مكاتيب الائمه المجلد 4

اشارة

سرشناسه : احمدي ميانجي، علي، 1304 - 1379.، گردآورنده

عنوان و نام پديدآور : مكاتيب الائمه/ علي الاحمدي الميانجي؛ تحقيق و مراجعه مجتبي فرجي.

مشخصات نشر : قم: موسسه دار الحديث العلميه و الثقافيه، مركز الطباعه و النشر، 1427ق.=1385 -

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : مركز بحوث دارالحديث؛ 93.

شابك : دوره: 964-493-021-5 ؛ 34000ريال: ج. 1، چاپ دوم: 964-493-019-3 ؛ 32000ريال: ج. 2: 964-493-021-5 ؛ 28000 ريال: ج.3 964-493-028-2: ؛ 32000 ريال: ج.4: 964-493-165-3 ؛ 50000 ريال: ج.5 : 978-964-493-254-0 ؛ 50000 ريال: دوره، چاپ پنجم: 978-964-493-021-8 ؛ ج.1، چاپ پنجم: 978-964-493-019-5 ؛ ج.2، چاپ پنجم: 978-964-493-020-1 ؛ ج.3، چاپ پنجم: 978-964-493-028-7 ؛ ج.4، چاپ سوم: 978-964-493-165-9 ؛ ج.5، چاپ سوم: 978-964-493-254-0 ؛ ج.6، چاپ چهارم: 978-964-493-344-8

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتاب حاضر همراه با شرح و توضيح نامه هاي حضرت علي (ع) است كه توسط علي احمدي ميانجي گردآوري و تنظيم شده است.

يادداشت : ج.1 - 3 ( چاپ دوم ).

يادداشت : ج.1 تا 3(چاپ اول: 1384).

يادداشت : ج.4 ( چاپ اول: 1385 ).

يادداشت : ج.5 (چاپ اول: 1387).

يادداشت : ج.1-3(چاپ پنجم: 1389).

يادداشت : ج.5،4 و7 (چاپ سوم: 1389).

يادداشت : ج.6(چاپ چهارم: 1389).

يادداشت : كتابنامه.

يادداشت : نمايه.

مندرجات : ج.1و2 . مكاتيب الامام علي.- ج.3. مكاتيب الامام الحسن والحسين و علي بن الحسين و محمدبن علي.- ج.4. مكاتيب الامام جعفربن محمدالصادق والامام موسي بن جعفرالكاظم عليهما السلام.- ج.5. مكاتيب الامام علي بن موسي الرضا عليهما السلام و مكاتيب الامام محمد بن علي الجواد عليهما السلام.- ج.6.مكاتيب الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام و مكاتيب الاما م الحسن بن علي العسكري عليه السلام.- ج.7. مكاتيب الامام ابي القاسم المهدي عجل الله فرجه الشريف.

موضوع : ائمه اثناعشر -- نامه ها

شناسه افزوده : فرجي، مجتبي، 1346 - ، محقق

شناسه افزوده : موسسه علمي - فرهنگي دارالحديث. سازمان چاپ و نشر

رده بندي كنگره : BP36/5/الف3م7 1385

رده بندي ديويي : 297/95

شماره كتابشناسي ملي : 1203857

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

مكاتيب الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليهماالسلام

اشاره

مكاتيب الإمام جعفر بن محمّدٍ الصّادق

.

ص: 8

. .

ص: 9

المقدّمة

اشاره

المقدّمةفي أعقاب انبلاج فجر الإسلام في ربوع شبه جزيرة العرب، وبعدما سطع نوره واتّسع نطاقه إلى ربوع اُخرى من المعمورة، وامتدّ زاحفاً إلى أقصى الأرجاء، وتمسّكت به الاُمم ونظرت إليه باعتباره ديناً جاء لينتشل الناس من الظلمات إلى النور. وفي عهد حياة الرسول صلى الله عليه و آله كان الناس يهرعون إليه صلى الله عليه و آله في الملمّات وفي كلّ ما يستعصي عليهم ، في شتّى جوانب الحياة؛ يلتمسون عنده جواب ما يجهلون من اُمور دينهم ودنياهم، وأمّا الذين كانوا في مناطق نائية ويتعذّر عليهم الوصول إليه، فقد كانوا يتوجّهون تلقاء أصحابه الذين كان لهم نصيب من علمه، ونخصُّ بالذكر من هؤلاء الأصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، الذي كان على الدوام ملازماً لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد أخذ عنه علم القرآن وَكلَّ معانيه ومعارفه. وفي أعقاب وفاة الرسول كان أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام هو الملجأ والملاذ والقادر على حلّ المستعصيات حتّى في عهد الخلفاء . وبعد أن استشهد سلام اللّه عليه ضيّق أعداؤه الخناق على أبنائه وأصحابه وشيعته، وحالوا بينهم وبين هداية وإرشاد أبناء الاُمّة. وعلى صعيد آخر هبّ اُولئك الذين باعوا دينهم بدنياهم إلى وضع الأحاديث واختلاق الروايات إرضاءً للحكام ، وتنفيذاً لرغباتهم

.

ص: 10

وما يخدم مصالحهم، حتّى التبس سليم الحديث بسقيمه واستعصى _ حتّى على العلماء _ التمييز بين الحديث الصحيح والحديث الموضوع. واستشرى هناك الفساد، حتى غدت مدينة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين عام 65 _ 80 ه_ . بؤرة تعجُّ بالمغنّين . ويمكن القول بأنّه في المدّة بين سنة 40 للهجرة وحتّى نهاية القرن الأوّل كانت هناك ثلّة قليلة من الصّحابة والتابعين قد حفظت وصانت وحملت معارف وفقه آل محمّد صلى الله عليه و آله . وفي عهد الإمام الباقر عليه السلام شهدت الأوضاع انفراجاً ملحوظاً، وأمّا عهد إمامة الإمام الصادق عليه السلام ؛ أي من عام 114 _ 148ه_ فقد كان عصر انتشار معارف وفقه آل محمّد صلى الله عليه و آله ، وعصر التعليم والتدريس حيث ظهرت المدينة المنورة عند ذاك بوجه آخر غير الذي كانت عليه من قبل . منذ عام 83 ه_ ( وهي السنة التي ولد فيها الإمام الصادق عليه السلام ) وحتّى عام 148 ه_ (وهي سنة استشهاده) تناوبَ على خلافة المسلمين اثنا عشر خليفة من المروانيين والعباسيّين، وكانت مدّة حكم كلّ واحد منهم قصيرة _ عدا عبد الملك بن مروان، وهشام بن عبد الملك اللّذان حكم كلُّ واحد منهما عشرين سنة _ ومن الطبيعي أنّ انتقال السلطة من حاكم إلى آخر كان يتمخّض عنه اضطراب في الأوضاع السياسية والاجتماعية ، خاصّة وأنّ العقدين الأخيرين من حياة الإمام عليه السلام شهدا انتقال السلطة من سلالة إلى اخرى، واقترن هذا الانتقال بحالة من الفوضى والمذابح . إنّ الضعف الذي أصاب الحكم المرواني وانتهى به إلى السقوط ، وفّر انفتاحاً في الحريات السياسية، ومهّد السبيل أمام اندلاع الثورات الدينية في بقاع متعدّدة من العالم الإسلامي ضدّ الحكّام ، وفسَحَ المجال أمام اتّساع البحوث العلمية والتدريس في مختلف الفروع . وكان لابدّ في مثل ذلك الظرف الحسّاس من اقتحام الميدان بكلّ قوّة ، واعتماد

.

ص: 11

وسائل متعدّدة لبلوغ الغاية المنشودة ، وهذا ما فعله الإمام الصّادق عليه السلام ، واهتمّ به غاية الاهتمام، حتّى أنّ أحد الأسرار الكامنة وراء نشر المعارف والأحكام كان اهتمامه بالكتابة وتوظيفها في سبيل هذه الغاية على أحسن وجه. والاهتمام بأمر الكتابة لا يختص به وحده، بل إنّ أوّل من كتب كتاباً في الإسلام _ كما ذكر ابن شهر آشوب _ هو عليُّ بن أبي طالب عليه السلام ، ومن بعده سلمان الفارسي وأبو ذر. وقال السُّيوطي في هذا المجال: وروى السيوطي : إنّ عليّا والحسن بن عليّ ممّن أباحوا كتابة العلم بين الصحابة وفعلوها. (1) واستمرت الكتابة قليلاً أو كثيراً ، إلى أن جاء عهد الإمام الصادق عليه السلام ، الذي كان عصر ازدهار المعارف والأحكام الدينية، واستجدّت ظروف منحت الكتابة قيمة وأهمية أكبر، ومن تلك المستجدّات كثرة طلبة العلوم في بقاع شتّى من أرجاء العالم الإسلامي ، إضافة إلى بُعدهم الجغرافي عن الإمام وتعذّر وصولهم إليه. قال الإمام الصادق عليه السلام للمفضّل في وصف أهمية الكتابة: تأمّل _ يامُفَضّلُ _ ما أنعَمَ اللّهُ تقدّسَت أسماؤهُ مِن هذا النُّطقِ الذي يُعبِّرُ بهِ عَمّا في ضَميرِهِ _ إلى أن قال _ وكذلك الكتابَةُ التي بها تُقَيَّدُ أخبارُ الماضِينَ للباقينَ ، وَأخبارُ الباقينَ لِلآتينَ ، وَبِها تُخَلَّدُ الكُتُبُ في العُلومِ وَالآدابِ وَغيرِها وَبِها يَحفَظُ الإنسانُ ذِكرَ ما يَجري بَينَهُ وَبَينَ غَيرِهِ مِنَ المُعاملاتِ وَالحِسابِ، وَلَولاهُ لانقَطَعَ أخبارُ بَعضِ الأزمِنَةِ عَن بَعضٍ ، وَأخبارُ الغائِبينَ عَن أوطانِهِم وَدَرَسَت العُلومُ وَضاعَت الآدابُ وَعَظُمَ ما يَدخُلُ عَلى الناسِ مِنَ الخَلَلِ في اُمورِهِم وَمُعامَلاتِهِمَ وَما يَحتاجونَ إلى النَّظَرِ فيهِ مِن أمرِ دينِهِم وَما رُوِيَ لَهُم مِمّا لا يَسَعُهُم جَهلُهُ (2) . وبما أنّ هذا الكتاب يدور حول ما كتبه الصادق عليه السلام من مكاتيب في مختلف الأغراض والمناسبات ، ولا يخفى أنّ فعله عليه السلام حجّة علينا ، فما أجدرنا بالسّير على

.


1- .الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، عبد الحليم الجندي: ص 200 .
2- .توحيد المفضّل : ص 39؛ بحار الأنوار : ج 3 ص 81 وج 61 ص 257.

ص: 12

في الحثّ على الكتابة والتّكاتب

نهجه ونهج آبائه الطّاهرين ، وذلك بتدوين العلم وحفظه ، الأمرُ الّذي أكّدت عليه العديد من الرّوايات عنهم عليهم السلام . وها نحن نضع أمام القارئ الكريم هذه الرّوايات الشّريفة ؛ ليكون ذلك حافزاً ودافعاً للكتابة وحفظ الآثار والعلوم .

في الحثّ على الكتابة والتّكاتبعليّ بن محمّد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي أيّوب المدنيّ ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين الأحمسي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: القَلبُ يَتَّكِلُ عَلَى الكِتابَةِ. (1) والحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: اكتُبوا فَإنَّكُم لا تَحفَظونَ حَتَّى تَكتُبوا . (2) وأبو بصير قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : ما يَمنَعُكُم مِنَ الكِتابَةِ ؟ إنَّكُم لَن تَحفَظوا حَتَّى تَكتُبوا ، إنَّهُ خَرَجَ مِن عِندي رَهطٌ مِن أهلِ البَصرَةِ سَأَلوني عَن أشياءَ فَكَتَبوها. (3) ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن ابن بُكير ، عن عبيد بن زرارة قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : احتَفِظوا بِكُتُبِكُم فَإنَّكُم سوف تَحتاجونَ إلَيها . (4) وعدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ ،عن بعض أصحابه ،عن أبي سعيد الخيبري ،عن المفضّل بن عمر قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : اكتُب وَبُثَّ عِلمَكَ فيإخوانِكَ فَإِن مِتَّ فَأورِث كُتُبَكَ بَنيكَ ،فَإنَّهُ يَأتيعَلَى النّاسِ زَمانُ هَرَجٍ لايأنَسونَ فيهِ إلاّ بِكُتُبِهِم. (5)

.


1- .الكافي : ج1 ص52 ح 8، مشكاة الأنوار: ص250 ح728، بحار الأنوار : ج2 ص152 ح39.
2- .الكافي : ج1 ص52 ح9، بحار الأنوار : ج2 ص152 ح38.
3- .مشكاة الأنوار: ص249 ح724، بحار الأنوار : ج2 ص153 ح47.
4- .الكافي : ج1 ص52 ح10، مشكاة الأنوار: ص249 ح725، بحار الأنوار : ج2 ص152 ح40.
5- .الكافي : ج1 ص52 ح11، مشكاة الأنوار: ص249 ح727، بحار الأنوار : ج2 ص150 ح27.

ص: 13

فيما يليق بالكتابة والتّكاتب

وأنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : المُؤمِنَ إذا ماتَ وَتَرَكَ وَرَقَةً واحِدَةً عَلَيها عِلمٌ ، تَكونُ تِلكَ الوَرَقَةُ يَومَ القِيامَةِ سِتراً فيما بَينَهُ وَبَيَنَ النَّارِ ، وَأعطاهُ اللّهُ تبارَكَ وَتعالى بِكُلِّ حَرفٍ مَكتوبٍ عَلَيها مَدينَةً أوسَعَ مِنَ الدُّنيا سَبعَ مَرَّاتٍ. (1) وأبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النّعمان في كتابه مصابيح النّور : أخبرني الصّدوق جعفر بن محمّد بن قولويّه ، عن عليّ بن الحسين بن بابويه ، عن عبد اللّه بن جعفر ، عن داوود بن القاسم الجعفريّ ، قال: عرضت على أبي محمّد صاحب العسكر عليه السلام كتاب يوم وليلة ليونس ، فقال لي: تَصنيفُ مَن هذا؟ فقلت: تصنيف يونس ، مولى آل يقطين ، فقال: أعطاهُ اللّهُ بِكُلِّ حَرفٍ نوراً يَومَ القِيامَةِ. (2) وعدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد شينولة ، قال: قلت لأبي جعفر الثّاني عليه السلام : جعلت فداك ، إنَّ مشايخنا رَوَوا عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام ، وكانت التّقيّة شديدة فكتموا كتبهم ، ولم تُروَ عنهم ، فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا. فقال: حَدِّثوا بِها فَإنَّها حَقٌّ. (3) وعن الحسن بن عليّ عليهماالسلام ، أنّه دعا بنيه وبني أخيه فقال: إنَّكُم صِغارُ قَومٍ ، وَيُوشَكُ أن تَكونوا كِبارَ قَومٍ آخَرينَ ، فَتَعَلَّموا العِلمَ ، فَمَن لَم يَستَطِع مِنكُم أن يَحفَظَهُ فَليَكتُبهُ وَليَضَعهُ في بَيتِهِ . (4)

فيما يليق بالكتابة والتّكاتبروي عن النّبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال لبعض كتّابه: ألقِ الدَّواةَ ، وَحَرِّفِ القَلَمَ ، وانصِبِ الباءَ ، وَفَرِّقِ السِّينَ ، وَلا تُعَوِّرِ المِيمَ ، وَحَسِّنِ اللّهَ ، وَمُدّ الرَّحمنَ ، وَجَوِّدِ الرَّحيمَ ، وَضَع قَلَمَكَ عَلَى اُذنِكَ اليُسرى ؛

.


1- .الأمالي للصدوق : ص 91 ح 64 ، الدعوات : ص 275 ح 791 ، بحار الأنوار : ج2 ص144 ح1 نقلاً عنه .
2- .بحار الأنوار: ج2 ص150 ح25 نقلاً عن الفهرست للنّجاشّي (رجال النّجاشي).
3- .الكافي : ج1 ص53 ح15 ، بحار الأنوار : ج 2 ص 167 .
4- .منية المريد : ص 340 ، تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 227 ، بحار الأنوار : ج2 ص152 ح37 ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج13 ص 259 ، كنز العمّال : ج 10 ص 257 ح 29369 .

ص: 14

فَإنّهُ أذكَرُ لَكَ. (1) وعن سيف بن هارون مولى آل جعدة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : اكتُب بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ مِن أجوَدِ كِتابَتِكَ ، وَلا تَمُدَّ الباءَ حَتّى تَرفَعَ السِّينَ. (2) وعن جميل بن درّاج قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : لا تَدَع بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، وإن كانَ بَعدَهُ شِعرُ. (3) وعن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عليّ بن الحكم عن الحسن بن السّري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تَكتُب بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ لِفُلانٍ ، وَلا بأسَ أن تَكتُبَ على ظَهرِ الكِتابِ لفلان (4) . وعن حديد بن حكيم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : لا بَأسَ بِأن يَبدَأ الرَّجُلُ بِاسم صاحِبِهِ في الصَّحيفَةِ قَبلَ اسمِهِ. (5) وعن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السلام قال: قَالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : إذا كَتَبَ أحدُكُم في حاجَةٍ ، فَليَقرَأ آيَةَ الكُرسِيِّ وَآخِرَ بَني إسرائِيلَ ؛ فإنَّهُ أنجَحُ لِلحاجَةِ. (6) وعن مُرازم بن حكيم قال: أمر أبو عبد اللّهِ عليه السلام : بكتابٍ في حاجَةٍ ، فكتب ثمّ عرض عليه ولم يكن فيه استثناء ، فقال: كَيفَ رَجَوتُم أن يَتِمَّ هَذا وَلَيسَ فيهِ استثِناءٌ ؟ انظُروا كُلَّ مَوضِعٍ لا يَكونُ فيهِ استِثناءٌ فَاستَثنوا فِيهِ . (7) وعن جابرٍ عَن أبي جَعفَرٍ عليه السلام قال لِكاتبِ كُتُبِهِ : أن يصنع هذه الدّفاتر كراريس ،

.


1- .منية المريد : ص 349 ، بحار الأنوار : ج2 ص152 ح41 .
2- .الكافي: ج2 ص672 ح2 ، مشكاة الأنوار: ص250 ح734.
3- .الكافي: ج2 ص672 ح1، مشكاة الأنوار: ص250 ح733.
4- .الكافي: ج2 ص673 ح3 ، مشكاة الأنوار: ص250 ح735.
5- .الكافي: ج2 ص673 ح6، مشكاة الأنوار: ص251 ح736.
6- .مشكاة الأنوار: ص251 ح737.
7- .الكافي: ج2 ص673 ح7، مشكاة الأنوار: ص251 ح738، بحار الأنوار : ج47 ص48 ح73.

ص: 15

وقال: وَجَدنا كُتُبَ عَلِيٍّ عليه السلام مُدرَجَةً (1) . (2) وعن محمّد بن سنان قال: كتب أبو عبد اللّه عليه السلام كتاباً فأراد عقيبٌ أن يُتَرِّبَهُ ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : لا تُتَرِّبهُ ، فَلَعَنَ اللّهُ أوَّلَ مَن تَرَّبَ ، فَقُلتُ: يابنَ رَسولِ اللّهِ ، أخبِرني عَن أوَّلِ مَن تَرَّبَ ؟ فَقال: فُلانٌ الاُمَوِيُّ عَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ. (3) وعن الإمام الصّادق عليه السلام قال: قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : اذكُروا الحَديثَ بإسنادِهِ ، فَإن كانَ حَقّاً كُنتُم شُرَكاءَهُ فِي الآخِرَةِ ، وإن كانَ باطِلاً فإنَّ الوِزرَ عَلَى صاحِبِهِ. (4) وعن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: رَدُّ جَوابِ الكِتابِ واجِبٌ كَوُجُوبِ رَدِّ السَّلامِ. (5) وعن العَيصِ بن أبي القاسم قال: سَألتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ التَّسليم عَلَى أهلِ الكِتابِ في الكِتابِ ، قَالَ: تَكتُبُ : سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبعَ الهُدى ، وَفي آخِرِهِ: سَلامٌ عَلى المُرسَلينَ ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ. (6) وعن ذريح قال: سَألتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ التَّسليمِ عَلَى اليَهودِيِّ والنَّصرانيِّ وَالرَّدِ عَلَيهِم في الكِتابِ ، فَكَرِهَ ذلِكَ . (7) والإمامُ الصّادق عليه السلام قال: التَّواصُلُ بَينَ الإخوانِ في الحَضَرِ التَّزَاوُرُ ، وَفي السَّفَرِ التَّكاتُبُ . (8)

.


1- .الدُّرجة _ بالضمّ _ وجمعها الدُّرَج ، وأصله شيءٌ يُدرج أي يُلفَّ (النهاية: ج 2 ص 111) .
2- .مشكاة الأنوار: ص249 ح726.
3- .مشكاة الأنوار: ص251 ح739.
4- .مشكاة الأنوار: ص252 ح744.
5- .الكافي: ج2 ص670 ح2، مشكاة الأنوار: ص251 ح741، بحار الأنوار : ج 84 ص 273 .
6- .مشكاة الأنوار: ص250 ح731.
7- .مشكاة الأنوار: ص250 ح732 ، الاُصول الستّة عشر : ص 87 .
8- .الكافي: ج2 ص670 ح1 ، تحف العقول: ص358 ، مشكاة الأنوار: ص250 ح730، مصادقة الإخوان: ص162 ، بحار الأنوار: ج 78 ص240 ح 13 .

ص: 16

وَسُئِلَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الاسمِ مِن أسماءِ اللّهِ يَمحوهُ الرَّجُلُ، بالتَّفلِ؟ قالَ: امحوهُ بِأَطهَرِ ما تَجِدونَ. (1) وعن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه قال: قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : امحُوا كِتابَ اللّهِ تَعالَى وَذِكرَهُ بِأَطهَرِ ما تَجدونَ ، وَنَهى [ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ] (2) أن يُحرَقَ كِتابُ اللّهِ ، وَنَهى أن يُمحَى بِالأَقلامِ . (3) وفي مستدرك الوسائل ، نقلاً عن السّيوطي في طبقات النّحاة: سئل محمّد بن يعقوب _ صاحب القاموس _ عن قول عليّ بن أبي طالب عليه السلام لكاتبه: ألصِق رَوانِفَكَ (4) بِالجُبوبِ (5) ، وُخُذِ المِزبَرَ (6) بِشَناتِرِكَ (7) ، وَاجعَل حَندورَتَيكَ (8) إلى قَيهَلي (9) ، حَتّى لا أنغى نَغَيةً (10) إلاّ أودَعتُها حَماطَةَ (11) جُلجُلانِكَ (12) ؛ ما معناه ؟ فَقالَ: ألزِق عَضَرطَتَكَ (13) بِالصِّلَّةِ (14) ، وَخُذِ المَصطَرَ (15) بِأباخِسِكَ (16) ، وَاجعَل

.


1- .الكافي: ج2 ص674 ح3، مشكاة الأنوار: ص252 ح742.
2- .أضفنا ما بين المعقوفين لأجل استقامة السِّياق.
3- .الكافي: ج2 ص674 ح4، مشكاة الأنوار: ص252 ح743.
4- .الروانف : المقعدة.
5- .الجبوب : الأرض .
6- .المزبر : القلم.
7- .الشناتر : الأصابع .
8- .الحندورة : الحدقة.
9- .القيهل : الوجه.
10- .النغية : النغمة .
11- .الحماطة : سوداء القلب.
12- .الجلجلان : القلب.
13- .العضرط : الاست.
14- .الصلة : الأرض.
15- .المصطر : القلم.
16- .الأباخس : الأصابع .

ص: 17

حَجمَتَيكَ (1) إلى اُثعُبانَ (2) ، حَتّى لا أنبُسَ نَبسَةً (3) إلاّ وَعَيتَها في لَمظَةِ (4) رِباطِكَ (5) . (6) تنبيه : ينبغي الإشارة إلى أنّ ما ورد بعنوان «وصاياه عليه السلام » هي في الغالب ليست مكاتيب بالمعنى الاصطلاحي ، بل وردت شفاها ، وإنّما أوردناها استطرادا . وفي ختام هذه الديباجة ،نودُّ أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى أنَّ هذا الكتاب الذي بين يديه ، هو المجلد الرابع من مكاتيب الأئمّة عليهم السلام ، مركب من مكاتيب الإمامين الصّادق والكاظم عليهماالسلام . وقد احتوى مكاتيب الصّادق عليه السلام على سبعة فصول : أوّلاً: في التوحيد والإيمان. ثانيا: في أهل البيت عليهم السلام. ثالثا: في المواعظ. رابعا: المكاتيب الفقهيّة. خامسا: وصاياه عليه السلام . سادسا: في الدّعاء . سابعا: في اُمور شتّى.

.


1- .الحجمة : العين.
2- .الاُثعبان : الوجه .
3- .النبسة : النغمة.
4- .اللّمظة : النكتة السوداء بياض ( من الأضداد ) .
5- .الرباط : القلب .
6- .مستدرك الوسائل: ج13 ص259 ح15295 نقلاً عن السّيوطي في طبقات النّحاة.

ص: 18

. .

ص: 19

الفصل الأوّل : في التّوحيد والإيمان

اشاره

الفصل الأوّل : في التّوحيد والإيمان

.

ص: 20

. .

ص: 21

1 . كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحيم بن عتيك في التّوحيد

1كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحيم بن عتيك في التّوحيدعليّ بن إبراهيم ، عن العبّاس بن معروف ، عن ابن أبي نجران ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبد الرّحيم بن عتيك القصير 1 ، قال: كتبت على يَدَي عبد الملك بن أعين 2 إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : إنَّ قوماً بالعراقِ يَصِفونَ اللّهَ بالصُّورَةِ وَبالتَّخطيطِ ، فَإن

.

ص: 22

2 . كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحيم القصير في الإيمان

رَأَيتَ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِداكَ أن تَكتُبَ إليَّ بالمَذهَبِ الصّحيحِ مِنَ التَّوحيدِ . فكتب إليّ: سَأَلتَ رَحِمَكَ اللّهُ عَنِ التَّوحيدِ وَما ذَهَبَ إلَيهِ مَن قِبَلَكَ ، فَتَعالى اللّهُ الّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، تَعالى عَمَّا يَصِفُهُ الواصِفونَ المُشَبِّهونَ اللّهَ بِخَلقِهِ ، المُفترونَ عَلى اللّهِ . فَاعلَم _ رَحِمَكَ اللّهُ _ أنَّ المَذهَبَ الصَّحيحَ فِي التَّوحيدِ ما نَزَلَ بِهِ القُرآنُ مِن صفاتِ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، فَانفِ عَنِ اللّهِ تَعالى البُطلانَ وَالتَّشبيهَ فَلا نَفيَ وَلا تَشبيهَ ، هُوَ اللّهُ الثّابِتُ المَوجودُ تَعالى اللّهُ ، عَمَّا يَصِفُهُ الواصِفونَ ، ولا تَعدوا القُرآنَ فَتَضِلّوا بَعدَ البَيانِ . (1)

2كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحيم القصير في الإيمانعليّ بن إبراهيم ، عن العبّاس بن معروف ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبد الرّحيم القصير (2) ، قال: كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن الإيمان ما هو؟ فكتب إليّ مع عبد الملك بن أعين :

.


1- .الكافي: ج1 ص100 ح1، بحار الأنوار: ج3 ص261 ح12.
2- .عبد الرّحيم القصير هو عبد الرحيم بن عتيك القصير ، مرّ ترجمته في الصفحة السابقة .

ص: 23

3 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن خرزاد في معاني الأسماء واشتقاقها

سَأَلتَ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ عَنِ الإيمانِ: وَالإيمانُ هُوَ الإقرارُ بِاللِّسانِ وَعَقدٌ فِي القَلبِ وَعَمَلٌ بِالأركانِ ، وَالإيمانُ بَعضُهُ مِن بَعضٍ وَهُوَ دارٌ وكَذلِكَ الإسلامُ دارٌ والكُفرُ دَارٌ ، فَقَد يَكونُ العَبدُ مُسلِماً قَبلَ أن يَكونَ مُؤمِناً ، ولا يَكونُ مُؤمِناً حَتَّى يَكونَ مُسلِماً ، فَالإسلامُ قَبلَ الإيمانِ وَهُوَ يُشارِكُ الإيمانَ ، فَإذا أتى العَبدُ كَبيرَةً مِن كبائِرِ المَعاصي أو صَغيرَةً مِن صَغائِرِ المَعاصي الّتي نَهَى اللّهُ عز و جل عَنها ، كانَ خارِجاً مِنَ الإيمانِ ، ساقِطاً عَنهُ اسمُ الإيمانِ ، وثابِتاً عَلَيهِ اسمُ الإسلام ، فَإِن تابَ وَاستَغفَرَ عادَ إلى دارِ الإيمانِ ، ولا يُخرِجُهُ إلى الكُفرِ إلاّ الجُحودُ وَالاستحِلالُ أن يقولَ لِلحَلالِ هذا حَرامٌ ولِلحَرامِ هذا حَلالٌ ودانَ بِذلِكَ ، فعندها يَكونُ خارِجاً مِنَ الإسلامِ وَالإيمانِ ، داخِلاً فِي الكُفرِ وَكانَ بِمَنزِلَةِ مَن دَخَلَ الحَرَمَ ثُمَّ دَخَلَ الكَعبَةَ وَأحدَثَ فِي الكَعبَةِ حَدَثاً فَأُخرَجَ عَنِ الكَعبَةِ وَعَنِ الحَرَمِ فَضُرِبَت عُنقُهُ وَصارَ إلى النَّارِ. (1)

3كتابه عليه السلام إلى الحسن بن خرزاد في معاني الأسماء واشتقاقهاالحسن بن خُرْزاد 2 قال : كتبت إلى الصّادق أسأل عن معنى اللّه .

.


1- .الكافي: ج2 ص27 ح1، التوحيد : ص228، بحار الأنوار: ج65 ص256 ح15.

ص: 24

4 . كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحيم القصير في جوابه عن بعض المسائل

فقال: استَولَى عَلى ما دَقَّ وَجَلَّ (1) . (2)

4كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحيم القصير في جوابه عن بعض المسائلمحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه في جامعه ، وحدّثنا به عن محمّد بن الحسن الصفّار عن العبّاس بن معروف، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الرّحيم القصير، قال : كتبت على يَدَي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : _ جُعِلتُ فِداكَ _ اختَلَفَ النَّاسُ في أشياءَ قَد كَتَبتُ بِها إلَيكَ، فإن رَأَيتَ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِداكَ أن تَشرَحَ لي جَميعَ ما كَتَبتُ بِهِ إلَيكَ: اختَلَفَ النَّاسُ جُعِلتُ فِداكَ بِالعِراقِ في المَعرِفَةِ وَالجُحودِ، فَأَخبِرني جُعِلتُ فِداكَ أهُما مَخلوقانِ؟ وَاختَلَفوا فِي القُرآنِ، فَزَعَمَ قَومٌ : أنَّ القُرآنَ _ كَلامَ اللّهِ _ غَيرُ مَخلوقٍ وقال آخرون: كَلامُ اللّهِ مَخلوقٌ . وَعَنِ الاستِطاعَةِ ، أقَبلَ الفِعلِ أو مَعَ الفِعلِ ؟ فإنَّ أصحابَنا قَد اِختَلَفوا فيهِ وَرَوَوا فيهِ. وَعَنِ اللّهِ تَبارَكَ وَتَعالى ، هَل يُوصَفُ بِالصّورَةِ أو بِالتَّخطيطِ .

.


1- .وفي الكافي: أحمد بن محمّد البرقيّ ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال : سئل عن معنى اللّه . فقال : استَولَى عَلى ما دَقَّ وَجَلَّ . (ج 1 ص115 ح3) .
2- .تفسير العيّاشي : ج1 ص21 ح15، بحار الأنوار : ج 92 ص238 ح37 نقلاً عنه.

ص: 25

فَإن رَأيتَ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِداكَ أن تَكتُبَ إلَيَّ بِالمَذهَبِ الصَّحيحِ مِنَ التَّوحيدِ ، وَعَن الحَرَكاتِ أهِيَ مَخلوقَةٌ أو غَيرُ مَخلوقَةٌ؟ وَعَنِ الإيمانِ ما هُوَ؟ فَكتَبَ عليه السلام على يَدَي عَبدِ المَلِكِ بنِ أعيَن : سَألتَ عَنِ المَعرِفَةِ ما هِيَ: فَاعلَم _ رَحِمَكَ اللّهُ _ أنَّ المَعرِفَةَ مِن صُنعِ اللّهِ عز و جل في القَلبِ مَخلوقَةُ ، وَالجُحودُ صُنعُ اللّهِ في القَلبِ مَخلوقٌ، وَلَيسَ لِلعبادِ فيهِما مِن صُنعِ ، وَلَهُم فِيهِما الاختِيارُ مِنَ الاكتِسابِ ، فَبِشَهوَتِهِم الإيمانَ اختاروا المَعرِفَةَ فَكانوا بِذلِكَ مُونينَ عارِفينَ ، وَبِشَهوَتِهِم الكُفرَ اختاروا الجُحودَ فَكانوا بِذلِكَ كافِرينَ جاحِدينَ ضُلاّلاً، وَذلِكَ بِتَوفِيقِ اللّهِ لَهُم وَخِذلانِ مَن خَذَلَهُ اللّهُ ، فَبِالاختيارِ وَالاكتِسابِ عاقَبَهُم اللّهُ وَأثابَهُم. وَسَألتَ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ عَنِ القُرآنِ وَاختِلافِ النَّاسِ قِبَلَكُم، فَإنَّ القُرآنَ كَلامُ اللّهِ مُحدَثٌ غَيرُ مَخلوقٍ ، وَغَيرُ أَزلِيٍّ مَعَ اللّهِ تَعالى ذِكرُهُ ، وَتَعالى عَن ذلِكَ عُلُوّاً كَبيراً، كانَ اللّهُ عز و جل وَلا شَيءَ غَيرُ اللّهِ مَعروفٌ وَلا مَجهولٌ ، كانَ عز و جل وَلا مُتَكَلِّمَ وَلا مُريدَ وَلا مُتَحَرِّكَ وَلا فاعِلَ جَلَّ وَعَزَّ رَبُّنا، فَجَميعُ هذهِ الصِّفاتِ مُحدَثَةٌ عِندَ حُدوثِ الفِعلِ مِنهُ ، جَلَّ وَعَزَّ رَبُّنا، وَالقُرآنُ كلامُ اللّهِ غَيرُ مَخلوقٍ، فيهِ خَبرُ مَن كانَ قَبلَكُم ، وَخَبَرُ ما يَكونُ بَعدَكُم ، أُنزِلَ مِن عِندِ اللّهِ عَلى مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وَسأَلتَ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ عَنِ الاستِطاعَةِ لِلفعلِ ، فَإنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ العَبدَ وَجَعَلَ لَهُ الآلَةَ وَالصِّحَةَ وَهِيَ القُوَّةُ الّتي يَكونُ العَبدُ بِها مُتَحَرِّكاً مُستَطيعاً لِلفِعلِ، وَلا مُتَحَرِّكَ إلاّ وَهُوَ يُريدُ الفِعلَ، وَهِيَ صِفَةٌ مُضافَةٌ إلى الشَّهوَةِ الّتي هِيَ خَلقُ اللّهِ عز و جل ، مُرَكَّبَةٌ في الإنسانِ ، فَإذا تَحَرَّكَتِ الشَّهوَةُ في الإنسانِ اشتَهى الشَّيءَ فَأرادَهُ، فَمِن ثَمَّ قِيلَ لِلإنسانِ : مُريدٌ، فَإذا أرادَ الفِعلَ وفَعَلَ كانَ مَعَ الاستِطاعَةِ وَالحَرَكَةِ ، فَمِن ثَمَّ قِيلَ لِلعَبدِ : مُستَطيعٌ مُتَحَرِّكٌ ، فَإذا كانَ الإنسانُ ساكِناً غَيرَ مُريدٍ لِلفِعلِ وَكانَ مَعَهُ الآلَةُ وَهِيَ

.

ص: 26

القُوَّةُ وَالصِّحَةُ اللّتانِ بِهِما تَكونُ حَرَكاتُ الإنسانِ وَفِعلِهِ كانَ سُكونُهُ لعلَّة سُكونِ الشَّهوَةِ . فَقيلَ : ساكِنٌ ، فَوُصِفَ بِالسُّكونِ ، فإذا اشتَهى الإنسانُ وَتَحَرَّكَت شَهوَتُهُ الّتي رُكِّبَت فيهِ اشتَهى الفِعلَ وَتَحَرَّكَت بِالقُوَّةِ المُرَكَّبَةِ فيهِ وَاستَعمَلَ الآلَةَ الّتي بِها يَفعَلُ الفِعلَ فَيَكونُ الفِعلُ مِنهُ عِندَ ما تَحَرَّكَ وَاكتَسَبَهُ . فَقيلَ : فاعِلٌ وَمُتَحرِّكٌ وَمُكتَسِبٌ وَمُستَطيعٌ ، أوَ لا تَرى أنَّ جَميعَ ذلِكَ صِفاتٌ يُوصَفُ بِها الإنسانُ. وَسَألتَ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ عَنِ التَّوحيدِ وَما ذَهَبَ إلَيهِ مَن قِبَلَكَ ، فَتَعالى اللّهُ الّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، تَعالى اللّهُ عَمَّا يَصِفُهُ الواصِفونَ المُشَبِّهونَ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى بِخَلقِهِ المُفتَرونَ عَلى اللّهِ عز و جل . فَاعلَم _ رَحِمَكَ اللّهُ _ أنّ المَذهَبَ الصَّحيحَ فِي التَّوحيدِ ما نَزَلَ بهِ القُرآنُ مِن صفاتِ اللّهِ عز و جل ، فَانفِ عَنِ اللّهِ البُطلانَ وَالتَّشبيهَ ، فَلا نَفيَ وَلا تَشبيهَ وَهُوَ اللّهُ الثّابِتَ المَوجودُ ، تَعالى اللّهُ عَمّا يَصِفُهُ الواصِفونَ، ولا تَعدُ القُرآنَ فَتَضِلَّ بَعدَ البَيانِ. وَسَألتَ رَحِمَكَ اللّهُ عَنِ الإيمانِ، فَالإيمانُ هُوَ: إقرارٌ بِاللّسانِ وَعَقدٌ بِالقَلبِ وَ عَمَلٌ بِالأركانِ ، فَالإيمانُ بَعضُهُ مِن بَعضٍ وَقَد يَكونُ العَبدُ مُسلِماً قَبلَ أن يَكونَ مُوناً ، وَلا يَكونُ مُوناً حَتَّى يَكونَ مُسلِماً فالإسلامُ قَبلَ الإيمانِ وَهُوَ يُشارِكُ الإيمانَ ، فَإذا أتى العَبدُ بِكَبيرَةٍ مِن كَبائِرِ المَعاصي أو صَغيرَةٍ مِن صَغائِرِ المَعاصي الّتي نَهى اللّهُ عز و جل عَنها كانَ خارِجاً مِنَ الإيمانِ وَساقِطاً عَنهُ اسمُ الإيمانِ وَثابِتاً عَلَيهِ اسمُ الإسلامِ ، فَإن تابَ وَاستَغفَرَ عادَ إلى الإيمانِ وَلَم يُخرِجهُ إلى الكُفرِ والجُحودِ وَالاستِحلالِ وَإذا قالَ لِلحَلالِ هذا حَرامٌ وَلِلحَرامِ هذا حَلالٌ وَدانَ بِذلِكَ فَعِندَها يَكونُ خَارِجاً مِنَ الإيمانِ والإسلامِ إلى الكُفرِ وَكانَ بِمَنزِلَةِ رَجُلٍ دَخَلَ الحَرَمَ ثُمَّ دَخَلَ الكَعبَةَ فَأحدَثَ فِي الكَعبَةِ حَدَثاً ، فَأُخرِجَ عَنِ الكَعبَةِ وَعَنِ الحَرَمِ فَضُرِبَت عُنقُهُ وَصارَ إلى النَّارِ . (1)

.


1- .التوحيد : ص 226 ح7 ، بحار الأنوار: ج5 ص30 ح39 نقلاً عنه .

ص: 27

5 . كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر في التوحيد المشتهر بالإهليلجة

5كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر 1 في التوحيد المشتهر بالإهليلجةحدّثني محرز بن سعيد النّحوي بدمشق قال: حدّثني محمّد بن أبي مسهر بالرّملة، عن أبيه، عن جدّه قال: كتب المفضل بن عمر الجعفيّ إلى أبي عبد اللّه جعفر بن

.

ص: 28

محمّد الصّادق عليهماالسلام يُعلِمُهُ أنّ أقواماً ظهروا من أهل هذه الملّة يجحدون الرّبوبيّة، ويجادلون على ذلك، ويسأله أن يردّ عليهم قولهم ، ويحتجّ عليهم فيما ادّعوا بحسب ما احتجّ به على غيرهم . فكتب أبو عبد اللّه عليه السلام :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمّا بَعدُ ، وَفَّقَنا اللّهُ وَإيَّاكَ لِطاعَتِهِ ، وَأوجَبَ لَنا بِذلِكَ رِضوانَهُ بِرَحمَتِهِ ، وَصَلَ كِتابُكَ تَذكُرُ فيهِ ما ظَهَرَ في مِلَّتِنا، وَذلِكَ مِن قَومٍ مِن أهلِ الإلحادِ بِالرُّبوبِيَّةِ قَد كَثُرَت عِدَّتُهُم ، وَاشتَدَّت خُصومَتُهُم ، وَتَسألُ أن أصنَعَ لِلرَدِّ عَلَيهِم وَالنَّقضِ لِما في أيديهم كِتاباً عَلى نَحوِ ما رَدَدتُ عَلى غَيرِهِم مِن أهلِ البِدَعِ وَالاختِلافِ ، وَنَحنُ نَحمَدُ اللّهَ عَلى النِّعَمِ السّابِغَةِ وَالحُجَجِ البالِغَةِ وَالبَلاءِ المَحمودِ عِندَ الخاصَّةِ وَالعامَّةِ ، فَكانَ مِن نِعَمِهِ العِظامِ وَآلائِهِ الجِسامِ الَّتي أنعَمَ بِها تَقريرُهُ قُلوبَهُم بِرُبوبِيَّتِهِ ، وَأخذُهُ ميثاقَهُم بِمَعرِفَتِهِ ، وإنزالِهِ عَلَيهِم كتاباً فيه شِفاءٌ لِما في الصُّدورِ مِن أمراضِ الخَواطِرِ وَمُشتَبِهاتِ الأُمورِ ، وَلَم يَدَع لَهُم وَلا لِشَيءٍ مِن خَلقِهِ حاجَةً إلى مَن سِواهُ ، وَاستَغنى عَنهُم ، وَكانَ اللّهُ غَنِيّاً حَميداً.

.

ص: 29

وَلَعمري ما أُتِيَ الجُهَّالُ مِن قِبَلِ رَبِّهِم وَأنَّهُم لَيَرَونَ الدِّلالاتِ الواضِحاتِ وَالعَلاماتِ البَيِّناتِ في خَلقِهِم ، وَما يُعايِنونَ مِن مَلَكوتِ السَّماواتِ وَالأرضِ وَالصُّنعِ العَجيبِ المُتقَنِ الدَّالِّ عَلى الصّانِعِ ، وَلكِنَّهُم قَومٌ فَتَحوا عَلى أنفُسِهِم أبوابَ المَعاصي ، وَسَهّلوا لَها سَبيلَ الشّهواتِ ، فَغَلَبت الأهواءُ على قُلُوبِهِم ، وَاستَحوَذَ الشَّيطانُ بِظُلمِهِم عَلَيهِم ، وَكذلِكَ يَطبَعُ اللّهُ عَلى قُلوبِ المُعتَدينَ . والعَجَبُ مِن مَخلوقٍ يَزعُمُ أنّ اللّهَ يَخفى عَلى عِبادِهِ وَهُوَ يَرى أَثَرَ الصُّنعِ في نَفسِهِ بِتَركيبٍ يَبهَرُ عَقلَهُ ، وَتأليفٍ يُبطِلُ حُجَّتَهُ . وَلَعَمري لَو تَفَكَّروا في هذهِ الأُمورِ العِظامِ لَعايَنوا مِن أمرِ التَّركيبِ البَيِّنِ ، وَلُطفِ التَّدبيرِ الظّاهِرِ ، وَوُجودِ الأشياءِ مَخلوقَةً بَعدَ أن لَم تَكُن ، ثُمَّ تَحَوُّلُها مِن طَبيعَةٍ إلى طَبيعَةٍ ، وَصنيعَةٍ بَعدَ صَنيعَةٍ ، ما يَدُلُّهُم ذلِكَ عَلى الصَّانِعِ ، فَإنّهُ لا يَخلو شَيءٌ مِنها مِن أن يَكونَ فيهِ أثرُ تَدبيرٍ وَتَركيبٍ يَدُلُّ عَلى أنَّ لَهُ خَالِقاً مُدَبِّراً، وَتأليفٌ بِتَدبيرٍ يَهدي إلى واحِدٍ حَكيمٍ . وَقَد وَافاني كِتابُكَ وَرَسَمتُ لَكَ كِتاباً كُنتُ نازَعتُ فيهِ بَعضَ أهلِ الأديانِ مِن أهلِ الإنكارِ ، وَذلِكَ أنَّهُ كانَ يَحضُرُني طَبيبٌ من بِلادِ الهِندِ ، وَكانَ لا يَزالُ يُنازِعُني في رَأيِهِ ، وَيُجادِلُني عَلى ضَلالَتِهِ ، فَبَينا هُوَ يَوماً يَدُقُّ إهليلجَةً لِيَخلِطَها دَواءً احتَجتُ إلَيهِ مِن أدوِيَتِهِ ، إذ عَرَضَ لَهُ شَيءٌ مِن كلامِهِ الّذي لَم يَزَل يُنازِعُني فيهِ مِنِ ادِّعائِهِ أنَّ الدُّنيا لَم تَزَل وَلا تَزالُ شَجَرَةً تَنبُتُ وَاُخرى تَسقُطُ ، نَفسٌ تولَدُ وَاُخرى تَتلَفُ ، وَزَعَمَ أنَّ انتِحالي المَعرِفَةَ للّهِِ تَعالى دَعوَى لا بَيّنَةَ لي عَلَيها، وَلا حُجَّةَ لي فيها، وَأنَّ ذلِكَ أمرٌ أخَذَهُ الآخِرُ عَنِ الأَوَّلِ ، وَالأصغَرُ عَنِ الأكبَرِ ، وَأنَّ الأشياءَ المُختَلِفَةَ وَالمُولِفَةَ وَالباطِنَةَ وَالظّاهِرَةَ إنَّما تُعرَفُ بِالحَواسِّ الخَمسِ : نَظَرِ العَينِ ، وَسَمعِ الأُذُنِ ، وَشَمِّ الأنفِ ، وَذَوقِ الفَمِ ، وَلَمسِ الجَوارِحِ ، ثُمَّ قادَ مَنطِقَهُ عَلى الأصلِ الّذي وَضَعَهُ فَقالَ : لَم يَقَع شَيءٌ مِن حَواسّي عَلى خالِقٍ يُوي إلى قَلبي، إنكاراً للّهِِ تَعالى .

.

ص: 30

ثُمَّ قالَ : أخبِرني بِمَ تَحتَجُّ في مَعرِفَةِ رَبِّكَ الّذي تَصِفُ قُدرَتَهُ وَرُبوبِيَّتَهُ ، وَإنَّما يَعرِفُ القَلبُ الأشياءَ كُلَّها بالدّلالاتِ الخَمسِ الّتي وَصَفتُ لَكَ . قُلتُ : بِالعَقلِ الّذي في قَلبي ، وَالدَّليلِ الّذي أحتَجُّ بِهِ في مَعرِفَتِهِ . قال: فَأنّى يَكونُ ما تَقولُ وَأنتَ تَعرِفُ أنَّ القَلبَ لا يَعرِفُ شَيئاً بِغَيرِ الحَواسّ الخَمسِ ؟ فَهَل عايَنتَ رَبَّكَ بِبَصَرِ ، أو سَمِعتَ صَوتَهُ بِأُذُنٍ ، أو شَمَمتَةُ بِنَسيمٍ ، أو ذُقتَهُ بِفَمٍ ، أو مَسَستهُ بِيَدٍ ، فَأدّى ذلِكَ المَعرِفَةَ إلى قَلبِكَ ؟ قُلتُ : أرَأيتَ إذ أنكَرتَ اللّهَ وَجَحَدتَهُ _ لِأنّكَ زَعَمتَ أنَّكَ لا تُحِسُّهُ بِحَواسّكَ الّتي تَعرِفُ بِها الأشياءَ _ وَأقرَرتُ أنا بِهِ هَل بُدٌّ مِن أن يَكونَ أحَدُنا صادِقاً وَالآخَرُ كاذِباً؟ قال : لا . قُلتُ : أرَأيتَ إن كانَ القَولُ قَولُكَ فَهَل يُخافُ عَلَيَّ شَيءٌ مِمّا أُخَوّفُكَ بِهِ مِن عِقابِ اللّهِ؟ قال: لا. قُلتُ : أَفَرَأيتَ إن كانَ كما أقولُ وَالحَقُّ في يَدي ، ألَستُ قَد أخَذتُ فيما كُنتُ اُحاذِرُ مِن عِقابِ الخَالِقِ بِالثِّقَةِ ، وَأَنَّكَ قَد وَقَعتَ بِجُحودِكَ وَإنكارِكَ في الهَلَكَةِ؟ قال: بلى. قُلتُ : فَأيُّنا أولى بِالحَزمِ وَأقرَبُ مِنَ النَّجاةِ؟ قالَ : أنتَ ، إلاّ أنَّكَ مِن أمرِكَ عَلى ادِّعاءٍ وَشُبَهةٍ ، وَأنا على يَقينٍ وَثِقَةٍ ، لِأنّي لا أرَى حَواسّيَ الخَمسَ أدرَكَتهُ ، وَما لَم تُدرِكهُ حواسّي فَلَيسَ عِندي بِمَوجودٍ . قُلتُ : إنَّهُ لَمَّا عَجَزَت حَواسُّكَ عَن إدراكِ اللّهِ أنكَرَتهُ ، وَأنا لَمّا عَجَزَت حَواسّي عَن إدراكِ اللّهِ تَعالى صَدَّقتُ بهِ . قالَ : وَكيفَ ذلِكَ؟ قُلتُ : لِأَنَّ كُلَّ شَيءٍ جَرى فيهِ أثَرُ تَركيبٍ لَجِسمٌ ، أو وَقَعَ عَلَيهِ

.

ص: 31

بَصَرٌ لَلَونٌ ، فَما أدرَكَتهُ الأبصارُ وَنالَتهُ الحَواسُّ فَهُوَ غَيرُ اللّهِ سُبحانَهُ ؛ لأنَّهُ لا يُشبِهُ الخَلقَ ، وَأنَّ هذا الخَلقَ يَنتَقِلُ بِتَغييرٍ وَزَوالٍ ، وَكُلُّ شَيءٍ أشبَهَ التَّغييرَ وَالزَّوالَ فَهُوَ مِثلُهُ ، وَلَيسَ المَخلوقُ كالخالِقِ وَلا المُحدَثُ كالمُحدِثِ . قال: إنَّ هذا لَقَولٌ ، وَلكِنِّي لَمُنكِرٌ ما لَم تُدرِكهُ حَواسّي فَتُويهِ إلى قَلبي، فَلَمّا اعتَصَمَ بِهذِهِ المَقالَةِ وَلزِمَ هذهِ الحُجَّةَ قُلتُ : أمّا إذ أبَيتَ إلاّ أن تَعتَصِمَ بِالجَهالَةِ ، وَتَجعَلَ المُحاجَزَةَ حُجَّةً فَقَد دَخَلتَ في مِثلِ ما عِبتَ وَامتَثلتَ ما كَرِهتَ ، حَيثُ قُلتَ : إنّي اختَرتُ الدَّعوى لِنَفسي ؛ لاِ كُلَّ شَيءٍ لَم تُدرِكهُ حَواسّي عِندي بِلا شَيءٍ . قال: وَكيفَ ذلِكَ ؟ قُلتُ : لِأَنَّكَ نَقِمتَ عَلى الادِّعاءِ وَدَخلتَ فيهِ ، فَادَّعَيتَ أمراً لَم تُحِط بهِ خُبراً وَلَم تَقُلهُ عِلماً ، فَكَيفَ استَجزتَ لِنَفسِكَ الدَّعوى في إنكارِكَ اللّهَ ، وَدَفعَكَ أعلامَ النُّبُوَّةِ وَالحُجَّةِ الواضِحَةِ وَعِبتَها عَلَيَّ ؟ أخبِرني هَل أحَطتَ بالجِهاتِ كُلِّها وَبَلَغتَ مُنتهاها ؟ قال: لا. قُلتُ : فَهَل رَقَيتَ إلى السَّماءِ الّتي تَرَى ؟ أو اِنحَدَرتَ إلى الأرضِ السُّفلى فَجُلتَ في أقطارِها ؟ أو هَل خُضتَ في غَمَراتِ البُحورِ وَاختَرَقتَ نَواحِيَ الهَواءِ فيما فَوقَ السَّماءِ وَتَحتَها إلى الأرضِ وما أسفَلَ مِنها فَوَجَدتَ ذلِكَ خَلاءً مِن مُدبِّر حَكيمٍ عَالِمٍ بَصيرٍ ؟ قال: لا. قُلتُ : فَما يُدريكَ لَعَلَّ الّذي أنكَرَهُ قَلبُكَ هُوَ في بَعضِ ما لَم تُدرِكهُ حَواسُّكَ وَلَم يُحِط بِهِ عِلمُكَ . قال: لا أدري لَعَلَّ في بَعضِ ما ذَكَرتَ مُدَبّراً، وَما أدري لَعَلَّهُ لَيسَ في شَيءٍ من

.

ص: 32

ذلِكَ شَيءٌ ! قُلتُ : أمّا إذ خَرَجتَ مِن حَدِّ الإنكارِ إلى مَنزِلَةِ الشَكِّ فَإنِّي أرجو أن تَخرُجَ إلى المَعرِفَةِ . قالَ : فَإنّما دَخَلَ عَلَيَّ الشَّكُّ لِسُولِكَ إيّايَّ عَمّا لَم يُحِط بِهِ عِلمي، وَلكِن مِن أينَ يَدخُلُ عَلَيَّ اليقينُ بِما لَم تُدرِكهُ حَواسِّي؟ قُلتُ : مِن قِبَلِ إهليلجَتِكَ هذِهِ . قالَ : ذاكَ إذا أثبَتَّ لِلحُجَّةِ ، لِأنّها مِن آدابِ الطبِّ الّذي اُذعِنُ بِمَعرِفَتِهِ . قُلتُ : إنَّما أرَدتُ أن آتيكَ بِهِ مِن قِبَلِها لأنَّها أقرَبُ الأشياءِ إلَيكَ ، وَلَو كانَ شَيءٌ أقرَبَ إليكَ مِنها لَأتَيتُكَ مِن قِبَلِهِ ، لِأنَّ في كلِّ شَيءٍ أثَرَ تَركيبٍ وَحِكمَةٍ ، وَشاهِداً يَدُلُّ عَلى الصَّنعَةِ الدّالَةِ عَلى مَن صَنَعَها وَلَم تَكُن شيئاً، وَيُهلِكُها حَتَّى لا تَكونَ شيئاً. قُلتُ : فَأخبِرني ، هَل تَرى هذهِ إهليلجَةً ؟ قال : نَعَم . قُلتُ : أفَتَرى غَيبَ ما في جَوفِها ؟ قالَ : لا . قُلتُ : أفَتشهَدُ أنّها مُشتَمِلَةٌ على نَواةٍ وَلا تراها؟ قالَ : ما يُدريني ؟ لَعَلَّ لَيسَ فيها شَيءٌ . قُلتُ : أفَتَرى أنَّ خَلفَ هذا القِشرِ مِن هذهِ الإهليلجَةِ غائِبٌ لَم تَرهُ مِن لَحمٍ أو ذي لَونٍ ؟ قال: ما أدري لَعَلَّ ما ثَمَّ غيرُ ذي لَونٍ وَلا لَحمٍ . قُلتُ : أفَتُقِرُّ أنَّ هذهِ الإهليلَجَةَ الّتي تُسمِّيها النّاسُ بِالهِندِ مَوجودَةٌ لاجتِماعِ أهلِ الاختلاف مِنَ الأُمَمِ على ذِكرِها ؟ قال: ما أدري، لَعَلَّ ما اجتَمَعوا عَلَيهِ مِن ذلِكَ باطِلٌ ! قُلتُ : أفَ_تُقِرُّ أنَّ الإهليلجَةَ في أرضٍ تَنبُتُ ؟

.

ص: 33

قال : تِلكَ الأرضُ وَهذهِ واحِدَةٌ وَقَد رَأيتُها . قُلتُ : أفما تَشهَدُ بِحُضورِ هذهِ الإهليلجَةِ عَلى وُجودِ ما غابَ مِن أشباهِها ؟ قال: ما أدري ، لَعَلَّهُ لَيسَ في الدُّنيا إهليلجَةٌ غَيرَها . فَلَمّا اعتَصَمَ بِالجَهالَةِ قُلتُ : أخبِرني عَن هذهِ الإهليلجَةِ ، أتُقِرُّ أَنّها خَرَجَت مِن شَجَرَةٍ ، أو تَقولُ : إنَّها هَكذا وُجِدَت؟ قال: لا ، بَل مِن شَجَرَةٍ خَرَجَت . قُلتُ : فَهَل أدرَكَت حَواسُّكَ الخَمسُ ما غابَ عَنكَ مِن تِلكَ الشَّجَرَةِ ؟ قال: لا. قُلتُ : فَما أراكَ إلاّ قَد أقرَرتَ بِوُجودِ شَجَرَةٍ لَم تُدرِكها حَواسُّكَ . قال: أجَلْ ، وَلكِنِّي أقول: إنَّ الإهليلجَةَ وَالأشياءَ المُختَلِفَةَ شَيءٌ لَم تَزَل تُدرَكُ ، فَهَل عِندَك في هذا شَيءٌ تَرُدُّ بهِ قَولي؟ قُلتُ : نعم ، أخبِرني عَن هذهِ الإهليلجَةِ ، هَل كُنتَ عايَنتَ شَجَرَتَها وَعَرَفتَها قَبلَ أن تَكونَ هذهِ الإهليلجَةُ فيها؟ قال : نَعَم. قُلتُ : فَهَل كُنتَ تُعايِنُ هذهِ الإهليلجَةَ ؟ قال: لا. قُلتُ : أفَما تَعلَمُ أنَّكَ كُنتَ عايَنتَ الشَّجَرَةَ وَلَيسَ فيها الإهليلجَةُ ، ثُمَّ عُدتَ إلَيها فَوَجدتَ فيها الإهليلجَةَ ، أفَما تَعلَمُ أنَّهُ قَد حَدَثَ فيها ما لَم تَكُن ؟ قال: ما أستَطيعُ أن أُنكِرَ ذلِكَ ، وَلكِنّي أقولُ : إنَّها كانَت فيها مُتَفَرِّقَةً . قُلتُ : فَأخبِرني ، هَل رَأيتَ تِلكَ الإهليلجَةَ الّتي تَنبُتُ مِنها شَجَرَةُ هذهِ الإهليلجَةِ قَبلَ أن تُغرَسَ؟

.

ص: 34

قال: نَعَم . قُلتُ : فَهَل يَحتَمِلُ عَقلُكَ أنَّ الشَّجَرَةَ الّتي تَبلغُ أصلُها وَعُروقُها وَفُروعُها ولِحاوها وَكُلُّ ثَمَرَةٍ جُنِيَت ، وَوَرَقَةٍ سَقَطَت ألفَ ألفَ رِطلٍ ، كانَت كامِنَةً في هذهِ الإهليلجَةِ؟ قال: ما يَحتَمِلُ هذا العَقلُ وَلا يَقبَلُهُ القَلبُ . قُلتُ : أقرَرت أنَّها حَدَثَت فِي الشَّجَرَةِ؟ قال: نعم ، وَلكنّي لا أعرِفُ أنَّها مَصنوعَةٌ ، فَهَل تَقدِرُ أن تُقَرِّرَني بِذلِكَ ؟ قلتُ : نعم ، أرَأيتَ أنِّي إن أرَيتُكَ تَدبيراً ، أتُقِرُّ أنَّ لَهُ مُدَبّراً ؟ وتصويراً أنَّ لَهُ مُصَوِّراً ؟ قال: لا بُدّ مِن ذلِكَ . قلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنَّ هَذهِ الإهليلجَةَ لَحمٌ رُكِّبَ عَلى عَظمٍ ، فَوُضِعَ في جَوفٍ مُتَّصِلٍ بِغُصنٍ مُرَكَّبٍ عَلى ساقٍ يَقومُ عَلى أصلٍ ، فَيَقوى بِعُروقٍ مِن تَحتِها عَلى جُرمٍ مُتَّصِلٍ بَعضٌ بِبَعضٍ ؟ قالَ : بلى . قُلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنَّ هذهِ الإهليلجَةَ مُصَوَّرَةٌ بِتَقديرٍ وَتَخطيطٍ ، وَتَأليفٍ وَتَركيبٍ ، وَتَفصيلٍ مُتَداخِلٍ بِتأليفِ شَيءٍ في بَعضِ شَيءٍ ، بِهِ طَبَقٌ بَعدَ طَبقٍ وَجِسمٌ عَلى جِسمٍ وَلَونٌ مَعَ لَونٍ ، أبيَضُ في صُفرَةٍ ، وَلَيِّنٌ عَلى شَديدٍ ، في طبائِعَ مُتَفَرِّقَةٍ ، وَطَرائِقَ مُختَلِفَةٍ ، وَأجزاءَ مُولِفَةٍ مَعَ لِحاءٍ تَسقيها، وَعُروقٍ يَجري فيها الماءُ ، وَوَرَقٍ يَستُرُها وَتَقيها مِنَ الشَّمسِ أن تُحرِقَها ، وَمِنَ البَردِ أن يُهلِكَها ، وَالرّيحِ أن تُذبِلَها ؟ قال: أفَلَيسَ لَو كانَ الوَرَقُ مُطَبَّقاً عَلَيها كانَ خَيراً لَها ؟ قُلتُ : اللّهُ أحسَنُ تَقديراً ، لَو كانَ كَما تَقولُ لَم يَصِل إلَيها ريحٌ يُرَوِّحُها ، ولا بَردٌ

.

ص: 35

يُشَدِّدُها ، وَلَعَفِنَت عِندَ ذلِكَ ، وَلَو لَم يَصِل إلَيها حَرُّ الشَّمسِ لَمَا نَضِجَت ، وَلكِن شَمسٌ مَرَّةً وَريحٌ مَرَّةً وَبَردٌ مَرَّةً ، قَدَّرَ اللّهُ ذلِكَ بِقُوَّةٍ لَطيفَةٍ وَدَبَّرَهُ بِحكمَةٍ بالِغَةٍ . قال: حَسبي مِنَ التّصويرِ فَسّر لِيَ التَّدبيرَ الّذي زَعَمتَ أنَّكَ تُرينيهِ . قُلتُ : أرَأيتَ الإهليلجَةَ قَبلَ أن تُعقَدَ ؟ إذ هِيَ في قَمعِها ماءٌ بِغَيرِ نَواةٍ وَلا لَحمٍ وَلا قِشرٍ ، وَلا لَونٍ ولا طَعمٍ ولا شِدَّةٍ ؟ قال : نَعَم . قُلتُ : أرَأيتَ لَو لَم يَرفُقِ الخالِقُ ذلِكَ الماءَ الضَّعيفَ الّذي هُوَ مِثلُ الخَردَلَةِ فِي القِلَّةِ وَالذِلَّةِ ، وَلَم يُقَوِّهِ بِقُوَّتِهِ وَيُصَوِّرهُ بِحِكمَتِهِ وَيُقَدِّرهُ بِقُدرَتِهِ ، هَل كانَ ذلِكَ الماءُ يَزيدُ عَلى أن يَكونَ في قَمعِهِ غَيرَ مَجموعٍ بِجِسمٍ وَقَمعٍ وَتَفصيلٍ ؟ فَإن زادَ زادَ ماءاً مُتراكِباً غَيرَ مَصُوَّرٍ وَلا مُخَطَّطٍ وَلا مُدَبَّرٍ بِزِيادَةِ أَجزاءٍ وَلا تَأليفِ أطباقٍ . قال: قَد أرَيتَني مِن تَصويرِ شَجَرَتِها وَتَأليفِ خِلقَتِها ، وَحَملِ ثَمَرَتِها وَزِيادَةِ أجزائِها وَتَفصيلِ تَركيبِها أوضَحَ الدِّلالاتِ ، وَأظهَرَ البَيّنَةِ عَلى مَعرِفَةِ الصّانِع ، وَلَقَد صَدَّقتُ بأنَّ الأشياءَ مَصنوعَةً ، وَلكنِّي لا أدري لَعَلَّ الإهليلجَةَ وَالأشياءَ صَنَعَت أنفُسَها؟ قُلتُ : أوَ لَستَ تَعلَمُ أنَّ خالِقَ الأشياءِ والإهليلجَةَ حَكيمٌ عالِمٌ بِما عايَنتَ مِن قُوَّةِ تَدبيرِهِ ؟ قال: بلى. قُلتُ : فَهَل يَنبَغي لِلَّذي هُوَ كذلِكَ أن يَكونَ حَدَثاً؟ قال : لا . قُلتُ : أفَلَستَ قَد رَأيتَ الإهليلجَةَ حينَ حَدَثَت ، وَعايَنتَها بَعدَ أن لَم تَكُن شَيئاً ثُمَّ هَلَكَت كَأن لَم تَكُن شَيئاً؟

.

ص: 36

قال: بلى، وَإنَّما أعطَيتُكَ أنَّ الإهليلجَةَ حَدَثَت ، وَلَم أُعطِكَ أنَّ الصّانِعَ لا يَكونُ حادِثاً لا يَخلُقُ نَفسَهُ . قُلتُ : ألَم تُعطِني أنَّ الحَكيمَ الخالِقَ لا يَكونُ حَدَثاً ، وَزَعَمتَ أنّ الإهليلجَةَ حَدَثَت ؟ فَقَد أعطَيتَني أنَّ الإهليلجَةَ مَصنوعَةٌ ، فَهُوَ عز و جل صانِعُ الإهليلجَةَ ، وَإن رَجَعتَ إلى أن تَقولَ : إنَّ الإهليلجَةَ صَنَعَت نَفسَها وَدَبَّرت خَلقَها فَما زِدتَ أن أقرَرتَ بِما أنكَرتَ ، وَوَصفتَ صانِعاً مُدَبّراً أصبتَ صِفتَهُ ، وَلكِنَّكَ لَم تَعرِفهُ فَسَمَّيتَهُ بِغَيرِ اسمِهِ ؟ قال: كَيفَ ذلِكَ ؟ قُلتُ : لِأنَّكَ أقرَرتَ بِوجودِ حَكيمٍ لَطيفٍ مُدَب_ِّرٍ ، فَلَمّا سَألتُكَ مَن هُوَ ؟ قُلتَ : الإهليلجَةُ . قَد أقرَرتَ باللّهِ سُبحانَهُ ، وَلكِنَّكَ سَمَّيتَهُ بِغَيرِ اسمِهِ ، وَلَو عَقِلتَ وَفَكَّرتَ لَعَلِمتَ أنَّ الإهليلجَةَ أنقَصُ قُوَّةً مِن أن تَخلُقَ نَفسَها، وَأضَعفُ حيلَةً مِن أن تُدَبِّرَ خَلقَها . قال: هَل عِندَكَ غَيرُ هذا؟ قُلتُ : نَعَم ، أخبِرني عَن هذهِ الإهليلجَةَ الّتي زَعَمتَ أنَّها صَنَعَت نَفَسَها وَدَبَّرت أمرَها ، كَيفَ صَنَعَت نَفسُها صغيرَةَ الخِلقَةِ ، صَغيرَةَ القُدرَةِ ، ناقِصَةَ القُوَّةِ ، لا تَمتَنِعُ أن تُكسَرَ وَتُعصَرَ وَتُولَ ؟ وَكَيفَ صَنَعَت نَفسَها مَفضولَةً مَأكولَةً ، مُرَّةً قَبيحَةَ المَنظَرِ ، لا بَهاءَ لَها وَلا ماءَ ؟ قال: لِأَنَّها لَم تَقوَ إلاّ عَلى ما صَنَعت نَفسَها ، أوَ لَم تَصنَع إلاّ ما هَويتَ ؟ قُلتُ : أمّا إذ أبيتَ إلاّ التّمادِيَ في الباطِلَ ، فَأعلِمني مَتَى خَلَقَت نَفسَها ، وَدَبَّرَت خَلقَها ، قَبلَ أن تَكونَ أو بَعدَ أن كانَت ؟ فَإن زَعَمتَ أنَّ الإهليلجَةَ خَلَقَت نَفسَها بَعدَ ما كانَت فإنَّ هذا لَمِن أبينِ المَحالِ ! كَيفَ تَكونُ مَوجودَةً مَصنوعَةً ثُمَّ تَصنَعُ نَفسَها مَرَّةً أُخرى ؟ فَيصيرُ كَلامُكَ إلى أنَّها مَصنوعَةٌ مَرَّتَينِ ، ولئِن قُلتَ : إنَّها خَلَقَت نَفسَها

.

ص: 37

وَدَبَّرَت خَلقَها قَبلَ أن تَكونَ ، إنَّ هذا مِن أوضَحِ الباطِلِ وَأبيَنِ الكَذِبِ ! لأنّها قَبلَ أن تَكونَ لَيسَ بِشَيءٍ ، فَكَيفَ يَخلُقُ لا شَيءٌ شَيئاً؟ وَكَيفَ تَعيبُ قَولي : إنَّ شَيئاً يَصنَعُ لا شَيئاً ، وَلا تَعيبُ قَولَكَ : إنَّ لا شيءَ يَصنَعُ لا شَيئاً؟ فَانظُر أيَّ القَولَينِ أولى بِالحَقِّ؟ قَال : قَولُكَ . قُلتُ : فَما يَمنَعُكَ مِنهُ ؟ قال : قَد قَبِلتُهُ وَاستَبانَ لي حَقُّهُ وَصِدقُهُ ، بأنَّ الأشياءَ المُختَلِفَةَ والإهليلجَةَ لَم يَصنَعنَ أنفُسَهُنَّ ، وَلَم يُدَبِّرنَ خَلقَهُنَّ ، وَلكِنَّهُ تَعَرَّضَ لي أنَّ الشَّجَرَةَ هِيَ الّتي صَنَعَت الإهليلجَةَ لِأَنَّها خَرَجَت مِنها . قُلتُ : فَمَن صَنَعَ الشَّجَرَةَ ؟ قَال : الإهليلجَةُ الأُخرى ! قُلتُ : اجعَل لِكَلامِكَ غايَةً أنتهي إليها ، فَإمّا أن تقولَ : هُوَ اللّهُ سُبحانَهُ فَيُقبَلُ مِنكَ ، وإمَّا أن تقولَ : الإهليلَجَةُ فَنَسألُكَ . قال : سَل . قُلتُ : أخبِرني عَنِ الإهليلجَةِ ، هَل تَنبُتُ مِنها الشَّجَرَةُ إلاّ بَعدَما ماتَت وَبَلِيَت وَبادَت ؟ قال : لا . قُلتُ : إنَّ الشَّجَرَةَ بَقِيَت بَعدَ هَلاكِ الإهليلجَةِ مِئَةَ سَنَةٍ ، فَمَن كان يَحميها وَيزيدُ فيها ، وَيُدَبّرُ خَلقَها وَيُربِّيها ، وَيُنبِتُ وَرَقَها ؟ مالَكَ بُدٌّ مِن أن تَقولَ : هُوَ الّذي خَلَقَها . ولَئِن قُلتَ : الإهليلجَةُ وَهِيَ حَيَّةٌ قَبلَ أن تهلِكَ وَتَبلى وَتَصيرَ تُراباً ، وَقَد رَبَّتِ الشَّجَرَةَ وَهِيَ مَيِّتَةٌ ، إنَّ هذا القَولَ مُختَلِفٌ . قال: لا أقولُ : ذلِكَ .

.

ص: 38

قُلتُ : أفَتُقِرُّ بِأنَّ اللّهَ خَلَقَ الخَلقَ ؟ أم قَد بَقِيَ في نَفسِكَ شَيءٌ مِن ذَلِكَ ؟ قال: إنّي مِن ذلِكَ عَلى حَدِّ وُقوفٍ ، ما أتخَلَّصُ إلى أمرٍ يَنفَذُ لي فيهِ الأمرُ . قُلتُ : أمّا إذ أبَيتَ إلاّ الجَهالَةَ وَزَعَمتَ أنَّ الأشياءَ لا يُدرَكُ إلاّ بِالحَواسِّ فَإنّي أُخبِرُكَ أنَّهُ لَيسَ لِلحواسِّ دِلالَةٌ عَلى الأشياءِ ، وَلا فيها مَعرِفَةٌ إلاّ بِالقَلبِ ، فَإنّهُ دَليلُها وَمُعَرِّفُها الأشياءَ الّتي تَدَّعي أنَّ القَلبَ لا يَعرِفُها إلاّ بِها . فَقالَ : أمّا إذ نَطَقتَ بِهذا فَما أقبَلُ مِنكَ إلاّ بالتَخليصِ وَالتَفَحُّصِ مِنهُ بِأيضاحٍ وَبَيانٍ وَحُجَّةٍ وَبُرهانٍ . قُلتُ : فَأَوَّلُ ما أبدَأ بِهِ أنّكَ تَعلَمُ أَن_ّهُ رُبَّما ذَهَبَ الحَواسُّ ، أو بَعضُها وَدَبَّرَ القَلبُ الأشياءَ الّتي فيها المَضَرَّةُ وَالمَنفَعَةُ مِنَ الأُمورِ العَلانِيَّةِ وَالخَفِيَّةِ فَأمَرَ بِها وَنَهى ، فَنَفَذَ فيها أمرُهُ وَصَحَّ فيها قَضاوهُ . قالَ : إنَّكَ تَقولُ في هذا قَولاً يُشبِهُ الحُجَّةَ ، وَلكِنّي أُحِبُّ أن تُوَضِّحَهُ لي غَيرَ هذا الإيضاحِ . قُلتُ : أَلَستَ تَعلَمُ أنّ القَلبَ يَبقى بَعدَ ذِهابِ الحَواسِّ؟ قالَ : نَعَم وَلكن يَبقى بِغَيرِ دَليلٍ عَلى الأشياءِ الّتي تَدُلُّ عَلَيها الحَواسُّ . قُلتُ : أَفَلَستَ تَعلَمُ أنَّ الطِفلَ تَضَعُهُ أُمُّهُ مُضغَةً لَيسَ تَدُلُّهُ الحَواسُّ عَلَى شَيءٍ يُسمَعُ وَلا يُبصَرُ وَلا يُذاقُ وَلا يُلمَسُ وَلا يُشَمُّ؟ قال: بلى. قُلتُ : فَأيَّةُ الحَواسِّ دَلَّتهُ عَلى طَلَبِ اللَّبَنِ إذا جاعَ ، وَالضَّحِكِ بَعدَ البُكاءِ إذا رَوى مِنَ اللَّبَنِ ؟ وَأيُّ حَواسِّ سِباعِ الطَّيرِ وَلاقِطِ الحَبِّ مِنها ، دَلَّها عَلى أن تُلقِيَ بَينَ أفراخِها اللَّحمَ وَالحَبَّ فَتَهوي سِباعُها إلَى اللَّحمِ ، وَالآخَرونَ إلى الحَبِّ ؟ وَأخبِرني عَن فِراخِ طَيرِ الماءِ ألَستَ تَعلَمُ أنّ فِراخَ طَيرِ الماءِ إذا طُرِحَت فيهِ سَبَحَت ، وَإذا

.

ص: 39

طُرِحَت فيهِ فِراخُ طَيرِ البَرِّ غَرَقَت ، وَالحَواسُّ واحِدَةٌ ، فَكَيفَ انتفَعَ بالحَواسِّ طَيرُ الماءِ وَأعانَتهُ عَلى السِّباحَةِ وَلَم تَنتَفِع طَيرُ البَرِّ في الماءِ بِحَواسِّها ؟ وَما بالُ طَيرِ البَرِّ إذا غَمَستَها في الماءِ ساعَةً ماتَت وإذا أمسَكتَ طَيرَ الماءِ عَنِ الماءِ ساعَةً ماتَت ؟ فَلا أرى الحَواسَّ في هذا إلاّ مُنكَسِرَةً عَلَيكَ ، وَلا يَنبغي ذلِكَ أن يَكونَ إلاّ مِن مُدَبِّرٍ حَكيمٍ جَعَلَ لِلماءِ خَلقاً وَلِلبَرِّ خَلقاً . أم أخبِرني ما بالُ الذَّرَّةِ الّتي لا تُعايِنُ الماءَ قَطُّ تُطرَحُ في الماءِ فَتَسبَحُ ، وَتَلقى الإنسانَ ابنَ خَمسينَ سَنَةً مِن أقوى الرِّجالِ وَأعقَلِهِم لَم يَتَعَلّمِ السِّباحَةَ فَيَغرَقُ ؟ كَيفَ لَم يَدُلُّهُ عَقلُهُ وَلُبُّهُ وَتَجارِبُهُ وَبَصَرُهُ بِالأشياءِ مَعَ اجتِماعِ حَواسِّهِ وصِحَّتِها أن يُدرِكَ ذلِكَ بِحواسّهِ كَما أدرَكَتهُ الذَّرَّةُ إن كانَ ذلِكَ إنَّما يُدرَكُ بِالحَواسِّ ؟ أفَلَيسَ يَنبَغي لَكَ أن تَعلَمَ أنَّ القَلبَ الّذي هُوَ مَعدِنُ العَقلِ في الصَّبيِّ الّذي وَصَفتَ وَغَيرِهِ مِمَا سَمِعتَ مِنَ الحَيوانِ هُوَ الّذي يُهَيّجُ الصَّبِيَّ إلى طَلَبِ الرِّضاعِ ، وَالطَّيرَ اللاّقِطَ عَلى لَقطِ الحَبِّ ، وَالسِّباعِ عَلى ابتلاعِ اللّحمِ . قالَ : لَستُ أجِدُ القَلبَ يَعلَمُ شَيئاً إلاّ بالحَواسِّ ! قُلتُ : أمّا إذ أبَيتَ إلاّ النُّزوعَ إلى الحَواسِّ فَإنّا لَنَقبَلُ نُزوعَكَ إلَيها بَعدَ رَفضِكَ لَها ، وَنُجيبُكَ فِي الحَواسِّ حَتَّى يَتَقَرَّرَ عِندَكَ أنَّها لا تَعرِفُ مِن سائِرِ الأشياءِ إلاّ الظّاهِرَ مِمَّا هُوَ دونَ الرَّبِّ الأعلى سُبحانَهُ وَتَعالى . فَأمّا ما يَخفى وَلا يَظهَرُ فَلَيسَت تَعرِفُهُ ، وَذلِكَ أنَّ خالِقَ الحَواسِّ جَعَلَ لَها قَلباً احتَجَّ بِهِ عَلى العِبادِ ، وَجَعَلَ لِلحَواسِّ الدِّلالاتِ عَلى الظّاهِرِ الّذي يُستَدَلُّ بِها عَلى الخالِقِ سُبحانَهُ ، فَنَظَرَتِ العَينُ إلى خَلقٍ مُتَّصِلٍ بَعضُهُ بِبَعضٍ فَدَلَّتِ القَلبَ عَلى ما عايَنَت ، وَتَفَكَّرَ القَلبُ حينَ دَلَّتهُ العَينُ عَلى ما عايَنَت مِن مَلَكوتِ السَّماءِ وَارتِفاعِها فِي الهَواءِ بِغَيرِ عَمَدٍ يُرى ، وَلا دعائِمَ تُمسِكُها ، لا تُوخّرُ مَرَّةً فَتَنكَشِطُ ، وَلا تُقَدِّمُ أُخرى فَتَزولُ ، ولا تَهبِطُ مَرَّةً فَتَدنو، وَلا تَرتَفِعُ أُخرى فَتَنأى، لا تَتَغَيَّرُ لِطولِ الأَمَدِ ،

.

ص: 40

وَلا تَخلَقُ لاختِلافِ اللّيالي وَالأَيّامِ ، وَلا تَتَداعى مِنها ناحِيَةٌ ، ولا يَنهارُ مِنها طَرَفٌ ، مَعَ ما عَايَنَت مِنَ النُّجومِ الجارِيَةِ السَّبعَةِ المُختَلِفَةِ بِمَسيرِها لِدَوَرانِ الفُلكِ ، وَتَنَقُّلِها في البُروجِ يَوماً بَعدَ يَومٍ ، وَشَهراً بَعدَ شَهرٍ وَسَنَةً بَعدَ سَنَةٍ ، مِنها السَّريعُ ، وَمِنها البَطيءُ، ، وَمِنها المُعتَدِلُ السَيرِ ، ثُمَّ رُجوعُها واستِقامَتُها ، وَأخذُها عَرضاً وَطولاً، وَخُنوسُها عِندَ الشَّمسِ وَهِيَ مُشرِقَةٌ ، وَظُهورُها إذا غَرُبَت، وَجَريُ الشَّمسِ وَالقَمَرِ في البُروجِ دائِبَينِ لا يَتَغَيَّرانِ في أزمِنَتِهِما وَأوقاتِهِما ، يَعرِفُ ذلِكَ مَن يَعرِفُ بِحسابٍ مَوضوعٍ ، وَأمرٍ مَعلومٍ ، بِحِكمَةٍ يَعرِفُ ذَووا الألبابِ أنَّها لَيسَت مِن حِكمَةِ الإنسِ ، وَلا تَفتيشِ الأوهامِ ، وَلا تَقليبِ التَّفَكُّرِ ، فَعَرَفَ القَلبُ حينَ دَلَّتهُ العَينُ عَلى ما عايَنَت أنّ لِذلِكَ الخَلقِ وَالتَّدبيرِ وَالأمرِ العَجيبِ صانِعاً يُمسِكُ السَّماءَ المُنطَبِقَةَ أن تَهوى إلى الأرضِ وَأنَّ الّذي جَعَلَ الشَّمسَ وَالنُّجومَ فيها خالِقُ السَّماءِ ، ثُمَّ نَظَرَتِ العَينُ إلى ما استَقَلَّها مِنَ الأرضِ فَدَلَّتِ القَلبَ عَلى ما عايَنَت ، فَعَرَفَ القَلبُ بِعَقلِهِ أنَّ مُمسِكَ الأرضِ المُمتَدَّةُ أن تَزولَ أو تَهوي في الهَواءِ - وَهُوَ يَرى الرّيشَةَ يُرمى بِها فَتَسقُطُ مَكانَها ، وَهِيَ في الخِفَّةِ عَلى ما هِيَ عَلَيهِ - هُوَ الّذي يُمسِكُ السَّماءَ الّتي فَوقَها ، وَأن_َّه لَولا ذلِكَ لَخُسِفَت بِما عَلَيها مِن ثِقلِها وَثِقلِ الجِبالِ وَالأنامِ وَالأشجارِ وَالبُحورِ والرِّمالِ ، فَعَرَفَ القَلبُ بِدِلالَةِ العَينِ أنَّ مُدَبِّرَ الأرضِ هُوَ مُدَبِّرُ السَّماءِ . ثُمَّ سَمِعَتِ الأُذنُ صَوتَ الرِّياحِ الشَّديدَةِ العاصِفَةِ وَاللّيّنة الطّيّبة، وَعايَنَتِ العَينُ ما يُقلَعُ مِن عِظامِ الشَّجَرِ ، وَيُهدَمُ مِن وَثيقِ البُنيانِ ، وَتُسفَى مِن ثِقالِ الرِّمالِ ، تُخَلّي مِنها ناحِيَةً وَتَصُبُّها في أُخرى ، بلا سائِقٍ تُبصِرُهُ العَينُ ، وَلا تَسمَعُهُ الأُذُنُ ، وَلا يُدرَكُ بِشَيءٍ مِنَ الحَواسِّ ، وَلَيسَت مُجَسَّدَةً تُلمَسُ وَلا مَحدودَةً تُعايَنُ ، فَلَم تَزِدِ العَينُ والأُذُنُ وَسائِرُ الحَواسِّ عَلى أن دَلَّتِ القَلبَ أنَّ لَها صانِعاً ، وَذلِكَ أنَّ القَلبَ يُفَكِّرُ بِالعَقلِ الّذي فيهِ ، فَيَعرِفُ أنَّ الرّيحَ لَم تَتَحَرَّكَ مِن تِلقائِها وَأنَّها لَو كانَت هِيَ

.

ص: 41

المُتَحَرِّكَةُ لَم تَكفُف عَنِ التَّحَرُّكِ ، وَلَم تَهدِم طائِفَةً وَتُعَفّي أُخرى ، وَلَم تَقلَع شَجَرَةً وَتَدَع أُخرى إلى جَنبِها ، وَلَم تُصِب أرضاً وَتَنصَرِف عَن أُخرى ، فَلَمّا تَفَكَّرَ القَلبُ في أمرِ الرّيحِ عَلِمَ أنَّ لَها مُحَرِّكاً هُوَ الّذي يَسوقُها حَيثُ يَشاءُ ، وَيُسكِنُها إذا شاءَ ، وَيُصيبُ بِها مَن يَشاءُ ، وَيَصرِفُها عَمَّن يَشاءُ ، فَلَمّا نَظَرَ القَلبُ إلى ذلِكَ وَجَدَها مُتَّصِلَةً بِالسَّماءِ وَما فيها مِنَ الآياتِ ، فَعَرَفَ أنَّ المُدَبِّرَ القادِرَ عَلى أن يُمسِكَ الأرضَ وَالسَّماءَ هُوَ خالِقُ الرّيحِ وَمُحَرِّكُها إذا شاءَ ، وَمُمسِكُها كَيفَ شاءَ ، وَمُسَلِطُها عَلى مَن يَشاءُ . وَكَذلِكَ دَلَّتِ العَينُ وَالأُذُنُ القَلبَ عَلى هذهِ الزّلزِلَةَ ، وَعَرَفَ ذلِكَ بِغَيرِهِما مِن حواسِّهِ ، حينَ حَرَكَتِهِ فَلَمَّا دَلَّ الحَواسَّ عَلى تَحريكِ هذا الخَلقِ العَظيمِ مِنَ الأرضِ في غِلَظِها وَثِقلِها ، وَطولِها وَعَرضِها ، وَما عَلَيها مِن ثِقلِ الجِبالِ وَالمِياهِ وَالأنامِ وَغيرِ ذلِكَ ، وإنَّما تَتَحَرَّكُ في ناحِيَةٍ وَلَم تَتَحَرَّك في ناحِيَةٍ أُخرى ، وَهِي مُلتَحِمَةٌ جَسَداً واحِداً ، وَخَلقاً مُتَّصِلاً بِلا فَصلٍ وَلا وَصلٍ ، تَهدِمُ ناحِيَةً وتَخسِفُ بِها وَتَسلَمُ أُخرى ، فَعِندَها عَرَفَ القَلبُ أنَّ مُحَرِّكَ ما حَرَّكَ مِنها هُوَ مُمسِكُ ما أمسَكَ مِنها ، وَهُو مُحَرّكُ الرّيحِ وَمُمسِكُها ، وَهُوَ مُدبِّرُ السَّماءِ وَالأرضِ وَما بَينَهُما ، وَأنَّ الأرضَ لَو كانَت هِيَ المُزَلزِلَةُ لِنَفسِها لَما تَزَلزَلَت وَلَما تَحَرَّكَت ، وَلكِنَّهُ الّذي دَبَّرَها وَخَلَقَها حَرَّكَ مِنها ما شاءَ . ثُمَّ نَظَرَتِ العَينُ إلى العَظيمِ مِنَ الآياتِ مِنَ السَّحابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّماءِ وَالأرضِ بِمَنزِلَةِ الدُّخانِ لا جَسَدَ لَهُ يُلمَسُ بِشَيءٍ مِنَ الأرضِ وَالجِبالِ ، يَتَخَلَّلُ الشَّجَرَةَ فَلا يُحَرِّكُ مِنها شَيئاً ، وَلا يَهصُرُ مِنها غُصناً ، ولا يَعلَقُ مِنها بِشَيءٍ يَعتَرِضُ الرُّكبانَ فَيَحولُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ مِن ظُلمَتِهِ وَكَثافَتِهِ ، وَيَحتَمِلُ مِن ثِقلِ الماءِ وَكَثرَتِهِ ما لا يَقدِرُ على صِفَتِهِ ، مَعَ ما فيهِ مِنَ الصَّواعِقِ الصَّادِعَةِ ، وَالبُروقِ اللاّمِعَةِ ، وَالرَّعدِ وَالثَّلجِ وَالبَردِ وَالجَليدِ ما لا تَبلُغُ الأوهامُ صِفَتَهُ وَلا تَهتدي القُلوبُ إلى كُنهِ عَجائِبِهِ ،

.

ص: 42

فَيَخرُجُ مُستَقِلاًّ في الهَواءِ يَجتَمِعُ بَعدَ تَفَرُّقِهِ وَيَلتَحِمُ بَعدَ تَزايُلِهِ ، تُفَرِّقُهُ الرّياحُ مِنَ الجِهاتِ كُلّها إلى حَيثُ تَسوقُهُ بِإذنِ اللّهِ رَبِّها ، يَسفُلُ مَرَّةً وَيَعلو أُخرى ، مُتَمَسِّكٌ بِما فيهِ مِنَ الماءِ الكَثيرِ الّذي إذا أزجاهُ صارَت مِنهُ البُحورُ ، يَمُرُّ عَلى الأراضي الكَثيرَةِ وَالبُلدانِ المُتنائِيَةِ لا تَنقُصُ مِنهُ نُقطَةٌ ، حَتّى يَنتَهي إلى ما لا يُحصى مِنَ الفَراسِخ فَيُرسِلُ ما فيهِ قَطرَةً بَعدَ قَطرَةٍ ، وَسَيلاً بَعدَ سَيلٍ ، مُتَتابِعٍ عَلى رِسلِهِ حَتّى يَنقَعُ البِرَكُ وَتَمتلي الفِجاجُ ، وَتَعتَلي الأودِيَةُ بِالسُّيولِ كَأمثالِ الجِبالِ غاصَّةً بِسُيولِها ، مُصمِخَةً الآذانَ لِدَوِّيِّها وَهَديرِها ، فتحيي بِها الأرضَ المَيتَةَ ، فَتُصبِحُ مُخضَرَّةً بَعدَ أن كانَت مُغبَرَّةً ، وَمُعشِبَةً بَعدَ أن كانَت مُجدِبَةً ، قَد كُسِيَت ألواناً مِن نباتِ عُشبٍ ناضِرَةً زاهِرَةً مُزَيَّنَةً مَعاشاً للنّاسِ وَالأنعامِ ، فَإذا أفرَغَ الغَمامُ ماءَهُ أقلَعَ وَتَفَرَّقَ وَذَهَبَ حَيثُ لا يُعايَنُ ولا يُدرى أينَ تَوارى ، فأدَّتِ العَينُ ذلِكَ إلى القَلبِ ، فَعَرَفَ القَلبُ أنَّ ذلِكَ السَّحابَ لَو كانَ بِغَيرِ مُدَبِّرٍ وَكانَ ما وَصَفتُ مِن تِلقاءِ نَفسِهِ ، ما احتَمَل نِصفَ ذلِكَ مِنَ الثّقلِ مِنَ الماءِ ، وإن كانَ هُوَ الّذي يُرسِلُهُ لَما احتَمَلَهُ ألفَي فَرسَخٍ أو أكثَرَ ، وَلَأرسَلَهُ فيما هُوَ أقرَبُ مِن ذلِكَ ، وَلَما أرسَلَهُ قَطرَةً بَعدَ قَطرَةٍ ، بَل كانَ يُرسِلُهُ إرسالاً فَكانَ يَهدِمُ البُنيانَ وَيُفسِدُ النَّباتَ ، وَلَما جازَ إلى بَلَدٍ وَتَرَكَ آخَرَ دونَهُ ، فَعَرَفَ القَلبُ بِالأعلامِ المُنيرَةِ الواضِحَةِ أنَّ مُدَبِّرَ الأُمورِ واحِدٌ ، وأنّهُ لَو كانَ اثنَينِ أو ثَلاثَةً لَكانَ في طولِ هذهِ الأزمِنَةِ وَالأَبدِ وَالدَّهرِ اختِلافٌ فِي التَّدبيرِ وَتَناقُضٌ في الأُمورِ ، وَلَتَأخَّرَ بَعضٌ وَتَقَدَّمَ بَعضٌ ، وَلَكانَ تَسَفَّلَ بَعضُ ما قَد عَلا ، وَلَعَلا بَعضُ ما قَد سَفِلَ ، وَلَطَلَعَ شَيءٌ وَغابَ فَتَأخَّرَ عَن وَقتِهِ أو تَقَدَّمَ ما قَبلَهُ ، فَعَرَفَ القَلبُ بِذلِكَ أنَّ مُدَبِّرَ الأشياءِ _ ما غابَ مِنها وما ظَهَرَ _ هُوَ اللّهُ الأوَّلُ ، خالِقُ السَّماءِ وَمُمسِكُها ، وَفارِشُ الأرضِ وَداحيها ، وصانِعُ ما بَينَ ذلِكَ مِمّا عَدَّدنا ، وَغَيرَ ذلِكَ مِمّا لَم يُحصَ . وَكذلِكَ عايَنَتِ العَينُ اختِلافَ اللَّيلِ والنَّهارِ دائِبَينِ جَديدَينِ لا يَبلَيانِ في طولِ كَرِّهِما ، ولا يَتَغيَّرانِ لِكَثرَةِ اختلافِهِما ، وَلا يَنقُصان عَن حالِهِما ، النَّهارُ في نورِهِ

.

ص: 43

وَضيائِهِ ، وَاللّيلُ في سوادِهِ وَظُلمَتِهِ ، يَلِجُ أحدُهُما في الآخَرِ حَتَّى يَنتهي كُلُّ واحِدٍ مِنهُما إلى غايَةٍ مَحدودَةٍ مَعروفَةٍ في الطّولِ وَالقِصَرِ على مَرتِبَةٍ واحِدَةٍ وَمَجرى واحِدٍ ، مَعَ سُكونِ مَن يَسكُنُ في اللَّيلِ ، وَانتِشارِ مَن يَنتَشِرُ فِي اللَّيلِ ، وَانتِشارِ مَن يَنتَشِرُ فِي النَّهارِ ، وَسُكونِ مَن يَسكُنُ فِي النَّهارِ ، ثُمَّ الحَرُّ والبَردُ وَحُلولُ أحدِهِما بِعَقِبِ الآخَرِ حَتّى يَكونَ الحَرُّ بَرداً، وَالبَردُ حَرّاً في وَقتِهِ وإبَّانِهِ ، فَكُلُّ هذا مِمّا يَستَدِلُّ بِهِ القَلبُ عَلى الرَّبِّ سُبحانَهُ وَتَعالى، فَعَرَفَ القَلبُ بِعَقلِهِ أنَّ مَن دَبَّرَ هذهِ الأشياءَ هُوَ الواحِدُ العزيزُ الحَكيمُ الّذي لَم يَزَل ولا يَزالُ ، وَأنَّهُ لَو كانَ في السّماواتِ وَالأرضينَ آلِهَةٌ مَعَهُ سُبحانَهُ لَذَهَبَ كُلُّ إلهٍ بِما خَلَقَ ، وَلَعَلا بَعضُهُم عَلى بَعضٍ ، وَلَفَسَدَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُم على صاحِبِهِ . وَكذلِكَ سَمِعَت الأُذُنُ ما أنزَلَ المُدَبِّرُ مِنَ الكُتُبِ تَصديقاً لِما أدرَكَتهُ القُلوبُ بِعُقولِها ، وَتَوفيقِ اللّهِ إيَّاها ، وَما قالَهُ مَن عَرَفَهُ كُنهَ مَعرِفَتِهِ بِلا وَلَدٍ وَلا صاحِبَةٍ وَلا شَريكٍ ، فَأدَّتِ الأُذُنُ ما سَمِعَت مِنَ اللّسانِ بِمقالَةِ الأنبياءِ إلى القَلبِ . فقال: قَد أتيتَني مِن أبوابٍ لَطيفَةٍ بِما لَم يَأتنِي بِهِ أحَدٌ غَيرُكَ ، إلاّ أنَّهُ لا يَمنَعُني مِن تَركِ ما في يَديَّ إلاّ الإيضاحُ والحُجَّةُ القَويَّةُ بِما وَصَفتَ لي وَفَسَّرتَ . قُلتُ : أمّا إذا حُجِبتَ عَنِ الجَوابِ وَاختَلَفَ مِنكَ المَقالُ فَسَيأتيكَ مِنَ الدّلالَةِ مِن قِبَلِ نَفسِكَ خاصَّةً ما يَستَبينُ لَكَ أنَّ الحَواسَّ لا تَعرِفُ شَيئاً إلاّ بِالقَلبِ ، فَهَلَ رَأيتَ فِي المَنامِ أنَّكَ تَأكُلُ وَتَشرَبُ حَتَّى وَصَلَت لَذَّةُ ذلِكَ إلى قَلبِكَ ؟ قال: نَعَم . قُلتُ : فَهَل رَأيتَ أنَّكَ تَضحَكُ وَتَبكي وَتَجولُ في البُلدانِ الّتي لَم تَرَها وَالّتي قَد رَأيتَها حَتّى تَعلَمَ مَعالِمَ ما رَأيتَ مِنها ؟ قال: نَعَم ما لا اُحصي .

.

ص: 44

قُلتُ : هَل رأيتَ أحَداً مِن أقارِبِكَ مِن أخٍ أو أبٍ أو ذي رَحِمٍ قَد ماتَ قَبلَ ذلِكَ حَتَّى تَعلَمَهُ وَتَعرِفَهُ كَمَعرِفَتِكَ إيّاهُ قَبلَ أن يَموتَ ؟ قال: أكثرُ مِنَ الكثيرِ . قُلتُ : فَأخبِرني أيُّ حَواسِّكَ أدرَكَ هذهِ الأشياءَ في مَنامِكَ حَتَّى دَلَّت قَلبَكَ على مُعايَنَةِ المَوتى وَكلامِهِم ، وَأكلِ طَعامِهِم ، والجَوَلانِ في البُلدانِ ، والضَّحِكِ والبُكاءِ وَغَيرِ ذلِكَ؟ قال: ما أقدِرُ أن أقولَ لَكَ أيَّ حَواسّي أدرَكَ ذلِكَ أو شيئاً مِنهُ ، وَكَيفَ تُدرَكُ وَهِيَ بِمَنزِلَةِ المَيِّتِ لا تَسمَعُ ولا تُبصِرُ ؟ قُلتُ : فَأخبِرني حَيثُ استَيقَظتَ ألَستَ قَد ذَكَرتَ الّذي رَأيتَ في مَنامِكَ تَحفَظُهُ وَتَقُصُّهُ بَعدَ يَقظَتِكَ عَلى إخوانِكَ لا تَنسى مِنهُ حَرفا ؟ قال: إنَّه كما تَقولُ وَرُبَّما رَأيتُ الشَّيءَ في منامي ثُمَّ لا أُمسي حَتَّى أراهُ في يَقَظَتي كَما رَأيتُهُ في مَنامي. قُلتُ : فَأخبِرني ، أيُّ حَواسِّكَ قَرَّرَت عِلمَ ذلِكَ في قَلبِكَ حَتَّى ذَكَرتَهُ بَعدَ ما استَيقَظتَ؟ قال: إنَّ هذا الأمرَ ما دَخَلَت فيهِ الحَواسُّ . قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي لَكَ أن تَعلَمَ حَيثُ بَطَلَتِ الحَواسُّ في هذا أنَّ الّذي عايَنَ تلِكَ الأشياءَ وَحَفِظَها في مَنامِكَ قَلبُكَ الّذي جَعَلَ اللّهُ فيهُ العَقلَ الّذي احتَجَّ بِهِ عَلى العِبادِ ؟ قال: إنَّ الّذي رَأيتُ في مَنامي لَيسَ بِشَيءٍ ، إنَّما هُوَ بِمَنزِلَةِ السَّرابِ الّذي يُعايِنُهُ صاحِبُهُ وَيَنظُرُ إلَيهِ لا يَشُكُّ فيهِ أنَّهُ ماءٌ ، فإذا انتَهى إلى مكانِهِ لَم يَجِدهُ شَيئاً ، فَما رَأيتُ في مَنامي فَبِهذِهِ المَنزِلَةِ !

.

ص: 45

قُلتُ : كَيفَ شَبَّهتَ السَّرابَ بِما رَأيتَ في مَنامِكَ مِن أكلِكَ الطَّعامَ الحُلوَ وَالحامِضَ ، وَما رَأيتَ مِنَ الفَرَحِ وَالحُزنِ ؟ قال: لِأنَّ السَّرابَ حَيثُ انتَهيتَ إلى مَوضِعِهِ صارَ لا شَيءَ ، وَكذلِكَ صارَ ما رَأيتُ في مَنامي حينَ انتَبَهتُ ! قُلتُ : فأخبرني ، إن أتَيتُكَ بِأمرٍ وَجَدتَ لَذَّتَهُ في منامِكَ وَخَفَقَ لِذلِكَ قَلبُكَ ، ألَستَ تَعلَمُ أنّ الأمرَ عَلى ما وَصَفتُ لَكَ ؟ قال: بلى . قُلتُ : فأخبرني ، هَل احتَلَمتَ قَطُّ حَتّى قَضَيتَ في امرَأةٍ نَهمَتَكَ عَرَفتَها أم لَم تَعرِفها ؟ قال: بلى ما لا اُحصيهِ. قُلتُ : ألَستَ وَجَدتَ لِذلِكَ لَذَّةً عَلى قَدرِ لَذَّتِكَ في يَقَظَتِكَ فَتَنتَبِهُ وَقَد أنزَلتَ الشَّهوَةَ حَتّى تُخرِجَ مِنكَ بِقَدَرِ ما تُخرِجُ مِنكَ في اليَقَظَةِ ، هذا كَسرٌ لِحُجَّتِكَ فِي السَّرابِ . قال: ما يَرى المُحتَلِمُ في مَنامِهِ شَيئاً إلاّ ما كانَت حَواسُّهُ دَلَّت عَلَيهِ في اليَقَظَةِ . قُلتُ : ما زِدتَ على أن قَوَّيتَ مَقالَتي ، وَزَعَمتَ أنَّ القَلبَ يَعقِلُ الأشياءَ وَيَعرِفُها بَعدَ ذِهابِ الحَواسِّ وَمَوتِها ، فَكَيفُ أنكَرتَ أنَّ القَلبَ يَعرِفُ الأشياءَ وَهُوَ يَقظانُ مُجتَمِعَةٌ لَهُ حَواسُّهُ ، وَما الّذي عَرَّفَهُ إيّاها بَعدَ مَوتِ الحَواسِّ وَهُوَ لا يَسمَعُ ولا يُبصِرُ ؟ وَلَكُنتَ حقيقاً أن لا تُنكِرَ لَهُ المَعرِفَةَ وَحَواسُّهُ حَيَّةٌ مُجتَمِعَةٌ إذا أقرَرتَ أنّهُ يَنظُرُ إلى الإمرَأةِ بَعدَ ذِهابِ حَواسّهِ حَتَّى نَكَحَها وأصابَ لَذَّتَهُ مِنها ، فَيَنبَغي لِمَن يَعقِلُ حَيثُ وَصَفَ القَلبَ بِما وَصفَهُ بِهِ مِن مَعرِفَتِهِ بِالأشياءِ وَالحَواسِّ ذاهِبَةً ، أن يَعرِفَ أنَّ القَلبَ مُدَبِّرُ الحَواسّ وَمالِكُها وَرائِسُها وَالقاضي عَلَيها ؛ فَإنّهُ ما جَهِلَ

.

ص: 46

الإنسانُ مِن شَيءٍ فَما يَجهَلُ أنّ اليَدَ لا تَقدِرُ عَلى العَينِ أن تَقلَعَها ، وَلا عَلى اللّسانِ أن تَقطَعَهُ ، وَأنَّهُ لَيسَ يَقدِرُ شَيءٌ مِنَ الحَواسِّ أن يفعَلَ بِشَيءٍ مِنَ الجَسَدِ شَيئاً بِغَيرِ إذنِ القَلبِ وَدِلالَتِهِ وَتَدبيرِهِ ؛ لأنّ اللّهَ تبارَكَ وَتَعالى جَعَلَ القَلبَ مُدَبِّراً لِلجَسَدِ ، بِهِ يَسمَعُ وَبِهِ يُبصِرُ وَهُوَ القاضي وَالأميرِ عَلَيهِ ، لا يَتَقَدَّمُ الجَسَدُ إن هُوَ تَأخَّرَ ، ولا يَتَأخَّرُ إن هُوَ تَقَدَّمَ ، وَبِهِ سَمِعَتِ الحَواسُّ وَأبصَرَت ، إن أمَرَها ائتَمَرَت ، وَإن نهاها انتَهَت ، وَبِهِ يَنزِلُ الفَرَحُ وَالحُزنُ ، وَبِهِ يَنزِلُ الألَمُ ، إن فَسَدَ شَيءٌ مِن الحَواسِّ بَقِيَ عَلى حالِهِ ، وَإن فَسَدَ القَلبُ ذَهَبَ جَميعاً حَتَّى لا يَسمَعُ وَلا يُبصِرُ . قال: لَقَد كُنتُ أظُنُّكَ لا تَتَخَلَّصُ مِن هذهِ المَسألَةِ وَقَد جِئتَ بِشَيءٍ لا أقدِرُ عَلى رَدِّهِ ؟ قُلتُ : وَأنا اُعطيكَ تَصاديقَ ما أنبَأتُكَ بِهِ وَما رَأيتَ في مَنامِكَ في مَجلِسِكَ السّاعَةَ . قال: افعَل ، فَإنّي قَد تَحَيَّرتُ في هذهِ المَسألَةِ . قُلتُ : أخبِرني ، هَل تُحَدّثُ نَفسَكَ مِن تِجارَةٍ أو صِناعَةٍ أو بِناءٍ أو تَقديرِ شَيءٍ ، وَتَأمُرُ بهِ إذا أحكَمتَ تَقديرَهُ في ظَنّكَ؟ قال: نَعَم . قُلتُ : فَهَل أشرَكتَ قَلبَكَ في ذلِكَ الفِكرِ شَيئاً مِن حَواسِّكَ ؟ قال: لا. قُلتُ : أفَلا تَعلَمُ أنَّ الّذي أخبَرَكَ بهِ قَلبُكَ حَقٌّ ؟ قال: اليَقينُ هُوَ ، فَزِدني ما يُذهِبُ الشَّكَ عَنّي وَيُزيلُ الشُّبَهَ مِن قَلبي. 1

.

ص: 47

قلت: أخبرني ، هَل يَعلَمُ أهلُ بِلادِكَ عِلمَ النُّجومِ؟ قال: إنَّكَ لَغافِلٌ عَن عِلمِ أهلِ بِلادي بِالنُّجومِ فَلَيسَ أحَدٌ أعلَمُ بِذلِكَ مِنهُم. قُلتُ: أخبِرني كَيفَ وَقَعَ عِلمُهُم بِالنُّجومِ وَهِيَ مِمّا لا يُدرَكُ بِالحَواسِّ ولا بِالفِكرِ؟ قال: حِسابٌ وَضَعَتهُ الحُكماءُ وَتَوارَثَتهُ النّاسُ ، فإذا سَألتَ الرَّجُلَ مِنهُم عَن

.

ص: 48

شَيءٍ قاسَ الشَّمسَ وَنَظَرَ في مَنازِلِ الشَّمسِ والقَمَرِ وَما لِلطّالِعِ مِنَ النُّحوسِ ، وَما للباطِنِ مِنَ السُّعودِ ، ثُمَّ يَحسِبُ وَلا يُخطِئُ ، ويُحمَلُ إلَيهِ المَولودُ فَيَحسِبُ لَهُ وَيُخبِرُ بِكُلِّ عَلامَةٍ فيهِ بِغَيرِ مُعايَنَةِ وَما هُوَ مُصيبُهُ إلى يَومَ يَموتُ . قلتُ : كَيفَ دَخَلَ الحِسابُ في مَواليدِ النَّاسِ؟ قال: لِأنَّ جَميعَ النّاسِ إنّما يُولَدونَ بِهذِهِ النُّجومِ ، وَلَولا ذلِكَ لَم يَستَقِم هذا الحِسابُ ، فَمِن ثَمَّ لا يُخطِئُ إذا عَلِمَ السّاعَةَ واليَومَ والشَّهرَ والسَّنَةَ الّتي يُولَدُ فيها المَولودُ . قُلتُ : لَقَد تَوَصَّفتَ عِلماً عَجيباً لَيسَ في عِلمِ الدُّنيا أدَقَّ مِنهُ ولا أعظَمَ إن كانَ حَقّاً كَما ذَكَرتَ ، يُعرَفُ بِهِ المَولودُ الصَّبِيُّ وَما فيهِ مِن العَلاماتِ وَمُنتَهى أجَلِهِ وَما يُصيبُهُ في حَياتِهِ ، أوَ لَيسَ هذا حِساباً تَوَلَّدَ بِهِ جَميعُ أهلِ الدُّنيا مَن كانَ مِنَ النَّاسِ؟ قال: لا أشُكُّ فيهِ . قُلتُ : فَتَعالَ نَنظُر بِعُقولِنا ، كَيفَ عَلِمَ النّاسُ هذا العِلمَ ؟ وَهَل يَستَقيمُ أن يَكونَ لِبَعضِ النّاسِ إذا كانَ جَميعُ النّاسِ يُولَدونَ بِهذهِ النُّجومِ ؟ وَكَيفَ عَرَفَها بِسُعودِها وَنُحوسِها ، وَساعاتِها وَأوقاتِها ، وَدَقائِقِها وَدَرَجهاتِها ، وَبَطيئِها وَسَريعِها ، وَمَواضِعِها مِنَ السَّماءِ ، وَمَواضِعِها تَحتَ الأرضِ ، وَدِلالَتِها عَلى غامِضِ هذهِ الأشياءِ الّتي وَصَفتُ في السَّماءِ وَما تَحتَ الأرضِ، فَقَد عَرَفتَ أنَّ بَعضَ هذهِ البُروجِ في السَّماءِ ، وَبَعضَها تَحتَ الأرضِ ، وَكذلِكَ النُّجومُ السَّبعَةُ ، مِنها تَحتَ الأرضِ وَمِنها في السَّماءِ ، فَما يَقبَلُ عَقلي أنَّ مَخلوقاً من أهلِ الأرضِ قَدَرَ عَلى هذا . قال: وما أنكَرتَ مِن هذا ؟ قُلتُ : إنَّكَ زَعَمتَ أنَّ جَميعَ أهلِ الأرضِ إنَّما يَتَوالَدونَ بِهذهِ النُّجومِ ، فَأَرى الحَكيمَ الّذي وَضَعَ هذا الحِسابَ بِزَعمِكَ مِن بَعضِ أهلِ الدُّنيا، وَلا شَكَّ إن كُنتَ

.

ص: 49

صادِقاً أنَّهُ وُلِدَ بِبَعضِ هذه النُّجومِ وَالسَّاعاتِ وَالحسابِ الّذي كانَ قَبلَهُ ، إلاّ أن تَزعُمَ أنَّ ذلِكَ الحَكيمَ لَم يُولَد بِهذهِ النُّجومِ كما وُلِدَ سائِرُ النّاسِ . قال : وَهَل هذا الحَكيمُ إلاّ كَسائِرِ النّاسِ ؟ قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي أن يُدِلَّكَ عَقلُكَ عَلى أنَّها قَد خُلِقَتَ قَبلَ هذا الحَكيمِ الّذي زَعَمتَ أنَّهُ وَضَعَ هذا الحِسابَ ، وَقَد زَعَمتَ أنَّهُ وُلِدَ بِبَعضِ هذهِ النُّجومِ؟ قال: بلى. قُلتُ : فَكَيفَ اهتَدى لِوَضعِ هذهِ النُّجومِ ؟ وَهَل هذا العِلمُ إلاّ مِن مُعَلّمٍ كانَ قَبلَهُما وَهُوَ الّذي أسَّسَ هذا الحسابَ الّذي زَعَمتَ أنّهُ أساسُ المَولودِ ، وَالأساسُ أقدَمُ مِنَ المَولودِ ، وَالحَكيمُ الّذي زَعَمتَ أنَّهُ وَضَعَ هذا إنَّما يَتَّبِعُ أمرَ مُعَلّمٍ هُوَ أقدَمُ مِنهُ ، وَهُوَ الّذي خَلَقَهُ مَولوداً بِبَعضِ هذا النُّجومِ ، وَهُوَ الّذي أسَّسَ هذهِ البُروجِ الّتي وُلِدَ بِها غَيرُهُ مِنَ النّاسِ ، فَواضِعُ الأساسِ يَنبَغي أن يَكونَ أقدَمَ مِنها . هَب إنَّ هذا الحَكيمَ عَمَّرَ مُذ كانَتِ الدُّنيا عَشَرَةَ أضعافٍ ، هَل كانَ نَظَرُهُ في هذهِ النُّجومِ إلاّ كَنَظَرِكَ إلَيها مُعَلّقةً فِي السَّماءِ ؟ أو تَراهُ كانَ قادِراً عَلى الدُّنُوِّ مِنها وَهِيَ في السَّماءِ حَتَّى يَعرِفَ مَنازِلَها وَمجاريها ، نُحوسَها وَسُعودَها ، وَدَقائِقَها ، وَبِأيَّتِها تَكسِفُ الشَّمسُ وَالقَمَرُ ، وَبِأيَّتِها يُولَدُ كُلُّ مَولودٍ ، وَأيُّها السَّعدُ وَأيُّها النَّحسُ ، وَأيُّها البَطيءُ وأيُّها السّريعُ ، ثُمَّ يَعرِفُ بَعدَ ذلِكَ سُعودَ ساعاتِ النَّهارِ وَنُحوسَها ، وَأيُّها السَّعدُ وَأيُّها النَّحسُ ، وَكَم ساعَةً يَمكُثُ كُلُّ نَجمٍ مِنها تَحتَ الأرضِ ، وَفي أيِّ ساعَةٍ تَغيبُ ، وَأيُّ ساعَةٍ تَطلُعُ ، وَكَم ساعَةً يَمكُثُ طالِعاً ، وفي أيِّ ساعَةٍ تَغيبُ ، وَكَمِ استَقامَ لِرَجُلٍ حَكيمٍ _ كَما زَعَمتَ _ مِن أهلِ الدُّنيا أن يَعلَمَ عِلمَ السَّماءِ مِمّا لا يُدرَكُ بِالحَواسّ ، وَلا يَقَعُ عَلَيهِ الفِكرُ ، وَلا يَخطُرُ عَلى الأوهامِ ؟ وَكَيفَ اهتَدى أن يَقيسَ الشَّمسَ حَتَّى يَعرِفَ في أيِّ بُرجٍ ، وَفي أيِّ بُرجٍ القَمَرُ ، وَفي أيِّ بُرجٍ مِنَ السَّماءِ هذهِ السَّبعَةُ السُّعودُ والنُّحوسُ ، وما الطّالِعُ مِنها وَما الباطِنُ ؟ وَهيَ مُعَلّقةٌ فِي السَّماءِ وَهُوَ

.

ص: 50

مِن أهلِ الأرضِ لا يَراها إذا تَوارَت بِضَوءِ الشَّمسِ ، إلاّ أن تَزعُمَ أنَّ هذا الحكيمَ الّذي وَضَعَ هذا العِلمَ قَد رَقى إلى السَّماءِ ، وَأنا أشهَدُ أنَّ هذا العالَمَ لَم يَقدِر عَلى هذا العِلمِ إلاّ بِمَن فِي السَّماءِ ، لأنَّ هذا لَيسَ مِن عِلمِ أهلِ الأرضِ . قال: ما بَلَغَني أنَّ أحَداً مِن أهلِ الأرضِ رَقى إلى السَّماءِ . قُلتُ : فَلَعَلَّ هذا الحَكيمَ فَعَلَ ذلِكَ وَلَم يَبلُغكَ؟ قال: وَلَو بَلَغَني ما كُنتُ مُصَدِّقاً . قُلتُ : فَأنا أقولُ قَولَكَ ، هَبهُ رَقى إلى السَّماءِ هَل كانَ لَهُ بُدٌّ مِن أن يَجري مَعَ كُلِّ بُرجٍ من هذهِ البُروجِ ، وَنَجمٍ مِن هذهِ النُّجومِ مِن حَيثُ يَطلُعُ إلى حَيثُ يَغيبُ ، ثُمَّ يَعودُ إلى الآخَرِ حَتّى يَفعلَ مِثلَ ذلِكَ حَتّى يأتي عَلى آخِرِها؟ فإنَّ مِنها ما يَقطَعُ السَّماءَ في ثَلاثينَ سَنَةً ، وَمِنها ما يَقطَعُ دونَ ذلِكَ ، وَهَل كانَ لَهُ بُدٌّ مِن أن يَجولَ في أقطارِ السَّماءِ حَتّى يَعرِفَ مَطالِعَ السُّعودِ مِنها وَالنُّحوسِ ، وَالبَطيءِ وَالسَّريعِ ، حَتّى يُحصي ذلِكَ ؟ أو هَبهُ قَدَرَ على ذلِكَ حَتّى فَرغَ مِمّا في السَّماءِ ، هَل كانَ يَستقيمُ لَهُ حِسابُ ما فِي السَّماءِ حَتّى يُحكِمَ حِسابَ ما فِي الأرضِ وَما تَحتَها ؟ وأن يَعرِفَ ذلِكَ مِثلَ ما قَد عايَنَ فِي السَّماءِ ؛ لِأنَّ مَجاريها تَحتَ الأرضِ عَلى غَيرِ مَجاريها فِي السَّماءِ ، فَلَم يَكُن يَقدِرُ عَلى إحكام حِسابِها وَدَقائِقِها وَساعاتِها إلاّ بِمَعرِفَةِ ما غابَ عَنهُ تَحتَ الأرضِ مِنها ، لِأنَّهُ يَنبغي أن يَعرِفَ أيَّ ساعَةٍ مِنَ اللّيلِ يَطلُعُ طالِعُها ، وَكَم يَمكُثُ تَحتَ الأرضِ ، وَأيَّةُ ساعَةٍ مِنَ النَّهارِ يَغيبُ غائِبُها لِأنَّهُ لا يُعايِنُها ، وَلا ما طلَعَ مِنها وَلا ما غابَ ، وَلابُدَّ مِن أن يَكونَ العالِمُ بِها واحِداً وَإلاّ لَم يَنتَفِع بِالحِسابِ إلاّ تَزعُمُ أنَّ ذلِكَ الحَكيمَ قَد دَخَلَ في ظُلماتِ الأرَضينَ وَالبِحارِ فَسارَ مَعَ النُّجومِ وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ في مَجاريها عَلى قَدرِ ما سارَ فِي السَّماءِ حَتَّى عَلِمَ الغَيبَ مِنها ، وَعَلِمَ ما تَحتَ الأرضِ عَلى قَدرِ ما عايَنَ مِنها فِي السَّماءِ .

.

ص: 51

قالَ : وَهَل أرَيتَني أجَبتُكَ إلى أنَّ أحَداً مِن أهلِ الأرضِ رَقى إلى السَّماءِ وَقَدَرَ على ذلِكَ حَتّى أقولَ : إنَّهُ دَخَلَ في ظُلُماتِ الأرضينَ وَالبُحورِ . قلتُ : فَكَيفَ وَقَعَ هذا العِلمُ الّذي زَعَمتَ أنَّ الحُكماءَ مِنَ النّاسِ وَضَعوهُ ، وَأنَّ النّاسَ كُلَّهُم مولَدونَ بِهِ ؟ وكَيفَ عَرَفوا ذلِكَ الحِسابَ وَهُو أقدَمُ مِنهُم ؟ 1

.

ص: 52

قالَ : ما أجِدُ يَستقيمُ أن أقولَ : إنَّ أحَداً مِن أهلِ الأرضِ وَضَعَ عِلمَ هذهِ النُّجومِ المُعَلَّقةِ فِي السَّماءِ . قُلتُ : فَلابُدَّ لَكَ أن تَقولَ : إنَّما عَلَّمَهُ حَكيمٌ عَليمٌ بِأمرِ السَّماءِ والأَرضِ وَمُدَبِّرُهُما . قالَ : إن قُلتُ : هذا فَقَد أقرَرتُ لَكَ بِإلهِكَ الّذي تَزعُمُ أنَّهُ فِي السَّماءِ . قُلتُ : أما أنَّكَ فَقَد أعطَيتَني أنَّ حِسابَ هذهِ النُّجومِ حَقٌّ ، وَأنَّ جَميعَ النّاسِ وُلِدوا بِها . قالَ : الشَّكُّ في غَيرِ هذا . قلتُ : وَكَذلِكَ أعطَيتَني أنَّ أحَداً مِن أهلِ الأرضِ لَم يَقدِر على أن يَغيبَ مَعَ هذهِ النُّجومِ وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ في المَغرِبِ حَتّى يَعرِفَ مجاريها وَيَطَّلِعَ مَعَها إلى المَشرِقِ. قالَ : الطُّلوعُ إلى السَّماءِ دونَ هذا .

.

ص: 53

قلتُ : فَلا أراكَ تَجِدُ بُدّاً مِن أن تَزعُمَ أنَّ المُعَلّمَ لِهذا مِنَ السَّماءِ. قالَ : لَئِن قُلتَ أن لَيسَ لِهذا الحِسابِ مُعَلّمٌ ، لَقَد قُلتَ إذا غَيرَ الحَقِّ ، وَلَئِن زَعَمتَ أنَّ أحَداً من أهلِ الأرضِ عَلِمَ ما فِي السّماءِ وَما تَحتَ الأرضِ ، لَقَد أبطَلتَ ؛ لأنَّ أهلَ الأرضِ لا يَقدرونَ عَلى عِلمِ ما وُصِفَت لَكَ مِن حالِ هذهِ النُّجومِ وَالبُروجِ بِالمُعايَنَةِ والدُّنُوّ منها ، فَلا يَقدرونَ عَلَيهِ ؛ لأنّ عِلمَ أهلِ الدُّنيا لا يَكونُ عِندَنا إلاّ بالحَوَاسّ، وَما يُدرِكُ عِلمَ هذهِ النُّجومِ الّتي وُصِفَت بالحَواسّ ؛ لِأن_َّها مُعَلّقَةٌ فِي السَّماءِ ، وما زادَتِ الحَوَاسُّ عَلى النَّظَرِ إلَيها ، حَيثُ تَطلُعُ وَحَيثُ تَغيبُ ، فَأمّا حِسابُهَا وَدَقائِقُها وَنُحوسُها وَسُعودُها بَطيؤها وَسريعُها وَخُنوسُها وَرُجوعُها ، فَأنّى تُدرَكُ بِالحَواسِّ أو يُهتَدى إلَيها بِالقِياسِ؟ قُلتُ : فَأخبِرني لَو كُنتَ مُتَعلِّماً مُستَوصِفاً لِهذا الحِسابِ مِن أهلِ الأرضِ أحبُّ إلَيكَ أن تَستَوصِفَهُ وَتَتَعلَّمَهُ ، أم مِن أهلِ السَّماءِ . قالَ : مِن أهلِ السَّماءِ ، إذ كانَتِ النُّجومُ مُعَلَّقَةٌ فيها حَيثُ لا يَعلَمُها أهلُ الأرضِ . قُلتُ : فَافهَم وأدِقَّ النَّظَرَ ، وَناصِح نَفسَكَ ، ألَستَ تَعلَمُ أنَّهُ حَيثُ كانَ جَميعُ أهلِ الدُّنيا إنَّما يُولَدونَ بِهذهِ النُّجومِ عَلى ما وَصَفتَ في النُّحوسِ وَالسُّعودِ أنَّهُنَّ كُنَّ قَبلَ النّاسِ؟ قال : ما أمتَنِعُ أن أقولَ هذا . قلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي لَكَ أن تَعلَمَ أنَّ قَولَكَ : إنَّ النّاسَ لَم يَزالوا وَلا يَزالونَ قَد انكَسَرَ عَلَيكَ حَيثُ كانَتِ النُّجومُ قَبلَ النَّاسِ ، فالنّاسُ حَدَثَ بَعدَها ، وَلَئِن كانَتِ النُّجومُ خُلِقَت قَبلَ النَّاسِ ما تَجِدُ بُدّاً مِن أن تَزعُمَ أنَّ الأرضَ خُلِقَت قَبلَهُم. قالَ: ولَم تَزعُم أنَّ الأرضَ خُلِقَت قَبلَهُم. قُلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنَّها لَو لَم تَكُن الأرضُ جَعَلَ اللّهُ لِخَلقِهِ فِراشاً وَمِهاداً ما استَقامَ

.

ص: 54

النّاسُ وَلا غَيرُهُم مِنَ الأنامِ ، وَلا قَدَروا أن يَكونوا فِي الهَواءِ إلاّ أن يكونَ لَهُم أجنِحَةٌ ؟ قالَ : وماذا يُغني عَنهُم الأجنِحَةُ إذا لَم تَكُن لَهُم مَعيشَةٌ ؟ قُلتُ : فَفي شَكٍّ أنتَ مِن أنَّ النّاسَ حَدَثَ بَعدَ الأرضِ وَالبُروجِ ؟ قالَ : لا وَلكن عَلى اليَقينِ مِن ذلِكَ . قُلتُ : آتيكَ أيضاً بِما تُبصِرُهُ . قال: ذلِكَ أنفى للشَكِّ عَنّي. قُلتُ : ألستَ تَعلَمُ أنَّ الّذي تَدورُ عَلَيهِ هذهِ النُّجومُ والشَّمسُ والقَمَرُ هذا الفَلَكُ ؟ قالَ: بلى. قلتُ: أفَلَيسَ قَد كانَ أساساً لِهذهِ النُّجومِ؟ قَال: بَلى . قُلتُ : فَما أرَى هذهِ النُّجومَ الّتي زَعَمتَ أنَّها مَواليدُ النّاسِ ، إلاّ وَقَد وَضَعتَ بَعدَ هذا الفَلَكِ ؛ لِأنّهُ بهِ تَدورُ البُروجُ وتَسفُلُ مَرَّةً وَتَصعَدُ اُخرى . قال: قَد جِئتَ بِأمرٍ واضِحٍ لا يَشكُلُ عَلى ذي عَقلٍ أنَّ الفَلَكَ الّذي تَدورُ بِهِ النُّجومُ هُوَ أساسُها الّذي وُضِعَ لَها لِأَنّها إنَّما جَرَت بِهِ . قُلتُ : أقرَرتَ أنَّ خالِقَ النُّجومِ الّتي يُولَدُ بِها النّاسُ ، سُعودُهُم وَنُحوسُهُم ، هُوَ خالِقُ الأرضِ ؛ لأنّهُ لَو لَم يَكُن خَلَقَها لَم يَكُن ذَرءٌ. قالَ : ما أجِدُ بُدّاً من إجابَتِكَ إلى ذلِكَ . قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي لَكَ أن يُدِلَّكَ عَقلُكَ عَلى أنّهُ لا يَقدِرُ على خَلقِ السَّماءِ إلاّ الّذي خَلَقَ الأرضَ وَالذَّرءَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومَ ، وأنَّهُ لَولا السَّماءُ وَما فيها لَهَلَكَ ذَرءُ الأرضِ.

.

ص: 55

قال : أشهَدُ أنّ الخالِقَ واحِدٌ مِن غَيرِ شَكٍّ ؛ لأنَّكَ قَد أتَيتَني بِحُجَّةٍ ظَهَرَت لِعَقلي ، وَانقَطَعَت بِها حُجَّتي، وَما أرى يَستقيمُ أَن يُكونَ واضِعُ هذا الحِسابِ وَمُعَلّمُ هذهِ النُّجومِ وَاحِداً مِن أهلِ الأرضِ ؛ لِأنَّها فِي السَّماءِ ، وَلا مَعَ ذلِكَ يَعرِفُ ما تَحتَ الأرضِ مِنها إلاّ مُعَلِّمَ ما فِي السَّماءِ مِنها ، وَلكن ، لَستُ أدري كَيفَ سَقَطَ أهلُ الأرضِ عَلى هذا العِلمِ الّذي هُوَ فِي السَّماءِ حَتّى اتَّفقَ حِسابُهُم عَلى ما رَأيتُ مِنَ الدِّقَةِ وَالصَّوابِ ؟ فإنّي لَو لَم أعرِف مِن هذا الحسابِ ما أعرِفُهُ لَأنكَرتُهُ ، وَلَأخبَرتُكَ أنَّهُ باطِلُ في بِدءِ الأمرِ فَكانَ أهونَ عَلَيَّ . قلتُ : فَأعطِني مَوثِقاً إن أنا أعطَيتُكَ مِن قِبَلِ هَذهِ الإهليلجَةِ الّتي في يَدِكَ وَما تَدَّعي مِنَ الطّبِّ الّذي هُوَ صَناعَتُكَ وَصَناعَةُ آبائِكَ حَتّى يَتَّصِلَ الإهليلجَةُ وَما يُشبِهُها مِنَ الأدوِيَةِ بِالسَّماءِ لَتُذعِنَنَّ بِالحَقِّ ، وَلَتُنصِفَنَّ مِن نَفسِكَ . قال: ذلِكَ لَكَ . قلتُ : هَل كانَ النّاسُ على حالٍ وَهُم لا يَعرِفونَ الطِّبَّ وَمَنافِعَهُ مِن هذهِ الإهليلجَةِ وَأشباهِها؟ قالَ: نَعَم. قُلتُ : فَمِن أينَ اهتَدَوا لَهُ؟ قال : بِالتَّجرِبَةِ وَطولِ المُقايَسَةِ . قلت : فَكَيفَ خَطَرَ على أوهامِهِم حَتّى هَمّوا بِتَجرِبَتِهِ ؟ وَكَيفَ ظَنّوا أنَّهُ مَصلَحَةٌ لِلأجسادِ وَهُم لا يَرونَ فيهِ إلاّ المَضَرّةَ؟ أو كَيفَ عَزموا على طَلَبِ ما لا يَعرِفونَ مِمّا لا تَدُلُّهُم عَلَيهِ الحَوَاسُّ؟ قال : بِالتَّجارِبِ . قلتُ : أخبرني عن واضِعِ هذا الطِّبِ وَواصِفِ هَذهِ العَقاقيرِ المُتَفَرِّقَةِ بَينَ المَشرِقِ

.

ص: 56

وَالمَغرِبِ ، هَل كان بُدٌّ من أن يَكونَ الّذي وَضَعَ ذلِكَ وَدَلَّ على هذهِ العَقاقيرِ رَجُلٌ حَكيمٌ مِن بَعضِ أهلِ هذهِ البُلدانِ؟ قالَ : لابُدَّ أن يَكونَ كذلِكَ ، وَأن يَكونَ رَجُلاً حَكيماً وَضَعَ ذلِكَ ، وَجَمَعَ عَليهِ الحُكماءَ فَنَظروا في ذلِكَ وَفَكَّروا فيهِ بِعُقُولِهِم . قُلتُ : كأنّكَ تُريدُ الإنصافَ من نَفسِكَ وَالوَفاءَ بِما أعطيتَ مِن مِيثاقِكَ فَأعلِمني كَيفَ عَرَفَ الحَكيمُ ذلِكَ؟ وَهَبهُ قَد عَرَف بِما في بِلادِهِ مِنَ الدَّواءِ ، وَالزَّعفَرانِ الّذي بِأرضِ فارسٍ ، أتُراهُ اتَّبعَ جَميعَ نباتِ الأرضِ فَذاقَهُ شَجَرَةً شَجَرَةً حَتّى ظَهَرَ عَلى جَميعِ ذلِكَ ؟ وَهَل يَدُلُّكَ عَقلُكَ على أنَّ رِجالاً حُكماءَ قَدَروا على أن يَتَّبِعوا جَميعَ بِلادَ فارسٍ وَنباتَها شَجَرَةً شَجَرَةً حَتّى عَرَفوا ذلِكَ بِحَواسِّهِم ، وَظَهَروا على تِلكَ الشَّجَرَةِ الّتي يَكونُ فيها خَلطُ بَعضِ هذهِ الأدوِيَةِ الّتي لَم تُدرِك حَواسُّهُم شَيئاً مِنها ؟ وَهَبهُ أصابَ تِلكَ الشَّجَرَةَ بَعدَ بَحثِهِ عَنها وَتَتَبُّعِهِ جَميعُ شَجَرِ فارِسٍ وَنَباتِها ، كَيفَ عَرَفَ أنَّهُ لا يَكونُ دَواءٌ حَتّى يَضُمَّ إلَيهِ الإهليلجَ مِنَ الهِندِ ، وَالمَصطَكي مِنَ الرُّومِ ، وَالمِسكَ مِنَ التِبَّتِ ، وَالدّارصينيَّ مِنَ الصّينِ ، وخصي بيدستر مِنَ التُّركِ ، وَالأَفيونَ مِنَ مِصرَ ، وَالصَّبِرَ مِنَ اليَمنِ ، وَالبُورقَ مِن أرمِنِيَّةَ ، وَغَيرَ ذلِكَ مِن أخلاطِ الأدوِيَةِ الّتي تَكونُ في أطرافِ الأرضِ وَكَيفَ عَرَفَ أنَّ بَعضَ تلِكَ الأدوِيَةِ وَهِي عَقاقيرُ مُختَلِفَةٌ يَكونُ المَنفَعَةُ باجتمِاعِها وَلا يَكونُ مَنفَعَتُها فِي الحالاتِ بِغَيرِ اجتِماعٍ؟ أم كَيفَ اهتَدى لِمَنابِتِ هذهِ الأدوِيَةِ وَهِيَ ألوانٌ مُختَلِفَةٌ وَعَقاقيرُ مُتبائِنَةٌ في بُلدانٍ مُتَفرِّقَةٍ فَمِنها عُروقٌ ، ومِنها لِحاءٌ ومِنها وَرَقٌ ، وَمِنها ثَمَرٌ ، وَمِنها عَصيرٌ ، وَمِنها مائِعٌ ، وَمِنها صَمِغٌ ، ومِنها دُهنٌ ، وَمِنها ما يُعصَرُ وَيُطبَخُ ، وَمِنها ما يُعصَرُ وَلا يُطبَخُ ، مِمّا سُمّيَ بِلُغاتٍ شَتّى لا يَصلُحُ بَعضُها إلاّ بِبَعضٍ وَلا يَصيرُ دَواءاً إلاّ بِاجتِماعِها ، وَمِنها مَرائِرُ السِّباعِ وَالدَّوابِّ البَريَّةِ وَالبَحرِيَّةِ ، وَأهلُ هذهِ البُلدانِ مَعَ ذلِكَ مُتعادونَ مُختَلِفونَ مُتَفرِّقونَ بِاللُّغَاتِ ، مُتَغالِبونَ بِالمُناصَبَةِ ، وَمُتَحارِبونَ بِالقَتلِ والسَّبي ، أفَتَرى

.

ص: 57

ذلِكَ الحَكيمَ تَتَّبعَ هذهِ البُلدانَ حَتّى عَرَفَ كُلَّ لُغَةٍ وَطافَ كُلَّ وَجهٍ ، وَتَتَّبعَ هذهِ العَقاقيرَ مَشرِقاً وَمَغرِباً آمِناً صَحيحاً لا يَخافُ وَلا يَمرُضُ ، سَليماً لا يَعطبُ ، حَيّاً لا يَموتُ ، هادِياً لا يَضِلّ ، قاصِداً لا يَجورُ حافِظاً لا يَنسى ، نَشيطاً لا يَمِلُّ ، حَتّى عَرَفَ وَقتَ أزمِنَتِها ، ومواضِعَ مَنابِتِها مَعَ اختِلاطِها واختِلافِ صفاتِها وَتَبايُنِ ألوانِها وَتَفَرُّقِ أسمائِها ، ثُمَّ وَضَعَ مِثالَها عَلى شِبهِها وَصِفَتِها ، ثُمَّ وَصَفَ كُلَّ شَجَرَةٍ بِنَباتِها وَوَرَقِها وَثَمَرِها وَريحِها وَطَعمِها ؟ أم هَل كانَ لِهذا الحَكيمِ بُدٌّ مِن أن يَتَّبِعَ جَميعَ أشجارِ الدُّنيا وَبُقولِها وَعُروقِها شَجَرَةً شَجَرَةً ، وَوَرَقةً وَرَقَةً ، شَيئاً شَيئاً ؟ فَهَبهُ وَقَعَ عَلى الشَّجَرَةِ الّتي أرادَ فَكَيفَ دَلّتهُ حَواسُّهُ على أنَّها تَصلُح لِدَواءٍ ، وَالشَّجَرُ مُختَلِفٌ ، مِنهُ الحُلوُ وَالحامِضُ وَالمُرُّ وَالمالِحُ ؟ وإن قُلتَ : يَستَوصِفُ في هذهِ البُلدانِ وَيَعمَلُ بِالسُّولِ ، فَأنّى يَسألُ عَمّا لَم يُعايِن وَلَم يُدرِكهُ بِحَواسِّهِ ؟ أم كَيفَ يَهتدي إلى مَن يَسألُهُ عَن تِلكَ الشَّجَرَةِ وَهُوَ يُكَلِّمُهُ بِغَيرِ لِسانِهِ وَبِغَيرِ لُغَتِهِ وَالأشياءُ كَثيرَةٌ ؟ فَهَبهُ فَعَلَ كَيفَ عَرَفَ مَنافِعَها وَمَضارَّها ، وَتَسكينَها وتَهييجَها ، وَبارِدَها وَحارَّها ، وَحُلوَها وَمَرارَتَها وَحَرَافَتَها ، وَلَيِّنها وَشديدَها ؟ فَلَئِن قُلتَ بالظّنِ : إنَّ ذلِكَ مِمّا لا يُدرَكُ ولا يُعرَفُ بِالطّبائِعِ وَالحَواسِّ. وَلَئِن قُلتَ : بالتّجربة والشّرب ، لَقَد كانَ يَنبغي لَهُ أن يَموتَ في أوّلِ ما شَرِبَ وَجَرَّبَ تِلكَ الأدوِيَةِ بِجَهالَتِهِ بِها وَقِلَّةِ مَعرِفَتِهِ بِمَنافِعِها وَمَضارِّها ، وَأكثَرُها السمُّ القاتِلُ . وَلَئِن قُلتَ : بَل طافَ في كُلِّ بَلَدٍ ، وَأقامَ في كُلِّ أُمَّةٍ يَتَعلَّمُ لُغاتِهِم ، وَيُجَرّبُ بِهِم أدوِيَتَهُم تَقتُلُ الأوّلَ فَالأوّلَ مِنهُم ، ما كانَ لِتَبلُغَ مَعرِفَتُهُ الدّواءَ الواحِدَ إلاّ بَعدَ قَتلِ قَومٍ كَثيرٍ ، فَما كانَ أهلُ تِلكَ البُلدانِ الّذينَ قُتِلَ مِنهُم مَن قُتِلَ بِتَجرِبَتِهِ بِالّذينَ يَنقادونه بالقَتلِ وَلا يَدَعونَهُ أن يُجاوِرَهُم ، وَهَبهُ تَرَكوهُ وَسَلَّموا لِأمرِهِ وَلَم يَنهَوهُ ،

.

ص: 58

كَيفَ قَوِيَ على خَلطِها ، وَعَرَفَ قَدرَها وَوَزنَها وَأخَذَ مَثاقيلَها وَقَرّطَ قَراريطَها؟ وَهَبهُ تَتَّبعَ هذا كُلَّهُ ، وَأكثَرُهُ سُمٌّ قاتِلٌ ، إن زيدَ على قَدرِها قُتِلَ ، وإن نَقَصَ عَن قَدرِها بَطُلَ ، وَهَبهُ تَتَّبَعَ هذا كُلَّهُ وَجالَ مشارِقَ الأرضِ ومَغارِبَها ، وَطالَ عُمرُهُ فيها تَتَّبعَهُ شَجَرَةً شَجَرَةً ، وَبُقعَةً بُقعَةً ، كَيفَ كانَ لَهُ تَتَّبعُ ما لَم يَدخُل في ذلِكَ مِن مَرارَةِ الطّيرِ والسِّباعِ وَدَوابِّ البَحرِ ؟ هَل كانَ بُدٌّ حَيثُ زَعَمتَ أنّ ذلِكَ الحَكيمَ تَتَّبعَ عَقاقيرَ الدُّنيا شَجَرَةً شَجَرَةً وَثَمَرَةً ثَمَرَةً ، حَتّى جَمَعَها كُلَّها فَمِنها ما لا يَصلُحُ وَلا يَكونُ دَواءاً إلاّ بالمَرارِ ؟ هَل كانَ بُدٌّ مِن أن يَتَّبِعَ جَميعَ طَيرِ الدُّنيا وَسِباعِها وَدَوابّها دابَّةً دابَّةً وطائِراً طائِراً يَقتُلُها وَيُجَرّبُ مَرارَتَها ، كَما بَحَثَ عَن تِلكَ العَقاقيرِ عَلى ما زَعَمتَ بِالتَّجارِبِ ؟ وَلَو كانَ ذلِكَ فَكَيفَ بَقِيَتِ الدَّوابُّ وَتَناسَلَت ، وَلَيسَت بِمَنزِلَةِ الشَّجَرَةِ إذا قُطِعَت شَجَرَةٌ نَبَتَت اُخرى ؟ وَهَبهُ أتى عَلى طَيرِ الدُّنيا ، كيفَ يَصنَعُ بِما فِي البَحرِ مِنَ الدَّوابِّ الّتي كانَ يَنبَغي أن يَتَّبِعَها بَحراً بَحراً وَدَابَّةً دَابَّةً حَتّى أحاطَ بِهِ كَما أحاطَ بِجَميعِ عَقاقيرِ الدُّنيا الّتي بَحَثَ عَنها حَتّى عَرَفَها وَطَلَبَ ذلِكَ في غَمَراتِ الماءِ ؟ فَإنَّكَ مَهما جَهِلتَ شَيئاً مِن هذا فَإنَّكَ لا تَجهَلُ أنَّ دَوابّ البَحرِ كُلَّها تَحتَ الماءِ ، فَهَل يَدُلُّ العَقلُ وَالحَوَاسُّ عَلى أنَّ هذا يُدرَكُ بِالبَحثِ وَالتَّجارِبِ؟ قالَ : لَقَد ضَيَّقتَ عَلَيَّ المَذاهِبَ ، فمَا أدري ما اُجيبُكَ بِهِ ! قُلتُ : فإنّي آتيكَ بِغَيرِ ذلِكَ مِمّا هُوَ أوضَحُ وَأبيَنُ مِمّا اقتَصَصتُ عَلَيكَ . ألَستَ تَعلَمُ أنَّ هذهِ العَقاقيرِ الّتي مِنها الأَدوِيَةُ وَالمَرارُ مِنَ الطّيرِ والسِّباعِ لا يَكونُ دَواءاً إلاّ بَعدَ الاجتِماعِ؟ قال: هُوَ كذلِكَ . قُلتُ : فَأخبِرني كَيفَ حَوَاسُّ هذا الحَكيمِ وَضَعَت هذهِ الأدوِيَةَ مَثاقيلَها وَقراريطَها ؟ فَإنَّكُ مِن أعلَمِ النّاسِ بِذلِكَ لِأنَّ صناعَتَكَ الطّبُ ، وَأنتَ تَدخُلُ في الدَّواءِ الواحِدِ مِنَ اللَّونِ الواحِدِ زِنَةَ أربَعِمئَةِ مِثقالٍ ، وَمِنَ الآخَرِ مَثاقيلُ وَقَراريطُ فَما

.

ص: 59

فَوقَ ذلِكَ وَدونَهُ حَتّى يجيء بِقَدَرٍ واحِدٍ مَعلومٍ إذا سَقَيتَ مِنهُ صاحِبَ البِطنَةِ بِمِقدارِ عَقدِ بَطنِهِ ، وإن سَقَيتَ صاحِبَ القُولَنجِ أكثَرَ مِن ذلِكَ استَطلَقَ بَطنُهُ وَألانَ ، فَكَيفَ أدرَكَت حَواسُّهُ على هذا؟ أم كَيفَ عَرَفَت حَواسُّهُ أنّ الّذي يُسقى لِوَجَعِ الرأسِ لا يَنحَدِرُ إلى الرّجلَينِ ، وَالانحدارُ أهوَنُ عَلَيهِ مِنَ الصُّعودِ ؟ وَالّذي يُسقى لِوَجَعِ القَدَمَينِ لا يَصعَدُ إلى الرَّأسِ ، وَهُوَ إلى الرّأسِ عِندَ السُّلوكِ أقرَبُ مِنهُ ؟ وكذلِكَ كُلُّ دَواءٍ يُسقى صاحِبُهُ لِكُلِّ عُضوٍ لا يَأخُذُ إلاّ طريقَهُ في العُروقِ الّتي تُسقَى لَهُ ، وَكُلُّ ذلِكَ يَصيرُ إلى المَعِدَةِ وَمِنها يَتَفَرَّقُ ؟ أم كَيفَ لا يَسفُلُ مِنهُ ما صعِدَ ولا يَصعَدُ مِنهُ ما انحَدَرَ ؟ أم كَيفَ عَرَفَتِ الحَواسُّ هذا حَتّى عَلِمَ أنّ الّذي يَنبَغي للأُذُنِ لا يَنفَعُ العَينَ وَما يَنتَفِعُ بِهِ العَينُ لا يُغني مِن وَجَعِ الأُذُنِ ، وَكذلِكَ جَميعُ الأعضاءِ يَصيرُ كُلُّ داءٍ مِنها إلى ذلِكَ الدَّواءِ الّذي يَنبَغي لَهُ بِعَينِهِ فَكَيفَ أدرَكَتِ العُقولُ والحِكمَةُ والحَواسُّ هذا وَهُوَ غائِبٌ فِي الجَوفِ ، وَالعُروقُ في اللّحمِ ، وَفَوقَهُ الجِلدُ لا يُدرِكُ بِسَمعٍ ولا بِبَصَرٍ وَلا بِشَمٍّ ولا بِلَمسٍ وَلا بِذَوقٍ ؟ قالَ : لَقَد جِئتَ بِما أعرِفُهُ إلاّ أنَّنا نَقولُ : إنَّ الحَكيمَ الّذي وَضَعَ هذهِ الأدوِيَةَ وَأخلاطَها كان إذا سَقى أحَداً شيئاً مِن هذهِ الأدوِيَةِ فَماتَ ، شَقَّ بَطنَهُ وَتَتَّبعُ عُروقَهُ وَنَظَرَ مَجارِيَ تِلكَ الأدوِيَةِ وَأتى المَواضِعَ الّتي تِلكَ الأدوِيَةُ فيها . قلتُ : فَأخبِرني ألَستَ تَعلَمُ أنَّ الدَّواءَ كُلَّهُ إذا وَقَعَ فِي العُروقِ اختَلَطَ بِالدَّمِ فَصارَ شَيئاً واحِداً؟ قالَ : بَلى . قلتُ : أما تَعلَمُ أنَّ الإنسانَ إذا خَرَجَت نَفسُهُ بَرَدَ دَمُهُ وَجَمَدَ؟ قالَ : بَلى . قلتُ : فَكَيفَ عَرَف ذلِكَ الحَكيمُ دَواءَهُ الّذي سَقاهُ لِلمَريضِ بَعدَما صارَ غَليظاً عَبيطاً ، لَيسَ بِأمشاجٍ يُستَدَلُّ عَلَيهِ بِلَونٍ فيهِ غَيرُ لَونِ الدَّمِ ؟

.

