخمسون: الكاشفالكاشف لغةً«الكاشف» اسم فاعل من مادّة «كشف» وهو يدلّ على سَرْوِ الشيء عن الشيء ، كالثوب يُسرَى عن البدن (1) . قال الخليل : الكشف: رفعك الشيء عمّا يواريه ويغطّيه ، كرفع الغطاء عن الشيء (2) .
الكاشف في القرآن والحديثنُسبت مشتقّات مادّة «كشف» إِلى اللّه تعالى في القرآن الكريم سبع عشرة مرّةً ، ووردت صفة «الكاشف» مرّتين بلفظ «وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَا هُوَ» (3) ، ومرّةً واحدةً بلفظ «إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ» (4) .
.
ص: 92
وتتعلّق كاشفيّة اللّه في الآيات والأَحاديث بأُمور مثل: الضرّ ، والألم ، والغمّ ، والكرب ، والبلاء ، وعذاب الخزي ، وغطاء الغفلة ، وبصورة عامّة كلّ شيء يطلق عليه السوء .
57 / 1كاشِفُ الضُّرِّالكتاب«وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ » . (1)
راجع : يونس : 12 و 107 ، النحل : 54 ، الأنبياء : 84 ، المؤمنون : 75 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ .. . يا غافِرَ الخَطايا ، يا كاشِفَ البَلايا ، يا مُنتَهَى الرَّجايا. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :يا صَريخَ المَكروبينَ (3) ، ويا مُجيبَ دَعوَةِ المُضطَرّينَ ، ويا كاشِفَ غَمِّي ، اكشِف عَنّي غَمّي وهَمّي وكَربي. (4)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي عَلا بِحَولِهِ ، ودَنا بِطَولِهِ (5) ، مانِحِ كُلِّ غَنيمَةٍ وفَضلٍ ، وكاشِفِ كُلِّ عَظيمَةٍ وأَزلٍ (6) . (7)
.
ص: 93
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ مُنزِّلَ الآياتِ ، مُجيبَ الدَّعَواتِ ، كاشِفَ الحَوباتِ (1) ، النَّفّاحَ (2) بِالخَيراتِ ، مالِكَ المَحيا وَالمَماتِ. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :يا مُجيبَ المُضطَرِّ ، يا كاشِفَ الضُّرِّ ، يا عَظيمَ البِرِّ ، يا عَليما بِما فِي السِّرِّ ، يا جَميلَ السِّترِ ، استَشفَعتُ بِجودِكَ وكَرَمِكَ إِلَيكَ ، وتَوَسَّلتُ بِحَنانِكَ وتَرَحُّمِكَ لَدَيكَ ، فَاستَجِب دُعائي. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :يا فارِجَ الهَمِّ ويا كاشِفَ الغَمِّ ، يا رَحمانَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ورَحيمَهُما ، فَرِّج هَمّي وَاكشِف غَمّي. (5)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ مُنَزِّلَ الآياتِ ، مُجيبَ الدَّعَواتِ ، كاشِفَ الكُرُباتِ ، مُنَزِّلَ الخَيراتِ ، مَلِكَ المَحيا وَالمَماتِ. (6)
المصباح للكفعمي_ في الدعاء _: اللّهُمَّ أَنتَ الكاشِفُ لِلمُلِمّاتِ (7) ، وَالكافي لِلمُهِمّاتِ ، وَالمُفَرِّجُ لِلكُرُباتِ ، وَالسّامِعُ لِلأَصواتِ ، وَالمُخرِجُ مِنَ الظُّلُماتِ ، وَالمُجيبُ لِلدَّعَواتِ. (8)
.
ص: 94
57 / 2كاشِفُ السّوءِالكتاب«أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَ_هٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ » . (1)
«بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ » . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ .. . أَدعوكَ يا مُجيبَ دَعَوةِ المُضطَرِّ ، ويا كاشِفَ السّوءِ عَنِ المَكروبِ ، ويا جاعِلَ اللَّيلِ سَكَنا ، ويا مَن لا يَموتُ ، اغفِر لِمَن يَموتُ ، قَدَّرتَ وخَلَقتَ وسَوَّيتَ ، فَلَكَ الحَمدُ. (3)
57 / 3كاشِفُ عَذابِ الخِزيِ«فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَ_نُهَا إِلَا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ مَتَّعْنَ_هُمْ إِلَى حِينٍ » . (4)
«وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَ_مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إِسْرَ ءِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَ__لِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ» . (5)
.
ص: 95
57 / 4كاشِفُ غِطاءِ الغَفلَةِ«وَ جَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَ لِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَ نُفِخَ فِى الصُّورِ ذَ لِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَ جَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَ شَهِيدٌ * لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَ_ذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَ_اءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » . (1)
راجع : ج 2 ص 175 (الغفلة) .
.
ص: 96
. .
ص: 97
الفصل الثامن والخمسون: الكافيالكافي لغةً«الكافي» اسم فاعل من مادّة «كفى» وهو يدلّ على الحَسْب الذي لا مستزاد فيه . كفى الشيء ، يكفي ، كفاية ، فهو كافٍ: إِذا حصل به الاستغناء عن غيره ، وقد كفى كفايةً إِذا قام بالأَمر (1) .
الكافي في القرآن والحديثنُسبت مشتقّات مادّة «كفى» إِلى اللّه تعالى في القرآن الكريم ثماني وعشرين مرّةً ، وذُكرت صفة الكافي في قوله : «أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ» (2) . وقد جاء في الآيات والأَحاديث أَنّ اللّه تعالى كافٍ من كلّ شيء ولا يكفي منه شيء ، ولا كافي سواه ، وكفى باللّه وليّا ونصيرا .
.
ص: 98
58 / 1الكافي لِلمُهِمّاتِالكتاب«أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّ فُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَ مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَالَهُ مِنْ هَادٍ» . (1)
«إِنَّا كَفَيْنَ_كَ الْمُسْتَهْزِءِينَ» . (2)
الحديثالمصباح للكفعمي_ في الدعاء _: اللّهُمَّ أَنتَ الكاشِفُ لِلمُلِمّاتِ ، وَالكافي لِلمُهِمّاتِ ، وَالمُفَرِّجُ لِلكُرُباتِ. (3)
58 / 2الكافي مِن كُلِّ شَيءٍالكتاب«وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً» .
«وَلِلَّهِ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً» .
«وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا » . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمّ يا كافِياً مِن كُلِّ شَيءٍ ولا يَكفي مِنهُ شَيءٌ ، يا رَبَّ كُلِّ شَيءٍ ، اِكفِنا
.
ص: 99
كُلَّ شَيءٍ حَتّى لا يَضُرَّ مَعَ اسمِكَ شَيءٌ. (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :يا كافِيَ كُلِّ شَيءٍ ولا يَكفي مِنهُ شَيءٌ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ، وَاكفِني شَرَّ ما أَحذَرُ وشَرَّ ما لا أَحذَرُ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: اِكفِني يا كافِيَ ما لا يَكفي سِواكَ ، فَإِنَّكَ الكافي لا كافِيَ سِواكَ. (3)
.
ص: 100
. .
ص: 101
الفصل التاسع والخمسون: الكبير ، المتكبِّرالكبير والمتكبّر لغةًاشتقّ الكبير والمتكبّر من مادّة «كبر» ، والكبر يدلّ على خلاف الصغر ، والكبر والكبرياء بمعنى العظمة (1) . قال ابن الأَثير: «في أَسماء اللّه تعالى المتكبّر والكبير ، أَي: العظيم ذو الكبرياء» (2) ، فالكبير والعظيم متقاربان في المعنى ، ومن هنا ذكر بعض اللغويّين صفة أُخرى في تفسير كلّ من الصفتين (3) .
الكبير والمتكبّر في القرآن والحديثاستعملت مشتقّات مادّة «كبر» في شأن الباري سبحانه ثمان مرّات في القرآن الكريم ، فقد وردت صفة «الكبير» مقرونةً بصفة «العلي» خمس مرّات في القرآن الكريم (4) ، وجاءت مرّةً واحدةً بهذه الصورة: «عَ__لِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهَ_دَةِ الْكَبِيرُ
.
ص: 102
الْمُتَعَالِ» (1) ، ومرة بهذه الصورة «وَ لَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ» (2) ووردت صفة «المتكبّر» مرّةً واحدة مقرونةً بصفة «الجبّار» (3) ، وقد ذكرت الأَحاديث معنيين للكبير والمتكبّر ، هما :
1 . صفة الذاتالكبير والمتكبّر بوصفهما صفتين ذاتيتين يدلّان على عظمة اللّه ، وفي الحديث : «الكِبرياءُ رِداءُ اللّهِ عز و جل ، فَمَن يُنازِعُ اللّهَ رِداءَهُ يَغضَب عَلَيهِ» (4) . قال الزجّاج : «هذه الصفة لا تكون إِلّا للّه خاصّة ، لأَنّ اللّه سبحانه وتعالى هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس لأَحد مثله ، وذلك الذي يستحقّ أَن يقال له: المتكبّر ، وليس لأَحدٍ أَن يتكبّر ؛ لأَنّ النَّاس في الحقوق سواء ، فليس لأَحد ما ليس لغيره» (5) . وعندما يستعمل الكبر والتكبّر بشأن الإنسان فإنّه يعني ادّعاء العظمة والاستعلاء مع العُجب بالنفس ، وذلك لا يليق به ، ومن هنا فهو مذموم . قال الراغب : «الكبر الحالة التي يتخصّص بها الإنسان من إِعجابه بنفسه ، وذلك أَن يرى الإنسانُ نفسه أَكبر من غيره ، وأَعظم التكبّر ، التكبّر على اللّه بالامتناع من قبول الحقّ والإذعان له بالعبادة» (6) . قال ابن الأَثير في تفسير المتكبّر: «التاء فيه للمتفرّد والتخصّص لا تاء
.
ص: 103
التعاطي والتكلّف» (1) . لذلك المتكبّر _ من باب تفعّل _ يدلّ على التفرّد واختصاص الكبرياء باللّه . وقد جاء في حديث أَنّ الذات الإلهيّة هي أَكبر من أَن توصف : «اللّهُ أكبَرُ مِن أن يوصَفَ» (2) .
2 . صفة الفعلالكبير والمتكبّر بوصفهما من صفات الفعل تعنيان خالق المخلوقات الكبيرة . قال الإمام الصادق عليه السلام : «إِنَّما قُلنا: إِنَّهُ قَوِيٌّ ، لِلخَلقِ القَوِيِّ ، وكَذلِكَ قَولُنا: «العَظيمُ وَالكَبيرُ» (3) .
59 / 1صِفَةُ كِبرِيائِهِالكتاب«عَ__لِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهَ_دَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ » . (4)
«وَ لَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » . (5)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ الجَليلُ المُتَكَبِّرُ عَلى كُلِّ شَيءٍ ، فَالعَدلُ أَمرُهُ ،
.
ص: 104
وَالصِّدقُ وَعدُهُ . (1)
فاطمة عليهاالسلام :الحَمدُ للّهِِ المُتَكَبِّرِ في سُلطانِهِ ، العَزيزِ في مَكانِهِ ، المُتَجَبِّرِ في مُلكِهِ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ الأَحَدُ المُتَوَحِّدُ . . . الكَبيرُ المُتَكَبِّرُ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :الكِبرُ (4) رِداءُ اللّهِ ، وَالمُتَكَبِّرُ يُنازِعُ اللّهَ رِداءَهُ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام_ في ذِكرِ أَسماءِ اللّهِ تَبارَكَ وَتَعالى _: هُوَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ . . . العَزيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ العَلِيُّ العَظيمُ . (6)
عنه عليه السلام_ في تَمجيدِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى _: أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ . . . العَزيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ . (7)
الزهد عن موسى بن عليّ عن أبيه :بَلَغَني أَنَّ نوحا عليه السلام قالَ لِابنِهِ سامٍ : . . . يا بُنَيَّ ، لا تَدخُلَنَّ القَبرَ وفي قَلبِكَ مِثقالُ ذَرَّةٍ مِنَ الكِبرِ ، فَإِنَّ الكِبرِياءَ رِداءُ اللّهِ عز و جل فَمَن يُنازِعِ اللّهَ رَداءَهُ يغَضَب عَلَيهِ . (8)
.
ص: 105
59 / 2ما لا يُوصَفُ كِبرِياؤُهُ بِهِالإمام الصادق عليه السلام :وَاللّهُ عز و جل لا يُشَبَّهُ بِشَيءٍ ، وإِنَّما قُلنا : إِنَّهُ قَوِيٌّ لِلخَلقِ القَوِيِّ ، وكَذلِكَ قَولُنا : العَظيمُ وَالكَبيرُ ، ولا يُشَبَّهُ بِهذِهِ الأَسماءِ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى . (1)
راجع : ج 3 ص 440 (معنى اللّه أكبر) .
.
ص: 106
. .
ص: 107
الفصل الستون: الكريم ، الأكرمالكريم ، الأَكرم لغةً«الكريم» فعيل بمعنى فاعل من مادّة «كرم» ، و«الأَكرم» أَفعل التفضيل . قال ابن فارس : «كرم» يدلّ على شرف في الشيء في نفسه أَو شرف في خلق من الأَخلاق . والكرم في الخلق يقال هو الصفح عن ذنب المذنب. قال عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة: الكريم : الصفوح واللّه تعالى هو الكريم الصفوح عن ذنوب عباده المؤمنين (1) . قال الفيوميّ : كَرُمَ الشيء كرما: نَفُسَ وعَزَّ فهو كريم ... ويطلق الكرم على الصفح (2) . وقال الجوهريّ: الكَرَم : ضد اللؤم ... والكريم: الصفوح (3) . قال ابن الأَثير : في أَسماء اللّه تعالى «الكريم» هو الجواد المعطي الذي لا ينفد
.
ص: 108
عطاؤه وهو الكريم المطلق ، والكريم الجامع لأَنواع الخير والشرف والفضائل (1) .
الكريم ، الأَكرم في القرآن والحديثلقد وردت صفة «الكريم» في القرآن الكريم مرّةً واحدةً مع صفة «الغنيّ» (2) ، ومرّةً واحدةً مع صفة «الرب» (3) . و وردت صفة «الأَكرم» مرّة بشكل «رَبُّكَ الْأَكْرَمُ» (4) ومرّتين بشكل «ذُو الْجَلَ_لِ وَ الْاءِكْرَامِ» (5) . وكما لاحظنا في المعنى اللغويّ فإنّ الكرم ورد بمعنيين هما: الشرف ، والصفح عن الذنب ، وقد ورد في الأَحاديث أَيضا بمعنيين هما: الشريف ، والصفوح عن ذنوب العباد ، ولفظ «فَإنَّهُ أعَزُّ وأَكرَمُ وأَجَلُّ وأَعظَمُ مِن أَن يَصِفَ الواصِفونَ كُنهَ جَلالِهِ ، أَو تَهتَدِي القُلوبُ إِلى كُنهِ عَظَمَتِهِ» (6) يشير إِلى المعنى الأَوّل . وتعابير أُخرى مثل: «وَاعفُ عَنّي وتَجاوَز يا كَريمُ» (7) ، و «اللّهُمَّ فَجُد عَلَيَّ بِكَرَمِكَ وفَضلِكَ» (8) تشير إِلى المعنى الثاني . والظاهر أَنّ الكرم إِذا نُسب إِلى الذات جاء بمعنى الشرف ، وإِذا نُسب إِلى الفعل جاء بمعنى الصفح والعطاء .
.
ص: 109
60 / 1الغَنِيُّ الكَريمُ«قالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَ_بِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَ_ذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِى ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِىٌّ كَرِيمٌ » . (1)
60 / 2الكَريمُ الأَكرَمُالكتاب«اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ » . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الكَريمِ الأَكرَمِ ، يا أَكرَمَ الأَكرَمينَ يا أللّهُ. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، الكَريمُ الأَكرَمُ. (4)
الإقبال_ مِمّا يُدعى بِهِ في غُرَّةِ رَبيعِ الآخَرِ _: واِنعَشني بِعِزِّ جَلالِكَ الكَريمِ الأَكرَمِ. (5)
.
ص: 110
60 / 3الأَعَزُّ الأَكرَمُالإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ اغفِر وَارحَم وتَجاوَز عَمّا تَعلَمُ ، وأَنتَ الأَعَزُّ الأَكرَمُ. (1)
مصباح المتهجّد_ فِي الدُّعاءِ المَعروفِ بِدُعاءِ الحَريقِ _: إِنّي أَشهَدُ .. . أَنَّ كُلَّ مَعبودٍ .. . باطِلٌ مُضمَحِلٌّ ، ما خَلا وَجهِكَ الكَريمِ ؛ فَإِنَّهُ أَعَزُّ وأَكرَمُ وأَجَلُّ وأَعظَمُ مِن أَن يَصِفَ الواصِفونَ كُنهَ جَلالِهِ ، أَو تَهتَدِيَ القُلوبُ إِلى كُنهِ عَظَمَتِهِ. (2)
60 / 4أَكرَمُ الأَكرَمينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا أَبصَرَ النّاظِرينَ ، يا أَشفَعَ الشّافِعينَ ، يا أَكرَمَ الأَكَرمينَ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن يَأمُرُ بِالعَفوِ وَالتَّجاوُزِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَاعفُ عَنّي وتَجاوَز يا كَريمُ يا كَريمُ ، يا أَكرَمَ مِن كُلِّ كَريمٍ ، وأَرأَفَ مِن كُلِّ رَؤوفٍ ، وأعطَفَ مِن كُلِّ عَطوفٍ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَنعِم عَلَيَّ بِالعَفوِ وَالعافِيَةِ وَالمَغفِرَةِ وَالرَّحمَةِ. (4)
.
ص: 111
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ عِندَ رُؤيَةِ هِلالِ شَهرِ رَمَضانَ _: اللّهُمَّ اجعَلنا مِن أَرضى مَن طَلَعَ عَلَيهِ ، وأَزكى مَن نَظَرَ إِلَيهِ، وأَسَعدِ مَن تَعَبَّدَ لَكَ فيهِ ، وَوفِّقنَا اللّهُمَّ فيهِ لِلطَّاعَةِ وَالتَّوبَةِ ، وَاعصِمنا فيهِ مِنَ الآثامِ وَالحَوبَةِ، وأَوزِعنا شُكرَ النِّعمَةِ ، وَاجعَل لَنا فيهِ عَونا مِنكَ عَلى ما نَدَبتَنا إِلَيهِ مِن مُفتَرَضِ طاعَتِكَ ونَفِلها، إِنَّكَ الأَكرَمُ مِن كُلِّ كَريمٍ، وَالأَرحَمُ مِن كُلِّ رَحيمٍ. (1)
60 / 5التَّوَسُّلُ بِكَرَمِهِالإمام عليّ عليه السلام :إِلهي إِن كُنتُ غَيرَ مَستَوجِبٍ لِما أَرجو مِن رَحمَتِكَ ، فَأَنتَ أَهلُ التَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِكَرَمِكَ ، فَالكَريمُ لَيسَ يَصنَعُ كُلَّ مَعروفٍ عِندَ مَن يَستَوجِبُهُ. (2)
عنه عليه السلام :إِلهي لَولا مَا اقتَرَفتُ مِنَ الذُّنوبِ ما خِفتُ عِقابَكَ ، ولَولا ما عَرَفتُ مِن كَرَمِكَ ما رَجَوتُ ثَوابَكَ ، وأَنتَ أَكرَمُ الأَكرَمينَ بِتَحقيقِ آمالِ الآمِلينَ ، وأَرحَمُ مَنِ استُرحِمَ فِي تَجاوزِهِ عَنِ المُذنِبينَ. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ .. . هذا مَقامُ مَن تَداوَلَتهُ الذُّنوبُ ... وَاستَغاثَ بِكَ مِن عَظيمِ ما وَقَعَ بِهِ في عِلمِكَ ، و قَبيحِ ما فَضَحَهُ في حُكمِكَ ؛ مِن ذُنوبٍ أَدبَرَت لَذّاتُها فَذَهَبَت ، وأَقامَت تَبِعاتُها فَلَزِمَت ، لا يُنكَرُ يا إِلهي عَدلُكَ إِن عاقَبتَهُ ، ولا يُستَعظَمُ عَفوُكَ إِن عَفَوتَ عَنهُ ورَحِمتَهُ ، لِأَنَّكَ الرَّبُّ الكَريمُ الَّذي لا يَتَعاظَمُهُ
.
ص: 112
غُفرانُ الذَّنبِ العَظيمِ. (1)
الإمام الصادق عليه السلام :سَيِّدي .. . عَلى كَرَمِكَ يُعَوِّلُ المُستَقيلُ (2) التَّائِبُ ، أَدَّبتَ عِبادَكَ بِالتَّكَرُّمِ وأَنتَ أَكرَمُ الأَكرَمينَ. (3)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في لَيلَةِ النِّصفِ مِن شَعبانَ _: اللّهُمَّ فَجُد عَلَيَّ بِكَرَمِكَ وفَضلِكَ ... وتَغَمَّدني في هذِهِ اللَّيلَةِ بِسابِغِ كَرامَتِكَ ... اللّهُمَّ فَلا تَحرِمني ما رَجَوتُ مِن كَرَمِكَ .. . رَبِّ إِن لَم أَكُن مِن أَهلِ ذلِكَ فَأَنتَ أَهلُ الكَرَمِ وَالعَفوِ وَالمَغفِرَةِ ، وجُد عَلَيَّ بِما أَنتَ أَهلُهُ لا بِما أَستَحِقُّهُ ، فَقَد حَسُنَ ظَنّي بِكَ ، وتَحَقَّقَ رَجائي لَكَ ، وعَلِقَت نَفسي بِكَرَمِكَ ، فَأَنتَ أَرحَمُ الرّاحِمينَ وأَكرَمُ الأَكرَمينَ. (4)
.
ص: 113
الفصل الحادي والستون: اللّطيفاللطيف لغةً«اللطيف» فعيل بمعنى فاعل من مادّة «لطف» وهو يدلّ على رفق ، ويدلّ على صغر في الشيء (1) . لَطُفَ الشيء فهو لطيف: صغر جسمه ، وهو ضدّ الضخامة ، ولطف اللّه بنا لطفا: رَفَقَ بنا ، فهو لطيفٌ بنا (2) .
اللطيف في القرآن والحديثلقد جاءت صفة «اللطيف» إِلى جانب صفة «الخبير» خمس مرّات في القرآن الكريم (3) ، وجاءت بشكل «لطيف لما يشاء» (4) وبشكل «لطيف بعباده» (5) مرّة واحدة في كلّ منهما . وقيل في البحث اللغويّ أَنّ اللطيف يستعمل بمعنى «الرفيق» ، و«الصغير».
.
ص: 114
والمعنى الأَوّل الذي هو صفة فعليّة يُوصف به اللّه سبحانه في القرآن والأَحاديث إِذ أن_ّه تعالى يلطف بعباده ويتكرّم عليهم. أَمّا المعنى الثاني فلا يستعمل في اللّه _ جلّ شأنه _ لأَنّه ليس بجسم فيكون صغيرا، من هنا إِذا دار الكلام حول المعنى الثاني للطيف في الأَحاديث فقد صُرّح بأنّه إِذا قيل للّه لطيف فمن حيث إنّه خلق المخلوقات اللطيفة والصغيرة وهو يعلم بها . (1)
61 / 1مَعنى لُطفِهِالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ لِلّهِ الكَريمِ في مُلكِهِ ، القاهِرِ لِمَن فيهِ ، القادِرِ عَلى أَمرِهِ ، المَحمودِ في صُنعِهِ ، اللَّطيفِ بِعِلمِهِ ، الرَّؤوفِ بِعِبادِهِ ، المُستَأثرِ في جَبَروتِهِ في عِزِّ جَلالِهِ وهَيبَتِهِ . (2)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ وتَعالى لا يَخفى عَلَيهِ ما العِبادُ مُقتَرِفونَ في لَيلِهِم ونَهارِهِم ، لَطُفَ بِهِ خُبرا وأَحاطَ بِهِ عِلما . (3)
عنه عليه السلام :لا إِلهَ إِلّا اللّهُ اللَّطيفُ بِمَن شَرَدَ عَنهُ مِن مُسرِفي عِبادِهِ ، لِيرَجِعَ عَن عُتُوِّهِ وعِنادِهِ . (4)
.
ص: 115
عنه عليه السلام :يُجيبُ دَعوَةَ منَ يَدعوهُ ، ويَرزُقُ عَبدَهُ ويَحبوهُ ، ذو لُطفٍ خَفِيٍّ وبَطشٍ قَوِيٍّ . (1)
عنه عليه السلام_ فِي الدِّيوانِ المَنسوبِ إِلَيهِ _: وكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفِيِّ يَدِقُّ خِفاهُ عَن فَهمِ الذَّكِيِّ وكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ! وفَرَّجَ كُربَةَ القَلبِ الشَّجِيِّ وكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحا وتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشِيِّ ولا تَجزَع إِذا ما نابَ خطبٌ فَكَم للّهِِ مِن لُطفٍ خَفِيِّ (2)
الإمام الحسن عليه السلام :رَبُّنَا اللَّطيفُ بِلُطفِ رُبوبِيَّتِهِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :سَمَّيناهُ لَطيفا لِلخَلقِ اللَّطيفِ ، ولِعِلمِهِ بِالشَّيءِ اللَّطيفِ مِمّا خَلَقَ مِنَ البَعوضِ وَالذَّرَّةِ ، ومِمّا هُوَ أَصغَرُ مِنهُما لا يَكادُ تُدرِكُهُ الأَبصارُ وَالعُقولُ ؛ لِصِغَرِ خَلقِهِ مِن عَينِهِ وسَمعِهِ وصورَتِهِ ، لا يُعرَفُ مِن ذلِكَ لِصغَرِهِ الذَّكَرُ مِنَ الاُنثى ، ولَا الحَديثُ المَولودُ مِنَ القَديمِ الوالِدِ ، فَلَمّا رَأَينا لُطفَ ذلِكَ في صِغَرِهِ ومَوضِعَ العَقلِ فيهِ وَالشَّهوَةَ لِلسِّفادِ ، وَالهَرَبَ مِنَ المَوتِ ، وَالحَدَبَ عَلى نَسلِهِ مِن وَلَدِهِ ، ومَعرِفَةَ بَعضِها بَعضا ، وما كانَ مِنها في لُجَجِ البِحارِ ، وأَعنانِ السَّماءِ ، وَالمَفاوِزِ وَالقِفارِ ، وما هُوَ مَعَنا في مَنزِلِنا ، ويَفهَمُ بَعضُهُم بَعضا مِن مَنطِقِهِم ، وما يَفهَمُ مِن أَولادِها ، ونَقلِهَا الطَّعامَ إِلَيها وَالماءَ ، عَلِمنا أَنَّ خالِقَها لَطيفٌ ، وأَنَّهُ لَطيفٌ بِخَلقِ اللَّطيفِ . (4)
.
ص: 116
الإمام الرضا عليه السلام :وأَمَّا اللَّطيفُ فَلَيسَ عَلى قِلَّةٍ وقَضافَةٍ (1) وصِغَرٍ ، ولكِن ذلِكَ عَلَى النَّفاذِ فِي الأَشياءِ، وَالاِمتِناعِ مِن أَن يُدرَكَ ، كَقَولِكَ لِلرَّجُلِ : لَطُفَ عَنّي هذَا الأَمرُ ، ولَطُفَ فُلانٌ في مَذهَبِهِ ، وقَولِهِ يُخبِرُكَ أَنَّهُ غَمَضَ فيهِ العَقلُ وفاتَ الطَّلَبُ وعادَ مُتَعَمِّقا مُتلَطِّفا لا يُدرِكُهُ الوَهمُ ، فَكَذلِكَ لُطفُ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى عَن أَن يُدرَكَ بِحَدٍّ أَو يُحَدَّ بَوَصفٍ ، وَاللَّطافَةُ مِنَّا الصِّغَرُ وَالقِلَّةُ ، فَقَد جَمَعَنا الاِسمُ وَاختَلَفَ المَعنى . (2)
عيون أخبار الرضا عن محمّد بن عبد اللّه الخراساني خادم الرضا عليه السلام :دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الزَّنادِقَةِ عَلَى الرِّضا عليه السلام وعِندَهُ جَماعَةٌ ، فَقالَ : . . . أَخبِرني عَن قَولِكُم : إِنَّهُ لَطيفٌ وسَميعٌ وحَكيمٌ وبَصيرٌ وعَليمٌ ، أَيَكونُ السَّميعُ إِلّا بِأُذُنٍ ، وَالبَصيرُ إِلّا بِالعَينِ ، وَاللَّطيفُ إِلّا بِالعَمَلِ بِاليَدَينِ ، وَالحَكيمُ إِلّا بِالصَّنعَةِ ؟ فَقالَ أَبُو الحَسَنِ عليه السلام : إِنَّ اللَّطيفَ مِنّا عَلى حَدِّ اتِّخاذِ الصَّنعَةِ ، أَوَما رَأَيتَ الرَّجُلَ يَتَّخِذُ شَيئا يَلطُفُ فِي اتِّخاذِهِ ؟ فَيُقالَ : ما أَلطَفَ فُلانا! فَكَيفَ لا يُقالُ لِلخالِقِ الجَليلِ: لَطيفٌ؟ إِذ خَلَقَ خَلقا لَطيفا وجَليلاً، ورَكَّبَ فِي الحَيَوانِ مِنهُ أَرواحَها ، وخَلَقَ كُلَّ جِنسٍ مُتَبايِنا من جِنسِهِ فِي الصّورَةِ ، لا يُشبِهُ بَعضُهُ بَعضا ، فَكُلٌّ لَهُ لُطفٌ مِنَ الخالِقِ اللَّطيفِ الخَبيرِ في تَركيبِ صورَتِهِ . ثُمَّ نَظَرنا إِلَى الأَشجارِ وحَملِها أَطايِبَها المَأكولَةَ ، فَقُلنا عِندَ ذلِكَ : إِنَّ خالِقَنا لَطيفٌ لا كَلُطفِ خَلقِهِ في صَنعَتِهِم . (3)
.
ص: 117
الكافي عن أبي الحسن عليه السلام (1)_ لِلفَتحِ بنِ يَزيدَ الجُرجانِيِّ _الكافي عن أبي الحسن عليه السلام (2) : يا فَتحُ إِنَّما قُلنا : اللَّطيفُ لِلخَلقِ اللَّطيفِ [ و] لِعِلمِهِ بِالشَّيءِ اللَّطيفِ ، أَوَلا تَرى _ وَفَّقَكَ اللّهُ وثَبَّتَكَ _ إِلى أَثَرِ صُنعِهِ فِي النَّباتِ اللَّطيفِ وغَيرِ اللَّطيفِ ، ومِنَ الخَلقِ اللَّطيفِ ، ومِنَ الحَيَوانِ الصِّغارِ ، ومِنَ البَعوضِ وَالجِرجِسِ (3) وما هُوَ أَصغَرُ مِنها ما لا يَكادُ تَستَبينُهُ العُيونُ ، بَل لا يَكادُ يُستَبانُ لِصِغَرِهِ الذَّكَرُ مِنَ الأُنثى ، وَالحَدَثُ المَولودُ مِنَ القَديمِ ، فَلَمّا رَأَينا صِغَرَ ذلِكَ في لُطفِهِ ، وَاهتِداءَهُ لِلسِّفادِ وَالهَرَبَ مِنَ المَوتِ ، وَالجَمعَ لِما يُصلِحُهُ ، وما فِي لُجَجِ البِحارِ ، وما في لِحاءِ الأَشجارِ وَالمَفاوزِ والقِفارِ ، وإِفهامَ بَعضِها عَن بعضٍ مَنطِقَها ، وما يَفهَمُ بِهِ أَولادُها عَنها ، ونَقلَهَا الغِذاءَ إِلَيها ، ثُمَّ تَأليفَ أَلوانِها؛ حُمرَةٍ مَعَ صُفرَةٍ ، وبَياضٍ مَعَ حُمرَةٍ ، وأَنَّهُ ما لا تَكادُ عُيونُنا تَستَبينُهُ لِدَمامَةِ خَلقِها ، لا تَراهُ عُيونُنا ولا تَلمِسُهُ أَيدينا ، عَلِمنا أَنَّ خالِقَ هذَا الخَلقِ لَطيفٌ لَطُفَ بِخَلقِ ما سَمّيناهُ ، بِلا عِلاجٍ ولا أَداةٍ ولا آلَةٍ . (4)
الإمام الجواد عليه السلام :سَمَّيناهُ لَطيفا لِعِلمِهِ بِالشَّيءِ اللَّطيفِ ، مِثلِ البَعوضَةِ وأَخفى مِن ذلِكَ ، ومَوضِعِ النُّشوءِ مِنها ، وَالعَقلِ وَالشَّهَوةِ لِلسِّفادِ والحَدَبِ عَلى نَسلِها ، وإِقامِ بَعضِها عَلى بَعضٍ ، ونَقلِهَا الطَّعامَ وَالشرّابَ إِلى أَولادِها فِي الجِبالِ وَالمفاوِزِ وَالأَودِيَةِ وَالقِفارِ ، فَعَلِمنا أَنَّ خالِقَها لَطيفٌ بِلا كَيفٍ ، وإِنَّمَا الكَيفِيَّةُ لِلمَخلوقِ المُكَيَّفِ . 5
.
ص: 118
ص: 119
الفصل الثاني والستّون: المالك ، الملك ، المليكالمالك والمَلِك لغةً«المالك» اسم فاعل ، و«الملك» صفة مشبهة ، و«المليك» صفة مشبهة أَو صيغة مبالغة ، كلّها مشتقّ من مادّة «ملك» وهو يدلّ على قوّة في الشيء وصحّة ، قيل: مَلَكَ الإنسان الشيء يملكه ملكا ، والاسم المِلك ؛ لأَنّ يده فيه قويّة صحيحة (1) . قال ابن منظور : المَلْك والمُلك والمِلك : احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به (2) . قال الجوهريّ : كأنّ المَلْك مخفَّف من مَلِك ، والملِك مقصور من مالك أَو مليك. والجمع الملوك والأَملاك ، والاسم المُلك ، والموضع مملكة (3) . قال الفيوميّ : ملك على النَّاس أَمرهم إِذا تولّى السلطنة فهو مَلِك بكسر اللام وتُخفّف بالسكون ، والجمع ملوك (4) .
.
ص: 120
والسؤال الذي يُثار حول هذه الصفات هو: ما الفرق بين هذه الصفات الثلاث؟ ولمّا كانت مادّة هذه الصفات «ملك» فالأَوصاف المذكورة تدلّ على القوّة والاقتدار والاستبداد والسلطنة ، وفي الفرق بين هذه الصفات الثلاث نقول: إِنّ أَغلب الظنّ هو أَنّ المَلِك والمليك لمّا كانا صفتين مشبهتين أَو صيغتين للمبالغة فدلالتهما على السلطنة أَكثر من المالك الذي هو اسم فاعل . لكنّ المَلِك والمليك لمّا أُطلقا على «المَلِك» طوال الزمن ، فإنّ بعض المفسّرين قد ذهب إِلى أنّ المالك هو مالك العين ، والمَلِك والمليك هو مالك التدبير (1) . بيد أَنّ فريقا منهم أَنكر مثل هذا التفاوت بالنسبة إِلى اللّه سبحانه (2) . وسنذكر في الحديث عن استعمالات هذه الصفات في القرآن والأَحاديث فهرسا لإطلاقات هذه الصفات ، وهو مفيد للحكم وإِبداء الرأَي في هذا المجال .
المالك والمَلِك في القرآن والحديثأُسند القرآن الكريم مشتقّات مادّة «ملك» إِلى اللّه تعالى خمسا وأَربعين مرّةً ، فقد وردت صفة «الملك» خمس مرّات (3) ، وصفة «المالك» مرّتين (4) ، وصفة «المليك» مرّة واحدة . (5) وقد ذُكرت صفة «الملك» مع صفة «الحقّ» مرّتين (6) ، ومع صفة «القدّوس» مرّتين أَيضا (7) .
.
ص: 121
ومن استعمالات صفة «الملك» و«المالك» و «المليك» في القرآن والأَحاديث : «مَلِكِ النَّاسِ» (1) ، «عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ» (2) ، «ملك الآخرة والدنيا» (3) ، «ملك العطايا» (4) ، «ملك المحيا والممات» (5) ، «ملك الملكوت بقدرته» (6) ، «ملك الملوك» (7) ، «ملك من في السَّماوات وملك من في الأَرض ، لا ملك فيهما غيرك» (8) ، «ملك السَّماوات والأَرض» (9) ، «مَ__لِكِ يَوْمِ الدِّينِ» (10) ، «مالك نفوسهم» (11) ، «إِنّ مالك الموت هو مالك الحياة» (12) ، «مالك العطايا» (13) ؛ «مالك الملوك» (14) ، «مالك الملك» (15) ، «مالك كلّ شيء» (16) ، «مليك الحقّ» 17 .
.
ص: 122
وكما نلاحظ فإنّ كثيرا من مواضع إِطلاق الملك والمالك يمكن أَن يكون عينا ، ويمكن أَن يكون تدبيرا أَيضا ، على سبيل المثال يتيسّر لنا أن نفسّر «ملك النَّاس» ب_«مالك أَعيان النَّاس» لأَنّ اللّه سبحانه مالك أَعيان كلّ شيء بما فيها النَّاس ، ويتيسّر لنا أَيضا أن نفسّره ب_«مالك تدبير النَّاس» ، أو «مالك العطايا» فيتسنّى تفسيره ب_«مالك أَعيان العطايا» وكذلك «مالك تدبير العطايا» ، حتّى في بعض المواضع مثل «يوم الدين» ورد استعمال مالك وملك على حدّ سواء . والملاحظة المهمّة هي أَنّ ملكيّة التدبير شرط في الملكيّة الحقيقيّة للعين ، ولا تنفصل هاتان الملكيّتان ، ولمّا كان للّه تعالى الملكيّة الحقيقيّة لجميع الموجودات فله أَيضا ملكيّة تدبيرها ، في حين أنّ ملكيّة غيره اعتباريّة سواءٌ كانت ملكيّة عين أَم ملكيّة تدبير ، لذا فإنّهما قابلتان للانفصال ، ويمكن أَن يملك شخص شيئا لكنّ التصرّف فيه غير مأذون له ، أَو يملك تدبير شيء ولا يملك عينه .
62 / 1صِفَةُ مُلكِهِ وَمالِكِيَّتِهِالإمام عليّ عليه السلام :كُلُّ مالِكٍ غَيرُهُ مَملوكٌ . (1)
عنه عليه السلام_ في أَسمائِهِ تَعالى _: أَمّا وَضعُ الأَسماءِ ، فَإِنَّهُ _ تَبارَكَ وتَعالَى _ اختارَ لِنَفسِهِ الأَسماءَ الحُسنى فَسَمّى نَفسَهُ : «الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَ_مُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ» (2) وغَيرَ ذلِكَ ، وكُلُّ اسمٍ يُسَمّى بِهِ فَلِعِلَّةٍ ما ، ولَمّا تَسَمّى بِالمَلِكِ : أَرادَ تَصحيحَ مَعنَى الاِسمِ لِمُقتَضَى الحِكمَةِ ، فَخَلَقَ الخَلقَ وأَمَرَهُم ونَهاهُم لِيَتَحَقَّقَ حَقيقَةَ الاِسمِ ومَعنَى المُلكِ . وَالمُلكُ لَهُ وُجوهٌ أَربَعَةٌ : القُدرَةُ وَالهَيبَةُ وَالسَّطوَةُ وَالأَمرُ وَالنَّهيُ .
.
ص: 123
فَأَمَّا القُدرَةُ فَقَولُهُ تَعالى : «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْ ءٍ إِذَآ أَرَدْنَ_هُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ » (1) فَهذِهِ القُدرَةُ التّامَّةُ الَّتي لا يَحتاجُ صاحِبُها إِلى مُباشَرَةِ الأَشياءِ ، بَل يَختَرِعُها كَما يَشاءُ سُبحانَهُ ولا يَحتاجُ إِلَى التَّرَوّي في خَلقِ الشَّيء ، بَل إِذا أَرادَهُ صارَ عَلى ما يُريدُهُ مِن تَمامِ الحِكمَةِ ، وَاستَقامَ التَّدبيرُ لَهُ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ ، وقُدرَةٍ قاهِرَةٍ بانَ بِها مِن خَلقِهِ . ثُمَّ جَعَلَ الأَمرَ وَالنَّهيَ تَمامَ دَعائِمِ المُلكِ ونِهايَتَهُ ، وذلِكَ أَنَّ الأَمرَ وَالنَّهيَ يَقتَضِيانِ الثَّوابَ وَالعِقابَ وَالهَيبَةَ وَالرَّجاءَ وَالخَوفَ ، وبِهِما بَقاءُ الخَلقِ ، وبِهِما يَصِحُّ لَهُمُ المَدحُ وَالذَّمُّ ، ويُعرَفُ المُطيعُ مِنَ العاصي ، ولَو لَم يَكُنِ الأَمرُ وَالنَّهيُ لَم يَكُن لِلمُلكِ بَهاءٌ (2) ولا نِظامٌ ، ولَبَطَلَ الثَّوابُ وَالعِقابُ ، وكَذلِكَ جَميعُ التَّأويلِ فيما اختارَهُ سُبحانَهُ لِنَفسِهِ مِنَ الأَسماءِ. (3)
عنه عليه السلام_ في بَيانِ مَعنى قَولِ المُؤَذِّنِ «حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ» _: أَي هَلُمّوا إِلى خَيرِ أَعمالِكُم ودَعوَةِ رَبِّكُم ، و سارِعوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم ، وإِطفاءِ نارِكُمُ الَّتي أَوقَدتُموها عَلى ظُهورِكُم ، وفِكاكِ رِقابِكُمُ الَّتي رَهَنتُموها بِذُنوبِكُم ، لِيُكَفِّرَ اللّهُ عَنكُم سَيِّئاتِكُم ، ويَغفِرَ لَكُم ذُنوبَكُم ، ويُبَدِّلَ سَيِّئاتِكُم حَسَناتٍ ؛ فَإِنَّهُ مَلِكٌ كَريمٌ ، ذُو الفَضلِ العَظيمِ. (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن لا تَنتَهي مُدَّةُ مُلكِهِ . (5)
الإمام الباقر عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ الحَقُّ ، وقَولُكَ الحَقُّ ، ووَعدُكَ الحَقُّ ، وأَنتَ مَليكُ الحَقِّ ،
.
ص: 124
أَشهَدُ أَنَّ لِقاءَكَ حَقٌّ ، وأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ ، وَالسّاعَةَ حَقٌّ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها. (1)
عنه عليه السلام :قالَ اللّهُ عز و جل لِادَمَ عليه السلام : أَنَا اللّهُ المَلِكُ القادِرُ ولي أَن أُمضِيَ جَميعَ ما قَدَّرتُ عَلى ما دَبَّرتُ ، ولي أَن أُغَيِّرَ مِن ذلِكَ ما شِئتُ إِلى ما شِئتُ ، وأُقَدِّمَ مِن ذلِكَ ما أَخَّرتُ وأُؤَخِّرَ مِن ذلِكَ ما قَدَّمتُ. (2)
عنه عليه السلام :إِنَّ رَبّي تَبارَكَ وتَعالى .. . لَم يَزَل حَيّا بِلا حَياةٍ ، ومَلِكا قادِرا قَبلَ أَن يُنشِئَ شَيئا ، ومَلِكا جَبّارا بَعدَ إِنشائِهِ لِلكَونِ ، فَلَيسَ لِكونِهِ كَيفٌ ، ولا لَهُ أَينٌ ، ولا لَهُ حَدٌّ ، ولا يُعرَفُ بِشَيءٍ يُشبِهُهُ ، ولا يَهرَمُ لِطولِ البَقاءِ ، ولا يَصعَقُ (3) لِشَيءٍ ، بَل لِخَوفِهِ تَصعَقُ الأَشياءُ كُلُّها . كانَ حَيّا بِلا حَياةٍ حادِثَةٍ ، ولا كونٍ مَوصوفٍ ، ولا كَيفٍ مَحدودٍ ، ولا أَينٍ مَوقوفٍ عَلَيهِ ، ولا مَكانٍ جاوَرَ شَيئا ، بَل حَيٌّ يُعرَفُ ومَلِكٌ لَم يَزَل لَهُ القُدرَةُ وَالمُلكُ ، أَنشَأَ ما شاءَ حينَ شاءَ بِمَشيئَتِهِ. (4)
62 / 2لا مالِكَ إلّا هُوَالكتاب«قُلِ اللَّهُمَّ مَ__لِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» . (5)
.
ص: 125
«وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا» . (1)
«لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ» . (2)
«وَ لَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ» . (3)
«ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في صِفَةِ اللّهِ سُبحانَهُ وتَعالى _: وَالمالِكُ لِما مَلَّكَهُم إِيّاهُ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :يَقولُ ابنُ آدَمَ : مالي مالي ! وهَل لَكَ يَا ابنَ آدَمَ مِن مالِكَ إِلّا ما أَكَلتَ فَأَفنَيتَ ، أَو لَبِستَ فَأَبلَيتَ ، أَو تَصَدَّقتَ فَأَمضَيتَ . (6)
الإمام عليّ عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَن مَعنى قَولِهِم : لا حَولَ ولا قُوَّةَ إِلّا بِاللّهِ _: إِنّا لا نَملِكُ مَعَ اللّهِ شَيئا ، ولا نَملِكُ إِلّا ما مَلَّكَنا ، فَمَتى مَلَّكَنا ما هُوَ أَملَكُ بِهِ
.
ص: 126
مِنّا كَلَّفَنا ، ومَتى أَخَذَهُ مِنّا وَضَعَ تَكليفَهُ عَنّا . (1)
جامع الأخبار :قالَ اللّهُ تَعالى : المالُ مالي ، وَالفُقَراءُ عِيالي ، وَالأَغنياءُ وُكَلائي ، فَمَن بَخِلَ بِمالي عَلى عِيالي أُدخِلهُ النَّارَ ولا أُبالي . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :المالُ مالُ اللّهِ عز و جل ، جَعَلَهُ ودائِعَ عِندَ خَلقِهِ ، وأَمَرَهُم أَن يَأكُلوا مِنهُ قَصدا ويَشرَبوا مِنهُ قَصدا ، ويَلبَسوا مِنهُ قَصدا ، ويَنكَحوا مِنهُ قَصدا ، ويَركَبوا مِنهُ قَصدا ، ويَعودوا بما سِوى ذلِكَ عَلى فُقَراءِ المُؤمِنينَ ، فَمَن تَعَدّى ذلِكَ كانَ أَكلُهُ مِنهُ حَراما ، وما شَرِبَ مِنهُ حَراما ، وما لَبِسَهُ مِنهُ حَراما ، وما نَكَحَهُ مِنه حَراما ، وما رَكِبَهُ مِنهُ حَراما . (3)
عنه عليه السلام_ لَمّا قيلَ لَهُ : ما حَقيقَةُ العُبودِيَّةِ ؟ قالَ _: ثَلاثَةُ أَشياءَ : ألّا يَرى العَبدُ لِنَفسِهِ فيما خَوَّلَهُ اللّهُ إِلَيهِ مُلكا ؛ لِأَنَّ العَبيدَ لا يَكونُ لَهُم مُلكٌ يَرَونَ المالَ مالَ اللّهَ يَضَعونَهُ حَيثُ أَمَرَهُمُ اللّهُ تَعالى بِهِ . . . فَإِذا لَم يَرَ العَبدُ لِنَفسِهِ فيما خَوَّلَهُ اللّهُ تَعالى مُلكا هانَ عَلَيهِ الإِنفاقُ فيما أَمَرَهُ اللّهُ تَعالى أَن يُنفِقَ فيهِ . (4)
62 / 3لا مَلِكَ إلّا هُوَالكتاب«هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ» . (5)
.
ص: 127
«فَتَعَ__لَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فيما عَلَّمَهُ جَبرَئيلُ عليه السلام مِنَ الدُّعاءِ _: أَنتَ مَلِكُ مَن فِي السَّماواتِ ، ومَلِكُ مَن فِي الأَرضِ ، لا مَلِكَ فيهِما غَيرُكَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :اِشتَدَّ غَضَبُ اللّهِ عَلى رَجُلٍ تَسَمّى بِمَلِكِ الأملاكِ ، لا مُلكَ إلَا لِلّهِ عز و جل. (3)
عنه صلى الله عليه و آله :أَغيَظُ رجُلٍ عَلَى اللّهِ يَومَ القِيامَةِ وأَخبَثُهُ وأَغيَظُهُ عَلَيهِ رَجُلٌ كانَ يُسمَّى مَلِكَ الأَملاكِ ، لامَلِكَ إِلّا اللّهُ عز و جل . (4)
.
ص: 128
. .
ص: 129
الفصل الثالث والستون: المؤمنالمؤمن لغةً«المؤمن» اسم فاعل من آمن ، يُؤمن ، من مادّة «أَمن» وهو أَصلان متقاربان : أَحدهما الأَمانة التي ضدّ الخيانة ومعناها سكون القلب ، والآخر التصديق (1) . أَمِنَ منه مثل سَلِمَ منه وزنا ومعنىً . والأَصل أَن يُستعمَل في سكون القلب (2) . والأَمن : ضدّ الخوف (3) . قال ابن الأَثير : في أَسماء اللّه تعالى «المؤمن» هو الذي يصدق عبادَه وعده ، فهو من الإيمان : التصديق؛ أَو يؤمِّنهم في القيامة من عذابه ، فهو من الأَمان ، والأَمن ضدّ الخوف (4) .
المؤمن في القرآن والحديثلقد أُسندت مشتقّات «الأَمن» إِلى اللّه سبحانه في القرآن الكريم أَربع مرّات (5) ، وقد
.
ص: 130
وردت صفة «المؤمن» مرّةً واحدةً في قوله تعالى : «هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَ_مُ الْمُؤْمِنُ» (1) ، كما رأَينا في البحث اللغويّ أَنّ المؤمن يمكن أَن يكون بمعنى المصدِّق ، وبمعنى المؤمن الذي يُعطي الأَمان ، وهذا المعنى هو المقصود في الآيات والأَحاديث . وقد جاء في الحديث : «سُمِّيَ الباري عز و جل مُؤمِنا لِأَنَّهُ يُؤمِنُ مِن عَذابِهِ مَن أَطاعَهُ» (2) .
63 / 1مَعنى إيمانِهِالإمام عليّ عليه السلام :إِنَّ رَبّي... رَؤوفُ الرَّحمَةِ لا يُوصَفُ بِالرِّقَّةِ، مُؤمِنٌ لا بِعِبادَةٍ، مُدرِكٌ لا بِمِجَسَّةٍ ، قائِلٌ لا بِاللَّفظِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :سُمِّيَ البارِي عز و جل مُؤمِنا ؛ لِأَنَّهُ يُؤمِنُ مِن عَذابِهِ مَن أَطاعَهُ، وسُمِّيَ العَبدُ مُؤمِنا ؛ لِأَنَّهُ يُؤمِنُ عَلَى اللّهِ عز و جل فَيُجيزُ اللّهُ أَمانَهُ . (4)
63 / 2يُؤمِنُ الخائِفينَالكتاب«لِاءِيلَ_فِ قُرَيْشٍ * إِيلَ_فِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَ الصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَ_ذَا الْبَيْتِ * الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن
.
ص: 131
جُوعٍ وَ ءَامَنَهُم مِّنْ خَوْف » . (1)
الحديثالإمام الكاظم عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِهِشامٍ _: اِعلَم أَنَّ اللّهَ . . . لَم يُؤمِنِ الخائِفينَ بِقَدرِ خَوفِهِم ، ولكِن آمَنَهُم بِقَدرِ كَرَمِهِ وجودِهِ . (2)
63 / 3يُؤمِنُ أَولِياءَهُالكتاب«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْ_ئا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَ لِكَ فَأُوْلَ_ئِكَ هُمُ الْفَ_سِقُونَ» . (3)
راجع : آل عمران : 154 ، الأنفال : 11 .
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ . . . يا مُؤمِنَ أَولِيائهِ مِنَ العَذابِ المُهينِ . (4)
.
ص: 132
. .
ص: 133
الفصل الرابع والستون: المبين ، المبيِّنالمُبين والمبيّن لغةً«المبين» اسم فاعل من أَبان ، يُبينُ ، إِبانةً . «المُبيِّن» اسم فاعل من بيّن ، يُبيّن ، تبيينا ، كلاهما مشتقٌ من مادّة «بين» وهو يدلّ على الفراق والوصل ، وهو من الأَضداد (1) . «المُبين» و«المبيِّن» يستعملان لازمين ومتعدّيين بمعنى الواضِح والموضِح (2) . كلاهما مشتقّ من المعنى الثاني ، أَي : الوصل ؛ لأَنّ البيان الواضح والشخص الموضِح يوصلان المخاطب إِلى مقصوده وكشف مراده .
المبين والمبيّن في القرآن والحديثلقد وردت صفة «المبين» للّه تعالى مرّةً واحدةً في القرآن الكريم بقوله سبحانه : «أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ» (3) ، ولم تُنسب صفة «المبيّن» إِليه _ جلّ شأنه _ ولكنّه استعمل كثيرا في هيئة الفعل من بيّن ، يبيّن .
.
ص: 134
وكما قيل في البحث اللغويّ فإنّ المبين والمبيّن وأَفعالهما تستعمل بصيغة اللازم وبصيغة المتعدّي ، لكنّ الذي يبدو من استعمالات القرآن والأَحاديث هو أَنّ المبين ورد بصيغة اللازم والمبيّن وأَفعاله بصيغة المتعدّي . لقد قال الإمام عليّ عليه السلام في تفسير صفة «المبين» الواردة مرّةً واحدةً في القرآن الكريم : «هُوَ اللّهُ الحَقُّ المُبينُ ، أَحَقُّ وأَبيَنُ مِمّا تَرَى العُيونُ» (1) . والمبين في هذا الحديث الذي يفسّر الآية أَيضا ، بصيغة اللازم ، وقد ورد تبيين اللّه متعدّيا في الآيات القرآنيّة بصورة «يبيّن الآيات»، و «يبيّن الحدود» ، و «يبيّن سنن الذين من قبل» ، و «تبيّن للناس ما يتّقون».
64 / 1هُوَالحَقُّ المُبينُالكتاب«يَوْمَ_ئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذِي انحَسَرَتِ الأَوصافُ عَن كُنهِ (3) مَعرِفَتِهِ ، ورَدَعَت عَظَمَتُهُ العُقولَ فَلَم تَجِد مَساغا إِلى بُلوغِ غايَةِ مَلَكوتِهِ (4) ؛ هُوَ اللّهُ الحَقُّ المُبينُ ، أَحَقُّ وأَبيَنُ مِمّا تَرَى العُيونُ ، لَم تَبلُغهُ العُقولُ بِتَحديدٍ فَيَكونَ مُشَبَّها ، ولَم تَقَع
.
ص: 135
عَلَيهِ الأَوهامُ بِتَقديرٍ فَيَكونَ مُمَثَّلاً. (1)
64 / 2يُبَيِّنُ الآياتِ«وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَ نًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَ لِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَ_تِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» . (2)
«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَ هِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْايَ_تِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ» . 3
.
ص: 136
. .
ص: 137
الفصل الخامس والستون: المتكلّمالمتكلّم لغةً«المتكلّم» اسم فاعل من تكلّم ، يتكلّم ، تكلُّما ، من مادة «كلّم» وهو يدلّ على نطق مُفهم (1) .
المتكلّم في القرآن والحديثلم ترد صفة «المتكلّم» في القرآن الكريم ، لكنّ الصيغة الفعليّة ل_ «كلّم ، يكلّم» نُسبت إِلى اللّه تعالى تسع مرّات ، كماورد الكلام والكلمة والكلمات الإلهيّة ثمانٍ وعشرين مرّةً . ومن ذلك وصف القرآن الكريم عيسى عليه السلام بكلمة اللّه في ثلاثة مواضع (2) ، ووصف كلمة اللّه بالحسنى في موضع واحدٍ (3) ، ووصفها بالصّدق والعدل في موضع واحدٍ (4) ، ووصفها بالعليا في موضع واحدٍ أَيضا (5) ، ووصف كلمات اللّه في أَربعة
.
ص: 138
مواضعَ بعدم التبديل (1) ، ووصفها بالكثرة في موضعين (2) ، وأَشار في موضع واحدٍ إِلى تلقّي آدم عليه السلام لكلمات اللّه (3) ، وتحدّث في موضعٍ واحدٍ عن امتحان النبيّ ابراهيم عليه السلام بكلمات اللّه (4) . إِنّ صفة «المتكلّم» للّه من الصفات المثيرة للنقاش والجدل ، فقد ذهب أَهل الحديث إِلى أَنّ الكلام الإلهيّ قديم ، في حين قال المعتزلة: إِنّه حادث ، أَمّا الأَشاعره فقد فصلوا بين الكلام النفسيّ واللفظيّ فعدّوا الأَوّل قديما ، والثاني حادثا ، والكلام الإلهيّ في الأَحاديث صفة حادثة غير أَزليّة تطلق على أَصل الفعل الإلهيّ تارةً ، وعلى ما يحصل من الفعل الإلهيّ ، أَي : المخلوق تارةً أُخرى ، ويراد من الكلام في الإطلاق الثاني الكلام اللفظيّ حينا ، وغير اللفظيّ حينا آخر كإطلاق الكلمة على عيسى بن مريم عليهماالسلام ، وجاءت الكلمة في بعض الآيات القرآنيّة بمعنى الحكم والقضاء الإلهيّ كقوله تعالى: «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِى إِسْرَ ءِيلَ بِمَا صَبَرُوا» (5) . لقد ذُكرت وجوه مختلفة في سبب إِطلاق الكلمة على عيسى بن مريم عليهماالسلام ، أَشهرها هو أَنّه خُلق بكلمة اللّه ، وهو قوله: (كُن) من غير واسطة الأَب ، فلمّا كان تكوينه بمحض قول اللّه : (كُنْ) وبمحض تكوينه وتخليقه من غير واسطة الأَب والبذر ، لا جرم سُميّ: كلمة ، كما يُسمّى المخلوق خلقا ، والمقدر قدرةً (6) .
.
ص: 139
65 / 1يَتَكَلَّمُ مَعَ الأَنبِياءِ وَالأَولِياءِالكتاب«وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَ_هُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا » . (1)
«تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَ_تٍ» . (2)
«وَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاىءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ » . (3)
«وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ» . (4)
الحديثالإمام الرضا عليه السلام :إِنَّ كَليمَ اللّهِ موسَى بنَ عِمرانَ عليه السلام عَلِمَ أَنَّ اللّهَ تَعالى عَن أَن يُرى بِالأَبصارِ ، ولكِنَّهُ لَمّا كَلَّمَهُ اللّهُ عز و جل وقَرَّبَهُ نَجِيّا رَجَعَ إِلى قَومِهِ فَأَخبَرَهُم أَنَّ اللّهَ عز و جلكَلَّمَهُ وقَرَّبَهُ وناجاهُ ، فَقالَوا : لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى نَسمَعَ كَلامَهُ كَما سَمِعتَ ، وكانَ القَومُ سَبعَمِئةِ أَلفِ رَجُلٍ ، فَاختارَ مِنهمُ سَبعينَ أَلفا ، ثُمَّ اختارَ مِنهُم سَبعَةَ آلافٍ ، ثُمَّ اختارَ مِنهُم سَبعَمِئَةٍ ، ثُمَّ اختارَ مِنهُم سَبعينَ رَجُلاً لِميقاتِ رَبِّهِ ، فَخَرَجَ بِهِم إِلى طورِ سينا ، فَأَقامَهُم في سَفحِ الجَبَلِ ، وصَعِدَ موسى عليه السلام إِلَى الطّورِ ، وسَأَلَ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أَن يُكَلِّمَهُ ويُسمِعَهُم كَلامَهُ ، فَكَلَّمَهُ اللّهُ تَعالى ذِكرُهُ وسَمِعوا كَلامَهُ مِن فَوقٍ وأَسفَلَ ويَمينٍ وشِمالٍ وورَاءٍ وأَمامٍ ؛ لِأَنَّ اللّهَ عز و جل أَحدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ ، ثُمَّ جَعَلَهُ مُنبَعِثا
.
ص: 140
مِنها حَتّى سَمِعوهُ مِن جَميعِ الوُجوهِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :وما بَرِحَ للّهِِ _ عَزَّت آلاؤُهُ _ فِي البُرهَةِ بَعدَ البُرهَةِ ، وفي أَزمانِ الفَتَراتِ ، عِبادٌ ناجاهُم في فِكرِهِم ، وكَلَّمَهُم في ذاتِ عُقولِهِم ، فَاستَصبَحوا بِنورِ يَقَظَةٍ فِي الأَبصارِ وَالأَسماعِ وَالأَفئِدَةِ ، يُذَكِّرونَ بِأيّامِ اللّهِ ، ويُخَوِّفونَ مَقامَهُ ، بِمَنزِلَةِ الأَدِلَّةِ فِي الفَلَواتِ ، مَن أَخَذَ القَصدَ حَمِدوا إِلَيهِ طَريقَهُ وبَشَّروهُ بِالنَّجاةِ ، ومَن أَخَذَ يَمينا وشِمالاً ذَمّوا إِلَيهِ الطَّريقَ وحَذَّروهُ مِنَ الهَلَكَةِ ، وكانوا كَذلِكَ مَصابيحَ تِلكَ الظُّلُماتِ ، وأَدِلَّةَ تِلكَ الشُّبُهاتِ . (2)
65 / 2صِفَةُ كَلامِهِالإمام عليّ عليه السلام :يُخبِرُ لا بِلِسانٍ ولَهَواتٍ ، ويَسمَعُ لا بِخُروقٍ وأَدَواتٍ ، يَقولُ ولا يَلفِظُ ، ويَحفَظُ ولا يَتَحَفَّظُ . . . يَقولُ لِمَن أَرادَ كونَهُ : «كُن» فَيَكونُ ؛ لا بِصوتٍ يُقرَعُ ، ولا بِنِداءٍ يُسمَعُ ، وإِنَّما كَلامُهُ سُبحانَهُ فِعلٌ مِنهُ ، أَنشَأَهُ ومَثَّلَهُ ، لَم يَكُن مِن قَبلِ ذلِكَ كائِنا ، ولَو كانَ قَديما لَكانَ إِلها ثانِيا . (3)
عنه عليه السلام :ما بَرحَ للّهِِ _ عَزَّت آلاؤُهُ _ فِي البُرهَةِ بَعدَ البُرهَةِ ، وفي أَزمانِ الفَتَراتِ ، عِبادٌ ناجاهُم في فِكرِهِم ، وكَلَّمَهُم في ذاتِ عُقولِهِم . (4)
.
ص: 141
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ الكَلامَ صِفَةٌ مُحدَثَةٌ لَيسَت بِأَزَلِيَّةٍ ، كانَ اللّهُ عز و جلولا مُتَكَلِّمَ . (1)
65 / 3ما لا يُوصَفُ كلَامُهُ بِهِالإمام عليّ عليه السلام :كَلَّمَ موسى تكَليما ، بِلا جِوارِحَ وأَدَواتٍ ، ولا شَفَةٍ ولا لَهَواتٍ . (2)
عنه عليه السلام :الَّذي كَلَّمَ موسى تَكليما ، وأَراهُ مِن آياتِهِ عَظيما ، بِلا جَوارِحَ ولا أَدَواتٍ، ولا نُطقٍ ولا لَهَواتٍ . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :لا أَحُدُّهُ بِلَفظِ شَقِّ فَمٍ ، ولكِن كَما قالَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ : «كُن فَيَكُونُ» بِمَشيئَتِهِ ، مِن غَيرِ تَرَدُّدٍ في نَفسٍ ، صَمَدا فَردا لَم يَحتَج إِلى شَريكٍ يَذكُرُ لَهُ مُلكَهُ ، ولا يَفتَحُ لَهُ أَبوابَ عِلمِهِ . (4)
الاحتجاج عن صفوان بن يحيى :سَأَلَني أَبو قُرَّةَ المُحَدِّثُ صاحِبُ شُبرُمَةَ أن أُدخِلَهُ عَلى أَبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام ، فَاستَأذَنَهُ فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ عَن أَشياءَ مِنَ الحَلالِ وَالحَرامِ وَالفَرائِضِ وَالأَحكامِ حَتّى بَلَغَ سُؤالُهُ إِلَى التَّوحيدِ . فَقالَ لَهُ : أَخبِرني _ جَعَلَنِي اللّهُ فِداكَ ! _ عَن كَلامِ اللّهِ لِموسى ؟ فَقالَ : اللّهُ أَعلَمُ ورسَولُهُ بِأَيِّ لِسانٍ كَلَّمَهُ ، بِالسُّريانِيَّةِ أَم بِالعِبرانِيَّةِ .
.
ص: 142
فَأَخَذَ أَبو قُرَّةَ بِلِسانِهِ فَقالَ : إِنَّما أسَأَ لُكَ عَن هذَا اللِّسانِ! فَقالَ أَبُو الحَسَنِ : سُبحانَ اللّهِ عَمّا تَقولُ! ومَعاذَ اللّهِ أَن يُشبِهَ خَلقَهُ ، أَو يَتَكَلَّمَ بِمِثلِ ما هُم بِهِ مُتَكَلِّمونَ ، ولكِنَّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، ولا كَمِثلِهِ قائِلٌ ولا فاعِلٌ . قالَ : كَيفَ ذلِكَ ؟ قالَ : كَلامُ الخالِقِ لِمَخلوقٍ لَيسَ كَكَلامِ المَخلوقِ لِمَخلوقٍ ، ولا يَلفِظُ بِشقِّ فَمٍ ولِسانٍ ، ولكن يَقولُ لَهُ : «كُن» فَكانَ بِمَشيئَتِهِ ما خاطَبَ بِهِ موسى عليه السلام مِنَ الأَمرِ وَالنَّهيِ مِن غَيرِ تَرَدُّدٍ في نَفسٍ . (1)
.
ص: 143
الفصل السادس والستون: المتوفّي ، الموفي ، الموفّيالمتوفّي و الموفي والموفّي لغةً«المتوفّي» اسم فاعل من توفّى ، يتوفّى؛ و«المُوفي» اسم فاعل من أَوفى ، يُوفي؛ والموفّي اسم فاعل من وفّى ، يوفّي . كلّها مشتقّ من مادّة «وفى» وهو يدلّ على إِكمال وإِتمام. منه الوفاء : إِتمام العهد وإِكمال الشرط . توفّيتَ الشيء واستوفيتَه ، إِذا أَخذتَ كلّه حتّى لم تترك منه شيئا ، ومنه يقال للميت: توفّاه اللّه (1) . أَوفاه حقّه ووفّاه بمعنىً ، أَي : أَعطاه وافيا (2) .
المتوفِّي والموفي والموفّي في القرآن والحديثلقد وردت مشتقّات مادّة «وفى» في القرآن الكريم اثنتين وعشرين مرّةً ، ووردت صفة «متوفّي» مرّة واحدة (3) ، وصفة «موفّي» مرّة واحدة بصيغة الجمع (4) .
.
ص: 144
إِنّ توفّي اللّه تعالى تستعمل في القرآن الكريم بالنسبة إِلى النفس حين الوفاة (1) وحين النوم (2) ، وتستعمل أَيضا بالنسبة إِلى عيسى بن مريم عليه السلام ونجاته من أيدي المخالفين (3) ؛ والظاهر أَنّ المراد فيجميع الموارد أَخذ مورد التوفّي بتمامه وحفظه. وجاء إِيفاء اللّه وتوفّيه في القرآن الكريم بالنسبة إِلى العهد ، والأَعمال ، والأُجور ، والأرزاق ، والحساب. ويبدو أَنّ المقصود في جميع هذه الموارد إِعطاؤها وافيةً . على سبيل المثال عندما يقول القرآن الكريم : «أَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» (4) فإنّ القصد منها هو أَنّ النَّاس إِذا عملوا بعهدهم فإنّ اللّه سبحانه يعمل بعهده تماما ويفي بوعده وفاءً .
66 / 1موفِي العَهدِالكتاب«أَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيَّ_ىَ فَارْهَبُونِ» . (5)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا فارِجَ الهَمِّ ، يا كاشِفَ الغَمِّ ، يا غافِرَ الذَّنبِ، يا قابِلَ التَّوبِ، يا خالِقَ الخَلقِ، يا صادِقَ الوَعدِ، يا موفِيَ العَهدِ. (6)
.
ص: 145
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا كافِيَ مَنِ استَكفاهُ ، يا هادِيَ مَنِ استَهداهُ ، يا كالِيَ (1) مَنِ استَكلاهُ ، يا راعِيَ مَنِ استَرعاهُ ، يا شافِيَ مَنِ استَشفاهُ، يا قاضِيَ مَنِ استَقضاهُ، يا مُغنِيَ مَنِ استَغناهُ، يا موفِيَ مَنِ استَوفاهُ (2) .
66 / 2يُوَفِّي الأَعمالَ«وَ إِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَ__لَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» .
«مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَ زِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَ__لَهُمْ فِيهَا وَ هُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ» . (3)
66 / 3يُوَفِّي الأُجورَ«وَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُ الظَّ__لِمِينَ» . (4)
66 / 4يُوَفِّي الحِسابَ«وَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَ__لُهُمْ كَسَرَاب بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْ_ئانُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْ_ئا وَ وَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَ اللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ» . (5)
.
ص: 146
66 / 5يوفِي الأَرزاقَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللّهَ موفي كُلِّ عَبدٍ ما كَتَبَ لَهُ مِنَ الرِّزقِ ، فَأَجمِلوا (1) فِي الطَّلَبِ ، خُذوا ما حَلَّ ودَعوا ما حَرَّمَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ عز و جل يوفي عَبدَهُ ما كَتَبَ لَهُ مِنَ الرِّزقِ ، فَأَجمِلوا فِي الطَّلَبِ ، خُذوا ما حَلَّ ودَعوا ما حَرَّمَ . (3)
66 / 6يَتَوَفَّى الأَنفُسَ«إِذْ قَالَ اللَّهُ يَ_عِيسَى إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَ_مَةِ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» . (4)
«اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَ الَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَايَ_تٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . (5)
«وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» . (6)
.
ص: 147
الفصل السابع والستون: المجيبالمجيب لغةً«المجيب» اسم فاعل من أَجاب ، يُجيب من مادّة «جوب» وهو مراجعة الكلام (1) . يقال: أَجاب عن سؤاله (2) . ولا يُسمّى جوابا إِلّا بعد طلب (3) . المجيب ، هو الذي يقابل الدعاء والسؤال بالقبول والعطاء (4) .
المجيب في القرآن والحديثلقد وردت مشتقّات مادّة «جوب» أربع عشرة مرّةً بالنسبة إلى اللّه تعالى في القرآن الكريم؛ وجاءت صفة «المجيب» مرّةً واحدةً في الآية الكريمة : «إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ» (5) .
.
ص: 148
وقد استعمل القرآن والأحاديث صفة «المجيب» والأفعال المتعلّقة به في الدعاء والطلب ، واللّه يُجيب الداعين والمحتاجين والمضطرّين والتوّابين ويقضي حوائجهم .
67 / 1مُجيبُ الدَّعَواتِالكتاب«إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ» . (1)
«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» . (2)
«وَ قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ» . (3)
«إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَ_ئِكَةِ مُرْدِفِينَ» . (4)
«فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» . (5)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا مَن هُوَ لِمَن دَعاهُ مُجيبٌ. (6)
.
ص: 149
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ رَفيعَ الدَّرَجاتِ ، مُجيبَ الدَّعواتِ ، مُنزِلَ البَرَكاتِ ، مِن فَوقِ سَبعِ سَماواتٍ ، مُعطِيَ السُّؤالاتِ ، ومُبَدِّلَ السَّيِّئاتِ بِالحَسَناتِ ، وجاعِلَ الحَسَناتِ دَرَجاتٍ . (1)
عنه عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ المُجيبُ لِمَن ناداهُ بِأَخفَضِ صَوتِهِ ، السَّميعُ لِمَن ناجاهُ لِأَغمَضِ سِرِّهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ . . . يا مَن عَلى كُلِّ شَيءٍ رَقيبٌ ، وعَلى كُلِّ شَيءٍ حَسيبٌ ، ومِن كُلِّ عَبدٍ قَريبٌ ، ولِكُلِّ دَعوَةٍ مُستَجيبٌ . (3)
67 / 2مُجيبُ المُضطَرّينَالكتاب«أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعائِهِ لَيلَةَ الأَحزابِ _: يا صَريخَ المَكروبينَ (5) ، ويا مُجيبَ المُضطَرّينَ ، ويا كاشِفَ الكَربِ العَظيمِ . (6)
.
ص: 150
عنه صلى الله عليه و آله :يا مُجيبَ مَن لا مُجيبَ لَهُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :هُوَ اللّهُ أَسرَعُ الحاسِبينَ وأَجوَدُ المُفضِلينَ ، المُستَجيبُ دَعوَةَ المُضطَرّينَ وَالطَّالِبينَ إِلى وَجهِهِ الكَريمِ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ دُعاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لَيلَةَ الأَحزابِ : يا صَريخَ المَكروبينَ ويا مُجيبَ دَعوَةِ المُضطَرّينَ . (3)
67 / 3مُجيبُ التَّوّابينَالإمام عليّ عليه السلام :يا غِياثَ المُستَغيثينَ أَغِثني ، يا مُعينَ المُؤمِنينَ أَعِنّي ، يا مُجيبَ التَّوّابينَ تُب عَلَيَّ ، إِنَّكَ أَنتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ . (4)
67 / 4مُجيبٌ ما أَسمَعَهُالإمام زين العابدين عليه السلام :سُبحانَهُ مِن خالِقٍ ما أَصنَعَهُ ، ورازِقٍ ما أَوسَعَهُ ، وقَريبٍ ما أَرفَعَهُ ، ومُجيبٍ ما أَسمَعَهُ ، وعَزيزٍ ما أَمنَعَهُ (5) . (6)
.
ص: 151
67 / 5مُجيبٌ لا يَسأَمُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنَّكَ حَيٌّ لا تَموتُ ، وصادِقٌ لا تَكذِبُ ، وقاهِرٌ لا تُقهَرُ ، وبَديءٌ لاتَنفَدُ ، وقَريبٌ لا تَبعُدُ ، وقادِرٌ لا تُضادُّ ، وغافِرٌ لا تَظلِمُ ، وصَمَدٌ لا تَطعَمُ ، وقَيّومٌ لاتَنامُ ، ومُجيبٌ لا تَسأَمُ ، وجَبّارٌ لا تُعانُ . (1)
.
ص: 152
. .
ص: 153
الفصل الثامن والستون: المحيطالمحيط لغةً«المحيط» اسم فاعل من أَحاط ، يُحيط ، من مادّة «حوط» وهو الشيء يُطيف بالشيء. الحوط : شيء مستدير تعلّقه المرأَة على جبينها ، من فضّة (1) . الحائط : الجدار ؛ لأَنّه يحوط مافيه (2) . أَحاط القوم بالبلد إِحاطةً: استداروا بجوانبه (3) ، ثمّ يستعمل في الحفظ والصيانة . قال ابن الأَثير : حاطه ، يحوطه حوطا وحياطةً : إِذا حفظه وصانه وذبّ عنه وتوفّر على مصالحه (4) . والمناسبة بين الإطافة والاستدارة وبين الحفظ والصيانة واضحة؛ كأنّ الحافظ
.
ص: 154
بإطافته واستدراته بالشيء يحفظه من الآفات و الأَخطار . أَحطتُ به علما ، أَي : أَحدق علمي به من جميع جهاته وعرفته (1) ، ولم يفته شيء منها (2) .
المحيط في القرآن والحديثلقد وردت مشتقّات مادّة «حوط» منسوبةً إِلى اللّه سبحانه في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرّةً ، فقد جاءت صفة «المحيط» ثلاث مرّات في قوله: «بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» (3) ، ومرّتين بقوله: «بِكُلِّ شَىْ ءٍ مُّحِيط» (4) ، ومرّة واحدة بلفظ «بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» (5) ، ومرّة واحدة أَيضا بلفظ «وَ اللَّهُ مُحِيط بِالْكَ_فِرِينَ» (6) ، ومرّة واحدة بلفظ «مِن وَرَائِهِم مُّحِيط» (7) ، وقد وصف القرآن والأَحاديث اللّه بأنّه محيط بكلّ شيء بما في ذلك النَّاس ، وهذه الإحاطة من حيث العلم والقدرة ، كما في قوله تعالى «وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عِلْمَا» (8) لا بالذات ، لأَنّ الأَماكن محدودة تحويها حدود أَربعة ، فإذا كان بالذات لزمها الحواية. (9)
.
ص: 155
68 / 1مُحيطٌ بِكُلِّ شَيءٍالكتاب«أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ مُّحِيط» . (1)
«وَلِلَّهِ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ مُّحِيطًا» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :حَدَّ الأَشياءَ كُلَّها عِندَ خَلقِهِ إِبانَةً (3) لَها مِن شِبهِهِ وإِبانَةً لَهُ مِن شِبهِها ، لَم يَحلُل فيها فَيُقالَ : هُوَ فيها كائِنٌ ، ولَم يَن ءَ عَنها فَيُقالَ : هُوَ مِنها بائِنٌ (4) ، ولَم يَخلُ مِنها فَيُقالَ لَهُ : أَينَ ، لكِنَّهُ سُبحانَهُ أَحاطَ بِها عِلمُهُ وأَتقَنَها صُنعُهُ وأَحصاها حِفظُهُ ، لَم يَعزُب (5) عَنهُ خَفِيّاتُ غُيوبِ الهَواءِ ولا غَوامِضُ مَكنونِ ظُلَمِ الدُّجى ولا ما فِي السَّماواتِ العُلى إِلَى الأَرَضينَ السُّفلى ، لِكُلِّ شَيءٍ مِنها حافِظٌ ورَقيبٌ ، وكُلُّ شَيءٍ مِنها بِشَيءٍ مُحيطٌ ، وَالمُحيطُ بِما أَحاطَ مِنهَا الواحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ . (6)
عنه عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ يَذكُرُ فيها خَلقَ اللّهِ عز و جل العالَمَ _: أَحالَ الأَشياءَ لأَوقاتِها ، ولَأَمَ (7)
.
ص: 156
بَينَ مُختَلِفاتِها ، وغَرَّزَ غَرائِزَها (1) ، وأَلزَمَها أَشباحَها ، عالِما بِها قَبلَ ابتِدائِها ، مُحيطا بِحُدودِها وَانتِهائِها ، عارِفا بِقَرائِنِها وأَحنائِها (2) . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا مِن شَيءٍ كانَ ، ولا مِن شَيءٍ كَوَّنَ ما قَد كانَ ... مُستَشهِدٌ بِكُلِّيَّةِ الأَجناسِ عَلى رُبوبِيَّتِهِ ، وبِعَجزِها عَلى قُدرَتِهِ ، وبِفُطورِها (4) عَلى قِدمَتِهِ ، وبِزَوالِها عَلى بَقائِهِ ، فَلا لَها مَحيصٌ عَن إِدراكِهِ إِيّاها ، ولا خُروجٌ مِن إِحاطَتِهِ بِها ، ولَا احتِجابٌ عَن إِحصائِهِ لَها ، ولَا امتِناعٌ مِن قُدرَتِهِ عَلَيها . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ . . . بِالاِسمِ الأَعظَمِ الأَعظَمِ الأَعظَمِ ، المُحيطِ بِمَلَكوتِ السَّماواتِ وَالأَرضِ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :سُبحانَ مَن هُوَ عالِمٌ لا يَسهو (7) ، سُبحانَ مَن هُوَ مُحيطٌ بِخَلقِهِ لا يَغيبُ ، سُبحانَ مَن هُوَ مُحتَجِبٌ لا يُرى . (8)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ : مَا الفَرقُ بَينَ أَن تَرفَعوا أَيدِيَكُم إِلَى السَّماءِ وبَينَ أَن تَخفِضوها نَحوَ الأَرضِ؟ _: ذلِكَ في عِلمِهِ وإِحاطَتِهِ وقُدرَتِهِ سَواءٌ ، ولكِنَّهُ عز و جل أَمَرَ أَولياءَهُ
.
ص: 157
وعِبادَهُ بِرَفعِ أَيديهِم إِلَى السَّماءِ نَحوَ العَرشِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مَعدِنَ الرِّزقِ ، فَثَبَّتنا ما ثَبَّتَهُ القُرآنُ . (1)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ التّكبيرِ فِي العيدَينِ _: تَقولُ : اللّهُ أَكبَرُ أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ حِفظُكَ ، وقَهَرَ كُلَّ شَيءٍ عِزُّكَ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :أَنتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، وبِكُلِّ شَيءٍ مُحيطٌ ، وبِعِبادِكَ خَبيرٌ بَصيرٌ . (3)
الإمام الجواد عليه السلام :أَسأَ لُكَ بِالعَينِ الَّتي لا تَنامُ ، وبِالحَياةِ الَّتي لا تَموتُ ، وبِنورِ وَجهِكَ الَّذي لا يَطفَأُ ، وبِالاِسمِ الأَكبَرِ الأَكبَرِ الأَكبَرِ ، وبِالاِسمِ الأَعظَمِ الأَعظَمِ الأَعظَمِ الَّذي هُوَ مُحيطٌ بِمَلَكوتِ السَّماواتِ وَالأَرضِ . (4)
الإمام الهادي عليه السلام_ لَمّا قيلَ لَهُ : رُوِيَ لَنا أَنَّ اللّهَ في مَوضِعٍ دونَ مَوضِعٍ _: اِعلَم أَنَّهُ إِذا كانَ فِي السَّماءِ الدُّنيا فَهُوَ كَما هُوَ عَلَى العَرشِ ، وَالأَشياءُ كُلُّها لَهُ سَواءٌ عِلما وقُدرَةً ومُلكا وإِحاطَةً . (5)
.
ص: 158
68 / 2مُحيطٌ بِالنَّاسِالكتاب«وَ إِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَ مَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِى أَرَيْنَ_كَ إِلَا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْءَانِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَا طُغْيَ_نًا كَبِيرًا» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا قالَ لَهُ يَهودِيٌّ : فَأَخبِرني عَنِ اللّهِ عز و جل أَينَ هُوَ؟ _: هُوَ هاهُنا وهاهُنا وفَوقُ وتَحتُ ومُحيطٌ بِنا ومَعَنا ، وهُوَ قَولُهُ : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ» (2) . (3)
عنه عليه السلام :أَمّا قَولُهُ : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ» (4) فَهُوَ كَما قالَ ؛ «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ» يَعني لا تُحيطُ بِهِ الأَوهامُ ، «وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ» يَعني يُحيطُ بِها «وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» . (5)
عنه عليه السلام :قَد أَحاطَ عِلمُ اللّهِ سُبحانَهُ بِالبَواطِنِ وأَحصى الظَّواهِرَ . (6)
عنه عليه السلام :خَرَقَ عِلمُهُ باطِنَ غَيبِ السُّتُراتِ ، وأَحاطَ بِغُموضِ عَقائِدِ السَّريراتِ . (7)
.
ص: 159
الإمام الكاظم عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي وفُلانُ بن فُلانٍ عَبدانِ مِنَ عَبيدِكَ ، نَواصينا (1) بِيَدِكَ ، تَعلَمُ مُستَقَرَّنا ومُستَودَعَنا ، ومُنقَلَبَنا ومَثوانا ، وسِرَّنا وعَلانِيَتَنا ، تَطَّلِعُ عَلى نِيّاتِنا وتُحيطُ بِضَمائِرِنا ، عِلمُكَ بِما نُبديهِ كَعِلمِكَ بِما نُخفيهِ . (2)
68 / 3مُحيطٌ بِالكافِرينَ«أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُ_لُمَ_تٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَ_بِعَهُمْ فِى ءَاذَانِهِم مِّنَ الصَّوَ عِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَ اللَّهُ مُحِيط بِالْكَ_فِرِينَ» . (3)
«بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى تَكْذِيبٍ * وَ اللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيط» . (4)
68 / 4مُحيطٌ بكلِّ شيءٍ عِلماالكتاب«اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَ_وَ تٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عِلْمَا» . (5)
«ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْ_لِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْ_لُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا * كَذَ لِكَ وَ قَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا» . (6)
.
ص: 160
«إِلَا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَ__لَ_تِ رَبِّهِمْ وَ أَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَ أَحْصَى كُلَّ شَىْ ءٍ عَدَدَا» . (1)
«إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْ_ئا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ الَّذي عَلا في تَوَحُّدِهِ ، ودَنا في تَفَرُّدِهِ ، وجَلَّ في سُلطانِهِ ، وعَظُمَ في أَركانِهِ ، وأَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلما وهُوَ في مَكانِهِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :أَشهَدُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، وأَنَّ اللّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلما ، وأَحصى كُلَّ شَيءٍ عَدَدا ، وأَحاطَ بِالبَرِيَّةِ خُبرا . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِرَحمَتِكَ الَّتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ ، وبِعِزَّتِكَ الَّتي قَهَرَت كُلَّ شَيءٍ ، وبِعِزَّتِكَ (5) الَّتي ذَلَّ لَها كُلُّ شَيءٍ ، وبِقُوَّتِكَ الَّتي لا يَقومُ لَها شَيءٌ، وبِسُلطانِكَ الَّذي عَلا كُلَّ شَيءٍ ، وبِعِلمِكَ الَّذي أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ . (6)
.
ص: 161
الإمام عليّ عليه السلام :تَعالَى اللّهُ العَلِيُّ الأَعلى ، عالِمُ كُلِّ خَفِيَّةٍ ، وشاهِدُ كُلِّ نَجوى، لا كَمُشاهَدَةِ شَيءٍ مِنَ الأَشياءِ ، عَلَا (1) السَّماواتِ العُلى إِلَى الأَرَضينَ السُّفلى ، وأَحاطَ بِجَميعِ الأَشياءِ عِلما ، فَعَلَا الَّذي دَنا ودَنَا الَّذي عَلا . (2)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ بِما حَمِدَهُ بِهِ كُرسِيُّهُ (3) وكُلُّ شَيءٍ أَحاطَ بِهِ عِلمُهُ ، وسُبحانَ اللّهِ بِما سَبَّحَهُ بِهِ كُرسِيُّهُ وكُلُّ شَيءٍ أَحاطَ بِهِ عِلمُهُ ، ولا إِلهَ إِلَا اللّهُ بِما هَلَّلَهُ بِهِ كُرسِيُّهُ وكُلُّ شَيءٍ أَحاطَ بِهِ عِلمُهُ ، وَاللّهُ أَكبَرُ بِما كَبَّرَهُ بِهِ كُرسِيُّهُ وكُلُّ شَيءٍ أَحاطَ بِهِ عِلمُهُ . (4)
عنه عليه السلام :كُلُّ عالِمٍ فَمِن بَعدِ جَهلٍ تَعَلَّمَ ، وَاللّهُ لَم يَجهَل ولَم يَتَعَلَّم ، أَحاطَ بِالأَشياءِ عِلما قَبلَ كَونِها فَلَم يَزدَد بِكَونِها عِلما ، عِلمُهُ بِها قَبلَ أَن يُكَوِّنَها كَعِلمِهِ بَعدَ تَكوينِها . (5)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ . . . الجَليلِ ثَناؤُهُ ، الصّادِقَةِ أَسماؤُهُ ، المُحيطِ بِالغُيوبِ وما يَخطُرُ عَلَى القُلوبِ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ . . . أَحَطتَ كُلَّ شَيءٍ بِعِلمِكَ ، وأَحصَيتَ كُلَّ شَيءٍ عَدَدا . (7)
.
ص: 162
الإمام الكاظم عليه السلام :إِنَّ اللّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلما وأَحصى كُلَ شَيءٍ عَدَدا. (1)
الإمام المهديّ عليه السلام_ في قُنوتِهِ _: يا مَن أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلما ، يا مَن أَحصى كُلَّ شَيءٍ عَدَدا . (2)
المزار الكبير_ فِي الدُّعاءِ بِمَسجِدِ قُبا _: . . . لا لَكَ حالٌ سَبَقَ حالاً فَتَكونَ أَوَّلاً قَبلَ أَن تَكونَ آخِرا ، وتَكونَ ظاهِرا قَبلَ أَن تَكونَ باطِنا ، أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمُكَ ، وأَحصى كُلَّ شَيءٍ غَيبُكَ . (3)
68 / 5مُحيطٌ بكلِّ شيءٍ قُدرَةًالكتاب«وَ أُخْرَى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَ كَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرًا» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ بِما وارَتِ (5) الحُجُبُ مِن جَلالِكَ وجَمالِكَ ، وبِما أَطافَ بِهِ العَرشُ مِن بَهاءِ كَمالِكَ ، وبِمَعاقِدِ العِزِّ مِن عَرشِكَ ، وبِما تُحيطُ بِهِ قُدرَتُكَ مِن مَلَكوتِ سُلطانِكَ ... (6)
.
ص: 163
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ» (1) _: هُوَ واحِدٌ وأَحَدِيُّ الذَّاتِ ، بائِنٌ مِن خَلقِهِ وبِذاكَ وَصَفَ نَفسَهُ ، وهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ مُحيطٌ بِالإِشرافِ وَالإِحاطَةِ وَالقُدرَةِ «لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَ_وَ تِ وَ لَا فِى الْأَرْضِ وَ لَا أَصْغَرُ مِن ذَ لِكَ وَ لَا أَكْبَرُ» (2) بِالإِحاطَةِ وَالعِلمِ لا بِالذَّاتِ ، لِأَنَّ الأَماكِنَ مَحدودَةٌ تَحويها حُدودٌ أَربَعَةٌ ، فَإذا كانَ بِالذَّاتِ لَزِمَهَا الحَوايَةُ . (3)
68 / 6مُحيطٌ غَيرَ مُحاطٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في حِرزٍ لَهُ _: أَعوذُ بِاللّهِ المُحيطِ بِكُلِّ شَيءٍ ولا يُحيطُ بِهِ شَيءٌ ، وهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ مُحيطٌ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ . . . لا تُدرِكُهُ حَدَقُ (5) النّاظِرينَ ، ولا يُحيطُ بِسَمعِهِ سَمعُ السّامِعينَ . (6)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في قُنوتِهِ _: ثَنَتِ الأَلبابُ (7) عَن كُنهِكَ (8) أَعِنَّتَها (9) ، فَأَنتَ المُدرِكُ غَيرَ المُدرَكِ ، وَالمُحيطُ غَيرَ المُحاطِ . (10)
.
ص: 164
التوحيد عن يعقوب السرّاج :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : إِنَّ بَعضَ أَصحابِنا يَزعُمُ أَنَّ للّهِِ صورَةً مِثلَ صورَةِ الإِنسانِ ، وقالَ آخَرُ : إِنَّهُ في صورَةِ أَمرَدَ (1) جَعدٍ (2) قَطَطٍ (3) ، فَخَرَّ أَبو عَبدِاللّهِ ساجِدا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ . فَقالَ : سُبحانَ اللّهِ الَّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ولا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ولا يُحيطُ بِهِ عِلمٌ ، لَم يَلِد لِأَنَّ الوَلَدَ يُشبِهُ أَباهُ ، ولَم يولَد فَيُشبِهَ مَن كانَ قَبلَهُ ، ولَم يَكُن لَهُ مِن خَلقِهِ كُفُوا أَحَدٌ ، تَعالى عَن صِفَةِ مَن سِواهُ عُلُوّا كَبيرا . (4)
الكافي عن عليّ بن أبي حمزة :قُلتُ لِأَبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : سَمِعتُ هِشامَ بنَ الحَكَمِ يَروي عَنكُم : إِنَّ اللّهَ جِسمٌ ، صَمَدِيٌّ نورِيٌّ ، مَعرِفَتُهُ ضَرورَةٌ ، يَمُنُّ بِها عَلى مَن يَشاءُ مِن خَلقِهِ . فَقالَ عليه السلام : سُبحانَ مَن لا يَعلَمُ أَحَدٌ كَيفَ هُوَ إِلّا هُوَ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، لا يُحَدُّ ولا يُحَسُّ ولا يُجَسُّ (5) ولا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ولَا الحَواسُّ ولا يُحيطُ بِهِ شَيءٌ ، ولا جِسمٌ ولا صورَةٌ ولا تَخطيطٌ ولا تَحديدٌ . (6)
الإمام الكاظم عليه السلام :إِنَّ اللّهَ تَعالى واحِدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ لَم يَلِد فَيورَثَ ولَم يُولَد فَيُشارَكَ ، ولَم يَتَّخِذ صاحِبَةً ولا وَلَدا . . . ولا تَقَعُ عَلَيهِ الأَوهامُ ولا تُحيطُ بِهِ الأَقطارُ ، ولا يَحويهِ
.
ص: 165
مَكانٌ ولا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ، وهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ فاطِرِ الأَشياءِ إِنشاءً . . . لا تَضبِطُهُ العُقولُ ولا تَبلُغُهُ الأَوهامُ ، ولا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ولا يُحيطُ بِهِ مِقدارٌ . (2)
.
ص: 166
. .
ص: 167
الفصل التاسع والستون: المحيي ، المميتالمحيي و المميت لغةً«المحيي» اسم فاعل من أَحيا ، يُحيي، من مادّة «حيّ» وهو يدلّ على خلاف الموت (1) . «المميت» اسم فاعل من أَمات ، يُميت ، من مادّة «موت» وهو يدلّ على ذهاب القوّة من الشيء. منه الموت خلاف الحياة (2) . فالمحيي والمميت هو الذي أَعطى الحياة والموت .
المحيي والمميت في القرآن والحديثوردت صفة «المحيي» في القرآن الكريم مرّتين ، ولفظها «لَمُحْىِ الْمَوْتَى» (3) ، ونُسبت صفة الإحياء إِلى اللّه بشكل فعليّ سبعا وأَربعين مرّةً ، ولم ترد صفة «المميت» في القرآن الكريم، أَمّا صفة الإماتة فقد نُسبت إِلى اللّه سبحانه بشكل فعليّ عشرين مرّةً. وقد تكرّرت عبارة «يُحيي ويُميت» في القرآن الكريم تسع مرّات (4) ، وجاء
.
ص: 168
مضمون جملة «يُحيي اللّه الموتى» سبع مرّات (1) ، ومعنى «إِخراج الحيّ من الميّت» وبالعكس في أَربع آيات (2) ، ومعنى «إِحياء الأَرض بعد موتها» تسع مرّات (3) . لقد ذكر القرآن الكريم والأَحاديث أَنّ اللّه تعالى مصدر الحياة والموت ، لكنّ الحياة والموت وردا بمعنيين ظاهريّ ومعنويّ ، والقصد من الحياة والموت الظاهريّين حياة الأَرض والنبات والحيوان والإنسان وموتها ، ومن آثار هذه الحياة التغذّي ، والنموّ ، والإدراك ، والقدرة ، ومن آثار الموت الظاهريّ انعدام آثار الحياة الظاهريّة. أَمّا الحياة والموت المعنويّان فهما حياة القلوب وموتها إِذ إِنّ مصدر الحياة المعنويّة الحكمة والفضائل الأَخلاقيّة وعناية اللّه ومصدر الموت المعنويّ اتّباع الأَهواء ، والمعاصي ، والجهل . إِنّ اللّه _ جلّ شأنه _ منشئ الحياة والموت الظاهريّين ، وكذلك منشئ الحياة المعنويّة. أَمّا مصدر الموت المعنويّ فالإنسان نفسه وإِرادته للسوء .
راجع : ج 4 ص 165 (الفصل الحادي والعشرون : الحيّ) .
69 / 1يُحيي ويُميتُالكتاب«لَهُ مُلْكُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ يُحْىِ وَ يُمِيتُ وَ هُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» . (4)
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِى حَاجَّ إِبْرَ هِيمَ فِى رَبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَ هِيمُ رَبِّىَ الَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ
.
ص: 169
قَالَ أَنَا أُحْىِ وَ أُمِيتُ قَالَ إِبْرَ هِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّ__لِمِينَ * أَوْ كَالَّذِى مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْىِ هَ_ذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَ هِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَ_كِن لِّيَطْمَ_ئِنَّ قَلْبِى قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا مُنشِئَ كُلِّ شَيءٍ ومُقَدِّرَهُ ، يا مُكَوِّنَ كُلِّ شَيءٍ ومُحَوِّلَهُ ، يا مُحيِيَ كُلِّ شَيءٍ ومُميتَهُ ، يا خالِقَ كُلِّ شِيءٍ ووارِثَهُ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا مُميتَ كُلِّ شَيءٍ ووارِثَهُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أَنتَ المُحيي لِلأَمواتِ ، وَالمُميتُ لِلأَحياءِ ، وَالقادِرُ عَلى ما تَشاءُ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن وَصِيَّتِهِ لِوَلَدِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: اِعلَم أَنَّ مالِكَ المَوتِ هُوَ مالِكُ الحَياةِ ، وأَنَّ الخالِقَ هُوَ المُميتُ ، وأَنَّ المُفنِيَ هُوَ المُعيدُ . (5)
.
ص: 170
69 / 2يُحيِي الأَرضَ«فَانظُرْ إِلَى ءَاثَ_رِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَ لِكَ لَمُحْىِ الْمَوْتَى وَ هُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» . (1)
«وَ اللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأَيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» . (2)
راجع : البقرة : 164 ، الفرقان : 49 ، العنكبوت : 63 ، الروم : 19 و 24 ، فاطر : 9 ، يس : 33 ، الجاثية : 5 ، الحديد : 17 .
69 / 3يُحيِي المَوتىالكتاب«ذَ لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْىِ الْمَوْتَى وَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» . (3)
«وَ ضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَ نَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْىِ الْعِظَ_مَ وَ هِىَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» . (4)
«اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَ لِكُم مِّن شَىْ ءٍ سُبْحَ_نَهُ وَ تَعَ_لَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» . (5)
«وَ هُوَ الَّذِى أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْاءِنسَ_نَ لَكَفُورٌ» . (6)
.
ص: 171
«وَ قَالُواْ مَا هِىَ إِلَا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَ نَحْيَا وَ مَا يُهْلِكُنَا إِلَا الدَّهْرُ وَ مَا لَهُم بِذَ لِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَا يَظُنُّونَ * وَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَ_تُنَا بَيِّنَ_تٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَا أَن قَالُواْ ائْتُواْ بِ_ئابَائِنَا إِن كُنتُمْ صَ_دِقِينَ * قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَ_مَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَ_كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» . (1)
«كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنتُمْ أَمْوَ تًا فَأَحْيَ_كُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» . (2)
«قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ» . (3)
الحديثفاطمة عليهاالسلام_ مِن دُعائِها عَقيبَ الصَّلَواتِ _: تَبارَكتَ يا مُحصِيَ قَطرِ المَطَرِ ، ووَرَقِ الشَّجَرِ ، ومُحيِيَ أَجسادِ المَوتى لِلحَشرِ (4) . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :هَب لي يا إِلهي فَرَجا بِالقُدرَةِ الَّتي بِها تُحيي أَمواتَ العِبادِ ، وبِها تَنشُرُ (6) مَيتَ البِلادِ . (7)
عنه عليه السلام :أَسأَ لُكَ اللّهُمَّ بِاسمِكَ الَّذي تَقومُ بِهِ السَّماواتُ وتَقومُ بِهِ الأَرَضونَ ، وبِهِ أَحصَيتَ كَيلَ البُحورِ ووَزنَ الجِبالِ ، وبِهِ تُميتُ الأَحياءَ وبِهِ تُحيِي المَوتى ، وبِهِ تُنشِئُ السَّحابَ . (8)
.
ص: 172
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إِنَّكَ تُبرِئُ الأَكمَهَ (1) وَالأَبرَصَ (2) ، وتُحيِي العِظامَ وهِيَ رَميمٌ (3) . (4)
عنه عليه السلام :أَماتَ اللّهُ إِرمِيا النَّبِيَّ عليه السلام الَّذي نَظَرَ إِلى خَرابِ بَيتِ المَقدِسِ وما حَولَهُ حينَ غَزاهُم بُختُ نُصَّرُ (5) وقالَ : «أَنَّى يُحْىِ هَ_ذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ» (6) ، ثُمَّ أَحياهُ ، ونَظَرَ إِلى أَعضائِهِ كَيفَ تَلتَئِمُ وكَيفَ تَلبَسُ اللَّحمَ ، وإِلى مَفاصِلِهِ وعُروقِهِ كَيفَ توصَلُ! فَلَمَّا استَوى قاعِدا قالَ : «أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» (7) . وأَحيَا اللّهُ قَوما خَرَجوا عَن أَوطانِهِم هارِبينَ مِنَ الطّاعونِ لا يُحصى عَدَدُهُم ، فَأَماتَهُمُ اللّهُ دَهرا طَويلاً حَتّى بَلِيَت عِظامُهُم وتَقَطَّعَت أَوصالُهُم وصاروا تُرابا ، فَبَعَثَ اللّهُ تَعالى _ في وَقتٍ أَحَبَّ أَن يُرِيَ خَلقَهُ قُدرَتَهُ _ نَبِيّا يُقالُ لَهُ: حِزقيلُ ، فَدَعاهُم فَاجتَمَعَت أَبدانُهُم ورَجَعَت فيها أَرواحُهُم ، وقاموا كَهَيئَةِ يَومٍ ماتوا لا يَفقِدونَ مِن أَعدادِهِم رَجُلاً ، فَعاشوا بَعدَ ذلِكَ دَهرا طَويلاً . وإِنَّ اللّهَ أَماتَ قَوما خَرَجوا مَعَ موسى عليه السلام حينَ تَوَجَّهَ إِلَى اللّهِ عز و جل فَقالوا : «أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً» (8) فَأَماتَهُمُ اللّهُ ثُمَّ أَحياهُم. 9
.
ص: 173
69 / 4يَحيِي القُلوبَ المَيتَةَالكتاب«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» . (1)
«مَنْ عَمِلَ صَ__لِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» . (2)
«أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَ_هُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِى الظُّ_لُمَ_تِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَ لِكَ زُيِّنَ لِلْكَ_فِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ لُقمانَ قالَ لِابنِهِ : يا بُنَيَّ عَلَيكَ بِمَجالِسِ العُلَماءِ وَاستَمِع كَلامَ الحُكَماءِ ، فَإِنَّ اللّهَ يُحيِي القَلبَ المَيِّتَ بِنورِ الحِكمَةِ كَما يُحيِي الأَرضَ المَيتَةَ بِوابِلِ المَطَرِ . (4)
يوسف عليه السلام :يا مَن يُحيِي المَوتى وهُوَ عَلَيهِ يَسيرٌ . (5)
.
ص: 174
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا مُحيِيَ كُلِّ نَفسٍ بَعدَ المَوتِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :يا مُثبِتَ أَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ ، يا مُحيِيَ أهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ ، يا مُميتَ أهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ . (2)
.
ص: 175
الفصل السبعون: المخرجالمُخرِج لغةً«المخرِج» اسم فاعل من أَخرج ، يُخرج ، من مادّة «خرج» نقيض «دخل» ، فالخروج نقيض الدخول (1) ؛ المخرج هو الذي أَخرج الشيء من الشيء.
المُخرِج في القرآن والحديثلقد نسب القرآن الكريم مشتقّات «خرج» إِلى اللّه اثنتين وخمسين مرّة ، و وردت صفة «المخرج» ثلاث مرّات في قوله تعالى : «وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ» (2) ، وقوله: «إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّاتَحْذَرُونَ» (3) ، وقوله: «مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَىِّ» (4) ، وقد نسب القرآن والأَحاديث إِلى اللّه سبحانه إِخراج الشيء من الشيء بأَشكال مختلفة ، يمكننا في تقسيم عام أَنّ نقسّم هذه الصور إِلى قسمين هما: الإخراج المادّي ،
.
ص: 176
والإخراج المعنويّ ، ومن القسم الأَوّل لنا أَن نشير إِلى الآية الكريمة: «مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَىِّ» ، والحديث: «مُخرِجُ المَوجودِ مِنَ العَدَمِ» (1) ، ومن القسم الثاني لنا أَن نشير إِلى الآية الكريمة : «هُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ ءَايَ_ت بَيِّنَ_تٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّ_لُمَ_تِ إِلَى النُّورِ» (2) ، والنوع الأَخير مشروط باختيار العبد وتقواه .
70 / 1يُخرِجُ الخَب ءَ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ«أَلَا يَسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِى يُخْرِجُ الْخَبْ ءَ فِى السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَ مَا تُعْلِنُونَ» . (3)
70 / 2الكتابيُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ ومخرج النفس من النفس؟؟؟«تُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» . (4)
«إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَىِّ ذَ لِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ» . (5)
راجع : يونس : 31 ، الروم : 19 .
.
ص: 177
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: أَنتَ سَيِّدي ... فالِقُ الحَبِّ وَالنَّوى ، مولِجُ اللَّيلِ فِي النَّهارِ ومولِجُ النَّهارِ فِي اللَّيلِ ، ومُخرِجُ الحَيِّ مِنَ المَيِّتِ ومُخرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ . (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ مُخرِجَ الوَلَدِ مِنَ الرَّحِمِ ، ورَبَّ الشَّفعِ (2) وَالوَترِ ، سَخِّر لي ما أُريدُ مِن دُنيايَ وآخِرَتي . (3)
عيسى عليه السلام :اللّهُمَّ خالِقَ النَّفسِ مِنَ النَّفسِ ، ومُخرِجَ النَّفسِ مِنَ النَّفسِ ، ومُخَلِّصَ النَّفسِ مِنَ النَّفسِ ، فَرِّج عَنّا وخَلِّصنا مِن شِدَّتِنا . (4)
70 / 3يُخرِجُ الأَمواتَ مِنَ الأَرضِ«وَ اللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَ يُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا» . (5)
70 / 4يُخرِجُ ما فِي الصُّدورِ«يَحْذَرُ الْمُنَ_فِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِى قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِءُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّاتَحْذَرُونَ» . (6)
.
ص: 178
«وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّ رَءْتُمْ فِيهَا وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ» . (1)
70 / 5يُخرِجُ المَرعى«سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِى خَلَقَ فَسَوَّى * وَ الَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى * وَ الَّذِى أَخْرَجَ الْمَرْعَى» . (2)
70 / 6يُخرِجُ الماءَ مِنَ الأَرضِ«ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَ أَغْطَشَ لَيْلَهَا وَ أَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذَ لِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَ مَرْعَاهَا» . (3)
70 / 7يُخرِجُ الزِّينَةَ«قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَ الطَّيِّبَ_تِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الاْيَ_تِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» . (4)
70 / 8يُخرِجُ الثَّمَراتِالكتاب«الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَ شًا وَالسَّمَاءَ بِنَ_اءً وَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَ تِ رِزْقًا
.
ص: 179
لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَ أَنتُمْ تَعْلَمُونَ» . (1)
«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَ_تِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ ... يا مُنبِتَ الأَشجارِ فِي الأَرضِ القِفارِ (3) ، يا مُخرِجَ النَّباتِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبِحَمدِكَ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، أَستَغفِرُكَ وأَتوبُ إِلَيكَ ، أَنتَ الرَّؤوفُ وإِلَيكَ المَرغَبُ ، تُنزِلُ الغَيثَ بِقَدرِ الأَقواتِ ، وأَنتَ قاسِمُ المَعاشِ ، قاضِي الآجالِ ، رازِقُ العِبادِ ، مُروِي البِلادِ ، مُخرِجُ الثَّمَراتِ ، عَظيمُ البَرَكاتِ . (5)
70 / 9يُخرِجُ المُؤمِنينَ مِنَ الظُّلُماتِ إلَى النُّورِ«هُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ ءَايَ_ت بَيِّنَ_تٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّ_لُمَ_تِ إِلَى النُّورِ وَ إِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ» . (6)
«هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَ مَلَ_ئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّ_لُمَ_تِ إِلَى النُّورِ وَ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» . (7)
«قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَّسُولًا يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ ءَايَ_تِ اللَّهِ مُبَيِّنَ_تٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ
.
ص: 180
الصَّ__لِحَ_تِ مِنَ الظُّ_لُمَ_تِ إِلَى النُّورِ» . (1)
«يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَ نَهُ سُبُلَ السَّلَ_مِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّ_لُمَ_تِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ» . (2)
70 / 10يُخرِجُ لِلإِنسانِ كِتابَ أَعمالِهِ«وَ كُلَّ إِنسَ_نٍ أَلْزَمْنَ_هُ طَ_ئِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ كِتَ_بًا يَلْقَ_ل_هُ مَنشُورًا» . (3)
70 / 11يُخرِجُ الشَّيءَ مِن حَدِّ العَدَمِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا مَن خَلَقَ الأَشياءَ مِنَ العَدَمِ . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ خالِقِ أَمشاجِ النَّسَمِ ، ومولِجِ الأَنوارِ فِي الظُّلَمِ ، ومُخرِجِ المَوجودِ مِنَ العَدَمِ ، وَالسَّابِقِ الأَزَلِيَّةِ بِالقِدَمِ . (5)
70 / 12يُخرِجُ البَرَكاتِالإمام المهدي عليه السلام_ مِن دُعائِهِ عِندَ ظُهورِهِ _: لا إِلهَ إِلَا اللّهُ حَقّا حَقّا ... يا مُنشِرَ الرَّحمَةِ مِن مَواضِعِها ومُخرِجَ البَرَكاتِ مِن مَعادِنِها . (6)
.
ص: 181
الفصل الحادي والسبعون: المخزيالمُخزي لغةً«المخزي» اسم فاعل من أَخزى ، يُخزي من مادّة «خزي» وهو يدلّ على الإبعاد (1) . خَزِيَ ، يَخزَى خزيا ، أَي : ذلّ وهان ووقع في بليّةٍ ، وأَخزاه اللّه : أَبعده ومَقَته وأَذلّه وأَهانَه وقهَره (2) . ومن هذا الباب قولهم : خَزِي الرجل : استحيا من قُبح فعله ، خزايةً ، فهو خزيان ، وذلك أَنّه إِذا فعل ذلك واستحيا ، تباعد ونأى (3) .
المخزي في القرآن والحديثنُسبت مشتقّات «خزي» إِلى اللّه تعالى في القرآن الكريم تسع مرّات صراحة (4) ، وإثنا عشر مرّة تلويحا. 5 لقد وردت صفة «المخزي» مرّةً واحدةً في قوله سبحانه : «وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِى
.
ص: 182
الْكَ_فِرِينَ» (1) ومن الحريّ بالذكر أَنّ «الخزي» في الحقيقة انعكاس لعمل غير صالح في النظام التشريعيّ أَو التكوينيّ ، وهو يحيق بالخاطئين في الدنيا أَو الآخرة ، لذا نلاحظ في القرآن والأَحاديث في سياق وصف اللّه بصفة «المخزي» _ أَنّها تشير إِلى سبب صدور فعل الإخزاء من اللّه أَيضا مثل: «مُخْزِى الْكَ_فِرِينَ» ، و مخزي الظالمين ، و مخزي الفاسقين، و مخزي المعاندين .
71 / 1مُخزِي الكافِرينَ«بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَ_هَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِى الأَْرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِى الْكَ_فِرِينَ» . (2)
71 / 2مُخزِي المكذِّبِين«كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْىَ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ لَعَذَابُ الْاخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ» . (3)
71 / 3مُخزِي الْمُسْتَكْبِرين«فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُواْ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ قَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ كَانُواْ بِ_ئايَ_تِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِى أَيَّامٍ
.
ص: 183
نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ لَعَذَابُ الْأَخِرَةِ أَخْزَى وَ هُمْ لَا يُنصَرُونَ» . (1)
71 / 4مُخزِي الْمُضِلّين«وَ مِنَ النَّاسِ مَن يُجَ_دِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لَا هُدًى وَ لَا كِتَ_بٍ مُّنِيرٍ * ثَانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ» . (2)
71 / 5مُخزِي الفاسِقينَالكتاب«مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِيُخْزِىَ الْفَ_سِقِينَ» . (3)
الحديثالاحتجاج عن سعد بن عبداللّه القمّي_ في أَسئِلَتِهِ لِلإِمامِ المَهدِيِّ عليه السلام _: قُلتُ: أَخبِرني عَنِ الفاحِشَةِ المُبَيَّنَةِ الَّتي إِذا فَعَلَتِ المَرأَةُ تِلكَ ، يَجوزُ لِبَعلِها أن يُخرِجَها مِن بَيتِهِ في أَيّامٍ عِدَّتِها؟ فَقالَ عليه السلام : تِلكَ الفاحِشَةُ السَّحقُ ... فَيَجِبُ عَلَيهَا الرَّجمُ ، وَالرَّجمُ هُوَ الخِزيُ ، ومَن أَمَرَ اللّهُ تَعالى بِرَجمِها فَقَد أَخزاها ، لَيسَ لِأَحَدٍ أَن يُقَرِّبَها . (4)
.
ص: 184
71 / 6مخزي الظالمين«وَ مَنْ أَظْ_لَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَ_جِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعَى فِى خَرَابِهَا أُوْلَ_ئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَا خَائِفِينَ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَ لَهُمْ فِى الْاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ» . (1)
«رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّ__لِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ» . (2)
71 / 7مخزي المحاربين«إِنَّمَا جَزَ ؤُاْ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَ_فٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الْأَرْضِ ذَ لِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ» . (3)
71 / 8لا يُخزِي النَّبِيَّ وَالَّذينَ آمَنوا«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّ_ئاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنَّ_تٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَ_رُ يَوْمَ لَا يُخْزِى اللَّهُ النَّبِىَّ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمَ_نِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَ اغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» . (4)
.
ص: 185
الفصل الثاني والسبعون: المدبّرالمُدبِّر لغةً«المدبّر» اسم فاعل من دبّر ، يدبّر من مادّة «دبر» وهو آخر الشيء وخلفه خلاف قبله ، والتدبير : أَن يدبّر الإنسان أَمرَه ، وذلك أَنّه ينظر إِلى ما تصير عاقبته وآخره ، وهو دبره (1) .
المُدبِّر في القرآن والحديثنسب القرآن الكريم التدبير إِلى اللّه سبحانه بشكل فعليّ أَربع مرّات : «يَدَبِّرُ الْأَمْرَ» (2) . لكنّ صفة «المدبّر» لم ترد فيه . وجاء في القرآن والأَحاديث أَنّ تدبير السَّماوات والأرض والدنيا والآخرة ، وبعامّة كلّ شيء باللّه تعالى ، ويدلّ هذا الموضوع على أَنّ اللّه سبحانه يلاحظ مصلحة كلّ شيء وعاقبته في خلقه وإِدارته .
.
ص: 186
72 / 1مُدَبِّرُ خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِالكتاب«يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ» . (1)
«إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ» . (2)
راجع : الرعد: 2 ، يونس : 32 .
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام :أَنتَ الَّذي قَدَّرتَ كُلَّ شَيءٍ تَقديرا ، ويَسَّرتَ كُلَّ شَيءٍ تَيسيرا ، ودَبَّرتَ ما دونَكَ تَدبيرا . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ بارِئِ خَلقِ المَخلوقينَ بِعِلمِهِ ، ومُصَوِّرِ أَجسادِ العِبادِ بِقُدرَتِهِ ، ومُخالِفِ صُوَرِ مَن خَلَقَ مِن خَلقِهِ ، ونافِخِ الأَرواحِ في خَلقِهِ بِعِلمِهِ ، ومُعَلِّمِ مَن خَلَقَ مِن عِبادِهِ اسمَهُ ، ومُدَبِّرِ خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ بِعَظَمَتِهِ ، الَّذي وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ خَلقُ كُرسِيِّهِ ، وعَلا بِعَظَمَتِهِ فَوقَ الأَعلَينَ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: إِنَّهُ مُدَبِّرٌ لِكُلِّ ما بَرَأَ . (5)
.
ص: 187
72 / 2مُدَبِّرُ أمرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا دَيّانَ (1) العِبادِ ، ومُدَبِّرَ أُمورِهِم بِتَقديرِ أَرزاقِهِم . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الوَلِيِّ الحَميدِ ، الحَكيمِ المَجيدِ ، الفَعّالِ لِما يُريدُ ، عَلّامِ الغُيوبِ ، وخالِقِ الخَلقِ ، ومُنزِلِ القَطرِ ، مُدَبِّرِ أَمرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ . (3)
72 / 3لا يُجاوَزُ المَحتومُ مِن تَدبيرِهِالإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ ... لا يُغالَبُ أَمرُكَ ، ولا يُجاوَزُ المَحتومُ مِن تَدبيرِكَ ، كَيفَ شِئتَ وأَنّى شِئتَ . (4)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ ... أَصبَحنا في قَبضَتِكَ ، يَحوينا مُلكُكَ وسُلطانُكَ ، وتَضُمُّنا مَشيئَتُكَ ، ونَتَصَرَّفُ عَن أَمرِكَ ، ونَتَقَلَّبُ في تَدبيرِكَ . (5)
.
ص: 188
72 / 4ما لا يَكونُ في تَدبيرِهِالإمام الرضا عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ _: مُدَبِّرٌ لا بِحَركَةٍ . (1)
راجع : ج 3 ص 401 (التوحيد في التدبر) .
.
ص: 189
الفصل الثالث والسبعون: المريدالمُريد لغةًإِنّ «المريد» اسم فاعل من أَراد ، يريد من مادّة «رود» وهو يدلّ على مجيء وذهاب من انطلاق في جهةٍ واحدةٍ ، يقال : بعثنا رائدا يرود الكلأ ، أَي : ينظر ويطلب (1) ، وفي هذا الضوء الإرادة بمعنى الطلب ، يسبقها العلم والاطّلاع ودراسة الموضوع وإِمكان الإرادات المتنوّعة .
المريد في القرآن والحديثلقد نسب القرآن الكريم مشتقّات «إِرادة» إِلى اللّه سبحانه زُهاء إِحدى وأَربعين مرّةً (2) ، لكنّ صفة «المريد» لم تُذكَر فيها ، وقد ذهبت الأَحاديث إِلى أَنّ الإرادة مرحلة من مراحل الفعل الإلهيّ المسبوق بالعلم ، وفي الآن ذاته أَكّدت أَنّ الإرادة الإلهيّة هي غير إِرادة الإنسان التي لها أُصولها الخاصّة بها ، ومن أَهمّ النقاط التي
.
ص: 190
ركّزت عليها الأَحاديث هي أَنّ الإرادة ليست كالعلم الذي هو صفة ذاتيّة ، بل هي من صفات الفعل ، وحادثة . لقد قسّمت الأَحاديثُ الإرادةَ الإلهيّةَ قسمين هما : إِرادة حتميّة ؛ وإِرادة غير حتميّة _ فالإرادة الحتميّة هي الإرادة التي لا تقبل النقض ولا مناص من تحقّقها ، أَمّا الإرادة غير الحتميّة فهي الإرادة التي تقبل البداء والتغيير ، وسنتوفّر على دراسة هذا الموضوع في مبحث «البداء» الذي هو من المباحث المتعلّقة بالعدل الإلهيّ .
73 / 1صِفَةُ إرادَتِهِالكافي عن معلّى بن محمّد :سُئِلَ العالِمُ عليه السلام : كَيفَ عِلمُ اللّهِ ؟ قالَ : عَلِمَ وشاءَ وأَرادَ وقَدَّرَ وقَضى وأَمضى ؛ فَأَمضى ما قَضى ، وقَضى ما قَدَّرَ ، وقَدَّرَ ما أَرادَ ، فَبِعِلمِهِ كانَتِ المَشيئَةُ ، وبِمَشيئَتِهِ كانَت الإِرادَةُ ، وبِإِرادَتِهِ كانَ التَّقديرُ ، وبِتَقديرِهِ كانَ القَضاءُ ، وبِقَضائِهِ كانَ الإِمضاءُ ، وَالعِلمُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى المَشيئَةِ ، وَالمَشيئَةُ ثانِيَةٌ ، وَالإِرادَةُ ثالِثَةٌ ، وَالتَّقديرُ واقِعٌ إِلَى القَضاءِ بِالإِمضاءِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام لَمّا سُئِلَ :لَم يَزَلِ اللّهُ مُريدا ؟ قالَ : إِنَّ المُريدَ لا يَكونُ إِلّا لِمُرادٍ مَعَهُ ، لَم يَزَلِ اللّهُ عالِما قادِرا ثُمَّ أَرادَ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :المَشِيئَةُ وَالإِرادَةُ مِن صِفات الأَفعالِ ؛ فَمَن زَعَمَ أَنَّ اللّهَ تَعالى لَم يَزَل
.
ص: 191
مُريدا شائِيا فَلَيسَ بِمُوَحِّدٍ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ الإِرادَةَ مِنَ العِبادِ الضَّميرُ وما يَبدو بَعدَ ذلِكَ مِنَ الفِعلِ ، وأَمّا مِنَ اللّهِ عز و جل فَالإِرادَةُ لِلفِعلِ إِحداثُهُ ، إِنَّما يَقولُ لَهُ : كُن فَيَكونُ بِلا تَعَبٍ ولا كَيفٍ . (2)
الكافي عن صفوان بن يحيى :قُلتُ لِأَبِي الحَسَنِ عليه السلام : أَخبِرني عَنِ الإِرادَةِ مِنَ اللّهِ ومِنَ الخَلقِ ؟ قالَ : فَقالَ : الإِرادَةُ مِنَ الخَلقِ الضَّميرُ وما يَبدو لَهُم بَعدَ ذلِكَ مِنَ الفِعلِ ، وأَمّا مِنَ اللّهِ تَعالى فَإِرادَتُهُ إِحداثُهُ لا غَيرُ ؛ ذلِكَ لِأَنَّهُ لا يُرَوّي ولا يَهُمُّ ولا يَتَفَكَّرُ ، وهذِهِ الصِّفاتُ مَنفِيَّةٌ عَنهُ وهِيَ صِفاتُ الخَلقِ ، فَإِرادَةُ اللّهِ الفِعلُ لا غَيرُ ذلِكَ ، يَقولُ لَهُ : كُن فَيَكونُ ، بِلا لَفظٍ ولا نُطقٍ بِلِسانٍ ولا هِمَّةٍ ولا تَفَكُّرٍ ولا كَيفَ لِذلِكَ ، كَما أَنَّهُ لا كَيفَ لَهُ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا صَعِدَ موسى عليه السلام إِلَى الطّورِ فَناجى رَبَّهُ عز و جل قالَ : يا رَبِّ ، أَرِني خَزائِنَكَ . فَقالَ : يا موسى ، إِنَّما خَزائِني إِذا أَرَدتُ شَيئا أَن أَقولَ لَهُ : «كُن» فَيَكونُ . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: أَنتَ الَّذي أَرَدتَ فَكانَ حَتما
.
ص: 192
ما أَردَتَ ، وقَضَيتَ فَكانَ عَدلاً ما قَضَيتَ ، وحَكَمتَ فَكانَ نَصَفا ما حَكَمتَ . (1)
راجع : ج 3 ص 381 (الفرق بين صفات ذاته وصفات فعله).
73 / 2ما لا تُوصَفُ إرادَتُهُ بِهِالإمام عليّ عليه السلام :شاءَ الأَشياءَ لا بِهِمَّةٍ . . . مُريدٌ لا بِهَمامَةٍ (2) . (3)
عنه عليه السلام :مُريدٌ لا بِهِمَّةٍ ، صانِعٌ لا بِجارِحَةٍ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :ولا لِاءِرادَتِهِ فَصلٌ . (5)
الإمام الكاظم عليه السلام :إِنَّما تَكونُ الأَشياءُ بِإِرادَتِهِ ومَشيئَتِهِ مِن غَيرِ كَلامٍ ، ولا تَرَدُّدٍ في نَفسٍ ، ولا نُطقٍ بِلِسانٍ . (6)
الإمام عليّ عليه السلام :يَقولُ ولا يَلفِظُ . . . ويُريدُ ولا يُضمِرُ . (7)
.
ص: 193
الإمام الرضا عليه السلام :مُريدٌ لا بِعَزيمَةٍ ، شاءَ لا بِهِمَّةٍ . (1)
73 / 3أَقسامُ مَشِيئَتهِ وإرادَتِهِالإمام عليّ عليه السلام :إِنَّ للّهِِ مَشيئَتَينِ : مَشيئَةَ حَتمٍ ، ومَشيئَةَ عَزمٍ ، وكَذلِكَ إِنَّ للّهِِ إِرادَتَينِ : إِرادَةَ عَزمٍ ، وإِرادَةَ حَتمٍ لا تُخطِئُ ، وإِرادَةَ عَزمٍ تُخطِئُ وتُصيبُ (2) ، ولَهُ مِشيئَتانِ : مَشيئَةٌ يَشاءُ ، ومَشيئَةٌ لا يَشاءُ ، يَنهى وهُوَ ما يَشاءُ ، ويَأمُرُ وهُوَ لا يَشاءُ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :شاءَ وأَرادَ ولَم يُحِبَّ ولم يَرضَ ؛ شاءَ ألّا يَكونَ شَيءٌ إِلّا بِعِلمِهِ وأَرادَ مِثلَ ذلِكَ ولَم يُحِبَّ أَن يُقالَ : ثالِثُ ثَلاثَةٍ ولَم يَرضَ لِعِبادِهِ الكُفرَ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام :إِنَ للّهِِ إِرادَتَينِ ومَشيئَتَينِ ؛ إِرادَةَ حَتمٍ وإِرادَةَ عَزمٍ ، يَنهى وهُوَ يَشاءُ ، ويَأمُرُ وهُوَ لا يَشاءُ ، أَوَما رَأَيتَ أنَّهُ نَهى آدَمَ وزَوجَتَهُ أن يَأكُلا مِنَ الشَّجَرَةِ وشاءَ ذلِكَ ؛ ولَو لَم يَشَأ أَن يَأكُلا لَما غَلَبَت مَشيئَتُهُما مَشيئَةَ اللّهِ تَعالى ، وأَمَرَ إِبراهيمَ أَن يَذبَحَ إِسحاقَ (5) ولَم يَشَأ أَن يَذبَحَهُ ، ولَو شاءَ لَما غَلَبَت مَشيئَةُ إِبراهيمَ مَشيئَةَ اللّهِ تَعالى . (6)
.
ص: 194
. .
ص: 195
الفصل الرابع والسبعون: المستعانالمستعان لغةً«المستعان» اسم مفعول من استعان ، يستعين ، من مادّة «عون» ، والعَون : الظهير على الأَمر (1) ، والمستعان هو من يُعتمَد عليه ويُطلَب منه العون .
المستعان في القرآن والحديثنُسبت صفة «المستعان» إِلى اللّه سبحانه مرّتين في القرآن الكريم (2) ، و وردت الاستعانة باللّه بشكلٍ فعلي أَيضا مرّتين (3) . لقد جاء في القرآن والحديث أَنّ اللّه تعالى هو المستعان على الأُمور كلّها وعلى كلّ حال ، بل الاستعانة كلّها منه وترجع إِليه ؛ لأَنّ الحول والقوّة والعون كلّها للّه تعالى ، ولهذا السبب يلزم على عباد اللّه أَن يستعينوا باللّه وحده ، كما جاء في سورة
.
ص: 196
الحمد قوله سبحانه: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» (1) ، علما أَنّ هذا الموضوع لا ينافي الاستعانة بالآخرين على شرط أَن نعتقد أَنّ كلّ استعانة ترجع إِلى اللّه في آخر الأَمر ، ولولا عون اللّه ، ما نفعت إِعانات غيره .
74 / 1المُستَعانُ عَلى كُلِّ حالٍالكتاب«وَ رَبُّنَا الرَّحْمَ_نُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ» . (2)
«قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُواْ بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَ_قِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُ المُستَعانُ عَلى كُلِّ حالٍ . (4)
عنه عليه السلام_ مِنْ خُطبَةٍ لَهُ _: قَدِ اصطَلَحتُم عَلَى الغِلِّ (5) فيما بَينَكُم ، ونَبَتَ المَرعى عَلى دِمَنِكُم (6) ، وتَصافَيتُم عَلى حُبِّ الآمالِ ، وتَعادَيتُم في كَسبِ الأَموالِ . لَقَدِ
.
ص: 197
استَهامَ (1) بِكُمُ الخَبيثُ ، وتاهَ بِكُمُ الغُرورُ ، وَاللّهُ المُستَعانُ عَلى نَفسي وأَنفُسِكُم . (2)
74 / 2المُستَعانُ عَلى كُلِّ أَمرٍالكتاب«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» . (3)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ المُستَعانُ عَلَى الأُمورِ كُلِّها . (4)
عنه عليه السلام :إِذا خَرَجتَ مِن بَيتِكَ تُريدُ الحَجَّ وَالعُمرَةَ إِن شاءَ اللّهُ ، فَادعُ دُعاءَ الفَرَجِ : ... اللّهُمَّ أَنتَ الحامِلُ عَلَى الظَّهرِ (5) ، وَالمُستَعانُ عَلَى الأَمرِ ، اللّهُمَّ بَلِّغنا بَلاغا يَبلُغُ إِلى خَيرٍ ، بَلاغا يَبلُغُ إِلى مَغفِرَتِكَ ورِضوانِكَ ، اللّهُمَّ لاطَيرَ (6) إِلّا طَيرُكَ ، ولا خَيرَ إِلّا خَيرُكَ ، ولا حافِظَ غَيرُكَ . (7)
.
ص: 198
74 / 3وَلَنِعمَ المُستَعانُالإمام زين العابدين عليه السلام :سَيِّدي لَنِعمَ المُجيبُ أَنتَ ، ولَنِعمَ المَدعُوُّ أَنتَ ، ولَنِعمَ المُستَعانُ أَنتَ ، ولَنِعمَ الرَّبُّ أَنتَ ، ولَنِعمَ القادِرُ أَنتَ ، ولَنِعمَ الخالِقُ أَنتَ ، ولَنِعمَ المُبدِئُ أَنتَ ، ولَنِعمَ المُعيدُ أَنتَ ، ولَنِعمَ المُستَغاثُ أَنتَ ، ولَنِعمَ الصَّريخُ أَنتَ . (1)
.
ص: 199
الفصل الخامس والسبعون: المصوّرالمُصوِّر لغةً«المصوِّر» اسم فاعل من صوّر ، يصوّر من مادّة «صور». والصورة: التمثال ، وصورة كلّ مخلوق هي هيئة خلقته (1) ، والمصوِّر هو الذي أَعطى الصورة على الشيء .
المصوِّر في القرآن والحديثنُسبت مشتقّات «التّصوير» إِلى اللّه ستّ مرّات في القرآن الكريم (2) ، و وردت صفة «المصوِّر» مرّةً واحدةً في قوله تعالى: «هُوَ اللَّهُ الْخَ__لِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ» (3) . وجاء في القرآن والأحاديث أَنّ اللّه تعالى مصوّر صور المخلوقين ، وجميع الصور التي صوّرها اللّه سبحانه إِبداعيّة غير مستندة إِلى مثال قبلها . (4)
.
ص: 200
75 / 1مُصَوِّرُ الصُّوَرِالكتاب«هُوَ اللَّهُ الْخَ__لِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» . (1)
«خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ» . (2)
«يَ_أَيُّهَا الْاءِنسَ_نُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِى أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ» . (3)
«وَلَقَدْ خَلَقْنَ_كُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَ_كُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَ_ئِكَةِ اسْجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّ_جِدِينَ» . (4)
«هُوَ الَّذِى يُصَوِّرُكُمْ فِى الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» . (5)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا مَن يَخلُقُ ما يَشاءُ ، يا مَن يَفعَلُ ما يَشاءُ ، يا مَن يَهدي مَن يَشاءُ ، يا مَن يُضِلُّ مَنَ يَشاءُ ، يا مَن يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ ، يا مَن يَغفِرُ لِمَن يَشاءُ ، يا مَن يُعِزُّ مَن يَشاءُ ، يا مَن يُذِلُّ مَن يَشاءُ ، يا مَن يُصَوِّرُ فِي الأَرحامِ ما يَشاءُ ، يا مَن يَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن يَشاءُ . (6)
.
ص: 201
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ بارِىَ خَلقِ المَخلوقينَ بِعِلمِهِ ، ومُصَوِّرِ أَجسادِ العِبادِ بِقُدرَتِهِ ، ومُخالِفِ صُوَرِ مَن خَلَقَ مِن خَلقِهِ ، ونافِخِ الأَرواحِ في خَلقِهِ بِعِلمِهِ . (1)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: هُوَ مُجَسِّمُ الأَجسامِ ومُصَوِّرُ الصُّوَرِ . (2)
75 / 2صِفَةُ تَصويرِهِالإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ بَديعَ (3) السَّماواتِ وَالأَرضِ ... صَوَّرتَ ما صَوَّرتَ مِن غَيرِ مِثالٍ ، وَابتَدَعتَ المُبتَدَعاتِ بِلَا احتِذاءٍ ، أَنتَ الَّذي قَدَّرتَ كُلَّ شَيءٍ تَقديرا ، ويَسَّرتَ كُلَّ شَيءٍ تَيسيرا ودَبَّرتَ ما دونَكَ تَدبيرا . (4)
75 / 3يُصَوِّرُ ولَيسَ بِمُصَوَّرٍالتوحيد عن سهل بن زياد :كَتَبتُ إِلى أَبي مُحَمَّدٍ عليه السلام سَنَةَ خَمسٍ وخَمسينَ ومِئَتَينِ : قَدِ اختَلَفَ يا سَيِّدي أَصحابُنا فِي التَّوحيدِ ؛ مِنهُم مَن يَقولُ : هُوَ جِسمٌ ، ومِنهُم مَن يَقولُ : هُوَ صَورَةٌ ، فَإِن رَأَيتَ يا سَيِّدي أن تُعَلِّمَني مِن ذلِكَ ما أَقِفُ عَلَيهِ ولا أَجوزُهُ فَعَلتَ مُتَطَوِّلاً عَلى عَبدِكَ فَوَقَّعَ بِخَطِّهِ عليه السلام :
.
ص: 202
سَأَلتَ عَنِ التَّوحيدِ وهذا عَنكُم مَعزولٌ ، اللّهُ تَعالى واحِدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ ، لَم يَلِد ولَم يُولَد ، ولَم يَكُن لَهُ كُفُوا أَحَدٌ . خالِقٌ ولَيسَ بِمَخلوقٍ ، يَخلُقُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ ما يَشاءُ مِنَ الأَجسامِ وغَيرِ ذلِكَ ، ويُصَوِّرُ ما يَشاءُ ، ولَيسَ بِمُصَوَّرٍ ، جَلَّ ثَناؤُهُ وتَقَدَّسَت أَسماؤُهُ ، وتَعالى عَن أَن يَكونَ لَهُ شَبيهٌ ، هُوَ لا غَيرُهُ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ . (1)
.
ص: 203
الفصل السادس والسبعون: المفضل ، المتفضّلالمفضل ، المتفضل لغةًإِنّ «المُفضل» اسم فاعل من أَفضل ، يُفضل ، و«المتفضّل» اسم فاعل من تفضّل ، يتفضّل ، كلاهما من مادّة «فضل» ، وهو يدلّ على زيادة في شيء . من ذلك الفضل : الزيادة ، والخير . والإفضال : الإحسان ، والمفضل : المُحسن ، والمتفضّل جاء بمعنى المفضل والمحسن ، وجاء بمعنى الذي يدّعي الفضل على أَقرانه (1) .
المُفضل ، المتفضّل في القرآن والحديثلقد وردت مشتقّات مادّة «فضل» في القرآن الكريم مئة وأربع مرّات ، لكنّ صفتي «المفضل» و «المتفضل» لم تردا فيه . إِنّ اللّه سبحانه في القرآن والأَحاديث مفضل ومتفضّل ، بل هو ذوالفضل العظيم ، فينبغي أَن نقول في توضيح هذا المطلب أَنّ الفضل بمعنى الزيادة ، والمقصود إِعطاء شيء أَكثر من الاستحقاق ، ولمّا لم يكن للموجودات حقّ على اللّه ، ولم تكن النعم
.
ص: 204
التي وهبها اللّه لها في هذا العالم من باب الاستحقاق ، فجميع النعم المُعطاة التي هي نعم عظيمة من باب الفضل . لقد جاءَ في بعض الآيات والأَحاديث أَن اللّه سبحانه ذو فضلٍ على النَّاس كلّهم ، وفي بعضها الآخر ذو فضلٍ على الخاصة منهم كالمؤمنين ، فتشير هاتان الطائفتان من الآيات والأَحاديث إِلى نوعين من الفضل ، أَي : الفضل العامّ الذي يشمل النَّاس بأسرهم ، والفضل الخاصّ الذي يشمل بعض النَّاس الذين يطيعون اللّه تعالى .
76 / 1ذو فَضلٍ عَظيمٍالكتاب«وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ» . (1)
«ذَ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» . (2)
«لِّئَلَا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَ_بِ أَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْ ءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» . (3)
«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّ_ئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» . (4)
«وَلَا تُؤْمِنُواْ إِلَا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَ سِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ
.
ص: 205
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» . (1)
«مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَ_بِ وَ لَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» . (2)
«وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: سُبحانَهُ مِن جوادٍ ما أَفضَلَهُ ، وسُبحانَهُ مِن مُفضِلٍ ما أَنعَمَهُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله_ في خُطبَتِهِ يَومَ الغَديرِ _: قُدّوسٌ سُبُّوحٌ رَبُّ المَلائِكَةِ وَالرّوحِ ، مُتَفَضِّلٌ عَلى جَميعِ مَن بَرَأَهُ (5) ، مُتَطَوِّلٌ عَلى مَن أدناهُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءٍ عَلَّمَهُ أَميرَالمُؤمِنينَ عليه السلام _: يا مُحسِنُ يا مُجمِلُ ، يا مُنعِمُ يا مُفضِلُ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله_ كانَ إِذا أَتاهُ الأَمرُ ممّا يُعجِبُهُ قالَ _: الحَمدُ للّهِِ المُنعِمِ المُفضِلِ ، الَّذي بِنِعمَتِهِ
.
ص: 206
تَتِمُّ الصالِحاتُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ المَعروفِ بِاليَمانِيّ _: أَنتَ المُنعِمُ المُفضِلُ . (2)
عنه عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ الغِياثُ المُغيثُ المُفضِلُ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُ الواسِعُ المُفضِلُ ... هُوَ اللّهُ أَسرَعُ الحاسِبينَ ، وأَجوَدُ المُفضِلينَ. (4)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... أَوسَعِ المُفضِلينَ ، واسِعِ الفَضلِ . (5)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... المَحمودِ بِامتِنانِهِ وبِإِحسانِهِ ، المُتَفَضِّلِ بِعَطائِهِ وجَزيلِ فَوائِدِهِ ، المُوَسِّعِ بِرِزقِهِ ، المُسبِغِ (6) بِنِعَمِهِ ، نَحمَدُهُ عَلى آلائِهِ وتَظاهُرِ نَعمائِهِ . (7)
عنه عليه السلام_ في مُناجاتِهِ _: قَد كُنتَ بي لَطيفا أَيّامَ حَياةِ الدُّنيا يا أَفضَلَ المُنعِمينَ في آلائِهِ ، وأَنعَمَ المُفضِلينَ في نَعمائِهِ ، كَثُرَت أَياديكَ عِندي فَعَجَزتُ عَن إِحصائِها . (8)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ ... أَفضِل عَلَيَّ وأَنتَ خَيرُ المُفضِلينَ . (9)
.
ص: 207
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ المُحسِنِ المُجمِلِ ، المُنعِمِ المُفضِلِ ، ذِي الجَلالِ وَالإِكرامِ ، وذِي الفَواضِلِ العِظامِ وَالنِّعَمِ الجِسامِ . (1)
عنه عليه السلام_ من دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: يا مَن يَمُنُّ بِإِقالَةِ العاثِرينَ ، ويَتَفَضَّلُ بِإِنظارِ الخاطِئينَ . (2)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن عَوَّدَ عِبادَهُ قَبولَ الإِنابَةِ ... ويا مَن ضَمِنَ لَهُم إِجابَةَ الدُّعاءِ ، ويا مَن وَعَدَهُم عَلى نَفسِهِ بِتَفَضُّلِهِ حُسنَ الجَزاءِ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ... وَاجعَل مَخرَجي عَن عِلَّتي إِلى عَفوِكَ ، ومُتَحَوَّلي عَن صَرعَتي إِلى تَجاوُزِكَ ، وخَلاصي مِن كَربي إِلى رَوحِكَ (4) ، وسَلامَتي مِن هذِهِ الشِّدَّةِ إِلى فَرَجِكَ ، إِنَّكَ المُتَفَضِّلُ بِالإِحسانِ ، المُتَطَوِّلُ بِالاِمتِنانِ . (5)
عنه عليه السلام :يا مَن ... أَمَّهُ الخائِفونَ فَوَجَدوهُ مُتَفَضِّلاً . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ المُفضِلُ المَنّانُ . (7)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ الأَسماءِ التِّسعَةِ وَالتِّسعينَ الَّتي مَن أَحصاها دَخَلَ الجَنَّةَ _: إِنَّها لَفي كِتابِ اللّهِ ... أَمّا الَّتي في آلِ عِمرانَ : يا وهّابُ ، يا قائِمُ ، يا صادِقُ ،
.
ص: 208
يا مُنعِمُ ، يا مُتَفَضِّلُ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام_ في دُعاءِ العافِيَةِ _: يا أللّهُ يا وَلِيَّ العافِيَةِ ، وَالمنّانَ بِالعافِيَةِ ، ورازِقَ العافِيَةِ ، وَالمُنعِمَ بالعافِيَةِ ، وَالمُتَفَضِّلَ بِالعافِيَةِ عَلَيَّ وعَلى جَميعِ خَلقِهِ . (2)
الإمام الجواد عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مُتَفَضِّلاً عَلى عِبادِهِ بِالإِحسانِ . (3)
76 / 2ذو فَضلٍ عَلَى المُؤمِنينَالكتاب«وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» . (4)
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ في مُناجاةِ المُريدينَ _: فَيا مَن هُوَ عَلَى المُقبِلينَ عَلَيهِ مُقبِلٌ ، وبِالعَطفِ عَلَيهِم عائِدٌ مُفضِلٌ . (5)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ المَعروفِ بِدُعاءِ أَبي حَمزَةَ الثُّماليِّ _: إِلهي رَبَّيتَني في نِعَمِكَ وإِحسانِكَ صَغيرا ، ونَوَّهتَ بِاسمي كَبيرا ، فَيا مَن رَبّاني فِيالدُّنيا بِإِحسانِهِ وتَفَضُّلِهِ ونِعَمِهِ ، وأَشارَ لي فِي الآخِرَةِ إِلى عَفوِهِ وكَرَمِهِ ... . (6)
.
ص: 209
76 / 3ذو فَضلٍ عَلَى النَّاسِالكتاب«إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَ_كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ» . (1)
«وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَ_كِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَ__لَمِينَ». (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَقولُ اللّهُ تَعالى : تَفَضَّلتُ عَلى عَبدي بِأَربَعِ خِصالٍ : سَلَّطتُ الدّابَّةَ عَلَى الحَبَّةِ ، ولَو لا ذلِكَ لَادَّخَرَهَا المُلوكُ كَما يَدَّخِرونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ ، وأَلقَيتُ النَّتنَ (3) عَلَى الجَسَدِ ، ولَو لا ذلِكَ ما دَفَنَ خَليلٌ خَليلَهُ أَبَدا ، وسَلَّطتُ السَّلوَ عَلَى الحُزنِ ، ولَو لا ذلِكَ لَانقَطَعَ النَّسلُ ، وقَضَيتُ الأَجَلَ وأَطَلتُ الأَمَلَ ، ولَولا ذلِكَ لَخَرِبَتِ الدُّنيا ، ولَم يَتَهَنَّ ذو مَعيشَةٍ بِمَعيشَتِهِ . (4)
جمال الاُسبوع_ في دُعاءِ يَومِ الأَحَدِ _: أَنتَ مَولايَ الَّذي جُدتَ بِالنِّعَمِ قَبلَ استِحقاقِها ، وأَهّلتَ بِتَطَوُّلِكَ غَيرَ مُؤَهِّليها ، لَم يُعازَّك مَنعٌ ، ولا أَكداكَ (5) إِعطاءٌ ، ول_'c7 أَنفَدَ سَعَتَكَ سُؤالُ مُلِحٍّ ، بَل أَدرَرتَ أَرزاقَ عِبادِكَ ، مَنّا مِنكَ وتَطَوُّلاً عَلَيهِم وَتَفَضُّلاً ، اللّهُمَّ كَلَّتِ
.
ص: 210
العِبارَةُ عَن بُلوغِ صِفَتِكَ ، وهَذَى (1) اللِّسانُ عَن نَشرِ مَحامِدِكَ وَتَفَضُّلِكَ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن أَعطى مَن سَأَلَهُ تَحَنُّنَا مِنهُ ورَحمَةً ، ويا مَن أَعطى مَن لَم يَسأَلهُ ومَن لَم يَعرِفهُ ومَن لَم يُؤمِن بِهِ تَفَضُّلاً مِنهُ وكَرَما . (3)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: يا مَن لَم يُعاجِلِ المُسيئينَ ، ولا ينده (4) المُترَفينَ ، ويا مَن يَمُنُّ بِإِقالَةِ (5) العاثِرينَ ، ويَتَفَضَّلُ بِإِنظارِ الخاطِئينَ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن هُوَ كُلَّ يَومٍ في شَأنٍ ، كَما كانَ مِن شَأنِكَ أَن تَفَضَّلتَ عَلَيَّ بِأَن جَعَلتَني مِن أَهلِ إِجابَتِكَ وأَهلِ دينِكَ وأَهلِ دَعوَتِكَ ، ووَفَّقتَني لِذلِكَ في مُبتَدَاَ خَلقي تَفَضُّلاً مِنكَ وكَرَما وجودا ، ثُمَّ أَردَفْتَ الفَضلَ فَضلاً ، وَالجودَ جودا ، وَالكَرَمَ كَرَما ، رَأَفةً مِنكَ ورَحمَةً . (7)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: بَل مَلَكتَ _ يا إِلهي _ أَمرَهُم قَبلَ أَن يَملِكوا عِبادَتَكَ ، وأَعدَدتَ ثَوابَهُم قَبلَ أَن يُفيضوا في طاعَتِكَ ، وذلِكَ أَنَّ سُنَّتَكَ الإِفضالُ ، وعادَتَكَ الإِحسانُ ، وسَبيلَكَ العَفوُ ، فَكُلُّ البَرِيَّةِ مُعتَرِفَةٌ بِأَنَّكَ غَيرُ ظالِمٍ لِمَن عاقَبتَ ،
.
ص: 211
وشاهِدَةٌ بِأَنَّكَ مُتَفَضِّلٌ عَلى مَن عافَيتَ ، وكُلٌّ مُقِرٌّ عَلى نَفسِهِ بِالتَّقصيرِ عَمَّا استَوجَبتَ ، فَلَولا أَنَّ الشَّيطانَ يَختَدِعُهُم عَن طاعَتِكَ ما عَصاكَ عاصٍ ، ولَولا أَنَّهُ صَوَّرَ لَهُمُ الباطِلَ في مِثالِ الحَقِّ ما ضَلَّ عَن طَريقِكَ ضالٌّ ، فَسُبحانَكَ ما أَبيَنَ كَرَمَكَ في مُعامَلَةِ مَن أَطاعَكَ أَو عَصاكَ ، تَشكُر لِلمُطيعِ ما أَنتَ تَوَلَّيتَهُ لَهُ ، وتُملي (1) لِلعاصي فيما تَملِكُ مُعاجَلَتَهُ فيهِ ، أَعطَيتَ كُلّاً مِنهُما ما لَم يَجِب لَهُ ، وتَفَضَّلتَ عَلى كُلٍّ مِنهُما بِما يَقصُرُ عَمَلُهُ عَنهُ . (2)
76 / 4ذو فَضلٍ عَلى أَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن أَياديهِ عَلى أَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ ، يا مَن فَضلُهُ عَلى أَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ ، يا مَن تَفَضُّلُهُ عَلى أَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ ، يا مَن تَعَطُّفُهُ عَلى أَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ ، يا مَن نِعَمُهُ مَبسوطَةٌ عَلى أَهلِ السَّماواتِ وَالأَرضِ يا أللّهُ . (3)
76 / 5رَبَّنا عامِلنا بِفَضلِكَ ولا تُعامِلنا بِعَدلِكَ (4)الكتاب«فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَ_سِرِينَ» . (5)
.
ص: 212
«وَ لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ فِى الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِى مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :... لكِن جَعَلَ [ اللّهُ عز و جل ] حَقَّهُ عَلَى العِبادِ أَن يُطيعوهُ ، وجَعَلَ كَفّارَتَهُم عَلَيهِ بِحُسنِ الثَّوابِ تَفَضُّلاً مِنهُ وتَطَوُّلاً بِكَرَمِهِ ، وَتَوسُّعا بِما هُوَ مِنَ المَزيدِ لَهُ أَهلاً . (2)
عنه عليه السلام :إِلهي إِن كُنتُ غَيرَ مُستَوجِبٍ لِما أَرجو مِن رَحمَتِكَ ، فَأَنتَ أَهلُ التَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِكَرَمِكَ . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مُفضِلُ ، بِفَضلِكَ أَعيشُ ولَكَ أَرجو وعَلَيكَ أَعتَمِدُ ، فَأَوسِع عَلَيَّ مِن فَضلِكَ ، وَارزُقني مِن حَلالِ رِزقِكَ ... يا مُنعِمُ ، بَدَأتَ بِالنِّعَمِ قَبلَ استِحقاقِها وقَبلَ السُّؤالِ بِها ، فَكَذلِكَ إِتمامُها بِالكَمالِ وَالزِّيادَةِ مِن فَضلِكَ ، يا ذَا الإِفضالِ ، يا مُفضِلُ لَولا فَضلُكَ هَلَكنا ، فَلا تُقَصِّر عَنّا فَضلَكَ . (4)
عنه عليه السلام :إِن شاءَ اللّهُ أَن يُعَذِّبَني فَأَنَا عَبدُهُ ، وإِن شاءَ أَن يَرحَمَني فَبِتَفَضُّلٍ مِنهُ عَلَيَّ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وَاحمِلني بِكَرَمِكَ عَلَى التَّفَضُّلِ ، ولا تَحمِلني بِعَدلِكَ عَلَى الاِستِحقاقِ . (6)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ المَعروفِ بِدُعاءِ أَبي حَمزَةَ الثُّماليِّ _: يا مُحسِنُ يا مُجمِلُ يا مُنعِمُ
.
ص: 213
يا مُفضِلُ لَستُ أَتَّكِلُ فِي النَّجاةِ مِن عِقابِكَ عَلى أَعمالِنا ، بَل بِفَضلِكَ عَلَينا . (1)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: سُبحانَكَ ما أَعجَبَ ما أَشهَدُ بِهِ عَلى نَفسي ، وأَعَدِّدُهُ مِن مَكتومِ أَمري ، وأَعجَبُ مِن ذلِكَ أَناتُكَ (2) عَنّي ، وإِبطاؤُكَ عَن مُعاجَلَتي ، ولَيسَ ذلِكَ مِن كَرَمي عَلَيكَ ، بَل تَأَنِّيا مِنكَ لي ، وتَفَضُّلاً مِنكَ عَلَيَّ لِئَن أَرتَدِعَ عَن مَعصِيَتِكَ المُسخِطَةِ ، وأُقلِعَ عَن سَيِّئاتِي المُخلِقَةِ . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: إِلهي فَإِذ قَد تَغَمَّدتَني بِسِترِكَ فَلَم تَفضَحني ، وتَأَنَّيتَني بِكَرَمِكَ فَلَم تُعاجِلني ، وحَلُمتَ عَنّي بِتَفَضُّلِكَ فَلَم تُغَيِّرِ نِعمَتَكَ عَلَيَّ ، ولم تُكَدِّر مَعروفَكَ عِندي ... (4) .
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَعتَذِرُ إِلَيكَ مِن جَهلي ، وأَستَوهِبُكَ سوءَ فِعلي ، فَاضمُمني إِلى كَنَفِ (5) رَحمَتِكَ تَطَوُّلاً ، وَاستُرني بِسِتر عافِيَتِكَ تَفَضُّلاً . (6)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ يا مَن لا يَرغَبُ فِي الجَزاءِ ، ويا مَن لا يَندَمُ عَلَى العَطاءِ ، ويا مَن لا يُكافِئُ عَبدَهُ عَلَى السَّواءِ ، مِنَّتُكَ ابتِداءٌ ، وعَفوُكَ تَفَضُّلٌ ، وعُقوبَتُكَ عَدلٌ ، وقَضاؤُكَ خِيَرَةٌ ، إِن أَعطَيتَ لَم تَشُب (7) عَطاءَكَ بِمَنٍّ ، وإِن مَنَعتَ لَم يَكُن مَنعُكَ تَعَدّيا ، تَشكُرُ مَن شَكَرَكَ وأَنتَ أَلهَمتَهُ شُكرَكَ ، وتُكافِئُ مَن حَمِدَكَ وأَنتَ عَلَّمتَهُ حَمدَكَ ، تَستُرُ عَلى
.
ص: 214
مَن لَو شِئتَ فَضَحتَهُ ، وتَجودُ عَلى مَن لَو شِئتَ مَنَعتَهُ ، وكِلاهُما أَهلٌ مِنكَ لِلفَضيحَةِ وَالمَنعِ ، غَيرَ أَنَّكَ بَنَيتَ أَفعالَكَ عَلَى التَّفَضُّلِ ، وأَجرَيتَ قُدرَتَكَ عَلَى التَّجاوُزِ . (1)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ المَعروفِ بِدُعاءِ أَبي حَمزَةَ الثُّمالِيِّ _: يا غَفّارُ بِنورِكَ اهتَدَينا ، وبِفَضلِكَ استَغنَينا ، وبِنِعمَتِكَ أَصبَحنا وأَمسَينا ، ذُنوبُنا بَينَ يَدَيكَ ، نَستَغفِرُكَ اللّهُمَّ مِنها ونَتوبُ إِلَيكَ . تَتَحَبَّبُ إِلَينا بِالنِّعَمِ ونُعارِضُكَ بِالذُّنوبِ ، خَيرُكَ إِلَينا نازِلٌ وشَرُّنا إِلَيكَ صاعِدٌ ، ولَم يَزَل ولا يَزالُ مَلَكٌ كَريمٌ يَأتيكَ عَنّا بِعَمَلٍ قَبيحٍ ، فَلا يَمنَعُكَ ذلِكَ أَن تَحوطَنا بِنِعَمِكَ ، وتَتَفَضَّلَ عَلَينا بِآلائِكَ ، فَسُبحانَكَ ما أَحلَمَكَ وأَعظَمَكَ وأَكرَمَكَ ، مُبدِئا ومُعيدا . (2)
التَّوحيد عن جابر بن يزيد الجعفي :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الباقِرِ عليه السلام : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، إِنّا نَرى مِنَ الأَطفالِ مَن يُولَدُ مَيِّتا ، ومِنهُم مَن يَسقُطُ غَيرَ تَامٍّ ، ومِنهُم مَن يُولَدُ أَعمى أَو أَخرَسَ أَو أَصَمَّ ، ومِنهُم مَن يَموتُ مِن ساعَتِهِ إِذا سَقَطَ عَلَى الأَرضِ ، ومِنهُم مَن يَبقى إِلَى الاِحتِلامِ ، ومِنهُم مَن يُعَمَّرُ حَتّى يَصيرَ شَيخا ، فَكَيفَ ذلِكَ ، وما وَجهُهُ؟ فَقالَ عليه السلام : إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أَولى بِما يُدَبِّرُهُ مِن أَمرِ خَلقِهِ مِنهُم ، وهُوَ الخالِقُ وَالمالِكُ لَهُم ، فَمَن مَنَعَهُ التَّعميرَ فَإِنَّما مَنَعَهُ ما لَيسَ لَهُ ، ومَن عَمَّرَهُ فَإِنَّما أَعطاهُ ما لَيسَ لَهُ ، فَهُوَ المُتَفَضِّلُ بِما أَعطاهُ وعادِلٌ فيما مَنَعَ ، ولا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ وهُم يَسأَلونَ . قالَ جابِرٌ : فَقُلتُ لَهُ : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، وكَيفَ لا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ؟ قالَ : لِأَنَّهُ لا يَفعَلُ إِلّا ما كانَ حِكمَةً وصَوابا... (3) .
.
ص: 215
الفصل السابع والسبعون: المقدِّرالمقدّر لغةً«المقدِّر» اسم فاعل من قَدَّر ، يقدِّر من مادّة «قدر» وهو يدلّ على مبلغ الشيء وكنهه ونهايته (1) ، فالمقدِّر هو الذي يعيّن مبلغ الشيء الذي يريده ونهايته وحجمه .
المقدِّر في القرآن والحديثأُسندت مشتقّات التقدير إِلى اللّه سبحانه قرابة ثلاث وعشرين مرّةً في القرآن الكريم ، أَمّا صفة «المقدِّر» فلم ترد فيه ، فقد ذكرت الأَحاديث التقدير بأنّه يمثّل مرحلة من مراحل الفعل وخلقة الموجودات التي تتحقّق بعد المشيئة والإرادة ، وقبل القضاء: «لا يَكونُ إِلّا ما شاءَ اللّهُ وأَرادَ وقَدَّرَ وقَضى» (2) ، ووردت في تفسير التقدير أَلفاظ مثل «الهندسة مِنَ الطّولِ وَالعَرضِ وَالبَقاءِ» (3) ، و «تَقديرُ الشَّيءِ مِن طولِهِ وعَرضِهِ» 4 ، و «وضع
.
ص: 216
الحُدود مِنَ الآجالِ وَالأَرزاقِ وَالبَقاءِ وَالفَناءِ» (1) ، وتدلّ هذه الأَحاديث على أَنّ كلّ شيء في النظام الكَونيّ يقوم على مقياس وتقدير خاصّين من جهات مختلفة كالطول والعرض والبقاء والآجال والأَرزاق .
77 / 1صِفَةُ تَقديرِهِالكتاب«وَ خَلَقَ كُلَّ شَىْ ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا » . (2)
«إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ » . (3)
«وَ كُلُّ شَىْ ءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ » . (4)
«إِنَّ اللَّهَ بَ__لِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْ ءٍ قَدْرًا » (5)
«وَ إِن مِّن شَىْ ءٍ إِلَا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلَا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ » . (6)
«نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَ مَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ » . (7)
«وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَ لِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» . (8)
«وَ مَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَ لَا تَضَعُ إِلَا بِعِلْمِهِ وَ مَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَا
.
ص: 217
فِى كِتَ_بٍ » . (1)
راجع : الشورى : 27 ، الزخرف : 11 ، المرسلات : 22 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا مُنشِئَ كُلِّ شَيءٍ ومُقَدِّرَهُ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :يا مَن لَهُ التَّدبيرُ وإِلَيهِ التَّقديرُ . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام :سُبحانَ اللّهِ المَلِكِ الواحِدِ الحَميدِ . . . قادِرٌ عَلى ما يَشاءُ ، مُقَدِّرُ المَقدورِ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :قَدَّرَ اللّهُ المَقاديرَ قَبلَ أَن يَخلُقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ بِخَمسينَ أَلفَ سَنَةٍ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الحَمُدُ للّهِِ المَذكورِ بِكُلِّ لِسانٍ ، المَشكورِ عَلى كُلِّ إِحسانٍ ، المَعبودِ في كُلِّ مَكانٍ ، مُدَبِّرِ الأُمورِ ، ومُقَدَّرِ الدُّهورِ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :وَضَعَ كُلَّ شَيءٍ مِن ذلِكَ مَوضِعَهُ عَلى صَوابٍ مِنَ التَّقديرِ وحِكمَةٍ مِنَ التَّدبيرِ . (7)
.
ص: 218
عنه عليه السلام :أَفعالُ العِبادِ مَخلوقَةٌ خَلقَ تَقديرٍ لا خَلقَ تَكوينٍ ، وَاللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ . (1)
التوحيد عن حمدان بن سليمان :كَتَبتُ إِلَى الرِّضا عليه السلام أَسأَلُهُ عَن أَفعالِ العِبادِ أَمَخلوقَةٌ أَم غَيرُ مَخلوقَةٍ ؟ فَكَتَبَ عليه السلام : أَفعالُ العِبادِ مُقَدَّرَةٌ في عِلمِ اللّهِ عز و جل قَبلَ خَلقِ العِبادِ بِأَلفَي عامٍ . (2)
معاني الأخبار عن عبد السلام بن صالح الهرويّ :سَمِعتُ أَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ موسَى الرِّضا عليه السلام يَقولُ : أَفعالُ العِبادِ مَخلوقَةٌ . فَقُلتُ لَهُ : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، ما مَعنى «مَخلوقَةٌ»؟ قالَ : مُقَدَّرَةٌ . (3)
الإمام الرضا عليه السلام :وَاعلَم أَنَّ الواحِدَ الَّذي هُوَ قائِمٌ بِغَيرِ تَقديرٍ ولا تَحديدٍ خَلَقَ خَلقا مُقَدَّرا بِتَحديدٍ وتَقديرٍ ، وكانَ الَّذي خَلَقَ خَلقَينِ اثنَينِ : التَّقديرَ وَالمُقَدَّرَ ، فَلَيسَ في كُلِّ واحِدٍ مِنهُما لَونٌ ولا ذَوقٌ ولا وَزنٌ ، فَجَعَلَ أَحَدَهُما يُدرَكُ بِالآخَرِ ، وجَعَلَهُما مُدرَكَينِ بِأَنفُسِهِما . (4)
المحاسن عن يونس بن عبد الرحمن عن الإمام الرضا عليه السلام :لا يَكونُ إِلّا ما شاءَ اللّهُ وأَرادَ وقَدَّرَ وقَضى . قُلتُ : فَما مَعنى شاءَ؟
.
