سرشناسه : ابن صباغ، علي بن محمد، 784-855ق.
عنوان و نام پديدآور : الفصول المهمه في معرفة الائمه/ علي بن محمد ابن المالكي مكي الشهير بابن صباغ؛ حققه و علق عليه جعفر الحسيني.
مشخصات نشر : قم : المجمع العالمي لاهل البيت (ع)، 1432 ق.= 2011 م.= 1390.
مشخصات ظاهري : 574 ص.
شابك : 964-529-073-1
وضعيت فهرست نويسي : فاپا(چاپ دوم)
يادداشت : عربي.
يادداشت : چاپ اول: 1385 (فيپا).
يادداشت : چاپ دوم.
يادداشت : چاپ قبلي: موسسه دارالحديث الثقافيه، 1422ق = 1380 (در دو مجلد).
يادداشت : كتابنامه: ص. [553] - 567؛ همچنين به صورت زيرنويس
موضوع : سادات (خاندان) -- نسبنامه
موضوع : ائمه اثناعشر
موضوع : امامت
شناسه افزوده : حسيني، جعفر، 1323 - ، مصحح
شناسه افزوده : مجمع جهاني اهل بيت (ع)
رده بندي كنگره : BP36/5/الف2ف6 1390
رده بندي ديويي : 297/95
شماره كتابشناسي ملي : م 85-556
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
مقدّمة الناشريُعتبر عليّ بن أحمد بن عبداللّه المكي المالكي ، المشهور بابن الصبّاغ (784_855 ق) من أكابر علماء المسلمين ، وأبرز أعلام المذهب المالكي في النصف الأوّل من القرن التاسع للهجرة . وكان جامعا لعلوم وفنون شتّى خاصّة : علوم اللغة العربية ، وأُصول الفقه ، وعلوم القرآن ، والحديث ، والتاريخ . كان رحمه الله يتميّز بقدرة فائقة في التأليف والتدوين ، وقد خلّف آثارا ومؤلفاتٍ قيّمةً خاصةً في ميداني التاريخ والحديث ، وبقيت كتبه ولا زالت حتّى الآن مَعِينا ينهل منه العلماء والمحدّثون . كان متمسّكا بأهل بيت الرسول صلى الله عليه و آله ، وكان كيانه طافىً بنور محبّة أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة المعصومين عليهم السلام . وقد أفرد بعضا من مؤلّفاته لذكر مناقبهم وفضائلهم وسيرتهم . نُشير إلى جملةٍ منها : 1 . الفصول المهمة في معرفة الأئمّة عليهم السلام ، 2 . تحرير النقول في مناقب أُمِّنا حواء وفاطمة البتول عليهاالسلام ، 3 . قصائد في مدح أمير المؤمنين عليه السلام . يحظى كتاب الفصول المهمة في معرفة الأئمّة عليهم السلام بأهمّيّة خاصّة واعتبار
.
ص: 8
مضاعف؛ إذ أنّه يتّسم بجودة المضمون ورصانة الأُسلوب ودقّة الضبط والتحقيق ، إضافة إلى حسن التنظيم والتبويب ، بحيث أصبح موضع تأييد من جميع الفرق والمذاهب الإسلامية ، واتُّخِذَ كمصدرٍ موثّق في التراث الإسلامي . جاء تأليف هذا الكتاب بناءً على طلب بعض أصدقائه ، وقد رتّبه في اثني عشر بابا ، في كلّ باب ثلاثة فصول ، وخصّص كلّ فصل منها لذكر مناقب وفضائل كلّ واحد من الأئمّة الاثني عشر ، مع نبذة عن سيرته وتاريخ ولادته واستشهاده . فللّه درّه وعليه أجره . ونظرا إلى تسمية العام الهجري الشمسي يمرّ علينا باسم «عام الإمام عليّ عليه السلام » من قبل قائد الجمهورية الإسلامية _ حفظه اللّه ورعاه _ ، يسرّ مركز نشر دار الحديث أن يقدّم هذا السفر الخالد إلى أبناء الأُمّة الإسلامية ، وخاصة إلى محبّي وشيعة أمير المؤمنين عليه السلام . عسى اللّه أن يشملنا وإيّاهم بشفاعة أمير المؤمنين عليه السلام «يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَ لاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » . ولا يسعنا هنا إلاّ أن نعرب عن فائق الشكر والتقدير للأستاذ سامي الغَريريّ ، الذي بذل جهدا لا يستهان في تنقيح هذا الكتاب والتعليق عليه . وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين . مركز نشر دار الحديث
.
ص: 9
مقدّمة المحقِّقالحمدُ للّه الّذي أضاء قلوب أوليائه بنوره فانكشف لهم به أسرار الوجود ، ورشح عليهم من بحر المعارف والعلوم وسقاهم بكأس المحبّة فانشرح به صدورهم ، فخرجوا بما منحهم من إفاضاتة من مضيق عالم الطبيعة وظلمات علائق القيود إلى عالم السعة والنور والسرور . والصلاة والسلام على نبيِّه وصفيِّه ومستودع سرِّه ، أوّل الموجودات ومصباح الهداة ، وعلى آله وأهل بيته معادن الإحسان والجود ، ولاسيّما ابن عمِّه ووصيِّه أمير المؤمنين عليه السلام ، الّذي جعله اللّه تعالى بمنزلة نفس النبيّ صلى الله عليه و آله ، صلاةً دائمةً باقيةً ماظهرت أسرار الوجود عن خبايا العدم ، متلاحقةً متتاليةً لا تكتمل بالعمم . أمّا بعد ، فإنّ أحقَّ الفضائل وأولاها وأزهر العقائل وأسناها هو العلم الّذي يتضاءل عنده رأسُ كلِّ عزٍّ وفخر ، ويتطأطأ عند عظمته تليع عنق الدهر ، ويضمحلّ في حذائه كلُّ نورٍ وينكسف ، وينمحي في إزائه كلُّ ضياءٍ وينخسف ، فلا مجد إلاّ وهو ذروته وسنامه ، ولا شرف إلاّ وهو يمينه وحسامه ، ولا المسك الأذفر والعنبر الأشهب بأطيب منه وأذكى ، بيد أنّ له أفانين وفنون ، وعساليج (1) وغصون ، وإنّ من
.
ص: 10
أجلّ العلوم شأنا وأعلاها مكانا وأرجحها ميزانا وأكملها تبيانا علم الحديث . فله مِن بينها الرتبة الأعلى ، والمنزلة القصوى ، وكفى له علوّا وامتيازا ، وسموّا واعتزازا ، أ نّه يرى منازل كانت مهبط جبرئيل ، ويعرّف وجوها نطق في ثنائهم الكتاب الجميل ، ويوصل إلى مربعٍ محفوف بالتقديس والتهليل ، وينظم في عقدٍ منظومٍ مِن جواهر معادن الوحي والتنزيل ، ويشدّ بحبلٍ ممدودٍ يصل إلى اللّه الجليل . ولمّا كان كمال الإيمان بمعرفة أئمّة الأزمان بمنطوق شريف القرآن وجب صرف الهمّة في كلِّ أوان ، لوجوب الاستمرار على الإيمان في كلِّ آن . ولهذا اهتمّ بشأنه العلماء ، وأتعبوا أبدانهم ، وأسهروا أجفانهم ، وتجرّعوا لنيله غُصص النوى ، وباتوا وفي أحشائهم تتّقد نار الجوى ، وخاضوا لأجله لجج الدماء ، وجزعوا المنفق البيداء ، حتّى فازوا بالمراد ، وأصبحوا زعماء البلاد ، ومناهج الرشاد ، وهداة العباد . وقد صنّف علماؤنا رضوان اللّه عليهم في ذلك كتبا مقرّرة ، وألَّف فضلاؤنا في الردِّ على مخالفيهم أقوالاً محرَّرة ، وأجالوا في الحقائق والدقائق خواطرهم ، وأحالوا عن العلائق والعوائق نواظرهم ، ونصبوا في ذلك رايات المعقول والمسموع ، وأوضحوا آيات المستنبط المطبوع ، غير حائدين (1) عن رواية الصدق المبين ، وغير مائلين عن رعاية الحقّ اليقين ، فيستضيء المتعرّف بأنوار مصنّفاتهم ، ويرتدي المتحرّف بأسرار بيِّناتهم . وكيف لا تصرف العناية إلى قومٍ هم الأحبار الأشمّ والأبحار الخضمّ ، أحد السببين اللّذين من اعتلق بهما فاز قداحه ، وثاني الثقلين اللّذين من تعلَّق بهما اسفرّ من جميل السُّرى (2) صباحه ، ولايتُهم نجاةٌ في الاُولى والعقبى ، ومودَّتهم واجبةٌ «قُل
.
ص: 11
لاَّ أَسْ_ئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى » (1) ، فما من شرفٍ تمتدّ إليه الأبصار ، ولا من طرفٍ يرتفع لديه اقتباس الأقدار ولا باب تعظم فيه الأخطار ولا لبابٍ تقحم به الآثار إلاّ وقد جازته قادات الأطهار وحازته سادات الأبرار ، مع سعي المعاندين في إطفاء نورهم «وَيَأْبَى اللَّهُ إِلآَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ » (2) ، وبغي الجاحدين في تطريدهم وتشتيت قبورهم ، ويُريد اللّه أن يظهر حجّته ومزبوره ، فهل قُدّم عليهم إلاّ من سمل (3) عين الإيمان ؟ وهل تقدّمهم إلاّ من شمل قلبه الطغيان ، وقد ضاءت مدائحهم ومنائحهم في كتاب ربِّ العالمين ، وجاءت لأعدائهم قبائحهم وفضائحهم ظاهرة للناظرين . في طوايا التاريخ على امتداده يجد الباحث والمتتبّع رجالاً وعباقرةً غيَّروا مسير التاريخ بعلمهم وفنِّهم ، واقتادوا الشعوب إلى شواطئ المجد والخلود ، وجداول الحقّ والواقع ، وأوقفوهم على المهيع القويم والصراط المستقيم . نستوقف على نفر من «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَ__لَ_تِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَ لاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَ كَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا » (4) ، ويدفعون الاُمّة إلى قمّة الإنسانية والتكامل ، وفي أيديهم قبسٌ من تلك الحرائق الّتي يشعلها الأنبياء أضواء هداية على الطرق ، وزيتها من دمهم الّذي يتوهّج زيتا ، لا أكرم في الزيوت ولا أضوأ في الإنارة ، ويقودون الأشرعة التائهة في اليمّ ، والقافلة الضالة الحائرة في البيداء ، إلى موانئ السلامة وسواء السبيل والهداية . يجد الباحث ببطن التاريخ صِوَر الّذين كانوا على امتداد التاريخ في الشموخ مشاعل وهّاجة ، ومنارات شاهقة ، حادوا قافلة الجهاد الفكري في ظروف قاسية في الأسار ، وقبضة الإرهاب والبطش الّتي كانت تلاحق كلّ من همس بإيمانه ،
.
ص: 12
ناهيك عن الهتاف بعقيدته ، وإعلانها على رؤوس الأشهاد . في ظروف حالكة وعهود قائمة والسلطة الحاكمة فيها قيد في الأيدي ، وعلى الأفواه والسجون والمنافي جعلت بيوتا ومأوى للفقهاء والعلماء والشعراء ، برغم هذا التعسّف كلّه يعمل نفر منهم جاهدا لإبادة الجهل والكفر والباطل ، وإزاحة الكابوس اللاعقائدي الّذي يهدف بمساندة أذنابه وعملائه إغراء الشعب ، ودفعه إلى أحضان الجهل والفساد ، وتفريق صفوفه وتمزيق شمله ، وفساد نظام مجتمعه ، وفصم عرى الاُخوّة الإسلامية ، وإثارة الأحقاد الخامدة ، وحشّ نيران الضغائن في نفوس الشعب الإسلامي ، ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بين فرق المسلمين «يَ_أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى الصُّدُورِ » (1) . أجل ، لم تثن السجون والشهادة والتشريد وضرب السياط وإلصاق التهم عزائم قادة الدين الصحيح ، ولم تردعهم عن رسالتهم الصادقة ، وإنّما شقّوا عباب تلكم الظروف القاسية بالصبر والمثابرة والجهاد والمقاومة والبذل والمفاداة ، وحملوا راية المقاومة على جبهة الفكر الكريمة ، وحملوها عالية ، وإن سقطت واستشهدت دونها العشرات الفطاحل ، وهم بين فقيهٍ ومجتهد ، وعالمٍ ومؤلّف ، وأديبٍ وشاعر ، فبلَّغوا وأدُّوا رسالتهم ، وحكوا كلَّ شيءٍ لمن ألقى السمع وهو شهيد . لقد استحوذ الحقُّ ، وتغلّب الواقع على هؤلاء العباقرة منذ نعومة أظفارهم ، وحلّت الهداية الإلهية في قلوبهم ، فرأوا أزهار الجهل والفساد الّتي كانت تنبت بكلِّ مكان تتحوَّل إلى أظافر وأنياب في لحومهم ، وفي جسم الشريعة الإسلامية ، فثاروا في سبيل الحقّ ، ونهضوا في الذبِّ عن الحقيقة . والواقع أنّ الشعوب مدينة لهؤلاء المجاهدين المبدعين والأعلام النابهين ، الّذين كانوا في كلِّ دورٍ وعهدٍ مصدر المعرفة الإنسانية في آفاقها الّتي لا تحدّ «إِنَّ الَّذِينَ
.
ص: 13
قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَ_مُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَ لاَ تَحْزَنُواْ وَ أَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ » (1) . يمكن القول هذا بصراحة : إنّ ابن الصبّاغ المالكي يعتبر في الطليعة من المجاهدين الّذين حفظوا التراث الإسلامي والسنّة النبوية ، وخالطت آثاره حياة الاُمَّة ، وكانت كالنقش على حجر وظلّت في أعماق روحها كما يتذكّر الإنسان حبّه الطفلي الأوّل ، كان اسمه وأثره دائما في قلوبنا رمزا لهذا النوع المتميِّز من البشر ، الّذين استطاعوا أن يجسِّدوا في كلامٍ موجز وبحثٍ قليل ، أجمل وأنبل ما يمكن أن تجود به النفس الإنسانية من مشاعر في حبّ الحقّ والدفاع عنه والدعوة إليه . هذا بالإضافة إلى حيوية اُسلوبه وبيانه الّذي لا يزال رطبا غضّا ، كأ نّه لم يكتبه منذ قرون بل كأ نّه كتبه في هذه الأيّام والساعات ، لأ نّه لا يزال قرعه للأسماع شديدا ، ووقعه في النفوس بليغا ، مع أ نّه مضى عليه قرون ، سلفت فيها اُممٌ ، وتعاقبت شعوبٌ ودول ، وتغيَّرت ظروفٌ وأحوال ، ولكن اُسلوبه الرصين الخالد الّذي استعمله لخدمة دينه واُمّته وبني قومه لم يتبدّل ولم يتغيّر ، لأ نّه استمدّه من روحه وقلبه ، ومن فكره وإخلاصه ، وعقله المستخمر بحبِّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة الهداة من ولده عليهم السلام . حقّا أنّ نور الدين في اُسلوبه وبيانه الممتنع الجزل المفيد الوجيز لَيعكس في أذهاننا جميع عباراته ، بيراعه الخالد الّذي لا يُنسى وقعه ولا يُمحى أثره . ولنعم ما قيل : إنْ كنتَ من شيعة الهادي أبي حسن حقّا فأعدد لريب الدهر تجنافا إنّ البلاءَ نصيبُ كلّ شيعته فاصبر ولا تكُ عند الهمّ منصافا وهذا المعنى مأخوذٌ من قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : مَن أحبَّنا أهل البيت
.
ص: 14
فليستعدّ عدّةً للبلاء (1) وفي رواية : فليستعدّ للفقر جلبابا (2) . وقد ثبت أنَّ النبيَّ صلى الله عليه و آله قال لعليٍّ عليه السلام : لا يُحبّك إلاّ مؤمنٌ ولا يُبغضك إلاّ منافق (3) ، وثبت أيضا أ نّه صلى الله عليه و آله قال : إنّ البلوى أسرع إلى المؤمن من الماء إلى الحدود (4) . ولم يكن المترجَم له إنسانا مغمورا حتّى يحتاج إلى التعريف والإشادة بمآثره ، بل هو طودٌ شامخ وعلمٌ معروف ، انتشرت آثاره العلمية في المكتبات الإسلامية ، وعُرفت مآثره الدينية في الأوساط العلمية . إنّه حيٌّ تتجدّد ذكراه على مرِّ العصور والدهور . نعم ، سيبقى حيَّ الذكر اُولئك الّذين أدركوا مغزى خلقتهم للحياة لا للفناء ، واتّجهوا بكنه وجودهم إلى الحيِّ القيُّوم ، واستضاؤوا في مسيرتهم العلمية بأنوار الأنبياء ، وجعلوا سيرة أولياء الحقّ دستورهم المتّبع ، هؤلاء سيبقى ذكرهم حيّا خالدا ، ولا يجد الفناء إليهم سبيلاً . وليس المترجَم له ممّن يتباهى به أهل مذهبه فقط ، بل يتباهى به المسلمون كافّة ، لما أحسّوا فيه من الشخصية المسهمة في إعلاء كلمة اللّه تعالى ، وبذل الجهد لنشر الاُسس الإسلامية المتينة ، كما تشهد بذلك كتبه القيّمة ، فجزاه اللّه عن الإسلام خير جزاء المحسنين . وبما أ نّه قد تُرجمت شخصية المؤلِّف في معظم كتبه ومؤلّفاته _ الّتي رأت النور حديثا _ ترجمةً وافيةً وغزيرة وفي معظم كتب العلماء الأعلام ارتأينا أن نتناول نبذةً وجيزةً عن حياته الشريفة .
.
ص: 15
ترجمة المؤلّفكلُّ مَن ذكره مِن أرباب معاجم التراجم أثنى عليه ثناءً جميلاً ، ووصفه بالفضل والفقه والحديث والأدب ، وأ نّه من الأكابر . فقد ترجم له تلميذه شمس الدين محمّد بن عبدالرحمن السخاوي في كتابه «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» وعدَّد شيوخه ، وأشار إلى مؤلّفاته ، قائلاً : عليُّ بن محمّد بن أحمد بن عبداللّه نور الدين الأسفاقسي الغزّيّ الأصل المكّيّ المالكي ، ويُعرف ب «ابن الصبّاغ» . ولد في العشر الأوّل من ذي الحجَّة سنة أربع وثمانين وسبعمائة بمكّة ونشأ بها ، فحفظ القرآن ، والرسالة في الفقه ، وألفية ابن مالك ، وعرضهما على : الشريف عبدالرحمن الفاسي ، وعبدالوهّاب بن العفيف اليافعي ، والجمال بن ظهيرة ، وقريبه أبي السعود ، وسعد النووي ، وعليّ بن محمّد بن أبي بكر الشيبي ، ومحمّد بن سليمان بن أبي بكر البكري . وأجازوا له ، وأخذ الفقه عن أوّلهم ، والنحو عن الجَلال عبد الواحد المرشدي ، وسمع على الزين المراغي سداسيات الرازي ، وكتب الخطّ الحسن ، وباشر الشهادة مع إسراف على نفسه ، لكنّه كان ساكنا ، مع القول بأ نه تاب . وله مؤلّفات ، منها : الفصول المهمّة لمعرفة الأئمّة _ وهما اثنا عشر _ ، والعِبر فيمن شفّه النظر ، وتحرير النقول في مناقب اُمِّنا حوّاء وفاطمة البتول (1) أجاز لي . ومات في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وثمانمائه ، ودُفن بالمعلاّة سامحه اللّه وإيّانا (2) . وترجم له الزركلي في «الأعلام» بقوله : ابن الصبّاغ ( 784 _ 855 ه ) ( 1383 _ 1451 م ) عليّ بن محمّد بن أحمد نور الدين ابن الصبّاغ ، فقيه مالكي ،
.
ص: 16
من أهل مكّة مولدا ووفاةً ، أصله من سفاقس ، له كتب منها : الفصول المهمَّة لمعرفة الأئمّة مطبوع ، والعِبر فيمن شفّه النظر ، قال السخاوي : أجاز لي (1) . وترجم له ابن زبارة في «نشر العرف» ترجمةً مطوَّلة ، وقال فيها : هو من بيت علم شهير بصعدة ، مؤلّفاته تزيد على الخمسين . ثمّ عدَّد مؤلّفاته ، وذكر له هذا الكتاب ، وكتابه «العقود اللؤلؤية واللآلئ الثمينة في فضائل العترة الأمينة» (2) . وترجم له مولانا محمّد إعجاز حسن ابن مولانا محمّد جعفر حسن الباكستاني المتوفّى سنة ( 1350 ه ) ، صاحب المصنّفات الكثيرة ، إلى اللغة الاُردية (3) . وترجم له إسماعيل باشا في «هديَّة العارفين» وعدَّد تصانيفه الكثيرة ، وذكر منها ما ذكرناه (4) . وترجم له جشي في «مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن» وذكر له «قصائد في مدح أمير المؤمنين عليه السلام » وأنّ مخطوطتها في المكتبة الغربية في الجامع الكبير بصنعاء رقم ( 8 ) مجاميع (5) .
ممّن اشتهر بابن الصبّاغ :وقد يُطلق ابن الصبّاغ أيضا على أبي نصر عبد السيّد بن محمّد بن عبدالواحد ، الفقيه الشافعي ، المدرِّس بالمدرسة النظامية ببغداد ، وكان ثقةً حجّةً صالحا ، توفّي ببغداد سنة ( 477 ه ) (6) .
.
ص: 17
وممَّن اشتهر بهذه الكنية أيضا عليّ بن عبد الحميد بن إسماعيل الزاهد العارف الكبير أبو الحسن ، توفّي بقنا من صعيد مصر سنة ( 612 ه ) ، ودُفن برباطه ، لقي المشايخ والصالحين ، وانتفع به جماعة ، وعنه أخذ مشايخ إقليم الصعيد قرأ القرآن على الفقيه ناشي ، وسمع من الشيخ أبي عبداللّه محمّد بن عمر القرطبي ، كذا ذكره الصفدي (1) . أمّا ما ذكره العلاّمة الخونساري في «روضاته» (2) بأنّ اسم ابن الصبّاغ _ المترجم له _ هو صالح بن عبداللّه بن جعفر الأسدي الكوفي ، ولقبه مُحي الدّين ، كما ذكره المحدِّث النيسابوري ؛ فهو مجرّدٌ من كلِّ دليلٍ مقبول ، وخلاف ما جاء في ترجمته في كتب الرجال المعتبرة عند الفريقين ، لاسيّما كتب المالكية . وله ترجمه في «هديه العارفين» (3) لإسماعيل باشا و«معجم المؤلّفين» (4) لعمر رضا كحّالة ، وكلُّ مَنْ ترجم له ذكر له كتابه «الفصول المهمَّة» .
مكانته العلمية :لا أحسب في خلال عمر ابن الصبّاغ المالكي توجد لحظة أو فترة ذهبت سدى ، أو راحت ولم يترك فيها أثرا فكريّا أو خطوة علمية ، لذلك لو عدّدنا أوراق تآليفه وتتبّعنا صفحات مصنّفاته وجدناها تربو بكثير على أيّام عمره وساعاته الحافلة بالجهاد العلمي الّذي ترتسم على كلِّ اُفقٍ من آفاق هذا العالم الإسلامي . فكان من الرجال المعدودين الّذين امتازوا في التاريخ الإسلامي بمواهب وعبقريات دفعتهم
.
ص: 18
إلى الأوج الأعلى والقمّة الشاهقة من آفاقهم ، فإذا أسماؤهم ومآثرهم كالشهب الوهّاجة تتلألأ في كبد السماء مادامت الحياة . وقليل الّذين ترتسم أسماؤهم في كلِّ اُفق من تلكمُ الآفاق ، وتستنير مآثرهم مدى الحياة ، إلاّ اُولئك الأفذاذ الّذين ارتفعت بهم الطبيعة ، فكان لهم من نبوغهم النادر وشأنهم العظيم ما يجعلهم أفذاذا في دنيا الفكر الإسلامي كلّها ، ومنهم الشيخ المؤلّف ، فقد شاءت المنحة الإلهية والإرادة الربّانية أنْ تبارك عمله ويراعه وبيانه ، فتخرج منهم للأجيال والشعوب نتاجا فكريا من أفضل النتاج ، وغذاءً معنويا تتغلّب به على التيّارات السامّة الوافدة عليها من خارج الوطن الإسلامي ، وما تحيكه أذناب الجهل والعمالة داخل الوطن من انحراف مسير المسلمين واتجاهاتهم البنّاءة الهادفة إلى توحيد الكلمة وكلمة التوحيد . وقد لا أكون مبالغا ولا متعصّبا ولامنحازا حين اُطلق العنان للقلم فيسجّل : أنّ ابن الصبّاغ يتقدّم بما أنتجه وكتبه وصنّفه إلى الطليعة من علماء المالكية ورجالاتها الّذين كرّسوا حياتهم طول أعمارهم لخدمة الحقّ والواقع ، وبهذا استحقّ أن يتصدّر مجلس المالكية في العالم الإسلامي الحاضر ، وحتّى في عصوره المقبلة . لقد منح _ المترجَم له _ لكلِّ لحظة من لحظات حياته حسابا خاصّا ، ومسؤوليةً هامّة يتساءل عنها ويحاسب عليها ، فبنى حياته على قول الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام حيث يقول : «والفرصة تمرُّ مرَّ السحاب ، فانتهزوا فرص الخير» (1) . ومنه أخذ ابن المقفّع عبداللّه ، فقال : انتهز الفرصة في إحراز المآثر ، واغتنم الإمكان باصطناع الخير ، ولا تنتظر مايعامل فتجازى عنه مثله ، فإنّك إن عوملت بمكروهٍ واشتغلت ترصد أوان المكافأة عنه قصر العمر بك عن اكتساب فائدة وافتناء منقبة ، وتصرّمت أيّامك بين تعدٍّ عليك وانتظارٍ للظفر بإدراك الثأر من
.
ص: 19
خصمك ، ولاعيشة في الحياة أكثر من ذلك (1) . كان الشيخ _ المترجَم له _ من أكابر المحقّقين الأعلام وأعاظم علماء الإسلام ، كشّافا لمعضلات الدقائق بذهنه الثاقب ، وفتّاحا لمقفلات الحقائق بفهمه الثاقب ، حسن التقرير والإنشاء ، جيِّد التحرير والإملاء ، جميل الأخلاق والشيم ، حميد الآداب والحكم ، في عليا درجةٍ من الزهد والورع والتقوى والدين ، وسميا مرتبةٍ من مراتب الفقهاء والمجتهدين ، رفيع القدر بين طبقات أهل الفضل ، مرموق المكانة في عيون كبار أصحابه ، محترم الجانب من قبل أعاظم سائر المذاهب الإسلامية ، وينوَّه عنه في مجالسهم ومحافلهم بكلِّ إجلال ، ويلقّب بألقاب التفخيم : كالعلاَّمة ، والإمام ، والشيخ ، والبحر ، إلى غير ذلك من ألفاظ الإعجاب والتقدير الّتي تنمّ عن علوّ منزلته العلمية ، كما صرَّحت بذلك كتب الأوائل والأواخر ، وجميع هؤلاء الأفاضل الأماثل اتّفقوا بأنّ ابن الصبّاغ كان من أكابر علماء السنّة ، وأعاظم محدِّثيهم الأعلام (2) . فهذه نسبته ونسبه ، وفضله وحسبه ، وعلمه وأدبه ، فالأحسن والأحقّ والأولى أن اُقرّرها لك بهذا التقرير : لم يكتحل حدقة الزمان له بمثلٍ ولا نظير ، ولما تصل أجنحة الإمكان إلى ساحة بيان فضله الغزير ، كيف ولم يدانه في الفضائل سابق عليه ولا لاحق ، ولم يثنّ إلى زماننا هذا ثناءه الفاخر الفائق ، وإن كان قد ثنّى ما أثنى على غيره من كلِّ لقبٍ جميلٍ رائق ، وعلمٍ جليلٍ لائق . إذن فالأولى لنا التجاوز عن مراحل نعت كماله ، والاعتراف بالعجز عن التعرّض لتوصيف أمثاله ، ويخطر ببالي أن لا أصفه ، إذْ لا تسع مقدّمتي هذه علومه وفضائله وتصانيفه ومحامده ، وله أكثر من خمسين كتابا .
.
ص: 20
شيوخه :نشأ وترعرع في مكّة المكرّمة ، حيث بانت على محيّاه طلائع الفطنة والذكاء ، وصفاء الذهن والقريحة منذ نعومة أظفاره ، فقد كان رحمه الله عالي الهمّة ، مجِدّا مثابرا على مواصلة الدرس والتحصيل ، فأصبح مضرب المثل لعصره في إحراز فضيلتي الذكاء والجدِّ في مواصلة الدراسة ، حتّى اُشير إليه بالبنان من بين اُولي الفضل والعلم بالتفوّق والتقدُّم . حفظ القرآن الكريم ، والرسالة في الفقه ، وألفية ابن مالك ، ودرس العلوم العربية ، واُصول الفقه والحديث ، وسداسيات الرازي ، وعلم الخطّ ، وغير ذلك من العلوم والفنون الإسلامية . وبعد انتهائه من المقدّمات التمهيدية حضر على علماء عصره ، أمثال : 1 _ العلاّمة الشريف عبد الرحمن الفاسي . 2 _ الفاضل عبد الوهَّاب بن العفيف اليافعي . 3 _ جمال الدين بن ظهيرة ، الراوي عن شمس الدين محمّد بن عبد الرحمن عليّ بن أبي الحسن الزمرّدي المعروف بابن الصائغ ، المتوفّى مسموما سنة ( 776 ه ) . 4 _ العلاّمة أبي السعود . 5 _ العلاّمة سعد النووي . 6 _ العلاّمة عليّ بن محمّد بن أبي بكر الشيبي 7 _ العلاّمة محمّد بن سليمان بن أبي بكر البكري . 8 _ العلاّمة الجَلال عبد الواحد المرشدي . 9 _ العلاّمة الزين المراغي .
.
ص: 21
وجماعة غيرهم ، حتّى حاز مرتبة الاجتهاد ، وبشهادة علماء عصره . لم يقف _ ابن الصبّاغ _ عند علمي الفقه والاُصول كما هو متعارف عند طلبة العلوم الدينية ، بل تجاوزهما بعد أن حصل على بغيته المنشودة منهما إلى بقيّة المجالات العلمية والأدبية من : الحكمة ، والكلام ، والأدب ، والتاريخ ، والنقد ، والعقيدة ، وغير ذلك من العلوم .
تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه :لابن الصبّاغ المالكي تلامذة نبلاء كثيرون ، فمن جملة مَن تشرّف بخدمته وأخذ من بركات أنفاسه : 1 _ العلاّمة الرجالي والأديب الضليع شمس الدين محمّد بن عبدالرحمن السخاوي (1) صاحب «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» والمجاز منه . 2 _ وجملة من فضلاء المالكية ، وردت أسماؤهم في كتاب «نيل الابتهاج بتطريز الديباج» فمن شاء الوقوف على تفصيل تراجمهم فعليه بمراجعة الكتاب المذكور لمؤلّفه سِيديِ أحمد بابا التنكتبي . وكثيرون من أمثالهم ، وهم بين عالمٍ كبير ، وحكيمٍ فاضل ، وفقيه ، ومجتهد ، ومؤلّف ، وأديب ، وشاعر ، ومحدِّث ، ورجالي ، لهم شهرة كسائر المشاهير .
آثاره العلمية :أمّا مؤلّفات المترجَم له فنجدها رفيعةٌ عميقة ، أنيقةٌ رقيقة ، عذبةٌ سامية ، تجمع بين سموّ الفكر وترف اللفظ والاُسلوب ، وهو ما ذكرته عنه في صدر مقدّمتي هذه من كونه حريصا على المزاوجة بين علمه وفنّه ، وفضله وإبداعه ، فإذا ما قرأتَ بحثا
.
ص: 22
علميّا بحتا مهما كان موضوعه خلت أ نّك تقرأ بحثا أدبيا جامعا ، لقوّة اُسلوبه ومتانته ونصاعته ، يعجبك بيانه المستجمع لكلّ العناصر الأدبية ، مع لطف مواقعه من القلوب ، وسرعة تأثيره في النفوس . وبعد اجتياز هذه المرحلة فمؤلّفاته كثيرةٌ أيضا من حيث الكمّية ، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلُّ على ملكةٍ خصبةٍ أصيلة ، ومناعةٍ حيّةٍ قويمة ، تثبت لمترجمنا عمالقة علمٍ ، وبطولة فكرٍ وجهابذة أدب . والّذي يبدو من كتب التاريخ والتراجم أنّ الشيخ نور الدين كانت له كتبٌ معروفةٌ في الأوساط ، مشتهرةٌ عند العلماء ، منتشرةٌ بين الناس ، فتراهم يعرّفونه بها لاشتهارها وتداولها . ولانغالي بشيءٍ إذا قلنا بأنّ للعديد من علماء الإسلام باعا كبيرا ويدا طولى في البحث والتأليف والتجديد والإبداع ، متخطّين الحدود التقليدية الّتي بقي البعض يدور في خللها ويقتات من فتاتها ، فيبتدئ وينتهي حيث ما ابتدأ منه . وإذا حفظتْ لنا صفحات التاريخ أسماء العديد من اُولئك الأعلام البارعين والعباقرة المبدعين فإنّ من حقِّ ذلك التاريخ أن يُزيّن صفحاته تلك بذكر سيرة ومؤلّفات عالمٍ فذٍّ شهد القرن التاسع إبداعاته ونتاجاته المتعدّدة المشارب والأشكال . نعم ، لقد أبدع يراع العلاّمة ابن الصبّاغ رحمه الله في إغناء المكتبة الإسلامية بالجمِّ الكثير من المؤلّفات القيّمة والبحوث الرائعة في شتّى العلوم والمعارف الإسلامية المختلفة ، بشكلٍ قلّ نظيره وتضاءل مثاله . وساُحاول من خلال هذه الأسطر استعراض ما أمكنني حصره من مؤلّفاته تلك ، بأبوابها وعلومها المختلفة ، المطبوعة منها والمخطوطة ، دون اسهاب أو تفصيل . 1 _ الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة : وهو هذا الكتاب الّذي بين يديك أ يّها
.
ص: 23
القارئ الكريم ، وهو كتابٌ جليلٌ قيّم يحتوي على ( 304 ) صفحة من القطع الوزيري ، ويشتمل على غرر مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأولاده المعصومين عليهم السلام ، بأسانيد جياد ، أكثر رواته من الصحابة وأعلام المحدِّثين ، وكان كتابا مشهورا متداولاً يُقرأ على الملأ في مكّة المكرّمة ، ويزدحم الناس لسماعه ، وثّقه الأجلاّء من علماء المذاهب الإسلامية ، وأطروه ، فهو ثقة ، ثبت ، صحيح النقل ، غير منسوب إلى هوى ولا أدغال ، وهو من رجال أصحاب الحديث . 2 _ العِبر فيمن شفّه النظر : الّذي لم يُصنَّف مثله في بابه ، وكفى به شاهداغزارة علمه وتضلُّعه في علوم الشريعة أجمع ، واعتمده أهل الفضل والعلم ، وعدُّوه من الفرائد ، وكيف لا يكون كذلك ومؤلّفه من فرسان الحديث ؟ ! فهما يقظا متقنا ، كثير الحديث جدّا ، ومَن نظر في مؤلفاته عرف محلّه من الحفظ . 3 _ تحرير النقول في مناقب اُمِّنا حوّاء وفاطمة البتول : وهو أكبر من أن تدلَّ عليه وعلى فضله وعلمه وسيره ، وأشهر بالكثرة والثقة من أن يوصف حديثه . توجد نسخته في دار الكتب الوطنية في باريس تحت رقم ( 1927 ) . ولم نوفّق للاطّلاع على الثاني والثالث منها دونك بقيه كتبه الّتي جاوزت الخمسين. 4 _ قصائد في مدح أمير المؤمنين عليه السلام : على الرغم من مناعة المؤلِّف رحمه اللهفي البيان وحيويّته في البحث والتتبّع وإحاطته الكاملة بالسنّة النبويّة ومعاجم السير والحديث والتاريخ والرجال فقد كان في بعض الأحايين يخوض عباب الشعر ، ويتغلّب على أمواجه ، كأ نّه ابن الشعر ونسيجه وصنيعه ، ولا عجب لأنّ في طبع الإنسان _ كما قيل _ نزوعا إلى الترنّم محاكاةً للطيور في أوكارها ، فهو إن قطع مسافةً أو جهد في عملٍ نزع إلى التشاغل من متاعب جسده بشغل فمه ، والترنّم يستدعي كلاما تسبح به العواطف ، وتستلذّه الاُذن ، فوجد الشعر بهذه الدواعي . وتوجد مخطوطتها في المكتبة الغربية في الجامع الكبير بصنعاء تحت رقم ( 8 ) مجاميع .
.
ص: 24
شهرة الكتاب :تظهر أهمّية الكتاب ومنزلته الرفيعة إذا علمنا أنّ أعلام الفريقين الباحثين في مناقب وفضائل أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام قد اعتمدوه وأوردوا مقاطع كبيرةً ومهمّةً منه ، تارةً بالنصّ ، واُخرى بإيجاز واختصار ، فاهتمام هؤلاء الأعلام بإيراد مقاطع مهمَّة أو اقتباسهم منه في مصنّفاتهم دليلٌ على إخباتهم بتقدُّم العلاّمة ابن الصبّاغ المالكي ، وسبقه في هذا الميدان . وفيما يلي ثبتٌ بأسماء الرواة الثقات الّذين اعتمدوا هذا الكتاب في مؤلّفاتهم باعتباره من أهمّ المصادر العلمية : 1 _ الشيخ شمس الدين محمّد بن عبد الرحمن السخاوي تلميذ المؤلِّف ، صاحب كتاب «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» . 2 _ سِيدي أحمد بابا التنكتبي ، صاحب كتاب «نيل الابتهاج بتطريز الديباج» . 3 _ الشيخ العلاّمة عليّ بن عبداللّه السمهودي الشافعي ، صاحب كتاب «جواهر العقدين» . 4 _ الشيخ الفاضل العلاّمة عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري الشافعي ، صاحب كتاب «نزهة المجالس ومنتخب النفائس» . 5 _ الملاّ كاتب چلبي ، صاحب كتاب «كشف الظنون» . 6 _ الشيخ الفاضل العلاّمة محمّد بن عليّ الصبّان ، صاحب كتاب «إسعاف الراغبين» . 7 _ الشيخ الكامل الفهّامة نور الدين عليّ بن إبراهيم الحلبي الشافعي ، صاحب كتاب «إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون» . 8 _ الشيخ الفاضل العلاّمة أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي ، صاحب كتاب «ذخيرة المآل» .
.
ص: 25
9 _ العلاّمة الجليل السيّد مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي الشافعي ، صاحب كتاب «نور الأبصار» . 10 _ العلاّمة الشيخ نجم الدين عمر بن فهد المكّي ، صاحب كتاب «اتحاد الورى بأخبار اُمِّ القرى» . 11 _ العالم الجليل الشيخ عبداللّه بن محمّد المطيّري ، صاحب كتاب «الرياض الزاهرة في فضائل آل بيت النبيِّ وعترته الطاهرة» . 12 _ العلاّمة المفضال الشيخاني القادري ، صاحب كتاب «الصراط السويّ في مناقب آل النبيّ» . 13 _ العلاّمة الفاضل إكرام الدين بن نظام الدين محبّ الحقّ الدهلوي ، صاحب كتاب «سعادة الكونين في بيان فضائل الحسنين» . 14 _ العلاّمة الفاضل الشيخ حسن العدوي الخمراوي وقيل الحمزاوي ، صاحب كتاب «مشارق الأنوار» . 15 _ العالم المتبحّر الشيخ محمّد محبوب ، صاحب كتاب «تفسير شاهي» . 16 _ العلاّمة المحقّق والفاضل المتكلّم السيّد محمّد سعيد ، حفيد صاحب عبقات الأنوار ، مؤلّف كتاب «الإمام الثاني عشر» وكتاب «معراج البلاغة» وكتاب «مدينة العلم» (1) .
مصادر الكتاب :حين نتصفّح هذا السفر القيّم نجده في طليعة الكتب الّتي أسبغ اللّه سبحانه مؤلِّفه
.
ص: 26
نعمةً ظاهرةً وباطنة ، فقد اعتمد في تأليفه على أعلام الفريقين ممّن تركوا مآثرا وأيادي موفّقة وناجحة في التراث الفكري الإسلامي ، وخدموه من كلِّ الجوانب ، وجاهدوا في خلوده وحيويته وحفظه ، ولذلك نجد المؤرِّخين وأحبّاء التحقيق يتلقّون مؤلَّفات هؤلاء الأعلام بالتعظيم والتجليل ، ويذكرون أصحابها بالتكريم والثناء البالغ ، ويطول بنا المقام لو بسطنا الحديث عن هؤلاء المشاهير ، ولذلك نقتصر على ذكر أسمائهم مع بيان موجز عن مكانتهم العلمية ، وفي الأخير مصادر حياتهم ، لنتعرّف من خلال ذلك على أهمّية الكتاب . 1 _ النعماني : هو محمّد بن إبراهيم بن جعفر أبو عبداللّه الكاتب النعماني . ذكره النجاشي في «رجاله» بقوله : المعروف بابن أبي زينب ، شيخ فى أصحابنا ، عظيم القدر ، شريف المنزلة ، صحيح العقيدة ، كثير الحديث ، قدِم بغداد ، وخرج إلى الشام ، ومات بها ، له كتب ، منها : كتاب «الغَيبة» وكتاب «الفرائض» وكتاب «الردّ على الإسماعيلية» (1) . وقال العلاّمة المجلسي في ديباجة «بحار الأنوار» : كتاب الغَيبة للشيخ الفاضل الكامل الزكي محمّد بن إبراهيم النعماني تلميذ الكليني رحمه الله . وقال في موضع آخر منها : كتاب النعماني من أجلّ الكتب (2) . وقال الشيخ المفيد في «الإرشاد» بعد أن ذكر النصوص على إمامة الحجّة عليه السلام : والروايات في ذلك كثيرة ، قد دوّنها أصحاب الحديث في هذه العصابة وأثبتوها في كتبهم المصنفة ، فممّن أثبتها على الشرح والتفصيل محمّد بن إبراهيم المكنّى أبا عبداللّه النعماني في كتابه الّذي صنّفه في الغَيبة (3) .
.
ص: 27
أقول : وله أيضا كتاب التفسير ينقل عنه سيّدنا المرتضى رحمه الله في «رسالة المحكم والمتشابه» غالبا ، وكأ نّها مأخوذةٌ منه . وله أيضا كتاب «التسلّي» ، حيث ذكر في باب عقاب اللّه تعالى كثيرا فى قتلة سيّدنا الحسين عليه السلام حديثا طريفا (1) . 2 _ الشيخ المفيد : هو معلِّم الاُمّة أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي العكبري البغدادي ( 336 _ 413 ه ) . ترجم له تلميذاه : النجاشي والشيخ الطوسي في فهرسيهما ، وأطراه معاصراه : ابن النديم ، وأبو حيّان التوحيدي . أمّا ابن النديم فقد ترجم له في «الفهرست» مرّتين فقال : في عصرنا انتهت رئاسة متكلّمي الشيعة إليه ، مقدَّم في صناعة الكلام على مذاهب أصحابه ، دقيق الفطنة ، ماضي الخاطر ، شاهدته فرأيته بارعا ، وله من الكتب . وقال في موضعٍ آخر منه : في زماننا انتهت إليه رئاسة أصحابه من الشيعة الإمامية في الفقه والكلام والآثار ، ومولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، وله من الكتب (2) . وأمّا أبو حيّان التوحيدي فقد أطراه في«الإمتاع والمؤانسة» حيث قال عنه : كان حسن اللسان والجدل ، صبورا على الخصم ، كثير الحلم ، ضنين السرّ ، جميل العلانية (3) . وقد ترجم له الكثير مع الإطراء الكثير ، وأحسنهم إطلاقا ابن أبي طيّ الحلبي ، فقد ترجم له ترجمةً حسنةً ومطوّلة ، قد وزّعت في المصادر الناقلة عنه ، فلم ينقلها أحد كاملة ولم يصلنا كتابه ، ونحن نجمع عن أشلائها ما تيسّر .
.
ص: 28
فمنها : ما حكاه عنه الذهبي في «تاريخ الإسلام» في وفيات سنة ( 413 ه ) قال : وقد ذكره ابن أبي طيّ في «تاريخ الشيعة» ، فقال : هو شيخ مشايخ الطائفة ، ولسان الإمامية ، ورئيس الكلام والفقه والجدل ، كان أوحد زمانه في جميع فنون العلوم : الاُصول ، والفقه ، والأخبار ، ومعرفة الرجال ، والقرآن ، والتفسير ، والنحو ، والشعر ، ساد في ذلك كلّه ، وكان يُناظر أهل كلِّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية ، والرتبة الجسيمة عند خلفاء العبّاسية . وكان قويّ النفس ، كثير المعروف والصدقة ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، يلبس الخشن من الثياب ، وكان بارعا في العلم وتعليمه ، مديما للمطالعة والفكر ، وكان من أحفظ الناس . حدّثني شيخي ابن شهرآشوب المازندراني ، حدّثني جماعة ممّن لقيت : أنّ الشيخ المفيد ما ترك كتابا للمخالفين إلاّ وحفظه وباحث فيه ، وبهذا قدر على حلّ شبه القوم ، وكان يقول لتلامذته : لا تضجروا من العلم فإنّه ما تعسّر إلاّ وهان ، ولا تأبّى إلاّ ولان ، ماقصد الشيخ من الحشوية والجبرية والمعتزلة فأذل له ( كذا ) حتّى أخذ منه المسألة أوسمع منه . وقال آخر : كان المفيد من أحرص الناس على التعليم ، وإن كان ليدور المكاتب وحوانيت الحاكة فيلمح الصبيّ الفطن ، فيذهب إلى أبيه أو اُمّه حتّى يستأجره ثمّ يعلّمه ، وبذلك كثر تلامذته . وقال غيره : كان الشيخ المفيد ذا منزلةٍ عظيمةٍ من السلطان ، ربّما زاره عضد الدولة ، وكان يقضي حوائجه ، ويقول له : اشفع ، تشفّع ، وكان يقوم لتلامذته بكلّ ما يحتاجون إليه . وكان الشيخ المفيد ربعةً نحيفا أسمر ، وما استغلق عليه جواب معاند إلاّ فزع إلى الصلاة ، ثمّ يسأل اللّه فييسّر له الجواب . عاش ستّا وسبعين سنة ، وصنّف أكثر من
.
ص: 29
مائتي مصنّف ، وشيّعه ثمانون ألفا ، وكانت جنازته مشهورة (1) . وترجم له في موضعٍ آخر ، قال : في زماننا إليه انتهت رياسة أصحابه من الشيعة الإمامية في الفقه والكلام والآثار ، ومولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، وله من الكتب (2) . وترجم له في «العبر» ، وقال : عالم الشيعة ، وإمام الرافضة ، وصاحب التصانيف الكثيرة ، قال ابن أبي طيّ في تاريخه «تاريخ الإمامية» : هو شيخ مشايخ الطائفة (3) . وترجم له ابن شاكر الكتبي في «عيون التواريخ» في وفيات سنة ( 413 ه ) قال : وفيها توفّي الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان . . . عالم الشيعة ، وإمام الرافضة ، صاحب التصانيف الكثيرة ، قال ابن أبي طيّ في «تاريخ الإمامية» : هو شيخ مشايخ الطائفة ، وقال في الورقة قبلها _ في ترجمة محمّد بن الهيصم شيخ الكرامية _ : وكان في زمانه رأس طائفته ، كما كان القاضي عبدالجبار رأس المعتزلة . . . والشيخ المفيد رأس الرافضة (4) . وترجم له ابن حجر في «لسان الميزان» قال : وكان كثير التقشّف والتخشّع والإكباب على العلم ، تخرّج به جماعة ، وبرع في المقالة الإمامية ، حتّى كان يقال :
.
ص: 30
له على كلِّ إمام منّة . . . وقال الشريف أبو يعلى الجعفري _ وكان تزوّج بنت المفيد : ما كان المفيد ينام من الليل إلاّ هجعة ، ثمّ يقوم يصلّي أو يطالع أو يدرّس أو يتلو القرآن (1) . وترجم له ابن كثير في «البداية والنهاية» قال : شيخ الإمامية الروافض ، والمصنّف لهم ، والمحامي عن حوزتهم ، كانت له وجاهة عند ملوك الأطراف لميل كثير من أهل الزمان إلى التشيّع ، وكان مجلسه يحضره خلقٌ كثير من العلماء من سائر الطوائف (2) . 3 _ قطب الدين الراوندي : أبو الحسين سعيد بن عبداللّه بن الحسن بن هبة اللّه بن الحسن بن عيسى الراوندي _ ويقال له اختصارا : سعيد بن هبة اللّه _ المشتهر بالقطب الراوندي ، والمتوفّى سنة ( 573 ه ) . كان علاّمة بارعا ، مشاركا في جملة من العلوم ، متضلِّعا فيها متمكِّنا منها ، كالتفسير والكلام والحديث والفقه والاُصول والاُدب ، له في كلّ منها عدّة مصنّفاتٍ رائعة وكتبٍ ممتعة وآثارٍ خالدة . ترجم له تلميذاه : رشيد الدين ابن شهرآشوب في «معالم العلماء» (3) ، ومنتجب الدين في «الفهرست» قائلاً : الشيخ الإمام قطب الدين . فقيه صالح ثقة ، له تصانيف ، منها . . . (4) . وأثنى عليه صاحب «رياض العلماء» بقوله : فاضل ، عالم ، متبحّر ، فقيه ، محدِّث ، متكلّم ، بصير بالأخبار ، شاعر . . . (5) .
.
ص: 31
وأثنى عليه المحدِّث النوري بقوله:العالم المتبحّر، النقّاد، المفسّر، الفقيه، المحدّث، المحقّق ، صاحب المؤلّفات الرائقة النافعة الشائعة . . . وبالجملة ففضائل القطب ومناقبه وترويجه للمذهب بأنواع المؤلّفات المتعلّقة به أظهر وأشهر من أن يذكر (1) . وأطراه الشيخ العلاّمة الأميني رحمه الله في «الغدير» بقوله : إمامٌ من أئمّة المذهب ، وعينٌ من عيون الطائفة ، وأوحديٌّ من أساتذة الفقه والحديث ، وعبقريٌّ في رجالات العلم والأدب ، لا يُلحق شأوه في مآثره الجمّة ، ولا يُشقّ له غبار في فضائله ومساعيه المشكورة ، وخدماته الدينية ، وأعماله البارّة ، وكتبه القيّمة (2) . و«راوند» من قرى كاشان ، في غربيّها ، وتقع على بُعد ( 12 ) كيلومترا منها يمين الذاهب إليها من قم ، قرية كبيرة لازالت عامرة وبهذا الاسم . يروي عن جماعة من أصحاب الحديث بإصبهان ، وجماعة منهم من همدان وخراسان ، سماعا وإجازةً عن مشايخهم الثقات بأسانيد مختلفة . وروى عنه كثيرون . وقد جاوزت مؤلّفاته ستّا وخمسين في مختلف الفنون ، ومنها : الخرائج والجرائح في معجزات النبيّ صلى الله عليه و آله وأعلام نبوّته ، ومعجزات الأئمّة الاثني عشر من عترته الطاهرة عليهم السلام ، ودلائل إمامتهم ، رتّبه على عشرين بابا ،في كلٍّ منها عدّة فصول ، وقبره رحمه الله مشهور يزار ، يقع في الصحن الكبير من الروضة الفاطمية في قم ، وعليه صخرة كبيرة منحوت عليها اسمه ، وأمّا القبر المنسوب إليه في خسروشاه بنواحي تبريز فلعلّه قبر جدِّه هبة اللّه الراوندي (3) .
.
ص: 32
كما خلط الدكتور أسعد طلس بين أبي الحسين سعيد بن هبة اللّه بن الحسن القطب الراوندي الفقيه المتوفّى سنة ( 573 ه ) وبين أبي الحسين سعيد بن هبة اللّه بن الحسن الطبيب الفيلسوف البغدادي ( 436 _ 495 ه ) المترجم في «عيون الأنباء» «الوافي بالوفيات» (1) لاشتراكهما في الكنية والاسم واسم الأب والجدّ ، فقال في مقال له نشره في مجلّة مجمع اللغة العربية في دمشق عن نفائس مخطوطات مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد: الخرائج والجرائح رقم ( 110 ) سنة ( 985 ه ) لأبي الحسن سعيد بن هبة اللّه بن الحسن قطب الدين الراوندي ، الفقيه الطبيب الثقة ، وُلد سنة ( 436 ه ) وتوفّي في عهد المقتدي وهو أوّل مَن شرح نهج البلاغة ، ومن آثاره الكثيرة بقي : المغني في تدبير الأمراض ، خلق الإنسان ، وكتب اُخرى في الطبّ ! (2) 4 _ ابن الجوزي : الشيخ الحافظ الواعظ المتفنّن المفضال جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن عليّ بن محمّد بن عليّ البكري الحنبلي البغدادي ، الملّقب بابن الجوزي ، ينتهي نسبه لستّ عشرة واسطة إلى القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، كما ذكره ابن خلّكان (3) ، ولد سنة ( 510 ه ) وتوفّي سنة ( 597 ه ) . ونقل عن الصلاح الصفدي أ نّه قال : لم ينل أحد بعده ما ناله من الوعظ ، بمعنى أ نّه لم يأتِ أحد في الموعظة مثله ، وكان متعصّبا في مذهبه غايته ، كما يظهر فى كلماته المنقولة عنه في كتب الأصحاب .
.
ص: 33
وله مصنّفات كثيرة ، منها : «صفة الصفوة» يذكر فيه كثيرا فى فضائل أهل بيت العصمة عليهم السلاموغيرهم ، وكتاب «المدهش في الوقايع العجيبة» وكتاب «تقويم غلط اللسان» على سياق كتاب «درّة الغواص في أغلاط الخواص» وكتاب «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» وكتاب «الردّ على المتعصّب العنيد المانع من لعن يزيد» وكتاب «النور في فضائل الأيّام والشهور» الّذي نقل عنه صاحب «بحار الأنوار» كيفية نوح الجنّ على أبي عبداللّه عليه السلام (1) وكتاب «تذكرة الخواصّ» ، وكتاب «مثير الغرم الساكن إلى أشرف الأماكن» ينقل عنه مترجمنا _ ابن الصبّاغ _ في «الفصول المهمّة» حكاية ملاقاة شقيق البلخي موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في طريق مكّة المعظّمة ، وإطلاعه منه على آيات ظاهرة ومعجزات متظاهرة (2) . 5 _ ابن خالويه : الشيخ أبو عبداللّه حسين بن أحمد بن خالويه بن حمدان الهمدانيّ الأصل ، البغداديّ المنشأ ، الحلبيّ المسكن والخاتمة ، المعروف بابن خالويه النّحوي اللغوي ، كان في درجة أبي الطيّب اللغوي المشهور ، أعني عبد الواحد بن عليّ الحلبي ، وكان أيضا بينهما مناقشة ونقار ، كما ذكره صاحب «طبقات النحاة» (3) . كان من جملة الفضلاء العارفين بعلوم العربية واللغة والشعر ، وله كتب منها : «إمامة عليّ عليه السلام » و«كتاب الآل» في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، وكتاب «مستحسن القراءة والشواذّ» ، وكتاب في اللغة ، وكتاب «اشتقاق الشهور والأيّام» . وفي «مرآة الجنان» لليافعي 2 / 394 : انّه دخل بغداد ، وأدرك جلّة العلماء بها ،
.
ص: 34
مثل : ابن الأنباري ، وابن مجاهد المقري ، وأبي عمرو الزاهد ، وابن دُريد اللغوي ، وقرأ على أبي سعيد السيرافي ، وانتقل إلى الشام واستوطن حلب ، وصار بها أحد أفراد الدهر ، واشتهر في ساير فنون الأدب والفضل ، وكانت الرحلة إليه في الآفاق ، وآل حمدان يكرمونه ويدرسون عليه ويقتبسون منه ، وله كتابٌ كبير سمّاه «كتاب ليس» يدلُّ على اطّلاعٍ عظيمٍ فيه (1) . 6 _ ابن الخشّاب : الشيخ المتبحّر الإمام عبداللّه بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبداللّه بن نصر بن الخشّاب ، أبو محمّد النحويّ اللغوي ، المعروف بابن الخشّاب . كان أعلم زمانه بالنحو ، حتّى يُقال : إنّه كان في درجة الفارسي ، وكانت له معرفة بالحديث والتفسير واللغة والمنطق والفلسفة والحساب والهندسة ، وما من علمٍ من العلوم إلاّ وكانت له فيه يدٌ حسنة . قرأ الأدب على أبي منصور الجواليقي وغيره ، والحساب والهندسة على أبي بكر بن عبد الباقي الأنصاري ، والفرائض على أبي بكر بن المرزوقي ، وسمع الحديث من أبي الغنائم النيرسي ، وأبي القاسم بن الحسين ، وأبي العزّ بن كادش وجماعة ، ولم يزل يقرأ حتّى علا على أقرانه ، وأقرأ العالي والنازل ، وكان يكتب الخطّ مليحا ، وحصّل كتبا كثيرةً جدا ، وقرأ عليه الناس وانتفعوا به ، وتخرّج به جماعة ، وروى كثيرا من الحديث ، سمع منه أبو سعد السمعاني ، وأبو أحمد بن سكينة ، وأبو محمّد بن الأخضر ، وكان ثقةً في الحديث ، صدوقا نبيلاً حجّة . صنّف «شرح الجُمل» للجرجاني ، و«شرح اللمعة» لابن جنّي ، لم يتمّ ، و«الردّ على ابن بابشاه» في شرح الجُمل ، و«الردّ على التبريزي» في تهذيب الإصلاح ، و«شرح مقدّمة الوزير ابن هبيرة» في النحو ، يقال : إنّه وصله عليها بألف دينار ،
.
ص: 35
و«الردّ على الحريري» في مقاماته . توفّي عشية الجمعة ثالث شهر رمضان سنة ( 567 ه ) ، ووقف كتبه على أهل العلم . ويروي العلاّمة الحلّي قدس سره مصنّفات ابن الخشّاب المذكور عن السيّد رضيّ الدين بن طاووس عن الشيخ تاج الدين الحسن بن الدربي عن أحمد بن شهريار إلى الخازن عنه (1) . 7 _ أبو نعيم الإصبهاني : أحمد بن عبداللّه بن أحمد بن إسحاق بن مهران ( 336 _ 430 ه ) . ترجم له الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ووصفه بالإمام الحافظ الثقة العلاّمة ، وسمّى تسعة من مصنّفاته ، ثمّ قال : ومصنّفاته كثيرة جدّا ، ثمّ عدّد شيوخه ومَن رووا عنه ، ثمّ قال : وكان حافظا مبرّزا ، عالي الإسناد ، تفرّد في الدنيا بشيءٍ كثيرٍ من العوالي ، وهاجر إلى لقية الحفّاظ . . . قال إنسان : مَن أراد أن يحضر مجلس أبي نعيم فليقم _ وكان أبو نعيم في ذلك الوقت مهجورا بسبب المذهب ! وكان بين الأشعرية والحنابلة تعصّب زائد يؤدِّي إلى فتنةٍ وقيلٍ وقال وصراعٍ طويل _ فقام إليه أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام وكاد الرجل يقتل ! ! . . . انّ السلطان محمود بن سبكتكين لمّا استولى على إصبهان أمرّ عليها واليا من قِبله ورحل عنها ، فوثب أهلها بالوالي فقتلوه ، فرجع السلطان إليها وآمنهم حتّى اطمأ نّوا ، ثمّ قصدهم في يوم جمعة وهم في الجامع فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وكانوا قبل ذلك منعوا الحافظ أبا نعيم من الجلوس في الجامع ، فسلم ممَّا جرى عليهم ، وكان ذلك من كرامته (2) .
.
ص: 36
8 _ الواحدي : عليّ بن أحمد بن محمّد الواحدي ، أبو الحسن ، الإمام المصنّف المفسِّر النحوي اُستاذ عصره . قرأ الكثير على المشايخ ، وأدرك الإسناد العالي من الاُستاذ والإمام أبي طاهر الزيادي وأقرانه ، وأكثر عن أصحاب الأصمّ ، ثمّ عن الشيخ أبي سعد النصروي ، وأبي حسّان المزكي ، وأبي عبداللّه بن إسحاق ، والنصر آبادي ، والزعفراني ، ومن بعدهم من أبي حفص بن مسرور ، والكنجرودي ، وأبي الحسين عبد الغافر ، وشيخ الإسلام الصابوني ، والسادة العلوية ، وغيرهم . وتوفّي عن مرضٍ طويلٍ بنيسابور في شهر جمادى الآخرة سنة ( 468 ه ) . ومن مصنّفاته : أسباب النزول (1) . 9 _ المسعودي : أبو سعيد محمّد بن أبي السعادات عبد الرحمن بن محمّد بن مسعود بن أحمد بن الحسين بن محمّد المسعودي الملّقب تاج الدين الخراساني المرورُّوذي البندهي الفقيه الشافعي الصوفي ، كما ذكره ابن خلّكان ، وقال أيضا : كان أديبا فاضلاً اعتنى بالمقامات الحريرية فشرحها في خمس مجلّدات كبار ، وهو كتابٌ مشهورٌ كثير الوجود بأيدي الناس ، وكان مقيما بدمشق في الخانقاه السميساطية ، والناس يأخذون عنه بعد أن كان يعلّم الملك الأفضل أبا الحسن عليّ ابن السلطان صلاح الدين ، وحصل بطريقه كتبا نفيسةً غريبة ، وبها استعان على
.
ص: 37
شرح «المقامات» _ إلى أن قال : _ وتوفّي سنة ( 584 ه ) بمدينة دمشق ودُفن بسفح جبل قاسيون ، ووقف كتبه على الخانقاه المذكورة ، انتهى (1) . وقال غيره : فقيه محدِّث صوفي جواد عالم باللغة أديب ، سمع بخراسان من أبي شجاع البسطامي وغيره وببغداد ، وحدَّث وأملى بالشام وديار بكر ، وله من التصانيف «شرح المقامات» في مجلّدين ، روى عنه الحافظ أبو الحسن المقدسي ، مولده سنة ( 522 ه ) ، ومات بدمشق الشام ليلة السبت تاسع عشرين ربيع الأوّل سنة ( 584 ه ) (2) . 10 _ الزمخشري : أبو القاسم محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الملقّب بجار اللّه المحترم ، لكونه في أواخر أمره مجاور البيت والحرم ، وسقطت إحدى رجليه من ثلجٍ أصابه في بعض الأسفار فكان يمشي في خشب . ولد سنة (467 ه) وتوفّي بجرجانية خوارزم سنة (538 ه) . وزمخشر : قرية كبيرة من قرى خوارزم ، وجرجانية هي قصبة خوارزم . وقال جلال الدين السيوطي في «بغية الوعاة» : ولنا عنه النقل هنا في كثير من المقامات ، وكان واسع العلم ، كثير الفضل ، غايةً في الذكاء وجودة القريحة ، متفنّنا في كلِّ علم ، معتزليّا قويّا في مذهبه ، مجاهرا به حنفيّا ، وورد بغداد غير مرّة ، وأخذ الأدب عن أبي الحسن عليّ بن المظفّر النيسابوريِّ وأبي مضر الإصفهاني ، وسمع من أبي سعد الشقانيّ وشيخ الإسلام أبي منصور الحارثي وجماعة . وله من التصانيف : «الكشّاف» في التفسير ، و«الفائق» في غريب الحديث ، «المفصّل» في النحو ، و«المقامات» و«المستقصى» في الأمثال ، و«ربيع الأبرار» ، و«أطواق الذهب» ، و«صميم العربيّة» ، و«شرح أبيات الكتاب» ، و«الانموذج» في
.
ص: 38
النحو ، و«الرائض في الفرائض» ، و«شرح مشكلات المفصَّل» ، و«الكلم النوابغ» ، و«القسطاس في العروض» ، و«الأحاجي في النحو» ، وغير ذلك (1) .
رواة الأحاديث من الصحابة :حقيقة أنّ الصحبة شرفٌ عظيم ومراتبها عالية ، وقد اعتمد المؤلّف في نقل الأحاديث الشريفة والأخبار في فضائل آل البيت الأطهار عليهم السلام على رواية الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، ومن بعدهم على الصحابة الأجلاّء ، مثل : 1 _ أبو رافع : مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، اختُلف في اسمه ، فقيل : اسمه إبراهيم ، وقيل : أسلم ، وقيل : ثابت ، وقيل : هرمز وصالح . يُعدُّ في الطبقة الاُولى من الشيعة ، كان قبطيّا عند العبّاس بن عبدالمطّلب ، فوهبه لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا بُشّر صلى الله عليه و آله بإسلام العبّاس أعتقه . هاجر من مكّة إلى المدينة ، وشارك مع المسلمين في غزوات رسول اللّه صلى الله عليه و آله . لزم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وشهد معه حروبه ، وبعد استشهاد الإمام عليه السلام رجع إلى المدينة مع الإمام الحسن عليه السلام ، حيث أعطاه قسما من بيت عليّ عليه السلام ، لأ نّه باع داره عند خروجه مع الإمام عليّ عليه السلام إلى الكوفة (2) . 2 _ جابر بن عبداللّه : بن عمرو ( عمر ) بن حزام ( حرام ) الأنصاري السلمي ،
.
ص: 39
الصحابي الجليل ، شهد مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله أكثر غزواته ، ومنها : غزوة بدر . كان رضى الله عنه منقطعا إلى أهل البيت عليهم السلام ، ممدوحا من قِبلهم ، ويُعدّ من أصفيائهم ، أثنى عليه أصحابنا وأوردوا روايات شتى في مدحه والثناء عليه ، ويُعد رضى الله عنه في الطبقة الاُولى من المفسّرين . كان من أوائل الزائرين لقبر الإمام الحسين عليه السلام بعد فاجعة كربلاء المروّعة ، فقدَ عينيه في أواخر حياته ، امتدّ به العمر طويلاً حتّى أدرك الإمام الباقر عليه السلام وأبلغه سلام رسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله عليه . توفّي عام ( 78 ه ) وهو ابن نيّف وتسعين سنة (1) . 3 _ حذيفة بن اليمان : كان حذيفة عليلاً بالكوفة سنة ( 36 ه ) ، فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعليّ عليه السلام ، فقال : أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة ، فوضع على المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبيِّ وآله ، ثمّ قال : أيُّها الناس ! إنّ الناس قد بايعوا عليّا ، فعليكم بتقوى اللّه وانصروا عليّا وآزروه ، فواللّه إنّه لعلى الحقِّ آخرا وأوّلاً ، وإنّه لخير مَن مضى بعد نبيِّكم صلى الله عليه و آله ومَن بقي إلى يوم القيامة ، ثمّ أطبق بيمينه على يساره ، ثمّ قال : اللّهُمّ اشهد أ نّي قد بايعتُ عليّا عليه السلام . قال لابنيه صفوان وسعد : احملاني وكونا معه فستكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلقٌ من الناس ، فاجتهدا أن تستشهدا معه ، فإنّه واللّه على الحقّ ومَن خالفه على الباطل . ومات حذيفةٍ رضى الله عنه بعد هذا اليوم بسبعة أيّام ، وقيل : بأربعين يوما ، ونفّذ الولدان البارّان وصيّة أبيهما ، واستشهدا يوم صفّين وهما يُقاتلان إلى جانب عليّ عليه السلام (2) .
.
ص: 40
4 _ عبداللّه بن العبّاس : بن عبدالمطّلب بن هاشم أبو العبّاس ، المولود قبل الهجرة بثلاث سنين ، والمتوفّى سنة ( 68 ه ) بالطائف بقرية السلامة الّتي بها مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وفي جانبه قبّة فيها قبر ابن عبّاس وجماعة من أولاده ومشهد للصحابة ، وكان له ( 13 ) سنة يوم وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ، ومات رضى الله عنه وهو ابن ( 71 ) أو ( 74 ) سنة ، وصلّى عليه ابن الحنفية ، وقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : «اللّهمّ علّمه الحكمة وتأويل القرآن» . شهد مع عليّ عليه السلام : الجمل، وصفّين ، والنهروان . قال له رجل أنت أعلم أم عليّ عليه السلام ؟ قال له : ثكلتك اُمّك ! عليٌّ عليه السلام علّمني الحديث . ولمّا قُتل الحسين عليه السلام بكى ابن عبّاس بكاءً شديدا ، ثمّ قال : مالقيَت عترة النبيّ صلى الله عليه و آله من هذه الاُمّة بعد نبيّها صلى الله عليه و آله ، اللّهمّ إنّي اُشهدك لعليٍّ وليّ، ولولده وليّ، ولأعدائهم بري،وقال ابن عبّاس في موت الحسن عليه السلام : أصبح اليوم ابن هند آمنا ظاهر النخوة إذ مات الحسن أربع اليوم ابن قامصا إنّما يقمص بالعين السمن وبالجملة، فقد كان ابن عبّاس رضى الله عنه من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان محبّا لعليّ عليه السلام وتلميذه ، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى (1) . 5 _ قيس بن سعد : بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي المدني ، والٍ ، صحابيٌّ ، حمل راية الأنصار مع النبيّ صلى الله عليه و آله ، صحب عليا عليه السلام في خلافته ، واستعمله على مصر سنة ( 36 _ 37 ه ) ، وكان على مقدَّمته يوم صفّين ، ثمّ كان مع الحسن عليه السلام ، حتّى رجع إلى المدينة ، وتوفّي بها في سنة ( 60 ه ) (2) . 6 _ اُمُّ سلمة : هي اُمُّ المؤمنين هند بنت أبي اُميّة سهيل زاد الراكب بن المغيرة بن
.
ص: 41
عبداللّه بن عمر بن مخزوم ، زوجة النبيّ صلى الله عليه و آله ، اُمُّها : عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن خزيمة بن علقمة جذل الطعن بن فراس بن غنم بن مالك بن كنانة ، زوجها الأوّل : أبو سلمة عبداللّه بن عبدالأسد المخزومي ، أنجبت له : سلمة ، وعمر ، ودرّة ، وزينب ، ثمّ تزوّجها رسول اللّه صلى الله عليه و آله . كانت رضي اللّه عنها أفضل اُمّهات المؤمنين بعد خديجة بنت خويلد رضي اللّه عنها ، وهي مهاجرة جليلة ذات رأيٍ وعقلٍ وكمالٍ وجمال ، حالها في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهماالسلامأشهر من أن يُذكر ، وأجلى من أن يُحرز ، شهد اللّه سبحانه وتعالى بفضلها ورسوله صلى الله عليه و آله . تُعدّ اُمّ سلمة راوية من راويات الحديث ، عدّها البرقي والشيخ الطوسي رحمهما اللّه في كتابيهما من الراويات عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكذا ابن عبدالبرّ ، وابن مندة ، وأبو نعيم ، وكلُّ مَن ترجم لها (1) . روت عن النبيِّ صلى الله عليه و آله ، وعن فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وعن أبي سلمة . وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين ، منهم : ابناها عمر وزينب ، ومكاتبها نبهان ، وأخوها عامر بن أبي اُميّة ، وابن أخيها مصعب بن عبداللّه بن اُميّة ، ومواليها : عبداللّه بن رافع ، ونافع ، وسفينة ، وأبو كثير ، وابن سفينة ، وخيّرة اُمّ الحسن البصري ، وسليمان بن يسار ، واُسامة بن زيد بن حارثة ، وهند بنت الحارث الفراسية ، وصفية بنت شيبة ، وأبو عثمان النهدي ، وحميد وأبو اُسامة ابنا عبدالرحمن بن عوف بن أبي بكر ، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، وابناه عكرمة وأبو بكر ، وعثمان بن عبداللّه بن موهب ، وعروة بن الزبير ، وكريب مولى ابن عبّاس ، وقبيصة بن ذويب ، ونافع مولى ابن عمر ، ويعلى بن مملك ، وعبداللّه بن عبّاس ، وعائشة ، وأبو سعيد الخدري ، وسعيد بن المسيّب ، وأبو وائل ، وصفية بنت محض ، والشعبي ، وآخرون (2) .
.
ص: 42
ويبلغ مسندها 378 حديثا ، أخرج لها منهما في الصحيحين 29 حديثا ، والمتّفق عليها منها 13 حديثا ، وانفرد البخاري بثلاثة ، ومسلم بثلاثة عشر (1) ، وهذه فضيلة من فضائلها الكثيرة ، ومنقبة من مناقبها العظيمة الّتي امتازت بها من بين سائر زوجات الرسول صلى الله عليه و آله . وهي من رواة قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» (2) . روى عنها الصدوق مرسلاً في «الفقيه» قال : وجاءت اُمّ سلمة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالت : يا رسول اللّه يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الاُضحية فأستقرض واُضحّي ؟ فقال صلى الله عليه و آله : «استقرضي وضحّي فإنّه دَينٌ مقضي» (3) . وهي من رواة حديث آية التطهير ، أخرجه الشيخ الطوسي في «الأمالي» (4) ، وهي من رواة حديث الثقلين (5) ، ولها روايات اُخرى . اُختُلف في وفاة اُمّ سلمة رضي اللّه عنها ، شأنها شأن الكثير من الصحابة ، قال ابن سعد في «الطبقات» : ماتت اُمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله في سنة تسع وخمسين، وصلّى عليها أبو هريرة ، وروى عن عمر بن أبي سلمة قال: نزلتُ في قبر اُمّ سلمة أنا وأخي سلمة ، وعبداللّه بن عبداللّه بن أبي اُميّة ، وعبداللّه بن وهب بن رفعة الأسدي ،
.
ص: 43
فكان لها يوم ماتت أربع وثمانون سنة (1) . وقال الحاكم النيسابوري : أوصت اُمُّ سلمة أن لا يُصلّي عليها والي المدينة وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، فماتت حين دخلت سنة تسع وخمسين ، وصلّى عليها ابن أخيها عبداللّه بن عبداللّه بن أبي اُميّة (2) . وقال ابن العماد الحنبلي في «شذرات الذهب» في أحداث سنة (61ه ): وفيها توفّيت هند المعروفة باُمّ سلمة، وقيل: توفّيت سنة تسع وخمسين (3) . 7 _ طاووس بن كَيْسان : الفقيه القدوة عالم اليمن ، أبو عبدالرحمن الفارسي ثمّ اليمني الجندي الحافظ . كان من أبناء الفرس الّذين جهّزهم كسرى لأخذ اليمن له ، فقيل : هو مولى بَجير بن رَيْسَان الحِميْري ، وقيل : بل ولاؤه لهمدان ، سمع من زيد بن ثابت ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وزيد بن أرقم ، وابن عبّاس ، ولازم ابن عبّاس مدّة ، وهو معدود في كُبراء الصحابة . روى عنه عطاء ، ومجاهد ، وجماعة من أقرانه. وحديثُه في دواوين الإسلام ، وهو حجّة باتّفاق، فروى عطاءُ بن أبي رباح ، عن ابن عبّاس ، قال : إنّي لأظنّ طاووسا من أهل الجنّة . وقال قيس بن سعد : هو فينا مثل ابن سيرين في أهل البصرة (4) . 8 _ سعيد بن المسيِّب بن حزن المخزومي: اختلف فيه أصحابنا، فهم بين مُشيد
.
ص: 44
به عاد له في أصحاب الأئمّة عليهم السلام، وبين ذامّ له طاعن حتّى في مذهبه، واللّه تعالى هو العالم بحقيقة الحال . توفّي سنة أربع وتسعين هجرية (1) . 9 _ عبداللّه بن مسعود : هو عبداللّه بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم ، حليف بني زهرة ، كان إسلامه قبل إسلام عمر بن الخطّاب بزمان . توفّي بالمدينة سنة ( 32 ه ) (2) . 10 _ أبو ذرّ الغفاري : هو جندب بن السكن ، ولقبه : بُرَيرْ ، وقيل : اسمه بريد بن جنادة ، وقيل : اسمه جندب بن جنادة ، وهو من غفار قبيلة من كنانة . قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأسلم ورجع إلى قومه ومات في الربذة سنة ( 32 ه ) (3) . 11 _ عمّار بن ياسر : هو أبو اليقضان عَمّار بن ياسر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين وكان هو ووالداه من السابقين إلى الإسلام ، وهو سابع سبعة أجهروا بإسلامهم ، وكان مع عليّ عليه السلام في صفّين ، استشهد سنة ( 37 ه ) وله من العمر 93 سنة (4) . 12 _ زيد بن أرقم : هو زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك الأنصاري الخزرجي ، كنيته أبو عمر ، وقيل : أبو عامر ، روى عنه ابن عبّاس ، وكان يتيما في حجر عبداللّه بن رواحة ، وسار معه إلى مؤتة ، توفّي سنة ( 68 ه ) وقيل : ما
.
ص: 45
بعد قتل الحسين عليه السلام بقليل ، وشهد مع عليّ عليه السلام صفّين (1) . 13 _ أبو أيّوب الأنصاري : هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي البخاري ، شهد العقبة وبدرا واُحدا والخندق ، وكان مع عليّ عليه السلام ومن خاصّته ، شهد صفّين والجمل (2) . 14 _ البرّاء بن عازب : هو البرّاء بن عازب بن حصين ، وقيل : هو أبو عمرو البرّاء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري . غزا مع الرسول صلى الله عليه و آله 14 غزوة وشهد مع عليّ عليه السلام الجمل وصفّين والنهروان (3) . 15 _ حذيفة بن أسيد الغفاري : هو حذيفة بن أسيد بن خالد بن الأغور بن واقعة بن حرام بن غفّار ، بايع تحت الشجرة ، نزل الكوفة ومات فيها ، وصلّى عليه زيد بن أرقم (4) . 16 _ عمر بن الخطّاب : هو عمر بن الخطّاب بن نفيل بن عبدالعُزّى بن رباح بن فرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أسلم في السنة السادسة من النبوّة (5) . 17 _ أنس بن مالك : هو أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي ، خدم النبيّ صلى الله عليه و آله عشر سنين ، وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة سنة ( 91 ه ) وقيل ( 93 ه ) (6) .
.
ص: 46
18 _ اُسامة بن زيد : هو أبو محمّد اُسامة بن زيد بن شراحيل الكلبي ، مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله واُمّه اُمّ ايمن حاضنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، توفّي في خلافة معاوية (1) .
مشاهير المحدِّثين :اعتمد المؤلّف في كتابه على اُمّهات الكتب المعتبرة المسندة الصحيحة عند القوم ، وعلى أئمّة الجرح والتعديل ، مثل : 1 _ البخاري : هو أبو عبداللّه محمّد ابن أبي الحسن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي بالولاء ، ولد ببخارى عام ( 194 ه ) ، ونشأ بها يتيما فحفظ القرآن وحفظ عشرات الألوف من الأحاديث قبل أن يناهز البلوغ،ثمّ رحل في طلب الحديث إلى أكثر ممالك الشرق من : خراسان والجبل والعراق والحجاز ومصر والشام . وظلّ طول حياته يتردّد بين الأمصار ، ويقيم ببغداد ونيسابور ، حتّى اشتاق إلى بلاده فرجع إليها وابتلي فيها بفتنة خلق القرآن ، فأخرجه أهل بخارى ، ومات في طريقه بقرية يقال لها : خرتنك ، على ثلاثة فراسخ من سمرقند عام ( 256 ه ) . ألّف كتابه «الجامع الصحيح» المعروف بصحيح البخاري في ستّ عشرة سنة ، واستخرج أحاديثها من ستمائة ألف حديث ، عدد أحاديثه سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون ، وبعد إسقاط المكرر أربعة آلاف . وقال له ابن حنبل : سمّيت كتابك صحيحا وأكثر رواته خوارج ؟ فقرّر مع الغريري سماع كلِّ كرّاس بدانق ، فلهذا لم ترفع روايته إلاّ عن الغريري . وحبسه قاضي بخارى أيّام حياته لمّا قال له : لِمَ رويت عن الخوارج ؟ قال: لأ نّهم ثقات لا يكذبون،وإنّما شاع كتابه لتظاهره بعداوة أهل البيت عليهم السلام، فلم يروِ خبر الغدير مع بلوغه في الاشتهار ، إلى حدّ لا يمكن فيه الإنكار ، وكتم حديث الطائر مع
.