ص: 60

قالَ : لَقَد حَمَلتَني على مَطِيَّةٍ صَعبَةٍ ما حُمِلتُ على مِثلِها قَطُّ ، وَلَقَد جِئتَ بِأشياءَ لا أقدِرُ على رَدِّها . قلتُ : فأخبِرني مِن أينَ عَلِمَ العِبادُ ما وَصَفتَ مِن هذهِ الأدوِيَةِ الّتي فيها المَنافِعُ لَهُم حَتّى خَلَطوها وَتَتَّبعوا عَقاقيرَها في هذهِ البُلدانِ المُتَفَرّقَةِ ، وَعَرَفوا مَواضِعَها وَمَعادِنَها في الأماكِنِ المُتبائِنَةِ ، وما يَصلُحُ مِن عُروقِها وَزِنَتِها مِن مَثاقيلِها وَقَراريطِها ، وَما يَدخُلُها مِنَ الحِجارَةِ ومَرارِ السِّباعِ وَغَيرِ ذلِكَ ؟ قالَ : قَد أعيَيتُ عَن إجابَتِكَ لِغُموضِ مسائِلِكَ وإلجائِكَ إيّايَ إلى أمر لا يُدرَكُ عِلمُهُ بِالحَوَاسّ ، وَلا بِالتّشبيهِ وَالقِياس ، ولابُدَّ أن يَكونَ وَضَعَ هذهِ الأدوِيَةَ واضِعٌ ، لِأنَّها لَم تَضَع هِيَ أنفُسَها ، وَلا اجتَمَعَت حَتّى جَمَعَها غَيرُها بَعدَ مَعرِفَتِهِ إيَّاها ، فَأخبِرني كَيفَ عَلِمَ العِبادُ هذهِ الأدوِيَةَ الّتي فيها المَنافِعُ حَتّى خَلَطوها وَطَلَبوا عَقاقيرَها في هذهِ البُلدانِ المُتَفَرِّقَةِ؟ قلتُ : إنّي ضارِبٌ لَكَ مَثَلاً وَناصِبٌ لَكَ دَليلاً تَعرِفُ بهِ واضِعَ هذهِ الأدوِيَةِ وَالدَّالَ على هذهِ العَقاقيرِ المُختَلِفَةِ ، وَباني الجَسَدِ وَوَاضِعِ العُروقِ الّتي يَأخُذُ فيها الدَّواءُ إلى الدَّاءِ . قال : فإن قُلتُ ذلِكَ لَم أجِد بُدّاً مِنَ الانقِيادِ إلى ذلِكَ . قُلتُ : فَأخبِرني عَن رَجُلٍ أنشَأ حَديقَةً عَظيمَةً ، وَبَنى عَلَيها حائِطاً وَثيقاً ، ثُمَّ غَرَسَ فيها الأشجارَ وَالأثمارَ وَالرّياحينَ والبُقولَ ، وَتَعاهَدَ سَقيَها وَتَربِيَتَها ، وَوَقاها ما يَضُرُّها ، حَتّى لا يَخفى عَلَيهِ مَوضِعُ كُلِّ صِنفٍ مِنها فإذا أدرَكَت أشجارُها وَأينَعَت أثمارُها واهتَزَّت بُقولُها دَفَعَت إلَيهِ فَسَألتَهُ أن يُطعِمَكَ لَوناً مِنَ الثّمارِ والبُقولِ سَمّيتَهُ لَهُ ، أتُراهُ كانَ قادِراً على أن يَنطَلِقَ قاصِداً مُستَمِرّاً لا يَرجِعُ ، وَلا يَهوي إلى شَيءٍ يَمُرُّ بِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ وَالبُقولِ ، حَتّى يأتي الشَّجَرَةَ الّتي سَألتَهُ أن يأتِيَكَ بِثَمَرِها ، وَالبَقلَةَ

.

ص: 61

الّتي طَلَبتَها ، حَيثُ كانَت مِن أدنى الحَديقَةِ أو أقصاها فَيأتيكَ بِها ؟ قال: نَعَم . قلتُ : أفَرأيتَ لَو قالَ لَكَ صاحِبُ الحَديقَةِ حَيثُ سَألتَهُ الثَّمَرَةَ : ادخُلِ الحديقَةَ فَخُذ حاجَتَكَ ، فإنّي لا أقدِرُ على ذلِكَ ، هَل كُنتَ تَقدِرُ أن تَنطَلِقَ قاصِداً لا تَأخُدُ يَميناً وَلا شِمالاً حَتّى تَنتَهي إلى الشَّجَرَةِ فَتَجتَني مِنها ؟ قالَ : وَكَيفَ أقدِرُ على ذلِكَ وَلا عِلمَ لي في أيِّ مَواضِعِ الحَديقَةِ هِيَ؟ قلتُ : أفَلَيسَ تَعلَمُ أنَّكَ لَم تَكُن لِتُصيبَها دونَ أن تَهجِمَ عَلَيها بِتَعَسُّفٍ وَجَوَلانٍ في جَميعِ الحَديقَةِ حَتّى تَستَدِلَّ عَلَيها بِبَعضِ حَوَاسّكَ بَعدَ ما تَتَصَفَّحُ فيها مِنَ الشَّجَرَةِ ، شَجَرَةً شَجَرَةً وَثَمَرَةً ثَمَرَةً حَتّى تَسقُطَ عَلى الشَّجَرَةِ الّتي تَطلُبُ بِبَعضِ حَواسِّكَ أن تأتيَها ، وإن لَم تَرَها انصَرَفتَ؟ قالَ : وَكَيفَ أقدِرُ على ذلِكَ وَلَم اُعايِن مَغرِسَها حَيثُ غُرِسَت ، وَلا مَنبِتَها حَيثُ نَبَتَت ، وَلا ثَمَرَتَها حَيثُ طَلَعَت . قُلتُ : فإنّهُ يَنبَغي لَكَ أن يَدُلُّكَ عَقلُكَ حَيثُ عَجَزَت حَواسُّكَ عَن إدراكِ ذلِكَ إنَّ الّذي غَرَسَ هذا البُستانَ العظيمَ فيما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَغَرَسَ فيهِ هذهِ الأشجارِ وَالبُقولِ هُوَ الّذي دَلَّ الحَكيمَ الّذي زَعَمتَ أنَّهُ وَضَعَ الطّبَّ على تِلكَ العَقاقيرِ وَمَواضِعِها في المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، وَكذلِكَ يَنبَغي لَكَ أن تَستَدِلَّ بِعَقلِكَ على أنَّهُ هُوَ الّذي سَمّاها وسمّى بلدتها ، وَعَرَفَ مَواضِعَها كَمَعرِفَةِ صاحِبِ الحَديقَةِ الّذي سَألتَهُ الثَّمَرَةَ ، وَكذلِكَ لا يَستَقيم وَلا يَنبَغي أن يكونَ الغارِسُ وَالدالُّ عَلَيها إلاّ الدَالّ على مَنافِعِها وَمَضارِّها وَقَراريطِها وَمَثاقيلِها . قالَ : إنّ هذا لَكَما تَقولُ . قُلتُ : أفَرَأيتَ لَو كانَ خالِقُ الجَسَدِ وَما فيهِ مِنَ العَصَبِ وَاللَّحمِ وَالأمعاءِ

.

ص: 62

وَالعُروقِ الّتي يَأخُذُ فيها الأدوِيَةُ إلى الرَّأسِ وَإلى القَدَمَينِ وَإلى ما سِوى ذلِكَ ، غَيرَ خالِقِ الحَديقَةِ وَغارِسِ العَقاقيرِ ، هَل كانَ يَعرِفُ زِنَتَها وَمَثاقيلَها وَقَراريطَها وَما يَصلُحُ لِكُلِّ داءٍ مِنها ، وما كانَ يأخُذُ في كُلِّ عِرقٍ؟ قالَ : وَكَيفَ يَعرِفُ ذلِكَ أو يَقدِرُ عَلَيهِ ، وَهذا لا يُدرَكَ بالِحَواسِّ، ما يَنبَغي أن يعرِفَ هذا إلاّ الّذي غَرَسَ الحَديقَةَ وَعَرَفَ كُلَّ شَجَرَةٍ وَبَقلَةٍ وَما فيها مِنَ المنافِعِ والمَضارِّ. قُلتُ : أفَلَيسَ كذلِكَ يَنبَغي أن يَكونَ الخالِقُ واحِداً ، لأنّهُ لَو كانَ اثنَينِ أحدُهُما خالِقُ الدَّواءِ وَالآخَرُ خالِقُ الجَسَدِ وَالدّاءِ ، لَم يَهتَد غارِسُ العَقاقيرِ لاِءيصالِ دَوائِهِ إلى الدَّاءِ الّذي بِالجَسَدِ ، مِمِّا لا علِمَ لَهُ بِهِ ، ولا اهتدى خالِقُ الجَسَدِ إلى عِلمِ ما يُصلِحُ ذلِكَ الدّاءَ مِن تِلكَ العَقاقيرِ ، فَلَمّا كانَ خالِقُ الدّاءِ والدَّواءِ وَاحِداً أمضَى الدَّواءَ في العُروقِ الّتي بَرَأ وَصَوَّرَ إلى الدّاءِ الّذي عَرَفَ وَوَضَعَ فَعَلِمَ مِزاجَها مِن حَرِّها وَبَردِها وَليِّنِها وَشَديدِها وما يَدخُلُ في كُلِّ دَواءٍ مِنهُ مِن القَراريطِ وَالمَثاقيلِ ، وما يَصعَدُ إلى الرّأسِ مِنها ، وما يَهبِطُ إلى القَدَمَينِ مِنها ، وما يَتَفَرَّقُ مِنهُ فيما سِوى ذلِكَ . قالَ : لا أشُكُّ في هذا ؛ لأنّهُ لَو كانَ خالِقُ الجَسَدِ غَيرَ خالِقِ العَقاقيرِ لَم يَهتَدِ واحِدٌ مِنهُما إلى ما وَصَفتَ. قُلتُ : فَإنَّ الّذي دَلَّ الحَكيمَ الّذي وَصَفتَ أنّهُ أوّلُ مَن خَلَطَ هذهِ الأدوِيَةَ وَدَلَّ على عَقاقيرِها المُتَفَرِّقَةِ فيما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، وَوَضَعَ هذا الطِّبَّ على ما وَصَفتُ لَكَ ، هُوَ صاحِبُ الحَديقَةِ فيما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، وَهُوَ باني الجَسَدِ ، وَهُوَ دَلَّ الحَكيمَ بِوَحيٍ مِنهُ على صِفَةِ كُلِّ شَجَرَةٍ وَبَلَدِها ، وَما يَصلُحُ مِنها مِنَ العُروقِ وَالثّمارِ وَالدُّهنِ وَالوَرَقِ وَالخَشَبِ وَاللِّحاءِ ، وَكذلِكَ دَلَّهُ على أوزانِها مِن مَثاقيلِها وَقَراريطِها وَما يَصلُحُ لِكُلِّ داءٍ مِنها ، وَكذلِكَ هُوَ خالِقُ السِّباعِ وَالطَّيرِ وَالدَّوابِّ الّتي

.

ص: 63

في مَرارِها المَنافِعُ ، مِمّا يَدخُلُ في تِلكَ الأدوِيَةِ ، فَإنَّهُ لَو كانَ غَيرَ خالِقِها لَم يَدرِ ما يُنتَفَعُ بِهِ مِن مَرارِها وما يَضُرُّ وما يَدخُلُ مِنها فِي العَقاقيرِ ، فَلَمّا كانَ الخالِقُ سُبحانَهُ وَتَعالى وَاحِداً دَلَّ على ما فيهِ مِنَ المَنافِعِ مِنها ، فَسَمّاهُ باسمِهِ حَتّى عَرَفَ وَتَرَكَ ما لا مَنفَعَةَ فيهِ مِنها ، فَمِن ثَمَّ عَلِمَ الحَكيمُ أيَّ السِّباعِ وَالدَّوابِّ وَالطَّيرِ فيهِ المنافِعُ ، وأيُّها لا مَنفَعَةَ فيهِ ، وَلَولا أنّ خالِقَ هذهِ الأشياءِ دَلّهُ عَلَيها ما اهتَدى بِها . قال : إنّ هذا لَكما تَقولُ ، وَقَد بَطُلَتِ الحَوَاسُّ وَالتَّجارِبُ عِندَ هذهِ الصِّفاتِ . قلتُ : أمّا إذا صَحَّت نَفسُكَ ، فَتَعالَ نَنظُرُ بِعُقولِنا وَنَستَدِلُّ بِحَواسِّنا ، هَل كانَ يَستقيمُ لِخالِقِ هذهِ الحَديقَةِ ، وَغارِسِ هذهِ الأشجارِ ، وخالِقِ هذهِ الدَّوابِّ والطَّيرِ والنّاسِ ، الّذي خَلَقَ هذهِ الأشياءَ لِمَنافِعِهِم أن يَخلُقَ هذا الخَلقَ ، وَيَغرِسَ هذا الغَرسَ في أَرضِ غَيرِهِ ، مِمّا إذا شاءَ مَنعَهُ ذلِكَ ؟ قالَ : ما يَنبغي أن تَكونَ الأرضُ الّتي خُلِقَت فيها الحَديقَةُ العَظيمَةُ وَغُرِسَت فيهِ الأشجارُ ، إلاّ لِخالِقِ هذا الخَلقِ وَملِكَ يَدِهِ . قلتُ : فَقَد أرى الأرضَ أيضاً لِصاحِبِ الحَديقَةِ لاتِّصالِ هذهِ الأشياءِ بَعضِها بِبَعضٍ . قالَ : ما في هذا شَكٌّ . قلتُ : فَأخبرني وَناصِحَ نَفسَكَ ، ألَستَ تَعلَمُ أنّ هذهِ الحَديقَةَ وَما فيها مِنَ الخِلقَةِ العَظيمَةِ مِنَ الإنسِ وَالدَّوابِّ وَالطّيرِ وَالشَّجَرِ وَالعَقاقيرِ وَالثِّمارِ وَغَيرِها ، لا يُصلِحُها إلاّ شِربُها وَرِيُّها مِنَ الماءِ الّذي لا حَياةَ لِشَيءٍ إلاّ بِهِ ؟ قالَ : بلى. قلتُ : أفَتَرى الحَديقَةَ وَما فيها مِنَ الذّرءِ خالِقُها واحِدٌ ، وخالِقُ الماءِ غَيرُهُ يَحبِسُهُ عَن هذهِ الحَديقَةِ إذا شاءَ وَيُرسِلُهُ إذا شاءَ فَيُفسِدُ على خالِقِ الحَديقَةِ ؟

.

ص: 64

قالَ : ما يَنبغي أن يَكونَ خالِقُ هذهِ الحَديقَةِ وذارِئُ هذا الذّرءِ الكَثيرِ ، وَغارِسُ هذهِ الأشجارِ إلاّ المُدَبِّرُ الأوّلُ ، ومَا ينبغي أن يَكونَ ذلِكَ الماءُ لِغَيرِهِ ، وَإنَّ اليَقينَ عِندي لَهُوَ أنَّ الّذي يُجري هذهِ المِياهِ مِن أرضِهِ وَجِبالِهِ لَغارِسُ هذهِ الحَديقَةِ وَما فيها مِنَ الخَليقَةِ ؛ لأنّهُ لَو كانَ الماءُ لِغَيرِ صاحِبِ الحَديقَةِ لَهَلَكَ الحَديقَةُ وَما فيها، وَلكِنَّهُ خالِقُ الماءِ قَبلَ الغَرسِ وَالذَّرءِ ، وَبِهِ استَقامَت الأشياءُ وَصَلُحَت . قلتُ : أفَرَأيتَ لَو لَم يَكُن لِهذِهِ المِياهِ المُنفَجِرَةِ في الحَديقَةِ مُغيضٌ لِما يَفضُلُ مِن شِربِها يَحبِسُهُ عَنِ الحَديقَةِ أن يَفيضَ عَلَيها ، ألَيسَ كانَ يَهلِكُ ما فيها مِنَ الخَلقِ على حَسبِ ما كانوا يَهلِكونَ لَو لَم يَكُن لَها ماءٌ؟ قال : بلى ، وَلكنِّي لا أدري ، لَعَلّ هذا البَحرَ لَيسَ لَهُ حابِسٌ ، وأنّهُ شَيءٌ لَم يَزَل . قلتُ : أمّا أنتَ فَقَد أعطَيتَني أنَّهُ لَولا البَحرُ وَمَغيضُ المِياهِ إليه ، لَهَلَكَت الحَديقَةُ . قال: أجَل . قلتُ : فَإنّي أُخبِرُك عَن ذلِكَ بِما تَستَيقِنُ بِأنَّ خالِقَ البَحرِ هُوَ خالِقُ الحَديقَةِ وَما فيها من الخليقة ، وَأنَّهُ جَعَلَهُ مَغيضاً لِمِياهِ الحَديقَةِ مَعَ ما جَعَلَ فيهِ مِنَ المَنافِعِ لِلنّاسِ . قالَ : فاجعَلني من ذلِكَ على يَقينٍ ، كما جَعَلتَني مِن غَيرِهِ. قلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنّ فُضولَ ماءِ الدُّنيا يَصيرُ في البَحرِ؟ قالَ : بلى. قلتُ : فَهَل رَأيتَهُ زائِداً قَطُّ في كَثرَةِ الماءِ وَتَتابُعِ الأمطارِ على الحَدِّ الّذي لَم يَزَل عَلَيهِ ؟ أو هَل رَأيتَهُ ناقِصاً في قِلَّةِ المِياهِ وشِدَّةِ الحَرِّ وَشِدَّةِ القَحطِ؟ قال: لا. قلتُ : أفَلَيس يَنبغي أن يَدُلُّكَ عَقلُكَ على أنَّ خالِقَهُ وَخالِقَ الحَديقَةِ وما فيها مِنَ الخَليقَةِ واحِدٌ ، وأنّهُ هُوَ الّذي وَضَعَ لَهُ حَدّاً لا يُجاوِزُهُ لِكَثرَةِ الماءِ وَلا لِقِلَّتِهِ ، وَأنَّ مِمّا

.

ص: 65

يُستَدَلُّ به على ما أقولُ أنّهُ يُقبِلُ بِالأمواجِ أمثالَ الجِبالِ يُشرِفُ عَلى السَّهلِ وَالجَبَلِ ، فَلَو لَم تُقبَض أمواجُهُ وَلَم تُحبَس فِي المَواضِعِ الّتي أُمِرَت بِالاحتباسِ فيها ، لَأطبَقَت عَلى الدُّنيا حَتّى إذا انتَهَت على تِلكَ المَواضِعِ الّتي لَم تَزَل تَنتَهي إليها ، ذَلَّت أمواجُهُ وَخَضَعَ إشرافُهُ . قال: إنّ ذلِكَ لَكَما وَصَفتَ وَلَقَد عايَنتُ مِنهُ كُلَّ الّذي ذَكَرتَ ، وَلَقَد أتيتَني بِبُرهانٍ وَدِلالاتٍ ما أقدَرُ على إنكارِها ولا جُحودِها لِبَيانِها . قلتُ : وَغيرَ ذلِكَ سآتيكَ بِهِ مِمّا تَعرِفُ اتّصالَ الخَلقِ بَعضُه بِبَعضٍ ، وَأنّ ذلِكَ مِن مُدَبِّرٍ حَكيمٍ عالِمٍ قَديرٍ. ألستَ تَعلَمُ أنَّ عامَّةَ الحَديقَةِ لَيسَ شِربُها مِنَ الأنهارِ وَالعُيونِ وَأنَّ أعظَمَ ما يَنبُتُ فيها مِنَ العَقاقيرِ وَالبُقولِ الّتي في الحَديقَةِ ، وَمَعاشَ ما فيها مِنَ الدّوابِّ والوَحشِ وَالطّيرِ مِنَ البَراري الّتي لا عُيونَ لَها وَلا أنهارَ ، إنّما يَسقيهِ السَّحابُ ؟ قال: بلى. قُلتُ : أفَلَيسَ يَنبغي أن يَدُلُّكَ عَقلُكَ وَما أدرَكتَ بِالحَواسِّ الّتي زَعَمتَ أنّ الأشياءَ لا تُعرَفُ إلاّ بِها ، أنّهُ لَو كانَ السَّحابُ الّذي يَحتَمِلُ مِنَ المِياهِ إلى البُلدانِ وَالمَواضِعِ الّتي لا تَنالُها ماءُ العُيونِ وَالأنهارِ وَفيها العَقاقيرُ وَالبُقولُ وَالشَّجَرُ والأنامُ لِغَيرِ صاحِبِ الحَديقَةِ لَأمسَكَهُ عَنِ الحَديقَةِ إذا شاءَ ، وَلَكانَ خالِقُ الحَديقَةِ مِن بَقاءِ خَليقَتِهِ الّتي ذَرَأ وَبَرَأ على غُرورٍ وَوَجَلٍ ، خائِفاً على خَليقَتِهِ أن يَحبِسَ صاحِبُ المَطَرِ الماءَ الّذي لا حَياةَ لِلخَليقَةِ إلاّ بِهِ . قالَ : إنَّ الّذي جِئتَ بِهِ لَواضِحٌ مُتَّصِلٌ بَعضُهُ بِبَعضٍ ، وَما يَنبَغي أن يَكونَ الّذي خَلَقَ هذهِ الحَديقَةَ وَهذهِ الأرضَ ، وَجَعَلَ فيها الخَليقَةَ ، وخَلَقَ لَها هذا المَغيضَ ، وَأنبَتَ فيها هذهِ الثّمارَ المُختَلِفَةَ إلاّ خالِقُ السّماءِ وَالسَّحابِ ، يُرسِلُ مِنها ما شاءَ مِنَ الماءِ إذا شاءَ أن يَسقِيَ الحَديقَةَ وَيُحيي ما في الحَديقَةِ مِنَ الخَليقَةِ وَالأشجارِ

.

ص: 66

وَالدَّوابِّ والبُقولِ وَغَيرِ ذلِكَ ، إلاّ أنّي أُحِبُّ أن تأتِيَني بِحُجَّةٍ أزدادُ بِها يقيناً ، وَأخرُجُ بِها مِنَ الشَكِّ. قلتُ : فإنّي آتيك بِها إن شاءَ اللّهُ مِن قِبَلِ إهليلجَتِكَ وَاتّصالِها بالِحَديقَةِ ، وَما فيها مِنَ الأشياءِ المُتَّصِلَةِ بِأسبابِ السَّماءِ ، لِتَعلَمَ أنّ ذلِكَ بِتَدبيرِ عَليمٍ حَكيمٍ. قال: وَكَيفَ تَأتيني بِما يُذهِبُ عَنّي الشَكَّ مِن قِبَلِ الإهليلجَةِ ؟ قلتُ : فيما اُريكَ فيها مِن إتقانِ الصُّنعِ ، وَأثَرِ التَّركيبِ المُولّفِ ، واتِّصالِ ما بَينَ عُروقِها إلى فُروعِها ، وَاحتِياجِ بَعضِ ذلِكَ إلى بَعضٍ ، حَتّى يَتَّصِلَ بِالسَّماءِ . قال: إن أرَيتَني ذلِكَ لَم أشُكَّ. قُلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنّ الإهليلجَةَ نابِتَةٌ في الأرضِ ، وَأنَّ عُروقَها مُولَّفَةٌ إلى أصلٍ ، وَأنّ الأصلَ مُتَعَلِّقٌ بِساقٍ مُتَّصِلٍ بِالغُصونِ ، وَالغُصونُ مُتَّصِلَةٌ بِالفُروعِ ، وَالفُروعُ مَنظومَةٌ بِالأكمامِ وَالوَرَقِ ، وَمَلبسُ ذلِكَ كُلِّهِ الوَرَقُ ، وَيَتَّصِلُ جَميعُهُ بِظِلٍّ يَقيهِ حَرَّ الزَّمانِ وَبَردِهِ ؟ قالَ : أمّا الإهليلجَةُ فَقَد تَبَيَّنَ لي اتّصالُ لِحائِها وما بَينَ عُروقِها وَبَينَ وَرَقِها وَمَنبَتِها مِنَ الأرضِ ، فَأشهَدُ أنّ خالِقَها واحِدٌ لا يَشرُكُهُ في خَلقِها غَيرُهُ لإتقانِ الصُّنعِ وَاتّصالِ الخَلقِ وَايتِلافِ التَّدبيرِ وإحكامِ التّقديرِ. قلتُ : إن أريتُكَ التّدبيرَ مُولِفاً بِالحِكمَةِ وَالإتقانِ ، مُعتَدِلاً بِالصَّنعَةِ ، مُحتاجاً بَعضُهُ إلى بَعضٍ ، مُتَّصِلاً بِالأرضِ الّتي خَرَجَت مِنهُ الإهليلجَةُ في الحالاتِ كُلِّها أتُقِرُّ بِخالِقِ ذلِكَ؟ قالَ : إذن ، لا أشُكُّ في الوَحدانِيَّةِ . قلتُ : فَافهَم وَافقَه ما أصِفُ لَكَ : ألَستَ تَعلَمُ أنَّ الأرضَ مُتَّصِلَةٌ بِإهليلجَتِكَ ، وَإهليلجَتُكَ مُتّصِلَةٌ بِالتُّرابِ ، وَالتُّرابُ مُتَّصِلٌ بِالحَرّ وَالبَردِ ، وَالحَرُّ وَالبَردُ مُتَّصِلانِ

.

ص: 67

بِالهَواءِ وَالهَواءُ مُتَّصِلٌ بالرّيحِ ، وَالرّيحُ مُتَّصِلَةٌ بِالسَّحابِ ، وَالسَّحابُ مُتَّصِلٌ بِالمَطَرِ ، والمَطَرُ مُتَّصِلٌ بِالأزمِنَةِ ، وَالأزمِنَةُ مُتَّصِلَةٌ بِالشَّمسِ وَالقَمَرِ ، وَالشَّمسُ وَالقَمَرُ مُتَّصِلتانِ بِدَوَرانِ الفَلَكِ ، وَالفَلَكُ مُتَّصِلٌ بِما بَينَ السَّماءِ وَالأرضِ ، صَنعَةٌ ظاهِرَةٌ ، وَحِكمَةٌ بالِغَةٌ ، وَتأليفٌ مُتقَنٌ ، وَتَدبيرٌ مُحكَمٌ ، مُتَّصِلٌ كُلُّ هذا ما بَيَن السَّماءِ وَالأرضِ ، لا يَقومُ بَعضُهُ إلاّ بِبَعضٍ ، ولا يَتَأخَّرُ واحِدٌ مِنهُما عَن وَقتِهِ ، وَلَو تَأخَّرَ عَن وَقتِهِ لَهَلَكَ جَميعُ مَن فِي الأرضِ مِنَ الأنامِ وَالنَّباتاتِ؟ قالَ : إنّ هذهِ لَهِيَ العَلاماتُ البَيِّناتُ ، وَالدّلالاتُ الواضِحاتُ الّتي يَجري مَعَها أثَرُ التّدبيرِ ، بإتقانِ الخَلقِ وَالتّأليفِ مَعَ إتقانِ الصُّنعِ ، لَكنّي لَستُ أدري لَعَلَّ ما تَركتَ غَيرَ مُتَّصِلٍ بِما ذَكرتَ . قلتُ : وما تَركتُ؟ قالَ : النّاسُ . قلتُ : ألَستَ تَعلَمُ أنّ هذا كُلَّهُ مُتَّصِلٌ بِالنّاسِ ، سَخَّرَهُ لَها المُدَبِّرُ الّذي أعلَمتُكَ أنّهُ إن تَأخَّرَ شيءٌ مِمّا عَدَدتُ عَلَيكَ هَلَكَتِ الخَليقَةُ ، وَبادَ جَميعُ ما فِي الحَديقَةِ ، وَذَهَبَتِ الإهليلجَةُ الّتي تَزعُمُ أنَّ فيها منافِعَ النّاسِ ؟ قال : فَهَل تَقدِرُ أن تُفَسِّرَ لي هذا البابَ على ما لَخَّصتَ لي غَيرَهُ؟ قُلتُ : نَعَم اُبيّنُ لَكَ ذلِكَ مِن قِبَلِ إهليلجَتِكَ ، حَتّى تَشهَدَ أنّ ذلِكَ كُلَّهُ مُسَخَّرٌ لِبَني آدَمَ . قال : وَكَيفَ ذلِكَ ؟ قلتُ : خَلَقَ اللّهُ السّماءَ سَقفاً مَرفوعاً ، وَلَولا ذلِكَ اغتَمَّ خَلقُهُ لِقُربِها ، وأحرَقَتهُم الشَّمسُ لِدُنُوِّها ، وَخَلَقَ لَهُم شُهُباً وَنُجوماً يُهتَدى بِها فِي ظُلماتِ البَرِّ وَالبَحرِ لِمَنافِعِ النّاسِ ، وَنُجوماً يُعرَفُ بِها أصلُ الحِسابِ ، فيها الدِّلالاتُ على إبطالِ الحَواسِّ ،

.

ص: 68

وَوجودِ مُعَلِّمِها الّذي عَلّمَها عِبادَهُ ، مِمّا لا يُدرَكُ عِلمُها بِالعُقولِ فَضلاً عَنِ الحَواسِّ ، ولا يَقَعُ عَلَيها الأوهامُ وَلا يَبلُغُها العُقولُ إلاّ بِهِ ؛ لأنّهُ العَزيزُ الجَبّارُ الّذي دَبَّرَها ، وجَعَلَ فيها سِراجاً وَقَمَراً مُنيراً ، يَسبَحان في فَلَكٍ يَدورُ بِهِما دَائِبَينِ ، يُطلِعُهما تارَةً وَيُولُهُما اُخرى، فَبَنى عَلَيهِ الأيّامَ وَالشُّهورَ وَالسّنينَ الّتي هِيَ مِن سَبَبِ الشّتاءِ وَالصَّيفِ وَالرَّبيعِ وَالخَريفِ ، أزمِنَةٌ مُختَلِفَةُ الأعمالِ ، أصلُها اختِلافُ اللَّيلِ وَالنَّهارِ اللَّذينِ لَو كانَ واحِدٌ مِنهُما سَرَمَداً عَلى العِبادِ لَما قامَت لَهُم مَعايِشُ أبَداً ، فجَعَلَ مُدَبِّرُ هذهِ الأشياءِ وخالِقُها النّهارَ مُبصِراً وَاللَّيلَ سَكَناً ، وَأهبَطَ فيهِما الحَرَّ وَالبَردَ مُتبائِنَينِ ، لَو دامَ واحِدٌ مِنهُما بِغَيرِ صاحِبِهِ ما نَبَتَت شَجَرَةٌ وَلا طَلَعَت ثَمَرَةٌ ، وَلَهَلَكَت الخَليقَةُ لِأنَّ ذلِكَ مُتَّصِلٌ بِالرّيحِ المُصرَّفَةِ فِي الجِهاتِ الأربَعِ ، باردَةٌ تُبَرِّدُ أنفاسَهُم ، وَحارَّةٌ تُلقِحُ أجسادَهُم وَتَدفَعُ الأذى عَن أبدانِهِم وَمَعايِشِهِم، وَرُطوبَةٌ تُرَطِّبُ طَبائِعَهُم ، وَيُبوسَةٌ تُنَشِّفُ رُطوباتِهِم ، وَبِها يَأتَلِفُ المُفتَرِقُ وَبِها يَتفَرّقُ الغَمامُ المُطبِقُ ، حَتّى يَنبَسِطَ في السَّماءِ كَيفَ يَشاءُ مُدَبِّرُهُ فَيَجعَلُهُ كِسَفاً ، فَتَرى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِهِ بِقَدَرٍ مَعلومٍ لِمَعاشٍ مَفهومٍ ، وأرزاقٍ مَقسومَةٍ وَآجالٍ مَكتوبَةٍ ، وَلَوِ احتَبَسَ عَن أزمِنَتِهِ وَوَقتِهِ هَلَكَتِ الخَليقَةُ وَيَبَسَتِ الحَديقَةُ ، فَأنزَلَ اللّهُ المَطرَ في أيّامِهِ وَوَقتِهِ إلى الأرضِ الّتي خَلَقها لِبَني آدَمَ ، وَجَعَلَها فَرشاً وَمِهاداً ، وَحَبَسها أن تَزولَ بِهِم ، وَجَعَل الجِبالَ لَها أوتاداً، وَجَعَلَ فيها يَنابيعَ تَجري فِي الأرضِ بِما تُنبِتُ فيها ، لا تَقومُ الحَديقَةُ وَالخَليقَةُ إلاّ بِها ، وَلا يَصلُحونَ إلاّ عَلَيها مَعَ البِحارِ الّتي يَركَبونَها ، وَيَستَخرِجونَ مِنها حِليَةً يَلبسونَها وَلَحماً طَرِيّاً وَغَيرَهُ يَأكلونَهُ ، فَعَلِمَ أنّ إلهَ البَرِّ وَالبَحرِ وَالسَّماءِ وَالأرضِ وَما بَينَهُما واحِدٌ ، حَيٌّ قَيّومٌ مُدَبّرٌ حَكيمٌ ، وَأنَّهُ لَو كانَ غَيرُهُ لاختَلَفَتِ الأشياءُ . وَكذلِكَ السَّماءُ نَظيرُ الأرضِ الّتي أخرَجَ اللّهُ مِنها حَبّاً وَعِنَباً وَقَضباً ، وَزيتوناً ونَخلاً ، وَحَدائِقَ غُلباً ، وفاكِهَةً وأبّاً ، بِتَدبيرٍ مُوفٍ مُبَيَّنٍ ، بِتَصويرِ الزَّهرَةِ والثَّمَرَةِ

.

ص: 69

حَياةً لِبَني آدَمَ ، وَمَعاشاً يَقومُ بِهِ أجسادُهُم ، وَتَعيشُ بِها أنعامُهُم الّتي جَعَلَ اللّهُ في أصوافِها وَأوبارِها وَأشعارِها أثاثاً وَمَتاعاً إلى حينٍ ، وَالانتِفاعَ بِها وَالبَلاغَ على ظُهورِها مَعاشاً لَهُم لا يَحيَونَ إلاّ بِهِ ، وَصَلاحاً لا يَقومونَ إلاّ عَلَيهِ ، وَكذلِكَ ما جَهِلتَ مِنَ الأشياءِ فلا تَجهَلُ أنّ جَميعَ ما فِي الأرضِ شَيئان : شَيءٌ يُولَدُ ، وَشَيءٌ يَنبُتُ ، أحَدُهُما آكِلٌ ، وَالآخَرُ مَأكولٌ ، وَمِمّا يَدُلُّكَ عَقلُكَ أنَّهُ خالِقُهُم ، ما تَرى مِن خَلقِ الإنسانِ وَتَهيِئَةِ جَسَدِهِ لِشَهوَةِ الطّعامِ، وَالمَعِدَةِ لِتَطحَنَ المأكولَ ، ومَجارِيَ العُروقِ لِصَفوَةِ الطَّعامِ ، وَهَيّأ لَها الأمعاءَ ، وَلَو كانَ خالِقُ المَأكولِ غَيرَهُ لَما خَلَقَ الأجسادَ مُشتَهِيَةً لِلمأكولِ ، وَلَيسَ لَهُ قُدرَةٌ عَلَيهِ . قال: لَقَد وَصَفتَ صِفَةً أعلَمُ أنّها مِن مُدَبِّرٍ حَكيمٍ لَطيفٍ قَديرٍ عَليمٍ ، قَد آمَنتُ وَصَدَّقتُ أنَّ الخالِقَ واحِدٌ سُبحانَهُ وَبِحَمدِهِ ، غَيرَ أنّي أشُكُّ في هذهِ السّمائِمِ القاتِلَةِ أن يكونَ هُوَ الّذي خَلَقَها ؛ لِأنّها ضارَّةٌ غَيرَ نافِعَةٍ ! قُلتُ : أليسَ قَد صارَ عِندَكَ أنَّها مِن غَيرِ خَلقِ اللّهِ؟ قال: نعم ؛ لأنَّ الخَلقَ عَبيدُهُ وَلَم يَكُن لِيَخلُقَ ما يَضُرُّهُم . قُلتُ : سَاُبصِّرُكَ مِن هذا شيئاً تَعرِفُهُ وَلا اُنبِئُكَ إلاّ مِن قِبَلِ إهليلجَتِكَ هذهِ وَعِلمِكَ بالطِّبِّ. قالَ : هاتِ. قلتُ : هَل تَعرِفُ شيئاً مِن النَّبتِ لَيسَ فيهِ مَضَرَّةٌ لِلخَلقِ ؟ قال : نَعَم. قُلتُ : ما هُوَ؟ قالَ : هذهِ الأطعِمَةُ . قلتُ : ألَيسَ هذا الطّعامُ الّذي وَصَفتَ يُغَيِّرُ ألوانَهُم ، وَيُهيجُ أوجاعَهُم حَتّى يَكونَ

.

ص: 70

مِنها الجُذامُ وَالبَرَصُ وَالسِّلالُ وَالماءُ الأصفَرُ ، وَغَيرُ ذلِكَ مِنَ الأوجاعِ ؟ قال : هُوَ كذلِكَ . قُلتُ : أمّا هذا البابُ فَقَدِ انكَسَرَ عَلَيكَ . قال : أجَل . قلتُ : هَل تَعرِفُ شَيئاً مِنَ النَّبتِ لَيسَ فيهِ مَنفَعَةٌ ؟ قالَ : نَعَم. قلتُ : ألَيسَ يَدخُلُ في الأدوِيَةِ الّتي يُدفَعُ بِها الأوجاعُ مِنَ الجُذامِ وَالبَرَصِ وَالسِّلالِ وَغَيرِ ذلِكَ ، وَيَدفَعُ الدّاءَ وَيُذهِبُ السُّقمَ مِمّا أنتَ أعلَمُ بهِ لِطولُ مُعالَجَتِكَ. قال : إنّهُ كذلِكَ . قُلتُ : فَأخبرني ، أيُّ الأدوِيَةِ عِندَكُم أعظَمُ في السَّمائِم القاتِلَةِ ، ألَيسَ التِّرياقُ ؟ قال : نَعَم ، هُوَ رَأسُها وَأوّلُ ما يُفزَعُ إلَيهِ عِندَ نَهشِ الحَيَّاتِ وَلَسعِ الهَوامِّ وَشُربِ السَّمائِمِ . قلتُ : ألَيسَ تَعلَمُ أنّهُ لابُدَّ لِلأدوِيَةِ المُرتَفِعَةِ وَالأدوِيَةِ المُحرِقَةِ فِي أخلاطِ التِّرياقِ إلاّ أن تُطبَخَ بِالأفاعي القاتِلَةِ ؟ قال : نَعَم ، هُوَ كذلِكَ ، ولا يَكونُ التِّرياقُ المُنتَفَعُ بِهِ ، الدّافِعُ للسّمائِم القاتِلَةِ إلاّ بذلِكَ ، وَلَقَد انكَسَرَ عَلَيّ هذا البابُ ، فَأنا أشهَدُ أن لا إلَه إلاّ اللّهُ ، وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، وأنّهُ خالِقُ السَّمائِمِ القاتِلَةِ وَالهَوامِّ العادِيَةِ ، وَجميعِ النَّبتِ وَالأشجارِ ، وَغارِسِها ومُنبِتِها ، وَبارِئ الأجسادِ ، وسائِقِ الرّياحِ ، وَمُسَخِّرِ السَّحابِ ، وأنّهُ خالِقُ الأدواءِ الّتي تَهيجُ بالإنسانِ كالسّمائِمِ القاتِلَةِ الّتي تَجري في أعضائِهِ وَعظامِهِ ، وَمُستَقَرِّ الأدواءِ وما يُصلِحُها مِنَ الدّواءِ ، العارِفِ بالرِّوحِ وَمَجرى الدَّمِ وأقسامِهِ في العُروقِ واتِّصالِهِ بِالعَصَبِ وَالأعضاءِ وَالعَصَبِ والجَسَدِ ، وأنّهُ عارِفٌ بِما يُصلِحُهُ مِنَ الحَرِّ

.

ص: 71

والبَردِ ، عالِمٌ بِكُلِّ عُضوٍ بِما فيهِ ، وَأنّهُ هُوَ الّذي وضَعَ هذه النُّجومَ وَحسابَها وَالعالِم بِها ، وَالدّالَّ على نُحوسِها وَسُعودِها وَما يَكونُ مِنَ المَواليدِ ، وأنّ التّدبيرَ واحِدٌ لَم يَختَلِف مُتَّصِلٌ فيما بَينَ السَّماءِ وَالأرضِ وَما فيها، فَبَيِّن لي كَيفَ قُلتَ ، هُوَ الأَوّلُ وَالآخَرُ وَهُوَ اللّطيفُ الخبيرُ ، وَأشباهُ ذلِكَ . قلتُ : هُوَ الأوّلُ بِلا كَيفٍ ، وَهُوَ الآخِرُ بِلا نِهايَةٍ ، لَيسَ لَهُ مَثَلٌ ، خَلَقَ الخَلقَ وَالأشياءَ لامِن شَيءٍ وَلاكَيفٍ، بِلا علاجٍ وَلامُعاناةٍ ولافِكرٍ وَلاكَيفٍ ، كما أنَّهُ لا كَيفَ لَهُ، وإنَّما الكَيفُ بِكَيفيَّةِ المَخلوقِ؛ لِأنَّهُ الأوّلُ لا بِدءَ لَهُ وَلا شِبهَ وَلا مِثلَ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ ، لا يُدرَكُ بِبَصرٍ وَلا يُحَسُّ بِلَمسٍ ، وَلا يُعرَفُ إلاّ بِخَلقِهِ تَبارَكَ وَتَعالى . قالَ : فَصِف لي قُوَّتَهُ . قلتُ : إنَّما سُمِّيَ رَبُّنا جَلَّ جَلالُهُ قَوِيّاً لِلخَلقِ العَظيمِ القَويّ الّذي خَلَقَ ، مِثلَ الأرضِ وَما عَلَيها مِن جِبالِها وَبِحارِهَا وَرِمالِها وَأشجارِها وَما عَلَيها مِنَ الخَلقِ المُتَحَرِّكِ مِنَ الإنسِ وَمِنَ الحَيوانِ ، وَتَصريفِ الرّياحِ وَالسَّحابِ المُسَخَّرِ المُثقَلِ بِالماءِ الكَثيرِ ، وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ وَعِظَمِهِما ، وعِظَمِ نُورِهِما الّذي لا تُدرِكُهُ الأبصارُ بُلوغاً ولا مُنتهىً ، وَالنّجومِ الجارِيَةِ ، وَدَوَرانِ الفَلَكِ ، وَغِلَظِ السَّماءِ ، وعِظَمِ الخَلقِ العظيمِ وَالسَّماءِ المُسقَّفَةِ فَوقَنا راكِدَةٌ فِي الهَواءِ ، وَما دونَها مِنَ الأرضِ المبسوطَةِ ، وما عَلَيها مِنَ الخَلقِ الثَّقيلِ ، وَهِيَ راكِدَةٌ لا تَتَحَرّكُ ، غَيرَ أنّهُ رُبَّما حَرَّكَ فيها ناحِيَةً ، والنّاحِيَةُ الاُخرى ثابِتَةٌ ، وَرُبَّما خَسَفَ مِنها ناحِيَةً ، والنّاحِيَةُ الاُخرى قائِمَةٌ ، يُرينا قُدرَتَهُ وَيَدُلُّنا بِفِعلِهِ على مَعرِفَتِهِ ، فَلِهذا سُمِّيَ قَويّاً لا لِقُوَّةِ البَطشِ المَعروفَةِ مِنَ الخَلقِ ، وَلَو كانَت قُوَّتُهُ تُشبِهُ قُوَّةَ الخَلقِ لَوقَعَ عَلَيهِ التَّشبيهُ ، وَكان مُحتَمِلاً لِلزيادَةِ ، وَما احتَمَل الزّيادَةَ كانَ ناقِصاً وَما كانَ ناقِصاً لَم يَكُن تَامّاً، وَما لَم يَكُن تامّاً كانَ عاجِزاً ضَعيفاً ، وَاللّهُ عز و جل لا يُشبَّهُ بِشَيءٍ ، وَإنَّما قُلنا : إنَّهُ قَوِيٌّ لِلخَلقِ القَوِيِّ، وَكذلِكَ قَولُنا : العَظيمُ وَالكبيرُ ، وَلا يُشَبَّهُ بِهذِهِ الأسماءِ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى .

.

ص: 72

قال : أفرَأيتَ قَولَهُ : سَميعٌ بَصيرٌ عالِمٌ ؟ قلتُ : إنَّما يُسَمَّى تبارَكَ وَتَعالى بِهذهِ الأسماءِ ؛ لِأنَّهُ لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ مِمَّا لا تُدرِكُهُ الأبصارُ مِن شَخصٍ صَغيرٍ أو كبيرٍ ، أو دَقيقٍ أو جَليلٍ ، وَلا نِصفَهُ بَصيراً بِلَحظِ عَينٍ كالمَخلوقِ ، وإنّما سُمِّيَ سَميعاً ؛ لِأنَّهُ ما يَكونُ مِن نَجوى ثلاثَةٍ إلاّ هُوَ رابِعُهُم ، وَلا خَمسَةٍ إلاّ هُوَ سادِسُهُم ، وَلا أدنى مِن ذلِكَ وَلا أكثَرَ إلاّ هُوَ مَعَهُم أينَما كانوا ، يَسمَعُ النَّجوى ، وَدَبيبَ النَّملِ على الصَّفا ، وَخَفَقانَ الطّيرِ في الهَواءِ ، لا تَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ وَلا شَيءٌ مِمّا أدركَتهُ الأسماعُ وَالأبصارُ ، وَما لا تُدرِكُهُ الأسماعَ وَالأبصارُ ، ما جَلَّ مِن ذلِكَ وَما دَقَّ ، وما صَغُرَ وَما كَبُرَ ، وَلَم نَقُل : سَميعاً بَصيراً ، كالسَّمعِ المَعقولِ مِنَ الخَلقِ ، وَكذلِكَ إنّما سُمِّيَ عَليماً لأنّهُ لا يَجهَلُ شيئاً مِنَ الأشياءِ ، لا تَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ في الأرضِ وَلا في السَّماءِ ، عَلِمَ ما يَكونُ وَما لا يَكونُ ، وَما لَو كانَ كَيفَ يَكونُ ، وَلم نَصِف عَليماً بِمَعنى غَريزَةٍ يَعلَمُ بِها ، كما أنّ لِلخَلقِ غَريزَةٌ يَعلَمونَ بِها ، فَهذا ما أرادَ مِن قَولِهِ : عَليمٌ ، فَعَزَّ مَن جَلّ عَن الصِّفاتِ ، وَمَن نَزَّهَ نَفسَهُ عَن أفعالِ خَلقِهِ فَهذا هُوَ المَعنى ، وَلَولا ذلِكَ ما فَصَلَ بَينَهُ وَبَينَ خَلقِهِ ؛ فَسُبحانَهُ وَتَقَدَّسَت أسماو . قالَ : إنّ هذا لَكَما تَقولُ ، وَلَقَد عَلِمتَ إنّما غَرَضي أن أسألَ عَن رَدِّ الجَوابِ فيهِ عِندَ مصرف يسنح عنّي، فَأخبِرني ، لَعَلِّي اُحكِمُهُ فَيَكونُ الحُجَّةُ قَد انشَرَحَت لِلمُتَعَنِّتِ المُخالِفِ ، أوِ السّائِلِ المُرتابِ ، أو الطّالِبِ المُرتادِ ، مَعَ ما فيهِ لِأهلِ المُوافَقَةِ مِنَ الازدِيادِ . فَأخبرني عَن قولِهِ : لَطيفٌ ، وَقَد عَرَفتُ أنّهُ لِلفِعلِ ، وَلكِن قَد رَجَوتُ أن تَشرَحَ لي ذلِكَ بِوَصفِكَ . قُلتُ : إنَّما سَمَّيناهُ لَطيفاً لِلخَلقِ اللَّطيفِ ، وَلِعِلمِهِ بِالشَّيءِ اللَّطيفِ مِمَّا خَلَقَ مِنَ البَعوضِ وَالذَّرَّةِ ، وَمِمّا هُوَ أصغَرُ مِنهُما لا يَكادُ تُدرِكُهُ الأبصارُ وَالعُقولُ ، لِصِغَرِ خَلقِهِ ، مِن عَينهِ وَسَمعِهِ وَصورَتِهِ ، لا يُعرَفُ مِن ذلِكَ _ لِصِغَرِهِ _ الذّكَرُ مِنَ الأُنثى ،

.

ص: 73

وَلا الحَديثُ المولودُ مِنَ القديمِ الوالِدِ ، فَلَمّا رَأينا لُطفَ ذلِكَ في صِغَرِهِ وَمَوضِعَ العَقلِ فيهِ وَالشَّهوةِ للّسفادِ ، وَالهَرَبِ مِنَ المَوتِ ، وَالحَدَبِ على نَسلِهِ مِن وُلدِهِ ، وَمَعرِفَةِ بَعضِها بَعضاً ، وَما كانَ مِنها في لُجَجِ البِحارِ ، وَأعنانِ السَّماءِ ، وَالمَفاوِزِ وَالقِفارِ ، ومَا هُوَ مَعَنا في مَنزِلِنا ، وَيَفهَمُ بَعضُهُم بَعضاً مِن مَنطِقِهِم ، وما يَفهَمُ مِن أولادِها ، وَنَقلِها الطّعامَ إلَيها وَالماءَ ، عَلِمنا أنّ خالِقَها لَطيفٌ وَأنَّهُ لَطيفٌ بِخَلقِ اللَّطيفِ ، كَما سَمَّيناهُ قَوِيّاً بِخَلقِ القَوِيّ. قالَ : إنَّ الّذي جِئتَ بهِ لَواضِحٌ ، فَكَيفَ جازَ لِلخَلقِ أن يَتَسمَّوا بِأسماءِ اللّهِ تَعالى ؟ قلتُ : إنَّ اللّهَ جَلَّ ثَناوهُ وَتَقدَّسَت أسماوهُ أباحَ لِلّناسِ الأسماءَ وَوَهَبَها لَهُم ، وَقَد قَالَ القائِلُ مِنَ النّاسِ للواحِدِ : واحِدٌ ، وَيَقولُ للّه : واحِدٌ ، وَيَقولُ : قَوِيٌّ ، وَاللّهُ تَعالى قَوِيٌّ ، وَيَقولُ : صانِعٌ ، وَاللّهُ صانِعٌ ، ويَقولُ : رازِقٌ واللّهُ رازِقٌ ، وَيَقولُ : سَميعٌ بَصيرٌ ، واللّهُ سَميعٌ بَصيرٌ ، وما أشبَهَ ذلِكَ ، فَمَن قالَ للإنسانِ : واحِدٌ فَهذا لَهُ اسمٌ وَلَهُ شَبيهٌ ، وَاللّهُ واحِدٌ وَهُوَ لَهُ اسمُ ولا شيءَ لَهُ شَبيهٌ وَلَيس المَعنى وَاحِداً . وَأمَّا الأسماءُ فهِيَ دِلالَتُنا عَلى المُسمَّى لِأنّا قد نَرى الإنسانَ وَاحِداً وَإنَّما نُخبِرُ واحِداً إذا كانَ مُفرَداً فَعَلِمَ أنَّ الإنسانَ في نَفسِهِ لَيسَ بِواحِدٍ في المَعنى لأنَّ أعضاءَهُ مُختَلِفَةٌ وَأجزاءَهُ لَيسَت سَواءاً ، وَلَحمَهُ غَيرَ دَمِهِ ، وَعَظمَهُ غَيرَ عَصَبِهِ ، وَشَعرَهُ غَيرَ ظُفرِهِ ، وسَوادَهُ غَيرَ بَياضِهِ ، وَكذلِكَ سائِرُ الخَلقِ وَالإنسانِ واحِدٌ في الاسمِ ، وَلَيسَ بِواحِدٍ في الاسمِ وَالمَعنى وَالخَلقِ ، فإذا قيلَ للّهِِ فَهُو الواحِدُ الّذي لا واحِدَ غَيرَهُ ؛ لأنّهُ لا اختِلافَ فيهِ ، وَهُوَ تَبارَكَ وَتَعالى سَميعٌ وَبَصيرٌ وَقَوِيٌّ وَعَزيزٌ وَحَكيمٌ وَعَليمٌ فتَعالى اللّهُ أحسَنُ الخالِقينَ . قال : فأخبِرني عَن قولِهِ : رَوفٌ رَحيمٌ ، وَعَن رِضاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ . قلتُ : إنَّ الرّحمَةَ وَما يَحدُثُ لَنا ، مِنها شَفَقَةٌ ومِنها جُود ، وإنّ رَحمَةَ اللّهِ ثَوابُهُ لِخَلقِهِ ، وَالرَّحمَةَ مِنَ العِبادِ شَيئانِ : أحَدُهُما يُحدِثُ فِي القَلبِ الرَّأَفَةَ وَالرِّقَةَ لِما يَرى

.

ص: 74

بِالمَرحومِ مِنَ الضُرِّ والحاجَةِ وَضُروبِ البَلاءِ ، وَالآخَرُ ما يَحدُثُ مِنّا مِن بَعدِ الرّأفَةِ واللُّطفِ على المَرحومِ وَالرَّحمَةِ مِنّا ما نَزَلَ بِهِ ، وَقَد يَقولُ القائِلُ : انظُر إلى رَحمَةِ فُلانٍ ، وإنّما يُريدُ الفِعلَ الّذي حَدَثَ عَنِ الرِّقَّةِ الّتي في قَلبِ فُلانٍ ، وإنَّما يُضافُ إلى اللّهِ عز و جل مِن فِعلِ ما حَدَثَ عَنّا مِن هذهِ الأشياءِ . وَأمّا المعنى الّذي هُوَ في القَلبِ فَهُوَ مَنفِيٌّ عَنِ اللّهِ كَما وَصَفَ عَن نَفسِهِ فَهُوَ رَحيمٌ لا رَحمَةَ رِقَّةٍ . وَأمّا الغَضَبُ فَهُوَ مِنّا إذا غَضِبنا تَغَيَّرت طَبائِعُنا وَتَرتَعِدُ أحيانا مَفاصِلُنا وَحالَت ألوانُنا ، ثُمَّ نجيء مِن بَعدِ ذلِكَ بِالعُقوباتِ فَسُمِّيَ غَضَباً ، فَهذا كَلامُ النَّاسِ المَعروفِ ، وَالغَضَبُ شيئان: أحَدُهُما في القَلبِ . وَأمّا المَعنى الّذي هُوَ في القَلبِ فَهُوَ مَنفِيٌّ عَنِ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ ، وَكذلِكَ رِضاهُ وَسَخَطُهُ وَرَحمَتُهُ على هذهِ الصِّفَةِ جلَّ وعزّ لا شَبيهَ لَهُ وَلا مِثلَ في شَيءٍ مِنَ الأشياءِ . قالَ : فأخبِرني عَن إرادَتِهِ . قلت: إنّ الإرادَةَ مِنَ العِبادِ الضّميرُ وَما يَبدو بَعدَ ذلِكَ مِنَ الفِعلِ. وَأمّا مِنَ اللّهِ عز و جل ، فالإرادَةُ لِلفِعلِ إحداثُهُ إنّما يَقولُ لَهُ : كُن فَيَكونُ بِلا تَعَبٍ وَلا كَيفٍ . قال : قَد بَلغتَ ، حَسبُكَ فَهذِهِ كافِيَةٌ لِمَن عَقِل ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، الّذي هَدانا مِنَ الضَّلالِ ، وَعَصَمَنا مِن أن نُشَبِّهَهُ بِشَيءٍ مِن خَلقِهِ ، وأن نَشُكّ في عَظَمَتِهِ وَقُدرَتِهِ وَلَطيفِ صُنعِهِ وَجَبَروتِهِ ، جَلّ عَنِ الأشباهِ والأضدادِ ، وَتَكَبَّرَ عَنِ الشُّرَكاءِ وَالأندادِ. (1)

.


1- .بحار الأنوار: ج3 ص 152 _ 196 .

ص: 75

قال العلاّمة المجلسي رحمه الله: ولنذكر بعد ذلك توحيد المفضّل بن عمر، ورسالة الإهليلجة المرويّتين عن الصّادق عليه السلام ؛ لاشتمالهما على دلائل وبراهين على إثبات الصّانع تعالى، ولا يضرّ إرسالُهما لاشتهار انتسابهما إلى المفضّل، وقد شهد بذلك السّيد ابن طاووس وغيره. ولا ضعفُ محمّد بن سنان والمفضّل ؛ لأنّه في محلّ المنع ، بل يظهر من الأخبار الكثيرة علوّ قدرهما وجلالتهما، مع أنّ متن الخبرين شاهد صدق على صحّتهما ، وأيضاً هما يشتملان على براهين لا تتوقّف إفادتها العلم على صحّة الخبر. (1) وقال: وكتابا التّوحيد والإهليلجة عن الصّادق عليه السلام برواية المفضّل بن عمر ، ثمّ نقل ما سيأتي من كلام السّيّد في كشف المحجّة. (2) وقال السّيّد في كشف المحجّة : وانظر كتاب المفضّل بن عمر الّذي أملاه عليه مولانا الصّادق عليه السلام فيما خلق اللّه جلّ جلاله من الآثار . . . ( ص50) . وقال في كتاب الأمان من أخطار الأسفار : ويصحب معه كتاب الإهليلجة ، وهو كتاب مناظرة مولانا الصّادق عليه السلام للهندي في معرفة اللّه جلّ جلاله بطرق غريبة عجيبة ضرورية ، حتّى أقرّ الهندي بالإلهيَّة والوحدانيّة ، ويصحب معه كتاب المفضّل بن عمر الّذي رواه عن الصّادق عليه السلام في معرفة وجوه الحكمة في إنشاء العالم السّفلى ، وإظهار أسراره فإنّه عجيب في معناه. (3) قال النّجاشي في رجاله: أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس بن محمّد بن عبد اللّه بن إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه بن النّجاشي _ الّذي ولي الأهواز، وكتب إلى أبي عبد اللّه عليه السلام يسأله ، وكتب إليه رسالة عبد اللّه بن النّجاشي المعروفة، ولم يُرَ

.


1- .بحار الأنوار : ج3 ص55 وراجع : الأمان من أخطار الأسفار : ص 91 .
2- .بحار الأنوار : ج1 ص14 وراجع : كشف المحجّة ثمرة المهجّة : ص 9 .
3- .الأمان : ص 91 .

ص: 76

6 . محاورة المفضّل مع ابن أبي العوجاء في الحثّ على التّأمل في النّفس و

لأبي عبد اللّه عليه السلام مُصنَّف غيرَه . (1)

6محاورة المفضّل مع ابن أبي العوجاء في الحثّ على التّأمل في النّفس والخلق لمعرفة اللّه عز و جلمحمّد بن سنان قال: حدّثني المفضّل بن عمر قال: كنت ذات يوم بعد العصر جالساً في الرّوضة بين القبر والمنبر ، وأنا مفكّر فيما خصّ اللّه به سيّدنا محمّداً صلى الله عليه و آله من الشّرف والفضائل ، وما منحه وأعطاه وشرّفه به وحباه ، ممّا لا يعرفه الجمهور من الأُمّه ، وما جهلوه من فضله وعظيم منزلته وخطير مرتبته ، فإنّي لكذلك إذ أقبل ابن أبي العوجاء 2 فجلس بحيث أسمع كلامه فلمّا استقرّ به المجلس ، إذا رجل من أصحابه قد جاء فجلس إليه ، فتكلّم ابن أبي العوجاء فقال : لقد بلغ صاحب هذا القبر العزّ بكماله وحاز الشّرف بجميع خصاله ، ونال الحظوة في كلّ أحواله ، فقال له صاحبه : إنّه كان فيلسوفاً ادّعى المرتبة العظمى ، والمنزلة الكبرى ، وأتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول ، وضلّت فيها الأحلام ، وغاصت الألباب على طلب علمها في بحار الفكر ، فرجعت خاسئات وهي

.


1- .رجال النّجاشي : ج 1 ص 252 الرّقم 250 .

ص: 77

حسير ، فلمّا استجاب لدعوته العقلاء والفصحاء والخطباء ، دخل النّاس في دينه أفواجاً ، فقرن اسمه باسم ناموسه ، فصار يهتف به على روس الصّوامع في جميع البلدان والمواضع الّتي انتهت إليها دعوته ، وعلت بها كلمته ، وظهرت فيها حجّته ، برّاً وبحراً وسهلاً وجبلاً في كلّ يوم وليلة خمس مرّات ، مردّداً في الأذان والإقامة ليتجدّد في كلّ ساعه ذكره ، ولئلاّ يخمل أمره. فقال ابنُ أبي العوجاء : دع ذكر محمّد _ صلى الله عليه و آله _ فقد تحيّر فيه عقلي ، وضلّ في أمره فكري ، وحدّثنا في ذكر الأصل الّذي نمشي به ، ثمّ ذكر ابتداء الأشياء ، وزعم ذلك بإهمال لا صنعة فيه ولا تقدير ، ولا صانع ولا مدبّر ، بل الأشياء تتكوّن من ذاتها بلا مدبّر ، وعلى هذا كانت الدّنيا لم تزل ولا تزال! قال المفضّل : فلم أملك نفسي غضباً وغيظاً وحنقاً. فقلت: يا عدوّ اللّه ألحدت في دين اللّه ، وأنكرت الباري جلّ قدسه ، الّذي خلقك في أحسن تقويم ، وصوّرك في أتم صوره ، ونقلك في أحوالك حتّى بلغ بك إلى حيث انتهيت . فلو تفكّرت في نفسك وصدقك لطيف حسّك ، لوجدت دلائل الرّبوبيّة وآثار الصّنعة فيك قائمة ، وشواهده جلّ وتقدّس في خلقك واضحة وبراهينه لك لائحة. فقال: يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلّمناك ، فإن ثبتت لك حجّة تبعناك ، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك ، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمّد الصّادق فما هكذا يخاطبنا ، ولا بمثل دليلك يجادلنا ، ولقد سمع من كلامنا أكثر ممّا سمعت ، فما أفحش في خطابنا ، ولا تعدّى في جوابنا ، وإنّه للحليم الرّزين ، العاقل الرّصين ، لا يعتريه خرق (1) ، ولا طيش ولا نزق (2) ويسمع كلامنا ويصغي إلينا

.


1- .الخرق: ضعف الرأي والحمق .
2- .النّزق : هو الطّيش والخِفّة عند الغضب .

ص: 78

سببُ إملاء كتاب المفضّل

ويستعرف حجّتنا ، حتّى استفرغنا (1) ما عندنا وظنّنا إنّا قد قطعناه أدحض حجّتنا بكلام يسير، وخطاب قصير ، يلزمنا به الحجّة ، ويقطع العذر ، ولا نستطيع لجوابه ردّاً ، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه.

[ سببُ إملاء كتاب المفضّل ]قال المفضّل: فخرجت من المسجد محزوناً مفكّراً فيما بلى به الإسلام وأهله من كفر هذه العصابة وتعطيلها ، فدخلتُ على مولاي صلوات اللّه عليه ، فرأني منكسراً فقال: ما لك؟ فأخبرته بما سمعت من الدّهريّين ، وبما رددت عليهما . فقال : لَأُلقِيَنَّ إليك مِن حِكمَةِ الباري جَلَّ وعلا وتَقَدَّسَ اسمُهُ في خَلقِ العالَمِ والسِّباعِ وَالبَهائِمِ وَالطَّيرِ والهَوامِّ وَكُلِّ ذي روحٍ مِنَ الأنعامِ وَالنَّباتِ والشَّجَرَةِ المُثمِرَةِ وَغَيرِ ذاتِ الثَّمَرِ وَالحُبوبِ وَالبُقولِ المأكولِ من ذلِكَ وَغَيرِ المَأكولِ ما يَعتَبِرَ بِهِ المُعتَبرون ، وَيَسكُنُ إلى مَعرِفَتِهِ المُونونَ ، وَيَتَحيَّرُ فيهِ المُلحدونَ فَبَكِّر عَلَيَّ غداً . قال المفضّل : فانصرفت من عنده فرحاً مسروراً ، وطالت عليّ تلك اللّيلة انتظاراً لما وعدني به ، فلمّا أصبحت غدوتُ فاستون لي فدخلت وقمت بين يديه ، فأمرني بالجلوس فجلست ، ثمّ نهض إلى حجرة كان يخلو فيها فنهضت بنهوضه فقال : اتبعني. فتبعته فدخل ودخلت خلفه ، فجلس وجلست بين يديه فقال: يا مُفضَّلُ ، كأنّي بِكَ وَقَد طالَت عَلَيكَ هذهِ اللّيلَةَ انتِظاراً لِما وَعَدتُكَ ؟ فقلتُ : أجل يا مولاي. فقال: يا مُفَضَّلُ ، إنَّ اللّهَ كانَ ولا شيءَ قَبلَهُ ، وَهُوَ باقٍ ولا نِهايَةَ لَهُ ، فله الحمد على ما ألهمنا، وله الشّكر على ما منحنا ، وَقَد خَصَّنا مِنَ العُلومِ بِأعلاها ، ومِنَ المَعالي بِأسناها ، واصطفانا على جَميع الخَلقِ

.


1- .لعلّه من الإفراغ بمعنى الصّب . يقال : استفرغ مجهوده ، أي بذل طاقته .

ص: 79

7 . كِتابُهُ عليه السلام لِزُرارَةَ في جزاء المشرك وغير المشرك

بعِلمهِ ، وجَعَلنا مهيمنين عَلَيهِم بِحُكمِهِ . فقلت: يا مولاي ، أتأذن لي أن أكتب ما تشرحه؟ _ وكنت أعددت معي ما أكتب فيه _ . فقال لي : افعل . . . (1)

7كِتابُهُ عليه السلام لِزُرارَةَفي جزاء المشرك وغير المشركزرارة 2 قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام مع بعض أصحابنا فيما يروي النّاس عن

.


1- .بحار الأنوار : ج3 ص57 نقلاً عن الخبر المشتهر بتوحيد المفضّل .

ص: 80

النّبيّ صلى الله عليه و آله أنّه : مَن أشرَكَ بِاللّهِ فَقَد وَجَبَت لَهُ النّارُ ، ومَن لَم يُشرِك بِاللّهِ فَقَد وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ. قال عليه السلام : أمّا مَن أشرَكَ باللّهِ فَهذا الشِّركُ البَيِّنُ ، وَهُوَ قَولُ اللّهِ : «مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» (1) وَأمّا قولُهُ : مَن لَم يُشرِك بِاللّهِ فَقَد وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ . قال أبو عبد اللّه عليه السلام : هاهُنا النَّظَرُ ، هُوَ مَن لَم يَعصِ اللّه . (2)

.


1- .المائدة:72.
2- .تفسير العيّاشي : ج1 ص335 ح158، بحار الأنوار: ج72 ص98 ح20 نقلاً عنه .

ص: 81

الفصل الثّاني : في أهل البيت عليهم السلام

اشاره

الفصل الثّاني : في أهل البيت

.

ص: 82

. .

ص: 83

8 . في بعض رسائله عليه السلام ؛ مكان أمير المؤمنين عليه السلام من رسول اللّه صلى الله عليه و آله

9 . إملاؤه عليه السلام على حمزة بن الطّيار في حجج اللّه على خلقه

8في بعض رسائله عليه السلاممكان أمير المؤمنين عليه السلام من رسول اللّه صلى الله عليه و آلهقال أبو عبد اللّه عليه السلام في بعض رسائله:لَيسَ مَوقِفٌ أوقَفَ اللّهُ سُبحانَهُ نَبِيَّهُ فيهِ لِيُشهِدَهُ وَ يَستَشهِدَهُ ، إلاّ وَ مَعَهُ أخوهُ وَ قرينُهُ و ابنُ عَمِّهِ وَوَصِيُّهُ ، وَ يُوذ مِيثاقُهُما مَعاً . صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِما وَ على ذُرِّيَّتِهِما الطَّيبينَ . (1)

9إملاؤه عليه السلام على حمزة بن الطّيارفي حجج اللّه على خلقهأحمد بن محمّد بن خالد،عن عليّ بن الحكم،عن أبان الأحمر،عن حمزة بن الطّيار 2 ،

.


1- .تأويل الآيات: ج1 ص417 ح9، بحار الأنوار: ج26 ص296 ح60.

ص: 84

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال لي : اكتب فأملى عَلَيَّ :إنَّ مِن قولِنا : إنّ اللّهَ يَحتَجُّ عَلى العبادِ بمِا آتاهُم وَعَرّفَهُم ، ثُمَّ أرسَلَ إلَيهِم رَسولاً وَأنزَلَ عَلَيهِم الكتابَ فَأمَرَ فيهِ وَنَهى ، أمَرَ فيهِ بِالصَّلاةِ وَالصّيامِ ، فَنامَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنِ الصَّلاةِ فَقالَ أنا أُنيُمكَ وَأنا أُوقِظُكَ فإذا قُمتَ فَصَلِّ لِيَعلَموا إذا أصابَهُم ذلِكَ كَيفَ يَصنَعون ، لَيسَ كما يَقولونَ إذا نامَ عَنها هَلَكَ ، وَكذلِكَ الصّيامُ ، أنا أُمرِضُكَ وأنا أُصِحُّكَ ، فإذا شَفَيتُكَ فاقضِهِ. ثُمّ قالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : وَكذلِكَ إذا نَظَرتَ في جَميعِ الأشياءِ لَم تَجِد أحَداً في ضيقٍ ولَم تَجِد أحَداً إلاّ وَللّهِِ عَلَيهِ الحُجَّةُ ، وَللّهِِ فيهِ المَشيئَةُ ، وَلا أقولُ إنَّهُم ماشاؤوا صنعوا . ثمّ قال: إنَّ اللّهَ يَهدي وَيُضِلُّ .

.

ص: 85

10 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم في فضل أهل البيت

وَقالَ : وَما أُمِروا إلاّ بِدونِ سَعَتِهم ، وَكُلُّ شَيءٍ أمَرَ النّاسَ بِهِ ، فَهُم يَسعَونَ لَهُ ، وَكُلُّ شَيءٍ لا يَسعَونَ لَهُ فَهُو مَوضوعٌ عَنهُم ، وَلَكِنَّ النّاسَ لا خَيرَ فِيهِم. ثمّ تلا عليه السلام : « لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَايُنفِقُونَ حَرَجٌ » فَوَضَعَ عَنهُم « مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ » قال : فَوَضَعَ عَنهُم لِأَنّهُم لا يَجدونَ (1) . (2)

10كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيمفي فضل أهل البيتحدّثنا أبي رضى الله عنه قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميريّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن داوود، عن فضيل الرّسان قال: كتب محمّد بن إبراهيم 3 إلى أبي عبد اللّه عليه السلام :أخبرنا ما فضلكم أهل البيت ؟ فكتب إليه أبو عبد اللّه عليه السلام :إنَّ الكَواكِبَ جُعِلَت في السَّماءِ أماناً لِأهلِ السَّماءِ ، فَإذا ذَهَبَت نُجومُ السَّماءِ جاءَ

.


1- .تمام الآية : « لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لآَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ » . ( التّوبة : 91 و 92 ) .
2- .الكافي : ج 1 ص 164 ح 4 ، التوحيد : ص 413 ح 10 ، المحاسن : ج 1 ص 236 ح 204 ، بحار الأنوار : ج 5 ص 300 ح 4.

ص: 86

11 . كتابه عليه السلام إلى أبي الخطّاب في فضل أهل البيت

أهلَ السّماءِ ما كانوا يُوعَدونَ ، وَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : جُعِلَ أهلُ بَيتي أماناً لِأُمَّتي ، فَإذا ذَهَبَ أهلُ بَيتي ، جاءَ أُمَّتي ما كانوا يُوعَدونَ. (1)

11كتابه عليه السلام إلى أبي الخطّابفي فضل أهل البيتحمدويه قال: حدّثني محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمان، عن بشير الدّهان 2 ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كتب أبو عبد اللّه عليه السلام إلى أبي الخطّاب 3 :

.


1- .كمال الدين وتمام النعمة : ص205 ح17، بحار الأنوار: ج27 ص309 ح5 نقلاً عنه.

ص: 87

12 . كتابه عليه السلام إلى رجل في صفة علمهم عليهم السلام

بَلَغَني أنَّكَ تَزعُمُ أنَّ الزِّنا رَجُلٌ ، وَأنَّ الخَمرَ رَجُلٌ ، وَأنَّ الصَّلاةَ رَجُلٌ ، وَأنَّ الصِّيامَ رَجُلٌ ، وَأنَّ الفَواحِشَ رَجُلٌ ، وَلَيسَ هُوَ كَما تَقولُ ، إنّا أصلُ الحَقِّ ، وَفُروعُ الحَقّ طاعَةُ اللّهِ ، وعَدُوُّنا أصلُ الشَّرِّ وَفُروعُهُمُ الفَواحِشُ ، وَكَيفَ يُطاعُ مَن لا يُعرَفُ ؟ وَكَيفَ يُعرَفُ مَن لا يُطاعُ. (1)

وفي بصائر الدَّرجات : حدّثنا أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن حفص المؤذّن ، قال: كتب أبو عبد اللّه عليه السلام إلى أبي الخطّاب :بَلَغَني أنَّكَ تَزعُمُ أنَّ الخُمسَ رَجُلٌ ، وأنَّ الزِّنا رَجُلٌ ، وَأنَّ الصَّلاةُ رَجُلٌ ، وَأنَّ الصَّومَ رَجُلٌ ، وَلَيسَ كَما تَقولُ ، نَحنُ أصلُ الخَيرِ وفُروعُهُ طاعَةُ اللّهِ ، وَعَدُوُّنا أصلُ الشَّرِّ وَفُروعُهُ مَعصِيَةُ اللّهِ. ثُمَّ كتَبَ : كَيفَ يُطاعُ مَن لا يُعرَفُ؟ وَكَيفَ يُعرَفُ مَن لا يُطاعُ؟. (2)

12كتابه عليه السلام إلى رجلفي صفة علمهم عليهم السلامعن جعفر بن محمّد بن مالك ، عن يحيى بن سالم الفرّا 3 ، قال : كان رجل من

.


1- .رجال الكشّي: ج2 ص577 ح512، بحار الأنوار: ج24 ص299 ح3 نقلاً عنه.
2- .بصائر الدّرجات: ص536 ح2 ، بحار الأنوار : ج 24 ص 299 ح 3 .

ص: 88

13 . كتابه عليه السلام إلى رجال في بغداد في الإقرار بأنّه عبد من عبيد اللّه

أهل الشّام يخدم أبا عبد اللّه عليه السلام فرجع إلى أهله فقالوا : كيف كنت تخدم أهل هذا البيت ؟ فهل أصبت منهم علماً؟ قال : فندم الرّجل ، فكتب إلى أبي عبد اللّه عليه السلام يسأله عن علم ينتفع به. فكتب إليه أبو عبد اللّه عليه السلام :أمَّا بَعدُ ، فَإنَّ حَديثَنا حَديثٌ هَيوبٌ ذَعورٌ ، فإن كُنتَ تَرَى أنَّكَ تَحتَمِلُهُ ، فاكُتب إلَينا وَالسَّلامُ. (1)

13كتابه عليه السلام إلى رجال في بغدادفي الإقرار بأنّه عبد من عبيد اللّهإنّ سليمان بن خالد 2 قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام وهو يكتب كتباً إلى بغداد (2) ، وأنا أُريد أن أُودِّعه . فقال: تجي إلى بَغدادَ. قلتُ : بَلى . قالَ : تُعينُ مَولايَ هذا بِدَفعِ كُتُبِهِ . ففكرت وأنا في صحن الدّار أمشي، فقلت: هذا حجّة اللّه على خلقه ، يكتب إلى أبي أيّوب الخوريّ وفلان وفلان ، يسألهم حوائجه! فلمّا صرنا إلى باب الدّار

.


1- .بصائر الدرجات : ص23 ح13 ، بحار الأنوار : ج2 ص193 ح38 نقلاً عنه .
2- .ولم يذكر لفظ الكتاب .

ص: 89

14 . كتابه عليه السلام إلى رجل في ولايتهم عليهم السلام على الجنّ

صاح بي : يا سُليمانُ ، ارجِع أنتَ وَحدَكَ ، فرجعت فقال : كَتَبتُ إلَيهِم لِأُخبِرَهُم أنّي عَبدٌ وَبي إلَيهِم حاجَةٌ . (1)

14كتابه عليه السلام إلى رجلفي ولايتهم عليهم السلام على الجنّحدّثنا محمّد بن عيسى عن أبي عبد اللّه المون ، عن أبي حنيفة سائق الحاجّ 2 عن بعض أصحابنا ، قالَ : أتَيتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام فَقُلتُ لَهُ : أُقيمُ عَلَيكَ حَتّى تَشخَصَ . فَقالَ : لا ، امضِ حَتّى يَقدِمَ عَلَينا أبو الفَضلِ سَديرٌ ، فَإن تَهَيّأ لَنا بَعضُ ما نُريدُ كَتَبنا إلَيكَ . قال : فَسِرتُ يَومَينِ وَلَيلَتَينِ. قالَ: فأتاني رَجُلٌ طَويلٌ آدَمُ بِكِتابٍ خَاتَمُهُ رَطبٌ وَالكِتابُ رَطبٌ ، قالَ : فَقَرأتُهُ فَإذا فيه : إنَّ أبا الفَضلِ قَد قَدِمَ عَلَينا وَنَحنُ شاخِصونُ إن شاءَ اللّهُ ، فَأقِم حَتّى نَأتِيَكَ. قال: فَأَتاني فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، إنَّهُ أتاني الكِتابُ رَطباً وَالخاتَمُ رَطباً . قال : فَقالَ : إنَّ لَنا اتّباعاً مِنَ الجِنِّ ، كما إنَّ لَنا اتّباعاً مِنَ الإنسِ ، فَإذا أرَدنا أمراً بَعثناهُم. (2)

.


1- .الخرائج والجرائح : ج2 ص639 ح44، بحار الأنوار : ج47 ص107 ح137 وفيه «الجزريّ» بدل «الخوريّ» .
2- .بصائر الدرجات: ص102 ح14 ، بحار الأنوار : ج27 ص21 ح12 نقلاً عنه .

ص: 90

15 . كتابه عليه السلام إلى بعض النّاس في بيان أفضل الأعمال

16 . املاؤه عليه السلام على ابنه موسى عليه السلام في طلب إكمال بيتين قالهما عليه السلام في الحكمة

15كتابه عليه السلام إلى بعض النّاسفي بيان أفضل الأعمالوبهذا الإسناد ( عن المفسّر، عن أحمد بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن عليّ العسكريّ، عن آبائه عليهم السلام ) عن الرّضا عليه السلام عن أبيه موسى بن جعفر عليهم السلامقال : كتب الصّادق عليه السلام إلى بعض النّاس :إن أرَدتَ أن يُختَمَ بِخَيرٍ عَمَلُكَ حَتّى تُقبَضَ وَأنتَ في أفضَلِ الأعمالِ ، فَعَظِّم للّهِِ حَقَّهُ : أن لا تَبذُلَ نَعماءَهُ في مَعاصيهِ وَأن تَغتَرَّ بِحلِمهِ عَنكَ ، وَأكرِم كُلَّ مَن وَجَدتَهُ يَذكُرُ منّا ، أو يَنتَحِلُ مَوَدَّتَنا ، ثُمَّ لَيسَ عَلَيكَ صادِقاً كانَ أو كاذِباً ، إنّما لَكَ نِيَّتُكَ وَعَلَيهِ كِذبُهُ . (1)

16املاؤه عليه السلام على ابنه موسى عليه السلامفي طلب إكمال بيتين قالهما عليه السلام في الحكمةموسى بن جعفر عليهماالسلام قال:دَخَلتُ ذاتَ يَومٍ مِنَ المَكتَبِ وَمَعي لَوحي ، قالَ : فَأجلَسَني أبي بَينَ يَدَيهِ وَقالَ : يا بُنيَّ اكتُب : تَنَحَّ عَنِ القَبيحِ وَلا تُرِدهُ . ثُمَّ قال : أجِزهُ . فَقُلتُ : وَمَن أولَيتَهُ حُسناً فَزِدهُ . ثُمَّ قالَ : سَتَلقى مِن عَدُوِّكَ كُلَّ كَيدٍ .

.


1- .عيون أخبار الرضا : ج2 ص4 ح8 ، بحار الأنوار : ج73 ص351 ح49 نقلاً.

ص: 91

17 . إملاؤه عليه السلام لحمزة الطيّار في لزوم السؤال من أهل الذّكر

18 . رسالته عليه السلام في القرآن وتفسيره

فَقُلتُ : إذا كادَ العَدُوُّ فَلا تَكِدُه . قال: فقال: ذُرِيَّةٌ بَعضُها مِن بَعضٍ. (1)

17إملاؤه عليه السلام لحمزة الطيّارفي لزوم السؤال من أهل الذّكرحمزة بن محمّد الطّيار (2) قال: عرضت على أبي عبد اللّه عليه السلام كلاماً لأبي فقال :اكتُب ، فإنّهُ لا يَسَعَكُم فيما نَزَلَ بِكُم مِمَّا لا تَعلَمونَ إلاّ الكَفَّ عَنهُ وَالتَّثبيتَ فيهِ ، وَرُدّوهُ إلى أئِمَّةِ الهُدى حَتّى يَحمِلوكُم فيهِ عَلى القَصدِ ، وَيَجلو عَنكُم فيهِ العَمى ، قالَ اللّهُ : « فَسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ » (3) . (4)

18رسالته عليه السلامفي القرآن وتفسيرهأحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ ،عن أبيه ،عمّن ذكره ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رسالة :وَأمّا ما سَألتَ مِنَ القُرآنِ فَذلِكَ أيضاً مِن خَطَراتِكَ المُتَفاوِتَةِ المُختَلِفَةِ ، لأنَّ القُرآنَ لَيسَ عَلى ما ذَكَرتَ ، وَكُلّ ما سَمعِتَ فَمَعناهُ غَيرُ ما ذَهَبتَ إلَيهِ ، وَإنّما القُرآنُ أمثالٌ لِقَومٍ يَعلَمونَ دونَ غَيرِهِم ، وَلِقَومٍ يَتلونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ، وَهُم الّذينَ يُؤمِنونَ بِهِ وَيَعرِفونَهُ .

.


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص319 ، بحار الأنوار : ج 48 ص 109 ح 10 .
2- .راجع : الكتاب التّاسع .
3- .النحل: 43.
4- .تفسير العيّاشي : ج2 ص260 ح30 ، المحاسن : ج1 ص341 ح703 نحوه ، بحار الأنوار :ج23 ص 183 ح43 .

ص: 92

19 . رسالته عليه السلام إلى أصحاب الرّأي والقياس في المقائيس والرّأي

فَأمّا غَيرُهُم فَما أشَدَّ إشكالَهُ عَلَيهِم! وَأبعَدَهُ مِن مَذاهِبِ قلوبهم ! وَلِذلِكَ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّهُ لَيسَ شَيءٌ بأبِعَدَ مِن قُلوبِ الرِّجالِ مِن تَفسيرِ القُرآنِ، وَفي ذلِكَ تَحَيَّرَ الخَلائِقُ أجمَعونَ إلاّ مَن شاءَ اللّهُ . وَإنّما أرادَ اللّهُ بِتَعمِيَتِهِ في ذلِكَ أن يَنتَهوا إلى بابِهِ وَصِراطِهِ ، وَأن يَعبُدوهُ وَيَنتَهوا في قَولِهِ إلى طاعَةِ القُوَّامِ بِكِتابِهِ وَالنّاطِقينَ عَن أمرِهِ وَأن يَستَنبِطوا (1) ما احتاجوا إلَيهِ مِن ذلِكَ عَنهُم ، لا عَن أنفُسُهِم ، ثُمَّ قالَ : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ» (2) . فأمّا عَن غَيرِهِم ، فَلَيسَ يُعلَمُ ذلِكَ أبَداً وَلا يُوجَدُ ، وَقَد عَلِمتَ أنَّهُ لا يَستَقيمُ أن يَكونَ الخَلقُ كُلُّهُم وُلاةَ الأمرِ ، إذا لا يَجدِونَ مَن يَأتَمِرونَ عَلَيهِ ، وَلا مَن يُبَلِّغونَهُ أمرَ اللّهِ وَنَهيَهُ ، فَجَعَلَ اللّهُ الولاة خَواصا لِيَقتَدِيَ بِهِم مَن لَم يَخصُصهُم بِذلِكَ ، فَافهَم ذلِكَ إن شاءَ اللّهُ. وَإيّاكَ وَإيّاكَ وَتِلاوَةَ القُرآنِ بِرَأيِكَ ،فَإنَّ النّاسَ غَيرُ مُشتَرِكينَ في علمِهِ كاشتِراكِهِم فيما سِواهُ مِنَ الاُمورِ ، وَلا قادِرينَ عَلَيهِ ، ولا على تَأويلِهِ ، إلاّ مِن حَدِّهِ وَبابِهِ الّذي جَعَلَهُ اللّهُ لَهُ فافهَم إن شاءَ اللّهُ ، وَاطلُبِ الأمرَ مِن مَكانِهِ تَجِدهُ إن شاءَ اللّهُ . (3)

19رسالته عليه السلام إلى أصحاب الرّأي والقياسفي المقائيس والرّأيأحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ ، عن أبيه، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في

.


1- .وفي هامش المصدر : «يستنطقوا».
2- .النساء: 83.
3- .المحاسن : ج1 ص417 ح960، بحار الأنوار : ج 92 ص100 ح72 نقلاً عنه .

ص: 93

رسالته إلى أصحاب الرّأي والقياس :أمّا بَعدُ فَإنَّهُ مَن دَعا غَيرَهُ إلى دِينِهِ بِالارتِياءِ وَالمَقائيسِ ، لَم يُنصِف وَلَم يُصِب حَظَّهُ ؛ لِأَنَّ المَدعُوَّ إلى ذلِكَ لا يَخلو أيضاً مِنَ الآرتِياءِ وَالمَقائيسِ ، وَمَتى ما لَم يَكُن بِالدَّاعي قُوَّةٌ في دُعائِهِ عَلى المَدعُوِّ لَم يُون عَلى الدّاعي أن يَحتاجَ إلى المَدعُوِّ بَعدَ قَليلٍ ، لِأنّا قَد رَأينا المُتَعَلِّمَ الطّالِبَ رُبَّما كانَ فائِقاً لِمُعَلِّمٍ وَلَو بَعدَ حينٍ ، وَرَأينا المُعَلِّمَ الدّاعِيَ رُبَّما احتاجَ في رأيِهِ إلى رَأي مَن يَدعو وَفي ذلِكَ تَحَيَّرَ الجاهِلونَ ، وَشَكَّ المُرتابونَ ، وَظَنَّ الظّانونَ ، وَلَو كانَ ذلِكَ عِندَ اللّهِ جائِزاً لَم يَبعَثِ اللّهُ الرُّسُلَ بِما فيهِ الفَصلُ ، وَلَم يَنهَ عَنِ الهَزلِ ، وَلَم يُعِبِ الجَهلَ ، وَلَكِنَّ النّاسَ لَمّا سَفِهوا الحَقَّ وَغَمَطوا النِّعمَةَ ، وَاستَغنَوا بِجَهلِهِم وَتَدابيرِهِم عَن عِلمِ اللّهِ ، وَاكتَفَوا بِذلِكَ دونَ رُسُلِهِ وَالقُوّامِ بأمِرِهِ ، وَقالوا : لا شَيءَ إلاّ ما أدرَكَتهُ عُقولُنا وَعَرَفَتهُ ألبابُنا ، فَوَلاّهُمُ اللّه ما تَوَلَّوا ، وَأهمَلَهُم وَخَذَلَهُم حَتّى صاروا عَبَدَةَ أنفُسِهِم مِن حَيثُ لا يَعملونَ . ولو كانَ اللّهُ رَضِيَ مِنهُم اجتِهادَهُم وَارتِياءَهُم فيما ادَّعَوا مِن ذلِكَ ، لَم يَبعَثِ اللّهُ إلَيهِم فاصِلاً لِما بَينَهُم ، وَلا زاجِراً عَن وَصفِهِم ، وإنّما استَدلَلنا أنَّ رِضا اللّهِ غَيرُ ذلِكَ ، بِبَعثِهِ الرُّسُلَ بِالأُمورِ القَيِّمَةِ الصَّحيحَةِ ، وَالتَّحذيرِ عَنِ الأُمورِ المُشكِلَةِ المُفسِدَةِ ، ثُمَّ جَعَلَهُم أبوابَهُ وَصِراطَهُ ، وَالأدِلاّءَ عَلَيهِ بِأمورٍ مَحجوبَةٍ عَنِ الرّأيِ وَالقِياسِ ، فَمَن طَلَبَ ما عِندَ اللّهِ بِقِياسٍ وَرَأيٍ لَم يَزدَد مِنَ اللّهِ إلاّ بُعداً، وَلَم يَبعَث رَسولاً قَطُّ وَإن طالَ عُمرُهُ قابِلاً مِنَ النّاسِ خِلافَ ما جاءَ بِهِ حَتّى يَكونَ مَتبوعاً مَرَّةً وَتابِعاً أُخرى ، وَلَم يُرَ أيضاً فيما جاءَ بِهِ استعمَلَ رَأياً وَلا مِقياساً حَتّى يَكونَ ذلِكَ وَاضِحاً عِندَهُ كالوَحي مِنَ اللّهِ ، وَفي ذلِكَ دَليلٌ لِكُلِّ ذي لُبٍّ وَحِجىً ، أنَّ أصحابَ الرَّأي وَالقِياسِ مُخطِئونَ مُدحَضونَ . وَإنّما الاختلافُ فيما دونَ الرُّسُلِ لا في الرُّسُلِ فَإيّاكَ أيُّها المُستَمِعُ أن تَجمَعَ عَلَيكَ خِصلَتَينِ : إحداهُما القَذفُ بِما جاشَ بِهِ صَدرُكَ ، وَاتِّباعُكَ لِنَفسِكَ إلى

.

ص: 94

غَيرِ قَصدٍ ، ولا مَعرِفَةِ حَدٍّ ، وَالأُخرى استِغناوكَ عَمّا فيهِ حاجَتُكَ وَتَكذيبُكَ لِمَن إلَيهِ مَرَدُّكَ . وَإيّاكَ وَتَركَ الحَقِّ سَأمَةً وَمَلالَةً ، وَانتجاعَكَ الباطِلَ جَهلاً وَضَلالَةًً ، لاِا لَم نَجِد تابِعاً لِهَواهُ جائِزاً عَمّا ذَكَرنا قَطُّ رَشيداً ، فانظُر في ذلِكَ. (1)

.


1- .المحاسن : ج1 ص331 ح674 ، بحار الأنوار : ج2 ص313 ح77 نقلاً عنه.

ص: 95

الفصل الثّالث : في المواعظ

اشاره

الفصل الثّالث : في المواعظ

.

ص: 96

. .

ص: 97

20 . إملاؤه عليه السلام إلى حمزة بن الطّيار في أصناف النّاس

20إملاؤه عليه السلام إلى حمزة بن الطّيارفي أصناف النّاسسهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن سليم مولى طربال ، قال: حدّثني هشام ، عن حمزة بن الطّيار (1) ، قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : النّاسُ على سِتَّةِ أصنافٍ . قال : قلت : أ تأذَنُ لي أن أكتُبَها ؟ قال عليه السلام : نَعَم. قلتُ : ما أكتُبُ ؟ قال عليه السلام : اكتُب : أهلُ الوَعيدِ مِن أهلِ الجَنَّةِ وَأهلِ النّارِ ، واكتُب : « وَ ءَاخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَ__لِحًا وَ ءَاخَرَ سَيِّئًا » (2) . قال : قلتُ : مَن هواءِ ؟

.


1- .راجع : الكتاب التّاسع .
2- .التوبة : 102 .

ص: 98

21 . كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر في الحثّ على التّقوى

قال عليه السلام : وَحشِيٌّ مِنهُم . قال عليه السلام : وَاكتُب : « وَ ءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ » (1) . قال : وَاكتُب « إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَ نِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً » (2) لا يَستَطيعونَ حِيلَةً إلى الكُفرِ وَلا يَهتَدونَ سَبيلاً إلى الإيمانِ « فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ » (3) . قال عليه السلام : اكتبُ : أصحابُ الأعرافِ. قال: قلت: وما أصحابُ الأعرافِ؟ قال عليه السلام : قَومٌ استَوَت حَسَناتُهُم وسَيِّئاتُهُم ، فَإن أدخَلَهُمُ النَّارَ فَبِذنوبِهِم ، وَإن أدخَلَهُم الجَنَّةَ فَبِرَحمَتِهِ . (4)

21كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمرفي الحثّ على التّقوىحدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم قال: حدّثنا القاسم بن الرّبيع الورّاق ، عن محمّد بن سنان ، عن صباح المداينيّ ، عن المفضّل ، أنّه كتب إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، فجاءه هذا الجواب من أبي عبد اللّه عليه السلام :أمّا بَعدُ فَإنّي أُوصيكَ وَنَفسي بِتَقِوى اللّهِ وَطاعَتِهِ ، فإنَّ مِنَ التَّقوى الطّاعَةَ وَالوَرَعَ ،

.


1- .التوبة : 106 .
2- .النساء : 98 .
3- .النساء : 99 .
4- .الكافي : ج 2 ص 381 ح1.

ص: 99

وَالتَّواضُعَ للّهِِ وَالطُّمَأنينَةَ ، وَالاجتِهادَ وَالأخذَ بِأمرِهِ ، وَالنّصيحَةَ لِرُسُلِهِ وَالمُسارَعَةَ في مَرضاتِهِ وَاجتنِابَ ما نَهى عَنهُ فَإنَّهُ مَن يَتَّقِ فَقَد أحرَزَ نَفسَهُ مِنَ النّارِ بِإذنِ اللّهِ ، وأصابَ الخَيرَ كُلَّهُ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَمَن أمَرَ بِالتّقوى فَقَد أفلَحَ المَوعِظَةَ ، جَعَلَنا اللّهُ مِنَ المُتّقينَ بِرَحمَتِهِ . جاءني كتابُكَ فَقَرَأتُهُ وَفَهِمتُ الّذي فيهِ ، فَحَمِدتُ اللّهَ عَلى سَلامَتِكَ ، وعافِيَةُ اللّهِ إيَّاكَ ، ألبَسَنا اللّهُ وَإيّاكَ عافِيَتَهُ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ. كَتَبتَ تَذكُرُ أنّ قَوماً ، أنا أعرِفُهُم كانَ أعجَبَكَ نَحوُهُم وَشَأنُهُم ، وَإنَّكَ أبلَغتَ فيهِم أُموراً تروى عَنهُم كَرِهتَها لَهُم وَلَم تُرِهم إلاّ طَريقاً حَسَناً وَرَعاً وَتَخَشُّعاً ، وَبَلَغَكَ أنَّهُم يَزعُمونَ أنَّ الدِّينَ إنّما هُوَ مَعرِفَةُ الرِّجالِ ، ثُمَّ بَعدَ ذلِكَ إذا عَرَفتَهُم فاعمَل ما شِئتَ ، وَذَكَرتَ أنَّكَ قَد عَرَفتَ أنَّ أصلَ الدِّينِ مَعرِفَةُ الرِّجالِ فَوَفَّقَكَ اللّهُ . وَذَكَرتَ أنَّهُ بَلغَكَ أنَّهُم يَزعُمونَ أنَّ الصَّلاةَ وَالزَّكاةَ ، وَصَومَ شَهرِ رَمَضانَ وَالحَجَّ وَالعُمرَةَ ، وَالمَسجِدَ الحَرامَ وَالبَيتَ الحَرَامَ وَالمِشَعرَ الحَرامَ وَالشّهر الحرام ، هُوَ رَجُلٌ ، وأنَّ الطُّهرَ وَالاغتِسالَ مِنَ الجَنابَةِ هُوَ رَجُلٌ ، وَكُلَّ فَريضَةٍ افتَرَضَها اللّهُ على عِبادِهِ هُوَ رَجُلٌ . وَإنَّهُم ذَكَروا ذلِكَ بِزَعمِهِم أنَّ مَن عَرَفَ ذلِكَ الرَّجُلَ فَقَدِ اكتَفى بِعَمَلِهِ بِهِ مِن غَيرِ عَمَلٍ ، وَقَد صَلّى وَأتى الزَّكاةُ ، وَصامَ وَحَجّ وَاعتَمَرَ ، وَاغتَسَلَ مِنَ الجَنابَةِ وَتَطهّرَ ، وَعَظَّمَ حُرُماتِ اللّهِ وَالشَّهرَ الحَرامَ والمَسجِدَ الحَرامَ . وَإنَّهُم ذَكَروا مَن عَرَفَ هذا بِعَينهِ ، وَوجَدَهُ وَثَبَتَ في قَلبِهِ جازَ لَهُ أن يَتهاوَنَ فَلَيسَ لَهُ أن يَجتَهِدَ في العَمَلِ وَزَعَموا أنَّهُم إذا عَرَفوا ذلِكَ الرَّجُلَ فَقَد قُبِلَت مِنهُم هذهِ الحُدودُ لِوَقتِها ، وَإن هُم لَم يَعمَلوا بِها . وَإنَّهُ بَلَغَكَ أنَّهُم يَزعُمونَ أنَّ الفَواحِشَ الّتي نَهى اللّهُ عَنها ، الخَمرَ وَالمَيسِرَ وَالرِّبا

.

ص: 100

وَالدَّمَ وَالمِيتَةَ وَلَحَم الخِنزيرِ هُوَ رَجُلٌ. وَذَكَروا أنَّ ما حَرَّمَ اللّهُ مِن نِكاحِ الأُمَّهاتِ وَالبَناتِ ، وَالعَمَّاتِ وَالخالاتِ ، وَبَناتِ الأخِ وَبَناتِ الأُختِ ، وَما حَرَّمَ عَلى المُؤمِنينَ مِنَ النِّساءِ . فَما حَرَّمَ اللّهُ إنَّما عَنى بِذلِكَ نِكاحَ نِساءِ النَّبيِّ وَما سِوى ذلِكَ مُباحٌ كُلُّهُ . وَذَكَرَت أنَّهُ بَلَغَكَ أنَّهُم يَترادَفونَ المَرأةَ الواحِدَةَ ، وَيَشهِدونَ بَعضُهُم لِبَعضٍ بِالزُّورِ ، وَيَزعُمونَ أنَّ لِهذا ظَهراً وَبَطناً يَعرِفونَهُ فالظّاهِرُ يَتَناسَمونَ عَنهُ يَأخذونَ بِهِ مُدافَعَةً عَنهُم ، وَالباطِنُ هُوَ الّذي يَطلُبونَ ، وَبهِ أُمِروا بِزَعمِهِم . وَكَتَبتَ تَذكُرُ الّذي زَعَمَ عَظيمَ مِنَ ذلِكَ عَلَيكَ حينَ بَلَغَكَ ، وكَتَبتَ تَسأُلني عَن قَولِهِم في ذلِكَ ، أحَلالٌ أم حَرَام؟ وَكَتَبتَ تَسألُني عَن تَفسيرِ ذلِكَ وَأنا أُبَيِّنُهُ حَتّى لا تَكونَ مِن ذلِكَ في عَمىً وَلا شُبهَةٍ ، وَقَد كَتَبتُ إلَيكَ في كِتابي هذا تَفسيرَ ما سَألتَ عَنهُ فَاحفَظهُ كُلَّهُ كَما قالَ اللّهُ في كتابِهِ : «وتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ اعِيَةٌ » (1) وَأصِفُهُ لَكَ بِحَلالِهِ وَأنفي عَنكَ حَرامَهُ إن شاءَ اللّهُ كما وَصَفتَ ، وَمُعَرِّفَكَهُ حَتّى تَعرِفَهُ إن شاءَ اللّهُ ، فَلا تُنكِرهُ إن شاءَ اللّهُ ، وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ وَالقُوَّةُ للّهِِ جَميعاً. أُخبِرُكَ أنَّهُ مَن كانَ يَدينُ بِهذهِ الصِّفَة الّتي كَتَبتَ تَسألُني عَنها ، فَهُو عِندي مُشرِكٌ بِاللّهِ تَبارَكَ وَتَعالى ، بَيِّنَ الشِّركِ لا شَكَّ فيهِ . وأُخبِرُكَ أنَّ هذا القَولَ كانَ مِن قَومٍ سَمِعوا ما لَم يَعقلِوهُ عَن أهلِهِ ، وَلَم يُعطَوا فَهمَ ذلِكَ وَلَم يَعرِفوا حَدَّ ما سَمِعوا فَوَضَعوا حُدودَ تِلكَ الأشياءِ مُقايَسَةً بِرَأيهِم وَمُنتَهى عُقولِهِم وَلَم يَضَعوها عَلى حُدودِ ما أُمروا كَذِباً وَافتِراءً على اللّهِ وَرَسولِهِ صلى الله عليه و آله وَجُرأةً على المَعاصي ، فَكَفى بِهذا لَهُم جَهلاً . وَلَو أنَّهُم وَضَعوها على حُدودهِا الّتي حُدَّت لَهُم وَقَبلِوها ، لَم يَكُن بِهِ بَأسٌ وَلكِنَّهُم حَرَّفوها وَتَعَدَّوا وَكَذَّبوا وَتَهاوَنوا بأمِرِ اللّهِ

.


1- .الحاقّة : 12.

ص: 101

وَطاعَتِهِ ، وَلكِنّي أُخبِرُكَ أنَّ اللّهَ حَدَّها بِحُدودِها ؛ لِئلا يتعدَّى حُدودَهُ أحَدٌ ، وَلَو كانَ الأمرُ كَما ذَكَروا لَعُذِرَ النّاسُ بِجَهلِهِم ، ما لَم يَصرِفوا حَدَّ ما حُدَّ لَهُم ، وَلَكانَ المُقَصِّرُ وَالمُتَعَدّي حُدودَ اللّهِ مَعذوراً ، ولكِن جَعَلها حُدوداً مَحدودَةً لا يَتَعدّاها إلاّ مُشرِكٌ كافِرٌ ، ثُمَّ قالَ : «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ » (1) . خَلقِهِ فَلَم يَقبَل مِن أحَدٍ إلاّ بِهِ وَبِهِ بَعَثَ أنبِياءَهُ وَرُسُلُهُ . ثُمَّ قالَ : «وَ بِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ» (2) فَعَلَيهِ وَبِهِ بَعَثَ أنبِياءَهُ وَرُسُلُهُ وَنبِيَّهُ مُحَمّداً صلى الله عليه و آله ، فاختَلَّ الّذينَ لَم يَعرِفوا مَعرِفَةَ الرُّسُلِ وَوِلايَتَهُم وَطاعَتَهُم ، هُوَ الحَلالُ المُحَلَّلُ ما أحَلّوا وَالمُحرَّمُ ما حَرَّموا وَهُم أصلُهُ وَمِنهُم الفُروعُ الحَلالُ ، وَذلِكَ سَعيُهُم ، وَمِن فُروعِهِم أمرُهُم الحَلالُ ، وَإقامُ الصَّلاةِ ، وَإيتاءُ الزَّكاةِ ، وَصَومُ شَهرِ رَمَضانَ ، وَحِجُّ البَيتِ ، وَالعُمرَةُ ، وَتَعظيمُ حُرُماتِ اللّهِ وَشَعائِرِهِ وَمشاعِرِهِ ، وَتَعظيمُ البَيتِ الحَرامِ وَالمَسجِدِ الحَرامِ وَالشَّهرِ الحَرامِ ، وَالطُّهورِ وَالاغتِسالِ مِنَ الجَنابَةِ ، وَمَكارِمِ الأخلاقِ وَمَحاسِنِها ، وَجَميعِ البرّة. ثُمَّ ذَكَرَ بَعدَ ذلِكَ فَقالَ في كتابِهِ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الاْءِحْسَانِ وَ إِيتَآءِ ذِى الْقُرْبَى وَ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَ الْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (3) فعدّدهم المحرّم وأولياؤهم الدّخول في أمرِهِم إلى يَومِ القِيامَةِ فِيهِم الفَواحِشَ ، ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ ، وَالخَمرَ والمَيسِرَ وَالرِّبا وَالدّمَ وَلَحمَ الخِنزيرِ ، فَهُمُ الحَرامُ المُحَرَّمُ ، وَأصلُ كُلِّ حَرامٍ ، وَهُم الشَّرُّ وَأصلُ كُلِّ شَرٍّ ، وَمِنهُم فُروعُ الشَّرِّ كُلِّهِ ، ومِن ذلِكَ الفُروعُ الحَرامُ وَاستِحلالُهُم إيّاها ، وَمِن فُروعِهِم تَكذيبُ الأنبياءِ وَجُحودُ الأوصياءِ وَركوبُ

.


1- .البقرة: 229.
2- .الإسراء: 105.
3- .النحل: 90.

ص: 102

الفَواحِشِ ، الزِّنا وَالسَّرِقَةِ وَشُربِ الخَمرِ وَالنُّكرِ وَأكلِ مالِ اليَتيمِ ، وَأكلِ الرِّبا وَالخُدعَةِ والخِيانَةِ ، وَرُكوبِ الحَرامِ كُلِّها وَانتِهاكِ المَعاصي. وَإنّما أمرُ اللّهِ بِالعَدلِ وَالإحسانِ وَإيتاءِ ذي القُربى ، يَعني مَوَدّةَ ذي القُربى وَابتِغاءِ طاعَتِهِم ، وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكرِ وَالبَغي ، وَهُم أعداءُ الأنبياءِ وَأوصِياءُ الأنبياءِ ، وَهُم البَغيُ مِن مَودَّتِهِم ، فَطاعَتُهُم يَعظِكم بِهذِهِ لَعَلَّكُم تَذَكّرونَ . وَأُخبِرُكَ أنّي لَو قُلتُ لَكَ : إنَّ الفاحِشَةَ وَالخَمَر وَالمَيسِرَ وَالزِّنا وَالمِيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحمَ الخِنزيرِ هُوَ رَجُلٌ ، وَأنتَ أعلَمُ أنَّ اللّهَ قَد حَرَّمَ هذا الأصلَ وَحَرَّمَ فَرعَهُ ، وَنَهى عَنهُ وَجَعَلَ وِلايَتَهُ كَمَن عَبَدَ مِن دونِ اللّهِ وَثَناً وَشِركاً ، وَمَن دَعا إلى عِبادَةِ نَفسِهِ فَهُوَ كَفِرَعونَ إذ قالَ : «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى » (1) ، فَهذا كُلُّهُ على وَجهٍ ، إن شِئتَ قُلتَ هُوَ رَجُلٌ وَهوَ إلى جَهَنَّمَ وَمَن شايَعَهُ على ذلِكَ فافهَم ، مِثلَ قَولِ اللّهِ : « إِنَّمَاحَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ» (2) وَلَصَدَقتَ ، ثُمَّ لَو إنّي قُلتُ إنَّهُ فُلانٌ ذلِكَ كُلُّهُ لَصَدَقتَ أنَّ فُلاناً هُوَ المَعبودُ المُتَعدّي حُدودَ اللّهِ الّتي نَهى عَنها أن يَتَعَدّى . ثمّ إنّي أُخبِرُكَ أنَّ الدِّينَ وَأصلَ الدّينِ هُوَ رَجُلٌ ، وَذلِكَ الرَّجُلُ هُوَ اليَقينُ وَهُوَ الإيمانُ وَهُوَ إمامُ أُمَّتِهِ وَأهلِ زَمانِهِ فَمَن عَرَفَهُ عَرَفَ اللّهَ ، وَمَن أنكَرَهُ أنكَرَ اللّهَ وَدينَهُ ، وَمَن جَهِلَهُ جَهِلَ اللّهَ وَدينَهُ وَحُدودَهُ وَشَرايِعَهُ بِغَيرِ ذلِكَ الإمامِ ، كذلِكَ جَرى بِأنَّ مَعرِفَةَ الرِّجالِ دِينُ اللّهِ ، وَالمَعرِفَةُ على وَجهِهِ مَعرِفَةٌ ثابِتَةٌ على بَصيرَةٍ يُعرَفُ بِها دينُ اللّهِ ، وَيُوصَلُ بِها إلى مَعرِفَةِ اللّهِ ، فَهذِهِ المَعرِفَةُ الباطِنَةُ الثّابِتَةُ بِعَينِها ، المُوجِبَةُ حَقَّها ، المُستَوجِبُ أهلُها عَلَيها الشُّكرَ للّهِِ ، الّتي مَنَّ عَلَيهِم بِها مِن مَنِّ اللّهِ ، يَمُنُّ بِهِ على مَن يَشاءُ مَعَ مَعرِفَةِ الظّاهِرَةِ ، وَمَعرِفَةٍ في الظّاهِرَةِ ، فَأهلُ المَعرِفَةِ في الظّاهِرِ الذّينَ

.


1- .النازعات: 24.
2- .البقرة: 173.

ص: 103

عَلِموا أمرَنا بِالحَقِّ على غَيرِ عِلمٍ لا يُلحقُ بِأهلِ المَعرِفَةِ في الباطِنِ على بَصيرَتِهِم ، وَلا يَضِلّوا بِتِلكَ المَعرِفَةِ المُقَصِّرَةِ إلى حَقِّ مَعرِفَةِ اللّهِ ، كَما قالَ في كتابِهِ : «وَ لاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّمَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ» (1) فَمَن شَهِدَ شَهادَةَ الحَقِّ لا يَعقِدُ عَلَيهِ قَلبَهُ على بَصيرَةٍ فيهِ ، كذلِكَ مَن تَكَلَّمَ لا يَعقِدُ عَلَيهِ قَلبَهُ لا يُعاقَبُ عَلَيهِ عُقوبَةَ مَن عَقَدَ عَلَيهِ قَلبَهُ وَثَبَتَ على بَصيرَةٍ . فَقَد عَرَفتَ كَيفَ كانَ حَالُ رِجالِ أهلِ المَعرِفَةِ فِي الظّاهِر ، وَالإقرارُ بِالحَقِّ على غَيرِ عِلمٍ في قَديمِ الدَّهرِ وَحَديثِهِ ، إلى أنِ انتَهى الأمرُ إلى نَبِيِّ اللّهِ ، وَبَعدَهُ إلى مَن صارَ وإلى مَنِ انتَهت إلَيهِ مَعرِفَتُهُم ، وإنَّما عَرَفوا بِمَعرِفَةِ أعمالِهِم وَدينِهِم الّذي دانَ اللّهَ بِهِ المُحسنُ بِإحسانِهِ وَالمُسي بِإساءَتِهِ ، وَقَد يُقالُ : إنَّهُ مَن دَخَلَ في هذا الأمرِ بِغَيرِ يَقينٍ وَلا بَصيرَةٍ خَرَجَ مِنهُ كما دَخَلَ فيهِ ، رَزَقَنا اللّهُ وَإيّاكَ مَعرِفَةً ثابِتَةً على بَصيرَةٍ . وَأُخبِرُكَ أنّي لَو قُلتُ : إنَّ الصَّلاةَ وَالزَّكاةَ وَصَومَ شَهرِ رَمَضانَ ، وَالحَجَّ وَالعُمرَةَ ، والمَسجِدَ الحَرامَ وَالبَيتَ الحَرامَ وَالمَشعَرَ الحَرامَ ، وَالطَّهورَ وَالاغتِسالَ مِنَ الجَنابَةِ ، وَكُلَّ فَريضَةٍ كانَ ذلِكَ هُوَ النَّبِيُّ الّذي جاءَ بِهِ من عِندِ رَبّهِ لَصَدَّقتَ أنَّ ذلِكَ كُلَّهُ إنَّما يُعرَفُ بِالنَّبِيِّ وَلَولا مَعرِفَةُ ذلِكَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله وَالإيمانُ بِهِ وَالتَّسليمُ لَهُ ، ما عُرِفَ ذلِكَ ، فَذلِكَ مِن مَنِّ اللّهِ على مَن يَمُنُّ عَلَيهِ ، وَلَولا ذلِكَ لَم يُعرِف شيئاً من هذا ، فَهذا كُلُّهُ ذلِكَ النَّبِيُّ وَأصلُهُ ، وَهُوَ فَرعُهُ وَهُوَ دعاني إلَيهِ وَدَلَّني عَلَيهِ وَعَرَّفَنيهِ وَأمَرني بِهِ ، وَأوجَبَ عَلَيَّ لَهُ الطّاعَةَ فيما أمَرَني بهِ ، لا يَسَعُني جَهلُهُ ، وَكَيفَ يَسَعُني جَهلُهُ وَمَن هُوَ فيما بَيني وَبَينَ اللّهِ ؟ وَكَيفَ تَستَقيمُ لي لَولا أنّي أصِفُ أنّ ديني هُوَ الّذي أتاني بِهِ ذلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أن أصِفَ أنَّ الدِّينَ غَيرُهُ ؟ وَكَيفَ لا يَكونُ ذلِكَ مَعرِفَةَ الرَّجُلِ وَإنّما هُوَ الّذي جاءَ بِهِ عَنِ اللّهِ ، وَإنَّما أنكَرَ الّذي مَن أنكَرَهُ بِأن قالو : «أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا

.


1- .الزخرف: 86.

ص: 104

رَّسُولاً » (1) ثُمَّ قالوا : «أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا» (2) فَكَفَروا بِذلِكَ الرَّجُلِ وَكَذَّبوا بِهِ وَقالوا : «لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ» (3)(4) فقالَ : «قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتابَ الَّذِى جَآءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدىً لِّلنَّاسِ» (5) ثُمَّ قالَ في آيةٍ اُخرى : «وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِىَ الْأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَّجَعَلْناهُ رَجُلاً» (6) تبارك اللّه تعالى ، إنّما أحَبَّ أن يُعرَفَ بِالرّجالِ ، وَأن يُطاعَ بِطاعَتِهِم ، فَجَعَلَهُم سَبيلَهُ وَوَجهَهُ الّذي يُؤتى مِنهُ ، لا يَقبَلُ اللّهُ مِنَ العِبادَ غَيرَ ذلِكَ ، لا يُسألُ عَمّا يَفعَلُ وَهُم يُسألونَ ، فَقالَ فيمَن أوجَبَ مِن مَحَبَّتِهِ لذلِكَ : «من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً » (7) . فَمَن قالَ لَكَ : إنَّ هذهِ الفَريضَةَ كُلَّها إنَّما هِيَ رَجُلٌ ، وَهُوَ يَعرِفُ حَدَّ ما يَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَد صدَقَ وَمَن قالَ : على الصِّفَةِ الّتي ذَكَرتَ بِغَيرِ الطّاعَةِ لا يَعني التَّمَسُّكَ في الأصلِ بِتَركِ الفُروعِ ، لا يَعني بِشهادَةِ أن لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَبِتَركِ شَهادَةِ أنَّ مُحَمَّداً رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَلَم يَبعَث اللّهُ نبيّاً قَطُّ إلاّ بِالبِرِّ وَالعَدلِ وَالمَكارِمِ وَمَحاسِنِ الأعمالِ وَالنَّهي عَنِ الفَواحِشِ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ ، فَالباطِنِ ، مِنهُ وِلايَةُ أهلِ الباطِنِ ، وَالظّاهِرُ مِنهُ فُروعُهُم ، وَلَم يَبعَثِ اللّهُ نَبِيّاً قَطُّ يَدعو إلى مَعرِفَةٍ لَيسَ مَعَها طاعَةٌ في أمرٍ وَنَهيٍ ، فَإنَّما يَقبَلُ اللّهَ مِنَ العِبادِ العَمَلَ بِالفَرايِضِ الّتي افتَرَضَها اللّهُ عَلى حُدودِها مَعَ مَعرِفَةِ مَن جاءَهُم مِن عِندِهِ وَدعاهُم إلَيهِ ، فَأوَّلُ مِن ذلِكَ مَعرِفَةُ مَن دَعا إلَيهِ ، ثُمَّ طاعَتُهُ فيما يُقِرُّ بِهِ بِمَن لا طاعَةَ لَهُ وَإنَّهُ مَن عَرَفَ أطاعَ ، حَرَّمَ الحَرامَ ظاهِرَهُ وَباطِنَهُ ، وَلا يَكونُ

.


1- .الإسراء: 94.
2- .التغابن: 6.
3- .الأنعام:8.
4- .وفي آية اُخرى: «لَوْلاَ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ » (الفرقان:7).
5- .الأنعام: 91.
6- .الأنعام: 8 و9.
7- .النساء: 80.

ص: 105

تَحريمُ الباطِنِ وَاستِحلالُ الظّاهِرُ ، وَإنَّما حَرَّمَ الظّاهِرَ بِالباطِنِ وَالباطِنَ بِالظّاهِرِ مَعاً جَميعاً ، وَلا يَكونُ الأصلُ وَالفُروعُ وَباطِنُ الحَرامِ حرامٌ وظاهِرُهُ حَلالٌ ، وَلا يَحرُمُ الباطِنُ وَيَستَحيلُ الظّاهِرُ ، وَكذلِكَ لا يَستَقيم إلاّ يَعرِفَ صلاةَ الباطِنِ وَلا يَعرفَ صَلاةَ الظّاهِرِ ، وَلا الزَّكاةَ وَلا الصَّومَ ، وَلا الحَجَّ وَلا العُمرَةَ وَالمَسجِدَ الحَرامَ ، وَجَميعَ حُرُماتِ اللّهِ وشعائِرِهِ ، وَإن تَرَكَ مَعرِفَةَ الباطِنِ لِأنَّ باطِنَهُ ظَهرُهُ ، وَلا يَستَقيمُ إنَّ تَركَ واحِدَةً مِنها إذا كانَ الباطِنُ حَرَاماً خَبيثاً ، فالظّاهِرُ مِنهُ إنَّما يُشبِهَ الباطِنَ بالِظّاهِرِ فَمَن زَعَمَ أنّ ذلِكَ إنّما هِيَ المَعرِفَةُ ، إنَّهُ إذا عَرَفَ اكتَفى بِغَير طاعَةٍ ، فَقَد كَذّبَ وَأشرَكَ ، ذاكَ لَم يَعرِف وَلَم يُطِع ، وَإنَّما قيل : اعرِف وَاعمَل ما شِئتَ مِنَ الخَير ؛ فَإنَّهُ لا يُقبَلُ ذلِكَ مِنكَ بِغَيرِ مَعرِفَةٍ فَإذا عَرَفتَ فَأعمَل لِنَفسِكَ ما شِئتَ مِنَ الطّاعَةِ ، قَلَّ أو كَثُر ، فَإنَّهُ مَقبولٌ مِنكَ. أُخبِرُكَ أنَّ مَن عَرَفَ أطاعَ إذا عَرَفَ ، وَصَلَّى وَصامَ وَاعتَمَرَ ، وَعَظَّمَ حُرُماتِ اللّهِ كُلِّها ، وَلَم يَدَع مِنها شَيئاً ، وَعَمَلَ بِالبِرِّ كُلِّهِ وَمَكارِم الأخلاقِ كُلِّها ، وَيَجتَنِبُ سَيِّئها ، وَكُلُّ ذلِكَ هُوَ النّبيُّ صلى الله عليه و آله وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أصلُهُ ، وَهُوَ أصلُ هذا كُلِّهِ ؛ لِأنَّهُ جاءَ وَدَلّ عَلَيهِ وَأمَرَ بهِ ، وَلا يَقبَلُ مِن أحَدٍ شَيئاً مِنهُ إلاّ بِهِ ، وَمَن عَرَفَ اجتَنَبَ الكَبائِرَ وَحَرَّمَ الفَواحِشَ ، ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ وَحَرَّمَ المحارِمَ كُلَّها ؛ لِأنَّ بِمَعرِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَبِطاعَتِهِ دَخَلَ فيما دَخَلَ فيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وَخَرَجَ مِمّا خَرَجَ مِنهُ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله ، مَن زَعَمَ أنَّهُ يَملِكُ الحَلالَ وَيُحَرِّمُ الحَرامَ بِغَيرِ مَعرِفُةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، لَم يُحَلِّل اللّهُ حَلالاً وَلَم يُحَرِّم لَهُ حَراماً ، وَأنّهُ مَن صَلَّى وَزَكَّى وَحَجَّ وَاعتَمَرَ ، فَعَلَ ذلِكَ كُلَّهُ بِغَيرِ مَعرِفَةٍ مَن اِفتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ طاعَتَهُ لَم يَقبَل مِنهُ شَيئاً مِن ذلِكَ ، وَلَم يُصَلِّ وَلَم يَصُم وَلَم يُزَكِّ وَلَم يَحُجَّ وَلَم يَعتَمِرَ وَلَم يَغتَسِلَ مِنَ الجَنابَةِ ، وَلَم يَتَطّهَر ، وَلَم يُحَرِّمِ اللّهُ حَراماً وَلَم يُحَلِلِّ اللّهُ حَلالاً ، لَيسَ لَهُ صَلاةٌ وإن رَكَعَ وَسَجَدَ ، وَلا لَهُ زَكاةٌ وإن أخرَجَ لِكُلِّ أربَعينَ دِرهَماً وَمَن عَرَفهُ وَأخَذَ عَنهُ أطاعَ اللّهَ .

.

ص: 106

وَأمَّا ما ذَكَرتَ أنَّهُم يَستَحِلونَ نِكاحَ ذَواتِ الأرحامِ الّتي حَرَّمَ اللّهُ في كِتابِهِ ، فَإنَّهُم زَعَموا أنَّهُ إنّما حَرَّمَ عَلَينا بِذلِكَ نِكاحَ نِساءِ النّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَإنَّ أحَقَّ ما بَدأ مِنهُ تَعظيمُ حَقِّ اللّهِ وَكرامَةِ رَسولِهِ وَتَعظيمِ شَأنِهِ ، وَما حَرَّمَ اللّهُ على تابعيهِ ، وَنِكاحِ نِسائِهِ مِن بَعدِ قولِهِ : «وَ مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوارَسُولَ اللَّهِ وَ لاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَ اجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَ لِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً » (1) وَقالَ اللّهُ تبارَكَ وَتعالى : « النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَ أَزْوَ اجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» (2) وَهُوَ أبٌ لَهُم ثُمَّ قال : « وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاًوَسَآءَ سَبِيلاً» (3) فَمَن حَرَّمَ نِساءَ النَّبِيِّ لِتَحريمِ اللّهِ ذلِكَ فَقد حَرَّمَ اللّهُ في كِتابِهِ العَمّاتِ وَالخالاتِ ، وَبَناتِ الأخِ وَبَنات الأُختِ ، وما حَرَّمَ اللّهُ مِنَ إرضاعِهِ لِأنَّ تحرم ذلِكَ تَحريمُ نِساءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وَمَن حَرَّمَ ما حَرَّمَ اللّهُ مِنَ الأُمَّهاتِ وَالبَناتِ ، وَالأخَواتِ والعَمَّاتِ ، من نِكاحِ نِساءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وَمَن استَحَلّ ما حَرَّمَ اللّهُ فَقَد أشرَكَ إذا اتَّخَذَ ذلِكَ ديناً . وَأمّا ما ذَكَرتَ أنَّ الشّيعَةَ يَتَرادَفونَ المَرأةَ الواحِدَةَ ، فَأعوذُ باللّهِ أن يَكونَ ذلِكَ مِن دينِ اللّهِ وَرَسولِهِ ، إنَّما دينُهُ أن يُحِلَّ ما أحَلَّ اللّهُ وَيُحَرِّمَ ما حَرَّمَ اللّهُ ، سَواء إنَّ ما أحَلَّ اللّهُ مِنَ النِّساءِ في كتابِ المُتعَةِ في الحَجِّ أجلهما (4) ثُمَّ لَم يُحَرِّمُهما ، فَإذا أرادَ الرَّجُلُ المُسلِمُ أن يَتَمتَّعَ مِنَ المَرأةِ فَعَلى كِتابِ اللّهِ وَسُنَّتِهِ ، نِكاحٌ غَيرَ سِفاحٍ ، تَراضَياً على ما أحَبّا مِنَ الأُجرَةِ وَالأجَلِ كما قالَ اللّهُ : «فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَ_اتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَجُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَ اضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ » (5) إن هُما أحَبّا أن يُمِدّا

.


1- .الأحزاب: 53.
2- .الأحزاب: 6.
3- .النساء: 22.
4- .الظاهر أنّه : « أحلّهما » بدل «أجلهما » .
5- .النساء: 24.

ص: 107

في الأجَلِ على ذلِكَ الأجرِ ، فَآخِرُ يَومٍ مِن أجَلِها قَبلَ أن يَنقَضِيَ الأجَلُ قَبلَ غُروبِ الشَّمسِ مَدّا فيهِ وَزادا في الأجَلِ ما أحَبّا ، فَإن مَضى آخِرُ يَومٍ مِنهُ لَم يَصلُح إلاّ ما أمَرَ مستقبل (1) وَليسَ بَينَهُما عِدَّةٌ مِن سِواهُ ؛ فَإنَّهُ اتحادت سِواهُ اعتَدَّت خَمسَةً وَأربَعينَ يَوماً ، وَلَيس بَينَهُما ميراثٌ ، ثُمَّ إن شاءَت تَمَتَّعَت مِن آخَرَ ، فَهَذا حَلالٌ لَهُما إلى يَومِ القِيامَةِ إن هِيَ شاءَت مِن سَبعَةٍ ، وإن هِيَ شاءَت مِن عِشرينَ إن ما بَقِيَت في الدُّنيا ، كُلُّ هذا حَلالٌ لَهُما على حُدودِ اللّهِ ، وَمَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللّهِ فَقَد ظَلَم نَفسَهُ . وَإذا أرَدتَ المُتعَةَ في الحَجِّ فَأحرِم مِنَ العَقيقِ وَاجعَلها مُتعَةً ، فَمَتى ما قَدَّمتَ طُفتَ بِالبَيتِ وَاستَلَمتَ الحَجَرَ الأسوَدَ ، وَفَتَحتَ بِهِ وَخَتَمتَ سَبَعَةَ أشواطٍ ، ثُمَّ تُصَلِّي رَكعَتَينِ عِندَ مَقامِ إبراهيمَ ، ثُمَّ اخرُج مِنَ البَيتِ فَاسعَ بَينَ الصَّفا وَالمَروَةِ سَبعَة أشواطٍ ، تَفتَحُ بِالصَّفا وَتَختِمُ بِالمَروَةِ ، فَإذا فَعَلتَ ذلِكَ فَصَبرتَ حَتّى إذا كانَ يَومُ التّروِيَةِ صَنَعتَ ما صَنَعتَ بِالعَقيقِ ، ثُمَّ احرِمَ بَينَ الرُّكنِ وَالمَقامِ بِالحَجِّ ، فَلَم تَزَل مُحرِماً حَتّى تَقِفَ بِالمَوقِفِ ثُمَّ تَرمي الجَمَراتِ وَتَذبَحُ وَتُحِلُّ وَتَغتَسِلُّ ، ثُمَّ تَزورُ البَيتَ فَإذا أنتَ فَعَلتَ ذلِكَ فَقَد أحلَلتَ وَهُوَ قَولُ اللّهِ : «فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ» (2) أن تذبَحَ . وَأمَّا ما ذَكَرتَ أنَّهُم يَستَحِلّونَ الشَّهاداتِ بعضُهم لِبَعضٍ على غَيرِهِم ، فَإنّ ذلِكَ لَيسَ هُوَ إلاّ قَولُ اللّهِ : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ» (3) إذا كانَ مُسافِراً وَحَضَرَهُ المَوتُ اثنانِ ذَوا عَدلٍ مِن دينِهِ ، فَإن لَم يَجِدوا فَآخَرَانِ مِمَّن يَقرَأُ القُرآنَ مِن غَيرِ أهلِ وِلايَتِهِ يَحبِسونَهُما مِن

.


1- .الظّاهر أنّه : « بأمر مستقبل » .
2- .البقرة: 196.
3- .المائدة: 106.

ص: 108

بَعدِ الصَّلاةِ ، فَيُقسِمانِ بِاللّهِ إن ارتَبتُم لا نَشتَري بِهِ ثَمَناً قَليلاً ، وَلَو كانَ ذا قُربى ، وَلا نَكتُمُ شَهادَةَ اللّهِ ، إنّا إذاً لَمِنَ الآثِمينَ ، فإن عَثَرَ عَلى أنَّهُما استَحَقّا إثماً فَآخَرانِ يَقومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذي استَحَقَّ عَلَيهِم الأُولَيانِ مِن أهلِ وِلايَتِهِ فَيُقسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أحقُّ مِن شَهادَتِهِما وَما اعَتدَينا ، إنّا إذاً لَمِنَ الظّالِمينَ ، ذلِكَ أدنى بِالشَّهادَةِ على وَجهِها ، أو تَخافوا أن تَرُدَّ إيماناً بَعدَ إيمانِهِم وَاتَّقوا اللّهَ واسمَعوا (1) ، وَكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقضي بِشهادَةِ رَجُلٍ واحِدٍ مَعَ يَمينِ المُدَّعي ، ولا يُبطِلُ حَقَّ مُسلِمٍ وَلا يَرُدُّ شَهادَةَ مُونٍ ، فإذا أخَذَ يَمينَ المُدَّعي وَشهادَةَ الرَّجُلِ قَضى لَهُ بِحَقِّهِ ، وَلَيسَ يَعمَلُ بِهذا ، فَإذا كانَ لِرَجُلٍ مُسلمٍ قَبلَ آخَرَ حَقٌّ يَجحَدُهُ وَلَم يَكُن شاهِدٌ غَيرَ وَاحِدٍ ، فَإنَّهُ إذا رَفَعَهُ إلى وِلايَةِ الجَورِ أبطَلوا حَقّهُ وَلَم يَقضوا فيها بِقَضاءِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، كانَ الحَقُّ في الجَورِ أن لا يُبطِلَ حَقَّ رَجُلٍ فَيَستَخرِجَ اللّهُ عَلى يَدَيهِ حَقَّ رَجُلٍ مُسلمٍ ويُؤجرَهُ اللّهُ وَيَجي عَدلاً ، كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَعمَلُ بِهِ . وَأمّا ما ذَكَرتَ في آخِرِ كتابِكَ أنَّهُم يَزعُمونَ أنَّ اللّهَ رَبُّ العالَمينَ هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وَأنَّكَ شَبَّهتَ قَولَهُم بِقَولِ الّذينَ قالوا في عَلِيٍّ ما قالوا فَقَد عَرَفتَ أنّ السُّنَنَ وَالأمثالَ كايِنَةُ لَم يَكُن شَيءٌ فيما مَضى إلاّ سَيَكونُ مِثلُهُ حَتّى لَو كانَت شاةٌ بِشاةٍ وَكان هاهُنا مِثلُهُ . وَاعلَم أنَّهُ سَيَضِلُّ قَومٌ بِضَلالَةِ مَن كانَ قَبلَهُم فَكَتبتَ تَسألُني عَن مِثلِ ذلِكَ ما هُوَ

.


1- .إشارة إلى قوله تعالى : « يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَ_دَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الْأَرْضِ فَأَصَ_بَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَوةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِى بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَاقُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَ_دَةَ اللَّهِ إِنَّ_آ إِذًا لَّمِنَ الْأَثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّآ إِثْمًا فَئاخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَ_نِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَ_دَتُنَآ أَحَقُّ مِن شَهَ_دَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَآ إِنَّ_آ إِذًا لَّمِنَ الظَّ__لِمِينَ * ذَ لِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَ_دَةِ عَلَى وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَ_نٌ بَعْدَ أَيْمَ_نِهِمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَ_سِقِينَ » ( المائدة : 106 _ 108 ) .

ص: 109

وَما أرادوا بِهِ . أُخبِرُكَ أنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى هُوَ خَلَقَ الخَلقَ لا شريكَ لَهُ ، لَهُ الخَلقُ وَالأمرُ ، وَالدُّنيا وَالآخِرَةُ ، وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ وَخالِقُهُ ، خَلَقَ الخَلقَ وَأحَبَّ أنْ يَعرِفوهُ بِأنبِيائِهِ ، وَاحتَجَّ عَلَيهم بِهِم ، فالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله هُوَ الدَّليلُ عَلى اللّهِ ، عَبدٌ مَخلوقٌ مَربوبٌ اصطفاهُ نَفسُهُ رِسالَتَهُ وَأكرَمَهُ بِها فَجُعِلَ خَليفَتَهُ في خَلقِهِ وَلِسانَهُ فيهِم وَأمينَهُ عَلَيهِم وَخازِنَهُ في السَّمواتِ وَالأرضينَ ، قَولُهُ قَولُ اللّهِ لا يَقولُ على اللّهِ إلاّ الحَقَّ ، مَن أطاعَهُ أطاعَ اللّهَ ، وَمَن عصاهُ عَصى اللّهَ ، وَهُوَ مَولى مَن كانَ اللّهُ رَبَّهُ وَوَلِيّهُ ، مَن أبى أن يُقِرَّ لَهُ بِالطّاعَةِ فَقَد أبى أن يُقِرَّ لِرَبِّهِ بِالطّاعَةِ وَبِالعُبوديَةِ ، وَمَن أقَرَّ بِطاعَتِهِ أطاعَ اللّهَ وَهَداهُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، مَولى الخَلقِ جَميعاً عَرَفوا ذلِكَ وَأنكروهُ ، وَهُوَ الوالِدُ المَبرورُ فيمَن أحَبَّهُ وَأطاعَهُ وَهُوَ الوالِدُ البارُّ وَمُجانِبُ الكبائِرِ . قَد كَتَبتُ لَكَ ما سَألتَني عَنهُ ، وَقَد عَلِمتُ أنَّ قوماً سَمِعوا صَنعَتَنا هذهِ فَلَم يَقولوا بِها ، بَل حَرَّفوها وَوَضعوها على غَيرِ حُدودِها على نَحوِما قَد بَلغَكَ ، وَاحذَر مِنَ اللّهِ وَرَسولِهِ وَمَن يَتَعَصَّبونَ بِنا أعمالَهُم الخَبيثَةَ ، وَقَد رَمانا النّاسُ بِها ، وَاللّهُ يَحكُمُ بَينَنا وَبَينَهُم فَإنَّهُ يَقولُ : «الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ » (1) . وَأمّا ما كَتَبتَ وَنَحوَهُ وَتَخَوَّفتَ أن يَكونَ صِفَتُهم مِن صِفَة فَقَد أكرَمَهُ اللّهُ تَعالى عز و جلعَمّا يَقولونَ عُلُواً كَبيراً . صِفَتي هذهِ صِفَةُ صاحِبِنا الّتي وَصَفنا لَهُ ، وَعندَنا أخذنا فَجَزاهُ اللّهُ عَنّا أفضَلَ الحَقِّ ، فَإنَّ جَزاءَهُ عَلى اللّهِ فَتَفَهَّم كِتابي هذا وَاتّقوه للّهِِ . (2)

.


1- .النور:23 _ 25.
2- .بصائر الدرجات : ص526 ح1 ، بحار الأنوار: ج24 ص286 ح1 نقلاً عنه وراجع : دعائم الإسلام : ج1 ص51 .

ص: 110

22 . رسالته عليه السلام إلى شيعته وأصحابه فيما يجب أن يكونوا عليه

22رسالته عليه السلام إلى شيعته وأصحابهفيما يجب أن يكونوا عليهمحمّد بن يعقوب الكليني قال : حدّثني عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن حفص المون 1 ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام . وعن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر 2 ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنّه كتب بهذه

.

ص: 111

الرّسالة إلى أصحابه ، وأمرهم بمدارستها والنّظر فيها ، وتعاهدها والعمل بها ، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصّلاة نظروا فيها. قال : وحدّثني الحسن بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفيّ ، عن القاسم بن الرّبيع الصّحّاف ، عن إسماعيل بن مخلّد السّرّاج (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : خرجت هذه الرّسالة من أبي عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابه : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمّا بَعدُ ، فاسألوا رَبَّكُم العافِيَةَ ، وَعَلَيكُم بِالدَّعَةِ وَالوَقارِ وَالسَّكينَةِ ، وَعَلَيكُم بِالحياءِ وَالتَّنَزُّهِ عَمّا تَنَزَّهَ عَنهُ الصّالِحونَ قبلَكُم ، وَعَلَيكُم بِمُجامَلَةِ أهلِ الباطِلِ ، تَحَمّلوا الضَّيمَ مِنهُم . وَإيّاكُمَ وَمماظتهم ، دينوا فيما بَينَكُم وَبَينَهُم ، إذا أنتُم جالَستُموهُم وَخالَطتُموهُم وَنازَعتُموهُم الكلامَ فإنَّهُ لا بُدَّ لَكُم مِن مُجالَسَتِهِم وَمُخالَطَتِهِم وَمُنازَعَتِهِم الكَلامَ بِالتَّقِيَّةِ الّتي أمَرَكُم اللّهُ أن تَأخُذوا بِها فيما بَينَكُم وَبَينَهُم فَإذا ابتُليتُم بِذلِكَ مِنهُم فَإنّهُم سَيُوونَكُم ، وَتَعرِفونَ في وُجوهِهِم المُنكَرَ وَلَولا أنَّ اللّهَ تَعالى يَدفَعُهُم عَنكُم لَسَطَوا بِكُم ، وَما في صدورِهِم مِنَ العَداوَةِ وَالبَغضاءِ أكثَرُ مِمّا يُبدونَ لَكُم . مَجالِسُكُم وَمَجالِسُهُم واحِدَةٌ وَأرواحُكُم وَأرواحُهُم مُختَلِفَةٌ لا تَأتَلِفُ ، لا تُحِبّونَهُم أبَداً وَلا يُحبِّونَكُم ، غَيرَ أنَّ اللّهَ تَعالى أكرَمَكُم بِالحَقِّ وَبَصَّرَكموهُ ، وَلَم يَجعَلُهم مِن أهلِهِ فَتُجامِلونَهُم وَتَصبِرونَ عَلَيهِم وَهُم لا مُجامَلَةَ لَهُم وَلا صَبَر لَهُم على شَيءٍ ، وَحِيَلُهُم وَسواسُ بَعضِهِم إلى بَعضٍ ؛ فَإنَّ أعداءَ اللّهِ إنِ استَطاعوا صَدّوكُم عَنِ الحَقِّ ، فَيَعصِمُكُمُ اللّهُ مِن ذلِكَ ، فَاتّقوا اللّهَ وَكُفّوا ألسِنَتَكُم إلاّ مِن خَيرٍ .

.


1- .محدث إماميّ ، مجهول الحال ، وقيل : مهمل ، روى عنه القاسم بن ربيع الصّحّاف . (راجع : تنقيح المقال : ج 1 ص 144 ، معجم رجال الحديث : ج 4 ص 95 ح 1438 ، جامع الرواة : ج 1 ص 103 ، أعيان الشيعة : ج 3 ص 431) .

ص: 112

وَإيّاكُم أن تُزلِقوا ألسِنَتَكُم بِقَولِ الزّورِ وَالبُهتانِ وَالإثمِ وَالعُدوانِ ؛ فَإنَّكُم إن كَفَفتُم ألسَنِتَكم عَمّا يَكرَهُهُ اللّهُ مِمّا نَهاكُم عَنهُ كانَ خَيراً لَكُم عِندَ رَبِّكُم مِن أن تُزلِقوا ألسِنَتَكُم بِهِ ، فإنَّ زَلَقَ اللِّسانِ فيما يَكرَهُ اللّهُ وَما يَنهى عَنهُ مَرداةٌ لِلعَبدِ عِندَ اللّهِ ، وَمَقتٌ مِنَ اللّهِ وَصَمٌّ وَعَمىً وَبَكَمٌ يُورِثُهُ اللّهُ إيّاهُ يَومَ القِيامَةِ ، فَتَصيروا كَما قالَ اللّهُ : «صُمُّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ » (1) يَعني لا يَنطِقونَ «وَ لاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ » (2) . وَإيّاكُم وما نَهاكُمُ اللّهُ عَنهُ أن تَركَبوهُ وَعَلَيكُم بِالصَّمتِ ، إلاّ فيما يَنفَعُكُم اللّهُ بِهِ مِن أمرِ آخِرَتِكُم وَيُؤجِرُكُم عَلَيهِ ، وَأكثِروا مِنَ التَّهليلِ وَالتَّقديسِ وَالتَّسبيحِ وَالثَّناءِ عَلى اللّهِ ، وَالتَّضَرُّع إلَيهِ وَالرَّغبَةِ فيما عِندَهُ مِنَ الخَيرِ الّذي لا يُقَدِّرُ قَدرَهُ وَلا يَبلُغُ كُنهَهُ أحَدٌ ، فاشغَلوا أَلسِنَتَكُم بِذلِكَ عَمّا نَهى اللّهُ عَنهُ مِن أقاويلِ الباطِل الّتي تُعقِبُ أهلَها خُلوداً في النّارِ ، مَن ماتَ عَلَيها وَلَم يَتُب إلى اللّهِ وَلَم يَنزَع عَنها . وَعَلَيكُم بِالدُّعاءِ ، فإنَّ المُسلِمينَ لَم يُدرِكوا نَجاحَ الحَوائِجِ عِندَ رَبِّهِم بِأفضَلَ مِنَ الدُّعاءِ وَالرَّغبَةِ إلَيهِ ، وَالتَّضَرُّعِ إلى اللّهِ ، وَالمَسألَةِ لَهُ فارغَبوا فيما رَغَّبَكُمُ اللّهُ فيهِ ، وَأجيبوا اللّهَ إلى ما دَعاكُم إلَيهِ ، لِتُفلِحوا وَتَنجوا مِن عَذابِ اللّهِ . وَإيّاكُم أن تَشرَهَ أنفسُكُم إلى شَيءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيكُم ، فإنَّهُ مَنِ انتَهَكَ ما حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ هاهُنا فِي الدُّنيا ، حالَ اللّهُ بَينَهُ وَبَينَ الجَنَّةِ وَنَعيمِها وَلَذَّتِها وَكَرامَتِها القائِمَةِ الدّائِمَةِ لاِلِ الجَنَّةِ أبدَ الآبدينَ. وَاعلَموا أنَّهُ بِئسَ الحَظُّ الخَطَرُ لِمَن خاطَرَ اللّهَ بِتَرِكِ طاعَةِ اللّهِ ، وَرُكوبِ مَعصِيَتِهِ ، فاختارَ أن يَنتَهِكَ مَحارِمَ اللّهِ في لَذَّاتِ دُنيا مُنقَطِعَةٍ زائِلِةٍ عَن أهلِها ، على خُلودِ نَعيمٍ في الجَنَّةِ وَلذّاتِها وَكَرامَةِ أهلِها ، وَيلٌ لاُِولئِكَ ما أخيَبَ حَظّهُم ! وَأخسَرَ كَرَّتَهُم ! وَأسوَأ حالَهُم عِندَ رَبِّهِم يَومَ القِيامَةِ ! استَجيروا اللّهَ أن يُجيرَكُم في مِثالِهِم أبَداً ، وَأن

.


1- .البقرة: 18.
2- .المرسلات : 36 .

ص: 113

يَبتَليكُم بِما ابتَلاهُم بِهِ ، وَلا قُوَّةَ لَنا وَلكُم إلاّ بِهِ . فاتّقوا اللّهَ أيَّتُها العِصابَةُ النّاجِيَةُ إن أتَمَّ اللّهُ لَكُم ما أعطاكُم بِهِ ؛ فإنَّهُ لا يَتِمُّ الأمرُ حَتّى يَدخُلَ عَلَيكُم مِثلُ الّذي دَخَلَ عَلى الصَّالِحينَ قَبلَكُم وَحَتّى تَبتَلوا في أنفُسِكُم وَأموالِكُم وَحَتّى تَسمَعوا مِن أعداءِ اللّهِ أذىً كثيراً ، فَتَصبروا وَتَعرُكوا بِجُنوبِكُم ، وَحَتّى يَستَذِلّوكُم وَيُبغِضوكُم ، وَحَتّى يَحمِلوا عَلَيكُم الضَّيمَ فَتَحمَّلوا مِنهُم تَلتَمِسونَ بِذلِكَ وَجهَ اللّهِ وَالدّارَ الآخِرَةَ ، وَحَتّى تَكظُموا الغَيظَ الشَّديدَ فِي الأذى فِي اللّهِ عز و جليَجتَرِمونَهُ إلَيكُم ، وَحَتّى يُكَذِّبوكُمُ بِالحَقِّ وَيُعادوكُم فيهِ وَيُبغِضوكُم عَلَيهِ ، فَتَصبروا على ذلِكَ مِنهُم ، وَمِصداقُ ذلِكَ كُلِّهِ في كتابِ اللّهِ الذي أنزَلَهُ جَبرئيلُ عليه السلام على نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ، سَمِعتُم قولَ اللّهِ عز و جل لِنَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله : «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ» . (1) ثُمَّ قالَ : «وَ إِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا» (2) فَقَد كُذِّبَ نَبِيُّ اللّهِ وَالرُّسُلُ مِن قَبلِهِ وَأُوذوا مَعَ التَّكذيبِ بِالحَقِّ ، فإن سَرَّكُم أمرُ اللّهِ فِيهِم الّذي خَلَقَهُم لَهُ في الأصلِ [أصل الخلق] مِنَ الكُفرِ الّذي سَبَقَ في عِلمِ اللّهِ أن يَخلُقَهُم لَهُ في الأصلِ ، وَمِنَ الّذينَ سَماهُم اللّهُ في كِتابِهِ في قَوله : « وَ جَعَلْنَ_هُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ » (3) ، فَتَدَّبروا هذا وَاعقِلوهُ وَلا تَجهَلوهُ ؛ فإنَّهُ مَن يَجهَل هذا وأشباهَهُ مِمّا افتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ في كتابِهِ مِمّا أمَرَ اللّهُ بهِ وَنَهى عَنهُ تَرَكَ دينَ اللّهِ وَرَكِبَ مَعاصيهِ ، فاستَوجَبَ سَخَطَ اللّهِ فأكبَّهُ اللّهُ على وَجهِهِ في النّارِ. وَقالَ : أيَّتُها العِصابَةُ المَرحومَةُ المُفلِحَةُ ، إنّ اللّهَ أَتمَّ لَكُم ما آتاكُم مِنَ الخَيرِ ، وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ مِن عِلمِ اللّهِ وَلا مِن أمرِهِ أن يأخُذَ أحَدٌ مِن خَلقِ اللّهِ في دينِهِ بِهَوى

.


1- .الأحقاف: 35.
2- .هذا قريب من آيتين أوّله في سورة الحجّ:42 وفاطر:3 و25 وآخره في سورة الأنعام: 34.
3- .القصص : 41 .

ص: 114

وَلا رأيٍ وَلا مَقاييسَ ، قَد أنزَلَ اللّهُ القُرآنَ وَجَعَلَ فيهِ تَبيانَ كُلِّ شَيءٍ ، وَجَعَلَ لِلقُرآنِ وَلِتَعَلُّمِ القُرآنِ أهلاً لا يَسَعُ أهلَ عِلمِ القُرآنِ الّذينَ آتاهُمُ اللّهُ عِلمَهُ أن يَأخُذوا فيهِ بِهَوى وَلا رَأيٍ وَلا مَقاييسَ ، أغناهُمُ اللّهُ عَن ذلِكَ بِما آتاهُم مِن عِلمِهِ ، وَخَصَّهُم بِهِ ، وَوَضَعَهُ عِندَهُم ، كَرامَةً مِنَ اللّهِ أكرَمَهُم بِها ، وَهُم أهلُ الذّكرِ الّذينَ أمَرَ اللّهُ هذهِ الأُمَّةَ بِسُولِهِم ، وَهُم الّذينَ مَن سَألَهُم _ وَقَد سَبَق في عِلمِ اللّهِ أن يُصَدِّقَهُم وَيَتَّبِعَ أثَرَهُم _ أرشَدوهُ وَأعطَوهُ من عِلمِ القُرآنِ ما يَهتدي بِهِ إلى اللّهِ بِإذنِهِ ، وإلى جَميعِ سُبُلِ الحَقِّ ، وَهُمُ الّذينَ لا يُرغَبُ عَنهُم وَعَن مَسأَلتِهِم وَعَن عِلمِهِم الّذي أكرَمَهُمُ اللّهُ بِهِ ، وَجَعَلَهُ عِندَهُم ، إلاّ مَن سَبَقَ عَلَيهِ في عِلمِ اللّهِ الشّقاءُ في أصلِ الخَلقِ ، تَحتَ الأظِلَّةِ ، فَأولئِكَ الّذينَ يَرغَبونَ عَن سُولِ أهلِ الذِّكرِ ، وَالّذينَ آتاهُمُ اللّهُ عِلمَ القُرآنِ ، وَوَضَعَهُ عِندَهُم ، وَأمَرَ بِسُولِهِم ، وَأُولئِكَ الّذينَ يَأخذونَ بِأهوائِهِم وَآرائِهِم وَمَقائيسِهِم ، حَتّى دَخَلَهُم الشَّيطانُ ؛ لِأنَّهُم جَعَلوا أهلَ الإيمانِ في عِلمِ القُرآنِ عِندَ اللّهِ كافرينَ ، وَجَعَلوا أهلَ الضَّلالَةِ في عِلمِ القُرآنِ عِندَ اللّهِ مُونينَ ، وَحَتّى جَعَلوا ما أحَلَّ اللّهُ في كَثيرٍ مِنَ الأمرِ حَراماً ، وَجَعَلوا ما حَرَّمَ اللّهُ في كَثيرٍ مِنَ الأمرِ حَلالاً ، فذلِكَ أصلُ ثَمَرَةِ أهوائِهِم . وَقَد عَهِدَ إلَيهمِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبلَ مَوتِهِ فَقالوا : نَحنُ بَعدَ ما قَبَضَ اللّهُ عز و جل رَسولَهُ يَسَعُنا أن نَأخُذَ بِما اجتَمَعَ عَلَيهِ رَأيُ النّاسِ بَعدَ ما قَبَضَ اللّهُ عز و جل رَسولَهُ صلى الله عليه و آله ، وَبَعدَ عَهدِهِ الّذي عَهِدَهُ إلَينا وَأمَرَنا بِهِ ، مخُالِفا للّهِِ وَلِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، فَما أحَدٌ أجَرأُ عَلى اللّهِ وَلا أبيَنُ ضَلالَةً مِمَّن أخَذَ بِذلِكَ ، وَزَعَمَ أنَّ ذلِكَ يَسَعُهُ ، وَاللّهِ إنَّ للّهِِ على خَلقِهِ أن يُطيعوهُ وَيَتَّبِعوا أمرَهُ في حَياةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَبَعدَ مَوتِهِ ، هَل يَستَطيعُ أولئِكَ أعداءُ اللّهِ أن يَزعُموا أنَّ أحَدَاً مِمَّن أسلَمَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، أخَذَ بِقَولِهِ وَرَأيِهِ وَمَقائيسِهِ ؟ فإن قالَ : نَعَم ، فَقَد كَذَّبَ عَلى اللّهِ وَضَلَّ ضَلالاً بَعيداً . وَإن قالَ : لا ، لَم يَكُن لِأحَدٍ أن يأخُذَ بِرَأيِهِ وَهَواهُ وَمَقاييسِهِ ، فَقَد أقرَّ بِالحُجَّةِ على نَفسِهِ ، وَهُوَ مِمَّن يَزعُمُ أنَّ اللّهَ يُطاعُ

.