ص: 219
قالَ: اِبتِداءُ الفِعلِ . قُلتُ: فَما مَعنى أَرادَ؟ قالَ: الثُّبوتُ عَلَيهِ . قُلتُ: فَما مَعنى قَدَّرَ؟ قالَ: تَقديرُ الشَّيءِ مِن طولِهِ وعَرضِهِ . قُلتُ: فَما مَعنى قَضى؟ قالَ: إِذا قَضاهُ أَمضاهُ ، فَذلِكَ الَّذي لا مَرَدَّ لَهُ . (1)
تفسير القمّي عن يونس عن الإمام الرضا عليه السلام :لا يَكونُ إِلّا ما شاءَ اللّهُ وأَرادَ وقَدَّرَ وقَضى ، أَتَدري مَا المَشِيئَةُ يا يونُسُ؟ قُلتُ: لا . قالَ : هُوَ الذِّكرُ الأَوَّلُ . أَتَدري مَا الإِرادَةُ؟ قُلتُ: لا . قالَ: العَزيمَةُ عَلى ما شاءَ اللّهُ . وتَدري مَا التَّقديرُ؟ قُلتُ: لا . قالَ: هُوَ وَضعُ الحُدودِ مِنَ الآجالِ وَالأَرزاقِ وَالبَقاءِ وَالفَناءِ . وتَدري مَا القَضاءُ؟
.
ص: 220
قُلتُ: لا . قالَ: هُو إِقامَةُ العَينِ . (1)
المحاسن عن محمّد بن إسحاق :قالَ أَبُوالحَسَنِ عليه السلام لِيونُسَ مَولى عَلِيِّ بنِ يَقطينٍ: يا يونُسُ ... لا يَكونُ إِلّا ما شاءَ اللّهُ وأَرادَ وقَدَّرَ وقَضى ، ثُمَّ قالَ: أَتَدري مَا المَشيئَةُ؟ فَقالَ: لا . فَقالَ: هَمُّهُ بِالشَّيءِ . أَوَتَدري ما أَرادَ؟ قالَ: لا . قالَ: إِتمامُهُ عَلَى المَشيئَةِ. فَقالَ: أَوَتَدري ما قَدَّرَ؟ قالَ: لا . قالَ: هُوَ الهَندَسَةُ مِنَ الطّولِ وَالعَرضِ وَالبَقاءِ . ثُمَّ قالَ: إِنَّ اللّهَ إِذا شاءَ شَيئا أَرادَهُ ، وإِذا أَرادَهُ قَدَّرَهُ ، وإِذا قَدَّرَهُ قَضاهُ ، وإِذا قَضاهُ أَمضاهُ . (2)
77 / 2ما لا يُوصَفُ تَقديرُهُ بِهِالإمام عليّ عليه السلام_ في تَمجيدِ اللّهِ وتَعظيمِهِ _: المُقَدِّرُ لِجَميعِ الأُمورِ بِلا رَوِيَّةٍ ولا ضَميرٍ . (3)
.
ص: 221
عنه عليه السلام :مُقَدِّرٌ لا بِحَرَكَةٍ . (1)
عنه عليه السلام :مُقَدِّرٌ لا بِجَولِ فِكرَةٍ . (2)
عنه عليه السلام :خَلَقَ الخَلقَ مِن غَيرِ رَوِيَّةٍ ؛ إِذ كانَتِ الرَّوِيّاتُ لا تَليقُ إِلّا بِذَوِي الضَّمائِرِ ، ولَيسَ بِذي ضَميرٍ في نَفسِهِ . (3)
راجع : ج 4 ص 175 (التقدير) .
.
ص: 222
. .
ص: 223
الفصل الثامن والسبعون: المنّانالمنّان لغةً«المنّان» صيغة مبالغة من مادّة «منن» ، وهو يدلّ على اصطناع خير . (1) المنّ : العطاء ، فالمنّان هو المنعم المعطي ، وكثيرا ما يرد المنّ في كلام العرب بمعنى الإحسان إِلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه (2) .
المنّان في القرآن والحديثلقد نُسبت مشتقّات مادّة «منن» إِلى اللّه تعالى في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرّةً ، لكنّ صفة «المنّان» لم ترد فيه ، وقد حصر بعض الأَحاديث هذه الصفة باللّه وحده ، لأنّه المعطي ابتداءً وجميع العطايا تعود إِلى اللّه في نهاية المطاف ، وهو سبحانه المصدر النهائيّ لكافّة النعم ، والموجودات الأُخرى وسائط لإيصال المنّ إِلى شتّى النَّاس . كما ذُكرت في الأَحاديث أُمور متنوّعة بصفة المنّ ، منها : العلم ، والعقل ، والمُلك ،
.
ص: 224
والعدل ، والنصرة ، والنبوّة ، والشريعة والطاعات ، والإيمان ، والهداية ، وولاية أَهل البيت والجنّة ، وهذه الأُمور في الحقيقة نعم إِلهيّة ، لكنّ أغلب التركيز من بين النعم الإلهيّة على النعم المعنويّة وتأكيدها أَكثر من تأكيد النعم المادّيّة .
78 / 1لَهُ المَنُّ كُلُّهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ للّهِِ عز و جل تِسعَةً وتِسعينَ اسما _ مِئَةً إِلّا واحِدا _ مَن أَحصاها دَخَلَ الجَنَّةَ وهِيَ : اللّهُ ، الإِلهُ ، الواحِدُ ، الأَحَدُ ، الصَّمَدُ ... المَنّانُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ كُلُّهُ ، ولَكَ المَنُّ كُلُّهُ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا يَفِرُهُ (3) المَنعُ وَالجُمودُ ، ولا يُكديهِ (4) الإِعطاءُ وَالجودُ ، إِذ كُلُّ مُعطٍ مُنتَقِصٌ سِواهُ ، وكُلُّ مانِعٍ مَذمومٌ ما خَلاهُ ، وهُوَ المَنّانُ بِفَوائِدِ النِّعَمِ ، وعَوائِدِ المَزيدِ وَالقِسَمِ . (5)
عنه عليه السلام :أَفضَلُ ما مَنَّ اللّهُ سُبحانَهُ بِهِ عَلى عِبادِهِ ، عِلمٌ وعَقلٌ ومُلكٌ وعَدلٌ. (6)
.
ص: 225
الإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ عِندَ زِيارَةِ الحُسَينِ عليه السلام _: اللّهُمَّ اجعَلنا مِمَن يَنصُرُهُ وتَنتَصِرُ بِهِ ، وتَمُنُّ عَلَيهِ بِنَصرِكَ لِدينِكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَنّانُ الَّذي يُقبِلُ عَلى مَن أَعرَضَ عَنهُ ، وَالمَنّانُ الَّذي يَبدَأُ بِالنَّوالِ قَبلَ السُّؤالِ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: إِنَّكَ المَنّانُ بِجَسيمِ المِنَنِ ، الوَهّابُ لِعَظيمِ النِّعَمِ ، القابِلُ يَسيرَ الحَمدِ ، الشّاكِرُ قَليلَ الشُّكرِ ، المُحسِنُ المُجمِلُ ذُو الطَّولِ (3) ، لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، إِلَيكَ المَصيرُ . (4)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: إِنَّكَ المُتَفَضِّلُ بِالإِحسانِ ، المُتَطَوِّلُ بِالاِمتِنانِ ، الوَهّابُ الكَريمُ ، ذُوالجَلالِ وَالإِكرامِ . (5)
عنه عليه السلام_ فيالدُّعاءِ _: يا مَن تَحَمَّدَ إِلى عِبادِهِ بِالإِحسانِ وَالفَضلِ وغَمَرَهُم بِالمَنِّ وَالطَّولِ. (6)
الإمام الصادق عليه السلام :ياذَا المَنِّ لا مَنَّ عَلَيكَ ، يا ذَا الطَّولِ لا إِلهَ إِلّا أَنتَ . (7)
.
ص: 226
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ولَكَ المَجدُ ... ولَكَ الاِمتِنانُ ، ولَكَ التَّسبيحُ . (1)
عنه عليه السلام :ما مِن قَبضٍ ولا بَسطٍ إِلّا وللّهِِ فيهِ المَنُّ والاِبتِلاءُ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :إِذا مَنَّ اللّهُ عَلَى العَبدِ المُؤمِنِ ، جَمَعَ اللّهُ لَهُ الرَّغبَةَ وَالقُدرَةَ وَالإِذنَ ، فَهُناكَ تَجِبُ السَّعادَةُ . (3)
78 / 2يَمُنُّ بِالنُّبُوَّةِالكتاب«قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَ لَ_كِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ مَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَ_نٍ إِلَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» . (4)
«بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَ لِلْكَ_فِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ» . (5)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في بَيانِ قَولِهِ تَعالى : «لَوْلَا نُزِّلَ هَ_ذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ» (6) _: ... ولَيسَ قِسمَةُ رَحمَةِ اللّهِ إِلَيكَ ، بَلِ اللّهُ هُوَ
.
ص: 227
القاسِمُ لِلرَّحَماتِ ، وَالفاعِلُ لِما يَشاءُ ... وإِنَّما مُعامَلَتُهُ بِالعَدلِ ، فَلا يُؤثِرُ أَحَدا لِأَفضَلِ مَراتِبِ الدّينِ وخَلالِهِ إِلّا الأَفضَلَ في طاعَتِهِ، وَالأَجَدَّ في خِدمَتِهِ ، وكَذلِكَ لا يُؤَخِّرُ في مَراتِبِ الدّينِ وخَلالِهِ إِلّا أَشَدَّهُم تَباطُؤا عَن طاعَتِهِ . وإِذا كانَ هذا صِفَتُهُ لَم يَنظُر إِلى مالٍ ولا إِلى حالٍ بَل هذَا المَالُ وَالحالُ مِن تَفَضُّلِهِ ، ولَيسَ لِأَحَدٍ مِن عِبادِهِ عَلَيهِ ضَربَةُ لازبٍ (1) ، فَلا يُقالُ له : إِذا تَفَضَّلتَ بِالمالِ عَلى عَبدٍ فَلا بُدَّ مِن أَن تَتَفَضَّلَ عَلَيهِ بِالنُّبُوَّةِ أَيضا ؛ لِأَنَّهُ لَيسَ لِأَحَدٍ إِكراهُهُ عَلى خِلافِ مُرادِهِ ، ولا إِلزامُهُ تَفَضُّلاً ؛ لِأَنَّهُ تَفَضَّلَ قَبلَهُ بِنِعَمِهِ . (2)
78 / 3يَمُّنُ عَلَى المُؤمِنينَ بِالإِيمانِالكتاب«يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لَا تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلَ_مَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْاءِيمَ_نِ إِن كُنتُمْ صَ_دِقِينَ» . (3)
«لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَ_تِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَ_بَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَ_لٍ مُّبِينٍ» . (4)
«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَ_مَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَ لِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ
.
ص: 228
عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَمدُ للّهِِ الَّذي يُطعِمُ ولا يَطعَمُ ، مَنَّ عَلَينا فَهَدانا ، وأَطعَمَنا وسَقانا . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن مَنَّ اللّهُ عَلَيهِ بِمَعرِفَةِ أَهلِ بَيتي ووِلايَتِهِم فَقَد جَمَعَ اللّهُ لَهُ الخَيرَ كُلَّهُ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :أَبشِروا بِأَعظَمِ المِنَنِ عَلَيكُم؛ قَولِ اللّهِ : «وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا» (4) ، فَالإِنقاذُ مِن اللّهِ هِبَةٌ ، وَاللّهُ لا يَرجِعُ مِن هِبَتِهِ . (5)
78 / 4يَمُنُّ عَلَى المُستَضعَفينَ بِوَراثَةِ الأَرضِ«وَ نُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِى الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَ رِثِينَ» . (6)
78 / 5يَمُنُّ بِالطَّاعاتِالإمام الباقر عليه السلام :إِنَّ فِي التَّوراةِ مَكتوبا : ... يا موسى ، ولِيَ المِنَّةُ عَلَيكَ في طاعَتِكَ لي ،
.
ص: 229
ولِيَ الحُجَّةُ عَلَيكَ في مَعصِيَتِكَ لي . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما مِن يَومٍ ولا لَيلَةٍ ولا ساعَةٍ إِلّا للّهِِ تَعالى فيهِ صَدَقَةٌ يَمُنُّ بِها عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ، وما مَنّ اللّهُ عز و جل عَلى عَبدٍ بِمِثلِ أَن يُلهِمَهُ ذِكْرَهُ. (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ عز و جل مَنَّ عَلى قَومٍ فَأَلهَمَهُمُ الخَيرَ وأَدخَلَهُم في رَحمَتِهِ ، وَابتَلى قَوما فَخَذَلَهُم وذَمَّهُم عَلى أَفعالِهِم ولَم يَستَطيعوا غَيرَمَا ابتَلاهُم بِهِ ، فَعَذَّبَهُم وقَد عَدَلَ فيهِم . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إِذا كانَ يَومُ الفِطرِ ، وَقَفَتِ المَلائِكَةُ عَلى أَبوابِ الطُّرُقِ فَنادَوا : أُغدوا يا مَعشَرَ المُسلِمينَ إِلى رَبٍّ كَريمٍ ، يَمُنُّ بِالخَيرِ ثُمَّ يُثيبُ عَلَيهِ الجَزيلَ . (4)
78 / 6يَمُنُّ بِالجَنَّةِالكتاب«قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَ وَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ» . (5)
.
ص: 230
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِنِعمَتِكَ السّابِغَةِ عَلَيَّ ، وبَلائِكَ الحَسَنِ الَّذي أَبلَيتَني بِهِ ، وفَضلِكَ الَّذي أَفضَلتَ عَلَيَّ ، أَن تُدخِلَنِي الجَنَّةَ بِمَنِّكَ وفَضلِكَ ورَحمَتِكَ . (1)
.
ص: 231
الفصل التاسع والسبعون: المنتقمالمُنتقِم لغةً«المنتقم» اسم فاعل من انتقم ، ينتقم ، من مادّة «نقم» ، وهو يدلّ على إِنكار شيء وعَيبه ، نقمتُ عليه ، أَنقم : أَنكرتُ عليه فعله وعِبتهُ وكرهته أَشدّ الكراهة لسوء فعله ، والنقمة من العذاب والانتقام ، كأنّه أَنكر عليه فعاقبه (1) . قال ابن الأَثير: في أَسماء اللّه تعالى «المنتقم» هو المبالغ في العقوبة لمن يشاء (2) .
المنتقم في القرآن والحديثلقد نُسبت مشتقّات مادّة «نقم» إِلى اللّه تعالى ثلاث عشرة مرّةً في القرآن الكريم . ووردت عبارة «عزيز ذوانتقام» في اللّه عز و جل أَربع مرّات (3) ، وصفة «منتقمون» ثلاث مرّات (4) .
.
ص: 232
إِنّ انتقام اللّه في هذه الآيات يشمل الكفّار ، والمكذّبين ، والمجرمين ، والعاصين ، وبالنظر إِلى المعنى اللغويّ لمادّة «نقم» و«انتقام» فإنّ ملاحظتين جديرتان بالاهتمام : الأُولى : لا يَصدُق الانتقام إِلّا إِذا كان الجُرم المرتكب كبيرا ، ومن ثمّ تكون عقوبته ثقيلةً أَيضا ، لذا جاء في الحديث : «المُنتَقِمُ مِمَّن عَصاهُ بِأَليمِ العَذابِ» (1) والثانية : إِنّ الانتقام لا يعني العقوبة والعذاب فحسب ، بل هما مع الإنكار ؛ لأنَّ كراهة اللّه سبحانه بمعنى إنكاره ، وهاتان الملاحظتان تبيّنان التفاوت بين صفة المنتقم والصفات المماثلة كالمعذّب ، والمخزي ، والمهلك . إِنّ النقطة الأَخيرة هي انّه استبان من المباحث المذكورة أَنّ الانتقام الإلهيّ يعني العقوبة على الجرم الكبير مصحوبةً بالإنكار ، وهذا المعنى يتحققّ على أَساس العدل الإلهيّ ، من هنا يتباين انتقام اللّه والانتقام المألوف بين النَّاس الذي يجري تشفّيّا للقلب وقد يرافقه الظلم والعدوان عادةً .
79 / 1عَزيزٌ ذُو انتِقامٍالكتاب«فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ» . (2)
«مِن قَبْلُ هُدىً لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِ_ئايَ_تِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ
.
ص: 233
ذُو انتِقَامٍ» . (1)
«وَ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِى انتِقَامٍ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ ... يا ناصِرُ يا مُنتَصِرُ ، يا مُهلِكُ يا مُنتَقِمُ . (3)
79 / 2يَنتَقِمُ مِنَ المُجرِمينَالكتاب«وَ مَنْ أَظْ_لَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِ_ئايَ_تِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ» . (4)
«وَ لَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَ_تِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَ كَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» . (5)
«فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَ_قِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ» . (6)
راجع : الأعراف : 136 ، زخرف : 55 ، الحجر : 79 .
.
ص: 234
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :يا كَريمَ المَآبِ (1) ، وَالجَوادَ الوَهّابَ ، وَالمُنتَقِمَ مِمَّن عَصاهُ بِأَليمِ العَذابِ ، دَعَوتُكَ مُقِرّا بِالإِساءَةِ عَلى نَفسي إِذ لَم أَجِد مَلجَأً أَلجَأُ إِلَيهِ فِي اغتِفارِ مَا اكتَسَبتُ . (2)
.
ص: 235
الفصل الثمانون: المنذرالمنذر لغةً«المنذر» اسم فاعل من أَنذر ، يُنذِر ، من مادّة «نذر» وهو يدلّ على تخويف أَو تخوّف . والإنذار : الإبلاغ ، ولا يكاد يكون إِلّا في التخويف (1) .
المنذر في القرآن والحديثلقد نُسبت مشتقّات مادّة «الإنذار» إِلى اللّه ثلاث مرّات في القرآن الكريم (2) ، بَيْدَ أَنّ صفة «المنذر» لم ترد فيه ، ونلاحظ في هذه الآيات أَنّ اللّه أَنذر النَّاس وخوّفهم الآخرة والعذاب ونار جهنّم ، وحذّرهم في إِحدى الآيات وأَنذرهم «يوم التلاق» (3) ، وقد فسّر بعض الأَحاديث «يوم التلاق» ب_«يوم يلتقي أَهل السماوات والأرض» (4) كنايةً عن يوم القيامة ، وجاء في حديثٍ أَنّ اللّه سبحانه أَنذر المتكبّرين والمخالفين للحقّ ، وذكر أَنّ سبب هذا الإنذار هو إِشعارهم بعاقبة سوء أَعمالهم ، وتثبيت الحجّة
.
ص: 236
عليهم ، ورفض كلّ ما يأتون به من عذرٍ يوم القيامة .
80 / 1يُنذِرُ يَومَ التَّلاقِ«رَفِيعُ الدَّرَجَ_تِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ» . (1)
80 / 2يُنذِرُ عَذابا قَريبا«إِنَّ_ا أَنذَرْنَ_كُمْ عَذَابًا قَرِيبًا » . (2)
80 / 3يُنذِرُ نارا تَلَظّى«فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَا الْأَشْقَى * الَّذِى كَذَّبَ وَ تَوَلَّى * وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَ مَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَ لَسَوْفَ يَرْضَى» . (3)
80 / 4يُنذِرُ مَن عَنَدَ وَعَتارسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ يا مُصَوِّرُ يا مُقَدِّرُ ، يا مُدَبِّرُ يا مُطَهِّرُ ، يا مُنَوِّرُ
.
ص: 237
يا مُيَسِّرُ ، يا مُبَشِّرُ يا مُنذِرُ ، يا مُقَدِّمُ يا مُؤَخِّرُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ المُنذِرُ مَن عَنَدَ (2) عَن طاعَتِهِ وعَتا (3) عَن أَمرِهِ ، وَالمُحَذِّرُ مَن لَجَّ (4) في مَعصِيَتِهِ وَاستَكبَرَ عَن عِبادَتِهِ ، المُعذِرُ إِلى مَن تَمادى في غَيِّهِ وضَلالَتِهِ ؛ لِتَثبيتِ حُجَّتِهِ عَلَيهِ وعِلمِهِ بِسوءِ عاقِبَتِهِ . (5)
.
ص: 238
. .
ص: 239
الفصل الحادي والثمانون: المنزلالمُنزل لغةً«المُنْزِل» اسم فاعل من أَنزل ، يُنزل ، من مادّة «نزل» وهو يدلّ على هبوط شيء ووقوعه ، والنزول : الهبوط من عُلوّ إِلى سُفل والوقوع والحلول (1) .
المُنْزِل في القرآن والحديثلقد نُسبت صفة «المُنْزِل» إِلى اللّه سبحانه في القرآن الكريم أربع مرّات تمثّلت في قوله تعالى : «نَحْنُ الْمُنزِلُونَ» (2) ، وقوله : «خَيْرُ الْمُنزِلِينَ» (3) ، وقوله تعالى : «إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَ_ذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ» (4) وقوله : «وَ مَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ...» (5) . ووردت هذه الصفة بصيغة الفعل في مواضع كثيرة . لقد جاء في الآيات والأَحاديث أَنّ اللّه تعالى مُنْزِل كلّ شيء سواء ما نص عليه القرآن الكريم بالإنزال من كالملائكة والكتاب ، والسكينة ، والماء ، والمنّ ، والسلوى ، واللباس ، والأَنعام ، والنعاس ، والبركات أَو غير ذلك .
.
ص: 240
والدليل أَنّ كلّ شيء من أَشياء العالم مخلوق للّه ، والعناية في إِطلاق اسم المنزل على اللّه تعالى أَنّ مقامه تعالى العلوّ ومقام المخلوقات السُفل ، والنزول : هبوط الشيء من علو إِلى سفل .
81 / 1يُنزِلُ الملائكة«أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَ_نَهُ وَ تَعَ__لَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» . (1)
81 / 2يُنزِلُ الكِتابَالكتاب«إِنَّ_ا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَ_بَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ» . (2)
«وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَ_بَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَ_بِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ» . (3)
«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَ_بَ وَ لَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا» . (4)
راجع : البقرة : 99 و 170 و 174 و 213 ، آل عمران : 3 و 4 و 7 ، النساء : 61 و 113 و 166 ، المائدة : 47 و 48 و 49 ، الأنعام: 114 ، الرعد : 7 ، النحل: 64 ، الإسراء : 102 ، الأنبياء: 10 ، العنكبوت : 47 و 51 ، الزمر : 2 و 41، الطلاق : 10 ، الحجر: 9 ، الحديد : 25 ، غافر: 2، الشورى : 15 و 17 .
.
ص: 241
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ رَبَّنا ورَبَّ كُلِّ شَيءٍ ، مُنزِلَ التَّوراةِ وَالإِنجيلِ وَالفُرقانِ ، فالِقَ الحَبِّ وَالنَّوى . (1)
الإمام الحسين عليه السلام_ في دُعاءِ عَرَفَةَ _: يا إِلهي وإِلهَ آبائي إِبراهيمَ وإِسماعيلَ وإِسحاقَ ويَعقوبَ ، ورَبَّ جِبريلَ وميكائيلَ وإِسرافيلَ ، ورَبَّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وآلِهِ المُنتَجَبينَ ، ومُنزِلَ التَّوراةِ وَالإِنجيلِ وَالزَّبورِ وَالفُرقانِ العَظيمِ ، ومُنزِلَ كهيعص وطه ويس وَالقُرآنِ الحَكيمِ ، أَنتَ كَهفي حينَ تُعيينِي المَذاهِبُ في سَعَتِها ، وتَضيقُ عَلَيَّ الأَرضُ بِرُحبِها . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ رَبَّنا ... لَكَ الحَمدُ يا مُنزِلَ الآياتِ وَالذِّكرِ (3) العَظيمِ. (4)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ رَبَّ النُّورِ العَظيمِ ، ورَبَّ الكُرسِيِّ الرَّفيعِ ، ورَبَّ البَحرِ المَسجورِ ، ومُنزِلَ التَّوراةِ وَالإِنجيلِ وَالزَّبورِ (5) ، ورَبَّ الظِّلِّ وَالحَرورِ ، ومُنزِلَ الفُرقانِ العَظيمِ ، ورَبَّ المَلائِكَةِ المُقَرَّبينَ وَالأَنبياءِ وَالمُرسَلينَ . (6)
.
ص: 242
المصباح_ مِمّا يُدعى بِهِ قَبلَ اصفِرارِ الشَّمسِ _: اللّهُمَّ إِنَّكَ مُنزِلُ القُرآنِ وخالِقُ الإِنسِ وَالجانِّ ، وجاعِلُ الشَّمسِ وَالقَمَرِ بِحُسبانٍ . (1)
81 / 3يُنزِلُ السَّكينةَ«هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَ_نًا مَّعَ إِيمَ_نِهِمْ وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ كَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا» . (2)
81 / 4يُنزِلُ الماءَالكتاب«الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَ شًا وَالسَّمَاءَ بِنَ_اءً وَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَ تِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَ أَنتُمْ تَعْلَمُونَ» . (3)
«وَ أَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَ تِ مَاءً ثَجَّاجًا» . (4)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبِحَمدِكَ ، لا إِلهَ إِلّا أَنتَ أَستَغفِرُكَ وأَتوبُ إِلَيكَ ، أَنتَ المُغيثُ وإِلَيكَ المَرغَبُ ، مُنزِلُ الغَيثِ (5) . (6)
.
ص: 243
81 / 5يُنزِلُ البَرَكاتِالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ مُجيبَ الدَّعَواتِ ، رَفيعَ الدَّرَجاتِ ، مُنزِلَ الآياتِ مِن فَوقِ سَبعِ سَماواتٍ ، مُخرِجَ النُّورِ مِنَ الظُّلُماتِ ، مُبَدِّلَ السَّيِّئاتِ حَسَناتٍ ، وجاعِلَ الحَسَناتِ دَرَجاتٍ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :يا مُنزِلَ الشِّفاءِ ومُذهِبَ الدَّاءِ ، أَنزِل عَلى ما بي مِن داءٍ شِفاءً . (2)
عنه عليه السلام :يا أللّهُ يا أللّهُ يا أللّهُ ... يا مُنزِلَ البَرَكاتِ ، يا مُعطِيَ الخَيراتِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ مُنزِلَ الآياتِ ، مُجيبَ الدَّعَواتِ ، كاشِفَ الكُرُباتِ ، مُنزِلَ الخَيراتِ ، مَلِكَ المَحيا وَالمَماتِ . (4)
الإمام الكاظم عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مُنزِلَ نِعمَتي ، يا مُفَرِّجَ كُربَتي ، ويا قاضِيَ حاجَتي ، أَعطِني مَسأَلَتي بِلا إِلهَ إِلّا أَنتَ . (5)
الأُصول الستّة عشر عن زيد الزرّاد :رَأَيتُ أبا عَبدِاللّهِ عليه السلام قَد خَرَجَ مِن مَنزِلِهِ فَوَقَفَ
.
ص: 244
عَلى عُتبَةِ بابِ دارِهِ ، فَلَمّا نَظَرَ إِلَى السَّماءِ رَفَعَ رَأَسَهُ وحَرَّكَ إِصبَعَهُ السَّبّاحَةَ (1) يدبرُها (2) ويَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ خَفِيٍّ لَم أَسمَعهُ ، فَسَأَلتُهُ ، فَقالَ : نَعَم يا زَيدُ ، إِذا أَنتَ نَظَرتَ إِلَى السَّماءِ فَقُل : يا مَن جَعَلَ السَّماءَ سَقفا مَرفوعا ، يا مَن رَفَعَ السَّماءَ بِغَيرِ عَمَدٍ ، يا مَن سَدَّ الهَواءَ بِالسَّماءِ ، يا مُنزِلَ البَرَكاتِ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَرضِ ، يا مَن في السَّماءِ مُلكُهُ وعَرشُهُ ، وفِي الأَرضِ سُلطانُهُ ، يا مَن هُوَ بِالمَنظَرِ الأَعلى ، يا مَن هُوَ بِالأُفُقِ المُبينِ ، يا مَن زَيَّنَ السَّماءَ بِالمَصابيحِ وجَعَلَها رُجوما لِلشَّياطينِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ . (3)
راجع : ص 251 (منشئ البركات) .
81 / 6يُنزِلُ الأَنعامَ«خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَ حِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَ أَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَ_مِ ثَمَ_نِيَةَ أَزْوَ جٍ يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَ_تِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِى ظُ_لُمَ_تٍ ثَلَ_ثٍ ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ» . (4)
81 / 7أَنْزَلَ المَنَّ وَالسَّلوى«وَ ظَ_لَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَ_تِ مَا رَزَقْنَ_كُمْ وَ مَا ظَ_لَمُونَا
.
ص: 245
وَ لَ_كِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» . (1)
راجع : الأعراف : 160 ، المائدة : 114 ، طه : 80 .
81 / 8يُنزِلُ اللِّباسَ«يَ_بَنِى ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَ رِى سَوْءَ تِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَ لِكَ خَيْرٌ ذَ لِكَ مِنْ ءَايَ_تِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» . (2)
81 / 9يُنزِلُ النُّعاسَ«ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَ_ائِفَةً مِّنكُمْ وَطَ_ائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَ_هِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ شَىْ ءٌ» . (3)
81 / 10يُنزِلُ كُلَّ شَيءٍ«وَ إِن مِّن شَىْ ءٍ إِلَا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلَا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ» . (4)
.
ص: 246
. .
ص: 247
الفصل الثاني والثمانون: المنشئالمُنشئ لغةً«المنشئ» اسم فاعل من أَنشأ ، يُنشئ ، إِنشاءً من مادّة «نشأ» وهو يدلّ على ارتفاع في شيء وسمّو (1) . والإنشاء : الابتداء . نشأ الشيء : حدث وتجدّد . أَنشأ السحاب يمطر : بدأَ ، وفلان يُنشئ الأَحاديث ، أَي : يضعها _ أَنشأه اللّه : ابتدأَ خَلْقَه وخَلَقَهُ (2) ، فالمنشئ هو خالق الشيء ابتداءً ، والمناسبة بين الخلقة الابتدائيّة وبين الارتفاع والسموّ هو أَنّ الشيء في الخلقة الابتدائيّة يرتفع من حضيض العدم لِيَصِل إِلى كمال الوجود .
المنشئ في القرآن والحديثنُسبت مشتقّات مادّة الإنشاء الى اللّه سبحانه اثنتين وستّين مرّة في القرآن الكريم ، ووردت صفة المنشئ مرّةً واحدةً في قوله تعالى : «نَحْنُ الْمُنشِئُونَ» (3) ، واللّه تعالى
.
ص: 248
في القرآن والأَحاديث مُنشئُ كلِّ شيء ، والإنشاء في الأَحاديث بمعنى الخلقة الابتدائيّة من دون سابقة مثال وصورة وعيّنة ، وقد صُرِّح أَيضا أنّ إِنشاء اللّه يتحقّق بغير رويّة وتجربة واقتداء وشريك . (1)
82 / 1مُنشِئُ الإِنسانِالكتاب«ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَ_مًا فَكَسَوْنَا الْعِظَ_مَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَ_هُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَ__لِقِينَ» . (2)
«الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَ_ئِرَ الْاءِثْمِ وَالْفَوَ حِشَ إِلَا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَ سِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِى بُطُونِ أُمَّهَ_تِكُمْ فَلَا تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى» . (3)
«وَرَبُّكَ الْغَنِىُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ ءَاخَرِينَ» . (4)
«وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَ حِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْايَ_تِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ» . (5)
«قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» . (6)
«قُلْ هُوَ الَّذِى أَنشَأَكُمْ وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَ_رَ وَ الْأَفْ_ئدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ» . (7)
.
ص: 249
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :مِنَّا التَّحميدُ وَالتَّسبيحُ وَالتَّعظيمُ وَالتَّقديسُ لِلاسمِ الأَقدَمِ، وَالنّورِ الأَعظَمِ العَلِيِّ العَلّامِ، ذِي الجَلالِ وَالإِكرامِ، ومُنشِئِ الأَنامِ، ومُفنِي (1) العَوالِمِ وَالدُّهورِ، وصاحِبِ السِّرِّ المَستورِ وَالغَيبِ المَحظورِ، وَالاِسمِ المَخزونِ وَالعِلمِ المَكنونِ. (2)
82 / 2مُنشِئُ القُرونِ«أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّ_هُمْ فِى الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَ_رَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَ_هُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا ءَاخَرِينَ » . (3)
راجع : الأنبياء : 11 ، المؤمنون : 31 و 42 ، القصص : 45 .
82 / 3مُنشِئُ الجَنّاتِ«وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَ جَنَّ__تٍ مَّعْرُوشَ_تٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَ_تٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَ_بِهًا وَغَيْرَ مُتَشَ_بِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» . (4)
راجع : الرعد : 12 ، المؤمنون : 19 و 78 ، الواقعة : 35 و 72 .
.
ص: 250
82 / 4مُنشِئُ النَّشأَةِ الآخِرَةِالكتاب«قُلْ سِيرُواْ فِى الْأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْاخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ » . (1)
«عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَ__لَكُمْ وَ نُنشِئَكُمْ فِى مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ » . (2)
الحديثالإمام الرضا عليه السلام :يا إِلهي وتَقَدَّستَ عَمّا بِهِ المُشَبِّهونَ نَعتَوكَ ، يا سامِعَ كُلِّ صَوتٍ ، ويا سابِقَ كُلِّ فَوتٍ ، يا مُحيِيَ العِظامِ وهِيَ رَميمٌ ومُنشِئَها بَعدَ المَوتِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاجعَل لي مِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجا ومَخرَجا وجَميعِ المُؤمِنينَ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (3)
82 / 5مُنشِئُ السَّحابِالكتاب«وَ يُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ» . (4)
.
ص: 251
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ مُعتِقَ الرِّقابِ ورَبَّ الأَربابِ ومُنشِئَ السَّحابِ ، ومُنزِلَ القَطرِ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَرضِ بَعدَ مَوتِها ، فالِقَ الحَبِّ وَالنَّوى ، ومُخرِجَ النَّباتِ ، وجامِعَ الشَّتاتِ (1) ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ . (2)
82 / 6مُنشِئُ الْبَركاتِبحار الأنوار عن عديّ بن حاتم الطائي :دَخَلتُ عَلى أَميرِالمُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أَبي طالِبٍ عليه السلام فَوَجَدتُهُ قائِما يُصَلّي ... حَتّى صَلّى رَكعَتَينِ أَوجَزَهُما وأَكمَلَهُما ، ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجدَةً أَطالَها . فَقُلتُ في نَفسي : نامَ وَاللّهِ! فَرَفَعَ رَأَسَهُ ، ثُمَّ قالَ: لا إِلهَ إِلَا اللّهُ حَقّا حَقّا ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ إِيمانا وتَصديقاً ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ تَعَبُّدا ورِقّا ، يا مُعِزَّ المُؤمِنينَ بِسُلطانِهِ ، يا مُذِلَّ الجَبّارينَ بِعَظَمَتِهِ ، أَنتَ كَهفي حَين تُعيينِي المَذاهِبُ عِندَ حُلولِ النَّوائِبِ ، فَتَضيقُ عَلَيَّ الأَرضُ بِرُحبِها ، أَنتَ خَلَقتَني يا سَيِّدي رَحمَةً مِنكَ لي ، ولَولا رَحمَتُكَ لَكُنتُ مِنَ الهالِكينَ ، وأَنتَ مُؤَيِّدي بِالنَّصرِ مِن أَعدائي ، ولَولا نَصرُكَ لَكُنتُ مِنَ المَغلوبينَ ، يا مُنشِئَ البَرَكاتِ مِن مَواضِعِها ، ومُرسِلَ الرَّحمَةِ مِن مَعادِنِها . (3)
راجع : ص 243 (يُنزل البركات) .
.
ص: 252
82 / 7مُنشِئُ جَميعِ الأَشياءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا أَوَّلَ كُلِّ شَيءٍ وآخِرَهُ ، يا إِلهَ كُلِّ شَيءٍ ومَليكَهُ ، يا رَبَّ كُلِّ شَيءٍ وصانِعَهُ ، يا بارِئَ كُلِّ شَيءٍ وخالِقَهُ ، يا قابِضَ كُلِّ شَيءٍ وباسِطَهُ ، يا مُبدِئَ كُلِّ شَيءٍ ومُعيدَهُ ، يا مُنشِئَ كُلِّ شَيءٍ ومُقَدِّرَهُ ، يا مُكَوِّنَ كُلِّ شَيءٍ ومُحَوِّلَهُ ، يا مُحيِيَ كُلِّ شَيءٍ ومُميتَهُ ، يا خالِقَ كُلِّ شَيءٍ ووارِثَهُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ العَدلِ ذِي العَظَمَةِ وَالجَبَروتِ ، وَالعِزِّ وَالمَلَكوتِ ، الحَيِّ الَّذي لا يَموتُ ، ومُبدِىَ الخَلقِ ومُعيدِهِ ومُنشِىَ كُلِّ شَيءٍ ومُبيدِهِ ، الَّذي لَم يَلِد ولَم يُولَد ، ولَم يَكُن لَهُ كُفُوا أَحَدٌ ، واحِدٌ لا كَالآحادِ ، الخالي مِنَ الأَندادِ ، لا إِلهَ إِلّا هُوَ راحِمُ العِبادِ. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :هُوَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ ... البارِئُ المُنشِئُ البَديعُ . (3)
التوحيد عن أَبي الحسن عليه السلام :هُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ ... مُنشِئُ الأَشياءِ ، ومُجَسِّمُ الأَجسامِ ، ومُصَوِّرُ الصُّوَرِ . (4)
82 / 8صِفَةُ إنشائِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في صِفَةِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: لَهُ الإِحاطَهُ بِكُلِّ شَيءٍ ، وَالغَلَبَةُ عَلى كُلِّ
.
ص: 253
شَيءٍ ، وَالقُوَّةُ في كُلِّ شَيءٍ ، وَالقُدرَةُ عَلى كُلِّ شَيءٍ ولَيسَ مِثلَهُ شَيءٌ ، وهُوَ مُنشِئُ الشَّيءِ حينَ لا شَيءَ ، دائِمٌ قائِمٌ بِالقِسطِ لا إِلهَ إِلّا هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ ، جَلَّ عَن أَن تُدرِكَهُ الأَبصارُ وهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ البارِئُ المُنشِئُ بِلا مِثالٍ خَلا مِن غَيرِهِ . (2)
عنه عليه السلام_ في خُطبَةِ الأَشباحِ _: المُنشِئُ أَصنافَ الأَشياءِ بِلا رَوِيَّةِ فِكرٍ آلَ إِلَيها ، ولا قَريحَةِ غَريزَةٍ أَضمَرَ عَلَيها ، ولا تَجرِبَةٍ أَفادَها مِن حَوادِثِ الدُّهورِ ، ولا شَريكٍ أَعانَهُ عَلَى ابتِداعِ عَجائِبِ الأُمورِ ، فَتَمَّ خَلقُهُ بِأَمرِهِ ، وأَذعَنَ لِطاعَتِهِ . (3)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الفاشي فِي الخَلقِ حَمدُهُ ، وَالغالِبِ جُندُهُ ، وَالمُتَعالي جَدُّهُ (4) . أَحمَدُهُ عَلى نِعَمِهِ التُّؤامِ (5) ، وآلائِهِ العِظامِ . الَّذي عَظُمَ حِلمُهُ فَعَفا ، وعَدَلَ في كُلِّ ما قَضى ، وعَلِمَ ما يَمضي وما مَضى . مُبتَدِعِ الخَلائِقِ بِعِلمِهِ ، ومُنشِئِهِم بِحُكمِهِ ، بِلَا اقتِداءٍ ولا تَعليمٍ ، ولَا احتِذاءٍ لِمِثالِ صانِعٍ حَكيمٍ . (6)
.
ص: 254
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ المُتَوَحِّدِ بِالقِدَمِ وَالأَزَلِيَّةِ ، الَّذي لَيسَ لَهُ غايَةٌ في دَوامِهِ ، ولا لَهُ أَوَّلِيَّةٌ ، أَنشَأَ صُنوفَ البَرِيَّةِ لا مِن أُصولٍ كانَت بَدِيَّةً ، وَارتَفَعَ عَن مُشارَكَةِ الأَندادِ (1) ، وتَعالى عَنِ اتِّخاذِ صاحِبَةٍ وأَولادٍ ، وهُوَ الباقي بِغَيرِ مُدَّةٍ ، وَالمُنشِئُ لا بِأَعوانٍ ، لا بِآلَةٍ فَطَرَ (2) ، ولا بِجَوارِحَ صَرَفَ ما خَلَقَ ، لا يَحتاجُ إِلى مُحاوَلَةِ التَّفكيرِ . (3)
التوحيد عن منصور بن حازم :سَأَلتُهُ _ يَعني أَبا عَبدِاللّه عليه السلام _ : هَل يَكونُ اليَومَ شَيءٌ لَم يَكُن في عِلمِ اللّهِ عز و جل؟ قالَ : لا ، بَل كانَ في عِلمِهِ قَبلَ أَن يُنشِئَ السَّماواتِ وَالأَرضَ . (4)
.
ص: 255
الفصل الثالث والثمانون: المهلكالمُهلك لغةً«المهلك» اسم فاعل من أَهلك ، يُهلك من مادّة «هلك» وهو يدلّ على كسر وسقوط ، منه الهلاك : السقوط ، ولذلك يقال للميّت : هلك (1) . يقال : هلك النَّاس ، أَي : استوجبوا النَّار بسوء أَعمالهم (2) .
المهلك في القرآن والحديثلقد نَسَبَ القرآن الكريم مشتقّات مادّة «هلكَ» إِلى اللّه تعالى قُرابةَ أَربع وأَربعين مرّةً وأَورد صفة «المهلك» خمسَ مرّاتٍ (3) ، وقد فسّر القرآن والأَحاديث الهلاك بالموت والإبادة في هذه الدنيا ، وبالموت والفناء فيها مع إِنزال العذاب ، وبدخول جهنّم في الآخرة ، والحديث القائل : «مُبيدُ كُلِّ شَيءٍ ومُهلِكُهُ» (4) يشير إِلى المعنى الأَوّل ، لأَنّ لكلّ
.
ص: 256
موجود عمرا محدودا في هذا العالم ، ويبدو أَنّ الآيات والأَحاديث التي وصفت اللّه سبحانه بأنّه مهلك المذنبين والفاسقين والظالمين والمسرفين تقصد المعنى الثاني والثالث معا ، أَي : عندما يقول القرآن الكريم : «وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَ_لَمُواْ» (1) فالمراد إِنزال العذاب عليهم في الدنيا وإِدخالهم في جهنّم يوم القيامة .
83 / 1يُهلِكُ المُذنِبينَالكتاب«أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّ_هُمْ فِى الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَ_رَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَ_هُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا ءَاخَرِينَ» . (2)
«أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْاخِرِينَ * كَذَ لِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ» . (3)
«وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» . (4)
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ في قِصَّةِ أَصحابِ السَّبتِ _: كانوا فِي المَدينَةِ نَيِّفا (5) وثَمانينَ
.
ص: 257
أَلفا ، فَعَلَ هذا مِنهُم سَبعونَ أَلفا وأَنكَرَ عَلَيهِمُ الباقونَ ، كَما قَصَّ اللّهُ تَعالى : «وَسْ_ئلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ» (1) الآية. وذلِكَ أَنَّ طائِفَةً مِنهُم وَعَظوهُم وزَجَروهُم ، ومِن عَذابِ اللّهِ خَوَّفوهُم ، ومِنِ انتِقامِهِ وشَديدِ بَأسِهِ حَذَّروهُم ، فَأَجابوهُم عَن وعَظِهِم : «لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ» بِذُنوبِهِم هَلاكَ الاِصطِلامِ (2) «أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا» . فَأَجابُوا القائِلينَ لَهُم هذا : «مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ» هذَا القَولُ مِنّا لَهُم مَعذِرَةٌ إِلى رَبِّكُم، إِذ كَلَّفَنا الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ ، فَنَحنُ نَنهى عَنِ المُنكَرِ لِيَعلَمَ رَبُّنا مُخالَفَتَنا لَهُم ، وكَراهَتَنا لِفِعلِهِم. قالوا : «وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» ونَعِظُهم أَيضا لَعَلَّهُم تَنجَعُ فيهِمُ المَواعِظُ، فَيَتَّقوا هذِهِ الموبِقَةَ (3) ، ويَحذَروا عُقوبَتَها. (4)
83 / 2يُهلِكُ الفاسِقينَ«وَ إِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَ_هَا تَدْمِيرًا» . (5)
83 / 3يُهلِكُ الظَّالِمينَ«وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَ_لَمُواْ وَ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَ_تِ وَ مَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَ لِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ» . (6)
.
ص: 258
«وَ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَة بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَ_كِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَا قَلِيلاً وَ كُنَّا نَحْنُ الْوَ رِثِينَ * وَ مَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَ_تِنَا وَ مَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلَا وَ أَهْلُهَا ظَ__لِمُونَ» . (1)
«وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّ__لِمِينَ» . (2)
83 / 4يُهلِكُ المُسرِفينَ«وَ مَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَا رِجَالًا نُّوحِى إِلَيْهِمْ فَسْ_ئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَ مَا جَعَلْنَ_هُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَ مَا كَانُواْ خَ__لِدِينَ * ثُمَّ صَدَقْنَ_هُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَ_هُمْ وَ مَن نَّشَاءُ وَ أَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ» . (3)
83 / 5يُهلِكُ المُكَذِّبينَالكتاب«وَ إِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَ_مَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَ لِكَ فِى الْكِتَ_بِ مَسْطُورًا» . (4)
.
ص: 259
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ مِن خُطبَتِهِ يَومَ الغَديرِ _: مَعاشِرَ النّاسِ ، إِنَّهُ ما مِن قَريَةٍ إِلّا وَاللّهُ مُهلِكُها بِتَكذيبِها ، وكَذلِكَ يُهلِكُ القُرى وهِيَ ظالِمَةٌ كَما ذَكَرَ اللّهُ تَعالى ، وهذا عَلِيٌّ إِمامُكُم ووَلِيُّكُم ، وهُوَ مَواعيدُ اللّهِ وَاللّهُ يَصدُقُ ما وَعَدَهُ . مَعاشِرَ النّاسِ ، قَد ضَلَّ قَبلَكُم أَكثَرُ الأَوَّلينَ ، وَاللّهُ لَقَد أَهلَكَ الأَوَّلينَ وهُوَ مُهلِكُ الآخَرينَ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْاخِرِينَ * كَذَ لِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَ_ئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ» (1) . (2)
83 / 6مُبيدُ كُلِّ شَيءٍ ومُهلِكُهُالإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُ أَكبَرُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ ومالِكُهُ ، ومُبيدُ كُلِّ شَيءٍ ومُهلِكُهُ . (3)
.
ص: 260
. .
ص: 261
الفصل الرابع والثمانون: النّاصر ، النّصيرالنَّاصر والنَّصير لغةً«الناصر» اسم فاعل و «النَّصير» فعيل بمعنى فاعل ، كلاهما من مادّة «نَصَرَ» وهو يدلّ على إِتيان خيرٍ وإِيتائه (1) ، نصرتُه على عدوّه : أَعنته وقوّيتُه (2) ، نصر اللّه المسلمين : آتاهم الظفر على عدوّهم . (3)
النَّاصر والنَّصير في القرآن والحديثنسبت مشتقّات مادّة «نصر» إِلى اللّه سبحانه في القرآن الكريم قُرابة أَربعٍ وخمسين مرّةً ، ووردت صفة : «النَّاصر» مرّةً واحدةً في قوله تعالى : «هُوَ خَيْرُ النَّ_صِرِينَ» (4) ، وصفة «النَّصير» مرّتين بشكل «نِعْمَ النَّصِيرُ» 5 ، ومرّتين بشكل «كَفَى بِاللَّهِ
.
ص: 262
نَصِيرًا» (1) ، وذكرت تسع مرّات في مضمون قوله : «مَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَ لَا نَصِيرٍ» (2) ، ومرّتين في مضمون قوله : «وَ اجْعَل لِّى مِن لَّدُنكَ سُلْطَ_نًا نَّصِيرًا» (3) . وقد ورد في الآيات القرآنيّة أَنّ اللّه نعم النَّصير ، وخير النَّاصرين ، بل انحصر النصر فيه سبحانه ، كما جاء في قوله تعالى : «وَمَا النَّصْرُ إِلَا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» (4) ، ويعود ذلك إِلى أَنّ جميع الخيرات في العالم تصدر منه جلّ شأنه ، والمعنى الأَصليّ للنصر هو إتيان الخير ، علما أَنّنا لابدّ أَن نلتفت إِلى أَنّ النصر الإلهيّ نوعان ، أَحدهما : النصر العام ويشمل جميع الموجودات في العالم ، والآخر : النصر الخاص وهو للمؤمنين وأُولي طاعة اللّه ، والذين ينصرون دين اللّه . قال سبحانه : «إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» .
84 / 1نِعمَ النَّصيرُ«وَقَ_تِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ» . (5)
«وَ جَ_هِدُواْ فِى اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَ هِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَ فِى هَ_ذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَ ءَاتُواْ الزَّكَوةَ وَ اعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ » . (6)
.
ص: 263
84 / 2كَفى بِهِ نَصيرا«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَ_بِ يَشْتَرُونَ الضَّلَ__لَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا » . (1)
«وَكَذَ لِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَ كَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَ نَصِيرًا» . (2)
84 / 3النَّصرُ مِنهُ«وَمَا النَّصْرُ إِلَا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» . (3)
«أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَ مَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَ لَا نَصِيرٍ» . (4)
راجع : الأحزاب: 17، النساء : 123، البقرة: 120 ، التوبة: 74 و 116 ، العنكبوت: 22، الشورى: 31 .
84 / 4صِفَةُ نَصرِهِالكتاب«إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَ_دُ » . (5)
«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» . (6)
«لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَ مَا تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِرَ طًا مُّسْتَقِيمًا *
.
ص: 264
وَ يَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا» . (1)
«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَ_بِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَ_سِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّ_صِرِينَ» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامِهِ بَعدَ النَّهرَوانِ _: أَيُّهَا النَّاسُ ، اِستَعِدّوا لِلمَسيرِ إِلى عَدُوٍّ في جِهادِهِ القُربَةُ إِلَى اللّهِ ودَرَكُ الوَسيلَةِ عِندَهُ... فَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ ومِن رِباطِ الخَيلِ ، وتَوَكَّلوا عَلَى اللّهِ وكَفى بِاللّهِ وَكيلاً وكَفى بِاللّهِ نَصيرا (3) . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ مِن دُعائِهِ بَعدَ رُجوعِهِ مِن رَميِ الجِمارِ _: اللّهُمَّ بِكَ وَثِقتُ وعَلَيكَ تَوَكَّلتُ، فَنِعمَ الرَّبُّ ونِعمَ المَولى ونِعمَ النَّصيرُ. (5)
عنه عليه السلام :كانَ أَبي عليه السلام يَقولُ إِذا صَلَّى الغَداةَ: يا مَن هُوَ أَقرَبُ إِلَيَّ مِن حَبلِ الوَريدِ، يا مَن يَحولُ بَينَ المَرءِ وقَلبِهِ، يا مَن هُوَ بِالمَنظَرِ الأَعلى، يا مَن لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ العَليمُ، يا أَجوَدَ مَن سُئِلَ، ويا أَوسَعَ مَن أَعطى، ويا خَيرَ مَدعُوٍّ، ويا أَفضَلَ مَرجُوٍّ، ويا أَسمَعَ السّامِعينَ، ويا أَبصَرَ النّاظِرينَ، ويا خَيرَ النّاصِرينَ، ويا أَسرَعَ الحاسِبينَ، ويا أَرحَمَ الرّاحِمينَ. (6)
.
ص: 265
الفصل الخامس والثمانون: النّورالنُّور لغةً«النور» في اللغة بمعنى الضوء والضياء ، وهو خلاف الظلمة (1) ، والنُّور هو الظاهر الذي به كلّ ظهور ، فالظاهر في نفسه ، المُظهِر لغيره يسمّى نورا (2) .
النُّور في القرآن والحديثلقد وصف القرآن الكريم ، اللّه سبحانه بأنّه نور ، وذلك في قوله : «اللَّهُ نُورُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ» (3) ، وأُضيف النُّور إِلى اللّه تعالى في خمس آيات بشكل نور اللّه (4) ، ونسبت آيات عديدة ، جَعْل النُّور ، وإِنزال النُّور ، وإِخراج النَّاس من الظلمات إِلى النُّور ، إِلى اللّه (5) .
.
ص: 266
لقد نُسب النُّور إِلى اللّه في القرآن الكريم بأَشكال متنوّعة كما أُشير إِلى ذلك ، فوُصِف اللّه بالنُّور تارةً ، وعُدَّ النُّورُ من مخلوقات اللّه تارةً أُخرى ، وقد فسّر الشيخ الصدوق رحمه الله النُّور في الآية ، التي وصفت اللّه سبحانه بالنُّور ، أَنّه المنير ، فقال : النُّور معناه المنير ، ومنه قوله عز و جل : «اللَّهُ نُورُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ» (1) أَي : منير لهم وآمرهم وهاديهم ، فهم يهتدون به في مصالحهم ، كما يهتدون في النُّور والضياء ، وهذا توسّع (2) . وفي الحديث المنقول عن الإمام الرضا عليه السلام : «هُوَ نورٌ ، بِمَعنى أَنَّهُ هادٍ لِخَلقِهِ مِن أَهلِ السَّماءِ وأهلِ الأَرضِ» (3) . إِنّ إِطلاق اسم النُّور على اللّه سبحانه لا يعني النُّور الحسّيّ ؛ لأَنّ اللّه _ جلّ شأنه _ ليس بجسمٍ ، بل كما أَنّ النُّور ظاهر بذاته ومُظهر الأَشياء الأُخرى ومُنيرها فكذلك اللّه تعالى ليس فيه ظُلمةٌ ، وهو مُظهر الأَشياء الأُخرى ومُنيرها . يمكن أَن نقدّم احتمالين في تفسير ظاهريّة اللّه الذاتيّة ، الأَوّل : إِنّ المراد من فقدان الظُلمة في الذات الإلهيّة هو أَنّ اللّه فاقد كلّ نقصٍ ، كما في الدّعاء : «يا مَوصوفا بِغَيرِ كُنهٍ... وموجِدَ كُلِّ مَوجودٍ ، ومُحصِيَ كُلِّ مَعدودٍ وفاقِدَ كُلِّ مَفقودٍ» (4) . والثاني هو نفس ما قلناه في كلامنا حول اسم «الظاهر» . إِنّ ثمّة احتمالين أَيضا يتسنّى عرضهما في تفسير إِظهار اللّه الأَشياءَ الأُخرى ، الأَوّل : إِنّ اللّه سبحانه هو أَصل الموجودات الأُخرى ومصدرها ، والآخر : إِنّه تعالى هادي الأَشياء الأُخرى ، وهذه الهداية يمكن أَن تكون بالمعنى التكوينيّ والتشريعيّ
.
ص: 267
على حدٍّ سواء ، والحديث المأثور عن الإمام الرضا عليه السلام يشير إِلى الاحتمال الثاني .
85 / 1أَقسامُ النُّورِ فِي القُرآنِالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن أَقسامِ النُّورِ فِي القُرآنِ _: النُّورُ القُرآنُ، وَالنُّورُ اسمٌ مِن أَسماءِ اللّهِ تَعالى، وَالنُّورُ النّورِيَّةُ، وَالنُّورُ القَمَرُ، وَالنُّورُ ضَوءُ المُؤمِنِ وهُوَ المُوالاةُ الَّتي يَلبَسُ بِها نورا يَومَ القِيامَةِ، وَالنُّورُ في مَواضِعَ مِنَ التَّوراةِ وَالإِنجيلِ وَالقُرآنِ حُجَّهُ اللّهِ عز و جلعَلى عِبادِهِ، وهُوَالمَعصومُ. (1)
85 / 2نورُ كُلِّ شَيءٍالكتاب«اللَّهُ نُورُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ» . (2)
الحديثالكافي عن أحمد بن محمّد البرقي رفعه :سَأَلَ الجاثَليقُ (3) أَميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ: ... أَخبِرني عَن قَولِهِ : «وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَ_ئِذٍ ثَمَ_نِيَةٌ» (4) فَكَيفَ قالَ ذلِكَ وقُلتَ: إِنَّهُ يَحمِلُ العَرشَ وَالسَّماواتِ وَالأَرضَ!؟
.
ص: 268
فَقالَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : إِنَّ العَرشَ خَلَقَهُ اللّهُ تَعالى مِن أَنوارٍ أَربَعَةٍ: نورٌ أَحمَرُ ، مِنهُ احمَرَّتِ الحُمرَةُ، ونورٌ أَخضَرُ مِنهُ اخضَرَّتِ الخُضرَةُ، ونورٌ أَصفَرُ مِنهُ اصفَرَّتِ الصُّفرَةُ، ونورٌ أَبيَضُ مِنهُ ابيَضَّ البَياضُ، وهُوَ العِلمُ الَّذي حَمَّلَهُ اللّهُ الحَمَلَةَ وذلِكَ نورٌ مِن عَظَمَتِهِ، فَبِعَظَمَتِهِ ونورِهِ أَبصَرَ قُلوبُ المُؤمِنينَ، وبِعَظَمَتِهِ ونورِهِ عاداهُ الجاهِلونَ، وبِعَظَمَتِهِ ونورِهِ ابتَغى مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ مِن جَميعِ خَلائِقِهِ إِلَيهِ الوَسيلَةَ، بِالأَعمالِ المُختَلِفَةِ وَالأَديانِ المُشتَبِهَةِ. فَكُلُّ مَحمولٍ يَحمِلُهُ اللّهُ بِنورِهِ وعَظَمَتِهِ وقُدرَتِهِ لا يَستَطيعُ لِنَفسِهِ ضَرّا ولا نَفعا ولا مَوتا ولا حَياةً ولا نُشورا، فَكُلُّ شَيءٍ مَحمولٌ وَاللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالَى _ المُمسِكُ لَهُما أَن تَزولا وَالمُحيطُ بِهِما مِن شَيءٍ، وهُوَ حَياةُ كُلِّ شَيءٍ ونورُ كُلِّ شَيءٍ، سُبحانَهُ وتَعالى عَمّا يَقولونَ عُلُوّا كَبيرا. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :يا سابِغَ (2) النِّعَمِ، يا دافِعَ النِّقَمِ، يا نورَ المُستَوحِشينَ فِي الظُّلَمِ، يا عالِما لا يُعَلَّمُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وَافعَل بي ما أَنتَ أَهلُهُ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :_ في دُعاءٍ عَلَّمَهُ مُعاوِيَةَ بنَ عَمّارٍ _: اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ العَظيمِ الأَعظَمِ الأَجَلِّ الأَكرَمِ، المَخزونِ المَكنونِ (4) ، النّورِ الحَقِّ البُرهانِ المُبينِ، الَّذي هُوَ نورٌ مَعَ نورٍ، ونورٌ مِن نورٍ، ونورٌ في نورٍ، ونورٌ عَلى نورٍ، ونورٌ فَوقَ كُلِّ نورٍ، ونورٌ يُضيءُ بِهِ كُلُّ ظُلمَةٍ. (5)
الإمام الرضا عليه السلام_ لَمّا قالَ لَهُ عِمرانُ الصَّابِئ : فَأَيُّ شَيءٍ هُوَ؟ _: هُوَ نورٌ،
.
ص: 269
بِمَعنى أَنَّهُ هادٍ لِخَلقِهِ مِن أَهلِ السَّماءِ وأَهلِ الأَرضِ، ولَيسَ لَكَ عَلَيَّ أَكثَرُ مِن تَوحيدي إِيّاهُ. (1)
الكافي عن العبّاس بن هلال :سَأَلتُ الرِّضا عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ: «اللَّهُ نُورُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ» فَقالَ: هادٍ لِأَهلِ السَّماءِ، وهادٍ لِأَهلِ الأَرضِ. وفي رَوايَةِ البَرقِيِّ : هَدى مَن فِي السَّماءِ وهَدى مَن فِي الأَرضِ. (2)
85 / 3نورٌ لا ظَلام فيهِالإمام الباقر عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ كانَ ولا شَيءَ غَيرُهُ نورا لا ظَلامَ فيهِ، وصادِقا لا كَذِبَ فيهِ، وعالِما لا جَهلَ فيهِ، وحَيّا لا مَوتَ فيهِ، وكَذلِكَ هُوَ اليَومُ، وكَذلِكَ لا يَزالُ أَبَدا. (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ عِلمٌ لا جَهلَ فيهِ، حَياةٌ لا مَوتَ فيهِ، نورٌ لا ظُلمَةَ فيهِ. (4)
85 / 4نورُ النّورِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :بِاسمِ اللّهِ النُّورِ، بِاسمِ اللّهِ نورِ النُّورِ، بِاسمِ اللّهِ نورٌ عَلى نورٍ، بِاسمِ اللّهِ الَّذي هُوَ مُدَبِّرُ الأُمورِ، بِاسمِ اللّهِ الَّذي خَلَقَ النّورَ مِنَ النّورِ، الحَمدُ للّهِِ الَّذي خَلَقَ النّورَ مِنَ
.
ص: 270
النّورِ، وأَنزَلَ النُّورَ عَلَى الطّورِ (1) ، في كِتابٍ مَسطورٍ، في رِقٍّ (2) مَنشورٍ، بِقَدَرٍ مَقدورٍ، عَلى نَبِيٍّ مَحبورٍ. (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: يا شاهِدَ كُلِّ نَجوى، يا رَبّاهُ يا سَيِّداهُ، أَنتَ النّورُ فَوقَ النّورِ، ونورُ النّورِ، فَيا نورَ النّورِ أَسأَ لُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآلِهِ أَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ. (4)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ... يا نورَ النّورِ، يا مُنَوِّرَ النّورِ، يا خالِقَ النّورِ، يا مُدَبِّرَ النّورِ، يا مُقَدِّرَ النّورِ، يا نورَ كُلِّ نورٍ، يا نورا قَبلَ كُلِّ نورٍ، يا نورا بَعدَ كُلِّ نورٍ، يا نورا فَوقَ كُلِّ نورٍ، يا نورا لَيسَ كَمِثلِهِ نورٌ. (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ البُرهانِ المُنيرِ الَّذي سَكَنَ لَهُ الضِّياءُ وَالنّورُ يا أللّهُ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :يا أللّهُ يا أللّهُ، أَنتَ المَرهوبُ مِنكَ جَميعُ خَلقِكَ، يا نورَ النّورِ فَلا يُدرِكُكَ نورٌ كَنورِكَ، يا أَللّهُ يا أَللّهُ أَنتَ الرَّفيعُ فَوقَ عَرشِكَ مِن فَوقِ سَماواتِكَ، فَلا يَصِفُ عَظَمَتَكَ أَحَدٌ مِن خَلقِكَ، يا نورَ النّورِ أَنتَ الَّذي قَدِ استَنارَ بِنورِكَ أَهلُ سَماواتِكَ، وَاستَضاءَ بِنورِكَ أَهلُ أَرضِكَ... يا نورَ النّورِ كُلُّ نورٍ خامِدٌ لِنورِكَ. (7)
الإمام الجواد عليه السلام_ في حِرزِهِ المَعروفِ _: أَسأَ لُكَ يا نورَ النَّهارِ، ويا نورَ اللَّيلِ، ويا نورَ
.
ص: 271
السَّماءِ وَالأَرضِ، ونورَ النّورِ، ونورا يُضيءُ بَينَ كُلِّ نورٍ... . (1)
85 / 5مَثَلُ نورِهِالكتاب«اللَّهُ نُورُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَوةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَ_رَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَ_لَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ» . (2)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «اللَّهُ نُورُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَوةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ» _: هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللّهُ لَنا ؛ فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَالأَئِمَّهُ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم أَجمَعينَ _ مِن دَلالاتِ اللّهِ وآياتِهِ الَّتي يُهتَدى بِها إِلَى التَّوحيدِ ومَصالِحِ الدّينِ وشَرائِعِ الإِسلامِ وَالفرائِضِ وَالسُّنَنِ، ولا قُوَّةَ إِلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ. (3)
.
ص: 272
. .
ص: 273
الفصل السادس والثمانون: الوارثالوارث لغةًإنّ «الوارث» اسم فاعل من «ورث» ، وهو أن يكون الشيء لقوم ، ثمّ يصير إِلى آخرين بنَسبٍ أَو سبب (1) . ولعلّ إِطلاق اسم «الوارث» على اللّه تعالى يعود إلى أنّ لكلّ موجود في هذا العالم عمرا محدودا ، والموجود الأَزليّ الأَبديّ هو اللّه وحده ، فهو بالنتيجة وارث كلّ شيء . أَجل ، إِنّه سبحانه المالك الحقيقيّ المطلق لكلّ شيء دائما وأَبدا ، أَمّا اسم الوارث فإنّه يشير إِلى مالكيّة اللّه باعتبار بقائه عَزَّ اسمه بعد فناء الأَشياء (2) . والاحتمال الآخر هو أَنّه لمّا كان وارث الشيء هو من يملكه بلا تعبٍ ولا عناء ، وكان اللّه مالكا لجميع الموجودات بلا تعبٍ ولا عناء ، فإنّه سبحانه يُسمّى الوارث .
.
ص: 274
الوارث في القرآن والحديثلقد نُسبت مشتقّات مادّة «ورث» إلى اللّه خمسَ عشرةَ مرّةً في القرآن الكريم ، ووردت صفة الوارث ثلاث مرّات فيه (1) . كما جاء في الآيات والأَحاديث أنّ اللّه سبحانه وارث جميع الموجودات في العالم ، وهذا يعود إِلى أنّ لكافّة المالكين للأَشياء في هذا العالم عمرا محدودا ، وأنّ كلّ شيء سيفنى الّا اللّه _ جلّ شأنه _ ، فهو إِذا وارث الأَشياء برمّتها ، وإن كانت _ كما قلنا في توضيح صفة المالك _ الملكيّة الحقيقيّة والمطلقة للّه وحده ، وملكيّات الآخرين اعتباريّة وفي طول ملكيّة اللّه تعالى .
86 / 1وارِثُ كُلِّ شَيءٍالكتاب«وَ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَة بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَ_كِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَا قَلِيلاً وَ كُنَّا نَحْنُ الْوَ رِثِينَ» . (2)
«إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْهَا وَ إِلَيْنَا يُرْجَعُونَ» . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الوَلِيِّ الحَميدِ الحَكيمِ المَجيدِ، الفَعّالِ لِما يُريدُ، عَلّامِ الغُيوبِ، وخالِقِ الخَلقِ، ومُنزِلِ القَطرِ، ومُدَبِّرِ أَمرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ، ووارِثِ
.
ص: 275
السَّماواتِ وَالأَرضِ، الَّذي عَظُمَ شَأنُهُ فَلا شَيءَ مِثلُهُ، تَواضَعَ كُلُّ شَيءٍ لِعَظَمَتِهِ، وذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لِعِزَّتِهِ، وَاستَسلَمَ كُلُّ شَيءٍ لِقُدرَتِهِ، وَقَرّ كُلُّ شَيءٍ قَرارَهُ لِهَيبَتِهِ. (1)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الوَلِيِّ الحَميدِ الحَكيمِ المَجيدِ الفَعّالِ لِما يُريدُ، عَلّامِ الغُيوبِ وسَتّارِ العُيوبِ، خالِقِ الخَلقِ ومُنزِلِ القَطرِ ومُدَبِّرِ الأَمرِ، رَبِّ السَّماءِ وَالأَرضِ وَالدُّنيا وَالآخِرَةِ، وارِثِ العالَمينَ وخَيرِ الفاتِحينَ الَّذي مِن عِظَمِ شَأنِهِ أَنَّهُ لا شَيءَ مِثلُهُ، تواضَعَ كُلُّ شَيءٍ لِعَظَمَتِهِ، وذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لِعِزَّتِهِ، وَاستَسلَمَ كُلُّ شَيءٍ لِقُدرَتِهِ. (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ بَديعَ السَّماواتِ وَالأَرضِ، ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ، رَبَّ الأَربابِ، وإِلهَ كُلِّ مَألوهٍ، وخالِقَ كُلِّ مَخلوقٍ، ووارِثَ كُلِّ شَيءٍ. (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ في ذِكرِ أَسماءِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: هُوَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ ... المُحيي المُميتُ الباعِثُ الوارِثُ. (4)
86 / 2خَيرُ الوارِثينَالكتاب«وَ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِى فَرْدًا وَ أَنتَ خَيْرُ الْوَ رِثِينَ» . (5)
.
ص: 276
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ في دُعاءِ يَومِ المُباهَلَةِ _: يا باعِثُ ابعَثني شَهيدا صِدِّيقا رَضِيّا عَزيزا حَميدا مُغتَبِطا مَسرورا مَشكورا مَحبورا، يا وارِثُ تَرِثُ الأَرضَ ومَن عَلَيها وَالسَّماواتِ وسُكّانَها وجَميعَ ما خَلَقتَ، فَوَرِّثني حِلما وعِلما إِنَّكَ خَيرُ الوارِثينَ. (1)
.
ص: 277
الفصل السابع والثمانون: الواسع، الموسعالواسع والموسع لغةًإنّ «الواسع والموسع» اسما فاعل من مادّة «وسع» التي تدلّ على خلاف الضيق والعُسر، والوُسع: الغِنى والجدة والطلاقة والقوّة، وسع اللّه عليه رزقه:بسطه وكثّره (1) .
الواسع والموسع في القرآن والحديثلقد أُسندت مشتقّات مادّة «وسع» إلى اللّه تعالى سبع عشرة مرّةً في القرآن الكريم ، ووردت صفة «الواسع» فيه سبع مرّات مع صفة «العليم» (2) ، ومرّة واحدة مع صفة «الحكيم» (3) ، ومرّة واحدة بشكل «وَ سِعُ الْمَغْفِرَةِ» (4) . ووردت صفة الموسع فيه مرة واحدة وهي قوله تعالى : «وَ السَّمَاءَ بَنَيْنَ_هَا بِأَيْيْدٍ وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ» (5) .
.
ص: 278
إنّنا نلاحظ هذه الصفة في الآيات والأَحاديث بالنسبة إلى شيء من الأَشياء حينا مثل «وَ سِعُ الْمَغْفِرَةِ» ، و «وَسِعَ كُلَّ شَىْ ءٍ عِلْمًا» ، و «وَسِعَت رَحمَتُهُ كُلَّ شَيءٍ» ، حينئذٍ تدلّ على سعة المضاف إليه وامتداده وعدم ضيقه ، مثلاً تدلّ في الموارد المذكورة على أنّ علم اللّه لا يتناهى ، وعلى سعة مغفرته ورحمته _ جلّ شأنه _ . وحينا آخر ، يرد اسم الواسع غير مضاف إِلى شيء ، مثل «الجواد الواسع» ، عندئذٍ يتيسّر لنا أن نفسّر الواسع بمعنى الشيء الفاقد للضيق والنقص من كلّ جهةٍ ، وبمعنى الغنيّ المطلق ، ويمكن أن نفسّر سعة اللّه من كلّ جهةٍ مثل الرحمة ، والمغفرة ، والعلم ، والقدرة ، ويمكن أن تكون «ال» للعهد ، ومثلاً نعتبر الواسع في المورد المذكور بمعنى السعة في الجود .
87 / 1واسِعٌ عَليمٌ«إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَ سِعٌ عَلِيمٌ» . (1)
«وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَ سِعٌ عَلِيمٌ» . (2)
87 / 2واسِعٌ حَكيمٌ«وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَ سِعًا حَكِيمًا» . (3)
.
ص: 279
87 / 3واسِعُ المَغفِرَةِ«الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَ_ئِرَ الْاءِثْمِ وَالْفَوَ حِشَ إِلَا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَ سِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِى بُطُونِ أُمَّهَ_تِكُمْ فَلَا تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى». (1)
87 / 4وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ عِلما«إِنَّمَا إِلَ_هُكُمُ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْ ءٍ عِلْمًا» . (2)
87 / 5ذو رَحمَةٍ واسِعَةٍالكتاب«فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَ سِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ» . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الخافِضِ الرّافِعِ، الضّارِّ النّافِعِ، الجَوادِ الواسِعِ، الجَليلِ ثَناؤُهُ، الصّادِقَةِ أَسماؤُهُ، المُحيطِ بِالغُيوبِ. (4)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ إِنَّكَ بِحاجَتي عالِمٌ غَيرُ مُعَلَّمٍ، وأَنتَ لَها واسِعٌ غَيرُ مُتَكَلِّفٍ، وأَنتَ الَّذي لا يُحفيكَ سائِلٌ ، ولا يَنقُصُكَ نائِلٌ ، ولا يَبلُغُ مِدحَتَكَ قَولُ قائِلٍ، أَنتَ
.
ص: 280
كَما تَقولُ ، وفَوقَ ما نَقولُ. (1)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ أَيِّدني مِنكَ بِنَصرٍ لا يَنفَكُّ، وعَزيمَةِ صِدقٍ لا تَختَلُّ، وجَلِّلني بِنورِكَ، وَاجعَلني مُتَدَرِّعا بِدِرعِكَ الحَصينَةِ الواقِيَةِ، وَاكلَأني بِكِلاءَتِكَ (2) الكافِيَةِ، إِنَّكَ واسِعٌ لِما تَشاءُ، ووَلِيٌّ لِمَن لَكَ تَوالى ، وناصِرٌ لِمَن إِلَيكَ آوى، وعَونُ مَن بِكَ استَعدى. (3)
.
ص: 281
الفصل الثامن والثمانون: الودودالودود لغةً«الودود» فعول بمعنى فاعل من مادّة «ودّ» وهو يدلّ على المحبّة ويُستعمل في التمنّي . يقال : وَدِدتُه ، أي : أَحببتُه . ويُقال : وَدِدْتُ أنّ ذاك كان ، إذا تمنّيتَه . «الودّ» يدلّ على المحبّة و«الودادة» تدلّ على التمنّي (1) . قال ابن الأَثير : في أَسماء اللّه تعالى «الودود» هو فعول بمعنى مفعول . أي : محبوب في قلوب أَوليائه ، أو هو فعول بمعنى فاعل ، أي : إنّه يحبّ عباده الصالحين ، بمعنى أنّه يرضى عنهم (2) .
الودود في القرآن والحديثلقد وردت صفة «الودود» في القرآن الكريم مرّةً واحدةً مع صفة «الرحيم» (3) ومرّة
.
ص: 282
واحدة مع صفة «الغفور» (1) . أَمّا صفة «الودود» في الآيات والأَحاديث ففعول بمعنى فاعل لا مفعول ، وتدلّ على محبّة اللّه لعباده ، وممّا يؤيّد هذا المطلب أَنّ الصفة المذكورة وردت مع صفات مثل «الغفور» و «الرَّحيم» بمعناها الفاعليّ .
88 / 1الرَّحيمُ الوَدودُالكتاب«إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ * وَ هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ» . (2)
«وَ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى رَحِيمٌ وَدُودٌ» . (3)
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ في مُناجاةِ المُريدينَ _: فَيامَن هُوَ عَلَى المُقبِلينَ عَلَيهِ مُقبِلٌ، وبِالعَطفِ عَلَيهِم عائِدٌ مُفضِلٌ ، وبِالغافِلينَ عَن ذِكرِهِ رَحيمٌ رَؤوفٌ، وبِجَذبِهِم إِلى بابِهِ وَدودٌ عَطوفٌ. (4)
الإمام الكاظم عليه السلام :أَستَغفِرُ اللّهَ رَبّي وأَتوبُ إِلَيهِ إِنَّ رَبّي قَريبٌ مُجيبٌ، أَستَغفِرُ اللّهَ رَبّي وأَتوبُ إِلَيهِ إِنَّ رَبّي رَحيمٌ وَدودٌ، أَستَغفِرُ اللّهَ رَبّي وأَتوبُ إِلَيهِ إِنَّهُ كانَ غَفّارا. (5)
.
ص: 283
88 / 2الوَدودُ المُتَوَحِّدُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: أَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الوَدودِ المُتَوَحِّدِ يا أللّهُ ، وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الرَّشيدِ مُرشِدَنا يا أللّهُ، وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الواهِبِ الموهِبِ يا وَهّابُ يا أللّهُ، وأَسأَ لُكَ بِاسمِكَ الغائِبِ في خَزائِنِ الغَيبِ يا عَلّامَ الغُيوبِ يا أللّهُ. (1)
88 / 3الوَدودُ العَلِيُّالإمام عليّ عليه السلام_ في حَديثٍ طَويلٍ _: وَاللّهُ تَعالى يَقولُ: وعِزَّتي وجَلالي وَارتِفاعِ مَكاني، إِنّي لا أُعَذِّبُ أَحدَا مِن خَلقي إِلّا بِحُجَّةٍ وبُرهانٍ وعِلمٍ وبَيانٍ، لِأَنَّ رَحمَتي سَبَقَت غَضَبي، وكَتَبتُ الرَّحمَةَ عَلَيَّ، فَأَنَا الرَّاحِمُ الرَّحيمُ ، وأَنَا الوَدودُ العَلِيُّ، وأَنَا المَنّانُ العَظيمُ، وأَنَا العَزيزُ الكَريمُ، فَإِذا أَرسَلتُ رَسولاً أَعطَيتُهُ بُرهانا وأَنزَلتُ عَلَيهِ كِتابا . فَمَن آمَنَ بي وبِرَسولي فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ الفائِزونَ، ومَن كَفَرَ بي وبِرَسولي فَأُولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ الَّذينَ استَحَقّوا عَذابي. (2)
.
ص: 284
. .
ص: 285
الفصل التاسع والثمانون: الوكيلالوكيل لغةً«الوكيل» على وزن فعيل مشتقّ من «وكل» وهو يدلّ على اعتماد غيرك في أَمرك ، والتوكّل هو إِظهار العجز في الأَمر والاعتماد على غيرك ، وقد سمّي الوكيل ؛ لأَنّه يوكل إليه الأَمر (1) . قال الفيوميّ : الوكيل ، فعيل بمعنى مفعول ؛ لأنّه موكول إِليه ، ويكون بمعنى فاعل إذا كان بمعنى الحافظ ، ومنه «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» (2) . (3) قال ابن الأَثير : في أَسماء اللّه تعالى «الوكيل» هو القيّم الكفيل بأرزاق العباد ، وحقيقته أنّه يستقلّ بأمر الموكول إليه (4) . وقيل : الوكيل : الكافي (5) .
.
ص: 286
الوكيل في القرآن والحديثلقد نُسبت مشتقّات مادّة «وكل» إِلى اللّه سبحانه خمس وخمسين مرّةً في القرآن الكريم ، ووردت صفة «الوكيل» فيه ستّ مرّات في مثل قوله تعالى : «كَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً» (1) ، وثلاث مرّات بلفظ «عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ وَكِيلٌ» (2) ، ومرّتين بشكل «عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ» (3) ، ومرّةً واحدةً بصورة «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» (4) ، ومرّةً واحدةً بشكل «فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً» (5) ، ومرّةً واحدةً بلفظ «أَلَا تَتَّخِذُواْ مِن دُونِى وَكِيلاً» (6) ، وكما قيل في البحث اللغويّ فإنّ صفة «الوكيل» يمكن أن تكون بصيغة المفعول ومعناها «الشخص الذي توكل إليه الأُمور» ، ويمكن أن تكون بصيغة الفاعل أَيضا ومعناها الحافظ والقيّم والكفيل والكافي . من جهة أُخرى يتسنّى لنا أن ننظر إلى صفة «الوكيل» من الوجهة التكوينيّة والتشريعيّة ، فوكالة اللّه من الوجهة التشريعيّة بمعنى أنّ المؤمنين يوكلون أُمورهم إلى اللّه ويثقون به ويتبعون تعاليم رسله ، وقوله تعالى : «رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً» 7 يشير إلى هذا النوع من الوكالة . أَمّا الوكيل من الوجهة التكوينيّة فبمعنى أنّ أُمور الموجودات في العالم
.
ص: 287
من حيث التكوين ، أي : الخلقة والحفظ والتدبير ، بيد اللّه تعالى . ولا صلة لهذا النوع من وكالة اللّه بإرادة النَّاس واختيارهم ، وللّه كلّ ما يتعلّق بهذا الضرب من الوكالة ، والآية الكريمة «وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ وَكِيلٌ» (1) تدلّ على هذه الوكالة التكوينيّة للّه تعالى .
89 / 1هُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ وَكيلٌ«ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ خَ__لِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ وَكِيلٌ» . (2)
89 / 2نِعمَ الوَكيلُالكتاب«الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَ_نًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :آخِرُ ما تَكَلَّمَ بِهِ إِبراهيمُ عليه السلام حينَ أُلقِيَ فِي النَّارِ : «حَسبي اللّهُ ونِعمَ الوَكِيل» . (4)
.
ص: 288
صحيح البخاري عن ابن عبّاس :«حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» قالَها إِبراهيمُ عليه السلام حينَ أُلقِيَ فِي النّارِ ، وقالَها مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله حينَ قالوا : «إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَ_نًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» (1) . (2)
تنبيه الخواطر_ في قَولِ إِبراهيمَ عليه السلام : «حسبي اللّه ونعم الوكيل» _: أنّه قالَ ذلِكَ حينَ اُرمِيَ بِهِ . (3)
89 / 3كَفى بِهِ وَكيلاًالكتاب«وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَ_ائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِى تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً» . (4)
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام_ في المُناجاةِ الإِنجيلِيَّةِ _: لا إِلهَ إِلّا أَنتَ ، عَلَيكَ أَعتَمِدُ وبِكَ أَستَعينُ ، وأَنتَ حَسبي وكَفى بِكَ وَكيلاً . (5)
.
ص: 289
89 / 4اِتَّخِذهُ وَكيلاًالكتاب«رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في حَديثِ المِعراجِ _: ناداني رَبّي _ جَلَّ جَلالُهُ _ : يا مُحَمَّدُ ، أَنتَ عَبدي وأَنَا رَبُّكَ ، فَلي فَاخضَع ، وإِيّايَ فَاعبُد ، وعَلَيَّ فَتَوَكَّل ، وبي فَثِق . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا مَن لا يُتَوَكَّلُ إِلّا عَلَيهِ . (3)
89 / 5لا تَتَّخِذ مِن دونِهِ وَكيلاًالكتاب«وَ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَ_بَ وَ جَعَلْنَ_هُ هُدًى لِّبَنِى إِسْرَ ءِيلَ أَلَا تَتَّخِذُوا مِن دُونِى وَكِيلاً» . (4)
.
ص: 290
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا تَتَّكِل إِلى (1) غَيرِ اللّهِ ، فَيَكِلَكَ اللّهُ إِلَيهِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إِلى بَعضِ عُمّالِهِ وقَد بَعَثَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ _: أَمَرَهُ بِتَقوَى اللّهِ في سرائِرِ أَمرِهِ وخَفِيّاتِ عَمَلِهِ ، حَيثُ لا شَهيدَ غَيرُهُ ، ولا وَكيلَ دونَهُ . (3)
.
ص: 291
الفصل التسعون: الوليّالوليّ لغةً«الوليّ» على وزن فعيل مشتقّ من «ولي» بمعنى القرب والدنوّ (1) . قال الفيوميّ : «الوليّ» فعيل بمعنى فاعل من «وليه» إِذا قام به ، ومنه «اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا» (2) ... و«الوليّ» بمعنى مفعول في حقّ المطيع فيقال : المؤمن وليّ اللّه (3) . قال ابن الأَثير : في أَسماء اللّه تعالى «الوليّ» هو الناصر . وقيل : المتولّي لأُمور العالم والخلائق ، القائم بها (4) .
الوليّ في القرآن والحديثإِنّ مشتقّات مادّة «ولي» قد نسبت إِلى اللّه تعالى زُهاء ستّ وأَربعين مرّة ، وقد وردت صفة «الوليّ» بصيغة الإفراد والجمع ثلاثا وعشرين مرّةً ، كما حصرت سبعُ آيات
.
ص: 292
صفة «الوليّ» مع صفة «النَّصير» في اللّه عز و جل (1) ، كما انحصرت الولاية في اللّه تعالى في أَربع آيات (2) ، وقد ذكرت عشر آيات أَنّ اللّه وليّ المؤمنين والخاصّة من النَّاس (3) ، وجاءت صفة «الوليّ» مع صفة «الحميد» في آية واحدة (4) ، وورد تعبير «كفى باللّه وليّا» في آية واحدة أَيضا (5) . عندما تنسب الآيات والأَحاديث صفة «الوليّ» إِلى اللّه ، فهي تريد القائم بالأُمور ، أمّا مناسبة هذا المعنى للمعنى الأَصليّ لمادّة «ولى» أي : القرب والدنوّ ، فيبدو أنّ بين الوليّ بمعنى الفاعل ، والوليّ بمعنى المفعول قُربا ؛ لأنّ الوليّ بمعنى المفعول يتبع الوليّ بمعنى الفاعل ، فلا افتراق ولا انفصال بينهما ، بل بينهما في الحقيقة صلة إِشراف وطاعة ودّيّة قائمة على الاعتقاد . إنّنا نلاحظ في بعض الآيات والأَحاديث أنّ الولاية قد انحصرت في اللّه وحده حينا ، وولايته سبحانه بالنسبة إِلى جميع الموجودات هي المقصودة حقّا ، لكنّها اختصّت بثلّة خاصّة كالمؤمنين حينا آخر ، فيتسنى لنا أن نقول في هذا المجال أنّ ولاية اللّه تنقسم إلى ولاية عامّة وولاية خاصّة ، فولايته العامّة سبحانه تشمل جميع الموجودات ، ذلك أنّه تعالى قائم بأُمور جميع الموجودات في العالم . أمّا ولايته الخاصّة فتقتصر على من رضي بولايته الشرعيّة _ جلّ شأنه _ واتّبع تعاليمه
.
ص: 293
وأَحكامه طوعا ، ويتولّى اللّه تعالى ولايته بالنسبة إلى أَمثال هؤلاء عن طريق إِرسال الرسل وإِنزال الشرائع ، وكذلك الإمدادات الخاصّة .
90 / 1هُوَ الوَلِيُّالكتاب«أَمِ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِىُّ وَ هُوَ يُحْىِ الْمَوْتَى وَ هُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» . (1)
«قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» . (2)
«هُنَالِكَ الْوَلَ_يَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَ خَيْرٌ عُقْبًا» . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :مولايَ يا مولايَ أَنتَ المَولى وأَنَا العَبدُ، وهَل يَرحَمُ العَبدَ إِلَا المَولى. (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ الوَلِيُّ المُرشِدُ، وَالغَنِيُّ المُرفِدُ (5) ، وَالعَونُ المُؤَيِّدُ. (6)
.
ص: 294
90 / 2وَلِيُّ المُؤمِنينَالكتاب«إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَ هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَ_ذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ» . (1)
«إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْ_ئا وَ إِنَّ الظَّ__لِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَ اللَّهُ وَلِىُّ الْمُتَّقِينَ». (2)
«اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّ_لُمَ_تِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّ_غُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّ_لُمَ_تِ أُوْلَ_ئِكَ أَصْحَ_بُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَ__لِدُونَ» . (3)
«لَهُمْ دَارُ السَّلَ_مِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» . (4)
«قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» . (5)
«بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّ_صِرِينَ» . (6)
«ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَ_سِبِينَ» . (7)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا وَلِيَّ المُؤمِنينَ أَنتَ المُستَعانُ، وعَلَيكَ المُعَوَّلُ (8) ، وإِلَيكَ المُشتَكى، وبِكَ المُستَغاثُ، وأَنتَ المُؤَمَّلُ وَالرَّجاءُ وَالمُرتَجى لِلآخِرَةِ وَالأُولى. (9)
.
ص: 295
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أَنتَ ثِقَتي عِندَ شِدَّتي، ورَجائي عِندَ كُربَتي، وعُدَّتي عِندَ الأُمورِ الَّتي تَنزِلُ بي، فَأَنتَ وَلِيِّي في نِعمَتي، وإِلهي وإِلهُ آبائي ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ. (1)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أَنتَ ثِقَتي في كُلِّ كَربٍ، وأَنتَ رَجائي في كُلِّ شِدَّةٍ، وأَنتَ لي في كُلِّ أَمرٍ نَزَلَ بي ثِقَةٌ وعُدَّةٌ، وكَم مِن كَربٍ... أَنزَلتُهُ بِكَ وشَكَوتُهُ إِلَيكَ راغِبا فيهِ إِلَيكَ عَمَّن سِواكَ فَفَرَّجتَهُ وكَشَفتَهُ، فَأَنتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعمَةٍ وصاحِبُ كُلِّ حاجَةٍ ومُنتَهى كُلِّ رَغبَةٍ، فَلَكَ الحَمدُ كَثيرا ولَكَ المَنُّ فاضِلاً. (2)
الإمام عليّ عليه السلام : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّ_لُمَ_تِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» (3) ، لا نُشرِكُ بِاللّهِ شَيئا، ولا نِتَّخِذُ مِن دونِهِ وَليّا . وَالحَمدُ للّهِِ الَّذي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرضِ، ولَهُ الحَمدُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وهُوَ الحَكيمُ الخَبيرُ، «يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الْأَرْضِ وَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَ مَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَ هُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ» (4) . (5)
.
ص: 296
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ وَلِيُّ الأَصفِياءِ وَالأَخيارِ، ولَكَ الخَلقُ وَالاِختِيارُ. (1)
عنه عليه السلام :سَيِّدي، أَكثَرتَ عَلَيَّ مِنَ النِّعَمِ وأَقلَلتُ لَكَ مِنَ الشُّكرِ، فَكَم لَكَ عِندي مِن نِعمَةٍ لا يُحصيها أَحَدٌ غَيرُكَ ... فَوَجَدتُكَ يا مَولايَ نِعمَ المَولى ونِعمَ النَّصيرُ، وكَيفَ لا أَشكُرُكَ يا إِلهي ، أَطلقَتَ لِساني بِذِكرِكَ رَحمَةً لي مِنكَ، وأَضَأتَ لي بَصَري بِلُطفِكَ حُجَّةً مِنكَ عَلَيَّ، وسَمِعَت أُذُنايَ بِقُدرَتِكَ نَظَرا مِنكَ، ودَلَلتَ عَقلي عَلى تَوبيخِ نَفسي. (2)
الإمام الصادق عليه السلام :العالِمُ بِزَمانِهِ لا تَهجُمُ عَلَيهِ اللَّوابِسُ (3) وَالحَزمُ مَساءَةُ الظَّنِّ، وبَينَ المَرءِ وَالحِكمَةِ نِعمَةُ العالِمِ، وَالجاهِلُ شَقِيٌّ بَينَهُما، وَاللّهُ وَلِيُّ مَن عَرَفَهُ وعَدُوُّ مَن تَكَلَّفَهُ، وَالعاقِلُ غَفورٌ وَالجاهِلُ خَتورٌ (4) . (5)
عنه عليه السلام :يا مَن قَلَّ شُكري لَهُ فَلَم يَحرِمني، وعَظُمَت خَطيئَتي فَلَم يَفضَحني، ورَآني عَلَى المَعاصي فَلَم يَجبَهني (6) ، وخَلَقَني لِلَّذي خَلَقَني لَهُ فَصَنَعتُ غَيرَ الَّذي خَلَقَني لَهُ، فَنِعمَ المَولى أَنتَ يا سَيِّدي وبِئسَ العَبدُ أَنَا، وَجَدتَني ونِعمَ الطّالِبُ أَنتَ رَبّي وبِئسَ المَطلوبُ أَنَا أَلفَيتَني، عَبدُكَ وَابنُ عَبدِكَ وَابنُ أَمَتِكَ بَينَ يَدَيكَ ما شِئتَ صَنَعتَ بي . (7)
الكافي عن عبد الرحمن بن سيابة :أَعطاني أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام هذَا الدُّعاءَ :
.
ص: 297
الحَمدُ للّهِِ وَلِيِّ الحَمدِ وأَهلِهِ ومُنتَهاهُ ومَحَلِّهِ، أَخلَصَ مَن وَحَّدَهُ، وَاهتَدى مَن عَبَدَهُ ، وفازَ مَن أَطاعَهُ ، وأَمِنَ المُعتَصِمُ بِهِ. (1)
الكافي عن عليّ بن أسباط عنهم عليهم السلام: فيما وَعَظَ اللّهُ عز و جل بِهِ عيسى عليه السلام : ... يا عيسى، كُلُّ وَصفي لَكَ نَصيحَةٌ، وكُلُّ قَولي لَكَ حَقٌّ وأَنَا الحَقُّ المُبينُ، فَحَقّا أَقولُ : لَئِن أَنتَ عَصَيتَني بَعدَ أَن أَنبَأتُكَ، ما لَكَ مِن دوني وَلِيٌّ ولانَصيرٌ. (2)
90 / 3وَلِيٌّ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِالكتاب«رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّ فِى الدُّنْيَا وَ الْاخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَ أَلْحِقْنِى بِالصَّ__لِحِينَ» . (3)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: أَعوذُ بِكَ مِن قَلبٍ لايَخشَعُ، ومِن عَينٍ لا تَدمَعُ، وصَلاةٍ لا تُقبَلُ، أَجِرنا مِن سوءِ الفِتَنِ، يا وَلِيَّ الدُّنيا وَالآخِرَةِ. (4)
.
ص: 298
90 / 4الوَلِيُّ الحَميدُ«وَ هُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَ يَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَ هُوَ الْوَلِىُّ الْحَمِيدُ» . (1)
90 / 5كَفى بِهِ وَلِيّا«وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا» . (2)
90 / 6لَيسَ دونَهُ وَلِيٌّ«أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَ مَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَ لَا نَصِيرٍ» . (3)
«وَ لَا تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَ مَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ». (4)
«وَ مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِىٍّ مِّن بَعْدِهِ وَ تَرَى الظَّ__لِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ» . (5)
«لَهُ مُعَقِّبَ_تٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ» . (6)
.
ص: 299
«وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِىٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» . (1)
90 / 7وَلِيُّ الإِعطاءِ وَالمَنعِالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ صُن وَجهي بِاليَسارِ، ولا تَبذُل جاهي (2) بِالإِقتارِ؛ فَأَستَرزِقَ طالِبي رِزقِكَ، وأَستَعطِفَ شِرارَ خَلقِكَ ، وأُبتَلى بِحَمدِ مَن أَعطاني، وأُفتَتَنَ بِذَمِّ مَن مَنَعَني ، وأَنتَ مِن وَراءِ ذلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ الإِعطاءِ وَالمَنعِ. (3)
.
ص: 300
. .
ص: 301
الفصل الحادي والتسعون: الوهّابالوهّاب لغةً«الوهّاب» على وزن «فعّال» مبالغة في «الواهب» مشتق من مادّة «وهب» . وهو يدلّ على العطيّة الخالية من الأَعواض والأَغراض (1) .
الوهّاب في القرآن والحديثإنّ مشتقّات مادّة «وهب» قد نسبت إلى اللّه سبحانه أكثر من عشرين مرّة في القرآن الكريم ، وقد وردت صفة «الوهّاب» فيه ثلاث مرّات ، مرّتين بشكل «إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ» (2) ، ومرّة مع صفة «العزيز» (3) ، كما تتعلّق هبة اللّه سبحانه في الآيات القرآنيّة بأُمور كالرحمة ، والحكم ، والملك ، والذرّيّة ، والأَزواج (4) ، ولا ريب في أنّ جميع النِعَم التي يمنّ اللّه بها على الموجودات هي من نوع الهبة ، ذلك أنّها لا تستطيع أن
.
ص: 302
تجزي اللّه عليها ؛ لأنّه تعالى الغنيّ المطلق .
91 / 1وَهّابُ العَطاياالكتاب«قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكًا لَا يَن_بَغِى لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِى إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ» . (1)
«رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ» . (2)
الحديثالإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِحُرمَةِ مَن عاذَ بِكَ ولَجَأَ إِلى عِزِّكَ، وَاعتَصَمَ بِحَبلِكَ ولَم يَثِق إِلّا بِكَ، يا وَهّابَ العَطايا، يا مُطلِقَ الاُسارى، يا مَن سَمّى نَفسَهُ مِن جُودِهِ الوَهّابَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ المَرضِيِّينَ بِأَفضَلِ صَلَواتِكَ، وبارِك عَلَيهِم بِأَفضَلِ بَرَكاتِكَ. (3)
الإمام الرضا عليه السلام :اللّهُمَّ إِنّي أَسأَ لُكَ بِحُرمَةِ مَن عاذَ بِكَ مِنكَ ولَجَأَ إِلى عِزِّكَ وَاستَظَلَّ بِفَيئِكَ وَاعتَصَمَ بِحَبلِكَ ولَم يَثِق إِلّا بِكَ ، يا جَزيلَ العَطايا، يا مُطلِقَ الاُسارى، يا مَن سَمّى نَفسَهُ مِن جودِهِ وَهّابا . (4)
.
ص: 303
91 / 2وَهّابٌ لا يَمَلُّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أَنتَ حَيٌّ لا تَموتُ ... ومَعروفٌ لا تُنكَرُ، ووَكيلٌ لا تُخفَرُ، وغالِبٌ لا تُغلَبُ، وقَديرٌ لا تُستَأمَرُ، وفَردٌ لا تَستَشيرُ، ووَهّابٌ لا تَمَلُّ، وسَريعٌ لا تَذهَلُ، وجَوادٌ لا تَبخَلُ، وعَزيزٌ لا تَزالُ، وحافِظٌ لا تَغفُلُ، وقائِمٌ لا تَنامُ، ومُحتَجِبٌ لا تُرى، ودائِمٌ لا تَفنى، وباقٍ لا تَبلى، وواحِدٌ لاتُشَبَّهُ، ومُقتَدِرٌ لا تُنازَعُ. (1)
.
ص: 304
. .
ص: 305
الفصل الثاني والتسعون: الهاديالهادي لغةً«الهادي» اسم فاعل من مادّة «هدى» بمعنى التقدّم للإرشاد والدلالة . يقال : هديتُه الطريق ، هدايةً ، أي : تقدّمته لأُرشده ، أو عرّفته (1) .
الهادي في القرآن والحديثلقد أُسندت مشتقّات مادّة «هدي» إلى اللّه تعالى قُرابة مئة مرّة في القرآن الكريم ، ووردت صفة «الهادي» مرّتين ، إحداها بلفظ «وَ كَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَ نَصِيرًا» (2) ، والاُخرى بلفظ «إِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ» (3) . وقد استعملت الهداية في الآيات والأَحاديث بالمعنى التكوينيّ تارةً ، والمعنى التشريعيّ تارةً أُخرى ، والهداية التكوينيّة تعني أنّ اللّه سبحانه يدبّر أَمر الموجودات كلّها على أَساس قوانين معيّنة ونظم خاصّ ، وهذه الموجودات جميعا تتبع الهداية
.
ص: 306
المذكورة جبرا (1) . أَمّا الهداية التشريعيّة للّه فهي توجيه النَّاس وإِرشادهم إِلى الكمال والطريق الصحيح للحياة والنجاة من الغي والضلال ، ويتحقّق ذلك عادةً عبر إِرسال الرسل والأَنبياء ، والنَّاس مختارون حيال هذه الهداية ، فلهم أَن يؤمنوا ولهم أَن يكفروا (2) . إِنّ الهداية التشريعية تنقسم إِلى قسمين أَيضا : هداية عامّة ، وهداية خاصّة ، أَمّا الهداية العامّة فهي الهداية التي تُمنح لجميع النَّاس ، وأَمّا الهداية الخاصّة فهي للمؤمنين والأَولياء الرّبانيّين (3) .
92 / 1هادي كُلَّ شَيءٍالكتاب«قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَ_مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَىْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى» . (4)
الحديثالإمامُ عليٌّ عليه السلام :أَيُّها المَخلوقُ السَّوِيُّ ، وَالمُنشأُ المَرعِيُّ ، في ظُلُماتِ الأَرحامِ ... ثُمّ أُخرِجتَ مِن مَقَرِّكَ إِلى دارٍ لَم تَشهَدها ، ولَم تَعرِف سُبُلَ مَنافِعِها ، فمَن هَداكَ لِاجتِرارِ الغِذاءِ مِن ثَديِ أُمِّكَ ، وعَرَّفَكَ عِندَ الحاجَةِ مَواضِعَ طَلَبِكَ وإِرادَتِكَ ؟! (5)
.
ص: 307
92 / 2هادِي الإنسانَالكتاب«إِنَّا هَدَيْنَ_هُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَ إِمَّا كَفُورًا» . (1)
«وَ هَدَيْنَ_هُ النَّجْدَيْنِ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّما أَنَا مُبَلِّغٌ وَاللّهُ يَهدي، وقاسِمٌ وَاللّهُ يُعطي . (3)
92 / 3مَن يَهديهِ اللّهُ بِالهِدايَةِ الخاصَةِ«وَ مَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ» . (4)
«وَ يَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ» . (5)
«وَ الَّذِينَ جَ_هَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» . (6)
الإمامُ عليٌّ عليه السلام :هُدِيَ مَن أَشعَرَ التَّقوى قَلبَهُ . (7)
.
ص: 308
. .
ص: 309
الفصل الثالث والتسعون: الأحاديث الجامعة في تفسير أسماء اللّه وصفاتهرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في بَعضِ خُطَبِهِ _: الحَمدُ لِلّهِ الَّذي كانَ في أَوَّلِيَّتِهِ وَحدانِيّا ، وفي أَزَلِيَّتِهِ مُتَعَظِّما بِالإِلهِيَّةِ ، مُتَكَبِّرا بِكِبرِيائِهِ وجَبَروتِهِ ، اِبتَدَأَ مَا ابتَدَعَ ، وأَنشَأَ ما خَلَقَ عَلى غَيرِ مِثالٍ كانَ سَبَقَ بِشَيءٍ مِمّا خَلَقَ ، رَبُّنَا القَديمُ بِلُطفِ رُبوبِيَّتِهِ ، وبِعلِمِ خُبرِهِ فَتَقَ ، وبِإحكامِ قُدرَتِهِ خَلَقَ جَميعَ ما خَلَقَ ، وبِنورِ الإِصباحِ فَلَقَ ؛ فَلا مُبَدِّلَ لِخَلقِهِ ، ولا مُغَيِّرَ لِصُنعِهِ ، ولا مُعَقِّبَ لِحُكمِهِ ، ولا رادَّ لِأَمرِهِ ، ولا مُستراحَ عَن دَعوَتِهِ ، ولا زَوالَ لِمُلكِهِ ، ولَا انقِطاعَ لِمُدَّتِهِ ، وهُوَ الكَينونُ أَوَّلاً وَالدَّيمومُ أَبَدا ، المُحتَجِبُ بِنورِهِ دونَ خَلقِهِ فِي الأُفُقِ الطَّامِحِ ، وَالعِزَّ الشّامِخِ ، وَالمُلكِ الباذِخِ ، فَوقَ كُلِّ شَيءٍ عَلا ، ومِن كُلِّ شَيءٍ دَنا ، فَتَجَلّى لِخَلقِهِ مِن غَيرِ أَن يَكونَ يُرى وهُوَ بِالمَنظَرِ الأَعلى . فَأَحَبَّ الاِختِصاصَ بِالتَّوحيدِ إِذِ احتَجَبَ بِنورِهِ ، وسَما في عُلُوّهِ ، وَاستَتَرَ عَن خَلقِهِ ، وبَعَثَ إِلَيهِمُ الرُّسُلَ لِتَكونَ لَهُ الحُجَّةُ البالِغَةُ عَلى خَلقِهِ ، ويَكونَ رُسُلُهُ إِلَيهم شُهداءَ عَلَيهِم ، وَابتَعَثَ فيهِمُ النَّبِيّينَ مُبشِّرينَ ومُنذِرينَ لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويَحيا مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ، ولِيَعقِلَ العِبادُ عَن رَبِّهِم ما جَهِلوهُ فَيَعرِفوهُ بِرُبوبِيَّتِهِ بَعدَما أَنكَروا ، ويُوَحِّدوهُ بِالإلهِيَّةِ بَعدَما عَضَدوا . (1)
.
ص: 310
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبلُغُ مِدحَتَهُ القائِلونَ ، ولا يُحصي نَعَماءَهُ العادّونَ ، ولا يُؤَدّي حَقَّهُ المُجتَهِدونَ ، الَّذي لا يُدرِكُهُ بُعدُ الهِمَمِ ، ولا يَنالُهُ غَوصُ الفِطَنِ ، الَّذي لَيسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحدودٌ ، ولا نَعتٌ مَوجودٌ ، ولا وَقتٌ مَعدودٌ ولا أَجَلٌ مَمدودٌ . فَطَرَ الخَلائِقَ بِقُدرَتِهِ ، ونَشَرَ الرِّياحَ بِرَحمَتِهِ ، ووَتَّدَ بِالصُّخورِ مَيَدانَ أَرضِهِ . أَوَّلُ الدِّينِ مَعرِفَتُهُ ، وكَمالُ مَعرِفَتِهِ التَّصديقُ بِهِ ، وكَمالُ التَّصديقِ بِهِ تَوحيدُهُ ، وكَمالُ تَوحيدِهِ الإِخلاصُ لَهُ ، وكَمالُ الإِخلاصِ لَهُ نفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ؛ لِشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّها غَيرُ المَوصوفِ ، وشَهادَةِ كُلِّ مَوصوفٍ أَنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ . فَمَن وَصَفَ اللّهَ سُبحانَهُ فَقَد قَرَنَهُ ، ومَن قَرَنَهُ فَقَد ثَنّاهُ ، ومنَ ثَنّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ ، ومَن جَزَّأَهُ فَقَد جَهِلَهُ ، ومَن جَهِلَهُ فَقَد أَشارَ إِلَيهِ ، ومَن أَشارَ إِلَيهِ فَقَد حَدَّهُ ، ومَن حَدَّهُ فَقَد عَدَّهُ ، ومَن قالَ «فيمَ ؟» فَقَد ضَمَّنَهُ ، ومَن قالَ «عَلامَ ؟» فَقَد أَخلى مِنهُ . كائِنٌ لا عَن حَدَثٍ ، مَوجودٌ لا عَن عَدَمٍ ، مَعَ كُلِّ شَيءٍ لا بِمُقارَنَةٍ ، وغَيرُ كُلِّ شَيءٍ لا بِمُزايَلَةٍ . فاعِلٌ لا بِمَعنَى الحَرَكاتِ وَالآلةِ ، بَصيرٌ إِذ لا مَنظورَ إِلَيهِ مِن خَلقِهِ ، مُتَوَحِّدٌ إِذ لا سَكَنَ يَستَأنِسُ بِهِ ولا يَستَوحِشُ لِفَقدِهِ . (1)
عنه عليه السلام :أَوَّلُ عِبادَةِ اللّهِ مَعرِفَتُهُ ، وأَصلُ مَعرِفَتِهِ تَوحيدُهُ ، ونِظامُ تَوحيدِهِ نَفيُ التَّشبيهِ عَنهُ ، جَلَّ عَن أَن تَحُلَّهُ الصِّفاتُ ؛ لِشَهادَةِ العُقولِ أَنَّ كُلَّ مَن حَلَّتهُ الصِّفاتُ مَصنوعٌ ، وشَهادَةِ العُقولِ : أَنَّهُ جَلَّ جَلالُهُ صانِعٌ لَيسَ بِمَصنوعٍ ، بِصُنعِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ ، وبِالعُقولِ تُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ ، وبِالنَّظَرِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ ، جَعَلَ الخَلقَ دَليلاً عَلَيهِ ، فَكَشَفَ بِهِ عَن رُبوبِيَّتِهِ ... بِمُضادَّتِهِ بَينَ الأَشياءِ المُتَضادَّةِ عُلِمَ أَن لا ضِدَّ لَهُ ، وبِمُقارَنَتِهِ بَينَ
.
ص: 311
الأُمورِ المُقتَرِنَةِ عُلِمَ أَن لا قَرينَ لَهُ . (1)
عنه عليه السلام :ما وَحَّدَهُ مَن كَيَّفَهُ ، ولا حَقيقَتَهُ أَصابَ مَن مَثَّلَهُ ، ولا إِيّاهُ عَنى مَن شَبَّهَهُ ، ولا صَمَدَهُ مَن أَشارَ إِلَيهِ وتَوَهَّمَهُ . كُلُّ مَعروفٍ بِنَفسِهِ مَصنوعٌ ، وكُلُّ قائِمٍ في سِواهُ مَعلولٌ . فاعِلٌ لا بِاضطِرابِ آلَةٍ ، مُقَدِّرٌ لا بِجَولِ فِكرَةٍ ، غَنِيٌّ لا بِاستِفادَةٍ . لا تَصحَبُهُ الأَوقاتُ ، ولا تَرفِدُهُ الأَدَواتُ . سَبَقَ الأَوقاتَ كَونُهُ ، وَالعَدَمَ وُجودُهُ ، وَالاِبتِداءَ أَزَلُهُ بِتَشعيرِهِ المَشاعِرَ عُرِفَ أَن لا مَشَعَرَ لَهُ ، وبِمُضادَّتِهِ بَينَ الأُمورِ عُرِفَ أَن لا ضِدَّ لَهُ ، وبِمُقارَنَتِهِ بَينَ الأَشياءِ عُرِفَ أَن لا قَرينَ لَهُ . ضادَّ النّورَ بِالظُّلمَةِ ، وَالوُضوحَ بِالبُهمَةِ ، وَالجُمودَ بِالبَلَلِ ، وَالحَرورَ بِالصَّرَدِ . (2) مُؤَلِّفٌ بَينَ مُتَعادِياتِها ، مُقارِنٌ بَينَ مُتَبايِناتِها ، مُقَرِّبٌ بَينَ مُتَباعِداتِها ، مُفَرِّقٌ بَينَ مُتَدانِياتِها . لا يُشمَلُ بِحَدٍّ ، ولا يُحسَبُ بِعَدٍّ ، وإِنَّما تَحُدُّ الأَدَواتُ أَنفُسَها ، وتُشيرُ الآلاتُ إِلى نظائِرِها . مَنَعَتها «مُنذُ» القِدمَةَ ، وحَمَتها «قَد» الأَزَلِيَّةَ ، وجَنَّبَتها «لَولا» التَّكمِلَة . بَها تَجَلّى صانِعُها لِلعُقولِ ، وبِهَا امتَنَعَ عَن نَظَرِ العُيونِ ، ولا يَجري عَلَيهِ السُّكونُ وَالحَرَكَةُ ، وكَيفَ يَجري عَلَيهِ ما هُوَ أَجراهُ ، ويَعودُ فِيهِ ما هو أَبداهُ ، ويَحدُثُ فيهِ ما هُوَ أَحدَثَهُ! إِذا لَتَفاوَتَت ذاتُهُ ، ولَتَجَزَّأَ كُنهُهُ ، ولَامتَنَعَ مِنَ الأَزَلِ مَعناهُ ، ولَكانَ لَهُ وَراءُ إِذ وجِدَ لَهُ أَمامٌ ، ولَالتَمَسَ التَّمامَ إِذ لَزِمَهُ النُّقصانُ ، وإِذاً لَقامَت آيَةُ المَصنوعِ فيهِ ، ولَتَحَوَّلَ دَليلاً بَعدَ أَن كانَ مَدلولاً عَلَيهِ ، وخَرَجَ بِسُلطانِ الاِمتِناعِ مِن أَن يُؤَثِّرَ فيهِ ما يُؤَثِّرُ في غَيرِهِ .
.
ص: 312
الَّذي لا يَحولُ ولا يَزولُ ، ولا يَجوزُ عَلَيهِ الاُفولُ . (1) لَم يَلِد فَيَكونَ مَولودا ، ولَم يُولَد فَيَصيرَ مَحدودا ، جَلَّ عَنِ اتِّخاذِ الأَبناء ، وطَهُرَ عَن مُلامَسَةِ النِّساءِ . لا تَنالُهُ الأَوهامُ فَتُقَدِّرَهُ ، ولا تَتَوَهَّمُهُ الفِطَنُ فَتُصَوِّرَهُ ، ولا تُدرِكُهُ الحَواسُّ فَتُحِسَّهُ ، ولا تَلمِسُهُ الأَيدي فَتَمَسَّهُ . ولا يَتَغَيَّرُ بِحالِ ، ولا يَتَبَدَّلُ فِي الأَحوالِ . ولا تُبليهِ اللَّيالي وَالأَيّامُ ، ولا يُغَيِّرُهُ الضِّياءُ وَالظَّلامُ . ولا يُوصَفُ بِشَيءٍ مِنَ الأَجزاءِ ، ولا بِالجَوارِحِ وَالأَعضاءِ ، ولا بِعَرَضٍ مِنَ الأَعراضِ ، ولا بِالغَيرِيَّةِ وَالأَبعاضِ . ولا يُقالُ لَهُ حَدٌّ ولا نِهايةٌ ، ولَا انقِطاعٌ ولا غايَةٌ ؛ ولا أَنَّ الأَشياءَ تَحويهِ فَتُقِلَّهُ أَو تُهوِيَهُ ، أَو أَنَّ شَيئا يَحمِلُهُ فَيُميلَهُ أَو يُعَدِّلَهُ . لَيسَ فِي الأَشياءِ بِوالِجٍ ، ولا عَنها بِخارِجٍ . يُخبِرُ لا بِلسانٍ ولَهَواتٍ ، ويَسمَعُ لا بِخُروقٍ وأَدَواتٍ . يَقولُ ولا يَلفِظُ ، ويَحفَظُ ولا يَتَحَفَّظُ ، ويُريدُ ولا يُضمِرُ . يُحِبُّ ويَرضى مِن غَيرِ رِقَّةٍ ، ويُبغِضُ ويَغضَبُ مِن غَيرِ مَشَقَّةٍ . يَقولُ لِمَن أَرادَ كَونَهُ : «كُن» فَيَكونُ ، لا بِصَوتٍ يَقرَعُ ، ولا بِنِداءٍ يُسمَعُ ؛ وإِنَّما كَلامُهُ سُبحانَهُ فِعلٌ مِنهُ أَنشَأَهُ ومَثَّلَهُ ، لَم يَكُن مِن قَبلِ ذلِكَ كائِنا ، ولَو كانَ قَديما لَكانَ إِلها ثانِيا . لا يُقالُ : كانَ بَعدَ أَن لَم يَكُن ، فَتَجريَ عَلَيهِ الصِّفاتُ المُحدَثاتُ ، ولا يَكونُ بَينَها وبَينَهُ فَصلٌ ، ولا لَهُ عَلَيها فَضلٌ ، فَيَستَوِي الصَّانِعُ وَالمَصنوعُ ، ويَتَكافَأُ المُبتَدَعُ والبَديعُ . خَلَقَ الخَلائِقَ عَلى غَيرِ مِثالٍ خَلا مِن غَيرِهِ ، ولم يَستَعِن عَلى خَلقِها بِأَحدٍ مِن خَلقِهِ . وأَنشَأَ الأَرضَ فَأَمسَكَها مِن غَيرِ اشتِغالٍ ، وأَرساها عَلى غَيرِ قَرارٍ ، وأَقامَها بِغَيرِ قَوائِمَ ، ورَفَعَها بِغَيرِ دَعائِمَ ، وحَصَّنَها مِنَ الأَوَدِ وَالاِعوِجاجِ ، ومَنَعَها مِنَ التَّهافُتِ وَالاِنفِراجِ ، أَرسى أَوتادَها ، وضَرَبَ أَسدادَها ، وَاستَفاضَ عُيونَها ،
.
ص: 313
وخَدَّ (1) أَودِيَتها ، فَلَم يَهِن ما بَناهُ ، ولا ضَعُفَ ما قَوّاهُ . هُوَ الظّاهِرُ عَلَيها بِسُلطانِهِ وعَظَمَتِهِ ، وهُوَ الباطِنُ لَها بِعِلمِهِ ومَعرِفَتِهِ ، وَالعالي عَلى كُلِّ شَيءٍ مِنها بِجَلالِهِ وَعِزَّتِهِ ، لا يُعجِزُهُ شَيءٌ مِنها طَلَبَهُ ، ولا يَمتَنِعُ عَلَيهِ فَيَغلِبَهُ ، ولا يَفوتُهُ السَّريعُ مِنها فَيَسبِقَهُ ، ولا يَحتاجُ إِلى ذي مالٍ فَيَرزُقَهُ . خَضَعَتِ الأَشياءُ لَهُ ، وذَلَّت مُستَكينَةً لِعَظَمَتِهِ ، لا تَستطيعُ الهَرَبَ مِن سُلطانِهِ إِلى غَيرِهِ فَتَمتَنِعَ مِن نَفعِهِ وضَرِّهِ ، ولا كُف ءَ لَهُ فَيُكافِئَهُ ، ولا نَظيرَ لَهُ فَيُساوِيَهُ . هُوَ المُفني لَها بَعدَ وُجودِها ، حَتّى يَصيرَ مَوجودُها كَمَفقودِها ، ولَيسَ فَناءُ الدُّنيا بَعدَ ابتِداعِها بِأَعجَبَ مِن إِنشائِها واختِراعِها ، وكَيفَ ولَوِ اجتَمَعَ جَميعُ حَيَوانِها مِن طَيرِها وبَهائِمِها ، وما كانَ مِن مُراحِها وسائِمِها ، وأَصنافِ أَسناخِها وأَجناسِها ، ومُتَبَلِّدَةِ أُمَمِها وأَكياسِها ، عَلى إِحداثِ بَعوضَةٍ ما قَدَرَت عَلى إِحداثِها ، ولا عَرَفَت كَيفَ السَّبيلُ إِلى إِيجادِها ، ولَتَحَيَّرَت عُقولُها في عِلمِ ذلِكَ وتاهَت ، وعَجَزَت قُواها وتَناهَت ، وَرَجَعت خاسِئَةً حَسيرَةً ، عارِفَةً بِأَنَّها مَقهورَةٌ ، مُقِرَّةً بِالعَجزِ عَن إِنشائِها ، مُذعِنَةً بِالضَّعفِ عَن إِفنائِها! وإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ يَعودُ بَعدَ فَناءِ الدُّنيا وَحدَهُ لا شَيءَ مَعَهُ ، كَما كانَ قَبلَ ابتِدائِها كَذلِكَ يَكونُ بَعدَ فَنائِها ، بِلا وَقتٍ ولا مَكانٍ ، ولا حينٍ ولا زَمانٍ ، عُدِمَت عِندَ ذلِكَ الآجالُ وَالأَوقاتُ ، وزالَتِ السِّنونَ وَالسَّاعاتُ ، فَلا شَيءَ إِلَا اللّهُ الواحِدُ القَهّارُ الَّذي إِلَيهِ مَصيرُ جَميعِ الأُمورِ ، بِلا قُدرَةٍ مِنها كانَ ابتِداءُ خَلقِها ، وبِغَيرِ امتِناعٍ مِنها كانَ فَناؤُها ، ولَو قَدَرَت عَلَى الاِمتناعِ لَدامَ بَقاؤُها . لَم يَتَكاءَدهُ صُنعُ شَيءٍ مِنها إِذ صَنَعَهُ ، ولَم يَؤُدهُ مِنها خَلقُ ما خَلَقَهُ وبَرَأَهُ ، ولَم
.
ص: 314
يُكَوِّنها لِتَشديدِ سُلطانٍ ، ولا لِخَوفٍ مِن زَوالٍ ونُقصانٍ ، ولا لِلاِستِعانَةِ بِها عَلى نِدٍّ مُكاثِرٍ ، ولا لِلاِحتِرازِ بِها مِن ضِدٍّ مُثاوِرٍ ، ولا لِلاِزدِيادِ بِها في مُلكِهِ ، ولا لِمُكاثَرَةِ شَريكٍ في شِركِهِ ، ولا لِوَحشَةٍ كانَت مِنهُ ، فَأَرادَ أَن يَستَأنِسَ إِلَيها . ثُمَّ هُوَ يُفنيها بَعدَ تَكوينِها ، لا لِسَأَمٍ دَخَلَ عَلَيهِ في تَصريفِها وتَدبيرِها ، ولا لِراحَةٍ واصِلَةٍ إِلَيهِ، ولا لِثِقَلِ شَيءٍ مِنها عَلَيهِ . لا يُمِلُّهُ طولُ بَقائِها فَيَدعُوَهُ إِلى سُرعَةِ إِفنائِها ، ولكِنَّهُ سُبحانَهُ دَبَّرَها بِلُطفِهِ ، وأَمسَكَها بِأَمرِهِ ، وأَتقَنَها بِقُدرَتِهِ ، ثُمَّ يُعيدُها بَعدَ الفَناءِ مِن غَيرِ حاجَةٍ مِنهُ إِلَيها ، ولَا استِعانَةٍ بِشَيءٍ مِنها عَلَيها ، ولا لِانصِرافٍ مِن حالِ وَحشَةٍ إِلى حالِ استِئناسٍ ، ولا مِن حالِ جَهلٍ وعَمى إِلى حالِ عِلمٍ وَالتِماسٍ ، ولا مِن فَقرٍ وحاجَةٍ إِلى غِنىً وكَثرَةٍ ، ولا مِن ذُلٍّ وضَعَةٍ إِلى عِزٍّ وقُدرَةٍ . (1)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الواحِدِ الأَحَدِ الصَّمَدِ المُتَفَرِّدِ الَّذي لا مِن شَيءٍ كانَ ، ولا مِن شَيءٍ خَلَقَ ما كانَ ، قُدرَةٌ بانَ بِها مِنَ الأَشياءِ وبانَتِ الأَشياءُ مِنهُ ، فَلَيسَت لَهُ صِفَةٌ تُنالُ ولا حَدٌّ تُضرَبُ لَهُ فيهِ الأَمثالُ ، كَلَّ دونَ صِفاتِهِ تَحبيرُ اللُّغاتِ ، وضَلَّ هُناكَ تَصاريفُ الصِّفاتِ ، وحارَ في مَلَكوتِهِ عَميقاتُ مَذاهِبِ التَّفكيرِ ، وَانقَطَعَ دونَ الرُّسوخِ في عِلمِهِ جَوامِعُ التَّفسيرِ ، وحالَ دونَ غَيبِهِ المَكنونِ حُجُبٌ مِنَ الغُيوبِ ؛ تاهَت في أَدنى أَدانيها طامِحاتُ العُقولِ في لَطيفاتِ الأُمورِ . فَتَبارَكَ اللّهُ الَّذي لا يَبلُغُهُ بُعدُ الهِمَمِ ، ولا يَنالُهُ غَوصُ الفِطَنِ ، وتَعالَى الَّذي لَيسَ لَهُ وَقتٌ مَعدودٌ ، ولا أَجَلٌ مَمدودٌ ، ولا نَعتٌ مَحدودٌ ، سُبحانَ الَّذي لَيسَ لَهُ أَوَّلٌ مُبَتَدَأٌ ، ولا غايَةٌ مُنتَهىً ، ولا آخِرٌ يَفنى . سُبحانَهُ هُوَ كَما وَصَفَ نَفسَهُ وَالواصِفونَ لا يَبلُغونَ نَعتَهُ ، وحَدَّ الأَشياءَ كُلَّها عِندَ
.
ص: 315
خَلقِهِ ، إِبانَةً لَها مِن شَبَهِهِ وإِبانَةً لَهُ مِن شَبَهِها ، لَم يَحلُل فيها فَيُقالَ : هُوَ فيها كائِنٌ ، ولَم يَن ءَ عَنها فَيُقالَ : هُوَ مِنها بائِنٌ ، ولَم يَخلُ مِنها فَيُقالَ لَهُ : أَينَ ، لكِنَّهُ سُبحانَهُ ، أَحاطَ بِها عِلمُهُ ، وأَتقَنَها صُنعُهُ ، وأَحصاها حِفظُهُ ، لَم يَعزُب عَنهُ خَفِيّاتُ غُيوبِ الهَواءِ ، ولا غَوامِضُ مَكنونِ ظُلَمِ الدُّجى ، ولا ما فِي السَّماواتِ العُلى إِلَى الأَرَضينَ السُّفلى ، لِكُلِّ شَيءٍ مِنها حافِظٌ ورَقيبٌ ، وكُلُّ شَيءٍ مِنها بِشَيءٍ مُحيطٌ ، وَالمُحيطُ بِما أَحاطَ مِنها . الواحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ ، الَّذي لا يُغَيِّرُهُ صُروفُ الأَزمانِ ، ولا يَتَكَأَّدُهُ صُنعُ شَيءٍ كانَ ، إِنَّما قالَ لِما شاءَ : «كُن» فَكانَ . اِبتَدَعَ ما خَلَقَ بِلا مِثالٍ سَبَقَ ، ولا تَعَبٍ ولا نَصَبٍ ، وكُلُّ صانِعِ شَيءٍ فَمِن شَيءٍ صَنَعَ ؛ وَاللّهُ لا مِن شَيءٍ صَنَعَ ما خَلَقَ ، وكُلُّ عالِمٍ فَمِن بَعدِ جَهلٍ تَعَلَّمَ ؛ وَاللّهُ لَم يَجهَل ولَم يَتَعَلَّم . أَحاطَ بِالأَشياءِ عِلما قَبلَ كَونِها ، فَلَم يَزدَد بِكَونِها عِلما ، عِلمُهُ بِها قَبلَ أَن يُكَوِّنَها كَعِلمِهِ بَعدَ تَكوينِها ، لَم يُكَوِّنها لِتَشديدِ سُلطانٍ ، ولا خَوفٍ مِن زَوالٍ ولا نُقصانٍ ، ولا استِعانَةٍ عَلى ضِدٍّ مُناوٍ ، ولانِدٍّ مُكاثِرٍ ، ولا شَريكٍ مُكابِرٍ ، لكِن خَلائِقُ مَربوبونَ وعِبادٌ داخِرونَ . فَسُبحانَ الَّذي لا يَؤودُهُ خَلقُ ما ابتَدَأَ ، ولا تَدبيرُ ما بَرَأَ ، ولا مِن عَجزٍ ولا مَن فَترةٍ بِما خَلَقَ اكتَفى ، عَلِمَ ما خَلَقَ وخَلَقَ ما عَلِمَ ، لا بِالتَّفكيرِ في عِلمٍ حادِثٍ أَصابَ ما خَلَقَ ، ولا شُبهَةٍ دَخَلَت عَلَيهِ فيما لَم يَخلُق ، لكِن قَضاءٌ مُبرَمٌ ، وعِلمٌ مُحكَمٌ ، وأَمرٌ مُتقَنٌ . تَوَحَّدَ بِالرُّبوبِيَّةِ ، وخَصَّ نَفسَهُ بِالوَحدانِيَّةِ ، وَاستَخلَصَ بِالمَجدِ وَالثَّناءِ ، وتَفَرَّدَ بِالتَّوحيدِ وَالمَجدِ وَالسَّناءِ ، وتَوَحَّدَ بِالتَّحميدِ وتَمَجَّدَ بِالتَّمجيدِ ، وعَلا عَن اتِّخاذِ الأَبناءِ ، وتَطَهَّرَ وتَقَدَّسَ عَن مُلامَسَةِ النِّساءِ ، وعزَّوجلَّ عَن مُجاوَرَةِ الشُّرَكاءِ .
.
ص: 316
فَلَيسَ لَهُ فيما خَلَقَ ضِدٌّ ، ولا لَهُ فيما مَلَكَ نِدٌّ ، ولَم يُشرِكهُ في مُلكِهِ أَحَدٌ ، الواحِدٌ الأَحَدُ الصَّمَدُ ، المُبيدُ لِلأَبَدِ وَالوارِثُ لِلأَمَدِ ، الَّذي لَم يَزَل ولا يَزالُ وَحدانِيّا أَزَلِيّا ، قَبلَ بَدءِ الدُّهورِ وبَعدَ صُروفِ الأُمورِ ، الَّذي لا يَبيدُ ولا يَنفَدُ ، بِذلِكَ أَصِفُ رَبّي فَلا إِلهَ إِلَا اللّهُ ، مِن عَظيمٍ ما أَعظَمَهُ ! ومِن جَليلٍ ما أَجَلَّهُ ! ومِن عَزيزٍ ما أَعَزَّهُ ؟! وتَعالى عَمّا يَقولُ الظّالِمونَ عُلُوّا كَبيرا . (1)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا مِن شَيءٍ كانَ ، ولا مِن شَيءٍ كَوَّنَ ما قَد كانَ ، المُستَشهِدِ بِحُدوثِ الأَشياءِ عَلى أَزَلِيَّتِهِ ، وبِما وَسَمَها بِهِ مِنَ العَجزِ عَلى قُدرَتِهِ ، وبِمَا اضطَرَّها إِلَيهِ مِنَ الفَناءِ عَلى دَوامِهِ ، لَم يَخلُ مِنهُ مَكانٌ فَيُدرَكَ بِأَينيَّتِهِ ، ولا لَهُ شَبَحُ مِثالٍ فَيوصَفَ بِكَيفِيَّتِهِ ، ولَم يَغِب عَن شَيءٍ فَيُعلَمَ بِحَيِثيَّتِهِ . مُبايِنٌ لِجَميعِ ما أَحدَثَ فِي الصِّفاتِ ، ومُمتَنِعٌ عَنِ الإِدراكِ بِمَا ابتَدَعَ مِن تَصريفِ الذَّواتِ ، وخارِجٌ بِالكِبرِياءِ وَالعَظَمَةِ مِن جَميعِ تَصَرُّفِ الحالاتِ ، مُحَرَّمٌ عَلى بَوارِعِ ناقِباتِ الفِطَنِ تَجديدُها (2) ، وعَلى غَوامِضِ ثاقِباتِ الفِكرِ تَكييفُهُ وعَلى غَوائِصِ سابِحاتِ النَّظَرِ تَصويرُهُ . لا تَحويهِ الأَماكِنُ لِعَظَمَتِهِ ، ولا تُدرِكُهُ المَقاديرُ لِجَلالِهِ ، ولا تَقطَعُهُ المَقائيسُ لِكِبرِيائِهِ . مُمتَنِعٌ عَنِ الأَوهامِ أَن تَستَغرِقَهُ ، وعَنِ الأَذهانِ أَن تُمَثِّلَهُ ، وقَد يَئِسَت مِن استِنباطِ الإِحاطَةِ بِهِ طَوامِحُ العُقولِ ، ونَضَبَت عَنِ الإِشارَةِ إِلَيهِ بِالاِكتِناهِ بِحارُ العُلومِ ، ورَجَعَت بِالصِّغَرِ عَنِ السُّمُوِّ إِلى وَصفِ قُدرَتِهِ لَطائِفُ الخُصومِ .
.
ص: 317
واحِدٌ لا مِن عَدَدٍ ، ودائِمٌ لا بِأَمَدٍ ، وقائِمٌ لا بِعَمَدٍ ، لَيسَ بِجِنسٍ فَتُعادِلَهُ الأَجناسُ ، ولا بِشَبَحٍ فَتُضارِعَهُ الأَشباحُ ، ولا كَالأَشياءِ فَتَقَعَ عَلَيهِ الصِّفاتُ ، قَد ضَلَّتِ العُقولُ في أَمواجِ تَيّارِ إِدراكِهِ ، وتَحَيَّرَتِ الأَوهامُ عَن إِحاطَةِ ذِكرِ أَزَلِيَّتِهِ ، وحَصَرَتِ الأَفهامُ عَنِ استِشعارِ وَصفِ قدُرَتِهِ ، وغَرَقَتِ الأَذهانُ في لُجَجِ أَفلاكِ مَلَكوتِهِ ، مُقتَدِرٌ بِالآلاءِ ، ومُمتَنِعٌ بِالكِبرِياءِ ، ومُتَمَلِّكٌ عَلَى الأَشياءِ. فَلا دَهرٌ يُخلِقُهُ ، ولا زَمانٌ يُبليهِ ، ولا وَصفٌ يُحيطُ بِهِ ، وقَد خَضَعَت لَهُ الرِّقابُ الصِّعابُ في مَحَلِّ تُخومِ قَرارِها ، وأَذعَنَت لَهُ رَواصِنُ الأَسبابِ في مُنتَهى شَواهِقِ أَقطارِها ، مُستَشهِدٌ بِكُلِّيَّةِ الأَجناسِ عَلى رُبوبِيَّتِهِ ، وبِعَجزِها عَلى قُدرَتِهِ ، وبِفُطورِها عَلى قِدمَتِهِ ، وبِزَوالِها عَلى بَقائِهِ ، فَلا لَها مَحيصٌ عَن إِدراكِهِ إِيّاها ، ولا خرُوجٌ مِن إِحاطَتِهِ بِها ، ولَا احتِجابٌ عَن إِحصائِهِ لَها ، ولَا امتِناعٌ مِن قُدرَتِهِ عَلَيها . كَفى بِإِتقانِ الصُّنعِ لَها آيَةً ، وبِمَركَبِ الطَّبعِ عَلَيها دِلالَةً ، وبِحُدوثِ الفِطرِ عَليَها قِدمَةً ، وبِإِحكامِ الصَّنعَةِ لَها عِبرَةً ، فَلا إِلَيهِ حَدٌّ مَنسوبٌ ، ولا لَهُ مَثَلٌ مَضروبٌ ، ولا شَيءٌ عَنهُ مَحجوبٌ ، تَعالى عَن ضَربِ الأَمثالِ وَالصَّفاتِ المَخلوقَةِ عُلُوّا كَبيرا . (1)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي مَنَعَ الأَوهامَ أَن تَنالَ إِلّا وُجودَهُ ، وحَجَبَ العُقولَ أَن تَتَخَيَّلَ ذاتَهُ ؛ لِامتِناعِها مِنَ الشَّبَهِ وَالتَّشاكُلِ ، بَل هُوَ الَّذي لا يَتَفاوَتُ في ذاتِهِ ، ولا يَتَبَعَّضُ بِتَجزِئَةِ العَدَد في كَمالِهِ . فارَقَ الأَشياءَ لا عَلَى اختِلافِ الأَماكِنِ ، ويَكونُ فيها لا عَلى وَجهِ المُمازَجَةِ . وعَلِمَها لا بِأَداةٍ ، لا يَكونُ العِلمُ إِلّا بِها . ولَيسَ بَينَهُ وبَينَ مَعلومِهِ عِلمُ غَيرِهِ بِهِ كانَ
.
ص: 318
عالِما بِمَعلومِهِ . إِن قيلَ : كانَ ، فَعَلى تَأويلِ أَزَلِيَّةِ الوُجودِ ، وإِن قيل : لَم يَزَل ، فَعَلى تَأويلِ نَفيِ العَدَمِ . (1)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي بَطَنَ خَفِيّاتِ الأُمورِ ، ودَلَّت عَلَيهِ أَعلامُ الظُّهورِ ، وَامتَنَعَ عَلى عَينِ البَصيرِ ، فَلا عَينُ مَن لَم يَرَهُ تُنكِرُهُ ، ولا قَلبُ مَن أَثبَتَهُ يُبصِرُهُ . سَبَقَ فِي العُلُوِّ فَلا شَيءَ أَعلى مِنهُ ، وقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلا شَيءَ أَقرَبُ مِنهُ . فَلا استِعلاؤُهُ باعَدَهُ عَن شَيءٍ مِن خَلقِهِ ، ولا قُربُهُ ساواهُم فِي المَكانِ بِهِ ، لَم يُطلِعِ العُقولَ عَلى تَحديدِ صِفَتِهِ ، ولَم يَحجُبها عَن واجِبِ مَعرِفَتِهِ ، فَهُوَ الَّذي تَشهَدُ لَهُ أَعلامُ الوُجودِ عَلى إِقرارِ قَلبِ ذِي الجُحودِ . تَعالَى اللّهُ عَمّا يَقولُهُ المُشَبِّهونَ بِهِ وَالجاحِدونَ لَهُ عُلُوّا كَبيرا . (2)
عنه عليه السلام :قَريبٌ مِنَ الأَشياءِ غَيرُ مُلابِسٍ ، بَعيدٌ مِنها غَيرُ مُبايِنٍ ، مُتَكَلِّمٌ لا بِرَوِيَّةٍ ، مُريدٌ لابِهِمَّةٍ ، صانِعٌ لا بِجارِحَةٍ ، لَطيفٌ لا يوصَفُ بِالخَفاءِ ، كَبيرٌ لا يوصَفُ بِالجَفاءِ ، بَصيرٌ لا يوصَفُ بِالحاسَّةِ ، رَحيمٌ لا يوصَفُ بِالرِّقَّةِ ، تَعنُو الوُجوهُ لِعَظَمَتِهِ ، وتَجِبُ (3) (تَجلُّ) القُلوبُ مِن مَخافَتِهِ . (4)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لَم تَسبِق لَهُ حالٌ حالاً ، فَيَكونَ أَوَّلاً قَبلَ أَن يَكونَ آخِرا ، ويَكونَ ظاهِرا قَبلَ أَن يَكونَ باطِنا ، كُلُّ مُسَمّىً بِالوَحدَةِ غَيرُهُ قَليلٌ ، وكُلُّ عَزيزٍ غَيرُهُ
.
ص: 319
ذَليلٌ ، وكُلُّ قَوِيٍّ غَيرُهُ ضَعيفٌ ، وكُلُّ مالِكٍ غَيرُهُ مَملوكٌ ، وكُلُّ عالِمٍ غَيرُهُ مُتَعَلِّمٌ . (1)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إِلَيهِ _: سُبحانَ الواحِدِ الَّذي لَيسَ غَيرُهُ ، سُبحانَ الدّائِمِ الَّذي لا نَفادَ لَهُ ، سُبحانَ القَديمِ الَّذي لَا ابتِداءَ لَهُ ، سُبحانَ الغَنِيِّ عَن كُلِّ شَيءٍ ولا شَيءَ مِنَ الأَشياءِ يُغني عَنهُ . (2)
عنه عليه السلام :لا إِلهَ إِلَا اللّهُ الشّاكِرُ لِلمُطيعِ لَهُ ، المُملي (3) لِلمُشرِكِ بِهِ ، القَريبُ مِمَّن دَعاهُ عَلى حالِ بُعدِهِ ، وَالبَرُّ الرَّحيمُ بِمَن لَجَأَ إِلى ظِلَّهِ وَاعتَصَمَ بِحَبلِهِ . ولا إِلهِ إِلَا اللّهُ المُجيبُ لِمَن ناداهُ بِأَخفَضِ صَوتِهِ ، السَّميعُ لِمَن ناجاهُ لِأَغمَضِ سِرِّهِ ، الرَّؤوفُ بِمَن رَجاهُ لِتَفريجِ هَمِّهِ ، القَريبُ مِمَّن دَعاهُ لِتَنفيسِ كَربِهِ وغَمِّهِ . ولا إِلهَ إِلَا اللّهُ الحَليمُ عَمَّن أَلحَدَ في آياتِهِ ، وَانحَرَفَ عَن بَيِّناتِهِ ، ودانَ بِالجُحودِ في كُلِّ حالاتِهِ ، واللّهُ أَكبَرُ القاهِرُ لِلأَضدادِ ، المُتَعالي عَنِ الأَندادِ ، المُتَفَرِّدُ بِالمِنَّةِ عَلى جَميعِ العِبادِ ، وَاللّهُ أَكبَرُ المُحتَجِبُ بِالمَلَكوتِ وَالعِزَّةِ ، المُتَوَحِّدُ بِالجَبَروتِ وَالقُدرَةِ ، المُتَرَدّي بِالكِبرِياءِ وَالعَظَمَةِ ، وَاللّهُ أَكبَرُ المُتَقَدِّسُ بِدَوامِ السُّلطانِ ، وَالغالِبُ بِالحُجَّةِ وَالبُرهانِ ، ونَفاذِ المَشِيئةِ في كُلِّ حينٍ وأَوانٍ . (4)
الكافي عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور :خَطَبَ أَميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام خُطبَةً بَعدَ العَصرِ ، فَعَجِبَ النّاسُ مِن حُسنِ صِفَتِهِ وما ذَكَرَهُ مِن تَعظيمِ اللّهِ _ جَلَّ جَلالُهُ _ ، قالَ أَبو إِسحاقَ: فَقُلتُ لِلحارِثِ: أوَما حَفِظتَها؟
.
ص: 320
قالَ: قَد كَتَبتُها ، فَأَملاها عَلَينا مِن كِتابِهِ: الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا يَموتُ ولا تَنقَضي عَجائِبُهُ ؛ لِأَنَّهُ كُلَّ يَومٍ في شَأنٍ مِن إِحداثِ بَديعٍ لَم يَكُن. الَّذي لَم يَلِد فَيَكونَ فِي العِزِّ مُشارَكا ، ولَم يُولَد (1) فَيَكونَ مَوروثا هالِكا ، ولَم تَقَع عَلَيهِ الأَوهامُ فَتُقَدِّرَهُ شَبَحا ماثِلاً ، ولَم تُدرِكهُ الأَبصارُ فَيَكونَ بَعدَ انتِقالِها حائِلاً. الَّذي لَيسَت في أَوَّلِيَّتِهِ نِهايَةٌ ولا لِاخِرِيَّتِهِ حَدٌّ ولا غايَةٌ. الَّذي لَم يَسبِقهُ وَقتٌ ، ولَم يَتَقَدَّمهُ زَمانٌ ، ولا يَتَعاوَرُهُ زِيادَةٌ ولا نُقصانٌ ، ولا يُوصَفُ بِأَينٍ ولا بِمَ ولا مَكانٍ. الَّذي بَطَنَ مِن خَفِيّاتِ الأُمورِ ، وظَهَرَ فِي العُقولِ بِما يُرى في خَلقِهِ مِن عَلاماتِ التَّدبيرِ. الَّذي سُئِلَتِ الأَنبياءُ عَنهُ فَلَم تَصِفهُ بِحَدٍّ ولا بِبَعضٍ ، بَل وَصَفَتهُ بِفِعالِهِ ودَلَّت عَلَيهِ بِآياتِهِ. لا تَستَطيعُ عُقولُ المُتَفَكِّرينَ جَحدَهُ ؛ لِأَنَّ مَن كانَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ فِطرَتَهُ وما فيهِنَّ وما بَينَهُنَّ وهُوَ الصّانِعُ لَهُنَّ ، فَلا مَدفَعَ لِقُدرَتِهِ. الَّذي نَأى مِنَ الخَلقِ فَلا شَيءَ كَمِثلِهِ. الَّذي خَلَقَ خَلقَهُ لِعِبادَتِهِ وأَقدَرَهُم عَلى طاعَتِهِ بِما جَعَلَ فيهِم ، وقَطَعَ عُذرَهُم بِالحُجَجِ ، فَعَن بَيِّنَةٍ هَلَكَ مَن هَلَكَ ، وبِمَنِّهِ نَجا مَن نَجا ، وللّهِِ الفَضلُ مُبدِئا ومُعيدا . ثُمَّ إِنَّ اللّهَ ولَهُ الحَمدُ افتَتَحَ الحَمدَ لِنَفسِهِ (2) ، وخَتَمَ أَمرَ الدُّنيا ومَحَلَّ الآخِرَةِ بِالحَمدِ لِنَفسِهِ ، فَقالَ: «وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» . (3) الحَمدُ للّهِِ اللّابِسِ الكِبرياءِ بِلا تَجسيدٍ ، وَالمُرتَدي بِالجَلالِ بِلا تَمثيلٍ ، وَالمُستَوي عَلَى العَرشِ بِغَيرِ زَوالٍ ، وَالمُتَعالي عَلَى الخَلقِ بِلا تَباعُدٍ مِنهُم ولا مُلامَسَةٍ مِنهُ لَهُم.
.
ص: 321
لَيسَ لَهُ حَدٌّ يُنتَهى إِلى حَدِّهِ ، ولا لَهُ مِثلٌ فَيُعرَفَ بِمِثلِهِ. ذَلَّ مَن تَجَبَّرَ غَيرَهُ ، وصَغُرَ مَن تَكَبَّرَ دونَهُ ، وتَواضَعَتِ الأَشياءُ لِعَظَمَتِهِ ، وَانقادَت لِسُلطانِهِ وعِزَّتِهِ ، وكَلَّت عَن إِدراكِهِ طُروفُ العُيونِ ، وقَصُرَت دونَ بُلوغِ صِفَتِهِ أَوهامُ الخَلائِقِ. الأَوَّلِ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ولا قَبلَ لَهُ ، وَالآخِرِ بَعدَ كُلِّ شَيءٍ ولا بَعدَ لَهُ ، الظّاهِرِ عَلى كُلِّ شَيءٍ بِالقَهرِ لَهُ ، وَالمُشاهِدِ لِجَميعِ الأَماكِنِ بِلَا انتِقالٍ إِلَيها ، لا تَلمِسُهُ لامِسَةٌ ولا تَحُسُّهُ حاسَّةٌ ، «هُوَ الَّذِى فِى السَّمَاءِ إِلَ_هٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَ_هٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» . (1) أَتقَنَ ما أَرادَ مِن خَلقِهِ مِنَ الأَشباحِ كُلِّها ، لا بِمِثالٍ سَبَقَ إِلَيهِ ، ولا لُغوبٍ (2) دَخَلَ عَلَيهِ في خَلقِ ما خَلَقَ لَدَيهِ. ابتَدَأَ ما أَرادَ ابتِداءَهُ ، وأنشَأ ما أَرادَ إِنشاءَهُ عَلى ما أرادَ مِنَ الثَّقَلَينِ الجِنِّ وَالإِنسِ ؛ لِيَعرِفوا بِذلِكَ رُبوبِيَّتَهُ وتَمَكَّنَ فيهِم طاعَتُهُ. نَحمَدُهُ بِجَميعِ مَحامِدِهِ كُلِّها عَلى جَميعِ نَعمائِهِ كُلِّها ، ونَستَهديهِ لِمَراشِدِ أُمورِنا ، ونَعوذُ بِهِ مِن سَيِّئاتِ أَعمالِنا ، ونَستَغفِرُهُ لِلذُّنوبِ الَّتي سَبَقَت مِنّا ، ونَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ وأَنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، بَعَثَهُ بِالحَقِّ نَبِيّا دالّاً عَلَيهِ وهادِيا إِلَيهِ ، فَهَدى بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، وَاستَنقَذَنا بِهِ مِنَ الجَهالَةِ ، مَن يُطِعِ اللّهَ ورَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزا عَظيما ونالَ ثَوابا جَزيلاً ، ومَن يَعصِ اللّهَ ورَسولَهُ فَقَد خَسِرَ خُسرانا مُبينا وَاستَحَقَّ عَذابا أَليما . فَأَنجِعوا 3 بَما يَحِقُّ عَلَيكُم مِنَ السَّمعِ وَالطَّاعَةِ وإِخلاصِ النَّصيحَةِ وحُسنِ
.
ص: 322
المُؤازَرَةِ ، وأَعينوا عَلى أَنفُسِكُم بِلُزومِ الطَّريقَةِ المُستَقيمَةِ وهِجرِ الأُمورُ المَكروهَةِ ، وتَعاطَوُا الحَقَّ بَينَكُم وتَعاوَنوا بِهِ دوني ، وخُذوا عَلى يَدِ الظّالِمِ السَّفيهِ ، ومُروا بِالمَعروفِ وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ ، وَاعرِفوا لِذَوِي الفَضلِ فَضلَهُم . عَصَمَنَا اللّهُ وإِيّاكُم بِالهُدى وثَبَّتَنا وإِيّاكُم عَلَى التَّقوى وأَستَغفِرُ اللّهَ لي ولَكُم . (1)
حلية الأولياء عن النعمان بن سعد :كُنتُ بالكوفَةِ في دارِ الإمارَةِ ؛ دارِ عَلِيِّ بنِ أَبي طالِبٍ عليه السلام ، إذ دَخَلَ عَلَينا نَوفُ بنُ عَبدِ اللّهِ فَقالَ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، بِالبابِ أَربَعونَ رَجُلاً مِنَ اليَهودِ . فقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : عَلَيَّ بِهِم . فَلَمّا وَقَفوا بَينَ يَدَيهِ قالوا لَهُ : يا عَلِيُ ، صِف لَنا رَبَّكَ هذا الَّذي فِي السَّماءِ كَيفَ هُوَ؟ وكَيفَ كانَ؟ ومَتى كانَ؟ وعَلى أيِّ شَيءٍ هُوَ؟ فَاستَوى عَليٌّ عليه السلام جالِسَا ، وقالَ : مَعشَرَ اليَهودِ ، اسمَعوا مِنّي ولا تُبالوا ألّا تَسأَلوا أَحَدا غَيري : إنَّ رَبّي عز و جل هُوَ الأَوَّلُ لَم يُبدَ مِمّا ، ولا مُمازِجٌ مَعَ ما ، ولا حالٌّ وَهما ، ولا شَبَحٌ يُتَقَصّى ، ولا مَحجوبٌ فَيُوحى ، ولا كانَ بَعدَ أن لَم يَكُن فَيُقالَ حادِثٌ ، بَل جَلَّ أن يُكَيِّفَ المُكَيِّفُ للأَشياءِ كَيفَ كانَ ، بَل لَم يَزَل ولا يَزولُ لِاختِلافِ الأَزمانِ ، ولا لِتَقَلُّبِ شَأنٍ بَعدَ شَأنٍ . وكَيفَ يوصَفُ بِالأَشباحِ ، وكَيفَ يُنعَتُ بِالأَلسُنِ الفِصاحِ مَن لَم يَكُن فِي الأَشياءِ فَيُقالَ : بائِنٌ ، ولَم يَبِن عَنها فَيُقالَ : كائِنٌ (2) بَل هُوَ بِلا كَيفيَّةٍ ، وهُوَ أَقرَبُ مِن حَبلِ
.
ص: 323
الوَريدِ ، وأَبعَدُ فِي الشَّبَهِ مِن كُلِّ بَعيدٍ . لا يَخفى عَلَيهِ مِن عِبادِهِ شُخوصُ لَحظَةٍ ، ولا كُرورُ لَفظَةٍ ، ولا ازدِلافُ رَقوَةٍ ، ولَا انبِساطُ خُطوَةٍ ، في غَسَقِ لَيلٍ داجٍ ، ولا إدلاجٌ . لا يَتَغَشّى عَلَيهِ القَمَرُ المُنيرُ ، ولَا انبِساطُ الشَّمسِ ذاتِ النُّورِ بِضَوئِهِما فِي الكُرورِ ، ولا إقبالُ لَيلٍ مُقبِلٍ ، ولا إدبارُ نَهارٍ مُدبِرٍ ، إلّا وَهُوَ مُحيطٌ بِما يُريدُ مِن تَكوينِهِ . فَهُوَ العالِمُ بِكُلِّ مَكانٍ ، وكُلِّ حينٍ وأَوانٍ ، وكُلِّ نِهايَةٍ ومُدَّةٍ ، وَالأَمَدُ إلَى الخَلقِ مَضروبٌ ، وَالحَدُّ إلى غَيرهِ مَنسوبٌ ، لَم يَخلُقِ الأَشياءَ مِن أُصولٍ أَوَّلِيَّةٍ ، ولا بِأَوائِلَ كانَتَ قَبلَهُ بَدِيَّةً ، بَل خَلَقَ ما خَلَقَ فَأَقامَ خَلقَهُ ، وصَوَّرَ ما صَوَّرَ فَأَحسَنَ صورَتَهُ . تَوَحَّدَ في عُلُوِّهِ فَلَيسَ لِشَيءٍ مِنهُ امتِناعٌ ، ولا لَهُ بِطاعَةِ شَيءٍ مِن خَلقِهِ انتِفاعٌ . إجابَتُهُ لِلدّاعينَ سَريعَةٌ ، وَالمَلائِكَةُ فِي السَّماواتِ وَالأَرَضينَ لَهُ مُطيعَةٌ . عِلمُهُ بِالأَمواتِ البائِدينَ ، كَعِلمِهِ بِالأَحياءِ المُتَقَلِّبينَ ، وعِلمُهُ بِما فِي السَّماواتِ العُلى كَعِلمِهِ بِما فِي الأَرضِ (1) السُّفلى ، وعِلمُهُ بِكُلِّ شَيءٍ . لا تُحَيِّرُهُ الأَصواتُ ، ولا تَشغَلُهُ اللُّغاتُ ، سَميعٌ لِلأَصواتِ المُختَلِفَةِ ، بِلا جَوارِحَ لَهُ مُؤتَلِفَةٌ . مُدَبِّرٌ بَصيرٌ ، عالِمٌ بِالأُمورِ ، حَيٌّ قَيّومٌ ، سُبحانَهُ . كَلَّمَ موسى تَكليما بِلا جَوارِحَ ولا أَدَواتٍ ، ولا شَفَةٍ ولا لَهَواتٍ ، سُبحانَهُ وتَعالى عَن تَكييفِ الصِّفاتِ . مَن زَعَمَ أنَّ إلهَنا مَحدودٌ فَقَد جَهِلَ الخالِقَ المَعبودَ ، ومَن ذَكَرَ أنَّ الأماكِنَ بِهِ تُحيطُ لَزِمَتهُ الحَيرَةُ وَالتَّخليطُ ، بَل هُوَ المُحيطُ بِكُلِّ مَكانٍ . فَإِن كُنتَ صادِقا أيُّهَا المُتَكَلِّفُ لِوَصفِ الرَّحمنِ ، بِخِلافِ التَّنزيلِ وَالبُرهانِ ، فَصِف لي جِبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ ، هَيهاتَ! أتَعجَزُ عَن صِفَةِ مَخلوقٍ مِثلِكَ ، وتَصِفُ
.
ص: 324
الخالِقَ المَعبودَ؟! وأنتَ تُدرِكُ (1) صِفَةَ رَبِّ الهَيئَةِ وَالأَدَواتِ ، فَكَيفَ مَن لَم تَأخُذهُ سِنَةٌ ولا نَومٌ لَهُ ما فِي الأَرَضينَ وَالسَّماواتِ وما بَينَهُما وهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ . (2)
الإمام الحسن عليه السلام_ لَمّا قالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، صِف لي رَبَّكَ حَتّى كَأَنّي أَنظُرُ إِلَيهِ! _: الحَمدُ للّهِِ الَّذي لَم يَكُن لَهُ أَوَّلٌ مَعلومٌ ، ولا آخِرٌ مُتَناهٍ ، ولا قَبلٌ مُدرَكٌ ، ولا بَعدٌ مَحدودٌ ، ولا أَمَدٌ بِحَتّى ، ولا شَخصٌ فَيَتَجَزَّأَ ، ولَا اختِلافُ صِفَةٍ فَيُتَناهى . فَلا تُدرِكُ العُقولُ وأَوهامُها ، ولَا الفِكرُ وخَطَراتُها ، ولَا الأَلبابُ وأَذهانُها صِفَتَهُ فَتَقولَ : مَتى ؟ ولا بُدِئَ مِمّا؟ ولا ظاهِرٌ عَلامَ؟ ولا باطِنٌ فيما؟ ولا تارِكٌ فَهَلّا (3) ! خَلَقَ الخَلقَ فَكانَ بَديئا بَديعا ، اِبتَدَأَ ما ابتَدَعَ ، وَابتَدَعَ مَا ابتَدَأَ ، وفَعَلَ ما أَرادَ وأَرادَ ما استَزادَ ، ذلِكُم اللّهُ رَبُّ العالَمينَ . (4)
الإمام الحسين عليه السلام :لا يُدرَكُ بِالحَواسِّ ، ولا يُقاسُ بِالنّاسِ ، فَهُوَ قَريبٌ غَيرُ مُلتَصِقٍ ، وبَعيدٌ غَيرُ مُتَقَصٍّ ، يُوَحَّدُ ولا يُبَعَّضُ ، مَعروفٌ بِالآياتِ ، مَوصوفٌ بِالعَلاماتِ ، لا إِلهَ إِلّا هُوَ الكَبيرُ المُتَعالُ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ أَنتَ الوَلِيُّ المُرشِدُ ، وَالغَنِيُّ المُرفِدُ ، وَالعَونُ المُؤَيِّدُ،
.
ص: 325
الرَّاحِمُ الغَفورُ، وَالعاصِمُ المُجيرُ، وَالقاصِمُ المُبيرُ، وَالخالِقُ الحَليمُ، وَالرّازِقُ الكَريمُ ، وَالسّابِقُ القَديمُ ، عَلِمتَ فَخَبَرتَ ، وحَلُمتَ فَسَتَرتَ ، ورَحِمتَ فَغَفَرتَ ، وعَظُمتَ فَقَهَرتَ ، ومَلَكتَ فَاستَأثَرتَ ، وأَدرَكتَ فَاقتَدَرتَ ، وحَكَمتَ فَعَدَلتَ ، وأَنَعَمتَ فَأَفضَلتَ وأَبدَعتَ فَأَحسَنتَ ، وصَنَعتَ فَأَتقَنتَ ، وجُدتَ فَأَغنَيتَ ، وأَيَّدتَ فَكَفَيتَ ، وخَلَقتَ فَسَوَّيتَ ، ووَفَّقتَ فَهَدَيتَ ، بَطَنتَ الغُيوبَ ، فَخَبرتَ مَكنونَ أَسرارِها . (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :أَوَّلُ الدِّيانَةِ بِهِ مَعرِفَتُهُ ، وكَمالُ معرِفَتِهِ تَوحيدُهُ ، وكَمالُ تَوحيدِهِ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ، بِشهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّها غَيُر المَوصوفِ ، وشَهادَةِ المَوصوفِ أَنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ ، وشَهادَتِهِما جَميعا بِالتَّثنِيَةِ ، المُمتَنِعِ مِنهُ الأَزَلُ ، فَمَن وَصَفَ اللّهَ فَقَد حَدَّهُ ، ومَن حَدَّهُ فَقَد عَدَّهُ ، ومَن عَدَّهُ فَقَد أَبطَلَ أَزَلَهُ ، ومَن قالَ : «كَيفَ ؟» فَقَدِ استَوصَفَهُ ، ومَن قالَ : «فيمَ ؟» فَقَد ضَمَّنَهُ ، ومَن قالَ : «عَلامَ ؟» فَقَد جَهِلَهُ ، ومَن قالَ : «أَينَ؟» فَقَد أَخلى مِنهُ ، ومَن قالَ : «ما هُوَ ؟» فَقَد نَعَتَهُ ، ومَن قالَ : «إِلامَ ؟» فَقَد غاياهُ ، عالِمٌ إِذ لا مَعلومَ ، وخالِقٌ إِذ لا مَخلوقَ ، ورَبٌّ إِذ لا مَربوبَ ، وكَذلِكَ يوصَفُ رَبُّنا ، وفَوقَ ما يَصِفُهُ الواصِفونَ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :أَوَّلُ عِبادَةِ اللّهِ تَعالى مَعرِفَتُهُ ، وأَصلُ مَعرِفَةِ اللّهِ تَوحيدُهُ ، ونِظامُ تَوحيدِ اللّهِ تَعالى نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ؛ لِشَهادَةِ العُقولِ أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ ومَوصوفٍ مَخلوقٌ ، وشَهادَةِ كُلِّ مَخلوقٍ أَنَّ لَهُ خالِقا لَيسَ بِصِفَةٍ ولا مَوصوفٍ ، وشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ ومَوصوفٍ بِالاِقتِرانِ ، وشَهادَةِ الِاقتِرانِ بِالحَدَثِ ، وشَهادَةِ الحَدَثِ بالاِمتِناعِ مِن الأَزَلِ المُمتَنِعِ
.