ص: 47
كونه مشهورا في الخاصّ والعامّ على مرور الأيّام ، وجحد آية التطهير مع إجماع المفسّرين على نزولها فيهم من غير نكير ، إلاّ من : عكرمة الخارجي ، والكذّاب الكلبي ، وثالثهما البخاري . ولم ينقل من حديث الراية أوّله ، ولم يروِ حديث سدّ الأبواب ، وقد رواه ثلاثون رجلاً من الصحابة ، ولم يذكر ما نقلَته رواتهم من قول الأوّل : أيّ سماء تظلّني . . . الحديث ، ولا خبر الكلالة ، ولا خطبة الاستقالة ، ولا بدايع عثمان ، ولا حديث ماء الحوأب . ولمّا لم يخش من تلك التمويهات صدق عليه : «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَ_تِ» (1)(2) . 2 _ مسلم : بن الحجّاج بن مسلم القشيري النيسابوري ، وُلد بنيسابور سنة ( 204 ه ) ، من مشاهير علماء الحديث عند أهل السنّة ، أشهر كتبه «الجامع الصحيح» المعروف بصحيح مسلم ، وهو العربيّ الوحيد من بني أصحاب «الصحاح الستّة» . مات بنيسابور سنة ( 261 ه ) (3) . 3 _ النَسائي : الشيخ المحدِّث الحافظ الكبير أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن عليّ بن بحر بن سنان المعروف بالنّسائي ، أحد كبراء المشاهير من محدِّثي أهل السنّة والجماعة ، نسبته إلى نَساء _ بفتح النون _ إحدى مدن خراسان ، وكان إمام عصره في الحديث ، وله كتاب «السنن» المشهور الّذي هو من جملة الصحاح الستّة عند الجمهور ، وشرَحه جماعة ، منهم : أبو الحسين عليّ بن عبداللّه بن خلف الأنصاري الأندلسي الّذي هو من كبار النحاة، وله أيضا كتاب «التفسير» . ومات سنة (567 ه) .
.
ص: 48
ورد النَسائي مصر ، وانتشرت بها تصانيفه ، وأخذ عنه الناس ، ثُمّ ارتحل منها في أواخر عمره إلى دمشق الشام ، وصنّف بها «الخصائص» في فضائل أهل البيت عليهم السلام ، وأكثر روايته عن أحمد بن حنبل ، فقيل له : ألا تصنّف كتابا في فضل الصحابة ؟ فقال: دخلت دمشق والمنحرف فيها عن عليّ عليه السلام كثير فأردت أن يهديهم اللّه بهذا الكتاب. وقد سئل يوما عن أمر معاوية وما وضعوه من الرواية في فضائله ؟ فقال : ما أعرف له فضلاً ألا لا أشبع اللّه بطنه . وفي رواية : أ نّه قال : أما رضي معاوية أن يكون رأسا برأس حتّى أن أزيد له حديث الفضيلة ؟ ! وبالجملة ، فمازال أهل دمشق يدفعون بعد ذلك عن خصائصه إلى أن أخرجوه منها إلى الرملة ، وهي من أرض فلسطين ، فكان مقيما بها باقي عمره يصوم نهارا منه ويفطر نهارا ، تأسّيا برسول اللّه صلى الله عليه و آله في عمله ذلك للقيام بمقتضى الصبر تكاليف اللّه والشكر على نعمائه ، فإنّ بهما تمام دين المرء ، كما في الأخبار . ثمّ لمّا مرض مرض الموت أشار إلى أهله بأن يحملوه إلى مكّة المعظّمه فحمل إليها، وكان به رمق ، توفّي بها في يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة من صفر المظفّر ، وقيل: في شعبان سنة ( 303 ه )، وقال أبوسعيد عبدالرحمن بن أحمد بن يونس صاحب «تاريخ مصر»: إنّ النَسائي قدم مصر قديما ، وكان إماما في الحديث ثقةً ثبتا حافظا، وكان خروجه من مصر في ذي القعدة سنة ( 302 ه ) ، كما ذكره ابن خلّكان (1) . 4 _ البيهقي : أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ بن عبداللّه بن موسى البيهقي الخسروجردي (384 _ 458 ه) . ترجم له عبد الغافر الفارسي في «السياق» كما في منتخبه «تاريخ نيسابور» ووصفه بواحد زمانه في الحفظ ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط (2) .
.
ص: 49
أقول : ويشهد لحفظه وإتقانه ما حكاه ظهير الدين البيهقي . في «تاريخ بيهق» . فقد ترجم له وقال ما معرّبه : كان أوحد زمانه في علم الحديث ، وكان ذات يوم في حلقة الحافظ أبي عبداللّه الحاكم النيسابورى ، وفي الحلقة كثير من العلماء والمحدِّثين ، والحاكم يُملي عليهم الحديث ، فروى الحاكم حديثا سقط من إسناده راوٍ ، ففطن له البيهقي ونبّهه عليه ، فغضب الحاكم فطالبه البيهقي أن يُخرج له الأصل ، فأخرج الأصل ، فإذا الأمر كما قال البيهقي (1) . أقول : وتوفّي في جمادى الاُولى بنيسابور ، وحمل إلى بيهق فدُفن هناك ، ومل ء البلدين يومذاك علماء فقهاء ومحدِّثون ، ولم ينكر نقل الجنازة منهم أحد (2) . 5 _ الطبراني : أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيّوب بن مُطير اللخمي الشامي الطبراني ، نزيل إصفهان ، الحافظ المشهور ، صاحب المعجم الكبير والوسيط والصغير (260 _ 360 ه) . ترجم له تلميذه الحافظ أبو نعيم الإصفهاني ، وذكر أ نّه أقام بها محدِّثا ستّين سنة ، وبها توفّي (3) . وقد أغنتنا شهرته الطائلة عن التوسّع في ترجمته ، وقد أفرد الحافظ ابن مندة الإصفهاني _ وهو أبو زكريّا يحيى بن عبد الوهّاب المتوفّى سنة (511 ه) _ جزءا حافلاً في ترجمته وبعض مناقبه ومولده ووفاته وعدد تصانيفه 4 .
.
ص: 50
6 _ الدارقطني : أبو الحسن عليّ بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي ، المتوفّى سنة (385 ه) . ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد» وقال : وكان فريد عصره ، وقرّيع دهره ، وينسج وحده ، وإمام وقته ، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة مع الصدق (1) . وحكى الذهبي في «سير أعلام النبلاء»، عن الحاكم قوله : وله مصنّفات يطول ذكرها . وقوله ثانيةً في موضع آخر : ومصنّفاته يطول ذكرها (2) . قال الكنجي في «كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب» ، عند كلامه عن حديث الغدير : وجمع الحافظ الدارقطني طرقه في جزء (3) . 7 _ الترمذي : أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سوَرة الترمذي ، صاحب «الجامع الصحيح» المعروف بسنن الترمذي ، من مشاهير المحدِّثين والحفّاظ ، له من الكتب : «الشمائل» و«العلل» و«التاريخ» و«الزهد» و«الأسماء والكنى» و«السنن» . وثّقه الذهبي وابن حجر وغيرهما ، توفّي سنة ( 279 ه ) (4) . 8 _ مكحول : بن أبي مسلم شهراب بن شاذل بن سند بن شروان بن يزدك : عالمُ أهل الشام ، يكنّى بأبي عبداللّه ، وقيل بأبي أيّوب ، وقيل بأبي أسلم الدمشقي الفقيه ، وداره بطرف سوق الأحد ، أرسل عن النبيِّ صلى الله عليه و آله أحاديث ، وأرسل عن عِدّة
.
ص: 51
من الصحابة لم يُدركهم : كاُبي بن كعب ، وثوبان ، وعُبَادة بن الصامت ، وأبي هريرة ، وأبي ثَعلبة الخُشَني ، وأبي جَندل بن سهيل ، وأبي هند الداري ، واُمّ أيمن ، وعائشة ، وجماعة . وروى أيضا عن طائفة من قُدماء التابعين ، كأبي مُسلم الخَوْلاني ، ومسروقٍ ، ومالك بن يخامر ، وحدَّث عن واثلة بن الأسقع ، وأبي اُمامة الباهلي ، وأنس بن مالك ، واُمّ الدرداء ، وطاووس ، وقبيصة بن ذوايب ، وغيرهم . حدَّث عنه الزهري ، وربيعة الرأي ، وزيد بن واقد ، وسليمان بن موسى ، وغيرهم . واختُلف في ولاء مكحول ، فقيل : مولى امرأة هُذَلية وهو أصحٌّ ، وقيل : مولى امرأة اُمويّة ، وقيل : كان لسعيد بن العاص فوهبه للهذَلية فأعتقته ، وكان نُوبيا ، عداده في أوساط التابعين ، من أقران الزهري . قال أبو حاتم : مابالشام أحد أفقه من مكحول . وفاته مختلف فيها ، فقيل : سنة ( 112 ه ) ، وقيل سنة ( 113 ه ) ، وقيل بعد سنة ( 116 ه ) (1) . 9 _ أحمد بن حنبل : أبو عبداللّه أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني المروزيّ الأصل البغداديّ المنشأ والمسكن والمدفن ، رابع الأئمّة الأربعة لأهل السنّة . قال ابن خلّكان في وصفه : كان إمام المحدِّثين ، صنَّف كتاب «المسند» ، وجمع فيه من الحديث مالم يتّفق لغيره ، وقيل : إنّه كان يحفظ ألف ألف حديث ، وكان من أصحاب الشافعي وخواصّه ، لم يزل مصاحبه إلى أن ارتحل الشافعي إلى مصر ، دعي إلى القول بخلق القرآن ، فلم يجب فضُرب وحُبس . وفي البحار نقلاً عن الطرائف قال : رأيتُ كتابا كبيرا مجلَّدا في مناقب
.
ص: 52
أهل البيت عليهم السلامتأليف أحمد بن حنبل فيه أحاديث جليلة قد صرَّح فيها نبيُّهم صلى الله عليه و آله بالنّصّ على عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة على الناس ليس فيها شبهة عند ذوي الإنصاف ، وهي حجّةٌ عليهم ، وفي خزانة مشهد عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالغري من هذا الكتاب نسخةٌ موقوفة ، من أراد الوقوف عليها فليطلبها من خزانته المعروفة . وعن الإمام الثعلبيِّ المفسِّر أ نّه ينقل عن أحمد بن حنبل المذكور أ نّه قال : ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ماجاءَ لعليٍّ عليه السلام من الفضائل . أخذ عنه الحديث جماعة من الأماثل ، منهم : محمّد بن إسماعيل البخاري ، ومسلم بن الحجّاج النيشابوري ، ولم يكن في آخر عصره مثله في العلم والورع ، وتوفّي ضحوة نهار الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل ، وقيل : في شهر ربيع الآخر سنة ( 241 ه ) ببغداد ، ودُفن بمقبرة باب حرب _ المنسوب إلى حرب بن عبداللّه ، أحد أصحاب المنصور الدوانيقي الباني لأصل البلد ، وإلى حرب هذا تُنسب المحلّة المعروفة بالحربية _ وقبر أحمد مشهور يُزار ، وحزر من حضر جنازته من الرجال فكانوا ثمانمائة ألف ، ومن النساء ستّين ألفا ، وقيل : إنّه أسلم يوم مات عشرون ألفا من اليهود والنصارى ، انتهى ما ذكره ابن خلّكان بعد تصرُّف مافيه . ونقل أ نّه دُفن ممّا يلي رأس أبي حنيفة في الجانب الشرقي من بغداد . 10 _ الزهري : ابن شهاب ابن عبداللّه ، هو الّذي طلب إليه خالد القسري أن يكتب له السيرة ، فابن شهاب هو الغالب على تسمية الزهري ، وأمّا عبداللّه فهو جدُّه ، وعبداللّه هو ابن شهاب ، ومن هنا وقع اللبس ، ويؤيِّد ما قلناه أ نّه لم يكن أحد من أهل العلم بالسِير ممَّن عاصر خالد القسري يُعرف بابن شهاب إلاّ ابن شهاب الزهري. إذن ، هذه هي مغازي ابن شهاب الزهري الّتي عرّف بها نفسه ، فقال : قال لي خالد بن عبداللّه القسري اكتب لي النسب ، فبدأتُ بنسب مضر فمكثت فيه أيّاما ، ثمّ أتيته فقال ما صنعت ؟ فقلت : بدأت بنسب مضر وما أتممته ، فقال : اقطعه _ قطع اللّه مع اُصولهم _ واُكتب لي السيرة ، فقلت له : فإنَّه يمرّ بي الشيء من سير عليّ بن أبي
.
ص: 53
طالب صلوات اللّه عليه فأذكره ؟ قال : لا ، إلاّ أنْ تراه في قعر الجحيم (1) . فلمّا لم يجد الزهري عليّا في قعر الجحيم لم يورد له ذكرا في مغازيه ! قال معمر : كان عند الزهري حديثان عن عروة ، عن عائشة في عليّ عليه السلام ، فسألته عنهما يوما، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما؟ اللّه أعلم بهما،إنّي لأ تّهمهما في بني هاشم (2) . كان الزهري أكثر إنصافا لحقائق التاريخ من عروة ، ومرّة اُخرى يبدو الزهري أكثر إنصافا من آخرين ممّن عاصروه حين يوجّه الطعن التاريخ الّذي كان يكتب على عيون بني اُميّة . قال معمر : سألت الزهري عن كاتب الكتاب يوم الحديبية ؟ فضحك وقال : هو عليّ بن أبي طالب ، ولو سألت هؤلاء _ يعني بني اُميّة _ لقالوا : عثمان ! ! . لا شكّ أنّ الخبرين المذكورين قد حفظا للزهري موقفا فريدا ، إذ نزّه قلمه فيهما عن لونين من ألوان اغتصاب الحقيقة التاريخية ، فأبى أن يسوق أحاديث عَلِمَ أ نّها وضعت للنيل من عليّ عليه السلام وبني هاشم،كما أبى أن يسلبهم حقّهم ليمنه آخرين من غيرهم. تجنّب الزهري شيئا من أخبار شيخه عروة حين اتّهمه في بني هاشم ، وهذه فضيله يحفظها له التاريخ ، وفي مقابل ذلك أعرض عن ذكر سِيَر عليّ عليه السلام ومناقبه إرضاءً لبني اُميّة ، وهذه حفظها له بنو اُميّة ! وربّما ظنّ أ نّه قَد سلك مسلكا وسطا ، فلا هو أرضاهم في النيل من عليّ عليه السلام وبني هاشم ، ولا هو أسخطهم بذكر سِيَر عليّ عليه السلام وبني هاشم . وبهذا نجح الزهري فكان ذا حظٍّ عند الاُمويّين لايقدّمون عليه أحدا حتّى توفّي ، ولكن لم يأت هذا النجاح إلاّ بما هدره من حقائق الدين والتاريخ الّتي لو أظهرها لكان الزهري عندهم غير الزهري !
.
ص: 54
مخطوطات الكتاب :1 _ مخطوطة من القرن العاشر ، مع «مناقب أمير المؤمنين عليه السلام » للخطيب الخوارزمي ، المتوفّى سنة ( 568 ه ) ، في المكتبة المركزية لجامعة طهران ، رقم 6665 ، ذُكرت في فهرسها 16 / 329 . 2 _ نسخة من القرن التاسع ، في المكتبة المركزية المذكورة أيضا ، رقم 7009 ، مذكورة في فهرسها 16 / 427 . 3 _ مخطوطة كُتبت سنة ( 988 ه ) في مكتبة البرلمان السابق في طهران . 4 _ مخطوطة كتبها عليّ بن أحمد الأحسائي سنة ( 1118 ه ) في مكتبة البرلمان السابق أيضا ، رقم 2944 ، وصفت في فهرستها10/376 . 5 _ مخطوطة في مكتبة البرلمان السابق أيضا ، رقم 5825 ، كتبها عليّ بن جعفر الحلبي النارنجي الحلّي سنة ( 1058 ه ) ، في 370 صفحة ، مصحّحة ، مقابلة ، وُصفت في فهرسها 17 / 242 . 6 _ مخطوطة اُخرى فيها أيضا ، رقم 1364 ، ذُكرت في فهرسها 4 / 154 . 7 _ مخطوطة اُخرى فيها ، كتبها عليّ الطبسي ، وفرغ منها في محرَّم من سنة ( 983 ه ) ، وهي ضمن المجموعة رقم 4413 ، مذكورة في فهرسها 12 / 109 . 8 _ مخطوطة من القرن الحادي عشر ، في مكتبة مدرسة المروي في طهران ، رقم 340 . 9 _ مخطوطة من القرن التاسع أو العاشر ، معه كتاب «مناقب السادات» بالفارسية ، للقاضي شهاب الدين ابن شمس الدين عمر الزاولي الدولت آبادي الهندي الدهلوي ، مؤلّف «توضيح الدلائل» المتوفّى سنة ( 849 ه ) ، وهو أربعون حديثا ، جمعه في فضلهم ، وهذه المجموعة موجودة في مركز الوثائق في وزارة الإرشاد الإيرانية .
.
ص: 55
10 _ مخطوطة قديمة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد المقدّسة ، رقم 1758، ممّا وقفها السلطان نادر شاه لهذه المكتبة ، ذُكرت في فهرسها القديم 1/63 . 11 _ مخطوطة اُخرى فيها أيضا ، رقم 2094 ، ممّا وقفه ميرزا رضا خان النائيني في سنة ( 1311 ه ) . 12 _ مخطوطة في مكتبة السيّد المرعشي العامّة في قم ، رقم 3253 ، فرغ منها الكاتب في 15 شهر رمضان من سنة ( 977 ه ) ، وُصفت في فهرسها 9 / 44 . 13 _ مخطوطة في مكتبة كلّية الإلهيّات في جامعة الفردوسي في مشهد خراسان ، في آخر المجموعة رقم 456 ، كُتبت سنة ( 1082 ) ، ذُكرت في فهرسها 1 / 362 . 14 _ مخطوطة خطها إبراهيم بن المظفّر الدماوندي ، وفرغ منها في العشر الأخير من صفر سنة ( 1093 ه ) في المكتبة المركزية لجامعة طهران ، رقم 3270 ، وُصفت في فهرسها 11 / 2229 . 15 _ مخطوطة اُخرى فيها ، رقم 3633 ، كتبها عامر بن محمّد بن عبداللّه بن عامر الهدوي سنة ( 1114 ه ) بالمدينة المنوّرة ، ذُكرت في فهرسها 12 / 2639 . 16 _ مخطوطة من القرن التاسع ، قريبة من عصر المؤلّف ، في مكتبة السلطان أحمد الثالث في طوبقبو سراي في إسلامبول ، رقم 2872A . 17 _ مخطوطة في مكتبة بايزيد في إسلامبول ، من مكتبة وليّ الدين ، رقم 1614 ، كُتبت سنة ( 988 ه ) . 18 _ مخطوطة في المكتبة السليمانية في إسلامبول ، من مخطوطات رئيس الكُتّاب ، رقم 4583 . 19 _ مخطوطة اُخرى فيها ، من كتب رئيس الكُتّاب ، كُتبت سنة ( 967 ه ) ، بأوّل المجموعة رقم 1185 ، من 1 ب _ 94 ب .
.
ص: 56
20 _ مخطوطة في مكتبة الآثار العراقية ، من كتب أنستاس الكرملي ، كُتبت سنة ( 1105 ه ) ، وعليها صُحّحت الطبعة النجفية الاُولى . 21 _ مخطوطة في مكتبة الأوقاف بالموصل ، من مخطوطات حسن باشا الجليلي ، كُتبت سنة ( 1202 ه ) كما في فهرسها 1 / 119 . 22 _ مخطوطة كتبها عليّ بن محمّد الشرواني سنة ( 1135 ه ) ، في مكتبة الأوقاف في بغداد ، رقم 2 / 7072 مجاميع ، مذكورة في فهرسها 4/255 . 23 _ مخطوطة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنوّرة ، كتبت سنة ( 973 ه ) ، رقمها 168 . 24 _ مخطوطة في مكتبة الأسد بدمشق ، من كتب الأحمدية ، رقم 266 . 25 _ مخطوطة في مكتبة الجامع الكبير في صنعاء ، رقم 2188 ، فرغ منها الكاتب في 5 صفر من سنة ( 1171ه ) ، ذُكرت في فهرسها 4/1796 . 26 _ نسخة اُخرى فيها ، برقم 2183 ، ذُكرت ايضا في فهرسها 4/1796 . 27 _ مخطوطة في مكتبة خدا بخش في بتنه بالهند ، كُتبت سنة ( 1100 ه ) ، رقمها 2301 . 28 _ مخطوطة في الأمبروزيانا في إيطاليا ، رقم 318D ، كتبت سنة ( 1144ه ) ذكرها الدكتور المنجّد في فهرس الأمبر وزيانا 2 / 69 . وعنها فيلم في معهد المخطوطات بالقاهرة ، رقم 1157 ، ذُكر في فهرس المعهد ج 3 تاريخ ص 227 . 29 _ مخطوطة في المكتبة الوطنية في برلين ، رقمها 9672 ، كتبت سنة ( 950 ه ) ذكرها آلورث في فهرسها 9 / 212 . 30 _ مخطوطة اُخرى فيها رقمها 9671 كتبت سنة ( 1232ه ) ، ذكرها آلورث في فهرسها 9 / 213 . 31 _ مخطوطة في مكتبة جامعة برنستون بالولايات المتحدة ، رقمها 24 ، كُتبت سنة ( 1064ه ) ، من مجموعة يهودا ، ذكرها ماخ في فهرسه : 364 برقم 4589 .
.
ص: 57
32 _ مخطوطة في مكتبة جامعة لوس أنجلس ، رقم 1120 M ، كتبت سنة ( 1119 ه ) ، ذُكرت في نشرة المكتبة المركزية لجامعة طهران 11 / 312 .
طبعاته :طبع في طهران سنة ( 1303 ه ) ، وطبعته المكتبة التجارية ومطبعتها في النجف الأشرف سنة ( 1370 ه _ 1950 م ) مع مقدّمة للمحامي توفيق الفكيكي . وطبعته المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف الأشرف سنة ( 1381ه 1962م ) مع مقدَّمة للاُستاذ الفكيكي أيضا . وطبعته مكتبة الأعلمي في طهران بالاُوفسيت على الطبعة النجفية الاُولى . وطبعته مؤسّسة الأعلمي البيروتية في بيروت بالاُوفسيت على الطبعة النجفية الاُولى. وهنا اُحبّ أن اقول : إنني لم أحرز الكمال في تقويم النصّ ، ولا شكّ أنّ في تحقيقي هذا للكتاب بعض العثرات والتقصير أو الإهمال لأنّ الكمال للّه وحده ، ولكني بذلتُ طاقتي وما في وسعي وكفايتي لأنّ التحقيق أمرٌ صعبٌ وشاقٌّ . وقد عانيتُ من شحّة المصادر وكذلك العوز المادّي في استنساخ بعض المخطوطات حتّى ألجأتني الظروف إلى بيع بعض الأشياء الّتي أعتزُّ بها وكنتُ ومازلت أتمنّى بأن لا أضطرّ إلى بيعها ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن . ثمّ إنّ بعض النُسخ فيها ما فيها من الأخطاء الفاحشه الّتي شوّهت الكتاب وقبّحته وسوّدته فجاءت فيه نصوص الأحاديث ورجالها بشكل مغلوط فضيح لا يمكن الاستفاده منه مع الأسف . وربما التبس الأمر على الناسخ بين الأب والابن ، والحافظ وغيره ، والحقّ والباطل ، والصحيح والعليل . كما وجدتُ بعض النُسخ فيها تصحيفا واضحا في بعض الأسماء والأسانيد وألفاظ الحديث . غير أنّ الكتاب مع وجود الأغاليط والتشويه فيه كان موضع تقدير وثناء في معرض أحاديث الباحثين والمحقّقين ، وما ذلك إلاّ لجلالة قدره والوثوق بما فيه . ولهذا ولغيره من الأسباب .
.
ص: 58
رغّب إليَّ بعض العاملين في حقلي التنقيب والتحقيق تصحيح الكتاب من ناحية الأسانيد،ومقابلة الأحاديث متونها وألفاظها مع نصوصها المثبوته في معاجم الحديث ومؤلّفات المحدّثين في الفضائل والمناقب ، ووضع فهارس فنّية علمية إلى جانب ترجمة الرواة تسهيلاً لهم في الوقوف على الرجال والأحاديث الوارده في الكتاب . والّذي أعانني في تصحيح الكتاب وسهّل لي الصعاب أنّ في الكتاب حسنةً تذكر لابن الصبّاغ المالكي أنه على عادة المؤلّفين القدماء لا يذكر حديثا إلاّ عزاه لصاحبه فكنتُ أرجع إلى نصوصه واُقابلها مع سائر المصادر والنُسخ . وكان في كثير من الأحايين مهمّة صعبة ، وبهذا تمكّنت من تقويم عوج الكثير من نصوص الكتاب . وفي هامش كلّ صحيفة إشارة إلى مواطن الاقتباس والأخذ من المصادر الّتي وقعت لديَّ ، ورجعتُ بأبيات الشعر الواردة فيه إلى دواوين الشعراء المختلفة وبالآيات القرآنية والأحاديث إلى مظانّها في المصحف وكتب الحديث ، وأخيرا إلى ترجمة الأعلام الواردة في نصّ الكتاب مع الإشارة إلى مصادر الترجمة وزيّنته بفهارس مفصّلة ليزداد قيمةً ويقرب منالاً . وإنّي أحمد اللّه سبحانه أن وفّقني لإخراجه على هذا النحو فإن ، كنتُ أصبتُ فالخير اردت وإن تكن الاُخرى فحسبي أننى بذلتّ وسعي حسبما اتّسع لي من الوقت ويسّرته للقارئ الكريم وجنّبته مصاعب كان يتشعّب فيها فكره ويتبدّد وقته، وأتحت للناقد ان يهجم عليَّ بفكرٍ وعقلٍ نشيط فيستطيع أن يؤدّي واجبه في يسرٍ وسهولة .
منهج العمل في الكتاباعتمدتُ في تحقيقي للكتاب هذا على أربع نسخ ، وهي : 1_ نسخة مصوّرة كُتبت سنة ( 973 ه ) من مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنوّرة ، فهي أقدم النُسخ الموجودة لدينا وعدد أوراقها 232 تحت رقم ( 168 ) 2/7072 مذكورة في فهرسها 4/255 ، وقد رمزت لها بحرف ( ب ) ، وهذه النسخة
.
ص: 59
ناقصة بمقدارٍ قليل ولكن فيها كثير من الألفاظ المطموسة . 2_ نسخة من مكتبة الآثار العراقية من كتب انستاس الكرملي ، كُتبت سنة ( 1105 ه ) وعليها صحّحت الطبعة النجفية الاُولى وبمقدمّة الاُستاذ توفيق الفُكيكي ، وهي مكتوبة بقطع الثمن الصغير وعدد صفحاتها 336 بديع الخطّ وجميع أوراقها مؤطّرة بثلاثة خطوط اثنان منها احمرا وهما اللّذان يليان الكتاب والثالث أزرق ، وقد رمزت لها بحرف ( أ ) وجعلتها هي الأصلية . 3_ نسخة من مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد المقدّسة تحت رقم 1758 ممّا وقفه السلطان نادر شاه لهذه المكتبة ذكرت في فهرسها القديم 1 / 63 وقد رمزت لها بحرف ( ج ) . 4 _ نسخة من مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد المقدّسة مع كتاب مطالب السئول عدد أوراقها 223 تحت رقم 2094 ممّا وقفه ميرزا رضاخان النائيني بتاريخ ( 1311 ه ) بطول 22 عرض 14 ، وقد رمزت لها بحرف ( د ) . وقد قابلتُ النُسخ الأربعة وطريقتي هي التلفيق بين النُسخ لإبراز متنٍ صحيحٍ وكامل من غير أخطاء ، وقد أشرتُ إلى اختلاف النُسخ في الهامش ، وفي حالة حدوث طمس _ أي نقص عبارة في الأصل _ اعتمدتُ تثبيت ماهو أصل له إذا كان المؤلف قد أشار إلى مصدره ، وفي حالة عدم ذكر المصدر أبقيتُ الطمس على حاله وأشرتُ إلى ذلك في الهامش . وكنتُ في بعض الحالات اُشير في الهامش إلى ما أعتقد أنه أقرب إلى الصحّة ، وعند وجود خطأ إملائي أو إعرابي اُصحّحه واُشير إلى أصله في الهامش أيضا ، وإذا كان في الأصل تحريف أو عدم استقامه في المعنى ، وورد النصّ في مصدرٍ آخر صحّحتُ العيب مع حفظي على حرفية الأصل ، وفي حالة عدم التوصّل إلى قراءة كلمة أو عبارة أبقيتُ على رسمها وأشرت إلى ذلك في الهامش بعبارة «هكذا وردت» مع أنّ هذه الحالات كانت قليله جدّا .
.
ص: 60
ثمّ إنّ تعليقي على بعض الموارد الّتي ذكرها ابن الصبّاغ كان من باب المقارنة والمقايسة مع المذاهب الاُخرى . وكذلك لم اكتف بحديثٍ واحد كما يذكر ابن الصبّاغ المالكي ، بل حاولتُ استقصاء جَهد أمكاني تثبيت الأحاديث الاُخرى الواردة بهذا المعنى لأجل ان يتعرّف القارئ الكريم على فضائل أهل البيت عليهم السلاموكانت لي وقفات مع ابن الصبّاغ المالكي في المواقف الّتي تتطلّب ذلك ، كما في كلمة الإمام العادل والآل والغدير والصحاب ، وغير ذلك كثير .
شكر و تقدير :يشرّفني ويسعدني وأنا أختم تحقيق هذا السفر الجليل أن أتقدّم بالشكر الجزيل للعلاّمة السيّد حسين مرتضى صدر الأفاضل النقوي ، والعلاّمة الحاجّ الشيخ شبير حسن الميثمى اللاكهاني ، لتحمّلهما مشاقّ تهيئة بعض المصادر النادرة . كما وأتوجه ببالغ الشكر والامتنان للأخ الفاضل الحاج كمال الكاتب ، على ما بذله من جهد متواصل وسعي مشكور في تقويم النصّ وهوامش الكتاب ، سائلاً اللّه عزّ شأنه أن يزيد لهم في التأييد والتوفيق إنّه بالإنعام والتفضّل حقيق . وفي الختام ، أضع ثمرة جهد خمس سنوات متواصلة بين أيدي المدقّقين والمحقّقين للاستفادة من هذا العمل القليل خدمةً للإسلام والمسلمين ، وآخر دعواي أن الحمد للّه ربّ العالمين . سام_ي الغري_ري 1420 ه
.
ص: 61
M2313_T1_File_4708944
.
ص: 62
M2313_T1_File_4708945
.
ص: 63
M2313_T1_File_4708946
.
ص: 64
M2313_T1_File_4708947
.
ص: 65
M2313_T1_File_4708948
.
ص: 66
M2313_T1_File_4708949
.
ص: 67
M2313_T1_File_4708950
.
ص: 68
M2313_T1_File_4708951
.
ص: 69
. .
ص: 70
. .
ص: 71
مقدّمة المؤلّفالحمد للّه الّذي جعل من صلاح هذه الاُمّة نصب الإمام العادل 1 ،
.
ص: 72
وأعلى (1) ذكر مَن اختاره لولايتها ، فهو عليٌّ في العاجل والآجل ، أحمدهُ في البكر (2) والأصائل ، واُصلّي على نبيّه محمدٍ صلى الله عليه و آله سيّد الأواخر والأوائل ، المختار من الصفوة والأطايب ، والحال من صميم العرب في أعلى الذوائب ، من هجرة (3) مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب 4 ،
.
ص: 73
وعلى آلهِ 1 ،
.
ص: 74
وأزواجِهِ 1 ،
.
ص: 75
واصحابه 1 ،
.
ص: 76
وذرّياتِهِ 1 أهلِ الشرفِ والمراتب المسطّر ذكرهُم فيالكتابِ تسطيرا المنزلِ فيهم
.
ص: 77
« إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » (1) . وبعدُ : فعنّ لي أن أذكر في هذا الكتاب فصولاً مهمّةً في معرفة الأئمّة ، أعني
.
ص: 78
الأئمّة الاثني عشر الّذين أوّلهم أمير المؤمنين عليّ المرتضى ، وآخرهم المهديّ المنتظر ، يتضمّن شيئا من ذكرِ مناقبهم الشريفة ، ومراتبهم العالية المنيفة ، ومعرفة أسمائهم ، وصفاتهم ، وآبائهم ، واُمّهاتهم ، ومواليدهم ووفاتهم ، وذكر مدّة أعمارهم ، وأسماء حجّابهم وشعرائهم ، خاليا عن الإسهاب المملّ والاختصار (1) المخلّ ، احترازا عن الإكثار المسئم ، إلى الإيجاز (2) المفهم . ولن يعرف شرفه إلاّ مَن وقف عليه فعرفه مَن عرفه . وعقدتُ لكلّ إمام منهم فصلاً ، يشتمل كلّ فصلٍ على ثلاثة فصول : الأوّل منها في عدّة فصول : الفصل الأوّل منها: في ذكر بحر الخضمّ الأطمّ (3) ،والطود الأشمّ (4) ، أخي الرسول 5 ،
.
ص: 79
وبعل البتولِ 1 ،
.
ص: 80
وسيف اللّه المسلول ، مُفرّق الكتائبِ 1 ،
.
ص: 81
ومظهر العجائبِ 1 ،
.
ص: 82
ليث بني غالب 1 أمير المؤمنينَ عليّ بن أبي طالبٍ .
.
ص: 83
الفصل الثاني : في ذكر ابنه الحسن . الفصل الثالث : في ذكر أخيه الحسين . الفصل الرابع : في ذكر ابنه زين العابدين عليّ بن الحسين . الفصل الخامس : في ذكر ابنه محمّد الباقر . الفصل السادس : في ذكر ابنه جعفر الصادق . الفصل السابع : في ذكر ابنه موسى الكاظم . الفصل الثامن : في ذكر ابنه عليّ بن موسى الرضا . الفصل التاسع : في ذكر ابنه محمّد بن عليّ الجواد . الفصل العاشر : في ذكر ابنه أبي الحسن عليّ الهادي . الفصل الحادي عشر : في ذكر ابنه الحسن العسكري . الفصل الثانى عشر : في ذكر ابنه محمّد القائم المهدي .
.
ص: 84
وسمّيته ب_ «الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة» رضوان اللّه عليهم أجمعين ، أجبت في ذلك سؤال الأعزّة من الأصحاب والخلّص من الأحباب (1) ، بعد أن جعلت ذلك لي عند اللّه ذخيرة ورجاء في التكفير (2) لما أسلفته من جريرة واقترفته من صغيرةٍ أو كبيرة ، وذلك لما اشتمل عليه هذا الكتاب في ذكر مناقب أهل البيت الشهيرة ومآثرهم الأثيرة ، ولربَّ ذي بصيرةٍ قاصرة وعينٍ من إدراك الحقايق حاسرة يتأمّل ما ألّفته ويتعرّض (3) ماجمعته ولخّصته ، فحمله (4) طرفه المريض وقلبه المهيض إلى أن ينسبني في ذلك إلى الترفّض 5 .
.
ص: 85
حكى الشيخ الإمام العلاّمة المحدّث بالحرم الشريف جمال الدين محمّد بن يوسف الزرندي (1) في كتابه المسمّى ب «درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والسبطين» (2) أنّ الإمام العلاّمة المعظّم ، والحبر الفهّامة المكرّم ، أحد الأئمّة الأعلام المتتبّعين ، المقتدى بهم في اُمور الدين ، محمّد بن إدريس الشافعي (3) ،
.
ص: 86
المطّلبي لمّا صرّح بمحبة أهل البيت قيل فيه ما قيل ، وهو السيّد الجليل ، فقال مجيبا عن ذلك شعرا : إذا نحن فضّلنا عليا فإنّنا روافض بالتفضيل عند ذوي الجهلِ وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته رُميتُ بنصبٍ عند ذكري للفضلِ فلا زلتُ ذا رفضٍ ونصبٍ كلاهما بحبِّهما حتّى اُوسد في الرملِ وقال أيضا : قالوا (1) : ترفّضت قلت : كلا ما الرفض ديني ولا اعتقادي لكن تولّيت دون (2) شكٍّ خيرَ إمامٍ وخير هادِ إن كان حبّ الوصيّ (3) رفضا فإنّني أرفَضُ العبادِ وقال أيضا : يا راكبا قف بالمحصّب من منى واهتف بقاعد (4) خيفها والناهض سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى فيضا كملتطم الفرات الفائض (5) إن كان رفضا حبّ آل محمّدٍ فليشهد الثقلان أ نّي رافضي (6) وحكى قاضي القضاة تاج الدين عبدالوهّاب السبكي (7) في طبقاته الكبرى ، عن السيّد الجليل والإمام الحفيل أبي محمّد عبدالرحمن النَسائي (8) _ أحد أئمّة الحديث المشهور اسمه وكتابه _ أ نّه لمّا دخل إلى دمشق وصنّف بها كتاب الخصائص في
.
ص: 87
فضل عليّ كرّم اللّه وجهه اُنكر عليه ذلك ، وقيل له: لم لا صنّفت في فضائل الشيخين (1) ؟ فقال : دخلت إلى دمشق والمنحرف فيها عن عليّ كثير ، فصنّفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم اللّه تعالى به . فدفعوه في خاصرته (2) وأخرجوه من المسجد ، ثمّ مازالوا به حتّى أخرجوه من دمشق إلى الرملة ، فمات بها رحمه الله . قال قاضي القضاة تاج الدين السبكي المشار إليه ، قال : سألت شيخنا أبا عبداللّه الذهبي الحافظ : (3) أيّهما أحفظ : مسلم بن الحجّاج (4) صاحب الصحيح أو النَسائي ؟ فقال : النَسائي ، ثمّ
.
ص: 88
ذكرت ذلك للشيخ الإمام الوالد فوافق عليه . وكان ابن الحدّاد (1) أحد أئمة الشافعية ، كثير الحديث والحفظ له ، ولم يحدّث عن غير النَسائي ، وقال : رضيت به حجّةً بيني وبين اللّه تعالى . (2) انتهى ملخّصا . وحكى الإمام أبو بكر البيهقي (3) في الكتاب الّذي صنّفه في مناقب الإمام الشافعي : أنّ الإمام الشافعي قيل له (4) : إنّ اُناسا لا يصبرون على سماع منقبةٍ أو فضيلةٍ تُذكر لأهل البيت قطّ ! وإذا رأوا أحدا يذكر شيئا من ذلك قالوا : تجاوزوا عن هذا (5) فهذا رافضي ، فأنشأ الشافعي يقول : (6) إذا في مجلسٍ ذكروا (7) عليا وسبطيه وفاطمة الزكيه يقال : (8) تجاوزوا يا قوم عنه (9) فهذا من حديث الرافضيه برئت إلى المهيمن من اُناسٍ يرون الرفض حبّ الفاطميه
.
ص: 89
. .
ص: 90
. .
ص: 91
. .
ص: 92
. .
ص: 93
. .
ص: 94
. .
ص: 95
. .
ص: 96
. .
ص: 97
. .
ص: 98
. .
ص: 99
. .
ص: 100
. .
ص: 101
. .
ص: 102
. .
ص: 103
. .
ص: 104
. .
ص: 105
. .
ص: 106
. .
ص: 107
. .
ص: 108
. .
ص: 109
. .
ص: 110
. .
ص: 111
. .
ص: 112
. .
ص: 113
مَن هم أهل البيت ؟في المباهلةوهذا أوان الشروع في المراد ، وباللّه التوفيق ، وعليه الاعتماد . ولابدّ أن نقدّم أمام ما أردنا التكلّم عليه وصرفنا قصد اهتمامنا إليه من تبيين مَن هم أهل البيت (1) ؟ وأن نذكر شيئا من فضائلهم الّتي لاتُحصى ، ومناقبهم الّتي لا تستقصى ، فأقول وباللّه المستعان (2) والتوفيق ، وإيّاه أسأل الهداية إلى أقوم سبيلٍ وأسهل طريق : أهل البيت _ على ما ذكر المفسّرون في تفسير آية المباهلة وعلى ما روي عن اُمّ سلمة _ هم: النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّ وفاطمه والحسن والحسين عليهم السلام (3) . أمّا آية المباهلة وهي قوله تعالى : «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَ_ذِبِينَ » 4 .
.
ص: 114
وسبب نزول هذه الآية 1 :
.
ص: 115
أنّه لمّا قدم وفد نجران 1 على رسول اللّه صلى الله عليه و آله دخلوا عليه مسجده بعد صلاة العصر
.
ص: 116
وعليهم ثياب الحبرات (1) وأردية الحرير ، لابسين الحلل ، متختّمين (2) بخواتم الذهب، يقول من رآهم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله : ما رأينا مثلهم (3) وفدا قبلهم (4) وفيهم ثلاثة من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم ، وهم : العاقب واسمه عبد المسيح ، كان أمير القوم
.
ص: 117
وصاحب رأيهم وصاحب مشورتهم، لا يصدرون إلاّ عن رأيه . والسيّد وهو الأيهم ، وكان عالمهم (1) وصاحب رحلهم (2) ومجتمعهم . وأبو حاتم (3) ابن علقمة ، وكان أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم ، وكان رجلاً من العرب من بني بكر بن وائل ، ولكنّه تنصّر فعظّمته الروم وملوكها وشرّفوه ، وبنوا له الكنايس وموّلوه وولّوه وأخدموه لما علموه من صلابته (4) في دينهم ، وقد كان يعرف أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وشأنه وصفته ممّا علمه من الكتب المتقدّمة ، ولكنّه حمله جهله على الاستمرار في النصرانية (5) لما رأى من تعظيمه ووجاهته (6) عند أهلها. فتكلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله مع أبي حاتم ابن علقمة والعاقب عبدالمسيح ، وسألهما 7 وسألاه . ثمّ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد أن (7) تكلّم مع هذين الحبرين _ اللذين هما العاقب
.
ص: 118
عبد المسيح وأبو حاتم (1) _ دعاهما (2) إلى الإسلام ، فقالوا : أسلمنا ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كذبتم (3) ، إنّه يمنعكم من الإسلام ثلاثة أشياء : عبادتكم الصليب ، وأكلكم الخنزير ، وقولكم : للّه ولد (4) ، فقالوا : هل رأيت ولدا بغير أب ؟ فمَن أبو عيسى ؟ فأنزل اللّه تعالى : «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ» (5) الآية . فلمّا نزلت هذه الآية مصرّحةً بالمباهلة دعا (6) رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفد نجران إلى المباهلة ، وتلا عليهم الآية ، فقالوا : حتّى ننظر (7) في أمرنا ونأتيك غدا (8) فلمّا خَلا بعضهم ببعضٍ قالوا للعاقب صاحب مشورتهم : ماترى من الرأي ؟ فقال : واللّه لقد عرفتم _ معشر النصارى _ أنّ محمّدا نبيّ مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من عند (9) صاحبكم ، فواللّه (10) ما لاَعَنَ قومٌ قطّ نبيّهم (11) إلاّ هلكوا عن آخرهم ، فاحذروا كلّ
.
ص: 119
الحذر أن يكون آفة (1) الاستئصال منكم ، وإن أبيتم إلاّ إلف دينكم والإقامة عليه فوادعوا الرجل وأعطوه الجزية 2 ، ثمّ انصرفوا إلى مقرّكم (2) . فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فخرج وهو محتضن الحسين ، آخذ 4 بيد
.
ص: 120
الحسن وفاطمة خلفه وعليّ خلفهم وهو يقول : اللّهمّ هؤلاءِ أهلي ، إذا أنا دعوت أمّنوا 1 .
.
ص: 121
فلمّا رأى وفد نجران ذلك وسمعوا قوله قال كبيرهم : يامعشر النصارى إنّي لأرى وجوها لو سألت (1) اللّه تعالى أن يزيل جبلاً لأزاله ، لا تُباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ منكم إلى يوم القيامة ، فاقبلوا الجزية (2) . فقبلوا الجزية و (3) انصرفوا (4) فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : والّذي نفس محمّدٍ بيده ، إنّ العذاب قد نزل على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخهم (5) اللّه قردةً وخنازير ، ولاضطرم الوادي عليهم نارا ، ولاستأصل اللّه تعالى نجران وأهله حتّى الطير على الشجر ولم يحل الحول على النصارى حتّى هلكوا 6 .
.
ص: 122
قال جابر بن عبد اللّه رضى الله عنه (1) : أنفسنا محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام وأبناؤنا الحسن والحسين ، ونساؤنا فاطمة سلام اللّه عليهم أجمعين 2 . هكذا رواه
.
ص: 124
أبو داود الطيالسي (1) عن شعبة (2) عن الشعبي (3) مرسلاً . وروي عن ابن عبّاس (4) والبرّاء (5) نحو ذلك . وأمّا ما روي عن اُمّ سلمة رضى اللّه عنها زوجة (6) النبيّ صلى الله عليه و آله . فروى الإمام أحمد بن حنبل ( رض ) (7) في مسنده يرفعه إلى اُمّ سلمة قالت : بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله في
.
ص: 125
بيتي يوما إذ قال الخادم (1) : إنّ عليّا وفاطمة [ والحسن والحسين ]بالسدّة (2) . قالت : فقال لي النبيّ : قومي تنحّي عن أهل بيتي . قالت : فقمت فتنحّيت في جانب البيت قريبا ، فدخل عليّ وفاطمة والحسن والحسين وهما صبيّان صغيران ، فأخذ الحسن والحسين فوضعهما في حجره وقبّلهما وأعتنق عليّا بإحدى يديه وفاطمة باليد الاُخرى وجللهم بخميصة (3) سوداء وقال : اللّهمّ إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي (4) . قالت اُمّ سلمة : وأنا يا رسول اللّه ! فقال صلى الله عليه و آله : وأنتِ 5 .
.
ص: 126
وروى الواحدي (1) في كتابه المسمّى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى اُمّ سلمة رضي اللّه عنها أ نّها قالت : كان النبيّ صلى الله عليه و آله في بيتها يوما فأتته فاطمة عليهاالسلام ببرمة فيها عصيدة (2) فدخلت بها عليه ، فقال لها : ادع لي زوجك وابنيك . فجاء عليّ والحسن والحسين فدخلوا وجلسوا يأكلون والنبيّ صلى الله عليه و آله جالسا على دكّة وتحته كساء خيبري. قالت: وأنا في الحجرة قريبا منهم ، فأخذ النبيّ صلى الله عليه و آله الكساء فغشّاهم به ، ثمّ قال: اللّهمّ أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا . قالت اُمّ سلمة: فأدخلت رأسي البيت ، قلت : وأنا معكم يا رسول اللّه ؟ قال صلى الله عليه و آله : إنّكِ إلى خير ، إنّكِ إلى خير . فأنزل اللّه عزّوجلّ : « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » 3 .
.
ص: 127
وروى (1) الترمذي (2) في صحيحه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان (3) من وقت نزول هذه الآية
.
ص: 128
إلى قريب من ستة أشهر 1 إذا خرج إلى الصلاة يمرّ بباب فاطمة رضوان اللّه تعالى
.
ص: 129
عليها ثمّ يقول : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» . وقال بعضهم (1) في ذلك شعرا : إنّ النبيَّ محمّدا (2) ووصيَّه وابنيه وابنتَه البتولَ الطاهره أهلُ العباء فإنّني بولائهم أرجو السلامة والنجا في الآخره
.
ص: 130
. .
ص: 131
. .
ص: 132
. .
ص: 133
. .
ص: 134
. .
ص: 135
. .
ص: 136
. .
ص: 137
. .
ص: 138
. .
ص: 139
. .
ص: 140
. .
ص: 141
تنبيه على ذكر شيءٍ ممّا جاء في فضلهم وفضل محبّتهمعن رافع (1) مولى أبي ذرّ 2 قال: صعد أبو ذرّ رضى الله عنه على عتبة باب الكعبة وأخذ بحلقة الباب ، وأسند ظهره إليه وقال : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذرّ ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أهل بيتي مثل 3 سفينة نوحٍ من
.
ص: 142
ركبها نجا ومن تخلّف عنها زجّ (1) في النار (2) .
وسمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول (3): اجعلوا آل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس ، فإنّ الجسد لا يهتدي إلاّ بالرأس ، ولا يهتدي الرأس إلاّ بالعينين 4 .
.
ص: 143
ومن كتاب الفردوس (1) عن عبداللّه بن عمر (2) عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنه قال :أول من أشفع له يوم القيامة من اُمّتي أهل بيتي ثمّ الأقرب فالأقرب 3 .
.
ص: 144
وعن ابن مسعود (1) عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنه قال :حبّ آل محمّدٍ يوما واحدا خيرٌ من عبادة سنة ، ومن مات عليه دخل الجنّة 2 .
وقال صلى الله عليه و آله :أربعة أنا لهم شفيعٌ يوم القيامة : المكرّم لذرّيتي ، والقاضي حوائجهم ، والساعي لهم في اُمورهم عندما اضطرّوا إليه ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه (2) .
وعن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (3) عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال :قال
.
ص: 145
رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أراد التوسّل إليّ وأن تكون (1) له عندي يد أشفع بها يوم القيامّة فليصِل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم (2) .
روى (3) ابن عبّاس رضى الله عنه قال :سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول بإذنيَّ وإلاّ صُمّتا : أنا شجرة ، وفاطمة حملها ، وعليّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمارها ، ومحبّونا أهل البيت ورقها ، وكلّنا في الجنّة حقّا حقّا» 4 .
.
ص: 146
وعن زيد بن أرقم رضى الله عنه (1) أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قاللعلي وفاطمة والحسن والحسين : أنا حربٌ لمن حاربكم ، وسلمٌ لمن سالمكم 2 .
وعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه (2) قال:قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : أهل بيتي والأنصار هم كرشي (3)
.
ص: 147
وعيبتي ، اقبلوا عن محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم (1) .
وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى (2) ، عن أبيه قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا يؤمن عبدٌ حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، ويكون أهلي أحبّ إليه من أهله (3) .
وعن عليّ رضى الله عنه قال :سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : من لم يعرف حقّ عترتي والأنصار والعرب فهو لأحد ثلاث : إمّا منافق ، أو ولد زنية (4) ، وإمّا امرؤ حملته (5) اُمّه في غير طهر (6) .
.
ص: 148
وعن عبدالرحمن بن عوف (1) رضى الله عنه قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اُوصيكم بعترتي خيرا (2) ، وإنّ موعدكم الحوض (3) .
وعن عبداللّه بن زيد (4) عن أبيه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قال :من أحبّ أن يُنسى له في أجله وأن يمتّع (5) بما خوّله اللّه تعالى فليخلفني في أهل بيتي خلافةً حسنةً، فمن لم يخلفني فيهم بُترِ في عمره ، وورد عليَّ يوم القيامة مسودّا وجهه (6) .
ومن كتاب الآل لابن خالويه (7)
.
ص: 149
ورواه أبو بكر الخوارزمي (1) في كتاب المناقب عن بلال بن حمامة (2) قال : طلع علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم متبسّما ضاحكا ووجهه مشرق كدارة القمر، فقام إليه عبدالرحمن بن عوف فقال : يا رسول اللّه ما هذا النور؟ قال: بشارة أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي، فإنّ اللّه زوّج عليّا من فاطمة، وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاقا _ يعني صكاكا _ بعدد محبّي أهل بيتي (3) وأنشأ تحتها ملائكة من النور ورفع إلى كلّ ملك صكّا ، فإذا استوت القيامّة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محبّ لأهل البيت إلاّ دفعت إليه صكّا فيه فكاكه من النار ، فصار أخي وابن عمّي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من اُمّتي من النار (4) .
.
ص: 150
وعن أنس بن مالك (1) رضى الله عنه في قوله تعالى : «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» 2 قال : عليّ
.
ص: 151
وفاطمة «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجَانُ» (1) قال : الحسن والحسين . رواه صاحب كتاب الدرر عن محمّد بن سيرين (2) في قوله تعالى : «وَ هُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَ صِهْرًا» (3) أ نّها نزلت في النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّ بن أبي طالب رضى الله عنه هو ابن عمّ
.
ص: 152
رسول اللّه صلى الله عليه و آله زوج ابنته فاطمة فكان نسبا وصهرا .
وروي عن عمر بن الخطّاب (1) ( رض ) أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم (2) قام فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال (3) :ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع ، إنّ كلّ سببٍ ونسبٍ وصهرٍ 4 منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي وصهري 5 . قال عمر ( رض ) :
.
ص: 153
فلمّا سمعت ذلك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أحببت أن يكون بيني وبينه نسب وسبب وصهر ، فخطبت إلى عليّ رضى الله عنه ابنته اُمّ كلثوم ( رض ) من فاطمة رضي اللّه عنها بنت محمّد صلى الله عليه و آله فزوّجنيها . ( قيل ) وكان ذلك في سنة سبع عشر من الهجرة ودخل بها في ذي القعدة من السنة المذكورة ، وكان صداقها أربعين ألف درهم فولدت له زيدا أو (1) زينبا .
.
ص: 154
. .
ص: 155
وروى الإمام أبو الحسين البغوي (1) في تفسيره (2) يرفعه بسنده إلى ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال :لمّا نزل قوله تعالى : «قُل لاَّ أَسْ_ئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى» (3) قالوا : يا رسول اللّه مَن هؤلاء الّذين أمرنا اللّه بمودّتهم ؟ قال : عليّ وفاطمة وابناها 4 .
.
ص: 156
. .
ص: 157
. .
ص: 158
. .
ص: 159
وروى السدّي (1) عن أبي مالك (2) عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما في قوله تعالى : «وَ مَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا» (3) قال : المودّة لآل محمّد صلى الله عليه و آله وسلم 4 .
.
ص: 160
فهؤلاء هم أهل البيت المرتقون بتطهيرهم إلى ذروة أوج الكمال ، المستحقّون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال ، وللّه درّ القائل إذ قال : هم العروةُ الوثقى لمعتصم بها مناقبُهم جاءت بوحيٍ وإنزالِ مناقب في الشورى (1) وسورة هل أتى (2) وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي وهم آل بيت المصطفى فودادهم على الناس مفروضٌ بحكمٍ وإسجالِ (3) وقال آخر (4) : هم القوم من أصفاهم الودّ مخلصا تمسك (5) في اُخراه بالسبب الأقوى هم القوم فاقوا العالمين مناقبا (6) محاسنها تجلى وآثارهم (7) تُروى موالاتهم فرضٌ وحُبُّهم هدى وطاعتهم ودٌّ وودّهمُ تقوى (8)
.
ص: 161
. .
ص: 162
. .
ص: 163
الفصل الأوّل : في ذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه
.
ص: 164
. .
ص: 165
الفصل الأوّل : في ذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه 1 .
ص: 166
. .
ص: 169
وكنيته أبو الحارث (1) ، وعنده يجتمع نسب عليّ رضى الله عنه بنسب النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم . وكان وُلد أبي طالب : طالبا ولا عقب له (2) ، وعقيلاً 3 وجعفرا 4 ، وعليّا، وكلّ
.
ص: 170
واحدٍ أسنّ من الآخر بعشر سنين . واُمّ هاني، واسمها فاختة (1) ، واُمّهم جميعا فاطمة بنت أسد ( رض ) (2) ، هكذا ذكر ذلك ضياء الدين أبو المؤيد موفق بن أحمد
.
ص: 171
الخوارزمي في كتابه المناقب (1) . وُلِدَ عليٌّ (2) عليه السلام بمكة المشرّفة بداخل (3) البيت الحرام في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر اللّه الأصمّ رجب الفرد سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة ، وقيل بخمس وعشرين 4 ، وقبل المبعث باثني عشرة
.
ص: 172
سنة 1 ، وقيل بعشر سنين (1) . ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه ، وهي فضيلة خصّه اللّه تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهارا لتكرمته . وكان عليّ رضى الله عنه هاشميا من هاشمين وأول مَن ولده هاشم مرّتين 3 .
.
ص: 173
ومن كتاب المناقب لأبي المعالي (1) الفقيه المالكي روى خبرا يرفعه إلى عليّ بن الحسين (2) رضى اللّه عنهما أ نّه قال: كنّا عند الحسين رضى الله عنه في بعض الأيام وإذا بنسوة مجتمعين فأقبلت امرأة منهنّ علينا فقلت لها : من أنت يرحمكِ اللّه ؟ قالت : أنا زيدة (3) ابنة العجلان من بني ساعدة ، فقلت لها: هل عندك من شيءٍ تحدّثينا به ؟ قالت : إي واللّه حدّثتني اُمّ عمارة بنت عبادة بن فضلة بن مالك بن عجلان (4) الساعدي أ نّها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيبا حزينا ، فقلت له : ما شأنك ؟ قال : إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة من الطلق. ثمّ أ نّه أخذ بيدها وجاء بها إلى الكعبة فدخل بها ، وقال : اجلسي على اسم اللّه ، فطلقت طلقة واحدة فولدت غلاما نظيفا منظّفا لم أر أحسن وجها منه ، فسمّاه أبو طالب عليّا وقال شعرا : سمّيته بعليٍّ كي يدوم له عزّ العلوِّ وفخر (5) العزّ أدومه 6
.
ص: 174
وجاء النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم فحمله معه إلى منزل اُمّه 1 . قال عليّ بن الحسين : فواللّه ما سمعت بشيءٍ حسنٍ قطّ ، إلاّ وهذا من أحسنه (1) . وكان مولد عليٍّ رضى الله عنه بعد أن دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بخديجة رضى اللّه عنها بثلاث سنين وكان عمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم ولادة عليّ رضى الله عنه ثمانيا (2) وعشرين سنة واللّه أعلم .
.
ص: 175
. .
ص: 176
. .
ص: 177
فصل : في ذكر اُمّ عليٍّ كرّم اللّه وجههاُمّه : فاطمة بنت أسد (1) بن هاشم بن عبد مناف تجتمع هي وأبو طالب في هاشم، أسلمت وهاجرت مع النبيّ صلى الله عليه و آله وكانت من السابقات إلى الإيمان بمنزلة الاُمّ من النبيّ صلى الله عليه و سلم . فلما ماتت كفّنها النبيّ صلى الله عليه و آله بقميصه (2) وأمر اُسامة بن زيد (3) ، وأبا أيوب الأنصاري، وعمر بن الخطّاب، وغلاما أسود، فحفروا قبرها ، فلمّا بلغوا لحدها حفره رسول اللّه صلى الله عليه و سلم بيديه وأخرج ترابه ، فلمّا فرغ اضطجع فيه (4) وقال : اللّه (5) الّذي يحيي ويميت وهو حيٌّ لا يموت ، اللّهمّ اغفر لاُمّي فاطمة بنت أسد ولقّنها حجّتها ووسّع
.
ص: 178
عليها قبرها (1) بحقّ نبيك محمّد والأنبياء الّذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين . فقيل : يا رسول اللّه رأيناك صنعت (2) شيئا لم تكن صنعته (3) بأحدٍ قبلها!! فقال صلى الله عليه و سلم : ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة، واضطجعت (4) في قبرها ليخفّف عنها من ضغطة القبر ، إنها (5) كانت من أحسن خلق اللّه صنعا (6) إليَّ بعد أبي طالب رضي اللّه عنهما ورحمهما 7 .
.
ص: 179
. .
ص: 180
. .
ص: 181
فصل : في تربية النبيّ صلى الله عليه و سلم لهوذلك أ نّه لمّا نشأ عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه وبلغ سنّ التمييز أصاب أهل مكّة جدب شديد وقحط أجحف بذوي المروّة وأضرّ بذوي العيال إلى الغاية ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعمّه العبّاس _ وكان من أيسر بني هاشم _ : يا عمّ (1) إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى ، فانطلق بنا إلى بيته (2) لنخفّف (3) من عياله فتأخذ أنت رجلاً واحدا وآخذ أنا رجلاً ، فنكفلهما عنه . قال العباس : أفعل (4) . فانطلقا حتّى أتيا أبا طالب فقالا : إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه ، فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلاً وطالبا فاصنعا ماشئتما ، فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و سلم عليا وضمّه (5) إليه، وأخذ العبّاس جعفرا فضمّه إليه ، فلم
.
ص: 182
يزل عليّ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى بعث (1) اللّه عزّوجلّ محمّدا نبيّا فاتَّبعه عليّ عليه السلام وآمن به وصدَّقه ، وكان عمره إذ ذاك في السنة الثالثة عشر من عمره ولم يبلغ الحلم ، وقيل غير ذلك 2 ، وأكثر الأقوال وأشهرها أنه لم يبلغ الحلم 3 .
.
ص: 183
وأ نّه أول مّن أسلم وآمن برسول اللّه صلى الله عليه و آله من الذكور بعد خديجة (1) . قال الثعلبي (2) في تفسير قوله تعالى : «وَ السَّ_بِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَ_جِرِينَ وَالْأَنصَارِ » 3 : وهو قول ابن عباس ، وجابر بن عبداللّه الأنصاري ، وزيد بن أرقم ،
.
ص: 184
ومحمّد بن المنكدر (1) ، وربيعة المرائي (2) . وقد أشار عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه إلى شيءٍ من ذلك في أبياتٍ قالها رواها عنه الثقات الأثبات وهي هذه الأبيات : محمّد النبيّ أخي وصنوي وحمزة سيّد الشهداء عمّي وبنت محمّدٍ سكني وعرسي منوطٌ لحمها بدمي ولحمي سبقتكم إلى الإسلام طفلاً صغيرا ما بلغت أوان حلمي 3 فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويلٌ لمن يلقى الإله غدا بظلمي 4
.
ص: 185
ربّاه النبيّ صلى الله عليه و سلم وأزلفه وهداه إلى مكارم الأخلاق والفقه (1) ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و سلم قبل بدء أمره إذا أراد الصلاة خرج إلى شعاب مكة مستخفيا وأخرج عليا معه فيصلّيان ما شاء اللّه ، فإذا قضيا رجعا إلى مكانهما (2) . ونقل يحيى بن عفيف الكندي قال : حدّثني أبي قال : كنت جالسا مع العباس بن عبدالمطّلب بمكّة بالمسجد قبل أن يظهر أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجاء شابّ فنظر إلى السماء حين حلقت الشمس ثمّ استقبل الكعبة فقام يصلّي ، فجاء غلام فقام عن يمينه ، ثمّ جاءت امرأة فقامت خلفهما ، فركع الشابّ فركع الغلام والمرأة ، ثمّ رفع فرفعا ، ثمّ سجد فسجدا ، فقلت : يا عباس أمرٌ عظيم فقال العباس : اتعرف (3) هذا الشابّ ؟ فقلت : لا ، فقال : هذا محمّد بن عبداللّه بن عبدالمطّلب ابن أخي ، أتدري مَن هذا الغلام ؟ هذا عليّ بن أبي طالب ابن أخي ، أتدري مَن هذه المرأة ؟ هذه خديجة بنت خويلد ، إنّ ابن أخي هذا حدّثني أنّ ربَّه ربّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين وهو عليه ، ولا واللّه على ظهر الأرض اليوم على هذا الدين غير هؤلاء . وكان عفيف يقول لي بعد أن أسلم ورسخ في الإسلام : ليتني كنت رابعا لهم 4 .
.
ص: 186
. .
ص: 187
. .
ص: 188
. .
ص: 189
. .
ص: 190
. .
ص: 191
. .
ص: 192
. .
ص: 193
. .
ص: 194
. .
ص: 195
فصل : في ذكر شيءٍ من علومهفمنها : علم الفقه الّذي هو مرجع الأنام ومجمع الأحكام ومنبع الحلال والحرام . فقد كان عليّ عليه السلام مطّلعا على غوامض أحكامه ، منقادا له جامحا بزمامه ، مشهودا له فيه بعلوّ محلّه ومقامه ، ولهذا خصّه رسول اللّه صلى الله عليه و سلم بعلم القضاء ، كما نقله الإمام أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي رحمة اللّه عليه في كتابه المصابيح مرويّا عن أنس بن مالك : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله [ لمّا ] خصّص جماعةً من الصحابة كلّ واحدٍ بفضيلة خصّ (1) عليّا بعلم القضاء ، فقال : وأقضاكم عليّ 2 .
.
ص: 196
ومن ذلك : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان جالسا في المسجد وعنده اُناس (1) من الصحابة إذ جاءه صلى الله عليه و سلم رجلان يختصمان ، فقال أحدهما : يا رسول اللّه ، إنّ لي حمارا ولهذا (2) بقرة ، وإنّ بقرته نطحت (3) حماري فقتلته ، فبدر (4) رجل من الحاضرين فقال : لا ضمان
.
ص: 197
على البهائم ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اقضِ بينهما يا عليّ ، فقال لهما عليّ كرّم اللّه وجهه : أكان الحمار والبقرة موثّقَين أم [ كانا ]مرسَلين ، أم أحدهما موثّقا والآخر مُرسَلاً (1) ؟ فقالا : كان الحمار موثّقا والبقرة مرسلة وكان صاحبها معها ، فقال عليه السلام : على صاحب البقرة الضمان ، وذلك بحضرة النبيّ صلى الله عليه و آله ، فقرّر صلى الله عليه و آله حكمه وأمضى قضاءه 2 . ومن ذلك : ما يروى أنّ رجلاً اُتي به إلى عمربن الخطّاب ( رض ) ، وكان صدر منه أ نّه قال لجماعةٍ من الناس وقد سألوه كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت اُحبّ الفتنة ، وأكره الحقّ ، واُصدّق اليهود والنصارى ، واُؤمن بما لم أره ، واُقرّ بما لم يُخلق ، فرفع إلى عمر ( رض ) فارسل إلى عليّ كرّم اللّه وجهه ، فلمّا جاءه أخبره بمقالة الرجل قال : صدق ، يحبّ الفتنة ، قال اللّه تعالى : «إِنَّمَآ أَمْوَ لُكُمْ وَ أَوْلَ_دُكُمْ فِتْنَةٌ» (2) . ويكره الحقّ [ يعني ] الموت ، قال اللّه تعالى : «وَ جَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ
.
ص: 198
بِالْحَقِّ» (1) . ويصدّق اليهود والنصارى ، قال اللّه تعالى : «وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَ_رَى عَلَى شَىْ ءٍ وَ قَالَتِ النَّصَ_رَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَىْ ءٍ» (2) . ويؤمن بما لم يره ، يؤمن باللّه عزّوجلّ ، ويُقرّ بما لم يُخلق ، يعنى الساعة ، فقال عمر ( رض ) : أعوذ من معضلةٍ ، لا عليّ لها (3)4 .
.
ص: 199
وقال سعيد بن المسيّب : كان عمر يقول : اللّهمّ لا تبقني لمعضلةٍ ليس فيها أبو الحسن ، وقال ( رض ) مرّةً : لولا عليّ لهلك عمر (1) . ومن ذلك : أ نّه عليه السلام وقعت له واقعة حارت علماء عصره (2) في (3) حكمها ، وهي : أنّ رجلاً تزوّج بخنثى ولها فرج كفرج الرجال (4) وفرج كفرج النساء (5) وأصدقها جاريةً كانت له ، ودخل بها (6) ، فحملت منه الخنثى وجاءته (7) بولد . ثمّ إنّ الخنثى وطأت الجارية الّتي أصدقها زوجها (8) ، فحملت منها (9) وجاءت بولد ، فاشتهرت قصّتهما
.
ص: 200
ورفع أمرهما (1) إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فسأل عن حال الخنثى ، فأخبر أ نّها تحيض وتطأ وتوطأ وتمني من الجانبين وقد حبلت وأحبلت فصار الناس مُتَحَيّري الأفهام في جوابها ! وكيف الطريق إلى حكم قضائها وفصل خطابها ؟ فاستدعى أمير المؤمنين [ غلامين ] يرفا وقنبرا وأمرهما أن يعدّا أضلاع الخنثى (2) من الجانبين وينظرا ، فإن كانت متساويةً فهي امرأة ، وإن كان الجانب الأيسر أنقص من أضلاع الجانب الأيمن بضلعٍ واحدٍ فهو رجل ، فدخلا (3) على الخنثى كما أمرهما أمير المؤمنين عليه السلام وعدّا أضلاعها من الجانبين فوجدا أضلاع الجانب الأيسر تنقص (4) عن (5) أضلاع الجانب الأيمن بضلع ، فأخبراه بذلك وشهدا عنده به ، فحكم على الخنثى بأ نّها رجل ، وفرّق بينها وبين زوجها . ودليل ذلك : أنّ اللّه تعالى لمّا خلق آدم عليه السلام وحيدا أراد سبحانه وتعالى لإحسانه إليه ولخفيِّ حكمته فيه أن يجعل له زوجا من جنسه ليسكن كلّ واحدٍ منهما إلى صاحبه ، فلمّا نام آدم عليه السلام خلق اللّه تعالى من ضلعه القصير (6) من جانبه الأيسر حوّاء ، فانتبه فوجدها جالسةً إلى جانبه كأحسن ما يكون من الصوَر ، فلذلك صار الرجل ناقصا من جانبه الأيسر على المرأة بضلعٍ واحدٍ والمرأة كاملة الأضلاع من الجانبين ، والأضلاع الكاملة من الجانبين أربعة وعشرون ضلعا في كلّ جانبٍ اثنا عشر ضلعا ، وهذا في المرأة . وأمّا الرجل فثلاثة وعشرين ضلعا ، اثنا عشر من اليمين ، وأحد عشر من اليسار . وباعتبار هذه الحالة قيل : للمرأة ضلع أعوج ، وقد صرّح النبيّ صلى الله عليه و آله _ على مصدرٍ _ بأنّ المرأة خُلقت من ضلعٍ أعوج ، إن ذهبت تقيمها
.
ص: 201
كسرتها ، وإن تركتها استمتعت بها على عوج 1 . وقد نظّم بعض الشعراء (1) فقال : هي الضلع للعوجاء لست تقيمها ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها أتجمع ضَعفا (2) واقتدارا على الفتى أليس عجيبا ضعفها واقتدارها (3) فانظر رحمك اللّه إلى استخراج أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام بنور علمه وثاقب فهمه ما أوضح به سبيل السداد وبيّن به طريق الرشاد ، وأظهر به جانب الذكورة (4) الاُنوثة من مادّةٍ الايجاد ، وحصلت له هذه المنّة الكاملة والنعمة الشاملة بملاحظة النبيّ له وتربيته وحنوّه عليه وشفقته (5) ، فاستعدّ لقبول الأنوار وتهيّأ لفيض العلوم والأسرار ، فصارت الحكمة من ألفاظه ملتقطة ، والعلوم الظاهرة والباطنة بفؤاده مرتبطة ، لم تزل بحار العلوم تتفجّر من صدره ويطفى (6) عبابها ، حتّى قال صلى الله عليه و آله : أنا مدينة العلم
.
ص: 202
وعليٌّ بابها 1 .
.
ص: 203
. .
ص: 204
. .
ص: 205
. .
ص: 206
. .
ص: 207
فصل : في محبّة اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله له عليه السلاموذلك أ نّه صحّ النقل في كتب الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة : عن أنس بن مالك (رض) قال : اُهدي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله طير مشوي يسمّى الحجل 1 . وفي
.
ص: 209
هذا الطير ، فقلت : اللّهمّ اجعله رجلاً من الأنصار . فجاء عليّ فحجبته وقلت (1) : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و سلم مشغول ، رجاء أن يكون الدعوة لرجلٍ من قومي ، ثمّ جاء عليّ ثانيةً فحجبته ، ثمّ جاء الثالثة فقرع الباب فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : أدخِله فقد عييته ، فلمّا دخل قال له النبيّ: ما حبسك عنيّ يرحمك اللّه ؟!فقال: هذا (2) آخر ثلاث مرّاتٍ وأنس يقول: إنّك مشغول ، فقال : يا أنس ، ما حملك على ذلك؟ قال : سمعت دعوتك فأحببت أن تكون لرجل من قومي ، فقال صلى الله عليه و آله : لا يلام الرجل على حبّه لقومه . رواه الترمذي (3) . وفي صحيح البخاري (4) ومسلم (5) وغيرهما من الصحاح : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال يوم خيبر : لأعطينّ الرايةَ غدا رجلاً يفتح اللّه على يديه ، يُحبّ اللّه ويُحبّه اللّه ورسوله . قال : فبات الناس يخوضون (6) ليلتهم أيّهم (7) يُعطاها ، فلمّا أصبح الناس غدوا على
.
ص: 210
رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلّ منهم يرجو أن يُعطاها، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أين عليّ بن أبي طالب؟ فقيل : يا رسول اللّه ، إنه أرمد (1) ، قال : فأرسلوا إليه ، فاُتي به فبصق في عينيه (2) ودعا له ، فبرئ حتّى لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، فقال عليّ كرّم اللّه وجهه : يااللّه ، اُقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا ؟ فقال : انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثمّ ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ اللّه فيه ، فواللّه لئن يهدي اللّه بك رجلاً واحدا خيرا لك من أن يكون لك حُمُر النعم . 3 قال : فمضى وفتح اللّه على يديه .
.
ص: 211
وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت 1 ( رض ) في مدحه : وكان عليٌّ أرمد العين يبتغي دواءً فلمّا لم يحسّ (1) مداويا شفاهُ (2) رسول اللّه منه بتفلةٍ فبورك مرقيّا وبورك راقيا وقال : ساُعطي الراية اليوم صارما (3) كميّا شجاعا في الحروب مجاريا (4) يُحبّ إلهي والإله يحبّه (5) به يفتح اللّه الحصون الأوابيا فخصّ لها دون البريّة كلّهم عليّا وسمّاه الوليّ المؤاخيا (6)
.
ص: 212
وفي صحيح مسلم 1 : قال عمر بن الخطّاب (رض) : فما أحببت الإمارة إلاّ يومئذٍ، فتساورتُ لها وحرصتُ عليها ، حتّى أبديت وجهي ، وتصدّيت لذلك ليتذكّرني ، قالوا : وإنما كانت محبّة عمر لها لما دلّت عليه من محبّته للّه ورسوله صلى الله عليه و آله ومحبّتهما له والفتح على يديه ، قاله الشيخ عبداللّه بن أسعد اليافعيّ (1) في كتابه «المرهم» (2) .
.
ص: 213
. .
ص: 214
. .
ص: 215
. .
ص: 216
. .
ص: 217
. .
ص: 218
. .
ص: 219
فصل : في مؤاخاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله له ، وسبب تسميته بأبي تراب وغير ذلك ممّا خصّ بها من المزايا العليّة الواردة في الأحاديث الصحيحة الجليّةفمن ذلك ما رواه الترمذي في صحيحه بسنده عن عبداللّه بن عمر ( رض ) أنه قال : لمّا آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين صحابته رضي اللّه عنهم جاءه (1) عليّ كرّم اللّه وجهه وعيناه تدمعان ، فقال : يا رسول اللّه ، آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد ، فسمعت (2) رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أنت أخي في الدنيا والآخرة (3) . ومن مناقب ضياء الدين الخوارزمي عن ابن عبّاس ( رض ) قال : لمّا آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار _ وهو أ نّه صلى الله عليه و آله آخى بين أبي بكر
.
ص: 220
وعمر (رض) ، وآخى بين عثمان وعبدالرحمن بن عوف ، وآخى بين طلحة والزبير ، وآخى بين أبي ذرّ الغفاري والمقداد رضوان اللّه عليهم أجمعين _ ولم يؤاخ بين عليّ بن أبي طالب وبين أحدٍ منهم خرج عليّ مغضبا حتّى أتى جدولاً من الأرض وتوسّد ذراعه ونام فيه تسفي الريح عليه (1) ، فطلبه النبيّ صلى الله عليه و آله فوجده على تلك الصفة ، فوكزه برجله ، وقال له : قم فما صلحت أن تكون إلاّ أبا تراب ، أغضبتَ حين آخيتُ بين المهاجرين والأنصار ولم اُؤاخِ بينك وبين أحدٍ منهم ؟ ! أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أ نّه لا نبيَّ (2) بعدي ؟ ! ألا من أحبّك فقد حُفّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته اللّه ميتةً جاهلية ، وحوسب بعمله في الإسلام 3 .
.
ص: 221
وفي صحيح البخاري 1 عن أبي حازم أنّ رجلاً جاء إلى سهل بن سعد فقال :
.
ص: 222
هذا فلأن أمير المدينة (1) يدعو عليا عند المنبر يقول له أبو تراب ، فضحك ، فقال : واللّه ما سمّاه بهذا الإسم إلاّ النبيّ صلى الله عليه و آله ، وما كان اسم أحبّ إليه منه . . . الحديث قال فيه : فقلت : يا أبا عباس ، كيف كان ذلك ؟ قال : دخل عليّ على فاطمة ثمّ خرج واضطجع في المسجد ، فجاءها النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : أين ابن عمّك ؟ قالت : في المسجد ، فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره ، فجعل يمسح عن ظهره ويقول : اجلس يا أبا تراب _ مرّتين _ .
.
ص: 223
وفي صحيح مسلم نحوه عن سهل بن سعد ، وقال فيه : جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت ، فقال : أين ابن عمّك ؟ فقالت : كانت بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يَقِل عندي ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لإنسانٍ : انظر أين هو ؟ فجاء فقال : يا رسول اللّه ، هو في المسجد راقد ، فجاءه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو مضطجع وقد سقط رداؤه عن شقّه فأصابه تراب ، فجعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يمسحه عنه ويقول : قم يا أبا تراب ، ثمّ يا أبا تراب . وهذا بعض الحديث (1) . قولها (2) : «خرج ولم يَقِل عندي»هو بفتح الياء وكسر القاف من القيلولة، وهي النوم نصف النهار . قال العلماء : وفيه جواز النوم في المسجد واستحباب ملاحظة ملاطفة الغضبان وممازحته والمشي إليه لاسترضائه .
وفي صحيح البخاري :عن سعد بن أبي وقّاص (3) ( رض ) قال : قال النبيّ صلى الله عليه و آله لعلي كرّم اللّه وجهه : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى (4) .
وفي صحيح مسلم قال فيه :وخلّف رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب في غزوة تبوك [ فأرجف له من المنافقين فقالوا : خلفه مع النساء والصبيان وذلك استخفافا منه فأخذ سلاحه ولحق النبيّ صلى الله عليه و آله وهو نازل بالجحفة ] ، فقال : يا رسول اللّه ، تخلّفني
.
ص: 224
في النساء والصبيان ؟ فقال : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أ نّه لا نبيَّ بعدي 1 .
.
ص: 225
. .
ص: 226
. .
ص: 227
. .
ص: 228
. .
ص: 229
. .
ص: 230
. .
ص: 231
وممّا رواه الترمذي :أ نّه صلى الله عليه و آله انتجى عليا عند يوم الطائف ، فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمّه ، فقال صلى الله عليه و آله : ما انتجيته ، ولكنّ اللّه انتجاه 1 .
.
ص: 232
وروى الترمذي [ عن أنس بن مالك (رض) قال: ] انّه صلى الله عليه و آله بعث ب [ سورة ] براءة ، أو قال :سورة التوبة مع أبي بكر ، ثمّ دعاه فقال : لا ينبغي لأحدٍ أن يبلّغ عني [ هذا ]إلاّ رجل هو (1) من (2) أهل بيتي ، أو قال : يذهب بها إلاّ رجل هومنّي وأنا منه ، فدعا عليّا فأعطاه إيّاها 3 .
.
ص: 233
. .
ص: 234
. .
ص: 235
وروى الترمذيّ أيضا عن زيد بن أرقم قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه . هذا اللفظ بمجرّده (1) .
ورواه الترمذيّ ولم يزد عليه 2 .
.
ص: 236
. .
ص: 237
وزاد غيره _ وهو الزهري (1) _ ذكر اليوم والزمان والمكان ، قال : لمّا حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حجّة الوداع ، وعاد قاصدا المدينة قام بغدير خمّ _ وهو ماء بين مكّة والمدينة _ وذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام وقت الهاجرة ، فقال صلى الله عليه و آله :أيّها النّاس ، إنّي مسؤول وأنتم مسئولون ، هل بلّغتُ ؟ قالوا: نشهد أ نّك قد بلّغت ونصحت ، قال : وأنا أشهد أ نّي قد بلّغت ونصحت ثمّ قال : أيّها الناس ، أليس تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه ، وأ نّي رسول اللّه ؟ ! قالوا : نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأ نّك رسول اللّه . قال : وأنا أشهد مثل ما شهدتم . ثمّ قال : أيّها الناس ، قد خلّفت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي : كتاب اللّه ، وأهل بيتي ، ألا وإنّ اللطيف أخبرني أ نّهما لم يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض ، سعة حوضي مابين بصرى وصنعاء ، عدد
.
ص: 238
آنيته عدد النجوم ، إنّ اللّه مسائلكم كيف خلّفتموني في كتابه وأهل بيتي . ثمّ قال : أيّها النّاس ، من أولى الناس بالمؤمنين ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : إنّ أولى الناس بالمؤمنين أهل بيتي . قال ذلك ثلاث مرّات ، ثمّ قال في الرابعة وأخذ بيد عليّ : «اللّهمّ من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه 1
.
ص: 239
_ يقولها ثلاث مرّات _ ألا فليبلّغ الشاهد الغائب (1) .