ص: 115

وَيُتَّبَعُ أمرِهِ بَعدَ قَبضِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وَقَد قالَ اللّهُ وَقَولُهُ الحَقُّ : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئا وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ » . (1) وَذلِكَ لِتَعلَموا أنَّ اللّهَ يُطاعُ وَيُتَّبَعُ أمرُهُ في حَياةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَبَعدَ قَبضِ اللّهِ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، وَكما لَم يَكُن لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ مَعَ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله أن يأخُذَ بِهَواهُ وَلا رأيِهِ وَلا مقائيسِهِ خِلافاً لِأمرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَكذلِكَ لَم يَكُن لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أن يأخُذَ بِهَواهُ وَلا رأيِهِ وَلا مقائيسِهِ . وَقالَ : دَعوا رَفعَ أيديَكُم في الصَّلاةِ إلاّ مَرَّةً وَاحِدَةً حينَ تُفتَتَحُ الصَّلاةُ ، فإنَّ النّاسَ قَد شَهَروكُم بِذلِكَ ، وَاللّهُ المُستَعانُ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ . وَقالَ : أكثرِوا مِن أن تَدعوا اللّهَ ، فإنّ اللّهَ يُحِبُّ مِن عِبادِهِ المُونينَ أن يَدعوهُ ، وَقَد وَعَدَ اللّهُ عِبادَهُ المُونينَ بِالاستِجابَةِ ، وَاللّهُ مُصَيِّرُ دُعاءَ المُونينَ يَومَ القِيامَةِ لَهُم عَمَلاً يَزيدُهُم بِهِ في الجَنَّةِ فأكثِروا ذِكرَ اللّهِ ما استَطعتُم في كُلِّ ساعَةٍ من ساعاتِ اللّيلِ وَالنَّهارِ ، فإنَّ اللّهَ أمَرَ بِكَثرَةِ الذِّكرِ لَهُ ، وَاللّهُ ذاكِرٌ لِمَن ذَكَرَهُ مِنَ المُونينَ ، وَاعلَموا أنَّ اللّهَ لَم يَذكُرهُ أحَدٌ مِن عبادِهِ المُونينَ إلاّ ذَكَرَهُ بِخَيرٍ فَأعطوا اللّهَ مِن أنفُسِكُم الاجتِهادَ في طاعَتِهِ فإنَّ اللّهَ لا يُدرَكُ شَيءٌ مِنَ الخَيرِ عِندَهُ إلاّ بِطاعَتِهِ وَاجتِنابِ مَحارِمِهِ الّتي حَرَّمَ اللّهُ في ظاهِرِ القُرآنِ وَباطِنِهِ ، فإنّ اللّهَ تَبارَكَ وَتعالى قالَ في كتابِهِ ، وَقَولُهُ الحَقُّ : «وَذَرُوا ظَاهِرَ الاْءِثْمِ وَبَاطِنَهُ» (2) وَاعلَموا أنَّ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أن تَجتَنِبوهُ فَقَد حَرَّمَهُ ، وَاتَّبِعوا آثارَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنّتَهُ فَخُذوا بِها وَلا تَتَّبِعوا أهواءَكُم وَآراءَكُم فَتَضِلُّوا فإنَّ

.


1- .آل عمران: 144.
2- .الأنعام: 120.

ص: 116

أضَلَّ النّاسِ عِندَ اللّهِ مَنِ اتَّبَعَ هَواهُ وَرَأيَهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ . وَأحسِنوا إلى أنفُسِكُم ما استَطعتُم ، فإن أحسَنتُم أحسَنتُم لِأنفُسِكُم ، وَإن أسَأتُم فَلَها وَجامِلوا النّاسَ وَلا تَحمِلوهُم على رِقابِكُم ، تَجمَعوا مَعَ ذلِكَ طاعَةَ رَبِّكُم . وَإيّاكُم وَسَبَّ أعداءِ اللّهِ حَيثُ يَسمَعونَكُم ، فَيَسُبّوا اللّهَ عَدوَاً بِغَيرِ عِلمٍ ، وَقَد يَنبَغي لَكُم أن تعلموا حَدَّ سَبِّهِم للّهِِ كَيفَ هُوَ ؟ إنَّهُ مَن سَبَّ أولِياءَ اللّهِ فَقَدِ انتَهَكَ سَبَّ اللّهِ ، وَمَن أظلَمُ عِندَ اللّهِ مِمَّن استَسَبَّ للّهِِ وَلِأولياءِ اللّهِ ؟ فَمَهلاً مَهلاً ، فَاتَّبِعوا أمرَ اللّهِ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ . وَقالَ : أيَّتُها العِصابَةُ الحافِظُ اللّهُ لَهُم أمرَهُم ، عَلَيكُم بِآثارِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنَّتِهِ ، وَآثارِ الأئِمَّةِ الهُداةِ مِن أهلِ بَيتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله من بَعدِهِ وَسُنَّتِهمِ ، فإنَّهُ مَن أخَذَ بِذلِكَ فَقَدِ اهتَدى وَمَن تَرَكَ ذلِكَ وَرَغِبَ عَنهُ ضَلَّ ، لِأنَّهُم هُمُ الّذينَ أمَرَ اللّهُ بِطاعَتِهِم وَوِلايَتِهِم ، وَقَد قالَ أبونا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : المُداوَمَة عَلى العَمَلِ في اتِّباعِ الآثارِ وَالسُّنَنِ وإن قَلَّ أرضى للّهِِ وَأنفَعُ عِندَهُ فِي العاقِبَةِ مِنَ الاجتِهادِ في البِدَعِ وَاتِّباعِ الأهواءِ ، ألا إنّ اتِّباعَ الأهواءِ وَاتِّباعَ البِدَعِ بِغَيرِ هُدى مِنَ اللّهِ ضَلالٌ ، وَكُلُّ ضَلالَةٍ بِدعَةٌ ، وَكُلُّ بِدعَةٍ فِي النّارِ . وَلَن يُنالَ شَيءٌ مِنَ الخَيرِ عِندَ اللّهِ إلاّ بِطاعَتِهِ وَالصَّبرِ وَالرِّضا ؛ لاِ الصَّبرَ وَالرِّضا مِن طاعَةِ اللّهِ . وَاعلَموا أنَّهُ لَن يُونَ عَبدٌ مِن عَبيدِهِ حَتّى يَرضى عَنِ اللّهِ فيما صَنَعَ اللّهُ إلَيهِ ، وَصَنَعَ بِهِ ، على ما أحَبَّ وَكَرِهَ ، وَلَن يَصنَعَ اللّهُ بِمَن صَبَرَ وَرَضِيَ عَنِ اللّهِ إلاّ ما هُوَ أهلُهُ ، وَهُو خَيرٌ لَهُ مِمّا أحَبَّ وَكَرِهَ . وَعَلَيكُم بِالمُحافَظَةِ عَلى الصَّلواتِ وَالصَّلاةِ الوُسطى ، وَقوموا للّهِِ قانِتينَ كَما أمَرَ اللّهُ بِهِ المُونينَ في كِتابِهِ مِن قَبلِكُم . وَإيّاكُم وَعَلَيكُم بِحُبِّ المَساكينِ المُسلِمينَ ؛ فَإنَّهُ مَن حَقَّرَهُم وَتَكَبَّرَ عَلَيهِم فَقَد

.

ص: 117

زَلَّ عَن دينِ اللّهِ ، وَاللّهُ لَهُ حاقِرٌ ماقِتٌ ، وَقَد قالَ أبونا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أمرني رَبّي بِحُبِّ المَساكينِ المُسلِمينَ مِنهُم . وَاعلَموا أنَّ مَن حَقَّرَ أحَداً مِنَ المُسلِمينَ ألقى اللّهُ عَلَيهِ المَقتَ مِنهُ وَالمَحقَرَةَ ، حتّى يَمقُتَهُ النّاسُ وَاللّهُ لَهُ أشَدُّ مَقتاً ، فاتّقوا اللّهَ في إخوانِكُم المُسلِمينَ المَساكِينِ ؛ فَإنّ لَهُم عَلَيكُم حَقّاً أن تُحِبّوهُم ، فإنَّ اللّهَ أمَرَ رَسولَهُ صلى الله عليه و آله بِحُبِّهِم ، فَمَن لَم يُحِبَّ مَن أمَرَ اللّهُ بِحُبِّهِ فَقَد عَصى اللّهَ وَرَسولَهُ وَمَن عَصى اللّهَ وَرَسولَهُ وَماتَ على ذلِكَ ماتَ وَهُوَ مِنَ الغاوينَ . وَإيّاكُم وَالعَظَمَةَ وَالكِبرَ ، فإنَّ الكِبرَ رِداءُ اللّهِ عز و جل ، فَمَن نازَعَ اللّهَ رِداءَهُ قَصَمَهُ اللّهُ وَأذلَّهُ يَومَ القِيامَةِ . وَإيّاكُم أن يَبغي بَعضُكُم على بَعضٍ ، فَإنَّها لَيسَت مِن خِصالِ الصّالِحينَ ، فإنَّهُ مَن بَغى صَيَّرَ اللّهُ بَغيَهُ على نَفسِهِ ، وَصارَت نُصرَةُ اللّهِ لِمَن بَغِيَ عَلَيهِ ، وَمَن نَصَرَهُ اللّهُ غَلَب وَأصابَ الظّفَرَ مِنَ اللّهِ . وَإيّاكُم أن يَحسُدَ بَعضُكُم بَعضاً فَإنَّ الكُفرَ أصلُهُ الحَسَدُ . وَإيّاكُم أن تُعينوا على مُسلِمٍ مَظلومٍ فَيَدعو اللّهَ عَلَيكُم وَيُستَجابُ لَهُ فيكُم ، فَإنَّ أبانا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَقولُ : إنَّ دَعوَةَ المُسلِمِ المَظلومِ مُستَجابَةٌ . وَليُعِن بَعضُكُم بَعضاً ، فَإنَّ أبانا رسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَقولُ : إنَّ مَعونَةَ المُسلِمِ خَير وَأعظَمُ أجراً مِن صيامِ شَهرٍ واعتِكافِهِ في المَسجِدِ الحَرامِ . وَإيّاكُم وَإعسارَ أحَدٍ من إخوانِكُم المُسلِمينَ أن تَعسَروهُ بِالشَّيءِ يَكونُ لَكُم قِبَلَهُ وَهُوَ مُعسِرٌ ، فإنَّ أبانا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَقولُ لَيسَ لِمُسلِمٍ أن يُعسِرَ مُسلِماً وَمَن أنظَرَ مُعسِراً أظَلَّهُ اللّهُ بِظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ .

.

ص: 118

وَإيّاكُم _ أيَّتُها العِصابَةُ المَرحومَةُ المُفَضَّلَةُ على مَن سِواها _ وَحَبسَ حُقوقِ اللّهِ قِبَلَكُم يَوماً بَعدَ يَومٍ وَساعَةً بَعدَ ساعَةٍ فإنَّهُ مَن عَجَّلَ حُقوقَ اللّهِ قِبَلَهُ كانَ اللّهُ أقدَرَ على التَّعجيلِ لَهُ إلى مُضاعَفَةِ الخَيرِ في العاجِلِ وَالآجِلِ وَإنَّهُ مَن أخَّرَ حُقوقَ اللّهِ قِبَلَهُ كانَ اللّهُ أقدَرَ على تَأخيرِ رِزقِهِ ، وَمَن حَبَس اللّهُ رِزقَهُ لَم يَقدِر أن يَرزُقَ نَفسَهُ ، فَأدّوا إلى اللّهِ حَقَّ ما رَزَقَكُم ، يُطَيِّبِ اللّهُ لَكُم بَقِيَّتَهُ وَيُنجزِ لَكُم ما وَعَدَكُم مِن مُضاعَفَتِهِ لَكُم الأضعافَ الكَثيرَةَ الّتي لا يَعلَمُ عَدَدَها وَلا كُنهَ فَضلِها إلاّ اللّهُ رَبُّ العالَمينَ . وَقالَ : اتّقوا اللّهَ أيَّتُها العِصابَةُ ، وَإنِ استَطَعتُم أن لا يَكونَ مِنكُم مُحرِجَ الإمامِ ، فَإنَّ مُحرِجَ الإمامِ هُوَ الّذي يَسعى بِأهلِ الصَّلاحِ مِن أتباعِ الإمامِ المُسَلِّمينَ لِفَضلِهِ ، الصَّابِرينَ على أداءِ حَقِّهِ ، العارِفينَ لِحُرمَتِهِ . وَاعلَموا أنّهُ مَن نَزَلَ بِذلِكَ المَنزِلِ عِندَ الإمامِ فَهُوَ مُحرِجُ الإمامِ ، فَإذا فَعَلَ ذلِكَ عِندَ الإمامِ أحرَجَ الإمامَ إلى أن يَلعَنَ أهلَ الصَّلاحِ مِن أتباعِهِ المُسَلِّمينَ لِفَضلِهِ الصّابِرينَ على أداءِ حَقِّهِ ، العارِفينَ بِحُرمَتِهِ ، فإذا لَعَنَهُم لاِءحراجِ أعداءِ اللّهِ الإمامُ ، صارَت لَعَنتُهُ رَحمَةً مِنَ اللّهِ عَلَيهِم ، وَصارَت اللَّعنَةُ مِنَ اللّهِ وَمِنَ المَلائِكَةِ وَرُسلِهِ على أُولئِكَ . وَاعلموا أيَّتُها العِصابَةُ أنَّ السُّنَّةَ مِنَ اللّهِ قَد جَرَت فِي الصّالِحينَ قَبلُ . وَقالَ : مَن سَرَّهُ أن يَلقى اللّهَ وَهُو مُونٌ حَقّاً حَقّاً ، فَليَتَولّ اللّهَ وَرَسولَهُ وَالّذينَ آمَنوا ، وَليَبرَأ إلى اللّهِ مِن عَدُوّهِمِ ، وَيُسَلِّم لِما انتهى إلَيهِ مِن فَضلِهِم ، لأنَّ فَضلَهُم لا يَبلُغُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ وَلا مَن دونَ ذلِكَ . ألَم تَسمَعوا ما ذكَرَ اللّهُ مِن فَضلِ أتباعِ الأئِمَّةِ الهُداةِ ، وَهُم المُونونَ ، قالَ : «فَأُولَ_ئكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً » (1) . فَهذا وَجهٌ مِن

.


1- .النساء: 69.

ص: 119

وُجوهِ فَضلِ أتباعِ الأئَمِّةِ فَكَيفَ بِهِم وَفَضلِهِم ؟ وَمَن سَرَّهُ أن يُتِمَّ اللّهُ لَهُ إيمانَهُ حَتّى يَكونَ مُوناً حَقّاً حَقّاً فَليَفِ للّهِِ بِشُروطِهِ الّتي اشتَرَطَها عَلى المُونين ، فإنَّهُ قَدِ اشتَرَطَ مَعَ وِلايَتِهِ وَوِلايَةِ رَسولِهِ وَوِلايَةِ أئِمِّةِ المُونينَ ، إقامَ الصَّلاةِ ، وإيتاءَ الزّكاةِ ، وإقراضَ اللّهِ قَرضاً حَسَناً ، وَاجتِنابَ الفَواحِشِ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ ، فَلَم يَبقَ شَيءٌ مِمّا فُسِّرَ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ إلاّ وَقَد دَخَلَ في جُملَةِ قَولِهِ ، فَمَن دانَ اللّهَ فيما بَينَهُ وَبَينَ اللّهِ مُخلِصاً للّهِِ ، وَلَم يُرَخِّص لَنِفسِهِ في تَركِ شَيءٍ مِن هذا ، فَهُوَ عِندَ اللّهِ في حِزبِهِ الغالِبينَ ، وَهُوَ مِنَ المُونينَ حَقّاً . وَإيّاكُم وَالإصرارَ على شَيءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللّهُ في ظَهرِ القُرآنِ وَبَطنِهِ وَقَد قالَ اللّهُ تَعالى : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ » (1) . (إلى هاهنا رواية القاسم بن ربيع) . يَعني المُونينَ قَبَلكُم إذا نَسوا شَيئاً مِمّا اشتَرَطَ اللّهُ في كِتابِهِ عَرَفوا أنَّهُم قَد عَصَوا اللّهَ في تَركِهِم ذلِكَ الشّيءَ فاستَغفَروا وَلَم يَعودوا إلى تَركِهِ فذلِكَ مَعنى قَولِ اللّهِ : «وَلَمْ يُصِرُّواعَلَى مَافَعَلُواوَهُمْ يَعْلَمُونَ » . وَاعلَموا أنّهُ إنّما أمَرَ وَنَهَى لِيُطاعَ فيما أمَرَ بهِ ، وَلِيُنتَهى عَمّا نَهى عَنهُ ، فَمَنِ اتَّبَعَ أمرَهُ فَقَد أطاعَهُ ، وَقَد أدرَكَ كُلَّ شَيءٍ مِنَ الخَيرِ عِندَهُ ، وَمَن لَم يَنتَهِ عَمّا نَهى اللّهُ عَنهُ فَقَد عَصاهُ ، فَإن ماتَ على مَعصِيَتِهِ أكبَّهُ اللّهُ على وَجهِهِ فِي النّارِ . وَاعلَموا أنّهُ لَيسَ بَينَ اللّهِ وَبَينَ أحَدٍ مِن خَلقِهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نَبيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ مِن خَلقِهِ كُلِّهِم ، إلاّ طاعَتُهُم لَهُ فَاجتَهِدوا في طاعَةِ اللّهِ إن سَرَّكُم أن تَكونوا مُونينَ حَقّاً حَقّاً وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ . وَقالَ : وَعَلَيكُم بِطاعَةِ رَبِّكُم ما استَطَعتُم ، فإنَّ اللّهَ رَبُّكُم ، وَاعلَموا أنَّ الإسلامَ هُوَ

.


1- .آل عمران: 135.

ص: 120

التَّسليمُ وَالتَّسليمُ هُوَ الإسلامُ ، فَمَن سَلَّمَ فَقَد أسلَمَ ، وَمَن لَم يُسَلِّم فَلا إسلامَ لَهُ . وَمَن سَرَّهُ أن يَبلُغَ إلى نَفسِهِ في الإحسانِ ، فَليُطِعِ اللّهَ فإنَّهُ مَن أطاعَ اللّهَ فَقَد أبلَغَ إلى نفسِهِ في الإحسانِ. وَإيَّاكُم وَمَعاصِيَ اللّهِ أن تَركَبوها ، فإنَّهُ مَن انَتَهكَ مَعاصِيَ اللّهِ فَرَكِبَها فَقَد أبلَغَ في الإساءَةِ إلى نَفسِهِ ، وَلَيسَ بَينَ الإحسانِ وَالإساءَةِ مَنزِلَةٌ فَلِأهلِ الإحسانِ عِندَ رَبِّهِم الجَنَّةُ ، وَلِأهلِ الإساءَةِ عِندَ رَبِّهِم النّارُ . فَاعمَلوا بِطاعَةِ اللّهِ وَاجتَنِبوا مَعاصيهِ . وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ يُغني عَنكُم مِنَ اللّهِ أحَدٌ مِن خَلقِهِ شَيئاً ، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ ، فَمَن سَرَّهُ أن تَنفَعَهُ شَفاعَةُ الشّافِعينَ عِندَ اللّهِ فَليَطلُب إلى اللّهِ أن يَرضى عَنهُ . وَاعلَموا أنَّ أحَدَاً مِن خَلقِ اللّهِ لَم يُصِب رِضا اللّهِ إلاّ بِطاعَتِهِ وَطاعَةِ رَسولِهِ وَطاعَةِ وُلاةِ أمرِهِ مِن آلِ مُحَمّدٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم ، وَمَعصِيَتُهُم مِن مَعصِيَةِ اللّهِ ، وَلَم يُنكِر لَهُم فَضلاً عَظُمَ أو صَغُرَ . وَاعلَموا أنَّ المُنكِرينَ هُمُ المُكَذِّبونَ ، وَأنَّ المُكَذِّبينَ هُمُ المُنافِقونَ وَأنَّ اللّهَ عز و جل قال لِلمُنافِقينَ ، وَقَولُهُ الحَقُّ : «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا » (1) وَلا يَفرُقَنَّ أحَدٌ مِنكُم ألزَمَ اللّهُ قَلبَهُ طاعَتَهُ وَخَشيَتَهُ ، مِن أحَدٍ مِنَ النّاسِ مِمَّن أخرَجَهُ اللّهُ من صِفَةِ الحَقِّ ، وَلَم يَجعَلُه مِن أهلِها ، فإنَّ مَن لَم يَجعَلِ اللّهُ مِن أهلِ صِفَةِ الحَقِّ فَأولئِكَ هُم شياطينُ الإنسِ وَالجِنِّ ، وَإنَّ لِشَياطينِ الإنسِ حِيلَةً وَمَكراً وَخَدائِعَ وَوَسوسَةً ، بَعضُهُم إلى بَعضٍ ، يُريدونَ _ إنِ استَطاعوا _ أن يَرُدّوا أهلَ الحَقِّ عَمّا أكرَمَهُم اللّهُ بِهِ مِنَ النَّظَرِ في دينِ اللّهِ الّذي لَم يَجعَلِ اللّهُ شياطينَ الإنسِ مِن أهلِهِ ،

.


1- .النساء: 145.

ص: 121

إرادَةَ أن يَستَوِيَ أعداءُ اللّهِ وَأهلَ الحَقِّ في الشَّكِ وَالإنكارِ وَالتَّكذيبِ ، فَيَكونونَ سَواءً ، كما وَصَفَ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ مِن قَولِهِ : «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَآءً» (1) . ثمّ نهى اللّهُ أهلَ النَّصرِ بِالحَقِّ أن يَتَّخِذوا مِن أعداءِ اللّهِ وَلِيّاً وَلا نَصيراً فلا ، يَهولَنَّكُم ولا يَرُدَّنَّكُم عَنِ النَّصرِ بِالحَقِّ الّذي خَصَّكُم اللّهُ بِهِ مِن حِيلَةِ شَياطينِ الإنسِ ومَكرِهِم مِن أُمورِكُم ، تَدفَعونَ أنتُمُ السَّيِئَةَ بِالّتي هِيَ أحسَنُ فيما بَينَكُم وَبَينَهُم تَلتَمِسونَ بذلِكَ وَجهَ رَبِّكُم بِطاعَتِهِ ، وَهُم لا خَيرَ عِندَهُم ، لا يَحِلُّ لَكُم أن تُظهِروهُم على أُصولِ دينِ اللّهِ ، فإنَّهُم إن سَمِعوا مِنكُم فيهِ شَيئاً عادوكُم عَلَيهِ ، وَرَفعوهُ عَلَيكُم وَجَهِدوا على هَلاكِكُم ، وَاستَقبَلوكُم بِما تَكرَهونَ وَلَم يَكُن لَكُم النَّصَفَةُ مِنهُم في دُوَلِ الفُجّارِ ، فَاعرِفوا مَنزِلَتَكُم فيما بَينَكُم وَبَينَ أهلِ الباطِلِ ، فإنَّهُ لا يَنبَغي لِأهلِ الحَقِّ أن يُنزِلوا أنفُسَهُم مَنزِلَةَ أهلِ الباطِلِ لأنَّ اللّهَ لَم يَجعَل أهلَ الحَقِّ عِندَهُ بِمَنزِلَةِ أهلِ الباطِلِ ، ألَم يَعرِفوا وَجهَ قَولِ اللّهِ في كتابِهِ إذ يَقولُ : «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » (2) أكرِموا أنفُسَكُم عَن أهلِ الباطِلِ ، وَلا تَجعَلوا اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى وَلَهُ المَثَلُ الأعلى ، وَإمامَكُم وَدينَكُم الّذي تَدينونَ بِهِ عُرضةً لِأهلِ الباطِلِ ، فَتُغضِبوا اللّهَ عَلَيكُم فَتَهلُكوا . فَمَهلاً مَهلاً يا أهلَ الصَّلاح ، لا تَترُكوا أمرَ اللّهِ وَأمرَ مَن أمَرَكُم بِطاعَتِهِ ، فَيُغَيِّرُ اللّهُ ما بِكُم مِن نِعمَةٍ ، أحبّوا في اللّهِ مَن وَصَفَ صِفَتَكُم ، وَأبغِضوا في اللّهِ مَن خالَفَكُم ، وَابذلُوا مَوَدَّتَكُم وَنَصيحَتَكُم [ لِمَن وَصَفَ صِفَتَكُم ] ولا تَبتَذِلوها لِمَن رَغِبَ عَن صِفَتِكُم وَعاداكُم عَلَيها ، وَبَغى لَكُم الغوائِلَ ، هذا أدَبُنا أدَبُ اللّهِ ، فَخُذوا بِهِ وَتَفَهَّموهُ

.


1- .النساء: 89.
2- .ص: 28.

ص: 122

واعقلِوهُ وَلا تَنبذِوهُ وراءَ ظُهورِكُم ، ما وَافق هُداكُم أخَذتُم بِهِ ، وَما وَافق هَواكُم طَرَحتُموهُ وَلَم تَأخُذوا بِهِ . وَإيّاكُم وَالتَّجَبُّرَ عَلى اللّهِ وَاعلَموا أنَّ عَبداً لَم يُبتَلَ بِالتَّجَبُّرِ على اللّهِ إلاّ تَجَبَّرَ على دينِ اللّهِ ، فاستَقيموا للّهِِ ولا تَرتَدّوا على أعقابِكُم فَتَنقَلِبوا خاسرينَ ، أجارَنا اللّهُ وَإيَّاكُم مِنَ التَّجَبُّرِ على اللّهِ ، وَلا قُوَّةَ لَنا وَلَكُم إلاّ باللّهِ . وَقالَ عليه السلام : إنَّ العَبدَ إذا كانَ خَلَقَهُ اللّهُ في الأصلِ _ أصلَ الخَلِق _ مُوناً ، لَم يَمُت حَتّى يُكَرِّهَ اللّهُ إلَيهِ الشَّرَ وَيُباعِدَهُ عَنهُ ، وَمَن كَرَّهَ اللّهُ إلَيهِ الشَّرَ وَباعَدَهُ عَنهُ ، عافاهُ اللّهُ مِنَ الكِبرِ أن يَدخُلَهُ وَالجَبريَّةَ ، فَلانَت عَريكَتُهُ وَحَسُنَ خُلُقُهُ ، وَطَلُقَ وَجهُهُ ، وَصارَ عَلَيهِ وَقارُ الإسلامِ وَسَكينَتُهُ وَتَخَشُّعُه ، وَوَرَعَ عَن مَحارِمِ اللّهِ ، وَاجتَنَبَ مَساخِطَهُ وَرَزَقَهُ اللّهُ مَوَدَّةَ النّاسِ وَمُجامَلَتَهُم ، وَتَرَكَ مُقاطَعَةَ النّاسِ وَالخُصوماتِ ، وَلَم يَكُن مِنها وَلا مِن أهلِها في شَيءٍ ، وَإنَّ العَبدَ إذا كانَ اللّهُ خَلَقَهُ في الأصلِ _ أصلَ الخَلقِ _ كافِراً لَم يَمُت حَتّى يُحَبِّبَ إلَيهِ الشَّرَ وَيُقَرِّبَهُ مِنهُ ، فإذا حَبَّبَ إلَيهِ الشَّرَ وَقَرَّبَهُ مِنهُ ابتُلِيَ بِالكِبرِ وَالجَبرِيَّةِ ، فَقَسا قَلبُهُ ، وَساءَ خُلُقُهُ ، وَغَلُظَ وَجهُهُ ، وَظَهَرَ فُحشُهُ ، وَقَلَّ حَياو ، وَكَشَفَ اللّهُ سِترَهُ ، وَرَكِبَ المَحارِمَ فَلَم يَنزَع عَنها ، وَرَكِبَ مَعاصِيَ اللّهِ ، وأبغَضَ طاعَتَهُ وَأهلَها ، فَبَعُدَ ما بَينَ حالِ المُونِ وَحالِ الكافِرِ . سَلوا اللّهَ العافِيَةَ وَاطلُبوها إلَيهِ ، وَلا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ . صَبِّروا النَّفسَ عَلى البَلاءِ في الدُّنيا ، فإنَّ تَتابُعَ البَلاءِ فيها ، والشِّدَّةَ في طاعَةِ اللّهِ وَوِلايَتِهِ ووِلايَةِ مَن أمَرَ بِولاِيَتِهِ خَيرٌ عاقِبَةً عِندَ اللّهِ في الآخِرَةِ مِن مُلكِ الدُّنيا _ وَإن طالَ تَتابُعُ نَعيمِها وَزَهرَتِها وَغَضارَةِ عَيشِها _ في مَعصِيَةِ اللّهِ وَوِلايَةِ مَن نَهى اللّهُ عَن وِلايَتِهِ وطاعته ، فإنَّ اللّهَ أمَرَ بِولايَةِ الأئِمَّةِ الّذين سَمّاهُم اللّهُ في كِتابِهِ في قولِهِ :

.

ص: 123

«وَ جَعَلْنَاهُمْ أئمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» (1) ، وَهُمُ الّذينَ أمَرَ اللّهُ بِوِلاَيتِهِم وَطاعَتِهِم . وَالّذينَ نَهى اللّهُ عَن وِلايَتِهِم وَطاعَتِهِم وَهُم أئِمَّةُ الضَّلالَةِ الّذينَ قَضى اللّهُ أن يَكونَ لَهُم دُوَلٌ في الدُّنيا على أولياءِ اللّهِ الأئِمَّةِ من آلِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله ، يَعمَلونَ في دَولَتِهِم بِمَعصِيَةِ اللّهِ وَمَعصِيَةِ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، لِيُحِقَّ عَلَيهِم كَلِمَةَ العَذابِ ، وَلِيُتِمَّ أن تَكونوا مَعَ نَبيِّ اللّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَالرُّسُلِ مِن قَبلِهِ . فَتَدَبَّروا ما قَصَّ اللّهُ عَلَيكُم في كتابِهِ ، مِمّا ابتلى بهِ أنبياءَهُ وَأتباعَهُم المُونينَ ، ثُمَّ سَلوا اللّهَ أن يُعطِيَكُم الصَّبرَ على البَلاءِ في السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ ، وَالشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ ، مِثلَ الّذي أعطاهُم . وَإيّاكُم وَمُماظَّةَ أهلِ الباطِلِ ، وَعلَيكُم بِهُدى الصّالِحينَ وَوَقارِهِم ، وَسَكينَتِهِم وَحِلمِهِم ، وَتَخَشُّعِهِم وَوَرَعِهِم عَن مَحارِمِ اللّه ، وَصِدقِهِم وَوَفائِهِم ، وَاجتِهادِهِم للّهِِ في العَمَلِ بِطاعَتِهِ ، فَإنَّكُم إن لَم تَفعَلوا ذلِكَ لَم تَنزِلوا عِندَ رَبِّكُم مَنزِلَةَ الصّالِحينَ قَبلَكُم . وَاعلَموا أنَّ اللّهَ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً شَرَحَ صَدرَهُ للإسلامِ ، فَإذا أعطاهُ ذلِكَ ، أنطَقَ لِسانَهُ بِالحَقِّ ، وَعَقَدَ قَلبَهُ عَلَيهِ فَعَمَلَ بِهِ ، فإذا جَمَعَ اللّهُ لَهُ ذلِكَ تَمَّ لَهُ إسلامُهُ ، وَكانَ عِندَ اللّهِ _ إن ماتَ على ذلِكَ الحالِ _ مِنَ المُسلِمينَ حَقّاً . وَإذا لَم يُرِدِ اللّهُ بِعَبدٍ خَيراً وَكَلَهُ إلى نَفسِهِ وَكانَ صَدرُهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ، فَإن جَرى على لِسانِهِ حَقٌّ لَم يَعقِد قَلَبه عَلَيه ، وَإذا لَم يَعقِد قَلبَهُ عَلَيهِ لَم يُعطِهِ اللّهُ العَمَلَ بِهِ ، فإذا اجتَمَعَ ذلِكَ عَلَيهِ حَتّى يَموتَ وَهُو على تِلكَ الحالِ ، كانَ عِندَ اللّهِ مِنَ المُنافقين ، وَصارَ ما جَرى على لِسانِهِ مِنَ الحَقِّ الّذي لَم يُعطِهِ اللّهُ أن يُعقَدَ قَلبُهُ عَلَيهِ ، وَلَم يُعطِهِ العَمَل بِهِ حُجَّةً عَلَيهِ

.


1- .الأنبياء: 73.

ص: 124

يَومَ القِيامَةِ . فاتّقوا اللّهَ وَسَلوهُ أن يَشرَحَ صُدورَكُم للإسلامِ ، وَأن يَجعَلَ ألسِنَتَكُم تَنطِقُ بِالحَقِّ ، حتّى يَتَوَفّاكُم وَأنتُم على ذلِكَ ، وَأن يَجعَلَ مُنقَلَبُكم مُنقَلَب الصّالِحينَ قَبلَكُم ، وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ . وَمَن سَرَّهُ أن يَعلَمَ أنَّ اللّهَ يُحِبُّهُ فَليَعمَل بِطاعَةِ اللّهِ ، وَليَتَّبعِنا ، ألَم يَسمَع قَولَ اللّهِ عز و جللِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ » . (1) وَاللّهِ ، لا يُطيعُ اللّهَ عَبدٌ أبداً إلاّ أدخَلَ اللّهُ عَلَيهِ في طاعَتهِ اتِّباعَنا . وَلا وَاللّهِ ، لا يَتَّبِعُنا عَبدٌ أبَداً إلاّ أحَبَّهُ اللّهُ . وَلا وَاللّهِ لا يَدَعُ أحَدٌ اتِّباعَنا أبَداً إلاّ أبغَضَنا . وَلا وَاللّهِ ، لا يُبغِضُنا أحَدٌ أَبداً إلاّ عصى اللّهَ . وَمَن ماتَ عاصِياً للّهِِ أخزاهُ اللّهُ وَأكَبَّهُ على وَجهِهِ فِي النّارِ ، وَالحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ . (2) نصّ آخر من الرّسالة : نقل صاحبُ الوافي هذه الرّسالة عن نسخة من الكافي ، نقلاً يخالف النّسخ المشهورة ، وقد أحببنا إيراده هنا لإتمام الفائدة : عليّ ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن حفص المُون (3) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وعن ابن بزيع ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه كتب بهذه الرّسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنّظر فيها ، وتعاهدها والعمل بها ، وكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم ، فإذا فرغوا من الصّلاة نظروا فيها.

.


1- .آل عمران: 31.
2- .الكافي : ج 8 ص 2 ح 1 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 210 ح 93 .
3- .مرّ ترجمته آنفآ .

ص: 125

عن ابن سماعة ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفيّ ، عن القاسم بن الرّبيع الصّحّاف ، عن إسماعيل بن مخلّد السّرّاج ، قال: خرجت هذه الرّسالة من أبي عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابه : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمّا بَعدُ : فَاسألوا رَبَّكُم العافِيَةَ ، وَعَلَيكُم بِالدَّعَةِ وَالوَقارِ وَالسَّكينَةِ ، وَعَلَيكُم بِالحَياءِ وَالتَّنَزُّهِ عَمّا تَنَزَّهَ عَنُه الصّالِحونَ قَبلَكُم ، وَعَلَيكُم بِمُجامَلَةِ أهلِ الباطِلِ ، تَحَمَّلوا الضَّيمَ مِنهُم . وَإيّاكُم وُمُماظَّتَهُم ! دينوا فيما بَينَكُم وَبَينَهُم إذا أنتُم جالَستُموهُم وَخالَطتُموهُم وَنازَعتُموهُم الكَلامَ . فَإنَّهُ لا بُدَّ لَكُم مِن مُجالَسَتِهِم وَمُخالَطَتِهِم وَمُنازَعَتِهِمُ الكَلامَ ، بِالتَّقِيَّةِ الّتي أمَرَكُم اللّهُ أن تَأخُذوا بِها فيما بَينَكُم وَبَينَهُم ، فَإذا ابتُليتُم بِذلِكَ مِنهُم فَإنَّهُم سَيُوونَكُم ، وَتَعرِفونَ في وُجوهِهِمُ المُنكَرَ ، وَلَولا أنَّ اللّهَ تَعالى يَدفَعُهُم عَنكُم لَسَطَوا بِكُم ، وَمافي صُدورِهِم مِنَ العَداوَةِ وَالبَغضاءِ أكثَرُ مِمّا يُبدونَ لَكُم . مَجالِسُكُم وَمَجالِسُهُم وَاحِدَةٌ ، وَأرواحُكُم وَأرواحُهُم مُختَلِفَةٌ لا تَأتَلِفُ ، لا تُحِبّونَهُم أبَداً وَلا يُحِبّونَكُم غَيرَ أنَ اللّهَتَعالى أكرَمَكُم بِالحَقِ وَبَصَّرَكُموهُ ،وَلَم يَجعَلهم مِن أهلِهِ فَتُجامِلونَهُم وَتَصبِرونَ عَلَيهِم ، وَهُم لا مُجامَلَةَ لَهُم وَلا صَبرَ لَهُم على شَيءٍ (1) مِن أُمورِكُم تَدفَعونَ أنتُمُ السَّيِّئَةَ بالّتي هِيَ أحسَنُ فيما بَينَكُم وَبَينَهُم ، تَلتَمِسونَ بِذلِكَ وَجهَ رَبِّكُم بِطاعَتِهِ ، وَهُم لا خَيرَ عِندَهُم ، لا يَحِلُّ لَكُم أن تُظهِروهُم على أُصولِ دينِ اللّهِ . فإنَّهُ إن سَمِعوا مِنكُم فيهِ شَيئاً عادوكُم عَلَيهِ ، وَرَفَعوهُ عَلَيكُم ، وَجاهَدوا على هَلاكِهِم ، وَاستَقَبَلوكُم بِما تَكرَهونَ ، وَلَم يَكُن لَكُم النَّصَفُ مِنهُم في دُوَلِ الفُجَّارِ ، فَاعرِفوا مَنزِلَتَكُم فيما بَينَكُم وَبَينَ أهلِ الباطِل ، فَإنَّهُ لا يَنبَغي لِأهلِ الحَقِّ أن يُنزلوا أنفُسَهُم مَنزِلَةَ أهلِ الباطلِ ، لأَنَّ اللّهَ لَم يَجعَل أهلَ الحَقِّ عِندَهُ بِمَنزِلَةِ أهلِ الباطِلِ ، ألَم

.


1- .من هنا اختلف النّص في الكافي وللحديث حاشية في الكافي.

ص: 126

تَعرِفوا وَجهَ قَولِ اللّهِ تعالى في كتابِهِ إذ يقولُ : «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » (1) . أكرِموا أنفُسَكُم عَن أهلِ الباطِل فَلا تَجعَلوا اللّهَ تَعالى _ وَلَهُ المَثَلُ الأعلى _ وَإمامَكُم وَدينَكُم الّذي تَدينونَ بِهِ عُرضَةً لِأهلِ الباطِلِ فَتُغضِبوا اللّهَ عَلَيكُم فَتَهلُكوا . فَمَهلاً مَهلاً يا أهلَ الصَّلاحِ ، لا تَترُكوا أمرَ اللّهِ وَأمرَ مَن أمَرَكُم بِطاعَتِهِ ، فَيُغَيِّرُ اللّهُ ما بِكُم مِن نِعمَةٍ ، أحِبُّوا في اللّهِ مَن وَصَفَ صِفَتَكُم ، وَأبغِضُوا فِي اللّهِ مَن خالَفَكُم وَابذِلوا مَوَدَّتَكُم وَنَصيحَتَكُم لِمَن وَصَفَ صِفَتَكُم ، وَلا تَبتَذِلوها لِمَن رَغِبَ عَن صِفَتِكُم ، وَعاداكُم عَلَيها ، وَبَغاكُم الغوائِلَ ، هذا أدبُنا أدَبُ اللّهِ فَخُذوا بِهِ وَتَفَهَّموهُ وَاعقِلوهُ وَلا تَنبِذوهُ وَراءَ ظُهورِكُم ، ما وَافَقَ هُداكُم أخَذتُم بِهِ ، وَما وافَقَ هَواكُم طَرَحتُموهُ وَلَم تَأخذوا بِهِ . وَإيَّاكُم وَالتَّجَبُّرَ على اللّهِ ، وَاعلَموا أنّ عَبداً لَم يُبتَلَ بِالتَّجَبُّرِ عَلى اللّهِ إلاّ تَجَبَّرَ عَلى دينِ اللّهِ ، فاستقيموا للّهِِ وَلا تَرتَدُّوا على أعقابِكُم فَتَنقَلِبوا خاسرينَ ، أجارَنا اللّهُ وإيّاكُم مِن التَّجَبُّرِ على اللّهِ وَلا قُوَّةَ لَنا وَلَكُم إلاّ بِاللّهِ . وقال[ عليه السلام ] : إنَّ العَبدَ إذا كانَ خَلَقَهُ اللّهُ في الأصلِ _ أصلَ الخِلقَةِ _ مُوناً لَم يَمُت حَتّى يُكَرِّهَ اللّهُ إلَيهِ الشَّرَ وَيُباعِدَهُ مِنهُ وَمَن كَرَّهَ اللّهُ إلَيهِ الشَّرَّ وَباعَدَهُ مِنهُ عافاهُ اللّهُ مِنَ الكِبرِ أن يَدخُلَهُ وَالجَبرِيَّةَ ، فَلانَت عَريكَتُهُ ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ ، وَطَلُقَ وَجهُهُ وَصارَ عَلَيهِ وَقارُ الإسلامِ وَسَكينَتُهُ وَتَخَشُّعُهُ ، وَوَرِعَ عَن مَحارِمِ اللّهِ ، وَاجتَنَبَ مَساخِطَهُ ، وَرَزَقَهُ اللّهُ مَوَدَّةَ النّاسِ وَمُجامَلَتَهُم ، وَتَرَكَ مُقاطَعَةَ النّاسِ وَالخُصوماتِ وَلَم يَكُن مِنها وَلا مِن أهلِها في شيءٍ. وَإنَّ العَبدَ إذا كانَ اللّهَ خَلَقَهُ في الأصلِ _ أصلَ الخَلقِ _ كافِراً لَم يَمُت حَتّى يُحَبِّبَ إلَيهِ الشَّرَّ ، وَيُقَرِّبَهُ مِنهُ فإذا حَبَّبَ إلَيهِ الشَّرَّ وَقَرَّبَهُ مِنهُ ابتُلِي بِالكِبرِ وَالجَبرِيَّةِ ، فَقَسا قَلبُهُ

.


1- .ص: 28.

ص: 127

وَساءَ خُلُقُهُ ، وَغَلُظَ وَجهُهُ ، وَظَهَرَ فُحشُهُ ، وَقَلَّ حَياوهُ ، وَكَشَفَ اللّهُ سِترَهُ ، وَرَكِبَ المَحارِمَ فَلَم يَنزَع عَنها ، وَرَكِبَ مَعاصِيَ اللّه ، وَأبغَضَ طاعَتَهُ وَأهلَها ، فَبَعُدَ ما بَينَ حالِ المُونِ وَحالِ الكافِرِ ، سلوا اللّهَ العافِيَةَ وَاطلبوها إلَيهِ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ . صَبِّروا النَّفسَ عَلى البَلاءِ فِي الدُّنيا ، فإنَّ تَتابُعَ البَلاءِ فيها ، وَالشِّدَّةَ في طاعَةِ اللّهِ وَوِلايَتِهِ وَوِلايَةِ مَن أمَرَ بِوِلايَتِهِ خَيرٌ عاقِبَةً عِندَ اللّهِ في الآخِرَةِ مِن مُلكِ الدّنيا _ وَإن طالَ تَتابُعُ نَعيمِها وَزَهرَتِها وَغَضارَةِ عَيشِها _ في مَعصِيَةِ اللّهِ ، وَوِلايَةِ مَن نَهى اللّهُ عَن وِلايَتِهِ وَطاعَتِهِ ، فإنَّ اللّهَ أمَرَ بِولايَةِ الأئِمَّةِ الّذينَ سَمّاهُم في كِتابِهِ في قَولِهِ : «وَ جَعَلْنَاهُمْ أئمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» (1) ، وَهُم الّذينَ أمَرَ اللّهُ بِوِلايَتِهِم وَطاعَتِهِم ، وَالّذينَ نَهى اللّهُ عَن وِلايَتِهِم وَطاعَتِهِم ، وَهُم أئِمَّةُ الضَّلالِ الّذينَ قَضى اللّهُ أن يَكونَ لَهُم دُوَلٌ فِي الدُّنيا على أولياءِ اللّهِ ، الأئِمَّةِ مِن آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . يَعمَلَونَ في دَولَتِهِم بِمَعصِيَةِ اللّهِ وَمَعصِيَةِ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، لِيَحِقَّ عَلَيهِم كَلِمَةَ العذابِ ، وَلِيَتِمَّ أمرُ اللّهُ فِيهِم الّذي خَلَقَهُم لَهُ فِي الأصلِ _ أصلَ الخَلقِ _ مِن الكُفرِ الّذي سَبَقَ في عِلمِ اللّهِ أن يَخُلقَهُم لَهُ في الأصلِ ، وَمِنَ الّذينَ سَمّاهُم اللّهُ في كِتابِهِ في قولِهِ : «وَ جَعَلْنَاهُمْ أَئمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» . (2) فَتَدَبّروا هذا وَاعقِلوهُ وَلا تَجهَلوهُ ، فإنَّ مَن جَهِلَ هذا وَأشباهَهُ مِمّا افتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ في كتابِهِ مِمّا أمَرَ بِهِ وَنَهى عَنهُ ، تَرَكَ دينَ اللّهِ وَرَكِبَ مَعاصيهِ ، فاستَوجَبَ سَخَطَ اللّهِ فأكَبَّهُ اللّهُ على وَجهِهِ فِي النّارِ . وَقالَ : أيَّتُها العِصابَةُ المَرحومَةُ المُفلِحَةُ ، إنَّ اللّهَ تعالى أتَمَّ لَكُم ما آتاكُم مِنَ الخَيرِ ، وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ مِن عِلم اللّهِ وَلا مِن أمرِهِ أن يَأخُذَ أحَدٌ مِن خَلقِ اللّهِ في دينِهِ بِهوىً وَلا رَأيٍ ، وَلا مَقائيسَ ، قَد أنزَلَ اللّهُ القُرآنَ وَجَعَلَ فيهِ تَبيانَ كُلِّ شَيءٍ ، وَجَعَلَ

.


1- .الأنبياء: 73.
2- .القصص: 41.

ص: 128

لِلقُرآنِ وَتَعَلُّمِ القُرآنِ أهلاً ، لا يَسَعُ أهلَ عِلمِ القُرآنِ الّذينَ آتاهُمُ اللّهُ عِلمَهُ أن يأخذوا فيهِ بِهَوىً وَلا رَأيٍ وَلا مَقائيسَ ، أغناهُمُ اللّهُ عَن ذلِكَ بِما آتاهُم مِن عِلمِهِ وَخَصَّهُم بِهِ وَوَضَعَهُ عِندَهُم ، كَرامَةً مِنَ اللّهِ تعالى أكرَمَهُم بِها ، وَهُم أهلُ الذِّكرِ الّذينَ أمَرَ اللّهُ هذهِ الأُمَّةَ بِسُولِهِم ، وَهُم الّذينَ مَن سَألَهُم وَقَد سَبَقَ في عِلمِ اللّهِ أن يُصَدِّقَهُم وَيَتَّبِع أثَرَهُم . أرشَدوهُ وَأعطَوهَ مِن عِلمِ القُرآنِ ما يَهتَدي بِهِ إلى اللّهِ بِإذنِهِ ، وَإلى جَميعِ سُبُلِ الحَقِّ ، وَهُمُ الّذينَ لا يَرغَبُ عَنهُم وَعَن مَسألَتِهِم وَعَن عِلمِهِم الّذي أكرَمَهَمَ اللّهُ بِهِ وَجَعَلهُ عِندَهُم ، إلاّ مَن سَبَقَ عَلَيهِ في عِلمِ اللّهِ الشِّقاءُ في أصلِ الخَلقِ ، تَحتَ الأظِلَّةِ ، فَأُولئِكَ الّذينَ يَرغَبونَ عَن سُولِ أهلِ الذِّكرِ ، وَالّذينَ آتاهُمُ اللّهُ تعالى عِلمَ القُرآنِ ، وَوَضَعَهُ عِندَهُم ، وَأمَرَ بِسُولِهِم ، فَأولئِكَ الّذينَ يَأخُذونَ بِأهوائِهِم ، وَآرائِهِم ، وَمَقائيسِهِم ، حَتّى دَخَلَهُمُ الشَّيطانُ ؛ لِأنَّهُم جَعَلوا أهلَ الإيمانِ في عِلمِ القُرآنِ عِندَ اللّهِ كافرينَ ، وَجَعَلوا أهلَ الضَّلالَةِ في عِلمِ القُرآنِ عِندَ اللّهِ مُونينَ ، وَحَتّى جَعَلوا ما أحَلَّ اللّهُ في كَثيرٍ مِنَ الأمرِ حَراماً ، وَجَعَلوا ما حَرَّمَ اللّهُ في كَثيرٍ مِنَ الأمرِ حَلالاً ، فذلِكَ أصلُ ثَمَرَةِ أهوائِهِم . وَقَد عَهِدَ إلَيهِم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبلَ مَوتِهِ فَقالوا : نَحنُ بَعدَ ما قَبَضَ اللّهُ رَسولَهُ يَسَعُنا أن نَأخُذَ بِما اجتَمَعَ عَلَيهِ رَأيُ النّاسِ بَعدَ قَبضِ اللّهِ تَعالى رَسولَهُ صلى الله عليه و آله وَبَعَد عَهدِهِ الّذي عَهِدَهُ إلَينا وَأمَرَنا بِهِ ، مُخالَفَةً للّهِِ تَعالى وَلِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، فَما أحَدٌ أجرَأ عَلى اللّهِ وَلا أبينَ ضَلالَةً مِمَّن أخَذَ بِذلِكَ وَزَعَمَ أنَّ ذلِكَ يَسَعُهُ. وَاللّهِ إنَّ للّهِِ على خَلقِهِ أن يُطيعوهُ وَيَتَّبِعوا أمرَهُ في حَياةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَبَعدَ مَوتِهِ ، هَل يَستَطيع أُولئِكَ _ أعداءَ اللّهِ _ أن يَزعُموا أنَّ أحَدَاً مِمَّن أسلَمَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أخَذَ بِقَولِهِ وَرَأيهِ ومقائيسِهِ ، فَإن قالَ : نعم ، فَقَد كَذَّبَ عَلى اللّهِ وَضَلَّ ضَلالاً بَعيداً ، وَإن قالَ : لا ، لَم يَكُن لِأحَدٍ أن يَأخُذَ بِرَأيِهِ وَهَواهُ وَمقائيسِهِ ، فَقَد أقَرَّ بالحُجَّةِ على نَفسِهِ ، وَهُوَ مِمَّن يَزعُم أنَّ اللّهَ يُطاعُ وَيُتَّبِعُ أمرُهُ بَعدَ قَبضِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وَقَد قالَ اللّهُ تَعالى _ وَقَولُهُ الحَقُّ _ : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ

.

ص: 129

الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْ_ئاً وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ » (1) وَذلِكَ لِيَعلَموا أنَّ اللّهَ يُطاعُ وَيُتَّبَعُ أمرُهُ في حَياةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَبَعدِ قَبضِ اللّهِ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، وَكَما لَم يَكُن لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أن يَأخُذَ بِهَواهُ وَلا رَأيِهِ وَلا مَقائيسِهِ ، خِلافاً لِأمرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله فَكذلِكَ لَم يَكُن لِأحَدٍ مِنَ النّاسِ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أن يَأخُذَ بِهَواهُ وَلا رَأيِهِ وَلا مَقائيسِهِ . وَقالَ : دَعوا رَفعَ أيدِيَكُم فِي الصَّلاةِ ، إلاّ مَرَّةً واحِدَةً حينَ تُفتَتَحُ الصَّلاةُ ، فإنَّ النّاسَ قَد شَهروكُم بِذلِكَ ، وَاللّهُ المُستَعانُ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ . وَقالَ : أكثِروا مِن أن تَدعوا اللّهَ فإنَّ اللّهَ يُحِبُّ مِن عِبادِهِ المُونينَ أن يَدعوهُ ، وَقَد وَعَدَ اللّهُ عِبادَهُ المُونينَ بالاستِجابَةِ ، وَاللّهُ مُصَيِّرٌ دُعاءَ المُونينَ يَومَ القِيامَةِ لَهُم عَمَلاً يُزيدُهُم بِهِ في الجَنَّةِ ، فأكثِروا ذِكرَ اللّهِ ما استَطعتُم في كُلِّ ساعَةٍ من ساعاتِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ ، فإنَّ اللّهَ تَعالى أمَرَ بِكَثرَةِ الذّكرِ لَهُ ، وَاللّهُ ذاكِرٌ لِمَن ذَكَرَهُ مِنَ المُونينَ ، وَاعلَموا أنَّ اللّهَ لَم يَذكُرهُ أحَدٌ مِن عِبادِهِ المُونينَ إلاّ ذَكَرَهُ بِخَيرٍ ، فَأعطوا اللّهَ مِن أنفُسِكُم الاجتِهادَ في طاعَتِهِ ، فإنَّ اللّهَ لا يُدرَكُ شَيءٌ مِنَ الخَيرِ عِندَهُ إلاّ بِطاعَتِهِ وَاجتِنابِ مَحارِمِهِ الّتي حَرَّمَ اللّهُ تَعالى في ظاهِرِ القُرآنِ وَباطِنِهِ ، فإنَّ اللّهَ تَعالى قالَ في كِتابِهِ وَقَولُهُ الحَقُّ : «وَذَرُوا ظَاهِرَ الاْءِثْمِ وَبَاطِنَهُ» (2) وَاعلَموا أنَّ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أن تَجتَنِبوهُ فَقَد حَرَّمَهُ ، وَاتَّبِعوا آثارَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنَّتَهُ ، فَخُذوا بِها وَلا تَتَّبِعوا أهواءَكُم وَآراءَكُم فَتَضِلّوا ؛ فَإِنّ أضَلَّ النّاسِ عِندَ اللّهِ مَنِ اتَّبَعَ هَواهُ وَرَأيَهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ . وَأحسِنوا إلى أنفُسِكُم ما استَطَعتُم ، فَإن أحسَنتُم أحسَنتُم لِأنفُسِكُم ، وَإن أسأتُم فَلَها وَجامِلوا النّاسَ وَلا تَحمِلوهُم على رِقابِكُم تَجمَعوا مَعَ ذلِكَ طاعَةَ رَبِّكُم . وَإيّاكُم وَسَبَ أعداءِاللّهِحَيثُ يَسمَعونَكُم ،فَيَسُبّوا اللّهَعَدواً بِغَيرِ عِلمٍ ،وَقَد يَنبَغي لَكُم

.


1- .آل عمران: 144.
2- .الأنعام: 120.

ص: 130

أن تَعلموا حَدَّ سَبِّهِم للّهِِ كَيفَ هُوَ ؟ إنَّهُ مَن سَبَّ أولِياءَ اللّهِ فَقَدِ انتَهَكَ سَبَّ اللّهِ ، وَمَن أظلَمُ عِندَ اللّهِ مِمَّن استَسَبَّ للّهِِ وَلاِلِيائِهِ ، فَمَهلاً مَهلاً ، فَاتَّبِعوا أمرَ اللّهِ وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ . وَقالَ : أيَّتُها العِصابَةُ الحافِظُ اللّهُ لَهُم أمرَهُم ، عَلَيكُم بِآثارِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنَّتِهِ وَآثارِ الأئِمَّةِ الهُداةِ مِن أهلِ بَيتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن بَعدِهِ وَسُنَّتِهِم ؛ فإنَّهُ مَن أخَذَ بِذلِكَ فَقَدِ اهتَدى ، وَمَن تَرَكَ ذلِكَ وَرَغِبَ عَنهُ ضَلَّ ؛ لِأنَّهُم هُمُ الّذينَ أمَرَ اللّهُ بِطاعَتِهِم وَوِلايَتِهِم ، وَقَد قالَ أبونا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : المُداوَمَةُ على العَمَلِ في اتِّباعِ الآثارِ وَالسُّنَنِ _ وَإن قَلَّ _ أرضى للّهِِ وَأنفَعُ عِندَهُ فِي العاقِبَةِ مِنَ الاجتِهادِ في البِدَعِ وَاتِّباعِ الأهواءِ ، ألا إنَّ اتِّباعَ الأهواءِ وَاتِّباعَ البِدَعِ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ ضَلالٌ ، وَكُلُّ ضَلالٍ بِدعَةٌ ، وَكُلُّ بِدعَةٍ فِي النّارِ ، وَلَن يُنالَ شَيءٌ مِنَ الخَيرِ عِندَ اللّهِ إلاّ بِطاعَتِهِ وَالصَّبرِ وَالرِّضا ؛ لأنَّ الصَّبرَ وَالرِّضا مِن طاعَةِ اللّهِ . وَاعلَموا أنَّهُ لَن يُونَ عَبدٌ مِن عَبيدِهِ حَتّى يَرضى عَنِ اللّهِ فيما صَنَعَ اللّهُ إلَيه ، وَصَنَعَ بهِ ، على ما أحَبَّ وَكَرِهَ ، وَلَن يَصنَعَ اللّهُ بِمَن صَبَرَ وَرَضِيَ عَنِ اللّهِ إلاّ ما هُوَ أهلُهُ وَهُوَ خَيرٌ لَهُ مِمّا أحَبَّ وَكَرِهَ . وَعَلَيكُم بِالمُحافَظَةِ عَلى الصّلواتِ والصَّلاةِ الوُسطى ، وَقوموا للّهِِ قانتِينَ كما أمَرَ اللّهُ بِهِ المُونينَ في كِتابِهِ مِن قَبلِكُم . وَعَلَيكُم بِحُبِّ المَساكينِ المُسلِمينَ ؛ فإنَّهُ مَن حَقَّرَهُم وَتَكَبَّرَ عَلَيهِم فَقَد زَلَّ عَن دينِ اللّهِ ، واللّهُ لَهُ حاقِرٌ ماقِتٌ ، وَقَد قالَ أبونا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أمَرَني رَبّي بِحُبِّ المَساكينِ المُسلِمينَ مِنهُم . وَاعلَموا أنَّ مَن حَقَّرَ أحَداً مِنَ المُسلِمينَ ألقى اللّهُ عَلَيهِ المَقتَ مِنهُ وَالمَحَقَرةَ حَتّى يَمقُتَهُ النّاسُ ، وَاللّهُ لَهُ أشَدُّ مَقتاً . فَاتَّقوا اللّهَ في إخوانِكُم المُسلِمينَ المَساكينِ منهُم ، فَإنَّ لَهُم عَلَيكُم حَقّاً أن تُحِبّوهُم ، فإنَّ اللّهَ أمَرَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله بِحُبِّهم ، فَمَن لَم يُحِبَّ مَن أمَرَ اللّهُ بِحُبِّهِ فَقَد عَصى اللّهَ وَرَسولَهُ ، وَمَن عَصى اللّهَ وَرَسولَهُ وَماتَ على ذلِكَ ماتَ وَهُوَ مِنَ الغاوينَ .

.

ص: 131

وَإيَّاكُم وَالعَظَمَةَ وَالكِبَر ، فإنَّ الكِبَر رِداءُ اللّهِ تَعالى ، فَمَن نازَعَ اللّهَ رِداءَهُ ، قصَمَهُ اللّهُ وأَذلَّهُ يَومَ القِيامَةِ . وَإيّاكُم أن يَبغي بَعضُكُم على بَعضٍ ، فَإنَّها لَيسَت مِن خِصالِ الصّالِحينَ ، فإنَّهُ مَن بَغى صَيَّرَ اللّهُ بَغيَهُ على نَفسِهِ ، وَصارَت نُصرَةُ اللّهِ لِمَن بُغِيَ عَلَيهِ ، وَمَن نَصَرَهُ اللّهُ غَلَبَ وَأصابَ الظّفَرَ مِنَ اللّهِ . وَإيّاكُم أن يَحسُدَ بَعضُكُم بَعضاً ، فإنَّ الكُفرَ أصلُهُ الحَسَدُ . وَإيّاكُم أن تُعينوا على مُسلِمٍ مَظلومٍ فَيَدعو اللّهَ عَلَيكُم فيُستجابُ لَهُ فيكُم ، فإنَّ أبانا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَقولُ : إنَّ دَعوَةَ المُسلِمِ المَظلومِ مُستَجابَةٌ . وَليُعِن بَعضُكُم بَعضاً ، فإنَّ أبانا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يقولُ : إنَّ مَعونَةَ المُسلِم خَيرٌ وَأعظَمُ أجراً مِن صِيامِ شَهرٍ وَاعتِكافِهِ في المَسجِدِ الحَرامِ . وَإيّاكُم وإعسارَ أحَدٍ مِن إخوانِكُم المُؤمِنينَ أن تُعسِروهُ بِالشَّيءِ يَكونُ لَكُم قَبلَهُ وَهُوَ مُعسِرٌ ، فإنَّ أبانا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَقولُ : لَيسَ لِمُسلمٍ أن يُعسِرَ مُسلِماً ، ومَن أنظَرَ مُعسِراً أظلَّهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ بِظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ . وَإيّاكُم _ أيَّتُها العِصابَةُ المَرحومَةُ المُفَضَّلَةُ على مَن سِواها _ وَحَبسَ حُقوقِ اللّهِ قِبَلَكُم ، يَوماً بَعدَ يَومٍ وَساعَةً بَعدَ ساعَةٍ ، فإنَّهُ مَن عَجَّلَ حُقوقَ اللّهِ قِبَلَهُ كانَ اللّهُ أقدَرَ على التَّعجيلِ لَهُ إلى مُضاعَفَةِ الخَيرِ في العاجِلِ ، وَالآجِل ، وَإنّهُ مَن أخَّرَ حُقوقَ اللّهِ قِبَلَهُ كانَ اللّهُ أقدَرَ على تَأخيرِ رِزقِهِ ، وَمَن حَبَس اللّهُ رِزقَهُ لَم يَقدِر أن يَرزِقَ نَفسَهُ ، فَأدّوا إلى اللّهِ حَقَّ ما رَزَقَكُم ، يُطَيِّبُ اللّهُ لَكُم بَقِيَّتَهُ وَيُنجِزُ لَكُم ما وَعَدَكُم مِن مُضاعَفَتِهِ لَكُم الأضعافَ الكَثيرَةَ الّتي لا يَعلَمُ بِعَدَدِها وَلا بِكُنهِ فَضلِها إلاّ اللّهُ رَبُّ العالَمينَ . وَقالَ : اتَّقوا اللّهِ _ أيَّتُها العِصابَةُ _ وَإن استَطَعتُم أن لا يَكونَ مِنكُم مُحرِجٌ لِلإمامِ ، وَإنَّ مُحرِجَ الإمامِ هُوَ الّذي يَسعى بِأهلِ الصَّلاحِ مِن أتباعِ الإمامِ المُسَلِّمينَ لِفَضلِهِ ، الصّابِرينَ على أداءِ حَقِّهِ العارِفينَ لِحُرمَتِهِ .

.

ص: 132

وَاعلَموا أنَّ مَن نَزَلَ بِذلِكَ المَنزِلِ عِندَ الإمامِ فَهُوَ مُحرِجٌ لِلإمامِ ، فإذا فَعَلَ ذلِكَ عِندَ الإمامِ أحرَجَ الإمامَ إلى أن يُعلِنَ أهلَ الصَّلاحِ مِن أتباعِهِ المُسَلِّمينَ لِفَضلِهِ ، الصّابِرينَ على أداءِ حَقِّهِ العارِفينَ بِحُرمَتِهِ ، فإذا لَعَنَهُم لإحراجِ أعداءِ اللّهِ الإمامُ صارَت لَعَنتُهُ رَحمَةً مِنَ اللّهِ عَليهِم وَصارَت اللّعنَةُ مِنَ اللّهِ وَمِنَ المَلائِكَةِ وُرُسِلِهِ على أُولئِكَ . واعلموا أيّتُها العِصابَةُ أنَّ السُّنَّةَ مِنَ اللّهِ قَد جَرَت في الصّالِحينَ قبلُ . وَقالَ : مَن سَرَّهُ أن يَلقى اللّهَ وَهُوَ مُونٌ حَقّاً حقّاً ، فَليَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسولَهُ وَالّذينَ آمَنوا ، وَليَبرَأ إلى اللّهِ مِن عَدُوِّهِم وَليُسلِّم لِما انتَهى مِن فَضلِهِم ؛ لاِ فَضلَهُم لا يَبلُغُهُ مَلَكٌ مُقَرّبٌ ، وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ . ألم تَسمَعوا ما ذَكَرَ اللّهُ مِن فَضلِ أتباعِ الأئَمِّةِ الهُداةِ ، وَهُمُ المُونونَ ، قال : « فَأُولَ_ئكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً » (1) . فَهذا وَجهٌ مِن وُجوهِ فَضلِ أتباعِ الأئِمَّةِ ، فَكَيفَ بِهِم وَفَضلِهِم ؟ وَمَن سَرَّهُ أن يُتِمَّ اللّهُ لَهُ إيمانَهُ حَتّى يَكونَ مُوناً حَقّاً حَقّاً ، فَليَفِ للّهِِ بِشُروطِهِ الّتي اشتَرَطَها على المُونينَ ، فَإنَّهُ قَد اشتَرَطَ مَعَ وِلايَتِهِ وَوِلايَةِ رَسولِهِ وَوِلايَةِ أئِمَّةِ المُونينَ عليهم السلام ، إقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّكاةِ وَإقراضَ اللّهِ قَرضاً حَسَناً وَاجتِنابَ الفَواحِشِ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ ، فَلَم يَبقَ شَيءٌ مِمّا فَسَّرَ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ إلاّ وَقَد دَخَلَ في جُملَةِ قَولِهِ ، فَمَن دانَ اللّهَ فيما بَينَهُ وَبَينَ اللّهِ مُخلِصاً للّهِِ ، وَلَم يُرَخِّص لِنَفسِهِ في تَركِ شَيءٍ مِن هذا ، فَهُو عِندَ اللّهِ في حِزبِهِ الغالِبينَ ، وَهُوَ مِنَ المُونينَ حَقّاً . وَإيّاكُم وَالإصرارَ على شَيءٍ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ في ظَهرِ القُرآنِ وَبَطنِهِ ، وَقَد قالَ اللّهُ : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ » (2) . « إلى هاهنا رواية القاسم بن ربيع» .

.


1- .النساء: 69.
2- .آل عمران: 135.

ص: 133

يَعني المُونينَ قَبلَكُم إذا نسوا شَيئاً مِمّا اشتَرَطَ اللّهُ في كتابِهِ ، عَرَفوا أنَّهُم قَد عَصَوا اللّهَ في تركِهِم ذلِكَ الشَّيءَ ، فاستَغفَروا وَلَم يَعودوا إلى تَركِهِ فَذلِكَ مَعنى قَولِ اللّهِ تَعالى : «وَلَمْ يُصِرُّواعَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ » . وَاعلَموا أنَّهُ إنَّما أمَرَ وَنَهى لِيُطاعَ فيما أمَرَ بِهِ ، وَلِيُنتَهى عَمّا نَهى عَنهُ ، فَمَن اتَّبَعَ أمرَهُ فَقَد أطاعَهُ ، وَقَد أدرَكَ كُلَّ شَيءٍ مِنَ الخَيرِ عِندَهُ ، وَمَن لَم يَنتَهِ عَمّا نَهى اللّهُ عَنهُ فَقَد عَصاهُ ، فَإن ماتَ على مَعصِيَتِهِ أكَبَّهُ اللّهُ على وَجهِهِ فِي النّارِ . وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ بَينَ اللّهِ وَبَينَ أحَدٍ مِن خَلقِهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ مِن خَلقِهِ كُلِّهِم إلاّ طاعَتُهُم لَهُ ، فَجِدّوا في طاعَةِ اللّه إن سَرَّكُم أن تكونوا مُونينَ حَقّاً حَقّاً ، وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ . وَقالَ : عَلَيكُم بِطاعَةِ رَبِّكُم ما استَطعتُم ، فإنَّ اللّهَ رَبُّكُم ، وَاعلَموا أنّ الإسلامَ هُوَ التّسليمَ وَالتّسليمَ هُوَ الإسلامُ ، فَمَن سَلَّمَ فَقَد أسلَم ، وَمَن لَم يُسلِم فَلا إسلامَ لَهُ ، وَمَن سَرَّهُ أن يُبلِغَ إلى نَفسِهِ في الإحسانِ فَليُطِعِ اللّهَ فإنَّهُ مَن أطاعَ اللّهَ فَقَد أبلَغَ إلى نفسِهِ في الإحسانِ . وَإيّاكُم وَمَعاصِيَ اللّهِ أن تَركَبوها ، فإنَّهُ مَن انَتَهكَ مَعاصِيَ اللّهِ فَرَكِبَها ، فَقَد أبلَغَ في الإساءَةِ إلى نَفسِهِ ، وَلَيسَ بَينَ الإحسانِ وَالإساءَةِ مَنزِلَةٌ فَلاِلِ الإحسانِ عِندَ رَبِّهِم الجَنَّةُ ، وَلاِلِ الإساءَةِ عِندَ رَبِّهِم النّارُ . فاعمَلوا بِطاعَةِ اللّهِ وَاجتَنِبوا مَعاصِيَهُ . وَاعلَموا أنَّهُ لَيسَ يُغني عَنكُم مِنَ اللّهِ أحَدٌ مِن خَلقِهِ شيئاً ، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، وَلا مَن دونَ ذلِكَ ، فَمَن سَرَّهُ أن تَنفَعَهُ شَفاعَةُ الشّافِعينَ عِندَ اللّهِ ، فَليَطلُب إلى اللّهِ أن يَرضى عَنهُ . وَاعلَموا أنَّ أحَداً مِن خَلقِ اللّهِ لَم يُصِب رِضى اللّهِ إلاّ بِطاعَتِهِ وَطاعَةِ رَسولِهِ وَطاعَةِ وُلاةِ أمرِهِ مِن آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَمَعصِيَتُهُم من مَعصِيَةِ اللّهِ وَلَم يُنكِر لَهُم فَضلاً عَظُم وَلا صَغُرَ .

.

ص: 134

وَاعلَموا أنَّ المُنكِرينَ هُم المُكَذِّبونَ ، وَأنَّ المُكَذِّبينَ هُمُ المُنافِقونَ ، وَأنّ اللّهَ تَعالى قالَ لِلمُنافِقينَ _ وَقَولُهُ الحَقُّ _ : «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا » (1) وَلا يَفرُقَنّ أحَدٌ مِنكُم _ ألزَمَ اللّهُ قَلبَهُ طاعَتَهُ وَخَشيَتَهُ _ مِن أحَدٍ مِنَ النّاسِ أخرَجَهُ اللّهُ مِن صِفَةِ الحَقِّ وَلَم يَجعَلهُ مِن أهلِها ، فإنَّ مَن لَم يَجعَلهُ اللّه مِن أهلِ صِفَةِ الحَقِّ فَأُولئِكَ هُم شَياطينُ الإنسِ وَالجِنِّ ، فإنَّ لِشَياطينِ الإنسِ حِيَلاً وَمَكراً وَخَدائِعَ وَوَسوَسَةً ، بَعضُهُم إلى بَعضٍ ، يُريدون _ إن اِستَطاعوا _ أن يَرُدّوا أهلَ الحَقِّ عمّا أكَرَمَهُمُ اللّهُ بِهِ مِنَ النَّظَرِ في دينِ اللّهِ الّذي لَم يَجعَلِ اللّهُ شَياطينَ الإنسِ مِن أهلِهِ ، إرادَةَ أن يَستَوِيَ أعداءُ اللّهِ وَأهلُ الحَقِّ ، في الشَّكِ وَالإنكارِ وَالتَّكذيبِ ، فَيَكونونَ سَواءً كَما وَصَف اللّهُ في كِتابِهِ مِن قَولِهِ سُبحانَهُ : «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَآءً» (2) . ثُمَّ نهى اللّهُ أهلَ النَّصرِ بِالحَقِّ أن يَتَّخِذوا مِن أعداءِ اللّهِ وَلِيّاً وَلا نَصيراً ، فَلا يَهولَنَّكُم ولا يَرُدَّنَّكُم عَنِ النَّصرِ بِالحَقِّ الّذي خَصَّكُم اللّهُ بِهِ مِن حِيلَةِ شَياطينِ الإنسِ وَمَكرِهِم ، وَحِيَلِهِم وَوَساوِسِ بَعضِهِم إلى بَعضٍ ، فإنَّ أعداءَ اللّهِ إنِ استَطاعوا صَدُّوكُم عَنِ الحَقِّ فَيَعصِمُكُم اللّهُ مِن ذلِكَ فَاتّقوا اللّهَ وَكُفُّوا ألسِنَتَكُم إلاّ مِن خَيرِ . وَإيّاكُم أن تُذلِقوا (3) ألسِنَتَكُم بِقَولِ الزّورِ وَالبُهتانِ وَالإثمِ وَالعُدوانِ ، فَإنَّكُم إن كَفَفتُم ألسِنَتَكُم عَمّا يَكرَهُ اللّهُ مِمّا نَهاكُم عَنهُ كانَ خَيراً لَكُم عِندَ رَبِّكُم من أن تُذلِقوا ألسِنَتَكُم بِهِ ، فَإنَّ ذَلَقَ اللِّسانِ فيما يَكرَهُ اللّهُ وَفيما يَنهى عَنهُ لَدَناءَةٌ لِلعَبدِ عِندَ اللّهِ ، وَمَقتٌ مِنَ اللّهِ ، وَصَمَمٌ وَعَمىً وَبَكَمٌ يورِثُهُ اللّهُ إيّاهُ يَومَ القِيامَةِ ، فَيَصيروا كَما قالَ اللّهُ : « صُمُّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ » (4) يَعني لا يَنطِقونَ «وَ لاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ » (5) .

.


1- .البقرة: 18.
2- .النساء: 145.
3- .النساء: 89.
4- .وفي المصدر : « تزلقوا » .
5- .المرسلات: 36.

ص: 135

وَإيّاكُم وَما نَهاكُم اللّهُ عَنهُ أن تَركَبوهُ ، وَعَلَيكُم بِالصَّمتِ إلاّ فيما يَنفَعُكُم اللّهُ بِهِ في أمرِ آخِرَتِكُم ، وَيُؤجِرُكُم عَلَيهِ وَأكثِروا مِنَ التَّهليلِ وَالتَّقديسِ وَالتَّسبيحِ وَالثَّناءِ عَلى اللّهِ ، وَالتَّضَرُّعِ إلَيهِ وَالرَّغبَةِ فيما عِندَهُ مِنَ الخَيرِ الّذي لا يُقدّر قَدرَهُ ، وَلا يَبلُغُ كُنهَهُ أحَدٌ فاشغِلوا ألسِنَتَكُم بِذلِكَ عَمّا نَهى اللّهُ عَنهُ مِن أقاويلِ الباطِلِ الّتي تُعقِبُ أهلَها خُلوداً في النّارِ ، مَن ماتَ عَلَيها وَلَم يَتُب إلى اللّهِ مِنها ، وَلَم يَنزَع عَلَيها ، وَعَلَيكُم بِالدُّعاءِ ، فَإنَّ المُسلِمينَ لَم يُدرِكوا نَجاحَ الحَوائِجِ عِندَ رَبِّهِم بِأفضَلَ مِنَ الدُّعاءِ وَالرَّغبَةِ إلَيهِ ، وَالتَّضَرُّعِ إلى اللّهِ وَالمَسألَةِ لَهُ ، فارغَبوا فيما رَغَّبَكُم اللّهُ فيهِ ، وَأجيبوا اللّهَ إلى ما دَعاكُم إلَيهِ لِتُفلِحوا وَتَنجوا مِن عَذابِ اللّهِ . وَإيّاكُم أن تَشرَهَ أنفسُكُم إلى شَيءٍ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيكُم ، فإنَّهُ مَنِ انتَهَكَ ما حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ هاهُنا في الدُّنيا حالَ اللّهُ بَينَهُ وَبَينَ الجَنَّةِ وَنَعيمِها وَلَذَّتِها وَكَرامَتِها القائِمَةِ الدّائِمَةِ لِأهلِ الجَنَّةِ أبَدَ الآبدينَ . وَاعلَموا أنّهُ بِئسَ الحَظُّ الخَطَرُ لِمَن خاطَرَ بِتَرِكِ طاعَةِ اللّهِ وَرُكوبِ مَعصِيَتِهِ ، فاختارَ أن يَنتَهِكَ مَحارِمَ اللّهِ في لَذَّاتِ دُنيا مُنقَطِعَةٍ زائِلَةٍ عَن أهلِها على خُلودِ نَعيمٍ في الجَنَّةِ وَلَذاتِها وَكَرامَةِ أهلِها ، وَيلٌ لاُِولئِكَ ! ما أخيَبَ حَظَّهُم وَأخسَرَ كَرَّتَهُم وَأسوأ حالَهُم عِندَ رَبِّهِم يَومَ القِيامَةِ ، استَجيروا اللّهَ أن يُجريكُم في مِثالِهِم أبَداً ، وَأن يَبتَلِيَكُم بِما ابتَلاهُم بهِ وَلا قُوَّةَ لَنا وَلَكُم إلاّ بِهِ . فَاتَّقوا اللّهَ أيَّتُها العِصابَةُ النّاجِيَةُ ، أن أتَمَّ اللّهُ لَكُم ما أعطاكُم بِهِ فَإنَّهُ لا يَتِمُّ الأمرُ حَتّى يَدخُلَ عَلَيكُم مِثلُ الّذي دَخَلَ عَلى الصَّالِحينَ قَبلَكُم ، وَحَتّى تَبتَلوا في أنفُسِكُم وَأموالِكُم وَحَتّى تَسمَعوا مِن أعداءِ اللّهِ أذىً كَثيراً فَتَصبِروا وَتَعرُكوا بِجُنوبِكُم وَحَتَّى يَستَذِلّوكُم وَيُبغِضوكُم ، وَحَتّى يَحمِلوا عَلَيكُم الضَّيمَ فَتَحتَمِلوهُ مِنهُم

.

ص: 136

تَلتَمِسونَ بِذلِكَ وَجهَ اللّهِ وَالدّارَ الآخِرَةَ ، وَحَتّى تَكظِموا الغَيظَ الشَّديدَ فِي الأذى في اللّهِ يَجتَرِمونَهُ إلَيكُم وَحَتّى يُكَذِّبوكُم بِالحَقِّ وَيُعادوكُم فيهِ وَيُبغِضوكُم عَلَيهِ فَتَصبِروا على ذلِكَ منهم ، وَمِصداقُ ذلِكَ كُلِّهِ في كِتابِ اللّهِ الّذي أنزَلَهُ جَبرئيلُ على نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ، سَمِعتُم قَولَ اللّهِ تَعالى لِنَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله : «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ» . (1) ثمَّ قالَ : « وَ إِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُواوَأُوذُوا » (2) فَقَد كُذِّبَ نَبِيُّ اللّهِ وَالرُّسلُ مِن قَبلِهِ وَأُوذوا مَعَ التَّكذيبِ بِالحَقِّ ، فَإن سَرَّكُم أن تَكونوا مَعَ نَبِيِّ اللّهِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَالرُّسُلِ مِن قَبلِهِ فَتَدَبَّروا ما قَصَّ اللّهُ عَلَيكُم في كتابِهِ مِمّا ابتلى بِهِ أنبياءَهُ وَأتباعَهُم المُونينَ ثُمَّ سَلوا اللّهَ أن يُعطِيَكُم الصَّبرَ على البَلاءِ في السَّرّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَالشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ مِثلَ الّذي أعطاهُم . وَإيّاكُم وَمُمّاظَّةَ أهلِ الباطِل ، وَعَلَيكُم بِهَدي الصّالِحينَ وَوَقارِهِم ، وَسَكينَتِهِم وَحِلمِهِم ، وَتَخَشُّعِهِم وَوَرَعِهِم عَن مَحارِمِ اللّهِ ، وَصِدقِهِم وَوَفائِهِم وَاجتِهادِهِم للّهِِ في العَمَلِ بِطاعَتِهِ ، فَإنَّكُم إن لَم تَفعَلوا ذلِكَ لَم تَنزِلوا عِندَ رَبِّكُم مَنزِلَةَ الصّالِحينَ قَبلَكُم . وَاعلَموا أنَّ اللّهَ تَعالى إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً شَرَحَ صَدرَهُ للإسلامِ ، فَإذا أعطاهُ ذلِكَ نَطَقَ لِسانُهُ بِالحَقِّ وَعَقَدَ قَلبَهُ عَلَيهِ فَعَمَلَ بِهِ ، فإذا جَمَعَ اللّهُ لَهُ ذلِكَ تَمَّ لَهُ إسلامُهُ ، وَكانَ عِندَ اللّهِ إن ماتَ على ذلِكَ الحالِ مِنَ المُسلِمينَ حَقّاً ، وإذا لَم يُرِدِ اللّهُ بِعَبدٍ خَيراً وَكلَهُ إلى نَفسِهِ ، وَكانَ صدرُهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ، فإن جَرى عَلى لِسانِهِ حَقٌّ لَم يُعقَد قَلبُهُ عَلَيهِ وَإذا لَم يُعقَد قَلبُهُ عَلَيهِ ، لَم يُعطِهِ اللّهُ العَمَلَ بِهِ ، فَإذا اجتَمَعَ ذلِكَ عَلَيهِ حَتّى يَموتَ ، وَهُوَ على تِلكَ الحالِ كانَ عِندَ اللّهِ مِنَ المُنافِقين ، وَصارَ ما جَرى عَلى لِسانِهِ مِنَ الحَقِّ الّذي لَم يُعطِهِ اللّهُ أن يُعقَدَ قَلبُهُ عَلَيهِ ، وَلَم يُعطِهِ العَمَلَ بِهِ حُجَّةً عَلَيهِ .

.


1- .الأحقاف: 35.
2- .هذا قريب من آيتين أوّلها في سورة الحجّ : 42 وفاطر :3 و25 وآخرها في سورة الأنعام : 34 .

ص: 137

23 . كتابه عليه السلام إلى الشّيعة في حثّهم على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

فاتّقوا اللّهَ وَسَلوهُ أن يَشرَحَ صُدورَكُم للإسلامِ ، وأن يَجعَلَ ألسِنَتَكُم تَنطِقُ بِالحَقِّ حَتّى يَتَوفّاكُم وَأنتُم على ذلِكَ ، وَأن يَجعَلَ مُنقَلَبَكُم مُنقَلَبَ الصّالِحينَ قَبلَكُم ، وَلا قُوَّةَ إلاّ باللّهِ ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ . وَمَن سَرَّهُ أن يَعلَمَ أنَّ اللّهَ يُحِبُّهُ ، فَليَعمَل بِطاعَةِ اللّهِ وَليَتَّبِعنا ، ألَم يَسمَع قَولَ اللّهِ تَعالى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» . (1) وَاللّهِ لا يُطيعُ اللّهَ عَبدُ أبَداً إلاّ أدخَلَ اللّهُ عَلَيهِ في طاعَتِهِ اِتّباعَنا . وَلا وَاللّهِ لا يَتَّبِعُنا عَبدٌ أبَداً إلاّ أحَبَّهُ اللّهُ . وَلا وَاللّهِ لا يَدَعُ اتّباعَنا أحَدٌ أبداً إلاّ أبغَضَنا . وَلا وَاللّهِ لا يُبغِضُنا أحَدٌ أبداً إلاّ عَصى اللّهَ . وَمَن ماتَ عاصِياً للّهِِ أخزاهُ اللّه وأكَبَّهُ على وَجهِهِ في النّارِ ، والحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمين . (2)

23كتابه عليه السلام إلى الشّيعةفي حثّهم على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكرعن عليّ بن أسباط ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم 3 ، قال : كتب

.


1- .آل عمران: 31.
2- .كتاب الوافي : ج 26 ص97 ح 25378 .

ص: 138

. .

ص: 139

24 . كتابه عليه السلام إلى رجل في النّهي عن المماراة والجدال والكسل

أبو عبد اللّه عليه السلام إلى الشّيعة :لِيَعطِفَنَّ ذَوو السِّنِّ مِنكُم وَالنُّهى على ذَوي الجَهلِ وَطُلاّبِ الرِّئاسَةِ ، أو لَتُصيبَنَّكُم لَعنتي أجمعينَ . (1)

24كتابه عليه السلام إلى رجلفي النّهي عن المماراة والجدال والكسلعليّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة 2 ، قال : كتب أبو عبد اللّه عليه السلام إلى رجل من أصحابه :أمّا بَعدُ ، فلا تُجادِل العُلماءَ ، وَلا تُمارِ السُّفَهاءَ ، فَيُبغِضُكَ العُلماءُ ،

.


1- .الكافي: ج8 ص158 ح152، أعلام الدين: ص236، تنبيه الخواطر : ج2 ص147 .

ص: 140

25 . كتابه عليه السلام إلى المنصور في جوابه في تميُّز من يريد الدّنيا ومن يريد الآخرة

وَيَشتِمُكَ السُّفهاءُ . وَلا تَكسَل عَن مَعيشَتِكَ فَتَكونَ كَلاّ على غَيرِكَ . أو قالَ : على أهلِكَ. (1)

25كتابه عليه السلام إلى المنصور في جوابهفي تميُّز من يريد الدّنيا ومن يريد الآخرةقال ابن حمدون : كتب المنصور (2) إلى جعفر بن محمّد : لم لا تغشانا كما يغشانا ساير النّاس ؟ فأجابَهُ : لَيسَ لَنا ما نَخافُكَ مِن أجلِهِ ، وَلا عِندَكَ مِن أمرِ الآخِرَةِ ما نَرجوكَ لَهُ ، وَلا أنتَ في نِعمَةٍ فَنُهنّيكَ ، وَلا تَراها نَقِمَةً فَنُعَزّيكَ بِها ، فَما نَصنَعُ عِندَكَ ؟ . قال: فكتب إليه: تَصحَبُنا لِتَنصَحَنا . فأجابَهُ عليه السلام : مَن أرادَ الدُّنيا لا يَنصَحُكَ ، وَمَن أرادَ الآخِرَةَ لا يَصحَبُكَ . فقال المنصور: وَاللّهِ لَقَد مَيَّزَ عِندي مَنازِلَ النّاسِ ، مَن يُريدُ الدُّنيا مِمَّن يُريدُ الآخِرَةَ ، وَإنَّهُ مِمَّن يُريدُ الآخِرَةَ لا الدُّنيا . (3)

.


1- .الكافي: ج5 ص86 ح9 ، وسائل الشيعة : ج 17 ص 59 ح 21975 .
2- .عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس ، أبو جعفر المنصور الدّوانيقي ، كان الثّاني من خلفاء بني العبّاس ، تولاّه بعد موت أخيه السّفاح سنة ست وثلاثون ومائة ، ومات سنة ثمان وخمسين ومائة في طريقه إلى مكّة ودفن بها ، وعدّه الشّيخ من أصحاب الصّادق عليه السلام مع غصبه للخلافة ، وقتلهُ الإمام وجمعا كثيرا من ذرّية الرّسول صلى الله عليه و آله ، لعلّ ذكره في أصحاب الصادق عليه السلام لأنّ له روايات عنه عليه السلام ورواها أصحاب السّير . (راجع : مروج الذّهب : ج 3 ص 244 ، فتح الباري : ج 13 ص 184 ، رجال الطوسي : ص 229 الرقم 3102) .
3- .كشف الغمّة : ج2 ص420 ، بحار الأنوار : ج46 ص184 ح145 نقلاً عنه .

ص: 141

26 . كتابه عليه السلام إلى رجل في المنافق والسّعيد

27 . كتابه عليه السلام لسفيان الثّوري في ما أمر النّبيّ صلى الله عليه و آله بالنّصيحة لأئمّة المسلمين

26كتابه عليه السلام إلى رجلفي المنافق والسّعيدعليّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة (1) ، قال : كتب أبو عبد اللّه عليه السلام إلى رجل :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمّا بَعدُ فإنَّ المُنافِقَ لا يَرغَبُ فيما قَد سَعِدَ بِهِ المُؤمِنونَ ، وَالسَّعيدَ يَتَّعِظُ بِمَوعِظَةِ التَّقوى ، وَإن كانَ يُرادُ بِالمَوعِظَةِ غَيرُهُ . (2)

27كتابه عليه السلام لسفيان الثّوريفي ما أمر النّبيّ صلى الله عليه و آله بالنّصيحة لأئمّة المسلمينمحمّد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحكم بن مسكين ، عن رجل من قريش من أهل مكّة قال : قال سفيان الثّوري 3 : اذهب بنا

.


1- .راجع : الكتاب الرّابع والعشرون .
2- .الكافي: ج8 ص150 ح132.

ص: 142

إلى جعفر بن محمّد . قال: فذهبت معه إليه فوجدناه قد ركب دابّته فقال له سفيان: يا أبا عبد اللّه حدّثنا بحديث خطبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجد الخيف. قال : دَعني حَتّى أذهَبَ في حاجَتي فَإِنّي قَد رَكَبتُ ، فَإذا جِئتُ حَدَّثتُكَ . فقال: أسألك بقرابتك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله لما حدّثتني. قال: فنزل فقال له سفيان: مر لي بدواة وقرطاس حتّى أثبته فدعا به ثمّ قال: اكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم خطبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجد الخيف نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلّغها من لم تبلغه: يا أيُّها النّاسُ ، لِيُبلِغِ الشّاهِدُ الغائِبَ ، فَرُبَّ حامِل فِقهٍ لَيسَ بِفَقيهٍ ، وَرُبَّ حامِلِ فِقهٍ إلى مَن هُوَ أفقَهُ مِنهُ . ثَلاثٌ لا يُغَلُّ عَلَيهِنَّ قَلبُ امرِئٍ مُسلِم : إخلاصُ العَمَلِ للّهِِ ، وَالنَّصيحَةُ لِأئمِّةِ المُسلِمينَ ، وَاللُّزومِ لِجَماعَتِهِم ، فإنَّ دَعوَتَهُم مُحيطَةٌ مِن وَرائِهِم . المُونونَ إخوَةٌ تَتَكافأُ دِماوهُم وَهُم يَدٌ على مَن سِواهُم ، يَسعى بِذِمَّتِهِم أدناهُم . فَكَتَبَهُ سُفيانُ ثُمَّ عَرَضَهُ عَلَيهِ وَرَكِبَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، وَجِئتُ أنا وَسُفيان ، فَلَمّا كُنّا في بَعضِ الطَّريقِ قالَ لي : كَما أنتَ حَتّى أنظُرَ في هذا الحَديثِ . فَقُلتُ لَهُ : قَد وَاللّهِ ألزَمَ أبو عَبدِ اللّهِ رَقَبَتَكَ شَيئاً لا يَذهَبُ مِن رَقَبَتِكَ أبَداً .

.

ص: 143

28 . كتابه عليه السلام للنّجاشي عامل الأهواز في بعض ما يلزم الوالي

فَقالَ : وَأيُّ شيءٍ ذلِكَ ؟ فَقُلتُ لَهُ : ثَلاثٌ لا يُغَلّ عَلَيهِنَّ قَلبُ امرِىًمُسلِمٍ : إخلاصُ العَمَلِ للّهِِ قَد عَرَفناه ، وَالنَّصيحَةُ لِأئِمَّةِ المُسلِمينَ ، مَن هَولاءِ الأئِمَّةُ الّذين يَجِبُ عَلَينا نَصيحَتُهُم؟ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ وَيَزيدُ بنُ مُعاوِيَةَ وَمَروانُ بنُ الحَكَمِ ؟ وَكُلٌّ مَن لا تَجوزُ شَهادَتُهُ عِندَنا وَلا تَجوزُ الصَّلاةُ خَلفَهُم. وَقَولُهُ : وَاللُّزومُ لِجَماعَتِهِم ، فَأيُّ الجَماعَةِ مُرجِئٌ يَقولُ : مَن لَم يُصَلِّ وَلَم يَصُم ، وَلَم يَغتَسِل مِن جَنابَةٍ وَهَدَمَ الكَعبَةَ ، وَنَكَحَ أُمَّهُ ، فَهُوَ على إيمانِ جَبرئيلَ وَميكائيلَ . أو قَدرِيٌّ يَقولُ : لا يَكونُ ما شاءَ اللّهُ عز و جل ، وَيَكونُ ما شاءَ إبليسُ . أو حَرورِيٌّ يَتَبرَّأ من عَلِيٍّ بنِ أبي طالِبٍ ، وَشَهِدَ عَلَيهِ بِالكُفرِ . أو جَهمِيٌّ يقول : إنَّما هِيَ مَعرِفَةُ اللّهِ وَحدَهُ ، لَيسَ الإيمانُ شيئا (1) غيرها . قالَ : وَيحَكَ ، وَأيُّ شَيءٍ يَقولونَ؟ فَقُلتُ : يَقولونَ : إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام وَاللّهِ ، الإمامُ الّذي يَجِبُ عَلَينا نَصيحَتُهُ وَلُزومُ جَماعَتِهِم أهلَ بَيتِهِ . قال : فَأخَذَ الكِتابَ فَخَرقَهُ ثُمَّ قال : لا تُخبِر بِها أحَداً . (2)

28كتابه عليه السلام للنّجاشي عامل الأهوازفي بعض ما يلزم الواليفي كشف الرّيبة: الحديث العاشر: رويناه بأسانيد متعدّدة ، أحدها الإسناد المتقدّم

.


1- .في المصدر : « شيءٌ » والصواب ما أثبتناه .
2- .الكافي : ج 1 ص 403 ح2، المحاسن : ج2 ص612 ح2، بحار الأنوار : ج27 ص69 ح6 .

ص: 144

في الحديث السّابع (1) إلى الشّيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه محمّد بن عيسى الأشعريّ ، عن عبد اللّه بن سّليمان النّوفليّ 2 ، قال : كنت عند جعفر بن محمّد الصّادق عليه السلام ، فإذا بمولى لعبد اللّه النّجاشي قد ورد عليه ، فسلّم وأوصل إليه كتابه ففضّه وقرأه ، فإذا أوّل سطر فيه : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أطالَ اللّهُ تعالى بَقاءَ سَيّدي ، وَجَعَلَني مِن كُلِّ سوءٍ فِداهُ ، وَلا أراني فيهِ مَكروهاً ، فإنَّهُ وَلِيُّ ذلِكَ وَالقادِرُ عَلَيهِ . وَاعلَم _ سَيّدي وَمَولايَ _ إنّي بُليتُ بِوِلايَةِ الأهوازِ ، فَإن رَأى سَيّدِي أن يَحِدَّ لي حَدَّاً أو يُمَثِّلَ لي مِثالاً لِأستَدِلَّ بِهِ على ما يُقَرِّبُني إلى اللّهِ عز و جل ، وَإلى رَسولِهِ ، وَيُلَخِّصَ في كتابِهِ ما يَرى لِيَ العَمَلَ بِهِ ، وَفيما تَبَدّلَهُ وَابتَدَلَهُ ، وَأينَ أضَعُ زَكاتي ؟ وَفيمَن أصرِفُها ؟ وَبِمَن آنَسُ ؟ وَإلى مَن استَريحُ ؟ وَبِمَن أثِقُ ؟ وَآمَنُ وَألجأ إليهِ في سِرّي ،

.


1- .الحديث السّابع بالإسناد المتقدّم إلى شيخ المذهب ومحييه ومحققه ، جمال الدّين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، عن والده السّعيد سديد الدّين يوسف بن المطهّر قال: أخبرنا الشّيخ العلاّمة النّسّابة فخار بن المعد الموسوي ، عن الفقيه سديد الدّين شاذان بن جبرئيل القميّ ، عن عماد الدّين الطّبري ، عن الشّيخ أبي علي الحسن بن الشّيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطّوسي ، عن والده الشّيخ قدّس اللّه روحه ، عن الشّيخ المفيد محمّد بن النّعمان ، عن الشّيخ الصّدوق محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ، عن الشيخ أبي عبد اللّه جعفر بن قولويه ، عن الشّيخ أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن يعقوب الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد اللّه بن بكر . . . (ص83) .

ص: 145

فَعَسى اللّهُ أن يُخَلِّصَني بِهِدايَتِكَ وَدَلالَتِكَ ؛ فإنّكَ حُجَّةُ اللّهِ على خَلقِهِ وَأمينُهُ في بِلادِهِ ، وَلا زالت نِعمَتُهُ عَلَيكَ . كذا بخطّه. قال عبد اللّه بن سليمان : فأجابه أبو عبد اللّه عليه السلام : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم حاطَك (1) اللّهُ بِصُنْعِهِ ، وَلَطُفَ بِمَنِّهِ ، وَكَلاكَ بِرِعايَتِهِ فَإنَّهُ وَلِيُّ ذلِكَ . أمّا بَعدُ ، فقد جاءَني رَسولُكَ بِكتابِكَ فَقَرَأتُةُ وَفَهِمتُ ما فيهِ ، وَجَميعُ ما ذَكَرتَهُ وسَألتَ عَنهُ : وَزَعَمتَ أنَّكَ بُليتَ بِوِلايَةِ الأهوازِ ، فَسَرَّني ذلِكَ وَساءَني وَسَأُخبِرُكَ بما ساءَني مِن ذلِكَ وَما سَرَّني إن شاءَ اللّهُ تَعالى . فَأمّا سُروري بِولايَتِكَ ، فَقُلتُ : عَسى أن يُغيثَ اللّهُ بِكَ مَلهوفاً خائِفاً مِن أولياءِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَيُعِزَّ بِكَ ذَليلَهُم ، وَيَكسُوَ بِكَ عارِيَهم ، وَيُقوّي بِكَ ضَعيفَهُم ، وَيُطِفى ءَ بِكَ نارَ المُخالِفينَ عَنهُم . وَأمّا ساءَني مِن ذلِكَ ، فَإنَّ أدنى ما أخافُ عَلَيكَ أن تَعثَرَ بَوِلِيٍّ لَنا فَلا تَشُمَّ رائِحَةَ حَضيرَةِ القُدُسِ . فَإنّي مُلَخِّصٌ لَكَ جَميعَ ما سَألتَ عَنهُ ، إن أنتَ عَمِلتَ بِهِ وَلَم تُجاوِزهُ رَجوتُ أن تَسلَمَ إن شاءَ اللّهُ . أخبرني _ يا عبد اللّه _ أبي ، عن آبائه ، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّه قال : مَنِ استَشارَهُ أخوهُ المُؤمِنُ فَلَم يَمحَضهُ النَّصيحَةَ سَلَبَهُ اللّهُ لُبَّه . وَاعلَم إنّي سَأُشيرُ عَلَيكَ بِرَأيٍ ، إن أنتَ عَملِتَ بهِ تَخَلَّصتَ مِمّا أنتَ مُتَخَوِّفُهُ . وَاعلَم أنّ خَلاصَكَ وَنَجاتَكَ في حَقنِ الدِّماءِ ، وَكَفِّ الأذى عَن أولياءِ اللّهِ وَالرِّفقِ بِالرَّعِيَّةِ ، وَالتَأنّي ، وَحُسنِ المُعاشَرَةِ مَعَ لِينٍ في غَيرِ ضَعفٍ ، وَشِدَّةٍ في غَيرِ أنَفٍ ، وَمُداراةِ صاحِبِكَ وَمَن يَردُ عَلَيكَ من رُسِلِهِ ، وَارتُق فَتقَ رَعِيَّتِكَ بِأن تُوقِفَهم على ما

.


1- .في المصدر : «حاملكَ » ، والتصويب من بحار الأنوار .

ص: 146

وافَقَ الحَقَّ وَالعَدلَ إن شاءَ اللّهُ تَعالى . وَإيّاكَ والسُّعاةَ وَأهلَ النَّمايِمِ ، فَلا يَلتَزِقَنَّ مِنهُم بِكَ أحَدٌ ، وَلا يَراك اللّهُ يَوماً وَلَيلَةً وَأنتَ تَقبَلُ مِنهُم صِرفاً وَلا عَدلاً ، فَيَسخَطُ اللّهُ عَلَيكَ وَيَهتِكُ سِترَكَ ، وَاحذَر مَكرَ خُوزِ الأهوازِ ، فَإنّ أبي أخبرني عَن آبائِهِ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام إنّهُ قالَ : إنّ الإيمان لا يثبت في قلب يهودي ولا خوزيّ أبداً . فَأمّا مَن تأنَسُ بهِ وَتَستَريحُ إلَيهِ وَتُلجى ءُ أمورَكَ إلَيهِ ، فَذلِكَ الرَّجُلُ المُستَبصِرُ الأمينُ المُوافِقُ لَكَ على دينِكَ . وَمَيِّز أعوانَكَ وَجَرِّب الفَريقَينِ ، فَإن رَأيتَ هُنالك رُشداً فَشأنَكَ وَإيّاهُ ، وَإيَّاكَ أن تُعطِيَ دِرهماً أو تَخلَعَ ثَوباً أو تَحمِلَ على دابَّةٍ في غيرِ ذاتِ اللّهِ ، لِشاعِرٍ أو مُضحِكٍ أو مُتَمزِّحٍ (1) إلاّ أعطَيتَ مِثلَهُ في ذاتِ اللّهِ ، وَليَكُن جَوائِزُكَ وَعَطاياكَ وَخِلَعُكَ لِلقُوّادِ وَالرُّسُلِ وَالأحفادِ وَأصحابِ الرَّسائِلِ وَأصحابِ الشُّرَطِ وَالأخماسِ ، وَما أردَتَ أن تَصرِفَهُ في وُجوهِ البِرِّ وَالنَّجاحِ وَالعِتقِ وَالصَّدَقَةِ وَالحَجِّ والمَشرَبِ وَالكِسوَةِ الّتي تُصَلّي فيها ، وَتَصِلُ بِها ، وَالهَدِيَةِ الّتي تُهديها إلى اللّهِ تَعالى وإلى رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، مِن أطيَبِ كَسبِكَ . يا عَبدَ اللّهِ ، اجهَد أن لا تَكنِزَ ذَهَباً وَلا فِضَّةً ، فَتَكونَ مِن أهلِ هذهِ الآيَةِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ» (2) وَلا تَستَصغِرَنَّ مِن حُلوٍ أو فَضلِ طَعامٍ ، تَصرِفُهُ في بُطونٍ خالِيَةٍ يَسكُنُ بِها غَضَبُ اللّهِ تَبارَكَ وَتَعالى . وَاعلَم أنّي سَمِعتُ أبي يُحَدِّثُ عَن آبائِهِ ، عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليهم السلام ، أنّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ يَقولُ لِأصحابِهِ يَوماً : ما آمَنَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ مَن باتَ شَبعانا وَجارُهُ جائِعٌ . فَقُلنا : هَلَكنا يا رَسولَ اللّهِ . فَقالَ : مِن فَضلِ طَعامِكُم ، وَمِن فَضلِ تَمرِكُم وَرِزقِكُم ، وَخِلَقِكُم

.


1- .في المصدر : « ممتزحٍ » ، والتصويب من بحار الأنوار .
2- .التوبة: 34.

ص: 147

وَخِرَقِكُم ، تطفئونَ بها غضب الرّب . وَسَأنبِئُكَ بِهَوانِ الدُّنيا وَهَوانِ شَرَفِها على ما مَضى مِنَ السَّلَفِ وَالتّابِعينَ ، فقد . حدّثني محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السلام قال : لَمّا تَجَهَّزَ الحُسينُ عليه السلام إلى الكُوفَةِ أتاهُ ابن عَبّاس فَناشَدَهُ اللّهَ وَالرَّحِمَ أن يَكونَ هُوَ المَقتولُ بِالطَّفِّ . فقال : أنا أعرف بِمَصرعي مِنكَ ، وَما وَكَدي مِنَ الدُّنياإلاّ فِراقُها . ألا أخبِرُكَ يابنَ عَبّاس بِحَديثِ أميرِ المُؤمِنينَ وَالدُّنيا ؟ فَقالَ لَهُ : بلى ، لَعَمري إنّي لاَحِبُّ أن تُحَدِّثَني بِأمرِها . فَقالَ أبي : قالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ يَقولُ : حَدَّثَني أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قال : إنّي كُنتُ بِفَدَكٍ في بَعضِ حيطانِها ، وَقَد صارَت لِفاطِمَةَ عليهاالسلام ، قالَ : فَإذا أنا بامرَأةٍ قَد قَحَمَت عَلَيّ وَفي يَدي مِسحاةٌ ، وَأنا أعمَلُ بِها ، فَلَمَّا نَظَرتُ إلَيها طارَ قَلبي مِمّا تَداخَلَني مِن جَمالِها ، فَشَبَّهتُها بُثَيّنَةَ بِنتَ عامِرِ الجُمَحَيّ _ وَكانَت مِن أجمَلِ نساءِ قُرَيشٍ _ فَقالَت : يابنَ أبي طالِبٍ ، هَل لَكَ أن تَتَزَوَّجَ بي فَاُغنيَكَ عَن هذهِ المِسحاةِ ، وَأدُلُّكَ عَلى خَزائِنِ الأرضِ ، فَيَكونُ لَكَ المُلكُ ما بَقيتَ وَلِعَقِبِكَ مِن بَعدِكَ ، فَقالَ لها عليّ عليه السلام : مَن أنتِ حَتّى أخطِبَكِ مِن أهلِكَ . فَقالَت : أنا الدُّنيا . قالَ لها : فَارجعِي وَاطلُبي زَوجاً غَيري . وَأقبَلتُ على مِسحاتي وَأنشَأت أقولُ : لَقَد خابَ مَن غَرَّتهُ دُنيا دَنِيَّةٌوَما هِيَ إن غَرَّت قُروناً بِنائِلِ أتَتنا على زِيّ العَزيز بُثَنيَةٌوَزينَتُها في مِثلِ تِلكَ الشّمائِلِ فَقُلتُ لَها غُرِّي سِوايَ فَإنّنيعَزوفٌ عَن الدُّنيا وَلَستُ بِجاهِلِ وَما أنا وَالدُّنيا فإنَّ مُحَمَّداًأُحِلَّ صريعاً بَينَ تِلكَ الجَنادِلِ وَهَبها أتَتني بِالكُنوزِ وَدُرِّهاوَأموالِ قارونٍ وَمُلكِ القَبائِلِ ألَيسَ جَميعاً لِلفناءِ مَصيرُهاوَيُطلَبُ مِن خُزّانِها بِالطَّوائِلِ فَغُرِّي سِوايَ إنَّني غَيرُ راغِبٍبِما فيكِ مِن مُلكٍ وَعِزٍّ وَنائلِ فَقَد قَنَعَت نَفسي بِما قَد رُزِقتُهُفَشَأنَكَ يا دُنيا وَأهلَ الغَوائِلِ فَإنّي أخافُ اللّهَ يَومَ لِقائِهِوَأخشى عَذاباً دائِماً غَيرَ زائِلِ فَخَرَج مِنَ الدُّنيا وَلَيسَ في عُنقِهِ تَبَعِةٌ لِأحَدٍ ، حتّى لَقى اللّهَ مَحموداً غَيرَ مَلومٍ ، وَلا مَذمومٍ . ثُمَّ اقتَدَت بِهِ الائِمَّةُ مِن بَعدِهِ بِما قَد بَلَغَكُم لَم يَتَلطَّخوا بِشَيءٍ مِن بَوائِقِها عَلَيهِمُ السَّلام أجمَعينَ وَأحسَنَ مَثواهُم . وَقَد وَجَّهتُ إلَيكَ بِمَكارِمِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَعَنِ الصَّادِقِ المُصَدَّق رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَإن أنتَ عَملِتَ بِما نَصَحتُ لَكَ في كتابي هذا ، ثُمَّ كانَت عَلَيكَ مِنَ الذُّنوبِ وَالخَطايا كَمِثلِ أوزانِ الجِبالِ وَأمواجِ البِحارِ ، رَجَوتُ اللّهَ أن يَتَجاوَزَ عَنكَ بِقُدرَتِهِ . يا عَبدَ اللّهِ ، إيَّاكَ أن تُخيفَ مُؤمِناً فَإنّ أبي مُحَمّدُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام حَدَّثَني عَن أبيهِ ، عَن جَدِّهِ عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ عليه السلام ، أنَّهُ كانَ يَقولُ : مَن نَظَرَ إلى مُؤمِنٍ نَظرَةً لِيُخيفَهُ بِها أخافَهُ اللّهُ يَومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ ، وَحَشَرَهُ اللّهُ في صورَةِ الذَّرِّ ، لَحمَهُ وَجَسَدَهُ وجَميعَ أعضائِهِ ، حَتّى يُورِدَهُ مَورِدَهُ . وَحَدَّثَني أبي عَن أبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ : مَن أغاثَ لَهفاناً مِنَ المُؤمِنينَ أغاثَهُ اللّهُ يَومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ ، وَآمَنَهُ يَومَ الفَزَعِ الأكبَرِ ، وَآمَنَهُ مِن سوءِ المُنقَلَبِ . وَمَن قَضى لِأخيهِ المُؤمِنِ حاجَةً ، قَضى اللّهُ لَهُ حَوائجَ كَثيرَةً إحداها الجَنّةُ . وَمَن كَسا أخاهُ المُؤمِنِ مِن عُريٍ كَساهُ اللّهُ مِن سُندُسِ الجَنَّةِ وَاستَبرَقَها وَحَريرَها ، وَلَم يَزَل يَخوضُ في رِضوانِ اللّهِ مادامَ على المَكسُوِّ مِنها سلِكٌ . وَمَن أطعَمَ أخاهُ مِن جوعٍ أطعَمَهُ اللّهُ مِن طَيِّباتِ الجَنَّةِ ، وَمَن سَقاهُ مِن ظَماًسَقاهُ اللّهُ مِنَ الرَّحيقِ المَختومِ رِيَّهُ . وَمَن أخدَمَ أخاهُ أخدَمَهُ اللّهُ مِنَ الوِلدانِ المُخَلَّدينَ ،وَأسكَنَهُ مَعَ أولِيائِهِ الطّاهِرينَ .

.

ص: 148

وَمَن حَمَلَ أخاهُ المُؤمن [ على راحِلَةٍ ] (1) حمله اللّه على ناقَةٍ مِن نوقِ الجَنَّةِ ، وباهى بِهِ على المَلائكَةِ المُقَرّبينَ يَومَ القِيامَةِ . وَمَن زَوَّجَ أخاهُ المُؤمِنَ امرَأةً يَأنَسُ بِها وَتَشُدُّ عَضُدَهُ وَيَستَريحُ إلَيها ، زَوَّجَهُ اللّهُ مِن الحور العينِ ، وَآنسَهُ بِمَن أحَبَّ مِنَ الصِدّيقينَ مِن أهلِ بَيتِهِ وَإخوانِهِ وَآنَسَهُم بِهِ . وَمَن أعانَ أخاهُ المُؤمِنَ على سُلطانٍ جائِرٍ أعانَهُ اللّهُ على إجازَةِ الصِّراطِ عِندَ زَلزَلَةِ الأقدامِ . وَمَن زارَ أخاهُ المُؤمِنَ إلى مَنزِلِهِ لا لِحاجَةٍ مِنهُ إلَيهِ ، كُتِبَ مِن زُوّارِ اللّهِ ، وَكانَ حَقيقاً على اللّهِ أن يُكرِمَ زائِرَهُ . يا عبد اللّه ، حَدَّثني أبي عَن آبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليهم السلام ، أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَهُوَ يَقولُ لِأصحابِهِ يَوماً : مَعاشِرَ النّاسِ إنّه لَيسَ بِمُؤمِنٍ مَن آمَنَ بِلِسانِهِ وَلَم يُؤمِن بِقَلبِهِ ، فَلا تَتَّبِعوا عَثَراتِ المُؤمِنينَ ، فإنَّهُ مَن اتَّبَعَ عَثرَةَ مُؤمِنٍ اتّبَعَ اللّهُ عَثراتِهِ يَومَ القِيامَةِ ، وَفَضَحَهُ في جَوفِ بَيتِهِ . وَحَدّثني أبي عَن آبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليهم السلام أنَّهُ عليه السلام قالَ : أخَذَ اللّهُ ميثاقَ المُؤمِنِ أن لا يُصَدَّقَ في مَقالَتِهِ وَلا يَنتَصِفَ فيّ عَدُوِّهِ ، وَعَلى أن لا يَشفي غَيظَهُ إلاّ بِفَضيحَةِ نفسِهِ ، لأنَّ كُلَّ مُؤمِنٍ مُلجَمٍ ، وَذلِكَ لِغايَةٍ قَصيرَةٍ وَراحَةٍ طَويلَةٍ . أخَذَ اللّهُ ميثاقَ المُؤمِنِ على أشياءَ أيسَرِها عَلَيهِ مُؤمِنٍ مِثلِهِ ، يَقولُ بِمَقالتِهِ في فيهِ ، وَيَحسُدُهُ وَالشَّيطانُ يُغويهِ وَيَمنَعُهُ ، وَالسُّلطانُ يَقفو أثَرَهُ وَيَتَّبِ_عُ عَثَراتِهِ ، وَكافِرٍ بالّذي هُوَ مُؤمِنٌ ، يَرى سَفكَ دَمَهُ ديناً وَإباحَةَ حَريمِهِ غُنماً ، فَما بَقاءُ المُؤمِنِ بَعدَهذا. يا عَبدَ اللّهِ ، وَحَدَّثني أبيّ عليه السلام عَن آبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليهم السلام عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله قال : نَزَلَ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ : يا مُحَمَّدُ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ يَقرَأ عَلَيكَ السَّلام ويقولُ : اشتَقَقتُ لِلمُؤمِنِ اسماً مِن أسمائي ، سَمَّيتُهُ مُؤمِناً ، فَالمُؤمِنُ مِنّي وَأنا مِنهُ ، مَن استَهانَ بِمُؤمِنٍ فَقَد

.


1- .في المصدر :«رحله »، والتصويب ما بين المعقوفين ، كما في بحار الأنوار .

ص: 149

استَقبَلْني بِالمُحارَبَةِ . يا عَبدَ اللّهِ ، وَحَدَّثني أبي عليه السلام عَن آبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليهم السلام ، عَن النَّبِيّ صلى الله عليه و آله ، أنَّهُ قال يَوماً : يا عَلِيُّ ، لا تُناظِر رَجُلاً حتّى تَنظُرَ في سَريرَتِهِ ، فَإن كانَت سَريرَتُهُ حَسَنَةً ، فَانَّ اللّهَ عز و جللَم يَكُن لِيَخذُلَ وَلِيَّهُ ، وَإن كانَت سَريرَتُهُ رَدِيَّةً فَقَد يَكفيهِ مُساويهِ ، فَلَو جَهدِتَ أن تعمَلَ بِهِ أكثَرَ مِمّا عَمِلَهُ مِن مَعاصِيَ اللّهِ عز و جل ما قَدَرتَ عَلَيهِ . يا عَبدَ اللّهِ ، وَحَدَّثني أبي عليه السلام عَن آبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليهم السلام ، عَن النّبي صلى الله عليه و آله ، أنَّهُ قالَ : أدنى الكُفرِ أن يَسمَعَ الرَّجُلُ عَن أخيهِ الكَلِمَةَ لِيَحفَظَها عَلَيهِ يُريدُ أن يَفضَحَهُ بِها ، أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُم. يا عَبدَ اللّه ، وَحَدّثني أبي عَن آبائِهِ عَن عَلِيّ عليهم السلام ، أنَّهُ قال : مَن قالَ في مُؤمِنٍ ما رَأت عَيناهُ وَسَمِعَت أُذُناهُ ما يُشينُهُ وَيَهدِمُ مُرُوَّتَهُ فَهُوَ مِنَ الّذينَ قالَ اللّهُ عز و جل : « إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » (1) . يا عَبدَ اللّهِ ، وَحَدَّثني أبي عليه السلام عَن آبائِهِ عَن عَلِيّ عليهم السلام ، أنّهُ قالَ : مَن رَوى عَن أخيهِ المُؤمِنِ رِوايَةً يُريدُ بِها أن يَهدِمَ مُرُوَّتَهُ وَثَلبَهُ ، أوقَبَهُ اللّهُ تَعالى بِخَطيئَتِهِ حَتّى يَأتيَ بِمَخرجٍ مِمّا قالَ ، وَلَن يأتِيَ بِالمَخرَجِ مِنهُ أبَداً . وَمَن أدخَلَ على أخيهِ المُؤمِنِ سُروراً ، فَقَد أدخَلَ على أهلِ البَيتِ سُروراً ، وَمَن أدخَلَ على أهلِ البَيتِ سُروراً فَقَد أدخَلَ على رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله سُروراً ، وَمَن أدخَلَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله سُروراً فَقَد سَرَّ اللّهَ ، وَمَن سَرَّ اللّهَ فَحقيقٌ عَلَيهِ أن يَدخُلَ الجَنَّةَ . ثُمَّ إنّيّ أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ وَإيثارَ طاعَتِهِ ، وَالاعتِصامَ بِحَبلِهِ ، فَإنَّهُ مَنِ اعتَصَمَ بِحَبلِ اللّهِ فَقَد هُدِيَ إلى صرِاطٍ مُستقيمٍ . فَاتّقِ اللّهَ وَلا تُؤثِر أحَداً على رِضاهُ وَهَواهُ ، فإنَّهُ وَصِيَّةُ اللّهِ عز و جل إلى خَلقِهِ لا يَقبَلُ مِنهُم غَيَرها ، وَلا يُعَظِّم سِواها . وَاعلَم أنّ الخَلائِقَ لَم يُوكَّلوا بِشَيءٍ أعظَمَ مِنَ التَّقوى ، فَإنَّهُ وَصيَّتُنا أهلَ البَيتِ ،

.


1- .النور: 19.

ص: 150

فإن استَطَعتَ مِن أن لا تَنالَ مِنَ الدُّنيا شَيئاً تُسألُ عَنهُ غَداً فَافعَل . قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ سُليمانَ : فَلَمّا وَصَل كِتابُ الصّادِقِ إلى النّجاشيّ نَظَرَ فيهِ وَقَالَ : صَدَقَ اللّهُ الّذي لا إلَه إلاّ هُوَ ، وَمَولايَ ، فَما عَمِلَ أحَدٌ بِهذا الكِتابِ إلاّ نَجا ، فَلَم يَزَل عَبدُ اللّهِ يَفعَلُ بِهِ أيّامَ حَياتِهِ . (1) وقال العلاّمة المجلسي رحمه الله: ووجدت في كرّاس بخطّ الشّهيد الثّاني قدّس اللّه روحه ، بعض هذه الرّواية، وكأنّه كتبها لبعض إخوانه، وهذا لفظه: يقول كاتب هذه الأحرف الفقير إلى عفو اللّه تعالى ورحمته، زين الدّين بن عليّ بن أحمد الشّامي ، عامله اللّه تعالى برحمته ، وتجاوز عن سيئاته بمغفرته: أخبرنا شيخنا السّعيد المبرور المغفور النبيل نور الدّين عليّ بن عبد العالي الميسي قدس اللّه تعالى روحه ، ونور ضريحه ، يوم الخميس خامس شهر شعبان سنة ثلاثين وتسعمئة بداره، قال: أخبرنا شيخنا المرحوم الصّالح الفاضل شمس الدّين محمّد بن محمّد بن محمّد بن داوود الشّهير بابن المؤذّن الجزيني ، حادي عشر شهر المحرّم سنة أربع وثمانين وثمانمئة ، قال: أخبرنا الشّيخ الصّالح الأصيل الجليل ضياء الدّين أبو القاسم عليّ بن الشّيخ الإمام السّعيد شمس الدّين أبو عبد اللّه الشّهيد محمّد بن مكّي أعلى اللّه درجته ، كما شرف خاتمته ، قال : أخبرني والدي السّعيد الشّهيد قال: أخبرني الإمامان الأعظمان عميد الملّة والدّين عبد المطلب بن الأعرج الحسيني ، والشّيخ الإمام فخر الدّين أبو طالب محمّد بن الشيخ الإمام ، شيخ الإسلام ، أفضل المتقدّمين والمتأخّرين ، وآية اللّه في العالمين ، محيي سنن سيّد المرسلين ، الشّيخ جمال الدّين حسن بن الشيخ السّعيد أبو المظفّر يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي ، قدس اللّه تعالى روحه الطّاهرة ، وجمع بينه وبين أئمّته في الآخرة ، كلاهما عن شيخنا السّعيد جمال الدّين

.


1- .كشف الريبة : ص85 ، بحار الأنوار : ج75 ص360 ح 77 .

ص: 151

الحسن بن المطهّر ، عن والده السّعيد سديد الدّين يوسف بن المطهّر قال : أخبرنا السّيد العلاّمة النّسابة فخار بن معد الموسوي ، عن الفقيه سديد الدّين شاذان بن جبرئيل القمي نزيل المدينة المشرفة ، عن الشّيخ الفقيه عماد الدّين محمّد بن القاسم الطّبري، عن الشّيخ الفقيه أبي عليّ الحسن بن الشّيخ الجليل السّعيد محيي المذهب محمّد بن الحسن الطّوسي، عن والده السعيد قدس اللّه روحه ، عن الشّيخ المفيد محمّد بن النّعمان ، عن الشّيخ أبي عبد اللّه جعفر بن قولويه إلى آخر ما ذكره من الرواية. (1)

.


1- .بحار الأنوار: ج75 ص366.

ص: 152

29 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن معاوية ؛ من مواعظه القصار

29كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن معاويةمن مواعظه القصارحمّاد بن عيسى ، عن عبد الحميد الطّائيّ 1 ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : كتب معي

.

ص: 153

30 . رقعة له عليه السلام في المواعظ

إلى عبد اللّه بن معاوية 1 وهو بفارس :مَنِ اتَّقى اللّهَ وَقاهُ، وَمَن شَكَرَهُ زادَهُ ، وَمَن أقرَضَهُ جَزاهُ . (1)

30رقعة له عليه السلامفي المواعظسهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن الحسن بن عليّ بن يقطين ، عن الفضل بن كثير المدائنيّ 3 ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه : أنّه دخل عليه بعض أصحابه فرأى عليه قميصاً فيه قَبٌ قد رَقَعَه فجعل ينظر إليه .

.


1- .المحاسن : ج1 ص3 ح2 ، بحار الأنوار : ج78 ص199 ح24 نقلاً عنه .

ص: 154

31 . كتابه عليه السلام إلى سُكَينُ النَّخَعِيُّ في الزُّهد

فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : ما لَكَ تَنظُرُ ؟ فَقالَ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ، قَبٌّ يُلقى في قَميصِكَ . فَقالَ لَهُ : اضرِب يَدَكَ إلى هذا الكِتابِ فَاقرَأ ما فيهِ . وَكانَ بَينَ يَديهِ كِتابٌ أو قَريبٌ مِنهُ ، فَنَظَر الرَّجُلُ فيهِ فإذا فيهِ : لا إيمانَ لِمَن لا حَياءَ لَهُ ، ولا مالَ لِمَن لا تَقديرَ لَهُ ، وَلا جَديدَ لِمَن لا خَلِقَ لَهُ . (1)

31كتابه عليه السلام إلى سُكَينُ النَّخَعِيُّ 2في الزُّهدمحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، جميعاً عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد 3 ، عن سكين النّخعيّ ، وَكانَ تَعبَّد

.


1- .الكافي: ج5 ص317 ح52 ، بحار الأنوار : ج 47 ص 45 ح 63 .

ص: 155

وَتَركَ النِّساءَ وَالطّيبَ وَالطَّعامَ ، فكَتَب إلى أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام يَسأُلهُ عَن ذلِكَ ؟ فكتب إليه : أمّا قَولُكَ فِي النِّساءِ ، فَقَد عَلِمتَ ما كانَ لِرَسول اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ النِّساءِ. وَأمّا قَولُكَ فِي الطَّعامِ ، فَكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يأكُلُ اللّحمَ والعَسَلَ . (1) وَفي رجال الكشّي : محمّد بن مسعود قال: كتب إليّ الفضل بن شاذان، يذكر عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال : حَجَجتُ وسُكَينَ النَّخَعِيَّ ، فَتَعَّبدَ وَتَركَ النِّساءَ وَالطِّيبَ والثِّيابَ وَالطَّعامَ الطَّيِّبَ ، وكان لا يَرفَعُ رأسَهُ داخِلَ المَسجِدِ إلى السَّماءِ ، فَلَمّا قَدِمَ المَدينَةَ دنا من أبي إسحاقٍ فَصَلّى إلى جانِبِهِ ، فقالَ : جُعلِتُ فِداكَ ، إنّي أُريدُ أن أسألَكَ عَن مسائِلَ . قالَ : اذهَب فَاكتُبها وَأرسِل بِها إليَّ . فَكتَبَ : جُعلِتُ فِداكَ ، رَجُلٌ دَخَلَهُ الخَوفُ مِنَ اللّهِ عز و جل ، حَتّى تَرَكَ النِّساءَ وَالطَّعامَ الطَّيِّبَ ، وَلا يَقدِرُ أن يَرفَعَ رَأسَهُ إلى السَّماءِ ، وَأمَّا الثّيابُ فَشَكَّ فيها. فَكتَبَ : أمّا قَولُكَ فِي تَركِ النِّساءِ ، فَقَد عَلِمتَ ما كانَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ النّساءِ . وَأمّا قَولُكَ في تَركِ الطَّعامِ الطَّيِّبِ ، فَقَد كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَأكُلُ اللّحمَ وَالعَسَلَ .

.


1- .الكافي:ج 5 ص 320 ح4 ، دعائم الإسلام : ج 2 ص 193 ح 702 نحوه .

ص: 156

32 . كتابه عليه السلام إلى مِسمَعٍ في الحَثّ على اتّخاذِ مَسجدٍ في البَيتِ

وَأمّا قولُكَ أنَّهُ دَخَلَهُ الخَوفُ حَتّى لا يَستَطيعُ أن يَرفَعَ رَأسَهُ إلى السَّماءِ فَليُكثِر مِن تِلاوَةَ هذهِ الآياتِ : «الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ » (1) . (2)

32كتابه عليه السلام إلى مِسمَعٍفي الحَثّ على اتّخاذِ مَسجدٍ في البَيتِعليّ بن الحكم، عن أبان، عن مسمع 3 قال : كتب إليّ أبو عبد اللّه عليه السلام :

.


1- .آل عمران: 17.
2- .رجال الكشّي : ج2 ص668 ح691 ، بحار الأنوار : ج 70 ص117 ح 6 نقلاً عنه .

ص: 157

إنّي اُحِبُّ لَكَ أن تَتَّخِذَ في دارِكَ مَسجِداً في بَعضِ بُيوتِكَ، ثُمَّ تَلبَسُ ثَوبَينِ طِمرَينِ غَليظَينِ، ثُمَّ تَسألُ اللّهَ أن يَعتِقَكَ مِنَ النّارِ، وَأن يُدخِلَكَ الجَنَّةَ، ولا تَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ باطِلٍ ولا بِكَلِمَةِ بَغيٍ . (1)

.


1- .المحاسن : ج2 ص452 ح2558 ، بحار الأنوار : ج 76 ص 162 ح 3 .

ص: 158

33 . كتابه عليه السلام إلى النّجاشي في فضل إدخال السّرور على المؤمنين

33كتابه عليه السلام إلى النّجاشيفي فضل إدخال السّرور على المؤمنينمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن السّيّاري ، عن محمّد بن جمهور قال : كان النّجاشي وهو رجل من الدّهاقين عاملاً على الأهواز وفارس (1) ، فقال بعض أهل عمله لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ في ديوان النّجاشي عليّ خَراجاً ، وَهو مؤمن يدين بطاعتك ، فإنْ رأيت أنْ تكتب لي إليه كتاباً . قال : فكتب إليه أبو عبد اللّه عليه السلام : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم سُرَّ أخاكَ يَسُرَّكَ اللّهُ (2) . قال : فَلمّا ورد الكتاب عليه دخل عليه وهو في مجلسه ، فلمّا خلا ناوله الكتاب وقال : هذا كتاب أبي عبد اللّه عليه السلام فقبّله ووضعه على عينيه وَقال له : ما حاجتك؟ قال: خَراج عليَّ في ديوانك. فقال له: وكم هو؟ قال عشرة آلاف درهم.

.


1- .يظهر من كتب الرّجال أنّ النّجاشيّ المذكور في الخبر اسمه عبد اللّه ، وأنّه ثامن آباء أحمد بن عليّ النجاشيّ صاحب الرّجال المشهور ، وفي القاموس : النّجاشيّ بتشديد الياء وبتخفيفها أفصح وتكسر نونها أو هو أفصح ، وفي المصباح الدّهقان معرَّب يطلق على رئيس القرية ، وعلى التّاجر وعلى من له مال وعقار ، وداله مكسورة وفي لغة تصنُّم والجمع دهاقين ، ودهقن الرّجل وتدهقن كثر ماله ، وفي القاموس : الأهواز تسع كور بين البصرة وفارس لكلّ كورة منها اسم ويجمعنَّ الأهواز ولا تفرد واحدة منها بهوز ، وهي : رامهرمز عسكر ، ومكرَّم ، تستر ، وجنديسابور ، وسوس ، وسرّق ... (راجع : القاموس : ج 2 ص 197 ، بحار الأنوار : ج 74 ص 293) .
2- .في الإختصاص : «سرك اللّه » بدل «يسرك اللّه ».

ص: 159

34 . كتابه عليه السلام إلى رجل من كتّاب يحيى بن خالد في فضل إدخال السّرور على المؤمنين

فدعا كاتبه وأمره بأدائها عنه، ثمّ أخرجه منها وأمر أنْ يثبتها له لقابل ، ثمّ قال له : سَررتُكَ ؟ فقال : نعم ، جُعِلتُ فداكَ . ثمّ أمر له بمركب وجارية وغلام ، وأمر له بتخت ثياب ، في كلّ ذلك يقول له : هل سَرَرتُكَ ؟ فيقول : نَعَم جُعلِتُ فِداكَ . فَكُلمّا قالَ : نعم ، زاده حتّى فرغ . ثمّ قال له : احمل فرش هذا البيت الّذي كنت جالساً فيه حين دفعت إليَّ كتاب مولاي ، الّذي ناولتني فيه ، وارفع إليّ حوائجك . قال : ففعل وخرج الرّجل فصار إلى أبي عبد اللّه عليه السلام بعد ذلك فحدّثه الرّجل بالحديث على جهته فَجَعَل يُسَرُّ بما فعل . فقال الرّجل : يابنَ رَسولِ اللّهِ ، كأنَّهُ قدَ سَرَّكَ ما فَعَل بي. فقال : إي وَاللّهِ ، لَقَد سَرَّ اللّهَ وَرَسولَهُ. (1)

34كتابه عليه السلام إلى رجل من كتّاب يحيى بن خالدفي فضل إدخال السّرور على المؤمنينروي عن الحسن بن يقطين (2) ، عن أبيه ، عن جدّه قال : ولي علينا بالأهواز رجل من كتّاب يحيى بن خالد 3 وكان عليّ من بقايا خراج كان فيها زوال نعمتي ،

.


1- .الكافي: ج2 ص190 ح9، تهذيب الأحكام: ج6 ص333 ح46، الاختصاص: ص260، بحار الأنوار: ج47 ص370 ح89 و ج74 ص292 ح22 .
2- .في بحار الأنوار : «الحسن بن عليّ بن يقطين».

ص: 160

وخروج من ملكي ، فقيل لي : إنّه ينتحل هذا الأمر فخشيت أن ألقاه مخافة ألاّ يكون ما بلغني حقّاً ، فيكون فيه خروجي من ملكي وزوال نعمتي ، فهربت منه إلى اللّه تعالى ، وأتيت الصّادق عليه السلام مُستجيراً فكتب إليه رقعة صغيرة فيها : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إنَّ للّهِِ في ظِلِّ عَرشِهِ ظِلاً لا يَسكُنُهُ إلاّ مَن نَفَّسَ عَن أخيهِ كُربَةً ، أو أعانَهَ بِنَفسِهِ ، أو صَنَعَ إلَيهِ مَعروفاً ، وَلَو بِشَقّ تَمرَةٍ . وَهذا أخوكَ وَالسَّلامُ . ثمّ ختمها ودفعها إليّ ، وأمرني أن أوصلها إليه ، فلمّا رجعت إلى بلدي صرت إلى منزله فاستأذنت عليه وقلت : رسول الصّادق عليه السلام بالباب ، فإذا أنا به وقد خرج إليّ حافياً فأبصرني ، وسلّم عليّ وقبّل ما بين عينيّ ، ثمّ قال لي: يا سيّدي أنت رسول مولاي. فقلت: نعم. فقال: قد أعتقتني من النّار إن كنت صادقاً ، فأخذ بيدي وأدخلني منزله

.

ص: 161

وأجلسني في مجلسه ، وقعد بين يديّ ثمّ قال: يا سيّدي كيف خلّفت مولاي؟ فقلت: بخير. فقال: اللّه اللّه ؟ قلت: اللّه ، حتّى أعادها ثلاثاً ، ثمّ ناولته الرّقعة فقرأها وقبّلها ووضعها على عينيه ، ثمّ قال : يا أخي مر بأمرك . فقلت: في جريدتك عليّ كذا وكذا ألف ألف درهم وفيه عطبي وهلاكي فدعا الجريدة فمحا عنّي كلّ ما كان فيها، وأعطاني براءة منها. ثمّ دعا بصناديق ماله فناصفني عليها، ثمّ دعا بدوابّه فجعل يأخذ دابّة ويعطيني دابّة، ثمّ دعا بغلمان ، فجعل يعطيني غلاماً ويأخذ غلاماً. ثمّ دعا بكسوته فجعل يأخذ ثوباً ويعطيني ثوباً، حتّى شاطرني جميع ملكه ويقول : هَل سررتك ؟ فأقول : إي واللّه ، وزدت على السّرور . فلمّا كان في الموسم قلت: واللّه لا كان جزاء هذا الفرح بشيء أحبّ إلى اللّه ورسوله من الخروج إلى الحجّ والدعاء له، والمصير إلى مولاي وسيّدي الصّادق عليه السلام وشكره عنده ، وأسأله الدّعاء له فخرجت إلى مكّة، وجعلت طريقي إلى مولاي عليه السلام فلمّا دخلت عليه رأيته والسّرور في وجهه وقال لي : يا فُلانُ ، ما كانَ مِن خَبَرِكَ مَعَ الرَّجُلِ ؟ فجعلت أُورد عليه خبري ، وجعل يتهلّل وجهه ، ويُسَرُّ السّرور . فقلت : يا سيّدي هل سررت بما كان منه إليّ ؟ سرّه اللّه تعالى في جميع اُموره. فقال : إي واللّه ، سَرَّني واللّهِ ، لَقَد سَرَّ آبائي وَاللّهِ ، لَقَد سرَّ أميرَ المُؤمِنينَ واللّهِ ، لَقدَ سرَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله واللّه لقد سرّ اللّه في عرشه . (1)

.


1- .أعلام الدين: ص289، بحار الأنوار : ج47 ص207 ح49 نقلاً عنه وراجع عدّة الداعي : ص179.

ص: 162

35 . كتابه عليه السلام إلى مسمع في البغي

35كتابه عليه السلام إلى مسمعفي البغيعليّ عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن مسمع أبي سيّار (1) ، أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام كتب إليه في كتاب :انظُر أن لا تكَلِّمَنَّ بِكَلِمَةِ بَغيٍ أبَداً ، وَإن أعجَبَتكَ نَفسُكَ وَعَشيرَتُكَ . (2)

.


1- .راجع: الكتاب الثّاني والثّلاثون .
2- .الكافي:ج 2 ص327 ح3، بحار الأنوار: ج 75 ص 279 ح 18 نقلاً عنه .

ص: 163

الفصل الرّابع : في المكاتيب الفقهيّة

اشاره

الفصل الرّابع : في المكاتيب الفقهيّة

.

ص: 164

. .

ص: 165

36 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عبيد في اغتسال رسول اللّه صلى الله عليه و آله

36كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عبيدفي اغتسال رسول اللّه صلى الله عليه و آلهمحمّد عن محمّد بن عيسى العبيدي ، عن الحسين بن عبيد 1 ، قال : كتبت إلى الصّادق عليه السلام : هل اغتسل أمير المؤمنين عليه السلام حين غسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند موته؟ فقال :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله طاهِراً مُطَهّراً ، وَلكِن فَعَلَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ عليه السلام ذلِكَ وَجَرَت بِهِ السُّنَةُ (1) . (2)

.


1- .وجاء فى موضع آخر وفيه «محمّد بن الحسن الصّفار عن محمّد بن عيسى عن القاسم بن الصّيقل قال: كتبت إليه : جعلت فداك هل اغتسل أمير المونين صلوات اللّه عليه حين غسّل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند موته فأجابه : النّبيّ صلى الله عليه و آله طاهر مطهّر ولكنّ أمير المونين عليه السلام فعل وجرت به السّنّة . ( تهذيب الأحكام : ج1 ص108 ح281 ) .
2- .تهذيب الأحكام : ج1 ص469 ح 1541 ، بحار الأنوار : ج 22 ص 540 ح 50 .

ص: 166

37 . ما كتبه عليه السلام في حاشية كفن إسماعيل

37ما كتبه عليه السلام في حاشية كفن إسماعيلأحمد بن محمّد بن يحيى العطار قال : حدّثنا عن سعد بن عبداللّه ، عن إبراهيم بن هاشم ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن عمرو بن عثمان ، عن أبي كهمس 1 قال : حضرت موت إسماعيل بن أبي عبداللّه عليه السلام فرأيت أبا عبد اللّه عليه السلام وقد سجد سجدة فأطال السّجود ، ثمّ رفع رأسه فنظر إليه قليلاً ، ونظر إلى وجهه ثمّ سجد سجدة أُخرى أطول مِنَ الأُولى ، ثُمّ رفع رأسه وقد حضره الموت ، فغمّضه وربط لحييه ، وغطّى عليه ملحفة ، ثُمّ قام وقد رأيت وجهه وقد دخله منه شيء اللّه أعلم به ، قال : ثمّ قام فدخل منزله فمكث ساعة ثمّ خرج علينا مدّهناً مكتحلاً ، عليه ثياب غير الثيّاب الّتي كانت عليه ، ووجهه غير الّذي دخل به ، فأمر ونهى في أمره ، حتّى إذا فرغ دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن: إسماعيلُ يَشهَدُ أن لا إلَه إلاّ اللّهُ (1) . (2)

.


1- .في وسائل الشّيعة : نقلاً عن أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطّبرسي في الاحتجاج ، عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري ، عن صاحب الزمّان عليه السلام ، أنّه كتب إليه قد روي لنا عن الصّادق عليه السلام أنّه كتب على إزار إسماعيل ابنه : إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه . فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره ؟ فأجاب : يجوزُ ذلِكَ . (ج2 ص758 ح3 ) .
2- .كمال الدين : ص72 ، بحار الأنوار : ج81 ص 327 ح 25 .

ص: 167

38 . كتابه عليه السلام إلى زرارة في الصّلاة/ لباس المصلّي

39 . كتابه عليه السلام إلى رجل في صلاة الجماعة

38كتابه عليه السلام إلى زرارةفي الصّلاة / لباس المصلّيعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن بكير ، قال : سأل زرارة (1) أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصّلاة في الثّعالب والفنك والسّنجاب وغيره من الوبر ، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ الصَّلاةَ في وَبَرِ كُلِّ شَيءٍ حَرَامٌ أكلُهُ ، فَالصَّلاةُ في وَبَرِهِ وَشَعرِهِ وَجِلدِهِ وَبَولِهِ وَرَوثِهِ وَألبانِهِ وَكُلِّ شَيءٍ مِنهُ فاسِدَةٌ ، لا تُقبَلُ تِلكَ الصَّلاةُ حَتّى تُصَلّي في غَيرِهِ مِمّا أحَلّ اللّهُ أكلَهُ ثُمّ قالَ : يا زُرارَةُ ، هذا عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَاحفَظ ذلِكَ يا زُرارَةُ ، فإن كانَ مِمّا يُولُ لَحمُهُ فالصّلاةُ في وَبَرِهِ وَبَولِهِ وَشَعرِهِ وَرَوثِهِ وَألبانِهِ وَكُلِّ شَيءٍ مِنهُ جائِزَةٌ ، إذا عَلِمتَ أنَّهُ ذَكِيٌ ، قَد ذَكَّاهُ الذَّبحُ ، فإن كانَ غَيرَ ذلِكَ مِمّا قَد نُهيتَ عَن أكلِهِ وَحُرِّمَ عَلَيكَ أكلُهُ ، فَالصَّلاةُ في كُلِّ شَيءٍ مِنهُ فاسِدَةٌ ، ذكَّاهُ الذّبحُ أو لَم يُذكّهِ . (2)

39كتابه عليه السلام إلى رجلفي صلاة الجماعةسأله رجلٌ فقال له : إنّ لي مسجداً على باب داري ، فأيُّهما أفضل أُصلِّي في منزلي

.


1- .راجع في ترجمته : الكتاب السّابع .
2- .الكافي : ج3 ص397 ح1، تهذيب الأحكام : ج2 ص209 ح26 .

ص: 168

40 . كتابه عليه السلام إلى رجل في صلاة اللّيل

41 . كتابه عليه السلام إلى عمر بن أذينة في الصّوم

فأطيل الصّلاة ، أو أصلّي بهم وأُخفِّفُ؟ فكتب عليه السلام : صَلِّ بِهِم وَأحسِنِ الصَّلاةَ وَلا تُثَقِّل. (1)

40كتابه عليه السلام إلى رجلفي صلاة اللّيلعليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : قرأت في كتاب رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : الرَّكعتانِ اللّتانِ قَبلَ صَلاةِ الفَجرِ ، مِن صَلاةِ اللّيلِ هِيَ ؟ أم مِن صَلاةِ النَّهارِ ؟ وفي أيِّ وَقتٍ أُصَلّيها . فكتب بخطّه: احشُها في صَلاة اللّيلِ حَشواً. (2)

41كتابه عليه السلام إلى عمر بن أذينةفي الصّومعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمَير ، عن عمر بن أُذَيْنَة (3) ، قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله ما حَدُّ المَرَضِ الّذي يُفطِرُ فيهِ صاحِبُهُ ؟ وَالمَرَضِ الّذي يَدَعُ صاحِبُهُ الصَّلاةَ قائِماً ؟ قال : بَلِ الإنسانُ على نَفسِهِ بَصيرَةٌ . وَقالَ : ذاكَ إلَيهِ هُوَ أعلَمُ بِنَفسِهِ. (4)

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص381 ح1121 ، وسائل الشيعة : ج 8 ص 430 ح 11091 .
2- .الكافي: ج3 ص450 ح35 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص 266 ح 5114 .
3- .راجع في ترجمته : الكتاب الثّالث والأربعون .
4- .الكافي : ج4 ص118 ح2، تهذيب الأحكام : ج4 ص256 ح1.

ص: 169

42 . كتابه عليه السلام إلى سنان في الجنابة في شهر رمضان

43 . كتابه عليه السلام لعمر بن أذينة في الزّكاة/ عمل النّاصبي

42كتابه عليه السلام إلى سنانفي الجنابة في شهر رمضانأحمد بن محمّد ، عن الحجّال ، عن ابن سِنان قال : كتب أبي إلى أبي عبد اللّه عليه السلام _ وكان يقضي شهر رمضان _ وقال : إنّي أصبَحتُ بِالغُسلِ وَأصابَتني جَنابَةٌ فَلَم أغتَسِل حَتّى طَلَعَ الفَجرُ ؟ فأجابَهُ عليه السلام : لا تَصُم هذا اليَومَ وَصُم غَداً. (1)

43كتابه عليه السلام لعمر بن أذينةفي الزّكاة/ عمل النّاصبيعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمَيْر ، عن ابن أُذَيْنة 2 ، قال: كتب إليّ

.


1- .الكافي: ج 4 ص105 ح4 ، وسائل الشيعة : ج 10 ص 67 ح 12844 .

ص: 170

44 . كتابه عليه السلام إلى ابن مسكان في الخصيّ

أبو عبد اللّه عليه السلام :إنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلَهُ النّاصِبُ في حال ضَلالِهِ أو حالِ نَصبِهِ ثُمَّ مَنَّ اللّهُ عَلَيهِ وَعَرَّفَهُ هذا الأمرَ فإنَّهُ يُورُ عَلَيهِ وَيُكتَبُ لَه : إلاّ الزّكاةَ ، فإنَّهُ يُعيدُها ؛ لاِهُ وَضَعَها في غَيرِ مَوضِعِها ، وَإنّما مَوضِعُها أهلُ الوَلايَةِ . وَأمّا الصَّلاةُ وَالصَّومُ فَلَيس عَلَيهِ قَضاوما . (1)

44كتابه عليه السلام إلى ابن مسكانفي الخصيّمحمّد بن مسعود ، قال: حدّثني محمّد بن نصير، قال حدّثني محمّد بن عيسى، . . . وزعم يونس أنّ ابن مسكان 2 سرح بمسائل إلى أبي عبد اللّه عليه السلام يسأله عنها وأجابه

.


1- .الكافي : ج 3 ص 546 ح5 ، وسائل الشيعة : ج 9 ص 217 ح 11872 .

ص: 171

45 . كتابه عليه السلام لحفص بن غياث في تزويج المشركات / أحكام الأُسارى

عليها، من ذلك ما خرج إليه مع إبراهيم بن ميمون. كتب إليه يسأله عن خصيّ دلّس نفسه على امرأة . قال: يُفرَّقُ بَينَهُما وَيُوجَعُ ظَهرُهُ . (1)

45كتابه عليه السلام لحفص بن غياثفي تزويج المشركات / أحكام الأُسارىمحمّد بن عليّ بن محبوب ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داوود ، عن أبي أيوب ، عن حفص بن غياث (2) ، قال : كتب بعض إخواني أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسائل ، فسألته عن الأسير : هل يَتَزَوَّجُ في دارِ الحَربِ؟

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص680 ح 716 ، بحار الأنوار : ج103 ص366 ح 27 نقلاً عنه .
2- .راجع في ترجمته : الكتاب الثّامن والأربعون .

ص: 172

46 . كتابه عليه السلام إلى أبي بصير في الخمس

فقال : أكرَهُ ذلِكَ ، فَإن فَعَلَ في بلاِدِ الرُّومِ فَلَيسَ هُوَ بِحَرامٍ ، وَهُوَ نِكاحٌ ، وَأمّا في التُّركِ والدَّيلَمِ والخَزَرِ فَلا يَحِلُّ لَهُ ذلِكَ . (1)

46كتابه عليه السلام إلى أبي بصيرفي الخمسأحمد بن هلال ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير 2 ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : كَتَبتُ إلَيهِ في الرَّجُلِ يُهدي لَهُ مَولاهُ وَالمُنقَطِعُ إلَيهِ هَدَّيِةً تَبلُغُ ألفَي درِهَمٍ ، [أو] (2) أقلَّ أو أكثَرَ ، هَل عَلَيهِ فيها الخُمسُ ؟ فكتَبَ عليه السلام : الخُمسُ في ذلِكَ . وَعَن الرَّجُلِ يَكونُ في دارِهِ البُستانُ ، فيهِ الفاكِهَةُ ، يَأكُلُها العِيالُ ، وَإنَّما يَبيعُ مِنهُ الشّيءَ بمئة دِرهَمٍ أو خَمسينَ دِرهَما ، هَل عَلَيهِ الخُمسُ ؟ فكتَب : أمّا ما أكَلَ ، فَلا ، وَأمّا البَيعُ ، فَنَعَمَ ، هُوَ كَساءِ الضِّياعِ . (3)

.


1- .تهذيب الأحكام: ج7 ص299 ح1251 وص453 ح1814 ، الاستبصار : ج 3 ص 180 ح 9 ، وسائل الشيعة : ج 20 ص 537 ح 26282 .
2- .ما بين المعقوفين إضافة يقتضيها السياق .
3- .مستطرفات السرائر : ص100 ح 28 .