ص: 326
مِن الحَدَثِ . فَلَيسَ اللّهَ عَرَفَ مَن عَرَفَ بِالتَّشبيهِ ذاتَهُ ، ولا إِيّاهُ وَحَّدَ مَنِ اكتَنَهَهُ (1) ، ولا حَقيقَتَهُ أَصابَ من مَثَّلَهُ ، ولا بِهِ صَدَّقَ مَن نَهّاهُ ، ولا صَمَدَ صَمَدَهُ مَن أَشارَ إِلَيهِ، ولا إِيّاهُ عَنى مَن شَبَّهَهُ ، ولا لَهُ تَذَلَّلَ مَن بَعَّضَهُ ، ولا إِيّاهُ أَرادَ من تَوَهَّمَهُ . كُلُّ مَعروفٍ بِنَفسِهِ مَصنوعٌ ، وكُلُّ قائِمٍ في سِواهٌ مَعلولٌ ، بِصُنعِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ ، وبِالعُقولِ يُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ ، وبِالفِطَرَةِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ ، خَلقُ اللّهِ الخَلقَ حِجابٌ بَينَهُ وبَينَهُم ، ومُبايَنَتُهُ إِيّاهُم مُفارَقَتُهُ إِنِّيَّتَهُم ، وَابتِداؤُهُ إِيّاهُم دَليلُهُم عَلى أَن لَا ابتِداءَ لَهُ ؛ لِعَجزِ كُلِّ مُبتَدَا عَنِ ابِتداءِ غَيرِهِ ، وأَدوُهُ (2) إيّاهُم دَليلٌ عَلى أَن لا أَداةَ فَيهِ ؛ لِشَهادَةِ الأَدَواتِ بِفاقَةِ المُتَأَدّينَ . وأَسماؤُهُ تَعبيرٌ ، وأَفعالُهُ تَفهيمٌ ، وذاتُهُ حَقيقَةٌ ، وكُنهُهُ تَفريقٌ بَينَهُ وبَينَ خَلِقهِ ، وغُبورُهُ تَحديدٌ لِما سِواهُ ، فَقَد جَهِلَ اللّهَ مَنِ استَوصَفَهُ ، وقَد تَعدّاهُ مَنِ اشتَمَلَهُ ، وقَد أَخطَأَهُ مَنِ اكتَنَهَهُ ، ومَن قالَ : «كَيفَ ؟» فَقَد شَبَّهَهُ ، ومَن قالَ : «لِمَ ؟» فَقَد عَلَّلَهُ ، ومَن قالَ : «متى ؟» فَقَد وَقَّتَهُ ، ومَن قالَ : «فيمَ ؟» فَقَد ضَمَّنَهُ ، ومَن قالَ : «إِلامَ ؟» فَقَد نَهّاهُ ، ومَن قالَ «حَتّامَ ؟» فَقد غَيّاهُ ، ومَن غَيّاهُ فَقَد غاياهُ ، ومَن غاياهُ فَقَد جَزَّأَهُ ، ومَن جَزَّأَهُ فَقَد وَصَفَهُ ، ومَن وَصَفَهُ فَقَد أَلحَدَ فيهِ . ولا يَتَغَيَّرُ اللّهُ بِانغِيارِ المَخلوقِ ، كَما لا يَتَحَدَّدُ بِتَحديدِ المَحدودِ . أَحَدٌ لا بِتَأويلِ عَدَدٍ ، ظاهِرٌ لا بِتَأويلِ المُباشَرَةِ ، مُتَجَلٍّ لا بِاستِهلالِ رُؤيَةٍ ، باطِنٌ لا بِمُزايَلَةٍ ، مُبايِنٌ
.
ص: 327
لا بِمَسافَةٍ ، قَريبٌ لا بِمُداناةٍ ، لَطيفٌ لا بِتَجَسُّمٍ ، مَوجودٌ لا بَعدَ عَدَمٍ ، فاعِلٌ لا بِاضطِرارٍ ، مُقَدِّرٌ لا بِحَولِ فِكرَةٍ ، مُدَبِّرٌ لا بِحَرَكَةٍ ، مُريدٌ لا بِهَمامَةٍ ، شاءٍ لا بِهِمَّةٍ ، مُدرِكٌ لا بِمِجَسَّةٍ ، سَميعٌ لا بِآلَةٍ ، بَصيرٌ لا بِأَداةٍ . لا تَصحَبُهُ الأَوقاتُ ، ولا تَضَمَّنُهُ الأَماكِنُ ، ولا تَأخُذُهُ السِّناتُ ، ولا تَحُدُّهُ الصِّفاتُ ، ولا تُقَيِّدُهُ الأَدَواتُ ، سَبَقَ الأَوقاتَ كَونُهُ ، وَالعَدَمَ وُجودُهُ وَالاِبتِداءَ أَزَلُهُ ، بِتَشعيرِهِ المَشاعِرَ عُرِفَ أَن لا مَشعَرَ لَهُ ، وبِتَجهيرِهِ الجَواهِرَ عُرِفَ أَن لا جَوهَرَ لَهُ ، وبِمُضادَّتِهِ بَينَ الأَشياءِ عُرِفَ أَن لا ضِدَّ لَهُ ، وبِمُقارَنَتِهِ بَينَ الأُمورِ عُرِفَ أَن لا قَرينَ لَهُ ، ضادَّ النُّورَ بِالظُّلمَةِ ، وَالجَلايَةَ بِالبُهمِ ، وَالجَسوَ (1) بِالبَلَلِ ، وَالصَّردَ بِالحَرورِ . مُؤَلِّفٌ بَينَ مُتَعادِياتِها ، مُفَرِّقٌ بَينَ مُتَدانِياتِها ، دالَّةٌ بِتَفريقِها عَلى مُفَرِّقِها ، وبِتَأليفِها عَلى مُؤَلِّفِها ، ذلِكَ قَولُهُ عز و جل : «وَ مِن كُلِّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (2) فَفَرَّقَ بِها بَينَ قَبلٍ وبَعدٍ ؛ لِيُعلَمَ أَن لا قَبلَ لَهُ ولا بَعدَ ، شاهِدَةٍ بِغَرائِزِها أَن لا غَريزَةَ لِمُغَرِّزِها ، دالَّةً بِتَفاوُتِها أَن لا تَفاوُتَ لِمُفاوِتِها ، مُخبِرَةً بِتَوقيتِها أَن لا وَقتَ لِمُوَقِّتِها . حَجَبَ بَعضَها عَن بَعضٍ لِيُعلَمَ أَن لا حِجابَ بَينَهُ وبَينَها غَيرُها ، لَهُ مَعنَى الرُّبوبِيَّةِ إِذ لا مَربوبَ ، وحَقيقَةُ الإِلهِيَّةِ إِذ لا مَألوهَ ، ومَعنَى العالِمِ ولا مَعلومَ ، ومَعنَى الخالِقِ ولا مَخلوقَ ، وتَأويلُ السَّمعِ ولا مَسموعَ ، لَيسَ مُذ خَلَقَ استَحَقَّ مَعنَى الخالِقِ ، ولا بِإِحداثِهِ البَرايا استَفادَ مَعنَى البارِئِيَّةِ ، كَيفَ ولا تُغَيِّبُهُ مُذ ، ولا تُدنيهِ قَد ، ولا تَحجُبُهُ لَعَلَّ ، ولا تُوَقِّتُهُ مَتى ، ولا تَشمُلُهُ حينَ ، ولا تُقارِنُهُ مَعَ . إِنَّما تَحُدُّ الأَدَواتُ أَنفُسَها ، وتُشيرُ الآلَةُ إِلى نَظائِرِها ، وفِي الأَشياءِ يوجَدُ فِعالُها ،
.
ص: 328
مَنَعَتها مُنذُ القِدمَةَ ، وحَمَتها قَدِ الأَزَلِيَّةَ ، وجَنَّبَتها لَولا التَّكمِلَةَ ، اِفتَرَقَت فَدَلَّت عَلى مُفَرِّقِها ، وتَبايَنَت فَأَعرَبَت عَن مُبايِنِها لِما تَجلّى صانِعُها لِلعُقولِ ، وبِهَا احتَجَبَ عَنِ الرُّؤيَةِ ، وإِلَيها تَحاكَمَ الأَوهامُ ، وفيها أُثبِتَ غَيرُهُ ، ومِنها أُنيطُ الدَّليلُ ، وبِها عَرَّفَها الإِقرارَ ، وبِالعُقولِ يُعتَقَدُ التَّصديقُ بِاللّهِ ، وبِالإِقرارِ يَكمُلُ الإِيمانُ بِهِ ، ولا دِيانَةَ إِلّا بَعدَ المَعرِفَةِ ، ولا مَعرِفَةَ إِلّا بِالإِخلاصِ ، ولا إِخلاصَ مَعَ التَّشبيهِ ، ولا نَفيَ مَعَ إثباتِ الصِّفاتِ لِلتَّشبيهِ ، فَكُلُّ ما فِي الخَلقِ لا يوجَدُ في خالِقِهِ ، وكُلُّ ما يُمكِنُ فيهِ يَمتَنِعُ مِن صانِعِهِ ، لا تَجري عَلَيهِ الحَرَكَةُ وَالسُّكونُ ، وكَيفَ يَجري عَلَيهِ ما هُوَ أَجراهُ ، أَو يَعودُ إِلَيهِ ما هُوَ ابتَدَأَهُ ؟! إِذاً لَتَفاوتَت ذاتُهُ ولَتَجَزَّأَ كُنهُهُ ، ولَامتَنَعَ مِنَ الأَزَلِ مَعناهُ ، ولَما كانَ لِلبارِئِ مَعنىً غَيرُ المَبروءِ . ولَو حُدَّ لَهُ وَراءٌ إِذا لَحُدَّ لَهُ أَمامٌ ، ولَوِ التُمِسَ لَهُ التَّمامُ إِذا لَزِمَهُ النُّقصانُ ، كَيفَ يَستَحِقُّ الأَزَلَ مَن لا يَمتَنِعُ مِنَ الحُدوثِ ؟ وكَيفَ يُنشِئُ الأَشياءَ مَن لا يَمتَنِعُ مِنَ الإِنشاءِ ؟ إِذا لَقامَت فيهِ آيَةُ المَصنوعِ ، ولَتَحَوَّلَ دَليلاً بَعدَما كانَ مَدلولاً عَلَيهِ . لَيسَ في مُحالِ القَولِ حُجَّةٌ ، ولا فِي المَسأَلَةِ عَنهُ جَوابٌ ، ولا فِي مَعناهُ لَهُ تُعَظيمٌ ، ولا في إِبانَتِهِ عَنِ الخَلقِ ضَيمٌ ، إِلّا بِامتِناعِ الأَزَلِيِّ أَن يُثَنّى ، وما لا بَدءَ لَهُ أَن يُبدَأَ ، لا إِلهَ إِلّا اللّهُ العَلِيُّ العَظيمُ ، كَذَبَ العادِلونَ بِاللّهِ وضَلّوا ضَلالاً بَعيدا وخَسِروا خُسرانا مُبينا ، وصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وآلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ . (1)
.
ص: 329
القسم الخامس : التعرّف على الصفات السلبيّةالفصل الأوّل: المثلالفصل الثاني: الحدّالفصل الثالث: التّجزّيالفصل الرابع: التّغييرالفصل الخامس: الجسم والصورةالفصل السادس: الوالد والولدالفصل السابع: السِّنة والنّومالفصل الثامن: الحركة والسُّكون
.
ص: 330
. .
ص: 331
الفصل الأوّل: المثل1 / 1لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌالكتاب«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَيسَ شَيءٌ إِلّا ولَهُ شَيءٌ يَعدلِهُ ، إِلَا اللّهَ عز و جل ، فَإِنَّهُ لا يَعدِلُهُ شَيءٌ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :لا لَهُ مِثلٌ فَيُعرَفَ بِمِثلِهِ . (3)
عنه عليه السلام :الَّذي نَأى مِنَ الخَلقِ فَلا شَيءَ كَمِثلِهِ . (4)
.
ص: 332
عنه عليه السلام :لا يَتَغَيَّرُ بِحالٍ ، ولا يَتَبَدَّلُ فِي الأَحوالِ ، ولا تُبليهِ اللَّيالي وَالأَيّامُ ، ولا يُغَيِّرُهُ الضِّياءُ وَالظَّلامُ ، ولا يُوصَفُ بِشَيءٍ مِنَ الأَجزاءِ ولا بِالجَوارِحِ وَالأَعضاءِ ، ولا بِعَرَضٍ مِنَ الأَعراضِ ، ولا بِالغَيرِيَّةِ وَالأَبعاضِ ، ولا يُقالُ : لَهُ حَدٌّ ولا نِهايَةٌ ، ولَا انقِطاعٌ ولا غايَةٌ ، ولا أَنَّ الأَشياءَ تَحويهِ فَتُقِلَّهُ أَو تُهوِيَهُ ، أَو أَنَّ شَيئا يَحمِلُهُ فَيُميلَهُ أَو يُعَدِّلَهُ . (1)
عنه عليه السلام :اِتَّقُوا اللّهَ أَن تُمَثِّلوا بِالرَّبِّ الَّذي لا مِثلَ لَهُ ، أَو تُشَبِّهوهُ بِشَيءٍ مِن خَلقِهِ ، أَو تُلقوا عَلَيهِ الأَوهامَ ، أَو تُعمِلوا فيهِ الفِكرَ ، أَو تَضرِبوا لَهُ الأَمثالَ ، أَو تَنعَتوهُ بِنُعوتِ المَخلوقينَ ؛ فَإِنَّ لِمَن فَعَلَ ذلِكَ نارا . (2)
الإمام الحسين عليه السلام :أَيُّهَا النّاسُ ، اتَّقوا هؤُلاءِ المارِقَةَ ! الَّذين يُشَبِّهونَ اللّهَ بِأَنفُسِهِم ، يُضاهِئونَ قَولَ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ ، بَل هُوَ اللّهُ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ ، وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ . اِستَخلَصَ الوَحدانِيَّةَ وَالجَبَروتَ ، وأَمضَى المَشيئَةَ والإِرادَةَ وَالقُدرَةَ وَالعِلمَ بِما هُوَ كائِنٌ ، لا مُنازِعَ لَهُ في شَيءٍ مِن أَمرِهِ ، ولا كُفوَ لَهُ يُعادِلُهُ ، ولا ضِدَّ لَهُ يُنازِعُهُ ، ولا سَمِيَّ لَهُ يُشابِهُهُ ، ولا مِثلَ لَهُ يُشاكِلُهُ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِمُحَمَّدِ بنِ مُسلِمٍ _: يا مُحَمَّدُ ، إِنَّ النّاسَ لا يَزالُ بِهِمُ المَنطِقُ حَتّى يَتَكَلَّموا فِي اللّهِ ، فَإِذا سَمِعتُم ذلِكَ فَقولوا : لا إِلهَ إِلَا اللّهُ الواحِدُ الَّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ . (4)
.
ص: 333
عنه عليه السلام :قَدِمَ وَفدٌ مِن أَهلِ فِلَسطينَ عَلَى الباقِرِ عليه السلام ، فَسَأَلوهُ عَن مَسائِلَ فَأَجابَهُم : . . . «وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد» فَيُعاوِنَهُ في سُلطانِهِ . (1)
ربيع الأبرار :سَأَلَ أَعرابِيٌّ جَعفَرا الصّادِقَ عليه السلام عَنِ التَّوحيدِ ، فَتَناوَلَ بَيضَةً بَينَ يَدَيهِ فَوَضَعَها عَلى راحَتِهِ وقالَ : هذا حِصنٌ مملقٌ لا صَدعَ فيهِ ، ثُمَّ مِن وَرائِهِ غِرقِيءٌ (2) مُستَشِفٌّ ، ثُمَّ مِن وَرائِهِ دَمعَةٌ سائِلَةٌ ، ثُمَّ مِن وَرائِها ذَهَبٌ مائِعٌ ، ثُمَّ لا تَنفَكُّ الأَيّامُ وَاللَّيالي حَتّى تَنفَلِقَ عَن طاووسٍ مُلَمَّعٍ . فَأَيُّ شَيءٍ فِي العالَمِ إِلّا وهُوَ دَليلٌ عَلى أَنَّهُ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ؟ (3)
الكافي عن حمزة بن محمّد :كَتَبتُ إِلى أَبِي الحَسَنِ عليه السلام أَسأَلُهُ عَنِ الجِسمِ وَالصّورَةِ ، فَكَتَبَ : سُبحانَ مَن لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ! لا جِسمٌ ولا صورَةٌ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام :لا يُدرَكُ بِحاسَّةٍ ، ولا يُقاسُ بِشَيءٍ . (5)
عنه عليه السلام_ لَمّا قالَ لَهُ بَعضُ الزَّنادِقَةِ : هَل يُقالُ للّهِِ : إِنَّهُ شَيءٌ ؟ _: نَعَم ، وقَد سَمّى نَفسَهُ بِذلِكَ في كِتابِهِ فَقالَ : «قُلْ أَىُّ شَىْ ءٍ أَكْبَرُ شَهَ_دَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيد بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ» (6) فَهُوَ شَيءٌ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ . (7)
.
ص: 334
التوحيد عن محمّد بن عيسى بن عبيد :قالَ لي أَبُوالحَسَنِ عليه السلام : ما تَقولُ إِذا قيلَ لَكَ : أَخبِرني عَنِ اللّهِ عز و جل شَيءٌ هُوَ أَم لا ؟ قالَ : فَقُلتُ لَهُ : قَد أَثبَتَ اللّهُ عز و جلنَفسَهُ شَيئا حَيثُ يَقولُ : «قُلْ أَىُّ شَىْ ءٍ أَكْبَرُ شَهَ_دَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيد بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ» فَأقولُ : إِنَّهُ شَيءٌ لا كَالأَشياءِ ؛ إِذ في نَفيِ الشَّيئِيَّةِ عَنهُ إِبطالُهُ ونَفيُهُ . قالَ لي : صَدَقتَ وأَصَبتَ . ثُمَّ قالَ لِيَ الرِّضا عليه السلام : لِلنّاسِ فِي التَّوحيدِ ثَلاثَةُ مَذاهِبَ : نَفيٌ ، وتَشبيهٌ ، وإِثباتٌ بِغَيرِ تَشبيهٍ ، فَمَذهَبُ النَّفيِ لا يَجوزُ ؛ ومَذهَبُ التَّشبيهِ لا يَجوزُ ؛ لِأَنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يُشبِهُهُ شَيءٌ ، وَالسَّبيلُ فِي الطَّريقَةِ الثّالِثَةِ إِثباتٌ بِلا تَشبيهٍ . (1)
الإمام الجواد عليه السلام :رَبُّنا _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا شِبهَ لَهُ ، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا كَيفَ ولا نِهايَةَ ولا تَبصارَ بَصَرٍ . (2)
عنه عليه السلام :قامَ رَجُلٌ إِلَى الرِّضا عليه السلام فَقالَ لَهُ : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، صِف لَنا رَبَّكَ ؛ فَإِنَّ مَن قِبَلَنا قَدِ اختَلَفوا عَلَينا . فَقالَ الرِّضا عليه السلام : إِنَّهُ مَن يَصِفُ رَبَّهُ بِالقياسِ لا يَزالُ الدَّهرُ فِي الاِلتِباسِ ، مائِلاً عَنِ المِنهاجِ ، ظاعِنا فِي الاِعوِجاجِ ، ضالّاً عَنِ السَّبيلِ ، قائِلاً غَيرَ الجَميلِ ، أُعَرِّفُهُ بِما عَرَّفَ بِهِ نَفَسهُ مِن غَيرِ رُؤيَةٍ ، وأَصِفُهُ بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ مِن غَيرِ صورَةٍ ، لا يُدرَكُ
.
ص: 335
بِالحَواسِّ ، ولا يُقاسُ بِالنّاسِ ، مَعروفٌ بِغَيرِ تَشبيهٍ ، ومُتدانٍ في بُعدِهِ لا بِنَظيرٍ ، لا يُمَثَّلُ بِخَليقَتِهِ . (1)
1 / 2ما عَرَفَ اللّهَ مَن شَبَّهَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ : . . . ما عَرَفَني مَن شَبَّهَني بِخَلقي . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن وَحَّدَ اللّهَ سُبحانَهُ لَم يُشَبِّههُ بِالخَلقِ . (3)
عنه عليه السلام_ في تَنزيهِ اللّهِ سُبحانَهُ _: وأَشهَدُ أَنَّ مَن ساواكَ بِشَيءٍ مِن خَلقِكَ فَقَد عَدَل بِكَ ، وَالعادِلُ بِكَ كافِرٌ بِما تَنَزَّلَت بِهِ مُحكَماتُ آياتِكَ ، ونَطَقَت عَنهُ شَواهِدُ حُجَجِ بَيِّناتِكَ. (4)
عنه عليه السلام_ أَيضا _: فَأَشهَدُ أَنَّ مَن شَبَّهَكَ بِتَبايُنِ أَعضاءِ خَلقِكَ وتَلاحُمِ حِقاقِ مَفاصِلِهِم المُحتَجِبَةِ لِتَدبيرِ حِكمَتِكَ لَم يَعقِد غَيبَ ضَميرِهِ عَلى مَعرِفَتِكَ ، ولَم يُباشِر قَلبَهُ اليَقينُ بِأَنَّهُ لا نِدَّ لَكَ ، وكَأَنَّهُ لَم يَسمَع تَبَرُّؤَ التّابِعينَ مِنَ المَتبوعينَ إِذ يَقولونَ : «تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَلَ_لٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَ__لَمِينَ » (5) . (6)
.
ص: 336
الإمام الصادق عليه السلام :مَن شَبَّهَ اللّهَ بِخَلقِهِ فَهُوَ مُشرِكٌ ، إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يُشبِهُ شَيئا ، ولا يُشبِهُهُ شَيءٌ ، وكُلُّ ما وَقَعَ فِي الوَهمِ فَهُوَ بِخِلافِهِ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام_ في تَمجيدِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: إِلهي بَدَت قُدرَتُكَ ولَم تَبدُ هَيئَةً ، فَجَهِلوكَ وقَدَّروكَ وَالتَّقديُر عَلى غَيرِ ما بِهِ وَصَفوكَ ، وإِنّي بَريءٌ يا إِلهي مِنَ الَّذين بِالتَّشبيهِ طَلَبوكَ ، لَيسَ كَمِثلِكَ شَيءٌ ، إِلهي ولَن يُدرِكوكَ ، وظاهِرٌ ما بِهِم مِن نِعمَتِكَ دَليلُهُم عَلَيكَ لَو عَرَفوكَ ، وفي خَلقِكَ يا إِلهي مَندوحَةٌ أَن يَتَناولَوكَ بَل سَوَّوكَ بِخَلقِكَ ، فَمِن ثَمَّ لَم يَعرِفوكَ ، وَاتَّخَذوا بَعضَ آياتِك رَبّا فَبِذلِكَ وَصَفوكَ ، تَعالَيتَ رَبّي عَمّا بِهِ المُشَبِّهونَ نَعَتوكَ . (2)
1 / 3تَوضيحُ ما يوهِمُ التَّشبيهَالتوحيد عن محمّد ابن الحنفيّة :حَدَّثَني أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام أنَّ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ القِيامَةِ آخِذٌ بِحُجزَةِ اللّهِ ، ونَحنُ آخِذونَ بِحُجزَةِ نَبِيِّنا ، وشيعَتُنا آخِذونَ بِحُجزَتِنا ؛ قُلتُ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، ومَا الحُجزَةُ ؟ قالَ : اللّهُ أَعظَمُ مِن أن يُوصَفَ بالحُجزَةِ أَو غَيرِ ذلِكَ ، ولكِن رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله آخِذٌ بِأَمرِ اللّهِ ، ونَحنُ آلُ مُحَمَّدٍ آخِذونَ بِأَمرِ نَبِيِّنا وشيعَتُنا آخِذونَ بِأَمرِنا . (3)
.
ص: 337
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «يَ_إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ» (1) _: اليَدُ في كَلامِ العَرَبِ القُوَّةُ وَالنِّعمَةُ ؛ قالَ : «وَ اذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ» (2) وقالَ : «وَ السَّمَاءَ بَنَيْنَ_هَا بِأَيْيْدٍ» (3) أَي بِقُوَّةٍ ، وقالَ : «وَ أَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ» (4) أَي قَوّاهُم ، ويُقالُ: لِفُلانٍ عِندي أَيادي كثيرةٌ أي فَواضِلُ وإحسانٌ ، وَلَهُ عِندي يَدٌ بَيضاءُ ؛ أَي نِعمَةٌ . (5)
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى» (6) _: روحٌ اختارَهُ اللّهُ وَاصطَفاهُ وخَلَقَهُ وأَضافَهُ إِلى نَفسِهِ ، وفَضَّلَهُ عَلى جَميعِ الأَرواحِ ، فَأَمَرَ فَنُفِخَ مِنهُ في آدَمَ . (7)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» (8) _: اِستَوى مِن كُلِّ شَيءٍ ، فَلَيسَ شَيءٌ أَقرَبَ إِلَيهِ مِن شَيءٍ . (9)
التوحيد عن محمّد بن عليّ الحلبيّ عن الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ عز و جل : «يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ» (10) _قالَ : تَبارَكَ الجَبّارُ ، ثُمَّ أَشارَ إِلى ساقِهِ فَكَشَفَ عَنَها الإِزارَ . (11) قالَ :
.
ص: 338
«وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ» (1) ، قالَ : أُفحِمَ القَومُ ، ودخَلَتهُمُ الهَيبَةُ ، وشَخَصَتِ الأَبصارُ ، وبَلَغَتِ القُلوبُ الحَناجِرَ ، خاشِعَةً أَبصارُهمُ ، تَرهَقُهُم ذِلَّةٌ ، وقَد كانوا يُدعَونَ إِلَى السُّجودِ وهُم سالِمونَ . (2)
التوحيد عن سليمان بن مهران :سَأَلتُ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ» (3) . فَقالَ : يَعني مَلَكَهُ لا يَملِكُها مَعَهُ أَحَدٌ ، وَالقَبضُ مِنَ اللّهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ في مَوضِعٍ آخَرَ المَنعُ ، وَالبَسطُ مِنهُ الإِعطاءُ وَالتَّوسيعُ ، كَما قالَ عز و جل : «وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُ_طُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » (4) يَعني يُعطي ويُوسِّعُ ويَمنَعُ ويُضَيِّقُ ، والقَبضُ مِنهُ عز و جل في وَجهٍ آخَرَ الأَخذُ ، وَالأَخذُ في وَجهِ القَبولِ منهُ ، كَما قالَ : «وَ يأْخُذُ الصَّدَقَ_تِ» (5) أَي يَقبَلُها مِن أَهلِها ويُثيبُ عَلَيها . قُلتُ : فَقَولُهُ عز و جل «وَ السَّمَ_وَ تُ مَطْوِيَّ_ت بِيَمِينِهِ» (6) ؟ قالَ : اليَمينُ اليَدُ ، وَاليدُ القُدرَةُ وَالقُوَّةُ ، يَقولُ عز و جل : «وَ السَّمَ_وَ تُ مَطْوِيَّ_تُ» بِقُدرَتِهِ وقُوَّتِهِ «سُبْحَ_نَهُ وَ تَعَ__لَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» . 7
كفاية الأثر عن يونس بن ظبيان :دَخَلتُ عَلَى الصّادِقِ عليه السلام فَقُلتُ : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ،
.
ص: 339
إِنّي دَخَلتُ عَلى مالِكٍ وأَصحابِهِ فَسَمِعتُ بَعضَهُم يَقولُ : إِنَّ اللّهَ لَهُ وجَهٌ كَالوُجوهِ ، وبَعضُهُم يَقولُ : لَهُ يَدانِ ، وَاحتَجّوا لِذلِكَ بِقَولِ (1) اللّهِ تَعالى : «بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ» (2) وبَعضُهُم يَقولُ : هُوَ كَالشّابِّ مِن أَبناءِ ثَلاثينَ سَنَةً ، فَما عِندَكَ في هذا يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ؟ قالَ : فَكانَ مُتَّكِئاً فَاستَوى جالِسا ، وقالَ : اللّهُمَّ عَفوَكَ عَفوَكَ ! ثُمَّ قالَ : يا يونُسُ ، مَن زَعَمَ أَنَّ للّهِ وَجها كَالوُجوهِ فَقَد أَشرَكَ ، ومَن زَعَمَ أَنَّ للّهِ جَوارِحَ (3) كَجَوارِحِ المَخلوقينَ فَهُوَ كافِرٌ بِاللّهِ ، فَلا تَقبَلوا شَهادَتُهُ ولا تَأَكُلوا ذَبيحَتَهُ ، تَعالَى اللّهُ عَمّا يَصِفُهُ المُشَبِّهونَ بِصِفَةِ المَخلوقينَ ، فَوَجهُ اللّهِ أَنبِياؤُهُ ، وقَولُهُ : «خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ» فَاليَدُ القُدرَةُ كَقَولِهِ : «وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ» (4) . فَمَن زَعَمَ أَنَّ اللّهَ في شَيءٍ أَو عَلى شَيءٍ ، أَو تَحَوَّلَ مِن شَيءٍ إِلى شَيءٍ ، أَو يَخلو مِنهُ شَيءٌ أَو يُشغَلُ بِهِ شَيءٌ ، فَقَد وَصَفَهُ بِصِفَةِ المَخلوقينَ ، وَاللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ لا يُقاسُ بِالقِياسِ ولا يُشَبَّهُ بِالنّاسِ ، لا يَخلو مِنهُ مَكانٌ ، ولا يَشغَلُ بِهِ مَكانٌ ، قَريبٌ في بُعدِهِ ، بَعيدٌ في قُربِهِ ، ذلِكَ اللّهُ رَبُّنا لا إِلهَ غَيرُهُ ، فَمَن أَرادَ اللّهَ وأَحَبَّهُ بِهذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مِنَ المُوَحِّدينَ ، ومَن أَحَبَّهُ بِغَيرِ هذِهِ الصِّفَةِ فَاللّهُ مِنهُ بَريءٌ ونَحنُ مِنهُ بُرَآءُ . (5)
التوحيد عن هشام بن الحكم :إنّ رَجُلاً سَألَ أَبا عبدِ اللّهِ عليه السلام عَن اللّهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَهُ
.
ص: 340
رِضا وسَخَطٌ ؟ فَقالَ : نَعَم ، ولَيسَ ذلِكَ عَلى ما يوجَدُ مِن المَخلوقينَ ، وذلِكَ أَنَّ الرِّضا وَالغَضَبَ دِخالٌ يَدخُلُ عَلَيهِ ، فَيَنقُلُهُ مِن حالٍ إِلى حالِ ، مُعتَمَلٌ ، مُرَكَّبٌ ، لِلأَشياءِ فيهِ مَدخَلٌ وخالِقُنا لا مَدخَلَ لِلأَشياءِ فيهِ ، واحِدٌ ، أَحَدِيُّ الذَّاتِ ، وأَحَدَيُّ المَعنى ، فَرِضاهُ ثَوابُهُ ، وسَخَطُهُ عِقابُهُ ، مِن غَيرِ شَيءٍ يَتَداخَلُهُ فَيُهيجُهُ ويَنقُلُهُ مِن حالٍ إِلى حالٍ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ صِفَةُ المَخلوقينَ العاجِزينَ المُحتاجينَ ، وهُوَ تَبارَكَ وتَعالى القَوِيُّ العَزيزُ الَّذي لا حاجَةَ بِهِ إِلى شَيءٍ مِمّا خَلَقَ ، وخَلقُهُ جَميعا مُحتاجونَ إِلَيهِ، إِنَّما خَلَقَ الأَشياءَ مِن غَيرِ حاجَةٍ ولا سَبَبٍ اختِراعا وَابتِداعا . (1)
التوحيد عن محمّد بن عمارة :سَأَلتُ الصّادِقَ جَعفَرَ بنَ مُحَمّدٍ عليهماالسلام ؛ فَقُلتُ لَهُ : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ أَخبِرني عَنِ اللّهِ عز و جل هَل لَهُ رِضا وسَخَطٌ؟ فَقالَ : نَعَم ، ولَيسَ ذلِكَ عَلى ما يوجَدُ مِنَ المَخلوقينَ ، ولكِن غَضَبُ اللّهِ عِقابُهُ ، ورِضاهُ ثَوابُهُ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن قَولِ اللّه عز و جل : «نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ» (3) _: إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يَنسى ولا يَسهو ، وإِنَّما يَنسى ويَسهُو المَخلوقُ المُحدَث ، أَلا تَسمَعُهُ عز و جل يَقولُ : «وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا » (4) وإِنَّما يُجازي مَن نَسيَهُ ونَسِيَ لِقاءَ يَومِهِ بِأَن يُنسِيَهُم أَنفُسَهُم ، كَما قالَ عز و جل : «وَ لَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَ_ئِكَ
.
ص: 341
هُمُ الْفَ_سِقُونَ » (1) وقَولُهُ عز و جل : «فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَ_ذَا» (2) أَي نَترُكُهُم كَما تَرَكُوا الاِستِعدادَ لِلِقاءِ يَومِهِم هذا . (3)
التوحيد عن الحسين بن خالد :قُلتُ لِلرِّضا عليه السلام : يَا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، إِنَّ النّاسَ يَروونَ أَنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إِنَّ اللّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلى صورَتِهِ . فَقالَ : قاتَلَهُمُ اللّهُ ، لَقَد حَذَفوا أَوَّلَ الحَديثِ ، إِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مرَّ بِرَجُلَينِ يَتَسابّانِ ، فَسَمِعَ أَحَدَهُما يَقولُ لِصاحِبِهِ : قَبَّحَ اللّهَ وَجهَكَ ووَجهَ مَن يُشبِهُكَ ! فَقالَ صلى الله عليه و آله : يا عَبدَ اللّهِ ، لا تَقُل هذا لِأَخيكَ ؛ فَإِنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ آدَمَ عَلَى صورَتِهِ . (4)
التوحيد عن عبد اللّه بن قيس عن الإمام الرِّضا عليه السلام :سَمِعتُهُ يَقولُ : «بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ» (5) فَقُلتُ لَهُ : لَهُ يَدانِ هكَذا ؟ وأَشَرتُ بِيَدي إِلى يَدِهِ . فَقالَ : لا ، لَو كانَ هكَذا لَكانَ مَخلوقا . (6)
معاني الأخبار عن محمّد بن عيسى بن عبيد :سَأَلتُ أَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ العَسكَرِيَّ عليهماالسلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ وَ السَّمَ_وَ تُ مَطْوِيَّ_ت بِيَمِينِهِ» ، فَقالَ : ذلِكَ تَعييرُ اللّهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لِمنَ شَبَّهَهُ بِخَلقِهِ ، أَلا تَرى
.
ص: 342
أَنَّهُ قالَ : «وَ مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ وَ السَّمَ_وَ تُ مَطْوِيَّ_ت بِيَمِينِهِ» كَما قالَ عز و جل «وَ مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالَواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَىْ ءٍ» (1) ثُمَّ نَزَّهَ عز و جلنَفَسَهُ عَنِ القَبضَةِ وَاليَمينِ ، فَقالَ : «سُبْحَ_نَهُ وَ تَعَ__لَى عَمَّا يُشْرِكُونَ » . (2)
الإمام المهدي عليه السلام_ في تَوقيعِهِ لِمُحَمَّدِ بنِ عُثمانَ العَمرِيِّ _: إِنَّ اللّهَ تَعالى هُوَ الَّذي خَلَقَ الأَجسامَ ، وقَسَّمَ الأَرزاقَ ؛ لِأنَّهُ لَيسَ بِجِسمٍ ولا حالٍّ في جِسمٍ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ العَليمُ ، وأَمَّا الأَئِمَّةُ عليهم السلام فَإِنَّهُم يَسأَلونَ اللّهَ تَعالى فَيَخلُقُ ، ويَسأَلونَهُ فَيَرزُقُ ، إِيجابا لِمَسأَلَتِهِم ، وإِعظاما لِحَقِّهِم . (3)
راجع: ج 3 ص 301 (الفصل الثامن : آفاق معرفة اللّه ) و 355 (القسم الثاني : التعرّف على توحيد اللّه ) ، ج 4 ص 27 (الفصل الثاني : الأحد ، الواحد) .
تعليقالحشويّة من أَهل السنّة يقولون بالتشبيه و يعتقدون أنّ اللّه سبحانه شبيه بمخلوقاته . حكى الأَشعريّ عَن محمّد بن عيسى أَنّه حكى عَن مضر وأَحمس وأَحمد الهجيمي : أَنّهم أَجازوا على ربّهم الملامسة والمصافحة ، وأَنّ المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إِذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد إِلى حدّ الإخلاص والاتّحاد المحض .
.
ص: 343
وحكى الكعبي عَن بعضهم : أَنّه كان يجوّز الرؤية في دار الدنيا وأَن يزور ويزورهم . وحُكي عَن داوود الجواري أَنّه قالَ : اعفوني عَن الفرج واللحية واسألوني عمّا وراء ذلِكَ . وقالَ : إِنّ معبوده جسم ولحم ودم ، وله جوارح وأَعضاء من يد ورجل ورأَس ولسان وعينين وأُذنين ، ومع ذلِكَ جسم لا كالأَجسام ، ولحم لا كاللحوم ، ودم لا كالدماء ، وكذلِكَ سائر الصفات وهو لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبهه شيء . وحُكي عنه أَنّه قالَ : هو أَجوف من أَعلاه إِلى صدره ، مصمت ما سوى ذلِكَ ، وأَنّ له وفرة سوداء ، وله شعرٌ قَطَط . (1) وأَمّا ما ورد في التنزيل من الاستواء والوجه واليدين والجنب والمجيء والإتيان والفوقيّة وغير ذلِكَ فأجروها على ظواهرها . أَعني ما يفهم عند الإطلاق على الأَجسام . (2) والأَشعري أَيضا ينسب إِلى اللّه صفات مخلوقاته وأنّ له رجلاً ويدا و عينا ، ولكنّه يضيف إِليها قيد «بلا كيف» . (3) وفي مقابل هذه الأَقوال يعتقد الإماميّة أَنّ اللّه لا يشبه مخلوقاته في أَيّ صفة من الصفات. وعلى هذا الأَساس فإنّهم يتعاملون مع الآيات والأَحاديث التي يستفاد من ظاهرها التشبيه ، بالرجوع إِلى أَساليب البيان في اللغة العربيّة ، وإِلى أَحاديث أَهل
.
ص: 344
البيت عليهم السلام في تفسيرها بمعناها الحقيقي . نشير على سبيل المثال إِلى أَنّ اليد تُستخدم في اللغة العربيّة بمعنى القدرة ، وأَهل البيت عليهم السلام يفسّرون «يد اللّه » بمعنى استطاعته وقدرته .
.
ص: 345
الفصل الثاني: الحدّالإمام عليّ عليه السلام :لَيسَ لَهُ حَدٌّ يَنتَهي إِلى حَدِّهِ . (1)
عنه عليه السلام :وحَدَّ الأَشياءَ كُلَّها عِندَ خَلقِهِ ، إِبانَةً لَها مِن شَبَهِهِ ، وإِبانَةً لَهُ مِن شَبَهِها . (2)
عنه عليه السلام :حَدَّ الأَشياءَ عِندَ خَلقِهِ لَها إِبانَةً لَهُ مِن شَبَهِها ، لا تُقَدِّرُهُ الأَوهامُ بِالحُدودِ وَالحَرَكاتِ ، ولا بِالجَوارِحِ وَالأَدَواتِ . . . تَعالَى اللّهُ عَمّا يَنحَلُهُ المُحَدِّدونَ مِن صِفاتِ الأَقدارِ ، ونِهاياتِ الأَقطارِ ، وتَأَثُّلِ (3) المَساكِنِ ، وتَمَكُّنِ الأَماكِنِ ، فَالحَدُّ لِخَلقِهِ مَضروبٌ ، وإِلى غَيرِهِ مَنسوبٌ . (4)
.
ص: 346
عنه عليه السلام :لا يُشمَلُ بِحَدٍّ ولا يُحسَبُ بِعَدٍّ ، وإِنَّما تَحُدُّ الأَدَواتُ أَنفُسَها، وتُشيرُ الآلاتُ إِلى نَظائِرِها . . . ولا يُقالُ لَهُ حَدٌّ ولا نِهايَةٌ ، ولَا انقِطاعٌ ولا غايَةٌ ، ولا أَنَّ الأَشياءَ تَحويهِ فَتُقِلَّهُ أَو تُهوِيَهُ . (1)
عنه عليه السلام_ في تَعظيمِ اللّهِ جَلَّ و عَلا _: أَنتَ اللّهُ الَّذي لَم تَتَناهَ فِي العُقولِ فَتَكونَ في مَهَبِّ فِكرِها مُكَيَّفا ، ولا في رَوِيّات خَواطِرِها فَتَكونَ مَحدودا مُصَرَّفا . (2)
عنه عليه السلام :لا يُدرَك بِوَهمٍ ، ولا يُقَدَّرُ بِفَهمٍ . . . ولا يُحَدُّ بِأَينٍ . (3)
عنه عليه السلام :تَعالَى الَّذي لَيسَ لَهُ وَقتٌ مَعدودٌ ، ولا أَجَلٌ مَمدودٌ ، ولا نَعتٌ مَحدودٌ ، سُبحانَ الَّذي لَيسَ لَهُ أَوَّلٌ مُبتَدَأٌ ، ولا غايَةٌ مُنتَهىً ، ولا آخِرٌ يَفنى . (4)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... الَّذي لا يُدرِكُهُ بُعدُ الهِمَمِ ، ولا يَنالُهُ غَوصُ الفِطَنِ ، الَّذي لَيسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحدودٌ ، ولا نَعتٌ مَوجودٌ ، ولا وَقتٌ مَعدودٌ ، ولا أَجَلٌ مَمدودٌ . (5)
الكافي عن أبي حمزة :قالَ لي عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : يا أَبا حَمزَةَ ، إِنَّ اللّهَ لا يوصَفُ بِمَحدوِديَّةٍ، عَظُمَ رَبُّنا عَنِ الصِّفَةِ، فَكَيفَ يوصَفُ بِمَحدودِيَّةٍ مَن لا يُحَدُّ ،
.
ص: 347
ولا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ؟! (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: أَنتَ الَّذي لا تُحَدُّ فَتَكونَ مَحدودا ، ولَم تُمَثَّل فَتَكونَ مَوجودا ، ولَم تَلِد فَتَكونَ مَولودا . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :هُوَ الخالِقُ لِلأَشياءِ لا لِحاجَةٍ ، فَإِذا كانَ لا لِحاجَةٍ استَحالَ الحَدُّ وَالكَيفُ فيهِ . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :. . . فَاحذَروا في صِفاتِهِ مِن أَن تَقِفوا لَهُ عَلى حَدٍّ تَحُدّونَهُ ، بِنَقصٍ أَو زِيادَةٍ ، أَو تَحريكٍ أَو تَحَرُّكٍ ، أَو زَوالٍ أَو استِنزالٍ ، أَو نُهوضٍ أَو قُعودٍ ؛ فَإِنَّ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ عَن صِفَةِ الواصِفينَ ونَعتِ النّاعِتينَ وتَوهُّمِ المُتَوهِّمينَ . (4)
عنه عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أَجَلُّ وأَعظَمُ مِن أَن يُحَدَّ بِيَدٍ أَو رِجلٍ ، أَو حَرَكَةٍ أَو سُكونٍ ، أَو يوصَفَ بِطولٍ أَو قِصَرٍ ، أَو تَبلُغَهُ الأَوهامُ ، أَو تُحيطَ بِهِ صِفَةُ العُقولِ . (5)
الإمام الرضا عليه السلام :ولَو حُدَّ لَهُ وَراءٌ ؛ إِذا حُدَّ لَهُ أَمامٌ ، ولَوِ التُمِسَ لَهُ التَّمامُ ؛ إِذاً لَزِمَهُ النُّقصانُ . (6)
.
ص: 348
عنه عليه السلام :لا يَتَغَيَّرُ اللّهُ بِانغِيارِ المَخلوقِ ، كَما لا يَتَحَدَّدُ بِتَحديدِ المَحدودِ . (1)
الإمام الهادي عليه السلام :سُبحانَ مَن لا يُحَدُّ ولا يُوصَفُ ! لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ . (2)
.
ص: 349
الفصل الثالث: التّجزّيالإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ الزِّنديقُ : فَكَيفَ هُوَ اللّهُ الواحِدُ ؟_: واحِدٌ في ذاتِهِ ، فَلا واحِدٌ كَواحِدٍ ؛ لِأَنَّ ما سِواهُ مِنَ الواحِدِ مُتَجَزِّئٌ ، وهُوَ تَبارَكَ وتَعالى واحِدٌ لا يَتَجَزَّأُ ، ولا يَقَعُ عَلَيهِ العَدُّ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :لا يوصَفُ بِشيءٍ مِنَ الأَجزاءِ ، ولا بِالجَوارِحِ وَالأَعضاءِ ، ولا بِعَرَضٍ مِنَ الأَعراضِ ، ولا بِالغَيرِيَّةِ وَالأَبعاضِ . (2)
الكافي عن يونس بن ظبيان :دَخلتُ عَلى أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فَقُلتُ لَهُ : إِنَّ هِشامَ بنَ الحَكَمِ يَقولُ قَولاً عَظيما ، إِلّا أَنّي أَختَصِرُ لَكَ مِنهُ أَحرُفا ، فَزَعَم أَنَّ اللّهَ جِسمٌ ؛ لِأَنَّ الأَشياءَ شَيئانٍ : جِسمٌ وفِعلُ الجِسمِ ، فَلا يَجوزُ أَن يَكونُ الصَّانِعُ بِمَعنَى الفِعلِ ويَجوزُ أَن يَكونَ بِمَعنَى الفاعِلِ . فَقالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : وَيحَهُ ! أما عَلِم أنَّ الجِسمَ مَحدودٌ مُتَناهٍ ، وَالصّورَةَ مَحدودَةٌ مُتَناهِيَةٌ ، فَإِذَا احتَمَلَ الحَدَّ احتَمَلَ الزِّيادَةَ وَالنُقصانَ ، وإِذَا احتَمَلَ الزّيادَةَ وَالنُقصانَ
.
ص: 350
كانَ مَخلوقا . قالَ : قُلتُ : فَما أَقولُ ؟ قالَ : لا جِسمٌ ولا صورَةٌ وهُوَ مُجَسِّمُ الأَجسامِ ومُصَوِّرُ الصُّوَرِ ، لَم يَتَجَزَّأ ولَم يَتَناهَ ولَم يَتَزايَد ولَم يَتَناقَص ، لَو كانَ كَما يَقولونَ لَم يَكُن بَينَ الخالِقِ والمَخلوقِ فَرقٌ ، ولا بَينَ المُنشِئ وَالمُنشَأ ، لكِن هُوَ المُنشِئُ ، فَرقٌ بَينَ مَن جَسَّمَهُ وصَوَّرَهُ وأَنشَأَهُ ، إِذ كان لا يُشبِهُهُ شَيءٌ ولا يُشبِهُ هُوَ شَيئا . (1)
التوحيد عن محمّد بن عبد اللّه الخراساني خادم الرضا عليه السلام :دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الزَّنادِقَةِ عَلَى الرِّضا عليه السلام ... قالَ : فَحُدَّهُ لي . قالَ لا حَدَّ لَهُ . قالَ : ولِمَ؟ قالَ : لِأَنَّ كُلَّ مَحدودٍ مُتنَاهٍ إِلى حَدٍّ ، وإِذَا احتَمَلَ التَّحديدَ احتَمَلَ الزِّيادَةَ ، وإِذا احتَمَلَ الزِّيادةَ احتَمَلَ النُّقصانَ ، فَهُوَ غَيرُ مَحدودٍ ولا مُتَزايِدٍ ولا مُتناقِصٍ ولا مُتَجَزِّىً ولا مُتَوَهَّمٍ . (2)
الإمام الجواد عليه السلام :كُلُّ مُتَجَزِّىً أَو مُتَوَهَّمٍ بِالقِلَّةِ وَالكَثرَةِ فَهُوَ مَخلوقٌ دالٌّ عَلى خالِقٍ لَهُ . (3)
.
ص: 351
الفصل الرابع: التّغييرالإمام عليّ عليه السلام :لا يَتَغَيَّرُ بِحالٍ ، ولا يَتَبَدَّلُ فِي الأَحوالِ ، ولا تُبليهِ اللَّيالي وَالأَيّامُ ، لا يُغَيِّرُهُ الضِّياءُ وَالظَّلامُ . (1)
الإمام الحسين عليه السلام :لا تَتَداوَلُهُ الأُمورُ ، ولا تَجري عَلَيهِ الأَحوالُ ، ولا تَنزِلُ عَلَيهِ الأَحداثُ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام_ حينَ قالَ لَهُ عَمرُو بنُ عُبَيدٍ : _جُعِلتُ فِداكَ ! قَولُ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى : «وَ مَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى» (3) ما ذلِكَ الغَضَبُ ؟ _ : هُوَ العِقابُ يا عَمرُو ، إِنَّهُ مَن زَعَمَ أَنَّ اللّهَ قَد زالَ مِن شَيءٍ إِلى شَيءٍ فَقَد وَصَفَهُ صِفَةَ مَخلوقٍ ، وإِنَّ اللّهَ تَعالى لا يَستَفِزُّهُ شَيءٌ فَيُغَيِّرَهُ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «فَلَمَّا ءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ» (5) _: إِنَّ اللّهَ عز و جللا
.
ص: 352
يَأسَفُ كَأَسَفِنا ، ولكِنَّهُ خَلَقَ أَولياءَ لِنَفسِهِ يَأسَفونَ ويَرضَونَ وهُم مَخلوقونَ مَربوبونَ ، فَجَعَلَ رِضاهُم رِضا نَفسِهِ وسَخَطَهُم سَخَطَ نَفسِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمُ الدُّعاةَ إِلَيهِ والأَدِلّاءَ عَلَيهِ ، فَلِذلِكَ صاروا كَذلِكَ ، ولَيسَ أَنَّ ذلِكَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ ما يَصِلُ إِلى خَلقِهِ ، لكِن هذا مَعنى ما قالَ مِن ذلِكَ ، وقَد قالَ : «مَن أَهانَ لي وَلِيّا فَقَد بارَزَني بِالمُحاربَةِ ودَعاني إِلَيها» ، وقالَ : «مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ» (1) ، وقالَ : «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» . (2) فَكُلُّ هذا وشِبهُهُ عَلى ما ذَكَرتُ لَكَ ، وهكَذَا الرِّضا وَالغَضَبُ وغَيرُهُما مِنَ الأَشياءِ مِمّا يُشاكِلُ ذلِكَ ، ولَو كانَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ الأَسَفُ وَالضَّجَرُ ، وهُوَ الَّذي خَلَقَهُما وأَنشَأَهُما لَجازَ لِقائِلِ هذا أَن يَقولَ : إِنَّ الخالِقَ يَبيدُ يَوما ما ؛ لِأَنَّهُ إِذا دَخَلَهُ الغَضَبُ وَالضَّجَرُ دَخَلَهُ التَّغييرُ ، وإِذا دَخَلَهُ التَّغييرُ لَم يُؤمَن عَلَيهِ الإِبادَةُ ، ثُمَّ لَم يُعرَفِ المُكَوِّنَ مِنَ المُكَوَّنَ ، ولَا القادِرُ مِنَ المَقدورِ عَلَيهِ ، ولا الخالِقُ مِنَ المَخلوقِ ، تَعالَى اللّهُ عَن هذَا القَولِ عُلُوّا كَبيرا . 3
الكافي عن صفوان بن يحيى :سَأَلَني أَبو قُرَّةَ المُحَدِّثُ أن أُدخِلَهُ عَلى أَبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام ، فَاستَأذَنتُهُ فَأَذِنَ لِي ، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ عَنِ الحَلالِ وَالحَرامِ ثُمَّ قالَ لَهُ : أَفَتُقِرُّ أَنَّ اللّهَ مَحمولٌ ؟ فَقالَ أَبُو الحَسَنِ عليه السلام : كُلُّ مَحمولٍ مَفعولٌ بِهِ مُضافٌ إِلى غَيرِهِ مُحتاجٌ ، وَالمَحمولُ اسمُ نَقصٍ فِي اللَّفظ ، وَالحامِلُ فاعِلٌ وهُوَ فِي اللَّفظِ مِدحَةٌ وكَذلِكَ قَولُ القائِلِ : فَوقَ
.
ص: 353
وتَحتَ وأَعلى وأَسفَلَ . وقَد قالَ اللّهُ : «وَلِلَّهِ الأَْسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا» (1) ولَم يَقُل في كُتُبِهِ : إِنَّهُ المَحمولُ ، بَل قالَ : إِنَّهُ الحامِلُ فِي البَرِّ والبَحرِ ، وَالمُمسِكُ السَّماواتِ وَالأَرضَ أَن تَزولا ، وَالمَحمولُ ما سِوَى اللّهِ ولَم يُسمَع أَحَدٌ آمَنَ بِاللّهِ وعَظَمَتِهِ قَطُّ قالَ في دُعائِهِ : يا محَمولُ . قالَ أَبو قُرَّةَ : فَإنَّهُ قالَ : «وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَ_ئِذٍ ثَمَ_نِيَةٌ » (2) وقالَ : «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ» (3) ؟ فَقالَ أَبُو الَحَسنِ عليه السلام : العَرشُ لَيسَ هُوَ اللّهُ ، وَالعَرشُ اسمُ عِلمٍ وقُدرَةٍ وعَرشٍ فيهِ كُلُّ شَيءٍ ، ثُمَّ أَضافَ الحَملَ إِلى غَيرِهِ : خَلقٍ مِن خَلقِهِ ؛ لِأَنَّهُ استَعبَدَ خَلقَهُ بِحَملِ عَرشِهِ وهُم حَمَلَةُ عِلمِهِ ، وخَلقا يُسَبِّحونَ حَولَ عَرشِهِ وهُم يَعمَلونَ بِعِلمِهِ ، ومَلائِكَةً يَكتُبونَ أَعمالَ عِبادِهِ . وَاستَعبَدَ أَهلَ الأَرضِ بِالطَّوافِ حَولَ بَيتِهِ ، وَاللّهُ عَلَى العَرشِ استَوى ، كَما قالَ : وَالعَرشُ ومَن يَحمِلُهُ ومَن حَولَ العَرشِ وَاللّهُ الحامِلُ لَهُم ، الحافِظُ لَهُم ، المُمسِكُ القائِمُ عَلى كُلِّ نَفسٍ ، وفَوقَ كُلِّ شَيءٍ ، وعَلى كُلِّ شَيءٍ ، ولا يُقالُ : مَحمولٌ ولا أَسفَلُ ، قَولاً مُفرَدا لا يُوصَلُ بِشَيءٍ فَيَفسُدُ اللَّفظُ وَالمَعنى . قالَ أَبو قُرَّةَ : فَتُكَذِّبُ بِالرِّوايَةِ الَّتي جاءَت : أنَّ اللّهَ إِذا غَضِبَ إِنَّما ، يُعرَفُ غَضَبُهُ ؛ أَنَّ المَلائِكَةَ الَّذين يَحمِلونَ العَرشَ يَجِدونَ ثِقلَهُ عَلى كَواهِلِهِم ، فَيَخِرّونُ سُجَّدا ، فَإِذا ذَهَبَ الغَضَبُ خَفَّ ورَجَعوا إِلى مَواقِفِهِم ؟ فَقالَ أَبُو الحسن عليه السلام : أَخبِرني عَنِ اللّهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ مُنذُ لَعَنَ إِبليسَ إِلى يَومِكَ
.
ص: 354
هذا هُوَ غَضبانُ عَلَيهِ ، فَمَتى رَضِيَ ؟ وهُوَ في صِفَتِكَ لَم يَزَل غَضبانَ عَلَيهِ وعَلى أَولِيائِهِ وعَلى أَتباعِهِ ، كَيفَ تَجتَرِئُ أَن تَصِفَ رَبَّكَ بِالتَّغييرِ مِن حالٍ إِلى حالٍ وأَنَّهُ يَجري عَلَيهِ ما يَجري عَلَى المَخلوقينَ ؟! سُبحانَهُ وتَعالى ، لَم يَزُل مَعَ الزّائِلينَ ، ولَم يَتَغَيَّر مَعَ المُتَغَيِّرينَ ، ولَم يَتَبَدَّل مَعَ المُتَبَدِّلينَ ، ومَن دونَهُ في يَدِهِ وتَدبيرِهِ ، وكُلُّهُم إِلَيهِ مُحتاجٌ وهُوَ غَنِيٌّ عَمَّن سِواهُ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ عِمرانُ الصّابئ : يا سَيِّدي أَلا تُخبِرُني عَنِ الخالِقِ إِذا كانَ واحِدا لا شَيءَ غَيرُهُ ولا شَيءَ مَعَهُ ، أَلَيسَ قَد تَغَيَّرَ بِخَلقِهِ الخَلقَ ؟ _: لَم يَتَغَيَّر عز و جل بِخَلقِ الخَلقِ ، ولكِنَّ الخَلقَ يَتَغَيَّرُ بِتَغييرِهِ . (2)
راجع : ص 363 (الفصل الثامن : الحركة والسّكون)، ج 4 ص 40 ح 4167 و ص 42 ح 4171 .
.
ص: 355
الفصل الخامس: الجسم والصورةالإمام الصادق عليه السلام_ في تَنزيهِ اللّهِ سُبحانَهُ _: سُبحانَ مَن لا يَعلَمُ أَحَدٌ كَيفَ هُوَ إِلّا هُوَ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، لا يُحَدُّ ولا يُحَسُّ ولا يُجَسُّ (1) ، ولا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ولَا الحَواسُّ ، ولا يُحيطُ بِهِ شَيءٌ ولا جِسمٌ و لا صورَةٌ ولا تَخطيطٌ ولا تَحديدٌ. (2)
عنه عليه السلام_ في تَنزيهِ اللّهِ سُبحانَهُ _: لا جِسمٌ ولا صورَةٌ ، وهُوَ مُجَسِّمُ الأَجسامِ ومُصَوِّرُ الصُّوَرِ ، لَم يَتَجَزَّأ ولَم يَتَناهَ ولَم يَتَزايَد ولَم يَتَناقَص ، لَو كانَ كَما يَقولونَ لَم يَكُن بَينَ الخالِقِ وَالمَخلوقِ فَرقٌ ، ولا بَينَ المُنشِىَ وَ المُنشَاَ ؛ لكِن هُوَ المُنشِئُ ، فَرقٌ بَينَ مَن جَسَّمَهُ وصَوَّرَهُ وأَنشَأَهُ ، إِذ كانَ لا يُشبِهُهُ شَيءٌ ولا يُشبِهُ هُوَ شَيئا. (3)
الكافي عن حمزة بن محمّد :كَتَبتُ إِلى أَبِي الحَسَنِ عليه السلام أَسأَلُهُ عَنِ الجِسمِ وَالصّورَةِ ، فَكَتَبَ :
.
ص: 356
سُبحانَ مَن لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، لا جِسمٌ ولا صورَةٌ. (1)
الكافي عن محمّد بن زيد :جِئتُ إِلَى الرِّضا عليه السلام أَسأَلُهُ عَنِ التَّوحيدِ ، فَأَملى عَلَيَّ : الحَمدُ للّهِِ فاطِرِ الأَشياءِ إِنشاءً ، ومُبتَدِعِهَا ابتِداعا بِقُدرَتِهِ وحِكمَتِهِ ، لا مِن شَيءٍ فَيَبطُلَ الاِختِراعُ ولا لِعِلَّةٍ فَلا يَصِحَّ الاِبتِداعُ ، خَلَقَ ما شاءَ كَيفَ شاءَ ، مُتَوَحِّدا بِذلِكَ لِاءِظهارِ حِكمَتِهِ وحَقيقَةِ رُبوبِيَّتِهِ ، لا تَضبِطُهُ العُقولُ ولا تَبلُغُهُ الأَوهامُ ولا تُدرِكُهُ الأَبصارُ ولا يُحيطُ بِهِ مِقدارٌ ، عَجَزَت دونَهُ العِبارَةُ وكَلَّت دونَهُ الأَبصارُ وضَلَّ فيهِ تَصاريفُ الصِّفاتِ ، احتَجَبَ بِغَيرِ حِجابٍ مَحجوبٍ وَاستَتَرَ بِغَيرِ سِترٍ مَستورٍ ، عُرِفَ بِغَيرِ رُؤيَةٍ ووُصِفَ بِغَيرِ صورَةٍ ونُعِتَ بِغَيرِ جِسمٍ ، لا إِلهَ إِلَا اللّهُ الكَبيرُ المُتَعالِ. (2)
راجع : ج 3 ص 315 (لا تَحُسُّهُ الحواس) ، الكافي : ج 1 ص 104 (باب النهي عن الجسم و الصورة) .
.
ص: 357
الفصل السادس: الوالد والولدالكتاب«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ * وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد » . (1)
«إِنَّمَا اللَّهُ إِلَ_هٌ وَ حِدٌ سُبْحَ_نَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ» . (2)
«مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَ_هٍ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يوشِكُ النّاسُ يَتَساءَلونَ بَينَهُم حَتّى يَقولَ قائِلُهُم : هذَا اللّهُ خَلَقَ الخَلقَ ؛ فَمَن خَلَقَ اللّهَ عز و جل ؟ فَإِذا قالوا ذلِكَ فَقولوا : «اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ * وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد» ، ثُمَّ لِيَتفُل عَن يَسارِهِ ثَلاثا ، وَليَستَعِذ بِاللّهِ مِنَ
.
ص: 358
الشَّيطانِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :لَم يَلِد فَيَكونَ مَولودا ، ولَم يُولَد فَيَصيرَ مَحدودا ، جَلَّ عَنِ اتِّخاذِ الأَبناءِ ، وطَهُرَ عَن مُلامَسَةِ النِّساءِ . (2)
عنه عليه السلام :لَم يُولَد سُبحانَهُ فَيَكونَ فِي العِزِّ مُشارَكا ، ولَم يَلِد فَيَكونَ مَوروثا هالِكا (3) . (4)
الإمام الحسين عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لَم يَتَّخِذ وَلَدا فَيَكونَ مَوروثا . (5)
عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ لِأَهلِ البَصرَةِ _: «لَمْ يَلِدْ» لَم يَخرُج مِنهُ شَيءٌ ... كَما يَخرُجُ الأَشياءُ الكَثيفَةُ مِن عَناصِرِها . . . ولا كَما يَخرُجُ الأَشياءُ اللَّطيفَةُ مِن مَراكِزِها كَالبَصَرِ مِنَ العَينِ . (6)
الإمام الباقر عليه السلام :قَولُهُ عز و جل «لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ » يَقولُ : لَم يَلِد عز و جل فَيَكونَ لَهُ وَلَدٌ يَرِثُهُ ، ولَم
.
ص: 359
يولَد فَيَكونَ لَهُ والِدٌ يُشرِكُهُ في رُبوبِيَّتِهِ ومُلكِهِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :لَم يَلِد فَيورَثَ ، ولَم يُولَد فَيُشارَكَ ، ولَم يَكُن لَهُ كُفوا أَحَدٌ . (2)
عنه عليه السلام :لَم يَلِد لِأَنَّ الوَلَدَ يُشبِهُ أَباهُ ، ولَم يُولَد فَيُشبِهُ مَن كانَ قَبلَهُ ، ولَم يَكُن لَهُ مِن خَلقِهِ كُفُوا أَحَدٌ ، تَعالى عَن صِفَةِ مَن سِواهُ عُلُوّا كَبيرا . (3)
راجع : ج 4 ص 29 (واحد فلا ولد له) .
.
ص: 360
. .
ص: 361
الفصل السابع: السِّنة والنّومالكتاب«اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إِنَّ اللّهَ عز و جل لا يَنامُ ولا يَنبَغي لَهُ أَن يَنامَ ، يَخفِضُ القِسطَ ويَرفَعُهُ ، يُرفَعُ إِلَيهِ عَمَلُ اللَّيلِ قَبلَ عَمَلِ النَّهارِ ، وعَمَلُ النَّهارِ قَبلَ عَمَلِ اللَّيلِ ، حِجابُهُ النّورُ ، لَو كَشَفَهُ لَأَحرَقَت سُبُحاتُ وَجهِهِ مَا انتَهى إِلَيهِ بَصَرُهُ مِن خَلقِهِ . (2)
مسند أَبي يعلى عن أَبي هريرة :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَحكي موسى عليه السلام عَلَى المِنبَرِ ، فَقالَ : وَقَعَ في نَفسِهِ هَل يَنامُ اللّهُ عز و جل ، فَأَرسَلَ اللّهُ إِلَيهِ مَلَكا فَأَرَّقَهُ ثَلاثا ، ثُمَّ أَعطاهُ قارورَتَينِ في كُلِّ يَدٍ قارورَةٌ ، وأَمَرَهُ أَن يَحتَفِظَ بِهِما .
.
ص: 362
قالَ : فَجَعَلَ يَنامُ وتَكادُ يَداهُ تَلتَقِيانِ ، ثُمَّ استَيقَظَ فَيَحبِسُ إِحداهُما عَنِ الأُخرى حَتّى نامَ نَومَةً ، فَاصطَفَقَت يَداهُ ، فَانكَسَرَتِ القارورَتانِ ، قالَ : ضَرَبَ اللّهُ لَهُ مَثَلاً أَنَّ اللّهَ عز و جل لَو كانَ يَنامُ لَم يَستَمسِكِ السَّماءَ وَالأَرضَ . (1)
بحار الأنوار :سُئِلَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ المَلائِكَةِ يَأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَنكَحونَ ؟ فَقالَ : لا ، إِنَّهُم يَعيشونَ بِنَسيمِ العَرشِ . فَقيلَ لَهُ : مَا العِلَّةُ في نَومِهِم ؟ فَقالَ : فَرقا بَينَهُم وبَينَ اللّهِ عز و جل ؛ لِأَنَّ الَّذي لا تأخَذُهُ سِنَةٌ ولا نَومٌ هُوَ اللّهُ . (2)
بحار الأنوار عن الحسين بن خالد :قَرَأَ أَبُو الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : «اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» أَي نُعاسٌ . (3)
.
ص: 363
الفصل الثامن: الحركة والسُّكونالإمام عليّ عليه السلام :المُشاهِدُ لِجَميعِ الأَماكِنِ بِلا انتِقالٍ إِلَيها . (1)
عنه عليه السلام :لا يَجري عَلَيهِ السُّكونُ وَالحَرَكَةُ ، وكَيفَ يَجري عَلَيهِ ما هُوَ أَجراهُ ، ويَعودُ فيهِ ما هُوَ أَبداهُ ، ويَحدُثُ فيهِ ما هُوَ أَحدَثَهُ إِذا لَتَفاوَتَت ذاتُهُ ، ولَتَجَزَّأَ كُنهُهُ ، ولَامتَنَعَ مِنَ الأَزَلِ مَعناهُ ، ولَكانَ لَهُ وَراءٌ إِذ وُجِدَ لَهُ أَمامٌ ، ولَالتَمَسَ التَّمامَ إِذ لَزِمِهِ النُّقصانُ! وإِذا لَقامَت آيَةُ المَصنوعِ فيهِ ، ولَتَحَوَّلَ دَليلاً بَعدَ أَن كانَ مَدلولاً عَلَيهِ ، وخَرَجَ بِسُلطانِ الاِمتِناعِ مِن أَن يُؤَثِّرَ فيهِ ما يُؤَثِّرُ في غَيرِهِ ؟ ! (2)
عنه عليه السلام :إِنَّ رَبّي لا يُوصَفُ بِالبُعدِ ولا بِالحَرَكَةِ ولا بِالسُّكونِ ، ولا بِالقِيامِ قِيامِ انتِصابٍ ، ولا بِجيئَةٍ ولا بِذَهابٍ . . . هُوَ فِي الأَشياءِ عَلى غَيرِ مُمازَجَةٍ ، خارِجٌ مِنها عَلى غَيرِ مُبايَنَةٍ . . . داخِلٌ فِي الأَشياءِ لا كَشَيءٍ في شَيءٍ داخِلٌ وخارِجٌ مِنها لا
.
ص: 364
كَشَيءٍ مِن شَيءٍ خارِجٌ . (1)
عنه عليه السلام :الخالِقُ لا بِمَعنى حَرَكَةٍ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :إِنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يُوصَفُ بِزَمانٍ ولا مَكانٍ ولا حَرَكَةٍ ولَا انتِقالٍ ولا سُكونٍ ، بَل هُوَ خالِقُ الزَّمانِ وَالمَكانِ وَالحَرَكَةِ وَالسُّكونِ ، تَعالَى اللّهُ عَمّا يَقولونَ عُلُوّا كَبيرا! (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :... أَمّا قَولُ الواصِفينَ : إِنَّهُ يَنزِلُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ فَإِنَّما يَقولُ ذلِكَ مَن يَنسِبُهُ إِلى نَقصٍ أَو زِيادَةٍ ، وكُلُّ مُتَحَرِّكٍ مُحتاجٌ إِلى مَن يُحَرِّكُهُ أَو يَتَحَرَّكُ بِهِ ، فَمَن ظَنَّ بِاللّهِ الظُّنونَ هَلَكَ ، فَاحذَروا في صِفاتِهِ مِن أَن تَقِفوا لَهُ عَلى حَدٍّ تَحُدّونَهُ بِنَقصٍ أَو زِيادَةٍ ، أَو تَحريكٍ أَو تَحرُّكٍ ، أَو زَوالٍ أَو استِنزالٍ ، أَو نُهوضٍ أَو قُعودٍ ، فَإنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ عَن صِفَةِ الواصِفينَ ، ونَعتِ النّاعِتينَ ، وَتَوَهُّمِ المُتَوَهِّمينَ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام :فاعِلٌ لا بِمَعنَى الحَرَكاتِ وَالآلَةِ . (5)
.
ص: 365
عنه عليه السلام :مُدَبِّرٌ لا بِحَرَكَةٍ . (1)
راجع : ص 351 (الفصل الرابع : التغيير) ، ج 4 ص 200 ح 4548 .
الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه . اللّهمَّ إِنّي أسألك باسمك الّذي سمّيت به نفسك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تصلّي على محمّد وأهل بيته ، وأن تأذن لِفَرَج مَن بفرجه فَرَجُ أَوليائك وأَصفيائك من خلقك ، وبه تُبيد الظّالمين وتُهلكهم ، عجّل ذلك يا ربّ العالمين . اللّهمَّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه ، في هذه السَّاعة وفي كلّ ساعة ، وليّا ، وحافظا ، وقائدا ، وناصرا ، ودليلاً ، وعينا ، حتّى تُسكنه أَرضك طوعا وتمتّعه فيها طويلاً ، واجعلنا من أَعوانه وأنصاره ومقوّية سلطانه وارزقنا رؤيته ورضاه . إلهي ، هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك . إلهي ، تردّدي في الآثار يوجب بُعد المزار فاجمعني بخدمة إليك . الهي ، أمرت بالرّجوع إلى الآثار فارجعني بكسوة الأنوار وهداية
.
ص: 366
الاستبصار . إلهي ، حقّقني بحقائق أَهل القرب ، واسلك بي مسلك أَهل الجذب . إلهي ، هذا ذُلّي بين يديك ، وهذا حالي لا يخفى عليك ، منك أطلب الوصول إليك . ربّنا ، تقبّل منّا ، ولا تخيّب سعينا ، ولا تخزنا يوم القيامة ، يا مبدّل السيّئات بالحسنات ، يا أَرحم الراحمين . ليلة القدر 23 رمضان المبارك 1424 26 / 8 / 1382 17 NOV 2003
.
ص: 367
الفهرس التفصيلي .
ص: 368
. .
ص: 369
. .
ص: 370
. .
ص: 371
. .
ص: 372
. .
ص: 373
. .
ص: 374
. .
ص: 375
. .
ص: 376
. .
ص: 377
. .
ص: 378
. .
ص: 379
. .
ص: 380
. .
ص: 381
. .
ص: 382
. .
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
تمهيدالعدل : هو أحد صفات فعل اللّه تعالى، وله مكانة خاصّة في البحوث العقيدية، تبلغ أهمّية هذه الصفة الإلهية حدّا بحيث إنّ أتباع أهل البيت عليهم السلام يعدّونها أحد الاُصول العقيدية الخمسة للإسلام. (1) نظرا إلى أهمّية العدل الإلهي، فإنّ السؤال الأوّل الّذي يتبادر إلى الأذهان قبل طرح المواضيع المتعلّقة به هو: لماذا لم تنسب هذه الصفة في القرآن الى اللّه سبحانه ، وإنما نُفي الظلم عن اللّه _ تعالى _ إحدى وأربعين مرّةً بدلاً من وصفه بالعدل؟ بعبارة اُخرى، لماذا لم يرد في القرآن الكريم في بيان العدل الإلهي: إن اللّه عادل، بل ورد إن اللّه ليس بظالم؟ يمكن القول إجابةً على هذا السؤال : إنّه نظرا إلى أنّ المصائب والشرور الّتي يُبتلى بها الإنسان في العالم ، تثير في أذهان الكثير من الناس شبهة الظلم، فإنّ نفي الظلم عن اللّه _ تعالى _ أقرب إلى البلاغة وأبلغ في إزالة شبهة المخاطَب من إثبات العدل له . احتمل البعض أنّ عدم استخدام كلمة «العدل» فيما يتعلّق بذات الخالق المنزّهة
.
ص: 8
سببه أنّ العدل يدلّ أحيانا على مفهوم الشرك . (1) فلم يرد اللّه أن يستعمل هذا اللفظ المشترك فيما يتعلّق بذاته المقدّسة. (2)
بيان «العدل» و «الظلم»أوّلاً : الظلم لغةً واصطلاحاتعني كلمة «الظلم» لغةً : «وضع الشيء في غير موضعه الخاصّ به» أو «تجاوز الحدّ» أو «الانحراف عن الاعتدال» ، حيث يصرّح ابن منظور في هذا المجال قائلاً: الظلم: وضع الشيء في غير موضعه... وأصل الظلم: الجور ومجاوزة الحدّ... والظلم: الميل عن القصد ... . (3) ويصرّح الراغب أيضا في هذا الصدد: والظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء : وضع الشيء في غير موضعه المختصّ به، إمّا بنقصان أو بزيادة، وإمّا بعدول عن وقته أو مكانه... والظلم يقال في مجاوزة الحقّ . (4) يبدو أنّ أكثر معاني الظلم شمولية هو : «وضع الشيء في غير موضعه» ، أمّا المعاني الاُخرى فتعود عند التأمّل إلى هذا المعنى.
ثانيا : العدل لغةً واصطلاحاالعدل : هو المعنى المقابل للظلم ، بناءً على ذلك، فإنّ أكثر معاني العدل شمولية هو «وضع الشيء في موضعه الخاصّ به» أيضا، وقد وردت الإشارة إلى هذا المعنى الشامل في رواية عن الإمام عليّ عليه السلام :
.
ص: 9
العَدلُ يَضَعُ الاُمورَ مَواضِعَها . (1) وعندما تستقرّ الاُمور في كلّ مجال في موضعها الخاصّ بها، يظهر الاستواء والاعتدال ويزول الاعوجاج والانحراف ، لذلك فقد فسّر أهل اللغة «العدل» ب «الاستواء» ، وهكذا تعود سائر معاني العدل إلى هذا المعنى الشامل أيضا.
ثالثا : الظلم والعدل في الكتاب والسنّةتُظهر الدراسات أنّ الكتاب والسنّة استعملا كلمتي «الظلم» و«العدل» بمعنيهما الشاملين ، وبتعبير أوضح فإنّ لكلّ ظاهرة في نظام الخلق موضعا وحدّا وقانونا خاصّا ، فإن استقرّت في موضعها الخاصّ بها فهو عدل ، وإن لم تستقرّ في ذلك الموضع تحقّق الظلم ، لذلك جاء في الحديث النبويّ : بِالعَدلِ قامَت السَّماواتُ وَالأَرضُ . (2) كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام : العَدلُ أَساسٌ بِهِ قَوامُ العالَمِ . (3) على هذا يمكن القول إنّ العدل هو رعاية قانون نظام الوجود ، والظلم هو مخالفة هذا القانون .
رابعا : أنواع الظلم في القرآناستُعمل الظلم في القرآن الكريم بمعنى الظلم العقيدي أحيانا ، وبمعنى الظلم الفردي تارةً ، والظلم الاجتماعي تارةً اُخرى.
1 . الظلم العقيدييعني الظلم العقيدي عدم رعاية مواضع الاُمور في العقيدة ومخالفة قانون الوجود
.
ص: 10
فيها . فالشخص الّذي يعتقد بشيء ليست له حقيقة ، فإنّه في الواقع لم يراع موضعه الحقيقي من الناحية العقيدية ، ونظرا إلى أنّ العقيدة هي أساس العمل ، فإنّ هذا الظلم هو أخطر أنواع الظلم ، لذلك فإنّ القرآن الكريم يعتبر الشرك ظلما عظيما : «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُ_لْمٌ عَظِيمٌ» . (1)
2 . الظلم الفرديالظلم الفردي هو عدم رعاية المواضع الحقيقية للاُمور فيما يتعلّق بحقوق الشخص نفسه ، فالشخص الّذي يرتكب ما يسبّب الضرر لجسمه أو روحه، فإنّه يخالف في الحقيقة قانون نظام الخلق فيما يتعلّق بنفسه ويتجاوز حقوقه الفطرية والطبيعية ويظلم نفسه. وقد جاء في قصّة آدم وحواء أنّهما عندما تناولا من الشجرة الّتي نُهيا عنها والتفتا إلى أنّ ذلك كان في ضررهما ، قالا طالبين العذر والتوبة من اللّه تعالى : «رَبَّنَا ظَ_لَمْنَا أَنفُسَنَا» . (2)
3 . الظلم الاجتماعيالظلم الاجتماعي هو عدم رعاية الموضع الحقيقي لحقوق الناس ومخالفة القوانين الّتي تؤدّي إلى تأمين الحاجات الحقيقية للمجتمع ، فالشخص الّذي يعتدي على حقّ شخصٍ آخر، فإنّه يكون بذلك قد أهمل موضعه الحقيقي، وخالف قانون نظام المجتمع ، لذلك فإنّه يكون قد ارتكب ظلما اجتماعيا: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَ لَ الْيَتَ_مَى ظُ_لْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا» . (3) فيجب إعطاء مال اليتيم إلى اليتيم نفسه، فإن اُعطي إلى شخصٍ آخر بغير حقّ ، فإنّه لا
.
ص: 11
يكون بذلك قد استقرّ في موضعه الحقيقي ، فيتحقّق مفهوم الظلم الاجتماعي.
خامسا: مراتب العدالة البشريةلكلمة «العدل» في النصوص الإسلامية استخدامات مختلفة بشأن الإنسان، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار مفهومها الشامل، فإنّها تمثّل إشارة إلى مراتب العدالة البشرية، وهذه المراتب هي:
1 . العدالة العقيديةإنّ الشخص الّذي أبعد عن نفسه المعتقدات الوهمية وجعل معتقداته مطابقة للواقع ، هو عادل من الناحية العقيدية، أي أنّه راعى مواضع الاُمور في العقيدة ، على هذا الأساس فإنّ الموحّد عادل عقيدي ، والمشرك ظالم عقيدي، وكلّما كانت معتقدات الإنسان متطابقة مع الواقع أكثر سما إلى مراتب أعلى من هذه العدالة .
2 . العدالة العمليةالمراد من العدالة العملية ، الميزة الّتي تمثّل من الناحية الفقهية أدنى شروط الإمامة في صلاة الجماعة ، وهذه المرتبة من العدالة هي حصيلة تبلور العدل العقيدي في عمل الإنسان ، ويشير الحديث النبويّ التالي إلى هذه المرتبة من العدالة: مَن عامَلَ النَّاسَ فَلَم يَظلِمهُم، وَحَدَّثَهُم فَلَم يَكذِبهُم ، وَوَعَدَهُم فَلَم يُخلِفهُم، فَهوَ مِمَّن كَمَلَت مُرُوءَتُهُ ، وَظَهَرَت عَدالَتُهُ . (1)
3 . العدالة الأخلاقيةإنّ العدالة الأخلاقية هي حصيلة تطبيق العدالة العقيدية والعملية في الحياة، وتصير العدالة في هذه المرحلة صفة ثابتة وملكة راسخة في الإنسان. ويشير الحديث النبوي التالي إلى العدل الأخلاقي:
.
ص: 12
ما كَرِهتَهُ لِنَفسِكَ فَاكرَه لِغيرِكَ ، وما أَحبَبتَهُ لِنَفسِكَ فَأَحبِبهُ لأَِخيكَ، تَكُن عادِلاً في حُكمِكَ ، مُقسِطا في عَدلِكَ . (1)
4 . العدالة العرفانيةيُراد من العدل العرفاني، العدالة الّتي تقع في أعلى مراتب العدل العقيدي والعملي والأخلاقي، ونتيجتها أن يحصل للإنسان المعرفة الشهودية، وقد وردت الإشارة إلى هذه المرتبة في نهج البلاغة : إِنَّ مِن أَحَبِّ عِبادِ اللّهِ إلَيهِ عَبدا أَعانَهُ عَلى نَفسِهِ ... قَد أَبصَرَ طَريقَهُ ، وَسَلَكَ سَبيلَهُ ، وَعَرَفَ مَنارَهُ وَقَطَعَ غِمارَهُ... فَهوَ مِنَ اليَقينِ عَلى مِثلِ ضَوءِ الشَّمسِ...فَهوَ مِن مَعادِنِ دينِهِ وَأَوتادِ أَرضِهِ ، قَد أَلزَمَ نَفسَهُ العَدلَ فَكانَ أَوّل عَدلِهِ نَفيُ الهَوى عَن نَفسِهِ . (2) ممّا يجدر ذكره أنّ العدل العرفاني له مراتب متعدّدة أيضا ، أعلاها مرتبة العصمة، فالمعصوم هو الّذي بلغ في المعرفة واليقين مبلغا يجعله عند حدود العدالة تماما في العقيدة والأخلاق والعمل وتصونه عن أيِّ نوعٍ من الخطأ، ويبدو أنّ الرواية السابقة تشير إلى هذه المرتبة.
سادسا : تعريف العدل الإلهيالتعريف الأوّل : إذا أخذنا بعين الاعتبار المفهوم اللغوي للعدل واستخدام هذا المفهوم في الكتاب والسنّة، فإنّ العدل الإلهي يعني أنّ جميع أفعال اللّه _ تعالى _ تقوم على أفضل نظام، فكلّ ظاهرة تحدث بدقّة فائقة وفي الوقت المطلوب ، وتستقرّ في محلّها المناسب ، ولا يوجد أيّ انحراف واعوجاج في عمل الخالق.
.
ص: 13
استنادا إلى هذه الرؤية، فقد اعتبر عدد من المتكلّمين الكبار للإماميه والمعتزلة«العدل» أشمل صفة فعلية جمالية إلهية ، حيث تشمل جميع الصفات الثبوتية. يقول السيّد المرتضى رحمه الله في هذا المجال : الكلام في العدل، كلام في تنزيه اللّه سبحانه وتعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب . (1) وكتب الشيخ الطوسي رحمه الله بعبارات أوضح قائلاً : الكلام في العدل، كلام في أنّ أفعال اللّه كلّها حسنة وليس فيها قبيح ، وكما أنّه ليس فيها قبيح فليس يجوز عليه أيضا الإخلال بالواجب ، فإذا نزّهته عن الأمرين فقد وصفته بما يليق به . (2) وقال القاضي عبد الجبّار المعتزلي بعد أن فسّر العدل بأنّه : «إعطاء حقّ الغير، واستيفاء الحقّ منه» : ونحن إذا وصفنا القديم تعالى بأنّه عدل حكيم، فالمراد به أنّه لا يفعل القبيح أو لا يختاره ولا يخلّ بما هو واجب عليه، وأنّ أفعاله كلّها حسنة. وقد خالفنا في ذلك المجبّرة وأضافت إلى اللّه تعالى كلّ قبيح . (3) استنادا إلى هذا التعريف ، سيشمل العدل والظلم بمعنيهما العامّين ، جميع صفات الأفعال الإلهية، سواء صفات الجمال أم الجلال ، ولا يُصنّف في عرض الصفات الاُخرى ، لذلك فإنّ الفضل الإلهي ينضوي في إطار عدله بالمفهوم العامّ ، بمعنى أنّ اللّه _ تعالى _ لا يشمل بفضله أحدا اعتباطا، فالأشخاص الّذين يتمتّعون بالصلاحية اللّازمة هم المشمولون بفضل اللّه ، هذه من أهمّ خصوصيات العدل الإلهي وأبرزها .
.
ص: 14
التعريف الثاني : التعريف الآخر الّذي قُدّم عن العدل الإلهي هو: «رعاية الحقوق وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه» ، وهو في مقابل الظلم بمعنى التعدّي على حقوق الآخرين. يصرّح الشيخ المفيد مبيّنا العدل الإلهي: هو الجزاء على العمل بقدر المستحقّ عليه، والظلم هو منع الحقوق ، واللّه تعالى عدل كريم جواد متفضّل رحيم، قد ضمن الجزاء على الأعمال، والعوض على المبتدئ من الآلام، ووعد التفضّل بعد ذلك بزيادةٍ من عنده . (1) ومن البديهي أنّ التعريف السابق عامّ وهذا التعريف خاصّ ، وفي الحقيقة فإنّ هذا المعنى مصداق من مصاديق العدل بالمفهوم السابق ، وبالطبع فإنّ المعنى الثاني هو المقصود بشكلٍ رئيسي في مباحث العدل الإلهي . وعلى أساس هذا التعريف، ينضوي العدل في عرض سائر صفات اللّه تعالى ، وسيكون فضل اللّه منفصلاً عن عدله. ولذلك فإنّ النصوص الّتي تفصّل آثار العدل الإلهي عن آثار فضله (2) تشير إلى هذا المعنى .
سابعا : العدل الإلهي من وجهة نظر الأشاعرةإنّ الحسن والقبح ذاتيان من وجهة نظر الإمامية والمعتزلة ، والعقل قادر على تشخصيهما والتمييز بينهما. فالعقل يعتبر العدل حسنا والظلم قبيحا ، والساحة الإلهيّة المقدّسة منزّهة عن ارتكاب الفعل القبيح. وفي قبال ذلك يقول متكلمو الأشاعرة : إنّ الحسن والقبح اعتباريان ، والعقل غير قادر
.
ص: 15
على تشخيصهما وإنما يتمّ تشخيصهما عن طريق الشرع . يفسّر الفخر الرازي العدالة الإلهية قائلاً : أمّا المشايخ فقالوا : العدل هو الّذي له أن يفعل ما يريد، وحكمه ماضٍ في العبيد . (1) وكتب عبد القاهر البغدادي قائلاً: اختلف أصحابنا في تحديد العدل من طريق المعنى: فمنهم من قال : هو ما للفاعل أن يفعله... ومنهم من قال: العدل من أفعالنا ما وافق أمر اللّه عز و جل به ، والجور ما وافق نهيه . (2) وقال الشهرستاني أيضا في هذا المجال : وأمّا العدل فعلى مذهب أهل السنّة أنّ اللّه تعالى عدل في أفعاله، بمعنى أنّه متصرّف في مُلكه ومِلكه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فالعدل وضع الشيء موضعه، وهو التصرّف في الملك على مقتضى المشيئة والعلم، والظلم بضدّة، فلا يتصوّر منه جور في الحكم وظلم في التصرّف . (3) على هذا الأساس، فإنّ صفة العدل تُنْتَزع من أفعال اللّه _ تعالى _ وأوامره ونواهيه، ولا يستطيع العقل أن يقضي بشيءٍ معيّنٍ بشأن أفعال اللّه تعالى ، بعبارة اُخرى : كل ما يفعله اللّه فهو عدل وإن كان في نظر العقل ظلما وعلى سبيل المثال فليس من المستقبح على اللّه أن يكلّف الناس بما لا يطيقون، كما ليس هناك مانع من أن يلقي جميع الأنبياء والصالحين في جهنّم ويدخل كلّ معارضيهم في الجنّة! وأمّا إذا اعتبرنا الحسن والقبح ذاتيّين وكان العقل قادرا على التمييز بينهما ، فإنّ اللّه _ تعالى _ لا يقوم بالعمل الّذي يعتبره العقل قبيحا ، مثل التكليف بما لا يُطاق
.
ص: 16
وإجبار الناس على المعصية ومعاقبتهم عليها . وأمّا الاستدلال بأنّ العالم مُلك اللّه وأنّه يستطيع أن يتصرّف فيه بما يشاء، فلا يزيل قبح هذا النوع من الأفعال. ممّا يجدر ذكره أنّنا نرى أنّ رأي الأشاعرة في تعريف العدل الإلهي له أساس سياسي قبل أن يقوم على دعامة دينية وكلامية، وسوف نوضّح ذلك مستقبلاً. (1)
ثامنا : العدل الإلهي من منظار الفلاسفةرغم أنّ الفلاسفة لا ينكرون الحسن والقبح العقليّين ، إلّا أنّهم يرون أنّ العقل لا يمكن أن يكون معيار تقويم أفعال اللّه تعالى . يقول الاُستاذ الشهيد المطهري في هذا المجال: لا ينكر الحكماء الإلهيّون الحسن والقبح العقليّين ويرفضون رأي الأشاعرة، ولكنّهم يرون أنّ نطاق هذه المفاهيم هو نطاق الحياة البشرية لا غير. فمفاهيم الحسن والقبح باعتبارها مقاييس ومعايير ليس لها _ من وجهة نظر الحكماء الإلهيّين _ مجال في ساحة الكبرياء الإلهيّة ، فلا يمكن تفسير أفعال ذات البارئ بهذه المعايير والمقاييس البشرية البحتة. ففي نظر الحكماء أنّ اللّه عادل ، ولكن لا لأنّ العدالة حسنة ، والمشيئة الإلهيّة تقوم على القيام بالأفعال الحسنة لا السيئة ، واللّه ليس بظالم ولا يرتكب الظلم ، ولكن لا لأنّ الظلم قبيح وأنّ اللّه لا يريد القيام بعملٍ قبيح . (2) على هذا الأساس المتمثّل في أنّ العقل ليس له حقّ تقويم الأفعال الإلهيّة ، فإنّ للفلاسفة تعريفا جديدا لعدالة اللّه ، وهو : رعاية الاستحقاقات في إفاضة الوجود وعدم الامتناع عن الإفاضة والرحمة بما يتمتّع بإمكان الوجود، أو كمال الوجود... فالعدل الإلهي في نظام التكوين حسب هذا الرأي، يعني أنّ كلّ موجود ينال الدرجة الّتي يستحقّها
.
ص: 17
ويمتلك إمكانيتها من الوجود وكمال الوجود. والظلم يعني منع الفيض وإمساك الجود عن الوجود الّذي يستحقّه . فصفة العدل من وجهة نظر الحكماء الإلهيّين ، تُثَبّت كصفة كمال للذات الأحدية وكما يليق بذات الربّ ، بالمعنى المذكور ، وصفة الظلم الّتي هي نقص والّتي تُسلَب منه هي أيضا بالمعني الّذي أشرنا إليه! . (1) استنادا إلى هذا التعريف، فإنّ العدل الإلهي لا يُعتبر من الناحية العقلية صفة على علاقة بالقيم ؛ لأنّ العقل لا يحقّ له التدخّل في شأن اللّه . وهكذا، فإنّ الفلاسفة لا يعتبرون الحُسن والقبح العقليّين جاريين فيما يتعلّق باللّه وهم يتّفقون مع الأشاعرة في تفسير العدل الإلهي. وهذا الرأي لا يمكن الأخذ به للأسباب التالية: أ _ يمثّل الحسن والقبح قانونا وقاعدة عقلية ، والقانون العقلي لا يقبل التخصيص. ولذلك فإنّ القول بأنّ مفاهيم الحُسن والقبح لا مجال لها في ساحة كبرياء اللّه كمقياس ومعيار ليس صحيحا ؛ لأنّ هذا القول يعني أنّ العقل يعتبر _ على سبيل المثال _ التكليف بما لا يُطاق قبيحا، ولكنّه لا يمكن أن يعتبره قبيحا إذا ما قام اللّه _ تعالى _ بمثل هذا العمل. ب _ إنّ جميع الآيات والأحاديث الّتي تنزّه الساحة الإلهية المقدّسة عن الظلم وتثبت صفة العدالة له ، تؤيّد عدم قبول قانون الحُسن والقبح العقليّين للتخصيص. ج _ إنّ العدل الإلهي هو في الحقيقة أساس العدالة الاجتماعية، ورأي الفلاسفه _ الموافق لرأي الأشاعرة _ ناقض لهذا الأساس في الحقيقة، وهذا الرأي ما هو إلّا تجريد للعدل الإلهي من الجدوى في الساحة السياسية والاجتماعية .
.
ص: 18
تاسعا : الأدلّة على عدالة اللّهلقد تمّ الاستناد في هذه المجموعه إلى ثلاثه أدلّة عقلية ودليل نقليلإثبات العدالة الإلهية:
1 . قبح الظلمإنّ الدليل الأوّل على عدالة اللّه _ تعالى _ هو قبح الظلم عقلاً ، وقبحه بديهي للجميع ، وبحسب الاصطلاح فإنّ قبح الظلم كحسن العدل من «المستقلّات العقلية»، ولذلك فإنّ من المحال على اللّه _ تعالى _ الّذي هو الكمال المطلق، أن يرتكب الفعل القبيح، والآيات الّتي تنفي الظلم عن اللّه _ تعالى _ تشير إلى هذا الدليل أيضا.
2 . تلازم الظلم والحاجةيمكننا من خلال التحليل الدقيق والواضح أن نتوصّل إلى أنّ الظلم إمّا أن يكون سببه الجهل أو جلب المنفعة أو الخوف، أو مزيجا من كلّ ذلك، وجذره الأعمق هو الحاجة، لذلك فإنّ من المستحيل أن ترتكبه الذات الغنية، كما جاء في الدعاء المروي عن أهل البيت عليهم السلام : قَد عَلِمتُ _ يا إِلهي _ أَنَّهُ لَيسَ في حُكمِكَ ظُلمٌ ، ولا في نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ ، وإنّما يَعجَلُ مَن يَخافُ الفَوتَ ، وَيحتاجُ إِلَى الظُلمِ الضَّعيفُ ، وَقَد تَعالَيتَ يا إلهي عَن ذِلكَ . (1)
3 . التلازم بين العدل والحكمةتستوجب حكمة اللّه _ تعالى _ أن يضع كلّ شيء في موضعه ، وهذا هو تعريف العدل بمفهومه العام، وعلى هذا فإنّ حكمة اللّه جزء لا يتجزّأ من عدالته، كما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الدعاء:
.
ص: 19
أَنتَ العَدلُ الَّذي لا يَظلِمَ ، وَأنتَ الحَكيمُ الَّذي لا يَجورُ . (1)
4 . شهود العدل الإلهيبالإضافة إلى الأدلّة العقلية السابقة، فإنّ الملائكة والعلماء الحقيقيّين هم أيضا شهود على العدل الإلهي، حيث تمّ إثبات هذه الشهادة عن طريق الوحي والنقل المعتبر: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَا بِالْقِسْطِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» . (2)
عاشرا : مقتضى العدل الإلهيالعدل الإلهي _ بالتعريف الّذي قدّمناه _ يستوجب أن تؤثّر إرادة الإنسان في مصيره، ولذلك فإنّ مسائل مثل: الجبر والاختيار، القضاء والقدر، المصائب والشرور، والسعادة والشقاء ترتبط ارتباطا وثيقا بالعدل الإلهي ، ولذلك فسنبحث بالتفصيل في إطار البحث في عدالة اللّه _ تعالى _ المباحث المتعلّقة بالمسائل الّتي سبقت الإشارة إليها.
.
ص: 20
. .
ص: 21
القسم الأوّل : التعرّف على عدل اللّهالفصل الأوّل: معنى العدلالفصل الثّاني : ما يضادّ الإيمان بالعدل الإلهيّالفصل الثّالث : البرهان على عدلهالفصل الرّابِعُ : العدل من اصول الدّينالفصل الخامِسُ : العدل في الآخرة
.
ص: 22
. .
ص: 23
الفصل الأوّل: معنى العدل1 / 1مَعناهُ العامُّالإمام الصادق عليه السلام_ في بَيانِ جُنودِ العَقلِ _: العَدلُ وضِدُّهُ الجَورُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الجَورُ مُضادُّ العَدلِ . (2)
1 / 2مَعنى عَدلِ اللّهِأ _ لَيسَ في أفعالِهِ مِثقالُ ذَرَّةٍ مِنَ الظُّلمِالكتاب«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْ_لِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَ_عِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا» . (3)
.
ص: 24
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْ_لِمُ النَّاسَ شَيْ_ئا وَ لَ_كِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» . (1)
«قُلْ مَتَ_عُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْاخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْ_لَمُونَ فَتِيلاً» . (2)
«وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّ__لِحَ_تِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْ_لَمُونَ نَقِيرًا» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا عَظيما لا يوصَفُ ، يا عَدلاً لا يَحيفُ (4) . (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ اللّهِ تَعالى _: اللّهُمَّ إنَّكَ حَيٌّ لاتَموتُ... وعادِلٌ لا تَحيفُ ، وغَنِيٌّ لا تَفتَقِرُ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن خُطبَتِهِ في غَديرِ خُمٍّ _: أشهَدُ بِأَنَّهُ اللّهُ ... العَدلُ الَّذي لا يَجورُ . (7)
صحيح مسلم :عن أبي ذرّ عن النبيّ صلى الله عليه و آله فيما رَوى عَنِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى أنَّهُ قالَ : يا عِبادي ، إنّي حَرَّمتُ الظُّلمَ عَلى نَفسي ، وجَعَلتُهُ بَينَكُم مُحَرَّما ، فَلا تَظالَموا . (8)
.
ص: 25
كفاية الأثر عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :دَخَلَ جُندَبُ بنُ جُنادَةَ اليَهودِيُّ مِن خَيبَرَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، أخبِرني عَمّا لَيسَ للّهِِ وعَمّا لَيسَ عِندَ اللّهِ وعَمّا لا يَعلَمُهُ اللّهُ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أمّا ما لَيسَ للّهِِ فَلَيسَ للّهِِ شَريكٌ ، وأمّا ما لَيسَ عِندَ اللّهِ فَلَيسَ عِندَ اللّهِ ظُلمٌ لِلعِبادِ ، وأمّا ما لا يَعلَمُهُ اللّهُ فَذلِكَ قَولُكُم يا مَعشَرَ اليَهودِ : إنَّهُ «عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ» (1) وَاللّهُ لا يَعلَمُ لَهُ وَلَدا . فَقالَ جُندَبٌ : أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّكَ رَسولُ اللّهِ حَقّا . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ في حَمدِ اللّهِ وَالثَّناءِ عَلَيهِ _: الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا تُدرِكُهُ الشَّواهِدُ ... الَّذي صَدَقَ في ميعادِهِ ، وَارتَفَعَ عَن ظُلمِ عِبادِهِ ، وقامَ بِالقِسطِ (3) في خَلقِهِ ، وعَدَلَ عَلَيهِم في حُكمِهِ . (4)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لا تَفعَل بي ما أنَا أهلُهُ ، فَإِنَّكَ إن تَفعَل بي ما أنَا أهلُهُ تُعَذِّبني ولَم تَظلِمني ، أصبَحتُ أتَّقي عَدلَكَ ولا أخافُ جَورَكَ ، فَيا مَن هُوَ عَدلٌ لا يَجورُ ارحَمني . (5)
.
ص: 26
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: الحَمدُ للّهِِ ... الدّائِمِ الَّذي لا يَزولُ ، وَالعَدلِ الَّذي لا يَجورُ ، وَالصّافِحِ (1) عَنِ الكَبائِرِ بِفَضلِهِ ، وَالمُعَذِّبِ مَن عَذَّبَ بِعَدلِهِ ، لَم يَخَفِ الفَوتَ فَحَلُمَ . . . . (2)
عنه عليه السلام :ألا وَإنَّ لِكُلِّ دَمٍ ثائِرا ، وَلِكُلِّ حَقٍّ طالِبا ، وَإنَّ الثّائِرَ في دِمائِنا كَالحاكِمِ في حَقِّ نَفسِهِ ، وهَوَ اللّهُ الَّذي لا يُعجِزُهُ مَن طَلَبَ ، وَلا يَفوتُهُ مَن هَرَبَ . (3)
الإمام الحسين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: عَلِمتُ يَقينا غَيرَ ذي شَكٍّ أنَّكَ سائِلي عَن عَظائِمِ الاُمورِ ، وأنَّكَ الحَكَمُ العَدلُ الَّذي لا يَجورُ ، وعَدلُكَ مُهلِكي ، ومِن كُلِّ عَدلِكَ مَهرَبي ، فَإِن تُعَذِّبني فَبِذُنوبي يا مَولايَ بَعدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ ، وإن تَعفُ عَنّي فَبِحِلمِكَ وجودِكَ وكَرَمِكَ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: هُوَ نورٌ لَيسَ فيهِ ظُلمَةٌ ، وصِدقٌ لَيسَ فيهِ كَذِبٌ ، وعَدلٌ لَيسَ فيهِ جَورٌ ، وحَقٌّ لَيسَ فيهِ باطِلٌ ، كَذلِكَ لَم يَزَل ولا يَزالُ أبَدَ الآبِدينَ ، وكَذلِكَ كانَ إذ لَم يَكُن أرضٌ ولا سَماءٌ . (5)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَعالى ... العالِمُ الَّذي لا يَجهَلُ ، وَالعَدلُ الَّذي لا يَجورُ ، وَالجَوادُ الَّذي لا يَبخَلُ . (6)
.
ص: 27
البلد الأمين_ في دُعاءِ إدريسَ عليه السلام _: يا نَقِيُّ مِن كُلِّ جَورٍ لَم يَرضَهُ ، ولَم يُخالِطهُ فِعالُهُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ عَدلٌ لا يَجورُ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام_ من دُعائِهِ لِسَعَةِ الرِّزقِ _: سُبحانَكَ اللّهُمَّ ... صَمَدٌ (3) لا يَطعَمُ ... وجَبّارٌ لا يَظلِمُ . (4)
ب _ القِيامُ بِالقِسطِالكتاب«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَا بِالْقِسْطِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» . (5)
«وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَ_تِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» . (6)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :بِالعَدلِ قامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ . (7)
.
ص: 28
الإمام عليّ عليه السلام :العَدلُ أساسٌ بِهِ قِوامُ العالَمِ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى بِقِسطِهِ وعَدلِهِ جَعَلَ الرَّوحَ (2) وَالفَرَحَ فِي الرِّضا وَاليَقينِ ، وجَعَلَ الهَمَّ وَالحَزَنَ فِي السَّخَطِ (3) . (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ في دُعاءِ اليَومِ الرّابِعِ مِنَ الشَّهرِ _: اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ... كَمَّلتَ وبَلَّغتَ رِسالَتَكَ ، وتَقَدَّستَ بِالوَعيدِ ، وأخَذتَ الحُجَّةَ عَلَى العِبادِ ، فَأَتمَمتَ نورَكَ ، وتَمَّت كَلِماتُكَ صِدقا وعَدلاً . اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ولَكَ النِّعمَةُ ولَكَ المَنُّ (5) ، تَكشِفُ الضُّرَّ ، وتُعطِي اليُسرَ ، وتَقضِي الحَقَّ ، وتَعدِلُ بِالقِسطِ . (6)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الخافِضِ الرّافِعِ ... الَّذي جَعَلَ المَوتَ بَينَ خَلقِهِ عَدلاً ، وأنعَمَ بِالحَياةِ عَلَيهِم فَضلاً ، فَأَحيا وأماتَ ، وقَدَّرَ الأَقواتَ (7) ، أحكَمَها بِعِلمِهِ تَقديرا ، وأتقَنَها بِحِكمَتِهِ تَدبيراً . (8)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ جَلَّ شَأنُهُ ، وتَقَدَّسَت أسماؤُهُ ، خَلَقَ خَلقَهُ فَأَلزَمَهُم عِبادَتَهُ ، وكَلَّفَهُم طاعَتَهُ ، وقَسَّمَ بَينَهُم مَعائِشَهُم ، ووَضَعَهُم فِي الدُّنيا بِحَيثُ وَضَعَهُم ، ووَصَفَهُم فِي
.
ص: 29
الدّينِ بِحَيثُ وَصَفَهُم ، وهُوَ في ذلِكَ غَنِيٌّ عَنهُم ، لا تَنفَعُهُ طاعَةُ مَن أطاعَهُ ولا تَضُرُّهُ مَعصِيَةُ مَن عَصاهُ مِنهُم ، لكِنَّهُ تَعالى عَلِمَ قُصورَهُم عَمّا يَصلُحُ عَلَيهِ شُؤونُهُم ، ويَستَقيمُ بِهِ أودُهُم (1) في عاجِلِهِم وآجِلِهِم ، فَأَدَّبَهُم (2) بِإِذنِهِ في أمرِهِ ونَهيِهِ ، فَأَمَرَهُم تَخييرا وكَلَّفَهُم يَسيرا ، وأماز (3) سُبحانَهُ بِعَدلِ حُكمِهِ وحِكمَتِهِ بَينَ الموجِفِ (4) مِن أنامِهِ إلى مَرضاتِهِ ومَحَبَّتِهِ ، وبَينَ المُبطِئِ عَنها وَالمُستَظهِرِ عَلى نِعمَتِهِ مِنهُم بِمَعصِيَتِهِ . فَذلِكَ قَولُ اللّهِ عز و جل : «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّ_ئاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَ مَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» (5) . (6)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ بَعدَ صَلاةِ اللَّيلِ _: إلهي وسَيِّدي ، هَدَأَتِ العُيونُ ، وغارَتِ النُّجومُ ، وسَكَنَتِ الحَرَكاتُ مِنَ الطَّيرِ فِي الوُكورِ ، وَالحيتانِ فِي البُحورِ ، وأنتَ العَدلُ الَّذي لا يَجورُ ، وَالقِسطُ الَّذي لا تَميلُ . (7)
الإمام الصادق عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَن قَومِ صالِحٍ عليه السلام : هَل كانَ فيهِم عالِمٌ بِهِ _: اللّهُ أعدَلُ مِن أن يَترُكَ الأَرضَ بِلا عالِمٍ . (8)
.
ص: 30
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنَّكَ إلهُ مَن فِي السَّماءِ ، وإلهُ مَن فِي الأَرضِ ، وعَدلٌ فيهِما . (1)
عنه عليه السلام :يا اللّهُ الماجِدُ الكَريمُ ، العَفُوُّ الَّذي وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ عَدلُهُ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ الاُمورَ ... كُلَّها بِيَدِ اللّهِ ... كَتَبَ المَوتَ عَلى جَميعِ خَلقِهِ ، وجَعَلَهُم اُسوَةً فيهِ ، عَدلاً مِنهُ عَلَيهِم عَزيزا ، وقُدرَةً مِنهُ عَلَيهِم ، لا مَدفَعَ لِأَحَدٍ مِنهُ . (3)
ج _ الأَمرُ بِالقِسطِالكتاب«قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» . (4)
«لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَ_تِ وَ أَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَ_بَ وَ الْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنَ_فِعُ لِلنَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ» . (5)
«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ وَ إِيتَاىءِ ذِى الْقُرْبَى وَ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَ الْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» . (6)
«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّ مِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَ لِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ
.
ص: 31
اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ اللّهَ سُب_حانَهُ أمَ_رَ بِالعَدلِ وَالإِح_سانِ ، ونَه_ى عَنِ الفَحشاءِ (2) وَالظُّلمِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّما أمَرَ اللّهُ تَعالى بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وإيتاءِ ذِي القُربى _ يَعني مَوَدَّةَ ذَوِي القُربى وَابتِغاءَ طاعَتِهِم _ ويَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ . (4)
راجع : ص 46 (معنى عدل الإنسان / العدل العملي) .
د _ أعدَلُ العادِلينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا أحكَمَ الحاكِمينَ ، يا أعدَلَ العادِلينَ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعاءٍ لَهُ لِلوِقايَةِ مِنَ المَحذوراتِ : _سُبحانَهُ مِن مُتَعَطِّفٍ ما أعدَلَهُ ، وسُبحانَهُ مِن عادِلٍ ما أتقَنَهُ ، وسُبحانَهُ مِن مُتقِنٍ ما أحكَمَهُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعاءٍ لَهُ في يَومِ الجُمُعَةِ لِلأَمانِ مِن كُلِّ مَكروهٍ _: يا مَنِ العَدلُ أمرُهُ ،
.
ص: 32
وَالصِّدقُ وَعدُهُ ، يا مَحمودا في أفعالِهِ فَلا تَبلُغُ الأَوهامُ كُنهَ جَلالِهِ في مُلكِهِ وعِزِّهِ ، يا كَريمَ العَفوِ ، أنتَ الَّذي مَلَأَ كُلَّ شَيءٍ عَدلُهُ وفَضلُهُ . (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ ارزُقنا خَوفَ عِقابِ الوَعيدِ ، وشَوقَ ثَوابِ المَوعودِ ، حَتّى نَجِدَ لَذَّةَ ما نَدعوكَ بِهِ ، وكَآبَةَ ما نَستَجيرُكَ مِنهُ ، وَاجعَلنا عِندَكَ مِنَ التَّوّابينَ الَّذينَ أوجَبتَ لَهُم مَحَبَّتَكَ ، وقَبِلتَ مِنهُم مُراجَعَةَ طاعَتِكَ ، يا أعدَلَ العادِلينَ . (2)
عنه عليه السلام :إلهي ، إن عَفَوتَ فَمَن أولى مِنكَ بِالعَفوِ ؟ وإن عَذَّبتَني فَمَن أعدَلُ مِنكَ فِي الحُكمِ ؟ (3)
عنه عليه السلام_ مِن دُعاءٍ لَهُ _: مُلكُكَ كَثيرٌ ، وعَدلُكَ قَديمٌ ، وعَطاؤُكَ جَزيلٌ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ مِن دُعاءٍ لَهُ بَعدَ صَلاةِ الحاجَةِ لَيلَةَ السَّبتِ _: يا أكرَمَ الأَكرَمينَ ، ويا أعدَلَ الفاصِلينَ (5) . (6)
.
ص: 33
الإمام الهادي عليه السلام_ في زِيارَةِ صاحِبِ الأَمرِ عليه السلام _: اللّهُمَّ ألبِسهُ حُلَلَ الإِنعامِ ، وتَوِّجهُ تاجَ الإِكرامِ ، وَارفَعهُ إلى أعلى مَرتَبَةٍ ومَقامٍ ، حَتّى يَلحَقَ نَبِيَّكَ عَلَيهِ وآلِهِ السَّلامُ ، وَاحكُم لَهُ اللّهُمَّ عَلى ظالِميهِ ، إنَّكَ العَدلُ فيما تَقضيهِ . اللّهُمَّ وصَلِّ عَلَى الطّاهِرَةِ البَتولِ ... حَتّى لا يَبقى لَها وَلِيٌّ ساخِطٌ لِسَخَطِها إلّا وهُوَ راضٍ ، إنّك أعَزُّ مَن أجارَ المَظلومينَ ، وأعدَلُ قاضٍ . (1)
ه _ العَدلُ فِي القَضاءِ وَالحُكمِالكتاب«وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَ وُضِعَ الْكِتَ_بُ وَ جِى ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَ قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ هُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ» . (2)
«وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ» . (3)
«وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» . (4)
«وَ اللَّهُ يَقْضِى بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَىْ ءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» . (5)
«وَ قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ» . (6)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا مَن هُوَ قاضٍ بِلا حَيفٍ . (7)
.
ص: 34
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعائِهِ _: اللّهُمَّ إنّي عَبدُكَ ، وَابنُ عَبدِكَ وَابنُ أمَتِكَ ، ناصِيَتي (1) بِيَدِكَ ، ماضٍ فِيَّ حُكمُكَ ، عَدلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن خُطبَتِهِ في غَديرِ خُمٍّ _: اُطيعُ واُبادِرُ إلى كُلِّ ما يَرضاهُ ، وأستَسلِمُ لِقَضائِهِ رَغبَةً في طاعَتِهِ ، وخَوفا مِن عُقوبَتِهِ ، لِأَنَّهُ اللّهُ الَّذي لا يُؤمَنُ مَكرُهُ (3) ، ولا يُخافُ جَورُهُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ اليَومِ الثّالِثِ مِنَ الشَّهرِ _: حُكمُهُ عَدلٌ ، وهُوَ لِلحَمدِ أهلٌ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءٍ لَهُ _: وَعدُكَ صادِقٌ ، وقَولُكَ حَقٌّ ، وحُكمُكَ عَدلٌ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :لَمّا رَأى يونُسُ عليه السلام أنَّ قَومَهُ لا يُجيبونَهُ ولا يُؤمِنونَ ، ضَجِرَ وعَرَفَ مِن نَفسِهِ قِلَّةَ الصَّبرِ ، فَشَكا ذلِكَ إلى رَبِّهِ ، وكانَ فيما شَكا (7) أن قالَ : يا رَبِّ ، إنَّكَ بَعَثتَني إلى قَومي ، ولي ثَلاثونَ سَنَةً ، فَلَبِثتُ فيهِم أدعوهُم إلَى الإِيمانِ بِكَ ، وَالتَّصديقِ بِرِسالاتي ، واُخَوِّفُهُم عَذابَكَ ونَقِمَتَكَ ثَلاثا وثَلاثينَ سَنَةً ، فَكَذَّبوني ولَم يُؤمِنوا بي ،
.
ص: 35
وجَحَدوا نُبُوَّتي وَاستَخَفّوا بِرِسالاتي ، وقَد تَواعَدوني وخِفتُ أن يَقتُلوني ، فَأَنزِل عَلَيهِم عَذابَكَ ، فَإِنَّهُم قَومٌ لا يُؤمنونَ . قالَ : فَأَوحَى اللّهُ إلى يونُسَ : إنَّ فيهِمُ الحَملَ ، وَالجَنينَ وَالطِّفلَ ، وَالشَّيخَ الكَبيرَ ، وَالمَرأَةَ الضَّعيفَةَ ، وَالمُستَضعَفَ المَهينَ (1) ، وأنَا الحَكَمُ العَدلُ ، سَبَقَت رَحمَتي غَضَبي ، لا اُعَذِّبُ الصِّغارَ بِذُنوبِ الكِبارِ مِن قَومِكَ ، وهُم _ يا يونُسُ _ عِبادي وخَلقي ، وبَرِيَّتي في بِلادي ، وفي عَيلَتي ، اُحِبُّ أن أتَأَنّاهُم ، وأرفُقَ بِهِم ، وأنتَظِرُ تَوبَتَهُم . (2)
الكافي عن أحمد بن محمّد بن خالد رفعه :أتى جَبرَئيلُ عليه السلام إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : إنَّ رَبَّكَ يَقولُ لَكَ : إذا أرَدتَ أن تَعبُدَني يَوما ولَيلَةً حَقَّ عِبادَتي ، فَارفَع يَدَيكَ إلَيَّ وقُل : ... اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حَمدا أبَدا ، أنتَ حَسَنُ البَلاءِ (3) ، جَليلُ الثَّناءِ ، سابِغُ النَّعماءِ ، عَدلُ القَضاءِ ، جَزيلُ العَطاءِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... الَّذي عَظُمَ حِلمُهُ فَعَفا ، وعَدَلَ في كُلِّ ما قَضى . (5)
عنه عليه السلام :الحَقُّ أجمَلُ الأَشياءِ فِي التَّواصُفِ ، وأوسَعُها فِي التَّناصُفِ ، لا يَجري لِأَحَدٍ إلّا جَرى عَلَيهِ ، ولا يَجري عَلَيهِ إلّا جَرى لَهُ ، ولَو كانَ لِأَحَدٍ أن يَجرِيَ ذلِكَ لَهُ ولا يَجرِيَ عَلَيهِ ، لَكانَ ذلِكَ للّهِِ عز و جل خالِصا دونَ خَلقِهِ ؛ لِقُدرَتِهِ عَلى عِبادِهِ ، ولِعَدلِهِ في كُلِّ ما جَرَت عَلَيهِ ضُروبُ (6) قَضائِهِ ، ولكِن جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى العِبادِ أن يُطيعوهُ ،
.
ص: 36
وجَعَلَ كَفّارَتَهُم عَلَيهِ بِحُسنِ الثَّوابِ تَفَضُّلاً مِنهُ ، وتَطَوُّلاً بِكَرَمِهِ ، وتَوَسُّعا بِما هُوَ مِنَ المَزيدِ لَهُ أهلاً . (1)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ، وَالحَمدُ ثَناؤُكَ ، وَالحَسَنُ بَلاؤُكَ ، وَالعَدلُ قَضاؤُكَ ، وَالأَرضُ في قَبضَتِكَ ... ولَكَ العَرشُ واسِعا ، ولَكَ الحَمدُ دائِما ولَكَ الحَمدُ قادِرا ، ولَكَ الحَمدُ عادِلاً . (2)
عنه عليه السلام_ فيما سَأَلوهُ عليه السلام عَنِ المُتَشابِهِ فِي القَضاءِ _: هُوَ عَشَرَةُ أوجُهٍ مُختَلِفَةُ المَعنى ... ومِنهُ قَضاءُ حُكمٍ وفَصلٍ ... وأمّا قَضاءُ الحُكمِ فَقَولُهُ تَعالى : «قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» (3) أي حُكِمَ بَينَهُم ، وقَولُهُ تَعالى : «وَ اللَّهُ يَقْضِى بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَىْ ءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» (4) . (5)
عنه عليه السلام_ في دُعاءٍ لَهُ _: سُبحانَ اللّهِ الَّذي ... لا يَجورُ في حُكمِهِ إذا قَضى . (6)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا تُدرِكُهُ الشَّواهِدُ . . . الَّذي صَدَقَ في ميعادِهِ ، وَارتَفَعَ عَن ظُلمِ عِبادِهِ ، وقامَ بِالقِسطِ في خَلقِهِ ، وعَدَلَ عَلَيهِم في حُكمِهِ . (7)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: حُكمُهُ عَدلٌ ... وهُوَ الغَفورُ الرَّحيمُ . جَميلُ الثَّناءِ ، حَسَنُ البَلاءِ ،
.
ص: 37
سَميعُ الدُّعاءِ ، عَدلُ القَضاءِ . (1)
عنه عليه السلام :عُبِدَ فَشَكَرَ ، وحَكَمَ فَعَدَلَ ، وتَكَرَّمَ وتَفَضَّلَ ... ذلِكَ قَولٌ فَصلٌ ، وحُكمٌ عَدلٌ . (2)
عنه عليه السلام :إلهي إن كانَ قَد دَنا أجَلي ، ولَم يُقَرِّبني مِنكَ عَمَلي ، فَقَد جَعَلتُ الاِعتِرافَ بِالذَّنبِ إلَيكَ وَسائِلَ عِلَلي ، فَإِن عَفَوتَ فَمَن أولى مِنكَ بِذلِكَ ، وإن عَذَّبتَ فَمَن أعدَلُ مِنكَ فِي الحُكمِ هُنالِكَ ... . إلهي إن عَفَوتَ فَبِفَضلِكَ ، وإن عَذَّبتَ فَبِعَدلِكَ ، فَيا مَن لا يُرجى إلّا فَضلُهُ ، ولا يُخافُ إلّا عَدلُهُ ، صَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وآلِ مُحَمّدٍ ، وَامنُن عَلَينا بِفَضلِكَ ، ولا تَستَقصِ عَلَينا في عَدلِكَ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في مُناجاتِهِ _: سَيِّدي ... وعِزَّتِكَ لَقَد أحبَبتُكَ مَحَبَّةً استَقَرَّت في قَلبي حَلاوَتُها ، وأنِسَت نَفسي بِبِشارَتِها ، ومُحالٌ في عَدلِ أقضِيَتِكَ أن تَسُدَّ أسبابَ رَحمَتِكَ عَن مُعتَقِدي مَحَبَّتِكَ . (4)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: . . . فَإِنّي عَبدُكَ وفي قَبضَتِكَ ، ناصِيَتي بِيَدِكَ ، لا أمرَ لي مَعَ أمرِكَ ، ماضٍ فِيَّ حُكمُكَ ، عَدلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ ، ولا قُوَّةَ لي عَلَى الخُروجِ مِن سُلطانِكَ ، ولا أستَطيعُ مُجاوَزَةَ قُدرَتِكَ ، ولا أستَميلُ هَواكَ ، ولا أبلُغُ رِضاكَ ، ولا أنالُ ما عِندَكَ إلّا بِطاعَتِكَ ، وبِفَضلِ رَحمَتِكَ . (5)
.
ص: 38
عنه عليه السلام :أنتَ الَّذي أرَدتَ فَكانَ حَتما ما أرَدتَ ، وقَضَيتَ فَكانَ عَدلاً ما قَضَيتَ ، وحَكَمتَ فَكانَ نِصفا (1) ما حَكَمتَ . (2)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ لِلعيدَينِ وَالجُمُعَةِ _: الوَيلُ الدّائِمُ لِمَن جَنَحَ (3) عَنكَ ، وَالخَيبَةُ الخاذِلَةُ لِمَن خابَ مِنكَ ، وَالشَّقاءُ الأَشقى لِمَنِ اغتَرَّ بِكَ ، ما أكثَرَ تَصَرُّفَهُ في عَذابِكَ ، وما أطوَلَ تَرَدُّدَهُ في عِقابِكَ ، وما أبعَدَ غايَتَهُ مِنَ الفَرَجِ ، وما أقنَطَهُ (4) مِن سُهولَةِ المَخرَجِ . عَدلاً مِن قَضائِكَ لا تَجورُ فيهِ ، وإنصافا مِن حُكمِكَ لا تَحيفُ عَلَيهِ ، فَقَد ظاهَرتَ الحُجَجَ ، وأبلَيتَ الأَعذارَ ، وقَد تَقَدَّمتَ بِالوَعيدِ ، وتَلَطَّفتَ فِي التَّرغيبِ ، وضَرَبتَ الأَمثالَ ، وأطَلتَ الإِمهالَ ، وأخَّرتَ وأنتَ مُستَطيعٌ لِلمُعاجَلَةِ ، وتَأَنَّيتَ (5) وأنتَ مَليءٌ بِالمُبادَرَةِ . لَم تَكُن أناتُكَ عَجزا ، ولا إمهالُكَ وَهنا (6) ، ولا إمساكُكَ غَفلَةً ، ولَا انتِظارُكَ مُداراةً ، بَل لِتَكونَ حُجَّتُكَ أبلَغَ ، وكَرَمُكَ أكمَلَ ، وإحسانُكَ أوفى ، ونِعمَتُكَ أتَمَّ ، كُلُّ ذلِكَ كانَ ولَم تَزَل وهُوَ كائِنٌ ولا تَزالُ ، حُجَّتُكَ أجَلُّ مِن أن توصَفَ بِكُلِّها . (7)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في يَومِ عَرَفَةَ _: أنتَ الَّذي ... قَضَيتَ فَكانَ عَدلاً ما قَضَيتَ ، وحَكَمتَ فَكانَ نِصفا ما حَكَمتَ . (8)
.
ص: 39
عنه عليه السلام_ فِي المُناجاةِ الإِنجيلِيَّةِ _: أحمَدُهُ جاهِرا بِحَمدِهِ ، شاكِرا لِرِفدِهِ ، (1) حَمدَ مُوَفَّقٍ لِرُشدِهِ ، واثِقٍ بِعَدلِهِ ... أدرَكتَ فَاقتَدَرتَ ، وحَكَمتَ فَعَدَلتَ ، وأنعَمتَ فَأَفضَلتَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهمَّ ... أنتَ إلهُنا ومَولانا ، حَسَنٌ فينا حُكمُكَ ، وعَدلٌ فينا قَضاؤُكَ ، اقضِ لَنَا الخَيرَ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ... تُعطي مَن تَشاءُ بِلا مَنٍّ ، وتَقضي ما تَشاءُ بِلا ظُلمٍ . (4)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن يَغفِرُ ظُلمَنا وحَوبَنا (5) وجُرأَتَنا ، وهُوَ لا يَجورُ عَلَينا في قَضِيَّتِهِ . (6)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: أسأَلُكَ ... أن تَقضِيَ حاجَتي ، وأن تُيَسِّرَ لي عُسرَها ، وتَكفِيَني مُهِمَّها ؛ فَإِن فَعَلتَ فَلَكَ الحَمدُ ، وإن لَم تَفعَل فَلَكَ الحَمدُ ، غَيرَ جائِرٍ في حُكمِكَ ، ولامُتَّهَمٍ في قَضائِكَ ، ولا حائِفٍ في عَدلِكَ . (7)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي عَبدُكَ وَابنُ عَبدِكَ وَابنُ أمَتِكَ ، ناصِيَتي بِيَدِكَ ، عَدلٌ فِيَّ حُكمُكَ ، ماضٍ فِيَّ قَضاؤُكَ . (8)
.
ص: 40
الإمام الرضا عليه السلام_ في وَصفِ رَبِّهِ عز و جل _: لا يُمَثَّلُ بِخَليقَتِهِ ، ولا يَجورُ في قَضِيَّتِهِ . (1)
الإمام الجواد_ في زِيارَةِ أبيهِ الإِمامِ الرِّضا عليهماالسلام _: اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ يا اللّهُ ... العادِلُ في بَرِيَّتِهِ ، العالِمُ في قَضِيَّتِهِ ، الكَريمُ في تَأخيرِ عُقوبَتِهِ ... فَكَم مِن سَيِّئَةٍ أخفاها حِلمُكَ حَتّى دَخِلَت ، وحَسَنَةٍ ضاعَفَها فَضلُكَ حَتّى عَظُمَت عَلَيها مُجازاتُكَ ، جَلَلتَ أن يُخافَ مِنكَ إلَا العَدلُ ، وأن يُرجى مِنكَ إلَا الإِحسانُ وَالفَضلُ ، فَامنُن عَلَيَّ بِما أوجَبَهُ فَضلُكَ ، ولا تَخذُلني بِما يَحكُمُ بِهِ عَدلُكَ . (2)
الإمام الهادي عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في قُنوتِهِ _: أنتَ الخالِقُ بِغَيرِ تَكَلُّفٍ ، وَالقاضي بِغَيرِ تَحَيُّفٍ . (3)
و _ العَدلُ فِي العَطاءِمصباح المتهجّد_ في دُعاءٍ ذكَرَهُ بَعدَ صَلاةِ عَلِيٍّ عليه السلام _: اللّهُمَّ إنّي اُشهِدُكَ وكَفى بِكَ شَهيدا ، وأشهَدُ أنَّكَ أنتَ اللّهُ رَبّي ... وأشهَدُ أنَّ قَولَكَ حَقٌّ ، وأنَّ قَضاءَكَ حَقٌّ ، وأنَّ عطاءَكَ عَدلٌ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :قَدَّرَ الأَرزاقَ فَكَثَّرَها وقَلَّلَها ، وقَسَّمَها عَلَى الضّيقِ وَالسَّعَةِ ، فَعَدَلَ فيها لِيَبتَلِيَ مَن أرادَ بِمَيسورِها ومَعسورِها ، ولِيَختَبِرَ بِذلِكَ الشُّكرَ وَالصَّبرَ مِن غَنِيِّها وفَقيرِها . (5)
.
ص: 41
عنه عليه السلام :إنَّ طَلَبَ العِلمِ أوجَبُ عَلَيكُم مِن طَلَبِ المالِ ، إنَّ المالَ مَقسومٌ مَضمونٌ لَكُم ، قَد قَسَّمَهُ عادِلٌ بَينَكُم وضَمِنَهُ ، وسَيَفي لَكُم . (1)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ المَعروفِ بِدُعاءِ اليَمانِيِّ _: اِبتَدَأتَني بِالنِّعَمِ فَضلاً وطَولاً (2) ، وأمَرتَني بِالشُّكرِ حَقّا وعَدلاً ، ووَعَدتَني عَلَيهِ أضعافا ومَزيدا ، وأعطَيتَني مِن رِزقِكَ اعتِبارا وفَضلاً. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ رِضىً بِحُكمِ اللّهِ ، شَهِدتُ أنَّ اللّهَ قَسَمَ مَعايِشَ عِبادِهِ بِالعَدلِ ، وأخَذَ عَلى جَميعِ خَلقِهِ بِالفَضلِ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، ولا تَفتِنّي بِما أعطَيتَهُم ، ولا تَفتِنهُم بِما مَنَعتَني ، فَأَحسُدَ خَلقَكَ ، وأغمَطَ (4) حُكمَكَ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وطَيِّب بِقَضائِكَ نَفسي ، ووَسِّع بِمَواقِعِ حُكمِكَ صَدري ، وهَب لِيَ الثِّقَةَ لِاُقِرَّ مَعَها بِأَنَّ قَضاءَكَ لَم يَجرِ إلّا بِالخِيَرَةِ . (5)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في يَومِ عَرَفَةَ _: قَدَّرتَ الاُمورَ بِعِلمِكَ ، وقَسَّمتَ الأَرزاقَ بِعَدلِكَ ، ونَفَذَ في كُلِّ شَيءٍ عِلمُكَ ، وحارَتِ الأَبصارُ دونَكَ ... فَلَم يُقايِس شَيئا بِشَيءٍ مِن خَلقِهِ ، ولَم يَستَعِن عَلى خَلقِهِ بِغَيرِهِ . ثُمَّ أمضَى الاُمورَ عَلى قَضائِهِ وأجَّلَها إلى أجَلٍ مُسَمّىً ، قَضى فيها بِعَدلِهِ ، وعَدَلَ
.
ص: 42
فيها بِفَضلِهِ ، وفَصَلَ فيها بِحُكمِهِ ، وحَكَمَ فيها بِعَدلِهِ . (1)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في يَومِ الجُمُعَةِ _: قَنِّعني يا إلهي بِما رَزَقتَني ، وما رَزَقتَني مِن رِزقٍ فَأَرِني فيهِ عَدلاً حَتّى أرى قَليلَهُ كَثيرا ، وأبذُلَهُ فيكَ بَذلاً . (2)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ... وَارزُقني مُواساةَ مَن قَتَّرتَ (3) عَلَيهِ مِن رِزقِكَ بِما وَسَّعتَ عَلَيَّ مِن فَضلِكَ ، ونَشَرتَ عَلَيَّ مِن عَدلِكَ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في يَومِ عَرَفَةَ _: اِفتَح عَلَيَّ أبوابَ رَحمَتِكَ ، ورَضِّني بِعادِلِ قِسَمِكَ . (5)
عنه عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: اُنظُرِ الآنَ إلى ذَواتِ الأَربَعِ ، كَيفَ تَراها تَتبَعُ اُمَّهاتِها مُستَقِلَّةً بِأَنفُسِها ... وكَذلِكَ تَرى كَثيرا مِنَ الطَّيرِ كَمِثلِ الدَّجاجِ وَالدُّرّاجِ (6) وَالقَبَجِ (7) تَدرُجُ وتَلقُطُ حينَ يَنقابُ عَنهَا البَيضُ . فَأَمّا ما كانَ مِنها ضَعيفا لا نُهوضَ فيهِ ، كَمِثلِ فِراخِ الحَمامِ وَاليَمامِ (8) وَالحُمَّرِ (9) ، فَقَد جُعِلَ فِي الاُمَّهاتِ فَضلُ عَطفٍ عَلَيها ، فَصارَت تَمُجُّ الطَّعامَ في أفواهِها بَعدَما توعيهِ حَواصِلُها ، فَلا تَزالُ تَغذوها حَتّى
.
ص: 43
تَستَقِلَّ بِأَنفُسِها ، ولِذلِكَ لَم تُرزَقِ الحَمامُ فِراخا كَثيرَةً مِثلَما تُرزَقُ الدَّجاجُ ؛ لِتَقوَى الاُمُّ عَلى تَربِيَةِ فِراخِها فَلا تَفسُدَ ولا تَموتَ ، فَكُلٌّ اُعطِيَ بِقِسطٍ مِن تَدبيرِ الحَكيمِ اللَّطيفِ الخَبيرِ . (1)
الكافي عن معتّب :دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ بِشرٍ الوَشّاءُ عَلى أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، يَسأَ لُهُ أن يُكَلِّمَ شِهابا أن يُخَفِّفَ عَنهُ حَتّى يَنقَضِيَ المَوسِمُ ، وكانَ لَهُ عَلَيهِ ألفُ دينارٍ ، فَأَرسَلَ [الصّادِقُ عليه السلام ] إلَيهِ فَأَتاهُ فَقالَ لَهُ : قَد عَرَفتَ حالَ مُحَمَّدٍ وَانقِطاعَهُ إلَينا ، وقَد ذَكَرَ أنَّ لَكَ عَلَيهِ ألفَ دينارٍ ، لَم تَذهَب في بَطنٍ ولا فَرجٍ ، وإنَّما ذَهَبَت دَينا عَلَى الرِّجالِ ووَضائِعَ وَضِعَها ، وأنَا اُحِبُّ أن تَجعَلَهُ في حِلٍّ . فَقالَ[ عليه السلام ] : لَعَلَّكَ مِمَّن يَزعُمُ أنَّهُ يُقبَضُ مِن حَسَناتِهِ فَتُعطاها ، فَقالَ : كَذلِكَ في أيدينا . فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : اللّهُ أكرَمُ وأعدَلُ مِن أن يَتَقَرَّبَ إلَيهِ عَبدُهُ ، فَيَقومَ فِي اللَّيلَةِ القَرَّةِ (2) أو يَصومَ فِي اليَومِ الحارِّ أو يَطوفَ بِهذَا البَيتِ ثُمَّ يَسلُبَهُ ذلِكَ فَيُعطاهُ ، ولكِن ، للّهِِ فَضلٌ كَثيرٌ يُكافِئُ المُؤمِنَ ، فَقالَ : فَهُوَ في حِلٍّ . (3)
الكافي عن الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ اللّهَ لَم يَترُك شَيئا مِن صُنوفِ الأَموالِ إلّا وقَدَقسَمَهُ ، وأعطى كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّهُ ، الخاصَّةَ وَالعامَّةَ ، وَالفُقَراءَ وَالمَساكينَ ، وكُلَّ صِنفٍ مِن صُنوفِ النّاسِ ، فَقالَ : لَو عُدِلَ فِي النّاسِ لَاستَغنَوا .
.
ص: 44
ثُمَّ قالَ : إنَّ العَدلَ أحلى مِنَ العَسَلِ ، ولا يَعدِلُ إلّا مَن يُحسِنُ العَدلَ . (1)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ فِي التَّفسيرِ المَنسوبِ إلَيهِ ، في قِصَّةِ ذَبحِ بَني إسرائيلَ البَقَرَةَ وإحياءِ اللّهِ شَخصا مَقتولاً بَعدَ أن ضَرَبوهُ بِبَعضها بِأَمرِهِ تَعالى _: ... فَأَوحَى اللّهُ إلَيهِ : يا موسى إنَّهُ كانَ لِهذَا الفَتَى المَنشورِ (2) بَعدَ القَتلِ سِتّونَ سَنَةً ، وقَد وَهَبتُ لَهُ بِمَسأَلَتِهِ وتَوسُّلِهِ بِمُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبينَ سَبعينَ سَنَةً ، تَمامَ مِئَةٍ وثَلاثينَ سَنَةً ، صَحيحَةٌ حَواسُّهُ ، ثابِتٌ فيها جَنانُهُ (3) ، قَوِيَّةٌ فيها شَهَواتُهُ ، يَتَمَتَّعُ بِحَلالِ هذِهِ الدُّنيا ويَعيشُ ، ولا يُفارِقُها ولا تُفارِقُهُ ، فَإِذا حانَ حينُهُ حانَ حينُها وماتا جَميعاً معا فَصارا إلى جِناني ، وكانا زَوجَينِ فيها ناعِمَينِ . ولَو سَأَلَني _ يا موسى _ هذَا الشَّقِيُّ _ القاتِلُ _ بِمِثلِ ما تَوَسَّلَ بِهِ هذَا الفَتى عَلى صِحَّةِ اعتِقادِهِ أن أعصِمَهُ مِنَ الحَسَدِ ، واُقنِعَهُ بِما رَزَقتُهُ _ وذلِكَ هُوَ المُلكُ العَظيمُ _ لَفَعَلتُ . ولَو سَأَلَني بِذلِكَ مَعَ التَّوبَةِ مِن صُنعِهِ ألّا أفضَحَهُ لَما فَضَحتُهُ ، ولَصَرَفتُ هؤُلاءِ عَنِ اقتِراحِ إبانَةِ القاتِلِ ، ولَأَغنَيتُ هذَا الفَتى مِن غَيرِ هذَا الوَجهِ بِقَدرِ هذَا المالِ اُوجِدُهُ (4) . ولَو سَأَلَني بَعدَمَا افتَضَحَ وتابَ إلَيَّ وتَوَسَّلَ بِمِثلِ وَسيلَةِ هذَا الفَتى ، أن اُنسِيَ النّاسَ فِعلَهُ بَعدَما ألطُفُ لِأَولِيائِهِ فَيَعفونَهُ عَنِ القِصاصِ لَفَعَلتُ ، فَكانَ لا يُعَيِّرُهُ بِفِعلِهِ أحَدٌ ، ولا يَذكُرُهُ فيِهم ذاكِرٌ ، ولكِن ، ذلِكَ فَضلٌ اُوتيهِ مَن أشاءُ ، وأنَا ذُو الفَضلِ العَظيمِ ، وأعدِلُ بِالمَنعِ عَلى مَن أشاءُ ، وأنَا العَزيزُ الحَكيمُ . (5)
راجع : ص 51 (ما يضادّ الإيمان بالعدل الإلهي) . ص 69 (العدل في الآخرة) .
.
ص: 45
1 / 3مَعنى عَدلِ الإِنسانِأ _ العَدلُ الاِعتِقادِيُّالكتاب«وَ الْكَ_فِرُونَ هُمُ الظَّ__لِمُونَ» . (1)
«وَ إِذْ قَالَ لُقْمَ_نُ لِابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يَ_بُنَىَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُ_لْمٌ عَظِيمٌ» . (2)
«وَجَحَدُواْ بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُ_لْمًا وَ عُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَ_قِبَةُ الْمُفْسِدِينَ» . (3)
راجع : البقرة : 51 ، 54 ، 59 ، 92 ، 145 ، 150 ، 165 ، 193 ، 258 وآل عمران : 86 ، 94 ، 128 ، 151 ، 153 ، 192 والمائدة : 72 والأعراف : 103 والأنفال : 54 والزخرف : 39 وهود : 101 والنساء : 75 والمائدة : 51 والأنعام : 21 ، 33 ، 45 ، 47 ، 58 ، 68 ، 93 ، 129 ، 131 ، 135 ، 144 ، 157 ، 160 ويونس : 13 ، 17 ، هود : 18 ، 37 والإسراء : 59 والكهف : 15 ، 57 ، 59 والتوبة : 109 والحشر : 17 ، والنمل : 43 و 44 ، والأحقاف : 10 والعنكبوت : 49 ، 68 والزمر : 32 والصفّ : 7 والسجدة : 22 والحج : 25 .
الحديثالإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ» (4) _: العَدلُ شَهادَةُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ . (5)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ» _: العَدلُ شَهادَةُ الإِخلاصِ ،
.
ص: 46
وأنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ . (1)
ب _ العَدلُ العَمَلِيُّالكتاب«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّ مِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَ لِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن عامَلَ النّاسَ فَلَم يَظلِمهُم ، وحَدَّثَهُم فَلَم يَكذِبهُم ، ووَعَدَهُم فَلَم يُخلِفهُم، فَهُوَ مِمَّن كَمَلَت مُرُوءَتُهُ، وظَهَرَت عَدالَتُهُ، ووَجَبَت اُخُوَّتُهُ، وحَرُمَت غيبَتُهُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ العَدلَ ميزانُ اللّهِ تَعالى فِي الأَرضِ ، فَمَن أخَذَهُ قادَهُ إلَى الجَنَّةِ ، ومَن تَرَكَهُ ساقَهُ إلَى النّارِ . (4)
حلية الأولياء عن أبي تميمة :سَأَلتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله عَن أبوابِ القِسطِ ، فَقالَ : إنصافُ النّاسِ مِن نَفسِكَ ، وبَذلُ السَّلامِ لِلعالَمِ (5) ، وذِكرُ اللّهِ تَعالى فِي الغِنى وَالفاقَةِ ، حَتّى لا تُبالِيَ ذُمِمتَ فِي اللّهِ أو حُمِدتَ . (6)
.
ص: 47
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ العَدلَ ميزانُ اللّهِ سُبحانَهُ الَّذي وَضَعَهُ فِي الخَلقِ ونَصَبَهُ لِاءِقامَةِ الحَقِّ ، فَلا تُخالِفهُ في ميزانِهِ ، ولا تُعارِضهُ في سُلطانِهِ . (1)
عنه عليه السلام :جَعَلَ اللّهُ _ سُبحانَهُ _ العَدلَ قِواما (2) لِلأَنامِ ، وتَنزيها مِنَ (3) المَظالِمِ وَالآثامِ ، وتَسنِيَةً (4) لِلإِسلامِ . (5)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ» (6) _: العَدلُ : الإِنصافُ ، وَالإِحسانُ : التَّفَضُّلُ . (7)
عنه عليه السلام :العَدلُ أنَّكَ إذا ظَلَمتَ أنصَفتَ ، وَالفَضلُ أنَّكَ إذا قَدَرتَ عَفَوتَ . (8)
عنه عليه السلام :العَدلُ إنصافٌ . (9)
عنه عليه السلام :إنَّ مِنَ العَدلِ أن تُنصِفَ فِي الحُكمِ ، وتَجتَنِبَ الظُّلمَ . (10)
عنه عليه السلام :العَدلُ خَيرُ الحُكمِ .
عنه عليه السلام :فِي العَدلِ الإِحسانُ . (11)
عنه عليه السلام :أعدَلُ الخَلقِ أقضاهُم بِالحَقِّ . (12)
.
ص: 48
عنه عليه السلام :مَن طابَقَ سِرُّهُ عَلانِيَتَهُ ، ووافَقَ فِعلُهُ مَقالَتَهُ ، فَهُوَ الَّذي أدَّى الأَمانَةَ ، وتَحَقَّقَت عَدالَتُهُ . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :لا حِرصَ كَالمُنافَسَةِ فِي الدَّرَجاتِ ، ولا عَدلَ كَالإِنصافِ ، ولا تَعَدِّيَ كَالجَورِ ، ولا جَورَ كَمُوافَقَةِ الهَوى . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ سُئِلَ عن صِفَةِ العَدلِ مِنَ الرَّجُلِ ، فَقالَ _: إذا غَضَّ (3) طَرفَهُ عَنِ المَحارِمِ ، ولِسانَهُ عَنِ المَآثِمِ ، وكَفَّهُ عَنِ المَظالِمِ . (4)
راجع : ص 30 (معنى عدل اللّه / الأمر بالقسط) .
ج _ العَدلُ الأَخلاقِيُّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، ما كَرِهتَهُ لِنَفسِكَ فَاكرَه لِغَيرِكَ ، وما أحبَبتَهُ لِنَفسِكَ فَأَحبِبهُ لِأَخيكَ ؛ تَكُن عادِلاً في حُكمِكَ ، مُقسِطا (5) في عَدلِكَ ، مُحَبّا (6) في أهلِ السَّماءِ ، مَودودا في صُدورِ أهلِ الأَرضِ . (7)
الإمام عليّ عليه السلام :أكرَمُ الأَخلاقِ السَّخاءُ ، وأعَمُّها نَفعا العَدلُ . (8)
عنه عليه السلام :العَدلُ أفضَلُ سَجِيَّةٍ (9) . (10)
.
ص: 49
ص: 50
. .
ص: 51
الفصل الثّاني : ما يضادّ الإيمان بالعدل الإلهيّ2 / 1نِسبَةُ ذُنوبِ العِبادِ إلَى اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما عَرَفَ اللّهَ مَن شَبَّهَهُ بِخَلقِهِ ، ولا وَصَفَهُ بِالعَدلِ مَن نَسَبَ إلَيهِ ذُنوبَ عِبادِهِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَنِ التَّوحيدِ وَالعَدلِ _: العَدلُ أن لا تَتَّهِمَهُ . (2)
أعلام الدين :قالَ الصّادِقُ عليه السلام لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ : ألا اُعطيكَ جُملَةً فِي العَدلِ وَالتَّوحيدِ ؟ قالَ : بَلى جُعِلتُ فِداكَ . قالَ : مِنَ العَدلِ ألّا تَتَّهِمَهُ ، ومِنَ التَّوحيدِ ألّا تَتَوَهَّمَهُ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ وقَد سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ التَّوحيدِ وَالعَدلِ _: أمَّا العَدلُ فَأَلّا تَنسُبَ إلى خالِقِكَ ما لامَكَ عَلَيهِ . (4)
.
ص: 52
2 / 2الاِعتِقادُ بِالجَبرِالإمام عليّ عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَنِ القَضاءِ وَالقَدَرِ _: لا تَقولوا : وَكَلَهُمُ اللّهُ إلى أنفُسِهِم فَتُوَهِّنوهُ ، ولا تَقولوا : أجبَرَهُم عَلَى المَعاصي فَتُظَلِّموهُ ، ولكِن قولوا : الخَيرُ بِتَوفيقِ اللّهِ ، وَالشَّرُّ بِخِذلانِ اللّهِ ، وكُلٌّ سابِقٌ في عِلمِ اللّهِ . (1)
الكافي عن يونس عن عدّة عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :قالَ لَهُ رَجُلٌ : جُعِلتُ فِداكَ ، أجبَرَ اللّهُ العِبادَ عَلَى المَعاصي ؟ فَقالَ : اللّهُ أعدَلُ مِن أن يُجبِرَهُم عَلَى المَعاصي ثُمَّ يُعَذِّبَهُم عَلَيها . فَقالَ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ، فَفَوَّضَ اللّهُ إلَى العِبادِ ؟ قالَ : فَقالَ : لَو فَوَّضَ إلَيهِم لَم يَحصُرهُم بِالأَمرِ وَالنَّهيِ . فَقالَ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ فَبَينَهُما مَنزِلَةٌ ؟ قالَ : فَقالَ : نَعَم ، أوسَعُ ما بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ . (2)
الكافي عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ فَقُلتُ : اللّهُ فَوَّضَ الأَمرَ إلَى العِبادِ؟ قالَ : اللّهُ أعَزُّ مِن ذلِكَ . قُلتُ : فَجَبَرَهُم عَلَى المَعاصي ؟ قالَ : اللّهُ أعدَلُ وأحكَمُ مِن ذلِكَ . (3)
.
ص: 53
الإمام الهادي عليه السلام_ في بَيانِ الجَبرِ وَالتَّفويضِ وَالأَمرِ بَينَ الأَمرَينِ _: أمَّا الجَبرُ الَّذي يَلزَمُ مَن دانَ بِهِ الخَطَأُ ، فَهُوَ قَولُ مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ جَلَّ وعَزَّ أجبَرَ العِبادَ عَلَى المَعاصي ، وعاقَبَهُم عَلَيها ، ومَن قالَ بِهذَا القَولِ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ في حُكمِهِ وكَذَّبَهُ ، ورَدَّ عَلَيهِ قَولَهُ : «وَلَا يَظْ_لِمُ رَبُّكَ أَحَدًا» (1) ، وقَولَهُ : «ذَ لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَ_لَّ_مٍ لِّلْعَبِيدِ» (2) ، وقَولَهُ : «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْ_لِمُ النَّاسَ شَيْ_ئا وَ لَ_كِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» (3) ، مَعَ آيٍ كَثيرَةٍ في ذِكرِ هذا . فَمَن زَعَم أنَّهُ مُجبَرٌ عَلَى المَعاصيفَقَد أحالَ بِذَنبِهِ عَلَى اللّهِ ، وقَد ظَلَّمَهُ في عُقوبَتِهِ، ومَن ظَلَّمَ اللّهَ فَقَد كَذَّبَ كِتابَهُ ، ومَن كَذَّبَ كِتابَهُ فَقَد لَزِمَهُ الكُفرُ بِاجتِماعِ (4) الاُمَّةِ . (5)
الإمام الكاظم عليه السلام_ وقَد سُئِلَ : مِمَّنِ المَعصِيَةُ ؟ _: إنَّ المَعصِيَةَ لابُدَّ مِن أن تَكونَ مِنَ العَبدِ أو مِن خالِقِهِ أو مِنهُما جَميعا ؛ فَإِن كانَت مِنَ اللّهِ تَعالى فَهُوَ أعدَلُ وأنصَفُ مِن أن يَظلِمَ عَبدَهُ ويَأخُذَهُ بِما لَم يَفعَلهُ ... . (6)
الطرائف :رُوِيَ أنَّ الفَضلَ بنَ سَهلٍ سَأَلَ عَلِيَّ بنَ موسَى الرِّضا عليه السلام بَينَ يَدَيِ المَأمونِ ، فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ ، الخَلقُ مَجبورونَ ؟ فَقالَ : اللّهُ أعدَلُ مِن أن يُجبِرَ خَلقَهُ ثُمَّ يُعَذِّبَهُم . (7)
راجع : ص 237 (الفصل الثامن : دور القضاء والقدر في أفعال الإنسان) .
.
ص: 54
2 / 3القَولُ بِالتَّكليفِ فَوقَ الطّاقَةِالكتاب«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا مَا ءَاتَاهَا» . (1)
«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا وُسْعَهَا» . (2)
الحديثعيون أخبار الرِّضا عليه السلام عن إبراهيم بن أبي محمود :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام ... قُلتُ : فَهَل يُكَلِّفُ [اللّهُ] عِبادَهُ ما لا يُطيقونَ ؟ فَقالَ : كَيفَ يَفعَلُ ذلِكَ وهُوَ يَقولُ : «وَ مَا رَبُّكَ بِظَ_لَّ_مٍ لِّلْعَبِيدِ» (3) ؟! (4)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُ أكرَمُ مِن أن يُكَلِّفَ النّاسَ ما لا يُطيقونَ ، وَاللّهُ أعَزُّ مِن أن يَكونَ في سُلطانِهِ ما لا يُريدُ . (5)
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن إبراهيم بن العبّاس :سَمِعتُ الرِّضا عليه السلام وقَد سَأَلَهُ رَجُلٌ : أيُكَلِّفُ اللّهُ العِبادَ ما لا يُطيقونَ ؟ فَقالَ : هُوَ أعدَلُ مِن ذلِكَ . (6)
راجع : ص 245 ح 6079 ، ص 248 ح 6085 ، ص 249 ح 6086 ، ص 297 ح 6136 و 6137 .
.
ص: 55
الفصل الثّالث : البرهان على عدله3 / 1قُبحُ الظُّلمِالكتاب«وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْ_لِمَهُمْ وَ لَ_كِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» . (1)
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْ_لِمُ النَّاسَ شَيْ_ئا وَ لَ_كِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» . (2)
«وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُ_لْمًا لِّلْعِبَادِ» . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الظُّلمُ ألأَمُ الرَّذائِلِ . (4)
عنه عليه السلام :إنَّ القُبحَ فِي الظُّلمِ ، بِقَدرِ الحُسنِ فِي العَدلِ . (5)
.
ص: 56
الكافي عن الحسن بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أوَّلَ الاُمورِ ومَبدَأَها وقُوَّتَها وعِمارَتَها _ الَّتي لا يُنتَفَعُ بِشَيءٍ إلّا بِهِ _ العَقلُ الَّذي جَعَلَهُ اللّهُ زينَةً لِخَلقِهِ ونورا لَهُم ، فَبِالعَقلِ عَرَفَ العِبادُ خالِقَهُم ، وأنَّهُم مَخلوقونَ ، وأنَّهُ المُدَبِّرُ لَهُم ، وأنَّهُمُ المُدَبَّرونَ ، وأنَّهُ الباقي وهُمُ الفانونَ ، وَاستَدَلّوا بِعُقولِهِم عَلى ما رَأَوا مِن خَلقِهِ ؛ مِن سَمائِهِ وأرضِهِ ، وشَمسِهِ وقَمَرِهِ ، ولَيلِهِ ونَهارِهِ ، وبِأَنَّ لَهُ ولَهُم خالِقا ومُدَبِّرا لَم يَزَل ولا يَزولُ ، وعَرَفوا بِهِ الحَسَنَ مِنَ القَبيحِ . (1)
3 / 2المُلازَمَةُ بَينَ العَدلِ وَالحِكمَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ اللّهِ تَعالى _: اللّهُمَّ إنَّكَ حَيٌّ لا تَموتُ ... وكَبيرٌ لا تُغادِرُ ، وحَكيمٌ لا تَجورُ ، ووَكيلٌ لا تَحيفُ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعائِهِ في يَومِ الأَحزابِ _: أنتَ العَدلُ الَّذي لا يَظلِمُ ، وأنتَ الحَكيمُ الَّذي لا يَجورُ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ العَدلِ وَالجودِ أيُّهُما أفضَلُ ؟ _: العَدلُ يَضَعُ الاُمورَ مَواضِعَها ، وَالجودُ يُخرِجُها مِن جِهَتِها . وَالعَدلُ سائِسٌ عامٌّ ، وَالجودُ عارِضٌ خاصٌّ . فَالعَدلُ أشرَفُهُما وأفضَلُهُما . (4)
.
ص: 57
3 / 3المُلازَمَةُ بَينَ الظُّلمِ وَالحاجَةِالإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: قَد عَلِمتُ _ يا إلهي _ أنَّهُ لَيسَ في حُكمِكَ ظُلمٌ ، ولا في نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ ، وإنَّما يَعجَلُ مَن يَخافُ الفَوتَ ، ويَحتاجُ إلَى الظُّلمِ الضَّعيفُ ، وقَد تَعالَيتَ يا إلهي عَن ذلِكَ . (1)
3 / 4شُهَداءُ اللّهِ عَلى عَدلِهِالكتاب«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَا بِالْقِسْطِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ في تَعظيمِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: أشهَدُ أنَّهُ عَدلٌ عَدَلَ ، وحَكَمٌ فَصَلَ . (3)
عنه عليه السلام :سُبحانَكَ اللّهُمَّ لا إلهَ إلّا أنتَ وبِحَمدِكَ ، وما أحكَمَكَ وأعدَلَكَ وأرأَفَكَ وأرحَمَكَ وأبصَرَكَ ! (4)
.
ص: 58
الإمام زين العابدين عليه السلام :أنتُم مَعاشِرَ الشّيعَةِ العُلَماءُ لِعِلمِنا ، تالونَ لَنا ، مَقرونونَ بِنا ، وبِمَلائِكَةِ اللّهِ المُقَرَّبينَ ، شُهَداءُ للّهِِ بِتَوحيدِهِ وعَدلِهِ وكَرَمِهِ . (1)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: إنّي أشهَدُ أنَّكَ أنتَ اللّهُ الَّذي لا إلهَ إلّا أنتَ ، قائِمٌ بِالقِسطِ ، عَدلٌ فِي الحُكمِ . (2)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي الشُّكرِ _: ... بَل مَلَكتَ _ يا إلهي _ أمرَهُم قَبلَ أن يَملِكوا عِبادَتَكَ ، وأعدَدتَ ثَوابَهُم قَبلَ أن يُفيضوا في طاعَتِكَ ، وذلِكَ أنَّ سُنَّتَكَ الإِفضالُ ، وعادَتَكَ الإِحسانُ ، وسَبيلَكَ العَفوُ ، فَكُلُّ البَرِيَّةِ مُعتَرِفَةٌ بِأَنَّكَ غَيرُ ظالِمٍ لِمَن عاقَبتَ ، وشاهِدَةٌ بِأَنَّكَ مُتَفَضِّلٌ عَلى مَن عافَيتَ ، وكُلٌّ مُقِرٌّ عَلى نَفسِهِ بِالتَّقصيرِ عَمَّا استَوجَبتَ . (3)
.
ص: 59
الفصل الرّابِعُ : العدل من اصول الدّينمعاني الأخبار عن أبي أحمد السمرقندي بإسناده رفعه إلى الإمام الصادق عليه السلام :أنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقالَ لَهُ : إنَّ أساسَ الدّينِ التَّوحيدُ وَالعَدلُ ، وعِلمُهُ كَثيرٌ ، ولابُدَّ لِعاقِلٍ مِنهُ ، فَاذكُر ما يَسهُلُ الوُقوفُ عَلَيهِ ويَتَهَيَّأُ حِفظُهُ . فَقالَ عليه السلام : أمَّا التَّوحيدُ ، فَأَن لا تُجَوِّزَ عَلى رَبِّكَ ما جازَ عَلَيكَ ، وأمَّا العَدلُ ، فَأَن لا تَنسُبَ إلى خالِقِكَ ما لامَكَ عَلَيهِ . (1)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: اِلزَم ما أجمَعَ عَلَيهِ أهلُ الصَّفاءِوَالتُّقى مِن اُصولِ الدّينِ ، وحَقائِقِ اليَقينِ وَالرِّضا وَالتَّسليمِ ، ولا تَدخُل فِي اختِلافِ الخَلقِ ومَقالاتِهِم فَتَصعُبَ عَلَيكَ ، وقَد أجمَعَتِ الاُمَّةُ المُختارَةُ بِأَنَّ اللّهَ تَعالى واحِدٌ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، وأنَّهُ عَدلٌ في حُكمِهِ ، يَفعَلُ ما يَشاءُ ويَحكُمُ ما يُريدُ ، ولا يُقالُ لَهُ في شَيءٍ مِن صُنعِهِ : لِمَ ؟ ولا كانَ ولا يَكونُ شَيءٌ إلّا بِمَشِيَّتِهِ ، وأنَّهُ قادِرٌ عَلى ما
.
ص: 61
تحليل حول اعتبار العدل الإلهي من اصول الدينيَعتبر أهلُ البيت عليهم السلام عدل اللّه جزءا من اُصول الدين ، ومن أجل بيان هذه العقيدة من الضروري أن نطرح بعض المسائل على بساط البحث:
1 . الفرق بين اُصول الدين واُصول المذهبالدين عبارة عن برنامج لتكامل الإنسان، واُصول الدين هي القواعد الّتي تشكّل أساسه ، بحيث إنّ برنامج تكامل الإنسان لا يمكن أن يصل إلى النتيجة المطلوبة بانهيار أيّ واحدٍ منها . والمذهب هو تلقٍّ خاصٍّ عن الدين، واُصول المذهب هي أركانه الأساسية . على هذا، فإنّ مِن الممكن أن تكون اُصول كلّ دينٍ مختلفة في نظر مذاهبه المختلفة .
2 . اُصول الدين الإسلامييُعدّ التوحيد والنبوّة والمعاد اُصولاً للدين الإسلامي ، بمعنى أنّ من ينكر أيّا من هذه الاُصول الثلاثة ، فإنّه خارج عن جماعة المسلمين ولا تجري عليه أحكام الإسلام . إنّ ما يستحقّ البحث في هذا المجال ، هو سبب انحصار اُصول الدين في هذه الثلاثة . والحقيقة أن ليس هناك دليل من القرآن والسنّة على انحصار اُصول الدين في
.
ص: 62
الاُصول الثلاثة المذكورة ، وما يرى القرآن الكريم الإيمان به ضروريا هو : وحدانية اللّه ، الغيب ، المعاد ، الملائكة ، الكتب السماوية ، رسالة الأنبياء والاعتقاد بما اُنزل على الأنبياء من جانب اللّه . (1) وقد بيّنت الأحاديث الإسلامية بشكلٍ مفصّل ما نزل على النبيّ محمّد صلى الله عليه و آله ممّا يُعتبر الاعتقاد به ضروريّا ، وعُدّ البعض منه دعائم للإسلام وأركانا له . (2) إلّا أنّه ليس في المصادر الروائية حديث يحصر اُصول الإسلام في هذه الاُصول الثلاثة . وقد يتُصوّر أنّ سبب انحصار اُصول الدين في الاُصول الثلاثة المذكورة ، هو رجوع جميع الاُمور _ التّي يعتبر الإسلام الاعتقاد بها ضروريّا _ إلى هذه الاُصول الثلاثة ؛ لأنّ الاعتقاد بالصفة الثبوتية والسلبية للّه _ تعالى _ يعود إلى أصل التوحيد . ويتلخّص الاعتقاد بالملائكة والكتب السماوية والرسالات التّي جاء بها الأنبياء من جانب اللّه في أصل النبوّة . والاعتقاد بالاُمور المرتبطة بعالَمِ ما بعد الموت مثل عالم البرزخ والحساب والشفاعة والجنّة والنار ، يرجع إلى الأصل الثالث وهو المعاد . وبعبارة اُخرى : من المحتمل أن يكون سبب انحصار اُصول الدين في الثلاثة المذكورة هو أنها تمثّل مصدر جميع العقائد الإسلامية . ولكن يتّضح لنا من خلال شيء من التأمّل أنّ السبب المذكور ليس هو السبب الحقيقي ؛ إذ لو كان كذلك لوجب القول إنّ اُصول الدين اثنان : التوحيد والنبوّة ؛ ذلك لأنّ الاعتقاد بالمعاد يندرج هو أيضا في الاعتقاد بالنبوّة . ولذلك يرى الكثير من الفقهاء أنّ خصوص مُنكر التوحيد والنبوّة هو المحكوم بالكفر ، وفي غير هذين الأصلين إذا كان ما تمّ إنكاره من ضروريات الإسلام بحيث يستتبع إنكار النبوّة ،
.