وروى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : عن البرّاء بن عازب 2 قال : كنّا مع
.
ص: 240
النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم في سفر (1) فنزلنا بغدير خمّ ، فنودي (2) فينا الصلاة جامعة ، وكسح لرسول اللّه صلى الله عليه و آله تحت شجرتين (3) فصلّى (4) الظهر ، وأخذ بيد عليّ فقال :ألستم تعلمون أ نّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ! قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أ نّي أولى بكلّ مؤمنٍ من نفسه ؟ ! قالوا : بلى ، [ وأخذ بيد عليّ ]فقال : «اللّهمّ : من كنتُ مولاه فعليٌّ
.
ص: 241
مولاه ، اللّهمّ والِ (1) من والاه ، وعادِ من عاداه ، [ قال ] فلقيه عمر بن الخطّاب بعد ذلك فقال له : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة .
وروى الحافظ أبو بكر بن أحمد بن الحسين البيهقي رحمة اللّه عليه أيضا هذا الحديث بلفظه مرفوعا إلى البرّاء بن عازب (2) .
وروى الحافظ أبو الفتوح أسعد ابن أبي الفضائل بن خلف العجلي في كتابه «الموجز» في فضل الخلفاء الأربعة (رض ) ، يرفعه بسنده إلى حذيفة بن اُسيد الغفاري (3) وعامر بن [ أبي ] ليلى بن ضمرة قالا (4) :لمّا صدر رسول اللّه صلى الله عليه و سلم من حجّه الوداع ولم يحجّ غيرها أقبل ، حتّى إذا كان بالجحفة نهى عن سمرات متغاديات (5) بالبطحاء أن لا ينزل تحتهنّ أحد ، حتّى إذا أخذ القوم منازلهم أرسل فَقُمَّ ما تحتهنّ ، حتّى إذا نودى (6) بالصلاة _ صلوة الظهر _ عَمَدَ إليهنّ فصلّى بالناس تحتهنّ ، وذلك يوم غدير خمٍّ ، [ و ] بعد فراغه من الصلاة ، قال : أيّها الناس ، إنه قد
.
ص: 242
أنبأني (1) اللطيف الخبير أ نّه لم يعمر نبيّ إلاّ نصف عمر النبيّ الّذي كان (2) قبله ، وإنّي لأظنّ بأ نّي اُدعى (3) وأجيب ، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون هل بلّغت ؟ فما أنتم قائلون؟ قالوا : نقول : قد بلّغتَ وجهدتَ ونصحتَ وجزاك اللّه خيرا ، قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقّ ، وأنّ ناره حقّ ، والبعث بعد الموت حقّ ؟ ! قالوا : اللّهمّ [ نَشهدُ ، قال : اللّهمّ ]أشهد . ثمّ قال : أيّها الناس ، ألا تسمعون ؟ ألا فإنّ اللّه مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم ، ألا ومن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه . وأخذ بيد عليٍّ فرفعها حتّى نظر (4) القوم ، ثمّ قال : اللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه (5) .
ونقل الإمام أبو إسحاق الثعلبيّ ( ره ) في تفسيره 6 : أنّ سفيان بن
.
ص: 243
عيينة (1) سُئل عن قول اللّه عزّوجلّ : «سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» (2) فيمن نزلت؟ فقال للسائل : لقد سألتني عن مسألةٍ ما سألني عنها أحد قبلك ، حدّثني أبي ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا كان بغدير خمٍّ نادى الناس فاجتمعوا ، فأخذ بيد عليّ وقال (3) : من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه . فشاع ذلك في أقطار البلاد ، وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ناقته ، فأناخ راحلته (4) ونزل عنها ، وقال : يا محمّد ، أمرتنا عن اللّه عزّوجلّ أن نشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه وأ نّك رسول اللّه فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصلّي خمسا فقبلناه [ منك وامرتنا
.
ص: 244
بالزكاه فقبلنا ] (1) ،وأمرتنا أن نصوم رمضان فقبلناه، وأمرتنا بالحجّ فقبلناه، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك تفضّله علينا فقلت: «من كُنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» ، فهذا شيءٌ منك أم من اللّه عزّوجلّ ؟ ! فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : والّذي (2) لا إله إلاّ هو إنّ هذا من اللّه عزّوجلّ ، فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللّهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّا فأمطر علينا حجارةً من السماء،أو أئتنا بعذابٍ أليم،فما وصل إلى راحلته حتّى رماه اللّه عزّوجلّ بحجرٍ (3) سقط على هامته فخرج من دبره فقتله . فأنزل اللّه عزّوجلّ «سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَ_فِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ ذِى الْمَعَارِجِ» (4) .
وعن عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه قال :عمّمني رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم غدير خمٍّ بعمامة فسدل (5) طرفها (6) على منكبي وقال (7) : إنّ اللّه تعالى أمدّني يوم بدرٍ وحنين بملائكةٍ معتمّين (8) هذه العمّة 9 .
.
ص: 245
وروى الإمام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمّى ب «أسباب النزول» يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري ( رض ) (1) قال : نزلت هذه الآية «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» 2 يوم غدير خمٍّ في عليّ بن أبي طالب. وقوله: «بغدير خُمّ هو
.
ص: 246
بضمّ الخاء المعجمة وتشديد الميم مع التنوين اسم ل « غيظة» على ثلاثة أميالٍ من الجحفة ، عندها غدير مشهور يضاف إلى الغيظة ، فيقال : غدير خُمٍّ ، هكذا ذكره الشيخ محيي الدين النووي (1) .
تنبيه على معاني الكلمات في هذا الفصل :منها قوله صلى الله عليه و آله : «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» (2) قال العلماء : لفظة «المولى» مستعملة بإزاء معانٍ متعدّدة ، وقد ورد القرآن العظيم بها . فتارةً تكون بمعنى أولى ، قال اللّه تعالى في حقّ المنافقين : «مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِىَ مَوْلَاكُمْ» (3) معناه : أولى بكم .
.
ص: 247
وتارةً بمعنى الناصر ، قال اللّه تعالى : «ذَ لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ أَنَّ الْكَ_فِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ» (1) معناه : أنّ اللّه ناصر الّذين آمنوا وأنّ الكافرين لا ناصر لهم . وتارةً بمعنى الوارث ، قال تعالى : «وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَ لِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَ لِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ» (2) معناه : وارثا . وتارةً بمعنى العصبة ، قال اللّه تعالى : «وَ إِنِّى خِفْتُ الْمَوَ لِىَ مِن وَرَآءِى» (3) معناه : عصبتي . وتارةً بمعنى الصديق ، قال اللّه تعالى : «يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْ_ئا» (4) معناه : حميم عن حميم ، وصديق عن صديق . وتارةً بمعنى السيّد والمعتق ، وهو ظاهر . وإن (5) كانت واردةً لهذه المعاني فيكون معنى الحديث : من كنت ناصره أو حميمه أو صديقه فإنّ عليّا يكون كذلك 6 .
.
ص: 248
ومنها قوله صلى الله عليه و سلم : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير أ نّه لا نبيّ بعدي» 1 فلابدّ أوّلاً من كشف سرّ المنزلة الّتي لهارون من موسى .
.
ص: 249
وذلك أنّ القرآن المجيد _ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه _ نطق بأنّ موسى عليه السلام سأل ربّه عزّوجّل فقال : « وَ اجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى *
.
ص: 250
هَ_رُونَ أَخِى * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى * وَ أَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى » (1) ، وأنّ اللّه عزّوجلّ أجابه إلى مسؤوله وأجناه من شجرة دعائه ثمرة سؤله ، فقال عزّ من قائل : «قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَ_مُوسَى » (2) وقال عزّوجلّ : «وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَ_بَ وَ جَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَ_رُونَ وَزِيرًا» (3) ، وقال تعالى : «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ» (4) ، فظهر أنّ منزلة هارون من موسى منزلة الوزير ، والوزير مشتقّ من إحدى معانٍ ثلاثة : أحدها : من الوِزرْ _ بكسر الواو وتسكين الزاي _ وهو الثقل ، فكونه وزيرا له يحمل عنه أثقاله ويخفّفها . ثانيها : من الوَزَر _ بفتح الواو والزاي _ وهو المرجع والملجأ ، ومنه قوله تعالى : «كَلاَّ لاَ وَزَرَ» (5) . فكان (6) الوزير المرجوع إلى رأيه ومعرفته، والملجأ (7) إلى الاستعانة به. والمعنى الثالث : من الأزْرِ وهو الظهر ، قال تعالى : « اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى » فيحصل بالوزير قوّة الأمر واشتداد الظهر ، كما يقوى البدن ويشتدّ به ، وكانت منزلة هارون من موسى أ نّه يشدّ أزْره ويعاضده ويحمل عنه أثقاله ، أي : أثقال بني إسرائيل بقدر استطاعته 8 .
.
ص: 251
فتلخّص : أنّ منزلة هارون من موسى صلوات اللّه عليهما أ نّه كان أخاه ووزيره
.
ص: 252
وعضده في النبوّة ، وخليفته على قومه عند سفره ، وقد جعل رسول اللّه صلى الله عليه و سلم عليّا منه بهذه المنزلة ، إلاّ النبوّة فإنّه صلى الله عليه و سلم استثناها بقوله : «غير أ نّه لا نبيّ بعدي» . فعليٌّ أخوه ووزيره وعضده ، وخليفته على أهله عند سفره إلى تبوك . ومنها : الاُخوّة ، وحقيقتها بين الشخصين ، كونهما مخلوقَين من أصلٍ واحد ، وهذه الحقيقة منتفية هاهنا ، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أبوه (1) عبداللّه واُمّه آمنة ، وعليّ أبوه أبو طالب واُمّه فاطمة بنت أسد ، فتعيّن صرف حقيقة الاُخوّة إلى لوازمها، ومن لوازمها : المناصرة والمعاضدة والإشفاق وتحمّل المشاقّ والمحبّةُّ والمودّة ، فمعنى قوله : «أنت أخي في الدنيا والآخرة» أ نّي ناصرك وعضدك ومشفقٌ عليك ومعتزٌّ بك (2) ، وقد أشار صلى الله عليه و سلم إلى كون المناصرة من لوازم الاُخوّة بقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح : «انصُر أخاك ظالما أو مظلوما ، فقال السامع : أنصره مظلوما ، فكيف أنصره ظالما ؟ فقال : تمنعه من الظلم فذلك نصرك إيّاه» (3) فجعل النبيّ صلى الله عليه و آله النصرة من لوازم الاُخوّة .
.
ص: 253
. .
ص: 254
. .
ص: 255
. .
ص: 256
. .
ص: 257
. .
ص: 258
. .
ص: 259
. .
ص: 260
. .
ص: 261
. .
ص: 262
. .
ص: 263
. .
ص: 264
. .
ص: 265
. .
ص: 266
. .
ص: 267
. .
ص: 268
. .
ص: 269
. .
ص: 270
. .
ص: 271
. .
ص: 272
. .
ص: 273
. .
ص: 274
. .
ص: 275
. .
ص: 276
. .
ص: 277
. .
ص: 278
. .
ص: 279
. .
ص: 280
. .
ص: 281
ص: 283
وعبداللّه بن رواحة 1 . ف_لمّا ك_ان في العام القابل 2 أقبل اُولئك الستّة ومعهم ستّة آخرون ،
.
ص: 284
وهم (1) : بشير بن زيد (2) ، والبرّاء بن معرور (3) ، وعبداللّه بن أنيس (4) ، وسهل بن زيد (5) ، وعبادة بن الصامت (6) ، والهيثم (7) . فلقوا النبيّ صلى الله عليه و آله عند العقبة ، وبايعوه (8) على أنّهم لا
.
ص: 285
يُشركون باللّه شيئا ، ولا يسرقون ، ولا يزنون ، ولا يقتلون النفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحق ، ولا يأتون ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ، ولا يعصونه في معروف ، فقالوا: يا رسول اللّه ، إن تركنا من هذه الشرائع واحدةً ماذا يكون ؟ فقال النبيّ : يكون الأمر في ذلك إلى اللّه عزّوجلّ : إن شاء عفا وإن شاء عذّب . فقالوا : رضينا يا رسول اللّه فابعث معنا رجلاً من أصحابك يقرأ علينا القرآن ، ويعلّمنا شرائع الإسلام ، فبعث معهم النبي صلى الله عليه و آله مصعب بن عمير (1) بن هاشم ليقرئهم القرآن ويعلّمهم شرائع الإسلام،والناس يؤمنون الواحد بعد الواحد، والرجل بعد الرجل ، والمرأة بعد المرأة. فلمّا كان فى العام الثالث 2 _ وهي (2) البيعة الأخيرة الّتي بايعه فيها منهم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان _ بايعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أن يمنعوه ممّا يمنعون نساءهم وأبناءهم وأنفسهم ، فاختار رسول اللّه صلى الله عليه و آله منهم اثني عشر نقيبا ، وانصرفوا إلى المدينة ، فصار كلّما اشتدّ البلاء على المؤمنين بمكّة يستأذنون رسول اللّه صلى الله عليه و آله في
.
ص: 286
الهجرة إلى المدينة فيأذن لهم ، فيخرجون أرسالاً متسلّلين أوّلهم فيما قيل : أبو سلمة بن عبدالأسد المخزومي (1) ، وقيل : أوّلهم مصعب بن عمير (2) ، فعند قدومهم المدينة على الأنصار أكرموهم وأنزلوهم في دورهم ، وآووهم ونصروهم وواسوهم . فلمّا علم المشركون بذلك وأ نّه صار للمسلمين دار هجرة وأنّ أكثر من أسلم قد هاجر إليها شقّ عليهم ذلك ، فاجتمع رؤساء قريش بدار الندوة 3 وكانت موضع
.
ص: 287
مشورتهم لينظروا ما يصنعوا بالنبيّ ، وكانوا عشرة (1) ، وهم : شيبة (2) وعتبة (3) ابنا ربيعة ، ونبيه (4) ومنبّه (5) ابنا الحجّاج ، واُبيّ (6) واُمية 7 ابنا خلف ، وأبو جهل ابن هشام 8 ، ونضر 9 بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط 10 ، فهؤلاء العشرة 11 اجتمعوا للمشورة . فجاءهم إبليس في صورة الشيخ النجدي عليه جبّة صوف وبرنس أخضر ، وفي يده عكاز يتوكّأ عليه ، فقال لهم : قد بلغني اجتماعكم لمشورتكم فأحببت أن أحضركم فما تعدمون منّي رأيا حسنا ، فأدخلوه معهم . وأوّل 12 من تكلّم عتبة بن ربيعة 13 ، فقال : الرأي أن تحبسوا محمّدا في بيتٍ
.
ص: 288
مغلق ، ليس لها غير طاقة واحدة (1) ، يدخل منها طعامه وشرابه ، وتربّصون (2) به ريب المنون . فقال الشيخ النجدي : ليس هذا برأي (3) ، فإنّ له عشيرة ، فتحملهم الحميّة على أن لا يمكّنوا من ذلك فتتقاتَلوا ، فقالوا : صدق الشيخ . فقال شيبة بن ربيعة : الرأي أن تركبوا محمّدا جملاً شرودا قد شددتموه بالافشاع (4) عليه ، وتطلقوه نحو البادية ، فيقع على أعراب جفاة ، فيكدر عليهم بما يقول ، فيكون هلاكه على يد غيركم ، فتستريحون منه . فقال الشيخ النجدي : بئس الرأي ، تعمدون إلى رجل قد أفسد سفهاءكم وجهّالكم فتخرجوه إلى غيركم فيفسدهم ويستعذبهم (5) بعذوبة لفظه وطلاقة لسانه ؟ ! لئن فعلتم ليجمعنّ الناس عليكم جمعا ، ويقاتلكم بهم ، ويخرجكم من دياركم ، فقالوا : صدق الشيخ . فقال أبو جهل : لاشيرنّ عليكم برأي لا رأي غيره ، وهو أن تأخذوا من كلّ بطن من قريش غلاما وسطا ، وتدفعوا إلى كلّ غلامٍ سيفا ، فيضربوا محمّدا ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه يفرّق دمه في قبائل قريش كلّها فلا يقدر بنو هاشم على حرب قريش كلّها ، فيرضون بالعقل فيعطوهم عقله ، وتخلصوا منه . فقال الشيخ النجدي : هذا هو الرأي وقد صدق فيما قال وأشار به ، وهو أجود آرائكم ، فلا تعدلوا عنه ، فتفرقّوا على رأي أبي جهل ، مجتمعين على قتل النبيّ صلى الله عليه و آله . فأتى جبرئيل عليه السلام إلى النبىّ صلى الله عليه و آله وأخبره بذلك ، وأمره ان [ لا ] يبيت في موضعه الّذي كان ينام فيه ، وأذن اللّه تعالى في الهجرة ، فعند ذلك أخبر عليّا باُمورهم ، وأمره
.
ص: 289
أن ينام عوضه في (1) مضجعه على (2) فراشه الّذي كان ينام فيه ، وقال له : لن يصل إليك منهم أمرٌ تكرهه 3 ، ووصّاه بحفظ ذمتّه وأداء أمانته ، ظاهرا على أعين الناس ، وكانت قريش تدعو النبيّ صلى الله عليه و آله في الجاهلية بالأمين . وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم : فاطمة بنت النبي (3) صلى الله عليه و آله ، وفاطمة بنت أسد (4) اُمّ عليّ كرّم اللّه وجهه ، وفاطمة بنت الزبير بن عبدالمطّلب (5) ، ولم يهاجر معه من بني هاشم
.
ص: 290
ومن ضعفاء المؤمنين [ أحد ]وقال لعليّ : إذا أبرمت ما أمرتك به كن على أهبّة الهجرة 1
.
ص: 291
إلى اللّه ورسوله ، وسر لقدوم كتابي عليك (1) . ثمّ خرج عنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال له : إذا جاءك أبو بكر فوجّهه خلفي نحو بئر اُمّ ميمون وكان ذلك في فحمة العشاء ، والرصد من قريش قد أطافوا بالدار ينتظرون أن ينتصف الليل وينام الناس ، فأخذ النبيّ صلى الله عليه و آله قبضة من تراب وقرأ عليها (2) . وحثاها في وجوههم ، فخرج فلم يروه . ونام عليّ عليه السلام على فراشه . فدخل عليه أبو بكر ( رض ) وهو يظنّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال له عليّ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج نحو بئر اُمّ ميمون (3) وهو يقول لك : أدركني فلحقه ، أبو بكر ( رض ) ومضيا جميعا يتسايران حتّى أتيا جبل ثور فدخلا الغار
.
ص: 292
واختفيا فيه وجاءت العناكب الذكور والإناث من أسفل الغار يستقبل بعضها بعضا حتّى نسجت على الغار نسج أربع سنين في ساعة واحدة ، وأقبلت حمامتان من حمام مكة حتّى سقطتا جميعا على باب الغار وباضت الاُنثى منهما من ساعتها بقدرة اللّه وحضنت على البيض. وذهب من الليل ما ذهب وعليّ ( رض ) نائم على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله والمشركون يرجمونه (1) ، فلم يضطرب ولم يكترث ، ثمّ أ نّهم تسوّروا عليه ودخلوا شاهرين سيوفهم ، فثار في وجوههم فعرفوه فقالوا : هو أنت ؟ ! أين صاحبك (2) ؟ فقال : لا أدري ، فخرجوا عنه وتركوه ، ولم يصل إليه منهم مكروه وكفاه اللّه شرّهم . قال بعض أصحاب الحديث : وأوحى اللّه تعالى إلى جبرئيل وميكائيل أن انزلا إلى عليّ عليه السلام واحرساه في هذه الليلة إلى الصباح ، فنزلا إليه وهما يقولان : بخٍ بخٍ مَن مثلك يا عليّ قد باهى اللّه تعالى بك ملائكته (3) . وأورد الإمام حجّة الإسلام أبو حامد محمّد ابن الغزالي (4) رحمه اللّه تعالى في كتاب «إحياء علوم الدين» أنّ ليلة بات عليّ بن أبي طالب على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله أوحى اللّه تعالى إلى جبرئيل وميكائيل : أنيّ آخيت بينكما ، وجعلت عُمْرَ أحدكما أطول من عُمْرَ الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختارا كلاهما
.
ص: 293
الحياة وأحبّاها ، فأوحى اللّه تعالى إليهما : أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب حين آخيت بينه وبين محمّدٍ فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه ، وكان (1) جبرئيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ينادي ويقول : بخٍّ بخٍّ مَن مثلك يا ابن أبي طالب ؟ يباهي اللّه بك الملائكة ، فأنزل (2) اللّه عزّوجلّ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوف بِالْعِبَادِ» (3) . وفي تلك الليلة أنشأ عليّ كرّم اللّه وجهه يقول 4 : وقيتُ بنفسي خيرَ من وطئ الثرى وأكرم خلقٍ طاف بالبيت والحجر وبِتُّ اُراعي منهُمُ ما يسوؤني وقد صَبَرت نفسي على القتل والأسر وباتَ رسول اللّهِ في الغار آمنا ومازال في حفظ الإله وفي السرّ (4) فهذا ممّا يشهد له بقوّة جنانه ، وثبات أركانه ، وتبريزه على نظرائه (5) وأقرانه ، من أبطال الحرب وشجعانه . ومن كلام بعضهم : واعجباه ! هذا فداه بنفسه من الكفّار ، وهذا ساواه بنفسه في الغار ، وهذا آنسه في مسيره ، وهذا بات على سريره ، وهذا أنفق ماله عليه ، وهذا بذل مهجته بين يديه ، وكلّ (6) منهما سعيه مشكور ، وفضله مشهور ، وهو على صنيعه مثاب ومأجور 8 .
.
ص: 294
قال (1) : وأصبحت (2) قريش وقد خرجوا في طلب النبيّ صلى الله عليه و آله يقصون أثره في شعاب مكّة وجبالها ، فلم يتركوا موضعا ، حتّى أ نّهم وقفوا على باب الغار الّذي فيه النبيّ صلى الله عليه و آله ، فوجدوا العنكبوت ناسجا على بابه ، ووجدوا حمامتين وحشيّتين قد نزلتا بباب الغار ، وباضتا وفرختا ، فقال لهم عتبة بن ربيعة : ما وقوفكم هاهنا ، لو دخل محمّد هذا الغار لخرق هذا النسج الّذي ترون ولطارت الحمامتان ، وجعل القوم يتكلّمون . فحزن أبو بكر وخاف ، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : يا أبا بكر ، نحن اثنان واللّه ثالثنا ، فما ظنّك باثنين اللّه ثالثهما ؟ لاتحزن إنّ اللّه معنا ، وسيُقتل عامّة من ترى ببدر
.
ص: 295
إن شاء اللّه تعالى (1) . فضرب اللّه على وجوه القوم فانصرفوا . نقل المسعودي _ في شرحه لمقامات الحريري (2) عند ذكره طوق الحمامة في المقامة الأربعين _ عن أبي مصعب المكي قال : أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة رضي اللّه عنهم ، فسمعتهم يتحدّثون في أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليلة الغار ، فقالوا : بعد أن دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله الغار ] و ] معه أبو بكر أمر اللّه سبحانه وتعالى شجرةً فَنَبَتَتْ على فم الغار قبالة وجه النبيّ صلى الله عليه و آله ، وأمر حمامتين وحشيّتين فنزلتا بباب الغار ، وأقبل فتيان قريش من كلّ بطنٍ رجل بعِصيّهم وبهراواهم (3) وسيوفهم على عواتقهم ، حتّى إذا كانوا قريبا من الغار ونظروا إلى الحمامتين بباب الغار فرجعوا ، وقالوا : لا ننظر بالغار غير حمامتين وحشيّتين ، ولو كان به أحد لطارتا ، فسمت (4) النبيّ صلى الله عليه و سلم حينئذٍ على الحمَام ، وفرض جزاءهنّ في قتلهنّ في الحرم ، فكنّ في الحرم آمنات . قوله : «سمت على الحمَام» يعني : قال لهنّ : بارك اللّه عليكنّ ، يقال : سمت له أي إذا دعا له بالبركة (5) ، انتهى . وما أحسن قول الفيّومي (6) في تخميسه للبردة : هذا الحمَام بباب الغار قد نزلا والعنكبوت حكت من نسجها حللا فالصاحبان هنا يا قوم ما دخلا ظنّوا الحمام وظنّوا العنكبوت علا خير البريّة لم تنسج ولم تحم
.
ص: 296
قال : وأقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاثة أيّام بلياليها في الغار ، وقريش يطلبونه فلا يقدرون عليه ، ولا يدرون أين هو ؟ وأسماء بنت أبي بكر تأتيهما ليلاً بطعامها وشرابهما . قال : فلمّا كان بعد الثلاثة الأيام أمرها النبيّ صلى الله عليه و آله [ أن تذهب ] إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال لها : أخبريه بموضعنا ، وقولي له يستأجر لنا دليلاً ، ويأتينا معه بثلاثة من الإبل بعد مضيّ من الليلة الآتية . قال : فجاءت أسماء إلى عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه فأخبرته بذلك ، فأستأجر لهما عليّ رضى الله عنه عند ذلك رجلاً يقال له : الاُريقط بن عبداللّه الليثي ، وأرسل معه بثلاثٍ من الإبل ، فجاء بهنّ إلى أسفل الجبل ليلاً [ بعد ما مضى من الليلة الآتية (1) قليلاً ] . قال : وسمع النبيّ صلى الله عليه و آله برغاء الإبل ، فنزل من الغار هو وأبو بكر إليه فعرفاه ، فعرض عليه النبيّ صلى الله عليه و سلم الإسلام ، فقيل : أسلم . وقيل : إنّه لم يسلم ، وجعل يشدّ على الإبل أرحالها (2) وهو يرتجز ويقول : شدّا العرى على المطيّ وأخرما (3) وودّعا غاركما والحرما وشمّرا هديتما وسلّما للّه هذا الأمر حقّا فاعلما سينصر اللّه النبيّ المسلما قال : وركب النبيّ صلى الله عليه و سلم وركب أبو بكر وركب الدليل وساروا ، فأخذ بهم الدليل أسفل مكّة ، ومضى بهما على طريق الساحل ، فاتصل الخبر بأبي جهل [ في ] ثاني يوم ، فنادى في أهل مكّة فجمعهم ، وقال : إنّه بلغني أنّ محمّدا قد مضى نحو يثرب على طريق الساحل ومعه رجلان آخران ، فأيّكم يأتيني بخبره ؟ قال :
.
ص: 297
فوثب سراقة بن مالك بن جعثم المدلجي أحد بني كنانة فقال : أنا لمحمّد يا أبا الحكم . ثمّ إنّه ركب راحلته واستجنب فرسه ، وأخذ معه عبدا له أسود ، كان من الشجعان الموصوفين المشهورين ، فسار[ ا ] في أثر النبيّ صلى الله عليه و سلم سيرا عنيفا نحو الساحل فلحقا به . قال : فالتفت أبو بكر فنظر إلى سراقة بن مالك مقبلاً ، فقال : يا رسول اللّه قد دُهِينَا ، هذا سراقة بن مالك قد أقبل في طلبنا ومعه غلامه الأسود المشهور فلان ، فلمّا أبصرهم سراقة نزل عن راحلته وركب فرسه ، وتناول رمحه ، وأقبل نحوهم ، فلمّا قرب منهم قال النبيّ صلى الله عليه و سلم : اللّهمّ أكفنا أمر سراقة بما شئت وكيف شئت وأ نّى شئت . قال : فساخت (1) قوائم فرسه في الأرض حتّى لم يقدر الفرس أن يتحرّك . قال : فلمّا نظر سراقة إلى ذلك هاله فرمى بنفسه عن الفرس إلى الأرض ورمى برمحه وقال : يا محمّد أنت آمِن أصحابك فادعُ ربّكَ أن يطلق لي جوادي ولك عليّ عهد وميثاق أن أرجع عنك ولا عليك منّي [ فزع ] فرفع النبيّ صلى الله عليه و آله يديه إلى السماء وقال : اللّهمّ إن كان صادقا فيما يقول فأطلق له جواده . قال : فأطلق اللّه تعالى قوائم فرسه حتّى وقف على الأرض صحيحا سليما ، فأخرج سراقة سهما من كنانته ودفعه إلى النبيّ صلى الله عليه و سلم وقال : يا محمّد خذ هذا السهم معك فإنّك ستمرّ بإبل لي فيها غلام لي يرعاها [ أمامك ]خذ منها ما شئت فادفع إليه السهم واستعر من أباعري بعيرا أو بعيرين ما أردت توصل به ، ولي غنم أيضا ترعى أمامك خذ منها ما شئت فاذبحه ، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : على أنك تؤمن باللّه وتشهد بشهادة الحقّ في وقتك هذا ، فقال : يا محمّد أما الآن فلا ، ولكنّي أصرف عنك الناس ، فقال النبيّ صلى الله عليه و سلم : إذا بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في مالك (2) .
.
ص: 298
قال : وانصرف سراقة راجعا إلى مكة ، وسار النبيّ صلى الله عليه و سلم يريد يثرب ، فلمّا رجع سراقة إلى مكّة اجتمع إليه أهلها وقالوا : أخبرنا ما وراءك يا سراقة ؟ فقال : ما رأيت لمحمّد أثرا ولا سمعت عنه (1) خبرا ، والإبل الّتي بلغتكم أ نّها متوجّهة نحو يثرب إبل لعبد القيس ، فقال أبو جهل : أما واللات يا سراقة، إنّ نفسي تحدّثني أ نّك رأيت محمّدا ولحقت به، ولكنّه خدعك فانخدعت، ودعاك فأجبت ، قال : فتبسّم سراقة من قول أبي جهل وقال : أما إنّك لو عاينت من فرسي هذا ما عاينت لصرفت عنّي كلامك ، ونهض عنهم قائما. ثمّ إنّه بعد ذلك أخبرهم بقصّته مع النبيّ صلى الله عليه و سلم قال : ومضى النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وأبو بكر والدليل بين أيديهما حتّى أخذ بهما أسفل عسفان ، ثمّ خرج بهما على قديد ، ثمّ على الفجاج ، ثمّ سار بهما إلى أن قربا من المدينة ، والأوس والخزرج قد بلغهم خروج النبيّ صلى الله عليه و سلم من مكة يريد يثرب . وكانوا يخرجون كلّ يوم إذا صلّوا الظهر (2) إلى ظاهر الحرّة يجلسون هناك ينتظرون قدومه صلى الله عليه و سلم فلا يزالون كذلك حتّى يبلغ منهم حرّ الشمس ، فإذا لم يروا شيئا رجعوا إلى منازلهم . قال : فوصل رسول اللّه صلى الله عليه و سلم إلى قبا يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل ، ونزل على كلثوم بن الهرم (3) أخي بني عمرو بن عوف وقال قوم : نزلوا على سعد بن خيثمة ، والصحيح أ نّه نزل على كلثوم بن الهرم ، غير أ نّه كان إذا خرج من منزل كلثوم يجلس للناس في منزل سعد بن خيثمة وراودوه الدخول إلى
.
ص: 299
المدينة فقال : ما أنا بداخلها حتّى يقدم ابن عمّي وابنتي _ يعني عليا وفاطمة رضي اللّه عنهما _ . قال أبو اليقظان : ولمّا وصل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إلى قبا حدّثنا بما أرادت به قريش من المكر ، ومن مبيت عليّ على فراشه ، وبين مؤاخاة اللّه بين جبرئيل وميكائيل ، وجعل عُمْرَ أحدهما أطول من عمر الآخر . . . الحديث المقدّم بتمامه كما ذكره صاحب الكشّاف أيضا . قال : وكتب النبيّ صلى الله عليه و آله إلى عليّ عليه السلام يأمره بالمسير إليه والمهاجرة هو ومَن معه ، وكان عليّ كرّم اللّه وجهه بعد أن توجّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله قام صارخا بالأبطح ينادي : مَن كان له قِبل محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمانة فليأت تردّ إليه أمانته وقضى حوائجه وجميع اُموره . وابتاع ركايب وأجمالاً بسبب المهاجرة ، ولم يكن ينتظر غير ورود كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا ورد عليه الكتاب خرج بالفواطم وخرج معه أيمن بن اُمّ أيمن مولى النبيّ صلى الله عليه و آله وجماعة من ضعفاء المؤمنين ومعهم [ اُمّ ] أيمن أيضا ، فأتوا النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وهو نازل بقبا على بني عمرو بن عوف لم يدخل المدينة . فلما أن جاؤوا خرج من قبا يوم الجمعة بجمع من بني سالم ومَن معه من المسلمين وهم يومئذٍ مائة رجل ، ثمّ ركب ناقته وجعل الناس يكلّمونه فى النزول عليهم ويأخذون بخطام الناقة فيقول صلى الله عليه و سلم : خلّوا سبيلها فإنّها مأمورة . فبركت عند موضع مسجد (1) رسول اللّه صلى الله عليه و سلم وهو يومئذٍ يصلّي فيه رجال من المسلمين وهو مِرْبَد (2) لسهل وسهيل غلامين من بني مالك بن النجّار اشتراه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعشرة دنانير ، وقيل : امتنعوا من بيعه وبذلوه للّه عزّوجلّ ، وهو الصحيح ، فاتخذه رسول اللّه صلى الله عليه و سلم مسجدا (3) وهو مكان مسجده اليوم . وهذا تفصيل شيء من مواقف أبي الحسن رضى الله عنه
.
ص: 300
ومواطن جهاده الّتي قام فيها بالفروض والسنن . فمنها : ما كان مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وذلك [ كانت ] على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدمه (1) إلى المدينة الشريفة وَعُمرُ عليّ ( رض ) إذ ذاك سبع وعشرة (2) ، سنة فاتفقت غزوة بدر الّتي أردت بالشرك فَقَصَمتْ مطاه وفصمت عراه ، فيومها يوم خصّه اللّه تعالى بإبدار بدره ، وبشّرت بالنصر تباشير فجره ، ونزلت فيه الملائكة المسمومة لامداد نصره ، وانقسمت جموع المشركين يومئذٍ إلى مجدول بقتله (3) ومخذول بأسره . فكان عليّ ( رض ) خائضا لجج غمراته بقلب لا ينحرف ، وقدم إقدام لا ينصرف ، يَقُطُّ بشبا (4) سيفه رقاب الهامّ قَطَّ الأقلام . فكان عدّة من قَتل عليّ كرّم اللّه وجهه من مقاتلة المشركين على ما قيل في المغازي أحدا وعشرين قتيلاً ، منهم مَن اتفق الناقلون على انفراده بقتله وهم تسعة : وليد بن عتبة بن ربيعة ، خال معاوية بن أبي سفيان قتله مبارزةً وكان شجاعا جريئا (5) فتّاكا (6) وقّاحا تهابه الأبطال ، والعاص بن سعيد بن العاص بن اُمية وكان هولاً عظيما من الرجال المعدودين ، وعامر بن عبداللّه ، ونوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش وكان من أشدّ الناس عداوةً للنبيّ صلى الله عليه و سلم ، وكانت قريش تقدّمه وتعظّمه (7) ولمّا عرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله حضوره سأل اللّه أن يكفيه أمره [ وقال صلى الله عليه و آله : اللّهمّ أكفني نوفلاً ]فقتله عليّ بن أبي طالب ( رض ) ، ومسعود بن اُمية بن المغيرة ، وأبو قيس بن
.
ص: 301
الفاكه (1) ، وعبداللّه بن المنذر بن أبي رفاعة ، والعاص بن منبّه بن الحجّاج ، وحاجب بن السائب 2 .
.
ص: 302
وأمّا الّذين شارك (1) في قتلهم غيره فهم أربعة : حنظلة بن أبي سفيان بن حرب أخو معاوية، وعبيدة بن الحارث، وزمعة (2) وعقيل ابنا (3) الأسود بن [ عبد ]المطّلب (4) . وأمّا المختلف فيهم فسبعة وهم (5) : طعيمة (6) بن عدي بن نوفل وكان من رؤوس أهل الضلال ، وعمر بن عثمان بن عمر ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العاص بن قيس ، وأوس الجمحي ، وعقبة بن أبي معيط [ صبرا ] ، ومعاوية بن عامر . فهذه عدّة من قتله عليّ كرّم اللّه وجهه يوم بدر . وأجمع أهل الغزوات على أنّ
.
ص: 303
عدّة من قُتل من مقاتلة المشركين يوم بدر سبعون رجلاً 1 . وروي عن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : لمّا أصبح الناس يوم بدر اصطفّت قريش أمامها عتبة بن ربيعة وأخاه شيبة وابنه الوليد ، فنادى عتبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله [ فقال ] : يا محمّد،أخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، فبدر إليه (1) ثلاثة من شبّان
.
ص: 304
الأنصار (1) ، فقال لهم عتبة : من أنتم ؟ فانتسبوا له ، فقال لهم : لا حاجة لنا (2) إلى (3) مبارزتكم ، إنّما طلبنا بني عمّنا ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله للأنصار : ارجعوا إلى مواقفكم ، ثمّ قال : قم يا عليّ ، قم يا حمزة ، قم يا عبيدة ، قاتلوا على حقّكم الّذي بُعث به نبيّكم . إذ جاؤوا بباطلهم ليطفئوا نور اللّه ، فقاموا فصفّوا [ للقوم ]في وجوههم وكان على رؤوسهم (4) البيض ، فلم يعرفوهم . فقال لهم عتبة : يا هؤلاء تكلّموا ، فإن كنتم أكفاءنا قاتلناكم ، فقال حمزة : أنا حمزة بن عبدالمطّلب أسد اللّه وأسد رسوله ، فقال عتبة : كفوّ كريم . وقال عليّ : أنا عليّ بن أبي طالب [ بن عبدالمطّلب ] وقال عبيدة : أنا عبيدة بن الحارث بن عبدالمطّلب ، فقال عتبة لابنه الوليد : قم يا وليد ، ابرز لعلي [ فبرز إليه ] وكانا إذ ذاك أصغر الجماعة سنّا ، فاختلفا بضربتين (5) ، أخطأت ضربة الوليد ووقعت ضربة عليّ [ على ] اليد (6) اليسرى من الوليد فأبانتها ، ثمّ ثنّى عليه باُخرى فجدله صريعا (7) . وروي عن عليّ عليه السلام أ نّه كان إذا ذكر (8) بدرا وقتله الوليد قال في حديثه : كأ نّي أنظر إلى وميض خاتمه في شماله ، عندما اُبينت يده منه وبها أثر من خَلوق فعلمت
.
ص: 305
أنّه قريب عهدٍ بعرس (1) . ثمّ بارز (2) عتبة حمزة فقتله حمزة ، وبارز (3) عبيدة شيبة وكانا من أسنّ القوم، فاختلفا بضربتين فأصاب ذبال (4) سيف شيبة عضلة ساق عبيدة فقطعتها ، فاستنقذه عليّ وحمزة منه وقتلا شيبة ، فحُمل عبيدة [ من مكانه ]فمات بالصفراء رحمه اللّه تعالى . ومنها : غزوه اُحد 5 في شوّال سنة ثلاث من الهجرة ، وتلخيص القول في هذه
.
ص: 306
القصّة : أنّ أشراف قريش لمّا كُسِروا يوم بدر وقُتِلَ بعضهم واُسِرَ بعضهم دخل الحزن على أهل مكة بقتل رؤسائهم وأشرافهم ، فتجمّعوا وبذلوا أموالاً ، واستمالوا جمعا من الأحابيش من كنانةَ وغيرهم ليقصدوا النبيّ صلى الله عليه و آله بالمدينة لاستيصال المسلمين ، وتولّى ذلك أبو سفيان بن حرب فجنّد الجنود وحشّد وقصد المدينة ، فخرج
.
ص: 307
النبيّ صلى الله عليه و آله بالمسلمين فاتفق (1) النفاق بين جماعة من الّذين خرجوا مع النبيّ صلى الله عليه و آله ، فرجع قريب من ثلثهم (2) ، وبقى مع النبيّ صلى الله عليه و آله سبعمائة (3) من المسلمين . وهذه القصّة ذكرها اللّه تعالى في سورة آل عمران في قوله تعالى : « وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَ_عِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » 4 إلى آخر ستين آية ، واشتدّت الحرب ودار[ ت ] رحاها واضطرب المسلمون ، واستشهد حمزة وجماعة من المسلمين وقُتل من مقاتلة المسلمين ، اثنان وعشرون قتيلاً . ونقل أصحاب المغازي 5 أنّ عليا قتل منهم سبعة هم : طلحة بن
.
ص: 308
أبي طلحة بن عبدالعزّى ، وعبداللّه بن جميل من بني عبدالدار ، وأبو الحكم بن الأخنس ، وسباغ بن عبدالعزّى ، وأبو اُمية بن المغيرة ، هؤلاء الخمسة متفق على أنّ عليا قتلهم . وأبو سعد طلحة بن طليحة ، وغلام (1) حبشي مولى لبني عبدالدار مختلف فيهما . وعاد أبو سفيان ومن معه من المشركين طالبين مكة 2 .
.
ص: 309
ودخل (1) النبيّ صلى الله عليه و آله المدينة فدفع سيفه ذا الفقار (2) إلى فاطمة رضي اللّه عنها فقال : اغسلي عن هذا دمه يا بنية ، فواللّه لقد صدقني اليوم . وناولها عليّ ( رض ) [ سيفه ] (3) وقال لها مثل ذلك (4) . وروى محمّد بن إسحاق أنّ عليا ( رض ) لمّا فرغ من القتال ناول سيفه فاطمة وأنشد يقول (5) : أفاطم هاكِ السيف غيرَ ذَميم فلستُ برعديدٍ ولا بمُليم (6) لَعَمري لقد أعذَرْتُ في نصر أحمدٍ وطاعة ربٍّ بالعباد عليم (7) وقال ابن إسحاق : [ و ] في هذا اليوم هاجت ريح فسمع هاتفا يقول 8 : لا سيف إلاّ ذوالفقار ولا فتى إلاّ عليّ فإذا ندبتم (8) هالكا فابكوا الولي ابن الولي وأنشد الخطيب ضياء الدين أخطب خوارزم الموفق بن أحمد الخوارزمي ، ثمّ المكّي رحمة اللّه تعالى عليه 10 : أسد الإله وسيفه وقناته كالظفر يوم صياله والناب جاء النداء من الإله وسيفه بدم الكماة يسح في تسكاب لا سيف إلاّ ذوالفقار ولا فتى إلاّ عليّ هازم الأحزاب فكان السيف لمنبه بن الحجّاج السهمي ، كان مع ابنه العاص بن منية يوم بدر ، فقتله عليّ ( رض ) وجاء بالسيف إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأعطاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا بعد ذلك فقاتل به دونه يوم اُحد . ويروى أنّ بلقيس أهدت إلى سليمان عليه السلام سبعة أسياف كان ذوالفقار منها ، وقد جاء في بعض الروايات عن عليّ بن أبي طالب ( رض ) أ نّه قال : جاء جبرئيل إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال له : إنّ صنما باليمن مفغر في الحديد فابعث إليه فادققه وخذ حديده (9) . وقال عليّ ( رض ) : فدعاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبعثني إليه فذهبت ودققت الصنم وأخذت الحديد فجئت به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله واستضرب (10) منه سيفين ، فسمّى أحدهما ذوالفقار ، والآخر مخذما ، فتقلّد رسول اللّه ذوالفقار وأعطاني مخذما ، ثمّ أعطاني بعد ذلك ذوالفقار فرآني وأنا اُقاتل به دونه يوم اُحد فقال : لا سيف إلاّ ذوالفقار ولا فتى إلاّ عليّ (11) قال الواقدي في المغازي 14 :
.
ص: 310
إنّه لمّا سافر (1) الناس يوم اُحد ما زال النبيّ صلى الله عليه و آله شبرا واحدا ، بل مرّة يرمي عن قوسه ، ومرّة يضرب بسيفه ، ومرّة يرمي بالحجارة (2) . وصبر معه أربعة عشر رجلاً ، سبعة من المهاجرين ، وسبعة من الأنصار . أبو بكر ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعليّ بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيداللّه ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، والزبير بن العوّام ، فهولاء من المهاجرين . ومن الأنصار : الحباب بن المنذر ، وأبو دجانة ، وعاصم بن ثابت ، والحارث بن الصمت ، وسهل بن حنيف ، واُسيد (3) بن حضير (4) ، وسعد (5) بن
.
ص: 311
معاذ (1) . ويقال : ثبت ابن سعد بن عبادة ، ومحمّد بن مسلمة . وبايعه يومئذٍ ثمانية على الموت ، ثلاثة من المهاجرين ، وخمسة من الأنصار : الزبير ، وطلحة ، وأبو دجانة ، والحارث بن الصمت ، وحباب بن المنذر ، وعاصم بن ثابت ، وسهل بن حنيف ، ولم يقتل منهم أحد ، واُصيبت (2) يومئذٍ عين قتادة بن النعمان حتّى وقعت على خدّه قال : فجئت إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وقلت : يا رسول اللّه ! إنّ تحتي امرأة شابّة جميلة اُحبّها وتحبّني وأنا أخشى أن تقذر مكان عيني . قال : فأخذها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فردّها فأبصرتُ بها ، وعادت أحسن ممّا كانت . لم تؤلمني ساعة من الليل أو نهار ، وكان يقول بعد ما أن أسنّ هي أقوى عينيَّ وأحسنهما (3) . وعن ابن عباس ( رض ) قال : خرج طلحة بن أبي طلحة يوم اُحد وكان (4) صاحب لواء المشركين فقال : يا أصحاب محمّد! تزعمون أنّ اللّه يعجّلنا بأسيافكم إلى النار ، ويعجّلكم بأسيافنا إلى الجنة فأيّكم يبرز إليَّ ؟ فبرز إليه عليّ بن أبي طالب وقال له : واللّه لا اُفارقك حتّى اُعجلك بسيفي إلى النار ، فاختلفا بضربتين فضربه عليّ على رجله فقطعها وسقط إلى الأرض ، فأراد عليّ أن يجهز عليه فقال : اُنشدك اللّه والرحم يابن عمّ ، فانصرف عنه إلى موقفه ، فقال المسلمون : هلا أجهزت عليه ، فقال : أنشدني (5) اللّه ولن يعيش ، فمات من ساعته . وبُشّرَ النبيّ صلى الله عليه و آله بذلك ، فَسُرَّ وسُرَّ المسلمون [ ثمّ قال : ] قال [ محمّد ] بن إسحاق : كان الفتح يوم اُحد بصبر (6) عليّ عليه السلام وعنائه وثباته وحسن بلائه 7 .
.
ص: 312
وفي ذلك يقول الحَجّاج بن عِلاط السُلَمي شعرا (1) : [ جادت يداك له بعاجل طعنة تركت طليحة للجبين مجدّلاً ] للّه أيّ مُذبِّبٍ عن حزبه (2) أعني ابن فاطمة المُعمّ المُخوّلا (3) وشددت شدّة باسل فكشفتهم (4) بالسفح إذ يهوون (5) أسفل أسفلا (6) وعللتَ سيفك بالدماء ولم تكن (7) لتردّه حرّان (8) حتّى ينهلا وروى الحافظ محمّد بن عبدالعزيز الجنابذي في كتاب معالم العترة النبوية (9) مرفوعا إلى قيس بن سعد عن أبيه انه سمع عليا يقول:أصابتني يوم اُحد ست عشرة ضربة ، سقطت إلى الأرض في أربع منهنّ (10) فجاء (11) رجل حسن الوجه طيّب الريح فأخذ بضبعي فأقامني ، ثمّ قال : أقبِل عليهم فإنّك في طاعة اللّه ورسوله وهما عنك راضيان، قال عليّ: فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخبرته فقال: يا عليّ أقرّ اللّه عينيك (12) ذاك جبرئيل (13) . ومنها : غزوة الخندق 14 ، وهي أنّ قوما تجمّعت وقائدهم أبو سفيان بن
.
ص: 314
بدر (1) ، واتفقوا مع بني النضير من اليهود على قصد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحصار المدينة ، أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حراسة المدينة بحفر (2) خندق عليها ، وعمل صلى الله عليه و آله فيه بنفسه الشريفة (3) فاحكمه في أيام ، وكان في حفر الخندق آيات من معجزات رسول اللّه صلى الله عليه و آله شاهدها المسلمون نذكرها ليزداد من وقف عليها ، إيمانا باللّه [ تعالى ]وتصديقا لرسوله صلى الله عليه و آله . منها : ما رواه [ سعد بن معاذ ] ابن مساءة أنّ ابنة بشير (4) بن سعد هي (5) اُخت النعمان بن بشير قالت : دعتني اُمّي [ عَمْرَة ] بنت رواحة فاعطتني حفنة من تمر في ثوبي ثمّ قالت : اذهبي إلى أبيك وخالك عبداللّه بن رواحة بغدائهما ، قالت : فأخذتها وانطلقت بها فمررت برسول اللّه صلى الله عليه و آله وأنا ألتمس أبي وخالي فقال [ لي ] : تعالي يا بنية ما هذا معك ؟ قالت : قلت (6) : يا رسول اللّه صلى اللّه عليك وآلك قليل من التمر بعثتني به اُمّي إلى بشير بن سعيد (7) وخالي عبداللّه بن رواحة يتغديان به ، قال صلى الله عليه و آله : هاتيه فصببته في كفّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأملأها (8) ثمّ أمر صلى الله عليه و آله بثوب فبسطه (9) ثمّ دحى بالتمر عليه وغطّاه بثوبٍ آخر وقال لإنسان عنده : اصرخ في أهل الخندق أن هلمّوا (10) إلى الغداء ، فاجتمع أهل الخندق عليه ، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتّى صدر أهل الخندق عنه وأنه يسقط من أطراف الثوب (11) .
.
ص: 315
ومنها : ما رواه جابر بن عبداللّه الأنصاري رضى الله عنه قال : اشتدّت عليهم في الخندق كوديه عجز (1) حافروها عنها فشكوها إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فدعا بإناء فيه ماء فتفل فيه ثمّ دعا بما شاء اللّه تعالى أن يدعو به ثمّ نضح الماء على تلك الكوديه فقال من حضرها [ من المسلمين ] ، والّذي بعث محمّدا بالحقّ نبيا لقد انهالت حتّى عادت كالرمل لا يرد فأسا ولا مسحاة (2) . ومنها : ما رواه جابر أيضا قال : كان عملنا مع رسول اللّه في الخندق وكانت عندي شويهة قال : فقلت : لو صنعناها (3) لرسول اللّه صلى الله عليه و آله . قال : فأمرت امرأتي فطحنت لنا شيئا من شعير فصنعت لنا خبزا وذبحت تلك الشويهة (4) وصفعتها لرسول اللّه صلى الله عليه و آله . قال : وأمسينا وذلك أنا كنّا نعمل في الخندق نهارا فإذا أمسينا رجعنا إلى أهلنا فقلت : يا رسول اللّه إنّي قد صنعت لك شويهة كانت عندنا وصنعنا معها شيئا من خبز هذا الشعير واُحبّ أن تنصرف معي إلى منزلي وإنّما أردت ان ينصرف معي (5) رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحده . قال : فلمّا أن قلت له ذلك أمر صارخا فصرخ أن انصرفوا [ بأجمعكم ] مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى بيت جابر بن عبداللّه . قال : قلت : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون . قال : فأقبل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأقبل الناس معه ، فجلس وأخرجنا ذلك إليه فبرك صلى الله عليه و آله عليه وسمّى اللّه تعالى وأكل ، وتواردها الناس كلّما فرغ قوم جاء قوم غيرهم حتّى صدر أهل الخندق بأسرهم وفضل الطعام (6) . ولمّا فرغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من حفر الخندق أقبلت قريش بجيوشها (7) وأتباعها من
.
ص: 316
كنانة وأهل تهامة في عشرة آلاف (1) ، وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد، فنزلوا من فوق المسلمين ومن أسفلهم كما قال اللّه تعالى : « إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ» (2) فخرج (3) النبيّ صلى الله عليه و آله بالمسلمين وهم ثلاثه آلاف (4) وجعلوا الخندق بينهم، واتفق المشركون مع اليهود على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد ذكر اللّه تعالى هذه القضية (5) في سورة الأحزاب (6) ، وطمع المشركون بكفرهم ومعاقبة ( موافقة ) اليهود لهم في استيصال المسلمين . واشتدّ الأمر على المسلمين فركب فوارس من قريش (7) منهم عمرو بن عبد ودّ
.
ص: 317
وكان من مشاهيرهم وأبطالهم ، وعِكرمة بن أبي جهل (1) ، وأقبلوا تتعثّر (2) بهم خيولهم حتّى وقفوا على الخندق ثمّ قصدوا مكانا ضيّقا منه وضربوا خيولهم فاقتحمته وجالت خيولهم (3) بين الخندق و[بين ]المسلمين (4) . فلمّا رأى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ذلك خرج ومعه نفر من المسلمين وبادروا الثغرة 5 الّتي دخلوا منها ، وأخذ عليهم المضيق الّذي دخلوا منه واقتحموه ، ووقف فيه وخرج عمرو بن عبد ودّ من بينهم ومعه ولده حنبل (5) وقد كان عمرو جعل له علامة (6) يشتهر بها وليعرف مكانه ويظهر شأنه [ على عليّ ومن معه من النفر الّذين خرجوا معه ]فقال : هل من مبارز (7) ؟ فقال عليّ عليه السلام : أنا (8) له ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله :
.
ص: 318
إنّه (1) عمرو ، فسكت ، فنادى عمرو الثانية والثالثة فقال : هل من مبارز ؟ ثمّ جعل يؤنّبهم (2) ويقول : اين [ حميّتكم ] أين جنّتكم الّتي تزعمون أنّ من قُتل دخلها ؟ أفلا يبرز إليَّ رجل منكم ، ثمّ ارتجل يقول شعرا (3) : ولقد بححت من النداء بجمع كم هل من مبارز ووقفت إذ جبن الشجاع (4) موقف القرن (5) المناجز وكذاك (6) أني لم أزل متسرّعا قبل الهزاهز (7) إنّ الشّجاعة في الفتى (8) والجود من خير الغرائز فقال عليّ عليه السلام : أنا له يا رسول اللّه ، فقال صلى الله عليه و آله : إنّه عمرو ، فقال : وإن كان عمرو ؟ !
.
ص: 319
فأذن له رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مبارزته 1 وقال له : أدنُ منّي يا عليّ ، فدنا منه ، فَنَزع عِمامتَه من رأسه صلى الله عليه و آله وعمّمه بها ، وأعطاه سيفه وقال [ له ] : امض لشأنك ، ثمّ قال : اللّهمّ [ أعنه ] (1) ، [ و ] قد خرج عليّ عليه السلام وهو يقول : لا تعجلنّ فقد أتا ك مجيب صوتك غير عاجز ذو نيّةٍ (2) وبصيرةٍ والصدق منجي كلّ فائز 4 إنّي لأرجو (3) أن اُقيم عليك نائحة الجنائز من ضربةٍ نجلاء (4) ويب قى ذكرها عند الهزائز (5) ثمّ قال له : يا عمرو إنك أخذت على نفسك عهدا أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلّتين 8 إلاّ أجبته إلى واحدةٍ منهما (6) ، قال له : أجل ، فقال له عليّ رضى الله عنه :
.
ص: 320
فإنّي أدعوك إلى اللّه تعالى ورسوله وإلى الإسلام ، فقال : أما هذه فلا حاجة لي فيها ، فقال له عليّ : فإذا كرهت هذه فإنّي أدعوك إلى النزال : قال [ له ] : ولِم يا ابن أخي فما اُحبّ أن أقتلك ولقد كان أبوك خِلاًّ لي ، فقال [ له ]عليّ : ولكنّى واللّه اُحبّ أن أقتلك . فحمى عمرو وغضب من كلامه، فاقتحم عن فرسه إلى الأرض وضرب وجهها ، ونزل عليّ رضى الله عنه عن فرسه ، وأقبل كلّ واحدٍ منهما نحو الآخر فتصاولا وتجاولا ساعةً ثمّ ضربه عليّ رضى الله عنه على عاتقه بالسيف ورمى جثّته إلى الأرض وتركه قتيلاً . ثمّ ركب عليّ رضى الله عنه على فرسه وكرّ على ابنه حنبل (1) بن عمرو فقتله ، فخرجت خيولهم منهزمة ورمى عِكرمة بن أبي جهل رمحه وفرّ منهزما مع مَن انهزم من أصحابه 2 ، فرجع عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه وهو يقول : أَعَلَيَّ تقتحم (2) الفوارسُ هكذا عنّي وعنهم (3) خبّروا (4) أصحابي اليومَ تَمْنَعُني الفِرارَ حَفيظتي ومُصَمّمٌ في الرأس ليس يناب أرْدَيْتُ عَمْرا إذ طغى بمهنّد (5) صافي الحَديد مُجرّب قَصّاب هذا ابن عبد الودّ كذب قوله وصدقت فاستمعوا إلى الكذّاب نصرَ الحجارة من سفاهة رأيه ونصرتُ دين محمّدٍ بصواب وغدوت (6) حين تركته مُتَجَدّلاً كالعير (7) بين دَكادِكٍ وروابِ وعَفَفتُ عن أثوابه لو أ نّني كُنْتُ المقطّر (8) بزّني (9) أثوابي لا تحسبنّ اللّه خاذل دينه ونبيّه يا معشر الأحزاب (10) ولمّا قُتل عمرو وولده حنبل (11) وانهزم عِكرمة ومن معه من فوارس قريش الّذين اقتحموا الخندق أرسل اللّه تعالى الريح على قريش (12) وغطفان ووقع الاختلاف والاضطراب بينهم فولّوا راجعين «وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْرًا وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَ كَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا» 14 .
.
ص: 321
وفي قتل عمرو بن عبد ودّ يقول حسّان رضى الله عنه : أمسى الفتى عمرو بن ودّ يبتغي (1) بجنوب يثرب غارةً لم تُنظر (2) ولقد وجدتَ سيوفنا مشهورةً ولقد وجدتَ جيادنا (3) لم تُقصر ولقد رأيتَ غداةَ بدرٍ عُصبةً ضربوك ضربا ليس ضرب المحسر (4) أصبحتَ لا تُدعى ليوم عظيمةٍ يا عمرو أو لجسيم أمرٍ منكر (5) وقالت اُخت (6) عمرو وقد نعي إليها أخوها عمرو : من [ ذا الّذي ] اجترأ عليه [ فقتله ] ؟ فقالوا : عليّ بن أبي طالب ، فقالت : كفؤٌ كريم ، وأنشدت تقول : أسدان في ضيق المَكرّ 7 تصاولا وكلاهما كفوٌ كريم باسل فتخالسا مُهجَ النفوس كلاهما وسط المجال مجالد ومقاتل وكلاهما حضر القراع حفيظةً لم يثنِهِ عن ذاك شُغلٌ شاغل فاذهب عليٌّ فما ظفرتَ (7) بمثله قولٌ سديدٌ ليس فيه تحامل (8) ثمّ قالت : واللّه لا ثأرت قريش بأخي ما حنّت النوق (9) . وقالت اُمّ عمرو ترثيه : لو كان قاتل عمرو غير قاتله ما زلت أبكي عليه دائم الأبد (10) لكن قاتله ما (11) لا يُعاب (12) به مَن (13) كان يُدعى أبوه بيضة البلد من هاشم في ذراها وهي صاعدة إلى السماء تميت الناس بالحسد قومٌ أبى اللّه إلاّ أن تكون لهم مكارم الدين والدنيا إلى (14) الأبد يا اُمّ كلثوم أبكيه ولا تدعي بكاء معولة حرى على ولد 16
.
ص: 322
فأسلاها وعزّاها وهوّن عليها قتل ولدها جلالة القاتل ، وافتخرت بكون ولدها مقتولاً له . ومنها : وقعة الجمل 1 ثمّ صفّين (1) الّتي كانت كلّ واحدة منهما أمر من الحنظل والدفلا ، وأقامت النوادب ، وأجرت الدموع السواكب على اُلوف من القتلى ، وألبست الأجساد أثوابا من الأحزان لا تخلق ولا تبلى ، وكم قد تركت كلّ واحدة
.
ص: 323
منهما نساءً أيمى واُخريات ثكلى . ذكر حَمَلة (1) الأخبار وأصحاب المقالات من أهل التاريخ : أنّ البيعة (2) لمّا عقدت لعليّ بن أبي طالب عليه السلام بملأ من المهاجرين والأنصار وذلك بعد أن اقامت المدينة خمسة أيام بعد قتل عثمان 3 وأميرها الغافقي ابن حرب العكي (3) مقدم المصريّين الّذين قصدوا عثمان بالمدينة ، وأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتردّدون (4) إلى عليّ عليه السلام لأجل المبايعة ويقولون له : لابدّ للناس من إمام (5) ، وهو يقول : لا حاجة لي في
.
ص: 324
أمركم مَن اخترتموه (1) رضيتُ به ، فقالوا : ما نختار غيرك و[ إنّا ] لا نعلم أحدا أحقّ بهذا (2) الأمر منك ولا أقدم سابقةً ولا أقرب قرابةً من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : فإن كان [ و ]لابدّ ففي المسجد فإنّ بيعتي [ لا ]تكون خفيةً . وكان كلامهم له ( رض ) في بيته 3 . وقيل : في حائط لبني عمرو بن مبذول (3) . فخرج إلى المسجد (4) فقام إليه الناس فبايعوه ، وكان أوّل من بايعه طلحة بن
.
ص: 325
عبيداللّه (1) فنظر إليه رجل يقال له حبيب بن ذؤيب (2) فقال : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، أوّل يد بايَعّت يد شلاّء ، لا يتمّ هذا الأمر (3) . ثمّ بايعه الزبير (4) (رض) ثمّ بقية الصحابة بعد ذلك من المهاجرين والأنصار غير نُفَيرٍ (5) يسير ، فإنّهم لم يبايعوه في ذلك الوقت لأنهم كانوا عثمانية 6 منهم : محمّد بن
.
ص: 326
مسلمة (1) ، والنعمان بن بشير (2) ، ونافع (3) بن خديج ، وفضالة بن عبيدة ، وكعب بن عجرة، وصهيب بن سنان، واُسامه بن زيد . وكانت البيعة لعلي رضى الله عنه يوم الجمعة لخمس بقين من ذيالحجّة سنة خمس وثلاثين من الهجرة (4) ، فما كان من النعمان بن بشير فإنه أخذ قميص عثمان الّذي قُتل فيه مضرّجا بالدم ، وأخذ أصابع يد زوجته نائلة (5) الّتي قُطعت حين مدّت يدها دونه ، وهرب بها إلى الشام إلى معاوية (6) . وأمّا طلحة بن عبيداللّه (7) والزبير فإنّهما هربا إلى مكة بعد المبايعة بأربعة أشهر (8) . ثمّ إنّ عليّا فرّق عمّاله على البلدان وكتب إلى بعض عمّال عثمان ليستقدمهم
.
ص: 327
عليه ، وكتب إلى معاوية بن أبي سفيان أيضا كتابا يستقدمه فيه وكانت صورة الكتاب : «من عبداللّه [ عليّ ] أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان 1 ، أمّا بعد،
.
ص: 328
فإنّه (1) ] إن ] كان عثمان ذا حقّ وقرابة [ فإني ذو حقّ وقرابة ]ألا [ و ]إنّ اللّه تعالى قلّدني أمر الناس عن مشاورة من المهاجرين والأنصار ، ألا وإنّ الناس تبع لهم فيما رأوا وعملوا وأحبّوا وكرهوا ، فالعجل عليَّ ثمّ العجل فإنّي قد بعثت إلى جميع العمّال لأعهد إليهم واُقلّدهم من ذلك ما قلّدت ، أستبرئ من (2) ذلك ديني وأمانتي ، لأ نّي لم أجد من (3) تلك بّدا فأقدم إليَّ (4) مع أشراف أصحابك عند وقوفك على كتابي هذا إن شاء اللّه تعالى» 5 .
.
ص: 329
فعند فراغة من كتابة الكتاب جاء (1) المغيرة بن شعبة (2) فقال : ما هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : كتاب كتبته إلى معاوية أستقدمه فيه واُريد أن أبعث به إليه رسولاً (3) ، فقال : يا أمير المؤمنين عندي لك نصيحة فاقبلها منّي ، قال : هات ، قال : إنّه ليس أحد يتشغّب عليك غير معاوية وفي يده الشام وهو ابن عمّ عثمان وعامله ، فابعث إليه بعهده تلزمه طاعتك ، فإذا استقرّت قدماك رأيت فيه رأيك (4) . فقال عليّ كرّم اللّه وجهه : يمنعني من ذلك قول اللّه تعالى : «وَ مَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا» (5) واللّه لا يراني اللّه مستعينا بمعاوية أبدا ولكنّي أدعوه إلى ما نحن عليه فإن أجاب
.
ص: 330
وإلاّ حاكمته إلى اللّه تعالى (1) . فخرج عنه [ المغيرة ] 2 وقال : نبيت (2) هذا اليوم [ واصبر ] إلى غدٍ آتيك إن شاء اللّه تعالى ثمّ ننظر ماذا يكون . فلمّا كان من الغد جاءه المغيرة بن شعبة وقال له : يا أمير المؤمنين ، إنّي قد جئتك بالأمس وأشرت عليك بما أشرت وخالفتني فيه ، ثمّ إنّي بتّ ليلتي هذه فرأيت أنّ الرأي ما رأيت فأرسل إلى معاوية بالكتاب الّذي كتبته فإن قدم وإلاّ فاعزله فهو أهون شوكة وأضيق عطنا وولّ من تثق به ، قال : أفعل إن شاء اللّه تعالى ، فخرج عنه المغيرة بن شعبة وهو يقول : نصحت عليّا في ابن هند نصيحة (3) فردّ فما منى له الدهر (4) ثانية وقلت (5) له أرسل إليه بعهده إلى الشام (6) حتّى يستقرّ معاوية ويعلم أهل الشام إن قد ملكته واُمّ ابن هند بعد ذلك هاوية فتحكم فيه ماتريد (7) فإنّه لداهية فارفق به أي (8) داهية فلم يقبل النصح الّذي جئته به (9) وكانت له تلك النصيحة كافية ثمّ إنّ المغيرة بن شعبة هرب إلى مكّة وكان يقول : نصحت عليّا فلمّا لم يقبل غششته 11 . وعن ابن عباس ( رض ) قال : أتيت عليّا ( رض ) بعد مبايعة الناس له فوجدت [ عنده ] : المغيرة بن شعبة مستخليا به فقلت له بعد أن خرج [ من عنده ] : ما كان يقول لك هذا ؟ فقال : قال لي قبل يومه (10) : إنّ لك حقّ الطاعة والنصيحة ، وأنت بقية الناس وإنّ الرأي اليوم يحرز ما في غدٍ وإنّ الضياع اليوم يضيع به ما في غدٍ ، واُشير عليك بشور وهو : أن تقرر معاوية ، وابن عامر ، وعمّال عثمان على عملهم حتّى تأتيك بيعتهم وتسكين الناس ، ثمّ اعزل من شئت منهم وابقِ من شئت ، فأبيت عليه (11) ذلك وقلت : لا اُداهن في ديني ولا اُعطي الدنية في أمري ، قال : فإن كنت
.
ص: 331
أبيت عليَّ فانزع من شئت واترك معاوية فإنّ لمعاوية جرأة وهو في أهل الشام يطيعونه ويسمعون منه ، وتلك حجّة في إبقائه فإنّ عمر بن الخطّاب ولاّه الشام في خلافته ، فقلت : لا واللّه لا أستعمل معاوية يومين ، فانصرف من عندي وأنا أعرف منه أ نّه يرى أ نّي مخطئ ، ثمّ عاد إليَّ الآن فقال : إنّي أشرت إليك أوّل مرّة بالّذي أشرت وخالفتني (1) فيه ثمّ رأيت بعد ذلك أن تصنع الّذي رأيت أن تعزل من تختار وتستعين بمن تثق به فقد كفى باللّه تعالى وهو أهون شوكة وأقلّ عددا . قال ابن عباس رضى الله عنه : فقلت لعليّ عليه السلام : إنّما المرّة الاُولى فقد نصحك ، وأمّا المرّة الثانية فقد غشّك 2 . قال : وكيف نصحُه لي ؟ قلت : لأنّ معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى أثبتهم وأبقيتهم على عملهم لا يبالون من ولّي هذا الأمر ، ومتى تعزلهم يقولون أخذ هذا الأمر بغير شورى (2) ، وهو قتل صاحبنا (3) ، ويؤلبون (4) عليك فينتقض عليك أهل
.
ص: 332
الشام وأهل العراق مع أ نّي لا آمن طلحة والزبير أن يكرّا (1) عليك ، وأنا اُشير عليك أيضا أن تثبت (2) معاوية فإن بايع فلك عليَّ أن اُقلعه من منزله ، فقال عليٌّ ( رض ) : لا اُعطيه إلاّ السيف (3) ، ثمّ تمثّل بقول القائل : وما ميتة إن مُتُّها غيرُ عاجِزٍ بِعارٍ إذا ما غالَتِ النفسَ غولُها (4) فقلت : يا أمير المؤمنين أنت رجل شجاع لست بصاحب رأي (5) في الحرب ، أما سمعت قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله [ يقول ] : الحرب خدعة ؟ فقال [ عليّ ] : بلى ، فقلت [ فقال ابن عباس ] : وأيم اللّه ، لئن أطعتني لأصدرنّ منهم (6) بعد الورود على ما في نفسك ، ولأتركنّهم ينظرون في أدبار الاُمور ولا يعرفون ما كان وجهها (7) في غير نقصان عليك ولا إثم لك . فقال : يابن عباس لست من هنيهاتك ولا من هُنيهات معاوية في شيء ، فقال ابن عباس ( رض ) : فقلت له : أطعني في شيء ، الحق بمالك بينبع واغلق بابك عليك فإنّ العرب تجول جولة وتضطرب فلا تجد غيرك ، ولا تنهض مع هؤلاء القوم ، فلئن نهضت معهم ليحملنّك دم عثمان [ غدا ] فأبى ذلك منّي. وقال : لك أن تشير عليَّ وأرى فإذا عصيتك فأطعني . قال : فقلت له : أفعل فإنّ أيسر ما لك عندي الطاعة (8) وإنّي باذلها لك ، فقال له عليّ ( رض ) : اُريد منك أن
.
ص: 333
تسير إلى الشام فقد ولّيتكها (1) ، فقال ابن عباس : ما هذا برأيٍ ، معاوية رجل من بني اُمية ، وهو ابن عمّ عثمان وعامله ، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان ، وأنّ أدنى ما هو صانع بي وإن أحسن إليَّ أن يحبسني ويحتكم فيَّ لقرابتي منك ، وكلّما حمل عليك حمل عليَّ ، ولكن أرسل إليه الكتاب الّذي كتبته تستقدمه (2) فيه وانظر ماذا يجيب . قال : فأرسل إليه عليٌّ [ الكتاب ] مع بشير الجهني (3) ، فلمّا قدم على معاوية بالكتاب فأخذه منه ووقف على ما فيه ولم يُجب عليه بشيء . وكلما تنجز جوابه لم يزده على قوله : أدِم إدامةَ حصن أو جِدا (4) بيدي حربا ضروسا تشبّ الجزل والضرما في جاركم وابنكم إذ كان مقتله شنعاء شيّبت (5) الأصداغ (6) واللمما (7) أعيى (8) المَسودُ بها والسيِّدون فلم يوجد لها غيرنا مولىً ولا حَكما (9) حتّى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان وفي أواخر صفر دعا معاوية برجل (10) من بني عبس ، فدفع إليه طومارا (11) مختوما على غير كتابة ليس في باطنه شيء وعنوانه : من معاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وقال للعبسي : إذا دخلت بالمدينة 12 فادخلها نهارا واعط عليا الطومار على رؤوس الناس ، فإذا فضّه وفتحه إلى آخره ولم يجد فيه شيئا فتراه يقول لك : ما الخبر ؟ فقل له كيت وكيت بكلام أسرّه إلى [ ال ]رسول . ثمّ دعا معاوية بشير الجهني رسول عليّ فجهّزه مع رسوله فخرجا جميعا فقدما المدينة في اليوم الثامن (12) من شهر ربيع الأوّل ، فرفع رسول معاوية الطومار على يده عند دخوله المدينة، وتبعه الناس ينظرون ما أجاب [ به ]معاوية،وعلموا أ نّه يتعرّض
.
ص: 334
ويتشغّب ، فدخل الرسول على عليّ بن أبي طالب وأعطاه [ الطومار ]ففضّ خاتمه وفتحه إلى آخره فلم يجد فيه كتابة فقال للرسول : ما وراءك ؟ قال : آمن أنا ؟ قال : نعم إنّ الرسول لا يُقتل ، قال : إنّي تركت ورائي قوما (1) يقولون : لا نرضى إلاّ بالقوَد . قال: ممّن؟ (2) قال: يقولون: من خيط رقبة عليّ،وتركت ستين ألف 3 شيخ يبكي تحت قميص عثمان ، وهو منصوب لهم قد ألبسوه (3) منبر مسجد دمشق ، وأصابع زوجته نائلة معلّقة فيه ، فقال عليّ عليه السلام : أمنّي يطلبون دم عثمان ؟ ! اللّهمّ إني أبرأ إليك من دم عثمان ، ما نجا واللّه قتلَة عثمان إلاّ أن يشاء اللّه ، فإنّه إذا أراد أمرا بلغه ، اُخْرُج ، قال : وأنا آمن ؟ قال : وأنت آمن ، فخرج العبسي (4) ، وأراد الناس أن يقتلوه فقالوا: ما [ ل_ ]هذا الكلب رسول الكلاب يتكلّم بمثل هذا ، ولولا أمان عليّ عليه السلام لقتلناه . ثمّ (5) أحبّ أهل المدينة بعد ذلك أن يعلموا ما رأي عليّ ( رض ) في معاوية هل يقاتله أو ينكل عنه (6) ، وقد بلغهم أنّ ابنه الحسن ( رض ) دعاه (7) إلى القعود 9 .
.
ص: 335
وترك (1) الناس فدسّوا (2) إليه زياد بن حنظلة التميمي (3) وكان منقطعا إلى عليّ عليه السلام فجلس إليه ساعة ، فقال له عليّ عليه السلام : يا زياد تيسّر (4) فقال : لأي شيء يا أمير
.
ص: 336
المؤمنين ؟ فقال : لحرب أهل الشام ، فقال زياد : الأناة (1) والرفق يا أمير المؤمنين ، امتثل يا أمير المؤمنين ، وأنشد : ومن لم يصانع في اُمورٍ كثيرةٍ يُضَرَّسْ بأنيابٍ ويوطأ بمنْسِمِ (2)
.
ص: 337
. .
ص: 338
. .
ص: 339
. .
ص: 340
. .
ص: 341
. .
ص: 342
. .
ص: 343
. .
ص: 344
. .
ص: 345
. .
ص: 346
فقال 1 عليّ بن أبي طالب عليه السلام : متى تجمع (1) القلبَ (2) الذكيّ وصارِما (3) وأنفا حَمِيّا (4) تجتنبك المظالِمُ (5)
.
ص: 347
. .
ص: 348
. .
ص: 349
. .
ص: 350
. .
ص: 351
. .
ص: 352
. .
ص: 353
. .
ص: 354
. .
ص: 355
. .
ص: 356
. .
ص: 357
. .
ص: 358
. .
ص: 359
. .
ص: 360
. .
ص: 361
. .
ص: 362
. .
ص: 363
. .
ص: 364
. .
ص: 365
. .
ص: 366
. .
ص: 367
. .
ص: 368
. .
ص: 369
فخرج زياد من عنده والناس ينظرونه فقالوا له : ما وراءك ؟ قال : السيف ، فعرفوا ما هو فاعل . ثمّ إنّ عليا رضى الله عنه تجهّز يريد الشام لقتال (1) معاوية ، فدعا محمّد ابن الحنفية (2) فأعطاه اللواء (3) ، وولّى (4) عبداللّه بن عباس ميمنة (5) ، وعمرو بن مسلمة (6) ميسرة ، ودعا (7) أبا ليلى [ بن ]عمر بن الجرّاح ابن [ أخي ] أبي عبيدة بن الجرّاح مقدمته (8) ، واستخلف على المدينة قُثَم بن العباس (9) . وكتب إلى العراق إلى قيس بن سعد 10 ،
.
ص: 370
وإلى عثمان بن حنيف (1) ، وإلى أبي موسى الأشعري (2) ، أن يندبوا الناس إلى الخروج إليه إلى قتال أهل الشام 3 ، وقال لأهل المدينة : إنّ في سلطان اللّه تعالى عصمة أمركم (3) فاعطوه طاعتكم غير ملوية (4) ولا مستكرهين لها (5) لعلّ اللّه تعالى أن يلمّ
.
ص: 371
شعثكم ، ويجمع كلمتكم ويصلح بكم ما يريد هؤلاء القوم فساده (1) .
فبينما هم كذلك على قصدهم التوجّه إلى الشام إذ أتاهم الخبر عن طلحة والزبير وعائشة أ نّهم على الخلاف (2) وأ نّهم قد سخطوا من فعله (3) وهم يريدون الخروج إلى البصرة ، وكان سبب ذلك أنّ طلحة والزبير لمّا قدما من المدينة إلى مكة وجدا عائشة فقالت لهما : ما وراءكما ؟ قالا : إنّا تحمّلنا هربا من المدينة من غوفاءِ [ و ] أعراب وفارقنا قوما (4) حيارى لا يعرفون حقّا ولا ينكرون باطلاً ولا يمنعون أنفسهم ، فقالت : انهضوا (5) إلى هذه الغوغاء . فقالوا : كيف يكون ؟ فقالت : أو نأتي الشام ؟ فقال ابن عامر (6) _ وكان قد أتى من البصرة إلى مكة بعد مقتل عثمان : لا حاجة لكم في الشام فقد كفاكم معاوية ، ولكن نأتي البصرة فإنّ لي بها صنايع ولي بها المال ولأهل البصرة في طلحة هوى وهو الأوفق بنا والأليق . فاستقام رأيهم على التوجّه إلى البصرة وأجابتهم عائشة إلى ذلك ودعوا
.
ص: 372
عبداللّه بن عمر (1) ليسير معهم فأبى وقال : أنا من أهل المدينة أفعل ما فعلوه فتركوه (2) . وأرادت حفصة اُخت عبداللّه بن عمر المسير معهم فمنعها أخوها عبداللّه بن عمر من ذلك 3 . وجهّزهم يعلى بن منية (3) بستمائة ألف درهم وستمائة
.
ص: 373
بعير (1) وكان من عمّال عثمان على اليمن قدم مكة بعد مقتل عثمان ونادى منادي عائشة : إنّ اُمّ المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن أراد إعزاز الدين وقتال المُحلّين (2) والطلب بثأر عثمان وليس له مركب وجهاز فليأت . فحملوا ستمائة على ستمائة [ بعير ] وساروا في ألف (3) من أهل المدينة [ ومكة ]ولحقهم اُناس آخرون فكانوا ثلاثة آلاف رجل (4) .
.
ص: 374
وأعطى يعلى بن منية (1) عائشة جملاً اسمه عسكر 2 اشتراه لها بمائتي دينار (2) ، وقيل : بل كان الجمل لرجل من عرينة ، قال العريني : بينما أنا أسير (3) على جمل لي إذ عرض لي والبة بن الحباب قال : أتبيع جملك ؟ قلت : نعم ، قال : بكم ؟ قلت : بألف درهم ، قال : أمجنون أنت ؟ قلت : ولِمَ وأنا واللّه ما طلبت عليه أحدا إلاّ أدركته (4) ولا طلبني أحد إلاّ فُتّه ، قالوا : لا (5) تعلم لمن نريده ، إنما نريده لاُمّ المؤمنين عائشة ، قلت : فخذه بغير ثمن ، قال : بل تذهب معنا إلى الرجل فنعطيك دراهم وناقة . قال : فرجعت فأعطوني ناقة مهرية وستمائة درهم 7 .
.
ص: 375
وبعثت اُمّ الفضل _ ابنة الحارث اُمّ عبداللّه بن العباس ( رض ) _ رجلاً من جهينة استأجرته يسمّى ظفرا (1) إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام يخبره بخروج طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة . قال : وخرجت عائشة ومن معها من مكّة ، فلمّا خرجوا منها وصاروا على مرحلة وجاء وقت الصلاة أذن مروان بن الحكم ، ثمّ جاء حتّى وقف على طلحة والزبير وابنيهما جالسين عندهما فقال لهما : على أ يّكما اُسلّم بالإمارة واُؤذن بالصلاة ؟ فقال عبداللّه بن الزبير : على أبي ، وقال محمّد بن طلحة : على أبي ، فبلغ ذلك عائشة ، فأرسلت إلى مروان وقالت : تريد أن يفترق أمرنا ليصل بالناس عبدالرحمن بن عتاب بن اُسيد ، فكان معاذ بن جبل يقول : واللّه لو ظفرنا لا قتتلنا ما كان الزبير يترك طلحة والأمر ولا كان طلحة يترك الزبير [ والأمر ] . وخرج مع عائشة اُمّهات [ المؤمنين ] مودّعات لها إلى ذات عِرق،وبكوا الإسلام، فلم يُرَ يوم كان أكثر باكيا [ وباكية ] من ذلك اليوم ، وكان يسمّى يوم النحيب 2 .