ص: 173

47 . كتابه عليه السلام في الغنائم و وجوب الخمس

47كتابه عليه السلام في الغنائم و وجوب الخمسعن الإمام الصّادق عليه السلام في الغنائم ووجوب الخمس:فَهِمتُ ما ذَكَرتَ أنَّكَ اهتَمَمتَ بِهِ مِنَ العِلمِ بِوُجوهِ مَواضِعِ ما للّهِِ فيه رِضىً ، وَكَيفَ أمسَكَ سَهمَ ذي القُربى مِنهُ . وَما سَألتَني مِن إعلامِكَ ذلِكَ كُلِّهِ ، فاسمَع بِقَلبِكَ وَانظُر بِعَقلِكَ . ثُمَّ أعطِ في جَنبِكَ النَّصَفَ مِن نَفسِكَ ، فَإنَّهُ أسلَمُ لَكَ غَداً عِندَ رَبِّكَ المُتقدِّمُ أمرُهُ وَنَهيُهُ إلَيكَ . وَفَّقنا اللّهُ وإيَّاكَ . اعلَم ، أنَّ اللّهَ رَبّي وَرَبُّكَ ، ما غابَ عَن شَيءٍ «وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا » (1) وَما فَرَّطَ في الكِتابِ مِن شَيءٍ . وَكُلَّ شَيءٍ فَصَلَّهُ تَفصيلاً . وَأنَّهُ لَيسَ ما وَضَّحَ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى مِن أخذِ مالِهِ بِأوضَحَ مِمّا أوضَحَ اللّهُ مِن قِسمَتِهِ إيّاهُ في سُبُلِهِ ، لِأنَّهُ لَم يَفتَرضِ مِن ذلِكَ شَيئاً في شَيءٍ مِنَ القُرآنِ إلاّ وَقَد أتبَعَهُ بِسُبُلِهِ إيَّاهُ غَيرَ مُفَرِّقٍ بَينَهُ وَبَينَهُ . يُوجِبُهُ لِمَن فَرَضَ لَهُ مالا يَزولُ عَنهُ مِنَ القِسَمِ ، كما يَزولُ ما بَقِيَ سِواهُ عَمّن سُمِّيَ لَهُ ؛ لِأنَّهُ يَزولُ عَنِ الشّيخِ بِكِبَرِهِ وَالمسكينِ بِغناهُ وَابنِ السَّبيلِ بِلحُوقِهِ بِبَلَدِهِ . وَمَعَ تَوكيدِ الحَجِّ مَعَ ذلِكَ بِالأمرِ بِهِ تَعليماً ، وَبِالنَّهي عَمّا رَكِبَ مِمَّن مَنَعَهُ تَحَرُّجاً . فَقالَ اللّهُ عز و جل في الصَّدقاتِ _ وَكانَت أوَّلَ ما افتَرَضَ اللّهُ سُبُلَهُ _ : « إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِوَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (2) فَاللّهُ أعلَمَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله مَوضِعَ الصَّدَقاتِ ، وَأنَّها لَيسَت لِغَيرِ هَؤلاءِ ، يَضَعُها حَيثُ يَشاءُ مِنهُم على ما يَشاءُ . وَيَكُفُّ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ نَبِيَّهُ

.


1- .مريم: 64.
2- .التوبة:60.

ص: 174

وَأقرِباءَهُ عَنِ صَدَقاتِ النّاسِ وَأوساخِهِم، فَهذا سَبيلُ الصَّدَقاتِ . وَأمّا المغانِمُ ، فَإنَّهُ لَمّا كانَ يَومُ بَدرٍ ، قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن قَتَلَ قَتيلاً فَلَهُ كَذا وَكَذا . وَمَن أسَرَ أسيراً فَلَهُ مِن غَنائِمِ القَومِ كَذا وَكَذا . فَإنَّ اللّهَ قَد وَعَدني أن يَفتَحَ عَلَيّ ، وَأنعَمَني عَسكَرَهُم . فَلَمّا هَزَمَ اللّهُ المُشرِكينَ وَجُمِعَت غَنائِمُهُم قامَ رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ أمَرتَنا بِقِتالِ المُشرِكينَ ، وَحَثَثتَنا عَلَيهِ وَقُلتَ : مَن أسَرَ أسيراً فَلَهُ كَذا وَكذا مِن غَنائِمِ القَومِ . وَمَن قَتَلَ قَتيلاً فَلَهُ كَذا وَكَذا . إنّي قَتَلتُ قَتيلَينِ _ لي بِذلِكَ البَيِّنَةُ _ وَأسَرتُ أسيراً ، فَأعطِنا ما أوجَبتَ على نَفسِكَ يا رَسولَ اللّهِ ، ثُمَّ جَلَسَ . فَقامَ سَعدُ بنُ عُبادَةَ 1 فقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما مَنَعَنا أن نُصيبَ مِثلَ ما أصابوا جُبنٌ عَن العَدُوِّ ، وَلا زَهادَةٌ فِي الآخِرَةِ وَالمَغنَمِ . وَلكِنّا تَخَوَّفنا أن بَعُدَ مَكانُنا مِنكَ فَيَميلُ إلَيكَ مِن جُندِ المُشرِكينَ ، أو يُصيبوا مِنكَ ضَيعَةً فَيَميلوا إلَيكَ فَيُصيبوكَ بِمُصيبَةٍ . وَإنّكَ إن تُعطِ هؤلاءِ القَومِ ما طَلِبوا يَرجِعُ سائِرُ المُسلِمينَ لَيسَ لَهُم مِنَ الغَنيمَةِ شَيءٌ ، ثُمَّ جَلَسَ . فَقامَ الأنصاريُّ فَقالَ : مِثلَ مَقالَتِهِ الأُولى ، ثُمَّ جَلَس . يَقول ذلِكَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما ثَلاثَ مَرّاتٍ .

.

ص: 175

فَصَدَّ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله بِوَجهِهِ فَأنزَلَ اللّهُ عز و جل : «يَسْئلُونَكَ عَنِ الأَْنفَال» (1) . وَالأنفالُ اسمٌ جامِعٌ لِما أصابوا يَومَئِذٍ ، مِثلُ قَولِهِ : «مَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ» (2) ومثل قوله : «أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْ ءٍ» (3) ثمّ قال : «قُلِ الأَْنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ» (4) فاختَلَجَها اللّهُ مِن أيديهِم ، فَجَعَلَها للّهِِ وَلِرَسولِهِ . ثُمّ قالَ : «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ » (5) . فَلَمّا قَدِمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المدينَةَ ، أنزَلَ اللّهُ عَلَيهِ : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْ ءٍ فَإنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَا وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» 6 . فأمّا قوله: « للّهِِ » فَكَما يَقولُ الإنسانُ : هُوَ للّهِِ وَلَكَ وَلا يُقسَمُ للّهِِ مِنهُ شَيءٌ . فَخُمسُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الغَنيمَةُ الّتي قَبَضَ بِخَمسَةِ أسهُمٍ . فَقَبَضَ سَهمَ اللّهِ لِنَفسِهِ ، يُحيي بِهِ ذِكرَهُ وُيورَثُ بَعدَهُ . وَسَهماً لِقَرابَتِهِ مِن بَني عَبدِ المُطّلِبِ ، فَأنفَذَ سَهماً لِأيتامِ المُسلِمينَ ، وَسَهماً لِمَساكِينهِمِ . وَسَهماً لابن السَّبيلِ مِنَ المُسلِمينَ في غَيرِ تِجارَةٍ ، فَهذا يَومُ بَدرٍ ، وَهذا سَبيلُ الغنائِمِ الّتي أُخِذَت بِالسَّيفِ . وَأمّا ما لَم يُوجَف عَلَيهِ بِخَيلٍ وَلا رِكابٍ ، فَإن كانَ المُهاجِرونَ حينَ قَدِموا المَدينَةَ أعطَتهُم الأنصارُ نِصفَ دورِهِم وَنِصفَ أموالِهمِ ، وَالمُهاجِرونَ يَومَئذٍ نَحوُ مِئةِ رَجُلٍ ، فَلَمّا ظَهَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى بَني قُريظَةَ وَالنَّضيرِ 7 وَقَبَضَ أموالَهُم .

.


1- .الأنفال: 1.
2- .الحشر:6 و7.
3- .الأنفال:41
4- .الأنفال: 1 .
5- .الأنفال:41.

ص: 176

قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله لِلأنصارِ : إنْ شِئتُم أخرَجتُم المُهاجِرينَ مِن دورِكُم وَأموالِكُم ، وَقَسَّمتُ لَهُم هذهِ الأموالَ دونَكُم ، وَإن شِئتُم تَرَكتُم أموالَكُم وَدورَكُم وَقَسَّمتَ لَكُم مَعَهُم . قالتِ الأنصارُ : بَل أقسِم لَهُم دونَنا وَاترُكهُم مَعَنا في دورِنا وَأموالِنا . فأنزل اللّه تبارك وتعالى : « مَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ» _ يعني يهود قريظة _ «فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لاَ رِكَابٍ» (1) لأنّهم كانوا معهم بالمدينة أقرب من أن

.


1- .الحشر: 6.

ص: 177

يوجف عليهم بخيل وركاب . ثمّ قال : «لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَ أَمْوَ الِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَ رِضْوَ انًا وَ يَنصُرُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ » (1) فجَعَلَها اللّهُ لِمَن هاجَرَ مِن قُرَيشٍ مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه و آله وَصَدَقَ . وَأخرَجَ أيضاً عَنهُم المُهاجِرينَ مَعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ العَرَبِ ، لِقَولِهِ : « الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَ أَمْوَ الِهِمْ» لِأنَّ قُرَيشاً كانَت تَأخُذُ دِيارَ مَن هاجَرَ مِنها وَأموالَهُم ، وَلَم تَكُن العَرَبُ تَفعَلُ ذلِكَ بِمَن هاجَرَ مِنها ، ثُمَّ أثنى عَلى المُهاجِرينَ الّذينَ جَعَلَ لَهُمُ الخُمسَ وَبَرّأهُم مِنَ النِّفاقِ بِتَصديقِهِم إيَّاهُ حينَ قالَ : «أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ » لا الكاذِبونَ ، ثُمَّ أثنى على الأنصارِ وَذَكَرَ ما صنَعوا وَحُبّهُم لِلمُهاجِرينَ وَإيثارَهُم إيَّاهُم وَإنَّهُم لَم يَجِدوا في أنفُسِهِم حاجَةً _ يَقولُ : حَزازَةً (2) _ مِمّا أُوتوا . يَعني المُهاجِرينَ دونَهُم ، فأحسَنَ الثَّناءَ عَلَيهِم فَقالَ : «وَ الَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَ الاْءِيمانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (3) وَقَد كانَ رِجالٌ اتَّبَعوا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قَد وَتَرَهُم (4) المُسلِمونَ فيما أخَذوا مِن أموالِهِم ، فَكانَت قُلوبُهُم قَدِ امتَلأت عَلَيهِم ، فَلَمّا حَسُنَ إسلامُهُم استَغفَروا لِأنفُسِهِم مِمّا كانوا عَلَيهِ مِنَ الشِّركِ . وَسَألوا اللّهَ أن يُذهِبَ بِما في قُلوبِهِم مِنَ الغِلِّ لِمَن سَبَقَهُم إلى الإيمانِ . وَاستَغفَروا لَهُم حَتّى يُحَلِّلَ ما في قُلوبِهِم ، وَصاروا إخواناً لَهُم . فَأثنى اللّهُ عَلى الّذينَ قالوا ذلِكَ خاصّةً فَقالَ : « وَ الَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لاِءِخْوَ انِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالاْءِيمَانِ وَ لاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ

.


1- .الحشر: 8.
2- .الحزازة _ بالفتح _ : التعسّف في الكلام . وأيضاً: وجع في القلب من غيظ ونحوه.
3- .الحشر: 9.
4- .وترهم: قطعهم وأبعدهم . ووتر القوم: جعلهم شفعهم وترا أي أفردهم .

ص: 178

رَءُوفٌ رَّحِيمٌ » (1) ، فَأعطى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المُهاجرينَ عامَّةً مِن قُرَيشٍ على قَدرِ حاجَتِهِم فيما يَرى ، لِأنَّها لَم تُخَمَّس فَتُقَسَّمَ بِالسَّوِيَةِ . وَلَم يُعطِ أحَداً مِنهُم شَيئاً إلاّ المُهاجِرينَ مِن قُرَيشٍ غَيرَ رَجُلَينٍ مِن الأنصارِ يُقالُ لِأحَدِهِما : سَهلُ بنُ حُنَيفٍ 2 وَلِلآخَرِ سِماكُ بنُ خَرَشَة _ أبو دُجانَةَ 3 _ فَإنَّهُ أعطاهُما لِشِدَّةِ حاجَةٍ كانَت بِهِما مِن

.


1- .الحشر : 10 .

ص: 179

حَقِّهِ . وَأمسَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله مِن أموالِ بَني قُرَيظَةَ وَالنَّضيرِ ما لَم يُوجَب عَلَيهِ خَيلٌ وَلا رِكابٌ سَبعَ حَوائِطَ لِنَفسِهِ . لأنَّهُ لَم يُوجَب على فَدَكٍ (1) خَيلٌ أيضاً وَلا رِكابٌ .

.


1- .فدك _ بالتحريك ، منصرف وغير منصرف _ : قرية من قرى اليهود قرب خيبر بينهما دون مرحلة وهي ممّا أفاء اللّه على رسوله ، لأنّ أهل فدك لمّا سمعوا أنّ المسلمين قد صنعوا ما صنعوا بأهل خيبر بعثوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يسألونه أن يسيّرهم أيضاً ويتركوا له الأموال ففعل ، وذلك في العام السّابع من الهجرة بعد فتح خيبر . فكانت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يكن معها أحد ، فزال عنها حكم الفيء ولزمها حكم الأنفال فلمّا نزلت «وَ ءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ » ( الإسراء : 26 ) . أعطاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاطمة عليهاالسلاموكانت في يدها إلى أن توفى رسول اللّه صلوات اللّه وسلامه عليه فأخذها أبو بكر من فاطمة عليهاالسلامفلم تزل كذلك حتّى صارت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز فردّها إلى محمّد بن عليّ عليهماالسلام فلم تزل في أيدي أولاد فاطمة واستغنوا في تلك السّنين وحسنت أحوالهم فلمّا مات عمر بن عبد العزيز انتزعها يزيد بن عبد الملك ثمّ دفعها السّفاح إلى الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلامثمّ أخذها المنصور ثمّ أعاد المهدي ثمّ قبضها الهادي ثمّ ردّها المأمون وكانت في أيديهم في زمن المأمون والمعتصم والواثق ثمّ أخذها المتوكّل . وردّها المعتضد . وحازها المكتفي . وقيل : إنّ المقتدر ردّ إليهم . (راجع : بحار الأنوار : ج 12 ص 6 و ج 28 ص 353 و ج 29 ص 201 و 346 ، معجم البلدان : ج 4 ص239) .

ص: 180

وَأمّا خَيبَرُ 1 فَإنَها كانَت مَسيرَةَ ثَلاثَةِ أيّامٍ مِنَ المَدينَةِ ، وَهِيَ أموالُ اليَهودِ ، وَلكِنَّهُ

.

ص: 181

أُوجِبَ عَلَيها خَيلٌ وَرِكابٌ وَكانَت فيها حَربٌ . فَقَسَّمَها على قِسمَةِ بَدرٍ ، فَقالَ اللّهُ عز و جل : « ما أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبَى وَ الْيَتَامَا وَالْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لاَ يَكُونَ دُولَةَ بَيْنَ الْأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَ مَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَانَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا» (1) فَهذا سَبيلُ ما أفاءَ اللّهُ على رَسولِهِ مِمّا أُوجِفَ عَلَيهِ خَيلٌ وَرِكابٌ . وَقَد قال عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صلواتُ اللّهِ عَلَيهِ : ما زِلْنا نَقبِضُ سَهمَنا بِهذهِ الآيَةِ الّتي أوّلُها تَعليمٌ وَآخِرُها تَحَرُّجٌ ، حَتّى جاءَ خُمسُ السُّوسِ وَجُنديّ سابورَ (2) إلى عُمَرَ وَأنا وَالمُسلِمونَ وَالعَبّاسُ عِندَهُ ، فَقالَ عُمَرُ لَنا : إنَّهُ قَد تَتابَعَت لَكُم مِنَ الخُمسِ أموالٌ فَقَبضتُموها حَتّى لا حاجَةَ بِكُم اليَومَ ، وَبِالمُسلِمينَ حاجَةٌ وَخَلَلٌ ، فَأسلِفونا حَقَّكُم مِن هذا المالِ حَتّى يأتِيَ اللّهُ بِقَضائِهِ مِن أوَّلِ شَيءٍ يَأتِي المُسلِمينَ . فَكَفَفتُ

.


1- .الحشر:7.
2- .كانتا مدينتين في نواحي فارس فتحهما المسلمون في خلافة عمر سنة 17 وسببها : إنّ المسلمين لمّا فتح رامهرمز وتستر ، وأُسر الهرمزان ساروا مع قائدهم أبي سبرة بن أبي رهم في أثر المنهزمين إلى السّوس وكان بها شهريار أخو الهرمزان فأحاط المسلمون بها وناوشوهم القتال مرّات وحاصروهم ثمّ اقتحموا الباب فدخلوا عليهم فألقى المشركون بأيديهم ونادوا: الصّلح الصّلح . فأجابهم إلى ذلك المسلمون بعدما دخلوه عنْوةً واقتسموا ما أصابوا . ولمّا فرغ أبو سبرة من السّوس خرج في جنده حتّى نزل على جندي سابور . وزر بن عبد اللّه بن كليب فحاصرهم فأقاموا عليها يقاتلونهم فرمى رجل من عسكر المسلمين إليهم بالأمان فلم يفجأ المسلمون إلاّ وقد فتحت أبوابها وأخرجوا أسواقهم فسألهم المسلمون عن ذلك . فقالوا : رميتم لنا بالأمان فقبلناه وأقررنا الجزية . فقال المسلمون : مافعلنا وسألوا بعضهم من فعل ذلك فإذا هو عبد يدعى مكثفا كان أصله منها فعل هذا فقال أهلها : قد رُمي إلينا منكم بالأمان ، ولا نعرف العبد من الحرّ وقد قبلنا وما بدّلنا ، فكتبوا بذلك إلى عمر فأجاز أمانهم فأمنوهم وانصرفوا عنهم . (راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 8 ص 178 ، تاريخ الطبري : ج 1 ص 486) .

ص: 182

48 . كتابه عليه السلام إلى حفص بن غياث في قسمة الغنيمة

عَنهُ لِأنَّي لَم آمَن حينَ جَعَلَهُ سَلفاً لَو ألحَحنا عَلَيهِ فيهِ أن يَقولَ في خُمسِنا مِثلَ قَولِهِ في أعظَمَ مِنهُ ، أعني ميراثَ نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله حينَ ألحَحنا عَلَيهِ فيهِ . فَقالَ لَهُ العَبّاسُ : لا تَغمِز في الّذي لَنا يا عُمَرُ ، فإنَّ اللّهَ قَد أثبَتَهُ لَنا بِأَثبَتَ مِمّا أثبَتَ بهِ المَواريثَ بَينَنا . فقالَ عُمَرُ : وَأنتُم أحَقُّ مَن أرفَقَ المُسلِمينَ . وَشَفّعَني ، فَقَبَضَهُ عُمَرُ . ثُمَّ قالَ : لا وَاللّهِ ما آتيهِم ما يُقبِضُنا ، حَتّى لَحِقَ بِاللّهِ ، ثُمَّ ما قَدِرنا عَلَيهِ بَعدَهُ . ثُمَّ قال عَلِيٌّ عليه السلام : إنَّ اللّهَ حَرَّمَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الصّدَقَةَ فَعَوّضَهُ مِنها سَهماً مِنَ الخُمسِ . وَحَرَّمَها على أهلِ بَيتِهِ خاصَّةً دونَ قَومِهِم . وَأسهَمَ لِصَغيرِهِم وَكَبيرِهِم ، وَذَكَرِهِم وَأُنثاهُم ، وَفَقيرِهِم ، وَشاهِدِهِم وَغائِبِهِم ؛ وَلأنَّهُم إنَّما اُعطوا سَهمَهُم لِأنَّهُم قَرابَةُ نَبِيِّهِم وَالّتي لا تَزولُ عَنهُم . الحَمدُ للّهِِ الّذي جَعَلَهُ مِنّا وَجَعَلَنا مِنهُ . فَلَم يُعطِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أحَداً مِنَ الخُمسِ غَيرَنا وَغَيرَ حُلفائِنا وَمَوالينا؛ لأنَّهُم مِنّا وَأعطى مِن سَهمِهِ ناساً لِحُرَمٍ كانَت بَينَهُ وَبَينَهُم مَعونَةً في الّذي كانَ بَينَهُم . فَقَد أعلَمتُكَ ما أوضَحَ اللّهُ مِنَ سَبيلِ هذهِ الأنفالِ الأربَعَةِ وَما وَعَدَ مِن أمرِهِ فيهِم وَنورِهِ ، بِشِفاءٍ مِنَ البَيانِ وَضِياءٍ مِنَ البُرهانِ ، جاءَ بِهِ الوَحيُ المُنزَلُ ، وَعَمِلَ بِهِ النَّبِيُّ المُرسَلُ صلى الله عليه و آله . فَمَن حَرَّفَ كَلامَ اللّهِ أو بَدَّ لَهُ بَعدَ ما سَمِعَهُ وَعَقِلَهُ فَإنّما إثْمُهُ عَلَيهِ وَاللّهُ حَجيجُهُ فيهِ . وَالسَّلامُ عَلَيكَ وَرَحمةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ . (1)

48كتابه عليه السلام إلى حفص بن غياثفي قسمة الغنيمةعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعليّ بن محمّد جميعاً ، عن القاسم بن محمّد ، عن

.


1- .تحف العقول : ص339، بحار الأنوار: ج96 ص204 ح1 نقلاً عنه.

ص: 183

سليمان بن داوود ، عن حفص بن غياث 1 ، قال : كتب إليّ بعض إخواني : أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسائل من السّنن فسألته أو كتبت بها إليه فكان فيما سألته أخبرني عن الجيش إذا غزا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثمّ لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار السّلام ولم يلقوا عدوّاً حتّى خرجوا إلى دار السّلام هل يشاركونهم؟ فقال : نعم. وعن سرية كانوا في سفينة ولم يركب صاحب الفرس فرسه كيف تقسم الغنيمة بينهم ؟ فقال : للفارس سهمان وللراجل سهم . فقلت: وإن لم يركبوا ولم يقاتلوا على أفراسهم؟ فقال: أرأيت لو كانوا في عسكر فتقدّم الرّجال فقاتلوا وغنموا كيف كان يقسم بينهم ألم أجعل للفارس سهمين وللراجل سهماً وهم الّذين غنموا دون الفرسان. (1) وزاد في تهذيب الأحكام : قلت: فهل يجوز للإمام أن ينفل ؟ فقال له : أن ينفل قبل القتال فأمّا بعد القتال والغنيمة فلا يجوز ذلك لأنّ الغنيمة قد أحرزت. (2)

.


1- .الكافي : ج5 ص44 ح2 .
2- .تهذيب الأحكام : ج6 ص146 ح 253 وفيه : « الصّفار عن عليّ بن محمّد عن القاسم بن محمّد عن سليمان بن داوود المنقري أبي أيوب قال أخبرني حفص بن غياث . . . » .

ص: 184

49 . إملاؤه عليه السلام لعجلان أبي صالح في الصّدقة

50 . كتابه عليه السلام إلى عمر بن أُذينة في الحجّ والعمرة

49إملاؤه عليه السلام لعجلان أبي صالحفي الصّدقةالحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن أبان ، عن عجلان أبي صالح 1 قال: أملأ عليّ أبو عبد اللّه عليه السلام :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ هذا ما تَصَدَّقَ اللّهَ بِهِ فُلانُ بنُ فُلانُ وَهوَ حَيٌّ سَويٌّ بِدارِهِ الَّتي في بَني فُلانٍ بِحُدودِها ، صَدَقَةً لا تُباعُ وَلا تُوهَبُ وَلا تُورَثُ حَتَّى يَرِثَها وارِثُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ، وإِنَّه قَد أَسكَنَ صَدَقَتَهُ هذِهِ فُلاناً وَعَقِبَهُ ، فَإِذا انقَرَضوا فَهيَ عَلى ذي الحَاجَةِ مِنَ المُسلِمينَ . (1)

50كتابه عليه السلام إلى عمر بن أُذينةفي الحجّ والعمرةعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة (2) ، قال : كتبت إلى

.


1- .الكافي : ج7 ص39 ح40 ، تهذيب الأحكام :ج9 ص131 ح558 ، دعائم الإسلام :ج2 ص343 ح 1285 نحوه .
2- .راجع : الكتاب الثّالث والأربعون .

ص: 185

أبي عبد اللّه عليه السلام بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العبّاس. فجاء الجواب بإملائه: سَأَلتَ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (1) يَعني بِهِ الحَجَّ وَالعُمرَةَ جَميعاً ؛ لِأَن_َّهُما مَفروضانِ . وسألته عن قول اللّه عز و جل : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّه » (2) . قال : يَعني بِتَمامِهِما أَداءَهُما وَاتِّقاءَ ما يَتَّقي المُحرِمُ فيهِما . وسألته عن قوله تعالى : «الْحَجِّ الأَْكْبَرِ» (3) ما يعني بالحجّ الأكبر ؟ فقال: الحَجُّ الأَكبرُ الوُقوفُ بِعَرَفَةَ وَرَميُ الجِمارِ وَالحَجُّ الأصغَرُ العُمرَةُ . (4) أيضا : عليّ عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجلٍ حجّ ولا يدري ولا يعرف هذا الأمر ، ثمّ منّ اللّه عليه بمعرفته والدّينونة به ، أعليه حجّة الإسلام ، أم قد قضى؟ قال : قَد قَضى فَريضَةَ اللّهِ ، وَالحَجُّ أحَبُّ إِلَيَّ . وعن رجلٍ هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متديّن ، ثمّ منّ اللّه عليه فعرف هذا الأمر ، أيقضى عنه حجّة الإسلام ، أو عليه أن يحجّ من قابل؟ قال : الحَجُّ أَحَبُّ إِلَيَّ . (5)

.


1- .آل عمران: 97.
2- .البقرة: 196.
3- .التوبة: 3.
4- .الكافي : ج4 ص264 ح1 ، وسائل الشيعة : ج 11 ص 7 ح 14108 .
5- .الكافي :ج 4 ص275 ح4 ، تهذيب الأحكام : ج 5 ص 10 ح 25 وفيه عن « محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن . . . » .

ص: 186

51 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن أبي حمزة في الإحرام

52 . كتابه عليه السلام إلى الإمام الكاظم عليه السلام في كتمان الشّهادة

53 . كتابه عليه السلام إلى عذافر في التّجارة

51كتابه عليه السلام إلى عليّ بن أبي حمزةفي الإحرامأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صفوان ، عن عليّ بن أبي حمزة (1) قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل جعل للّه عليه أن يحرم من الكوفة ؟ قال : يُحرِمُ مِنَ الكوفَةِ . (2)

52كتابه عليه السلام إلى الإمام الكاظم عليه السلامفي كتمان الشّهادةسهل بن زياد عن إسماعيل بن مهران عن محمّد بن منصور الخزاعيّ عن عليّ بن سويد السّائيّ عن أبي الحسن عليه السلام قال :كتب أبي في رسالته إليَّ وسألته عن الشّهادة لهم : فَأقِمِ الشَّهادَةَ للّهِِ وَلَو عَلى نَفسِكَ أو الوالِدَينِ وَالأقرَبينَ فيما بَينَكَ وَبَينَهُم فإن خِفتَ عَلى أخيكَ ضَيماً فَلا .

الحسين بن محمّد عن محمّد بن أحمد النّهديّعن إسماعيل بن مهران مثله . (3)

53كتابه عليه السلام إلى عذافرفي التّجارةسهل بن زياد عن عليّ بن أسباط عن محمّد بن عذافر عن أبيه (4) قال :

.


1- .راجع في ترجمته : الكتاب الحادي والسّتّون .
2- .تهذيب الأحكام : ج5 ص54 ح163 ، الاستبصار : ج2 ص163 ح9 ، وسائل الشيعة :ج11 ص327 ح 14929 .
3- .الكافي : ج 7 ص381 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج 6 ص 276 ح 757 .
4- .عذافر بن عيسى بن أفلح الخزاعيّ الصّيرفي: كوفيّ يكنّى أبا محمّد مولى خزاعة . عذافر الصّيرفيّ قال: كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر عليه السلام فجعل يسأله وكان أبو جعفر عليه السلام له مكرماً فاختلفا في شيء فقال أبو جعفر عليه السلام : يا بنيّ قم فأخرج كتاب عليّ فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً وفتحه (ففتحه) وجعل ينظر حتّى أخرج المسألة فقال أبو جعفر: عليه السلام هذا خطّ عليّ عليه السلام وإملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأقبل على الحكم وقال : يا أبا محمّد أذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً فو اللّه لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل عليه السلام . وعدّه من أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام . ( راجع : رجال النّجاشي : ج 2 ص 260 الرّقم 967 ، رجال الطّوسي : الرّقم 4247 و 4654 و 5113 ، رجال البرقي : ص 20) .

ص: 187

أعطى أبو عبد اللّه عليه السلام أبي ألفاً وسبعمئة دينار فقال له : اتَّجِر بِها . ثمّ قال : أما إنَّهُ لَيسَ لي رَغبَةٌ في رِبحِها وَإن كانَ الرِّبحُ مَرغوباً فيهِ، وَلَكِنِّي أحبَبتُ أن يَرانيَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ مُتَعَرّضاً لِفوائِدِهِ. قال : فربحت له فيها مئة دينار ثمّ لقيته فقلت له : قد ربحت لك فيها مئة دينار . قال ففرح أبو عبد اللّه عليه السلام بذلك فرحاً شديداً فقال لي : أثبتها في رأس مالي . قال : فمات أبي والمال عنده فأرسل إليّ أبو عبد اللّه عليه السلام فكتب : عافانا اللّهُ وَإيَّاكَ، إنَّ لي عِندَ أبي مُحَمَّدٍ ألفاً وَثَمانمَئةِ دينارٍ أعطَيتُهُ يَتَّجِرُ بِها ، فادفَعها إلى عُمَرَ بنِ يَزيدَ 1 .

.

ص: 188

54 . كتابه عليه السلام إلى عمر بن أذينة في الشّراء والبيع

قال : فنظرت في كتاب أبي فإذا فيه لأبي موسى عندي ألف وسبعمئة دينار واتّجر له فيها مئة دينار عبد اللّه بن سنان وعمر بن يزيد يعرفانه. (1)

54كتابه عليه السلام إلى عمر بن أذينةفي الشّراء والبيععليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة (2) قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذ منه برابط ؟ فقال: لا بأسَ. وعن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه صلبان؟ قال: لا . (3) أيضا : عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عُمَيْر عن عمر بن أُذَيْنَة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن الرّجل يوجر سفينته ودابّته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير؟ قال : لا بأسَ . (4)

.


1- .الكافي: ج5 ص76 ح12، بحار الأنوار: ج47 ص56 ح100 نقلاً عنه.
2- .راجع : الكتاب الثّالث والأربعون .
3- .الكافي: ج5 ص226 ح2، تهذيب الأحكام: ج6 ص373 ح203 وفيه «محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم...».
4- .الكافي : ج 5 ص 227 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص372 ح199 وفيه «عن محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم . . . » .

ص: 189

55 . كتابه عليه السلام إلى رجل في الشّراء والبيع

أيضا : عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل له كرم أيبيع العنب والتّمر ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً أو سكراً؟ فقال: إنَّما باعَهُ حَلالاً في الإبَّانِ الَّذي يَحِلُّ شُربُهُ أو أكلُهُ ، فَلا بأسَ بِبَيعِهِ. (1)

55كتابه عليه السلام إلى رجلفي الشّراء والبيععنه ( أي محمّد بن عليّ بن محبوب ) عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن أبي الجهم عن أبي خديجة 2 قال: بعثني أبو عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابنا فقال : قُل لَهُم : إيَّاكُم إذا وَقَعَت بَينَكُم خُصومَةٌ أو تَدارى بَينَكُم في شَيءٍ مِنَ الأخذِ وَالعَطاءِ أن تَتَحاكَموا إلى أحَدٍ مِن هَؤُلاءِ الفُسَّاقِ ، اجعَلوا بَينَكُم رَجُلاً مِمَّن قَد عَرَفَ حَلالَنا وَحَرامَنا ، فإنِّي قَد جَعَلتُهُ قاضياً . وَإيَّاكُم أن يُخاصِمُ بَعضُكُم بَعضاً إلى السُّلطانِ الجائِرِ. قال أبو خديجة: وكان أوّل من أورد هذا الحديث رجل كتب إلى الفقيه عليه السلام في رجل دفع إليه رجلان شراءً لهما من رجل فقالا لا تردّ الكتاب على واحد منّا دون صاحبه فغاب أحدهما أو توارى في بيته وجاء الّذي باع منهما فأنكر الشّراء يعني القبالة فجاء الآخر إلى العدل فقال له : أخرج الشّراء حتّى نعرضه على البينة فإنّ

.


1- .الكافي : ج 5 ص 231 ح8 ، وسائل الشيعة : ج 17 ص 230 ح 22402 .

ص: 190

56 . كتابه عليه السلام لجميل بن صالح في النّذر

57 . كتابه عليه السلام لعمر بن أذينة في الذّبائح والأطعمة

صاحبي قد أنكر البيع منّي ومن صاحبي وصاحبي غائب فلعلّه قد جلس في بيته يريد الفساد عليّ فهل يجب على العدل أن يعرض الشّراء على البينة حتّى يشهدوا لهذا أم لا يجوز له ذلك حتّى يجتمعا فوقع عليه السلام : إذا كَانَ في ذلِكَ صَلاحِ أمرِ القَومِ فَلا بَأسَ بهِ إن شاءَ اللّهُ. (1)

56كتابه عليه السلام لجميل بن صالحفي النّذرأحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد عن جميل بن صالح (2) قال: كانت عندي جارية بالمدينة فارتفع طمثها فجعلت للّه علي نذراً إن هي حاضت فعلمت بعد أنّها حاضت قبل أن أجعل النّذر فكتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام وأنا بالمدينة فأجابني : إن كانَت حاضَت قَبلَ النَّذرِ فَلا عَلَيكَ ، وَإن كانَت حاضَت بَعدَ النَّذرِ فَعَلَيكَ. (3)

57كتابه عليه السلام لعمر بن أذينةفي الذّبائح والأطعمةعليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة (4) قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن الرّجل ينعت له الدّواء من ريح البواسير فيشربه بقدر سكرجة

.


1- .تهذيب الأحكام : ج6 ص303 ح53 ، وسائل الشيعة : ج 27 ص 295 ح 33784 .
2- .راجع : في تتمة الكتاب الثّالث والتسعون .
3- .الكافي : ج7 ص455 ح4 ، تهذيب الأحكام : ج8 ص303 ح4 ، بحار الأنوار : ج 104 ص 240 ح131 .
4- .راجع : الكتاب الثّالث والأربعون .

ص: 191

58 . كتابه عليه السلام إلى شهاب في الذّبح

من نبيذ صلب ليس يريد به اللّذة إنّما يريد به الدّواء؟ فقال: لا وَلا جُرعَةً . وقال: إنَّ اللّهَ عز و جل لَم يَجعَل في شَيءٍ مِمَّا حَرَّم دَواءً وَلا شِفاءً . (1)

58كتابه عليه السلام إلى شهابفي الذّبححمّاد عن عليّ بن أبي حمزة 2 عن أحدهما عليهماالسلام قال : لا يَتَزَوَّدِ الحاجُّ مِن أُضحيَّتِهِ ،

.


1- .تهذيب الأحكام : ج9 ص113 ح488 ، الكافي : ج6 ص413 ح2 ، بحار الأنوار: ج62 ص86 ح10 .

ص: 192

59 . رسالته عليه السلام إلى بعض خلفاء بني أميّة في فضل الجهاد

وَلَهُ أن يأكُلَ بِمِنى أيَّامَها . قال : وهذه مسألة شهاب (1) كتب إليه فيها. (2)

59رسالته عليه السلام إلى بعض خلفاء بني أميّةفي فضل الجهادمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب 3 عن

.


1- .ذكره الشيخ بعنوان : شهاب بن عبد ربّه الأسدي ، مولاهم الصّيرفيّ الكوفيّ ، وذكره النجاشي بعنوان : شهاب بن عبد ربّه بن أبي ميمونة ، مولا بني نصر بن قعين ، من بني أسد . كان موسرا ذا مال (حال) ، روى عن الصّادقين عليهماالسلام ، له كتاب ، والطريق إليه صحيح . (راجع : رجال الطوسي : ص224 الرقم 3012 ، رجال النجاشي : ج1 ص436 الرقم 521 ، رجال الكشي : ج2 ص 453 ، الفوائد الرجاليّة : ج3 ص 53) .
2- .تهذيب الأحكام : ج 5 ص 227 ح 767 ، الاستبصار : ج 2 ص 275 ح 3 ، وسائل الشيعة : ج 14 ص 171 ح 18902 وراجع التهذيب : ج 5 ص 227 ح 108 ه .

ص: 193

بعض أصحابه قال: كتب أبو جعفر عليه السلام في رسالة إلى بعض خلفاء بني أميّة:وَمِن ذلِكَ ما ضَيَّعَ الجِهادَ الَّذَي فَضَّلَه اللّهُ عز و جل عَلى الأعمالِ وَفَضَّلَ عامِلَهُ عَلى العُمَّالِ تَفضيلاً في الدَّرجاتِ وَالمَغفِرَةِ وَالرَّحمَةِ ؛ لِأنَّهُ ظَهرَ بِهِ الدِّينُ ، وَبِهِ يُدفَعُ عَنِ الدِّينِ ، وَبِهِ اشترَى اللّهُ مِنَ المُونينَ أنفُسِهم وَأموالِهِم بِالجَنَّةِ ، بَيعاً مُفلِحاً مُنجِحاً اشتَرَطَ عَلَيهِمِ فيهِ حِفظَ الحُدودِ ، وَأوَّلُ ذلِكَ الدُّعاءِ إلى طاعَةِ اللّهِ عز و جل مِن طاعَةِ العِبادِ ، وَإلى عِبادَةِ اللّهِ مِن عِبادَةِ العِبادِ ، وَإلى وَلايَةِ اللّهِ مِن وَلايَةِ العِبادِ ، فَمَن دُعيَ إلى الجِزيَةِ فأبى قُتِلَ وَسُبيَ أهلُهُ . وَلَيسَ الدُّعاءُ مِن طاعَةِ عَبدٍ إلى طاعَةِ عَبدٍ مِثلِهِ ، وَمَن أقَرَّ بِالجِزيَةِ لَم يُتَعَدَّ عَلَيهِ وَلَم تُخفَر ذِمَّتُهُ ، وَكُلِّفَ دونَ طاقَتِهِ ، وَكانَ الفَيءُ لِلمُسلِمينَ عامَّةً غَيرَ خاصَّةٍ . وإن كانَ قِتالٌ وَسبيٌ سيرَ في ذلِكَ بِسيرَتِهِ وَعُمِلَ في ذلِكَ بِسُنَّتِهِ مِنَ الدِّينِ . ثُمَّ كُلَّفَ الأعمى وَالأعرَجَ الَّذينَ لا يَجدونَ ما يُنفِقونَ عَلى

.

ص: 194

60 . كتابه عليه السلام إلى حفص بن غياث في الجزية عن النّساء

الجِهادِ بَعدَ عُذرِ اللّهِ عز و جل إيَّاهُم ، وَيُكَلِّفَ الَّذينَ يُطيقونَ ما لا يُطيقونَ ، وَإنَّما كانوا أهلَ مِصرٍ يُقاتِلونَ مَن يَليهِ يُعدَلُ بَينَهُم في البُعوثِ ، فَذَهَبَ ذلِكَ كُلُّهُ ، حَتَّى عادَ النَّاسُ رَجُلَينِ أجيرٌ مُوجِرٌ بَعدَ بَيعِ اللّهِ، وَمُستأجِرٌ صاحِبَهُ غارِمٌ وَبَعَدَ عُذرِ اللّهِ ، وَذَهَبَ الحَجُّ فَضُيِّعَ وَافتَقَرَ النَّاسُ فَمَن أعوَجُ مِمَّن عَوَّجَ هذا ، وَمَن أقوَمُ مِمَّن أقامَ هذا ، فَرَدَّ الجِهادَ عَلى العِبادِ وَزادَ الجِهادَ عَلى العِبادِ ، إنَّ ذلِكَ خَطأٌ عَظيمٌ. (1)

60كتابه عليه السلام إلى حفص بن غياثفي الجزية عن النّساءعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن المنقريّ ، عن حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مدينة من مدائن أهل الحرب ، هل يجوز أن يرسل عليهم الماء ، وتحرق بالنار ، أو ترمى بالمجانيق ، حتّى يقتلوا وفيهم النّساء ، والصبيان ، والشّيخ الكبير ، والأُسارى من المسلمين ، والتّجار . فقال: يُفعَلُ ذلِكَ بِهِم وَلا يُمسَكُ عَنهُم لِهؤلاءِ ، وَلا دِيَةَ عَلَيهِم لِلمُسلِمينَ ، ولا كَفّارَة . (2) أقول : نقلناه هنا استطراداً كما تقدّم نظيره ويأتي باقيه . محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعريّ ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ ، عن سليمان أبي أيّوب ، قال : قال حفص : كتب إليّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسائل من السّير ، فسألته وكتبت بها إليه ، فكان فيما سألته أخبرني عن النّساء كيف سقطت الجزية عنهنّ ورفعت عنهنّ ؟ فقال :

.


1- .الكافي : ج5 ص3 ح4 ، وسائل الشيعة : ج 15 ص 12 ح 19909 .
2- .الكافي : ج 5 ص 28 ح 6 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص142 ح242 ، بحار الأنوار : ج 19 ص 178 ح 25 .

ص: 195

61 . إملاؤه عليه السلام في مسألة راجعة إلى المنصور في القتل

لِأنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَهى عَن قَتلِ النِّساءِ وَالوِلدانِ في دارِ الحَربِ إلاّ أن يُقاتِلنَ ، وَإن قاتَلَت أيضاً فَأمسِك عَنها ما أمكَنَكَ ، وَلَم تَخَف خَلَلاً ، فَلَمّا نهى عَن قَتلِهِنَّ في دارِ الحَربِ كانَ ذلِكَ في دارِ الإسلامِ أولى ، وَلَو امتَنَعَت أن تؤدِّي الجِزيَةَ لَم يُمكِنكَ قَتلُها ، فَلَمّا لَم يُمكِن قَتلُها رُفِعَتِ الجِزيَةُ عَنها ، فَلَو امتَنَعَ الرِّجالُ وَأبَوا أن يُؤَدوا الجِزيَةَ كانوا ناقِضينَ لِلعَهدِ ، وَحَلَّت دِماؤُهُم وَقَتلُهُم لأنَّ قَتلَ الرِّجالِ مُباحٌ في دارِ الشِّركِ ، وَكذلِكَ المُقعَدُ مِن أهلِ الذِّمَّةِ وَالشَّيخُ الفاني وَالمَرأةُ وَالوِلدانُ في أرضِ الحَربِ ، فَمِن أجلِ ذلِكَ رُفِعَت عَنهُم الجِزيَةُ. (1)

61إملاؤه عليه السلام في مسألة راجعة إلى المنصورفي القتلمحمَّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن بعض أصحابه ، عن محمّد بن الفضيل ، عن عمرو بن أبي المقدام (2) ، قال : كنت شاهداً عند البيت الحرام ، ورجل ينادي بأبي جعفر المنصور وهو يطوف ويقول : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّ هذينِ الرَّجُلَينِ طَرَقا أخي لَيلاً ، فَأخرَجاهُ مِن مَنزِلِهِ فَلَم يَرجِع إلَيَّ ، وَاللّهِ ما أدري ما صَنَعا بِهِ . فَقالَ لَهُما : ما صَنَعتُما بِهِ ؟ فقالا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، كَلَّمناهُ فَرجَعَ إلى مَنزِلِهِ . فقالَ لَهُما : وافِياني غداً صلاةَ العَصرِ في هذا المَكانِ ، فَوافَوهُ مِنَ الغَدِ صَلاةَ العَصرِ ، وَحَضَرتُهُ فقالَ لأبي عَبدِ اللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام _ وَهُوَ قابِضٌ على يَدِهِ _ : يا جَعفَرُ ، اقضِ بَينَهُم .

.


1- .تهذيب الأحكام: ج6 ص156 ح1 وراجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 52 ح 1675 .
2- .راجع : الكتاب الثّاني والتّاسع .

ص: 196

62 . كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحمان بن سيابة في الجناية

فقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اقضِ بَينَهُم أنتَ. فَقالَ لَهُ : بِحَقّي عَلَيكَ إلاّ قَضَيتَ بَينَهُم . قالَ : فَخَرَجَ جَعفَرُ عليه السلام فَطَرَحَ لَهُ مُصَلَّى قَصَبٍ فَجَلَسَ عَلَيهِ ، ثُمَّ جاءَ الخُصَماءُ فَجَلَسوا قُدّامَهُ فَقالَ : ما تَقولُ؟ قالَ : يا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، إنَّ هذينِ طَرَقا أخي لَيلاً فأخرَجاهُ مِن مَنزِلِهِ ، فَوَاللّهِ ما رَجَعَ إلَيَّ ، وَوَاللّهِ ما أدري ما صَنَعا بِهِ . فقال : ما تَقولانِ ؟ فقالا: يا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، كَلَّمناهُ ثُمَّ رَجَعَ إلى مَنزِلِهِ . فَقالَ جَعفَرُ عليه السلام : يا غُلامُ اكتُب : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : كُلُّ مَن طَرَقَ رَجُلاً بِاللَّيلِ فأخرَجَهُ مِن مَنزِلِهِ فَهُوَ لَهُ ضامِنٌ ، إلاّ أن يُقيمَ البَيِّنَةَ أنَّهُ قَد رَدَّهُ إلى مَنزِلِهِ ، يا غُلامُ ، نَحِّ هذا فاضرِب عُنُقَهُ . فَقالَ : يا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، وَاللّهِ ما أنا قَتَلتُهُ ، وَلكِنِّي أمسَكتُهُ ، ثُمَّ جاءَ هذا فَوَجَأهُ فَقَتَلهُ . فقال : أنا ابنُ رَسولِ اللّهِ ، يا غُلامُ ، نَحِّ هذا وَاضرِب عُنُقَ الآخَرِ. فقال: يا ابنَ رَسولِ اللّهِ ، وَاللّهِ ما عَذَّبتُهُ وَلكِنِّي قَتَلتُهُ بِضَربَةٍ واحِدَةٍ ، فأمَرَ أخاهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ . ثُمَّ أمرَ بِالآخَرِ فَضَرَبَ جَنبَيهِ وَحَبَسَهُ في السِّجنِ وَوَقَّعَ على رأسِهِ : يُحبَسُ عُمرَهُ ، وَيُضرَبُ في كُلِّ سَنَةٍ خَمسينَ جَلدَةً . (1)

62كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحمان بن سيابةفي الجنايةأحمد بن منصور ، عن أحمد بن الفضل الخزاعي ، عن محمّد بن زياد ، عن

.


1- .الكافي : ج7 ص287 ح3، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص258 بحار الأنوار: ج104 ص396 ح41 .

ص: 197

63 . كتابه عليه السلام لعمر بن أذينة في الجنايات على الحيوان

عليّ بن عطيّة صاحب الطّعام ، قال : كتب عبد الرّحمان بن سيّابة 1 إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : قد كنتُ أُحذِّرُكَ إسماعيلَ (1) : جانيكَ مَن يَجني عَلَيكَ وَقَديُعدي الصِّحاحَ مَبارِكُ الجُربِ فكتب إليه أبو عبداللّه عليه السلام : قَولُ اللّهِ أصدَقُ : « وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى » (2) وَاللّهِ ما عَلمتُ ولا أمَرتُ ولا رَضِيتُ (3) .

63كتابه عليه السلام لعمر بن أذينةفي الجنايات على الحيوانعن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رواية الحسن البصري يرويها عن عليّ عليه السلام في عَينِ ذاتِ الأربَعِ قَوائِمَ إذا فُقِئت رُبعُ ثَمَنِها ؟ فقال : صَدَقَ الحَسَنُ ، قَد قالَ عَلِيٌّ عليه السلام ذلِكَ . (4)

.


1- .قوله : « قَد كُنتَ أحّذِرُكَ إسماعيلَ » ، كتب ذلك ابن سيّابة إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، حيث تجنّى إسماعيل في أمر معلّى بن خنيس على من هو بريء من ذلك ، وتعرّض له وتحرش به .
2- .الأنعام : 164 ، الإسراء : 15 ، فاطر : 18 ، الزمر : 7 ، النجم : 38 .
3- .رجال الكشّي : ج 2 ص 688 ح 734 .
4- .تهذيب الأحكام : ج 10 ص 309 ح 1150 ، وسائل الشيعة : ج 29 ص 355 ح 35768 .

ص: 198

64 . كتابه عليه السلام لغلامه في العتق / ما يتّصف به العبد لكي يعتق

64كتابه عليه السلام لغلامهفي العتق / ما يتّصف به العبد لكي يعتقعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سِنان 1 ، عن غلام أعتقَه أبو عبد اللّه عليه السلام :هذا ما أعتَقَ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ ، أعتَقَ غُلامَهُ السِّنْديَّ فُلاناً على أنَّهُ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ وَأنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ ، وَأنَّ البَعثَ حَقٌّ ، وَأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ ، وَأنَّ النّارَ حَقٌّ ، وَعَلى أنَّهُ يُوالي أولياءَ اللّهِ وَيَتَبَرّأُ مِن أعداءِ اللّهِ ، وَيُحِلُّ حَلالَ اللّهِ وَيُحَرِّمُ حَرامَ اللّهِ ، وَيُونُ بِرُسُلِ اللّهِ ، وَيُقِرُّ بِما جاءَ مِن عِندِ اللّهِ ، أعتَقَهُ لِوَجهِ اللّهِ ، لا يُريدُ بهِ جَزاءً وَلا شُكوراً ، وَلَيسَ لِأحَدٍ عَلَيهِ سَبيلٌ إلاّ بِخَيرٍ ، شَهِدَ فُلانُ . (1)

.


1- .الكافي: ج 6 ص 181 ح1 ، بحار الأنوار : ج 47 ص 44 ح 58 .

ص: 199

وفي رواية أُخرى : محمّد بن يحيَى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن إبراهيم بن أبي البِلاد 1 قال : قرأت عِتقَ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فإذَا هُوَ شَرحُهُ :هذا ما أعتَقَ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ ، أعتَقَ فُلاناً غُلامَهُ لِوَجهِ اللّهِ ، لا يُريد بِهِ جَزاءً وَلا شُكوراً ، على أنْ يُقِيمَ الصَّلاةَ ، وَيُوتِيَ الزّكاةَ ، وَيَحُجَّ البَيتَ ، وَيَصومَ شَهرَ رَمَضانَ ، وَيَتَولَّى أولياءَ اللّهِ ، وَيَتَبَرَّأ مِن أعداءِ اللّهِ ، شَهِد فُلانٌ وَفُلانٌ وَفلانٌ ؛ ثَلاثَةٌ . (1)

.


1- .الكافي: ج 6 ص 181 ح2 ، بحار الأنوار : ج 47 ص 44 ح 59 .

ص: 200

. .

ص: 201

الفصل الخامس : في وصاياه عليه السلام

اشاره

الفصل الخامس : في وصاياه عليه السلام

.

ص: 202

. .

ص: 203

65 . وصيّته عليه السلام إلى أبي أسامة لمحبّيه

65وصيّته عليه السلام إلى أبي أسامة لمحبّيهأبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل ابن شاذان ، جميعاً عن صفوان بن يحيى، عن أبي أُسامة زيد الشّحّام 1

.

ص: 204

قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام :اقَرأ على مَن تَرى أنَّهُ يُطيعُني مِنهُمُ وَيَأخُذُ بِقَولي السَّلامَ ، وَأُوصيكُم بِتَقوى اللّهِ عز و جل وَالوَرَعِ في دينِكُم ، وَالاجتِهادِ للّهِِ وَصدِقِ الحَديثِ ، وَأداءِ الأمانَةِ ، وَطولِ السُّجودِ ، وَحُسنِ الجِوارِ ، فَبِهذا جاءَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله . أدّوا الأمانَةَ إلى مَنِ ائتَمَنَكُم عَلَيها بَرّاً أو فاجِراً ، فَإنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَأمُرُ بِأداءِ الخَيطِ وَالمِخيَطِ (1) صِلوا عَشائِرَكُم وَاشهَدوا جَنائِزَهُم ، وَعودوا مَرضاهُم ، وَأدُّوا حُقوقَهُم ، فإنَّ الرَّجُلَ مِنكُم إذا وَرَعَ في دينِهِ وَصَدَقَ الحَديثَ ، وَأدّى الأمانَةَ ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النّاسِ ، قيلَ : هذا جَعفَرِيّ ، فَيَسُرُّني ذلِكَ ، وَيَدخُلُ عَلَيَّ مِنهُ السُّرورُ ، وَقيلَ : هذا أدَبُ جَعفَرٍ . وَإذا كانَ على غَيرِ ذلِكَ ، دَخَلَ عَلَيَّ بَلاؤُهُ وَعارُهُ وَقيلَ : هذا أدَبُ جَعفَرٍ ، فَوَاللّهِ لَحَدَّثني أبي عليه السلام : أنَّ الرَّجُلَ كانَ يَكونُ فِي القَبيلَةِ مِن شيعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام فَيَكونُ زَينَها ، آداهُم لِلأمانَةِ ، وَأقضاهُم لِلحُقوقِ ، وَأصدَقُهُم للِحَديثِ ، إلَيهِ وَصاياهُم وَوَدائِعُهم ، تَسأَلُ العَشيرةَ عَنهُ فَتَقولُ : مَن مِثلُ فلانٍ ؟ إنَّهُ لآدانا لِلأمانَةِ وَأصدَقَنا لِلحَديثِ (2) . 3

.


1- .الخيط : السّلك، والمخيط : الإبرة .
2- .الكافي : ج2 ص636 ح5، بحار الأنوار : ج78 ص372 ح12 .

ص: 205

وفي دعائم الإسلام : عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام أنّه قال لبعض شيعته :عَلَيكُم بِالوَرَعِ وَالاجتِهادِ ، وَصِدقِ الحَديثِ وَأداءِ الأمانَةِ وَالتَّمَسُّكِ بِما أنتُم عَلَيهِ ، فإنّما يَغتَبِطُ أحَدُكم إذا انتَهَت نفسُهُ إلى هاهُنا ، وَأومى بِيَدِهِ إلى حَلقِهِ . ثُمَّ قالَ : إن تَعيشوا تَرَوا ما تَقِرُّ بهِ أعيُنُكُم ، وَإن مِتُّم تَقدِموا _ واللّه _ على سَلَفٍ نِعمَ السَّلَفُ لَكُم ، أما واللّهِ ، إنَّكُم على دينِ اللّهِ وَدينِ آبائي. أما وَاللّهِ ، ما أعني مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ وَلا عَلِيَّ بَنَ الحُسَينِ وَحَدَهما ، وَلَكِنّي أعنيهِما وَأعني إبراهيمَ وَإسمعيلَ وَإسحاقَ وَيعقوبَ ، وَإنَّهُ لَدينٌ واحِدٌ ، فَاتّقوا اللّهَ وَأعينونا بِالوَرَعِ ، فَوَاللّهِ ما تُقبَلُ الصَّلاةُ وَلا الزَّكوةُ وَلا الحَجُّ إلاّ مِنكُم ، وَلا يُغفَرُ إلاّ لَكُم . وَإنّما شيعَتُنا مَن اتَّبَعَنا وَلَم يُخالِفنا ، إذا خِفنا خافَ ، وَإذا أمِنّا أمِنَ ، أُولئِكَ شيعَتُنا . إنّ إبليسَ أتى النّاسَ فَأطاعوهُ ، وَأتى شيعَتَنا فَعَصَوهُ ، فَأغرى النّاسَ بِهِم ، فَلذلِكَ ما يَلقَونَ مِنهُم . (1)

.


1- .دعائم الإسلام : ج1 ص66 .

ص: 206

66 . وصيّته عليه السلام لعبد اللّه بن جُنْدَب في الحثّ على العبوديّة والتّحذير من الشّيطان

66وصيّته عليه السلام لعبد اللّه بن جُنْدَب (1)في الحثّ على العبوديّة والتّحذير من الشّيطانروي أنّه عليه السلام قال :يا عَبدَ اللّهِ ، لَقَد نَصَبَ إبليسُ حبائِلَهُ في دارِ الغُرورِ ، فَما يَقصِدُ فيها إلاّ أولياءَنا ، وَلَقَد جَلَّتِ الآخِرَةُ في أعيُنِهِم حَتّى ما يُريدونَ بِها بَدَلاً. ثمّ قال : آهٍ آهٍ ، على قُلوبٍ حُشِيَت نوراً ، وَإنّما كانَت الدُّنيا عِندَهُم بِمَنزِلَةِ الشُّجاعِ الأرقَمِ (2) وَالعَدُوِّ الأعجَمِ ، أنِسوا بِاللّهِ وَاستَوحَشوا مِمّا بهِ استَأنَسَ المُترَفونَ ، أُولئِكَ أوليائي حَقّاً ، وَبِهِم تُكشَفُ كُلُّ فِتنَةٍ وَتُرفَعُ كُلُّ بَلِيَّةٍ . يا ابنَ جُندَب ، حَقٌّ على كُلِّ مُسلِمٍ يَعرِفُنا أن يَعرِضَ عَمَلَهُ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ على نَفسِهِ ، فَيَكونُ مُحاسِبَ نَفسِهِ ، فَإن رأى حَسَنَةً استَزادَ مِنها ، وَإن رَأى سَيِّئَةً استَغفَرَ مِنها لِئلاّ يَخزى يَومَ القِيامَةِ. طوبى لِعَبدٍ لَم يَغبِطِ الخاطِئينَ على ما أُوتوا مِن نَعيمِ الدُّنيا وَزَهرَتِها . طوبى لِعَبدٍ طَلَبَ الآخِرَةَ وَسَعى لَها . طوبى لِمَن لَم تُلهِهِ الأمانِيُّ الكاذِبَةُ . ثُمَّ قالَ عليه السلام : رَحِمَ اللّهُ قَوماً كانوا سِراجاً وَمَناراً، كانوا دُعاةً إلَينا بِأعمالِهِم وَمَجهودِ طاقَتِهِم ، لَيسَ كَمَن يُذيعُ أسرارَنا .

.


1- .بضمّ الكاف وسكون النّون وفتح الدّال . هو عبد اللّه بن جندب البجليّ الكوفيّ ، ثقة جليل القدر من أصحاب الصّادق والكاظم والرّضا عليهم السلام ، وإنّه من المخبتين ، وكان وكيلاً لأبي إبراهيم وأبي الحسن عليهماالسلام. كان عابداً رفيع المنزلة لديهما على ما ورد في الأخبار. ولمّا مات رحمه الله قام مقامه عليّ بن مهزيار (راجع : خلاصة الأقوال : ص193) .
2- .حشيت : أي ملات . والشّجاع _ بالكسر والضمّ _ : الحيّة العظيمة الّتي تواثب الفارس ، وربّما قلعت رأس الفارس ، وتكون في الصّحارى ، ويقوم على ذنبه . والأرقَم : الحيّة الّتي فيها سواد وبياض ، وهو أخبث الحيّات، ويحتمل أن يكون الشّجاع الأقرع ، وهو حيّة قد تمعّط شعر رأسها لكثرة سمّها .

ص: 207

يا ابنَ جُندَب إنَّما المُؤمِنونَ الّذينَ يَخافونَ اللّهَ وَيُشفِقونَ أن يُسلَبوا ما اُعطوا مِنَ الهُدى ، فإذا ذَكَروا اللّهَ وَنَعماءَهُ وَجِلوا وَأشفَقوا، وَإذا تُلِيتَ عَلَيهِم آياتُهُ زادَتُهم إيماناً مِمّا أظهَرَهُ مِن نَفاذِ قُدرَتِةِ ، وَعلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ . يا ابنَ جُندَب ، قَديماً عَمَرَ الجَهلُ وَقَوِيَ أساسُهُ ، وَذلِكَ لاتِّخاذِهِم دينَ اللّهِ لَعِباً حَتّى لَقَد كانَ المُتَقَرِّبُ مِنهُم إلى اللّهِ بعِلمِهِ يُريدُ سِواهُ ، أُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ . يا ابنَ جُندَب ، لَو أن شيعَتَنا استَقاموا لَصافَحَتهُمُ المَلائِكَةُ ، وَلَأظَّلَهُم الغَمامُ ، وَلأشرَقوا نَهاراً ، وَلَأكَلوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أرجُلِهِم ، وَلَما سَألوا اللّهَ شَيئاً إلاّ أعطاهُم . يا ابنَ جُنَدب ، لا تَقُل في المُذنِبينَ مِن أهلِ دَعوَتِكُم إلاّ خَيراً ، وَاستَكينوا إلى اللّهِ في تَوفيقِهِم وَسَلوا التّوبَةَ لَهُم ، فَكُلُّ مَن قَصَدَنا وَوالانا ، وَلَم يُوالِ عَدُوَّنا ، وَقالَ ما يَعلَمُ ، وَسَكَتَ عَمّا لا يَعلَمُ ، أو أشكَلَ عَلَيهِ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ . يا ابنَ جُندَب ، يَهلِكُ المُتَّكِلُ على عَمَلِهِ ، وَلا يَنجو المُجتَرِئُ على الذُّنوبِ الواثِقُ بِرَحمَةِ اللّهِ . قُلتُ : فَمَن يَنجو ؟ قال : الّذينَ هُم بينَ الرَّجاءِ وَالخَوفِ ، كَأنّ قُلوبَهُم في مِخلَبِ طائِرٍ شَوقاً إلى الثَّوابِ وَخَوفاً مِنَ العَذابِ . يا ابنَ جُندَب ، مَن سَرَّهُ أن يُزَوِّجَهُ اللّهُ الحورَ العينَ ، وَيُتَوِّجَهُ بِالنّورِ فَليُدخِل على أخيهِ المُؤمِنِ السُّرورَ . يا ابنَ جُندَب ، أقِلَّ النَّومَ بِاللَّيلِ ، وَالكَلامَ بِالنَّهارِ ، فَما في الجَسَدِ شَيءٌ أقلَّ شُكراً من العَينِ وَاللِّسانِ ، فَإنَّ أُمَّ سُلَيمانَ قالَت لِسُلَيمانَ عليه السلام : يا بُنَيَّ ، إيَّاكَ وَالنَّومَ ، فَإنَّهُ يُفقِرُكَ يَومَ يَحتاجُ النّاسُ إلى أعمالِهِم . يا ابنَ جُندَب ، إنَّ لِلشَيطانِ مَصائِدَ يَصطادُ بِها فَتَحاموا شِباكَهُ (1) وَمَصائِدَهُ .

.


1- .فتحاموا: اجتنبوها وتوقوها . الشباك _ جَمعُ شَبَكَة _ بالتّحريك : شِركَةُ الصَّياد يعني حبائل الصّيد .

ص: 208

قُلتُ : يا ابنَ رَسولِ اللّهِ وَما هِيَ؟ قال : أمّا مَصائِدُهُ فَصَدٌّ عَن بِرِّ الإخوانِ ، وَأمّا شِباكُهُ فَنَومٌ عَن قَضاءِ الصَّلواتِ الّتي فَرَضَها اللّهُ ، أما إنَّهُ ما يُعبَدُ اللّهُ بِمِثلِ نَقلِ الأقدامِ إلى بِرِّ الإخوانِ وَزِيارَتِهِم . وَيلٌ لِلسّاهينَ عَنِ الصَّلواتِ ، النّائِمينَ فِي الخَلَواتِ ، المُستَهزِئينَ بِاللّهِ وَآياتِهِ في الفَتَراتِ (1) «أُولَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِى الْأَخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » . يا ابنَ جُندَب ، مَن أصبَحَ مَهموماً لسِوى فِكاكِ رَقَبَتِهِ فَقَد هَوَّنَ عَلَيهِ الجَليلَ ، وَرَغِبَ من رَبِّهِ في الرِّبحِ الحَقيرِ ، وَمَن غَشَّ أخاهُ وَحَقَّرَهُ وَناواهُ (2) جَعَلَ اللّهُ النّارَ مَأواهُ ، وَمَن حَسَدَ مُؤمِناً انماثَ الإيمانُ في قَلبِهِ كَما يَنماثُ المِلحُ في الماءِ . يا ابنَ جُندَب ، الماشي في حاجَةِ أخيهِ كالسّاعي بَينَ الصَّفا وَالمَروَةِ ، وَقاضي حاجَتِهِ كالمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ في سَبيلِ اللّهِ يَومَ بَدرٍ وَأُحُدٍ ، وَما عَذَّبَ اللّهُ أُمَّةً إلاّ عِندَ استِهانَتِهِم بِحُقوق فُقراءِ إخوانِهِم . يا ابنَ جُندَب ، بَلِّغ مَعاشِرَ شيعَتِنا وَقُل لَهُم : لا تَذهَبَنَّ بِكُمُ المَذاهِبُ ، فَوَ اللّهِ لا تُنالُ وَلايَتُنا إلاّ بِالوَرَعِ وَالاجتِهادِ في الدُّنيا وَمُواساةِ الإخوانِ في اللّهِ ، وَلَيسَ مِن شيعَتِنا مَن يَظلِمُ النّاسَ . يا ابنَ جُندَب ، إنَّما شيعَتُنا يُعرَفونَ بِخِصالٍ شَتّى : بِالسَّخاءِ وَالبَذلِ لِلإخوانِ وَبِأن يُصَلّوا الخَمسينَ لَيلاً وَنَهاراً . شيعَتُنا لا يَهِرُّونَ هَريرَ الكَلبِ ، وَلا يَطمَعونَ طَمَعَ الغُرابِ ، وَلا يُجاورِونَ لَنا عَدُوّاً وَلا يَسألونَ لَنا مُبغِضاً وَلَو ماتوا جوعاً. شيعَتُنا لا يأكُلونَ الجِرّي (3) ، وَلا يَمسَحونَ عَلى الخُفَّينِ ، وَيُحافِظونَ على الزَّوالِ ولا يَشرَبونَ مُسكِراً.

.


1- .الفترة : الضّعف والإنكساء والمراد بها زمان ضعف الدّين .
2- .أي عاداه وأصله الهمزة من النّوء . بمعنى النّهوض والطّلوع .
3- .الجرّي _ كذمّي _ : سمك طويل أملس وليس عليه فصوص . قيل : مار ماهي.

ص: 209

قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ فَأينَ أطلُبُهُم ؟ قالَ عليه السلام : على رُؤوس الجِبالِ وَأطرافِ المُدِنِ ، وَإذا دَخَلتَ مَدينَةً فَسَل عَمَّن لا يُجاوِرُهُم وَلا يُجاوِرونَهُ ، فَذلِكَ مُؤمِنٌ كما قالَ اللّهُ : «وَ جَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى» (1) ، وَاللّهِ لَقَد كانَ حَبيبُ النَّجّارُ وَحدَهُ . يا ابنَ جُندَب ، كُلُّ الذُّنوبِ مَغفورَةٌ سِوى عُقوقِ أهلِ دَعوَتِكَ . وَكُلُّ البِرِّ مَقبولٌ إلاّ ما كانَ رِئاءً . يا ابنَ جُندَب ، أحبِب في اللّهِ وَاستَمسِك بِالعُروَةِ الوُثقى ، وَاعتَصِم بِالهُدى ، يُقبَل عَمَلُكَ فَإنَّ اللّهَ يَقولُ : « إلا مَنَ آمَن وَ عَمِلَ صَ__لِحًا ثُمَّ اهْتَدَى » (2) فَلا يُقبَلُ إلاّ الإيمانُ ، وَلا إيمانَ إلاّ بِعَمَلٍ ، وَلا عَمَلَ إلاّ بِيَقينٍ ، وَلا يَقينَ إلاّ بِالخُشوعِ ، وَمِلاكُها كُلِّها الهُدى ، فَمَن اهتَدى يُقبَلُ عَمَلهُ وَصَعِدَ إلى المَلَكوتِ مُتَقَبَّلاً «وَاللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَ اطٍ مُّسْتَقِيمٍ » (3) . يا ابنَ جُندَب ، إن أحبَبتَ أن تجاوِرَ الجَليلَ في دارِهِ وَتَسكُنَ الفِردَوسَ في جِوارِهِ فَلتَهُن عَلَيكَ الدُّنيا ، وَاجعَل المَوتَ نُصبَ عَينِكَ ، وَلا تَدَّخِر شَيئاً لِغَدٍ ، وَاعلَم أنّ لَكَ ما قَدَّمتَ وَعَليكَ ما أخَّرتَ . يا ابنَ جُندَب ، مَن حَرَمَ نفسَهُ كَسبَهُ فإنَّما يَجمَعُ لِغَيرِهِ ، وَمَن أطاعَ هَواهُ فَقَد أطاعَ عَدُوَّهُ ، مَن يَثِقُ بِاللّهِ يَكفِهِ ما أهَمَّهُ مِن أمرِ دُنياهُ وَآخِرَتِهِ ، وَيَحفَظ لَهُ ما غابَ عَنهُ ، وَقَد عَجَزَ مَن لَم يُعِدَّ لِكُلِّ بَلاءٍ صَبراً وَلِكُلِّ نِعمَةٍ شُكراً ، وَلِكُلِّ عُسرٍ يُسراً . صَبِّر نَفسَكَ عِندَ كُلِّ بَلِيَّةٍ في وَلَدٍ أو مالٍ أو رَزِيَّةٍ ، فَإنَّما يَقبَضُ عارِيَتَهُ وَيَأخُذُ هِبَتَهُ ، لِيَبلُوَ فيهِما صَبرَكَ وَشُكرَكَ . وَارجُ اللّهَ رَجاءً لا يُجَرّيكَ على مَعصِيَتِهِ ، وَخَفهُ خَوفاً لا يُؤيِسُكَ مِن رَحمَتِهِ ، وَلا تَغتَرَّ بِقَولِ الجاهِلِ وَلا بِمَدحِهِ ، فَتَكَبَّرُ وَتَجَبَّرُ وَتُعجَبُ بِعَمَلِكَ ، فإنَّ أفضَلَ العَمَلِ العِبادَةُ وَالتَّواضُعُ . فلا تُضَيِّع مالَكَ وَتُصلِح مالَ غَيرِكَ ما خَلَّفتَهُ وَراءَ ظَهرِكَ . وَاقنَع بِما قَسَمَهُ اللّهُ لَكَ . وَلا تَنظُر إلاّ إلى ما عِندَكَ . وَلا تَتَمَنَّ ما لَستَ تَنالُهُ ، فإنَّ مَن قَنَعَ شَبِعَ ، وَمَن لَم يَقنَع لَم يَشبَع ، وَخُذ حَظَّكَ مِن

.


1- .القصص:20 ويس:20.
2- .في سورة طه الآية (82) : « وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صَ__لِحًا ثُمَّ اهْتَدَى » .
3- .البقرة:213 وراجع:البقرة:142 والأنعام:39 ويونس:25 والنّور:46 والشّورى:52.

ص: 210

آخِرَتِكَ ، وَلا تَكُن بَطِراً في الغِنى ، وَلا جَزِعاً في الفَقرِ ، وَلا تَكُن فَظّاً غَليظاً يَكرَهُ النّاسُ قُربَكَ وَلا تَكُن واهِناً يُحَقِّرُكَ مَن عَرَفَكَ . وَلا تُشارَّ مَن فَوقَكَ وَلا تَسخَر بِمَن هُوَ دونَكَ . وَلا تُنازِع الأمرَ أهلَهُ ، وَلا تُطِع السُّفَهاءَ ، وَلا تَكُن مَهيناً تَحتَ كُلِّ أحَدٍ، وَلا تَتَّكِلَنَّ على كِفايَةِ أحَدٍ ، وَقِف عِندَ كُلِّ أمرٍ حَتّى تَعرِفَ مُدخَلَهُ مِن مَخرَجِهِ قَبلَ أن تَقَعَ فيهِ فَتَندَمَ . وَاجعَل قَلبَكَ قَريباً تُشارِكُهُ ، وَاجعَل عَمَلَكَ والِداً تتَّبِعُهُ ، وَاجعَل نفسَكَ عَدُوّاً تُجاهِدُهُ وَعارِيَةً تَرُدُّها ، فَإنَّكَ قَد جُعِلتَ طَبيبَ نَفسِكَ ، وَعَرَفتَ آيَةَ الصِّحَةِ وَبُيِّنَ لَكَ الدّاءُ وَدُلِلتَ عَلى الدَّواءِ . فَانظُر قيامَكَ على نَفسِكَ ، وَإن كانَت لَكَ يَدٌ عِندَ إنسانٍ فَلا تُفسِدها بِكَثرَةِ المَنِّ وَالذّكرِ لَها ، وَلكِن أتبِعها بأفضَلَ مِنها ، فَإنّ ذلِكَ أجمَلُ بِكَ في أخلاقِكَ ، وَأوجَبُ لِلثَّوابِ في آخِرَتِكَ . وَعَلَيكَ بالِصَّمتِ تُعَدُّ حَليماً _ جاهِلاً كُنتَ أو عالِماً _ فإنَّ الصّمتَ زَينٌ لَكَ عِندَ العُلماءِ ، وَسِترٌ لَكَ عِندَ الجُهّالِ . يا ابنَ جُندَب ، إنّ عيسى بنَ مَريَم عليه السلام قالَ لأصحابِهِ : أَرأيتُم لَو أنّ أحَدَكُم مَرَّ بِأخيهِ فَرَأى ثَوبَهُ قَدِ انكَشَفَ عَن بَعضِ عَورَتِهِ ، أكانَ كاشِفاً عَنها كُلِّها أم يَرُدّ عَلَيها ما انكَشَفَ مِنها ؟ قالوا : بَل نَرُدُّ عَلَيها . قالَ : كَلاّ، بَل تَكشِفونَ عَنها كُلِّها _ فَعَرفوا أنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ لَهُم _ . فَقيلَ : يا روحَ اللّهِ وَكَيفَ ذلِكَ؟ قالَ : الرَّجُلُ مِنكُم يَطَّلِعُ على العَورَةِ مِن أخيهِ فَلا يَستُرُها ، بِحَقٍّ أقولُ لَكُم إنَّكُم لا تُصيبونَ ما تُريدونَ إلاّ بِتَرِكِ ما تَشتَهونَ ، وَلا تَنالونَ ما تَأملونَ إلاّ بِالصَّبرِ عَلى ما تَكرَهونَ ، إيّاكُم وَالنَّظرَةَ فإنَّها تَزرَعُ في القَلبِ الشَّهوَةَ ، وَكَفى بِها لِصاحِبِها فِتنَةً ، طوبى لِمَن جَعَل بَصَرَهُ في قَلبِهِ ، وَلَم يَجعَل بَصَرَه في عَينِهِ ، لا تَنظُروا في عُيوبِ النّاسِ كَالأربابِ ، وَانظُروا في عُيوبِكُم كَهَيئَةِ العَبيدِ ، إنَّما النّاسُ رَجُلانِ : مُبتَلىً وَمُعافىً ، فارحَموا المُبتَلى وَاحمِدوا اللّهَ عَلى العافِيَةِ . يا ابنَ جُندَب ، صِل مَن قَطَعَكَ ، وَأعطِ مَن حَرَمَكَ ، وَأحسِن إلى مَن أساءَ إلَيكَ ، وَسَلِّم على مَن

.

ص: 211

سَبَّكَ ، وَأنصِف مَن خاصَمَكَ وَاعفُ عَمَّن ظَلَمَكَ ، كَما أنَّكَ تُحِبُّ أن يُعفى عَنكَ ، فَاعتَبِر بِعَفوِ اللّهِ عَنكَ ، ألا تَرى أنَّ شَمسَهُ أشرَقَت على الأبرارِ وَالفُجّارِ ، وَأنَّ مَطَرَهُ يَنزِلُ على الصّالِحينَ وَالخاطِئينَ . يا ابنَ جُندَب ، لا تَتَصَدَّق على أعيُنِ النّاسِ لِيُزَكّوكَ ، فَإنَّكَ إن فَعَلتَ ذلِكَ فَقَد استَوفَيتَ أجرَكَ ، وَلكِن إذا أعطَيتَ بِيَمينِكَ فَلا تُطلِع عَلَيها شِمالَكَ ، فإنّ الّذي تَتَصَدَّقُ لَهُ سِرّاً يَجزيكَ عَلانِيَةً على رُؤوسِ الأشهادِ في اليَومِ الّذي لا يَضُرُّكَ أن لا يَطَّلِعَ النَّاسُ على صَدَقَتِكَ ، وَاخفِض الصَّوتَ ، إنّ رَبَّكَ الّذي يَعلَمُ ما تُسِرّونَ وَما تُعلِنونَ ، قَد عَلِمَ ما تُريدونَ قَبل أن تَسألوهُ ، وَإذا صُمتَ فَلا تَغتَب أحَداً ، وَلا تُلبِسوا صيامَكُم بِظُلمٍ ، وَلا تَكُن كالّذي يَصومُ رِئاءَ النّاسِ ، مُغبَرَّةً وُجوهُهُم ، شَعِثَةً رُؤوسُهُم ، يابِسَةً أفواهُهُم لِكي يَعلَمَ النّاسُ أنَّهُم صيامٌ . يا ابنَ جُندَب ، الخَيرُ كُلُّه أمامَكَ ، وَإنّ الشَّرَّ كُلَّه أمامَكَ ، وَلَن تَرى الخَيرَ وَالشَّرَّ إلاّ بَعدَ الآخِرَةِ ، لأنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ جَعَلَ الخَيرَ كُلَّهُ في الجَنَّةِ وَالشَّرَّ كُلَّهُ في النَّارِ ، لِأنَّهُما الباقِيانِ . وَالواجِبُ على مَن وَهَبَ اللّهُ لَهُ الهُدى وَأكرَمَهُ بِالإيمانِ ، وَألهَمَهُ رُشدَهُ ، وَرَكّبَ فيهِ عَقلاً يَتَعَرَّفُ بهِ نِعمَهُ ، وَآتاهُ عِلماً وَحُكماً ، يُدَبِّرُ بهِ أمرَ دينِهِ وَدُنياهُ أن يُوجِبَ على نَفسِهِ أن يَشكُرَ اللّهَ وَلا يَكفُرَهُ ، وَأن يَذكُرَ اللّهَ وَلا يَنساهُ ، وَأن يُطيعَ اللّهَ وَلا يَعصِيَهُ ، لِلقَديمِ الّذي تَفَرَّدَ لَهُ بِحُسنِ النَّظَرِ ، وَلِلحَديثِ الّذي أنعَمَ عَلَيهِ بَعدَ إذ أنشَأهُ مَخلوقاً، وَلِلجَزيلِ الّذي وَعَدَهُ ، وَالفَضلِ الّذي لَم يُكَلِّفهُ مِن طاعَتِهِ فَوقَ طاقَتِهِ ، وَما يَعجِزُ عَن القِيامِ بِهِ ، وَضَمِنَ لَهُ العَونَ على تَيسيرِ ما حَمَلَهُ مِن ذلِكَ ، وَنَدبَهُ إلى الاستِعانَةِ على قَليلِ ما كَلَّفَهُ ، وَهُوَ مُعرِضٌ عَمّا أمَرَهُ ، وَعاجِزٌ عَنهُ ، قَد لَبِسَ ثَوبَ الاستِهانَةِ فيما بَينَهُ وَبَينَ رَبِّهِ ، مُتَقَلِّداً لِهَواهُ ، ماضِياً في شَهواتِهِ ، مُؤثِراً لِدُنياهُ على آخِرَتِهِ ، وَهُو في ذلِكَ يَتَمنّى جِنانَ الفِردَوسِ ، وَما يَنبَغي لِأحَدٍ أن يَطمَعَ أن يَنزِلَ بِعَمَلِ الفُجَّارِ مَنازِلَ الأبرارِ . أما إنَّهُ لَو وَقَعَت الواقِعَةُ ، وَقامَتِ القيامَةُ ، وَجاءَتِ الطّامَّةُ ، وَنَصَبَ الجَبَّارُ المَوازينَ لِفَصلِ القَضاءِ وَبَرَز الخَلائِقُ لِيَوم الحِسابِ ، أيقَنتَ عِندَ ذلِكَ لِمَن تَكونُ الرِّفعَةُ وَالكَرامَةُ ؟ وَبِمَن تَحِلُّ الحَسرَةُ وَالنَّدامَةُ ؛ فاعمَل اليَومَ في الدُّنيا بِما تَرجو بِهِ الفَوزَ في الآخِرَةِ .

.

ص: 212

يا ابنَ جُندَب ، قالَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ في بَعضِ ما أوحى : إنَّما أقبَلُ الصَّلاةَ مِمَّن يَتَواضَعُ لِعَظَمتي ، وَيَكُفُّ نَفسَهُ عَنِ الشَّهواتِ مِن أجلي ، وَيَقطَعُ نَهارَهُ بِذكري ، وَلا يَتَعَظّمُ على خَلقي ، وَيُطعِمُ الجائِعَ ، وَيَكسو العارِيَ ، وَيَرحَمُ المُصابَ ، وَيُؤوي الغَريبَ ، فَذلِكَ يُشرِقُ نورُهُ مِثلَ الشَّمسِ ، أجعَلُ لَهُ في الظُّلمَةِ نوراً ، وَفي الجَهالَةِ حِلماً ، أكلؤهُ (1) بِعِزّتي ، وَأستَحفِظُهُ مَلائِكَتي ، يَدعوني فَأُلبِّيَهُ وَيَسألنُي فَاُعطِيَهُ ، فَمِثلُ ذلِكَ العَبدِ عِندي كَمَثَلِ جَنّاتِ الفِردَوسِ لا يُسبَقُ أثمارُها ، وَلا تَتَغَيَّرُ عَن حالِها . يا ابنَ جُندَب ، الإسلامُ عُريانٌ فَلِباسُهُ الحَياءُ ، وَزينَتُهُ الوَقارُ ، وَمُروءَتُهُ العَمَلُ الصّالِحُ ، وَعِمادُهُ الوَرَعُ ، وَلِكُلِّ شَيءٍ أساسٌ ، وَأساسُ الإسلامِ حُبُّنا أهلَ البَيتِ . يا ابنَ جُندَب ، إنَّ للّهِِ تَبارَكَ وَتَعالى سوراً مِن نورٍ ، مَحفوفاً بِالزَّبَرجَدِ وَالحَريرِ ، مُنَجَّداً بِالسُّندُسِ وَالدّيباجِ ، يُضرب هذا السّورُ بَينَ أوليائِنا وَبَينَ أعدائِنا ، فَإذا غَلى الدِّماغُ ، وَبَلغَتِ القُلوبُ الحَناجِرَ وَنَضِجَتِ الأكبادُ مِن طولِ المَوقِفِ اُدخِلَ في هذا السّورِ أولياءُ اللّهِ ، فَكانوا في أمنِ اللّهِ وَحِرزِهِ ، لَهُم فيها ما تَشتَهي الأنفُسُ وَتَلَذُّ الأعيُنُ . وَأعداءُ اللّهِ قَد ألجَمَهُم العَرَقُ وَقَطَعَهُمُ الفَرَقُ وَهُم يَنظُرونَ إلى ما أعَدَّ اللّهُ لَهُم ، فَيَقولونَ : «مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ » (2) فَيَنظُرُ إلَيهِم أولياءُ اللّهِ فَيَضحَكونَ مِنهُم ، فذلِكَ قَولُهُ عز و جل : « أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ » (3) ، وَقَولُهُ : « فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ » (4) ، فَلا يَبقى أحَدٌ مِمَّن أعانَ مُؤمِناً مِن أوليائِنا بِكَلِمَةٍ إلاّ أدخَلَهُ اللّهُ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ . (5)

.


1- .كلأ اللّه فلاناً: أي حفظه وحرسه .
2- .ص:62.
3- .ص:63.
4- .المطففين: 34 و35.
5- .تحف العقول : ص301.

ص: 213

67 . وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعته في التّقوى وإحياء أمرهم عليهم السلام

68 . كتابه عليه السلام إلى رجل من أصحابه في التّقوى

67وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعتهفي التّقوى وإحياء أمرهم عليهم السلامعن الصّادق عليه السلام أنّه أوصى بعض شيعته فقال :أما وَاللّهِ إنَّكُم لَعَلى دينِ اللّهِ وَدينِ مَلائِكَتِهِ ، فَأعينونا عَلى ذلِكَ بِوَرَعٍ وَاجتِهادٍ ، أما وَاللّهِ ، ما يَقبَلُ اللّهُ إلاّ مِنكُم. فَاتّقوا اللّهَ وَكُفّوا ألسِنَتَكُم ، وَصَلّوا في مَساجِدِكُم ، وَعودوا مَرضاكُم ، فإذا تَمَيَّزَ النّاسُ فَتَمَيَّزوا . رَحِمَ اللّهُ امرَءاً أحيا أمرَنا . فَقيلَ : وَما إحياءُ أمرِكُم ، يابنَ رَسولِ اللّهِ؟ فَقالَ : تَذكُرونَهُ عِندَ أهلِ العلِمِ وَالدّينِ وَاللُّبِ . ثُمَّ قالَ : وَاللّهِ إنَّكُم كُلَّكُم لَفي الجَنَّةِ ، وَلكِن ما أقبح بِالرَّجُلِ مِنكُم أن يَكونَ مِن أهلِ الجَنَّةِ مَعَ قَومٍ اجتَهدوا وَعَمِلوا الأعمالَ الصَّالِحَةَ ، وَيَكونُ هُوَ بَينَهُم قَد هُتِكَ سِترُهُ وَأبدى عَورَتَهُ . قيلَ : وَإنّ ذلِكَ لَكائِنٌ يابنَ رَسولِ اللّهِ ؟ قالَ : نَعَم ، مَن لا يَحفَظُ بَطنَهُ وَلا فَرجَهُ (1) وَلا لِسانَهُ . (2)

68كتابه عليه السلام إلى رجل من أصحابهفي التّقوىعليّ بن محمّد عمّن ذكره ، عن محمّد بن الحسين وحميد بن زياد ، عن

.


1- .في الخصال : حدّثنا أبي رضى الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، عن أيوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن سعد بن أبي خلف ، عن نجم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال لي : يا نجم ، كلّكم في الجنّة معنا إلاّ أنّه ما أقبح بالرّجل منكم أن يدخل الجنّة قد هتك ستره وبدت عورته . قال: قلت له: جعلت فداك وإنّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم إن لم يحفظ فرجه وبطنه . (ص25 ح88) .
2- .دعائم الإسلام : ج1 ص62 وراجع : الأمالي للمفيد : ص270 ، الأمالي للطّوسي : ص33 ح33 ، شرح الأخبار : ج3 ص483 ح1393 .

ص: 214

69 . في وصيّته عليه السلام إلى ولده في التّقوى

الحسن بن محمّد الكنديّ جميعاً ، عن أحمد بن الحسن الميثميّ 1 ، عن رجل من أصحابه ، قال : قرأت جواباً من أبي عبد اللّه عليه السلام إلى رجل من أصحابه :أمّا بَعدُ : فَإنّي أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ ، فَإنَّ اللّهَ قَد ضَمِنَ لِمَن اتّقاهُ أن يُحَوِّلَهُ عَمّا يَكرَهُ إلى ما يُحِبُّ ، وَيَرزُقَهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ ، فَإيّاكَ أن تَكونَ مِمّن يَخافُ على العِبادِ مِن ذُنوبِهِم ، وَيَأمَنُ العُقوبَةَ مِن ذَنبِهِ ، فإنَّ اللّهَ عز و جل لا يُخدَعُ عَن جَنّتِهِ ، وَلا يُنالُ ما عِندَهُ إلاّ بِطاعَتِهِ إن شاءَ اللّهُ . (1)

69في وصيّته عليه السلام إلى ولدهفي التّقوىأبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان ومحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرّحمان بن الحجّاج 3 ، أنّ أبا الحسن موسى عليه السلام بعث إليه بوصيّة أبيه ،

.


1- .الكافي : ج 8 ص49 ح9 ، تحف العقول : ص 240 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 121 ح 3 .

ص: 215

وبصدقته مع أبي إسماعيل مصادف :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما عَهِدَ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ ، وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ ، يُحيي وَيُميتُ ، بِيَدِهِ الخَيرُ وَهُوَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، وَأنّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ ، وَأنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها ، وَأنّ اللّهَ يَبعَثُ مَن في القُبورِ ، على ذلِكَ نحيا وَعَلَيهِ نَموتُ وَعَلَيهِ نُبعَثُ حَيّاً إن شاءَ اللّهُ . وَعَهِدَ إلى وَلَدِهِ ألاّ يَموتوا إلاّ وَهُم مُسلِمونَ ، وَأن يَتَّقوا اللّهَ وَيُصلِحوا ذاتَ بَينِهِم

.

ص: 216

70 . وصيّته عليه السلام لأبي جعفر محمّد بن النّعمان ، الحثّ على مكارم الأخلاق و

ما استَطاعوا ، فَإنَّهُم لَن يَزالوا بِخَيرٍ ما فَعَلوا ذلِكَ ، وَإن كان دينٌ يُدانُ بِهِ . وعَهِدَ إن حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ وَلَم يُغَيِّر عَهدَهُ هذا وَهُوَ أولى بِتَغييرِهِ ما أبقاهُ اللّهُ ، لِفُلانٍ كَذا وَكَذا ، وَلِفُلانٍ كَذا وَكَذا ، وَلِفُلانٍ كَذا ، وَفُلانٌ حُرٌّ ، وَجَعَلَ عَهدَهُ إلى فُلانٍ (1) . الحديث (2)

70وصيّته عليه السلام لأبي جعفر محمّد بن النّعمانالحثّ على مكارم الأخلاق والتّحذير من رذائلهاوصيّته عليه السلام لأبيجعفر محمّد بن النّعمان الأحول 3 :قال أبو جعفر :قال لي الصّادق عليه السلام :

.


1- .وسيأتي تمام الحديث في مكاتيب الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام إن شاء اللّه .
2- .الكافي:ج 7 ص 53 ح8 .

ص: 217

إنّ اللّه جلَّ وعزَّ عيَّرَ أقواماً في القرآنِ بالإذاعَةِ ، فَقُلتُ لَه : جُعلِتُ فداكَ أينَ قالَ ؟ قال : قولُهُ : «وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ» (1) ثمّ قال : المُذيعُ عَلَينا سِرَّنا كالشّاهِرِ بِسَيفِهِ عَلَينا ، رَحِمَ اللّهُ عَبداً سَمِعَ بِمَكنونِ عِلمِنا فَدَفَنَهُ تَحتَ قَدَميهِ . وَاللّهِ ، إنّي لَأعلَمُ بِشِرارِكُم مِنَ البَيطارِ بِالدَّوابِّ ، شِرارُكم الّذينَ لا يَقرؤونَ القُرآنَ إلاّ هُجراً وَلا يأتون الصّلاةَ إلاّ دُبراً (2) وَلا يَحفَظونَ ألسِنَتَهُم . اعلَم أنَّ الحسَنَ بنَ عَليٍّ عليهماالسلام لَمّا طُعِنَ وَاختَلَفَ النّاسُ عَلَيهِ ، سَلَّمَ الأمرَ لِمُعاوِيَةَ فَسَلَّمَت عَلَيهِ الشّيعَةُ : عَليكَ السَّلامُ يا مُذِلَّ المُؤمِنينَ . فقالَ عليه السلام : ما أنا بِمُذلِّ المُؤمِنينَ ، وَلكنّي مُعِزُّ المُؤمِنينَ . إنّي لَمّا رَأيتُكُم لَيسَ بِكُم عَلَيهِم قُوَّةٌ سَلَّمتُ الأمرَ لِأبقى أنا وَأنتُم بَينَ أظهُرِهِم ، كما عابَ العالِمُ السَّفينَةَ لِتَبقى لأصحابِها ، وَكذلِكَ نَفسي وَأنتُم لِنَبقى بَينَهُم . يا ابنَ النُّعمان ، إنّي لَأُحدِّثُ الرَّجُلَ مِنكُم بِحَديثٍ فَيَتَحدَّثُ بهِ عَنّي ، فَأستَحِلُّ بِذلِكَ لَعنَتَهُ وَالبَراءَةَ مِنهُ . فإنَّ أبي كانَ يَقولُ : وَأيُّ شَيءٍ أقرُّ لِلعَينِ مِنَ التَّقِيَّةِ ، إنَّ التَّقِيَّةَ جُنَّةُ المُؤمِنِ ، وَلَولا التَّقِيَّةَ ما عُبِدَ اللّهُ ، وَقالَ اللّهُ عز و جل : « لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَ لِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِى شَىْ ءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً » (3) . يا ابنَ النُّعمانِ ، إيّاكَ وَالمِراءَ ، فَإنّهُ يُحبِطُ عَمَلَكَ . وَإيّاكَ وَالجِدالَ ، فإنَّهُ يُوبِقُكَ . وإيّاكَ وَكَثرَةَ الخُصوماتِ ، فإنَّها تُبعِدُكَ مِنَ اللّهِ . ثُمَّ قالَ : إنَّ من كانَ قَبَلَكُم كانوا يَتَعلّمونَ الصّمتَ ، وَأنتُم تَتَعلّمونَ الكلامَ ، كان أحَدُهُم إذا أرادَ

.


1- .النساء:83.
2- .الهجر - بالضم - : الهذيان والقبيح من الكلام . والدّبر _ بضم فسكون أو بضمتين _ من كلّ شيء : مؤخّره وعقبه .
3- .آل عمران:28.

ص: 218

التَّعَبُدَ يَتَعَلَّمُ الصّمتَ قَبل ذلِكَ بِعَشرِ سِنينٍ ، فإن كانَ يُحسِنُهُ وَيَصبِرُ عَلَيهِ تَعَبَّدَ ، وَإلاّ قالَ : ما أنا لِما أرومُ (1) بِأهلٍ ، إنَّما يَنجو مَن أطالَ الصّمتَ عَن الفَحشاء ، وَصَبَرَ في دَولَةِ الباطِلِ عَلى الأذى ، أُولئِكَ النُّجباءُ الأصفِياءُ الأولياءُ حَقّاً ، وَهُم المُؤمِنونَ . إنَّ أبغَضَكُم إليّ المُتَراسّونَ (2) المَشّاؤونَ بِالنَّمائِمِ ، الحَسَدَةُ لإخوانِهِم ، لَيسوا مِنّي ولا أنا مِنهُم . إنّما أوليائي الّذين سَلَّموا لِأمرِنا وَاتَّبعوا آثارَنا وَاقتَدَوا بِنا في كُلِّ أُمورِنا . ثُمَّ قالَ : وَاللّهِ ، لَو قَدَّمَ أحدُكُم مِل ءَ الأرضِ ذَهَباً على اللّهِ ، ثُمَّ حَسَدَ مُؤمِناً لَكانَ ذلِكَ الذَّهَبُ مِمّا يُكوى بِهِ في النّارِ . يا ابنَ النُّعمانِ ، إنَّ المُذيعَ لَيسَ كَقاتِلِنا بِسَيفِهِ ، بَل هُوَ أعظَمُ وِزراً ، بَل هُوَ أعظَمُ وِزراً ، بَل هُوَ أعظَمُ وِزراً . يا ابنَ النّعمانِ ، إنَّهُ مَن رَوى عَلَينا حَديثاً ، فَهُو مِمَّن قَتَلَنا عَمداً وَلَم يَقتُلنا خَطاءً . يا ابنَ النُّعمانِ إذا كانَت دَولَةُ الظُّلِم فَامشِ واستَقبِل مَن تَتَّقيهِ بِالتَّحِيَّةِ ، فإنَّ المُتَعرِّضَ لِلدَّولَةِ قاتِلُ نَفسه وَمُوبِقِها ، إنَّ اللّهَ يَقولُ : « وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » (3) . يا ابنَ النُّعمانِ إنّا أهلُ بَيتٍ لا يَزالُ الشَّيطانُ يُدخِلُ فينا مَن لَيسَ مِنّا وَلا مِن أهلِ دينِنا ، فَإذا رَفَعَهُ وَنَظَرَ إلَيهِ النّاسُ أمرَهُ الشّيطانُ فَيُكَذِّبُ عَلَينا ، وَكُلَّما ذَهَبَ واحِدٌ جاءَ آخَرُ . يا ابنَ النّعمانِ ، مَن سُئِلَ عَن عِلمٍ ، فقالَ : لا أدري ، فَقَد ناصَفَ العِلمَ . وَالمُؤمن يَحقِدُ ما دامَ في مَجلِسِهِ ، فإذا قامَ ذَهَبَ عَنهُ الحِقدُ . يا ابنَ النّعمانِ ، إنّ العالِمَ لا يَقدِرُ أن يُخبِرَكَ بِكُلِّ ما يَعلَمُ ؛ لأنَّهُ سِرُّ اللّهِ الّذي أسَرَّهُ إلى

.


1- .رام الشّيء يروم روماً : أراده .
2- .تراسّ القوم الخبر : تسارّوه . وارتسّ الخبر في النّاس : فشا وانتشر . ويحتمل أن يكون كما في بعض نسخ الحديث « المترئِسون » بالهمزة من ترأس أي صار رئيساً .
3- .البقرة : 195 .

ص: 219

جَبرئيلَ عليه السلام ، وَأسَرَّهُ جَبرئيلُ عليه السلام إلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وأسَرَّهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله إلى عَلِيٍّ عليه السلام ، وَأسَرَّهُ عَلِيٌّ عليه السلام إلى الحَسَنِ عليه السلام ، وَأسَرَّهُ الحَسَنُ عليه السلام إلى الحُسَينِ عليه السلام ، وأسَرَّهُ الحُسَينُ عليه السلام إلى عَلِيٍّ عليه السلام ، وأسَرَّهُ عَلِيٌّ عليه السلام إلى مُحَمَّدٍ عليه السلام ، وَأسَرَّهُ مُحَمَّدٌ عليه السلام إلى مَن أسَرَّهُ ، فلا تَعجَلوا فَوَاللّهِ لَقَد قَرُبَ هذا الأمرُ 1 _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ فَأذَعتُموهُ ، فَأخَّرَهُ اللّهُ . وَاللّهِ ما لَكُم سِرٌّ إلاّ وَعَدُوُّكُم أعلَمُ بِهِ مِنكُم . يا ابنَ النّعمانِ ، أبقِ على نَفسِكَ فَقَد عَصَيتَني . لا تُذِع سِرّي ، فإنَّ المُغيرَةَ بنَ سَعيدٍ 2 كَذَّبَ على

.

ص: 220

أبي وَأذاعَ سِرَّهُ فأذاقَهُ اللّهُ حَرَّ الحَديدِ . وَإنَّ أبا الخطّابِ 1 كَذَّبَ عَلَيَّ وَأذاعَ سَرّي فَأذاقَهُ اللّهُ حَرَّ الحَديدِ . وَمَن كَتَمَ أمرَنا زَيَّنَهُ اللّهُ بِهِ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَأعطاهُ حَظَّهُ وَوَقاهُ حَرَّ الحَديدِ وَضيقَ المَحابِسِ . إنَّ بني إسرائيلَ قَحَطوا حتّى هَلَكَت المَواشي وَالنَّسلُ ، فَدَعا اللّهَ مُوسى بنُ عِمرانَ عليه السلام فَقالَ : يا موسى إنَّهُم أظهَروا الزِّنا وَالرِّبا وَعَمَروا الكَنائِسَ وَأضاعوا الزَّكاةَ . فَقالَ : إلهي ! تَحَنَّن (1) بِرَحمَتِكَ عَلَيهِم ، فَإنَّهُم لا يَعقِلونَ . فَأوحى اللّهُ إليهِ : أنّي مُرسِلٌ قَطرَ السَّماءِ وَمُختَبِرُهُم بَعدَ أربعينَ

.


1- .تحنّن عليه : ترحّم عليه .

ص: 221

يَوماً ، فأذاعوا ذلِكَ وأفشَوهُ ، فَحَبَسَ عَنهُم القَطرَ أربعينَ سَنَةً ، وَأنتُم قَد قَرُبَ أمرُكُم فَأذعتُموه في مَجالِسِكُم . يا أبا جَعفَر ، ما لَكُم ولِلنّاسِ ؟ كُفّوا عَنِ النّاسِ وَلا تَدعوا أحَداً إلى هذا الأمرِ (1) ، فَوَ اللّهِ لَو أنّ أهلَ السَّماواتِ (وَالأرضِ) اجتَمَعوا على أن يُضِلّوا عَبداً يُريدُ اللّهُ هُداهُ ما استَطاعوا أن يُضِلّوهُ . كُفّوا عَنِ النّاسِ وَلا يَقُل أحَدُكُم : أخي وَعَمّي وَجاري . فإنّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً طَيَّبَ روحَهُ فلا يَسمَعُ معروفاً إلاّ عَرَفَهُ وَلا مُنكراً إلاّ أنكَرَهُ ، ثُمَّ قَذَفَ اللّهُ في قَلبِهِ كَلِمَةً يَجمَعُ بِها أمرَهُ . يا ابنَ النُّعمانِ ، إن أرَدتَ أن يَصفوَ لَكَ وُدُّ أخيكَ فلا تُمازِحَنَّهُ وَلا تُمارِيَنَّهُ وَلا تُباهِيَنَّهُ وَلا تُشارَّنَّهُ ، وَلا تُطلِع صديقَكَ مِن سِرِّكَ إلاّ على ما لَوِ اطّلَعَ عَلَيهِ عَدُوُّكَ لَم يَضُرَّكَ ، فإنَّ الصّديقَ قَد يَكونُ عَدُوَّكَ يَوماً . يا ابنَ النُّعمانِ ، لا يَكونُ العَبدُ مُؤمِناً حَتّى يَكونَ فيهِ ثَلاثُ سُنَنٍ : سُنَّةٌ مِنَ اللّهِ وَسُنَّةٌ مِن رَسولِهِ وَسُنَّةٌ مِنَ الإمامِ. فأمّا السُّنَّةُ مِنَ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، فَهُو أن يَكونَ كَتوماً لِلأسرارِ ، يَقولُ اللّهُ جَلَّ ذِكرُهُ : « عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا » (2) . وَأمّا الّتي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَهُو أن يُداريَ النّاسِ وَيُعامِلَهُم بِالأخلاقِ الحَنيفِيَّةِ . وَأمّا الّتي مِنَ الإمامِ ، فَالصَّبرُ فِي البَأساءِ وَالضَّرّاءِ حَتّى يأتِيَهُ اللّهُ بِالفَرَجِ . يا ابنَ النّعمان ، لَيسَتِ البلاغَةُ بِحِدَّةِ اللّسانِ ، وَلا بِكَثرَةِ الهَذَيانِ ، وَلكِنَّها إصابَةُ المَعنى

.


1- .أي كُفُّوا عن دعوتهم إلى دين الحقّ في زمن شدّة التّقيّة. قال عليه السلام : هذا في زمان العُسرَةِ والشِّدّة على المؤمنين في الدولة العبّاسيّة ، وحاصل الكلام أن من يريد اللّه هداه لن يستطيع أحد أن يضلّه وهكذا من لم يرد اللّه أن يهديه لن يستطيع أحد أن يهديه . ورواه الكليني عن ثابت بن سعيد: لا تدعو أحداً إلى أمركم فو اللّه لو أنّ أهل الأرضين اجتمعوا على أن يهدوا عبداً يريد اللّه ضلالته ما استطاعوا على أن يهدوه ولو أنّ أهل السّماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يضلّوا عبدا . . . إلخ ( راجع : الكافي : ج2 ص213 ) .
2- .الجن:26.

ص: 222

71 . وصيّته عليه السلام إلى عمّار بن مروان في مكارم الأخلاق

وَقَصدُ الحُجَّةِ . يا ابنَ النُّعمانِ ، مَن قَعَد إلى سابٍّ (1) أولياءِ اللّهِ فَقد عَصَى اللّهَ . ومَن كَظُمَ غَيظاً فينا لا يَقدِرُ على إمضائِهِ ، كانَ مَعَنا في السَّنامِ الأعلى . وَمَنِ استَفتَحَ نهارَهُ بإذاعَةِ سِرِّنا سَلَّط اللّهُ عَلَيهِ حَرَّ الحَديدِ وَضيقَ المحابِسِ . يا ابنَ النُّعمانِ ، لا تَطلُبِ العِلمِ لِثَلاثٍ : لِتُرائي بِهِ ، وَلا لِتُباهي بِهِ ، وَلا لِتُماري. وَلا تَدَعهُ لِثَلاثٍ : رَغبَةً فِي الجَهلِ ، وَزَهادَةً في العِلمِ ، وَاستِحياءً مِنَ النّاسِ . وَالعِلمُ المصونُ كالسِّراجِ المُطبَقِ عَلَيهِ . يا ابنَ النُّعمان ، إنّ اللّهَ جَلّ وَعَزَّ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً نَكَتَ في قَلبِهِ نُكتَةً بَيضاءَ فَجالَ القَلبُ يَطلُبُ الحَقَّ ، ثُمَّ هُوَ إلى أمرِكُم أسرَعُ مِنَ الطّيرِ إلى وَكرِهِ (2) . يا ابنَ النُّعمانِ إنّ حُبَّنا _ أهلَ البَيتِ _ يُنَزِّلُهُ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِن خَزائِنَ تَحتِ العَرشِ كَخَزائِنِ الذّهَبِ وَالفِضَّةِ وَلا يُنَزِّلُهُ إلاّ بِقَدَرٍ ، وَلا يُعطيهِ إلاّ خَيرَ الخَلقِ ، وَإنَّ لَهُ غَمامَةً كَغَمامَةِ القَطْرِ ، فإذا أرادَ اللّهُ أن يَخُصَّ بِهِ مَن أحَبَّ مِن خَلقِهِ ، أذِنَ لِتلِكَ الغَمَامَةِ فَتَهطَّلَت كَما تَهطَّلَتِ السَّحابُ (3) ، فَتُصيبُ الجنينَ في بَطنِ أُمّهِ . (4)

71وصيّته عليه السلام إلى عمّار بن مروانفي مكارم الأخلاقمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن

.


1- .في بعض النسخ :«سباب» بدل «سابّ».
2- .الوكر : عش الطّائر: أي بيته وموضعه .
3- .تهطل المطر : نزل متتابعاً عظيم القطر .
4- .تحف العقول: ص 307 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 287 ح 2 .

ص: 223

مروان 1 قال : أوصاني أبو عبد اللّه عليه السلام فقال :أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ وَأداءِ الأمانَةِ وَصِدقِ الحَديثِ وَحُسنِ الصّحابَةِ لِمَن صَحِبتَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ . (1)

وفي كتاب الزّهد : فضالة عن فضيل بن عثمان (2) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له أوصني قال :أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ وَصِدقِ الحَديثِ وَأداءِ الأمانَةِ وَحُسنِ الصَّحابَةِ لِمَن صَحِبَكَ ، وَإذا كانَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ الغُروبِ فَعَلَيكَ بِالدُّعاءِ ، وَاجتَهِد وَلا تَمتَنِع بِشَيءٍ تَطلُبُهُ مِن رَبِّكَ وَلا تَقُل : هذا ما لا أُعطاهُ ، وَادعُ فَإنَّ اللّهَ يَفعَلُ ما يَشاءُ . (3)

.


1- .الكافي : ج2 ص669 ح1، المحاسن : ج2 ص358 ح71، بحار الأنوار : ج17 ص160 ح16 وج37 ص272 ح31 .
2- .الفضيل بن عثمان المرادي ، ويقال : الفضل ، الأعور الصائغ الأنباريّ ، ابن اخت عليّ بن ميمون ، وعدّه الشيخ في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام ، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام ، والفتيا والأحكام ، الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق لذمّ واحد منهم ، وقال العلاّمة في الخلاصة : ثقة ثقة وعده من أصحاب الصادق عليه السلام (راجع : رجال الطوسي : 269 الرقم 3877 ، معجم رجال الحديث : ج 14 ص 328) .
3- .الزهد للحسين بن سعيد : ص 19 ح42 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 227 ح 98 نقلاً عنه .

ص: 224

72 . وصيّته عليه السلام إلى عمرو بن سعيد بن هلال في مكارم الأخلاق

72وصيّته عليه السلام إلى عمرو بن سعيد بن هلالفي مكارم الأخلاقعن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي المغرا ، عن زيد الشّحام ، عن عمرو بن سعيد بن هلال 1 قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّي لا أكاد ألقاك إلاّ في السّنين فأوصني بشيء آخذ به . قال :أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ وَصِدقِ الحَديثِ وَالوَرَعِ وَالاجتِهادِ ، وَاعلَم أنّهُ لا يَنفَعُ اجتهادٌ لا وَرَعَ مَعَهُ ، وَإيّاكَ أن تطمَحَ نَفسُكَ إلى مَن فَوقَكَ ، وَكَفى بِما قالَ اللّهُ عز و جل لِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله : « فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَ الُهُمْ

.

ص: 225

وَلآَ أَوْلادُهُمْ » (1) ، وَقالَ اللّهُ عز و جل لِرَسولِهِ : «وَ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَامَتَّعْنَابِهِ أَزْوَ اجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا » . (2) فإن خِفتَ شَيئاً من ذلِكَ فاذكُر عَيشَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فإنَّما كانَ قوتُهُ الشَّعيرُ وَحَلواهُ التَّمرُ وَوَقودُهُ السَّعفُ إذا وَجَدَهُ . وَإذا أُصِبتَ بِمُصيبَةٍ فاذكُر مُصابَكَ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فإنَّ الخَلقَ لَم يُصابوا بِمِثلِهِ عليه السلام قطّ . (3)

وفي الأمالي : عن علي بن مهزيار عن الحسن عن عليّ بن عقبة ، عن أبي كهمس ، عن عمرو بن سعيد بن هلال ، قال : قلت لأبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه : أوصني . قال :أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ وَالوَرَعِ وَالاجتِهادِ ، وَاعلَم أنّهُ لا يَنفَعُ اجتِهادٌ لا وَرَعَ فيهِ ، وَانظُر إلى مَن هُوَ دونَكَ ، وَلا تَنظُر إلى مَن هُوَ فَوقَكَ ، فَلكثيراً ما قالَ اللّهُ عز و جل لِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله : «فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَ الُهُمْ وَلآَ أَوْلادُهُمْ» (4) ، وَقال : «وَ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَ اجاًمِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا» . (5) ، وَإن نازَعَتكَ نَفسُكَ إلى شَيءٍ مِن ذلِكَ ، فاعلَم أنّ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كان قوتُهُ الشَّعيرَ ، وَحَلواهُ التّمرَ إذا وجده وَوَقودُهُ السَّعفَ ، وَإذا أُصِبتَ بِمُصيبَةٍ فاذكُر مُصابَكَ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فإنَّ النّاسَ لَم يُصابوا بِمِثلِهِ أَبداً . (6)

.


1- .التوبة:55 و85.
2- .طه:131. وفي سورة الحجر: «لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَ اجاً مِّنْهُمْ وَ لاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ » (88).
3- .الكافي : ج8 ص168 ح189، الزهد للحسين بن سعيد : ص12 ح24 ، مشكاة الأنوار : ص133 ح 303 ، بحار الأنوار : ج16 ص279 ح120 وج78 ص227 ح97 وراجع : الكافي : ج2 ص76 ح1 وص78 ح11 .
4- .التوبة:55 و85.
5- .طه:131.
6- .الأمالي للمفيد : ص194 ح25، الأمالي للطّوسي: ص681 ح1448، بحار الأنوار : ج69 ص398 ح87 وج 78 ص295 ص4 .

ص: 226

73 . وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعته في مكارم الأخلاق

73وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعتهفي مكارم الأخلاقعن أبي جعفر محمّد بن عليّ أنّه أوصى بعض شيعته فقال :يا مَعشَرَ شيعَتِنا ، اسمَعوا وَافهَموا وَصايانا وَعَهدِنا إلى أوليائِنا ، اصدُقوا في قولِكُم وَبِرّوا في أيمانِكُم لِأوليائِكُم وَأعدائِكُم ، وَتَواسَوا بِأموالِكُم ، وَتَحابوا بِقُلوبِكُم ، وَتَصَدَّقوا عَلى فُقَرائِكُم ، وَاجتَمِعوا على أمرِكُم ، وَلا تُدخِلوا غِشّاً ولا خِيانَةً على أحَدٍ ، وَلا تَشُكّوا بَعدَ اليَقينِ وَلا تَرجِعوا بَعدَ الإقدامِ جُبناً ، وَلا يُوَلِّ أحَدٌ مِنكُم أهلَ مَوَدَّتِهِ قَفاهُ ، وَلا تَكونَنَّ شَهوَتُكُم في مَوَدَّةِ غَيرِكُم ، وَلا مَوَدَّتُكُم فيما سِواكُم ، وَلا عَمَلُكُم لِغَيرِ رَبِّكُم ، وَلا إيمانُكُم وَقَصدُكُم لِغَيرِ نَبِيّكُم . وَاستَعينوا بِاللّهِ وَاصبِروا ، إنّ الأرضَ للّهِِ ، يُورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ ، وَإنَّ الأرضَ للّهِِ يُورِثُها عِبادَهُ الصّالِحينَ . ثمّ قال : إنَّ أولياءَ اللّهِ وَأولِياءَ رَسولِهِ مِن شيعَتِنا ، مَن إذا قالَ صَدَقَ ، وإذا وَعَدَ وَفى ، وَإذا ائتُمِنَ أدَّى ، وإذا حُمِّلَ في الحَقِّ احتَمَلَ ، وإذا سُئِلَ الواجِبَ أعطى ، وإذا أُمِرَ بالحَقِّ فَعَلَ . شيعَتُنا مَن لا يَعدو عِلمُهُ سَمعَهُ . شيعَتُنا مَن لا يَمدَحُ لنا مُعيباً ، وَلا يُواصِلُ لنا مُبغِضاً ، وَلا يُجالِس لَنا قالِياً ، إن لَقِيَ مُؤمِناً أكرَمَهُ ، وإن لَقِيَ جاهِلاً هَجَرَهُ . شيعَتُنا مَن لا يَهِرُّ هريرَ الكَلبِ ، وَلا يَطمَعُ طَمَعَ الغُرابِ ، وَلا يَسألُ أحَداً إلاّ مِن إخوانِهِ وإن ماتَ جوعاً . شيعَتُنا مَن قالَ بِقَولِنا ، وَفارَقَ أحِبَّتَهُ فينا ، وَأدنى البُعَدَاءَ في حُبِّنا ، وأبعَدَ القُرباءَ في بُغضِنا . فقالَ لَهُ رجل ممّن شهد : جُعلِتُ فِداكَ ، أينَ يُوجَدُ مِثلُ هؤلاءِ ؟ فقال : في أطرافِ الأرَضَينَ ، أُولئِكَ الخَفيضُ عَيشُهُم ، القَريرَةُ أعيُنُهُم ، إن شَهِدوا لَم يُعرفوا ، وَإن غابوا لَم يُفتَقَدوا، وَإن مَرِضوا لَم يُعادوا ، وَإن خَطَبوا لَم يُزَوَّجوا ، وَإن وَرَدوا طريقاً تَنَكّبوا ، وِإذا

.

ص: 227

خاطَبَهُم الجاهِلونَ قالوا سَلاماً ، وَيَبيتونَ لِرَبِّهِم سُجَّداً وَقِياماً . قال : يابنَ رَسولِ اللّهِ ، فَكَيفَ بِالمُتَشيّعينَ بِألسِنَتِهِم وَقُلوبُهُم على خِلافِ ذلِكَ ؟ فقال : التّمحيصُ يأتي عَلَيهِم بِسِنينَ تُفنيهِم ، وَضغائِنَ تُبيدُهُم ، وَاختِلافٍ يَقتُلُهُم ، أما وَالّذي نَصَرَنا بأيِدي مَلائِكَتِهِ ، لا يَقتُلُهُم اللّهُ إلاّ بِأيديهِم ، فَعَلَيكُم بالإقرارِ إذا حَدَّثتُم ، وَبِالتَّصديقِ إذا رَأيتُم ، وَتَركِ الخُصومَةِ فإنَّها تُقصيكُم ، وَإيّاكُم أن يَبعَثَكُم قَبلَ وَقتِ الأجَلِ فَتُطَلُّ دِماؤكُم ، وَتَذهَبُ أنفُسُكُم ، وَيَذُمُّكُم مَن يأتي بَعدَكُم ، وَتصيروا عِبرَةً لِلنّاظرينَ . وَإنَّ أحسَنَ النّاسِ فِعلاً مَن فارَقَ أهلَ الدُّنيا مِن والدٍ وَوَلَدٍ ، وَوالى وَوَازَرَ وَناصَحَ وكافَا إخوانَهُ في اللّهِ وَإن كانَ حَبَشِيّاً أو زِنجيِّاً ، وإن كان لا يُبعثُ مِنَ المُؤمنين أسوَدَ ، بَل يَرجِعونَ كأنَّهُم البَرَدُ قَد غُسِلوا بِماءِ الجِنانِ ، وَأصابوا النّعيمَ المُقيمَ ، وَجالَسوا المَلائِكَةَ المُقرَّبينَ ، وَرَافَقوا الأنبياءَ المُرسلينَ . وَلَيسَ مِن عَبدٍ أكرَمَ على اللّهِ مِن عَبدٍ شُرِّدَ وَطُرِّدَ في اللّهِ حَتّى يَلقى اللّهَ على ذلِكَ . شيعَتُنا المُنذِرونَ في الأرضِ ، سُرُجٌ وَعَلاماتٌ وَنورٌ لِمَن طَلَبَ ما طَلَبوا ، وَقادَةٌ لأهلِ طاعَةِ اللّهِ ، شُهَداءُ على مَن خالَفَهُم مِمّن ادّعى دَعواهُم ، سَكَنٌ لِمَن أتاهُم ، لُطَفاءُ بِمَن وَالاهُم ، سُمَحاءُ ، أعِفّاءُ ، رُحَماءُ ، فذلِكَ صِفَتُهُم في التَّوراةِ وَالإنجيلِ وَالقُرآنِ العظيمِ . إنَّ الرَّجُلَ العالِمَ مِن شيعَتِنا إذا حَفِظَ لِسانَهُ وَطابَ نفساً بِطاعَةِ أوليائِهِ ، وَأضمَرَ المُكايَدَةَ لِعَدُوِّهِ بِقَلبِهِ ، وَيَغدو حينَ يَغدو وَهُوَ عارِفٌ بِعيُوبِهِم ، وَلا يُبدي ما في نَفسِهِ لَهُم ، يَنظُرُ بِعَينِهِ إلى أعمالِهِم الرَّدِيَّةِ ، وَيَسمَعُ بِأُذنِهِ مَساويهِم ، وَيَدعو بِلِسانِهِ عَلَيهِم ، مُبغِضوهُم أولياؤُهُ وَمُحبّوهُم أعداؤُهُ . فَقال لَهُ رَجُلٌ : بأبي أنتَ وَأُمّي، فَما ثَوابُ مَن وَصَفتَ إذا كانَ يُصبِحُ آمِناً وَيُمسي آمِناً وَيَبيتُ مَحفوظاً ، فَما مَنزِلَتُهُ وَثَوابُهُ ؟ فقالَ :

.

ص: 228

74 . وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعته في كيفية الدّعوة إليهم عليهم السلام

تُؤَمرُ السَّماءُ بإظلالِهِ والأرضُ بإكرامِهِ وَالنّورِ بِبُرهانِهِ . قال : فَما صِفَتُهُ في دُنياه ؟ قال : إن سَأَلَ أُعطِيَ ، وَإن دعا أُجيبَ ، وَإن طَلَبَ أدرَكَ ، وَإن نَصَرَ مَظلوماً عَزُّ . (1)

74وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعتهفي كيفية الدّعوة إليهم عليهم السلامعن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام أنّ نفراً أتوه من الكوفة من شيعته يسمعون منه ، ويأخذون عنه ، فأقاموا بالمدينة ما أمكنهم المقام ، وهم يختلفون إليه ويتردّدون عليه ، ويسمعون منه ويأخذون عنه ، فلمّا حضرهم الانصراف وودّعوه ، قال له بعضهم : أوصنا يابن رسول اللّه . فقال : أُوصيكُم بِتَقوى اللّهِ وَالعَمَلِ بِطاعَتِهِ وَاجتِناب مَعاصيهِ ، وَأداءِ الأمانَةِ لِمَن ائتَمَنَكُم ، وَحُسنِ الصّحابَةِ لِمَن صَحِبتُموهُ ، وَأن تَكونوا لَنا دُعاةً صامِتينَ . فَقالوا : يابنَ رَسولِ اللّهِ ، وَكَيفَ نَدعو إلَيكُم وَنَحنُ صُموتٌ؟ قال : تَعلَمونَ ما أمرناكُم بهِ مِنَ العَمَلِ بِطاعَةِ اللّهِ ، وَتَتَناهَونَ عَمّا نَهَيناكُم عَنهُ مِنَ ارتكابِ مَحارِمِ اللّهِ ، وَتُعامِلونَ النّاسَ بِالصِّدقِ وَالعَدلِ ، وَتُؤدّونَ الأمانَةَ ، وَتَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهوَنَ عَنِ المُنكَرِ ، وَلا يَطَّلِعَ النّاسُ مُنكُم إلاّ على خَيرٍ ، فإذا رَأوا ما أنتمُ عَلَيهِ قالوا : هَؤلاءِ الفُلانِيَّةُ ، رَحِمَ اللّهُ فُلاناً ، ما كانَ أحسَنَ ما يُؤدِّبُ أصحابَهُ ، وَعَلمِوا فَضلَ ما كانَ عِندَنا ، فَسارَعوا إلَيهِ ، أشهَدُ على أبي مُحَمَّدٍ بنِ عَلِيٍّ رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ وَرَحمَتُهُ وَبَرَكاتُهُ ، لَقَد سَمِعتُهُ يَقولُ : كانَ أولِياؤُنا وَشيعَتُنا فيما مَضى خَيرَ مَن كانوا فيهِ ، إن كانَ إمامُ مَسجِدٍ في الحَيِّ كانَ مِنهُم ، وَإن كانَ مُؤذِّنٌ في القَبيلَةِ كانَ مِنهُم ، وَإن كانَ صاحبُ

.


1- .دعائم الإسلام : ج1 ص64.

ص: 229

75 . وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعته في ما ينبغي أن يكونوا عليه

76 . وصيّته عليه السلام للمفضّل فيما أوصى به شيعته

وَديعَةٍ كانَ مِنهُم ، وَإن كانَ صاحبُ أمانَةٍ كانَ مِنهُم ، وإن كانَ عالِمٌ مِنَ النّاسِ يَقصُدونَهُ لِدينِهِم وَمَصالِحِ أُمورِهِم كانَ مِنهُم . فَكونوا أنتُم كذلِكَ ، حَبِّبونا إلى النّاسِ ، وَلا تُبَغِّضونا إلَيهِم . (1)

75وصيّته عليه السلام إلى بعض من شيعتهفي ما ينبغي أن يكونوا عليهعن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام أنّه قال لبعض شيعته يوصيهم :وَخالِقوا النّاسَ بِأحسَنِ أخلاقِهِم ، صَلُّوا في مساجِدِهِم ، وَعودوا مَرضاهُم ، وَاشهَدوا جَنائِزَهُم ، وَإن استَطعتُم أن تَكونوا الأئِمَّةَ والمُؤذّنينَ فافعَلوا ، فإنَّكُم إذا فَعَلتُم ذلِكَ ، قالَ الناسُ : هَؤلاءِ الفُلانِيَّةُ ، رَحِمَ اللّهُ فلاناً ما كانَ أحسَنَ ما يُؤدِّبُ أصحابَهُ . (2)

76وصيّته عليه السلام للمفضّلفيما أوصى به شيعتهقال الإمام الصادق عليه السلام للمفضّل :أُوصيك بِسِتِّ خِصالٍ تُبَلِغُهُنَّ شيعَتي . قلتُ : وما هُنَّ يا سيّدي؟ قالَ عليه السلام : أداءُ الأمانَةِ إلى مَنِ ائتَمَنَكَ . وَأن تَرضى لاِيكَ ما تَرضى لِنَفسِكَ . وَاعلَم أنّ لِلأُمورِ أواخِرَ فاحذَر العواقِبَ.

.


1- .دعائم الإسلام : ج1 ص56 .
2- .دعائم الإسلام : ج1 ص66.

ص: 230

77 . وصيّته عليه السلام لعنوان البصريّ في أنّ العلم لا يأتي إلاّ بعد العبوديّة

وَأنَّ لِلأُمورِ بَغَتاتٍ (1) فَكُن على حَذَرٍ . وَإيّاكَ وَمُرتَقى جَبَلٍ سهلٌ إذا كانَ المُنحَدَرُ وَعراً. (2) ولا تَعدَنَّ أخاكَ وَعداً لَيسَ في يَدِكَ وَفاؤهُ . (3)

77وصيّته عليه السلام لعنوان البصريّفي أنّ العلم لا يأتي إلاّ بعد العبوديّةعنوان (4) البصريّ (5) _ وكان شيخاً كبيراً قد أتى عليه أربع وتسعون سنة _ قال : كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين ، فلمّا حضر جعفر الصّادق عليه السلام المدينة اختلفت إليه وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت من مالك ، فقال لي يوماً: إنّي رَجُل مَطلوبٌ وَمَعَ ذلِكَ لي أورادٌ في كُلِّ ساعَةٍ مِن آناءِ اللّيلِ وَالنَّهارِ فَلا تَشغَلني عَن وِردي ، فَخُذ عَن مالِكٍ واختَلِف إلَيهِ كما كُنتَ تَختَلِفُ إلَيهِ . فاغتَمَمتُ مِن ذلِكَ وَخَرَجتُ مِن عِندِهِ ، وَقُلتُ في نَفسي : لَو تَفَرَّسَ فِيَّ خَيراً لَما زَجَرَني عَنِ الاختِلافِ إلَيهِ وَالأخذِ عَنهُ ، فَدَخلتُ مَسجِدَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله وَسَلَّمتُ عَلَيهِ ، ثُمَّ رَجَعتُ مِنَ القَبرِ إلى الرَّوضَةِ وَصَلَّيتُ فيها رَكعَتَينِ ، وَقُلتُ : أسألُكَ يا أللّهُ يا أللّهُ أن تَعطِفَ عَلَيَّ قَلبَ جَعفَرٍ ، وَتَرزُقَني مِن عِلمِهِ ما أهتدي بِهِ إلى صِراطِكَ المُستَقيمِ .

.


1- .البغتات _ جمع بغتة _ أي الفجأة.
2- .المنحدر: مكان الانحدار أي الهبوط والنّزول. والوعر: ضدّ السّهل أي مكان الصّلب وهو الّذي مخيف الوحش.
3- .تحف العقول : ص367 ، بحار الأنوار : ج78 ص250 ح94 نقلاً عنه .
4- .وفي نسخة: «عفان» بدل «عنوان».
5- .لم نجد للرّجل ترجمة في المصادر الرّجاليّة بهذا العنوان .

ص: 231

وَرَجَعتُ إلى داري مُغَتمّاً حَزيناً وَلَم أختَلِف إلى مالِكِ بنِ أنسٍ لِما اُشرِبَ قَلبي مِن حُبِّ جَعفَرٍ ، فَما خَرَجتُ مِن داري إلاّ إلى الصَّلاةِ المَكتوبَةِ حَتّى عِيلَ صَبري ، فَلَمّا ضاقَ صَدري تَنَعَّلتُ وَتَرَدَّيتُ وَقَصَدتُ جَعفراً _ وَكان بَعدَ ما صَلَّيتُ العَصرَ _ فَلَمّا حَضَرتُ بابَ دارِهِ استَأذَنتُ عَلَيهِ ، فَخَرَج خادِمٌ لَهُ فقالَ : ما حاجَتُكَ؟ فقلتُ : السَّلامُ (1) عَلى الشَّريفِ . فَقالَ : هُوَ قائِمٌ في مُصَلاّهُ ، فَجَلَستُ بِحذِاءِ بابِهِ ، فَما لَبثِتُ إلاّ يَسيراً ، إذ خرَجَ خادِمٌ لَهُ قالَ : ادخُل عَلى بَرَكَةِ اللّهِ ، فَدَخلتُ وَسَلَّمتُ عَلَيهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ . وَقالَ : اجلِس غَفَرَ اللّهُ لَكَ . فَجَلَستُ فَأطرَقَ مَلِيّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وَقالَ : أبو مَن ؟ قلتُ : أبو عَبدِ اللّهِ. قال : ثَبَّتَ اللّهُ كُنيَتَكَ وَوَفَّقَكَ لِمَرضاتِهِ ، يا أبا عَبدِ اللّهِ ما مَسألَتُكَ؟. قُلتُ في نَفسي : لَو لَم يَكُن لي مِن زِيارَتِهِ وَالتَّسليمِ عَلَيهِ غَيرُ هذا الدُّعاءِ لَكانَ كَثيراً . ثُمَّ أطرَقَ مَلِيّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَقالَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ، ما حاجَتُكَ ؟ قُلتُ : سَألتُ اللّهَ أن يَعطِفَ قَلبَكَ عَلَيَّ وَيَرَزُقَني مِن عِلمِكَ ، وَأرجو أنَّ اللّهَ تَعالى أجابَني في الشَّريفِ ما سَألتُهُ . فَقالَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، لَيسَ العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، إنَّما هُوَ نورٌ يَقَعُ في قَلبِ مَن يُريُد اللّهُ تباركَ وَتَعالى أن يَهدِيَهُ ، فإن أرَدتَ العِلمَ فاطلُب أوّلاً مِن نَفسِكَ حَقيقَةَ العُبودِيَّةِ ، وَاطلُب العِلمَ باستِعمالِهِ ، واستَفهِمِ اللّهَ يُفَهِّمكَ . قُلتُ : يا شريفُ . فَقالَ : قُل : يا أبا عَبدِ اللّهِ . قُلتُ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، ما حَقيقَةُ العُبودِيَّةِ؟ قال : ثَلاثَةُ أشياءَ : أن لا يَرى العَبدُ لِنَفسِهِ فيما خَوَّلَهُ اللّهُ إلَيهِ مُلكاً ؛ لِأنَّ العَبيدَ لا يَكونُ لَهُم مُلكٌ ، يَرَونَ المالَ مالَ اللّهِ يَضَعونَهُ حَيثُ أمَرَهُم اللّهُ تَعالى

.


1- .وفي نسخة : « أسلّم » بدل « السلام » .

ص: 232

بِهِ، ولا يُدَبِّرُ العَبدُ لِنَفسِهِ تَدبيراً، وَجُملَةُ اشتِغالِهِ فيما أمَرَهُ اللّهُ تَعالى بِهِ وَنَهاهُ عنهُ ، فإذا لَم يَرَ العَبدُ لِنَفسِهِ فيما خَوَّلَهُ اللّهُ تَعالى مُلكاً هانَ عَلَيهِ الإنفاقُ فيما أمَرَهُ اللّهُ تَعالى أن يُنفِقَ فيهِ ، وَإذا فَوَّضَ العَبدُ تَدبيرَ نَفسِهِ عَلى مُدَبِّرِهِ هانَ عَلَيهِ مَصائِبُ الدُّنيا ، وَإذا اشتَغَلَ العَبدُ بما أمَرَهُ اللّهُ تَعالى وَنهاهُ لا يَتَفرَّغُ مِنها إلى المِراء وَالمُباهاةِ مَعَ النّاسِ ، فإذا أكرَمَ اللّهُ العَبدَ بِهذهِ الثّلاثِ هانَ عَلَيهِ الدُّنيا وَإبليسُ وَالخَلقُ ، وَلا يَطلُبَ الدُّنيا تَكاثُراً وَتَفاخُراً ، وَلا يَطلُبَ عِندَ النّاسِ عِزّاً وعُلُوّاً، ولا يَدَعَ أيّامَهُ باطِلاً، فَهذا أوّلُ دَرَجَةِ المُتّقينَ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «تِلْكَ الدَّارُ الْأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الْأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » (1) . قُلتُ : يا أبا عَبدِ اللّهِ أوصِني . فَقالَ : أُوصيكَ بِتِسعَةِ أشياءَ ، فإنَّها وَصِيَّتي لِمُريدي الطّريقِ إلى اللّهِ عز و جل ، وَاللّهَ أسألُ أن يُوَفِّقَكَ لاستعمالِهِ : ثَلاثَةٌ مِنها في رياضَةِ النّفسِ ، وَثَلاثَةٌ مِنها في الحلِمِ ، وَثَلاثَةٌ مِنها في العِلمِ ، فاحفَظها وَإيّاكَ والتّهاوُنَ بِها . قال عنوان (2) : ففرّغت قلبي له . فقال : أمّا اللّواتي في الرِّياضَةِ : فَإيّاكَ أن تَأكُلَ ما لا تَشتَهيهِ ، فإنَّهُ يُورِثُ الحَماقَةَ والبَلَهَ ، وَلا تأكُل إلاّ عِندَ الجوعِ ، وَإذا أكَلتَ فَكُل حَلالاً وَسَمِّ اللّهَ ، وَاذكُر حديثَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله : ما مَلأ آدمِيٌّ وِعاءً شَرّاً مِن بَطنِهِ ، فَإن كانَ لابُدَّ فَثُلثٌ لِطعامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفسِهِ . أمّا اللّواتي في الحِلمِ : فَمَن قالَ لَكَ : إن قُلتَ واحِدَةً سَمِعتَ عَشراً، فَقُل : إن قُلتَ عَشراً لَم تَسمَع واحِدَةً ، وَمَن شَتَمَكَ فَقُل : إن كُنتَ صادِقاً فيما تَقولُ فاللّهَ أسألُ أن يَغفِرَها لي ، وَإن كُنتَ كاذِباً فيما تَقولُ فاللّهَ أسألُ أن يَغفِرَها لَكَ ، وَمَن وَعَدَكَ بِالجَفاءِ فَعدِهُ بِالنَّصيحَةِ وَالدُّعاءِ (3) .

.


1- .وفي نسخة: «عفان» بدل «عنوان».
2- .القصص:83.
3- .في بحار الأنوار : «الرّعاء» بدل «الدّعاء».

ص: 233

78 . وصيّته عليه السلام إلى قوم من أصحابه في الهداية

وَأمّا اللّواتي في العِلمِ : فَأسألِ العُلماءَ ما جَهِلتَ ، وَإيّاكَ أن تَسألَهُم تَعَنُّتاً وَتَجرِبَةً ، وَإيّاكَ أن تعمَلَ بِرَأيِكَ شَيئاً، وَخُذ بِالاحتِياطِ في جَميعِ ما تَجِدُ إلَيهِ سَبيلاً ، وَاهرَب مِنَ الفُتيا هَرَبَكَ مِنَ الأسَدِ ، وَلا تَجعَل رَقَبَتَكَ لِلنّاسِ جِسراً ، قُم عَنّي يا أبا عَبدِ اللّهِ فَقَد نَصَحتُ لَكَ ، وَلا تُفسِد عَلَيَّ وِردي فَإنّي امرؤٌ ضَنينٌ بِنَفسي ، وَالسَّلامُ . (1)

78وصيّته عليه السلام إلى قوم من أصحابهفي الهدايةعن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه أوصى قوماً من أصحابه ، فقال لهم :اجعَلوا أمرَكُم هذا للّهِِ وَلا تَجعَلوهُ لِلنّاسِ ، فإنَّهُ ما كانَ للّهِِ فَهُوَ لَهُ ، وَما كانَ لِلنّاسِ فَلا يَصعَدُ إلى اللّهِ ، وَلا تُخاصِموا النّاسَ بِدينِكُم ، فَإنَّ الخُصومَةَ مُمرِضَةٌ لِلقَلبِ ، إنّ اللّهَ قالَ لِنَبيّهِ : يا مُحَمَّدُ ، «إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَ_كِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ» (2) ، وَقالَ : «أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ » (3) ، ذَروا النّاسَ ، فإنّ النّاسَ أخَذوا مِنَ النّاسِ ، وَإنَّكُم أخَذتُم مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَمِن عَلِيٍّ صَلواتُ اللّهِ عَلَيهِ وَمِنّا ، سَمِعتُ أبي رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ يَقولُ : إذا كُتِبَ على عَبدٍ دُخولُ هذا الأمرِ كانَ أسرَعَ إلَيهِ مِنَ الطّائِرِ إلى وَكرِهِ (4) . (5)

.


1- .مشكاة الأنوار : ص562 ح 1901 ، بحار الأنوار : ج1 ص224 ح17 .
2- .القصص:56.
3- .يونس:99.
4- .وذكر فيالكافي : ج1 ص166 ح3 و ج2 ص213 ح4 ، التوحيد : ص414 ح13 ، المحاسن : ج1 ص201 ح38 عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال عن عليّ بن عقبة عن أبيه قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : اجعَلوا أمرَكُم للّه ِِ وَلا تَجعَلوهُ لِلنّاسِ ، فإنَّهُ ما كانَ للّه ِِ فَهُوَ للّه ِِ . إلخ ، ولم يذكر فيهم لفظ « أوصي » .
5- .دعائم الإسلام: ج1 ص62.

ص: 234

79 . وصيّته عليه السلام لابنه موسى بن جعفر عليهماالسلام في بيان جزاء الأعمال

79وصيّته عليه السلام لابنه موسى بن جعفر عليهماالسلامفي بيان جزاء الأعمالوذكر بعض أصحابه قال : دخلت على جعفر وموسى ولده بين يديه ، وهو يوصيه بهذه الوصيّة ، فكان ممّا حفظت منه أن قال :يا بُنَيَّ احفَظ وَصِيَّتي وَاحفَظ مَقالتي ، فإنَّكَ إن حَفِظتَها تَعِش سَعيداً وَتَمُت حَميداً . يا بُنَيَّ إنَّهُ مَن قَنَعَ بِما قُسِمَ لَهُ استَغنى ، وَمَن مَدَّ عَينَهُ إلى ما في يَدِ غَيرِهِ ماتَ فَقيراً ، وَمَن لَم يَرضَ بِما قَسَمَ اللّهُ لَهُ عز و جل اتّهَمَ اللّهَ تعالى في قَضائِهِ ، وَمَن استَصغَرَ زَلّةَ نفسَهِ استَعظَمَ زَلَّةَ غَيرِهِ ، وَمَن استَعظَمَ زلََّةَ نَفسِهِ استَصغَرَ زَلَّةَ غَيرِهِ . يا بُنَيَّ مَن كَشَفَ حِجابَ غَيرِهِ انكَشَفَت عَوراتُ نَفسِهِ ، وَمَن سَلّ سَيفَ البَغيِ قُتِلَ بِهِ ، وَمَن حَفَرَ بهِ لِأخيهِ بِئراً سَقَطَ فيها ، وَمَن داخَلَ السُّفهاءَ حُقِّرَ ، وَمَن خالَطَ العُلماءَ وُقِّرَ ، وَمَن دَخَلَ مَداخِلَ السّوءِ اتُّهِمَ . يا بُنَيَّ قُلِ الحَقَّ لَكَ وَعَلَيكَ . وَإيّاكَ وَالنَّميمَةَ ، فإنَّها تَزرَعُ الشَّحناءَ في قُلوبِ الرِّجالِ . يا بُنَيَّ ، إذا طَلَبتَ الجُودَ فَعَلَيكَ بِمَعادِنِهِ ؛ فإنَّ لِلجودِ مَعادِنَ وَلِلمَعادِنِ أُصولاً وَلِلأُصولِ فروعاً وَلِلفروعِ ثَمَراً ، وَلا يَطيبُ ثَمَرٌ إلاّ بِفَرعٍ ، وَلا فَرعٌ إلاّ بِأصلٍ وَلا أصلٌ إلاّ بِمَعدِنٍ طَيِّبٍ . يا بُنَيَّ ، إذا زُرتَ فَزُرِ الأخيارَ وَلا تَزُرِ الفُجّارَ ؛ فَإنَّهُم صَخرَةٌ لا يَنفَجِرُ ماؤُها ، وَشَجَرَةٌ لا يَخضَرُّ وَرَقُها وَأرضٌ لا يَظهَرُ عُشبُها . قالَ عليُّ بنُ موسى عليه السلام : فَما تَرَكَ أبي هذهِ الوَصِيَّةَ إلى أن ماتَ . (1)

.


1- .كشف الغمة : ج2 ص369 ، بحار الأنوار : ج78 ص204 ح42 .

ص: 235

80 . وصيته عليه السلام إلى ولده عند دخول شهر رمضان

81 . ومِن وصيّته عليه السلام لرجلٍ في أفضل الوصايا

80وصيته عليه السلام إلى ولدهعند دخول شهر رمضانأحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفّوان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن المسمعي (1) ، أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يوصي ولده [ ويقول ] :إذا دَخَلَ شَهرُ رَمضانَ فأجهِدوا أنفُسَكُم فإنّ فيهِ تقسَّمُ الأرزاقُ وَتُكتَبُ الآجالُ وفيهِ يُكتَبُ وَفدُ اللّهِ الّذينَ يَفِدونَ إلَيهِ ، وَفيهِ لَيلَةٌ العَمَلُ فيها خَيرٌ مِن العَمَلِ في ألفِ شَهرٍ . (2)

81ومِن وصيّته عليه السلام لرجلٍفي أفضل الوصايامصباح الشريعة :أفضَلُ الوَصايا وألْزَمُها أن لا تَنسى رَبَّكَ ، وَأن تَذكُرَهُ دائِماً ، ولا تَعصِيَهُ ، وَتَعبُدَهُ قاعِداً وَقائِماً ، وَلا تَغتَرَّ بِنِعمَتِهِ ، وَاشكُرهُ أبداً ، وَلا تَخرُج مِن تَحتِ أستارِ عَظَمَتِهِ وَجَلالِهِ فَتَضِلَّ ، وَتَقَعَ في مَيدانِ الهَلاكِ ، وَإن مَسَّكَ البَلاءُ وَالضُّرُّ ، وَأحرَقَتكَ نيرانُ المِحَنِ . وَاعلَم أنّ بَلاياهُ مَحشَوَةٌ بِكَراماتِهِ الأَبدِيَّةِ ، وَمِحَنَهُ مُورِثَةٌ رِضاهُ وَقُربَهُ وَلَو بَعدَ حينٍ ، فَيالَها مِن مَغنَمٍ لِمَن عَلِمَ وَوُفِّقَ لِذلِكَ . (3)

.


1- .المسمعي ، محدث إمالي ، روى عنه إسحاق بن عمّار . (راجع تنقيح المقال : ج 3 قسم الألقاب ص 57 ، جامع الرواة : ج 2 ص 451 ، نقد الرجال : ص 411 ، مجمع رجال الحديث : ج 23 ص 142 ، المسمعي ، المسمع كمنبر ، أبو قبيلة وهم المسامعة . (طرائف المقال : ج 2 ص 198) .
2- .الكافي : ج 4 ص 66 ح 2 ، تهذيب الأحكام : ج 4 ص 192 ح 547 ، فضائل الأشهر الثلاثة : ص103 ح 90، بحار الأنوار : ج 96 ص 375 ذيل الحديث 63 .
3- .مصباح الشريعة : ص 162 ، بحار الأنوار: ج78 ص200 ح27 نقلاً عنه.

ص: 236

وصيّة محكمة موجزة في السّرائر

عقاب من استخفّ بصلاته

وصيّته عليه السلام إلى سفيان الثّوري

وفي مشكاة الأنوار :أُوصيكَ بِحفظِ ما بَينَ رِجلَيكَ ، وَما بَينَ لَحيَيكَ (1) . (2)

وصيّة محكمة موجزة في السّرائر:أتى رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: يا بن رسول اللّه أوصني. فقال له :لا يَفقِدُكَ اللّهُ حَيثُ أمَرَكَ ، وَلا يَراكَ حَيثُ نَهاكَ . فقال له : زدني . فقال : لا أجِدُ (3) . (4)

عقاب من استخفّ بصلاتهحدّثني محمّد بن عليّ ما جيلويه ، عن عمّه ، عن محمّد بن عليّ القرشيّ ، عن ابن فضّال ، عن الميثميّ ، عن أبي بصير ، قال : دخلت على أُمّ حميدة (5) أُعزّيها بأبي عبد اللّه عليه السلام فبكت وبكيت لبكائها . ثمّ قالت : يا أبا محمّد ، لو رأيتَ أبا عَبدِ اللّهِ عِندَ المَوتِ لَرَأيتَ عَجَباً ، فَتَحَ عَينَهُ ثُمَّ قالَ : اجمَعوا لي كُلَّ مَن بَيني وَبَينَهُ قَرابَةٌ . قالَت : فَلَم نَتركُ أحَداً إلاّ جَمَعناهُ . قالَ : فَنَظَر إلَيهِم ثُمَّ قالَ : إنّ شفاعَتَنا لا تَنالُ مُستَخِفّاً بِالصَّلاة . (6)

وصيّته عليه السلام إلى سفيان الثّوريحدّثنا أبو أحمد القاسم بن محمّد السّراج الهمذانيّ ، بهمذان ، قال : حدّثنا أبو بكر

.


1- .وفي كتاب الزهد للحسين بن سعيد : صفوان بن يحيى عن أبي خالد عن حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أتى النّبيّ صلى الله عليه و آله أعرابيّ فقال : أوصني يا رسول اللّه . فقال: نعم اُوصيك بحفظ ما بين رجليك . ( ص8 ح14) .
2- .مشكاة الأنوار : ص122 ح 286 ، بحار الأنوار : ج71 ص274 ح22 نقلاً عنه .
3- .في الحكايات : زاد في آخره «مزيدا» .
4- .في السرائر: ج3 ص650، الحكايات : ص95 ح5 .
5- .اُمّ حميدة أو حميدة البربريّة اُخت صالح البربري زوجة الإمام جعفر الصادق عليه السلام واُمّ الكاظم عليه السلام ، والبربريّة نسبة إلى بربر ، وهم قبائل كثيرة في جبال المغرب ، وتلقب حميدة بالمصفّاة أيضا ولؤلؤة ، ويقال : هي أُندلسيّة ، وكانت من التّقّيات الثّقات ، وكان الصّادق عليه السلام يرسلها مع اُمّ فروفة تقضيات حقوق أهل المدينة ، ولها كرامات . (راجع : الإرشاد : ج 2 ص 215 ، تنقيح المقال : ج 3 ص 76) .
6- .ثواب الأعمال : ص228، الأمالي للصدوق: ص572 ح779، المحاسن: ج1 ص80 ح6، روضة الواعظين : ص318، بحار الأنوار: ج47 ص2 ح5 وج83 ص19 ح31 وج84 ص234 ح10 .

ص: 237

محمّد بن أحمد الضّبِيّ قال : حدّثنا مُحمّد بن عبد العزيز الدِّينَوَريّ قال : حدّثنا عبيد اللّه بن موسى العبسيّ ، عن سفيان الثّوريّ قال : لقيت الصّادق بن الصّادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام فقلت له : يا ابن رسول اللّه أوصني. فقال لي : يا سُفيانُ ، لا مُروءَةَ لِكَذوبٍ ، وَلا أخَ لِمَلولٍ ، وَلا راحَةَ لِحَسودٍ ، وَلا سُؤدَدَ لِسَيِّئ الخُلُقِ . فقلت : يا ابن رسول اللّه ، زدني . فقال لي : يا سُفيانُ ، ثِق بِاللّهِ تَكُن مُؤمِناً ، وَارضَ بِما قَسَمَ اللّهُ لَكَ تَكُن غَنِيّاً ، وَأحسِن مُجاوَرَةَ مَن جاوَرتَهُ تَكُن مُسلِماً ، وَلا تَصحَب الفاجِرَ فَيُعَلِّمُكَ مِن فُجورِهِ ، وَشاوِر في أمرِكَ الّذينَ يَخشَونَ اللّهَ عز و جل . فقلت: يا ابن رسول اللّه زدني. فقال لي : يا سُفيانُ مَن أرادَ عِزّاً بِلا عَشيَرةٍ ، وغِنى بِلا مالٍ وَهيَبةً بِلا سُلطانٍ ، فَليَنتَقِل مِن ذُلِّ مَعصِيَةِ اللّهِ إلى عِزّ طاعَتِهِ . فَقلتُ : زدني يا ابن رسول اللّه . فقال لي : يا سُفيانُ أمَرَني والدي عليه السلام بِثَلاثٍ وَنَهاني عَن ثَلاثٍ ، فَكانَ فيما قالَ لي: يا بُنيَّ ، مَن يَصحَب صاحِبَ السُّوءِ لا يَسلَمُ ، وَمَن يَدخُل مَداخِلَ السُّوءِ يُتَّهَمُ ، وَمَن لا يَملِك لِسانَهُ يَندَمُ، ثُمَّ أنشَدَني (فقالَ ) عليه السلام : عَوِّد لِسانَكَ قَولَ الخَيرِ تَحظَ بِهِإنّ اللِّسانَ لِما عَوّدتَ يَعتادُ مُوَكَّلٌ بِتَقاضي ما سَنَنتَ لَهُفي الخَيرِ وَالشَّرِ فانظُر كَيفَ تَعتادُ (1) وَفي تُحَفِ العُقولِ: قال سفيان الثوريّ : دَخَلتُ على الصّادِقِ عليه السلام فَقُلتُ لَهُ : أوصِني بِوَصِيَةٍ أحفَظُها مِن بَعدِكَ . قال عليه السلام : وَتَحفَظُ يا سُفيانُ ؟ قلت : أجَل يا ابنَ بنتِ رَسولِ اللّهِ . قال عليه السلام : يا سُفيانُ لا مُرُوَّةَ لِكَذوبٍ . ولا راحَةَ لِحَسودٍ ، ولا إخاءِ لِمَلولٍ . وَلا خُلَّةَ لِمُختالٍ . وَلا سُؤدَدَ لِسَيِّئ الخُلُقِ . ثُمَّ أمسَكَ عليه السلام .

.