ص: 63
وكان منكره عامدا ذلك ، فإنّه يكون محكوما بالكفر ، أمّا إذا لم يكن من ضروريات الإسلام أو لم يكن المنكر متعمّدا لذلك ، فلا يكون محكوما بالكفر . (1) بل يمكن القول من خلال تحليل أكثر دقّة : إنّ جميع العقائد الإسلامية ترجع إلى أصل التوحيد ، ولذلك كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «قولوا لا إِلهَ إلَا اللّهُ تُفلِحوا» . (2)
3 . المعيار في تعيين اُصول الدينيبدو أنّ المعيار الّذي يمكن تقديمه لتعيين اُصول الإسلام العقيدية هي : أهمّيتها ودورها الأساسي في منظومة العقائد الإسلامية ، العقائد الّتي من شأنها البلوغ بالإنسان إلى التكامل الدنيوي والاُخروي ، وتنظيم المجتمع التوحيدي . وبعبارة اُخرى أنّنا نرى عند دراسة برامج الإسلام _ الضامنة لسعادة الإنسان _ بعض الاُمور لها دور أساسي ، ولذلك فقد عبّر عنها في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ب «دعائم الإسلام» . (3) بناءً على ذلك ، اعتُبر الاعتقاد بالتوحيد والنبوّة والمعاد من اُصول الدين الإسلامي ؛ لأنّ دورها أكثر قيمة من سائر الدعائم الّتي يقوم عليها هذا الدين ، فضلاً عن مرجعيتها بالنسبة إلى سائر العقائد ، في حين أنّ عددا من الاُمور العقيدية مثل الاعتقاد بالمعراج والملائكة والشفاعة ، لا تتمتّع بمثل هذه الأهمّية رغم وجوب الاعتقاد بها .
4 . سبب اعتبار العدل من اُصول الديناستنادا إلى المعيار الّذي سبقت الإشارة إليه في تعيين اُصول الدين ، فإنّ أتباع
.
ص: 64
مذهب أهل البيت عليهم السلام يعتبرون العدل الإلهي من اُصول الإسلام إلى جانب إمامة أهل البيت عليهم السلام . وسبب ذلك أنّ جميع المفكّرين والمصلحين الّذين يفكّرون في إنقاذ المجتمع الإنساني وسعادته وتكامله ، ليس لهم في الحقيقة تطلّع ومثل أعلى غير «العدل» و «الإمامة» ، وفلسفة النظرة التوحيدية للعالم ما هي إلّا تحقيق العدالة وتربية اُناس يحتذون بالأئمّة وإمامة الصالحين . وسوف نبيّن سبب اعتبار «الإمامة» أصلاً بعد بيان «النبوّة» في هذه الموسوعة بشكلٍ مفصّل إن شاء اللّه . وأمّا أسباب اعتبار العدل الإلهي أصلاً على أساس المعيار المذكور فهي :
أ _ الأهمّية العقيديةيكفي في بيان أهميّة الاعتقاد بالعدل الإلهي أنّ الكثير من العقائد الإسلاميه تنضوي تحته ، وأمّا إذا لم نؤمن بهذا الأصل فلن يكون بالإمكان إثبات الكثير من التعاليم الاعتقادية ، مثل : النبوّة ، والمعاد ، والحساب ، والجنّة ، والنار ، كما سنتحدّث عن ذلك بشكلٍ مفصّل فيما يأتي . يقول السيّد المرتضى في هذا المجال : فمن أراد الإجمال اقتصر على أصلين : التوحيد والعدل . فالنبوّة والإمامة الّتي هي واجبة عندنا ومن كبار الاُصول ، وهما داخلتان في أبواب العدل . (1)
ب _ الأهميّة السياسية _ الاجتماعيةلا تقلّ الأهميّة السياسية _ الاجتماعية للعدل الإلهي عن أهميّته العقيدية ؛ لأنّ العدل الإلهي يمثّل في الحقيقة البنية التحتية للعدالة الاجتماعية . وفي زمن بني اُميّة قام جملة من حكّامهم الجائرين _ الّذين كانوا يعتبرون أنفسهم خلفاء اللّه ورسوله
.
ص: 65
من جهة ، وكانوا جائرين إلى أبعد الحدود من جهةٍ اُخرى _ بتحريف مفهوم العدل الإلهي لتبرير مظالمهم . وتظهر الدراسات التاريخية أنهّم من خلال مخطّطٍ خبيثٍ ومدروس كان قد وضعه عدد من أشباه العلماء ، طرحوا مسألة القضاء والقدر الإلهيّين ، وبذلك سعوا لتصوير أنّ كلّ ما يحدث في العالم _ ومنه حكمهم الظالم _ إنّما يقع بتقدير اللّه ورضاه . وعلى هذا الأساس ، فإنّ على الناس أن يرضوا بحكم الظالمين ! وتفادياً للشبهة الّتي تقول إنّ مثل هذا القضاء والقدر والجبر يستلزم الظلم ، أنكروا الحُسن والقبح العقليين ، وقالوا : إنّ كلّ ما يفعله اللّه هو عين العدل ، بناءً على ذلك ، فإنّ حكومة الظلمة وممارسات الخلفاء الجائرة باعتبارها في قضاء اللّه وقدره فهي من العدل ولا يحقّ لأحدٍ الاعتراض عليها . وهذا التفسير للعدل الإلهي هو في الحقيقة نفي للعدل الإلهي ؛ ذلك لأنّه ينظر إلى الأعمال الّتي هي ظلم من منظار العقل بعين العدل . (1) وهنا يتّضح الترابط الوثيق بين العدل الإلهي والمسائل التالية : القضاء والقدر ، الجبر والاختيار ، الحسن والقبح العقليين ، والسعادة والشقاء ، كما يتّضح كيفية استغلال هذه المسائل الكلامية سياسيا في التاريخ الإسلامي . يقول الاُستاذ الشهيد المطهري رضى الله عنه في هذا المجال : يُظهر التاريخ أنّ مسألة القضاء والقدر كانت في عهد بني اُميّة مستمسكا قاطعا ودامغا للحكّام الاُمويّين ، فقد كانوا يؤيّدون بشدّة مذهب الجبر ، وكانوا يقتلون أنصار الاختيار والحرّية ؛ باعتبارهم يعارضون عقيدة دينية ، أو يلقونهم في السجن ، حتّى اشتهر هذا القول : الجبر والتشبيه اُمويّان ، والعدل والتوحيد علويّان .
.
ص: 66
ومن أقدم الّذين طرحوا مسألة اختيار الإنسان وحرّيته في العهد الاُمويودافعوا عن هذه العقيدة ، رجل من أهل العراق يُدعى معبد الجهني ، وآخر من أهل الشام عُرف باسم غيلان الدمشقي . وكان هذان الرجلان يُعرفان بالصدق والاستقامة والإيمان . فخرج معبد مع ابن الأشعث وقُتل على يد الحجّاج ، كما قُطعت أطراف غيلان بأمر هشام بن عبدالملك ، ثمّ قُتل شنقا وذلك بعد أن بلغت عقائده وأقواله مسامع هشام . جاء في كتاب تاريخ علم الكلام لشبلي نعمان : رغم أنّ جميع العوامل والأسباب كانت مهّيأة للاختلافات بين العقائد ، ولكنّها كانت منذ البدء نتيجة طبيعة سياسة أنظمة الحكم ومقتضياتها ، ولمّا كان القتل وسفك الدماء شائعين في عهد الاُمويّين ، فقد كانت النفوس مستعدّة للثورة بطبيعة الحال ، ولكنّ أنصار نظام الحكم كانوا يتذرّعون بالتقدير كلمّا نطق أحد بكلمة شكوى ، فكانوا يسكتونه بأنّ ما يحدث هو مقدّر ومرضي من قبل اللّه ، ولا يصحّ الاعتراض عليه بأيِّ حالٍ من الأحوال (آمنّا بالقدر خيره وشرّه) . وقد عاش معبد الجهني في عهد الحجّاج ، وكان من التابعين ، وكان شجاعا وصادقا للغاية ، واتّفق ذات يوم أن سأل اُستاذه الحسن البصري : ما مدى صحّة مسألة القضاء والقدر الّتي يطرحها بنو اُميّة؟ فقال : هم أعداء اللّه ، وهم كاذبون . (1) وطرَحَ أتباعُ أهل البيت عليهم السلام في مقابل هذا التحريف وهذه المؤامرة الخطيرة الّتي كانت تهدّد فلسفة رسالة الأنبياء وأساس الإسلام ، العدلَ الإلهي بمعناه الصحيح إلى جانب التوحيد ، باعتباره أحد اُصول الدين ، بمعنى أنّ إنكار العدل في الحقيقة إنكار للإسلام ، وأنّ الإسلام دون العدالة يعادل الإسلام دون الإسلام نفسه .
.
ص: 67
وعلى هذا الأساس ، فقد رأى أتباع أهل البيت عليهم السلام أنّ أهميّة العدل الإلهي تساوي أهميّة التوحيد ، واعتبروهما أساس الدين ، حتّى أنّ شخصا سأل الإمام الصادق عليه السلام : إنّ أساس الدين التوحيدُ والعدلُ ، وعِلمُهُ كثير ، ولابدّ لعاقلٍ منه ، فاذكُر ما يَسهُلُ الوقوفُ عليه ويتهيّأ حِفُظُه . فأجاب الإمام عليه السلام مقرّرا كلام السائل : أَمَّا التَّوحيدُ ، فَأَن لا تُجَوِّزَ عَلى رَبِّكَ ما جازَ عَلَيكَ ، وَأمَّا العَدلُ فَأَن لا تَنسُبَ إِلى خالِقِكَ ما لامَك عَلَيهِ . (1) إنّ هذا الكلام يعني أنّ الموحّد هو الشخص الّذي لا يجوّز على خالقه ما يجوّزه على نفسه باعتباره مخلوقا ، فالمخلوق حادث ، ولكنّ الخالق لا يمكن أن يكون حادثاً ، والمخلوق محتاج ، ولكنّ الخالق لا يمكن أن يكون محتاجا ، وهكذا . كما يعني الاعتقاد بالعدل الإلهي أن لا تنسب إليه القيام بالأفعال السيّئة الّتي يُلام الإنسان على فعلها ، وأن لا تعتبره ظالما ، وأن لا تبرّر أفعاله بشكل بحيث يعتبره العقل ظالما . بعبارةٍ اُخرى ، فقد أوضح الإمام الصادق عليه السلام لهشام بن الحكم العدل الإلهي بقوله : «مِنَ العَدلِ ألّا تَتَّهِمَهُ ، وَمِنَ التَّوحيدِ ألّا تَتَوَهَّمَهُ» . (2) أي أنّ الّذي يتّهم اللّه بإجبار الإنسان على القيام بالأعمال القبيحة من خلال تفسيره الخاطئ للقضاء والقدر ، فإنّه في الحقيقة لا يعتبره عادلاً ، حتّى وإن استدلّ على كلامه . وممّا يجدر ذكره أنّ المعتزلة (فرقة من أهل السنّة) كانت تتّفق في العقيدة مع الإمامية بشأن الحُسن والقبح العقليين والعدل الإلهي ، وقد كان اختلافهم مع الأشاعرة في هذا المجال بحيث سُمّي الإمامية والمعتزلة ب «العدلية» أو «أصحاب العدل والتوحيد» . (3)
.
ص: 68
. .
ص: 69
الفصل الخامِسُ : العدل في الآخرة5 / 1العَدلُ ميزانُ الأَعمالِ يَومَ القِيامَةِالكتاب«وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ» . (1)
«وَ نَضَعُ الْمَوَ زِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَ_مَةِ فَلَا تُظْ_لَمُ نَفْسٌ شَيْ_ئا وَ إِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَ كَفَى بِنَا حَ_سِبِينَ» . (2)
الحديثالاحتجاج :مِن سُؤالِ الزِّنديقِ الَّذي سَأَلَ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ أن قالَ : ... أوَ لَيسَ توزَنُ الأَعمالُ ؟ قالَ عليه السلام : لا ، إنَّ الأَعمالَ لَيسَت بِأَجسامٍ ، وإنَّما هِيَ صِفَةُ ما عَمِلوا ، وإنَّما يَحتاجُ إلى وَزنِ الشَّيءِ مَن جَهِلَ عَدَدَ الأَشياءِ ، ولا يَعرِفُ ثِقلَها وخِفَّتَها ، وإنَّ اللّهَ لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ .
.
ص: 70
قالَ : فَما مَعنَى الميزانِ ؟ قالَ عليه السلام : العَدلُ . (1)
5 / 2العَدلُ في جَزاءِ الحَسَناتِالكتاب«إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ بِالْقِسْطِ وَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَ عَذَابٌ أَلِيم بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ» . (2)
«إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً» . (3)
«إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» . (4)
«إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ» . (5)
« وَ لَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً » . (6)
راجع : البقرة:143، 272، 279، 281 وآل عمران : 25، 57، 161، 171، 195 والأنفال: 60 ويونس: 4 ومريم : 60 وطه : 112 والنحل : 111 .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ في ذِكرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: اللّهُمَّ اقسِم لَهُ مَقسَما مِن عَدلِكَ ، وَاجزِهِ مُضَعَّفاتِ (7) الخَيرِ مِن فَضلِكَ . (8)
.
ص: 71
الإمام الباقر عليه السلام_ بَعدَ ذِكرِهِ عليه السلام قَولَهُ تَعالى : «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُم» (1) _: لَيسَت تَشهَدُ الجَوارِحُ (2) عَلى مُؤمِنٍ ، إنَّما تَشهَدُ عَلى مَن حَقَّت عَلَيهِ كَلِمَةُ العَذابِ ، فَأَمَّا المُؤمِنُ فَيُعطى كِتابَهُ بِيَمينِهِ ، قالَ اللّهُ عز و جل : «فَمَنْ (3) أُوتِىَ كِتَ_بَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَ_بَهُمْ وَ لَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً» (4) . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ التَّوبَةَ مُطَهِّرَةٌ مِن دَنَسِ الخَطيئَةِ ، قالَ عز و جل : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» إلى قَولِهِ عز و جل : «لَا تُظْ_لَمُونَ» (6) فَهذا ما دَعَا اللّهُ إلَيهِ عِبادَهُ مِنَ التَّوبَةِ ، ووَعَدَ عَلَيها مِن ثَوابِهِ ، فَمَن خالَفَ ما أمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِنَ التَّوبَةِ سَخِطَ اللّهُ عَلَيهِ ، وكانَتِ النّارُ أولى بِهِ وأحَقَّ . (7)
تفسير القمّي_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ لَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً» _: الجِلدَةُ الَّتي في ظَهرِ النَّواةِ . (8)
5 / 3العَدلُ في جَزاءِ السَّيِّئاتِالكتاب«الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسِ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُ_لْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» . (9)
.
ص: 72
«مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ» . (1)
«ذَ لِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُ_لْمٍ وَأَهْلُهَا غَ_فِلُونَ» . (2)
راجع : غافر : 31 والنحل : 33 ، 118 والزخرف : 76 والكهف : 49 وهود : 101 و 117 والتوبة : 70 والعنكبوت : 40 والروم : 9 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا مَن وَعدُهُ صِدقٌ ، يا مَن عَفوُهُ فَضلٌ ، يا مَن عَذابُهُ عَدلٌ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا مَن لا يُرجى إلّا فَضلُهُ ، يا مَن لا يُسأَلُ إلّا عَفوُهُ ، يا مَن لا يُنظَرُ إلّا بِرُّهُ (4) ، يا مَن لا يُخافُ إلّا عَدلُهُ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أصابَ فِي الدُّنيا ذَنبا فَعوقِبَ بِهِ ، فَاللّهُ أعدَلُ مِن أن يُثَنِّيَ عُقوبَتَهُ عَلى عَبدِهِ ، ومَن أذنَبَ ذَنبا فِي الدُّنيا فَسَتَرَهُ اللّهُ عَلَيهِ ، فَاللّهُ أكرَمُ مِن أن يَعودَ في شَيءٍ قَد عَفا عَنهُ . (6)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّهُ لَم يُصِبِ امرُؤٌ مِنكُم في هذِهِ الدُّنيا حَبرَةً (7) إلّا أورَثَتهُ عَبرَةً ، ولا يُصبِحُ فيها في جَناحِ أمنٍ إلّا وهُوَ يَخافُ فيها نُزولَ جائِحَةٍ، أو تَغَيُّرَ نِعمَةٍ، أو
.
ص: 73
زَوالَ عافِيَةٍ ؛ مَعَ أنَّ المَوتَ مِن وَراءِ ذلِكَ ، وهَولَ المُطَّلَعِ (1) ، وَالوُقوفَ بَينَ يَدَيِ الحَكَمِ العَدلِ ، تُجزى كُلُّ نَفسٍ بِما عَمِلَت «لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَ__ئواْ بِمَا عَمِلُواْ وَ يَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى» (2) ، فَاتَّقُوا اللّهَ عَزَّ ذِكرُهُ ، وسارِعوا إلى رِضوانِ اللّهِ وَالعَمَلِ بِطاعَتِهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيهِ بِكُلِّ ما فيهِ الرِّضا . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعاءٍ لَهُ في تَحميدِ اللّهِ عز و جل _: ... حَتّى إذا بَلَغَ أقصى أثَرِهِ ، وَاستَوعَبَ حِسابَ عُمُرِهِ ، قَبَضَهُ إلى ما نَدَبَهُ إلَيهِ مِن مَوفورِ ثَوابِهِ ، أو مَحذورِ عِقابِهِ «لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَ__ئواْ بِمَا عَمِلُواْ وَ يَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى» عَدلاً مِنهُ ، تَقَدَّسَت أسماؤُهُ ، وتَظاهَرَت آلاؤُهُ (4) ، «لَا يُسْ_ئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْ_ئلُونَ» (5) . (6)
عنه عليه السلام_ مِن دُعاءٍ لَهُ فِي اللُّجوءِ إلَى اللّهِ تَعالى _: اللّهُمَّ إن تَشَأ تَعفُ عَنّا فَبِفَضلِكَ ، وإن تَشَأ تُعَذِّبنا فَبِعَدلِكَ ، فَسَهِّل لَنا عَفوَكَ بِمَنِّكَ ، وأجِرنا مِن عَذابِكَ بِتَجاوُزِكَ ؛ فَإِنَّهُ لا طاقَةَ لَنا بِعَدلِكَ ، ولا نَجاةَ لِأَحَدٍ مِنّا دونَ عَفوِكَ . (7)
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ مُديرِ الأَدوارِ ومُعيدِ الأَكوارِ ، طَبَقا عَن طَبَقٍ (8) ، وعالَما بَعدَ
.
ص: 74
عالَمٍ «لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَ__ئواْ بِمَا عَمِلُواْ وَ يَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى» عَدلاً مِنهُ تَقَدَّسَت أسماؤُهُ وجَلَّت آلاؤُهُ ، لَا يَظْ_لِمُ النَّاسَ شَيْ_ئ وَ لكِنَّ النّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ ، يَشهَدُ بِذلِكَ قَولُهُ جَلَّ قُدسُهُ : «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَ مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» (1) في نَظائِرَ لَها في كِتابِهِ الَّذي فيهِ تِبيانُ كُلِّ شَيءٍ ، و «لَا يَأْتِيهِ الْبَ_طِ_لُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (2) ، ولِذلِكَ قالَ سَيِّدُنا مُحَمَّدٌ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وآلِهِ : إنَّما هِيَ أعمالُكُم تُرَدُّ إلَيكُم . (3)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» (4) _: اللّهُ أجَلُّ وأعدَلُ وأعظَمُ مِن أن يَكونَ لِعَبدِهِ عُذرٌ لا يَدَعُهُ يَعتَذِرُ بِهِ ، ولكِنَّهُ فُلِجَ (5) فَلَم يَكُن لَهُ عُذرٌ . (6)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ فِي التَّفسيرِ المَنسوبِ إلَيهِ _: نَظَرَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ عليه السلام إلى رَجُلٍ فَرَأى أثَرَ الخَوفِ عَلَيهِ ، فَقالَ : ما بالُكَ ؟ قالَ : إنّي أخافُ اللّهَ ، قالَ : يا عَبدَ اللّهِ ، خَف ذُنوبَكَ ، وخَف عَدلَ اللّهِ عَلَيكَ في مَظالِمِ عِبادِهِ ، وأطِعهُ فيما كَلَّفَكَ ولا تَعصِهِ فيما يُصلِحُكَ ، ثُمَّ لا تَخَفِ اللّهَ بَعدَ ذلِكَ فَإِنَّهُ لا يَظلِمُ أحَدا ، ولا يُعَذِّبُهُ فَوقَ استِحقاقِهِ أبَدا ، إلّا أن تَخافَ سوءَ العاقِبَةِ بِأَن تَغَيَّرَ أو تَبَدَّلَ ، فَإِن أرَدتَ أن يُؤمِنَكَ اللّهُ سوءَ العاقِبَةِ ، فَاعلَم أنَّ ما تَأتيهِ مِن خَيرٍ فَبِفَضلِ اللّهِ وتَوفيقِهِ ، وما تَأتيهِ مِن شَرٍّ فَبِإِمهالِ اللّهِ وإنظارِهِ إيّاكَ وحِلمِهِ عَنكَ . (7)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في أسحارِ شَهرِ رَمَضانَ _: إذا رَأَيتُ _ مَولايَ _
.
ص: 75
ذُنوبي فَزِعتُ ، وإذا رَأَيتُ كَرَمَكَ طَمِعتُ ، فَإِن عَفَوتَ فَخَيرُ راحِمٍ ، وإن عَذَّبتَ فَغَيرُ ظالِمٍ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :إلهي ، إن غَفَرتَ فَبِفَضلِكَ ، وإن عَذَّبتَ فَبِعَدلِكَ ، فَيا مَن لا يُرجى إلّا فَضلُهُ ، ولا يُخافُ إلّا عَدلُهُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَامنُن عَلَيَّ بِفَضلِكَ ، ولا تَستَقصِ (2) عَلَيَّ عَدلَكَ . (3)
الإمام الحسين عليه السلام_ في دُعاءِ عَرَفَةَ _: وأنَّكَ الحَكَمُ العَدلُ الَّذي لا يَجورُ ، وعَدلُكَ مُهلِكي ، ومِن كُلِّ عَدلِكَ مَهرَبي ، فَإِن تُعَذِّبني فَبِذُنوبي يا مَولايَ بَعدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ ، وإن تَعفُ عَنّي فَبِحِلمِكَ وجودِكَ وكَرَمِكَ . لا إلهَ إلّا أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمينَ . (4)
عنه عليه السلام_ في دُعاءِ عَرَفَةَ _: فَلا كافِيَ لَنا سِواكَ ، ولا رَبَّ لَنا غَيرُكَ ، نافِذٌ فينا حُكمُكَ ، مُحيطٌ بِنا عِلمُكَ ، عَدلٌ فينا قَضاؤُكَ ، اقضِ لَنَا الخَيرَ وَاجعَلنا مِن أهلِ الخَيرِ . اللّهُمَّ أوجِب لَنا بِجودِكَ عَظيمَ الأَجرِ . (5)
عنه عليه السلام_ في دُعاءِ عَرَفَةَ _: إلهي ، وَصَفتَ نَفسَكَ بِاللُّطفِ وَالرَّأفَةِ لي قَبلَ وُجودِ ضَعفي ، أفَتَمنَعُني مِنهُما بَعدَ وُجودِ ضَعفي ؟ إلهي ، إن ظَهَرَتِ المَحاسِنُ مِنّي فَبِفَضلِكَ ولَكَ المِنَّةُ عَلَيَّ ، وإن ظَهَرَتِ المَساوِئُ مِنّي فَبِعَدلِكَ ولَكَ الحُجَّةُ عَلَيَّ ، إلهي ، كَيفَ تَكِلُني (6)
.
ص: 76
وقَد تَوَكَّلتَ لي ... . إلهي ، مَن كانَت مَحاسِنُهُ مَساوِيَ فَكَيفَ لا تَكونُ مَساويهِ مَساوِيَ ؟ ومَن كانَت حَقايِقُهُ دَعاوِيَ فَكَيفَ لا تَكونُ دَعاويهِ دَعاوِيَ ؟! إلهي ، حُكمُكَ النّافِذُ ، ومَشِيَّتُكَ القاهِرَةُ ، لَم يَترُكا لِذي مَقالٍ مَقالاً ، ولا لِذي حالٍ حالاً ، إلهي ، كَم مِن طاعَةٍ بَنَيتُها وحالَةٍ شَيَّدتُها ، هَدَمَ اعتِمادي عَلَيها عَدلُكَ ، بَل أقالَني (1) مِنها فَضلُكَ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُ ... يَنتَقِمُ مِنَ الظّالِمِ بِما هُوَ عادِلٌ بِحُكمِهِ . (3)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في وَداعِ شَهرِ رَمَضانَ _: يا مَن لا يُكافِئُ عَبدَهُ عَلَى السَّواءِ ، مِنَّتُكَ ابتِداءٌ ، وعَفوُكَ تَفَضُّلٌ ، وعُقوبَتُكَ عَدلٌ ، وقَضاؤُكَ خِيَرَةٌ ، إن أعطَيتَ لَم تَشُب (4) عَطاءَكَ بِمَنٍّ ، وإن مَنَعتَ لَم يَكُن مَنعُكَ تَعَدِّيا ، تَشكُرُ مَن شَكَرَكَ وأنتَ ألهَمتَهُ شُكرَكَ . (5)
عنه عليه السلام :مَن أكرَمُ _ يا إلهي _ مِنكَ ؟ ومَن أشقى مِمَّن هَلَكَ عَلَيكَ ؟! 6
.
ص: 77
لا ! مَن ؟ فَتَبارَكتَ أن توصَفَ إلّا بِالإِحسانِ ، وكَرُمتَ أن يُخافَ مِنكَ إلَا العَدلُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَمّا يَجوزُ وعَمّا لا يَجوزُ مِنَ النِّيَّةِ _: إنَّ النِّيّاتِ قَد تَجوزُ في مَوضِعٍ ولا تَجوزُ في آخَرَ ، فَأَمّا ما تَجوزُ فيهِ : فَإِذا كانَ مَظلوما فَما حَلَفَ بِهِ ونَوَى اليَمينَ فَعَلى نِيَّتِهِ ، وأمّا إذا كانَ ظالِما فَاليَمينُ عَلى نِيَّةِ المَظلومِ . ثُمَّ قالَ : ولَو كانَتِ النِّيّاتُ مِن أهلِ الفِسقِ يُؤخَذُ بِها أهلُها ، إذا لَاُخِذَ كلُّ مَن نَوَى الزِّنا بِالزِّنا ، وكُلُّ مَن نَوَى السَّرِقَةَ بِالسَّرِقَةِ ، وكُلُّ مَن نَوَى القَتلَ بِالقَتلِ ، ولكِنَّ اللّهَ عَدلٌ حَكيمٌ ، لَيسَ الجَورُ مِن شَأنِهِ ، ولكِنَّهُ يُثيبُ عَلى نِيّاتِ الخَيرِ أهلَها ، وإضمارهِم عَلَيها ، ولا يُؤاخِذُ أهلَ الفُسوقِ حَتّى يَفعَلوا . (2)
5 / 4الحَثُّ عَلى ذِكرِ الوُقوفِ بَينَ يَدَي أعدَلِ الحاكِمينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي التَّخويفِ مِنَ القِيامَةِ وَالحِسابِ _: اُذكُروا وُقوفَكُم بَينَ يَدَيِ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ ؛ فَإِنَّهُ الحَكَمُ العَدلُ ، وَاستَعِدُّوا لِجَوابِهِ إذا سَأَلَكُم . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :اُذكُر عِندَ الظُّلمِ عَدلَ اللّهِ فيكَ ، وعِندَ القُدرَةِ قُدرَةَ اللّهِ عَلَيكَ . (4)
عنه عليه السلام :كُلُّ ذي قُدرَةٍ فَمَقدورٌ للّهِِ ، وكُلُّ ظالِمٍ فَلا مَحيصَ لَهُ مِن عَدلِ اللّهِ . (5)
.
ص: 78
5 / 5شِدَّةُ يَومِ العَدلِ عَلَى الظّالِمِالكتاب«وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَ__لَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً» . (1)
«إِنَّ الظَّ__لِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» . (2)
«وَ مَن يَظْ_لِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا» . (3)
«وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» . (4)
«إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّ__لِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَ إِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَ سَاءَتْ مُرْتَفَقًا» . (5)
«رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّ__لِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ» . (6)
«يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّ__لِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» . (7)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ رَبُّكُم : وعِزَّتي وجَلالي ، لَأَنتَقِمَنَّ مِنَ الظّالِمِ في عاجِلِهِ وآجِلِهِ ،
.
ص: 79
ولَأَنتَقِمَنَّ مِمَّن رَأى مَظلوما فَقَدَرَ أن يَنصُرَهُ فَلَم يَفعَل . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ مِن أعظَمِ النّاسِ عَذابا يَومَ القِيامَةِ ، مَن أشرَكَهُ اللّهُ في سُلطانِهِ فَجارَ في حُكمِهِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :اِتَّقُوا الظُّلمَ ؛ فَإِنَّهُ ظُلُماتٌ يَومَ القِيامَةِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :شَرُّ الزّادِ إلَى المَعادِ ، احتِقابُ (4) ظُلمِ العِبادِ . (5)
عنه عليه السلام :يَومُ العَدلِ عَلَى الظّالِمِ ، أشَدُّ مِن يَومِ الجَورِ عَلَى المَظلومِ . (6)
عنه عليه السلام_ في بَيانِ أنواعِ الظُّلمِ _: أمَّا الظُّلمُ الَّذي لا يُترَكُ فَظُلمُ العِبادِ بَعضِهِم بَعضا . القِصاصُ هُناكَ شَديدٌ ، لَيسَ هُوَ جَرحاً بِالمُدى ، ولا ضَربا بِالسِّياطِ ، وَلكِنَّهُ ما يُستَصغَرُ ذلِكَ مَعَهُ . (7)
.
ص: 80
عنه عليه السلام :ظالِمُ النّاسِ يَومَ القِيامَةِ مَنكوبٌ (1) بِظُلمِهِ ، مُعَذَّبٌ مَحروبٌ (2) . (3)
عنه عليه السلام :مَن ضَرَبَ رَجُلاً سَوطا ظُلما ، ضَرَبَهُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى بِسَوطٍ مِن نارٍ . (4)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ أشَدَّ النّاسِ يَومَ القِيامَةِ حَسرَةً ، مَن وَصَفَ عَدلاً وأتى جَورا . (5)
.
ص: 81
القسم الثّاني : العدل ، والقضاء والقدرالفصل الأوّل : معنى القضاء والقدرالفصل الثّاني : علم القضاء والقدرالفصل الثّالِثُ : خصائص القضاء والقدرالفصل الرّابِعُ : أصناف القضاء والقدر وأحكامهماالفصل الخامِسُ : البداء في القضاء والقدرالفصل السّادِسُ : دور القضاء والقدر في الخلقةالفصل السّابِعُ : دور القضاء والقدر في المصائب والشّرورالفصل الثّامن : دور القضاء والقدر في أفعال الإنسانالفصل التّاسِعُ : دور القضاء والقدر في السَّعادة والشَّقاوةالفصل العاشِرُ : دور الإنسان في القضاء والقدرالفصل الحادي عَشَرَ : الإيمان بالقضاء والقدرالفصل الثّاني عَشَرَ : الرِّضا بالقضاء والقدر
.
ص: 82
. .
ص: 83
تحليل حول القضاء والقدر وعلاقتهما بالعدل الإلهيتُعدّ مسألة «القضاء والقدر» الّتي يعبّر عنها أحيانا ب «المصير» و«القسمة» أيضا ، من المسائل الكلامية والفلسفية المهمّة ، وتتمتّع هذه المسألة بأهميّة ومكانة رفيعتين في معارف القرآن وأحاديث أهل البيت عليهم السلام أيضا ، بل إنّ الرواية المنقولة عن الإمام الصادق عليه السلام تفيد بأنّ من خصوصيات القرآن أنّه تضمّن علم القضاء والقدر ، والمعارف المتعلّقة بهذه المسألة المهمّة . والّذي لا يحيط علما بهذا العلم القرآني هو في الحقيقة ليس عالما ، لا بالقرآن ولا بأهله! (1) والمعارف الّتي يمكن التوصّل إليها ببركة القرآن وأحاديث أهل البيت عليهم السلام فيما يتعلّق بعلم القضاء والقدر هي : معنى القضاء والقدر ، خصائصهما وأقسامهما ، دور البَداء في القضاء والقدر ، دور القضاء والقدر في الخلق ، دور القضاء والقدر في المصائب والشرور ، دور القضاء والقدر في أفعال الإنسان ، دور القضاء والقدر في السعادة والشقاء ، دور الإنسان في القضاء والقدر . وقد ارتبطت هذه المسائل بلحمة المعارف القرآنية بنحو ، بحيث لا يمكن من دونها فهم هذا الكتاب السماوي بشكلٍ صحيح ، والمعرفة الصحيحة لهذه المسائل تهيّئ الأرضية للإيمان بالقضاء والقدر والرضا بهما وبلوغ قمّة الكمالات الإنسانية .
.
ص: 84
الارتباط بين القضاء والقدر والعدل الإلهيترتبط مسألة القضاء والقدر بالعدل الإلهي من زاويتين : الاُولى : من ناحية دور التقدير في المصائب والشرور . والاُخرى من حيث دوره في أفعال الإنسان . وبما أنّ هاتين المسألتين ترتبطان بشكلٍ ما بغالبية المسائل المتعلّقة بالقضاء والقدر ، فإنّ موضوع القضاء والقدر يتمّ بحثه في ذيل موضوع العدل الإلهي . سنورد فيما يلي إيضاحا مختصرا حول بعض المعارف المرتبطة بالقضاء والقدر :
أوّلاً : القضاء والقدر لغةًالقضاء من مادّة «ق ض ي» بمعنى تثبيت عملٍ ما ووضعه في جهة فلسفته الوجودية . يذكر ابن فارس في هذا المجال : القاف والضاد والحرف المعتلّ أصل صحيح يدلّ على إحكام الأمر وإتقانه وإنفاذه لجهته ، قال اللّه تعالى : «فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَ_وَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ» (1) أي أحكم خلقهنّ ... . والقضاء : الحكم ، قال اللّه سبحانه في ذكر من قال : «فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ» (2) أي : اِصنع واحكم ، ولذلك سُمّي القاضي قاضيا ؛ لأنّه يحكم الأحكام ويُنفذها ... . (3) و«القَدَر» من مادّة «قدر» : بمعنى حدّ الشيء وقياسه وجوهره ونهايته ، والتقدير بمعنى تعيين المقدار والحدّ منه ، يقول ابن فارس في بيان هذه المادّة : القاف والدّال والراء أصل صحيح يدلّ على مبلغ الشيء وكنهه ونهايته ، فالقَدْر: مبلغ كلّ شيء ، يقال : قدره كذا ، أي مبلغه ، وكذلك القَدَر ...
.
ص: 85
والقَدْر : قضاء اللّه تعالى الأشياء على مبالغها ونهاياتها الّتي أرادها لها ، وهو القَدَر أيضا . (1)
ثانيا : القضاء والقدر في الكتاب والسنّةللقضاء والقدر استعمالات عديدة في الكتاب والسنّة ، ويفيد ما روي عن الإمام عليّ عليه السلام أنّ كلمة القضاء استُخدمت في القرآن في عشرة معان . (2) لكنّ المراد من القدَر في هذا البحث : هندسة الأشياء وقياساتها . والمراد من القضاء هو الحكم بتحقّقها . بعبارة اُخرى : لكلّ ظاهرة مقدّمات لتحقّقها ، والقضاء والقدر مقدّمتان مهمّتان وأساسيتان لها ؛ إحداهما قياسها ، والاُخرى الأمر بتحقّقها . وقد جاء في رواية عن الإمام الكاظم عليه السلام في بيان المقدّمة الاُولى : هوَ الهَندَسَةُ مِنَ الطُّولِ وَالعَرضِ وَالبَقاءِ . (3) وجاء في رواية اُخرى : تَقديرُ الشَّيءِ مِن طولِهِ وَعَرضِهِ . (4) ونقل في رواية اُخرى عن الإمام الرضا عليه السلام : هوَ وَضعُ الحُدودِ مِنَ الآجالِ وَالأَرزاقِ وَالبَقاءِ وَالفَناءِ . (5) هكذا فإنّ اللّه _ تعالى _ يعيّن قبل القيام بأيّ عمل وقبل إيجاد كلّ ظاهرة ، نطاقها
.
ص: 86
الوجودي أوّلاً من كلّ جهة ، ويطلق على هذا النطاق «القَدَر» وعلى هذا العمل «التقدير» . ويأتي بعد «التقدير» دور المقدّمة الثانية وهي «القضاء» ، حيث نُقل عن الإمام الرضا عليه السلام في تفسير هذه المقدّمة قوله : القَضاءُ : هوَ الإِبرامُ وَإِقامَةُ العَينِ . (1) وفي هذه المرحلة يحقّق اللّه في الخارج ما قدّره . وبعبارة اُخرى فإنّ الوجود العيني لكلّ ظاهرة هو في الحقيقة تثبيت وجودها التقديري . وعلى هذا ، فإنّ القَدَر مقدّم على القضاء ، وإذا ما قُدّم «القضاءُ» في القول والكتابة ، فالسبب في ذلك السهولة في استخدامهما .
ثالثا : النهي عن البحث عن سرّ القَدَرالملاحظة الّتي تستحقّ الاهتمام في معرفة علم القضاء والقدر هي أنّ هذا العلم يبلغ من الأهميّة بحيث إنّه ارتبط ارتباطا وثيقا بعلم القرآن من جهة ، ومن جهة اُخرى فقد ورد النهي الشديد عن البحث عن سرّ القدر . (2) ويمكننا أن نجمع بين هذه الروايات بالقول : إنّ السعي لتحصيل علم القضاء والقدر مطلوب ، ولكنّ السعي لمعرفة سرّ القضاء والقدر ممنوع . إنّ الإحاطة علما بمعنى القضاء والقدر وأقسامهما ودورهما في الخلق والشرور وأفعال الإنسان والسعادة والشقاء واُمور من هذا القبيل ، هي علم القضاء والقدر الّذي ليس مطلوبا وحسب ، بل إنّه ضروري . وأمّا محاولة معرفة لماذا قدّر اللّه _ تعالى _ مثل هذا التقدير في هذا المجال فيما حكم بتقدير آخر في ذلك المجال ، فإنّها بحث عن سرّ القضاء والقدر الّذي ليس هو غير مطلوب وحسب،بل إنّه ممنوع.
.
ص: 87
وحكمة هذا المنع هي : أوّلاً : إنّ التوصّل إليها ليس ممكنا عادةً ، كما حدث لموسى عليه السلام خلال مرافقته للعبد الصالح ، حيث لم يستطع أن يدرك سرّ خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار ، ولذلك فقد اعترض عليه ، ولكنّه أدرك بعد إيضاحه أنّ الحقّ معه . (1) ولذلك فقد وردت الإشارة إلى هذه الحكمة في الروايات : «القَدَرُ سِرُّ اللّهِ ، فَلا تَتَكَلَّفوا عِلمَهُ» . (2) والتكلّف يعني الوقوع في المشقّة . والمراد هنا أنّ سرّ القدر يمثّل مسألة اقتضت الحكمة الإلهيّة خفاءها ، لذلك يجب على الإنسان أن لا يوقع نفسه في المشقّة للتوصّل إليها ؛ لأنّ التوفيق سوف لا يحالفه . وإنّ تعبيرات مثل «طريق مظلم» و«بحر عميق» عن سرّ القدر ، هي إشارة إلى عدم إمكان توصّل الإنسان إلى هذا السرّ . ثانيا : إنّ تكامل الإنسان هو في ظلّ طاعته المطلقة للّه _ تعالى _ وتسليمه له دون أيّ قيدٍ وشرط ، والرضا بقضائه ، وهذا الهدف يتنافى مع معرفة سرّ القدر . ثالثا : إنّ معرفة سرّ القدر ليس فاقداً للفائدة فحسب ، بل قد يكون ضارّا للكثير من الأشخاص ، كأن يعرف أنّ سبب مصيبته كونه ابن زنا مثلاً . رابعا : بما أنّ الإنسان لا يستطيع في نظام الخلق أن يصل إلى سرّ القدر ، فإنّ نتيجة السعي للحصول عليه سوف لا تكون سوى الحيرة والضلال أحيانا . (3)
رابعا : الخصائص المهمّة للقضاء والقدررغم أنّ سرّ القدر خافٍ على الإنسان ، إلّا أنّ للمقدّرات الإلهيّة خمس خصائص مهمّة من الضروري معرفتها :
.
ص: 88
1 . إنّ القضاء والقدر هما فعلان من الأفعال الإلهيّة ، ومخلوقان من مخلوقاته ، وظاهرتان من ظواهر العالم يرتبط تغييرهما الكيفي والكمّي بالإرادة الإلهيّة . (1) 2 . جميع المقدّرات الإلهيّة حسنة ، وليس في نظام الخلق قضاء وقدر قبيح . (2) 3 . جميع المقدّرات الإلهيّة حكيمة ، ولا يوجد أيّ فعل غير حكيم في الأفعال الإلهيّة . (3) 4 . جميع المقدّرات الإلهيّة تقوم على العدل ، ولا يوجد أيّ ظلمٍ في نظام الخلق بحيث يُنسب إليه . (4) 5 . جميع المقدّرات الإلهيّة في حياة أهل الإيمان تؤول لصالحهم في النهاية حتّى وإن بدت في الظاهر مضرّة لهم . (5) وسوف نوضّح هذه الخصائص خلال المباحث التالية .
خامسا : أقسام القضاء والقدريُقسّم القضاء والقدر من الناحية التشريعية والتكوينية ، القطعية وغير القطعية ، إلى عدّة أقسام :
1 . القضاء والقدر التشريعيانيعني القدر التشريعي : أنّ اللّه _ تعالى _ قد قدّر أفعال الإنسان الاختيارية ، وقسّمها على أساس مصالحها ومفاسدها إلى واجبة ، مستحبّة ، محرّمة مكروهة ومباحة ، كما عيّن مقدار ثوابها . والقضاء التشريعي : هو أنّ اللّه أصدر أمر تنفيذ القدر التشريعي ، كما نُقل عن
.
ص: 89
الإمام عليّ عليه السلام في تفسير القضاء والقدر : الأَمرُ بِالطاعَةِ وَالنَّهيُ عَنِ المَعصيَةِ ... وَالوَعدُ وَالوعيدُ ، والتَّرغيبُ والتَّرهيبُ ، كُلُّ ذلِكَ قَضاءُ اللّهِ في أَفعالِنا ، وَقَدَرُهُ لأَِعمالِنا . (1) وجاء أيضا عن الإمام الرضا عليه السلام في تفسير القضاء : الحُكمُ عَلَيهِم بِما يَسَتحِقّونَهُ عَلى أَفعالِهِم مِنَ الثَّوابِ وَالعِقابِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . (2)
2 . القضاء والقدر التكوينيانالقضاء والقدر التكوينيان على نوعين : أحدهما : القضاء والقدر التكوينيان في خلق الموجودات ، ويعنيان تقديرها وإيجادها . والآخر : القضاء والقدر التكوينيان فيما يتعلّق بأفعال الإنسان . ويعني التقدير التكويني بالنسبة إلى أفعال الإنسان أنّ اللّه أعطى الإنسان القدرة على اختيارها والقيام بها بمقدار محدود معيّن ، وفيما يُراد من القضاء التكويني الأمر التكويني الإلهي بتنفيذ هذه التحديدات . جدير بالذكر أنّ القدرة المحدودة الّتي مُنحت للإنسان لا تمنع مالكية اللّه وسلطته على أفعال الإنسان ، ولذلك فإنّ القضاء والقدر التكويني لا يستوجبان الجبر ولا التفويض ، وسوف نستعرض هذا الموضوع بالتفصيل . (3)
3 . القضاء والقدر المحتومان والموقوفانالقضاء والقدر المحتومان غير قابلين للتغيير ، ولكنّ القضاء والقدر الموقوفين
.
ص: 90
يتوقّفان على بعض الشروط ، ولا يتحقّقان إلّا في حالة تحقّقها ، وسوف ندرس هذا الموضوع بالتفصيل وكذلك دور «البداء» في القضاء والقدر (1) ، ودور القضاء والقدر في ظهور الشرور (2) ، وفي أفعال الإنسان (3) ، وفي سعادته وشقائه . (4)
سادسا : معنى الإيمان بالقضاء والقدريتّضح معنى الإيمان بالقضاء والقدر استنادا إلى المباحث السابقة . وباختصار : فإنّ الإيمان بالقضاء والقدر هو الاعتراف بالشيء مع العلم بأنّ جميع ما في العالم _ سواء ما تعلّق منها بالإنسان أم بغيره _ هي بالقضاء والقدر الإلهيين ، وأنّ مقدّرات الإنسان لا تستوجب الجبر ولا التفويض . وعلى هذا ، فإنّ ما جاء في بعض الروايات من أنّه : لا يُؤمِنُ عَبدٌ حَتّى يُؤمِنَ بِالقدر خَيرِهِ وَشرَِّهِ ، حَتّى يَعلَمَ أَنَّ ما أَصابَهُ لَم يَكُن ليُخطِئَهُ وَما أَخطَأَهُ لَم يَكُن ليُصيبَهُ . (5) هو في الحقيقة بيان لأحد المصاديق البارزة للإيمان بالقضاء والقدر ؛ ذلك لأنّ الّذي يؤمن بالتقدير الإلهي يعلم بوضوح أنّ ما يحدث في حياته أو لا يحدث ، حسنا كان أم سيّئا ، قبيحا أم جميلاً ، هو على أساس التقدير الإلهي .
سابعا : أهميّة الإيمان بالقضاء والقدربما أنّ الإيمان بالتقدير الإلهي يُلازم في الحقيقة إنكار أيّ دور لغير اللّه سبحانه في تدبير عالم الوجود ، فقد اعتُبر أحد الأركان الأصلية للتوحيد ، كما جاء في
.
ص: 91
الحديث النبويّ : الإِيمانُ بِالقَدَرِ نِظامُ التَّوحيد . (1) وقد ورد التأكيد في أحاديث كثيرة أنّ الإنسان سوف يُحرم من بركات الإيمان الحقيقي ما لم يُؤمن بالتقدير الإلهي ، بل وُصِفَ مَن يدّعي الإسلام ثمّ ينكر القَدَر بأنّه كافر ومجوسي وملعون . (2) ولكنّ الملاحظة المهمّة هي أنّنا يجب أن نلتفت إلى أنّ الإيمان بالتقدير لا يتنافى مع التدبير والتخطيط والسعي من أجل حياةٍ أفضل وحسب ، بل إنّ التدبير والسعي هما نوع من التقدير ، كما يصرّح بذلك القرآن : «وَ أَن لَّيْسَ لِلْاءِنسَ_نِ إِلَا مَا سَعَى» . (3) وهذا يعني أنّ الإنسان في نظام الخلق وعلى أساس التقدير الإلهي ، لن ينتفع إلّا من تدبيره وسعيه ، على هذا الأساس فإنّ الدواء والدعاء والتمسّك بالأسباب الاُخرى يُعدّ مفيدا للإنسان ، كما جاء في الحديث النبويّ : الدَّواءُ مِنَ القَدَرِ ، وَقَد يَنفَعُ بِإِذنِ اللّه . (4) استنادا إلى ذلك فإن كانت هناك روايات تدلّ في الظاهر على التنافي مع التدبير والتقدير ، فإنّ المراد منها شيء آخر بالتأكيد . (5)
ثامنا : آثار الرضا بالقضاء والقدريعتبر الرضا بالقضاء الإلهي من التعاليم الإسلامية المهمّة ، بمعنى أنّ الإنسان
.
ص: 92
المسلم يجب أن يرضى بما يحدث له ممّا هو خارج عن اختياره بعد السعي للوصول إلى الحياة المطلوبة . وهناك الكثير من الأحاديث حثّت المسلمين على تحصيل هذه الخصلة كي يتمتّعوا بآثارها وبركاتها ، عن طريق تقوية عواملها وإزالة موانعها . وللرضا بالقضاء والقدر الإلهيّين بركات غزيرة في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية ، الدنيوية والاُخروية . فالرضا بالقدر ، يحرّر الإنسان من مرض الحرص والحسد ويجلب الغنى المعنوي . ويؤدّي الرضا بالقضاء أن لا يخشى الإنسان إلّا اللّه _ سبحانه _ وأن يؤدّي بشجاعة وشهامة مسؤولياته الاجتماعية . والرضا بالقضاء يمنح الإنسان القدرة على مقاومة أنواع الابتلاءات الدنيوية ، ويحول دون البلايا الاُخروية . والرضا بالقضاء يخرج الهمّ من القلب ، ويجلب الفرح والسرور ، ويوجد الهدوء والسكينة ، ويهيّئ للإنسان أفضل حياة وأجملها ، كما جاء في رواية عن الإمام عليّ عليه السلام : إِنَّ أَهنأَ النَّاسِ عَيشا ، مَن كان بِما قَسَمَ اللّه لَهُ راضيا . (1) وباختصار : فإنّ الرضا بالقضاء ، هو أهمّ عوامل تكامل الإنسان (2) ، وأسمى مرتبة للكمالات الانسانية ، وهي في الحقيقة مقام الانسان الكامل . (3)
.
ص: 93
الفصل الأوّل : معنى القضاء والقدرالإمام عليّ عليه السلام_ في بَيانِ مَعنَى القَضاءِ وتَفسيرِهِ _: هُوَ عَشَرَةُ أوجُهٍ مُختَلِفَةُ المَعنى ، فَمِنهُ قَضاءُ فَراغٍ ، وقَضاءُ عَهدٍ ، ومِنهُ قَضاءُ إعلامٍ ، ومِنهُ قَضاءُ فِعلٍ ، ومِنهُ قَضاءُ إيجابٍ ، ومِنهُ قَضاءُ كِتابٍ ، ومِنهُ قَضاءُ إتمامٍ ، ومِنهُ قَضاءُ حُكمٍ وفَصلٍ ، ومِنهُ قَضاءُ خَلقٍ ، ومِنهُ قَضاءُ نُزولِ المَوتِ . أمّا تَفسيرُ قَضاءِ الفَراغِ مِنَ الشَّيءِ ، فَهُوَ قَولُهُ تَعالى : «وَ إِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِىَ وَ لَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم » (1) مَعنى «فَلَمَّا قُضِىَ» أي فَلَمّا فَرَغَ ، وكَقَولِهِ : «فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَ_سِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ» (2) . أمّا قَضاءُ العَهدِ ، فَقَولُهُ تَعالى : «وَ قَضَى رَبُّكَ أَلَا تَعْبُدُواْ إِلَا إِيَّاهُ» (3) أي عَهِدَ ، ومِثلُهُ في سورَةِ القَصَصِ : «وَ مَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِىِّ (4) إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ» (5) أي عَهِدنا إلَيهِ .
.
ص: 94
أمّا قَضاءُ الإِعلامِ ، فَهُوَ قَولُهُ تَعالى : «وَ قَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَ لِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَ_ؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ» (1) وقَولُهُ سُبحانَهُ : «وَ قَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرَ ءِيلَ فِى الْكِتَ_بِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ» (2) أي أعلَمناهُم فِي التَّوراةِ ما هُم عامِلونَ . أمّا قَضاءُ الفِعلِ ، فَقَولُهُ تَعالى في سورَةِ طه : «فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ» (3) أيِ افعَل ما أنتَ فاعِلٌ ، ومِنهُ في سورَةِ الأَنفالِ : «لِّيَقْضِىَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا» (4) أي يَفعَلُ ما كانَ في عِلمِهِ السّابِقِ ، ومِثلُ هذا فِي القُرآنِ كَثيرٌ . أمّا قَضاءُ الإِيجابِ لِلعَذابِ ، كَقَولِهِ تَعالى في سورَةِ إبراهيمَ عليه السلام : «وَ قَالَ الشَّيْطَ_نُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ» (5) أي لَمّا وَجَبَ العَذابُ ، ومِثلُهُ في سورَةِ يوسُفَ عليه السلام : «قُضِىَ الْأَمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ» (6) مَعناهُ أي وَجَبَ الأَمرُ الَّذي عَنهُ تَساءَلانِ . أمّا قَضاءُ الكِتابِ وَالحَتمِ ، فَقَولُهُ تَعالى في قِصَّةِ مَريَمَ : «وَ كَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا» (7) أي مَعلوما . وأمّا قَضاءُ الإِتمامِ ، فَقَولُهُ تَعالى في سورَةِ القَصَصِ : «فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ» (8) أي فَلَمّا أتَمَّ شَرطَهُ الَّذي شارَطَهُ عَلَيهِ ، وكَقَولِ موسى عليه السلام : «أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَ نَ عَلَىَّ» (9) مَعناهُ إذا أتمَمتُ .
.
ص: 95
وأمّا قَضاءُ الحُكمِ ، فَقَولُهُ تَعالى : «قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعَ__لَمِينَ» (1) أي حُكِمَ بَينَهُم ، وقَولُهُ تَعالى : «وَ اللَّهُ يَقْضِى بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَىْ ءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمِ» (2) وقَولُهُ سُبحانَهُ : «[إِنِ الْحُكْمُ إِلَا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ] (3) وَهُوَ خَيْرُ الْفَ_صِلِينَ» (4) وقَولُهُ تَعالى في سورَةِ يونُسَ : «وَ قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ» (5) . وأمّا قَضاءُ الخَلقِ ، فَقَولُهُ سُبحانَهُ «فَقَضَاهُنَ سَبْعَ سَمَ_وَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ» (6) أي خَلَقَهُنَّ. وأمّا قَضاءُ إنزالِ المَوتِ فَكَقَولِ أهلِ النّارِ في سورَةِ الزُّخرُفِ : «وَ نَادَوْاْ يَ_مَ__لِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّ_كِثُونَ» (7) أي لِيُنزِل عَلَينَا المَوتَ ، ومِثلُهُ : «لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا» (8) أي لا يُنزَلُ عَلَيهِمُ المَوتُ فَيَستَريحوا ، ومِثلُهُ في قِصَّةِ سُلَيمانَ بنِ داوُودَ : «فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَادَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَادَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ» (9) يَعني تَعالى : لَمّا أنزَلنا عَلَيهِ المَوتَ . (10)
المحاسن عن محمّد بن إسحاق :قالَ أبُو الحَسَنِ عليه السلام لِيونُسَ مَولى عَلِيِّ بنِ يَقطينٍ : ...
.
ص: 96
لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى ، ثُمَّ قالَ : أتَدري مَا المَشيئَةُ ؟ فَقالَ : لا ، فَقالَ : هَمُّهُ بِالشَّيءِ . أوَ تَدري ما أرادَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : إتمامُهُ عَلَى المَشيئَةِ . فَقالَ : أوَ تَدري ما قَدَّرَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : هُوَ الهَندَسَةُ مِنَ الطّولِ وَالعَرضِ وَالبَقاءِ . ثُمَّ قالَ : إنَّ اللّهَ إذا شاءَ شَيئا أرادَهُ ، وإذا أرادَهُ قَدَّرَهُ ، وإذا قَدَّرَهُ قَضاهُ ، وإذا قَضاهُ أمضاهُ . (1)
الكافي عن عليّ بن إبراهيم الهاشمي :سَمِعتُ أبَا الحَسَنِ موسَى بنَ جَعفَرٍ عليه السلام يَقولُ : لا يَكونُ شَيءٌ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى ، قُلتُ : ما مَعنى شاءَ ؟ قالَ : ابتِداءُ الفِعلِ ، قُلتُ : ما مَعنى قَدَّرَ ؟ قالَ : تَقديرُ الشَّيءِ مِن طولِهِ وعَرضِهِ . قُلتُ : ما مَعنى قَضى ؟ قالَ : إذا قَضى أمضاهُ ، فَذلِكَ الَّذي لا مَرَدَّ لَهُ . (2)
الكافي عن يونس بن عبدالرحمن :قالَ لي أبُو الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : يا يُونسُ ، لا تَقُل بِقَولِ القَدَرِيَّةِ ، فَإِنَّ القَدَرِيَّةَ لَم يَقولوا بِقَولِ أهلِ الجَنَّةِ ، ولا بِقَولِ أهلِ النّارِ ، ولا بِقَولِ إبليسَ! فَإِنَّ أهلَ الجَنَّةِ قالوا : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَ_ذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ» (3) ، وقالَ أهلُ النّارِ : «رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَ كُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ» (4) ، وقالَ إبليسُ : «رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِى» (5) . فَقُلتُ : وَاللّهِ ما أقولُ بِقَولِهِم ، ولكِنّي أقولُ : لا يَكونُ إلّا بِما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى .
.
ص: 97
فَقالَ : يا يونُسُ ، لَيسَ هكَذا ، لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى ، يا يونُسُ ، تَعلَمُ مَا المَشيئَةُ ؟ قُلتُ : لا . قالَ : هِيَ الذِّكرُ الأَوَّلُ . فَتَعلَمُ مَا الإِرادَةُ ؟ قُلتُ : لا . قالَ : هِيَ العَزيمَةُ عَلى ما يَشاءُ . فَتَعلَمُ مَا القَدَرُ ؟ قُلتُ : لا . قالَ : هِيَ الهَندَسَةُ ووَضعُ الحُدودِ مِنَ البَقاءِ والفَناءِ . قالَ : ثُمَّ قالَ : والقَضاءُ هُوَ الإِبرامُ وإقامَةُ العَينِ . قالَ : فَاستَأذَنتُهُ أن اُقَبِّلَ رَأسَهُ ، وقُلتُ : فَتَحتَ لي شَيئا كُنتُ عَنهُ في غَفلَةٍ . (1)
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن بريد بن عمير بن معاوية الشامي :قالَ [الرِّضا عليه السلام ] : ما مِن فِعلٍ يَفعَلُهُ العِبادُ مِن خَيرٍ أو شَرٍّ إلّا وللّهِِ فيهِ قَضاءٌ ، قُلتُ : ما مَعنى هذَا القَضاءِ ؟ قالَ : الحُكمُ عَلَيهِم بِما يَستَحِقّونَهُ عَلى أفعالِهِم مِنَ الثَّوابِ وَالعِقابِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ في جَوابِ الرَّجُلِ الَّذي قالَ : فَمَا القَضاءُ وَالقَدَرُ الَّذي ذَكَرتَهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ _: الأَمرُ بِالطّاعَةِ وَالنَّهيُ عَنِ المَعصِيَةِ ، وَالتَّمكينُ مِن فِعلِ الحَسَنَةِ وتَركِ المَعصِيَةِ ، وَالمَعونَةُ عَلَى القُربَةِ إلَيهِ ، وَالخِذلانُ لِمَن عَصاهُ ، وَالوَعدُ وَالوَعيدُ ، وَالتَّرغيبُ وَالتَّرهيبُ ، كُلُّ ذلِكَ قَضاءُ اللّهِ في أفعالِنا ، وقَدَرُهُ لِأَعمالِنا ، وأمّا غَيرُ ذلِكَ فَلا تَظُنَّهُ ، فَإِنَّ الظَّنَّ لَهُ مُحبِطٌ لِلأَعمالِ . (3)
الكافي عن معلّى بن محمّد عن العالم عليه السلام_ وقَد سُئِلَ : كَيفَ عِلمُ اللّهِ ؟ _: اللّهُ يَفعَلُ
.
ص: 98
ما يَشاءُ ، فَبِالعِلمِ عَلِمَ الأَشياءَ قَبلَ كَونِها ، وبِالمَشيئَةِ عَرَفَ صِفاتِها وحُدودَها ، وأنشَأَها قَبلَ إظهارِها ، وبِالإِرادَةِ مَيَّزَ أنفُسَها في ألوانِها وصِفاتِها ، وبِالتَّقديرِ قَدَّرَ أقواتَها وعَرَّفَ أوَّلَها وآخِرَها ، وبِالقَضاءِ أبانَ لِلنّاسِ أماكِنَها ودَلَّهُم عَلَيها ، وبِالإِمضاءِ شَرَحَ عِلَلَها وأبانَ أمرَها ، وذلِكَ تَقديرُ العَزيزِ العَليمِ . (1)
راجع : ص 83 (تحليل حول القضاء والقدر وعلاقتهما بالعدل الإلهي) .
.
ص: 99
الفصل الثّاني : علم القضاء والقدر2 / 1أهَمِّيَّةُ عِلمِ القَدَرِالإمام الصادق عليه السلام_ في بَيانِ أصنافِ آياتِ القُرآنِ _: اِعلَموا _ رَحِمَكُمُ اللّهُ _ أنَّهُ مَن لَم يَعرِف مِن كِتابِ اللّهِ عز و جل النّاسِخَ وَالمَنسوخَ ... وما فيهِ مِن عِلمِ القَضاءِ وَالقَدَرِ ... فَلَيسَ بِعالِمٍ بِالقُرآنِ ، ولا هُوَ مِن أهلِهِ . (1)
2 / 2القَدَرُ سِرٌّ مِن أسرارِ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :ألا إنَّ القَدَرَ سِرٌّ مِن سِرِّ اللّهِ ، وسِترٌ مِن سِترِ اللّهِ ، وحِرزٌ (2) مِن حِرزِ اللّهِ ، مَرفوعٌ في حِجابِ اللّهِ ، مَطوِيٌّ عَن خَلقِ اللّهِ . (3)
عنه عليه السلام_ في تَوبيخِهِ لِلمُبتَدِعينَ ونَهيِهِم عَنِ التَّكَلُّمِ فيما لا يَعنيهِم _: إنَّ أعلَمَ النّاسِ
.
ص: 100
بِالقَدَرِ أسكَتُهُم عَنهُ ، وإنَّ أجهَلَ النّاسِ بِالقَدَرِ أنطَقُهُم فيهِ . (1)
تفسير الصنعاني عن صخر بن جويرية :لَمّا بَعَثَ اللّهُ موسى إلى فِرعَونَ قالَ : «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى» إلى قَولِهِ تَعالى «وَ أَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى» (2) ولَن يَفعَلَ . فَقالَ موسى : يا رَبِّ وكَيفَ أذهَبُ إلَيهِ وقَد عَلِمتَ أنَّهُ لَن يَفعَلَ ؟ فَأَوحَى اللّهُ إلَيهِ أنِ امضِ كَما اُمِرتَ بِهِ ، فَإِنَّ فِي السَّماءِ اثنَي عَشَرَ ألفَ مَلَكٍ يَطلُبونَ عِلمَ القَدَرِ فَلَم يَبلُغوهُ ولَم يُدرِكوهُ . (3)
2 / 3النَّهيُ عَنِ التَّكَلُّفِ في عِلمِ القَدَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :القَدَرُ سِرُّ اللّهِ عز و جل ، فَلا تَتَكَلَّفوا عِلمَهُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَكَلَّموا فِي القَدَرِ ؛ فَإِنَّهُ سِرُّ اللّهِ ، فَلا تُفشوا للّهِِ سِرَّهُ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إيّاكُم وَالكَلامَ فِي القَدَرِ ، فَإِنَّهُ أبو جادِ (6) الزَّندِقَةِ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَكَلَّمَ في شَيءٍ مِنَ القَدَرِ سُئِلَ عَنهُ يَومَ القِيامَةِ ، ومَن لَم يَتَكَلَّم فيهِ لَم يُسأَل
.
ص: 101
عَنهُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :عَزيمَةٌ مِنّي عَلى اُمَّتي ألّا يَتَكَلَّموا فِي القَدَرِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :عَزَمتُ عَلى اُمَّتي ألّا يَتَكَلَّموا فِي القَدَرِ ، ولا يَتَكَلَّمُ فِي القَدَرِ إلّا أشرارُ اُمّتي في آخِرِ الزَّمانِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ عِندَما سُئِلَ عَنِ القَدَرِ _: طَريقٌ مُظلِمٌ فَلا تَسلُكوهُ ، وبَحرٌ عَميقٌ فَلا تَلِجوهُ (4) ، وسِرُّ اللّهِ فَلا تَتَكَلَّفوهُ . (5)
التوحيد عن عَنترة الشّيباني عن أبيه :جاءَ رَجُلٌ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ عليه السلام : بَحرٌ عَميقٌ فَلا تَلِجهُ . قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ عليه السلام : طَريقٌ مُظلِمٌ فَلا تَسلُكهُ . قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ عليه السلام : سِرُّ اللّهِ فَلا تَكَلَّفهُ . (6)
الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ القَدَرِ _: سِرٌّ عَظيمٌ فَلا تَكشِفهُ . (7)
تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن جعفر عن الإمام عليّ عليه السلام ، قال :قامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِمَّن كانَ
.
ص: 102
شَهِدَ مَعَهُ الجَمَلَ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَنِ القَدَرِ . قالَ : سِرُّ اللّهِ فَلا تَتَكَلَّفهُ ، قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أخبِرنا عَنِ القَدَرِ . قالَ : أمّا إذ أبَيتَ ، فَإِنَّهُ أمرٌ بَينَ أمرَينِ ، لا جَبرَ ولا تَفويضَ . (1)
تاريخ دمشق عن الحارث :جاءَ رَجُلٌ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ : طَريقٌ مُظلِمٌ لا تَسلُكهُ . قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ : بَحرٌ عَميقٌ لا تَلِجهُ . قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ : سِرُّ اللّهِ قَد خَفِيَ عَلَيكَ فَلا تُفشِهِ . قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ : أيُّهَا السّائِلُ ، إنَّ اللّهَ خالِقُكَ لِما شاءَ أو لِما شِئتَ ؟ قالَ : بَل لِما شاءَ . قالَ : فَيَستَعمِلُكَ كَما شاءَ أو كَما شِئتَ ؟ قالَ : بَل كَما شاءَ . قالَ : فَيَبعَثُكَ يَومَ القِيامَةِ كَما شاءَ أو كَما شِئتَ ؟ قالَ : بَل كَما شاءَ .
.
ص: 103
قالَ : أيُّهَا السّائِلُ ، ألَستَ تَسأَلُ رَبَّكَ العافِيَةَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَمِن أيِّ شَيءٍ تَسأَلُهُ العافِيَةَ ، أمِنَ البَلاءِ الَّذي ابتَلاكَ بِهِ ؟ [أم مِنَ البَلاءِ الَّذي ابتَلاكَ بِهِ] (1) غَيرُهُ ؟ قالَ : مِنَ البَلاءِ الَّذِي ابتَلاني بِهِ . قالَ : أيُّهَا السّائِلُ ، تَقولُ : لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِمَن ؟ قالَ : إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ . قالَ : فَتَعلَمُ ما تَفسيرُها ؟ قالَ : تُعَلِّمُني مِمّا عَلَّمَكَ اللّهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ : إنَّ تَفسيرَها : لا تَقدِرُ عَلى طاعَةِ اللّهِ ، ولا تَكونُ لَهُ (2) قُوَّةٌ في مَعصِيَةٍ فِي الأَمرَينِ جَميعا إلّا بِاللّهِ ، أيُّهَا السّائِلُ ألَكَ مَعَ اللّهِ مَشيئَةٌ ، أو فَوقَ اللّهِ مَشيئَةٌ ، أو دونَ اللّهِ مَشيئَةٌ ؟ فَإِن قُلتَ : إنَّ لَكَ دونَ اللّهِ مَشيئَةً فَقَدِ اكتَفَيتَ بِها من مَشيئَةِ اللّهِ ، وإن زَعَمتَ أنَّ لَكَ فَوقَ اللّهِ مَشيئَةً فَقَدِ ادَّعَيتَ أنَّ قُوَّتَكَ ومَشيئَتَكَ غالِبَتانِ عَلى قُوَّةِ اللّهِ ومَشيئَتِهِ ، وإن زَعَمتَ أنَّ لَكَ مَعَ اللّهِ مَشيئَةً فَقَدِ ادَّعَيتَ مَعَ اللّهِ شِركا في مَشيئَتِهِ . أيُّهَا السّائِلُ ، إنَّ اللّهَ يَشُجُّ ويُداوي فَمِنهُ الدّاءُ ومِنهُ الدَّواءُ ، أعَقَلتَ عَنِ اللّهِ أمرَهُ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : الآنَ أسلَمَ أخوكُم فَقوموا فَصافِحوهُ . (3)
.
ص: 104
2 / 4التَّحذيرُ مِنَ النَّظَرِ فِي القَدَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَثَلُ النّاظِرِ فِي القَدَرِ كَالنّاظِرِ في عَينِ الشَّمسِ ، كُلَّمَا اشتَدَّ نَظَرُهُ فيها ذَهَبَ بَصَرُهُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :النّاظِرُ فِي القَدَرِ كَالنّاظِرِ في عَينِ الشَّمسِ ، كُلَّمَا ازدادَ نَظَرا ازدادَ حَيرَةً . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِتَّقُوا القَدَرَ ؛ فَإِنَّهُ شُعبَةٌ مِنَ النَّصرانِيَّةِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :اُخِّرَ الكَلامُ فِي القَدَرِ ، لِشِرارِ اُمَّتي في آخِرِ الزَّمانِ . (4)
.
ص: 105
بحث حول سرّ القضاء والقدرأورد العلامة المجلسي في بحار الأنوار قول الصدوق رضوان اللّه تعالى عليه : «اعتقادنا في القضاء والقدر قول الصادق عليه السلام لِزُرارَةَ حينَ سألَهُ فقالَ : ما تقولُ في القَضاءِ والقَدَرِ ؟ قالَ : أقولُ : إنَّ اللّهَ تعالى إذا جَمَعَ العِبادَ يَومَ القِيامَةِ سَألَهُم عَمّا عَهِدَ إلَيهِم ، ولَم يَسأَلهُم عَمّا قَضى عَلَيهِم . والكلامُ في القَدَر مَنهيٌّ عَنهُ كما قالَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام لرجُلٍ قد سألَهُ عنِ القَدَرِ : فقالَ : بَحرٌ عَميقٌ فلا تَلِجْهُ ، ثمّ سألَهُ ثانيَةً فقالَ : طَريقٌ مُظلِمٌ فلا تَسلُكْهُ ، ثُمّ سألَهُ ثالثَةً فقالَ : سِرُّ اللّهِ فلا تَتَكَلَّفْهُ . وقالَ أميرُ المؤمنين عليه السلام في القَدَر : ألا إنَّ القَدَرَ سِرٌّ مِن سِرِّ اللّهِ ، وسِترٌ مِن سِترِ اللّهِ ، وحِرزٌ مِن حِرزِ اللّهِ ، مَرفوعٌ في حِجابِ اللّهِ ، مَطوِيٌّ عَن خَلقِ اللّهِ ، مَختومٌ بخاتَمِ اللّهِ ، سابِقٌ في عِلمِ اللّهِ ، وَضَعَ اللّهُ عَنِ العِبادِ عِلمَهُ ، ورَفَعَهُ فَوقَ شَهاداتِهِم ، لِأَ نَّهُم لا يَنالونَهُ بِحَقيقَتِهِ الرَّبّانِيَّةِ ، ولا بِقُدرَتِهِ الصَّمَدانِيَّةِ ، ولا بِعَظَمَتِهِ النّورانِيَّةِ ، ولا بِعِزَّتِهِ الوَحدانِيَّةِ ، لِأَ نّهُ بَحرٌ زاخِرٌ مَوّاجٌ ، خالِصٌ للّهِِ تعالى ، عُمقُهُ ما بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ ، عَرضُهُ ما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، أسوَدُ كَاللَّيلِ الدّامِسِ ، كَثيرُ الحَيّاتِ وَالحيتانِ ، يَعلو مَرَّةً ويَسفُلُ اُخرى ، في قَعرِهِ شَمسٌ تُضيءُ ، لا يَنبَغي أن يَطَّلِعَ إلَيها إلَا الواحِدُ الفَردُ ، فَمَن تَطَلَّعَ علَيها فَقَد ضادَّ اللّهَ في حُكمِهِ ، ونازَعَهُ في سُلطانِهِ، وكَشَفَ عَن سِرِّهِ وسَترِهِ، وباءَ بغَضَبٍ مِنَ اللّهِ ، ومَأواهُ جَهنّمُ، وبئسَ المَصيرُ .
.
ص: 106
وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام عَدَلَ من عندِ حائطٍ مائلٍ إلى مكانٍ آخرَ ، فقيلَ لَهُ : يا أميرَ المؤمنينَ ، تَفِرُّ مِن قَضاءِ اللّهِ؟ ! فقالَ عليه السلام : أفِرُّ مِن قَضاءِ اللّهِ إلى قَدَرِ اللّهِ . وسئلَ الصّادقُ عليه السلام عنِ الرُّقى : هَل تَدفَعُ مِن القَدَرِ شَيئا ؟ فقالَ : «هِي مِن القَدَرِ» (1) . أقول : قال الشيخ المفيد رحمه الله في شرح هذا الكلام : «عمل أبو جعفر رحمه الله في هذا الباب على أحاديث شواذّ لها وجوه يعرفها العلماء متى صحّت وثبت إسنادها ، ولم يقل فيه قولاً محصّلاً ، وقد كان ينبغي له لمّا لم يعرف للقضاء معنى أن يهمل الكلام فيه . والقضاء معروف في اللغة ، وعليه شواهد من القرآن ، فالقضاء على أربعة أضرب : أحدها الخَلق ، والثاني الأمر ، والثالث الإعلام ، والرابع القضاء بالحُكم . فأمّا شاهد الأوّل فقوله تعالى : «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ» ، (2) وأمّا الثاني فقوله تعالى : «وقَضى رَبُّكَ ألّا تَعْبُدُوا إلَا إيّاه» ، (3) وأمّا الثالث فقوله تعالى : «وقَضَيْنا إلى بَني إسْرائيلَ» ، (4) وأمّا الرابع فقوله : «واللّهُ يَقْضِي بالحَقِّ» (5) يعني يفصل بالحكم بالحقّ بين الخلق ، وقوله : «وقُضِيَ بَينَهُم بالحَقِّ» (6) وقد قيل : إنّ للقضاء معنى خامسا وهو الفَراغ من الأمر ، واستشهد على ذلك بقول يوسف عليه السلام : «قُضِيَ الأَمرُ الّذي فيهِ تَستَفْتِيانِ» (7) يعني فُرِغ منه ، وهذا يرجع إلى معنَى الخلق . وإذا ثبت ما ذكرناه في أوجه القضاء بطل قول المُجبّرة : إنّ اللّه تعالى قضى بالمعصية على خلقه ؛ لأ نّه لا يخلو إمّا أن يكونوا يريدون به أنّ اللّه خلق العصيان
.
ص: 107
في خلقه ، فكان يجب أن يقولوا : قضى في خلقه بالعصيان ، ولا يقولوا قضى عليهم ، لأنّ الخلق فيهم لا عليهم ، مع أنّ اللّه تعالى قد أكذَبَ من زعم أ نّه خلقَ المعاصي بقوله سبحانه : «الّذي أحْسَنَ كُلَّ شيءٍ خَلَقَهُ» (1) كما مرّ . ولا وجه لقولهم : قضى بالمعاصي على معنى أمرَ بها ؛ لأ نّه تعالى قد أكذَبَ مدّعي ذلك بقوله : «إنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بالفَحْشاءِ أتقولونَ علَى اللّهِ ما لا تَعلَمونَ» . (2) ولا معنى لقول من زعم أ نّه قضى بالمعاصي على معنى أ نّه أعلم الخلق بها إذ كان الخلق لا يعلمون أ نّهم في المستقبل يطيعون أو يعصون ، ولا يحيطون علما بما يكون منهم في المستقبل علَى التفصيل . ولا وجه لقولهم : إنّه قضى بالذنوب على معنى أ نّه حكَمَ بها بين العباد ، لأنّ أحكام اللّه تعالى حقّ ، والمعاصي منهم ، ولا لذلك فائدة ، وهو لغو باتّفاق ، فبطل قول من زعم أنّ اللّه تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح . والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الّذي بيّناه أنّ للّه تعالى في خلقه قضاء وقدرا ، وفي أفعالهم أيضا قضاء وقدرا معلوما ، ويكون المراد بذلك أ نّه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها ، وفي أفعالهم القبيحة بالنّهي عنها ، وفي أنفسهم بالخلق لها ، وفيما فعله فيهم بالإيجاد له ، والقدر منه سبحانه فيما فعله إيقاعه في حقّه وموضعه ، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر والنهي والثواب والعقاب ، لأنّ ذلك كلّه واقع موقعه ، وموضوع في مكانه لم يقع عبثا ولم يصنع باطلاً . فإذا فسّر القضاء في أفعال اللّه تعالى والقدر بما شرحناه زالت الشبهة منه ، وثبتت الحجّة به ، ووضح القول فيه لذوي العقول ، ولم يلحقه فساد ولا اختلال . فأمّا الأخبار الّتي رواها في النهي عن الكلام في القضاء والقدر فهي تحتمل
.
ص: 108
وجهين : أحدهما : أن يكون النهي خاصّا بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم ويضلّهم عن الدين ولا يصلحهم إلّا الإمساك عنه وترك الخوض فيه ، ولم يكن النهي عنه عامّا لكافّة المكلّفين ، وقد يصلح بعض الناس بشيء يفسد به آخرون ، ويفسد بعضهم بشيء يصلح به آخرون ، فدبّر الأئمّة عليهم السلام أشياعهم في الدِّين بحسب ما علموه من مصالحهم فيه . والوجه الآخر : أن يكون النهي عن الكلام فيهما النهي عن الكلام فيما خلق اللّه تعالى وعن علله وأسبابه وعمّا أمر به وتعبّد ، وعن القول في علل ذلك إذ كان طلب علل الخلق والأمر محظورا ، لأنّ اللّه تعالى سترها من أكثر خلقه ، ألا ترى أ نّه لا يجوز لأحد أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللاً مفصّلات ، فيقول : لِمَ خَلَق كذا وكذا ؟ حتّى يعدّ المخلوقات كلّها ويحصيها ، ولا يجوز أن يقول : لم أمر بكذا وتعبّد بكذا ونهى عن كذا ؟ إذ تعبّده بذلك وأمره لما هو أعلم به من مصالح الخلق ، ولم يطلع أحدا من خلقه على تفصيل ما خلق وأمر به وتعبّد ، وإن كان قد أعلم في الجملة أ نّه لم يخلق الخلق عبثا ، وإنّما خلقهم للحكمة والمصلحة ، ودلّ على ذلك بالعقل والسّمع ، فقال سبحانه : «وما خَلَقْنا السَّماءَ والأَرضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ» (1) وقال : «أفَحَسِبْتُم أ نّما خَلَقناكُم عَبَثا» (2) وقال : «إنّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْناهُ بقَدَرٍ» (3) يعني بحقّ ووضعناه في موضعه ، وقال : «وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إلّا لِيَعبُدونِ» (4) وقال فيما تعبّد : «لَن يَنالَ اللّهَ لُحُومُها ولا دِماؤها ولكِن يَنالُهُ التَّقوى مِنكُم» . (5)
.
ص: 109
وقد يصحّ أن يكون اللّه تعالى خلق حيوانا بعينه لعلمه بأ نَّه يؤمن عند خلقه كفّار ، أو يتوب عند ذلك فسّاق ، أو ينتفع به مؤمنون ، أو يتّعظ به ظالمون ، أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك ، أو يكون عبرة لواحد في الأرض أو في السماء ، وذلك يغيّب عنّا ، وإن قطعنا في الجملة أنّ جميع ما صنع اللّه تعالى إنّما صنعه لأغراض حكميّة ، ولم يصنعه عبثا ، وكذلك يجوز أن يكون تعبّدنا بالصلاة لأ نّها تقرّبنا من طاعته وتبعّدنا عن معصيته ، وتكون العبادة بها لطفا لكافّة المتعبّدين بها أو لبعضهم . فلمّا خفيت هذه الوجوه وكانت مستورة عنّا ولم يقع دليل علَى التفصيل فيها _ وإن كان العلم بأ نَّها حكمة في الجملة _ كان النهي عن الكلام في معنى القضاء والقدر إنّما هو عن طلب علل لها مفصَّلة فلم يكن نهيا عن الكلام في معنَى القضاء والقدر. هذا إن سلمت الأخبار الّتي رواها أبو جعفر رحمه اللّه ، فأمّا إن بطلت أو اختلّ سندها فقد سقط عنّا عهدة الكلام فيها . والحديث الّذي رواه عن زرارة حديث صحيح من بين ما روى ، والمعنى فيه ظاهر ليس به علَى العقلاء خفاء ، وهو مؤيّد للقول بالعدل ، ألا ترى إلى ما رواه عن أبي عبداللّه عليه السلام من قوله : إذا حَشَرَ اللّهُ تعالى الخَلائقَ سَألَهُم عَمّا عَهِدَ إلَيهِم ولم يَسألْهم عَمّا قَضى علَيهِم . وقد نطق القرآن بأنّ الخلق مسؤولون عن أعمالهم» . (1)
راجع : ص 86 (النهي عن البحث عن سرّ القدر) .
.
ص: 110
. .
ص: 111
الفصل الثّالِثُ : خصائص القضاء والقدر3 / 1الخِلقَةُالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ القَضاءَ وَالقَدَرَ خَلقانِ مِن خَلقِ اللّهِ ، وَاللّهُ يَزيدُ فِي الخَلقِ ما يَشاءُ . (1)
3 / 2الحُسنُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: هُوَ العَزيزُ الغَفورُ ، جَميلُ الثَّناءِ ، حَسَنُ البَلاءِ ، سَميعُ الدُّعاءِ ، حَسَنُ القَضاءِ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي المَحذوراتِ _: اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلى حُسنِ قَضائِكَ ، وبِما صَرَفتَ عَنّي مِن بَلائِكَ ، فَلا تَجعَل حَظّي مِن رَحمَتِكَ ما عَجَّلتَ لي
.
ص: 112
مِن عافِيَتِكَ ، فَأَكونَ قَد شَقيتُ بِما أحبَبتُ وسَعِدَ غَيري بِما كَرِهتُ . (1)
3 / 3الحِكمَةُالإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَتِهِ المَعروفَةِ بِ (خُطبَةِ الأَشباحِ) _: قَدَّرَ ما خَلَقَ فَأَحكَمَ تَقديرَهُ . (2)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: سُبحانَكَ ما أعظَمَ شَأنَكَ ، وأعلى مَكانَكَ ، وأنطَقَ بِالصِّدقِ بُرهانَكَ ، وأنفَذَ أمرَكَ ، وأحسَنَ تَقديرَكَ ، سَمَكتَ (3) السَّماءَ فَرَفَعتَها ، ومَهَّدتَ الأَرضَ فَفَرَشتَها ، وأخرَجتَ مِنها ماءً ثَجّاجا (4) ، ونَباتا رَجراجا (5) ، فَسَبَّحَكَ نَباتُها ، وجَرَت بِأَمرِك مِياهُها ، وقاما عَلى مُستَقَرِّ المَشِيَّةِ كَما أمَرتَهُما . (6)
عنه عليه السلام_ في عَظَمَةِ اللّهِ سُبحانَهُ _: أمرُهُ قَضاءٌ وحِكمَةٌ ، ورِضاهُ أمانٌ ورَحمَةٌ ، يَقضي بِعِلمٍ ويَعفو بِحِلمٍ . (7)
عنه عليه السلام_ في وَصفِ عِلمِ اللّهِ وقُدرَتِهِ _: لَم يَؤُدهُ (8) خَلقُ مَا ابتَدَأَ ، ولا تَدبيرُ ما ذَرَأَ ، ولا وَقَفَ بِهِ عَجزٌ عَمّا خَلَقَ ، ولا وَلَجَت عَلَيهِ شُبهَةٌ فيما قَضى وقَدَّرَ ، بَل قَضاءٌ مُتقَنٌ ،
.
ص: 113
وعِلمٌ مُحكَمٌ ، وأمرٌ مُبرَمٌ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ بَني إسرائيلَ أتَوا موسى عليه السلام ، فَسَأَلوهُ أن يَسأَلَ اللّهَ عز و جل أن يُمطِرَ السَّماءَ عَلَيهِم إذا أرادوا ، ويَحبِسَها إذا أرادوا ، فَسَأَلَ اللّهَ عز و جل ذلِكَ لَهُم . فَقالَ اللّهُ عز و جل : ذلِكَ لَهُم يا موسى ، فَأَخبَرَهُم موسى فَحَرَثوا ولَم يَترُكوا شَيئا إلّا زَرَعوهُ ، ثُمَّ استَنزَلُوا المَطَرَ عَلى إرادَتِهِم ، وحَبَسوهُ عَلى إرادَتِهِم ، فَصارَت زُروعُهُم كَأَنَّهَا الجِبالُ وَالآجامُ (2) ، ثُمَّ حَصَدوا وداسوا وذَرّوا فَلَم يَجِدوا شَيئا ! فَضَجّوا إلى موسى عليه السلام وقالوا : إنَّما سَأَلناكَ أن تَسأَلَ اللّهَ أن يُمطِرَ السَّماءَ عَلَينا إذا أرَدنا فَأَجابَنا ، ثُمَّ صَيَّرَها عَلَينا ضَرَرا ! فَقالَ : يا رَبِّ إنَّ بَني إسرائيلَ ضَجّوا مِمّا صَنَعتَ بِهِم ، فَقالَ : ومِمَّ ذاكَ يا موسى ؟ قالَ : سَأَلوني أن أسأَلَكَ أن تُمطِرَ السَّماءَ إذا أرادوا وتَحبِسَها إذا أرادوا فَأَجَبتَهُم ثُمَّ صَيَّرتَها عَلَيهِم ضَرَرا ! فَقالَ : يا موسى ، أنَا كُنتُ المُقَدِّرَ لِبَني إسرائيلَ فَلَم يَرضَوا بِتَقديري ، فَأَجَبتُهُم إلى إرادَتِهِم فَكانَ ما رَأَيتَ . (3)
3 / 4العَدلُالكافي عن أحمد بن محمّد بن خالد رفعه قال :أتى جَبرَئيلُ عليه السلام إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ :
.
ص: 114
إنَّ رَبَّكَ يَقولُ لَكَ : إذا أرَدتَ أن تَعبُدَني يَوما ولَيلَةً حَقَّ عِبادَتي فَارفَع يَدَيكَ إلَيَّ وقُل : ... اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حَمدا أبَدا ، أنتَ حَسَنُ البَلاءِ ، جَليلُ الثَّناءِ ، سابِغُ (1) النَّعماءِ ، عَدلُ القَضاءِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ في تَحميدِ اللّهِ سُبحانَهُ _: الَّذي عَظُمَ حِلمُهُ فَعَفا ، وعَدَلَ في كُلِّ ما قَضى . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: جَميلُ الثَّناءِ ، حَسَنُ البَلاءِ ، سَميعُ الدُّعاءِ ، عَدلُ القَضاءِ ، يَخلُقُ كَيفَ يَشاءُ ، ويَفعَلُ ما يَشاءُ . (4)
عنه عليه السلام :لا يَجري [أيِ الحَقُّ] لِأَحَدٍ إلّا جَرى عَلَيهِ ، ولا يَجري عَلَيهِ إلّا جَرى لَهُ ، ولَو كانَ لِأَحَدٍ أن يَجرِيَ ذلِكَ لَهُ ولا يَجرِيَ عَلَيهِ لَكانَ ذلِكَ للّهِِ عز و جل خالِصا دونَ خَلقِهِ ؛ لِقُدرَتِهِ عَلى عِبادِهِ ، ولِعَدلِهِ في كُلِّ ما جَرَت عَلَيهِ ضُروبُ قَضائِهِ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ _: لا أمرَ لي مَعَ أمرِكَ ، ماضٍ فِيَّ حُكمُكَ ، عَدلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ ، ولا قُوَّةَ لي عَلَى الخُروجِ مِن سُلطانِكَ . (6)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: ... عَدلاً مِن قَضائِكَ لا تَجورُ فيهِ ، وإنصافا مِن حُكمِكَ
.
ص: 115
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي حَلَلتُ بِساحَتِكَ لِمَعرِفَتي بِوَحدانِيَّتِكَ . . . فَأَسأَلُكَ ... أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأن تَقضِيَ لى حاجَتي ، وتُيَسِّرَ لي عَسيرَها ، وتَفتَحَ لي قُفلَها ، وتَكفِيَني هَمَّها ، فَإِن فَعَلتَ فَلَكَ الحَمدُ ، وإن لَم تَفعَل فَلَكَ الحَمدُ ، غَيرَ جائِرٍ في حُكمِكَ ، ولا مُتَّهَمٍ في قَضائِكَ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: قَضَى اللّهُ أمرا وجَفَّ القَلَم وفيما قَضى رَبُّنا ما ظَلَم فَفِي الأَمرِ ما خانَ لَمّا قَضى وفِي الحُكمِ ما جارَ لَمّا حَكَم بَدا أوَّلاً خَلقَ أرزاقِنا فَقَد كانَ أرواحُنا فِي العَدَم (4)
راجع : ص 111 (الفصل الثالث : خصائص القضاء والقدر) .
3 / 5الخِيَرَةُ لِلمُؤمِنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :في كُلِّ قَضاءِ اللّهِ عز و جل خِيَرَةٌ لِلمُؤمِنِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :اِختِيارُ اللّهِ لِلعَبدِ ما يَسوؤُهُ ، خَيرٌ مِنِ اختِيارِهِ لِنَفسِهِ ما يَسُرُّهُ . (6)
.
ص: 116
عنه صلى الله عليه و آله :عَجَبا لِلمُؤمِنِ لا يَقضِي اللّهُ عَلَيهِ قَضاءً إلّا كانَ خَيرا لَهُ ، سَرَّهُ أو ساءَهُ ، إنِ ابتَلاهُ كانَ كَفَّارَةً لِذَنبِهِ ، وإن أعطاهُ وأكرَمَهُ كانَ قَد حَباهُ (1) . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :عَجِبتُ لِلمُؤمِنِ ، إنَّ اللّهَ لَم يَقضِ قَضاءً إلّا كانَ خَيرا لَهُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :عَجَبا لِأَمرِ المُؤمِنِ ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ ، ولَيسَ ذاكَ لِأَحَدٍ إلّا لِلمُؤمِنِ ، إن أصابَتهُ سَرّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيرا لَهُ ، وإن أصابَتهُ ضَرّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيرا لَهُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :المُؤمِنُ كُلٌّ لَهُ فيهِ خَيرٌ ، ولَيسَ ذاكَ لِأَحَدٍ إلّا لِلمُؤمِنِ ، إن أصابَهُ سَرّاءُ فَشَكَرَ اللّهَ فَلَهُ أجرٌ ، وإن أصابَهُ ضَرّاءُ فَصَبَرَ فَلَهُ أجرٌ ، فَكُلُّ قَضاءِ اللّهِ لِلمُسلِمينَ خَيرٌ . (5)
المعجم الكبير عن صهيب :صَلَّيتُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إحدى صَلاتَيِ العِشاءِ ، فَلَمَّا انصَرَفَ أقبَلَ إلَينا بِوَجهِهِ ضاحِكا فَقالَ : ألا تَسأَلُونِّي مِمَّ ضَحِكتُ ؟ قالوا : اللّهُ ورَسولُهُ أعلَمُ . قالَ : عَجِبتُ مِن قَضاءِ اللّهِ لِلعَبدِ المُسلِمِ ، إنَّ كُلَّ ما قَضَى اللّهُ لَهُ خَيرٌ ، ولَيسَ أحَدٌ
.
ص: 117
كُلُّ قَضاءِ اللّهِ لَهُ خَيرٌ ، إلَا العَبدُ المُسلِمُ . (1)
مسند ابن حنبل عن صهيب :بَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قاعِدٌ مَعَ أصحابِهِ إذ ضَحِكَ فَقالَ : ألا تَسأَلُونِّي مِمَّ أضحَكُ ؟ قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، ومِمَّ تَضحَكُ ؟ قالَ : عَجِبتُ لِأَمرِ المُؤمِنِ ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ ، إن أصابَهُ ما يُحِبُّ ، حَمِدَ اللّهَ وكانَ لَهُ خَيرٌ ، وإن أصابَهُ ما يَكرَهُ ، فَصَبَرَ كانَ لَهُ خَيرٌ ، ولَيسَ كلُّ أحَدٍ أمرُهُ كُلُّهُ لَهُ خَيرٌ ، إلَا المُؤمِنُ . (2)
التوحيد عن عبد اللّه بن مسعود :بَينَما نَحنُ عِندَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذ تَبَسَّمَ ، فَقُلتُ لَهُ : ما لَكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : عَجِبتُ مِنَ المُؤمِنِ وجَزَعِهِ مِنَ السُّقمِ (3) ، ولَو يَعلَمُ ما لَهُ فِي السُّقمِ مِنَ الثَّوابِ ، لَأَحَبَّ أن لا يَزالَ سَقيما حَتّى يَلقى رَبَّهُ عز و جل . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :ضَحِكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذاتَ يَومٍ حَتّى بَدَت نَواجِذُهُ (5) ، ثُمَّ قالَ : ألا تَسأَلُونّي مِمَّ ضَحِكتُ ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : عَجِبتُ لِلمَرءِ المُسلِمِ ، أنَّهُ لَيسَ مِن قَضاءٍ يَقضيهِ اللّهُ عز و جل إلّا كانَ خَيرا لَهُ في عاقِبَةِ أمرِهِ . (6)
.
ص: 118
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :المُؤمِنُ بِخَيرٍ عَلى كُلِّ حالٍ ، تُنزَعُ نَفسُهُ مِن بَينِ جَنبَيهِ وهُوَ يَحمَدُ اللّهَ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ العَبدَ المُؤمِنَ لَيَطلُبُ الإِمارَةَ وَالتِّجارَةَ ، حَتّى إذا أشرَفَ مِن ذلِكَ عَلى ما كانَ يَهوى ، بَعَثَ اللّهُ مَلَكا وقالَ لَهُ : عُق (2) عَبدي وصُدَّهُ عَن أمرٍ لَوِ استَمكَنَ مِنهُ أدخَلَهُ النّارَ . فَيُقبِلُ المَلَكُ فَيَصُدُّهُ بِلُطفِ اللّهِ فَيُصبِحُ وهُوَ يَقولُ : لَقَد دُهيتُ ومَن دَهاني فَعَلَ اللّهُ بِهِ . وقالَ: ما يَدري أنَّ اللّهَ النّاظِرُ لَهُ في ذلِكَ ، ولَو ظَفِرَ بِهِ أدخَلَهُ النّارَ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ عز و جل : إنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ عِبادا لا يَصلُحُ لَهُم أمرُ دينِهِم إلّا بِالغِنى وَالسَّعَةِ وَالصِّحَّةِ فِي البَدَنِ ، فَأَبلوهُم (4) بِالغِنى وَالسَّعَةِ وصِحَّةِ البَدَنِ ، فَيَصلُحُ عَلَيهِم أمرُ دينِهِم . وإنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَعِبادا لا يَصلُحُ لَهُم أمرُ دينِهِم ، إلّا بِالفاقَةِ وَالمَسكَنَةِ وَالسُّقمِ في أبدانِهِم ، فَأَبلوهُم بِالفاقَةِ وَالمَسكَنَةِ وَالسُّقمِ ، فَيَصلُحُ عَلَيهِم أمرُ دينِهِم . (5)
عنه صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام :قالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : مَن أهانَ وَلِيّا لي فَقَد بارَزَني بِالمُحارَبَةِ ، وما تَرَدَّدتُ في شَيءٍ أنَا فاعِلُهُ ، مِثلِ ما تَرَدَّدتُ في قَبضِ نَفسِ
.
ص: 119
المُؤمِنِ ، يَكرَهُ المَوتَ وأكرَهُ مَساءَتَهُ ، ولابُدَّ لَهُ مِنهُ . وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبدي بِمِثلِ أداءِ مَا افتَرَضتُ عَلَيهِ ، ولا يَزالُ عَبدي يَتَنَفَّلُ (1) لي حَتّى اُحِبَّهُ ، ومَتى أحبَبتُهُ كُنتُ لَهُ سَمعا وبَصَرا ويَدا ومُؤَيِّدا ، إن دَعاني أجَبتُهُ ، وإن سَأَلَني أعطَيتُهُ . وإنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن يُريدُ البابَ مِنَ العِبادَةِ فَأَكُفُّهُ عَنهُ ، لِئَلّا يَدخُلَهُ عُجبٌ فَيُفسِدَهُ ذلِكَ ، وإنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن لا يَصلُحُ إيمانُهُ إلّا بِالفَقرِ ولَو أغنَيتُهُ لَأَفسَدَهُ ذلِكَ ، وإنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن لا يَصلُحُ إيمانُهُ إلّا بِالغَناءِ ولَو أفقَرتُهُ لَأَفسَدَهُ ذلِكَ ، وإنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن لا يَصلُحُ إيمانُهُ إلّا بِالسُّقمِ ولَو صَحَّحتُ جِسمَهُ لَأَفسَدَهُ ذلِكَ ، وإنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن لا يَصلُحُ إيمانُهُ إلّا بِالصِّحَّةِ ولَو أسقَمتُهُ لَأَفسَدَهُ ذلِكَ ، إنّي اُدَبِّرُ عِبادي لِعِلمي بِقُلوبِهِم ، فَإِنّي عَليمٌ خَبيرٌ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ _: عَفوُكَ تَفَضُّلٌ ، وعُقوبَتُكَ عَدلٌ ، وقَضاؤُكَ خِيَرَةٌ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :ما اُبالي أصبَحتُ فَقيرا أو مَريضا أو غَنِيّا ؛ لِأَنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : لا أفعَلُ بِالمُؤمِنِ إلّا ما هُوَ خَيرٌ لَهُ . (4)
.
ص: 120
الإمام الصادق عليه السلام :ما قَضَى اللّهُ لِمُؤمِنٍ قَضاءً فَرَضِيَ بِهِ ، إلّا جَعَلَ اللّهُ لَهُ الخِيَرَةَ فيما يَقضي . (1)
عنه عليه السلام :قالَ اللّهُ عز و جل : عَبدِيَ المُؤمِنُ لا أصرِفُهُ في شَيءٍ إلّا جَعَلتُهُ خَيرا لَهُ ، فَليَرضَ بِقَضائي ، وَليَصبِر عَلى بَلائي ، وَليَشكُر نَعمائي ، أكتُبهُ _ يا مُحَمَّدُ _ مِنَ الصِّدّيقينَ عِندي . (2)
عنه عليه السلام :إنَّ المُؤمِنَ لَو أصبَحَ لَهُ ما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، كانَ ذلِكَ خَيرا لَهُ ، ولَو أصبَحَ مُقَطَّعا أعضاؤُهُ ، كانَ ذلِكَ خَيرا لَهُ . (3)
عنه عليه السلام :ما سَدَّ اللّهُ عز و جل عَلى مُؤمِنٍ بابَ رِزقٍ ، إلّا فَتَحَ اللّهُ لَهُ ما هُوَ خَيرٌ مِنهُ . (4)
عنه عليه السلام :إنَّ فيما أوحَى اللّهُ عز و جل إلى موسَى بنِ عِمرانَ عليه السلام : يا موسَى بنَ عِمرانَ ، ما خَلَقتُ خَلقا أحَبَّ إلَيَّ مِن عَبدِيَ المُؤمِنِ ، فَإِنّي إنَّما أبتَليهِ لِما هُوَ خَيرٌ لَهُ ، واُعافيهِ لِما هُوَ خَيرٌ لَهُ ، وأزوي (5) عَنهُ ما هُوَ شَرٌّ لَهُ لِما هُوَ خَيرٌ لَهُ ، وأنَا أعلَمُ بِما يَصلُحُ عَلَيهِ عَبدي ، فَليَصبِر عَلى بَلائي ، وَليَشكُر نَعمائي ، وَليَرضَ بِقَضائي ، أكتُبهُ فِي الصِّدّيقينَ عِندي ، إذا عَمِلَ بِرِضائي وأطاعَ أمري . (6)
.
ص: 121
عنه عليه السلام :عَجِبتُ لِلمَرءِ المُسلِمِ لا يَقضِي اللّهُ عز و جل لَهُ قَضاءً إلّا كانَ خَيرا لَهُ ، وإن قُرِّضَ بِالمَقاريضِ كانَ خَيرا لَهُ ، وإن مَلَكَ مَشارِقَ الأَرضِ ومَغارِبَها كانَ خَيرا لَهُ . (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :المُؤمِنُ بِعُرضِ (2) كُلِّ خَيرٍ ، لَو قُطِّعَ أنمَلَةً أنمَلَةً (3) ، كانَ خَيرا لَهُ ، ولَو وُلِّيَ شَرقَها وغَربَها ، كانَ خَيرا لَهُ . (4)
حلية الأولياء عن خزيمة بن محمّد العابد :مَرَّ نَبِيٌّ مِنَ الأَنبِياءِ بِرَجُلٍ قَد نَبَذَهُ أهلُهُ مِنَ البَلاءِ ، فَقالَ : يا رَبِّ ، هذا عَبدُكَ لَو نَقَلتَهُ مِن حالِهِ . فَأَوحَى اللّهُ تَعالى إلَيهِ : أن سَلهُ أيُحِبُّ أن أنقُلَهُ؟ قالَ : يا هذا ، ما تُحِبُّ أن يَنقُلَكَ مِن حالِكَ هذِهِ إلى غَيرِها؟ فَقالَ الرَّجُلُ : أتَخَيَّرُ عَلَى اللّهِ؟ ذلِكَ إلَيهِ . (5)
.
ص: 122
. .
ص: 123
الفصل الرّابِعُ : أصناف القضاء والقدر وأحكامهما4 / 1القَضاءُ المَوقوفُ وَالمَحتومُالكتاب«يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . (1)
«وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَ_نًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَ وَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَ_مَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :... أمرُ اللّهِ يَجري إلى قَضائِهِ ، وقَضاؤُهُ يَجري إلى قَدَرِهِ ، ولِكُلِّ قَضاءٍ قَدَرٌ ولِكُلِّ قَدَرٍ أجَلٌ ، ولِكُلِّ أجَلٍ كِتابٌ «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . (3)
.
ص: 124
تفسير القمّي :قَولُهُ : «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ» قالَ : قالوا قَد فَرَغَ اللّهُ مِنَ الأَمرِ ، لا يُحدِثُ اللّهُ غَيرَ ما قَد قَدَّرَهُ فِي التَّقديرِ الأَوَّلِ ، فَرَدَّ اللّهُ عَلَيهِم فَقالَ : بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشاءُ ؛ أي يُقَدِّمُ ويُؤَخِّرُ ويَزيدُ ويَنقُصُ ، ولَهُ البَداءُ وَالمَشِيَّةُ . (1)
الكافي عن سهل بن زياد وإسحاق بن محمّد وغيرهما رفعوه :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام جالِسا بِالكوفَةِ بَعدَ مُنصَرَفِهِ مِن صِفّينَ ، إذ أقبَلَ شَيخٌ فَجَثا بَينَ يَدَيهِ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَن مَسيرِنا إلى أهلِ الشّامِ ، أبِقَضاءٍ مِنَ اللّهِ وقَدَرٍ؟ فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أجَل يا شَيخُ ، ما عَلَوتُم تَلعَةً (2) ، ولا هَبَطتُم بَطنَ وادٍ ، إلّا بِقَضاءٍ مِنَ اللّهِ وقَدَرٍ . فَقالَ لَهُ الشَّيخُ : عِندَ اللّهِ أحتَسِبُ عَنائي يا أميرَ المُؤمِنينَ! فَقالَ لَهُ : مَه يا شَيخُ! فَوَاللّهِ لَقَد عَظَّمَ اللّهُ الأَجرَ في مَسيرِكُم وأنتُم سائِرونَ ، وفي مَقامِكُم وأنتُم مُقيمونَ ، وفي مُنصَرَفِكُم وأنتُم مُنصَرِفونَ ، ولَم تَكونوا في شَيءٍ مِن حالاتِكُم مُكرَهينَ ولا إلَيهِ مُضطَرّينَ . فَقالَ لَهُ الشَّيخُ : وكَيفَ لَم نَكُن في شَيءٍ مِن حالاتِنا مُكرَهينَ ولا إلَيهِ مُضطَرّينَ وكانَ بِالقَضاءِ وَالقَدَرِ مَسيرُنا ومُنقَلَبُنا ومُنصَرَفُنا؟! فَقالَ لَهُ : وتَظُنُّ أنَّهُ كانَ قَضاءً حَتما وقَدَرا لازِما؟ إنَّهُ لَو كانَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوابُ وَالعِقابُ ، وَالأَمرُ وَالنَّهيُ ، وَالزَّجرُ مِنَ اللّهِ ، وسَقَطَ مَعنَى الوَعدِ وَالوَعيدِ ، فَلَم تَكُن لائِمَةٌ لِلمُذنِبِ ولا مَحمَدَةٌ لِلمُحسِنِ ، ولَكانَ المُذنِبُ أولى بِالإِحسانِ مِنَ المُحسِنِ ،
.
ص: 125
ولَكانَ المُحسِنُ أولى بِالعُقوبَةِ مِنَ المُذنِبِ ، تِلكَ مَقالَةُ إخوانِ عَبَدَةِ الأَوثانِ ، وخُصَماءِ الرَّحمنِ ، وحِزبِ الشَّيطانِ ، وقَدَرِيَّةِ هذِهِ الاُمَّةِ ومَجوسِها . إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى كَلَّفَ تَخييرا ، ونَهى تَحذيرا ، وأعطى عَلَى القَليلِ كَثيرا ، ولَم يُعصَ مَغلوبا ، ولَم يُطَع مُكرِها ، ولَم يُمَلِّك مُفَوِّضا ، ولَم يَخلُقِ السَّماواتِ وَالأَرضَ وما بَينَهُما باطِلاً ، ولَم يَبعَثِ النَّبِيّينَ مُبَشِّرينَ ومُنذِرينَ عَبَثا «ذَ لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ» (1) . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :مِنَ الاُمورِ اُمورٌ مَوقوفَةٌ عِندَ اللّهِ ، يُقَدِّمُ مِنها ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ مِنها ما يَشاءُ . (3)
الكافي عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام_ وقَد سُئِلَ عَن لَيلَةِ القَدرِ _: تَنَزَّلُ فيهَا المَلائِكَةُ وَالكَتَبَةُ إلَى السَّماءِ الدُّنيا ، فَيَكتُبونَ ما يَكونُ في أمرِ السَّنَةِ وما يُصيبُ العِبادَ ، وأمرُهُ عِندَهُ] عز و جل[ مَوقوفٌ لَهُ وفيهِ المَشيئَةُ ، فَيُقَدِّمُ مِنهُ ما يَشاءُ ويُؤَخِّرُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويَمحو ويُثبِتُ وعِندَهُ اُمُّ الكِتابِ . (4)
الإمام الباقر عليه السلام :مِن الاُمورِ اُمورٌ مَحتومَةٌ كائِنَةٌ لا مَحالَةَ ، ومِنَ الاُمورِ اُمورٌ مَوقوفَةٌ
.
ص: 126
عِندَ اللّهِ ، يُقَدِّمُ فيها ما يَشاءُ ويَمحو ما يَشاءُ ، ويُثبِتُ مِنها ما يَشاءُ ، لَم يُطلِع عَلى ذلِكَ أحَدا _ يَعنِي المَوقوفَةَ _ فَأَمّا ما جاءَت بِهِ الرُّسُلُ فَهِيَ كائِنَةٌ ، لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ولا نَبِيَّهُ ولا مَلائِكَتَهُ . (1)
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ تَعالى : «وَ لَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا» (2) _: إنَّ عِندَ اللّهِ كُتُبا مَوقوتَةً (3) يُقَدِّمُ مِنها ما يَشاءُ ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ ، فَإِذا كانَ لَيلَةُ القَدرِ ، أنزَلَ اللّهُ فيها كُلَّ شَيءٍ يَكونُ إلى لَيلَةٍ مِثلِها ، فَذلِكَ قَولُهُ : «وَ لَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا» إذا أنزَلَهُ وكَتَبَهُ كُتّابُ السَّماواتِ وهُوَ الَّذي لا يُؤَخِّرُهُ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل أخبَرَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِما كانَ مُنذُ كانَتِ الدُّنيا ، وبِما يَكونُ إلَى انقِضاءِ الدُّنيا ، وأخبَرَهُ بِالمَحتومِ مِن ذلِكَ ، وَاستَثنى عَلَيهِ فيما سِواهُ . (5)
الغيبة عن عبد اللّه بن سنان :سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام _ وذَكَرَ البَداءَ للّهِِ _ فَقالَ : فَما أخرَجَ اللّهُ إلَى المَلائِكَةِ ، وأخرَجَهُ المَلائِكَةُ إلَى الرُّسُلِ ، فَأَخرَجَهُ الرُّسُلُ إلَى الآدَمِيّينَ ، فَلَيسَ فيهِ بَداءٌ وإنَّ مِنَ المَحتومِ أنَّ ابني هذا هُوَ القائِمُ (6) . (7)
راجع : ص 89 (القضاء والقدر المحتومان والموقوفان) .
.
ص: 127
كلام فيما يظهر منه نفي القضاء الموقوفتدلّ أحاديث الباب السابق بوضوح على أنّ القضاء الإلهي ومقدّراته على نوعين: القضاء المحتوم الّذي لا يمكن تغييره ، والقضاء غير المحتوم الّذي من الممكن أن يتغيّر ؛ ولكن هناك إزاء هذه الأحاديث، روايات أُخرى تدلّ في الظاهر على نفي القضاء الموقوف وغير المحتوم ، ونتيجتها انحصار القضاء في القضاء المحتوم . طوائف هذه الأحاديث : يمكن تقسيم هذه الأحاديث إلى عدّة مجاميع : المجموعة الاُولى : الأحاديث الّتي تؤكّد أنّ قلم التقدير الإلهي قد عيّن كلّ ما يحدث حتّى القيامة وأنّ هذه الكتابة قد جفّت ، وهو إشارة إلى أنّ المقدّرات الإلهيّة محددة وغير قابلة للتغيير حتّى القيامة، وتسمّى هذه الطائفة من الروايات بأحاديث «جفّ القلم»، مثل مارواه ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال له : إذا سَأَلتَ فَسَلِ اللّهَ ، وَإذا استَعَنتَ فَاستَعِن بِاللّهِ ، فَقَد جَفَّ القَلَمُ بِما هُوَ كان (إلى) يَومِ القِيامَةِ ، فَلَو جَهَدَ الخَلائِقُ أن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لَم يَكتُبهُ اللّهُ لَكَ لَم يَقدِرُوا عَلى ذلِكَ ، وَلَو جَهَدَ الخَلائِقُ أن يَضُرّوكَ بِشَيءٍ لَم يَكتُبهُ اللّهُ عَلَيكَ لَم يَقدِروا عَلى ذلِكَ . (1)
.
ص: 128
كما نقل عن أبي هريرة أنّه قال: قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ إنّي رَجُلٌ شابٌّ ، وأَنَا أَخَافُ عَلى نَفسِي العَنَتَ ، ولا أَجِدُ ما أَتَزَوَّجُ بِهِ النّساءَ ، فَسَكَتَ عَنّي ، ثُمَّ قُلتُ مِثلَ ذلِكَ ، فَسَكَتَ عَنّي ، ثُمَّ قُلتُ مِثلَ ذلِكَ ، فَسَكَتَ عَنّي ، ثُمَّ قُلتُ مِثلَ ذلِكَ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا أَبا هُرَيرَةَ ، جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنتَ لاقٍ ، فَاختَصِ عَلَى ذلِكَ أَو ذَر . (1) وروي عن عبداللّه بن عمر ، أنه قال : سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ : إنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ خَلقَهُ في ظُلمَةٍ ، فَأَلقى عَلَيهِم مِن نورِهِ ، فَمَن أَصابَهُ مِن ذلِكَ النُّورِ اهتَدى ، ومَن أخطَأَهُ ضَلَّ ، فَلِذلِكَ أقولُ : جَفَّ القَلَمُ عَلى عِلمِ اللّهِ . (2) ونقل عن سراقة بن مالك أنّه قال : قلت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : أَنَعمَلُ عَلى ما قَد جَفَّ بِهِ القَلَمُ وجَرَت بِهِ المَقاديرُ أو لِأَمرٍ مُستَقبَلٍ ؟ قالَ : يا سُراقَةُ ، اِعمَل لِما جَفَّ بِهِ القَلَمُ وَجَرَت بِهِ المَقاديرُ ، فَإِنَّ كُلًا مُيَسَّرٌ . (3) كما جاء في كتاب علل الشرائع: هبط جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ... قال : . . . يا مُحَمَّدُ ، وَيلٌ لِوُلدِكَ مِن وُلدِ العَبّاسِ . فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلَى العَبّاسِ فَقالَ : يا عَمُّ ، وَيلٌ لِوُلدي مِن وُلدِكَ ! فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ أفَأَجُبُّ نَفسي ؟ قالَ : جَفَّ القَلَمُ بِمَا فِيهِ . (4) المجموعة الثانية : الأحاديث الّتي تدلّ على أنّ عددا من الناس خُلقوا للجنّة
.
ص: 129
وخُلق عدد آخر منهم للنار ، وكلّ واحد منهم لايمكنه فعل إلّا ما خُلق له ، بمعنى أنّ أصحاب الجنّة لا يوفّقون إلّا للقيام بالأعمال الّتي تقودهم إلى الجنّة ، فيما يوفّق أصحاب النار للأعمال الّتي تجعلهم يستحقّون نار جهنّم ، كما يروي عمران بن حصين ذلك قائلاً : قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أعُلِمَ أهلُ الجَنَّةِ مِن أهلِ النَارِ؟ قالَ : فَقالَ : نَعَم ، قالَ : قيلَ : فَفيمَ يَعمَلُ العامِلونَ؟ قالَ : كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ . (1) ونقل في سنن أبي داوود عن عبداللّه بن عمر ، أنّ رجلاً سأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا رَسولَ اللّهِ فيما نَعمَلُ؟ أفي شَيءٍ قَد خَلا أو مَضى ، أو في شَيءٍ يُستَأنَفُ الآنَ؟ قالَ : في شَيءٍ قَد خَلا وَمَضى . قالَ الرَجُلُ أو بَعضُ القَومِ : فَفيمَ العَمَلُ؟ قالَ : إنَّ أهلَ الجَنَّةِ يُيَسَّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ الجَنَّةِ ، وَإنَّ أَهلَ النّارِ يُيَسَّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ النّارِ» . (2) وروى صحيح البخاريّ عن أبي عبدالرحمن السلمي عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله في جَنازَةٍ ، فَأَخَذَ شَيئا فَجَعَلَ يَنكُتُ بِهِ الأَرضَ ، فَقالَ : ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلّا وَقَد كُتِبَ مَقعَدُهُ مِنَ النّارِ وَمَقعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ . قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، أفَلا نَتَّكِلُ عَلى كِتابنا ونَدَعُ العَمَلَ؟ قالَ : اِعمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ ، أمّا مَن كانَ مِن أهلِ السَّعادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهلِ السَّعادَةِ ، وأمّا مَن كانَ مِن أهلِ الشَّقاوَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهلِ الشَّقاوَةِ . ثُمَّ قَرَأَ : «فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَ اتَّقَى * وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى» (3) . (4) المجموعة الثالثة : الأحاديث الّتي تعتبر في الظاهر سعادة البشر وشقاءهم أمرا مقدّرا ومفروغا منه ، ومع ذلك فإنّها توصي بالعمل مستدلّةً بأنّ الذين هم أهل
.
ص: 130
السعادة يوفّقون للأعمال الّتي توصلهم إلى سعادتهم المقدّرة ، وأمّا أهل الشقاء فإنّهم يوفّقون للأعمال الّتي تنتهي بهم إلى مصيرهم المشؤوم ، مثل ما نقل عن عمر بن الخطّاب من أنّه قال للنّبيّ صلى الله عليه و آله : يا رسولَ اللّهِ ، أرَأَيتَ ما نَعمَلُ فيهِ أمرٌ مُبتَدَعٌ أو مُبتَدَأٌ أو أمرٌ قَد فُرِغَ مِنهُ؟ قالَ : أَمرٌ قَد فُرِغَ مِنهُ ، فَاعمَل يَابنَ الخَطّابِ ، فَإِنَّ كُلّاً مُيَسَّرٌ ، فَأَمّا مَن كانَ مِن أهلِ السَّعادَةِ فَإِنَّهُ يَعمَلُ لِلسَّعادَةِ ، وَمَن كانَ مِن أهلِ الشَّقاءِ فَإِنَّهُ يَعمَلُ لِلشَّقاءِ . (1) المجموعة الرابعة : الأحاديث الّتي تقول : إنّ لكلّ إنسان مقدّرات خاصّة من الناحية المادّية ، وإنّ مقدارا معيّنا من الإمكانيات المادّية قد خلق له ، وسوف يصل إليه بالإجمال والاعتدال في طلب الرزق ، وإنّ الحرص والسعي الزائدين عن الحدّ سوف لايزيدان منه شيئا ، مِثل ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله من أنّه قال : أَجمِلُوا في طَلَبِ الدُّنيا فَإِنَّ كُلًا مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ مِنها . (2) المجموعة الخامسة : الأحاديث الّتي تقول : إنّ اللّه فرغ من تقدير أعمال جميع البشر وآجالهم وآثارهم ومضاجعهم ورزقهم ، ولذلك فإنّ أحدا لا يمكنه أن يخرج من دائرة المقدّرات الإلهيّة ، مثل ماروي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : فَرَغَ اللّهُ إلى كُلِّ عَبدٍ مِن خَمسٍ : مِن عَمَلِهِ وَأجَلِهِ وَأثَرِهِ وَمَضجَعِهِ وَرِزقِهِ ، لا يَتَعَدّاهُنَّ عَبدٌ . (3) ملاحظات لفهم الأحاديث المذكورة لبيان هذه الأحاديث ، من الضروريّ الالتفات إلى ثلاث ملاحظات :
.
ص: 131
1 . التعارض مع القرآن والأحاديث القطعيَّة الصدورإنّه إذا كان المراد من هذه الأحاديث إلغاء حرّية الإنسان في تعيين مصيره وعاقبته ، وسلب الإرادة والمشيئة الإلهية في تغيير مصير الإنسان والعالَم ، فإنّ هذه الأحاديث الآحاد لا تعارض الأحاديث المتواترة والسنّة القطعيّة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله فحسب ، بل إنّها تتعارض مع صريح القرآن الكريم ، بل ومع فلسفة بعثة الأنبياء، وبناءً على ذلك فإنّها مردودة ولا يمكن قبولها على فرض صحّة أسانيدها .
2 . عدم تعارض علم اللّه عز و جل مع إرادته وحرية الإنسانمن الممكن أن تكون هذه الروايات كناية عن العلم الأزلي للّه تعالى بالاُمور المذكورة ، حيث وردت الإشارة في بعضها إلى هذا الموضوع ، بمعنى أنّ جميع الحوادث الّتي ستقع للإنسان والعالم يعلمها اللّه تعالى ، فهو يعلم نصيب كلّ إنسان من هذه الدنيا، ومِمَّن سوف يتزوّج ، وما هو الموقع الّذي سيتمتّع به من الناحية السياسيّة والاجتماعيّة ، ومن سيكون ظالما ومن سيكون مظلوما ومن سيكون سعيدا، ومن سيكون شقيّا ، ومن سيدخل الجنّة ، ومن سيدخل النار، وباختصار : فإنّ اللّه _ تعالى _ يعلم المصير الدنيوي والاُخروي لجميع الناس، ولكنّ الملاحظة المهمّة والدقيقة هي أنّ علم اللّه ، ليس علّة للمعلوم ، بل هو تابع له ، لا متبوع له كما ظنّ الأشاعرة وأتباعهم . بناءً على ذلك ، فإنّ العلم الأزلي للّه _ تعالى _ لا يتعارض ؛ لا مع إرادته ومشيئته ، ولا مع إرادة الإنسان واختياره في تعيين مصيره. بعبارة اُخرى : فإنّ المراد من الأحاديث المذكورة ، أنّ اللّه _ تعالى _ يعلم كيف سيعيّن الإنسان باختياره مصيره في الدنيا والآخرة ، فهل سيكون شقيّا، أم سعيدا؟ وهل سيكون من أهل الجنّة ، أو من أهل النار؟ حيث ذكر هذا المعنى بوضوح في بعض الأحاديث ، فقد روى الشيخ الصدوق عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال :
.
ص: 132
سَبَقَ العِلمُ وجَفَّ القَلَمُ وَمَضَى القَدَرُ ، بِتَحقيقِ الكِتابِ وَتَصديقِ الرُّسُلِ ، وَبِالسَّعادَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل لِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وَبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وَكَفَرَ ، وَبِوِلايَةِ اللّهِ المُؤمِنينَ وَبَراءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ . (1) على هذا فإنّ جفاف قلم التقدير لا يسلب الإنسان حرّيته وحسب ، بل إنّه يمنحه الحرّية ، لأنّ كتابته الّتي هي غير قابلة للتغيير هي حرّية الإنسان في اختيار طريق السعادة ، أو الشقاء. نعم ، هناك قلم آخر إذا جفّ فإنّ الحرّية ستسلب من الإنسان ، ألا وهو قلم التكليف ، كما جاء في الحديث النبويّ في وصف الموت المفاجئ للأشخاص الشرّيرين : أما رَأَيتُمُ المَأخوذينَ عَلَى العِزَّةِ وَالمُزعَجينَ بَعدَ الطُمَأنينَةِ ، الَّذينَ أقاموا عَلَى الشُبُهاتِ وَجَنَحوا إلَى الشَّهَواتِ ، حَتّى أتَتهُم رُسُلُ رَبِّهِم ، فَلا ما كانوا أمَّلوا أدرَكوا ، ولا إلى ما فاتَهُم رَجَعُوا ، قَدِموا عَلى ما عَمِلوا ، ونَدِمُوا عَلى ما خَلَّفوا ، وَلَن يُغنِي النَّدَمُ وَقَد جَفَّ القَلَمُ . فَرَحِمَ اللّهُ امرَءا قَدَّمَ خَيرَا وَأنفَقَ قَصدا وَقالَ صِدقَا ، وَمَلَكَ دَواعي شَهوَتِهِ وَلَم تَملِكهُ ، وَعَصى أمرَ نَفسِهِ فَلَم تَملِكهُ . (2)
3 . نطاق حرّية الإنسان في دائرة التقدير الإلهيالملاحظة الثالثة : إنّ حرّية الإنسان ليست مطلقة في تعيين مصيره الدنيوي والاُخروي ، بل هي في دائرة القضاء والقدر الإلهيين ، لأنّ لكلّ إنسان استعدادا خاصّا على أساس التقدير الحكيم للحقّ جلّ وعلا ، حيث لا يستطيع أن يتمتّع بحرّيته وسعيه ، إلّا في نطاق مقدراته واستعداداته ، لا أنّ كلّ شخص بإمكانه أن
.
ص: 133
يصل إلى المركز الّذي يتطلّع إليه من الناحية الماديّة أو المعنويّة ، وما جاء في الأحاديث السابقة من أنّه : «كلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ» يشير إلى هذه الملاحظة . نعم كلّ شيء في نظام الخلق يمتلك الاستعداد لهدف خاصّ على أساس التقدير الحكيم للحقّ تعالى ، وهذا الهدف يمكن توظيفه في ذلك النطاق ، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام : قَدَّرَ ما خَلَقَ فَأَحكَمَ تَقديرَهُ ، وَدَبَّرَهُ فَأَلطَفَ تَدبيرَهُ ، وَوَجَّهَهُ لِوِجهَتِهِ فَلَم يَتَعَدَّ حُدودَ مَنزِلَتِهِ ، وَلَم يَقصُر دونَ الاِنتِهاءِ إلى غايَتِهِ ، وَلَم يَستَصعِب إذ أُمِرَ بِالمُضِيِّ عَلى إرادَتِهِ . (1) يقول ابن أبي الحديد في تفسير تلك العبارات : يقول عليه السلام إنَّه تعالى قدَّر الأشياء الّتي خلقها ، فخلقها محكمةً على حسب ما قدّر ، وألطف تدبيرها ، أي جعله لطيفا ، وأمضى الاُمور إلى غايتها وحدودها المقدَّرة لها ، فهيّأ الصقرة للإصطياد ، والخيل للرُّكوب والطراد ، والسَّيف للقطع ، والقلم للكتابة ، والفلك للدوران ، ونحو ذلك ، وفي هذا إشارة إلى قول النبيِّ صلى الله عليه و آله : «كلّ ميسَّر لما خلق له» ، فلم تتعدّ هذه المخلوقات حدود منزلتها الَّتي جعلت غايتها . (2) إنّ الإنسان لا يمكنه _ كسائر المخلوقات _ أن يخرج من نطاق المقدّرات الإلهيّة ، والفرق الوحيد بين الإنسان وسائر المخلوقات هو أنّه حرّ في تعيين مصيره في نطاق المقدّرات الإلهيّة ، وإنّ نظام الخلق سوف يوفّر له أداة الوصول إلى المصير الّذي يختاره مهما كان هذا المصير: «كُلاًّ نُّمِدُّ هَ_ؤُلَاءِ وَ هَ_ؤُلَاءِ مِنْ عَطَ_اءِ رَبِّكَ وَ مَا كَانَ عَطَ_اءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا» (3) .
.
ص: 134
4 / 2الأَجَلُ المَوقوفُ وَالمُسَمّىالكتاب«هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ» . (1)
«هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخًا وَ مِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُواْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» . (2)
الحديثالكافي عن حمران عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ» ، قالَ : هُما أجَلانِ : أجَلٌ مَحتومٌ وأجَلٌ مَوقوفٌ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ» _: هُما أجَلانِ : أجَلٌ مَوقوفٌ يَصنَعُ اللّهُ ما يَشاءُ ، وأجَلٌ مَحتومٌ . (4)
عنه عليه السلام_ أيضا _: أمَّا الأَجَلُ الَّذي غَيرُ مُسَمّىً عِندَهُ فَهُوَ أجَلٌ مَوقوفٌ ، يُقَدِّمُ فيهِ ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ فيهِ ما يَشاءُ ، وأمَّا الأَجَلُ المُسمّى فَهُوَ الَّذي يُسَمّى في لَيلَةِ القَدرِ . (5)
عنه عليه السلام_ أيضا _: المُسَمّى ما سُمِّيَ لِمَلَكِ المَوتِ في تِلكَ اللَّيلَةِ ، وهُوَ الَّذي قالَ اللّهُ : «إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ» (6) وهُوَ الَّذي سُمِّيَ لِمَلَكِ المَوتِ في لَيلَةِ القَدرِ ، وَالآخَرُ لَهُ فيهِ المَشِيَّةُ إن شاءَ قَدَّمَهُ وإن شاءَ أخَّرَهُ . (7)
.
ص: 135
عنه عليه السلام_ أيضا _: الأَجَلُ الَّذي غَيرُ مُسَمّىً مَوقوفٌ ، يُقَدِّمُ مِنهُ ما شاءَ ويُؤَخِّرُ مِنهُ ما شاءَ . وأمَّا الأَجَلُ المُسَمّى فَهُوَ الَّذي يُنزَلُ مِمّا يُريدُ أن يَكونَ مِن لَيلَةِ القَدرِ ، إلى مِثلِها مِن قابِلٍ . قالَ : فَذلِكَ قَولُ اللّهِ «إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ» . (1)
عنه عليه السلام_ أيضا _: الأَجَلُ الأَوَّلُ ، هُوَ ما نَبَذَهُ إلَى المَلائِكَةِ وَالرُّسُلِ وَالأَنبِياءِ ، وَالأَجَلُ المُسَمّى عِندَهُ ، هُوَ الَّذي سَتَرَهُ اللّهُ عَنِ الخَلائِقِ . 2
عنه عليه السلام_ أيضا _: الأَجَلُ المَقضِيُّ هُوَ المَحتومُ الَّذي قَضاهُ اللّهُ وحَتَمَهُ ، وَالمُسَمّى هُوَ الَّذي فيهِ البَداءُ ، يُقَدِّمُ ما يَشاءُ ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ ، وَالمَحتومُ لَيسَ فيهِ تَقديمٌ ولا تَأخيرٌ . (2)
.
ص: 136
. .
ص: 137
بحث حول أقسام الأجلوردت الإشارة في الآية الثانية من سورة الأنعام إلى نوعين من الأجل: الأجل المطلق، والأجل المسمّى: «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ» . (1) و«الأجل» لغةً يعني «حلول الوقت» و«المدّة الزمنية للشيء» ، ولكن يبدو أنّ المراد منه في هذه الآية نهاية عمر الإنسان، ويتّضح بقرينة التقابل بين الأجل المطلق والأجل المُسمّى أنّ المقصود من الأجل في التعبير الأوّل يغاير ما ورد في التعبير الثاني. بعبارة أوضح ، فإنّ الأجل على نوعين: الأجل المبهم، والأجل المعيّن لدى اللّه تعالى ، فالأجل المعيّن هو الأجل المحتوم الّذي لا يقبل التغيير ، ولذلك قيّده القرآن بقوله: «عنده» ، ومن البديهي أنّ الشيء الّذي هو عند اللّه ، لا يقبل التغيير ، كما يقول: «مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَ مَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ» (2) . على هذا الأساس ندرك بوضوح من الآية موضوع البحث أنّ الأجل المُطلق الّذي سُمّي في الروايات بالأجل الموقوف ، قابل للتغيير والزيادة والنقصان، والأجل المُسمّى غير قابل للتغيير. إنّ الروايات الّتي لاحظناها تؤيّد هذا الاستنباط من الآية، ولكنّ هناك رواية رويت عن الإمام الصادق عليه السلام وردت في تفسير القمّي تخالف ظاهر الآية وكذلك
.
ص: 138
تفسير الروايات السابقة لها، وهذا هو نصّها : الأَجَلُ المَقضيُ هوَ المَحتومُ الَّذي قَضاهُ اللّهُ وَحَتَمَهُ ، وَالمُسَمّى هُوَ الَّذي فيهِ البَداءُ ، يُقَدِّمُ ما يَشاءُ وَيؤَخِّرُ ما يَشاءُ ، وَالمَحتومُ لَيسَ فيهِ تَقديمٌ وَلا تأخيرٌ . (1) ويبدو _ استنادا إلى ما ذُكر _ أنّ ظاهر هذه الرواية لا يمكن قبوله ، ولكن مع ذلك قال العلّامة المجلسي قدس سره في الجمع بين هذه الرواية والروايات السابقة : ظاهر بعض الأخبار كون الأوّل محتوما والثاني موقوفا، وبعضها بالعكس ، ويمكن الجمع بأنّ المعنى أنّه تعالى قضى أجلاً أخبر به أنبياءه وحُججه عليهم السلام ، وأخبر بأنّه محتوم فلا يتطرّق إليه التغيير، وعنده أجل مُسمّى أخبر بخلافه غير محتوم ، فهو الّذي إذا أخبر بذلك المسمّى يحصل منه البَداء، فلذا قال تعالى: «عنده» أي لم يطلع عليه أحدا بعد، وإنّما يُطلق عليه المُسمّى لأنّه بعد الإخبار يكون مُسمّى ، فما لم يُسمّ فهو موقوف ، ومنه يكون البداء فيما أخبر لا على وجه الحتم . ويحتمل أن يكون المراد بالمُسمّى ما سُمّي ووصف بأنّه محتوم ، فالمعنى : قضى أجلاً محتوما، أي أخبر بكونه محتوما ، وأجلاً آخر وصف بكونه محتوما عنده ولم يخبر الخلق بكونه محتوما ، فيظهر منه أنّه أخبر بشيء لا على وجه الحتم فهو غير المسمّى ، لا الأجل الّذي ذُكر أوّلاً. وحاصل الوجهين مع قربهما أنّ الأجلين كليهما محتومان ، أخبر بأحدهما ولم يخبر بالآخر، ويظهر من الآية أجل آخر غير الأجلين وهو الموقوف ، ويمكن أن يكون الأجل الأوّل عامّا فيرتكب تكلّف في خبر ابن مسكان بأنّه قد يكون محتوما، وظاهر أكثر الأخبار أنّ الأوّل موقوف والمسمّى محتوم . (2)
.
ص: 139
4 / 3لا مَفَرَّ مِنَ القَضاءِ المَحتومِالكتاب«وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ» . (1)
«وَلَ_كِن لِّيَقْضِىَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :وَالَّذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَو جَهَدَتِ الاُمَّةُ لِتَنفَعَكَ ما نَفَعَتكَ ، إلّا شَيئا قَد كَتَبَهُ اللّهُ لَكَ . (3)
حلية الأولياء عن أنس :خَدَمتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَشرَ سِنينَ ، فَما أرسَلَني في حاجَةٍ قَطُّ فَلَم تُهَيَّأ ، إلّا قالَ : لَو قُضِيَ كانَ _ أو قُدِّرَ كانَ _ . (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا قَضَى اللّهُ لِعَبدٍ أن يَموتَ بِأَرضٍ ، جَعَلَ لَهُ إلَيها حاجَةً . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا أرادَ اللّهُ عز و جل إنفاذَ قَضائِهِ وقَدَرِهِ ، سَلَبَ ذَوِي العُقولِ عُقولَهُم حَتّى يَنفَذَ فيهِم قَضاؤُه وقَدَرُهُ ، فَإِذا مَضى أمرُهُ رَدَّ إلَيهِم عُقولَهُم ، ووَقَعَتِ النَّدامَةُ . (6)
.
ص: 140
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ إذا أرادَ إمضاءَ أمرٍ ، نَزَعَ عُقولَ الرِّجالِ حَتّى يُمضِيَ أمرَهُ ، فَإِذا أمضاهُ رَدَّ إلَيهِم عُقولَهُم ووَقَعَتِ النَّدامَةُ . (1)
الغيبة عن ابن عبّاس :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِأَبي : يا عَبّاسُ ، وَيلٌ لِذُرِّيَّتي مِن وُلدِكَ ، ووَيلٌ لِوُلدِكَ مِن وُلدي ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أفَلا أجتَنِبُ النِّساءَ ، أو قالَ : أفَلا أجُبُّ (2) نَفسي؟ قالَ : إنَّ عِلمَ اللّهِ عز و جل قَد مَضى ، وَالاُمورُ بِيَدِهِ ، وإنَّ الأَمرَ سَيَكونُ في وُلدي . (3)
تاريخ دمشق عن محمّد السعدي :إنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنصارِ أتى رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : إنّي اُريدُ أن أتَزَوَّجَ امرَأَةً ، فَادعُ لي ... فَقالَ [رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ] : لَو دَعا لَكَ إسرافيلُ وجَبرَئيلُ وميكائيلُ وحَمَلَةُ العَرشِ وأنَا فيهِم ، ما تَزَوَّجتَ إلَا المَرأَةَ الَّتي كُتِبَت لَكَ (4) . (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا جاءَ القَضاءُ ، ضاقَ الفَضاءُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :لَن يَنفَعَ حَذَرٌ مِن قَدَرٍ . (7)
.
ص: 141
الإمام عليّ عليه السلام_ لِميثَمٍ التَّمّارِ _: يا ميثَمُ ، لا حَذَرَ مِن قَدَرٍ . يا ميثَمُ ، إذا جاءَ القَضاءُ فَلا مَفَرَّ . (1)
عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ في خُطبَةِ النِّكاحِ _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ اللّهَ أبرَمَ (2) الاُمورَ وأمضاها عَلى مَقاديرِها ، فَهِيَ غَيرُ مُتَناهِيَةٍ عَن مَجاريها دونَ بُلوغِ غاياتِها فيما قَدَّرَ وقَضى مِن ذلِكَ ، وقَد كانَ فيما قَدَّرَ وقَضى مِن أمرِهِ المَحتومِ ، وقَضاياهُ المُبرَمَةِ ، ما قَد تَشَعَّبَت بِهِ الأَخلافُ (3) ، وجَرَت بِهِ الأَسبابُ ، وقَضى مِن تَناهِي القَضايا بِنا وبِكُم إلى حُضورِ هذَا المَجلِسِ الَّذي خَصَّنَا اللّهُ وإيّاكُم ، لِلَّذي كانَ مِن تَذَكُّرِنا آلاءَهُ ، وحُسنَ بَلائِهِ ، وتَظاهُرَ نَعمائِهِ ، فَنَسأَلُ اللّهَ لَنا ولَكُم بَرَكَةَ ما جَمَعَنا وإيّاكُم عَلَيهِ ، وساقَنا وإيّاكُم إلَيهِ . (4)
عنه عليه السلام :إذا حَلَّ القَدَرُ ، بَطَلَ الحَذَرُ . (5)
عنه عليه السلام :لا يَرُدُّ أمرَكَ ، مَن سَخِطَ قَضاءَكَ . (6)
عنه عليه السلام :لِكُلِّ أمرٍ عاقِبَةٌ ، سَوفَ يَأتيكَ ما قُدِّرَ لَكَ . (7)
عنه عليه السلام :لَن يَسبِقَكَ إلى رِزقِكَ طالِبٌ ، ولَن يَغلِبَكَ عَلَيهِ غالِبٌ ، ولَن يُبطِئَ عَنكَ ما قَد
.
ص: 142
قُدِّرَ لَكَ . (1)
عنه عليه السلام :إذا حَلَّتِ المَقاديرُ ، بَطَلَتِ التَّدابيرُ . (2)
عنه عليه السلام :المَقاديرُ لا تُدفَعُ بِالقُوَّةِ وَالمُغالَبَةِ . (3)
عنه عليه السلام :الاُمورُ بِالتَّقديرِ ، ولَيسَت بِالتَّدبيرِ . (4)
عنه عليه السلام :إذا كانَ القَدَرُ لا يُرَدُّ ، فَالاِحتراسُ باطِلٌ . (5)
عنه عليه السلام :القَدَرُ يَغلِبُ الحَذَرَ . (6)
عنه عليه السلام :نُزولُ القَدَرِ يَسبِقُ الحَذَرَ . (7)
عنه عليه السلام :مِحَنُ القَدَرِ تَسبِقُ الحَذَرَ . (8)
عنه عليه السلام :نُزولُ القَدَرِ يُعمِي البَصَرَ . (9)
عنه عليه السلام :المَقاديرُ تَجري بِخِلافِ التَّقديرِ وَالتَّدبيرِ . (10)
.
ص: 143
عنه عليه السلام :إذا حَلَّ بِأَحَدِكُمُ المَقدورُ ، بَطَلَ التَّدبيرُ . (1)
عنه عليه السلام :ألا وإنَّ القَدَرَ السّابِقَ قَد وَقَعَ ، وَالقَضاءَ الماضِيَ قَد تَوَرَّدَ (2) . (3)
عنه عليه السلام :يَغلِبُ المِقدارُ عَلَى التَّقديرِ ، حَتّى تَكونَ الآفَةُ فِي التَّدبيرِ! (4)
عنه عليه السلام :تَذِلُّ الاُمورُ لِلمَقاديرِ ، حَتّى يَكونَ الحَتفُ فِي التَّدبيرِ! (5)
عنه عليه السلام :يَغلِبُ المِقدارُ عَلَى التَّقديرِ ، حَتّى يَكونَ الحَتفُ فِي التَّدبيرِ! (6)
عنه عليه السلام :تَذِلُّ الاُمورُ لِلمَقدورِ ، حَتّى تَصيرَ الآفَةُ فِي التَّدبيرِ! (7)
عنه عليه السلام :يَجرِي القَضاءُ بِالمَقاديرِ ، عَلى خِلافِ الاِختِيارِ وَالتَّدبيرِ . (8)
عنه عليه السلام :كُلُّ شَيءٍ فيهِ حيلَةٌ إلَا القَضاءَ . (9)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: إذا جَرَتِ المَقاديرُ بِالمَكارِهِ ، سَبَقَتِ الآفَةُ إلَى العَقلِ فَحَيَّرَتهُ ، واُطلِقَتِ الأَلسُنُ بِما فيهِ تَلَفُ الأَنفُسِ . (10)
عنه عليه السلام :وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَاءِزالَةُ الجِبالِ مِن مَكانِها أهوَنُ مِن إزالَةِ مُلكٍ
.
ص: 144
مُؤَجَّلٍ ، فَإِذَا اختَلَفوا [أي بَني اُمَيَّةَ] بَينَهُم ، فَوَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، لَو كادَتهُمُ (1) الضِّباعُ لَغَلَبَتهُم . (2)
عنه عليه السلام :لِكُلِّ عَبدٍ حَفَظَةٌ يَحفَظونَهُ ؛ لا يَخِرُّ عَلَيهِ حائِطٌ ، أو يَتَرَدّى في بِئرٍ ، أو تُصيبُهُ دابَّةٌ ، حَتّى إذا جاءَ القَدَرُ الَّذي قُدِّرَ لَهُ ، خَلَّت عَنهُ الحَفَظَةُ ، فَأَصابَهُ ما شاءَ اللّهُ أن يُصيبَهُ . (3)
تاريخ دمشق عن قتادة :إنَّ آخِرَ لَيلَةٍ أتَت عَلى عَلِيٍّ عليه السلام جَعَلَ لا يَستَقِرُّ ، فَارتابَ (4) بِهِ أهلُهُ ، فَجَعَلَ يَدُسُّ بَعضُهُم إلى بَعضٍ حَتَّى اجتَمَعوا فَناشَدوهُ . فَقالَ : إنَّهُ لَيسَ مِن عَبدٍ إلّا ومَعَهُ مَلَكانِ يَدفَعانِ عَنهُ ما لَم يُقَدَّر _ أو قالَ : ما لَم يَأتِ القَدَرُ _ ، فَإِذا أتَى القَدَرُ خَلَّيا بَينَهُ وبَينَ القَدَرِ . قالَ : وخَرَجَ إلَى المَسجِدِ _ يَعني : فَقُتِلَ _ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: سُبحانَكَ! قَولُكَ حُكمٌ ، وقَضاؤُكَ حَتمٌ ، وإرادَتُكَ عَزمٌ . سُبحانَكَ! لا رادَّ لِمَشِيَّتِكَ ، ولا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِكَ . (6)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: ... ولَيسَ يَستَطيعُ مَن كَرِهَ قَضاءَكَ أن يَرُدَّ أمرَكَ . (7)
عنه عليه السلام_ من دُعائِهِ فِي المُهِمّاتِ _: وقَد نَزَلَ بي يا رَبِّ ما قَد تَكَأَّدَني (8) ثِقلُهُ ،
.
ص: 145
وألَمَّ بي ما قَد بَهَظَني (1) حَملُهُ ، وبِقُدرَتِكَ أورَدتَهُ عَلَيَّ ، وبِسُلطانِكَ وَجَّهتَهُ إلَيَّ ، فَلا مُصدِرَ لِما أورَدتَ ، ولا صارِفَ لِما وَجَّهتَ ، ولا فاتِحَ لِما أغلَقتَ ، ولا مُغلِقَ لِما فَتَحتَ ، ولا مُيَسِّرَ لِما عَسَّرتَ ، ولا ناصِرَ لِمَن خَذَلتَ . (2)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ عِندَ الصَّباحِ وَالمَساءِ _: أصبَحنا في قَبضَتِكَ ، يَحوينا مُلكُكَ وسُلطانُكَ ، وتَضُمُّنا مَشِيَّتُكَ ، ونَتَصَرَّفُ عَن أمرِكَ ، ونَتَقَلَّبُ في تَدبيرِكَ ، لَيسَ لَنا مِنَ الأَمرِ إلّا ما قَضَيتَ ، ولا مِنَ الخَيرِ إلّا ما أعطَيتَ . (3)
عنه عليه السلام_ فِي التَّحميدِ للّهِِ عز و جل _: اِبتَدَعَ بِقُدرَتِهِ الخَلقَ ابتِداعا ، وَاختَرَعَهُم عَلى مَشِيَّتِهِ اختِراعا ، ثُمَّ سَلَكَ بِهِم طَريقَ إرادَتِهِ ، وبَعَثَهُم في سَبيلِ مَحَبَّتِهِ ، لا يَملِكونَ تَأخيرا عَمّا قَدَّمَهُم إلَيهِ ، ولا يَستَطيعونَ تَقَدُّما إلى ما أخَّرَهُم عَنهُ . وجَعَلَ لِكُلِّ روحٍ مِنهُم قوتا مَعلوما مَقسوما مِن رِزقِهِ ، لا يَنقُصُ مَن زادَهُ ناقِصٌ ، ولا يَزيدُ مَن نَقَصَ مِنهُم زائِدٌ . ثُمَّ ضَرَبَ لَهُ فِي الحَياةِ أجَلاً مَوقوتا ، ونَصَبَ لَهُ أمَدا مَحدودا ، يَتَخَطَّأُ إلَيهِ بِأَيّامِ عُمُرِهِ ، ويَرهَقُهُ (4) بِأَعوامِ دَهرِهِ . (5)
مجمع البيان :رَوَى العَيّاشِيُّ بِالإِسنادِ ، قال : قالَ أبو حَنيفَةَ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : كَيفَ تَفَقَّدَ سُلَيمانُ الهُدهُدَ مِن بَينِ الطَّيرِ ؟ (6)
.
ص: 146
قالَ : لِأَنَّ الهُدهُدَ يَرَى الماءَ في بَطنِ الأَرضِ كَما يَرى أحَدُكُمُ الدُّهنَ فِي القارورَةِ . فَنَظَرَ أبو حَنيفَةَ إلى أصحابِهِ وضَحِكَ . قالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : ما يُضحِكُكَ؟ قالَ : ظَفِرتُ بِكَ ، جُعِلتُ فِداكَ! قالَ : وكَيفَ ذلِكَ ؟ قالَ : الَّذي يَرَى الماءَ في بَطنِ الأَرضِ لا يَرَى الفَخَّ (1) فِي التُّرابِ حَتّى يَأخُذَ بِعُنُقِهِ ؟! قالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : يا نُعمانُ ، أما عَلِمتَ أنَّهُ إذا نَزَلَ القَدَرُ أغشَى البَصَرَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ يَقولُ : قَرِّبوا عَلى أنفُسِكُمُ البَعيدَ ، وهَوِّنوا عَلَيهَا الشَّديدَ ، وَاعلَموا أنَّ عَبدا وإن ضَعُفَت حيلَتُهُ وَوَهَنَت مَكيدَتُهُ ، إنَّهُ لَن يُنقَصَ مِمّا قَدَّرَ اللّهُ لَهُ ، وإن قَوِيَ في شِدَّةِ الحيلَةِ ، وقُوَّةِ المَكيدَةِ ، إنَّهُ لَن يُزادَ عَلى ما قَدَّرَ اللّهُ لَهُ . (3)
الإمام العسكريّ عليه السلام :المَقاديرُ الغالِبَةُ لا تُدفَعُ بِالمُغالَبَةِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام : أيَّ يَومَيَّ مِنَ المَوتِ أفِرّْ أيَومَ لَم يُقدَر أم يَومَ قُدِرْ يَومَ ما قُدِّرَ لا أخشَى الرَّدى وإذا قُدِّرَ لَم يُغنِ الحَذَرْ (5)
راجع : ص 215 (خلقة العالم والتقدير) و ص 217 (خلقة الإنسان والتقدير) .
.
ص: 147
عنه عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: ما لي عَلى فَوتِ فائِتٍ أسَفُ ولا تَراني عَلَيهِ ألتَهِفُ (1) ما قَدَّرَ اللّهُ لي فَلَيسَ لَهُ عَنّي إلى مَن سِوايَ مُنصَرَفُ فَالحَمدُ للّهِِ لا شَريكَ لَهُ ما لِيَ قوتٌ (2) وهِمَّتِي الشَّرَفُ أنَا راضٍ بِالعُسرِ وَاليَسارِ فَما تَدخُلُني ذِلَّةٌ ولا صَلَفُ (3)(4)
.
ص: 148
. .
ص: 149
الفصل الخامِسُ : البداء في القضاء والقدر5 / 1حَقيقَةُ البَداءِ وأقسامُهُأ _ بَسطُ القُدرَةِالكتاب«وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» . (1)
راجع : الرحمن : 29 ، النساء : 133 ، الأنعام : 133 ، إبراهيم : 19 ، فاطر : 16 ، الشورى : 24 و 33 ، الإسراء : 54 .
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ» _: لَم يَعنوا أنَّهُ هكَذا ، ولكِنَّهُم قالوا : قَد فَرَغَ مِنَ الأَمرِ ، فَلا يَزيدُ ولا يَنقُصُ ، فَقالَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ تَكذيبا لِقَولِهِم : «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ»
.
ص: 150
ألَم تَسمَعِ اللّهَ عز و جل يَقولُ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . (1)
تفسير العيّاشي عن يعقوب بن شعيب :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ : «قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ» ، قال : فَقالَ لي : كَذا _ وقالَ بِيَدِهِ (2) إلى عُنُقِهِ _ ولكِنَّهُ قالَ : قَد فَرَغَ مِنَ الأَشياءِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ» _: يَعنونَ أنَّهُ قَد فَرَغَ مِمّا هُوَ كائِنٌ ، لُعِنوا بِما قالوا ! قالَ اللّهُ عز و جل : «بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ» (4) . (5)
ب _ المَحوُ وَالإِثباتُالكتاب«يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . (6)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» _: يَمحو مِنَ الأَجَلِ ما يَشاءُ ، ويَزيدُ فيهِ ما يَشاءُ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله _ في قَولِهِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ» _ : يَمحو مِنَ الرِّزقِ ويَزيدُ فيهِ ،
.
ص: 151
ويَمحو مِنَ الأَجَلِ ويَزيدُ فيهِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ» _: وهَل يُمحى إلّا ما كانَ ثابِتا؟ وهَل يُثبَتُ إلّا ما لَم يَكُن ؟ (2)
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام يَقولُ : لَولا آيَةٌ في كِتابِ اللّهِ لَحَدَّثتُكُم بِما يَكونُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، فَقُلتُ لَهُ : أيَّةُ آيَةٍ ؟ قالَ : قَولُ اللّهِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . (3)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أهبَطَ إلَى الأَرضِ ظُلَلاً (4) مِنَ المَلائِكَةِ عَلى آدَمَ ، وهُوَ بِوادٍ يُقالُ لَهُ الرَّوحاءُ ، وهُوَ وادٍ بَينَ الطّائِفِ ومَكَّةَ ، قالَ : فَمَسَحَ عَلى ظَهرِ آدَمَ ثُمَّ صَرَخَ بِذُرِّيَّتِهِ (5) وهُم ذَرٌّ (6) ، قالَ : فَخَرَجوا كَما يَخرُجُ النَّملُ مِن كورِها ، فَاجتَمَعوا عَلى شَفيرِ الوادي ، فَقالَ اللّهُ لِادَمَ عليه السلام : اُنظُر ماذا تَرى ؟ فَقالَ آدَمُ : ذَرّا كَثيرا عَلى شَفيرِ الوادي ،
.
ص: 152
فَقالَ اللّهُ : يا آدَمُ ، هؤُلاءِ ذُرِّيَّتُكَ أخرَجتُهُم مِن ظَهرِكَ لِاخُذَ عَلَيهِمُ الميثاقَ لي بِالرُّبوبِيَّةِ ، ولِمُحَمَّدٍ بِالنُّبُوَّةِ ، كَما أخَذتُ عَلَيهِم فِي السَّماءِ . قالَ آدَمُ : يا رَبِّ ، وكَيفَ وَسِعَتهُم ظَهري ؟ قالَ اللّهُ : يا آدَمُ بِلُطفِ صُنعي ، ونافِذِ قُدرَتي ، قالَ آدَمُ : يا رَبِّ ، فَما تُريدُ مِنهُم فِي الميثاقِ ؟ قالَ اللّهُ : ألّا يُشرِكوا بي شَيئاً ، قالَ آدَمُ : فَمَن أطاعَكَ مِنهُم _ يا رَبِّ _ فَما جَزاؤُهُ ؟ قالَ اللّهُ : اُسكِنُهُ جَنَّتي ، قالَ آدَمُ : فَمَن عَصاكَ فَما جَزاؤُهُ ؟ قالَ : اُسكِنُهُ ناري ، قالَ آدَمُ : يا رَبِّ ، لَقَد عَدَلتَ فيهِم ، ولَيَعصِيَنَّكَ أكثَرُهُم إن لَم تَعصِمهُم . قالَ أبو جَعفَرٍ : ثُمَّ عَرَضَ اللّهُ عَلى آدَمَ أسماءَ الأَنبِياءِ وأعمارَهُم ، قالَ : فَمَرَّ آدَمُ بِاسمِ داوُودَ النَّبِيِّ عليه السلام ،فَإِذا عُمُرُهُ أربَعونَ سَنَةً ، فَقالَ : يا رَبِّ ، ما أقَلَّ عُمُرَ داوُودَوأكثَرَ عُمُري!! يا رَبِّ ، إن أنَا زِدتُ داوُودَ مِن عُمُري ثَلاثينَ سَنَةً ، أيُنفَذُ ذلِكَ لَهُ ؟ قالَ : نَعَم يا آدَمُ ، قالَ : فَإِنّي قَد زِدتُهُ مِن عُمُري ثَلاثينَ سَنَةً ، فَأَنفِذ ذلِكَ لَهُ ، وأثبِتها لَهُ عِندَكَ ، وَاطَّرِحها مِن عُمُري ! قالَ : فَأَثبَتَ اللّهُ لِداوُودَ مِن عُمُرِهِ ثَلاثينَ سَنَةً ، ولَم يَكُن لَهُ عِندَ اللّهِ مُثبَتاً ، ومَحا مِن عُمُرِ آدَمَ ثَلاثينَ سَنَةً وكانَت لَهُ عِندَ اللّهِ مُثبَتا . فَقالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : فَذلِكَ قَولُ اللّهِ «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» قالَ : فَمَحَا اللّهُ ما كانَ عِندَهُ مُثبَتاً لِادَمَ ، وأثبَتَ لِداوُودَ ما لَم يَكُن عِندَهُ مُثبَتاً . قالَ : فَلَمّا دَنا عُمُرُ آدَمَ ، هَبَطَ عَلَيهِ مَلَكُ المَوتِ عليه السلام لِيَقبِضَ روحَهُ ، فَقالَ لَهُ آدَمُ عليه السلام : يا مَلَكَ المَوتِ قَد بَقِيَ مِن عُمُري ثَلاثونَ! فَقالَ لَهُ مَلَكُ المَوتِ : ألَم تَجعَلها لِابنِكَ داوُودَ النَّبِيِّ ، وَاطَّرَحتَها مِن عُمُرِكَ حَيثُ عَرَضَ اللّهُ عَلَيكَ أسماءَ الأَنبِياءِ مِن ذُرِّيَّتِكَ ، وعَرَضَ عَلَيكَ أعمارَهُم ، وأنتَ يَومَئِذٍ بِوادِي الرَّوحاءِ ؟ فَقالَ آدَمُ : يا مَلَكَ المَوتِ ، ما أذكُرُ هذا ، فَقالَ لَهُ مَلَكُ المَوتِ : يا آدَمُ ، لا تَجهَل ! ألَم تَسأَلِ اللّهَ أن يُثبِتَها
.
ص: 153
لِداوُودَ ويَمحُوَها مِن عُمُرِكَ فَأَثبَتَها لِداوُودَ فِي الزَّبورِ ومَحاها مِن عُمُرِكَ مِنَ الذِّكرِ ؟ قالَ : فَقالَ آدَمُ : فَأَحضِرِ الكِتابَ حَتّى أعلَمَ ذلِكَ . قالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : وكانَ آدَمُ صادِقاً لَم يَذكُر ، قالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : فَمِن ذلِكَ اليَومِ أمَرَ اللّهُ العِبادَ أن يَكتُبوا بَينَهُم إذا تَدايَنوا وتَعامَلوا إلى أجَلٍ مُسَمّىً ، لِنِسيانِ آدَمَ وجُحودِهِ ما جَعَلَ عَلى نَفسِهِ . (1)
الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام_ لاِبي حَمزَةَ الثُّمالِيِّ _: يا أبا حَمزَةَ ، إن حَدَّثناكَ بِأَمرٍ أنَّهُ يَجيءُ مِن هاهُنا فَجاءَ مِن هاهُنا ، فَإِنَّ اللّهَ يَصنَعُ ما يَشاءُ ، وإن حَدَّثناكَ اليَومَ بِحَديثٍ وحَدَّثناكَ غَدا بِخِلافِهِ ، فَإِنَّ اللّهَ يَمحو ما يَشاءُ ويُثبِتُ . (2)
تفسير العيّاشي عن حمران :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» ، فَقالَ : يا حُمرانُ ، إنَّهُ إذا كانَ لَيلَةُ القَدرِ ، ونَزَلَتِ المَلائِكَةُ الكَتَبَةُ إلَى السَّماءِ الدُّنيا ، فَيَكتُبونُ ما يُقضى في تِلكَ السَّنَةِ مِن أمرٍ ، فَإِذا أرادَ اللّهُ أن يُقَدِّمَ شَيئا أو يُؤَخِّرَهُ ، أو يَنقُصَ مِنهُ أو يَزيدَ ، أمَرَ المَلَكَ فَمَحا ما يَشاءُ ثُمَّ أثبَتَ الَّذي أرادَ . قالَ : فَقُلتُ لَهُ عِندَ ذلِكَ : فَكُلُّ شَيءٍ يَكونُ فَهُوَ عِندَ اللّهِ في كِتابٍ ؟ قالَ : نَعَم . قُلتُ : فَيَكونُ كَذا وكَذا ثُمَّ كَذا وكَذا حَتّى يَنتَهِيَ إلى آخِرِهِ ؟ قالَ : نَعَم . قُلتُ : فَأَيُّ شَيءٍ يَكونُ بِيَدِهِ بَعدَهُ ؟ قالَ : سُبحانَ اللّهِ ، ثُمَّ يُحدِثُ اللّهُ أيضا ما شاءَ ، تَبارَكَ وتَعالى . (3)
.
ص: 154
الإمام الرضا عليه السلام :قالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ قَبلَهُ ، ومُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ، وجَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ عليهم السلام : كَيفَ لَنا بِالحَديثِ مَعَ هذِهِ الآيَةِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» ؟! (1)
ج _ الزِّيادَةُ وَالنُّقصانُالإمام الكاظم عليه السلام_ في دُعائِهِ بَعدَ صَلاةِ العَصرِ _: أنتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنتَ ، إلَيكَ زِيادَةُ الأَشياءِ ونُقصانُها ، أنتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنتَ ، خَلَقتَ خَلقَكَ بِغَيرِ مَعونَةٍ مِن غَيرِكَ ، ولا حاجَةٍ إلَيهِم ، أنتَ اللّهُ لا إلهَ الّا أنتَ ، مِنكَ المَشِيَّةُ ، وإلَيكَ البَداءُ (2) . (3)
تفسير القمي :قَولُهُ : «قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ» قالَ : قالوا : قَد فَرَغَ اللّهُ مِنَ الأَمرِ ، لا يُحدِثُ اللّهُ غَيرَ ما قَد قَدَّرَهُ فِي التَّقديرِ الأَوَّلِ ، فَرَدَّ اللّهُ عَلَيهِم فَقالَ : «بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» أي يُقَدِّمُ ويُؤَخِّرُ ، ويَزيدُ ويَنقُصُ ، ولَهُ البَداءُ وَالمَشِيَّةُ . (4)
راجع : فاطر : 1 .
د _ التَّقديمُ وَالتَّأخيرُالإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ لَم يَدَع شَيئا كانَ أو يَكونُ إلّا كَتَبَهُ في كِتابٍ ، فَهُوَ مَوضوعٌ بَينَ يَدَيهِ يَنظُرُ إلَيهِ ، فَما شاءَ مِنهُ قَدَّمَ ، وما شاءَ مِنهُ أخَّرَ ، وما شاءَ مِنهُ مَحا ، وما شاءَ مِنهُ
.
ص: 155
كانَ ، وما لَم يَشَأ لَم يَكُن . (1)
تفسير القمّي عن عبد اللّه بن مسكان عن الإمام الصادق عليه السلام :إذا كانَت لَيلَةُ القَدرِ نَزَلَتِ المَلائِكَةُ وَالرّوحُ وَالكَتَبَةُ إلى سَماءِ الدُّنيا ، فَيَكتُبونَ ما يَكونُ مِن قَضاءِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى في تِلكَ السَّنَةِ ، فَإِذا أرادَ اللّهُ أن يُقَدِّمَ أو يُؤَخِّرَ أو يَنقُصَ شَيئا أو يَزيدَهُ أمَرَ اللّهُ أن يَمحوَ ما يَشاءُ ، ثُمَّ أثبَتَ الَّذي أرادَ . قُلتُ : وكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِمِقدارٍ مُثبَتٍ في كِتابِهِ ؟ قالَ : نَعَم ، قُلتُ : فَأَيُّ شَيءٍ يَكونُ بَعدَهُ ؟ قالَ : سُبحانَ اللّهِ ، ثُمَّ يُحدِثُ اللّهُ أيضا ما يَشاءُ ، تَبارَكَ اللّهُ وتَعالى . (2)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ فِي التَّفسيرِ المَنسوبِ إلَيهِ ، في قَولِهِ تَعالى : «مَ__لِكِ يَوْمِ الدِّينِ» (3) _: أي قادِرٌ عَلى إقامَةِ يَومِ الدّينِ ، وهُوَ يَومُ الحِسابِ ، قادِرٌ عَلى تَقديمِهِ عَلى وَقتِهِ ، وتَأخيرِهِ بَعدَ وَقتِهِ ، وهُوَ المالِكُ أيضا في يَومِ الدّينِ . (4)
تفسير القمّي_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» (5) _: «فِيهَا يُفْرَقُ» في لَيلَةِ القَدرِ «كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» أي يُقَدِّرُ اللّهُ كُلَّ أمرٍ مِنَ الحَقِّ ومِنَ الباطِلِ ، وما يَكونُ في تِلكَ السَّنَةِ ، ولَهُ فيهِ البَداءُ وَالمَشيئَةُ ، يُقَدِّمُ ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ مِنَ الآجالِ وَالأَرزاقِ وَالبَلايا وَالأَعراضِ وَالأَمراضِ ويَزيدُ فيها ما يَشاءُ ، ويَنقُصُ ما يَشاءُ ، ويُلقيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، ويُلقيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلَى الأَئِمَّةِ عليهم السلام ، حَتّى يَنتَهِيَ ذلِكَ إلى صاحِبِ الزَّمانِ عليه السلام ، ويَشتَرِطُ لَهُ ما فيهِ البَداءَ وَالمَشيئَةَ ، وَالتَّقديمَ وَالتَّأخيرَ . قالَ : حَدَّثَني بِذلِكَ أبي ، عَنِ ابنِ أبي عُمَيرٍ ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مُسكانَ ، عَن أبي جَعفَرٍ وأبي عَبدِ اللّه وأبِي الحَسَنِ عليهم السلام . (6)
.