.
ص: 376
ثمّ إنّهم ساروا متوجّهين إلى نحو البصرة ، وسار عليّ ( رض ) من المدينة في معسكره على قصده الشام ، وكان ذلك في آخر شهر ربيع الآخر سنة خمس
.
ص: 377
وثلاثين ، فبينما هو في مسيره إذ أتاه رسول اُمّ الفضل (1) ( رض ) يخبره عن طلحة والزبير وعائشة بما كان منهم و[ أنهم ] خرجوا [ من ]مكة قاصدين إلى البصرة ، فلمّا بلغه ذلك دعا وجوه أهل المدينة فخطبهم وحمد اللّه وأثنى عليه وقال : إنّ آخر هذا الأمر لا يصلح إلاّ بما يصلح أوّله ، فانصروا اللّه تعالى ينصركم ويصلح أمركم (2) . ثمّ إنّ عليا ( رض ) أعرض عن قصد الشام وحثّ المسير إلى جهة البصرة رجاء أن يدرك طلحة والزبير قبل وصولهما إليها فيراهما (3) ويناجزهما ، فلمّا انتهى إلى الربذة أتاه الخبر بأ نّهم سبقوا إلى البصرة وقد نزلوا بقبابها (4) .
قال علقمة بن وقّاص الليثي (5) : رأيت طلحة في مخرجه هذا مع الزبير وعائشة بعد بيعة أهل البصرة لهم وأحبّ المجالس إليه أخلاها وهو ضارب بيده على لحيته مفكّرا فقلت له : يا أبا محمّد إنّي أرى أحبّ المجالس إليك أخلاها وإنّي لم أزل أراك ضاربا بيدك على لحيتك مفكّرا إن كرهت شيئا فاجلس . قال : فقال [ لي ] : يا علقمة بينا نحن على يدٍ واحدة على مَن سوانا [ إذ ]صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضا . يا علقمة إنّه كان منّي في عثمان شيء ليس توبتي منه إلاّ أن يسفك دمي في طلب دمه . قال : فقلت (6) ] له ] : ردّ ابنك محمّدا فإنّ لك ضياعا وعيالاً فإنّ
.
ص: 378
يك شيئا يخلفك ، قال : فكلّمه لعلّه (1) يسمع منك . قال : فأتيت ابنه محمّدا فقلت [ له ] : لو أقمت فإن حدث في أبيك (2) حدث كنت تخلفه في عياله وضياعه (3) ، قال ما اُحبّ أن أسائل عنه (4) الركبان 5 . ويروى أنّ طلحة قال في بعض هذه الأيّام : [ هذه ] الفتنة الّتي كنّا نتحدّث بها ، فقال له بعض مواليه : تسمّيها فتنة وتقاتل فيها ؟ ! فقال له : ويلك إنّا نبصر ولا تبصروا وما كان أمر قطّ إلاّ وأنا أعلم موضع قدمي فيه ، غير هذا الأمر فإني لا أعلم أنا مقبل فيه أم مدبر (5) . وحدّث شهاب بن طارق (6) قال : خرجت مستقبلاً لعليّ أيام خروجه إلى الجمل فكان
.
ص: 379
صديقا لي ، فلقيته وقد ترك الربذة فسألت ما أقدمه الربذة ، فقيل لي : خالفه طلحة والزبير وعائشة وتوجّهوا إلى البصرة وهم على وجه القتال ، فقلت في نفسي : اُقاتل حواري رسول اللّه صلى الله عليه و آله واُمّ المؤمنين ، فهذا عظيم [ أو أدع القتال مع عليّ وهو أولى بالمؤمنين أو قال: وهو أمير المؤمنين _ وابن عمّ رسول ربّ العالمين فهذا عظيم ]. قال: ثمّ أتيت عليا فسلّمت عليه وجلست إليه فأقبل بوجهه إليَّ (1) ثمّ قصّ عليَّ قصَته وقصَه القوم، فلمّا فرغ أذن بالصلاة فصلّى بنا الظهر . ثمّ انفتل فقام إليه ابنه الحسن 2 (رض)
.
ص: 380
فجلس بين يديه فبكى وقال : يا أبت أمرتك بأمرٍ فعصيتني 1 ثمّ أمرتك (1) وها أنت تقبل غدا بمصبغة (2) من الأرض ولا ناصر لك ، فقال له عليّ ( رض ) : [ هات ]ما عندك إنّك لا تزال تحنّ حنين الجارية (3) ما الّذي أمرتني [ به ]فزعمت أني عصيتك فيه ؟ قال : أمرتك حين أحاط الناس بعثمان أن تعتزل (4) ناحية [ عن المدينة ]فإنّ الناس إن قتلوه طلبوك حيث كنت فبايعوك فلم تفعل ، ثمّ قُتل عثمان، فلمّا ، أتاك الناس يبايعونك أمرتك بأن لا تفعل حتّى يجتمع (5) الناس ويأتيك وفود العرب فلم تفعل ،
.
ص: 381
ثمّ جاءك (1) طلحة والزبير فأمرتك أن لا تتبعهما وتدعهما فإن اجتمعت إليك الاُمّة قبلت ذلك منها وإن اختلفت رضيت بقضاء اللّه تعالى (2) .
فقال (3) له عليّ ( رض ) : واللّه لا أكون كالضبُع تنام (4) [ على طول ]اللدْم (5) حتّى يصل إليها (6) طالبها وجارُّها فيدخل الحبل في رجلها ثمّ يقول دَباب دَباب (7) فيقطع عرقوبها (8) ، ولكن أبوك يضرب المدبر بالمقبل والعاصي بالطائع والمخالف بالسامع ، ثمّ الأمر للّه يفعل ما يشاء 9 . اللدم : شيء يحرّك عند غار الضبُع حتّى تسمعه فترتاع من صوته فتنجحر في (9) غارها فيدخل عليها طالبها وهو يقول : دَباب دَباب فيربطها ، أي لا أنخدع كما
.
ص: 382
ينخدع الضبُع (1) . ثمّ إنّ عليا ( رض ) كتب من الربذة إلى طلحة والزبير يقول لهما : أمّا بعد ، يا طلحة ويا زبير فقد علمتما (2) أني لم أرد الناس حتّى أرادوني ، ولم اُبايعهم حتّى أكرهوني وأنتما (3) أوّل من بادر إلى بيعتي، و لم تدخلا في هذا الأمر بسلطانٍ غالب ولا لعرضٍ (4) حاضر ، وأنت يا زبير ففارس قريش وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين، ورفعُكما (5) هذا الأمر (6) قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه إلاّ [ أنّ ]هؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه وأنتما رجلان من المهاجرين وقد أخرجَتكما اُمّكما من بيتها الّتي أمرها اللّه تعالى أن تقرّ فيه ، واللّه حسبكما ، والسلام 7 .
.
ص: 383
وكتب إلى عائشة : أمّا بعد [ فإنّكِ ] خرجت من بيتكِ تطلبين أمرا كان منكِ (1) موضوعا ، ثمّ تزعمين أ نّكِ لن تريدين (2) إلاّ الإصلاح بين الناس (3) فخبّريني ما
.
ص: 384
النساء وقَود العسكر (1) . وزعمت أنكِ مطالبة بدم عثمان ، وعثمان من بني اُمية وأنتِ امرأة من بني تيم بن مرّة ، لعمري إنّ الّذي أخرَجَكِ لهذا الأمر وحملَكِ عليه لأعظم ذنبا إليك من كلّ أحد ، فاتقِ اللّه يا عائشة وارجعي إلى منزلك واسبلي عليك سترك ، والسلام 2 . فرجع الجواب: يابن أبي طالب، جلّ الأمر عن العتاب (2) وضاق الوقت عن الجواب 4 .
.
ص: 385
ثمّ إنّ عليا رضى الله عنه كتب إلى أهل الكوفة وسَيّرَ كتابه مع محمّد بن أبي بكر 1 ،
.
ص: 386
ومحمّد بن جعفر 1 ( رض ) ، يقول لهم : إنّي اخترتكم (1) على أهل الأمصار وفزعت إليكم لما حدث ، فكونوا للدين (2) أعوانا وأنصارا ، فانهضوا (3) إلينا فالإصلاح [ ما ]نريد لتعود هذه الاُمّة إخوانا (4) فمضيا (5) . وأرسل عليّ ( رض ) إلى أهل المدينة فأتاه منها ما أراد من دابّة وسلاح (6) ، وقام في الناس فخطبهم فقال : إنّ اللّه تعالى أعزّنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانا بعد ذلّة وتباعد (7) وتباغض ، فجرى الناس على ذلك ما شاء اللّه تعالى ، الإسلام دينهم ، والحقّ مذهبهم ، والكتاب إمامهم ، حتّى اُصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الّذين نزغهم (8) الشيطان لينزغ بين هذه الاُمّة ، ألا وإنّ هذه الاُمّة لابدّ مفترقة
.
ص: 387
كما افترقت الاُمم قبلهم (1) ، فنعوذ باللّه من شرّ ما هو كائن (2) .
ثمّ عاد ثانية فقال : إنّه لابدّ ممّا هو كائن أن يكون ، ألا وإنّ هذه الاُمّة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة شرها فرقة تنتحلني (3) ولا تعمل بعملي ، وقد أدركتم ورأيتم ، فالزموا دينكم واهتدوا بهدىُ [ نبيّكم ]محمّد صلى الله عليه و آله واتبعوا سنّته وأعرضوا ما اُشكل عليكم على القرآن ، فما عرّفه القرآن فالزموه وما أنكره فردّوه وارضوا باللّه [ جلّ وعزّ ] ربا وبالإسلام دينا وبمحمّد صلى الله عليه و آله نبيا ورسولاً وبالقرآن حَكما وإماما (4) . ثمّ سار عليّ ( رض ) من الربذة إلى ذي قار ، وأمّا المحمّدان _ محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر ( رض ) _ فإنّهما أتيا الكوفة ودخلا بالكتاب على أبي موسى الأشعري ( رض ) فقرأه على الناس فلم يُجابا بشيء ، فلمّا كان الليل دخل ناس من ذوي الحِجى (5) على أبي موسى الأشعري فقرأه على الناس فقالوا : ما ترى في الخروج ؟ فقال : كان الرأي بالأمس ليس اليوم ، إنّ الّذي تهاونتم به فيما مضى هو الّذي جرّ عليكم ما ترون اليوم ، وإنّما هو أمران القعود سبيل الآخر . والخروج سبيل
.
ص: 388
الدنيا فاختاروا ، فلم ينفر إليه (1) أحد (2) . فغضب الرجلان (3) وأغلظا لأبي موسى القول ، فقال لهما : واللّه إنّ بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما ، فإن لم يكن بدّ من قتال فلا يقاتل أحدا حتّى يُفرغ من قتَلة عثمان حيث كانوا (4) . فانطلقا إلى عليّ رضى الله عنه فأخبراه الخبر وهو بذي قار ، فقال عليّ للأشتر وكان معه : أنت صاحبنا في أبي موسى والمعترض في كلّ شيء ولم نقرّ أبا موسى على عمل الكوفة إلاّ برأي منك ، اذهب أنت والحسن بن عليّ (5) والعمّار 6 فأصلح ما أفسده . فخرجوا وقدموا الكوفة ، فدخلوها والناس في المسجد وأبو موسى يخطبهم
.
ص: 389
ويثبّطهم ويقول : أيّها الناس ، إنّ أصحاب محمّد الّذين صحبوه أعلم باللّه (1) ورسوله ممّن لم يصحبه ، وإنّ لكم علينا حقّ النصيحة ، وإنّ هذه فتنة صمّاء ولقد سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: ستكون فتنة القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الراكب، وقد جعلنا اللّه تعالى إخوانا وحرّم علينا دماءنا وأموالنا 2 .
.
ص: 390
فقام إليه الحسن بن عليّ ( رض ) فسكّته وقال : اعتزل عملنا يا شيخ لا اُمّ لك (1) . فقال : أجّلني هذه العشية ، فقال : هي لك (2) .
.
ص: 391
ثمّ قام الحسن رضى الله عنه فصعد المنبر فخطب فقال : أيّها الناس ، أجيبوا دعوة أميركم وسيروا (1) إلى إخوانكم ، واللّه لئن يلي هذا الأمر أو النهي فإنّه مثل في العاجل والآجل وخيرٌ لكم في العاقبة ، فأجيبوا دعوتنا على ما ابتلينا به وابتليتم ، فإنّ أمير المؤمنين يقول : قد خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما وإنّي أذكر اللّه تعالى رجلاً رعى حقّ اللّه بفرقان إن كنت مظلوما أعانني وإن كنت ظالما أخذ منّي ، واللّه إنّ طلحة والزبير أوّل من بايعني وأوّل من خرجا (2) عليَّ فهل استأثرت بمالٍ أو بدّلت حكما فانفروا فائمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر (3) . وقام عمّار رضى الله عنه فتكلّم أيضا (4) . وروى البخاري في صحيحه عن ابن مريم عبداللّه بن زياد الأسدي قال : لمّا سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث عليّ عليه السلام عمّار بن ياسر وابنه الحسن فقدما علينا الكوفة وصعدا المنبر وكان الحسن بن عليّ عليه السلام في أعلى المنبر وعمّار رضى الله عنه أسفل من الحسن فاجتمعنا إليهما (5) فسمعت عمّارا يقول : إنّ عائشة سارت إلى البصرة واللّه إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه و آله في الدنيا والآخرة . ولكنّ اللّه [ تبارك وتعالى ]
.
ص: 392
ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي 1 ، انتهى . وجعل (1) الأشتر (2) ( رض ) لا يمرّ بقبيلة (3) إلاّ دعاهم ، فتسامع الناس وأجابوه (4) فقام هند بن عمرو وقال لقومه : إنّ أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا رسله [ حتّى جاءنا ] مع ابنه الحسن فاسمعوا إلى قوله (5) وانتهوا إلى أمره وأعينوه برأيكم وانظروا معه في هذا الأمر (6) . وقام حجر بن عدي رحمه الله فقال : أيّها الناس اُجيبوا أمير المؤمنين وانفروا خفافا وثقالاً فانفروا وأنا أوّلكم وأذعن للمسير (7) .
.
ص: 393
فقال الحسن : أيّها الناس ، إنّي غادٍ (1) فمن شاء منكم أن يخرج معي (2) الظُهر ومن شاء في المساء . فنفر معهم قريب تسعة آلاف ومائتان (3) في البرّ وألفان وثمانمائة في البحر (4) ، فقدموا على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار فلقيهم في ناسٍ من وجوه أصحابه منهم عبداللّه بن عباس ( رض ) فرحّب بهم (5) وقال : يا أهل الكوفة ، أنتم قتلتم ملوك العجم (6) وفضضتم جموعهم حتّى (7) صار إليكم تراثهم (8) وأغنيتم حوزتكم وأعنتم الناس على عدوّهم ، وقد دعوناكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة ، فإن رجعوا (9) فذاك الّذي نريد ، وإن يلحّوا داريناهم بالرفق حتّى يبدأونا بظلم ، ولم ندع امرا فيه صلاح إلاّ آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء اللّه تعالى (10) . ثمّ دعا عليّ ( رض ) بالقعقاع (11) فأرسله إلى أهل البصرة وقال له : الق هذين
.
ص: 394
الرجلين [ يا ابن الحنظلية ] _ يعني طلحة والزبير (1) . وكان القعقاع من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم _فادعهما إلى الاُلفة والجماعة وعظّم عليهما الفرقة والمباينة (2) ، ومثلك يعلم كيف يصنع . فخرج القعقاع حتّى قدم البصرة فبدأ بعائشة فقال أي اُمّ (3) ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة ؟ فقالت : أي بني (4) لإصلاح بين الناس (5) ، قال : فابعثي إلى طلحة والزبير حتّى تسمعي كلامي وكلامهما ، فبعثت إليهما فجاءا (6) . فقال لهما القعقاع : إنّي سألت اُمّ المؤمنين ما أشخصها وأقدمها ؟ قالت : الإصلاح ، فما تقولان أنتما متابعان أم مخالفان ؟ فقالا : بل متابعان ، فقال : أخبراني ما وجه الإصلاح ، فواللّه إن عرفتماه لتصلحنّ وإنّ أنكرتما لا يقع شيء (7) قالا : قتَلة عثمان ؟ فقال لهما القعقاع : هذا ما لا يكون في هذا الوقت ولا يتهيأ ، فالرأي عندي تسكين هذه الثائرة في هذه الساعة وحقن دماء المسلمين ، فإذا سكنت فاختلجوا ، وليس لهذا الأمر دواء غير هذا ، وإن أبيتم إلاّ لمكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شرّ وذهاب الأموال والأرواح ، فآثروا (8) العافية ترزقوها ، وكونوا مفاتيح خير ولا تتعرّضوا للبلاء فيصرعنا وإيّاكم ، وأيم اللّه إنّي لأقول هذا القول وأدعوكم وانّي لخائف أن لا يتمّ حتّى يأخذ اللّه حاجته من هذه الاُمّة . فقالوا : قد أصبت وأحسنت ، فإن قدم عليّ على مثل رأيك هذا فقد صلح الأمر . فرجع القعقاع إلى عليّ وأخبره
.
ص: 395
بذلك فسرّ به واُعجب 1 .
وأشرف القوم على الصلح وكره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه ، وأقبلت وفود
.
ص: 396
العرب من [أهل ]البصرة نحو عليّ عليه السلام بذي قار لينظروا ما رأي إخوانهم من أهل الكوفة ، فأخبروهم أنّ الّذي عليه رأيهم الإصلاح ولا خطر لهم القتال على بال . وسأل عليّ(رض) جرير بن شرس (1) عن طلحة والزبير فقال : أمّا الزبير فإنّه يقول : بايعنا[ه ]كرها (2) ، وأمّا طلحة فانّه يتمثّل بالأشعار فيقول شعرا : ألا بلغ أبلغ (3) بني بكر رسولاً فليس إلى بني كعب سبيل سيرجع ظلمكم منكم عليكم طويل الساعدين له فضول (4) فتمثّل عليّ عليه السلام بقوله : ألم تعلم أبا سمعان أ نّا نردُّ (5) الشيخ مِثلك ذا الصداع ونذهلُ عقله بالحرب حتّى يقوم فيستجيب بغير داع فدافَعَ عن خزاعة جمعُ بكر وما بك يا سُراقةُ من دفاع (6) ثمّ إنّ عليا (رض) قام خطيبا في الناس فحمد اللّه تعالى وأثنى عليه وذكر الجاهلية وشقاها والإسلام وسعادة الناس به وإنعام اللّه على الاُمّة بالجماعة والخليفة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ الّذي يليه ثمّ حدث هذا الأمر الّذي جرّه (7) على الاُمّة أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أفاء اللّه تعالى منها وأرادوا ردّ الإسلام والاُمور على أدبارها واللّه بالغ أمره (8) . ثمّ قال عليّ عليه السلام : ألا وإ نّي راحل غدا فارتحلوا
.
ص: 397
ولا يرتحلنّ أحد أعان على قتل عثمان بشيء من اُمور الناس ، وليغن السفهاء عن أنفسهم (1) . فشقّ ذلك على الّذين خرجوا على عثمان وكان معه منهم بذي قار ألفان وخمسمائة (2) وباتوا بأسوأ ليلة وهم يتشاورون ، فقال لهم رئيسهم عبداللّه بن سبأ (3) وهو الشهير بابن السوداء : يا قوم إنّ عزّكم في مخالطة الناس فلا تتركوا عليا والزموه فإذا كان غدا والتقى الناس فانشبوا القتال ، فمن كنتم (4) معه لا يجد بدّا من أن يمتنع ، فإذا اشتغل الناس بالناس ننظر ماذا يكون . فتفرّقوا على رأيه 5 . وأصبح عليّ عليه السلام على ظهر حتّى نزل على عبد القيس (5) فانضمّوا [إليه ]وسار من هناك يريد البصرة ، فقام إليه الأعور بن بيان المنقري (6) فقال : يا أمير المؤمنين ما تريد
.
ص: 398
بإقدامك إلى البصرة ؟ فقال : الإصلاح وإطفاء الثائرة لعلّ اللّه تعالى يجمع شمل هذه الاُمّة بنا ويضع حربهم ، قال : فإن لم يجيبوا ؟ قال : تركناهم ما تركونا ، قال : فإن [لم ]يتركوا ؟ قال : دفعناهم عن أنفسنا ، قال : فهل لهم من هذا مثل الّذي عليهم ؟ قال : نعم (1) . وقام إليه أبو سلام الدلابي (2) فقال : يا أمير المؤمنين أترى لهؤلاء القوم حجّة [فيما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا اللّه بذلك ؟ قال : أفترى لك حجّة ]بتأخير ذلك ؟ قال : نعم ، إنّ الشيء إذا كان [لا] يدرك فإنّ الحكم فيه ما كان أحوطه (3) وأعمّه نفعا ، قال : فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدا بقتالهم ؟ قال : إنّي لأرجو أن لا يُقتل منّا ومنهم أحد وقلبه مخلص للّه تعالى إلاّ أدخله اللّه تعالى الجنة (4) .
وسار طلحة والزبير وعائشة فالتقوا عند قصر عبيداللّه بن زياد (5) فنزل الناس هناك وهم يتراؤون وأقاموا (6) ثلاثة أيام لم يكن بينهم شيء إلاّ الصلح وهم يتراسلون ، وكان نزولهم في النصف من جُمادَى الآخرة سنة ثمان وثلاثين (7) ، فقام
.
ص: 399
عليّ عليه السلام فخطب أصحابه فقال : أ يّها الناس ، املكوا عن هؤلاء أيديكم [وألسنتكم] وإيّاكم أن تسبقوا إلى شيء فإنّ المخصوم غدا من خصم اليوم (1) . وكانت عائشة حين نزولهم نزلت في الأزد ويرأس الأزد يومئذٍ صبرة ابن سبحان (2) فقال له كعب بن سور 3 : إنّ الجموع إذا تراءت لم تستطع كفافها إنّما هي
.
ص: 400
نحو تدفّق ، فأطعني ولا تشهدهم ، واعتزل بقومك فإنّي أخاف أن لا يكون صلح ، ودع مضرا وربيعه ، فإنّهما اخوان ، فإن اصطلحا فالصلح أردنا وإن اقتتلا كنّا حكّاما عليهم غدا ، وكان كعب في الجاهلية على دين النصرانية (1) ، فقال له صبرة : أخشى أن يكون (2) فيك شيء من دين النصرانية أتأمرني أن أغيب عن إصلاح بين الناس وأخذل اُمّ المؤمنين وطلحة والزبير إذا أرادوا الصلح ؟ واللّه لا أفعل ذلك أبدا ، فأطبق أهل اليمن على الحضور (3) . وحضر مع عائشة المنجاب بن راشد (4) في الرباب وهم : تيم وعدي وثور وعكل بنو عبد مناف (5) ابن [ادبن ]طانجة بن إلياس بن مضر وضبة بن ادبن طانجة ، وحضر
.
ص: 401
أيضا أبو الجرباء 1 في بني عمر بن تيم وهلال بن وكيع في بني حنظلة وصبرة بن سبحان على الأزد ومجاشع بن مسعود السلمي على سليم وزفر بن الحارث في بني عامر وغطفان ومالك بن مشبع على بكر والحارث بن راشد على بنى ناجية 2 وعلى اليمن ذوي الأحمر الحميري . فنزلت مضر إلى (1) مضر وهم لا يشكون في الصلح ، ونزلت ربيعة إلى ربيعة ، واليمن إلى اليمن ، وكلّ قبيلة نزلت إلى اُختها (2) . وكان أصحاب عليّ عليه السلام عشرين ألفا (3) وأصحاب طلحة والزبير وعائشة ثلاثين (4)
.
ص: 402
ألفا ، فأرسل عليّ عليه السلام عشية اليوم الثالث من نزولهم عبداللّه بن عباس إلى طلحة والزبير بالسلام ، وأرسل طلحة والزبير إلى عليّ بالسلام ، وتردّدت الرسل بينهم في الصلح فتداعوا إليه ، وشاع ذلك في الفئتين فسرّ الناس بذلك وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها من الفرح والسرور . ولمّا اشرفوا عليه من الصلح وبات الّذين أثاروا أمر عثمان بأسوأ ليلة لما رأوه ونظروه من تراسل القوم وتصافيهم ، فباتوا يتشاورون ليلتهم فأجمع رأيهم على إنشاب الحرب مع الفجر . [قال : ]فلمّا كان غلس الصبح ثاروا إلى أصحاب طلحة والزبير ، مضرهم إلى مضرهم ، وربيعتهم إلى ربيعتهم ، ووضعوا فيهم السلاح ، فثارت كلّ قبيلة إلى اُختها ، وقام الحرب بينهم وثبت القتال ، ولم يدر الناس كيف الأمر ولا كيف كان (1) . فقام في الميمنة أصحاب [طلحة] عبد الرحمن بن الحارث (2) ، وفي الميسرة عبدالرحمن [بن ]عتاب (3) ، وفي القلب طلحة والزبير 4 فقالوا لأصحابهم : كيف كان هذا الأمر ؟
.
ص: 403
قالوا : لا ندري إلاّ وقد طوّقونا في غلس الصبح واضعين فينا السيوف ، فقال طلحة والزبير : إنّ عليا لم يطعنا حتّى يسفك الدماء .
وقام عليّ عليه السلام في أصحابه وقال : كيف هذا ؟ فقال [له] السبأية : ما شعرنا إلاّ وقد
.
ص: 404
بيّتونا فرددناهم فركبونا فثار الناس وثبت القتال ، فقال عليّ عليه السلام : قد علمت أنّ طلحة والزبير غير منتهين حتّى يسفكا الدماء وانّهما لم يطاوعا . والسبأية لا تفتر عن القتال وقد وضع الناس السيف في بعضهم بعضا (1) ، فأقبل كعب بن سور على عائشة فقال لها : أركبي وقد أبى الناس إلاّ القتال فأركبوها هودجا وألبسوا هودجها الأدراع وشدّوا على جملها «عسكرا» وأبرزوه للناس» (2) . ثمّ إنّ عليا عليه السلام نادى في معسكره : أ يّها الناس اُنشدكم اللّه أن لا تقتلوا مدبرا ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تستحلّوا سبيا ، ولا تأخذوا سلاحا ولا متاعا 3 . ثمّ إنّه عليه السلام
.
ص: 405
رفع يديه إلى السماء وقال : اللّهمّ إنّ طلحة والزبير أعطياني صفقة أيديهما طائعين ثمّ نصبا لي الحرب ظاهرين (1) ، اللّهمّ فاكفنيهما بما شئت فكيف شئت (2) . هذا كله وعليّ عليه السلام على بغلة وعليه قميص ورداء وعمامة (3) ، فلمّا أسفر النهار [ورأى أنه لم يبق إلاّ التصافح بالصفاح والتطاول بالرماح ]خرج عليّ عليه السلام ما بين الصفّين هو على تلك الصفة ونادى بأعلى صوته : أين الزبير بن العوّام ؟ فليخرج إليَّ ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين أتخرج إلى الزبير وأنت [معرٍ وهو لابس وأنت على بغلةٍ وهو على
.
ص: 406
جواد] على هذه الهيئة وقد علمت أ نّه فارس قريش وبطلها ؟ فقال : ليس له عليَّ منه [سِنة ]ثمّ نادى الثانية : أين الزبير بن العوّام ؟ فليخرج إليَّ .
فخرج إليه الزبير فدنا كلّ منهما من الآخر إلى أن اختلفت (1) أعناق دوابهما (2) ، فقال له عليّ عليه السلام : ما حملك على ما صنعت 3 يا زبير ؟ قال : حملني على ذلك الطلب
.
ص: 407
بدم (1) عثمان ، فقال ]له] عليّ : إن أنصفت من نفسك أنت وأصحابك قتلتموه ولكني اُنشدك اللّه يا زبير ، أما تذكر قال لك رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا زبير أتحبّ عليا ؟ فقلت : يا رسول اللّه وما يمنعني من حبّه وهو ابن خالي ؟ ! فقال صلى الله عليه و آله لك : أما إنك ستخرج عليه وأنت ظالم له ، فقال [الزبير] : اللّهمّ بلى قد كان ذلك . فقال : اُنشدك اللّه ثانيا أما تذكر يوم جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله من عند بني [عمرو بن] عوف وأنت معه وهو آخذ بيدك فاستقبلته [أنا] فسلّمت عليه فضحك في وجهي وضحكتُ [أنا] إليه فقلت أنت : لا يدع ابن أبي طالب زهوه [أبدا] ، فقال لك صلى الله عليه و آله : مهلاً يا زبير ليس بعلي زهوة ولتخرجنّ عليه يوما وأنت ظالم له ؟ فقال الزبير : اللّهمّ بلى ولكنّي قد نسيت ذلك وبعد أن ذكّرتنيه لأنصرفنّ ، ولو ذكرتُ هذا قبل ما خرجتُ عليك ولكن هذا تصديقا لقوله صلى الله عليه و آله ، ثمّ كرّ راجعا .
فقالت [له] عائشة [وهي واقفه في هودجها] : ما وراك يا أبا عبداللّه ؟ فقال لها [الزبير : ورائى] واللّه ما وقفت موقفا [قطّ] ولا شهدت مشهدا في شرك ولا إسلام إلاّ
.
ص: 408
ولي فيه بصيرة ، وأمّا اليوم في (1) شكّ من أمري (2) وما أكاد أبصر موضع قدمي 3 . ثمّ شقّ الصفوف وخرج من بينهم وأخذ (3) طريق (4) مكة فنزل على قومٍ من بني تميم فقام إليه عمرو (5) بن جرموز المجاشعي 7 فضيّفه وخرج معه إلى وادي السباع
.
ص: 409
وأراه أنه يريد مسايرته ومؤانسته فقتله غيلةً بعد أن خدعه بذلك ، وأخذ سيفه وخاتمه ومضى يؤم عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلمّا وصله سلّم عليه وهنّأه بالفتح وأخبره بقتله للزبير بن العوّام ، فقال له عليّ أبشر بالنار _ يعني قوله ، بشّر قاتل ابن صفية بالنار _ . قال ابن جرموز : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، إنّا إن قاتلناكم فنحن في النار وان قتلنا لكم فنحن في النار ؟ ! فقال عليّ بن أبي طالب : ويلك ذلك شيء قد سبق لابن صفية .
أمّا طلحة (1) فأصابه سهم غريب (2)3
.
ص: 410
فشكّ رجله بصفحة الفرس وهو ينادي (1) : عباد اللّه الصبر الصبر ، فقال له القعقاع بن عمرو (2) : يا أبا محمّد إنّك لجريح (3) ، وإنّك لفي شغل عمّا تريد ادخل البيوت ، فدخل ودمه يسيل وهو يقول : اللّهمّ خذ لعثمان منّي حتّى ترضى (4) ، فلمّا امتلأ خفّه (5) دما قال لغلامه : اركب من خلفي وامسكني (6) وابغني مكانا أنزل فيه ، فدخل به البصرة وأنزله في دارٍ من خرابها قريبا من ظاهرها فمات ]بها [من فوره (7) . وقيل : إنّه اجتاز به رجل من أصحاب عليّ عليه السلام فقال ]له] : أنت من أصحاب أمير
.
ص: 411
المؤمنين ؟ قال : نعم ، قال : امدد يدك اُبايعك [له] ، فبايعه خوفا من أن يموت وليس في عنقه بيعة ، ولمّا قضى دُفن في بني سعد بظاهر البصرة . قال : ولم أر شيخا أضيع دما (1) منّي ، وتمثّل عنه دخوله البصرة بقوله شعرا (2) : فإن تكن الحوادث أقصدتني وأخطاهنّ سهمي حين أرمي فقد ضيّعت حين تبعت سمعا سفاهة ما سفهت بفضل (3) حلمي أطعتهم بفرقة آل (4) لايٍ فألقوا للسباع دمي ولحمي وكان الّذي رمى طلحة مروان بن الحكم ، وقيل : غيره ، واللّه أعلم . ثمّ ما كان بأسرع من أن أفجأ الناس هزيمة طلحة والزبير (5) وأطافت الخيل بالجمل فلمّا رأى المنهزمون إطافتهم بالجمل عادوا [عليهم] قلبا واحدا كما (6) كانوا أوّل مرّة (7) وتوافقوا، فوقفت مضر البصرة لمضر الكوفة، وربيعتها لربيعتها ، وتيمها لتيمها فاقتتلوا أشدّ القتال وأعظمه وأكثر ممّا كان أوّل مرّة ، واختلط القوم بعضهم في بعض ، فما رؤي قبلها ولا بعدها وقعة أعظم منها (8) ولا أكثر ذراعا مقطوعا ولا يدا مقطوعة،ولم يزل الأمر كذلك حتّى قُتل خلق كثير ولا يحصون من الفريقين على خطام الجمل.
قال: وأخذ الخطام سبعون رجلاً 9 من قريش ما نجا منهم واحد ، بل كلّهم قُتلوا ،
.
ص: 412
وكان ممّن أخذ بخطام الجمل محمّد بن طلحة 1 فجعل لا يحمل عليه أحد إلاّ من
.
ص: 413
قال «حم لا ينصرون» وكان ذلك من شعار أصحاب عليّ عليه السلام ،وكان عليّ عليه السلام قد أذن في أصحابه بأن لا يقتل محمّد بن طلحة مَنْ عسى أن يظفر به ولا يتعرّضه أحد بسوء ، فحمل عليه شريح بن أوفى العبسي فقال : «حم» وقد سبقه شريح بالطعنة فأتى على نفسه فكان كما قيل : سبق السيف العذل ، وكان محمّد بن طلحة هذا من العبّاد والزهّاد (1) واعتزل الناس على جانب وإنّما خرج برّا بأبيه ، وكان يعرف بالسجّاد لكثرة صلاته وسجوده ، وفي ذلك يقول قاتله شريح بن أوفى العبسي (2) :
وأشعث قوّام بآيات (3) ربّه قليل الأذى فيما ترى العينُ مُسلم هتكتُ (4) بصدر الرمح جيب قميصه فخرَّ صريعا لليدين وللفم على غير شيء غير أن ليس تابعا عليا ومن لا يتبع الحقّ يندم يُذكِّرني حم والرمح شاجر فهلاّ تلا حم قبل التقدّم وأخذ بخطام الجمل عمرو بن الأشرف (5) فجعل لايدنو منه أحد إلاّ خبطه ، فأقبل إليه الحارث بن زهير الأسدي (6) وهو يقول : يا اُمّنا يا خير اُمّ نعلمُ (7) أما ترين كم شجاع يكلّمُ (8) وتُجتلى هامتُه والمِعصمُ وحمل كلّ واحد منهما على صاحبه فاختلفا بضربتين فوقعت ضربة [كلّ] واحد منهما على الآخر فقتلته ، وأحدقت أهل النجدات والشجاعة بالجمل فكان لا يأخذ أحد بخطام الجمل إلاّ قُتل ، وكان لا يأخذه إلاّ من يُنسب ويقول أنا فلان بن فلان الفلاني ، فواللّه إن كان إلاّ الموت الأحمر وما أخذه أحد ، ثمّ أفلت منه فعاد إليه (9) . وجاء عبداللّه بن الزبير 10 وأخذ بخطام الجمل وهو ساكت لم يتكلّم [فقالت له
.
ص: 414
عائشة : من أنت يا هذا ؟ لم لا تنتسب ؟ فقال : أنا ابن اُختك ، قالت : عبداللّه ؟ ! واثكل] أسماء ، فجاءه الأشتر (رض) وهو آخذ بالخطام فاقتتلا قتالاً شديدا فضربه الأشتر (رض) على رأسه فجرحه جراحة خفيفه ثمّ اعتنق كلّ واحد منهما بصاحبه وسقطا على الأرض ، فقال ابن الزبير : اقتلوني ومالكا (1) ، فلم يعرفوا مالكا مَن هو (2) ، ولو عرفه أصحاب ابن الزبير لقتلوه . ثمّ إنهما افترقا 3 فجاء الأشتر يقول : لقيت في ذلك اليوم جماعة من الأبطال فما
.
ص: 415
لقيت منهم ما لقيت من ابن الزبير ولقيت من عبدالرحمن بن عتاب أشدّ من ذلك ، لقيته أشدّ الناس بأسا وأشجعهم قلبا وأثبتهم جأشا ، وما كدت أن أنجو منه وتمنّيت أني لم أكن لقيته (1) . وما رؤي مثل ذلك اليوم وكثرة من اُصيب يوم الجمل ومن قُتل حوله من العسكرين وقُتل عليه خلائق لا يحصون وقُطعت عليه أيدٍ كثيرة حتّى صاح عليّ : اعقروا الجمل 2 إنْ يُعْقَر الجمل تفرّق الناس ، فانتدب [له] رجل يقال له بحير بن دلجة الكلابي 3 فضرب ساقه فسقط إلى الأرض [على جنبه وله جرجرة
.
ص: 416
عظيمة لم يسمع بمثلها ، ولا سمع أشدّ من عجيجه حين سقط إلى الأرض ]فانهزم الناس وتفرق أصحاب عائشة ، فجاء القعقاع وورقة بن نوفل فقطعا ابطان الجمل وحملا الهودج وأنزلاه إلى الأرض وفيه عائشة وأنّ الهودج لكان كقنفذ (1) لما فيه من السهام ، ثمّ أطافا به وفرّ من فرّ وانهزم من انهزم .
.
ص: 417
فأمر عليّ عليه السلام بالنداء في الناس أن لا يتبعوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح ولا يدخلوا دارا ولا يسلبوا سلاحا ولا ثيابا ولا متاعا (1) . وأمر عليّ عليه السلام بأن يحمل الهودج من بين القتلى وأرسل إلى عائشة أخاها محمّد بن أبي بكر (2) وأمره أن يضرب عليها قبّة ، وقال : انظر هل وصل إليها شيء من سهم أو جرح ، فأدخل رأسه
.
ص: 418
في هودجها فقالت : من أنت ؟ قال : أبغض أهلك إليك ، قالت : ابن الخثعمية ؟ قال : نعم ، قالت : يا ابن أبي الحمد للّه الّذي عافاك 1 . فلمّا كان الليل أدخلها أخوها إلى البصرة وأنزلها في دار عبداللّه بن خلف الخزاعي (1) على صفية بنت الحارث [بن طلحة] بن أبي طلحة بن العزّى بن عثمان بن عبدالدار وهي اُمّ طلحة الطلحات 3 ، وتسلّل الجرحى ليلاً من بين القتلى
.
ص: 419
فدخلوا البصرة (1) ، وأقام عليّ عليه السلام بظاهر البصرة ثلاثا (2) وأذن للناس في دفن قتلاهم ، فخرجوا إليهم فدفنوهم . وطاف عليّ عليه السلام على (3) القتلى فلمّا أتى كعب بن سور قال : زعمتم أن لا يخرج معهم إلاّ السفهاء . وأتى عليّ عليه السلام على عبدالرحمن بن عتّاب فقال : هذا يعسوب القوم (4) الّذي كانوا يطوفون (5) به واجتمعوا على الرضا به لصلاتهم 6 . وأتى عليّ عليه السلام
.
ص: 420
على قبر طلحة بن عبيداللّه فقال : لهفي عليك يا أبا محمّد ، إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، واللّه لقد كنت أكره أن أرى قريشا صرعى ، أنت واللّه يا أبا محمّد كما قال الشاعر : فتىً كان يدنيه الغنى من صديقه إذا ما هو استغنى (1) وأسعده الفقر 2
.
ص: 421
وأتى على ابنه محمّد وهو صريع فوقف عليه وقال : هذا رجل قتله برّه بأبيه (1) . وصلّى عليّ عليه السلام على جميع القتلى من أهل البصرة والكوفة وغيرهم وأمر فدُفنت الأطراف (2) جميعا في قبر عظيم وجمع ما في العسكرين من سلاح وثياب وطرح في المسجد وقال : من عرف شيئا فليأخذه إلاّ سلاحا في الخزائن [كان ]عليه سمة السلطان (3) . ولمّا فرغ عليّ عليه السلام من الواقعه أتاه (4) الأحنف بن قيس 5 في بني سعد يهنّونه
.
ص: 422
بالنصر ، فقال له عليّ عليه السلام : تربّصت يا أحنف ؟ ! 1 فقال الأحنف : ما كنت أرى إلاّ أ نّي قد أحسنت وبأمرك كان ما كان يا أمير المؤمنين ، ارفق فإنّ طريقتك الّتي سلكت
.
ص: 423
بعيد وأنت إلى غدٍ أحوج منك إلى أمس ، فاعرف إحساني وأستبق مودّتى لغد ، ولا تقل مثل هذا فإنّي لم أزل لك ناصحا (1) .
ودخل عليّ عليه السلام البصرة يوم الاثنين فبايعه أهلها على راياتهم حتّى الجرحى والمستأمنة (2) . ثمّ راح إلى عائشة وهي في بيت عبداللّه بن خلف وهي أعظم دار بالبصرة ، فسلّم عليها وجلس إليها (3) . ثمّ إنّ عائشة سألت عن الناس ومن قُتل منهم ممّن كان معها ومع عليّ ، فكلّما نعى واحد من الفئتين قالت : يرحمه اللّه ، فقيل لها : كيف ذلك ؟ ! قالت : كذلك قال رسول اللّه فلان في الجنة وفلان في الجنة . وقال عليّ عليه السلام : إنّي لأرجو أن لا يكون أحد قُتل منّا ومنهم وقلبه نقي مخلص للّه تعالى إلاّ أدخله اللّه الجنة (4) . ثمّ إنّ عليا عليه السلام جهّز عائشة بكلّ ما ينبغي لها من مركب وزاد [ومتاع ]وغير ذلك وبعث معها كلّ من نجا ممّن كان معها في الوقعة من أصحابها إلاّ من أحبّ (5) المقام (6) ، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المخبورات المعروفات سيّرهنّ معها وسيّر معها أخاها محمّد بن أبي بكر 7 .
.
ص: 424
ولمّا كان اليوم الّذي ارتحلت فيه عائشة أتاها عليّ عليه السلام بنفسه فوقف لها وحضر الناس لوداعها فقالت : يابني لا يعتب (1) بعضنا على بعض [إنّه ]واللّه لم يكن بيني وبين عليّ في القديم إلاّ ما يكون بين المرأة وأحمائها (2) وإنّه عندي على معتبتي (3) لمن الأخيار ، فقال عليّ عليه السلام : [أ يّها الناس ]صدقت واللّه ما كان بيني وبينها إلاّ ذاك وإنّها لزوجة نبيّكم (4) صلى الله عليه و آله في الدنيا والآخرة . وخرجت يوم السبت غرة رجب وسار معها عليّ عليه السلام أميالاً وسرح (5) بنيه معها يوما كاملاً (6) . وكان توجّهها إلى مكة المشرّفة فأقامت بها إلى أيّام الحجّ فحجّت ثمّ رجعت إلى المدينة 7 .
.
ص: 425
وأمّا المنهزمون يوم الجمل فكان منهم : عتبة بن أبي سفيان جرح هو وعبدالرحمن ويحيى ابنا الحَكم ، فساروا في (1) البلاد فلقيهم عصمة بن أبَير (2) التميمي فقال : هل لكم في الجوار ؟ فقالوا : نعم ، فأجارهم وأنزلهم عنده حتّى برئت جراحاتهم وسيّرهم نحو الشام في أربعمائة راكب ، فلّما وصلوا معهم إلى دومة الجندل قال (3) : ارجعوا فقد وفت ذمّة صاحبكم وقد قضيتم ما عليكم ، فرجعوا عنهم . وأمّا ابن عامر فإنّه جرح أيضا فلقيه رجل من بني حرقوص فأجاره وسيّره إلى الشام . وأمّا مروان بن الحَكم فاستجار بمالك بن مِسمع فأجاره فحفظ بنو مروان ذلك لمالك في أيّام خلافتهم وانتفع بهم وشرّفوه وكرّموه . وأمّا عبداللّه بن الزبير فإنّه نزل بدار رجل من [ال ]أزد وبيده ستّ وثلاثون جراحة ، فقال للأزدي : اذهب إلى اُمّ المؤمنين عائشة وأخبرها بمكاني وإيّاك أن يطّلع على هذا محمّد بن
.
ص: 426
أبي بكر (1) ، [فأتى الأزدي عائشة فأخبرها فقالت : عليَّ بمحمّد بن أبي بكر فقال لها الأزدي : إنّه نهاني من أن يعلم بمكانه ، فقالت : لا عليك ، فلمّا أتاها محمّد بن أبي بكر] فقالت: اذهب مع هذا الرجل وائتني بابن اُختك عبداللّه .فانطلقَ معه حتّى دخلا عليه، فخرج به إلى عائشة وهي بدار عبداللّه بن خلف الّتي كانت نازلتها في البصرة (2) . ولمّا فرغ عليّ عليه السلام من بيعة أهل البصرة قسّم ما كان في بيت المال على من شهد معه (3) الوقعة فأصاب كلّ رجل (4) منهم خمسمائة دينار (5) وقال لهم : إن أظفركم اللّه بأهل الشام فلكم مثلها إلى اعطياتكم (6) .
قال القعقاع بن عمرو : ما رأيت شيئا أشبه [بشيءٍ] من قتال يوم الجمل بقتال يوم صفّين ، ولقد رأيتنا ندافعهم بأسنّة رماحنا ونتكئ على أزجّتها وهم مثل ذلك حتّى لو أنّ الرجال مشت عليها لاستقلّت بهم (7) . وقال عبداللّه بن سنان الكاهلي : لمّا كان يوم الجمل ترامينا بالنبل حتّى فنيت ، وتطاعنّا بالرماح حتّى انكسرت ، وتشبّكت في صدورنا وصدورهم حتّى لو أنّ الخيل سيرت عليها لسارت . فقال عليّ عليه السلام : السيوف يا أبناء المهاجرين والأنصار ، فما شبهت وقع أصواتها في البيض والجحف إلاّ بأصوات القصّارين (8) .
.
ص: 427
وعلم أهل المدينة بوقعة الجمل من يومها من البصرة قبل أن تغرب الشمس ، وذلك لمّا كانت تمرّ النسور حول المدينة يرى معها من أعضاء القتلى من يد ورجل وعضد وغير ذلك فيتساقط منها ، ووجد كفّ فيه خاتم نقش عبدالرحمن بن عتّاب . وعلم مَن بين مكة والمدينة لمثل ذلك لما يتساقط من النسور عليهم من أعضاء بني آدم (1) . وذكر نقلة الأخبار وأصحاب التواريخ أنّ عدّة من قُتل من أهل الجمل ستة عشر ألفا وسبعمائة وتسعون رجلاً ، وكانت (2) جملتهم ثلاثين ألفا ، فأتى القتل على أكثرٍ من نصفهم ، وأنّ عدّة من قتل من أصحاب عليّ عليه السلام ألفا وسبعون رجلاً وكانت عدّتهم عشرين ألفا ، وقيل غير ذلك ، واللّه أعلم 3 .
.
ص: 428
ولمّا انقضت وقعة الجمل اتفق حرب صفّين (1) المشتمل على وقايع يضطرب لها فؤاد الجليد ، ويشيب لها فؤاد الوليد ، ويجبن منها قلب البطل الصنديد ، وذلك أنّ عليا عليه السلام لمّا عاد من البصرة بعد فراغه من الجمل قصد الكوفة وأرسل إلى جرير بن عبداللّه البجلي (2) وكان عاملاً على هَمدان (3) استعمله عليها
.
ص: 429
عثمان (1) ، وأرسل إلى الأشعث بن قيس (2) وكان عاملاً على آذربيجان من جهة عثمان أيضا (3) ، فلمّا حضرا أخذ عليهما البيعة وأقرّهما على عملهما 4 .
.
ص: 430
ثمّ إنّ عليا عليه السلام خرج بعسكره إلى النُخيلة (1) واستنفر (2) الناس للمسير إلى معاوية وقتال أهل الشام ، فبلغ ذلك معاوية فاستشار عمرو بن العاص 3 فقال له : أمّا إذا سار إليك عليّ بنفسه فاخرج إليه بنفسك ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك (3) . فخرج معاوية وخرج معه عمرو بن العاص فكتبا الكتايب ، وعبّيا الجيوش ، وعقد معاوية لواءً لعمرو بن العاص ، ولواءً لابنيه محمّد وعبداللّه ولواءً لغلامه وردان ، وفي ذلك يقول 5 : هل يغنين (4) وردانُ عَنّيقَنْبَرا وتُغنِيَ السَكونُ (5) عنّي حِمْيَرا إذا الكُماةُ لَبِسوا السنورا (6) فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال 9 :
.
ص: 432
[مُسْتَحقبيْنَ حَلَق الدلاصي قد جنّبوا الخيل مع القلاصِ] (1) مجنِّبين الخيل بالقِلاص مستحقبين حَلَق الدِلاصِ [آساد غيلٍ حين لا مناص] ثمّ إنّ كلّ واحد منهما سار في لقاء الآخر فتوافوا على الفرات فدعا عليّ عليه السلام أبا عمرة (2) بشير بن عمرو بن مِحصَن الأنصاري 3 ، وسعد بن قيس الهمداني (3) وشبث بن ربعي التميمي (4) فقال لهم : اذهبوا إلى هذا الرجل _ يعني معاوية _ وادعوه إلى اللّه تعالى وإلى الطاعة والجماعة لعلّ اللّه تعالى أن يهديه ويلتئم شمل هذه
.
ص: 433
الاُمّة (1) . وكان ذلك في أوّل يوم من ذي الحجّة سنة ستّ وثلاثين من الهجرة ، فأتوه ودخلوا عليه ، فابتدأ (2) بشير بن عمرو الأنصاري فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : يا معاوية ، إنّ الدنيا عنك زائلة وإنّك راجع إلى الآخرة ، وإنّ اللّه تعالى محاسبك بعملك (3) ومجازيك بما قدّمت يداك (4) وإنّي اُنشدك اللّه تعالى أن لا تفرّق جماعة هذه الاُمة وأن لا تسفك دماءها فيما بينها . فقطع معاوية عليه كلامه وقال : هلاّ أوصيت (5) بذلك صاحبك ، فقال : إنّ صاحبي ليس أحد مثله وهو صاحب السابقة في الإسلام والفضل والدين والقرابة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله (6) . قال : فما الّذي عندك يا ابن عمرو ؟ وما الّذي تأمرني به ؟ قال : الّذي عندي وما آمرك به تقوى اللّه وإجابة ابن عمّك إلى ما يدعوك إليه من الحقّ فإنّه أسلم لك في دنياك وخيرٌ لك في عاقبه أمرك، قال معاوية: ونُطل (7) دم عثمان واللّه لا أفعل ذلك أبدا. ثمّ تكلّم سعد بن قيس وشبث بن ربعي ، فلم يلتفت معاوية إلى كلامهم وقال : انصرفوا من عندي فإنّه ليس بيني وبينكم إلاّ السيف (8) ، فقال له شبث بن ربعي : أفعلينا تهول (9) بالسيف ؟ واُقسم ليعجلِنّ بها إليك (10) . فأتوا عليا عليه السلام فأخبروه بالّذي كان (11) ، فجعل عليّ عليه السلام بعد إتيانهم بكلام معاوية
.
ص: 434
س يأمر الرجل ذا الشرف من أصحابه أن يخرج في خيل [فيخرج إليه جماعة من أصحاب معاوية في خيل] مثلها فيقتتلان ، ثمّ تنصرف كلّ خيل إلى أصحابها وذلك لمّا كرهوه (1) من ملاقاة جمع أهل العراق لجمع أهل الشام فيكون فيه استئصال العسكرين وذهاب الفئتين وهلاك المسلمين (2) . فكان عليّ عليه السلام يخرج مرّة ، ومرّة الأشتر (3) ، ومرّة حجر بن عدي الكندي 4 ، ومرّة شبث بن ربعي (4) ، ومرّة خالد بن
.
ص: 435
المعمر (1) ، ومرّة زياد بن النضر الحارث (2) ، ومرّة زياد بن خصفة التيمي (3) ، ومرّة سعد بن قيس الهمداني (4) ، ومرّة معقل بن قيس الرياحي (5) ، ومرّة قيس بن سعد الأنصاري (6) رضي اللّه عنهم 7 . وكان الأشتر (رض) أكثرهم خروجا للقتال 8 .
وكان معاوية يخرج إليهم عبدالرحمن بن خالد بن الوليد 9 مرّة ، ومرّة أبو الأعور
.
ص: 436
السلمي 1 ، ومرّة حبيب بن مسلمة (1) الفهري (2) ، ومرّة [ابن] ذي الكلاع الحميري (3) ، ومرّة عبيداللّه (4) بن عمر [بن الخطّاب] 6 ، ومرّة شرحبيل بن السِّمط
.
ص: 437
الكندي 1 ،
.
ص: 438
ومرّة حمزة بن مالك الهمداني (1) فاقتتلوا أيام ذي الحجّة وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرّتين (2) .
ثمّ دخلت سنة سبع وثلاثين فحصل في شهر المحرّم منها بين عليّ عليه السلام ومعاوية موادعة على الحرب طمعا في الصلح واختلفت الرسل بينهما فلم يتّفق صلح 3 . فلمّا
.
ص: 439
انسلخ المحرم أمر عليّ عليه السلام مناديا فنادى : يا أهل الشام يقول لكم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب إني استدمتكم (1) لتراجعوا الحقّ وتنيبوا إليه فلم تفعلوا ولم تنتهوا عن طغيان ولم تجيبوا إلى طاعة وإنّي قد نبذت إليكم سواء واللّه لا يحبّ الخائنين (2) . ثمّ أصبح عليّ عليه السلام فجعل على خيل [أهل] الكوفة الأشتر (3) (رض) ، وعلى خيل
.
ص: 440
[أهل ]البصرة سهل بن حنيف 1 ، وعلى رجّالة [أهل] الكوفه عمّار بن ياسر 2 (رض)،
.
ص: 443
وذلك في أوّل يوم من صفر (1) . فخرج إليهم معاوية وقد جعل على ميمنته [ابن ]ذا الكلاع الحميري (2) ، وعلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري (3) ، وعلى مقدمته أبا الأعور السلمي (4) ، وعلى خيل دمشق عمرو بن العاص (5) ، وعلى رجالة دمشق مسلم بن عقبة (6) المرّي (7) ، وعلى بقية أصحابه الضحّاك بن قيس (8)9 . وبايع رجالٌ رجالاً من أهل الشام على
.
ص: 444
الموت فعقَّلوا أنفسهم بعمائمهم (1) وكانوا خمس (2) صفوف .
فلمّا توافقت الأبطال وتصافّت الخيل للمبارزة والنزال خرج من عسكر معاوية فارس من أهل الشام معروف بشدّة البأس وقوّة المراس يقال له المخراق (3) بن عبد الرحمن (4) فوقف بين الصفّين وسأل المبارزة ، فخرج إليه فارس من أهل العراق يقال له ابن المرادي (5) فتطاعنا بالرماح ثمّ تضاربا بالصفاح وظفر به الشامي فقتله ، ثمّ نزل عن فرسه فاحتزّ (6) رأسه وحكّ بوجهه الأرض وتركه مكبوبا على وجهه ، ثمّ ركب فرسه وسأل المبارزة فخرج إليه فتىً من الأزد يقال له مسلم بن عبد ربّه (7) فقتله الشامي أيضا وفعل به ما فعل بالأوّل أيضا . ثمّ ركب فرسه وخرج إلى المبارزة فخرج إليه عليّ عليه السلام متنكرا فتجاولا ساعة ثمّ ضربه الإمام البطل الهمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالسيف جاءت عاتقه رمت بشقّه (8)
.
ص: 445
إلى الأرض وسقط ، ونزل عليّ عليه السلام عن فرسه وحزّ (1) رأس الشامي وجعل وجهه إلى السماء ، ثمّ ركب ونادى : هل من مبارز ؟ فخرج إليه فارس من فرسان الشام فقتله عليّ عليه السلام ونزل عن فرسه وحزَّ رأسه وجعل (2) وجهه إلى السماء ، ثمّ ركب ونادى : هل من مبارز فخرج إليه فارس آخر من فرسان الشام فقتله وفعل به كما فعل بصاحبيه الأوّلين ، وهكذا إلى أن قتل منهم سبعة ، فأحجم الناس عنه ولم يقدم على مبارزته أحد بعد اُولئك ، فجال بين الصفّين جولة ورجع إلى أصحابه ولم يعرفه أهل الشام لأنه كان متنكّرا (3) . ومنها : ما اتفق في بعض أيّامها وقد تقابل الجيشان ، إذ خرج فارس من أبطال عسكر أهل الشام يقال له : كريب بن الصباح (4) فوقف بين الجمعين (5) وسأل المبارزة
.
ص: 446
فخرج إليه فارس من أهل العراق يقال له المرقع الخولاني (1) فقتله الشامي ، ثمّ خرج إليه الحارث الحكمي (2) فقتله الشامي أيضا ، فنظر الناس إلى مقام فارس صنديد فخرج إليه عليّ عليه السلام بنفسه الكريمة فوقف بإزائه وقال له : من أنت أيّها الفارس فقال : أنا كريب (3) بن صالح الحميري فقال له عليّ عليه السلام : يا كريب اُحذرك اللّه في نفسك وأدعوك إلى كتابه وسنّة نبيه محمّد صلى الله عليه و آله فقال [له ]كريب : من أنت ؟ فقال أنا عليّ بن أبي طالب ، يا كريب اللّه اللّه في نفسك فإنّي أراك بطلاً فارسا فيكون لك مالنا وعليك ما علينا ولايغررك معاوية ، فقال : ادنُ منّي يا عليّ ، وجعل يلوح بسيفه فجرّد الإمام سيفه ودنا منه فتجاولا ساعة ثمّ اختلفا بضربتين فسبقه الإمام بالضربة فقتله وسقط إلى الأرض (4) ثمّ نادى : هل من مبارز ؟ فخرج إليه الحارث الحميري (5) فقتله وسقط على الأرض ، وهكذا لم يزل يخرج إليه فارس بعد فارس إلى أن قتل منهم أربعة (6) وهو يقول : «الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَ_تُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [وَاتَّقُواْ اللَّهَ ]وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» (7) .
.
ص: 447
ثمّ قال (1) عليّ عليه السلام : يا معاوية هلمّ إلى مبارزتي لا تفنى العرب بيننا (2) ، فقال معاوية : لا حاجة لي في مبارزتك فقد قتلت أربعة من أبطال العرب فحسبك (3) . فصاح فارس من أصحاب معاوية يقال له عروة (4) فقال : يا ابن أبي طالب إن كان معاوية قد (5) كره مبارزتك فأنا (6) ، وجرّد سيفه وخرج للإمام فتجاولا ثمّ إنّه سبق الإمام بضربة تلقّاها عليّ عليه السلام في سيفه ، ثمّ إنّ عليا عليه السلام ضربه ضربةً على رأسه ألقاه إلى الأرض قتيلاً (7) ، فعظم على أهل الشام قتل عروة لأنه كان من أعظم شجعانهم ومشاهير فرسانهم ثمّ حجز الليل بينهم . ومنها : ما اتّفق أيضا في بعض أيّامها وقد تقابل الجيشان إذ خرج عليّ بن أبي طالب عليه السلام متنكّرا فدعا بالمبارزة 8 فقال معاوية لعمرو بن العاص : عزمت عليك إلاّ
.
ص: 448
ما خرجت لمبارزة هذا الفارس ، فخرج إليه عمرو وهو لا يعرف أنه عليّ ، فلمّا رآه عليّ عرفه فاطّرد (1) بين يديه ليبعده عن أصحابه (2) ، فتبعه عمرو هو يقول : 3
يا قادة الكوفة يا أهل الفتن أضربكم ولاأرى أبا الحسن فكرّ عليه عليّ عليه السلام وهو يقول : أبو الحسين فاعلمنّ والحسن قد جاك يقتاد العنان والرسن فعرفه عمرو فولّى عنه ركضا وهو يقول : مكره أخاك لا بطل ، فلحقه عليّ عليه السلام فطعنه طعنة جاءت في فضول (3) درعه فألقته إلى الأرض فظنّ أنّ عليا قاتله فرفع
.
ص: 449
رجليه (1) فبدت سوأته ، فصرف عليّ عنه وجهه راجعا إلى عسكره وهو يقول : عورة المؤمن حمى ، فقام عمرو فركب فرسه وأقبل على معاوية فجعل معاوية يضحك (2) منه ، فقال عمرو: ممّ تضحك؟ واللّه لو تكن أنت وبدا له من صفحتك ما بدا [له ]من صفحتي لصرت كذلك وما أقالك ، فقال له معاوية : لو كنت أعلم أ نّك ما تحمل مزاحا ما مازحتك ، فقال عمرو : وما أحملني للمزاح ولكنّي رأيت أن لقي رجل رجلاً قصد أحدهما على الآخر انفطر السماء دما ، فقال معاوية : ولكنها سوأة تعقب فضيحة الأبد ، أما واللّه لو عرفته ما قدمت عليه . والى ذلك أشار أبو فراس بقوله : ولا خير في دفع (3) الردى بمذلّة كما ردّها يوما بسوأته عمرو ثمّ إن فارسا من فرسان معاوية كان مشهورا بالشجاعة يقال له بُسر بن أرطاة 4
.
ص: 450
حدّثته نفسه بالخروج إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومبارزته ، وكان له غلام شهم شجاع يقال له لاحق (1) فشاوره في ذلك فقال : ما اُشير عليك إلاّ أن تكون واثقا من نفسك (2) إنّك (3) من أقرانه ومن فرسان ميدانه فابرز إليه فإنّه الأسد (4) الخادر والشجاع
.
ص: 451
المطرق ، وأنشد العبد يقول 1 :
فأنت له يابُسر إن كنتَ مثله وإلاّ فإنّ الليث للضبع آكل متى تلقه فالموت في رأس رمحه وفي سيفه شغل لنفسك شاغل قال : ويحك هل هو إلاّ الموت ، واللّه لابدّ لي من مبارزته على كلّ حال (1) . فخرج بُسر بن أرطاة لمبارزة عليّ فلمّا رآه عليّ عليه السلام حمل عليه ودقّه بالرمح ، فسقط على قفاه إلى الأرض فرفع رجليه (2) فبدت سوأته ، فصرف عليّ عليه السلام وجهه فوثب بُسر قائما وقد سقطت البيضة (3) عن رأسه فعرفه أصحاب عليّ ، فصاحوا به : يا أمير المؤمنين إنّه بُسر بن أرطاة لا يذهب ، فقال [رض] : دعوه (4) وإن كان فعليه ما يستحقّ ، فركب جواده ورجع إلى معاوية . فجعل معاوية يضحك منه ويقول له : لا عليك ولا تستحي ، فقال (5) : نزل بك ما نزل بعمرو فصاح رجل (6) من أهل الكوفة : ويلكم يا أهل الشام أما تستحون من كشف الاستاه ، وأنشد بقوله 8 : ألا (7) كلّ يوم فارس بعدفارس (8) له عورة وسط (9) العجاجة بادية يكفّ حيا لها (10) عليّ سنانه ويضحك منها في الخلاء معاويه بدت أمس من عمرو فقنّع (11) رأسه وعورة ، بُسر مثلها حذو حاذيه فقولا لعمرو وابن أرطاة أبصرا سبيلكما لاتلقيا الليث ثانيه ولا تحمدا إلاّ الحياه (12) وخصاكما هما كانتا واللّه للنفس واقيه فلولاهما لم تنجوا من سنانه وتلك بما فيها عن العود كافيه ناهيه (13) متى تلقيا الخيل المشيحة (14) صُبْحَةً وفيها عليٌّ فاتركا الخيل ناحيه وكان بُسر بن أرطاة يضحك من عمرو وصار عمرو يضحك منه (15) ، وتحامى أهل الشام عليا وخافوه خوفا شديدا (16) ولم يقدر (17) واحد منهم مبارزته ، وصار عليّ عليه السلام لا يخرج إلى المبارزه إلاّ متنكّرا . ثمّ إنّ مولى من موالي عثمان يقال له الأحمر 20 وكان شجاعا خرج يبغي المبارزة ، فخرج له مولى لعلي يقال له كيسان 21 فحمل كلّ منهما على صاحبه فسبقه الأحمر بالضربة فقتله (18) ، فقال عليّ : قتلني اللّه إن لم أقتلك به (19) . فكرّ عليّ على
.
ص: 452
العبد فرجع العبد عليه بالسيف فضربه فتلقّاها عليّ بسيفه فنشب (1) السيف بالسيف ، فدنا عليّ منه ومدّ يده إلى عنقه فقبض (2) عليها ورفعه عن فرسه وجلد (3) به الأرض فكسر ظهره وأضلاعه ورجع عنه (4) . وكان لمعاوية عبدٌ يقال له حريث (5) وكان فارسا بطلاً شجاعا ومعاوية يحذّره من التعرّض لعليّ بن أبي طالب عليه السلام (6) فخرج عليّ متنكّرا يطلب المبارزة وقد عرفه عمرو بن العاص فقال لحريث : «عليك بهذا الفارس لايفوتنّك اقتله وتشيع به ، فخرج له حريث وهو لا يعرف أنه عليّ ، فما كان بأسرع من أن ضربه الإمام بالسيف ضربةً على اُمّ رأسه سقط منها إلى الأرض قتيلاً ، وتبين لمعاوية ولأهل الشام أنّ قاتله عليّ بن أبي طالب عليه السلام فشقّ ذلك على معاوية وقال لعمرو : أنت قتلت عبدي وغررته ولم يقتله أحد غيرك (7) .
.
ص: 453
. .
ص: 455
أصحاب عليّ عليه السلام وخرج إليه فارس مشهور يقال له غرار (1) من أصحاب معاوية فقال : يا عباس هل لك في المبارزة ؟ فقال العباس : هل لك في المنازلة ، فقال : نعم ، فرمى كلّ واحد منهما بنفسه عن فرسه وتلاقيا وكفّ أهل الجيشين (2) أعِنَّة خيولهم عنهما لينظرا ما يكون من أمرهما ، فتجاولا ساعةً بسيفهما فلم يقدر أحد منهما على الآخر . ثمّ إنّهما تجاولا ثانيةً فتبيّن للعباس وهن في درع الشامي ، وكان سيف العباس قاطعا فضربه بالسيف على وسطه (3) من فوق الدرع فقسمه (4) بنصفين فكبّر الناس وعجبوا لذلك . وعطف العباس على فرسه فركبها وجال بين الصفّين (5) ، فقال معاوية لأصحابة من خرج منكم إلى العباس (6) فقتله فله عندي ديتان (7) ، فخرج فارسان من لخم (8) وقال كلّ واحد منهما : أنا له ، فقال اخرجا [إليه ]فأيّكما [سبق إلى] قتله فله من
.
ص: 456
المال عندي ما قلت (1) وللآخر نصف مثله (2) ، فخرجا جميعا ووقفا في مقرّ المبارزة (3) ثمّ صاحا : يا عباس هل لك في المبارزة فابرز لأيّنا اخترت ، فقال : [حتّى ]أستأذن أميري (4) وأرجع إليكما فجاء إلى عليّ عليه السلام فاستأذنه فقال عليّ (رض) : أنا لهما ادنُ منّي يا عباس وهات لبسك وفرسك وجميع ما عليك وخذ لبسي وفرسي . ثمّ إنّ عليّا عليه السلام خرج إليهما فجال بين الصفّين وكلّ من رأه يظنّه العباس فقال له اللخميان : استاذنت صاحبك (5) فتحرّج عليّ عليه السلام من الكذب فقال : «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَ_تَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُ_لِمُواْ وَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ» (6) فتقدّم إليه أحدهما فاختلفا (7) بضربتين سبقه أمير المؤمنين بالضربة فجاءت (8) على بطنه (9) فقطعته بنصفين ، فتقدّم إليه الآخر فما كان بأسرع من طرفة عين من أن ألحقه بصاحبه ، وجال بين الصفّين جولة ورجع إلى مكانه ، فتبيّن لأهل الشام ومعاوية أنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام ولكنه تنكّر ، فقال معاوية : قبّح اللّه اللجاج ، إنّه لقعود ما ركبه أحد قطّ إلاّ خذله (10) ، فقال عمرو : المخذول واللّه اللخميان لا [أنت] (11) .
.
ص: 457
ومنها : ليلة الهرير 1 الّتي كلما أردى (1) عليّ [رض] فيها قتيلاً أعلن عليه بالتكبير فاُحصيت (2) تكبيراته في تلك الليلة فكانت خمسمائة تكبيرة وثلاثا وعشرين تكبيرة بخمسمائة وثلاثا وعشرين قتيلاً (3) ، وكان الناس يتلاطمون في تلك (4)
.
ص: 458
الليلة تلاطم السيول والأمواج ويتصادمون تصادم الفحول عند الهياج . ولمّا أسفر صبح هذه الليلة عن ضياء وحسر الليل عن ظلماته كانت عدّة القتلى من الفريقين ستّة وثلاثون ألفا (1) ، وكانت هذه الليلة ليلة الجمعة . وأصبح أمير المؤمنين عليه السلام والمعركة كلّها خلف ظهره وهو في قلب معسكره والأشتر (2) (رض) في الميمنة وابن عباس (رض) في الميسرة (3) والناس يقتتلون (4) من كلّ جانب ولوائح النصر لائحة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام والأشتر يزحف في الميمنة يقاتل بها ويقول لأصحابه : ازحفوا قبل هذا الرمح ، ويزحف بهم زحفةً ثانية ويقول: قيد هذا القوس ، وكلّما فعلوا (5) ، يزحف نحو أهل الشام ويقول مثل ذلك 6 .
.
ص: 459
ولمّا رأى عليّ بن أبي طالب عليه السلام الظفر من ناحية الأشتر(رض) أمدّه برجال (1) . ولمّا رأى عمرو بن العاص (2) وهن أهل الشام وخورهم وأنّ أهل العراق استعلوا عليهم وأنّ الحرب قد فضت (3) أصحابه وقد تضاحى عليهم النهار وتخايل
.
ص: 460
منهم (1) الهزيمة والفرار (2) قال لمعاوية : هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلاّ اجتماعا ولا يزيدهم إلاّ فرقة ؟ قال : نعم (3) : قال : ترفع المصاحف على رؤوس الرماح ثمّ تقول : ندعوكم لما فيها ، وهذا حَكمٌ بيننا وبينكم ، فإن أبى بعضهم أن يقبلها وجدتَ فيهم مَن يقول : ينبغي أن نقبل كتاب اللّه عزّ وجلّ فيكون فرقة بينهم ، وان قبلوا لما فيها رفع القتال عنّا إلى أجل 4 . فرفعوا المصاحف على رؤوس الرماح (4) وقالوا : هذا كتاب اللّه بيننا وبينكم مَن
.
ص: 461
لثغور أهل الشام ؟ ومَن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق ؟ (1) فلمّا رآها الناس قالوا : نجيب إلى كتاب اللّه تعالى (2) ، فقال لهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام : عباد اللّه امضوا إلى (3) حقّكم وصدقكم في قتال عدوّكم ، فإنّ معاوية وعمرو بن أبي معيط وابن أبي سرح والضحّاك أنا اعرف بهم منكم ليسوا بأصحاب قرآن وقد صحبتهم أطفالاً ثمّ رجالاً ، ويلكم واللّه ما رفعوها إلاّ مكيدة وخديعة وقد وهنوا (4) . فقال أصحاب عليّ عليه السلام القرّاء منهم : ما يسعنا (5) أن نُدعى إلى كتاب اللّه عزّ وجلّ فنأبى أن نقبله ؟ ! فقال لهم عليّ عليه السلام : إنّي إنّما اُقاتلهم ليدينوا (6) لحكم الكتاب فإنّهم قد عصوا اللّه تعالى فيما يأمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه (7) . فقال له مسعر (8) بن فدكي التميمي وزيد بن حصين (9) الطائي في عصابة من القرّاء الّذين صاروا خوارج فيما بعد (10) : يا عليّ 11
.
ص: 462
أجب إلى كتاب اللّه تعالى إذا دعيت إليه وإلى ما فيه أوّلاً وإلاّ دفعناك برمّتك إلى القوم (1) . وكان الأشتر (رض) في الميمنة وعليّ عليه السلام في القلب وابن عباس في الميسرة على ما سبق ذكره . فكفّ عليّ وابن عباس عن القتال (2) ولم يكفّ الأشتر (3) وذلك لمّا رأى من لوايح النصر والظفر فقالوا : ابعث إلى الأشتر فليأتك ويكفّ عن القتال فبعث إليه عليّ يزيد بن هانئ يستدعيه (4) ، فقال الأشتر : قل لأمير المؤمنين : ليست هذه الساعة بالساعة الّتى ينبغي أن يزيلني بها عن موقفي (5) فإنّي قد وجدت ريح الظفر (6) . فأتى عليا وأخبره بمقالته فردّه إليه ثانيا وهو يقول له : اقبل إليَّ فإنّ الفتنة قد وقعت ، فجاءه (7) الأشتر (رض) وقال : ما هذا ؟ أ لرفع المصاحف ؟ قال : نعم ، قال : واللّه لقد ظننت أنها ستوقع (8) اختلافا وفرقةً وأنها مشورة ابن العاص (9) .
فأقبل الأشتر على القوم من أصحابه وقال : يا أهل العراق يا أهل الذلّ والوهن ، أحين عَلَوتم القوم وعرفوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها؟ ويلكم أمهلوني فُوَاقا فإنّ الفتح قد حصل والنصر قد أقبل ، قالوا : لا يكون ذلك أبدا فقال : أمهلوني عدو الفَرس ، قالوا : إذن ندخل معك في خطيئتك ، قال : محدِّثوني 10
.
ص: 463
عنكم متى كنتم محقِّين؟ أحِينَ تقاتلون وخياركم يقتلون ؟ أم الآن حين أمسكتم (1) عن القتال ؟ فقالوا : دعنا منك يا أشتر قاتلناهم للّه وندعهم للّه ، قال : خدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب الجباه السُّود ، كنّا نظنّ أنّ صلاتكم زَهادةٌ في الدنيا وشوقا إلى لقاء اللّه تعالى فلا أرى فراركم إلاّ إلى الدنيا من الموت (2) . يا أشباه النيب (3) الجلاّلة ما أنتم برائين بعدها عِزّا أبدا ، فابعدُوا كما بعُدَ القومُ الظالمون . فسبّوه وسبَّهم وضربوا وجه دابّته ، فصاح بهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام ]فكَفُّوا] 4 .
.
ص: 464
واتفق الناس على أن يجعلوا القرآن حَكما بينهم (1) ورضوا (2) بذلك ، فجاء الأشعث (3) إلى عليّ عليه السلام فقال : أرى الناس قد رضوا وسرّهم بما دُعوا إليه من حُكم القرآن بينهم (4)
.
ص: 465
فإن (1) شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد (2) ، قال : ائته ، فأتاه (3) فقال : لأيّ شيءٍ رفعتم هذه المصاحف ؟ قال : لنرجع (4) نحن وأنتم إلى ما أمر اللّه تعالى في كتابه تبعثون (5) رجلاً [منكم ]ترضونه ونبعث رجلاً [منّا] نرضاه ونأخذ عليهما أن لا يعملا إلاّ بما في كتاب اللّه تعالى لايعدوانه ، ثمّ نتبع ما اتّفقا عليه (6) ، قال الأشعث : هذا هو الحقّ ، فانصرف (7) إلى عليّ فأخبره بما قال معاوية . فقال الناس: قد رضينا ذلك وقبلناه ، فقال أهل الشام اخترنا (8) عمرا ، وقال الأشعث واُولئك الّذين صاروا خوارج فيما بعد : نرضى بأبي موسى الأشعري (9) ، فقال لهم عليّ عليه السلام ، قد عصيتموني في أول الأمر ولا تعصوني الآن لا أرى أن تولّوا أبا موسى الحكومة فإنّه يضعف عن عمرو ومكايده (10) ، فقال الأشعث ، وزيد بن
.
ص: 466
حصين [الطائي] ، ومسعر (1) بن فدكي : لا نرضى إلاّ به فإنّه قد حذّرنا ممّا وقعنا فيه فلم نسمع منه (2) ، فقال عليّ عليه السلام : إنّ أبا موسى لا يكمل (3) في هذا الأمر (4) ولكن هذا ابن عباس دعوني نوليه (5) فإنّه أدرى منه بهذه الاُمور (6) فقالوا : واللّه لا نبالي أنت كنت أم ابن عباس لا نريد إلاّ رجلاً هو منك ومن معاوية سواء (7) ، فقال : فدعوني أجعل الأشتر (8) ، قالوا : وهل سعّر الأرض نارا إلاّ الأشتر ؟ ! فقال : قد أبيتم أن ترضوا إلاّ أبا موسى ؟ 9
.
ص: 467
قالوا : نعم ، قال : فاصنعوا ماأردتم (1)(2) .
فبعثوا إلى أبي موسى وجاؤوا (3) به وكان معتزل القتال (4) عن (5) الفئتين ، فأتاه مولى له فقال له : إنّ الناس قد اصطلحوا ، فقال : الحمد للّه (6) فقال إنهم قد جعلوك حَكما بينهم ، فقال إنّا للّه وإنّا إليه راجعون (7) . ولمّا حضر أبو موسى جاء الأحنف بن قيس إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكان الأحنف أيضا معتزل القتال عن الفئتين فقال: يا أميرالمؤمنين إنّك رُميت بحجر الأرض عمرو بن العاص وإنّي قد عجمت عود هذا الرجل (8) وحلبت أشطره (9) فوجدته كليل
.
ص: 468
الشّفرة قريبَ القعر وإنّه لا يصلح لهؤلاء القوم إلاّ رجل يدنو منهم حتّى يصير (1) في أكفُهم ويبعد (2) حتّى يصير (3) بمنزلة النجم منهم ، فإن أبيت (4) أن تجعلني حَكما وإلاّ فاجعلني ثانيا أو ثالثا فإنّه لن يعقد عمرو عقدةً إلاّ حللتها ، ولن يحلّ (5) عقدةً إلاّ ربطتها (6) . فقال له عليه السلام : ان الناس قد أبوا ولن يرضوا بأحد إلاّ أبا موسى 7 . وحضر عمرو بن العاص عند عليّ عليه السلام ليكتب القصّة بحضوره فكتب الكاتب (7) : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما تقاضى عليه أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومعاوية بن أبي سفيان 9 ومن معهما ، فقال عمرو بن العاص : هو أميركم وأمّا أميرنا
.
ص: 469
فلا ، امح اسم الإمرة ، فقال الأحنف بن قيس لأمير المؤمنين : لا تمحها ولو (1) قتل الناس بعضهم بعضا فإني أتخوّف إن محوتها لا ترجع إليك أبدا (2) ، فأبى ذلك عليٌّ مليا من النهار ثمّ إنّ الأشعث بن قيس كلّمه في ذلك فمحاه ، وقال عليّ عليه السلام : اللّه أكبر سنة بسنة (3) ، واللّه إنّي لكاتب رسول اللّه يوم الحديبية فكتب : محمّد رسول اللّه ، فقال المشركون : لست برسول اللّه ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ، فأمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمحيه ، فقلت : لا أستطيع ، قال : فأرنيه فأريته إيّاه فمحاه بيده وقال : إنّك ستدعى إلى مثلها فتجيب ، قال عمرو : سبحان اللّه أنشبه الكفّار ونحن مؤمنون (4) ؟ ! فقال : اكتبوا : هذا ما تقاضى (5) عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان . قاضى عليّ على أهل الكوفة ومَن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين (6) ، وقاضى معاوية على أهل الشام ومن معهم (7) إنّا ننزل عند حُكم اللّه وكتابه ، وأن لا يكون بيننا غيره ، وأنّ كتاب اللّه تعالى بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحيا ما أحيا ونميت ما أمات (8) . فما وجد الحَكمان [ذلك ]في كتاب اللّه تعالى اتّبعناه وهما أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص عملا به وما لم يجدا في كتاب اللّه تعالى فالسنّة العادلة الجامعة غير المفرقة ، وأخذ الحَكمان من عليٍّ ومعاوية وجنديهما عهودا ومواثيق أنهما آمنان على أنفسهما
.
ص: 470
[وأموالهما ]وأهليهما والاُمّة لهما أنصار على الّذي يتقاضيان (1) عليه وعلى أبي موسى عبداللّه بن قيس وعمرو عهد اللّه وميثاقه أن يحكما بين هذه الاُمّة بحكم القرآن ولا يردّاها في حرب ولا فرقة حتّى يقضيا وأجل القضاء إلى انسلاخ رمضان (2) ، وإن أحبّا أن يؤخّرا ذلك أخّراه وأنّ مكان قضيّتهما مكانا عدلاً بين أهل الكوفة وأهل الشام (3) .