1- .الخصال : ص 169 ح222، بحار الأنوار: ج78 ص192 ح6 نقلاً عنه.

ص: 238

مفتاح الرّزق

من مواعظه عليه السلام

فَقلت : يا ابن بنت رسول اللّه زِدني . فقال عليه السلام : يا سُفيانُ ثِق بِاللّهِ تَكُن عارِفاً . وَارضَ بِما قَسَمَهُ لَكَ تَكُن غَنِيّاً . صاحِب بِمِثلِ ما يُصاحِبونَكَ بِهِ تَزدَد إيماناً ، وَلا تُصاحِب الفاجِرَ فَيُعَلِّمُكَ مِن فُجورِهِ . وَشاوِر في أمرِكَ الّذينَ يَخشَوَن اللّهَ عز و جل . ثم أمسك عليه السلام . فقلت : يا ابن بنت رسول اللّه زدني . فقال عليه السلام : يا سُفيانُ ، مَن أرادَ عِزّاً بِلا سُلطانٍ ، وَكَثرَةً بِلا إخوانٍ ، وَهَيبَةً بِلا مالٍ ، فَلينتَقِل مِن ذُلِّ مَعاصي اللّهِ إلى عِزِّ طاعَتِهِ . ثمّ أمسك عليه السلام فقلت: يا ابن بنت رسول اللّه زدني. فقال عليه السلام : يا سُفيانُ ، أدَّبني أبي عليه السلام بِثَلاثٍ ، وَنَهاني عَن ثَلاثٍ : فَأمّا اللَّواتي أدَّبني بِهِنّ فإنَّهُ قالَ لي : يا بُنَيَّ مَن يَصحَب صاحِبَ السُّوءِ لا يَسلَمُ . وَمَن لا يُقَيِّد ألفاظَهُ يَندَم ، وَمَن يَدخُل مَداخِلَ السُّوءِ يُتَّهَم . قلت: يا ابن بنت رسول اللّه ، فما الثّلاث اللّواتي نهاك عَنهُنّ ؟ قال عليه السلام : نَهاني أن أصاحِبَ حاسِدَ نِعمَةٍ وَشامِتاً بُمُصيبَةٍ ، أو حامِلَ نَميمَةٍ . (1)

مفتاح الرّزقأحمد، عن يحيى بن العلاء، وإسحاق بن عمّار جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قالا: ما ودّعنا قطّ إلاّ أوصانا بخصلتين: عَلَيكُم بِصدقِ الحَديثِ ، وَأداءِ الأمانَةِ إلى البَرِّ وَالفاجِرِ ، فَإنَّهُما مِفتاحُ الرِّزقِ . (2)

من مواعظه عليه السلامأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عنبسة بن بجاد العابد :

.


1- .تحف العقول: ص376، بحار الأنوار: ج78 ص261 ح160 نقلاً عنه.
2- .الأمالي للطّوسي: ص676 ح1429، بحار الأنوار: ج103 ص92 ح6 نقلاً عنه.

ص: 239

تكملة فيما أمر به شيعته وأصحابه

في مكارم الأخلاق

أنّ رجلاً قال للصّادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام : أوصني . فقال : أعِدَّ جِهازَكَ ، وَقَدِّم زادَكَ لِطولِ سَفَرِكَ ، وَكُن وَصِيَّ نَفسِكَ ، وَلا تَأمَن غَيرَكَ أن يَبعَثَ إلَيكَ بِما يُصلِحُكَ . (1)

تكملةفيما أمر به شيعته وأصحابهفي مكارم الأخلاقعن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار (2) قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام :وَطِّن نَفسَكَ على حُسنِ الصَّحابَةِ لِمَن صَحِبتَ في حُسنِ خُلُقِكَ ، وَكُفَّ لِسانَكَ وَاكظُم غَيظَكَ ، وَأقِلَّ لَغوَكَ ، وَتَفَرّش عَفوَكَ وَتَسخو نَفسُكَ . (3)

وسهل بن زياد، وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول لحمران بن أعين (4) :يا حُِمرانُ ، انظُر إلى مَن هُوَ دونَكَ في المَقدِرَةِ ، وَلا تَنظُر إلى مَن هُوَ فَوقَكَ في المَقدِرَةِ ، فإنَّ ذلِكَ أقنَعُ لَكَ بِما قُسِمَ لَكَ ، وَأحرى أن تَستَوجِبَ الزِّيادَةَ مِن رَبِّكَ ، اعلَم أنَّ العَمَلَ الدّائِمَ القَليلَ على يَقينٍ ، أفضَلُ عِندَ اللّهِ جَلَّ ذِكرُهُ مِنَ العَمَلِ الكَثيرِ على غَيرِ يَقينٍ . وَاعلَم إنَّهُ لا وَرَعَ أنفَعُ مِن تَجَنُّبِ

.


1- .الأمالي للطّوسي: ص355 ح435، روضة الواعظين : ص488 .
2- .معاوية بن عمّار بن أبي معاوية خبّاب بن عبد اللّه الدّهنيّ ، ودهن هو حيّ من بجيلة ، مولاهم كوفيّ ، كان وجها ، ومقدما ، كثير الشأن ، عظيم المحل ، ثقة وأخوه القاسم ، وحكيم ، ومحمّد وكان من أصحاب الصّادق والكاظم عليهماالسلام ، وله كتاب . (راجع : رجال النجاشيّ : ج 2 ص 346 الرقم 1097 ، رجال الطوسي : ص 303 الرقم 4457 ، الفهرست : ص 247 الرقم 737) .
3- .الكافي : ج4 ص286 ح3.
4- .حُمران بن أعين الشّيبانيّ ، مولى كوفّي ، تابعيّ من أصحاب الباقر والصّادق عليهماالسلام ، ممدوح معظم ، مشكور ، قال أبي جعفر عليه السلام لحمران : أنت من شيعتنا في الدنيا والآخرة . يكني أبا الحسن ، ( راجع : رجال الطوسي : ص 194 الرقم 2415 ، رجال الكشي : ج 1 ص 412 ، خلاصة الأقوال : ص 134) .

ص: 240

في حسن المعاشرة

في الورع

مَحارِمِ اللّهِ ، وَالكَفِّ عَن أذى المُؤمِنينَ وَاغتِيابِهِم ، وَلا عَيشَ أهنَأُ مِن حُسنِ الخُلُقِ ، وَلا مالَ أنفَعُ مِن القُنوعِ بِاليَسيرِ المُجزي ، وَلا جَهلَ أضَرُّ مِنَ العُجبِ . (1)

في حسن المعاشرةأحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمّد بن حفص، عن أبي الرّبيع الشّاميّ 2 قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام والبيت غاص بأهله ، فيه الخراسانيّ والشّاميّ ومن أهل الآفاق ، فلم أجد موضعاً أقعد فيه ، فجلس أبو عبد اللّه عليه السلام وكان متّكئاً ثمّ قال :يا شيعَةَ آلِ مُحَمّدٍ ، اعلَموا إنَّهُ لَيس مِنّا مَن لَم يَملِك نَفسَهُ عِندَ غَضَبِهِ ، وَمَن لَم يُحسِن صُحبَةَ مَن صَحِبَهُ ، وَمُخالَقَةَ مَن خالَقَهُ ، وَمُرافَقَة مَن رافَقَهُ ، وَمُجاوَرَةَ مَن جاوَرَهُ ، وَمُمالَحَةَ مَن مالَحَهُ ، يا شيعَةَ آلِ مُحَمّد ، اتّقوا اللّهَ ما استَطَعتُم ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ . (2)

في الورعالفحام ، عن المنصوريّ، عن عمّ أبيه ، عن أبي الحسن الثّالث ، عن آبائه عليهم السلامقال : قال الصّادق عليه السلام :عَلَيكُم بِالوَرَعِ ، فإنَّهُ الدِّينُ الّذي نلازِمُهُ وَنَدينُ اللّهَ بِهِ ، وَنُريدُهُ مِمَّن يُوالينا ، لا تُتَّعِبونا بِالشّفاعَةِ . (3)

.


1- .الكافي: ج8 ص244 ح338، علل الشرائع : ص559 ح1، تحف العقول : ص360، الاختصاص : ص227، بحار الأنوار: ج69 ص400 ح93 وج70 ص173 ح28.
2- .الكافي : ج2 ص637 ح2.
3- .الأمالي للطّوسي: ص281 ح544، بحار الأنوار : ج70 ص306 ح29 نقلاً عنه.

ص: 241

في علّة سهولة النّزع وصعوبته على المؤمن والكافر

في الصّبر ، واليسر بعد العسر

في علّة سهولة النّزع وصعوبته على المؤمن والكافرمحمّد بن أبي القاسم ماجيلويه ، عن محمّد بن عليّ الكوفيّ ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام :يا مُفَضَّلُ ، إيّاكَ وَالذُّنوبَ وَحَذِّرها شيَعَتنا ، فَوَ اللّهِ ما هِيَ إلى أحَدٍ أسرَع مِنها إلَيكُم ، إنَّ أحَدَكُم لَتُصيبُهُ المَعَرَّةُ مِنَ السُّلطانِ ، وَما ذاكَ إلاّ بِذُنوبِهِ ، وَإنَّهُ لَيُصيبُهُ السُّقمُ ، وَما ذاكَ إلاّ بِذُنوبِهِ ، وَإنّهُ لَيُحبَسُ عَنهُ الرِّزقُ وَما هُوَ إلاّ بِذُنوبِهِ ، وَإنَّهُ لَيُشَدَّدُ عَلَيهِ عِندَ المَوتِ وَما هُوَ إلاّ بِذُنوبِهِ ، حَتّى يَقولَ مَن حَضَرَهُ لَقَد غُمَّ (1) بِالمَوتِ . فلمّا رأى ما قد دخلني قال : أتَدري لِمَ ذاكَ يا مُفَضَّلُ ؟ قال : قلتُ : لا أدري جُعِلتُ فِداكَ . قال : ذاكَ وَاللّهِ إنَّكُم لا تُؤاخَذونَ بِها في الآخِرَةِ ، وَعُجِّلَت لَكُم فِي الدُّنيا . (2)

في الصّبر ، واليسر بعد العسرعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه : وعليّ بن محمّد القاسانيّ، جميعاً، عن القاسم بن محمّد الاصبهانيّ ، عن سليمان بن داوود المنقريّ ، عن حفص بن غياث قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام :يا حَفصُ ، إنّ مَن صَبَرَ صَبَرَ قليلاً ، وَإنَّ مَن جَزَعَ جَزَعَ قَليلاً ، ثمّ قال : عَلَيكَ بِالصَّبرِ في جَميعِ اُمورِكَ ، فإنَّ اللّهَ عز و جل بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله فأمَرَهُ بِالصَّبرِ وَالرِّفقِ ، فَقالَ : «وَ اصْبِرْ عَلَى مَايَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً * وَ ذَرْنِى وَ الْمُكَذِّبِينَ أُولِى النَّعْمَةِ» . (3) وَقالَ تَباركَ وَتَعالى : «ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَدَ اوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ * وَ مَايُلَقَّ_اهَآ إِلاَّ

.


1- .بيان : قال الفيروزآبادي : المعرة : الإثم ، والأذى ، والغرم ، والدّية ، والخيانة . قوله عليه السلام : لقد غمّ بالموت أي صار مغموماً متألماً بالموت غاية الغمّ لشدّته ، وقال الجوهري : غمّ يومناً بالفتح ، فهو يوم غمّ : إذا كان يأخذ بالنّفس من شدّة الحرّ.
2- .علل الشرائع : ص297 ح1، بحار الأنوار : ج6 ص157 ج15 نقلاً عنه.
3- .المزمل:11 و12.

ص: 242

الَّذِينَ صَبَرُوا وَ مَا يُلَقَّ_اهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ » (1) ، فَصَبَر رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى نالوهُ بالعَظائِمِ وَرَمَوهُ بِها ، فَضاقَ صَدرُهُ فَأنزَلَ اللّهُ عز و جل : «وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُن مِنَ السَّاجِدِينَ » (2) ، ثُمَّ كَذّبوهُ وَرَموهُ ، فَحَزِنَ لِذلِكَ ، فأنزَلَ اللّهُ عز و جل : «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ *وَلَقَدْكُذِّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا» (3) . فَألزَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله نَفسَهُ الصّبرَ ، فَتَعَدّوا فَذَكروا اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى وَكَذّبوهُ ، فَقالَ : قَد صَبَرتُ في نَفسي وَأهلي وَعرِضي وَلا صَبرَ لي عَلى ذِكرِ إلهي ، فَأنزَلَ اللّهُ عز و جل : « وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَ اتِ وَالْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ مَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ» (4) ، فَصَبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله في جَميعِ أحوالِهِ ، ثُمَّ بُشِّرَ في عِترَتِهِ بِالأئمَّةِ ووُصِفوا بِالصَّبرِ ، فقالَ : جَلّ ثناؤهُ : « وَ جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَ كَانُوا بَِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ » (5) فَعِندَ ذلِكَ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الصَّبرُ مِنَ الإيمانِ كَالرّأسِ مِنَ الجَسَدِ ، فَشَكَرَ اللّهُ عز و جل ذلِكَ لَهُ ، فَأنزَلَ اللّهُ عز و جل : « وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِى إِسْرَ ائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَ دَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ » (6) فَقالَ صلى الله عليه و آله : إنَّهُ بُشرى وَانتِقامٌ ، فأباحَ اللّهُ عز و جل لَهُ قِتالَ المُشرِكينَ فَأنزَلَ (اللّهُ) : «اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ» (7) ، «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ» (8) فَقَتَلَهُم اللّهُ على يَدَي

.


1- .فصلت:34 و35.
2- .الحجر: 97 و98.
3- .الأنعام: 33 و34.
4- .ق: 38 و39.
5- .السجدة:24.
6- .الأعراف: 137.
7- .التوبة:5.
8- .البقرة:191،النساء:91.

ص: 243

في الحلم والعفو

في النّهي عن القول بغير علم والافتاء بالرأي

رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَأحِبّائِهِ ، وَجَعَلَ لَهُ ثَوابَ صَبرِهِ مَعَ ما ادَّخَرَ لَهُ في الآخِرَةِ ، فَمَن صَبَرَ وَاحتَسَبَ لَم يَخرُج مِنَ الدُّنيا حَتّى يُقِرَّ ( اللّهُ ) لَهُ عَينَهُ في أعدائِهِ ، مَعَ ما يَدّخِرُ لَهُ في الآخِرَةِ . (1)

في الحلم والعفوابن البرقيّ، عن أبيه، عن جدّه، عن جعفر بن عبد اللّه ، عن عبد الجبّار بن محمّد، عن داوود الشعيريّ ، عن الرّبيع صاحب المنصور (2) قال : قال المنصور للصّادق عليه السلام : حدّثني عن نفسك بحديث أتَّعِظ به ، ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات، فقال الصّادق عليه السلام :عَلَيكَ بِالحِلمِ فإنَّهُ رُكنُ العِلمِ ، وَاملُك نَفسَكَ عِندَ أسبابِ القُدرَةِ ، فإنَّكَ إن تَفعَل ما تَقدِرُ عَلَيهِ كُنتَ كَمَن شَفى غَيظاً أو تَداوى حِقداً ، أو يُحِبُّ أنُ يُذكَرَ بِالصَّولَةِ وَاعلَم بِأنَّكَ إن عاقَبتَ مُستَحِقّاً لَم تَكُن غايَةُ ما تُوصَفُ بِهِ إلاّ العَدلُ ، وَلا أعرِفُ حالاً أفضَلَ مِن حالِ العَدلِ ، وَالحالُ الّتي تُوجِبُ الشُّكرَ أفضَلُ مِن الحالِ الّتي تُوجِبُ الصَّبرَ . (3)

في النّهي عن القول بغير علم والافتاء بالرأيمحمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد وعبد اللّه ابني محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن مفضّل بن مزيد (4) قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام :

.


1- .الكافي: ج2 ص88 ح3، بحار الأنوار: ج71 ص60 ح1 نقلاً عنه.
2- .الرّبيع صاحب المنصور الدّوانيقي ، واسمه : الرّبيع بن يونس بن محمّد بن أبي فروة ، واسم أبي فروة كيسان مولى الحارث الحفار مولى عثمان بن عفان ، وكان ابن عياش المنتوف يطعن في نسب الرّبيع ، وقيل : انّ الرّبيع وزر للمنصور وللهادي ولم يوزر للمهدي وإنّه مات في أوّل سنة سبعين ومئة . وحدث عن المنصور وجعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، وروى عنه . موسى بن سهل ، وابنه الفضل بن الربيع ، وعبد اللّه بن عامر التميميّ . (راجع : تاريخ بغداد : ج 8 ص 412 الرقم 4521 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 18 ص 85 الرقم 2159) .
3- .الأمالي للصدوق : ص711 ح 978 ، بحار الأنوار : ج71 ص414 ح35 نقلاً عنه.
4- .مفضّل بن مزيد (يزيد) أخو شعيب الكاتب ، وروي الكشي حديثا : يعطى أنّه كان شيعيا وعدّه الشيخ من أصحاب الباقر عليه السلام . (راجع : رجال الكشي : ج 2 ص 672 ، رجال الطوسي : ص 146 الرقم 1606 ، خلاصة الأقوال : ص 491 ، رجال ابن داوود : ص 351 الرقم 1564) .

ص: 244

في المجالسة والمرافقة

في تزاور الإخوان

أنهاكَ عَن خِصلَتَينِ فيهِما هَلَكَ الرِّجالُ : أن تَدينَ اللّهَ بِالباطِلِ ، وَتُفتي النّاسَ بِما لا تَعلَمُ . (1) وَفي رواية اُخرى : الإمام الصادق عليه السلام : خِصلَتَينِ مُهلِكَتَينِ : تُفتي النّاسَ بِرَأيِكَ أو تَدينُ بِما لا تَعلَمُ . (2)

في المجالسة والمرافقةمحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، ومحمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان عن عمّار بن موسى (3) قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام :يا عَمّارُ ، إن كُنتَ تُحِبُّ أن تَستَتِبَّ لَكَ النِّعمَةُ ، وَتَكمُلُ لَكَ المُروءَةُ ، وَتَصلُحُ لَكَ المَعيشَةُ ، فَلا تُشارِك العَبيدَ وَالسَّفَلَةَ في أمرِك ، فَإنّكَ إنِ ائتَمنَتَهُم خانوكَ ، وَإنِ حَدَّثوكَ كَذَبوكَ ، وَإن نُكِبتَ خَذَلوكَ ، وَإن وَعَدوكَ أخلَفوكَ . (4)

في تزاور الإخوانأحمد بن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب ، عن شعيب العقرقوفيّ (5)

.


1- .الخصال : ص52 ح65، المحاسن : ج1 ص204 ح54 و55 ، بحار الأنوار: ج2 ص114 ح5.
2- .تحف العقول : ص369 ، دعائم الإسلام : ج2 ص536 ح1904 وفيه «قال لبعض أصحابه»، بحار الأنوار : ج78 ص252 ح108.
3- .عمّار بن موسى السّاباطيّ : أبو الفضل ، مولى ، وأخواه قيس وصباح كانوا ثقات في الروّاية ، كوفيّ ، كبير ، جيّد ، معتمد ، وله كتاب ، وكان فطحيّا ، وعدّه من أصحاب الصّادق والكاظم عليهماالسلام . ( راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص 138 الرقم 778 ، رجال الكشي : ج 2 ص 524 ، الفهرست : ص 189 الرقم 526 ، رجال الطوسي : ص 251 الرقم 3527 وص 340 الرقم 5054 ) .
4- .الكافي : ج2 ص640 ح5 .
5- .شعيب العقرقوقيّ : أبو يعقوب ابن اُخت أبي بصير يحيى بن القاسم ، ثقة ، عين ، له كتاب عدّه من أصحاب الصّادق والكاظم عليهماالسلام . (راجع : رجال النجاشي : ج 1 ص 435 الرقم 518 ، رجال الكشي : ج 2 ص 741 ، رجال الطوسي : ص 224 الرقم 3005 و ص 338 الرقم 5035) . والعقرقوفي : نسبة إلى عقرفوف ، وهو عقر أضيف إلى قوف فصار مركبا ، قيل هي قرية من نواحي دجيل ورد بالمنع وأنّه من نواحي نهر عيسى ، بينها وبين بغداد أربعة فراسخ إلى جانبها تلّ عظيم عالى يرى من خمسة فراسخ بل أكثر ، وفي وسطه بناء باللّبن والقصب ، كأنّه قد كان أعلى ممّا هو فأستهدم بالمطر فصار ما تهدم حوله تلّأ عاليا . (راجع : تنقيح المقال : ج 1 ص 19 ، مراصد الاطلاع) .

ص: 245

في تذاكر الإخوان

في الشكوى للإخوان

قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول لأصحابه :اتّقوا اللّهَ وَكونوا إخوَةً بَرَرَةً ، مُتَحابيّنَ في اللّهِ ، مُتَواصِلينَ ، مُتَراحِمينَ ، تَزاوَروا وَتَلاقَوا وَتَذاكَروا أمرَنا وَأحيوه. (1)

في تذاكر الإخوانمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن يزيد بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :تَزاوَروا ، فإنّ في زِيارَتِكُم إحياءً لِقُلوبِكُم ، وَذِكراً لِأَحاديثِنا ، وَأحاديثُنا تَعطِفُ بَعضَكُم على بَعضٍ ، فَإن أخَذتُم بِها رَشِدتُم وَنَجَوتُم ، وَإن تَرَكتُموها ضَلَلتُم وَهَلَكتُم ، فَخُذوا بِها وَأنا بِنَجاتِكُم زَعيمٌ . (2)

في الشكوى للإخوانأحمد بن محمّد بن خالد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد (3)

.


1- .الكافي :ج 2 ص 175 ح 1 ، الأمالي للطّوسي : ص 60 ح 87 وفيه «عن محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن محبوب ، عن شعيب القرقوفي ، قال : حدّثنا أبو عبيد ، قال : سمعت أبا عبداللّه . . . »، بحار الأنوار : ج 74 ص 351 ح 20 .
2- .الكافي : ج2 ص186 ح2،بحار الأنوار : ج74 ص258 ح56 نقلاً عنه.
3- .قال الشيخ رحمه الله : الحسن بن راشد مولى بني العباس ، كوفيّ ، وفي مكان آخر : بغدايّ ، وقال ابن الغضائري : الحسن بن راشد مولى المنصور ، أبو محمّد ، ضعيف ، وعدّا من أصحاب الصّادق والكاظم عليهماالسلام . والظاهر اتّحادهما . ( راجع : رجال الطوسي : ص 181 الرقم 2172 ، وص 334 الرقم 4973 ، رجال ابن الغضائري : ص 49 الرقم 28 و ص 132 ، خلاصة الأقوال : ص 335) .

ص: 246

في أنَّ الشَّيعة هم أهل دين اللّه وهم على دين

الولاية

قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام :يا حَسَنُ ، إذا نَزَلَت بِكَ نازِلَةٌ فَلا تَشكُها إلى أحَدٍ مِن أهلِ الخِلافِ ، وَلكن اذكُرها لِبَعضِ إخوانِكَ ، فَإنَّكَ لَن تَعدَمَ خِصلَةً مِن أربَعِ خِصالٍ : إمّا كفايَةً بِمالٍ ، وَإمّا مَعونَةً بِجاهٍ ، أو دَعوَةً فَتُستَجابُ ، أو مَشورَةً بِرَأيٍ . (1)

في أنَّ الشَّيعة هم أهل دين اللّه وهم على دينيحيى الحلبيّ، عن عبد اللّه بن مسكان، عن حبيب 2 قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:أما واللّهِ ما أحَدٌ مِنَ النّاسِ أحَبَّ إلَيَّ مِنكُم ، وَإنَّ النّاسَ سَلَكوا سُبُلاً شَتّى فَمِنهُم مَن أخَذَ بِرَأيِهِ ، وَمنِهُم مَن اتَّبعَ هواهُ ، وَمِنهُم مَن اتَّبَعَ الرِّوايَةَ ، وَإنَّكُم أخَذتُم بِأمرٍ لَهُ أصلٌ ، فَعَلَيكُم بِالوَرَعِ وَالاجتِهادِ ، وَاشهَدوا الجَنائِزَ ، وَعودوا المَرضى وَاحضَروا مَعَ قَومِكُم في مَساجدِهِم لِلصّلاةِ ، أما يَستَحي الرَّجُلُ مِنكُم أن يَعرِفَ جارُهُ حَقَّهُ وَلا يَعرِفُ حَقَّ جارِهِ . (2)

الولايةحميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:رَحِمَ اللّهُ عَبداً حَبَّبنا إلى النّاسِ وَلَم يُبَغِّضنا إلَيهِم ، أما وَاللّهِ لَو يَروونَ مَحاسِنَ كَلامِنا لَكانوا بِهِ أعزَّ ، وَما استَطاعَ أحَدٌ أن يَتَعَلَّقَ عَلَيهمِ بِشَيءٍ ، وَلكِنَّ أحدَهُم يَسمَعُ

.


1- .الكافي :ج8 ص170 ح192،تحف العقول :ص379 ،بحار الأنوار :ج78ص265 ح174وج81 ص207 ح18.
2- .الكافي: ج8 ص146 ح121 وراجع: المحاسن : ج1 ص156 ح87، بحار الأنوار: ج68 ص90 ح23.

ص: 247

في السّكوت والكلام وموقعهما

في الحسنات بعد السّيئات

الكَلِمَةَ فَيَحُطُّ إلَيها عَشراً . (1)

وهارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة (2) قال : سَمِعتُ أبا عَبدِاللّه عليه السلام يَقولُ لِأصحابِهِ يَوماً :لا تَطعَنوا في عُيوبِ مَن أقبَلَ إلَيكُم بِمَودَّتِهِ وَلا تُوقِفوهُ على سَيِّئَةٍ يَخضَعُ لَها فإنَّها لَيسَت مِن أخلاقِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَلا مِن أخلاقِ أوليائِهِ . (3)

في السّكوت والكلام وموقعهماالإمام الصادق عليه السلام :استَمِعوا مِنّي كَلاماً هُوَ خَيرٌ مِنَ الدّراهِمِ المَدقوقَةِ : لا تَكَلَّمَنَ بِما لا يَعنيكَ ، وَدَع كَثيراً مِنَ الكَلامِ فيما يَعنيكَ حَتّى تَجِدَ لَهُ مَوضِعاً ، فَرُبَّ مُتَكَلِّمٍ بِحَقٍّ في غَيرِ مَوضِعِهِ فَعَنَتَ ، ولا تُمارِيَنَّ سَفيهاً وَلا حَليماً ، فإنَّ الحَليمَ يَغلِبُكَ وَالسّفيهَ يُرديكَ ، واذكُر أخاكَ إذا تَغَيّبَ عَنكَ بِأحسَنِ مِمّا تُحِبُّ أن يَذكُرَكَ بِهِ إذا تَغَيَّبتَ عَنهُ . وَاعلَم أنّ هذا هُوَ العَمَلُ ، وَاعمَل عَمَلَ مَن يَعلَمُ أنَّهُ مَجزِيٌّ بِالإحسانِ مأخوذٌ بِالإجرامِ . (4)

في الحسنات بعد السّيئاتأبو جعفر محمّد بن عليّ قال: حدّثنا محمّد بن عليّ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ الكوفيّ، عن محمّد بن سنان، عن أبي النّعمان، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام ، قال : قال لي :يا أبا النُّعمانِ لا يَغُرَّنَّكَ النّاسُ مِن نَفسِكَ ، فَإنَّ الأمرَ يَصِلُ إلَيكَ دونَهُم ، وَلا تَقطَع نهارَكَ بِكَذا وَكَذا فإنّ مَعَكَ مِنهُ يُحصي عَلَيكَ ، وَأحسِن فإنّي لَم أرَ أشَدَّ طَلَباً ولا أسرَعَ دَرَكاً مِن حَسَنَةٍ مُحدَثَةٍ لِذَنبٍ قَديمٍ ، إنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ يَقولُ : « إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذَ لِكَ ذِكْرَى لِلذَّ اكِرِينَ » (5) . (6)

.


1- .الكافي: ج8 ص229 ح293، مشكاة الأنوار: ص317 نحوه.
2- .راجع : الكتاب الرابع والعشرون .
3- .الكافي: ج8 ص150 ح132.
4- .الاختصاص: ص231، بحار الأنوار: ج71 ص288 ح46 نقلاً عنه.
5- .هود:114.
6- .الأمالي للطّوسي : ص67 ح3 ، بحار الأنوار: ج71 ص244 ح9 وراجع : علل الشرائع : ص599 ح49 ، الزهد للحسين بن سعيد : ص16 ح31 ، بحار الأنوار : ج69 ص401 ح100 .

ص: 248

في الكتمان

في أحوال الشّاب

في الحبّ إلى الإخوان

في الكتمانأحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد اللّه بن يحيى ، عن حريز ، عن معلّى بن خُنَيْس (1) قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام :يا مُعَلَّى ، اكتُم أمرَنا ولا تُذِعُه ، فإنَّهُ مَن كَتَمَ أمرَنا وَلَم يُذِعهُ أعَزَّهُ اللّهُ بِهِ فِي الدُّنيا ، وَجَعَلَهُ نوراً بَينَ عَينَيهِ في الآخِرَةِ ، يَقودُهُ إلى الجَنَّةِ ، يا مُعَلَّى مَن أذاعَ أمرَنا وَلَم يَكتِمهُ أذَلَّهُ اللّهُ بِهِ في الدُّنيا وَنَزَعَ النّورَ مِن بَينِ عَينَيهِ في الآخِرَةِ ، وَجَعَلَهُ ظُلمَةً تَقودُهُ إلى النّارِ ، يا مُعَلّى ، إنَّ التَّقِيَةَ مِن ديني وَدينِ آبائي ، وَلا دينَ لِمَن لا تَقِيَّةَ لَهُ ، يا مُعَلّى ، إنَّ اللّهَ يُحِبُّ أن يُعبَدَ في السِّرِ كَما يُحِبُّ أن يُعبَدَ في العَلانِيَةِ ، يا مُعلّى ، إنّ المُذيعَ لِأمرِنا كالجاحِدِ لَهُ . (2)

في أحوال الشّابأبو قتادة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه قال:لَستُ اُحِبُّ أن أرى الشّابَّ مِنكُم إلاّ غادِياً في حالَينِ : إمّا عالِماً أو مُتَعَلِّماً ، فإن لَم يَفعَل فَرَّطَ ، فإن فَرَّطَ ضَيَّعَ ، وَإن ضَيَّعَ أثِمَ ، وَإن أثِمَ سَكَنَ النّارَ وَالّذي بَعَثَ مُحَمّداً صلى الله عليه و آله بِالحَقِّ . (3)

في الحبّ إلى الإخوانأبا قتادة ، عن صفوّان الجمّال، قال: دخل المعلّى بن خنيس على أبي عبد اللّه عليه السلام يودعه وقد أراد سفراً، فلمّا ودعه، قال:يا مُعَلّى، أعزِز بِاللّهِ يُعزِزكَ . قال : بماذا يابن رسول اللّه ؟ قال: يا مُعلّى،خَفِ اللّهَ( تَعالى )يَخَف مِنكَ كُلُّ شَيءٍ . يا مُعلّى ،

.


1- .معلّى بن خُنَيْس : أبو عبد اللّه ، مولى الصّادق عليه السلام ، ومن قبله كان مولى بني أسد ، كوفيّ ، بزاز ، وقد نسب إليه الغلوّ ، وروى الكشي روايات كثيرة تدلّ على مدحه ، وأنّه من أهل الجنّة ، ثمّ روى ما يدلّ على ذمّه من جهة تقصيره في التّقية ، ومن أنّه أزاع سرّ مولاه عليه السلام . (راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص 363 الرقم 1115 ، رجال الكشي : ج 2 ص 675 ، خلاصة الأقوال : ص 352 و 408) .
2- .الكافي : ج2 ص223 ح8، المحاسن : ج1 ص255 ح286، مشكاة الأنوار : ص87.
3- .الأمالي للطّوسي: ص303 ح604، بحار الأنوار: ج1 ص170 ح22 نقلاً عنه.

ص: 249

في البذاء

في التّفتيش عن أحوال النّاس

تَحَبَّب إلى إخوانِكَ بِصِلَتِهِم ، فإنّ اللّهَ جَعَلَ العَطاءَ مَحَبَّةً وَالمَنعَ مَبغَضَةً ، فَأنتُم وَاللّهِ إن تَسألوني وَاُعطيكُم فَتُحبّوني أحَبُّ إلَيَّ مِن ألاّ تَسألوني فَلا اُعطيكُم فَتُبغِضوني ، وَمَهما أجرى اللّهُ عز و جل لَكُم مِن شَيءٍ على يَدَيَّ فَالمَحمودُ اللّهُ ( تعالى ) ، وَلا تَبعُدونَ مِن شُكرِ ما أجرى اللّهُ لَكُم على يَدَيَّ . (1)

في البذاءمعلّى بن محمّد، عن أحمد بن غسّان ، عن سَماعة (2) قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال لي مبتدئاً :يا سُماعَةُ ، ما هذا الّذي كان بَينَكَ وَبَينَ جَمّالِكَ ، إيّاكَ أن تَكونَ فَحَّاشاً أو سَخّاباً أو لَعّاناً . فقلتُ : وَاللّه لَقَد كانَ ذلِكَ ، إنَّهُ ظَلَمَني . فقال: إن كانَ ظَلَمَكَ لَقَد اُوتيتَ عَلَيهِ ، إن هذا لَيسَ مِن فِعالي وَلا آمُرُ بهِ شيَعتي ، استَغفِر رَبَّكَ وَلا تَعُد . قلت : استَغفِرُ اللّهَ وَلا أعودُ . (3)

في التّفتيش عن أحوال النّاسالإمام الصّادق عليه السلام قال لأبي بصير:يا أبا مُحَمّدٍ ، لا تُفَتِّش النّاسَ عَن أديانِهِم فَتَبقى بِلا صَديقٍ . (4)

.


1- .الأمالي للطّوسي: ص304 ح608.
2- .سماعة بن مهران بن عبد الرّحمان الحضرمي ، مولى : عبد بن وائل بن حجر الحضرميّ ، يكنّى : أبا ناشرة ، وقيل : أبا محمّد ، كان يتّجر في القز ، ويخرج به إلى حران ، ونزل من الكوفة كندة ، روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهماالسلام ، رمات بالمدينة ، ثقة ، ثقة ، وله بالكوفة مسجد بحضرموت ، وهو مسجد زرعة بن محمّد الحضرمي بعده ، ومات سنة خمس وأربعين ومئة . (راجع : رجال النجاشي : ج 1 ص 431 الرقم 515 ، رجال الطوسي : ص 221 الرقم 2958 ، خلاصة الأقوال : ص 356) .
3- .الكافي:ج 2 ص326 ح14، كشف الغمّة : ج2 ص406.
4- .تحف العقول : ص369،بحار الأنوار : ج78 ص253 ح109 نقلاً عنه.

ص: 250

. .

ص: 251

الفصل السّادس : في الدّعاء

اشاره

الفصل السّادس : في الدّعاء

.

ص: 252

. .

ص: 253

82 . كتاب له عليه السلام إلى محمّد بن الأشعث في الدّعاءوالصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه و آله

82كتاب له عليه السلام إلى محمّد بن الأشعثفي الدّعاء والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه و آلهيقول السّيّد الإمام العالم العامل ، الفقيه الكامل العلاّمة الفاضل ، الورع البارع ، رضي الدّين ركن الإسلام جمال العارفين ، أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد الطّاووس الحسينيّ ، كبّت اللّه أعداه : ورويت هذه الصّلاة بإسنادي إلى أبي العبّاس أحمد بن عقدة، من كتابه الّذي صنّفه في مشايخ الشّيعة فقال : أنبأنا محمّد بن عبد اللّه بن مهران ، قال : حدّثني أبي ، عن أبيه أنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام دفع إلى محمّد بن الأشعث كتاباً ، فيه دعاء والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه و آله ، دفعه جعفر بن محمّد بن الأشعث (1) إلى إبنه مهران ، وكانت الصّلوة على النّبيّ صلى الله عليه و آله الّتي فيه :

.


1- .محمّد بن الأشعث : هو الّذي أمره المنصور الدّوانيقّي بإرسال جاسوس إلى المدينة فأرسله ، فلمّا رجع أخبره بقضايا ومعجزة الصّادق عليه السلام فاهتدى إلى الحقّ هو وابنه جعفر . (راجع : قاموس الرجال : ج 9 ص 124 الرقم 6469 ، معجم رجال الحديث : ج 16 ص 121 الرقم 10301) .

ص: 254

اللّهُمَّ إنّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله كما وَصَفتَهُ في كتابِكَ ، حَيثُ تَقولُ : «لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ » (1) ، فَأشهَدُ أنَّهُ كذلِكَ وَأنَّكَ لَم تأمرُ بِالصَّلوةِ عَلَيهِ إلاّ بَعدَ أن صَلَّيتَ عَلَيهِ أنتَ وَمَلآئِكَتُكَ ، وَأنزَلتَ في مُحكَمِ قُرآنِكَ : « إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً » (2) ، لا لِحاجَةٍ إلى صَلوةِ أحَدٍ مِنَ المَخلوقينَ بَعدَ صلوتِكَ عَلَيهِ ، وَلا إلى تَزكِيَتِهِم إيّاهُ بَعدَ تَزكِيَتِكَ ، بَل الخَلقُ جميعاً هُمُ المُحتاجونَ إلى ذلِكَ ، لِأنَّكَ جَعَلتَهُ بابَكَ الّذي لا تَقبَلُ مِمَّن أتاكَ إلاّ مِنهُ ، وَجَعَلتَ الصَّلوةَ عَلَيهِ قُربَةً مِنكَ وَوَسيلَةً إلَيكَ وَزُلفَةً عِندَكَ ، وَدَلَلتَ المُؤمِنينَ عَلَيهِ وَأمَرتَهُم بِالصّلوةِ عَلَيهِ لِيَزدادوا بِها أثَرَةً لَديكَ وَكَرامَةً عَلَيكَ ، وَوَكّلتَ بِالمُصلّينَ عَلَيهِ مَلائِكَتَكَ يُصلّونَ عَلَيهِ وَيُبلّغونَهُ صَلوتَهُم وَتَسليمَهُم . اللّهُمَّ رَبَّ مُحمَّدٍ صلى الله عليه و آله فإنّي أسأَلُكَ بِما عَظّمتَ ( بِهِ ) مِن أمرِ مُحَمَّدٍ وَأوجَبتَ مِن حَقِّهِ أن تُطلِقَ لِساني مِنَ الصَّلوةِ عَلَيهِ بِما تُحِبُّ وَتَرضى ، وَبِما لَم تُطلِق بِهِ لِسانَ أحَدٍ مِن خَلقِكَ وَلَم تُعطِهِ إيّاهُ ، ثُمّ تُؤتَيِني على ذلِكَ مُرافَقَتَهُ ، حَيثُ أحلَلتَهُ على قُدسِكَ وَجَنّاتِ فِردَوسِكَ ، ثُمَّ لا تُفَرِّق بَيني وَبَينَهُ . اللّهُمَّ إنّي أبدَأُ بِالشَّهادَةِ لَهُ ثُمَّ بِالصَّلوةِ عَلَيهِ ، وَإن كُنتُ لا أبلُغُ مِن ذلِكَ رِضى نَفسي ، وَلا يُعَبِّرهُ لِساني عَن ضَميري ، وَلا اُلامُ عَلى التَّقصيرِ مِنّي لِعَجز قُدرَتي عَن بُلوغِ الواجِبِ عَلَيَّ مِنهُ ، لأنَّهُ حَظٌّ لي وَحَقٌّ عَلَيَّ وَأداءٌ لِما أوجَبتَ لَهُ في عُنُقي ، أن قَد بَلَّغَ رِسالاتِكَ غَيرَ مُفرِّطٍ فيما أمَرتَ ، وَلا مُجاوِزٍ لِما نَهَيتَ ، وَلا مُقَصِّرٍ فيما أرَدتَ ، وَلا مُتَعَدٍّ لِما أوصَيتَ ، وتلا آياتِكَ على ما أنزَلتَ إلَيهِ وَحيَكَ ، وَجاهَدَ في سَبيلِكَ مُقبِلاً غَيرَ مُدبِرٍ ، وَوَفى بِعَهدِكَ وَصَدَّقَ وَعدَكَ وَصَدَعَ بِأمرِكَ ، لا يَخافُ فيكَ

.


1- .التوبة: 128.
2- .الأحزاب: 56.

ص: 255

لَومَةَ لائِمٍ ، وَباعَدَ فيكَ الأقرَبينَ وَقَرَّبَ فيكَ الأبعَدينَ ، وَأمَرَ بِطاعَتِكَ وَائتَمَرَ بِها سِرّاً وَعَلانِيةً ، وَنَهى عَن مَعصِيَتِكَ وَانتَهى عَنها (1) ، وَأشهَدُ أنّهُ تَوَلّى مِنَ الدُّنيا راضِياً عَنكَ مَرضِيّاً عِندَكَ مَحموداً في المُقَرَّبينَ وأنبيائِكَ المُرسَلينَ وَعِبادِكَ الصّالِحينَ المُصطَفَينَ ، وَأنَّهُ غَيرُ مُليمٍ ولا ذَميمٍ وَأنَّهُ لَم يَكُن مِنَ المُتَكَلِّفينَ ، وَأَنّهُ لَم يَكُن ساحِراً وَلا سُحِرَ لَهُ ، وَلا كاهِناً ولا تُكُهِّنَ لَهُ ، ولا شاعِراً ولا شُعِرَ لَهُ ، وَلا كَذّاباً ، وَأنَّهُ (كانَ) رَسولَكَ وَخاتَمَ النَّبِيّينَ ، جاءَ بالحَقِّ مِن عِندِ الحَقِّ ، وَصَدَّقَ المُرسَلينَ ، وَأشهَدُ أنّ الّذينَ كَذّبوهُ ذائِقوا العَذابِ الأليمِ ، وَأشهَدُ أنّ ما أتانا بِهِ مِن عِندِكَ وَأخبَرَنا بِهِ عَنكَ أنَّهُ الحَقُّ اليَقينُ لا شَكَّ فيهِ مِن رَبِّ العالَمينَ . اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمّدٍ عَبدِكَ وَرَسولِكَ ، وَنَبِيِّكَ ، وَوَلِيِّكَ ، وَنَجِيِّكَ وَصَفِيِّكَ ، وَصَفوَتِكَ ، وَخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ ، الّذي انتَجَبتَهُ لِرِسالاتِكَ ، واستَخلَصتَهُ لِدينِكَ ، وَاستَرعَيتَهُ عِبادَكَ ، وائتَمَنتَهُ على وَحيِكَ ، عَلَمُ الهُدى وَبابُ النُّهى وَالعُروَةُ الوُثقى ، فيما بَينَكَ وَبَينَ خَلقِكَ ، الشّاهِدُ لَهُم وَالمُهَيمِنَ عَلَيهِم ، أشرَفَ وَأفضَلَ وَأزكى وَأطهَرَ وأنمَى وَأطيَبَ ما صَلَّيتَ عَلى أحدٍ مِن خَلقِكَ وَأنبِيائِكَ وَرُسلِكَ وأصفِيائِكَ وَالمُخلِصينَ مِن عِبادِكَ .

.


1- .وفي نسخة « انتهى عنها سرّاً وعلانيّة» . أضاف في بحار الأنوار بعد هذه الجملة عبارة الذّيل من نسخة قديمة من مؤلفات الأصحاب وقال : ( فإنّ هذه الزّيادة لم تكن في ساير الكتب ووجودها أولى ) : « ودلّ على محاسن الأخلاق وأخذ بها ، ونهى عن مساوي الأخلاق ورغب عنها ، ووالى أولياءكَ الّذين تحبّ أن يوالى به قولاً وعملاً ، ودعا إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وعبدك مخلصاً حتّى أتاه اليقين ، فقبضته إليك تقيّاً نقيّاً زكيّاً ، قد أكملت به الدّين وأتممت به النّعيم ، وظاهرت به الحجج ، وشرعت به شرايع الإسلام ، وفصّلت به الحلال عن الحرام ، ونهجت به لخلقك صراطك المستقيم ، وبيّنت به العلامات والنّجوم الّذي به يهتدون ، ولم تدعهم بعده في عمياء يهيمون ولا في شبهة يتيهون ، ولم تكلهم إلى النّظر لأنفسهم في دينهم بآرائهم ولا التّخير منهم بأهوائهم ، فيتشبّعون في مدلهمّات البدع ، ويتحيّرون في مطبقات الظّلم ، وتتفرّق بهم السّبل في ما يعلمون وفيما لا يعلمون » .

ص: 256

اللّهمَّ وَاجعَل صَلواتِكَ وَغُفرانَكَ وَرِضوانَكَ وَمعافاتَكَ وَكَرامَتَكَ وَرَحمَتَكَ وَمَنَّكَ وَفَضَلَكَ وَسلامَكَ وَشرَفَكَ وَإعظامَكَ وَتَبجيلَكَ ، وَصلواتِ مَلائِكَتِكَ وَرُسلِكَ وَالأوصياءِ وَالشُّهداءِ وَالصِّديقينَ وَعِبادِكَ الصّالِحينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقاً ، وَأهلَ السّماواتِ وَالأرضينَ وما بَينَهُما وما فَوقَهُما وَما تَحتَهُما وَما بَينَ الخافِقَينِ وَما بَينَ الهَواءِ وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ والنُّجومِ وَالجِبالِ وَالشَجَرِ وَالدَّوابِّ ، وما سَبَّحَ لَكَ في البَرِّ وَالبَحرِ ، وَفي الظُّلمَةِ وَالضِّياءِ ، بِالغُدُوِّ وَالآصالِ ، وَفي آناءِ اللّيلِ وَأطرافِ النّهارِ وَساعاتِهِ ، على مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ ، سَيّدِ المُرسَلينَ وَخاتَمِ النَّبِيّينَ وَإمامِ المُتَّقينَ وَمَولى المُؤمِنينَ وَوَلِيِّ المُسلِمينَ وَقائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلينَ وَرَسولِ رَبِّ العالَمينَ إلى الجِنِّ وَالإنسِ وَالأعجَمينَ ، وَالشّاهِدِ البَشيرِ ، وَالأمينِ النَّذيرِ ، الدّاعي إلَيكَ بإذنِكَ السِّراجِ المُنيرِ . اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ في الأوّلينَ . اللّهمّ صَلِّ على مُحَمّدٍ ( وَآلِ مُحَمّدٍ ) في الآخِرينَ ، وَصَلِّ على مُحَمّدٍ ( وَآلِ مُحمّد ) يَومَ الدّينِ ، يَومَ يَقومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمينَ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ كما هَدَيتَنا بِه . اللّهمّ صَلِّ على مُحَمّدٍ كما أنعَشتَنا بهِ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ كما استَنقَذتنا بهِ (1) . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ كَما أحيَيتَنا بهِ . اللّهمّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ كما شَرَّفتَنا بهِ . اللّهمّ صَلّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما أعزَزتَنا بهِ .

.


1- .في بحار الأنوار زيادة : « اللّهمّ صلّ على محمّد كما كرّمتنا به ، اللّهمّ صلّ على محمّد كما كثّرتنا به، اللّهمّ صلّ على محمّد كما ثبّتنابه » .

ص: 257

اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ كما فَضَّلتَنا بهِ . (1) اللّهمَّ اجزِ نَبِيَّنا مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله أفضَلَ ما أنتَ جازٍ يَومَ القِيامَةِ نَبِيّاً عَن أُمَّتِهِ وَرَسولاً عَمَّن أرسَلتَهُ إلَيهِ . اللّهمَّ اخصُصهُ بأفضَلِ قِسَمِ الفَضائِلِ ، وَبَلِّغهُ أعلى شَرَف المُكَرّمينَ ، مِنَ الدّرَجاتِ العُلى في أعلى عِلّيّينَ في جَنّاتٍ وَنَهَرٍ في مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَليكٍ مُقتَدِرٍ . اللّهمَّ أعطِ مُحَمّداً صلى الله عليه و آله حَتّى يَرضى ، وَزِدهُ بَعدَ الرِّضا ، وَاجعَلهُ أكرَمَ خَلقِكَ مِنكَ مَجلِساً ، وَأعظَمَهُم عِندَكَ جاهاً ، وَأوفَرَهُم عِندَك حَظّاً ، في كُلِّ خَيرٍ أنتَ قاسِمُهُ بَينَهُم . اللّهمَّ أورِد عَلَيهِ مِن ذُرِّيّتِهِ وَأزواجِهِ وأهلِ بَيتِهِ وَذَوي قَرابَتِهِ وَأُمّتِهِ مَن تُقِرُّ بهِ عَينَهُ ، وَأقرِر عُيونَنا بِرُؤيَتِهِ وَلا تُفَرِّق بيننا وَبَينَهُ . اللّهمّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ ، وَاعطِهِ مِنَ الوَسيلَةِ وَالفَضيلَةِ وَالشَّرَفِ وَالكَرامَةِ ما يَغبِطُهُ بهِ المَلائِكَةُ المُقرّبونَ وَالنَّبِيّونَ وَالمُرسَلونَ وَالخَلقُ أجمَعونَ . اللّهمَّ بَيّض وَجهَهُ وأعلِ كَعْبَهُ ، وَأفلِج حُجَّتَهُ وَأجِب دَعوَتَهُ ، وَابعَثهُ المَقامَ المُحمودَ الّذي وَعَدتَهُ ، وَأكرِم زُلفَتَهُ وَأجزِل عَطِيَّتَهُ ، وَتَقَبَّل شَفاعَتَهُ وَأعطِهِ سُؤلَهُ ، وَشَرِّف بُنيانَهُ وَعَظِّم بُرهانَهُ ، وَنَوِّر نورَهُ وَأورِدنا حَوضَهُ ، واسقِنا بِكأسِهِ وَتَقَبَّل صَلاةَ أُمّتِهِ عَلَيهِ ، وَاقصُص بِنا أثرَهُ وَاسلُك بِنا سَبيلَهُ وَتَوَفَّنا على مِلَّتِهِ وَاستَعمِلنا بِسُنَنِهِ ، وَابعَثنا على مِنهاجِهِ ، وَاجعَلنا نَدينُ بِدينِهِ وَنهتَدي بِهُداهُ وَنَقتَدي بِسُنَّتِهِ ، وَنَكونُ شيعَتَهُ وَمواليهِ وأولياءَهُ وأحبّاءَهُ وَخِيارَ أُمّتِهِ وَمُقَدَّمَ زُمرَتِهِ وَتَحتَ لِوائِهِ ، نُعادي عَدُوَّهُ وَنُوالي وَلِّيَهُ حَتّى تُورِدَنا عَلَيهِ بَعدَ المَماتِ مَورِدَهُ ، غَيرَ خَزايا وَلا نادمينَ ولا مُبَدِّلينَ وَلا ناكِثينَ .

.


1- .في بحار الأنوار زيادة: «اللّهمّ صلّ على محمّد كما رحمتنا به».

ص: 258

اللّهمَّ وَأعطِ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله مَعَ كُلِّ زُلفَةٍ زُلفَةً ، وَمَعَ كُلِّ قُربَةٍ قُربَةً ، وَمَعَ كُلِّ وَسيلَةٍ وَسيلَةً ، وَمَعَ كُلِّ فَضيلَةٍ فَضيلَةً ، وَمَعَ كُلِّ شَفاعَةٍ شَفاعَةً ، وَمَعَ كُلِّ كرامَةً كرامَةً ، وَمَعَ كُلِّ خَيرٍ خَيراً ، وَمَعَ كُلِّ شَرَفٍ شَرَفاً ، وَشَفِّعهُ في كُلِّ مَن يَشفَعُ لَهُ مِن أُمّتِهِ وَغَيرِهِم مِنَ الأُمَمِ ، حَتّى لا يُعطى مَلَكٌ مُقَرّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ وَلا عَبدٌ مُصطَفى ، إلاّ دونَ ما أنتَ مُعطيهِ مُحَمّداً صلى الله عليه و آله يَومَ القِيامَةِ . اللّهُمَّ وَاجعَلهُ المُقَدَّمَ في الدَّعوَةِ وَالمُؤثَرَ بِهِ في الأثَرَةِ ، وَالمُنوَّهَ باسمِهِ في الشَّفاعَةِ ، تَجَلّيتَ بِنورِكَ وَجي (1) بالنَّبيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهداءِ وَالصّالِحينَ وَقَضى بَينَهُم بِالحَقِّ وَقيلَ الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، ذلِكَ يَومُ التَّغابُنِ ، ذلِكَ يَومُ الحَسرَةِ ، ذلِكَ يَومُ الأزِفَةِ ، ذلِكَ يَومٌ لا تُستَقال فيهِ العَثَراتُ ، ولا تُبسَط فيهِ التَّوباتُ وَلا يُستَدرَك فيهِ ما فاتَ . اللّهمّ فَصَلِّ على مُحَمّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَارحَم مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ ، كَأفضَلَ ما صَلَّيتَ وَرَحِمتَ وَبارَكتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ . اللّهمَّ وامنُن على مُحَمّدٍ وآلِ مُحَمّدٍ كما مَنَنتَ على موسى وَهارونَ . اللّهمَّ وَسَلِّم على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كأفضَلَ ما سَلَّمتَ على نُوحٍ فِي العالَمينَ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَعلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ الأوّلينَ مِنهُم وَالآخِرينَ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ وعلى إمامِ المُسلمينَ . وَاحفَظهُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خلفِهِ وَعَن يَمينِهِ وَعَن شِمالِهِ وَمِن فَوقِهِ وَمِن تَحتِهِ ، وَافتَح لَهُ فَتحاً يَسيراً وَانصُره نَصراً عَزيزاً وَاجعَل لَهُ مِن لَدُنكَ سُلطاناً نَصيراً . اللّهمّ عَجِّلّ فَرَجَ آلِ مُحَمّدٍ وَأهلِك أعداءَهُم مِنَ الجِنَّ وَالإنسِ .

.


1- .وفي نسخة: زاد «بالكتاب و» .

ص: 259

اللّهمّ صلِّ عَلى مُحَمّدٍ وأهلِ بَيتِهِ وَذُرِّيَتِهِ وَأزواجِهِ الطّيّبينَ الأخيارِ الطّاهرينَ المُطَهّرينَ الهُداة المُهتَدينَ ، غَيرَ الضّالّينَ وَلا المُضلّينَ ، الّذين أذهَبتَ عَنهُمُ الرِّجسَ وَطَهَّرتَهُم تطهيراً. اللّهمّ صَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وآلِ مُحَمّدٍ في الأوّلينَ ، وَصَلّ عَلَيهِم في الآخِرينَ وَصَلِّ عَلَيهِم في المَلأ الأعلى ، وَصَلِّ عَلَيهِم أبَدَ الآبِدينَ ، صَلوةً لا مُنتَهى لها وَلا أمَدَ دونَ رِضاكَ ، آمينَ آمينَ رَبَّ العالَمينَ . اللّهمَّ العَنِ الّذينَ بَدَّلوا دينَكَ وَكتابَكَ ، وَغَيّروا سُنَّةَ نَبِيِّكَ عَلَيهِ سلامُك ، وَأزالوا الحَقَّ عَن مَوضِعِهِ ألفَي ألفَ لَعنَةٍ مُختَلِفَةٍ غيرَ مُؤتَلِفَةٍ والعَنهُم ألفَي ألفَ لَعنَةٍ مُؤتَلِفَةٍ غيرَ مُختَلِفَةٍ ، وَالعَن أشياعَهُم وَأتباعَهُم وَمَن رَضِيَ بِفِعالِهِم مِنَ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ . اللّهمَّ يا بارِئَ المَسموكاتِ وَداحِيَ المَدحُوّات وَقاصِمَ الجَبابِرَةِ وَرَحمانَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَرَحيمَهُما ، تُعطي مِنهُما ما تَشاءُ وَتَمنَعُ مِنهُما ما تَشاءُ ، أسألُكَ بِنورِ وَجهِكَ وَبِحَقِّ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله أعطِ مُحَمّداً حَتّى يَرضى وَبَلّغهُ الوسيلَةَ العُظمى . اللّهمَّ اجعَل مُحَمّداً في السّابقينَ غايَتُهُ وَفي المُنتَجبينَ كرامَتُهُ ، وَفي العالَمينَ ذِكرُهُ ، وَأسكِنهُ أعلى غُرَفَ الفِردَوسِ في الجَنَّةِ الّتي لا تَفوقُها دَرَجَةٌ وَلا يَفضُلُها شَيءٌ . اللّهمَّ بَيِّض وَجهَهُ وَأضِئ نورَهُ وَكُن أنتَ الحافِظَ لَهُ . اللّهمَّ اجعَل مُحَمّداً أوّلَ قارِعٍ لِبابِ الجَنَّةِ ، وَأَوّلَ داخِلٍ وَأوَّلَ شافِعٍ وَأَوّلَ مُشَفَّعٍ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ ، الوُلاة السّادَةِ الكُفاةِ الكُهول الكِرامِ القادَةِ القُماقِمِ الضِّخام اللُّيوثِ الأبطالِ ، عِصمَةٌ لِمَنِ اعتَصَمَ بِهِم وَإجارَةٌ لِمَن استَجارَ بِهِم وَالكَهفُ الحَصينُ ، وَالفُلكُ الجارِيَةِ في اللُّجَجِ الغامِرَةِ فالرّاغِبُ عَنهُم مارِقٌ وَالمُتأخِّرُ عَنهُم زاهِقٌ وَاللاّزِمُ لَهُم لاحِقٌ ، وَرِماحُكَ في أرضِكَ ، وَصَلِّ على عِبادِكَ

.

ص: 260

في أرضِكَ الّذينَ أنقَذتَ بِهِم مِنَ الهَلَكَةِ ، وَأنَرتَ بِهِم مِنَ الظُّلمَةِ ، شَجَرَةُ النُّبوَّةِ وَمَوضِعُ الرِّسالَةِ وَمُختَلَفُ المَلائِكَةِ وَمَعدِنُ العِلمِ ، صَلّى اللّهُ علَيهِ وَعَلَيهِم أجمَعينَ ، آمينَ آمينَ رَبَّ العالَمينَ . اللّهمّ إنّي أسألُكَ مَسألَةَ المِسكينِ المُستَكينِ ، وَأبتَغي إلَيكَ ابتِغاءَ البائِسِ الفَقيرِ وَأتضَرَّعُ إلَيكَ تَضَرُّعَ الضّعيفِ الضّريرِ ، وابتَهِلُ إلَيكَ ابتهالَ المُذنِبِ الخاطِئِ ، مَسألَةَ مَن خَضَعَت لكَ نَفسُهُ ، وَرَغِمَ لَكَ أنفُهُ ، وَسَقَطَت لَكَ ناصِيَتُهُ ، وانهمَلَت لَكَ دُموعُهُ ، وفاضَت لَكَ عَبرَتُهُ ، واعتَرَفَ بِخَطيئتِهِ ، وَقَلَّت حِيلَتُهُ ، وَأسلَمَتهُ ذنوبُهُ أسألُكَ الصّلوةَ على مُحَمّدٍ وَآلِهِ أوَّلاً وآخِراً ، وَأسألُكَ حُسنَ المَعيشَةِ ما أبقَيتَني ، مَعيشَةً أقوى بِها في جَميعِ حالاتي ، وَأتوسَّلُ بِها في الحَياةِ الدُّنيا إلى آخِرَتي عَفواً ، لا تُترِفني فَأطغى ، وَلا تُقَتِّر عليّ فَأشقى ، أعطِني من ذلِكَ غِنىً مِن جَميعِ خَلقِكَ وَبُلغةً إلى رِضاكَ وَلا تَجعَل الدُّنيا عَلَيَّ سِجناً ، ولا تَجعَل فِراقَها عَلَيَّ حُزناً أخرِجني مِنها وَمِن فِتنَتِها مَرضِيّاً عَنّي ، مَقبولاً فيها عَمَلي إلى دارِ الحَيَوانِ وَمَساكِنِ الأخيارِ . اللّهمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن أزلِها وَزِلزالِها وَسَطواتِ سُلطانِها وَسَلاطينِها وَشَرِّ شَيطانِها وَبَغي مَن بَغى علَيَّ فيها . اللّهمّ مَن أرادني فَأرِدهُ ، وَمَن كادَني فَكِدهُ ، وَافقَأ عنّي عُيونَ الكَفَرَةِ وَاعصِمني مِن ذلِكَ بِالسَّكينَةِ ، وَألبِسني دِرعَكَ الحصينَةَ ، وَاجعَلني في سِترِك الواقي ، وَأصلِح لي حالي وَبارِك لي في أهلي وَمالي وَوَلَدي وَحُزانَتي ، وَمَن أحبَبتُ فيكَ وَأحَبَّني. اللّهُمَّ اغفِر لي ما قَدَّمتُ وَما أخَّرتُ وَما أعلَنتُ وَما أسرَرتُ وَما نَسيتُ وَما تَعَمَّدتُ . اللّهُمَّ إنَّكَ خَلَقتَني كَما أرَدتَ ، فاجعَلني كَما تُحِبُّ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . (1)

.


1- .جمال الاُسبوع : ص288 ، مصباح المتهجّد : ص 387 ، البلد الأمين : ص72 ، بحار الأنوار : ج90 ص82 ح3 .

ص: 261

83 . إملاؤه عليه السلام لسليمان بن خالد في دعاء صلاة الظّهر

في بحار الأنوار : قال ووجدت هذا الدّعاء في نسخة قديمة من مؤلّفات قدماء أصحابنا ، تاريخ كتابتها سنة إحدى وثلاثين وخمسمئة ، مرويّاً عن ابن عقدة ، عن محمّد بن المفضّل بن إبراهيم الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد اللّه بن مهران ، عن أبيه ، عن أبيه ، أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام دفع إلى جعفر بن محمّد الأشعث كتاباً فيه دعاء والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه و آله ، فدفعه جعفر بن محمّد الأشعث إلى ابنه مهران ، ثمّ ساق الدّعاء إلى قوله: صلاةً لا مُنتَهى لَهُ وَلا أمَدَ آمينَ رَبَّ العالَمينَ ، وكانت فيه اختلافات وزيادات ألحقنا بعضها ، منها قوله: «وَدَلَّ على مَحاسِنِ الأخلاقِ» إلى قَولِهِ « وَأشهَدُ أنّه قَد تَوَلّى مِنَ الدُّنيا راضِياً عَنكَ » فإنّ هذهِ الزّيادة لم تكن في ساير الكتب ووجودها أولى ، وأوردناها بهذا السّياق والسّند في كتاب الدّعاء . (1) ونقل في مكان آخر ، قال : من أصل قديم من مؤلّفات قدماء الأصحاب : أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن محمّد بن المفضّل بن إبراهيم الأشعريّ ، عن محمّد بن عبداللّه بن مهران ، عن أبيه ، عن جدّه ، أنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلامدفع إلى جعفر بن محمّد بن الأشعث كتاباً فيه دعاء والصلاة على النّبيّ صلى الله عليه و آله ، فدفعه جعفر بن محمّد بن الأشعث إلى ابنه مهران ، فكانت الصلاة على النبي الّذي صلى الله عليه و آله فيه: اللّهمّ إنّ محمّداً صلّى اللّه عليه وآله كما وصفته في كتابك... الخ (2) .

83إملاؤه عليه السلام لسليمان بن خالدفي دعاء صلاة الظّهرأبو المفضّل محمّد بن عبد اللّه بن المطّلب رحمه الله ، قال : حدّثنا الحسين بن سعدان بن

.


1- .بحار الأنوار : ج90 ص89 .
2- .بحار الأنوار : ج94 ص26 .

ص: 262

محمّد بن سعدان العابد الجعفيّ بالكوفة ، قال : حدّثني أبو جعفر بن محمّد بن منصور بن يزيد الرّازيّ المقرئ ، قال : حدّثنا سليمان بن خالد عن معاوية بن عمّار (1) الذّهبيّ (2) قال : هذا دعاء سيّدي أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام في عقيب صلاته ، أملاه عليّ فأوّل الصّلوات الظّهر ، وبذلك سمّيت الأُولى ؛ لأنّها أوّل صلاة افترضها اللّه تعالى على عباده . يا أسَمَع السّامِعينَ ، وَيا أبصَرَ النّاظِرينَ ، ويا أسرَعَ الحاسِبينَ ، ويا أجوَدَ الأجوَدينَ ، وَيا أكرَمَ الأكرَمينَ ، صَلّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، كأفضَلَ وَأجزَلَ وَأوفى وَأكمَلَ وَأحسَنَ وَأجمَلَ وَأكبَرَ وَأطهَرَ وَأزكى وَأنوَرَ وَأعلى وَأبهى وَأسنى وَأنمى وَأدوَمَ وَأبقى ما صَلَّيتَ وَبارَكتَ وَمَنَنتَ وسَلَّمتَ وَتَرحَّمتَ على إبراهيمَ وَعلى آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ . اللّهمَّ امنُن على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كما مَنَنتَ على موسى وَهارونَ ، وَسَلِّم على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما سَلَّمتَ على نُوحٍ في العالَمينَ . اللّهمَّ وَأورِد عَلَيهِ مِن ذُرِّيَّتِهِ وأزواجِهِ وَأهلِ بَيتِهِ وَأصحابِهِ وَأتباعِهِ مَن تَقَرُّ بِهِم عَينُهُ ، وَاجعَلنا مِنهُم وَمِمّن تَسقيهِ بِكأسِهِ ، وَتُورِدُهُ حَوضَهُ ، وَاحشُرنا في زُمرَتِهِ وَتَحتَ لِوائِهِ ، وَأدخِلنا في كُلِّ خَيرٍ أدخلتَ فيهِ مُحَمّداً وَآلَ مُحَمّدٍ ، وأخرِجنا مِن كُلِّ سوءٍ أخرَجتَ مِنهُ مُحَمّداً وَآلَ مُحَمّدٍ ، وَلا تُفَرِّق بَينَنا وَبَينَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ طَرفَةَ عَينٍ أبداً ، وَلا أقَلَّ مِن ذلِكَ وَلا أكثَرَ .

.


1- .معاوية بن عمّار : بن أبي معاوية البجليّ الدّهنيّ ، مولاهم أبو القاسم الكوفيّ ، واسم أبي معاوية خبّاب ، مولى ، كان وجها ومقدما وكثير الشأن ، عظيم المحل ، ثقة ، روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهماالسلام . (راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص 346 الرقم 1097 ، رجال الطوسي : ص 303 الرقم 4457) .
2- .لم توجد «الذّهبيّ» في سوي فلاح السائل ، ويحتمل خلط بين «الدّهني» و«الذّهبي» .

ص: 263

اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ ، وَاجعَلني مَعَهُم في كُلِّ عافِيَةٍ وَبَلاءٍ ، وَاجعَلني مَعَهُم في كُلِّ شِدَّةٍ وَرَخاءٍ ، وَاجعَلني مَعَهُم في كُلِّ مَثوى وَمُنقَلَبٍ . اللّهمَّ أحيِني مَحياهُم ، وَأمِتني مَماتَهُم ، وَاجعَلني بِهِم عِندَكَ وَجيهاً في الدُّنيا والآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرّبينَ . اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمِّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَاكشِف عَنّي بِهِم كُلَّ كَربٍ ، وَنَفِّس عَنّي بِهِم كُلَّ هَمٍّ ، وَفَرِّج بهم (1) عنّي كُلَّ غَمٍّ ، وَاكفِني بِهِم كُلَّ خَوفٍ ، وَاصرِف عَنّي بِهِم مَقاديرَ البَلاءِ وَسوءَ القَضاءِ وَدَركِ الشِّقاءِ وَشَماتَةِ الأعداءِ . اللّهمَّ اغفِر لي ذَنبي وَطَيِّب كَسبي ، وَقَنِّعني بِما رَزَقتَني ، وَبارِك لي فيهِ ، وَلا تَذهَب بِنَفسي إلى شَيءٍ صَرَفتَهُ عَنِّي . اللّهمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن دُنيا تَمنَعُ خَيرَ الآخِرَةِ ، وَعاجِلٍ يَمنَعُ خَيرَ الآجِلِ ، وَحَياةً تَمنَعُ خَيرَ المَماةِ ، وأملٍ يَمنَعُ خَيرَ العَمَلِ . اللّهمَّ إنّي أسألُكَ الصّبرَ على طاعَتِكَ ، وَالصَّبرَ عَن مَعصِيَتِكَ ، وَالقِيامَ بِحَقِّكَ ، وأسألُكَ حَقايِقَ الإيمانِ ، وَصِدقَ اليَقينِ في المَواطِنِ كُلِّها ، وَأسألُكَ العَفوَ وَالعافِيَةَ وَالمُعافاةَ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، عافِيَةَ الدُّنيا مِنَ البَلاءِ وَعافِيَةَ الآخِرَةِ مِنَ الشَّقاءِ . اللّهمَّ إنّي أسألُكَ العافِيَةَ ، وَتَمامَ العافِيَةِ ، وَدَوامَ العافِيَةِ ، وَالشُّكرَ على العافِيَةِ ، وَأسألُكَ الظَّفَرَ وَالسَّلامَةَ وَحُلولَ دارِ الكَرامَةِ . اللّهمَّ اجعَل في صَلاتي وَدُعائي رَهبَةً مِنكَ ، وَرَغبَةً إلَيكَ ، وَراحَةً تَمُنّ بِها عَلَيَّ . اللّهمَّ لا تَحرِمني سَعَةَ رَحمَتِكَ وَسُبوغَ نِعمَتِكَ وَشُمولَ عافِيَتِكَ وَجزيلَ عَطائِكَ وَمِنَحَ مَواهِبِكَ ، لِسوءِ ما عِندي ، وَلا تُجازِني بِقَبيحِ عَمَلي ، وَلا تَصرِف وَجهَكَ الكَريمَ عَنّي .

.


1- .في المصدر : « به » ، وما أثبتناه أنسبُ للسياق .

ص: 264

84 . إملاؤه عليه السلام في الدّعاء في شهر رجب

اللّهمَّ لا تَحرِمني وَأنا أدعوكَ ، وَلا تُخَيِّبني وَأنا أرجوكَ ، وَلا تَكِلني إلى نفسي طَرفَةَ عَينٍ أبَداً ، وَلا إلى أحَدٍ مِن خَلقِكَ فَيَحرِمَني وَيَستَأثِرَ عَلَيَّ . اللّهمَّ إنَّكَ تَمحو ما تَشاءُ وَتُثبِتُ وَعِندَكَ أُمُّ الكِتابِ ، أسألُكَ بِآلِ ياسينَ خِيرَتِكَ مِن خَلقِكَ ، وَصَفوَتِكَ مِنَ بَريَّتِكَ ، وَأُقَدِّمُهُم بَينَ يَدَي حَوائِجي وَرَغبَتي إلَيكَ . اللّهمَّ إن كُنتَ كَتَبتَني في أُمِّ الكِتابِ شَقِيّاً مَحروماً مُقَتَّراً عَلَيّ في الرّزقِ ، فامحُ مِن أُمِّ الكِتابِ شِقائي وَحِرماني وَأثبِتني عِندَكَ سَعيداً مَرزوقاً ، فإنَّكَ تَمحو ما تَشاءُ وَتُثبِتُ وَعِندَكَ أُمُّ الكِتابِ . اللّهمَّ إنّي لِما أنزَلتَ إلَيَّ مِن خَيرٍ فَقيرٍ ، وَأنا مِنكَ خائِفٌ وَبِكَ مُستَجيرٌ وَأنا حَقيرٌ مِسكينٌ أدعوكَ كَما أمَرتَني ، فاستَجِب لي كَما وَعَدتَني ، إنَّكَ لا تُخلِفُ الميعادَ ، يا مَن قالَ ادعوني أستَجِب لَكُم ، نِعمَ المُجيبُ أنتَ يا سَيِّدي ، وَنِعمَ الرَّبُّ وَنِعمَ المَولى ، بِئسَ العَبدُ أنا ، وَهذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ النّارِ ، يا فارِجَ الهَمِّ وَيا كاشِفَ الغَمِّ يا مُجيبَ دَعوَةِ المُضطَرّينَ ، يا رحمانَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَرَحيمَهُما ، ارحَمني رَحمَةً تُغنيني بِها عَن رَحمَةِ مَن سِواكَ ، وَأدخِلني بِرَحمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحينَ ، الحَمدُ للّهِِ الّذي قَضى عَنّي صَلاةً كانَت عَلى المُؤمِنينَ كِتاباً مَوقوتاً . بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . (1)

84إملاؤه عليه السلام في الدّعاءفي شهر رجبطاهر بن عيسى الورّاق قال: حدّثنا جعفر بن أحمد بن أيّوب، قال: حدّثني

.


1- .فلاح السائل: ص319 ح215، مصباح المتهجّد: ص56 ، البلد الأمين: ص15، بحار الأنوار: ج86 ص70 ح5 ، وفيهم «معاوية بن عمّار» من دون «الذّهبيّ» .

ص: 265

أبو الحسن صالح بن أبي حمّاد الرّازي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان ، عن محمّد بن زيد الشّحام (1) ، قال : رآني أبو عبد اللّه عليه السلام وأنا أصلّي ، فأرسَلَ إلَيَّ وَدعاني ، فقال لي : من أينَ أنتَ ؟ قلتُ : مِن مواليكَ . قال : فأيُّ موالي ؟ قُلتُ : مِنَ الكوفَةِ . فقال : مَن تَعرِفُ مِنَ الكوفَةِ ؟ قالَ قلتُ : بَشيرَ النّبالِ وَشَجَرَةَ . 2 قال : وَكَيفَ صَنيعَتُهُما ؟

.


1- .في القاموس بعد نقل الحديث قال : عنون الكشي هذا مع شهر النبال وأخيه شجرة ، وروى الرّواية ، وقد عرفت في محمّد بن ذكوان السّجّاد ومحمّد بن زياد السّجّاد ، كون الأصل في الثلاثة واحدا ، وأنّ الأصح الأخير ، فيكون «زيد» هنا محرّف «زياد» و«الشحام» محرف «السّجّاد» وباقي تحريفاته لا يخفى . ويشهد للإتحاد _ مضافا إلى ما تقدّم ثمة من رواية الإقبال الخبر عن محمّد بن ذكوان السّجّاد مقتصرا على دعائه _ عدم عنوان رجال الشيخ الذي موضوعه عام لهذا . ( قاموس الرجال : ج 9 ص 275 الرقم 6739 وراجع : معجم رجال الحديث : ج 17 ص 105 الرقم 10816) .

ص: 266

فقالَ : ما أحسَنَ صَنيعَتَهُما إلَيَّ . قال : خَيرُ المُسلِمينَ مَن وَصَلَ وَأعانَ وَنَفَعَ ، ما بِتُ لَيلَةً قَطُّ وَللّهِِ في مالي حَقٌّ يَسألُنيهِ . ثمّ قال : أيُّ شَيءٍ مَعَكُم مِنَ النَّفَقَةِ ؟ قلتُ : عِندي مائتا دِرهَمٍ . قال : أرِنيها . فَأتيتُهُ بِها فزادَني فيها ثَلاثينَ دِرهَماً وَدِينارَينِ ، ثُمَّ قالَ : تَعَشَّ عِندي ! فَجِئتُ فَتَعَشَّيتُ عِندَهُ . قال : فَلَمّا كانَ مِنَ القابِلَةِ لَم أذهَب إلَيهِ ، فَأرسَلَ إلَيّ فَدَعاني مِن عِندِهِ ، فقال : مالَكَ لَم تَأتِني البارِحَةَ قَد شَفَقتَ عَلَيّ ؟ فَقُلتُ : لَم يَجِئني رَسولُكَ . قال : فأنا رَسولُ نَفسي إلَيكَ ما دُمتَ مُقيماً في هذهِ البَلدَةِ ، أيَّ شَيءٍ تَشتَهي مِنَ الطَّعامِ ؟ قُلتُ : اللَّبنَ . قال: فاشتَرى مِن أجلي شاةً لَبوناً . قال: فَقُلتُ لَهُ : عَلِّمني دُعاءاً . قال : اكتُب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم يا مَن أرجوهُ لِكُلِّ خَيرٍ ، وَآمَنُ سَخَطَهُ عِندَ كُلِّ عَثرَةٍ ، يا مَن يُعطي الكَثيرَ بِالقَليلِ ، ويا مَن أعطى مَن سَألَهُ ، تَحَنُّناً مِنهُ وَرَحمَةً ، يا مَن أعطى مَن لَم يَسأَلهُ وَلَم يَعرِفهُ ، صَلِّ على مُحَمّدٍ وَأهلِ بَيتِهِ ، وَأعطِني بِمَسألتي إيّاكَ جَميعَ خَيرِ الدُّنيا وَجَميعَ خَيرِ الآخِرَةِ ، فإنَّهُ غَيرُ مَنقوصٍ لِما أعطَيتَ ، وَزدِني مِن سَعَةِ فَضلِكَ يا كريمُ . ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ ، فَقالَ : يا ذا المَنِّ وَالطَّولِ ، يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ ، يا ذا النَّعماءِ

.

ص: 267

وَالجودِ ، ارحَم شَيبَتي مِنَ النّارِ ، ثمّ وضع يده على لحيته ولم يرفعها إلاّ وقد امتلأ ظهر كفّه دُموعاً . (1) وفي الكافي : عنه ، عن بعض أصحابه ، عن حسين بن عمارة ، عن حسين بن أبي سعيد المكاري ، وجهم بن أبي جهيمة 2 ، عن أبي جعفر _ رجل من أهل الكوفة كان يعرف بكنيته _ قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : علّمني دعاء أدعو به . فقال: نَعَم ، قل : يا مَن أرجوهُ لِكلِّ خَيرٍ ، وَيا مَن آمَنُ سَخَطَهُ عِندَ كُلِّ عَثرَةٍ ، وَيا مَن يُعطي بِالقليلِ الكَثيرَ ، يا مَن أعطى مَن سألَهُ تَحَنُّنا مِنهُ وَرَحمَةً ، يا مَن أعطى مَن لَم يَسألهُ وَلَم يَعرِفهُ ، صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ ، وَأعطِني بِمَسألَتي مِن جَميعِ خَيرِ الدُّنيا وَجَميعِ خَيرِ الآخِرَةِ فإنَّهُ غَيرُ مَنقوصٍ ما أعطَيتَني ، وَزِدني مِن سَعَةِ فَضلِكَ يا كَريمُ . (2) وَفي إقبالِ الأعمالِ : ومن الدعوات كلّ يوم من رجب ، ما ذكره الطّرازيّ أيضاً فقال : دعاء علمه أبو عبد اللّه محمّد السّجاد ، وهو محمّد بن ذكوان يعرف بالسّجاد ، قالوا : سجد وبكى في سجوده حتّى عمي ، روى أبو الحسن عليّ بن محمّد البرسي رضى الله عنه قال : أخبرنا الحسين بن أحمد بن شيبان ، قال : حدّثنا حمزة بن القاسم العلويّ العباسيّ ، قال : حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عمران البرقيّ ، عن محمّد بن عليّ الهمدانيّ ، قال : أخبرني محمّد بن سنان ، عن محمّد ( بن ذكوان )

.


1- .رجال الكشّي:ج2 ص665 ح689، بحار الأنوار : ج47 ص36 ح35 نقلاً عنه.
2- .الكافي : ج2 ص 584 ح 20 ، رجال الكشّي : ج 2 ص 667 ح 689 ، بحار الأنوار : ج 95 ص 360 ح 15 .

ص: 268

85 . كتابه عليه السلام لأمّ داوود في دعاء الاستفتاح والإجابة والنّجاح

السّجاد في حديث طويل ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : _ جعلت فداك _ هذا رجب ، علّمني فيه دعاء ينفعني اللّه به ، قال : فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : اكتب : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وقل في كلّ يوم من رجب صباحاً ومساءً ، وفي أعقاب صلواتك في يومك وليلتك : يا مَن أرجوهُ لِكُلِّ خَيرٍ ، وَآمَنُ سَخَطَهُ عِندَ كُلِّ شَرٍّ ، يا مَن يُعطي الكثيرَ بِالقَليلِ ، يا مَن يُعطي مَن سَألَهُ ، يا مَن يُعطي مَن لَم يَسألهُ وَمَن لَم يَعرِفهُ ، تَحَنُّنا مِنهُ وَرَحمَةً ، أعطِني بِمَسألتي إيّاكَ جَميعَ خَيرِ الدُّنيا وَجَميعَ خَيرِ الآخِرَةِ ، وَاصرِف عَنّي بِمَسألَتي إيّاكَ جَميعَ شَرِّ الدُّنيا وَشَرِّ الآخِرَةِ ، فَإنّهُ غَيرُ مَنقوصٍ ما أعطَيتَ ، وَزِدني مِن فَضلِكَ يا كريمُ . قال : ثمّ مدّ أبو عبد اللّه عليه السلام يده اليسرى ، فقبض على لحيته ودعا بهذا الدّعاء ، وهو يلوذ بسبابته اليمنى ، ثمّ قال : بعد ذلك : يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ ، يا ذا النَّعماءِ وَالجودِ ، يا ذا المَنِّ وَالطَّولِ ، حَرِّم شَيبَتي عَلى النّارِ . (1)

85كتابه عليه السلام لأمّ داوودفي دعاء الاستفتاح والإجابة والنّجاحذكر الشّيخ الصّدوق رحمه الله في فضائل الأشهر الثّلاثة ، قصّة ابتلاء داوود بن الحسين ، وساق السّند إلى أن قال : حدّثنا الشّريف محمّد بن الحسن بن إسحاق بن الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن حمزة بن الحسين بن سعيد المدينيّ ، قال : حدّثني أبي

.


1- .إقبال الأعمال : ج3 ص210، بحار الأنوار : ج98 ص389 ح1 نقلاً عنه .

ص: 269

قال : حدّثني أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد البلويّ قال : حدّثني إبراهيم بن عبيد اللّه بن العلاء قال : حدّثتني فاطمة بنت عبد اللّه بن إبراهيم بن الحسين 1 قالت : لمّا قتل أبو الدّوانيق عبد اللّه بن الحسن بن الحسين بعد قتل ابنيه محمّد وإبراهيم حمل ابني داوود بن الحسين من المدينة مكبّلاً بالحديد مع بني عمّه الحسنيين إلى العراق ، فغاب عنّي حينا وكان هناك مسجوناً فانقطع خبره وأعمي أثره ، وكنت أدعو اللّه وأتضرّع إليه وأسأله خلاصه ، واستعين بإخواني من الزّهّاد والعبّاد وأهل الجدّ والاجتهاد ، وأسألهم أن يدعوا اللّه لي أن يجمع بيني وبين ولدي قبل موتي ، فكانوا يفعلون ولا يقصّرون في ذلك ، وكان يصل إليّ أنّه قد قتل ويقول قوم : لا ، قد بني عليه اُسطوانة مع بني عمّه فتعظم مصيبتي ، واشتدّ حزني ولا أرى لدعائي إجابة ، ولا لمسألتي نجحاً ، فضاق بذلك ذرعي وكبر سنّي ورق عظمي وصرت إلى حدّ اليأس من ولدي لضعفي وانقضاء عمري.

.

ص: 270

قالت : ثمّ إنّي دخلت على أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام _ وكان عليلاً _ فلمّا سألته عن حاله ودعوت له وهممت الانصراف . قال لي : يا اُمّ داوود ، ما الّذي بلغك عن داوود ؟ وكنت قد أرضعت جعفر بن محمّد بلبنه فلمّا ذكره لي بكيت وقلت: جعلت فداك أين داوود ؟ داوود محتبس في العراق وقد انقطع عنّي خبره ، ويئست من الاجتماع معه ، وإنّي لشديدة الشّوق إليه والتّلهف عليه ، وأنا أسألك الدّعاء له فإنّه أخوك من الرّضاعة . قالت : فقال لي أبو عبد اللّه : يا أُمّ داوود ، فأين أنت عن دعاء الاستفتاح والإجابة والنّجاح ؟ وهو الدّعاء الّذي يفتح اللّه عز و جل له أبواب السّماء ، وتتلقى الملائكة وتبشر بالإجابَةِ وهو الدّعاء المستجاب الّذي لا يحجب عن اللّه عز و جل ، ولا لصاحبه عند اللّه تبارك وتعالى ثواب دون الجنّة؟ قالت: قلت: وكيف لي يا بن الأطهار الصّادقين؟ قال: يا أُمّ داوودَ فَقَد دنى هذا الشّهرُ الحرامُ _ يريد عليه السلام شهر رجب _ وَهُوَ شهرٌ مبارَكٌ عَظيمُ الحُرمَةِ مَسموعٌ الدُّعاءُ فيه، فصومي منهُ ثلاثةَ أيّامٍ، الثّالثَ عشَرَ والرّابِعَ عَشَرَ والخامِسَ عَشَرَ، وَهِيَ الأيّامُ البيضُ، ثُمَّ اغتَسلي في يَومِ النّصفِ مِنهُ عِندَ زَوالِ الشَّمسِ، وصلّي الزّوالَ ثَمانِ رَكعاتٍ تُرسِلينَ فِيهِن وَتُحسِنينَ رُكوعَهُنَّ وَسُجودَهُنَّ وَقُنوتَهُنَّ، تَقَرأ في الرَّكعَةِ الأُولى بِفاتِحَةِ الكِتابِ وَقُل يا أيُّها الكافِرونَ، وَفي الثّانِيَةِ قل هوَ اللّهُ أحَدٌ، وَفي السِّتِ البَواقي مِنَ السُّورِ القِصارِ ما أحبَبتِ، ثُمَّ تُصلّينَ الظُّهرَ ثُمَّ تَركَعينَ بَعدَ الظُّهرِ ثمانِ رَكَعاتٍ تُحسِنينَ رُكوعَهُنَّ وَسُجودَهُنّ وقنوتهُنَّ، وَلتَكُن صَلاتُكِ في أطهَرِ أثوابِكِ في بَيتٍ نَظيفٍ على حَصيرٍ نَظيفٍ وَاستَعمِلي الطِّيبَ فإنَّهُ

.

ص: 271

تُحِبُّهُ المَلائِكَةُ، وَاجتَهِدي أن لا يَدخُلَ عَلَيكِ أحَدٌ يُكَلِّمُكِ أو يَشغَلُكِ _ الباقي ذكر في كتاب عمل السّنة ما كُتِبَ هاهنا، من أراد أن يكتب فليكتب من عمل السّنة _ فإذا فَرَغتِ مِنَ الدُّعاءِ فاسجُدي على الأرضِ، وَعَفِّري خَدَّيكِ على الأرضِ وَقولي: لكَ سَجَدتُ وَبِكَ آمَنتُ فارحَم ذُلّي وَفاقَتي، وَكَبوَتيِ لِوَجهي، وَأجهَدي أن تَسيحَ عَيناكِ وَلَو مِقدارَ رَأسِ الذُّبابِ دُموعاً؛ فإنَّهُ آيَةُ إجابَةِ هذا الدُّعاءِ حُرقَةُ القَلبِ وانسِكابُ العَبرَةِ، فاحفَظي ما عَلّمتُكِ، ثُمَّ احذَري أن يَخرُج عَن يَدَيكِ إلى يَدِ غَيرِكِ مِمِّنَ يَدعو بهِ لِغَيرِ حَقٍّ، فإنَّهُ دُعاءٌ شَريفٌ، وَفيهِ اسمُ اللّهِ الأعظَمُ الّذي إذا دُعِيَ بهِ أجابَ وَأعطى، وَلَو أنّ السَّمواتِ وَالأرضَ كانَتا رِتقاً، وَالبِحارَ بِأجمَعِها مِن دونِها، وَكانَ ذلِكَ كُلُّه بَينَكِ وَبَينَ حاجَتِكِ يُسَهِّلُ اللّهُ عز و جلالوصولَ إلى ما تُريدينَ، وَأعطاكِ طَلِبَتَكِ، وَقَضى لكِ حاجَتَكِ وَبَلَّغَكِ آمالَكِ، وَلِكُلِّ مَن دَعا بِهذا الدُّعاءِ الإجابَةُ مِنَ اللّهِ تَعالى، ذَكَراً كانَ أو أُنثى، وَلَو أنّ الجِنَّ والإنسَ أعداءٌ لِوَلَدِكِ لَكَفاكِ اللّهُ مُؤنَتَهُم وَأخرَسَ عَنكِ ألسِنَتَهُم ، وَذَلَلّ لَكِ رِقابَهُم إن شاءَ اللّهُ . قالت أُمّ داوود : فكتب لي هذا الدّعاء ، وانصرفت منزلي . الحديث (1) . ولكن لم يذكر لفظ الدّعاء ، لذا يذكر نصّ الدّعاء من المصباح للشيخ الطّوسي رحمه اللهفي أعمال يوم النّصف من رجب قال : ويستحبّ أن يدعو بدعاء أُمِّ داوود : وإذا أراد ذلك فليصمّ اليوم الثّالث عشر والرّابع عشر والخامس عشر، فإذا كان عند الزّوال اغتسل، فإذا زالت الشّمس صلّى الظّهر والعصر، يحسن ركوعهنّ وسجودهنّ، ويكون في موضع خال لا يشغله شاغل ولا يكلّمه إنسان، فإذا فرغ من الصّلاة استقبل القبلة وقرأ الحمد مئة مرّة، وسورة الإخلاص مئة مرّة، وآية الكرسي عشر مرّات، ثمّ يقرأ بعد ذلك سورة

.


1- .فضائل الأشهر الثلاثة : ص33 ح 14 ، بحار الأنوار : ج97 ص42 ح30 نقلاً عنه .

ص: 272

الأنعام، وبني إسرائيل، والكهف، ولقمان ، ويس، والصّافّات ، وحم السّجدة، وحم عسق، وحم الدّخان، والفتح، والواقعة، والملك، ون، وإذا السّمآء انشقّت وما بعدها إلى آخر القرآن . فإذا فرغ من ذلك قال وهو مستقبل القبلة : صَدَقَ اللّهُ العَظيمُ الّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ الحَيُّ القَيّومُ، ذو الجَلالِ وَالإكرامِ، الرَّحمانُ الرّحيمُ، الحَليمُ الكَريمُ، الّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ، البَصيرُ الخَبير. شَهِدَ اللّهُ أنّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولو العِلمِ قائِماً بِالقِسطِ، لا إلهَ إلاّ هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ، وَبَلّغَت رُسُلُهُ الكِرامُ، وَأنا على ذلِكَ مِنَ الشّاهِدينَ. اللّهمَّ ! لَكَ الحَمدُ وَلَكَ المَجدُ، وَلَكَ العِزُّ وَلَكَ الفَخرُ، وَلَكَ القَهرُ وَلَكَ النِّعمَةُ، وَلَكَ العَظَمَةُ وَلَكَ الرّحمَةُ، وَلكَ المَهابَةُ وَلَكَ السُّلطانُ، وَلَكَ البَهاءُ وَلَكَ الامتِنانُ، وَلَكَ التَّسبيحُ وَلَكَ التَّقديسُ، وَلَكَ التَّهليلُ وَلَكَ التَّكبيرُ، وَلَكَ ما يُرى وَلَكَ ما لا يُرى، وَلَكَ ما فَوقَ السّمواتِ العُلى وَلَكَ ما تَحتَ الثَّرى، وَلَكَ الأرَضونَ السُّفلى وَلَكَ الآخِرَةُ والأُولى، وَلَكَ ما تَرضى بهِ مِنَ الثّناءِ وَالحَمدِ وَالشُّكرِ وَالنَّعماءِ. اللّهمَّ! صَلِّ على جَبرئيلَ أمينِكَ على وَحيِكَ، وَالقَوِيِّ على أمرِكَ، وَالمُطاعِ في سَماواتِكَ وَمَحالِ كراماتِكَ، المُتَحَمِّلِ لِكَلماتِكَ، النّاصِرِ لِأنبيائِكَ، المُدَمّرِ لأعدائِكَ. اللّهمَّ صَلِّ على مِيكائيلَ مَلَكِ رَحمَتِكَ، وَالمَخلوقِ لِرَأَفتِكَ، وَالمُستَغفِرِ المُعينِ لِأهلِ طاعَتِكَ. اللّهمَّ ! صَلِّ على إسرافيلَ حامِلِ عَرشِكَ، وصاحِبِ الصُّورِ المُنتَظِرِ لِأمرِكَ، الوَجِلِ المُشفِقِ مِن خيفَتِكَ. اللّهمَّ ! صَلِّ على حَمَلَةِ العَرشِ الطّاهرينَ، وَعلى السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ الطَّيِّبينَ، وَعلى مَلائِكَتِكَ الكِرامِ الكاتِبينَ، وَعلى مَلائِكَةِ الجِنانِ وَخَزَنةِ النّيرانِ، وَمَلَكِ

.

ص: 273

المَوتِ وَالأعوانِ، يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ. اللّهمَّ! صَلِّ على أبينا أدمَ بَديعِ فِطرَتِكَ، الّذي كَرَّمتَهُ بِسُجودِ مَلائِكَتِكَ، وَأبَحتَهُ جَنَّتَكَ. اللّهمَّ! صَلِّ على اُمِّنا حَوّاءَ المُطَهَّرَةِ مِنَ الرّجسِ، المُصفّاةِ مِنَ الدَّنَسِ، المُفَضَّلَةِ مِنَ الإنسِ، المُتَردِّدَةِ بَينَ مَحالِّ القُدسِ. اللّهمَّ! صَلِّ على هابيلَ وَشِيثَ وإدريسَ وَنوحٍ وَهودٍ وَصالِحٍ وَإبراهيمَ وَإسماعيلَ وإسحاقَ وَيَعقوبَ وَيوسُفَ وَالأسباطِ وَلوطٍ وَشُعَيبَ وَأيّوبَ وَموسى وَهارونَ ويُوشَعَ وَمِيشا وَالخِضرِ وَذي القَرنَينِ وَيُونُسَ وَإلياسَ وَاليَسَعَ وَذي الكِفلِ وَطالوتَ وَداوودَ وَسُليمانَ وَزَكَرِيّا وشَعْيا وَيَحيى وَتُورَخَ وَمَتّى وإرميا وَحَيْقُوقَ وَدانيالَ وَعُزَيرٍ وَعيسى وَشَمعونَ وَجِرجيس وَالحَوارِيِّينَ وَالأتباعِ وَخالدٍ وحَنظَلَةَ وَلُقمانَ. اللّهمَّ! صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَارحَم مُحَمّداً وَآلَ مُحَمّدٍ، وَبارِك على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، كما صَلَّيتَ وَرَحِمتَ وَبارَكتَ على إبراهيمَ وَآلَ إبراهيمَ، إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ. اللّهمَّ! صَلِّ على الأوصياءِ وَالسُّعداءِ وَالشُّهداءِ وَأئِمِّةِ الهُدى. اللّهمّ! صَلِّ على الأبدالِ وَالأوتادِ، وَالسُّيّاحِ وَالعُبّادِ وَالمُخلِصينَ وَالزُّهّادِ، وَأهلِ الجِدِّ وَالاجتِهادِ، وَاخصُص مُحَمّداً وَأهلَ بَيتِهِ بِأفضَلِ صَلواتِكَ وَأجزَلِ كراماتِكَ، وبَلِّغ روحَهُ وَجَسَدَهُ مِنّي تَحِيّةً وَسلاماً وَزِدهُ فَضلاً وَشَرَفاً وَكَرَماً حَتّى تُبَلِّغَهُ أعلى دَرجاتِ أهلِ الشّرَفِ مِنَ النّبيّينَ وَالمُرسَلينَ وَالأفاضِلِ المُقرَّبينَ. اللّهمَّ! وَصَلِّ على مَن سَمَّيتُ وَمَن لَم أُسَمِّ من مَلائِكَتِكَ وَأنبيائِكَ وَرُسُلِكَ وَأهلِ طاعَتِكَ، وَأوصِل صلواتي إلَيهِم وَإلى أرواحِهِم وَاجعَلهُم إخواني فيكَ، وَأعواني على دُعائِكَ. اللّهمَّ! إنّي أستَشفِعُ بِكَ إلَيكَ وَبِكَرَمِكَ إلى كَرِمِكَ، وَبِجودِكَ إلى جودِكَ،

.

ص: 274

وَبِرَحمَتكَ إلى رَحمَتِكَ، وَبِأهلِ طاعَتِكَ إلَيكَ، وَأسألُكَ اللّهمَّ! بِكُلِّ ما سَألَكَ بِهِ أحَدٌ مِنهُم مِن مَسألَةٍ شَريفَةٍ غيرَ مَردودَةٍ، وَبِما دَعَوكَ بهِ مِن دَعوَةٍ مُجابَةٍ غيرَ مُخَيِّبَةٍ، يا اللّهُ يا رَحمانُ يا رَحيمُ، يا حَليمُ يا كريمُ يا عظيمُ، يا جليلُ يا مُنيلُ يا جَميلُ يا كفيلُ يا وَكيلُ يا مُقيلُ، يا مُجيرُ يا خبيرُ يا مُنيرُ يا مُبيرُ، يا مَنيعُ يا مُديلُ يا مُحيلُ، يا كبيرُ يا قديرُ يا بَصيرُ يا شَكورُ، يا بَرُّ يا طُهرُ يا طاهِرُ يا قاهِرُ يا ظاهِرُ يا باطِنُ، يا ساتِرُ يا مُحيطُ يا مُقتَدِرُ، يا حَفيظُ يا مُتَجَبِّرُ يا قَريبُ، يا وَدودُ يا حَميدُ يا مَجيدُ، يا مُبدِئُ يا مُعيدُ يا شَهيدُ، يا مُحسِنُ يا مُجمِلُ، يا مُنعِمُ يا مُفضِلُ، يا قابِضُ يا باسِطُ، يا هادي يا مُرسِلُ، يا مُرشِدُ يا مُسَدِّدُ يا مُعطي، يا مانِعُ يا دافِعُ يا رافِعُ، يا باقي يا واقي، يا خَلاّقُ يا وَهّابُ يا تَوّابُ، يا فَتّاحُ يا نَفّاحُ يا مُرتاحُ، يا مَن بِيَدِهِ كُلُّ مِفتاحٍ، يا نَفَّاعُ يا رَؤوفُ يا عَطوفُ، يا كافي يا شافي، يا معافي يا مُكافي، يا وَفِيُّ يا مُهَيمِنُ، يا عَزيزُ يا جَبّارُ يا مُتَكَبِّرُ يا سَلامُ يا مُؤمِنُ، يا أحَدُ يا صَمَدُ، يا نورُ يا مُدَبِّرُ، يا فَردُ يا وِترُ، يا قُدّوسُ يا ناصِرُ، يا مُونِسُ يا باعِثُ يا وارِثُ، يا عالِمُ يا حاكِمُ، يا بادي يا مُتعالي، يا مُصَوِّرُ يا مُسَلِّمُ يا مُتَحَبِّبُ يا قائِمُ يا دائِمُ، يا عَليمُ يا حَكيمُ، يا جَوادُ يا بارِئُ، يا بارُّ يا سارُّ، يا عَدلُ يا فاصِلُ، يا دَيّانُ يا حَنّانُ يا مَنّانُ، يا سَميعُ يا بَديعُ، يا خَفيرُ يا مُغَيِّرُ، يا ناشِرُ يا غافِرُ يا قَديم، يا مُسَهِّلُ يا مُيَسِّرُ، يا مُميتُ يا مُحيي، يا نافِعُ يا رازِقُ يا مُقَدِّرُ، يا مُسَبِّبُ يا مُغيثُ، يا مُغني يا مُقني يا خالِقُ يا راصِدُ يا واحِدُ، يا حاضِرُ يا جابِرُ يا حافِظُ، يا شديدُ يا غِياثُ يا عائِدُ يا قابِضُ. يا مَن علا فَاستَعلى فَكانَ بالمَنظرِ الأعلى، يا مَن قَرُبَ فَدَنا وَبَعُدَ فَنأى، وَعِلمَ السّرَّ وأخفى، يا مَن إلَيهِ التّدبيرُ وَلَهُ المَقاديرُ، وَيا مَن العَسيرُ عَلَيهِ يَسيرٌ، يا مَن هُوَ على ما يشاءُ قديرٌ، يا مُرسِلَ الرِّياحِ، يا فالِقَ الإصباحِ، يا باعِثَ الأرواحِ، يا ذا الجودِ وَالسَّماحِ، يا رادَّ ما قَد فاتَ، يا ناشِرَ الأمواتِ، يا جامِعَ الشّتاتِ، يا رازِقَ مَن يَشاءُ وَفاعِلَ ما يَشاءُ كَيفَ يَشاءُ. وَيا ذا الجلالِ وَالإكرامِ، يا حَيُّ يا قَيّومُ، يا حَيُّ حِينَ لا حَيٌّ، يا حَيُّ يا مُحيي

.

ص: 275

المَوتى، يا حيُّ لا إلهَ إلاّ أنتَ، يا بديعَ السّمواتِ والأرضِ. يا إلهي وَسَيِّدي، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَارحَم مُحَمّداً وَآلَ مُحَمّدٍ، وَبارِك على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، كما صَلّيتَ وَبارَكتَ وَرَحِمتَ وَتَرَحَّمتَ علي إبراهيمَ وَآلِ إبراهيمَ، إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ، وَارحَم ذُلّي وَفاقَتي، وَفَقري وَانفِرادي، وَوَحدَتي، وَخُضوعي بَينَ يَدَيكَ، وَاعتِمادي عَلَيكَ وَتَضَرُّعي إلَيكَ، أدعوكَ دُعاءَ الخاضِعِ الذّليلِ، الخاشِعِ الخائِفِ المُشفِقِ البائِسِ المهينِ، الحَقيرِ الجائِعِ الفَقيرِ العائِذِ المُستَجيرِ، المُقِرِّ بِذنبِهِ المُستَغفِرِ مِنهُ المُستَكينِ لِرَبِّهِ، دُعاءَ مَن أسلَمَتهُ نَفسُهُ، وَرَفَضَتهُ أحِبَّتُهُ، وَعَظُمَت فَجيعَتُهُ، دُعاءَ حَرقٍ حَزينٍ ضَعيفٍ مَهينٍ بائِسٍ مُستَكينٍ بِكَ مُستَجيرٍ. اللّهمَّ !وَأسألُكَ بِأَنَّكَ مَليكٌ،وَأنَّكَ ماتَشاءُ مِن أمرٍ يَكونُ،وَأنّكَ على ماتَشاءُ قَديرٌ، وَأسألُكَ بِحُرمَةِ هذا الشَّهرِ الحَرامِ، وَالبَيتِ الحَرامِ وَالبَلَدِ الحَرامِ وَالرُّكنِ وَالمَقامِ، وَالمشاعِرِ العِظامِ،وبِحَقِ نَبيّك مُحَمّدٍ عَليهِ وَآلهِ السّلامُ،يامَن وَهَبَ لآدَمَ شِيثاً، وَلإبراهيمَ إسماعيلَ وَإسحاقَ، ويا مَن رَدّ يُوسُفَ على يَعقوبَ، وَيا مَن كَشَفَ بَعدَ البَلاءِ ضُرَّ أيّوبٍ، يا رادَّ موسى على أُمِّهِ، وَزائِدَ الخِضرِ في عِلمِهِ، وَيامَن وَهَبَ لِداوودَ سُليمانَ وَلِزَكَرِيّا يَحيى وَلِمَريمَ عيسى، يا حافِظَ بِنتَ شُعَيبٍ، وَيا كافِلَ وَلَدِ اُمِّ موسى، أسألُكَ أن تُصَلِّيَ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَأن تغفِرَ لي ذنوبي كُلَّها، وَتُجيرَني مِن عَذابِكَ، وَتُوجِبَ لي رِضوانَكَ وَأمانَكَ، وَإحسانَكَ وَغُفرانَكَ، وَجنانَكَ. وَأسألُكَ أن تَفُكَّ عَنّي كُلَّ حَلَقَةٍ بَيني وَبَينَ مَن يُؤذيني، وَتَفتَح لي كُلَّ بابٍ وَتُلَيِّنُ لي كُلَّ صَعبٍ، وَتُسَهِّلَ لي كُلَّ عَسيرٍ وَتُخرِسَ عَنّي كُلَّ ناطِقٍ بِشَرٍّ، وَتَكُفّ عَنّي كُلَّ باغٍ، وَتَكبِتَ عَنّي كُلَّ عَدُوٍّ لي وَحاسِدٍ، وَتَمنَعَ مِنّي كُلَّ ظالِمٍ وَتَكفِيَني كُلَّ عائِقٍ يَحولُ بيني وَبَينَ حاجَتي وَيُحاوِلُ أن يُفَرِّقَ بَيني وَبَينَ طاعَتِكَ وَيُثَبِّطَني عَن عِبادَتِكَ، يا مَن ألجَمَ الجِنَّ المُتَمرِّدينَ، وَقَهَرَ عُتاةَ الشّياطينِ، وَأذَلَّ رِقابَ

.

ص: 276

86 . دعاءٌ من صحيفة عتيقة إلى زرارة فيه دعاء عليّ بن الحسين عليهماالسلام للمهمّات

المُتَجَبّرينَ، وَرَدَّ كَيدَ المُتَسَلِّطينَ عَنِ المُستَضعَفينَ، أسألُكَ بِقُدرَتِكَ على ما تَشاءُ وَتَسهيلُكَ لِما تَشاءُ كَيفَ تَشاءُ، أن تَجعَلَ قَضاء حاجَتي فيما تَشاءُ. ثُمَّ اسجُد على الأرضِ وَعَفِّر خَدَّيكَ، وَقُل: اللّهمَّ! لَكَ سَجَدت، وَبِكَ آمَنتُ، فارحَم ذُلّي وَفاقَتي وَاجتِهادي وَتَضَرُّعي وَمَسكَنَتي وَفَقري إلَيكَ يا رَبّ! وَاجتَهِد أن تَسُحَّ عَيناكَ وَلَو بِقَدرِ رَأسِ الذُّبابَةِ دُموعاً فإنَّ ذلِكَ عَلامَةُ الإجابَةِ. (1)

86دعاءٌ من صحيفة عتيقة إلى زرارةفيه دعاء عليّ بن الحسين عليهماالسلام للمهمّاتأخبرني أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة (2) قال: سألت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام أن يعلّمني دعاء أدعو به في المهمّات، فأخرج إليّ أوراقاً من صحيفة عتيقة فقال: انتسخ ما فيها، فهو دعاء جدّي عليّ بن الحسين زين العابدين عليهماالسلام للمهمّات. فكتبت ذلك على وجهه، فما كربني شيء قطّ وأهمّني، إلاّ دعوت به ففرّج اللّه همّي وكشف غمّي وكربي، وأعطاني سؤلي وهو : اللّهمَّ هَدَيتَني فَلَهَوتُ، وَوَعظتَ فَقَسوتُ، وَأبلَيتَ الجَميلَ فَعَصَيتُ، وَعَرَّفتَ فَأصرَرتُ ثُمَّ عَرَّفتَ فاستَغفَرتُ، فَأقَلتَ فَعُدتُ فَسَتَرتَ.

.


1- .مصباح المتهجد : ص807 ، الاقبال : ج 3 ص 242 نحوه ، بحار الأنوار : ج 98 ص 400 ح 1 .
2- .راجع الكتاب : الرّابع والعشرون .

ص: 277

فَلَكَ الحَمدُ إلهي، تَقَحَّمتُ أودِيَةَ هَلاكي، وَتَخَلَّلتُ شِعابَ تَلَفي، فَتَعرَّضتُ فيها لِسَطواتِكَ، وَبِحلولِها لِعقوباتِكَ، وَوَسيلَتي إلَيكَ التّوحيدُ، وَذَريعَتي أنّي لَم أُشرِك بِكَ شَيئاً وَلَم أَتّخِذ مَعَكَ إلهاً، قَد فَرَرتُ إلَيكَ مِن نَفسي وَإلَيكَ يَفِرُّ المُسيءُ وَأنتَ مَفزَعُ المُضَيِّعِ حَظَّ نَفسِهِ. فَلَكَ الحَمدُ إلهي، فَكَم مِن عَدُوٍّ انتَضى عَلَيَّ سَيفَ عَداوَتِهِ (1) ، وَشَحَذَ لي ظُبَةَ مُديَتِهِ، وَأرهَفَ لي شَبا حَدِّهِ، وَدافَ لي قَواتِلَ سُمومِهِ، وَسَدَّدَ نَحوي صَوائِبَ سِهامِهِ، وَلَم تَنَم عَنّي عَينُ حِراسَتِهِ، وَأضمَرَ أن يَسومَني المَكروهَ (2) ، وَيُجرِّعَني زُعافَ مَرارَتِهِ. فَنَظَرتُ يا إلهي إلى ضَعفي عَنِ احتِمالِ الفَوادِحِ، وَعَجزي عَنِ الانتِصارِ مِمَّن قَصَدَني بِمُحارَبَتِهِ، وَوَحدَتي في كثيرِ عَدَدِ مَن ناواني، وَأرصَدَ لِيَ البَلاءَ فيما لَم أُعمِل فيهِ فِكري فابتَدأتَني بِنَصرِكَ وَشَدَدتَ أزري بِقُوَّتِكَ، ثُمَّ فَلَلتَ لي حَدَّهُ (3) وَصَيَّرتَهُ مِن بَعدِ جَمع (4) وَحدَهُ، وَأعليتَ كعبي عَلَيهِ، وَجَعَلتَ ما سَدَّدَهُ مَردوداً عَلَيهِ فَرَدَّدتَهُ لَم يُشفَ غَليلُهُ (5) وَلَم يَبرُد حَرارَةُ غَيظِهِ، قَد عَضّ على شُواه، وَأدبَرَ مُوَلّياً قَد

.


1- .يقال : انتضى سيفه : استله من غمده . وشحذ السّكّين ونحوه : أحده ، وبمعناه الإرهاف . والمدية : الشّفرة . والظّبة والشّبا : حدّ السّيف والسّكّين ونحوهما ، وفي بعض النّسخ : « شباة حدّه » وهي واحدها والجمع : شبا . والدوف : خلط الدّواء ومزجها . والصّوائب جمع الصّائب وهو من السّهام : الّذي لا يخطئ في الإصابة .
2- .يقال : سامه خسفاً : أولاه إيّاه وأراده عليه ، وفلاناً الأمر : كلّفه إيّاه ، وأكثر ما يستعمل في العذاب والشّرّ. وفي بعض النسخ : «وأظهر الخ ». والزّعاف كالذّعاف : السّمّ القاتل سريعاً . والفادح : الثّقيل من البلاء .
3- .أي كسرت لي سورته وشدّته، والفل ضد الشّحذ.
4- .كذا في النّسخ وفي بحار الأنوار : «من بعد جمعه». والصّحيح كما في الصّحيفة الكاملة : «من بعد جمع عديد وحدّه».
5- .حال للضمير المفعول في « رددته » . والشّوى كالفتى : اليدان والرّجلان والأطراف وما كان غير مقتل من الأعضاء.

ص: 278

أخلَفَت سَراياهُ. وَكَم من باغٍ بَغاني بِمَكائِدِهِ، وَنَصَبَ لي أشراكَ مَصائِدِهِ، وَوَكَّلَ بي تَفَقُّدَ رِعايَتِهِ، وَأضبَأ (1) إلَيَّ إضباءَ السَّبُعِ لِمَصائِدِهِ انتِظاراً لانتِهازِ (الفُرصَةِ) لِفَريسَتِهِ. فَنادَيتُكَ يا إلهي مُستَغيثاً بِكَ، واثِقاً بِسُرعَةِ إجابَتِكَ، عالِماً أنَّهُ لَم يُضطَهَد مَن أوى إلى ظِلِّ كَنَفِكَ، وَلَن يَفزَعَ مَن لَجأ إلى مَعاقِلِ انتِصارِكَ، فَحَصَّنتَني مِن بأسِهِ بِقُدرَتِكَ. وَكَم مِن سحائِبِ مَكروهٍ قَد جَلَّيتَها، وَغَواشِيَ كُرُباتٍ كَشَفَتها، لا تُسألُ عَمّا تَفعَلُ وَلَقَد سُئِلتَ فَأعطَيتَ وَلَم تُسأل فَابتَدأتَ، وَاَستُميحَ فَضلُكَ فَما أكدَيتَ (2) ، أبَيتَ إلاّ إحساناً وَأبَيتُ إلاّ تَقَحُّمَ حُرُماتِكَ، وَتَعدِّيَ حُدودِكَ وَالغَفلةَ عَن وَعيدِكَ. فَلَكَ الحَمدُ إلهي مِن مُقتَدِرٍ لا يُغلبُ وَذي أناةٍ لا يَعجَلُ هذا مَقامُ مَنِ اعتَرَفَ لَكَ بِالِتَّقصيرِ، وَشَهِدَ على نَفسِهِ بِالتَّضييعِ. اللّهمَّ إنّي أتقرَّبُ إلَيكَ بالمُحَمَّدِيَّةِ الرَّفيعَةِ، وَأتوَجَّهُ إلَيكَ بالعَلَوِيَّةِ البَيضاءِ، فَأعِذني من شَرِّ ما خَلَقتَ، وَشرِّ مَن يُريدُ بي سوءاً، فإنَّ ذلِكَ لا يَضيقُ عَلَيكَ في وُجدِكَ (3) ، وَلا يَتَكَأّدُكَ في قُدرَتِكَ، وَأنتَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٍ. اللّهمَّ ارحَمني بِتَركِ المَعاصي ما أبقَيتَني ، وَارحَمني بِتَركِ تَكَلُّفِ ما لا يَعنيني، وَارزُقني حُسنَ النَّظَرِ فيما يُرضيكَ عَنّي، وَألزِم قَلبي حِفظَ كِتابِكَ كَما عَلَّمتَني ، وَاجعَلني أتلوهُ على ما يُرضيكَ عَنّي، وَنَوِّر بهِ بَصري ، وَأوعِهِ سَمعي ، وَاشرَح بِهِ صَدري ، وَفرِّج بهِ عَن قَلبي ، وَأطلِق بهِ لِساني ، وَاستَعمِل بهِ بَدَني ، وَاجعَل فِيَّ مِنَ الحَولِ وَالقُوَّةِ ما يُسَهِّلُ ذلِكَ عَلَيَّ، فإنَّهُ لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِكَ.

.


1- .أظبأ الصّائد : استتر واختبا ليختل صيده . وفي الصّحيفة «السّبع لطريدته».
2- .أكدى الرّجل عن الشّيء : ردّه عنه .
3- .أي فيما تجده وتقدر عليه ، ولا يتكأدك أي لا يشقّ عليك ولا يثقلك .

ص: 279

اللّهمَّ اجعَل لَيلي وَنَهاري وَدُنيايَ وَآخِرَتي وَمُنقَلَبي وَمَثوايَ عافِيَةً مِنكَ ، وَمُعافاةً وَبَرَكَةً مِنكَ . اللّهمَّ أنتَ رَبّي وَمَولايَ وَسَيّدِي وَأملي، وَإلهي وَغِياثي وَسَنَدي وَخالِقي وَناصِري وَثِقَتي وَرَجائي ، لَكَ مَحيايَ وَمَماتي ، وَلَكَ سَمعي وَبَصَري ، وَبِيَدِكَ رِزقي ، وَإلَيكَ أمري في الدُّنيا والآخِرَةِ . مَلَّكتَني بِقُدرَتِكَ ، وَقَدِرتَ عَلَيَّ بِسُلطانِكَ ، لَكَ القُدرَةُ في أمري ، وَناصِيَتي بِيَدِكَ ، لا يَحولُ أحدٌ دونَ رِضاكَ ، بِرَأفَتِكَ أرجو رَحمَتَكَ ، وَبِرَحمَتِكَ أرجو رِضوانَكَ ، لا أرجو ذلِكَ بِعَمَلي ، فَقَد عَجَزَ عَنّي عَمَلي ، وَكَيفَ أرجو ما قَد عَجَزَ عَنّي (1) ، أشكو إلَيكَ فاقَتي ، وَضَعفَ قُوَّتي ، وَإفراطي في أمري ، وَكُلُّ ذلِكَ مِن عِندي، وَما أنتَ أعلَمُ بِهِ مِنّي فاكفِني ذلِكَ كُلَّهُ . اللّهمّ اجعَلني مِن رُفَقاءِ مُحَمّدٍ حَبيبِكَ، وَإبراهيمَ خَليلِكَ ، وَيَومَ الفَزَعِ الأكبَرِ مِنَ الآمِنينَ فَآمِنّي، وَبِبِشرِكَ فَبَشِّرني (2) ، وَفي ظِلالِكَ فأظِلَّني ، وَبِمَفازَةٍ مِنَ النّارِ فَنَجِّني ، وَلا تُسمني السُّوءَ وَلا تُخزِني ، وَمِنَ الدُّنيا فَسَلِّمني ، وَحُجَّتي يَومَ القِيامَةِ فَلَقِّني ، وَبذِكرِكَ فَذَكِّرني ، وَلِليُسرى فَيَسِّرني ، وَلِلعُسرى فَجَنِّبني ، وَالصَّلاةَ وَالزَّكاةَ ما دُمتُ حَيّاً فَألهِمني ، وَلِعِبادَتِكَ فَوَفِّقني ، وَفي الفِقهِ وَمَرضاتِكَ فَاستَعمِلني ، وَمِن فَضلِكَ فارزُقني ، وَيَومَ القِيامَةِ فَبَيِّض وَجهي ، وَحِساباً يَسيراً فَحاسِبني ، وَبِقَبيحِ عَمَلي فَلا تَفضَحني ، وَبِهُداك فاهدِني ، وَبِالقَولِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ فَثَبِّتني . وَما أحبَبتُ فَحَبِّبهُ إلَيَّ، وَما كَرِهتُ فَبَغِّضهُ إلَيّ ، وَما أهمَّني مِنَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ فَاكفِني ، وَفي صَلاتي وَصِيامي وَدُعائي وَنُسُكي وَشُكري وَدُنيايَ وَآخِرَتي فَبارِك

.


1- .في منقوله في بحار الأنوار : «فقد عجزت عن عملي فكيف أرجو ما عجز عنّي».
2- .في بعض نسخ الحديث : «وبيسارك فيسّر لي» وفي بعضها : «فيسرّني».

ص: 280

لِي ، وَالمَقامَ المَحمودَ فابعَثني ، وَسُلطاناً نصيراً فاجعَل لي ، وَظُلمي وَجَهلي وَإسرافي في أمري فَتَجاوَز عَنّي ، وَمِن فِتنَةِ المَحيا وَالمَماتِ فَخَلِّصني ، وَمِنَ الفَواحِشِ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ فَنَجِّني ، وَمِن أولِيائِكَ يَومَ القِيامَةِ فاجعَلني ، وَأدِم لي صالِحَ الّذي آتَيتَني ، وَبِالحَلال عَنِ الحَرامِ فَأغنِني ، وَبِالطَّيِّبِ عَنِ الخَبيثِ فاكفِني . أقبِل بِوَجهِكَ الكريمِ إلَيَّ، وَلا تَصرِفهُ عَنّي ، وَإلى صراطِكَ المُستقيمِ فاهدِني ، وَلِما تُحِبُّ وَتَرضى فَوَفِّقني . اللّهمّ إنّي أعوذُ بِكَ مِنَ الرّياءِ وَالسُّمعَةِ وَالكِبرياءِ وَالتَعَظُّمِ وَالخُيَلاءِ وَالفَخرِ وَالبَذَخِ (1) وَالأشَرِ وَالبَطَرِ، وَالإعجابِ بِنَفسي وَالجَبرِيَةِ رَبِّ فَنَجِّني . وأعوذُ بِكَ مِنَ العَجزِ (2) وَالبُخلِ وَالشُّحِّ وَالحَسَدِ وَالحِرصِ وَالمُنافَسَةِ والغِشِّ. وأعوذُ بِكَ مِنَ الطَّمَعِ وَالطَّبَعِ (3) وَالهَلَعِ وَالجَزَعِ وَالزَّيغِ والقَمعِ . وأعوذُ بِكَ مِنَ البَغي وَالظُّلمِ وَالإعتِداءِ وَالفَسادِ وَالفُجورِ وَالفُسوقِ . وَأعوذُ بِكَ مِنَ الخِيانَةِ وَالعُدوانِ وَالطُّغيانِ . رَبِّ وَأعوذُ بِكَ مِنَ المَعصِيَةِ وَالقَطيعَةِ وَالسَّيِّئَةِ وَالفَواحِشِ وَالذُّنوبِ . وَأعوذُ بِكَ مِنَ الإثمِ وَالمَأثِمَ وَالحَرامِ وَالمُحَرَّمِ وَالخَبيثِ وَكُلِّ ما لا تُحِبُّ. رَبِّ وَأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ الشَّيطانِ وَمَكرِهِ وَبَغيِهِ وَظُلمِهِ وَعَداوَتِهِ وَشِركِهِ وَزَبانِيَتِهِ وَجُندِهِ .

.


1- .البذخ : التّكبّر ، وهو من المجاز ، أصله بمعنى الطّول والرّفعة .
2- .في بحار الأنوار : «من الفجر».
3- .الطّبع : الدّنس والدّناءة ، وفي الحديث : «أعوذ من طمع يهدى إلى طبع» . والهلع : الحرص . والجزع : عدم التّصّبر . والزّيغ : الميل والإعوجاج . والقمع : الذّلة والتّحير كما في هامش بحار الأنوار .

ص: 281

وَأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما خَلَقتَ مِن دابَّةٍ وَهامَّةٍ أو جِنٍّ أو إنسٍ مِمّا يَتَحرَّكُ . وَأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعرُجُ فيها ، وَمِن شَرِّ ما ذرأ في الأرضِ وما يَخرُجُ مِنها. وَأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ كاهِنٍ وَساحِرٍ وَراكِزٍ (1) ونافِثٍ ورَاقٍ. رَبِّ وَأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ حاسِدٍ وطاغٍ وَباغٍ وَنافِسٍ وَظالِمٍ وَمُعتَدٍ وَجائِرٍ . وأعوذُ بِكَ مِنَ العَمى وَالصَمَمِ وَالبَكَمِ وَالبَرَصِ وَالجُذامِ وَالشَّكِّ وَالرَّيبِ. وأعوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالفَشَلِ والعَجزِ وَالتَّفريطِ والعَجَلَةِ وَالتَّضييعِ وَالتَّقصيرِ وَالإبطاءِ . وَأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما خَلَقتَ في السَّماواتِ وَالأرضِ وَما بَينَهُما وَما تَحتَ الثَّرى. رَبِّ وأعوذُ بِكَ مِنَ الفَقرِ وَالحاجَةِ وَالفاقَةِ والمَسألَةِ وَالضَّيعَةِ (2) وَالعائِلَةِ. وأعوذُ بِكَ مِنَ القِلَّةِ وَالذِلَّةِ. وأعوذُ بِكَ مِن الضّيقِ وَالشِّدَّةِ وَالقَيدِ وَالحَبسِ وَالوَثاقِ وَالسُّجونِ وَالبَلاءِ وَكُلِّ مُصيبَةٍ لا صَبرَ لي عَلَيها، آمينَ رَبَّ العالَمينَ. اللّهمَّ أعطِنا كُلَّ الّذي سَألناكَ ، وَزِدنا مِن فَضلِكَ على قَدرِ جَلالِكَ وَعَظَمَتِكَ ، بِحَقِّ لا إلَه إلاّ أنتَ العزيزُ الحَكيمُ. (3)

.


1- .كذا ، وركز الرّمح غرزها في الأرض ولعلّه كناية عن الخادع ، وفي بحار الأنوار وأمالي ابن الشيخ : «وزاكن» وهو المتفرّس الفطن الّذي يطلع على الأسرار فيؤذي النّاس . والرّاقي : النّفّاث في العقد .
2- .أي أن أضاع وأتلف والضّيعة في الأصل : المرة من الضّياع . وفي الأمالي للطّوسي : « المسألة والضّيقة ، والعائلة ، وأعوذ بك من القيلة والذلة » .
3- .الأمالي للمفيد: ص239 ح3، مهج الدعوات : ص201 مع اختلاف، بحار الأنوار: ج95 ص180 ح1 .

ص: 282

87 . كتابه عليه السلام للربيع في الدّعاء للكرب والشّدائد

87كتابه عليه السلام للربيعفي الدّعاء للكرب والشّدائدفي حديث إحضار المنصور الدّوانيقي للإمام الصّادق عليه السلام ودخوله عليه السلام على المنصور وتغيّر حاله، وأمره الرّبيع بإتيان الغالية ووضعها في لحيته عليه السلام وحمله على دابّة فارهة _ قال الرّبيع : (1) فخرجنا من عنده وأنا مسرور فرح بسلامة جعفر عليه السلام ومتعجّب ممّا أراد المنصور، وما صار إليه من أمره ، فلمّا صرنا في الصّحن قلت له: يابن رسول اللّه إنّي لأعجب ممّا عمد إليه هذا في بابك ، وما أصارك اللّه إليه من كفايته ودعائه ، ولأعجب من أمر اللّه عز و جل ، وقد سمعتك تدعو عقيب الرّكعتين بشيء في الأصل بدعاء لم أدر ما هو ، إلاّ أنّه طويل ، ورأيتك قد حركت شفتيك ههنا _ أعني الصّحن _ بشيء لم أدر ما هو ؟ فقال لي : أمّا الأوّل فدعاء الكرب والشّدائد لم أدع به على أحد قبل يومئذ جعلته عوضاً من دعاء كثير أدعو به إذا قضيت صلاتي، لأنّي لم أترك أن أدعو ما كنت أدعو به . وأمّا الّذي حركت به شفتي فهو دعاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الأحزاب حدّثني به أبي عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : لمّا كان يوم الأحزاب كانت المدينة كالإكليل من جنود المشركين ، وكانوا كما قال اللّه عز و جل : «إِذْ جَآءُوكُم مِن فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَ إِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا » . (2) فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بهذا الدّعاء وكان أمير المؤمنين عليه السلام

.


1- .الرّبيع : صاحب المنصور الظاهر هو الربيع بن يونس حاجب المنصور ، وهو حفيد الفضل بن الربيع كما يظهر من أمالي الطوسي : ص 591 ح 1226 و ص 261 ح 1029) وذكره في أصحاب الصادق عليه السلام بعنوان ربيع الحاجب . (رجال الطوسي : ص 204 الرقم 2611) . الربيع بن يونس بن محمّد ، مولى أبي جعفر المنصور وحاجبه ووزيره له بعد أبي أيّوب المرزبانيّ توفي في سنة 170 ه ق ( راجع : المنتظم : ج 8 ص 332 الرقم 920) .
2- .الأحزاب: 10 و11.

ص: 283

يدعو به إذا أحزبه أمر والدّعاء: اللّهمّ احرسْني بعينك الّتي لا تنام ، واكْنِفنِي بركنك الّذي لا يضام، واغفر لي بقدرتك عليّ، ربِّ لا أهلك وأنت الرّجاء ، اللّهمّ أنت أعزّ وأكبر ، ممّا أخاف وأحذر ، باللّه أستفتح ، وباللّه أستنجح ، وبمحمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتوجّه يا كافي إبراهيم نمرود ، وموسى فرعون ، اكفني ما أنا فيه اللّه اللّه ربّي لا أشرك به شيئاً، حسبي الرّبّ من المربوبين، حسبي الخالق من المخلوقين ، حسبي المانع من الممنوعين، حسبي من لم يزل حسبي حسبي ، مذ قطّ حسبي ، حسبي اللّه لا إله إلاّ هو عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم . ثمّ قال: لولا الخوف من أمير المؤمنين كنت لدفعت إليك هذا المال ، [ أي المال الّذي أعطاه المنصور] ولكن قد كنت طلبت منّي أرضي بالمدينة ، وأعطيتني بها عشرة آلاف دينار ، فلم أبعك وقد وهبتها لك . قلت: يابن رسول اللّه إنّما رغبتي في الدّعاء الأوّل والثّاني، وإذا فعلت هذا فهو البرّ ولا حاجة لي الآن في الأرض . فقال : إنّا أهل بيت لا نرجع في معروفنا ، نحن ننسخك الدّعاء ونسلّم إليك الأرض ، صرْ معي إلى المنزل ، فصرت معه كما تقدّم المنصور . وكما كتب لي بعهدة الأرض. وأملى عَلَيّ دعاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وأملى عَلَيّ الّذي دعا هو بعد الرّكعتين . (1) أقول: لم ننقل في الحديث نصّ الوثيقة في عهدة الأرض. والدُّعاء الّذي دعا به بعد الصّلاة هو ما ذكره في المهج:

.


1- .مهج الدعوات : ص242 ، بحار الأنوار : ج94 ص291 ح 2 نقلاً عنه .

ص: 284

اللّهمَّ إنّي أسألُكَ يا مُدرِكَ الهارِبينَ ، وَيا مَلجأ الخائِفينَ، وَيا صريخَ المُستَصرِخينَ، وَيا غِياثَ المُستَغيثينَ، وَيا مُنتَهى غايَةِ السّائِلينَ، وَيا مُجيبَ دَعوَةِ المُضطَرّينَ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ، يا حَقُّ، يا مُبينُ، يا ذا الكَيدِ المَتينِ، يا مُنصِفَ المَظلومينَ مِنَ الظّالِمينَ، يا مُؤمِنَ أوليائِهِ مِنَ العَذابِ المُهينِ، يا مَن يَعلَمُ خائِنَةَ الأعيُنِ، بِخافيات لَحظِ الجفون، وَسرائِرِ القُلوبِ، وَما كانَ وَيَكونُ، يا رَبَّ السّماواتِ وَالأرَضينَ، والمَلائِكَةِ المُقرَّبينَ، وَالأنبياءِ المُرسَلينَ، وَرَبِّ الجِنِّ والإنسِ أجمَعينَ، يا شاهِداً لا يَغيبُ، يا غالِباً غَيرَ مَغلوبٍ، يا مَن على كُلِّ شَيءٍ رَقيبٌ، وَعلى كُلِّ شَيءٍ حَسيبٌ، وَمِن كُلِّ عَبدٍ قَريبٌ، وَلِكُلِّ دَعوَةٍ مُستَجيبٌ، يا إلهَ الماضينَ ، والغابِرينَ والمُقِرّينَ وَالجاحِدينَ، وإلَهَ الصّامِتينَ، وَالنّاطِقينَ، وَرَبَّ الأحياءِ وَالمَيّتينَ . يا أللّهَ ، يا رَبَّاهُ ، يا عَزيزُ، يا حَكيمُ، يا غَفورُ، يا رَحيمُ، يا أَوّلُ، يا قَديمُ يا شَكورُ، ياحَليمُ يا قاهِرُ ، يا عَليمُ، يا سَميعُ، يا بَصيرُ، يا لَطيفُ، يا خَبيرُ، يا عالِمُ، يا قَديرُ، يا قَهّارُ، يا غَفّار، يا جَبّار، يا خالِقُ، يا رازِقُ، يا فاتِقُ، يا راتِقُ، يا صادِقُ، يا أحَدُ يا صَمَدُ يا واحِدُ ياماجِدُ يارَحمانُ ، يا فَردُ، يا مَنّانُ، يا سُبّوحُ، يا حنّانُ، يا قُدّوسُ، يارَؤوفُ، يا مُهَيمِنُ، يا حَميدُ، يا مَجيدُ، يا مُبدِئُ، يا مُعيدُ، يا وَلِيُّ، يا عَلِيُّ، يا غَنِيُّ، ياقَوِيُّ، يا بارِئ، يا مُصَوِّرُ ، يا مَلِكُ يا مُقتَدِرُ، يا باعِثُ، يا وارِثُ، يا مُتَكَبِّرُ، يا عَظيمُ، يا باسِطُ، يا سَلامُ، يا مُؤمِنُ، يا بارُّ يا وترُ، يا مُعطي، يا مانِعُ، يا ضارُّ، يا نافِعُ، يا مُفَرِّقُ، يا جامِعُ، يا حَقُّ، يا مُبينُ، يا حَيُّ، يا قَيُّومُ، يا وَدودُ، يا مُعيدُ، يا طالِبُ، يا غالِبُ، يا مُدرِكُ، يا جَليلُ، يا مُفضِّلُ، يا كَريمُ، يا مُتَفَضِّلُ، يا مُتَطَوِّلُ، يا أوّابُ، يا سَمحُ، يا فارِجَ الهمِّ، يا كاشِفَ الغَمِّ، يا مُنزِلَ الحَقِّ، يا قابِلَ الصِّدقِ، يا فاطِرَ السّمواتِ والأرضِ، يا عِمادَ السَّماواتِ وَالأرضِ، يا مُمسِكَ السّماواتِ وَالأرضِ، يا ذا البَلاءِ الجَميلِ، وَالطَّولِ العَظيمِ، يا ذا السُّلطانِ الّذي لا يَذِلُّ، وَالعِزِّ الّذي لا

.

ص: 285

يُضامُ، يا مَعروفاً بالإحسانِ، يا مَوصوفاً بالامتِنانِ، يا ظاهِراً بِلا مُشافَهَةٍ، يا باطِناً بِلا مُلامَسَةٍ، يا سابِقَ الأشياءِ بِنَفسِهِ، يا أوّلاً بِغَيرِ غايَةٍ، يا آخرَ بِغَيرِ نِهايَةٍ ، يا قائِماً بِلا انتِصابٍ، يا عالِماً بِلا اكتِسابٍ، يا ذا الأسماءِ الحُسنى، وَالصِّفاتِ المُثلى، وَالمَثَلِ الأعلى، يا مَن قَصُرَت عَن وَصفِهِ ألسُنُ الواصِفينَ، وَانقَطَعَت عَنهُ أفكارُ المُتَفَكِّرينَ، وعلا وَتَكَبَّرَ عَن صفاتِ المُلحِدينَ، وَجَلَّ وَعَزَّ عَن عَيبِ العائِبينَ، وَتبارَكَ وَتَعالى عَن كِذبِ الكاذِبينَ، وَأباطيلِ المُبطِلينَ، وَأقاويلِ العادِلينَ، يا مَن بَطَنَ فَخَبَرَ، وَظَهَرَ فَقَدَرَ، وَأعطى فَشَكَرَ، وعلا فقهر، يا رَبَّ العَينِ وَالأثَرِ، وَالجِنِ وَالبَشَرِ، وَالأُنثى وَالذَّكَرِ، وَالبَحثِ وَالنَّظَرِ، وَالقَطرِ وَالمَطَرِ، وَالشَّمسِ وَالقَمَرِ، ياشاهِدَ النَّجوى، وَكاشِفَ الغَمِّ وَدافِعَ البَلوى، وَغايَةَ كُلِّ شَكوى، يا نِعمَ النَّصيرِ وَالمَولى، يا مَن هُوَ عَلى العَرشِ استَوى، لَهُ ما فِي السَّمواتِ، وَما فِي الأرضِ، وما بَينَهُما، وَما تَحتَ الثَّرى. يا مُنعِمُ يا مُفضِلُ يا مُحسِنُ، يا مُجمِلُ، يا كافي يا شافي، يا مُحيي يا مُميتُ، يا مَن يَرى وَلا يُرى، وَلا يَستَعينُ بِسَناءِ الضِّياءِ، يا مُحصي عَدَدِ الأشياءِ ، يا عالِيَ الجَدِّ، يا غالِبَ الجُندِ، يا مَن لَهُ على كُلِّ شَيءٍ يَدٌ، وَفي كُلِّ شَيءٍ كَيدٌ، يا مَن لا يَشغَلُهُ صغيرٌ عَن كَبيرٍ، وَلا حَقيرٌ عَن خَطيرٍ، وَلا يَسيرٌ عَن عَسيرٍ، يا فاعِلٌ بِغَيرِ مُباشَرَةٍ، يا عالِمٌ مِن غَيرِ مُعَلِّمٍ، يا مَن بَدَأ بالنِّعمَةِ قَبلَ استِحقاقِها، وَالفَضيلَةِ قَبلَ استيجابِها، يا مَن أنعَمَ على المُؤمِنِ وَالكافِرِ، وَاستَصلَحَ الفاسِدَ وَالصّالِحَ عَلَيهِ، وَرَدَّ المُعانِدَ والشّارِدَ عَنهُ، يا مَن أهلَكَ بَعدَ البَيِّنَةِ، وَأخَذَ بَعدَ قَطعِ المَعذِرَةِ، وَأقامَ الحُجَّةَ، وَدَرأ عَنِ القُلوبِ الشُّبهَةَ، وَأقامَ الدِّلالَةَ، وَقادَ إلى مُعايَنَةِ الآيَةِ، يا بارِئ الجَدِّ، وَمُوسِّعَ البَلَدِ، وَمُجري القوتِ، وَمُنشِرَ العِظامِ بَعدَ المَوتِ، وَمُنزِلَ الغَيثِ، يا سامِعَ الصَّوتِ، وَسابِقَ الفَوتِ، يا رَبَّ الآياتِ وَالمُعجِزاتِ، من مَطرٍ وَنَباتٍ، وَآباءٍ وَأُمَّهاتٍ، وَبَنينَ

.

ص: 286

وَبَناتٍ، وَذاهِبٍ وَآتٍ، وَلَيلٍ داجٍ، وَسَماءٍ ذاتِ أبراجٍ، وَسِراجٍ وَهّاجٍ، وَبَحرٍ عَجَّاجٍ، وَنُجومٍ تَمورُ، وَأرواحٍ تَدورُ، وَمِياهٍ تَفورُ، وَمِهادٍ مَوضوعٍ، وسِترٍ مَرفوعٍ ، وَرِياحٍ تَهُبُّ، وَبَلاءٍ مَدفوعٍ، وَكَلامٍ مَسموعٍ، ويقظة (1) وَمَنامٍ، وَسِباعٍ وَأنعامٍ ، وَدَوابٍّ وَهَوامٍ، وَغَمامٍ وَأكمامٍ، واُمورٍ ذاتِ نِظامٍ، مِن شِتاءٍ وَصَيفٍ، وَرَبيعٍ وَخَريفٍ، أنتَ أنتَ خَلَقتَ هذا يا ربّ ، فأحسَنتَ، وَقَدّرتَ فَأتقَنْتَ ، وَسَوَّيتَ فَأحكَمتَ ، وَنَبَّهتَ على الفِكرَةِ، فأنعَمتَ، وَنادَيتَ الأحياءَ فَأفهَمتَ، وَلَم يَبق عَلَيَّ إلاَّ الشُّكرُ لَكَ، وَالذِّكرُ لِمَحامِدِكَ، وَالانقِيادُ إلى طاعَتِكَ، وَالاستِماعُ لِلدَّاعي إلَيكَ، فإن عَصَيتُكَ فَلَكَ الحُجَّةُ، وَإن أطَعتُكَ فَلَكَ المِنَّةُ، يا مَن يُمهِلُ فَلا يَعجَلُ ، وَيَعلَمُ فَلا يَجهَلُ، وَيُعطي فلا يَبخَلُ، يا أحَقَّ مَن عُبِدَ، وَحُمِدَ وَسُئِلَ، وَرُجِيَ وَاعتُمِدَ. أسألُكَ بِكُلِّ اسمٍ مُقَدَّسٍ، مُطَهَّرٍ، مَكنونٍ اختَرتَهُ لِنَفسِكَ، وَكُلِّ ثَناءٍ عالٍ رَفيعٍ، كَريمٍ رَضيتَ بهِ مِدحَةً لَكَ، وَبِحَقِّ كُلِّ مَلَكٍ قريبٍ مَنزِلَتُهُ عِندَكَ، وَبِحَقِّ كُلِّ نَبيٍّ أرسَلتَهُ إلى عِبادِكَ، وَبِكُلِّ شَيءٍ جَعَلتَهُ مُصَدِّقاً لِرُسُلِكَ، وَبِكُلِّ كتابٍ فَضَّلتَهُ وفصَّلته (2) ، وَبَيَّنتَهُ وَأحكَمتَهُ ، وَشَرَّعتَهُ، وَنَسختَهُ، وَبِكُلِّ دُعاءٍ سَمِعتَهُ فأجبتَهُ ، وَعَمَلٍ رَفَعتَهُ، وَأسألُكَ بِكُلِّ مَن عَظَمتَ حَقَّهُ، وَأعلَيتَ قَدرَهُ، وَشَرَّفتَ بُنيانَهُ، مِمّن أسَمعتَنا ذِكرَهُ، وَعَرَّفتَنا أمرَهُ، وَمِمَّن لَم تُعرِّفنا مَقامَهُ، وَلَم تُظهِر لَنا شأنَهُ مِمَّن خَلَقتَهُ، مِن أوَّلِ ما ابتَدأتَ بِهِ خَلقَكَ ، وَمِمَّن تَخلُقُهُ إلى انقِضاءِ عِلمِكَ ، وَأسألُكَ بِتَوحيدِكَ الَّذي فَطَرتَ عَلَيهِ العُقولَ، وأخَذتَ بِهِ المَواثيقَ، وَأرسَلتَ بِهِ الرُّسُلَ وَأنزَلتَ عَليهِ الكُتُبَ، وَجَعَلتَهُ أوَّلَ فُروضِكَ، وَنِهايَةَ طاعَتِكَ، فَلَم تَقبَل حَسَنَةً إلاَّ مَعَها، وَلَم تَغفِر سَيّئةً إلاَّ بَعدَها ، وَأتوَجَّهُ إلَيكَ بِجودِكَ وَمَجدِكَ وَكَرَمِكَ، وَعِزِّكَ وَجَلالِكَ ، وَعَفوِكَ وَامتِنانِكَ،

.


1- .كلمة «يقظة » غير موجودة في المصدر ، وما أثبتناه هو الصحيح كما في المصادر الاُخرى .
2- .في المصدر : «ووصلته »، وما أثبتناه هو الصحيح كما في المصادر الاُخرى .

ص: 287

وَتَطَوُّلِكَ، وَبِحَقِّكَ الّذي هُوَ أعظَمُ مِن حُقوقِ خَلقِكَ. وَأسألُكَ يا أللّهُ، يا أللّهُ، يا أللّهُ، يا رَبّاهُ، يا رَبّاهُ، يا رَبّاهُ، يا رَبّاهُ . . . _ ثلاثَ عَشرَةَ مَرّة _ وَأرغَبُ إلَيكَ خاصّاً وَعامّاً، وَأوَّلا وَآخِراً ، وَبِحَقِّ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله ، الأمينِ رَسولِكَ سَيّدِ المُرسَلينَ، وَنَبِيّكَ إمامِ المُتّقينَ ، وبِالرّسالَةِ الّتي أدّاها ، وَالعِبادَةِ الّتي اجتَهَدَ فيها ، وَالمِحنَةِ الّتي صَبَرَ عَلَيها ، وَالمَغفِرَةِ الّتي دَعا إلَيها ، وَالدِّيانَةِ الّتي حَرَّضَ عَلَيها، مُنذُ وَقتِ رِسالَتِكَ إيّاهُ إلى أن تَوَفّيتَهُ، وبِما بَينَ ذلِكَ مِن أقوالِهِ الحَكيمَةِ ، وَأفعالِهِ الكَريمَةِ، وَمَقاماتِهِ المشهورَةِ، وَسَاعاتِهِ المَعدودَةِ ، أن تُصَلِّيَ عَلَيهِ كَما وَعَدتَهُ مِن نَفسِكَ ، وَتُعطِيَهُ أفضَلَ ما أمَّلَ مِن ثَوابِكَ ، وَتُزلِفَ لَديكَ مَنزِلَتَهُ وَتُعلي عِندَكَ دَرجَتَهُ ، وَتبعَثَهُ المَقامَ المَحمودَ ، وَتوردَهُ حَوضَ الكَرَمِ وَالجودِ، وَتُبارِكَ عَلَيهِ بَرَكَةً عامّةً ، خاصّةً ماسّةً ، زاكِيَةً عالِيَةً سامِيَةً ، لا انقِطاعَ لِدَوامِها ، وَلا نَقيصَةَ في كمالِها ، وَلا مَزيدَ إلاّ في قُدرَتِكَ عَلَيها ، وَتُزيدُه بَعدَ ذلِكَ مِمّا أنتَ أعلَمُ بهِ ، وَأقدَرُ عَلَيهِ، وَأوسَعُ لَهُ، وَتُؤتي ذلِكَ، حَتّى يَزدادَ في الإيمانِ بهِ بَصيرَةً ، وَفي مَحَبَّتِهِ ثَباتاً وَحُجَّةً ، وَعلى آلِهِ الطاهِرينَ الطَيبينَ الأخيارِ ، المُنتَجبينَ الأبرارِ ، وَعلى جَبرائيلَ وَميكائيلَ وَالمَلائِكَةِ المُقرّبينَ ، وَحَمَلَةِ عَرشِكَ أجمَعينَ ، وَعلى جَميعِ النَّبِيينَ وَالمُرسلينَ ، وَالصِّديقينَ ، وَالشُّهداءِ ، وَالصّالِحينَ ، عَلَيهِ وَعَلَيهِم السّلامُ وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ . اللّهمَّ ، إنّي أصبَحتُ لا أملِكُ لِنَفسي ، ضَرّاً ولا نَفعاً ، وَلا مَوتاً ولا حَياةً ، ولا نُشوراً ، قَد دنا مَصرَعي، وَانقَطَعَ عُذري ، وَذَهَبَت (1) مسألتي ، وَذَلَّ ناصِري ، وَأسلَمَني أهلي، وَوَلدي، بَعدَ قِيامِ حُجَّتِكَ عَلَيَّ ، وَظُهورِ بَراهينِكَ عِندي ، وَوُضوحِ دَلائِلِكَ لَدَيَّ (2) .

.


1- .في المصدر : «قد ذلّ مصرعي وذهب مسألتي . . . » وما أثبتناه هو الصحيح كما في المصادر الاُخرى .
2- .كلمة : «لَدَيَّ » غير موجودة في المصدر ، وقد أثبتناها من المصادر الاُخرى .

ص: 288

اللّهُمَّ ، إنّه قَد أكدى الطّلَبُ ، وَأعيَتِ الحِيَلُ إلاّ عِندَكَ، وَانغَلَقَتِ الطُّرُقُ ، وَضاقَتِ المَذاهِبُ ، إلاّ إلَيكَ ، وَدَرَستِ الآمالُ ، وَانقَطَعَ الرَّجاءُ ، إلاّ مِنكَ ، وَكَذِبَ الظَّنُ ، وَأخلَفَتِ العِداتُ إلاّ عِدَتُكَ . اللّهمَّ ، إنّ مَناهِلَ الرَّجاءِ لِفَضلِكَ مُترَعَةٌ ، وَأبوابَ الدُّعاءِ لِمَن دَعاكَ مُفَتَّحَةٌ ، وَالاستِغاثَةُ لِمَنِ استَغاثَ بِكَ مُباحَةٌ ، وَأنتَ لِداعيكَ بِمَوضِعِ الإجابَةِ ، وَللصارِخِ إلَيكَ وَلِيُّ الإغاثَةِ ، وَالقاصِدُ إلَيكَ ، قَريبُ المَسافَةِ ، وَأنَّ مَوعِدَكَ عِوضٌ عَن مَنعِ الباخِلينَ ، وَمَندوحَةٌ عَمّا في أيدي المُستَأثِرينَ ، وَدَركٌ مِن حِيَلِ المَوازرينِ وَأنتَ لا تُحجَبُ عَن خَلقِكَ ، إلاّ أن تَحجُبَهُم الأعمالُ السَّيِئةُ دونَكَ ، وَما أُبرِّئُ نَفسي مِنها ، وَلا أرفَعُ قَدري عَنها ، إنّي لِنَفسي يا سَيِّدي لَظَلومٌ ، وَبِقَدَري لَجَهولٌ ، إلاّ أن ترحَمَني، وتلحضني وَتعودَ بِفَضلِكَ عَلَيَّ ، وَتَدرَأ عِقابَكَ عَنّي، وَتَرحَمَني ، وَتَلحَظَني بِالعَينِ ، الّتي أنقَذتَني بِها مِن حَيرَةِ الشَّكِ ، وَرَفعَتني مِن هُوَّةِ الضَّلالَةِ ، وَأنعَشَتني مِن مِيتَةِ الجَهالَةِ ، وَهَدَيتَني بِها مِن الأنهاجِ الحائِرَةِ . اللّهمَّ ، وَقَد عَلِمتُ أنَّ أفضَلَ زادِ الرّاحِلِ إلَيكَ عَزمُ إرادَةٍ ، وإخلاصُ نِيَّةٍ ، وَقَد دَعَوتُكَ بِعَزمِ إرادَتي ، وإخلاصِ طَوِيَّتي، وَصادِقِ نِيَّتي، فَها أنا ذا مِسكينُكَ ، بائِسُكَ ، أسيرُكَ ، فَقيرُكَ ، سائِلُكَ ، مُنيخٌ بِفِنائِكَ ، قارِعٌ بابَ رَجائِكَ ، وَأنتَ اُنسُ الآنِسينَ لِأوليائِكَ ، وَأحرى بِكِفايَةِ المُتَوكِّلينَ عَلَيكَ ، وَأولى بِنَصرِ الواثِقِ بِكَ ، وَأحَقُّ بِرِعايَةِ المُنقَطِعِ إلَيكَ ، سِرّي إلَيكَ مَكشوفٌ ، وَأنا إلَيكَ مَلهوفٌ ، وأنا عاجِزٌ ، وَأنتَ قديرٌ ، وَأنا صغيرٌ وَأنتَ كَبيرٌ ، وَأنا ضعيفٌ وَأنتَ قَوِيٌّ ، وَأنا فقيرٌ وَأنتَ غَنِيٌّ ، إذا أوحَشَتني الغُربَةُ ، آنَسَني ذِكرُكَ ، وإذا صَعُبَت عَلَيَّ (1) الاُمورُ استَجرتُ بِكَ ، وإذا تلاحَقَت عَلَيَّ الشَّدائِدُ أمّلتُكَ ، وَأينَ يَذهبُ بي عَنكَ ، وَأنتَ أقرَبُ مِن وَريدي،

.