ص: 156
. .
ص: 157
دراسة حول البداءيعتبر البداء أحد التعاليم الإسلاميّة المهمّة ، وللاعتقاد به دور مؤثّر في معرفة اللّه ومعرفة النبيّ ومعرفة الإمام ومعرفة الإنسان، حيث تدلّ عليه بوضوح آيات القرآن الكريم والأحاديث المنقولة في كتب الفريقين ، لذا فقد أيّدت جميع الفرق والمذاهب الإسلاميّة مفهومه ، من الناحية العملية ، نعم عمد البعض إلى إنكار البداء ؛ لأنّهم لم يدركوا معناه بشكل صحيح بزعم أنّه يتعارض مع علم اللّه الذاتي والأزلي . ولكنّ جميع فرق المسلمين تمدّ أيديها بالدعاء على أرض الواقع ولا تطلب من اللّه قضاء حاجاتها فحسب، بل وترجوه أن يغيّر عاقبتها ، وهذا السلوك إنّما يمثّل في الحقيقة اعتقادا بمفهوم البداء ، ذلك لأنّه لا يمكن أن نطلب ذلك من اللّه ، إلّا من خلال الاعتقاد بإمكان تغيير الوضع الحالي، وهو ما يمثّل مفهوم البداء . سوف نبحث في هذه الدراسة بعد التطرّق إلى مفهوم البداء، هذه العقيدة من منظار الكتاب والسنّة والعقل، ثمّ نجيب على إشكالات المنكرين له ، وفي الختام سوف نعمد إلى بيان فلسفته .
مفهوم البداءكلمة البداء مشتقّة من مادّة «بدو» بمعنى الظهور ، وتستعمل بمعنيين هما الظهور بعد الخفاء وظهور الرأي الجديد ، حيث ذكر الفيروز آبادي والجوهري وابن فارس على
.
ص: 158
التوالي : بدا، بدوا، وبدوّا: ظهر. وبدا له في الأمر بدوا وبداء وبداة: نشأ فيه رأي . (1) بدا له في هذا الأمر بداء، أي نشأ له فيه رأي . (2) تقول : بدا لي في هذا الأمر بداء، أي تغيّر رأيي عمّا كان عليه . (3) والمعنى الثاني للبداء (أي ظهور الرأي الجديد) يمكن أن يكون هو أيضا على صورتين : ظهور رأي على خلاف الرأي السابق (أو التغير في الرأي) ، وظهور رأي دون أن تكون له خليفة في رأي آخر . وهكذا يستخدم البداء في اللغة العربية في ثلاثة مواضع: 1 . ظهور شيء بعد خفائه . 2 . ظهور رأي خلافا للرأي السابق، أو تغيير الرأي. 3 . ظهور رأي دون أن تكون له خليفة مسبقة . والآن علينا أن نتعرّف على المعنى الّذي استخدم فيه البداء في الكتاب والسنّة فيما يتعلّق باللّه تعالى.
البداء في الكتاب والسنةزعم الكثير من الذين أبدوا آراءهم حول البداء أو أنكروه، أنّ البداء بالمعنى الأوّل هو المستخدم فيما يتعلّق باللّه ، وبالتالي فقد عمدوا إلى الاستدلال على هذا المعنى أو ردّه ، ولكنّ البداء استخدم في الكتاب والسنّة بالمعنيين الأخيرين فيما يتعلّق باللّه _ تعالى _ ، أمّا المعنى الثالث فلا خلاف فيه ، وإنما الّذي خضع للبحث واختُلِف بشأنه هو المعنى الثاني منها .
.
ص: 159
وقد لاحظنا في بحث القضاء والقدر ، أنّ اللّه جعل تحت اختيار البشر إمكانيّات وثروات مثل القدرة والرزق والعمر والبقاء بشكل محدود ، وهذه المحدوديّة هي التقدير الإلهي ، ومن جهة اُخرى فإنّ التقدير الإلهي على قسمين : محتوم (أو غير قابل للتغيير) ، وغير محتوم (أو قابل للتغيير) ، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام : مِنَ الاُمُورِ اُمُورٌ مَحتُومَةٌ كائِنَةٌ لا مَحالَةَ ، وَمِنَ الاُمُورِ اُمُورٌ مُوقُوفَةٌ عِندَ اللّهِ ، يُقَدِّمُ فِيها مَا يَشاءُ وَيَمحُو مَا يَشاءُ وَيُثبِت مِنها ما يَشاءُ . (1) فعلى هذا الأساس يكون عبارة عن التغيير في التقدير غير المحتوم عن طريق تقديم التقديرات وتأخيرها، أو محو تقدير وإثبات تقدير آخر ، كما جاء في القرآن الكريم : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» . (2) وروي عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير هذا الآية الكريمة: هَل يُمحى إلاّ ما كَانَ ثابِتا؟ وَهَل يُثبَتُ إلّا ما لَم يَكُن؟ (3)
نماذج من البداء في القرآنذكر القرآن الكريم بعض المواضع المهمّة الّتي حدث فيها البداء ، ومنها البداء في عذاب قوم يونس: «فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ مَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ» . (4) وروي عن الإمام الباقر عليه السلام بيان كيفية البداء كالتالي:
.
ص: 160
إنَّ يونُسَ لَمّا آذاهُ قَومُهُ دَعَا اللّهَ عَلَيهِم ، فَأَصبَحوا أوَّلَ يَومٍ ووُجوهُهُم مُصفَرَّةٌ وأصبَحُوا اليَومَ الثّانِيَ ووُجوهُهُم سودٌ ، قالَ : وكانَ اللّهُ واعَدَهُم أن يَأتِيَهُمُ العَذابُ ، فَأَتاهُمُ العَذابُ حَتّى نالوهُ بِرِماحِهِم ؛ فَفَرَّقوا بَينَ النِّساءِ وأولادِهِنَّ ، وَالبَقَرِ وأولادِها ، ولَبِسُوا المُسوحَ وَالصّوفَ ، ووَضَعُوا الحِبالَ في أعناقِهِم ، وَالرَّمادَ عَلى رُؤوسِهِم ، وضَجُّوا ضَجَّةً واحِدَةً إلى رَبِّهِم ؛ وقالوا : آمَنّا بِإِلهِ يونُسَ ؛ قالَ : فَصَرَفَ اللّهُ عَنهُمُ العَذابَ . (1) النموذج الثاني للبداء هو البداء الحاصل في مواعدة موسى: «وَوَ عَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلِةً وَقَالَ مُوسَى لأَِخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» . (2) وروي عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير الآية قوله : كانَ فِي العِلمِ وَالتَّقديرِ ثَلاثينَ لَيلَةً ، ثُمَّ بَدا للّهِِ فَزادَ عَشرا ، فَتَمَّ ميقاتُ رَبِّهِ لِلأَوَّلِ وَالآخِرِ أربَعينَ لَيلَةً . (3) ومن نماذج البداء ، البداء في دخول الأرض المقدّسة : «يَاقَوْمِ ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ» . (4) روي عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية: كَتَبَها لَهُم ثُمَّ مَحاها ، ثُمَّ كَتَبَها لِأَبنائِهِم فَدَخَلوها ، وَاللّهُ يَمحو ما يَشاءُ ويُثبِتُ
.
ص: 161
وعِندَهُ اُمُّ الكِتابِ . (1) وروي عنه أيضا: كانَ في عِلمِهِ أنَّهُم سَيَعصونَ ويَتيهونَ أربَعينَ سَنَةً ، ثُمَّ يَدخُلونَها بَعدَ تَحريمِهِ إيّاها عَلَيهِم . (2) يصرّح الإمام الصادق عليه السلام في الحديثين السابقين : إنّ البداء كان في كتاب التقديرات ، لا في علم اللّه الذاتي ، وذلك لأنّ كلّاً من التقدير السابق، وكذلك ذنب بني إسرائيل وكذلك التغيير في التقدير السابق وإثبات التقدير الجديد، كلّ ذلك كان في علم اللّه الذاتي والأزلي . ومن جملة البداء، البداء في ذبح إسماعيل. (3)
نماذج من البداء في روايات أهل السنّةنشير هنا إلى نماذج من طرح مسألة البداء في الأحاديث الّتي جاءت في مصادر أهل السنّة كي يتّضح لنا أنّ هذه المسألة لا تقتصر على روايات أتباع أهل البيت عليه السلام :
1 . البداء في زيادة الرزق ونقصانه والأجل والمحبّةروي في مصادر أهل السنة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في تفسير الآية: «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ» : يَمحُو مِنَ الرِّزقِ ويَزيدُ فيهِ ، ويَمحو مِنَ الأَجَلِ ويَزيدُ فيهِ . (4) كما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّ صلة الرحم تؤدّي إلى زيادة الثروة والمحبّة في الأهل
.
ص: 162
وتأخير الأجل : صِلَةُ القَرابَةِ مَثراةٌ فِي المالِ ، مَحَبَّةٌ فِي الأَهلِ ، مَنسَأَةٌ فِي الأَجَلِ . (1)
2 . البداء في الشقاء والسعادةوروي أيضا عن النبيّ صلى الله عليه و آله في تفسيره لتلك الآية: الصَّدَقَةُ وَاصطِناعُ المَعروفِ وصِلَةُ الرَّحِمِ وبِرُّ الوالِدَينِ ، يُحَوِّلُ الشَّقاءَ سَعادَةً ، ويَزيدُ مِنَ العُمُرِ ، ويَقي مَصارِعَ السَّوءِ . (2)
3 . البداء في مطلق القضاء والقدرورد في الأحاديث الكثيرة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله تأكيدُ دور الدعاء في تغيير العاقبة المقدّرة للإنسان ، ومنها الأحاديث التالية: الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ ، وللّهِِ في خَلقِهِ قَضاءانِ : قَضاءٌ ماضٍ ، وقَضاءٌ مُحدَثٌ . (3) لا يَرُدُّ القَدَرَ إلَا الدُّعاءُ . (4) لا يَرُدُّ القَضاءَ إلَا الدُّعاءُ . (5) الدُّعاءُ جُندٌ مِن أجنادِ اللّهِ تَعالى مُجَنَّدٌ ، يَرُدُّ القَضاءَ بَعدَ أن يُبرَمَ . (6) يا بُنَيَّ ، أكثِر مِنَ الدُّعاءِ ، فَإِنَّ الدُّعاءَ يَرُدُّ القَضاءَ المُبرَمَ . (7)
.
ص: 163
لا يُغني حَذَرٌ مِن قَدَرٍ ، وَالدُّعاءُ يَنفَعُ مِمّا نَزَلَ ومِمّا لَم يَنزِل . (1) صِلَةُ القَرابَةِ مَثراةٌ فِي المالِ ، مَحَبَّةٌ فِي الأَهلِ ، مَنسَأَةٌ فِي الأَجَلِ . (2) كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام : إنَّ اللّهَ يَدفَعُ الأَمرَ المُبرَمَ . (3) وأمثال هذه الروايات كثيرة للغاية في مصادر أهل السنّة، على هذا فإنّ منكري البداء لابدّ وأن ينكروا جميع هذه الأحاديث.
البداء من منظار الوجدان والعقليدرك كلّ إنسان من خلال الرجوع إلى ضميره أنّ وضعه الحالي من الممكن أن يكون بشكل آخر ، على سبيل المثال : فإن كان فقيرا فمن الممكن أن يكون غنيّا ، وإن كان سقيما فمن الممكن أن يكون سليما وهكذا ، لذلك فإنّه يطلب من اللّه في أدعيته أن يغنيه ويعافيه ، وهذا التغيير في التقدير ماهو في الحقيقة إلّا البداء. من جهة اُخرى فإنّ العقل يثبت جميع الكمالات للّه سبحانه ، ومن جملة الكمالات القدرة المطلقة ، واستنادا إلى القدرة المطلقة، فإنّ اللّه بإمكانه أن يغيّر هذا التقدير حتّى بعد تعيين التقدير الخاص ؛ كفقر زيد أو مرض عمرو مثلاً ، فهو قادر على أن يغني ويعافي زيدا وعمرا ، وإنّ ما نقوله من أنّ اللّه لا يعود بإمكانه أن يغيّر التقدير بعد إبرامه، هو تحديد لقدرة اللّه وسلب لكمال من كمالاته وهذا ما يخالف صريح حكم العقل .
.
ص: 164
عدم تعارض البداء والعلم الأزليالإشكال الأهمّ لمنكري البداء هو أنّه لا يتلاءم مع علم اللّه المطلق والذاتي ، يقول الغفّاري حول استناد الشيعة إلى الآية: «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» : كلامهم هذا باطل ؛ لأنّ المحو والإثبات بعلمه وقدرته وإرادته من غير أن يكون له بداء في شيء، وكيف يتوهّم له البداء وعنده أمُّ الكتاب وله في الأزل العلم المحيط؟ وقد بيّن اللّه تعالى في آخر الآية إنّ كلّ ما يكون منه من محو وإثبات وتغيير واقع بمشيئة ومسطور عنده في اُمِّ الكتاب . (1) يجب أن نقول في الجواب : إنّ المقصود من البداء هو : «المحو والإثبات بعلمه وقدرته وإرادته» وإنّ ما تقولونه من أنّ : «المحو والإثبات بعلمه وقدرته وإرادته من غير أن يكون له بداء في شيء» هو جمع للنقيضين ؛ لأنّ معناه أنّ «للّه البداء من غير أن يكون له بداء في شيء». ومفروض كلام الغفاري أنّ مرجع البداء فيما يتعلّق باللّه هو الجهل ، لذلك يقول : «كيف يتوهّم له البداء وعنده اُمّ الكتاب وله في الأزل العلم المحيط» . في حين أنّ هذا الفرض خاطئ ومخالف لنصوص أحاديث الإماميّة الّتي نقلناها سابقا ، والتي تصرّح بأنّ البداء يصدر من العلم الإلهي المكنون المخزون ، وأنّ هذا العلم حاكم على جميع البداءات . وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال: إنّ للّهِِ عِلمَينِ : عِلمٌ مَكنونٌ مَخزونٌ لا يَعلَمُهُ إلّا هُوَ ، مِن ذلِكَ يَكونُ البَداءُ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأنبِياءَهُ فَنَحنُ نَعلَمُهُ . (2) ونقل في حديث آخر عنه عليه السلام :
.
ص: 165
كُلُّ أمرٍ يُريدُهُ اللّهُ فَهُوَ في عِلمِهِ قَبلَ أن يَصنَعَهُ ، ولَيسَ شَيءٌ يَبدو لَهُ إلّا وقَد كانَ في عِلمِهِ ، إنَّ اللّهَ لا يَبدو لَهُ مِن جَهلٍ . (1) ويرى الدهلوي أنّ أحد معاني البداء، هو البداء في العلم، ويسمّيه البداء في الإخبار. حيث يقول: يظهر من مجموع روايات الشيعة أنّ للبداء ثلاث معان : (1) البداء في العلم وهو أن يظهر له خلاف ما علم ... . (2) ويزعم هو وعلماء أهل السنّة الآخرون أنّه عندما يدور الحديث عن البداء في الإخبار، أو البداء في العلم، فإنّ المراد منه البداء في علم اللّه الذاتي والأزلي ، وسبب هذا الاشتباه هو أنّهم لا يفرّقون بين العلم الذاتي والعلم الفعلي ، مع أنّ علم اللّه الذاتي والأزلي، هو علم مطلق يشمل جميع ما حدث في العالم وسوف يحدث، ومن جملته البداءات والتغييرات الّتي سوف تحدث في التقديرات ، وأمّا العلم الفعلي فهو الكتاب الّذي تثبت فيه تلك التقديرات ، ويمكن أن يقال : إنّ العرش، والكرسي، واُمّ الكتاب وكتاب المحو والإثبات كلّ ذلك هو من جملة العلوم الفعليّة، أو كتب علم اللّه ، وقد سجّل في بعض هذه الكتب، _ مثل اُمّ الكتاب _ كلّ شيء حتّى ما يحصل فيه البداء. وأمّا في كتاب المحو والإثبات فلم يسجّل إلّا بعض التقديرات ، والبداء يقع في هذا الكتاب فعلى سبيل المثال إذا كان المقدّر لشخص ما أن يكون فقيراً ففي كتاب المحو والإثبات يسجّل له دوام الفقر ، لكن بعد دعائه يغيّر اللّه سبحانه هذا التقدير فيثبته غنياً في لوح المحو والإثبات في حين أنّ كلا التقديرين موجودان في لوح اُمّ الكتاب وبطريق أولى هما موجودان في علم اللّه الذاتي الأزلي ، ولم يحدث أيّ تغيير في علم اللّه الذاتي ، سوف نذكر حكمة هذه التغييرات عند البحث عن حكمة البداء.
.
ص: 166
على هذا فإنّ من يرى أن البداء في العلم ملازم لجهل اللّه سبحانه ، قد خلط بين العلم الذاتي والعلم الفعلي ، ولم يدرك معنى العلم الفعلي . إنّ ما يراه البعض من أنّ الجهل ملازم للبداء فيما يتعلّق باللّه ، له سبب آخر أيضا وهو قياس اللّه بالإنسان، وهو الّذي يجب اجتنابه بشدة في المباحث العقائديّة ، فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام قوله : إنَّهُ مَن يَصِفُ رَبَّهُ بِالقِياسِ لا يزالُ الدَّهرَ فِي الالتِباس . (1) وعندما يحدث البداء للبشر في أمر ما ونصل إلى رأي جديد ، فإنّ هذا الرأي الجديد يحصل لنا في الغالب إثر ظهور علم واطّلاع جديدين ، ويرى معارضو البداء أنّ هذه الحالة نفسها تجري أيضا فيما يتعلّق باللّه ، قال الغفاري : جاء في القاموس : «بدا بدواً وبدّواً : ظهر . وبدا له في الأمر بدواً وبداءً وبداة : نشأ له فيه رأي» . فالبداء في اللغة له معنيان : الأوّل الظهور بعد الخفاء ، والثاني : نشأة الرأي الجديد . وهذا يستلزم الجهل وحدوث العلم وكلاهما محال على اللّه تعالى . (2) وهذا التفسير للبداء إنما هو على أساس قياس الخالق بالمخلوق ، ولكنّ اتباع أهل البيت عليهم السلام لا يرون له قيمة ، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام : مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ عَزَّوَجَلَّ يَبدو لَهُ في شَيءٍ لَم يَعلَمهُ أمسِ فَابرَؤُوا مِنهُ . (3) كما روي عن منصور بن حازم قال : سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام : هَل يَكونُ اليَومَ شَيءٌ لَم يَكُن في عِلمِ اللّهِ بِالأَمسِ ؟ قالَ : لا ، مَن قالَ هذا فَأَخزاهُ اللّهُ ، قُلتُ : أرَأَيتَ ما كانَ وما هُوَ كائِنٌ إلى يَومِ القِيامَةِ ، ألَيسَ في عِلمِ اللّهِ ؟ قالَ : بَلى ، قَبلَ أن يَخلُقَ الخَلقَ . (4)
.
ص: 167
على هذا فإنّ مصدر البداء فيما يتعلق باللّه سبحانه ليس هو الجهل حسب عقيدة الإماميّة ، وإذا ما اعتقد أحد بمثل هذا البداء الّذي هو نفس البداء الحاصل للبشر ، فإنّ هذا الاعتقاد إنكار لعلم اللّه المطلق ، وهو اعتقاد باطل ويخالف ضروريّات العقائد الإسلاميّة ، ولا يمكن أن نجد بين علماء الإماميّة من ينسب إلى اللّه البداء الناجم عن الجهل.
آثار الاعتقاد بالبداءجدير بالذكر أنّ لمبدأ البداء آثاراً مهمّة في المجالات العقيديّة البارزة ؛ وهي : معرفة اللّه ، معرفة النبيّ ، معرفة الإمام ، ومعرفة الإنسان.
أ _ معرفة اللّهيتمثّل أهمّ آثار القول بالبداء في إثبات القدرة والحريّة المطلقتين للّه ، ذلك لأنّه ما لم يحدث الفعل الخاص في الخارج ، فإنّ من الممكن أن يغيّر اللّه التقدير وأن لا يقع ذلك الفعل ، حتّى إذا تعلّقت المشيئة والتقدير والقضاء الإلهي بتلك الحادثة ، على هذا فإنّ أيّ شيء _ حتّى القضاء والقدر _ لا يمكنه أن يحدّ من قدرة اللّه ومالكيته ويغلّ يده ، عن التغيير ، قال تعالى : «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» . (1) وليس مراد اليهود من قولهم : «يد اللّه مغلولة» أنّ للّه يدا وأنّ يداه مغلولتان بحبل مثلاً، بل إنّهم كانوا يعتقدون بأنّ اللّه «قد فرغ من الأمر، فلا يزيد ولا ينقص» فقال اللّه جلّ جلاله تكذيبا لقولهم: «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» . (2)
.
ص: 168
وهكذا فإنّ الاعتقاد بالبداء الّذي هو الاعتقاد ببسط يد اللّه في التقديرات، هو ردّ على اعتقاد اليهود بأنّ يد اللّه مغلولة ، وإنّ الذين ينكرون البداء بمعناه الصحيح، إنّما هم في صفّ اليهود ، ومن الطريف أن نعلم أنّ بعض منكري البداء يتّهمون الشيعة بتوافقهم مع اليهود في البداء ، في حين أنّ معارضي البداء يتّفقون مع اليهود استنادا إلى الآية المتقدمة . يبدو لنا أنّ أحد أسباب إنكار من قبل أهل السنّة هو وجود جملة من الأحاديث في مصادرهم المعتبرة تدلّ على أنّ اللّه قد فرغ من القضاء والقدر ، وتنفي كلّ تغيير فيهما ، سنجعل هذه الأحاديث في معرض البحث والتّقويم في هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى .
ب . معرفة النبيّ والإمام (علم النبوّة والإمامة)بلغت أهمّية البداء في معرفة النبي حدّا ، بحيث روي عن الإمام الرضا عليه السلام : ما بَعَثَ اللّهُ نَبِيَّا قَطُّ إلّا بِتَحرِيمِ الخَمرِ وأن يُقِرَّ لَهُ بِالبَداءِ . (1) فالإعتقاد بإمكانيّة البداء وقابلية التغيير في التقديرات يمنح النبي الاعتقاد ، بقدرة اللّه المطلقة وبسط يده ، حيث يُفهمه أنّ هذه التقديرات قابلة للتغيير رغم أنّه عالم بتقديرات العالم يفضل اللّه ، وأنّ اللّه وحده هو الّذي يتمتّع بالعلم المطلق ، وبالتالي فإنّ النبيّ لا يستند إلى علمه ، بل يعتبر نفسه مرتبطا باللّه في جميع اُموره . وروي عن الإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال : إنّ للّهِِ عِلمَينِ : عِلمٌ مَكنونٌ مَخزونٌ لا يَعلَمُهُ إلّا هُوَ ، مِن ذلِكَ يَكونُ البَداءُ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأنبِياءَهُ فَنَحنُ نَعلَمُهُ . (2) بناءً على ذلك، فإنّ العلم الّذي لا يقبل التغيير هو علم اللّه المكنون المخزون
.
ص: 169
الّذي لا يعلمه إلّا اللّه ، وإنّ علم الملائكة والأنبياء والأئمّة المعصومين بالمستقبل قابل للبداء ، لذلك فإنّهم لا يعتمدون على علمهم ولا يخبرون عن المستقبل بشكل مطلق، إلّا في المواضع الّتي أخبر اللّه عن عدم وقوع البداء فيها كظهور المنجي الموعود وإقامة الإمام المهدي(عج) الحكومة العالمية ، لذلك يروي لنا الإمام الباقر عليه السلام عن الإمام السجّاد عليه السلام قوله : لَولا آيَةٌ في كِتابِ اللّهِ لَحَدَّثتُكُم بِما يَكونُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، فَقُلتُ لَهُ : أيَّةُ آيَةٍ ؟ قالَ : قَولُ اللّهِ عز و جل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» . (1) ومن بين الإتهامات الموجّهة ضدّ الشيعة هي أنّهم وضعوا حكم البداء كي يبرّروا به أخبار أئمّتهم ووعودهم الّتي لم تتحقّق ، يقول الغفاري : لو سقطت عقيدة البداء لانتقض دين الاثني عشرية من أصله ؛ لأنّ أخبارهم و وعودهم الّتي لم يتحقّق منها شيء تنفي عنهم صفة الإمامة . (2) إنّ الإجابة على هذا الإشكال واضحة بالنظر إلى المباحث السابقة، ذلك لأنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام لا يخبرون عن التقديرات القابلة للبداء بشكل مطلق أبداً . بعبارة اُخرى : إن كانت أخبارهم عن المستقبل مطلقة ولم تقترن بأيّ قيد ، فإنّ هذا الموضوع سيحدث قطعا ، وإن اقترنت هذه الأخبار بقيود مثل : «وللّه فيه المشيئة» فإنّ هناك إمكانيّة البداء في هذه الاُمور . وقد ورد في الأحاديث أيضا أنّ اللّه لا يكذّب نبيّه ، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام : فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإِنَّهُ سَيَكونُ ، لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ولا مَلائِكَتَهُ ولا رُسُلَهُ . (3) وخلافا لما يروّج له الغفاري من أنّه لم يتحقّق من إخبار الأئمّة عليهم السلام شيء ، بل
.
ص: 170
يجب القول إنّ جميع إخباراتهم قد تحققت ، وإنّه لا يوجد خبر مطلق عنهم ثبت كذبه. ولو أنّ الغفاري كان قد طالع كتب الحديث الشيعية وكان صادقا بعض الشيء، لوجد أخبارا عديدة وقعت كلّها بشكل عيني. وقد نقل العلّامة الحلّي في كتاب كشف اليقين خمسة عشر خبرا غيبيا عن أمير المؤمنين عليه السلام وقعت كلّها بحذافيرها : «ومن ذلك : قوله لطلحة والزبير لمّا استأذناه في الخروج إلى العمرة: لا وَاللّهِ ، ما تُريدانِ العُمرَةَ، إنَّما تُريدانِ البَصرَةَ، وإنَّ اللّهَ تَعالى سَيَرُدُّ كَيدَهُما، ويُظفِرُني بِهِما . وكان الأمر كما قال . ومن ذلك قوله عليه السلام وقد جلس لأخذ البيعة: يَأتيكُم مِن قِبَلِ الكوفَةِ ألفُ رَجُلٍ، لا يَزيدونَ واحِدا ولا يَنقُصونَ واحِدا، يُبايعونّي عَلَى المَوتِ . قال ابن عبّاس : فجزعت لذلك، وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليهم، ولم أزل مهموما، فجعلت أحصيهم، فاستوفيت تسعمئة وتسع وتسعين رجلاً ، ثمّ انقطع مجيء القوم، فبينا أنا مفكّر في ذلك، إذ رأيت شخصا قد أقبل، فإذا هو اُويس القرني تمام العدد». (1) كما نقلنا في «موسوعة الإمام عليّ عليه السلام » عدداً من نبوءات أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يثبت خلاف شيء منها . وكان على الغفاري أن ينقل بعض النماذج التي ثبت كذبها ؛ لإثبات دعواه . نعم قد نقل خبرا قال فيه : «ففي رواية طويلة في تفسير القمّي تخبر عن نهاية دولة بني العبّاس». (2)
.
ص: 171
ولكنّنا عندما نراجع تفسير القمّي نجده يقول: «قلت: جعلت فداك فمتى يكون ذلك، قال؟ أما إنّه لم يوقّت لنا فيه وقت». (1) وممّا يجدر ذكره أنّه على الرغم من أنّ التاريخ الدقيق لنهاية دولة بني العبّاس لم يتمّ تعيينه في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، ولكنّ الأحاديث المنقولة عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أخبرت عن وضع هذه الحكومة والسلطان الّذي يطيح بها ، على أساس هذه الأحاديث كتب والد العلّامة الحلّي رسالة إلى هولاكو قبل فتح بغدادوأنقذ بذلك أرواح أهالي الحلّة . (2)
ج _ معرفة الإنسانإذا نفينا البداء واعتقدنا بأن اللّه قد فرغ من القضاء والقدر فلن لا يبقى هناك دافع إلى أن يغيّر الإنسان وضعه الحالي عن طريق أفعال الخير والعبادات والصلاة ؛ ذلك لأنّ كلّ ما قدّر سوف يقع بعينه ولن يحدث أيّ تغيير في القضاء والقدر. ولا ريب في أنّ الأمل بالمستقبل وروح المثابرة والسعي هما رهن الأمل في تغيير الوضع الحالي وإمكان تحسينه. من جهة اُخرى فإن كان من المقرّر ألّا يغيّر اللّه التقديرات، فلماذا نطلب منه أن يصلح أوضاعنا من خلال الدعاء والتضرّع إليه ، والاعتماد عليه والالتجاء لحضرته؟ على هذا فإنّ الاعتقاد بالبداء يزوّد الإنسان من جهة بروح الأمل والمثابرة، ويعزّز فيه من جهة اُخرى روح الدعاء والتوبة والتضرّع والتوكّل على الحقّ تعالى . هكذا يتّضح دور الاعتقاد بالبداء في حياة الإنسان الماديّة والمعنويّة ؛ ذلك لأنّ
.
ص: 172
المفاهيم ، مثل : الأمل والسعي والدعاء والتوجّه والتوكّل هي التي تكوّن الحياة المعنويّة للإنسان وعلى أساسها تقوم الحياة المادية له .
أسباب البداءكلّ عمل _ سواء كان إيجابيّا أم سلبيّا _ يمكن أن يؤدّي إلى تغيير القضاء والقدر أو البداء ، وقد وردت الإشارة في الكتاب والسنّة إلى بعض الأعمال الحسنة والسيّئة الّتي تؤدّي إلى البداء ، وقد ورد من بين هذه العوامل تأكيد الدّعاءِ ، والصدقة ، وصلة الأرحام أكثر من الأعمال الاُخرى . وقد صرّح النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله فيما روي عنه بأنّ الدعاء يرد القضاء حتّى وإن اُبرم إبراما: الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاء وَقَد اُبرِمَ إبراما . (1) كما روي عنه صلى الله عليه و آله حول دور الصدقة في دفع ميتة السوء: إنَّ الصَّدَقَةَ تَدفَعُ ميتَةَ السَّوءِ عَنِ الإِنسانِ . (2) وأكّد صلى الله عليه و آله أنّ صلة الرحم تؤدّي إلى تأخير الأجل وزيادة الرزق: مَن سَرَّهُ النَّساءُ في الأجَلِ ، وَالزِّيادَةُ في الرِّزقِ ، فَليَصِل رَحِمَهُ . (3) وتوجد في ذيل عنوان «أسباب حسن البداء» أحاديث كثيرة طرحت بالإضافة إلى العوامل الثلاث المذكورة عوامل اُخرى ، مثل : طاعة اللّه ، الاستغفار، عدل السلطان، زيارة الحسين عليه السلام ، برّ الوالدين ، واصطناع المعروف.
.
ص: 173
5 / 2مُسايَرَةُ العِلمِ وَالبَداءِالإمام الباقر عليه السلام :العِلمُ عِلمانِ : فَعِلمٌ عِندَ اللّهِ مَخزونٌ لَم يُطلِع عَلَيهِ أحَدا مِن خَلقِهِ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ ، فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإِنَّهُ سَيَكونُ ، لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ولا مَلائِكَتَهُ ولا رُسُلَهُ ، وعِلمٌ عِندَهُ مَخزونٌ يُقَدِّمُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويُثبِتُ ما يَشاءُ . (1)
عنه عليه السلام :العِلمُ عِلمانِ : عِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأنبِياءَهُ ، وعِلمٌ عِندَهُ مَخزونٌ لَم يَطَّلِع عَلَيهِ أحَدٌ ، يُحدِثُ فيهِ ما يَشاءُ . (2)
عنه عليه السلام :إنَّ للّهِِ تَعالى عِلما خاصّا وعِلما عامّا ، فَأَمَّا العِلمُ الخاصُّ فَالعِلمُ الَّذي لَم يُطلِع عَلَيهِ مَلائِكَتَهُ المُقَرَّبينَ وأنبِياءَهُ المُرسَلينَ ، وأمّا عِلمُهُ العامُّ فَإِنَّهُ عِلمُهُ الَّذي أطلَعَ علَيَهِ مَلائِكَتَهُ المُقَرَّبينَ ، وأنبِياءَهُ المُرسَلينَ ، وقَد وَقَعَ إلَينا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . (3)
الكافي عن سدير الصيرفي :سَمِعتُ حُمرانَ بنَ أعيَنَ يَسأَلُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام ... : أرَأَيتَ قَولَهُ جَلَّ ذِكرُهُ : «عَ__لِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا» ؟ (4) فَقالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : «إِلَا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ» (5) وكانَ _ وَاللّهِ _ مُحَمَّدٌ مِمَّنِ ارتَضاهُ .
.
ص: 174
وأمّا قَولُهُ : «عَ__لِمُ الْغَيْبِ» فَإِنَّ اللّهَ عز و جل عالِمٌ بِما غابَ عَن خَلقِهِ فيما يُقَدِّرُ مِن شَيءٍ ويَقضيهِ في عِلمِهِ ، قَبلَ أن يَخلُقَهُ وقَبلَ أن يُفضِيَهُ إلَى المَلائِكَةِ ، فَذلِكَ _ يا حُمرانُ _ عِلمٌ مَوقوفٌ عِندَهُ ، إلَيهِ فيهِ المَشيئَةُ ، فَيَقضيهِ إذا أرادَ ، ويَبدو لَهُ فيهِ فَلا يُمضيهِ ، فَأَمَّا العِلمُ الَّذي يُقَدِّرُهُ اللّهُ عز و جل فَيَقضيهِ ويُمضيهِ ، فَهُوَ العِلمُ الَّذِي انتَهى إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ثُمَّ إلَينا . (1)
الكافي عن منصور بن حازم :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام : هَل يَكونُ اليَومَ شَيءٌ لَم يَكُن في عِلمِ اللّهِ بِالأَمسِ ؟ قالَ : لا ، مَن قالَ هذا فَأَخزاهُ اللّهُ . قُلتُ : أرَأَيتَ ما كانَ وما هُوَ كائِنٌ إلى يَومِ القِيامَةِ ، ألَيسَ في عِلمِ اللّهِ ؟ قالَ : بَلى ، قَبلَ أن يَخلُقَ الخَلقَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ للّهِِ تَبارَكَ وتَعالى عِلمَينِ : عِلما أظهَرَ عَلَيهِ مَلائِكَتَهُ وأنبِياءَهُ ورُسُلَهُ ، فَما أظهَرَ عَلَيهِ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأنبِياءَهُ فَقَد عَلِمناهُ ، وعِلما استَأثَرَ بِهِ ، فَإِذا بَدا للّهِِ في شَيءٍ مِنهُ أعلَمَنا ذلِكَ ، وعَرَضَ عَلَى الأَئِمَّةِ الَّذين كانوا مِن قَبلِنا . (3)
عنه عليه السلام :إنّ للّهِِ عِلمَينِ : عِلمٌ مَكنونٌ مَخزونٌ لا يَعلَمُهُ إلّا هُوَ ، مِن ذلِكَ يَكونُ البَداءُ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأنبِياءَهُ فَنَحنُ نَعلَمُهُ . (4)
بصائر الدرجات عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى قالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ» (5) أرادَ أن يُعَذِّبَ أهلَ الأَرضِ ، ثُمَّ بَدا للّهِِ
.
ص: 175
فَنَزَلَتِ الرَّحمَةُ فَقالَ : «وَذَكِّرْ» يا مُحَمَّدُ «فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» . (1) فَرَجَعتُ مِن قابِلٍ فَقُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : جُعِلتُ فِداكَ ، إنّي حَدَّثتُ أصحابَنا فَقالوا : بَدا للّهِِ ما لَم يَكُن في عِلمِهِ ؟! قالَ : فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : إنَّ للّهِِ عِلمَينِ : عِلمٌ عِندَهُ لَم يُطلِع عَلَيهِ أحَدا مِن خَلقِهِ ، وعِلمٌ نَبَذَهُ إلى مَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ . فَما نَبَذَهُ إلى مَلائِكَتِهِ فَقَدِ انتَهى إلَينا . (2)
تفسير العياشي عن ابن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ يُقَدِّمُ ما يَشاءُ ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ ، ويَمحو ما يَشاءُ ويُثبِتُ ما يَشاءُ ، وعِندَهُ اُمُّ الكِتابِ . وقالَ : فَكُلُّ (3) أمرٍ يُريدُهُ اللّهُ فَهُوَ في عِلمِهِ قَبلَ أن يَصنَعَهُ ، ولَيسَ شَيءٌ يَبدو لَهُ إلّا وقَد كانَ في عِلمِهِ ، إنَّ اللّهَ لا يَبدو لَهُ مِن جَهلٍ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَنِ العَرشِ وَالكُرسِيِّ _: ... هُما فِي الغَيبِ مَقرونانِ ، لِأَنَّ الكُرسِيَّ هُوَ البابُ الظّاهِرُ مِنَ الغَيبِ ، الَّذي مِنهُ مَطلَعُ البَدعِ ، ومِنهُ الأَشياءُ كُلُّها . وَالعَرشُ هُوَ البابُ الباطِنُ الَّذي يوجَدُ فيهِ عِلمُ الكَيفِ وَالكَونِ ، وَالقَدرِ وَالحَدِّ وَالأَينِ ، وَالمَشِيَّةِ وصِفَةِ الإِرادَةِ ، وعِلمُ الأَلفاظِ وَالحَرَكاتِ وَالتَّركِ ، وعِلمُ العَودِ وَالبَدءِ ، فَهُما فِي العِلمِ بابانِ مَقرونانِ ؛ لِأَنَّ مُلكَ العَرشِ سِوى مُلكِ الكُرسِيِّ ، وعِلمَهُ أغيَبُ مِن عِلمِ الكُرسِيِّ ، فَمِن ذلِكَ قالَ : «رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» أي صِفَتُهُ أعظَمُ مِن صِفَةِ الكُرسِيِّ ، وهُما في ذلِكَ مَقرونانِ ، قُلتُ : _ جُعِلتُ فِداكَ _ فَلِمَ صارَ فِي الفَضلِ
.
ص: 176
جارَ الكُرسِيِّ ؟ قالَ : إنَّهُ صارَ جارَهُ لِأَنَّ عِلمَ الكَيفوفِيَّةِ (1) فيهِ ، وفيهِ الظّاهِرُ مِن أبوابِ البَداءِ ، وأينِيَّتِها ، وحَدِّ رَتقِها وفَتقِها . (2)
الغيبة عن أبي هاشم الجعفري :سَأَلَ مُحَمَّدُ بنُ صالِحٍ الأَرمَنِيُّ أبا مُحَمَّدٍ العَسكَرِيَّ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (3) . فَقالَ أبو مُحَمَّدٍ عليه السلام : وهَل يَمحو إلّا ما كانَ ، ويُثبِتُ إلّا ما لَم يَكُن ؟ فَقُلتُ في نَفسي : هذا خِلافُ ما يَقولُ هِشامُ بنُ الحَكَمِ (4) : إنَّهُ لا يَعلَمُ الشَّيءَ حَتّى يَكونَ . فَنَظَرَ إلَيَّ أبو مُحَمَّدٍ عليه السلام فَقالَ : تَعالَى الجَبّارُ العالِمُ بِالأَشياءِ قَبلَ كَونِها . (5)
علل الشرايع عن سماعة :أنَّهُ سَمِعَهُ عليه السلام وهُوَ يَقولُ : ما رَدَّ اللّهُ العَذابَ عَن قَومٍ قَد أظَلَّهُم (6) إلّا قَومِ يونُسَ . فَقُلتُ : أكانَ قَد أظَلَّهُم؟ فَقالَ : نَعَم ، حَتّى نالوهُ بِأَكُفِّهِم . قُلتُ : فَكَيفَ كانَ ذلِكَ ؟ قالَ : كانَ فِي العِلمِ المُثبَتِ عِندَ اللّهِ عز و جل ، الَّذي لَم يَطَّلِع عَلَيهِ أحَدٌ أنَّهُ سَيَصرِفُهُ عَنهُم . (7)
.
ص: 177
5 / 3ما يَظهَرُ مِنهُ إمكانُ البَداءِ فِي القَضاءِ المَحتومِالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ اللّهَ يَدفَعُ الأَمرَ المُبرَمَ . (1)
الكافي عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام_ وقَد سُئِلَ عَن لَيلَةِ القَدرِ _: تَنَزَّلُ فيهَا المَلائِكَةُ وَالكَتَبَةُ إلَى السَّماءِ الدُّنيا ، فَيَكتُبونَ ما يَكونُ في أمرِ السَّنَةِ وما يُصيبُ العِبادَ ، وأمرُهُ عِندَهُ مَوقوفٌ لَهُ وفيهِ المَشيئَةُ ؛ فَيُقَدِّمُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويَمحو ويُثبِتُ وعِندَهُ اُمُّ الكِتابِ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام_ وقَد ذُكِرَ قَولُهُ تَعالى : «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» _: يُقَدَّرُ في لَيلَةِ القَدرِ كُلُّ شَيءٍ يَكونُ في تِلكَ السَّنَةِ ، إلى مِثلِها مِن قابِلٍ ؛ مِن خَيرٍ أو شَرٍّ ، أو طاعَةٍ أو مَعصِيَةٍ ، أو مَولودٍ أو أجَلٍ أو رِزقٍ ، فَما قُدِّرَ في تِلكَ اللَّيلَةِ وقُضِيَ فَهُوَ المَحتومُ ، وللّهِِ عز و جل فيهِ المَشيئَةُ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :في لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ مِن شَهرِ رَمَضانَ التَّقديرُ ، وفي لَيلَةِ إحدى وعِشرينَ القَضاءُ ، وفي لَيلَةِ ثَلاثٍ وعِشرينَ إبرامُ ما يَكونُ فِي السَّنَةِ إلى مِثلِها ، [و ]للّهِِ _ جَلَّ ثَناؤُهُ _ [أن] (4) يَفعَلَ ما يَشاءُ في خَلقِهِ . (5)
الكافي عن معلّى بن محمّد :سُئِلَ العالِمُ عليه السلام : كَيفَ عِلمُ اللّهِ ؟ قالَ : عَلِمَ وشاءَ ، وأرادَ
.
ص: 178
وقَدَّرَ ، وقَضى وأمضى ، فَأَمضى ما قَضى ، وقَضى ما قَدَّرَ ، وقَدَّرَ ما أرادَ ، فَبِعِلمِهِ كانَتِ المَشيئَةُ ، وبِمَشيئَتِهِ كانَتِ الإِرادَةُ ، وبِإِرادَتِهِ كانَ التَّقديرُ ، وبِتَقديرِهِ كانَ القَضاءُ ، وبِقَضائِهِ كانَ الإِمضاءُ ، وَالعِلمُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى المَشيئَةِ ، وَالمَشيئَةُ ثانِيَةٌ ، وَالإِرادَةُ ثالِثَةٌ ، وَالتَّقديرُ واقِعٌ عَلَى القَضاءِ بِالإِمضاءِ . فَلِلّهِ تَبارَكَ وتَعالَى البَداءُ فيما عَلِمَ مَتى شاءَ ، وفيما أرادَ لِتَقديرِ الأَشياءِ ، فَإِذا وَقَعَ القَضاءُ بِالإِمضاءِ فَلا بَداءَ ، فَالعِلمُ فِي المَعلومِ قَبلَ كَونِهِ ، وَالمَشيئَةُ فِي المُنشَأِ قَبلَ عَينِهِ ، وَالإِرادَةُ فِي المُرادِ قَبلَ قِيامِهِ ، وَالتَّقديرُ لِهذِهِ المَعلوماتِ قَبلَ تَفصيلِها وتَوصيلِها عِيانا ووَقتا ، وَالقَضاءُ بِالإِمضاءِ هُوَ المُبرَمُ مِنَ المَفعولاتِ ذَواتِ الأَجسامِ المُدرَكاتِ بِالحَواسِّ ، مِن ذوي لَونٍ وريحٍ ، ووَزنٍ وكَيلٍ ، وما دَبَّ ودَرَجَ ؛ مِن إنسٍ وجِنٍّ ، وطَيرٍ وسِباعٍ ، وغَيرِ ذلِكَ مِمّا يُدرَكُ بِالحَواسِّ . فَلِلّهِ تَبارَكَ وتَعالى فيهِ البَداءُ مِمّا لا عَينَ لَهُ ، فَإِذا وَقَعَ العَينُ المَفهومُ المُدرَكُ (1) فَلا بَداءَ . (2)
الغيبة عن داوود بن القاسم الجعفري :كُنّا عِندَ أبي جَعفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الرِّضا عليهماالسلام ، فَجَرى ذِكرُ السُّفيانِيِّ وما جاءَ فِي الرِّوايَةِ مِن أنَّ أمرَهُ مِنَ المَحتومِ ، فَقُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : هَل يَبدو للّهِِ فِي المَحتومِ ؟ قالَ : نَعَم ، قُلنا لَهُ : فَنَخافُ أن يَبدُوَ للّهِِ فِي القائِمِ ، فَقالَ : إنَّ القائِمَ مِنَ الميعادِ ، وَاللّهُ لا يُخلِفُ الميعادَ . 3
.
ص: 179
تفسير القمّي_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» (1) _: «فِيهَا يُفْرَقُ» في لَيلَةِ القَدرِ «كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» أي يُقَدِّرُ اللّهُ كُلَّ أمرٍ مِنَ الحَقِّ ومِنَ الباطِلِ ، وما يَكونُ في تِلكَ السَّنَةِ ، ولَهُ فيهِ البَداءُ وَالمَشيئَةُ ، يُقَدِّمُ ما يَشاءُ ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ مِنَ الآجالِ وَالأَرزاقِ ، وَالبَلايا وَالأَعراضِ وَالأَمراضِ ، ويَزيدُ فيها ما يَشاءُ ، ويَنقُصُ ما يَشاءُ ، ويُلقيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، ويُلقيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلَى الأَئِمَّةِ عليهم السلام ،حَتّى يَنتَهِيَ ذلِكَ إلى صاحِبِ الزَّمانِ عليه السلام ، ويَشتَرِطُ لَهُ فيهِ البَداءَ وَالمَشيئَةَ ، وَالتَّقديمَ وَالتَّأخيرَ . قالَ: حَدَّثَني بِذلِكَ أبي عَنِ ابنِ أبي عُمَيرٍ عَن عَبدِاللّهِ بنِ مُسكانَ عن أبي جَعفَرٍوأبي عَبدِاللّهِ وأبِي الحَسَنِ عليهم السلام . (2)
الاُصول الستّة عشر عن سليمان الطلحي :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : أخبِرني عَمّا أخبَرَت بِهِ الرُّسُلُ عَن رَبِّها ، وأنهَت ذلِكَ إلى قَومِها ، أيَكونُ للّهِِ البَداءُ ؟ قالَ : أما إنّي لا أقولُ لَكَ إنَّهُ يَفعَلُ ، ولكِن ، إن شاءَ فَعَلَ . (3)
5 / 4ما يَظهَرُ مِنهُ عَدَمُ البَداءِ فِي القَضاءِ المَحتومِالإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عِندَ اللّهِ كُتُبا مَرقومَةً يُقَدِّمُ مِنها ما يَشاءُ ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ ، فَإِذا كانَ لَيلَةُ القَدرِ أنزَلَ اللّهُ فيها كُلَّ شَيءٍ يَكونُ إلى لَيلَةٍ مِثلِها ، فَذلِكَ قَولُهُ : «وَ لَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ
.
ص: 180
نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا» (1) إذا أنزَلَهُ وكَتَبَهُ كُتّابُ السَّماواتِ ، وهُوَ الَّذي لا يُؤَخِّرُهُ . (2)
الكافي عن اسحاق بن عمّار :(3) : سَمِعتُهُ عليه السلام يَقولُ، وناسٌ يَسأَلونَهُ يَقولونَ : الأَرزاقُ تُقسَمُ لَيلَةَ النِّصفِ مِن شَعبانَ ؟ قَالَ : فَقالَ عليه السلام : لا وَاللّهِ ، ما ذاكَ إلّا في لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ مِن شَهرِ رَمَضانَ ، وإحدى وعِشرينَ ، وثَلاثٍ وعِشرينَ ، فَإِنَّ في لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ يَلتَقِي الجَمعانِ ، وفي لَيلَةِ إحدى وعِشرينَ يُفرَقُ كُلُّ أمرٍ حَكيمٍ ، وفي لَيلَةِ ثَلاثٍ وعِشرينَ يُمضى ما أرادَ اللّهُ عز و جل مِن ذلِكَ ، وهِيَ لَيلَةُ القَدرِ الَّتي قالَ اللّهُ عز و جل : « خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ» . (4) قالَ : قُلتُ : ما مَعنى قَولِهِ : يَلتَقِي الجَمعانِ ؟ قالَ : يَجمَعُ اللّهُ فيها ما أرادَ مِن تَقديمِهِ وتَأخيرِهِ ، وإرادَتِهِ وقَضائِهِ . قالَ : قُلتُ : فَما مَعنى يُمضيهِ في ثَلاثٍ وعِشرينَ ؟ قالَ : إنَّهُ يَفرُقُهُ في لَيلَةِ إحدى وعِشرينَ ويَكونُ لَهُ فيهِ البَداءُ ، فَإِذا كانَت لَيلَةُ ثَلاثٍ وعِشرينَ أمضاهُ ، فَيَكونُ مِنَ المَحتومِ الَّذي لا يَبدو لَهُ فيهِ تَبارَكَ وتَعالى . (5)
علل الشرايع عن عليّ بن سالم عن الإمام الصادق عليه السلام :مَن لَم يُكتَب لَهُ فِي اللَّيلَةِ الَّتي يُفرَقُ فيها كُلُّ أمرٍ حَكيمٍ لَم يَحُجَّ تِلكَ السَّنَةَ ، وهِيَ لَيلَةُ ثَلاثٍ وعِشرينَ مِن شَهرِ رَمَضانَ ، لِأَنَّ فيها يُكتَبُ وَفدُ الحاجِّ ، وفيها يُكتَبُ الأَرزاقُ وَالآجالُ ، وما يَكونُ مِنَ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ .
.
ص: 181
قالَ : قُلتُ : فَمَن لَم يُكتَب في لَيلَةِ القَدرِ لَم يَستَطِعِ الحَجَّ ؟ فَقالَ : لا ، قُلتُ : كَيفَ يَكونُ هذا ؟ قالَ : لَستُ في خُصومَتِكُم مِن شَيءٍ ، هكَذَا الأَمرُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَن قَولِ اللّهِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (2) _: إنَّ ذلِكَ الكِتابَ كِتابٌ يَمحُو اللّهُ فيهِ ما يَشاءُ ويُثبِتُ ، فَمِن ذلِكَ الَّذي يَرُدُّ الدُّعاءُ القَضاءَ ، وذلِكَ الدُّعاءُ مَكتوبٌ عَلَيهِ : «الَّذي يُرَدُّ بِهِ القَضاءُ» حَتّى إذا صارَ إلى اُمِّ الكِتابِ لَم يُغنِ الدُّعاءُ فيهِ شَيئا . (3)
التوحيد عن الحسن بن محمّد النوفلي_ فيما سَأَلَ سُلَيمانُ المَروَزِيُّ الإِمامَ الرِّضا عليه السلام _: قالَ سُلَيمانُ : ألا تُخبِرُني عَن «إِنَّ_ا أَنزَلْنَ_هُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» (4) في أيِّ شَيءٍ اُنزِلَت ؟ قالَ الرِّضا عليه السلام : يا سُلَيمانُ ، لَيلَةُ القَدرِ يُقَدِّرُ اللّهُ عز و جل فيها ما يَكونُ مِنَ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ مِن حَياةٍ أو مَوتٍ ، أو خَيرٍ أو شَرٍّ ، أو رِزقٍ ، فَما قَدَّرَهُ مِن تِلكَ اللَّيلَةِ فَهُوَ مِنَ المَحتومِ . قالَ سُلَيمانُ : الآنَ قَد فَهِمتُ _ جُعِلتُ فِداكَ _ فَزِدني ، قالَ عليه السلام : يا سُلَيمانُ ، إنَّ مِنَ الاُمورِ اُمورا مَوقوفَةً عِندَ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى ، يُقَدِّمُ مِنها ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ . (5)
.
ص: 182
بحث حول إمكانية البداء في القضاء المحتوم أو عدم إمكانيتهتوجد _ كما لا حظنا في البابين السابقين _ مجموعتان من الروايات حول إمكانية البداء في القضاء المحتوم والمبرم ، تدلّ المجموعة الاُولى : على أنّ القضاء المحتوم له قابلية البداء كالقضاء غير المحتوم ، وتقول المجموعة الثانية : إنّ القضاء المحتوم ليسَ قابلاً للبداء ، فكيف يمكن الجمع بين الأحاديث المذكورة؟ نقول : إنّ بالإمكان الجمع بين الأحاديث المذكورة على نحوين : 1 . إنّ الأحاديث الدالّة على أنّ القضاء المحتوم يتمتّع بإمكانية البداء ، كالقضاء غير المحتوم ، يراد بها الإمكان الذاتي . والأحاديث الّتي تصرّح بأنّ البداء لا يحدث في القضاء المحتوم ، يراد بها مقام الوقوع . بعبارة اُخرى : فإنّ أحاديث المجموعة الثانية تدلّ على أنّه على الرغم من أنّ يد اللّه _ تعالى _ ليست مغلولة في تغيير القضاء المحتوم ، وأنّه يستطيع الحيلولة دون وقوعه ما لم يقع ذلك الأمر ، أو أن يقوم بتغييره ، ولكنّه لا يقوم بمثل هذا العمل في القضاء المحتوم من الناحية العملية . 2 . هو الجمع الأوّل نفسه مع هذا الاختلاف ، وهو أنّ المجموعة الثانية من الأحاديث تقصد سنّة اللّه _ تعالى _ في معظم الحالات ؛ بمعنى أنّ ما تمّ تقديره في
.
ص: 183
ليلة القدر لا يتغيّر من الناحية العملية في أغلب الحالات ، ولكن من الممكن أن يتغير في حالات خاصّة ؛ كأن يكون هذا التغيير بواسطة الدعاء في عرفات . وإذا قيل : إنّ مفاد الأحاديث السابقة لا يقبل مثل هذا الجمع ، كما أنّ الأحاديث المتعلّقة بإجابة الدعاء في تغيير القضاء المبرم والمحتوم تأبى هذا الجمع أيضاً . قلنا : إذا اضطررنا إلى قبول التعارض واعتقدنا بأنّ المراد من كلا المجموعتين هو مقام الإمكان وعدم الإمكان الذاتي للبداء ، فيجب القول دون تردّد : إنّ أحاديث المجموعة الاُولى _ أي الأحاديث الّتي تقول : إنّ القضاء المحتوم يتمتّع هو أيضا بإمكانية التغيير بمشيئة اللّه تعالى _ هي مقدّمة على الاُخرى ، ذلك لأنّها مضافاً لملاءمتها مع العقل . بخلاف السند والدلالة مع كثرتها عدداً وانسجامها مع آيات البداء وأحاديثه ، مضافاً لملاءمتها مع العقل . بخلاف مدلول أحاديث المجموعة الثانية إذا كان المراد منها عدم الإمكان الذاتي للبداء ، فإنّ ذلك خلاف للعقل ، فكما إنّ اللّه قادر ومختار في إيجاد مقدّرات الوجود وإثباتها ، فإنّه قادر وحرّ أيضا في محوها وإلغائها ، وإنكار البداء في تحقّق الظواهر يعني إنكار القدرة والإرادة الإلهيّتين .
.
ص: 184
البداء في القضاء والقدر5 / 5إنَّ اللّهَ لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ولا رُسُلَهُ فِي البَداءِالإمام الباقر عليه السلام :العِلمُ عِلمانِ : فَعِلمٌ عِندَ اللّهِ مَخزونٌ لَم يُطلِع عَلَيهِ أحَدا مِن خَلقِهِ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ ، فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإِنَّهُ سَيَكونُ ، لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ولا مَلائِكَتَهُ ولا رُسُلَهُ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَقولُ : العِلمُ عِلمانِ : فَعِلمٌ عَلَّمَهُ اللّهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ ، فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإِنَّهُ يَكونُ ولا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ، ولا مَلائِكَتَهُ ، ولا رُسُلَهُ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل أوحى إلى نَبِيٍّ مِن أنبِيائِهِ : أن أخبِر فُلانَ المَلِكَ أنّي مُتَوَفّيهِ إلى كَذا وكَذا ، فَأَتاهُ ذلِكَ النَّبِيُّ فَأَخبَرَهُ ، فَدَعَا اللّهَ المَلِكُ وهُوَ عَلى سَريرِهِ حَتّى سَقَطَ مِنَ السَّريرِ ، فَقالَ : يا رَبِّ أجِّلني حَتّى يَشِبَّ طِفلي وأقضِيَ أمري ، فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلى ذلِكَ النَّبِيِّ أنِ ائتِ فُلانَ المَلِكَ ، فَأَعلِمهُ أنّي قَد أنسَيتُ في أجَلِهِ وزِدتُ في عُمُرِهِ خَمسَ عَشرَةَ سَنَةً ، فَقالَ ذلِكَ النَّبِيُّ : يا رَبِّ إنَّكَ لَتَعلَمُ أنّي لَم أكذِب قَطُّ ، فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلَيهِ : إنَّما أنتَ عَبدٌ مَأمورٌ فَأَبلِغهُ ذلِكَ ، وَاللّهُ لا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ . (3)
.
ص: 185
الإمام الباقر عليه السلام :بَينا داوُودُ عليه السلام جالِسٌ وعِندَهُ شابٌّ رَثُّ (1) الهَيئَةِ يُكثِرُ الجُلوسَ عِندَهُ ، ويُطيلُ الصَّمتَ ، إذ أتاهُ مَلَكُ المَوتِ فَسَلَّمَ عَلَيهِ ، وأحَدَّ مَلَكُ المَوتِ النَّظَرَ إلَى الشّابِّ ، فَقالَ داوُودُ عليه السلام : نَظَرتَ إلى هذا ، فَقالَ : نَعَم ، إنّي اُمِرتُ بِقَبضِ روحِهِ إلى سَبعَةِ أيّامٍ في هذَا المَوضِعِ ، فَرَحِمَهُ داوُودُ فَقالَ : يا شابُّ ، هَل لَكَ امرَأَةٌ ؟ قالَ : لا ، وما تَزَوَّجتُ قَطُّ . قالَ داوُودُ : فَأتِ فُلانا _ رَجُلاً كانَ عَظيمَ القَدرِ في بَني إسرائيلَ _ فَقُل لَهُ : إنَّ داوُودُ يَأمُرُكَ أن تُزَوِّجَنِي ابنَتَكَ وتُدخِلَها اللَّيلَةَ عَلَيَّ ، وخُذ مِنَ النَّفَقَةِ ما تَحتاجُ إلَيهِ ، وكُن عِندَها ، فَإِذا مَضَت سَبعَةُ أيّامٍ فَوافِني في هذَا المَوضِعِ . فَمَضَى الشّابُّ بِرِسالَةِ داوُودُ عليه السلام فَزَوَّجَهُ الرَّجُلُ ابنَتَهُ وأدخَلَها عَلَيهِ ، وأقامَ عِندَها سَبعَةَ أيّامٍ ، ثُمَّ وافى داوُودُ يَومَ الثّامِنِ فَقالَ لَهُ داوُودُ : يا شابُّ كَيفَ رَأَيتَ ما كُنتَ فيهِ ؟ قالَ : ما كُنتُ في نِعمَةٍ ولا سُرورٍ قَطُّ أعظَمَ مِمّا كُنتُ فيهِ ، قالَ داوُودُ : اِجلِس فَجَلَسَ داوُودُ يَنتَظِرُ أن تُقبَضَ روحُهُ ، فَلَمّا طالَ قالَ : اِنصَرِف إلى مَنزِلِكَ فَكُن مَعَ أهلِكَ ، فَإِذا كانَ اليَومُ الثّامِنُ فَوافِني هاهُنا ، فَمَضَى الشّابُ ، ثُمَّ وافاهُ اليَومَ الثّامِنَ وجَلَسَ عِندَهُ ، ثُمَّ انصَرَفَ اُسبوعا آخَرَ ، ثُمَّ أتاهُ وجَلَسَ فَجاءَ مَلَكُ المَوتِ إلى داوُودُ ، فَقالَ داوُودُ] صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ] : ألَستَ حَدَّثتَني بِأَنَّكَ اُمِرتَ بِقَبضِ روحِ هذَا الشّابِّ إلى سَبعَةِ أيّامٍ فَقَد مَضَت ثَمانِيَةٌ وثَمانِيَةٌ ! قالَ : يا داوُودُ ، إنَّ اللّهَ تَعالى رَحِمَهُ بِرَحمَتِكَ لَهُ ، فَأَخَّرَ في أجَلِهِ ثَلاثينَ سَنَةً . (2)
.
ص: 186
5 / 6أسبابُ حُسنِ البَداءِأ _ طاعَةُ اللّهِ«قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلَا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَ_نٍ مُّبِينٍ» . (1)
«قَالَ يَ_قَوْمِ إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَ اتَّقُوهُ وَ أَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» . (2)
ب _ الاِستِغفارُالكتاب«وَ أَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَ_عًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْلٍ فَضْلَهُ وَ إِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ» . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ فِي استِغفارِهِ فِي السَّحَرِ _: اللّهُمَّ وأستَغفِرُكَ لِكُلِّ ذَنبٍ يُدنِي الآجالَ ، ويَقطَعُ الآمالَ . (4)
.
ص: 187
ج _ الدُّعاءُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ ، وللّهِِ في خَلقِهِ قَضاءانِ : قَضاءٌ ماضٍ ، وقَضاءٌ مُحدَثٌ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَرُدُّ القَدَرَ إلَا الدُّعاءُ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَرُدُّ القَضاءَ إلَا الدُّعاءُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :الدُّعاءُ جُندٌ مِن أجنادِ اللّهِ تَعالى مُجَنَّدٌ ، يَرُدُّ القَضاءَ بَعدَ أن يُبرَمَ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :يا بُنَيَّ ، أكثِر مِنَ الدُّعاءِ ، فَإِنَّ الدُّعاءَ يَرُدُّ القَضاءَ المُبرَمَ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يُغني حَذَرٌ مِن قَدَرٍ ، وَالدُّعاءُ يَنفَعُ مِمّا نَزَلَ ومِمّا لَم يَنزِل . (6)
الإمام عليّ عليه السلام :الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ المُبرَمَ ، فَاتَّخِذوهُ عُدَّةً . (7)
عنه عليه السلام_ في نِهايَةِ كِتابِهِ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: أستَودِعُ اللّهَ دينَكَ ودُنياكَ ، وأسأَلُهُ خَيرَ القَضاءِ لَكَ فِي العاجِلَةِ وَالآجِلَةِ ، وَالدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَالسَّلامُ . (8)
.
ص: 188
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ اصرِف عَنِّي الأَزلَ (1) وَاللَأواءَ (2) ، وَالبَلوى وسوءَ القَضاءِ ، وشَماتَةَ الأَعداءِ ، ومَنظَرَ السَّوءِ في نَفسي ومالي . (3)
الإمام زين العابدين والإمام الباقر عليهماالسلام :الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ الَّذي اُبرِمَ إبراما . (4)
الكافي عن زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال:قالَ لي : ألا أدُلُّكَ عَلى شَيءٍ لَم يَستَثنِ فيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قُلتُ : بَلى . قالَ : الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ وقَد اُبرِمَ إبراما _ وضَمَّ أصابِعَهُ _ . (5)
الكافي عن حمّاد بن عثمان :سَمِعتُهُ (6) يَقولُ : إنَّ الدُّعاءَ يَرُدُّ القَضاءَ ، يَنقُضُهُ كَما يُنقَضُ السِّلكُ وقَد اُبرِمَ إبراما . (7)
الإمام الصادق عليه السلام :الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ بَعدَما اُبرِمَ إبراما ، فَأَكثِر مِنَ الدُّعاءِ فَإِنَّهُ مِفتاحُ كُلِّ رَحمَةٍ ، ونَجاحُ كُلِّ حاجَةٍ ، ولا يُنالُ ما عِندَ اللّهِ عز و جل إلّا بِالدُّعاءِ وإنَّهُ لَيسَ بابٌ يُكثَرُ قَرعُهُ ، إلّا يوشِكُ أن يُفتَحَ لِصاحِبِهِ . (8)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل لَيَدفَعُ بِالدُّعاءِ الأَمرَ الَّذي عَلِمَهُ أن يُدعى لَهُ فَيَستَجيبُ ، ولَولا ما وُفِّقَ العَبدُ مِن ذلِكَ الدُّعاءِ ، لَأَصابَهُ مِنهُ ما يَجُثُّهُ مِن جَديدِ الأَرضِ . (9)
.
ص: 189
عنه عليه السلام :إنَّ الدُّعاءَ يَرُدُّ القَضاءَ وقَد نَزَلَ مِنَ السَّماءِ ، وقَد اُبرِمَ إبراما . (1)
الكافي عن عمر بن يزيد :سَمِعتُ أبَا الحَسَنِ عليه السلام يَقولُ : إنَّ الدُّعاءَ يَرُدُّ ما قَد قُدِّرَ وما لَم يُقَدَّر . قُلتُ : وما قَد قُدِّرَ عَرَفتُهُ ، فَما لَم يُقَدَّر ؟ قالَ : حَتّى لا يَكونَ . (2)
الإمام الهادي عليه السلام_ في قُنوتِهِ _: اللّهُمَّ أسعِدنا بِالشُّكرِ ، وَامنَحنَا النَّصرَ ، وأعِذنا مِن سوءِ البَداءِ وَالعاقِبَةِ وَالخَترِ (3) . (4)
د _ صِلَةُ الأَرحامِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :صِلَةُ القَرابَةِ مَثراةٌ فِي المالِ ، مَحَبَّةٌ فِي الأَهلِ ، مَنسَأَةٌ فِي الأَجَلِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن سَرَّهُ النَّساءُ فِي الأَجَلِ ، وَالزِّيادَةُ فِي الرِّزقِ ، فَليَصِل رَحِمَهُ . (6)
تفسير العيّاشي عن الحسين بن زيد بن عليّ عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهماالسلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ المَرءَ لَيَصِلُ رَحِمَهُ وما بَقِيَ مِن عُمُرِهِ إلّا ثَلاثُ سِنينَ ، فَيَمُدُّهَا اللّهُ إلى ثَلاثٍ وثَلاثينَ سَنَةً ، وإنَّ المَرءَ لَيَقطَعُ رَحِمَهُ وقَد بَقِيَ مِن عُمُرِهِ ثَلاثٌ وثَلاثونَ سَنَةً ، فَيَقصُرُهَا اللّهُ إلى ثَلاثِ سِنينَ أو أدنى .
.
ص: 190
قالَ الحُسَينُ [بن زيد] : وكانَ جَعفَرٌ عليه السلام يَتلو هذِهِ الآيَةَ «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (1) . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ كانَ يَقولُ _: إنَّ أفضَلَ ما يَتَوَسَّلُ بِهِ المُتَوَسِّلونَ الإِيمانُ بِاللّهِ ورَسولِهِ ... وصِلَةُ الرَّحِمِ فَإِنَّها مَثراةٌ فِي المالِ ، ومَنسَأَةٌ فِي الأَجَلِ . (3)
عنه عليه السلام :صِلَةُ الأَرحامِ تُثمِرُ الأَموالَ ، وتُنسِئُ فِي الآجالِ . (4)
عنه عليه السلام :صِلَةُ الرَّحِمِ تُوَسِّعُ الآجالَ ، وتُنَمِّي الأَموالَ . (5)
الإمام الباقر عليه السلام :صِلَةُ الأَرحامِ تُزَكِّي الأَعمالَ ، وتُنَمِّي الأَموالَ ، وتَدفَعُ البَلوى ، وتُيَسِّرُ الحِسابَ ، وتُنسِئُ فِي الأَجَلِ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :صِلوا أرحامَكُم ، فَفي صِلَتِها مَنسَأَةٌ فِي الأَجَلِ ، وزِيادَةٌ فِي العَدَدِ . (7)
ه _ الصَّدَقَةُالإمام عليّ عليه السلام :بِالصَّدَقَةِ تُفسَحُ الآجالُ . (8)
.
ص: 191
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ عيسى روحَ اللّهِ مَرَّ بِقَومٍ مُجَلِّبينَ (1) فَقالَ : ما لِهؤُلاءِ ؟ قيلَ : يا روحَ اللّهِ ، إنَّ فُلانَةَ بِنتَ فُلانٍ تُهدى إلى فُلانِ بنِ فُلانٍ في لَيلَتِها هذِهِ . قالَ : يُجَلِّبونَ اليَومَ ويَبكونَ غَدا ، فَقالَ قائِلٌ مِنهُم : ولِمَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : لِأَنَّ صاحِبَتَهُم مَيِّتَةٌ في لَيلَتِها هذِهِ ! فَقالَ القائِلونَ بِمَقالَتِهِ : صَدَقَ اللّهُ وصَدَقَ رَسولُهُ ، وقالَ أهلُ النِّفاقِ : ما أقرَبَ غَدا . فَلَمّا أصبَحوا جاؤوا فَوَجَدوها عَلى حالِها لَم يَحدُث بِها شَيءٌ . فَقالوا : يا روحَ اللّهِ إنَّ الَّتي أخبَرتَنا أمسِ أنَّها مَيِّتَةٌ لَم تَمُت ! فَقالَ عيسى عليه السلام : يَفعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ، فَاذهَبوا بِنا إلَيها . فَذَهَبوا يَتَسابَقونَ حَتّى قَرَعُوا البابَ ، فَخَرَجَ زَوجُها فَقالَ لَهُ عيسى عليه السلام : اِستَأذِن لي عَلى صاحِبَتِكَ ، قالَ : فَدَخَلَ عَلَيها فَأَخبَرَها أنَّ روحَ اللّهِ وكَلِمَتَهُ بِالبابِ مَعَ عِدَّةٍ ، قالَ : فَتَخَدَّرَت ، فَدَخَلَ عَلَيها فَقالَ لَها : ما صَنَعتِ لَيلَتَكِ هذِهِ ؟ قالَت : لَم أصنَع شَيئا إلّا وقَد كُنتُ أصنَعُهُ فيما مَضى ، إنَّهُ كانَ يَعتَرينا سائِلٌ في كُلِّ لَيلَةِ جُمُعَةٍ فَنُنيلُهُ ما يَقوتُهُ إلى مِثلِها ، وإنَّهُ جاءَني في لَيلَتي هذِهِ وأنَا مَشغولَةٌ بِأَمري وأهلي في مَشاغِلَ (2) فَهَتَفَ فَلَم يُجِبهُ أحَدٌ ، ثُمَّ هَتَفَ فَلَم يُجَب ، حَتّى هَتَفَ مِرارا ، فَلَمّا سَمِعتُ مَقالَتَهُ قُمتُ مُتَنَكِّرَةً حَتّى أنَلتُهُ كَما كُنّا نُنيلُهُ . فَقالَ لَها : تَنَحَّي عَن مَجلِسِكِ ، فَإِذا تَحتَ ثِيابِها أفعى مِثلُ جِذعَةٍ عاضٌّ عَلى ذَنَبِهِ ! فَقالَ عليه السلام : بِما صَنَعتِ صُرِفَ عَنكِ هذا . (3)
عنه عليه السلام :مَرَّ يَهودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : السّامُ عَلَيكَ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : عَلَيكَ ،
.
ص: 192
فَقالَ أصحابُهُ : إنَّما سَلَّمَ عَلَيكَ بِالمَوتِ ، قالَ : المَوتُ عَلَيكَ . قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : وكَذلِكَ رَدَدتُ . ثُمَّ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إنَّ هذَا اليَهودِيَّ يَعَضُّهُ أسوَدُ في قَفاهُ فَيَقتُلُهُ . قالَ : فَذَهَبَ اليَهودِيُّ فَاحتَطَبَ حَطَبا كَثيرا فَاحتَمَلَهُ ثُمَّ لَم يَلبَث أنِ انصَرَفَ . فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ضَعهُ ، فَوَضَعَ الحَطَبَ فَإِذا أسوَدُ في جَوفِ الحَطَبِ عاضٌّ عَلى عودٍ ، فَقالَ : يا يَهودِيُّ ، ما عَمِلتَ اليَومَ ؟ قالَ : ما عَمِلتُ عَمَلاً إلّا حَطَبي هذَا ، احتَمَلتُهُ فَجِئتُ بِهِ ، وكانَ مَعي كَعكَتانِ ، فَأَكَلتُ واحِدَةً وتَصَدَّقتُ بِواحِدَةٍ عَلى مِسكينٍ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : بِها دَفَعَ اللّهُ عَنهُ . وقالَ : إنَّ الصَّدَقَةَ تَدفَعُ ميتَةَ السَّوءِ عَنِ الإِنسانِ . (1)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ في الدُّعاءِ _: يا مَن يَرُدُّ بِأَلطَفِ الصَّدَقَةِ وَالدُّعاءِ ، عَن أعنانِ السَّماءِ ، ما حُتِمَ واُبرِمَ مِن سوءِ القَضاءِ . (2)
و _ الرِّضا بِالقَضاءِالإمام الصادق عليه السلام :كانَ في بَني إسرائيلَ نَبِيٌّ وَعَدَهُ اللّهُ ... النُّصرَةَ إلى خَمسَ عَشرَةَ سَنَةً ، فَأَخبَرَ بِذلِكَ النَّبِيُّ قَومَهُ فَقالوا : ما شاءَ اللّهُ ، فَعَجَّلَهُ اللّهُ لَهُم في خَمسَ عَشرَةَ لَيلَةً . (3)
راجع : ص 339 (الرضا بالقضاء والقدر) .
.
ص: 193
ز _ عَدلُ السُّلطانِالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ لِمَن جَعَلَ لَهُ سُلطانا أجَلاً ومُدَّةً مِن لَيالٍ وأيّامٍ وسِنينَ وشُهورٍ ، فَإِن عَدَلوا فِي النّاسِ أمَرَ اللّهُ عز و جل صاحِبَ الفَلَكِ (1) أن يُبطِئَ بِإِدارَتِهِ فَطالَت أيّامُهُم ولَياليهِم وسِنينُهُم وشُهورُهُم ، وإن جاروا فِي النّاسِ ولَم يَعدِلوا أمَرَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى صاحِبَ الفَلَكِ فَأَسرَعَ بِإِدارَتِهِ فَقَصُرَت لَياليهِم وأيّامُهُم وسِنينُهُم وشُهورُهُم ، وقَد وَفى عز و جل لَهُم بِعَدَدِ اللَّيالي وَالشُّهورِ . (2)
ح _ زِيارَةُ الحُسَينِ عليه السلامالإمام الباقر عليه السلام :مُروا شيعَتَنا بِزِيارَةِ قَبرِ الحُسَينِ عليه السلام ؛ فَإِنَّ إتيانَهُ يَزيدُ فِي الرِّزقِ ، ويَمُدُّ فِي العُمُرِ ، ويَدفَعُ مَدافِعَ السَّوءِ (3) ، وإتيانَهُ مُفتَرَضٌ عَلى كُلِّ مُؤمِنٍ يُقِرُّ لَهُ بِالإِمامَةِ مِنَ اللّهِ . (4)
عنه عليه السلام :إنَّ الحُسَينَ صاحِبَ كَربَلاءَ قُتِلَ مَظلوما مَكروبا عَطشانا لَهفانا ، وحَقٌّ عَلَى اللّهِ عز و جل (5) أن لا يَأتِيَهُ لَهفانٌ ولا مَكروبٌ ولا مُذنِبٌ ولا مَغمومٌ ولا عَطشانُ ولا ذو عاهَةٍ ثُمَّ دَعا عِندَهُ وتَقَرَّبَ بِالحُسَينِ عليه السلام إلَى اللّهِ عز و جل ، إلّا نَفَّسَ اللّهُ كُربَتَهُ
.
ص: 194
وأعطاهُ مَسأَلَتَهُ وغَفَرَ ذَنبَهُ ومَدَّ في عُمُرِهِ وبَسَطَ في رِزقِهِ، فَاعتَبِروا يا اُولِيالأَبصارِ. (1)
كامل الزيارات عن عبد الملك الخثعمي عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :قالَ لي : يا عَبدَ المَلِكِ ، لا تَدَع زِيارَةَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام ومُر أصحابَكَ بِذلِكَ ؛ يَمُدُّ اللّهُ في عُمُرِكَ ، ويَزيدُ اللّهُ في رِزقِكَ ، ويُحييكَ اللّهُ سَعيدا ولا تَموتُ إلّا سَعيدا ويَكتُبُكَ سَعيدا . (2)
تهذيب الأحكام عن منصور بن حازم :(3) ، قال : سَمِعتُهُ (4) يَقولُ : مَن أتى عَلَيهِ حَولٌ لَم يَأتِ قَبرَ الحُسَينِ عليه السلام نَقَصَ اللّهُ مِن عُمُرِهِ حَولاً . ولَو قُلتُ : إنَّ أحَدَكُم يَموتُ قَبلَ أجَلِهِ بِثَلاثينَ سَنَةً لَكُنتُ صادِقا ؛ وذلِكَ أنَّكُم تَترُكونَ زِيارَتَهُ . فَلا تَدَعوها ، يَمُدُّ اللّهُ في أعمارِكُم ، ويَزيدُ في أرزاقِكُم ، وإذا تَرَكتُم زِيارَتَهُ نَقَصَ اللّهُ مِن أعمارِكُم وأرزاقِكُم ، فَتَنافَسوا في زِيارَتِهِ ولا تَدَعوا ذلِكَ ؛ فَإِنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ عليه السلام شاهِدٌ لَكُم عِندَ اللّهِ تَعالى وعِندَ رَسولِهِ وعِندَ عَلِيٍّ وعِندَ فاطِمَةَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم أجمَعينَ . (5)
ط _ تِلكَ الأَسبابِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ تَعالى : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (6) _:
.
ص: 195
الصَّدَقَةُ وَاصطِناعُ المَعروفِ وصِلَةُ الرَّحِمِ وبِرُّ الوالِدَينِ ، يُحَوِّلُ الشَّقاءَ سَعادَةً ، ويَزيدُ مِنَ العُمُرِ ، ويَقي مَصارِعَ السَّوءِ . (1)
الأمالي عن الأوزاعي :دَخَلتُ المَدينَةَ مَدينَةَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلمقالَ : فَقُلتُ : مَن هاهُنا مِنَ الفُقَهاءِ ؟ فَقالوا : مُحَمَّدُ بنُ المُنكَدِرِ ، ومُحَمَّدُ بنُ المُبَشِّرِ ، ومُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ _ يَعنِي ابنَ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليهم السلام _ فَقُلتُ في نَفسي : لَيسَ مِن هؤُلاءِ أحَقُّ أن يُبدَأَ بِهِ مِنِ ابنِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَتَيتُهُ وقُلتُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، أخبِرني عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . فَقالَ : أخبَرَني أبي عَن جَدّي عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، أنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لَاُبَشِّرَنَّكَ يا عَلِيُّ بِها ، تُبَشِّرُ اُمَّتي مِن بَعدي ، وهِيَ : الصَّدَقَةُ عَلى وَجهِها ، وبِرُّ الوالِدَينِ ، وَاصطِناعُ المَعروفِ ، وصِلَةُ الرَّحِمِ ، تُحَوِّلُ الشَّقاءَ سَعادَةً ، وتَزيدُ فِي العُمُرِ ، وتَقي مَصارِعَ السَّوءِ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :بِرُّ الوالِدَينِ ، وصِلَةُ الرَّحِمِ ، يَزيدانِ فِي الأَجَلِ . (3)
5 / 7ما يوجِبُ سوءَ البَداءِالكتاب«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ» . (4)
.
ص: 196
«ذَ لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» . (1)
«وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَ قَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَقولُ اللّهُ عز و جل : ... ما مِن أهلِ قَريَةٍ ، ولا أهلِ بَيتٍ ، ولا رَجُلٍ بِبادِيَةٍ (3) ، كانوا عَلى ما أحبَبتُ مِن طاعَتي ، ثُمَّ تَحَوَّلوا عَنها إلى ما كَرِهتُ مِن مَعصِيَتي ، إلّا تَحَوَّلتُ لَهُم عَمّا يُحِبّونَ مِن رَحمَتي إلى ما يَكرَهونَ مِن غَضَبي . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا جارَ الحاكِمُ قَلَّ المَطَرُ ، وإذا غُرِّرَ (5) بِأَهلِ الذِّمَّةِ ظَهَرَ عَلَيهِم عَدُوُّهُم ، وإذا ظَهَرَتِ الفَواحِشُ كانَتِ الرَّجفَةُ ، وإذا قَلَّ الأَمرُ بِالمَعروفِ استُبيحَ الحَريمُ ، وإنَّما هُوَ التَّبديلُ ، ثُمَّ التَّدبيرُ ، ثُمَّ التَّدميرُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا ظَهَرَ الزِّنا كَثُرَ مَوتُ الفَجأَةِ ، وإذا طُفِّفَ المِكيالُ أخَذَهُمُ اللّهُ بِالسِّنينَ وَالنَّقصِ ، وإذا مَنَعُوا الزَّكاةَ مَنَعَتِ الأَرضُ بَرَكَتَها مِنَ الزَّرعِ وَالثِّمارِ وَالمَعادِنِ ، وإذا
.
ص: 197
جاروا فِي الأَحكامِ تَعاوَنوا عَلَى الظُّلمِ وَالعُدوانِ ، وإذا نَقَضُوا العُهودَ سَلَّطَ اللّهُ عَلَيهِم عَدُوَّهُم ، وإذا قَطَعُوا الأَرحامَ جُعِلَتِ الأَموالُ في أيدِي الأَشرارِ ، وإذا لَم يَأمُروا بِمَعروفٍ ، ولَم يَنهَوا عَن مُنكَرٍ ، ولَم يَتَّبِعُوا الأَخيارَ مِن أهلِ بَيتي ، سَلَّطَ اللّهُ عَلَيهِم شِرارَهُم فَيَدعو خِيارُهُم فَلا يُستَجابُ لَهُم . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :خَمسٌ إذا أدرَكتُموهُنَّ فَتَعَوَّذوا بِاللّهِ عز و جل مِنهُنَّ : لَم تَظهَرِ الفاحِشَةُ في قَومٍ قَطُّ حَتّى يُعلِنوها إلّا ظَهَرَ فيهِمُ الطّاعونُ وَالأَوجاعُ الَّتي لَم تَكُن في أسلافِهِمُ الَّذينَ مَضَوا ، ولَم يَنقُصُوا المِكيالَ وَالميزانَ إلّا اُخِذوا بِالسِّنينَ وشِدَّةِ المَؤونَةِ وجَورِ السُّلطانِ ، ولم يَمنَعُوا الزَّكاةَ إلّا مُنِعُوا القَطرَ مِن السَّماءِ ، ولَولَا البَهائِمُ لَم يُمطَروا ، ولَم يَنقُضوا عَهدَ اللّهِ عز و جل وعَهدَ رَسولِهِ إلّا سَلَّطَ اللّهُ عَلَيهِم عَدُوَّهُم ، فَأَخَذوا بَعضَ ما في أيديهِم ، ولَم يَحكُموا بِغَيرِ ما أنزَلَ اللّهُ إلّا جَعَلَ بَأسَهُم بَينَهُم . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَت فيكُم خَمسٌ رُميتُم بِخَمسٍ : إذا أكَلتُمُ الرِّبا رُميتُم بِالخَسفِ ، وإذا ظَهَرَ فيكُمُ الزِّنا اُخِذتُم بِالمَوتِ ، وإذا جارَتِ الحُكّامُ ماتَتِ البَهائِمُ ، وإذا ظُلِمَ أهلُ المِلَّةِ (3) ذَهَبَتِ الدَّولَةُ ، وإذا تَرَكتُمُ السُّنَّةَ ظَهَرَتِ البِدعَةُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :... إذا جارَتِ الوُلاةُ قَحَطَتِ السَّماءُ ، وإذا مُنِعَتِ الزَّكاةُ هَلَكَتِ المَواشي ، وإذا
.
ص: 198
ظَهَرَ الزِّنا ظَهَرَ الفَقرُ وَالمَسكَنَةُ ، وإذا اُخفِرَتِ (1) الذِّمَّةُ اُديلَ (2) الكُفّارُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :ما نَقَضَ قَومٌ عَهدَهُم إلّا سُلِّطَ عَلَيهِم عَدُوُّهُم ، وما جارَ قَومٌ إلّا كَثُرَ القَتلُ بَينَهُم ، وما مَنَعَ قَومٌ الزَّكاةَ إلّا حُبِسَ القَطرُ عَنهُم ، ولا ظَهَرَت فيهِمُ الفاحِشَةُ إلّا فَشا فيهِمُ المَوتُ ، وما يُخسِرُ قَومٌ المِكيالَ وَالميزانَ إلّا اُخِذوا بِالسِّنينَ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا أبغَضَ المُسلِمونَ عُلَماءَهُم ، وأظهَروا عِمارَةَ أسواقِهِم ، وتَناكَحوا عَلى جَمعِ الدَّراهِمِ ، رَماهُمُ اللّهُ عز و جل بِأَربَعِ خِصالٍ : بِالقَحطِ مِنَ الزَّمانِ ، وَالجَورِ مِنَ السُّلطانِ ، وَالخِيانَةِ مِن وُلاةِ الأَحكامِ ، وَالصَّولَةِ مِنَ العَدُوِّ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا ظُلِمَ أهلُ الذِّمَّةِ كانَتِ الدَّولَةُ دَولَةَ العَدُوِّ ، وإذا كَثُرَ الزِّنا كَثُرَ السِّباءُ ، وإذا كَثُرَ اللّوطِيَّةُ رَفَعَ اللّهُ عز و جل يَدَهُ عَنِ الخَلقِ ، فَلا يُبالي في أيِّ وادٍ هَلَكوا . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا تَبايَعتُم بِالعينَةِ (7) ، وأخَذتُم أذنابَ البَقَرِ ، ورَضيتُم بِالزَّرعِ ، وتَرَكتُمُ الجِهادَ ، سَلَّطَ اللّهُ عَلَيكُم ذُلّاً لا يَنزِعُهُ ، حَتّى تَرجِعوا إلى دينِكُم . (8)
.
ص: 199
الإمام عليّ عليه السلام :إذا فَشَى الزِّنا ظَهَرَ مَوتُ الفُجاءَةِ ، وإذا جارَ الحاكِمُ قَحَطَ المَطَرُ . (1)
الإمام الحسن عليه السلام_ في دُعائِهِ إذا أحزَنَهُ أمرٌ _: يا كهيعص ، يا نورُ يا قُدّوسُ ، يا خَبيرُ يا اللّهُ ، يا رَحمنُ _ رَدَّدَها ثَلاثا _ اغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُحِلُّ النِّقَمَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُغَيِّرُ النِّعَمَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَهتِكُ العِصَمَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُنزِلُ البَلاءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُعَجِّلُ الفَناءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُديلُ الأَعداءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَقطَعُ الرَّجاءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَرُدُّ الدُّعاءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُمسِكُ غَيثَ السَّماءِ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُظلِمُ الهَواءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَكشِفُ الغِطاءَ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الذُّنوبُ الَّتي تُغَيِّرُ النِّعَمَ : البَغيُ عَلَى النّاسِ ، وَالزَّوالُ عَنِ العادَةِ فِي الخَيرِ وَاصطِناعِ المَعروفِ ، وكُفرانُ النِّعَمِ ، وتَركُ الشُّكرِ . قالَ اللّهُ عز و جل : «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ» . وَالذُّنوبُ الَّتي تورِثُ النَّدَمَ : قَتلُ النَّفسِ الَّتي حَرَّمَ اللّهُ . قالَ اللّهُ تَعالى : «وَ لَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ» (3) ، وقالَ عز و جل في قِصَّةِ قابيلَ حينَ قَتَلَ أخاهُ هابيلَ فَعَجَزَ عَن دَفنِهِ ، فَسَوَّلَت لَهُ نَفسُهُ قَتلَ أخيهِ فَقَتَلَهُ «فَأَصْبَحَ مِنَ النَّ_دِمِينَ» (4) ، وتَركُ صِلَةِ القَرابَةِ حَتّى يَستَغنوا ، وتَركُ الصَّلاةِ حَتّى يَخرُجَ وَقتُها ، وتَركُ الوَصِيَّةِ ورَدِّ المَظالِمِ ، ومَنعُ الزَّكاةِ حَتّى يَحضُرَ المَوتُ ويَنغَلِقَ اللِّسانُ . وَالذُّنوبُ الَّتي تُنزِلُ النِّقَمَ : عِصيانُ العارِفِ بِالبَغيِ وَالتَّطاوُلُ عَلَى النّاسِ
.
ص: 200
وَالاِستِهزاءُ بِهِم وَالسُّخرِيَّةُ مِنهُم . وَالذُّنوبُ الَّتي تَدفَعُ القِسَمَ : إظهارُ الاِفتِقارِ ، وَالنَّومُ عَنِ العَتَمَةِ ، (1) وعَن صَلاةِ الغَداةِ ، وَاستِحقارُ النِّعَمِ ، وشَكوَى المَعبودِ عز و جل . وَالذُّنوبُ الَّتي تَهتِكُ العِصَمَ : شُربُ الخَمرِ ، وَاللَّعِبُ بِالقِمارِ ، وتَعاطي ما يُضحِكُ النّاسَ مِنَ اللَّغوِ وَالمِزاحِ ، وذِكرُ عُيوبِ النّاسِ ، ومُجالَسَةُ أهلِ الرَّيبِ . وَالذُّنوبُ الَّتي تُنزِلُ البَلاءَ : تَركُ إغاثَةِ المَلهوفِ ، وتَركُ مُعاوَنَةِ المَظلومِ ، وتَضييعُ الأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ . وَالذُّنوبُ الَّتي تُديلُ الأَعداءَ : المُجاهَرَةُ بِالظُّلمِ ، وإعلانُ الفُجورِ ، وإباحَةُ المَحظورِ ، وعِصيانُ الأَخيارِ ، وَالاِنطِباعُ لِلأَشرارِ . وَالذُّنوبُ الَّتي تُعَجِّلُ الفَناءَ : قَطيعَةُ الرَّحِمِ ، وَاليَمينُ الفاجِرَةُ ، وَالأَقوالُ الكاذِبَةُ ، وَالزِّنا ، وسَدُّ طُرُقِ المُسلِمينَ ، وَادِّعاءُ الإِمامَةِ بِغَيرِ حَقٍّ . وَالذُّنوبُ الَّتي تَقطَعُ الرَّجاءَ : اليَأسُ مِن رَوحِ اللّهِ ، وَالقُنوطُ مِن رَحمَةِ اللّهِ ، وَالثِّقَةُ بِغَيرِ اللّهِ ، وَالتَّكذيبُ بِوَعدِ اللّهِ عز و جل . وَالذُّنوبُ الَّتي تُظلِمُ الهَواءَ : السِّحرُ ، وَالكِهانَةُ ، وَالإِيمانُ بِالنُّجومِ ، وَالتَّكذيبُ بِالقَدَرِ ، وعُقوقُ الوالِدَينِ . وَالذُّنوبُ الَّتي تَكشِفُ الغِطاءَ : الاِستِدانَةُ بغَِيرِ نِيَّةِ الأَداءِ ، وَالإِسرافُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الباطِلِ ، وَالبُخلُ عَلَى الأَهلِ وَالوَلَدِ وذَوِي الأَرحامِ ، وسوءُ الخُلُقِ ، وقِلَّةُ الصَّبرِ ،
.
ص: 201
وَاستِعمالُ الضَّجَرِ وَالكَسَلِ ، وَالاِستِهانَةُ بِأَهلِ الدّينِ . وَالذُّنوبَ الَّتي تَرُدُّ الدُّعاءَ : سوءُ النِّيَّةِ ، وخُبثُ السَّريرَةِ ، وَالنِّفاقُ مَعَ الإِخوانِ ، وتَركُ التَّصديقِ بِاِلإِجابَةِ ، وتَأخيرُ الصَّلَواتِ المَفروضاتِ حَتّى تَذهَبَ أوقاتُها ، وتَركُ التَّقَرُّبِ إلَى اللّهِ عز و جل بِالبِرِّ وَالصَّدَقَةِ ، وَاستِعمالُ البَذاءِ وَالفُحشِ فِي القَولِ . وَالذُّنوبُ الَّتي تَحبِسُ غَيثَ السَّماءِ : جَورُ الحُكّامِ فِي القَضاءِ ، وشَهادَةُ الزّورِ ، وكِتمانُ الشَّهادَةِ ، ومَنعُ الزَّكاةِ وَالقَرضِ وَالماعونِ ، وقَساوَةُ القُلوبِ عَلى أهلِ الفَقرِ وَالفاقَةِ ، وظُلمُ اليَتيمِ وَالأَرمَلَةِ ، وَانتِهارُ السّائِلِ ورَدُّهُ بِاللَّيلِ . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :ما مِن سَنَةٍ أقَلُّ مَطَرا مِن سَنَةٍ ، ولكِنَّ اللّهَ يَضَعُهُ حَيثُ يَشاءُ ، إنَّ اللّهَ عز و جل إذا عَمِلَ قَومٌ بَالمَعاصي صَرَفَ عَنهُم ما كانَ قَدَّرَ لَهُم مِنَ المَطَرِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :حَياةُ دَوابِّ البَحرِ بِالمَطَرِ ، فَإِذا كُفَّ المَطَرُ ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ ، وذلِكَ إذا كَثُرَتِ الذُّنوبُ وَالمَعاصي . (3)
عنه عليه السلام :إذا فَشا أربَعَةٌ ظَهَرَت أربَعَةٌ : إذا فَشَا الزِّنا ظَهَرَتِ الزَّلزَلَةُ ، وإذا فَشَا الجَورُ فِي الحُكمِ احتُبِسَ القَطرُ ، وإذا خُفِرَتِ الذِّمَّةُ اُديلَ لِأَهلِ الشِّركِ مِن أهلِ الإِسلامِ ، وإذا مُنِعَتِ الزَّكاةُ ظَهَرَتِ الحاجَةُ . (4)
.
ص: 202
الإمام الرضا عليه السلام :إذا كَذَبَ الوُلاةُ حُبِسَ المَطَرُ ، وإذا جارَ السُّلطانُ هانَتِ الدَّولَةُ ، وإذا حُبِسَتِ الزَّكاةُ ماتَتِ المَواشي . (1)
الغيبة عن أبي حمزة :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَقولُ : إلَى السَّبعينَ بَلاءٌ ، وكانَ يَقولُ : «بَعدَ البَلاءِ رَخاءٌ» وقَد مَضَتِ السَّبعونَ ولَم نَرَ رَخاءً . فَقالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : يا ثابِتُ ، إنَّ اللّهَ تَعالى كانَ وَقَّتَ هذَا الأَمرَ فِي السَّبعينَ ، فَلَمّا قُتِلَ الحُسينُ عليه السلام ، اشتَدَّ غَضَبُ اللّهِ عَلى أهلِ الأَرضِ ، فَأَخَّرَهُ إلى أربَعينَ ومِئَةِ سَنَةٍ ، فَحَدَّثناكُم فَأَذَعتُمُ الحَديثَ ، وكَشَفتُم قِناعَ السِّرِّ ، فَأَخَّرَهُ اللّهُ ولَم يَجعَل لَهُ بَعدَ ذلِكَ عِندَنا وَقتا و «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (2) . (3)
الغيبة عن أبي بصير :قُلتُ لَهُ : ألِهذَا الأَمرِ أمَدٌ نُريحُ إلَيهِ أبدانَنا ، ونَنتَهي إلَيهِ ؟ قالَ : بَلى ، ولكِنَّكُم أذَعتُم فَزادَ اللّهُ فيهِ . (4)
5 / 8مَوارِدُ البَداءِ فِي القُرآنِأ _ البَداءُ في عَذابِ قَومِ يونُسَالكتاب«فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَ_نُهَا إِلَا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى
.
ص: 203
الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ مَتَّعْنَ_هُمْ إِلَى حِينٍ» . (1)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام :إنَّ يونُسَ لَمّا آذاهُ قَومُهُ دَعَا اللّهَ عَلَيهِم ، فَأَصبَحوا أوَّلَ يَومٍ ووُجوهُهُم مُصفَرَّةٌ (2) وأصبَحُوا اليَومَ الثّانِيَ ووُجوهُهُم سودٌ قالَ : وكانَ اللّهُ واعَدَهُم أن يَأتِيَهُمُ العَذابُ ، فَأَتاهُمُ العَذابُ حَتّى نالوهُ بِرِماحِهِم ؛ فَفَرَّقوا بَينَ النِّساءِ وأولادِهِنَّ ، وَالبَقَرِ وأولادِها ، ولَبِسُوا المُسوحَ وَالصّوفَ ، ووَضَعُوا الحِبالَ في أعناقِهِم ، وَالرَّمادَ عَلى رُؤوسِهِم ، وضَجُّوا ضَجَّةً واحِدَةً إلى رَبِّهِم ؛ وقالوا : آمَنّا بِإِلهِ يونُسَ ؛ قالَ : فَصَرَفَ اللّهُ عَنهُمُ العَذابَ . (3)
تفسير العيّاشي عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا أظَلَّ قَومَ يونُسَ العَذابُ ، دَعَوُا اللّهَ فَصَرَفَهُ عَنهُم ، قُلتُ : كَيفَ ذلِكَ ؟ قالَ : كانَ فِي العِلمِ أنَّهُ يَصرِفُهُ عَنهُم . (4)
علل الشرايع عن أبي بصير :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : لِأَيِّ عِلَّةٍ صَرَفَ اللّهُ عز و جل العَذابَ عَن قَومِ يونُسَ وقَد أظَلَّهُم ، ولَم يَفعَل كَذلِكَ بِغَيرِهِم مِنَ الاُمَمِ ؟ فَقالَ : لِأَنَّهُ كانَ في عِلمِ اللّهِ عز و جل أنَّهُ سَيَصرِفُهُ عَنهُم ، لِتَوبَتِهِم وإنَّما تَرَكَ إخبارَ يونُسَ بِذلِكَ ؛ لِأَنَّهُ عز و جل أرادَ أن يُفَرِّغَهُ لِعِبادَتِهِ في بَطنِ الحوتِ ، فَيَستَوجِبَ بِذلِكَ ثَوابَهُ وكَرامَتَهُ . (5)
علل الشرايع عن سماعة :أنَّهُ سَمِعَهُ عليه السلام وهُوَ يَقولُ : ما رَدَّ اللّهُ العَذابَ عَن قَومٍ قَد أظَلَّهُم إلّا قَومَ يونُسَ ، فَقُلتُ : أكانَ قَد أظَلَّهُم ؟ فَقالَ : نَعَم ، حَتّى نالوهُ بِأَكُفِّهِم ، قُلتُ : فَكَيفَ
.
ص: 204
كانَ ذلِكَ ؟ قالَ : كانَ فِي العِلمِ المُثبَتِ عِندَ اللّهِ عز و جل الَّذي لَم يَطَّلِع عَلَيهِ أحَدٌ أنَّهُ سَيَصرِفُهُ عَنهُم . (1)
ب _ البَداءُ في مُواعَدَةِ موسىالكتاب«وَوَ عَدْنَا مُوسَى ثَلَ_ثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَ_هَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَ_تُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلِةً وَقَالَ مُوسَى لأَِخِيهِ هَ_رُونَ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» . (2)
«وَ إِذْ وَ عَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَ أَنتُمْ ظَ__لِمُونَ» . (3)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ إِذْ وَ عَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» _: كانَ فِي العِلمِ وَالتَّقديرِ ثَلاثينَ لَيلَةً ، ثُمَّ بَدا للّهِِ فَزادَ عَشرا ، فَتَمَّ ميقاتُ رَبِّهِ لِلأَوَّلِ وَالآخِرِ أربَعينَ لَيلَةً . (4)
ج _ البَداءُ في دُخولِ الأَرضِ المُقَدَّسَةِالكتاب«يَ_قَوْمِ ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَ_سِرِينَ» . (5)
.
ص: 205
الحديثالإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام_ في قَولِهِ تَعالى : «يَ_قَوْمِ ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» _: كَتَبَها لَهُم ثُمَّ مَحاها . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن قَولِ اللّهِ : «ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» _: كَتَبَها لَهُم ثُمَّ مَحاها ، ثُمَّ كَتَبَها لِأَبنائِهِم فَدَخَلوها ، وَاللّهُ يَمحو ما يَشاءُ ويُثبِتُ وعِندَهُ اُمُّ الكِتابِ . (2)
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» _: كانَ في عِلمِهِ أنَّهُم سَيَعصونَ ويَتيهونَ أربَعينَ سَنَةً ، ثُمَّ يَدخُلونَها بَعدَ تَحريمِهِ إيّاها عَلَيهِم . (3)
عنه عليه السلام :إنَّ بَني إسرائيلَ قالَ لَهُم : «ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ» فَلَم يَدخُلوها ، حَتّى حَرَّمَها عَلَيهِم وعَلى أبنائِهِم ، وإنَّما دَخَلَها أبناءُ الأَبناءِ . (4)
د _ البَداءُ في ذَبحِ إسماعيلَالكتاب«فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَ_بُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَ_أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّ_بِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَ نَ_دَيْنَ_هُ أَن يَ_إِبْرَ هِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءْيَا إِنَّا كَذَ لِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَ_ذَا لَهُوَ الْبَلَ_ؤُاْ الْمُبِينُ *
.
ص: 206
وَ فَدَيْنَ_هُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» . (1)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :ما بَدا للّهِِ بَداءٌ كَما بَدا لَهُ في إسماعيلَ أبي ؛ إذا أمَرَ أباهُ إبراهيمَ بِذَبحِهِ ، ثُمَّ فَداهُ بِذِبحٍ (2) عَظيمٍ . (3)
ه _ في مَوارِدَ اُخرىالإمام عليّ عليه السلام _ فيما نُسِبَ إلَيهِ في بَيانِ أصنافِ آياتِ القُرآنِ وأنواعِها _ :وأمّا مَن أنكَرَ البَداءَ ، فَقَد قالَ اللّهُ في كِتابِهِ : «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ» (4) وذلِكَ أنَّ اللّهَ سُبحانَهُ أراد أن يُهلِكَ الأَرضَ في ذلِكَ الوَقتِ ، ثُمَّ تَدارَكَهُم بِرَحمَتِهِ فَبَدا لَهُ في هَلاكِهِم وأنزَلَ عَلى رَسولِهِ «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» (5) . ومِثلُهُ قَولُهُ تَعالى : «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» (6) ثُمَّ بَدا لَهُ «وَمَا لَهُمْ أَلَا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» (7) . وكَقَولِهِ : «إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَ_بِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ» (8) ثُمَّ بَدا لَهُ تَعالى ، فَقالَ : «الْ_ئ_نَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ
.
ص: 207
أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّ_بِرِينَ» (1) . وهكَذا يَجرِي الأَمرُ ما فِي النّاسِخِ وَالمَنسوخِ ، وهُوَ يَدُلُّ عَلى تَصحيحِ البَداءِ . وقَولُهُ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (2) فَهَل يَمحو إلّا ما كانَ ، وهَل يُثبِتُ إلّا ما لَم يَكُن ، ومِثلُ هذا كَثيرٌ في كِتابِ اللّهِ عز و جل . (3)
تفسير العيّاشي عن محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ «مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا» (4) _: النّاسِخُ ما حُوِّلَ ، وما يُنسيها : مِثلُ الغَيبِ الَّذي لَم يَكُن بَعدُ ، كَقَولِهِ «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . قالَ : فَيَفعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ، ويُحَوِّلُ ما يَشاءُ ، مِثلُ قَومِ يونُسَ إذا بَدا لَهُ فَرَحِمَهُم ، ومِثلُ قَولِهِ «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ» قالَ أدرَكَتهُم رَحمَتُهُ . (5)
5 / 9اِحتِجاجاتٌ فِي البَداءِالإمام العسكريّ عليه السلام :جاءَ قَومٌ مِنَ اليَهودِ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالوا : يا مُحَمَّدُ ، هذِهِ القِبلَةُ بَيتُ المَقدِسِ قَد صَلَّيتَ إلَيها أربَعَ عَشرَةَ سَنَةً ثُمَّ تَرَكتَهَا الآنَ ، أفَحَقّا كانَ ما كُنتَ عَلَيهِ فَقَد تَرَكتَهُ إلى باطِلٍ ، فَإِنَّما يُخالِفُ الحَقَّ الباطِلُ ، أو باطِلاً كانَ ذلِكَ فَقَد كُنتَ
.
ص: 208
عَلَيهِ طولَ هذِهِ المُدَّةِ ؟ فَما يُؤمِنُنا أن تَكونَ الآنَ عَلى باطِلٍ ؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : بَل ذلِكَ كانَ حَقّا وهذا حَقٌّ ، يَقولُ اللّهُ : «قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ» (1) إذا عَرَفَ صَلاحَكُم يا أيُّهَا العِبادُ فِي استِقبالِ المَشرِقِ أمَرَكُم بِهِ ، وإذا عَرَفَ صَلاحَكُم فِي استِقبالِ المَغرِبِ أمَرَكُم بِهِ ، وإن عَرَفَ صَلاحَكُم في غَيرِهِما أمَرَكُم بِهِ ، فَلا تُنكِروا تَدبيرَ اللّهِ تَعالى في عِبادِهِ ، وقَصدَهُ إلى مَصالِحِكُم . ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَقَد تَرَكتُمُ العَمَلَ يَومَ السَّبتِ ثُمَّ عَمِلتُم بَعدَهُ سائِرَ الأَيّامِ ، ثُمَّ تَرَكتُموهُ فِي السَّبتِ ثُمَّ عَمِلتُم بَعدَهُ ، أفَتَرَكتُمُ الحَقَّ إلى باطِلٍ أوِ الباطِلَ إلى حَقٍّ ؟ أوِ الباطِلَ إلى باطِلٍ أوِ الحَقَّ إلى حَقٍّ ؟ قولوا كَيفَ شِئتُم فَهُوَ قَولُ مُحَمَّدٍ وجَوابُهُ لَكُم . قالوا : بَل تَركُ العَمَلِ فِي السَّبتِ حَقٌّ وَالعَمَلُ بَعدَهُ حَقٌّ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَكَذلِكَ قِبلَةُ بَيتِ المَقدِسِ في وَقتِهِ حَقٌّ ، ثُمَّ قِبلَةُ الكَعبَةِ في وَقتِهِ حَقٌّ . فَقالوا لَهُ : يا مُحَمَّدُ ، أفَبَدا لِرَبِّكَ فيما كانَ أمَرَكَ بِهِ بِزَعمِكَ مِنَ الصَّلاةِ إلى بَيتِ المَقدِسِ حَتّى نَقَلَكَ إلَى الكَعبَةِ ؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما بَدا لَهُ عَن ذلِكَ ، فَإِنَّهُ العالِمُ بِالعَواقِبِ وَالقادِرُ عَلَى المَصالِحِ ، لا يَستَدرِكُ عَلى نَفسِهِ غَلَطا ، ولا يَستَحدِثُ رَأياً بِخِلافِ المُتَقَدِّمِ جَلَّ عَن ذلِكَ ، ولا يَقَعُ عَلَيهِ أيضا مانِعٌ يَمنَعُهُ مِن مُرادِهِ ، ولَيسَ يَبدو إلّا لِمَن كانَ هذا وَصفَهُ ، وهُوَ عز و جل يَتَعالى عَن هذِهِ الصِّفاتِ عُلُوّا كَبيرا . ثُمَّ قالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أيُّهَا اليَهودُ ، أخبِروني عَنِ اللّهِ ألَيسَ يُمرِضُ ثُمَّ يُصِحُّ ، ويُصِحُّ ثُمَّ يُمرِضُ ، أبَدا لَهُ في ذلِكَ ، ألَيسَ يُحيي ويُميتُ ؟ [ألَيسَ يَأتي بِاللَّيلِ في أثَرِ
.
ص: 209
النَّهارِ ، وَالنَّهارِ في أثَرِ اللَّيلِ] أبَدا لَهُ في كُلِّ واحِدٍ مِن ذلِكَ ؟ قالوا : لا ، قالَ : فَكَذلِكَ اللّهُ تَعَبَّدَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدا بِالصَّلاةِ إلَى الكَعبَةِ بَعدَ أن كانَ تَعَبَّدَهُ بِالصَّلاةِ الى بَيتِ المَقدِسِ ، وما بَدا لَهُ فِي الأَوَّلِ . ثُمَّ قالَ : ألَيسَ اللّهُ يَأتي بِالشِّتاءِ في أثَرِ الصَّيفِ ، وَالصَّيفِ في أثَرِ الشِّتاءِ ؟ أبَدا لَهُ في كُلِّ واحِدٍ مِن ذلِكَ ؟ قالوا : لا ، قالَ : فَكَذلِكَ لَم يَبدُ لَهُ فِي القِبلَةِ . قالَ : ثُمَّ قالَ : ألَيسَ قَد ألزَمَكُم فِي الشِّتاءِ أن تَحتَرِزوا مِنَ البَردِ بِالثِّيابِ الغَليظَةِ ، وألزَمَكُم فِي الصَّيفِ أن تَحتَرِزوا مِنَ الحَرِّ ، أفَبَدا لَهُ فِي الصَّيفِ حَتّى أمَرَكُم بِخِلافِ ما كانَ أمَرَكُم بِهِ فِي الشِّتاءِ ؟ قالوا : لا ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَكَذلِكُمُ اللّهُ تَعَبَّدَكُم في وَقتٍ لِصَلاحٍ يَعلَمُهُ بِشَيءٍ ، ثُمَّ تَعَبَّدَكُم في وَقتٍ آخَرَ لِصَلاحٍ آخَرَ يَعلَمُهُ بِشَيءٍ آخَرَ ، فَإِذا أطَعتُمُ اللّهَ فِي الحالَينِ استَحقَقتُم ثَوابَهُ ، وأنزَلَ اللّهُ تَعالى «وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» (1) أي إذا تَوَجَّهتُم بِأَمرِهِ ، فَثَمَّ الوَجهُ الَّذي تَقصِدونَ مِنهُ اللّهَ ، وتَأمَلونَ ثَوابَهُ . (2)
التوحيد عن الحسن بن محمّد النّوفلي :قَدِمَ سُلَيمانُ المَروَزِيُّ مُتَكَلِّمُ خُراسانَ عَلَى المَأمونِ ، فَأَكرَمَهُ ووَصَلَهُ ثُمَّ قالَ لَهُ : إنَّ ابنَ عَمّي عَلِيَّ بنَ موسى قَدِمَ عَلَيَّ مِنَ الحِجازِ وهُوَ يُحِبُّ الكَلامَ وأصحابُهُ ، فَلا عَلَيكَ أن تَصيرَ إلَينا يَومَ التَّروِيَةِ لِمُناظَرَتِهِ . فَقالَ سُلَيمانُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي أكرَهُ أن أسأَلَ مِثلَهُ في مَجلِسِكَ في جَماعَةٍ مِن بَني هاشِمٍ ، فَيَنتَقِصَ عِندَ القَومِ إذا كَلَّمَني ، ولا يَجوزُ الاِستِقصاءُ عَلَيهِ .
.
ص: 210
قالَ المَأمونُ : إنَّما وَجَّهتُ إلَيكَ لِمَعرِفَتي بِقُوَّتِكَ ، ولَيسَ مُرادي إلّا أن تَقطَعَهُ عَن حُجَّةٍ واحِدَةٍ فَقَط . فَقالَ سُلَيمانُ : حَسبُكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اجمَع بَيني وبَينَهُ وخَلِّني وإيّاهُ وألزِم . فَوَجَّهَ المَأمونُ إلَى الرِّضا عليه السلام فَقالَ : إنَّهُ قَدِمَ عَلَينا رَجُلٌ مِن أهلِ مَروَ ، وهُوَ واحِدُ خُراسانَ مِن أصحابِ الكَلامِ ، فَإِن خَفَّ عَلَيكَ أن تَتَجَشَّمَ المَصيرَ إلَينا فَعَلتَ . فَنَهَضَ عليه السلام لِلوُضوءِ وقالَ لَنا : تَقَدَّموني _ وعِمرانُ الصّابِئُ مَعَنا _ فَصِرنا إلَى البابِ ، فَأَخَذَ ياسِرٌ وخالِدٌ بِيَدي فَأَدخَلاني عَلَى المَأمونِ ، فَلَمّا سَلَّمتُ ، قالَ : أينَ أخي أبُو الحَسَنِ أبقاهُ اللّهُ ؟ قُلتُ : خَلَّفتُهُ يَلبَسُ ثِيابَهُ وأمَرَنا أن نَتَقَدَّمَ ، ثُمَّ قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ عِمرانَ مَولاكَ مَعي وهُوَ بِالبابِ ، فَقالَ : مَن عِمرانُ ؟ قُلتُ : الصّابِئُ الَّذي أسلَمَ عَلى يَدَيكَ ، قالَ : فَليَدخُل ، فَدَخَلَ فَرَحَّبَ بِهِ المَأمونُ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : يا عِمرانُ ، لَم تَمُت حَتّى صِرتَ مِن بَني هاشِمٍ ؟ قالَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي شَرَّفَني بِكُم يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ لَهُ المَأمونُ : يا عِمرانُ ، هذا سُلَيمانُ المَروَزِيُّ مُتَكَلِّمُ خُراسانَ ، قالَ عِمرانُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ . إنَّهُ يَزعُمُ أنَّهُ واحِدُ خُراسانَ فِي النَّظَرِ ويُنكِرُ البَداءَ ، قالَ : فَلِمَ لا تُناظِرُهُ ؟ قالَ عِمرانُ : ذلِكَ إلَيهِ ، فَدَخَلَ الرِّضا عليه السلام فَقالَ : في أيِّ شَيءٍ كُنتُم ؟ قالَ عِمرانُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، هذا سُلَيمانُ المَروَزِيُّ ، فَقالَ سُلَيمانُ : أتَرضى بِأَبِي الحَسَنِ وبِقَولِهِ فيهِ ؟ قالَ عِمرانُ : قَد رَضيتُ بِقَولِ أبِي الحَسَنِ فِي البَداءِ ، عَلى أن يَأتِيَني فيهِ بِحُجَّةٍ أحتَجُّ بِها عَلى نُظَرائي مِن أهلِ النَّظَرِ . قالَ المَأمونُ : يا أبَا الحَسَنِ ما تَقولُ فيما تَشاجَرا فيهِ ؟ قالَ : وما أنكَرتَ مِنَ البَداءِ يا سُلَيمانُ ، وَاللّهُ عز و جل يَقولُ : «أَوَ لَا يَذْكُرُ الْاءِنسَ_نُ أَنَّا خَلَقْنَ_هُ مِن قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ
.
ص: 211
شَيْ_ئا» (1) ويَقولُ عز و جل : «وَ هُوَ الَّذِى يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» (2) ويَقولُ : «بَدِيعُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ» (3) ويَقولُ عز و جل : «يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ» (4) ويَقولُ : «وَ بَدَأَ خَلْقَ الْاءِنسَ_نِ مِن طِينٍ» (5) ويَقولُ عز و جل : «وَ ءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ» (6) ويَقولُ عز و جل : «مَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَا فِى كِتَ_بٍ» (7) . قالَ سُلَيمانُ : هَل رَوَيتَ فيهِ شَيئا عَن آبائِكَ ؟ قالَ : نَعَم ، رَوَيتُ عَن أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام أنَّهُ قالَ : إنّ للّهِِ عز و جل عِلمَينِ : عِلما مَخزونا مَكنونا لا يَعلَمُهُ إلّا هُوَ ، مِن ذلِكَ يَكونُ البَداءُ ، وعِلما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ ، فَالعُلَماءُ مِن أهلِ بَيتِ نَبِيِّهِ يَعلَمونَهُ . قالَ سُلَيمانُ : اُحِبُّ أن تَنزِعَهُ لي مِن كِتابِ اللّهِ عز و جل ، قالَ عليه السلام : قَولُ اللّهِ عز و جل لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ» (8) أرادَ هَلاكَهُم ثُمَّ بَدا للّهِِ فَقالَ : «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» . (9) قالَ سُلَيمانُ : زِدني جُعِلتُ فِداكَ ، قالَ الرِّضا عليه السلام : لَقَد أخبَرَني أبي عَن آبائِهِ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إنَّ اللّهَ عز و جل أوحى إلى نَبِيٍّ مِن أنبِيائِهِ أن أخبِر فُلانَ المَلِكَ أنّي مُتَوَفّيهِ إلى كَذا وكَذا ، فَأَتاهُ ذلِكَ النَّبِيُّ فَأَخبَرَهُ ، فَدَعَا اللّهُ المَلِكَ وهُوَ عَلى سَريرِهِ حَتّى سَقَطَ مِنَ السَّريرِ ، فَقالَ : يا رَبِّ ، أجِّلني حَتّى يَشِبَّ طِفلي وأقضِيَ أمري ،
.
ص: 212
فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلى ذلِكَ النَّبِيِّ أنِ ائتِ فُلانَ المَلِكَ فَأَعلِمهُ أنّي قَد أنسَيتُ في أجَلِهِ ، وزِدتُ في عُمُرِهِ خَمسَ عَشرَةَ سَنَةً ، فَقالَ ذلِكَ النَّبِيُّ : يا رَبِّ ، إنَّكَ لَتَعلَمُ أنّي لَم أكذِب قَطُّ ، فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلَيهِ : إنَّما أنتَ عَبدٌ مَأمورٌ فَأَبلِغهُ ذلِكَ ، وَاللّهُ لا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ . ثُمَّ التَفَتَ إلى سُلَيمانَ فَقالَ : أحسَبُكَ ضاهَيتَ اليَهودَ في هذَا البابِ ، قالَ : أعوذُ بِاللّهِ مِن ذلِكَ ، وما قالَتِ اليَهودُ ؟ قالَ : قالَت : «يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ» يَعنونَ أنَّ اللّهَ قَد فَرَغَ مِنَ الأَمرِ ، فَلَيسَ يُحدِثُ شَيئا ، فَقالَ اللّهُ عز و جل : «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ» (1) ، ولَقَد سَمِعتُ قَوما سَأَلوا أبي موسَى بنَ جَعفَرٍ عليه السلام عَنِ البَداءِ فَقالَ : وما يُنكِرُ النّاسُ مِنَ البَداءِ وأن يَقِفَ اللّهُ قَوما يُرجيهِم لِأَمرِهِ ؟ قالَ سُلَيمانُ : ألا تُخبِرُني عَن «إِنَّ_ا أَنزَلْنَ_هُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» (2) ، في أيِّ شَيءٍ اُنزِلَت ؟ قالَ الرِّضا عليه السلام : يا سُلَيمانُ ، لَيلَةُ القَدرِ يُقَدِّرُ اللّهُ عز و جل فيها ما يَكونُ مِنَ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ ، مِن حَياةٍ أو مَوتٍ أو خَيرٍ أو شَرٍّ أو رِزقٍ ، فَما قَدَّرَهُ مِن تِلكَ اللَّيلَةِ فَهُوَ مِنَ المَحتومِ . قالَ سُلَيمانُ : الآنَ قَد فَهِمتُ جُعِلتُ فِداكَ ، فَزِدني ، قالَ عليه السلام : يا سُلَيمانُ ، إنَّ مِنَ الاُمورِ اُمورا مَوقوفَةً عِندَ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى ، يُقَدِّمُ مِنها ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ يا سُلَيمانُ إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَقولُ : العِلمُ عِلمانِ : فَعِلمٌ عَلَّمَهُ اللّهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ ، فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإِنَّهُ يَكونُ ولا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ، ولا مَلائِكَتَهُ ، ولا رُسُلَهُ ، وعِلمٌ عِندَهُ مَخزونٌ لَم يُطلِع عَلَيهِ أحَدا مِن خَلقِهِ (3) ، يُقَدِّمُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ مِنهُ ما
.
ص: 213
يَشاءُ ، ويَمحو ما يَشاءُ ، ويُثبِتُ ما يَشاءُ . قالَ سُلَيمانُ لِلمَأمونِ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لا اُنكِرُ بَعدَ يَومي هذَا البَداءَ ، ولا اُكَذِّبُ بِهِ إن شاءَ اللّهُ . (1)
.
ص: 214
. .
ص: 215
الفصل السّادِسُ : دور القضاء والقدر في الخلقة6 / 1خِلقَةُ العالَمِ وَالتَّقديرُالكتاب«إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ» . (1)
«وَ كُلُّ شَىْ ءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ» . (2)
«وَ خَلَقَ كُلَّ شَىْ ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا» . (3)
«وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا» . (4)
«إِنَّ اللَّهَ بَ__لِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْ ءٍ قَدْرًا» . (5)
«وَ إِن مِّن شَىْ ءٍ إِلَا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلَا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ» . (6)
.
ص: 216
«سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِى خَلَقَ فَسَوَّى * وَ الَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى» . (1)
«وَ اللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الاُمورُ كُلُّها خَيرُها وشَرُّها مِنَ اللّهِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :قَدَّرَ اللّهُ المَقاديرَ قَبلَ أن يَخلُقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ بِخَمسينَ ألفَ سَنَةٍ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل قَدَّرَ المَقاديرَ ودَبَّرَ التَّدابيرَ قَبلَ أن يَخلُقَ آدَمَ بِأَلفَي عامٍ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام_ في تَحميدِ اللّهِ سُبحانَهُ _: أحمَدُهُ إلى نَفسِهِ كَمَا استَحمَدَ إلى خَلقِهِ ، وجَعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرا ، ولِكُلِّ قَدرٍ أجَلاً ، ولِكُلِّ أجَلٍ كِتابا . (6)
عنه عليه السلام :بِتَقديرِ أقسامِ اللّهِ لِلعِبادِ قامَ وَزنُ العالَمِ ، وتَمَّت هذِهَ الدُّنيا لِأَهلِها . (7)
الإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: مَقاديرُ الاُمورِ كُلُّها إلَيكَ لا يَقضي فيها غَيرُكَ ، ولا يَتِمُّ مِنها شَيءٌ دونَكَ . (8)
.
ص: 217
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ ، بِيَدِكَ مَقاديرُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وبِيَدِكَ مَقاديرُ المَوتِ وَالحَياةِ ، وبِيَدِكَ مَقاديرُ اللَّيلِ وَالنَّهارِ ، وبِيَدِكَ مَقاديرُ الخِذلانِ وَالنَّصرِ ، وبِيَدِكَ مَقاديرُ الغِنى وَالفَقرِ ، وبِيَدِكَ مَقاديرُ الخَيرِ وَالشَّرِّ . (1)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: تَقَوَّيتَ في سُلطانِكَ ، وغَلَبَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَضاؤُكَ ، ومَلَكَ كُلَّ شَيءٍ أمرُكَ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ الاُمورَ كُلَّها بِيَدِ اللّهِ عز و جل ، يُمضيها ويُقَدِّرُها بِقُدرَتِهِ فيها . (3)
6 / 2خِلقَةُ الإِنسانِ وَالتَّقديرُالكتاب«وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَ لَا تَضَعُ إِلَا بِعِلْمِهِ وَ مَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَا فِى كِتَ_بٍ» . (4)
«قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا» . (5)
الحديثالإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام_ في قَولِهِ : «وَ كُلَّ إِنسَ_نٍ أَلْزَمْنَ_هُ طَئِرَهُ فِى عُنُقِهِ» (6) _: قَدَرَهُ الَّذي قُدِّرَ عَلَيهِ . (7)
.
ص: 218
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :كُلُّ شَيءٍ بِقَدَرٍ ، حَتَّى العَجزِ وَالكَيسِ (1) _ أوِ الكَيسِ وَالعَجزِ _ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :خَلَقَ اللّهُ كُلَّ نَفسٍ وكَتَبَ حَياتَها ورِزقَها ومَصائِبَها . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :خَلَقَ اللّهُ الخَلقَ فَكَتَبَ آجالَهُم وأعمالَهُم وأرزاقَهُم . (4)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الشّاةِ المَسمومَةِ الَّتي أكَلَ مِنها _: ما أصابَني شَيءٌ مِنها إلّا وهُوَ مَكتوبٌ عَلَيَّ وآدَمُ في طينَتِهِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :يَدخُلُ المَلَكُ عَلَى النُّطفَةِ بَعدَما تَستَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَربَعينَ أو خَمسٍ وأربَعينَ لَيلَةً ، فَيَقولُ : يا رَبِّ أشَقِيٌّ أو سَعيدٌ فَيُكتَبانِ ، فَيَقولُ : أي رَبِّ أذَكَرٌ أو اُنثى ؟ فَيُكتَبانِ ، ويُكتَبُ عَمَلُهُ وأثَرُهُ ، وأجَلُهُ ورِزقُهُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا أرادَ اللّهُ أن يَخلُقَ نَسَمَةً (7) ، قالَ مَلَكُ الأَرحامِ مُعرِضا : يا رَبِّ ، أذَكَرٌ أم اُنثى ؟ فَيَقضِي اللّهُ أمرَهُ . ثُمَّ يَقولُ : يا رَبِّ أشَقِيٌّ أم سَعيدٌ ؟ فَيَقضِي اللّهُ أمرَهُ .
.
ص: 219
ثُمَّ يَكتُبُ بَينَ عَينَيهِ ما هُوَ لاقٍ حَتّى النَّكبَةَ (1) يُنكَبُها . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :سَبَقَ العِلمُ وجَفَّ القَلَمُ ، ومَضَى القَدَرُ بِتَحقيقِ الكِتابِ وتَصديقِ الرُّسُلِ ، وبِالسَّعادَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل لِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وكَفَرَ ، وبِوِلايَةِ اللّهِ المُؤمِنينَ وبَراءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :قُسِّمَت اُمورُ النّاسِ إلى خَمسَةٍ وعِشرينَ قِسما : خَمسَةٌ بِالقَضاءِ وَالقَدَرِ ، وخَمسَةٌ بِالاِجتِهادِ ، وخَمسَةٌ بِالعادَةِ ، وخَمسَةٌ بِالجَوهَرِ ، وخَمسَةٌ بِالوِراثَةِ . فَأَمَّا الَّتي بِالقَضاءِ وَالقَدَرِ : فَالعُمُرُ وَالرِّزقُ وَالأَجَلُ وَالوَلَدُ وَالسُّلطانُ . وأمَّا الَّتي بِالاِجتِهادِ : فَالعِلمُ وَالكِتابَةُ وَالفُروسِيَّةُ وَالجَنَّةُ وَالنّارُ . وأمَّا الَّتي بِالعادَةِ : فَالأَكلُ وَالنَّومُ وَالمَشيُ وَالنِّكاحُ وَالتَّغَوُّطُ . وأمَّا الَّتي بِالجَوهَرِ : فَالمُروءَةُ وَالأَمانَةُ وَالسَّخاءُ وَالصِّدقُ وَالتَّواصُلُ . وأمَّا الَّتي بِالوِراثَةِ : فَالشِّكلُ وَالجِسمُ وَالهَيئَةُ وَالذِّهنُ وَالخُلُقُ . (4)
الكافي عن الحسن بن الجهم عن الإمام الرضا عليه السلام :قال أبو جعفر عليه السلام : ... إذا كَمَلَ أربَعَةُ أشهُرٍ بَعَثَ اللّهُ مَلَكَينِ خَلّاقَينِ ، فَيَقولانِ : يا رَبِّ ما تَخلُقُ ، ذَكَرا أو اُنثى ؟ فَيُؤمَرانِ .
.
ص: 220
فَيَقولانِ : يا رَبِّ شَقِيّا أو سَعيدا ؟ فَيُؤمَرانِ . فَيَقولانِ : يا رَبِّ ما أجَلُهُ وما رِزقُهُ ؟ وكُلُّ شَيءٍ مِن حالِهِ وعَدَّدَ مِن ذلِكَ أشياءَ ، ويَكتُبانِ الميثاقَ (1) بَينَ عَينَيهِ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل إذا أرادَ أن يَخلُقَ النُّطفَةَ الَّتي مِمّا أخَذَ عَلَيهَا الميثاقَ في صُلبِ آدَمَ أو ما يَبدو لَهُ فيهِ ويَجعَلَها فِي الرَّحِمِ ، حَرَّكَ الرَّجُلَ لِلجِماعِ ... ثُمَّ يوحِي اللّهُ إلَى المَلَكَينِ : اُكتُبا عَلَيهِ قَضائي وقَدَري ونافِذَ أمري ، وَاشتَرِطا لِيَ البَداءَ فيما تَكتُبانِ . فَيَقولانِ : يا رَبِّ ما نَكتُبُ ؟ فَيوحِي اللّهُ إلَيهِما أنِ ارفَعا رُؤوسَكُما إلى رَأسِ اُمِّهِ ، فَيَرفَعانِ رُؤوسَهُما فَإِذَا اللَّوحُ (3) يَقرَعُ جَبهَةَ اُمِّهِ ، فَيَنظُرانِ فيهِ فَيَجِدانِ فِي اللَّوحِ صورَتَهُ وزينَتَهُ وأجَلَهُ وميثاقَهُ شَقيّا أو سَعيدا وجَميعَ شَأنِهِ . قالَ : فَيُملي أحَدُهُما عَلى صاحِبِهِ ، فَيَكتُبانِ جَميعَ ما فِي اللَّوحِ ، ويَشتَرِطانِ البَداءَ فيما يَكتُبانِ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام :ثَمانِيَةُ أشياءَ لا تَكونُ إلّا بِقَضاءِ اللّهِ وقَدَرِهِ : النَّومُ ، وَاليَقَظَةُ ، وَالقُوَّةُ ، وَالضَّعفُ ، وَالصِّحَّةُ ، وَالمَرَضُ ، وَالمَوتُ ، وَالحَياةُ . (5)
راجع : ص 127 (كلام فيما يظهر منه نفي القضاء الموقوف) .
.
ص: 221
6 / 3مَوقِعُ القَضاءِ وَالقَدَرِ فِي الخِلقَةِالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ إذا أرادَ شَيئا قَدَّرَهُ ، فَإِذا قَدَّرَهُ قَضاهُ ، فَإِذا قَضاهُ أمضاهُ . (1)
عنه عليه السلام :لا يَكونُ شَيءٌ فِي الأَرضِ ولا فِي السَّماءِ إلّا بِهذِهِ الخِصالِ السَّبعِ : بِمَشيئَةٍ ، وإرادَةٍ ، وقَدَرٍ ، وقَضاءٍ ، وإذنٍ ، وكِتابٍ ، وأجَلٍ ، فَمَن زَعَمَ أنَّهُ يَقدِرُ عَلى نَقضِ واحِدَةٍ مِنهُنَّ فَقَد كَفَرَ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :لا يَكونُ شَيءٌ فِي السَّماواتِ ولا فِي الأَرضِ إلّا بِسَبعٍ : بِقَضاءٍ ، وقَدَرٍ ، وإرادَةٍ ، ومَشيئَةٍ ، وكِتابٍ ، وأجَلٍ ، وإذنٍ ، فَمَن زَعَمَ غَيرَ هذا فَقَد كَذَبَ عَلَى اللّهِ ، أو رَدَّ عَلَى اللّهِ عز و جل . (3)
الكافي عن معلّى بن محمّد :سُئِلَ العالِمُ عليه السلام : كَيفَ عِلمُ اللّهِ ؟ قالَ : عَلِمَ ، وشاءَ ، وأرادَ ، وقَدَّرَ ، وقَضى وأمضى ، فَأَمضى ما قَضى ، وقَضى ما قَدَّرَ ، وقَدَّرَ ما أرادَ ، فَبِعِلمِهِ كانَتِ المَشيئَةُ ، وبِمَشيئَتِهِ كانَتِ الإِرادَةُ ، وبِإِرادَتِهِ كانَ التَّقديرُ ، وبِتَقديرِهِ كانَ القَضاءُ ، وبِقَضائِهِ كانَ الإِمضاءُ ، وَالعِلمُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى المَشيئَةِ ، وَالمَشيئَةُ ثانِيَةٌ ، وَالإِرادَةُ ثالِثَةٌ ، وَالتَّقديرُ واقِعٌ عَلَى القَضاءِ بِالإِمضاءِ . (4)
.
ص: 222
المحاسن عن محمّد بن إسحاق :قالَ أبُو الحَسَنِ عليه السلام لِيونُسَ مَولى عَلِيِّ بنِ يَقطينٍ : يا يونُسُ لا تَتَكَلَّم بِالقَدَرِ ، قالَ : إنّي لا أتَكَلَّمُ بِالقَدَرِ ، ولكِنّي أقولُ : لا يَكونُ إلّا ما أرادَ اللّهُ وشاءَ وقَضى وقَدَّرَ . فَقالَ : لَيسَ هكَذا أقولُ ، ولكِنّي أقولُ : لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى . ثُمَّ قالَ : أتَدري مَا المَشيئَةُ ؟ فَقالَ : لا ، فَقالَ : هَمُّهُ بِالشَّيءِ . أوَ تَدري ما أرادَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : إتمامُهُ عَلَى المَشيئَةِ . فَقالَ : أوَ تَدري ما قَدَّرَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : هُوَ الهَندَسَةُ مِنَ الطّولِ وَالعَرضِ وَالبَقاءِ . ثُمَّ قالَ : إنَّ اللّهَ إذا شاءَ شَيئا أرادَهُ ، وإذا أرادَهُ قَدَّرَهُ ، وإذا قَدَّرَهُ قَضاهُ ، وإذا قَضاهُ أمضاهُ . (1)
المحاسن عن يونس بن عبد الرحمن عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :قُلتُ : لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقضى ؟ فَقالَ : لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى . قُلتُ : فَما مَعنى شاءَ ؟ قالَ : اِبتِداءُ الفِعلِ . قُلتُ : فَما مَعنى أرادَ ؟ قالَ : الثُّبوتُ عَلَيهِ . قُلتُ : فَما مَعنى قَدَّرَ ؟ قالَ : تَقديرُ الشَّيءِ مِن طولِهِ وعَرضِهِ . قُلتُ : فَما مَعنى قَضى ؟ قالَ : إذا قَضاهُ أمضاهُ ، فَذلِكَ الَّذي لا مَرَدَّ لَهُ . (2)
.
ص: 223
تفسير القمّي عن يونس عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :... أقولُ : لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وقضى وقَدَّرَ ، فَقالَ عليه السلام : لَيسَ هكَذا يا يونُسُ ، ولكِن لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى . أتَدرى مَا المَشيئَةُ يا يونُسُ ؟ قُلتُ : لا ، قالَ : هُوَ الذِّكرُ الأَوَّلُ . أتَدري مَا الإِرادَةُ ؟ قُلتُ : لا ، قالَ : العَزيمَةُ عَلَى ما شاءَ اللّهُ . وتَدري مَا التَّقديرُ ؟ قُلتُ : لا ، قالَ : هُوَ وَضعُ الحُدودِ مِنَ الآجالِ وَالأَرزاقِ وَالبَقاءِ وَالفَناءِ . وتَدري مَا القَضاءُ ؟ قُلتُ : لا ، قالَ : هُوَ إقامَةُ العَينِ ، ولا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ فِي (1) الذِّكرِ الأَوَّلِ . (2)
راجع : ص 93 (معنى القضاء والقدر) .
.
ص: 224
. .
ص: 225
الفصل السّابِعُ : دور القضاء والقدر في المصائب والشّرور7 / 1تَقديرُ الخَيرِ وَالشَّرِّالكتاب« وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَ_ذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَ_ذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَ_ؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا » . (1)
« مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ » . (2)
« مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ مَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :سَيُفتَحُ عَلى اُمَّتي بابٌ مِنَ القَدَرِ في آخِرِ الزَّمانِ لا يَسُدُّهُ شَيءٌ ، يَكفيكُم مِنهُ أن تَلقَوهُ بِهذِهِ الآيَةِ : «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ» الآيَةَ . (4)
.
ص: 226
عنه صلى الله عليه و آله :صِنفانِ مِن اُمَّتي لا سَهمَ لَهُم فِي الإِسلامِ : المُرجِئَةُ وَالقَدَرِيَّةُ . قيلَ : ومَا المُرجِئَةُ ؟ قالَ : الَّذينَ يَقولونَ : الإِيمانُ قَولٌ بِلا عَمَلٍ . قيلَ : فَمَا القَدَرِيَّةُ ؟ قالَ : الَّذينَ يَقولونَ : لَم يُقَدَّرِ الشَّرُّ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ تَعالى يَأمُرُ بِالسّوءِ وَالفَحشاءِ فَقَد كَذَبَ عَلَى اللّهِ ، ومَن زَعَمَ أنَّ الخَيرَ وَالشَّرَّ بِغَيرِ مَشيئَةِ اللّهِ فَقَد أخرَجَ اللّهَ مِن سُلطانِهِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ افتَرَضَ عَلَيكُم فَرائِضَ فَلا تُضَيِّعوها ، وحَدَّ لَكُم حُدودا فَلا تَعتَدوها ، ونَهاكُم عَن أشياءَ فَلا تَنتَهِكوها ، وسَكَتَ عَن أشياءَ مِن غَيرِ نِسيانٍ فَلا تَكَلَّفوها رَحمَةً مِن رَبِّكُم فَاقبَلوها ، الاُمورُ كُلُّها بِيَدِ اللّهِ مِن عِندِ اللّهِ مَصدَرُها ، وإلَيهِ مَرجِعُها ، لَيسَ لِلعِبادِ فيها تَفويضٌ ولا مَشيئَةٌ . (3)
المعجم الكبير عن رافع بن خديج :أَنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يَكونُ قَومٌ مِن اُمَّتي يَكفُرونَ بِاللّهِ وبِالقُرآنِ وهُم لا يَشعُرونَ ، كَما كَفَرَتِ اليَهودُ وَالنَّصارى . قالَ : قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ يا رَسولَ اللّهِ ، وكَيفَ ذاكَ ؟ قالَ : يُقِرّونَ بِبَعضِ القَدَرِ ويَكفُرونَ بِبَعضِهِ ، قالَ : قُلتُ : ثُمَّ ما يَقولونَ ؟ قالَ : يَقولونَ الخَيرُ مِنَ اللّهِ وَالشَّرُّ مِن إبليسَ ، فَيُقرؤونَ (4) عَلى ذلِكَ كِتابَ اللّهِ
.
ص: 227
ويَكفُرونَ بِالقُرآنِ بَعدَ الإِيمانِ وَالمَعرِفَةِ ، فَما يَلقى اُمَّتي مِنهُم مِنَ العَداوَةِ وَالبَغضاءِ وَالجِدالِ ، اُولئِكَ زَنادِقَةُ هذِهِ الاُمَّةِ في زَمانِهِم . (1)
الإمام الحسن عليه السلام :مَن لَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ أنَّ اللّهَ يَعلَمُهُ فَقَد كَفَرَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :الخَيرُ وَالشَّرُّ كُلُّهُ مِنَ اللّهِ . (3)
المحاسن عن أبي بصير :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن شَيءٍ مِنَ الاِستِطاعَةِ . فَقالَ : يا أبامُحَمَّدٍ ، الخَيرُ وَالشَّرُّ حُلوُهُ ومُرُّهُ وصَغيرُهُ وكَبيرُهُ مِنَ اللّهِ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام_ لِسُلَيمانَ المَروَزِيِّ _: يا سُلَيمانُ ، لَيلَةُ القَدرِ يُقَدِّرُ اللّهُ عز و جل فيها ما يَكونُ مِنَ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ ، مِن حَياةٍ أو مَوتٍ أو خَيرٍ أو شَرٍّ أو رِزقٍ . (5)
راجع : العنوان الآتي (خلقة الخير والشرّ) ، وص 330 (وجوب الإيمان بالقدر) ، وص 331 (تحريم التكذيب بالقدر) .
7 / 2خِلقَةُ الخَيرِ وَالشَّرِّالإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ يَقولُ : أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا ، خالِقُ الخَيرِ وَالشَّرِّ ، وهُما خَلقانِ مِن
.
ص: 228
خَلقي . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ مِمّا أوحَى اللّهُ إلى موسى عليه السلام وأنزَلَ عَلَيهِ فِي التَّوراةِ : أنّي أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا ، خَلَقتُ الخَلقَ وخَلَقتُ الخَيرَ وأجرَيتُهُ عَلى يَدَي مَن اُحِبُّ ، فَطوبى لِمَن أجرَيتُهُ عَلى يَدَيهِ . وأنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا ، خَلَقتُ الخَلقَ وخَلَقتُ الشَّرَّ 2 وأجرَيتُهُ عَلى يَدَي مَن اُريدُهُ ، فَوَيلٌ لِمَن أجرَيتُهُ عَلى يَدَيهِ . (2)
عنه عليه السلام :أنتَ اللّهُ (الَّذي) لا إلهَ إلّا أنتَ ، خالِقُ الخَيرِ وَالشَّرِّ ، أنتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنتَ خالِقُ
.
ص: 229
الجَنَّةِ وَالنّارِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في بَيانِ مُناظَرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مَعَ أهلِ الأَديانِ _: ثُمَّ أقبَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى الثَّنَوِيَّةِ الَّذينَ قالوا : النّورُ وَالظُّلمَةُ هُمَا المُدَبِّرانِ ، فَقالَ : وأنتُم فَمَا الَّذي دَعاكُم إلى ما قُلتُموهُ مِن هذا ؟ فَقالوا : لِأَنّا قَد وَجَدنَا العالَمَ صِنفَينِ : خَيرا وشَرّا ، ووَجَدنَا الخَيرَ ضِدّا لِلشَّرِّ ، فَأَنكَرنا أن يَكونَ فاعِلٌ واحِدٌ يَفعَلُ الشَّيءَ وضِدَّهُ ، بَل لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما فاعِلٌ ، ألا تَرى أنَّ الثَّلجَ مُحالٌ أن يَسخُنَ ، كَما أنَّ النّارَ مُحالٌ أن تَبرُدَ ، فَأَثبَتنا لِذلِكَ صانِعَينِ قَديمَينِ : ظُلمَةً ونورا . فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أفَلَستُم قَد وَجَدتُم سَوادا وبَياضا ، وحُمرَةً وصُفرَةً ، وخُضرَةً وزُرقَةً ؟ وكُلُّ واحِدَةٍ ضِدٌّ لِسائِرِها لِاستِحالَةِ اجتِماعِ اثنَينِ مِنها في مَحَلٍّ واحِدٍ ، كَما كانَ الحَرُّ وَالبَردُ ضِدَّينِ لِاستِحالَةِ اجتِماعِهِما في مَحَلٍّ واحِدٍ ، قالوا : نَعَم . قالَ : فَهَلّا أثبَتُّم بِعَدَدِ كُلِّ لَونٍ صانِعا قَديما لِيَكونَ فاعِلُ كُلِّ ضِدٍّ مِن هذِهِ الأَلوانِ غَيرَ فاعِلِ الضِّدِّ الآخَرِ ، قالَ : فَسَكَتوا . ثُمَّ قالَ : كَيفَ اختَلَطَ النّورُ وَالظُّلمَةُ ، وهذا مِن طَبعِهِ الصُّعودُ ، وهذِهِ مِن طَبعِهَا النُّزولُ ؟ أرَأَيتُم لَو أنَّ رَجُلاً أخَذَ شَرقا يَمشي إلَيهِ وَالآخَرَ غَربا أكانَ يَجوزُ عِندَكُم أن يَلتَقِيا ما داما سائِرَينِ عَلى وُجوهِهِما ؟ قالوا : لا . قالَ : فَوَجَبَ ألّا يَختَلِطَ النّورُ وَالظُّلمَةُ لِذَهابِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما في غَيرِ جِهَةِ الآخَرِ ، فَكَيفَ حَدَثَ هذَا العالَمُ مِنِ امتِزاجِ ما هُوَ مُحالٌ أن يَمتَزِجَ ؟ بَل هُما مُدَبَّرانِ
.
ص: 230
جَميعا مَخلوقانِ ، فَقالوا : سَنَنظُرُ في اُمورِنا . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إذا أصبَحتَ فَقُل : اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما خَلَقتَ وذَرَأتَ وبَرَأتَ في بِلادِكَ وعِبادِكَ ، اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ بِجَلالِكَ وجَمالِكَ وحِلمِكَ وكَرَمِكَ كَذا وكَذا . (2)
راجع : ص 225 (تقدير الخير والشر) ، وص 330 (وجوب الايمان بالقدر) ، وص 331 (تحريم التكذيب بالقدر) .
7 / 3خَلْقُ الخَيرِ قَبلَ الشَّرِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ عز و جل : يا آدَمُ أنَا اللّهُ الكَريمُ ، خَلَقتُ الخَيرَ قَبلَ الشَّرِّ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل ... خَلَقَ الرَّحمَةَ قَبلَ الغَضَبِ ، وخَلَقَ الخَيرَ قَبلَ الشَّرِّ ، وخَلَقَ الأَرضَ قَبلَ السَّماءِ ، وخَلَقَ الحَياةَ قَبلَ المَوتِ ، وخَلَقَ الشَّمسَ قَبلَ القَمَرِ ، وخَلَقَ النّورَ قَبلَ الظُّلمَةِ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ خَلَقَ الخَيرَ يَومَ الأَحَدِ ، وما كانَ لِيَخلُقَ الشَّرَّ قَبلَ الخَيرِ . (5)
.
ص: 231
7 / 4الخَيرُ بِتَوفيقِ اللّهِ وَالشَّرُّ بِخِذلانِهِالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ القَضاءِ وَالقَدَرِ _: لا تَقولوا : وَكَلَهُمُ اللّهُ إلى أنفُسِهِم فَتُوَهِّنوهُ ، ولا تَقولوا : أجبَرَهُم عَلَى المَعاصي فَتُظَلِّموهُ ، ولكِن قولوا : الخَيرُ بِتَوفيقِ اللّهِ وَالشَّرُّ بِخِذلانِ اللّهِ ، وكُلٌّ سابِقٌ في عِلمِ اللّهِ . (1)
7 / 5الخَيرُ مِنَ اللّهِ وَالشَّرُّ لَيسَ إلَيهِالكتاب« مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَ_كَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا » . (2)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ أنتَ المَلِكُ الحَقُّ لا إلهَ إلّا أنتَ ... الخَيرُ في يَدَيكَ وَالشَّرُّ لَيسَ إلَيكَ . (3)
عنه عليه السلام :مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ يَأمُرُ بِالفَحشاءِ فَقَد كَذَبَ عَلَى اللّهِ ، ومَن زَعَمَ أنَّ الخَيرَ وَالشَّرَّ إلَيهِ فَقَد كَذَبَ عَلَى اللّهِ . (4)
.
ص: 232
الاحتجاج :مِن سُؤالِ الزِّنديقِ الَّذي سَأَلَ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ أن قالَ : . . . فَالعَمَلُ الصّالِحُ مِنَ العَبدِ هُوَ فِعلُهُ ، وَالعَمَلُ الشَّرُّ مِنَ العَبدِ هُوَ فِعلُهُ ؟ قالَ عليه السلام : العَمَلُ الصّالِحُ مِنَ العَبدِ بِفِعلِهِ وَاللّهُ بِهِ أمَرَهُ ، وَالعَمَلُ الشَّرُّ مِنَ العَبدِ بِفِعلِهِ وَاللّهُ عَنهُ نَهاهُ . قالَ : ألَيسَ فَعَلَهُ بِالآلَةِ الَّتي رَكَّبَها فيهِ ؟ قالَ عليه السلام : نَعَم ، ولكِن بِالآلَةِ الَّتي عَمِلَ بِهَا الخَيرَ قَدَرَ عَلَى الشَّرِّ الَّذي نَهاهُ عَنهُ . قالَ : فَإِلَى العَبدِ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ ؟ قالَ عليه السلام : ما نَهاهُ اللّهُ عَن شَيءٍ إلّا وقَد عَلِمَ أنَّهُ يُطيقُ تَركَهُ ، ولا أمَرَهُ بِشَيءٍ إلّا وقَد عَلِمَ أنَّهُ يَستَطيعُ فِعلَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيسَ مِن صِفَتِهِ الجَورُ وَالعَبَثُ وَالظُّلمُ وتَكليفُ العِبادِ ما لا يُطيقونَ . (1)
.
ص: 233
كلام حول دور القضاء والقدر في المصائب والشّرورإنّ الآيات والأحاديث الواردة في هذا الفصل تشير إلى عدد من الملاحظات البالغة الأهميّة في معرفة مبدأ الخير والشرّ في نظام الخلق ، ودور القضاء والقدر في ظهور المصائب والشرور ، وهذه الملاحظات هي كالتالي :
1 . الخير والشرّ مخلوقان ومقدّران من اللّههذا القول يعني أنّ جميع الظواهر _ سواءً الحوادث الطبيعيّة أم غير الطبيعيّة _ تقع في دائرة الخلق والتقدير الإلهيين ، وإذا لم يرد اللّه _ تعالى _ أن تكون الظاهرة خيرا كانت أم شرّا فسوف لا تتحقّق ، وحتّى الأعمال الّتي يقوم بها الإنسان بإرادته واختياره ، فإنّها ليست بمستثناة من هذا القانون العام ، رغم أنّ اللّه _ تعالى _ نهى من الناحية التشريعيّة عن الأعمال القبيحة ، وتشير الآية الكريمة : «قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ» (1) إلى هذا المعنى ، ويسمّى الاعتقاد بهذه الحقيقة التوحيد الأفعالي . على هذا الأساس فقد عُدّ الثنويّون الذين يفرّقون بين خالق الشرور وخالق الخيرات مشركين ، واعتُبر القدرّيون الذين يرون أنّ الشرور خارج نطاق التقدير الإلهي كافرين .
.
ص: 234
2 . خلق الشرّ وتقديره تبعيتشير أحاديث الباب الثاني من الفصل السابع من هذا القسم والدالّة على تقديم خلق الخير على خلق الشرّ ، إلى أنّ الشرّ على الرغم من أنّه ليس له خالق مستقل عن خالق الخير ، والّذي هو الذات الأحديّة المقدّسة ، إلّا أنّ خلق الشرّ وتقديره لا أصالة لهما ، بل إنّهما تبع للخير ، لذلك فقد خلق الشرّ بعد الخير وعلى إثره . بعبارة اُخرى : إنّ هدف الخالق ليس شيئا سوى الخير ، إلّا أنّ خلق الخير في عالم المادّة يستتبع طبعا بعض الشرور ، على سبيل المثال : فإنّ خلق الأرض خيرٌ ، ولكنّ للأرض خصوصيّات معيّنة قد تنتج منها الزلازل أحيانا على هذا ، فالزلازل ظاهرة وآية إلهيّة كما أن الأرض آية إلهية ، إلّا أنّ الهدف الرئيس والأوّل للخالق ، لم يكن خلق الزلزال ، بل إنّ هذه الظاهرة تتحقّق بعد خلق الأرض وتبعا لها (1) . رغم أنّ للزلازل حكم كثيرة من الإبتلاء والامتحان وذكر اللّه وتكامل البشر . كما أنّ خلق الإنسان خير أيضا ، ولكنّه يجب أن يتمتّع بالإرادة والحرّية ، كي يصل إلى الغاية الّتي خلق من أجلها وهي الخلافة الإلهيّة ، والكائن المتمتّع بالإرادة بإمكانه أن يسيء استغلال حرّيته ، ويستبب في الشرّ ويجرّ المجتمع إلى الفساد . (2) والهدف من الخلق لم يكن خلق الشرّ والفساد ، بل وجدت هذه الظاهرة بعد خلق كائن حرّ يدعى الإنسان وتبعا له .
3 . دور الإنسان في ظهور الشرورالملاحظة الثالثة الّتي تستحقّ الاهتمام فيما يتعلّق ببيان الارتباط بين القضاء والقدر ، وبين المصائب والشرور ، هي دور الإنسان في هذا المجال .
.
ص: 235
إنّ التقدير الإلهي فيما يتعلّق بالشرور الّتي تظهر على يد الإنسان نفسه ، هو خذلانه ، وهو إيكاله إلى نفسه ، فقد يستحقّ الإنسان التوفيق أحيانا وقد يستحقّ الخذلان أحيانا اُخرى ، وعندما يستحقّ الخذلان فإنّ اللّه يكله إلى نفسه ، فيقوم بإيجاد الشرّ بإرادته واختياره دون إجبار على ذلك ، على هذا الأساس فإنّ ما يصدر من الإنسان من خير إنّما هو التوفيق الإلهيّ وهو منسوب إلى اللّه ، وما يصدر منه من شرّ فهو منسوب إليه ، ذلك لأنّه قام به بإرادته وخلافا لإرادة اللّه التشريعيّة ، فنحن نقرأ في الدعاء : «الخَيرُ في يَدَيكَ وَالشَّرُّ لَيسَ إلَيكَ» (1) ، وسوف نسلّط أضواء أكثر على هذا الموضوع في الفصل القادم .
.
ص: 236
. .
ص: 237
الفصل الثّامن : دور القضاء والقدر في أفعال الإنسان8 / 1تَقديرُ الأَفعالِالكتاب«وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ» . (1)
«وَ مَا تَشَاءُونَ إِلَا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا» . (2)
«وَ مَا تَشَاءُونَ إِلَا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَ__لَمِينَ» . (3)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :أفعالُ العِبادِ مَخلوقَةٌ خَلقَ تَقديرٍ لا خَلقَ تَكوينٍ ، وَاللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ ، ولا يَقولُ بِالجَبرِ ولا بِالتَّفويضِ . (4)
.
ص: 238
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن حمدان بن سليمان :كَتَبتُ إلَى الرِّضا عليه السلام أسأَلُهُ عَن أفعالِ العِبادِ أمَخلوقَةٌ أم غَيرُ مَخلوقَةٍ ؟ فَكَتَبَ عليه السلام : أفعالُ العِبادِ مُقَدَّرَةٌ في عِلمِ اللّهِ قَبلَ خَلقِ العِبادِ بِأَلفَي عامٍ . (1)
معاني الأخبار عن عبد السلام بن صالح الهروي :سَمِعتُ أبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ موسَى الرِّضا عليهماالسلام يَقولُ : أفعالُ العِبادِ مَخلوقَةٌ . فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ وما مَعنى «مَخلوقَةٌ» ؟ قالَ : مُقَدَّرَةٌ . (2)
التوحيد عن الزهري :قالَ رَجُلٌ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام : جَعَلَنِيَ اللّهُ فِداكَ ، أبِقَدَرٍ يُصيبُ النّاسَ ما أصابَهُم أم بِعَمَلٍ ؟ فَقالَ عليه السلام : إنَّ القَدَرَ وَالعَمَلَ بِمَنزِلَةِ الرّوحِ وَالجَسَدِ ، فَالرّوحُ بِغَيرِ جَسَدٍ لا تَحِسُّ ، وَالجَسَدُ بِغَيرِ روحٍ صورَةٌ لا حَراكَ بِها ، فَإِذَا اجتَمَعا قَوِيا وصَلُحا ، كَذلِكَ العَمَلُ وَالقَدَرُ ، فَلَو لَم يَكُنِ القَدَرُ واقِعا عَلَى العَمَلِ لَم يُعرَفِ الخالِقُ مِنَ المَخلوقِ ، وكانَ القَدَرُ شَيئا لا يُحَسُّ ، ولَو لَم يَكُنِ العَمَلُ بِمُوافَقَةٍ مِنَ القَدَرِ لَم يَمضِ ولَم يَتِمَّ ، ولكِنَّهُما بِاجتِماعِهِما قَوِيا ، وللّهِِ فيهِ العَونُ لِعِبادِهِ الصّالِحينَ . (3)
راجع : ص 111 (خصائص القضاء والقدر / الخلقة) .
8 / 2تَقديرُ الفَرائِضِ وَالفَضائِلِ وَالمَعاصيالكتاب«وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَ_ذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَ_ذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ
.
ص: 239
مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَ_ؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا» . (1)
«مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَ_كَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :سَبَقَ العِلمُ وجَفَّ القَلَمُ ومَضَى القَدَرُ بِتَحقيقِ الكِتابِ وتَصديقِ الرُّسُلِ وبِالسَّعادَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل لِمَن آمَنَ وَاتَّقى وبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وكَفَرَ وبِوِلايَةِ اللّهِ المُؤمِنينَ وبَراءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ . _ ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ : عَنِ اللّهِ أروي حَديثي ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى يَقولُ : يَابنَ آدَمَ بِمَشيئَتي كُنتَ أنتَ الَّذي تَشاءُ لِنَفسِكَ ما تَشاءُ ، وبِإِرادَتي كُنتَ أنتَ الَّذي تُريدُ لِنَفسِكَ ما تُريدُ ، وبِفَضلِ نِعمَتي عَلَيكَ قَوِيتَ عَلى مَعصِيَتي ، وبِعِصمَتي وعَوني وعافِيَتي أدَّيتَ إلَيَّ فَرائِضي ، فَأَنَا أولى بِحَسَناتِكَ مِنكَ ، وأنتَ أولى بِسَيِّئاتِكَ مِنّي ، فَالخَيرُ مِنّي إلَيكَ بِما أولَيتُ بَداءٌ (3) ، وَالشَّرُّ مِنّي إلَيكَ بِما جَنَيتَ جَزاءٌ ، وبِإِحساني إلَيكَ قَوِيتَ عَلى طاعَتي ، وبِسوءِ ظَنِّكَ بي قَنَطتَ مِن رَحمَتي ، فَلِيَ الحَمدُ وَالحُجَّةُ عَلَيكَ بِالبَيانِ ، ولِيَ السَّبيلُ عَلَيكَ بِالعِصيانِ ، ولَكَ جَزاءُ الخَيرِ عِندي بِالإِحسانِ ، لَم أدَع تَحذيرَكَ ، ولَم آخُذكَ عِندَ عِزَّتِكَ ، ولَم اُكَلِّفكَ فَوقَ طاقَتِكَ ، ولَم أحمِلكَ
.
ص: 240
مِنَ الأَمانَةِ إلّا ما أقرَرتَ بِهِ عَلى نَفسِكَ ، رَضيتُ لِنَفسي مِنكَ ما رَضيتَ لِنَفسِكَ مِنّي . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ يَأمُرُ بِالسّوءِ وَالفَحشاءِ فَقَد كَذَبَ عَلَى اللّهِ ، ومَن زَعَمَ أنَّ الخَيرَ وَالشَّرَّ بِغَيرِ مَشيئَةِ اللّهِ فَقَد أخرَجَ اللّهَ مِن سُلطانِهِ ، ومَن زَعَمَ أنَّ المَعاصِيَ بِغَيرِ قُوَّةِ اللّهِ فَقَد كَذَبَ عَلَى اللّهِ ، ومَن كَذَبَ عَلَى اللّهِ أدخَلَهُ اللّهُ النّارَ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الأَعمالُ ثَلاثَةٌ : فَرائِضُ وفَضائِلُ ومَعاصي : فَأَمَّا (3) الفَرائِضُ فَبِأَمرِ اللّهِ ومَشيئَتِهِ وبِرِضاهُ وبِعِلمِهِ وقَدَرِهِ ، يَعمَلُهَا العَبدُ فَيَنجو مِنَ اللّهِ بِها . وأمَّا الفَضائِلُ فَلَيسَ بِأَمرِ اللّهِ ، لكِن بِمَشيئَتِهِ وبِرِضاهُ وبِعِلمِهِ وبِقَدَرِهِ ، يَعمَلُهَا العَبدُ فَيُثابُ عَلَيها . وأمَّا المَعاصي فَلَيسَ بِأَمرِ اللّهِ ولا بِمَشيئَتِهِ ولا بِرِضاهُ ، لكِن بِعِلمِهِ وبِقَدَرِهِ يُقَدِّرُها لِوَقتِها ، فَيَفعَلُهَا العَبدُ بِاختِيارِهِ فَيُعاقِبُهُ اللّهُ عَلَيها ؛ لِأَنَّهُ قَد نَهاهُ عَنها فَلَم يَنتَهِ . (4)
عنه عليه السلام :الأَعمالُ عَلى ثَلاثَةِ أحوالٍ : فَرائِضَ وفَضائِلَ ومَعاصِيَ ، وأمَّا الفَرائِضُ فَبِأَمرِ
.