وكتب في الصحيفة الأشعث بن قيس ، وعدي بن حجر ، وسعد بن قيس الهمداني ، وورقاء بن شمس ، وعبداللّه بن عكل العجلي ، وحجر بن عدي الكندي ، وعقبة بن زياد الحضرمي ، ويزيد بن حجرة التميمي ، ومالك بن كعب الهمداني ، هؤلاء كلّهم من أصحاب عليٍّ عليه السلام 4 .
.
ص: 471
وكتب من أصحاب معاوية : أبو الأعور السلمي ، وحبيب بن مسلمة ، وزمل (1) بن عمرو العذري (2) ، ومرّة بن مالك الهمداني ، وعبدالرحمن بن خالد المخزومي ، وسبيع بن يزيد الأنصاري ، وعتبة بن أبي سفيان ، ويزيد بن الحارث العبسي 3 . وخرج بالكتاب الأشعث بن قيس يقرأه (3) على الناس (4) وكانت كتابته يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين (5) ، واتّفقوا على أن
.
ص: 472
يكون اجتماع الحَكمين _ وهما أبو موسى عبداللّه بن قيس الأشعري وعمرو بن العاص بن وايل السهمي _ بدومة الجندل 1 وهو موضع كثير النخل وبه حصن اسمه مارد قال أبو سعيد الضرير : دومة الجندل في غايظ من الأرض خمسة فراسخ فيها عين تسقي النخل والزرع ، انتهى .
ثمّ رجع الناس عن صفّين ولمّا رجع عليّ عليه السلام إلى الكوفة خالفت الحرورية 2
.
ص: 473
وخرجت وانكرت التحكيم وقالت : لا حكم إلاّ للّه ، 1 ولا طاعة لمن عصى (1) . وكان ذلك أوّل ما ظهر من مرامهم (2) ورجعوا إلى غير الطريق الّذي كانوا فيه .
.
ص: 474
ولمّا جاء (1) أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام النُّخَيْلة (2) ورأى بيوت الكوفة فإذا بعبد اللّه بن وديعة الأنصاري (3) قد لقاه فدنا منه (4) وسلّم عليه وقال : مرحبا يا أمير المؤمنين ، ثمّ إنّه سايره فقال له عليّ عليه السلام : ما سمعت الناس يقولون [في أمرنا هذا؟] (5) قال: يقولون: إنّ عليّا كان له جمع عظيم ففرَّقه،وكان له حصن حصين فهدمه فمتى يبني ما انهدم (6) ويجمع ما تفرّق (7) ؟ ولو كان مضى بمن أطاعة إذ عصاه من عصاه فقاتل حتّى يظفر (8) أو يهلك كان ذلك (9) الحزم (10) . فقال عليّ عليه السلام : أنا هدمت أم هم هدموا ؟ أنا فرّقت أم هم فرّقوا ؟ وأمّا قولهم «كان يمضي بمن أطاعه فيقاتل حتّى يظفر أو يَهلك» فواللّه ما غبِيَ (11) هذا عنّي وإن كنت لسخيّا (12) بنفسي عن الدنيا طيّب النفس بالموت ولقد هَممتُ بالإقدام على القوم فنظرت إلى هذين قد ابتدراني _ يعني الحسن والحسين عليهماالسلام _ ونظرت إلى هذين الآخرين وقد استقدماني _ يعني عبداللّه بن جعفر ومحمّد ابن الحنفية(رض) فعلمت أنّ هذين إن هلكا انقطع نسل محمّد صلى الله عليه و آله (13)
.
ص: 475
من هذه الاُمّة فكرهتُ ذلك ، وأشفقت أيضا على هذين أن يهلكا على أثرهما ؛ وأيم اللّه إن لقيتهم (1) بعد يومي هذا لألقينّهم وهم معي في معسكر (2) . ثمّ حرّك دابته ومضى وإذا على جنبه قبور ستة أو سبعة (3) فقال عليّ عليه السلام : لمن هذه القبور ؟ فقالوا (4) : يا أميرالمؤمنين الخبّاب بن الأرت بعد مخرجك أوصى إن مات أن يدفن ظاهر البلد 5 . وكان الناس قبل ذلك يدفنون موتاهم في دورهم وأفنيتهم ، وكان أوّل من دُفن بظاهر الكوفة هو ودُفن الناس إلى جنبه (5) ، فقال عليّ عليه السلام : رحم اللّه خبّابا ، فلقد أسلم راغبا ، وهاجَر طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتُليَ في جسمه (6) أحوالاً (7) ، ولن يُضيع اللّه أجرَ من أحسنَ عملاً (8) . ووقف عليهما وقال : السلام عليكم
يا أهل الديار الموحِشة ، والمَحالِّ المقفرة من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، أنتم لنا سَلفٌ (9) ونحن لكم تَبع وبكم عَمّا قليل لاحِقون ، اللّهمّ اغْفِر لنا ولهم وتجاوز بعفوك عنّا وعنهم ، طوبى لمن ذكر المَعَاد ، وعَمِل للحساب ، وقَنَع بالكَفاف ، ورضي عن اللّه عزّ وجلّ (10) . ثمّ أقبل حتّى حاذى سكّة الثوريّين (11) فسمع البكاء فقال : ما هذه الأصوات ؟ فقيل : البكاء على قتلى صفين (12) ، فقال عليه السلام :أمّا إنّى أشهدُ لمن قُتِل منهم صابرا محتسبا بالشهادة . ثمّ مرّ بالفائشيّين (13) فسمع مثل ذلك ، ثمّ مر بالشباميّين (14) فسمع مثل ذلك وسمع معه رجّة (15) شديدة (16) فوقف فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي (17) فقال له أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : ما هذا! تغلبكم نساؤكم ؟
.
ص: 476
ألا تنهونهنّ عن هذه الفعال (1) ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا أو أربعا قَدَرْنا على ذلك ولكن قُتل من هذا الحيِّ وحده مائة وثمانون قتيل (2) فليس دارا إلاّ وفيها البكاء ، وأمّا نحن معشر (3) الرجال فإنّا لا نبكي ولكن نفرح لهم بالشهادة (4) ، فقال عليّ عليه السلام : رحم اللّه قتلاكم ، وغفر لموتاكم (5) . وأقبل حرب يمشي وعليّ عليه السلام راكب فقال له : ارجع ، وأمسك دابّته عن السير ، فقال: بل أمشي بين يديك يا أمير المؤمنين ، فقال : بل ارجع فإنّ مَشْيَ مثلك مع مثلي فتنةٌ للموالي ومَذلّه للمؤمنين (6) . ثمّ مضى فلم يزل يذكر اللّه تعالى حتّى دخل الكوفة 7 . قال ابن خيثمة: وفي أوائل سنة سبع وثلاثين سار معاوية من الشام وكان قد دعا لنفسه وعليّ بن أبي طالب عليه السلام من العراق فالتقيا بصفين الفرات (7) . فقُتل من أصحاب عليّ عليه السلام
.
ص: 478
وكان عدّة عسكره تسعون (1) ألفا . وقُتل من أصحاب معاوية خمس وأربعون ألفا (2) وكان عدّتهم مائة ألف وعشرون ألفا (3) . وذكر أنهما أقاما بصفين مائة يوم وعشرة أيام (4) وكان بينهم سبعون وقعة ، ثمّ
.
ص: 479
تداعيا إلى الحكومة فرضي عليّ وأهل الكوفة بأبي موسى الأشعري ، ورضي معاوية وأهل الشام بعمرو بن العاص ، وعلى أنّ الحَكمين يجتمعان بدومة الجندل بأن ينظرا للمسلمين ويتفقان على حالة واحدة ورأي واحد ويختارا أمرا يكون فيه مصلحة للمسلمين وائتلاف الفريقين ومهادنة بين الفئتين ، انتهى .
ولمّا دخل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام الكوفة لم يدخل الخوارج معه وأتوا حرورا (1) فنزلوا بها وهم اثنا عشر ألفا (2) ، ونادى مناديهم : إنّ أمير القتال شبث بن ربعي التميمي (3) ، وأمير الصلاة عبداللّه بن الكوّاء اليشكري 4 ، والأمر
.
ص: 480
شورى بعد الفتح والبيعة للّه عزّ وجلّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1) ، وزعموا أنّ عليا عليه السلام كان إماما إلى أن حَكم الحَكمين فشكّ في دينه وحار في أمره وأنه الحيران الّذي ذكره اللّه في القرآن بقوله تعالى : «لَهُ أَصْحَ_بٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى» (2) وكذبوا فيما زعموا _ قاتلهم اللّه _ وإنّما ضرب اللّه تعالى بالآية المذكورة مثلاً لغيره كما هو معروف في كتب التفاسير وليس عليّ عليه السلام بحيران بل به يهتدي الحيارى .
ولمّا سمع عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو وأصحابه ذلك بعث إليهم عبداللّه بن عبّاس وقال له : لا تعجل في (3) جوابهم وخصومتهم حتّى آتيك فإنّي في أثرك (4) ، فلمّا أتاهم
.
ص: 481
عبداللّه بن عباس رحّبوا به وأكرموه (1) . وقالوا : ما الّذي جاء (2) بك يا ابن عبّاس ؟ قال : جئتكم من عند خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله (3) وابن عمّه (4) وأعلمنا بربّه وسنّة نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله 5 ، فقالوا : يا ابن عباس إنّا أذنبنا ذنبا عظيما حين حكّمنا الرجال في دين
.
ص: 482
اللّه تعالى ، فإن تاب كما تبنا ونهض لمجاهدة عدوّنا رجعنا إليه (1) .
فلم يصبر ابن عباس على (2) مجاوبتهم وقال : اُنشدكم اللّه إلاّ [ما] صدقتم ، أما قال اللّه تعالى : «فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَ_حًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَآ» (3) في حقّ المرأة وزوجها ؟ قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : فكيف باُمة محمّد صلى الله عليه و آله (4) ؟ فقالت الخوارج : أمّا ما جعل اللّه تعالى حكمه إلى الناس وأمرهم بالنظر فيه والاصلاح له فهو إليهم ، وأمّا ما حكم به وأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه ، حكم في الزاني (5) مائة جلدة ، وفي السارق بقطع يده (6) ، فليس للعباد أن ينظروا في هذا (7) . فقال ابن عباس(رض) :[و] قال اللّه تعالى : «يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ [ وآخران من غيركم ] هَدْيَا بَ__لِغَ الْكَعْبَةِ» (8) في أرنب يساوي ربع درهم يصاد فى الحرم 9 ، فقالوا :
.
ص: 483
[أ] تجعل الحكم في الصيد وشقاق الرجل وزوجته كالحكم في دماء المسلمين ؟ (1) ثمّ قالوا له: أعدل (2) عندك عمرو بن العاص وهو بالأمس يقاتلنا [ويسفك دماءنا]؟ فإن كان عدلاً فلسنا بعدول [ونحن أهل حربه] وقد حكمتم بأمر اللّه تعالى : «الرِّجَالُ قَوَّ مُونَ عَلَى النِّسَآءِ» (3) وقد أمضى اللّه تعالى حكمه في معاوية وأصحابه أن يُقتلوا أو يرجعوا ، وقد كتبتم بينكم وبينهم كتابا وقد جعلتم بينكم الموادعة ، وقد قطع اللّه الموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة إلاّ من أقرّ بالجزية (4) . ثمّ خرج عليّ عليه السلام في أثر عبداللّه بن عباس فانتهى إليهم وهم يخاصمونه وهو يخاصمهم، فقال له عليّ عليه السلام :ألم أنهك عن كلامهم (5) ؟ثمّ قال لهم عليّ عليه السلام : مَن زعيمكم؟ قالوا: عبداللّه بن الكوّاء ، فقال لهم : عليَّ به ، فلمّا حضر قال له عليّ عليه السلام : ما أخرجكم علينا هذا المخرج ؟ قالوا : حكومتكم (6) يوم صفين ، فقال له عليّ : اُنشدكم (7) اللّه تعالى ألم أقل لكم حين (8) رفعوا المصاحف : أنا أعلم بالقوم منكم ، إنّهم استحر بهم القتل ، وإنّما رفعوها خديعةً ومكيدةً لكم ليفتنوكم ويثبّطوكم عنهم ويقطعون الحرب ويتربّصون بكمُ الدوائر [وذكر لهم جميع ما كان في ذلك اليوم ]فلم تسمعوا منّي ، واشترطت على الحَكمين أن يحييا ما أحيا القرآن ويميتا ما أمات القرآن (9) ، فان
.
ص: 484
حَكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالفه ، وإن أبيا فنحن من حُكمهما براء 1 .
.
ص: 485
فقالوا : «أخبرنا عن عمرو أتراه عدلاً حتّى تحكّمه في الدماء (1) ؟ قال : إنّما حكّمت القرآن ، وهذا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين دفّتين لا ينطق إنّما (2) يتكلّم به الرجال (3) . فقالوا فأخبرنا (4) عن الأجل لِمَ جعلته فيما بينك وبينهم ؟ (5) قال : ليعلم الجاهل ويتثبّت (6) العالم ولعلّ اللّه عزّ وجلّ أن يصلح الاُمّة في هذه الهدنة (7) هذه المدة ويلهمها رشدها (8) .
قالوا : فأخبرنا عن يوم كتبت الصحيفة إذ كتب الكاتب : هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، فأبى عمرو أن يقبل منك أنك أمير المؤمنين ، فمحوت اسمك من إمرة المؤمنين فقلت (9) للكاتب : اكتب هذا ما تقاضى عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان . فإن لم تكن أنت أمير
.
ص: 486
المؤمنين ونحن المؤمنون فلست بأمير (1) ، فقال عليّ عليه السلام :يا هؤلاء أنا كنت كاتب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الحديبية ، فقال النبى صلى الله عليه و آله : اكتب : هذا ما اصطلح (2) عليه محمّد رسول اللّه وسهيل بن عمرو ، فقال سهيل : لو علمنا أنك رسول اللّه ما صددناك ولا قاتلناك ، فأمرني رسول اللّه فمحوت اسمه من الكتاب وكتبت : هذا ما اصطلح عليه محمّد بن عبداللّه . وإنمّا محوت اسمي من إمرة المؤمنين كما محا رسول اللّه اسمه من الرسالة،فكان لي به اُسوة فهل عندكم شيء غير هذا تحتجّون عليَّ به؟ فسكتوا (3) . فقال لهم: قوموا فادخلوا مصركم يرحمكم اللّه (4) ، قالوا: ندخل ولكن نريد أن نمكث مدّة الأجل الّذي بينك وبين الحكمين هاهنا ليجبى المال ويسمن الكراع (5) ثمّ ندخل (6) . فانصرف عنهم عليّ عليه السلام وهم كاذبون فيما زعموه قاتلهم اللّه . ولمّا جاء وقت الحَكمين أرسل عليّ عليه السلام مع أبي موسى الأشعري أربعمائة (7) راكب
.
ص: 487
وعليهم شريح بن هاني الحارثي 1 ومعهم عبداللّه بن عباس (رض) يصلّي بهم . وأرسل معاوية مع عمرو بن العاص أربعمائة (1) رجل من أهل الشام وتوافوا بدومة الجندل ، وحضر معهم : عبداللّه بن عمر (2) ، وعبدالرحمن بن أبي بكر (3) ، وعبداللّه بن الزبير (4) ، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام (5) ، وعبدالرحمن بن يغوث الزهري 7 ،
.
ص: 488
وأبو جهم بن حذيفة الندوي (1) ، والمغيرة بن شعبة (2)(3) . وكان سعد بن أبي وقّاص (4) على ماء لبني سُليم بالبادية فأتاه ابنه عمر وقال (5) له : إنّ أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص فقد حضرا للحكومة وقد شهدهم نفر من قريش فاحضر معهم فإنكّ صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأحد الستة الّتي كانت الشورى فيهم ولم تدخل في أمرٍ تكرهه هذه الاُمّة وأنت أحقّ الناس بالخلافة ، فلم يفعل 6 . وقيل : بل حضرهم [سعد] ثمّ ندم على حضوره فأحرم ،
.
ص: 489
بعمرة من بيت المقدس وتوجّه إلى مكة المشرّفة محرما (1) . وكان عمرو بن العاص بعد تحكيم عليّ عليه السلام ومعاوية له ولأبي موسى الأشعري يقدّم أبا موسى في كلّ شيء ، ويظهر له الاحترام والإعظام (2) ويقول له : لا أتقدّمك في أمر من الاُمور ولا في شيءٍ من الأشياء ولا في كلامٍ ولا في غيره لأنّك (3) أسنّ منّي (4) وأنّك (5) صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله (6) وقد دعا لك وقال : اللّهمّ اغفر لعبداللّه بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريما . حتّى استقرّ ذلك في نفس أبي موسى [اطمأن عليه وظنّ أ نّه لا يغشّه ]وسكن في خاطره وظنّ أنّ تقديمه له على نفسه تعظيما له وتكريما (7)
.
ص: 490
وانّما هو دهاءً وخديعةٌ منه له (1) . ولمّا اجتمعا للحكومة وتفاوضا في الكلام وكان كلام عمرو بن العاص أن قال لأبي موسى : ألستَ (2) تعلم أنّ عثمان قُتل مظلوما ؟ قال : أشهد (3) ، قال : ألستَ (4) تعلم أنّ معاوية وآل معاوية أولياؤه ؟ قال : نعم (5) ، قال فما يمنعك من تولية معاوية وليّ عثمان (6) وبيته (7) في قريش كما علمت ، فإن تخوّفت أن يقول الناس ولّى معاوية وليست له سابقةّ (8) فقد وجدته ولّى عثمان الخليفة المقتول (9) ظلما وهو الطالب بدمه مع ما له من حُسن السياسة والتدبير 10 وهو أخو
.
ص: 491
اُمّ حبيبة (1) زوجة (2) النبيّ صلى الله عليه و آله وكاتب (3) وحي النبيّ صلى الله عليه و آله ، وعرض له بسلطان (4) .
فقال أبو موسى : يا عمرو اتق اللّه [عزّ وجلّ] فأمّا ما ذكرت من شرف معاوية فالشرف لأهل الدين والفضل ، مع انّي لو كنت معطيه أفضل قريش شرفا أعطيته عليّ بن أبي طالب (5) . وأمّا (6) قولك : إنّ معاوية ولّي دم عثمان فولّه هذا الأمر فلم أكن لاُولّيه (7) معاوية وأدع المهاجرين الأوّلين (8) . وأمّا تعريضك لي بالسلطان فواللّه
.
ص: 492
لو خرج معاوية لي من (1) سلطانه[كلّه] ما ولّيته (2) . فقال له عمرو: فما تقول في ابني عبداللّه وأنت تعلم فضله وصلاحه (3) ؟ فقال: قد غمست (4) ابنك في هذه الفتنة ولا يكون ذلك (5) ، فقال عمرو: إنّ هذا الأمر لا يصلح (6) إلاّ لرجل [له ضرس ]يأكل ويطعم (7) . فسمع ابن الزبير كلمته فقال . يا أبا موسى تفطّن وتنبّه لكلام عمرو (8) . ثمّ قال : يابن العاص إنّ العرب قد أسندت إليك أمرها بعدما تقارعت (9) بالسيوف وأشرفوا على الحتوف فلا تردّنهم في فتنة واتق اللّه (10) .
.
ص: 493
ولمّا راود عمرو بن العاص أبا موسى على معاوية وعلى ابنه عبداللّه فأبى أبو موسى منه راود أبو موسى عمرو على تولية الخلافة لعبداللّه بن عمر فأبى (1) عمرو منه ثمّ قال : هات رأيا غير هذا (2) ، فقال أبو موسى : رأيي (3) أن نخلع هذين الرجلين _ يعنى عليا ومعاوية _ ونجعل (4) الأمر شورى فيختار المسلمون من أحبّوه (5) ، فقال عمرو : الرأى ما رأيت (6) . فأقبلا على الناس بوجههما (7) وهم مجتمعون ينظرون ما يتّفقان عليه (8) ، فقال عمرو : تكلّم يا أبا موسى وأخبرهم أنّ
.
ص: 494
رأينا اتفق (1) فقال أبو موسى : أ يّها الناس ، إنّ رأينا اتفق على أمرٍ نرجو أن يصلح اللّه به أمر [هذه ]الاُمّة ويلمّ شعثها ويجمع كلمتها (2) ، فقال عمرو : صدق أبو موسى وَبَرَّ فيما قال ، فتقدّم يا أبا موسى وتكلّم (3) . فقام إليه عبداللّه بن العباس وقال له : ويحك (4) ! إن كنت وافقته على أمرٍ فقدّمه يتكلّم به قبلك ، فإنّي أخشى من خديعته لك ، وإنّي لا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك [وبينه] فإذا قمت في الناس خالفك (5) . فقال [له] أبو موسى : [إنّا ]قد اتفقنا (6) وتراضينا وما ثَمّ مخالفة أبدا (7) . وكان أبو موسى رجلاً سليم القلب فتقدّم فحمد اللّه تعالى وأثنى عليه ثمّ قال : أ يّها الناس ، إنّا قد نظرنا في أمر هذه الاُمّة فلم نَرَ أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها (8) من أمرٍ قد جمع (9) رأيي ورأي عمرو عليه ، وهو أن نخلع عليا ومعاوية ، وتستقبل هذه الاُمّة هذا الأمر بأنفسها فيولّوا (10) منهم (11) مَنْ أحبّوا واختاروا ، وإنّي قد خلعت عليا
.
ص: 495
ومعاوية فاستقبلوا أمركم [و ]ولّوا عليكم من رأيتموه أهلاً لذلك (1) . ثمّ تنحّى . وأقبل (2) عمرو بن العاص فقام مقامه فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : أ يّها الناس ، إنّ أبا موسى قد خلع صاحبه عليا وقد قال ما سمعتم ، وأنا أيضا قد أخلع (3) صاحبه عليا واُثبت (4) صاحبي معاوية على الخلافة فإنه وليّ عثمان بن عفان والطالب (5) بدمه وأحقّ الناس بمقامه ثمّ تنحّى (6) .
فقال أبو موسى : مالك لا وفّقك اللّه غدرت وفجرت؟! وانّما مثلك كمثل (7) الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث (8) ، فقال عمرو لأبي موسى : أنت انّما
.
ص: 496
مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا 1 . وقال سعد لأبي موسى : ما أضعفك يا أبا موسى عن عمرو ومكائده (1) ؟ ! فقال أبو موسى : ما أصنع ؟ ! وافقني على أمرٍ ثمّ غدر (2) . فقال ابن عباس (رض) : لا ذنب لك يا أبا موسى إنما الذنب لمن قدّمك وأقامك في هذا المقام (3) . وقال عبدالرحمن بن أبي بكر : «لو مات (4) هذا الأشعري قبل هذا اليوم كان خيرا [له]» 6 .
.
ص: 497
وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه (1) بالسوط ، وحمل ابن عمرو على شريح فضربه بالسوط (2) وحجز الناس بينهم (3) ، فكان شريح يقول بعد ذلك : ما ندمت على شيءٍ ندامتي أن لا أكون ضربت عمرا بالسيف عوضا عن السوط (4) . والتمس الناس أبا موسى فوجدوه قد ركب راحلته ولحق (5) إلى مكة (6) ، وكان أبو موسى يقول : حذّرني ابن عباس غدر عمرو ولكنّي اطمأننت إليه لما يظهر لي وظننت أنّ هذا الغادر لا يؤْثِر شيئا على مصالح المسلمين ونصيحة الاُمّة (7) . وانصرف عمرو بن العاص وأهل الشام إلى معاوية وسلّموا عليه بالخلافة (8) فقيل : إنّ معاوية قام في الناس فقال : أمّا بعد ، فمن كان متكلّما في هذا الأمر بعد ذلك فليطلع لنا قرنه (9) . قال ابن عمر فاطلقت حبوتي فأردت (10) أن أقول له : يتكلّم
.
ص: 498
فيه رجال قاتلوك وأباك على الإسلام ثمّ خشيت أن أقول (1) كلمة يتفرّق بها جماعة ويسفك فيها دم (2) فقلت : ما وعداللّه في الحساب أحبّ من ذلك (3) فلمّا انصرفت إلى منزلي جاءني حبيب بن مسلمة فقال : ما منعك أن تتكلّم حين سمعت هذا الرجل يقول ؟ قلت : أردت ذلك [ثمّ ]خشيت أن أقول (4) كلمة يتفرّق بها جماعة ويسفك بها دماء ، فقال حبيب : فقد وفقت وعصمت (5) . وخرج شريح بن هانى مع ابن عباس (رض) إلى عليّ عليه السلام وأخبراه الخبر (6) فقام في الكوفة فخطبهم فقال : الحمد للّه وإن أتى الدهر (7) بالخطب الفادح والحدث (8) الجليل ، وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه [وحده لا شريك له ]وأنّ محمّدا رسول اللّه . أمّا بعد ، فإنّ المعصية تورث الحسرة وتُعقب الندامة (9) وقد كنتُ أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة أمري فأبيتم ونحلتكم (10) رأيي فما ألويتم ، فكنتُ أنا وأنتم كما قال أخو هوازن : أَمَرْتُهُم أمري بمنعرِجِ اللِّوَى فلم يستبينوا (11) النصح (12) إلاّ ضُحَى الغَدِ أمّا بعد ، فإنّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حَكمين قد نبذا حكم القرآن
.
ص: 499
وراء ظهورهما، وأحييا ما أمات القرآن ، واتّبع كلّ واحدٍ منهما هواه من غير هدى من اللّه ، فحكما بغير حجّةٍ بيّنة ولا سُنةٍ ماضية (1) ، واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يُرشدا ، استعدوا وتأهّبوا للمسير إلى الشام وأصبحوا في معسكركم [إن شاءاللّه ] يوم الاثنين (2) . ثمّ نزل وكتب إلى الخوارج بالنهروان : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من عبداللّه [عليّ] أمير المؤمنين إلى زيد بن حصن (3) ، وعبداللّه بن وهب (4) ، وعبداللّه بن الكوّاء (5) ، ومن معهم من الناس . أما بعد ، فإنّ هذين الرجلين الّذين ارتضينا حكمهما (6) قد خالفا كتاب اللّه واتبعا هواهما بغير هدىً من اللّه فلم (7) يعملا بالسنّة ولم ينفِّذا للقرآن حُكما ، فإذا وصلكم كتابي هذا فأقبلوا إلينا فإنّا سائرون إلى عدوِّنا
.
ص: 500
وعدوِّكم ونحن على الأمر الأوّل الّذي كنّا عليه (1) . فكتبوا : أمّا بعد ، فإنّك لم تغضب لربك وإنّما غضبت لنفسك ، فان شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلاّ فقد نابذناك على سواء ، إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين (2) . فلمّا قرأ كتابهم أيس منهم فرأى (3) أن يدَعَهم ويمضي بالناس إلى أهل الشام [حتّى يلقاهم ]فيناجزهم (4) .
فقام في أهل الكوفة فحمد اللّه تعالى وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّه من ترك الجهاد في اللّه تعالى وادّهن (5) في أمره كان على شفا هلكة إلاّ أن يتداركه اللّه برحمته (6) ، فاتقوا اللّه تعالى وقاتلوا من حادّ اللّه [وحادّ رسوله ]وحاول أن يطفئ نور اللّه ، قاتلوا الخائنين [الخاطئين الضالّين القاسطين المجرمين ]الّذين لو ولّوا عملوا فيكم أعمال كَسرى وهِرَقْل ، وتأهّبوا للمسير إلى عدوّكم من أهل الشام ، وقد بعثنا إلى إخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم ، فإذا اجتمعتم شخصنا إن شاء اللّه
.
ص: 501
تعالى ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم (1) . وكتب إلى عبداللّه بن عباس (رض) : أمّا بعد ، فإنّا [قد] خرجنا إلى معسكرنا بالنُخيلة وقد اجتمعنا على المسير (2) [إلى] عدوّنا من أهل المغرب (3) فاشخص بالناس (4) من أهل البصرة (5) . فقرأه ابن عباس على الناس وندبهم على المسير مع الأحنف بن قيس فشخصوا إلى عليّ عليه السلام في ثلاثة آلاف ومائتين (6) . وكتب عليّ عليه السلام إلى رئيس كلّ قبيلة من القبائل يستنفره (7) بما في عشيرته من المقاتلة وأبنائهم الّذين أدركوا وعبدانهم ومواليهم (8) . وجاءه سعد بن قيس الهمداني وقال : يا أمير المؤمنين سمعا وطاعة أنا أوّل الناس إجابةً (9) . وجاءه معقل بن قيس ،
.
ص: 502
وعديّ بن حاتم، وزياد بن خصفة (1) ، وحجر بن عديّ،وأشراف الناس والقبائل في أربعين ألفا من المقاتلة الرجّالة وستة عشر ألفا من أبناء الموالي والعبيد (2) . وكتب إلى سعد بن مسعود [الثقفي ]بالمدائن يأمره بإرسال مَن معه من المقاتلة (3) . وبلغ عليا عليه السلام أنّ الناس يقولون : لو سار بنا إلى قتال هؤلاء الحرورية فبدأنا بهم فإذا فرغنا (4) وجّهنا إلى قتال المحِلّين (5) . فقال لهم عليّ عليه السلام : بلغني أنكم قلتم كيت وكيت وأنّ غير هؤلاء الخارجين أهمّ إلينا فدعوا ذكرهم وسيروا بنا إلى معاوية وأهل الشام (6) أن لا يكونوا جبّارين في الأرض ولا يتّخذوا عباد اللّه خولاً (7) . فتنادى (8) الناس : يا أمير المؤمنين ، نحن حزبك وأنصارك (9) وأتباعك نعادي مَن عاداك ونوالي من والاك ونتابع من أناب إلى طاعتك ، مَن كانوا وأين كانوا سر بنا حيث شئت 10 .
.
ص: 503
فبينما أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام معهم في الكلام إذ أتاه الخبر أنّ الخوارج خرجوا على الناس وأنهم قتلوا عبداللّه بن خبّاب 1 صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله
.
ص: 504
وبقروا بطن امرأته (1) وهي حامل ، وقتلوا ثلاث نسوة من طيّ (2) ، وقتلوا اُمّ سنان الصيداوية (3) ، فلمّا بلغ عليا ذلك بعث إليهم الحارث بن مرة (4) ليأتينهم وينظر صحّة الخبر فيما بلغه عنهم ويكتب به إليه ولا يكتمه شيئا من أمرهم ، فلمّا دنا منهم وسألهم قتلوه 5 وأتى عليا عليه السلام الخبر بذلك وهو في معسكره ، فقال الناس : يا أمير
.
ص: 505
المؤمنين علام ندع هؤلاء القوم وراءنا يخلفونا في أموالنا وعيالنا ؟ سربنا إليهم فإذا فرغنا منهم سرنا إلى أعدائنا من أهل الشام (1) . فقام إليه الأشعث بن قيس فتكلّم بمثل كلامهم ، وكان الناس يرون أنّ الأشعث يرى رأي الخوارج لأنه كان يقول يوم صفين أنصَفنا قوم يدعون (2) إلى كتاب اللّه تعالى ، فلمّا قال هذه المقالة علم الناس أنه لم يكن يرى رأيهم (3) .
فأجمع عليّ عليه السلام المسير إليهم ، فجاءه منجّم يقال له مسافر بن عديّ (4) فقال : يا أمير المؤمنين ، إذا أردت المسير إلى هؤلاء القوم فسر إليهم في الساعة الفلانية فإنّك إن سرت في غيرها لقيت أنت وأصحابك ضرّا شديدا ومشقّة عظيمة . فخالفه عليّ عليه السلام وسار في غير الساعة الّتي أمره المنجّم بالمسير فيها (5) ، فلمّا قرب عليّ عليه السلام منهم ودنا بحيث إنّه يراهم ويرونه نزل وأرسل إليهم أن ادفعوا إلينا قتلة إخواننا
.
ص: 506
[منكم ]نقتلهم بهم وأترككم وأكف عنكم حتّى ألقى أهل الشام فلعلّ اللّه تعالى أن يقلب (1) بقلوبكم ويردكم إلى خير ممّا أنتم عليه من اُموركم (2) . فقالوا : كلّنا قتلناهم وكلّنا مستحلّون لدمائكم ودمائهم (3) . فخرج قيس بن سعد بن عبادة فقال لهم : عباد اللّه ، أخرجوا إلينا قتلة إخواننا منكم وادخلوا [معنا] في هذا الأمر الّذي خرجتم منه (4) ، وعودوا إلى قتال عدوّنا وعدوّكم فإنّكم قد ركبتم عظيما من الأمر تشهدون علينا بالشرك وتسفكون دماء المسلمين (5) ، فقال عبداللّه بن شجرة السلمي (6) : إنّ الحق قد أضاء لنا فلسنا بتابعيكم (7) . ثمّ إنّ عليا عليه السلام خرج إليهم بنفسه فقال لهم : أيتها (8) العصابة الّتي أخرجها عداوة المراء واللجاجة (9) وصدّها (10) عن الحقّ اتّباع الهوى واللجاج ، إنّ أنفسكم الأمّارة سوّلت لكم فراقي لهذه الحكومة الّتي أنتم بدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره ،
.
ص: 507
وأنبأتكم أنّ القوم إنّما فعلوه مكيدة فأبيتم عليَّ إباء المخالفين وعندتم عليَّ عناد العاصين [وعدلتم عنّي عدول النكداء ]حتّى صرفت رأيي إلى رأيكم ، وإنّي معاشرهم واللّه صغارُ الهامِ سفهاء الأحلام ، فأجمع [رأي ]رؤسائكم وكبرائكم أن اختاروا رجلين ، فأخذنا عليهما أن يحكما بالقرآن ولا يتعدّيانه ، فتاها وتركا الحقّ وهما يبصرانه فبيّنوا لنا بما تستحلّون قتالنا والخروج عن جماعتنا ثمّ تستعرضون الناس تضربون أعناقهم ، إنّ هذا لهوَ الخسرانُ المبين (1) . فتنادوا (2) ان لا تخاطبوهم ولا تكلّموهم وتهيّأوا للقتال،الرواح الرواح إلى الجنة (3) . فرجع عليّ عليه السلام عنهم إلى أصحابه ثمّ عبّأهم للقتال ، فجعل على ميمنته حجر بن عديّ (4) (رض) ، وميسرته شبث بن ربعي ) (5) ، أو (6) معقل بن قيس الرياحي (7) ، وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري 8 ، وعلى الرجّالة أبا قتادة الأنصاري 9 ، وفي مقدمتهم
.
ص: 508
قيس بن سعد بن عبادة (1) (رض) (2) .
وعبّأت الخوارج قاتلهم اللّه أصحابها ، فجعلوا على ميمنتهم زيد بن قيس [حصين] الطائي (3) ، وعلى الميسرة شريح بن أوفى العبسي (4) ، وعلى خيلهم حمزة بن سنان الأسدي (5) ، وعلى رجّالتهم حرقوص بن زهير السعدي (6)(7) . وأعطى عليّ عليه السلام لأبي أيوب الأنصاري راية أمان (8) فناداهم أبو أيوب (رض) :
.
ص: 509
من جاء إلى هذه الراية فهو آمن ممّن لم يكن قتل ولا تعرض لأحد من المسلمين بسوء ، ومن انصرف منكم إلى الكوفة فهو آمن ، ومن انصرف إلى المدائن فهو آمن لا حاجة لنا بعد أن نُصيب قتلة إخواننا في سفك دمائكم (1) . فانصرف عروة بن نوفل الأشجعي (2) في خمسمائة (3) فارس ، وخرج طائفة اُخرى منصرفين إلى الكوفة (4) وطائفة اُخرى إلى المدائن (5) ، وتفرّق أكثرهم بعد أن كانوا اثني عشر ألفا ، فلم يبق منهم غير أربعة آلاف (6) فزحفوا إلى عليّ عليه السلام وأصحابه ، فقال عليّ لأصحابه : كفّوا عنهم حتّى يبدأوكم (7) . فتنادوا الرواح الرواح إلى الجنة (8) . فحملوا على الناس فانفرّقت خيل عليّ عنهم فرقتين حتّى ساروا في وسطهم (9) عطفوا عليهم من الميمنة والميسرة واستقبلت الرماة وجوههم بالنبل
.
ص: 510
وعطفت عليهم الرجّالة بالسيوف والرماح فما كان بأسرع من أن قتلوهم عن آخرهم وكانوا أربعة آلاف (1) .
فلم يفلت منهم إلاّ تسعة (2) أنفس لا غير ، رجلان هربا إلى خراسان (3) وبها نسلهما إلى الآن ، ورجلان صارا إلى بلاد عمان (4) وبها نسلهما إلى الآن ، ورجلان إلى بلاد اليمن (5) وبها نسلهما وهم الّذين يقال لهم الأباضية (6) أصحاب عبداللّه بن أباض (7) ، ورجلان صارا إلى الجزيرة (8) ، ورجل صار إلى تل موذن (9) .
.
ص: 511
وغنم (1) أصحاب (2) عليّ عليه السلام منهم غنائم كثيرة ، وقُتل من شيعة عليّ رجلان 3 ولم يسلم من الخوارج [المارقين ]المقتولين غير هذه التسعة (3) المذكورين خذلهم اللّه . وهذه كرامة من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فإنّه قال قبل ذلك : نقتلهم ولا يقتل منّا عشرة ولا يسلم منهم عشرة 5 .
.
ص: 512
. .
ص: 513
. .
ص: 514
. .
ص: 515
. .
ص: 516
. .
ص: 517
. .
ص: 518
. .
ص: 519
. .
ص: 520
. .
ص: 521
. .
ص: 522
. .
ص: 523
. .
ص: 524
. .
ص: 525
. .
ص: 526
. .
ص: 527
. .
ص: 528
. .
ص: 529
. .
ص: 530
. .
ص: 531
. .
ص: 532
. .
ص: 533
ف_ائ_دةالخوارج : هم هؤلاء الّذين خرجوا على عليّ عليه السلام لما حَكم الحَكمين وقالوا : لا حُكم إلاّ للّه (1) ، وهم الّذين قال فيهم النبيّ صلى الله عليه و آله : يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية (2) . كما جاء في الحديث الصحيح الّذي رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : يخرج في هذه الاُمّة _ ولم يقل منها _ قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ويقرأون القرآن ولا يجاوز حلوقهم 3 _ أو قال حناجرهم _ يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية (3) . ومنهم عبداللّه بن ذي
.
ص: 534
الخويصرة التميمي (1) ] الّذي] جاء إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وهو يقسّم الصدقات فقال : اعدل يا رسول اللّه ، فقال صلى الله عليه و آله :ويلك فمن يعدل إن لم أعدل (2) ؟ ! قال عمر بن الخطّاب : أيأذن لي رسول اللّه أن أضرب عنقه (3) ؟ قال صلى الله عليه و آله :دعه فإنّ له أصحابا يحقرّ أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية (4) . وفيهم
.
ص: 535
نزل قوله تعالى : « وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِى الصَّدَقَ_تِ » (1) الحديث الصحيح الّذي رواه البخاري أيضا عن عبداللّه بن عمر ، ويقال لهم : الحرورية ، بحاء مهملة وراء مكرّرة بينهما واو ، ثمّ بالنسبة إلى حرور أرض نزلوا بها لمّا مضوا عن عليّ عليه السلام (2) .
.
ص: 536
. .
ص: 537
فصل : في ذكر شيءٍ من كلماته الرائعة ومعانيه الفائقة ومواعظه النافعة وزواجره الصادعة ونُكته الحسنة ومقاصده المستحسنةفمن ذلك كلمات من كلامه عليه السلام جمعها الجاحظ (1) في بعض تصانيفه وهي تشمل على كثير من الحكمة ، كلّ كلمة منها تعدّ بألف كلمة ، وهي هذه : الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا (2) . الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم (3) .
.
ص: 538
قيمة كلّ امرئءٍ ما يُحسنه (1) . مَن عرف نفسه فقد عرف ربّه (2) . المرء مخبوء تحت لسانه (3) . مَن عَذُبَ لسانه كثر إخوانه (4) . بشّر مال البخيل بحادثٍ أو وارث (5) . لا تنظر إلى مَن قال وانظر إلى ما قال (6) . الجزع عند البلاء تمام المحنة (7) . لا ظفر مع البغي (8) .
.
ص: 539
لا ثناء مع الكِبر (1) . لا برّ مع الشحّ (2) . لا صحّة مع النهم (3) . لا شرف مع سوء الأدب (4) . لا اجتناب من محرّمٍ مع الحرص (5) . لا راحة مع الحسد (6) . لا سؤدد مع الانتقام (7) . لا محبّة مع المِراء (8) . لا صواب مع ترك المشورة (9) . لا مروّة لكذوب (10) . لا ريادة مع زعارة (11) .
.
ص: 540
لا وفاء لملوك (1) . لا كرم أعزّ من التقى (2) . لا شرف أعلى من الإسلام (3) . لا معقل أحسنُ من العقل (4) . لا شفيع أنجح من التوبة (5) . لا لباس أجمل من العافية (6) . لا داء أعيا من الجهل (7) .
.
ص: 541
لا مرض أخفى من قلّة العقل (1) . لسانك يقتضيك ما عوّدته (2) . المرء عدوّ ما جهله (3) . رحم اللّه امرءً عرف نفسه ولم يتعدّ طوره (4) . إعادة الاعتذار تذكرة بالذنب (5) . النصح بين الملأ تقريع (6) . إذا تمّ العقل نقص الكلام (7) . الشفيع جناح الطالب (8) . نفاق المرء ذلّه 9 . نعمة الجاهل كروض على مزبلة 10 . الجزع أتعب من الصبر 11 . المسؤول حر حتّى يَعِده 12 .
.
ص: 542
أكبر الأعداء أخفاهم مكيدة (1) . من طلب ما لا يعنيه فاته ما يعنيه (2) . السامع للغيبة أحد المغتابين (3) . الذلّ مع الطمع (4) . العزّ مع اليأس (5) . الحرمان مع الحرص (6) . من كثر مزاحه حُقد عليه واستُخفّ به (7) . عبد الشهوة أذلّ من عبدالرقّ (8) . الحاسد مغتاض على من لا ذنب له (9) . منع الجود سوء الظنّ بالمعبود (10) . كفى بالظفر شفيعا للذنب (11) .
.
ص: 543
رُبّ ساعٍ فيما يضرّه (1) . لا تتّكل على المنى فإنّها بضائع الحمقى (2) . اليأس حرّ والرجاء عبد (3) . ظنّ العاقل كهانة (4) . مَن نظر اعتبر (5) . العداوة شغل القلب (6) . القلب إذا كره عمى (7) . الأدب صورة العقل (8) . مَن لانت أسافله صلبت أعاليه (9) . مَن أتى في عجابه قلّ حياؤه وبذا لسانه (10) .
.
ص: 544
السعيد من وعظ بغيره (1) . البخل جامع لمساوي العيوب (2) . كثرة الوفاق نفاق ، وكثرة الخلاف شفاق (3) . رُبّ أملٍ خائب (4) . رُبّ رجاء يؤدّي إلى الحرمان (5) . رُبّ ربح يؤدّي إلى الخسران (6) . رُبّ طمع كاذب (7) . البغي سائق الى الحَيْنِ (8) . في كلّ جرعة شرقة (9) .
.
ص: 545
مع كلّ أكلة غصّة (1) . مَن كثُر ذكره في العواقب لم يشجع (2) . إذا حلّت المقادير ضلّت التدابير (3) . إذا حلّ القدَر بطل الحذَر (4) . الإحسان يقطع اللسان (5) . الشرف بالعقل ، والأدب بالأصل والنسب (6) . أكرم النسب حُسن الأدب (7) . أفقر الفقر الحمق (8) . أوحش الوحشة العُجب (9) . أغنى الغِنى العقل (10) .
.
ص: 546
الطامع في وثاق الذلّ (1) . ليس العجب ممّن هلك كيف هلك إنّما العجب ممّن نجا كيف نجا (2) . احذروا نفار النِعم فما كلّ شارد بمردود (3) . أكثر مصارع العقول تحت بروق الأطماع [المطامع] (4) . مَن أبدى صفحته للحقّ هلك (5) .
.
ص: 547
إذا مُلقتم فبادروا بالصدقة (1) . مَن لان عُوده كثرت أغصانه (2) . قلب الأحمق في فيه ، ولسان العاقل في قلبه (3) . مَن جرى في ميدان أمله عثر في عنان أجله (4) . إذا وصلت إليكم أطراف النِعم فلا تنفّروا أقصاها (5) بقلّة الشكر (6) .
.
ص: 548
إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه شكر القُدرة عليه (1) . ما أضمر أحدٌ شيئا في قلبه إلاّ ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه (2) . البخيل يستعجل الفقر [ل] يعيش في الدنيا عيشة الفقراء ، ويحاسَب في الآخرة حساب الأغنياء (3) . لسان العاقل وراء قلبه ، وقلب الأحمق وراء لسانه (4) . انتهى .
.
ص: 549
فصل [ آخر ] : [ في ذكر شيءٍ من كلماته الرائعة ومعانيه الفائقة ومواعظه النافعة وزواجره الصادعة ونُكته الحسنة ومقاصده المستحسنة ]ذكر الشيخ المفيد (1) في كتاب الإرشاد : ومن كلامه عليه السلام في شيعتهم (2) المخلصين ما رواه نقلة الآثار (3) أنه عليه السلام خرج ذات ليلةٍ من المسجد وكانت ليلةً قمراءَ فأمَّ الجبّانة ، ولحِقَهُ جماعة يَقْفون أثرَهُ ، فوقف ثمّ قال (4) : مَن أنتم ؟ قالوا : نحنُ شيعتُك يا أمير المؤمنين ، فتفرّس (5) في وجِوههِم ثُمّ قال : فمالي لا أرى عليكم (6) سِيماءَ الشيعة ؟ قالوا : وما سيماءُ الشيعة يا أمير المؤمنين ؟ قال : صُفْرُ الوجوه من السهَرِ ، حُدْبُ الظهورِ من القيام ، عُمْشُ العيونِ من البكاء ، خُمْصُ البطونِ من الصيامِ ، ذُبْلُ
.
ص: 550
الشِفاه من الدعاء ، وعليهم غَبرةُ الخاشعينَ (1) . ومن ذلك ما نقل عنه عليه السلام في العلم والعقل والمال قال عليه السلام : العلم حياة القلوب ونور الأبصار ، ينزل اللّه تعالى حامله منازل الأخيار ، ويمنحه صحبة الأبرار ، ويرفعه في الدنيا والآخرة (2) .
وقال عليه السلام :العلم يرفع الوضيع ويضع الرفيع (3) .
وقال عليه السلام :العلم خير من المال [العلم] يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم حاكم والمال محكوم عليه (4) .
.
ص: 551
وقال عليه السلام :قصم ظهري رجلان : عالمٌ متهتّك ، وجاهلٌ متنسّك ، هذا ينفّر الناس بتهتّكه (1) وهذا يضلّ الناس بتنسّكه (2) .
وقال عليه السلام :أقلّ الناس قيمةً أقلّهم علما [إذ قيمة] كلّ امرئٍ ما يُحسنه ، وكفى بالعلم شرفا أنه يدّعيه مَن لا يحسنه ويفرح إذا نُسب إليه ، وكفى بالجهل ذمّا أنه يبرأ منه مَن هو فيه ويغضب إذا نُسب إليه ، والناس عالمٌ ومتعلّمٌ وساير الناس همجٌ رُعاع [لا خير فيهم] (3) .
وقال عليه السلام في العقل :الإنسان عقل وصورة ، فمن أخطأه العقل لزمته الصورة ، ومن لم يكن كاملاً كان بمنزلة جسد بلا روح (4) .
وقال عليه السلام في صفة الدنيا :ألا وإنّ الدنيا قد أدبرتْ وآذنتْ بوَداعٍ و[إنّ] الآخرة قد أظلّت وأشرفت (5) باطّلاعٍ ، ألا وإنّ المِضمارَ اليومَ والسباق غدا ، فإمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار ، وإنّكمْ في أيّامِ مَهَلٍ من ورائِهِ أجَلٌ يحثّهُ عَجَلٌ ، فمن (6) عمل في أيّام مهَله قبل حلول أجَله نفعه عمله ولم يضرّ أمله،ومن لم يعمل في أيّام مهَله قبل حلول أجَله ضرّه أمله ولم ينفعه عمله، ولو عاش أحدكم ألف عام كان الموت بالغه ونحبه لاحقه، فلا تغرّنكم الأماني ولا يغرّنكم باللّه الغرور ، كان قبلكم في هذه الدنيا سكّانٌ شيدوا البنيان ووطّنوا الأوطان أضحت أبدانهم في قبورهم هامدة وأنفاسهم خامدة ويتلهّف
.
ص: 552
المفرط منهم على ما فرّط يقول : ياليتني قدّمت لنفسي ياليتني أطعت ربّي . . . (1) .
وقال عليه السلام :كأنّ (2) ما هو كائن من الدنيا لم يَكُنْ ، وكأنّ ما هو كائنٌ قد كان (3) من الآخرة لم يزل ، وكلّما هو آتٍ قريب ، فكم مؤمّل لأمل لم يدركه ، وكم جامع ما لا يأكله وذاخر ما عساه يتركه ، ولعلّه من باطل جَمعه (4) ومن حرام رفعه ، أصابه حراما عدوانا ، واحتمل وزره (5) وباء منه بما ضرّه، خسر الدنيا والآخره ذلك هو الخسران المبين (6) . ومن ذلك ما ورد عنه عليه السلام في الحِكم والأمثال عن ابن عباس انّه قال : ما انتفعتُ بكلامٍ بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانتفاعي بكتاب كتبه إليَّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فانّه كتب إليَّ : أمّا بعد ، فإنّ المرء يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ، ويسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، وليكن أسفك على ما فاتك منها ، وما نلت من دنياك فلا تُكثِر (7) به فرحا ، وما فاتك منها فلا تأس عليه [جزعا] ، وليكن
.
ص: 553
همّك فيما (1) بعد الموت ، والسلام (2) . وقال : الشيء شيئان : [ف] شيء [لغيري] قصر عنّي لم اُرزقه فيما مضى ولا آمُلُه (3) فيما بقي ، وشيء لا أنالُهُ دون وقته ولو استعنت (4) عليه بقوّة أهل السماوات والأرض ، فما اعجب من الإنسان يسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ، ولو أنه فكّر لأبصر ولَعَلِمَ أ نّه مُدَبَّر واقتصر على ما تيسَّر ، ولم يتعرّض لما تعسّر ، واستراح قلبه ممّا استوعى ، فكونوا أقلّ (5) ما لا تكونوا في الباطل (6) أموالاً وأحسن ما تكونوا في الآخرة أحوالاً (7) ، فإنّ اللّه تعالى أدّب عباده المؤمنين أدبا حسنا فقال عزّ من قائل : «يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَ_هُمْ
.
ص: 554
لاَ يَسْ_ئلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا» (1) . وقال : لا تكون غنيا حتّى تكون عفيفا ، ولا تكون زاهدا حتّى تكون متواضعا ، ولا تكون متواضعا حتّى تكون حليما ، ولا يسلم قلبك حتّى تحبّ للمسلمين ما تحبّ لنفسك ، وكفى بالمرء جهلاً أن يرتكب ما نُهي عنه ، وكفى به عقلاً أن يسلم الناس شرّه ، واعرض عن الجهل وأهله ، واكفف عن الناس ما تحبّ ان يكفّ (2) عنك ، وأكرم من صافاك ، وأحسن مجاورة من جاورك وإن جانبك ، واكفف الأذى ، واصفح عن سوء الأخلاق ، ولتكن يدك العليا ان استطعت ، ووطّن نفسك على الصبر على ما أصابك ، وألهم نفسك القناعة ، وانهم الرجاء ، وأكثر الدعاء تسلم من سَورة الشيطان ، ولا تنافس على الدنيا ، ولا تتّبع الهوى ، واحلم على السفيه تكثر أنصارك عليه ، وعليك بالشِيَم العالية تُقهر من يناويك (3) . وقال : قل عند كلّ شدّة «لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم» تكفّ . وقل عند كلّ نعمة «الحمد للّه » تزد منها . وإذا أبطأت عليك الأرزاق فقل «أستغفر اللّه » يوسّع عليك (4) . مفتاح الجنة الصبر (5) . مفتاح الشرف التواضع (6) . مفتاح الكرم التقوى (7) . مَن أراد أن يكون شريفا فيلزم التواضع 8 .
.
ص: 555
عُجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله (1) .
وقال عليه السلام :لا راحة لحسود ، ولا شرف لبخيل ، ولا همّة لمهين ، ولا سلامة لمن أكثر مخالطة الناس ، ولا كنز أغنى من القناعة ، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت (2) .
وقال عليه السلام :مَن كثُرت عوارفه كثرت معارفه (3) . مَن أجمل في الطلب أتاه رزقه من حيث لا يحتسب (4) . مَن كثّر دنيّه لم تقرّ عينه (5) . مَن فعل ما شاء لقي ما لا يشاء (6) . مَن استكان بالرأي ملَك ، ومَن كابد الاُمور هلك (7) . مَن أمسك عن الفضول عُدّ من أرباب العقول 8 . مَن لم يكتسب بالأدب مالاً اكتسب به جمالاً 9 . ما كساه الغنى ثوبا خفيت عن العيون عيوبه 10 . مَن حسُنت سياسته دامت رياسته 11 . مَن ركب العجلة لم يأمن الكبوة 12 . مَن تقدّم بحُسن النية نصره التوفيق 13 .
وقال عليه السلام :الوحدة راحة ، والعزلة عبادة ، والقناعة غِنى ، والاقتصاد بُلغة ، عدل
.
ص: 556
السلطان خير من خصب الزمان ، والعزيز بغير اللّه ذليل ، والغني الشره (1) فقير ، ولا تعرف الناس إلاّ بالاختبار ، فاختبر أهلك وولدك في غَيبتك ، وصديقك في مصيبتك ، وذا القرابة عند فاقتك ، والتودّد والملق عند عطيّتك ، لتعلم بذلك أين منزلتك (2) .
وقال عليه السلام :ما ذبّ عن الأعراض كالصفح والإعراض (3) . في إغضائك راحة أعضائك (4) . أجل النوال ما وصل قبل السؤال (5) . الحكيم لا يعجب بقضاء محتوم ، حلّ بمخلوق (6) . عفّة اللسان صمّة . من الفراغ يكون الصبوة (7) .
وقال عليه السلام :لا تحدّث من غير ثقة تكن كذّابا ، وقارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشرّ تبن عنهم . واعلم أنّ من الحزم العزم ، وساعد أخاك وإن جفاك ، وان قطعته فاستبق له بقية من نفسك ، ولا ترغبن فيمن زهد فيك ، وليس جزاء مَن سرَّك أنّ تسوءه . واعلم أنّ عاقبة الكذب الذمّ ، وعاقبة الصدق النجاة (8) .
وقال عليه السلام :خير أهلك من كفاك 9 . ترك الخطيئة أهون من التوبة 10 . عدوٌّ عاقل خيرٌ من صديقٍ جاهل 11 .
.
ص: 557
التوفيق من السعادة (1) . مَن بحث عن عيوب الناس بنفسه بدا (2) . مَن سلم من ألسنة الناس كان سعيدا (3) . مَن وقع في ألسنة الناس هلك (4) . مَن تحفّظ من سقط الكلام أفلح (5) . خير مالك ما أعانك على حاجتك (6) . كم من غريب خيرٌ من قريب (7) . خير إخوانك مَن واساك ، وخيرٌ منه مَن كفاك (8) . مَن أحبّ الدنيا جمع لغيره 9 . المعروف قرض ، والدنيا دول 10 . مَن كان في النعمة جهِلَ قدر البلية 11 . مَن قلّ سروره كان في الموت راحته 12 . السؤال مذلّة ، والعطاء محبّة ، والمنع مبغضة ، وصحبة الأشرار تورث سوء الظنّ
.
ص: 558
بالأخيار (1) . الحرّ حرّ ولو مسّه الضرّ (2) . ما ضلّ من استرشد ، ولا خاب من استشار (3) . الحازم لا يستبدّ برأيه (4) . آمن من نفسك عندك مَن وثقته على سرّك (5) . المودّة بين الآباء صلة في الأبناء (6) . مَن رضي عن نفسه كثُر الساخطون عليه (7) . مَن كرُمت عليه نفسه هانت عليه شهوته (8) . مَن هوّن (9) صغار المصائب ، ابتلاه اللّه بكبارها . رُبّ مفتونٍ يُحسن القول فيه 10 .
.
ص: 559
ما أحْسَنَ تَوَاضُعَ الأغنياءِ لِلفُقَراءِ طَلَبا لِما عِندَ اللّه ، وأحسنُ مِنْهُ تِيهُ الفُقَراءِ على الأغنياءِ اتّكَالاً على اللّه (1) . الدهر يومان : يوم لك ويوم عليك ، فإذا (2) كان لك فلا تبطر ، وإذا (3) كان عليك فلا تضجر ، فاصبر (4) . الراكن إلى الدنيا مع مَن يعاين فيها جاهل (5) . الطمأنينة إلى كلّ أحد قبل الإختبار به (6) عجز (7) . البخل جامع لمساوئ الأخلاق (8) . نِعَم اللّه على العبد جالبة حوائج الناس إليه ، فمن قام فيها بما يجب عرَّضها
.
ص: 560
للدوام والبقاء (1) ، ومَن لم يقم بها عرَّضها للزوال والفناء (2) . العفاف زينة الفقير ، والشكر زينة الغِنى (3) . ومَن أطال الأمل أساء العمل (4) . الناس أبناء الدنيا فلا لوم عليهم في حبّ اُمّهم (5) . الطمع ضامن غير وفي . . . والأماني تعمي [أعين ]البصاير (6) . لا تجارة كالعمل الصالح ، ولا ربح كالثواب ، واللّه أعلم بالصواب (7) .
.
ص: 561
فصل : في ذكر شيءٍ يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامهفمن ذلك قوله عليه السلام (1) : فكن (2) معدنا للحلم واصفح عن الأذى فإنّك لاقٍ (3) ما عملت (4) وسامع واحبب (5) إذا أحببت حبّا مقاربا فإنّك لا تدري متى الحبّ راجع (6) وابغض إذا أبغضت بغضا مفارقا (7) فإنّك لا تدري متى الحبّ نافع (8)
.
ص: 562
ولعليّ عليه السلام (1) : لَئِنْ كُنتُ مُحتاجا إلى الحلم إنّني إلى الجهلِ في بعض الأحايين أحْوَجُ وَلي فَرَسٌ بالحلم للحلم مُلجَمٌ وَلِي فَرَسٌ بالجهل للجهل مُسْرَجُ وما كنت أرضى الجهل خدنا (2) وصاحبا ولكنّني أرضى بِهِ حِينَ أحْوَجُ وإن قال (3) بَعضُ الناس فيه سماجةٌ فقد (4) صَدقُوا والذلُّ بالحرّ أسْمَجُ فإن (5) شاء (6) تَقوِيمِي فَإنّي مُقَوَّم وإن شاء تَعوِيجِي فإنّي مُعوَّجُ (7)
وله عليه السلام (8) : فارقْ تجد عوضا عمّا تفارقه فانصب فإنّ لذيذ العيش في النصب فالاُسد لولا فراق الغاب ما افتُرست والسهم لولا فراق القوس لم يصب
وله عليه السلام (9) : الصبر من كرم الطبيعه والمنّ مفسدة الصنيعه ترك التعاهد للصديق يكون داعية القطيعه
وله عليه السلام (10) : أحمد ربّي على خصال خصّ بها سادة الرجال لزوم صبر وخلع كبر وصون عرض وبذل مال
.
ص: 563
وقال عليه السلام (1) : عش موسرا إن شئت أو معسرا لابدّ في الدنيا من الغمّ دنياك بالأحزان مقرونةٌ فلا تقطع الدنيا إلاّ بهمّ حلاوة دنياك مسمومة فلا تأكل الشهد إلاّ بسمّ
وقال عليه السلام (2) : محامدك (3) اليوم مَذْمُومَةٌ فَلاَ تكسبُ الحمدِ إلاّ بِذَمِ إذا تَمَّ أمرٌ بَدَا نَقْصُهُ تَوَقّعْ زَوَالاً إِذا قِيْلِ تمِ إذا كنت في نعمة فارعها فإنّ المعاصي تزيل النعمِ وداوم عليها بشكر الإله فإنّ الإله سريع النقمِ فإن تعط نفسك آمالها فعند مناها تحلّ الندمِ فكم عمّن عاش في غفلةٍ (4) فما حسّ بالموت (5) إلاّ هَجمِ
وعن جابر بن عبداللّه الأنصاري رضى الله عنه (6) قال : دخلت على عليّ عليه السلام في بعض عِلاته وقد نقه ، فلمّا نظر إليَّ قال : يا جابر من كثَرت نِعَم اللّه عليه (7) كثُرت حوائج الناس إليه ، فإن قام بما أمر اللّه تعالى عرَّضها للدوام والبقاء ، وإن لم يعمل فيها بما أمر اللّه تعالى عرَّضها للزوال والفناء ، ثمّ أنشأ يقول : ما أحسن الدنيا وإقبالها إذا أطاع اللّه من نالها من لم يواس الناس من فضله (8) عرَّض للإدبار إقبالها فاحذر زوال الفضل يا جابر واعط من الدنيا (9) لمن سالها فإنّ ذا العرش (10) جزيل العطا يضعف بالجنة (11) أمثالها قال جابر : ثمّ هزّ بضبعي هزّة خيّل أنّ عضدي خرجت من كاهلي وقال : يا جابر حوائج الناس إليكم من نِعَم اللّه عليكم ، فلا تملّوا النِعَم فيحلّ بكم النِقَم ، فاعلموا أنّ خير المال ما اكتسب حمدا أو أعقب أجرا ، ثمّ أنشأ يقول : لا تخضعن لمخلوق على طمع (12) فإنّ ذلك وهنٌ منك في الدين واسأل اِلهك ممّا في خزائنه فإنّما هي (13) بين الكاف والنون أما (14) ترى كلّ من ترجو (15) وتأمله من البرية مسكين ابن مسكين ما أحسن الجود في الدنيا (16) وأجمله وأقبح البخل فيمن صيغ من طين قال جابر : فهممت أن أقوم ، قال : انا معك يا جابر ، فلبس نعليه وألقى إزاره على منكبيه وخرجنا نتساير ، فذهب بنا إلى الجبّانة _ جبّانة الكوفة _ فسلّم على أهل القبور ، فسمعت ضجّة وهجّة فقلت : ما هذا يا أميرالمؤمنين ؟ فقال : هؤلاء بالأمس كانوا معنا واليوم فارقونا ، أتسأل عن أحوالهم فهم إخوانٌ لا يتزاورون وأودّاء لا
.
ص: 564
يتعاودون . ثمّ خلع نعليه وحسر عن ذراعيه وقال : يا جابر اعطوا من دنياكم الفانية لآخرتكم الباقية ، ومن حياتكم لموتكم ، ومن صحّتكم لسقمكم ، ومن غناكم لفقركم ، اليوم أنتم في الدور وغدا في القبور [وإلى اللّه تصير الاُمور] . ثمّ انشأ يقول : سلام على أهل القبور الدوارس كأنهم لم يجلسوا في المجالس ولم يشربوا من بارد الماء شربة ولم ياكلوا ما بين رطب ويابس ألا فاخبروني أين قبر ذليلكم وقبر العزيز الباذخ المتنافس
.
ص: 565
وله عليه السلام (1) : واللّه لو عاش الفتى من دَهره ألفاً من الأعوام مالك أمره متلذذا (2) فيها بكل هنيئة ومبلغا كلّ المنى من دهره لا يعرف الآلام فيها مرّة كلاّ ولا جرت الهموم بفكره ما كان ذاك يفيده من عظم ما يلقى بأوّل ليلة في قبره
وله أيضا عليه السلام (3) : أيّ يوم من الموت أفر يوم لا يقدر أو يوم قدر يوم لا يقدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو (4) الحذر
وله عليه السلام أيضا (5) : إذا عقد القضاء عليك أمرا فليس يحلّه غير (6) القضاء فما لك قد أقمت بدار ذلٍّ وأرض اللّه واسعة الفضاء
.
ص: 566
ومن نظمه [رضي اللّه عنه وأرضاه] (1) : صُن النفسَ واحمِلْها على ما يَزينُها تَعِش سَالما والقولُ فيكَ جميلُ ولا ترين الناس إلاّ تجمُّلا نبا بك دهرٌ أو جفاك خليلُ وإن ضاق رزقُ اليوم فاصبر إلى غدٍ عسى نكباتُ الدهر عنكَ تزولُ يعزّ غنيّ النفس إن قلّ ماله ويغني فقير النفس وهو ذليل وما أكثر الإخوان حين تعدّهم ولكنّهم في النائبات قليل وروي أيضا (2) عنه أ نّه أتاه رجل وقال له يا عليّ : أخبرني (3) ما واجب وأوجب؟ وعجيب وأعجب؟ وصعب (4) وأصعب؟ وقريب وأقرب ؟ فأجابه بقوله : فرضٌ على الناس أن يتُوبُوا لكِنَّ تَركَ الذُنوب أوجبُ والدهرُ في صرفهِ عجيْبٌ وغَفْلَةُ الناس فِيه أعجبُ والصبرُ في النائباتِ صعبٌ لكنَّ فَوتَ الثوابِ أصعبُ وكلّما يُرتَجى قَريبٌ والموتُ مِن كُلّ ذَاكَ أقربُ
.
ص: 567
فصل : في ذكر مناقبه الحسنة وما جاء في ذلك من الأحاديث والأخبار المستحسنةفمن ذلك ما ورد في الصحيحين من المناقب لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : الاُولى : نزوله من المصطفى صلى الله عليه و آله منزلة هارون من موسى (1) . الثانية : شهادته صلى الله عليه و آله له عليه السلام انّه يحبّ اللّه ورسوله 2 . الثالثة : تخصيصه [ صلى الله عليه و آله ] له [ عليه السلام ] بالراية ذات المرتبة العلية ، ووصفه له بالرجولة . الرابعة : الشجاعة المنسوبة إليه وفتح خيبر على يديه عليه السلام 3 . الخامسة : علمه المشهور ، وعمله المشكور 4 . السادسة : زهده المعروف الشهير الموصوف 5 .
.
ص: 568
السابعة : القرابة الموصوفة بالنجابة (1) . الثامنة : قوله صلى الله عليه و آله : اللّهمّ هؤلاء أهلي ، وأشار إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين سلام اللّه عليهم أجمعين [وذلك لمّا نزلت آية المباهلة] (2) . التاسعة : تزويجه صلى الله عليه و آله [له] بابنته فاطمة سيدة نساء أهل الجنة 3 . العاشرة : انّه عليه السلام من الرهط اُولي الجاهات العراض الّذين توفّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو عنهم راض 4 . الحادية عشر : إقامته للحقّ غير مكترث بمعاداة الخلق كما اتفق [له ]في قتل الفئة الباغية وجهادها ، المخطئة للصواب في رأيها واجتهادها 5 . الثانية عشر : قوله صلى الله عليه و آله لعمّار : تقتلك الفئة الباغية ، ثمّ قُتل وهو من عسكره وحزبه
.
ص: 569
وفي نصرته (رض) (1) . قال الشيخ العارف باللّه عبداللّه بن أسعد اليافعي رحمه الله : قال علماؤنا من أئمّة أهل الحقّ : هذا الحديث حجّة ظاهرة في أنّ عليّا عليه السلام كان محقّا ومصيبا والطائفة الاُخرى بغاة لكنهم مجتهدون (2) . وفيه معجزة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله من أوجه : منها : أنّ عمّارا يموت قتيلاً ، وأ نه يقتله مسلمون ، وأ نهم بغاة ، وأنّ الصحابة يقاتلونهم ، وأ نّهم يكونون فرقتين باغية وغيرها . قالوا : وكلّ هذا وقع مثل فلق الصبح صلّى اللّه على سيّدنا محمّد عبده ورسوله الّذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى ، انتهى ذكره في كتابه المرهم . الثالثة عشر : قِدمه في الإسلام مذ هو غُلام (3) . الرابعة عشر : أنّ نسله من الزهراء البتول فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه و آله (4) . الخامسة عشر : شهرة محاسنه الجميلة واتّصافه بكلّ فضيلة (رض) (5) . فمن ذلك ما رواه البيهقي في كتابه الّذي صنّفه في فضائل الصحابة (رض) يرفعه بسنده إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنه قال : مَن أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام 6 .
.
ص: 570
وروى الإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني بسنده إلى عبداللّه بن حكيم الجهني قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنّ اللّه تبارك وتعالى أوحى اليَّ في عليّ ثلاثة أشياء ليلة اُسري بي بإنّه سيّد المؤمنين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين 1 .
.
ص: 571
وعن ابن عباس (رض) قال : لمّا نزل قوله تعالى : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (1) قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أنا المنذر وعليّ الهادي ، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون 2 .
.
ص: 572
وعن مكحول عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام في قوله تعالى : «وَ تَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ عِيَةٌ» (1) قال : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله :سألت اللّه أن يجعلها اُذنك يا عليّ ففعل 2 . فكان
.
ص: 573
عليّ عليه السلام يقول : ما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلاما إلاّ وعيته وحفظته ولم أنسه (1) . وعن ابن عباس (رض)قال : لمّا نزلت هذه الآية : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» (2) قال لعلي : هو أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضييّن ، ويأتي اعداؤك غضابا مقحمين 3 .
.
ص: 574
ونقل الواحدي في تفسيره يرفعه بسنده إلى ابن عباس (رض)قال : كان مع (1) عليّ بن أبي طالب عليه السلام أربعة دراهم لا (2) يملك غيرها (3) ، فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهارا وبدرهم سرّا وبدرهم علانية 4 ، فأنزل اللّه سبحانه وتعالى : «الَّذِينَ يُنفِقُونَ
.
ص: 575
أَمْوَ لَهُم بِالَّيْلِ وَالنهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (1) .
.
ص: 576
ونقل أبو إسحاق أحمد بن محمّد الثعلبي في تفسيره يرفعه بسنده قال : بينما عبداللّه بن عباس (رض) جالسا على شفير (1) زمزم يقول : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يحدّث الناس إذ أقبل رجل متعمّم بعمامة (2) فوقف فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ قال الرجل : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال ابن عباس : سألتك باللّه من أنت [فكشف العمامة عن وجهه ]فقال : أ يّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا [جندب بن جنادة البدري] أبو ذرّ الغفاري سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بهاتين وإلاّ صمّتا [ورأيته بهاتين وإلاّ فعميتا وهو ]يقول عن عليّ : انه قائد البررة وقاتل الكفرة منصورٌ من نصره ومخذولٌ من خذله 3 .
.
ص: 577
أما إنّي وصلّيت (1) مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوما من الأيام صلاة الظهر (2) فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحدٌ شيئا ، فرفع السائل يده (3) إلى السماء وقال : اللّهمّ [اشهد ]أ ني سألت في مسجد رسول اللّه (4) محمّد صلى الله عليه و آله ولم يعطني أحدٌ شيئا . وكان عليّ في الصلاة راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى [وكان يتختّم ]فيها خاتم فأقبل السائل حتّى أخذ (5) الخاتم من خنصره ، وذلك بعينٍ (6) من النبيّ صلى الله عليه و آله وهو في المسجد ، فرفع رسول اللّه صلى الله عليه و آله رأسه (7) إلى السماء وقال : اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال : «رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى * وَ يَسِّرْ لِى أَمْرِى * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى * يَفْقَهُواْ قَوْلِى * وَ اجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى * هَ_رُونَ أَخِى * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى * وَ أَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى» (8) فأنزلتَ عليه قرآنا ناطقا «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَ_نًا فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا» (9) . اللّهمّ وأ نّا (10) محمّد
.
ص: 578
نبيّك وصفيّك ، اللّهمّ فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا اشدّد به ظهري (1) . قال أبو ذرّ (رض) فواللّه ما استتمّ رسول اللّه الكلام (2) حتّى هبط عليه (3) جبرئيل عليه السلام من عنداللّه عزّ وجلّ وقال : [يا محمّد هنيئا لك ما وهب اللّه لك في أخيك ، قال : وما ذاك يا جبرئيل ؟ قال : أمر اللّه اُمّتك بموالاته إلى يوم القيامة ، وأنزل قرآنا عليك ]اقرأ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» (4) . ونقل الواحدي في كتابه المسمّى بأسباب النزول أنّ الحسن (5) والشعبي (6) والقرطبي 7 قالوا : إنّ عليّا والعباس وطلحة بن شيبة افتخروا ، فقال طلحة : أنا
.
ص: 579
صاحب البيت بيدي مفاتيحه (1) ولو شئت كنت فيه ، قال العباس : وأنا صاحب السقاية والقائم عليها ، فقال عليّ : ما أدري (2) [ماتقولان ]لقد صلّيت ستة أشهر قبل
.
ص: 580
الناس وأنا صاحب الجهاد ، فأنزل اللّه تعالى [هذه الآية] : «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَْخِرِ وَجَ_هَدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ _ إلى أن قال : _ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَ_هَدُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَ لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَآئِزُون» (1) . ومن كتاب المناقب لأبي المؤيد عن أبي بردة (رض)قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونحن جلوس ذات يوم : والّذي نفسي بيده لا يزول قدم عبدٍ (2) يوم القيامة حتّى يسأل اللّه تعالى الرجل عن أربع : عن عمره فيما (3) أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله ممّ كسبه وفيم أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت 4 ، فقال [له ]عمر [بن
.
ص: 581
الخطّاب] : فما (1) آية حبّكم [من بعدكم] ؟ فوضع يده على رأس عليّ وهو جالس جنبه فقال : آيته حبّ هذا من بعدي (2) . وروي الحافظ عبدالعزيز الأخضر الجنابذي في كتابه معالم العترة النبوية مرفوعا إلى فاطمة عليهاالسلام قالت : خرج علينا (3) رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشية عرفة فقال : إنّ اللّه عزّ وجلّ باهى بكم [الملائكة عامة] وغفر لكم عامّة وباهى بعليّ (4) خاصّة [وغفر له خاصّة] وانّي رسول اللّه غير محاب لقرابتي ، إنّ السعيد كلّ السعيد مَن أحبّ عليّا في حياته وبعد موته 5 .
.
ص: 582
ورواه الطبراني أيضا في معجمه عن فاطمة الزهراء عليهاالسلام وزاد فيه : إنّ الشقي كلّ الشقي مَن أبغض عليّا في حياته وبعد مماته (1) . وروى الترمذي والنسائي عن زرّ بن حبيش (2) قال : سمعت عليّا عليه السلام يقول : والّذي فلق الحبّ _ أو قال : الحبّة وبرء النسمة _ أ نه لعهد النبيّ الاُمّي أنه لا يحبّني (3) إلاّ مؤمن ولا يبغضني (4) إلاّ منافق 5 .
.
ص: 583
وعن أبي سعيد الخدري قال : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ ببغضهم عليّا 1 . وعن الحارث الهمداني قال : جاء عليّ عليه السلام حتّى صعد المنبر وحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : قضاءٌ قضاه اللّه تعالى على لسان نبيكم محمّد صلى الله عليه و آله لايحبني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق ، وقد خاب مَن افترى 2 .
.
ص: 584
ومن كتاب الخصائص عن العبّاس بن عبدالمطّلب (رض)قال : سمعت عمر بن الخطّاب وهو يقول : كفّوا عن ذكر عليّ ابن أبي طالب إلاّ بخير (1) فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : في عليّ ثلاث خصال وددت لو أنّ لي واحدة منهنّ كلّ واحدة منهنّ أحبّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس (2) ، وذاك أ ني كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة ابن
.
ص: 585
الجرّاح ونفر من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ ضرب (1) النبيّ صلى الله عليه و آله على كتف (2) عليّ بن أبي طالب (3) وقال : يا عليّ أنت أوّل المسلمين (4) إسلاما وأنت أوّل المؤمنين (5) إيمانا ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى (6) ، كذب من زعم انّه يحبّني وهو مبغضك . يا عليّ مَن أحبّك فقد أحبّني ومَن أحبّني أحبّه اللّه ومَن أحبّه اللّه أدخله الجنة ، ومَن أبغضك فقد أبغضني ومَن أبغضني فقد أبغضه اللّه تعالى وأدخله النار 7 . وروى مسلم والترمذي أنّ معاوية قال : لسعد بن أبي وقّاص : مامنعك أن تسبّ أبا تراب 8 فقال سعد: أمّا ما ذكرت فلثلاث قالهنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلن أسبّه ولأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حمر النِعَم 9 . سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول وقد خلّفه في بعض مغازيه ، فقال عليّ خلّفتني مع النساء والصبيان ؟ ! 10 فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي 11 . وسمعته يقول صلى الله عليه و آله يوم خيبر لأعطينّ الراية غدا رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله 12 ، فتطاولنا إليها فقال صلى الله عليه و آله : ادعوا لي عليّا ، فاُتي به أرمد فبصق في عينه فبرئ ودفع إليه الراية ففتح اللّه على يديه 13 . ولمّا نزلت هذه الآية : «قُلْ
.
ص: 586
تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ» (1) فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا وقال : اللّهمّ هؤلاء أهلي (2) . ومن كتاب كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام تأليف الشيخ الإمام الحافظ محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي : حكي عن عبداللّه بن عباس وكان سعيد بن جبير يقوده (3) بعد كفّ بصره ، فمرّ على ضفة زمزم فإذا بقومٍ من أهل الشام يسبّون (4) عليّا فسمعهم عبداللّه بن عباس فقال لسعيد : ردّني إليهم ، فردّه فوقف عليهم وقال (5) : أيّكم السابّ للّه تعالى ؟ فقالوا : سبحان اللّه ! ما فينا أحدٌ سبّ اللّه ، فقال أ يّكم السابّ لرسوله ؟ فقالوا : سبحان اللّه ! ما فينا أحدٌ سبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : فأيّكم السابّ لعليّ بن أبي طالب ؟ فقالوا : أمّا هذا فقد كان منه شيء ، فقال : أشهد على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ممّا سمعته اُذناي ووعاه قلبي ، سمعتُه يقول لعليّ بن أبي طالب عليه السلام : يا عليّ مَن سبّك فقد سبّني ومَن سبّني فقد سبّ اللّه ومَن سبّ اللّه فقد أكبّه (6) اللّه على منخريه في النار ، ثمّ تولّى (7) عنهم 8 وقال : يابني ماذا رأيتهم صنعوا ؟
.
ص: 587
قال : فقلت له : يا أبتي : نظروا إليك بأعين محمرّة (1) نظر التيوس الى شفار الجازر فقال : زدني فداك أبي واُمّي (2) ، فقلت : خُزْرَ الحواجب (3) منكسي أذقانهم (4) نظر الذليل إلى العزيز القاهر فقال : زدني فداك أبي واُمّي 5 ، فقلت : ليس عندي مزيد ، فقال : عندي المزيد : أحياؤهم عارٌ على أمواتهم والميّتون مسبّةٌ للغابر
.
ص: 588
. .
ص: 589
. .
ص: 590
. .
ص: 591
. .
ص: 592
ومن كتاب الآل لابن خالوية عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ : حبّك إيمان وبغضك نفاق ، وأوّل من يدخل الجنّة محبّك ، وأوّل من يدخل النار مبغضك 1 .
وعن عمّار بن ياسر (رض)أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام :طوبى لمن أحبّك وصدّق فيك ، وويلٌ لمن ابغضك وكذّب فيك (1) .
وعن ابن عباس (رض) أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال له :أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة ، من أحبّك فقد أحبّني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وبغضك بغضٌ اللّه ، فالويل كلّ الويل لمن أبغضك 3 .
.
ص: 593
وعن النبيّ صلى الله عليه و آله أ نه قال :ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا ، ألا ومَن مات على ]حبّ] آل محمّد مات مؤمنا [مستكمل الإيمان] ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد زفّ إلى الجنة كما تزفّ العروس إلى زوجها 1 .
.
ص: 594
ولبديع الزمان الهمداني (1) : يقولون لي أما تحبّ الرضا فقلت الثرى بفمّ الكاذب اُحبّ النبيّ وآل النبيّ واختصّ آل أبي طالب ولابن هرثمة رحمه الله تعالى 2 : مهما اُلام على حبّهم (2) فإنّى اُحبّ بني فاطمه بني بنت من جاء بالمحكمات (3) وبالدين والسنن القائمه
.
ص: 595
. .
ص: 596
. .
ص: 597
فصل : في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة عليه السلامقال الخطيب أبو المؤيد الخوارزمي عن أبي إسحاق : لقد رأيت عليّا عليه السلام أبيض الرأس واللحية ، ضخم البطن ، ربعة من الرجال (1) . وذكر ابن مندة : إنّه كان شديد الاُدمة ، ظاهر السمرة ، كثير الشعر ، عريض اللحية ثقيل (2) العينين عظيمهما ، ذا بطن وهو إلى القصر أقرب (3) .