1- .في المصدر : « صُبَّت » ، وما أثبتناه هو الصحيح كما في المصادر الاُخرى .

ص: 289

وَاحصَنُ مِن عديدي وَأوجَدُ في مَكاني، وَأصَحُّ مِن مَعقولي، وَأزِمَّةُ الاُمورِ كُلُّها بِيَدِكَ ، صادِرَةٌ عَن قَضائِكَ ، مُذعِنَةٌ بِالخُضوعِ لِقُدرَتِكَ ، فَقيرَةٌ إلى عَفوِكَ ، ذاتُ فاقَةٍ إلى قارِبٍ مِن رَحمَتِكَ ، وَقَد مَسَّني الفَقرُ وَنالَني الضُّرُ ، وَشَمَلَتني الخَصاصَةُ ، وَأغرَتني الحاجَةُ ، وَتَوسَّمتُ بِالذِّلَةِ ، وَعَلَتني المَسكَنَةُ ، وَحَقَّت عَلَيَّ الكَلِمَةُ ، وَأحاطَت بِيَ الخَطيئَةُ ، وَهذا الوَقتُ الّذي وَعدتَ أولياءَكَ فيهِ الإجابَةِ ، فامسَح ما بي بِيَمينِكَ الشّافِيَةِ ، وَانظُر إليَّ بِعَينِكَ الرّاحِمَةِ ، وَأدخِلني في رَحمَتِكَ الواسِعَةِ ، وَأقبِل عَلَيَّ بِوَجهِكَ ذي الجَلال وَالإكرامِ ، فإنَّكَ إذا أقبَلتَ على أسيرٍ فَكَكتَهُ ، وَعلى ضالٍّ هَدَيَتهُ ، وعلى حائِرٍ آوَيتَهُ ، وَعلى ضَعيفٍ قَوَّيتَهُ ، وَعلى خائِفٍ آمَنتَهُ . اللّهمَّ ، إنَّكَ أنعَمتَ عَلَيَّ فَلَم أشكُر ، وَابتَلَيتَني فَلَم أصبِر ، فَلَم يُوجِب عَجزي عن شُكرِكَ مَنعَ المُؤمَّلِ مِن فَضلِكَ ، وَأوجَبَ عَجزي عَنِ الصَّبرِ على بَلائِكَ كَشفَ ضُرِّكَ ، وإنزالَ رَحمَتِكَ ، فيا مَن قَلّ عِندَ بَلائِهِ صَبري فَعافاني، وَعِندَ نَعمائِهِ شُكري فَأعطاني ، أسألُكَ المَزيدَ مِن فَضلِكَ ، وَالإيزاعَ لِشُكرِكَ ، وَالاعتِدادَ بِنَعمائِكَ في أعفى العافِيَةِ ، وَأسبَغِ النِّعمَةِ ، إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . اللّهمَّ ، لا تُخلِني مِن يَدِك ، وَلا تَترُكني لِقاءاً لِعَدُوِّكَ ، وَلا لِعَدُوّي ، وَلا تُوحِشني من لَطائِفِكَ الخَفِيَّةِ ، وَكِفايَتِكَ الجَميلَةِ ، وَإن شَرَدتُ عَنكَ فاردُدني إلَيكَ ، وَإن فَسَدتُ عَلَيكَ فأصلِحني لَكَ ، فإنَّكَ تَرُدّ الشّارِدَ ، وَتُصلِحُ الفاسِدَ ، وَأنتَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . اللّهمَّ ، هذا مُقامُ العائِذِ بِكَ ، اللائِذِ ، بِعَفوِكَ ، المُستَجيرِ بِعِزِّ جَلالِكَ ، قَد رأى أعلامَ قُدرَتِكَ ، فَأرِهِ آثارَ رَحمَتِكَ ، فإنَّكَ تُبدِئ الخَلقَ ثُمَّ تُعيدُهُ ، وَهُوَ أهونُ عَلَيكَ ، وَلَكَ المَثَلُ الأعلى فِي السَّمواتِ وَالأرضِ ، وَأنتَ العَزيزُ الحَكيمُ . اللّهمَّ ، فَتَولَّني وِلايَةً تُغنيني بِها ، عَن سِواها ، وَأعطِني عَطِيَّةً لا أحتاجُ إلى غَيرِكَ

.

ص: 290

مَعَها ، فَإنّها لَيسَت بِبِدعٍ مِن وِلايَتِكَ ، وَلا بِنُكرٍ مِن عَطِيَّتِكَ ، وَلا بِأولى مِن كِفايَتِكَ ، ادفَعِ الصَّرعَةَ ، وَأنعِش السَّقطَةَ ، وَتَجاوَز عَنِ الزَّلَةِ ، وَاقبَلِ التَّوبَةَ ، وَارحَمِ الهَفوَةَ ، وأنجِ مِنَ الوَرطَةِ ، وَأقِلِ العَثرَةَ ، يا مُنتَهى الرَّغبَةِ ، وَغِياثَ الكُربَةِ ، وَوَلِيَّ النِّعمَةِ ، وَصاحِبي فِي الشِّدَةِ ، وَرَحمانَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، أنتَ الرّحيم فإلى (1) من تَكِلُني ؟ إلى بَعيدٍ يَتَجَهَّمُني ؟ أو عَدُوٍّ يَملِكُ أمري ؟ إن لَم تَكُ عَلَيَّ ساخِطاً فَما اُبالي، غَيرَ أن عَفوكَ لا يَضيقُ عَنّي ، وَرِضاكَ يَنفَعُني ، وَكَنَفَكَ يَسَعُني، وَيَدَكَ الباسِطَةُ تَدفَعُ عَنّي، فَخُذ بِيَدي مِن دَحضِ الزّلَةِ فَقَد كَبَوتُ ، وَثَبِّتني على الصِّراطِ المُستقيمِ ، وَاهدِني وَإلاّ غَوَيتُ . يا هادِيَ الطّريقِ ، يا فارِجَ المَضيقِ ، يا إلهي بِالتَّحقيقِ ، يا جارِيَ اللَّصيقَ ، يا رُكنِيَ الوَثيقَ ، يا كنزِيَ العَتيقَ ، أحلِل عَنّي المَضيقَ ، وَاكفِني شَرَّ ما أُطيقُ ، وَما لا أُطيقُ ، يا أهلَ التَّقوى والمَغفِرَةِ ، وَذا العِزِّ وَالقُدرَةِ ، وَالآلاءِ وَالعَظَمَةِ ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ ، وَخَيرَ الغافِرينَ ، وَأكرَمَ النّاظِرينَ ، وَرَبَّ العالَمينَ ، لا تَقطَع مِنكَ رَجائي ، ولا تُخَيّب دُعائي ، وَلا تُجهِد بَلائي ولا تُسئ قضائي وَلا تَجعَلِ النّارَ مَأوايَ ، وَاجعَلِ الجَنَّةَ مَثوايَ ، وَأعطِني مِنَ الدُّنيا سُؤلي وَمُناي ، وَبلّغني مِنَ الآخِرَةِ أملي وَرِضايَ ، وَآتِني في الدُّنيا حَسَنَةً ، وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النّارِ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، وَبِكُلّ شَيءٍ مُحيطٌ ، وَأنتَ حَسبي ، وَنِعمَ الوَكيلُ . (2) أقول : نقله السّيّد ص175 بهذا السّند قال: ومن ذلك ما رويناه ورأيناه بإسنادنا إلى الشّيخ أبي محمّد هارون بن موسى التّلعكبريّ رضى الله عنه قال : حدّثنا محمّد بن همام

.


1- .في المصدر : « رحماني »، وما أثبتناه من المصادر الاُخرى .
2- .مهج الدعوات: ص223 ، بحار الأنوار : ج94 ص273 ح 1 .

ص: 291

88 . كتابه عليه السلام في الحوائج

قال: حدّثنا عبد اللّه بن كثير التّمار قال: حدّثنا محمّد بن عليّ الصّيرفيّ قال: حدّثنا عبد الرّحمان بن أبي نجران قال: حدّثني ياسر _ مولى الرّبيع _ قال سمعت الرّبيع 1 يقول: لمّا حجّ المنصور (1) ؛ الحديث. ولكنّه في هذه الرّواية يقول : إنّه عليه السلام دعا بهذا الدّعاء ولم يذكر الاستنساخ والإملاء . وقال السيّد بعد نقل الدّعاء ص184: كتبته من مجموع بخط الشّيخ الجليل أبي الحسين محمّد بن هارون التّلعكبريّ؛ هكذا في الأصل. (2)

88كتابه عليه السلام في الحوائجهشام بن أحمر (3) قال: كتب أبو عبد اللّه رقعة في حوائج لأشتريها وكتب : إذا قَرَأتَ الرُّقعَةَ خَرِّقها ، فاشتريت الحوائج وأخذت الرّقعة فأدخلتها في زنفيلجتي (4)

.


1- .هو أبو جعفر المنصور الدّوانيقي ثاني خلفاء بني العباس بعد أخوه أبو العباس السفاح ، بقي في الحكم اثنين وعشرين سنة (136 _ 158 ه) ، وقد وطد أركان الدّولة العباسيّة ، وثبت دعائم الحكم لها .
2- .راجع : بحار الأنوار : ج 47 ص193 _ 198 ح 39 وج94 ص273 ح 1 وص 279 وص 292 ح 2 وص 316 و317 ح 3 .
3- .هشام بن أحمر الكوفيّ ، عدّه الشيخ رحمه الله من أصحاب الصادق والكاظم عليهماالسلام ، وعدّه البرقي من أصحاب الكاظم عليه السلام وممن أدرك أبا عبد اللّه عليه السلام ، وهو الّذي بعثه أبو الحسن عليه السلام ليشتري اُمّ الرضا عليه السلام . (راجع : رجال الطوسي : ص 319 الرقم 4752 و ص 345 الرقم 5155 ، رجال البرقي : ص 48) .
4- .الزّنفليجة : بفتح الزّاي والفاء وكسر اللام ، وحكى في لسان العرب كسر الزّاي والفاء ، ويقال : الزنفيلجة ، أعجمي معرب « زين فاله » وهو وعاء شبيه بالكنف وهو وعاء أداة الرّاعي ، أو وعاء أسقاط التّاجر ، ويرجح بعض الأساتذة إنّه الزّنبيل محرفاً . ( المعرب للجواليقي : ص170 ) .

ص: 292

89 . إملاؤه عليه السلام لعمرو بن أبي المقدام في دعوات موجزات لجميع الحوائج للدنيا والآخرة

وقلت : أتبرك بها . (1) قال : وقدمت عليه فقال : يا هُشامُ اشتَرَيتَ الحوائِجَ ؟ قلت : نعم . قال : وَخَرَقت الرُّقعَةَ ؟ قلت : أدخلتها زنفيلجتي وأقفلت عليها الباب أطلب البركة، وهو ذا المفتاح في تِكَّتي . قال : فرفع جانب مصلاه وطرحها إليّ وقال : خَرِّقها ، فَخَرقتُها ورجعت ففتشت الزّنفيلجة فلم أجد فيها شيئاً . (2)

89إملاؤه عليه السلام لعمرو بن أبي المقدامفي دعوات موجزات لجميع الحوائج للدنيا والآخرةأحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن خلف بن حمّاد ، عن عمرو بن أبي المقدام 3 قال: أملى عليّ هذا الدّعاء أبو عبد اللّه عليه السلام _ وهو جامع للدنيا والآخرة _

.


1- .ولم يذكر لفظ الكتاب .
2- .كشف الغمة : ج2 ص407، بحار الأنوار : ج47 ص147 ح 203 نقلاً عنه.

ص: 293

تقول بعد حمد اللّه والثناء عليه :اللهُمَّ أنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الحليمُ الكريمُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ العزيزُ الحكيمُ وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الواحِدُ القَهَّارُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ المَلِكُ الجَبّارُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الرّحيمُ الغَفّارُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ شَديدُ المِحالِّ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الكَبيرُ المُتعالِ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ السّميعُ البَصيرُ وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ المَنيعُ القَديرُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الغَفورُ الشَّكورُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الحَميدُ المَجيدُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الغَفورُ الوَدودُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الحَنّانُ المَنّانُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الحَليمُ الدّيانُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الجَوادُ الماجِدُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الواحِدُ الأحَدُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الغائِبُ الشّاهِدُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلَهَ إلاّ أنتَ الظّاهِرُ الباطِنُ ، وَأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ . تَمَّ نورُكَ فَهَدَيتَ ، وَبَسَطتَ يَدَكَ فَأعطَيتَ رَبَّنا ، وَجهُكَ أكرَمُ الوُجوهُ وَجِهَتُكَ خَيرُ الجِهاتِ ، وَعَطِيَّتُكَ أفضَلُ العَطايا وَأهنَوا ، تُطاعُ رَبَّنا فَتَشكُر ، وَتُعصى رَبَّنا فَتَغفِر لِمَن شِئتَ ، تُجيبُ المُضطَرّينَ ، وَتَكشِفُ السُّوءَ وَتَقبَلُ التَّوبَةَ ، وَتَعفو عَنِ الذُنوبِ ، لا تُجازى أياديكَ ، وَلا تُحصى نِعَمُكَ ، وَلا يَبلُغُ مِدحَتَكَ قَولُ قائِلٍ : اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ ، وَعَجِّل فَرَجَهُم وَرَوحَهُم وَراحَتَهُم وَسرورَهُم ، وَأذِقني طَعمَ فَرَجَهُم ، وَأهلِك أعداءَهُم مِنَ الجِنِّ وَالإنسِ ، وَآتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النّارِ وَاجعَلنا مِنَ الّذينَ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزنونَ وَاجعَلني مِنَ الّذينَ صَبَروا وَعلى رَبِّهِم يَتَوكَّلونَ ، وَثَبتِني بِالقَولِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ ، بارِك لي في المَحيا وَالمَماتِ وَالمَوقِفِ وَالنّشورِ وَالحِسابِ وَالميزانِ وَأهوالِ يَومِ القِيامَةِ ، وَسَلِّمني على الصِّراطِ وَأجِزني عَلَيهِ ، وَارزُقني عِلماً نافِعاً وَيَقيناً صادِقاً وَتُقىً وَبِرّاً وَوَرَعاً ، وَخَوفاً مِنكَ وَفَرَقاً

.

ص: 294

90 . كتابه عليه السلام إلى عبد الرحمان بن سيابة في دعوات موجزات لجميع الحوائج

يُبَلِّغُني مِنكَ زُلفى وَلا يُباعِدُني عَنكَ ، وَأحبِبني وَلا تُبغِضني ، وَتَوَلَّني وَلا تَخذِلني وأعطِني مِن جَميعِ خَيرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، ما عَلِمتُ مِنهُ وَما لَم أعلَم ، وَأجِرني مِنَ السُّوءِ كُلِّهِ بِحَذافيرِهِ ما عَلِمتُ مِنهُ وَما لَم أعلَم . (1)

90كتابه عليه السلام إلى عبد الرحمان بن سيابةفي دعوات موجزات لجميع الحوائجعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن عبد الرّحمان بن سيابة (2) قال : أعطاني أبو عبد اللّه عليه السلام هذا الدّعاء :الحَمدُ للّهِِ وَلِيّ الحَمدِ وَأهلِهِ ، وَمُنتهاهُ وَمَحِلِّهُ ، أخَلَصَ مَن وَحَّدَهُ ، وَاهتَدى مَن عَبَدَهُ ، وَفازَ مَن أطاعَهُ ، وأمِنَ المُعتَصِمُ بهِ . اللّهُمَّ يا ذا الجودِ وَالمَجدِ وَالثَّناءِ الجَميلِ وَالحَمدِ ، أسألُكَ مَسألَةَ مَن خَضَعَ لَكَ بِرَقَبَتِهِ ، وَرَغِمَ لَكَ أنفُهُ ، وَعَفّرَ لَكَ وَجهَهُ ، وَذَلَلَّ لَكَ نَفسَهُ ، وَفاضَت مِن خَوفِكَ دُموعُهُ ، وَتَرَدَّدَت عَبرَتُهُ ، وَاعتَرَفَ لَكَ بِذُنوبِهِ ، وَفَضَحَتهُ عِندَكَ خَطيئَتُهُ ، وَشانَتهُ عِندَكَ جَريرَتُهُ ، وَضَعُفَت عِندَ ذلِكَ قُوَّتُهُ ، وَقَلَّت حِيلَتُهُ ، وَانقَطَعَت عَنهُ أسبابُ خَدائِعِهِ ، واضمَحَلَّ عَنهُ كُلُّ باطِلٍ وَألجَأتهُ ذُنوبُهُ إلى ذُلِّ مَقامِهِ بَينَ يَدَيكَ ، وَخُضوعُهُ لَدَيكَ ، وَابتِهالُهُ إلَيكَ . أسألُكَ اللهُمَّ سُولَ مَن هُوَ بِمَنزِلَتِهِ ، أرغَبُ إلَيكَ كَرَغبَتِهِ ، وَأتضَرَّعُ إلَيكَ كَتَضَرُّعِهِ ، وَأبتَهِلُ إلَيكَ كأشَدِّ ابتهالِهِ . اللهُمَّ فارحَم استِكانَةَ مَنطقي ، وَذُلَّ مَقامي وَمَجلسي ، وَخضوعي إلَيكَ بِرَقَبَتي .

.


1- .الكافي : ج2 ص583 ح18.
2- .راجع الكتاب : الخامس و الستين .

ص: 295

أسألُكَ اللّهُمَّ الهُدى مِنَ الضّلالَةِ ، وَالبَصيرَةَ مِنَ العَمى ، وَالرُّشدَ مِنَ الغِوايَةِ . وَأسألُكَ اللّهُمَّ أكثَرَ الحَمدِ عِندَ الرَّخاءِ ، وَأجمَلَ الصَّبرِ عِندَ المُصيبَةِ ، وَأفضَلَ الشُّكرِ عِندَ مَوضِعِ الشُّكرِ ، التَّسليمِ عِندَ الشُّبُهاتِ ، وَأسألُكَ القُوَّةَ في طاعَتِكَ ، وَالضَعفَ عَن مَعصِيَتِكَ ، وَالهَرَبَ إلَيكَ مِنكَ ، وَالتَّقَرُّبَ إلَيكَ رَبِّ لِتَرضى ، وَالتَّحري لِكُلِّ ما يُرضيكَ عَنّي في إسخاطِ خَلقِكَ التِماساً لِرِضاكَ . رَبِّ مَن أرجوهُ إن لَم تَرحَمني ، أو مَن يَعودُ عَلَيَّ إن أقصَيتَني ، أو مَن يَنفَعُني عَفوُهُ إن عاقَبتَني ، أو مَن آمَلُ عَطاياهُ إن حَرَمتَني ، أو مَن يَملِكُ كَرامَتي إن أهنتَني ، أو مَن يَضُرُّني هَوانُهُ إن أكرَمتَني. رَبِّ ما أسوأَ فعلي ، وَأقبَحَ عَمَلي ، وَأقسى قَلبي ، وَأطوَلَ أمَلي وَأقصَرَ أجَلي ، وَأجرَأني على عِصيانِ مَن خَلَقَني. رَبِّ وَما أحسَنَ بَلاءَكَ عِندي ، وَأظهَرَ نَعماءَكَ عَلَيَّ ، كَثُرَت عَلَيَّ مِنكَ النِّعَمُ فَما أُحصيها ، وَقَلّ مِنّي الشُّكرُ فيما أولَيتَنيهِ فَبَطِرتُ بِالنِّعَمِ ، وَتَعَرّضتُ لِلنِّقَمِ وَسَهَوتُ عَنِ الذّكرِ ، وَرَكِبتُ الجَهلَ بَعدَ العِلمِ ، وَجُزتُ مِنَ العَدلِ إلى الظُّلمِ ، وَجاوَزتُ البِرِّ إلى الإثمِ ، وَصِرتُ إلى الهَرَبِ مِنَ الخَوفِ وَالحُزنِ ، فَما أصغَرَ حَسناتي وَأقلَّها في كَثرَةِ ذُنوبي ! وَما أكثَرَ ذُنوبي وَأعظَمَها على قَدرِ صِغَرِ خَلقي وَضَعفِ رُكني ! رَبِّ وَما أطوَلَ أملي في قِصَرِ أجَلي ! وَأقصَرَ أجلي في بُعدِ أملي ! وَما أقبَحَ سَريرَتي وَعَلانِيَتي. رَبِّ لا حُجَّةَ لي إنِ احتَجَجتُ ، وَلا عُذرَ لي إنِ اعتَذَرتُ ، وَلا شُكرَ عِندي إنِ ابتَلَيتَ وَأولَيتَ ، إن لَم تُعِنّي على شُكرِ ما أولَيتَ . رَبِّ ما أخَفَّ مِيزاني غَداً إن لَم تُرَجِّحُه ! وَأَزلَّ لِساني إن لَم تُثَبِّتهُ ! وَأسودَ وَجهي إن لَم تُبَيِّضهُ .

.

ص: 296

رَبِّ كَيفَ لي بِذُنوبي الّتي سَلَفَت مِنّي ، قَد هُدَّت لَها أركاني . رَبِّ كَيفَ أطلُبُ شَهَواتِ الدُّنيا وَأبكي على خَيبَتي فيها وَلا أبكي ، وَتَشتَدُّ حَسَراتي على عِصياني وَتَفريطي . رَبِّ دَعَتني دَوَاعي الدُّنيا فَأجَبتُها سريعاً ، وَرَكَنتُ إليها طائِعاً وَدَعَتني دَواعي الآخِرَةِ فَتَثَبَّطتُ عَنها وَأبطأتُ في الإجابَةِ وَالمُسارَعَةِ إلَيها ، كَما سارَعتُ إلى دَواعي الدُّنيا وَحُطامِها الهامِدِ وَهَشيمِها البائِدِ وَسَرابِها الذاهِبِ . رَبِّ خَوَّفتَني وَشَوَّقَتني ، وَاحتَجَجتَ عَلَيَّ بِرِقّي ، وَكَفَلتَ لي بِرزقي ، فَأمِنتُ مِن خَوفِكَ وَتَثَبَّطتُ عَن تَشويقِكَ وَلَم أتَّكِل على ضَمانِكَ ، تَهاوَنتُ بِاحتِجاجِكَ . اللهُمَّ فاجعَل أمني مِنكَ في هذهِ الدُّنيا خَوفاً ، وَحَوِّل تَثَبُّطي شَوقاً ، وَتَهاوُني بِحُجَّتِكَ فَرَقاً منك ، ثُمَّ رَضِني بِما قَسَمتَ لي مِن رزقِكَ يا كريمُ يا كريمُ . أسألُكَ باسمِكَ العَظيمِ رِضاكَ عِندَ السَّخطَةِ ، وَالفُرجَةِ عِندَ الكُربَةِ ، وَالنُّور عِندَ الظُّلمَةِ وَالبَصيرَةِ عِندَ تَشَبُّهِ الفِتنَةِ . رَبِّ اجعَل جَنَّتي مِن خَطايايَ حَصينَةً ، وَدَرَجاتي فِي الجِنانِ رَفيعَةً ، وَأعمالي كُلَّها مُتَقَبَّلَةً ، وَحَسَناتي مُضاعَفَةً زاكِيَةً ، وَأعوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ كُلِّها ، ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ ، وَمِن رَفيعِ المَطعَمِ وَالمَشرَبِ وَمِن شَرِّ ما أعلَمُ وَمِن شَرِّ ما لا أعلَمُ ، وَأعوذُ بِكَ مِن أن أشتَري الجَهلَ بِالعِلمِ ، والجَفاءَ بالحِلمِ ، وَالجَورَ بِالعَدلِ ، وَالقَطيعَةَ بِالبِرِّ وَالجَزَعَ بالصَبرِ وَالهُدى بِالضّلالَةِ وَالكُفرَ بِالإيمانِ .

ابن محبوب عن جميل بن صالح 1 ، أنّه ذكر أيضاً مثله ، وذكر أنّه دعاء عليّ بن

.

ص: 297

91 . كتابه عليه السلام لداوود بن زربي في الدّعاء للعلل والأمراض

الحسين صلوات اللّه عليهما ، وَزادَ في آخِرِهِ : « آمينَ رَبَّ العالَمينَ » . (1)

91كتابه عليه السلام لداوود بن زربيفي الدّعاء للعلل والأمراضأحمد بن محمّد عن عبد العزيز بن المهتدي عن يونس بن عبد الرّحمن عن داوود بن زربي 2 قال مرضت بالمدينة مرضاً شديداً فبلغ ذلك أبا عبد اللّه عليه السلام

.


1- .الكافي : ج 2 ص 590 ح31 .

ص: 298

فكتب إليّ :قَد بَلَغَني عِلَّتُكَ فاشترِ صاعاً مِن بُرٍّ ثُمَّ استَلقِ على قَفاكَ وَانثُرهُ على صَدرِكَ كَيفَما انتَثَرَ وَقُل : اللهُمَّ إني أسألُكَ باسمِكَ الّذي إذا سأَلَكَ بهِ المُضطَرُّ كَشَفتَ ما بهِ مِن ضُرٍّ وَمَكَّنتَ لَهُ في الأرضِ ، وَجَعَلتَهُ خَليفَتَكَ على خَلقِكَ ، أن تُصَلِّيَ على مُحَمّدٍ وَعلى أهلِ بَيتِهِ ، وَأن تعافِيَني مِن عِلّتي ، ثُمَّ استَوِ جالِساً واجمَعِ البُرَّ مِن حولِكَ وَقُل مِثلَ ذلِكَ ، وَأقسِمهُ مُدّاً مُدّاً لِكُلِّ مِسكينٍ وَقُل مِثلَ ذلِكَ.

قال داوود : ففعلت مِثلَ ذلك فكأنّما نشطْت من عِقال ، وقد فعله غير واحد فانتفع به . (1)

.


1- .الكافي : ج 8 ص 88 ح 54 وج2 ص564 ح2 وفيه « عن داوود بن رزين » ، مكارم الأخلاق : ج 2 ص236 ح 2569 ، عدّة الداعي : ص272، المصباح للكفعمي : ص150 ، الدعوات : ص181 ح504 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص136 ، بحار الأنوار : ج95 ص22 ح8 .

ص: 299

92 . إملاؤه عليه السلام لبعض التّجّار في طلب الرّزق

93 . إملاؤه عليه السلام لأصحابه في عوذة لجميع الأمراض

92إملاؤه عليه السلام لبعض التّجّارفي طلب الرّزقهارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة (1) _ في حديث _ قال : وسمعت جعفراً عليه السلام يملي على بعض التّجّار من أهل الكوفة في طلب الرّزق فقال له :صَلِّ رَكعَتَينِ مَتى شِئتَ ، فإذا فَرَغتَ مِنَ التَّشَهُّدِ فَقُل : تَوَجَّهتُ بِحَولِ اللّهِ وَقُوَّتِهِ ، بِلا حَولٍ مِنّي وَلا قُوَّةٍ ، وَلكِن بِحَولِكَ _ يا رَبِّ _ وَقُوَّتِكَ . أبرَأُ إلَيكَ مِنَ الحَولِ وَالقُوَّةِ إلاّ ما قَوّيتَني . اللّهمَّ إنّي أسألُكَ بَرَكَةَ هذا اليَومِ ، وَأسألُكَ بَرَكَةَ أهلِهِ ، وأسألُكَ أن تَرزُقَني مِن فَضلِكَ رِزقاً واسِعاً حَلالاً طَيِّباً مُبارَكاً ، تَسوقُهُ إلَيَّ في عافِيَةٍ بِحَولِكَ وَقُوَّتِكَ ، وأنا خافِضٌ في عافِيَةٍ . تَقولُ ذلك ثَلاثَ مَرّاتٍ . (2)

93إملاؤه عليه السلام لأصحابهفي عوذة لجميع الأمراضمحمّد بن إسماعيل قال:حدّثنا محمّد بن خالد أبو عبداللّه ،عن سعدان بن مسلم، عن سعد المولى (3) قال: أملى علينا أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام العوذة الّتي تسمّى الجامعة:

.


1- .راجع الكتاب : الرّابع والعشرون .
2- .قرب الإسناد : ص3 ح7، بحار الأنوار : ج 95 ص293 ح 1 نقلاً عنه .
3- .لم أجد له ذكر في المصادر الرّجاليّة ، إلاّ أنّه في رواية عن أبان بن تغلب أنّه قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام ، إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن ، فسلّم عليه فرد عليه أبو عبد اللّه عليه السلام ، فقال له : مرحبا يا سعد ! فقال الرّجل : بهذا الاسم سمّتني أمّي ، وما أقلّ من يعرفني به ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : صدقت يا سعد المولى ! فقال الرّجل : جعلت فداك بهذا اللقب كنت اُلّقب . فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : لاخير في اللقب ، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول في كتابه : ولا تنابروا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، ما صناعتك يا سعد ؟ قال جعلت فداك أنا أهل بيت ننظر في النّجوم ، لا يقال أن باليمن أحدا أعلم بالنّجوم منّا ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام كم يزيز ضوء الشّمس ، . . . ( الاحتجاج : ج 2 ص 100 ، الخصال : ص 489 ح 68) .

ص: 300

94 . إملاؤه عليه السلام لمحمّد بن عبيد اللّه الإسكندريّ حرزه عليه السلام الجليل ودعاؤه العظيم

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم بِسمِ اللّهِ الّذي لا يَضُرُّ مَعَ اسمِهِ شَيءٌ في الأرضِ وَلا في السَّماءِ اللهُمَّ إنّي أسألُكَ باسمِكَ الطّاهِرِ الطُّهرِ المُطَهَّرِ المُقَدَّسِ السَّلامِ المُونِ المُهَيمِنِ المُبارَكِ الّذي مَن سَألَكَ بهِ أعطَيتَهُ ، وَمَن دَعاكَ بهِ أجَبتَهُ أنْ تُصَلّيَ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأن تُعافِيَني مِمّا أجِدُ في سَمعي وَبَصَري ، وَفي يَدي وَرجلي وَفي شَعري وَبَشَري وَفي بَطني إنَّكَ لَطيفٌ لِما تَشاءُ ، وَأنتَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (1)

94إملاؤه عليه السلام لمحمّد بن عبيد اللّه الإسكندريّحرزه عليه السلام الجليل ودعاؤه العظيمقال الشّيخ عليّ بن عبد الصّمد ،حدّثنيالشّيخ الفقيه عمّ والدي أبو جعفر محمّد بن عليّ بن عبد الصّمد رحمه الله، قال:حدّثنا الشّيخ أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد بن أحمد بن العبّاس الدّوريستيّ، قال: حدّثنا والدي قال: حدّثني الشّيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه القمي رحمه اللهوحدّثنيالشّيخ جدّيقال:حدّثني الفقيه والدي أبو الحسن عليّ بن عبد الصّمد رحمه الله، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن إبراهيم بن نبّال القاشيّ المجاور بالمشهد الرّضويّ،على ساكنه السّلام قال: حدّثني الشّيخ أبو جعفر رحمه الله عن أبيه عن شيوخه عن محمّد بن عبيداللّه الإسكندريّ 2 قال:

.


1- .طبّ الأئمة لابني بسطام : ص74، بحار الأنوار : ج95 ص8 ح6 نقلاً عنه .

ص: 301

كنت من ندماء أبي جعفر المنصور وخواصّه، وكنت صاحب سرّه، فبينا أنا إذ دخلت عليه ذات يوم فرأيته مغتمّاً فقلت له: ما هذه الفكرة يا أمير المؤمنين؟

.

ص: 302

قال: فقال لي: يا مُحَمَّد لَقَد هَلَكَ من أولادِ فاطِمَةَ مِئةٌ أو يَزيدونَ ، وَقَد بَقِيَ سَيِّدُهُم وَإمامِهُم . فَقُلتُ لَهُ : مَن ذاكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ؟ قال : جَعفَرُ بنُ مُحَمّدٍ رأسُ الرَّوافِضِ وَسَيِّدهُم . فَقُلتُ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّهُ رَجُل شَغَلَتهُ العِبادَةُ عَن طَلَبِ المُلكِ وَالخِلافَةِ . فقال لي : قَد عَلِمتُ أنَّكُ تَقولُ بهِ وَبِإمامَتِهِ ، وَلكِنَّ المُلكَ عَقيمٌ ، قَد آلَيتُ على نَفسي أن لا اُمسي عَشِيَّتي هذهِ حتّى أفرُغَ مِنهُ ، ثُمَّ دَعا بِسَيّافٍ وَقالَ لَهُ : إذا أنا أحضَرتُ أبا عَبدِ اللّهِ وَشَغَلتُهُ بِالحَديثِ ، وَوَضَعتُ قُلُنسوَتي فَهُوَ العَلامَةُ بَيني وَبَينَكَ ، فاضرِب عُنُقَهُ . فَأمَرَ بِاحضارِ الصّادِقِ عليه السلام فاُحضِرَ في تِلكَ السّاعَةِ ، وَلحِقتُهُ في الدّارِ وَهُوَ يُحَرِّكُ شَفَتَيهِ ، فَلَم أدرِ ما الّذي قَرَأ إلاّ أنَّني رأيتُ القَصرَ يَموجُ كَأنَّهُ سَفينَةٌ . فَرَأيتُ أبا جَعفَرٍ المَنصورَ يَمشي بَينَ يَدَيهِ كما يَمشي العَبدُ بَينَ يَدَي سَيِّدِهِ ، حافِيَ القَدَمَينِ ، مَكشوفَ الرّأسِ ، يَحمَرُّ ساعَةً وَيَصفَرُّ اُخرى ، وَأخَذَ بِعَضُدِ الصّادِقِ عليه السلام ، وَأجلَسَهُ على سَريرِ مُلكِهِ في مَكانِهِ ، وَجَثا بَينَ يَدَيهِ كما يَجثو العَبدُ بَينَ يَدَي مَولاهُ ثُمَّ قالَ : ما الّذي جاءَ بِكَ إلَينا في هذهِ السّاعَةِ يا ابنَ رَسولِ اللّهِ؟ قال: دَعَوتَني فأجَبتُكَ. قال: ما دَعوتُكَ إنّما الغَلَطُ مِنَ الرّسولِ ،ثمّ قال له :سَل حاجَتَكَ ياابنَ رَسولِ اللّهِ. فَقالَ : أسألُكَ أن لا تَدعوني لِغَيرِ شُغلٍ . قال: لك ذاك . وانصرف أبو عبد اللّه عليه السلام . فلمّا انصرف نام أبو جعفر ولم ينتبه إلى نصف اللّيل، فلمّا انتبه كنت جالساً عند رأسه، قال: لا تبرح يا محمّد من عندي حتّى أقضي ما فاتني من صلاتي ، واُحدّثك بحديث .

.

ص: 303

قلت : سمعاً وطاعةً يا أمير المؤمنين . فلمّا قضى صلاته . قال : أعلم أنّي لمّا أحضرت سيّدك أبا عبد اللّه ، وهممت بما هممت به من سوء رأيت تنيناً قد حوى بِذَنَبِهِ جميع داري وقصري، وقد وضع شفته العليا في أعلاها، والسّفلى في أسفلها، وهو يكلّمني بلسان طلق ذلق عربي مبين: يا منصور ، إنّ اللّه تعالى بعثني إليك وأمرني إن أنت أحدثت في عبدي الصّالح الصّادق حدثاً ابتلعتك ومن في الدّار جميعاً، فطاش عقلي وارتعدت فرائصي واصطكّت أسناني . قال محمّد: قلت : ليس هذا بعجيب، فإنّ أبا عبد اللّه عليه السلام وارث علم النّبيّ صلى الله عليه و آله وجدّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وعنده من الأسماء والدعوات الّتي لو قرأها على اللّيل المظلم لأنار، وعلى النّهار المضيء لأظلم . فقال محمّد بن عبد اللّه : فلمّا مضى عليه السلام استأذنت من أبي جعفر لزيارة مولانا الصّادق عليه السلام فأجاب ولم يأب، فدخلت عليه وسلمت وقلت له: أسألك يا مولاي بحقّ جدّك رسول اللّه أن تعلمني الدّعاء الّذي قرأته عند دخولك على أبي جعفر في ذلك اليوم. قال: لك ذلك فأملاه عليّ، ثمّ قال: هذا حرز جليل ودعاء عظيم نبيل، من قرأه صباحاً كان في أمان اللّه إلى العشاء، ومن قرأه عشاءً كان في حفظ اللّه تعالى إلى الصباح، وقد علَّمنيه أبي باقر علوم الأوّلين والآخرين عن أبيه سيّد العابدين، عن أبيه سيّد الشّهداء عن أخيه سيّد الأصفياء، عن أبيه سيّد الأوصياء، عن محمّد سيّد الأنبياء (صلوات اللّه عليه وآله الطّاهرين ) ، استخرجه من كتاب اللّه العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وهو: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحَمدُ للّهِِ الّذي هَداني للإسلامِ ، وَأكرَمَني بالإيمانِ ، وَعَرّفَني الحَقَّ الّذي عَنهُ يُؤفَكونَ ، وَالنَباَالعَظيمِ الّذي هُم فيهِ مُختَلِفونَ ، وَسُبحانَ اللّهِ الّذي رَفَعَ السَّماءَ بِغَيرِ

.

ص: 304

عَمَدٍ تَرَونَها ، وَأنشَأ جَنّاتِ المَأوى بِلا أَمدٍ تَلقَونَها ، وَلا إلهَ إلاّ اللّهُ السّابِغُ النِّعمَةِ ، الدّافِعُ النِّقمَةِ ، الواسِعُ الرَّحمَةِ، واللّهُ أكبَرُ ذو السُّلطانِ المَنيعِ ، وَالإنشاءِ البَديعِ ، وَالشّأنِ الرَّفيعِ ، وَالحِسابِ السَّريعِ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ عَبدِكَ وَرَسولِكَ ، وَنَبيِّكَ وَأمينِكَ وَشَهيدِكَ ، التَّقِيّ النَّقِيّ البَشيرِ النَّذيرِ السِّراجِ المُنيرِ ، وَآلِهِ الطَّيّبينَ الأخيارِ . ما شاءَ اللّهُ تَقَرُّباً إلى اللّهِ ، ما شاءَ اللّهُ تَوَجُّهاً إلى اللّهِ ، ما شاءَ اللّهُ تَلَطُّفاً بِاللّهِ ، ما شاءَ اللّهُ ما يَكُن (1) مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ، ما شاءَ اللّهُ لا يَصرِفُ السّوءَ إلاّ اللّهُ ، ما شاءَ اللّهُ لا يَسوقُ الخَيرَ إلاّ اللّهُ ، ما شاءَ اللّهُ لا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ . اُعيذُ نَفسي وَشَعري وَبَشَري ، وَأهلي وَمالي وَوَلدي ، وَذُرِّيَتي وَديني وَدُنيايَ وَما رَزَقَني رَبّي ، وَما أغلَقتُ عَلَيهِ أبوابي، وَأحاطَت بهِ جُدراني ، وَما أتقَلَّبُ فيه مِن نِعَمِهِ وَإحسانِهِ ، وَجَميعِ إخواني وَأقرِبائي وَقَراباتي مِنَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمناتِ ، بِاللّهِ العَظيمِ وبِأسمائِهِ التّامَّةِ العامَّةِ الكامِلَةِ الشّافِيَةِ الفاضِلَةِ المُبارَكَةِ المُنيفَةِ المُتَعالِيَةِ الزّاكِيَةِ الشَّريفَةِ الكريمَةِ الطّاهِرَةِ العَظيمَةِ المَخزونَةِ المَكنونَةِ الّتي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلا فاجِرٌ ، وَبِاُمِّ الكِتابِ وَفاتِحَتِهِ وَخاتِمَتِهِ ، وَما بَينَهُما مِن سورَةٍ شَريفَةٍ ، وَآيَةٍ مُحكَمَةٍ ، وَشِفاءٍ وَرَحمَةٍ ، وَعوذَةٍ وَبَرَكَةٍ ، وَبِالتَّورَاةِ وَالإنجيلِ وَالزَّبورِ وَالفُرقانِ ، وَبِصُحُفِ إبراهيمَ وَموسى، وَبِكُلِّ كِتابٍ أنزَلَهُ اللّهُ ، وَبِكُلِّ رَسولٍ أرسَلَهُ اللّهُ ، وَبِكُلِّ حُجَّةٍ أقامَها اللّهُ ، وَبِكُلِّ بُرهانٍ أظهَرَهُ اللّهُ ، وَبِكُلِّ آلاءِ اللّهِ ، وَعِزَّةِ اللّهِ ، وَعَظَمَةِ اللّهِ ، وَقُدرَةِ اللّهِ ، وَسُلطانِ اللّهِ ، وَجَلالِ اللّهِ ، وَمنعِ اللّهِ ، وَمَنِّ اللّهِ ، وَعَفوِ اللّهِ ، وَحِلمِ اللّهِ ، وَحِكمَةِ اللّهِ ، وَغُفرانِ اللّهِ ، وَمَلائِكَةِ اللّهِ وَكُتُبِ اللّهِ ، وَرُسُلِ اللّهِ وَأنبياءِ اللّهِ ، وَمُحَمّد رَسولِ اللّهِ وَأهلِ بَيتِ رَسولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيهِ وَعَلَيهِم أجمَعينَ مِن غَضَبِ اللّهِ ، وَسَخَطِ اللّهِ ، وَنَكالِ اللّهِ ، وَعِقابِ اللّهِ ، وَأخذِ اللّهِ ، وَبَطشِهِ وَاجتِياحِهِ وَاجتِثاثِهِ وَاصطِلامِهِ وَتَدميرِهِ

.


1- .هكذا في المصدر ، والظاهر أنّها : «يكون ».

ص: 305

وَسَطَواتِهِ وَنَقِمَتِهِ ، وَجَميعِ مَثُلاتِهِ ، وَمِن إعراضِهِ وَصدودِهِ وَتَنكيلِهِ وَتَوكيلِهِ وَخِذلانِهِ وَدَمدَمَتِهِ وَتَخلِيَتِهِ ، وَمِنَ الكُفرِ وَالنِّفاقِ وَالشَّكِ وَالشِّركِ وَالحِيرَةِ في دينِ اللّهِ ، وَمِن شَرِّ يَومِ النُّشورِ وَالحَشرِ وَالمَوقِفِ وَالحِسابِ ، وَمِن شَرِّ كِتابٍ قَد سَبَق ، وَمِن زَوالِ النِّعمَةِ وَتَحويلِ العافِيَةِ ، وَحُلولِ النِّقمَةِ ، وَمُوجباتِ الهَلَكَةِ ، وَمِن مَواقِفِ الخِزي وَالفضيحَةِ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِن هَوَىً مُردٍ ، وَقَرينٍ مُلهٍ ، وَصاحِبٍ مُسهٍ ، وَجارٍ مُوذٍ ، وَغِنىً مُطغٍ ، وَفَقرٍ مُنسٍ ، وَقَلبٍ لا يَخشَعُ ، وَصَلاةٍ لا تُرفَعُ ، وَدُعاءٍ لا يُسمَعُ ، وَعَينٍ لا تَدمَعُ ، ونَفسٍ لا تَقنَعُ ، وَبَطنٍ لا يَشبَعُ ، وَعَمَلٍ لا يَنفَعُ ، وَاستِغاثَةٍ لا تُجابُ ، وَغَفلَةٍ وَتَفريطٍ يُوجِبانِ الحَسرَةِ وَالنَّدامَةِ ، وَمِنَ الرِّياءِ وَالسُّمعَةِ وَالشَّكِ وَالعَمى في دينِ اللّهِ ، وَمن نَصَبٍ وَاجتِهادٍ يُوجِبانِ العَذابَ ، وَمِن مَرَدٍّ إلى النّارِ ، وَمِن ضَلَعِ الدَّينِ ، وَغَلَبَةِ الرِّجالِ ، وسوء المَنظَرِ في الدّينِ وَالنَّفسِ وَالأهلِ وَالمالِ وَالوَلَدِ وَالإخوانِ ، وَعِندَ مُعايَنَةِ مَلَكِ المَوتِ . وَأعوذُ باللّهِ العَظيمِ مِنَ الغَرَقِ وَالحَرقِ وَالشّرَقِ وَالسَّرَقِ وَالهَدمِ وَالخَسفِ وَالمَسخِ وَالحِجارَةِ وَالصَّيحَةِ وَالزّلازِلِ والفِتَنِ وَالعَينِ وَالصَّواعِقِ وَالبَردِ وَالقَوَدِ والقَرَدِ والجُنونِ وَالجُذامِ والبَرَصِ ، وَأكلِ السَّبُعِ وَمِيتَةِ السُّوءِ ، وَجَميعِ أنواعِ البَلايا في الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِن شَرِّ السّامَّةِ وَالهامَّةِ وَاللآمَّةِ وَالخاصَّةِ والعامَّةِ وَالحامَّةِ ، وَمِن شَرِّ أحداثِ النَّهارِ وَمِن شَرِّ طوارِقِ اللّيلِ وَالنَّهارِ ، إلاّ طارِقاً يَطرُقُ بِخَيرِ يا رَحمانُ ، وَمِن دَركِ الشِّقاءِ ، وَسوءِ القَضاءِ ، وَجَهدِ البَلاءِ ، وَشَماتَةِ الأعداءِ ، وَتَتابُعِ العناءِ ، وَالفَقرِ إلى الأكفاءِ ، وَسوءِ المَمات ، والمَحيا وَسوءِ المُنقَلَبِ . وَأعوذُ باللّهِ العظيمِ مِن شَرّ إبليسَ وَجُنودِهِ وَأعوانِهِ وَأتباعِهِ ، وَمِن شَرِّ الجِنِّ والإنسِ ، وَمِن شَرِّ الشّيطانِ ، وَمِن شَرِّ السُّلطانِ ، وَمِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ ، وَمِن شَرِّ ما

.

ص: 306

أخافُ وَأحذَرُ ، وَمِن شَرِّ فَسَقَةِ العَرَبِ وَالعَجَمِ ، وَمِن شَرِّ فَسَقَةِ الجِنِ والإنسِ ، وَمِن شَرِّ ما في النّورِ والظُّلَمِ ، وَمِن شَرّ ما هَجَمَ أو دَهَمَ ، أو أَلمَّ وَمِن شَرّ كُلِّ سُقمٍ وَهَمٍّ وَغَمٍّ وَآفَةٍ ، وَنَدَمٍ وَمِن شَرّ مافي اللّيلِ وَالنَّهارِ وَالبَرِّ والبِحارِ ، وَمِن شَرِّ الفُسّاقِ وَالدُّعّارِ وَالفُجَّارِ وَالكُفّارِ وَالحُسَّادِ وَالسَّحارِ وَالجَبابِرَةِ وَالأشرارِ ، وَمِن شَرِّ ما يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعرُجُ فيها ، وَمِن شَرِّ ما يَلِجُ في الأرضِ وَما يَخرُجُ مِنها ، وَمِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ رَبّي آخِذٌ بِناصِيَتِها ، إنّ رَبّي على صِراطٍ مُستقيمٍ . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِن شَرِّ ما استعاذَ مِنهُ المَلائِكَةُ المُقَرَّبونَ ، وَالأنبياءُ المُرسَلونَ والشّهداءُ وَعِبادُكَ الصّالِحونَ ، ومُحَمّدٌ وَعَلِيٌّ وَفاطِمَةُ وَالحَسَنُ والحُسَينُ وَالأئِمَّةُ المَهديّونَ والأوصِياءُ وَالحُجَجُ المُطَهّرونَ عَلَيهِم السَّلامُ ، وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ . وَأسألُكَ أن تُعطِيَني مِن خَيرٍ ما سَألوكَهُ ، وَأن تُعيذَني مِن شَرِّ ما استَعاذوا بِكَ مِنهُ ، وَأسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، ما عَلِمتُ مِنهُ وَما لَم أعلَمُ . وَأعوذُ بِكَ مِن الشَرِّ كُلِّهِ عاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، ما عَلِمتُ مِنهُ وَما لَم أعلَمُ مِنهُ . وَأعوذُ بِكَ مِن هَمَزاتِ الشَّياطِينِ . وأعوذُ بِكَ رَبِّ أن يَحضُرونِ . اللّهمَّ مَن أرادَني في يَومي هذا وَفيما بَعدَهُ مِنَ الأيّامِ مِن جَميعِ خَلقِكَ كُلِّهِم مِنَ الجِنِّ وَالإنسِ ، قَريبٍ أو بَعيدٍ ، ضَعيفٍ أو شَديدٍ ، بِشَرٍّ أو مَكروهٍ ، أو مساءَةٍ بِيَدٍ أو بِلِسانٍ أو بِقَلبٍ ، فَأخرِج صَدرَهُ ، وَألجِم فاهُ ، وَأفحِم لِسانَهُ ، وَاسدُد سَمعَهُ ، وَاقمَح بَصَرَهُ ، وأرعِب قَلبَهُ ، وَاشغَلهُ بِنَفسِهِ ، وَأمِتهُ بِغَيظِهِ ، وَاكفِناهُ بِما شِئتَ وَكَيفَ شِئتَ وَأنّى شِئتَ ، بِحَولِكَ وَقُوَّتِكَ ، إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . اللّهمَّ اكفِني شَرَّ مَن نَصَبَ لي حَدَّهُ ، وَاكفِني مَكرَ المَكَرَةِ ، وَأعِنّي على ذلِكَ بِالسَّكينَةِ وَالوَقارِ ، وَألبِسني دِرعَكَ الحَصينَةَ ، وَأحيِني ما أحيَيتَني في سِترِكَ الواقي،

.

ص: 307

وَأصلِح حالي كُلَّهُ ، أصبحَتُ في جِوارِ اللّهِ مُمتَنعاً ، وَبِعِزَّةِ اللّهِ الّتي لا تُرام مُحتَجِباً ، وَبِسُلطانِ اللّهِ المَنيعِ مُعتَصِماً مُتَمَسِّكاً ، وَبِأسماءِ اللّهِ الحُسنى كُلِّها عائِذاً ، أصبَحتُ في حِمَى اللّهِ الّذي لا يُستَباحُ ، وفي ذِمَّةِ اللّهِ الّتي لا تُخفَرُ ، وَفي حَبلِ اللّهِ الّذي لا يُجذَمُ ، وَفي جِوارِ اللّهِ الّذي لا يُستَضامُ ، وفي مَنعِ اللّهِ الّذي لا يُدرَكُ ، وَفي سَترِ اللّهِ الّذي لا يُهتَكُ ، وَفي عَونِ اللّهِ الّذي لا يُخذَلُ . اللّهمَّ أعطِف عَلَينا قُلوبَ عِبادِكَ وإمائِكَ وأوليائِكَ بِرَأفَةٍ مِنكَ وَرَحمَةٍ ، إنَّكَ أرحَمُ الرّاحِمينَ وَحَسبِيَ اللّهُ وَكَفى ، سَمِعَ اللّهُ لِمَن دَعا ، لَيس وَراءَ اللّهِ مُنتَهى ، وَلا دونَ اللّهِ مَلجأٌ . مَنِ اعتَصَمَ بِاللّهِ نَجا ، كَتَبَ اللّهُ لَأغلِبَنَّ أنا وَرُسُلي ، إنّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزيزٌ ، فَاللّهُ خَيرٌ حافِظاً وَهُوَ أرحَمُ الرّاحِمينَ ، وَما تَوفيقي إلاّ باللّهِ عَلَيهِ تَوَكّلتُ وإلَيهِ اُنيبُ ، فَإن تَوَلّوا فَقُل حَسبِيَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ عَلَيهِ تَوَكّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ . شَهِدَ اللّهُ أنّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ ، وَالمَلائِكَةُ وَاُولوا العِلمِ قائِماً بالقِسطِ لا إلهَ إلاّ هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ ، إنّ الدّين عِندَ اللّهِ الإسلامُ ، وأنا على ذلِكَ مِنَ الشّاهِدينَ ، تَحَصَّنتُ بِاللّهِ العَظيمِ ، وَاستَعصَمتُ بالحَيّ الّذي لا يَموتُ ، وَرَميتُ كُلَّ عَدُوٍّ لنا بِلا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ العَلِيّ العَظيمِ وَصَلّى اللّهُ على سَيِّدنا مُحَمّدٍ وَآلهِ الطَّيبينَ الطّاهِرينَ . (1) وَفي نصّ آخَرَ : قال السيّد ابن طاووس : وَمِن ذلِكَ دُعاءُ الصّادِقِ عليه السلام لَمّا استَدعاهُ المَنصورُ مَرَّةً سابِعَةً وَقَد قَدَّمناهُ في الأحرازِ عَنِ الصّادِقِ عليه السلام ، لَكنَّ فيهِ هاهُنا زِيادَةً عَمّا ذَكَرناهُ ، وَلَعَلَّ هذهِ الزِّيادَةَ كانَت قَبلَ استِدعائِهِ لِسِعايَةِ القُرَشِي ، وَهذهِ بِرِوايَةِ مُحَمّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ الإسكَندَرِيّ وَهُوَ دُعاءٌ جَليلٌ ، مَضمونُ الإجابَةِ ،

.


1- .مهج الدعوات: ص32 ، بحار الأنوار : ج86 ص299 ح62 نقلاً عنه .

ص: 308

نَقَلناهُ مِن كتابِ قَالَبُهُ نِصفُ الثَّمَنِ يَشتَمِلُ على عِدَّةِ كُتُبٍ أوَّلُها كِتابُ التَّنبيهِ لِمَن يَتَفَكَّرُ فيهِ ، وَهذا الدُّعاءُ في آخِرِهِ ، فَقالَ ما هذا لفظُهُ : روي عن محمّد بن عبد اللّه الإسكندريّ أنّه قال: كنت من جملة ندماء أمير المؤمنين المنصور أبي جعفر وخواصّه _ إلى أن قال _ فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وسلّمت، وقلت له: أسألك يا مولاي بحقّ جدّك محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تعلّمني الدّعاء الّذي كنت تقرأه عند دخولك على أبي جعفر المنصور . قال : لك ذلك . ثمّ قال لي : يا محمّد هذا الدّعا حرز جليل، ودعاء عظيم حفظته عن آبائي الكرام عليهم السلام ، وهو حرز مستخرج من كتاب اللّه عز و جل العزيز ، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، وقال : اكتب وَأملى عَلَيّ ذلِكَ وَهُوَ حِرزٌ جَليلٌ ، وَهوَ دُعاءٌ عَظيمٌ ، مُبارَكٌ مُستَجابٌ . فلمّا ورد أبو مخلد عبد اللّه بن يحيى من بغداد لرسالة خراسان إلى عند الأمير بن الحسن نصر بن أحمد ببخارى ، كان هذا الحرز مكتوباً في دفتر أوراقُها من فضّة ، وكتابتها بماء الذهب ، وهبها من الشّيخ أبي الفضل محمّد بن عبد اللّه البلعميّ وقال له: إنّ هذه من أسنى التّحف وأجلّ الهبات ، فمن وفقه اللّه عز و جل لقرائته صبيحة كلّ يوم حفظه اللّه من جميع البلايا ، وأعاذه من شرّ مردّة الجنّ والإنس، والشّياطين والسّلطان الجائر ، والسّباع، ومن شرّ الأمراض والآفات والعاهات كلّها ، وهو مجرّب إلاّ أن يخلص للّه عز و جل . وهذا أوّل الدّعاء : لا إلهَ إلاّ اللّهُ أبَداً حَقّاً حَقّاً ، لا إلهَ إلاّ اللّهُ إيماناً وَصِدقاً ، لا إلهَ إلاّ اللّهُ تَعبُّداً وَرِقّاً ، لا إلهَ إلاّ اللّهُ تَلَطُّفاً وَرِفقاً لا إلهَ إلاّ اللّهُ حَقّاً حَقّاً ، لا إلهَ إلاّ اللّهُ ، مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . اُعيذُ نَفسي وَشَعري وَبَشَري وَديني وَأهلي وَمالي وَوَلدي وَذُرِّيَّتي وَدُنيايَ

.

ص: 309

وَجَميعِ مَن أمرُهُ يَعنيني ، مِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ يُؤذيني . اُعيذُ نَفسي، وَجَميعِ ما رَزَقَني رَبّي ، وَما أغلَقتُ عَلَيهِ أبوابي ، وَأحاطَت بهِ جُدراني ، وجَميعِ ما أتقلَّبُ فيهِ مِن نِعَمِ اللّهِ عز و جل وإحسانِهِ ، وَجَميعِ إخواني وَأخواتي مِنَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ ، وَبِأسمائِهِ التّامَّةِ الكامِلَةِ المُتَعالِيَةِ المُنيفَةِ الشَّريفَةِ الشّافِيَةِ الكَريمَةِ الطَّيِبَةِ الفاضِلَةِ المُبارَكَةِ الطّاهِرَةِ المُطَهَّرَةِ العَظيمَةِ المَخزونَةِ المَكنونَةِ الّتي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلا فاجِرٌ ، وَبِاُمِّ الكِتابِ وَفاتِحَتِهِ وَخاتِمَتِهِ ، وَما بَينَهُما مِن سورَةٍ شَريفَةٍ وَآيَةٍ مُحكَمَةٍ وَشِفاءٍ وَرَحمَةٍ وَعوذَةٍ وَبَرَكَةٍ وَبِالتّوراةِ وَالإنجيلِ وَالزَّبورِ وَالقُرآنِ العَظيمِ ، وَبِصُحُفِ إبراهيمَ وموسى وَبِكُلِّ كِتابٍ أنزَلَهُ اللّهُ عز و جل وَبِكُلِّ رَسولٍ أرسَلَهُ اللّهُ عز و جل وَبِكُلِّ بُرهانٍ أظهَرَهُ اللّهُ عز و جل وَبِآلاءِ اللّهِ ، وَعِزَّةِ اللّهِ ، وَقُدرَةِ اللّهِ ، وَجَلالِ اللّهِ ، وَقُوَّةِ اللّهِ ، وَعَظَمَةِ اللّهِ ، وَسُلطانِ اللّهِ ، وَمَنَعَةِ اللّهِ ، وَمَنِّ اللّهِ ، وَحِلمِ اللّهِ ، وَعَفوِ اللّهِ ، وَغُفرانِ اللّهِ ، وَمَلائِكَةِ اللّهِ ، وَكُتُبِ اللّهِ ، وَأنبياءِ اللّهِ ، وَرُسُلِ اللّهِ ، وَمُحَمّدٍ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وَأعوذُ بِاللّهِ مِن غَضَبِ اللّهِ وَعِقابِهِ وسَخَطِ اللّهِ وَنَكالِهِ وَمِن نِقمَةِ اللّهِ وَإعراضِهِ وَصُدودِهِ وَخِذلانِهِ ، وَمِنَ الكُفرِ وَالنِّفاقِ وَالحَيرَةِ وَالشِّركِ وَالشَّكِّ في دينِ اللّهِ ، وَمِن شَرِّ يَومِ الحَشرِ وَالنُّشورِ وَالمَوقِفِ وَالحِسابِ ، وَمِن شَرِّ كُلِّ كتابٍ قَد سَبَقَ ، وَمِن زَوالِ النِّعمَةِ ، وَحُلولِ النِّقمَةِ ، وَتَحَوُّلِ العافِيَةِ ، وَمُوجِباتِ الهَلَكَةِ ، وَمَواقِفِ الخِزي وَالفَضيحَةِ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِن هَوى مُردٍ ، وَقَرينِ سَوءٍ مُكدٍ وَجارٍ مُوذٍ ، وَغِنىً مُطغٍ ، وَفَقرٍ مُنسٍ . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِن قَلبٍ لا يَخشَعُ ، وَصَلاةٍ لا تَنفَعُ ، وَدُعاءٍ لا يُسمَعُ ، وَعَينٍ لا

.

ص: 310

تَدمَعُ ، وَبَطنٍ لا يَشبَعُ ، وَمِن نَصَبٍ وَاجتِهادٍ يُوجبانِ العَذابَ ، وَمِن مَرَدٍّ إلى النّارِ ، وَسوءِ المَنظَرِ في النَّفسِ وَالأهلِ وَالمالِ وَالوَلَدِ ، وَعِندَ مُعايَنَةِ مَلَكِ المَوتِ عليه السلام . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِن شَرِّ كُلِّ دابّةٍ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ، وَمِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ وَمِن شَرِّ ما أخافُ وَأحذَرُ ، وَمِن شَرِّ فَسَقَةِ العَرَبِ وَالعَجَمِ ، وَمِن شَرِّ فَسَقَةِ الجِنِّ وَالإنسِ وَالشّياطينِ ، وَمِن شَرِّ إبليسَ وَجُنودِهِ وَأشياعِهِ وَأتباعِهِ ، وَمِن شَرِّ السَّلاطينِ وأتباعِهِم ، وَمِن شَرِّ ما يَنزِلُ مِنَ السّماءِ وَما يَعرُجُ فيها ، وَمِن شَرِّ ما يَلِجُ في الأرضِ وَما يَخرُجُ مِنها ، وَمِن كُلِّ سُقمٍ وَآفَةٍ ، وَغَمٍّ وَهَمٍّ ، وَفاقَةٍ وَعُدمٍ ، وَمِن شَرِّ ما في البَرِّ وَالبَحرِ ، وَمِن شَرِّ الفُسَّاقِ وَالفُجَّارِ وَالدُّعّار والحُسّادِ ، وَالأشرارِ وَالسُّرّاقِ وَاللّصوصِ ، وَمِن شَرِّ كُلِّ دابّةٍ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ، إنَّ رَبّي على صِراطٍ مُستَقيمٍ . اللّهُمَّ إنّي أحتَجِزُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ شَيءٍ خَلَقتَهُ ، وَأحتَرِسُ بِكَ مِنهُم . وَأعوذُ بِاللّهِ العَظيمِ مِنَ الحَرقِ وَالغَرَقِ وَالشَّرَقِ ، وَالهَدمِ وَالخَسفِ وَالمَسخِ والجُنونِ ، وَالحِجارَةِ وَالصَّيحَةِ وَالزَّلازِلِ وَالفِتَنِ وَالعَينِ وَالصَّواعِقِ وَالجُذامِ وَالبَرَصِ وَالأمراضِ والعافات وَالعاهاتِ وَالمُصيباتِ ، وَأكلِ السَّبُعِ وَمِيتَةِ السّوءِ ، وَجَميعِ أنواعِ البَلايا في الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وَأعوذُ بِاللّهِ العظيمِ مِن شَرِّ ما استعاذَ مِنهُ المَلائِكَةُ المُقرَّبونَ ، وَالأنبِياءُ المُرسَلونَ وَخاصّةً مِمّا استَعاذَ مِنهُ عَبدُكَ وَرَسولُكَ مُحَمّدٌ عَبدُكَ وَرَسولُكَ صلى الله عليه و آله . أسألُكَ أن تُعطِيَني مِن خَيرِ ما سَألوا ، وَأن تُعيذَني مِن شَرِّ ما استَعاذوا ، وَأسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ ، عاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، ما عَلِمتُ مِنهُ وَما لَم أعلَمُ . بِسمِ اللّهِ وَبِاللّهِ وَالحَمدُ للّهِِ وَاعتَصَمتُ بِاللّهِ وَألجَأتُ ظهري إلى اللّهِ ، وَما تَوفيقي إلاّ بِاللّهِ ، وَما شاءَ اللّهُ ، وَاُفَوِّضُ أمري إلى اللّهِ ، وَما النَّصرُ إلاّ مِن عِندِ اللّهِ ، وَما صَبري إلاّ بِاللّهِ ، وَنِعمَ القادِرُ اللّهُ ، وَنِعمَ المَولى اللّهُ ، وَنِعمَ النَّصيرُ اللّهُ ، وَلا يَأتي بِالحَسَناتِ إلاّ

.

ص: 311

اللّهُ ، وَلا يَصرِفُ السَّيِّئاتِ إلاّ اللّهُ ، وَلا يَسوقُ الخَيرَ إلاّ اللّهُ ، وَما بِنا مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ، وَأنّ الأمرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللّهِ ، وَأستَكفي اللّهَ ، وَأستَغني بِاللّهِ ، وَأستَقيلُ اللّهَ ، وَاستَغيثُ بِاللّهِ ، وَاستَغفِرُ اللّهَ ، وَصَلّى اللّهُ على مُحَمّدٍ رَسولِ اللّهِ وَعلى أنبياءِ اللّهِ ، وَعَلى رُسُلِ اللّهِ وَمَلائِكَةِ اللّهِ ، وَعلى الصّالِحينَ مِن عِبادِ اللّهِ . «إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَىَّ وَ أْتُونِى مُسْلِمِينَ » (1) ، «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِى إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ » (2) ، « لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ » (3) ، «وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا » (4) « إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ » (5) ، « وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ » (6) ، «كُلَّمَآ أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ» (7) ، «قُلْنَا يَانَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلاماً عَلَى إِبْرَ هِيمَ » (8) ، «وَ زَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ بَصْطَةً» (9) ، «لَهُ مُعَقِّباتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ» (10) ، «رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَل لِّى مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً

.


1- .النمل: 30 و31.
2- .المجادلة: 21.
3- .آل عمران:120.
4- .النساء: 75.
5- .المائدة:11.
6- .المائدة:67.
7- .المائدة:64.
8- .الأنبياء:69.
9- .الأعراف: 69.
10- .الرعد: 11.

ص: 312

نَّصِيراً » (1) ، «وَ قَرَّبْناهُ نَجِيّاً » (2) ، «وَ رَفَعْناهُ مَكَاناً عَلِيّاً » (3) ، «سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدّاً » (4) . «وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَ لِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى * إِذْتَمْشِى أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَ قَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً» (5) ، «لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » (6) ، «لاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْأَمِنِينَ » (7) ، «لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى » (8) ، «لا تَخَافُ دَرَكاً وَ لاَ تَخْشَى » (9) ، «لاَ تَخَافَآ إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَ أَرَى » (10) ، لا تَخَف إنّا مُنَجّوكَ وَأهلَكَ (11) ، «وَ يَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً » (12) ، «وَ مَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْ ءٍ قَدْراً » (13) ، «فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَ لِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً » (14) ، «وَ يَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً » (15) ، «وَ رَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ » (16) ،

.


1- .الإسراء:80.
2- .مريم:52.
3- .مريم:57.
4- .مريم: 96.
5- .طه: 39 و40.
6- .القصص:25.
7- .القصص:31.
8- .طه:68.
9- .طه:77.
10- .طه:46.
11- . «لا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ» (العنكبوت:33).
12- .الفتح:3.
13- .الطلاق:3.
14- .الإنسان:11.
15- .الإنشقاق:9.
16- .الإنشراح:4.

ص: 313

«يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِّلَّهِ» (1) . «رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ » (2) ، «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواحَسْبُنَااللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ» (3) ، «رَبَّنَا ظَ_لَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَ تَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ » (4) ، «رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَ مُقَاماً » (5) ، «رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَ_ذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *رَبَّنَآإِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعْنَامُنَادِياً يُنَادِى لِلاْءِيمَانِ أَنْ ءَامِنُوابِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّاسَيِّئاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ » (6) . «وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُن لَّهُ وَلِىٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيرَاً » (7) ، «وَ مَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَ قَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَ لَنَصْبِرَنَّ

.


1- .البقرة:165.
2- .البقرة:250.
3- .آل عمران: 173 و174.
4- .الأعراف:23.
5- .الفرقان:65 و66.
6- .آل عمران: 191 _ 194.
7- .الإسراء:111.

ص: 314

عَلَى مَآ ءَاذَيْتُمُونَا وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ » (1) . «إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْ ءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » (2) ، « أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ» (3) ، «هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَافِى الأَْرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » (4) ، «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ » (5) ، «عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ » (6) ، «إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّى وَ رَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءَاخِذُ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَ اطٍ مُّسْتَقِيمٍ » (7) ، «فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ وَ أُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ » (8) ، «حَسْبِىَ اللَّهُ لاَ إلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » (9) ، رَبِّ إنّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأنتَ أرحَمُ الرّاحِمينَ (10) ، «لا إِلَهَ إِلاَّأَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ » (11) ،

.


1- .إبراهيم:12.
2- .يس:81 و83.
3- .الأنعام:122.
4- .الأنفال:62 و63.
5- .القصص:35.
6- .الأعراف:89.
7- .هود:56.
8- .غافر:44.
9- .التوبة:129.
10- . «رَبَّه أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنتَ أَرْحَمُ الرَّ احِمِينَ » (الأنبياء:83).
11- .الأنبياء:87.

ص: 315

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم * اللَّهُ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ » (1) ، «ال_م * ذَ لِكَ الْ_كِتابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَوةَ» (2) ، «اللَّهُ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِى السَّمَاوَ اتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَاخَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَىْ ءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَ اتِ وَالْأَرْضَ وَلاَ يَئودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ * لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (3) ، «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَآئِمَا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (4) ، «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الاْءِسْلامُ» (5) ، «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّمَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِوَتُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّوَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ » (6) ، «رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ » (7) ، «لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ » (8) ، «فَإِن تَوَلَّوْا

.


1- .آل عمران: 1 و2.
2- .البقرة: 1 و2.
3- .البقرة: 255 و256.
4- .آل عمران: 18.
5- .آل عمران:19.
6- .آل عمران: 26 و27.
7- .آل عمران:8.
8- .التوبة:128.

ص: 316

فَقُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ لاَإِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » (1) ، «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى نَجَّ_انَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » (2) ، «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ» (3) ، «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَ_ذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلآَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ» (4) ، «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ » (5) ، «فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَ_لَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ » (6) ، «فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَ اتِ وَ رَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَ لَهُ الْكِبْرِيَآءُ فِى السَّمَاوَ اتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (7) ، « فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ * وَ لَهُ الْحَمْدُ فِى السَّمَاوَ اتِ وَ الْأَرْضِ وَ عَشِيّاً وَ حِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ كَذَ الِكَ تُخْرَجُونَ » (8) ، «فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْ ءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » (9) ، « إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَ اتِ وَالأَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْ_لُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَ ات بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً

.


1- .التوبة:129.
2- .المؤمنون:28.
3- .فاطر:34 و35.
4- .الأعراف:43.
5- .النمل:15.
6- .الأنعام:45.
7- .الجاثية:36 و37.
8- .الروم:17 _ 19.
9- .يس: 83.

ص: 317

وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِى الأَْرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ» (1) ، «الَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ * وَ الَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ * وَ إِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَ الَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ * وَ الَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِى حُكْماً وَ أَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ * وَ اجْعَل لِّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الْأَخِرِينَ * وَ اجْعَلْنِى مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَ اغْفِرْ لِأَبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّآلِّينَ * وَلاَ تُخْزِنِى يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَ لاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » (2) . «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَ اتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّ_لُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ » (3) ، «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * وَ الصَّآفَّاتِ صَفّاً * فَالزَّ اجِرَ اتِ زَجْراً * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَ احِدٌ * رَّبُّ السَّمَاوَ اتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا بَيْنَهُمَا وَ رَبُّ الْمَشَارِقِ * إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَ حِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلاَءِ الْأَعْلَى وَ يُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَ لَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ » (4) ، «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الاْءِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَ اتِ وَ الْأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ * فَبِأَىِّ ءَالاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا

.


1- .الأعراف:54 _ 56.
2- .الشعراء:78 _ 89.
3- .الأنعام: 1.
4- .الصافات: 1 _ 10.

ص: 318

شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَ نُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ » (1) . «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَ اتِ وَ الْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلآئِكَةِ رُسُلاً أُولِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَ ثُلاثَ وَ رُبَاعَ يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ * مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَ مَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (2) ، «إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَ اسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ » (3) ، « وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ » (4) ، « وَ إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا * وَ جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَ فِى ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَ إِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَ لَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا » (5) ، «أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَ_هَهُ هَوَاهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ » (6) ، « أُولَ_ئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصَارِهِمْ وَ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ » (7) ، «وَ جَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ » (8) ، « وَ مَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ

.


1- .الرحمن: 33 _ 35.
2- .فاطر: 1 و2.
3- .آل عمران: 73 و74.
4- .الإسراء : 82 .
5- .الإسراء:46 و47.
6- .الجاثية:23.
7- .النحل: 108.
8- .يس: 9.

ص: 319

وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ » (1) ، «وَ لاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لاَ تَكُن فِى ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ » (2) ، «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّ الَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ » (3) ، «وَ قَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ » (4) ، «وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً» (5) ، «فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (6) ، «إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّى وَ رَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءَاخِذُ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّى عَلَى صِرَ اطٍ مُّسْتَقِيمٍ » (7) ، « وَ إِلَ_هُكُمْ إِلَ_هٌ وَ احِدٌ لاَّ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ » (8) ، «ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ وَكِيلٌ » (9) ، «قُلْ هُوَ رَبِّى لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ مَتَابِ » (10) ، «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَ الْأَرْضِ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ » (11) ، «ذَ لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَىُّ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ

.


1- .هود:56.
2- .هود: 88.
3- .النمل:70.
4- .النحل:128.
5- .يوسف: 54.
6- .طه:108.
7- .البقرة:137.
8- .البقرة:163.
9- .الأنعام:102.
10- .الرعد:30.
11- .فاطر:3.

ص: 320

فَ_ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ » (1) ، « رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً » (2) ، «رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ » (3) ، «لَوْ أَنزَلْنَا هَ_ذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إِلَ_هَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَاوَ اتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (4) . «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ * وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدُ » (5) ، «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَ مِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَ مِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ * وَ مِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ » (6) ، «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَ_هِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ » (7) .

.


1- .البقرة:250.
2- .غافر: 45 و65.
3- .المزمل:9.
4- .الحشر: 21 _ 24.
5- .الإخلاص: 1 _ 4.
6- .الفلق: 1 _ 5.
7- .الناس: 1 _ 6.

ص: 321

95 . إملاؤه عليه السلام لصفوان عند استدعاء المنصور له

اللّهمَّ مَن أرادَ بي شَرّاً أو بِأهلي شَرّاً أو بَأساً أو ضُرّاً فَاقمَع رَأسَهُ ، وَاصرِف عَنّي سوءَهُ وَمَكروهَهُ ، وَاعَقِد لِسانَهُ ، وَاحبِس كَيدَهُ ، وَاردُد عَنّي إرادَتَهُ . اللّهمَّ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كما هَدَيتَنا بهِ مِنَ الكُفرِ أفضَلَ ما صَلَّيتَ على أحَدٍ مِن خَلقِكَ ، وَصَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ كَما ذَكَرَكَ الذّاكِرونَ ، وَاغفِر لَنا وَلاِبائِنا وَلاُِمّهاتِنا وَذُرّياتِنا وَجَميعِ المُؤمِنينَ وَالمُؤمناتِ ، وَالمُسلِمينَ وَالمُسلماتِ ، الأحياءِ مِنهُم وَالأمواتِ ، تابِعِ بَينَنا وَبَينَهُم بِالخَيراتِ إنّكَ مُجيبُ الدَّعواتِ ، وَمُنزِلُ البَرَكاتِ ، وَدافِعُ السَّيِئاتِ ، إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . اللّهمّ إنّي أستَودِعُكَ ديني وَدُنيايَ وَأهلي وَأولادي وَعِيالي وَأمانَتي ، وَجَميعَ ما أنعَمتَ بِهِ عَلَيّ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، فَإنَّهُ لا يَضيعُ ضائِعُكَ ، وَلا تَضيعُ وَدائِعُكَ وَلا يُجيرني مِنكَ أحَدٌ . اللّهُمَّ رَبَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً ، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ . ( إلى هنا والزّيادة على هذا من الكتاب ) فإنّي أرجوكَ وَلا أرجو أحَداً سِواكَ ؛ فإنَّكَ أنتَ اللّهُ الغَفورُ ، اللّهمَّ أدخِلني الجَنَّةَ وَنَجِّني مِنَ النّارِ بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . (1)

95إملاؤه عليه السلام لصفوانعند استدعاء المنصور لهلمّا استدعاه المنصور مرّة سادسة ، وهي ثاني مرَّة إلى بغداد ، بعد قتل محمّد

.


1- .مهج الدعوات : ص247 ، بحار الأنوار : ج94 ص298 ح 2 وراجع : المصباح للكفعمي : ص240 .

ص: 322

وإبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن، وجدتها في الكتاب العتيق الّذي قدّمت ذكره بخطّ الحسين بن عليّ بن هند قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الرّزاز القرشيّ، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين قال: حدّثنا بشير بن حمّاد، عن صفوان بن مهران الجمّال 1 ، قال: رفع رجل من قريش المدينة من بني مخزوم إلى أبي جعفر المنصور ، وذلك بعد قتله لمحمّد وإبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن ، أنّ جعفر بن محمّد بعث مولاه المعلّى بن خنيس لجباية الأموال من شيعته، وأنّه كان يمدّ بها محمّد بن عبد اللّه ، فكاد المنصور أن يأكل كفّه على جعفر غيظاً ، وكتب إلى عمّه داوود بن عليّ ، وداوود إذ ذاك أمير المدينة أن يسيّر إليه جعفر بن محمّد،

.

ص: 323

ولا يرخص له في التّلوم والمقام. فبعث إليه داوود بكتاب المنصور، وقال: اعمد على المسير إلى أمير المؤمنين في غد ولا تتأخّر. قال صفوان: وكنت بالمدينة يومئذ فأنفذ إليّ جعفر عليه السلام فصرت إليه، فقال لي: تعهد راحلتنا فإنّا غادون في غد هذا إن شاء اللّه العراق، ونهض من وقته وأنا معه، إلى مسجد النّبيّ صلى الله عليه و آله وكان ذلك بين الأُولى والعصر، فركع فيه ركعات ثمّ رفع يديه، فحفظت يومئذ ومن دعائه : يا مَن لَيسَ لَهُ ابتِداءٌ وَلا انقِضاءٌ ، يا مَن لَيسَ لَهُ أمَدٌ ولا نِهايَةٌ ، وَلا ميقاتٌ ولا غايَةٌ ، يا ذا العَرشِ المَجيدِ ، وَالبَطش الشّديدِ ، يا مَن هُوَ فَعّالٌ لِما يُريدُ ، يا مَن لا يَخفى عَلَيهِ اللّغاتُ ، وَلا تَشتَبِهُ عَلَيهِ الأصواتُ ، يا مَن قامَت بِجَبروتِهِ الأرضُ وَالسَّماواتُ ، يا حَسَنَ الصُّحبَةِ يا واسِعَ المَغفِرَةِ ، يا كريمَ العَفوِ صَلِّ على مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ وَاحرِسني في سَفري وَمَقامي وَفي حَرَكَتي وَانتِقالي بِعَينِكَ الّتي لا تَنامُ ، وَاكنِفني بِرُكنِكَ الّذي لا يُضامُ . اللّهُمَّ إنّي أتوَجَّهُ في سَفري هذا بِلا ثِقَةٍ لِغَيرِكَ ، وَلا رَجاءٍ يَأوي بي إلاّ إلَيكَ وَلا قُوَّةَ لي أتَّكِلُ عَلَيها ، وَلا حيلَةَ ألجَأ إلَيها إلاّ ابتِغاءَ فَضلِكَ وَالتِماسَ عافِيَتِكَ ، وَطَلَبَ فَضلِكَ وَإجرائِكَ لي على أفضَلِ عَوائِدِكَ عِندي . اللّهمَّ وَأنتَ أعلَمُ بِما سَبَق لي في سَفَري هذا مِمّا اُحِبُّ وَأكرَهُ فَمَهما أوقَعتَ عَلَيهِ قَدَرَكَ فَمَحمودٌ فيهِ بَلاؤكَ ، مُنتَصِحٌ فيهِ قَضاؤكَ وَأنتَ تَمحو ما تَشاءُ وَتُثبِتُ وَعِندَكَ اُمُّ الكِتابِ. اللّهمَّ فاصرِف عَنّي فيهِ مَقاديرَ كُلِّ بَلاءٍ ، وَمقضِيَّ كُلِّ لَأواءٍ ، وَابسِط عَلَيَّ كَنَفاً من رَحمَتِكَ ، وَلُطفاً مِن عَفوِكَ ، وَتَماماً مِن نِعمَتِكَ ، حَتّى تَحفَظَني فيهِ بِأحسَنِ ما حَفِظتَ بهِ غائِباً مِنَ المُؤمِنينَ ، وَخَلقتَهُ في سِترِ كُلِّ عَورَةٍ ، وَكِفايَةِ كُلِّ مَضَرَّةٍ ، وَصِرفِ كُلِّ مَحذورٍ ، وَهَب لي فيهِ أمناً وَإيماناً وَعافِيَةً وَيُسراً وَصَبراً وَشُكراً ، وَأرجِعني فيهِ سالِماً إلى سالِمينَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ .

.

ص: 324

قال صفوانُ : سَألتُ أبا عَبدِ اللّهِ الصّادِقَ عليه السلام بِأن يُعيدَ الدُّعاءَ عَلَيَّ فأعادَهُ ، وَكَتَبتُهُ فَلَمّا أصبَحَ أبو عَبداللّهِ عليه السلام رَحَلتُ لَهُ النّاقَةَ ، وَسارَ مُتَوجِّهاً إلى العِراقِ . الحَديث (1) .

.


1- .مهج الدّعوات: ص245، بحار الأنوار : ج 94 ص 294 ح 2 .

ص: 325

الفصل السّابع : في اُمور شتّى

اشاره

الفصل السّابع : في اُمور شتّى

.

ص: 326

. .

ص: 327

96 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن الحسن وبني هاشم في التّعزية

96كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن الحسن وبني هاشمفي التّعزيةقال السيّد ابن طاووس رحمهم الله: وسأذكر تعزية لمولانا جعفر بن محمّد الصّادق عليه السلام ، كتبها إلى بني عمّه رضوان اللّه عليهم لمّا حبسوا ، ليكون مضمونها تعزية عن الحسين عليه السلام وعترته وأصحابه رضوان اللّه عليهم . رويناها بإسنادنا الّذي ذكرنا من عدّة طرق إلى جدّي أبي جعفر الطّوسي ، عن المفيد محمّد بن محمّد بن النّعمان والحسين بن عبيد اللّه ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصّفار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن إسحاق بن عمّار . ورويناها أيضاً بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطّوسي ، عن أبي الحسين أحمد بن محمّد بن سعيد بن موسى الأهوازيّ ، عن أبي العبّاس أحمد بن

.

ص: 328

محمّد بن سعيد ،: قال: حدّثنا محمّد بن الحسن القطراني ، قال: حدّثنا حسين بن أيوب الخثعمي ، قال: حدّثنا صالح بن أبي الأسود ، عن عطيّة بن نجيح بن المطهر الرّازي وإسحاق بن عمّار الصّيرفيّ، قالا معاً : إنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام كتب إلى عبد اللّه بن الحسن رضى الله عنه (1) حين حمل هو وأهل بيته يعزيّه عمّا صار إليه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إلى الخَلَفِ الصّالِحِ وَالذُّرِيَةِ الطَيِّبَةِ مِن وُلد أخيهِ وَابنِ عَمِّهِ ، أمّا بَعدُ فَلَئِن كُنتَ تَفَرَّدتَ أنتَ وَأهلُ بَيتِكَ مِمّن حَمَلَ مَعَكَ بِما أصابَكُم ، ما انفَردتَ بِالحُزنِ وَالغِبطَةِ وَالكآبَةِ وَأليمِ وَجَعِ القَلبِ دوني ، فَلَقَد نالَني مِن ذلِكَ مِنَ الجَزَعِ وَالقَلَقِ وَحَرِّ المُصيبَةِ مِثلُ ما نالَكَ ، وَلكِن رَجَعتُ إلى ما أمَرَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ بِهِ المُتّقينَ مِنَ الصَّبرِ وَحُسنِ العَزاءِ حينَ يَقولُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا» (2) . وحين يقولُ : «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ» (3) . وحين يقول لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله حينَ مُثِّلَ بِحَمزَةَ : «وَ إِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَ لَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ » (4) وَصَبَرَ صلى الله عليه و آله وَلَمَ يَتَعاقَب (5) .

.


1- .عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام ، أبو محمّد ، هاشميّ ، مدنيّ ، تابعيّ ، شيخ الطالبين ، من أصحاب الصادق عليه السلام ، اُمّ فاطمه بنت الحسن عليه السلام وكان يشبه الرسول صلى الله عليه و آله ، (راجع : رجال الطوسي : ص 139 الرقم 1468 وص 228 الرقم 3092 ، رجال ابن داوود : ص 118) .
2- .الطور: 48.
3- .القلم: 48.
4- .النحل: 126.
5- .هكذا في المصدر ، والظاهر أنّها : « ولم يُعاقب » .

ص: 329

وَحينَ يَقولُ: «وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى » (1) . وَحينَ يَقولُ : « الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّ_آ إِلَيْهِ رَ اجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَ اتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » (2) . وَحينَ يَقولُ : «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ » (3) . وَحينَ يَقولُ لُقمانُ لابنِهِ : «وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَ لِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» (4) . وَحينَ يَقولُ عَن موسى : «قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » (5) . وَحينَ يَقولُ : «إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ » (6) . وَحينَ يَقولُ : «ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَ تَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ » (7) . وَحينَ يَقولُ : «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْ ءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَ الِ وَ الْأَنفُسِ وَ الثَّمَرَ اتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ » (8) .

.


1- .طه: 132.
2- .البقرة: 156 و157.
3- .الزمر: 10.
4- .لقمان:17.
5- .الأعراف: 128.
6- .العصر: 3.
7- .البلد: 17.
8- .البقرة:155.

ص: 330

وَحينَ يَقولُ : «وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ » (1) . وَحينَ يَقولُ : « وَ الصَّ_بِرِينَ وَالصَّ_بِرَ تِ » (2) . وَحينَ يَقولُ : « وَ اصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ » (3) ، وَأمثالُ ذلِكَ مِنَ القُرآنِ كثيرٌ . وَاعلَم أيّ عَمّ وابن عمّ، إنّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ لَم يُبال بِضُرِّ الدُّنيا لِوَلِيّهِ ساعَةً قَطُّ ، وَلا شَيءَ أحَبُّ إلَيهِ مِنَ الضُّرِ وَالجَهدِ وَالأذاءِ مَعَ الصَّبرِ ، وَإنَّهُ تَبارَكَ وَتَعالى لَم يُبالِ بِنَعيمِ الدُّنيا لِعَدُوّهِ ساعَةً قَطّ ، وَلَولا ذلِكَ ما كانَ أعداؤهُ يَقتُلونَ أولياءَهُ وَيُخيفونَهُم وَيَمنَعونَهُم ، وَأعداؤهُ آمِنونَ مُطمَئِنونَ عالونَ ظاهِرونَ . وَلَولا ذلِكَ ما قُتِل زَكَرِيّا ، واحتَجَبَ يَحيى ظُلماً وَعُدواناً في بَغيٍّ مِنَ البَغايا . وَلَولا ذلِكَ ما قُتِلَ جَدُّكَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صلى الله عليه و آله ، لمّا قامَ بِأمرِ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ظُلماً ، وَعَمُّكَ الحُسينُ بنُ فاطِمَةَ صَلّى اللّهُ عَلَيهِما اضطِهاداً وَعُدواناً. وَلَولا ذلِكَ ما قالَ اللّهُ عز و جل في كِتابِهِ : « وَ لَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَ احِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَ مَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ » (4) . وَلَولا ذلِكَ لَما قالَ في كتابِهِ : « أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَ بَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْرَ اتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ » (5) .

.


1- .آل عمران:146.
2- .الأحزاب : 35 .
3- .يونس: 109.
4- .الزخرف:33.
5- .المؤمنون: 55 و56.

ص: 331

وَلَولا ذلِكَ لَما جاءَ في الحَديثِ : لَولا أن يَحزَنَ المُؤمِنُ لَجَعَلتُ لِلكافِرِ عصابَةً مِن حَديدٍ لا يُصدَعُ رَأسُهُ أَبداً . وَلَولا ذلِكَ لَما جاءَ في الحَديثِ : إنّ الدّنيا لا تُساوي عِندَ اللّهِ جَناحَ بَعوضَةٍ . وَلَولا ذلِكَ ما سَقى كافِراً مِنها شُربَةً مِن ماءٍ . وَلَولا ذلِكَ لَما جاءَ في الحَديثِ : لَو أنّ مُؤمِناً عَلى قُلَّةِ جَبَلٍ لَبَعَثَ اللّهُ لَهُ كافِراً أو مُنافِقاً يُؤذيهِ . وَلَولا ذلِكَ لَما جاءَ في الحَديثِ أنّه: إذا أحَبَّ اللّهُ قَوماً أو أحَبَّ عَبداً صَبَّ عَلَيهِ البَلاءَ صَبّاً ، فَلا يَخرُجُ مِن غَمٍّ إلاّ وَقَعَ في غَمٍّ . وَلَولا ذلِكَ لَما جاءَ في الحَديثِ : ما مِن جُرعَتَينِ أحَبَّ إلى اللّهِ عز و جل أن يَجرَعَهُما عَبدُهُ المُؤمِنُ في الدُّنيا ، مِن جُرعَةِ غَيظٍ كَظَمَ عَلَيها ، وَجُرعَةِ حُزنِ عِندَ مُصيبَةٍ صَبَرَ عَلَيها بِحُسن عَزاءٍ وَاحتِساب . وَلَولا ذلِكَ لَما كانَ أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَدعونَ على مَن ظَلَمَهُم بِطولِ العُمرِ وَصِحَّةِ البَدَنِ وَكَثرَةِ المالِ وَالوَلَدِ . وَلَولا ذلِكَ لما بَلَغَنا أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ إذا خصَّ رَجُلاً بِالتَّرَحُّمِ عَلَيهِ وَالاستِغفارِ استُشهِدَ . فَعَلَيكُم يا عَمِّ وابنَ عَمِّ وَبَني عُمومَتي وَإخوَتي بِالصَّبرِ وَالرِّضا ، وَالتَّسليمِ وَالتَّفويضِ إلى اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، وَالرِّضا وَالصَّبرِ على قَضائِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِطاعَتِهِ وَالنُّزولِ عِندَ أمرِهِ . أفرَغَ اللّهُ عَلَينا وَعَلَيكُمُ الصَّبرَ ، وَخَتَمَ لَنا وَلكُم بِالأجرِ وَالسَّعادَةِ ، وَأنقَذَكُم وَإيّانا مِن كُلِّ هَلَكَةٍ ، بِحَولِهِ وَقُوَّتِهِ إنّهُ سَميعٌ قَريبٌ ، وَصَلَّى اللّهُ على صَفوَتِهِ مِن خَلقِهِ مُحَمّدٍ النَّبِيِّ وَأهلِ بَيتِهِ .

.

ص: 332

97 . كتابه عليه السلام إلى المفضّل إنّ اللّه ينصر دينه بمن يشاء

أقول : وهذا آخر التّعزية بلفظها من أصل صحيح بخطّ محمّد بن عليّ بن مهجناب البزّاز ، تاريخه في صفر سنة ثمان وأربعين وأربعمئة . (1)

97كتابه عليه السلام إلى المفضّلإنّ اللّه ينصر دينه بمن يشاءقال نصر بن الصّباح ، رفعه ، عن محمّد بن سنان (2) ، أن عدّة من أهل الكوفة كتبوا إلى الصّادق عليه السلام فقالوا : إنّ المفضّل يجالس الشّطار وأصحاب الحمام وقوماً يشربون الشّراب ، فينبغي أن تكتب إليه وتأمره ألاّ يجالسهم ، فكتب إلى المفضّل كتاباً وختم ودفع إليهم ، وأمرهم أن يدفعوا الكتاب من أيديهم إلى يد المفضّل. فجاؤوا بالكتاب إلى المفضّل ، منهم زرارة ، وعبد اللّه بن بكير ، ومحمّد بن مسلم . وأبو بصير ، وحجر بن زائدة ، ودفعوا الكتاب ، إلى المفضّل ففكّه وقرأه، فإذا فيه : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، اشتر كذا وكذا واشتر كذا . ولم يذكر قليلاً ولا كثيراً ممّا قالوا فيه. فلمّا قرأ الكتاب دفعه إلى زرارة ، ودفع زرارة إلى محمّد بن مسلم حتّى أرى الكتاب إلى الكلّ ، فقال المفضّل : ما تقولون؟ قالوا : هذا مال عظيم حتّى ننظر ونجمع ونحمل إليك ، لم ندرك إلاّ نراك بعد ننظر في ذلك . وأرادوا الانصراف . فقال المفضّل : حتّى تغدوا عندي ، فحبسهم لغدائه، ووجه المفضّل إلى

.


1- .الإقبال : ج3 ص82، مسكّن الفؤاد : ص126، بحار الأنوار : ج47 ص298 ح25 .
2- .راجع الكتاب : السّابع والسّتين .

ص: 333

98 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه إنّ اللّه ينصر دينه بمن يشاء

أصحابه الّذين سعوا بهم ، فجاؤوا فقرأ عليهم كتاب أبي عبد اللّه عليه السلام ، فرجعوا من عنده وحبس المفضّل هؤلاء ليتغدّوا عنده ، فرجع الفتيان وحمل كلّ واحد منهم على قدر قوته ألفاً وألفين وأقلّ وأكثر، فحضروا أو أحضروا ألفي دينار ، وعشرة آلاف درهمٍ ، قبل أن يفرغ هؤلاء من الغداء . فقال لهم المفضّل : تأمروني أن أطرد هؤلاء من عندي، تظنّون إنّ اللّه تعالى يحتاج إلى صلاتكم وصومكم . (1)

98كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهإنّ اللّه ينصر دينه بمن يشاءعليّ بن الحسن ، عن عبّاس بن عامر ، عن يونس بن يعقوب (2) ، قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله أن يدعو اللّه لي أن يجعلني ممّن ينتصر به لدينه فلم يجبني، فاغتممت لذلك ، قال يونس فأخبرني بعض أصحابنا ، أنّه كتب إليه بمثل ما كتبت ، فأجابه وكتب في أسفل كتابه : يَرحَمُكَ اللّهُ ، إنّما يَنتَصِرُ اللّهُ لِدينِهِ بِشَرِّ خَلقِهِ . (3)

.


1- .رجال الكشّي: ج2 ص619 ح592.
2- .يونس بن يعقوب بن قيس ، أبو عليّ الجلاب البجليّ الدّهنيّ ، اُمّه (منيّة) بنت عمّار بن أبي معاوية الدّهني ، اُخت معاوية بن عمّار ، اختصّ بأبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهماالسلام ، ومات بالمدينة في أيّام الرضا عليه السلام ، فتولّى أمره ، وكان عظيما عندهم ، موثّقا ، وكان قد قال بعبد اللّه ورجع ، وله كتاب الحجّ . (راجع : رجال النجاشي : ج 2 ص 419 الرقم 1208 ، رجال الطوسي : ص 323 الرقم 4827 وص368 الرقم 5477) .
3- .رجال الكشيّ : ج2 ص686 ح726.

ص: 334

99 . كتابه عليه السلام لرجل في شراء دار في الجنّة

99كتابه عليه السلام لرجلفي شراء دار في الجنّةهشام بن الحكم 1 قال : كان رجل من ملوك أهل الجبل يأتي الصّادق عليه السلام في حجّة كلّ سنة فينزله أبو عبد اللّه عليه السلام في دار من دوره في المدينة ، وطال حجّه ونزوله فأعطى أبا عبد اللّه عليه السلام عشرة آلاف درهم ليشتري له داراً وخرج إلى الحجّ .

.

ص: 335

100 . كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر الجعفيّ في عبد اللّه بن أبي يعفور

فلمّا انصرف قال : جعلت فداك اشتريت لي الدّار . قال : نعم ، وأتى بِصَكٍّ فيهِ : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما اشتَرى جَعفَرُ بنُ مُحَمّدٍ لِفُلانٍ بنِ فُلانٍ الجَبَليّ لَه دارٌ في الفِردَوسِ حَدُّها الأوّلُ رَسولُ اللّهِ وَالحَدُّ الثّاني أميرُ المُؤمِنينَ وَالحَدُّ الثّالِثُ الَحَسنُ بنُ عَلِيٍّ وَالحَدُّ الرّابِعُ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ . فَلَمّا قرأ الرّجل ذلكَ قال : قَد رَضيتُ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِداكَ . قال : فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّي أخَذتُ ذلِكَ المَالَ فَفَرقتُهُ في وُلدِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ وَأرجو أن يَتَقَبّلَ اللّهُ ذلِكَ وَيُثيبُكَ بهِ الجَنَّةَ . قال : فانصَرَفَ الرَّجُلُ إلى مَنزِلِهِ ، وَكانَ الصَّكُ مَعَهُ ، ثُمَّ اعتَلَّ عِلَّةَ المَوتِ فَلَمّا حَضَرَتهُ الوَفاةُ جَمَعَ أهلَهُ وَحَلَّفهُم أنْ يجعلوا الصّكَ مَعَهُ فَفَعلوا ذلِكَ ، فَلَمّا أصبَحَ القومُ غَدَوا إلى قَبرِهِ فَوَجَدوا الصّكَ على ظَهرِ القَبرِ مَكتوبٌ عَلَيهِ : وَفى وَلِيُّ اللّهِ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ . (1)

100كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر الجعفيّفي عبد اللّه بن أبي يعفورحمدويه ، عن الحسن بن موسى، عن عليّ بن حسان الواسطيّ الخزّاز قال : حدّثنا عليّ بن الحسين العبيديّ ، قال : كتب أبو عبد اللّه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر الجعفيّ

.


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص233 ، كشف الغمة : ج2 ص200 ، بحار الأنوار : ج47 ص134 ح 183 .

ص: 336

حين مضى عبد اللّه بن أبي يعفور 1 :

.

ص: 337

يا مُفَضَّلُ ، عَهِدتُ إلَيكَ عَهدي ، كان إلى عَبدِ اللّهِ بن أبي يَعفور صَلواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، فَمَضى صلواتُ اللّهِ عَلَيهِ مُوفياً للّهِِ عز و جل وَلِرَسولِهِ وَلإمامِهِ بِالعَهدِ المَعهود للّهِِ ، وقُبِضَ صَلواتُ اللّهِ على روحِهِ مَحمودَ الأثَرِ ، مَشكورَ السَّعي ، مَغفوراً لَهُ مَرحوماً بِرضى اللّهِ ورَسولِهِ وَإمامِهِ عَنهُ ، فَولادَتي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما كانَ في عَصرِنا أحَدٌ أطوَعَ للّهِِ ولِرَسولِهِ وَلإمامِهِ مِنهُ . فَما زالَ كذلِكَ حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ إلَيهِ بِرَحمَتِهِ وَصَيَّرَهُ إلى جَنَّتِهِ ، مُساكِناً فيها مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَأميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، أنزَلَهُ اللّهُ بَينَ المَسكَنَينِ مَسكَنَ مُحَمّدٍ وَأميرِ المُؤمِنينَ ( صلواتُ اللّهِ عَلَيهِما ) وَإن كانَت المَساكِنُ (1) واحِدَةً فزاده اللّه رضى من عنده ومغفرة من فضله برضاي عنه . (2)

.


1- .في المصدر : «المساكينُ » ، وما أثبتناه هو الصحيح ، وهو المناسب للسياق .
2- .رجال الكشّي:ج2 ص518 ح461.

ص: 338

101 . كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمر علّة كون الشّتاء والصّيف

101كتابه عليه السلام إلى المفضّل بن عمرعلّة كون الشّتاء والصّيفحدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله عن عمّه محمّد بن أبي القاسم عن يحيى بن عليّ الكوفيّ عن محمّد بن سنان عن صباح المدائنيّ عن المفضّل بن عمر (1) أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام : كتب إليه كتاباً فيه:أنَّ اللّهَ تَعالى لَم يَبعَث نَبِيّاً قَطُّ يَدعو إلى مَعرِفَةِ اللّهِ لَيسَ مَعَها طاعَةٌ في أمرٍ وَلا نَهيٍ وَإنّما يَقبَلُ اللّهُ مِنَ العِبادِ العَمَلَ بِالفَرائِضِ الّتي فَرَضَها اللّهُ عَلى حُدودِها مَعَ مَعرِفَةِ مَن دَعا إلَيهِ ، وَمَن أطاعَ حَرّمَ الحَرامَ ظاهِرَهُ وَباطِنَهُ وَصَلّى وَصامَ وَحَجَّ وَاعتَمَرَ وَعَظَّمَ حُرُماتِ اللّهِ كُلِّها وَلَم يَدَع مِنها شَيئاً وَعَمَلَ بِالبِرِّ كُلِّهِ وَمَكارِمِ الأخلاقِ كُلِّها وَتَجَنُّبِ سَيِّئِها ، وَمَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِلُّ الحَلالَ وَيُحَرِّمُ الحَرامَ بِغَيرِ مَعرِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، لَم يُحِلَّ للّهِِ حَلالاً وَلَم يُحَرِّم لَهُ حَراماً ، وَإنَّ مَن صَلَّى وَزَكَّى وَحَجَّ وَاعتَمَرَ وَفَعَلَ ذلِكَ كُلَّهُ بِغَيرِ مَعرِفَةِ مَنِ افتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ طاعَتَهُ ، فَلَم يَفعَل شَيئاً من ذلِكَ ، لَم يُصَلِّ وَلَم يَصُم وَلَم يُزَكِّ وَلَم يَحُجَّ وَلَم يَعتَمِر ، وَلَم يَغتَسِل مِنَ الجَنابَةِ وَلَم يَتَطَهَّر ، وَلَم يُحَرِّم للّهِِ حَلالاً وَلَيسَ لَهُ صَلاةٌ وَإن رَكَعَ وإن سَجَدَ وَلا لَهُ زَكاةٌ وَلا حَجٌّ ، وَإنّما ذلِكَ كُلُّهُ يَكونُ بِمَعرِفَةِ رَجُلٍ مِنَ اللّهِ تَعالى على خَلقِهِ بِطاعَتِهِ ، وَاُمِرَ بِالأخذِ عَنهُ فَمَن عَرَفَهُ وَأخَذَ عَنهُ أطاعَ اللّهَ وَمَن زَعَمَ أنّ ذلِكَ إنّما هِيَ المَعرِفَةُ وَأنَّهُ إذا عُرِفَ اكتَفى بِغَيرِ طاعَةٍ ، فَقَد كَذّبَ وَأشرَكَ وَإنّما قيلَ : اعرِف وَاعمَل ما شِئتَ مِنَ الخَيرِ ؛ فَإنَّهُ لا يُقبَلُ مِنكَ ذلِكَ بِغَيرِ مَعرِفَةٍ .

.


1- .راجع : الكتاب الخامس .

ص: 339

102 . كتابه عليه السلام إلى جابر بن حسّان (حيّان ) في الطّب

فإذا عَرَفتَ فاعمَل لِنَفسِكَ ما شِئتَ مِنَ الطّاعَةِ قَلَّ أو كَثُر فإنَّهُ مَقبولٌ مِنكَ . (1)

102كتابه عليه السلام إلى جابر بن حسّان (حيّان)في الطّبجعفر بن جابر الطّائيّ قال: حدّثنا موسى بن عمر بن يزيد الصّيقل قال: حدّثنا عمر بن يزيد (2) قال: كتب جابر بن حسّان (3) الصّوفيّ 4 إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يابن رسول اللّه منعتني ريح شابكة شبكت بين قرني إلى قدمي فادع اللّه لي . فدعا له وكتب إليه : عَلَيكَ بِسُعوطٍ العَنبرِ وَالزَّيبَقِ على الرِّيقِ ، تُعافى منها إن شاءَ اللّهُ تَعالى . فَفَعَلَ ذلِكَ فَكَأنَّما نَشَطَ مِن عِقالٍ . (4)

.


1- .علل الشرائع : ص250 ح7، بحار الأنوار: ج 27 ص175 ح 21 نقلاً عنه .
2- .راجع: في ذيل «كتابه عليه السلام إلى عذافر».
3- .في بعض النسخ: «جابر بن حيّان» بدل «جابر بن حسّان».
4- .طبّ الأئمّة لابني بسطام : ص70 ، الفصول المهمّة في أصول الأئمّة : ج3 ص179 ح2819 ، بحار الأنوار : ج62 ص186 ح1 نقلاً عن طبّ الأئمة عليهم السلام .

ص: 340

103 . كتابه عليه السلام إلى محمّد وهارون ابني أبي سهل في علم النّجوم

104 . أمره عليه السلام بكتابة : « إن شاء اللّه تعالى »

103كتابه عليه السلام إلى محمّد وهارون ابني أبي سهلفي علم النّجومفي فرج المهموم: ما وجدناه في كتاب التّجمل المقدم ذكره عن محمّد وهارون ابني أبي سهل (1) أنّهما كتبا إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : أنّ أبانا وجدَّنا كانا ينظران في علم النّجوم فهل يحلّ النّظر فيه ؟ فكتب : نعم . (2)

104أمره عليه السلام بكتابة : « إن شاء اللّه تعالى »في النوادر : روى لي مرازم 3 قال: دخل أبو عبد اللّه عليه السلام يوماً إلى منزل زيد وهو

.


1- .لم نجد له ترجمة في كتب الرّجال بأيدينا . وفي أعيان الشيعة : قال صاحب كتاب خاندان نوبختي : إنّ أبا سهل بن نوبخت الذي تنتهي إليه سلسلة هذه الطّائفة كان له عشرة أولاد : إسماعيل ، سليمان ، داوود ، إسحاق ، عليّ ، هارون ، محمّد ، فضل ، عبد اللّه ، سهل ، واثنان منهم كانت لهم ذرّيّة كثيرة مشهورة ، وهما إسحاق أبو عليّ بن إسحاق . . . وثانيهما أخوه إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت . (ج 2 ص 94) .
2- .فرج المهموم: ص100 ، بحار الأنوار : ج 55 ص 250 ح 35 نقلاً عن النجوم .

ص: 341

املاؤه باللُّغة العبرية

يريد العمرة فتناول لوحاً فيه كتاب لعمّهِ فيه أرزاق العيال ، وما يخرج لهم ، فإذا فيه لفلان وفلان وفلان وليس فيه استثناء . فقال له : مَن كَتَبَ هذا الكِتابَ وَلَم يَستَثنِ فيهِ ؟ كَيفَ ظَنَّ أنَّهُ يَتِمُّ ؟ ثُمَّ دَعا بِالدَّواةِ فَقالَ : ألحِق فيهِ في كُلِّ اسمٍ إن شاءَ اللّهُ تَعالى (1) . (2)

املاؤه باللُّغة العبريةحدّثنا الحسن بن محمّد ،عن أبيه محمّد بن عليّ بن شريف ، عن عليّ بن أسباط ، عن إسماعيل بن عباد ، عن عامر بن عليّ الجامعيّ (3) ، قال : قلت لأبي عبد للّه عليه السلام : جُعِلتُ فِداكَ ، نأكُلُ ذَبايِحَ أهلِ الكِتابِ وَلا نَدري يُسَمّونَ عَلَيها أم لا؟ فَقالَ :

.


1- .وفي الكافي : عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن مرازم بن حكيم قال: أمر أبو عبد اللّه عليه السلام بكتاب في حاجة فكتب ثمّ عرض عليه ولم يكن فيه استثناء. فقال: كيف رجوتم أن يتمّ هذا وليس فيه استثناء؟ انظروا كلّ موضع لا يكون فيه استثناء فاستثنوا فيه.(ج2 ص673 ح7).
2- .النوادر للأشعري : ص57 ح109 ، مستطرفات السرائر : ص630 ، بحار الأنوار : ج76 ص307 ح8 .
3- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .

ص: 342

105 . في التداوي بالتّفاح

حسن الختام

إذا سَمِعتَهُم قَد سَمَّوا فَكُلوا ، أتَدرى ما يَقولونَ على ذَبايِحِهِم ؟ فقلتُ : لا . فَقَرأ كَأنَّهُ يُشبِهُ يَهوديا قَد هَذّها (1) ثُمَّ قال : بِهذا اُمِروا . فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، إن رَأيتَ أن نَكتُبَها . فقال اكتب : نوح ايوا ادينوا يلهيز مالحوا عالم اشرسوا أو رضوا بنو يوسعه موسق دغال اسطحوا . (2)

105في التداوي بالتّفاحفي دعائم الإسلام : عن جعفر بن محمّد عليه السلام أنّ رجلاً كتب إليه من أرضٍ وَبيئَة يخبره بوَبَئِها . فكتب إليه : عَلَيكَ بِالتُّفاحِ فَكُلْهُ . فَفَعَلَ ذلِكَ فَعُوفيَ (3) .

حسن الختامأحمد بن محمّد بن خالد عن عبد الرّحمان بن حمّاد الكوفيّ عن عمرو بن مصعب عن فرات بن الأحنف (4) عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :

.


1- .الهذّ: سرعة القراءة.
2- .بصائر الدرجات: ص353، بحار الأنوار: ج47 ص81 ح68 نقلاً عنه.
3- .دعائم الإسلام : ج 2 ص 148 ح 525 .
4- .يرمي بالغلوّ والتفريط في القول ، عدّه الشيخ من أصحاب عليّ بن الحسين عليهماالسلام على قوله : فرات بن الأحنف العبديّ ، يرمي بالغلوّ والتّفريط في القول ، وعدّه من أصحاب محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام مقتصرا على قوله : فرات بن أحنف ، وفي أصحاب الصادق عليه السلام قائلاً : فرات بن أحنف الهلاليّ ، أبو محمّد ، أسند عنه . ( رجال الطوسي : ص 119 الرقم 1206 و ص 143 الرقم 1550 و ص 270 الرقم 3892 وراجع : رجال ابن داوود : القسم الثاني ص 492 الرقم 379) .

ص: 343

مَهما تَرَكتَ مِن شَيءٍ فلا تَترُك أن تقولَ في كُلِّ صَباحٍ وَمَساءٍ : اللّهمَّ إنّي أصبَحتُ أستَغفِرُكَ في هذا الصَّباحِ وَفي هذا اليَومِ لِأهلِ رَحمَتِكَ وَأبرأُ إلَيكَ مِن أهلِ لَعنَتِكَ . اللّهمَّ إنّي أصبَحتُ أبرأُ إلَيكَ في هذا اليَوم ، وَفي هذا الصَّباحِ مِمَّن نَحنُ بَينَ ظَهرانيهِم مِنَ المُشرِكينَ وَمِمّا كانوا يَعبُدونَ إنَّهُم كانوا قَومَ سَوءٍ فاسِقينَ . اللّهمَّ اجعَل ما أنزَلتَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرضِ في هذا الصَّباحِ وَفي هذا اليَومِ بَرَكَةً على أوليائِكَ وَعِقاباً على أعدائِكَ . اللّهمَّ والِ مَن وَالاكَ وعادِ مَن عاداكَ . اللّهمَّ اختِم لي بِالأمنِ وَالإيمانِ ، كُلَّما طَلَعَت شَمسٌ أو غَرُبَت . اللّهمَّ اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيراً . اللّهمّ اغفِر للمُونينَ وَالمُوناتِ ، وَالمُسلِمينَ وَالمُسلماتِ ، الأحياءِ مِنهُم وَالأمواتِ . اللّهمَّ إنَّكَ تَعلَمُ مُنقَلَبهُم وَمَثواهُم . اللّهمَّ احفَظ إمامَ المُسلِمينَ بِحِفظِ الإيمانِ ، وَانصُرهُ نَصراً عَزيزاً ، وَافتَح لَهُ فَتحاً يَسيراً وَاجعَل لَهُ وَلَنا مِن لَدُنكَ سُلطاناً نَصيراً . اللّهمَّ العَن فُلاناً وَفُلاناً ، وَالفِرَقَ المُختَلِفَةَ على رَسولِكَ ، وَوُلاةَ الأمرِ بَعدَ رَسولِكَ وَالأئِمَّةَ مِن بَعدِهِ شيعَتَهُم . وَأسألُكَ الزِّيادَةَ مِن فَضلِكَ ، وَالإقرارَ بِما جاءَ مِن عِندِكَ وَالتَّسليمَ لِأمرِكَ ، وَالمُحافَظَةَ على ما أمَرتَ بِهِ ، لا أبتَغي بِهِ بَدَلاً وَلا أشتَري بهِ ثَمَناً قَليلاً . اللّهُمَّ اهدِني فيمَن هَدَيتَ ، وَقِني شَرَّ ما قَضَيتَ ، إنَّكَ تقضي وَلا يُقضى عَلَيكَ ، وَلا يَذِلُّ مَن وَالَيتَ تبارَكتَ وَتعالَيتَ سُبحانَكَ رَبَّ البَيتِ تَقَبَّل مِنّي دُعائي وَما تَقَرّبتُ بهِ إلَيكَ مِن خَيرٍ فَضاعِفهُ

.

ص: 344

لي أضعافاً مُضاعَفَةً كَثيرةً ، وَآتِنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَأجراً عَظيماً . رَبِّ ما أحسَنَ ما ابتَلَيتَني ! وَأعظَمَ ما أعطَيتَني ! وَأطوَلَ ما عافَيتَني ! وَأكثَرَ ما سَتَرتَ عَلَيَّ ! فَلَكَ الحَمدُ يا إلهي كثيراً طَيّباً مُبارَكاً عَلَيهِ مِل ءَ السّماواتِ وَمِل ءَ الأرضِ وَمِل ءَ ما شاءَ رَبّي ، كَما يُحِبُّ وَيَرضى ، وَكَما يَنبَغي لِوَجهِ رَبّي ذي الجَلال وَالإكرامِ . (1)

وفي موضع آخر: محمّد بن عليّ عن عبد الرّحمان بن أبي هاشم عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :إنّ الدّعاء قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها سنّة واجبة مع طلوع الفجر والمغرب تقول : لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ يُحيي وَيُميتُ وَيُميتُ وَيُحيي ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَموتُ ، بِيَدِهِ الخَيرُ وَهُوَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ _ عَشرَ مَرّاتٍ _ وَتقولُ : أعوذُ بِاللّهِ السّميعِ العَليمِ مِن هَمَزاتِ الشّياطينِ وَأعوذُ بِكَ رَبّ أن يَحضُرونِ ، إنّ اللّهَ هُوَ السَّميعُ العَليمُ عَشرَ مَرّاتٍ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ الغُروبِ ، فإن نَسيتَ قَضَيتَ كَما تَقضي الصّلاةَ إذا نَسيتَها . (2)

وعن محمّد بن عليّ عن أبي جميلة عن محمّد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :قل : أستَعيذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ ، وَأعوذُ بِاللّهِ أن يَحضُرونِ إنَّ اللّهَ هُوَ السَّميعُ العَليمُ ، وَقُل لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، يُحيي وَيُميتُ وَهُوَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . قال : فقال له: رجل مفروض هو ؟ قال : نَعَم مَفروضٌ مَحدودٌ تَقولُهُ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ الغُروبِ _ عشر مرّات _ فإن فاتَكَ شَيءٌ فَاقضِهِ مِنَ اللّيلِ وَالنَّهارِ . (3)

وعن إسماعيل بن مهران عن رجل عن إسحاق بن عمّار عن العلاء بن كامل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام :

.


1- .الكافي : ج2 ص529 ح23 .
2- .الكافي : ج 2 ص 532 ح 31 ، بحار الأنوار : ج 86 ص 268 ح 38 .
3- .الكافي : ج 2 ص 533 ح 32 ، تفسير العيّاشي : ج 2 ص 45 ح 137 ، بحار الأنوار : ج 86 ص 262 ح 31 .

ص: 345

إنّ مِنَ الدُّعاءِ ما يَنبَغي لِصاحِبِهِ إذا نَسِيَهُ أن يَقضيهِ ، يَقولُ بَعدَ الغَداةِ : لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ ، يُحيي وَيُميتُ وَيُميتُ وَيُحيي ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَموتُ بِيَدِهِ الخَيرُ كُلُّهُ ، وَهُوَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ _ عشر مرّات _ . وَيَقولُ : أعوذُ بِاللّهِ السَّميعِ العَليمِ _ عَشرَ مَرّاتٍ _ فإذا نَسِيَ مِن ذلِكَ شَيئاً كانَ عَلَيهِ قَضاو . (1) وَآخِرُ دَعوانا : « سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ » .

.


1- .الكافي : ج2 ص533 ، ح 33 ، بحار الأنوار : ج 86 ص 284 .

ص: 346

. .

ص: 347

مكاتيب الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهماالسلام

اشاره

مكاتيب الإمام موسي بن جعفرٍ الكاظم

.

ص: 348

. .

ص: 349

المقدّمة

اشاره

المقدمةبسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمّد وآل محمّد واللعن على أعدائهم . بدأ نجم الأمويين بالاُفول عام 132 للهجرة . حين ذاك كان الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام يبلغ الخامسة من عمره الشّريف . وقد اتّقدت في نفوس النّاس جذوة من الأمل في أن يتصدّى لزعامة المسلمين من بإمكانه تبيين الإسلام الحقيقي . لكن سرعان ما تبدّد الأمل ، فخطب أبو جعفر الدوانيقي _ من العباسيّين _ بالنّاس في يوم عرفة من العام 137 للهجرة ، وبيّن في خطابه أهداف المستقبل ، وما على النّاس القيام به من أجل ذلك ، وقال : أيّها النّاس ، إنّ بكم داء هذا دواؤه ( مشيرا إلى السّيف ) ، وأنا زعيم لكم بشفائه ، فليَعتبر عبد قبل أن يُعتبر به . وضاعف من الظلم والاضطهاد خاصّة بحقّ العلويّين .

.

ص: 350

كان الإمام عليه السلام في العاشرة من عمره مازال ينهل من فيض علوم والده الإمام الصادق عليه السلام ومعارفه ، وقد أصبح بيته مركزا ومأوى لحلّ مشاكل المسلمين الّذين كانوا يقصدونه من قريب وبعيد ، وحتّى من أقاصي البلاد . تقلّد موسى بن جعفر عليه السلام الإمامة عام 148 للهجرة بعد شهادة الإمام الصادق عليه السلام ، فكان يبلغ العشرين وقد توفّرت فيه كافّة شروط الإمامة ، فأودعه أبوه هذه الأمانة الجسيمة . كان هارون الرّشيد يرى نفسه ولي أمر المسلمين ، وكان يتفاخر بقرابته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ويجعلها مبرّرا لاستيلائه على السّلطة . خاطب القبر الشّريف للرسول صلى الله عليه و آله يوما حين زيارته له على مرأى من النّاس وقال : السّلام عليك يا رسول اللّه ، السّلام عليك يا بن عمّ . دنى الإمام من القبر مبدّدا مكر هارون ، وقابل القبر وقال : السَّلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللّهِ ، السَّلامُ عَليكَ يا أبَتِ . تغيّر لون هارون الرشيد حنقا وغضبا (1) وأمر بالقبض على موسى بن جعفر عليه السلام (2) ، ونقله من سجن إلى سجن معذّبا ، حتّى أمر بقتله نهاية المطاف . نظرا للظروف الزّمانية والمكانية الّتي عاشها الإمام الكاظم عليه السلام يجدر الالتفات إلى نقطتين : 1 _ كان من الضّروري إيجاد طريقة لاتّصال النّاس بالإمام . فكان من الصّعب الوصول إليه لما كان يعيشه من ظروف الإبعاد والحجز . وفي نفس الوقت كان

.


1- .راجع : الإرشاد : ج 2 ص 234 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 434 .
2- .راجع : المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 434 .

ص: 351

زعيما وقائدا للمسلمين وعليه حلّ المشاكل ورفع الشّبهات ، فكانت المراسلة أحد الطرق التي اعتمدت للتواصل مع الإمام ، وكانت هذه المراسلات مستقيمة تارة وعن طريق وكلاء الإمام تارة اُخرى . يسعى هذا الكتاب لتبيين هذه المراسلات ، وقد جمعها في ثماني فصول ، وهي بشكل مجمل : الفصل الأوّل : في التّوحيد ، الفصل الثّاني : في الإمامة ، الفصل الثّالث : مكاتيب فقهية ، الفصل الرّابع : في المواعظ ، الفصل الخامس : في الدّعاء ، الفصل السّادس : في فضائل بعض الأصحاب ، الفصل السّابع : في وصاياه عليه السلام ، الفصل الثامّن : في اُمور شتّى . 2 _ كثرة استخدام لفظ « أبي الحسن » للإمام الكاظم عليه السلام وبعده ، أي اشتراك عدد من الأئمة في هذه الكنية والملابسات الّتي تحصل جراء ذلك ، تستدعي الانتباه وإيجاد قواعد من شأنها التّمييز في الأمر . مما يمكننا جعله قرينة لمعرفة المراد بأبي الحسن ، معرفة الرّاوي الّذي يرد اسمه قبل المعصوم ، وهذا ما أشرنا إليه . وقد جئنا بشرح مبسوط حول بعض من هؤلاء الأشخاص ، وإن كان من المفيد أيضا الإلتفات إلى القرائن التاريخية أو مضمون الروايات لرفع هذا الالتباس . وقد احتوى مكاتيب الكاظم عليه السلام على ثمانيّة فصول : أولاً : في التوحيد . ثانيا : في الإمامة . ثالثا : في المكاتيب الفقهية . رابعا : في المواعظ .

.

ص: 352

خامسا : في الدّعاء . سادسا : في فضائل بعض الأصحاب . سابعا : في وصاياه عليه السلام . ثامنا : في اُمور شتّى . وفي الختام ، نرجو من اللّه تعالى أن يوفّقنا للقيام ولو بخطوات متواضعة لإحياء ثقافة أهل البيت عليهم السلام الأصيلة . وما توفيقي إلاّ باللّه ، عليه توكّلت وإليه أنيب .

.

ص: 353

الفصل الأوّل : في التّوحيد

اشاره

الفصل الأوّل : في التّوحيد

.

ص: 354

. .

ص: 355

1 . كتابه عليه السلام إلى طاهر بن حاتم بن ماهوية معرفة الخالق

1كتابه عليه السلام إلى طاهر بن حاتم بن ماهويةمعرفة الخالقفي كتاب التّوحيد : أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهماالله قالا : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، وأحمد بن إدريس جميعاً ، عن محمّد بن أحمد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن عليّ الطّاحيّ (1) عن طاهر بن حاتم بن ماهويه 2 قال : كتبت إلى الطّيّب _ يعني أبا الحسن موسى _ عليه السلام : ما الّذي لا تجزئ معرفة الخالق بدونه ؟ فكتب :

.


1- .هو : أبو سمينة محمّد بن علي الكوفيّ الصّيرفيّ .

ص: 356

2 . كتابه عليه السلام إلى الكاهليّ ، علمه تعالى

لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَلَم يَزَل سَميعاً وعَليماً وَبَصيراً ، وَهُوَ الفَعَّالُ لِما يُريدُ . (1) وفي الكافي : عليّ بن محمّد عن سهل بن زياد عن طاهر بن حاتم في حال استقامته ، أنّه كتب إلى الرّجل : ما الّذي لا يُجتزأ في معرفة الخالق بدونه ؟ فكتب إليه : لَم يَزَل عَالِماً وَسامِعاً وَبَصيراً وَهُوَ الفَعَّالُ لِما يُريدُ . (2)

2كتابه عليه السلام إلى الكاهليّعلمه تعالىمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفّوان بن يحيى ، عن الكاهليّ 3 قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في دعاء : الحمد للّه منتهى علمه ، فكتب إليَّ : لا تَقولَنَّ مُنتَهى عِلمِهِ ، فَلَيسَ لِعِلمِهِ مُنتَهى وَلكِن قُل : مُنتَهى رِضاهُ . (3)

.


1- .التّوحيد : ص284 ح4 ، بحار الأنوار : ج3 ص269 ح5 نقلاً عنه.
2- .الكافي : ج1 ص86 ح2 .
3- .الكافي : ج1 ص107 ح3 ، التوحيد : ص134 ح2 ، تحف العقول : ص408 عن عبد اللّه بن يحيى ، بحار الأنوار : ج4 ص83 ح12 وج76 ص319 ح3.

ص: 357

3 . كتابه عليه السلام إلى فتح بن عبد اللّه النّهي عن التّشبيه والتّحديد

3كتابه عليه السلام إلى فتح بن عبد اللّهالنّهي عن التّشبيه والتّحديدرواه محمّد بن الحسين ، عن صالح بن حمزة ، عن فتح بن عبد اللّه مولى بني هاشم (1) قال : كتبت إلى أبي إبراهيم عليه السلام أسأله عن شيء من التّوحيد ، فكتب إليّ بخطّه :الحَمدُ للّهِِ المُلهِمِ عِبادَهُ حَمدَهُ _ وذكره مثل ما رواه سهل بن زياد إلى قوله _ : وَقَمَعَ وجودُهُ جَوائِلَ الأوهامِ _ ثمّ زاد فيه _ : أوَّلُ الدِّيانَةِ بِهِ مَعرِفَتُهُ ، وَكَمالُ مَعرِفَتِهِ تَوحيدُهُ وَكَمالُ تَوحيدِهِ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ، بِشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أنَّها غَيرُ المَوصوفِ ، وَشَهادَةِ المَوصوفِ أنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ ، وَشَهادَتُهُما جَميعاً بِالتَّثنِيَةِ المُمتَنِعِ مِنهُ الأزَلُ (2) ، فمَن وَصَفَ اللّهَ فَقَد حَدَّهُ وَمَن حَدَّهُ فَقَد عَدَّهُ ، وَمَن عَدَّه فَقَد أبطَلَ أزَلَهُ ، وَمَن قالَ : كَيفَ ؟ فَقَدِ استَوصَفَهُ ، وَمَن قالَ : فيمَ ؟ فَقَد ضَمَّنَهُ ، وَمَن قالَ عَلامَ ؟ فَقَد جَهِلَهُ ، وَمَن قالَ : أينَ ؟ فَقَد أخلَى مِنهُ ، وَمَن قالَ ما هُوَ ؟ فَقَد نَعَتَهُ ، وَمَن قالَ : إلامَ ؟ فَقَد غاياهُ ، عالِمٌ إذ لا مَعلومَ ، وَخالِقٌ إذ لا مَخلوقَ ، وَرَبٌّ إذ لا مَربوبَ ، وَكَذلِكَ يُوصَفُ رَبُّنا ، وَفَوقَ ما يَصِفُهُ الواصِفونَ . (3)

وفي التّوحيد نقلاً عن الإمام الرّضا عليه السلام : حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق رحمه الله ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيّ ، قال : حدّثني عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثني

.


1- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .
2- .في هامش المصدر : «الممتنعة من الأزل» وهو الأنسب إلى المتن .
3- .الكافي : ج1 ص140 ح6 ، بحار الأنوار : ج57 ص166.

ص: 358

جعفر بن محمّد الأشعريّ ، عن فتح بن يزيد الجرجانيّ (1) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسأله عن شيء من التّوحيد . فكتب إليّ بخطّه _ قال جعفر : وإنّ فتحا أخرج إليّ الكتاب فقرأته بخطّ أبي الحسن عليه السلام _ :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحَمدُ للّهِِ المُلهِمِ عِبادَهُ الحَمدَ ، وفاطِرِهِم عَلى مَعرِفَةِ رُبوبِيَّتِهِ ، الدّالِ عَلى وجودِهِ بِخَلقِهِ ، وَبِحُدوثِ خَلقِهِ على أزَلِهِ ، وَبِأشباهِهِم على أن لا شِبهَ لَهُ ، المُستَشهِدِ آياتِهِ على قُدرَتِهِ ، المُمتَنِعِ مِنَ الصِّفاتِ ذاتُهُ ، وَمِنَ الأبصارِ رُؤيَتُهُ ، وَمِنَ الأوهامِ الإحاطَةُ بِهِ ، لا أمَدَ لِكَونِهِ ، وَلاغايَةَ لِبَقائِهِ ، لا يَشمُلُهُ المَشاعِرُ ، وَلا يَحجُبُهُ الحِجابُ فالحِجابُ بَينَهُ وَبَينَ خَلقِهِ ؛ لامتِناعِهِ مِمّا يُمكِنُ في ذَواتِهِم ، وَالإمكانِ ذَواتِهِم مِمّا يَمتَنِعُ مِنهُ ذاتُهُ ، ولافتِراقِ الصّانِعِ وَالمَصنوعِ ، وَالرّبِّ وَالمَربوبِ ، وَالحادِّ وَالمَحدودِ ، أحَدٌ لا بِتأويلِ عَدَدٍ ، الخالِقُ لا بِمَعنى حَرَكَةٍ ، السَّميعُ لا بِأداةٍ ، البَصيرُ لا بِتَفريقِ آلَةٍ ، الشّاهِدُ لابِمُماسَّةٍ ، البائِنُ لا بِبَراحِ مَسافَةٍ ، الباطِنُ لا باجتِنانٍ ، الظّاهِرُ لا بِمُحاذٍ ، الّذي قَد حُسِرَت دونَ كُنهِهِ نَواقِدُ الأبصارِ ، وَامتَنَعَ وُجودُهُ جَوائل (2) الأوهامِ . أوَلُّ الدِّيانَةِ مَعرِفَتُهُ ، وَكَمالُ المَعرِفَةِ تَوحيدُهُ ، وَكَمالُ التَّوحيدِ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ، لِشهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أنَّها غَيرُ المَوصوفِ ، وَشَهادَةُ المَوصوفِ أنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ ، وشَهادَتُهُما جَميعاً على أنفُسِهِما بِالبَيِّنَةِ المُمتَنِعِ مِنها الأَزلُ ، فَمَن وَصَفَ اللّهَ فَقَد

.


1- .الفتح بن يزيد أبو عبد اللّه الجرجانيّ ، صاحب المسائل لأبي الحسن عليه السلام ، عدّه الشيخ من أصحاب الهادي عليه السلام ، وذكره ابن داوود في القسم الثاني وقال الرجل مجهول . (راجع رجال الطوسي : ص 390 الرقم 5741 ، رجال ابن داوود : ص 492 الرقم 377) .
2- .كذا في المصدر ، والصحيح : « عن جَوائِلِ الأوهام » .

ص: 359

حَدَّهُ ، وَمَن حَدَّهُ فَقَد عَدَّهُ ، وَمَن عَدَّهُ فَقَد أبطَلَ أزَلَهُ ، وَمَن قال : كَيفَ ؟ فَقَدِ استَوصَفَهُ ، وَمَن قالَ : عَلامَ ؟ فَقَد حَمَلَهُ ، وَمَن قالَ : أينَ ؟ فَقَد أخلى مِنهُ ، وَمَن قالَ : إلامَ ؟ فَقَد وَقَّتَهُ ، عالِمٌ إذ لا مَعلومَ ، وَخالِقٌ إذ لا مَخلوقَ ، وَرَبٌّ إذ لا مَربوبَ ، وَإلهٌ إذ لا مألوهَ ، وَكذلِكَ يُوصَفُ رَبُّنا ، وَهُوَ فَوقَ ما يَصِفُهُ الواصِفونَ . (1)

أقول : وذكر ما رواه سهل إشارة إلى الرّواية الّتي نقلها الكليني قبل هذه ، هي : عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن شباب الصّيرفيّ واسمه محمّد بن الوليد ، عن عليّ بن سيف بن عميرة ، قال : حدّثني إسماعيل بن قتيبة (2) ، قال : دخلت أنا وعيسى شلقان على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فابتدأنا فقال :عَجَبا لِأقوامٍ يَدَّعونَ على أميرِ المُونينَ عليه السلام ما لَم يَتَكَلَّم بِهِ قَطُّ ، خَطَبَ أميرُ المُونينَ عليه السلام النّاسَ بِالكوفَةِ فَقالَ : الحَمدُ للّهِ المُلهِمِ عِبادَهُ حَمدَهُ ، وَفاطِرِهِم على مَعرِفَةِ رُبوبِيَّتِهِ ، الدَّالِّ على وُجودِهِ بِخَلقِهِ ، وَبِحُدوثِ خَلقِهِ على أزلِهِ وَباشتِباهِهِم على أن لا شِبهَ لَهُ ، المُستَشهِدِ بِآياتِهِ على قُدرَتِهِ المُمتَنِعَةِ مِنَ الصِّفاتِ ذاتُهُ ، وَمِنَ الأبصارِ رُوتُهُ ، وَمِنَ الأوهامِ الإحاطَةُ بِهِ ، لا أمَدَ لِكَونِهِ ، وَلا غايَةَ لِبَقائِهِ ، لا تَشمُلُهُ المَشاعِرُ ، ولا تَحجُبُهُ الحُجُبُ ، وَالحِجابُ بَينَهُ وَبَينَ خَلقِهِ خَلقُهُ إيّاهُم ، لامتِناعِهِ مِمّا يُمكِنُ في ذَواتِهِم ، وَلإمكانِ مِمّا (3) يَمتَنِعُ مِنهُ ، وَلافتِراقِ الصَّانِعِ مِنَ المَصنوعِ ، وَالحادِّ مِنَ المَحدودِ ، وَالرَّبِّ مِنَ المَربوبِ ، الواحِدُ بِلا تأويلِ عَدَدٍ وَالخالِقُ لا بِمَعنى حَرَكَةٍ ، وَالبَصيرُ لا بِأداةٍ ، وَالسّميعُ لا بِتَفريقِ آلَةٍ ، وَالشّاهِدُ لا بِمُماسَّةٍ ، وَالباطِنُ لا بِاجتِنانٍ ، وَالظّاهِرُ البائِنُ لا بِتراخي مَسافَةٍ أزلُهُ نَهيُهُ

.


1- .التوحيد : ص56 ح14 ، بحار الأنوار : ج4 ص284 ح17 نقلاً عنه .
2- .إسماعيل بن قُتَيبة البصريّ ، مجهول ، عدّه من أصحاب الكاظم والرضا عليهماالسلام ، وروى عن أبي عبداللّه عليه السلام . (راجع : رجال الطوسي : ص 353 الرقم 5230 ، خلاصة الأقوال : ص 316 ، رجال ابن داوود : القسم الثاني ص 427 الرقم 58) .
3- .هكذا في المصدر ، وفي الروايات الاُخرى : « ولإمكان ذواتهم مما يمتنع منه ذاته » وهو الصحيح .

ص: 360

4 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن حكيم النّهي عن الصّفة بغير ما وصف به نفسه تعالى

لِمَجاوِلِ الأفكارِ ، وَدَوامُهُ رَدعٌ لِطامِحاتِ العُقولِ ، قَد حَسَرَ كُنهُهُ نَوافِذَ الأبصارِ ، وَقَمَعَ وُجودُهُ جَوائِلَ الأوهامِ . الحديث . (1)

4كتابه عليه السلام إلى محمّد بن حكيمالنّهي عن الصّفة بغير ما وصف به نفسه تعالىسهل عن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم ، عن محمّد بن حكيم 2 ، قال : كتب أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام إلى أبي : إنَّ اللّهَ أعلى وَأجَلَّ وَأعظَمَ مِن أن يُبلَغَ كُنهُ صِفَتِهِ ، فَصِفوهُ بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ وَكُفّوا عَمّا سِوى ذلِكَ . (2) وفي رجال الكشّي : عليّ بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد بن موسى الهمدانيّ ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن غيره ، عن جعفر بن محمّد بن حكيم الخثعميّ ، قال : اجتمع هشام بن سالم ، وهشام بن الحكم ، وجميل بن درّاج ، وعبدالرّحمان بن الحجّاج،ومحمّد بن حمران ، وسعيد بن غزوان ، ونحو من خمسة عشر رجلاً من

.


1- .الكافي : ج1 ص140 ح5.
2- .الكافي : ج1 ص102 ح6 ؛ الفصول المهمة في اُصول الأئمّة : ص172 ح113.

ص: 361

5 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن الحكم ، الإيمان والكفر / الشّكّ

أصحابنا ، فسألوا هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم فيما اختلفوا فيه من التّوحيد ، وصفة اللّه عز و جل ، وغير ذلك ؛ لينظروا أيّهما أقوى حجّة . فرضي هشام بن سالم أن يتكلّم عند محمّد بن أبي عمير ، ورضي هشام بن الحكم أن يتكلّم عند محمّد بن هشام ، فتكالما وساق ما جرى بينهما . وقال ، قال عبد الرّحمان بن الحجّاج لهشام بن الحكم :كفرت واللّه باللّه العظيم وألحدت فيه ، ويحك ، ماقدرت أن تشبه بكلام ربّك إلاّ العود يضرب به ! قال جعفر بن محمّد بن حكيم ، فكتب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام يحكي له مخاطبتهم وكلامهم ، ويسأله أن يُعلّمه ما القول الّذي ينبغي [ أن ] ندين اللّه به من صفه الجبّار ، فأجابه في عرض كتابه : فَهِمتُ رَحِمَكَ اللّهُ ، وَاعلَم رَحِمَكَ اللّهُ أنَّ اللّهَ أجَلُّ وَأعلى وَأعظَمُ مِن أن يُبلَغَ كُنهُ صِفَتِهِ ، فَصِفوهُ بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ ، وَكُفُّوا عَمّا سِوى ذلِكَ . (1)

5كتابه عليه السلام إلى الحسين بن الحكمالإيمان والكفر / الشّكّعليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحسين بن الحكم (2) قال : كتبت إلى العبد الصّالح عليه السلام اُخبره أنّي شاكٌّ ، وَقَد قالَ إبراهيمُ عليه السلام : « وَإِذْ قَالَ إِبْرَ اهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى » (3) وإنّي اُحبّ أن تريني شيئاً . فكتب عليه السلام :

.


1- .وراجع رجال الكشّي : ج2 ص564 ح500 ، بحار الأنوار : ج3 ص266 ح31.
2- .الحسين بن الحكم = الحسين بن الحكم النّخعيّ : روى الحسين عن العبد الصّالح عليه السلام ، وروى عنه يونس ، وروى عن أبي جعفر الثّاني عليه السلام ، وروى عنه محمّد بن سهل . ( راجع : معجم رجال الحديث : ج5 ص221 الرقم3367 و3368 ) .
3- .البقرة :260 .

ص: 362

6 . كتابه عليه السلام إلى هارون الرّشيد

إنَّ إبراهيمَ كانَ مُؤمِناً وأحَبَّ أن يَزدادَ إيماناً ، وَأنتَ شاكٌّ وَالشّاكُّ لا خَيرَ فيهِ . وَكَتَبَ: إنَّما الشَّكُ ما لَم يَأتِ اليَقينُ ، فَإذا جاءَ اليَقينُ لَم يَجُزِ الشَّكُّ . وكتب : إنّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : « وَمَا وَجَدْنَا لأَِكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ » (1) قالَ : نَزَلَت في الشَّاكِّ . (2)

6كتابه عليه السلام إلى هارون الرّشيدقال الرّشيد (3) : بحقّ آبائك لمّا اختصرت كلمات جامعة لمّا تجاريناه . فقال عليه السلام : نعم . واُتي بدواة وقرطاس فكتب :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ جَميعُ اُمورِ الأديانِ أربَعَةٌ : أمرٌ لا اختِلافَ فيهِ وَهُوَ إجماعُ الاُمَّةِ على الضَّرورَةِ الّتي يَضطَرّونَ إلَيها ، وَالأخبارِ المُجمَعِ عَلَيها ، وَهِيَ الغايَةُ المَعروضُ عَلَيها كُلُّ شُبهَةٍ ، وَالمُستَنبَطُ مِنها كُلُّ حادِثَةٍ ، وَهُوَ إجماعُ الاُمَّةِ . وَأمرٌ يَحتَمِلُ الشَّكَ وَالإنكارَ ، فَسَبيلُهُ استيضاحُ أهلِهِ لِمُنتَحِليهِ بِحُجَّةِ مِن كِتابِ اللّهِ مُجمَعٍ على تَأويلِها ، وَسُنَّةٍ مُجمَعٍ عَلَيها لا اختِلافَ فيها ، أو قياسٍ تَعرِفُ العُقولُ عَدلَهُ وَلا يَسَعُ خاصَّةَ الاُمَّةِ وَعامَّتَها الشَّكُّ فيهِ وَالإنكارُ لَهُ . وَهذانِ الأمرانِ مِن أمرِ التَّوحيدِ فَما دونَهُ ، وَأرشُ الخَدشِ فَما فَوقَهُ . فَهذا المَعروضُ الّذي يُعرَضُ عَلَيهِ أمرُ الدّينِ ، فَما ثَبَتَ لَكَ بُرهانُهُ اصطَفَيتَهُ وَما غَمَضَ

.


1- .الأعراف :102 .
2- .الكافي : ج2 ص399 ح1 ، قصص الأنبياء : ص132 ، بحار الأنوار : ج12 ص62 ح8.
3- .هو هارون العبّاسيّ .

ص: 363

عَلَيكَ صَوابُهُ نَفَيتَهُ . فَمَن أورَدَ واحِدَةً مِن هذهِ الثَّلاثِ فَهِيَ الحُجَّةُ البالِغَةُ الّتي بَيَّنَها اللّهُ في قَولِهِ لِنَبِيِّهِ : « قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ » (1) يَبلُغُ الحُجَّةَ البالِغَةَ الجاهِلُ فَيَعلَمُها بِجَهلِهِ كَما يَعلَمُهُ العالِمُ بِعلمِهِ ، لِأنَّ اللّهَ عَدلٌ لا يَجورُ ، يَحتَجُّ على خَلقِهِ بِما يَعلَمونَ ، وَيَدعوهُم إلى ما يَعرِفونَ ، لا إلى ما يَجهَلونَ وَيُنكِرونَ . (2)

وفي الاختصاص في حديث أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام : محمّد بن الحسن بن أحمد ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد بن محمّد بن إسماعيل العلويّ ، قال : حدّثني محمّد بن الزّبرقان الدّامغانيّ الشّيخ (3) ، قال : قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام :لمّا أمَرَهُم هارونُ الرَّشيدُ بِحَملي . . . فَقالَ : اُحِبُّ أن تَكتُبَ لي كَلاماً مُوجزاً لَهُ اُصولٌ وَفُروعٌ ، يُفهَمُ تَفسيرُهُ ، وَيَكونُ ذلِكَ سَماعَكَ مِن أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام ؟ فَقُلتُ : نَعَم . . . فَكَتَبتُ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ جَميعُ اُمورِ الدُّنيا أمرانِ : أمرٌ لا اختِلافَ فيهِ ، وَهُوَ إجماعُ الاُمَّةِ على الضَّرورَةِ الّتي يَضطَرّونَ إلَيها ، والأخبارِ (4) المُجمَعِ عَلَيها ، المَعروضِ عَلَيها كُلُّ شُبهَةٍ ، وَالمُستَنبَطِ مِنها على كُلِّ حادِثَةٍ .

.


1- .الأنعام :149 .
2- .تحف العقول : ص407 ، بحار الأنوار : ج10 ص243 ، وسائل الشيعة : ج27 ص103 ح33329 وفيه : «عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، كان لأبي يوسف معه كلام في مجلس الرّشيد فقال الرّشيد _ بعد كلام طويل _ لموسى بن جعفر عليه السلام : بحقّ آبائك . . . » .
3- .روى عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، وروى عنه محمّد بن أحمد بن محمّد بن إسماعيل العلويّ ، في حديث أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام مع هارون الرّشيد ، والرّواية طويلة ومشتملة على عدّة مسائل ، سأل عنها هارون والإمام عليه السلام أجابه وأفهمه . ( راجع : معجم رجال الحديث : ج16 ص85 الرّقم 10753 ).
4- .في المصدر : «وأخبار » ، والصّواب ما أثبتناه .

ص: 364

وَأمرٌ يَحتَمِلُ الشَّكَّ وَالإنكارَ ، وَسَبيلُهُ استيضاحُ أهلِ الحُجَّةِ عَلَيهِ ، فَما ثبَتَ لِمُنتَحليهِ مِن كِتابٍ مُستَجمَعٍ على تَأويلِهِ ، أو سُنَّةٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله لا اختِلافَ فيها ، أو قِياسٍ تَعرِفُ العُقولُ عَدلَهُ ، ضاقَ على مَنِ استَوضَحَ تِلكَ الحُجَّةِ رَدُّها ، وَوَجَبَ عَلَيهِ قَبولُها وَالإقرارُ وَالدِّيانَةُ بِها ، وَما لَم يَثبُت لِمُنتَحِليهِ بِهِ حُجَّةٌ مِن كِتابٍ مُستَجمَعٍ على تَأويلِهِ أو سُنَّةٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، لا اختِلافَ فيها ، أو قِياسٍ تَعرِفُ العُقولُ عَدلَهُ وَسِعَ خاصَّ الاُمَّةِ وَعامَّها الشَّكُّ فيهِ ، وَالإنكارُ لَهُ . كَذلِكَ هذانِ الأمرانِ مِن أمرِ التَّوحيدِ فَما دونَهُ إلى أرشِ الخَدشِ فَما دونه ، فَهذا المَعروضُ الّذي يُعرَضُ عَلَيهِ أمرُ الدّينِ ، فَما ثَبَتَ لَكَ بُرهانُهُ اصطَفَيتَهُ ، وَما غمَضَ عَنكَ ضَوؤهُ نَفَيتَهُ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ ، وَحَسبُنا اللّهُ وَنِعمَ الوَكيلُ . فَأخبَرتُ المُوكَّلَ بي أنِّي قَد فَرَغتُ مِن حاجَتِهِ ، فَأخبَرَهُ فَخَرَجَ وَعَرَضتُ عَلَيهِ فَقالَ : أحسَنتَ ، هُوَ كَلامٌ مُوجَزٌ جامِعٌ فَارفَع حَوائِجَكَ يا موسى . . . (1)

.


1- .الاختصاص : ص54 ، بحار الأنوار : ج2 ص239 .

ص: 365

الفصل الثّاني : في الإمامة

اشاره

الفصل الثّاني : في الإمامة

.

ص: 366

. .

ص: 367

ألف _ في النّص على الإمامة

7 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن المختار

ألف _ في النّص على الإمامة7كتابه عليه السلام إلى الحسين بن المختارأحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد اللّه بن المغيرة ، عن الحسين بن المختار 1 قال : خرج إلينا من أبي الحسن عليه السلام بالبصرة ألواح مكتوب فيها بالعرض : عَهدي إلى أكبَرِ وُلدي ، يُعطى فُلانٌ كَذا وَفُلانٌ كَذا ، وَفُلانٌ كَذا ، وَفُلانٌ لا يُعطى حَتّى أجيءَ أو يَقضِيَ اللّهُ عز و جل عَلَيَّ الموتَ ، إنَّ اللّهَ يَفعَلُ ما يَشاءُ . (1)

.


1- .الكافي : ج1 ص313 ح9.

ص: 368

8 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطين

وفي رواية اُخرى : أحمد بن مهران ، عن محمّد بن عليّ ، عن محمّد بن سنان وعليّ بن الحكم جميعاً ، عن الحسين بن المختار ، قال : خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن عليه السلام _ وهو في الحبس _ : عَهدي إلى أكبَرِ وُلدي أن يَفعَلَ كَذا ، وَأن يَفعَلَ كَذا ، وَفُلانٌ لا تُنِلهُ شَيئاً حَتّى ألقاكَ ، أو يَقضِيَ اللّهُ عَلَيَّ المَوتَ . (1)

8كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطينأحمدُ بنُ مِهران ، عن محمّد بن عليّ ، عن ابن محرز ، عن عليّ بن يقطين 2 ،

.


1- .الكافي :ج1 ص312 ح8 ،الإرشاد :ج2 ص250 ،الغيبة للطّوسي :ص37 ح13 ،بحار الأنوار :ج49ص24 ح37 .

ص: 369

عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : كتب إليّ من الحبس : إنَّ فُلاناً ابني سَيِّدُ وُلدي ، وَقَد نَحَلتُهُ كُنيَتي . (1)

.


1- .الكافي : ج1 ص313 ح10.

ص: 370

9 . وصيّته عليه السلام إلى ابنه عليه السلام

وفي رواية اُخرى : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن الحسين بن نُعيم الصّحّاف قال : كنت أنا وهشام بن الحكم وعليّ بن يقطين ببغداد ، فقال عليُّ بن يقطين : كنت عند العبد الصّالح جالساً ، فدخل عليه ابنه عليّ فقال لي : يا عليُّ بنَ يَقطين ؛ هذا عَلِيٌّ سَيِّدُ وُلدي ، أما إنّي قَد نَحَلتُهُ كُنيَتي . فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته ثمّ قال : وَيحَكَ كَيفَ قُلتَ ؟ فقال عليّ بن يقطين : سَمِعتُ وَاللّهِ مِنهُ كَما قُلتُ . فَقالَ هشامُ : أخبَرَكَ أنّ الأمرَ فيهِ من بَعدِهِ . أحمدُ بن مهران ، عن محمّد بن عليّ ، عن الحسين بن نُعيم الصّحّاف (1) ، قال : كنتُ عِندَ العَبدِ الصّالِحِ ، وَفي نسخة : الصّفوانيّ قال : كُنتُ أنا _ ثمّ ذكر مثله _ . (2)

9وصيّته عليه السلام إلى ابنه عليه السلاممحمّد بن عليّ ماجيلويه ، قال : حدّثنا عمّي محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الكوفيّ ، عن محمّد بن الخلف ، عن يونس بن عبد الرّحمان ، عن أسد بن أبي العلا ، عن عبد الصّمد بن بشير ، وخلف بن حمّاد ، عن عبدالرّحمان بن الحجَّاج (3) ، قال : أوصى أبو الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام إلى ابنه

.