ص: 241
اللّهِ عز و جل ، وبِرِضَا اللّهِ وقَضاءِ اللّهِ وتَقديرِهِ ومَشيئَتِهِ وعِلمِهِ . وأمَّا الفَضائِلُ فَلَيسَت بِأَمرِ اللّهِ ، ولكِن بِرِضَا اللّهِ وبِقَضاءِ اللّهِ وبِقَدَرِ اللّهِ وبِمَشيئَتِهِ وبِعِلمِهِ . وأمَّا المَعاصي فَلَيسَت بِأَمرِ اللّهِ ، ولكِن بِقَضاءِ اللّهِ وبِقَدَرِ اللّهِ وبِمَشيئَتِهِ وبِعِلمِهِ ، ثُمَّ يُعاقِبُ عَلَيها . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام إذا ناجى رَبَّهُ قالَ : اللّهُمَّ يا رَبِّ قَويتُ عَلى مَعاصيكَ بِنِعمَتِكَ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ فِي التَّوراةِ مَكتوبا : يا موسى ، إنّي خَلَقتُكَ وَاصطَفَيتُكَ وقَوَّيتُكَ وأمَرتُكَ بِطاعَتي ونَهَيتُكَ عَن مَعصِيَتي ، فَإِن أطَعتَني أعَنتُكَ عَلى طاعَتي ، وإن عَصَيتَني لَم اُعِنكَ عَلى مَعصِيَتي ، يا موسى ولِيَ المِنَّةُ عَلَيكَ في طاعَتِكَ لي ، ولِيَ الحُجَّةُ عَلَيكَ في مَعصِيَتِكَ لي . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :كَما أنَّ بادِيَ النِّعَمِ مِنَ اللّهِ عز و جل وقَد نَحَلَكُموهُ (4) ، فَكَذلِكَ الشَّرُّ مِن أنفُسِكُم وإن جَرى بِهِ قَدَرُهُ . (5)
.
ص: 242
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ مِن كُلِّ ذَنبٍ قَوِيَ عَلَيهِ بَدَني بِعافِيَتِكَ، أو نالَتهُ قُدرَتي بِفَضلِ نِعمَتِكَ،أو بَسَطتُ إلَيهِ يَدي بِسابِغِ (1) رِزقِكَ، أوِ اتَّكَلتُ عِندَ خَوفي مِنهُ عَلى أناتِكَ (2) ، أو وَثِقتُ فيهِ بِحَولِكَ ، أو عَوَّلتُ فيهِ عَلى كَريمِ عَفوِكَ . اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ مِن كُلِّ ذَنبٍ خُنتُ فيهِ أمانَتي ، أو نَحَّستُ بِفِعلِهِ نَفسي ، أوِ احتَطَبتُ بِهِ عَلى بَدَني ، أو قَدَّمتُ فيهِ لَذَّتي ، أو آثَرتُ فيهِ شَهَواتي ، أو سَعَيتُ فيهِ لِغَيري ، أوِ استَغوَيتُ فيهِ مَن تَبِعَني ، أو غَلَبتُ عَلَيهِ بِفَضلِ حيلَتي ، أوِ احتَلتُ عَلَيكَ فيهِ مَولايَ فَلَم تَغلِبني عَلى فِعلي ، إذ كُنتَ كارِها لِمَعصِيَتي ، لكِن سَبَقَ عِلمُكَ في فِعلي فَحَلُمتَ عَنّي، لَم تُدخِلني يا رَبِّ فيهِ جَبرا ، ولَم تَحمِلني عَلَيهِ قَهرا ، ولَم تَظلِمني فيهِ شَيئا . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ اللّهَ خَلَقَ الخَلقَ فَعَلِمَ ما هُم إلَيهِ صائِرونَ فَأَمَرَهُم ونَهاهُم ، فَما أمَرَهُم بِهِ مِن شَيءٍ فَقَد جَعَلَ لَهُمُ السَّبيلَ إلَى الأَخذِ بِهِ ، وما نَهاهُم عَنهُ مِن شَيءٍ فَقَد جَعَلَ لَهُمُ السَّبيلَ إلى تَركِهِ ، ولا يَكونونَ آخِذينَ ولا تارِكينَ إلّا بِإِذنِهِ ، وما جَبَرَ اللّهُ أحَدا مِن خَلقِهِ عَلى مَعصِيَتِهِ ، بَلِ اختَبَرَهُم بِالبَلوى ، وكَما قالَ : «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (4) . (5)
.
ص: 243
الكافي عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر :قُلتُ لِأَبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : إنَّ بَعضَ أصحابِنا يَقولُ بِالجَبرِ ، وبَعضَهُم يَقولُ بِالاِستِطاعَةِ . قالَ : فَقالَ لي : اُكتُب بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، قالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ : قالَ اللّهُ عز و جل : يَابنَ آدَمَ بِمَشيئَتي كُنتَ أنتَ الَّذي تَشاءُ ، وبِقُوَّتي أدَّيتَ إلَيَّ فَرائِضي ، وبِنِعمَتي قَوِيتَ عَلى مَعصِيَتي ، جَعَلتُكَ سَميعا بَصيرا ، ما أصابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وما أصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفسِكَ ، وذلِكَ أنّي أولى بِحَسَناتِكَ ، وأنتَ أولى بِسَيِّئاتِكَ مِنّي ، وذلِكَ أنّي لا اُسأَلُ عَمّا أفعَلُ وهُم يُسأَلونَ قَد نَظَمتُ لَكَ كُلَّ شَيءٍ تُريدُ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :قالَ اللّهُ : يَابنَ آدَمَ ، أنَا أولى بِحَسَناتِكَ مِنكَ وأنتَ أولى بِسَيِّئاتِكَ مِنّي ، عَمِلتَ المَعاصِيَ بِقُوَّتِيَ الَّتي جَعَلتُها فيكَ . (2)
تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن جعفر عن الإمام عليّ عليه السلام ، قال :قامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِمَّن كانَ شَهِدَ مَعَهُ الجَمَلَ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَنِ القَدَرِ ؟ فَقالَ عليه السلام : ... فَإِنَّهُ أمرٌ بَينَ أمرَينِ لا جَبرَ ولا تَفويضَ . (3)
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن بريد بن عمير بن معاوية الشامي :دَخَلتُ عَلى عَلِيِّ بنِ موسَى الرِّضا بِمَروَ ، فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، رُوِيَ لَنا عَنِ الصّادِقِ جَعفَرِ بنِ
.
ص: 244
مُحَمَّدٍ عليه السلام قالَ : إنَّهُ لا جَبرَ ولا تَفويضَ ، بَل أمرٌ بَينَ أمرَينِ ، فَما مَعناهُ ؟ قالَ : مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ يَفعَلُ أفعالَنا ، ثُمَّ يُعَذِّبُنا عَلَيها فَقَد قالَ بِالجَبرِ ، ومَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ عز و جل فَوَّضَ أمرَ الخَلقِ وَالرِّزقِ إلى حُجَجِهِ عليهم السلام ، فَقَد قالَ بِالتَّفويضِ ، وَالقائِلُ بِالجَبرِ كافِرٌ وَالقائِلُ بِالتَّفويضِ مُشرِكٌ . فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ فَما أمرٌ بَينَ أمرَينِ ؟ فَقالَ : وُجودُ السَّبيلِ إلى إتيانِ ما اُمِروا بِهِ وتَركِ ما نُهوا عَنهُ . فَقُلتُ لَهُ : فَهَل للّهِِ عز و جل مَشيئَةٌ وإرادَةٌ في ذلِكَ ؟ فَقالَ : فَأَمَّا الطّاعاتُ فَإِرادَةُ اللّهِ ومَشيئَتُهُ فيهَا الأَمرُ بِها وَالرِّضا لَها وَالمُعاوَنَةُ عَلَيها ، وإرادَتُهُ ومَشيئَتُهُ فِي المَعاصي النَّهيُ عَنها وَالسَّخَطُ لَها وَالخِذلانُ عَلَيها . قُلتُ : فَهَل للّهِِ فيهَا القَضاءُ ؟ قالَ : نَعَم ما مِن فِعلٍ يَفعَلُهُ العِبادُ مِن خَيرٍ أو شَرٍّ إلّا وللّهِِ فيهِ قَضاءٌ . قُلتُ : ما مَعنى هذَا القَضاءِ ؟ قالَ : الحُكمُ عَلَيهِم بِما يَستَحِقّونَهُ عَلى أفعالِهِم مِنَ الثَّوابِ وَالعِقابِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إنّا لا نَقولُ جَبرا ولا تَفويضا . (2)
.
ص: 245
عنه عليه السلام :لا جَبرَ ولا تَفويضَ ، بَل أمرٌ بَينَ أمرَينِ . (1)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ الجَبرِ وَالقَدَرِ _: لا جَبرَ ولا قَدَرَ ، ولكِن مَنزِلَةٌ بَينَهُما فيهَا الحَقُّ ، الَّتي (2) بَينَهُما لا يَعلَمُها إلَا العالِمُ ، أو مَن عَلَّمَها إيّاهُ العالِمُ . (3)
الكافي عن أبي طالب القمّي عن رجل عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :قُلتُ أجبَرَ اللّهُ العِبادَ عَلَى المَعاصي ؟ قالَ : لا . قُلتُ : فَفَوَّضَ إلَيهِمُ الأَمرَ ؟ قالَ : لا . قُلتُ : فَماذا ؟ قالَ : لُطفٌ مِن رَبِّكَ بَينَ ذلِكَ . (4)
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن إبراهيم بن العبّاس :سَمِعتُ الرِّضا عليه السلام وقَد سَأَلَهُ رَجُلٌ : أيُكَلِّفُ اللّهُ العِبادَ ما لا يُطيقونَ ؟ فَقالَ : هُوَ أعدَلُ مِن ذلِكَ . قالَ : أفَيَقدِرونَ عَلى كُلِّ ما أرادوهُ ؟ قالَ : هُم أعجَزُ مِن ذلِكَ . (5)
8 / 3مَعنَى الأَمرِ بَينَ الأَمرَينِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ لا يُطاعُ جَبرا ولا يُعصى مَغلوبا ولَم يُهمِلِ العِبادَ مِنَ المَملَكَةِ ،
.
ص: 246
ولكِنَّهُ القادِرُ عَلى ما أقدَرَهُم عَلَيهِ ، وَالمالِكُ لِما مَلَّكَهُم إيّاهُ ، فَإِنَّ العِبادَ إنِ ائتَمَروا بِطاعَةِ اللّهِ لَم يَكُن مِنها مانِعٌ ولا عَنها صادٌّ ، وإن عَمِلوا بِمَعصِيَتِهِ فَشاءَ أن يَحولَ بَينَهُم وبَينَها فَعَلَ ، ولَيسَ مَن إن شاءَ أن يَحولَ بَينَهُ وبَينَ شَيءٍ (فَعَلَ) ، ولَم يَفعَلهُ ، فَأَتاهُ الَّذي فَعَلَهُ ، كانَ هُوَ الَّذي أدخَلَهُ فيهِ (1) . (2)
الإرشاد عن الحسن بن أبي الحسن البصري :جاءَ رَجُلٌ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ لَهُ : ... فَمَا القَضاءُ وَالقَدَرُ الَّذي ذَكَرتَهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : الأَمرُ بِالطّاعَةِ وَالنَّهيُ عَنِ المَعصِيَةِ ، وَالتَّمكينُ مِن فِعلِ الحَسَنَةِ وتَركِ السَّيِّئَةِ ، وَالمَعونَةُ عَلَى القُربَةِ إلَيهِ ، وَالخِذلانُ لِمَن عَصاهُ ، وَالوَعدُ وَالوَعيدُ ، وَالتَّرغيبُ وَالتَّرهيبُ ، كُلُّ ذلِكَ قَضاءُ اللّهِ في أفعالِنا ، وقَدَرُهُ لِأَعمالِنا ، فَأَمّا غَيرُ ذلِكَ فَلا تَظُنَّهُ ، فَإِنَّ الظَّنَّ لَهُ مُحبِطٌ (3) لِلأَعمالِ . فَقالَ الرَّجُلُ : فَرَّجتَ عَنّي يا أميرَ المُؤمِنينَ فَرَّجَ اللّهُ عَنكَ . (4)
تحف العقول :كَتَبَ الحَسَنُ بنُ أبِي الحَسَنِ البَصرِيُّ إلى أبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ عليهماالسلام : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّكُم مَعشَرَ بَني هاشِمٍ الفُلكُ الجارِيَةُ فِي اللُّجَجِ الغامِرَةِ والأَعلامُ النَّيِّرَةُ الشّاهِرَةُ ، أو كَسَفينَةِ نوحٍ عليه السلام الَّتي نَزَلَهَا المُؤمِنونَ ونَجا فيهَا المُسلِمونَ ، كَتَبتُ إلَيكَ يَابنَ رَسولِ اللّهِ عِندَ اختِلافِنا فِي القَدَرِ وحَيرَتِنا فِي الاِستِطاعَةِ ، فَأَخبِرنا بِالَّذي عَلَيهِ رَأيُكَ ورَأيُ آبائِكَ عليهم السلام ، فَإِنَّ مِن عِلمِ اللّهِ عِلمَكُم ، وأنتُم شُهَداءُ عَلَى النّاسِ وَاللّهُ
.
ص: 247
الشّاهِدُ عَلَيكُم ، «ذُرِّيَّةَ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (1) . فَأَجابَهُ الحَسَنُ عليه السلام : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، وَصَلَ إلَيَّ كِتابُكَ ، ولَولا ما ذَكَرتَهُ مِن حَيرَتِكَ وحَيرَةِ مَن مَضى قِبَلَكَ إذاً ما أخبَرتُكَ ، أمّا بَعدُ ، فَمَن لَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ أنَّ اللّهَ يَعلَمُهُ فَقَد كَفَرَ ، ومَن أحالَ المَعاصِيَ عَلَى اللّهِ فَقَد فَجَرَ ، إنَّ اللّهَ لَم يُطَع مُكرِها ولَم يُعصَ مَغلوبا ولَم يُهمِلِ العِبادَ سُدىً مِنَ المَملَكَةِ ، بَل هُوَ المالِكُ لِما مَلَّكَهُم وَالقادِرُ عَلى ما عَلَيهِ أقدَرَهُم ، بَل أمَرَهُم تَخييرا ونَهاهُم تَحذيرا ، فَإِنِ ائتَمَروا بِالطّاعَةِ لَم يَجِدوا عَنها صادّا ، وإنِ انتَهَوا إلى مَعصِيَةٍ فَشاءَ أن يَمُنَّ عَلَيهِم بِأَن يَحولَ بَينَهُم وبَينَها فَعَلَ ، وإن لَم يَفعَل فَلَيسَ هُوَ الَّذي حَمَلَهُم عَلَيها جَبرا ولا اُلزِموها كَرها ، بَل مَنَّ عَلَيهِم بِأَن بَصَّرَهُم وعَرَّفَهُم وحَذَّرَهُم وأمَرَهُم ونَهاهُم ، لا جَبلاً (2) لَهُم عَلى ما أمَرَهُم بِهِ فَيَكونوا كَالمَلائِكَةِ ، ولا جَبرا لَهُم عَلى ما نَهاهُم عَنهُ ، وللّهِِ الحُجَّةُ البالِغَةُ ، فَلَو شاءَ لَهَداكُم أجمَعينَ ، وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :كَتَبَ الحَسَنُ بنُ أبِي الحَسَنِ البَصرِيُّ ، إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، يَسأَلُهُ عَنِ القَدَرِ ، فَكَتَبَ إلَيهِ : اِتَّبِع ما شَرَحتُ لَكَ فِي القَدَرِ ، مِمّا اُفضِيَ إلَينا _ أهلَ البَيتِ _ فَإِنَّهُ مَن لَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ فَقَد كَفَرَ ، ومَن حَمَلَ المَعاصِيَ عَلَى اللّهِ عز و جل فَقَد فَجَرَ وَافتَرى عَلَى اللّهِ افتِراءً عَظيما ، إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يُطاعُ بِإِكراهٍ ، ولا يُعصى بِغَلَبَةٍ ، ولا يُهمِلُ العِبادَ فِي الهَلَكَةِ ، ولكِنَّهُ المالِكُ
.
ص: 248
لِما مَلَّكَهُم ، وَالقادِرُ لِما عَلَيهِ أقدَرَهُم ، فَإِنِ ائتَمَروا بِالطّاعَةِ لَم يَكُن لَهُم صادّا عَنها مُبَطِّئا ، وإنِ ائتَمَروا بِالمَعصِيَةِ فَشاءَ أن يَمُنَّ عَلَيهِم فَيَحولَ بَينَهُم وبَينَ مَا ائتَمَروا بِهِ فَعَلَ وإن لَم يَفعَل فَلَيسَ هُوَ حَمَلَهُم عَلَيها قَسرا ، ولا كَلَّفَهُم جَبرا ، بَل بِتَمكينهِ (1) إيّاهُم بَعدَ إعذارِهِ وإنذارِهِ لَهُم ، وَاحتِجاجِهِ عَلَيهِم طَوَّقَهُم ومَكَّنَهُم وجَعَلَ لَهُمُ السَّبيلَ إلى أخذِ ما إلَيهِ دَعاهُم ، وتَركِ ما عَنهُ نَهاهُم ، جَعَلَهُم مُستَطيعينَ لِأَخذِ ما أمَرَهُم بِهِ مِن شَيءٍ غَيرِ آخِذيهِ ، ولِتَركِ ما نَهاهُم عَنهُ مِن شَيءٍ غَيرِ تارِكيهِ ، وَالحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَ عِبادَهُ أقوِياءَ لِما أمَرَهُم بِهِ ، يَنالونَ بِتِلكَ القُوَّةِ ، ونَهاهُم عَنهُ ، وجَعَلَ العُذرَ لِمَن لَم يَجعَل لَهُ السَّبَبَ جَهدا مُتَقَبَّلاً . (2)
الكافي عن محمّد بن يحيى عمّن حدّثه ، عن الإمام الصادق عليه السلام :لا جَبرَ ولا تَفويضَ ولكِن أمرٌ بَينَ أمرَينِ . قالَ : قُلتُ : وما أمرٌ بَينَ أمرَينِ ؟ قالَ : مَثَلُ ذلِكَ رَجُلٌ رَأَيتَهُ عَلى مَعصِيَةٍ فَنَهَيتَهُ فَلَم يَنتَهِ فَتَرَكتَهُ فَفَعَلَ تِلكَ المَعصِيَةَ ، فَلَيسَ حَيثُ لَم يَقبَل مِنكَ فَتَرَكتَهُ كُنتَ أنتَ الَّذي أمَرتَهُ بِالمَعصِيَةِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :النّاسُ فِي القَدَرِ عَلى ثَلاثَةِ أوجُهٍ : رَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز و جل أجبَرَ النّاسَ عَلَى المَعاصي فَهذا قَد ظَلَّمَ اللّهَ عز و جل في حُكمِهِ فَهُوَ كافِرٌ . ورَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ الأَمرَ مُفَوَّضٌ إلَيهمِ فَهذا قَد وَهَّنَ اللّهَ في سُلطانِهِ فَهُوَ كافِرٌ . ورَجُلٌ يَقولُ : إنَّ اللّهَ عز و جل كَلَّفَ العِبادَ ما يُطيقونَ ولَم يُكَلِّفهُم ما لا يُطيقونَ ، فَإِذا
.
ص: 249
أحسَنَ حَمِدَ اللّهَ ، وإذا أساءَ استَغفَرَ اللّهَ فَهذا مُسلِمٌ بالِغٌ ، وَاللّهُ المُوَفِّقُ . (1)
الكافي عن حمزة بن حمران :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الاِستِطاعَةِ فَلَم يُجِبني ، فَدَخَلتُ عَلَيهِ دَخلَةً اُخرى ، فَقُلتُ : أصلَحَكَ اللّهُ ، إنَّهُ قَد وَقَعَ في قَلبي مِنها شَيءٌ لا يُخرِجُهُ إلّا شَيءٌ أسمَعُهُ مِنكَ . قالَ : فَإِنَّهُ لا يَضُرُّكَ ما كانَ في قَلبِكَ . قُلتُ : أصلَحَكَ اللّهُ ، إنّي أقولُ : إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَم يُكَلِّفِ العِبادَ ما لا يَستَطيعونَ ولَم يُكَلِّفهُم إلّا ما يُطيقونَ ، وإنَّهُم لا يَصنَعونَ شَيئا مِن ذلِكَ إلّا بِإِرادَةِ اللّهِ ومَشيئَتِهِ وقَضائِهِ وقَدَرِهِ . قالَ : فَقالَ : هذا دينُ اللّهِ الَّذي أنَا عَلَيهِ وآبائي ، أو كَما قالَ . (2)
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن بريد بن عمير بن معاوية الشامي :دَخَلتُ عَلى عَلِيِّ بنِ موسَى الرِّضا بِمَروَ ، فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، رُوِيَ لَنا عَنِ الصّادِقِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام قالَ : إنَّهُ لا جَبرَ ولا تَفويضَ ، بَل أمرٌ بَينَ أمرَينِ ، فَما مَعناهُ ؟ قالَ : مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ يَفعَلُ أفعالَنا ثُمَّ يُعَذِّبُنا عَلَيها ، فَقَد قالَ : بِالجَبرِ ، ومَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ عز و جل فَوَّضَ أمرَ الخَلقِ وَالرِّزقِ إلى حُجَجِهِ عليهم السلام ، فَقَد قالَ بِالتَّفويضِ ، وَالقائِلُ بِالجَبرِ كافِرٌ وَالقائِلُ بِالتَّفويضِ مُشرِكٌ . فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ فَما أمرٌ بَينَ أمرَينِ .
.
ص: 250
فَقالَ : وُجودُ السَّبيلِ إلى إتيانِ ما اُمِروا بِهِ ، وتَركِ ما نُهوا عَنهُ . فَقُلتُ لَهُ : فَهَل للّهِِ عز و جل مَشيئَةٌ وإرادَةٌ في ذلِكَ ؟ فَقالَ : فَأَمَّا الطّاعاتُ فَإِرادَةُ اللّهِ ومَشيئَتُهُ فيهَا الأَمرُ بِها وَالرِّضا لَها وَالمُعاوَنَةُ عَلَيها ، وإرادَتُهُ ومَشيئَتُهُ فِي المَعاصِي النَّهيُ عَنها وَالسَّخَطُ لَها وَالخِذلانُ عَلَيها . قُلتُ : فَهَل للّهِِ فيهَا القَضاءُ ؟ قالَ : نَعَم ، ما مِن فِعلٍ يَفعَلُهُ العِبادُ مِن خَيرٍ أو شَرٍّ إلّا وللّهِِ فيهِ قَضاءٌ . قُلتُ : ما مَعنى هذَا القَضاءِ ؟ قالَ : الحُكمُ عَلَيهِم بِما يَستَحِقّونَهُ عَلى أفعالِهِم مِنَ الثَّوابِ وَالعِقابِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . (1)
التوحيد عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :ذُكِرَ عِندَهُ الجَبرُ وَالتَّفويضُ ، فَقالَ : ألا اُعطيكُم في هذا أصلاً لا تَختَلِفونَ فيهِ ولا تُخاصِمونَ عَلَيهِ أحَداً إلّا كَسَرتُموهُ ؟ قُلنا : إن رَأَيتَ ذلِكَ . فَقالَ : إنَّ اللّهَ عز و جل لَم يُطَع بِإِكراهٍ ، ولَم يُعصَ بِغَلَبَةٍ ولَم يُهمِلِ العِبادَ في مُلكِهِ ، هُوَ المالِكُ لِما مَلَّكَهُم ، وَالقادِرُ عَلى ما أقدَرَهُم عَلَيهِ ، فَإِنِ ائتَمَرَ العِبادُ بِطاعَتِهِ لَم يَكُنِ اللّهُ عَنها صادّا ولا مِنها مانِعا ، وإنِ ائتَمَروا بِمَعصِيَتِهِ فَشاءَ أن يَحولَ بَينَهُم وبَينَ ذلِكَ
.
ص: 251
فَعَلَ ، وإن لَم يَحُل وفَعَلوهُ فَلَيسَ هُوَ الَّذي أدخَلَهُم فيهِ . ثُمَّ قالَ عليه السلام : مَن يَضبِطُ حُدودَ هذَا الكَلامِ فَقَد خَصَمَ مَن خالَفَهُ . (1)
الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام :سَأَلتُ العالِمَ عليه السلام : أجبَرَ اللّهُ العِبادَ عَلَى المَعاصي ؟ فَقالَ : اللّهُ أعدَلُ مِن ذلِكَ . فَقُلتُ لَهُ : فَفَوَّضَ إلَيهِم ؟ فَقالَ : هُوَ أعَزُّ مِن ذلِكَ . فَقُلتُ لَهُ : فَتَصِفُ لَنَا المَنزِلَةَ بَينَ المَنزِلَتَينِ ؟ فَقالَ : الجَبرُ هُوَ الكَرهُ ، فَاللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَم يُكرِه عَلى مَعصِيَتِهِ ، وإنَّمَا الجَبرُ أن يُجبَرَ الرَّجُلُ عَلى ما يَكرَهُ وعَلى ما لا يَشتَهي ، كَالرَّجُلِ يُغلَبُ عَلى أن يُضرَبَ أو يُقطَعَ يَدُهُ ، أو يُؤخَذَ مالُهُ ، أو يُغضَبَ (2) عَلى حُرمَتِهِ ، أو مَن كانَت لَهُ قُوَّةٌ ومَنَعَةٌ فَقُهِرَ ، وأمّا مَن أتى إلى أمرٍ طائِعا مُحِبّا لَهُ يُعطي عَلَيهِ مالَهُ لِيَنالَ شَهوَتَهُ فَلَيسَ ذلِكَ بِجَبرٍ ، إنَّمَا الجَبرُ مَن أكرَهَهُ عَلَيهِ ، أو أغضَبه حَتّى فَعَلَ ما لا يُريدُ ولا يَشتَهيهِ ، وذلِكَ أنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَم يَجعَل لَهُ هَوىً ولا شَهوَةً ولا مَحَبَّةً ولا مَشيئَةً إلّا فيما عَلِمَ أنَّهُ كانَ مِنهُم ، وإنَّما يُجزَونَ (3) في عِلمِهِ وقَضائِهِ وقَدَرِهِ عَلَى الَّذي في عِلمِهِ وكِتابِهِ السّابِقِ فيهِم قَبلَ خَلقِهِم ، وَالَّذي عَلِمَ أنَّهُ غَيرُ كائِنٍ مِنهُم هُوَ الَّذي لَم يَجعَل لَهُم فيهِ
.
ص: 252
شَهوَةً ولا إرادَةً . (1)
الإمام الهادي عليه السلام_ مِن رِسالَةٍ لَهُ فِي الرَّدِّ عَلى أهلِ الجَبرِ وَالتَّفويضِ وإثباتِ العَدلِ وَالمَنزِلَةِ بَينَ المَنزِلَتَينِ _: إنّا نَبدَأُ مِن ذلِكَ بِقَولِ الصّادِقِ عليه السلام : «لا جَبرَ ولا تَفويضَ ، ولكِن مَنزِلَةٌ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وهِيَ صِحَّةُ الخِلقَةِ ، وتَخلِيَةُ السَّربِ (2) ، وَالمُهلَةُ فِي الوَقتِ ، وَالزّادُ مِثلُ الرّاحِلَةِ ، وَالسَّبَبُ المُهَيِّجُ لِلفاعِلِ عَلى فِعلِهِ» ، فَهذِهِ خَمسَةُ أشياءَ جَمَعَ بِهِ الصّادِقُ عليه السلام جَوامِعَ الفَضلِ ، فَإِذا نَقَصَ العَبدُ مِنها خَلَّةً كانَ العَمَلُ عَنهُ مَطروحا بِحَسَبِهِ . فَأَخبَرَ الصّادِقُ عليه السلام بِأَصلِ ما يَجِبُ عَلَى النّاسِ مِن طَلَبِ مَعرِفَتِهِ ونَطَقَ الكِتابُ بِتَصديقِهِ فَشَهِدَ بِذلِكَ مُحكَماتُ آياتِ رَسولِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه و آله وآلَهُ عليهم السلام لا يَعدونَ شَيئا مِن قَولِهِ وأقاويلُهُم حُدودُ القُرآنِ ، فَإِذا وَرَدَت حَقائِقُ الأَخبارِ وَالتُمِسَت شَواهِدُها مِنَ التَّنزيلِ ، فَوُجِدَ لَها مُوافِقا وعَلَيها دَليلاً كانَ الاِقتِداءُ بِها فَرضا لا يَتَعَدّاهُ إلّا أهلُ العِنادِ ... . ولَمَّا التَمَسنا تَحقيقَ ما قالَهُ الصّادِقُ عليه السلام مِنَ المَنزِلَةِ بَينَ المَنزِلَتَينِ وإنكارِهِ الجَبرَ وَالتَّفويضَ ، وَجَدنَا الكِتابَ قَد شَهِدَ لَهُ وصَدَّقَ مَقالَتَهُ في هذا ، وخَبَرٌ عَنهُ أيضا مُوافِقٌ لِهذا ، أنَّ الصّادِقَ عليه السلام سُئِلَ هَل أجبَرَ اللّهُ العِبادَ عَلَى المَعاصي ؟ فَقالَ الصّادِقُ عليه السلام : هُوَ أعدَلُ مِن ذلِكَ . فَقيلَ لَهُ : فَهَل فَوَّضَ إلَيهِم ؟ فَقالَ عليه السلام : هُوَ أعَزُّ وأقهَرُ لَهُم مِن ذلِكَ . ورُوِيَ عَنهُ أنَّهُ قالَ : النّاسُ فِي القَدَرِ عَلى ثَلاثَةِ أوجُهٍ : رَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ الأَمرَ مُفَوَّضٌ إلَيهِ فَقَد وَهَّنَ اللّهَ في سُلطانِهِ فَهُوَ هالِكٌ ، ورَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ جَلَّ وعَزَّ أجبَرَ
.
ص: 253
العِبادَ عَلَى المَعاصي وكَلَّفَهُم ما لا يُطيقونَ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ في حُكمِهِ فَهُوَ هالِكٌ ، ورَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ كَلَّفَ العِبادَ ما يُطيقونَ ولَم يُكَلِّفهُم ما لا يُطيقونَ ؛ فَإِذا أحسَنَ حَمِدَ اللّهَ وإذا أساءَ استَغفَرَ اللّهَ فَهذا مُسلِمٌ بالِغٌ ، فَأَخبَرَ عليه السلام أنَّ مَن تَقَلَّدَ الجَبرَ وَالتَّفويضَ ودانَ بِهِما فَهُوَ عَلى خِلافِ الحَقِّ ، فَقَد شَرَحتُ الجَبرَ الَّذي مَن دانَ بِهِ يَلزَمُهُ الخَطَأُ ، وأنَّ الَّذي يَتَقَلَّدُ التَّفويضَ يَلزَمُهُ الباطِلُ ، فَصارَتِ المَنزِلَةُ بَينَ المَنزِلَتَينِ بَينَهُما . ثُمَّ قالَ عليه السلام : وأضرِبُ لِكُلِّ بابٍ مِن هذِهِ الأَبوابِ مَثَلاً يُقَرِّبُ المَعنى لِلطّالِبِ ويُسَهِّلُ لَهُ البَحثَ عَن شَرحِهِ ، تَشهَدُ بِهِ مُحكَماتُ آياتِ الكِتابِ وتَحَقَّقَ تَصديقُهُ عِندَ ذَوِي الأَلبابِ ، وبِاللّهِ التَّوفيقُ وَالعِصمَةُ . فَأَمَّا الجَبرُ الَّذي يَلزَمُ مَن دانَ بِهِ الخَطَأُ ، فَهُوَ قَولُ مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ أجبَرَ العِبادَ عَلَى المَعاصي وعاقَبَهُم عَلَيها ، ومَن قالَ بِهذَا القَولِ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ في حُكمِهِ وكَذَّبَهُ ورَدَّ عَلَيهِ قَولَهُ : «وَلَا يَظْ_لِمُ رَبُّكَ أَحَدًا» (1) ، وقَولَهُ : «ذَ لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَ_لَّ_مٍ لِّلْعَبِيدِ» (2) ، وقَولَهُ : «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْ_لِمُ النَّاسَ شَيْ_ئا وَ لَ_كِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» (3) ، مَعَ آيٍ كَثيرَةٍ في ذِكرِ هذا . فَمَن زَعَمَ أنَّهُ مُجبَرٌ عَلَى المَعاصي فَقَد أحالَ بِذَنبِهِ عَلَى اللّهِ وقَد ظَلَّمَهُ في عُقوبَتِهِ . ومَن ظَلَّمَ اللّهَ فَقَد كَذَّبَ كِتابَهُ . ومَن كَذَّبَ كِتابَهُ فَقَد لَزِمَهُ الكُفرُ بِاجتِماعِ الاُمَّةِ . ومَثَلُ ذلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدا مَملوكا لا يَملِكُ نَفسَهُ ولا يَملِكُ عَرَضا (4) مِن عَرَضِ الدُّنيا ، ويَعلَمُ مَولاهُ ذلِكَ مِنهُ فَأَمَرَهُ عَلى عِلمٍ مِنهُ بِالمَصيرِ إلَى السّوقِ لِحاجَةٍ
.
ص: 254
يَأتيهِ بِها ولَم يُمَلِّكهُ ثَمَنَ ما يَأتيهِ بِهِ مِن حاجَتِهِ ، وعَلِمَ المالِكُ أنَّ عَلَى الحاجَةِ رَقيبا لا يَطمَعُ أحَدٌ في أخذِها مِنهُ إلّا بِما يَرضى بِهِ مِنَ الثَّمَنِ ، وقَد وَصَفَ مالِكُ هذَا العَبدِ نَفسَهُ بِالعَدلِ وَالنَّصَفَةِ (1) وإظهارِ الحِكمَةِ ونَفيِ الجَورِ ، وأوعَدَ عَبدَهُ إن لَم يَأتِهِ بِحاجَتِهِ أن يُعاقِبَهُ عَلى عِلمٍ مِنهُ بِالرَّقيبِ الَّذي عَلى حاجَتِهِ أنَّهُ سَيَمنَعُهُ ، وعَلِمَ أنَّ المَملوكَ لا يَملِكُ ثَمَنَها ولَم يُمَلِّكهُ ذلِكَ . فَلَمّا صارَ العَبدُ إلَى السّوقِ وجاءَ لِيَأخُذَ حاجَتَهُ الَّتي بَعَثَهُ المَولى لَها ، وَجَدَ عَلَيها مانِعا يَمنَعُ مِنها إلّا بِشِراءٍ ولَيسَ يَملِكُ العَبدُ ثَمَنَها ، فَانصَرَفَ إلى مَولاهُ خائِبا بِغَيرِ قَضاءِ حاجَتِهِ ، فَاغتاظَ مَولاهُ مِن ذلِكَ وعاقَبَهُ عَلَيهِ . ألَيسَ يَجِبُ في عَدلِهِ وحُكمِهِ ألّا يُعاقِبَهُ وهُوَ يَعلَمُ أنَّ عَبدَهُ لا يَملِكُ عَرَضا مِن عُروضِ الدُّنيا ولَم يُمَلِّكهُ ثَمنَ حاجَتِهِ ، فَإِن عاقَبَهُ عاقَبَهُ ظالِما مُتَعَدِّيا عَلَيهِ مُبطِلاً لِما وَصَفَ مِن عَدلِهِ وحِكمَتِهِ ونَصَفَتِهِ ، وإن لَم يُعاقِبهُ كَذَّبَ نَفسَهُ في وَعيدِهِ إيّاهُ حينَ أوعَدَهُ بِالكَذِبِ وَالظُّلمِ اللَّذَينِ يَنفِيانِ العَدلَ وَالحِكمَةَ ، تَعالى عَمّا يَقولونَ عُلُوّا كَبيرا . فَمَن دانَ (2) بِالجَبرِ أو بِما يَدعو إلَى الجَبرِ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ ونَسَبَهُ إلَى الجَورِ وَالعُدوانِ ، إذ أوجَبَ عَلى مَن أجبَرَ[هُ] العُقوبَةَ . ومَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ أجبَرَ العِبادَ فَقَد أوجَبَ عَلى قِياسِ قَولِهِ إنَّ اللّهَ يَدفَعُ عَنهُمُ العُقوبَةَ . ومَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ يَدفَعُ عَن أهلِ المَعاصِي العَذابَ فَقَد كَذَّبَ اللّهَ في وَعيدِهِ ، حَيثُ يَقولُ : «بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحَ_طَتْ بِهِ خَطِيئتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَ_بُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَ__لِدُونَ» (3) ، وقَولَهُ : «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَ لَ
.
ص: 255
الْيَتَ_مَى ظُ_لْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا» (1) ، وقَولَهُ : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِ_ئايَ_تِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَ_هُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا» (2) ، مَعَ آيٍ كَثيرَةٍ في هذَا الفَنِّ مِمَّن كَذَّبَ وَعيدَ اللّهِ ويَلزَمُهُ في تَكذيبِهِ آيَةً مِن كِتابِ اللّهِ الكُفرُ ، وهُوَ مِمَّن قالَ اللّهُ : «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَ_بِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَ لِكَ مِنكُمْ إِلَا خِزْىٌ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَ مَا اللَّهُ بِغَ_فِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (3) . بَل نَقولُ : إنَّ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ جازَى العِبادَ عَلى أعمالِهِم ويُعاقِبُهُم عَلى أفعالِهِم بِالاِستِطاعَةِ الَّتي مَلَّكَهُم إيّاها ، فَأَمَرَهُم ونَهاهُم بِذلِكَ ونَطَقَ كِتابهُ : «مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ» (4) ، وقالَ جَلَّ ذِكرُهُ : «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ» (5) ، وقالَ : «الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسِ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُ_لْمَ الْيَوْمَ» (6) . فَهذِهِ آياتٌ مُحكَماتٌ تَنفِي الجَبرَ ومَن دانَ بِهِ . ومِثلُها فِي القُرآنِ كَثيرٌ ، اختَصَرنا ذلِكَ لِئَلّا يَطولَ الكِتابُ وبِاللّهِ التَّوفيقُ . وأمَّا التَّفويضُ الَّذي أبطَلَهُ الصّادِقُ عليه السلام ، وأخطَأَ مَن دانَ بِهِ وتَقَلَّدَهُ فَهُوَ قَولُ القائِلِ : إنَّ اللّهَ جَلَّ ذِكرُهُ فَوَّضَ إلَى العِبادِ اختِيارَ أمرِهِ ونَهيِهِ وأهمَلَهُم . وفي هذا كَلامٌ دَقيقٌ
.
ص: 256
لِمَن يَذهَبُ إلى تَحريرِهِ ودِقَّتِهِ . وإلى هذا ذَهَبَتِ الأَئِمَّةُ المُهتَدِيَةُ مِن عِترَةِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ، فَإِنَّهُم قالوا : لَو فَوَّضَ إلَيهِم عَلى جِهَةِ الإِهمالِ ، لَكانَ لازِما لَهُ رِضا مَا اختاروهُ وَاستَوجَبوا مِنهُ الثَّوابَ ، ولَم يَكُن عَلَيهِم فيما جَنَوهُ العِقابُ إذا كانَ الإِهمالُ واقِعا . وتَنصَرِفُ هذِهِ المَقالَةُ عَلى مَعنَيَينِ : إمّا أن يَكونَ العِبادُ تَظاهَروا عَلَيهِ فَأَلزَموهُ قَبولَ اختِيارِهِم بِآرائِهِم ضَرورَةً كَرِهَ ذلِكَ أم أحَبَّ فَقَد لَزِمَهُ الوَهنُ، (1) أو يَكونَ _ جَلَّ وعَزَّ _ عَجَزَ عَن تَعَبُّدِهِم بِالأَمرِ وَالنَّهيِ عَلى إرادَتِهِ كَرِهوا أو أحَبّوا ، فَفَوَّضَ أمرَهُ ونَهيَهُ إلَيهِم وأجراهُما عَلى مَحَبَّتِهِم إذ عَجَزَ عَن تَعَبُّدِهِم بِإِرادَتِهِ ، فَجَعَلَ الاِختِيارَ إلَيهِم فِي الكُفرِ وَالإِيمانِ . ومَثَلُ ذلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدا ابتاعَهُ لِيَخدِمَهُ ويَعرِفَ لَهُ فَضلَ وِلايَتِهِ ويَقِفَ عِندَ أمرِهِ ونَهيِهِ ، وَادَّعى مالِكُ العَبدِ أنَّهُ قاهِرٌ عَزيزٌ حَكيمٌ ، فَأَمَرَ عَبدَهُ ونَهاهُ ووَعَدَهُ عَلَى اتِّباعِ أمرِهِ عَظيمَ الثَّوابِ وأوعَدَهُ عَلى مَعصِيَتِهِ أليمَ العِقابِ ، فَخالَفَ العَبدُ إرادَةَ مالِكِهِ ولَم يَقِف عِندَ أمرِهِ ونَهيِهِ ، فَأَيُّ أمرٍ أمَرَهُ أو أيُّ نَهيٍ نَهاهُ عَنهُ لَم يَأتِهِ عَلى إرادَةِ المَولى ، بَل كانَ العَبدُ يَتَّبِعُ إرادَةَ نَفسِهِ وَاتِّباعَ هَواهُ ، ولا يُطيقُ المَولى أن يَرُدَّهُ إلَى اتِّباعِ أمرِهِ ونَهيِهِ وَالوُقوفِ عَلى إرادَتِهِ ، فَفَوَّضَ اختِيارَ أمرِهِ ونَهيِهِ إلَيهِ ورَضِيَ مِنهُ بِكُلِّ ما فَعَلَهُ عَلى إرادَةِ العَبدِ لا عَلى إرادَةِ المالِكِ ، وبَعَثَهُ في بَعضِ حَوائِجِهِ وسَمّى لَهُ الحاجَةَ ، فَخالَفَ عَلى مَولاهُ وقَصَدَ لِاءِرادَةِ نَفسِهِ واتَّبَعَ هَواهُ ، فَلَمّا رَجَعَ إلى مَولاهُ نَظَرَ إلى ما أتاهُ بِهِ فَإِذا هُوَ خِلافُ ما أمَرَهُ بِهِ ، فَقالَ لَهُ : لِمَ أتَيتَني بِخِلافِ ما أمَرتُكَ ؟ فَقالَ العَبدُ : اِتَّكَلتُ عَلى تَفويضِكَ الأَمرَ إلَيَّ فَاتَّبَعتُ هَوايَ وإرادَتي ؛ لِأَنَّ المُفَوَّضَ
.
ص: 257
إلَيهِ غَيرُ مَحظورٍ (1) عَلَيهِ فَاستَحالَ التَّفويضُ . أوَ لَيسَ يَجِبُ عَلى هذَا السَّبَبِ إمّا أن يَكونَ المالِكُ لِلعَبدِ قادِرا يَأمُرُ عَبدَهُ بِاتِّباعِ أمرِهِ ونَهيِهِ عَلى إرادَتِهِ لا عَلى إرادَةِ العَبدِ ، ويُمَلِّكُهُ مِنَ الطّاقَةِ بِقَدرِ ما يَأمُرُهُ بِهِ ويَنهاهُ عَنهُ ، فَإِذا أمَرَهُ بِأَمرٍ ونَهاهُ عَن نَهيٍ عَرَّفَهُ الثَّوابَ وَالعِقابَ عَلَيهِما . وحَذَّرَهُ ورَغَّبَهُ بِصِفَةِ ثَوابِهِ وعِقابِهِ لِيَعرِفَ العَبدُ قُدرَةَ مَولاهُ بِما مَلَّكَهُ مِنَ الطّاقَةِ لِأَمرِهِ ونَهيِهِ وتَرغيبِهِ وتَرهيبِهِ ، فَيَكونَ عَدلُهُ وإنصافُهُ شامِلاً لَهُ وحُجَّتُهُ واضِحَةً عَلَيهِ لِلإِعذارِ وَالإِنذارِ . فَإِذَا اتَّبَعَ العَبدُ أمرَ مَولاهُ جازاهُ وإذا لَم يَزدَجِر عَن نَهيِهِ عاقَبَهُ ، أو يَكونُ عاجِزا غَيرَ قادِرٍ فَفَوَّضَ أمرَهُ إلَيهِ أحسَنَ أم أساءَ ، أطاعَ أم عَصى ، عاجِزٌ عَن عُقوبَتِهِ ورَدِّهِ إلَى اتِّباعِ أمرِهِ . وفي إثباتِ العَجزِ نَفيُ القُدرَةِ وَالتَّأَلُّهِ وإبطالُ الأَمرِ وَالنَّهيِ وَالثَّوابِ وَالعِقابِ ومُخالَفَةُ الكِتابِ ، إذ يَقولُ : «وَ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَ إِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ» (2) ، وقَولُهُ عز و جل : «اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ» (3) ، وقَولُهُ : «وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَ مَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ» (4) ، وقَولُهُ : «وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْ_ئا» (5) ، وقَولُهُ : « أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ » (6) .
.
ص: 258
فَمَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ تَعالى فَوَّضَ أمرَهُ ونَهيَهُ إلى عِبادِهِ فَقَد أثبَتَ عَلَيهِ العَجزَ وأوجَبَ عَلَيهِ قَبولَ كُلِّ ما عَمِلوا مِن خَيرٍ وشَرٍّ وأبطَلَ أمرَ اللّهِ ونَهيَهُ ووَعدَهُ ووَعيدَهُ ، لِعِلَّةِ ما زَعَمَ أنَّ اللّهَ فَوَّضَها إلَيهِ ؛ لِأَنَّ المُفَوَّضَ إلَيهِ يَعمَلُ بِمَشيئَتِهِ ، فَإِن شاءَ الكُفرَ أوِ الإِيمانَ كانَ غَيرَ مَردودٍ عَلَيهِ ولا مَحظورٍ ، فَمَن دانَ بِالتَّفويضِ عَلى هذَا المَعنى فَقَد أبطَلَ جَميعَ ما ذَكَرنا مِن وَعدِهِ ووَعيدِهِ وأمرِهِ ونَهيِهِ وهُوَ مِن أهلِ هذِهِ الآيَةِ : «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَ_بِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَ لِكَ مِنكُمْ إِلَا خِزْىٌ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَ مَا اللَّهُ بِغَ_فِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (1) ، تَعالَى اللّهُ عَمّا يَدينُ بِهِ أهلُ التَّفويضِ عُلُوّا كَبيرا . لكِن نَقولُ : إنَّ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ خَلَقَ الخَلقَ بِقُدرَتِهِ ومَلَّكَهُمُ استِطاعَةً تَعَبَّدَهُم بِها ، فَأَمَرَهُم ونَهاهُم بِما أرادَ فَقَبِلَ مِنهُمُ اتِّباعَ أمرِهِ ورَضِيَ بِذلِكَ لَهُم . ونَهاهُم عَن مَعصِيَتِهِ وذَمَّ مَن عَصاهُ وعاقَبَهُ عَلَيها وللّهِِ الخِيَرَةُ فِي الأَمرِ وَالنَّهيِ ، يَختارُ ما يُريدُ ويَأمُرُ بِهِ ويَنهى عَمّا يَكرَهُ ويُعاقِبُ عَلَيهِ بِالاِستِطاعَةِ الَّتي مَلَّكَها عِبادَهُ لِاتِّباعِ أمرِهِ وَاجتِنابِ مَعاصيهِ ؛ لِأَنَّهُ ظاهِرُ العَدلِ وَالنَّصَفَةِ وَالحِكمَةِ البالِغَةِ ، بالِغُ الحُجَّةَ بِالإِعذارِ وَالإِنذارِ ، وإلَيهِ الصَّفوَةُ يَصطَفي مِن عِبادِهِ مَن يَشاءُ لِتَبليغِ رِسالَتِهِ وَاحتِجاجِهِ عَلى عِبادِهِ ، اصطَفى مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله وبَعَثَهُ بِرِسالاتِهِ إلى خَلقِهِ ، فَقالَ مَن قالَ مِن كُفّارِ قَومِهِ حَسَدا وَاستِكبارا : «لَوْلَا نُزِّلَ هَ_ذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» (2) ، يَعني بِذلِكَ اُمَيَّةَ بنَ أبِي الصَّلتِ وأبا مَسعودٍ الثَّقَفِيَّ ، فَأَبطَلَ اللّهُ اختِيارَهُم ولَم يُجِز لَهُم آراءَهُم ، حَيثُ يَقولُ : «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم
.
ص: 259
مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَ_تٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» (1) . ولِذلِكَ اختارَ مِنَ الاُمورِ ما أحَبَّ ونَهى عَمّا كَرِهَ ، فَمَن أطاعَهُ أثابَهُ ومَن عَصاهُ عاقَبَهُ ، ولَو فَوَّضَ اختِيارَ أمرِهِ إلى عِبادِهِ لَأَجازَ لِقُرَيشٍ اختِيارَ اُمَيَّةَ بنِ أبِي الصَّلتِ وأبي مَسعودٍ الثَّقَفِيِّ ، إذ كانا عِندَهُم أفضَلَ مِن مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . فَلَمّا أدَّبَ اللّهُ المُؤمِنينَ بِقَولِهِ : «وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» (2) ، فَلَم يُجِز لَهُمُ الاِختِيارَ بِأَهوائِهِم ولَم يَقبَل مِنهُم إلَا اتِّباعَ أمرِهِ وَاجتِنابَ نَهيِهِ عَلى يَدَي مَنِ اصطَفاهُ ، فَمَن أطاعَهُ رَشَدَ ومَن عَصاهُ ضَلَّ وغَوى ولَزِمَتهُ الحُجَّةُ بِما مَلَّكَهُ مِنَ الاِستِطاعَةِ لِاتِّباعِ أمرِهِ وَاجتِنابِ نَهيِهِ ، فَمِن أجلِ ذلِكَ حَرَمَهُ ثَوابَهُ وأنزَلَ بِهِ عِقابَهُ . وهذَا القَولُ بَينَ القَولَينِ لَيسَ بِجَبرٍ ولا تَفويضٍ ، وبِذلِكَ أخبَرَ أميرُ المُؤمِنينَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ عَبايَةَ بنَ رِبعِيٍّ الأَسَدِيَّ حينَ سَأَلَهُ عَنِ الاِستِطاعَةِ الَّتي بِها يَقومُ ويَقعُدُ ويَفعَلُ فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : سَأَلتَ عَنِ الاِستِطاعَةِ تَملِكُها مِن دونِ اللّهِ أو مَعَ اللّهِ ، فَسَكَتَ عَبايَةُ ، فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : قُل يا عَبايَةُ . قالَ : وما أقولُ ؟ ... قالَ عليه السلام : تَقولُ : إنَّكَ تَملِكُها بِاللّهِ الَّذي يَملِكُها مِن دونِكَ ، فَإِن يُمَلِّكها إيّاكَ كانَ ذلِكَ مِن عَطائِهِ ، وإن يَسلُبكَها كانَ ذلِكَ مِن بَلائِهِ ، هُوَ المالِكُ لِما مَلَّكَكَ وَالقادِرُ عَلى
.
ص: 260
ما عَلَيهِ أقدَرَكَ ، أما سَمِعتَ النّاسَ يَسأَلونَ الحَولَ وَالقُوَّةَ حينَ يَقولونَ : لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ . قالَ عَبايَةُ : وما تَأويلُها يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ عليه السلام : لا حَولَ عَنِ مَعاصِي اللّهِ إلّا بِعِصمَةِ اللّهِ ولا قُوَّةَ لَنا عَلى طاعَةِ اللّهِ إلّا بِعَونِ اللّهِ ، قالَ : فَوَثَبَ عَبايَةُ فَقَبَّلَ يَدَيهِ ورِجلَيهِ . ورُوِيَ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام حينَ أتاهُ نَجدَةُ يَسأَلُهُ عَن مَعرِفَةِ اللّهِ ، قالَ : يا أميرَالمُؤمِنينَ بِماذا عَرَفتَ رَبَّكَ ؟ قالَ عليه السلام : بِالتَّمييزِ الَّذي خَوَّلَني وَالعَقلِ الَّذي دَلَّني . قالَ : أفَمَجبولٌ أنتَ عَلَيهِ ؟ قالَ : لَو كُنتُ مَجبولاً ما كُنتُ مَحمودا عَلى إحسانٍ ولا مَذموما عَلى إساءَةٍ ، وكانَ المُحسِنُ أولى بِاللّائِمَةِ مِنَ المُسيءِ ، فَعَلِمتُ أنَّ اللّهَ قائِمٌ باقٍ وما دونَهُ حَدَثٌ حائِلٌ زائِلٌ ، ولَيسَ القَديمُ الباقي كَالحَدَثِ الزّائِلِ . قالَ نَجدَةُ : أجِدُكَ أصبَحتَ حَكيما يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : أصبَحتُ مُخَيَّرا ، فَإِن أتَيتُ السَّيِّئَةَ بِمَكانِ الحَسَنَةِ فَأَنَا المُعاقَبُ عَلَيها . ورُوِيَ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أنَّهُ قالَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ بَعدَ انصِرافِهِ مِنَ الشّامِ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَن خُروجِنا إلَى الشّامِ بِقَضاءٍ وقَدَرٍ ؟ قالَ عليه السلام : نَعَم يا شَيخُ ، ما عَلَوتُم تَلعَةً (1) ولا هَبَطتُم وادِيا إلّا بِقَضاءٍ وقَدَرٍ مِنَ اللّهِ .
.
ص: 261
فَقالَ الشَّيخُ : عِندَ اللّهِ أحتَسِبُ عَنائي يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : مَه يا شَيخُ ، فَإِنَّ اللّهَ قَد عَظَّمَ أجرَكُم في مَسيرِكُم وأنتُم سائِرونَ ، وفي مَقامِكُم وأنتُم مُقيمونَ ، وفِي انصِرافِكُم وأنتُم مُنصَرِفونَ ، ولَم تَكونوا في شَيءٍ مِن اُمورِكُم مُكرَهينَ ولا إلَيهِ مُضطَرّينَ ، لَعَلَّكَ ظَنَنتَ أنَّهُ قَضاءٌ حَتمٌ وقَدَرٌ لازِمٌ ، لَو كانَ ذلِكَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوابُ وَالعِقابُ ولَسَقَطَ الوَعدُ وَالوَعيدُ ، ولَما اُلزِمَتِ الأَشياءُ أهلَها عَلَى الحَقائِقِ ؛ ذلِكَ مَقالَةُ عَبَدَةِ الأَوثانِ وأولِياءِ الشَّيطانِ ، إنَّ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ أمَرَ تَخييرا ونَهى تَحذيرا ولَم يُطَع مُكرِها ولَم يُعصَ مَغلوبا ، ولَم يَخلُقِ السَّماواتِ وَالأَرضَ وما بَينَهُما باطِلاً «ذَ لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ» . فَقامَ الشَّيخُ فَقَبَّلَ رَأسَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وأنشَأَ يَقولُ : أنتَ الإِمامُ الَّذي نَرجو بِطاعَتِهِ يَومَ النَّجاةِ مِنَ الرَّحمنِ غُفرانا أوضَحتَ مِن دينِنا ما كانَ مُلتَبِسا جَزاكَ رَبُّكَ عَنّا فيهِ رِضوانا فَلَيسَ مَعذِرَةٌ في فِعلِ فاحِشَةٍ قَد كُنتُ راكِبَها ظُلما وعِصيانا فَقَد دَلَّ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام عَلى مُوافَقَةِ الكِتابِ ونَفيِ الجَبرِ وَالتَّفويضِ اللَّذَينِ يُلزِمانِ مَن دانَ بِهِما وتَقَلَّدَهُمَا الباطِلَ وَالكُفرَ وتَكذيبَ الكِتابِ ونَعوذُ بِاللّهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَالكُفرِ ، ولَسنا نَدينُ بِجَبرٍ ولا تَفويضٍ ، لكِنّا نَقولُ بِمَنزِلَةٍ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وهُوَ الاِمتِحانُ وَالاِختِبارُ بِالاِستِطاعَةِ الَّتي مَلَّكَنَا اللّهُ وتَعَبَّدَنا بِها عَلى ما شَهِدَ بِهِ الكِتابُ ، ودانَ بِهِ الأَئِمَّةُ الأَبرارُ مِن آلِ الرَّسولِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم .
.
ص: 262
ومَثَلُ الاِختِبارِ بِالاِستِطاعَةِ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدا ومَلَكَ مالاً كَثيرا أحَبَّ أن يَختَبِرَ عَبدَهُ عَلى عِلمٍ مِنهُ بِما يَؤولُ إلَيهِ ، فَمَلَّكَهُ مِن مالِهِ بَعضَ ما أحَبَّ ووَقَفَهُ عَلى اُمورٍ عَرَّفَهَا العَبدَ ، فَأَمَرَهُ أن يَصرِفَ ذلِكَ المالَ فيها ونَهاهُ عَن أسبابٍ لَم يُحِبَّها وتَقَدَّمَ إلَيهِ أن يَجتَنِبَها ولا يُنفِقَ مِن مالِهِ فيها ، وَالمالُ يُتَصَرَّفُ في أيِّ الوَجهَينِ ، فَصَرفُ المالَ أحَدُهُما فِي اتِّباعِ أمرِ المَولى ورِضاهُ ، وَالآخَرُ صَرفُهُ فِي اتِّباعِ نَهيِهِ وسَخَطِهِ . وأسكَنَهُ دارَ اختِبارٍ أعلَمَهُ أنَّهُ غَيرُ دائِمٍ لَهُ السُّكنى فِي الدّارِ ، وأنَّ لَهُ دارا غَيرَها وهُوَ مُخرِجُهُ إلَيها فيها ثَوابٌ وعِقابٌ دائِمانِ . فَإِن أنفَذَ العَبدُ المالَ الَّذي مَلَّكَهُ مَولاهُ فِي الوَجهِ الَّذي أمَرَهُ بِهِ جَعَلَ لَهُ ذلِكَ الثَّوابَ الدّائِمَ في تِلكَ الدّارِ الَّتي أعلَمَهُ أنَّهُ مُخرِجُهُ إلَيها ، وإن أنفَقَ المالَ فِي الوَجهِ الَّذي نَهاهُ عَن إنفاقِهِ فيهِ جَعَلَ لَهُ ذلِكَ العِقابَ الدّائِمَ في دارِ الخُلودِ . وقَد حَدَّ المَولى في ذلِكَ حَدّا مَعروفا وهُوَ المَسكَنُ الَّذي أسكَنَهُ فِي الدّارِ الاُولى ، فَإِذا بَلَغَ الحَدَّ استَبدَلَ المَولى بِالمالِ وبِالعَبدِ عَلى أنَّهُ لَم يَزَل مالِكا لِلمالِ وَالعَبدِ فِي الأَوقاتِ كُلِّها ، إلّا أنَّهُ وَعَدَ ألّا يَسلُبَهُ ذلِكَ المالَ ما كانَ في تِلكَ الدّارِ الاُولى إلى أن يَستَتِمَّ سُكناهُ فيها ، فَوَفى لَهُ ؛ لِأَنَّ مِن صِفاتِ المَولى العَدلَ وَالوَفاءَ وَالنَّصَفَةَ وَالحِكمَةَ ، أوَ لَيسَ يَجِبُ إن كانَ ذلِكَ العَبدُ صَرَفَ ذلِكَ المالَ فِي الوَجهِ المَأمورِ بِهِ أن يَفِيَ لَهُ بِما وَعَدَهُ مِنَ الثَّوابِ ، وتَفَضَّلَ عَلَيهِ بِأَنِ استَعمَلَهُ في دارٍ فانِيَةٍ وأثابَهُ عَلى طاعَتِهِ فيها نَعيما في دارٍ باقِيَةٍ دائِمَةٍ . وإن صَرَفَ العَبدُ المالَ الَّذي مَلَّكَهُ مَولاهُ أيّامَ سُكناهُ تِلكَ الدّارَ الاُولى فِي الوَجهِ المَنهِيِّ عَنهُ وخالَفَ أمرَ مَولاهُ ، كَذلِكَ تَجِبُ عَلَيهِ العُقوبَةُ الدّائِمَةُ الَّتي حَذَّرَهُ إيّاها ،
.
ص: 263
غَيرَ ظالِمٍ لَهُ لِما تَقَدَّمَ إلَيهِ وأعلَمَهُ وعَرَّفَهُ وأوجَبَ لَهُ الوَفاءَ بِوَعدِهِ ووَعيدِهِ ، بِذلِكَ يوصَفُ القادِرُ القاهِرُ . وأمَّا المَولى فَهُوَ اللّهُ جَلَّ وعَزَّ ، وأمَّا العَبدُ فَهُوَ ابنُ آدَمَ المَخلوقُ ، وَالمالُ قُدرَةُ اللّهِ الواسِعَةُ ، ومِحنَتُهُ إظهارُهُ الحِكمَةَ وَالقُدرَةَ ، وَالدّارُ الفانِيَةُ هِيَ الدُّنيا وبَعضُ المالِ الَّذي مَلَّكَهُ مَولاهُ هُوَ الاِستِطاعَةُ الَّتي مَلَّكَ ابنَ آدَمَ . وَالاُمورُ الَّتي أمَرَ اللّهُ بِصَرفِ المالِ إلَيها هُوَ الاِستِطاعَةُ لِاتِّباعِ الأَنبِياءِ وَالإِقرارِ بِما أورَدوهُ عَنِ اللّهِ جَلَّ وعَزَّ ، وَاجتِنابُ الأَسبابِ الَّتي نَهى عَنها هِيَ طُرُقُ إبليسَ . وأمّا وَعدُهُ فَالنَّعيمُ الدّائِمُ وهِيَ الجَنَّةُ . وأمَّا الدّارُ الفانِيَةُ فَهِيَ الدُّنيا ، وأمَّا الدّارُ الاُخرى فَهِيَ الدّارُ الباقِيَةُ وهِيَ الآخِرَةُ . وَالقَولُ بَينَ الجَبرِ وَالتَّفويضِ هُوَ الاِختِبارُ وَالاِمتِحانُ وَالبَلوى بِالاِستِطاعَةِ الَّتي مَلَّكَ العَبدَ . وشَرحُها فِي الخَمسَةِ الأَمثالِ الَّتي ذَكَرَهَا الصّادِقُ عليه السلام (1) أنَّها جَمَعَت جَوامِعَ الفَضلِ ، وأنَا مُفَسِّرُها بِشَواهِدَ مِنَ القُرآنِ وَالبَيانِ إن شاءَ اللّهُ . أمّا قَولُ الصّادِقِ عليه السلام ، فَإِنَّ مَعناهُ كَمالُ الخَلقِ لِلإِنسانِ ، وكَمالُ الحَواسِّ وثَباتُ العَقلِ وَالتَّمييزِ وإطلاقُ اللِّسانِ بِالنُّطقِ ؛ وذلِكَ قَولُ اللّهِ : «وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْنَ_هُمْ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَ_هُم مِّنَ الطَّيِّبَ_تِ وَ فَضَّلْنَ_هُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً» (2) ، فَقَد أخبَرَ عز و جل عَن تَفضيلِهِ بَني آدَمَ عَلى سائِرِ خَلقِهِ مِنَ البَهائِمِ وَالسِّباعِ ودَوابِّ البَحرِ وَالطَّيرِ وكُلِّ ذي حَرَكَةٍ تُدرِكُهُ حَواسُّ بَني آدَمَ بِتَمييزِ العَقلِ وَالنُّطقِ ؛ وذلِكَ قَولُهُ : «لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَ_نَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» (3) . وقَولُهُ : «يَ_أَيُّهَا الْاءِنسَ_نُ مَا
.
ص: 264
غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِى أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ» (1) ، وفي آياتٍ كَثيرَةٍ . فَأَوَّلُ نِعمَةِ اللّهِ عَلَى الإِنسانِ صِحَّةُ عَقلِهِ وتَفضيلُهُ عَلى كَثيرٍ مِن خَلقِهِ بِكَمالِ العَقلِ وتَمييزِ البَيانِ ، وذلِكَ أنَّ كُلَّ ذي حَرَكَةٍ عَلى بَسيطِ الأَرضِ هُوَ قائِمٌ بِنَفسِهِ بِحَواسِّهِ مُستَكمِلٌ في ذاتِهِ ، فَفَضَّلَ بَني آدَمَ بِالنُّطقِ الَّذي لَيسَ في غَيرِهِ مِنَ الخَلقِ المُدرِكِ بِالحَواسَّ ، فَمِن أجلِ النُّطقِ مَلَّكَ اللّهُ ابنَ آدَمَ غَيرَهُ مِنَ الخَلقِ ، حَتّى صارَ آمِرا ناهِيا وغَيرُهُ مُسَخَّرٌ لَهُ ، كَما قالَ اللّهُ : «كَذَ لِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ» (2) ، وقالَ : «وَ هُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّاوَ تَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا» (3) ، وقالَ : «وَ الْأَنْعَ_مَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ ءٌ وَ مَنَ_فِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَ لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ * وَ تَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَ__لِغِيهِ إِلَا بِشِقِّ الْأَنفُسِ» (4) . فَمِن أجلِ ذلِكَ دَعَا اللّهُ الإِنسانَ إلَى اتِّباعِ أمرِهِ وإلى طاعَتِهِ ، بِتَفضيلِهِ إيّاهُ بِاستِواءِ الخَلقِ وكَمالِ النُّطقِ وَالمَعرِفَةِ بَعدَ أن مَلَّكَهُمُ استِطاعَةَ ما كانَ تَعَبَّدَهُم بِهِ ، بِقَولِهِ : «فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُواْ وَ أَطِيعُواْ» ، (5) وقَولِهِ : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا وُسْعَهَا» (6) ، وقَولِهِ : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا مَا ءَاتَاهَا» (7) ، وفي آياتٍ كَثيرَةٍ . فَإِذا سَلَبَ مِنَ العَبدِ حاسَّةً مِن حَواسِّهِ رَفَعَ العَمَلَ عَنهُ بِحاسَّتِهِ ، كَقَولِهِ : «لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ» (8) الآيَةَ .
.
ص: 265
فَقَد رَفَعَ عَن كُلِّ مَن كانَ بِهذِهِ الصِّفَةِ الجِهادَ وجَميعَ الأَعمالِ الَّتي لا يَقومُ بِها ، وكَذلِكَ أوجَبَ عَلى ذِي اليَسارِ الحَجَّ وَالزَّكاةَ لِما مَلَّكَهُ مِنِ استِطاعَةِ ذلِكَ ولَم يوجِب عَلَى الفَقيرِ الزَّكاةَ وَالحَجَّ ؛ قَولُهُ : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (1) ، وقَولُهُ فِي الظِّهارِ : «وَ الَّذِينَ يُظَ_هِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» إلى قَولِهِ : «فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» (2) . كُلُّ ذلِكَ دَليلٌ عَلى أنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَم يُكَلِّف عِبادَهُ إلّا ما مَلَّكَهُمُ استِطاعَتَهُ بِقُوَّةِ العَمَلِ بِهِ ونَهاهُم عَن مِثلِ ذلِكَ ، فَهذِهِ صِحَّةُ الخِلقَةِ . وأمّا قَولُهُ : تَخلِيَةُ السَّربِ فَهُوَ الَّذي لَيسَ عَلَيهِ رَقيبٌ يَحظُرُ عَلَيهِ ويَمنَعُهُ العَمَلَ بِما أمَرَهُ اللّهُ بِهِ ، وذلِكَ قَولُهُ فيمَنِ استُضعِفَ وحُظِرَ عَلَيهِ العَمَلُ فَلَم يَجِد حيلَةً ولا يَهتَدي سَبيلاً ، كَما قالَ اللّهُ تَعالى : «إِلَا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَ نِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً» (3) ، فَأَخبَرَ أنَّ المُستَضعَفَ لَم يُخَلَّ سَربُهُ ولَيسَ عَلَيهِ مِنَ القَولِ شَيءٌ إذا كانَ مُطمَئِنَّ القَلبِ بِالإِيمانِ . وأمَّا المُهلَةُ فِي الوَقتِ فَهُوَ العُمُرُ الَّذي يُمَتَّعُ الإِنسانُ مِن حَدِّ ما تَجِبُ عَلَيهِ المَعرِفَةُ إلى أجَلِ الوَقتِ ، وذلِكَ مِن وَقتِ تَمييزِهِ وبُلوغِ الحُلُمِ إلى أن يَأتِيَهُ أجَلُهُ . فَمَن ماتَ عَلى طَلَبِ الحَقِّ ولَم يُدرِك كَمالَهُ فَهُوَ عَلى خَيرٍ ؛ وذلِكَ قَولُهُ : «وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» (4) الآيَةَ ، وإن كانَ لَم يَعمَل بِكَمالِ شَرائِعِهِ
.
ص: 266
لِعِلَّةِ ما لَم يُمهِلهُ فِي الوَقتِ إلَى استِتمامِ أمرِهِ . وقَد حَظَرَ عَلَى البالِغِ ما لَم يَحظُر عَلَى الطِّفلِ إذا لَم يَبلُغِ الحُلُمَ في قَولِهِ : «وَ قُل لِّلْمُؤْمِنَ_تِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَ_رِهِنَّ» (1) الآيَةَ ، فَلَم يَجعَل عَلَيهِنَّ حَرَجا في إبداءِ الزّينَةِ لِلطِّفلِ ، وكَذلِكَ لا تَجري عَلَيهِ الأَحكامُ . وأمّا قَولُهُ : الزّادُ . فَمَعناهُ الجِدَةُ (2) وَالبُلغَةُ (3) الَّتي يَستَعينُ بِهَا العَبدُ عَلى ما أمَرَهُ اللّهُ بِهِ . وذلِكَ قَولُهُ : «مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ» (4) الآيَةَ ، ألاتَرى أنَّهُ قَبِلَ عُذرَ مَن لَم يَجِد ما يُنفِقُ ، وألزَمَ الحُجَّةَ كُلَّ مَن أمكَنَتهُ البُلغَةُ وَالرّاحِلَةُ لِلحَجِّ وَالجِهادِ وأشباهِ ذلِكَ ، وكَذلِكَ قَبِلَ عُذرَ الفُقَراءِ وأوجَبَ لَهُم حَقّا في مالِ الأَغنِياءِ بِقَولِهِ : «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَ_هُمْ لَا يَسْ_ئلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» (5) ، فَأَمَرَ بِإِعفائِهِم ولَم يُكَلِّفهُمُ الإِعدادَ لِما لا يَستَطيعونَ ولا يَملِكونَ . وأمّا قَولُهُ فِي السَّبَبِ المُهَيِّجِ : فَهُوَ النِّيَّةُ الَّتي هِيَ داعِيَةُ الإِنسانِ إلى جَميعِ الأَفعالِ وحاسَّتُهَا القَلبُ ، فَمَن فَعَلَ فِعلاً وكانَ بِدينٍ لَم يَعقِد قَلبُهُ عَلى ذلِكَ لَم يَقبَلِ اللّهُ مِنهُ عَمَلاً إلّا بِصِدقِ النِّيَّةِ ، ولِذلِكَ أخبَرَ عَنِ المُنافِقينَ بِقَولِهِ : «يَقُولُونَ بِأَفْوَ هِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ» (6) ، ثُمَّ أنزَلَ عَلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله تَوبيخا لِلمُؤمِنينَ : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ» (7) الآيَةَ ، فَإِذا قالَ الرَّجُلُ قَولاً وَاعتَقَدَ
.
ص: 267
في قَولِهِ دَعَتهُ النِّيَّةُ إلى تَصديقِ القَولِ بِإِظهارِ الفِعلِ ، وإذا لَم يَعتَقِدِ القَولَ لَم تَتَبَيَّن حَقيقَتُهُ . وقَد أجازَ اللّهُ صِدقَ النِّيَّةِ وإن كانَ الفِعلُ غَيرَ مُوافِقٍ لَها لِعِلَّةِ مانِعٍ يَمنَعُ إظهارَ الفِعلِ في قَولِهِ : «إِلَا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْاءِيمَ_نِ» (1) ، وقَولِهِ : «لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَ_نِكُمْ» (2) ، فَدَلَّ القُرآنُ وأخبارُ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله أنَّ القَلبَ مالِكٌ لِجَميعِ الحَواسِّ يُصَحِّحُ أفعالَها ولا يُبطِلُ ما يُصَحِّحُ القَلبُ شَيءٌ . فَهذا شَرحُ جَميعِ الخَمسَةِ الأَمثالِ الَّتي ذَكَرَهَا الصّادِقُ عليه السلام أنَّها تَجمَعُ المَنزِلَةَ بَينَ المَنزِلَتَينِ وهُمَا الجَبرُ وَالتَّفويضُ ، فَإِذَا اجتَمَعَ فِي الإِنسانِ كَمالُ هذِهِ الخَمسَةِ الأَمثالِ وَجَبَ عَلَيهِ العَمَلُ كَمُلاً لِما أمَرَ اللّهُ عز و جل بِهِ ورَسُولُهُ ، وإذا نَقَصَ العَبدُ مِنها خَلَّةً كانَ العَمَلُ عَنها مَطروحا بِحَسَبِ ذلِكَ . (3)
.
ص: 268
. .
ص: 269
تحليل حول الجبر والتفويض والأمر بين الأمرينلقد شَغلَ موضوع الجبر والتفويض ذهن الإنسان منذ القدم ، فإذا ألقينا نظرة على الفلسفة في العصور القديمة ، فسوف نرى أنّ الرواقيّين كانوا يعتقدون بالجبر، (1) والأبيقوريّين بالتفويض، (2) وذلك في القرن الرابع قبل الميلاد . وما يزال البحث في هذا الموضوع متواصلاً في العصر الحديث أيضا ، فهناك يقف من جانب ديكارت الّذي يؤمن بالتفويض، (3) ويطالعنا في الجانب الآخر إسبينوزا الّذي كان جبريّا . (4) إنّ القرآن الكريم ينقل عن مشركي مكّة أنّهم كانوا يستغلّون نظريّة الجبر لتبرير شركهم ، حيث كانوا يقولون : «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا ءَابَاؤُنَا» . (5) وتدلّ الروايات التاريخيّة على أنّ الاعتقاد بالجبر ، أو على الأقلّ التساؤل حول هذا الموضوع كان مطروحا في صدر الإسلام بشكلّ جدّي . (6)
.
ص: 270
ومن أجل تسليط الضوء على هذه المسألة ، فقد درسنا هذا الموضوع في ثلاثة أقسام ، هي : «نظريّة الجبر» ، «نظريّة التفويض» ، و «نظريّة الأمر بين الأمرين» .
أولاً : نظريّة الجبرإنّ الجبر يقف في مقابل الاختيار والحرّية ، فالإنسان المجبور هو الّذي لا يمتلك القدرة والاختيار والحريّة ؛ فالإنسان القادر المختار هو الّذي يتمتّع بقوّة إرادة واختيار في أداء عملٍ معيّنٍ وإنجازه ، كذلك القدرة على تركه . يذكر العلّامة الحلّي في تعريف القدرة : القدرة صفة تقتضي صحّة الفعل من الفاعل لا إيجابه ؛ فإنّ القادر هو الّذي يصحّ منه الفعل والترك معا . (1) على هذا فإنّ الإنسان المجبور هو الّذي لا يمتلك مثل هذه القدرة والاختيار . على سبيل المثال : فإذا ما اُوثق إنسان وصُبَّ الخَمرُ في فمه قسراً فإنّ هذا الشخص قد شرب الخمر ، ولكنّه ليس مختارا من الناحية العمليّة في القيام بهذا العمل ؛ ذلك لأنّه لم يكن قادراً على ترك هذا الفعل . إنّ أنصار نظريّة الجبر يرونَ أنّ الإنسان لا يمتلك الاختيار في أيّ عَملٍ ، وليس حرّا في ذلك ، بمعنى أنّه لا يمكننا أن نجد عملاً يكون فعله وتركه ممكنين للإنسان .
أنصار «الجبر» في العلوم المختلفةلنظريّة الجبر أنصار في العلوم المختلفة ، ففي كلّ علم يلاحظ فيها منشأ خاصّ . ففي علم الاجتماع يُطرح الجبر الاجتماعي الناجم عن العلاقات الاجتماعيّة المتحكّمة بالإنسان . ويُطرح في علم النفس الجبر النفسيّ الناجم عن الوضع الجسميّ والروحيّ للفرد . وفي الفلسفة ترى طائفة أنّ الجبر العلّي المعلولي (السببي
.
ص: 271
المسبّبي) هو مصدر الجبر. ويطرح علماء الكلام الجبر باعتباره صادرا من اللّه وإرادته وبسبب قضائه وقدره . والّذي يهمّنا في هذا البحث هو الجبر المطروح في علم الكلام ، رغم أنّنا سنشير إلى ردّ أنواع الجبر الاُخرى بعد إثبات بطلان هذا النوع من الجبر . يصرّح الشهرستاني حول الجبر المطروح في علم الكلام وأقسامه قائلاً : الجبر هو نفي الفعل حقيقةً عن العبد وإضافته إلى الربّ تعالى . والجبرية أصناف : فالجبريّة الخالصة هي الّتي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً ، والجبريّة المتوسّطة هي الّتي تثبت للعبد قدرة غير مؤثّرة أصلاً . (1) ويعدّ المرجئة الجبريّة بزعامة جهم بن صفوان (2) ، أوّل فرقة ذكرت في كتب المذاهب والفرق الإسلاميّة باسم الجبريّة ، وتُسمّى بالجهميّة أيضا ، وهم الجبريّة الخالصة . (3) ويصف الشهرستاني عقيدة جهم قائلاً : إنّ الإنسان لا يقدر على شيء ولا يُوصف بالاستطاعة ، وإنّما هو مجبور في أفعاله ، لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار . وإنّما يخلق اللّه تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات ، وتُنسب إليه الأفعال مجازا كما تُنسب إلى الجمادات ، كما يُقال : أثمرت الشجرة ، وجرى الماء ، وتحرّك
.
ص: 272
الحجر ، وطلعت الشمس وغربت ، وتغيّمت السماء وأمطرت ، واهتزّت الأرض وأنبتت ، إلى غير ذلك ، والثواب والعقاب جبر كما أنّ الأفعال كلّها جبر . قال : وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضا كان جبرا . (1) يمثّل أهل الحديث أحد التيّارات العقيديّة المهمّة في الإسلام ، وهم لا يعتبرون أنفسهم من أهل الجبر ، ولكنّ كلامهم يستلزم الجبر . يذكر أحمد بن حنبل في رسالته الاعتقادية : واللّه عز و جل قضى قضاءه على عباده ، لا يجاوزون قضاءه بل كلّهم صائرون إلى ما خلقهم له ، واقعون فيما قدّر عليهم لا محالة ، وهو عدل منه عز و جل . والزنى ، والسرقة ، وشرب الخمر ، وقتل النفس ، وأكل المال الحرام ، والشرك باللّه عز و جل ، والذنوب والمعاصي كلّها بقضاءٍ وقدرٍ من اللّه عز و جل ، من غير أن يكون لأحدٍ من الخلق على اللّه حجّة ، بل للّه عز و جل الحجّة البالغة على خلقه «لَا يُسْ_ئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْ_ئلُونَ» ... ومن زعم أنّ اللّه عز و جل شاء لعباده الّذين عصوا الخير والطاعة ، وأنّ العباد شاؤوا لأنفسهم الشرّ والمعصية يعملون على مشيئتهم ، فقد زعم أنّ مشيئة العباد أغلب من مشيئة اللّه عز و جل . فأيّ افتراء على اللّه أكبر من هذا؟ . (2) إنّ الأشاعرة يُعدّون المصداق البارز للجبريّة المتوسّطة ، رغم أنّهم لا يعتبرون أنفسهم جبريّين . ويؤمن الأشعري بعموميّة القضاء والقدر الجبريّين في الأفعال ، ويرى أنّ كلّ الأشياء _ ومنها أفعال الإنسان الاختياريّة _ مخلوقة من قبل اللّه سبحانه . يقول أبو الحسن الأشعري (المؤسس لنظرية الاشاعره) : لافاعل له على حقيقته إلّا اللّه تعالى . (3)
.
ص: 273
وقد طرح نظريّة «الكسب» من أجل أن يتفادى الجبر وينسب دورا ما للإنسان ، فهو يرى أنّ القدرة القديمة هي وحدها المؤثّرة في الخلق وإيجاد الفعل ، وهذه القدرة للّه . وأمّا الإنسان فهو يتمتّع بالقدرة الحادثة ، وأثر هذه القدرة هو الإحساس بالحريّة والاختيار ، لا القيام بالفعل . والمراد من «الكسب» هو اقتران إيجاد الفعل في الإنسان مع إيجاد القدرة الحادثة فيه ، ولكن بما أنّ كلّاً من الفعل والقدرة الحادثتين يصدران من قِبل اللّه ، فإنّ «الكسب» أيضا سيكون مخلوقا من قبل اللّه عز و جل ، كما يقول الأشعريّ : إن قال قائل لِمَ زعمتم أنّ أكساب العباد مخلوقة للّه تعالى ؟ قيل له : قلنا ذلك لأنّ اللّه تعالى قال : «وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ» (1) . (2) بناءً على ذلك، فإنّ الأشعريّ يعتبر الإنسان ممتلكا للقدرة الحادثة ، ولكنّ هذه القدرة ليس لها أثر في إيجاد الفعل ، وهو نفس نظريّة الجبريّة المتوسّطة . والسبب في أنّ الأشعريّ ينسب الكسب إلى الإنسان ، هو أنّ الفعل والقدرة الحادثة يحدثان في الإنسان ، كما يقال للشيء الّذي حلّت فيه الحركة : متحرّك . (3)
أدلّة نظرية الجبر ونقدهالقد تمسّك أنصار نظريّة الجبر بدليلين ، سنقوم فيما يلي بطرحهما ونقدهما بشكلٍ إجمالي:
1 . التمسّك بالقضاء والقدريُعدّ القضاء والقدر الإلهييّن أهمّ أدلّة المتكلّمين من أهل الجبر . وقد لاحظنا ما قاله أحمد بن حنبل الّذي يعتبر اختيار الإنسان متنافيا مع القضاء والقدر الإلهيّين ،
.
ص: 274
فهو يرى أنّ اللّه إذا قدّر فعلاً للإنسان مثل شرب الخمر ، فإن كان الإنسان حرّا في ترك شرب الخمر ، وتركه فهذا يعني أنّ اللّه مغلوب والإنسان غالب .
نقد الدليل الأوّل لأنصار الجبريجب القول إجابةً على هذا الدليل : إنّ القضاء والقدر في أفعال الإنسان الاختياريّة لا يعنيان إجبار الناس على أعمال خاصّة ، بل إنّ التقدير الإلهيّ في هذا المجال يعني أنّ اللّه حدّد قدرة الإنسان ومنحه القدرة بمقدارٍ معيّن ، ويعني القضاء الإلهي أنّ اللّه حكم بهذا التحديد وأوجده ، كما أنّ استخدام هذه القدرة المحدودة مشروط بإذن اللّه . على هذا فإذا ارتكب الإنسان المعصية ، فإنّ هذا لا يعني أنّ اللّه أصبح مغلوبا ؛ ذلك لأنّ اللّه أعطى الإنسان القدرة على المعصية ، ولم يمنعه من صدور المعصية من الناحية التكوينيّة عند ارتكابها ، رغم أنّه أعلن للناس من الناحية التشريعيّة وعن طريق رسله أنّه لا يرضى بارتكاب المعاصي من الناحية التشريعيّة .
2 . التمسّك بالتوحيد الأفعاليالدليل الآخر لأنصار الجبر ومن جملتهم الأشعريّ هو : التوحيد الأفعالي ، حيث يعدّ اللّه بموجبه فاعل جميع الأفعال . ويستدلّ في هذا المجال بالآية : «وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ» ، واعتبر أنّ المراد من «ما تعملون» جميع أفعال الناس .
نقد الدليل الثاني لأنصار الجبريجب القول فيما يتعلّق بالتوحيد الأفعالي : إنّ هذا التوحيد إذا كان يعني القيام بجميع الأفعال _ ومنها أفعال الإنسان الاختياريّة وذنوبه _ من قبل اللّه _ تعالى _ فإنّ ذلك لا يعني إلّا الجبر نفسه ، وهو غير صحيح ، والمعنى الصحيح للتوحيد الأفعالي هو أنّ قدرة القيام بجميع الأفعال هي من جانب اللّه ، فحتّى عندما يقوم الإنسان بالفعل الاختياريّ ، فإنّه في الحقيقة قد اكتسب القدرة على هذا الفعل من اللّه . والآية
.
ص: 275
المذكورة خطاب لعبدة الأوثان ، والمراد من «ما تعملون» هو الأصنام لا أفعال الناس .
أدلّة بطلان الجبربالإضافة إلى أنّ دليل أنصار الجبر لا يكفي لاثبات هذا الادّعاء ، ولا يوجد في الحقيقة دليل يثبت هذه النظريّة ، فإنّ هناك عدّة أدّلة تثبت بطلان هذه النظريّة :
1 . العلم الحضوري بالحريّة في الأفعالإنّ أوضح دليل لردّ نظريّة الجبر ، هو الوجدان والعلم الحضوريّ للإنسان بنفسه وأفعاله . فإذا ما عاد الإنسان إلى نفسه وتوجّه إلى أفعاله ، فإنّه سيدرك أنّه إذا أراد القيام بعملٍ فإنّ بإمكانه أن لا يريد القيام به ، كما أنّه إذا لم يرد القيام بعملٍ ما ولم يفعله ، أنّه كان بإمكانه أن يريد ذلك العمل ويقوم به . ومعنى الاختيار هو هذه الحرّية في الفعل والترك ، والعلم الحضوري هو أقوى علم للإنسان وأكثره قيمة . على هذا الأساس يثبت بطلان نظريّة الجبر الخالص ؛ ذلك لأنّ للإنسان علما حضوريّا ووجدانيّا بقدرته . كما تبطل نظريّة الجبر المتوسّط أيضاً ؛ لأنّ الإنسان له علم حضوريّ بتأثير قدرته على عمله الاختياريّ . إنّ هذا البرهان كما يبطل الجبر الكلاميّ ، فإنّه يبطل الجبر الاجتماعيّ والنفسيّ والفلسفيّ أيضا ، فرغم أنّ تركيبة المجتمع والجسم والنفس تؤثّر على أفعال الإنسان ، وأنّ هذا التأثير كبير بشكلٍ خارق للعادة في بعض الحالات ، ولكنّ الإنسان يدرك بعلمه الحضوريّ أنّ تأثير العوامل المذكورة ليس هو العلّة التامّة للقيام بها ، بل إنّه يستطيع اختيار طريق آخر رغم المقتضيات النفسيّة والاجتماعيّة . بعبارةٍ اُخرى ، إنّ المقتضيات الروحيّة والاجتماعيّة من الممكن أن تعقّد عمليّة الاختيار لفعلٍ معيّن ، إلّا أنّ اختيار العمل الصعب ليس محالاً ، فبمقدور الإنسان أن يختاره ، والواقع العمليّ يشهد على صحّة هذا الادّعاء ، فنحن نلاحظ أنّ بعض
.
ص: 276
الأشخاص يختارون الطريق الصحيح في الحياة رغم فساد الوسط الاُسريّ والاجتماعيّ الّذي يعيشون فيه . في حين نرى على العكس من ذلك أنّ بعض الأشخاص الّذين تربّوا في ظلّ اُسر صالحة وفي محيط نزيه ، يختارون طريق الفساد والضياع . وأما العلّية الفلسفيّة فليست سوى مجموعة العوامل المؤثّرة في أفعال الإنسان ، وهذه العوامل لا تؤدّي أبدا إلى سلب الإرادة من الإنسان . بعبارةٍ اُخرى ، فإنّ العلّية الفلسفيّة لا تتحقّق أبدا بشأن أفعال الإنسان .
2 . عدم جواز إسناد القبح والظلم إلى اللّهإنّ الدليل الآخر على بطلان نظريّة الجبر : هو أنّها تستلزم إسناد الأفعال القبيحة والظلم إلى اللّه ، فإذا اعتبرنا اللّه هو الفاعل لجميع الأفعال ومن جملتها أفعال الإنسان القبيحة ، فسوف ننسب هذه الأفعال إلى اللّه . ومن جهة اُخرى فإنّ إجبار الناس على الذنب ومعاقبتهم على ارتكابه ظلم واضح ، في حين أنّ من المحال عقليّا أن يرتكب اللّه الظلم والأفعال القبيحة . وبسبب هذا الترابط بين نظريّة الجبر والعدل الإلهي ، طَرَح متكلّمو الإماميّة موضوع الجبر والاختيار في ذيل موضوع العدل الإلهيّ ، أو الأفعال الإلهيّة ، ومن خلال ردّ نظريّة الجبر ينفون الظلم والأفعال القبيحة عن اللّه _ تعالى _ . (1) إنّ القرآن الكريم يصرّح بأنّ كلّ إنسان يجازى حسب ما كسبه ، ولا يُظلم أحد في ظلّ النظام الإلهيّ : «مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ» . (2)
.
ص: 277
«الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسِ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُ_لْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» . (1) ولا شكّ في أنّ الإنسان إذا كان مجبورا في ارتكاب الأفعال القبيحة ، فإنّ أعماله سوف لا تكون ممّا كسبه ، وفي هذه الحالة سيكون عقابه ظلما . وقد استعرضنا في الفصل الثامن بشكلٍ مفصّل مسألة الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين من منظار الكتاب والسنّة ، وأكّدنا منافاة نظريّة الجبر للعدالة الإلهيّة ، كما نُقل عن الإمام عليّ عليه السلام : لا تَقولوا : أجبَرَهُم عَلَى المَعاصي فَتُظَلِّموهُ . (2) ويروى أيضا عن الإمام الصادق عليه السلام : اللّهُ أعدَلُ مِن أن يُجبِرَ عَبدا عَلى فِعلٍ ثُمَّ يُعَذِّبَهُ عَلَيهِ . (3)
3 . ردّ نفي الحسن والقبح العقليين والتعاليم الدينيةإنّ نظريّة الجبر كما تنفي العدل الإلهيّ كذلك تنفي فلسفة النبوّة والإمامة والمعاد وجميع التعاليم الدينيّة والحسن والقبح العقلييّن ؛ ذلك لأنّ الإنسان المجبور سيكون كالحيوانات والجمادات ، ولا يمكن الحديث عن المسؤوليّة والتكليف والشريعة والمعاد والتعاليم الدينيّة الاُخرى فيما يتعلّق بهذه الموجودات . على هذا فإنّ الأدلّة الّتي تثبّتها التعاليم المذكورة كلّها أدلّة على ردّ نظريّة الجبر أيضا .
ثانيا : نظريّة التفويضالتفويض في اللغة يعني : إيكال أمرٍ إلى آخر وتسليمه إليه ، وله معانٍ عديدة في الأحاديث وعلم الكلام . هنا نشير أوّلاً إلى هذه المعاني ، ثمّ نبيّن المعنى الذي هو موضوع البحث في مسألة الجبر والاختيار .
.
ص: 278
معاني التفويضلكلمة التفويض استعمالات مختلفة في الكتاب والسنّة واصطلاح العلماء ، مثل : 1 . التفويض الأخلاقيّ ، أي أن يوكل الإنسان اُمور اللّه إلى اللّه ويتوكّل عليه في أعماله . 2 . التفويض التشريعيّ أو الإباحيّ ، بمعنى أنّ اللّه لم يقرّر تكليفا على الإنسان وأنّه أوكل التشريع إليه . 3 . تفويض بعض الاُمور الدينيّة من جانب اللّه إلى الأنبياء أو أوصيائهم . 4 . التفويض التكوينيّ ، بمعنى إيكال الخلق أو تدبير شؤون المخلوقات إلى الأنبياء أو أوصيائهم . 5 . تفويض تفسير عدد من صفات اللّه عز و جل _ مثل الصفات الخبريّة (1) _ إليه . وممّا يجدر ذكره أنّ أيّا من المعاني المذكورة صحّة وبطلاناً لا يعنينا هنا بالبحث والدراسة . 6 . التفويض في مقابل الجبر ، أي إيكال أفعال الإنسان بشكلٍ مطلق إليه . استنادا إلى هذه النظريّة فعلى الرغم من أنّ الإنسان اكتسب في نطاق الأفعال المفوّضة إليه أصل القدرة على إنجاز الاُمور من اللّه سبحانه ، ولكنّه بعد اكتساب هذه القدرة يمتلك هو نفسه الاستقلاليّة في أفعاله ، وتحقّق هذه الأفعال لا يعتمد على إذن اللّه التكوينيّ ، بل إنّ اللّه فاقد للقدرة والاستطاعة بالنسبة إلى هذه الأفعال . وقد نُسبت هذه النظريّة في تاريخ علم الكلام والفرق والمذاهب إلى فريقين : الفريق الأوّل : القدريّون الأوائل وعلى رأسهم معبد الجهنيّ وغيلان الدمشقيّ ،
.
ص: 279
لكنّ الوثائق التاريخيّة والحديثيّة لا تثبت كون هذا الفريق من المفوّضة ، وإنّما نسبت إليهم عقيدة التفويض ونفي القضاء والقدر الإلهيّين في كتب الفرق والمذاهب . (1) ولا يمكننا أن نصدر حكما قطعيّا في هذا المجال ؛ نظرا إلى أنّ كتب هؤلاء المتكلّمين لم تصلنا . ويتمثّل الفريق الثاني في المعتزلة ، وهذا الفريق لا يعتبر نفسه هو أيضا من المفوّضة أو القدريّة . ويرى متكلّمو الإماميّة عادةً أنّ المعتزلة يؤيّدون الاختيار ويوافقون الإماميّة في الرأي ، (2) إلّا أنّ بعض عقائد المعتزلة يستلزم التفويض . وقد خصّص القاضي عبدالجبار المعتزليّ فصلاً مستقلّاً مسهبا من كتاب المغني تحت عنوان «في استحالة مقدور لقادرين أو لقدرتين» ، وأقام أدلّة عديدة على هذه النظريّة ، ونقل عن اُستاذيه أبي علي الجبائيّ وأبي هاشم الجبائيّ بعض ما يؤيّد هذه النظريّة . استنادا إلى هذه النظريّة فإنّ اللّه ليست له القدرة على أفعال الإنسان ذلك ؛ لأنّ الإنسان قادر على أفعاله الاختياريّة ، بناءً على ذلك فإن كان اللّه قادرا أيضا على هذه الأفعال ، فسيكون ثمَّةَ قادران على مقدورٍ واحدٍ وهو محال . إنّ هذه النظريّة تستلزم عجز اللّه _ جلّ وعلا _ وضعفه والحدّ من سلطته ؛ لأنّ مقتضاها هو أنّ اللّه ليست له سلطة على أفعال الناس الاختياريّة وعاجز عن أن يقف أمام صدور فعل من الإنسان ، في حين أنّ المحدوديّة والعجز والضعف من خصوصيّات المخلوق ولا يمكن نسبة هذه الصفات إلى الخالق . روي عن الإمام الباقر عليه السلام فيما يتعلّق ببطلان نظريّة التفويض إلى جانب بطلان
.
ص: 280
الجبر قوله : لَم يُفَوِّض الأَمرَ إِلى خَلقِهِ وَهنا مِنهُ وَضَعفا ، وَلا أَجبَرَهُم عَلى مَعاصيهِ ظُلما . (1) ونُقل أنّ رجلاً قدريّا دخل الشام وعجز الناس عن مناظرته ، فطلب عبدالملك بن مروان من والي المدينة أن يبعث الإمام الباقر عليه السلام لمناظرته ، فأرسل الإمام ابنه الإمام الصادق عليه السلام للمناظرة . فقال القدريّ للإمام عليه السلام : سل عمّا شئت . فقال الإمام : اقرأ سورَةَ الحَمدِ . فأخذ الرجل بقراءة سورة الحمد حتّى بلغ قوله تعالى : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» ، فقال له الإمام : قِف! مَن تَستَعينُ وَما حاجَتُكَ إِلى المَعونَةِ ، إِن كانَ الأَمرُ إِلَيكَ؟! فعجز القدريّ عن الجواب وبهت ، ولاذ بالسكوت . (2) وممّا يجدر ذكره أنّ المعتزلة يعتقدون باختيار الإنسان على أساس نفس الأدلّة السابقة الّتي طُرحت لردّ نظريّة الجبر ، ولكن اتّضح أنّ قولهم بالاختيار انتهى إلى التفويض ، وأمّا نظريّة «الأمر بين الأمرين» الّتي سنذكرها فيما يلي ، فإنّها تدحض التفويض في نفس الوقت الّذي تثبت فيه الاختيار .
ثالثاً : نظريّة لا جبر ولا تفويضاعتبر أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّ النظريّة الصحيحة هي القول بمنزلة بين الجبر والتفويض ، في معرض ردّهم على نظريّة الجبر من جهة ونظريّة التفويض ، أو القدر من جهةٍ اُخرى . فنُقل عن الإمام الصادق عليه السلام قوله : لا جَبرَ وَلا قَدَرَ ، وَلَكِن مَنزِلَةٌ بَينَهُما . (3)
.
ص: 281
على أساس هذه النظريّة فإنّ الناس ليسوا مجبورين ؛ ذلك لأنّهم يمتلكون القدرة والاختيار ، ومن جهةٍ اُخرى فإنّ الأعمال لم تُفوّض إليهم بشكلٍ مطلق ؛ لأنّ اللّه قادر أيضا على مقدورات الناس ، بل إنّ مالكيّة الإنسان في طول مالكيّة اللّه ، واللّه أكثر مالكيّة وقدرة ، لذلك فإنّ بإمكانه متى شاء أن يمنع الإنسان من استخدام القدرة ، أو يمنع تأثيرها في مجالٍ معيّنٍ ، أو أن يسلب من الإنسان أصل القدرة . فقد جاء في الأحاديث : هُوَ ... القادِرُ عَلى ما أَقدَرَهُم عَلَيهِ . (1) هكذا فإنّ خلاصة البحوث والدراسات الّتي أجريناها استنادا إلى نظريّة «لا جبر ولا تفويض» هي : إنّ الإنسان حرّ مختار من جهة ، وهو أمر بديهيّ ووجدانيّ ، على هذا الأساس فإنّ العدل الإلهيّ ونبوّة الأنبياء والمعاد والتكليف اُمور معقولة منطقيّة . ومن جهةٍ اُخرى فإنّ نطاق القدرة والسلطة الإلهيّة لا يصبح محدودا . على هذا الأساس فإنّ أدلّة بطلان نظريّة الجبر والتفويض ، هي أيضا أدلّة إثبات «لا جبر ولا تفويض» .
.
ص: 282
8 / 4مَعنَى الاِستِطاعَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن جَعَلَ الاِستِطاعَةَ إلى نَفسِهِ فَقَد كَفَرَ . (1)
تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن جعفر عن الإمام عليّ عليه السلام :أنَّهُ خَطَبَ الناسَ يوما ... فَقامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِمَّن كانَ شَهِدَ مَعَهُ الجَمَلَ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَنِ القَدَرِ ؟ فَقالَ : بَحرٌ عَميقٌ فَلا تَلِجهُ ، قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أخبِرنا عَنِ القَدَرِ ؟ قالَ : بَيتٌ مُظلِمٌ فَلا تَدخُلهُ ، قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَنِ القَدَرِ ؟ قالَ : سِرُّ اللّهِ فَلا تَتَكَلَّفهُ ، قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَنِ القَدَرِ ؟ قالَ : أمّا إذ أبَيتَ ، فَإِنَّهُ أمرٌ بَينَ أمرَينِ ؛ لا جَبرَ ولا تَفويضَ . قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ فُلانا يَقولُ بِالاِستِطاعَةِ وهُوَ حاضِرُكَ ، فَقالَ : عَلَيَّ بِهِ ، فَأَقاموهُ... . قالَ : قُل : أملِكُها بِاللّهِ الَّذي إن شاءَ مَلَّكَنيها . (2)
الكافي عن عليّ بن أسباط :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام عَنِ الاِستِطاعَةِ ، فَقالَ : يَستَطيعُ العَبدُ بَعدَ أربَعِ خِصالٍ : أن يَكونَ مُخَلَّى السَّربِ ، صَحيحَ الجِسمِ ، سَليمَ الجَوارِحِ ، لَهُ سَبَبٌ وارِدٌ مِنَ اللّهِ عز و جل ، قالَ : قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، فَسِّر لي هذا . قالَ : أن يَكونَ العَبدُ مُخَلَّى السَّربِ ، صَحيحَ الجِسمِ ، سَليمَ الجَوارِحِ ، يُريدُ أن يَزنِيَ فَلا يَجِدُ امرَأَةً ثُمَّ يَجِدُها ، فَإِمّا أن يَعصِمَ نَفسَهُ فَيَمتَنِعَ كَمَا امتَنَعَ يوسُفُ عليه السلام ، أو
.
ص: 283
يُخَلِّيَ بَينَهُ وبَينَ إرادَتِهِ فَيَزنِيَ فَيُسَمّى زانِيا ، ولَم يُطِعِ اللّهَ بِإِكراهٍ ولَم يَعصِهِ بِغَلَبَةٍ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :الاِستِطاعَةُ قَبلَ الفِعلِ ، لَم يَأمُرِ اللّهُ عز و جل بِقَبضٍ ولا بَسطٍ إلّا وَالعَبدُ لِذلِكَ مُستَطيعٌ . (2)
عنه عليه السلام :ما كَلَّفَ اللّهُ العِبادَ كُلفَةَ فِعلٍ ولا نَهاهُم عَن شَيءٍ حَتّى جَعَلَ لَهُمُ الاِستِطاعَةَ ، ثُمَّ أمَرَهُم ونَهاهُم فَلا يَكونُ العَبدُ آخِذا ولا تارِكا إلّا بِاستِطاعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ قَبلَ الأَمرِ وَالنَّهيِ ، وقَبلَ الأَخذِ وَالتَّركِ ، وقَبلَ القَبضِ وَالبَسطِ . (3)
عنه عليه السلام :لا يَكونُ العَبدُ فاعِلاً ولا مُتَحَرِّكا إلّا وَالاِستِطاعَةُ مَعَهُ مِنَ اللّهِ عز و جل ، وإنَّما وَقَعَ التَّكليفُ مِنَ اللّهِ بَعدَ الاِستِطاعَةِ ، فَلا يَكونُ مُكَلَّفا لِلفِعلِ إلّا مُستَطيعا . (4)
عنه عليه السلام :لا يَكونُ مِنَ العَبدِ قَبضٌ ولا بَسطٌ إلّا بِاستِطاعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ لِلقَبضِ وَالبَسطِ . (5)
التوحيد عن عوف بن عبد اللّه الأزدي عن عمّه :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الاِستِطاعَةِ ، فَقالَ : وقَد فَعَلوا ؟ (6) فَقُلتُ : نَعَم ، زَعَموا أنَّها لا تَكونُ إلّا عِندَ الفِعلِ وإرادَةٍ في حالِ الفِعلِ لا قَبلَهُ . فَقالَ : أشرَكَ القَومُ . (7)
.
ص: 284
الكافي عن صالح النيليّ :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام : هَل لِلعِبادِ مِنَ الاِستِطاعَةِ شَيءٌ ؟ قالَ : فَقالَ لي : إذا فَعَلُوا الفِعلَ كانوا مُستَطيعينَ بِالاِستِطاعَةِ الَّتي جَعَلَهَا اللّهُ فيهِم . قالَ : قُلتُ وما هِيَ ؟ قالَ : الآلَةُ مِثلُ الزّاني إذا زَنى كانَ مُستَطيعا لِلزِّنا حينَ زَنى ، ولَو أنَّهُ تَرَكَ الزِّنا ولَم يَزنِ كانَ مُستَطيعا لِتَركِهِ إذا تَرَكَ . قالَ : ثُمَّ قالَ : لَيسَ لَهُ مِنَ الاِستِطاعَةِ قَبلَ الفِعلِ قَليلٌ ولا كَثيرٌ ، ولكِن مَعَ الفِعلِ وَالتَّركِ كانَ مُستَطيعا . قُلتُ : فَعَلى ماذا يُعَذِّبُهُ ؟ قالَ : بِالحُجَّةِ البالِغَةِ وَالآلَةِ الَّتي رَكَّبَ فيهِم ، إنَّ اللّهَ لَم يُجبِر أحَدا عَلى مَعصِيَتِهِ . (1)
الكافي عن رجل من أهل البصرة :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الاِستِطاعَةِ فَقالَ ... : إنَّ اللّهَ خَلَقَ خَلقا فَجَعَلَ فيهِم آلَةَ الاِستِطاعَةِ ثُمَّ لَم يُفَوِّض إلَيهِم ، فَهُم مُستَطيعونَ لِلفِعلِ وَقتَ الفِعلِ مَعَ الفِعلِ إذا فَعَلوا ذلِكَ الفِعلَ ، فَإِذا لَم يَفعَلوهُ في مُلكِهِ لَم يَكونوا مُستَطيعينَ أن يَفعَلوا فِعلاً لَم يَفعَلوهُ ؛ لِأَنَّ اللّهَ عز و جل أعَزُّ مِن أن يُضادَّهُ في مُلكِهِ أحَدٌ . قالَ البَصرِيُّ ، فَالنّاسُ مَجبورونَ ؟ قالَ : لَو كانوا مَجبورينَ كانوا مَعذورينَ . قالَ : فَفَوَّضَ إلَيهِم ؟ قالَ : لا . قالَ : فَما هُم ؟
.
ص: 285
قالَ : عَلِمَ مِنهُم فِعلاً فَجَعَلَ فيهِم آلَةَ الفِعلِ ، فَإِذا فَعَلوا كانوا مَعَ الفِعلِ مُستَطيعينَ . (1)
راجع : ص 269 (تحليل حول الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين) .
8 / 5ما يَدُلُّ عَلى بُطلانِ القَولِ بِالجَبرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما عَرَفَ اللّهَ مَن شَبَّهَهُ بِخَلقِهِ ، ولا وَصَفَهُ بِالعَدلِ مَن نَسَبَ إلَيهِ ذُنوبَ عِبادِهِ . (2)
الإمام علي عليه السلام :يَابنَ آدَمَ ، أتَظُنُّ أنَّ الَّذي نَهاكَ دَهاكَ! وإنَّما دَهاكَ أسفَلُكَ وأعلاكَ وَاللّهُ بَريءٌ مِن ذلِكَ . (3)
عنه عليه السلام :كُلُّ مَا استَغفَرتَ اللّهَ تَعالى مِنهُ فَهُوَ مِنكَ ؛ وَكُلُّ ما حَمِدتَ اللّهَ تَعالى فَهُوَ مِنهُ . (4)
نزهة الناظر :جَمَعَ الحَجّاجُ بنُ يوسُفَ أهلَ العِلمِ وسَأَلَهُم عَنِ القَضاءِ وَالقَدَرِ ، فَقالَ أحَدُهُم : سَمِعتُ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام يَقولُ : يَابنَ آدَمَ ، مَن وَسَّعَ لَكَ الطَّريقَ لَم يَأخُذ عَلَيكَ المَضيقَ . (5) وقالَ آخَرُ : سَمِعتُهُ يَقولُ : إذا كانَتِ الخَطيئَةُ عَلَى الخاطِئِ حَتما كانَ القِصاصُ فِي القَضِيَّةِ ظُلما .
.
ص: 286
وقالَ آخَرُ : سَمِعتُهُ يَقولُ : ما كانَ مِن خَيرٍ فَبِأَمرِ اللّهِ وبِعِلمِهِ ، وما كانَ مِن شَرٍّ فَبِعِلمِ اللّهِ لا بِأَمرِهِ . فَقالَ الحَجّاجُ : أ كُلُّ هذا مِن قَولِ أبي تُرابٍ ؟ لَقَدِ اغتَرَفوها مِن عَينٍ صافِيَةٍ ! (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ القَضاءِ وَالقَدَرِ _: لا تَقولوا : وَكَلَهُمُ اللّهُ إلى أنفُسِهِم فَتُوَهِّنوهُ ، ولا تَقولوا : أجبَرَهُم عَلَى المَعاصي فَتُظَلِّموهُ ، ولكِن قولوا : الخَيرُ بِتَوفيقِ اللّهِ ، وَالشَّرُّ بِخِذلانِ اللّهِ ، وكُلٌّ سابِقٌ في عِلمِ اللّهِ . (2)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: جَلَّ اللّهُ أن يُريدَ الفَحشاءَ . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: لا تَحمِلوا ذُنوبَكُم وخَطاياكُم عَلَى اللّهِ ، وتَذَروا أنفُسَكُم وَالشَّيطانَ . (4)
عنه عليه السلام :كُن مُؤاخِذا نَفسَكَ ، مُغالِبا سوءَ طَبعِكَ ، وإيّاكَ أن تَحمِلَ ذُنوبَكَ عَلى رَبِّكَ . (5)
الكافي عن سهل بن زياد وإسحاق بن محمّد وغيرهما رفعوه ، قال :كانَ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام جالِسا بِالكوفَةِ بَعدَ مُنصَرَفِهِ مِن صِفّينَ ، إذ أقبَلَ شَيخٌ فَجَثا بَينَ يَدَيهِ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَن مَسيرِنا إلى أهلِ الشّامِ أبِقَضاءٍ مِنَ اللّهِ وقَدَرٍ ؟ فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أجَل يا شَيخُ ، ما عَلَوتُم تَلعَةً (6) ولا هَبَطتُم بَطنَ وادٍ إلّا بِقَضاءٍ مِنَ اللّهِ وقَدَرٍ .
.
ص: 287
فَقالَ لَهُ الشَّيخُ : عِندَ اللّهِ أحتَسِبُ عَنائي يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ لَهُ : مَه يا شَيخُ ! فَوَاللّهِ لَقَد عَظَّمَ اللّهُ الأَجرَ في مَسيرِكُم وأنتُم سائِرونَ ، وفي مَقامِكُم وأنتُم مُقيمونَ ، وفي مُنصَرَفِكُم وأنتُم مُنصَرِفونَ ، ولَم تَكونوا في شَيءٍ مِن حالاتِكُم مُكرَهينَ ولا إلَيهِ مُضطَرّينَ . فَقالَ لَهُ الشَّيخُ : وكَيفَ لَم نَكُن في شَيءٍ مِن حالاتِنا مُكرَهينَ ولا إلَيهِ مُضطَرّينَ ، وكانَ بِالقَضاءِ وَالقَدَرِ مَسيرُنا ومُنقَلَبُنا ومُنصَرَفُنا ؟ فَقالَ لَهُ : وتَظُنُّ أنَّهُ كانَ قَضاءً حَتما وقَدَرا لازِماً ؟ إنَّهُ لَو كانَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوابُ وَالعِقابُ وَالأَمرُ وَالنَّهيُ وَالزَّجرُ مِنَ اللّهِ ، وسَقَطَ مَعنَى الوَعدِ وَالوَعيدِ (1) ، فَلَم تَكُن لائِمَةٌ لِلمُذنِبِ ولا مَحمَدَةٌ لِلمُحسِنِ ، ولَكانَ المُذنِبُ أولى بِالإِحسانِ مِنَ المُحسِنِ ، ولَكانَ المُحسِنُ أولى بِالعُقوبَةِ مِنَ المُذنِبِ ، تِلكَ مَقالَةُ إخوانِ عَبَدَةِ الأَوثانِ وخُصَماءِ الرَّحمنِ وحِزبِ الشَّيطانِ وقَدَرَيِّةِ هذِهِ الاُمَّةِ ومَجوسِها. إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ كَلَّفَ تَخييرا ونَهى تَحذيرا ، وأعطى عَلَى القَليلِ كَثيرا ، ولَم يُعصَ مَغلوبا ولَم يُطَع مُكرِها ولَم يُمَلِّك مُفَوِّضا ، ولَم يَخلُقِ السَّماواتِ وَالأَرضَ وما بَينَهُما باطِلاً ، ولَم يَبعَثِ النَّبِيّينَ مُبَشِّرينَ ومُنذِرينَ عَبَثا . ذلِكَ ظَنُّ الَّذينَ كَفَروا فَوَيلٌ لِلَّذينَ كَفَروا مِنَ النّارِ ، فَأَنشَأَ الشَّيخُ يَقولُ : أنتَ الإِمامُ الَّذي نَرجو بِطاعَتِهِ يَومَ النَّجاةِ مِنَ الرَّحمنِ غُفراناً أوضَحتَ مِن أمرِنا ما كانَ مُلتَبِسا (2) جَزاكَ رَبُّكَ بِالإِحسانِ إحسانا (3)
.
ص: 288
الكافي عن يونس بن عبد الرحمن عن غير واحد عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام :إنَّ اللّهَ أرحَمُ بِخَلقِهِ مِن أن يُجبِرَ خَلقَهُ عَلَى الذُّنوبِ ثُمَّ يُعَذِّبَهُم عَلَيها ، وَاللّهُ أعَزُّ مِن أن يُريدَ أمرا فَلا يَكونَ . قالَ : فَسُئِلا عليهماالسلام : هَل بَينَ الجَبرِ وَالقَدَرِ مَنزِلَةٌ ثالِثَةٌ ؟ قالا : نَعَم ، أوسَعُ مِمّا بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ . (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :إن كانَتِ المَعصِيَةُ مِنَ اللّهِ فَمِنهُ وَقَعَ الفِعلُ ، فَهُوَ أكرَمُ مِن أن يُؤاخِذَ عَبدَهُ بِما لا دَخلَ لَهُ فيهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَنِ القَضاءِ وَالقَدَرِ _: مَا استَطَعتَ أن تَلومَ العَبدَ عَلَيِه فَهُوَ مِنهُ ، وما لَم تَستَطِع أن تَلومَ العَبدَ عَلَيهِ فَهُوَ مِنَ فِعلِ اللّهِ . يَقولُ اللّهُ تَعالى لِلعَبدِ : لِمَ عَصَيتَ ؟ لِمَ فَسَقتَ ؟ لِمَ شَرِبتَ الخَمرَ ؟ لِمَ زَنَيتَ ؟ فَهذا فِعلُ العَبدِ ، ولا يَقولُ لَهُ : لِمَ مَرِضتَ ؟ لِمَ عَلَوتَ ؟ لِمَ قَصُرتَ ؟ لِمَ ابيَضَضتَ ؟ لِمَ اسوَدَدتَ ؟ لِأَنَّهُ مِن فِعلِ اللّهِ تَعالى . (3)
.
ص: 289
الطرائف :رَوى كَثيرٌ مِنَ المُسلِمينَ عَنِ الإِمامِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ عليه السلام أنَّهُ قالَ يَوما لِبَعضِ المُجَبِّرَةِ : هَل يَكونُ أحَدٌ أقبَلَ لِلعُذرِ الصَّحيحِ مِنَ اللّهِ ؟ فَقالَ : لا . فَقالَ لَهُ : فَما تَقولُ فيمَن قالَ : ما أقدِرُ ، وهُوَ لا يَقدِرُ ؛ أيَكونُ مَعذورا أم لا ؟ فَقالَ المُجَبِّرُ : يَكونُ مَعذورا . قالَ لَهُ : فَإِذا كانَ اللّهُ يَعلَمُ مِن عِبادِهِ أنَّهُم ما قَدَروا عَلى طاعَتِهِ ، وقالَ لِسانُ حالِهِم أو مَقالِهِم للّهِِ يَومَ القِيامَةِ : يا رَبِّ ما قَدَرنا عَلى طاعَتِكَ لِأَنَّكَ مَنَعتَنا مِنها ، أما يَكونُ قَولُهُم وعُذرُهُم صَحيحا عَلى قَولِ المُجَبِّرَةِ ؟ قالَ : بَلى وَاللّهِ . قالَ : فَيَجِبُ عَلى قَولِكَ أنَّ اللّهَ يَقبَلُ هذَا العُذرَ الصَّحيحَ ولا يُؤاخِذُ أحَدا أبَدا ، وهذا خِلافُ قَولِ أهلِ المِلَلِ كُلِّهِم . فَتابَ المُجَبِّرُ مِن قَولِهِ بِالجَبرِ فِي الحالِ . (1)
التوحيد عن محمّد بن عجلان :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : فَوَّضَ اللّهُ الأَمرَ إلَى العِبادِ ؟ فَقالَ : اللّهُ أكرَمُ مِن أن يُفَوِّضَ إلَيهِم . قُلتُ : فَأَجبَرَ اللّهُ العِبادَ عَلى أفعالِهِم ؟ فَقالَ : اللّهُ أعدَلُ مِن أن يُجبِرَ عَبدا عَلى فِعلٍ ثُمَّ يُعَذِّبَهُ عَلَيهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ النّاسَ فِي القَدَرِ عَلى ثَلاثَةِ أوجُهٍ : رَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز و جل أجبَرَ النّاسَ عَلَى المَعاصي ، فَهذا قَد ظَلَّمَ اللّهَ في حُكمِهِ فَهُوَ كافِرٌ... . (3)
.
ص: 290
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ أرحَمُ بِعبِادِهِ مِن أن يُجبِرَهُم عَلَى المَعاصي ثُمَّ يُعاقِبَهُم عَلَيها ، وهُوَ أيضا أجَلُّ وأعَزُّ وأرفَعُ وأجدَرُ وأعلَمُ مِن أن يُريدَ أمرا فَيَكونُ فِي استِطاعَةِ العِبادِ غَيرُهُ عَلى مَعنَى الكُرهِ وَالغَلَبَةِ ، بَل سَبَقَ عِلمُهُ في خَلقِهِ ، ونَفَذَ تَقديرُهُ في بَرِيَّتِهِ وقَضاهُ في عِبادِهِ قَبلَ أن يَخلُقَهُم كَيفَ يَخلُقُهُم . وعَلِمَ ما هُم عامِلونَ وإلى ما هُم صائِرونَ ، وعَلِمَ مَن أطاعَهُ مِمَّن عَصاهُ . فَخَلَقَهُم عَلى ذلِكَ لِيُثيبَهُم عَلَى الطّاعَةِ ويُعاقِبَهُم عَلَى المَعصِيَةِ ، ولَيسَ يُعاقِبُ عز و جل عَلى عِلمِهِ ولا قَضائِهِ ولا قَدَرِهِ ، بَل يُعاقِبُ عَلَى المَعاصي ويُثيبُ عَلَى الطّاعَةِ ... . (1)
الاحتجاج :مِن سُؤالِ الزِّنديقِ الَّذي سَأَلَ أبا عَبدِ اللّهِ عَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ أن قالَ : ... فَأَخبِرني عَنِ اللّهِ عز و جل كَيفَ لَم يَخلُقِ الخَلقَ كُلَّهُم مُطيعينَ مُوَحِّدينَ وكانَ عَلى ذلِكَ قادِرا ؟ قالَ عليه السلام : لَو خَلَقَهُم مُطيعينَ لَم يَكُن لَهُم ثَوابٌ ، لِأَنَّ الطّاعَةَ إذا ما كانَت فِعلَهُم لَم تَكُن جَنَّةٌ ولا نارٌ ، ولكِن خَلَقَ خَلقَهُ فَأَمَرَهُم بِطاعَتِهِ ونَهاهُم عَن مَعصِيَتِهِ ، وَاحتَجَّ عَلَيهِم بِرُسُلِهِ ، وقَطَعَ عُذرَهُم بِكُتُبِهِ ، لِيَكونوا هُمُ الَّذينَ يُطيعونَ ويَعصونَ ، ويَستَوجِبونَ بِطاعَتِهِم لَهُ الثَّوابَ وبِمَعصِيَتِهِم إيّاهُ العِقابَ . قالَ : فَالعَمَلُ الصّالِحُ مِنَ العَبدِ هُوَ فِعلُهُ ، وَالعَمَلُ الشَّرُّ مِنَ العَبدِ هُوَ فِعلُهُ ؟ قالَ : العَمَلُ الصّالِحُ مِنَ العَبدِ بِفِعلِهِ وَاللّهُ بِهِ أمَرَهُ ، وَالعَمَلُ الشَّرُّ مِنَ العَبدِ بِفِعلِهِ وَاللّهُ عَنهُ نَهاهُ . قالَ : ألَيسَ فِعلُهُ بِالآلَةِ الَّتي رَكَّبَها فيهِ ؟
.
ص: 291
قالَ : نَعَم ، ولكِن بِالآلَةِ الَّتي عَمِلَ بِهَا الخَيرَ ، قَدَرَ عَلَى الشَّرِّ الَّذي نَهاهُ عَنهُ . قالَ : فَإِلَى العَبدِ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ ؟ قالَ : ما نَهاهُ اللّهُ عَن شَيءٍ إلّا وقَد عَلِمَ أنَّهُ يُطيقُ تَركَهُ ، ولا أمَرَهُ بِشَيءٍ إلّا وقَد عَلِمَ أنَّهُ يَستَطيعُ فِعلَهُ ، لِأَنَّهُ لَيسَ مِن صِفَتِهِ الجَورُ وَالعَبَثُ وَالظُّلمُ وتَكليفُ العِبادِ ما لا يُطيقونَ . قالَ : فَمَن خَلَقَهُ اللّهُ كافِرا ، أيَستَطيعُ الإِيمانَ ولَهُ عَلَيهِ بِتَركِهِ الإِيمانَ حُجَّةٌ ؟ قالَ عليه السلام : إنَّ اللّهَ خَلَقَ خَلقَهُ جَميعا مُسلِمينَ ، أمَرَهُم ونَهاهُم ، وَالكُفرُ اسمٌ يَلحَقُ الفِعلَ حينَ يَفعَلُهُ العَبدُ ، ولَم يَخلُقِ اللّهُ العَبدَ حينَ خَلَقَهُ كافِرا ، إنَّه إنَّما كَفَرَ مِن بَعدِ أن بَلَغَ وَقتا لَزِمَتهُ الحُجَّةُ مِنَ اللّهِ ، فَعَرَضَ عَلَيهِ الحَقَّ فَجَحَدَهُ ، فَبِإِنكارِهِ الحَقَّ صارَ كافِرا . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :خَرَجَ أبو حَنيفَةَ ذاتَ يَومٍ مِن عِندِ الصّادِقِ عليه السلام ، فَاستَقبَلَهُ موسَى بنُ جعَفَرٍ عليه السلام فَقالَ لَهُ : يا غُلامُ مِمَّنِ المَعصِيَةُ ؟ قالَ : لا تَخلو مِن ثَلاثٍ : إمّا أن تَكونَ مِنَ اللّهِ عز و جل ولَيسَت مِنهُ ، فَلا يَنبَغي لِلكَريمِ أن يُعَذِّبَ عَبدَهُ بِما لا يَكتَسِبُهُ . وإمّا أن تَكونَ مِنَ اللّهِ عز و جل ومِنَ العَبدِ ولَيسَ كَذلِكَ ، فَلا يَنبَغي لِلشَّريكِ القَوِيِّ أن يَظلِمَ الشَّريكَ الضَّعيفَ .
.
ص: 292
وإمّا أن تَكونَ مِنَ العَبدِ وهِيَ مِنهُ ، فَإِن عاقَبَهُ اللّهُ فَبِذَنبِهِ ، وإن عَفا عَنهُ فَبِكَرَمِهِ وجودِهِ . (1)
الكافي عن أبي طالب القمّي عن رجل عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :قُلتُ : أجبَرَ اللّهُ العِبادَ عَلَى المَعاصي ؟ قالَ : لا . قُلتُ : فَفَوَّضَ إلَيهِمُ الأَمرَ ؟ قالَ : لا . قالَ : قُلتُ : فَماذا ؟ قالَ : لُطفٌ مَن رَبِّكَ بَينَ ذلِكَ . (2)
الكافي عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ ، فَقُلتُ : اللّهُ فَوَّضَ الأَمرَ إلَى العِبادِ ؟ قالَ : اللّهُ أعَزُّ مِن ذلِكَ . قُلتُ : فَجَبَرَهُم عَلَى المَعاصي ؟ قالَ : اللّهُ أعدَلُ وأحكَمُ مِن ذلِكَ . قالَ : ثُمَّ قالَ : قالَ اللّهُ : يَابنَ آدَمَ أنَا أولى بِحَسَناتِكَ مِنكَ ، وأنتَ أولى بِسَيِّئاتِكَ مِنّي ، عَمِلتَ المَعاصِيَ بِقُوَّتِيَ الَّتي جَعَلتُها فيكَ . (3)
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن إبراهيم بن أبي محمود :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : ... عَنِ
.
ص: 293
اللّهِ عز و جل هَل يُجبِرُ عِبادَهُ عَلَى المَعاصي ؟ فَقالَ : بَل يُخَيِّرُهُم ويُمهِلُهُم حَتّى يَتوبوا . قُلتُ : فَهَل يُكَلِّفُ عِبادَهُ ما لا يُطيقونَ ؟ فَقالَ : كَيفَ يَفعَلُ ذلِكَ ، وهُوَ يَقولُ : «وَ مَا رَبُّكَ بِظَ_لَّ_مٍ لِّلْعَبِيدِ» (1) ؟! (2)
8 / 6وَضعُ الأَخبارِ فِي التَّشبيهِ وَالجَبرِالتوحيد عن الحسين بن خالد عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :قُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، إنَّ النّاسَ يَنسُبونَنا إلَى القَولِ بِالتَّشبيهِ وَالجَبرِ لِما رُوِيَ مِنَ الأَخبارِ في ذلِكَ عَن آبائِكَ الأَئِمَّةِ عليهم السلام . فَقالَ : يَابنَ خالِدٍ ، أخبِرني عَنِ الأَخبارِ الَّتي رُوِيَت عَن آبائِي الأَئِمَّةِ عليهم السلام فِي التَّشبيهِ وَالجَبرِ أكثَرُ أمِ الأَخبارُ الَّتي رُوِيَت عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في ذلِكَ ؟! فَقُلتُ : بَل ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في ذلِكَ أكثَرُ . قالَ : فَليَقولوا : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَقولُ بِالتَّشبيهِ وَالجَبرِ إذا . فَقُلتُ لَهُ : إنَّهُم يَقولونَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يَقُل مِن ذلِكَ شَيئا وإنَّما رُوِيَ عَلَيهِ . قالَ : فَليَقولوا في آبائي عليهم السلام : إنَّهُم لَم يَقولوا مِن ذلِكَ شَيئا وإنَّما رُوِيَ عَلَيهِم .
.
ص: 294
ثُمَّ قالَ عليه السلام : مَن قالَ بِالتَّشبيهِ وَالجَبرِ فَهُوَ كافِرٌ مُشرِكٌ ونَحنُ مِنهُ بُرَآءُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . يَابنَ خالِدٍ ، إنَّما وَضَعَ الأَخبارَ عَنّا فِي التَّشبيهِ وَالجَبرِ الغُلاةُ الَّذينَ صَغَّروا عَظَمَةَ اللّهِ ، فَمَن أحَبَّهُم فَقَد أبغَضَنا ومَن أبغَضَهُم فَقَد أحَبَّنا ، ومَن والاهُم فَقَد عادانا ومَن عاداهم فَقَد والانا ، ومَن وَصَلَهُم فَقَد قَطَعَنا ومَن قَطَعَهُم فَقَد وَصَلَنا ، ومَن جَفاهُم فَقَد بَرَّنا ومَن بَرَّهُم فَقَد جَفانا ، ومَن أكرَمَهُم فَقَد أهانَنا ومَن أهانَهُم فَقَد أكرَمَنا ، ومَن قَبِلَهُم فَقَد رَدَّنا ومَن رَدَّهُم فَقَد قَبِلَنا ، ومَن أحسَنَ إلَيهِم فَقَد أساءَ إلَينا ومَن أساءَ إلَيهِم فَقَد أحسَنَ إلَينا ، ومَن صَدَّقَهُم فَقَد كَذَّبَنا ومَن كَذَّبَهُم فَقَد صَدَّقَنا ، ومَن أعطاهُم فَقَد حَرَمَنا ومَن حَرَمَهُم فَقَد أعطانا . يَابنَ خالِدٍ ، مَن كانَ مِن شيعَتِنا فَلا يَتَّخِذَنَّ مِنهُم وَلِيّا ولا نَصيرا . (1)
8 / 7ما يَدُلُّ عَلى بُطلانِ القَولِ بِالتَّفويضِالإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ ، وقد سُئِلَ عَنِ القَدَرِ _: عَزَّ عَن أن يَكونَ لَهُ فِي المُلكِ إلّا ما يَشاءُ . (2)
عنه عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَنِ القَضاءِ وَالقَدَرِ _: لا تَقولوا : وَكَلَهُمُ اللّهُ إلى أنفُسِهِم فَتُوَهِّنوهُ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ النّاسَ فِي القَدَرِ عَلى ثَلاثَةِ أوجُهٍ : ... ورُجُلٌ يَزعُمُ أنَّ الأَمرَ
.
ص: 295
مُفَوَّضٌ إلَيهِم ، فَهذا قَد أوهَنَ اللّهَ في سُلطانِهِ فَهُوَ كافِرٌ . (1)
عنه عليه السلام :اللّهُ أعَزَّ مِن أن يَكونَ في سُلطانِهِ ما لا يُريدُ . (2)
عنه عليه السلام_ وقَد سَأَلَهُ سائِلٌ : هَل أمرُهُم مُفَوَّضٌ إلَيهِم ؟ _: اللّهُ أعَزُّ مِن أن يُجَوِّزَ في مُلكِهِ ما لا يُريدُ . (3)
تفسير القمّي :سُئِلَ الصّادِقُ عليه السلام : أفَوَّضَ اللّهُ إلَى العِبادِ أمرا ؟ فَقالَ : اللّهُ أجَلُّ وأعظَمُ مِن ذلِكَ . (4)
التوحيد عن محمّد بن عجلان :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : فَوَّضَ اللّهُ الأَمرَ إلَى العِبادِ ؟ فَقالَ : اللّهُ أكرَمُ مِن أن يُفَوِّضَ إلَيهِم . (5)
الكافي عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ ، فَقُلتُ : اللّهُ فَوَّضَ الأَمرَ إلَى العِبادِ ؟ قالَ : اللّهُ أعَزُّ مِن ذلِكَ . (6)
الطرائف :رُوِيَ أنَّ الفَضلَ بنَ سَهلٍ سَأَلَ عَلِيَّ بنَ موسَى الرِّضا عليه السلام بَينَ يَدَيِ المَأمونِ ، فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ الخَلقُ مَجبورونَ ؟ فَقالَ : اللّهُ أعدَلُ مِن أن يُجبِرَ خَلقَهُ ثُمَّ يُعَذِّبَهُم .
.
ص: 296
قالَ : فَمُطلَقونَ ؟ قالَ : اللّهُ أحكَمُ مِن أن يُهمِلَ عَبدَهُ ويَكِلَهُ إلى نَفسِهِ . (1)
8 / 8ذَمُّ القائِلينَ بِالجَبرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :خَمسَةٌ لا تَطفَأُ نيرانُهُم ولا تَموتُ أبدانُهُم : رَجُلٌ أشرَكَ ، ورَجُلٌ عَقَّ (2) والِدَيهِ ، ورَجُلٌ سَعى بِأَخيهِ إلَى السُّلطانِ فَقَتَلَهُ ، ورَجُلٌ قَتَلَ نَفسا بِغَيرِ نَفسٍ ، ورَجُلٌ أذنَبَ وحَمَلَ ذَنبَهُ عَلَى اللّهِ عز و جل . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ قَومٌ يَعمَلونَ المَعاصِيَ ، ويَقولونَ : إنَّ اللّهَ تَعالى قَد قَدَّرَها عَلَيهِم ، الرّادُّ عَلَيهِم كَالشّاهِرِ سَيفَهُ في سَبيلِ اللّهِ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أهلَ الجَبرِيَّةِ مِن بَعدِ موسى قاتَلوا أهلَ النُّبُوَّةِ فَظَهَروا عَلَيهِم فَقَتَلوهُم زَمانا طَويلاً ، ثُمَّ إنَّ اللّهَ بَعَثَ فِتيَةً فَهاجَروا إلى غَبَرِ (5) آبائِهِم فَقاتَلَهُم (6) فَقَتَلوهُم . (7)
الطرائف عن محمّد بن عليّ المكّي بإسناده :إنَّ رَجُلاً قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أخبِرني بِأَعجَبِ شَيءٍ رَأَيتَ ؟ قالَ : رَأَيتُ قَوما يَنكِحونَ اُمَّهاتِهِم وبَناتِهِم وأخَواتِهِم ، فَإِذا قيلَ لَهُم : لِمَ تَفعَلونَ
.
ص: 297
ذلِكَ ؟ قالوا : قَضاهُ اللّهُ تَعالى عَلَينا وقَدَّرَهُ! فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : سَيَكونُ في اُمَّتي أقوامٌ يَقولونَ مِثلَ مَقالَتِهِم ، اُولئِكَ مَجوسُ اُمَّتي . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ تَعالى يُجبِرُ عِبادَهُ عَلَى المَعاصي أو يُكَلِّفُهُم ما لا يُطيقونَ فَلا تَأكُلوا ذَبيحَتَهُ ، ولا تَقبَلوا شَهادَتَهُ ، ولا تُصَلّوا وَراءَهُ ، ولا تُعطوهُ مِنَ الزَّكاةِ شَيئا . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :مَن قالَ بِالجَبرِ ، فَلا تُعطوهُ مِنَ الزَّكاةِ ، ولا تَقبَلوا لَهُ شَهادَةً ، إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يُكَلِّفُ نَفسا إلّا وُسعَها ، ولا يُحَمِّلُها فَوقَ طاقَتِها ، ولا تَكسِبُ كُلُّ نَفسٍ إلّا عَلَيها ، ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ اُخرى . (3)
8 / 9ذَمُّ القائِلينَ بِالتَّفويضِالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ النّاسَ في القَدَرِ عَلى ثَلاثَةِ أَوجُهٍ : ... و رَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ الأَمرَ مُفَوَّضٌ إلَيهِم ، فَهذا قَد أوهَنَ اللّهَ في سُلطانِهِ فَهُوَ كافِرٌ . (4)
.
ص: 298
الإمام الرضا عليه السلام :القائِلُ بِالتَّفويضِ مُشرِكٌ . (1)
8 / 10ذَمُّ القَدَرِيَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :صِنفانِ مِن اُمَّتي لَيسَ لَهُما فِي الإِسلامِ نَصيبٌ : المُرجِئَةُ (2) ، وَالقَدَرِيَّةُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :صِنفانِ مِن اُمَّتي لا تَنالُهُم شَفاعَتي يَومَ القِيامَةِ : المُرجِئَةُ ، وَالقَدَرِيَّةُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :صِنفانِ مِن اُمَّتي لا يَرِدانِ عَلَيَّ الحَوضَ ولا يَدخُلانِ الجَنَّةَ : القَدَرِيَّهُ وَالمُرجِئَةُ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :القَدَرِيَّةُ مَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ ، خُصَماءُ الرَّحمنِ وشُهَداءُ الزّورِ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :القَدَرِيَّةُ مَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ ، إن مَرِضوا فَلا تَعودوهُم ، وإن ماتوا فَلا
.
ص: 299
تَشهَدوهُم . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ اُمَّةٍ مَجوسٌ ومَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ القَدَرِيَّةُ ، فَإِن مَرِضوا فَلا تَعودوهُم ، وإن ماتوا فَلا تَشهَدوهُم ، وإن لَقيتُموهُم في طَريقٍ فَأَلجِئوهُم إلى ضيقِهِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تُجالِسوا أهلَ القَدَرِ ولا تُفاتِحوهُم . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :لُعِنَتِ القَدَرِيَّةُ عَلى لِسانِ سَبعينَ نَبِيّا . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ نادى مُنادٍ : ألا لِيَقُم خُصَماءُ اللّهِ ، ألا وهُمُ القَدَرِيَّةُ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :وَاللّهِ ما كَذَبتُ ولا كُذِبتُ ولَا ابتَدَعتُ ، ما نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ إلّا فِي القَدَرِيَّةِ خاصَّةً : «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَ_لٍ وَ سُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ» (6) ألا إنَّهُم مَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ ، فَإِن مَرِضوا فَلا تَعودوهُم ، وإن ماتوا فَلا تَشهَدوا جَنائِزَهُم ، سُبحانَ اللّهِ عَمّا يَقولونَ
.
ص: 300
عُلُوّا كَبيرا . (1)
صحيح مسلم عن أبي هريرة :جاءَ مُشرِكو قُرَيشٍ يُخاصِمونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فِي القَدَرِ ، فَنَزَلَت : «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ» . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :لِكُلِّ اُمَّةٍ مَجوسٌ ، ومَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ الَّذينَ يَقولونَ بِالقَدَرِ (3) . (4)
عنه عليه السلام :ما غَلا أحَدٌ في القَدَر إلّا خَرَجَ مِنَ الإِيمانِ . (5)
الإمام الباقر عليه السلام :مَا اللَّيلُ بِاللَّيلِ ولَا النَّهارُ بِالنَّهارِ أشبَهُ مِنَ المُرجِئَةِ بِاليَهودِيَّةِ ، ولا مِنَ القَدَرِيَّةِ بِالنَّصرانِيَّةِ . (6)
تفسير العيّاشي عن الحسن بن محمّد الجمّال عن بعض أصحابنا :بَعَثَ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ إلى عامِلِ المَدينَةِ أن وَجِّه إلَيَّ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ ولا تُهَيِّجهُ ولا تُرَوِّعهُ ، وَاقضِ لَهُ حَوائِجَهُ . وقَد كانَ وَرَدَ عَلى عَبدِ المَلِكِ رَجُلٌ مِنَ القَدَرِيَّهِ فَحَضَرَ جَميعُ مَن كانَ بِالشّامِ فَأَعياهُم جَميعا ، فَقالَ : ما لِهذا إلّا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ،
.
ص: 301
فَكَتَبَ إلى صاحِبِ المَدينَةِ أن يَحمِلَ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ إلَيهِ ، فَأَتاهُ صاحِبُ المَدينَةِ بِكِتابِهِ . فَقالَ لَهُ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : إنّي شَيخٌ كَبيرٌ لا أقوى عَلَى الخُروجِ ، وهذا جَعفَرٌ ابني يَقومُ مَقامي . فَوَجَّهَهُ إلَيهِ ، فَلَمّا قَدِمَ عَلَى الاُمَوِيِّ ازدَراهُ لِصِغَرِهِ وكَرِهَ أن يَجمَعَ بَينَهُ وبَينَ القَدَرِيِّ مَخافَةَ أن يَغلِبَهُ ، وتَسامَعَ النّاسُ بِالشّامِ بِقُدومِ جَعفَرٍ لِمُخاصَمَةِ القَدَرِيِّ ، فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ اجتَمَعَ النّاسُ بِخُصومَتِهِما . فَقالَ الاُمَوِيُّ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : إنَّهُ قَد أعيانا أمرُ هذَا القَدَرِيِّ ، وإنَّما كَتَبتُ إلَيكَ لِأَجمَعَ بَينَكَ وبَينَهُ ، فَإِنَّهُ لَم يَدَع عِندَنا أحَدا إلّا خَصَمَهُ . فَقالَ : إنَّ اللّهَ يَكفيناهُ . قالَ : فَلَمَّا اجتَمَعوا ، قالَ القَدَرِيُّ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : سَل عَمّا شِئتَ . فَقالَ لَهُ : اِقرَأ سورَةَ الحَمدِ ، قالَ : فَقَرَأَها ، وقالَ الاُمَوِيُّ _ وأنَا مَعَهُ _ : ما في سورَةِ الحَمدِ غُلِبْنا (1) ! إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ! قالَ : فَجَعَلَ القَدَرِيُّ يَقرَأُ سورَةَ الحَمدِ حَتّى بَلَغَ قَولَ اللّهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» . فَقالَ لَهُ جَعفَرٌ عليه السلام : قِف! مَن تَستَعينُ وما حاجَتُكَ إلَى المَعونَةِ ؟ إنَّ الأَمرَ إلَيكَ ! «فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّ__لِمِينَ» (2) . (3)
.
ص: 302
8 / 11مَعنَى القَدَرِيَّةِأ _ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ القَدَرِيَّةَ هُمُ المُفَوِّضَةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :القَدَرِيَّةُ الَّذينَ يَقولونَ : الخَيرُ وَالشَّرُّ بِأَيدينا ؛ لَيسَ لَهُم في شَفاعَتي نَصيبٌ ، ولا أنَا مِنهُم ولا هُم مِنّي . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ اُمَّةٍ مَجوسٌ ، ومَجوسُ اُمَّتِي الَّذينَ يَقولونَ : لا قَدَرَ ، إن مَرِضوا فَلا تَعودوهُم ، وإن ماتوا فَلا تَشهَدوهُم . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :ألا إنَّ لِكُلِّ اُمَّةٍ مَجوسا ، ومَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ (3) الَّذينَ يَقولونَ : لا قَدَرَ ، ويَزعُمونَ أنَّ المَشيئَةَ وَالقُدرَةَ إلَيهِم ولَهُم . (4)
رجال الكشّي عن ابن عبّاس :إنَّ خَليلي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ... أمَرَني أن أبرَأَ مِن خَمسَةٍ ...
.
ص: 303
مِنَ القَدَرِيَّةِ وهُمُ الَّذينَ ضاهُوا النَّصارى في دينِهِم فَقالوا : لا قَدَرَ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّهُ سَيَكونُ في اُمَّتي أقوامٌ يُكَذِّبونَ بِالقَدَرِ . (2)
سبل الهدى والرشاد عن ابن عباس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :صِنفانِ مِن اُمَّتي لا سَهمَ لَهُم فِي الإِسلامِ : المُرجِئَةُ وَالقَدَرِيَّةُ . قيلَ : ومَا المُرجِئَةُ ؟ قالَ صلى الله عليه و آله : الَّذين يَقولونَ : الإِيمانُ قَولٌ ولا عَمَلٌ (3) . قيلَ : فَمَا القَدَرِيَّةُ ؟ قالَ صلى الله عليه و آله : الَّذينَ يَقولونَ : لَم يُقَدَّرِ الشَّرُّ . (4)
جامع الأحاديث عن أبي اُمامة :أشهَدُ بِاللّهِ لَسَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَت فِي القَدَرِيَّةِ : « إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَ_لٍ وَ سُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ» . (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَعَنَ اللّهُ القَدَرِيَّةَ وقَد فَعَلَ ، لَعَنَ اللّهُ القَدَرِيَّةَ وقَد فَعَلَ ، لَعَنَ اللّهُ القَدَرِيَّةَ وقَد فَعَلَ . ما قالوا كَما قالَ اللّهُ ، ولا قالوا كَما قالَتِ المَلائِكَةُ ، ولا قالوا كَما قالَتِ الأَنبِياءُ ولا قالوا كَما قالَت أهلُ الجَنَّةِ ، ولا قالوا كَما قالَت أهلُ النّارِ ، ولا قالوا كَما قالَ الشَّيطانُ .
.
ص: 304
قالَ اللّهُ : «وَ مَا تَشَاءُونَ إِلَا أَن يَشَاءَ اللَّهُ» (1) وقالَتِ المَلائِكَةُ : «لَا عِلْمَ لَنَا إِلَا مَا عَلَّمْتَنَا» (2) وقالَتِ الأَنبِياءُ في قِصَّةِ نوحٍ : «وَ لَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ» (3) وقالَت أهلُ الجَنَّةِ : «وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ» (4) وقالَت أهلُ النّارِ : «رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا» (5) وقالَ الشَّيطانُ : «رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِى» (6) . (7)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ تَعالى : «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ» (8) _: إنَّ القَدَرِيَّةَ يَحتَجّونَ بِأَوَّلِها ، ولَيسَ كَما يَقولونَ ، ألا تَرى أنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ يَقولُ : «وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ» وقالَ نوحٌ عليه السلام : «وَ لَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ» قالَ : الأَمرُ إلَى اللّهِ يَهدي مَن يَشاءُ . (9)
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَ__لَةُ» (10) _: خَلَقَهُم حينَ خَلَقَهُم مُؤمِنا وكافِرا وشَقِيّا وسَعيدا وكَذلِكَ يَعودونَ يَومَ القِيامَةِ مُهتَدِيا وضالّاً يَقولُ : «إِنَّهُمُ اتَّخَذُواْ الشَّيَ_طِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ
.
ص: 305
أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ» (1) وهُمُ القَدَرِيَّةُ الَّذينَ يَقولونَ : لا قَدَرَ ، ويَزعُمونَ أنَّهُم قادِرونَ عَلَى الهُدى وَالضَّلالَةِ ، وذلِكَ إلَيهِم إن شاؤُوا اهتَدَوا وإن شاؤوا ضَلّوا ، وهُم مَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ، وكَذَبَ أعداءُ اللّهِ، المَشيئَةُ وَالقُدرَةُ للّهِِ «كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» مَن خَلَقَهُ اللّهُ شَقِيّا يَومَ خَلَقَهُ كَذلِكَ يَعودُ إلَيهِ شَقِيّا ، ومَن خَلَقَهُ سَعيدا يَومَ خَلَقَهُ كَذلِكَ يَعودُ إلَيهِ سَعيدا . قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الشَّقِيُّ مَن شَقِيَ في بَطنِ اُمِّهِ ، وَالسَّعيدُ مَن سَعِدَ في بَطنِ اُمِّهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :يا وَيحَ (3) هذِهِ القَدَرِيَّةِ ! إنَّما يَقرَؤونَ هذِهِ الآيَةَ : «إِلَا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَ_هَا مِنَ الْغَ_بِرِينَ» (4) وَيحَهُم مَن قَدَّرَها إلَا اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى . (5)
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ تَعالى : «وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَ_نَ إِلَا قَلِيلاً» (6) _: إنَّكَ لَتَسأَلُ عَن كَلامِ القَدَرِ (7) وما هُوَ مِن ديني ولا دينِ آبائي ، ولا وَجَدتُ أحَدا مِن أهلِ بَيتي يَقولُ بِهِ . (8)
عنه عليه السلام :إنَّ القَدَرِيَّةَ مَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ ، وهُمُ الَّذينَ أرادوا أن يَصِفُوا اللّهَ بِعَدلِهِ فَأَخرَجوهُ مِن سُلطانِهِ ، وفيهِم نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْمَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ» . (9)
.
ص: 306
الإمام الكاظم عليه السلام :مَساكينُ القَدَرِيَّةُ ، أرادوا أن يَصِفُوا اللّهَ عز و جل بِعَدلِهِ فَأَخرَجوهُ مِن قُدرَتِهِ وسُلطانِهِ . (1)
ب _ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ القَدَرِيَّةَ هُمُ الجَبرِيَّةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ حينَ قالَ : لُعِنَتِ القَدَرِيَّةُ عَلى لِسانِ سَبعينَ نَبِيّا ، فَقيلَ لَهُ : ومَنِ القَدَرِيَّهُ يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَقالَ : _قَومٌ يَزعُمونَ أنَّ اللّهَ سُبحانَهُ قَدَّرَ عَلَيهِمُ المَعاصِيَ وعَذَّبَهُم عَلَيها . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ قَومٌ يَعمَلونَ المَعاصِيَ ، ويَقولونَ : إنَّ اللّهَ تَعالى قَد قَدَّرَها عَلَيهِم ، الرّادُّ عَلَيهِم كَالشّاهِرِ سَيفَهُ في سَبيلِ اللّهِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ في جَوابِ رَجُلٍ شامِيٍّ _: لَعَلَّكَ أرَدتَ قَضاءً لازِما وقَدَرا حَتما ، لَو كانَ ذلِكَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوابُ وَالعِقابُ ، وسَقَطَ الوَعدُ وَالوَعيدُ ، وَالأَمرُ مِنَ اللّهِ وَالنَّهيُ ، وما كانَت تَأتي مِنَ اللّهِ لائِمَةٌ لِمُذنِبٍ ، ولا مَحمَدَةٌ لِمُحسِنٍ ، ولا كانَ المُحسِنُ أولى بِثَوابِ الإِحسانِ مِنَ المُذنِبِ ، ولَا المُذنِبُ أولى بِعُقوبَةِ الذَّنبِ مِنَ المُحسِنِ ، تِلكَ مَقالَةُ إخوانِ عَبَدَةِ الأَوثانِ ، وجُنودِ الشَّيطانِ ، وخُصَماءِ الرَّحمنِ ، وشُهَداءِ الزّورِ وَالبُهتانِ ، وأهلِ العَمى وَالطغُّيانِ ، هُم قَدَرِيَّةُ هذِهِ الاُمَّةِ ومَجوسُها . (4)
أعلام الدين :رُوِيَ أنَّ طاووسَ اليَمانِيَّ دَخَلَ عَلى جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ عليه السلام ، وكانَ يَعلَمُ أنَّهُ يَقولُ بِالقَدَرِ ، فَقالَ لَهُ : يا طاووسُ ، مَن أقبَلُ لِلعُذرِ مِنَ اللّهِ مِمَّنِ اعتَذَرَ وهُوَ
.
ص: 307
صادِقٌ فِي اعتِذارِهِ ؟ فَقالَ : لا أحَدَ أقبَلُ لِلعُذرِ مِنهُ . فَقالَ لَهُ : مَن أصدَقُ مِمَّن قالَ : لا أقدِرُ وهُوَ لا يَقدِرُ ؟ فَقالَ طاووسُ : لا أحَدَ أصدَقُ مِنهُ . فَقالَ لَهُ الصّادِقُ عليه السلام : يا طاووسُ ، فَما بالُ مَن هُوَ أقبَلُ لِلعُذرِ ، لا يَقبَلُ عُذرَ مَن قالَ : لا أقدِرُ ، وهُوَ لا يَقدِرُ ؟ فَقامَ طاووسُ وهُوَ يَقولُ : لَيسَ بَيني وبَينَ الحَقِّ عَداوَةٌ ، وَاللّهُ أعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسالاتِهِ ، فَقَد قَبِلتُ نَصيحَتَكَ . (1)
راجع : ص 52 (الاعتقاد بالجبر) .
.
ص: 308
. .
ص: 309
الفصل التّاسِعُ : دور القضاء والقدر في السَّعادة والشَّقاوة9 / 1السَّعيدُ سَعيدٌ في بَطنِ اُمِّهِ وكَذلِكَ الشَّقِيُّالكتاب«وَ بَرَّا بِوَ لِدَتِى وَ لَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :السَّعيدُ مَن سَعِدَ في بَطنِ اُمِّهِ ، وَالشَّقِيُّ مَن شَقِيَ في بَطنِ اُمِّهِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ النُّطفَةَ إذَا استَقَرَّت فِي الرَّحِمِ فَمَضى لَها أربَعونَ يَوما ... جاءَ مَلَكُ الرَّحِمِ فَصَوَّرَ عَظمَهُ ولَحمَهُ ودَمَهُ وشَعرَهُ وبَشَرَهُ وسَمعَهُ وبَصَرَهُ ، فَيَقولُ : يا رَبِّ أذَكَرٌ أم اُنثى ؟ يا رَبِّ أشَقِيٌّ أم سَعيدٌ ؟ فَيَقضِي اللّهُ عز و جل ما شاءَ ويَكتُبُ ، ثُمَّ يَقولُ : أي رَبِّ أيُّ شَيءٍ رِزقُهُ ؟ فَيَقضِي اللّهُ ما شاءَ ، فَيَكتُبُ ، ثُمَّ يُطوى بِالصَّحيفَةِ فَلا تُنشَرُ
.
ص: 310
إلى يَومِ القِيامَةِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :فَرَغَ اللّهُ إلى كُلِّ عَبدٍ مِن خَمسٍ : مِن أجَلِهِ ورِزقِهِ وأثَرِهِ وشَقِيٌّ أم سَعيدٌ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ في تَفسيرِ عِلمِ الغَيبِ _: يَعلَمُ اللّهُ سُبحانَهُ ما فِي الأَرحامِ مِن ذَكَرٍ أو اُنثى ، وقَبيحٍ أو جَميلٍ ، وسَخِيٍّ أو بَخيلٍ ، وشَقِيٍّ أو سَعيدٍ ، ومَن يَكونُ فِي النّارِ حَطَبا أو فِي الجِنانِ لِلنَّبِيّينَ مُرافِقا . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ داحِيَ المَدحُوّاتِ (4) ، وداعِمَ المَسموكاتِ ، وجابِلَ القُلوبِ عَلى فِطرَتِها ، شَقِيِّها وسَعيدِها ... . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام _ في دُعائِهِ _ :لَيتَ شِعري أَ لِلشَقاءِ وَلَدَتني اُمّي أم لِلعَناءِ رَبَّتني؟ فَلَيتَها لَم تَلُدني وَلَم تَرَبَّني وَلَيتَني عَلِمتُ أمِن أهلِ السَّعادَةِ جَعَلتَني ؟ وبِقُربِكَ وجِوارِكَ خَصَصتَني ؟ فَتَقِرَّ بِذلِكَ عَيني وتَطمَئِنَّ لَهُ نَفسي . (6)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: مَن كانَ مِن أهلِ السَّعادَةِ خَتَمتَ لَهُ بِها ، ومَن كانَ مِن أهلِ
.
ص: 311
الشَّقاوَةِ خَذَلتَهُ لَها . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَمّا خَلَقَ الخَلقَ مِن طينٍ أفاضَ بِها كَإِفاضَةِ القِداحِ (2) ، فَأَخرَجَ المُسلِمَ فَجَعَلَهُ سَعيدا ، وجَعَلَ الكافِرَ شَقِيّا . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّعادَةَ وَالشَّقاءَ قَبلَ أن يَخلُقَ خَلقهُ ، فَمَن خَلَقَهُ اللّهُ سَعيدا لَم يُبغِضهُ أبَدا ، وإن عَمِلَ شَرّا أبغَضَ عَمَلَهُ ولَم يُبغِضهُ ، وإن كانَ شَقِيّا لَم يُحِبَّهُ أبَدا ، وإن عَمِلَ صالِحا أحَبَّ عَمَلَهُ وأبغَضَهُ لِما يَصيرُ إلَيهِ ، فَإِذا أحَبَّ اللّهُ شَيئا لَم يُبغِضهُ أبَدا ، وإذا أبغَضَ شَيئا لَم يُحِبَّهُ أبَدا (4) . (5)
عنه عليه السلام :يُسلَكُ بِالسَّعيدِ في طَريقِ الأَشقِياءِ حَتّى يَقولَ النّاسُ : ما أشبَهَهُ بِهِم ، بَل هُوَ مِنهُم ثُمَّ يَتَدارَكُهُ السَّعادَةُ ، وقَد يُسلَكُ بِالشَّقِيِّ طَريقَ السُّعَداءِ حَتّى يَقولَ النّاسُ : ما أشبَهَهُ بِهِم بَل هُوَ مِنهُم ثُمَّ يَتَدارَكُهُ الشَّقاءُ ، إنَّ مَن كَتَبَهُ اللّهُ سَعيدا وإن لَم يَبقَ مِنَ الدُّنيا إلّا فُواقَ (6) ناقَةٍ خَتَمَ لَهُ بِالسَّعادَةِ . (7)
.
ص: 312
9 / 2مَعنى سَعادَةِ المَولودِ وشَقاوَتِهِ قَبلَ وِلادَتِهِالتوحيد عن محمّد بن أبي عمير :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ موسَى بنَ جَعفَرٍ عليه السلام عَن مَعنى قَولِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «الشَّقِيُّ مَن شَقِيَ في بَطنِ اُمِّهِ ، وَالسَّعيدُ مَن سَعِدَ في بَطنِ اُمِّهِ» ، فَقالَ : الشَّقِيُّ مَن عَلِمَ اللّهُ وهُوَ في بَطنِ اُمِّهِ أنَّهُ سَيَعمَلُ أعمالَ الأَشقِياءِ ، وَالسَّعيدُ مَن عَلِمَ اللّهُ وهُوَ في بَطنِ اُمِّهِ أنَّهُ سَيَعمَلُ أعمالَ السُّعَداءِ . قُلتُ لَهُ : فَما مَعنى قَولِهِ صلى الله عليه و آله : اِعمَلوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ . فَقال : إنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ الجِنَّ وَالإِنسَ لِيَعبُدوهُ ولَم يَخلُقهُم لِيَعصوهُ ، وذلِكَ قَولُهُ عز و جل : «وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ» (1) فَيَسَّرَ كُلّاً لِما خُلِقَ لَهُ ، فَالوَيلُ (2) لِمَنِ استَحَبَّ العَمى عَلَى الهُدى . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :كُنّا في جِنازَةٍ في بَقيعِ الغَرقَدِ (4) ، فَأَتانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَقَعَدَ وقَعَدنا حَولَهُ ومَعَهُ مِخصَرَةٌ (5) فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنكُتُ بِمِخصَرَتِهِ ، ثُمَّ قالَ : ما مِنكُم مِن أحَدٍ _ ما مِن نَفسٍ مَنفوسَةٍ _ إلّا كُتِبَ مَكانُها مِنَ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، وإلّا قَد كُتِبَ شَقِيَّةً أو سَعيدَةً . فَقالَ رَجُلٌ : يا رَسولَ اللّهِ ، أفَلا نَتَّكِلُ عَلى كِتابِنا ونَدَعُ العَمَلَ ، فَمَن كانَ مِنّا مِن
.
ص: 313
أهلِ السَّعادَةِ فَسَيَصيرُ إلى عَمَلِ أهلِ السَّعادَةِ ، وأمّا مَن كانَ مِنّا مِن أهلِ الشَّقاوَةِ فَسَيَصيرُ إلى عَمَلِ أهلِ الشَّقاوَةِ . قالَ : أمّا أهلُ السَّعادَةِ فَيُيَسَّرونَ لِعَمَلِ السَّعادَةِ ، وأمّا أهلُ الشَّقاوَةِ فَيُيَسَّرونَ لِعَمَلِ الشَّقاوَةِ ، ثُمَّ قَرَأَ : «فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَ اتَّقَى * وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى» (1) . (2)
سنن الترمذي عن عمر بن الخطّاب :لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَ سَعِيدٌ» (3) سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقُلتُ : يا نَبِيَّ اللّهِ فَعلى ما نَعمَلُ ؟ عَلى شَيءٍ قَد فُرِغَ مِنهُ أو عَلى شَيءٍ لَم يُفرَغ مِنهُ ؟ قالَ : بَل عَلى شَيءٍ قَد فُرِغَ مِنهُ وجَرَت بِهِ الأَقلامُ يا عُمَرُ ، ولكِن كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ . (4)
المعجم الكبير عن ابن عبّاس_ في قَولِهِ : «فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَ سَعِيدٌ» _: إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَحرِصُ أن يُؤمِنَ جَميعُ النّاسِ ويُتابِعوهُ عَلَى الهُدى ، فَأَخبَرَهُ اللّهُ أنَّهُ لا يُؤمِنُ إلّا مَن سَبَقَ لَهُ مِنَ السَّعادَةِ فِي الذِّكرِ الأَوَّلِ ، ولا يَضِلُّ إلّا مَن سَبَقَ لَهُ مِنَ الشَّقاءِ فِي الذِّكرِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ قالَ عز و جل لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «لَعَلَّكَ بَ_خِعٌ نَّفْسَكَ أَلَا يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ» (5) يَقولُ : «إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَ_لَّتْ أَعْنَ_قُهُمْ
.
ص: 314
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ يَنقُلُ العَبدَ مِنَ الشَّقاءِ إلَى السَّعادَةِ ولا يَنقُلُهُ مِنَ السَّعادَةِ إلَى الشَّقاءِ . (3)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ : فَمَا السَّعادَةُ ومَا الشَّقاوَةُ ؟ _: السَّعادَةُ سَبَبُ خَيرٍ تَمَسَّكَ بِهِ السَّعيدُ فَيَجُرُّهُ إلَى النَّجاةِ ، وَالشَّقاوَةُ سَبَبُ خِذلانٍ تَمَسَّكَ بِهِ الشَّقِيُّ فَيَجُرُّهُ إلَى الهَلَكَةِ ، وكُلٌّ بِعِلمِ اللّهِ (4) . (5)
الكافي عن أبي بصير :كُنتُ بَينَ يَدَي أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام جالِسا وقَد سَأَلَهُ سائِلٌ فَقالَ : جُعِلتُ فِداكَ يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، مِن أينَ لَحِقَ الشَّقاءُ أهلَ المَعصِيَةِ حَتّى حَكَمَ اللّهُ لَهُم في عِلمِهِ بِالعَذابِ عَلى عَمَلِهِم ؟ فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : أيُّهَا السّائِلُ ، حُكمُ اللّهِ عز و جل لا يَقومُ لَهُ أحَدٌ مِن خَلقِهِ بِحَقِّهِ ، فَلَمّا حَكَمَ بِذلِكَ وَهَبَ لِأَهلِ مَحَبَّتِهِ القُوَّةَ عَلى مَعرِفَتِهِ ، ووَضَعَ عَنهُم ثِقَلَ العَمَلِ بِحَقيقَةِ ما هُم أهلُهُ ، ووَهَبَ لِأَهلِ المَعصِيَةِ القُوَّةَ عَلى مَعصِيَتِهِم لِسَبقِ عِلمِهِ فيهِم ، ومَنَعَهُم إطاقَةَ القَبولِ مِنهُ ، فَوافَقوا ما سَبَقَ لَهُم في عِلمِهِ ولَم يَقدِروا أن
.