.
ص: 598
وزاد محمّد بن حبيب البغدادي صاحب الكنز [المحبر] الكبير في صفاته ، أنه أدم اللون ، حسن الوجه ، ضخم الكراديس ، أنزع (1) بطين (2) . وممّا رواه الغر (3) المحدّث في صفته وذلك عند سؤال بدر الدين [يوسف بن ]لؤلؤ صاحب الموصل له عند صفته له فقال : كان ربعة من الرجال ، أدعج العينين ، حَسن الوجه كأنه القمر ليلة البدر حُسنا ، ضخم البطن ، عريض المنكبين ، شثن الكفّين ، كأنّ عنقه إبريق فضّة ، أصلع كثّ اللحية ، له شاش كشاش السبع الضاري لا يتبيّن عضده من ساعده وقد اُدمجت إدماجا (4) . قال معاوية لضرار بن ضمرة (5) : صف لي عليّا، فقال: اعفني، فقال: [لابدّ أن تصفه ]أقسمت عليك لتصفنّه [لي] ، قال : أمّا إذا كان لابدّ فإنّه واللّه كان بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه وتنطق الحكمه من نواحيه (6) ،
.
ص: 599
يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته ، وكان غزير العبرة (1) طويل الفكرة ، [يقلّب كفّه ويخاطب نفسه ويناجي ربّه ]يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب ، وكان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن واللّه مع تقريبه (2) لنا وقربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبةً له ، ويعظّم أهل الدين ويقرّب المساكين ، ولا يطمع القويّ في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله . وأشهد (3) لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه [وهو قائم في محرابه ]قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غرّي غيري ، أبي (4) تعرّضت أم إليَّ تشوّقت ، هيهات هيهات طلّقتك (5) ثلاثا لارجعة فيها ، فعمرك قصير وخطرك كثير (6) وعيشك حقير . آه من قلّة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق . فبكى معاوية وقال : رحم اللّه أبا الحسن ، لقد كان واللّه كذلك ، فكيف (7) حزنك عليه يا ضرار ؟ فقال : حزن من ذُبح ولدها في حِجرها ، فهي لا يرقى دمعها (8) ولا يخفى فجعها (9)10 .
.
ص: 600
وسأل معاوية خالد بن معمر 1 فقال له : علام أحببت عليّا ؟ فقال : على ثلاث
.
ص: 601
خصال : على حلمه إذا غضب ، وعلى صدقه إذا قال ، وعلى عدله إذا حكم (1) . ونقل عن سودة بنت عمارة الهمدانية (2) رحمهما اللّه أنها قدِمت على معاوية بعد موت عليّ عليه السلام 3 فجعل معاوية يؤنّبها على تحريضها عليه في أ يّام قتال صفين . ثمّ
.
ص: 602
إنّه قال لها : ماحاجتك ؟ فقالت : إنّ اللّه تعالى مسائلك عن أمرنا وما افترض (1) عليك من حقّنا وما فوض إليك من أمرنا ، ولا يزال يقدِم علينا من قبلك من يسمو (2) بمقامك (3) ويبطش بسلطانك ، فيحصدنا حصد السنبل ، ويدوسنا دوس الحرمل (4) ، يسومنا الخسف ويذيقنا الحتف ، هذا بسر بن أرطاة قد قدِم علينا فقتل رجالنا (5)
.
ص: 603
وأخذ أموالنا (1) ولولا الطاعة لكان فينا عزّ ومنعة ، فإن (2) عزلته عنّا شكرناك ، وإلاّ فإلى اللّه شكوناك . فقال معاوية : إيّاي تعنين ولي تهدّدين ؟ لقد هممت ياسودة أن أحملك على قتب أشوس (3) فأردّك إليه فَينُفِّذ حكمه فيك ، فأطرقت ثمّ أنشأت تقول [هذه الأبيات] : صلّى الإله على جسم تضمّنه قبرٌ فأصبح فيه العدل مدفونا قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلاً فصار بالحقّ والإيمان مقرونا (4) فقال معاوية : من هذا (5) يا سودة ، فقالت : هذا واللّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال : وما صنع بك حتّى صار عندك كذلك ؟ قالت : لقد جئته (6) في رجل كان قد ولاّه صدقاتنا (7) فجار علينا فصادفته قائما يريد صلاة فلما رآني انفتل ثمّ أقبل عليَّ بوجه طلقٍ ورحمةٍ ورفق وقال : ألكِ (8) حاجة ؟ فقلت : نعم ، وأخبرته بالأمر فبكى ، ثمّ قال : اللّهمّ أنت الشاهد (9) أني لم آمرهم بظلم خلقك ، ولا بترك حقّك . ثمّ أخرج من جيبه قطعة جلد وكتب فيها : بسم اللّه الرحمن الرحيم «قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَ لاَ تُفْسِدُواْ فِى
.
ص: 604
الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَ_حِهَا ذَ لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» (1) وإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملك حتّى يقدِم عليك من يقبضه [منك ]والسلام . ثمّ دفع إليَّ الرقعة فجئتُ بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنّا معزولاً . فقال [معاوية] : اكتبوا لها بما تريد واصرفوها إلى بلدها غير شاكية . فقالت : ألي خاصّة أم لقومي عامّة ؟ قال : وما أنتِ وغيرك ؟ قالت : هي واللّه إذا الفحشاء واللؤم إن لم يكن عدلاً شاملاً ، وإلاّ أنا كسائر قومي . قال : هيهات ، لمظكم ابن أبي طالب الجرأة وغرّكم قوله : فلو كنت بوّابا على باب جنّة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام (2)
.
ص: 605
ص: 606
وحيدر وأمير المؤمنين (1) والأنزع البطين (2) . نقش عليّ على خاتمه : أسندت ظهري إلى اللّه (3) ، وقيل : حسبي اللّه (4) ، بابه (5) : سلمان (رض) (6) ، شاعره : حسّان بن ثابت (7) ، ومعاصروه : أبو بكر وعمر
.
ص: 608
. .
ص: 609
فصل : في مقتله ومدّة عمره وخلافته عليه السلامعن أنس بن مالك (1) (رض)قال : مرض عليّ عليه السلام فدخلت عليه وعنده أبو بكر وعمر وعثمان فجلست عنده معهم ، فجاء النبيّ صلى الله عليه و آله فنظر في وجهه فقال أبو بكر وعمر : قد تخوّفنا عليه يا رسول اللّه ، فقال صلى الله عليه و آله : لا بأس عليه ولن يموت الآن ولا يموت حتّى يملأ غيظا ولن يموت إلاّ مقتولاً (2) .
.
ص: 610
وعن فضاله الأنصاري (1) قال : خرجت مع أبي إلى الينبع (2) عائدين لعليّ بن أبي طالب وكان مريضا بها قد نُقل إليها من المدينة ، فقال له : مايقيمك بهذا (3) المنزل ؟ ولو هلكت به لم يدفنك (4) إلاّ أعراب جهينة ، وكان أبو فضاله من أهل بدر (5) ، فقال له عليّ : لست بميّت من وجعي هذا وذلك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عهد إليَّ أن لا أموت حتّى اُؤمر وتخضب (6) هذه من دم هذا (7) _ وأشار إلى لحيته ورأسه _ قضاءً مقضيا وعهدا معهودا منه إليَّ (8) . وقال [أبو] المؤيد الخوارزمي في كتابه المناقب يرفعه بسنده إلى أبي الأسود الدؤلي أنه عاد عليّا في شكوى اشتكاها . قال : فقلت له : قد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه ، فقال لكنّي واللّه ما تخوّفت على نفسي
.
ص: 611
لأني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّك ستُضرب ضربةً هاهنا _ وأشار إلى رأسه _ فيسيل دمها حتّى تخضب لحيتك ، يكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود 1 . قيل : وسئل عليّ وهو على المنبر (1) في الكوفة عن قوله تعالى : «مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَ_هَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ
.
ص: 612
تَبْدِيلاً» (1) فقال : اللّهمّ غفرا (2) هذه الآية نزلت فيَّ وفي عمّي حمزة وفي ابن عمّي عبيدة بن الحارث بن عبدالمطّلب ، فأمّا (3) عبيدة بن الحارث فانّه قضى نحبه شهيدا يوم بدر ، وأمّا عمّي حمزة فإنّه قضى نحبه [شهيدا ]يوم اُحد ، وأمّا أنا فأنتظر (4) أشقى الاُمّة (5) يخضب هذه من هذا (6) _ وأشار [بيده ]إلى لحيته ورأسه وقال : _ عهدٌ عهده إليَّ حبيبي أبو القاسم صلى الله عليه و آله 7 . ومن المناقب (7) مرفوعا إلى إسماعيل بن راشد [وأبو هشام الرفاعي] 9 قال :
.
ص: 613
كان من حديث عبدالرحمن بن ملجم (1) لعنه اللّه وصاحبيه وهما البُرَك (2) بن عبداللّه التميميّ وعمرو بن بكر التميمي (3) ، انّهم اجتمعوا بمكّة فتذاكروا (4) أمر الناس
.
ص: 614
وما نالهم من القتل وما هم عليه ، فعابوا ذاك على ولاتهم ، ثمّ إنّهم ذكروا أهل النهروان فترحّموا (1) عليهم وقالوا : ما نصنع بالبقاء (2) بعدهم ، اُولئك كانوا دعاة الناس لعبادة (3) ربهم لا يخافون في اللّه لومة لائم ، فلو شرينا أنفسنا قاتلنا أئمة الضلالة (4) فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد والعباد وثأرنا بهم إخواننا في اللّه . فقال ابن ملجم لعنة اللّه عليه : أنا أكفيكم [أمر] عليّ بن أبي طالب ، وقال البُرَك : أنا أكفيكم [أمر ]معاوية ، وقال عمرو بن بكر : أنا أكفيكم عمرو بن العاص . فتعاهدوا [وتعاقدوا] وتواثقوا باللّه على ذلك أن لا ينكص (5) واحد منهم عن صاحبه الّذي تكفّل به (6) حتّى يقتله أو يموت دونه ، فأخذوا أسيافهم (7) فشحذوها ثمّ أسقوها السمّ ، وتوجّه كلّ واحدٍ منهم إلى جهة صاحبه الّذي تكفّل به ، وتواعدوا على أن يكون وثوبهم عليهم في ليلة واحدة ، وتوافقوا على أن تكون هذه الليلة [هي الليلة ] الّتي يسفر صاحبها عن ليلة تسع عشرة (8) من شهر رمضان المعظّم ، وقيل : هي الليلة الحادية والعشرون منه . فأمّا ابن ملجم لعنه اللّه فإنّه لمّا أتى الكوفة لقي بها جماعة من أصحابه فكتمهم (9) أمره مخافة (10) ان يظهروا (11) عليه شيء من ذلك ، فمرّ في بعض الأيّام بدارٍ من دور
.
ص: 615
الكوفة فيها عرس ، فخرج منها نسوة فرأى فيهنّ امرأة جميلة فائقة في حسنها يقال لها قَطام بنت الأصبغ التميمي 1 ] فنظر اليها [لعنها اللّه فهواها ووقعت في قلبه محبّتها ، فقال لها : يا جارية ، أيم أنتِ أم ذات بعل ؟ فقالت : بل أيم . فقال لها : هل لك في زوج لا تذمّ خلايقه ؟ فقالت : نعم ، ولكن لي أولياء اُشاورهم . فتبعها فدخلت دارا ثمّ خرجت إليه فقالت : يا هذا ، إنّ أوليائي أبوا أن يزوّجوني إلاّ على ثلاثة آلاف درهم وعبدٍ وقينةٍ ، قال : لكِ ذلك ، قالت : وشريطة اُخرى ! قال : وما هي ؟ قالت : قَتلُ عليّ بن أبي طالب فإنّه قتل أبي وأخي (1) يوم النهروان ، قال : ويحك ! ومن يقدر على قتل عليّ وهو فارس الفرسان وواحد الشجعان ؟ ! فقالت : لا تكثر ، فذلك أحبّ إلينا من المال ، إن كنتَ تفعل ذلك وتقدر عليه وإلاّ فاذهب إلى سبيلك ؟ فقال لها : أمّا قتل عليّ بن أبي طالب فلا ، ولكن إن رضيتي ضربتُه بسيفى
.
ص: 616
ضربةً واحدةً وانظرى ماذا يكون ؟ قالت : رضيتُ ولكن ألتمس غرّته لضربتك ، فإن أصبته انتفعت بنفسك وبي ، وإن هلكت فما عنداللّه خيرٌ وأبقى من الدنيا وزينة أهلها ، فقال لها : واللّه ما جاء بي (1) إلى هذا المصر إلاّ قتل عليّ بن أبي طالب ، قالت : فإذا كان الأمر على ما ذكرت دعني أطلب لك من يشدّ (2) ظهرك ويساندك (3) ، فقال لها : افعلي . فبعثت إلى رجل من أهلها يقال له وردان (4) من تيم الرباب فكلّمته فأجابها ، وخرج (5)6 ابن ملجم إلى رجل من أشجع يقال له شبيب بن بُجرة (6) من الخوارج ، فقال له : هل لك في شرف الدنيا والآخرة ؟ قال : وكيف ذلك ؟ قال : قَتل عليّ بن أبي طالب ، فقال له : ثكلتك اُمّك لقد جئت شيئا ]إدّا] إذ كيف تقدر على ذلك ؟ قال : أكمنُ له في المسجد ، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه (7) ، فإن نجونا (8) شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا ، وإن قُتلنا فما عند اللّه خيرٌ من الدنيا وما فيها ، ولنا اُسوة في أصحابنا الّذين سبقونا . فقال له : ويحك ! لو كان غير عليّ [كان أهون عليَّ] وقد عرفت بلاءه في
.
ص: 617
الإسلام وسابقته مع النبيّ صلى الله عليه و آله وما أجدُ نفسي تنشرح لقتله ، قال : أما (1) تعلم أ نه قتل أهل النهروان العبّاد المصلّين ؟ قال : بلى ، قال : فنقتله بمن قتل من إخواننا . فأجابه إلى ذلك . فجاؤوا إلى قَطام وهي في المسجد الأعظم معتكفة وكان ذلك في شهر رمضان فقالوا لها : قد صمّمنا وأجمع رأينا على قَتل عليّ بن أبي طالب . فقال ابن ملجم[قاتله اللّه ] : ولكن يكون ذلك في ليلة الحادية والعشرين منه فإنّها الليلة الّتي تواعدت أنا وصاحباي فيها على أن يبيّت كلّ واحد منّا على صاحبه الّذي تكفّل بقتله ، فأجابوه إلى ذلك (2) . فلمّا كانت الليلة الحادية والعشرين أخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدّة الّتي يخرج منها عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكانت ليلة الجمعة ، فلمّا خرج لصلاة الصبح شدّ عليه شبيب فضربه بالسيف فوقع (3) سيفه بعضادة الباب (4) ، وضربه ابن ملجم لعنه اللّه بسيفه فأصابه 5 ، وهرب وَردان ، ومضى شبيب لعنه اللّه هاربا حتّى دخل منزله
.
ص: 618
فدخل عليه [رجل ]من بني أبيه (1) فقتله . وأمّا ابن ملجم [لعنه اللّه ] فإنّ رجلاً من همدان لحقه فطرح (2) عليه قطيفة (3) كانت في يده ثمّ صرعه وأخذ السيف منه وجاء به إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فنظر إليه عليّ ثمّ قال : « «النفسُ بالنفس» إن أنا مِتُّ فاقْتلُوه كما قَتَلني ، وإن سَلِمْتُ رأيتُ رأيي فيه (4) . فقال ابن ملجم لعنه اللّه : واللّه لقد ابتَعْتُه بألف وسَمَمْتُه بألف ، فإن خانني فأبعد[ه]
.
ص: 619
اللّه مضاربه (1) . قال [قتادة] : فنادته اُمّ كلثوم ابنة سيّدنا عليّ عليه السلام : يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين ، فقال: إنّما قتلتُ أباك (2) ، قالت: يا عدوّ اللّه إنّي لأرجو أن لا يكون عليه باسٌ، قال لها : أراك (3) إذا تبكين عليَّ ، واللّه لقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم (4) . فاُخْرجَ من بين يدي أميرالمؤمنين والناس يلعنونه ويسبّونه ويقولون [له] : يا عدوّ اللّه وماذا أتيت أهلكت اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله وقتلت خير الناس ، وأ نّهم لو تركوهم به لقطّعوه [لعنه اللّه ] قطعا وهو [صامت ]لا ينطق لهم . قال : ودعا أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام حسنا وحسينا فقال : أوصيكما بتقوى اللّه تعالى ولا تبغيا (5) الدنيا وإن بغتكما وتتكيّا [ولا تبكيا ولا تأسفا ]على شيء زوي منها عنكما [و] قولا بالحقّ] واعملا للأجر [وارحما اليتيم وأعينا (6) الضعيف ]الملهوف الضائع [واصنعا للاُخرى ، وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا (7) ، واعملا بما في كتاب اللّه تعالى ولا تأخذ كما في اللّه لومة لائم (8) .
.
ص: 620
ثمّ التفت (1) إلى محمّد بن الحنفية فقال : ]هل [حفظت ما أوصيت به أخويك ؟ قال : نعم ، فقال ]ف [إنّي اُوصيك بمثله ، واُوصيك بتوقير أخويك لعظيم (2) حقّهما عليك ولا تؤثر (3) أمرا دونهما . ثمّ قال : اُوصيكما به فإنّه ]شقيقكما] (4) ابن أبيكما ، وقد علمتما أنّ أباكما كان يحبّه (5) . وفي رواية (6) عن الحسن بن عليّ عليه السلام : لمّا حضرت أبي الوفاة أقبل يوصي فقال : هذا ما أوصى به [أميرالمؤمنين ]عليُّ بن أبي طالبٍ أخو محمّد رسول اللّه وابن عمّه وصاحبه وخليفته ، أوصى بأنه يشهد (7) أن لا إله إلاّ اللّه [وحده لا شريك له] وأنّ محمّدا [عبده ورسوله] (8) رسول اللّه وخيرته ، اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته (9) ، وأنّ
.
ص: 621
اللّه باعث مَن في القبور وسائل الناس عن أعمالهم ، عالمٌ بما في الصدور . ثمّ قال : إنّى اُوصيكَ يا حَسَنُ 1 وكفى بك وصيّا بما أوصاني به رسول اللّه صلى الله عليه و آله فإذا
.
ص: 622
كان ذلك [يا بنيّ ]فالزم بيتك وابكِ على خطيئتك ، ولا تكن الدنيا أكبر همّك ، واُوصيك يا بنيّ بالصلاة عند وقتها والزكاة في أهلها عند محلّها ، والصمت عند الشبهة (1) ، والاقتصاد ، والعدل في الرضا والغضب ، وحسن الجوار ، وإكرام الضيف ، ورحمة المجهود وأصحاب البلاء ، وصلة الرحم ، وحبّ المساكين ومجالستهم والتواضع فإنّه أفضل العبادات (2) ، وقصر الأمل ، وذكر (3) الموت ، والزهد في الدنيا فإنّك رهن موتٍ وغرض بلاء وطريح سقم . واُوصيك بخشية اللّه تعالى في سرّ أمرك وعلانيتك ، وأنهاك عن التسرّع بالقول والفعل ، وإذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به ، وإذا عرض شيء من أمر الدنيا فتأ نّه (4) حتّى تصيب رشدك فيه ، وإيّاك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء ، فإنّ قرين السوء يغير (5) جليسه . وكن للّه يا بنيّ عاملاً،وعن الخنا زجورا، وبالمعروف آمرا ، وعن المنكر ناهيا ، وواخِ الإخوان في اللّه ، وأحبّ الصالح لصلاحه ، ودار الفاسق عن دينك وابغضه بقلبك ، وزايله بأعمالك لئلا (6) تكون مثله ، وإيّاك والجلوس في الطرقات ، ودع المماراة ومجاورة (7) من لا عقل له [ولا علم] .
.
ص: 623
واقتصد يا بنيّ في معيشتك ، واقتصد في عبادتك ، وعليك فيها بالأمر الدائم الّذي تطيقه ، والزم الصمت وبه تسلم ، وقدّم لنفسك تغنم ، وتعلّم الخير تعلم ، وكن ذاكرا للّه تعالى على كلّ حال ، وارحم من أهلك الصغير ، ووقّر منهم الكبير ، ولا تأكلنّ طعاما حتّى تتصدّق منه قبل أكله ، وعليك بالصوم فإنّه زكاة البدن وجنّة لأهله . وجاهد نفسك ، واحذر جليسك ، واجتنب عدوّك ، وعليك بمجالس الذِكر ، وأكثر من الدعاء فإنّي لم آلك يا بنيّ نصحا وهذا فراق بيني وبينك . واُوصيك بأخيك محمّد [خيرا ]فإنّه [شقيقك] ابن أبيك وقد تعلم حبّي له. أمّا أخوك الحسين فإنّه شقيقك وابن اُمّك وأبيك ، ولا [اُزيد الوصاة بذلك (1) ]أزيدك وصياته ، واللّه الخليفة عليكم ، وإيّاه أسأل أن يصلحكم ، وأن يكفّ الطغاة والبغاة عنكم ، والصبر الصبر حتّى يقضي (2) اللّه الأمر ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم (3) . ثمّ قال للحسن : يا حسن أبصروا ضاربي ، أطعموه من طعامي ، واسقوه من شرابي ، فإن أنا عشتُ فأنا أولى بحقّى ، وإن متُّ فاضربوه ضربةً ، ولا تمثّلوا به فإنّي سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : ايّاكم والمثله ولو بالكلب العقور (4) . يا حسن إن أنا متُّ
.
ص: 624
لا تغال في كفني فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : لا تغالوا في الأكفان فامشوا بي بين المشيتين ، فإن كان خيرا عجلتموني إليه ، وان كان شرّا ألقيتموه عن أكتافكم . يا بني عبدالمطّلب لا ألفينّكم تريقون (1) دماء المسلمين بعدي ، تقولون : قتلتم أميرالمؤمنين ، ألا لايقتلنّ بي إلاّ قاتلي (2) . ثمّ لم ينطق إلاّ بلا إله إلاّ اللّه حتّى قبض عليه السلام وذلك في شهر رمضان سنة أربعين (3) . وغسّله الحسن والحسين وعبداللّه بن جعفر ومحمّد بن الحنفية يصبّ الماء ، وكُفّن في ثلاثة (4) أثواب ليس فيها قميص ، وصلّى عليه ابنه الحسن عليه السلام وكبّر عليه سبع تكبيرات (5) ،
.
ص: 625
ودُفن في جوف الليل بالغري (1) موضع معروف [يزار] إلى الآن وقيل: بالنجف ، وفيه يقول بعض الشعراء (2) : تسح (3) سحايب الرضوان سحا كجود يديه ينسجم انسجاما ولازالت رواة المزن تهدي إلى النجف التحية والسلاما وقيل: دُفن [بين منزلة] والجامع الأعظم (4) ، وقيل: في القصر 5 ، وقيل : غير ذلك 6 ، ولمّا فرغوا من دفنه عليه السلام جلس الحسن عليه السلام وأمر أن يؤتى بابن ملجم لعنه اللّه فجيء به، فلمّا وقف بين يديه قال: يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين وأعظمت الفساد في الدين 7 ،
.
ص: 626
ثمّ أمر به فضُربت عنقه وأخذه الناس وأدرجوه في بواري وأحرقوه لعنه اللّه (1) . وقيل : إنّ اُم الهيثم بنت الأسود النخعية (2) استوهبت جيفته من الحسن عليه السلام وأحرقتها بالنار (3) . وأمّا الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص فإنّ أحدهما في صبيحة تلك الليلة وهو البُرك ضرب معاوية وهو راكع في صلاة الصبح فوقعت ضربته في إليته من فوق ثياب كثيرة كانت عليه فجرحه جرحا يسيرا ، وقُبض على البُرك فقال لمعاوية : إنّ [لك ]عندي بشارة (4) اُسرّك به فإن أخبرتك أنافعي ذلك عندك ؟ فقال : نعم ، قال : إنّ عليّا قُتل في هذه الليلة ، قتله أخٌ لي ، قال : وكيف ؟ فأخبره بخبرهم ثلاثتهم وما عقدوا عليه ، فقال معاوية : ولعلّه لم يقدر على ذلك اقتلوه ، فاُخذ وقُتل (5) .
.
ص: 627
وبعث معاوية إلى طبيب يقال له الساعدي وكان طبيبا حاذقا فأراه جراحته ، فلمّا نظر إليها قال : اختر إمّا أن أحمي [لك ]حديدة فاضعها (1) في موضع السيف (2) ] فتبرأ] وإمّا أن اُسقيك شربة (3) يقطع بها عنك الولد وتبرأ فإنّ ضربته مسمومة ، قال معاوية : أمّا النار فلاصبر (4) لي عليها ، وأمّا الولد ففي يزيد وعبداللّه ما تقرّبه عيني ، فسقاه شربة (5) فبرئ ولم يولِد بعدها، وأمر معاوية بعد ذلك بالمقصورات في المسجد وحرس الليل وقيام الشرطة على رأسه،وهو أوّل من عمل المقصورات في الإسلام (6) . أمّا الرجل الثالث وهو عمرو بن بكر التميمي وافى خارجة [بن أبي حبيبة] (7) [وكان صاحب شرطته] في صبيحة تلك الليلة وهو في المسجد في صلاة الصبح فضربه بسيفه وهو يظنّ أنه عمرو ، وكان عمرو قد تخلّف صبيحة تلك الليلة واستخلف خارجة فوقعت الضربة في خارجة فقتله فمات (8) منها في اليوم الثاني (9) ،
.
ص: 628
وفي ذلك يقول ابن زيدون (ره) (1) : فليتها إذ فدت عَمْرا بخارجة فدت عليّا بمن شاءت من البشر وأخذوا قاتل خارجة فاُدخل على عمرو فلمّا رآه قال له : من قتلت ؟ قال : يقولون خارجة ، فقال : أردت عمرا وأراد اللّه خارجة (2) فصارت مثلاً ، وأمر به عمرو فقُتل ، فلمّا بلغ معاوية قتل خارجة وسلامة عمرو كتب إليه بهذه الأبيات 3 : وقَتْلٌ وأسبابُ المنايا (3) كثيرةٌ مَنيَّةُ شيخٍ من لؤيِّ بن غالِبِ فيا عَمرو مَهلاً إنّما أنت عَمُّهُ وصاحبُهُ دون (4) الرجال الأقارِبِ نَجْوتَ وقد بَلَّ المُراديُّ سَيْفَهُ مِن ابن أبي شيخ الأباطحِ طالبِ ويضرِبُني بالسيف آخرُ مِثْلهُ فكانَتْ علينا (5) تلك ضربَةَ لازِبِ وأنتَ تُناغي كلَّ يومٍ وليلةٍ بمِصْرِكَ بيضا كالظِباء (6) السواربِ (7) وقد صحّ النقل أنّ عليّا عليه السلام ضربه عبدالرحمن بن ملجم ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان المعظّم سنة أربعين ومات من ضربته ليلة الأحد وهي الليلة الثالثة من ليلة ضرْبِه 9 ، وكان عمره إذ ذاك خمسا وستين
.
ص: 629
سنة (1) أقام منها مع النبيّ خمسا وعشرين سنة (2) منها قبل البعث والنبوة اثنا عشر سنة وبعدها ثلاثة عشر سنة (3) ، ثمّ هاجر واقام مع النبيّ صلى الله عليه و آله بالمدينة إلى أن توفّي
.
ص: 630
النبيّ صلى الله عليه و آله عشر سنين (1) ، ثمّ عاش من بعد وفاة النبيّ إلى أن قُتل عليه السلام ثلاثين سنة ، فجملة ذلك خمس وستون سنة 2 . وبالإسناد عن جابر بن عبداللّه الأنصاري (رض)قال : إنّي حاضر عند عليّ بن أبي طالب [في وقتٍ ]إذ جاءه عبدالرحمن بن ملجم لعنه اللّه يستحمله فحمله ثمّ قال 3 : اُريد حياته ويُريدُ قتلي عذيري من خليلي من مُرادِ ثمّ قال : هذا واللّه قاتلي لا محالة ، قلنا : يا أمير المؤمنين أفلا تقتله ؟ ! قال : لا فمن يقتلني ، ثمّ قال (2) عليه السلام : اشدُدْ حَيازيمكَ للموت فإنّ الموتَ لاقيكا ولاتَجْزَع من الموت إذا حَلّ بناديكا ولا تغترّ بالدهر وان كان يواتيكا كما أضْحَكَكَ الدهرُ كذاكَ الدهرُ يبكيكا وقال غنم بن المغيرة (3) : كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام في شهر رمضان من السنة الّتي قُتل فيها يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبداللّه بن جعفر ، لا يزيد في كلّ أكله على ثلاث أو أربع لقم (4) ويقول : يأتيني أمرُ اللّه وأنا خميصٌ ، إنّما هي ليالٍ قلائل ، فلم يمض الشهر حتّى قُتل عليه السلام 7 . وعن الحسن بن كثير عن أبيه قال : خرج عليّ عليه السلام في فجر اليوم الّذي قُتل فيه فأقبل الأوز يصحن في وجهه فطُردن عنه ، فقال عليه السلام : ذروهنّ فإنّهنّ نوائح 8 ، فقتله
.
ص: 631
ابن ملجم لعنه اللّه . وقال الحسن بن عليّ عليه السلام : قمت ليلاً فوجدت أبي قائما يصلّي في مسجد داره فقال : يا بني أيقظ أهلك يصلّون فانّها ليلة الجمعة صبيحة بدر ، ولقد ملكتني عيناي فنمت فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقلت : يا رسول اللّه ماذا لقيتُ من اُمّتك من الأوَد واللدد (1) ! ! فقال صلى الله عليه و آله : ادْعُ عليهم ، فقلتُ : اللّهمّ أبدلنى بهم مَن هو خيرٌ منهم وأبدلهم بي مَن هو شرٌّ منهم (2) . فجاء المؤذّن فأذنه بالصلاة فخرج وخرجتُ خلفه فضربه ابن ملجم لعنه اللّه فقتله (3) . وفي قصّة عبدالرحمن بن ملجم لعنه اللّه ومهره لقَطام واشتراطها عليه قَتل
.
ص: 632
عليّ عليه السلام ، يقول الفرزدق (1) : فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة كمهر (2) قَطامٍ من فصيحٍ وأعجم (3) ثلاثة آلاف وعبدٌ وقينةٌ وضرب عليٍّ بالحسام المصمّم (4) فلا مهر أغلى من عليٍّ (5) وإن غلاولا فتك (6) إلاّ دون فتك ابن ملجم وللّه درّ القائل حيث يقول (7) : فلا عزّ (8) للأشراف إن ظفرت بها ذئاب (9) الأعادي من فصيح وأعجم فحربة وحشيّ سقت حمزة الردى وحتف عليّ من حسام ابن ملجم وقال أبو الأسود الدؤلي في قتل عليّ عليه السلام 10 : ألا أبلغْ معاوية بن حربٍ (10) فلا قَرَّت عيون الشامتينا أفي شهر الحرام (11) فجعتمونا بخير الناس طُرّا أجمعينا رزينا (12) خير من ركب المطايا ورحّلها (13) ومَن ركب السفينا ومَن لبس النعال ومَن حذاها ومَن قرأ المثاني والمبينا (14) إذا استقبلت وجه أبي حسين رأيت البدر (15) زاغ الناظرينا لقد علمت قريشٌ حيث (16) كانت بأنك خيرهم حسبا (17) ودينا فقل للشامتين بنا رويدا سيلقى الشامتون كما لقينا وقال بكر بن حسّان الباهلي (18) : قال لابن ملجم والأقدار غالبة هدمت (19) للدين والإسلام أركانا قتلت أفضل من يمشي على قدم وأفضل (20) الناس إسلاما وإيمانا وأعلم الناس بالقرآن ثمّ بما سنّ الرسول لنا شرعا وتبيانا صهر النبيّ ومولاه وناصره أضحت مناقبه نورا وبرهانا وكان (21) منه على رغم الحسود له مكان (22) هارون من موسى بن عمرانا ذكرتُ قاتله والدمع منحدر فقلتُ سبحان ربِّ العرش (23) سبحانا قد كان يخبرنا (24) أن سوف يخضبها قبل المنية أشقاها وقد كانا (25) وبالإسناد عن الزهري قال : قال لي عبدالملك بن مروان : أيّ واحدٍ أنت أن حدّثتني ما كانت علامة يوم قُتل عليّ بن أبي طالب ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ما رفعت حصاة ببيت المقدس إلاّ وكان تحتها دم عبيط . فقال : أنا وأنت غريبان في هذا الحديث (26) .
.
ص: 633
ومن كتاب المناقب لأبي بكر (1) الخوارزمي قال : قال أبو القاسم الحسن بن محمّد : كنت بالمسجد الحرام فرأيت الناس مجتمعين حول مقام إبراهيم عليه السلام فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : راهب قد أسلم وجاء إلى مكّة وهو يحدّث بحديثٍ عجيب ، فأشرفتُ عليه فإذا شيخ كبير عليه جبّة صوف وقلنسوة صوف عظيم الجثة وهو قاعد عند المقام يحدّث الناس وهم يسمعون إليه (2) فقال : بينما أنا قاعد في صومعتي في بعض الأيام إذ أشرفت منها إشرافة فإذا طائر كالنسر الكبير قد سقط على صخرة على شاطئ البحر فتقيّأ فرمى من فيه ربع إنسان ثمّ طار! فغاب يسيرا ثمّ عاد فتقيّأ ربعا آخر ثمّ طار! وعاد فتقيّأ (3) هكذا ، إلى أن تقيّأ أربعة أرباع إنسان ثمّ طار! فدنت الأرباع بعضها إلى (4) بعض فالتأمت ، فقام منها إنسان كامل وأنا أتعجّب ممّا رأيت ، فإذا بالطائر قد انقضّ عليه فاختطف ربعه ، ثمّ عاد (5) واختطف ربعا آخر ثمّ طار! وهكذا إلى أن اختطف جميعه ، فبقيت أتفكّر (6) وأتحسّر ألا كنت سألته مَن هو وما قصّته ؟
.
ص: 634
فلمّا كان في اليوم الثاني فإذا بالطائر قد أقبل وفعل كفعله بالأمس ، فلمّا التأمت الأرباع وصارت شخصا كاملاً نزلتُ من صومعتي مبادرا إليه ودنوته وسألته : باللّه مَن أنت يا هذا ؟ فسكت عنّي ، فقلت له : بحقّ من خلقك إلاّ ما أخبرتني مَن أنت ؟ فقال : أنا ابن ملجم ]ف] قلت : ما قصّتك مع هذا الطائر ؟ قال : قتلت عليّ بن أبي طالب فوكّل [اللّه ]بي هذا الطائر ليفعل بي ما ترى كلّ يوم . فخرجت من صومعتي وسألت عن عليّ بن أبي طالب مَن هو ؟ فقيل لي : إنّه ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأسلمت وأتيت ماتّا (1) من هذا إلى بيت الحرام قاصدا الحجّ وزيارة النبيّ صلى الله عليه و آله (2) .
.
ص: 635
. .
ص: 636
. .
ص: 637
. .
ص: 638
. .
ص: 639
. .
ص: 640
. .
ص: 641
فصل : في ذكر أولاده عليه وعليهم السلامأولاد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام سبعة [ثمانية] وعشرون ولدا (1) ما بين ذكور وإناث ، وهم : الحسنُ والحسينُ وزينبُ الكُبرى (2) وزينبُ الصغرى المكنّاةُ اُمَّ كُلْثُومَ (3) واُمُّهم فاطمة البتول سيِّدةُ نساء العالمين 4 . ومحمّد المكنّى بأبي
.
ص: 642
القاسم ، اُمّه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية (1) . وعمر ورقية كانا توأمين ، واُمّهما اُمّ حبيب بنت ربيعة 2 . والعباس وجعفر وعثمان وعبداللّه الشهداء مع أخيهم
.
ص: 643
الحسين عليه السلام بطفِّ كربلاء ، اُمّهم اُمّ البنين بنت حزام بن خالد بن دارم 1 . ومحمّد
.
ص: 644
الأصغر المكنّى أبا بكر وعبداللّه الشهيدان أيضا مع أخيهما الحسين بكربلاء ، اُمّهما ليلى بنت مسعود الدارمية 1 . ويحيى وعون ، اُمّهما أسماء بنت عميس الخثعمية (1) .
.
ص: 645
واُمّ الحسن ورملة ، اُمّهما اُمّ مسعود بنت عروة الثقفي (1) . ونَفِيْسةُ وزينبُ الصغرى ورُقَيّةُ الصغرى واُمّ هانئ واُمّ الكِرام وجُمانةُ المكنّاةُ باُمّ جعفرٍ واُمَامةُ واُمّ سَلَمةَ ومَيْمُوْنَةُ وخَديجةُ وفاطمةُ كلّهنّ لاُمّهات شتّى 2 .
.
ص: 646
واعلم أنّ الناس قد اختلفوا في عدد أولاده ذكورا وإناثا ، فمنهم مَن أكثر ومنهم مَن اختصر ، والّذي نقله صاحب كتاب الصفوة أنّ أولاده الذكور أربعة عشر ذكرا (1) ، وأولاده الإناث تسعة عشر إناثا (2) .وهذا تفصيل أسمائهم رضوان اللّه عليهم أجمعين. الذكور : الحسن ، والحسين ، ومحمّد الأكبر ، وعبيداللّه ، وأبو بكر ، والعبّاس ، وعثمان،وجعفر، وعبداللّه ،ومحمّد الأصغر،ويحيى، وعون، وعمر، ومحمّد الأوسط (3) . الإناث : زينب الكبرى (4) ، واُمّ كلثوم الكبرى 5 ، واُمّ الحسن ، ورملة الكبرى ، واُمّ
.
ص: 647
هانئ ، وميمونة ، وزينب الصغرى ، واُمّ كلثوم الصغرى ، ورقية ، وفاطمة ، واُمامة ، وخديجة ، واُمّ الكرام ، واُمّ سلمة ، واُمّ جعفر ، وجمانة . وعدّ بنتا اُخرى لم يذكر اسمها ماتت صغيرة (1) . وذكروا أنّ فيهم محسنا شقيقا للحسن والحسين عليهماالسلام ذكرته الشيعة وانّه كان سقطا . فهؤلاء أولاده عليه وعليهم السلام (2) . والنسل منهم للحسن والحسين ومحمّد ابن الحنفية والعبّاس ابن الكلابية وعمر ابن التغلبية وهي الصهباء بنت ربيعة من السبي الّذين (3) أغار عليهم خالد بن الوليد بعين التمر وعمّر عمر هذا حتّى بلغ خمسا وثمانين سنة فحاز نصف ميراث عليّ عليه السلام وذلك أنّ جميع إخوته وأشقّائه _ وهم عبداللّه وجعفر وعثمان _ قُتلوا جميعهم قبله مع الحسين عليه السلام بالطف فورثهم (4) . وكان عند عليّ عليه السلام يوم قُتل أربع زوجات حرائر 5 في عقد نكاحه وهنّ : اُمامه
.
ص: 648
بنت أبي العاص بنت زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله تزوّجها بعد موت خالتها فاطمة البتول ، وليلى بنت مسعود التميمية ، وأسماء بنت عميس الخثعمية ، واُمّ البنين الكلابية ، واُمّهات أولاد عشر إماء (1) . هذا (2) بعض ما أوردناه من (3) مناقب أبي السبطين وفارس بدر واُحد وحُنين، زوج البتول وأبي الريحانتين قرارة القلب قرّة العينين سيف اللّه وحجّته وصراطه المستقيم ومحجّته ، فإيّ شرف ما افترع هضابه ؟ وأيّ معقل عزّ ما فتح بابه ؟ فأبناء عليّ عليه السلام لهم شرف ظاهر على بني الأنام ومناقب يرثوها كابر عن كابر وسجايا يهديها أوّل إلى آخر ، وقد ثبت لأمير المؤمنين من المفاخر المشهورة والمآثر المأثورة الّتي هي في صفحات جباه الأيّام مسطورة وفي الكتاب والسنّة مذكورة . ولبني فاطمة على إخوتهم من بني عليّ شرفٌ إذا عُدّت مراتب أهل الشرف ، ومكانة حصلوا منها في الرأس وإخوتهم في الطرف ، وجلالةٌ ادرعوا برودها ، ودرّة كرم ارتضعوا زودها ، ومجدٌ بلغ السماء ذات البروج ، ومحلّ علا توطّدوه ، فلم يطمع غيرهم في الإرتقاء إليه ولا العروج،إذ هم شاركوا بني أبيهم في شرف الآباء وانفردوا بشرف الاُمّهات،وقد أوضح اللّه تعالى ذلك بقوله : «وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَ_تٍ» (4) فجمعوا بين مجدين تالد وطريف ، وضمّوا إلى علامة تعريفهم علامة تشريف ، وعدّوا النبيّ صلى الله عليه و آله أبا وجدّا وارتدوا من نسب أبيهم بردا ومن قِبل اُمّهم بردا ، فأصبح كلٌّ منهم معلّم الطرفين ظاهر الشرفين برد أبويهم الشريفين كانا لذويهما ظريفين .
.
ص: 649
ص: 650
ثالثة الشمس والقمر 1 ،
.
ص: 651
بنت خير البشر الطاهرة 1 الميلاد ، السيّدة 2 بإجماع أهل السداد . قال الشيخ كمال الدين بن طلحة (1) : ولدت فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل
.
ص: 652
النبوّة والمبعث بخمس سنين ، وقريش تبني البيت ، وتزوجّها عليّ بن أبي طالب عليه السلام في شهر رمضان المعظّم قدره من السنة الثانية من الهجرة 1 ،
.
ص: 653
ودخل (1) بها في ذي الحجّة من السنة المذكورة 2 . نقل 3 الشيخ أبو عليّ الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان (2) بسنده إلى
.
ص: 654
أنس (رض) قال : كنت عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فغشيه الوحي ، فلمّا أفاق قال لي : يا أنس ، أتدري ما جاءنى به جبرئيل عليه السلام من [عند] صاحب العرش جلّ وعلا؟ قلت : بأبي أنت واُمّي ما جاءك به جبرئيل؟ قال : قال لي : إنّ اللّه تبارك وتعالى يأمرك أن تزوّج فاطمة من عليٍّ عليه السلام ، فانطلِق فادع لي أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وبعدّتهم من الأنصار . قال : فانطلقت فدعوتهم [له] فلمّا أن أخذوا مجالسهم قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الحمد للّه المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع بسلطانه ، المرهوب (1) إليه من عذابه ، النافذ أمره في أرضه وسمائه ، الّذي خلق الخلق بقدرته ، وميَّزهم بأحكامه وأعزّهم بدينه ، وأكرمهم بنبيّه محمدّ صلى الله عليه و آله . ثمّ إنّ اللّه جعل المصاهرة نسبا لاحقا ، وأمرا مفترضا ، وحكما عدلاً ، وخيرا جامعا ، وشجَّ (2) بها الأرحام ، وألزمها الأنام فقال عزّ وجلّ : «وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا» (3) وأمرُ اللّه يجري إلى قضائه ، وقضاؤه يجري إلى قدره ، ولكلِّ قضاء قدر ، ولكلِّ قدر أجل ، ولكلِّ أجل كتاب «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_ب» (4) .
.
ص: 655
ثمّ إنّ اللّه تعالى أمرني أن اُزوّج فاطمة من عليّ واُشهدكم أنّي قد زوّجت فاطمة من عليٍّ 1
.
ص: 656
على أربعمائة مثقال فضّة 1 إن رضي بذلك (1) على السنّة القائمة ، والفريضة الواجبة ، فجمع اللّه شملهما ، وبارك لهما ، وأطاب نسلهما ، مفاتيح الرحمة ، ومعادن الحكمة ،
.
ص: 657
واُمناء الاُمّة ، أقول قولي هذا وأستغفر اللّه لي ولكم 1 . ثمّ أمر لنا رسول اللّه بطبق فيه بسر (1) فوضعه (2) بين أيدينا (3) ثمّ قال : انهبوا (4) . فبينما نحن كذلك إذ أقبل عليٌّ عليه السلام فتبسّم إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ قال (5) : يا عليٌّ إنّ اللّه
.
ص: 658
أمرنى أن اُزوِّجك فاطمة ، وإنّي قد زوَّجتكها (1) على أربعمائة مثقال فضّه ، [أرضيت؟] فقال عليّ : رضيت يا رسول اللّه . ثمّ قام عليّ فخرَّ للّه ساجدا ، شكرا للّه تعالى ، فلمّا رفع رأسه قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله بارك اللّه لكما (2) ، وبارك عليكما ، وأسعد جدّكما ، وأخرج منكما الكثير الطيّب (3) . قال أنس : واللّه لقد خرج (4) منهما الكثير الطيّب (5) .
وعن أبي هريرة قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : [إن] أول شخص يدخل على الجنة فاطمة بنت محمّد (6) .
وروى باللفظ الصريح يرويه كلّ من النجّار ، ومسلم ، والترمذي ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال :كَمُلَّ من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد (7) .
.
ص: 659
. .
ص: 660
ومن كتاب العترة النبوية مرفوعا إلى قتادة عن أنس قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : خير نسائنا مريم ، وخير نسائنا فاطمة بنت محمّد ، وآسية امرأة فرعون 1 .
وبإسناده أيضا عن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال :حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد 2 .
.
ص: 661
وعنه أيضا قالت عائشة لفاطمة : ألا يسرّك انّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول :سيّدات نساء أهل الجنة أربع : مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت محمّد ، وخديجة بنت خويلد ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون (1) .
وعنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال :إذا كان يوم القيامة قيل يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتّى تمرّ فاطمة بنت محمّد ، فتمر وعليها ريطتان خضراوان وفي بعض الروايات حمراوان (2) .
.
ص: 662
ومن المسند للإمام أحمدبن حنبل عن حذيفه بن اليمان(رض) قال: سألتني اُمّي: متى عهدك بالنبيّ؟ فقلت منذ كذا وكذا [مالي به عهد] ذكرت مدّة طويلة فنالت منّي وسبّتني ، فقلت لها: دعيني فإنّي آتي النبيّ صلى الله عليه و آله [فاُصلّي ]معه المغرب ، ثمّ لا أدعه حتّى يستغفر لي ولك . قال : فأتيت النبيّ صلى الله عليه و آله فصلّيت معه المغرب والعشاء ، ثمّ انفتل صلى الله عليه و آله من صلاته فسبقته فعرض له عارض فناجاه ، ثمّ ذهب فسبقته فسمع مشي خلفه ، فقال : من هذا! فقلت: حذيفة؟ فقال : مالك؟ فحدّثته بحديث اُمّي ، فقال : غفر اللّه لاُمّك ولك . قال : أما رأيت الّذي عرض لي؟ فقلت : بلى يا رسول اللّه ، قال : هو ملَك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قطّ قبل هذه الليلة استأذن ربّه في أن يسلّم عليَّ ويبشّر أنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة،وأنّ فاطمة سيدة نساء العالمين (1) .
.
ص: 663
ومن المسند أيضا عائشة قالت : أقبلت فاطمة تمشي وكأنَّ مشيتها مشية رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال صلى الله عليه و آله : مرحبا بابنتي ، ثمّ أجلسها (1) عن يمينه وأسرَّ إليها (2) حديثا فبكت ، فقلت : استخصّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ تبكين . ثمّ أسرَّ إليها حديثا أيضا فضحكت ، فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ، فسألتها عمّا قيل لها (3) فقالت : ما كنت لأفشي سرَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى (4) قُبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسألتها قالت : [إنّه] أسرَّ إليَّ [فقال : إنّ ]جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كلِّ سنة (5) مرّة وإنّه عارضني به العام مرَّتين ولا أراني (6) إلاّ وقد (7) حضر أجلي ، وإنّكِ أوّل أهل بيتي لحوقا بي ، ونِعم السلف أنا لك ، فبكيت (8) لذلك ، فقال : «ألا ترضين (9) أن تكوني سيّدة نساء هذه الاُمة ، أو نساء المؤمنين؟ قالت : فضحكت لذلك 10 .
.
ص: 664
وروي عن مجاهد (1) قال :خرج النبيّ صلى الله عليه و آله وهو آخذ بيد فاطمة فقال : من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد ، وهي بضعة منّي ، وهي قلبي وروحي الّتي (2) بين جنبيَّ ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني
.
ص: 665
فقد آذى اللّه 1 .
وروى الأصبغ بن نُباتة 2 عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا
.
ص: 666
كان يوم القيامة جمع اللّه الأوَّلين والآخرين في صعيد واحد ، ثمّ فينادى (1) منادٍ من بطنان العرش : إنّ الجليل جلّ جلاله يقول : نكّسوا وغضّوا أبصاركم ؛ فإنّ هذه فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله تريد أن تمرّ على الصراط . [وعن محمّد بن الحنفية قال : سمعت أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه يقول : دخلت يوما منزلي فإذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس والحسن رضى الله عنه عن يمينه ، والحسين رضى الله عنه عن يساره ، وفاطمة رضى الله عنه بين يديه وهو يقول : يا حسن! يا حسين! أنتما كفّتا الميزان ، وفاطمة لسانه ، ولا تعتدل الكفّتان إلاّ باللسان ، ولا يقوم اللسان إلاّ على الكفّتين ، أنتما الإمامان ، ولاُمّكما الشفاعة . ثمّ التفت إليّ وقال : يا أبا الحسن! أنت توفّي اُجورهم ، وتقسم الجنة بين أهلها يوم القيامة] (2) .
وعن أبي سعيد الخدري في حديثه عن النبيّ صلى الله عليه و آله انّه مرّ في السماء الرابعة قال :فرأيت لمريم ، ولاُمّ موسى ، ولآسية امرأة فرعون ، ولخديجة بنت خويلد ، قصورا من ياقوت ، ولفاطمة بنت محمّد سبعين قصرا مرجانا أحمر مكلّلاً باللؤلؤ ، وأبوابها وأسترتها من عود واحد (3) .
وهذا يسير من بعض مناقبها الّتي لاتستقصى ومفاخرها الّتي تجلّ عن الحصر والعدّ والاستقصاء (4) . قال الشيخ كمال الدين [بن] طلحة (5) : توفّيت فاطمة عليهاالسلام ليلة الثلاثاء لثلاث
.
ص: 667
خلون من شهر رمضان المعظّم ، سنة إحدى عشرة من الهجرة 1 ، ودُفنت بالبقيع ليلاً 2 ،
.
ص: 668
وصلّى (1) عليها عليّ بن أبي طالب ، وكبّر عليها خمس تكبيرات ، وقيل : صلّى عليها العباس ، ونزل في حفرتها هو ، وعليّ ، والفضل بن العباس (رض) (2) . ومن كتاب الذرّية الطاهرة للدولابي قال : لبثت فاطمة بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثة أشهر ثمّ توفّيت 3 .
.
ص: 669
وقال عروة بن الزبير ، وعائشة : لبثت [فاطمة] ستة أشهر . ومثله عن الزهري ، وابن شهاب ، وهو الصحيح (1) . وقال ابن قتيبة في معارفه : لبثت فاطمة بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله مائة يوم (2) . وحكي أنّ العبّاس دخل على عليّ بن أبي طالب ، وفاطمة الزهراء عليهماالسلاموكلّ واحد منهما (3) يقول لصاحبه : أنا أسنّ منك (4) ، فقال العبّاس : ولدتَ يا عليّ قبل أن تبني (5) قريش البيت بسنوات ، وولدت فاطمة [ابنتي ]وقريش تبني البيت ورسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ ذاك ابن خمس وثلاثين سنة قبل النبوة بخمس سنين (6) . وعن عمرو بن دينار قال : إنّ فاطمة عليهاالسلام لم تضحك بعد موت النبيّ صلى الله عليه و آله
.
ص: 670
حتّى قُبضت (1) .
وعن عليّ عليه السلام قال :إنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله جاءت إلى قبر أبيها بعد موته صلى الله عليه و آله فوقفت عليه 2 وبكت ثمّ أخذت قبضة من تراب القبر فجعلتها على عينها ووجهها ،
.
ص: 671
وأنشأت تقول 1 : ماذا على من شمّ تربة أحمد أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا صُبّت عليَّ مصائبٌ لو أنها صُبّت على الأيّام صرن (1) لياليا (2) ولفاطمة عليهاالسلام ترثى النبيّ صلى الله عليه و آله (3) اغبّر آفاق السماء (4) فكوّرت (5) شمس النهار وأظلم العصران والأرض من بعد النبيّ كئيبة (6) أسفا عليه كثيرة الأحزان فليبكه شرق البلاد (7) وغربها وليبكه مضرٌ وكلّ يَمان وليبكه الطودُ الأشمّ وجوه والبيت والأستار والأركان يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه صلّى عليك مُنزل القرآن
.
ص: 672
. .
ص: 673
وروي أنّ عليا لمّا ماتت فاطمة وفرغ من جهازها ودفنها ، رجع إلى البيت فاستوحش فيه وجزع عليها جزعا شديدا ، ثمّ أنشأ يقول (1) : أرَى عِلَلَ الدنيَا عليَّ كثيرةً وَصَاحبُها حتّى المماتِ عَليلُ لكلِّ اجتماعٍ مِنْ خليلينِ فرقةٌ وكلّ الّذي دون الفراق قليلُ (2) وإنّ افتقادي فاطما بعد أحمدٍ دَليلٌ على أنْ لايدُومَ خَليلُ
وروى جعفر بن محمّد عليه السلام قال :لمّا ماتت فاطمة عليهاالسلام كان عليّ عليه السلام يزور قبرها في كلّ يوم . قال : وأقبل ذات يوم فانكبّ على القبرِ بكى وأنشأ يقول (3) : مالي مررت (4) على القبور مسلّما قبر الحبيبِ فَلَم يَرُدَّ جَوابِي يا قبر (5) مالك لا تجيب (6) مناديا (7) أمللت (8) بعدى خُلّةَ الاحْبَابِ
.
ص: 674
فأجابه هاتف يسمع صوته ، ولا يرى شخصه وهو يقول : قل للحبيب (1) فكيف (2) لي بجوابكم وأنا رهين جنادل وتراب أكل التراب محاسني (3) فنسيتكم (4) وحجبت عن أهلي وعن أترابى فعليكم منّي السلام تقطّعت منّي (5) ومنكم خلّة الأحباب (6) قال (7) الحافظ أبو محمّد عبدالعزيز بن أخضر الجنابذي الحنبلي في كتابه «معالم العترة النبوية ومعارف الأئمة أهل البيت الفاطمية» قال : اُمّ الأئمة 8
.
ص: 675
ص: 676
ص: 677
ص: 678
ص: 679
ص: 680
ص: 681
ص: 682
ص: 683
فهرس الموضوعات .
ص: 684
. .
ص: 685
الفصل الثاني : في ذكر الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام وهو الإمام الثاني 1
.
ص: 687
مولده ، وكنيته ، ونسبه ، ولقبه [ومبلغ عمره ، ووقت وفاته ]وغير ذلك ممّا يتّصل به كما ستقف عليه إن شاء اللّه تعالى . ولد الحسن بن عليّ عليه السلام في المدينة النصف من شهر رمضان المعظم سنة ثلاث من الهجرة 1 ، وكان الحسن أوّل أولاد عليّ وفاطمة عليهماالسلام . وروي مرفوعا إلى عليّ بن
.
ص: 688
أبي طالب قال : لمّا حضرت ولادة فاطمة قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأسماء بنت عميس واُمّ سلمة : احضرا فاطمة (1) فإذا وقع ولدها واستهلّ صارخا فأذّنا في اُذنه اليمني ، وأقيما في اُذنه اليسري (2) ، فإنّه لا يفعل ذلك بمثله إلاّ عُصم من الشيطان ، ولا تحدّثا شيئا حتّى آتيكما (3) .
.
ص: 689
فلمّا ولدت فعلتا ذلك وأتاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسرّه ولثاه 1 بريقه ، وقال : اللّهمّ إنّي اعيذه بك [وذرّيته] وولده من الشيطان الرجيم 2 .
.
ص: 690
فلمّا كان اليوم السابع من مولده قال صلى الله عليه و آله : ما سمّيتموه؟ قالوا : حربا ، قال صلى الله عليه و آله : بل سمّوه حسنا 1 ،
.
ص: 691
ثمّ إنّه صلى الله عليه و آله عقّ 1 عنه وذبح كبشا وتولّى ذلك بنفسه الكريمة ، وقال لفاطمة عليهاالسلام : احلقى رأسه، وتصدّقي بوزن الشعر فضّة ، فكان الوزن عن شعره بعد حلقه درهما وشيئا (1) .
.
ص: 692
فتصدّقت به ، فصارت العقيقة والتصدّق بوزن الشعر سنّة مستمرّة عند العلماء بما فعله النبي صلى الله عليه و آلهفي حقّ الحسن عليه السلام (1) .
فصل : في نسبه ، وكنيته ، ولقبه ، وصفاته الحسنة ، وغير ذلك ممّا يتصل به عليه السلامقال الشيخ كمال الدين بن طلحة : حصل للحسن وأخيه الحسين عليهماالسلاممالم يحصل لغيرهما ، فإنّهما سبطا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وريحانتاه 2 ، وسيّدا شباب أهل الجنّة (2) ، جدهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله ،وأبوهما عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم ، واُمّهما
.
ص: 693
الطهر البتول فاطمة ابنة الرسول ، وللّه در القائل . نسبٌ كان عليه من شمس الضحى نورٌ (1) ومن فلق الصباح عمودا هذا النسب الّذي (2) تتقاصر (3) عنده الأنساب ، وجاء بصحّته الأثر ، وصدّقه الكتاب ، فهو وأخوه دوحة النبوّة الّتي طابت فرعا وأصلاً ، وشعبتا الفتوة الّتي سمت رفعةً ونبلاً ، قد اكتنفهما العزّ والشرف ، ولازمهما السؤدد فماله عنهما منصرف 4 .
.
ص: 694
وأما كنيته عليه السلام : فأبو محمّد لا غير (1) . وأمّا ألقابه عليه السلام فكثيرة هي : التقي ، والزكي ، والطيّب والسيّد ، والسبط ، والولي ، كلّ ذلك كان يُقال له ويُطلق عليه ، وأكثر هذه الألقاب شهرةً التقي وأعلاها رتبتة (2) ما لقّبه به رسول اللّه صلى الله عليه و آلهحيث وصفه به وخصّه بأن جعله نعتا له ، فإنّه صحّ النقل كما جاء في الصحيحين عن النبيّ صلى الله عليه و آله فيما أورده الائمة الاثبات عنه صلى الله عليه و آله ، والروات الثقات أنه قال : إنّ ابني هذا سيّد 3 . وسيأتي إن شاء اللّه تعالى الحديث (3) بتمامه فيما بعد .
.
ص: 695
وأمّا صفته عليه السلام : فإنه روى عن أنس بن مالك [رض] قال : لم يكنْ أحدٌ أشبه برسولِ اللّه صلى الله عليه و آله من الحسن بن عليّ عليه السلام 1 . وعن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال : «كان الحسن عليه السلام أشبه برسول اللّه صلى الله عليه و آله ما بين الرأس إلى الصدر ، والحسين أشبه فيما كان أسفل من ذلك 2 . وروى البخاري في صحيحه يرفعه إلى عقبة بن الحارث قال : صلّى أبو بكر العصر ثمّ خرج يمشي ومعه عليّ عليه السلام فرأى الحسن يلعب مع الصبيان فحمله أبو بكر
.
ص: 696
على عاتقه وقال : بأبي شبيه بالنبيّ ليس شبيها بعليّ ، قال : وعليّ عليه السلام يضحك (1) . (2) وروى مرفوعا إلى أحمد بن محمّد بن أيّوب المقبري (3) قال : كان الحسن عليه السلام أبيض اللون مشربا (4) بحمرة ، أدعج العينين ، سهل (5) الخدّين ، دقيق المسْرُبَة (6) ، كثّ اللحية ذا وفرة ، وكأنّ عنقه إبريق فضّة ، عظيم الكراديس ، بعيد ما بين المنكبين ، ربعة ليس بالطويل ولا القصير ، مليحا من أحسن الناس وجها ، وكان عليه السلام يخضّب بالسواد ، وكان عليه السلام جَعْد الشعر ، حسن البدن (7) ، كان نقش خاتمه «العزّة للّه وحده» (8) بابه (9) سفينة (10) ، شاعرته اُمّ سنان المدحجيه ، معاصره معاوية ويزيد .
.
ص: 697
فصل : فيما ورد في حقّه عليه السلام من رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوهذا فصلٌ أصله مقصود وفضله مشهود ، فانه جمع بين أشتات الإشارات النبوية والأقوال والأفعال الطاهرة الزكية ، فمن ذلك ما اتفق أهل الصحاح على إيراده وتطابقوا على صحّة إسناده . وروى الحافظ عبدالعزيز الأخضر الجنابدي بسنده مرفوعا إلى (1) سفيان بن الحارث الثقفي قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله والحسن بن عليّ عليهماالسلام إلى جنبه وهو يُقبل على الناس مرّة وعليه [مرّة ]اُخرى ، ويقول : إنّ ابني هذا سيّد ، ولعلّ اللّه أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين 2 .
.
ص: 698
وروى في صحيح البخاري ، ومسلم مرفوعا إلى البرّاء قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوالحسن بن عليّ عليه السلام على عاتقه وهو يقول : اللّهمّ إنّي اُحبه فأحبّه 1 .
.
ص: 699
وروى عن الترمذي مرفوعا إلى ابن عباس رضى الله عنهأنه قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آلهحامل الحسن بن عليّ عليه السلام [على عاتقه] فقال رجل : نِعمَ المركب ركبت ياغلام ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله ، ونِعمَ الراكب هو (1) . وروى عن الحافظ أبي نعيم فيما أورده في حليته عن أبي بكرة (2) قال : كان النبيّ صلى الله عليه و آلهيصلّي بنا ، فيجيء الحسن عليه السلام وهو ساجد _ وهو إذ ذاك صغير _ فيجلس على ظهره ، ومرّة على رقبته ، فيرفعه النبيّ صلى الله عليه و آلهرفعا رفيقا ، فلمّا فرغ من الصلاة قالوا : يا رسول اللّه إنّك تصنع بهذا الصبي شيئا لا تصنعه بأحد؟ فقال صلى الله عليه و آله : إنّ هذا ريحانتي ، وإنّ ابني هذا سيّد ، وعسى أن يصلح اللّه تعالى به بين فئتين من المسلمين (3) .
.
ص: 700
وروى البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة قال : خرجت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله[طائفة من النهار] لا يكلّمني ولا اُكلّمه حتّى جاء (1) سوق بني قينقاع ، ثمّ انصرف حتّى أتى مخباة وهو مخبأ (2) فاطمة عليهاالسلام فقال : «أثمَّ لُكع (3) ؟ أثمَّ لُكع؟» يعنى حسنا عليه السلام ، فظننّا إنّما حبسته (4) اُمّه لأن تغسله أو تلبسه [سِخابا] (5) ثوبا ، فلم يلبث إذ (6) جاء يسعى حتّى اعتنق (7) كلّ واحد منهما صاحبه ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اللّهمّ إنّي اُحبّه واُحبّ من يحبُّه (8) _ وفي رواية اُخرى : اللّهمّ إنّي اُحبّه وأحبّ من يُحبّه _ قال أبو هريرة : فما كان أحدٌ أحبّ إليَّ من الحسن بعدما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آلهما قال (9) . وروى عن الترمذي بسنده عن أبي سعيد قال : قال رسول اللّه : الحسن والحسين
.
ص: 701
سيدا شباب أهل الجنّة (1) . وعن ابن عمر (2) : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : هما ريحانتي من الدنيا (3) . وروى النسائي بسنده عن عبد اللّه بن شذاذ (4) عن أبيه قال : خرج علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في إحدى صلاتي (5) العشاء وهو حامل حسنا عليه السلام [أو حسينا عليه السلام ]فتقدّم رسول اللّه صلى الله عليه و آلهللصلاة فوضعه ثمّ كبّر [للصلاة ]وصلّى (6) فسجد بين ظهراني صلاته مسجده فأطالها قال [أبي] : فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوهو ساجد ، فرجعت إلى سجودي فلمّا قضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلاته فقال الناس : يا رسول اللّه إنّك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتّى ظننّا أنه قد حدث أمرا وأنّه يوحى إليك! قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كلّ ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني ، فكرهت أن اُعجّله حتّى ينزل (7) .
.
ص: 702
فصل : في علمه عليه السلامحكي عنه عليه السلام أنه كان يجلس في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويجتمع الناس حوله فيتكلّم بما يشفي غليل السائلين ، ويقطع حجج المجادلين ، من ذلك ما رواه الإمام أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي في تفسير الوسيط : أنّ رجلاً دخل (1) إلى مسجد المدينة فوجد (2) شخصا يحدّث عن رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوالناس من حوله (3) مجتمعون ، فجاء إليه الرجل قال : أخبرني عن «شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ» (4) فقال : نعم ، أمّا الشاهد فيوم الجمعة ، وأمّا المشهود (5) فيوم عرفة ، فتجاوزه (6) إلى آخر غيره يحدِّث في المسجد فسأله (7) عن «شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ» قال : أمّا الشاهد فيوم الجمعة ، وأمّا المشهود فيوم النحر . قال : فتجاوزهما (8) إلى ثالث ، غلام كأنّ وجهه الدينار ، وهو يحدّث [عن
.
ص: 703
رسول اللّه ]في المسجد ، فسأله (1) عن «شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ» فقال : نعم ، أمّا الشاهد فرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمّا المشهود فيوم القيامة ، أما سمعته [عزّ وجلّ ]يقول : «يَ_أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّ_آ أَرْسَلْنَ_كَ شَ_هِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا» (2) [و ]قال تعالى : «ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ» (3) . فسأل (4) عن الأوّل فقالوا : ابن عباس ، وسأل عن الثاني فقالوا : ابن عمر ، وسأل عن الثالث فقالوا : الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام [وكان قول الحسن أحسن] (5) . ونقل (6) عنه أنّه اغتسل وخرج من داره في بعض الأيّام وعليه حلّة فاخرة وبزّة وبردة (7) طاهرة ، ومحاسن سافرة [وقسمات ظاهرة] بنفحات [ناشرة ]طيّبات عاطرة ، ووجهه يشرق حسنا ، وشكله قد كمل صورةً ومعنى ، [والإقبال ]والسعد يلوح من (8) أعطافه ، ونضرة النعيم تعرف في (9) أطرافه ، و [قاضي القدر ]قد [حكم أنّ السعادة من أوصافه ]ركب بغلةً فارهة غير قطوف (10) ، وسار مكتنفا (11) من حاشيته وغاشيته (12) بصفوف [فلو شاهده عبد مناف لأرغم بمفاخرته به معاطس اُنوف ، وعدّه وآباءه وجدّه في إحراز خصل الفخار يوم التفاخر باُلوف] . فعرض له في
.
ص: 704
طريقه شخص من محاويج اليهود [هِمٌّ في هدم ]وعليه مسحٌ من جلود ، وقد أنهكته العلّة و [اُرتكبته ]الذلّة [وأهلكته القلّة ، وجلده يستر عظامه وضعفه يقيّد أقدامه ، وضرّه قد ملك زمامه ، وسوء حاله قد حبّب إليه حمامه ]وشمس الظهيرة قد تشوى (1) شواه [وقد أحرقت بحرها أخمصية ويصافح ثرى ممشاه ، وعذاب حرّ عريه قد عراه ، وطول طواه قد أضعف بطنه وطواه] وهو حامل جرّة ماء على قفاه ، فاستوقف الحسن فقال : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آلهسؤال (2) فقال : له ما هو؟ قال : جدّك يقول : «الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر» وأنت المؤمن وأنا الكافر ، فما أرى الدنيا إلاّ جنة لك تتنعمّ بها (3) وأنت مؤمن وتستلذّ بها ، وما أراها إلاّ سجنا [لي ]قد أهلكني ضرها (4) وأتلفني (5) فقرها . فلمّا سمع الحسن عليه السلام كلامه أشرق عليه نور التأييد واستخرج الجواب [بفهمه] من خزانة علمه وأوضح لليهودي خطأ ظنّه وخطل زعمه وقال : يا شيخ لو نظرت إلى ما أعدّ اللّه تعالى لي وللمؤمنين في دار الآخرة ممّا لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، لعلمت [أني] قبل انتقالي إليه في هذه الدنيا (6) في سجنٍ ضنِك (7) ، ولو نظرت إلى ما أعدّ اللّه لك ولكلّ كافر في الدار الآخرة من سعير نار جهنّم ، ونكال العذاب الأليم المقيم لرأيت [أنّك ]قبل مصيرك إليه [الآن ]في جنّة واسعة ونعمة جامعة (8) . فانظر إلى هذا الجواب الصادع بالصواب .
.
ص: 705
فصل : في عبادته وزهادته عليه السلامعبادته عليه السلام الّتي اشتهرت ، وزهادته الّتي ظهرت ، قيامه بها مشهور ، وأسمه في أربابها مذكور ، فمن ذلك مانقله الحافظ أبو نعيم في حليته بسنده أنه قال عليه السلام : إنّي لأستحي من ربّي أن ألقاه ولم امشِ إلى بيته (1) . فمشى عشرين مرّة من المدينة إلى مكّة على قدميه 2 . وروى صاحب كتاب الصفوة بسنده عن عليّ بن زيد بن جذعان (2) أنه قال : حجّ الحسن بن عليّ عليه السلام خمس عشرة حجّة (3) ماشيا على قدميه وأنّ والنجائب لتقاد بين
.
ص: 706
يديه (1) . وأمّا الصدقات : فقد روى عن الحافظ أبي نعيم في حليته أنه عليه السلام خرج من ماله مرتين ، وقاسم اللّه تعالى ثلاث مرّات ماله وتصدّق به (2) . وكان عليه السلام من أزهد الناس في الدنيا ولذّاتها ، عارفا بغرورها وآفاتها ، وكثيرا مّا كان عليه السلام يتمثّل بهذا البيت (3) : يا أهلَ لذّاتِ دنيا لا بقاءَ لهَا إنّ المقام (4) بظلٍّ زائلٍ حُمقُ وأمّا ما يدلّ (5) على قوّة عبادته وعلوّ مكانته (6) قوله عليه السلام في بعض مواعظه : يا ابن آدم عف عن محارم اللّه تكن عابدا ، وأرض بما قسم اللّه لك تكن غنيا ، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما ، وصاحب الناس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك بمثله تكن عدلاً ، إنّه كان بين أيديكم قوم يجمعون كثيرا ، ويبنون مشيدا ، ويأملون بعيدا ، أصبح جمعهم بورا ، وعملهم غرورا ، ومساكنهم قبورا . يا ابن آدم إنّك لم تزل في
.
ص: 707
هدم عمرك منذ سقطت من بطن اُمّك فخذ (1) بما في يديك ، فإنّ (2) المؤمن يتزوّد ، والكافر يتمتّع . وكان عليه السلام يتلو بعد هذه الموعظة «وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» (3) فتدبّر هذا الكلام بحسّك واعطه نصيبا وافرا من نفسك .
فصل : في جوده وكرمه عليه السلامالكرم والجود (4) غريزةٌ مغروسة فيه ، وإيصال صلاته للمسلمين (5) نهجٌ ما زال يسلكه ويقتفيه ، فمن ذلك مانقل عنه عليه السلام «أنه سمع رجلاً يسأل ربّه عزّ وجلّ أن يرزقه عشرة آلاف درهم ، فانصرف الحسن عليه السلام إلى منزله فبعث بها إليه (6) . ومن ذلك أنّ رجلاً جاء إليه عليه السلام وسأله وشكا إليه حاله وفقره وقلّة ذات يده بعد أن كان ذلك الرجل من المثرين (7) ، فقال له : يا هذا حقُّ سؤالك يعظم لديَّ ، ومعرفتي
.
ص: 708
بما يجب لك يكبُر لديَّ (1) ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله ، والكثير في ذات اللّه [عزّ وجلّ] قليل ، ومافي ملكي وفاء لشكرك ، فإن قبلت الميسور ورفعت (2) عنّي مؤونة الاحتيال (3) والاهتمام بما (4) أتكلّفه من واجبك فعلت . فقال الرجل : يابن رسول اللّه أقبل القليل وأشكر العطية وأعذر على المنع . فدعا الحسن عليه السلام وكيله (5) وجعل يحاسبه على نفقاته ومقبوضاته حتّى استقصاها ، فقال : هات الفاضل [من الثلاثمائة ألف درهم] فأحضر خمسين ألف درهم ، قال : فما فعلت في الخمسمائة درهم (6) الّتي معك؟ فقال : هي عندي : فقال عليه السلام : فأحضرها ، فلمّا أحضرها دفع (7) الدراهم والدنانير إليه (8) واعتذر منه (9) . ومن ذلك مارواه أبو الحسن المدايني قال : [لمّا] خرج الحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر عليهم السلام حجّاجا فلمّا كانوا في بعض الطريق جاعوا وعطشوا وقد فاتتهم أثقالهم فنظروا إلى خباء فقصدوه فإذا فيه عجوز فقالوا : هل من شراب؟ فقالت: نعم ، فأناخُوا بها وليس عندها إلاّ شويهة في كسر الخباء (10) فقالت: احتلبوها
.
ص: 709
فاتّذقوا لبنها ، ففعلوا ذلك وقالوا لها : هل من طعام؟ فقالت : لا ، إلاّ هذه الشاة (1) ماعندي غيرها اُقسم عليكم باللّه إلاّ ماذبحها أحدكم حتّى اُهيّئ (2) لكم حطبا واشووها وكلوها ، ففعلوا وأقاموا حتّى بردوا ، فلمّا ارتحلوا قالوا لها : نحن نفرٌ من قريش نريد هذا الوجه ، فإذا رجعنا سالمين فألمّي بنا فإنّا صانعون إليك خيرا ، ثمّ ارتحلوا . فأقبل زوجها فأخبرته [عن ]خبر القوم والشاة فغضب [الرجل ]وقال : ويحك أتذبحين شاتي (3) لأقوام لاتعرفيهم ثمّ تقولين نفر من قريش؟ ثمّ بعد وقت (4) طويل ألجأتهم الحاجة واضطرّتهم السنة إلى دخول المدينة فدخلاها [وجعلا ]ينقلان (5) البعر [إليها ويبيعانه ويعيشان منه ]فمرّت العجوز في بعض السكك (6) تلتقط البعر ، والحسن عليه السلام جالس على باب داره فبصر بها فعرفها فناداها وقال لها : يا أمة اللّه تعرفيني؟ فقالت : لا فقال عليه السلام : أنا أحد ضيوفك في المنزل الفلاني ضيفك يوم كذا ، سنة كذا ، فقالت : بأبي أنت واُمّي لست أعرفك ، قال عليه السلام :فإن لم تعرفيني فأنا اُعرّفك ، فأمر غلامه فاشترى لها من غنم الصدقة ألف شاة وأعطاها ألف دينار وبعث بها مع غلامه إلى أخيه الحسين ، فعرفها وقال [لها] : بكم وصلك أخي الحسن؟ فأخبرته ، فأمر لها مثل ذلك ، ثمّ بعث معها غلامه إلى عبد اللّه بن جعفر رضى الله عنهفقال : بكم وصلك الحسن واُخوه؟ فقالت : وصلني كلّ واحد منهما بألف شاة وألف دينار ، فأمر لها بألفي شاة وألفي دينار ، وقال : واللّه لو بدأتِ بي لأتعبتهما . ثمّ رجعت إلى زوجها وهي من أغنى الناس» (7) .
.
ص: 710
وعن الحسن بن سعد عن أبيه قال : متّع الحسن بن عليّ عليه السلام امرأتين من نسائه بعد طلاقهما بعشرين ألفا وزقّ (1) من عسل ، فقالت إحداهما وأراها الحنفية : متاع قليل من حبيبٍ (2) مفارق (3) .
فصل : في شيء من كلامه عليه السلامنقل الحافظ أبو نعيم في حليته بسنده أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام سأل ابنه الحسن فقال له :يابُني ما السداد؟ فقال : يا أبتِ السدادُ دفع المنكر بالمعروف . وقال عليه السلام : ما الشرفُ؟ قال : اصطناعُ العشيرة وحمل (4) الجريرة . وقال عليه السلام : فما السماح؟ (5) قال : البذلُ في العُسر واليُسر . قال عليه السلام : فما اللؤم؟ قال : إحتراز (6) المرء ما نفسه (7) وبذله عرسه (8) . قال : فما الجُبن؟ قال : الجرأة على الصديق والنكول عن (9) العدوّ . قال : فما الغِنى؟ قال : رضا النفسِ بما قَسمَ اللّه تعالى لها وإن قلَّ . قال : فما
.
ص: 711
الحلم؟ قال : كظم الغيظ وملك النفس . قال : فما المَنعة؟ قال : شدّة البأس ومنازعة أعزّ (1) الناس . قال : فما الذلّ؟ قال : الفزعُ عند المصدوقة (2) . قال : فما الكلفة؟ قال : كلامك فيما لا يعنيك . قال : فما المجد؟ قال : أن تعطي في الغُرم (3) وتعفو عن (4) الجرم . قال : فما السناء (5) قال : إتيانُ الجميل وتركُ القبيح . قال : فما السفه؟ قال : اتباع الدُناة ومصاحبة (6) الغُواة . قال : فما الغفلة؟ قال : ترك (7) المسجد وطاعة المفسده (8) . فهذه الأجوبة الحاضرة ، شاهدة ببصيرة ناصرة ، ومادّة فضل وافرة ، وفكرة على استخراج الغوامض القادرة . ومن كلامه عليه السلام أنه قال : لا أدب لمن لا عقل له ، ولا مودّة لمن لا همّة له ، ولا حياء لمن لا دِين له ، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل ، وبالعقل تُدرك الدارين جميعا ، ومن حرم العقل حرمهما (9) جميعا (10) .
.
ص: 712
وسئل عليه السلام عن الصمت فقال : هو ستر العي (1) ، وزين العرض ، وفاعلهُ في راحة ، وجليسه في أمن (2) .
وقال عليه السلام :هلاك المرء في ثلاث : الكِبر ، والحرص ، والحسد . فالكِبر : هلاك الدين وبه لُعن إبليس ، والحرص : عدوّ النفس وبه اُخرج آدم من الجنّة ، والحسد : رائد السوء (3) ومنه قتل قابيل هابيل (4) .
وقال عليه السلام :لا تأتي رجلاً إلاّ أن ترجُوَ نَواله ، أو تخاف بأسه (5) [أو تستفيد من علمه ]أو ترجُوَ بَركتَه [ودعاءه ]أو تصل رحما بينَك وبينَه (6) .
وقال عليه السلام :دخلتُ على عليّ بن أبي طالب عليه السلام وهو يجود بنفسه لمّا ضربه ابن ملجم ، فجزعتُ لذلك فقال لي : أتجزع (7) ؟ قلت : وكيف لا أجزع وأنا أراك في هذه الحالة؟! فقال : يابني احفظ عنّي خصالاً أربعا إذا أنت حفظتهنّ نلت بهنّ النجاة : يا بني ، لا غِنى أكثر من العقل ، ولا فقر مثل الجهل ، ولا وحشة أشدّ من العُجب ، ولا عيش ألدّ من (8) حُسن الخُلق . واعلم أنّ مروّة القناعة ، والرضا أكبر من مروّة الإعطاء ، وتمام الصنيعة خير من ابتدائها 9 .
.
ص: 713
وقال عليه السلام :من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه (1) .
وقال عليه السلام :حُسن السؤال نصف العلم (2) .
فكلامه عليه السلامنوعٌ من (3) كلام أبيه وجدّه ، ومحلّه من البلاغة محلّ لا ينبغي لأحدٍ من بعده .
فصل : في ذكر طرف من أخباره عليه السلام ومدة خلافته ومهادنته بعد ذلك لمعاوية ومصالحته لهروى جماعة 4 من أصحاب السِير وغيرهم أنّ الحسن بن عليّ عليه السلام خطب في
.
ص: 714
صبيحة الليلة الّتي قُبض فيها أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى الله عليه و آله ثمّ قال :لقد قُبِضَ في هذهِ الليلةِ رجلٌ لم يَسبِقْه الأوّلون [بعمل ]ولم يدركه الآخِرون [بعمل ]لقد كانَ يُجاهِدُ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله فَيقِيهِ بنفسه ، وكانَ رسولُ اللّه صلى الله عليه و آلهيُوجِّهُهُ برايتهِ فيكنفه (1) جبرئيلُ عن يمينهِ وميكائيلُ عن يساره (2) ، فلا يَرجعُ حتّى يفتح اللّهُ على يديهِ . ولقد تُوفِّي [في ]الليلةِ الّتي عُرِجَ فيها بعيسى بن مريم ، وفيها قُبِضَ يُوْشَعُ بن نونٍ عليه السلام [وصيُّ موسى ]وما خلّفَ صفراءَ ولا بيضاءَ إلاّ سبعمائة (3) درهمٍ فضُلَتْ من عطائه ، وأراد أنْ يبتاعَ بها خادما لأهله (4) . ثمّ خنقته (5) العبرة فبكى وبكى الناس معه (6) . ثمّ قال عليه السلام : أنا ابن البشير [أنا ابن] النذير ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن الداعي إلى اللّه بإذنهِ ، أنا ابن الذين أذهبَ اللّه عنهم الرِجسَ وطهّرهم تطهيرا ، أنا من أهل بيتٍ افترض اللّهُ تعالى حبّهم (7) في كتابه فقال عزّ من قائل : «قُل لاَّ أَسْ_ئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ
.