1- .الحسين بن نُعَيْم الصّحّاف الكوفيّ ، مولى بني أسد ، ثقة ، وأخواه : عليّ ومحمّد ، رووا عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، له كتاب . (راجع رجال النجاشي : ج1 ص164 الرقم119 ، الفهرست : ص110 الرقم 216 ، رجال الطوسي : ص 183 الرقم 2208) .
2- .الكافي : ج 1 ص 311 ح 1.
3- .راجع الكتاب : الثّاني والتّسعون .

ص: 371

10 . كتابه عليه السلام إلى ابنه عليه السلام

11 . كتابه عليه السلام إلى ابني أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام

عليّ عليه السلام ، وكتب له كتاباً أشهد فيه ستّين رَجُلاً من وجوه أهل المدينة . (1)

10كتابه عليه السلام إلى ابنه عليه السلامسعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد اللّه بن مرحوم 2 ، قال : خرجت من البصره اُريد المدينة ، فلمّا صرت في بعض الطّريق لقيت أبا إبراهيم عليه السلام وهو يذهب به إلى البصرة ، فأرسل إليّ فدخلت عليه فدفع إليّ كُتباً ، وأمرني أن أوصلها بالمدينة ، فقلت : إلى من أدفعها جعلت فداك ؟ قال : إلى ابني عَلِيٍّ ؛ فإنّه وَصِيّي ، وَالقَيِّمُ بِأمري ، وَخَيرُ بَنِيَّ . (2)

11كتابه عليه السلام إلى ابني أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلامحدّثنا المظفّر بن جعفر العلويّ السّمرقنديّ رضى الله عنه ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود العياشيّ ، عن أبيه ، قال : حدّثنا يوسف بن السّخت ، عن

.


1- .عيون أخبار الرضا : ج1 ص38 ح3 ، بحار الأنوار : ج97 ص17 ح15 نقلاً عنه .
2- .عيون أخبار الرضا : ج1ص27 ح13 ، بحار الأنوار : ج49 ص16.

ص: 372

عليّ بن القاسم العريضيّ الحسينيّ ، عن صفوان بن يحيى ،عن عبد الرّحمان بن الحجّاج ، عن إسحاق 1 وعليّ 2 ابني أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام : أنّهما دخلا على عبد الرّحمن بن أسلم بمكّة في السّنة الّتي (1) أخذ فيها موسى بن جعفر عليهماالسلامومعهما كتاب أبي الحسن عليه السلام بخطّه ، فيه حوائج قد أمر بها فقالا : أمر بهذه الحوائج من هذا الوجه فإن كان من أمره شيءفادفعه إلى ابنه عليّ عليه السلام فإنّه خليفته ،والقيّم بأمره ، وكان هذا بعد النّفر بيوم بعد ما أخذ أبو الحسن عليه السلام بنحو من خمسين يوماً ، وأشهد إسحاق وعليّا ابني (2) أبي عبد اللّه عليه السلام ، والحسين بن أحمد المنقريّ ، وإسماعيل بن عمر ، وحسّان بن معاوية ، والحسين بن محمّد صاحب الختم على شهادتهما : أنّ أبا الحسن عليّ بن موسى عليهماالسلام وصيُّ أبيه عليه السلام وخليفته ، فشهد اثنان بهذه الشّهادة .

.


1- .في المصدر : « الذي » ، والصواب ما أثبتناه .
2- .في المصدر : « وعليّ إبنا » ، والصواب ما أثبتناه ، وهو مقتضى الإعراب .

ص: 373

12 . كتابه عليه السلام إلى يحيى بن عبد اللّه بن الحسن ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة

واثنان قالا خليفته ووكيله ، فقُبلت شهادتهم عند حفص بن غياث القاضي . (1)

12كتابه عليه السلام إلى يحيى بن عبد اللّه بن الحسنما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامةعبد اللّه بن إبراهيم الجعفري قال : كتب يحيى بن عبد اللّه بن الحسن 2 إلى

.


1- .عيون أخبار الرضا : ج1 ص38 ح3 ، بحار الأنوار : ج49 ص38 ح3.

ص: 374

موسى بن جعفر عليه السلام : أمّا بعد فإنّي اُوصي نفسي بِتَقوى اللّهِ وَبِها اُوصيكَ ، فَإِنَّها وصيّة اللّه في الأوّلين ، ووصيّته في الآخرين ، خبّرني من ورد عليَّ من أعوان اللّه على دينه ونشر طاعته بما كان من تحنّنك مع خذلانك ، وقد شاورت في الدّعوة للرّضا من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، وقد احتجبتها واحتجبها أبوك من قبلك ، وقديماً ادّعيتم ما ليس لكم ، وبسطتم آمالكم إلى ما لم يُعطكم اللّه ، فاستهويتم وأضللتم ، وأنا محذّرك ما حذّرك اللّه من نفسه . فكتب إليه أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : مِن موسى بنِ أبي عَبدِ اللّهِ جَعفَرٍ وَعَلِيٍّ مُشتَرِكَينِ في التَّذَلُلِ للّهِِ وطاعَتِهِ إلى يَحيى بنِ عَبدِ اللّهِ بن حَسَنٍ ، أمّا بعد ؛ فَإنّي اُحَذِّرُكَ اللّهَ وَنَفسي ، واُعلِمُكَ أليمَ عَذابِهِ وَشَديدَ عِقابِهِ وَتَكامُلَ نَقِماتِهِ ، واُوصيكَ وَنَفسي بِتَقوى اللّهِ ؛ فَإنَّها زَينُ الكَلامِ وَتَثبيتُ النِّعَمِ ، أتاني كِتابُكَ تَذكُرُ فيهِ أنِّي مُدَّعٍ وَأَبي مِن قَبلُ ، وَما سَمِعتَ ذلِكَ مِنِّي ، وَسَتُكتَبُ شَهادَتُهُم وَيُسألونَ . وَلَم يَدع حِرصُ الدُّنيا وَمَطالِبِها لِأَهلِها مَطلَبا لاِخِرَتِهِم حَتّى يُفسِدَ عَلَيهِم مَطلَبَ آخِرَتِهِم في دُنياهُم ، وَذَكَرتَ أنّي ثَبّطتُ النّاسَ عَنكَ لِرَغبَتي فيما في يَدَيكَ ، وَما مَنَعَني مِن مُدخَلِكَ الّذي أنتَ فيهِ _ لَو كُنتُ راغِباً _ ضَعفٌ عَن سُنَّةٍ وَلا قِلَّةُ بَصيرَةٍ بِحُجَّةٍ ، وَلكِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى خَلَقَ النّاسَ أمشاجاً وَغرائِبَ وَغَرائِزَ ، فَأخبِرني عَن حَرفَينِ أسألُكَ عَنهُما : ما العترفُ في بَدَنِكَ ؟ وَما الصَّهلَجُ (1) في الإنسانِ؟ ثُمَّ اكتُب إلَيَّ بِخَبَرِ ذلِكَ وَأنا مُتَقَدِّمٌ إلَيكَ اُحذِّرُكَ مَعصِيَةَ الخَليفَةِ وَأحثُّكَ على بِرِّهِ وَطاعَتِهِ ، وَأن تَطلُبَ لِنَفسِكَ أماناً قَبلَ أن تَأخُذَكَ الأظفارُ وَيَلزَمُكَ الخِناقُ مِن كُلِّ مَكانٍ ، فَتَروحُ إلى النَّفَسِ مِن كُلِّ مَكانٍ وَلا تَجِدُهُ حَتّى يَمُنَّ اللّهُ عَليكَ بِمَنِّهِ وَفَضلِهِ وَرِقَّةِ الخَليفَةِ أبقاهُ اللّهُ ، فَيُونُكَ وَيَرحَمُكَ وَيحفَظُ فيكَ

.


1- .العترف والصهلج : كأنّهما عضوان غير معروفين عند الأطبّاء ، ولعلّ السؤال عنهما من باب التعجيز .

ص: 375

ب _ في دلالات الكاظم وخوارق عاداته عليه السلام

13 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عبد الحميد

أرحامَ رَسولِ اللّهِ وَالسَّلامُ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدى ، إنّا قَد اُوحِيَ إلَينا أنَّ العَذابَ على مَن كَذَّبَ وَتَوَلّى . قالَ الجَعفَريُّ : فَبَلَغَني أنَّ كِتابَ موسى بنَ جَعفَرٍ عليه السلام وَقَعَ في يَدَي هارونَ ، فَلَمّا قَرَأهُ قالَ : النّاسُ يَحمِلوني على موسى بنِ جَعفَرٍ وَهُوَ بَريءٌ مِمّا يُرمى بِهِ . (1)

ب _ في دلالات الكاظم وخوارق عاداته عليه السلام13كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن عبد الحميدالحسن بن عليّ بن النّعمان ، عن عثمان بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبدالحميد قال : كتب إليّ أبو الحسن _ قال عثمان بن عيسى (2) : وكنت حاضراً بالمدينة _ : تَحَوَّل عَن مَنزِلِكَ . فاغتم بذلك ، وكان منزله منزلاً وسطاً بين المسجد والسّوق ، فلم يتحوّل . فعاد إليه الرّسول : تحوّل عن منزلك ، فبقي . ثمّ عاد إليه الثّالثة : تحوّل عن منزلك ، فذهب وطلب منزلاً ، وكنت في المسجد ولم يجئ إلى المسجد إلاّ عتمة . فقلت له : ما خلفك ؟ فقال : ما تدري ما أصابني اليوم ؟ قلت : لا . قال : ذهبت أستقي الماء من البئر لأتوضّأ ، فخرج الدّلو مملوءاً خرءاً ، وقد عجنّا وخبزنا بذلك الماء ، فطرحنا خبزنا وغسلنا ثيابنا ، فشغلني عن المجيء ، ونقلت متاعي إلى المنزل الّذي اكتريته ، فليس بالمنزل إلاّ الجارية ، السّاعة أنصرف وآخذ بيدها . فقلت : بارك اللّه لك ، ثمّ افترقنا ، فلمّا كان سحر تلك اللّيلة خرجنا إلى المسجد فجاء فقال : ما ترون ما حدث في هذه اللّيلة؟ قلت : لا . قال :

.


1- .الكافي : ج1 ص366 ح19 ، بحار الأنوار : ج48 ص165.
2- .راجع الكتاب : السّادس والخمسون .

ص: 376

14 . رواية عليّ بن أبي حمزة

سقط واللّه منزلي السّفلي والعلوي . (1) وفي دلائل الإمامة : محمّد بن أبي عمير ، عن عثمان بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبد الحميد (2) ، قال : أرسل إليّ أبو الحسن عليه السلام أن : تَحَوَّل عَن مَنزِلِكَ . فشقّ ذلك عليّ ، فقلت : نعم . ولم أتحوّل فأرسل إليّ : تَحَوَّل . فطلبت منزلاً فلم أجد ، وكان منزلي موافقاً لي ، فأرسل إليَّ الثّالثة أن : تَحَوَّلَ عَن مَنزِلِكَ . قال عثمان : فقلت : لا واللّه ، لا أدخل عليك هذا المنزل أبداً . قال : فلمّا كان بعد يومين عند العشاء إذا أنا بإبراهيم قد جاء ، فقال : ما تدري ما لقيت اليوم ؟ فقلت : وما ذاك ؟ قال : ذهبت استقي ماءً من البئر ، فخرج الدّلو ملآن عذرة ، وقد عجنّا من البئر ، فطرحنا العجين ، وغسلنا ثيابنا ، فلم أخرج منذ اليوم ، وقد تحوّلت إلى المنزل الّذي اكتريت . فقلت له : وأنت أيضاً تتحوّل . وقلت له : إذا كان غدا _ إن شاء اللّه _ حين ننصرف من الغداة نذهب إلى منزلك ، فندعو لك بالبركة . فلمّا خرجت من المنزل سحراً ، فإذا إبراهيم عند القبر ، فقال : تدري ما كان اللّيلة ؟ فقلت : لا واللّه . فقال : سقط منزلي العلو والسّفل . (3)

14رواية عليّ بن أبي حمزةعليّ بن أبي حمزة 4 قال : كنت معتكفاً في مسجد الكوفة إذ جاءني أبو جعفر

.


1- .قرب الإسناد : ص337 ح1241 ، بحار الأنوار : ج48 ص45 ح46.
2- .راجع الكتاب : الأربعون .
3- .دلائل الإمامة : ص326 ح280 .

ص: 377

. .

ص: 378

الأحول 1 بكتاب مختوم من أبي الحسن عليه السلام فقرأت كتابه فإذا فيه :

.

ص: 379

إذا قَرَأتَ كِتابِيَ الصَّغيرَ الّذي في جَوفِ كِتابِيَ المَختومِ فَاحرُزهُ حَتّى أطلُبَهُ مِنكَ . فأخذ عليّ الكتاب فأدخله بيت بزّه في صندوق مقفّل ، في جوف قمطر ، في جوف حقّ ، مقفّل ، وباب البيت مقفّل ومفاتيح هذه الأقفال في حجرته ، فإذا كان اللّيل فهي تحت رأسه وليس يدخل بيت البزّ غيره ، فلمّا حضر الموسم خرج إلى مكّة وأفاد بجميع ما كتب إليه من حوائجه ، فلمّا دخل عليه قال له العبد الصّالح : يا عليّ ؛ ما فعلت بالكتاب الصّغير الّذي كتبت إليك فيه أن احتفظ به فحكيته ، قال : إذا نظرت إلى الكتاب أليس تعرفه قلت : بلى ، قال : فرفع مصلّى تحته فإذا هو قد أخرجه إليّ ، فقال : احتفظ به ، فلو تعلم ما فيه لضاق صدرك ، قال : فرجعت إلى الكوفة والكتاب معي فأخرجته من دروز جيبي عند إبطي ، فكان الكتاب حياة عليّ في جيبه فلمّا مات عليّ قال محمّد وحسن ابناه : فلم يكن لنا همّ إلاّ الكتاب

.

ص: 380

ففقدناه ، فعلمنا إنّ الكتاب قد صار إليه . (1) وفي دلائل الإمامة : روى أبو حمزة ، عن أبيه ، قال : كنت في مسجد الكوفة معتكفاً في شهر رمضان ، في العشر الأواخر ، إذ جاءني حبيب الأحوال بكتاب مختوم من أبي الحسن عليه السلام قدر أربع أصابع ، فقرأته ، فكان في كتابه : إذا قَرَأتَ الكِتابَ الصَّغيرَ المَختومَ ، الّذي في جَوفِ كِتابِكَ ، فَاحرُزهُ حتّى أطلُبَهُ مِنكَ . قال : فأخذت الكتاب وأدخلته بيت بزي (2) ، فجعلته في جوف صندوق مقفل ، في جوف قمطر (3) مقفل ، وبيت البُزّ مقفل ، ومفاتيحُ هذه الأقفال في حجرتي ، فإذا كان اللّيل فهي تحت رأسي ، وليس يدخل بيت بُزّي أحد غيري . فلمّا حضر الموسم خرجت إلى مكّة ومعي جميع ما كتب لي من حوائجه ، فلمّا دخلت عليه قال : يا عليّ ، ما فعل الكتاب الصّغير الّذي كتبت إليك ، وقلت احتفظ به قلت : جعلت فداك ، عندي . قال : أين ؟ قلت : في بيت بُزّي ، قد أحرزته ، والبيت لا يدخله غيري . قال : يا عليّ ، إذا نظرت إليه أليس تعرفه ؟ قلت : بلى ، واللّه ، لو كان بين ألف كتاب لأخرجته . فرفع مصلّىً تحته فأخرجه إليّ ، فقال : قلت : إنّ في البيت صندوق ، في جوف قمطر مقفل ، وفي جوف القمطر حُقّ مقفل ، وهذه المفاتيح معي في حُجرتي بالنّهار ، وتحت رأسي باللّيل . ثمّ قال : يا عليّ ، احتفظ به ، فلو تعلم ما فيه لضاق ذرعك . قلت : قد وصفت لك ، فما أغنى إحرازي . قال عليّ : فرجعت إلى الكوفة والكتاب معي محتفظ به في جُبّتي . فكان الكتاب مدّة حياة عليّ في جُبّته ، فلمّا مات جئت أنا ومحمّد ، فلم يكن لنا هم إلاّ الكتاب ،

.


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص304 ، بحار الأنوار : ج48 ص79.
2- .أي ثيابي ( لسان العرب : بزز _ ج5 ص311 ).
3- .هو ما تصان فيه الكتب ( لسان العرب _ قمطر _ ج5 ص117 ).

ص: 381

15 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطين

ففتقنا الجُبّة موقع الكتاب ، فلم نجده ، فعلمنا بعقولنا أنّ الكتاب قد صار إليه كما صار في المرّة الاُولى . (1)

15كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطينروى محمّد بن إسماعيل ، عن محمّد بن الفضل 2 قال : إختلفت الرّواية من بين أصحابنا في مسح الرّجلين في الوضوء ، أهو من الأصابع إلى الكعبين ، أم من الكعبين إلى الأصابع ؟ فكتب عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن موسى عليه السلام : جعلت فداك ، إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرّجلين ، فإن رأيت أن تكتب إليّ بخطّك ما يكون عملي بحسبه ، فعلت إن شاء اللّه . فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام : فَهِمتُ ما ذَكَرتَ مِن الاختِلافِ في الوضوءِ ، وَالّذي آمُرُكَ بِهِ في ذلِكَ أن تَتَمَضمَضَ ثَلاثاً ، وَتَستَنشِقَ ثَلاثاً ، وَتَغسِلَ وَجهَكَ ثَلاثاً ، وَتُخلِّلَ شَعرَ لِحيَتِكَ وَتَغسِلَ يَدَكَ إلى المِرفَقَينِ ثَلاثاً وَتَمسَحَ رَأسَكَ كُلَّهُ ، وَتَمسَحَ ظاهِرَ اُذُنَيكَ وَباطِنَهُما ، وَتَغسِلَ رِجلَيكَ إلى الكَعبَينِ ثَلاثاً ، وَلا تُخالِف ذلِكَ إلى غَيرِهِ .

.


1- .دلائل الإمامة : ص341 ح300 .

ص: 382

فلمّا وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين ، تعجّب ممّا رسم له فيه ممّا جميع العصابة على خلافه، ثمّ قال :مولاي أعلم بما قال ،وأنا ممتثل أمره ، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ ،ويخالف ما عليه جميع الشيعة ، امتثالاً لأمر أبي الحسن عليه السلام . وسُعي بعليّ بن يقطين إلى الرّشيد وقيل له : إنّه رافضيّ مخالف لك ، فقال الرّشيد لبعض خاصّته : قد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين ، والقرف (1) له بخلافنا ، وميله إلى الرّفض ، ولست أرى في خدمته لي تقصيراً ، وقد امتحنته مراراً ، فما ظهرت منه على ما يقرف به ، واُحبّ أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرّز منّي . فقيل له : إنّ الرّافضة _ يا أمير المؤمنين _ تخالف الجماعة في الوضوء فتُخفّفه ، ولا ترى غسل الرّجلين ، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه . فقال : أجل ، إنّ هذا الوجه يظهر به أمره . ثمّ تركه مدّة وناطه بشيء من الشُّغل في الدّار حتّى دخل وقت الصّلاة ، وكان عليّ بن يقطين يخلو في حجرة في الدّار لوضوئه وصلاته ،فلمّا دخل وقت الصّلاة وقف الرّشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى عليّ بن يقطين ولايراه هو ، فدعا بالماء للوضوء، فتمضمض ثلاثاً،واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه، وخلل شعر لحيته، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ، ومسح رأسه واُذنيه ، وغسل رجليه ، والرّشيد ينظر إليه ، فلمّا رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ، ثمّ ناداه : كذب _ يا عليّ بن يقطين _ من زعم أنّك من الرّافضة . وصلحت حاله عنده . وورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السلام : ابتَدِئ مِنَ الآنَ يا عَلِيُّ بنُ يَقطينٍ ، تَوَضَّأ كَما أمَرَ اللّهُ ، اغسِل وَجهَكَ مَرَّةً فَريضَةً واُخرى إسباغاً ، وَاغسِل يَدَيكَ مِنَ المِرفَقينِ كَذلِكَ ، وَامسَح بِمُقدَّمِ رَأسِكَ وَظاهِرِ قَدَمَيكَ مِن فَضلِ نَداوَةِ وضوئِكَ ، فَقَد زالَ ما كانَ يُخافُ عَلَيكَ ، والسَّلامُ . (2)

.


1- .القرف : الاتهام . ( الصحاح : ج4 ص1415 ) .
2- .الإرشاد : ج2 ص227 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص288 ، كشف الغمّة : ج2 ص225 ، بحار الأنوار : ج48 ص38 وص136 وص203 وج80 ص270 ، وسائل الشيعة : ج1 ص444 ح1173.

ص: 383

وفي رجال الكشّي : محمّد بن مسعود ، قال : حدّثني أبو عبد اللّه الحسين بن أشكيب ، قال : أخبرنا بكر بن صالح الرّازيّ ، عن إسماعيل بن عبّاد القصريّ قصر بن هبيرة ، عن إسماعيل بن سلام (1) ، وفلان بن حميد (2) ، قالا ، بعث إلينا عليّ بن يقطين ، فقال : اشتريا راحلتين وتجنّبا الطّريق ، ودفع إلينا مالاً وكتباً حتّى توصلا ما معكما من المال والكتب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام ولا يعلم بكما أحد . قالا : فأتينا الكوفة فاشترينا راحلتين وتزوّدنا زاداً وخرجنا نتجنَّبُ الطّريق حتّى إذا صرنا ببطن الرّمة شددنا راحلتنا ، ووضعنا لهما العلف وقعدنا نأكل ، فبينا نحن كذلك إذا راكب قد أقبل ومعه شاكريٌّ . فلمّا قرب منّا فإذا هو أبو الحسن موسى عليه السلام ، فقمنا إليه وسلّمنا عليه ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا فأخرج من كمّه كتباً فناولنا إيّاها ، فقال : هَذِهِ جَواباتُ كُتُبِكُم . قال ، قلنا : إنّ زادنا قد فنى ، فلو أذنت لنا فدخلنا المدينة ، فزرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتزودنا زاداً فقال : هاتا ما مَعَكُما مِنَ الزّادِ فأخرجنا الزّاد إليه فقلّبه بيده ، فقال : هذا يُبَلِّغُكُما إلَى الكوفَةِ ، وَأمَّا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقَد رَأيتُماهُ ، إنّي صَلَّيتُ مَعَهُم الفَجرَ ، وَأنا اُريدُ أن اُصَلِّيَ مَعَهُم الظُّهرَ ، انصَرِفا في حِفظِ اللّهِ . (3) وفي كشف الغمّة : إنّ إسماعيل بن سالم (4) قال : بعث إليَّ عليّ بن يقطين ،

.


1- .إسماعيل بن سلام (سالم ) : روى معجزة عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، وروى عنه إسماعيل بن عبّاد القصريّ ، ذكره الكشّي ، في ترجمة عليّ بن يقطين وإخوته . (راجع : معجم رجال الحديث : ج3 ص138 الرّقم 1344 والرّقم 1338 ) .
2- .فلان بن حميد : روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام . وروى عنه ابن مياح . (الكافي : ج6 ص18 ح5 وراجع : معجم رجال الحديث : ج13 ص343 الرّقم 9447 ).
3- .رجال الكشّي : ج2 ص735 ح821 ، بحار الأنوار : ج48 ص34 ح5 نقلاً عنه.
4- .عدّه البرقي من أصحاب الصّادق عليه السلام ، روى عنه ابن أبي عمير . (رجال البرقي : ص 28 ، معجم رجال الحديث : ج 3 ص 142 الرقم 1347) .

ص: 384

16 . رواية عبد الرّحمان بن الحجّاج

17 . رواية شهاب بن عبد ربّه

وإسماعيل بن أحمد (1) فقالا لي : خذ هذه الدّنانير فائت الكوفة فألق فلاناً فاستصحبه ، واشتريا راحلتين وامضيا بالكتب وما معكما من مال ، فادفعاه إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام ، فسرنا حتّى إذا كنّا ببطن الرّملة وقد اشترينا علفاً ووضعناه بين الرّاحلتين وجلسنا نأكل فبينما نحن كذلك إذ طلع علينا موسى بن جعفر على بغلة له ، أو بغل ، وخلفه شاكري فلمّا رأيناه وثبنا له وسلّمنا عليه . فقال : هاتا ما مَعَكُما فأخرجناه ودفعناه إليه ، وأخرجنا الكتب ودفعناها إليه ، فأخرج كتبا من كُمِّهِ ، فقالَ : هذهِ جَواباتُ كُتُبِكُم فَانصَرِفوا في حِفظِ اللّهِ تَعالى . (2)

16رواية عبد الرّحمان بن الحجّاجروي عن عبد الرّحمان بن الحجّاج (3) قال : استقرض أبو الحسن الأوّل عليه السلام من شهاب بن عبد ربه مالاً ، وكتب كتاباً ووضعه على يدي ، وقال : إن حَدَثَ حَدَثٌ فَخَرِّقهُ . قال عبد الرّحمان : فخرجت إلى مكّة فلقيني أبو الحسن عليه السلام ولم يقل لي شيئاً ثمّ أرسل إليّ بمنى فقال : خَرِّقِ الكِتابَ . ففعلت ، وقدمت الكوفة فسألت عن شهاب فإذا هو قد مات في الوقت الّذي أرسل إليّ أن خرّق الكتاب . (4)

17رواية شهاب بن عبد ربّهمعاوية بن حكيم عن جعفر بن محمّد بن يونس عن عبد الرّحمان بن

.


1- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .
2- .كشف الغمّة : ج3 ص39 ، بحار الأنوار : ج48 ص32 و43 .
3- .راجع الكتاب : الثّاني والتّسعون .
4- .الخرائج والجرائح : ج2 ص716 ح15 ، الثاقب في المناقب : ص435 ح370.

ص: 385

18 . رواية أحمد بن عمر الحلاّل

الحجّاج قال : استقرض أبو الحسن عليه السلام عن شهاب بن عبد ربّه (1) قال : وكتب كتاباً ، ووضع على يدي عبدالرّحمان بن الحجّاج ، قال : إن حدث بي حدثة قال عبدالرّحمان : فخرجت من مكّة فلقيني أبو الحسن ، فأرسل إليّ بمنى فقال لي : يا عَبدَ اللّهِ خَرِّقِ الكِتابَ . قال : ففعلت وقدمت الكوفة فسألت عن شهاب ، فإذا هو قد مات في وقت لم يكن فيه بعث الكتاب . (2)

18رواية أحمد بن عمر الحلاّلأحمد بن عمر الحلاّل 3 قال : سمعت الأخرس يذكر موسى بن جعفر عليه السلام بسوء ، فاشتريت سكّيناً وقلت في نفسي : واللّه لأقتلنّه إذا خرج من المسجد ، فأقمت على ذلك فما شعرت إلاّ برقعة أبي الحسن عليه السلام قد طلعت عليّ فيها : بِحَقّي عَلَيكَ لَمّا كَفَفتَ عَنِ الأخرَسِ فإنَّ اللّهَ ثِقَتي وَهُوَ حَسبي .

.


1- .شهاب بن عبد ربّه ابن ميمونة ، مولى بني نصر بن قعين من بني أسد ، كوفيّ ، روى عن أبي عبد اللّه وأبي جعفر عليهماالسلام ، وكان موسرا ذا حال ، خير ، فاضل . ( راجع : رجال الطوسي : ص 195 الرقم 2447 و ص 224 الرقم 3012 ، الفهرست : ص 145 الرقم 355 ، رجال الكشي : ج 2 ص 712 ، خلاصة الأقوال : ص 168 ، طرائف المقال : ج 2 ص 25 الرقم 6761 ) .
2- .بصائر الدّرجات : ص263 ح5 ، بحار الأنوار : ج48 ص53 ح52.

ص: 386

19 . رواية بكّار القميّ

فما بقي أيّاماً إلاّ ومات . (1) وفي بصائر الدّرجات : موسى بن عمر عن أحمد بن عمر الحلال قال : سمعت الأخرس بمكّة يذكر الرّضا عليه السلام فنال منه قال : فدخلت مكّة فاشتريت سكّيناً فرأيته فقلت : واللّه لأقتلنّه إذا خرج من المسجد ، فأقمت على ذلك فما شعرت إلاّ برقعة أبي الحسن عليه السلام : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم بِحَقّي عَلَيكَ لَمّا كَفَفتَ عَنِ الأَخرَسِ فإنَّ اللّهَ ثِقَتي وَهُوَ حَسبي . (2)

19رواية بكّار القميّالمُعلّى بن محمّد عن بعض أصحابنا ، عن بكّار القميّ (3) قال : حججت أربعين حجّة ، فلمّا كان في آخرها اُصبت بنفقتي بجمع ، فقدمت مكّة فأقمت حتّى يصدر النّاس ، ثمّ قلت : أصير إلى المدينة ، فأزور رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنظر إلى سيّدي أبي الحسن موسى عليه السلام ، وعسى أن أعمل عملاً بيدي فأجمع شيئاً فأستعين به على طريقي إلى الكوفة . فخرجت حتّى صرت إلى المدينة ، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسلّمت عليه ، ثمّ جئت إلى المصلّى إلى الموضع الّذي يقوم فيه الفعلة ، فقمت فيه رجاء أن يسبّب اللّه لي عملاً أعمله ، فبينا أنا كذلك إذ أنا برجل قد أقبل فاجتمع حوله الفعلة فجئت فوقفت ، معهم فذهب بجماعة فاتبعته ، فقلت : يا عبد اللّه إنّي رجل غريب ، فإن

.


1- .الخرائج والجرائح : ج2 ص651 ح3 وراجع : المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص408.
2- .بصائر الدرجات : ص252 ح6 ، بحار الأنوار : ج48 ص53 .
3- .ما وجدنا له ترجمة في كتب الرّجال التي بأيدينا .

ص: 387

رأيت أن تذهب بي معهم فتستعملني . فقال : أنت من أهل الكوفة؟ قلت : نعم . قال : إذهب . فانطلقت معه إلى دار كبيرة تبنى جديدة ، فعملت فيها أيّاماً ، وكنّا لا نعطى من اُسبوع إلى اُسبوع إلاّ يوماً واحداً ، وكان العمّال لا يعملون ، فقلت للوكيل : استعملني عليهم حتّى أستعملهم وأعمل معهم . فقال : قد استعملتك . فكنت أعمل ، وأستعملهم . قال : فإنّي لو أقف ذات يوم على السّلّم إذ نظرت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام قد أقبل وأنا في السّلّم في الدّار ، فدار في الدّار ثمّ رفع رأسه إليّ فقال : يا بَكَّارُ جِئتَنا . انزِل . فَنَزَلتُ . قال : فتنحّى ناحية ، فقال لي : ما تَصنَعُ ها هُنا ؟ فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ اُصِبتُ بِنَفَقَتي بِجَمعٍ ، فَأَقَمتُ بِمَكَّةَ إلى أن صَدَرَ النّاسُ ، ثُمَّ إنّي صِرتُ إلى المَدينَةِ فَأَتَيتُ المُصَلّى ، فَقُلتُ : أطلُبُ عَمَلاً ، فَبَينا أنا قائِمٌ إذ جاءَ وَكيلُكَ فَذهَبَ بِرِجالٍ فَسَألتُهُ أن يَستَعمِلَني كَما يَستَعمِلُهُم ، فقال لي : قُم يَومَكَ هذا . فَلَمّا كانَ مِن الغَدِ وَكانَ اليَومُ الّذي يُعطونَ فيهِ جاءَ (1) فَقَعَدَ عَلى البابِ ، فَجَعَلَ يَدعو الوَكيلُ بِرَجُلٍ رَجُلٍ يُعطيهِ ، فَكُلَّما ذَهَبتُ إلَيهِ أومَأ بِيَدِهِ إلَيَّ أنِ اقعُد . (2) حَتّى إذا كانَ في آخِرِهِم ، قالَ لي : اُدنُ . فَدَنَوتُ فَدَفَعَ إلَيَّ صُرَّةً فيها خَمسَةَ عَشَرَ ديناراً ، فَقالَ : خُذ ، هذهِ نَفَقَتُكَ إلَى الكُوفَةِ . ثمّ قال : اُخرج غداً . قلت : نعم جعلت فداك ، ولم أستطع أن أردّه ، ثُمّ ذهب وعاد إليّ الرّسول ، فقال : قال أبو الحسن عليه السلام (3) : إئتِني غَداً قَبلَ أن تَذهَبَ . ( فقلت :

.


1- .في نسخة : « ثمّ توجّه بالخروج ، فعملت حتّى كان اليوم الّذي يعطون فيه الفعلة فجاء الوكيل » ، وفي نسخة اُخرى : « فعملت ، فقال لي : «أقم يومك هذا حتّى كان اليوم الّذي يعطون فيه العملة فجاء الوكيل » بدل « فلمّا كان من الغد وكان اليوم الّذي يعطون فيه جاء » .
2- .في البحار : « فكلّما ذهبت لأدنو قال لي بيده : كذا».
3- .وفي نسخة المصدر : « ثمّ ذهب وأتاني رسوله قال : إنّ أبا الحسن عليه السلام قال :... » .

ص: 388

سمعاً وطاعةً ) . فلمّا كان من الغد أتيته ، فقال : اُخرج السّاعة حتّى تصير إلى فيد (1) فإنّك توافق قوماً يخرجون إلى الكوفة ، وهاك هذا الكتاب فادفعه إلى عليّ بن أبي حمزة . قال : فانطلقت ، فلا واللّه ما تلقّاني خلق حتّى صرت إلى فيد ، فإذا قوم قد تهيّأوا للخروج إلى الكوفة من الغد ، فاشتريت بعيراً وصحبتهم إلى الكوفة فدخلتها ليلاً ، فقلت : أصير إلى منزلي فأرقد ليلتي هذه ثمّ أغدو بكتاب مولاي إلى عليّ بن أبي حمزة ، فأتيت منزلي فأخبرت أنّ اللّصوص دخلوا إلى حانوتي قبل قدومي بأيّام . فلمّا أن أصبحت صلّيت الفجر فبينا أنا جالس متفكّر فيما ذهب لي من حانوتي إذا أنا بقارع يقرع ( عليّ ) الباب ، فخرجت فإذا ( هو ) عليّ بن أبي حمزة فعانقته وسلّم عليّ، ثمّ قال لي: يابكّار هات كتاب سيّدي. قلت: نعم، (وإنّني) قد كنت على ( عزم ) المجيء إليك السّاعة . قال : هات قد علمت أنّك قدمت ممسياً ، فأخرجت الكتاب فدفعته إليه فأخذه وقبّله ووضعه على عينيه وبكى ، فقلت : مايبكيك ؟ قال : شوقاً إلى سيّديّ . ففكّه وقرأه ، ثمّ رفع رأسه ( إليّ ) وقال : يا بكّار دخل عليك اللّصوص؟ قلت : نعم . قال : فأخذوا ما كان في حانوتك؟ قلت : نعم . قال : إنّ اللّه أخلفه عليك ، قد أمرني مولاك ومولاي أن أخلف عليك ما ذهب منك . أعطاني أربعين ديناراً . قال : فقوّمت ما ذهب (منّي) فإذا قيمته أربعون ديناراً ففتح عليّ الكتاب فإذا فيه : ادفَع إلى بَكّارٍ قيمَةَ ما ذَهَبَ مِن حانوتِهِ أربَعينَ ديناراً . (2)

.


1- .فيد بالفتح ، ثمّ السّكون ، ودال مهملة : بليدة في نصف طريق مكّة من الكوفة . ( مراصد الاطلاع : ج3 ص1049 ) .
2- .الخرائج والجرائح : ج1 ص319 ح13 ، الثّاقب في المناقب : ص211 ح186 ، بحار الأنوار : ج48 ص62 ح82 .

ص: 389

20 . رواية عن مولىً لأبي عبد اللّه عليه السلام

وراجع كتابه عليه السلام إلى جماعة من الشّيعة فيقصّة أهل نيسابور وشطيطة،الكتاب105 .

20رواية عن مولىً لأبي عبد اللّه عليه السلامعن مولىً لأبي عبد اللّه عليه السلام قال : كنّا مع أبي الحسن عليه السلام حين قدم به البصرة ، فلمّا أن كان قرب المدائن ركبنا في أمواج كثيرة ، وخلفنا سفينة فيها امرأة تزفّ إلى زوجها وكانت لهم جلبة . فقال عليه السلام : ما هذِهِ الجَلبَةُ ؟ قلنا : عروس . فما لبثنا أن سمعنا صيحة . فقال عليه السلام : ما هذا ؟ فقالوا : ذهبت العروس لتغترف ماءً فوقع منها سوارٌ من ذهب فصاحت . فقال عليه السلام : احبِسوا وَقولوا لِمَلاَّحِهِم يَحبِسُ . فجلسنا وحبس ملاّحهم، فاتّكأ عليه السلام على السّفينة وهمس قليلاً وقال: قولوا لِمَلاّحِهِم يَتَّزِرُ بِفوطَةٍ وَيَنزِلُ فَيَتَناوَلُ السِّوارَ فنظرنا، فإذا السّوار على وجه الأرض ، وإذا ماء قليل ، فنزل الملاّح فأخذ السّوار. فقال عليه السلام : أعطِها وَقُل لَها فَلتَحمِدِ اللّهَ رَبَّها ثمّ سرنا . فقال له أخوه إسحاق : جعلت فداك ، الدّعاء الّذي دعوت به علّمنيه . قال : نعم وَلا تُعَلِّمهُ مَن لَيسَ لَهُ بِأهلٍ ، وَلا تُعَلِّمهُ إلاّ مَن كانَ مِن شيعَتِنا . ثُمَّ قالَ : اكتب . فأملى عليّ إنشاءً : يا سابِقَ كُلِّ فَوتٍ ، يا سامِعاً لِكُلِّ صَوتٍ قَوِيٍّ أو خَفِيٍّ ، يا مُحيِيَ النُّفوسِ بَعدَ المَوتِ ، لا تَغشاكَ الظُّلُماتُ الحِندِسِيَّةُ ، وَلا تَشابَهُ عَلَيكَ اللُّغاتُ المُختَلِفَةُ ، وَلا يَشغَلُكَ شَيءٌ عَن شَيءٍ ، يا مَن لا تَشغَلُهُ دَعوَةُ داعٍ دَعاهُ مِنَ الأرضِ ، عَن دَعوَةِ داعٍ دَعاهُ مِنَ السَّماءِ ، يا مَن لَهُ عِندَ كُلِّ شَيءٍ مِن خَلقِهِ سَمعٌ سامِعٌ وَبَصَرٌ نافِذٌ ، يا مَن لا تُغَلِّطُهُ كَثرَةُ المَسائِلِ ، وَلا يُبرِمُهُ إلحاحُ المُلِحّينَ ، يا حَيُّ حينَ لا حَيٌّ في دَيمومَةِ

.

ص: 390

21 . رواية إسحاق بن أبي عبد اللّه

مُلكِهِ وَبَقائِهِ ، يا مَن سَكَنَ العُلى ، وَاحتَجَبَ عَن خَلقِهِ بِنورِهِ ، يا مَن أشرَقَت لِنورِهِ دُجاءُ الظُّلَمِ أسأَلُكَ بِاسمِكَ الواحِدِ الأَحَدِ الفَردِ الصَّمَدِ ، الّذي هُوَ مِن جَميعِ أركانِكَ كُلِّها ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَأهلِ بَيتِهِ ، ثُمَّ سَل حاجَتَكَ . (1)

21رواية إسحاق بن أبي عبد اللّهإسحاق بن أبي عبد اللّه (2) ، قال : كنت مع أبي الحسن موسى عليه السلام حين قدم من البصرة ، فبينما نحن نسير في البطائح في هول أرياح إذ سايرنا قوم في السّفينة ، فسمعنا لهم جلبة . فقال عليه السلام : ما هذا ؟ فقيل : عروس تهدى إلى زوجها . قال : ثمّ مكثنا ما شاء اللّه تعالى ، فسمعنا صراخاً وصيحةً . فقال عليه السلام : ما هذا ؟ فقيل : العروس أرادت تغرف ماء فوقع سوارها في الماء . فقال : احبِسوا وَقولوا لِمَلاّحِهِم يَحبِسُ ، فحبسنا وحبس ملاّحهم ، فجلس ووضع أبو الحسن عليه السلام صدره على السّفينة وتكلّم بكلام خفيّ ، وقال للملاح : انزِل . فنزل الملاّح بفوطة ، فلم يزل في الماء نصف ساعة وبعض ساعة فإذا هو بسوارها ، فجاء به . فلمّا أخرج الملاح السّوار قال له إسحاق أخوه : جعلت فداك ، الدّعاء الّذي قُلتَ أخبِرنا به . فقال له : استُرهُ إلاّ مِمَّن تَثِقُ بِهِ ، ثُمّ قال :

.


1- .كشف الغمّة : ج3 ص29 ، بحار الأنوار : ج48 ص30 .
2- .لم نجد له ترجمة في كتب الرّجال التي بأيدينا .

ص: 391

22 . رواية موسى بن بكر

23 . رواية عليّ بن جعفر بن ناجية

يا سابِقَ كُلِّ فَوتٍ ، ويا سامِعَ كُلِّ صَوتٍ ، وَيا بارِئَ النُّفوسِ بَعدَ المَوتِ ، يا كاسِيَ العِظامِ لَحماً بَعدَ المَوتِ ، يا مَن لا تَغشاهُ الظُّلماتُ الحِندِسِيَّةُ ، وَلا تَتَشابَهُ عَلَيهِ الأصواتُ المُختَلِفَةُ ، وَيا مَن لا يَشغَلُهُ شَأنٌ عَن شأنٍ ، يا مَن لَهُ عِندَ كُلِّ شَيءٍ مِن خَلقِهِ سَمعٌ حاضِرٌ ، وَبَصَرٌ نافِذٌ ، لا يُغَلِّطُهُ كَثرَةُ المَسائِلِ ، وَلا يُبرِمُهُ إلحاحُ المُلِحّينَ ، يا حَيُّ حينَ لا حَيٌّ في دَيمومَةِ مُلكِهِ وَبَقائِهِ ، يا مَن سَكَنَ العُلى وَاحتَجَبَ عَن خَلقِهِ بِنورِهِ ، يا مَن أشرَقَ بِنورِهِ دَياجِيَ الظُّلَمِ ، أسأَلُكَ باسمِكَ الواحِدِ الأَحَدِ ، الفَردِ الوِترِ الصَّمَدِ ، أن تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، الطَّيِّبِينَ الطّاهِرينَ . (1)

22رواية موسى بن بكرمحمّد بن الحسين قال : حدّثني عليّ بن حسّان الواسطيّ ، عن موسى بن بكر (2) ، قال : دفع إلَيَّ أبو الحسن الأوّل عليه السلام رقعة فيها حوائج ، وقال لي : اعمَلِ بِما فيها . فَوَضَعتُها تَحتَ المُصَلَّى وَتَوانَيتُ عَنها ، فَمَرَرتُ فإذا الرُّقعَةُ في يَدِهِ ، فَسَألني عَنِ الرُّقعَةِ ، فَقُلتُ : في البَيتِ . فَقالَ : يا موسى ، إذا أمَرتُكَ بِالشَّيءِ فَاعمَلهُ ، وَإلاّ غَضَبتُ عَلَيكَ . فعلمت أنّ الّذي دفعها إلَيهِ بَعضُ صِبيانِ الجِنِّ . (3)

23رواية عليّ بن جعفر بن ناجية

.


1- .الثّاقب في المناقب : ص459 ح387.
2- .راجع الكتاب : السّادس والثّمانون .
3- .قرب الإسناد : ص333 ح1234 ، بحار الأنوار : ج48 ص44 ح24 نقلاً عنه.

ص: 392

24 . كتابه عليه السلام إلى هشام

محمّد بن الحسين ، عن عليّ بن جعفر بن ناجية (1) ، أنّه كان اشترى طيلساناً طرازيّاً أزرق بمئةِ درهم ، وحمله معه إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام ولم يعلم به أحد ، وكنت أخرج أنا مع عبدالرّحمان بن الحجّاج ، وكان هو إذ ذاك قيّما لأبي الحسن الأوّل عليه السلام ، فبعث بما كان معه ، فكتب : اطلُبوا لي ساجاً (2) طِرازياً (3) أزرَقَ . فطلبوه بالمدينة فلم يوجد عند أحد ، فقلت له : هو ذا هو معي ، وما جئت به إلاّ له . فبعثوا به إليه وقالوا له : أصبناه مع عليّ بن جعفر . ولمّا كان من قابل اشتريت طيلساناً مثله ، وحملته معي ولم يعلم به أحد ، فلمّا قدمنا المدينة أرسل إليهم : اطلُبوا لي طَيلَساناً مِثلَهُ مَعَ ذلِكَ الرَّجُلِ . فسألوني فقلت : هو ذا هو معي ، فبعثوا به إليه . (4)

24كتابه عليه السلام إلى هشامقال هشام بن الحكم 5 : أردت شراء جارية بمنى ، وكتبت إلى أبي الحسن

.


1- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .
2- .السّاج : الطّيلسان الأخضر . ( الصحاح _ سوج _ ج1 ص323 ) .
3- .الطّراز : الموضع الّذي تنسج فيه الثّياب الجياد . ( النهاية _ طرز _ ج3 ص 119 ) .
4- .قرب الإسناد : ص332 ح1232 ، بحار الأنوار : ج48 ص51 وراجع :وسائل الشيعة : ج5 ص34 ح5823.

ص: 393

اُشاوره فلم يردّ عليّ جواباً ، فلمّا كان في الطّواف مرّ بي يرمى الجمار على حمار ، فنظر إليّ وإلى الجارية من بين الجواري ثمّ أتاني كتابه : لا أرى بِشِرائِها بَأساً ، إن لَم يَكُن في عُمُرِها قِلَّةٌ .

.

ص: 394

25 . في قضاء الحوائج

قلت : لا واللّه ما قال لي هذا الحرف إلاّ وهاهنا شيء ، لا واللّه لا اشتريتها ، قال : فما خرجت من مكّه حتّى دفنت . (1) وفي بصائر الدّرجات : حدّثنا محمّد بن عيسى عن الحسين بن عليّ الوشا عن هشام قال : أردت شراء جارية بثمن وكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام استشيره في ذلك فأمسك فلم يجبني ، فإنّي من الغد عند مولى الجارية إذ مرّ بي وهي جالسة عند جَوارٍ ، فصرت بتجربة الجارية فنظر إليها ، قال : ثمّ رجع إلى منزله فكتب : إليّ : لا بَأسَ إن لَم يَكُن في عُمُرِها قِلَّةٌ . قال : فأمسكت عن شرائها فلم أخرج من مكّة حتّى ماتت . (2)

25في قضاء الحوائجأحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّا 3 قال : حججت أيّام خالي

.


1- .كشف الغمّة : ج3 ص33 ، بحار الأنوار : ج48 ص19 ح2.
2- .بصائر الدّرجات : ص263 ح4 ، بحار الأنوار : ج48 ص53 ح51.

ص: 395

إسماعيل بن إلياس (1) ، فكتبنا إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام ، فكتب خالي : إنّ لي بنات وليس لي ذكر ، وقد قلّ رجالنا ، وقد خلّفت امرأتي وهي حامل ، فادع اللّه أن يجعله غلاماً ، وسمّه . فوقع في الكتاب : قَد قَضَى اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى حاجَتَكَ ، وسَمِّهِ مُحَمَّداً . فقدمنا الكوفة ، وقد ولد لي غلام قبل دخول الكوفة بستّة أيّام ، ودخلنا يوم سابعه ، قال أبو محمّد : فهو واللّه اليوم رجل له أولاد . (2) وفي كشف الغمّة : الوشاء قال : حدّثني الحسن بن عليّ ، قال : حججت أنا وخالي إسماعيل بن إلياس ، فكتبت إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام ، وكتب خالي : أنّ لي بنات وليس لي ذكر ، وقد قتل رجالنا و . .. (3) وفي البحار : أيّوب بن نوح قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أنّ لي حمْلاً فادْع اللّه أنْ يرزقني ابناً . فكتب إليَّ : إذا وُلِدَ فَسَمِّه محمَّداً . قال : فولد ابن فسمّيته محمّداً . (4)

.


1- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .
2- .قرب الإسناد : ص331 ح1231 ، كشف الغمّة : ج3 ص36 ، بحار الأنوار : ج87 ص43 ح21 .
3- .كشف الغمّة : ج2 ص243 .
4- .بحار الأنوار : ج50 ص177.

ص: 396

. .

ص: 397

الفصل الثّالث : في المكاتيب الفقهيّة

اشاره

الفصل الثّالث : في المكاتيب الفقهيّ_ة

.

ص: 398

. .

ص: 399

باب الطّهارة

26 . كتابه عليه السلام إلى سعدان بن مسلم ، نواقض الوضوء/ البلل المشتبه

باب الطّهارة26كتابه عليه السلام إلى سعدان بن مسلمنواقض الوضوء/ البلل المشتبهالحسين بن محمّد عن أحمد بن محمّد عن أحمد بن إسحاق عن سعدان عبدالرّحمان (1) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في خصيّ يبول فيلقى من ذلك شدّة ، ويرى البلل بعد البلل ؟ قال : يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَنتَضِحُ في النَّهارِ مَرَّةً واحِدَةً . (2) وفي رواية اُخرى : سعد عن أحمد عن العبّاس بن معروف عن سعدان بن مسلم عن عبد الرّحيم القصير 3 قال : كتبت إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام أسأله عن

.


1- .سعدان عبد الرّحمان ، هو سعدان بن مسلم .
2- .الكافي : ج3 ص20 ح6 .

ص: 400

خصيّ يبول فيلقى من ذلك شدّة فيرى البلل بعد البلل . فقال : يَتَوضَّأُ وَيَنضَحُ فِي النَّهارِ مَرَّةً واحِدَةً . (1) وفي التّهذيب : محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن سعدان بن مسلم 2 ، عن

.


1- .تهذيب الأحكام : ج1 ص425 ح22 وراجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص75 ح168.

ص: 401

27 . كتابه عليه السلام إلى سليمان بن أبي زينبة ، الرجل أجنب في شهر رمضان

عبدالرّحيم ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في الخصيّ يبول فيلقى من ذلك شدّة ، فيرى البلل بعد البلل؟ قال : يَتَوَضَّأُ وَيَنتَضِحُ فِي النَّهارِ مَرَّةً واحِدَةً . (1) محمّد بن عيسى وأحمد بن إسحاق جميعاً ، عن سعدان بن مسلم ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام في خصيّ يبول فيلقى من ذلك شدّة ، ويرى البلل بعد البلل . قال : يَتَوضَّأُ ثُمَّ يَنضَحُ في النَّهارِ مَرَّةً واحِدَةً (2) . (3)

27كتابه عليه السلام إلى سليمان بن أبي زينبةالرجل أجنب في شهر رمضانالنّوفليّ عن صفوان بن يحيى ، عن سليمان بن أبي زينبة (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل اللّيل ، فأخّر الغسل حتّى طلع الفجر ، فكتب عليه السلام إليّ بخطّه أعرفه مع مصادف : يَغتَسِلُ مِن جَنابَتِهِ وَيُتِمُّ صَومَهُ وَلا شَيءَ عَلَيهِ . (5)

.


1- .تهذيب الأحكام : ج1 ص353 ح1051 وراجع : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص75 ح168.
2- .قرب الإسناد : ص316 ح1225.
3- .وفي كتاب من لا يحضره الفقيه : وسئل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن خصيّ يبول فيلقى من ذلك شدَّة ويرى البلل بعد البلل؟ قال : يتوضَّأ ثمّ ينضح ثوبه في النّهار مرَّة واحدة . (ج1 ص75 ح168 ) .
4- .سليمان بن أبي زينبة : روى عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، وإسحاق بن عمّار وحريز ، وروى عنه عليّ بن أسباط وصفّوان بن يحيى ، وعدّ من أصحاب أبي الحسن موسى عليه السلام . (راجع : رجال البرقي : ص49 ، معجم رجال الحديث : ج8 ص234 الرّقم5406 ).
5- .تهذيب الأحكام : ج4 ص210 ح609 ، قرب الإسناد :ص340 ح1246 وفيه «عن سليمان بن اذينة» بدل «سليمان بن أبي زينبة » ، بحار الأنوار : ج96 ص287 ح4.

ص: 402

28 . كتابه عليه السلام إلى أسلم مولى عليّ بن يقطين ، الرجل يتنور وهو جنب

باب الصّلاة

29 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحصين ، القبلة

28كتابه عليه السلام إلى أسلم مولى عليّ بن يقطينالرجل يتنور وهو جنبأحمد بن محمّد عن ابن أبي عمير عن أسلم (1)(2) مولى عليّ بن يقطين قال : أردت أن أكتب إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله يتنوّر الرّجل وهو جنب ؟ قال : فكتب لي ابتداءً : النُّورَةُ تَزيدُ الجُنُبَ نَظافَةً ، وَلكِن لا يُجامِعُ الرَّجُلُ مُختَضِباً ، ولا تُجامَعُ امرَأةٌ مُختَضِبَةً . (3)

باب الصّلاة29كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحصينالقبلةالحسين بن سعيد عن محمّد بن الحصين (4) ، قال : كتبت إلى العبدِ الصالحِ عليه السلام :

.


1- .في دلائل الإمامة :«سليم» بدل «أسلم » ، وفي البحار :«أحمد بن محمّد ، عن الأهوازيّ ، عن ابن أبي عمير ، عن سالم مولى عليّ بن يقطين ، عن عليّ بن يقطين قال : أردت أن . ..» نقلاً عن السّرائر ، وفي وسائل الشيعة :«سلم» بدل «أسلم » .
2- .أسلم مولى عليّ بن يقطين : روى عن أبي الحسن عليه السلام ، وروى عنه ابن أبي عمير ، وتعرّض الأردبيليّ لذلك وضبطه : «سلم بن عبد الرّحمان العجليّ» من دون الهمزة ، والظّاهر : أنّه سلم وأسلم واحد .(راجع : جامع الرّواة : ج1 ص371 ، معجم رجال الحديث : الرّقم 1256 والرّقم 5397 ).
3- .تهذيب الأحكام : ج1 ص377 ح1164 ، الخرائج والجرائح : ج2 ص652 ح4 ،دلائل الإمامة :ص324 ح276 ، بحار الأنوار :ج48ص51ح45وج76ص90ح10وج103ص289ح27 ،وسائل الشيعة :ج2ص224 ح1998.
4- .محمّد بن الحصين : روى عن عبد صالح عليه السلام وخالد بن يزيد القميّ ، وعمر الجرجانيّ ومحمدّ بن الفضيل ، وروى عنه الحسين بن سعيد ، وابن فضّال . (راجع : معجم رجال الحديث :ج16 ص27 الرّقم 10607 ).

ص: 403

30 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج ، النّوافل

الرّجل يصلّي في يوم غيم في فلاة من الأرض ، ولا يعرف القبلة ، فيصلّي ، حتّى إذا فرغ من صلاته بدت له الشّمس ، فإذا هو قد صلّى لغير القبلة أيعتدّ بصلاته أم يعيدها ؟ فكتب : يُعيدُها ما لَم يَفُتهُ الوَقتُ ، أوَ لَم يَعلَم أنَّ اللّهَ يَقولُ وَقَولُهُ الحَقُّ : «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» (1) . (2)

30كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرجالنّوافلسعد عن موسى بن جعفر بن أبي جعفر ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ميمون (3) ، عن محمّد بن الفرج 4 ، قال : كتبت إلى العبد الصّالح عليه السلام أسأله عن

.


1- .البقرة :115 .
2- .تهذيب الأحكام : ج 2 ص 49 ح160 ، وسائل الشيعة : ج4 ص316 ح5254 ، بحار الأنوار : ج84 ص31.
3- .ميمون : روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام ، ومحمّد بن الفرج ، وروى عنه عبد اللّه ابنه ، ومحمّد بن عبد الجبّار ، ميمون مشترك بين جماعة والتّمييز إنّما هو بالرّاوي والمروي عنه .(راجع : معجم رجال الحديث : ج19 ص111 الرّقم12934 ).

ص: 404

31 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن وضّاح ، أوقات الصّلاة

مسائل . فكتب إليّ : وَصَلِّ بَعدَ العَصرِ مِنَ النَّوافِلِ ما شِئتَ ، وَصَلِّ بَعدَ الغَداةِ مِنَ النَّوافِلِ ما شِئتَ . (1)

31كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن وضّاحأوقات الصّلاةسليمان بن داوود ، عن عبد اللّه بن وضّاح (2) ، قال : كتبت إلى العبد الصّالح عليه السلام : يتوارى القرص ، ويقبل اللّيل ، ثمّ يزيد اللّيل ارتفاعاً وتستتر عنّا الشّمس ، وترتفع فوق الجبل حمرة ، ويؤذّن عندنا المؤذّنون ، فأصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائماً ؟ أو أنتظر حتّى تذهب الحمرة الّتي فوق الجبل؟ فكتب إليّ :

.


1- .تهذيب الأحكام : ج2 ص275 ح1091 وص173 ح688 ، وسائل الشيعة : ج4 ص235 ح5020.
2- .راجع الكتاب : الرّابع والسّتون .

ص: 405

32 . كتابه عليه السلام إلى بعض الأصحاب ،وقت الفضيلة للظهر والعصر ونافلتها

أرى لَكَ أن تَنتَظِرَ حَتَّى تَذهَبَ الحُمرَةُ وَتأخُذَ بِالحائِطَةِ لِدينِكَ . (1)

32كتابه عليه السلام إلى بعض الأصحابوقت الفضيلة للظهر والعصر ونافلتهاسعد بن عبد اللّه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى 2 ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام : روي عن آبائك القدمُ والقدمين والأربع ، والقامة والقامتين وظلّ مثلك والذّراع والذّراعين . فكتب عليه السلام : لا القَدَمَ وَلا القَدَمَينِ ، إذا زالَتِ الشَّمسُ فَقَد دَخَلَ وَقتُ الصَّلاتَينِ وَبَينَ يَدَيها

.


1- .تهذيب الأحكام : ج2 ص259 ص1031 ، بحار الأنوار : ج2 ص259 ح11 ، وسائل الشيعة : ج4 ص179 ح 4840 .

ص: 406

33 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن يقطين ، لباس المصلّي

34 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه ، ما يسجد عليه وما يكره

سَبحَةٌ وَهِيَ ثَمانِ رَكَعاتٍ ، فَإِن شِئتَ طَوَّلتَ وَإِن شِئتَ قَصَّرتَ ، ثُمَّ صَلِّ صَلاةَ الظُّهرِ ، فَإِذا فَرَغتَ كانَ بَينَ الظُّهرِ وَالعَصرِ سَبحَةٌ ، وهِيَ ثَمانِ رَكَعاتٍ إن شِئتَ طَوَّلتَ وَإِن شِئتَ قَصَّرتَ ثُمَّ صَلِّ العَصرَ . (1)

33كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن يقطينلباس المصلّيعليّ بن إسماعيل ، عن حمّاد بن عيسى ، قال : كتب الحسن بن عليّ بن يقطين 2 إلى العبد الصّالح : هل يصلّي الرّجل الصّلاة وعليه إزار متوشّح به فوق القميص ؟ فكتب : نَعَم . (2)

34كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهما يسجد عليه وما يكرهمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين (3) ، أنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي

.


1- .تهذيب الأحكام : ج2 ص249 ح990 ، وسائل الشيعة : ج4 ص134 ح4727.
2- .تهذيب الأحكام : ج2 ص215 ح844 ، الاستبصار : ج1 ص388 ح1477 ، وسائل الشيعة : ج4 ص397 ح5510 ، بحار الأنوار : ج83 ص206.
3- .محمّد بن الحسين: فقد روى عن أبي الحسن الرّضا وأبي محمّد والحسن بن عليّ عليهم السلام، وعن موسى بن سعدان، وعن محمد بن يحيى وغيره . (راجع : معجم رجال الحديث : ج15 ص268 الرّقم 10548 و10549 ).

ص: 407

35 . كتابه عليه السلام إلى الحميريّ ، الصّلاة على الرّاحلة

الحسن الماضي عليه السلام يسأله عن الصّلاة على الزّجاج . قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت : هو ممّا أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأله عنه . قال : فكتب إليّ : لا تُصَلِّ عَلى الزُّجاجِ وَإن حَدَّثَتكَ نَفسُكَ أنَّهُ مِمّا أنبتَتِ الأَرضُ وَلكِنَّهُ مِنَ المِلحِ وَالرَّملِ وَهُما مَمسوخانِ . (1)

35كتابه عليه السلام إلى الحميريّالصّلاة على الرّاحلةمحمّد بن عليّ محبوب عن الحميريّ (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام (3) : روى _ جعلني اللّه فداك _ مواليك عن آبائك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى الفريضة على راحلته في يوم مطير ، ويصيبنا المطر ونحن في محاملنا ، والأرض مبتلة والمطر يؤذي ، فهل يجوز لنا يا سيّدي أن نصلّي في هذه الحال في محاملنا أو على دوابّنا الفريضة

.


1- .الكافي : ج3 ص332 ح14 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص304 ح1231 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص304 ، بحار الأنوار : ج48 ص37 ح12 ، وسائل الشيعة : ج5 ص360 ح6792 .
2- .الحميريّ : فقد روى عن أبي الحسن عليه السلام ، وعن إبراهيم بن مهزيار ، وإبراهيم بن هاشم ، وأحمد بن محمّد ، وأحمد بن محمّد بن عيسى ، وأيّوب بن نوح ، وعبد اللّه بن محمّد بن عيسى ، ومحمّد بن أبي الصّهبان ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، ومحمّد بن عبد الجبّار ، وهارون بن مسلم ، ويعقوب بن يزيد . وروى عنه : محمّد بن الحسن ، ومحمّد بن عليّ بن محبوب ، ومحمّد بن موسى بن المتوكّل ، ووالد الصّدوق ، وغيره . (راجع : معجم رجال الحديث : ج23 ص89 الرّقم 15291 ).
3- .والحميريّ عدّه الشيخ في رجاله تارة في أصحاب الرضا عليه السلام قائلاً : أبو العباس الحميريّ واُخرى في أصحاب الهادي عليه السلام قائلاً عبداللّه بن جعفر الحميريّوثالثة فيأصحاب العسكريّ عليه السلام قائلاً :عبداللّه بن جعفر الحميري ، قميّ ، ثقة ،وعدّه البرقيفيأصحاب الهاديوالعسكرى عليهماالسلام .والظاهر لايمكن أن يكون المراد من أبي الحسن الكاظم عليه السلام .

ص: 408

36 . كتابه عليه السلام إلى صالح بن عبد اللّه الخثعميّ ، صلاة المسافر في مكّة والمدينة

باب الصّيام

37 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ ، مقدار الفطرة

إن شاء اللّه ؟ فوقّع عليه السلام : يَجوزُ ذلِكَ مَعَ الضَّرورَةِ الشَّديدَةِ . (1)

36كتابه عليه السلام إلى صالح بن عبد اللّه الخثعميّصلاة المسافر في مكّة والمدينةعبد اللّه بن عامر ، عن ابن أبي نجران ، عن صالح بن عبد اللّه الخثعميّ (2) قال : كَتَبتُ إلى أبيالحَسَنِ موسى عليه السلام أسألُهُ عَنِ الصَّلاةِ فِيالمَسجِدَينِ (3) ،أُقصّر أو أُتمّ؟فكتب إليّ : أيَّ ذلِكَ فَعَلتَ لا بَأسَ . (4)

باب الصّيام37كتابه عليه السلام إلى جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّمقدار الفطرةمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد عن جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (5) وكان معنا حاجّاً قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام على يدي أبي : جعلت

.


1- .تهذيب الأحكام : ج3 ص231 ح600 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص 326 ح 5288 .
2- .صالح بن عبد اللّه الخثعميّ : الكوفيّ ، وعدّه من أصحاب أبي عبد اللّه ، وأبي الحسن موسى ، وأبي الحسن الرّضا عليهم السلام ، وروى عنه ابن فضّال ، وعبد اللّه بن خداش . ( راجع : رجال الطّوسي : الرّقم 3027 و5310 ، رجال البرقي : ص52 ، معجم رجال الحديث : ج9 ص75 الرّقم 5828 ).
3- .أي مكّة والمدينة .
4- .قرب الإسناد : ص304 ح1194 ، بحار الأنوار : ج89 ص81 ح7 ، وسائل الشيّعة : ج8 ص532 ح11370.
5- .جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ = جعفر بن محمّد الهمدانيّ : روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، وروى عنه محمّد بن أحمد . ( راجع : معجم رجال الحديث : ج4 ص47 الرّقم2109 ) .

ص: 409

باب الحجّ والمزار

38 . كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه ، الإحرام والتّلبية

فداك إنّ أصحابنا اختلفوا في الصّاع بعضهم يقول : الفطرة بصاع المدنيّ وبعضهم يقول : بصاع العراقيّ . فكتب إليّ : الصّاعُ سِتَّةُ أرطالٍ بِالمَدَنِيِّ وَتِسعَةُ أرطالٍ بِالعِراقِيِّ . (1)

باب الحجّ والمزار38كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهالإحرام والتّلبيةمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النّضر بن سويد 2 ، عن بعض أصحابه قال : كتبت إلى أبي إبراهيم عليه السلام : رجل دخل مسجد الشّجرة فصلّى وأحرم وخرج من المسجد ، فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النّساء أله ذلك ؟ فَكتَبَ عليه السلام : نَعَم _ أو _ لا بَأسَ بِهِ . (2)

.


1- .الكافي : ج4 ص172 ح9 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص84 ح243 وص334 ح1051 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص176 ح2063.
2- .الكافي : ج4 ص331 ح9 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص322 ح2569 .

ص: 410

39 . كتابه عليه السلام إلى شعيب العقرقوفيّ ، إحرام المتمتّع بالحجّ

39كتابه عليه السلام إلى شعيب العقرقوفيّإحرام المتمتّع بالحجّروى النّضر عن شعيب العقرقوفيّ 1 قال : خرجت أنا وحديدٌ (1) فانتهينا إلى

.


1- .الظاهر أنّه حديد بن حكيم : عنونه النجاشي في رجاله وقال : ثقة ، وجه ، متكلّم ، روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهماالسلام ، له كتاب . (رجال النجاشي : ج 1 ص 148 الرقم 385) ، أورده العلاّمة في رجاله في القسم الأوّل ( رجال العلاّمة : ص 135 الرقم 365) ، وأورده ابن داوود في القسم الأوّل من أصحاب الصادق والكاظم عليهماالسلام(رجال ابن داوود : ص 101 الرقم 383) ، وعنونه الشيخ وقال له كتاب ( الفهرست : ص 63 الرقم 241 ) .

ص: 411

40 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي البلاد وإبراهيم بن عبد الحميد ، طواف النّساء

البستان يوم التّروية فتقدَّمت على حمار فقدمت مكّة وطفت وسعيت وأحللت من تمتُّعي ثمّ أحرمت بالحجّ وقدم حديدٌ من اللّيل فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام استفتيته في أمره ، فكتب إليّ : مُرهُ يَطوفُ وَيَسعى وَيُحِلُّ مِن مِتعَتِهِ وَيُحرِمُ بِالحَجِّ وَيَلحَقُ النّاسَ بِمِنىً ولا يَبِيتَنَّ بِمَكَّةَ . (1)

40كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي البلاد وإبراهيم بن عبدالحميدطواف النّساءموسى بن القاسم ، عن إبراهيم بن أبي البلاد 2 ، قال : قلت لإبراهيم بن

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص385 ح2771 ، وسائل الشيعة : ج11 ص292 ح14831.

ص: 412

عبد الحميد 1 _ وقد هيّأنا نحواً من ثلاثين مسألة نبعث بها إلى أبي الحسن موسى عليه السلام _ أدخل لي هذه المسألة ولا تُسَمِّني له ، سله عن العمرة المفردة ، على صاحبها طواف النّساء ؟ قال : فجاءه الجواب في المسائل كلّها غيرها . فقلت له : أعِدها في مسائِلَ اُخَر . فجاءه الجواب فيها كلّها غير مسألتي . فقلت لإبراهيم بن عبدالحميد : إنّ هاهنا لشيئاً،أفرد المسألة باسميفقد عرفت مقاميبحوائجك،فكتب بها إليه فجاء الجواب : نَعَم هُوَ واجِبٌ لا بُدَّ مِنهُ . فلقي إبراهيم بن عبد الحميد إسماعيل بن حميد الأزرق ومعه المسألة

.

ص: 413

41 . كتابه عليه السلام إلى يونس بن عبد الرّحمان ، المواقيت / حدود العقيق للإحرام

42 . كتابه عليه السلام إلى أبي جرير القميّ ، فَتحُ مُحرِمٍ جُرحَهُ مَعَ الضَّرورَةِ

والجواب فقال : لقد فتق عليكم إبراهيم بن أبي البلاد فتقاً ، وهذه مسألته والجواب عنها ، فدخل عليه إسماعيل بن حميد فسأله عنها ، فقال : نعم ، هو واجب ، فلقي إسماعيل بن حميد بشر بن إسماعيل بن عمّار الصّيرفي فأخبره ، فدخل فسأله عنها فقال : نعم هو واجب . (1)

41كتابه عليه السلام إلى يونس بن عبد الرّحمانالمواقيت / حدود العقيق للإحراممحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن موسى بن جعفر ، عن يونس بن عبدالرّحمان (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : إنا نُحرم من طريق البصرة ولسنا نعرف حدّ عرض العقيق . فكتب : أحرِم مِن وَجرَةَ . (3)

42كتابه عليه السلام إلى أبي جرير القميّفَتحُ مُحرِمٍ جُرحَهُ مَعَ الضَّرورَةِمحمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي جرير القميّ 4 قال : كتبت إلى

.


1- .تهذيب الأحكام : ج5 ص439 ح1524 ، وسائل الشيعة : ج13 ص444 ح18174 .
2- .راجع الكتاب : الواحد والتّسعون .
3- .الكافي : ج4 ص320 ح8 ، وسائل الشيعة : ج11 ص312 ح14889 .

ص: 414

43 . في بناء الكعبة إن انهدمت ، وكيفية بنائها

أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن المُحرِمِ يكون به الجرح فيكون فيه المِدَّةُ ، وهو يُؤذي صاحبه يجد فيه حرقة . قال : فأجابني : لا بَأس أن يَفتَحَهُ . (1)

43في بناء الكعبة إن انهدمت ، وكيفية بنائهاالحسن بن عليّ بن النّعمان (2) قال : لمّا بنى المهديّ في المسجد الحرام بقيت دار في تربيع المسجد ، فطلبها من أربابها فامتنعوا ، فسأل عن ذلك الفقهاء فكلّ قال له : إنّه لا ينبغي أن يدخل شيئاً في المسجد الحرام غصباً . فقال له عليّ بن يقطين : يا أمير المؤمنين ، لو كتبت إلى موسى بن جعفر عليه السلام لأخبرك بوجه الأمر في ذلك ، فكتب إلى والي المدينة أن يسأل موسى بن جعفر عن دار أردنا أن ندخلها في المسجد الحرام فامتنع علينا صاحبها ، فكيف المخرج من ذلك؟ فقال ذلك لأبي الحسن عليه السلام ، فقال أبو الحسن عليه السلام : ولابدّ من الجواب في هذا ؟ فقال له : الأمر لابدّ منه . فقال له : اكتب :

.


1- .قرب الإسناد : ص302 ح1189 ، وسائل الشيعة : ج12 ص535 ح17009 .
2- .الحسن بن عليّ بن النّعمان : مولى بني هاشم ، أبوه عليّ بن النّعمان الأعلم ثقة ثبت . له كتاب نوادر ، صحيح الحديث ، كثير الفوائد . أخبر أبو المفضّل عن ابن بطة عن أحمد بن أبي عبد اللّه والصّفّار جميعاً عنه ، وعدّ من أصحاب العسكريّ عليه السلام . (راجع : رجال النّجاشي : ج1 ص139 الرّقم 80 ، الفهرست : الرّقم 201) .

ص: 415

44 . كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي البلاد في زيارة رسول اللّه صلى الله عليه و آله

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إن كانَتِ الكَعبَةُ هِيَ النّازِلَةُ بِالنّاس ، فَالنّاسُ أولى بِفِنائِها ، وَإِن كانَ النّاسُ هُمُ النّازِلونَ بِفِناءِ الكَعبَةِ فَالكَعبَةُ أولى بِفِنائِها . فَلَمّا أتى الكِتابُ إلَى المَهدِيِّ أخَذَ الكِتابَ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ أمَرَ بِهَدمِ الدّارِ ، فَأَتى أهلُ الدّارِ أبا الحَسَنِ عليه السلام فَسَأَلوهُ أن يَكتُبَ لَهُم إلَى المَهدِيَّ كِتاباً في ثَمَنِ دارِهِم . فَكَتبَ إلَيهِ : أن أرضِخ لَهُم شَيئاً ، فَأَرضاهُم . (1)

44كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي البلادفي زيارة رسول اللّه صلى الله عليه و آلهحدّثني الحسن بن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن أبي البلاد (2) قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : كَيفَ تَقولُ فِي التَّسليمِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ؟ قلتُ : الّذي نعرفه ورويناه . قال : أوَ لا أُعَلِمُّكَ ما هُوَ أفضَلُ مِن هذا ؟ قلتُ : نَعَم جُعِلتُ فِداكَ . فَكَتَبَ لي وَأنا قاعِدٌ عِندَهُ بِخَطِّهِ ، وَقَرَأَهُ عَلَيَّ : إذا وَقَفتَ على قَبرِهِ صلى الله عليه و آله فَقُل : أشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، وَأشهَدُ أنَّكَ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ ، وَأَشهَدُ أنَّكَ رَسولُ اللّهِ ، وَأَشهَدُ أنَّكَ خاتَمُ النَّبِيّينَ ، وَأَشهَدُ أنَّكَ قَد بَلَّغتَ رِسالاتِ رَبِّكَ ، وَنَصَحتَ لاُِمَّتِكَ ، وَجاهَدتَ في سَبيلِ رَبِّكَ ، وَعَبَدتَهُ حَتّى أتاكَ اليَقينُ ، وَأَدَّيتَ الَّذي عَليكَ مِنَ الحَقِّ . اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ عَبدِكَ وَرَسولِكَ ، وَنَجيبِكَ وَأَمينِكَ ، وَصَفِيِّكَ وَخِيَرَتِكَ

.


1- .تفسير العيّاشي: ج1 ص185 ح90، بحارالأنوار: ج10 ص245 ح4، وسائل الشيعة: ج13 ص217 ح 17595.
2- .راجع الكتاب : الأربعون .

ص: 416

باب التّجارة

45 . كتابه عليه السلام إلى رجل ، باب بيع المضمون / بيع الدّقيق

مِن خَلقِكَ ، أفضَلَ ما صَلَّيتَ على أحَدٍ مِن أنبِيائِكَ وَرُسلِكَ . اللّهُمَّ سَلِّم على مُحَمِّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما سَلَّمتَ على نوحٍ فِي العالَمينَ ، وَامنُن على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما مَنَنتَ على موسى وَهارونَ ، وَبارِك على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما بارَكتَ على إبراهيمَ وَآلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ . اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَتَرَحَّم على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ . اللّهُمَّ رَبَّ البَيتِ الحَرامِ ، وَرَبَّ المَسجِدِ الحَرامِ ، وَرَبَّ الرُّكنِ وَالمَقامِ ، وَرَبَّ البَلَدِ الحَرامِ ، وَرَبَّ الحِلِّ وَالحَرامِ ، وَرَبَّ المِشعَرِ الحَرامِ ، بَلِّغ روحَ مُحَمَّدٍ مِنِّي السَّلامَ . (1)

باب التّجارة45كتابه عليه السلام إلى رجلباب بيع المضمون / بيع الدّقيقمحمّد بن أحمد بن يحيى،عن إبراهيم بن إسحاق،عن محمّد بن سليمان الديلميّ 2 ، عن أبيه 3 ، عن رجل كتب إلى العبد الصّالح عليه السلام يسأله : أنّي اُعامل قوماً أبيعهم

.


1- .كامل الزّيارات : ص53 ح31 ، المزار للمفيد : ص173 ح1 ، بحار الأنوار : ج100 ص154 .

ص: 417

46 . كتابه عليه السلام إلى عمر بن يزيد ، التّدبير / بيع المُدبّر وعتقه / وطى ءُ المدبَّرة

الدّقيق أربح عليهم في القفيز درهمين إلى أجل معلوم ، وإنّهم يسألوني أن اُعطيهم عن نصف الدّقيق دراهم فهل لي من حيلة ألاّ أدخل في الحرام ؟فكتب إليه : أقرِضهُمُ الدَّراهِمَ قَرضاً وَازدَد عَلَيهِم في نِصفِ القَفيزِ بِقَدَرِ ما كُنتَ تَربَحُ عَلَيهِم . (1)

46كتابه عليه السلام إلى عمر بن يزيدالتّدبير / بيع المُدبّر وعتقه / وطى ءُ المدبَّرةعمر بن يزيد 2 قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن رجل دبّر مملوكه ، هل له

.


1- .تهذيب الأحكام : ج7 ص33 ح138 وص45 ح195 ، وسائل الشيعة : ج18 ص56 ح23131.

ص: 418

باب الوصيّة

47 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن محمّد الرّازيّ ، الوصيّة بالثّلث وأقلّ منه وأكثر

أن يبيع عتقه ؟ قال : كَتَبَ : « كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَ ائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائيلُ عَلَى نَفْسِهِ» (1) . (2)

باب الوصيّة47كتابه عليه السلام إلى الحسين بن محمّد الرّازيّالوصيّة بالثّلث وأقلّ منه وأكثرجعفر بن محمّد بن نوح ، عن الحسين بن محمّد الرّازيّ (3) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : الرّجل يموت فيوصي بماله كلّه في أبواب البرّ ، وبأكثر من الثّلث هل يجوز ذلك له ؟ وكيف يصنع الوصيّ ؟ فكتب : تُجازُ وَصِيَّتُهُ ما لَم يَتَعَدَّ الثُّلُثَ . (4)

.


1- .آل عمران :93.
2- .تفسير العيّاشي : ج1 ص185 ح87 ، مستدرك الوسائل : ج16 ص6 ح18951 نقلاً عنه .
3- .الحسين بن محمّد الرّازيّ :روى عن أبي الحسن عليه السلام ، وروى عنه جعفر بن محمّد بن نوح .(راجع : معجم رجال الحديث : ج6 ص82 الرّقم 3632 ).
4- .تهذيب الأحكام : ج 9 ص 195 ح784 ، وسائل الشيعة : ج19 ص276 ح24584 .

ص: 419

48 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن زياد ،وصيّة الإنسان لعبده وعتقه له قبل موته

49 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الأشعريّ ،الوصيّة المبهمة/وصيّة الإنسان لعبده وعتقه له

48كتابه عليه السلام إلى أحمد بن زيادوصيّة الإنسان لعبده وعتقه له قبل موتهأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أحمد بن زياد (1) ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن الرّجل تحضره الوفاة وله مماليك لخاصّة نفسه،وله مماليك فيشركة رجل آخر ، فيوصي في وصيّته : مماليكي أحرارٌ . ما حالُ مماليكه الّذين في الشّركة ؟ فكتب : يُقَوَّمونَ عَلَيهِ إن كانَ مالُهُ يَحتَمِلُ ، ثُمَّ فَهُم أحرارُ . (2)

49كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الأشعريّالوصيّة المبهمة / وصيّة الإنسان لعبده وعتقه له قبل موتهعليّ بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن أورمة القميّ ، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ (3) قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك إنّي سألت أصحابنا عمّا أريد

.


1- .راجع الكتاب : التّاسع والخمسون .
2- .تهذيب الأحكام : ج9 ص222 ح872 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص213 ح5497 ، وسائل الشيعة : ج19 ص407 ح24854 وراجع : الكافي : ج7 ص20 ح17 وفيه : « محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أحمد بن زياد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل تحضره الوفاة وله مماليك لخاصّة نفسه ، وله مماليك في شركة رجل آخر ، فيوصي في وصيّته : مماليكي أحرار ، ما حال مماليكه الّذين في الشّركة؟ فقال : يقوّمون عليه إن كان ماله يحتمل ثمّ هم أحرار » .
3- .محمّد بن الحسن الأشعريّ = محمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعريّ القميّ : روى عن أبي الحسن الرّضا ، وأبي جعفر الثّانيّ عليهم السلام، وعن محمّد بن عبد اللّه الأشعريّ . وروى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى ، والحسين بن سعيد ، وعليّ بن مهزيار ، وعليّ بن يوسف ، ومحمّد بن أورمة القميّ ، والهيثم بن أبي مسروق النّهديّ . أنّ البرقي عدّ محمّد بن الحسن بن أبي خالد ، من أصحاب الكاظم عليه السلام ، ويوده ما ورد من روايته عن أبي الحسن عليه السلام ، فإنّه منصرف إلى الكاظم عليه السلام ، إذا تجرّد عن القرينة . ( راجع : معجم رجال الحديث : ج15 ص200 الرّقم 10447 و10458 ) .

ص: 420

50 . كتابه عليه السلام إلى أبي جميلة المفضّل بن صالح ، الوصيّة المبهمة / الرّجل يوصي بسيف

أن أسألك فلم أجد عندهم جواباً وقد اضطررت إلى مسألتك ، وإنّ سعد بن سعد أوصى إليّ فأوصى في وصيّته حجّوا عنّي مبهماً ولم يفسّر فكيف أصنع ؟ قال : يأتيك جوابي في كتابك . فكتب عليه السلام : يحجّ ما دام له مال يحمله . (1)

50كتابه عليه السلام إلى أبي جميلة المفضّل بن صالحالوصيّة المبهمة / الرّجل يوصي بسيفمحمّد بن الحسين عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي جميلة المفضّل بن صالح 2 قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن رجل أوصى لرجل بسيف ، فقال

.


1- .تهذيب الأحكام : ج9 ص226 ح888 وراجع : وسائل الشيعة : ج11 ص171 ح14549 .

ص: 421

51 . كتابه عليه السلام إلى محمّد بن نعيم ، الرّجل يموت ولا يترك إلاّ امرأته

باب النّكاح

52 . كتابه عليه السلام إلى صالح بن عبد اللّه الخثعميّ ،مقدماته/نظر الخصيّ إلى المرأة

الورثة : إنّما لك الحديد ، وليس لك الحلية ، ليس لك غير الحديد . فكتب إليّ : السَّيفُ لَهُ وَحِليَتَهُ . (1)

51كتابه عليه السلام إلى محمّد بن نعيمالرّجل يموت ولا يترك إلاّ امرأتهحميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن محمّد بن الحسن بن زياد العطّار ، عن محمّد بن نعيم الصّحّاف 2 ، قال : مات محمّد بن أبي عمير بيّاع السّابريّ ، وأوصى إليّ وترك امرأةً له ، ولم يترك وارثاً غيرها ، فكتبت إلى العبد الصّالح عليه السلام فكتب إليَّ : أعطِ المَرأَةَ الرُّبُعَ وَاحمِل الباقي إلَينا . (2)

باب النّكاح52كتابه عليه السلام إلى صالح بن عبد اللّه الخثعميّمقدماته / نظر الخصيّ إلى المرأةعبد اللّه بن عامر ، عن عبد الرّحمان بن أبي نجران ، عن صالح بن عبد اللّه

.


1- .الكافي : ج7 ص44 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص212 ح16.
2- .الكافي : ج7 ص125 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص 295 ح1058 .

ص: 422

53 . كتابه عليه السلام إلى الحسين ، القواعد من النّساء

54 . كتابه عليه السلام إلى صالح بن عبد اللّه الخثعميّ ، الرّضاع

الخثعميّ (1) ، قال : وكتبت إليه _ أبي الحسن موسى عليه السلام _ أسأله عن خصيّ لي في سنّ رجل مدرك ، يحل للمرأة أن يراها وتكشف بين يديه؟ قال : فلم يجبني فيها . (2)

53كتابه عليه السلام إلى الحسينالقواعد من النّساءالصّفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن عليّ بن أحمد ، عن يونس (3) ، قال : ذكر الحسين أنّه كتب إليه يسأله عن حدّ القواعد من النّساء ، اللاّتي إذا بلغت جاز لها أن تكشف رأسها وذراعها ؟ فكتب عليه السلام : مَن قَعَدنَ عَنِ النِّكاحِ . (4)

54كتابه عليه السلام إلى صالح بن عبد اللّه الخثعميّالرّضاععبد اللّه بن عامر ، عن ابن أبي نجران ، عن صالح بن عبد اللّه الخثعميّ ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن اُمّ ولد لي ذكرت أنّها أرضعت جارية لي . فقال : لا تَقبَل قَولَها وَلا تُصَدِّقها . (5)

.


1- .راجع الكتاب : السّادس والثلاثون .
2- .قرب الإسناد : ص304 ح1194 ، بحار الأنوار : ج89 ص80 ح7 ، وسائل الشيعة : ج20 ص227 ح25492.
3- .راجع : الفصل السّادس ، يونس بن عبد الرّحمان .
4- .تهذيب الأحكام : ج7 ص467 ص1871 ، وسائل الشيعة : ج 20 ص203 ح25434 وفيه : « عليّ بن أحمد بن يونس » بدل « عليّ بن أحمد عن يونس » . وبهذا العنوان لم تجد في كتب الرّجال بين أيدينا.
5- .قرب الإسناد : ص304 ح1193 ، بحار الأنوار : ج103 ص322 ح4 ، وسائل الشيعة : ج20 ص401 ح25936.

ص: 423

55 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن شعيب ، ما يحرم من النّكاح من الرّضاع

56 . كتابه عليه السلام إلى عثمان بن عيسى ، ما يحرم بالمصاهرة ونحوها

55كتابه عليه السلام إلى عليّ بن شعيبما يحرم من النّكاح من الرّضاعمحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن عبد اللّه بن جعفر ، عن أيّوب بن نوح ، قال : كتب عليّ بن شعيب (1) إلى أبي الحسن عليه السلام :امرأة أرضعت بعض ولدي ، هل يجوز لي أن أتزوّج بعض ولدها؟فكتب عليه السلام : لايَجوزُ لَكَ ذلِكَ لِأَنَّ وُلدها صارَت بِمَنزِلَةِ وُلدِكَ . (2)

56كتابه عليه السلام عثمان بن عيسىما يحرم بالمصاهرة ونحوهاأبو عليّ الأشعريّ ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ ، عن عثمان بن عيسى 3 ، عن أبي

.


1- .عليّ بن شعيب : روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام وروى عنه عبد الرّحمان بن أبي نجران .(راجع : معجم رجال الحديث : ج12 ص61 الرّقم 8200 ).
2- .تهذيب الأحكام : ج7 ص321 ح1324 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص476 ح4668 ، وسائل الشيعة : ج20 ص404 ح25942.

ص: 424

57 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن رئاب ، المتعة

الحسن الأوّل عليه السلام قال : كتبت إليه هذه المسألة ، وعرفت خطّه ، عن اُمّ ولد لرجل كان أبو الرّجل وهبها له فولدت منه أولاداً ، ثمّ قالت بعد ذلك : إنّ أباك كان وطأني قبل أن يهبني لك . قال : لا تُصَدَّق ، إنَّما تَهرَبُ مِن سُوءِ خُلُقِهِ . (1)

57كتابه عليه السلام إلى عليّ بن رئابالمتعةروى عليُّ بن رئاب 2 ، قال : كتبت إليه أسأله عن رجل تمتَّع بامرأة ، ثمّ وهب لها

.


1- .الكافي : ج5 ص566 ح44 ، قرب الإسناد : ص306 ح1199 ، وسائل الشيعة : ج20 ص499 ح26195.

ص: 425

58 . كتابه عليه السلام إلى المهلَّب الدّلال

أيّامها قبل أن يفضي إليها ، أو وهب لها أيّامها بعد ما أفضى إليها ، هل له أن يرجع فيما وهب لها من ذلك ؟ فوقَّع عليه السلام : لا يَرجِعُ . (1)

58وكتابه عليه السلام إلى المهلَّب الدّلالمحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى ، عن الفضل بن كثير المدائنيّ ، عن المهلب الدّلال (2) أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام أنّ امرأة كانت معي في الدّار ، ثمّ إنّها زوجتني نفسها وأشهدت اللّه وملائكته على ذلك ، ثمّ إنّ أباها زوّجها من رجل آخر ، فما تقول ؟ فكتب عليه السلام : التَّزويجُ الدّائِم لا يَكونُ إلاّ بِوَلِيٍّ وَشاهِدَينِ ، وَلا يَكونُ تَزويجُ مِتعَةٍ بِبِكرٍ ، استُر

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص460 ح4590 ، وسائل الشيعة : ج21 ص63 ح26539 .
2- .المهلب الدّلال ، روى عن أبي الحسن عليه السلام ، وروى عنه الفضل بن كثير المدائنيّ .(راجع : معجم رجال الحديث : ج19 ص90 الرّقم 12907 ).

ص: 426

باب الطّلاق

59 . كتابه عليه السلام إلى أحمد بن زياد ، المطلقات ثلاثاً / حكم المملوك

باب الظّهار

60 . في جواب مكتوبة عطيّة المدائنيّ

على نَفسِكَ وَاكتُم رَحِمَكَ اللّهُ . (1)

باب الطّلاق59كتابه عليه السلام إلى أحمد بن زيادالمطلقات ثلاثاً / حكم المملوكمحمّد بن أحمد بن يحيى ،عن أبيعبد اللّه الرّازيّ ،عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أحمد بن زياد (2) ،عن أبي الحسن عليه السلام قال :سألته عن الرّجل يزوّج عبده أمته ، ثُمّ يبدو للرجل في أمته فيعزلها عن عبده ،ثمّ يستبرئها ويواقعها ،ثمّ يردّها على عبده ، ثمّ يبدو له بعد فيعزلها عن عبده ، أيَكون عزل السّيّد الجارية عن زوجها مرّتين طلاقاً لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره ، أم لا ؟ فكتب عليه السلام : لا تَحِلُّ لَهُ إلاّ بِنِكاحٍ . (3)

باب الظّهار60في جواب مكتوبة عطيّة المدائنيّمحمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان (4) قال : كتب معي عطيّة المدائنيّ إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام يسأله ، قال : قلتُ : امرَأَتي طالِقٌ عَلَى السُّنَةِ إن أعَدتُ الصَّلاةَ ، فَأَعَدتُ الصَّلاةَ ، ثُمَّ قلتُ : امرَأَتي طالِقٌ عَلَى الكِتابِ وَالسُّنَّةِ إن أعَدتُ الصَّلاةَ ،

.


1- .تهذيب الأحكام : ج7 ص255 ح1100 ، وسائل الشيعة : ج21 ص34 ح26457 .
2- .أحمد بن زياد = أحمد بن زياد الخزّاز : روى عن أبي الحسن عليه السلام ، وروى عنه أحمد بن محمّد بن أبي نصر . (راجع : معجم رجال الحديث : ج2 ص119 الرّقم 576 ).
3- .تهذيب الأحكام : ج8 ص86 ح295 ، الاستبصار : ج3 ص311 ح3 ، وسائل الشيعة : ج22 ص168 ح 28300 .
4- .راجع الكتاب : السابع والستون .

ص: 427

باب الإرث

61 . كتابه عليه السلام إلى نصر بن حبيب صاحب الخان ، ميراث المفقود

62 . كتابه عليه السلام إلى الهيثم أبي روح صاحب الخان

فَأَعدتُ ، ثُمَّ قُلتُ : امرَأَتي طالِقٌ طَلاقَ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى السُّنَّةِ إن أعَدتُ صَلاتي ، فَأَعَدتُ . قال : فَلَمّا رَأَيتُ استِخفافي بِذلِكَ . قُلتُ : امرَأَتي عَلَيَّ كَظَهرِ اُمِّي إن أعَدتُ الصَّلاةُ ، فَأَعَدتُ ، ثُمَّ قُلتُ : امرَأَتي عَلَيَّ كَظَهرِ اُمّي إن أعَدتُ الصَّلاة ، فَأَعَدتُ ، ثُمَّ قُلت : امرَأَتي عَلَيَّ كَظَهرِ اُمِّي إن أعَدتُ الصَّلاة ، فَأَعَدتُ ، وَقَدِ اعتَزَلتُ أهلي مُنذُ سِنينَ . قالَ : فَقالَ أبو الحَسَنِ عليه السلام : الأَهلُ أهلُهُ وَلا شَيءَ عَلَيهِ ، إنَّما هذا وَأَشباهُهُ مِن خُطُواتِ الشَّيطانِ . (1)

باب الإرث61كتابه عليه السلام إلى نصر بن حبيب صاحب الخانميراث المفقوديونس ، عن نصر بن حبيب صاحب الخان ، قال :كتبت إلى عبد صالح عليه السلام قد وقعت

.


1- .قرب الإسناد : ص304 ح1192 ، بحار الأنوار : ج104 ص164 ، وسائل الشيعة : ج22 ص313 ح28676.

ص: 428

باب القضاء والشّهادة

63 . كتابه عليه السلام إلى حسين بن خالد الصّيرفيّ ، من أوصى بمال لقرابته/شهادة المرأة

64 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن وضّاح ، اليمين في البيع

عندي مئتا درهم وأربعة دراهم ، وأنا صاحب فندق ومات صاحبها ولم أعرف له ورثةً ، فرأيك في إعلامي حالها ، وما أصنع بها ؟ فقد ضقت بها ذرعاً . فكتب : اعمَل فيها وَأَخرِجها صَدَقَةً قَليلاً قَليلاً حَتّى تَخرُجَ . (1)

62كتابه عليه السلام إلى الهيثم أبي روح صاحب الخانيونس عن الهيثم أبي روح صاحب الخان (2) ، قال : كتبت إلى عبد صالح عليه السلام : أنّي أتَقَبَّلُ الفَنادِقَ ، فَيَنزِلُ عِندي الرَّجُلُ فَيَموتُ فَجأَةً ، لا أعرِفُهُ وَلا أعرِفُ بلادَهُ وَلا وَرَثَتَهُ ، فَيَبقَى المالُ عِندي ، كَيفَ أصنَعُ بِهِ ؟ وَلِمَن ذلِكَ المالُ ؟ فَكَتَبَ عليه السلام : اترُكهُ على حالِهِ . (3)

باب القضاء والشّهادة63كتابه عليه السلام إلى حسين بن خالد الصّيرفيّمن أوصى بمال لقرابته / شهادة المرأةأحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين بن خالد الصّيرفيّ (4) ، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : كَتَبتُ إلَيهِ في رَجُلٍ ماتَ وَلَهُ أُمّ وَلَدٍ وَقَد جَعَلَ لَها شَيئاً في حَياتِهِ ثُمَّ ماتَ . قالَ : فَكَتَبَ : لَها ما أثابَها بِهِ سَيِّدُها في حَياتِهِ ، مَعروفٌ ذلِكَ لَها ، تُقبَلُ على ذلِكَ شَهادَةُ الرَّجُلِ وَالمَرأَةِ وَالخادِمِ غَيرِ المُتَّهَمينَ . (5)

64كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن وضّاحاليمين في البيعمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن أبي عبد اللّه الجامورانيّ ، عن

.


1- .الكافي : ج7 ص153 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج 9 ص 389 ح 1389 وفيه : « يونس عن فيض بن حبيب صاحب الخان قال : كتبت إلى عبد صالح عليه السلام . . . » ، وسائل الشيعة : ج26 ص297 ح 33032 .
2- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا ، مجهول . ( راجع المعين : ص 100 الرقم 13012 والرقم 9460 ، المنير : ص 656 الرقم 13410 ، تنقيح المقال : ج 3 ص 305 الرقم 12938 ) .
3- .الكافي : ج 7 ص 154 ح4 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص 389 ح7 ، وسائل الشيعة : ج26 ص298 ح33033.
4- .الحسين بن خالد : عدّ من أصحاب أبي الحسن موسى ، أبي الحسن الرّضا عليهماالسلام . (راجع : رجال الطّوسي :الرّقم4975 و5262 ، رجال البرقي : ص48 و53 ). وراجع : الحسن بن خالد .
5- .الكافي:ج7 ص29 ح2، تهذيب الأحكام:ج9 ص224 ح878، كتاب من لايحضره الفقيه:ج3 ص53 ح3314.

ص: 429

65 . في جواب مكتوبة أبي بكر الأرمنيّ ، في الأيمان

الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة ، عن عبد اللّه بن وضّاح 1 ، قال : كانَت بَيني وَبَينَ رَجُلٍ مِنَ اليَهودِ مُعامَلَةٌ فَخانَني بِأَلفِ دِرهَمٍ فَقَدّمتُهُ إلَى الوالي فَأَحلَفتُهُ فَحَلَفَ وَقَد عَلِمتُ أنَّهُ حَلَفَ يَميناً فاجِرَةً فَوَقَعَ لَهُ بَعدَ ذلِكَ عِندي أرباحٌ وَدَراهِمُ كَثيرَةٌ فَأَرَدتُ أن أقتَصَّ الأَلفَ دِرهَمٍ الّتي كانَت لي عِندَهُ وَحَلَفَ عَلَيها . فَكَتَبتُ إلى أبي الحَسَنِ عليه السلام وَأَخبَرتُهُ أنّي قَد أحلَفتُهُ فَحَلَفَ وَقَد وَقَعَ لَهُ عِندي مالٌ فَإِن أمَرتَني أن آخُذَ مِنهُ الألفَ دِرهَمٍ الَّتي حَلَفَ عَلَيها فَعَلتُ؟ فَكَتَبَ عليه السلام : لا تَأخُذ مِنهُ شَيئاً إن كانَ قَد ظَلَمَكَ فَلا تَظلِمهُ ، وَلَولا أنَّكَ رَضيتَ بِيَمينِهِ فَحَلَّفتَهُ ، لَأَمَرتُكَ أن تَأخُذَها مِن تَحتِ يَدِكَ وَلكِنَّكَ رَضيتَ بِيَمينِهِ فَقَد مَضَتِ اليَمينُ بِما فيها . فَلَم آخُذ مِنهُ شَيئاً وَانتَهَيتُ إلى كتابِ أبي الحَسَنِ عليه السلام . (1)

65في جواب مكتوبة أبي بكر الأرمنيّفي الأيمانأبو عبد اللّه الرّازيّ ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بكر الأرمنيّ (2) ،

.


1- .الكافي : ج7 ص430 ح14 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص289 ح9 وج8 ص293 ح76.
2- .ذكره التستري في رجاله عدّه من أصحاب الكاظم عليه السلام . ( قاموس الرجال : ج11 ص226 الرقم69 ) ، مجهول ( المعين : ص109 الرقم 13966 ) .

ص: 430

باب النّذر

66 . كتابه عليه السلام إلى سعدان بن مسلم ، نذر الصّوم

باب الأطعمة والأشربة

67 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن أحمد المكفوف ، الأشربة

قال : كتبت إلى العبد الصّالح عليه السلام : جعلت فداك ، إنّه كان لي على رجل دراهم فجحدني ، فوقعت له عندي دراهم ، فأقبض من تحت يدي ما لي عليه ، وإن استحلفني حلفت أن ليس له عليَّ شيء؟ قال : نَعَم ، فاقبَض مِن تَحتِ يَدِكَ وَإِنِ استَحلَفَكَ فَاحلِف لَهُ أنَّهُ لَيسَ لَهُ عَلَيكَ شَيءٌ . (1)

باب النّذر66كتابه عليه السلام إلى سعدان بن مسلمنذر الصّومأحمد بن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن سعدان بن مسلم (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام :إنّيجعلت عليّ صيام شهر بمكّة وشهر بالمدينة وشهر بالكوفة ، فصمت ثمانية عشر يوماً بالمدينة ،وبقي عليّ شهر بمكّة ،وشهر بالكوفة ، وتمام الشّهر بالمدينة . فكتب : لَيسَ عَلَيكَ شَيءٌ ، صُم في بِلادِكَ حَتّى تُتِمَّهُ . (3)

باب الأطعمة والأشربة67كتابه عليه السلام إلى جعفر بن أحمد المكفوفالأشربةعدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن منصور بن العبّاس ، عن جعفر بن أحمد

.


1- .تهذيب الأحكام : ج8 ص293 ح75 وسائل الشيعة : ج23 ص285 ح29580.
2- .راجع الكتاب : السّادس والعشرون .
3- .قرب الإسناد : ص341 ح1248 ، بحار الأنوار : ج 96 ص335 ح2 وج104 ص215 ح2 ، وسائل الشيعة : ج 10 ص386 ح13656 .

ص: 431

68 . كتابه عليه السلام إلى جعفر بن أحمد المكفوف ، أشربة مختلفة

69 . كتابه عليه السلام إلى حسين القلانسيّ ، الفقّاع

المكفوف (1) قال : كتبت إليه يعني أبا الحسن الأوّل عليه السلام أسأله عن السّكنجبين ، والجلاّب ، ورُبِّ التّوتِ ، وَرُبِّ التُّفاحِ ، وَرُبِّ السَّفرجَلِ وَرُبِّ الرُّمانِ ؟ فكتب : حلال . (2)

68كتابه عليه السلام إلى جعفر بن أحمد المكفوفأشربة مختلفةمحمّد بن يحيى ، عن حمدان بن سليمان ، عن عليّ بن الحسن ، عن جعفر بن أحمد المكفوف (3) قال : كتبت إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام أسأله عن أشربة تكون قِبَلَنا ، السّكنجبين والجلاّب وربّ التّوت وربّ الرّمان وربّ السّفرجل وربّ التّفاح ، إذا كان الّذي يبيعها غير عارف وهي تباع في أسواقنا ؟ فكتب : جايِزٌ لا بَأسَ بِها . (4)

69كتابه عليه السلام إلى حسين القلانسيّالفقّاعمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن حسين القلانسيّ (5) قال : كتبت إلى أبي الحسن الماضي عليه السلام أسأله عن الفقّاع . فقال :

.


1- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .
2- .الكافي : ج6 ص426 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص127 ح551 .
3- .لم نجد له ترجمة في المصادر التي بأيدينا .
4- .الكافي : ج6 ص427 ح2 ،تهذيب الأحكام : ج9 ص127 ح552.
5- .الحسين القلانسيّ = الحسين بن المختار .

ص: 432

70 . كتابه عليه السلام إلى زياد بن مروان ، التُّفّاح / معالجة الوباء

لا تَقرَبهُ فَإِنَّهُ مِنَ الخَمرِ . (1)

70كتابه عليه السلام إلى زياد بن مروانالتُّفّاح / معالجة الوباءمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ،عن عليّ بن الحكم ،عن زياد بن مروان 2 ،

.


1- .الكافي : ج 6 ص 422 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص125 ح278 وج10 ص97 ح377 ، وسائل الشيعة : ج25 ص361 ح32126.

ص: 433

71 . كتابه عليه السلام إلى داوود الرّقّيّ ، لحوم الجزور والبخت

قال : أصاب النّاس وباء بمكّة فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام . فكتب إليّ : كُلِ التُفّاحَ . (1) وفي المحاسن :عن أبي يوسف ،عن القنديّ ،قال :أصاب النّاس وباء ونحن بمكّة فأصابني ، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام . فكتب إليّ : كُلِ التُّفّاحَ . فأكلته فعوفيت . (2) وفي رواية اُخرى : عبد اللّه بن حمّاد ويعقوب بن يزيد ، عن القنديّ ، قال : أصاب النّاس . . . (3)

71كتابه عليه السلام إلى داوود الرّقّيّلحوم الجزور والبختمحمّد بن يحيى،عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن عليّ بن الحكم ، عن داوود الرّقّيّ 4

.


1- .الكافي : ج6 ص356 ح5 ، الفصول المهمّة في اُصول الأئمّة : ج3 ص 108 ح2681.
2- .المحاسن : ج2 ص370 ح2292 ، بحار الأنوار : ج62 ص 210 ح2 وج66 ص174 ح28 .
3- .المحاسن : ج2 ص369 ح2290 ، بحار الأنوار : ج62 ص 210 ح1 وج66 ص173 ح26 وفيه : « عبد الرّحمان بن حمّاد » بدل « عبد اللّه بن حمّاد » .

ص: 434

. .

ص: 435

قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأَلُهُ عَن لُحومِ البُختِ وَأَلبانِهِنَّ؟ فَقالَ : لا بَأسَ بِهِ . (1)

.


1- .الكافي : ج6 ص311 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص48 ح202 وفيه «عن موسى بن عمر ، عن جعفر بن بشير ، عن داوود بن كثير الرّقّي » ، المحاسن : ج2 ص473 ح472.

ص: 436

باب التجمّل والزينة

72 . كتابه عليه السلام إلى سليم مولى عليّ بن يقطين ، الكحل

باب التجمّل والزّينة72كتابه عليه السلام إلى سليم مولى عليّ بن يقطينالكحلعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سليم مولى عليّ بن يقطين (1) ، أنّه كان يلقى من رمد عينيه أذىً . قال : فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام ابتداء من عنده : ما يَمنَعُكَ مِن كُحلِ أبي جَعفَرٍ عليه السلام ؟ جُزءُ كافورٍ رَباحِيٍّ وَجُزءُ صَبِر أصقوطِرِيٍّ يُدَقّانِ جَميعاً وَيُنخَلانِ بِحَريرَةٍ يُكتَحَلُ مِنهُ مِثلَ ما يُكتَحَلُ مِنَ الإِثمِدِ ، الكُحلَةُ فِي الشَّهرِ تَحدِرُ كُلَّ داءٍ فِي الرَّأسِ وَتُخرِجُهُ مِنَ البَدنِ . قال : فكانَ يَكتَحِلُ بهِ فَمَا اشتَكى عَينَيهِ حَتّى ماتَ . (2)

.


1- .ذكره التجليل في الثقات فيمن روى عنه ابن عمير ( معجم الثقات : ص 174 الرقم 171) ، مجهول (المعين : ص 16 الرقم 1256 ، ذكره السيد الخوئي . وقال : الظاهر إنّه وسلم مولى علي بن يقطين وأسلم واحد . (معجم رجال الحديث : ج 9 ص241 الرقم 5407 ) .
2- .الكافي : ج8 ص383 ح583 ، بحار الأنوار : ج62 ص150 ، وسائل الشيعة : ج25 ص231 ح31769 ؛ الفصول المهمّة في اُصول الأئمة : ج3 ص139 ح2744 وفيهما : « رياحي » بدل « رباحي » و« سقطري » بدل « أصقوطري » .

ص: 437

الفصل الرّابع : في المواعظ

اشاره

الفصل الرّابع : في المواعظ

.

ص: 438

. .

ص: 439

73 . كتابه عليه السلام إلى هارون الرّشيد : ينبغي للإنسان أن يعتبر بكلّ ما يراه

73كتابه عليه السلام إلى هارون الرّشيدينبغي للإنسان أن يعتبر بكلّ ما يراهمحمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفيّ ، عن سعيد بن عمرو ، عن إسماعيل بن بشر بن عمّار (1) ، قال : كتب هارون الرّشيد إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : عظني وأوجز . قال : فكتب إليه : ما مِن شَيءٍ تَراهُ عَينُكَ إلاّ وفيه مَوعِظَةٌ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَحَسبُنا اللّهُ وَنِعمَ الوَكيلُ . (2)

.


1- .ما وجدنا له عنواناً في كتب الرّجال .
2- .الأمالي للصدوق : ص599 ح829 ، بحار الأنوار : ج71 ص324 ، الفصول المهمّة في اُصول الأئمّة : ج3 ص378 ح3129 وسائل الشيعة : ج15 ص196 ح20263 وفيهما : «إسماعيل بن بشير» بدل «إسماعيل بن بشر».

ص: 440

74 . كتابه عليه السلام إلى معقلة بن إسحاق ، الحكم والآداب والسّنن

74كتابه عليه السلام إلى معقلة بن إسحاقالحكم والآداب والسّننرواه عبد اللّه بن الصّلت 1 في كتاب التّواقيع من اُصول الأخبار ، قال : حملت الكتاب _ وهو الّذي نقلته من العراق _ كتب مصقلة بن إسحاق (1) إلى عليّ بن جعفر رقعة ، يعلمه فيها أنّ المنجّم كتب ميلاده ووقّت عمره وقتاً ، وقد قارب ذلك الوقت وخاف على نفسه ، فأحبّ أن يسأله أن يدلّه على عمل يعمله يتقرّب به إلى اللّه عز و جل ، فأوصل عليّ بن جعفر رقعته _ الّتي كتبها _ إلى موسى بن جعفر عليه السلام ، فكتب إليه :

.


1- .مصقلة بن إسحاق : القميّ ، الأشعريّ ، من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام . (راجع : رجال الطّوسي : ح391 الرّقم5770 ).

ص: 441

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم مَتَّعَنِيَ اللّهُ بِكَ ، قَرَأتُ رُقعَةَ فُلانٍ فَأَصابَني وَاللّهِ إلى ما أَخرَجَني إلى بَعضِ لأئمّتك ، سُبحانَ اللّهِ ، أنتَ تَعلَمُ حالَهُ مِنّا وَفي طاعَتِنا واُمورِنا فَما مَنَعَكَ مِن نَقلِ الخَبَرِ إلَينا . لِيَستَقبِلَ الأَمرَ بِبَعضِ السُّهولَةِ حَتّى لَو نَقَلتَ أنَّهُ رَأى رُؤيا في مَنامِهِ ، أو بَلَغَ سِنَّ أبيهِ أو أنكَرَ شَيئاً مِن نَفسِهِ ، فَكانَ الأَمرُ يَخِفُّ وقوعُهُ ، وَيَسهُلُ خَطبُهُ وَيَحتَسِبُ هذِهِ الاُمورَ عِندَ اللّهِ عز و جل . بِالأَمسِ تَذكُرُهُ في اللَّفظِ بِأَن لَيسَ أحَدٌ يَصلُحُ لَنا غَيرُهُ وَاعتِمادُنا عَلَيهِ على ما تَعلَمُ ، فَليَحمِدِ اللّهَ كَثيراً وَيَسأَلُهُ الإمتاعَ بِنِعمَتِهِ وَما أصلَحَ المَولى وَأَحسَنَ الأَعوانُ عَوناً بِرَحمَتِهِ وَمَغفِرَتِهِ ، مُر فُلاناً لا فَجَعَنا اللّهُ بِهِ ، بِما يَقدِرُ عَلَيهِ مِنَ الصِّيامِ كُلَّ يَومٍ أو يَوماً وَيَوماً أو ثَلاثَةً فِي الشَّهرِ ، وَلا يُخلي كُلَّ يَومٍ أو يَومَينِ مِن صَدَقَةٍ على سِتّينَ مِسكيناً ، وَما يُحرِّكُهُ عَلَيهِ النِّسبَةُ ، وَما يَجري ، ثُمَّ يَستَعمِلُ نَفسَهُ في صلاةِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ استِعمالاً شَديداً ، وَكذلِكَ فِي الاستِغفارِ وَقِراءَةِ القُرآنِ ، وَذِكرِ اللّهِ تَعالى وَالاعتِرافِ فِي القُنوتِ بِذُنوبِهِ وَالاِستِغفارِ مِنها وَيَجعَلُ أبواباً فِي الصَّدَقَةِ وَالعِتقِ وَالتَّوبَةِ عَن أشياءَ يُسَمِّيها مِن ذُنوبِهِ ، وَيُخلِصُ نِيَّتَهُ فِي اعتِقادِ الحَقِّ ، وَيَصِلُ رَحِمَهُ وَيَنشُرُ الخَيرَ فيها ، فَنَرجو أن يَنفَعَهُ اللّهُ عز و جللِمَكانِهِ مِنّا ، وَما وَهَبَ اللّهُ تَعالى مِن رِضانا ، وَحَمدِنا إيّاهُ ، فَلَقَد وَاللّهِ ساءَني أمرُهُ فَوقَ ما أصِفُ ، وَأنا أرجو أن يَزيدُ اللّهُ في عُمُرِهِ ، وَيُبطِلُ قَولَ المُنَجِّمِ فيما أطلَعَهُ عَلَى الغَيبِ ، وَالحَمدُ للّهِِ . وقد رأيت هذا الحديث في كتاب التّوقيعات لعبد اللّه بن جعفر الحميريّ رحمه اللهوقد رواه عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، بإسناده إلى الكاظم عليه السلام ، يقول أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد الطّاووس : فلو كان القول بعلم النّجوم محالاً ، ما كان مولانا الكاظم صلوات اللّه عليه قد اهتمّ بتدبير زواله بما أشار إليه ، ولا كان بلغ الأمر في استعمال صاحب القطع نفسه في صلاة الاستيجار ،

.

ص: 442

وكثرة الاستغفار ، والعتق والصّدقة ممّا يدفع به الأخطار . (1) وفي بحار الأنوار : ومنه ( كتاب ربيع الأبرار ) روى عبد اللّه بن الصّلت في كتاب التّواقيع من اُصول الأخبار ، قال : حملت الكتاب وهو الّذي نقلته من العراق ، قال : كتب معقلة بن إسحاق (2) إلى عليّ بن جعفر رقعة يعلمه فيها أنّ المنجّم كتب ميلاده . . . وَكانَ الأمرُ يَخِفّ وُقوعُهُ ، وَيَسُهلُ خَطبُهُ ، وَيَحتَسِبُ هذِهِ الاُمورَ عِندَ اللّهِ بِالأَمسِ . نَذكُرُهُ فِي اللَّفظَةِ بِأن لَيسَ أحَدٌ يَصلُحُ لَها غَيرُهُ وَاعتِمادُنا عَلَيهِ على ما تَعلَمُ ، نَحمَدُ اللّهَ كَثيراً ، وَنَسأَلُهُ الاستِمتاعَ بِنِعمَتِهِ ، وَبِأَصلَحِ المَوالي وَأَحسَنِ الأَعوانِ عَوناً ، وَبِرَحمَتِهِ وَمَغفِرَتِهِ ، مُر فلاناً _ لا فجعنا اللّه به _ بِما يَقدِرُ عَلَيهِ مِنَ الصِّيامِ على ما أصِفُ : إمّا كُلَّ يَومٍ ، أو يَوماً وَيَوماً لا ، أو ثَلاثَةً في الشَّهرِ ، وَلا يَخلو كُلُّ يَومٍ أو يَومَينِ مِن صَدَقَةٍ على سِتّينَ مِسكيناً،أو مايُحَرِّكُهُ عَلَيهِ النِّيَّةُ (3) وَما جَرى وَتَمَّ ، وَيَستَعمِلُ نَفسَهُ في صَلاةِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ استِعمالاً شَديداً،وَكذلِكَ فِي الاستِغفارِ وَقِراءَةِ القُرآنِ وَذِكرِ اللّهِ تَعالى ، وَالاِعتِرافِ فِي القُنوتِ بِذُنوبِهِ ، وَيَستَغفِرُ اللّهَ مِنها ، وَيجعَلُ أبواباً فِي الصَّدَقَةِ وَالعِتقِ عَن أشياءَ يَعلَمُها (4) مِن ذُنوبِهِ ، وَيُخلِصُ نِيَّتَهُ فِي اعتِقادِ الحَقِّ ، وَيَصِلُ رَحِمَهُ ، وَيَنشُرُ الخَيرَ فيها ، وَنَرجو أن يَنفَعَهُ مَكانُهُ مِنّا ، وَما وَهَبَ اللّهُ مِن رِضانا عَنهُ وَحَمدِنا إيّاهُ ، فَلَقَد وَاللّهِ ساءَني أمرُهُ فَوقَ ما أصِفُ ، على أنَّهُ أرجو أن يَزيدَ اللّهُ في عُمُرِهِ ، وَيُبطِلَ قَولَ المُنجِّمِ ، فَما أطلَعَهُ اللّهُ عَلَى الغَيبِ وَالحَمدُ للّهِِ . وقد رأيت هذا الحديث في كتاب التّوقيعات لعبد اللّه بن جعفر الحميريّ رحمة اللّه عليه ، قد رواه عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، بإسناده إلى الكاظم عليه السلام .

.


1- .فرج المهموم : ص114 ، مسائل عليّ بن جعفر : ص349 ح864 نقلاً عنه .
2- .ما وجدنا له عنواناً في كتب الرّجال .
3- .وفي هامش المصدر : « النسبة » .
4- .في المصدر : « يُسَمِّها » ، وما أثبتناه من نسخة اُخرى هو الصحيح .

ص: 443

75 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندب ، الإحسان إلى الميّت / برّ الوالدين

76 . كتابه عليه السلام إلى مهران ، الصّبر على الشّدايد

والنّسخة كانت في هذه الرّواية سقيمة جدّاً ، ولم نجدها في مكان آخر نصلحها به ، فتركناها كما كانت . (1)

75كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندبالإحسان إلى الميّت / برّ الوالدينأحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن عبد اللّه بن جندب (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن الرّجل يريد أن يجعل أعماله من الصّلاة والبرّ والخير أثلاثاً : ثلثاً له ، وثلثين لأبويه ، أو يفردهما من أعماله بشيء ممّا يتطوّع به ، بشيء معلوم ، وإن كان أحدهما حيّاً والآخر ميّتاً . فكتب إليّ : أمّا لِلمَيّتِ فَحَسَنٌ جائِزٌ ، وَأَمّا لِلحَيِّ فَلا ، إلاّ البِرِّ وَالصِّلَةَ . (3)

76كتابه عليه السلام إلى مهرانالصّبر على الشّدايدمهران 4 ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أشكو إليه الدَّين وتغيّر الحال . فكتب لي :

.


1- .بحار الأنوار : ج58 ص255 ح46.
2- .راجع الكتاب : الواحد والثّمانون .
3- .قرب الإسناد : ص311 ح1212 ، بحار الأنوار : ج74 ص67 ح39 نقلاً عنه.

ص: 444

77 . فعل المعروف / قضاءُ حاجة المؤمن

اصبِر تُؤجَر ، فَإِنَّكَ إن لم تَصبِر لَم تُؤجَر ، وَلَم تَرُدَّ قَضاءَ اللّهِ عز و جل . (1)

77فعل المعروف / قضاءُ حاجة المؤمنمن كتاب قضاء حقوق المؤمنين لأبي عليّ بن طاهر الصّوري ، بإسناده عن رجل من أهل الرّي ، قال : وُلّي علينا بعض كتّاب يحيى بن خالد 2 ، وكان عليّ

.


1- .مشكاة الأنوار : ص58 ح64 ، بحار الأنوار : ج18 ص184.

ص: 445

بقايا يطالبني بها ، وخفت من إلزامي إيّاها خروجاً عن نعمتي ، وقيل لي : إنّه ينتحل هذا المذهب ، فخفت أن أمضي إليه فلا يكون كذلك فأقع فيما لا اُحبّ ، فاجتمع رأيي على أنّي هربت إلى اللّه تعالى ، وحججت ولقيت مولاي الصّابر _ يعني موسى بن جعفر عليه السلام _ فشكوت حالي إليه فأصحبني مكتوباً نسخته : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم اعلَم أنَّ اللّهَ تَحتَ عَرشِهِ ظِلاًّ لا يَسكُنُهُ إلاّ مَن أسدى إلى أخيهِ مَعروفاً ، أو نَفَّسَ عَنهُ كُربَةً ، أو أدخَلَ على قَلبِهِ سُروراً ، وَهذا أخوكَ وَالسَّلامُ . قال : فعدت من الحجّ إلى بلدي ، ومضيت إلى الرّجل ليلاً ، واستأذنت عليه وقلت : رسول الصّابر عليه السلام فخرج إليّ حافياً ماشياً ، ففتح لي بابه ، وقبّلني وضمّني إليه ، وجعل يقبّل بين عينيَّ ، ويكرّر ذلك كلّما سألني عن رؤيته عليه السلام ، وكلّما أخبرته بسلامته وصلاح أحواله استبشر وشكر اللّه ، ثمّ أدخلني داره وصدّرني في مجلسه وجلس بين يدي ، فأخرجت إليه كتابه عليه السلام ، فقبَّله قائماً وقرأه ثمّ استدعى بماله وثيابه ، فقاسمني ديناراً ديناراً ، ودرهماً درهماً ، وثوباً ثوباً ، وأعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته ، وفي كلّ شيء من ذلك يقول : يا أخي هل سررتك فأقول : إي واللّه ، وزدت على السّرور ، ثمّ استدعى العمل فأسقط ما كان باسمي، وأعطاني براءة ممّا يتوجّه عليّ منه ، وودّعته ، وانصرفت عنه . فقلت : لا أقدر على مكافاة هذا الرّجل إلاّ بأن أحجّ في قابل وأدعو له ، وألقى الصّابر عليه السلام واُعرّفه فعله ، ففعلت ولقيت مولاي الصّابر عليه السلام ، وجعلت اُحدِّثه ووجهه يتهلّل فرحاً ، فقلت : يا مولاي هل سرّك ذلك ؟ فقال : إي وَاللّهِ ، لَقَد سَرَّني وَسَرَّ

.

ص: 446

78 . كتابه عليه السلام إلى موسى بن بكر الواسطيّ ، توديع المسافر والدّعاء له

أميرَ المُؤمِنينَ ، وَاللّهِ لَقَد سَرَّ جَدّي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَلَقَد سَرَّ اللّهَ تَعالى . (1)

78كتابه عليه السلام إلى موسى بن بكر الواسطيّتوديع المسافر والدّعاء لهأبو الجهم هارون بن الجهم ، عن موسى بن بكر الواسطيّ (2) ، قال : أردت وداع أبي الحسن عليه السلام فكتب إليّ رقعة : كَفاكَ اللّهُ المُهِمَّ ، وَقَضى لَكَ بِالخَيرِ ، ويَسَّرَ لَكَ حاجَتَكَ في صُحبَةِ اللّهِ وَكَنَفِهِ . (3)

.


1- .بحار الأنوار :ج48 ص174 ح16 وج74 ص312 ح69 ، مستدرك الوسائل :ج13 ص132 ح14997 نقلاً عنه .
2- .راجع الكتاب : السّادس والثّمانون .
3- .المحاسن : ج2 ص98 ح1258 ، بحار الأنوار : ج76 ص280 ، وسائل الشيعة : ج11 ص408 ح15122 وفيهما : « يسر » بدل « سير » .

ص: 447

الفصل الخامس : في الدّعاء

اشاره

الفصل الخامس : في الدّعاء

.

ص: 448

. .

ص: 449

79 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندب ، الدّعاء الّذي يقرّب الرّبّ ويزيد الفهم والعلم

79كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندبالدّعاء الّذي يقرّب الرّبّ ويزيد الفهم والعلمجعفر بن محمّد الفزاريّ معنعناً : عن الحسين بن عبد اللّه بن جندب ، قال : أخرج إلينا صحيفة فذكر أنّ أباه (1) كتب إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلِتُ فِداكَ ، إنّي قد كبرت وضعفت وعجزت عن كثير ممّا كنت أقوى عليه ، فاُحبّ _ جُعلِتُ فِداكَ _ أن تعلّمني كلاماً يقرّبني من ربّي ، ويزيدني فهماً وعلماً . فكتب إليه : قَد بَعَثتُ إليكَ بِكِتابٍ فَاقرَأهُ وَتَفَهَّمهُ ، فَإِنَّ فيهِ شِفاءً لِمَن أرادَ اللّهُ شِفاهُ وَهُدىً لِمَن أرادَ اللّهُ هُداهُ ، فَأَكثِر مِن ذِكرِ بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ . وَاقرَأها على صَفوانَ وَآدَمَ . (2)

.


1- .ذكره الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام ، ووثقّه (رجال الطوسي : ص232 الرقم 3143 وص340 الرقم 5059 وص359 الرقم 5316) ، وقال في الغيبة : كان وكيلاً لأبي ابراهيم وأبي الحسن عليهماالسلام ، كان عابدا رفيع المنزلة . . . ( الغيبة للطوسي : ص 348 ) ، وعنونه الكشي في رجاله ومدحه . ( راجع رجال الكشي : ج 2 ص 585 الرقم 1096 الى 1098 ) .
2- .تفسير فرات الكوفي : ص283 ح384 ، بحار الأنوار : ج23 ص312 ح20.

ص: 450

80 . الدّعاء بعد الفريضة

80الدّعاء بعد الفريضةفي البحار نقلاً عن الكتاب العتيق : لبعض قدماء علمائنا ، عن أبي الحسن أحمد بن عنان ، يرفعه عن معاوية بن وهب البجليّ 1 ، قال : وجدت في ألواح أبي بخطّ مولانا موسى بن جعفر صلواتُ اللّه عليهما : إنّ من وُجوبِ حَقِّنا على شيعَتِنا أن لا يَثنوا أرجُلَهُم مِن صَلاةِ الفَريضَةِ أو يَقولوا : اللَّهُمَّ بِبِرِّكَ القَديمِ ، وَرَأفَتِكَ ، بِتَربِيَتِكَ اللَّطيفَةِ وشَرَفِكَ ، بِصَنعَتِكَ المُحكَمَةِ وَقُدرَتِكَ ، بِسَترِكَ الجَميلِ وَعِلمِكَ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَحيِ قُلوبَنا بِذكِرِكَ ، وَاجعَل ذُنوبَنا مَغفورَةً ، وَعُيوبَنا مَستورَةً ، وَفَرائِضَنا مَشكورَةً ، وَنَوافِلَنا مَبرورَةً ، وَقُلوبَنا بِذِكرِكَ مَعمورَةً ، وَنُفوسَنا بِطاعَتِكَ مَسرورَةً ، وَعُقولَنا على تَوحيدِكَ مَجبورَةً ، وَأَرواحَنا عَلى دينِكَ مَفطورَةً ،وَجَوارِحَنا على خِدمَتِكَ مَقهورَةً ، وَأَسماءَنا في خَواصِّكَ مَشهورَةً ، وَحَوائِجَنا لَدَيكَ مَيسورَةً ، وَأَرزاقَنا مِن خَزائِنِكَ مَدرورَةً ، أنتَ اللّهُ الّذي لا إلهَ إلاّ أنتَ ، لَقَد فازَ مَن والاكَ ، وَسَعِدَ مَن ناجاكَ ، وَعَزَّ مَن ناداكَ ، وَظَفَرَ مَن رَجاكَ ، وَغَنِمَ مَن قَصَدَكَ ، وَرَبِحَ مَن تاجَرَكَ ، وَأَنتَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ .

.

ص: 451

81 . كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندب ، الدّعاء في سجدتي الشّكر

اللَّهُمَّ وَصَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاسمَع دُعائي كَما تَعلَمُ فَقري إلَيكَ ، إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (1) وفي المصباح : وكان أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يدعو عقيب الفريضة فيقول : اللَّهُمَّ ! بِبِرِّكَ القَديمِ ، وَرَأَفتِكَ بِبَرِيَّتِكَ اللَّطيفَةِ ، وَشَفَقَتِكَ بِصَنَعتِكَ المُحكَمَةِ وَقُدرَتِكَ ، بِسَترِكَ الجَميلِ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدِ ، وَأَحيِ قُلوبَنا بِذِكرِك ، وَاجعَل ذُنوبَنا مَغفورَةً ، وَعُيوبَنا مَستورَةً ، وَفَرائِضَنا مَشكورَةً ، وَنَوافِلَنا مَبرورَةً وَقُلوبَنا بِذِكرِكَ مَعمورَةً وَنُفوسَنا بِطاعَتِكَ مَسرورَةً ، وَعُقولَنا على تَوحيدِكَ مَجبورَةً ، وَأَرواحَنا على دينِكَ مَفطورَةً ، وَجَوارِحَنا على خِدمَتِكَ مَقهورَةً ، وَأَسماءَنا في خَواصِّكَ مَشهورَةً ، وَحَوائِجَنا لَدَيكَ مَيسورَةً ، وَأَرزاقَنا مِن خَزائِنِكَ مَدرورَةً ، أنتَ اللّهُ الَّذي لا إلهَ إلاّ أنتَ ، لَقَد فازَ مَن والاكَ وَسَعِدَ مَن ناجاكَ وَعَزَّ مَن ناداكَ ، وَظَفَرَ مَن رجاكَ ، وَغَنِمَ مَن قَصَدَكَ ، وَرَبِحَ مَن تاجَرَكَ . (2)

81كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندبالدّعاء في سجدتي الشّكركتب أبو إبراهيم عليه السلام إلى عبد اللّه بن جُندَب ، فقال :إذا سَجَدتَ فَقُل : اللَّهُمَّ إنّي اُشهِدُكَ ، واُشهِدُ مَلائِكَتَكَ وَأنبِياءَكَ وَرُسُلَكَ وَجَميعَ خَلقِكَ ، بِأَنَّكَ أنتَ اللّهُ رَبّي ، وَالإِسلامُ ديني ، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي ، وَعَلِيٌّ وَلِيِّي ، وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ وَعَلِيُّ بنُ الحُسَينِ وَمحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ وَجَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ وَموسى بنُ جَعفَرٍ

.


1- .بحار الأنوار : ج86 ص53 ح58 ، مستدرك الوسائل : ج5 ص72 ح5387.
2- .مصباح المتهجّد : ص59 ، الرّسائل العشر : ص299 ، بحار الأنوار : ج86 ص 54 ح59 وفيه : « مصباح الشّيخ والبلد الأمين وجنّة الأمان واختيار ابن الباقي وغيرها قالوا : كان أبو الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام يدعو عقيب كلّ فريضة فيقول : اللّهمّ ببرك القديم ورأفتك . . . » .

ص: 452

وَعَلِيُّ بنُ موسى وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ وَالخَلَفُ الصّالِحُ صَلواتُكَ عَلَيهِم أئِمَّتي ، بِهِم أتوَلّى وَمِن عَدُوِّهِم أتبرّأ . اللَّهُمَّ ! إنّي اُنشِدُكَ دَمَ المَظلومِ _ ثَلاثاً _ . اللَّهُمَّ إنّي أنشُدُكَ بِوَأيِكَ على نَفسِكَ لِأَوليائِكَ لَِتُظهَرِنَّهُم على عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِم أن تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى المُستَحفَظينَ مِن آلِ مُحَمَّدٍ _ ثَلاثاً _ . وَتَقولُ : اللّهُمَّ ! إنّي اُنشدُكَ بِإِيوائِكَ ( بَوأيكَ ) على نَفسِكَ لِأَعدائِكَ لَتَهلِكَنَّهُم وَلَتَخزِيَنَّهُم بِأَيديهِم وَأَيدي المُؤمِنينَ أن تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى المُستَحفَظينَ مِن آلِ مُحَمَّدٍ _ ثَلاثاً _ . وَتَقولُ : اللَّهُمَّ ! إنّي أسأَلُكَ اليُسرَ بَعدَ العُسرِ _ ثَلاثاً _ . ثُمَّ تَضَعُ خَدَّكَ الأَيمَنَ عَلَى الأَرضِ وَتَقولُ : يا كَهفي حينَ تُعيينِيَ المَذاهِبُ ، وَتَضيقُ عَلَيَّ الأَرضُ بِما رحُبَت ! وَيا بارِئَ خَلقي رَحمَةً لي وَكانَ عَن خَلقي غَنِيّاً ، صَلِّ على مُحَمِّدٍ وَعَلَى المُستَحفَظينَ مِن آلِ مُحَمَّدٍ _ ثَلاثاً _ . ثُمَّ تَضَعُ خَدَّكَ الأَيسَرَ عَلَى الأَرضِ ، وَتَقولُ : يا مُذِلَّ كُلِّ جَبّارٍ ! وَيا مُعِزَّ كُلِّ ذَليلٍ ! قَد وَعِزَّتِكَ بَلَغَ مَجهودي فَفَرِّج عَنِّي _ ثلاثاً _ . ثُمَّ تَقولُ : يا حَنّانُ ! يا مَنّانُ ! يا كاشِفَ الكُرَبِ العِظامِ _ ثَلاثاً _ . ثُمَّ تَعودُ إلَى السُّجودِ ، وَتَضَعُ جَبهَتَكَ عَلَى الأَرضِ ، وَقُل : شُكراً شُكراً _ مِئَةً مَرَّةٍ _ . ثُمَّ تَقولُ : يا سامِعَ الصَّوتِ ! يا سابِقَ الفَوتِ ! يا بارِئَ النُّفوسِ بَعدَ المَوتِ ، صَلِّ على مُحَمِّدٍ وَعلى آلِ مُحَمَّدٍ وَافعَل بي كَذا وَكَذا . (1)

.


1- .مصباح المتهجّد : ص238 ، بحار الأنوار : ج86 ص235 ح59.

ص: 453

82 . كتابه عليه السلام إلى سليمان بن حفص المروزيّ

أقولُ : قال العلاّمة المجلسي رحمة اللّه عليه : هذا الدّعاء رواه الكليني (1) والصّدوق (2) والشّيخ (3) وغيرهم رضوان اللّه عليهم ، بأسانيد حسنة لا تقصر عن الصّحيح ، عن عبد اللّه بن جندب ، قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عمّا أقول في سجدة الشّكر ، فقد اختلف أصحابنا فيه ، فقال : قل وأنت ساجد ، وذكر الدّعاء ، وفيها وعليّ وفلان وفلان إلى آخرهم أئمّتي . وفي الفقيه ذكر أسماءهم عليهم السلام ، وليس في الكافي والتّهذيب : « اللّهمّ إنّي أنشدك بوأيك على نفسك لأعدائك » إلى قوله : ثلاثاً . وفي الفقيه موجود هكذا : « لتهلكنّهم بأيدينا وأيدي المؤمنين » ومقدّمة على فقرة الأولياء ، وفيها جميعاً : « بعدوّك وعدوّهم » وليس فيها ففرّج عنّي . . . (4)

82كتابه عليه السلام إلى سليمان بن حفص المروزيّعليّ بن إبراهيم ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ ، عن سليمان بن حفص المروزيّ 5 ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام في سجدة الشّكر ، فكتب إليّ :

.


1- .الكافي : ج3 ص325 ح 17 .
2- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص329 ح 967 .
3- .تهذيب الأحكام : ج2 ص111 ح 416 .
4- .بحار الأنوار : ج86 ص236 .

ص: 454

83 . كتابه عليه السلام إلى حاتم بن الفرج ، ما يستحبّ أن يقرأ في بعض النّوافل

مِئَةَ مَرَّةٍ شُكراً شُكراً وَإِن شِئتَ عَفواً عَفواً . (1) وفي الفقيه ينسب هذه الرّواية إلى الإمام الرّضا عليه السلام : روي عن سليمان بن حفص المروزيّ أنّه قال : كتب إليّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام : قُل في سَجدَةِ الشُّكرِ مِئَةَ مَرَّةٍ « شُكراً شُكراً » وَإِن شِئتَ « عَفواً عَفواً » . (2) وفي العيون : حدّثنا أبي رضى الله عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن سليمان بن حفص المروزيّ ، قال : كتب إليّ أبو الحسن عليه السلام : قُل في سَجدَةِ الشُّكرِ مِئَةَ مَرَّةٍ شُكراً شُكراً وَإِن شِئتَ عَفواً عَفواً . وَقالَ مصنّف هذا الكتاب : لقي سليمان بن حفص موسى بن جعفر والرّضا عليهماالسلامجميعاً ، ولا أدري هذا الخبر عن أيّهما هو ؟ (3)

83كتابه عليه السلام إلى حاتم بن الفرجما يستحبّ أن يقرأ في بعض النّوافلأبو محمّد هارون بن موسى رضى الله عنه قال : حدّثنا محمّد بن همّام ، قال : حدّثنا أحمد بن مابنداد ، عن أحمد بن هليل الكرخيّ ، قال : حدّثني حاتم بن الفرج (4) ، قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام عمّا يُقرأ في الأربع ركعات ؟ فكتب بخطّه عليه السلام : في أوَّلِ رَكعَةٍ « قل هو اللّه أحد » وفي الثّانية « إنّا أنزلناه » ، وَفِي الرَّكَعَتينِ الأَخيرَتَينِ في أوَّلِ رَكعَةِ مِنها آياتٌ مِن أوَّلِ البَقَرَةِ ، وَمِن وَسَطِ السّورَةِ « وإلهكم إله

.


1- .الكافي : ج3 ص326 ح18 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص111 ح417.
2- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص332 ح970 .
3- .عيون أخبار الرضا : ج 1 ص 280 ح23 .
4- .في رجال الشّيخ عدّه من أصحاب الهاديّ عليه السلام .(الرّقم 5679 ).

ص: 455

84 . كتابه عليه السلام إلى زياد القنديّ ، الدّعاء في الإبتلاء

واحد » ثُمَّ يَقرَأُ « قل هو اللّه أحد» خَمسَ عَشرَةَ مَرَّةً . (1) وفي مصباح المتهجّد : والأفضل تأخير سجدة الشّكر إلى بعد النّوافل ، ثمّ تقوم ، فتصلّي الأربع الرّكعات ، ويستحبّ أن تقرأ في الرّكعة الاُولى : الحمد مرّة ، وقل هو اللّه أحد . ثلاث مرّات ، وفي الثّانية : الحمد ، وإنّا أنزلناه في ليلة القدر ، وفي الثّالثة : الحمد وأربع آيات من أوّل البقرة ، ومن وسط السّورة « وإلهكم إله واحد » ، إلى قوله : « تعقلون » ، ثمّ تقرأ خمس عشر مرّة « قل هو اللّه أحد » . وفي الرّابعة : الحمد وآية الكرسي وآخر سورة البقرة ، ثمّ تقرأ خمس عشر مرّة « قل هو اللّه أحد » . (2)

84كتابه عليه السلام إلى زياد القنديّالدّعاء في الإبتلاءعليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن أبي عمير ، عن زياد القنديّ (3) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام : علّمني دعاء فإنّي قد بليت بشيء ، وكان قد حبس ببغداد حيث اتّهم بأموالهم فكتب إليه : إذا صَلَّيتَ فَأَطِلِ السُّجودُ ثُمَّ قُل : « يا أحَدَ مَن لا أحَدَ لَهُ » حَتّى ينقَطِعَ النَّفَسُ ، ثُمَّ قُل : « يا من لا يَزيدُهُ كَثرَةُ الدُّعاءِ إلاّ جوداً وَكَرَماً » حتّى ينقَطِعَ نَفَسُكَ ، ثُمَّ قُل : « يا رَبَّ الأَربابِ ، أنتَ أنتَ أنتَ الَّذي انقَطَعَ الرَّجاءُ إلاّ مِنكَ ، يا عليُّ يا عَظيمُ » . قالَ زِيادٌ : فَدَعَوتُ بِهِ فَفَرَّجَ اللّهُ عَنِّي وَخُلِّي سَبيلي . (4)

.


1- .فلاح السّائل: ص413 ح 284، بحار الأنوار : ج87 ص90 ح9 ، مستدرك الوسائل : ج4 ص171 ح4407 وزاد في آخره « ويقرأ في الركعة الرابعة آية الكرسي وآخر سورة البقرة ، ثمّ يقرأ قل هو اللّه أحد خمس عشرة مرّة» .
2- .مصباح المتهجّد : ص98 .
3- .راجع الكتاب : السبعون .
4- .الكافي : ج3 ص328 ح25 ، بحار الأنوار : ج86 ص232 .

ص: 456

85 . كتابه عليه السلام إلى الحسين بن خالد ، الدّعاء للكرب والدّين

86 . كتابه عليه السلام إلى موسى بن بكر ، الدّعاء للمظالم / الدّعاء للدّين

85كتابه عليه السلام إلى الحسين بن خالدالدّعاء للكرب والدّينالحسين بن خالد (1) ، قال : لزمني دين ببغداد ثلاثمئة ألف ، وكان لي دين عند النّاس أربعمئة ألف ، فلم يدعني غرمائي أن أقتضي ديني واُعطيهم ، قال : فحضر الموسم فخرجت مستتراً وأردت الوصول إلى أبي الحسن عليه السلام فلم أقدر ، فكتبت إليه أصف له حالي ، وما عليّ ، وما لي . فكتب إليّ في عرض كتابي : قُل في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ : اللَّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ يا لا إلهَ إلاّ أنتَ بِحَقِّ لا إلهَ إلاّ أنتَ أن تَرحَمَني بِلا إله إلاّ أنتَ ، اللَّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ يا لا إلهَ إلاّ أنتَ بِحَقِّ لا إلهَ إلاّ أنتَ أن تَرضى عَنِّي بِلا إلهَ إلاّ أنتَ ، اللَّهمَّ إنّي أسأَلكُ يا لا إلهَ إلاّ أنتَ بِحَقِّ لا إلهَ إلاّ أنتَ أن تَغفِرَ لِي بِلا إلهَ إلاّ أنتَ . أعدِ ذلِكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةِ فَريضَةٍ ، فَإِنَّ حاجَتَكَ تُقضى إن شاءَ اللّهُ . قال الحسين : فَأَدَمتُها ، فَوَ اللّهِ ما مَضَت بي إلاّ أربَعَةُ أشهُرٍ حَتّى أقتَضَيتُ دَيني وَقَضَيتُ ما عَلَيَّ ، واستَفضَلتُ مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ . (2)

86كتابه عليه السلام إلى موسى بن بكرالدّعاء للمظالم / الدّعاء للدّينعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد اللّه بن المغيرة ، عن موسى بن بكر (3) ، عن أبي

.


1- .راجع الكتاب : الثالث والسّتون .
2- .مكارم الأخلاق : ج 2 ص147 ح 2363 ، بحار الأنوار : ج95 ص302 ح5 .
3- .مقاييس اللغة : ج 3 ، ص 30 «زهد» .

ص: 457

إبراهيم عليه السلام ، كان كتبه لي في قرطاس : اللّهُمَّ اردُد إلى جَميعِ خَلقِكَ مَظالِمَهُمُ الَّتي قِبَلي ، صَغيرَها وَكَبيرَها ، في يُسرٍ مِنكَ وَعافِيَةٍ ، وَما لَم تَبلُغهُ قُوَّتي ، وَلَم تَسَعهُ ذاتُ يَدي ، وَلَم يَقوَ عَلَيهِ بَدَني وَيَقيني وَنَفسي ، فَأَدِّهِ عَنّي مِن جَزيلِ ما عِندَكَ مِن فَضلِكَ ، ثُمَّ لا تُخلِف عَلَيَّ مِنهُ شَيئاً تَقضيهِ مِن حَسَناتي يا أرحَمَ الرّاحِمينَ ، أشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ وَأشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ وَأَنَّ الدّينَ كما شَرَعَ ، وَأَنَّ الإِسلامَ كَما وَصَفَ ، وَأَنَّ الكِتابَ كَما اُنزَلَ وَأَنَّ القَولَ كَما حَدَّثَ ، وَأَنَّ اللّهَ هُوَ الحَقُّ المُبينُ ، ذَكَرَ اللّهُ مُحَمَّداً وَأَهلَ بَيتِهِ بِخَيرٍ ، وَحَيّا مُحَمّداً وَأَهلَ بَيتِهِ بِالسَّلامِ . 1

.

ص: 458

87 . كتابه عليه السلام إلى مروان العبديّ ، الأدعية الموجزة للأمراض والأوجاع

88 . إملاؤه عليه السلام إلى أحمد بن بشارة ، ما يداوى به السِّلُ

87كتابه عليه السلام إلى مروان العبديّالأدعية الموجزة للأمراض والأوجاعمروان العبديّ (1) ، قالَ : كَتَبتُ إلى أبي الحَسَنِ عليه السلام أشكو إلَيهِ وَجَعاً بي . فَكَتَبَ : قُل : يا مَن لا يُضامُ وَلا يُرامُ ، يا مَن بِهِ تَواصَلُ الأَرحامُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَعافِني مِن وَجَعي هذا . (2)

88إملاؤه عليه السلام إلى أحمد بن بشارةما يداوى به السِّلُجعفر بن محمّد بن إبراهيم ، قال : حدّثنا أحمد بن بشارة (3) : حججت فأتيت المدينة فدخلت مسجد الرّسول صلى الله عليه و آله ، فإذا أبو إبراهيم جالس في جنب المنبر ، فدنوت فقبّلت رأسه ويديه وسلّمت عليه ، فردّ عليّ السّلام وقال : كَيفَ أنتَ مِن عِلَّتِكَ؟ قُلتُ : شاكِياً بَعدُ _ وَكانَ بِيَ السِّلُّ _ . فقال : خُذ هذا الدَّواءَ بِالمَدينَةِ قَبلَ أن تَخرُجَ إلى مَكَّةَ ؛ فَإِنَّكَ تُعافى فيها . وَقَد عوفيتَ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى . فَاخرَجتُ الدَّواةَ وَالكاغِذَ وَأَملى عَلَينا :

.


1- .ما وجدنا له بهذا العنوان ترجمة في كتب الرّجال بأيدينا ، وفي البحار : «القنديّ» بدل «العبديّ ». راجع : زياد بن مروان (ج 62 ص 210) .
2- .الدعوات : ص190 ح527 ، بحار الأنوار : ج95 ص17 ح18.
3- .يوسف : 20 .

ص: 459

يُؤخَذُ سُنبُلٌ وَقاقِلَةٌ وَزَعفَرانُ وَعاقِر قَرحا وَبَنجٌ وَخَربَقٌ أبيَضٌ ، أجزاءٌ بِالسَّوِيَّةِ ، وَأَبرفيونُ جزءان ، يُدَقُّ وَيُنخَلُ بحَريرَةٍ وَيُعجَنُ بِعَسَلٍ مَنزوعِ الرَّغوَةِ ، وَيُسقى صاحِبُ السِّلِ مِنهُ مِثلَ الحُمُّصَةِ بِماءٍ مُسَخَّنٍ عِندَ النَّومِ ، وَإِنَّكَ لا تَشرَبُ ذلِكَ إلاّ ثَلاثَ لَيالٍ حَتّى تُعافى مِنهُ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى . فَفَعَلتُ ، فَدَفَعَ اللّهُ عَنّي، فَعوفيتُ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى . (1) وفي الفصول المهمَّة : الحسين بن بسطام في طبّ الأئمّة عليهم السلام ، عن جعفر بن محمّد بن إبراهيم ، عن أحمد بن بشارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، في حديث أنّه قال له : كَيفَ أنتَ مِن عِلَّتِكَ ؟ قُلتُ : شاكِياً ، وَكانَ بِيَ السِّلُّ فَقالَ لي : خُذ هذا الدَّواءَ بِالمَدينَةِ قَبلَ أن تَخرُجَ إلى مَكَّةَ فَإِنَّكَ تُوافيها وَقَد عُوفيتَ بِإِذنِ اللّهِ عز و جل ، فَأخرَجتُ الدَّواة وَالكاغِذَ وَأَملى عَلَينا : يُؤخَذُ سُنبُلٌ وَقاقِلَةٌ وزَعفرانٌ وَعاقِر قَرحاءَ وَبَنجُ وَحِزبَقٌ أبيَضٌ وَفُلفُلُ أبيَضُ ، أجزاءٌ بِالسَّوِيَّةِ ، وَأَبرَفيونُ جزءان ، يُدَقُّ وَيُنخَلُ بِحَريرَةٍ وَيُعجَنُ بِعَسَلٍ مَنزوعِ الرَّغوَةِ وَيُسقى صاحِبُ السِّلِّ ، مِثلَ الحُمُّصَّةِ بِماءٍ مُسَخَّنٍ عِندَ النَّومِ ، فَإِنَّكَ لا تَفعَلُ ذلِكَ إلاّ ثَلاثَ لَيالٍ حَتّى تُعافى مِنهُ بِإِذنِ اللّهِ . فَفَعَلتُ فَدَفَعَ اللّهُ عَنّي وَعوفيتُ بِإِذنِ اللّهِ . (2) وفي البحارِ ذُكِرَ ذَيلَ هذهِ الرِّوايةِ بيانٌ : المراد بالبنج بزره أو ورقه قبل أن يعمل ويصير مسكراً ، وقد يقال : إنّه نوع آخر غير ما يعمل منه المسكر . قال ابن بيطار في جامعه : بنج هو السّيكران بالعربيّة ، قال ديقوريدس : له قضبان غلاظ ، وورق

.


1- .ما وجدنا له عنواناً في كتب الرّجال .
2- .طبّ الأئمّة لابني بسطام : ص85 ، بحار الأنوار : ج62 ص179 ح1 ، مستدرك الوسائل : ج16 ص463 ح20551 كلاهما نقلاً عنه .