ص: 315
يَأتوا حالاً تُنجيهِم مِن عَذابِهِ ؛ لِأَنَّ عِلمَهُ أولى بِحَقيقَةِ التَّصديقِ ، وهُوَ مَعنى شاءَ ما شاءَ وهُوَ سِرُّهُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ في دُعائِهِ _: يا ذَا المَنِّ لا مَنَّ عَلَيكَ ، يا ذَا الطَّولِ (2) لا إلهَ إلّا أنتَ ، ظَهرَ اللّاجينَ ومَأمَنَ الخائِفينَ ، وجارَ المُستَجيرينَ ، إن كانَ عِندَكَ في اُمِّ الكِتابِ أنّي شَقِيٌّ أو مَحرومٌ أو مُقَتَّرٌ عَلَيَّ رِزقي ، فَامحُ مِن اُمِّ الكِتابِ شَقائي وحِرماني وإقتارَ رِزقي ، وَاكتُبني عِندَكَ سَعيدا مُوَفَّقا لِلخَيرِ ، مُوَسَّعا عَلَيَّ رِزقُكَ ، فَإِنَّكَ قُلتَ في كِتابِكَ المُنزَلِ عَلى نَبِيِّكَ المُرسَلِ صَلَواتُكَ عَلَيهِ وآلِهِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (3) . (4)
التوحيد عن عبد اللّه بن سلام :سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقُلتُ : أخبِرني أيُعَذِّبُ اللّهُ عز و جل خَلقا بِلا حُجَّةٍ ؟ فَقالَ صلى الله عليه و آله : مَعاذَ اللّهِ . قُلتُ : فَأَولادُ المُشرِكينَ فِي الجَنَّةِ أم فِي النّارِ ؟ فَقالَ صلى الله عليه و آله : اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أولى بِهِم ، إنَّهُ إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ وجَمَعَ اللّهُ عز و جل الخَلائِقَ لِفَصلِ القَضاءِ يَأتي بِأَولادِ المُشرِكينَ ، فَيَقولُ لَهُم : عَبيدي وإمائي مَن رَبُّكُم وما دينُكُم وما أعمالُكُم ؟
.
ص: 316
قالَ : فَيَقولونَ : اللّهُمَّ رَبَّنا أنتَ خَلَقتَنا ولَم نَخلُق شَيئا ، وأنتَ أمَتَّنا ولَم نُمِت شَيئا ، ولَم تَجعَل لَنا ألسِنَةً نَنطِقُ بها ولا أسماعا نَسمَعُ بِها ولا كِتابا نَقرَؤُهُ ولا رَسولاً فَنَتَّبِعَهُ ، ولا عِلمَ لَنا إلّا ما عَلَّمتَنا . قالَ : فَيَقولُ لَهُم عز و جل : عَبيدي وإمائي إن أمَرتُكُم بِأَمرٍ أتَفعَلوهُ ؟ فَيَقولونَ : السَّمعُ وَالطّاعَةُ لَكَ يا رَبَّنا . قالَ : فَيَأمُرُ اللّهُ عز و جل نارا يُقالُ لَهَا الفَلَقُ أشَدُّ شَيءٍ في جَهَنَّمَ عَذابا ، فَتَخرُجُ مِن مَكانِها سَوداءَ مُظلِمَةً بِالسَّلاسِلِ وَالأَغلالِ ، فَيَأمُرُهَا اللّهُ عز و جل أن تَنفُخَ في وُجوهِ الخَلائِقِ نَفخَةً ، فَتَنفُخُ ، فَمِن شِدَّةِ نَفخَتِها تَنقَطِعُ السَّماءُ وتَنطَمِسُ النُّجومُ وتَجمُدُ البِحارُ وتَزولُ الجِبالُ وتُظلِمُ الأَبصارُ وتَضَعُ الحَوامِلُ حَملَها ، ويَشيبُ الوِلدانُ مِن هَولِها يَومَ القِيامَةِ ، ثُمَّ يَأمُرُ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أطفالَ المُشرِكينَ أن يُلقوا أنفُسَهُم في تِلكَ النّارِ ، فَمَن سَبَقَ لَهُ في عِلمِ اللّهِ عز و جل أن يَكونَ سَعيدا ألقى نَفسَهُ فيها ، فَكانَت عَلَيهِ بَردا وسَلاما كَما كانَت عَلى إبراهيمَ عليه السلام ، ومَن سَبَقَ لَهُ في عِلمِ اللّهِ عز و جل أن يَكونَ شَقِيّا امتَنَعَ فَلَم يُلقِ نَفسَهُ فِي النّارِ ، فَيَأمُرُ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ النّارَ فَتَلتَقِطُهُ لِتَركِهِ أمرَ اللّهِ وَ امتِناعِهِ مِنَ الدُّخولِ فيها ، فَيَكونُ تَبَعا لِابائِهِ في جَهَنَّمَ وذلِكَ قَولُهُ عز و جل : «فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَ سَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ * خَ__لِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَ_وَ تُ وَ الْأَرْضُ إِلَا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِى الْجَنَّةِ خَ__لِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَ_وَ تُ وَ الْأَرْضُ إِلَا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَ_اءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» (1) . (2)
.
ص: 317
الكافي عن سهل بن زياد عن غير واحد رفعوه :إنَّهُ سُئِلَ عَنِ الأَطفالِ فَقالَ عليه السلام : إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ جَمَعَهُمُ اللّهُ وأجَّجَ لَهُم نارا وأمَرَهُم أن يَطرَحوا أنفُسَهُم فيها ، فَمَن كانَ في عِلمِ اللّهِ عز و جل أنَّهُ سَعيدٌ رَمى بِنَفسِهِ وكانَت عَلَيهِ بَردا وسَلاما ، ومَن كانَ في عِلمِهِ أنَّهُ شَقِيٌّ امتَنَعَ فَيَأمُرُ اللّهُ بِهِم إلَى النّارِ ، فَيَقولونَ : يا رَبَّنا ، تَأمُرُ بِنا إلَى النّارِ ولَم تُجرِ عَلَينَا القَلمَ ؟ فَيَقولُ الجَبّارُ : قَد أمَرتُكُم مُشافَهَةً فَلَم تُطيعوني ، فَكَيفَ ولَو أرسَلتُ رُسُلي بِالغَيبِ إلَيكُم . (1)
كتاب سليم بن قيس عن سليم :قُلتُ لِابنِ عَبّاسٍ : أخبِرني بِأَعظَمِ ما سَمِعتُم مِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ما هُوَ ؟ قالَ سُلَيمٌ : فَأَتاني بِشَيءٍ قَد كُنتُ سَمِعتُهُ أنَا مِن عَلِيٍّ عليه السلام . قالَ عليه السلام : دَعاني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وفي يَدِهِ كِتابٌ فَقالَ : يا عَلِيُّ دونَكَ هذَا الكِتابَ ، فَقُلتُ : يا نَبِيَّ اللّهِ وما هذَا الكِتابُ ؟ قالَ : كِتابٌ كَتَبَهُ اللّهُ ، فيهِ تَسمِيَةُ أهلِ السَّعادَةِ وأهلِ الشَّقاوَةِ مِن اُمَّتي إلى يَومِ القِيامَةِ ، أمَرَني رَبّي أن أدفَعَهُ إلَيكَ . (2)
.
ص: 318
. .
ص: 319
دراسةٌ حول السّعادة والشّقاء في بطن الاُمّيدلّ ظاهر هذا الحديث على أنّ السعادة والشقاء مقارنان للإنسان من حين ولادته، وأنّ سعادة البشر و شقاءهم محدّدان قبل أن يولدوا. فكلّ من كان سعيدا في بطن اُمّه سوف تقترن حياته بالسعادة بعد ولادته ، وإذا ما كُتب عليه أن يكون شقيّا في بطن اُمّه، فإنّه سيكون تعيسا بعد ولادته أيضا. وعلى هذا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: هل يدلّ هذا الحديث على كون الناس مجبورين في سلوك طريق السعادة والشقاء؟ قبل الإجابة على هذا السؤال من الضروري الالتفات إلى هذه الملاحظة : وهي أنّ الاعتقاد بالجبر _ كما أوضحنا بشكلٍ مفصّل فيما مضى _ يعني إنكار العلم الحضوريّ للإنسان باختياره وحرّيته ، كما يعني نسبة الظلم والفعل القبيح إلى اللّه تعالى ، وكذلك فإنّ الدين والشريعة والقيم الأخلاقيّة ستكون فاقدة للقيمة في حالة كون أفعال الإنسان إجباريّة. على أساس هذا المبدأ المسلّم به الّذي لا يقبل الشكّ، فإنّ القضاء والقدر الإلهيّين _ ومن جملتهما تقدير سعادة الإنسان أو شقائه لا مناص من تفسيرهما بشكلٍ بحيث لا يؤدّي إلى كون الإنسان مجبورا في اختيار طريق الحياة. يمكن القول مع أخذ هذه الملاحظة بنظر الاعتبار بأنّ الحديث المذكور يشير إلى أحد المعاني التالية :
.
ص: 320
1 . العلم الإلهي بسعادة البشر وشقائهم قبل ولادتهملا شكّ في أنّ اللّه يعلم بمصير جميع البشر قبل ولادتهم، ولكنّ من الواضح أنّ علم اللّه الأزليّ ليس سبب صدور أفعال الإنسان. بعبارةٍ اُخرى : فإنّ اللّه _ سبحانه _ يعلم الطريق الّذي يختاره كلّ إنسان بإرادته واختياره، على هذا فإنّ الإنسان ليس مجبرا على اختيار طريق الخير أو الشرّ . وقد روي هذا التفسير للحديث المذكور بحذافيره عن الإمام الكاظم عليه السلام : الشَّقيُّ مَن عَلِمَ اللّهُ وَهوَ في بَطنِ اُمِّهِ أَنَّهُ سَيَعمَلُ أَعمالَ الأَشقياءِ ، وَالسَّعيدُ مَن عَلِمَ اللّهُ وَهُوَ في بَطنِ اُمِّهِ أَنَّهُ سَيَعمَلُ أَعمال السُّعداء . (1) بعبارةٍ أوضح : إن كان معنى الحديث المذكور أنّ اللّه _ جلّ وعلا _ خلق عددا من الناس سعداء ومؤمنين بالفطرة، وخلق عددا آخر أشقياء كافرين، لكان الناس مجبرين على سلوك طريق السعادة أو الشقاء . ولكنّ الأمر ليس كذلك ، فخالق العالم لم يخلق أيّ إنسان شقيّا وكافرا، بل خلق الجميع موحّدين بالفطرة ، وقد جاء ذلك في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام : إنَّ اللّهَ خَلَقَ خَلقَهُ جَميعا مُسلِمينَ ، أَمَرَهُم وَنَهاهُم ، وَالكُفرُ اسمٌ يَلحَقُ الفِعلَ حينَ يِفعَلُهُ العَبدُ ، وَلَم يَخلُقِ اللّهُ العَبدَ حينَ خَلقَهُ كافِرا، إِنَّهُ إِنَّما كَفَرَ مِن بَعدِ أَن بَلَغَ وَقتا لَزِمَتهُ الحُجَّةُ مِنَ اللّهِ ، فَعَرَضَ عَلَيهِ الحَقَّ فَجَحَدَهُ ، فَبِإِنكارِهِ الحَقَّ صارَ كافِرا . (2)
2 . تقدير السعادة للمؤمن والشقاء للكافرإنّ المعنى الآخر للحديث المذكور:هو أنّ اللّه عز و جل قدّر السعادة فيبطون الاُمّهات للأبناء الّذين يعلم أنّهم يختارون في المستقبل الطريق الصحيح في الحياة ويؤمنون به، فيما
.
ص: 321
قدّر في بطون الاُمّهات الشقاء للأبناء الّذين يعلم أنّهم سيختارون في المستقبل الطريق الخاطئ ويكفرون به، وقد روي هذا المعنى في حديثٍ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : سَبَقَ العِلمُ وَجَفَّ القَلَمُ ، وَمَضَى القَدَرُ بِتَحقيقِ الكِتابِ وَتَصديقِ الرُّسُلِ ، وَبِالسَّعادَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل لِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وَبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وَكَفَرَ ، وَبِوَلايَةِ اللّهِ المُؤمِنينَ ، وَبَراءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ . (1) بناءً على ذلك ، فعلى الرغم من أنّ السعادة والشقاء يُقدّران من قبل اللّه ، إلّا أنّ السعادة والشقاء يعينان الإنسان على أساس الإيمان والكفر اللّذين هما عملان اختياريّان للإنسان .
3 . دور اختيار الإنسان في عالم الذرّ في سعادته وشقائهإنّ المعنى الثالث الّذي قُدّم للحديث المذكور ، هو أنّ اختيار الإنسان في عالم الذرّ الّذي كان قبل العالم الحالي، يؤثّر في تكوين سجيّته، وذلك وفقا لعدد من الروايات، بمعنى أنّ الأشخاص الّذين اختاروا في ذلك العالم الطريق الصحيح، فإنّ سجيّتهم في هذا العالم تميل أيضا إلى اختيار الطريق الصحيح الّذي يؤدّي إلى سعادتهم، وأمّا اُولئك الّذين اختاروا الطريق المعوجّ ، فإنّهم يميلون بطبيعتهم إلى الأعمال القبيحة الّتي تستوجب شقاءهم . ولكنّ اُولئك الّذين يميلون إلى الشرّ ، بإمكانهم أن يختاروا الطريق الصحيح ، واُولئك الّذين يميلون إلى الخير من الممكن أن يختاروا الطريق المنحرف، دون أن يكون هناك جبر أي في البين .
حصيلة البحثيبدو أنّ معنى الحديث المذكور هو المعنى الأوّل الّذي ورد في حديث الإمام الكاظم عليه السلام ، والتفسير الثاني يعود أيضا إلى المعنى الأوّل أيضاً ، وأمّا التفسير الثالث،
.
ص: 322
فإنّ انطباقه على الحديث «السَّعيدُ سَعيدٌ في بَطنِ اُمِّهِ ...» مشكل، فضلاً عن أنّه يقوم على وجود عالم الذرّ ، وهو بحاجة إلى البحث والدراسة. وممّا يجدر ذكره أنّ الروايات الاُخرى الّتي وردت في الباب السابق يمكن أن يُستند إليها في تفسير هذا الحديث وتبيينه، رغم أنّها لم تشر إلى معناه.
.
ص: 323
الفصل العاشِرُ : دور الإنسان في القضاء والقدر10 / 1دَورُ العَمَلِ في مَصيرِ الإِنسانِالكتاب«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :كَما تَكونونَ يُوَلّى _ أو يُؤَمَّرُ (2) _ عَلَيكُم . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا أرادَ اللّهُ بِقَومٍ سوءا جَعَلَ أمرَهُم إلى مُترَفيهِم . (4)
الإرشاد :كَتَبَ [عَلِيٌّ] عليه السلام بِالفَتحِ إلى أهلِ الكوفَةِ [بَعدَ حَربِ الجَمَلِ] : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ : مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى أهلِ الكوفَةِ : سَلامٌ عَلَيكُم فَإِنّي أحمَدُ إلَيكُمُ اللّهَ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، أمّا بَعدُ : فَإِنَّ اللّهَ حَكَمٌ عَدلٌ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا
.
ص: 324
ما بِأَنفُسِهِم ، وإذا أرادَ اللّهُ بِقَومٍ سوءا فَلا مَرَدَّ لَهُ وما لَهُم مِن دونِهِ مِن والٍ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في صِفَةِ أهلِ الصَّبرِ وَالمُقاوَمَةِ مِنَ المُؤمِنينَ _: لَم يَمُنُّوا عَلى اللّهِ بِالصَّبرِ ، وَلَم يَستَعظِموا بَذلَ أنفُسِهِم في الحَقِّ ، حَتّى إذا وافَقَ وارِدُ القَضاءِ انقِطاعَ مُدَّةِ البَلاءِ ، حَمَلوا بَصائِرَهُم عَلى أسيافِهِم ، ودانوا لِرَبِّهِم بِأَمرِ واعِظِهِم . (2)
عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ فِي استِبطاءِ مَن قَعَدَ عَن نُصرَتِهِ _: ما أظُنُّ هؤُلاءِ القَومَ _ يَعني أهلَ الشّامِ _ إلّا ظاهِرينَ عَلَيكُم ... أرى اُمورَهُم قَد عَلَت ونيرانَكُم قَد خَبَت ، وأراهُم جادّينَ وأراكُم وانينَ (3) ، وأراهُم مُجتَمِعينَ وأراكُم مُتَفَرِّقينَ ، وأراهُم لِصاحِبِهِم مُطيعينَ وأراكُم لي عاصينَ . (4)
عنه عليه السلام :وَاللّهِ لَقَد خَشيتُ أن يُدالَ هؤُلاءِ القَومُ عَلَيكُم بِصَلاحِهِم في أرضِهِم وفَسادِكُم في أرضِكُم ، وبِأَدائِهِمُ الأَمانَةَ وخِيانَتِكُم ، وبِطَواعِيَتِهِم إمامَهُم ومَعصِيَتِكُم لَهُ ، وَاجتِماعِهِم عَلى باطِلِهِم وتَفَرُّقِكُم عَلى حَقِّكُم . (5)
عنه عليه السلام_ في خُطبَتِهِ بَعدَ فَراغِهِ مِن أمرِ الخَوارِجِ _: إنَّ اللّهَ قَد أحسَنَ نَصرَكُم ، فَتَوَجَّهوا مِن فَورِكُم هذا إلى عَدُوِّكُم مِن أهلِ الشّامِ ... «يَ_قَوْمِ ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَ_سِرِينَ» (6) . (7)
.
ص: 325
الإمام الصادق عليه السلام :مَن يَموتُ بِالذُّنوبِ أكثَرُ مِمَّن يَموتُ بِالآجالِ ، ومَن يَعيشُ بِالإِحسانِ أكثَرُ مِمَّن يَعيشُ بِالأَعمارِ . (1)
10 / 2دَورُ الجِهادِ في حُسنِ القَضاءِالإمام عليّ عليه السلام_ في صِفَةِ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _: فَلَمّا رَأَى اللّهُ صِدقَنا أنزَلَ بِعَدُوِّنَا الكَبتَ (2) وأنزَلَ عَلَينَا النَّصرَ ، حَتَّى استَقَرَّ الإِسلامُ مُلقِيا جِرانَهُ (3) ومُتَبَوِّئا أوطانَهُ . (4)
عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ يَومَ صِفّينَ _: لَقَد كانَ الرَّجُلُ مِنّا وَالآخَرُ مِن عَدُوِّنا يَتَصاوَلانِ تَصاوُلَ الفَحلَينِ ، يَتَخالَسانِ أنفُسَهُما أيُّهُما يَسقي صاحِبَهُ كَأسَ المَنونِ ، فَمَرَّةً لَنا مِن عَدُوِّنا ومَرَّةً لِعَدُوِّنا مِنّا ، فَلَمّا رَآنَا اللّهُ صُبُرا صُدُقا أنزَلَ اللّهُ بِعَدُوِّنَا الكَبتَ ، وأنزَلَ عَلَينَا النَّصرَ . (5)
نهج السعادة عن الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الإِخبارِ عَمّا يَقَعُ بَعدَهُ _: ألا وإنَّهُ لا يَزالُ البَلاءُ بِكُم مِن بَعدي حَتّى يَكونَ المُحِبُّ لي وَالمُتَّبِعُ أذَلَّ في أهلِ زَمانِهِ مِن فَرخِ الأَمَةِ ! قالوا : ولِمَ ذلِكَ ؟
.
ص: 326
قالَ : ذلِكَ بِما كَسَبَت أيديكُم ، بِرِضاكُم بِالدَّنِيَّةِ فِي الدّينِ ، فَلَو أنَّ أحَدَكُم إذا ظَهَرَ الجَورُ مِن أئِمَّةِ الجَورِ باعَ نَفسَهُ مِن رَبِّهِ وأخَذَ حَقَّهُ مِنَ الجِهادِ لَقامَ دينُ اللّهِ ... . (1)
10 / 3دَورُ الأَعمالِ السَّيِّئَةِ في سوءِ القَضاءِالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا خَرَجَ إلى صِفّينَ ومَرَّ بِخَرائِبِ المَدائِنِ _: إنَّ هؤُلاءِ القَومَ كانوا وارِثينَ فَأَصبَحوا مَوروثينَ ، وإنَّ هؤُلاءِ القَومَ استَحَلُّوا الحُرُمَ فَحَلَّت بِهِمُ النِّقَمُ ، فَلا تَستَحِلُّوا الحُرُمَ فَتَحِلَّ بِكُمُ النِّقَمُ . (2)
الكافي عن أبي حمزة الثمالي :قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام في خُطبَتِهِ : أعوذُ بِاللّهِ مِنَ الذُّنوبِ الَّتي تُعَجِّلُ الفَناءَ . فَقامَ إلَيهِ عَبدُ اللّهِ بنُ الكَوّاءِ اليَشكُرِيُّ (3) فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أوَ تَكونُ ذُنوبٌ تُعَجِّلُ الفَناءَ ؟ فَقالَ : نَعَم وَيلَكَ ، قَطيعَةُ الرَّحِمِ ، إنَّ أهلَ البَيتِ لَيَجتَمِعونَ ويَتَواسَونَ وهُم فَجَرَةٌ فَيَرزُقُهُمُ اللّهُ ، وإنَّ أهلَ البَيتِ لَيَتَفَرَّقونَ ويَقطَعُ بَعضُهُم بَعضا فَيَحرِمُهُمُ اللّهُ وهُم أتقِياءُ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أبي عليه السلام يَقولُ : نَعوذُ بِاللّهِ مِنَ الذُّنوبِ الَّتي تُعَجِّلُ الفَناءَ وتُقَرِّبُ الآجالَ وتُخلِي الدِّيارَ ، وهِيَ قَطيعَةُ الرَّحِمِ وَالعُقوقُ وتَركُ البِرِّ . (5)
.
ص: 327
الكافي عن حذيفة بن منصور عن الإمام الصادق عليه السلام :اِتَّقُوا الحالِقَةَ فَإِنَّها تُميتُ الرِّجالَ ، قُلتُ : ومَا الحالِقَةُ ؟ قالَ : قَطيعَةُ الرَّحِمِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :كَما أنَّ بادِئَ النِّعَمِ مِنَ اللّهِ عز و جل وقَد نَحَلَكُموهُ ، فَكَذلِكَ الشَّرُّ مِن أنفُسِكُم وإن جَرى بِهِ قَدَرُهُ . (2)
عنه عليه السلام :إنَّ هذَا الأَمرَ لايَدَّعيهِ غَيرُ صاحِبِهِ إلّا تَبَّرَ (3) اللّهُ عُمُرَهُ . (4)
.
ص: 328
. .
ص: 329
الفصل الحادي عَشَرَ : الإيمان بالقضاء والقدر11 / 1مَعنَى الإِيمانِ بِالقَدَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَو كانَ لَكَ جَبَلُ اُحُدٍ ذَهَبا أنفَقتَهُ في سَبيلِ اللّهِ ما قَبِلَهُ اللّهُ مِنكَ حَتّى تُؤمِنَ بِالقَدَرِ ، وتَعلَمَ أنّ ما أصابَكَ لَم يَكُن لِيُخطِئَكَ وأنَّ ما أخطَأَكَ لَم يَكُن لِيُصيبَكَ ، وأنَّكَ إن مِتَّ عَلى غَيرِ هذا دَخَلتَ النّارَ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يُؤمِنُ عَبدٌ حَتّى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ ، حَتّى يَعلَمَ أنَّ ما أصابَهُ لَم يَكُن لِيُخطِئَهُ ، وأنَّ ما أخطَأَهُ لَم يَكُن لِيُصيبَهُ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ أحَدَكُم لَن يَخلُصَ الإيمانُ إلى قَلبِهِ ، حَتّى يَستَيقِنَ يَقينا غَيرَ ظَنٍّ أنَّ ما أصابَهُ لَم يَكُن لِيُخطِئَهُ وما أخطَأَهُ لَم يَكُن لِيُصيبَهُ ، ويُقِرَّ بِالقَدَرِ كُلِّهِ . (3)
.
ص: 330
11 / 2وُجوبُ الإِيمانِ بِالقَدَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الإِيمانُ بِالقَدَرِ نِظامُ التَّوحيدِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ القَدَرَ نِظامُ التَّوحيدِ ، فَمَن وَحَّدَ اللّهَ وآمَنَ بِالقَدَرِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حَتّى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ وحُلوِهِ ومُرِّهِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يُؤمِنُ عَبدٌ حَتّى يُؤمِنَ بِأَربَعَةٍ : حَتّى يَشهَدَ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأنّي رَسولُ اللّهِ بَعَثَني بِالحَقِّ ، وحَتّى يُؤمِنَ بِالبَعثِ بَعدَ المَوتِ ، وحَتّى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله_ وقَد سُئِلَ عَنِ الإِيمانِ _: أن تُؤمِنَ بِاللّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، وَالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لايَجِدُ حَلاوَةَ الإِيمانِ حَتّى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ حُلوِهِ ومُرِّهِ . (6)
.
ص: 331
عنه صلى الله عليه و آله :ما بَلَغَ عَبدٌ حَقيقَةَ الإِيمانِ حَتّى يَعلَمَ أنَّ ما أصابَهُ لَم يَكُن لِيُخطِئَهُ ، وما أخطَأَهُ لَم يَكُن لِيُصيبَهُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَتَّقِي اللّهَ عَبدٌ حَقَّ تُقاتِهِ ، حَتّى يَعلَمَ أنَّ ما أصابَهُ لَم يَكُن لِيُخطِئَهُ ، وما أخطَأَهُ لَم يَكُن لِيُصيبَهُ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ حينَما ذُكِرَ عِندَهُ القَدَرُ وكَلامُ الاِستِطاعَةِ _: هذا كَلامٌ خَبيثٌ ، أنَا عَلى دينِ آبائي لا أرجِعُ عَنهُ ، القَدَرُ حُلوُهُ ومُرُّهُ مِنَ اللّهِ ، وَالخَيرُ وَالشَّرُّ كُلُّهُ مِنَ اللّهِ . (3)
11 / 3تَحريمُ التَّكذيبِ بِالقَدَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن لَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ فَأَنَا مِنهُ بَريءٌ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كَذَّبَ بِالقَدَرِ ، فَقَد كَفَرَ بِما جِئتُ بِهِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :قالَ رَبُّ العِزَّةِ جَلَّ جَلالُهُ : مَن آمَنَ بي ولَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ فَليَلتَمِس رَبّا غَيري . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ قَومٌ يُكَذِّبونَ بِالقَدَرِ ، ألا اُولئِكَ مَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ ، فَإِن
.
ص: 332
مَرِضوا فَلا تَعودوا (1) ، وإن ماتوا فَلا تَشهَدوهُم . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ مَجوسَ هذِهِ الاُمَّةِ المُكَذِّبونَ بِأَقدارِ اللّهِ ، إن مَرِضوا فَلا تَعودوهُم ، وإن ماتوا فَلا تَشهَدوهُم ، وإن لَقيتُموهُم فَلا تُسَلِّموا عَلَيهِم . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثَةٌ لا يُقبَلُ مِنهُم يَومَ القِيامَةِ صَرفٌ ولا عَدلٌ (4) : عاقٌّ ، ومَنّانٌ (5) ، ومُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :أربَعَةٌ لا يَنظُرُ اللّهُ إلَيهِم يَومَ القِيامَةِ : عاقٌّ ، ومَنّانٌ ، ومُكَذِّبٌ بِالقَدَرِ ، ومُدمِنُ خَمرٍ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :سِتَّةٌ لَعَنَهُمُ اللّهُ وكُلُّ نَبِيٍّ مُجابٍ : الزّائِدُ في كِتابِ اللّهِ ، وَالمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللّهِ ، وَالتّارِكُ لِسُنَّتي ، وَالمُستَحِلُّ مِن عِترَتي ما حَرَّمَ اللّهُ ، وَالمُتَسَلِّطُ بِالجَبَروتِ لِيُذِلَّ مَن أعَزَّهُ اللّهُ ويُعِزَّ مَن أذَلَّهُ اللّهُ ، وَالمُستَأثِرُ بِفَيءِ المُسلِمينَ المُستَحِلُّ لَهُ . (8)
.
ص: 333
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اُمَّتي لا تَزالُ مُستَمكِنَةً مِن دينِها ما لَم يُكَذِّبوا بِالقَدَرِ ، فَإِذا كَذَّبوا بِالقَدَرِ فَعِندَ ذلِكَ هَلاكُهُم . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :ما هَلَكَت اُمَّةٌ قَطُّ حَتّى تُشرِكَ بِاللّهِ ، وما أشرَكَت اُمَّةٌ بِاللّهِ حَتّى يَكونَ أوَّلُ شِركِهَا التَّكذيبَ بِالقَدَرِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :ما هَلَكَت اُمَّةٌ قَطُّ إلّا بِالشِّركِ بِاللّهِ عز و جل ، وما أشرَكَت اُمَّةٌ حَتّى يَكونَ بُدُوُّ شِركِهَا التَّكذيبَ بِالقَدَرِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :أخافُ عَلى اُمَّتي مِن بَعدي خَصلَتَينِ : تَكذيبا بِالقَدَرِ ، وتَصديقا بِالنُّجومِ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثٌ أخافُ عَلى اُمَّتي : الاِستِسقاءُ بِالأَنواءِ (5) ، وحَيفُ (6) السُّلطانِ ، وتَكذيبٌ بِالقَدَرِ . (7)
الإمام عليّ عليه السلام :لَيسَ مِنّا مَن لَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ . (8)
.
ص: 334
الإمام الحسن عليه السلام :مَن لَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ ، فَقَد فَجَر . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :يُحشَرُ المُكَذِّبونَ بِقَدَرِ اللّهِ مِن قُبورِهِم قَد مُسِخوا قِرَدَةً وخَنازيرَ . (2)
11 / 4ما لا يُنافِي الإِيمانَ بِالقَدَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الدَّواءُ مِنَ القَدَرِ ، وقَد يَنفَعُ بِإِذنِ اللّهِ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ وقيلَ لَهُ : يا رَسولَ اللّهِ رُقىً (4) يُستَشفى بِها ، هَل تَرُدُّ مِن قَدَرِ اللّهِ ؟ فَقالَ _ : إنَّها مِن قَدَرِ اللّهِ . (5)
سنن الترمذي عن أبي خزامة عن أبيه :سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أرَأَيتَ رُقىً نَستَرقيها ودَواءً نَتَداوَى بِهِ وتُقاةً نَتَّقيها ، هَل تَرُدُّ مِن قَدَرِ اللّهِ شَيئا ؟ قالَ : هِيَ مِن قَدَرِ اللّهِ . (6)
التوحيد عن الأصبغ بن نباتة :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عَدَلَ مِن عِندِ حائِطٍ مائِلٍ إلى حائِطٍ آخَرَ ، فَقيلَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أتَفِرُّ مِن قَضاءِ اللّهِ ؟
.
ص: 335
فَقالَ : أفِرُّ مِن قَضاءِ اللّهِ إلى قَدَرِ اللّهِ عز و جل . (1)
التوحيد عن عليّ بن سالم عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ عَنِ الرُّقى أتَدفَعُ مِنَ القَدَرِ شَيئا ؟ فَقالَ : هِيَ مِنَ القَدَرِ . (2)
11 / 5ما يوهِمُ تَنافِيَ الإِيمانِ بِالقَدَرِ وَالتَّدبيرِالإمام عليّ عليه السلام :رُبَّ حَياةٍ سَبَبُهَا التَّعَرُّضُ لِلمَوتِ ، ورُبَّ ميتَةٍ سَبَبُهَا طَلَبُ الحَياةِ . (3)
الكافي عن زيد الشحّام عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ جَلَسَ إلى حائِطٍ مائِلٍ يَقضي بَينَ النّاسِ ، فَقالَ بَعضُهُم : لا تَقعُد تَحتَ هذَا الحائِطِ فَإِنَّهُ مُعوِرٌ . فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ : حَرَسَ امرَءاً أجَلُهُ . فَلَمّا قامَ سَقَطَ الحائِطُ . قالَ : وكانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام مِمّا يَفعَلُ هذا وأشباهَهُ ، وهذَا اليَقينُ . (4)
الكافي عن سعيد بن قيس الهمداني :نَظَرتُ يَوما فِي الحَربِ إلى رَجُلٍ عَلَيهِ ثَوبانِ ، فَحَرَّكتُ فَرَسي فَإِذا هُوَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ في مِثلِ هذَا المَوضِعِ ؟ فَقالَ : نَعَم يا سَعيدَ بنَ قَيسٍ ، إنَّهُ لَيسَ مِن عَبدٍ إلّا ولَهُ مِنَ اللّهِ حافِظٌ وواقِيَةٌ ، مَعَهُ مَلَكانِ يَحفَظانِهِ مِن أن يَسقُطَ مِن رَأسِ جَبَلٍ أو يَقَعَ في بِئرٍ ، فَإِذا نَزَلَ
.
ص: 336
القَضاءُ خَلَّيا بَينَهُ وبَينَ كُلِّ شَيءٍ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ مَعَ كُلِّ إنسانٍ مَلَكَينِ يَحفَظانِهِ ، فَإِذا جاءَ القَدَرُ خَلَّيا بَينَهُ وبَينَهُ . (2)
.
ص: 337
توضيح حول ما يدل في الظاهر على التنافي بين التقدير والتدبيريبدو من خلال النظرة الأوّليّة إلى أحاديث هذا الباب أنّ الإيمان بالتقدير يتنافى مع التخطيط والتدبير للحياة ، ولكن يتّضح عبر التأمّل في هذا الموضوع أنّ هذا التنافي ظاهريّ . وقد جاء توضيح هذا الموضوع في الحديث الأوّل : رُبَّ حياةٍ سَبَبُها التَّعَرُّضُ لِلَموتِ ، وَرُبَّ مَنيَّةٍ سَبَبُها طَلَبُ الحياةِ . (1) وهذا الحديث يُسلّط الضوء على حقيقة هي أنّ التدبير ليس مفيدا دائما ، بل إنّه قد يتمخّض عن نتيجة عكسيّة . بناءً على ذلك ، فإنّ المؤمن يجب أن لا يعتمد على الأسباب اعتمادا كاملاً ، بل يجب أن يضمن مستقبله من خلال التدبير إلى جانب الإستعانة باللّه _ تعالى _ والتوكّل عليه . في الحقيقة فإنّ هذا الحديث يريد بيان حقيقة هي أنّ التوكّل متمّم ومكمّل للتدبير ، فما أكثر ما لا يتمخّض التدبير عن النتيجة المرجوّة ، أو قد يعطي نتيجة عكسيّة . إنّ الحديث الثاني (2) من الباب يدلّ على أنّ الإمام عليّا عليه السلام كان جالسا إلى جوار جدارٍ مائلٍ وآيل إلى السقوط وهو منشغل في القضاء ، وعندما طُلب منه أن يقوم من مكانه لم يعر أهمّية وواصل عمله ، مستدّلاً بأنّ «الأجل» يحرس الإنسان ، ثمّ
.
ص: 338
انهدم الجدار بعد نهوضه . إلى جانب ذلك روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً في حادثة مشابهة ، أنّه نهض من جوار الجدار الّذي كان من المحتمل أن يسقط ، وعندما قال له أصحابه معترضين : يا أميرالمؤمنين ، أتفرّ من قضاء اللّه ؟ قال عليه السلام : «أَفِرُّ مِن قَضاءِ اللّهِ إلى قَدَرِ اللّه » (1) . وهذا يعني أنّ إصابة الشخص الّذي يجلس تحت جدار مائل هي قضاء إلهي ، كما أنّ عدم إصابة الشخص الهارب منه هو تقديره ، ولكن أيّا منهما ليس قضاءً حتميّا ، وعلى الإنسان أن ينتقل من قضاءٍ إلى آخر حفاظا على حياته . بناءً على ذلك ، فعلى فرض صحّة الرواية الّتي تدلّ على ما يخالف هذا الحديث ، يجب القول إنّه عليه السلام لم يفعل شيئا للحفاظ على حياته _ مثل ما جاء في الحديث الثالث (2) من الباب من أنّ الإمام عليه السلام دخل ميدان القتال دون درع وبثوبين فقط _ ؛ لأنّه كان يعلم أنه لا يصيبه ضرر لهذا لم يأت بما يحافظ به على حياته . أمّا الحديث الرابع (3) الّذي يدلّ على وجود ملكين مكلّفين بالحفاظ على حياة الإنسان حتّى يدركه التقدير الإلهي ، فيبدو أنّ المراد من التقدير فيه هو التقدير الحتميّ ، الذي لا ينفع معه أيّ سعي وتدبير ، وليس المقصود منه التقديرات المعلّقة والموقوفة والقابلة للبداء الّتي يستطيع الإنسان أن يغيّر مصيره عبر التدبير والتوكّل والدعاء . وبما أنّ الإنسان لا يحيط علما بمقدّراته القطعيّة وغير القطعيّة ، فإنّ عليه دوما أن يحول دون المشاكل المحتملة في الحياة من خلال السعي والتدبير إلى جانب الاستعانة باللّه ويصنع مصيرا أفضل لنفسه .
.
ص: 339
الفصل الثّاني عَشَرَ : الرِّضا بالقضاء والقدر12 / 1الحَثُّ عَلَى الرِّضا بِالقَضاءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ ابنِ آدَمَ رِضاهُ بِما قَضَى اللّهُ لَهُ ، ومِن شَقاوَةِ ابنِ آدَمَ تَركُهُ استِخارَةَ اللّهِ ، ومِن شَقاوَةِ ابنِ آدَمَ سَخَطُهُ بِما قَضَى اللّهُ لَهُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ ابنِ آدَمَ رِضاهُ بِما قَسَمَ اللّهُ لَهُ . (2)
معاني الأخبار عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه رفعه :جاءَ جَبرَئيلُ عليه السلام إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أرسَلَني إلَيكَ بِهَدِيَّةٍ لَم يُعطِها أحَدا قَبلَكَ . قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قُلتُ : وما هِيَ ؟ قالَ : الصَّبرُ وأحسَنُ مِنهُ . قُلتُ : وما هُوَ ؟ قالَ : الرِّضا . (3)
.
ص: 340
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ناجى داوودُ رَبَّهُ ، فَقالَ : إلهي لِكُلِّ مَلِكٍ خِزانَةٌ ، فَأَينَ خِزانَتُكَ ؟ فَقالَ جَلَّ جَلالُهُ : لي خِزانَةٌ أعظَمُ مِنَ العَرشِ ، وأوسَعُ مِنَ الكُرسِيِّ ، وأطيَبُ مِنَ الجَنَّةِ ، وأزيَنُ مِنَ المَلَكوتِ ... لَها أربَعَةُ أبوابٍ : العِلمُ وَالحِلمُ وَالصَّبرُ وَالرِّضا ؛ ألا وهِيَ القَلبُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :الإِيمانُ في عَشَرَةٍ : المَعرِفَةِ وَالطّاعَةِ ، وَالعِلمِ وَالعَمَلِ ، وَالوَرَعِ وَالاِجتِهادِ ، وَالصَّبرِ وَاليَقينِ ، وَالرِّضا وَالتَّسليمِ ؛ فَأَيَّها فَقَدَ صاحِبُهُ بَطَلَ نِظامُهُ . (2)
شعب الإيمان عن عبادة بن الصلت :قالَ رَجُلٌ : يا رَسولَ اللّهِ أيُّ العَمَلِ أفضَلُ ؟ قالَ : الصَّبرُ وَالسَّماحَةُ . قالَ : اُريدُ أفضَلَ مِن ذلِكَ . قالَ : لا تَتَّهِمِ اللّهَ في شَيءٍ مِن قَضائِهِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :كُن أبَدا راضِيا بِما يَأتي بِهِ القَدَرُ . (4)
عنه عليه السلام :مِن أفضَلِ الإِيمانِ الرِّضا بِما يَأتي بِهِ القَدَرُ . (5)
عنه عليه السلام :الإِيمانُ أربَعَةُ أركانٍ : الرِّضا بِقَضاءِ اللّهِ ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللّهِ ، وتَفويضُ الأَمرِ إلَى اللّهِ ، وَالتَّسليمُ لِأَمرِ اللّهِ . (6)
.
ص: 341
عنه عليه السلام :طوبى لِمَن ذَكَرَ المَعادَ ، وعَمِلَ لِلحِسابِ ، وقَنِعَ بِالكَفافِ ، ورَضِيَ عَنِ اللّهِ . (1)
عنه عليه السلام :نِعمَ القَرينُ الرِّضا . (2)
عنه عليه السلام :إنَّكَ لَن تَحمِلَ إلَى الآخِرَةِ عَمَلاً أنفَعَ لَكَ مِنَ : الصَّبرِ وَالرِّضا ، وَالخَوفِ وَالرِّجاءِ . (3)
عنه عليه السلام :غايَةُ الدّينِ الرِّضا . (4)
عنه عليه السلام :الدّينُ شَجَرَةٌ أصلُهَا التَّسليمُ وَالرِّضا . (5)
الإمام الكاظم عليه السلام :رَفَعَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَومٌ في بَعضِ غَزَواتِهِ ، فَقالَ : مَنِ القَومُ ؟ فَقالوا : مُؤمِنونَ يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : وما بَلَغَ مِن إيمانِكُم ؟ قالوا : الصَّبرُ عِندَ البَلاءِ ، وَالشُّكرُ عِندَ الرَّخاءِ ، وَالرِّضا بِالقَضاءِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : حُلَماءُ عُلَماءُ ، كادوا مِنَ الفِقهِ أن يَكونوا أنبِياءَ إن كُنتُم كَما تَصِفونَ ، فَلا تَبنوا ما لا تَسكُنونَ ، ولا تَجمَعوا ما لا تَأكُلونَ ، وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذي إلَيهِ تُرجَعونَ . (6)
.
ص: 342
الإمام عليّ عليه السلام :ما قَضَى اللّهُ سُبحانَهُ عَلى عَبدٍ قَضاءً فَرَضِيَ بِهِ ، إلّا كانَتِ الخِيَرَةُ لَهُ فيهِ . (1)
عنه عليه السلام :أغضِ (2) عَلَى القَذى وَالأَلَمِ ، تَرضَ أبَدا . (3)
عنه عليه السلام :ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ فَقَد رُزِقَ خَيرَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؛ هُنَّ : الرِّضا بِالقَضاءِ وَالصَّبرُ عَلَى البَلاءِ ، وَالشُّكرُ فِي الرَّخاءِ . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الصَّبرُ وَالرِّضا عَنِ اللّهِ رَأسُ طاعَةِ اللّهِ ، ومَن صَبَرَ ورَضِيَ عَنِ اللّهِ فيما قَضى عَلَيهِ فيما أحَبَّ أو كَرِهَ ، لَم يَقضِ اللّهُ عز و جل لَهُ فيما أحَبَّ أو كَرِهَ إلّا ما هُوَ خَيرٌ لَهُ . (5)
الكافي عن هاشم بن البريد :إنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ عليه السلام عَنِ الزُّهدِ فَقالَ : عَشَرَةُ أشياءَ فَأَعلى دَرَجَةِ الزُّهدِ أدنى دَرَجَةِ الوَرَعِ وأعلى دَرَجَةِ الوَرَعِ أدنى دَرَجَةِ اليَقينِ وأعلى دَرَجَةِ اليَقينِ أدنى دَرَجَةِ الرِّضا . ألا وإنَّ الزُّهدَ في آيَةٍ مِن كِتابِ اللّهِ عز و جل : «لِكَيْلَا تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَا ءَاتَاكُمْ» (6) . (7)
الإمام الباقر عليه السلام :مَن رَضِيَ بِالقَضاءِ أتى عَلَيهِ القَضاءُ وعَظَّمَ اللّهُ أجرَهُ ، ومَن سَخِطَ
.
ص: 343
القَضاءَ مَضى عَلَيهِ القَضاءُ وأحبَطَ اللّهُ أجرَهُ . (1)
عنه عليه السلام :العَبدُ بَينَ ثَلاثَةٍ : بَلاءٍ وقَضاءٍ ونِعمَةٍ ، فَعَلَيهِ فِي البَلاءِ مِنَ اللّهِ الصَّبرُ فَريضَةً وعَلَيهِ فِي القَضاءِ مِنَ اللّهِ التَّسليمُ فَريضَةً ، وعَلَيهِ فِي النِّعمَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل الشُّكرُ فَريضَةً . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ في ذِكرِ ما فَرَضَ اللّهُ عَلَى الجَوارِحِ مِنَ الإِيمانِ _: أمّا ما فَرَضَ عَلَى القَلبِ مِنَ الإِيمانِ ، فَالإِقرارُ وَالمَعرِفَةُ وَالعَقدُ وَالرِّضا . (3)
الكافي عن علاء بن كامل :كُنتُ جالِسا عِندَ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فَصَرَخَت صارِخَةٌ مِنَ الدّارِ ، فَقامَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام ثُمَّ جَلَسَ فَاستَرجَعَ (4) ، وعادَ في حَديثِهِ حَتّى فَرَغَ مِنهُ ، ثُمَّ قالَ : إنّا لَنُحِبُّ أن نُعافى في أنفُسِنا وأولادِنا وأموالِنا ، فَإِذا وَقَعَ القَضاءُ فَلَيسَ لنا أن نُحِبَّ ما لَم يُحِبَّ اللّهُ لَنا . (5)
الكافي عن أحمد بن عمر :دَخَلتُ عَلى أبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام أنَا وحُسَينُ بنُ ثُوَيرِ بنِ أبي فاخِتَةَ ، فَقُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ، إنّا كُنّا في سَعَةٍ مِنَ الرِّزقِ وغَضارَةٍ (6) مِنَ العَيشِ ، فَتَغَيَّرَتِ الحالُ بَعضَ التَّغييرِ ، فَادعُ اللّهَ عز و جل أن يَرُدَّ ذلِكَ إلَينا .
.
ص: 344
فَقالَ : أيَّ شَيءٍ تُريدونَ تَكونونَ مُلوكا ؟ أيَسُرُّكَ أن تَكونَ مِثلَ طاهِرٍ وهَرثَمَةَ (1) ، وأنَّكَ عَلى خِلافِ ما أنتَ عَلَيهِ ؟ قُلتُ : لا وَاللّهِ ما يَسُرُّني أنَّ لِيَ الدُّنيا بِما فيها ذَهَبا وفِضَّةً وأنّي عَلى خِلافِ ما أنَا عَلَيهِ . قالَ : فَقالَ : فَمَن أيسَرَ مِنكُم فَليَشكُرِ اللّهَ ، إنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» (2) وقالَ سُبحانَهُ وتَعالى : «اعْمَلُواْ ءَالَ دَاوُدَ شُكْرًا وَ قَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ» (3) وأحسِنُوا الظَّنَّ بِاللّهِ فَإِنَّ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام كانَ يَقولُ : مَن حَسُنَ ظَنُّهُ بِاللّهِ كانَ اللّهُ عِندَ ظَنِّهِ بِهِ ، ومَن رَضِيَ بِالقَليلِ مِنَ الرِّزقِ قَبِلَ اللّهُ مِنهُ اليَسيرَ مِنَ العَمَلِ ، ومَن رَضِيَ بِاليَسيرِ مِنَ الحَلالِ خَفَّت مَؤُونَتُهُ وتَنَعَّمَ أهلُهُ ، وبَصَّرَهُ اللّهُ داءَ الدُّنيا ودَواءَها ، وأخرَجَهُ مِنها سالِما إلى دارِ السَّلامِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: اِصبِر عَلَى الدَّهرِ لا تَغضَب عَلى أحَدٍ فَلا تَرى غَيرَ ما فِي اللَّوحِ مَحفوظُ ولا تُقيمَنَّ بِدارٍ لَا انتِفاعَ بِها فَالأَرضُ واسِعَةٌ وَالرِّزقُ مَبسوطُ (5)
.
ص: 345
12 / 2التَّحذيرُ مِن عَدَمِ الرِّضا بِالقَضاءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ : مَن لَم يَرضَ بِقَضائي ولَم يُؤمِن بِقَدَري ، فَليَلتَمِس إلها غَيري . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ جَلَّ ثَناؤُهُ يَقولُ : وعِزَّتي وجَلالي ، ما خَلَقتُ مِن خَلقي خَلقا أحَبَّ إلَيَّ مِن عَبدِيَ المُؤمِنِ ، ولِذلِكَ سَمَّيتُهُ بِاسمي مُؤمِنا ، لَأَحرِمُهُ ما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وهِيَ خِيَرَةٌ لَهُ مِنّي ، وإنّي لَاُمَلِّكُهُ ما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وهِيَ خِيَرَةٌ لَهُ مِنّي ، فَليَرضَ بِقَضائي ، وَليَصبِر عَلى بَلائي ، وَليَشكُر نَعمائي ، أكتُبهُ يا مُحَمَّدُ مِنَ الصِّدّيقينَ عِندي . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِمّا أوصى بِهِ عَلِيّا عليه السلام _: يا عَلِيُّ شَرُّ النّاسِ مَنِ اتَّهَمَ اللّهَ في قَضائِهِ . (3)
مسند ابن حنبل عن عبادة بن الصامت :إنَّ رَجُلاً أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا نَبِيَّ اللّهِ ، أيُّ العَمَلِ أفضَلُ ؟ قالَ : الإِيمانُ بِاللّهِ ، وتَصديقٌ بِهِ ، وجِهادٌ في سَبيلِهِ . قالَ : اُريدُ أهوَنَ مِن ذلِكَ يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : السَّماحَةُ وَالصَّبرُ .
.
ص: 346
قالَ : اُريدُ أهوَنَ مِن ذلِكَ يا رَسولَ اللّهِ . قال : لاتَتَّهِمِ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ في شَيءٍ قَضى لَكَ بِهِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :إن كُنتَ غَيرَ قانِعٍ بِقَضائِهِ وقَدَرِهِ ، فَاطلُب رَبّا سِواهُ . (2)
عنه عليه السلام :أشَدُّ النّاسِ عَذابا يَومَ القِيامَةِ ، المُتَسَخِّطُ لِقَضاءِ اللّهِ . (3)
عنه عليه السلام :ألا فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن طاعَةِ ساداتِكُم وكُبَرائِكُم ، الَّذينَ تَكَبَّروا عَن حَسَبِهِم ، وتَرَفَّعوا فَوقَ نَسَبِهِم ، وألقَوُا الهَجينَةَ (4) عَلى رَبِّهِم ، وجاحَدُوا (5) اللّهَ عَلى ما صَنَعَ بِهِم ، مُكابَرَةً لِقَضائِهِ ، ومُغالَبَةً لِالائِهِ . (6)
عنه عليه السلام :مَن أصبَحَ عَلَى الدُّنيا حَزينا ، فَقَد أصبَحَ لِقَضاءِ اللّهِ ساخِطا . (7)
عنه عليه السلام :مَن لَم يَرضَ بِالقَضاءِ دَخَلَ الكُفرُ دينَهُ . (8)
عنه عليه السلام :لا تَتَوَلَّ أهلَ السَّخَطِ ، ولا تُسخِط أهلَ الرِّضا . (9)
الإمام الكاظم عليه السلام :حَدَّثَني أبي أنَّ موسَى بنَ عِمرانَ قالَ : يا رَبِّ أيُّ عِبادِكَ شَرٌّ ؟ قالَ: الَّذي يَتَّهِمُني .
.
ص: 347
قالَ : يا رَبِّ ، وفي عِبادِكَ مَن يَتَّهِمُكَ ؟ قالَ : نَعَم الَّذي يَستَجيرُني ، ثُمَّ لا يَرضى بِقَضائي ! (1)
12 / 3مَبادِئُ الرِّضا بِالقَضاءِأ _ العَقلُالإمام عليّ عليه السلام :حَدُّ العَقلِ النَّظَرُ فِي العَواقِبِ ، وَالرِّضا بِما يَجري بِهِ القَضاءُ . (2)
عنه عليه السلام :كُلَّمَا ازدادَ عَقلُ الرَّجُلِ ، قَوِيَ إيمانُهُ بِالقَدَرِ . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :يَنبَغي لِمَن عَقَلَ عَنِ اللّهِ ألّا يَستَبطِئَهُ في رِزقِهِ ، ولا يَتَّهِمَهُ في قَضائِهِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :ما أعجَبَ هذَا الإِنسانَ مَسرورٌ بِدَركِ ما لَم يَكُن لِيَفوتَهُ ، مَحزونٌ عَلى فَوتِ ما لَم يَكُن لِيُدرِكَهُ ، ولَو أنَّهُ فَكَّرَ لَأَبصَرَ وعَلِمَ أنَّهُ مُدَبَّرٌ ، وأنَّ الرِّزقَ عَلَيهِ مُقَدَّرٌ ، ولَاقتَصَرَ عَلى ما تَيَسَّرَ ، ولَم يَتَعَرَّض لِما تَعَسَّرَ . (5)
.
ص: 348
ب _ اليَقينُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَمّا أهبَطَ اللّهُ آدَمَ إلَى الأَرضِ قامَ وِجاهَ (1) الكَعبَةِ فَصَلّى رَكعَتَينِ ، فَأَلهَمَهُ اللّهُ هذَا الدُّعاءَ : . . . اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ إيمانا يُباشِرُ قَلبي ، ويَقينا صادِقا حَتّى أعلَمَ أنَّهُ لا يُصيبُني إلّا ما كَتَبتَ لي ، ورِضا بِما قَسَمتَ لي . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الرِّضا ثَمَرَةُ اليَقينِ . (3)
عنه عليه السلام :أصلُ الرِّضا حُسنُ الثِّقَةِ بِاللّهِ . (4)
عنه عليه السلام :بِالرِّضا بِقَضاءِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلى حُسنِ اليَقينِ . (5)
عنه عليه السلام :مَن قَوِيَ دينُهُ أيقَنَ بِالجَزاءِ ورَضِيَ بِمَواقِعِ القَضاءِ . (6)
عنه عليه السلام :إن عَقَدتَ إيمانَكَ فَارضَ بِالمَقضِيِّ عَلَيكَ ولَكَ ، ولا تَرجُ أحَدا إلَا اللّهَ ، وَانتَظِر ما أتاكَ بِهِ القَدَرُ . (7)
عنه عليه السلام :كَيفَ يَرضى بِالقَضاءِ مَن لَم يَصدُق يَقينُهُ ؟! (8)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ أولِياءِ اللّهِ سُبحانَهُ _: إن أوحَشَتهُمُ الغُربَةُ آنَسَهُم ذِكرُكَ ، وإن صُبَّت عَلَيهِمُ المَصائِبُ لَجَؤوا إلَى الاِستِجارَةِ بِكَ ، عِلما بِأَنَّ أزِمَّةَ (9) الاُمورِ بِيَدِكَ ، ومَصادِرَها
.
ص: 349
عَن قَضائِكَ . (1)
الإمام الحسن عليه السلام :مَنِ اتَّكَلَ عَلى حُسنِ الاِختِيارِ مِنَ اللّهِ لَهُ ، لَم يَتَمَنَّ أنَّهُ في غَيرِ الحالِ الَّتِي اختارَهَا اللّهُ لَهُ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الرِّضا بِمَكروهِ القَضاءِ أرفَعُ دَرَجاتِ اليَقينِ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :أحَقُّ خَلقِ اللّهِ أن يُسَلِّمَ لِما قَضَى اللّهُ عز و جل ، مَن عَرَفَ اللّهَ عز و جل . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أعلَمَ النّاسِ بِاللّهِ ، أرضاهُم بِقَضاءِ اللّهِ عز و جل . (5)
عنه عليه السلام :لَقِيَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ فَقالَ : يا عَبدَ اللّهِ ، كَيفَ يَكونُ المُؤمِنُ مُؤمِنا وهُوَ يَسخَطُ قِسمَهُ ، ويُحَقِّرُ مَنزِلَتَهُ ، وَالحاكِمُ عَلَيهِ اللّهُ ؟! (6)
عنه عليه السلام :اِعلَموا أنَّهُ لَن يُؤمِنَ عَبدٌ مِن عَبيدِهِ حَتّى يَرضى عَنِ اللّهِ فيما صَنَعَ اللّهُ إلَيهِ ، وصَنَعَ بِهِ عَلى ما أحَبَّ وكَرِهَ ، ولَن يَصنَعَ اللّهُ بِمَن صَبَرَ ورَضِيَ عَنِ اللّهِ إلّا ما هُوَ أهلُهُ ، وهُوَ خَيرٌ لَهُ مِمّا أحَبَّ وكَرِهَ . (7)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ إيمانا تُباشِرُ بِهِ قَلبي ، ويَقينا صادِقا حَتّى يَذهَبَ بِالشَّكِّ عَنّي ، حَتّى أعلَمَ أنَّهُ لَن يُصيبَني إلّا ما كَتَبتَ لي ، وَالرِّضا بِما قَسَمتَ لي ، اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ
.
ص: 350
نَفسا طَيِّبَةً تُؤمِنُ بِلِقائِكَ ، وتَقنَعُ بِعَطائِكَ ، وتَرضى بِقَضائِكَ ... . (1)
الكافي عن يونس :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : ... فَأَيُّ شَيءٍ اليَقينُ ؟ قالَ : التَّوَكُّلُ عَلَى اللّهِ ، وَالتَّسليمُ للّهِِ ، وَالرِّضا بِقَضاءِ اللّهِ ، وَالتَّفويُض إلَى اللّهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :بَينا موسى _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ يَمشي عَلى ساحِلِ البَحرِ ، إذ جاءَ صَيّادٌ فَخَرَّ لِلشَّمسِ ساجِدا وتَكَلَّمَ بِالشِّركِ ، ثُمَّ ألقى شَبَكَتَهُ فَأَخرَجَها مَملُوَّةً ، ثُمَّ عادَ فَأَخرَجَ مِثلَ ذلِكَ حَتَّى اكتَفى ، ثُمَّ مَضى فَجاءَ آخَرُ فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ قامَ فَصَلّى وحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ ألقى شَبَكَتَهُ فَلَم يَخرُج لَهُ شَيءٌ ، ثُمَّ أعادَ فَخَرَجَت إلَيهِ سَمَكَةٌ صَغيرَةٌ فَحَمِدَ اللّهَ وَانصَرَفَ . فَقالَ موسى : يا رَبِّ ؛ جاءَ عَبدُكَ الكافِرُ فَأَلقى شَبَكَتَهُ ثَلاثا فَخَرَجَت لَهُ مَملُوَّةً ، ثُمَّ جاءَ عَبدُكَ المُؤمِنُ فَتَوَضَّأَ فَأَسبَغَ الوُضوءَ ، ثُمَّ صَلّى وحَمِدَكَ ودَعاكَ ، ثُمَّ ألقى شَبَكَتَهُ ثَلاثا فَخَرَجَت لَهُ سَمَكَةٌ صَغيرَةٌ فَحَمِدَكَ وَانصَرَفَ ! فَأَوحَى اللّهُ إلَيهِ يا موسى اُنظُر عَن يَمينِكَ ، فَنَظَرَ موسى فَكُشِفَ لَهُ الغِطاءُ عَمّا أعَدَّ اللّهُ لِعَبدِهِ المُؤمِنِ ، ثُمَّ قيلَ : يا موسى ! ، اُنظُر عَن يَسارِكَ ، فَنَظَرَ فَكُشِفَ لَهُ الغِطاءُ عَمّا أعَدَّ اللّهُ لِعَبدِهِ الكافِرِ . ثُمَّ قالَ : يا موسى ، ما ضَرَّ هذا ما صَنَعتُ بِهِ ، وما نَفَعَ هذا ما أعطَيتُهُ . فَقالَ موسى : يا رَبِّ حَقٌّ لِمَن عَرَفَكَ أن يَرضى بِما صَنَعتَ . (3)
.
ص: 351
ج _ الدُّعاءُالإمام عليّ عليه السلام :أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله رَجُلٌ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله إنَّ نَفسي لا تَشبَعُ ولا تَقنَعُ . فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قُلِ : اللّهُمَّ رَضِّني بِقَضائِكَ ، وصَبِّرني عَلى بَلائِكَ ، وبارِك لي في أقدارِكَ ، حَتّى لا اُحِبَّ تَعجيلَ شَيءٍ أخَّرتَهُ ، ولا تَأخيرَ شَيءٍ عَجَّلتَهُ . (1)
عنه عليه السلام :جَلَستُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا أبا حَسَنٍ إنَّما أحَبُّ إلَيكَ خَمسُمِئَةِ شاةٍ ورُعاتُها أهَبُها لَكَ ، أو خَمسُ كَلِماتٍ اُعَلِّمُكَهُنَّ تَدعو بِهِنَّ ؟ فَقُلتُ لَهُ : بِأَبي أنتَ واُمّي ، أمّا مَن يُريدُ الدُّنيا فَيُريدُ خَمسَمِئَةِ شاةٍ ورُعاتَها ، وأمّا مَن يُريدُ الآخِرَةَ فَيُريدُ خَمسَ كَلِماتٍ ، قالَ : فَأَيَّهُما تُريدُ ؟ قُلتُ : الخَمسَ كَلِماتٍ . قالَ : فَقُلِ : اللّهُمَّ اغفِرلي ذَنبي ، وطَيِّب لي كَسبي ، ووَسِّع لي في خُلُقي ، ومَتِّعني بِما قَسَمتَ لي ، ولا تَذهَب بِنَفسي إلى شَيءٍ قَد صَرَفتَهُ عَنّي . (2)
عنه عليه السلام_ في دُعاءٍ عَلَّمَهُ لِكُمَيلِ بنِ زِيادٍ النَّخَعِيِّ _: اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ سُؤالَ خاضِعٍ مُتَذَلِّلٍ خاشِعٍ ، أن تُسامِحَني وتَرحَمَني وتَجعَلَني بِقِسمِكَ راضِيا قانِعا ، وفي جَميعِ الأَحوالِ مُتَواضِعا . (3)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: اللّهُمَّ ... وأسأَلُكَ أن تَرزُقَني شُكرَ نِعمَتِكَ ، وصَبرا عَلى بَلِيَّتِكَ ،
.
ص: 352
ورِضىً بِقَدَرِكَ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ إذا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ _: اللّهُمَّ ... وأسأَلُكَ الرِّضا بِالقَضاءِ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ يَقولُ : اللّهُمَّ مُنَّ عَلَيَّ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيكَ ، وَالتَّفويضِ إلَيكَ ، وَالرِّضا بِقَدَرِكَ ، وَالتَّسليمِ لِأَمرِكَ ، حَتّى لا اُحِبَّ تَعجيلَ ما أخَّرتَ ولا تَأخيرَ ما عَجَّلتَ ، يا رَبَّ العالَمينَ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وطَيِّب بِقَضائِكَ نَفسي ، ووَسِّع بِمَواقِعِ حُكمِكَ صَدري ، وهَب لِيَ الثِّقَةَ لِأُقِرَّ مَعَها بِأَنَّ قَضاءَكَ لَم يَجرِ إلّا بِالخِيَرَةِ . (4)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، ووَفِّقني لِقَبولِ ما قَضَيتَ لي وعَلَيَّ ، ورَضِّني بِما أخَذتَ لي ومِنّي . (5)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ عِندَ المَرَضِ _: اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وحَبِّب إلَيَّ ما رَضيتَ لي ، ويَسِّر لي ما أحلَلتَ بي . (6)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَارزُقنِي الحَقَّ عِندَ تَقصيري فِي الشُّكرِ لَكَ
.
ص: 353
بِما أنعَمتَ عَلَيَّ فِي اليُسرِ وَالعُسرِ وَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ ، حَتّى أتَعَرَّفَ مِن نَفسي رَوحَ الرِّضا وطُمَأنينَةَ النَّفسِ مِنّي بِما يَجِبُ لَكَ ، فيما يَحدُثُ في حالِ الخَوفِ وَالأَمنِ وَالرِّضا وَالسُّخطِ وَالضَّرِّ وَالنَّفعِ . (1)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي الاِستِخارَةِ _: اللّهُمَّ إنّي أستَخيرُكَ بِعِلمِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍوآلِهِ، وَاقضِ لي بِالخِيَرَةِ وألهِمنا مَعرِفَةَ الاِختِيارِ، وَاجعَل ذلِكَ ذَريعَةً إلَى الرِّضا بِما قَضَيتَ لَنا وَالتَّسليمِ لِما حَكَمتَ فأَزِح عَنّا رَيبَ الاِرتِيابِ، وأيِّدنا بِيَقينِ المُخلِصينَ. ولا تَسُمنا عَجزَ المَعرِفَةِ عَمّا تَخَيَّرتَ فَنَغمِطَ قَدرَكَ، ونَكرَهَ مَوضِعَ رِضاكَ، ونَجنَحَ إلَى الَّتي هِيَ أبعَدُ مِن حُسنِ العاقِبَةِ، وأقرَبُ إلى ضِدِّ العافِيَةِ . حَبِّب إلَينا ما نَكرَهُ مِن قَضائِكَ ، وسَهِّل عَلَينا ما نَستَصعِبُ مِن حُكمِكَ ، وألهِمنَا الاِنقِيادَ لِما أورَدتَ عَلَينا مِن مَشِيَّتِكَ حَتّى لا نُحِبَّ تَأخيرَ ما عَجَّلتَ ولا تَعجيلَ ما أخَّرتَ ولا نَكرَهَ ما أحبَبتَ ولا نَتَخَيَّرَ ما كَرِهتَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :زارَ زَينُ العابِدينَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام قَبرَ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ووَقَفَ عَلَى القَبرِ فَبَكى ، ثُمَّ قالَ : ... اللّهُمَّ فَاجعَل نَفسي مُطمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ ، راضِيَةً بِقَضائِكَ . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ رَضِّني بِقَضائِكَ وبارِك لي في قَدَرِكَ ، حَتّى لا اُحِبَّ تَعجيلَ ما
.
ص: 354
أخَّرتَ ولا تَأخيرَ ما عَجَّلتَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ في دُعائِهِ _: اللّهُمَّ لابُدَّ مِن أمرِكَ ، ولابُدَّ مِن قَدَرِكَ ، ولابُدَّ مِن قَضائِكَ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِكَ ، اللّهُمَّ فَما قَضَيتَ عَلَينا مِن قَضاءٍ وقَدَّرتَ عَلَينا مِن قَدَرٍ فَأَعطِنا مَعَهُ صَبرا يَقهَرُهُ ويَدمَغُهُ ، وَاجعَلهُ لَنا صاعِدا في رِضوانِكَ ، يَنمي في حَسَناتِنا وتَفضيلِنا وسُؤدَدِنا وشَرَفِنا ومَجدِنا ونَعمائِنا وكَرامَتِنا فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، ولا تَنقُصهُ مِن حَسَناتِنا ... . (2)
د _ فَضلُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا أرادَ اللّهُ عز و جل بِعَبدٍ خَيرا أرضاهُ بِما قَسَمَ لَهُ وبارَكَ لَهُ فيهِ ، وإذا لَم يُرِد بِهِ خَيرا لَم يُرضِهِ بِما قَسَمَ لَهُ ولَم يُبارِك لَهُ فيهِ . (3)
12 / 4مَوانِعُ الرِّضا بِالقَضاءِالإمام عليّ عليه السلام :كَيفَ يَقدِرُ عَلى إعمالِ الرِّضا ، القَلبُ المُتَوَلِّهُ (4) بِالدُّنيا ؟! (5)
.
ص: 355
عنه عليه السلام :مَن كَثُرَ مُناهُ قَلَّ رِضاهُ . (1)
عنه عليه السلام :الشَّرِهُ (2) لا يَرضى . (3)
عنه عليه السلام :لَن يُلقَى الشَّرِهُ راضِيا . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :سَمِعتُ أبي مُحَمَّدا الباقِرَ عليه السلام يَقولُ : تَعَلُّقُ القَلبِ بِالمَوجودِ شِركٌ ، وبِالمَفقودِ كُفرٌ ، وهُما خارِجانِ عَن سُنَّةِ الرِّضا ، وأعجَبُ مِمَّن يَدَّعِي العُبودِيَّةَ للّهِِ ، كَيفَ يُنازِعُهُ في مَقدوراتِهِ ؟ حاشَا الرّاضينَ العارِفينَ عَن ذلِكَ . (5)
12 / 5آثارُ الرِّضا بِالقَضاءِأ _ التَّقَرُّبُ إلَى اللّهِ ورِضوانُهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أوحَى اللّهُ تَعالى إلى موسى عليه السلام : إنَّكَ لَن تَتَقَرَّبَ إلَيَّ بِشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ مِنَ الرِّضا بِقَضائي ، ولَن تَعمَلَ عَمَلاً أحبَطَ لِحَسَناتِكَ مِنَ الكِبرِ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن رَضِيَ عَنِ اللّهِ ، رَضِيَ اللّهُ عَنهُ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ لَيَرضى عَنِ العَبدِ أن يَأكُلَ الأَكلَةَ فَيَحمَدَهُ عَلَيها ، أو يَشرَبَ الشَّربَةَ
.
ص: 356
فَيَحمَدَهُ عَلَيها . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :تَحَرَّ رِضَا اللّهِ بِرِضاكَ بِقَدَرِهِ . (2)
عنه عليه السلام :إنَّكُم إن صَبَرتُم عَلَى البَلاءِ ، وشَكَرتُم فِي الرَّخاءِ ، ورَضيتُم بِالقَضاءِ ، كانَ لَكُم مِنَ اللّهِ سُبحانَهُ الرِّضا . (3)
عنه عليه السلام :عَلامَةُ رِضَا اللّهِ سُبحانَهُ عَنِ العَبدِ ، رِضاهُ بِما قَضى بِهِ سُبحانَهُ لَهُ وعَلَيهِ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ فيما ناجَى اللّهُ بِهِ موسَى بنَ عِمرانَ عليه السلام : أن يا موسى ، ما خَلَقتُ خَلقا هُوَ أحَبُّ إلَيَّ مِن عَبدِيَ المُؤمِنِ ، وإنّي إنَّما أبتَليهِ لِما هُوَ خَيرٌ لَهُ ، وأزوي عَنهُ ما يَشتَهيهِ لِما هُوَ خَيرٌ لَهُ ، واُعطيهِ لِما هُوَ خَيرٌ لَهُ ، وأنَا أعلَمُ بِما يَصلُحُ عَبدي فَليَصبِر عَلى بَلائي ، وَليَشكُر نَعمائي ، وَليَرضَ بِقَضائي ، أكتُبهُ فِي الصِّدّيقينَ عِندي إذا عَمِلَ بِما يُرضيني ، وأطاعَ أمري . (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن رَضِيَ مِنَ اللّهِ بِاليَسيرِ مِنَ الرِّزقِ ، رَضِيَ اللّهُ مِنهُ بِاليَسيرِ مِنَ العَمَلِ . (6)
.
ص: 357
كنز الفوائد :قالَ لُقمانُ الحَكيمُ لِابنِهِ في وَصِيَّتِهِ : يا بُنَيَّ ، أحُثُّكَ عَلى سِتِّ خِصالٍ ، لَيسَ مِنها خَصلَةٌ ، إلّا وهِيَ تُقَرِّبُكَ إلى رِضوانِ اللّهِ عز و جل ، وتُباعِدُكَ مِن سَخَطِهِ : الاُولى : أن تَعبُدَ اللّهَ ولا تُشرِكَ بِهِ شَيئا . وَالثّانِيَةُ : الرِّضا بِقَضاءِ اللّهِ فيما أحبَبتَ وكَرِهتَ . وَالثّالِثَةُ : أن تُحِبَّ فِي اللّهِ وتُبغِضَ فِي اللّهِ . وَالرّابِعَةُ : تُحِبُّ لِلنّاسِ ما تُحِبُّ لِنَفسِكَ ، وتَكرَهُ لَهُم ما تَكرَهُ لِنَفسِكَ . وَالخامِسَةُ : تَكظِمُ الغَيظَ ، وتُحسِنُ إلى مَن أساءَ إلَيكَ . وَالسّادِسَةُ : تَركُ الهَوى ، ومُخالَفَةُ الرَّدى . (1)
ب _ ذَهابُ الحُزنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الإِيمانُ بِالقَدَرِ يُذهِبُ الهَمَّ وَالحَزَنَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل بِحِكمَتِهِ وفَضلِهِ ، جَعَلَ الرَّوحَ وَالفَرَحَ فِي اليَقينِ وَالرِّضا ، وجَعَلَ الهَمَّ وَالحَزَنَ فِي الشَّكِّ وَالسَّخَطِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :الرِّضا يَنفِي الحُزنَ . (4)
.
ص: 358
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :كانَ تَحتَ الجِدارِ الَّذي ذَكَرَهُ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ : «وَ كَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا» (1) لَوحٌ مِن ذَهَبٍ ، مَكتوبٌ فيهِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، عَجَبا لِمَن أيقَنَ بِالمَوتِ كَيفَ يَفرَحُ ، وعَجَبا لِمَن أيقَنَ بِالقَدَرِ كَيفَ يَحزَنُ ، وعَجَبا لِمَن أيقَنَ بِزَوالِ الدُّنيا وتَقَلُّبِها بِأَهلِها كَيفَ يَطمَئِنُّ قَلبُهُ إلَيها ، لا إلهَ إلَا اللّهُ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن رَضِيَ بِقِسمِ اللّهِ ، لَم يَحزَن عَلى ما فاتَهُ . (3)
عنه عليه السلام :مَن رَضِيَ بِما قَسَمَ اللّهُ لَهُ ، لَم يَحزَن عَلى ما في يَدِ غَيرِهِ . (4)
عنه عليه السلام :مَن أيقَنَ بِالقَدَرِ لَم يَكتَرِث بِما نابَهُ . (5)
عنه عليه السلام :نِعمَ الطّارِدُ لِلهَمِّ ، الرِّضا بِالقَضاءِ . (6)
عنه عليه السلام :مَن رَضِيَ بِرِزقِ اللّهِ ، لَم يَحزَن عَلى ما فاتَهُ . (7)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: إذَا انقادَ القَلبُ لِمَورِدِ قَضاءِ اللّهِ بِشَرطِ الرِّضا عَنهُ ، كَيفَ لا يَنفَتِحُ القَلبُ بِالسُّرورِ وَالرَّوحِ وَالرّاحَةِ ؟ (8)
ج _ طيبُ العَيشِمسند ابن حنبل عن أبي العلاء بن الشخير :حَدَّثَني أحَدُ بَني سُلَيمٍ ، ولا أحسَبُهُ إلّا قَد
.
ص: 359
رَأى رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ يَبتَلي عَبدَهُ بِما أعطاهُ ، فَمَن رَضِيَ بِما قَسَمَ اللّهُ عز و جل لَهُ بارَكَ اللّهُ لَهُ فيهِ ووَسَّعَهُ ، ومَن لَم يَرضَ لَم يُبارِك لَهُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن رَضِيَ بِالقَضاءِ طابَ عَيشُهُ . (2)
عنه عليه السلام :إنَّ أهنَأَ النّاسِ عَيشا مَن كانَ بِما قَسَمَ اللّهُ لَهُ راضِيا . (3)
عنه عليه السلام :إنَّكُم إن رَضيتُم بِالقَضاءِ ، طابَت عيشَتُكُم وفُزتُم بِالغَناءِ . (4)
د _ الرّاحَةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في بَيانِ ما كانَ في صَحيفَةِ موسى عليه السلام _: فيها : عَجِبتُ ... لِمَن يُؤمِنُ بِالقَدَرِ كَيفَ يَنصَبُ (5) ؟ (6)
عنه صلى الله عليه و آله :الدُّنيا دُوَلٌ ، فَما كانَ لَكَ مِنها أتاكَ عَلى ضَعفِكَ ، وما كانَ مِنها عَلَيكَ لَم تَدفَعهُ بِقُوَّتِكَ ، ومَنِ انقَطَعَ رَجاؤُهُ مِمّا فاتَ استَراحَ بَدَنُهُ ، ومَن رَضِيَ بِما رَزَقَهُ اللّهُ قَرَّت عَينُهُ . (7)
.
ص: 360
الإمام عليّ عليه السلام :مَن رَضِيَ بِقِسمِهِ استَراحَ . (1)
عنه عليه السلام :مَن رَضِيَ بِالقَضاءِ استَراحَ . (2)
عنه عليه السلام :مَن رَضِيَ مِنَ اللّهِ عز و جل بِما قَسَمَ لَهُ ، استَراحَ بَدَنُهُ . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: مَن رَضِيَ بِما قُسِمَ لَهُ ، استَراحَ قَلبُهُ وبَدَنُهُ (4) . (5)
عنه عليه السلام :كُلُّ راضٍ مُستَريحٌ . (6)
عنه عليه السلام :اِرضَ تَستَرِح . (7)
عنه عليه السلام :الرِّضا بِقَضاءِ اللّهِ ، يُهَوِّنُ عَظيمَ الرَّزايا . (8)
عنه عليه السلام :مَن حَسُنَ رِضاهُ بِالقَضاءِ ، حَسُنَ صَبرُهُ عَلَى البَلاءِ . (9)
عنه عليه السلام :اِختَرتُ مِنَ التَّوراةِ اثنتَي عَشرَةَ آيَةً فَنَقَلتُها إلَى العَرَبِيَّةِ ، وأنَا أنظُرُ إلَيها في كُلِّ يَومٍ ثَلاثَ مَرّاتٍ : ... الثّانِيَةَ عَشَرَ : يَابنَ آدَمَ ، إن رَضيتَ بِما قَسَمتُ لَكَ أرَحتَ قَلبَكَ وبَدَنَكَ وأنتَ مَحمودٌ ، وإن لَم تَرضَ بِما قَسَمتُ لَكَ سَلَّطتُ عَلَيكَ الدُّنيا تَركُضُ فيها كَرَكضِ الوَحشِ فِي البَرِّيَّةِ ، ولا تَنالُ إلّا ما قَدَّرتُ لَكَ وأنتَ مَذمومٌ . (10)
.
ص: 361
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى جَعَلَ الرَّوحَ وَالرّاحَةَ فِي اليَقينِ وَالرِّضا ، وجَعَلَ الهَمَّ وَالحَزَنَ فِي الشَّكِّ وَالسَّخَطِ . (1)
راجع : ص 357 ح 6336 .
ه _ الغِنىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِرضَ بِقَسمِ اللّهِ ، تَكُن مِن أغنَى النّاسِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن رَضِيَ بِقَسمِ اللّهِ كانَ غَنِيّا . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :الرِّضا غَناءٌ ، وَالسَّخَطُ عَناءٌ . (4)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ الرِّضا الغَناءُ . (5)
عنه عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ _: يا بُنَيَّ ... لا مالَ أذهَبُ لِلفاقَةِ مِنَ الرِّضا بِالقوتِ . (6)
عنه عليه السلام :لا يُذهِبُ الفاقَةَ مِثلُ الرِّضا وَالقُنوعِ . (7)
عنه عليه السلام :نالَ الغِنى مَن رَضِيَ بِالقَضاءِ . (8)
.
ص: 362
عنه عليه السلام :اِلزَمِ الرِّضا ، يَلزَمكَ الغَناءُ وَالكَرامَةُ . (1)
عنه عليه السلام :كُلُّ الغِنى فِي القَناعَةِ وَالرِّضا . (2)
عنه عليه السلام :كَفى بِالسَّخَطِ عَناءً ، كَفى بِالرِّضا غِنىً . (3)
عنه عليه السلام :أغنَى النّاسِ الرّاضي بِقَسمِ اللّهِ . (4)
عنه عليه السلام :الفَقيرُ الرّاضي ناجٍ مِن حَبائِلِ إبليسَ ، وَالغَنِيٌّ واقِعٌ في حَبائِلِهِ . (5)
عنه عليه السلام :مُلوكُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، الفُقَراءُ الرّاضونَ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :ما ناصَحَ (7) اللّهَ عَبدٌ في نَفسِهِ فَأَعطَى الحَقَّ مِنها وأخَذَ الحَقَّ لَها ، إلّا اُعطِيَ خَصلَتَينِ : رِزقا مِنَ اللّهِ يَسَعُهُ ، ورِضىً عَنِ اللّهِ يُنجيهِ . (8)
عنه عليه السلام :لَيسَ مَعَ الشِّدَّةِ غِنىً ، ولا مَعَ الرِّضا فاقَةٌ . (9)
و _ العِفافُالإمام عليّ عليه السلام :الرِّضا بِالكَفافِ يُؤَدّي إلَى العَفافِ . (10)
.
ص: 363
ز _ الشَّجاعَةُالكافي عن صفوان الجمّال :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ أَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَ_مَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَ كَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا» (1) فَقالَ : أما إنَّهُ ما كانَ ذَهَبا ولا فِضَّةً وإنَّما كانَ أربَعَ كَلِماتٍ : ... مَن أيقَنَ بِالقَدَرِ لَم يَخشَ إلَا اللّهَ . (2)
ح _ دَفعُ الحَسَدِالإمام عليّ عليه السلام :مَن رَضِيَ بِحالِهِ لَم يَعتَوِرهُ (3) الحَسَدُ . (4)
ط _ دَفعُ البَلاءِالإمام عليّ عليه السلام :ما دَفَعَ اللّهُ سُبحانَهُ عَنِ المُؤمِنِ شَيئا مِن بَلاءِ الدُّنيا وعَذابِ الآخِرَةِ ، إلّا بِرِضاهُ بِقَضائِهِ وحُسنِ صَبرِهِ عَلى بَلائِهِ . (5)
ي _ قُوَّةُ اليَقينِالإمام عليّ عليه السلام :مَن رَضِيَ بِالمَقدورِ قَوِيَ يَقينُهُ . (6)
ك _ الاِستِخفافُ بِالغِيَرِالإمام عليّ عليه السلام :مَن رَضِيَ بِالقَدَرِ استَخَفَّ بِالغِيَرِ (7) . (8)
.
ص: 364
ل _ إجابَةُ الدّعاءِالإمام الصادق عليه السلام :لَقِيَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ فَقالَ : ... أنَا الضّامِنُ لِمَن لَم يَهجُس في قَلبِهِ إلَا الرِّضا ، أن يَدعُوَ اللّهَ فَيُستَجابَ لَهُ . (1)
12 / 6سيرَةُ أهلِ البَيتِ فِي الرِّضا بقضاء اللّهالإمام الصادق عليه السلام :لَم يَكُن رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِشَيءٍ قَد مَضى : لَو كانَ غَيرُهُ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :رَضينا عَنِ اللّهِ قَضاءَهُ وسَلَّمنا للّهِِ أمرَهُ . (3)
عنه عليه السلام_ في ذَمِّ العاصينَ مِن أصحابِهِ _: أحمَدُ اللّهَ عَلى ما قَضى مِن أمرٍ ، وقَدَّرَ مِن فِعلٍ ، وعَلَى ابتِلائي بِكُم . (4)
تاريخ دمشق :قيلَ لِلحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام : إنَّ أبا ذَرٍّ يَقولُ : الفَقرُ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الغِنى ، وَالسُّقمُ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الصِّحَّةِ . فَقالَ : رَحِمَ اللّهُ أبا ذَرٍّ ! أمّا أنَا أقولُ : فَمَنِ اتَّكَلَ عَلى حُسنِ اختِيارِ اللّهِ لَهُ لَم يَتَمَنَّ أنَّهُ في غَيرِ الحالَةِ الَّتِي اختارَ اللّهُ تَعالى لَهُ ، وهذا حَدُّ الوُقوفِ عَلَى الرِّضا بِما يُصرَفُ بِهِ القَضاءُ . (5)
.
ص: 365
الإمام الصادق عليه السلام :إنّا قَومٌ نَسأَلُ اللّهَ ما نُحِبُّ فيمَن نُحِبُّ ، فَيُعطينا ، فَإِذا أحَبَّ ما نَكرَهُ فيمَن نُحِبُّ رَضينا . (1)
سير أعلام النبلاء عن سفيان الثوري :اِشتَكى بَعضُ أولادِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ عليهماالسلامفَجَزِعَ عَلَيهِ، ثُمَّ اُخبِرَ بِمَوتِهِ فَسُرِّيَ عَنهُ ، فَقيلَ لَهُ في ذلِكَ ، فَقالَ : نَدعُو اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ فيما نُحِبُّ ، فَإِذا وَقَعَ ما نَكرَهُ لَم نُخالِفِ اللّهَ فيما أحَبَّ . (2)
الكافي عن يونس بن يعقوب عن بعض أصحابنا :كانَ قَومٌ أتَوا أبا جَعفَرٍ عليه السلام فَوافَقوا صَبِيّا لَهُ مَريضا ، فَرَأَوا مِنهُ اهتِماما وغَمّا وجَعَلَ لا يَقِرُّ ، قالَ : فَقالوا : وَاللّهِ لَئِن أصابَهُ شَيءٌ إنّا لَنَتَخَوَّفُ أن نَرى مِنهُ ما نَكرَهُ . قالَ : فَما لَبِثوا أن سَمِعُوا الصِّياحَ عَلَيهِ ، فَإِذا هُوَ قَد خَرَجَ عَلَيهِم مُنبَسِطَ الوَجهِ في غَيرِ الحالِ الَّتي كانَ عَلَيها . فَقالوا لَهُ : جَعَلَنَا اللّهُ فِداكَ ، لَقَد كُنّا نَخافُ مِمّا نَرى مِنكَ أن لَو وَقَعَ أن نَرى مِنكَ ما يَغُمُّنا . فَقالَ لَهُم : إنّا لَنُحِبُّ أن نُعافى فيمَن نُحِبُّ ، فَإِذا جاءَ أمرُ اللّهِ سَلَّمنا فيما أحَبَّ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنّا أهلُ بَيتٍ نَجزَعُ قَبلَ المُصيبَةِ ، فَإِذا نَزَلَ أمرُ اللّهِ عز و جل رَضينا بِقَضائِهِ وسَلَّمنا لِأَمرِهِ ، ولَيسَ لَنا أن نَكرَهَ ما أحَبَّ اللّهُ لَنا . (4)
.
ص: 366
الكافي عن علاء بن كامل :كُنتُ جالِسا عِندَ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فَصَرَخَت صارِخَةٌ مِنَ الدّارِ ، فَقامَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام ثُمَّ جَلَسَ فَاستَرجَعَ ، وعادَ في حَديثِهِ حَتّى فَرَغَ مِنهُ . ثُمَّ قالَ : إنّا لَنُحِبُّ أن نُعافى في أنفُسِنا وأولادِنا وأموالِنا ، فَإِذا وَقَعَ القَضاءُ فَلَيسَ لَنا أن نُحِبَّ ما لَم يُحِبَّ اللّهُ لَنا . (1)
الكافي عن قتيبة الأعشى :أتَيتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام أعودُ ابنا لَهُ فَوَجَدتُهُ عَلَى البابِ ، فَإِذا هُوَ مُهتَمٌّ حَزينٌ ، فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ كَيفَ الصَّبِيُّ ؟ فَقالَ : وَاللّهِ إنَّهُ لِما بِهِ ، ثُمَّ دَخَلَ فَمَكَثَ ساعَةً ، ثُمَّ خَرَجَ إلَينا وقَد أسفَرَ وَجهُهُ وذَهَبَ التَّغَيُّرُ وَالحُزنُ . قالَ : فَطَمِعتُ أن يَكونَ قَد صَلَحَ الصَّبِيُّ فَقُلتُ : كَيفَ الصَّبِيُّ جُعِلتُ فِداكَ ؟ فَقالَ : لَقَد (2) مَضى لِسَبيلِهِ . فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، لَقَد كُنتَ وهُوَ حَيٌّ مُهتَمّا حَزينا وقَد رَأَيتُ حالَكَ السّاعَةَ وقَد ماتَ غَيرَ تِلكَ الحالِ ، فَكَيفَ هذا ؟ فَقالَ : إنّا أهلَ البَيتِ إنَّما نَجزَعُ قَبلَ المُصيبَةِ ، فَإِذا وَقَعَ أمرُ اللّهِ رَضينا بِقَضائِهِ ، وسَلَّمنا لِأَمرِهِ . (3)
.
ص: 367
القسم الثّالث : العدل ، والشرورالفصل الأَوَّلُ : الميزان في معرفة الخير والشّرّالفصل الثّاني : حكمة المصائبالفصل الثّالِثُ : عوامل الشّرورالفصل الرّابِعُ : موانع الشّرور
.
ص: 368
. .
ص: 369
المدخلمن المسائل الّتي حظيت بالاهتمام منذ عصور موغلة في القِدم واُثيرت حولها الأسئلة بشكل متكرّر ، هي تعيين خالق المصائب والشرور في عالم الخلق. وبعبارة أوضح : بما أنّ اللّه _ تعالى _ عادل ولا يجيز الظلم مهما كان وعلى أيّ أحد ، يُطْرَح السؤال التالي : من خالق الشرور والإخفاقات والمشاكل ، ومن مقدّرها ؟ لماذا خلق البعض قبيحا والبعض جميلاً؟ لماذا يوجد الجهل والعجز والفقر والحرمان والتمييز والظلم والظالم وعوامل الضلال في العالم؟ من المتسبّب في السيول والأعاصير والزلازل والأمراض والموت؟ أو لَيس ممّا يناسب العالم ألّا يعاني أحدٌ من تلك الشرور والإخفاقات وتحلّ محلها الأفراح والمسرّات؟ ألا تعتبر هذه الأمور ظلما، خاصّة حسب التفسير الّذي سنقدّمه عن الظلم والعدل؟
ظهور «الثنويّة»لقد أدّت هذه الشبهة إلى أن تقول فرقة تسمّى ب_ «الثنويّة» بوجود خالقين ؛ أحدهما
.
ص: 370
خالق الخير ، والآخر خالق الشرّ ، فرأت طائفة أنّ النور خالق الخير والظلمة خالق الشرّ ، واعتقدت طائفة أنّ اللّه خالق الخير ، والشيطان خالق الشرّ .
الشرور وإنكار الخالقلقد اعتبر البعض أنّ وجود الشرور والإخفاقات دليل على كون الوجود فاقدا الشعور، وعلى إنكار الخالق أيضا .
الجواب الإجمالي على شبهة الشرورإنّ ما يمكن قوله إجمالاً جوابا على شبهة الشرور هو: أوّلاً : إنّ التمييز الابتدائي والسطحي للعقل ليس هو المعيار في تعيين الخير من الشرّ ، فمن الممكن أن يكون الشيء شرّا في الظاهر ولكنّه خير في الحقيقة، والعكس صحيح أيضا، وعلى هذا فإنّ الكثير من الأشياء الّتي يعتبرها الإنسان شرّا ولا يراها متلائمة مع العدالة والحكمة الإلهيّة ، هي في الحقيقة عين العدالة والحكمة. ثانيا: الشرّ مخلوق ومقدّر من اللّه _ تعالى _ ولكنّه ليس منسوبا إليه ، ذلك لأنّ إرادة الإنسان لها دور في ظهوره ، واستنادا إلى سنّة الخلق غير القابلة للتغيير، فإنّ من غير الممكن الحيلولة دون الشرور، إلّا بإيجاد الموانع في طريقها ومنع عواملها. (1) ثالثا : إنّ خلق الشرّ وتقديره ليسا مُستقلَّين ، بل هما بتبع خلق الخير، وعلى هذا فإنّهما لا يتنافيان مع العدالة والحكمة. هذا هو الجواب الإجمالي للكتاب والسنّة ، أو جواب اللّه _ تعالى _ نفسه على شبهة الشرور و عدم منافاتها لعدالته وحكمته.
الجواب المفصّل على شبهة الشرورمن أجل الإجابة على شبهة الشرور، علينا أن نتناول بعض المسائل بالبحث
.
ص: 371
والدراسة:
أوّلاً : معنى الخير والشرقد يراد من الخير والشرّ معنى اللذّة والألم ، إلّا أنّ هذا المعنى معنى سطحيّ وابتدائي، فمن الممكن أن يتلذّذ الإنسان بشيء مضرٍ له مؤدٍّ إلى شقائه . وأمّا المعنى الصحيح للخير فهو : الشيء المفيد الّذي يؤدّي إلى سعادته . والشرّ : هو الشيء المضرّ الذي يودّي إلى شقائه .
ثانيا : المعيار في تمييز الخير والشرّالملاحظة المهمّة في تعريف الخير والشر هي انه كيف يمكن ادراك أنّ الشيء مفيد للإنسان أو مضرّ له؟ وبعبارة اُخرى : ما هو ملاك التمييز بين الخير والشرّ والنفع والضرّ؟ فهل الملاك في ذلك هو التمييز الابتدائي والسطحيّ للعقل، أم تمييزه لهما بعد التأمّل والإحاطة بجميع أبعاد الموضوع ؟ لاشكّ في أنّ العقل ليس بإمكانه أن يصدر الحكم بشأن كون الشيء نافعا أو ضارّا مالم تتّضح له جميع أبعاد الموضوع ، وإن أصدر الحكم قبل الإحاطة بأبعاده فإنّ مثل هذا الحكم لا قيمة له من الناحية العلميّة، فما أكثر الأشياء الّتي تبدو للوهلة الاُولى خيرا ومفيدة ، ولكن يتّضح من خلال التأمّل أنّها في الحقيقة مضرّة وقبيحة، وما أكثر الاُمور الّتي تبدو من خلال النظرة السطحيّة شرّا وغير مرغوبة، ولكن سرعان ما تنكشف فائدتها للإنسان عبر التأمّل فيها وإجالة النظر في آثارها.
ثالثا : الخير والشرّ في النظرة العالميّة الإسلاميّةإنّ الخير _ حسب النظرة الإسلاميّة العالميّة _ عبارة عن : النفع الّذي لا يضرُّ
.
ص: 372
بحياة الإنسان الدائمة . والشرّ : هو الشيء الّذي يضرُّ بحياة الإنسان الدائمة ، لذلك روي عن الإمام عليّ عليه السلام : ما شَرٌّ بِشَرٍّ بَعدَهُ الجَنَّةُ ، وما خَيرٌ بِخَيرٍ بَعدَهُ النّارُ . وكُلُّ نَعيمٍ دونَ الجَنَّةِ مَحقورٌ ، وكُلُّ بَلاءٍ دونَ النّارِ عافِيَةٌ . (1) ونقل عنه عليه السلام في رواية اُخرى: لا تَعُدَّنَّ خَيرا ما أدرَكتَ بِهِ شَرّا . (2) لا تَعُدَّنَّ شَرّا ما أدرَكتَ بِهِ خَيرا . (3) استنادا إلى هذه النظرة العالميّة، يذكّر القرآن الكريم مرارا أنّ التمييز الابتدائي والسطحيّ للعقل، ليس هو ملاك التمييز بين الخير والشرّ : «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْ_ئا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْ_ئا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ». (4) وكذلك يقول: «وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَوْمُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» . (5) في هذه الآيات اعتبرت الحرب والقتل في سبيل اللّه خيرا، في حين أنّ العقل يعتبره شرّا عبر نظرته الابتدائيّة، علما أنّه قد وردت الإشارة في الآية الاُولى إلى مبدأ كلّي عقليّ ، وهو أنّ التحديد الابتدائي للعقل لا يمكن أن يكون ملاك تقييم
.
ص: 373
الخير والشرّ، ونفع الشيء أو ضرّه، ولذلك فإنّ القتل في سبيل اللّه والّذي يعدّ شرّا حسب النظرة الابتدائيّة للعقل ، ليس في الحقيقة شرّا فحسب ، بل هو خير محض نظرا إلى آثاره . على العكس من ذلك، فإنّ الثروة الطائلة من منظار القرآن شرّ ومدعاة للشقاء بالنسبة إلى المترفين، في حين أنّها تبدو من وجهة نظر الناس ذوي التفكير السطحيّي ، وحسب التحديد الابتدائي للعقل، سببا للسعادة والخير: «وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ» . (1) واستنادا إلى هذه النظرة العالميّة، فإنّ القرآن لا يعتبر حياة الكافرين وتمتّعهم بالإمكانيّات ونعم الدنيا الماديّة في صالحهم وحسب، بل يراها مضرّة لهم: «فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَ لُهُمْ وَلَا أَوْلَ_دُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَ_فِرُونَ» . (2) كما يؤكّد أنّ إمهال الكافرين وطول أعمارهم ليس في صالحهم: «وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ» . (3) بناء على ذلك، فإنّ وصف الاُمور الّتي تعتبر في الظاهر سعادة، أو بلاء ومصيبة، ب «الخير» و« الشرّ » يعتمد على موقف الإنسان إزاءها، فالإخفاقات لا تكون شرّا ، إلّا إذا لم تؤدّ إلى نموّ الإنسان وتكامله، واللذائذ لا تكون خيرا حقّا ، إلّا إذا حالت دون انحطاط الإنسان وشقائه، وباختصار فإنّ بإمكان الإنسان من خلال الاختيار الصحيح، أن يحوّل الاُمور السلبيّة و«الشرّيرة» في الظاهر إلى «خير» وأن يغيّر عبر
.
ص: 374
الاختيار الخاطئ الاُمور الإيجابيّة في الظاهر والخَيِّرة إلى شرّ .
رابعا : الفرق بين عقيدة الإمامية والأشاعرةقد يقول قائل: استنادا إلى ما مرّ في تبيين ملاك الخير والشرّ ، أنّ العقل لمّا لم يكن محيطا بجميع المصالح والمفاسد ، فليس بإمكانه أن يصدر الأحكام في الكثير من المواضع بشأن كون الشيء خيرا أو شرّا ، أوَ ليس هذا الرأي هو نفس ما يقوله الأشاعرة من أنّ العقل غير قادر على التمييز بين الخير والشرّ ؟ الجواب : إنّ حسن الأشياء وقبحها ليسا ذاتيّين من وجهة نظر الأشاعرة، بل هما اعتباريّان وتعاقديّان، فهم يرون أنّ اللّه وحده هو القادر على أن يجعل الشيء خيرا وحسنا أو يعتبره شرّا وسيّئا ، فالعقل لا يحقّ له إصدار الأحكام بشأن الحسن والقبيح، ولذلك فإن صدر من اللّه فعل يبدو للعقل قبيحا ومخالفا للعدل تماما، فإنّ عليه أن يعتقد بأنّ ذلك العمل جميلٌ ويمثّل العدالة بعينها؛ لأنّهُ فعل اللّه في حين أنّ الإماميّة وكذلك المعتزلة يرون أنّ حسن الأشياء وقبحها ذاتيّان ، وأنّ الأفعال الإلهيّة تقوم على أساس المصالح والمفاسد الحقيقيّة، والعقل قادر على أن يدرك مصالح الأشياء ومفاسدها وحسنها وقبحها ، لكن لا في جميع المواضع ؛ لأنّه لا يحيط بجميع أسرار الوجود : «وَ مَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَا قَلِيلاً» . (1) على هذا، فإنّ الكثير من الأشياء الّتي يعتبرها الإنسان في نظرته الابتدائيّة شرّا وضارّة ومخالفة للعدالة والحكمة ، إذا ما أحاط علما بجميع أبعادها وآثارها سوف يكتشف أنّها تمثّل الخير والنفع ، وأنّها عين العدالة والحكمة .
.
ص: 375
خامسا : أقسام الخير والشرّيمكن تقسيم الخير والشرّ إلى قسمين :
1 . الخير والشرّ المطلقالخير المطلق : عبارة عن الظاهرة الّتي تمثل النفع المحض ، ولا تسبّب الضرر لأيّ شيء وأيّ شخص . الشرّ المطلق : هو أن يكون الشيء ضررا محضا ، ولا نفع له لأيّ شيء وأيّ شخص .
2 . الخير والشرّ النسبيانمن النادر أن نجد ظاهرة هي خير مطلق أو شرّ مطلق، فالظواهر في الغالب مزيج من الخير والشرّ لذلك فإنّ الظواهر الّتي يغلب خيرها ونفعها على شرّها وضرّها تسمّى خيرا في الغالب ، وما غلب فيه شرّه وضرره على خيره سمّي شرّا . على هذا ، فإنّ من الممكن أن تكون ظاهرة خيرا ونفعا لأحد ، وشرّا لآخر أو آخرين ، وعلى سبيل المثال فإنّ لسعة الحشرات ومخالب الحيوانات المفترسة وأنيابها هي خير لها ؛ لأنّها تمثّل أدوات الدفاع عن نفسها وتغذيتها، ولكنّها تعدّ شرّا بالنسبة للإنسان . والعكس صحيح أيضا، فمن الممكن أن يكون أمر ما شرّا ومضرّا لشخص ، ولكنّه قد يكون خيرا لآخر أو آخرين، مثل المطر عندما يتسبّب في تدمير بيت أو عشّ ، فهو شرّ لصاحب البيت أو العشّ ، ولكنّه خير لعامّة الناس ، لذلك تجب ملاحظة جميع أبعاد الظاهرة وآثارها للحكم بشأن كونها خيرا أو شرّا .
سادسا : خلق الخير والشرّ وتقديرهماالخير والشرّ كلاهما مخلوقان ومقدّران للّه _ تعالى _ من منظار الكتاب والسنّة ، بمعنى أنّه لا توجد ظاهرة إلّا وهي مخلوق من مخلوقات اللّه وهي ضمن دائرة
.
ص: 376
التقدير والتدبير الإلهيين . وفي هذا المجال يصرّح القرآن الكريم: «وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَ_ذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَ_ذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ» . (1) ويقول أيضا : «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» . (2) كما جاء في الحديث القدسي: أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا ، خالِقُ الخَيرِ وَالشَّرِّ ، وهُما خَلقانِ مِن خَلقي . (3) وهنا بعض النقاط جديرة بالالتفات
1 . المراد من خلق الشرّ :المعروف هو أنّ الشرّ يعود عند التحليل النهائي إلى أمر عدميّ أو أمر وجودي ينتهي إلى أمر عدميّ، وعلى هذا الأساس فلا يمكن أن يراد من خلق الشرّ خلق العدم ، بل المراد هو إيجاد ظاهرة تنتهي إلى العدم المضرّ ، نظير الزلازل والأعاصير والسيول ، بل والجراثيم الّتي تجرّ الإنسان من السلامة إلى المرض ، ومن الحياة إلى الموت .
2 . أيّ قسم من أقسام الشرور مخلوق من قبل اللّه ؟تقدّم فيما سبق تقسيم الشرّ إلى المطلق والنسبي، وقلنا : إنّه قد يغلب شرّ الشيء على خيره فيعدّ هذا الشيء شرّا ، كما قد يغلب خير الشيء على شرّه فيعدّ خيرا ،
.
ص: 377
وتارة يكون الشيء ذا خير وشرّ على حدّ سواء فلا يعدّ من أحدهما . وهنا يطرح السؤال التالي : أيّ الأقسام المذكورة من الشرّ مخلوق من قبل اللّه سبحانه وتعالى ؟ لا شكّ ولا ريب في أنّ الحكيم سبحانه لايخلق ما اتّصف بالشرّ المطلق، كما لا يخلق ما كان شرّه غالبا على خيره، أو كان شرّه وخيره على حدّ سواء، وعليه فالمخلوق من قبل اللّه سبحانه هو القسم الأخير فحسب ، أعني ما كان خيره غالبا على شرّه .
3 . خلق الخير قبل الشرّجاء في عدد من الأحاديث أنّ اللّه _ تعالى _ خلق الخير قبل الشرّ ، كما نقرأ في الحديث القدسي : أنَا اللّهُ الكَريمُ ، خَلَقتُ الخَيرَ قَبلَ الشَّرِّ . (1) يبدو أنّ في هذا النوع من الأحاديث إشارة إلى ملاحظة مهمّة يجب أن يلتفت إليها في تبيين خلق الشرور، هي أنّ الشرّ ، ليس له خلق مستقلّ منفصل عن الخير ، بمعنى أنّ اللّه تعالى لم يخلق الشيء الّذي هو شرّ في ذاته ، بل إنّ ما خلقه خيرٌ والشرّ يظهر تبعا لخلق الخير ، على سبيل المثال فإنّ اللّه سبحانه خلَقَ الأرض، وخَلقُها خيرٌ، ولكن بما أنّ ظاهرة الزلزال ملازمة لطبيعة الأرض فتخلق معها واللّه خلق الغيم والرياح والمطر وهي خيرٌ ، ولكنّها قد تستوجب أحيانا الأعاصير والسيول المضرّة .
4 . دور إرادة الإنسان في ظهور الشرورتتمثّل المسألة الأهمّ حول موضوع الشرور وعدم تنافيها مع العدالة والحكمة الإلهيّتين، في دور الإنسان في ظهورها، فعلى الرغم من أنّه لا يوجد شيء خارج عن دائرة الخلق والتقدير الإلهي، إلّا أنّ إرادة الإنسان في حدوث الشرّ والإخفاقات
.
ص: 378
الّتي تناله لها دور أساسي استنادا إلى ذلك النظام ، لذلك فعلى الرغم من أنّ القران الكريم يعتبر جميع مظاهر السعادة والتعاسة الّتي تنال الإنسان، من جانب اللّه تعالى ، إلّا أنّه يصرّح في الوقت نفسه قائلاً: « مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ» . (1) بعبارة اُخرى : فإنّ الشرور من مخلوقات اللّه من جانب، ومنسوبة إلى الإنسان من جانب آخر ، فمن حيث إنّ جميع الأشياء تنتهي في نهاية المطاف إلى علّة العلل ومسبّب الأسباب، فإنّ الشرور مخلوقة أيضا من قبل اللّه _ رغم أنّ خلقها تبعي _ تنسب إلى الإنسان من حيث إنّ لإرادته دورا في ظهورها، كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام ، في الدعاء حيث يناجي اللّه _ تعالى _ قائلاً: الخَيرُ في يَدَيكَ وَالشَّرُّ لَيسَ إلَيكَ . (2) بناء على ذلك فإنّ الشرور مخلوقة من قبل اللّه ليست منسوبة إليه .
سابعا : فلسفة مصائب الواعين من الناسبالنظر إلى ما جاء في المسائل الستّة من هذا التحليل ، ومن خلال التأمّل في الآيات والروايات الّتي تشير إلى فلسفة الشرور والمصائب والإخفاقات، يمكن أن نخلص إلى هذه النتيجة وهي أنّ مصائب الأشخاص الواعين هي إما أثر لأفعالهم القبيحة وإمّا سبب لتكاملهم. وتوضيح ذلك يتم عبر النقاط التالية :
1 . المصائب الّتي هي نتيجة أفعال الإنسانيرى القرآن الكريم أنّ جميع المصائب الّتي يُبتلى بها الأشخاص المكلّفون والواعون الذين يرتكبون المعاصي والذنوب ، إنّما هي شمار أفعالهم ونتيجة ما
.
ص: 379
كسبت أيديهم : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» . (1) هذا يعني أنّ المصائب والمنغّصات الّتي تواجه المجتمع ، مثل : الجفاف ، والغلاء، والأعاصير والزلازل وما إلى ذلك، إنّما سببها الذنوب الّتي يرتكبها الناس، ولكنّ هذه المصائب لا تمثّل عقوبة جميع ذنوبهم ؛ لأنّ الكثير من الذنوب يعفو عنها اللّه _ تعالى _ بحكمته، وإلّا لما بقي على الأرض من دابّة : «وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ» . (2) إنّ القرآن يعلن بصراحة أنّ الإنسان إذا لم يرتكب الأفعال القبيحة واختار الطريق الصحيح في الحياة ، فإنّ البركات الإلهيّة ستنهمر عليه من السماء والأرض : «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَ_تٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ وَلَ_كِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَ_هُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» . (3) في قبال ذلك إذا ما أساء الإنسان استغلال إرادته وحرّيته، فإنّه استنادا إلى سنّة الخلق الثابتة وغير القابلة للتغيير، لن يُنزل المصائب والمشاكل على نفسه وعلى مجتمعه وحسب، بل إنّ فساده سوف يمحو بركات الأرض ويثير الفساد في البرّ والبحر : «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ» . (4)
أقسام المصائب الّتي هي نتيجة أفعال الإنسانيمكن تقسيم المصائب الّتي تحيق بالإنسان على إثر عمله السيِّئ إلى ثلاثة أقسام :
.
ص: 380
أ _ العقوبةإنّ المصائب الّتي يُبتلى بها الأشخاص الذين لا توجد في حياتهم أيُّ نقطة إيجابيّة والذين حفلت حياتهم بالفساد، من وجهة نظر القرآن جزء من العقاب على أعمالهم ، وهذا العقاب ليس تعاقديّا واعتباريّا ، بل عقاب تكوينيّ والنتيجة الطبيعية للفعل القبيح الّذي يرتكبه المجرم . وقد ابتليت على مرّ التاريخ اُمم مختلفة بالزلازل والسيول والبلايا المختلفة ، واعتبر القرآن هذه البلايا النتيجة الطبيعيّة لسيّئاتهم ، فجاء في سورة العنكبوت بعد استعراض مصير قوم نوح وإبراهيم ولوط وتمرّد قوم عاد وثمود، ومواجهة قارون وفرعون وهامان للرسل وامتناعهم عن قبول دعوتهم: «فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَ مِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْ_لِمَهُمْ وَ لَ_كِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» . (1) وكون المصائب جزء من العقوبة يمثّل قضيّة مهمّة نبّه عليها القرآن الكريم مرارا (2) وأكّدتها الأحاديث الكثيرة ، كما روي عن الإمام الرضا عليه السلام : كُلَّما أَحدَثَ العِبادُ مِنَ الذُّنوبِ ما لَم يَكونوا يَعمَلونَ ، أحدَثَ اللّهُ لَهُم مِنَ البَلاءِ ما لَم يَكونوا يَعرِفونَ . (3)
ب _ التأديبإنّ الهدف من بعض المصائب والبلايا الّتي يواجهها الإنسان، هو تأديبه وتحذيره
.
ص: 381
من خطر الذنوب والانحرافات، يروى عن الإمام عليّ عليه السلام في هذا المجال: البَلاءُ لِلظّالِمِ أَدَبٌ . (1) ويبّين القرآن الكريم، دور مشاكل الحياة في توعية الناس قائلاً: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» . (2) حيث ترى هذه الآية الكريمة أنّ سبب مظاهر الفساد الّتي تحدث في الكرة الأرضيّة (برّها وبحرها)، والمشاكل الناجمة عنها هو سيّئات أفعال الناس ، والهدف منها تحذير المجتمعات المبتلاة بالخطايا وتوعيتها وتأديبها وتربيتها ، وقد تمّ تأكيد هذا المعنى في آيات اُخرى أيضا . (3) كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام حول الدور التربوي للمشاكل الّتي تواجه الإنسان في حياته : إنَّ اللّهَ يَبتَلي عِبادَهُ عِندَ الأَعمالِ السَّيِّئَةِ بِنَقصِ الثَّمَراتِ ، وحَبسِ البَرَكاتِ ، وإغلاقِ خَزائِنِ الخَيراتِ ، لِيَتوبَ تائِبٌ ، ويُقلِعَ مُقلِعٌ ، ويَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ ، ويَزدَجِرَ مُزدَجِرٌ . (4)
ج _ التمحيصيمثّل تمحيص الإنسان وتطهيره من الذنوب حكمة اُخرى من حكم مصائب الحياة ومشاكلها ؛ فإنّ العمل السيّئ يلوّث روح الإنسان ويدنّس قلبه :
.
ص: 382
«كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» . (1) وبلايا الحياة ومصائبها، هي من عوامل جلاء صدأ الذنوب وتطهير النفس من أرجاسها، فروح الإنسان تتطهّر وتصفو في بوتقة المصائب، وقد روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في هذا الصدد: ما يُصيبُ المُؤمِنَ مِن وَصَبٍ ، ولا نَصَبٍ ، ولا سَقَمٍ ، ولا حَزَنٍ ؛ حتّى الهَمِّ يُهَمُّهُ ، إلّا كُفِّرَ بِهِ مِن سَيِّئاتِهِ . (2) بناء على ذلك ، فإنّ مصائب الحياة ومشاكلها بالنسبة إلى الأشخاص الذين يبتلون أحيانا برجس الذنوب، ليست تحذيرا وتوعية وحسب ، بل هي لإزالة الغشاوات الّتي توجدها الذنوب في نفوسهم أيضا ، وبذلك تزول موانع الانتفاع من العبادات في طريق سيرهم باتّجاه الكمال المعنويّ والروحيّ، كما روي عن الإمام علي عليه السلام : الحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَ تَمحيصَ ذُنوبِ شيعَتِنا فِي الدُّنيا بِمِحَنِهِم ، لِتَسلَمَ بِها طاعاتُهُم ويَستَحِقّوا عَلَيها ثَوابَها . (3) على هذا الأساس، فإنّ مصائب الحياة تعدّ من النعم الإلهيّة الكبرى لأهل الإيمان ، كما روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام : للّهِِ فِي السَّرّاءِ نِعمَةُ التَّفَضُّلِ ، وفِي الضَّرّاءِ نِعمَةُ التَّطَهُّرِ . (4)
2 . المصائب البنّاءةإنّ الهدف والحكمة من بعض شرور الحياة ومصائبها وبلاياها، اختبار الإنسان
.
ص: 383
وبناؤه، حيث يصرّح القرآن الكريم أنّ الإنسان يمحَّص من خلال «الشرّ» و«الخير»: «وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً» . (1) و« الشرّ » يشمل أنواع المصائب ، والأمراض والمشاكل في الحياة ، و« الخير » يشمل أنواع النعم والمسرّات . روي عن الإمام الصادق عليه السلام إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرض ذات مرّة ، فدخل عليه جماعة لعيادته فسألوه: كيف أصبحت:؟ فأجابهم بغير ما كانوا يتوقّعوه منه قائلاً : أصبَحتُ بِشَرٍّ ! فسألوه متعجبين : سُبحانَ اللّهِ ، هذا مِن كَلامِ مِثلِكَ ؟! (2) فأجابهم الإمام قائلاً : يَقولُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : «وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً» (3) ، فَالخَيرُ الصِّحَّةُ وَالغِنى ، وَالشَّرُّ المَرَضُ وَالفَقرُ ابتِلاءً وَاختِبارا . 4 فالآية المذكورة في كلام أمير المؤمنين عليه السلام هي دليل واضح على أنّ حكمة بعض المصائب هي الاختبار والابتلاء ، كي يبلغ الإنسان الكمال نتيجة «الصبر» والتحمّل والنجاح في الاختبار ، وقد جاء هذا المعنى في آية اُخرى : «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْ ءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَ لِ وَ الْأَنفُسِ وَ الثَّمَرَ تِ وَبَشِّرِ الصَّ_بِرِينَ» . 5 على هذا الأساس، فإنّ الشرور والمصائب الّتي الهدف منها اختبار الإنسان
.
ص: 384
وبناءه لا تتنافى مع العدالة والحكمة الإلهيّتين وحسب، بل هي الحكمة بعينها، كما يشير الإمام عليّ عليه السلام إلى ذلك في قوله: أَيُّها النّاسُ ! إنَّ اللّهَ قَد أعاذَكُم مِن أَن يَجورَ عَلَيكُم ، وَلَم يُعِذكُم مِن أَن يَبتَلِيَكُم . (1) ممّا يجدر ذكره أنّ الاختبار الإلهي ليس الهدف منه الكشف عن الحقيقة المجهولة له أو للآخرين، بل لكي ينمّي مواهب الإنسان الدفينة بإرادته واختياره ، بحيث ينكشف ما في داخله تلقائيّا، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام : أَلا إنَّ اللّهَ قَد كَشَفَ الخَلقَ كَشفَةً ، لا أَنَّهُ جَهِلَ ما أَخفَوهُ مِن مَصونِ أسرارِهِم ومَكنونِ ضَمائِرِهِم ، وَلكِن لِيَبلُوَهُم أَيُّهُم أَحسَنُ عَمَلاً ، فَيَكونَ الثَّوابُ جَزاءً وَالعِقابُ بَواءً . (2) فروح الإنسان تنصقل وتقوى من خلال المصائب ؛ كجسمه، لهذا روي عن الإمام عليّ عليه السلام ردّا على ما يظنّه بعض الناس من أنّ الحياة في ظلّ الظروف الصعبة والتغذية البسيطة تؤدّي إلى ضعف الجسم وعجزه، قوله: أَلا وَإِنَّ الشَّجَرَةَ البَرِّيَّةَ أَصلَبُ عودا ، وَالرَّواتِعَ الخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلودا ، وَالنّابِتاتِ العِذيَةَ أَقوى وَقودا وَأَبطَأ خُمودا . (3) إنّ الهدف من المصائب والمشاكل الّتي يواجهها أهل الإيمان في ظلّ النظام الحكيم الّذي يسود العالم هو تربية المواهب الباطنة وتكاملها، وفي الحقيقة فإنّ اللّه _ تعالى _ يغذّي أرواح أوليائه في هذا العالم بالبلاء، كما نرى ذلك في العبارات الجميلة التالية المرويّة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ لَيُغَذّي عَبدَهُ المُؤمِنَ بِالبَلاءِ ، كَما تُغَذِّي الوالِدَةُ وَلَدَها بِاللَّبَنِ . (4)
.
ص: 385
كما أنّ كلّ من كان أقرب إلى الحضرة الإلهيّة سقي أكثر من كؤوس البلاء، كما جاء في الحديث النبويّ : ما كَرُمَ عَبدٌ عَلى اللّهِ إِلّا ازدادَ عَلَيهِ البَلاءُ . (1) لهذا السبب نرى أنّ القادة الإلهيّين الكبار واجهوا المحن وذاقوا البلايا أكثر من الآخرين، كما نلاحظ ذلك في الرواية التالية عن الإمام الصادق عليه السلام : إنَّ أَشَدَّ النّاسِ بَلاءً الأَنبياءُ ثُمَّ الَّذينَ يَلونَهُم ، ثُمَّ الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ . (2) كما جاء في حديث آخر : إِنَّما يَبتَلي اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى عِبادَهُ عَلى قَدرِ مَنازِلِهِم عِندَهُ . (3) بناء على ذلك ، فإنّ الهدف من مصائب الحياة وبلاياها يمكن أن يكون أمران فقد يكون الهدف منها هو العقاب والتأديب والتطهير أحيانا، وقد يكون تنمية المواهب والاستعدادات وتكميل النفوس . ومحن الأولياء هي من القسم الثاني ، لذلك فعندما تلا يزيد بن معاوية الآية التالية في الموقف الّذي جمعه مع الإمام زين العابدين عليه السلام : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» . (4) إشارة إلى أنّ ما نزل بأهل بيت الإمام الحسين عليه السلام عقاب إلهي، أجابه الإمام زين العابدين عليه السلام : ليست هذه الآية فينا إنّ فينا قول اللّه عز و جل : «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا» . (5)
.
ص: 386
من الطريف أنّ كلّ ما بيّناه حول فلسفة المصائب، يمكن أن نلاحظه في رواية قصيرة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، حيث قال: إنَّ البَلاءَ لِلظّالِمِ أدَبٌ ، ولِلمُؤمِنِ امتِحانٌ ، ولِلأَنبِياءِ دَرَجَةٌ ، ولِلأَولِياءِ كَرامَةٌ . (1)
ثامنا : عوامل فشل المستضعفينإنّ ما ذكرناه حتّى الآن حول فلسفة الشرور والمصائب ، يتعلّق بالأشخاص الواعين الذين بلغتهم الرسالة الإلهيّة وأقيمت الحجّة عليهم ، والآن لنرى ما الحكمة من وراء الشرور والإخفاقات الّتي يواجهها الأشخاص غير الواعين ، أو المستضعفون ؟ بعبارة اُخرى : فقد كان وما يزال على مرّ التاريخ الكثير ممّن لم تصلهم الرسالة الإلهيّة لأسباب مختلفة ولم يستطيعوا أن يدركوا مسؤوليّتهم كي يعيّنوا مصيرهم من خلال العمل، أو عدم العمل بمسؤوليّاتهم، ومن المصاديق البارزة لهذا النوع من البشر : الأطفال المشرّدون، والأشخاص المتخلّفون عقليّا والمجانين، فكيف يمكن أن نبرّر بلايا هؤلاء الأشخاص الذين يطلق عليهم «المستضعفون» اصطلاحا ؟ الجواب الإجمالي عن ذلك هو : أوّلاً : إنّ مسؤوليّة المصائب الّتي يبتلى بها المستضعفون وغير الواعين تلقى على عاتق الأشخاص الواعين باستثناء الحالات الّتي لها حِكَم خاصّة . ثانيا : إنّ اللّه سيعوّض الأبرياء في الآخرة عن الأضرار الّتي لحقت بهم في الدنيا. من أجل تسليط الضوء على هذه الإجابة الإجماليّة فإنّا بحاجة إلى مقدّمة قصيرة هي : إنّ قانون الأسباب الّذي يسمّى بلغة القرآن « سنّة اللّه » يستوجب أن يُدار نظام
.
ص: 387
الخلق على أساس نظامه الخاص ، فالقرآن الكريم يؤكّد مرارا أنّ « سنّة اللّه » غير قابلة للتغيير . (1) هذا يعني أنّ التدبير الإلهيّ وإجراءات اللّه _ تعالى _ لها قانونها الخاصّ بها ، وهو قانون ثابت غير قابل للتغيير، ليس كمثل القوانين التعاقديّة والاعتباريّة القابلة للتغيير. وقد أوضح الإمام الصادق عليه السلام في رواية عنه، هذه الحقيقة في قوله: أبى اللّهُ أَن يُجرِيَ الأشياءَ إلّا بِأسبابٍ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ سَبَبا . (2) استنادا إلى قانون الأسباب والسنّة الإلهيّة الثابتة في تدبير اُمور عالم الخلق ، يمكننا أن نذكر عوامل المصائب والبلايا الّتي يبتلى بها المستضعفون كالتالي :
1 . الاستغلال السيّئللحرّيةإنّ نتيجة تمتّع الإنسان بالحرّية والاختيار في عالم الأسباب ، هي أنّ البعض يسيئون استغلال حرّيتهم ويتجاوزون على حقوق الآخرين، كما جاء في القرآن حول سوء استغلال أحد رؤوس الاستكبار لحريّته : «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَ_ائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَ يَسْتَحْيى نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» . (3) بناء على ذلك ، فإنّ استغلال الأشخاص الواعين لحريّاتهم يؤدّي إلى ظهور طبقتي الظالمين والمظلومين، والمستثمِرين، والمستثمَرين ، لا أن إرادة اللّه تعلقت بذلك كي تثار التساؤلات حول عدالته ، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام : ما جاعَ فَقيرٌ إلّا بِما مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ . (4)
.
ص: 388
2 . الآثار التكوينية للذنوبإنّ الأعمال السيّئة للمكلّفين الواعين لها في عالم الأسباب تأثير في مصير المجتمع بشكل طبيعيّ وتكوينيّ ، فالشخص المذنب لا يفسد حياته وحسب ، بل إنّه يعرّض المجتمع للسقوط في هاوية الانحطاط . فالإنسان المذنب كالسفيه الّذي يخرق السفينة في عباب البحر، فإن منعه الآخرون نجا الجميع ، وإلّا فإنّ الجميع سيغرقون ومن بينهم خارق السفينة ، سواء كانوا مقصّرين أم لم يكونوا ، كبارا كانوا أم صغارا، لهذا يعلن القرآن الكريم صراحةً : «وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً» . (1) فنتيجة الظلم شاملة بموجب نظام الخلق القائم على الحكمة، فالنار عندما تشبّ تأتي على الأخضر واليابس. بل إن عمل الإنسان القبيح لا يؤدّي إلى فساد المجتمع وحسب، وإنّما يفسد البيئة أيضا : «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ» . (2) ففي عالم الأسباب، عندما يلوذ الناس بالصمت إزاء الاعتداءات وغصب الحقوق، فإنّ أنواع البلايا _ الّتي تمثّل الآثار التكوينيّة للذنوب _ سوف تعمّهم جميعا حتّى المستضعفين ، بل عندها لا ينفع دعاء الصالحين لتغيير مصير المجتمع ، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام : لا تَترُكُوا الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ فَيُوَلّى عَلَيكُم شِرارُكُم ، ثُمَّ تَدعُون فَلا يُستَجابُ لَكُم . (3)
.
ص: 389
3 . عدم رعاية التعليمات الصحّيةإنّ الذنب ليس هو المؤثّر الوحيد في مصير المجتمع ومنه الأشخاص المستضعفون ، بل إنّ الخطأ وعدم الالتزام بالتعليمات الصحّية من جانب الآباء والاُمّهات لهما أيضا دور في ظهور الأشخاص المعاقين والمتخلّفين عقليّا (1) ، ففي هذه الحالات تلقى مسؤوليّة تعاسة هذا النوع من الأشخاص على الأفراد الواعين بشكل مباشر لا على اللّه تعالى ، وقد رويت في هذا المجال إرشادات قيّمة عن أئمّة الإسلام للحيلولة دون ظهور هذا النوع من الأشخاص. (2)
4 . الحِكَم المجهولةبالإضافة إلى العوامل الّتي سبقت الاشارة إليها، فما أكثر الحكم الكامنة في بلايا المستضعفين ، والّتي هي مجهولة بالنسبة إلينا، وإذا ما انكشفت لنا تلك الأسرار يتّضح لنا أنّ ما حدث كان العدل والحكمة بعينهما، كما حدث للنبيّ موسى عليه السلام خلال رحلته مع سيّدنا الخضر عليه السلام ، عندما اعترض موسى عليه السلام عليه بعد أن رآه يقتل طفلاً بريئا ، حيث قال : «أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّة بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا نُّكْرًا» . (3) أجابه الخضر عليه السلام في بيان الحكمة من وراء هذا العمل قائلاً : «وَ أَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَ كُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَوةً وَ أَقْرَبَ رُحْمًا» . 4 على هذا الأساس ونظرا إلى محدوديّة علم الإنسان وجهله لسرّ الوجود، فلا يمكننا القول _ من خلال النظرة السطحيّة _ إنّ البلايا الّتي يقع فيها المستضعفون
.
ص: 390
مخالفة للعدل والحكمة ، مع أنّ اللّه سبحانه سيعوّض . المستضعفين عن بلاياهم في عالم الآخرة ؛ نظرا إلى أنّهم لم يكونوا هم المقصّرون في هذه الدنيا .
.
ص: 391
الفصل الأَوَّلُ : الميزان في معرفة الخير والشّرّالكتاب«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْ_ئا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْ_ئا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» . (1)
«وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ وَلِلَّهِ مِيرَ ثُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» . (2)
«وَ يَدْعُ الْاءِنسَ_نُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كَانَ الْاءِنسَ_نُ عَجُولًا» . (3)
«فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَ_هُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَ عَلَّمْنَ_هُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ صَابِرًا وَ لَا أَعْصِى لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلَا تَسْ_ئلْنِى عَن شَىْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانطَ_لَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا *
.
ص: 392
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَ لَا تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا * فَانطَ_لَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَ_مًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةَ بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا نُّكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْ ءِ بَعْدَهَا فَلَا تُصَ_حِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذْرًا * فَانطَ_لَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَ_ذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَ_كِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَ كَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَ أَمَّا الْغُلَ_مُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَ_نًا وَ كُفْرًا * فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَوةً وَ أَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَ_مَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَ كَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَ كَانَ أَبُوهُمَا صَ__لِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَ يَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَ مَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ذَ لِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا» . (1)
الحديثصحيح مسلم عن أنس :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يُؤتى بِأَنعَمِ أهلِ الدُّنيا مِن أهلِ النّارِ يَومَ القِيامَةِ ، فَيُصبَغُ (2) فِي النّارِ صَبغَةً ، ثُمَّ يُقالُ : يَابنَ آدَمَ ، هَل رَأَيتَ خَيرا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ نَعيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقولُ : لا وَاللّهِ يا رَبِّ ! ويُؤتى بِأَشَدِّ النّاسِ بُؤسا فِي الدُّنيا مِن أهلِ الجَنَّةِ ، فَيُصبَغُ صَبغَةً فِي الجَنَّةِ فَيُقالُ لَهُ : يَابنَ آدَمَ ، هَل رَأَيتَ بُؤسا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقولُ : لا وَاللّهِ يا رَبِّ ، ما
.
ص: 393
مَرَّ بي بُؤسٌ قَطُّ ، ولا رَأَيتُ شِدَّةً قَطُّ . (1)
مسند ابن حنبل عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ موسى قالَ : أي رَبِّ ، عَبدُكَ المُؤمِنُ تُقَتِّرُ عَلَيهِ فِي الدُّنيا . قالَ : فَيُفتَحُ لَهُ بابُ الجَنَّةِ فَيَنظُرُ إلَيها ، قالَ : يا موسى هذا ما أعدَدتُ لَهُ . فَقالَ موسى : أي رَبِّ وعِزَّتِكَ وجَلالِكَ ، لَو كانَ أقطَعَ اليَدَينِ وَالرِّجلَينِ يُسحَبُ عَلى وَجهِهِ مُنذُ يَومَ خَلَقتَهُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، وكانَ هذا مَصيرَهُ ، لَم يَرَ بُؤسا قَطُّ . قالَ : ثُمَّ قالَ موسى : أي رَبِّ عَبدُكَ الكافِرُ تُوَسِّعُ عَلَيهِ فِي الدُّنيا ، قالَ : فَيُفتَحُ لَهُ بابٌ مِنَ النّارِ . فَيُقالُ : يا موسى هذا ما أعدَدتُ لَهُ . فَقالَ موسى : أي رَبِّ ، وعِزَّتِكَ وجَلالِكَ ، لَو كانَت لَهُ الدُّنيا مُنذُ يَومَ خَلَقتَهُ إلى يَومِ القِيامَةِ وكانَ هذا مَصيرَهُ كَأَن لَن يَرَ خَيرا قَطُّ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ إذا أدخَلَ أهلَ الجَنَّةِ الجَنَّةَ ، وأهلَ النّارِ النّارَ ، قالَ : يا أهلَ الجَنَّةِ ، «كَمْ لَبِثْتُمْ فِى الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» . قالَ : لَنِعمَ مَا اتَّجَرتُم في يَومٍ أو بَعضِ يَومٍ ، رَحمَتي ورِضواني وجَنَّتِي ، امكُثوا فيها خالِدينَ مُخَلَّدينَ . ثُمَّ يَقولُ : يا أهلَ النّارِ ، «كَمْ لَبِثْتُمْ فِى الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» . فَيَقولُ : بِئسَ مَا اتَّجَرتُم في يَومٍ أو بَعضِ يَومٍ ، ناري وسَخَطِي ، امكُثوا
.
ص: 394
فيها خالِدينَ مُخَلَّدينَ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :تَقولُ المَلائِكَةُ : يا رَبِّ عَبدُكَ المُؤمِنُ تَزوي عَنهُ الدُّنيا وتَعرِضُهُ لِلبَلاءِ وهُوَ مُؤمِنٌ بِكَ . فَيَقولُ : اِكشِفوا عَن ثَوابِهِ ، فَإِذا رَأَوا ثَوابَهُ ، تَقولُ المَلائِكَةُ : يا رَبِّ ما يَضُرُّهُ ما أصابَهُ فِي الدُّنيا ، وتَقولُ المَلائِكَةُ : يا رَبِّ عَبدُكَ الكافِرُ تَبسُطُ لَهُ فِي الدُّنيا وتَزوي عَنهُ البَلاءَ وقَد كَفَرَ بِكَ . فَيَقولُ : اِكشِفوا عَن عِقابِهِ فَإِذا رَأَوا عِقابَهُ ، قالوا : يا رَبِّ ما يَنفَعُهُ ما أصابَهُ فِي الدُّنيا . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :يُؤتى يَومَ القِيامَةِ بِأَنعَمِ أهلِ الدُّنيا مِنَ الكُفّارِ . فَيُقالُ : اِغمِسوهُ فِي النّارِ غَمسَةً ، فَيُغمَسُ فيها ، ثُمَّ يُقالُ لَهُ : أي فُلانُ ! هَل أصابَكَ نَعيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقولُ : لا ، ما أصابَني نَعيمٌ قَطُّ . ويُؤتى بِأَشَدِّ المُؤمِنينَ ضُرّا وبَلاءً، فَيُقالُ:اِغمِسوهُ غَمسَةً فِي الجَنَّةِ ،فَيُغمَسُ فيها غَمسَةً، فَيُقالُ لَهُ : أي فُلانُ ! هَل أصابَكَ ضُرٌّ قَطُّ أو بَلاءٌ ؟ فَيَقولُ : ما أصابَني قَطُّ ضُرٌّ ولا بَلاءٌ . (3)
.
ص: 395
صحيح البخاري عن حذيفة بن اليمان :كانَ النّاسُ يَسأَلونَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنِ الخَيرِ ، وكُنتُ أسأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخافَةَ أن يُدرِكَني . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنّا كُنّا في جاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ ، فَجاءَنَا اللّهُ بِهذَا الخَيرِ فَهَل بَعدَ هذَا الخَيرِ مِن شَرٍّ ؟ قالَ : نَعَم . قُلتُ : وهَل بَعدَ ذلِكَ الشَّرِّ مِن خَيرٍ . قالَ : نَعَم ، وفيهِ دَخَنٌ . (1) قُلتُ : وما دَخَنُهُ ؟ قالَ : قَومٌ يَهدونَ بِغَيرِ هَديي ، تَعرِفُ مِنهُم وتُنكِرُ . قُلتُ : فَهَل بَعدَ ذلِكَ الخَيرِ مِن شَرٍّ ؟ قالَ : نَعَم ، دُعاةٌ إلى أبوابِ جَهَنَّمَ ، مَن أجابَهُم إلَيها قَذَفوهُ فيها . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، صِفهُم لَنا . فَقالَ : هُم مِن جِلدَتِنا ، ويَتَكَلَّمونَ بِأَلسِنَتِنا ، قُلتُ : فَما تَأمُرُني إن أدرَكَني ذلِكَ ؟ قالَ : تَلزَمُ جَماعَةَ المُسلِمينَ وإمامَهُم . قُلتُ : فَإِن لَم يَكُن لَهُم جَماعَةٌ ولا إمامٌ ؟ قالَ : فَاعتَزِل تِلكَ الفِرَقَ كُلَّها ، ولَو أن تَعَضَّ بِأَصلِ شَجَرَةٍ حَتّى يُدرِكَكَ المَوتُ
.
ص: 396
وأنتَ عَلى ذلِكَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ عَلى عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَجُلٌ يُقالُ لَهُ : ذُو النَّمِرَةِ 2 وكانَ مِن أقبَحِ النّاسِ وإنَّما سُمِّيَ ذُو النَّمِرَةِ مِن قُبحِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أخبِرني ما فَرَضَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَيَّ ؟ فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَرَضَ اللّهُ عَلَيكَ سَبعَ عَشرَةَ رَكعَةً فِي اليَومِ وَاللَّيلَةِ وصَومَ شَهرِ رَمَضانَ إذا أدرَكتَهُ وَالحَجَّ إذَا استَطَعتَ إلَيهِ سَبيلاً وَالزَّكاةَ وفَسَّرَها لَهُ . فَقالَ : وَالَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ نَبِيّا ما أزيدُ رَبّي عَلى ما فَرَضَ عَلَيَّ شَيئا . فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ولِمَ يا ذَا النَّمِرَةِ ؟ فَقالَ : كَما خَلَقَني قَبيحا . قالَ : فَهَبَطَ جَبرَئيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ رَبَّكَ يَأمُرُكَ أن تُبَلِّغَ ذَا النَّمِرَةِ عَنهُ السَّلامَ ، وتَقولَ لَهُ : يَقولُ لَكَ رَبُّكَ تَبارَكَ وتَعالى : أما تَرضى أن أحشُرَكَ عَلى جَمالِ جَبرَئيلَ عليه السلام يَومَ القِيامَةِ ؟ فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا ذَا النَّمِرَةِ هذا جَبرَئيلُ يَأمُرُني أن اُبَلِّغَكَ السَّلامَ ويَقولُ
.
ص: 397
لَكَ رَبُّكَ : أما تَرضى أن أحشُرَكَ عَلى جَمالِ جَبرَئيلَ ؟ فَقالَ ذُو النَّمِرَةِ : فَإِنّي قَد رَضيتُ يا رَبِّ فَوَعِزَّتِكَ لَأَزيدَنَّكَ حَتّى تَرضى . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :ما خَيرُ خَيرٍ (2) لا يُنال إلّا بِشَرٍّ ، ويُسرٍ لا يُنالُ إلّا بِعُسرٍ؟! (3)
عنه عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ رضى الله عنه _: يا بُنَيَّ ، ... ما خَيرٌ بِخَيرٍ بَعدَهُ النّارُ ، وما شَرٌّ بِشَرٍّ بَعدَهُ الجَنَّةُ ، كُلُّ نَعيمٍ دونَ الجَنَّةِ مَحقورٌ ، وكُلُّ بَلاءٍ دونَ النّارِ عافِيَةٌ . (4)
عنه عليه السلام :لا تَعُدَّنَّ خَيرا ما أدرَكتَ بِهِ شَرّا . (5)
عنه عليه السلام :لا تَعُدَّنَّ شَرّا ما أدرَكتَ بِهِ خَيرا . (6)
عنه عليه السلام :شَرُّ العَمَلِ ما أفسَدتَ بِهِ مَعادَكَ . (7)
الإمام الصادق عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِ جُندَبٍ _: يَابنَ جُندَبٍ ، الخَيرُ كُلُّهُ أمامَكَ ، وإنَّ الشَّرَّ كُلَّهُ أمامَكَ ، ولَن تَرَى الخَيرَ وَالشَّرَّ إلّا بَعدَ الآخِرَةِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ جَعَلَ الخَيرَ كُلَّهُ فِي الجَنَّةِ وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي النّارِ ، لِأَنَّهُمَا الباقِيانِ . (8)
الإمام عليّ عليه السلام :اِحذَروا عِبادَ اللّهِ المَوتَ وقُربَهُ ، وأعِدّوا لَهُ عُدَّتَهُ ، فَإِنَّهُ يَأتي بِأَمرٍ عَظيمٍ ،
.
ص: 398
وخَطبٍ (1) جَليلٍ ، بِخَيرٍ لا يَكونُ مَعَهُ شَرٌّ أبَدا ، أو شَرٍّ لا يَكونُ مَعَهُ خَيرٌ أبَدا . (2)
عنه عليه السلام :يوقَفُ العَبدُ بَينَ يَدَيِ اللّهِ ، فَيَقولُ : قيسوا بَينَ نِعَمي عَلَيهِ وبَينَ عَمَلِهِ ، فَتَستَغرِقُ (3) النِّعَمُ العَمَلَ ، فَيَقولونَ : قَدِ استَغرَقَتِ النِّعَمُ العَمَلَ . فَيَقولُ : هَبوا لَهُ نِعَمي وقيسوا بَينَ الخَيرِ وَالشَّرِّ مِنهُ ، فَإِنِ استَوَى العَمَلانِ أذهَبَ اللّهُ الشَّرَّ بِالخَيرِ وأدخَلَهُ الجَنَّةَ ، فَإِن كانَ لَهُ فَضلٌ أعطاهُ اللّهُ بِفَضلِهِ ، وإن كانَ عَلَيهِ فَضلٌ وهُوَ مِن أهلِ التَّقوى ، لَم يُشرِك بِاللّهِ تَعالى وَاتَّقَى الشِّركَ بِهِ ، فَهُوَ مِن أهلِ المَغفِرَةِ ، يَغفِرُ اللّهُ لَهُ بِرَحمَتِهِ إن شاءَ ويَتَفَضَّلُ عَلَيهِ بِعَفوِهِ . (4)
الإمام الباقر عليه السلام :يا جابِرُ فَاحفَظ مَا استَرعاكَ اللّهُ _ جَلَّ وعَزَّ _ مِن دينِهِ وحِكمَتِهِ ، ولا تَسأَلَنَّ عَمّا لَكَ عِندَهُ إلّا ما لَهُ عِندَ نَفسِكَ ، فَإِن تَكُنِ الدُّنيا عَلى غَيرِ ما وَصَفتُ لَكَ ، فَتَحَوَّل إلى دارِ المُستَعتَبِ، (5) فَلَعَمري لَرُبَّ حَريصٍ عَلى أمرٍ قَد شَقِيَ بِهِ حينَ أتاهُ ، ولَرُبَّ كارِهٍ لِأَمرٍ قَد سَعِدَ بِهِ حينَ أتاهُ ، وذلِكَ قَولُ اللّهِ عز و جل : «وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَ_فِرِينَ» (6) . (7)
الزهد عن عطاء الخراساني :مَرَّ نَبِيٌّ مِنَ الأَنبِياءِ بِساحِلٍ ، فَإِذا هُوَ بِرَجُلٍ يَصطادُ
.
ص: 399
حيتانا ، فَقالَ : بِاسمِ اللّهِ ، وألقى شَبَكَتَهُ فَلَم يَخرُج فيها حوتٌ واحِدٌ ثُمَّ مَرَّ بِآخَرَ ، فَقالَ : بِاسمِ الشَّيطانِ ، فَخَرَجَ فيها مِنَ الحيتانِ حَتّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَتَقاعَسُ مِن كَثرَتِها . فَقالَ : أي رَبِّ هذَا الَّذي دَعاكَ ولَم يُشرِك بِكَ شَيئا ابتَلَيتَهُ بِأَن لَم يَخرُج في شَبَكَتِهِ شَيءٌ ، وهذَا الَّذي دَعا غَيرَكَ ابتَلَيتَهُ وخَرَجَ في شَبَكَتِهِ ما جَعَلَ يَتَقاعَسُ تَقاعُسا مِن كَثرَتِها ، وقَد عَلِمتُ أنَّ كُلَّ ذلِكَ بِيَدِكَ فَأَنّى هذا ؟ قالَ : اِكشِفوا لِعَبدي عَن مَنزِلِهِما فَلَّما رَأى ما أعَدَّ اللّهُ لِهذا مِنَ الكَرامَةِ ، وما أعَدَّ اللّهُ لِهذا مِنَ الهَوانِ . قالَ : رَضيتُ يا رَبّي ! (1)
.
ص: 400
. .
ص: 401
الفصل الثّاني : حكمة المصائب2 / 1الاِبتِلاءُ وَالاِمتِحانُالكتاب«كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ» . (1)
«إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّ__لِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَ_فِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَ_هَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّ_بِرِينَ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ البَلاءَ لِلظّالِمِ أدَبٌ ، ولِلمُؤمِنِ امتِحانٌ ، ولِلأَنبِياءِ دَرَجَةٌ ، ولِلأَولِياءِ كَرامَةٌ . (3)
.
ص: 402
الإمام عليّ عليه السلام :يُمتَحَنُ المُؤمِنُ بِالبَلاءِ ، كَما يُمتَحَنُ بِالنّارِ الخِلاصُ (1) . (2)
عنه عليه السلام :لا تَفرَح بِالغَناءِ وَالرَّخاءِ ، ولا تَغتَمَّ بِالفَقرِ وَالبَلاءِ ، فَإِنَّ الذَّهَبَ يُجَرَّبُ بِالنّارِ ، وَالمُؤمِنُ يُجَرَّبُ بِالبَلاءِ . (3)
الإمام الحسين عن الإمام عليّ عليهماالسلام :مَرِضَ فَعادَهُ إخوانُهُ فَقالوا : كَيفَ أصبَحتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ فَقالَ : بِشَرٍّ . فَقالوا : سُبحانَ اللّهِ ، هذا مِن كَلامِ مِثلِكَ ؟! فَقالَ عليه السلام : يَقولُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : «وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ» (4) ، فَالخَيرُ الصِّحَّةُ وَالغِنى ، وَالشَّرُّ المَرَضُ وَالفَقرُ ابتِلاءً وَاختِبارا . (5)
إحياء علوم الدين :قالَ لُقمانُ لِابنِهِ : يا بُنَيَّ إنَّ الذَّهَبَ يُجَرَّبُ بِالنّارِ ، وَالعَبدَ الصّالِحَ يُجَرَّبُ بِالبَلاءِ ، فَإِذا أحَبَّ اللّهُ قَوما ابتَلاهُم ، فَمَن رَضِيَ فَلَهُ الرِّضا ، ومَن سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ . (6)
2 / 2التَّذَكُّرُ وَالاِتِّعاظُالكتاب«وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَ تِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» . (7)
.
ص: 403
«وَ لَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» . (1)
«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :إذا رَأَيتَ اللّهَ سُبحانَهُ يُتابِعُ عَلَيكَ البَلاءَ فَقَد أيقَظَكَ . إذا رَأَيتَ اللّهَ سُبحانَهُ يُتابِعُ عَلَيكَ النِّعَمَ مَعَ المَعاصي فَهُوَ استِدراجٌ لَكَ . (3)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ يَبتَلي عِبادَهُ عِندَ الأَعمالِ السَّيِّئَةِ بِنَقصِ الثَّمَراتِ ، وحَبسِ البَرَكاتِ ، وإغلاقِ خَزائِنِ الخَيراتِ ، لِيَتوبَ تائِبٌ ، ويُقلِعَ مُقلِعٌ ، ويَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ ، ويَزدَجِرَ مُزدَجِرٌ . (4)
عنه عليه السلام :مَن سَلَبَتهُ الحَوادِثُ مالَهُ ، أفادَتهُ الحَذَرَ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :ما مِن مُؤمِنٍ إلّا وهُوَ يُذَكَّرُ لِبَلاءٍ (6) يُصيبُهُ في كُلِّ أربَعينَ يَوما أو بِشَيءٍ مِن مالِهِ ووُلدِهِ ، لِيَأجُرَهُ اللّهُ عَلَيهِ ، أو بِهَمٍّ لا يَدري مِن أينَ هُوَ ؟ (7)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيرا فَأَذنَبَ ذَنبا أتبَعَهُ بِنَقِمَةٍ ويُذَكِّرُهُ الاِستِغفارَ ، وإذا أرادَ
.
ص: 404
بِعَبدٍ شَرّا فَأَذنَبَ ذَنبا أتبَعَهُ بِنِعمَةٍ لِيُنسِيَهُ الاِستِغفارَ ويَتمادى بِها ، وهُوَ قَولُ اللّهِ عز و جل : «سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ» (1) بِالنِّعَمِ عِندَ المَعاصي . (2)
عنه عليه السلام :المُؤمِنُ لا يَمضي عَلَيهِ أربَعونَ لَيلَةً ، إلّا عَرَضَ لَهُ أمرٌ يَحزُنُهُ ، يُذَكَّرُ بِهِ . (3)
عنه عليه السلام_ للمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: ... ثُمَّ هذِهِ الآفاتُ الَّتي ذَكَرناها _ مِنَ الوَباءِ وَالجَرادِ وما أشبَهَ ذلِكَ _ ما بالُها لا تَدومُ ... يُلذَعُ (4) أحيانا بِهذِهِ الآفاتِ اليَسيرَةِ لِتَأديبِ النّاسِ وتَقويمِهِم ، ثُمَّ لا تَدومُ هذِهِ الآفاتُ ، بَل تَكشِفُ عَنهُم عِندَ القُنوطِ مِنهُم ، فَتَكونُ وُقوعُها بِهِم مَوعِظَةً وكَشفُها عَنهُم رَحمَةً ... . فَإِذا عَضَّتهُ المَكارِهُ ووَجَدَ مَضَضَهَا اتَّعَظَ وأبصَرَ كَثيرا مِمّا كانَ جَهِلَهُ وغَفَلَ عَنهُ ، ورَجَعَ إلى كَثيرٍ مِمّا كانَ يَجِبُ عَلَيهِ ... إنَّ هذِهِ الآفاتِ وإن كانَت تَنالُ الصّالِحَ وَالطّالِحَ جَميعاً ، فَإِنَّ اللّهَ جَعَلَ ذلِكَ صَلاحا لِلصِّنفَينِ كِلَيهِما : أمَّا الصّالِحونَ فَإِنَّ الَّذي يُصيبُهُم مِن هذا يَرُدُّهُم (5) نِعَمَ رَبِّهِم عِندَهُم في سالِفِ أيّامِهِم فَيَحدوهُم ذلِكَ عَلَى الشُّكرِ وَالصَّبرِ ، وأمَّا الطّالِحونَ فَإِنَّ مِثلَ هذا إذا نالَهُم كَسَرَ شِرَّتَهُم ورَدَعَهُم عَنِ المَعاصي وَالفَواحِشِ ، وكَذلِكَ يَجعَلُ لِمَن سَلِمَ مِنهُم مِنَ الصِّنفَينِ صَلاحا في ذلِكَ ، أمَّا الأَبرارُ فَإِنَّهُم يَغتَبِطونَ بِماهُم عَلَيهِ مِنَ البِرِّ وَالصَّلاحِ ويَزدادونَ فيهِ رَغبَةً وبَصيرَةً ، وأمَّا الفُجّارُ فَإِنَّهُم يَعرِفونَ رَأفَةَ (6)
.
ص: 405
2 / 3جَزاءُ السَّيِّئاتِالكتاب«وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» . (1)
«أَوَ لَمَّا أَصَ_بَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَ_ذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» . (2)
«وَ مَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلَا وَ أَهْلُهَا ظَ__لِمُونَ» . (3)
«أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّ_هُمْ فِى الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَ_رَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَ_هُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا ءَاخَرِينَ» . (4)
«ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ ءَابَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَ_هُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» . (5)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :المَصائِبُ وَالأَمراضُ وَالأَحزانُ فِي الدُّنيا جَزاءٌ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :مَا اختَلَجَ عِرقٌ ولا عَثَرَت قَدَمٌ إلّا بِما قَدَّمَت أيديكُم ، وما يَعفُو اللّهُ عز و جل عَنهُ
.
ص: 406
أكثَرُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :أما إنَّهُ لَيسَ مِن عِرقٍ يُضرَبُ ولا نَكبَةٍ ولا صُداعٍ ولا مَرَضٍ إلّا بِذَنبٍ ، وذلِكَ قَولُ اللّهِ عز و جل في كِتابِهِ : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» . قالَ : ثُمَّ قالَ : وما يَعفُو اللّهُ أكثَرُ مِمّا يُؤاخِذُ بِهِ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا يُصيبُ عَبدا نَكبَةٌ فَما فَوقَها أو دونَها إلّا بِذَنبٍ ، وما يَعفُو اللّهُ عَنهُ أكثَرُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» _: ما مِن خَدشَةِ عودٍ ، ولَا اختِلاجِ عِرقٍ ولا نَكبَةِ حَجَرٍ ، ولا عَثرَةِ قَدَمٍ إلّا بِذَنبٍ ، وما يَعفُو اللّهُ أكثَرُ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» _: لَيسَ مِنِ التِواءِ عِرقٍ ، ولا نَكبَةِ حَجَرٍ ، ولا عَثرَةِ قَدَمٍ ، ولا خَدشِ عودٍ ، إلّا بِذَنبٍ ، ولَما يَعفُو اللّهُ أكثَرُ . (5)
.
ص: 407
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما تَكونُ مِن عِلَّةٍ إلّا مِن ذَنبٍ ، وما يَعفُو اللّهُ عز و جل عَنهُ أكثَرُ . (1)
الأمالي عن عبد اللّه بن محمد عن عقيل :سَمِعتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ زَينَ العابِدينَ عليه السلام يَقولُ : «مَا اختَلَجَ عِرقٌ ولا صُدِعَ مُؤمِنٌ إلّا بِذَنبِهِ ، وما يَعفُو اللّهُ عَنهُ أكثَرُ» . وكانَ إذا رَأَى المَريضَ قَد بَرِئَ قالَ : «لِيَهنِئكَ الطُّهرُ مِنَ الذُّنوبِ ، فَاستَأنِفِ العَمَلَ» . (2)
مسند أبي يعلى عن أبي سُخيلة عن الإمام عليّ عليه السلام :ألا اُخبِرُكُم بِأَفضَلِ آيَةٍ في كِتابِ اللّهِ حَدَّثَني بِها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : «مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» . قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : سَاُفَسِّرُها لَكَ يا عَلِيُّ ، ما أصابَكُم فِي الدُّنيا مِن بَلاءٍ أو مَرَضٍ أو عُقوبَةٍ ، فَاللّهُ أكرَمُ مِن أن يُثَنِّيَ عَلَيكُمُ العُقوبَةَ فِي الآخِرَةِ ، وما عَفا عَنهُ فِي الدُّنيا فَاللّهُ أحلَمُ مِن أن يَعودَ بَعدَ عَفوِهِ . (3)
بحارالأنوار عن المفضّل بن عمر_ في حَديثٍ عَنِ الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام يَذكُرُ فيهِ حِكمَةَ إنباتِ الشَّعرِ في وَجهِ الرَّجُلِ دونَ المَرأَةِ _: فَقُلتُ : يا مَولايَ ، فَقَد رَأَيتُ مَن يَبقى عَلى حالَتِهِ ولا يَنبُتُ الشَّعرُ في وَجهِهِ وإن بَلَغَ حالَ الكِبَرِ ؟ فَقالَ : ذلِكَ بِما قَدَّمت أيديهِم وإنَّ اللّهَ لَيسَ بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ . (4)
.
ص: 408
2 / 4التَّطهيرُ مِنَ الذُّنوبِ لِلمُؤمِنينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :المُؤمِنُ يُكَفَّرُ ذُنوبُهُ بِسَبَبِ الإِيذاءِ وَالمَصائِبِ . (1)
الدرّ المنثور عن أبي إدريس الخولاني :سَأَلتُ عُبادَةَ بنَ الصّامِتِ ، عَن قَولِ اللّهِ : «وَ لَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ» (2) فَقالَ : سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنها ، فَقالَ : هِيَ المَصائِبُ وَالأَسقامُ وَالأَنصابُ ، عَذابٌ لِلمُسرِفِ فِي الدُّنيا دونَ عَذابِ الآخِرَةِ . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، فَما هِيَ لَنا ؟ قالَ : زَكاةٌ وطَهورٌ . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ المُؤمِنَ إذا أصابَهُ السُّقمُ ثُمَّ أعفاهُ اللّهُ مِنهُ كانَ كَفّارَةً لِما مَضى مِن ذُنوبِهِ ، ومَوعِظَةً لَهُ فيما يَستَقبِلُ ، وإنَّ المُنافِقَ إذا مَرِضَ ثُمَّ اُعفِيَ كانَ كَالبَعيرِ عَقَلَهُ (4) أهلُهُ ثُمَّ أرسَلوهُ ، فَلَم يَدرِ لِمَ عَقَلوهُ ولَم يَدرِ لِمَ أرسَلوهُ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَنِ ابتَلاهُ اللّهُ بِبَلاءٍ في جَسَدِهِ فَهُوَ لَهُ حِطَّةٌ (6) . (7)
.
ص: 409
عنه صلى الله عليه و آله :إذا رَأَيتُمُ الرَّجُلَ ألَمَّ اللّهُ بِهِ الفَقرَ وَالمَرَضَ ، فَإِنَّ اللّهَ تَعالى يُريدُ أن يُصافِيَهُ . (1)
صحيح مسلم عن أبي هريرة :لَمّا نَزَلَت «مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ» (2) بَلَغَت مِنَ المُسلِمينَ مَبلَغا شَديدا ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قَارِبوا وسَدِّدوا فَفي كُلِّ ما يُصابُ بِهِ المُسلِمُ كَفّارَةٌ حَتَّى النَّكبَةِ يُنكَبُها ، أوِ الشَّوكَةِ يُشاكُها . (3)
صحيح البخاري عن عبد اللّه بن مسعود :دَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ يوعَكُ (4) وَعكا شَديدا فَمَسِستُهُ بِيَدي . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ لَتوعَكُ وَعكا شَديدا . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أجَل . إنّي اُوعَكُ كَما يوعَكُ رَجُلانِ مِنكُم . فَقُلتُ : ذلِكَ ، أنَّ لَكَ أجرَينِ ؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أجَل . ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما مِن مُسلِمٍ يُصيبُهُ أذىً ؛ مَرَضٌ فَما سِواهُ ، إلّا حَطَّ اللّهُ لَهُ سَيِّئاتِهِ ، كَما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَها . (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : إنّي إذَا ابتَلَيتُ عَبدا مِن عِبادي مُؤمِنا فَحَمِدَني عَلى مَا ابتَلَيتُهُ ، فَإِنَّهُ يَقومُ مِن مَضجَعِهِ ذلِكَ كَيَومَ وَلَدَتهُ اُمُّهُ مِنَ الخَطايا . ويَقولُ الرَّبُّ عز و جل : أنَا قَيَّدتُ عَبدي وَابتَلَيتُهُ ، وأجرُوا لَهُ كَما كُنتُم تُجرُونَ لَهُ وهُوَ صَحيحٌ . (6)
.
ص: 410
عنه صلى الله عليه و آله :ما يُصيبُ المُؤمِنَ مِن وَصَبٍ (1) ، ولا نَصَبٍ (2) ، ولا سَقَمٍ ، ولا حَزَنٍ ؛ حَتَّى الهَمِّ يُهَمُّهُ ، إلّا كُفِّرَ بِهِ مِن سَيِّئاتِهِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :ما يُصيبُ المُسلِمَ ، مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ، ولا هَمًّ ولا حَزَنٍ ولا أذىً ولا غَمًّ ، حَتَّى الشَّوكَةِ يُشاكُها ، إلّا كَفَّرَ اللّهُ بِها مِن خَطاياهُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ لَيَبتَلي عَبدَهُ بِالبَلاءِ وَالهَمِّ ، حَتّى يَترُكَهُ مِن ذَنبِهِ كَالفِضَّةِ المُصَفّاةِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ الصُّداعَ وَالمَليلَةَ (6) لا تَزالُ بِالمُؤمِنِ ، وإنَّ ذَنبَهُ مِثلُ اُحُدٍ ، فَما تَدَعُهُ وعَلَيهِ مِن ذلِكَ مِثقالُ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أصابَ فِي الدُّنيا ذَنبا فَعوقِبَ بِهِ ، فَاللّهُ أعدَلُ مِن أن يُثَنِّيَ عُقوبَتَهُ عَلى عَبدِهِ ، ومَن أذنَبَ ذَنبا فِي الدُّنيا فَسَتَرَهُ اللّهُ عَلَيهِ ، فَاللّهُ أكرَمُ مِن أن يَعودَ في شَيءٍ قَد عَفا عَنهُ . (8)
.
ص: 411
صحيح ابن حبّان عن عائشة :إنَّ رَجُلاً تَلا هذِهِ الآيَةَ : «مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ» فَقالَ : إنّا لَنُجزى بِكُلِّ ما عَمِلنا ؟! هَلَكنا إذا ! فَبَلَغَ ذلِكَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : نَعَم ، يُجزى بِهِ فِي الدُّنيا مِن مُصيبَةٍ في جَسَدِهِ مِمّا يُؤذيهِ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :شَكى نَبِيٌّ مِنَ الأَنبِياءِ إلى رَبِّهِ عز و جل فَقالَ : يا رَبِّ يَكونُ العَبدُ مِن عَبيدِكَ يُؤمِنُ بِكَ ويَعمَلُ بِطاعَتِكَ ، فَتَزوي (2) عَنهُ الدُّنيا ، وتَعرِضُ لَهُ البَلاءَ ، ويَكونُ العَبدُ مِن عَبيدِكَ يَكفُرُ بِكَ ويَعمَلُ بِمَعاصيكَ ، فَتَزوي عَنهُ البَلاءَ وتَعرِضُ لَهُ الدُّنيا . فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلَيهِ ؛ أنَّ البِلادَ وَالعِبادَ لي ، وأنَّهُ لَيسَ مِن شَيءٍ إلّا يُسَبِّحُني ويُهَلِّلُني ويُكَبِّرُني ، وأمّا عَبدِيَ المُؤمِنُ فَلَهُ سَيِّئاتٌ فَأَزوي عَنهُ الدُّنيا ، وأعرِضُ لَهُ البَلاءَ حَتّى يَأتِيَني فَأَجزِيَهُ بِحَسَناتِهِ ، وأمّا عَبدِيَ الكافِرُ فَلَهُ حَسَناتٌ فَأَزوي عَنهُ البَلاءَ ، وأعرِضُ لَهُ الدُّنيا حَتّى يَأتِيَني فَأَجزِيَهُ بِسَيِّئاتِهِ . (3)
الموطّأ عن يحيى بن سعيد :إنَّ رَجُلاً جاءَهُ المَوتُ في زَمانِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ رَجُلٌ : هَنيئا لَهُ ، ماتَ ولَم يُبتَلَ بِمَرَضٍ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : وَيحَكَ ، وما يُدريكَ لَو أنَّ اللّهَ ابتَلاهُ بِمَرَضٍ يُكَفِّرُ بِهِ مِن سَيِّئاتِهِ . (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما يَزالُ البَلاءُ بِالمُؤمِنِ وَالمُؤمِنَةِ في نَفسِهِ ووَلَدِهِ ومالِهِ ، حَتّى يَلقَى اللّهَ
.