ص: 715
الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا» (1) . فالحسنة مودّتنا أهل البيت (2) . ثمّ جلس فقام عبد اللّه بن العباس بين يديه فقال : معاشر الناس إنّ هذا ابن بنت نبيكم ووصيُّ إمامكم فبايعوه [فاستجابوا له ، وقالوا : ما أحبّه إلينا وأحقّه بالخلافة] فتبادر الناس إلى بيعته 3 .
.
ص: 716
. .
ص: 717
. .
ص: 718
. .
ص: 719
وبعض هذه الخطبة قد أوردها أحمد بن حنبل في مسنده (1) عن هبيرة [بن مريم ]وكان ذلك في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة. وقيل : الأحد ليلة الثالث والعشرين منه على ما جاء في اختلاف الروايات المتقدّمة في مقتل عليّ عليه السلام ، فرتّب العُمّال ، وأمَّرَ الاُمراءَ ، وجنّد الجنود ، وفرّق العطيّات (2) . ولمّا بلغ معاوية وفاة (3) عليّ وبيعة الحسن عليه السلام دسّ (4) رجلاً من حِمْيرَ إلى الكوفة
.
ص: 720
ورجلاً من بلقين (1) إلى البصرة ليكتبا إليه (2) بالأخبار ويُفسدا على الحسن عليه السلام الاُمور (3) ويغيّرا عليه قلوب الناس ، فعرف بهما الحسن عليه السلام فأخذهما وقتلهما وكتب إلى معاوية : أمّا بعدُ ، فإنّكَ دَسَستْ الرجال [للاحتيال والاغتيال ]وأرصدت العيونَ كأنّكَ تُحبُّ اللقاءَ ، ولوترى العافية وما أوشك (4) في ذلك فتوقّعه إن شاء اللّه تعالى (5) . فلمّا بلغ معاوية كتابه وقتلِه الرجلين سار بنفسه إلى العراق (6) وتحرّك الحسن وبعث حُجْرَ بن عَديّ واستنفر (7) الناس للقتال ، فتثاقلوا عنه ثمّ خفّ (8) معه أخلاطا من الناس بعضهم من شيعته وشيعة أبيه عليه السلام وبعضهم من المحكّمة (9) الذين يؤثرون (10) القتال _ قتال معاوية _ بكلّ حيلة (11) ، وبعضهم من أصحاب طمع في الغنائم ، وبعضهم
.
ص: 721
أصحاب عصبية اتّبعو رؤساءهم ورؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين (1) . ثمّ سار حتّى نزل ساباط [دون ]القنطرة وبات هناك ، فلمّا أصبح أراد عليه السلام أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في طاعته ليميز أولياءه من أعدائه ويكون على بصيرةٍ من لقاء معاوية ، فأمر أن ينادي في الناس الصلاة جامعة ، فاستجمعوا فصعد المنبر فخطبهم (2) فقال : الحمد للّه كلّما حمده حامد (3) وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه كلّما شهد له شاهد (4) وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله أرسله بالحق وائتمنه على الوحي (5) صلى الله عليه و آله .أمّا بعد ، فواللّه إنِّي لأرجو أنّ أكون قد أصبحتُ بحمد اللّه ومَنِّه وأنا أنصح خلق اللّه تعالى لخلقهِ ، وما أصبحتُ محتملاً على امرئً مسلمٍ ضغينةً ولا مريد له بسوء ولا غايلة ، وإنّما تكرهون في الجماعة خيرٌ لكم ممّا تحبّون في الفرقه [ألا] وإنّي ناظرٌ لكم [خيرا من نظركم ]ولأنفسكم فلا تخالفوا أمري ولا تَردُّوا عليَّ [رأيي ]وإنّي غفر اللّه لي ولكم وأرشدني وإيّاكم لما فيه المحبّة والرضا ناظرا لما فيه مصالحكم ، والسلام 6 .
.
ص: 722
[قال :] فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا : ما ترونّه يريد أن يصنع؟ قالوا : نظنّه (1) أنه يريدُ أن يصالح معاوية ويسلّم الأمر إليه [فقالوا : كفر واللّه الرجل ]فشدّوا على فُسطاطه فانتهبوه حتّى أخذوا مصلاّه من تحته . ورداءه من عاتقه [ثمّ شدّ عليه عبد الرحمن بن عبد اللّه بن جعال الأزدي ، فنزع مِطرفَه من عاتقه ، فبقي جالسا متقلّدا السيف بغير رداء] (2) . فرجع وركب فرسه وتقلّد بسيفه وأحدق به طوائف من خاصّته وشيعته ومنعوا منه مَن أراده (3) [فقال : ادعُوا لي ، فدعوا له ]وطافوا به ربيعة وهمدان وجماعة من غيرهم وساروا معه ، فبادر إليه رجل من بني أسد يقال له (4) الجرّاح بن سنان (5) [فأخذ بلجام بغلته] في يده مِغوَل (6) [وقال : اللّه أكبر شركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل ]فطعنه به في فخذه فشقّه حتّى بلغ العظم [فاعتنقه الحسن وخرّا جميعا إلى الأرض ]فأكبّ عليه شخصٌ من شيعة الحسن (7) فقتله
.
ص: 723
وقتلوا آخر كان معه ، وحمل الحسن عليه السلام على سرير من تلك الضربة إلى المدائن (1) فنزل بها على سعد بن مسعود الثقفي (2) وكان عاملاً عليها من جهة أبيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأقرّه الحسن على ذلك واشتغل الحسن عليه السلام بمعالجة جرحه . وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سرّا واستحثوه على سرعة سرعة السير (3) نحوهم وضمنوا له (4) تسليم الحسن عليه السلام عند دنوِّهم (5) من عسكره والفتك به 6 .
.
ص: 724
وبلغ الحسن عليه السلام ذلك وتحقّق فساد نيّات أكثر أصحابه وخذلانهم له ، ولم يبق معه ممّن يأمن غائلته إلاّ خاصّة شيعته وشيعة أبيه ، وهم جماعة لا يقومون بحرب أهل الشام ، فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلح (1) فأجابه إلى ذلك وأنفذ إليه كُتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك فيه وتسليمه إليه . وبعد إجابة (2) معاوية لصلح الحسن 3 فاشترط عليه الحسن عليه السلام شروطا كثيره كان
.
ص: 725
في الوفاء بها مصالح شاملة منها : أن لا يتعرّض عمّاله إلى سبّ أمير المؤمنين على المنابر،ولا ذكره بسوء، ولا القنوت عليه في الصلوات (1) ،وأن يؤمّن شيعته ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء (2) ، ويوصل كلّ ذي حقّ حقّه (3) . فأجابه معاوية إلى ذلك كلّه وكتب بينه وبينه بذلك كتابا ، وهذه صورة الكتاب _كتاب الصلح _ الّذي استقرّ بينهم وهو : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما صالح (4) عليه الحسن بن عليّ بن أبي طالب ،
.
ص: 726
معاوية بن أبي سفيان ، صالحه (1) على أن يسلم إليه أمر (2) المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسيرة الخلفاء [الصالحين ]الراشدين المهديّين المهدين . وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا ، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين . وعلى (3) أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه تعالى في شامهم،ويمنهم ، وعراقهم ، وحجازهم . وعلى أنّ أصحاب عليّ وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا . وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد اللّه وميثاقه [وما أخذ اللّه على أحد من خلقه بالوفاء وبما أعطى اللّه من نفسه] . وعلى أن لا يبغي (4) للحسن بن عليّ ولا لأخيه الحسين غائلة ولا لأحد من أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آلهغائلة سوء سرّا أو (5) جهرا ، ولا يخيف أحدا منهم في اُفق من الآفاق . شهد عليه بذلك فلان وفلان وكفى باللّه شهيدا 6 .
.
ص: 727
ولما اُبرم (1) الصلح بينهما التمس معاوية من الحسن عليه السلام أن يتكلّم بمجمع من الناس ويُعلِمهم أنه قد بايع معاوية ، فأجابه إلى ذلك ، فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على نبيّه محمّد صلى الله عليه و آلهثمّ قال : أيّها الناس إنّ أكيّس الكيس التقي ، وأحمق الحمق الفجور . [واللّه ] ولو أنكم طلبتم ما بين جابرقا (2) وجابرصا (3) مَن جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين ، وقد علمتم أنّ اللّه تعالى جلّ ذكره وعزّ اسمه هداكم بجدّي محمّد وأنقذكم [به ]من الضلالة ، وخلّصكم [به] من الجهالة ، وأعزّكم به بعد الذلّة ، وكثّركم به بعد القلّة ، وانّ معاوية نازعني حقّا هو لي دونه ، فتركته (4) لصلاح الاُمّة وقطع الفتنة ، وقد كنتم بايعتموني على أن تُسالموا من
.
ص: 728
سالمت (1) وتحاربوا من حاربت ، فرأيت أن اُسالم لمعاوية وأضع الحرب بيني وبينه ، وقد بايعته (2) ، وقد رأيت أنّ حقن دماء المسلمين خيرٌ من سفكها ، ولم (3) اُرد بذلك إلاّ صلاحكم وبقاءكم «وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَ_عٌ إِلَى حِينٍ» (4) . ثمّ نزل وتوجّه بعد ذلك إلى المدينة الشريفة وأقام بها (5) . وكانت (6) مدّة خلافته عليه السلام إلى أن صالح معاوية ستة أشهر وثلاثة أيّام ، وقيل : خمسة أيام (7) .
وروى شيبة قال:سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : الخلافة ثلاثون سنة ثمّ تكون ملكا.
.
ص: 729
وكان آخر ولاية الحسن تمام ثلاثين وثلاثة عشر يوما من أول خلافة أبي بكر (1) .
وروى أنه لمّا تمّ الصلح لمعاوية واجتمع عليه الناس دخل عليه سعد بن أبي وقّاص (2) وقال : السلام عليك أيّها الملك ، فتبسّم معاوية وقال : ما عليك يا أبا إسحاق لو قلت يا أمير المؤمنين ، قال : ما اُحبّ أني وليتها بما ولينها به (3) . وروى ذلك صاحب تاريخ البديع . وروى أبو بشر الدولابي أنّ معاوية أعطى للحسن بعد أن تمّ الصلح بينه وبينه خمسة الآف درهم 4 وقيل : بل أعطاه مائة ألف دينار 5 ، واللّه أعلم .
.
ص: 730
. .
ص: 731
. .
ص: 732
. .
ص: 733
. .
ص: 734
فصل : في ذكر وفاته 1 ومدّة عمره وإمامته عليه السلامقال أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي في كتابه «إعلام الورى» بعد أن تمّ
.
ص: 735
. .
ص: 736
الصلح بين الحسن بن عليّ ومعاوية وخرج الحسن عليه السلام إلى المدينة وأقام بها عشر سنين سقته زوجته جُعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي السمّ ، وذلك بعد أن بذل لها معاوية على سمّة مائة ألف درهم ، فبقي مريضا أربعين يوما 1 . وقال الحافظ أبو نعيم في حليته : إنّه لمّا اشتدّ الأمر بالحسن قال : أخرجوا فرشي إلى صحن الدار لعلّي أتفكّر (1) في ملكوت السماوات _ يعني الآيات _ فلمّا خرجوا به قال : اللّهمّ إنّي أحتسب نفسي عندك فإنّها أعزّ الأنفس عليَّ (2) .
.
ص: 737
وعن عمرو بن إسحاق قال : دخلت أنا ورجل على الحسن بن عليّ نعوده فقال : يا فلان سَلني ، فقلت : لا واللّه لا أسألك حتّى يعافيك اللّه ثمّ أسألك [قال : فدخل عنّا ثمّ خرج إلينا فقال : يا فلان سَلني قبل أن لا تسألني ، قال : بل يعافيك اللّه تعالى ثمّ أسألك] قال: لقد ألقيت طائفة من كبدي (1) ، وإنّي سُقيتُ السمّ مرارا فلم اُسقه مثل هذه المرّة] (2) .ثمّ دخلت عليه من الغد [وهو يجود بنفسه] فوجدت أخاه الحسين عند رأسه ، فقال له الحسين : [مَن] تتهم (3) يا أخي؟ قال : لِمَ؟ لتقتله؟ (4) قال : نعم ، قال : إن يكن الّذي أظنّه فاللّه أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلاً ، وإن لم يكن (5) فما اُحبُّ أن
.
ص: 738
يُقتل بي بريء (1) . وروي أنّه لمّا حضرته الوفاة فكأنه جزع لذلك ، فقال له أخوه الحسين : ما هذا الجزع؟إنّك (2) ترد على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلى أمير المؤمنين وهما أبواك، وعلى خديجة وفاطمة وهما اُمّاك ، وعلى القاسم والطاهر وهما خالاك وعلى حمزة وجعفر وهما عمّاك،فقال له الحسن: يا أخي ما جزعي إلاّ أني داخل (3) في أمرٍ من أمر اللّه لم أدخل في مثله قطّ . وأرى خلقا من خلق اللّه لم أرَ مثله (4) قط (5) فبكى . الحسين عند ذلك. ثمّ قال له الحسن : يا أخي قد حضرت وفاتي وحان فراقي [لك] وإنّي لاحقٌ بربي وأجد كبدي يتقطّع وإنّي لعارف من أين دُهيت وأنا اُخاصمه إلى اللّه ، فبحقّي عليك إن تكلّمت في ذلك بشيء (6) ، فإذا أنا قضيتُ [نحبي ]فغمِّضني وغسلني وكفّنّي واحملني على سريري إلى قبر جدِّي رسول اللّه صلى الله عليه و آلهلاُجدِّد به عهدا ، ثمّ ردّني إلى (7)
.
ص: 739
قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فأدفنّي هناك ، وباللّه اُقسم عليك أن لا تهرق في أمري محجمة دم 1 . ثمّ وصّى إليه بأهله ووُلده وتركاته (1) وجميع ما كان وصّى به إليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ثمّ قضى نحبه عليه السلام وذلك لخمس خلون من ربيع الأوّل سنة خمسين من الهجرة (2) . وصلّى عليه سعيد بن
.
ص: 740
العاص (1) فإنّه كان يومئذٍ واليا على المدينه من جهه معاوية (2) وصلّى عليه الحسين عليه السلام (3) ودُفن بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد عليهاالسلام 4 وعمره (رض) إذ ذاك سبع وأربعون
.
ص: 741
سنة (1) ، كان منها مع رسول اللّه صلى الله عليه و آلهسبع سنين (2) ، ومع أبيه بعد وفات رسول اللّه صلى الله عليه و آلهثلاثين سنة (3) ، وعاش بعد أبيه عليه السلام إلى حين وفاته عشر سنين (4) ، وهذه مدّة إمامته عليه السلام .
فصل : في ذكر أولاده 5 عليه السلام .
ص: 742
.
.
ص: 743
. .
ص: 744
قال ابن الخشّاب: وُلد له أحد عشر ولدا وبنتا واحدةً 1 ، أسماء بنيه: عبد اللّه (1) ، والقاسم (2)
.
ص: 745
والحسن (1) ، وزيد (2) ، وعمر (3) ، وعبد اللّه (4) ، وعبدالرحمن (5) ، وأحمد (6) ، وإسماعيل (7) ، والحسين (8) ، وعقيل (9) ، والبنت اسمها اُمّ الحسن فاطمة وهي اُمّ محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام (10) . قال الشيخ المفيد في رسالته : أولاد الحسن خمسة عشر [ولدا] ذكرا واُنثى
.
ص: 746
وهم : زيدُ بن الحسن واُختاه اُمّ الحسن واُمّ الحسين اُمُّهم اُمُّ بشيرٍ بنت أبي مسعودٍ عُقْبة بن عمرو بن ثعلبةَ الخزرجيّةٌ ، والحسنُ بن الحسنِ اُمّه خَولةُ بنت منظورٍ الفزاريّة ، وعمرو] بن الحسن] وأخواه القاسمُ وعبد اللّه [ابنا الحسنَ ]اُمّهم اُمّ ولدٍ استُشهدوا ثلاثتهم بين يدي عمّهم الحسين عليه السلام بطفّ كربلاء رضي اللّه عنهم وأرضاهم وأحسن عن الدين والإسلام وأهله جزاءهم [بطف كربلاء] ، وعبدالرحمن اُمُّه اُمّ ولدٍ ، والحسن [والحسين] بن الحسن الملقّبُ بالأثرم وأخوه طلحةُ وأختهما فاطمةُ [بنت الحسن] اُمّهم اُمُّ إسحق بنت طلحة بن عبيداللّه (1) التميمي ، واُمّ عبد اللّه وفاطمةُ واُمُّ سلمةَ ورقيةُ بناتُ الحسن لاُمهاتِ أولادٍ شتّى (2) . قال الشيخ كمال الدين بن طلحة : لم يكن لأحد من أولاد الحسن عقب غير اثنين (3) منهم وهما الحسن وزيد[رض] . تنبيه على ذكر شيءٍ من خبرهما : فأمّا زيدُ بنُ الحسن فإنّه كان يلي (4) صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ،كان جليلَ القدرِ كريمَ الطبع طيّبَ [ظريف ]النفس كثيرَ البرِّ ، وكان مُسنّا ، مدحه الشعراءُ وقصدَه الناسُ منَ الآفاقِ لطلب فضلة (5) . ذكر أصحابُ السِير انّه لمّا وُلِّيَ سليمانُ بن عبدالملك كتب إلى عامله بالمدينة : أمّا بعدُ ، فإذا (6) جاءَكَ كتابي هذا فاعزلْ زيدا عن صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوادفَعها إلى فلان _إلى رجل من قومه وسمّاه _ [وأعنه على ما استعانك عليه ، والسلام] . فلمّا استخلف (7) الخلافة عمر بن عبدالعزيز كتب
.
ص: 747
إلى عامله بالمدينة : أمّا بعد ، فإنّ زيد بن الحسن شريفُ بني هاشم وذو سنِّهم فإذا جاءَك كتابي هذا فاردُدْ إليه صدقاتِ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوأعنْه على ما استعانك عليه [والسلام] (1) . وفي زيد بن الحسن يقول محمّد بن بشر [بشيرَ ]الخارجيُّ يمدحه حيث يقول شعرا (2) : إذا نَزَلَ ابْنُ المُصطَفَى بَطْنَ تَلعةٍنَفَى جَدْبهَا وَاخْضرَّ بالنّبَتِ عُوْدُهَا وَزَيْدٌ رَبيْعُ الناس في كُلّ شَتْوةٍإذا أخلفَتْ أنواؤها وَرُعُوْدُها حَمُوْلٌ لأشناق الديات (3) كأنّهُسِراجُ الدُّجى إذ قارنَته (4) سُعُوْدُهَا ومات زيد بن الحسن وله تسعون سنة (5) فرثَاه جماعةٌ من الشّعراء وذكروا مآثره وفضله وكرمه ، فممّن رثاه قُدامةُ بن الموسى الجُمحِيّ يقول (6) : فإنْ (7) يَكُ زيدٌ غالت الأرض شخصَهُفقد بان (8) معروفٌ هُناك وَجُودُ وإنْ يَكُ أمسى رَهْنَ رمْسٍ فَقَد ثَوىبه وهَو محمودُ الفعال فقيد (9) سميعٌ (10) إلى المعترّ (11) يعلم أنّهُسيطلُبُهُ المعروفُ ثُمّ يَعُودُ وليس بقوَّالٍ وقد حطّ رحلَهُلملتمسِ المعروف (12) : أيْنَ تُريدُ إذا قَصَّر الوعدُ الدنيّ (13) نما بهإلى المجد آباءٌ لهُ وَجُدودُ إذا ماتَ مِنْهُمْ سيِّدٌ قَامَ سَيِّدٌكريمٌ يبني بعدَهُ (14) ويَشيْدُ وخرج (15) زيد بن الحسن من الدنيا ولم يدّع الإمامة ولا ادّعاها له مُدّعٍ من الشيعة ولا غيرهم ، وذلك لأنّ الشيعة رجلان : إماميٌّ وزيديٌّ ، فالإمامي يعتمدُ في الإمامة النصوصَ وهي معدومةٌ في ولد الحسنِ عليه السلام باتفاق ، ولم يدّع ذلك أحدٌ منهم لنفسه فيقع فيه الارتياب ، والزيدي يُراعي في الإمامة بعد عليّ والحسن والحسين الدعوة والجهاد ، وزيد بن الحسن كان مُسالما لبني اُمية ومُتقلِّدا من قبلهم الأعمال ، وكان رأيُه التقية لأعدائه والتألُّف لهم والمداراة ، وهذا يُضادّ (16) عند الزيدية خارج عن علامات الإمامة ، فزيدٌ على هذه الأقوال خارج عنها بكلِّ حال (17) . وأمّا (18) الحسن بن الحسن فكان جليلاً مهيبا رئيسا فاضلاً ورعا زاهدا ، وكان يَلِي صدقات أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب [في وقته ]بالمدينة . حُكي عنه أنه كان يساير الحجّاج يوما بالمدينة والحجّاج إذ ذاك أمير المدينة ، فقال له الحجّاج : ياحسن أدخل معك عمّك عمرا على صدقات أبيه فإنّه عمُّكَ وبقيةُ
.
ص: 748
أهلِكَ ، فقال الحسن : لا اُغيِّر شرطا اشترطه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ولا اُدخل في صدقاته من لم يُدخل (1) ، فقال له الحجّاج : أنا [إذا] اُدخله معك قهرا ، فأمسك الحسن بن الحسن عنه . ثمّ ما كان إلاّ أن فارقه وتوجّه من المدينة إلى الشام قاصدا عبدالملك بن مروان بالشام ، فوقف ببابه يطلُبُ الإذن عليه ، فوافاه يحيى بن اُمِّ الحكم وهو بالباب فسلّم عليه وسأله عن مقدمه وما جاء به فأخبره بخبره مع الحجّاج فقال : اسبقك بالدخول على أمير المؤمنين ثمّ ادخل أنت فتكلّم واذكر قصّتك فسترى ما أفعل معك وأنفعك لاُساعدك عنده إن شاء اللّه تعالى . فدخل يحيى بن اُمّ الحكم ثمّ دخل بعده الحسن بن الحسن ، فلمّا جلس رحّب به عبدالملك وأحسن مساءلته وكان الحسن قد أسرع إليه الشيب ، فقال له عبدالملك : لقد أسرع إليك الشيب (2) يا أبا محمّد ، فبدر إليه ابن اُمّ الحكم فقال : ومايمنعه شيبه يا أمير المؤمنين؟ شيّبه (3) أمانيُّ أهل العراق يفِدُ عليه (4) الركب بعد الركب في كلّ سنة يمنونه الخلافة ، فقال له الحسن : بئس واللّه الرفد رفدت ، وليس الأمر كما قلت ، ولكنّنا أهل بيت يُسرع إلينا الشيب (5) ، وعبدالملك يسمع كلامهما ، فأقبل عبدالملك على الحسن وقال : هلمّ حاجتك يا أبا عبد اللّه لا عليك ، فأخبره بقول الحجّاج له ، فقال عبدالملك : ليس ذلك له ، وكتب له كتابا يتهدّده ويمنعه من ذلك 6 .
.
ص: 749
ووصل الحسن بن الحسن بأحسن صلة وأجازه بأحسن جائزة وقابله بأحسن مقابلة ، وجهّزه راجعا إلى المدينة الشريفة على أحسن حال إلى الحجّاج ، فبعد أن خرج الحسن من عنده قصده يحيى ابن اُمّ الحكم واجتمع به فعاتبه الحسن على ما فعل وقال له : هذا وعدك الّذي وعدتني به؟ فقال له يحيى : إيها لك فواللّه (1) مالويت عنك نفعا ولا ادّخرت عنك جهدا ، ولولا كلمتي هذه ما هابك (2) ولا قضى لك حاجتك فاعرف ذلك لي (3) . وروي : أنّ الحسن بن الحسن خطب إلى عمّه الحسين إحدى ابنتيه فقال له : يابني اختر أيّهما أحبّ إليك ، فاستحيى الحسن رضى الله عنهولم يحر جوابا ، فقال له الحسين عليه السلام : [فإنّي ]قد اخترتُ لك ابنتي فاطمة ، فهي أكثر شبها باُمّي فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فزوّجها منه (4) . وحضر الحسن بن الحسن مع عمّه [الحسين] بطفّ كربلاء فلمّا قُتل الحسين واُسِرَ الباقون من أهله واُسِرَ من (5) جملتهم الحسن بن الحسن فجاء أسماءُ بن خارجة فانتزع (6) الحسن من بين الأسرى وقال : واللّه لا يُوصل إلى ابن خولة ابدا 7 .
.
ص: 750
فقبض (1) الحسن بن الحسن وله خمس وثمانون (2) سنة من العمر وأخوه زيد حيّ ووصّى (3) إلى أخيه من اُمّه إبراهيم بن محمّد بن طلحة (4) ولمّا مات الحسن بن الحسن ضربت زوجته فاطمة بنت الحسين عليه السلام على قبره فسطاطا وكانت تقوم الليل وتصوم النهار ، وكانت (رض) تُشبَّهُ بالحور العين لجمالها ، فلمّا كان (5) رأس السنة قالت لمواليها : إذا أظلم الليلُ فقوِّضوا [هذا ]الفسطاط ، فلمّا أظلم الليل وقوضوه سمعت قائلاً يقول : «هل وجدوا ما فقدوا؟» فأجابه آخر : «بَلْ يئسوا فانقلبوا» (6) . ومضى الحسن بن الحسن ولم يدَّع الإمامة ولا ادّعاها له مدّعٍ على ما سبق من حال أخيه زيد (7) .
.
ص: 751
. .
ص: 752
. .
ص: 753
الفصل الثالث : في ذكر الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام الإمام الثالثوفي هذا الفصل عدّة فصول في ذكر مولده ونسبه وكنيته ولقبه وغير ذلك ممّا يتصل به عليه السلام . ولد الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالمدينة لخمس خلون من شعبان المكرّم سنة أربع من الهجرة 1 . وكانت والدته الطهر البتول فاطمة بنت الرسول علقت به بعد
.
ص: 754
أن ولدت أخاه الحسن عليه السلام بخمسين ليلة (1) ، هكذا صح النقل في ذلك فلم يكن بينه وبين أخيه من التفاوت سوى هذه المدّة المذكوره ومدّة الحمل (2) . ولمّا ولد الحسين عليه السلام أخبر النبيّ صلى الله عليه و آله به فجاءه وأخذه وأذنّ في اُذنه اليمنى وأقام في اُذنه اليسرى ، واستبشر به صلى الله عليه و آلهوسماه حسينا وعقّ عنه صلى الله عليه و آله كبشا وقال لاُمّه : احلقي رأسه وتصدّقي بوزنه فضّة وافعلي به كما فعلتِ بأخيه الحسن عليه السلام 3 .
.
ص: 755
فصل : في ذكر نسبه وكنيته ولقبه عليه السلامنسبه هو نسب أخيه من غير زيادة ، وقد تقدّم ذكره فلا حاجة فيه إلى الإعادة (1) . وأمّا كنيته عليه السلام فقال الشيخ كمال الدين بن طلحة : كنيته أبو عبد اللّه لا غير (2) . أمّا ألقابه فكثيرة : الرشيد ، والطيّب ، والوفي ، والسيّد ، والزكي ، والمبارك ، والتابع لمرضاة اللّه تعالى ، والسبط (3) . فكلّ هذه كانت تقال له وتُطلق عليه وأشهرها الزكي ولكن أعلاها (4) رتبةً مالقّبه بها (5) رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قوله فيه وفي (6) أخيه أنهما سيّدا شباب أهل الجنّة (7) . فيكون (8) السيّد أشرفها، وكذلك السبط فإنّه صحّ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله
.
ص: 756
أنه قال : حسينٌ سبطٌ من الأسباط (1) ، وسيأتي هذا الحديث إن شاء اللّه تعالى . وكان الحسين عليه السلام أشبه الخلق بالنبيّ صلى الله عليه و آلهمن سرّته إلى كعبة (2) . شاعره يحيى بن الحَكم (3) وجماعة غيره ، بابه أسعد الهجري (4) . نقش خاتمة «لكلّ أجلٍ كتاب» (5) ، معاصره يزيد بن معاوية وعبيداللّه بن زياد لعنهما اللّه .
فصل : فيما ورد في حقّه عليه السلام من جهة النبيّ صلى الله عليه و آلهوهو فصل مستجلي الموارد والمصادر مستعلي المحامد والمفاخر ، مشعرا بأنّ الحسن والحسين عليهماالسلامأحرزا أعلى المعالي وأفخر المفاخر ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهخصّهما من مزايا العلى بأتمّ معنى وأنزلهما من ذروة الشرف بالمحلّ الأسنى ، فمدح وأثنى وأفرد وثنى ، فأمّا ما يخصّ الحسن عليه السلام فقد تقدّم في فضله ، وأمّا ما يخصّ الحسين عليه السلام مع بعض المشترك فهذا أوان حصده .
فمن ذلك ما رواه الترمذي بسنده عن يعلى ابن مرّة 6 قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
.
ص: 757
حسينٌ منّي وأنا من حسين ، أحبّ اللّه من أحبّ حسينا ، حسينٌ سبطٌ من الأسباط (1) .
وروي عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام (2) قال :اصطرع الحسن والحسين عليهماالسلامبين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إيها حسن ، فقالت فاطمة عليهاالسلام يا رسول اللّه استنهضتَ الكبير على الصغير؟! فقال صلى الله عليه و آله : هذا جبرائيل عليه السلام يقول للحسين : إيها حسين خذ الحسن (3) .
.
ص: 758
وعن زيد ]يزيد] بن أبي زياد قال : خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله من بيت عائشة فمرَّ على بيت فاطمة فسمع صلى الله عليه و آلهحسينا يبكي ، فقال : ألم تعلمي أنّ بكاءه يؤذيني (1) . وعن البرّاء بن عازب قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله حامل الحسين بن عليّ على عاتقه وهو يقول : اللّهمّ إنّي اُحبّه فأحبّه (2) . وروى الإمام محمّد بن إسماعيل البخاري والترمذي كلّ منهما في صحيحه يرفعه إلى ابن عمر أنه سأله رجل عن دم البعوض فقال : من أنت؟ قال : من أهل
.
ص: 759
العراق ، فقال : انظروا [إلى] هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت النبيّ صلى الله عليه و آلهوقد سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول : هما (1) ريحانتاي من الدنيا 2 . وروي أنه سأله عن المحرم يقتل الذباب فقال : يا أهل العراق تسألون عن قتل الذباب وقد قتلتم الحسين ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وذكر الحديث وفي آخره : هما سيّدا شباب أهل الجنّة (2) . وروت اُمّ الفضل (3) بنت الحارث أنّها دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالت : يا رسول اللّه إنّي رأيت الليلة (4) حُلما منكرا قال : وما هو؟ [قالت : إنّه شديد ، قال : وما هو؟ ]قالت : رأيت كأنّ قطعةً من جسدك قُطِعَت ووضِعت (5) في حِجري ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : خيرا رأيتِ ، تلد فاطمة غلاما فيكون في حِجرك ، فولدتْ
.
ص: 760
فاطمةُ الحسين عليه السلام . قالت : وكان (1) في حِجري [فأرضعته بلبن قثم] كما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفدخلتُ به [يوما على النبيّ صلى الله عليه و آله] فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منِّي التفاتةٌ فإذا عَينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله تهراقان بالدموع (2) فقلت : بأبي أنت واُمّي يا رسول اللّه مالك تبكي؟ قال صلى الله عليه و آله :أتاني جبرئيل عليه السلام فأخبرني أنّ اُمتي ستقتل ابني هذا ، [و ]أتاني بتربةٍ من تربته حمراءَ 3 . وروى البغوي بسنده يرفعه إلى اُمّ سلمة أنها قالت : كان جبرئيل عليه السلام عند النبيّ والحسين بن عليّ عليه السلام معي [فبكى فتركته] فغفلت عنه فذهب إلى النبيّ صلى الله عليه و آلهوجعله النبيّ صلى الله عليه و آلهعلى فخذه ، فقال له جبرائيل أتحبّه يا محمّد؟ فقال صلى الله عليه و آله : نعم ، فقال : أمّا أنّ اُمّتك ستقتله ، وإن شئت أريتك [من] تربة الأرض الّتي يُقتل بها (3) ، فبسط جناحه إلى الأرض فأراه (4) أرضا يقال لها كربلاء . تربة حمراء بطفُ
.
ص: 761
العراق» 1 . وروى الحافظ عبدالعزيز بن الأخضر الجنابذي في كتابه معالم العترة الطاهرة مرفوعا عن الأصبغ بن نُباتة عن عليّ عليه السلام : قال : أتينا مع عليّ بن أبي طالب فمررنا بأرض كربلاء (1) [نزل وبكى وقال (2) عليّ عليه السلام : هاهنا مناخ ركابهم وهاهنا موضع رحالهم ، وهاهنا مهراق دمائهم ، فتيةٌ (3) من آل محمّد صلى اللّه عليه وآله أجمعين يُقتلون بهذه (4) العرصة تبكي عليهم السماء
.
ص: 762
والأرض (1) . ومنه يرفعه إلى عبد اللّه بن مسعود قال : بينما نحن جلوس عند النبيّ صلى الله عليه و آلهإذ أقبل (2) عليه فتية من بني هاشم (3) ]فلمّا رآهم إغرورقت عيناه[ فتغيّر لونه ورؤي في وجهه كآبة فقلنا (4) : يا رسول اللّه مانزال (5) نرى في وجهك شيئا نكرهه؟ فقال صلى الله عليه و آله : إنّا أهل بيت اختار اللّه تعالى لنا الآخرة على الدنيا وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي تطريدا وتشريدا 6 .
.
ص: 763
فصل : في علمه وشجاعته وشرف نفسه وسيادته عليه السلامقال بعض أهل العلم : علوم أهل البيت لاتتوقّف على التكرار والدرس ، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان في الأمس ، لأنهم المخاطبون في أسرارهم والمحدّثون في النفس . فسماء (1) معارفهم وعلومهم بعيدة عن الإدراك واللمس ، ومن أراد سترها كمن أراد ستر وجه الشمس ، وهذا ممّا يجب أن يكون ثابتا مقرّرا في النفس فهم يرون عالم الغيب في عالم الشهادة ، ويقفون على حقائق المعاني (2) في خلوات العبادة ، وتناجيهم ثواقب أفكارهم في أوقات أذكارهم بما تسنّموا به غارب الشرف والسيادة ، وحصلوا بصدق توجيههم إلى جناب القدس فبلغوا به منتهى السؤال (3) والإرادة ، فهم كما في نفوس أوليائهم ومحبّيهم وزيادة ، فما تزيد معارفهم في زمان الشيخوخة على معارفهم في زمن الولادة . وهذه اُمور تثبت لهم بالقياس والنظر ، ومناقب واضحة الحجول بادية الغرر ، ومزايا تشرق إشراق الشمس والقمر ، وسجايا تزين عيون التواريخ وعنوانات (4) الأثر . فما سألهم مستفيد أو ممتحن فوقفوا ، ولا أنكر منكر أمرا من الاُمور إلاّ علموا وعرفوا ، ولا جرى معهم غيرهم في مضمار شرف إلاّ سبقوا ، وقصر محاورهم وتحلّقوا سنّةً جرى عليها الذين تقدّموا منهم وأحسن أتباعهم الذين خلفوا ، وكم عانوا (5) في الجدال والجلاد اُمورا فبلغوها (6) بالرأي الأصيل والصبر الجميل فما استكانوا ولا ضعفوا ، فبهذا وأمثاله
.
ص: 764
سموا على الأمثال وشرفوا . تقرّ الشقاشق إذا هدرت شقاشقهم ، وتصغي الأسماع إذا قال قائلهم أو نطق ناطقهم ، ويكشف الهوى إذا أفلست (1) به خلايقهم ، ويقف كلّ ساعٍ عن شَأوِهِم فلا يدرك فايتهم ولاينال طرايقهم ، سجايا منَحهم بها خالقهم ، وأخبر بها صادقهم ، فسرّ بها أولياؤهم وأصدقاؤهم (2) وحزن لها مباينهم ومفارقهم . وقد حلّ الحسين عليه السلام من هذا البيت الشريف في أوجّه وارتفاعه ، وعلا (3) محلّه فيه علوّا تطامنت النجوم عن إرتفاعه ، واطلّع بصفا سرّه على غوامض المعارف فانكشفت له الحقايق عند اطّلاعه ، وطار (4) صيته بالفضائل والفواضل فاستوى الصديق والعدوّ في استماعه ، ولمّا انقسمت غنائم المجد حصل على صعابها (5) ومرتاعه (6) ، فقد اجتمع فيه وفي أخيه عليهاالسلام من خلال الفضائل ما لاخلاف في إجتماعه . فكيف لايكونا كذلك وهما أبنا عليّ وفاطمة وسبطان لمن كان سيد النبيين والمرسلين وخاتمهم والحسين عليه السلام هو الّذي أرضى غرب السيف والسنان ومال إلى منازلة الابطال والشجعان . قال الشيخ كمال الدين بن طلحة : اعلم أنّ الشجاعة من المعاني القائمة بالنفوس ولها رجالٌ أبطال وصناديد الشؤوس ولا يعرف صاحبها إلاّ إذا ضاق المجال واشتدّ القتال وأحدقت الرجال بالرجال ، فمن كان مجزاعا مهلاعا فنراه يستركب الهزيمة ويستقبلها (7) يستوصب الدنية ويتطوّقها ، ويستعذب المغرّة ويستوثقها (8) ، ويستصحب
.
ص: 765
الذلّة ويتعلّقها فذلك (1) مهبول الاُم ، لا تعرف نفسه شرفاً ولا له عن الخساسة والدناءة منصرفا ، ومن كان كرّارا صبّارا خائضا غمرات الأهوال بنفسٍ مطمئنةٍ وعزيمةٍ مرجّجة بعد مصافحه الصفاح غنيمة باردة، ومراوحة الرماح فائدة وعائدة، ومكافحة الكتائب مكرمة زائدة ، ومناوحة المصائب منقبة شاهدة ، جانحا إلى ابتياع العزّ بمهجته ويراها ثمنا قليلاً جامحا عن إرتكاب الدنايا وإن غادره جماحه قتيلا (2) : يرى الموت أحلى من ركوب دنيةولا يقتدي للناكصين عليلا (3) ويستعذب التعذيب فيما يفيدهنزاهته عن أن يُقاد (4) ذليلا فهذا مالك زمام الشجاعة وحائزها ، وله من قداحها معلاها وفايزها ، وقد صحّف النقلة (5) في صحائف السِير بما رواه وحرّروا القول بما نقله المتقدّم إلى المتأخّر فيما رووه : إنّ الحسين عليه السلام لمّا قصد العراق وشارف الكوفة سمع به أميرها عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه ، فسرّب الجنود لمقاتلته إسرأبا وحزّب الجيوش (6) لمحاربته أحزابا ، وجهّز إليه من العساكر عشرين ألف مقاتل ، مابين فارس وراجل ، فأحدقوا به شاكّين في كثرة العدد والعديد ، ملتمسين منه نزوله على حكم بن زياد وبيعته ليزيد ، فإن أبى ذلك فليؤذن بقتال يقطع الوتين وحبل الوريد ، ويصعد بالأرواح إلى المحلّ الأعلى ويطرح الأشباح على الصعيد ، فتبعت نفسه الأبيّة جدّها وأباها ، وعزفت عن ارتكاب الدنيّة فأباها ، ونادته النخوة الهاشمية فلبّاها ومنحها بالإجابة إلى مجانبة
.
ص: 766
الذلّة وحباها ، فاختار مجالدة الجنود ومصادمة ضباها (1) ، والصبر على مقارعة صوارمها وكثرة وسم سباها . وكان أكثر هؤلاء الخارجين لقتاله قد كاتبوه وطاوعوه ، وشايعوه وتابعوه ، وسألوه القدوم عليهم ليبايعوه ، فلمّا جاءهم أخلفوه ما وعدوه ، ومالوا إلى السحت العاجل فقصدوه ، فنصب نفسه عليه السلام وإخوته وأهله وكانوا نيّفا وسبعين (2) لمحاربتهم ، واختاروا جميعهم القتل على متابعتهم ليزيد ومبايعتهم ، فاعتقلهم الفجرة الطغام ورشقتهم الرماح والسهام . هذا والحسين عليه السلام ثابت (3) إقدامه في المعترك أرسى من الجبال ، وقلبه لايضطرب لهول القتال ولا لقتال الرجال ولا لمنازلة الأبطال ، ثمّ قال: يا أهل الكوفة قبحا لكم وتعسا حين استصرختمونا ، فآتيناكم مرجفين فشحذتم علينا سيفا كان في إيماننا ، وحثثتم علينا نارا نحن أضرمناها على أعدائكم وأعدائنا ، فأصبحتم الباغين على أوليائكم ، ويدا لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا ذنب كان منّا إليكم ، فلكم الويلات هلا إذ كرهتمونا تركتمونا ، والسيف ما سام ، والجأش ما طاش ، والرأي لم يستحصد ، ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا إسراع الذباب ، وتهافتّم تهافت الفراش ، ثمّ نقضتمونا سفهاً وظلماً ، ألا لعنة اللّه على الظالمين . ثمّ حمل عليهم وسيفه مصلت في يده وهو ينشد ويقول : أنا ابن عليّ الخير (4) من آل هاشمكفاني بهذا مفخرا حين أفخر وجدّي رسول اللّه أكرم من مضى (5) ونحن سراج اللّه في الأرض (6) نزهر وفاطم اُمّي من سلالة أحمد (7) وعمّي يُدعى ذا الجناحين جعفر (8) وفينا كتاب اللّه اُنزل صادقاوفينا الهدي والوحي بالخير (9) يذكر ولم يزل عليه السلام يقاتل حتّى قتل كثيرا من رجالهم وفرسانهم وشجعانهم خائضا في لجج الحرب غمراتهم (10) غير هائب للموت من جميع جهاته ، إلى أن تقدّم إليه الشمر بن ذي الجوشن في جموعه ، وسيأتى تفصيل ما جرى له معه في فصل مصرعه إن شاء اللّه تعالى (11) .
.
ص: 767
فصل : في ذكر كرمه و جوده عليه السلامقال الشيخ كمال الدين بن طلحة «قد اشتهر النقل عنه عليه السلام (1) أنّه كان يكرم الضيف، ويمنح الطالب ، ويصل الرحم ، وينيل الفقير (2) ، ويسعف السائل ، ويكسو العاري (3) ، ويشبع الجائع ، ويعطى الغارم . ويشدّ من الضعيف ، ويشفق على اليتيم ، ويعين ذا
.
ص: 768
الحاجة ، وقلّ أن وصله مال إلاّ فرّقه» (1) . وفي الفصل المتقدّم المعقود لكرم أخيه عليه السلام وقصّة المرأة الّتي ذبحت الشاة وما وصلها به لمّا أن جاءته بعد أخيه الحسن من إعطائها الألف دينار وشرائه لها الألف شاة (2) ما يعرّفك أنّ الكرم ثابت لهؤلاء القوم حقيقة ولغيرهم مجاز،إذ كلّ واحد منهم ضرب فيه بالقدح المعلّى، فحاز منه ما حاز، فهم بحار يجارون (3) الغيوث سماحة ، ويبارون الليوث حماسةً ، ويعدلون الجبال حلما ورجاحة ، فهم البحور الزاخرة والسحب الهامية الماطرة ، وفيه يقول الشاعر : فما كان من جود أتوه فإنّماتوارثه آباء آبائهم قبل وهل ينبت الخطى إلاّ وشجه (4) وتغرس إلاّ في مغارسها النخل قال أنس : كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت عليه جارية بيدها (5) بطاقة ريحان ]فحيّته بها] فقال [لها] : أنت حرّة لوجه اللّه تعالى [وبهر أنس فانصرف يقول ]فقلت له : جارية تحيّيك (6) بطاقة ريحان لا حظّ (7) لها ولا بال فتعتقها؟! فقال : [كذا أدّبنا اللّه ]أما سمعت قوله تعالى «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ» (8) وكان أحسن منها عتقها (9) .
.
ص: 769
وكتب إليه أخوه الحسن يلومه على إعطائه الشعراء ، فكتب إليه : أنت أعلم منّي (1) بأنَّ خير المال ما وقى العرض (2) . وجنى غلامٌ له (3) جنايةً توجب العقاب عليه (4) فأمر بتأديبه [أن يُضرب ]فقال : يا مولاي قال اللّه تعالى «وَالْكَ_ظِمِينَ الْغَيْظَ» قال عليه السلام : خلّوا عنه فقد كظمت غيظي ، فقال : [يا مولاي] «وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ» قال عليه السلام : قد عفوت عنك ، فقال : [يا مولاي] : «وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » (5) قال : أنت حرّ لوجه اللّه تعالى ، وأجازه بجائزة سنية (6) . وقيل : أنّ معاوية لمّا قدم مكّة وصله بمالٍ كثيرٍ وثيابٍ وافرةٍ وكسوةٍ فاخرة فردّ الجميع عليه ولم يقبل منه شيئا (7) ، فهذه سجيّة الجود وشنشنة الكرم وصفة من حوى مكارم الأخلاق ومحاسن الشِيَم . وممّا يؤذنك بكرمه وسماحته ذكر ما تقدّم في الفصل الّذي قبل هذا من ثبات قلبه وشجاعته ، إذ الشجاعة والسماحة توأمان ورضيعا لبان ، فالجواد شجاع والشجاع جواد ، وهذه قاعدة كلّية وإن خرج منها بعض الآحاد ، ومن خاف الوصمة في شرفه جاد بالطريف من ماله والتالد ، وقد قال أبو تمّام في الجمع بينهما فأجاد (8) : وإذ رأيت أبا يزيد في ندىووغى ومبدي غارةً ومعيدا أيقنتَ أنّ من السماح شجاعةتدنى وأنّ من الشجاعة جودا
.
ص: 770
وقال آخر في هذا المعنى : يجود بالنفس إن ظنّ البخيل بهاوالجود بالنفس أقصى غاية الجود وقيل : الكريم شجاع القلب ، والبخيل شجاع الوجه .
فصل : في ذكر شيء من محاسن كلامه وبديع نظامه عليه السلامقال الشيخ كمال الدين بن طلحة الشافعي : كانت الفصاحة لديه خاضعة والبلاغة لأمره زامعة طائعة ، وأمّا نظمه فيعدّ من الكلام جوهر عقد منظوم ومشهود برد مرقوم (1) ، انتهى .
فمن كلامه عليه السلام :حوائج الناس إليكم من نِعم اللّه [عزّ وجلّ] عليكم فلا تملّوا النِعم فتعود نقماً (2) .
وقال عليه السلام :صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك ، فأكرم وجهك عن ردّه (3) .
وقال عليه السلام في خطبة :أيّها الناس ، نافسوا في المكارم ، وسارعوا في المغانم ، ولا تحتسبوا (4) بمعروف ولم تجعلوه ، واكتسبوا الحمد بالنجح ولا تكسبوه بالمبطل ، فمهما يكن لأحدٍ عند أحدٍ صنعة ورأى أنه لا يقوم بشكرها فاللّه تعالى له بمكافاته بمكان وذلك أجزل عطاء وأعظم أجرا. واعلموا أنّ المعروف يكسب حمدا ويعقب أجرا ، فلو رأيتم المعروف رجلاً رأيتموه حسنا جميلاً يسرّ الناظرين ، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه منظرا قبيحا تنفر منه القلوب وتغضّ منه الأبصار . أيّها الناس ، من
.
ص: 771
جاد ساد ، ومن بخل ذلّ (1) ، فإنّ أجود الناس من أعطى من لا يرجوه ، وأعف الناس من عفا عن قدرة ، وإنّ أوصل الناس مَن وصل مَن قطعه ، ومَن أراد بالصنيعة إلى أخيه وجه اللّه تعالى كافاه اللّه تعالى بها في وقت حاجته وصرفت عنه من البلاء بأكثر من ذلك ، ومَن نفّس عن أخيه كربةً من كُرب الدنيا نفّس اللّه عنه كربةً من كُرب الآخره ، ومَن أحسن أحسن اللّه إليه واللّه يحبّ المحسنين (2) .
ومن كلامه عليه السلام :الحلم زينة ، والوفاء مروّة ، والصلة نعمة ، والاستكثار صلف ، والعجلة سفَه ، والسفَه ضعف ، والغلوّ (3) ورطة ، ومجالسة الدناءة شرّ ومجالسة أهل الفسوق (4) ريبة (5) .
وقيل :كان بينه وبين أخيه الحسن عليه السلام كلام فقيل له : اذهب إلى أخيك الحسن فاسترضه وطيّب خاطره فإنّه أكبر منك ، فقال : سمعت جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقول : «أيّما اثنين جرى بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الآخر كان السابق سابقه إلى الجنّة» وأكره ان اسبق أخي الأكبر إلى الجنّة . فبلع الحسن قوله عليه السلام فأتاه وترضّاه (6) .
فهذه الألفاظ تجاري الهوى رقّةً ومتانةً ، وتنبئك بأنّ لهم عند اللّه أكبر منزلةً وعلوّ مكانةً ، توارثوا البيان كابرا عن كابر وتسنّموا تلك الفضائل كتسنّمهم متون المنابر ، وتساووا في مضمار المعارف فالآخر يأخذ عن الأوّل والأوّل يملي على الآخر . شرف تتابع كابر عن كابركالرمح اُنبوبا على اُنبوب (7)
.
ص: 772
وأمّا نظمه عليه السلام فمن ذلك ما نقله عنه ابن أعثم صاحب كتاب الفتوح وهو أنه عليه السلام لمّا أحاطت به جموع بن زياد لعنه اللّه وقَتلوا مَن قَتلوا من أصحابه ومنعوهم الماء كان له ولد صغير فجاءه سهم فقتله فرمله الحسين عليه السلام وحفر له بسيفه وصلّى عليه ودفنه ، وقال شعرا : كفر (1) القوم وقدما رغبواعن ثواب اللّه ربّ الثقلين قتلوا (2) قدما عليّا وابنهحسن الخير كريم الأبوين (3) حسدا منهم وقالوا أجمعوا (4) نقتل الآن جميعا للحسين خيرة اللّه من الخلق أبيثمّ اُمّي (5) فأنا ابن الخيرتين فضّة قد خلصت (6) من ذهبفأنا الفضّة وابن الذهبين مَن له جدّ كجدّي في الورىأو كشيخي فأنا (7) ابن القمرين فاطم الزهراء اُمّي وأبيقاصم الكفر ببدر وحُنين وله في يوم اُحدٍ وقعةٌشفت الغلّ بفضّ العسكرين ثمّ بالأحزاب والفتح معاكان فيها حتف أهل الوثنين (8)
.
ص: 773
ومن ذلك ما حكي أنّ الفرزدق 1 لقيه عليه السلام وهو متوجّه إلى الكوفة فقال له : يا ابن [بنت] رسول اللّه ، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمّك مسلم بن عقيل [وشيعته؟! فاستعبر الحسين بالبكاء ، ثمّ قال :] فترحّم على مسلم بن عقيل [رحم اللّه مسلما] وقال : أما أنه (1) صار إلى رحمة اللّه [وريحانه وجنّته ]تعالى
.
ص: 774
ورضوانه [أمّا أنّه] قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ، وأنشد (1) يقول : فإن (2) تكن الدنيا تُعَدُّ نفيسةفإنّ (3) ثواب اللّه أعلى وأنبلُ (4) وإن تَكن (5) الأبدان للموت اُنشئتفقتل امرءٍ في اللّه بالسيف أفضلُ وإن تكن الأرزاق قَسْما (6) مقدَّرافقلّة حرص (7) المرء في الكسب أجملُ وإن تكن الأموال للترك جمعهافما بال متروك به المرء يبخلُ (8)
ومن نظمه عليه السلام : ذهَبَ الذين احبُّهُمْوبقيتُ فيمن لا اُحبُّه فيمن أراهُ يسبُّنيظهر المغيب وَلا أسُبُّه أفلا يرى أنّ فِعلَهُمِمّا يسير (9) إليْهِ غَبُّه حسبي بِرَبِّي كافياممّا اختشى والبغْيُ حَسْبُه ولعلَّ مَنْ يُبغى عليه[فما] إلاّ كَفاهُ اللّهُ ربّه (10)
.
ص: 775
وقال عليه السلام : إذَا مَا عَضَّكَ الدهْرُفَلاَ تَجْنَح إلى الخَلقِ (1) وَلا تسألْ سِوى اللّه تَعَالى قَاسِمَ الرِّزْقِ فلو عِشتَ وَطوَّقْتَمِنَ الغَرْبِ إلى الشرقِ لَمَا صَادَفْتَ مَنْ يقدرأنْ يَسْعَدَ أوْ يَشْقِي (2)
وقال عليه السلام من قصيدةٍ طويلة هذا أوّلها : إذا استنصر المرء امرءً لايدا لهفناصره والخاذلون سواءُ انا ابنُ الّذي قد تعلمون (3) مكانهوليس على الحقِّ المبين طحاءُ (4) أليس رسولُ اللّه جَدّي ووالدِيأنا البدرُ إنْ خلا النجوم خفَاءُ ألم ينزل القرآن خلف بيوتناصباحا ومن بعد الصباح مساء يُنازعُني واللّه بيني وبينهيزيدُ وليس الأمر حيثُ يشاءُ فيا نُصحاء اللّه أنتم ولاتهوأنتم على أديانه اُمناءُ بأيّ كتابٍ أم بأيَّة سُنَّةٍتناولها عن أهلِهَا البُعدَاءُ (5)
وقال أبو مخنف : كان [مولانا] الحسين بن عليّ تعلوه (6) الكراهة لمّا كان عليه
.
ص: 776
من أمر أخيه الحسن عليه السلام من صلح معاوية ويقول : لَوْ جَزَّ أنفي بِموسٍ [ل] كان أَحبَّ إليَّ ممّا فعله أخي . وقال في ذلك (1) : فما ساءني شيء كما ساءني أخيولم أرض واللّه الّذي كان صانعا ولكن إذا ما اللّه أمضى قضاءهفلابدّ يوما أن تر الأمر واقعا ولو أنني شورت فيه لمّا رأواقرينهم (2) إلاّ عن الأمر شاسعا ولم أكُ أرضى بالّذي قد رضوا بهولو جمعت كلٌّ (3) إلى المجامعا ولو حزّ (4) أنفي قبل ذلك حزّةبموسٍ لما اُلقيت للصلح طائعا (5)
فصل : في ذكر مخرجه عليه السلام إلى العراقوذلك أنّ معاوية لمّا استخلف ولده يزيد وذلك في سنة ست وخمسين (6) ثمّ مات معاوية في سنة ستين (7) ثمّ لم تكن ليزيد همّة (8) إلاّ أن كتب إلى الوليد بن
.
ص: 777
عتبة (1) بن أبي سفيان عاملهم على المدينة يخبره بموت معاوية ويأمره أن يأخذ البيعة له من (2) الحسين بن عليّ وعبد اللّه بن عمر ، وعبد اللّه بن الزبير أخذا ليست فيه رخصة 3 أوّل الناس قبل ظهور الأمر وإفشائه ويشدّد عليهم في ذلك . فلمّا قرأ الوليد الكتاب عظم عليه هلاك معاوية وما أمره يزيد من أخذه البيعة على هؤلاء الثلاثه ، فاستدعى (3) مروان بن الحكم وقرأ عليه الكتاب ، فاسترجع (4) مروان وشقّ عليه موت معاوية ، فقال له الوليد : ما الرأي؟ كيف تصنع في هؤلاء النفر الثلاثه الذين أمرني بأخذ البيعة عليهم؟ فقال له : أرى أن تدعوهم الساعة وتأخذهم بالبيعة ، فإن فعلوا قَبِلْتَ منهم وكففت عنهم ، وإن أبوا [قدمتهم ]فضربت
.
ص: 778
أعناقهم قبل أن يعلم (1) أحدٌ منهم بموت معاوية ، لأنّهم إن علموا بموت معاوية (2) وثب كلّ واحدٍ منهم بناحيته وأظهر الخلاف ودعا إلى نفسه ، ورأيي أنّ ابن عمر لا يحبّ القتال ولا يحبّ ان يولي (3) شيئا من اُمور الدنيا بالقتال إلاّ أن يدفع عليه هذا الأمر عفوا ، فأرسل إلى الحسين وإلى ابن الزبير لاغير (4) . فأرسل الوليد إلى الحسين وإلى ابن الزبير غلاما حدثا (5) من شيعته (6) يدعوهما إلى الحضور إليه ، وكانا جالسَين في المسجد ، فأتاهما في ساعةٍ متأخّرة لم يكن الوليد يجلس فيها لأحد (7) فقال : أجيبا (8) الأمير ، فقالا له : انصرف ، الآن نأته . ثمّ أخذا يتشاوران ، فقال [عبد اللّه ]ابن الزبير للحسين عليه السلام : ما تراه بعث إلينا في هذه الساعة الّتي لم يكن يجلس فيها إلاّ لأمرٍ قد حدث (9) ؟ فقال الحسين : نعم ، أظنّ أنّ طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذنا
.
ص: 779
بالبيعة (1) ليزيد قبل أن يُفشى (2) الخبر في الناس (3) ، فقال ابن الزبير : واللّه ما أظنّ غيره فما تريد أن تصنع (4) ؟ قال الحسين عليه السلام : أجمع فتياني الساعة (5) ثمّ أمشي إليه وأجلسهم قريبا من مجلسي وأنظر ما خبره (6) ، قال : فإنّي أخاف بعد دخولك عليه أن لاتنجو من شرّه (7) ، قال : لا أدخل عليه إلاّ وأنا قادر عن الامتناع منه (8) . ثمّ قام الحسين فجمع حاشيته وأهل بيته ثمّ دخل عليه وأدخلهم معه وأجلسهم بحيث يروا مكانه ويسمعوا كلامه قريبا من مجلسهم ، وقال : إن دعوتكم أو سمعتم
.
ص: 780
صوتي قد علا فائتوني بأجمعكم وإلاّ مكانكم حتّى آتيكم . ثمّ دخل عليه مجلسه فسلّم عليه وجلس ، ووجد مروان جالسا عنده فتحادثوا ساعةً ، ثمّ إنّ الوليد أخبره بموت معاوية ودعاه إلى بيعة يزيد ووعده عن يزيد بخيرٍ جزيل،فاسترجع الحسين عليه السلام لموت معاوية (1) وقال : مثلي لا يبايع ، فإذا خرجت إلى الناس ودعوتهم إلى البيعة أنا من جملتهم ويكون الأمر واحدا، ثمّ وثب الحسين قائما وولّى (2) .فقال مروان للوليد: لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرتَ (3) على مثلها ، أحبسه فإن بايع وإلاّ اضرب عنقه (4)
.
ص: 781
فوثب (1) إليه الحسين وقال : [ويلي عليك] ، يا ابن الزرقاء (2) أنت تضرب (3) عنقي أم هو؟ كذبت واللّه 4 . ثمّ خرج من الباب (4) قال : وكان الوليد يحبّ العافية (5) فالتفت إلى مروان وقال
.
ص: 782
له : ويح [وَبِّخْ ]غيرك ، واللّه ما اُحبُّ أنّ لي ما طلعتْ عليه الشمسُ وغربتْ [عنه ]من مال الدنيا وملكِها إذا قتلت حسينا [سبحان اللّه ! أقتل حسينا ]إن (1) قال لا اُبايع ، فسكت (2) مروان (3) . وأمّا ابن الزبير فقال للرسول : الآن آتيكم (4) ،
.
ص: 783
فألحّ عليه (1) الوليد في الطلب وهو يقول : امهلوني (2) . ثمّ إنّ ابن الزبير أرسل أخاه [إلى ]الوليد وهو يقول : إنّك أفزعتني وأرعبتني بمتابعة رسلك إليَّ وطلبتك لي واُريد أن تحملني إلى الليل وآتيك إن شاء اللّه تعالى ، فخلّى عنه (3) . فلمّا كان الليل هرب (4) ابن الزبير هو وأخوه جعفر (5) إلى مكّة المشرّفة ليس معهما [ثالث ]وأخذا على طريق الفرع (6) ، فأرسل الوليد بعد أن دخل الليل يطلبه فلم يجده ، فلمّا أصبح أرسل في طلبه فلم يدركه ولم يعلم إلى أيّ جهةٍ أخذ (7) .
.
ص: 784
وأمّا الحسين عليه السلام فإنّه أخذ (1) معه بنيه وإخوته وبني أخيه (2) وجميع أهله (3) وحاشيته وخرج في الليلة الثانية 4 من المدينة قاصدا مكّة المشرّفة فكفّوا عنه ولم يتعرّض أحد . وعند خروجه من المدينة قرأ قوله تعالى «فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّ__لِمِينَ» (4) . فلمّا دخل مكّة قرأ قوله تعالى «عَسَى رَبِّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَآءَ السَّبِيلِ» (5)(6) .
.
ص: 785
ثمّ إنّ الوليد بن عتبة أرسل (1) أيضا إلى ابن عمر وسأله المبايعة (2) قال : إذا بايع الناس بايعت ، فتركوه وكانوا لا يتخوّفونه (3) . قال : ولمّا خرج الحسين من المدينة إلى مكّة لقيه عبد اللّه بن مطيع (4) فقال له : جعلت فداك أين تريد؟ قال : أمّا الآن (5) فمكة ، وأمّا بعد [ها فإنّي] أستخير اللّه تعالى ، فقال : خار اللّه لك وجعلنا فداك ، فإذا [أنت ]أتيت مكّة فإياك أن تقرب الكوفة فإنّها بلدة مشؤومة ، بها قُتل أبوك وخُذل أخوك [واغتيل بطعنة كانت تأتي على نفسه] والزم الحرم فإنك سيّد العرب ولا يعدل (6) بك [واللّه ]أهل الحجاز أحدا ويتداعى إليك الناس من كلّ جانب ، لا تفارق الحرم فداك عمّي وخالي ، فواللّه لئن (7) هلكت لنُسترقّنّ بعدك . فأقبل الحسين حتّى دخل مكّة المشرّفة ونزل بها وأهلها يختلفون إليه ويأتونه وكذلك مَن بها من المجاورين والحاجّ والمعتمرين من سائر أهل الآفاق (8) ،
.
ص: 786
وابن الزبير أيضا قد نزل بها ولزم جانب الكعبة ، ولم يزل قائما يصلّي عندها عامّة النهار ويطوف جانبا من الليل ، ومع ذلك يأتي الحسين ويجلس إليه وقد ثقلت وطأة الحسين على ابن الزبير ، لأنّ أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين بالبلد ، ولا يتهيّأ له مايطلب منهم مع وجود الحسين (1) . ولمّا بلغ أهل الكوفة موت (2) معاوية وامتناع (3) الحسين وابن عمر وابن الزبير من البيعة وأنّ الحسين سار إلى مكّة اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد (4) بالكوفة وتذاكروا أمر الحسين ومسيره إلى مكّة ، قالوا : نكتب إليه يأتينا الكوفة ، فكتبوا إليه كتبا من رؤسائهم من سليمان بن صرد ومن المسيّب بن نجبة (5) ورفاعة بن شدّاد وحبيب بن مظاهر وشبث بن ربعي ويزيد بن الحارث ويزيد بن رُوَيم (6) وعروة (7) بن قيس وعمرو بن الحجّاج الزبيدي ومحمّد بن عمر التميمي (8)
.
ص: 787
وغيرهم من أعيان الشيعة ورؤساء أهل الكوفة قريبا من نحو مائة 1 كتاب ، وسيّروا الكتب (1) مع عبد اللّه بن سبع الهمداني وعبد اللّه بن والي (2) وهم يحثّونه فيها على القدوم عليهم والمسير إليهم على كلّ حال ، وكتاب واحد عامّ على لسان الجميع كتبوه وأرسلوه مع القاصدين وصورته : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، للحسين بن عليّ أمير المؤمنين من شيعتة وشيعة أبيه عليّ عليه السلام أمّا بعد ، فإنّ الناس ينتظرونك (3) لا رأي لهم في غيرك ، فالعجل العجل
.
ص: 788
يا ابن رسول اللّه لعلّ اللّه تعالى أن يجمعنا بك على الحقّ ويؤيّد بك المسلمين والإسلام بعد أجزل السلام وأتمّه عليك ورحمة اللّه وبركاته 1 .
.
ص: 789
فكتب جوابهم 1 صَحِبة (1) القاصدين وسيّر معهم ابن عمّه مسلم بن عقيل (2) [فلمّا وصلوا إليهم اجتمع الشيعة على مسلم بن عقيل] وأخذ عليهم البيعة للحسين بن عليّ عليه السلام ، فكتب والي الكوفة وهو يومئذٍ النعمان بن بشير (3) إلى يزيد بن معاوية يخبره بذلك (4) ، فجهّز يزيد عند ذلك إلى الكوفة عبيداللّه بن
.
ص: 790
زياد (1) ، فلما قرب من الكوفة تنكّر (2) ودخلها ليلاً (3) وأوهم أنه الحسين ودخلها من جهة البادية (4) في زيّ أهل الحجاز ، وصار كلّما اجتاز بجماعة يسلّم عليهم فيقومون له ويقولون مرحبا (5) بابن رسول اللّه (6) _ ظنّا منهم أنه الحسين _ (7) فلمّا رأى عبيداللّه
.
ص: 791
تباشرهم بالحسين ساءه (1) ذلك وتكشّفت له أحوالهم . ثمّ إنّه قصد قصر الإمارة وجاء يريد الدخول إليه فوجد النعمان بن بشير قد أغلقه وتحصّن فيه هو وأصحابه وذلك أنّ النعمان بن بشير هو وأصحابه ظنّوا (2) انّ ابن زياد هو الحسين عليه السلام فصاح بهم (3) عبيداللّه بن زياد : افتحوا (4) لا بارك اللّه فيكم ولا كثّر في أمثالكم ، فعرفوا صوته لعنه اللّه وقالوا : ابن مرجانة؟! فنزلوا وفتحوا له ودخل القصر وبات به (5) فلمّا أصبح جمع النّاس فصال وجال وقال فطال (6) وأرعد وأبرق ، وأمسك جماعة من أهل الكوفة فقتلهم في
.
ص: 792
الساعة 1 ثمّ إنّه تحيّل عليهم حتّى ظفر بمسلم بن عقيل فمسكه وقتله . 2
.
ص: 793
وكان (1) الحسين بن عليّ عليه السلام بعد أن سيّر ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفه لم يقم بعده إلاّ قليلاً (2) حتّى تجهّز للمسير في أثره بجميع أهله وولده وخاصّته وحاشيته (3) فأتاه عمر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي (4) فقال : إنّي
.
ص: 794
جئتك (1) لحاجة اُريد ذكرها (2) نصيحةً لك ، فإن كنت ترى أنك تستنصحني (3) قلتها لك وأدّيت ما يجب عليَّ من الحقّ فيها ، وإن ظننت أني غير ناصح لك كففتُ عمّا اُريد أن أقوله لك . فقال : فو اللّه ما استغشّك وما أظنّك بسيّئ الرأي (4) [ولا هوى القبيح من الأمر والفعل] فقال له : قد بلغني أنك تريد العراق وأني مشفق عليك أن تأتي بلدا فيها عمّال يزيد واُمراؤه ومعهم بيوت الأموال وإنّما الناس عبيد الدراهم والدنانير فلا آمن عليك أن يقاتلك (5) من وعدك نصره ومَن أنت أحبّ إليه ممّن يقاتلك وذلك عند البذل وطمع الدنيا 6 .
فقال له الحسين عليه السلام :جزاك اللّه خيرامن ناصح ، لقد مشيت (6) يا ابن عبدالرحمن
.
ص: 795
بنصح وتكلّمت بعقل ولم تنطق عن هوى ، ولكن مهما يقضي من أمرٍ يكن اخذت (1) برأيك أم تركت (2) مع أنك عندي أحمد مُشيرٍ وأنصح (3) ناصح (4) .
ثمّ جاءه بعد ذلك عبد اللّه بن عبّاس (5) رضى الله عنهومعه جماعة من أهل ذوي الحنكة والتجربة والمعرفة بالاُمور فقال : [إنّه قد شاع الخبر في] أنّ الناس قد أرجفوا بأنك سائر إلى العراق [فبيّن لي ما أنت صانع] فهل عزمت على شيءٍ من ذلك؟ فقال الحسين : نعم إنّي قد أجمعت (6) على المسير في [ايّامي هذه إن شاء اللّه ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم] أحد يومي هذين ، اُريد اللحاق بابن عمّي مسلم بن عقيل إن شاء اللّه تعالى ، فقال ابن عبّاس والجماعة الذين معه : نعيذك (7) باللّه من ذلك ، أخبرنا أتسير إلى قومٍ قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفَوا عدوّهم؟ فإن كانوا قد فعلوا فسِر إليهم ، وإن كانوا إنّما دعوك [إليهم] وأميرُهم قائمٌ عليهم قاهرٌ لهم وعمّالهم تجبي (8) بلادهم وتأخذ خراجهم فإنّما (9) دعوك إلى الحرب [والقتال ]ولا آمن عليك من أن يغروك ويكذبوك ويخذلوك ويتبعوك ثمّ يستفزّوا إليك فيكونوا أشدّ الناس عليك (10) . فقال الحسين عليه السلام إنّي أستخير اللّه تعالى ثمّ (11)
.
ص: 796
أنظر ماذا يكون (1) . فخرج ابن عبّاس والجماعة الذين معه ، فبعد أن خرجوا عنه جاء (2) ابن الزبير فجلس عنده ساعةً يتحدّث ثمّ قال : [ما أدري ما تركُنا هؤلاء القوم وكفُّنا عنهم و نحن أبناء المهاجرين وولاة هذا الأمر دونهم ]أخبرني ما تريد أن تصنع؟ بلغني أنك سائر إلى العراق ، فقال الحسين : نعم ، نفسي تحدّثني (3) بإتيان الكوفة ، وذلك أنّ جماعة من شيعتنا وأشراف الناس كتبوا إليَ كتبا يحثّونني على المسير إليهم ويعدونني النصرة والقيام معي بأنفسهم وأموالهم ووعدتهم بالوصول إليهم ، وأنا أستخير اللّه تعالى (4) . فقال له ابن الزبير : أمّا أنه لو كان لي بها شيعة مثل شيعتك ما عدلتُ عنهم (5) ، ثمّ إنّه خشي أن يتّهمه فقال : وإن رأيت أنك تقيم هنا بالحجاز وتريد هذا الأمر قمنا معك وساعدناك وبايعناك ونصحنا لك (6) . فقال له الحسين عليه السلام : إنّ أبي حدّثني أنّ لها
.
ص: 797
كبشا به تستحلّ حرمتها ، فما اُحبّ أن أكون [أنا] ذلك الكبش (1) ، واللّه لئن قُتلتُ خارجا من مكّة بشبرٍ أحبّ إليَّ من أن اُقتل بداخلها ، ولئن اُقتل خارجها بشبرين أحبّ إليَّ من اُقتل بداخلها بشبرٍ واحد 2 . فقام ابن الزبير وخرج من عنده فقال الحسين عليه السلام لجماعة كانوا عنده من خواصّه : إنّ هذا الرجل _ يعنى ابن الزبير _ ليس في الدنيا شيء أحبّ إليه من أن أخرج من الحجاز،وقد علم أنّ الناس لا يعدلون بي مادمتُ فيه فيودّ أني خرجت منه لتخلو له (2) .
.
ص: 798
فلمّا كان من الغد (1) فإذا بعبد اللّه بن عبّاس رضى الله عنهوقد جاء إلى الحسين عليه السلام ثانيا فقال : يا ابن عمّ إنّي اتصبّر ولا أصبر ، إنّي أتخوّف عليك من هذا الوجه الهلاك والاستئصال ، إنّ أهل العراق قوم غدر (2) فلا تأمنهم (3) وأقم بهذا البيت (4) الشريف فإنّك سيّد أهل الحجاز ، وإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب (5) إليهم فلينفوا عاملهم ويخرجوه عنهم ثمّ أقدم عليهم ، وإن رأيت فسر إلى اليمن فإنّ فيها حصونا وشعابا وهي أرض طويلة عريضة ولأبيك بها شيعة كثيرة وأنت عن الناس في عزلة (6) فتكتب إلى الناس ويكتبون إليك وتبثّ (7) دعاتك فإنّي أرجو أن يأتيك عند ذلك الفرج الّذي تحبّ في عافية» (8) فقال الحسين عليه السلام : يا ابن العمّ اعلم أنك ]واللّه [ناصح مشفق ولكنّي قد أزمعتُ وأجمعتُ (9)
.
ص: 799
على المسير إلى هذا الوجه (1) . فقال له ابن عبّاس : فإن كنت سائرا ولابدّ فلاتسر بنسائك وصبيتك 2 ، قال : لا أتركهم خلفي (2) ، فقال له ابن عبّاس : واللّه الّذي لا إله إلاّ هو لو أعلم أني إذا أخذت بناصيتك وأخذت بناصيتي حتّى يجتمع عليَّ وعليك الناس أطعتني وأقمت لفعلت (3) . ثمّ خرج عنه ابن عبّاس وهو يقول : واللّه لقد أقررت (4) عين ابن الزبير بمخرجك (5) من الحجاز (6) . وعند خروج ابن عبّاس من عند الحسين صدفه ابن الزبير فقال : ما وراءك يا عمّ؟ قال
.
ص: 800
مايقرّ عينك ، هذا الحسين عليه السلام يخرج إلى العراق ويخلّيك والحجاز ثمّ ولّى عنه وهو ينشد (1) : يالك من قبرة بمعمري خلا لكِ الجوّ فبيضي واصفري ونقّري إن شئتِ أن تنقّري هذا الحسين خارجٌ فاستبشري 2 ثمّ إنّه وردت على الحسين عليه السلام كتب من أهل المدينه من عند عبد اللّه بن جعفر (2) على يدي ابنيه عون (3) ومحمّد (4) ومن سعيد بن العاص (5) ومعه جماعة من أعيان المدينة وكلٌّ منهم يشير
.
ص: 801
عليه أن لا يتوجّه نحو العراق ولا يأتيه ولا يقربه فليس له فيه مصلحة وأن يقيم بمكّة 1 . هذا كلّه والقضاء غالبٌ على أمره ، فلم يكترث بما قيل له ، ولم يلتفت إلى ما كُتب إليه «لِّيَقْضِىَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً» . (1) فخرج من مكّة يوم الثلاثاء وهو يوم
.
ص: 802
التروية الثامن من ذي الحجّة الحرام سنة ستين ومعه اثنان وثمانون رجلاً من أهل بيته وشيعته ومواليه (1) ، ولم يزل سائرا حتّى كان الصفاح (2) فلقيه الفرزدق الشاعر رحمه اللهفنزل فسلّم على الحسين عليه السلام وقال له : أعطاك اللّه سؤلك وبلغك مأمولك (3) في جميع ماتحبّ ، فقال له الحسين عليه السلام : من أين أقبلت يا أبا فراس؟ فقال : من الكوفة ، فقال له : بَيّن خبر (4) الناس قال : أجل على الخبير سقطت (5) يا ابن رسول اللّه ، قلوبُ الناس معك وسيوفهم مع بني اُمية (6) والقضاء ينزل من السماء واللّه يفعل مايشاء وربّنا كلّ يوم هو في شأن ، فقال : صدقت ، الأمر للّه (7) واللّه يفعل مايشاء وهو سبحانه كلّ يوم [ربّنا ]في شأن إن ينزل القضاء بما نحبّ فنحمد اللّه على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد مَن كان الحقُّ نيّته والتقوى سريرته (8) .
.
ص: 803
ثمّ (1) فارقه الحسين عليه السلام وسار حتّى انتهى إلى ماءٍ قريب من الحجاز فإذا هو بعبد اللّه بن مطيع (2) نازل على الماء فتلاقيا هو وإيّاه فتسالما واعتنقا ، وقال له : ماجاء بك (3) يابن رسول اللّه ؟ قال : قاصدا الكوفة ، فقال له : ألم أتقدّم إليك بالقول؟! ألم أنهك عن المسير إلى هذا الوجه يا ابن رسول اللّه ؟! اُذكّرك اللّه تعالى في حرمة الإسلام أن تُنتهك ، أنشدك اللّه تعالى في حرمة قريش (4) وذمّة العرب ، واللّه لئن طلبت ما في أيدي بني اُمية ليقتلنّك (5) ، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا ، واللّه إنها لحرمة الإسلام [تُنتهك] وحرمة قريش وحرمة العرب ، فاللّه اللّه لا تفعل ولا تأتِ الكوفة ولا تُعرِّض نفسك لبني اُمية ، فأبى أن يمضي إلاّ في جهته (6) . ثمّ ارتحل من هذا الماء وسار إلى أن أتى الثعلبية (7) فلمّا نزل بها أتاه خبر قتل
.
ص: 804
ابن عمّه مسلم بن عقيل بالكوفة ، فقال له بعض أصحابة ننشدك اللّه تعالى إلاّ رجعت من مكانك فإنّه ليس لك بالكوفة من ناصر وإنّا نتخوّف أن يكونوا عليك لا لك (1) . فوثب بنو عقيل وقالوا : واللّه لا (2) نرجع حتّى ندرك (3) ثأرنا ونذوق (4) ما ذاق مسلم (5) . ثمّ قال لهم الحسين عليه السلام : لا خير لي بالحياة بعدكم (6) .
.
ص: 805
ثمّ ارتحلوا حتّى أتوا زبالة (1) ، وكان الحسين عليه السلام لا يمرّ بأهل ماء (2) من مياه العرب ولا يجيء من أحيائها إلاّ تبعه أهله وصحبوه (3) ، فلمّا صار بزبالة أتاه خبر قتل أخيه من الرضاع عبد اللّه بن يقطر،وكان أرسله (4) من الطريق إلى مسلم بن عقيل يتقدّم إليه ويأتيه [ _ وهو لا يدري أنه قد اُصيب _ ]بخبره من الكوفة فأخذته (5) خيل ابن زياد من القادسية وأخذوا كُتبه وقتلوه (6) ، فلمّا بلغ الحسين عليه السلام ذلك قال: قد خَذَلَتنا شيعَتُنا (7) ،
.
ص: 806
ثمّ قال : أيّها الناس من أحبّ [منكم الإنصراف] أن ينصرف وليس عليه منّا ذمام ولا ملام ، فتفرّق الناس (1) عنه وأخذوا يمينا وشمالاً حتّى بقي في أصحابه لا غير الذين خرج بهم من مكّة (2) وإنّما فعل ذلك لأنه علم من الأعراب أنّهم ظنّوا أنه يأتي بلدا قد استقامت له وأطاعته أهلها فتسلّمها عفوا صفوا من غير حربٍ ولا قتال ، فأراد أن يعرّفهم على ما يقدِمون عليه (3) .
.
ص: 807
ثمّ إنّه سار حتّى نزل بطن العقبة (1) فأتاه رجل (2) من مشايخ العرب: فقال: اُنشدك اللّه تعالى إلاّ ما انصرفت ، ما تقدِم إلاّ على الأسنّة وحدِّ السيوف ، وإنّ هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطأوا لك الأشياء (3) فقدمتَ على (4) غير حرب كان ذلك رأيا ، وأمّا فعلى هذه الحال الّتي تذكرها (5) فلا أرى لك ذلك أن تفعل (6) فقال له : يا عبد اللّه إنّه لا (7) يخفى عليَّ الرأي ما رأيت (8) ولكنّي صابرٌ ومحتسبٌ إلى أن يقضيَ اللّه أمرا كان مفعولاً . ثمّ ارتحل رضى الله عنهسائرا نحو الكوفة واللّه المستعان .
.
ص: 808
. .
ص: 809
فصل : في ذكر مصرعه ومدّة عمره وإمامته عليه السلامقال الشيخ كمال الدين بن طلحة : مصرع الحسين عليه السلام يسكب المدامع من الأجفان ، ويجلب الفجائع ويثير الأحزان ، ويلهب النيران الموجدة في أكباد ذوي الإيمان ، كيف لا وهم رجال الذرّية النبوية بنجيعها مخضوبة ، وأبدانها على التراب مسلوبة ، ومخدّرات حرائرها سبايا منهوبة (1) . وذلك أنّ الحسين عليه السلام سار حتّى صار على مرحلتين من الكوفة فوافاه إنسان يقال له الحرّ بن يزيد الرياحي (2) ومعه ألف فارس 3 من أصحاب [عبيداللّه ]ابن زياد
.