ص: 460

عراض صالحة الطّول ، مشقّقة الأطراف إلى السّواد ، عليها زغب (1) ، وعلى القضبان ثمر ، شبيه بالجُلَّنار في شكله ، متفرّق في طول القضبان ، واحد بعد واحد ، كلّ واحد منها مطبق بشيء شبيه بالتّرس ، وهذا الثّمر ملآن بزرا شبيها ببزر الخشخاش . وهو ثلاثة أصناف : منه ماله دهن ، لونه إلى لون الفرفير ، وورق شبيه بورق النّبات الّذي يقال له : عين اللّوبيا ، وورق أسود ، وزهره شبيه بالجُلَّنار مشوك . ومنه ماله زهر لونه شبيه بلون التُّفاح ، وورقه وزهره ألين من ورق وحمل الصّنف الأوّل ، وبزر لونه إلى الحمرة شبيه ببزر النّبات الّذي يقال له : أروسمين ، وهو التّوذري . وهذان الصّنفان يجنّنان ويسبّتان ، (2) وهما رديّان لا منفعة فيها في أعمال الطّب . وأمّا الصّنف الثّالث فإنّه ينتفع به في أعمال الطّب ، وهو ألينها قوّة وأسلسها ، وهو ألين في المجسّ (3) وفيه رطوبة تدبق (4) باليد ، وعليه شيء فيما بين الغبار والزّغب ، وله زهر أبيض ، وبزر أبيض ، وينبت في القرب من البحر ، وفي الخرابات . فإن لم يحضر هذا الصّنف فليستعمل بدله الصّنف الّذي بزره أحمر . وأمّا الصّنف الّذي بزره أسود فينبغي أن يرفض ، لأنّه شرّها . وقد يدقّ الثّمر مع الورق والقضبان كلّها رطبة ، وتخرج عصارتها وتجفّف في الشّمس . وإنّما تستعمل نحو من سنة فقط لسرعة العفونة إليها ، وقد يؤخذ البزر على حدته وهو يابس ، يدقّ ويرشّ عليه ماء حارّ في الدّقّ وتخرج عصارته . وعصارة هذا النّبات هي أجود من صمغه ، وأشدّ تسكيناً للوجع ، وقد يدقّ هذا النّبات ويخلط بدقيق الحنطة وتعمل منه أقراص وتخزن . قال : وإذا اُكل البنج أسبت وخلط الفكر مثل الشّوكران من الطُّلا . وقال الرّازي :

.


1- .الفصول المهمة في اُصول الأئمّة : ج3 ص192 ح2835 .
2- .الزّغب بفتح المعجمتين : صغار الشّعر والرّيش .
3- .أي يورثان الجنون والسّبات وهو تعطّل القوى كالغشى والنّوم .
4- .المجس : موضع اللّمس .

ص: 461

89 . كتابه عليه السلام في عوذة لِحُمَّى الرَّبعِ ، الدّعاءُ لِلحُمَّى

يعرض لمن شرب البنج سكر شديد ، واسترخاء الأعضاء ، وزبد يخرج من الفم ، وحمرة في العين . وقال عيسى بن عليّ : من شرب من بزر البنج الأسود درهمين قتله ، ويعرض لشاربه ذهاب العقل ، وبرد البدن كلّه ، وصفرة اللّون ، وجفاف اللّسان ، وظلمة في العين ، وضيق نفس شديد ، وشبيه بالجنون ، وامتناع الكلام . وقال جالينوس : أمّا البنج الّذي بزره أسود فهو يحرّك جنوناً أو سباتاً ، والّذي بزره أيضاً أحمر حمرة معتدلة هو قريب من هذا في القوّة ، ولذلك ينبغي للإنسان أن يتوقّاهما جميعاً ويحذرهما ويجانبهما مجانبة من لا ينتفع به . وأمّا البنج الأبيض البزر والزّهرة فهو أنفع الأشياء في علاج الطّبّ ، وكأنّه في الدّرجة الثّالثة من درجات الأشياء الّتي تبرد _ انتهى _ . وأبرفيون معرّب فربيون ويقال له : فرفيون . قالوا : هو صمغ المازربون ، حارّ يابس في الرّابعة ، وقيل : يابس في الثّالثة ، الشّربة منه قيراط إلى دانق ، يخرج البلغم من الوركين والظّهر والأمعاء ، ويفيد عرق النّسا والقولنج . (1)

89كتابه عليه السلام في عوذة لِحُمَّى الرَّبعِالدّعاءُ لِلحُمَّىيحيى بن بكر الحضرميّ (2) عن أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام ، قال : أمَرَ أن يَكتُبَ

.


1- .أي تلصق .
2- .لم نجده بهذا العنوان في التّراجم الظّاهر وقع التّصحيف ، وما ورد في طلب الأئمّة الآتي هو الصّحيح ، لأنّ عبد اللّه والحسين ابنا بسطام بن سابور الزيّات مؤلفي كتاب طب الأئمّة كانا حيّا في القرن الرّابع من الهجرة وهو أقدم من الرّاوندي ، وعبد اللّه ابن بسطام نقل عن أبي زكريّا يحيى بن أبي بكر بن مهرويه المعنون في رجال النّجاشي والشيخ ، والرّجل نقل عن الحضرميّ الّذي هو مشترك بين جماعة من أصحاب الكاظم عليه السلام ، منها زرعة بن محمّد الحضرميّ . . . ( راجع : أحسن التراجم : ج 2 ص 359) .

ص: 462

90 . كتابه عليه السلام إلى الحسن بن خالد ، في علّة البطن ومايكتب من الدّعاء

لِحُمَّى الرَّبعِ على يَدِهِ اليُمنى « بِسمِ اللّهِ ، جَبرئيلُ » وَعلَى اليُسرىَ « بِسمِ اللّهِ ، ميكائيلُ » وَعَلَى الرِّجلِ اليُمنى « بِسمِ اللّهِ ، اسرافيل » وَعَلَى اليُسرى « بِسمِ اللّهِ ، لا يَرَونَ فيها شَمساً وَلا زَمهَريراً » وَبَينَ كَتِفَيهِ « بِسمِ اللّهِ العَزيزِ الجَبّارِ » . (1) وفي طبّ الأئمّة عليهم السلام : عبد اللّه قال : حدّثنا أبو زكريّا يحيى بن أبي بكر (2) ، عن الحضرميّ أنّ أبا الحسن الأوّل عليه السلام كتب له هذا ، وكان ابنه يحمّ حمّى الرّبع ، فأمره أن يكتب على يده اليمنى : « بسم اللّه جبرئيل » ، وعلى يده اليسرى : « بسم اللّه ميكائيل » ، وعلى رجله اليمنى : « بسم اللّه إسرافيل » ، وعلى رجله اليسرى : « بسم اللّه لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً » ، وبين كتفيه : « بسم اللّه العزيز الجبّار » قال : ومن شكّ لم ينفعه . (3)

90كتابه عليه السلام إلى الحسن بن خالدفي علّة البطن وما يكتب من الدّعاءأحمد بن عبد الرّحمان بن جميلة عن الحسن بن خالد (4) قال : كتبت إلى أبي

.


1- .الدعوات للراوندي : ص208 ح566 .
2- .قال النجاشي: يحيى بن أبي بكر بن مهرويه القزوينيّ ، له نوادر ، أخبرنا محمّد بن محمّد ، قال : حدّثنا الحسن بن حمزة ، قال : حدّثنا ابن بطّة ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد ، عن يحيى بنوادره .وقال الشّيخ :يحيى بن أبي بكر بن مهرويه ،يكنّى أبا زكريّا ،من أهل قزوين ،له كتاب ،رويناه بهذا الإسناد ،عن أحمد بن أبي عبد اللّه ،عنه . وأراد بهذا الإسناد جماعة ،عن أبيالمفضّل ،عن ابن بطّة ،عن أحمد بن أبيعبد اللّه . وعدّه فيرجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام. (راجع : رجال النّجاشي : ص442 الرّقم 1192 ، رجال الطّوسي : الرّقم 6396 ، الفهرست : الرّقم 794 و875 ).
3- .طبّ الأئمّة عليهم السلام: ص51 ، بحار الأنوار : ج95 ص21 ح4.
4- .راجع : ص 277 ح802 .

ص: 463

الحسن عليه السلام أشكو إليه علّة في بطني ، وأسأله الدّعاء . فكتب : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم يَكتُبُ أُمَّ القُرآنِ وَالمُعَوِّذَتِينِ وَقُل هُوَ اللّهُ أحَدٌ . ثُمَّ يَكتُبُ أسفَلَ من ذلِكَ : أعوذُ بِوَجهِ اللّهِ العَظيمِ وَعِزَّتِهِ الّتي لا تُرامُ وَقُدرَتُهُ الّتي لا يَمتَنِعُ مِنها شَيءٌ مِن شَرِّ هذا الوَجَعِ وَشَرِّ ما فيهِ وَما أحذَرُ . يُكتَبُ ذلِكَ في لَوحٍ أو كَتِفٍ ثُمَّ يُغسَلُ بِماءِ السَّماءِ ثُمَّ تَشرَبُهُ عَلَى الرِّيقِ وَعِندَ مَنامِكَ وَيُكتَبُ أسفَلَ من ذلِكَ : جَعَلَهُ شِفاءً مِن كُلِّ داءٍ . (1)

.


1- .الحسن بن خالد بن محمّد بن عليّ البرقيّ ، أبو عليّ ، أخو محمّد بن خالد ، كان ثقة ، يكنّى أبا عليّ ،له كتب منها كتاب نوادر . الحسن بن خالد البرقيّ ، أخو محمّد بن خالد ، أخبرنا بها عدّة من أصحابنا ، عن أبي المفضّل عن ابن بطّة ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن عمّه الحسن بن خالد . وعدّه في من لم يرو عنهم عليهم السلام.( راجع : رجال النّجاشي : ص61 الرّقم139 ، رجال الطّوسي : الرّقم 6066 ، الفهرست : الرّقم 169 ، رجال ابن داوود : ص73 ).

ص: 464

. .

ص: 465

الفصل السّادس : في فضائل بعض الأصحاب

اشاره

الفصل السّادس : في فضائل بعض الأصحاب

.

ص: 466

. .

ص: 467

91 . يونس بن عبد الرّحمان

91يونس بن عبد الرّحمانوجدت بخطّ جبريل بن أحمد في كتابه ، حدّثني أبو سعيد الآدميّ ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن الرّبيع الأقرع ، عن محمّد بن الحسن البصريّ ، عن عثمان بن رشيد البصريّ ، قال : أحمد بن محمّد الأقرع ثمّ لقيت محمّد بن الحسن فحدّثني بهذا الحديث ، قال : كنّا في مجلس عيسى بن سليمان (1) ببغداد ، فجاء رجل إلى عيسى ، فقال : أردت أن أكتب إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام في مسألة أسأله عنها : جُعِلتُ فِداكَ عِندَنا قَومٌ يَقولونَ بِمَقالَةِ يُونُسَ ، فَاُعطيهِم مِنَ الزَّكاةِ شَيئاً ؟ قال : فكتب إليّ : نَعَم ، أعطِهِم فَإِنَّ يُونُسَ أوَّلُ مَن يُجيبُ عَلِيّاً إذا دعا . قال : كنّا جلوساً بعد ذلك فدخل علينا رجل ، فقال : قد مات أبو الحسن موسى عليه السلام ، وكان يونس 2 في المجلس ، فقال يونس : يا معشر أهل المجلس ، إنّه ليس بيني

.


1- .عيسى بن سليمان :روى عن محمّد بن زياد ، وروى عنه يونس . روى عن أبي إبراهيم عليه السلام ، وروى عنه الحسن بن عليّ بن يقطين ، وعمر بن عبد العزيز . (راجع : معجم رجال الحديث : ج2 ص252 الرّقم9180 ).

ص: 468

. .

ص: 469

92 . عليّ بن يقطين

93 . كتابه عليه السلام إلى علي بن يقطين ، عمل السّلطان

وبين اللّه إمام إلاّ عليُّ بن موسى الرّضا عليه السلام ، فهو إمامي عليه السلام . (1)

92عليّ بن يقطينمحمّد بن مسعود ، قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، قال : حدّثني محمّد بن عيسى ، قال : روى بكر بن محمّد الأشعريّ (2) ، أنّ أبا الحسن الأوّل عليه السلام قال : إنّي استَوهَبتُ عَلِيَّ بنَ يَقطينٍ مِن رَبّي عز و جل البارِحَةَ فَوَهَبَهُ لي ، إنَّ عَلِيَّ بنَ يَقطينٍ بَذَلَ مالَهُ وَمَوَدَّتَهُ ، فَكانَ لِذلِكَ مِنّا مُستَوجِباً . وَيُقالُ : إنَّ عَلِيَّ بنَ يَقطينٍ رُبَّما حَمَل مِئَةَ ألفٍ إلَيَّ ، ثَلاثَمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ . وَأنَّ أبا الحَسَنِ عليه السلام زَوَّجَ ثَلاثَةَ بَنينَ أو أربَعَةً ، مِنهُم أبو الحَسَنِ الثّاني ، فَكَتَبَ إلى عَلِيِّ بنِ يَقطينٍ : إنّي قَد صَيَّرتُ مُهورَهُنَّ إلَيكَ . قال محمّد بن عيسى : فحدّثني الحسن بن عليّ،أنّ أباه عليّ بن يقطين رحمه الله ، وجّه إلى جواريه حتّى حمل حبايهنّ ممّن باعه،فوجّه إليه بما فرض عليه من مهورهنّ ، وزاد ثلاثة آلاف دينار للوليمة ، فبلغ ذلك ثلاثة عشر ألف دينار في دفعة واحدة . حدّثني حمدويه وإبراهيم ،قالا:حدّثنا أبو جعفر،عن الحسن بن عليّ ، وذكر مثله . (3)

93كتابه عليه السلام إلى علي بن يقطينعمل السّلطانمحمّد بن عيسى ، عن عليّ بن يقطين أو عن زيد ، عن عليّ بن يقطين ، أنّه كتب

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص783 ح933 وراجع : وسائل الشيعة : ج9 ص229 ح11903.
2- .بكر بن محمّد الأشعريّ : روى عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام وروى عنه محمّد بن عيسى : ذكره الكشّي ، في ترجمة عليّ بن يقطين . ( راجع معجم رجال الحديث : ج3 ص351 الرّقم 1863 ) .
3- .رجال الكشّي : ج2 ص732 ح819 .

ص: 470

94 . هشام بن سالم

إلى أبي الحسن موسى عليه السلام : إنّ قلبي يضيق ممّا أنا عليه من عمل السّلطان _ وكان وزيراً لهارون _ فإن أذنت لي _ جعلني اللّه فداك _ هربت منه ؟ فرجع الجواب : لا آذَنُ لَكَ بِالخُروجِ مِن عَمَلِهِم ، وَاتَّقِ اللّه . أو كما قال . (1) وفي البحار : من كتاب حقوق المؤمنين لأبي عليّ بن طاهر ، قال : استأذن عليّ بن يقطين مولاي الكاظم عليه السلام في ترك عمل السّلطان فلم يأذن له ، وقال : لا تَفعَل فَإِنَّ لَنا بِكَ اُنساً ، وَلإِخوانِكَ بِكَ عِزّاً ، وَعَسى أن يَجبُرَ اللّهُ بِكَ كَسراً ، وَيَكسِرَ بِكَ نائِرَةَ المُخالِفينَ عَن أولِيائِهِ ، يا عَلِيُّ ، كَفَّارَةُ أعمالِكُم الإِحسانُ إلى إخوانِكُم ، اضمَن لي واحِدَةً وَأَضمَنُ لَكَ ثَلاثاً ، اضمَن لي أن لا تَلقى أحَداً مِن أوليائِنا إلاّ قَضَيتَ حاجَتَهُ وَأَكرَمتَهُ ، وَأَضمَنُ لَكَ أن لا يُظِلَّكَ سَقفُ سِجنٍ أبَداً ، وَلا يَنالَكَ حَدُّ سَيفٍ أبَداً ، وَلا يَدخُلُ الفَقرُ بَيتَكَ أبَداً ، يا عَلِيُّ ، مَن سَرَّ مُؤمِناً فَبِاللّهِ بَدَأ وَبِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ثَنّى وَبِنا ثَلَّثَ . (2)

94هشام بن سالمإبراهيم الورّاق السّمرقنديّ قال : حدّثني عليّ بن محمّد القميّ ، قال : حدّثني عبد اللّه بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم (3) ، قال : قال

.


1- .قرب الإسناد : ص305 ح1198 ، بحار الأنوار : ج48 ص158 ح32 ، وسائل الشيعة :ج17 ص198 ح 22341 .
2- .بحار الأنوار : ج48 ص136 ح10.
3- .غرر الحكم : ح 9648 ، عيون الحكم والمواعظ : 479 .

ص: 471

أبو الحسن عليه السلام : قولوا لِهُشامٍ يَكتُبُ إلَيَّ بِما يُرَدُّ بِهِ القَدرِيّةُ . قال : فكتب إليه يسأل القدريّة 1 : أعَصَى اللّهَ مَن عَصى لِشَيءٍ مِنَ اللّهِ ، أو لِشَيءٍ كانَ مِنَ النّاسِ ، أو لِشَيءٍ لَم يَكُن مِنَ اللّهِ وَلا مِنَ النّاسِ؟ . قالَ : فَلَمّا دُفِعَ الكِتابُ إلَيهِ ، قالَ لَهُم : ادفَعوهُ إلَى الجَرمِيّ . فَدَفَعوهُ إلَيهِ ، فَنَظَرَ فيهِ ثُمَّ قال : ما صَنَعَ شَيئاً ، فَقالَ أبو الحَسَنِ عليه السلام : ما تَرَكَ شَيئاً . قال أبو أحمد : وأخبرني أنّه كان الرّسول بهذا إلى الصّادق عليه السلام . 2

.

ص: 472

95 . هشام بن الحكم

95هشام بن الحكمحمدويه بن نصير ، قال : حدّثنا محمّد بن عيسى ، قال : حدّثني الحسن بن عليّ بن يقطين ، قال : كان أبو الحسن عليه السلام إذا أراد شيئاً من الحوائج لنفسه أو ممّا يعني به اُموره ، كتب إلى أبي _ يعني عليّاً _ : اشتَرِ لي كَذا وَكَذا وَاتَّخِذ لي كَذا وَكَذا ، وَليَتَوَلَّ ذلِكَ لَكَ هِشامُ بنُ الحَكَمِ ، فإذا كان غير ذلك من اُموره كتب إليه : اشتَرِ لي كَذا وَكَذا ، وَلَم يَذكُر هِشاماً إلاّ فيما يعني به من أمره . وذكر أنّه بلغ من عنايته به وحاله عنده ، أنّه سرّح إليه خمسة عشر ألف درهم ، وقال له : اعمَل بِها وَكُل أرباحَها وَرُدَّ إلَينا رَأسَ المالِ ، فَفَعَلَ ذلِكَ هِشامُ رحمه الله . وَصَلَّى على أبي الحَسَنِ . (1) أيضا : حمدويه وإبراهيم ابنا نصير ، قالا : حدّثنا محمّد بن عيسى ، قال : حدّثني زحل عن أسد بن أبي العلاء (2) ،قال: كتب أبو الحسن الأوّل عليه السلام إلى من وافى الموسم من شيعته في بعض السّنين في حاجة له ، فما قام بها غير هشام بن الحكم ، قال : فإذا هو قد كتب صلّى اللّه عليه : جَعَلَ اللّهُ ثَوابَكَ الجَنَّةَ ، يعني هشام بن الحكم . (3)

.


1- .رجال الكشّي : ج2 ص546 ح484 .
2- .أسد بن أبي العلاء يروي المناكير ، لعلّ هذا الخبر إنّما روي في حال استقامة المفضّل قبل أن يصير خطابيّاً . ( رجال الكشّي : ج2 ص614 ) . عدّه من أصحاب الكاظم عليه السلام ، وروى عن أبي حمزة الثّماليّ ، وروى عنه أبو محمّد ، والحجّال ، والحسن بن عليّ بن يقطين . ( راجع : معجم رجال الحديث : ج3 ص80 الرّقم 1211 ).
3- .رجال الكشّي : ج2 ص 548 ح487.

ص: 473

الفصل السّابع : في وصاياه عليه السلام

اشاره

الفصل السّابع : في وصاياه عليه السلام

.

ص: 474

. .

ص: 475

96 . وصيّته عليه السلام برواية عبد الرّحمان بن الحجّاج

96وصيّته عليه السلام برواية عبد الرّحمان بن الحجّاجأبو عليّ الأشعريّ عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان ومحمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن عبدالرّحمان بن الحجّاج (1) : أنّ أبا الحسن موسى عليه السلام بعث إليه بوصيّة أبيه وبصدقته مع أبي إسماعيل مصادف (2) :ح بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما عَهِدَ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ يَشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، لَهُ المُلكَ وَلَهُ الحَمدُ يُحيي وَيُميتُ ، بِيَدِهِ الخَيرُ وَهُوَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها وَأَنَّ اللّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبورِ على ذلِكَ نَحيا وَعَلَيهِ نَموتُ وَعَليهِ نُبعَثُ حَيّاً إن شاءَ اللّهُ .

.


1- .راجع : مكاتيب الإمام الصادق عليه السلام الكتاب : الثّاني والسبعون .
2- .في رجال الطّوسي : مصادف ، أبو إسماعيل : مدنيّ ، وعدّه من أصحاب الصّادق عليه السلام .(ص312 الرّقم4624) .

ص: 476

وَعَهِدَ إلى وُلدِهِ ألاّ يَموتوا إلاّ وَهُم مُسلِمونَ وَأَن يَتَّقوا اللّهَ وَيُصلِحوا ذاتَ بَينِهِم ما استَطاعوا ، فَإِنَّهُم لَن يَزالوا بِخَيرٍ ما فَعَلوا ذلِكَ ، وإن كانَ دينٌ يُدانُ بِهِ ، وَعَهِدَ إن حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ وَلَم يُغَيِّر عَهدَهُ هذا _ هُوَ أولى بِتَغييرِهِ ما أَبقاهُ اللّهُ _ لِفُلانٍ كَذا وَكَذا ، وَلِفُلانٍ كَذا وَكَذا ، وَلِفُلانٍ كَذا وَفُلانٌ حُرٌّ ، وَجَعَلَ عَهدَهُ إلى فُلانٍ . بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم هذا ما تَصَدَّقَ بِهِ موسى بنِ جَعفَرٍ بِأرضٍ بِمكان كَذا وَكَذا ، وَحَدُّ الأَرضِ كَذا وَكَذا ، كُلِّها وَنَخلِها ، وَأَرضِها وَبَياضِها ، وَمائِها وَأَرجائِها ، وَحُقوقِها وَشُربِها مِنَ الماءِ ، وَكُلِّ حَقٍّ قَليلٍ أو كَثيرٍ هُوَ لَها ، في مَرفَعٍ أو مَظهَرٍ أو مَغيضٍ أو مِرفَقٍ أو ساحَةٍ ، أو شُعبَةٍ أو مُشعَبٍ ، أو مَسيلٍ أو عامرٍ أو غامرٍ ، تَصَدَّقَ بِجَميعِ حَقِّهِ مِن ذلِكَ عَلى وُلدِهِ مِن صُلِبهِ ، الرِّجالِ وَالنِّساءِ يُقَسِّمُ واليها ما أخرَجَ اللّهُ عز و جل مِن غَلَّتِها بَعدَ الَّذي يَكفيها مِن عِمارَتِها وَمَرافِقِها ، وَبَعدَ ثَلاثينَ عِذقاً يُقَسَّمُ في مَساكينِ أهلِ القَرَيةِ ، بَينَ وُلدِ موسى ، للِذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الاُنثَيَينِ ، فَإِن تَزَوَّجَتِ امرَأةٌ مِن وُلدِ موسى فَلا حَقَّ لَها في هذهِ الصَّدَقَةِ ، حَتّى تَرجِعَ إلَيها بِغَيرِ زَوجٍ ، فَإِن رَجَعَت كانَ لَها مِثلُ حَظِّ الَّتي لَم تَتَزَوَّج مِن بَناتِ موسى ، وَإنَّ من تُوُفِّيَ مِن وُلدِ موسى وَلَهُ وَلَدٌ فَوَلَدُهُ على سَهمِ أبيهِ للِذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الاُنثَيَينِ على مِثلِ ما شَرَطَ موسى بنُ جَعفَرٍ في وُلدِهِ مِن صُلبِهِ ، وَإِنَّ مَن تُوُفِّيَ مِن وُلدِ موسى وَلَم يَترُك وَلَداً رُدَّ حَقُّهُ على أهلِ الصَّدَقَةِ وَأَنَّ لَيسَ لِوُلدِ بَناتي في صَدَقَتي هذهِ حَقٌّ إلاّ أن يَكونَ آباؤهُم مِن وُلدي . وَإِنَّهُ لَيسَ لِأَحَدٍ حَقٌّ في صَدَقتي مَعَ وُلدي أو وُلدِ وُلدي وَأعقابِهِم ما بَقِيَ مِنهُم أحَدٌ ، وَإِذا انقَرَضوا وَلَم يَبقَ مِنهُم أحدٌ فَصَدَقتي على وُلدِ أبي مِن اُمِّي ، ما بَقِيَ أحَدٌ مِنهُم ، على ما شَرَطتُهُ بَينَ وُلدي وَعَقِبي ، فَإِن انقَرَضَ وُلدُ أبي مِن اُمِّي فَصَدَقتي

.

ص: 477

97 . وصيّته عليه السلام برواية اُخرى

على وُلدِ أبي وَأعقابِهِم ما بَقِيَ مِنهُم أحَدٌ على مِثلِ ما شَرَطتُ بَينَ وُلدي وَعَقِبي ، فَإِذا انقَرَضَ مِن وُلدِ أبي وَلَم يَبقَ مِنهُم أحَدٌ فَصَدَقتي عَلَى الأَوَّلِ فَالأوّلِ حَتّى يَرِثَها اللّهُ الّذي وَرَّثَها وَهُوَ خَيرُ الوارِثينَ . تَصَدَّقَ موسى بنُ جَعفَرٍ بِصَدَقَتِهِ هذهِ وَهُوَ صَحيحٌ صَدَقَةً حَبساً بَتلاً بَتّاً ، لا مَشوبَةَ فيها ولا رَدَّ أبَداً ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ عز و جل وَالدّارَ الآخِرَةَ ، لا يَحِلُّ لِمُؤمِنٍ يُؤمِنُ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ أن يَبيعَها أو شيئاً منها ولا يهبها ولا ينحلها ولا يغيِّر شيئاً منها ممّا وضعته عليها حتّى يرث اللّه الأرض وما عليها وجعل صدقته هذه إلى عليّ وإبراهيم فإن انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي منهما فإن انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما فإن انقرض أحدهما دخل العبّاس مع الباقي منهما فإن انقرض أحدهما فالأكبر من ولدي فإن لم يبق من ولدي إلاّ واحدٌ فهو الّذي يليه وزعم أبو الحسن أنّ أباه قدَّم إسماعيل في صدقته على العبَّاس وهو أصغر منه . (1)

97وصيّته عليه السلام برواية اُخرىالحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرّحمان بن الحجّاج ، قال : بعث إليّ بهذه الوصيّة أبو إبراهيم عليه السلام (2) :هذا ما أوصى بِهِ وَقَضى في مالِهِ عَلِيٌّ عَبدُ اللّهِ ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ ، لِيولِجَني بِهِ الجَنَّةَ

.


1- .الكافي:ج7 ص53 ح8،تهذيب الأحكام:ج9ص 149ح610،كتاب من لايحضره الفقيه:ج4 ص249 ح5593.
2- .وفي الكافي : ج 7 ص 49 ح 7 : أبو عليّ الأشعريُّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرّحمان بن الحجّاج ، قال : بعث إليّ أبو الحسن موسى عليه السلام بوصيّة أمير المؤمنين عليه السلام ، وهي : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد اللّه عليّ ابتغاء وجه اللّه . . .

ص: 478

وَيَصرِفَني بِهِ عَنِ النّارِ ، وَيَصرِفَ النّارَ عَنِّي يَومَ تَبيَضُّ وُجوهٌ وَتَسوَدُّ وُجوهٌ أنَّ ما كانَ مِن مالِ يَنبُعَ مِن مالٍ يُعرَفُ لي فيها وَما حَولَها صَدَقَةٌ ، وَرَقيقِها ، غَيرَ أنَّ أبي رباحٍ وَأبي نيزِرَ وَجُبَيرٍ عُتَقاءُ لَيسَ لِأَحَدٍ عَلَيهِم سَبيلٌ فَهُم مَوالٍ يَعمَلونَ فِي المالِ خَمسَ حِجَجٍ وَفيهِ نَفَقَتُهُم وَرِزُقُهم وَرِزقُ أهاليهِم ، وَمَعَ ذلِكَ ما كانَ لي بوادي القُرى ، كُلُّهُ مالُ بني (1) فاطِمَةَ وَرَقيقِها صَدَقَةٌ ، وَما كانَ لي بَدِعَةَ وَأَهلِها صَدَقَةٌ ، غَيرَ أنَّ رَقيقَها لَهُم مِثلُ ما كَتَبتُ لِأَصحابِهِم ، وَما كانَ لي بِاُذَينَةَ وَأَهلِها صَدَقَةٌ ، وَالفَقيرين (2) كَما قَد عَلِمتُم صَدَقَةٌ في سَبيلِ اللّهِ ، وَإنَّ الَّذي كَتَبتُ مِن أموالي هذهِ صَدَقَةٌ واجِبَةٌ بَتلَةٌ حَيّاً أنا أو مَيِّتاً ، يُنفَقُ في كُلِّ نَفَقَةٍ أبتَغي بِها وَجهَ اللّهِ في سَبيلِ اللّهِ وَوَجهِهِ وَذوي الرَّحِمِ مِن بَني هاشِمٍ وَبَني المُطَّلِبِ ، وَالقَريبِ وَالبَعيدِ ، وَإنَّهُ يَقومُ على ذلِكَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ ، يَأكُلُ مِنهُ بِالمَعروفِ وَيُنفِقُهُ حَيثُ يُريدُ اللّهُ في حِلِّ مُحَلَّلٍ لا حَرَجَ عَلَيهِ فيهِ ، فَإِن أرادَ أن يَبيعَ نَصيباً مِنَ المالِ فَيَقضي بِهِ الدَّينَ فَليَفعَل إن شاءَ لا حَرَجَ عَلَيهِ فيهِ ، وإن شاءَ جَعَلَهُ شِراءَ المِلكِ ، وَإِنَّ وُلدَ عَلِيٍّ وَمَواليهِمِ وَأَموالِهِم إلى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ ، وَإِن كانَ دارُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ غَيرُ دارِ الصَّدَقَةِ فَبَدا لَهُ أن يَبيعَها فَليَبِعها إن شاءَ لا حَرَجَ عَلَيهِ فيهِ ، وَإِن باعَ فَإِنَّهُ يُقَسِّمُها ثَلاثَةَ أثلاثٍ فَيَجعَلُ ثُلُثاً في سَبيلِ اللّهِ وَيَجعَلُ ثُلُثاً في بَني هاشِمٍ وَبَني المُطَّلِبِ ، وَيَجعَلُ الثُّلثَ في آلِ أبي طالِبٍ ، وَإنَّهُ يَضَعُهُم حَيثُ يُريدُ اللّهُ وَإِن حَدَثَ بِحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ حَدَثٌ وَحُسَينٌ حَيٌّ فَإِنَّهُ إلى حسين بنِ عَلِيٍّ ، وَإِنَّ حُسَيناً يَفعَلُ فيهِ مِثلَ الَّذي أمَرتُ بِهِ حَسَناً لَهُ مِثلُ الَّذي كَتَبتُ لِلحَسَنِ وَعَلَيهِ مِثلُ الَّذي عَلَى الحَسَنِ ، وَإِنَّ الَّذي لِبَني فاطِمَةَ مِن صَدَقَةٍ عَلِيٍّ مِثلُ الَّذي جَعلتُ لِبَني عَلِيٍّ وَإِني إنّما جَعَلتُ الَّذي جَعَلتُ لاِبنَي فاطِمَةَ ابتِغاءَ

.


1- .كذا في المصدر ، والصواب : « لبني » .
2- .الفقيرين : اسم موضعين قرب بني قريضة من نواحى مدينة .

ص: 479

وَجهِ اللّهِ وَتَكريمِ حُرمَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَتَعظيمِها وَتَشريفِها وَرِضاهُما بِهِما ، وَإن حَدَثَ بِحَسَنٍ وَحُسَينٍ حَدَثٌ فَإِنَّ الآخِرَ مِنهُما يَنظُر في بَني عَلِيٍّ ، فَإِن وَجَدَ فيهِم مَن يَرضى بِهَديِهِ وَإِسلامِهِ وَأَمانَتِهِ فَإِنَّهُ يَجعَلُهُ إلَيهِ إن شاءَ ، وَإِن لَم يَرَ فيهِم بَعضَ الَّذي يُريدُ فَإِنَّهُ في بَني ابنَي فاطِمَةَ ، فَإِن وَجَدَ فيهِم مَن يَرضى بِهَديهِ وَإِسلامِهِ وَأمانَتِهِ فَإِنَّهُ يَجعَلُهُ إلَيهِ إن شاءَ وَإن لَم يَرَ فيهِم بَعضَ الَّذي يُريدُ فَإِنَّهُ يَجعَلُهُ إلى رَجُلٍ مِن آلِ أبي طالِبٍ يَرضى بِهِ ، فَإِن وَجَد آلَ أبي طالِبٍ قَد ذَهَبَ كُبَراؤُهُم وَذَوو آرائِهِم ، فَإِنَّهُ يَجعَلُهُ إلى رَجُلٍ يَرضاهُ مِن بَني هاشم ، وَإنَّهُ شَرَطَ عَلَى الَّذي يَجعَلُهُ إلَيهِ أن يَترُكَ المالَ على اُصولِهِ وَيُنفِقَ حَيثُ أمرَهُ بِهِ مِن سَبيلِ اللّهِ وَوجوهِهِ وَذوي الرَّحِمِ من بَني هاشِمٍ وَبَني المُطَّلِبِ وَالقَريبِ وَالبَعيدِ لا يُباعُ مِنهُ شَيءٌ وَلا يُوهَبُ وَلا يُورثُ ، وإنَّ مالَ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ على ناحِيَتِهِ ، وَهُوَ إلَى ابنَي فاطِمَةَ ، وَإِنَّ رَقيقيَ الَّذينَ فِي الصَّحيفَةِ الصَّغيرَةِ الَّتي كَتَبتُ عُتَقاءُ ، هذا ما قضى بِهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ في أموالِهِ هذهِ الغدَ مِن يَومِ قَدِمَ مَسكِنٍ ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ وَالدَّارِ الآخِرَةِ ، وَاللّهُ المُستَعانُ على كُلِّ حالٍ ، وَلا يَحِلُّ لاِمرِئٍ مُسلِمٍ يُؤمِنُ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ أن يُغَيِّرَ شَيئاً مِمّا أوصَيتُ بِهِ في مالي ، وَلا يُخالِفَ فيه أمري مِن قَريبٍ أو بَعيدٍ . أمّا بَعدُ فَإِنَّ وَلائِديَ اللاّتي أطوفُ عَلَيهِنَّ السَّبعَةَ عَشَرَ مِنهُنَّ اُمَّهاتُ أولادٍ أحياءٍ ، مَعَهُنَّ أولادُهُنَّ وَمِنُهنَّ حُبالى وَمِنهُنَّ مَن لا وَلَدَ لَهُ ، فَقَضائي فيهِنَّ إن حَدَثَ بي حَدَثٌ أنَّ مَن كانَ مِنُهنَّ لَيسَ لَها وَلَدٌ ، وَلَيسَت بِحُبلى فَهِيَ عَتيقٌ لِوَجهِ اللّهِ ، لَيسَ لِأَحَدٍ عَلَيهِنَّ سَبيلٌ ، وَمَن كانَ مِنهُنَّ لَها وَلَدٌ وَهِيَ حُبلى فَتُمسَكُ على وَلَدِها وَهِيَ مِن حَظِّهِ ، فَإِن ماتَ وَلَدُها وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ عَتيقٌ لَيسَ لِأَحَدٍ عَلَيها سَبيلٌ . هذا ما قَضى بِهِ عَلِيٌّ في مالِهِ الغَدَ مِن يَومِ قَدِمَ مَسكِنٍ ، شَهِدَ أبو شِمرٍ بنِ أبرَهَةَ وَصَعصَعَةُ بنُ صوحانٍ وَسَعَيدُ بنُ قَيسٍ ، وَهَيَّاجُ بنُ أبي الهَيّاجِ ، وكَتَبَ عَلِيُّ بنُ أبي

.

ص: 480

98 . وصيّته عليه السلام برواية يزيد بن سليط

طالِبٍ بِيَدِهِ لِعَشرٍ خَلَونَ مِن جُمادى الأُولى سَنَةَ سَبعٍ وَثَلاثينَ . (1)

أقولُ : لقد أوردنا هذه الوصيّة كاملةً في مكاتيب الإمام عليّ عليه السلام ، وقد كرّرنا ذكرها هنا بصورة مختصرة لمناسبتها مع الموضوع ، وكون راويها هو الإمام الكاظم عليه السلام .

98وصيّته عليه السلام برواية يزيد بن سليطأحمد بن مهران ، عن محمّد بن عليّ ، عن أبي الحكم ، قال : حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم الجعفريّ ، وعبد اللّه بن محمّد بن عمارة ، عن يزيد بن سليط (2) ، قال : لمّا أوصى أبو إبراهيم عليه السلام أشهد إبراهيم بن محمّد الجعفريّ ، وإسحاق بن محمّد الجعفريّ ، وإسحاق بن جعفر بن محمّد ، وجعفر بن صالح ، ومعاوية الجعفريّ ، ويحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ ، وسعد بن عمران الأنصاريّ ، ومحمّد بن الحارث الأنصاريّ ، ويزيد بن سليط الأنصاريّ ، ومحمّد بن جعفر بن سعد الأسلميّ _ وهو كاتب الوصيّة الاُولى _:أشهَدَهُم أنَّهُ يَشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها ، وَأَنَّ اللّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبورِ ، وَأَنَّ البَعثَ بَعدَ المَوتِ حَقٌّ ، وَأنَّ الوَعدَ حَقٌّ ، وَأَنَّ الحِسابَ حَقٌّ ، وَالقَضاءَ حَقٌّ ، وَأَنَّ الوُقوفَ بَينَ يَدَي اللّهِ

.


1- .تهذيب الأحكام : ج9 ص146 ح608 ، الكافي : ج7 ص49 ح7 ،وسائل الشيعة : ج19 ص199 ح24426 .
2- .يزيد بن سليط الزّيديّ ، عدّ من أصحاب أبي الحسن موسى عليه السلام . ( في رجال الطّوسي : الرّقم 5159 ، رجال البرقي : ص48 ، رجال ابن داوود : الرّقم 1692 ) . وعدّه الشّيخ المفيد من خاصّة الكاظم عليه السلام وثقاته ، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته ، ممّن رووا النّصّ على الرّضا عليه السلام . ( راجع : الإرشاد : ج2 ص248 ) .

ص: 481

حَقٌّ ، وَأنَّ ما جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله حَقٌّ وَأنَّ ما نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمينُ حَقٌّ ، على ذلِكَ أحيا وَعَلَيهِ أموتُ ، وَعَلَيهِ اُبعَثُ إن شاءَ اللّهُ . وأشهَدَهُم أنّ هذهِ وَصِيَّتي بِخَطّي ، وَقَد نَسَختُ وَصِيَّةَ جَدّي أميرِ المُونينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وَوَصِيَّةِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ قَبلَ ذلِكَ نَسَخُتها حَرفاً بِحَرفٍ ، وَوَصِيَّةَ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ على مِثلِ ذلِكَ ، وَإِنّي قَد أوصَيتُ إلى عَلِيٍّ وَبَنِيَّ بَعدُ مَعَهُ إن شاءَ وَآنَسَ مِنهُم رُشداً ، وأَحَبَّ أن يُقِرَّهُم فَذاكَ لَهُ ، وَإِن كَرِهَهُم وَأَحَبَّ أن يُخرِجَهُم فَذاكَ لَهُ وَلا أمرَ لَهُم مَعَهُ وَأَوصَيتُ إلَيهِ بِصَدَقاتي وَأموالي وَمَوالِيَّ وَصِبيانِيَ الَّذينَ خَلَّفتُ ، وَوُلدي إلى إبراهيمَ وَالعَبّاسِ وَقاسِمٍ وَإِسماعيلَ وأحَمَد وَاُمَّ أحمَدَ ، وَإِلى عَلِيٍّ أمرُ نِسائي دونَهُم ، وَثُلُثُ صَدَقَةِ أبي وَثُلُثي يَضَعُهُ حَيثُ يَرى ، وَيَجعَلُ فيهِ ما يَجعَلُ ذو المالِ في مالِهِ فَإِن أحَبَّ أن يَبيعَ أو يَهبَ أو يَنحَلَ أو يَتَصَدَّقَ بِها على مَن سَمَّيتُ لَهُ وَعَلى غَيرِ مَن سَمَّيتُ ، فَذاكَ لَهُ وَهُوَ أنا في وَصِيَّتي في مالي ، وَفي أهلي ، وَوُلدي ، وَإِن يَرى أن يُقِرَّ إخوَتَهُ الَّذينَ سَمَّيتُهُم في كتابي هذا أقَرَّهُم ، وَإن كَرِهَ فَلَهُ أن يُخرِجَهُم غَيرَ مُثَرَّبٍ عَلَيهِ وَلا مَردودٍ ، فَإِن آنَسَ مِنهُم غَيرَ الَّذي فارَقتُهُم عَلَيهِ فَأَحَبَّ أن يَرُدَّهُم في وِلايَةٍ فَذاكَ لَهُ . وَإِن أرادَ رَجُلٌ مِنهُم أن يُزَوِّجَ اُختَهُ فَلَيسَ لَهُ أن يُزَوِّجَها إلاّ بِإِذنِهِ وَأمرِهِ فَإِنَّهُ أعرَفُ بِمَناكِحِ قَومِهِ ، وَأَيُّ سُلطانٍ أو أحَدٍ مِنَ النّاسِ كَفَّهُ عَن شَيءٍ أو حالَ بَينَهُ وَبَينَ شَيءٍ مِمّا ذَكَرتُ في كِتابي هذا ، أو أحَدٍ مِمَّن ذَكَرتَ فَهُوَ مِنَ اللّهِ وَمِن رَسولِهِ بَريءٌ ، وَاللّهُ وَرَسولُهُ مِنهُ بُراءٌ ، وَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ وَغَضَبُهُ ، وَلَعنَةُ اللاّعِنينَ ، وَالمَلائِكَةِ المُقَرَّبينَ ، وَالنَّبِيّينَ وَالمُرسَلينَ ، وَجَماعَةِ المُونينَ ، وَلَيسَ لِأَحَدٍ مِنَ السَّلاطينِ أن يَكُفَّهُ عَن شَيءٍ وَلَيسَ لي عِندَهُ تَبِعَةٌ وَلا تَباعَةَ وَلا لِأَحَدٍ مِن وُلدي لَهُ قِبَلي مالٌ فَهُوُ مُصَدَّقٌ فيما ذَكَرَ ، فَإِن أقَلَّ فَهُوَ أعلَمُ وَإِن أكثَرَ فَهُوَ الصّادِقُ كَذلِكَ .

.

ص: 482

99 . وصيّته عليه السلام لهشام في العقل

وَإِنَّما أرَدتُ بِإِدخالِ الَّذينَ أدخَلتُهُم مَعَهُ مِن وُلدي ، التَّنويهَ بِأَسمائِهِم وَالتَّشريفَ لَهُم ، وَاُمَّهاتُ أولادي مَن أقامَت مِنهُنَّ في مَنزِلِها وَحِجابِها ، فَلَها ما كانَ يَجري عَلَيها في حَياتي ، إن رأى ذلِكَ ، وَمَن خَرَجَت مِنهُنَّ إلى زَوجٍ فَلَيسَ لَها أن تَرجِعَ إلى مَحوايَ ، إلاّ أن يَرى عَلِيٌّ غَيرَ ذلِكَ ، وَبَناتي بِمِثلِ ذلِكَ ، وَلا يُزَوِّجُ بَناتي أحَدٌ مِن إخوَتِهِنَّ مِن اُمَّهاتِهِنَّ ، وَلا سُلطانَ وَلا عَمَّ إلاّ بِرَأيِهِ وَمَشورَتِهِ ، فَإِن فَعَلوا غَيرَ ذلِكَ فَقَد خالفوا اللّهَ وَرَسولَهُ ، وَجاهَدوهُ في مُلكِهِ ، وَهُوَ أعرَفُ بِمَناكِحِ قَومِهِ ، فَإِن أرادَ أن يُزَوِّجَ ، زَوَّجَ ، وَإن أرادَ أن يَترُكَ تَرَكَ ، وَقَد أوصَيتُهُنَّ بِمِثلِ ما ذَكَرتُ في كتابي هذا ، وَجَعَلتُ اللّهَ عز و جل عَلَيهِنَّ شَهيداً ، وَهُوَ واُمُّ أحمَدَ شاهِدانِ ، وَلَيسَ لِأَحَدٍ أن يَكشِفَ وَصِيَّتي وَلا يَنشُرَها وَهُوَ مِنها على غَيرِ ما ذَكَرتُ وَسَمَّيتُ ، فَمَن أساءَ فَعَلَيهِ ، وَمَن أحسَنَ فَلِنَفسِهِ ، وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلعَبيدِ ، وَصَلَّى اللّهُ على مُحَمَّدٍ وَعلى آلِهِ . وَلَيسَ لِأَحَدٍ مِن سُلطانٍ وَلا غَيرِهِ أن يَفُضَّ كِتابي هذا الَّذي خَتَمتُ عَلَيهِ الأَسفَلَ ، فَمَن فَعَلَ ذلِكَ فَعَلَيهِ لَعَنةُ اللّهِ وَغَضَبُهُ وَلَعنَةُ اللاّعِنينَ وَالمَلائِكَةِ المُقَرَّبينَ ، وَجَماعَةِ المُرسلينَ وَالمُونينَ مِنَ المُسلِمينَ ، وَعلى مَن فَضَّ كتابي هذا وَكَتَبَ وَخَتَمَ أبو إبراهيمَ وَالشّهودِ وَصَلَّى اللّهُ على مُحَمَّدٍ وَعلى آلِهِ . الحديث (1) . . .

99وصيّته عليه السلام لهشامفي العقلروي عن الإمام الكاظمالأمين أبي إبراهيم ، ويكنّى أبا الحسن موسى بن

.


1- .الكافي : ج1 ص316 ح15 وراجع : عيون أخبار الرضا : ج1 ص33 ح 1 ، بحار الأنوار : ج48 ص276 .

ص: 483

جعفر عليه السلام (1) في طوال هذه المعاني ، وصيّته عليه السلام (2) لهشامٍ ، وصفته للعقل : إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى بَشَّرَ أهلَ العَقلِ وَالفَهمِ في كِتابِهِ فَقالَ : «فَبَشِّرْ عِبادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبابِ » (3) . يا هِشامُ بنَ الحَكَمِ ؛ إنَّ اللّهَ عز و جل أكمَلَ لِلنّاسِ الحُجَجَ بِالعُقولِ ، وَأَفضى إلَيهِم بِالبَيانِ ، وَدَلَّهُم على رُبوبِيَّتِهِ بِالأَدِلاّءِ ، فَقالَ : « وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» (4) «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ » إلى قَولِهِ : « لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » . (5) يا هِشامُ ؛ قَد جَعَلَ اللّهُ عز و جل ذلِكَ دَليلاً على مَعرِفَتِهِ بِأَنَّ لَهُم مُدَبِّراً فَقالَ : « وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَالشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (6) وَقالَ : «حم * وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ * إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » (7) وقال : « وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» . (8) يا هِشامُ ؛ ثُمَّ وَعَظَ أهلَ العَقلِ وَرَغَّبَهُم فِي الآخِرَةِ فَقالَ : « وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ لَلدّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ» (9) وَقالَ : « وَ ما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ

.


1- .وفي الكافي : أبو عبد اللّه الأشعريّ عن بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : يا هشام . . .
2- .كما تنبّهنا في مقدمة مكاتيب الإمام الصّادق عليه السلام ليست هي مكتوبة بل ورد شفاها وأوردناها استطرادا .
3- .الزمر : 17 و 18 .
4- .البقرة : 163 .
5- .البقرة : 164 .
6- .النحل : 12 .
7- .الزخرف : 1 _3 .
8- .الروم : 24 .
9- .الأنعام : 32 .

ص: 484

الْحَياةِ الدُّنْيا وَ زِينَتُها وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى أَ فَلا تَعْقِلُونَ» . (1) يا هِشام ؛ ثُمَّ خَوَّفَ الَّذينَ لا يَعقِلونَ عَذابَهُ فَقالَ عز و جل : «ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ» . (2) يا هِشامُ ؛ ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ العَقلَ مَعَ العِلمِ ، فَقالَ : «وَ تِلْكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلاّ الْعالِمُونَ» . (3) ياهِشامُ ؛ثُمَّ ذَمَّ الَّذينَ لا يَعقلِونَ ، فَقالَ : «وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباوهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ» (4) وَقالَ : «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ» (5) وقال : «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ» (6) ثُمَّ ذَمَّ الكَثرَةَ فَقالَ : «وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ» (7) وقال : «وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» (8) ، وَأَكثَرَهُم لا يَشعرونَ . (9)

.


1- .القصص : 60 .
2- .الصافات : 136 _ 138 .
3- .العنكبوت : 43 .
4- .البقرة : 170 .
5- .الأنفال : 22 .
6- .في سورة لقمان الآية 25 : «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ » . وفي سورة العنكبوت الآية 63 : «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنم بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ » لعلّه سهو من الرّاوي أو من النّسّاخ .
7- .الأنعام : 116 .
8- .سورة الأنعام : 37 . ونظيرها قوله تعالى : «بَلْ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» : سورة النّحل : 77 و103 . والأنبياء : 24 ، والنّمل : 62 ، ولقمان : 24 ، والزّمر :30 ، وكذا قوله تعالى : « بَلْ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ» : سورة العنكبوت : 63 . وقوله تعالى : « وَ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ» : سورة المائدة : 102 .
9- .مضمون مأخوذ من آيات القرآن .

ص: 485

يا هِشامُ ؛ ثُمَّ مَدَحَ القِلَّةَ فَقالَ : «وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» (1) وَقالَ : «وَ قَلِيلٌ ما هُمْ» (2) وَقالَ : «وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ» . (3) يا هِشامُ ؛ ثُمَّ ذَكَرَ اُولي الأَلبابِ بِأَحسَنِ الذِّكرِ وَحَلاّهُم بِأَحسَنِ الحِليَةِ فَقالَ : «يُوتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُوتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الأَلْبابِ» . (4) يا هِشامُ ؛ إنَّ اللّهَ يَقولُ : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» (5) يَعني العَقلَ وَقالَ : «وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ» (6) قالَ : الفَهمُ وَالعَقلُ . يا هِشامُ ؛ إنَّ لُقمانَ قالَ لاِبنِهِ : تَواضَع لِلحَقِّ تَكُن أعقَلَ النّاسِ (7) يا بَنِيَّ إنَّ الدُّنيا بَحرٌ عَميقٌ قَد غَرِقَ فيهِ عالَمٌ كَثيرٌ فَلتَكُن سَفينَتُكَ فيها تَقوَى اللّهِ ، وَحَشُوها (8) الإِيمانُ وَشِراعُها التَّوكُّلُ ، وَقَيِّمُها العَقلُ وَدَليلُها العِلمُ وَسُكّانُها الصَّبرُ . يا هِشامُ ؛ لِكُلِّ شَيءٍ دَليلٌ وَدَليلُ العاقِلِ التَّفَكُّرُ ، وَدَليلُ التَّفَكُّرِ الصَّمتُ ، وَلِكُلِّ شَيءٍ مَطِيَّةٌ وَمَطِيَّةُ العاقِلِ التَّواضُعُ (9) وَكَفى بِكَ جَهلاً أن تَركَبَ ما نُهيتَ عَنهُ . يا هِشامُ لَو كانَ في يَدِكَ جَوزَةٌ وَقالَ النّاسُ : في يَدِكَ لُؤلُؤَةٌ ، ما كانَ يَنفَعُكَ وَأَنتَ تَعلَمُ أنَّها جَوزَةٌ ؟ وَلَو كانَ في يَدِكَ لُؤلُؤَةٌ وقالَ النّاسُ : إنَّها جَوزَةٌ ما ضَرَّكَ وَأَنتَ تَعلَمُ أنَّها لُؤلُؤَةٌ ؟ .

.


1- .سبأ : 13 .
2- .ص : 24 .
3- .هود : 40 .
4- .البقرة : 269 . ونظيرها قوله تعالى في سورة آل عمران :187 والرّعد : 19 وص : 28 والزّمر : 12 والمؤمن : 56 .
5- .ق : 37 .
6- .لقمان : 12 . إلى هنا في الكافي مع تقديم وتأخير .
7- .زاد في الكافي : « وإنّ الكيّس لدى الحقّ يسير » .
8- .الحشو : ما حشى به الشيء أي ملاء به . وفي بعض النّسخ : فلتكن سفينتك منها . و« حشوها» في بعض النّسخ «جسرها » . وشِراع السّفينة _ بالكسر _ : ما يرفع فوقها من ثوب وغيره ليدخل فيه الرّيح فتجريها .
9- .في الكافي : «العاقل» بدل «العقل» في الموضعين .

ص: 486

يا هِشامُ ، ما بَعَثَ اللّهُ أنبِياءَهُ وَرُسُلَهُ إلى عِبادِهِ إلاّ لِيَعقِلوا عَن اللّهِ ، فَأَحسَنُهُم استِجابَةً أحسَنُهُم مَعرِفَةً للّهِِ ، وَأَعلَمُهُم بِأَمرِ اللّهِ أحسَنُهُم عَقلاً ، وَأعقَلُهُم (1) أرفَعُهُم دَرَجَةً فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . ياهِشامُ ، ما مِن عَبدٍ إلاّ وَمَلَكٌ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ ، فَلا يَتَواضَعُ إلاّ رَفعَهُ اللّهُ ، وَلا يَتَعاظَمُ إلاّ وَضَعَهُ اللّهُ . يا هِشامُ ، إنَّ للّهِِ عَلَى النّاسِ حُجَّتَينِ : حُجَّةً ظاهِرَةً ، وَحُجَّةً باطِنَةً فَأَمّا الظّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالأَنبِياءُ وَالأَئِمَّةُ ، وَأَمّا الباطِنَةُ فَالعُقولُ . يا هِشامُ ؛ إنَّ العاقِلَ الَّذي لا يَشغَلُ الحَلالُ شُكرَهُ ، وَلا يَغلِبُ الحَرامُ صَبرَهُ . يا هِشامُ ؛ مَن سَلَّطَ ثَلاثاً على ثَلاثٍ فَكَأَنَّما أعانَ هَواهُ على هَدِم عَقلِهِ : مَن أظلَمَ نورَ فِكرِهِ (2) بِطولِ أمَلِهِ ، وَمَحا طَرائِفَ حِكمَتِهِ بِفُضولِ كَلامِهِ ، وَأَطفَأَ نورَ عِبرَتِهِ بِشَهواتِ نَفسِهِ ، فَكَأَنَّما أعانَ هَواهُ عَلى هَدمِ عَقلِهِ ، وَمَن هَدَمَ عَقلَهُ أفسَدَ عَلَيهِ دينَهُ وَدُنياهُ . يا هِشامُ ؛ كَيفَ يَزكو عِندَ اللّهِ عَمَلُكَ وَأَنتَ قَد شَغَلتَ عَقلَكَ عَن أمرِ رَبِّكَ ، وَأطَعتَ هَواكَ على غَلَبَةِ عَقلِكَ . يا هِشامُ ؛ الصَّبرُ عَلَى الوَحدَةِ عَلامةُ قُوَّةِ العَقلِ فَمَن عَقِلَ عَنِ اللّهِ تَبارَكَ وَتَعالى اعتَزَلَ أهلِ الدُّنيا وَالرَّاغِبينَ فيها وَرَغِبَ فيما عِندَ رَبِّهِ وَكانَ اللّهُ آنِسَهُ فِي الوَحشَةِ وَصاحِبَهُ فِي الوحَدَةِ وَغِناهُ فِي العَيلَةِ (3) وَمُعِزَّهُ في غَيرِ عَشيرَةٍ . (4) يا هِشامُ ؛ نُصِبَ الخَلقُ لِطاعَةِ اللّهِ وَلا نَجاةَ إلاّ بِالطّاعَةِ ، وَالطّاعَةُ بِالعِلمِ وَالعِلمُ بِالتَّعَلُّمِ وَالتّعَلُّمُ بِالعَقلِ يُعتَقَدُ (5) ، وَلا عِلمَ إلاّ مِنَ عالِمٍ رَبّانِيٍّ ، وَمَعرِفَةُ العالِم بِالعَقلِ .

.


1- .في الكافي : « وأكملهم عقلاً » .
2- .في الكافي : « من أظلم نور تفكّره » .
3- .العَيلة : الفاقة .
4- .نصب _ من باب ضرب على صيغة المجهول _ : بمعنى وضع ، أو من باب التّفعيل من نصب الأمير فلاناً ولاّه منصباً . وفي الكافي : « ونصب الحقّ لطاعة اللّه » .
5- .اعتقد الشيء : نقيض حله . وفي بعض النسخ : «يعتقل» هو أيضاً نقيض حل أي يمسك ويشدّ .

ص: 487

يا هِشام ؛ قَليلُ العَمَلِ مِنَ العاقِلِ مَقبولٌ مُضاعَفٌ وَكثيرُ العَمَلِ مِن أهلِ الهَوى وَالجَهلِ مَردودٌ . يا هِشامُ ؛ إنَّ العاقِلَ رَضِيَ بِالدّونِ مِنَ الدُّنيا مَعَ الحِكمَةِ ، وَلَم يَرضَ بِالدُّونِ مِنَ الحِكمَةِ مَعَ الدُّنيا ، فَلِذلِكَ رَبِحَت تِجارَتُهُم . يا هِشامُ ؛ إن كانَ يُغنيكَ ما يَكفيكَ فَأَدنى ما فِي الدُّنيا يَكفيكَ ، وَإِن كانَ لا يُغنيكَ ما يَكفيكَ فَلَيسَ شَيءٌ مِنَ الدُّنيا يُغنيكَ . يا هِشامُ ؛ إنَّ العُقلاءَ تَرَكوا فُضولَ الدُّنيا ، فَكَيفَ الذُّنوبُ ؟ وَتَركُ الدُّنيا مِنَ الفَضلِ ، وَتَركُ الذُّنوبِ مِنَ الفَرضِ . (1) يا هِشامُ ؛ إنَّ العُقلاءَ زَهَدوا فِي الدُّنيا وَرَغِبوا فِي الآخِرَةِ ؛ لِأَنَّهُم عَلِموا أنَّ الدُّنيا طالِبَةٌ وَمَطلوبَةٌ ، وَالآخِرَةَ طالِبَةٌ وَمَطلوبَةٌ ، فَمَن طَلَبَ الآخِرَةَ طَلِبَتهُ الدُّنيا حَتّى يَستَوفِيَ مِنها رِزقَهُ ، وَمَن طَلَبَ الدُّنيا طَلِبَتهُ الآخِرَةُ ، فَيَأتِيَهُ المَوتُ فَيُفسِدُ عَلَيهِ دُنياهُ وَآخِرَتَهُ . يا هِشامُ مَن أَرادَ الغِنى بِلا مالٍ ، وَراحَةَ القَلبِ مِنَ الحَسَدِ ، وَالسّلامَةَ فِي الدّينِ ، فَليَتَضَرَّع إلَى اللّهِ في مَسأَلتِهِ بِأَن يُكَمِّلَ عَقلَهُ فَمَن عَقِلَ قَنَعَ بِما يَكفيهِ ، وَمَن قَنَعَ بِما يَكفيهِ استَغنى ، وَمَن لَم يَقنَع بِما يَكفيهِ لَم يُدرِكِ الغِنى أبَداً . يا هِشامُ ؛ إنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ حَكى عَن قَومٍ صالِحينَ أنّهُم قالوا : « رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ» (2) حينَ عَلِموا أنَّ القُلوبَ تَزيغُ وَتَعودُ إلى عَماها وَرَداها (3) ، إنَّهُ لَم يَخَفِ اللّهَ مَن لَم يَعقِل عَنِ اللّهِ ، وَمَن لَم يَعقِل عَنِ اللّهِ لَم يَعقِد قَلبَهُ على مَعرِفَةٍ ثابِتَةٍ يُبصِرُها وَيَجِدُ حَقيقَتَها في قَلبِهِ وَلا يَكونُ أحَدٌ كذلِكَ إلاّ مَن كانَ قَولُهُ لِفِعلِهِ مُصَدِّقا ، وَسِرُّهُ

.


1- .زاد في الكافي : « يا هشام إنّ العاقل نظر إلى الدّنيا وإلى أهلها فعلم أنّها لا تنال إلاّ بالمشقّة ونظر إلى الآخرة فعلم أنّها لا تنال إلاّ بالمشقّة ، فطلب بالمشقّة أبقاهما » .
2- .آل عمران : 8 .
3- .الرّدى : الهلاك .

ص: 488

لِعَلانِيَّتِهِ مُوافقاً ؛ لِأَنَّ اللّهَ لَم يَدُلَّ عَلَى الباطِنِ الخَفِيِّ مِنَ العَقلِ إلاّ بِظاهِرٍ مِنهُ وَناطِقٍ عَنهُ . يا هِشامُ ، كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : ما مِن شَيءٍ عُبِد اللّهُ بِهِ (1) أفضَلُ مِنَ العَقلِ ، وَماتَمَّ عَقلُ امرِىًحَتّى يَكونَ فيهِ خِصالٌ شَتّى ، الكُفرُ وَالشَّرُّ مِنهُ مَأمونانِ (2) ، وَالرُّشدُ وَالخَيرُ مِنهُ مَأمولانِ (3) وَفَضلُ مالِهِ مَبذولٌ وَفَضلُ قَولِهِ مَكفوفٌ ، نَصيبُهُ مِنَ الدُّنيا القوتُ وَلا يَشبَعُ مِنَ العِلمِ دَهرَهُ ، الذُّلُّ أحَبُّ إلَيهِ مَعَ اللّهِ مِنَ العِزِّ مَعَ غَيرِهِ ، وَالتَّواضُعُ أحَبُّ إلَيهِ مِنَ الشَّرَفِ ، يَستَكثِرُ قَليلَ المَعروفِ مِن غَيرِهِ ، وَيَستَقِلُّ كَثيرَ المَعروفِ مِن نَفسِهِ ، وَيَرَى النّاسَ كُلَّهُم خَيراً مِنهُ ، وَأنَّهُ شَرُّهُم في نَفسِهِ ، وَهُوَ تَمامُ الأَمرِ . (4) يا هِشامُ ؛ مَن صَدَق لِسانُهُ زَكا عَمَلُهُ ، وَمَن حَسُنَت نِيَّتُهُ زيدَ في رِزِقِهِ ، وَمَن حَسُنَ بِرُّهُ بِإِخوانِهِ وَأهلِهِ مُدَّ في عُمُرِهِ . يا هِشامُ ؛ لا تَمنَحوا الجُهّالَ الحِكمَةَ فَتَظلِموها (5) ، وَلا تَمنَعوها أهلَها فَتَظلِموهُم . يا هِشامُ ؛ كَما تَرَكوا لَكُم الحِكمَةَ ، فَاترُكوا لَهُمُ الدُّنيا . (6) يا هِشامُ ؛ لا دينَ لِمَن لا مُرُوَّةَ لَهُ ، وَلا مُرُوَّةَ لِمَن لا عَقلَ لَهُ ، وَإِنَّ أعظَمَ النّاسِ قَدراً الَّذي لا يَرَى الدُّنيا لِنَفسِهِ خَطراً (7) ، أما إنَّ أبدانَكُم لَيسَ لَها ثَمَنٌ إلاّ الجَنَّةَ ، فَلا تَبيعوها بِغَيرِها . (8)

.


1- .في الكافي : « ما عبد اللّه بشيء » .
2- .الكفر في الاعتقاد والشّرّ في القول والعمل والكلّ ينشأ من الجهل . وفي بعض النّسخ :«مأمون » .
3- .الرّشد في الاعتقاد والخير في القول والكلّ ناش من العقل . وفي بعض النّسخ : «مأمول » .
4- .أي ملاك الأمر وتمامه في أن يكون الإنسان كاملاً تامّ العقل هو كونه متصفاً بمجموعة هذه الخصال.(وافي).
5- .لا تمنحوا الجهّال : أي لا تعطوهم ولا تعلموهم . والمنحة : العطاء .
6- .في الكافي ههنا : « يا هشام إنّ العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه » .
7- .أي قدراً ورفعة . والخطر : الحظّ والنّصيب والقدر والمنزلة .
8- .ههنا كلام نقله صاحب الوافي عن استاده رحمهماالله قال : وذلك لأنّ الأبدان في التّناقص يوماً فيوماً لتوجّه النّفس منها إلى عالم آخر ، فإن كانت النّفس سعيدة كانت غاية سعيه في هذه الدّنيا وانقطاع حياته البدنيّة إلى اللّه سبحانه وإلى نعيم الجنّة ، لكونه على منهج الهداية والاستقامة ، فكأنّه باع بدنه بثمن الجنّة معاملة مع اللّه تعالى ولهذا خلقه اللّه عز و جل ، وإن كانت شقيّة كانت غاية سعيه وانقطاع أجله وعمره إلى مقارنة الشّيطان وعذاب النّيران لكونه على طريق الضّلالة ، فكأنّه باع بدنه بثمن الشّهوات الفانية واللذّات الحيوانيّة الّتي ستصير نيرانات محرقة مؤلمة ، وهي اليوم كامنة مستورة عن حواسّ أهل الدُّنيا وستبرز يوم القيامة : « وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى » ، معاملة مع الشّيطان وخسر هنالك المبطلون .

ص: 489

يا هِشامُ ؛ إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام كانَ يَقولُ (1) : لا يَجلِسُ في صَدرِ المَجلِس إلاّ رَجُلٌ فيهِ ثَلاثُ خِصالٍ : يُجيبُ إذا سُئِلَ وَيَنطِقُ إذا عَجَزَ القَومُ عَنِ الكَلامِ ، وَيُشيرُ بِالرَّأي الَّذي فيهِ صَلاحُ أهلِهِ ، فَمَن لَم يَكُن فيهِ شَيءٌ مِنهُنَّ فَجَلَسَ فَهُوَ أحمَقُ . وَقالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام : إذا طَلَبتُم الحَوائِجَ فَاطلُبوها مِن أهلِها . قيلَ : يا بنَ رَسولِ اللّهِ وَمَن أهلُها ؟ قالَ : الّذينَ قَصَّ اللّهُ في كِتابِهِ وَذَكَرَهُم فَقالَ : « إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ » (2) قالَ : هُم اُولو العُقولِ . وَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام : مُجالَسَةُ الصّالِحينَ داعِيَةٌ إلَى الصَّلاحِ ، وَأدَبُ العُلماءِ (3) زِيادَةٌ فِي العَقلِ ، وَطاعَةُ وُلاةِ العَدلِ تَمامُ العِزِّ ، وَاستِثمارُ المالِ تَمامُ المُرُوَّةِ ، وَإِرشادُ المُستَشيرِ قَضاءٌ لِحَقِّ النِّعمَةِ ، وَكَفُّ الأَذى مِن كَمالِ العَقلِ وَفيهِ رَاحَةُ البَدَنِ عاجِلاً وَآجِلاً . يا هِشامُ ، إنَّ العاقِلَ لا يُحَدِّثُ مَن يَخافُ تَكذيبَهُ ، وَلا يَسأَلُ مَن يَخافُ مَنعَهُ ، وَلا يَعِدُ ما لا يَقدِرُ عَلَيهِ ، وَلا يَرجو ما يُعنَّفُ بِرَجائِهِ (4) وَ لا يَتَقَدَّمُ عَلى ما يَخافُ العَجزَ عَنهُ (5) . وَكانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يُوصي أصحابَهُ يَقولُ : اُوصيكُم بِالخَشيَةِ مِنَ اللّهِ في السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ،

.


1- .في الكافي : إنّ من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سئل . وينطق إذا عجز القوم عن الكلام . ويشير بالرّأي الّذي يكون فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثّلاث شيء فهو أحمق . إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : لا يجلس في صدر المجلس إلاّ رجل فيه هذه الخصال الثّلاث أو واحدة منهنّ _ إلخ .
2- .الزمر : 9 .
3- .في الكافي : « وآداب العلماء » .
4- .التّعنيف : اللّؤم والتّوبيخ والتّقريع .
5- .في الكافي : « ولا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه » . أي لا يبادر إلى فعل قبل أوانه خوفاً من أن يفوته بالعجز عنه في وقته .

ص: 490

وَالعَدلِ في الرِّضا وَالغَضَبِ ، وَالاِكتِسابِ في الفَقرِ وَالغِنى وَأن تَصِلوا مَن قَطَعَكُم وَتَعفوا عَمَّن ظَلَمَكُم ، وَتَعطِفوا على مَن حَرَمَكُم ، وَليَكُن نَظَرُكُم عِبَراً وَصَمتُكُم فِكَراً ، وَقولُكُم ذِكراً ، وطَبيعَتُكُمُ السَّخاءُ ؛ فَإِنَّهُ لا يَدخُلِ الجَنَّةَ بَخيلٌ وَلا يَدخُلِ النَّارَ سَخِيٌّ . يا هشامُ ، رَحِمَ اللّهُ مَن استَحيا مِنَ اللّهِ حَقَّ الحَياءِ ، فَحَفِظَ الرَّأسَ وَما حَوى (1) وَالبَطنَ وما وَعى ، وَذَكَرَ المَوتَ وَالبِلى (2) ، وَعَلِمَ أنَّ الجَنَّةَ مَحفوفَةٌ بِالمَكارِهِ (3) وَالنَّارَ مَحفوفَةٌ بِالشَّهواتِ . يا هِشامُ ؛ مَن كَفَّ نَفسَهُ عَن أعراضِ النّاسِ أقالَهُ اللّهُ عَثرَتَهُ يَومَ القِيامَةِ ، وَمَن كَفَّ غَضَبَهُ عَنِ النّاسِ ، كَفَّ اللّهُ عَنهُ غَضَبَهُ يَومَ القِيامَةِ . يا هِشامُ ؛ إنَّ العاقِلَ لا يَكذِبُ ، وَإِن كانَ فيهِ هَواهُ . يا هِشامُ ؛ وُجِدَ في ذُؤابَةِ (4) سَيفِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ أعتَى النّاسِ (5) عَلَى اللّهِ مَن ضَرَبَ غَيرَ ضارِبِهِ وَقَتَلَ غَيرَ قاتِلِهِ ، وَمَن تَوَلّى غَيرَ مَواليهِ فَهُوَ كافِرٌ بِما أنزَلَ اللّهُ على نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَمَن أحدَثَ حَدَثاً أو آوى مُحدِثاً لَم يَقبَلِ اللّهُ مِنهُ يَومَ القِيامَةِ صِرفاً وَلا عَدلاً . يا هِشامُ ؛ أفضَلُ ما يَتَقَرَّبُ بِهِ العَبدُ إلَى اللّهِ بَعدَ المَعرِفَةِ بِهِ الصَّلاةُ ، وَبِرُّ الوالِدَينِ ، وَتَركُ الحَسَدِ

.


1- .«وما حوى» : أي ما حواه الرّأس من الأوهام والأفكار ، بأن يحفظها ولا يبديها ، ويمكن أن يكون المراد ما حواه الرّأس من العين والأذن وسائر المشاعر بأن يحفظها عمّا يحرم عليه . وما وعى أي ما جمعه من الطّعام والشّراب بأن لا يكونا من حرام .
2- .والبلى _ بالكسر _ : الاندراس والاضمحلال .
3- .المحفوفة : المحيطة . والمكاره : جمع مكرهة _ بفتح الرّاء وضمّها _ : ما يكرهه الإنسان ويشقّ عليه . والمراد أنّ الجنّة محفوفة بما يكره النّفس من الأقوال والأفعال فتعمل بها ، فمن عمل بها دخل الجنّة . والنّار محفوفة بلذّات النّفس وشهواتها ، فمن أعطى نفسه لذّتها وشهوتها دخل النّار .
4- .الذّؤابة من كلّ شيء : أعلاه . ومن السّيف : علاقته . ومن السّوط : طرفه . ومن الشّعر : ناصيته .
5- .عتا يعتو عتوّاً ، وعتى يعتى عتياً : بمعنى واحد أي استكبر وتجاوز الحدّ ، والعتو : الطّغيان والتّجاوز عن الحدود والتّجبّر . وفي بعض النّسخ : «واعنى النّاس» ، من عنّ عليه أي اعترض . وفي بعضها :« وأعق النّاس» ، من عقّه : خالفه وعصاه .

ص: 491

وَالعُجبُ وَالفَخرُ . يا هِشامُ ؛ أصلَحُ أيّامِكَ الَّذي هُوَ أمامَكَ فَانظُر أيَّ يَومٍ هُوَ وَأَعِدَّ لَهُ الجَوابَ ؛ فَإِنَّكَ مَوقوفٌ وَمَسؤولٌ، وَخُذ مَوعِظَتَكَ مِنَ الدَّهرِ وَأهلِهِ ، فَإِنَّ الدَّهرَ طَويلُهُ قَصيرُهُ ، فاعمَل كَأَنَّكَ تَرى ثَوابَ عَمَلِكَ لِتَكونَ أطمَعَ في ذلِكَ ، وَاعقِل عَنِ اللّهِ ، وَانظُر في تَصَرُّفِ الدَّهرِ وَأحوالِهِ ؛ فَإِنَّ ما هُوَ آتٍ مِنَ الدُّنيا كَما وَلّى مِنها ، فَاعتَبِر بِها . وَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : إنَّ جَميعَ ما طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ في مَشارِقِ الأَرضِ وَمَغارِبِها ، بَحرِها وَبَرِّها وَسَهلِها وَجَبَلِها عِندَ وَلِيٍّ مِن أولياءِ اللّهِ وَأهلِ المَعرِفَةِ بِحَقِّ اللّهِ كَفَيءِ الظِّلالِ ، ثمّ قالَ عليه السلام : أَوَلا حُرٌّ يَدَعُ هذهِ اللُّمّاظَةَ لِأَهلِها (1) ، يَعني الدُّنيا ، فَلَيسَ لِأَنفُسِكُم ثَمَنٌ إلاّ الجَنَّةُ ، فَلا تَبيعوها بِغَيرِها ؛ فَإِنَّهُ مَن رَضِيَ مِنَ اللّهِ بِالدُّنيا فَقَد رَضِيَ بِالخَسيسِ . يا هِشامُ ؛ إنَّ كُلَّ النّاسِ يُبصِرُ النُّجومَ ، وَلَكِن لا يَهتَدي بِها إلاّ مَن يَعرِفُ مَجاريها ومَنازِلِها ، وَكَذلِكَ أنتُم تَدرُسونَ الحِكمَةَ ، وَلكِن لا يَهتَدي بِها مِنكُم إلاّ مَن عَمِلَ بِها . يا هِشامُ ، إنَّ المَسيحَ عليه السلام قال للحواريّين : يا عَبيدَ السّوءِ ، يَهولُكُم (2) طولُ النَّخِلَةِ وَتَذكُرونَ شَوكَها وَمَؤونَةَ مَراقيها ، وَتَنسَونَ طيبَ ثَمَرِها وَمَرافِقَها (3) كَذلِكَ تَذكُرونَ مَؤونَةَ عَمَلِ الآخِرَةِ فَيَطولُ عَلَيكُم أمَدُهُ (4) ، وَتَنسَونَ ما تُفضونَ إلَيهِ مِن نَعيمِها وَنَورِها ، وَثَمَرِها ، يا عبيدَ السّوءِ نَقّوا القَمحَ وَطَيِّبوهُ ، وَأدِقّوا طَحنَهُ تَجِدوا طَعمَهُ ، وَيُهنِئُكُم أكلُهُ ، كَذلِكَ فَأَخلِصوا الإيمانَ وَأكمِلوهُ تَجِدوا حَلاوَتَهُ وَيَنفَعُكُم غِبُّهُ (5) ، بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : لَو وَجَدتُم سِراجاً يَتَوَقَّدُ بالقَطِرانِ (6) في لَيلَةٍ مُظلِمَةٍ

.


1- .اللّمّاظة _ بالضّمّ _ : بقيّة الطّعام في الفم . وأيضاً بقية الشّيء القليل .
2- .يهولكم : أي يفزعكم وعظم عليكم .
3- .مؤونة المراقى : شدّة الارتقاء . والمرافق : المنافع ؛ وهي جمع مرفق _ بالفتح _ : ما انتفع به .
4- .الأمد : الغاية ومنتهى الشّيء ، يقال : طال عليهم الأمد أي الأجل . والنّور _ بالفتح _ : الزّهرة .
5- .الغِبّ _ بالكسر _ : العاقبة . وأيضاً بمعنى البعد .
6- .القطران _ بفتح القاف وسكون الطّاء وكسرها أو بكسر القاف وسكون الطّاء _ : سيّال دهني شبيه النّفط ، يتّخذ من بعض الأشجار كالصّنوبر والارز فيهنأ به الإبل الجربى ويسرع فيه اشعال النّار .

ص: 492

لاستَضَأتُم بِهِ ولَم يَمنَعكُم مِنهُ ريحُ نَتنِهِ (1) ، كذلِكَ يَنبَغي لَكُم أن تَأخُذوا الحِكمَةَ مِمَّن وَجَدتُموها مَعَهُ وَلا يَمنَعكُم مِنهُ سوءُ رَغَبتِهِ فيها . يا عَبيدَ الدُّنيا ؛ بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : لا تُدرِكونَ شَرَفَ الآخِرَةِ إلاّ بِتَركِ ما تُحِبّونَ فَلا تَنظُروا بِالتَّوبَةِ غَداً ؛ فَإِنَّ دونَ غَدٍ يَوماً وَلَيلَةً ، وَقَضاء اللّهِ فيهِما يَغدو وَيَروحُ بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ مَن لَيسَ عَلَيهِ دَينٌ مِنَ النّاسِ أروَحُ وَأَقَلُّ هَمّاً مِمَّن عَلَيهِ الدَّينُ ، وَإِن أحسَنَ القَضاءَ ، وَكَذلِكَ مَن لَم يَعمَل الخَطيئَةَ أروَحُ هَمّاً مِمَّن عَمِلَ الخَطيئَةَ ، وَإن أخلَصَ التَّوبَةَ وَأنابَ وَإنَّ صِغارَ الذُّنوبِ وَمُحَقَّراتِها مِن مكائِدِ إبليسَ ، يُحَقِّرُها لَكُم وَيُصَغِّرُها في أعيُنِكُم فَتَجتَمِعُ وَتَكثُرُ فَتُحيطُ بِكُم ، بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ النّاسَ في الحِكمَةِ رَجُلانِ : فَرَجُلٌ أتقَنَها بِقَولِهِ وَصَدَّقَها بِفِعلِهِ ، وَرَجُلٌ أتقَنَها بِقَولِهِ وَضَيَّعَها بِسوءِ فِعلِهِ ، فَشَتّانَ بَينَهُما . فَطوبى لِلعُلماءِ بِالفِعلِ ، وَوَيلٌ لِلعُلَماءِ بِالقَولِ ، يا عَبيدَ السّوءِ اتَّخِذوا مساجِدَ رَبِّكُم سُجوناً لِأَجسادِكُم وَجباهِكُم ، وَاجعَلوا قُلوبَكُم بُيوتاً لِلتّقوى ، وَلا تَجعَلوا قُلوبَكُم مَأوى لِلشّهَواتِ ، إنّ أجزَعَكُم عِندَ البَلاءِ لَأَشَدَّكُم حُبّاً لِلدُّنيا وَإنَّ أصبَرَكُم عَلَى البَلاءِ لَأَزهَدَكُم فِي الدُّنيا ، يا عَبيدَ السّوءِ ؛ لا تَكونوا شَبيهاً بِالحِداءِ الخاطِفَةِ (2) ، وَلا بِالثَّعالِبِ الخادِعَةِ ، وَلا بِالذِّئابِ الغادِرَةِ (3) ، وَلا بِالاُسدِ العاتِيَةِ (4) ، كَما تَفعَلُ بِالفَرائِسِ ، كَذلِكَ تَفعَلونَ بِالنّاسِ فَريقاً تَخطِفونَ وَفَريقاً تَخدَعونَ ، وَفَريقاً تَغدُرونَ بِهِم ، بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : لا يُغني عَنِ الجَسَدِ أن يَكونَ ظاهِرُهُ صَحيحاً وَباطِنُهُ فاسِداً ، كَذلِكَ لا تُغني أجسادُكُم الّتي قَد أعجَبَتكُم ، وَقَد فَسَدَت قُلوبُكُم ، وَما يُغني عَنكُم أن تُنَقّوا جُلودَكُم وَقُلوبَكُم دَنِسَةٌ . لا تَكونوا كالمُنخُلِ (5) يَخرُجُ مِنهُ الدّقيقُ الطَّيِّبُ وَيُمسِكُ النُّخالَةَ ، كَذلِكَ أنتُم تُخرِجونَ

.


1- .نتنه : أي خبث رائحته .
2- .الحداء _ بالكسر _ : جمع حدأة _ كعنبة _ : طائر من الجوارح وهو نوع من الغُراب يخطف الأشياء والخاطفة من خطف الشّيء يخطف كعلم يعلم _ : استلبه بسرعة .
3- .الغادرة : الخائنة .
4- .والعاتى : الجبّار .
5- .المنخل _ بضمّ الميم والخاء أو بفتح الخاء _ : ماينخل به . والنخالة _ بالضّمّ _ : ما بقى في المنخل من القشر ونحوه .

ص: 493

الحِكمَةَ مِن أفواهِكُم وَيَبقى الغِلُّ في صُدورِكُم . يا عَبيدَ الدُّنيا ، إنَّما مَثَلُكُم مَثَلُ السِّراجِ ، يُضيءُ لِلنّاسِ وَيُحرِقُ نَفسَهُ ، يا بَني إسرائيلَ زاحِموا العُلماءَ في مَجالِسِهِم ، وَلَو جَثوا عَلَى الرُّكَبِ (1) ، فَإِنَّ اللّهَ يُحيي القُلوبَ المَيِّتَةَ بِنورِ الحِكمَةِ كَما يُحيي الأَرضَ المَيِّتَةَ بِوابِلِ المَطَرِ (2) . يا هِشامُ ؛ مَكتوبٌ فِي الإِنجيلِ : طوبى لِلمُتَراحِمينَ ، اُولئِكَ هُمُ المَرحومونَ يَومَ القِيامَةِ ، طوبى للمُصلِحينَ بَينَ النّاسِ ، اُولئِكَ هُمُ المُقَرَّبونَ يَومَ القِيامَةِ . طوبى لِلمُطَهَّرَةِ قُلوبُهُم اُولئِكَ هُمُ المُتَّقونَ يَومَ القِيامَةِ . طوبى لِلمُتَواضِعينَ فِي الدُّنيا ، اُولئِكَ يَرتَقون مَنابِرَ المُلكِ يَومَ القِيامَةِ . يا هِشامُ ؛ قِلَّةُ المَنطِقِ حُكمٌ عَظيمٌ ، فَعَلَيكُم بِالصَّمتِ ، فَإِنَّهُ دَعَةٌ حَسَنَةٌ ، وَقِلَّةُ وِزر وَخِفَّةٌ مِنَ الذُّنوبِ ، فَحَصِّنوا بابَ الحِلمِ فَإِنَّ بابَهُ الصَّبرُ وَإِنَّ اللّهَ عز و جل يُبغِضُ الضَّحّاكَ مِن غَيرِ عَجَبٍ وَالمَشّاءَ (3) إلى غَيرِ أرَبٍ (4) وَيَجِبُ عَلَى الوالي أن يَكونَ كَالرّاعي ، لا يَغفُلُ عَن رَعِيَّتِهِ وَلا يَتَكَبَّرُ عَلَيهِم فَاستَحيوا مِنَ اللّهِ في سَرائِرِكُم كَما تَستَحيونَ مِنَ النّاسِ في عَلانِيَتِكُم ، وَاعلَموا أنَّ الكَلِمَةَ مِنَ الحِكمَةِ ضَالَّةُ المُؤمِنِ فَعَلَيكُم بِالعِلمِ قَبلَ أن يُرفَعَ ، وَرَفعُهُ غَيبَةُ عالِمِكُم بَينَ أظهُرِكُم . يا هِشامُ ؛ تَعَلَّم مِنَ العِلمِ ما جَهِلتَ ، وَعَلِّمِ الجاهِلَ مِمّا عَلِمتَ ، عَظِّمِ العالِمَ لِعِلمِهِ ، وَدَع مُنازَعَتَهُ ، وَصَغِّرِ الجاهِلَ لِجَهلِهِ وَلا تَطرُدهُ ، وَلكِن قَرِّبهُ وَعَلِّمهُ . يا هِشامُ ، إنَّ كُلَّ نِعمَةٍ عَجَزتَ عَن شُكرِها بِمَنزِلَةِ سَيِّئَةٍ تُؤاخَذُ بِها . وَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : إنّ للّهِِ عِباداً كَسَرَت قُلوبَهُم خَشيَتُهُ فَأَسكَتَتهُم عَنِ المَنطِقِ ، وَإنَّهُم لفُصَحاءُ عُقَلاءُ ، يَستَبِقونَ إلَى اللّهِ بِالأَعمالِ الزَّكِيَّةِ ، لا يَستَكثِرونَ لَهُ الكَثيرَ وَلا يَرضَونَ لَهُم مِن أنفُسهِم بِالقَليلِ ، يَرَونَ في أنفُسِهِم

.


1- .جثا يجثو . وجثى يجثى : جلس على ركبتيه أو قام على أطراف الأصابع . وفي بعض النّسخ : «حبواً» أي زحفاً على الرّكب من حبا يحبو وحبى يحبى : إذا مشى على أربع .
2- .الوابل : المطر الشّديد الضّخم القطر .
3- .المشّاء : الكثير المشي .
4- .الأرب _ بفتحتين _ : الحاجة .

ص: 494

أنَّهُم أشرارٌ ، وَإِنَّهُم لأَكياسٌ وَأَبرارٌ . يا هِشامُ ؛ الحَياءُ مِنَ الإِيمانِ وَالإِيمانُ في الجَنَّةِ ، وَالبَذَاءُ (1) مِنَ الجَفاءِ وَالجَفاءُ فِي النّارِ . يا هِشامُ ، المُتَكَلِّمونَ ثَلاثَةٌ : فَرابِحٌ وَسالِمٌ وَشاجِبٌ ، فَأَمَّا الرّابِحُ فَالذّاكِرُ للّهِِ وَأمّا السَّالِمُ فَالسّاكِتُ وَأَمَّا الشّاجِبُ (2) فَالَّذي يَخوضُ فِي الباطِلِ ، إنَّ اللّهَ حَرَّمَ الجَنَّةَ على كُلِّ فاحِشٍ بَذيءٍ قَليلِ الحَياءِ ، لا يُبالي ما قالَ وَلا ما قيلَ فيهِ ، وَكانَ أبو ذَرٍّ رضى الله عنه يقولُ : يا مُبتَغي العلِمَ إنَّ هذا اللِّسانَ مِفتاحُ خَيرٍ وَمفِتاحُ شَرٍّ ، فَاختِم على فيكَ كَما تَختِمُ على ذَهَبِكَ وَوَرَقِكَ . يا هِشامُ ، بِئسَ العَبدُ عَبدٌ يَكونُ ذا وَجهَينِ وَذا لِسانَينِ ، يُطري أخاهُ إذا شاهَدَهُ (3) ، وَيَأكُلُهُ إذا غابَ عَنهُ ، إن اُعطِيَ حَسَدَهُ ، وإِن ابتُلِيَ خَذَلَهُ ، إنَّ أسرَعَ الخَيرِ ثَواباً البِرُّ ، وَأسرَعُ الشَّرِّ عُقوبَةً البَغيُ ، وَإنَّ شَرَّ عِبادِ اللّهِ مَن تَكرَهُ مُجالَسَتَهُ لِفُحشِهِ ، وَهَل يَكُبُّ النّاسَ على مَناخِرِهِم فِي النّارِ إلاّ حَصائِدُ ألسِنَتِهِم ، وَمِن حُسنِ إِسلامِ المَرءِ تَركُ ما لا يَعنيهِ . يا هِشامُ ؛ لا يَكونُ الرَّجُلُ مُؤمِناً حَتّى يَكونَ خائِفاً راجِياً وَلا يَكونُ خائِفاً راجِياً حَتّى يَكونَ عامِلاً لِما يَخافُ وَيَرجو . يا هِشامُ ؛ قالَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ : وَعِزَّتي وَجَلالي وَعَظَمَتي وَقُدرَتي وَبَهائي وَعُلُوّي في مَكاني ، لا يُؤثِرُ عَبدٌ هَوايَ على هَواهُ إلاّ جَعَلتُ الغِنى في نَفسِهِ ، وَهَمَّهُ في آخِرَتِه ، وَكَفَفتُ عَلَيهِ في ضَيعَتِهِ (4) ، وَضَمَّنتُ السَّماواتِ وَالأَرضِ رِزقَهُ ، وَكُنتُ لَهُ مِن وَراءِ تِجارَةِ كُلِّ تاجِرٍ . يا هِشامُ ؛ الغَضَبُ مِفتاحُ الشَّرِّ وَأَكمَلُ المُؤمِنينَ إيماناً أحسَنُهُم خُلُقاً ، وَإن خالَطتَ النّاسَ فَإِنِ استَطَعتَ أن لا تُخالِطَ أحَداً مِنهُم إلاّ مَن كانَت يَدُك عَلَيهِ العُليا (5) فَافعَل .

.


1- .البذاء : الفحش . والبذي _ على فعيل _ : السّفيه والّذي أفحش في منطقه .
2- .الشّاجب : الهذّاء المكثار أي كثير الهذيان وكثير الكلام . وأيضاً الهالك . وهو الأنسب .
3- .أي يحسن الثّناء وبالغ في مدحه إذا شاهده ؛ ويعيبه بالسّوء ويذمّه إذا غاب .
4- .الضّيعة _ بالفتح _ : حرفة الرّجل وصناعته وفي بعض النسخ : «صنعته » .
5- .اليد العليا : المعطية المتعفّفة .

ص: 495

يا هِشامُ ؛ عَلَيكَ بِالرِّفقِ فَإِنَّ الرِّفقَ يُمنٌ وَالخُرقُ شُؤمٌ ، إنَّ الرِّفقَ وَالبِرِّ وَحُسنَ الخُلُقِ يُعَمِّرُ الدِّيارَ وَيَزيدُ فِي الرِّزقِ . يا هِشامُ ؛ قَولُ اللّهِ : « هَلْ جَزاءُ الإِحْسانِ إِلاّ الإِحْسانُ » (1) جَرَت فِي المُؤمِنِ وَالكافِرِ وَالبَرِّ وَالفاجِرِ ، مَن صُنعَ إلَيهِ مَعروفٌ فَعلَيهِ أن يُكافِئَ بِه ، وَلَيسَت المُكافَأَةُ أن تَصنَعَ كَما صَنَعَ حَتّى تَرَى فَضلَكَ ، فَإِن صَنَعتَ كَما صَنَعَ فَلَهُ الفَضلُ بِالاِبتِداءِ . يا هِشامُ ؛ إنَّ مَثَلَ الدُّنيا مَثَلُ الحَيَّةِ ، مَسُّها لَيِّنٌ وَفي جَوفِها السُّمُّ القاتِلُ يَحذَرُها الرِّجالُ ذَوو العُقولِ ، وَيَهوي إلَيها الصِّبيانُ بِأَيديهِم . يا هِشامُ ؛ اصبِر على طاعَةِ اللّهِ وَاصبِر عَن مَعاصي اللّهِ ، فَإنَّما الدُّنيا ساعَةٌ ، فَما مَضى مِنها فَلَيسَ تَجِدُ لَهُ سُروراً وَلا حُزناً وَما لَم يَأتِ مِنها فَلَيسَ تَعرِفُهُ ، فَاصبِر على تِلكَ السّاعَةِ الّتي أنتَ فيها ، فَكَأَنَّكَ قَدِ اغتَبَطتَ . (2) يا هِشامُ ؛ مَثَلُ الدُّنيا مَثَلُ ماءِ البَحرِ كُلَمّا شَرِبَ مِنهُ العَطشانُ ازدادَ عَطَشاً حَتّى يَقتُلَهُ . يا هِشام ؛ إيّاكَ وَالكِبرَ ؛ فَإِنَّهُ لا يَدخُلُ الجَنّة مَن كانَ في قَلبِهِ مِثقالُ حَبَّةٍ مِن كِبرٍ ، الكِبرُ رِداءُ اللّهِ فَمَن نازَعَهُ رِداءَهُ أكبَّهُ اللّهُ فِي النَّارِ على وَجهِهِ . يا هِشامُ ؛ لَيسَ مِنّا مَن لَم يُحاسِب نَفسَهُ في كُلٍّ يَومٍ ؛ فَإِن عَمِلَ حُسناً استَزادَ مِنهُ وَإن عَمِلَ سَيِّئاً استَغفَرَ اللّهَ مِنهُ وَتابَ إلَيهِ . يا هِشامُ ؛ تَمَثَّلَتِ الدُّنيا لِلمَسيحِ عليه السلام في صورَةِ امرَأَةٍ زرقاءَ ، فَقالَ لَها : كَم تَزَوَّجتِ ؟ فَقالَت : كَثيراً . قالَ : فَكُلٌّ طَلَّقَكِ ؟ قالَت : لا ، بَل كُلاًّ قَتَلتُ . قالَ المَسيحُ عليه السلام : فَوَيحٌ لِأَزواجِكِ الباقينَ ، كَيفَ لا يَعتَبِرونَ بِالماضينَ . يا هشامُ ؛ إنَّ ضَوءَ الجَسَدِ في عَينِهِ ، فَإِن كانَ البَصَرُ مُضيئاً استَضاءَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِنَّ ضَوءَ الرّوحِ

.


1- .الرّحمن : 60 .
2- .اغتبط : كان في مسرّة وحسن حال . وفي بعض النّسخ : « قد احتبطت » .

ص: 496

العَقلُ ، فَإِذا كانَ العَبدُ عاقِلاً كانَ عالِماً بِرَبِّهِ ، وَإِذا كانَ عالِماً بِرَبِّهِ أبصَرَ دينَهُ ، وَإن كانَ جاهِلاً بِرَبِّهِ لَم يَقُم لَهُ دينٌ ، وَكَما لا يَقومُ الجَسَدُ إلاّ بِالنَّفسِ الحَيَّةِ ، فَكذلِكَ لا يَقومُ الدّينُ إلاّ بِالنِّيَّةِ الصّادِقَةِ وَلا تَثبُتُ النِّيَّةُ الصّادِقَةُ إلاّ بِالعَقلِ . يا هِشامُ ؛ إنَّ الزَّرعَ يَنبُتُ فِي السَّهلِ وَلا يَنبُتُ فِي الصَّفا (1) ، فَكَذلِكَ الحِكمَةُ تَعمُرُ في قَلبِ المُتَواضِعِ وَلا تَعمُرُ في قَلبِ المُتَكَبِّرِ الجَبّارِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ جَعَلَ التَّواضُعَ آلَةُ العَقلِ وَجَعَلَ التَّكَبُّرَ مِن آلَةِ الجَهلِ ، ألَم تَعلَم أنَّ مَن شَمَخَ (2) إلَى السَّقفِ بِرَأسِهِ شَجَّهُ (3) وَمَن خَفَضَ رَأسَهُ استَظَلَّ تَحتَهُ وأَكَنَّهُ ، وَكَذلِكَ مَن لَم يَتَواضَع للّهِِ خَفَضَهُ اللّهُ ، وَمَن تَواضَعَ للّهِِ رَفَعَهُ . يا هِشامُ ، ما أقبَحَ الفَقرَ بَعدَ الغِنى ! وَأقَبحَ الخَطيئَةَ بَعدَ النُّسُكِ ! وَأقبَحُ مِن ذلِكَ العابِدُ للّهِِ ثُمَّ يَترُكُ عِبادَتَهُ . يا هِشامُ ؛ لا خَيرَ فِي العَيشِ إلاّ لِرَجُلَينِ : لِمُستَمِعٍ واعٍ ، وَعالِمٍ ناطِقٍ . يا هِشامُ ؛ ما قُسِّمَ بَينَ العِبادِ أفضَلُ مِنَ العَقلِ ، نَومُ العاقِلِ أفضَلُ مِن سَهَرِ الجاهِلِ ، وَما بَعَثَ اللّهُ نَبِيّاً إلاّ عاقِلاً ، حَتّى يَكونَ عَقلُهُ أفضَلَ مِن جَميعِ جَهدِ المُجتَهدينَ ، وَما أدَّى العَبدُ فَريضَةً مِن فرائِضِ اللّهِ حَتّى عَقِلَ عَنهُ . يا هِشامُ ؛ قالِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إذا رَأيتُم المُؤمِنَ صَموتاً فَادنوا مِنهُ ، فَإنَّهُ يُلقي الحِكمَةَ ، وَالمُؤمِنُ قَليلُ الكَلامِ كَثيرُ العَمَلِ ، وَالمُنافِقُ كَثيرُ الكَلامِ قَليلُ العَمَلِ . يا هِشامُ ، أوحَى اللّهُ تَعالى إلى داوودَ عليه السلام : قُل لِعبادي : لا يَجعلوا بَيني وَبَينَهُم عالِماً مَفتوناً بِالدُّنيا فَيَصُدُّهُم عَن ذِكري ، وَعَن طَريقِ مَحَبَّتي وَمُناجاتي ، اُولئِكَ قُطّاعُ الطَّريقِ مِن عِبادي ، إنّ أدنى ما أَنا صانِعٌ بِهِم أن أنزَعَ حَلاوَةَ مَحَبَّتي وَمُناجاتي مِن قُلوبِهِم . يا هِشامُ ؛ مَن تَعَظَّمَ في نَفسِهِ لَعَنَتهُ مَلائِكَةُ السَّماءِ وَمَلائِكَةُ الأَرضِ ، وَمَن تَكَبَّرَ على إخوانِهِ

.


1- .الصّفا : الحجر الصّلد الضّخم .
2- .شمخ - من باب منع - : علا ورفع .
3- .أي كسره وجرحه .

ص: 497

وَاستَطال عَلَيهِم (1) فَقَد ضادَّ اللّهَ ، وَمَن ادَّعى ما لَيسَ لَهُ فَهُوَ أعني لِغَيرِ رُشدِهِ . يا هِشام ؛ أوحَى اللّهُ تَعالى إلى داوودَ عليه السلام : يا داوودُ حَذِّر وَأَنذِر أصحابَكَ عَن حُبِّ الشَّهواتِ ، فَإِنَّ المُعَلَّقَةَ قُلوبُهُم بِشَهَواتِ الدُّنيا قُلوبُهُم مَحجوبَةٌ عَنِّي . يا هِشامُ ؛ إيّاكَ وَالكِبرَ على أوليائي وَالاستِطالَةَ بِعلمِكَ فَيَمقُتَكَ اللّهُ ، فَلا تَنفَعُكَ بَعدَ مَقتِهِ دُنياكَ وَلا آخِرَتُكَ ، وَكُن فِي الدُّنيا كَساكِنِ دارٍ لَيَست لَهُ إنَّما يَنتَظِرُ الرَّحيلَ . يا هِشامُ ؛ مُجالَسَةُ أهلِ الدّينِ شَرَفُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَمُشاوَرَةُ العاقِلِ النّاصِحِ يُمنٌ وبَرَكَةٌ وَرُشدٌ وَتَوفيقٌ مِنَ اللّهِ ، فَإِذا أشارَ عَلَيكَ العاقِلُ النّاصِحُ فَإِيّاكَ وَالخِلافَ ، فَإِنَّ في ذلِكَ العَطَبَ . (2) يا هِشامُ ؛ إيّاكَ وَمُخالَطَةَ النّاسِ وَالاُنسَ بِهِم ، إلاّ أن تَجِدَ مِنهُم عاقِلاً وَمَأموناً ، فَآنِس بِهِ وَاهرَب مِن سائِرِهِم كَهَرَبِكَ مِن السِّباعِ الضّارِيَةِ (3) . وَيَنبغي لِلعاقِلِ إذا عَمِلَ عَمَلاً أن يَستَحيي مِنَ اللّهِ ، وَإِذا تَفَرَّدَ لَهُ بِالنِّعَمِ أن يُشارِكَ في عَمَلِهِ أحَداً غَيرَهُ (4) ، وَإِذا مَرَّ بِكَ (5) أمرانِ لا تَدري أيُّهُما خَيرٌ وَأَصوَبُ فَانظُر أيَّهما أقرَبَ إلى هواكَ فَخالِفهُ ، فَإِنَّ كَثيرَ الصَّوابِ في مُخاَلَفةِ هَواكَ ، وَإِيَّاكَ أن تَغلِبَ الحِكمَةَ وَتَضَعَها في أهلِ الجَهالَةِ 6 . قالَ هِشامُ : فَقُلتُ لَهُ : فَإِن وَجَدتُ رَجُلاً طالِباً لَهُ ، غَيرَ أنَّ عَقلَهُ لا يَتَّسِعُ لِضَبطِ ما اُلِقيَ إلَيهِ ؟ قالَ عليه السلام : فَتَلَطَّفَ لَهُ فِي النَّصيحَةِ ، فَإِن ضاقَ قَلبُهُ فَلا تُعَرِضَنَّ نَفسَكَ لِلفِتنَةِ ، وَاحذَر رَدَّ المُتَكَبِّرينَ ،

.


1- .استطال عليهم : أي تفضّل عليهم .
2- .العطب : الهلاك .
3- .الضّاري : الحيوان السّبع ، من ضرّا الكلب بالصّيد يضْرو : تعوَّده وأوْلع به . وأيضاً : تطعم بلحمه ودمه .
4- .أيإذا اختصّ العاقل بنعمة ينبغي له أن يشارك غيره في هذه النّعمة بأن يعطيه منها. وفيبعض النّسخ:«إذ تفرّد له».
5- .في بعض النّسخ : «وإذا خرّ بك أمران » ، وخرّ به أمر : أي نزل به وأهمّه .

ص: 498

فَإِنَّ العِلمَ يَدُلُّ على أن يُملى على مَن لا يُفيقُ (1) . قُلتُ : فَإِن لَم أجِدَ مَن يَعقِلُ السُّؤالَ عَنها؟ قالَ عليه السلام : فَاغتَنِم جَهلَهُ عَنِ السُّؤالِ حَتّى تَسلَمَ مِن فِتنَةِ القَولِ وَعَظيمِ فِتنَةِ الرَّدِّ ، وَاعلَم أنَّ اللّهَ لَم يَرفَعِ المُتَواضِعينَ بِقَدرِ تَواضُعِهِم ، وَلكِن رَفَعَهُم بِقَدرِ عَظَمَتِهِ وَمَجدِهِ ، وَلَم يُؤمِنِ الخائِفينَ بِقَدرِ خَوفِهِم ، وَلكِن آمَنَهُم بِقَدرِ كَرَمِهِ وَجودِهِ ، وَلَم يُفّرِجِ (2) المَحزونينَ بِقَدرِ حُزنِهِم ، وَلكِن بِقَدرِ رَأَفتِهِ وَرَحمَتِهِ ، فَما ظَنُّكَ بِالرّؤوفِ الرَّحيمِ الَّذي يَتَوَدَّدُ إلى مَن يُؤذيهِ بِأَوليائِهِ ، فَكَيفَ بِمَن يُؤذى فيهِ ؟ وَما ظَنُّكَ بِالتَّوابِ الرَّحيمِ الَّذي يَتوبُ على مَن يُعاديهِ فَكَيفَ بِمَن يَتَرَضّاهُ (3) ، وَيَختارُ عَدَاوَةَ الخَلقِ فيه ؟ . يا هِشامُ ؛ مَن أحَبَّ الدُّنيا ذَهَبَ خَوفُ الآخِرَةِ مِن قَلبِهِ ، وَما اُوتِيَ عَبدٌ عِلماً فَازدادَ لِلدُّنيا حُبّاً ، إلاّ ازدادَ مِنَ اللّهِ بُعداً وَازدادَ اللّهُ عَلَيهِ غَضَباً . يا هِشامُ ؛ إنَّ العاقِلَ اللَّبيبَ مَن تَرَكَ ما لا طاقَةَ لَهُ بِهِ ، وَأكثَرَ الصَّوابَ في خِلافِ الهَوى وَمَن طالَ أملُهُ ساءَ عَمَلُهُ . يا هِشامُ ؛ لَو رَأَيتَ مَسيرَ الأَجَلِ لَأَلهاكَ عَنِ الأَملِ . يا هِشامُ ؛ إيّاكَ وَالطَّمَعَ وَعَلَيكَ بِاليَأسِ مِمّا في أيدي النّاسِ ، وَأمِتِ الطَّمَعَ مِنَ المَخلوقينَ ، فَإِنَّ الطَّمَعَ مِفتاحٌ لِلذُّلِّ ، وَاختِلاسَ العَقلِ وَاختِلاقَ (4) المُرُوّاتِ وَتَدنيسَ العِرضِ (5) ، والذَّهابَ بِالعِلمِ ، وَعَلَيكَ بِالاِعتِصامِ بِرَبِّكَ وَالتَّوَكُّلَ عَلَيهِ ، وَجاهِد نَفسَكَ لِتَرُدَّها عَن هَواها ، فَإِنَّهُ واجِبٌ عَلَيكَ كَجِهادِ عَدُوِّكَ . قالَ هِشامُ : فَقُلتُ لَهُ : فَأَيُّ الأَعداءِ أوجَبُهُم مُجاهَدَةً ؟ قالَ عليه السلام : أقرَبُهُم إلَيكَ ، وَأَعداهُم لَكَ

.


1- .الإفاقة : الرّجوع عن الكسر والاغماء والغفلة إلى حال الاستقامة . وفي بعض النّسخ : « فإنّ العلم يذلّ على أن يحمل على من لا يفيق» وفي بعضها : «يجلى » .
2- .في بعض النّسخ : «يفرح » .
3- .يترضّاه : أي يطلب رضاه .
4- .الاختلاق : الافتراء . وفي بعض النّسخ : « واخلاق » . والظّاهر أنّه جمع خلق _ بالتحريك _ أي البالي .
5- .العرض : النّفس والخليقة المحمودة _ وأيضاً _ : ما يفتخر الإنسان من حسب وشرف .

ص: 499

وَأضَرُّهُم بِكَ ، وَأعظَمُهُم لَكَ عَداوَةً ، وَأخفاهُم لَكَ شَخصاً ، مَعَ دُنُوِّهِ مِنكَ ، وَمَن يُحَرِّضُ أعداءَكَ عَلَيكَ وَهُوَ إبليسُ المُوَكَّلُ بِوَسواسٍ مِنَ القُلوبِ ، فَلَهُ فَلتَشتَدَّ عَداوَتُكَ ، وَلا يَكونَنَّ أصبَرَ على مُجاهَدَتِهِ لِهَلَكَتِكَ مِنكَ على صَبرِكَ ، لِمُجاهَدَتِهِ ، فَإِنَّهُ أضعَفُ مِنكَ رُكناً (1) في قُوَّتِهِ ، وَأقَلُّ مِنكَ ضَرراً في كَثرَةِ شَرِّهِ ، إذا أنتَ اعتَصَمتَ بِاللّهِ فَقَد هُديتَ إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ . يا هِشامُ ؛ مَن أكرَمَهُ اللّهُ بِثَلاثٍ فَقَد لَطُفَ لَهُ : عَقلٌ يَكفيهِ مَؤونَةَ هَواهُ ، وَعِلمٌ يَكفيهِ مَؤونَةَ جَهلِهِ ، وَغِنىً يَكفيهِ مَخافَةَ الفَقرِ . يا هِشامُ ؛ احذَر هذهِ الدُّنيا ، وَاحذَر أهلَها ، فَإِنَّ النّاسَ فيها على أرَبَعةِ أصنافٍ : رَجُلٍ مُتَرَدٍّ مُعانِقٍ لِهواهُ ، وَمُتعَلِّمٍ مُقرِئٍ كُلَّما ازدادَ عِلماً ازدادَ كِبراً يَستَعلي بِقِراءَتِهِ وَعلِمِهِ على مَن هُوَ دونَهُ ، وَعابِدٍ جاهِلٍ يَستَصغِرُ مَن هُوَ دونَهُ في عِبادَتِهِ يُحِبُّ أن يُعَظَّمَ وَيُوَقَّرَ وَذي بَصيرَةٍ عالِمٍ عارِفٍ بِطَريقِ الحَقِّ ، يُحِبُّ القِيامَ بِهِ ، فَهُوَ عاجِزٌ أو مَغلوبٌ ، ولا يَقدِرُ عَلَى القِيامِ بِما يَعرِفُهُ فَهُوَ مَحزونٌ مَغمومٌ بِذلِكَ فَهُوَ أمثَلُ (2) أهلِ زَمانِهِ وَأوجَهُهُم عَقلاً . يا هِشامُ ؛ اعرِفِ العَقلَ وَجُندَهُ ، وَالجَهلَ وَجُندَهُ ، تَكُن مِن المُهتَدينَ . قالَ هِشامُ : فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ لا نَعرِفُ إلاّ ما عَرَّفتَنا . فَقالَ عليه السلام : يا هِشامُ ؛ إنَّ اللّهَ خَلَقَ العَقلَ وَهُوَ أوَّلُ خَلقٍ خَلَقَهُ اللّهُ مِنَ الرَّوحانِيينَ عَن يَمينِ العَرشِ من نورِهِ فقال له : أدبِر فَأَدبَرَ ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل فَأَقبَلَ ، فَقالَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ : خَلَقتُكَ خَلقاً عَظيماً وَكَرَّمتُكَ على جَميعِ خَلقي . ثُمَّ خَلَقَ الجَهلَ مِنَ البَحرِ الاُجاجِ الظَّلمانِي فَقالَ لَهُ : أدبِر فَأَدبَرَ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل فَلَم يُقبِل فَقالَ لَهُ : استَكبَرتَ فَلَعَنَهُ ، ثُمَّ جَعَلَ لِلعَقلِ خَمَسةً وسَبعينَ جُنداً ، فَلَمّا رَأَى الجَهلُ ما كَرَّمَ اللّهُ بِهِ العَقلَ وَما أعطاهُ أضمَرَ لَهُ العَداوَةَ فَقالَ الجَهلُ : يا رَبِّ ، هذا خَلقٌ مِثلي خَلَقتَهُ وَكَرَّمتَهُ وَقَوَّيتَهُ ، وَأنا ضِدُّهُ وَلا قُوَّةَ لي بِهِ ، أعطِني مِنَ الجُندِ مِثلَ ما أعطَيتَهُ ؟ فَقالَ تَبارَكَ وَتَعالى : نَعَم ، فَإِن عَصَيتَني بَعدَ

.


1- .الرّكن : العزّ والمنعة . وأيضاً : ما يقوى به . والأمر العظيم .
2- .الأمثل : الأفضل .

ص: 500

جنود العقل والجهل

ذلِكَ أخرَجتُكَ وَجُندَكَ مِن جِواري وَمِن رَحمَتي ، فَقالَ : قَد رَضيتُ . فَأَعطاهُ اللّهُ خَمسَةً وَسَبعينَ جُنداً ، فَكانَ مِمّا أعطى العقلَ مِنَ الخَمسَةِ وَالسَّبعينَ جُنداً ، الخَيرُ وَهُوَ وَزيرُ العَقلِ ، وَجَعَلَ ضِدَّهُ الشَّرَّ وَهُوَ وَزيرُ الجَهلِ : جنود العقل والجهل : الإِيمانُ ، الكُفرُ . التَّصديقُ ، التَّكذيبُ ، الإِخلاصُ ، النِّفاقُ ، الرَّجاءُ ، القُنوطُ ، العَدلُ ، الجَورُ الرِّضا ، السُّخط ، الشُّكرُ ، الكُفرانُ ، اليَأسُ ، الطَّمَعُ ، التَّوَكُّلُ ، الحرِصُ الرَّأفَةُ ، الغِلظَةُ ، العِلمُ ، الجَهلُ ، العِفَّةُ التَّهَتُّكُ ، الزُّهدُ ، الرَّغبَةُ ، الرِّفقُ ، الخُرقُ الرَّهبَةُ ، الجُرأةُ ، التَّواضُعُ ، الكِبرُ ، التَّؤُدَةُ ، العَجَلَةُ ، الحِلمُ السَّفَهُ الصَّمتُ ، الهَذَرُ ، الاِستِسلامُ ، الاِستِكبارُ ، التَّسليمُ ، التَّجَبُّرُ ، العَفوُ ، الحِقدُ ، الرّحمَةُ ، القَسوَةُ ، اليَقينُ الشَّكُ ، الصَّبرُ ، الجَزَعُ ، الصَّفحُ ، الاِنتِقامُ ، الغِنى ، الفَقرُ ، التَّفَكُّرُ ، السَّهوُ ، الحِفظُ ، النِّسيان ، التَّواصُلُ ، القَطيعَةُ ، القَناعَةُ ، الشّرَهُ ، المُؤاساةُ ، المَنعُ ، المَوَدَّةُ ، العَداوَةُ ، الوَفاءُ ، الغَدرُ ، الطّاعَةُ ، المَعصِيَةُ ، الخُضوعُ ، التَّطاوُلُ ، السَّلامَةُ ، البَلاءُ ، الفَهمُ ، الغَباوَةُ ، المَعرِفَةُ ، الإِنكارُ ، المُداراةُ ، المُكاشَفَةُ . سَلامَةُ الغَيبِ ، المُماكَرَةُ ، الكِتمانُ ، الإِفشاءُ البِرُّ ، العُقوقُ ، الحَقيقَةُ ، التَّسويفُ ، المَعروفُ ، المُنكَرُ ، التَّقِيَّةُ ، الإِذاعَةُ الإِنصافُ ، الظُّلمُ ، التُّقى ، الحَسَدُ النّظافَةُ ، القَذَرُ ، الحَياءُ ، القِحَةُ ، القَصدُ ، الإِسرافُ ، الرّاحَةُ ، التَّعَبُ ، السُّهولَةُ ، الصُّعوبَةُ ، العافَيِةُ ، البَلوى ، القِوامُ ، المُكاثَرَةُ ، الحِكمَةُ ، الهَوى ، الوَقارُ ، الخِفَّةُ ، السَّعادَةُ ، الشَّقاءُ ، التَّوبَةُ ، الإِصرارُ ، المُحافَظَةُ ، التَّهاوُنُ ، الدُّعاءُ ، الاستِنكافُ النَّشاطُ ، الكَسَلُ ، الفَرَحُ ، الحُزنُ الاُلفَةُ الفُرقَةُ ، السَّخاءُ ، البُخلُ ، الخُشوعُ ، العُجبُ ، صَونُ الحَديثِ ، النَّميمَةُ ، الاِستِغفارُ ، الاِغتِرارُ ، الكِياسَةُ الحُمقُ . يا هِشامُ ؛ لا تُجمَعُ هذهِ الخِصالُ إلاّ لِنَبِيٍّ أو وَصيٍّ أو مُؤمِنٍ امتَحَنَ اللّهُ قَلبَهُ لِلإِيمانِ . وَأَمّا سائِرُ ذلِكَ مِنَ المُؤمِنينَ ، فَإِنَّ أحَدَهُم لا يَخلو مِن أن يَكونَ فيهِ بَعضُ هذهِ الجُنودِ مِن أجنادِ العَقلِ حَتّى يَستَكمِلَ العَقلُ ، وَيَتَخَلَّصَ مِن جُنودِ الجَهلِ فَعِندَ ذلِكَ يَكونُ فِي الدَّرَجَةِ العُليا مَعَ الأَنبِياءِ وَالأوصِياءِ عليهم السلام وَفَّقَنا اللّهُ وَإِيّاكُم لِطاعَتِهِ . (1)

.


1- .تحف العقول : ص383 _ 402 ، بحار الأنوار : ج1 ص132 ح30 ، وج78 ص296 ح1 نقلاً عنه وراجع : الكافي : ج1 ص15 ح12 .

ص: 501

100 . وصيّته عليه السلام لأولاده

100وصيّته عليه السلام لأولادهروي أنّ موسى بن جعفر عليه السلام أحضر وُلده يوماً فقال لهم :يا بَنِيَّ إنّي مُوصيكُم بِوَصِيَّةٍ مَن حَفِظَها لَم يَضِع مَعَها : إن أتاكُم آتٍ فَأَسمَعَكُم في الاُذُنِ اليُمنى مَكروهاً ثُمَّ تَحَوَّلَ إلى الاُذُنِ اليُسرى فَاعتَذَرَ وَقالَ : لَم أقُل شَيئاً فَاقبَلوا عُذرَهُ . (1)

.


1- .كشف الغمّة : ج3 ص8 ، بحار الأنوار : ج71 ص425 ح67 نقلاً عنه .

ص: 502

. .

ص: 503

الفصل الثّامن : في اُمور شتّى 503

اشاره

الفصل الثّامن : في اُمور شتّى

.

ص: 504

. .

ص: 505

101 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطين ، مناظراته عليه السلام مع خلفاء الجور

101كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطينمناظراته عليه السلام مع خلفاء الجورروى عبد اللّه بن إدريس ، عن ابن سنان ، قال : حمل الرّشيد في بعض الأيّام إلى عليّ بن يقطين ثياباً أكرمه بها ، وكان في جُملتها دُرّاعة خزّ سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذّهب ، فأنفذ عليّ بن يقطين جُلّ تلك الثّياب إلى موسى بن جعفر ، وأنفذ في جملتها تلك الدُّرّاعة ، وأضاف إليها مالاً كان عنده على رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله . فلمّا وصل ذلك إلى أبي الحسن عليه السلام قَبِلَ المال والثّياب ، وردّ الدُّرّاعة على يد الرّسول إلى عليّ بن يقطين وكتب إليه : احتَفِظ بِها ، وَلا تُخرِجها عَن يَدِكَ ، فَسَيَكونُ لَكَ بِها شَأنٌ تَحتاجُ إلَيها مَعَهُ . فارتاب عليّ بن يقطين بردّها عليه ، ولم يدر ما سبب ذلك ، واحتفظ بالدُّرّاعة . فَلَمّا كان بعد أيّام تغيّر عليّ بن يقطين على غلام كان يختصّ به فصرفه عن خدمته ، وكان الغلام يعرف ميل عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن موسى عليه السلام ، ويقف على ما يحمله إليه في كلّ وقت من مال وثياب وألطاف وغير ذلك ، فسعى به إلى

.

ص: 506

102 . كتابه عليه السلام إلى الخيزران ، ما بينه وبين خلفاء الجور

الرّشيد فقال : إنّه يقول : بإمامة موسى بن جعفر ، ويحمل إليه خمس ماله في كُلّ سنة ، وقد حمل إليه الدُّرّاعة الّتي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا . فاستشاط الرّشيد لذلك ، وغضب غضباً شديداً . وقال : لأكشفنّ عن هذه الحال ، فإن كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه . وأنفذ في الوقت بإحضار عليّ بن يقطين ، فلمّا مثل بين يديه قال له : ما فعلت الدّراعة الّتي كسوتك بها ؟ قال : هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم فيه طيب ، قد احتفظت بها ، قلّما أصبحت إلاّ وفتحت السّفط ونظرت إليها تبرّكاً بها وقبّلتها ورددتها إلى موضعها ، وكلّما أمسيت صنعت بها مثل ذلك . فقال : أحضرها السّاعة ، قال : نعم يا أمير المؤمنين . واستدعى بعض خدمه فقال له : إمض إلى البيت الفلاني من داري ، فخذ مفتاحه من خازنتي وافتحه ، ثُمَّ افتح الصّندوق الفلاني فجئني بالسّفط الّذي فيه بختمه . فلم يلبث الغلام أن جاء بالسّفط مختوماً ، فوضع بين يدي الرّشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه . فلمّا فتح نظر إلى الدّراعة فيه بحالها ، مطويّة مدفونة في الطّيب ، فسكن الرّشيد من غضبه ، ثُمَّ قال لعليّ بن يقطين : ارددها إلى مكانها وانصرف راشداً ، فلن اُصدّق عليك بعدها ساعياً . وأمر أن يُتبع بجائزة سنيّة ، وتقدّم بضرب السّاعي به ألف سوط ، فضرب نحو خمسمئة سوط فمات في ذلك . (1)

102كتابه عليه السلام إلى الخيزرانما بينه وبين خلفاء الجورمحمّد بن عيسى ، عن بعض من ذكره ، أنّه كتب أبو الحسن موسى عليه السلام إلى

.


1- .الإرشاد : ج2 ص225 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص289 ، كشف الغمّة : ج2 ص224 ، بحار الأنوار : ج48 ص137 .

ص: 507

الخيزران (1) اُمّ أمير المؤمنين يعزّيها بموسى ابنها ، ويهنؤها بهارون ابنها :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لِلخَيزُران اُمِّ أميرِ المُؤمِنينَ مِن موسى بنِ جَعفَرِ بنِ مُحمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ . أمّا بَعدُ : أصلَحَكِ اللّهُ وَأمتَعَ بِكَ ، وَأَكرَمَكِ وَحَفِظَكِ ، وَأتَمَّ النِّعمَةَ وَالعافِيَةَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ لَكِ بِرَحمَتِهِ . ثُمَّ إنَّ الاُمورَ _ أطالَ اللّهُ بَقاءَكِ _ كُلُّها بِيَدِ اللّهِ عز و جل ، يُمضيها وَيُقَدِّرُها بِقُدرَتِهِ فيها وَالسُّلطانِ عَلَيها ، تَوكّل بِحِفظِ ماضيها وَتَمامِ باقيها ، فلا مُقَدِّمَ لِما أخَّر مِنها وَلا مُؤخِّرَ لِما قَدَّمَ ، استَأثَرَ بِالبَقاءِ وَخَلَقَ خَلقَهُ لِلفَناءِ ، أسكَنَهُم دُنيا سَريعٌ زَوالُها قَليلٌ بَقاؤُها ، وَجَعَلَ لَهُم مَرجِعاً إلى دارٍ لا زَوالَ لَها وَلا فَناءَ . وَكَتَبَ المَوتَ على جَميعِ خَلقِهِ ، وَجَعَلَهُم اُسوَةً فيهِ ، عَدلاً مِنهُ عَلَيهِم عَزيزاً ، وَقُدرَةً مِنهُ عَلَيهِم ، لا مَدفَعَ لأَحَدٍ مِنهُ وَلا مَحيصَ لَهُ عَنهُ ، حَتّى يَجمَعَ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِذلِكَ إلى دارِ البَقاءِ خَلقَهُ ، وَيَرِثَ بهِ أرضَهُ وَمَن عَلَيها ، وَإلَيهِ يَرجِعونَ . بَلَغَنا _ أطال اللّهُ بَقاءَكِ _ ما كانَ مِن قَضاءِ اللّهِ الغَالِبِ في وَفاةِ أميرِ المُؤمِنينَ موسى صلواتُ اللّهِ عَلَيهِ وَرَحمَتُهُ وَمَغفِرَتُهُ وَرِضوانُهُ ، وَإِنّا للّهِِ وَإِنّا إلَيهِ راجِعونَ ، إعظاماً لِمُصيبَتهِ وَإِجلالاً لِرُزئِهِ (2) وَفَقدِهِ ، ثُمَّ إنّا للّهِِ وَإِنّا إلَيهِ راجِعونَ ، صبراً لِأَمرِ اللّهِ عز و جلوَتَسليماً لِقَضائِهِ ، ثُمَّ إنّا للّهِِ وَإِنّا إلَيهِ راجِعونَ لِشِدَّةِ مُصيبَتِكِ عَلَينا خاصَّةً ، وَبُلوغِها مِن حَرِّ قُلوبِنا وَنُشوزِ أنفُسِنا .

.


1- .خيزران أمّ هارون الرشيد والهادي : المتوفية سنة 173 ، هي من ربات السياسة والنفوذ والسّلطان لعبت دورا عظيما في خلافة ولدها واستبدت بالأمر حتى شاركته في شؤون الدولة ، وكان الهادي كثيرا لطاعتها ومجيبا لها فيها تسأله من الحوائج . . . ( تراجم أعلام النساء : ج 1 ص 314 و ج 2 ص 67 ) .
2- .وفي نسخة : « لرزيته » .

ص: 508

نَسأَلُ اللّهَ أن يُصَلِّيَ علىَ أميرِ المُؤمِنينَ وَأن يَرحَمَهُ ، وَيُلحِقَهُ بِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله وَبِصالِحِ سَلَفِهِ ، وَأن يَجعَل ما نَقَلَهُ إلَيهِ خَيراً مِمّا أخرَجَهُ مِنهُ . وَنَسأَلُ اللّهَ أن يُعَظِّمَ أجرَكِ ، أمتَعَ اللّهُ بِكَ _ وَأن يُحسِنَ عُقباكِ ، وَأن يُعَوِّضَكِ مِنَ المُصيبَةِ بِأَميرِ المُؤمنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ أفضَلَ ما وَعَدَ الصّابِرينَ مِن صَلَواتِهِ وَرَحمَتِهِ وَهُداهُ . وَنَسأَلُ اللّهَ أن يَربُطَ على قَلبِكِ ، وَيُحسِنَ عَزاءَكِ وَسَلوَتَكِ ، وَالخَلَفَ عَلَيكِ ، وَلا يُريكِ بَعدَهُ مَكروها في نَفسِكِ وَلا في شَيءٍ مِن نِعمَتِهِ عَلَيكَ . وَأسأَلُ اللّهَ أن يُهنيكِ خِلافَةَ أميرِ المُؤمِنينَ أمتَعَ اللّهُ بِهِ وَأَطالَ بَقاءَهُ وَمَدَّ في عُمُرِهِ وَأَنسَأ في أجَلِهِ ، وَأَن يُسَوِّغَكُما بِأَتَمِّ النِّعمَةِ وَأفضَلِ الكَرامَةِ ، وَأطوَلِ العُمُرِ ، وَأحسَنِ الكِفايَةِ ، وَأن يُمَتِّعَكِ وَإِيّانا خاصَّةً ، وَالمُسلِمينَ عامَّةً بِأَميرِ المُؤمِنينَ ، حَتّى نَبلُغَ بِهِ أفضَلَ الأَمَلِ فيهِ لِنَفسِهِ وَمِنكِ _ أطالَ اللّهُ بقاءَهُ _ وَمِنّا لَهُ . لَم يَكُن _ أطالَ اللّهُ بَقاءَكِ _ أحَدٌ مِن أهلي وَقَومِكِ وَخاصَّتِكِ وَحُرَمتِكِ ، كانَ أشَدَّ لِمُصيبَتِكِ إِعظاماً وَبِها حُزناً ، وَلَكِ بِالأَجرِ عَلَيها دُعاءً ، وَبِالنِّعمَةِ الّتي أحدَثَ اللّهُ لِأَميرِ المُؤمِنينَ _ أطالَ اللّهُ بَقاءَهُ _ دُعاءً بِتَمامِها وَدَوامِها وَبَقائِها ، وَدَفعِ المَكروهِ فيها ، مِنّي . وَالحَمدُ للّهِِ لِما جَعَلَ اللّهَ عَلَيهِ بِمَعرِفَتي بِفَضلِكِ ، وَالنِّعمَةِ عَلَيكِ ، وَشُكري بَلاءَكِ ، وَعَظيمِ رَجائي لَكِ ، أمتَعَ اللّهُ بِكِ وَأَحسَنَ جزاءَكِ . إن رأيتِ _ أطالَ اللّهُ بَقاءَكِ _ أن تَكتُبي إلَيَّ بِخَبَرِكِ في خاصَّةِ نَفسِكِ ، وَحالِ جَزيلِ هذهِ المُصيبَةِ وَسَلوَتِكِ عَنها ، فَعَلتِ ، فَإنّي بذِلِكَ مُهتَّمٌ إلى ما جاءَني مِن خَبَرِكِ وَحالِكِ فيهِ مُتَطَلِّعٌ ، أتَمَّ اللّهُ لَكِ أفضَلَ ما عَوَّدَكِ مِن نِعَمِهِ ، وَاصطَنَعَ عِندَكِ مِن كرامَتِهِ ، وَالسَّلامُ عَليكِ وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ .

.

ص: 509

103 . كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سويد ، في السّؤال عن مسائل كثيرة

وَكُتِبَ يَومَ الخَميسِ لِسَبعِ لَيالٍ خَلَونَ مِن شَهرِ رَبيعِ الآخِرِ سَنَةَ سَبعينَ وَمِئَةٍ . (1)

قال العلاّمة المجلسي رحمة اللّه عليه : انظُر إلى شِدَّةِ التقيّة في زمانِهِ عليه السلام حَتّى أحوجته إلى أن يكتب مثل هذا الكتاب لموت كافر لا يؤمن بيوم الحساب ، فهذا يفتح لك من التّقية كلّ باب .

103كتابه عليه السلام إلى عليّ بن سويدفي السّؤال عن مسائل كثيرةعن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمّد بن منصور الخزاعيّ ، عن عليّ بن سويد ومحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمّه حمزة بن بزيع ، عن عليّ بن سويد ، والحسن بن محمّد ، عن محمّد بن أحمد النّهديّ ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمّد بن منصور ، عن عليّ بن سويد 2 ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام وهو في الحبس كتاباً ، أسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة .

.


1- .قرب الإسناد : ص306 ح1201 ، بحار الأنوار : ج48 ص134 ح7.

ص: 510

فاحتبس الجواب عليّ أشهراً ، ثمّ أجابني بجواب هذه نسخته :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحَمدُ للّهِِ العَلِيِّ العَظيمِ ، الَّذي بِعَظَمَتِهِ وَنورِهِ أبصَرَ قُلوبَ المُونينَ ، وَبِعَظَمَتِهِ وَنورِهِ عاداهُ الجاهِلونَ ، وَبِعَظَمَتِهِ وَنورِهِ ابتَغى مَن فِي السَّماواتِ وَمَن فِي الأرضِ إلَيهِ الوَسيلَةَ بِالأَعمالِ المُختَلِفَةِ ، وَالأديانِ المُتَضادَّةِ ، فَمُصيبٌ وَمُخطِئٌ ، وَضالٌّ وَمُهتَدٍ ، وَسَميعٌ وَأَصَمُّ ، وَبَصيرٌ وَأَعمى حَيرانُ ، فَالحَمدُ للّهِِ الَّذي عَرَّفَ وَوَصَفَ دينَهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله . أمّا بَعدُ : فَإِنَّكَ امرُوأنزلَكَ اللّهُ من آلِ مُحَمَّدٍ بِمَنزِلَةٍ خاصَّةٍ ، وَحَفِظَ مَوَدَّةَ ما استَرعاكَ مِن دينِهِ ، وَما ألهَمَكَ مِن رُشدِكَ ، وبَصَّرَكَ مِن أمرِ دينِكَ بِتَفضيلِكَ إيّاهُم وَبِرَدِّكَ الاُمورَ إلَيهِم . كَتَبتَ تَسأَلُني عَن اُمورٍ كُنتَ مِنها في تَقِيَّةٍ ، وَمِن كِتمانِها في سَعَةٍ فَلَمّا انقَضى سُلطانُ الجَبابِرَةِ وَجاءَ سُلطانُ ذِي السُّلطانِ العَظيم بِفِراقِ الدُّنيا المَذمومَةِ إلى أهلِها العُتاةِ على خالِقِهِم ، رَأَيتُ أن اُفسِّرَ لَكَ ما سَأَلتَني عَنهُ مَخافَةَ أن يَدخُلَ الحيرَةُ على ضُعفاءِ شيعَتِنا مِن قِبَلِ جَهالَتِهِم ، فَاتَّقِ اللّهَ عَزَّ ذِكرُهُ وَخُصَّ لِذلِكَ الأَمرِ أهلَهُ وَاحذَر أن تَكونَ سَبَبَ بَلِيَّةٍ عَلَى الأَوصياءِ ، أو حارِشاً عَلَيهِم بِإِفشاءِ ما استَودَعتُكَ ، وَإِظهارِ ما استَكتَمتُكَ وَلَن تَفعَلَ إن شاءَ اللّهُ . إنَّ أوَّلَ ما اُنهي إلَيكَ أنّي أنعى إلَيكَ نَفسي في لَيالِيَّ هذهِ غَيرَ جازِعٍ وَلا نادِمٍ وَلا شاكٍّ فيما هُوَ كائِنٌ مِمّا قَد قَضَى اللّهُ عز و جل ، وَحَتَمَ فاستَمسِك بِعُروَةِ الدّينِ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَالعُروَةِ الوُثقى الوَصِيِّ بَعدَ الوَصِيِّ وَالمُسالَمَةِ لَهُم وَالرِّضا بِما قالوا ، وَلا تَلتَمِس دينَ مَن لَيس مِن شيعَتِكَ ، وَلا تُحِبَّنَّ دينَهُم ، فَإِنَّهُم ، الخائِنونَ ، الَّذينَ خانوا اللّهَ وَرَسولَهُ ، وَخانوا أماناتِهِم ، وَتَدري ما خانوا أماناتِهِم ؟ ائتُمِنوا على كِتابِ اللّهِ

.

ص: 511

فَحَرَّفوهُ وَبَدَّلوهُ ، وَدَلّوا على وُلاةِ الأَمرِ مِنهُم ، فَانصَرَفوا عَنهُم فَأَذاقَهُم اللّهُ لِباسَ الجوعِ وَالخَوفِ بِما كانوا يَصنَعونَ . وَسَأَلتَ عَن رَجُلَينِ اغتَصَبا رَجُلاً مالاً كانَ يُنفِقُهُ عَلَى الفُقَراءِ وَالمَساكينِ ، وَأبناءِ السَّبيلِ ، وَفي سَبيلِ اللّهِ ، فَلَمّا اغتَصَباهُ ذلِكَ لَم يَرضَيا ، حَيثُ غَصَباهُ حتّى حَمَّلاهُ إيّاهُ كُرهاً فَوقَ رَقَبَتِهِ إلى مَنازِلِهِما ، فَلَمّا أحرزاهُ تَوَلّيا إنفاقَهُ أيَبلُغانِ بِذِلِكَ كُفراً؟ فَلَعَمري لَقَد نافَقا قَبلَ ذلِكَ ، وَرَدّا عَلَى اللّهِ عز و جل كَلامَهُ وَهَزِئا بِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله وَهُما الكافِرانِ عَلَيهِما لَعنَةُ اللّهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أجمَعينَ ، وَاللّهِ ما دَخَلَ قَلبَ أحَدٍ مِنهُما شَيءٌ مِنَ الإِيمانِ مُنذُ خُروجِهِما مِن حالَتَيهِما ، وَما ازدادا إلاّ شَكّا ، كانا خَدّاعَينِ مُرتابَينِ مُنافِقَينِ حَتّى تَوَفتهما مَلائِكَةِ العَذابِ إلى مَحَلِّ الخِزيِ في دارِ المُقامِ . وَسَأَلتَ عَمَّن حَضَرَ ذلِكَ الرَّجُلَ وَهُوَ يُغصَبُ مالُهُ وَيوضَعُ على رَقَبَتِهِ ، مِنهُم عارِفٌ وَمُنكِرٌ ، فَاُولئِكَ أهلُ الرِّدَّةِ الاُولى مِن هذهِ الاُمَّةِ ، فَعَلَيهِم لَعنَةُ اللّهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاس أجمَعينَ . وَسَأَلتَ عَن مَبلَغِ عِلمِنا ، وَهُوَ على ثَلاثَةِ وُجوهٍ : ماضٍ وَغابِرٍ وَحادِثٍ ، فَأمّا الماضي فَمُفَسَّرٌ ، وَأمّا الغابِرُ فَمَزبورٌ ، وأَمَّا الحادِثُ فَقُذِفَ فِي القُلوبِ ، وَنَقَرَ في الأَسماعِ ، وَهُوَ أفضَلُ عِلمِنا ، وَلا نَبِيَّ بَعدَ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . وَسَأَلتَ عَن اُمَّهاتِ أولادِهِم ، وَعَن نِكاحِهِم ، وَعَن طَلاقِهِم ، فَأَمّا اُمّهاتُ أولادِهِم فَهُنَّ عَواهِرُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، نِكاحٌ بِغَيرِ وَلِيٍّ ، وَطَلاقٌ في غَيرِ عِدَّةٍ ، وَأمّا مَن دَخَلَ في دَعوَتِنا فَقَد هَدَمَ إيمانُهُ ضلالَهُ ، وَيَقينُهُ شَكَّهُ . وَسَأَلتَ عَنِ الزَّكاةِ فيهِم ، فَما كانَ مِنَ الزَّكاةِ فَأَنتُم أحَقُّ بِهِ ؛ لِأَنّا قَد أحلَلنا ذلِكَ لَكُم ، مَن كانَ مِنكُم وَأَينَ كانَ . وَسَأَلتَ عَنِ الضُّعَفاءِ ، فَالضَّعيفُ مَن لَم يُرفَع إلَيهِ حُجَّةٌ ، وَلَم يَعرِفِ الاختِلافَ ،

.

ص: 512

104 . كتابه عليه السلام إلى جماعة من الشيعة ، في قصّة أهل نيسابور وشطيطة

فَإِذا عَرَفَ الاِختِلافَ فَلَيسَ بِضَعيفٍ . وَسَأَلتَ عَنِ الشَّهاداتِ لَهُم فَأَقِمِ الشَّهادَةَ للّهِِ عز و جل ، وَلَو على نَفسِكَ وَالوالِدَينِ وَالأَقرَبينَ ، فيما بَينَكَ وَبَينَهُم فَإِن خِفتَ على أخيكَ ضَيماً فَلا ، وَادعُ إلى شَرائِطِ اللّهِ عَزَّ ذِكرُهُ بِمَعرِفَتِنا مَن رَجَوتَ إجابَتَهُ ، وَلا تَحَصّنَ بِحِصِنِ رِياءٍ ، وَوالِ آلَ مُحَمَّدٍ ، وَلا تَقُل لِما بَلَغَكَ عَنّا وَنُسِبَ إلَينا : هذا باطِلٌ ، وَإن كُنتَ تَعرِفُ مِنّا خِلافَهُ ، فَإِنَّكَ لا تَدري لِما قُلناهُ ، وَعلى أيِّ وَجهٍ وَصَفناهُ . آمِن بِما اُخبَرَكَ ، وَلا تُفشِ ما استَكتَمناكَ مِن خَبَرِكَ ، إنّ مِن واجِبِ حَقِّ أخيكَ أن لاتَكتُمَهُ شَيئاً تَنفَعُهُ بِهِ لِأَمرِ دُنياهُ وَآخِرَتِهِ ،وَلاتَحقِد عَلَيهِ ،وَإن أساءَ ،وَأَجِب دَعوَتَهُ إذا دَعاكَ ،وَلاتُخَلِّ بَينَهُ وَبَينَ عَدُوِّهِ مِنَ النّاسِ ،وَإن كانَ أقرَبَ إلَيهِ مِنكَ ،وَعُدهُ في مَرضِهِ. لَيسَ مِن أخلاقِ المُونينَ الغِشُّ وَلا الأذى ، وَلا الخِيانَةُ وَلا الكِبرُ ، وَلا الخَنا وَلا الفُحشُ ، وَلا الأمرُ بِهِ ، فَإِذا رَأيتَ المُشَوَّهَ الأَعرابِيَّ في جَحفَلٍ جَرّارٍ فَانتَظِر فَرَجَكَ وَلِشيعَتِكَ المُونينَ ، وَإِذا انكَسَفَتِ الشَّمسُ فَارفَع بَصَرَكَ إلَى السَّماءِ وَانظُر ما فَعَلَ اللّهُ عز و جلبالمُجرِمينَ ، فَقَد فَسَّرتُ لَكَ جُمَلاً مُجمِلاً ، وَصَلَّى اللّهُ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الأَخيارِ . (1)

104كتابه عليه السلام إلى جماعة من الشيعةفي قصّة أهل نيسابور وشطيطةأبو عليّ بن راشد 2 وغيره في خبرٍ طويل : إنّه اجتمعت العصابة الشيعة بنيسابور

.


1- .الكافي :ج8 ص124ح95وراجع :الكافي :ج7ص381ح3،تهذيب الأحكام:ج6ص276ح757،رجال الكشّي : ج2 ص753 ح859 ، بحار الأنوار : ج48 ص244 وج52 ص265 وراجع : قرب الإسناد : ص333 ح 1235 .

ص: 513

واختاروا محمّد بن عليّ النّيسابوريّ ، فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم وألفي شقة من الثّياب ، وأتت شطيطة بدرهم صحيح ، وشقة خادم ، من غزل يدها تساوي أربعة دراهم فقالت : إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ . قال : فثنيت درهمها وجاؤوا بجزء فيه مسائل مل ء سبعين ورقة ، في كلّ ورقة مسألة ، وباقي الورق بياض ليكتب الجواب تحتها ، وقد حزمت كلّ ورقتين بثلاث حزم ، وختم عليها بثلاث خواتيم ، على كلّ حزام خاتم ، وقالوا : ادفع إلى الإمام ليلة وخذ منه في غد ، فإن وجدت الجزء صحيح الخواتيم فاكسر منها خمسة ، وانظره هل أجاب عن المسائل ، وإن لم تنكسر الخواتيم فهو الإمام المستحقّ للمال ، فادفع إليه وإلاّ فرُدّ إلينا أموالنا . فدخل على الأفطح عبد اللّه بن جعفر 1 وجرّبه وخرج عنه قائلاً : ربّ اهدني

.

ص: 514

. .

ص: 515

إلى سواء الصّراط . قال : فبينما أنا واقف إذا أنام بغلام يقول : أجب من تريد ، فأتى بي دار موسى بن جعفر عليه السلام ، فلمّا رأني قال لي : لَم تَقنَط يا أبا جَعفَرٍ ، وَلَم تَفزَع إلَى اليَهودِ وَالنَّصارى ، فَأنا حُجَّةُ اللّهِ وَوَلِيُهُ ، ألَم يُعرِفكَ أبو حَمزَةَ على بابِ مَسجِدِ جَدّي ، وَقَد أجَبتُكَ عَمّا في الجُزءِ مِنَ المَسائِل بِجَميعِ ما تَحتاجُ إلَيهِ مُنذُ أمس فَجِئني بِهِ وَبِدِرهَمِ شُطَيطَةَ الَّذي وَزنُهُ دِرهَمٌ وَدانِقانِ ، الَّذي فِي الكيسِ الَّذي فيهِ أربَعُمِئَةِ دِرهَمٍ لِلوازِوارِيّ (كذا ) ، وَالشُّقَةُ الَّتي في رِزمَةِ الأَخَوَينِ البَلِخيينِ .

.

ص: 516

قالَ : فَطارَ عَقلي مِن مَقالِهِ ، وأتيتُ بِما أمَرَني ، وَوَضَعتُ ذلِكَ قِبَلَهُ فَأَخَذَ دِرهَمَ شُطَيطَةَ وَإزارَها ، ثُمَّ استَقبَلَني وَقالَ : إنَّ اللّهَ لا يَستَحي مِنَ الحَقِّ يا أبا جَعفَرٍ ، أبلِغ شُطَيطَةَ سَلامي وَأعطِها هذهِ الصُّرَّةَ _ وَكانَت أربعينَ دِرهَماً _ ثُمَّ قالَ : وَأهديتُ لَكَ شُقَّةً مِن أكفاني مِن قُطِنِ قَريَتِنا صَيداءَ ، قَريَةِ فاطِمَةَ عليهاالسلاموَغَزلِ اُختي حَليمَةَ ابنَةِ أبي عَبدِ اللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدِ الصّادِقِ عليه السلام ، ثُمَّ قالَ : وَقُل لَها سَتَعيشينَ تِسعَةَ عَشَرَ يَوماً مَن وصول أبي جَعفَرٍ وَوُصولِ الشِّقَّةِ وَالدَّراهِمِ فَانفِقي على نَفسِكِ مِنها سِتَّةَ عَشَرَ دِرهَماً وَاجعَلي أربعَةً وَعِشرينَ صَدَقَةً مِنكِ ، وَما يَلزَمُ عَنكِ وَأنا أتوَلّى الصَّلاةَ عَلَيكِ ، فَإِذا رَأَيتَني يا أبا جَعفَرٍ فَاكتُم عَلَيَّ فَإِنَّهُ أبقى لِنَفسِكَ ، ثُمَّ قالَ : وَاردُدِ الأَموالَ إلى أصحابِها وَافكُك هذهِ الخَواتيمَ عَنِ الجُزءِ وَانظُر هَل أجَبناك عَنِ المَسائِلِ أم لا ، مِن قَبلِ أن تَجيئنا بِالجُزءِ ! فَوَجَدتُ الخَواتيمَ صَحيحَةً ، فَفَتَحتُ مِنها واحِداً مِن وَسَطِها فَوَجدتُ فيهِ مَكتوباً : ما يَقولُ العالِمُ عليه السلام في رَجُلٍ قالَ : نَذَرتُ للّهِِ لَأَعتِقَنَّ كُلَّ مَملوكٍ كانَ في رِقّي قَديماً ، وَكانَ لَهُ جَماعَةٌ مِنَ العَبيدِ . الجوابُ بِخَطِّهِ : لِيَعتِقَنَّ مَن كانَ في مِلكِهِ مِن قَبلِ سِتَّةِ أشهُرٍ ، وَالدَّليلُ على صِحَّةِ ذلِكَ قَولُهُ تَعالى : «وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ » (1) الآية والحديث : مَن لَيسَ لَهُ مِن سِتَّةِ أشهُرٍ . وَفَكَكتُ الخَتمَ الثّاني ، فَوَجَدتُ ما تَحتَهُ : ما يَقولُ العالِمُ في رَجُلٍ قالَ : وَاللّهِ لَأَتصَدَقَنَّ بِمالٍ كَثيرٍ فيما يُتَصَدَّقُ ؟ الجَوابُ تَحتَهُ بِخَطِّهِ : ان كانَ الَّذي حَلَفَ مِن أربابِ شِياهٍ فَليَتَصَدَّق بِأَربَعٍ وَثَمانينَ شاةً وَإن كانَ من أصحابِ النِّعَمِ فَليَتَصَدَّق بِأربَعٍ وَثَمانينَ بَعيراً ، وَإن كانَ مِن أربابِ الدَّراهِمِ فَليَتَصَدَّق بِأربَعٍ وَثَمانينَ دِرهَماً ، وَالدَّليلُ عَلَيهِ قَولُهُ تَعالى : « لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ » (2) فَعَدَدتُ مَواطِنَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبلَ نُزولِ تِلكَ

.


1- .يس : 39 .
2- .التوبة : 25 .

ص: 517

105 . الكُتُبُ المُتَرَّبَة

الآيَةِ فَكانَت أربَعَةً وَثَمانينَ مَوطِناً . فَكَسَرتُ الخَتمَ الثّالِثَ فَوَجَدتُ تَحتَهُ مَكتوباً : ما يَقولُ العالِمُ في رَجُلٍ نَبَشَ قَبرَ مَيِّتٍ وَقَطَعَ رَأسَ المَيِّتِ وَأَخَذَ الكَفَنَ؟ الجَوابُ بِخَطِّهِ : يُقطَعُ السَّارِقُ لِأَخذِ الكَفَنِ مِن وَراءِ الجَزرِ ، وَيُلزَمُ مِئَةَ دينارٍ لِقَطع رَأسِ المَيِّتِ ؛ لِأَنّا جَعَلناهُ بِمَنزِلَةِ الجَنينِ في بَطنِ اُمّهِ قَبلَ أن يُنفَخَ فيهِ الرّوحُ ، فَجَعَلنا فِي النُّطفَةِ عِشرينَ ديناراً . المَسألة إلى آخرها . فَلمّا وافى خُراسانَ وَجَدَ الَّذينَ رَدَّ عَلَيهِم أموالَهُم ارتَدّوا إلَى الفَطَحِيَّةِ ، وَشُطَيطَةَ عَلَى الحَقِّ ، فَبَلَّغَها سَلامَهُ وَأَعطاها صُرَّتَهُ وَشُقَّتَهُ ، فَعاشَت كما قالَ عليه السلام ، فَلَمّا تُوفِيَت شُطَيطَةُ جاءَ الإِمامُ على بَعيرٍ لَهُ ، فَلَمّا فُرِغَ مِن تَجهِيزِها رَكِبَ بَعيرَهُ وَانثَنى نَحَو البَرِيَّةِ وَقالَ : عَرِّف أصحابَكَ ، وَاقرَأهُم مِنّي السَّلامَ وَقُل لَهُم : إنّي وَمَن يَجري مَجرايَ مِنَ الأئِمَّةِ عليهم السلام لابُدَّ لَنا مِن حضور جنائزكم في أيّ بلد كنتم فاتّقوا اللّه في أنفسكم . (1)

105الكُتُبُ المُتَرَّبَةعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عليّ بن عطيّة (2) ، أنّه رأى كتباً

.


1- .المناقب لابن شهرآشوب: ج4ص291،راجع:الخرائج والجرائح :ج1 ص328 ح22وبحار الأنوار :ج48 ص73 .
2- .راجع : ص 75 (النهي عن الترهّب وتحريم ما أحلّ اللّه ) .

ص: 518

لأبي الحسن عليه السلام مترّبة . 1 وآخر دعوانا : « سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ » .

.

ص: 519

الفهرس التفصيلي

الفهرس التفصيلي

.

ص: 520

. .

ص: 521

. .

ص: 522

. .

ص: 523

. .

ص: 524

. .

ص: 525

. .

ص: 526

. .

ص: 527

. .

ص: 528

. .

ص: 529

. .

ص: 530

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.