ص: 412
وما عَلَيهِ خَطيئَةٌ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّما مَثَلُ العَبدِ المُؤمِنِ حينَ يُصيبُهُ الوَعكُ أوِ الحُمّى ، كَمَثَلِ حَديدَةٍ تُدخَلُ النّارَ فَيَذهَبُ خَبَثُها ويَبقى طيبُها . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :ما مِن مُصيبَةٍ تُصيبُ المُسلِمَ إلّا كَفَّرَ اللّهُ بِها عَنهُ ، حَتَّى الشَّوكَةِ يُشاكُها . (3)
الإمام الحسين عليه السلام :عادَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام سَلمانَ الفارِسِيَّ فَقالَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، كَيفَ أصبَحتَ مِن عِلَّتِكَ ؟ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أحمَدُ اللّهَ كَثيرا ، وأشكو إلَيكَ كَثرَةَ الضَّجَرِ . قالَ : فَلا تَضجَر يا أبا عَبدِ اللّهِ ، فَما مِن أحَدٍ مِن شيعَتِنا يُصيبُهُ وَجَعٌ إلّا بِذَنبٍ قَد سَبَقَ مِنهُ ، وذلِكَ الوَجَعُ تَطهيرٌ لَهُ . قالَ سَلمانُ : فَإِن كانَ الأَمرُ عَلى ما ذَكَرتَ _ وهُوَ كَما ذَكَرتَ _ فَلَيسَ لَنا في شَيءٍ مِن ذلِكَ أجرٌ خَلَا التَّطهيرَ! قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : يا سَلمانُ ، إنَّ لَكُمُ الأَجرَ بِالصَّبرِ عَلَيهِ وَالتَّضَرُّعِ إلَى اللّهِ عَزَّ اسمُهُ ، وَالدُّعاءِ لَهُ، بِهِما يُكتَبُ لَكُمُ الحَسَناتُ ويُرفَع لَكُمُ الدَّرَجاتُ ، وأمَّا الوَجَعُ فَهُوَ خاصَّةً
.
ص: 413
تَطهيرٌ وكَفّارَةٌ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَ تَمحيصَ ذُنوبِ شيعَتِنا فِي الدُّنيا بِمِحَنِهِم ، لِتَسلَمَ لَهُم (2) طاعاتُهُم ويَستَحِقّوا عَلَيها ثَوابَها . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :للّهِِ فِي السَّرّاءِ نِعمَةُ التَّفَضُّلِ ، وفِي الضَّرّاءِ نِعمَةُ التَّطَهُّرِ . (4)
عنه عليه السلام :إنَّ المُؤمِنَ لَيُهَوَّلُ عَلَيهِ في نَومِهِ فَيُغفَرُ لَهُ ذُنوبُهُ ، وإنَّهُ لَيُمتَهَنُ في بَدَنِهِ فَيُغفَرُ لَهُ ذُنوبُهُ . (5)
كنز الفوائد عن يونس بن يعقوب :سَمِعتُ الصّادِقَ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام يَقولُ : مَلعونٌ مَلعونٌ كُلُّ بَدَنٍ لا يُصابُ في كُلِّ أربَعينَ يَوما ، فَقُلتُ : مَلعونٌ ؟! قالَ : مَلعونٌ ، فَلَمّا رَأى عِظَمَ ذلِكَ عَلَيَّ قالَ : يا يونُسُ ، إنَّ مِنَ البَلِيَّةِ الخَدشَةَ ، وَاللَّطمَةَ ، وَالعَثرَةَ ، وَالنَّكبَةَ (6) ، وَالقَفزَةَ (7) ، وَانقِطاعَ الشِّسعِ وأشباهَ ذلِكَ . يا يونُسُ إنَّ المُؤمِنَ أكرَمُ عَلَى اللّهِ تَعالى مِن أن يَمُرَّ عَلَيهِ أربَعونَ يَوما لا يُمَحَّصُ فيها مِن ذُنوبِهِ ، ولَو بِغَمًّ يُصيبُهُ لا يَدري ما وَجهُهُ ، وإنَّ أحَدَكُم لَيَضَعُ الدَّراهِمَ بَينَ يَدَيهِ فَيَراها فَيَجِدُها ناقِصَةً فَيَغتَمُّ بِذلِكَ ، فَيَجِدُها سَواءً فَيَكونُ ذلِكَ حَطّا لِبَعضِ ذُنوبِهِ . (8)
.
ص: 414
الإمام الباقر عليه السلام :لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَهُ «مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ» قالَ بَعضُ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما أشَدَّها مِن آيَةٍ . فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أما تُبتَلَونَ في أموالِكُم وأنفُسِكُم وذَرارِيِّكُم ؟ قالوا : بَلى . قالَ : هذا مِمّا يَكُتبُ اللّهُ لَكُم بِهِ الحَسَناتِ ويَمحو بِهِ السَّيِّئاتِ . (1)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل إذا كانَ مِن أمرِهِ أن يُكرِمَ عَبدا ولَهُ ذَنبٌ ابتَلاهُ بِالسُّقمِ ، فَإِن لَم يَفعَل ذلِكَ لَهُ ابتَلاهُ بِالحاجَةِ ، فَإِن لَم يَفعَل بِهِ ذلِكَ شَدَّدَ عَلَيهِ المَوتَ لِيُكافِيَهُ بِذلِكَ الذَّنبِ . قالَ : وإذا كانَ مِن أمرِهِ أن يُهينَ عَبدا ولَهُ عِندَهُ حَسَنَةٌ صَحَّحَ بَدَنَهُ ، فَإِن لَم يَفعَل بِهِ ذلِكَ وَسَّعَ عَلَيهِ في رِزقِهِ ، فَإِن هُوَ لَم يَفعَل ذلِكَ بِهِ هَوَّنَ عَلَيهِ المَوتَ لِيُكافِيَهُ بِتِلكَ الحَسَنَةِ . (2)
تفسير القمّي عن الأصبغ بن نباتة عن الإمام عليّ عليه السلام ، قال :سَمِعتُهُ يَقولُ : إنّي اُحَدِّثُكُم بِحَديثٍ يَنبَغي لِكُلِّ مُسلِمٍ أن يَعِيَهُ . ثُمَّ أقبَلَ عَلَينا فَقالَ : ما عاقَبَ اللّهُ عَبدا مُؤمِنا في هذِهِ الدُّنيا إلّا كانَ اللّهُ أحلَمَ وأمجَدَ وأجوَدَ مِن أن يَعودَ في عِقابِهِ يَومَ القِيامَةِ ، وما سَتَرَ اللّهُ عَلى عَبدٍ مُؤمِنٍ في هذِهِ الدُّنيا وعَفا عَنهُ إلّا كانَ اللّهُ أمجَدَ وأجوَدَ وأكرَمَ مِن أن يَعودَ في عُقوبَتِهِ يَومَ القِيامَةِ . ثُمَّ قالَ عليه السلام : وقَد يَبتَلِي اللّهُ المُؤمِنَ بِالبَلِيَّةِ في بَدَنِهِ أو مالِهِ أو وَلَدِهِ أو أهلِهِ ، ثُمَّ تَلا هذِهِ الآيَةَ : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ ...» . (3)
.
ص: 415
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا كَثُرَت ذُنوبُ العَبدِ ولَم يَكُن لَهُ ما يُكَفِّرُها مِنَ العَمَلِ ، ابتَلاهُ اللّهُ عز و جل بِالحُزنِ لِيُكَفِّرَها عَنهُ . (1)
2 / 5التَّكامُلُ لِلأَنبِياءِ وَالأَولِياءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ البَلاءَ ... لِلأَنبِياءِ دَرَجَةٌ ، ولِلأَولِياءِ كَرامَةٌ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :سُئِلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن أشَدُّ النّاسِ بَلاءً فِي الدُّنيا ؟ فَقالَ : النَّبِيّونَ ثُمَّ الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ ، ويُبتَلَى المُؤمِنُ بَعدُ عَلى قَدرِ إيمانِهِ وحُسنِ أعمالِهِ ، فَمَن صَحَّ إيمانُهُ وحَسُنَ عَمَلُهُ اشتَدَّ بَلاؤُهُ ، ومَن سَخُفَ إيمانُهُ وضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلاؤُهُ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى إذا أحَبَّ عَبدا غَتَّهُ (4) بِالبَلاءِ غَتّا . (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ أشَدُّ حِميَةً لِلمُؤمِنِ مِنَ الدُّنيا مِنَ المَريضِ أهلَهُ مِنَ الطَّعامِ ، وَاللّهُ عز و جل
.
ص: 416
أشَدُّ تَعاهُدا لِلمُؤمِنِ بِالبَلاءِ مِنَ الوالِدِ لِوَلَدِهِ بِالخَيرِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :ما ضُرِبَ مِن مُؤمِنٍ عِرقٌ إلّا حَطَّ اللّهُ عَنهُ بِهِ خَطيئَةً ، وكَتَبَ لَهُ بِهِ حَسَنَةً ، ورَفَعَ لَهُ بِهِ دَرَجَةً . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ الرَّجُلَ لَتَكونُ لَهُ دَرَجَةٌ رفيعَةٌ مِنَ الجَنَّةِ لا يَنالُها إلّا بِشَيءٍ مِنَ البَلايا تُصيبُهُ ، حَتّى يَنزِلَ بِهِ المَوتُ وما بَلَغَ تِلكَ الدَّرَجَةَ ، فَيُشَدَّدُ عَلَيها حَتّى يَبلُغَها . (3)
عُدّة الداعي :عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه و آله : إنَّ فِي الجَنَّةِ مَنازِلَ لا يَنالُهَا العِبادُ بِأَعمالِهِم ، لَيسَ لَها عِلاقَةٌ مِن فَوقِها ولا عِمادٌ مِن تَحتِها . قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، مَن أهلُها ؟ فَقالَ صلى الله عليه و آله : هُم أهلُ البَلايا وَالهُمومِ . (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى لَيَكتُبُ لِلعَبدِ الدَّرَجَةَ العُليا (5) فِي الجَنَّةِ ، فَلا يَبلُغُها عَمَلُهُ ، فَلا يَزالُ يُتَعَهَّدُ بِالبَلاءِ حَتّى يَبلُغَها . (6)
مسند ابن حنبل عن عبد الرحمن بن شيبة :إنَّ عائِشَةَ أخبَرَتهُ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله طَرَقَهُ وَجَعٌ ، فَجَعَلَ يَشتَكي ويَتَقَلَّبُ عَلى فِراشِهِ . فَقالَت عائِشَةُ : لَو صَنَعَ هذا بَعضُنا
.
ص: 417
لَوَجَدتَ (1) عَلَيهِ. فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إنَّ الصّالِحينَ يُشَدَّدُ عَلَيهِم ، وإنَّهُ لا يُصيبُ مُؤمنا نَكبَةٌ مِن شَوكَةٍ فَما فَوقَ ذلِكَ إلّا حُطَّت بِهِ عَنهُ خَطيئَةٌ ، ورُفِعَ بِها دَرَجَةٌ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ الرَّجُلَ تَكونُ لَهُ المَنزِلَةُ عِندَ اللّهِ فَما يَبلُغُها بِعَمَلٍ ، فَلا يَزالُ يَبتَليهِ بِما يَكرَهُ حَتّى يُبَلِّغَهُ ذلِكَ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ العَبدَ إذا سَبَقَت لَهُ مِنَ اللّهِ مَنزِلَةٌ لَم يَبلُغها بِعَمَلِهِ ابتَلاهُ اللّهُ في جَسَدِهِ ، أو في مالِهِ ، أو في وَلَدِهِ ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلى ذلِكَ حَتّى يُبَلِّغَهُ المَنزِلَةَ الَّتي سَبَقَت لَهُ مِنَ اللّهِ تَعالى . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :ما مِن مُؤمِنٍ يُصيبُهُ صُداعٌ في رَأسِهِ أو شَوكَةٌ فَتُؤذيهِ أو ما سِوى ذلِكَ مِنَ الأَذى ، إلّا رَفَعَهُ اللّهُ بِها يَومَ القِيامَةِ دَرَجَةً ، أو كَفَّرَ عَنهُ بِها خَطيئَةً . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَكونُ مُؤمِنا حَتّى تَعُدَّ البَلاءَ نِعمَةً وَالرَّخاءَ مِحنَةً ؛ لِأَنَّ بَلاءَ الدُّنيا نِعمَةٌ فِي
.
ص: 418
الآخِرَةِ ، ورَخاءَ الدُّنيا مِحنَةٌ فِي الآخِرَةِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل إذا أرادَ بِقَومٍ خَيرا ابتَلاهُم . (2)
الطبقات الكبرى عن أبي فاطمة :كُنتُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله جالِسا ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن أحَبَّ أن يَصِحَّ ولا يَسقُمَ ؟ قُلنا : نَحنُ يا رَسولَ اللّهِ ، قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَهْ ! وعَرَفناها في وَجهِهِ . فَقالَ : أتُحِبّونَ أن تَكونوا كَالحَميرِ الصَّيّالَةِ ؟ (3) قالَ : قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، لا . قال : ألا تُحِبّونَ أن تَكونوا أصحابَ بَلاءٍ وأصحابَ كَفّاراتٍ ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَوَاللّهِ إنَّ اللّهَ لَيَبتَلِي المُؤمِنَ وما يَبتَليهِ إلّا لِكَرامَتِهِ عَلَيهِ ، وإنَّ لَهُ عِندَهُ مَنزِلَةً ما يَبلُغُها بِشَيءٍ مِن عَمَلِهِ دونَ أن يَنزِلَ بِهِ مِنَ البَلاءِ ما يَبلُغُ بِهِ تِلكَ المَنزِلَةَ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ فِي الجَنَّةِ مَنزِلَةً لا يَبلُغُها عَبدٌ إلّا بِالاِبتِلاءِ في جَسَدِهِ (5) . (6)
.
ص: 419
عنه عليه السلام :إنَّهُ لَيَكونُ لِلعَبدِ مَنزِلَةٌ عِندَ اللّهِ فَما يَنالُها إلّا بِإِحدى خَصلَتَينِ : إمّا بِذَهابِ مالِهِ ، أو بِبَلِيَّةٍ في جَسَدِهِ . (1)
الكافي عن عليّ بن رئاب :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» أرَأَيتَ ما أصابَ عَلِيّا وأهلَ بَيتِهِ عليهم السلام مِن بَعدِهِ هُوَ بِما كَسَبَت أيديهِم ، وهُم أهلُ بَيتِ طَهارَةٍ مَعصومونَ ؟ فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَتوبُ إلَى اللّهِ ويَستَغفِرُهُ في كُلِّ يَومٍ ولَيلَةٍ مِئَةَ مَرَّةٍ مِن غَيرِ ذَنبٍ ، إنَّ اللّهَ يَخُصُّ أولِياءَهُ بِالمَصائِبِ لِيَأجُرَهُم عَلَيها مِن غَيرِ ذَنبٍ . (2)
الكافي عن ابن بكير :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام في قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» فَقالَ هُوَ : «وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» قالَ : قُلتُ : لَيسَ هذا أرَدتُ ، أرَأَيتَ ما أصابَ عَلِيّا وأشباهَهُ مِن أهلِ بَيتِهِ عليهم السلام مِن ذلِكَ ؟ فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَتوبُ إلَى اللّهِ في كُلِّ يَومٍ سَبعينَ مَرَّةً مِن غَيرِ ذَنبٍ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا اُدخِلَ رَأسُ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام عَلى يَزيدَ لَعَنَهُ اللّهُ ، واُدخِلَ عَلَيهِ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ وبَناتُ أميرِ المُؤمِنينَ عليهم السلام وكانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام مُقَيَّدا مَغلولاً ، فَقالَ يَزيدُ : يا عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ ، الحَمدُ للّهِِ الَّذي قَتَلَ أباكَ . فَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : لَعَنَ اللّهُ مَن قَتَلَ أبي ، قالَ : فَغَضِبَ يَزيدُ وأمَرَ بِضَربِ عُنُقِهِ عليه السلام . فَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : فَإِذا قَتَلتَني فَبَناتُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَن يَرُدُّهُم إلى
.
ص: 420
مَنازِلِهِم ولَيسَ لَهُم مَحرَمٌ غَيري ؟ فَقالَ : أنتَ تَرُدُّهُم إلى مَنازِلِهِم ، ثُمَّ دَعا بِمِبرَدٍ (1) فَأَقبَلَ يَبرُدُ الجامِعَةَ مِن عُنُقِهِ بِيَدِهِ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : يا عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ ، أتَدري مَا الَّذي اُريدُ بِذلِكَ ؟ قالَ : بَلى ، تُريدُ ألّا يَكونَ لِأَحَدٍ عَلَيَّ مِنَّةٌ غَيرُكَ . فَقالَ يَزيدُ : هذا وَاللّهِ ما أرَدتُ أفعَلُهُ ، ثُمَّ قالَ يَزيدُ : يا عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» . فَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : كَلّا ، ما هذِهِ فينا نَزَلَت ، إنَّما نَزَلَت فينا : «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلَا تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَا ءَاتَاكُمْ» (2) فَنَحنُ الَّذين لا نَأسى عَلى ما فاتَنا ولا نَفرَحُ بِما آتانا مِنها . (3)
مقاتل الطالبّيين :دَعا يَزيدُ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ بِعَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليه السلام ، فَقالَ : مَا اسمُكَ ؟ فَقالَ : عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ . قالَ : أوَ لَم يَقتُلِ اللّهُ عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ ؟ قالَ : قَد كانَ لي أخٌ أكبَرُ مِنّي يُسَمّى عَلِيّا ، فَقَتَلتُموهُ . قالَ : بَلِ اللّهُ قَتَلَهُ . قالَ عَلِيٌّ : «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا» . (4)
.
ص: 421
قالَ لَهُ يَزيدُ : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» . (1) فَقالَ عَلِيٌّ : «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلَا تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَا ءَاتَاكُمْ وَ اللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» . (2)
الإمام الحسن عليه السلام :سَمِعتُ جَدّي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً يُقالُ لَها شَجَرَةُ البَلوى ، يُؤتى بِأَهلِ البَلاءِ يَومَ القِيامَةِ ، فَلا يُرفَعُ لَهُم ديوانٌ (3) ولا يُنصَبُ لَهُم ميزانٌ ، يُصَبُّ عَلَيهِمُ الأَجرُ صَبّا ، وقَرَأَ : «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّ_بِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ» (4) . (5)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: ... اِعلَم أنَّ بَلاياهُ مَحشُوَّةٌ بِكَراماتِهِ الأَبَدِيَّةِ ، ومِحَنَهُ مورِثَةٌ رِضاهُ وقُربَهُ ولَو بَعدَ حينٍ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :البَلاءُ زَينُ المُؤمِنِ ، وكَرامَةٌ لِمَن عَقَلَ ؛ لِأَنَّ في مُباشَرَتِهِ وَالصَّبرِ عَلَيهِ وَالثَّباتِ عِندَهُ تَصحيحَ نِسبَةِ الإِيمانِ . قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : نَحنُ مَعاشِرَ الأَنبِياءِ أشَدُّ بَلاءً ، وَالمُؤمِنُ الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ ، ومَن ذاقَ طَعمَ البَلاءِ تَحتَ سِترِ حِفظِ اللّهِ لَهُ تَلَذَّذَ بِهِ أكثَرَ مِن تَلَذُّذِهِ بِالنِّعمَةِ ، ويَشتاقُ إلَيهِ إذا
.
ص: 422
فَقَدَهُ ؛ لِأَنَّ تَحتَ نيرانِ البَلاءِ وَالمِحنَةِ أنوارَ النِّعمَةِ ، وتَحتَ أنوارِ النِّعمَةِ نيرانَ البَلاءِ وَالمِحنَةِ ، وقَد يَنجو مِنهُ كَثيرٌ ، ويَهلِكُ فِي النِّعمَةِ كَثيرٌ . وما أثنَى اللّهُ تَعالى عَلى عَبدٍ مِن عِبادِهِ مِن لَدُن آدَمَ عليه السلام إلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله إلّا بَعدَ ابتِلائِهِ ووَفاءِ حَقِّ العُبودِيَّةِ فيهِ ، فَكَراماتُ اللّهِ تَعالى فِي الحَقيقَةِ نِهاياتٌ ، بِداياتُها البَلاءُ ، وبِداياتٌ نِهاياتُهَا البَلاءُ . ومَن خَرَجَ مِن شَبَكَةِ البَلوى جُعِلَ سِراجَ المُؤمِنينَ ومُؤنِسَ المُقَرَّبينَ ، ودَليلَ القاصِدينَ. (1)
عنه عليه السلام :مَنِ ابتُلِيَ مِنَ المُؤمِنينَ بِبَلاءٍ فَصَبَرَ عَلَيهِ ، كانَ لَهُ مِثلُ أجرِ ألفِ شَهيدٍ . (2)
الكافي عن أحمد بن الحسن الميثميّ عن رجل عَنِ الإمام الصادق عليه السلام :مَن مَرِضَ لَيلَةً فَقَبِلَها بِقَبولِها ، كَتَبَ اللّهُ عز و جل لَهُ عِبادَةَ سِتّينَ سَنَةً . قُلتُ : ما مَعنى قَبولِها ؟ قالَ : لا يَشكو ما أصابَهُ فيها إلى أحَدٍ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ لَيَتَعاهَدُ عَبدَهُ المُؤمِنَ بِالبَلاءِ ، كَما يَتَعاهَدُ الغائِبُ أهلَهُ بِالطُّرَفِ ، وإنَّهُ لَيَحميهِ الدُّنيا ، كَما يَحمِي الطَّبيبُ المَريضَ . (4)
.
ص: 423
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى يَتَعَهَّدُ عَبدَهُ المُؤمِنَ في نَفسِهِ ومالِهِ بِالبَلاءِ ، كَما تَتَعَهَّدُ الوالِدَةُ وَلَدَها بِاللَّبَنِ ، وإنَّهُ لَيَحمي عَبدَهُ المُؤمِنَ مِنَ الدُّنيا ، كَما يَحمِي الطَّبيبُ المَريضَ مِنَ الطَّعامِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ لَيُغَذّي عَبدَهُ المُؤمِنَ بِالبَلاءِ ، كَما تُغَذِّي الوالِدَةُ وَلَدَها بِاللَّبَنِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ يَتَعاهَدُ وَلِيَّهُ بِالبَلاءِ ، كَما يَتَعاهَدُ المَريضَ أهلُهُ بِالدَّواءِ ، وإنَّ اللّهَ لَيَحمي عَبدَهُ الدُّنيا كَما يُحمَي المَريضُ الطَّعامَ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَيَتَعاهَدُ المُؤمِنَ بِالبَلاءِ ، ما يَمُنُّ عَلَيهِ أن يَقومَ لَيلَةً إلّا تَعاهَدَهُ إمّا بِمَرَضٍ في جَسَدِهِ ، أو بِمُصيبَةٍ في أهلٍ أو مالٍ ، أو مُصيبَةٍ مِن مَصائِبِ الدُّنيا ؛ لِيَأجُرَهُ عَلَيها . (4)
2 / 6ما يوجِبُ مِحَنَ المُستَضعَفينَالكتاب«إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَ_ائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَ يَسْتَحْىِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» . (5)
«وَمَا لَكُمْ لَا تُقَ_تِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَ نِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَ_ذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ
.
ص: 424
نَصِيرًا» . (1)
«وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» . (2)
«فَانطَ_لَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَ_مًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّة بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا نُّكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا» . (3)
«وَ أَمَّا الْغُلَ_مُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَ_نًا وَ كُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَوةً وَ أَقْرَبَ رُحْمًا» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا لَم يَأمُروا بِالمَعروفِ ولَم يَنهَوا عَن المُنكَرِ ، ولَم يَتَّبِعُوا الأَخيارَ مِن أهلِ بَيتي ، سَلَّطَ اللّهُ عَلَيهِم شِرارَهُم ، فَيَدعو خِيارُهُم فَلا يُستَجابُ لَهُم . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَزالُ النّاسُ بِخَيرٍ ما أمَروا بِالمَعروفِ ونَهَوا عَنِ المُنكَرِ وتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ والتَّقوى ، فَإِذا لَم يَفعَلوا ذلِكَ نُزِعَت مِنهُمُ البَرَكاتُ ، وسُلِّطَ بَعضُهُم عَلى بَعضٍ ، ولَم يَكُن لَهُم ناصِرٌ فِي الأَرضِ ولا فِي السَّماءِ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ الأَحبارَ مِنَ اليَهودِ وَالرُّهبانَ مِنَ النَّصارى لَمّا تَرَكُوا الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ ، لَعَنَهُمُ اللّهُ عَلى لِسانِ أنبِيائِهِم ثُمَّ عُمُّوا بِالبَلاءِ . (7)
.
ص: 425
الترغيب والترهيب عن أنس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا تَزالُ «لا إلهَ إلَا اللّهُ» تَنفَعُ مَن قالَها ، وتَرُدُّ عَنهُمُ العَذابَ وَالنَّقِمَةَ ، ما لَم يَستَخِفّوا بِحَقِّها . قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، ومَا الاِستِخفافُ بِحَقِّها ؟ قالَ : يَظهَرُ العَمَلُ بِمَعاصِي اللّهِ ، فَلا يُنكَرُ ، ولا يُغَيَّرُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :_ مِن وَصِيَّتِهِ لِلحَسَنَينِ عليهماالسلام بَعدَ أن ضَرَبَهُ ابنُ مُلجَمٍ _: لا تَترُكُوا الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ فَيُوَلّى عَلَيكُم شِرارُكُم ثُمَّ تَدعونَ فَلا يُستَجابُ لَكُم . (2)
قصص الأنبياء عن ابن عبّاس :قالَ عُزَيرٌ : يا رَبِّ إنّي نَظَرتُ في جَميعِ اُمورِكَ وأحكامِها فَعَرَفتُ عَدلَكَ بِعَقلي وبَقِيَ بابٌ لَم أعرِفهُ إنَّكَ تَسخَطُ عَلى أهلِ البَلِيَّةِ فَتَعُمُّهُم بِعَذابِكَ وفيهِمُ الأَطفالُ فَأَمَرَهُ اللّهُ تَعالى أن يَخرُجَ إلَى البَرِّيَّةِ وكانَ الحَرُّ شَديدا فَرَأى شَجَرَةً فَاستَظَلَّ بِها ونامَ فَجاءَت نَملَةٌ فَقَرَصَتهُ فَدَلَكَ الأَرضَ بِرِجلِهِ فَقَتَلَ مِنَ النَّملِ كَثيرا فَعَرَفَ أنَّهُ مَثَلٌ ضُرِبَ فَقيلَ لَهُ : يا عُزَيرُ إنَّ القَومَ إذَا استَحَقّوا عَذابي قَدَّرتُ نُزولَهُ عِندَ انقِضاءِ آجالِ الأَطفالِ فَماتَ اُولئِكَ بِآجالِهِم وهَلَكَ هؤُلاءِ بِعَذابي (3) . (4)
.
ص: 426
الاحتجاج :مِن سُؤالِ الزِّنديقِ الَّذي سَأَلَ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ أن قالَ : . . . فَبِمَا استَحَقَّ الطِّفلُ الصَّغيرُ ما يُصيبُهُ مِنَ الأَوجاعِ وَالأَمراضِ بِلا ذَنبٍ عَمِلَهُ ولا جُرمٍ سَلَفَ مِنهُ ؟ قالَ : إنَّ المَرَضَ عَلى وُجوهٍ شَتّى : مَرَضُ بَلوى ومَرَضُ عُقوبَةٍ ومَرَضٌ جُعِلَ عِلَّةً لِلفَناءِ ، وأنتَ تَزعُمُ أنَّ ذلِكَ مِن أغذِيَةٍ رَدِيَّةٍ وأشرِبَةٍ وَبِيَّةٍ أو مِن عِلَّةٍ كانَت بِاُمِّهِ ... . (1)
.
ص: 427
الفصل الثّالِثُ : عوامل الشّرور3 / 1الجَهلُالكتاب«إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» . (1)
«وَ قَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَ_بِ السَّعِيرِ» . (2)
«وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» . (3)
«تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَ لِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ» . (4)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الجَهلُ أصلُ كُلِّ شَرٍّ . (5)
عنه عليه السلام :بِالجَهلِ يُستَثارُ كُلُّ شَرٍّ . (6)
.
ص: 428
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الجَهلُ رَأسُ الشَّرِّ كُلِّهِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الجَهلُ مَعدِنُ الشَّرِّ . (2)
عنه عليه السلام :السَّفَهُ (3) يَجلِبُ الشَّرَّ . (4)
3 / 2الكُفرُ«إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ» . (5)
«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَ_تٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ وَلَ_كِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَ_هُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» . (6)
3 / 3غَضَبُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا غَضِبَ اللّهُ عَلى اُمَّةٍ ولَم يُنزِل بِهَا العَذابَ ، غَلَت أسعارُها ، وقَصُرَت أعمارُها ، ولَم تَربَح تُجّارُها ، ولَم تَزكُ ثِمارُها ، ولَم تَغزُر أنهارُها ، وحُبِسَ عَنها أمطارُها ، وسُلِّط عَلَيها شِرارُها . (7)
.
ص: 429
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل إذا غَضِبَ عَلى اُمَّةٍ لَم يُنزِل بِها عَذابَ خَسفٍ ولا مَسخٍ، (1) غَلَت أسعارُها ، ويُحبَسُ عَنها أمطارُها ، ويَلي عَلَيها أشرارُها (2) . (3)
3 / 4النَّفسُ الأَمّارَةُ بِالسّوءِالكتاب«إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ إِلَا مَا رَحِمَ رَبِّى إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (4) .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :تَكَلَّفوا فِعلَ الخَيرِ وجاهِدوا نُفوسَكُم عَلَيهِ ، فَإِنَّ الشَّرَّ مَطبوعٌ عَلَيهِ الإِنسانُ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ النَّفسَ لَأَمّارَةٌ بِالسّوءِ وَالفَحشاءِ ، فَمَنِ ائتَمَنَها خانَتهُ ، ومَنِ استَنامَ إلَيها أهلَكَتهُ ، ومَن رَضِيَ عَنها أورَدَتهُ شَرَّ المَوارِدِ . (6)
عنه عليه السلام :الشَّرُّ كامِنٌ في طَبيعَةِ كُلِّ أحَدٍ ، فَإِن غَلَبَهُ صاحِبُهُ بَطَنَ ، وإن لَم يَغلِبهُ ظَهَرَ . (7)
عنه عليه السلام :اِقمَعوا هذِهِ النُّفوسَ ، فَإِنَّها طُلَعَةٌ (8) ، إن تُطيعوها تَزِغ بِكُم إلى شَرِّ غايَةٍ . (9)
عنه عليه السلام_ فى ذِكرِ حَديثِ مِعراجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: قالَ اللّهُ تَعالى : ... يا أحمَدُ لا تَزَيَّن بِلينِ
.
ص: 430
اللِّباسِ (1) ، وطيبِ الطَّعامِ ، ولينِ الوِطاءِ ، فَإِنَّ النَّفسَ مَأوى كُلِّ شَرٍّ ، ورَفيقُ كُلِّ سوءٍ . (2)
عنه عليه السلام :إنَّكُم إن أطَعتُم أنفُسَكُم نَزَعَت بِكُم إلى شَرِّ غايَةٍ . (3)
عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ عليه السلام إلى مُعاوِيَةَ _: فَقَد أجرَيتَ إلى غايَةِ خُسرٍ ، ومَحَلَّةِ كُفرٍ ، فَإِنَّ نَفسَكَ قَد أولَجَتكَ (4) شَرّا ، وأقحَمَتكَ (5) غَيّا (6) ، وأورَدَتكَ المَهالِكَ ، وأوعَرَت عَلَيكَ المَسالِكَ . (7)
3 / 5مَساوِئُ الأَخلاقِأ _ الحِرصُالإمام عليّ عليه السلام :الحِرصُ رَأسُ الفَقرِ ، واُسُّ الشَّرِّ . (8)
عنه عليه السلام :لا تُشرِكَنَّ في مَشورَتِكَ حَريصا يُهَوِّنُ عَلَيكَ الشَّرَّ ، ويُزَيِّن لَكَ الشَّرَهَ (9) . (10)
ب _ الطَّمَعُالإمام عليّ عليه السلام :الطَّمَعُ أوَّلُ الشَّرِّ . (11)
.
ص: 431
عنه عليه السلام :مِلاكُ الشَّرِّ الطَّمَعُ . (1)
عنه عليه السلام :جَمالُ الشَّرِّ الطَّمَعُ . (2)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: كُلَّما نَقَصَ مِنَ القَناعَةِ زادَ فِي الرَّغبَةِ وَالطَّمَعِ ، وَالطَّمَعُ وَالرَّغبَةُ فِي الدُّنيا أصلانِ لِكُلِّ شَرٍّ . (3)
ج _ الشَّرَهُالإمام عليّ عليه السلام :الشَّرَهُ اُسُّ كُلِّ شَرًّ . (4)
عنه عليه السلام :الشَّرَهُ داعِيَةُ الشَّرِّ . (5)
عنه عليه السلام :لِكُلِّ شَيءٍ بَذرٌ ، وبَذرُ الشَّرِّ الشَّرَهُ . (6)
عنه عليه السلام :يُستَدَلُّ عَلى شَرِّ الرَّجُلِ بِكَثرَةِ شَرَهِهِ وشِدَّةِ طَمَعِهِ . (7)
عنه عليه السلام :إيّاكُم ودَناءَةَ الشَّرَهِ وَالطَّمَعِ ، فَإِنَّهُ رَأسُ كُلِّ شَرٍّ ، ومَزرَعَةُ الذُّلِّ ، ومُهينُ النَّفسِ ، ومُتعِبُ الجَسَدِ . (8)
د _ الغَضَبُالإمام عليّ عليه السلام :بِئسَ القَرينُ الغَضَبُ ؛ يُبدِي المَعايِبَ ، ويُدنِي الشَّرَّ ، ويُباعِدُ الخَيرَ . (9)
.
ص: 432
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :خَيرُ الرِّجالِ مَن كانَ بَطيءَ الغَضَبِ سَريعَ الرِّضا ، وشَرُّ الرِّجالِ مَن كانَ سَريعَ الغَضَبِ بَطيءَ الرِّضا . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :الغَضَبُ مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الغَضَبُ شَرٌّ ، إن أطَعتَهُ دَمَّرَ . (3)
ه _ الحِقدُالإمام عليّ عليه السلام :سِلاحُ الشَّرِّ الحِقدُ . (4)
عنه عليه السلام :الغِلُّ (5) بَذرُ الشَّرِّ . (6)
عنه عليه السلام :شَرُّ ما اُلقِيَ فِي القُلوبِ الغُلولُ . (7)
و _ المِراءُالإمام عليّ عليه السلام :المِراءُ (8) بَذرُ الشَّرِّ . (9)
.
ص: 433
عنه عليه السلام :جِماعُ الشَّرِّ اللَّجاجُ (1) وكَثرَةُ المُماراةِ . (2)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: المِراءُ داءٌ دَوِيٌّ ولَيسَ فِي الإِنسانِ خَصلَةٌ بِشَرٍّ مِنهُ ، وهُوَ خُلُقُ إبليسَ ونِسبَتُهُ ، فَلا يُماري في أيِّ حالٍ كانَ إلّا مَن كانَ جاهِلاً بِنَفسِهِ وبِغَيرِهِ ، مَحروما مِن حَقائِقِ الدّينِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِمُحَمَّدِ بنِ النُّعمانِ _: يَابنَ النُّعمانِ ، إيّاكَ وَالمِراءَ فَإِنَّهُ يُحبِطُ عَمَلَكَ ، وإيّاكَ وَالجِدالَ فَإِنَّهُ يوبِقُكَ (4) ، وإيّاكَ وكَثرَةَ الخُصوماتِ فَإِنَّها تُبعِدُكَ مِنَ اللّهِ . (5)
ز _ اللُّؤمُالإمام عليّ عليه السلام :اللُّؤمُ اُسُّ الشَّرِّ . (6)
عنه عليه السلام :اللَّئيمُ لا يُرجى خَيرُهُ ، ولا يُسلَمُ مِن شَرِّهِ ، ولا يُؤمَنُ مِن غَوائِلِهِ (7) . (8)
عنه عليه السلام :شَرُّ النّاسِ مَنِ ادَّرَعَ اللُّؤمَ ، ونَصَرَ الظَّلومَ . (9)
ح _ اللَّجاجُالإمام عليّ عليه السلام :اللَّجاجُ بَذرُ الشَّرِّ . (10)
.
ص: 434
عنه عليه السلام :جِماعُ الشَّرِّ اللَّجاجُ وكَثرَةُ المُماراةِ . (1)
ط _ المَكرُالإمام عليّ عليه السلام :مَن أمِنَ المَكرَ لَقِيَ الشَّرَّ . (2)
ي _ قِلَّةُ الحَياءِمصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : «الحَياءُ مِنَ الإِيمانِ ، وَالإِيمانُ بِالحَياءِ» . وصاحِبُ الحَياءِ خَيرٌ كُلُّهُ ، ومَن حُرِمَ الحَياءَ فَهُوَ شَرٌّ كُلُّهُ ، وإن تَعَبَّدَ وتَوَرَّعَ (3) . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :رَأسُ كُلِّ شَرٍّ القِحَةُ (5) . (6)
عنه عليه السلام :القِحَةُ عُنوانُ الشَّرِّ . (7)
ك _ الكَسَلُ وَالضَّجَرُالإمام الباقر عليه السلام :إيّاكَ وَالكَسَلَ وَالضَّجَرَ ، فَإِنَّهُما مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ ؛ مَن كَسِلَ لَم يُؤَدِّ حَقا ، ومَن ضَجِرَ لَم يَصبِر عَلى حَقٍّ . (8)
.
ص: 435
ل _ غَلَبَةُ الشَّهوَةِالإمام عليّ عليه السلام :سَبَبُ الشَّرِّ غَلَبَةُ الشَّهوَةِ .
م _ سوءُ الظَّنِّالإمام عليّ عليه السلام :سوءُ الظَّنِّ يُفسِدُ الاُمورَ ، ويَبعَثُ عَلَى الشُّرورِ . (1)
عنه عليه السلام :سوءُ الظَّنِّ بِالمُحسِنِ ، شَرُّ الإِثمِ وأقبَحُ الظُّلمِ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :أحسِن بِاللّهِ الظَّنَّ ، فَإِنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : أنَا عِندَ ظَنِّ عَبدي ، إن خَيرا فَخَيرٌ ، وإن شَرّا فَشَرٌّ . (3)
ن _ حُبُّ الدُّنياالإمام عليّ عليه السلام :الدُّنيا مَعدِنُ الشَّرِّ ومَحَلُّ الغُرورِ . (4)
عنه عليه السلام :الدُّنيا مَزرَعَةُ الشَّرِّ . (5)
س _ تِلكَ الخِصالُالإمام عليّ عليه السلام :جِماعُ الشَّرِّ فِي الاِغتِرارِ بِالمَهَلِ ، وَالاِتِّكالِ عَلَى الأمَل (6) . (7)
عنه عليه السلام :النِّفاقُ عَلى أربَعِ دَعائِمَ : عَلَى الهَوى ، وَالهُوَينا (8) ، وَالحَفيظَةِ (9) ، وَالطَّمَعِ .
.
ص: 436
فَالهَوى عَلى أربَعِ شُعَبٍ : عَلَى البَغيِ ، وَالعُدوانِ ، وَالشَّهوَةِ ، وَالطُّغيانِ ، فَمَن بَغى كَثُرَت غَوائِلُهُ وتُخُلِّيَ مِنهُ وقُصِرَ عَلَيهِ ، ومَنِ اعتَدى لَم يُؤمَن بَوائِقُهُ ولَم يَسلَم قَلبُهُ ولَم يَملِك نَفسَهُ عَنِ الشَّهَواتِ ، ومَن لَم يَعدِل نَفسَهُ فِي الشَّهواتِ خاضَ فِي الخَبيثاتِ ، ومَن طَغى ضَلَّ عَلى عَمدٍ بِلا حُجَّةٍ . وَالهُوَينا عَلى أربَعِ شُعَبٍ : عَلَى الغِرَّةِ ، وَالأَمَلِ ، وَالهَيبَةِ ، وَالمُماطَلَةِ ، وذلِكَ بِأَنَّ الهَيبَةَ تَرُدُّ عَنِ الحَقِّ ، وَالمُماطَلَةَ تُفَرِّطُ فِي العَمَلِ حَتّى يَقدَمَ عَلَيهِ الأَجَلُ ، ولَولَا الأَمَلُ عَلِمَ الإِنسانُ حَسَبَ ما هُوَ فيهِ ، ولَو عَلِمَ حَسَبَ ما هُوَ فيهِ ماتَ خُفاتا مِنَ الهَولِ وَالوَجَلِ ، وَالغِرَّةَ تَقصُرُ بِالمَرءِ عَنِ العَمَلِ . وَالحَفيظَةُ عَلى أربَعِ شُعَبٍ : عَلَى الكِبرِ وَالفَخرِ وَالحَمِيَّةِ (1) وَالعَصَبِيَّةِ ، فَمَنِ استَكبَرَ أدبَرَ عَنِ الحَقِّ ، ومَن فَخَرَ فَجَرَ ، ومَن حَمِيَ أصَرَّ عَلَى الذُّنوبِ ، ومَن أخَذَتهُ العَصَبِيَّةُ جارَ ، فَبِئسَ الأَمرُ أمرٌ بَينَ إدبارٍ وفُجورٍ ، وإصرارٍ وجَورٍ عَلَى الصِّراطِ . وَالطَّمَعُ عَلى أربَعِ شُعَبٍ : الفَرَحِ ، وَالمَرَحِ وَاللَّجاجَةِ وَالتَّكاثُرِ ؛ فَالفَرَحُ مَكروهٌ عِندَ اللّهِ، وَالمَرَحُ خُيَلاءُ ، وَاللَّجاجَةُ بَلاءٌ لِمَنِ اضطَرَّتهُ إلى حَملِ الآثامِ وَالتَّكاثُرُ لَهوٌ و لَعِبٌ وشُغُلٌ ، وَاستِبدالُ الَّذي هُوَ أدنى بِالَّذي هُوَ خَيرٌ . (2)
عنه عليه السلام :الخِلالُ المُنتِجَةُ لِلشَّرِّ : الكَذِبُ وَالبُخلُ وَالجَورُ وَالجَهلُ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :مَن اُعطِيَ الخُلُقَ وَالرِّفقَ فَقَد اُعطِيَ الخَيرَ وَالرّاحَةَ ، وحَسُنَ حالُهُ
.
ص: 437
في دُنياهُ وآخِرَتِهِ ، ومَن حُرِمَ الخُلُقَ وَالرِّفقَ كانَ ذلِكَ سَبيلاً إلى كُلِّ شَرٍّ وبَلِيَّةٍ ، إلّا مَن عَصَمَهُ اللّهُ . (1)
3 / 6مَساوِئُ الأَعمالِأ _ شُربُ الخَمرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :جُمِعَ الشَّرُّ كُلُّهُ في بَيتٍ ، وجُعِلَ مِفتاحُهُ شُربَ الخَمرِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :الخَمرُ جِماعُ الإِثمِ ، واُمُّ الخَبائِثِ ، ومِفتاحُ الشَّرِّ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :الشُّربُ مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ ، ومُدمِنُ الخَمرِ كَعابِدِ وَثَنٍ ، وإنَّ الخَمرَ رَأسُ كُلِّ إثمٍ ، وشارِبَها مُكَذِّبٌ بِكِتابِ اللّهِ تَعالى ، لَو صَدَّقَ كِتابَ اللّهِ حَرَّمَ حرَامَهُ . (4)
الإمام الحسين عليه السلام :(5) : شارِبُ المُسكِرِ مِنَ الأَشرارِ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :الخَمرُ لَن تَزيدَ شارِبَها إلّا كُلَّ شَرٍّ . (7)
.
ص: 438
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ لِلشَّرِّ أقفالاً ، وجَعَلَ مَفاتيحَ تِلكَ الأَقفالِ الشَّرابَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ الزِّنديقُ : لِمَ حَرَّمَ اللّهُ الخَمرَ _: حَرَّمَها لِأَنَّها اُمُّ الخَبائِثِ ورَأسُ كُلِّ شَرٍّ ، يَأتي عَلى شارِبِها ساعَةٌ يُسلَبُ لُبُّهُ (2) ، ولا يَعرِفُ رَبَّهُ ، ولا يَترُكُ مَعصِيَةً . (3)
عنه عليه السلام :المُضطَرُّ لا يَشرَبِ الخَمرَ لِأَنَّها لا تَزيدُهُ إلّا شَرّا ؛ ولِأَنَّهُ إن شَرِبَها قَتَلَتهُ ، فَلا يَشرَب مِنها قَطرَةً . (4)
ب _ الكَذِبُالإمام عليّ عليه السلام :عاقِبَةُ الكَذِبِ الذَّمُّ ، وفِي الصِّدقِ السَّلامَةُ ، وعاقِبَةُ الكَذِبِ شَرُّ عاقِبَةٍ . (5)
عنه عليه السلام :شَرُّ الأَخلاقِ الكَذِبُ وَالنِّفاقُ . (6)
عنه عليه السلام :شَرُّ الشِّيَمِ (7) الكَذِبُ . (8)
.
ص: 439
عنه عليه السلام :لا سَوأَةَ (1) أسوَأُ مِنَ الكَذِبِ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ لِلشَّرِّ أقفالاً ، وجَعَلَ مَفاتيحَ تِلكَ الأَقفالِ الشَّرابَ ، وَالكَذِبُ شَرٌّ مِنَ الشَّرابِ . (3)
ج _ إطلاقُ اللِّسانِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :رَحِمَ اللّهُ مُؤمِنا أمسَكَ لِسانَهُ مِن كُلِّ شَرٍّ ، فَإِنَّ ذلِكَ صَدَقَةٌ مِنهُ عَلى نَفسِهِ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إن كانَ في شَيءٍ شُؤمٌ ، فَفِي اللِّسانِ . (5)
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ أبو ذَرٍّ _ رَحِمَهُ اللّهُ _ يَقولُ : يا مُبتَغِيَ العِلمِ إنَّ هذَا اللِّسانَ مِفتاحُ خَيرٍ ومِفتاحُ شَرٍّ ، فَاختِم عَلى لِسانِكَ كَما تَختِمُ عَلى ذَهَبِكَ ووَرِقِكَ (6) . (7)
.
ص: 440
الإمام عليّ عليه السلام :لا تَقولَنَّ ما يُوافِقُ هَواكَ وإن قُلتَهُ لَهوا أو خِلتَهُ لَغوا ، فَرُبَّ لَهوٍ يوحِشُ مِنكَ حُرّا ، ولَغوٍ يَجلِبُ عَلَيكَ شَرّا . (1)
عنه عليه السلام :رُبَّ لَغوٍ يَجلِبُ شَرّا . (2)
3 / 7شَياطينُ الجِنِّ وَالإِنسِأ _ وَسوَسَةُ الشَّيطانِالكتاب«الشَّيْطَ_نُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ لِلشَّيطانِ لَمَّةً (4) بِابنِ آدَمَ ولِلمَلَكِ لَمَّةً ، فَأَمّا لَمَّةُ الشَّيطانِ فَإِيعادٌ بِالشَّرِّ وتَكذيبٌ بِالحَقِّ ، وأمّا لَمَّةُ المَلَكِ فَإِيعادٌ بِالخَيرِ وتَصديقٌ بِالحَقِّ ، فَمَن وَجَدَ ذلِكَ فَليَعلَم أنَّهُ مِنَ اللّهِ فَليَحمَدِ اللّهَ ، ومَن وَجَدَ الاُخرى فَليَتَعَوَّذ بِاللّهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ . (5)
.
ص: 441
عنه صلى الله عليه و آله :[إنَّ] (1) لِلشَّيطانِ كُحلاً ولَعوقا (2) ، فَإِذا كَحَّلَ الإِنسانَ مِن كُحلِهِ نامَت عَيناهُ عَنِ الذِّكرِ ، وإذا لَعَّقَهُ مِن لَعوقِهِ ذَرِبَ (3) لِسانُهُ بِالشَّرِّ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ إبليسَ يَخطُبُ شَياطينَهُ ويَقولُ : عَلَيكُم بِاللَّحمِ وَالمُسكِرِ وَالنِّساءِ ، فَإِنّي لا أجِدُ جِماعَ الشَّرِّ إلّا فيها . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :إنّ لِلقَلبِ اُذُنَينِ : روحُ الإِيمانِ يُسارُّهُ بِالخَيرِ ، وَالشَّيطانُ يُسارُّهُ بِالشَّرِّ ، فَأَيُّهُما ظَهَرَ عَلى صاحِبِهِ غَلَبَهُ . (6)
ب _ بِطانَةُ السّوءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما بَعَثَ اللّهُ مِن نَبِيٍّ ولَا استَخلَفَ مِن خَليفَةٍ إلّا كانَت لَهُ بِطانَتانِ ، بِطانَةٌ تَأمُرُهُ بِالمَعروفِ وتَحُضُّهُ عَلَيهِ ، وبِطانَةٌ تَأمُرُهُ بِالشَّرِّ وتَحُضُّهُ عَلَيهِ ، فَالمَعصومُ مَن عَصَمَ اللّهُ تَعالى . (7)
3 / 8تِلكَ الأَعمالُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن وُقِيَ شَرَّ ثَلاثٍ فَقَد وُقِيَ الشَّرَّ كُلَّهُ : لَقلَقِهِ وقَبقَبِهِ وذَبذَبِهِ ؛ فَلَقلَقُهُ
.
ص: 442
لِسانُهُ ، وقَبقَبُهُ بَطنُهُ ، وذَبذَبُهُ فَرجُهُ . (1)
المُوطّأ عن عطاء بن يسار :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : مَن وَقاهُ اللّهُ شَرَّ اثنَينِ وَلَجَ الجَنَّةَ . فَقالَ رَجُلٌ : يا رَسولَ اللّهِ ، لا تُخبِرُنا ؟ فَسَكَتَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . ثُمَّ عادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ مِثلَ مَقالَتِهِ الاُولى . فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ : لا تُخبِرُنا يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَسَكَتَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِثلَ ذلِكَ أيضا . فَقالَ الرَّجُلُ : لا تُخبِرُنا يا رَسولَ اللّهِ ؟ ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِثلَ ذلِكَ أيضا . ثُمَّ ذَهَبَ الرَّجُلُ يَقولُ مِثلَ مَقالَتِهِ الاُولى فَأَسكَتَهُ رَجُلٌ إلى جَنبِهِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن وَقاهُ اللّهُ شَرَّ اثنَينِ وَلَجَ الجَنَّةَ ، ما بَينَ لَحيَيهِ وما بَينَ رِجلَيهِ ، ما بَينَ لَحيَيهِ وما بَينَ رِجلَيهِ ، ما بَينَ لَحيَيهِ وما بَينَ رِجلَيهِ . (2)
عيسى عليه السلام :بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ المِدحَةَ بِالكَذِبِ وَالتَّزكِيَةَ فِي الدّينِ ، لَمِن رَأسِ الشُّرورِ المَعلومَةِ . (3)
.
ص: 443
الفصل الرّابِعُ : موانع الشّرور4 / 1المَعرِفَةُالكتاب«قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْ_ئا وَبِالْوَ لِدَيْنِ إِحْسَ_نًا وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَ_دَكُم مِّنْ إِمْلَ_قٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَ حِشَ مَاظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَا بِالْحَقِّ ذَ لِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :مَن لَم يَعرِف مَضَرَّةَ الشَّرِّ ، لَم يَقدِر عَلَى الاِمتِناعِ مِنهُ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :اِدفَع عَن نَفسِكَ حاضِرَ الشَّرِّ بِحاضِرِ العِلمِ . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :يا هِشامُ ، كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : ما عُبِدَ اللّهُ بِشَيءٍ أفضَلَ مِنَ العَقلِ ، وما تَمَّ عَقلُ امرِئٍ حَتّى يَكونَ فيهِ خِصالٌ شَتّى ، الكُفرُ وَالشَّرُّ مِنهُ
.
ص: 444
مَأمونانِ ... . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في بَيانِ ثَمَراتِ العِلمِ _: ومِن ثَمَراتِهِ تَركُ الاِنتِقامِ عِندَ القُدرَةِ ، وَاستِقباحُ مُقارَبَةِ الباطِلِ ، وَاستِحسانُ مُتابَعَةِ الحَقِّ ، وقَولُ الصِّدقِ ، وَالتَّجافي عَن سُرورٍ في غَفلَةٍ ، وعَن فِعلِ ما يُعَقِّبُ نَدامَةً ، وَالعِلمُ يَزيدُ العاقِلَ عَقلاً ويورِثُ مُتَعَلِّمَهُ صِفاتِ حَمدٍ ، فَيَجعَلُ الحَليمَ أميرا ، وذَا المَشوَرَةِ وَزيرا ، ويَقمَعُ الحِرصَ ، ويَخلَعُ المَكرَ ، ويُميتُ البُخلَ ، ويَجعَلُ مُطلَقَ الفُحشِ مَأسورا ، ويُعيدُ السَّدادَ قَريبا . (2)
راجع : ص 479 (مبادى ء السعادة / المعرفة) .
4 / 2الإِيمانُالكتاب«كَذَ لِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ» . (3)
«وَ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَ_اءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ وَ قَلِيلٌ مَّا هُمْ» . (4)
«إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَ_طِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ» . (5)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ، وإنَّ صَنائِعَ المَعروفِ تَقي مَصارِعَ السَّوءِ ، وإنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَزيدُ فِي العُمُرِ وتَقِي الفَقرَ وأكثِروا مِن قَولِ : لا حَولَ ولا قُوَّةَ
.
ص: 445
إلّا بِاللّهِ، فَإِنَّها كَنزٌمِن كُنوزِ الجَنَّةِ، وإنَّ فيها شَفاءً مِن تِسعَةٍ وتِسعينَ داءً ، أدناهَا الهَمُّ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :المُؤمِنونَ خَيراتُهُم مَأمولَةٌ ، وشُرورُهُم مَأمونَةٌ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أعَفُّ النّاسِ قِتلَةً، (3) أهلُ الإِيمانِ . (4)
الكافي عن عليّ بن سويد :كَتَبتُ إلى أبِي الحَسَنِ موسى عليه السلام وهُوَ فِي الحَبسِ كِتابا أسأَلُهُ عَن حالِهِ وعَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ ، فَاحتُبِسَ الجَوابُ عَلَيَّ أشهُرا ، ثُمَّ أجابَني بِجَوابٍ هذِهِ نُسخَتُهُ : ... لَيسَ مِن أخلاقِ المُؤمِنينَ الغِشُّ ولَا الأَذى ولَا الخِيانَةُ ولَا الكِبرُ ولَا الخَنا (5) ولَا الفُحشُ (6) ولَا الأَمرُ بِهِ . (7)
راجع : ص 480 (مبادى ء السعادة / الإيمان) .
4 / 3محَاسِنُ الأَخلاقِأ _ التَّقوىالإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ المُتَّقينَ _: المُتَّقونَ ... قُلوبُهُم مَحزونَةٌ،وشُرورُهُم مَأمونَةٌ. (8)
.
ص: 446
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما عُبِدَ اللّهُ بِمِثلِ العَقلِ ، وما تَمَّ عَقلُ امرِئٍ حَتّى يَكونَ فيهِ عَشرُ خِصالٍ ، الخَيرُ مِنهُ مَأمولٌ ، وَالشَّرُّ مِنهُ مَأمونٌ ... . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ المُتَّقينَ _: الخَيرُ مِنهُ مَأمولٌ ، وَالشَّرُّ مِنهُ مَأمونٌ . (2)
عنه عليه السلام_ في وَصفِ المُتَّقينَ _: مُقبِلاً خَيرُهُ مُدبِرا شَرُّهُ . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في جُملَةِ خَبرٍ طَويلٍ ومَسائِلَ كَثيرَةٍ سَأَلَ عَنها شَمعونُ بنُ لاوِيَ بنِ يَهودا مِن حَوارِيِّي عيسى عليه السلام فَأَجابَهُ صلى الله عليه و آله _: ... وأمَّا الصِّيانَةُ فَيَتَشَعَّبُ مِنهَا : الصَّلاحُ ، وَالتَّواضُعُ ، وَالوَرَعُ ، وَالإِنابَةُ ، وَالفَهمُ ، وَالأَدَبُ ، وَالإِحسانُ ، وَالتَّحَبُّبُ ، وَالخَيرُ ، وَاجتِنابُ الشَّرِ (4) ، فَهذا ما أصابَ العاقِلَ بِالصِّيانَةِ . (5)
ب _ الحَياءُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في خَبرٍ طَويلٍ ومَسائِلَ كَثيرَةٍ سَأَلَهُ عَنها راهِبٌ يُعرَفُ بِشَمعونَ بنِ لاوِيَ بنِ يَهودا مِن حَوارِيِّي عيسى عليه السلام فَأَجابَهُ صلى الله عليه و آله _: ... أمَّا الحَياءُ فَيَتَشَعَّبُ مِنهُ : اللّينُ ، وَالرَّأفَةُ ، وَالمُراقَبَةُ للّهِِ فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ، وَالسَّلامَةُ ، وَاجتِنابُ الشَّرِّ ،
.
ص: 447
وَالبَشاشَةُ ، وَالسَّماحَةُ ، وَالظَّفَرُ . (1)
ج _ حُسنُ العِشرَةِالإمام الصادق عليه السلام : «وَ قُولُواْ لِلنَّاسِ» كُلِّهِم «حُسْنًا» مُؤمِنِهِم ومُخالِفِهِم ، أمَّا المُؤمِنونَ فَيَبسُطُ لَهُم وَجهَهُ وبِشرَهُ ، وأمَّا المُخالِفونَ فَيُكَلِّمُهُم بِالمُداراةِ لِاجتِذابِهِم إلَى الإِيمانِ ، فَإِن يَيأَس مِن ذلِكَ يَكُفَّ شُرورَهُم عَن نَفسِهِ وعَن إخوانِهِ المُؤمِنينَ . (2)
د _ مُكافَحَةُ الحِقدِالإمام عليّ عليه السلام :اُحصُدِ الشَّرَّ مِن صَدرِ غَيرِك بِقَلعِهِ مِن صَدرِكَ . (3)
ه _ الاِتِّكالُ عَلَى اللّهِبحار الأنوار نقلاً عَن صُحُفِ إدريسَ عليه السلام :مَن أتَى الأَمرَ مُتَبَرِّئا مِن حَولِهِ وقُوَّتِهِ ، استَكثَرَ الخَيرَ وأمِنَ مِن تَوابِعِ الشَّرِّ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن وَثِقَ بِاللّهِ أراهُ السُّرورَ ، ومَن تَوَكَّلَ عَلَيهِ كَفاهُ الاُمورَ ، وَالثِّقَةُ بِاللّهِ حِصنٌ لا يَتَحَصَّنُ فيهِ إلّا مُؤمِنٌ أمينٌ ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللّهِ نَجاةٌ مِن كُلِّ سوءٍ ، وحِرزٌ مِن كُلِّ عَدُوٍّ . (5)
.
ص: 448
الكافي عن إبراهيم بن عبد الحميد :مَرَّ بي مُعَتِّبٌ ومَعَهُ خاتَمٌ ، فَقُلتُ لَهُ : أيُّ شَيءٍ هذا ؟ فَقالَ : خاتَمُ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، فَأَخَذتُ لِأَقرَأَ ما فيهِ ، فَإِذا فيه : اللّهُمَّ أنتَ ثِقَتي ، فَقِني شَرَّ خَلقِكَ . (1)
جامع الأخبار :إنَّ أعرابِيّا جاءَ إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام وقالَ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، قَد ضَمِنتُ دِيَةً كامِلَةً وعَجَزتُ عَن أدائِها ، فَقُلتُ في نَفسي : أسأَلُ أكرَمَ النّاسِ ، وما رَأَيتُ أكرَمَ مِن أهلِ بَيتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : يا أخَا العَرَبِ ، أسأَلُكَ عَن ثَلاثِ مَسائِلَ ، فَإِن أجَبتَ عَن واحِدَةٍ أعطَيتُكَ ثُلُثَ المالِ ، وإن أجَبتَ عَنِ اثنَتَينِ أعطَيتُكَ ثُلُثَيِ المالِ ، وإن أجَبتَ عَنِ الكُلِّ أعطَيتُكَ الكُلَّ . فَقالَ الأَعرابِيُّ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، أمِثلُكَ يَسأَلُ عَن مِثلي وأنتَ مِن أهلِ بَيتِ العِلمِ وَالشَّرَفِ ؟ فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : بَلى ، سَمِعتُ جَدّي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : المَعروفُ بِقَدرِ المَعرِفَةِ . فَقالَ الأَعرابِيُّ : سَل عَمّا بَدا لَكَ ، فَإِن أجَبتُ وإلّا تَعَلَّمتُ مِنكَ ، ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ . فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : أيُّ الأَعمالِ أفضَلُ ؟ فَقالَ الأَعرابِيُّ : الإِيمانُ بِاللّهِ . فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : فَمَا النَّجاةُ مِنَ المَهلَكَةِ ؟
.
ص: 449
فَقالَ الأَعرابِيُّ : الثِّقَةُ بِاللّهِ . فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : فَما يُزَيِّنُ الرَّجُلَ ؟ فَقالَ الأَعرابِيُّ : عِلمٌ مَعَهُ حِلمٌ . فَقالَ : فَإِن أخطَأَهُ ذلِكَ ؟ فَقالَ : مالٌ مَعَهُ مُرُوءَةٌ . فَقالَ : فَإِن أخطَأَهُ ذلِكَ ؟ فَقالَ : فَقرٌ مَعَهُ صَبرٌ . فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : فَإِن أخطَأَهُ ذلِكَ . فَقالَ الأَعرابِيُّ : فَصاعِقَةٌ تَنزِلُ مِنَ السَّماءِ فَتُحرِقُهُ فَإِنَّهُ أهلٌ لِذلِكَ. فَضَحِكَ الحُسَينُ عليه السلام ورَمى بِصُرَّةٍ إلَيهِ فيها ألفُ دينارٍ ، وأعطاهُ خاتَمَهُ ، وفيهِ فَصٌّ قيمَتُهُ مِئَتا دِرهَمٍ . (1)
4 / 4مَحاسِنُ الأَعمالِأ _ طاعَةُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ طاعَةَ اللّهِ نَجاحٌ مِن كُلِّ خَيرٍ يُبتَغى ، ونَجاةٌ مِن كُلِّ شَرٍّ يُتَّقى . (2)
.
ص: 450
ب _ الخَيرِالإمام عليّ عليه السلام :مَن لَبِسَ الخَيرَ تَعَرّى مِنَ الشَّرِّ . (1)
عنه عليه السلام :لَم يَتَعَرَّ مِنَ الشَّرِّ مَن لَم يَتَجَلبَبِ الخَيرَ . (2)
عنه عليه السلام :لَن تَتَحَقَّقَ الخَيرَ حَتّى تَتَبَرَّأَ مِنَ الشَّرِّ . (3)
عنه عليه السلام :عَزيمَةُ الخَيرِ تُطفِئُ نارَ الشَّرِّ . (4)
عنه عليه السلام :مَن دَفَعَ الشَّرَّ بِالخَيرِ غَلَبَ . (5)
عنه عليه السلام :ضادُّوا الشَّرَّ بِالخَيرِ . (6)
تنبيه الخواطر عن لقمان :يا بُنَيَّ ، الشَّرُّ لا يُطفَأُ بِالشَّرِّ كَالنّارِ لا تُطفَأُ بِالنّارِ ، ولكِنَّهُ يُطفَأُ بِالخَيرِ كَالنّارِ تُطفَأُ بِالماءِ . (7)
تنبيه الخواطر عن لقمان :يا بُنَيَّ ، كَذَبَ مَن قالَ : إنَّ الشَّرَّ يُطفِئُ الشَّرَّ ، فَإِن كانَ صادِقا فَليوقِد نارَينِ ثُمَّ لِيَنظُر هَل تُطفِئُ إحداهُمَا (8) الاُخرى! وإنَّما يُطفِئُ الخَيرُ الشَّرَّ كَما يُطفِئُ الماءُ النّارَ . (9)
.
ص: 451
ج _ صُحبَةُ الأَخيارِالإمام عليّ عليه السلام :صاحِبِ الأَخيارَ ، تَأمَن مِنَ الأَشرارِ . (1)
عنه عليه السلام :لَيسَ شَيءٌ أدعى لِخَيرٍ وأنجى مِن شَرٍّ ، مِن صُحبَةِ الأَخيارِ . (2)
د _ الصَّدَقَةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الصَّدَقَةُ تَسُدُّ بِها سَبعينَ بابا مِنَ الشَّرِّ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ لا إلهَ إلّا هُوَ ، لَيَدفَعُ بِالصَّدَقَةِ الدّاءَ وَالدُّبَيلَةَ (4) وَالحَرَقَ وَالغَرَقَ وَالهَدمَ وَالجُنونَ . وعَدَّ صلى الله عليه و آله سَبعينَ بابا مِنَ السّوءِ . (5)
ه _ قِراءَةُ القُرآنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :البَيتُ إذا قُرِئَ فيهِ القُرآنُ حَضَرَتهُ المَلائِكَةُ وتَنَكَّبَت عَنهُ الشَّياطينُ ، وَاتَّسَعَ عَلى أهلِهِ ، وكَثُرَ خَيرُهُ وقَلَّ شَرُّهُ . وإنَّ البَيتَ إذا لَم يُقرَأ فيهِ حَضَرَتهُ الشَّياطينُ وتَنَكَّبَت عَنهُ المَلائِكَةُ ، وضاقَ عَلى أهلِهِ ، وقَلَّ خَيرُهُ وكَثُرَ شَرُّهُ . (6)
.
ص: 452
و _ دَفعُ الغيبَةِ عَنِ المُؤمِنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ألا ومَن تَطَوَّلَ عَلى أخيهِ في غيبَةٍ سَمِعَها فيهِ في مَجلِسٍ فَرَدَّها عَنهُ ، رَدَّ اللّهُ عَنهُ ألفَ بابٍ مِنَ الشَّرِّ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، فَإِن هُوَ لَم يَرُدَّها وهُوَ قادِرٌ عَلى رَدِّها ، كانَ عَلَيهِ كَوِزرِ مَنِ اغتابَهُ سَبعينَ مَرَّةً . (1)
ز _ زِيارَةُ الحُسَينِ عليه السلاممصباح المتهجّد عن ابن ميثم التمّار عن الإمام الباقر عليه السلام :مَن زارَ الحُسَينَ عليه السلام ، أو قالَ : مَن زارَ لَيلَةَ عَرَفَةَ أرضَ كَربَلاءَ وأقامَ بِها حَتّى يُعَيِّدَ ثُمَّ يَنصَرِفَ ، وَقاهُ اللّهُ شَرَّ سَنَتِهِ . (2)
ح _ تِلكَ الأَعمالُالإمام عليّ عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن صَلّى أربَعَ رَكَعاتٍ يَومَ الجُمُعَةِ قَبلَ الصَّلاةِ ، يَقرَأُ في كُلِّ رَكعَةٍ فاتِحَةَ الكِتابِ عَشرَ مَرّاتٍ ... ثُمَّ يَقولُ : سُبحانَ اللّهِ وَالحمَدُ للّهِِ ولا إلهَ إلَا اللّهُ وَاللّهُ أكبَرُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ مِئَةَ مَرَّةٍ ، ويُصَلّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مِئَةَ مَرَّةٍ . قالَ صلى الله عليه و آله : مَن صَلّى هذِهِ الصَّلاةَ وقالَ هذَا القَولَ ، دَفَعَ اللّهُ عَنهُ شَرَّ أهلِ السَّماءِ وشَرَّ أهلِ الأَرضِ، وشَرَّ الشَّياطينِ وشَرَّ كُلِّ سُلطانٍ جائِرٍ (3) وقَضَى اللّهُ لَهُ سَبعينَ حاجَةً... . (4)
.
ص: 453
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن صامَ أيّامَ البيضِ مِن رَجَبٍ أو قامَ لَيالِيَها ، ويُصَلّي لَيلَةَ النِّصفِ مِئَةَ رَكعَةٍ ، يَقرَأُ في كُلِّ رَكعَةٍ : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» عَشرَ مَرّاتٍ ، فَإِذا فَرَغَ مِن هذِهِ الصَّلاةِ استَغفَرَ سَبعينَ مَرَّةً ، رُفِعَ عَنهُ شَرُّ أهلِ السَّماءِ ، وشَرُّ أهلِ الأَرضِ ، وشَرُّ إبليسَ وجُنودِهِ ... . (1)
الأمالي عن عليّ بن عمر العطّار :دَخَلتُ عَلى أبِي الحَسَنِ العَسكَرِيِّ عليه السلام يَومَ الثُّلاثاءِفَقالَ : لَم أرَكَ أمسِ ! قُلتُ : كَرِهتُ الحَرَكَةَ في يَومِ الإِثنَينِ . قالَ : يا عَلِيُّ ، مَن أحَبَّ أن يَقِيَهُ اللّهُ شَرَّ يَومِ الإِثنَينِ ، فَليَقرَأ في أوَّلِ رَكعَةٍ مِن صَلاةِ الغَداةِ : «هَل أتى عَلَى الإنسانِ» ، ثُمَّ قَرَأَ أبُو الحَسَنِ عليه السلام : «فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَ لِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا» (2) . (3)
ط _ الاِستِعانَةُ بِاللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :«لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ» كَنزٌ مِن كُنوزِ الجَنَّةِ ، مَن قالَها أذهَبَ اللّهُ عَنهُ سَبعينَ بابا مِنَ الشَّرِّ أدناهَا الهَمُّ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله_ في الدُّعاءِ _: يا مُنيرُ يا مُبينُ يا رَبِّ ، اكفِني شَرَّ الشُّرورِ وآفاتِ الدُّهورِ ،
.
ص: 454
وأسأَلُكَ النَّجاةَ يَومَ يُنفَخُ فِي الصّورِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا هَمَّ أحَدُكُم بِالأَمرِ فَليَركَع رَكعَتَينِ مِن غَيرِ الفَريضَةِ ، ثُمَّ لِيَقُل : اللّهُمَّ إنّي أستَخيرُكَ بِعِلمِكَ وأستَقدِرُكَ بِقُدرَتِكَ وأسأَلُكَ مِن فَضلِكَ العَظيمِ ، فَإِنَّكَ تَقدِرُ ولا أقدِرُ ، وتَعلَمُ ولا أعلَمُ وأنتَ عَلّامُ الغُيوبِ . اللّهُمَّ إن كُنتَ تَعلَمُ أنَّ هذَا الأَمرَ خَيرٌ لي في ديني ومَعاشي وعاقِبَةِ أمري _ أو قالَ : عاجِلِ أمري وآجِلِهِ _ فَاقدِرهُ لي ويَسِّرهُ لي ثُمَّ بارِك لي فيهِ ، وإن كُنتَ تَعلَمُ أنَّ هذَا الأَمرَ شَرٌّ لي في ديني ومَعاشي وعاقِبَةِ أمري _ أو قالَ : في عاجِلِ أمري وآجِلِهِ _ فَاصرِفهُ عَنّي وَاصرِفني عَنهُ ، وَاقدِر لِيَ الخَيرَ حَيثُ كانَ ثُمَّ أرضِني بِهِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ اهدِني لِأَرشَدِ الاُمورِ ، وقِني شَرَّ نَفسي ، اللّهُمَّ أوسِع لي في رِزقي ، وَامدُد لي في عُمُري . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: اِصرِف عَنّي شَرَّ كُلِّ ذي شَرٍّ إلى خَيرِ ما لا يَملِكُهُ أحَدٌ سِواكَ ، وَاحتَمِل عَنّي مُفتَرَضاتِ حُقوقِ الآباءِ وَالاُمَّهاتِ . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ أيضا _: ... أسأَلُكَ خَوفا تُعينُني بِهِ عَلى حُدودِ رِضاكَ ،
.
ص: 455
وأسأَلُكَ الأَخذَ بِأَحسَنِ ما أعلَمُ ، وَالتَّركَ لِشَرِّ ما أعلَمُ ، وَالعِصمَةَ لي مِن أن أعصِيَ وأنا أعلَمُ ... . (1)
عنه عليه السلام _ في دُعائِهِ يَومَ الخَميسِ _ :اللّهُمَّ فَكَما أبقَيتَني لَهُ فَأَبقِني لِأَمثالِهِ ، وصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، ولا تَفجَعني فيهِ وفي غَيرِهِ مِنَ اللَّيالي وَالأَيّامِ ، بِارتِكابِ المَحارِمِ وَاكتِسابِ المَآثِمِ ، وَارزُقني خَيرَهُ وخَيرَ ما فيهِ وخَيرَ ما بَعدَهُ ، وَاصرِف عَنّي شَرَّهُ وشَرَّ ما فيهِ وشَرَّ ما بَعدَهُ . (2)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، ومَن أرادَني بِسوءٍ فَاصرِفهُ عَنّي ، وَادحَر عَنّي مَكرَهُ ، وَادرَأ عَنّي شَرَّهُ ، ورُدَّ كَيدَهُ في نَحرِهِ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ عافِني بِأَحسَنِ عافِيَتِكَ ، وَارزُقني مِن فَضلِكَ ، وَاكفِني شَرَّ جَميعِ خَلقِكَ . (4)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي الصَّباحِ وَالمَساءِ _: اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، ووَفِّقنا في يَومِنا هذا ولَيلَتِنا هذِهِ وفي جَميعِ أيّامِنا لِاستعِمالِ الخَيرِ ، وهِجرانِ الشَّرِّ ، وشُكرِ النِّعَمِ ، وَاتِّباعِ السُّنَنِ . (5)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وحَبِّب إلَيَّ ما رَضيتَ لي ، ويَسِّر لي ما أحلَلتَ بي ، وطَهِّرني مِن دَنَسِ ما أسلَفتُ ، وَامحُ عَنّي شَرَّ ما قَدَّمتُ ، وأوجِدني حَلاوَةَ
.
ص: 456
العافِيَةِ ، وأذِقني بَردَ السَّلامَةِ . (1)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنَّكَ مَن والَيتَ لَم يَضرُرهُ خِذلانُ الخاذِلينَ ، ومَن أعطَيتَ لَم يَنقُصهُ مَنعُ المانِعينَ ، ومَن هَدَيتَ لَم يُغوِهِ إضلالُ المُضِلّينَ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَامنَعنا بِعِزِّكَ منِ عِبادِكَ ، وأغنِنا عَن غَيرِكَ بِإِرفادِكَ (2) . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن أضغاثِ الأَحلامِ ، وأن يَلعَبَ بِيَ الشَّيطانُ فِي اليَقَظَةِ وَالمَنامِ ، بِاسمِ اللّهِ تَحَصَّنتُ ، وبِالحَيِّ الَّذي لا يَموتُ مِن شَرِّ ما أخافُ وأحذَرُ ، ورَمَيتُ مَن يُريدُ بي سوءا أو مَكروها مِن بَينِ يَدَيَّ ، بِلا (4) حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ . (5)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ سَهِّل لي حُزونَةَ (6) أمري ، وذَلِّل لي صُعوبَتَهُ ، وأعطِني مِنَ الخَيرِ أكثَرَ مِمّا أرجو ، وَاصرِف عَنّي مِنَ الشَّرِّ أكثَرَ مِمّا أخافُ وأحذَرُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ . (7)
عنه عليه السلام :اِكفِني شَرَّ الشَّيطانِ ، وشَرَّ السُّلطانِ ، وسَيِّئاتِ عَمَلي . (8)
.
ص: 457
عنه عليه السلام :نَسأَلُكَ اللّهُمَّ أن تُلهِمَنَا الخَيرَ وتُعطِيَناهُ ، وأن تَصرِفَ عَنَّا الشَّرَّ وتَكفِيَناهُ ، وأن تَدحَرَ (1) عَنَّا الشَّيطانَ وتُبعِدَناهُ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِما _ إذا هَمَّ بِأَمرِ حَجٍّ أو عُمرَةٍ أو بَيعٍ أو شِراءٍ أو عِتقٍ ، تَطَهَّرَ ثُمَّ صَلّى رَكعَتَيِ الاِستِخارَةِ ، فَقَرَأَ فيهِما بِسورَةِ الحَشرِ وبِسورَةِ الرَّحمنِ ، ثُمَّ يَقرَأُ المُعَوِّذَتَينِ و«قُل هُوَ اللّهُ أحَدٌ» إذا فَرَغَ وهُوَ جالِسٌ في دُبُرِ الرَّكعَتَينِ . ثُمَّ يَقولُ : اللّهُمَّ إن كانَ كَذا وكَذا خَيرا لي في ديني ودُنيايَ وعاجِلِ أمري وآجِلِهِ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ويَسِّرهُ لي عَلى أحسَنِ الوُجوهِ وأجمَلِها ، اللّهُمَّ وإن كانَ كَذا وكَذا شَرّا لي في ديني ودُنيايَ وآخِرَتي وعاجِلِ أمري وآجِلِهِ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَاصرِفهُ عَنّي ، رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَاعزِم لي عَلى رُشدي وإن كَرِهتُ ذلِكَ أو أبَتهُ نَفسي . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام يَدعو بِهذَا الدُّعاءِ : اللّهُمَّ ... ادفَع عَنّي شَرَّ الحَسَدَةِ . (4)
عنه عليه السلام :قُل في كُلِّ يَومٍ مِن رَجَبٍ صَباحا ومَساءً ، وفي أعقابِ صَلَواتِكَ وفي يَومِكَ ولَيلَتِكَ : يا مَن أرجوهُ لِكُلِّ خَيرٍ وآمَنُ سَخَطَهُ عِندَ كُلِّ شَرٍّ ... أعطِني بِمَسأَلَتي إيّاكَ جَميعَ خَيرِ الدُّنيا وجَميعَ خَيرِ الآخِرَةِ ، وَاصرِف عَنّي بِمَسأَلَتي إيّاكَ جَميعَ شَرِّ
.
ص: 458
الدُّنيا وشَرِّ الآخِرَةِ . (1)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ أن تَصرِفَ عَنّي شَرَّ كُلِّ جَبّارٍ عَنيدٍ ، وشَرَّ كُلِّ شَيطانٍ مَريدٍ ، وشَرَّ كُلِّ ضَعيفٍ مِن خَلقِكَ وشَديدٍ ، ومِن شَرِّ السّامَّةِ وَالهامَّةِ (2) وَاللّامَّةِ (3) وَالخاصَّةِ وَالعامَّةِ ، ومِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ صَغيرَةٍ أو كَبيرَةٍ بِاللَّيلِ وَالنَّهارِ ، ومِن شَرِّ فَسَقَةِ العَرَبِ وَالعَجَمِ ، ومِن شَرِّ فَسَقَةِ الجِنِّ وَالإِنسِ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (4)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ ... ارزُقني مِنَ الخَيرِ فَوقَ ما أرجو ، وَاصرِف عَنّي مِنَ الشَّرِّ فَوقَ ما أحذَرُ . (5)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ ... أطلُبُ إلَيكَ أن تُعَرِّفَني ما عَرَّفتَ أولِياءَكَ في مَنزِلي هذا ، وأن تَقِيَني جَوامِعَ الشَّرِّ . (6)
عنه عليه السلام :يا عَلِيُّ يا عَظيمُ ، يا رَحمانُ يا رَحيمُ ، يا سامِعَ الدَّعَواتِ ، يا مُعطِيَ الخَيراتِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأعطِني مِن خَيرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ما أنتَ أهلُهُ ، وَاصرِف عَنّي مِن شَرِّ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ما أنتَ أهلُهُ . (7)
.
ص: 459
الإمام الكاظم عليه السلام :اللّهُمَّ كَما كَفَيتَ نَبِيَّكَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله هَولَ عَدُوِّهِ ، وفَرَّجتَ هَمَّهُ وكَشَفتَ غَمَّهُ ، وصَدَقتَهُ وَعدَكَ ، وأنجَزتَ لَهُ مَوعِدَكَ بِعَهدِكَ ، اللّهُمَّ بِذلِكَ فَاكفِني هَولَ هذِهِ السَّنَةِ وآفاتِها ، وأسقامَها وفِتنَتَها وشُرورَها ، وأحزانَها وضيقَ المَعاشِ فيها ، وبَلِّغني بِرَحمَتِكَ كَمالَ العافِيَةِ بِتَمامِ دَوامِ العافِيَةِ وَالنِّعمَةِ عِندي إلى مُنتَهى أجَلي . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :اللّهُمَّ ادفَع عَن وَلِيِّكَ وخَليفَتِكَ ، وحُجَّتِكَ عَلى خَلقِكَ ، ولِسانِكَ المُعَبِّرِ عَنكَ النّاطِقِ بِحُكمِكَ ، وعَينِكَ النّاظِرَةِ بِإِذنِكَ وشاهِدِكَ عَلى عِبادِكَ ، الجَحجاحِ (2) المُجاهِدِ العائِذِ بِكَ العابِدِ عِندَكَ ، وأعِذهُ مِن شَرِّ جَميعِ ما خَلَقتَ وبَرَأتَ وأنشَأتَ وصَوَّرتَ . (3)
الإمام المهديّ عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ الأَخيارِ في آناءِ اللَّيلِ وأطرافِ النَّهارِ ، وَاكفِني شَرَّ الأَشرارِ . (4)
راجع : ص 486 (مبادى السعادة / محاسن الأخلاق والأعمال) .
.
ص: 460
. .
ص: 461
القسم الرّابع : العدل ، والسَّعادة والشَّقاوةالفصل الأَوَّلُ : معنى السّعادة والشّقاوةالفصل الثّاني : مبادئ السّعادةالفصل الثّالِثُ : مبادئ الشّقاء
.
ص: 462
. .
ص: 463
المدخلكلمة السعادة مشتقّة من مادّة «س ع د» بمعنى «الخير» ، «الفرح» و«اليُمن» ، والشقاء ضدّها . يصرّح ابن فارس في هذا المجال : السين والعين والدالّ أصل يدلّ على خير وسرور ، خلاف النحس ، فالسعد : اليُمن في الأمر . (1) وذكر حول مادّة الشقاء : الشين والقاف والحرف المعتلّ أصل يدلّ على المعاناة ، وخلاف السهولة والسعادة . (2) ويقول ابن منظور : السعد : اليُمن ، وهو نقيض النحس ، والسعودة خلاف النحوسة ، والسعادة خلاف الشقاوة . (3) والسعيد في نظر العرف هو الّذي يتمتّع بما يعتبره الناس خيرا . على هذا الأساس يمكننا تفسير السعادة بالحصول على الخير والكمال ، والشقاء بالوقوع في على الشرّ والنقص ، وعليه فما ورد في تفسير الخير والشرّ وبيان المعيار
.
ص: 464
في تحديدهما في الرؤية الإسلاميّة (1) موافق أيضا للتفسير المذكور للسعادة والشقاء . ونظرا للآيات الكريمة والروايات الشريفة الواردة في هذا القسم ، نرى من الضروريّ بيان معنى السعادة والشقاء في المذاهب المختلفة وفي الرؤية الإسلاميّة .
السعادة والشقاء في المذاهب المختلفةتقدم أن السعادة هي الحصول على الخير والكمال ، والشقاء هو الابتلاء بالشرّ والنقص ، وعليه فيمكننا القول فيما يتعلّق بهذا التعريف الكلّي إنّه لا خلاف فيه بين المذاهب الفكرية المختلفة ، وانما وقع الخلاف بينها في تفسير مصاديق الخير والشرّ ، والنقص والكمال . وقد حظيت هذه المسألة منذ القدم وحتّى اليوم باهتمام الباحثين والفلاسفة ، وعلى سبيل المثال ، فإنّ السعادة ليست سوى اللّذة من وجهة نظر أبيقورس (2) ، فقد كان يعتبر اللّذة غاية الإنسان ، ويؤكّد أنّ اللّذة خير مطلق ، يجب أن تكرّس جميع أفعال الإنسان باتّجاه اكتسابها ، نعم مراده من اللّذة هو كسب الفضائل واللّذات الروحيّة . (3) ويرى أرسطو أنّ السعادة هي رعاية الحدّ الوسط ، أو الاعتدال . (4) ويرى بينشه أنّ الكمال ما هو إلّا القوّة . (5) وكان اسبينوزا يعتبر السعادة والكمال صيانة الذات . 6
.
ص: 465
وبشكلٍ عام يمكن القول إنّ المذاهب المختلفة _ عدا النظرة الاسلامية _ على قسمين ؛ فطائفة ترى أنّ اللذائذ والكمالات المعنويّة هي السعادة ، فيما هناك طائفة اُخرى تراها في اللذائذ الماديّة ، وأمّا النظرة الإسلاميّة فهي كالتالي :
السعادة والشقاء في الرؤية الإسلاميةمن خلال نظرة إجماليّة إلى الآيات والروايات الواردة في هذا الفصل ، يتّضح أنّ التمتّع بخصوص اللذائذ الماديّة ليس هو السعادة حسب الرؤية الإسلاميّة ، كما أنّ التمتّع بخصوص اللذائذ المعنويّة لا يُعدّ سعادة كاملة أيضا ، بل إنّ التمتّع باللذائذ الماديّة والمعنويّة معا في الدنيا والآخرة هو كمال السعادة . وفي المقابل ، فكلّ ما يحطّ التمتّع المادّي أو المعنويّ للإنسان في الدنيا والآخرة ، يعدّ شقاء . بعبارة اُخرى ، فإنّ الإسلام هو برنامج تكامل الجسم والروح ، المادّة والمعنى ، والضامن لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة إلى جانب بعضهما البعض ، على هذا الأساس فإنّ ما يؤدّي إلى سرور الإنسان ورخائه المادّي _ على شرط ألّا يكون مضرّا بحياته المعنويّة وحياته الاُخرويّة _ يعتبر سعادة ، وفي المقابل فإنّ ما يؤدّي إلى عناء الإنسان ومشقّته الماديّة يُسمّى شقاءً ، شريطة ألّا يكون أرضيّة لتأمين حياته المعنويّة ورخائه الأكمل . على هذا ، فإنّ ما جاء في الروايات في بيان مصاديق السعادة (1) ، مثل : الوجه الحسن ، الزوجة الجميلة والصالحة ، البيت الواسع والدابّة الحسنة ، كذلك ما جاء في بيان الشقاء (2) ، مثل : الزوجة غير الصالحة ، الدار الضيّقة ، الدابّة غير المناسبة ؛ إنما هو بعض مصاديق السعادة والشقاء .
.
ص: 466
حقيقة السعادة والشقاءالملاحظة المهمّة الّتي تستحقّ الاهتمام في تفسير السعادة والشقاء ، هي أنّ السعادة والشقاء الاُخرويّين لا يمكن مقارنتهما مع السعادة والشقاء الدنيويّين ؛ لأنّ لذائذ الدنيا ومعاناتها ناقصة وزائلة حتّى وإن عظمتا ، في حين أنّ آلام الآخرة ولذائذها أكثر كمالاً من الدنيا ودائمين ، لذلك نُقل عن الإمام عليّ عليه السلام في بيان السعادة الحقيقيّة : حَقيقَةُ السَّعادَةِ أَن يَختِمَ الرَّجُلُ عَمَلَهُ بِالسَّعادَةِ . (1) وروي عنه عليه السلام أيضا في بيان الشقاء الحقيقي : حَقيقةُ الشَّقاءِ أَن يَختِمَ المَرءُ عَمَلَهُ بِالشَّقاءِ . (2) وهذا يعني أنّ اللذائذ والآلام الدنيويّة لا تستحقّ اسم السعادة والشقاء الحقيقيّين بسبب كونها عرضيّة وزائلة ، كما جاء في حديثٍ منسوبٍ إليه عليه السلام : الّذي يَستَحِقُّ اسمَ السَّعادَةِ على الحَقيقَةِ سَعادَةُ الآخِرَةِ ، وَهي أَربَعةُ أَنواعٍ : بَقاءٌ بِلا فَناءٍ ، وَعِلمٌ بَلا جَهلٍ ، وَقُدرَةٌ بِلا عَجزٍ ، وغِنىً بِلا فَقرٍ . (3) على هذا الأساس ، فإنّ ما جاء في الفصل الثاني من هذا القسم حول مبادئ السعادة مثل : المعرفة ، الإيمان ، ولاية أهل البيت ، والقيم الأخلاقيّة والعمليّة ، هي في الحقيقة الضامن للسعادة الحقيقيّة أي السعادة الاُخرويّة ، في نفس الوقت الّذي تُحقّق فيه سعادة الإنسان الماديّة والدنيويّة على أفضل وجه . كذلك ما جاء في الفصل الثالث حول مبادئ الشقاء مثل : الجهل ، الكفر ، والرذائل الأخلاقيّة والعمليّة ، هي في الحقيقة عوامل الشقاء الحقيقيّ أي الشقاء الاُخرويّ ، في نفس الوقت الّذي تقرن حياة الإنسان الماديّة والدنيويّة بالمرارة والعناء .
.
ص: 467
الفصل الأَوَّلُ : معنى السّعادة والشّقاوة1 / 1حَقيقَةُ السَّعادَةِالكتاب«وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِى الْجَنَّةِ خَ__لِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَ_وَ تُ وَ الْأَرْضُ إِلَا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَ_اءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :حَقيقَةُ السَّعادَةِ أن يَختِمَ الرَّجُلُ عَمَلَهُ بِالسَّعادَةِ . (2)
عنه عليه السلام :السَّعادَةُ ما أفضَت (3) إلَى الفَوزِ . (4)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: الَّذي يَستَحِقُّ اسمَ السَّعادَةِ عَلَى الحَقيقَةِ سَعادَةُ
.
ص: 468
الآخِرَةِ ، وهِيَ أربَعَةُ أنواعٍ : بَقاءٌ بِلا فَناءٍ ، وعِلمٌ بِلا جَهلٍ ، وقُدرَةٌ بِلا عَجزٍ ، وغِنىً بِلا فَقرٍ . (1)
عنه عليه السلام :عِندَ العَرضِ عَلَى اللّهِ سُبحانَهُ ، تَتَحَقَّقُ السَّعادَةُ مِنَ الشَّقاءِ . (2)
عنه عليه السلام :الآخِرَةُ فَوزُ السُّعَداءِ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في الدعاء _: اللّهُمَّ... وَ السَّعيدُ مَن آوَيتَهُ إلى كَنَفِ (4) نِعمَتِكَ ، ونَقَلتَهُ حَميدا إلى مَنازِلِ رَحمَتِكَ . (5)
سعد السعود نقلاً عن الزبور :السَّعيدُ مَن أخَذَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ وَانصَرَفَ إلى أهلِهِ مُضيءَ الوَجهِ . (6)
1 / 2حَقيقَةُ الشَّقاءِالكتاب«يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَ سَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ * خَ__لِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَ_وَ تُ وَ الْأَرْضُ إِلَا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ» . (7)
.
ص: 469
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :حَقيقَةُ الشَّقاءِ أن يَختِمَ المَرءُ عَمَلَهُ بِالشَّقاءِ . (1)
عنه عليه السلام :وارِدُ النّارِ مُؤَبَّدُ الشَّقاءِ . (2)
سعد السعود نقلاً عن الزبور :الشَّقِيُّ مَن أخَذَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ ومِن وَراءِ ظَهرِهِ ، [وَ] (3) انصَرَفَ إلى أهلِهِ باسِرَ (4) الوَجهِ . (5)
1 / 3أماراتُ السَّعادَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :كَفى بِالمَرءِ سَعادَةً أن يوثَقَ بِهِ في أمرِ دينِهِ ودُنياهُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ ابنِ آدَمَ استِخارَةُ اللّهِ ورِضاهُ بِما قَضَى اللّهُ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَمَنَّوُا المَوتَ ، فَإِنَّ هَولَ المُطَّلَعِ (8) شَديدٌ ، وإنَّ مِنَ السَّعادَةِ أن يَطولَ عُمُرُ العَبدِ
.
ص: 470
ويَرزُقَهُ اللّهُ الإِنابَةَ (1) . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ المَرءِ المُسلِمِ الزَّوجَةُ الصّالِحَةُ ، وَالمَسكَنُ الواسِعُ ، وَالمَركَبُ الهَنيءُ ، وَالوَلَدُ الصّالِحُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ مِن سَعادَةِ المَرءِ المُسلِمِ أن يُشبِهَهُ وَلَدُهُ ، وَالمَرأَةَ الجَملاءَ (4) ذاتَ دينٍ ، وَالمَركَبَ الهَنيءَ ، وَالمَسكَنَ الواسِعَ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثٌ مِنَ السَّعادَةِ ، وثَلاثٌ مِنَ الشَّقاوَةِ ، فَمِنَ السَّعادَةِ المَرأَةُ تَراها تُعجِبُكَ وتَغيبُ فَتَأمَنُها عَلى نَفسِها ومالِكَ ، وَالدّابَّةُ تَكونُ وَطيئَةً (6) فَتُلحِقُكَ بِأَصحابِكَ ، وَالدّارُ تَكونُ واسِعَةً كَثيرَةَ المَرافِقِ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ المُسلِمِ سَعَةُ المَسكَنِ ، وَالجارُ الصّالِحُ ، وَالمَركَبُ الهَنيءُ . (8)
.
ص: 471
عنه صلى الله عليه و آله :أربَعَةٌ مِن سَعادَةِ المَرءِ : الخُلَطاءُ الصّالِحونَ ، وَالوَلَدُ البارُّ ، وَالمَرأَةُ المُؤاتِيَةُ ، وأن تَكونَ مَعيشَتُهُ في بَلَدِهِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :خَمسَةٌ مِنَ السَّعادَةِ : الزَّوجَةُ الصّالِحَةُ ، وَالبَنونَ الأَبرارُ ، وَالخُلَطاءُ الصّالِحونَ ، ورِزقُ المَرءِ في بَلَدِهِ ، وَالحُبُّ لِالِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَزَوَّجَ فَقَد اُعطِيَ نِصفَ السَّعادَةِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ الرَّجُلِ الوَلَدُ الصّالِحُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ المَرءِ حُسنُ الخُلُقِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ ابنِ آدَمَ ، رِضاهُ بِما قَسَمَ اللّهُ لَهُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ المَرءِ أن يُشبِهَ أباهُ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ المَرءِ المُسلِمِ المَركَبُ الهَنيءُ . (8)
.
ص: 472
الإمام عليّ عليه السلام :أماراتُ (1) السَّعادَةِ إخلاصُ العَمَلِ . (2)
عنه عليه السلام :السَّخاءُ إحدَى السَّعادَتَينِ . (3)
عنه عليه السلام :سَعادَةُ المَرءِ القَناعَةُ وَالرِّضا . (4)
عنه عليه السلام :يَقولُ اللّهُ عز و جل : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَْدْبَارَ» (5) فَحافِظوا عَلى أمرِ اللّهِ عز و جل في هذِهِ المَواطِنِ ، الَّتِي الصَّبرُ عَلَيها كَرَمٌ وسَعادَةٌ ، ونَجاةٌ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ مِن فَظيعِ الهَولِ وَالمَخافَةِ . (6)
عنه عليه السلام :الصَّمتُ حُكمٌ ، وَالسُّكوتُ سَلامَةٌ ، وَالكِتمانُ طَرَفٌ مِنَ السَّعادَةِ . (7)
عنه عليه السلام :خُلُوُّ الصَّدرِ مِنَ الغِلِّ وَالحَسَدِ ، مِن سَعادَةِ العَبدِ . (8)
عنه عليه السلام :مِن سَعادَةِ المَرءِ أن تَكونَ صَنائِعُهُ عِندَ مَن يَشكُرُهُ ، ومَعروفُهُ عِندَ مَن لا يَكفُرُهُ . (9)
عنه عليه السلام :مِن سَعادَةِ المَرءِ أن يَضَعَ مَعروفَهُ عِندَ أهلِهِ . (10)
عنه عليه السلام :حُسنُ الصّورَةِ أوَّلُ السَّعادَةِ . (11)
.
ص: 473
عنه عليه السلام :الصّورَةُ الجَميلَةُ أقَلُّ السَّعادَتَينِ . (1)
عنه عليه السلام :مَن سَلِمَ مِن ألسِنَةِ النّاسِ كانَ سَعيدا . (2)
عنه عليه السلام :عُنوانُ صَحيفَةِ السَّعيدِ حُسنُ الثَّناءِ عَلَيهِ . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: مِن سَعادَةِ المَرءِ أن يَطولَ عُمُرُهُ ، ويَرى في أعدائِهِ ما يَسُرُّهُ . (4)
الإمام الحسين عليه السلام :ألا تَرَونَ الحَقَّ لا يُعمَلُ بِهِ وَالباطِلَ لا يُتَناهى عَنهُ ، لِيَرغَبِ المُؤمِنُ في لِقاءِ اللّهِ ، وإنّي لا أرَى المَوتَ إلّا سَعادَةً وَالحَياةَ مَعَ الظّالِمينَ إلّا بَرَما (5) . (6)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ مِن سَعادَةِ المَرءِ أن يَكونَ مَتجَرُهُ في بَلَدِهِ ، ويَكونَ خُلَطاؤُهُ صالِحينَ ، ويَكونَ لَهُ وُلدٌ يَستَعينُ بِهِم . (7)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ مِن سَعادَةِ الرَّجُلِ أن يَكونَ لَهُ الوَلَدُ يَعرِفُ فيهِ شِبهَ خَلقِهِ وخُلُقِهِ وشَمائِلِهِ . (8)
الإمام الصادق عليه السلام :مِن سَعادَةِ المَرءِ أن يَكونَ مَتجَرُهُ في بَلَدِهِ ، ويَكونَ لَهُ أولادٌ يَستَعينُ بِهِم ، وخُلَطاءُ صالِحونَ ، ومَنزِلٌ واسِعٌ ، وَامرَأَةٌ حَسناءُ ، إذا نَظَرَ إلَيها سُرَّ بِها وإذا غابَ عَنها حَفِظَتهُ في نَفسِها . (9)
.
ص: 474
عنه عليه السلام :ثَلاثَةٌ مِنَ السَّعادَةِ : الزَّوجَةُ المُؤاتِيَةُ ، وَالأَولادُ البارّونَ ، وَالرَّجُلُ يُرزَقُ مَعيشَتَهُ بِبَلَدِهِ يَغدو إلى أهلِهِ ويَروحُ . (1)
عنه عليه السلام :مِنَ السَّعادَةِ سَعَةُ المَنزِلِ . (2)
عنه عليه السلام :مِن سَعادَةِ المُؤمِنِ دابَّةٌ يَركَبُها في حَوائِجِهِ ، ويَقضي عَلَيها حُقوقَ إخوانِهِ . (3)
عنه عليه السلام :مِن سَعادَةِ الرَّجُلِ أن يَكونَ القَيِّمَ (4) عَلى عِيالِهِ . (5)
تحف العقول :قالَ أبو عُبَيدَةَ [لِلإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام ] : اُدعُ اللّهَ لي ألّا يَجعَلَ رِزقي عَلى أيدِي العِبادِ . فَقالَ عليه السلام : أبَى اللّهُ عَلَيكَ ذلِكَ إلّا أن يَجعَلَ أرزاقَ العِبادِ بَعضِهِم مِن بَعضٍ ، ولكِنِ ادعُ اللّهَ أن يَجعَلَ رِزقَكَ عَلى أيدي خِيارِ خَلقِهِ فَإِنَّهُ مِنَ السَّعادَةِ ، ولا يَجعَلَهُ عَلى أيدي شِرارِ خَلقِهِ فَإِنَّهُ مِنَ الشَّقاوَةِ . (6)
.
ص: 475
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ جَعفَرا عليه السلام كانَ يَقولُ : سَعِدَ امرُؤٌ لَم يَمُت حَتّى يَرى خَلَفَهُ مِن نَفسِهِ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :مِن سَعادَةِ الرَّجُلِ أن يَكشِفَ الثَّوبَ عَنِ امرَأَةٍ بَيضاءَ . (2)
عنه عليه السلام_ فِي الفِقهِ المَنسوبِ إلَيهِ _: كِبَرُ الدّارِ مِنَ السَّعادَةِ ، وكَثرَةُ المُحِبّينَ مِنَ السَّعادَةِ ، ومُوافَقَةُ الزَّوجَةِ كَمالُ السُّرورِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام : ألا إنَّ النِّساءَ خُلِقنَ شَتّى فَمِنهُنَّ الغَنيمَةُ وَالغَرامُ ومِنهُنَّ الهِلالُ (4) إذا تَجَلّى لِصاحِبِهِ ومِنهُنَّ الظَّلامُ فَمَن يَظفَر بِصالِحِهِنَّ يَسعَد ومَن يُغبَن فَلَيسَ لَهُ انتِقامُ (5)
1 / 4أماراتُ الشَّقاءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أربَعٌ مِنَ الشَّقاوَةِ : الجارُ السَّوءُ ، وَالمَرأَةُ السَّوءُ ، وَالمَسكَنُ الضَّيِّقُ ، وَالمَركَبُ السَّوءُ . (6)
.
ص: 476
المعجم الكبير عن أسماء :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ مِن شَقاءِ المَرءِ فِي الدُّنيا ثَلاثَةً : سوءَ الدّارِ ، وسوءَ المَرأَةِ وسوءَ الدّابَّةِ ، قالَت : يا رَسولَ اللّهِ ما سوءُ الدّارِ ؟ قالَ : ضيقُ ساحَتِها وخُبثُ جيرانِها ، قيلَ : فَما سوءُ الدّابَّةِ ؟ قالَ : مَنعُها ظَهرَها وسوءُ ضَلعِها ، قيلَ : فَما سوءُ المَرأَةِ ؟ قالَ : عُقمُ رَحِمِها وسوءُ خُلُقِها . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ثَلاثٌ مِنَ السَّعادَةِ وثَلاثٌ مِنَ الشَّقاوَةِ ... و مِنَ الشَّقاوَةِ : المَرأَةُ تَراها فَتَسوؤُكَ وتَحمِلُ لِسانَها عَلَيكَ ، وإن غِبتَ عَنها لَم تَأمَنها عَلى نَفسِها ومالِكَ ، وَالدّابَّةُ تَكونُ قَطوفا (2) ، فَإِن ضَرَبتَها أتعَبَتكَ وإن تَركَبها لَم تُلحِقكَ بِأَصحابِكَ ، وَالدّارُ تَكونُ ضَيِّقَةً قَليلَةَ المَرافِقِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن عَلاماتِ الشَّقاءِ : جُمودُ العَينِ (4) ، وقَسوَةُ القَلبِ ، وشِدَّةُ الحِرصِ في طَلَبِ الدُّنيا ، وَالإِصرارُ عَلَى الذَّنبِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن شِقوَةِ ابنِ آدَمَ تَركُهُ استِخارَةَ اللّهِ ، وسَخَطُهُ بِما قَضَى اللّهُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: يا عَلِيُّ أربَعُ خِصالٍ مِنَ الشَّقاوَةِ : جُمودُ العَينِ ، وقَساوَةُ القَلبِ ،
.
ص: 477
وبُعدُ الأَمَلِ ، وحُبُّ البَقاءِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :... ومِن شِقوَتِهِ [أيِ ابنِ آدَمَ] سوءُ الخُلُقِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :مِنَ الشَّقاءِ فَسادُ النِّيَّةِ . (3)
عنه عليه السلام :مِنَ الشَّقاءِ احتِقابُ (4) الحَرامِ . (5)
عنه عليه السلام :مِنَ الشَّقاءِ أن يَصونَ المَرءُ دُنياهُ بِدينِهِ . (6)
عنه عليه السلام :الحِرصُ أحَدُ الشَّقاءَينِ . (7)
عنه عليه السلام :أعظَمُ المَصائِبِ وَالشَّقاءِ ، الوَلَهُ (8) بِالدُّنيا . (9)
عنه عليه السلام :الخِذلانُ مِنَ الشَّقاوَةِ . (10)
الإمام زين العابدين عليه السلام :مِن شَقاءِ المَرءِ أن تَكونَ عِندَهُ امرَأَةٌ مُعجَبٌ بِها وهِيَ تَخونُهُ . (11)
.
ص: 478
الإمام الباقر عليه السلام :مِن شَقاءِ العَيشِ ضيقُ المنَزِلِ . (1)
عنه عليه السلام :مِن شَقاءِ العَيشِ المَركَبُ السَّوءُ . (2)
.
ص: 479
الفصل الثّاني : مبادئ السّعادة2 / 1المَعرِفَةُالكتاب«يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِلمُ إمامُ العَمَلِ وَالعَمَلُ تابِعُهُ ، يُلهِمُهُ اللّهُ السُّعَداءَ ويَحرِمُهُ الأَشقِياءَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن خَرَجَ مِن بَيتِهِ لِيَلتَمِسَ بابا مِنَ العِلمِ ، كَتَبَ اللّهُ عز و جل لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ ثَوابَ نَبِيٍّ مِنَ الأَنبِياءِ ، وأعطاهُ اللّهُ بِكُلِّ حَرفٍ يَسمَعُ أو يَكتُبُ مَدينَةً فِي الجَنَّةِ ، وطالِبُ العِلمِ أحَبَّهُ اللّهُ وأحَبَّهُ المَلائِكَةُ وأحَبَّهُ النَّبِيّونَ ، ولا يُحِبُّ العِلمَ إلَا السَّعيدُ ، وطوبى (3) لِطالِبِ العِلمِ
.
ص: 480
يَومَ القِيامَةِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن قاتَلَ جَهلَهُ بِعِلمِهِ ، فازَ بِالحَظِّ الأَسعَدِ . (2)
عنه عليه السلام :مَن عَرَفَ اللّهَ سُبحانَهُ لَم يَشقَ أبدا . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :لا يَنبَغي لِمَن لَم يَكُن عالِما أن يُعَدَّ سَعيدا . (4)
الإمام الكاظم عليه السلام_ في بَيانِ جُنودِ العَقلِ وَالجَهلِ _: السَّعادَةُ ، الشَّقاءُ . (5)
راجع : ص 443 (موانع الشرور / المعرفة) .
2 / 2الإِيمانُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أسعَدُ النّاسِ بِشَفاعَتي يَومَ القِيامَةِ ، مَن قالَ : «لا إلهَ إلَا اللّهُ» ، خالِصا مِن قَلبِهِ أو نَفسِهِ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :سَبَقَ العِلمُ وجَفَّ القَلَمُ ومَضَى القَدَرُ ، بِتَحقيقِ الكِتابِ وتَصديقِ الرُّسُلِ ، وبِالسَّعادَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل لِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وكَفَرَ ، وبِوِلايَةِ اللّهِ المُؤمِنينَ وبرَاءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ . (7)
.
ص: 481
الإمام الرضا عليه السلام :جَفَّ القَلَمُ بِحَقيقَةِ الكِتابِ مِنَ اللّهِ بِالسَّعادَةِ لِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وَالشّقاوَةِ مِنَ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى لِمَن كَذَّبَ وعَصى . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :بِالإِيمانِ يُرتَقى إلى ذِروَةِ السَّعادَةِ ونِهايَةِ الحُبورِ . (2)
عنه عليه السلام :ما أعظَمَ سَعادَةَ مَن بوشِرَ قَلبُهُ بِبَردِ اليَقينِ . (3)
عنه عليه السلام :أفضَلُ السَّعادَةِ استِقامَةُ الدّينِ . (4)
عنه عليه السلام :فازَ السُّعَداءُ بِوِلايَةِ الإِيمانِ . (5)
عنه عليه السلام :مُعتَصَمُ السُّعَداءِ بِالإِيمانِ ، وخِذلانُ الأَشقِياءِ بِالعِصيانِ مِن بَعدِ إيجابِ الحُجَّةِ عَلَيهِم بِالبَيانِ ، إذا وَضَحَ لَهُم مَنارُ الحَقِّ وسَبيلُ الهُدى . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :لَم يُؤمِنِ اللّهُ المُؤمِنَ مِن هَزاهِزِ الدُّنيا ، ولكِنَّهُ آمَنَهُ مِنَ العَمى فيها وَالشَّقاءِ فِي الآخِرَةِ . (7)
راجع : ص 444 (موانع الشرور / الإيمان) .
.
ص: 482
2 / 3وِلايَةُ أهلِ البَيتِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، سَعِدَ مَن تَوَلّاكَ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ السَّعيدَ حَقَّ السَّعيدِ مَن أحَبَّكَ وأطاعَكَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: ألا إنَّ السَّعيدَ كُلَّ السَّعيدِ مَن أحَبَّكَ وأخَذَ بِطَريقَتِكَ . (3)
الأمالي للمفيد عن سلمان الفارسي :خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ عَرَفَةَ ، فَقالَ [لِعَلِيٍّ عليه السلام ] : ... إنَّ السَّعيدَ كُلَّ السَّعيدِ حَقَّ السَّعيدِ ، مَن أطاعَكَ وتَوَلّاكَ مِن بَعدي . (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، أطيعوا عَلِيّا وَاتَّبِعوهُ وتَوَلَّوهُ ولا تُخالِفوهُ ، وَابرَؤوا مِن عَدُوِّهِ وآزِروهُ وَانصُروهُ وَاقتَدوا بِهِ ، تَرشُدوا وتَهتَدوا وتَسعَدوا . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :يا أيُّهَا النّاسُ ، اتَّبِعوا هُدَى اللّهِ تَهتَدوا وتَرشُدوا وهُوَ هُدايَ ، وهُدايَ هُدى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَمَنِ اتَّبَعَ هُداهُ في حَياتي وبَعدَ مَوتي فَقَدِ اتَّبَعَ هُدايَ ، ومَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَقَدِ اتَّبَعَ هُدَى اللّهِ ، ومَنِ اتَّبَعَ هُدَى اللّهِ فَلا يَضِلُّ ولا يَشقى . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إنّي أسأَلُكَ يا سَيِّدي وإلهي أن تَجعَلَ لي مِن أهلي وَزيرا تَشُدُّ بِهِ عَضُدي ،
.
ص: 483
فَجَعَلَ اللّهُ لي عَلِيّا وَزيرا وأخا ، وجَعَلَ الشَّجاعَةَ في قَلبِهِ ، وألبَسَهُ الهَيبَةَ عَلى عَدُوِّهِ ، وهُوَ أوَّلُ مَن آمَنَ بي وصَدَّقَني ، وأوَّلُ مَن وَحَّدَ اللّهَ مَعي ، وإنّي سَأَلتُ ذلِكَ رَبّي عز و جل فَأَعطانيهِ ، فَهُوَ سَيِّدُ الأَوصِياءِ ، اللُّحوقُ بِهِ سَعادَةٌ وَالمَوتُ في طاعَتِهِ شَهادَةٌ ، وَاسمُهُ فِي التَّوراةِ مَقرونٌ إلَى اسمي . (1)
الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام :اِتِّباعُ الكِتابِ يورِثُ السَّعادَةَ «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَ لَا يَشْقَى» (2) وَاتِّباعُ الأَئِمَّةِ يورِثُ الجَنَّةَ . (3)
الكافي عن عليّ بن عبد اللّه :(4) : سَأَلَهُ رَجُلٌ عَن قَولِهِ تَعالى : «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَ لَا يَشْقَى» . قالَ : مَن قالَ بِالأَئِمَّةِ وَاتَّبَعَ أمرَهُم ولَم يَجُز (5) طاعَتَهُم . (6)
الإمام عليّ عليه السلام :فينا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (7) فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أنَا المُنذِرُ وأنتَ الهادي يا عَلِيُّ ، فَمِنَّا الهادي وَالنَّجاةُ وَالسَّعادَةُ إلى يَومِ القِيامَةِ . (8)
.
ص: 484
عنه عليه السلام :بَينَما نَحنُ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وهُوَ يَجودُ بِنَفسِهِ وهُوَ مُسَجّىً (1) بِثَوبٍ ومُلاءَةٍ (2) خَفيفَةٍ عَلى وَجهِهِ ، فَمَكَثَ ما شاءَ اللّهُ أن يَمكُثَ ، ونَحنُ حَولَهُ بَينَ باكٍ ومُستَرجِعٍ ، إذ تَكَلَّمَ صلى الله عليه و آله وقالَ : اِبيَضَّت وُجوهٌ وَاسوَدَّت وُجوهٌ ، وسَعِدَ أقوامٌ وشَقِيَ آخَرونَ ، سَعِدَ أصحابُ الكِساءِ الخَمسَةِ أنَا سَيِّدُهُم ، ولا فَخرَ ، عِترَتي أهلُ بَيتِي السّابِقونَ ، اُولئِكَ المُقَرَّبونَ ، يَسعَدُ مَنِ اتَّبَعَهُم وشايَعَهُم عَلى ديني ودينِ آبائي . (3)
فاطمة عليهاالسلام :خَرَجَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، فَقالَ : إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ باهى بِكُم وغَفَرَ لَكُم عامَّةً ولِعَلِيٍّ خاصَّةً ، وإنّي رَسولُ اللّهِ إلَيكُم غَيرُ مُحارِبٍ لِقَرابَتي ، هذا جَبرَئيلُ يُخبِرُني أنَّ السَّعيدَ كُلَّ السَّعيدِ حَقَّ السَّعيدِ مَن أحَبَّ عَلِيّا في حَياتِهِ وبَعدَ مَوتِهِ ، وإنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ حَقَّ الشَّقِيِّ مَن أبغَضَ عَلِيّا في حَياتِهِ وبَعدَ وَفاتِهِ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :السَّعيدُ مَنِ اتَّبَعَنا ، وَالشَّقِيُّ مَن عادانا وخالَفَنا . (5)
2 / 4التَّوفيقُالإمام عليّ عليه السلام :التَّوفيقُ مِنَ السَّعادَةِ . (6)
.
ص: 485
عنه عليه السلام :بِالتَّوفيقِ تَكونُ السَّعادَةُ . (1)
عنه عليه السلام :التَّوفيقُ رَأسُ السَّعادَةِ . (2)
عنه عليه السلام :التَّوفيقُ رَأسُ النَّجاحِ . (3)
عنه عليه السلام :مِنَ السَّعادَةِ التَّوفيقُ لِصالِحِ الأَعمالِ . (4)
عنه عليه السلام :نالَ الفَوزَ مَن وُفِّقَ لِلطّاعَةِ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :رَأَيتُ المَعروفَ كَاسمِهِ ، ولَيسَ شَيءٌ أفضَلَ مِنَ المَعروفِ إلّا ثَوابُهُ وذلِكَ يُرادُ مِنهُ ، ولَيسَ كُلُّ مَن يُحِبُّ أن يَصنَعَ المَعروفَ إلَى النّاسِ يَصنَعُهُ ، ولَيسَ كُلُّ مَن يَرغَبُ فيهِ يَقدِرُ عَلَيهِ ، ولا كُلُّ مَن يَقدِرُ عَلَيهِ يُؤذَنُ لَهُ فيهِ ، فَإِذَا اجتَمَعَتِ الرَّغبَةُ وَالقُدرَةُ وَالإِذنُ ، فَهُنالِكَ تَمَّتِ السَّعادَةُ لِلطّالِبِ وَالمَطلوبُ إلَيهِ . (6)
عنه عليه السلام :ما كُلُّ مَن نَوى شَيئا قَدَرَ عَلَيهِ ، ولا كُلُّ مَن قَدَرَ عَلى شَيءٍ وُفِّقَ لَهُ ، ولا كُلُّ مَن وُفِّقَ أصابَ لَهُ مَوضِعا ، فَإِذَا اجتَمَعَتِ النِّيَّةُ وَالقُدرَةُ وَالتَّوفيقُ وَالإِصابَةُ ، فَهُنالِكَ تَمَّتِ السَّعادَةُ . (7)
.
ص: 486
2 / 5مَحاسِنُ الأَخلاقِ وَالأَعمالِأ _ الإِخلاصُالإمام عليّ عليه السلام :فازَ بِالسَّعادَةِ مَن أخلَصَ العِبادَةَ . (1)
عنه عليه السلام :قَدِّموا خَيرا تَغنَموا ، وأخلِصوا أعمالَكُم تَسعَدوا . (2)
عنه عليه السلام :السَّعيدُ مَن أخلَصَ الطّاعَةَ . (3)
ب _ التَّقوىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :السَّعادَةُ فِي اثنَتَينِ : الطّاعَةِ وَالتَّقوى . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ ... أسعِدني بِتَقواكَ . (5)
ج _ الزُّهدُ فِي الدُّنياالإمام عليّ عليه السلام :أصلُ الزُّهدِ اليَقينُ ، وثَمَرَتُهُ السَّعادَةُ . (6)
.
ص: 487
عنه عليه السلام :اِعزِف (1) عَن دُنياكَ تَسعَد بِمُنقَلَبِكَ ، وتُصلِح مَثواكَ . (2)
عنه عليه السلام :إنَّ السُّعَداءَ بِالدُّنيا غَدا ، هُمُ الهارِبونَ مِنهَا اليَومَ . (3)
عنه عليه السلام :كَفى بِالمَرءِ سَعادَةً أن يَعزِفَ عَمّا يَفنى ، ويَتَوَلَّهَ بِما يَبقى . (4)
د _ الحُبُّ فِي اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :كونوا عِبادَ اللّه إخوانا ، تَسعَدوا لَدَيهِ بِالنَّعيمِ المُقيمِ . (5)
ه _ التَّواصُلُ مَعَ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :صِلِ الَّذي بَينَكَ وبَينَ اللّهِ ، تَسعَد بِمُنقَلَبِكَ . (6)
عنه عليه السلام :صِلُوا الَّذي بَينَكُم وبَينَ اللّهِ تَسعَدوا . (7)
و _ اِتِّباعُ القُرآنِالكتاب«إِنَّ هَ_ذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ» . (8)
.
ص: 488
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ هذَا القُرآنَ هُوَ النّورُ المُبينُ ... مَن جَعَلَهُ شِعارَهُ ودِثارَهُ (1) أسعَدَهُ اللّهُ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إن أرَدتُم عَيشَ السُّعَداءِ ، ومَوتَ الشُّهَداءِ ، وَالنَّجاةَ يَومَ الحَسرَةِ ، وَالظِّلَّ يَومَ الحَرورِ (3) ، وَالهُدى يَومَ الضَّلالَةِ ، فَادرُسُوا القُرآنَ ؛ فَإِنَّهُ كَلامُ الرَّحمنِ، وحِرزٌ (4) مِنَ الشَّيطانِ ، ورُجحانٌ فِي الميزانِ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ لِلأَشتَرِ حينَ وَلّاهُ عَلى مِصرَ _: هذا ما أمَرَ بِهِ عَبدُ اللّهِ عَلِيٌّ أميرُ المُؤمِنينَ ، مالِكَ بنَ الحارِثِ الأَشتَرَ ... أمَرَهُ بِتَقوَى اللّهِ وإيثارِ طاعَتِهِ ، وَاتِّباعِ ما أمَرَ بِهِ في كِتابِهِ مِن فَرائِضِهِ وسُنَنِهِ ، الَّتي لا يَسعَدُ أحَدٌ إلّا بِاتِّباعِها ، ولا يَشقى إلّا مَعَ جُحودِها (6) وإضاعَتِها . (7)
ز _ العَمَلُ الصّالِحُالكتاب«مَنْ عَمِلَ صَ__لِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» . (8)
.
ص: 489
«فَأَمَّا مَن تَابَ وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صَ__لِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن عَمِلَ صالِحا شَهِدَت لَهُ جَوارِحُهُ ، وبِقاعُهُ ، وشُهورُهُ ، وأعوامُهُ ، وساعاتُهُ ، وأيّامُهُ ، ولَيالِي الجُمَعِ وساعاتُها وأيّامُها ، فَيَسعَدُ بِذلِكَ سَعادَةَ الأَبَدِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ الدُّنيا دارُ تِجارَةٍ ورِبحُها أو خُسرُهَا الآخِرَةُ ، فَالسَّعيدُ مَن كانَت بِضاعَتُهُ فيهَا الأَعمالَ الصّالِحَةَ ، ومَن رَأَى الدُّنيا بِعَينِها وقَدَّرَها بِقَدرِها . (3)
عنه عليه السلام :سَعادَةُ الرَّجُلِ في إحرازِ دينِهِ وَالعَمَلِ لِاخِرَتِهِ . (4)
ح _ الجِدُّ فِي العَمَلِالإمام عليّ عليه السلام :قَد سَعِدَ مَن جَدَّ . (5)
ط _ لُزومُ الحَقِّالإمام عليّ عليه السلام :في لُزومِ الحَقِّ تَكونُ السَّعادَةُ . (6)
.
ص: 490
ي _ دَوامُ العِبادَةِالإمام عليّ عليه السلام :دَوامُ العِبادَةِ بُرهانُ الظَّفَرِ بِالسَّعادَةِ . (1)
ك _ التَّوبَةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النّاسُ ، توبوا إلَى اللّهِ قَبلَ أن تَموتوا ، وبادِروا بِالأَعمالِ الصّالِحَةِ قَبلَ أن تَشتَغِلوا ، وأصلِحُوا الَّذي بَينَكُم وبَينَ رَبِّكُم تَسعَدوا . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ يَعرِضُ عَلى عَبدِهِ في كُلِّ يَومٍ نَصيحَةً ، فَإِن هُوَ قَبِلَها سَعِدَ ، وإن تَرَكَها شَقِيَ ، فَإِنَّ اللّهَ باسِطٌ يَدَهُ لِمُسيءِ النَّهارِ لِيَتوبَ ، فَإِن تابَ تابَ اللّهُ عَلَيهِ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ _: لا يَشقى بِنَقِمَتِكَ المُستَغفِرونَ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :رَحِمَ اللّهُ عَبدا تابَ إلَى اللّهِ قَبلَ المَوتِ ، فَإِنَّ التَّوبَةَ مُطَهِّرَةٌ مِن دَنَسِ الخَطيئَةِ ، ومُنقِذَةٌ مِن شَفَا (5) الهَلَكَةِ ، فَرَضَ اللّهُ بِها عَلى نَفسِهِ لِعِبادِهِ الصّالِحينَ ، فَقالَ : «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءَا بِجَهَ__لَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (6) «وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْ_لِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ
.
ص: 491
اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا» (1) . (2)
ل _ طاعَةُ اللّهِالكتاب«قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعَا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَ لَا يَشْقَى» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَنِ اتَّبَعَ كِتابَ اللّهِ هَداهُ اللّهُ مِنَ الضَّلالَةِ ، ووَقاهُ سوءَ الحِسابِ يَومَ القِيامَةِ ، وذلِكَ أنَّ اللّهَ يَقولُ : «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَ لَا يَشْقَى» . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ السَّعادَةَ كُلَّ السَّعادَةِ ، طولُ العُمُرِ في طاعَةِ اللّهِ عز و جل . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :لا يَسعَدُ امرُؤٌ إلّا بِطاعَةِ اللّهِ سُبحانَهُ . (6)
عنه عليه السلام :إنَّ عُمُرَكَ مَهرُ سَعادَتِكَ ، إن أنفَذتَهُ في طاعَةِ رَبِّكَ . (7)
.
ص: 492
عنه عليه السلام :دَعوا طاعَةَ البَغيِ (1) وَالعِنادِ ، وَاسلُكوا سَبيلَ الطّاعَةِ وَالاِنقِيادِ ، تَسعَدوا فِي المَعادِ . (2)
عنه عليه السلام :لا يَسعَدُ أحَدٌ إلّا بِإِقامَةِ حُدودِ اللّهِ . (3)
عنه عليه السلام :مَن أطاعَ اللّهَ لَم يَشقَ أبَدا . (4)
لقمان_ لِابنِهِ _: اِشتَغِل بِرِضَا اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ ، فَفيهِ شُغُلٌ شاغِلٌ وسَعادَةٌ وإقبالٌ فِي الدُّنيا ويَومِ الحِسابِ وَالسُّؤالِ . (5)
م _ إنفاقُ المالِالإمام عليّ عليه السلام :إذا قَدَّمتَ مالَكَ لِاخِرَتِكَ ، وَاستَخلَفتَ اللّهَ سُبحانَهُ عَلى مَن خَلَّفتَهُ مِن بَعدِكَ ، سَعِدتَ بِما قَدَّمتَ ، وأحسَنَ اللّهُ لَكَ الخِلافَةَ عَلى مَن خَلَّفتَ . (6)
عنه عليه السلام :الجَوادُ فِي الدُّنيا مَحمودٌ ، وفِي الآخِرَةِ مَسعودٌ . (7)
ن _ مُحاسَبَةُ النَّفسِالإمام عليّ عليه السلام :مَن حاسَبَ نَفسَهُ سَعِدَ . (8)
س _ مُجاهَدَةُ النَّفسِالإمام عليّ عليه السلام :مَن أجهَدَ نَفسَهُ في إصلاحِها سَعِدَ . (9)
.
ص: 493
عنه عليه السلام :اِعلَموا أنَّ الجِهادَ الأَكبَرَ جِهادُ النَّفسِ ، فَاشتَغِلوا بِجِهادِ أنفُسِكُم تَسعَدوا . (1)
عنه عليه السلام :إنَّ النَّفسَ الَّتي تَجهَدُ فِي اقتِناءِ الرَّغائِبِ الباقِيَةِ ، لَتُدرِكُ طَلَبَها وتَسعَدُ في مُنقَلَبِها . (2)
ع _ مُجالَسَةُ العُلَماءِ ومُتابَعَتُهُمالإمام عليّ عليه السلام :جالِسِ العُلَماءَ تَسعَد . (3)
عنه عليه السلام :عاشِر أهلَ الفَضلِ تَسعَد وتَنبُل . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :وَصِيَّةُ وَرَقَةَ بنِ نَوفَلٍ لِخَديجَةَ بِنتِ خُوَيلِدٍ عليهاالسلام ، إذا دَخَلَ عَلَيها يَقولُ لَها : يا بِنتَ أخي لا تُماري (5) جاهِلاً ولا عالِما ، فَإِنَّكِ مَتى مارَيتِ جاهِلاً آذاكِ ، ومَتى مارَيتِ عالِما مَنَعَكِ عِلمَهُ ، وإنَّما يَسعَدُ بِالعُلَماءِ مَن أطاعَهُم . (6)
ف _ المُبادَرَةُ إلَى الخَيراتِالإمام عليّ عليه السلام :دَركُ السَّعادَةِ بِمُبادَرَةِ الخَيراتِ وَالأَعمالِ الزّاكِياتِ . (7)
عنه عليه السلام :بادِرِ الطّاعَةَ تَسعَد . (8)
ص _ الاِستِعدادُ لِلمَوتِالإمام عليّ عليه السلام :اِحذَرِ المَوتَ وأحسِن لَهُ الاِستِعدادَ ، تَسعَد بِمُنقَلَبِكَ . (9)
.
ص: 494
عنه عليه السلام :اِحذَر قِلَّةَ الزّادِ وأكثِر مِنَ الاِستِعدادِ ، تَسعَد بِرِحلَتِكَ . (1)
عنه عليه السلام :تَدارَك في آخِرِ عُمُرِكَ ما أضَعتَهُ في أوَّلِهِ ، تَسعَد بِمُنقَلَبِكَ . (2)
عنه عليه السلام :سابِقُوا الأَجَلَ ، وأحسِنُوا العَمَلَ ، تَسعَدوا بِالمَهَلِ . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذَا استُحِقَّت وِلايَةُ اللّهِ وَالسَّعادَةُ ، جاءَ الأَجَلُ بَينَ العَينَينِ ، وذَهَبَ الأَمَلُ وَراءَ الظَّهرِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ _: اِتَّقُوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ تَقِيَّةَ ذي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلبَهُ ... وقَد عَبَرَ مَعبَرَ العاجِلَةِ حَميدا ، وقَدَّمَ زادَ الآجِلَةِ سَعيدا . (5)
عنه عليه السلام :تَفَكَّروا أيُّهَا النّاسُ وتَبَصَّروا ، وَاعتَبِروا وَاتَّعِظوا ، وتَزَوَّدوا لِلآخِرَةِ تَسعَدوا . (6)
ق _ الاِستِعانَةُ مِنَ اللّهِالكتاب«ك_هيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَ لَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا» . (7)
«قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ ءَالِهَتِى يَ_إِبْرَ هِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِى مَلِيًّا * قَالَ سَلَ_مٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا * وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ مَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُواْ رَبِّى عَسَى أَلَا
.
ص: 495
أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّى شَقِيًّا» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ الرَّحمنُ الرَّحيمُ ، ارحَمني رَحمَةً تُطفِئُ بِها غَضَبَكَ ، وتَكُفُّ بِها عَذابَكَ ، وتَرزُقُني بِها سَعادَةً مِن عِندِكَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ الفَوزَ فِي العَطاءِ ، ونُزُلَ الشُّهَداءِ ، وعَيشَ السُّعَداءِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إنَّكَ أكرَمُ مَسؤولٍ فَأَسأَلُكَ أن تُحيِيَني حَياةَ السُّعَداءِ ، وأن تَتَوَفّاني وَفاةَ الشُّهَداءِ ، وأنتَ عَنّي راضٍ غَيرُ غَضبانَ يا رَحيمُ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ _: نَسأَلُ اللّهَ مَنازِلَ الشُّهَداءِ ، ومُعايَشَةَ السُّعَداءِ ، ومُرافَقَةَ الأَنبِياءِ . (5)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن زَوالِ نِعمَتِكَ ، ومِن تَحويلِ عافِيَتِكَ ومِن فَجأَةِ نَقِمَتِكَ ، ومِن دَركِ الشَّقاءِ ، ومِن شَرِّ ما سَبَقَ فِي اللَّيلِ . (6)
.
ص: 496
عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ لِلأَشتَرِ حينَ وَلّاهُ عَلى مِصرَ _: أسأَلُ اللّهَ... أن يَختِمَ لي ولَكَ بِالسَّعادَةِ وَالشَّهادَةِ ، إنّا إلَيهِ راجِعونَ . (1)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: اُخصُصني مِنكَ بِمَغفِرَةٍ لا يُقارِبُها شَقاءٌ ، وسَعادَةٍ لا يُدانيها أذىً . (2)
الإمام الحسين عليه السلام :صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأتمِم عَلَينا نِعمَتَكَ ، وأسعِدنا بِطاعَتِكَ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ _: سَيِّدي ، عَظُمَ قَدرُ مَن أسعَدتَهُ بِاصطِفائِكَ . (4)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: أسأَلُكَ ... مِنَ الحُدودِ (5) أسعَدَها . (6)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ وأيُّما عَبدٍ نالَ مِنّي ما حَظَرتَ (7) عَلَيهِ ، وَانتَهَكَ مِنّي ما حَجَزتَ عَلَيهِ ، فَمَضى بِظُلامَتي مَيِّتا ، أو حَصَلَت لي قِبَلَهُ حَيّا فَاغفِر لَهُ ما ألَمَّ بِهِ مِنّي ، وَاعفُ لَهُ عَمّا أدبَرَ بِهِ عَنّي ، ولا تَقِفهُ عَلى مَا ارتَكَبَ فِيَّ ، ولا تَكشِفهُ عَمَّا اكتَسَبَ بي ، وَاجعَل ما سَمَحتُ بِهِ مِنَ العَفوِ عَنهُم ، وتَبَرَّعتُ بِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَيهِم ، أزكى صَدَقاتِ المُتَصَدِّقينَ ، وأعلى صِلاتِ المُتَقَرِّبينَ ، وعَوِّضني مِن عَفوي عَنهُم عَفوَكَ ، ومِن دُعائي لَهُم رَحمَتَكَ ، حَتّى يَسعَدَ كُلُّ واحِدٍ مِنّا بِفَضلِكَ ، ويَنجُوَ كُلٌّ مِنّا بِمَنِّكَ (8) . (9)
.
ص: 497
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: أسعِدني بِسَعَةِ رَحمَتِكَ ، سَيِّدي . (1)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ بِكُلِّ ما حَمِدَهُ بِهِ أدنى مَلائِكَتِهِ إلَيهِ ، وأكرَمُ خَليقَتِهِ عَلَيهِ ، وأرضى حامِديهِ لَدَيهِ ... حَمدا نَسعَدُ بِهِ فِي السُّعَداءِ مِن أولِيائِهِ ، ونَصيرُ بِهِ في نَظمِ الشُّهَداءِ بِسُيوفِ أعدائِهِ ، إنَّهُ وَلِيٌّ حَميدٌ . (2)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ أولِني في كُلِّ يَومِ إثنَينِ نِعمَتَينِ ثِنتَينِ : سَعادَةً في أوَّلِهِ بِطاعَتِكَ ، ونِعمَةً في آخِرِهِ بِمَغفِرَتِكَ ، يا مَن هُوَ الإِلهُ ، ولا يَغفِرُ الذُّنوبَ سِواهُ . (3)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: يا مَن أنوارُ قُدسِهِ لِأَبصارِ مُحِبّيهِ رائِقَةٌ (4) ، وسُبُحاتُ وَجهِهِ لِقُلوبِ عارِفيهِ شائِقَةٌ . يا مُنى قُلوبِ المُشتاقينَ ، ويا غَايَةَ آمالِ المُحِبّينَ ... وَاجعَلني مِن أهلِ الإِسعادِ وَالحُظوَةِ (5) عِندَكَ ، يا مُجيبُ ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . (6)
الإمام عليّ عليه السلام_ في دُعائِهِ _: السَّعيدُ مَن أسعَدتَ . (7)
الإمام الباقر عليه السلام :اللّهُمَّ اجعَلني مِمَّن تَسقيهِ فِي المَعادِ مِن حَوضِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وتُسعِدُهُ بِمُرافَقَتِهِ بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . (8)
الإمام المهديّ عليه السلام_ في دُعائِهِ _: أسأَلُكَ أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأن
.
ص: 498
تُحيِيَني حَياةَ السُّعَداءِ . (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ _: نَعوذُ بِكَ مِنَ الحَسرَةِ العُظمى ، وَالمُصيبَةِ الكُبرى ، وأشقَى الشَّقاءِ . (2)
عنه عليه السلام :أنَا أفقَرُ الفُقَراءِ إلَيكَ ، فَاجبُر فَاقَتَنا بِوُسعِكَ ، ولا تَقطَع رَجاءَنا بِمَنعِكَ ، فَتَكونَ قَد أشقَيتَ مَنِ استَسعَدَ بِكَ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلى حُسنِ قَضائِكَ ، وبِما صَرَفتَ عَنّي مِن بَلائِكَ ، فَلا تَجعَل حَظّي مِن رَحمَتِكَ ما عَجَّلتَ لي مِن عافِيَتِكَ ، فَأَكونَ قَد شَقيتُ بِما أحبَبتُ ، وسَعِدَ غَيري بِما كَرِهتُ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام_ في دُعائِهِ _: يا شِقوَتاه إن ضاقَت عَنّي سَعَةُ رَحمَتِكَ . (5)
راجع : ص 447 (موانع الشرور / محاسن الأعمال) .
2 / 6خَصائِصُ السُّعَداءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في مَكارِمِ الأَخلاقِ _: عَشَرَةٌ تَكونُ فِي الرَّجُلِ ولا تَكونُ فِي ابنِهِ ، وتَكونُ فِي الاِبنِ ولا تَكونُ في أبيهِ ، وتَكونُ فِي العَبدِ ولا تَكونُ في سَيِّدِهِ ، يَقسِمُهَا اللّهُ لِمَن أرادَ بِهِ السَّعادَةَ : صِدقُ الحَديثِ ، وصِدقُ النّاسِ (6) _ وهُوَ أن لا يَشبَعَ وجارُهُ
.
ص: 499
وصاحِبُهُ جائِعانِ _ وإعطاءُ السّائِلِ ، وَالمُكافَأَةُ بِالصَّنائِعِ ، وحِفظُ الأَمانَةِ ، وصِلَةُ الرَّحِمِ ، وَالتَّذَمُّمُ (1) لِلجارِ ، وَالتَّذَمُّمُ لِلصّاحِبِ ، وإقراءُ (2) الضَّيفِ ، ورَأسُهُنَّ الحَياءُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن وَصِيَّةٍ طَويلَةٍ أوصى بِها أبا ذَرٍّ _: ... اِعلَم يا أبا ذَرٍّ، إنَّ اللّهَ جَعَلَ أهلَ بَيتي كَسَفينَةِ النَّجاةِ في قَومِ نوحٍ ، مَن رَكِبَها نَجا، ومَن رَغِبَ عَنها غَرِقَ ، ومِثلِ بابِ حِطَّةٍ في بَني إسرائيلَ ؛ مَن دَخَلَها كانَ آمِنا . يا أبا ذَرٍّ ، اِحفَظ ما أوصَيتُكَ بِهِ ، تَكُن سَعيدا فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ... . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :ثَلاثٌ مَن حافَظَ عَلَيها سَعِدَ : إذا ظَهَرَت عَلَيكَ نِعمَةٌ فَاحمَدِ اللّهَ ، وإذا أبطَأَ عَنكَ الرِّزقُ فَاستَغفِرِ اللّهَ ، وإذا أصابَتكَ شِدَّةٌ فَأَكثِر مِن قَولِ : «لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ» . (5)
2 / 7ما يوجِبُ كَمالَ السَّعادَةِالإمام عليّ عليه السلام :إذَا اقتَرَنَ العَزمُ بِالحَزمِ كَمُلَتِ السَّعادَةُ . (6)
.
ص: 500
عنه عليه السلام :مِن كَمالِ السَّعادَةِ السَّعيُ في صَلاحِ الجُمهورِ . (1)
عنه عليه السلام :مَن عَزَفَت نَفسُهُ عَن دَنِيِّ المَطامِعِ كَمُلَت مَحاسِنُهُ . ومَن كَمُلَت مَحاسِنُهُ حُمِدَ ، وَالمَحمودُ مَحبوبٌ . ولَن يُحِبَّ العِبادُ عَبدا إلّا بَعدَ حُبِّ اللّهِ عز و جل إيّاهُ ، فَتَكونُ المَحَبَّةُ دَرَجَةً إلى نَيلِ صَلاحِ مَعاشِهِ مَعَ وُفورِ مَعادِهِ . ومَنِ اجتَمَعَت لَهُ الخَصلَتانِ كَمُلَت سَعادَتُهُ ، وَالشَّقِيُّ الكامِلُ الشَّقاءِ مَن كانَ بِخِلافِ ذلِكَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :رَأَيتُ المَعروفَ كَاسمِهِ ، ولَيسَ شَيءٌ أفضَلَ مِنَ المَعروفِ إلّا ثَوابُهُ وذلِكَ يُرادُ مِنهُ ، ولَيسَ كُلُّ مَن يُحِبُّ أن يَصنَعَ المَعروفَ إلَى النّاسِ يَصنَعُهُ ، ولَيسَ كُلُّ مَن يَرغَبُ فيهِ يَقدِرُ عَلَيهِ ، ولا كُلُّ مَن يَقدِرُ عَلَيهِ يُؤذَنُ لَهُ فيهِ ، فَإِذَا اجتَمَعَتِ الرَّغبَةُ وَالقُدرَةُ وَالإِذنُ ، فَهُنالِكَ تَمَّتِ السَّعادَةُ لِلطّالِبِ وَالمَطلوبِ إلَيهِ . (3)
2 / 8ما يُحَوِّلُ الأَشقِياءَ سُعَداءَرسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» ، (4) الصَّدَقَةُ وَاصطِناعُ المَعروفِ وصِلَةُ الرَّحِمِ وبِرُّ الوالِدَينِ ، يُحَوِّلُ الشَّقاءَ سَعادَةً ، ويَزيدُ مِنَ العُمُرِ ، ويَقي مَصارِعَ السَّوءِ . (5)
.
ص: 501
حلية الأولياء عن الاوزاعي :قَدِمتُ المَدينَةَ فَسَأَلتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، عَن قَولِهِ عز و جل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . فَقالَ : نَعَم ، حَدَّثَنيهِ أبي عَن جَدِّهِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام قالَ : سَأَلتُ عَنها رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : لَاُبَشِّرَنَّكَ بِها يا عَلِيُّ ، فَبَشِّر بِها اُمَّتي مِن بَعدي ، الصَّدَقَةُ عَلى وَجهِها ، وَاصطِناعُ المَعروفِ ، وبِرُّ الوالِدَينِ ، وصِلَةُ الرَّحِمِ ، تُحَوِّلُ الشَّقاءَ سَعادَةً ، وتَزيدُ فِي العُمُرِ ، وتَقي مَصارِعَ السَّوءِ . (1)
كامل الزيارات عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح عن الإمام الصادق عليه السلام ، قالَ :قُلتُ لَهُ[ عليه السلام ] : ما لِمَن أتى قَبرَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليهماالسلام زائِرا عارِفا بِحَقِّهِ ، غَيرَ مُستَنكِفٍ ولا مُستَكبِرٍ ؟ قالَ : يُكتَبُ لَهُ ألفُ حَجَّةٍ مَقبولَةٍ ، وألفُ عُمرَةٍ مَبرورَةٍ (2) ، وإن كانَ شَقِيّا كُتِبَ سَعيدا ، ولَم يَزَل يَخوضُ في رَحمَةِ اللّهِ . (3)
.
ص: 502
. .
ص: 503
الفصل الثّالِثُ : مبادئ الشّقاء3 / 1الجَهلُالكتاب«وَ قَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَ_بِ السَّعِيرِ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الجَهلُ مُميتُ الأَحياءِ ، ومُخَلِّدُ الشَّقاءِ . (2)
عنه عليه السلام :فَقدُ العَقلِ شَقاءٌ . (3)
عنه عليه السلام :أشقَى النّاسِ الجاهِلُ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :بَينَ المَرءِ وَالحِكمَةِ نِعمَةُ العالِمِ ، وَالجاهِلُ شَقِيٌّ بَينَهُما . (5)
.
ص: 504
3 / 2الكُفرُالكتاب«وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْاءِسْلَ_مِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْاخِرَةِ مِنَ الْخَ_سِرِينَ» . (1)
«فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَا الْأَشْقَى * الَّذِى كَذَّبَ وَ تَوَلَّى» . (2)
«أَلَمْ تَكُنْ ءَايَ_تِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَ كُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ» . (3)
«وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَ لَا يَحْيَى» . (4)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :مَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دينا تَتَحَقَّق شِقوَتُهُ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ : «فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَا الْأَشْقَى * الَّذِى كَذَّبَ وَ تَوَلَّى» _: في جَهَنَّمَ وادٍ فيهِ نارٌ لا يَصلاها إلَا الأَشقَى الَّذي كَذَّبَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله في عَلِيٍّ عليه السلام ، وتَوَلّى عَن وِلايَتِهِ . (6)
.
ص: 505
3 / 3مَساوِئُ الأَخلاقِأ _ حُبُّ الدُّنيارسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن اُشرِبَ قَلبُهُ حُبَّ الدُّنيَا ، التاطَ (1) مِنها بِثَلاثٍ : شَقاءٍ لا يَنفَدُ عَناهُ ، وحِرصٍ لا يَبلُغُ غِناهُ ، وأمَلٍ لا يَبلُغُ مُنتَهاهُ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :بِئسَ العَبدُ عَبدٌ خُلِقَ لِلعِبادَةِ فَأَلهَتهُ العاجِلَةُ عَنِ الآجِلَةِ ، فازَ بِالرَّغبَةِ العاجِلَةِ وشَقِيَ بِالعاقِبَةِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :إيّاكَ وَالوَلَهَ بِالدُّنيا ، فَإِنَّها تورِثُكَ الشَّقاءَ وَالبَلاءَ ، وتَحدوكَ عَلى بَيعِ البَقاءِ بِالفَناءِ . (4)
عنه عليه السلام :سَبَبُ الشَّقاءِ حُبُّ الدُّنيا . (5)
عنه عليه السلام :لا تَمهَرِ الدُّنيا دينَكَ ، فَإِنَّ مَن مَهَرَ الدُّنيا دينَهُ ، زُفَّت إلَيهِ بِالشَّقاءِ وَالعَناءِ وَالمِحنَةِ وَالبَلاءِ . (6)
عنه عليه السلام :حُكِمَ عَلى أهلِ الدُّنيا ، بِالشَّقاءِ وَالفَناءِ وَالدَّمارِ وَالبَوارِ (7) . (8)
.
ص: 506
عنه عليه السلام :إنَّ النَّفسَ الَّتي تَطلُبُ الرَّغائِبَ الفانِيَةَ ، لَتَهلِكُ في طَلَبِها وتَشقى في مُنقَلَبِها . (1)
عنه عليه السلام :اِزهَد فِي الدُّنيا وَاعزِف عَنها ، وإيّاكَ أن يَنزِلَ بِكَ المَوتُ وأنتَ آبِقٌ (2) مِن رَبِّكَ في طَلَبِها فَتَشقى . (3)
عنه عليه السلام :مَن كانَتِ الدُّنيا أكبَرَ هَمِّهِ ، طالَ شَقاؤُهُ وغَمُّهُ . (4)
عنه عليه السلام :اُنظُروا إلَى الدُّنيا نَظَرَ الزّاهِدِ فيها ، فَإِنَّها ... وَاللّهِ عَن قَليلٍ تُشقِي المُترَفَ ، وتُحَرِّكُ السّاكِنَ ، وتُزيلُ الثّاوِيَ (5) . (6)
عنه عليه السلام :مَنِ اعتَمَدَ عَلَى الدُّنيا فَهُوَ الشَّقِيُّ المَحرومُ . (7)
عنه عليه السلام :مَن رَغِبَ فيها [أيِ الدُّنيا] أتعَبَتهُ وأشقَتهُ . (8)
الإمام الصادق عليه السلام :أنزِلِ الدُّنيا كَمَنزِلٍ نَزَلتَهُ فَارتَحَلتَ عَنهُ ، أو كَمالٍ أصَبتَهُ في مَنامِكَ فَاستَيقَظتَ ولَيسَ في يَدِكَ شَيءٌ مِنهُ ، فَكَم مِن حَريصٍ عَلى أمرٍ قَد شَقِيَ بِهِ حينَ أتاهُ ، وكَم مِن تارِكٍ لِأَمرٍ قَد سَعِدَ بِهِ حينَ أتاهُ . (9)
.
ص: 507
ب _ الحِرصُالإمام عليّ عليه السلام :مَن كَثُرَ حِرصُهُ (1) كَثُرَ شَقاؤُهُ . (2)
عنه عليه السلام :كَثرَةُ الحِرصِ تُشقي صاحِبَهُ ، وتُذِلُّ جانِبَهُ . (3)
عنه عليه السلام :الحِرصُ وَالشَّرَهُ (4) يَكسِبانِ الشَّقاءَ وَالذِّلَّةَ . (5)
عنه عليه السلام :عَبدُ الحِرصِ مُخَلَّدُ الشَّقاءِ . (6)
عنه عليه السلام :فِي الحِرصِ الشَّقاءُ وَالنَّصَبُ . (7)
عنه عليه السلام :الحِرصُ يُذِلُّ ويُشقي . (8)
عنه عليه السلام :مَن حَرَصَ شَقِيَ وتَعَنّى . (9)
ج _ الطَّمَعُالإمام عليّ عليه السلام :ثَمَرَةُ الطَّمَعِ الشَّقاءُ . (10)
عنه عليه السلام :لا تُمَلِّك نَفسَكَ بِغُرورِ الطَّمَعِ ، ولا تُجِب دَواعِيَ الشَّرَهِ ، فَإِنَّهُما يَكسِبانِكَ الشَّقاءَ وَالذُّلَّ . (11)
.
ص: 508
عنه عليه السلام :المَذَلَّةُ وَالمَهانَةُ وَالشَّقاءُ ، فِي الطَّمَعِ وَالحِرصِ . (1)
د _ البُخلُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ألا وإنَّ السَّعيدَ مَنِ اختارَ باقِيَةً يَدومُ نَعيمُها ، عَلى فانِيَةٍ لا يَنفَدُ عَذابُها ، وقَدَّمَ لِما يَقدَمُ عَلَيهِ مِمّا هُوَ في يَدَيهِ ، قَبلَ أن يُخَلِّفَهُ لِمَن يَسعَدُ بِإِنفاقِهِ ، وقَد شَقِيَ هُوَ بِجَمعِهِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :إذا جَمَعتَ المالَ فَأَنتَ فيهِ وَكيلٌ لِغَيرِكَ ، يَسعَدُ بِهِ وتَشقى أنتَ . (3)
عنه عليه السلام :كَم مِن غافِلٍ وَثِقَ بِغَفلَتِهِ وتَعَلَّلَ بِمُهلَتِهِ ، فَأَمَّلَ بَعيدا ، وبَنى مَشيدا ، فَنَغِصَ بِقُربِ أجَلِهِ بَعدَ أمَلِهِ ، وفاجَأَهُ مَنِيَّتُهُ بِانقِطاعِ اُمنِيَّتِهِ ، فَصارَ بَعدَ العِزِّ وَالمنَعَةِ وَالشَّرَفِ وَالرِّفعَةِ ، مُرتَهَنا بِموبِقاتِ (4) عَمَلِهِ ، قَد غابَ فَما رَجَعَ ، ونَدِمَ فَمَا انتَفَعَ ، وشَقِيَ بِما جَمَعَ في يَومِهِ ، وسَعِدَ بِهِ غَيرُهُ في غَدِهِ . (5)
عنه عليه السلام_ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: لا تُخَلِّفَنَّ وَراءَكَ شَيئا مِنَ الدُّنيا ، فَإِنَّكَ تُخَلِّفُهُ لِأَحَدِ رَجُلَينِ : إمّا رَجُلٌ عَمِلَ فيهِ بِطاعَةِ اللّهِ فَسَعِدَ بِما شَقيتَ بِهِ ، وإمّا رَجُلٌ عَمِلَ فيهِ بِمَعصِيَةِ اللّهِ فَشَقِيَ بِما جَمَعتَ لَهُ ، فَكُنتَ عَونا لَهُ عَلى مَعصِيَتِهِ . ولَيسَ أحَدُ هذَينِ حَقيقا أن تُؤثِرَهُ عَلى نَفسِكَ . (6)
.
ص: 509
عنه عليه السلام :إنَّ الَّذي في يَدِكَ مِنَ الدُّنيا قَد كانَ لَهُ أهلٌ قَبلَكَ ، وهُوَ صائِرٌ إلى أهلٍ بَعدَكَ ، وإنَّما أنتَ جامِعٌ لِأَحَدِ رَجُلَينِ : رَجُلٍ عَمِلَ فيما جَمَعتَهُ بِطاعَةِ اللّهِ فَسَعِدَ بِما شَقيتَ بِهِ ، أو رَجُلٍ عَمِلَ فيهِ بِمَعصِيَةِ اللّهِ فَشَقيتَ بِما جَمَعتَ لَهُ ، ولَيسَ أحَدُ هذَينِ أهلاً أن تُؤثِرَهُ عَلى نَفسِكَ ، ولا أن تَحمِلَ لَهُ عَلى ظَهرِكَ ، فَارجُ لِمَن مَضى رَحمَةَ اللّهِ ، ولِمَن بَقِيَ رِزقَ اللّهِ . (1)
ه _ الرِّياءُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يُؤمَرُ بِرِجالٍ إلَى النّارِ فَيَقولُ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ لِمالِكٍ : قُل لِلنّارِ : لا تُحرِقي لَهُم أقداما فَقَد كانوا يَمشونَ إلَى المَساجِدِ ، ولا تُحرِقي لَهُم أوجُها فَقَد كانوا يُسبِغونَ الوُضوءَ ، ولا تُحرِقي لَهُم أيدِيا فَقَد كانوا يَرفَعونَها بِالدُّعاءِ ، ولا تُحرِقي لَهُم ألسُنا فَقَد كانوا يُكثِرونَ تِلاوَةَ القُرآنِ!! قالَ : فَيَقولُ لَهُم خازِنُ النّارِ : يا أشقِياءُ ، ما كانَ حالُكُم ؟ قالوا : كُنّا نَعمَلُ لِغَيرِ اللّهِ تَعالى ، فَقيلَ لَنا : خُذوا ثَوابَكُم مِمَّن عَمِلتُم لَهُ . (2)
و _ الحَسَدُالإمام عليّ عليه السلام :ثَمَرَةُ الحَسَدِ شَقاءُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ . (3)
.
ص: 510
ز _ الغَفلَةُالإمام عليّ عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِعُوّادِهِ بَعدَ ما ضُرِبَ _: فَيا لَها حَسرَةً عَلى كُلِّ ذي غَفلَةٍ ، أن يَكونَ عُمُرُهُ عَلَيهِ حُجَّةً ، أو تُؤَدِّيَهُ أيّامُهُ إلى شِقوَةٍ . (1)
ح _ الحَمِيَّةُالإمام عليّ عليه السلام_ بَعدَ ما ذَكَرَ صِفَةَ خَلقِ آدَمَ عليه السلام _: فَقالَ سُبحانَهُ : «اسْجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَا إِبْلِيسَ» (2) اعتَرَتهُ الحَمِيَّةُ (3) ، وغَلَبَت عَلَيهِ الشِّقوَةُ . (4)
3 / 4مَساوِئُ الأَعمالِأ _ معصية اللّهالإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا» (5) _: بِأَعمالِهِم شَقوا. (6)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن عَمِلَ سوءا شَهِدَت عَلَيهِ : جَوارِحُهُ ، وبِقاعُهُ ، وشُهورُهُ ، وأعوامُهُ ، وساعاتُهُ (وأيّامُهُ) ولَيالِي الجُمَعِ وساعاتُها وأيّامُها ، فَيَشقى بِذلِكَ شَقاءَ الأَبَدِ . (7)
.
ص: 511
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ ... لا تُشقِني بِمَعصِيَتِكَ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ لِلأَشتَرِ حينَ وَلّاهُ عَلى مِصرَ _: هذا ما أمَرَ بِهِ عَبدُ اللّهِ عَلِيٌّ أميرُ المُؤمِنينَ مالِكَ بنَ الحارِثِ الأَشتَرَ ... أمَرَهُ بِتَقوَى اللّهِ وإيثارِ طاعَتِهِ ، وَاتِّباعِ ما أمَرَ بِهِ في كِتابِهِ مِن فَرائِضِهِ وسُنَنِهِ ، الَّتي لا يَسعَدُ أحَدٌ إلّا بِاتِّباعِها ، ولا يَشقى إلّا مَعَ جُحودِها وإضاعَتِها . (2)
عنه عليه السلام :لا يَسعَدُ أحَدٌ إلّا بِإِقامَةِ حُدودِ اللّهِ ، ولا يَشقى أحَدٌ إلّا بِإِضاعَتِها . (3)
عنه عليه السلام :خِذلانُ الأَشقِياءِ بِالعِصيانِ . (4)
عنه عليه السلام :لا يَشقَى امرُؤٌ إلّا بِمَعصِيَةِ اللّهِ . (5)
عنه عليه السلام :بِالمَعصِيَةِ تَكونُ الشَّقاءُ . (6)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إيّاكُم وَالذُّنوبَ الَّتي قَلَّما أصَرَّ عَلَيها صاحِبُها إلّا أدّاهُ إلَى الخِذلانِ المُؤَدّي إلَى الخُروجِ عَن وِلايَةِ مُحَمَّدٍ وعَلِيٍّ وَالطَّيِّبينَ مِن آلِهِما ، وَالدُّخولِ في مُوالاةِ أعدائِهِما ، فَإِنَّ مَن أصَرَّ عَلى ذلِكَ فَأَدّى خِذلانُهُ إلَى الشَّقاءِ الأَشقى مِن مُفارَقَةِ وِلايَةِ سَيِّدِ اُولِي النُّهى ، فَهُوَ مِن أخسَرِ الخاسِرينَ . (7)
.
ص: 512
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ ... لا تُشقِني بِنَشطي لِمَعاصيكَ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام_ في دُعائِهِ _: أعوذُ بِكَ مِنَ الذُّنوبِ الَّتي تورِثُ الشَّقاءَ . (2)
تحف العقول_ في مُناجاةِ اللّهِ عز و جل لِموسى عليه السلام _: يا موسى ... مَن عَصاني شَقِيَ . (3)
ب _ مُخالَفَةُ أهلِ البَيتِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِعلَموا أنَّكُم إن أطَعتُم عَلِيّا سَعِدتُم ، وإن خالَفتُموهُ شَقيتُم . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اِعلَموا أنَّهُ مَن خالَفَ أولِياءَ اللّهِ ، ودانَ بِغَيرِ دينِ اللّهِ ، وَاستَبَدَّ بِأَمرِهِ دونَ أمرِ وَلِيِّ اللّهِ ، كانَ في نارٍ تَلتَهِبُ ، تَأكُلُ أبدانا قَد غابَت عَنها أرواحُها وغَلَبَت عَلَيها شِقوَتُها ، فَهُم مَوتى لا يَجِدونَ حَرَّ النّارِ ، ولَو كانوا أحياءً لَوَجَدوا مَضَضَ (5) حَرِّ النّارِ ، وَاعتَبِروا يا اُولِي الأَبصارِ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي بَعَثَ مُحَمَّدا بِالحَقِّ نَبِيّا وأكرَمَنا بِهِ ، فَنَحنُ صَفوَةُ اللّهِ عَلى خَلقِهِ وخِيَرَتُهُ مِن عِبادِهِ ، فَالسَّعيدُ مَنِ اتَّبَعَنا ، وَالشَّقِيُّ مَن عادانا وخالَفَنا . (7)
.
ص: 513
عنه عليه السلام :دَخَلَ عَلِيٌّ عليه السلام عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ في بَيتِ اُمِّ سَلَمَةَ ، فَلَمّا رَآهُ قالَ : كَيفَ أنتَ يا عَلِيُّ ، إذا جُمِعَتِ الاُمَمُ ، ووُضِعَتِ المَوازينُ ، وبَرَزَ لِعَرضِ خَلقِهِ ، ودُعِيَ النّاسُ إلى ما لا بُدَّ مِنهُ ؟ قالَ : فَدَمَعَت عَينُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما يُبكيكَ يا عَلِيُّ ؟ تُدعى وَاللّهِ أنتَ وشيعَتُكَ غُرّا مُحَجَّلينَ (1) ، رِواءً مَروِيّينَ ، مُبيَضَّةً وُجوهُكُم ، ويُدعى بِعَدُوِّكَ مُسوَدَّةً وُجوهُهُم ، أشقِياءَ مُعَذَّبينَ . (2)
الأمالي للمفيد عن سلمان الفارسي :خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ عَرَفَةَ ، فَقالَ [لِعَلِيٍّ عليه السلام ] : ... إنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ حَقَّ الشَّقِيِّ مَن عَصاكَ ، ونَصَبَ لَكَ عَداوَةً مِن بَعدي . (3)
الإمام المهدي عليه السلام :إذا أرَدتُمُ التَّوَجُّهَ إلَى اللّهِ وإلَينا فَقولوا : ... يا مَولايَ ، شَقِيَ مَن خالَفَكُم وسَعِدَ مَن أطاعَكُم . (4)
ج _ اِتِّباعُ الهَوىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِحذَرِ الهَوى ، فَإِنَّهُ قائِدُ الأَشقِياءِ إلَى النّارِ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّكَ إن مَلَّكتَ نَفسَكَ قِيادَكَ ، أفسَدتَ مَعادَكَ ، وأورَدَتكَ بَلاءً لا يَنتَهي
.
ص: 514
وشَقاءً لا يَنقَضي . (1)
عنه عليه السلام :مَن أهمَلَ نَفسَهُ في لَذّاتِها شَقِيَ وبَعُدَ . (2)
عنه عليه السلام :مَغلوبُ الهَوى ، دائِمُ الشَّقاءِ ، مُؤَبَّدُ الرِّقِّ . (3)
عنه عليه السلام :مَن سامَحَ نَفسَهُ فيما يُحِبُّ ، أتعَبَتهُ فيما يَكرَهُ . (4)
د _ الظُّلمُالإمام عليّ عليه السلام :ظُلمُ المَرءِ فِي الدُّنيا ، عُنوانُ شَقائِهِ فِي الآخِرَةِ . (5)
ه _ عُقوقُ الوالِدَينِالإمام الصادق عليه السلام :عُقوقُ الوالِدَينِ مِنَ الكَبائِرِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَعالى جَعَلَ العاقَّ عَصِيّاً شَقّيا (6) . (7)
و _ تِلكَ الاُموررسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن ذَكَرَني ولَم يُصَلِّ عَلَيَّ فَقَد شَقِيَ ، ومَن أدرَكَ رَمَضانَ فَلَم تُصِبهُ الرَّحمَةُ فَقَد شَقِيَ ، ومَن أدرَكَ أبَوَيهِ أو أحَدَهُما فَلَم يَبَرَّ فَقَد شَقِيَ . (8)
.
ص: 515
الفهرس التفصيلي .
ص: 516
. .
ص: 517
. .
ص: 518
. .
ص: 519
. .
ص: 520
. .
ص: 521
. .
ص: 522
. .
ص: 523
. .
ص: 524
. .
ص: 525
. .
ص: 526
. .
ص: 527
. .
ص: 528
. .
ص: 529
. .
ص: 530
. .