ص: 810
شاكين في السلاح (1) ، فقال للحسين عليه السلام : إنّ الأمير عبيداللّه بن زياد أخرجني عينا عليك وقال لي : إن ظفرت به لا تفارقه أو تجيء (2) به ، وأنا واللّه كاره أن يبتليني اللّه بشيءٍ من أمرك غير أني قد أخذت بيعة القوم 3 ، فقال له الحسين عليه السلام : إنّي لم
.
ص: 811
أقدم هذا (1) البلد حتّى أتتني كُتب (2) أهله وَقَدِمَت عليَّ رسلهم (3) فطلبوني ، وأنتم من أهل الكوفة ، فإن دمتم على بيعتكم وقولكم في كُتبكم دخلتُ مصركم وإلاّ
.
ص: 812
انصرفت من حيث أتيت 1 ، فقال له الحرّ : ]أنا [واللّه لم أعلم بشيءٍ من هذه الكُتب
.
ص: 813
ولابالرسل (1) ، وأنا فما يمكنني (2) الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا ، وأمّا أنت فخذ طريقا غير هذا و امضِ (3) إلى حيث شئت حتّى أكتب (4) إلى ابن زياد أنّ الحسين خالفني الطريق فلم أظفر به (5) ، واُنشدك اللّه في نفسك ومَن معك (6) . وسلك (7) الحسين عليه السلام طريقا آخر غير الجادّة راجعا إلى الحجاز 8 وسار هو
.
ص: 814
وأصحابه طول ليلتهم ، فلمّا أصبحوا فإذا بالحرّ بن يزيد قد طلع عليهم في جيشه فقال له الحسين عليه السلام : ما جاء بك يا ابن يزيد؟ قال : وافاني كتاب ابن زياد يؤنّبني ويضعّفني في أمرك تأنيبا كبيرا ومعي من هو عليَّ عين من جهته وقد سعى بي إليه
.
ص: 815
ولا سبيل إلى مفارقتك 1 . فرحل الحسين عليه السلام وأهله ونزلوا بكربلاء وذلك يوم الأربعاء (1) الثاني 3 من المحرّم سنة إحدى وستين (2) فقال عليه السلام : هذه كربلاء موضع كرب وبلا ، هاهنا (3) مناخ ركابنا
.
ص: 816
ومحطّ رحالنا ومقتل رجالنا (1)2 . وكتب الحرّ إلى ابن زياد يعلمه بنزول الحسين عليه السلام بأرض كربلاء: فانظر ماترى في أمره (2) . فكتب عبيداللّه بن زياد كتابا إلى الحسين عليه السلام يقول فيه : أمّا بعد ، فإنّ يزيد بن معاويه كتب إليَّ كتابا أن لا تغمض جفنك من المنام
.
ص: 817
ولاتشبع بطنك من الطعام أو يرجع الحسين على حكمي أو تقتله ، والسلام 1 . فلمّا ورد الكتاب على الحسين عليه السلام وقرأه ألقاه من يده وقال للرسول : ماله عندي جواب (1) . فلمّا رجع الرسول إلى ابن زياد وأخبره بذلك اشتدّ غيظه (2) وجمع الجموع وجنّد الجنود (3) وجهّز إليه العساكر وجعل على مقدمتها عمربن سعد (4) وكان قد ولاّه
.
ص: 818
الري وأعمالها ، فاستعفى (1) من الخروج إلى قتال الحسين عليه السلام وقد تقدّمته العساكر ، فقال له ابن زياد : إمّا أن تخرج إليه أو اخرج عن عملنا من الري (2) . فخرج عمر إلى الحسين عليه السلام وصار ابن زياد يمدّه بالجيوش شيئا بعد شيء إلى أن اجتمع عند عمر بن سعد عشرون ألف 3 مقاتل ما بين فارس وراجل ، وأوّل من خرج مع عمر بن سعد
.
ص: 819
الشمر بن ذي الجوشن (1) في أربعة الآف فارس (2) ، ثمّ زحفت خيل ابن سعد حتّى نزلت بشاطئ الفرات وحالوا بين الحسين عليه السلام وأصحابه وبين الماء ، فعند ذلك ضاق الأمر على الحسين عليه السلام وعلى أصحابه واشتدّ بهم العطش (3) . وكان مع الحسين عليه السلام شخص من أهل الزهد والورع يقال له يزيد (4) بن الحصين
.
ص: 820
الهمداني 1 فقال للحسين عليه السلام : ائذن لي يابن رسول اللّه في أن آتي مقدم هؤلاء عمربن سعد فاُكلّمه في الماء لعلّه أن ، يرتدع فأذن له وقال : ذلك إليك إذا شئت . فجاء الهمداني إلى عمر بن سعد فكلّمه في الماء فامتنع منه فلم يجبه إلى ذلك فقال له : هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والدوابّ (1) وغير ذلك وتمنعه الحسين عليه السلام ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوإخوته ونساءه وأهل بيته والعترة الطاهرة يموتون عطشا وقد حلت بينهم وبين الماء وأنت تزعم أنك تعرف اللّه ورسوله (2) . فأطرق عمر بن سعد ثمّ قال : يا أخا همدان إنّي لأعلم حقيقة ماتقول ، وأنشد يقول (3) : دعاني عبيداللّه من دون قومه إلى خصلة فيها خرجت لحيني فواللّه ما أدري وأني لواقفٌ على خطر لا أرتضيه ومين أآخذ (4) ملك الريّ والريّ منيتي (5) وأرجع (6) مطلوبا (7) بدم (8) حسين وفي قتله النار الّتي ليس دونها حجابٌ وملك الريّ قرّة عيني ثمّ قال يا أخا همدان ماتجيبني نفسي إلى ترك الريّ لغيري فرجع يزيد بن الحصين الهمداني إلى الحسين عليه السلام وأخبره بمقالة ابن سعد ، فلمّا عرف الحسين ذلك منهم تيقّن أنّ القوم مقاتلوه ، فأمر أصحابه فاحتفروا حفيرة شبيهة بالخندق 10
.
ص: 821
وجعلوا له جهة واحدة يكون القتال منها ، وأحدق (1) عسكر ابن سعد بالحسين عليه السلام وأصحابه وصفّوا لهم وأرشقوهم بالسهام والنبال واشتدّ عليهم القتال ولم يزالوا (2) يقتلوا من أهل الحسين عليه السلام واحدا بعد واحد حتّى أتوا على ما ينيف على (3) خمسين 4 منهم ، فعند ذلك صاح الحسين عليه السلام : أما من ذابٍّ يذبُّ عن حريم
.
ص: 822
رسول اللّه صلى الله عليه و آله (1) ؟ وإذا بالحرّ بن يزيد الرياحي الّذي تقدّم ذكره الّذي كان خرج إلى
.
ص: 823
الحسين أوّلاً من جهة ابن زياد قد خرج من عسكر عمر بن سعد راكبا على فرسه وقال : يابن رسول اللّه أنا كنت أوّل من خرج عليك عينا ولم أظنّ أنّ الأمر يصل إلى هذه الحال ، وأنا الآن من حزبك وأنصارك اُقاتل بين يديك حتّى اُقتل أرجو بذلك شفاعة جدّك ، ثمّ قاتل بين يديه حتّى قُتل 1 . فلمّا فنى جميع أصحاب الحسين عليه السلام وقُتلوا جميعهم عن آخرهم إخوته وبنو
.
ص: 824
عمّه وبقي وحده بمفرده حمل عليهم حملةً منكرة قتل فيها كثيرا من الرجال والأبطال ورجع سالما إلى موقعه (1) عند الحريم . ثمّ حمل عليهم حملةً اُخرى وأراد الكرّ راجعا إلى موقعه فحال الشمر بن ذي الجوشن لعنه اللّه بينه وبين الحريم (2) والمرجع إليهم في جماعة من أبطالهم وشجعانهم وأحدقوا به ، ثمّ جماعة منهم تبادروا إلى الحريم والأطفال يريدون سلبهم فصاح الحسين عليه السلام : ويحكم يا شيعة الشيطان كفّوا سفهاءكم عن التعرّض للنساء والأطفال فإنّهم لم يقاتلوا ، فقال الشمر لعنه اللّه : كفّوا عنهم واقصدوا الرجل بنفسه (3) . فلم يزل يقتتل هو وهم إلى أن أكثروه وأثخنوه جروحا فسقط إلى الأرض من على فرسه فنزلوا وجزّوا رأسه ، وقيل الّذي قتله سنان بن أنس النخعي لعنه اللّه تعالى ، وقيل الشمربن ذي الجوشن 4 .
.
ص: 825
وأرسل عمربن سعد خذله اللّه بالرأس إلى ابن زياد مع سنان بن أنس النخعي (1) قاتل الحسين عليه السلام فلمّا وضع الرأس بين يدي عبيداللّه بن زياد أنشد يقول 2 : إملأ ركابي فضةً وذهبا إنّي قتلتُ السيّد المحجّبا قتلتُ خير الناس اُمّا وأبا وخيرهم إذ يذكرون النسبا
.
ص: 826
فغضب عبيداللّه بن زياد لعنه اللّه من قوله وقال له : فإذا علمت ذلك (1) فلِم قتلته؟ واللّه لانلت منّي خيرا ولألحقنّك به ثمّ قدمه وضرب عنقه (2) . ثمّ إنّ القوم ساقوا الحريم والأطفال كما تُساق الاُسارى حتّى أتوا (3) الكوفة فخرج الناس فجعلوا ينظرون إليهم يبكون وكان عليّ بن الحسين زين العابدين رضى الله عنهمعهم ]مغلول مكبّل بالحديد] قد أنهك جسمه المرض فجعل يقول : ألا إنّ هؤلاء يبكون ويتوجّعون من أجلنا فمن قتلنا إذا؟ 4 . فلما (4) دخلوا على عبيداللّه بن زياد أرسل بهم ابن زياد وبرأس الحسين عليه السلام صحبتهم
.
ص: 827
إلى الشام إلى يزيد بن معاوية مع شخص يقال له زجر بن القيس 1 ومعه جماعة هو مقدمهم، وأرسل بالنساء والصبيان على قتاب المطايا ومعهم عليّ بن الحسين عليه السلام وقد جعل ابن زياد الغلّ في يديه وفي عنقه (1) ولم يزالوا سائرين بهم على تلك الحاله إلى أن وصلوا الشام فتقدّم زجر بن قيس فدخل على يزيد فقال له: هات ماوراك (2) ، فقال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح اللّه [عليك ]ونصره فإنّه وَردَ علينا الحسين في ثمانية عشر (3) من أهل بيته وستين من شيعته فسرنا إليهم وسألناهم أن
.
ص: 828
يستسلموا (1) على حكم الأمير عبيداللّه بن زياد أو القتال ، فاختاروا القتال [على الاستسلام ]فعَدوْنا عليهم مع شروق الشمس فأحطْنابهم من كلّ ناحية حتّى أخذت السيوف مأخذها من هام القوم وجعلوا يهربون إلى غير وَزَر ويلوذون بالآكام والحفر لواذا كما يلوذ الحمام (2) من عقاب أوصقر ، فواللّه ما كان إلاّ جَزْرَ جزورٍ أو نومةَ قائل حتّى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم [أجسامهم بالعراء ]مجرّدة وثيابهم بالدماء مرمّلة (3) وخدودهم في التراب (4) معفّرة ، تصهرهم الشمس وتسفى عليهم الريح وزوّارهم (5) العقبان ، والرخم بقي في سَبْسَبٍ من الأرض 6 .
.
ص: 829
قال : فدمعت عينا يزيد وقال : قد كنتُ أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين 1 ،
.
ص: 830
لعن (1) اللّه ابن سمية (2) أنا واللّه لو كنت [أني ]صاحبه لما سألني خصلة إلاّ أعطيته إيّاها لعفوت عنه [ف ]رحم اللّه الحسين (3) . وأخرجه من عنده ولم يصله بشيء . ثمّ إنهم دخلوا بالرأس ووضعوه بين يدي يزيد وكان بيده قضيب فجعل ينكت في ثغره (4) ثمّ قال : ما أنا وهذا إلاّ كما قال الحصين : أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت قواضب في ايماننا تقطر الدما يُفلّقن هاما من رجالٍ أعزّةٍ علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما (5)
.
ص: 831
فقال له أبو بردة السلمي (1) وكان حاضرا : أتنكت بقضيبك ثغر الحسين عليه السلام [أشهد] أما إنه لقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن عليه السلام ، لقد رضيت يا يزيد ان يجيء عبيداللّه بن زياد شفيعك يوم القيامة ويجيء هذا ومحمّد صلى الله عليه و آلهشفيعه (2) ، ثمّ قام من المجلس فقال يزيد : واللّه لو أنى صاحبه ما قتلته (3) ، ثمّ قال : أما تدرون من أين أتى هذا أما إنه يقول أبي عليٌ خيرٌ من أبيه واُمّي فاطمة خيرٌ من اُمّه وجدّى رسول اللّه خيرٌ من جدّه وأنا خيرٌ منه وأحقّ بالأمر منه ، فأمّا قوله أبوه خير من أبي فقد تحاجّ أبوه وأبي إلى اللّه تعالى وعلم الناس أيهما حكم له ، وأمّا قوله اُمّي خيرٌ من اُمّه فلعمري فاطمة بنت رسول اللّه خيرٌ من اُمّي ، وأمّا قوله جدّي رسول اللّه خيرٌ من جدّه فلعمري ما أحد يؤمن باللّه واليوم الآخر يرى لرسول اللّه فينا عديلاً ولاندّا ولكنه أتى و أنّى هذا من فقهه ولم يقرأ تعالى «قُلِ اللَّهُمَّ مَ__لِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ» (4) .
.
ص: 832
ثمّ إنه اُدخل نساء الحسين والرأس بين يديه فجعلت (1) فاطمة وسكينة تتطاولان (2) لتنظرا (3) إلى الرأس (4) وجعل يزيد يستره عنهما ، فلمّا رأينه صرخن وأعلنّ بالبكاء فبكت لبكائهنّ نساء يزيد وبنات معاوية فُولولن وأعلنّ (5) ، فقالت فاطمة وكانت أكبر من سكينة (رضى اللّه عنهما) : أبنات رسول اللّه سبايا يا يزيد يسرّك هذا ، فقال : واللّه ما سرّني وأني لهذا لكاره وما أنا عليكنّ أعظم ممّا أخذ منكنّ ، قال : أدخلوهنّ إلى الحريم ، فلمّا دخلن على حرمه فلم تبق امرأة من آل يزيد إلاّ أتتهنّ وأظهرن التوجّع والحزن على ما أصابهنّ وعلى ما نزل بهنّ وأضعفن لهنّ جمع ما اُخذ منهنّ من الحلي والثياب بزيادة (6) فكانت سكينة تقول : ما رأيت كافرا باللّه خيرا من يزيد 7 .
.
ص: 833
ثمّ أمر بعليّ بن الحسين عليه السلام فاُدخل عليه مغلولاً (1) فقال عليّ : يا يزيد لو رآنا رسول اللّه صلى الله عليه و آلهمغلولين لفكّه عنّا ، قال : صدقت وأمر بفكّه عنه ، فقال : ولو رآنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله على بُعد لأحبّ أن يقرّبنا ، فأمر به فقرّب منه (2) . ثمّ قال له يزيد : ايه يا عليّ بن الحسين إنّ أباك (3) الّذي قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سلطاني فنزل به ما رأيت ، فقال عليّ عليه السلام : «مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَ_بٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَتَفْرَحُواْ بِمَآ ءَاتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَيُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» (4) فقال يزيد : «وَمَآ أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» (5) فقال عليّ عليه السلام : هذا في حقّ مَن ظَلم لافي مَن ظُلم 6 .
.
ص: 834
ثمّ إنّ يزيد أمر بإنزال عليّ بن الحسين عليه السلام وإنزال حرمه في دار تخصّهم بمفردهم وأجرى عليهم كلّما يحتاجون إليه وكان لايتغدّى ولا يتعشّى حتّى يحضر عليّ بن الحسين عليه السلام ، فدعاه ذات يوم ومعه عمربن الحسين وهو صبيّ صغير فقال يزيد لعمر : تقاتل خالدا يعنى خالد بن يزيد وكان في سنّه ، فقال : اعطني سكّينا واعطه سكّينا حتّى اُقاتله ، فضمّه يزيد إليه وقال : شنشنة أعرفها من أخزم وهل تلد الحية إلاّحية 1 ثمّ إنّ يزيد بعد ذلك أمر النعمان بن بشير (1) أن يجهّزهم بما يصلحهم إلى المدينة الشريفة وسيّر معهم رجلاً أمينا من أهل الشام في خيل سيّرها في صحبتهم وودّع يزيد عليّ بن الحسين وقال له : لعن اللّه ابن مرجانة لو كنت حاضرا الحسين ما سألني خصلة أبدا إلاّ كنتُ أعطيه إيّاها ، ولدفعت عنه الحتف بكلّ ما استطعت ، ولكن قضاء اللّه غالب ، يا عليّ كاتبني بأيّ حاجة كانت لك أقضيها إن شاء اللّه
.
ص: 835
تعالى . وأوصى بهم الرسول الّذي سيّره صحبهم . وكان يسايرهم هو وخيله الّتي معه فيكون الحريم قدّام بحيث إنهم لايفوتونه [طرفة] وإذا نزلوا تنحّى عنهم [وتفرّق ]ناحية هو وأصحابه وكان حولهم كهيئة الحرس [لهم ]وكان يسألهم عن حالهم ويتلطّف بهم في جميع اُمورهم ولايشقّ عليهم في مسيرهم إلى أن دخلوا المدينة . فقالت فاطمة بنت الحسين لاُختها [زينب] : قد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لكِ أن تصليه بشيء؟ فقالت : واللّه ما معنا شيء نصله به إلاّ ما كان من هذا الحلي قالت : [فأخذت سواري ودملجي وأخذت اُختي سوارها ودملجها] فافعلي فأخرجت له سوارين ودملجين وبعثتا بهما إليه فردّهما وقال : لو كان ما صنعت رغبةً لكان في هذا مقتنع بزياده كثيرة ، ولكنّي ما فعلته إلاّ للّه تعالى ولقرابتكم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله 1 . وكان من جملة من كان معهم اُمّ سكينة بنت الحسين عليه السلام وهي الرباب بنت امرء
.
ص: 836
القيس (1) فلمّا وصلت إلى المدينة وأقامت قليلاً وخطبها الأشراف من قريش فقالت : ما كنت لآخذ حموا (2) بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آلهولازوجا بعد الحسين عليه السلام . وبقيت بعده سنة لم يظلّلها سقف إلى أن ماتت (رض) (3) . ولمّا بلغ أهل المدينة قتل الحسين عليه السلام خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب في نساء من بني هاشم خرجن معها وهي حاسرة تلوي ثوبها 4 وتقول : ماذا تقولون إن (4) قال النبيّ لكم ماذا فعلتم وأنتم آخر الاُمم بعترتي وبأهلي (5) بعد مفتقدي منهم اُسارى وقتلى ضرّجوا بدم ماكان هذا جزائي إذ (6) نصحتُ لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي وحكى الشيخ نصر اللّه بن يحيى (7) في مشارف الصاغة (8) وكان من الثقات
.
ص: 837
الحبرين (1) قال : رأيت عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقلت : يا أمير المؤمنين تقولون يوم فتح مكّة : مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ثمّ يتّم ولدك الحسين يوم كربلاء منهم مأتم! فقال لي عليه السلام : أما سمعت أبيات ابن الصيفي التميمي في هذا المعنى؟ فقلت : لا ، فقال : اذهب إليه واسمعها ، فاستيقظت من نومي مفكّرا ، ثمّ إنّي ذهبت إلى دار ابن الصيفي _ وهو الحيص بيص (2) الشاعر الملقّب بشهاب الدين _ فطرقت عليه الباب فخرج عليَّ فقصصت عليه الرؤيا فأجهش بالبكاء وحلف باللّه إن كان سمعها منّي أحد وإن أكن نظمّتها إلاّ في ليلتي هذه ، ثمّ أنشد (3) : ملكنا فكان العفو منّا سجيةً فلمّا ملكتم سال بالدم أبطح وحللتم قتل الاُسارى وطالما غدونا على الأسرى نعفو ونصفح وحسبكم هذا التفاوت بيننا وكلّ إناءٍ بالّذي فيه ينضح ومكث الناس بعد قتل الحسين عليه السلام شهرين أو ثلاثة كأنما لطخ الحائط بالدماء ساعة ما تطلع الشمس (4) .
.
ص: 838
. .
ص: 839
. .
ص: 840
ذكر من قُتل من أصحاب الحسين عليه السلام ومن أهل بيته ومواليهأمّا الحسين عليه السلام قتله سنان بن أنس النخعي (1) . وقُتل معه العبّاس بن عليّ عليه السلام 2 ،
.
ص: 841
واُمّ العبّاس اُمّ البنين بنت حازم ، قتله زيد بن ورقاء (1) الجهني . وقُتل جعفر بن عليّ عليه السلام 2 واُمّه اُمّ البنين أيضا ، رماه خولّى بن يزيد بسهم فقتله . وقُتل محمّد بن
.
ص: 842
عليّ عليه السلام 1 واُمّه اُمّ ولد قتله رجل من بني دارم . وقُتل أبوبكر بن عليّ (1) واُمّه ليلى بنت مسعود الدارمية . وقُتل عليّ بن الحسين الأكبر 3 ، واُمّه ليلى بنت مرّة بن عروة
.
ص: 843
الثقفي واُمّهما ميمونة بنت سفيان بن حرب ، قتله منقذ بن النعمان العبدي . وقُتل عبد اللّه بن الحسين بن عليّ 1 واُمّه الرباب بنت امرء القيس الكلبي ، قتله هاني بن
.
ص: 844
شبيب الحضرمي . وقُتل أبوبكر بن الحسن 1 ، واُمّه اُمّ ولد ، قتله حرملة بن الكاهل رماه بسهم . وقُتل عون بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب (1) ، واُمّه جمانة بنت المسيّب ، قتله عبد اللّه بن قطنة الطائي . وقُتل محمّد بن عبد اللّه بن جعفر (2) أخوه ،
.
ص: 845
واُمّه الخوصاء (1) بنت حفصة من تيم اللّه بن تغلبة ، قتله عامربن نهشل التميمي (2) . وقُتل جعفر بن عقيل بن أبي طالب (3) واُمّه اُمّ البنين ، قتله بشر بن خوط الهمداني . وقُتل عبد الرحمن بن عقيل ، واُمّه اُمّ ولد ، قتله عثمان بن خالد الجهني . وقُتل عبد اللّه بن عقيل (4) ، واُمّه اُمّ ولد ، رماه عمر (5) ابن صبيح الصدائي (6) بسهم فقتله . وقُتل مسلم بن عقيل (7) بالكوفة ، واُمّه اُمّ ولد . وقُتل عبد اللّه بن مسلم بن عقيل (8) ، واُمّه رقية بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قتله عمربن صبيح الصدائي (9) . وقُتل محمّد بن أبي سعيد بن عقيل (10) ، واُمّه اُمّ ولد ، قتله لقيت (11) بن
.
ص: 846
ياسر الجهني . واستصغر الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1) فتُرك ، واُمّه اُمّ ولد خولة بنت منظور بن ريان ، وقيل استصغر عمر بن الحسن (2) فتُرك ، واُمّه اُمّ ولد ، وأراد الشمر لعنه اللّه قتل عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام (3) وكانت العلّة قد أنهكته والأوجاع فقالوا له : أتقتل صغيرا معلّلاً فتركه . وقُتل من الموالي سليمان (4) مولى الحسين عليه السلام ، قتله ابن عوف الحضرمي (5) ، وقُتل عبد اللّه بن يقطر (6) بالقادسية . وقُتل عبد اللّه (7) رضيع الحسين عليه السلام .
.
ص: 847
وكانت عدّة رؤوس القتلى الّتي حُملت إلى عبيداللّه بن زياد لعنه اللّه مع صحبة رأس الحسين عليه السلام سبعين (1) رأسا ، وذلك أنّ كندة جاءت بثلاثة عشر (2) رأسا مع مقدمهم قيس بن الأشعث ، وجاءت هوازن بعشرين رأسا (3) ، وجاءت أخلاط من العسكر بستة رؤوس 4 وكان اليوم الّذي قُتل فيه الحسين عليه السلام يوم الجمعة (4) عاشر
.
ص: 848
محرّم سنة إحدى وستين من الهجرة ، ودفن بالطفّ بأرض كربلاء من العراق ومشهده رضى الله عنه بها معروف يزار من جميع الآفاق والجهات ، وهذه الوقائع شيئا منها ذكره ابن أعثم صاحب كتاب الفتوح ، وشيئا ذكره ابن الأثير ، وشيئا ذكره صاحب تاريخ البديع ، وشيئا من المعارف لابن قتيبة ، ذكرته مختصرا من كلامهم والعهدة في جميع مانقلته من ذلك عليهم . انتقل الحسين بن عليّ بالوفاة إلى دار الآخرة وعمره ست وخمسون سنة وبعض أشهر (1) كان مع جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آلهمن ذلك ست سنين وشهر (2) ومع أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آلهثلاثين سنة (3) ومع أخيه
.
ص: 849
الحسن بعد وفاة أبيه عشر سنين (1) وبعد وفاة أخيه إلى مقتله عشر سنين (2) ، رضي اللّه عنهم أجمعين .
فصل : في ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم أفضل السلامقال الشيخ كمال الدين بن طلحة : كان للحسين عليه السلام من الأولاد ذكورا وإناثا عشرة ، ستة ذكور وأربع إناث . فالذكور : عليّ الأكبر ، وعليّ الأوسط وهو زين العابدين ، وعليّ الأصغر ، ومحمّد ، وعبد اللّه ، وجعفر . فأمّا عليّ الأكبر فإنه قاتل بين يدي أبيه حتّى قُتل شهيدا بالطفّ . وأمّا عليّ الأصغر فجاءه سهم وهو طفل بكربلاء فقتله ، وقيل إنّ عبد اللّه قُتل مع أبيه شهيدا . وجعفر مات في حياة أبيه عليه السلام . وأمّا البنات : فزينب ، وسكينة ، وفاطمة ، هذا هو القول المشهور 3 . وقال صاحب الإرشاد : أولاد الحسين بن عليّ عليه السلام ستة : عليّ بن الحسين الأصغر (3) كنيته أبو محمّد ولقبه زين العابدين اُمّه شاه زنان 5 بنت كسرى أنوشروان
.
ص: 850
ملك الفرس ، وعليّ بن الحسين الأكبر (1) قُتل مع أبيه بالطفّ واُمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة (2) بن مسعود الحنفية (3) ، وجعفر بن الحسين واُمّه قضاعية مات في حياة أبيه ولانسل له ، وعبد اللّه بن الحسين قُتل مع أبيه صغيرا جاءه سهم وهو بكربلاء فذبحه (4) . وسكينة بنت الحسين اُمّها الرباب بنت امرء القيس بن عديّ كلبية ، وهي أيضا اُمّ عبد اللّه بن الحسين ، وفاطمة بنت الحسين اُمّها اُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيداللّه تيمية (5) انتهى والذكر المخلّد والثناء المنضّد مخصوص من بين بنيه بعليّ زين العابدين دون سائرهم وهو الّذي أعقب عليه السلام .
.
ص: 851
.
.
ص: 852
. .
ص: 853
الفصل الرابع : في ذكر عليّ بن الحسين عليهماالسلام زين العابدين وهو الإمام الرابع 1من الكرامات الظاهرة ما شوهد بالأعين الناظرة وثبت بالآثار المتواترة ، ولد
.
ص: 854
عليّ بن الحسين عليهماالسلام بالمدينة 1 نهار الخميس الخامس من شعبان المكرّم في
.
ص: 855
سنة ثمان وثلاثين (1) من الهجرة في أيّام جدّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام قبل وفاته بسنتين . (2) . نسبه عليه السلام : هو عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقد تقدّم بسط ذلك . كنيته عليه السلام : المشهورة أبو الحسن ، وقيل : أبو محمّد ، وقيل : أبوبكر 3 . وأمّا لقبه عليه السلام فله ألقاب كثيرة كلّها تطلق عليه أشهرها زين العابدين عليه السلام 4
.
ص: 856
وسيّد الساجدين عليه السلام (1) والزكي (2) والأمين (3) وذوالثفنات 4 . وصفته عليه السلام : اسمر قصير رقيق (4) . شاعره : الفرزدق (5) وكُثيِّر عَزَّة (6) .
.
ص: 857
بابه (1) عليه السلام : أبو جيله (2) . نقش خاتمه عليه السلام «وما توفيقي إلاّ باللّه » (3) . ومعاصره : مروان وعبد الملك والوليد ابنه (4) . أمّا مناقبه عليه السلام فكثيرة ومزاياه شهيرة : منها : أنّه كان إذا توضّأ للصلاة يصفرّ لونه ، فقيل له : ما هذا [الّذي] نراه يغشاك (5) عند الوضوء؟ فيقول : ماتدرون (6) بين يدي من اُريد أن أقوم (7) ؟ وعن أبي حمزة الثمالي (8) قال : كان عليّ بن الحسين عليهماالسلاميصلّي في اليوم والليلة
.
ص: 858
ألف ركعة 1 . وعن طاووس (1) قال : دخلتُ الحجر في الليل فإذا عليّ بن الحسين عليهماالسلامقد دخل فقام يصلّي فصلّى ما شاء اللّه (2) تعالى ثمّ سجد سجدةً فأطال فيها ، فقلتُ : رجل صالح من [أهل] بيت النبوّة (3) لأصغينّ إليه فسمعته يقول : عُبَيْدُكَ (4) بفنائك ، مِسكينُكَ بفنائك ، سائلك بفنائك ، فقيرك بفنائك . قال طاووس : فواللّه ما صلّيت ودعوت فيهنّ في كرب إلاّ فرّج عنّي (5) .
.
ص: 859
ومنها: ما نقله سفيان (1) قال : جاء رجل إلى عليّ بن الحسين عليهماالسلامفقال له : إنّ فلانا قد وقع فيك وآذاك بحضوري، فقال له: انطلق (2) بنا إليه ، فانطلق معه الرجل وهو يرى أنه يستنصر (3) لنفسه ، فلمّا أتاه قال له : يا هذا إن كان ما قلت في حقّنا فأنا أسأل اللّه تعالى أن يغفره لي، وإن كان ما قلت فيَّ باطلاً فإنّ اللّه تعالى يغفره لك ، ثمّ ولّى عنه (4) .
ومن كلامه عليه السلام :ضلّ مَن ليس له حكيمٌ يرشده ، وذلّ مَن ليس له سفيهٌ يعضده (5) .
وقال عليه السلام :أربع فيهنّ الذلّ (6) : البنت ولو مريم ، والدين ولو درهم ، والغربة ولو ليلة ، والسؤال ولو كيف الطريق (7) .
وقال عليه السلام :عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرّته كيف لايحتمي من الذنب
.
ص: 860
لمعرّته (1) .
وقال عليه السلام :إيّاك والابتهاج بالذنب فإنّ الابتهاج به أعظم من ركوبه (2) .
وقال عليه السلام :من ضحك ضحكةً مجّ من عقله مجّة علم (3) .
وقال عليه السلام :إن الجسد إذا لم يمرض (4) أشر ولاخير في جسد يأشر (5) .
وقال عليه السلام :فقد الأحبّة غربة (6) .
وقال عليه السلام :من قنع بما قسم اللّه له فهو من أغنى الناس (7) .
وعنه عليه السلام يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه و آله قال :انتظار الفرج عبادة (8) .
ومن رضي بالقليل من الرزق رضي اللّه منه القليل (9) من العمل (10) .
وكان عليه السلام يتصدّق سرّا ويقول :صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ (11) .
وقال ابن عائشة : سمعت أهل المدينة يقولون ما فقدنا صدقة السرّ حتّى مات
.
ص: 861
عليّ بن الحسين عليه السلام (1) . وقال محمّد بن إسحاق : كان اُناس من أهل المدينة يعيشون ولايدرون من أين معاشهم ومأكلهم ، فلمّا مات عليّ بن الحسين عليه السلام فقدوا ما كانوا يؤتون به ليلاً إلى منازلهم (2) . وقال سفيان : أراد عليّ [السفر إلى الحجّ وقد صنعت له في إحدى سفراته اُخته سكينة زادا نفيسا أنفقت عليه ألف] (3) درهم فلحقوه بها [إلاّ أنه (4) لمّا كان] (5) بظهر الحرّة أمر بتوزيعه على الفقراء والمساكين فوزّع عليهم (6) . وعن إبراهيم بن عليّ عن أبيه قال : حججتُ مع عليّ بن الحسين فالتأثت عليه (7) ناقته فأشار إليها بالقضيب ثمّ ردّ يده وقال : آه من القصاص ، وتلكّأت ناقته عليه مرّة اُخرى بين جبال رضوى فأناخها وأراها القضيب وقال : لتنطلقين أو لأفعلنّ ، ثمّ ركبها فانطلقت ولم تتلكّأ بعدها أبدا (8) .
.
ص: 862
وجلس إلى سعيد بن المسيّب فتىً من قريش فطلع عليّ بن الحسين عليه السلام فقال القرشي لابن المسيّب : مَن هذا يا أبا محمّد فقال هذا سيّد العابدين عليّ بن الحسين (1) . فكان الزهري يقول : لم أرَ هاشميا أفضل من عليّ بن الحسين عليهماالسلام (2) . وقال أبو حمزة الثمالي : أتيت باب عليّ بن الحسين عليهماالسلام فكرهت أن اُنادي (3) فقعدت على الباب إلى أن (4) خرج فسلّمت عليه ودعوت له فردّ عليَّ السلام ودعا لي ، ثمّ إنتهى بي إلى حائط [له] فقال : يا أبا حمزة ألاترى هذا الحائط؟ فقلت : بلى يابن رسول اللّه (5) ، قال: فإني متكئ (6) عليه يوما وأنا حزين مفكّر إذ (7) دخل عليَّ رجل حسن الوجه حسن الثياب طيّب الرائحه فنظر (8) في اتجاه وجهي ثمّ قال لي : يا
.
ص: 863
عليّ بن الحسين مالى أراك كئيبا حزينا؟! أ على الدنيا؟ فهو رزق حاضر يأكل منه (1) البرّ والفاجر ، فقلت : ما عليها أحزن وأنها كما تقول ، فقال : على الآخرة؟ فهو (2) وعدٌ صدقٌ يحكم فيه ملِكٌ قاهر ، فقلت : ما على هذا أحزن وأنها (3) كما تقول ، فقال : فعلام حزنك؟ قلت : الخوف من فتنة ابن الزبير . قال : فضحك ثمّ قال (4) : يا عليّ هل رأيت أحدا سأل اللّه تعالى فلم يعطه؟ [قلت : لا ، قال : وهل رأيت أحدا خاف اللّه فلم ينجه؟] (5) قلت : لا ، ثمّ نظرت فإذا ليس قدّامي أحد فتعجّبت من ذلك ، فإذا [ب] قائل أسمع صوته ولا أرى شخصه يقول:يا عليّبن الحسين هذا الخضر ناجاك (6) . وعن أبي عبد اللّه الزاهد قال : لمّا ولّى عبدالملك بن مروان الخلافة كتب إلى الحجّاج بن يوسف الثقفي : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من عبدالملك بن مروان أمير المؤمنين إلى الحجّاج بن يوسف . أمّا بعد ، فانظر دماء بني عبدالمطّلب فاجتنبها فإني رأيت آل أبي سفيان لمّا ولغوا (7) فيها لم يلبثوا إلاّ قليلاً ، والسلام . قال وبعث بالكتاب سرّا إلى الحجّاج وقال له : اكتم ذلك . فكوشف بذلك عليّ بن الحسين عليهماالسلامحين الكتابة إلى الحجّاج وأنّ اللّه تعالى قد شكر ذلك لعبد الملك ، فكتب عليّ بن الحسين من فوره : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، إلى عبدالملك بن مروان من عليّ بن
.
ص: 864
الحسين . أمّا بعد ، فإنك كتبت في يوم كذا من شهر كذا إلى الحجّاج سرّا في حقّنا بني عبدالمطّلب بما هو كيت و كيت وقد شكر اللّه لك ذلك . ثمّ طوى الكتاب وختمه وأرسل به مع غلام له من يومه على ناقة له إلى عبدالملك بن مروان وذلك من المدينة الشريفة إلى الشام ، فلمّا قدم الغلام على عبدالملك أوصله ا لكتاب ، فلمّا نظره وتأمّل فيه فوجد فيه تاريخه موافقا لتاريخ كتابه الّذي كتبه إلى الحجّاج في اليوم والساعة فعرف صدق عليّ بن الحسين وصلاحه ودينه ومكاشفته له ، فسرّ بذلك وبعث له مع غلامه بوقر راحلته دراهم وكسوة فاخرة وسيّره إليه من يومه وسأله أن لايخليه من صالح دعائه (1) . وقدم على عليّ بن الحسين عليه السلام نفرٌ من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان ما قالوا ، فلمّا فرغوا من كلامهم قال لهم عليّ بن الحسين عليه السلام : ألا تخبروني من أنتم؟ أنتم «الْمُهَ_جِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَ_رِهِمْ وَأَمْوَلِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَنًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَ_ئِكَ هُمُ الصَّ_دِقُونَ» (2) قالوا : لا ، قال : فأنتم «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَالاْءِيمَ_نَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَيَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ» (3) فقالوا : لا ، فقال : أمّا أنتم فقد تبرّأتم أن تكونوا من هذين الفريقين ، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال اللّه في حقّهم «وَالَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ
.
ص: 865
لَنَا وَلاِءِخْوَنِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالاْءِيمَ_نِ وَلاَتَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ» (1) اخرجوا عنّي فعل اللّه بكم وصنع (2) . وعن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين قال : أوصاني أبي وقال : يابني لاتصحب خمسة ولاتحادثهم ولاترافقهم في طريق ، فقلت : جعلت فداك ومَن هؤلاء الخمسة؟ قال : لا تصحبن فاسقا ، يبيعك بأكلة فما دونها ، فقلت : وما دونها؟ (3) قال : يطمع فيها ثمّ لاينالها . قلت : ومَن الثاني؟ قال : البخيل ، فإنّه يقطع بك أحوج ما يكون إليك . قلت : ومَن الثالث؟ قال : الكذّاب ، فإنّه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب إليك البعيد . قلت : ومَن الرابع؟ قال : الأحمق ، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك . قلت : ومَن الخامس؟ قال : قاطع الرحم ، فإنّي وجدته (4) ملعونا في ثلاثة مواضع من كتاب اللّه تعالى 5 .
.
ص: 866
وعن أبي حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : ليقم أهل الفضل ، فيقوم اُناس من الناس (1) فيقال [لهم] : انطلقوا إلى الجنّة ، فتتلقّاهم الملائكة فيقولون (2) لهم إلى أين؟ فيقولون لهم إلى الجنة ، قالوا : قبل الحساب؟ قالوا : نعم ، قالوا : ومَن أنتم؟ قالوا : نحن أهل الفضل ، قالوا : وما كان فضلكم؟ قالوا : كنّا إذا جهل علينا حلمنا وإذ اُسيء إلينا غفرنا ، قالوا : ادخلوا الجنّة فنِعمَ أجر العاملين (3) . ثمّ ينادي منادٍ أيضا : ليقم أهل الصبر ، فيقوم اُناس (4) من الناس فيقال لهم : انطلقوا إلى (5) الجنّة ، فتتلقّاهم الملائكة فيقولون لهم مثل ذلك فيقولون : نحن أهل الصبر ، فيقال لهم : وماصبركم؟ فيقولون : صبّرنا أنفسنا على طاعة اللّه وصبّرنا أنفسنا عن معصية اللّه ، فيقولون لهم : ادخلوا الجنّة فنِعمَ أجر العاملين (6) . ثمّ ينادي[منادٍ] : ليقم جيران اللّه في داره ، فيقوم اُناس من الناس وهم قليل فيقال لهم : انطلقوا إلى الجنّة ، فتتلقّاهم الملائكة فتقول لهم مثل ذلك وبماذا جاورتم اللّه في داره؟ فيقولون : كنّا نتحابّ (7) في اللّه ونتزاور في اللّه ، قالوا : ادخلوا الجنّة فنِعمَ أجر العاملين (8) . وقال أبو سعيد منصور بن الحسن الآبي في كتاب نثر الدرّ : نظر عليّ بن
.
ص: 867
الحسين عليه السلام سائلاً يسأل وهويبكي فقال : لو أنّ الدنيا كانت في كفّ هذا ثمّ سقطت منه ما كان ينبغي له أن يبكي عليها (1) . وعن محمّد بن حرب (2) قال : أوصى عليّ بن الحسين عليه السلام ولده أبا جعفر محمّد فقال : يا بني اصبر للنوائب (3) ولاتتعرّض للحقوق (4) ولاتعط نفسك ماضرّه عليك أكثر من نفعه عليك (5) . وقال أبو حمزة الثمالي : كان عليّ بن الحسين عليه السلام يقول لأولاده : يابنيَّ ، إذا أصابتكم مصيبة من مصائب الدنيا أو نزلت (6) بكم فاقة أو أمرٌ فادح فليتوضّأ الرجل منكم وضوء للصلاة وليصلّ أربع ركعات أو ركعتين ، فإذا فرغ من صلاته فليقل : يا موضع كلّ شكوى ، يا سامع كلّ نجوى ، يا شافي كلّ بلوى (7) ، ويا عالم كلّ خفية ، ويا كاشف ما يشاء من كلّ بلية ، و يا منجي موسى ، ويا مصطفي محمّد ، ويا متخذا إبراهيم خليلاً ، أدعوك دعاء من اشتدّت فاقته وضعفت قوّته وقلّت حيلته دعاء الغريق الغريب الفقير الّذي لايجد لكشف ماهو فيه إلاّ أنت يا أرحم الراحمين ، لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين (8) . قال عليّ بن الحسين عليه السلام لايدعو أحدٌ
.
ص: 868
بهذا الدعاء أصابه بلاء إلاّ فرّج اللّه عنه (1) . ومن دعائه عليه السلام : اللّهمّ كما أسَأتُ وأحْسَنْتَ إليَّ فإن عدتُ فعُد عليَّ (2) . ويروى أن عليّ بن الحسين عليه السلام اعتلّ فدخل عليه جماعة من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيعودونه فقالوا : كيف أصبحت يابن رسول اللّه فدتك أنفسنا؟ قال : في عافية واللّه المحمود على ذلك ، كيف أصبحتم أنتم جميعا؟ قالوا : كيف أصبحنا لك واللّه يابن رسول اللّه محبّين وادّين ، فقال : مَن أحبّنا للّه أدخله اللّه ظلاًّ ظليلاً يوم لاظلّ إلاّ ظلّه ، ومَن أحبّنا يريد مكافأتنا (3) كافأه اللّه عنّا الجنّة ، ومَن أحبّنا لغرض دنياه آتاه اللّه رزقه من حيث لايحتسب (4) . وحكي أنه لمّا حجّ هشام بن عبدالملك (5) في حياة أبيه دخل إلى الطواف وجهد أن يستلم (6) الحجر الأسود فلم يصل إليه لكثرة زحام الناس عليه ، فنصب إليه منبر إلى جانب زمزم في الحطيم وجلس عليه وحوله جماعة من أهل الشام ، فبينماهم كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين عليه السلام يريد الطواف ، فلمّا إنتهى إلى الحجر الأسود تنحّى الناس عنه حتّى استلم (7) الحجر فقال رجل من أهل الشام : مَن هذا الّذي قد هابه الناس هذه المهابة فتنحّوا عنه يمينا وشمالاً؟ فقال هشام : لا أعرفه ، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام ، وكان الفرزدق حاضرا ، فقال للشامي : أنا أعرفه ، فقال الشامي : مَن هو يا أبا فراس؟ فقال : هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته والبيتُ يعرفه والحِلُّ والحَرمُ هذا ابن خير عباداللّه كلّهمُ هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلَمُ إذا رأته قريشٌ قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ ينمي (8) إلى ذروة العزّ الّتي (9) قصرت عن نيلها عرب الإسلام والعجمُ يكاد يمسكه عرفانَ راحته ركن الحطيم إذا ماجاء يستلمُ يغضي حياءً ويغضي من مهابته فلا يكلّم إلاّ حين يبتسمُ بكفّه (10) خيزرانٌ ريحه عبق من كفّ أروع في عرنينه شممُ ينشقّ نور الهدى من (11) نور غرّته كالشمس تنجاب (12) عن إشراقها الظلمُ 13
.
ص: 869
مشتقّة (1) من رسول اللّه نبعته طابت عناصره والخيم (2) والشِيمُ هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا اللّه شرّفه قدما وفضّله (3) جرى بذاك (4) له في لوحة القلمُ فليس قولك مَن هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجمُ كلتا يديه غياثٌ عمَّ نفعهما تستوكفان ولايعروهما العدمُ (5) سهل الخليقة لاتخشى بوادره يزينه اثنان حُسن الخلق والكرمُ (6) حمّال أثقال (7) أقوام إذا قدحوا حلو الشمايل تحلو (8) عنده نعمُ لايخلف الوعد ميمون نقيبته (9) رحب الفناء أريبٌ حين يعترمُ (10) عمَّ البرّية بالإحسان وانقشعت (11) عنه الغباوة (12) والإملاق والعدمُ من معشر حبّهمُ دين وبغضهمُ كفر وقربهمُ منجىً ومعتصمُ إن عدّ أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل مَن خير أهل الأرض قيل هُمُ لايستطيع جوادٌ بُعد غايتهم ولايدانيهم قومٌ وإن كرموا همُ الغيوث إذا ما أزمة أزمت والاُسد اُسد الشري والبأس محتدمُ لاينقصُ العسرُ بسطا من أكفهمُ سيّان ذلك إن أثروا وإن عُدِموا مقدّمٌ بعد ذكر اللّه ذكرهمُ في كلّ بدو (13) ومختوم به الكلمُ يأبى لهم أن يحلّ الذمّ (14) ساحتمهم خيمٌ كريمٌ وأيدٍ بالندى هُضُمُ (15) أيّ الخلائق ليست في رقابهمُ لأوّليةِ (16) هذا أوْ له نِعَمُ من يعرف (17) اللّه يعرف أوّلية (18) ذا والدين من بيت هذا ناله الاُممُ قال : فلمّا سمع هشام هذه القصيدة غضب ، ثمّ إنّه أخذ الفرزدق وحبسه ما بين مكة والمدينة ، وبلغ عليّ بن الحسين امتداحه فبعث باثني عشر ألف درهم فردّها
.
ص: 870
وقال : واللّه ما مدحته إلاّ للّه تعالى لا للعطاء ، فقال : قد عرف اللّه له ذلك ولكنّا أهل بيت إذا وهبنا شيئا لانستعيده ، فقبلها منه (1) . وقال الفرزدق من قصيدة يهجو هشاما في حبسه له (2) : أتحبسني بين (3) المدينة والّتي إليها قلوب الناس تهوي (4) منيبها يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد وعينا له حولاء (5) باد عيوبها توفي عليّ بن الحسين زين العابدين في الثاني عشر من المحرّم 6 سنة أربع
.
ص: 871
وتسعين من الهجرة (1) وله من العمر سبع وخمسون سنة (2) أقام منها مع جدّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام سنتين (3) ، ومع عمّه أبي محمّد الحسن بعد وفاة جدّه عليّ عليه السلام أحد عشر سنة (4) ، وكان بقاؤه بعد مصرع أبيه ثلاثا وثلاثين سنة (5) ، يقال : إنه مات مسموما (6) وإنّ الّذي سمّه الوليد بن عبدالملك ودُفن بالبقيع في القبر الّذي دُفن فيه عمّه الحسن في القبّة الّتي فيها العبّاس بن عبدالمطّلب (7) . وقال ابن سعد : كان عليّ بن الحسين عليه السلام مع أبيه بطفّ كربلاء وعمره إذ ذاك ثلاث وعشرون سنة لكنه كان مريضا ملقى على فراشه وقد انهكته العلّة والمرض ، ولمّا قتل والده [الحسين] قال الشمربن ذي الجوشن: اقتلوا هذا الغلام،فقال بعض أصحابه: [سبحان اللّه ] تقتل فتىً مريضا لم يقاتل؟ فتركوه . قال ابن عمر هذا القول هو الصحيح
.
ص: 872
وليس قول من قال بأنه كان صغيرا حينئذٍ لم يقاتل وأنه ترك بسبب ذلك الشيء (1) . أولاد عليّ بن الحسين خمسة عشر ولدا (2) مابين ذكرٍ واُنثى ، أحد عشر ذكرا وأربع إناث ، وهم : محمّد المكنّى بأبي جعفر الملقّب بالباقر ، اُمّه اُمّ عبد اللّه بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام . وزيد وعمر ، اُمّهما اُمّ ولد . وعبد اللّه والحسن والحسين ، واُمّهم اُمّ ولد . والحسين الأصغر وعبدالرحمن وسليمان ، اُمّهم اُمّ ولد . وعليّ وكان أصغر ولد عليّ بن الحسين وخديجة ، واُمّهما اُمّ ولد . وفاطمة وعليّة واُمّ كلثوم ، اُمّهن اُمّ ولد . فهؤلاء أولاده عليه السلام [ونفعنابهم وحشرنا في زمرتهم] (3) .
.
ص: 873
. .
ص: 874
. .
ص: 875
. .
ص: 876
. .
ص: 877
الفصل الخامس : في ذكر أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين الباقر عليهم السلام وهو الإمام الخامس 1 وتاريخ ولادته ودلائل إمامته ومبلغ عمره ووقت وفاته ومدّة امامته وعدد أولاده وشيءٍ من أخباره وذكر كنيته ولقبه وغير ذلك ممّا يتصل بهقال بعض أهل العلم : كان محمّد بن عليّ بن الحسين الباقر هو باقر العلم
.
ص: 878
وجامعه وشاهره (1) ورافعه ومتفوّق (2) درّه وراضعه ، صفى قلبه وزكا عمله وطهرت نفسه وشرفت أخلاقه وعمرت بطاعة اللّه تعالى [أوقاته ]ورسخ في مقام التقوى قدمه وميثاقه (3)(4) . قال صاحب الإرشاد أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد النعمان : وكان الباقر [أبو جعفر ]محمّد بن عليّ [بن الحسين ]خليفة أبيه من بين إخوته ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده ، وبرز على جماعته بالفضل وفي العلم والزهد والسؤدد ، وكان أنبههم (5) ذكرا وأكملهم فضلاً وأعظمهم نبلاً ، ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهم السلام من علم الدين والسنن وعلم القرآن والسِير (6) وفنون الأدب ما ظهر عن (7) أبي جعفر الباقر عليه السلام (8) . وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء
.
ص: 879
المسلمين ، وصار بالفضل به ، وسارت بذكر علومه الأخبار وأنشدت في مدائحه الأشعار ، فمن ذلك ما قاله مالك بن أعين الجُهني من قصيدة يمدحه عليه السلام فيها قال 1 : إذا طلب الناس علم القرآ ن وكانت لقريش عليه عيالا وإن قام ابن بنت النبيّ تلقّت يداه فروعا طوالا نجومٌ تهلّل للمدلجين جبال تورّثُ عِلما جبالاً وفيه يقول القرظي (1) : يا باقر العلم لأهل التقى وخير من لبّى على الأجيل ولد أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين (رض) بالمدينة في ثالث صفر (2) سنة
.
ص: 880
سبع وخمسين من الهجرة 1 قبل قتل جدّه الحسين عليه السلام بثلاث سنين (1) . وأمّا نسبه: أبا واُمّا فأبوه زين العابدين عليّبن الحسين بن عليّبن أبي طالب عليه السلام 3
.
ص: 881
وهو هاشمي من هاشميَّين علوي من علويَّين (1) . وأمّا كنيته : فأبو جعفر (2) لاغير ، وله ثلاثة ألقاب : الباقر والشاكر والهادي (3) ، أشهرها الباقر ، ولقّب بذلك لبقره العلم وهو تفجّره وتوسّعه 4 .
.
ص: 882
وروى جابربن عبد اللّه الأنصاري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا جابر يوشك أن تلتحق بولد لي من ولد الحسين عليه السلام اسمه كاسمي يبقر العلم بقرا _ أي يفجره تفجيرا _ فإذا رأيته فاقرأه عنّى السلام . قال جابر(رض) : فأخّر اللّه تعالى مدّتي حتّى رأيت الباقر عليه السلام فأقرأته السلام عن جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وروي أنّ محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام سأل جابر بن عبد اللّه الأنصاري لمّا دخل عليه عن عائشة وماجرى بينها وبين عليّ عليه السلام ، فقال له جابر : دخلت (1) عليها يوما وقلت لها : ماتقولين في حقّ عليّ بن أبي طالب؟ فأطرقت برأسها ثمّ رفعته فقالت (2)(3) : إذا ما التبر حكّ على محكّ تبيّن غشّه من غير شكّ وفينا الغشّ والذهب المصفّى عليّ بيننا (4) شبه المحكّ صفة الباقر عليه السلام : اسمر معتدل (5) ،
.
ص: 884
«رَبِّ لاَتَذَرْنِى فَرْدًا» 1 . ونقل الثعلبي في تفسيره أنّ الباقر عليه السلام نقش على خاتمه هذه الكلمات (1) : ظنّي باللّه حسن وبالنبيّ المؤتمن وبالوصي ذي المنن وبالحسين والحسن معاصره : الوليد وأولاده يزيد وإبراهيم (2) . وأمّا مناقبه : فكثيرة عديدة وأوصافه فحميدة جميلة منها : ما حكاه مولاه أفلح
.
ص: 885
قال : حججت مع أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام فلمّا دخل المسجد ونظر البيت بكى فقلت (1) : بأبي أنت واُمّي إنّ الناس ينظرون (2) إليك فلو خفضت (3) بصوتك قليلاً ، فقال : ويحك (4) يا أفلح!! ولِم لا أرفع صوتي بالبكاء لعلّ اللّه تعالى ينظر إليَّ برحمةٍ منه فأفوز بها غدا . ثمّ إنّه طاف بالبيت وجاء حتّى ركع خلف المقام فلمّا فرغ فإذا موضع سجوده مبتلٌّ (5) من دموع عينيه (6) . وروى عنه ابنه جعفر قال : كان أبي يقوم جوف الليل فيقول في تضرّعه : أمرتني فلم أ أتمر ، ونهيتني وزجرتني فلم أنزجر ، فها أنا عبدك بين يديك مقرّا لأعتذر (7) . وروي عنه أنّه قال : ما من عبادة أفضل من عفّة بطن أو فرْج ، وما من شيءٍ أحبّ إلى اللّه من أن يُسأل ، ولا يدفع القضاء إلاّ الدعاء ، فإنّ أسرع الخير ثوابا البرّ العدل ، وأسرع الشرّ عقوبة البغي ، وكفى بالمرء عيبا أن يبصر (8) من الناس مايعمى عنه من نفسه ، وأن يأمر الناس (9) ما لايفعله ، وأن ينهى الناس بما (10) لا يستطيع
.
ص: 886
التحوّل عنه ، وأن يؤذي جليسه بما لايعنيه (1) . وقال خالد بن الهيثم : قال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهماالسلام : ما اغر ورقت (2) عينٌ بمائها من خشية اللّه تعالى إلاّ و حرّم اللّه وجه صاحبها على النار ، فإن سالت على الخدّين دموعه لم يرهق وجهه قتر ولاذلّة ، وما من شيءٍ إلاّ وله جزاء إلاّ الدمعة ، فإنّ اللّه تعالى يكفّر بها بحور الخطايا ، ولو أنّ باكيا بكى في اُمّةٍ لحرّم اللّه تلك الاُمّة على النار (3) . وعن جابر الجعفي قال : قال لي محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام : يا جابر إنّي لمشتغل القلب ، قلت : وما يشغل قلبك؟ قال : يا جابر إنّه من دخل قلبه ما في دين اللّه الخالص شغله عمّا سواه . يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون هل هي إلاّ مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها! يا جابر إنّ المؤمنين لم يطمئنّوا إلى الدنيا لزوالها (4) ولم يأمنوا قدوم الآخرة [عليهم ]لأهوالها ، وإنّ أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونةً وأكثرهم لك معونةً ، وإن نسيت ذكّروك ، وإن ذكرت أعانوك ، قوّالين للحقّ ، قوّامين بأمر اللّه ، فاجعل (5) الدنيا كمنزلٍ نزلت به وارتحلت (6) منه أو كمالٍ أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء ، واحفظ اللّه فيما استرعاك من
.
ص: 887
دينه وحكمته (1) .
وقال عليه السلام :الغنى والعزّ يجولان في قلب المؤمن ، فإذا وصلا إلى مكان فيه التوكّل استوطنا (2)(3) .
وقال عليه السلام :مادخل قلب امرئً شيءٌ من الكبر إلاّ نقص من عقله مثل ذلك قلّ أو كثر (4)(5) .
وقال عليه السلام :سلاح اللئام قبح الكلام (6) .
وكان يقول :واللّه لموت عالم أحبّ إلى إبليس من موت سبعين عابد (7) .
.
ص: 888
وقال سعد الإسكافي :سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام يقول : عالم ينتفع بعلمه خيرٌ من ألف عابد (1) .
وقال عليه السلام :شيعتنا من أطاع اللّه (2) .
وعن أبي عبد اللّه ابن محمّد بن المنكدر (3) كان يقول :ما كنت أرى أنّ مثل عليّ بن الحسين عليه السلام يدع خلفا أفضل منه (4) حتّى رأيت ابنه محمّد بن عليّ عليه السلام وذلك أنّي أردت أن أعظه فوعظني . فقال [له ]أصحابه : بأيّ شيءٍ وعظك؟ قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في يوم من الأيام في ساعة حارّة فلقيني (5) أبوجعفر محمّد بن عليّ وكان رجلاً بادنا (6) ثقيلاً وهو متّكئ على (7) غلامين أسودين له فقلت في نفسي : سبحان اللّه شيخ من أشياخ (8) قريش خرج في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا؟! [أما ]لأعظنّه ، فدنوت منه وسلّمت عليه فردَّ (9) عليَّ بنهر (10)
.
ص: 889
وقد تصبّب (1) عرقا فقلت : أصلحك اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا؟! [أرأيت ]لو جاء أجلك (2) وأنت على هذه الحال (3) [ما كنت تصنع؟ ]قال : فخلى عن الغلامين والتفت إليَّ وقال : لوجاءني الموت وأنا على هذه الحال لجاءني وأنا في طاعةٍ من طاعة اللّه أكفّ بها نفسي [وعيالي] عنك وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف الموت أن لو جاءني وأنا على معصيةٍ من معاصي اللّه تعالى ، فقلت : [صدقت ]يرحمك اللّه (4) أردت أن أعظك فوعظتني (5) .
وعن معاوية بن عمّار الدهني (6) عن محمّد بن عليّ بن الحسين في قوله عزّوجلّ «فَسْ_ئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ» (7) قال : نحن أهل الذكر (8) . وروى الزهري (9) قال : حَجّ هشام بن عبدالملك فدخل المسجد الحرام متكئاً (10) على يد سالم مولاه
.
ص: 890
ومحمّد بن عليّ عليه السلام [جالس] في المسجد ، فقال له سالم [مولاه] : يا أمير المؤمنين هذا محمّد بن عليّ بن الحسين في المسجد [قال هشام] : المفتون به أهل العراق؟ قال : نعم ، فقال : اذهب إليه فقل (1) له : يقول لك أمير المؤمنين : ما الّذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يُفصل بينهم يوم القيامة؟ فقال [أبوجعفر] : قل له : يُحشر الناس على مثل قرص نقي (2) فيها أنهار متفجّرة يأكلون ويشربون منها حتّى يفرغوا من الحساب . قال : فلمّا سمع هشام ذلك رأى أنه قد ظفر به . فقال : اللّه أكبر اذهب (3) إليه وقل له ما أشغلهم (4) عن الأكل والشرب يومئذٍ؟ فقال له أبوجعفر : قل له : هم في النار أشغل ولم يُشغلوا (5) إلى أن قالوا «أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ» (6) فسكت هشام لا (7) يرجع كلاما (8) . وروي أنّ العلاء بن عمرو بن عبيد (9) قدم على محمّد بن عليّ بن الحسين
.
ص: 891
يمتحنه بالسؤال فقال له : جعلت فداك ما معنى قوله تعالى «أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَ_وَتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَ_هُمَا» (1) ماهذا الرتق والفتق؟ فقال له أبو جعفر عليه السلام : كانت السماء رتقا لاتنزل القطر (2) وكانت الأرض رتقا (3) لاتخرج النبات ، ففتق اللّه (4) السماء بنزول المطر وفتق (5) الأرض بخروج النبات ، فسكت ابن عمرو (6) ولم يرد جوابا ولم يجد اعتراضا . ثمّ انه سأله عن قوله تعالى «وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى» (7) ما غضبُ اللّه تعالى؟ قال : طرده وعقابه يا ابن عمرو (8) و مَن ظنّ (9) أنّ اللّه يغيّره شيء فقد كفر (10) . وسئل عن قوله تعالى «أُوْلَ_ئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ» (11) فقال : الغرفة [هي الجنة
.
ص: 892
وهي جزاءٌ لهم بما صبروا] بصبرهم على الفقر في دار الدنيا (1) . وروى أبو حمزة الثمالي عن محمّد بن عليّ بن الحسين في قوله تعالى «وَجَزَآهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيرًا» (2) قال : بما صبروا على الفقر على مصائب الدنيا (3) . وروى الأصمعي عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول لبعض ولده : يابني إيّاك والكسل والضجر فإنّهما مفتاحا كلّ شرّ ، إنّك إذا كسلت لم تؤدّ حقّا ، وإن ضجرت لم تصبر على حقّ (4) . وروي أنه قال لابنه : يا بني إذا أنعم اللّهُ عليك بنعمةٍ فقل الحمدللّه إذا أحزنك أمرٌ فقل لاحول ولاقوّة إلاّ باللّه ، وإذا أبطأ عليك (5) الرزق فقل أستغفر اللّه (6) . وكان محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام- مع ما وصفناه به (7) من العلم والفضل والسؤدد والرئاسة والإمامة - ظاهر الجود في الخاصّة والعامّة مشهور الكرم في الكافة معروفا بالفضل والإحسان مع كثرة عياله وتوسّط حاله (8) . وحكت سلمى مولاة أبي جعفر عليه السلام أنه كان يدخل عليه بعض إخوانه فلايخرجون من عنده حتّى يطعمهم الطعام الطيّب ويكسوهم الثياب الحسنة في
.
ص: 893
بعض الأحيان ويهب لهم الدراهم ، فكنت أقول له في ذلك فيقول : يا سلمى ما حسنة الدنيا إلاّ صلة الإخوان والمعارف ، وكان يصل بالخمسمائة درهم وبالستمائة وبالألف درهم (1) . وقال الأسود بن كثير (2) : شكوت إلى أبي جعفر عليه السلام جور الزمان وجفاء الإخوان فقال : بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك (3) فقيرا . ثمّ أمر غلامه فأخرج [لي] كيسا فيه سبعمائة درهم فقال : استنفق هذه فإذا نفدت (4) فأعلمني (5) . وقال رضى الله عنه : اعرف المودّة في قلب أخيك بما له في قلبك (6) . ونقل عن الزبير بن (7) محمّد بن مسلم المكّي [أنه] قال : كنّا عند جابر بن عبد اللّه فأتاه عليّ بن الحسين ومعه ابنه محمّد وهو صبي ، فقال عليّ لابنه محمّد : قبّل
.
ص: 894
رأس عمّك ، فدنا محمّد من جابر فقبّل رأسه ، فقال جابر : مَن هذا؟ وكان قد كفّ بصره ، فقال له عليّ بن الحسين عليه السلام : [هذا ]ابني محمّد ، فضمّه جابر إليه وقال له : يامحمّد ، محمّد جدّك رسول اللّه يقرئك السلام ، فقالوا لجابر : وكيف ذلك يا أبا عبد اللّه ؟ قال : كنت مع (1) رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوالحسين عليه السلام في حجره وهو يلاعبه فقال : يا جابر يولد لابني الحسين ابنٌ يقال له عليّ ، فإذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ : ليقم سيّد العابدين ، فيقوم عليّ بن الحسين ، ويولد لعليّ بن الحسين ابنٌ يقال له محمّد ، يا جابر فإن أدركته (2) فاقرأه منّي السلام وإن لاقيته فاعلم أنّ بقاءك بعد رؤيته يسير (3) . فلم يعش جابر بعد ذلك إلاّ قليلاً ومات (4) . فهذه منقبة من مناقبه باقية على ممرّ الأيام وفضيلة شهد له بها الخاصّ والعامّ . قال فيه البليغ ما قال ذوو الحجى وكلّ برأيه منطبق وكذلك العدوّ لم يعد أن قال جميلاً فما يقول فيه الصديق (5) ومن كتاب الحلية لأبي نعيم عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام عن أبيه محمّد الباقر عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلامقال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من نقله اللّه تعالى من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى أغناه بلا مال
.
ص: 895
وأعزّه بلا عشيرة وآنسه بلا أنيس ، ومن خاف اللّه تعالى أخاف اللّه منه كلّ شيء ، ومن لم يخف اللّه تعالى أخافه اللّه من كلّ شيء ، ومن رضي من [مال] اللّه باليسير من الرزق رضي منه باليسير من العمل ، ومن لم يستح من المعيشة خفّت مؤونته ورخا باله ونعم عياله ، ومن زهد في الدنيا آتاه (1) اللّه الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار القرار (2) . وروى أبو سعيد منصور بن الحسن الآبي في كتابه نثر الدرر أنّ محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام قال لابنه جعفر الصادق : يا بني إنّ اللّه خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء : خبأ رضاه في طاعته فلا تحقّرنّ من الطاعة شيئا فلعلّ رضاه فيه ، وخبأ سخطه في معصيته فلاتحقّرنّ من المعصية شيئا فلعلّ سخطه فيه ، وخبأ أولياءه في خلقه فلا تحقّرنّ أحدا فلعلّه ذلك الولي (3) . ومن كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي عن عروه بن عبد اللّه قال : سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ عن حلية السيف ، قال : لابأس به وقد حلى أبوبكر الصدّيق سيفه ، قلت : تقول الصدّيق؟! قال : فوثب وثبةً واستقبل القبلة وقال : نعم الصدّيق نعم الصديق ، مَن لم يقل له الصدّيق فلا صدّق اللّه له قولاً لا في الدنيا ولا في الآخرة (4) . ومن كتاب الجوانح والجوامح للإمام قطب الدين أبي سعيد هبة اللّه بن الحسن النهاوندي (5) عن أبي بصير قال : كنت مع محمّد بن عليّ الباقر في مسجد
.
ص: 896
رسول اللّه صلى الله عليه و آله [قاعدا] في حدثان موت والده عليّ بن الحسين عليه السلام إذ دخل المنصور [الدوانيقي] أبو جعفر وداود بن سليمان قبل أن يفضي (1) الملك إلى بني (2) العبّاس ، فجاء داود بن سليمان إلى محمّد الباقر عليه السلام وقعد (3) المنصور ناحية من المسجد فقال له الباقر : ما منع الدوانيقي أن يأتينا (4) ؟! قال : فيه جفاء ، فقال الباقر عليه السلام : أما إنه لاتذهب الأيام (5) حتّى يلي هذا _ يعنى المنصور _ أمر هذه الخلايق (6) فيطأ أعناق الرجال ويملك شرقها وغربها ويطول عمره فيها حتّى يجمع من كنوز الأموال ما لايجمعه غيره (7) . فبعد أن قام داود من عند محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام ذهب إلى المنصور وأخبره بذلك ، فقام المنصور وجاء إليه وقال: ما منعني من الجلوس إليك إلاّ جلالتك وهيبتك، ثمّ قال : يا سيّدي ما الّذي يقوله داود؟ قال : هو كائن لامحاله ، قال : وملكنا قبل ملككم؟ قال : نعم ، قال : ويملك بعدي أحد من ولدي؟ قال : نعم ، قال : فمدّة بني اُمية أطول (8) أم مدّتنا؟ قال : مدّتكم أطول وليتلقّفن (9) هذا الملك صبيانكم فيلعبون به كما يلعبون بالكرة ، هذا ما عهده إليَّ أبي . فلمّا أفضت الخلافة إلى المنصور (10) تعجّب من قول الباقر عليه السلام (11) .
.
ص: 897
ومن الكتاب المذكور قال أبو بصير : قلت يوما للباقر عليه السلام : أنتم ذرّية (1) رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟ قال [لي]نعم ، قلت : رسول اللّه صلى الله عليه و آله وارث الأنبياء جميعهم ووارث جميع علومهم؟ (2) قال : نعم ، قلت : فأنتم ورثة جميع علوم رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟ قال : نعم ، قلت : فأنتم تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص وتخبرون الناس بما يأكلون [ويدّخرون] في بيوتهم؟ قال : نعم نفعل ذلك كلّه بإذن اللّه تعالى . ثمّ قال : ادن منّي يا أبا بصير _ وكان أبو بصير مكفوف النظر _ فدنوت منه فمسح يده على عيني (3) فأبصرت السهل والجبل والسماء والأرض ، فقال : أتحبّ أن تكون هكذا تبصر وحسابك على اللّه أو تكون كما كنت ولك الجنّة؟ قلت : الجنّة أحبُّ إليَّ . قال فمسح بيده المباركة على عيني (4) فعدتُ كما كنت 5 . ومن الكتاب المذكور أيضا عن جعفر الصادق عليه السلام قال : كان أبي في مجلس عامّ ذات يوم من الأيام إذ أطرق برأسه إلى الأرض ثمّ رفعه فقال : يا قوم كيف أنتم إذا جاءكم رجل يدخل عليكم مدينتكم هذه في أربعة آلاف يستعرضكم على السيف ثلاثة أيّام متوالية فيقتل مقاتلتكم وتلقون منه بلاءً لا تقدرون عليه ولا أن
.
ص: 898
تدفعوه (1) وذلك من قابل؟ فخذوا حذركم واعلموا أنّ الّذي قلت لكم هو كائن لابدّ منه . فلم يلتفت أهل المدينة إلى كلامه وقالوا : لايكون هذا أبدا . فلمّا كان من قابل ارتحل (2) أبو جعفر من المدينة بعياله هو وجماعة من بني هاشم وخرجوا منها ، فجاءها نافع بن الأزرق فدخلها في أربعة آلاف واستباحها ثلاثة أيّام وقتل فيها خلقا كثيرا لايحصون ، وكان الأمر على ما قاله عليه السلام (3) . ومن كتاب الدلائل للحميري عن زيد بن أبي حازم قال : كنت مع أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام فمرّ بنا زيد بن عليّ 4 فقال أبو جعفر : أما رأيت هذا
.
ص: 899
ليخرجنّ بالكوفة وليقتلنّ وليطافنّ برأسه ، فكان كما قال عليه السلام (1) . وعن الحسن (2) بن راشد قال : ذكرت زيد بن عليّ عند أبي عبد اللّه جعفر الصادق فنلتُ منه (3) ، فقال : لاتفعل رحم اللّه عمّي زيدا فإنّه أتى أبي وقال : إني اُريد الخروج على هذا الطاغية ، فقال له : لاتفعل يا زيد إني (4) أخاف أن تكون المقتول المصلوب بظهر الكوفة ، أما علمت يا زيد أنه لايخرج أحدٌ من ولد فاطمة على أحدٍ من السلاطين قبل خروج السفياني إلاّ قُتل؟ فكان الأمر كما قال أبي (5) . وعن عبدالرحمن بن يحيى بن سعيد قال : حدّثني رجل من بني هاشم قال : كنّا عند محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام وأخوه زيد جالس إلى جانبه ، فدخل رجل من أهل الكوفة فقال له محمّد بن عليّ أتروي (6) شيئا من طرائف الشعر ونوادره؟ فقال : نعم ، قال : كيف قال الأنصاري لأخيه؟ فأنشده : لعمرك ما كان أبو مالك بوانٍ ولابضعيفٍ قواهُ ولا مالديه (7) نازع يعادي أخاه إذا مانهاهُ لأنّ سدّته سدّت مطواعه ومهما وكلت إليه كفاهُ فوضع محمّد بن عليّ يده على كتف أخيه زيد وقال : هذه صفتك يا أخي ،
.
ص: 900
واُعيذك باللّه أن تكون قتيل أهل العراق (1) . وكان زيد بن عليّ (رض) ديّنا شجاعا ناسكا وكان من أحسن بني هاشم عبادةً وأجملهم إنارة (2) ، وكان ملوك بني اُمية تكتب إلى صاحب العراق أن امنع أهل الكوفة من حضور مجلس زيد بن عليّ فإنّ له لسانا أقطع من غلبة السيف وأحدّ من شبا الأسنّة وأبلغ من السِحر والكهانة ومن النفث في العقد . وقال له يوما هشام بن عبدالملك : بلغني أنك تروم الخلافة وأنت لاتصلح لها لأنك ابن (3) أمة ، فقال زيد : كان إسماعيل بن إبراهيم ابن أمة وإسحاق ابن حرّة ، فأخرج اللّه من صلب إسماعيل خير من ولد آدم ، فقال : قم إذاً لا تراني إلاّ حيث تكره ، فلمّا خرج من الدار قال : ما أحبّ أحدٌ الحياة إلاّ ذلّ فقال له سالم مولى هشام : باللّه لايسمعنّ منك هذا الكلام أحد (4) ، فكان زيد (رض) كثيرا مّاينشد 5 : شرّده الخوف من أوطانه كذلك من يكره حرّ الجلاد منحرق الحقّين يشكو الوجى تنكبه أطراف مرو حدّاد قد كان بالموت له راحةٌ والموت حتفٌ في رقاب العباد ومن كتابٍ جمعه الوزير السعيد مؤيد الدين أبو طالب محمّد بن أحمد بن محمّد بن عليّ العلقمي (5) قال ذكر الشيخ الأجلّ أبو الفتح يحيى بن محمّد بن خيار (6) الكاتب قال : سمعت (7) بعض أهل العلم والخير يقول : كنت بين مكّة والمدينة فإذا أنا بشيخ يلوح في (8) البرية فيظهر تارةً ويغيب اُخرى حتّى قرب منّي فتأمّلته فإذا هو غلام سباعيّ أو ثمانيّ ، فسلّم عليَّ فرددت عليه ، فقلت : من أين يا غلام؟ قال : من اللّه ، قلت : وإلى أين؟ قال : إلى اللّه ، فقلت : فما زادُك؟ قال : التقوى ، فقلت : ممّن أنت؟ قال : أنا رجل عربي (9) ، قلت : ابن مَن عافاك اللّه ؟ فقال : أنا رجل هاشمي ، فقلت : ابن مَن قال : أنا رجل علوي ، ثمّ أنشد يقول : فنحن (10) على الحوض ذوّاده (11) تزود ويسعد ورّاده فما فاز مَن فاز إلاّ بناوما 13 خاب مَن حبّنا زاده فمَن سرّنا نال منّا السرور ومَن ساءنا ساء ميلاده ومَن كان غاصبنا حقّنا فيوم القيامة ميعاده ثمّ قال : أنا أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، ثمّ التفتُّ فلم أره ، فلا أعلم هل صعد إلى السماء أم نزل إلى الأرض 14 . مات أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين الباقر عليهم السلام في سنة سبعة عشر ومائة 15
.
ص: 901
وله من العمر ثماني وخمسون سنة (1) ، وقيل ستون سنة 2 ، وقيل خمسا وثلاثين (2) ، أقام منها مع جدّه الحسين ثلاث سنين ، ومع أبيه عليّ بن الحسين ثلاثا وثلاثين سنة ، وبقي بعد موت أبيه تسع عشر سنة ، وهي مدّة إمامته عليه السلام 4 ، وانّه أوصى أن
.
ص: 902
يكُفّن في قميصه الّذي كان يصلّي فيه (1) . وعن ابنه جعفر الصادق عليه السلام قال : كنت عند أبي في اليوم الّذي قُبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله وتكفينه وفي دخوله قبره . قال : فقلت له : يا أبت (2) واللّه ما رأيت (3) منذ اشتكيت أحسن هيئة منك اليوم ولا أرى عليك أثر الموت ، فقال : يا بني أما (4) سمعت عليّ بن الحسين يناديني (5) من وراءالجدار (6) : يا محمّد عجّل 7 .
.
ص: 903
ويقال : إنّه مات بالسّم في زمن إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك (1) ، قبره بالبقيع (2) ودُفن بالقبّة الّتي فيها العبّاس في القبر الّذي دُفن فيه أبوه وعمّ أبيه الحسن عليه السلام (3) ، وقد تقدّم ذكر ذلك . أولاد الباقر عليه السلام ستة (4) وقيل سبعة (5) وهم : أبو عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام _ وكان يكنى به _ وعبد اللّه ، واُمّهما اُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر . وإبراهيم
.
ص: 904
وعبيداللّه (1) درجا في حياته ، واُمّهما اُمّ حكيم بنت أسد بن المغيرة الثقفية . وعليّ وزينب لاُمّ ولد . ولم يُعتقد أحدٌ من (2) ولد أبي جعفر الإمامة إلاّ في أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام ، وكان أخوه عبد اللّه يُشار إليه بالفضل والصلاح . يقال : إنّ بعض بني اُمية سقاه السمّ فمات رضوان اللّه تعالى عليه ، نقل ذلك صاحب الإرشاد رحمه الله 3 .
.
ص: 905
. .
ص: 906
. .
ص: 907
الفصل السادس : في ذكر أبي عبد اللّه جعفر 1 الصادق عليه السلام وهو الإمام السادس وتاريخ ولادته ومدّة إمامته ومبلغ عمره ووقت وفاته وعدد أولاده وذكر كنيته ونسبه وغير ذلك ممّا يتّصل بهكان جعفر الصادق ابن محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلاممن بين إخوانه خليفة
.
ص: 908
أبيه محمّد بن عليّ عليهماالسلام ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده ، و برز على جماعتهم (1) بالفضل وكان أنبههم ذِكرا وأعظمهم (2) قدرا ، ونقل الناسُ عنه من العلوم ما سارت به الركبانُ وانتشر صيته وذِكرُه في سائر البلدان ، ولم ينقُل العلماء عن أحدٍ من أهل بيته ما نُقل عنه من الحديث (3) . وروى عنه جماعة من أعيان الاُمّة وأعلامهم مثل : يحيى بن سعيد (4) وابن جريج (5)
.
ص: 909
ومالك بن أنس (1) والثوري (2) . وابن عيينة (3) وأبو حنيفة (4) وشعبة (5) . وأبو أيّوب السجستاني (6) وغيرهم (7) . ووصّى (8) إليه أبو جعفر عليه السلام بالإمامة وغيرها وصيةً ظاهرةً ، ونصّ عليها نصّا جليّا عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام قال : إنّ أبي استودَعَني ماهناكَ ، وذلك انّه لمّا حضرته الوفاة قال : ادْعُ لي شهودا ، فدعوتُ له أربعةً [من قريش ]منهم نافع مولى عبد اللّه بن عمر ، فقال : اكتب : هذا ما أوصى به يعقوب نبيه «يَ_بَنِىَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَتَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ» (9) . وأوصى محمّد بن عليّ إلى ابنه جعفر وأمره أن يكفّنه في بُرده الّذي كان يصلّي فيه الجُمعة 10 وقميصه ، وأن يعمّمه بعمامته ، وأن يرفع قبره مقدار أربع أصابع ، وأن يَحُلَّ أطماره 11 عند
.
ص: 910
دفنه . ثمّ قال للشهود : انصرفوا رحمكم اللّه ، فقلت : يا أبت ما كان في هذا بأنْ (1) يُشهَد عليه؟ قال : يا بُني كرهتُ أن تُغلَب وأن يقال : لم يوص [إليه] فأردت بأن تكون لك (2) الحجة (3) . ولد جعفر الصادق ابن محمّد بن عليّ زين العابدين ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب بالمدينة الشريفة سنة ثمانين (4) من الهجرة وقيل سنة ثلاث وثمانين 5 والأوّل أصحّ . وأمّا نسبه أبا واُمّا فهو جعفر الصادق ابن محمّد الباقر ابن عليّ زين العابدين ابن
.
ص: 911
الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1) واُمّه رضي اللّه عنها اُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر 2 . وأمّا كنيته فأبو عبد اللّه (2) ، وقيل أبو إسماعيل 4 . وله ثلاثة ألقاب : الصادق ، والفاضل ، والطاهر ، وأشهرها الصادق (3) .
.
ص: 912
صفته : معتدل أدميّ اللون (1) ، شاعره السيّد الحميري (2) (رض) بابه : (3) المفضّل بن عمر (4) . نقش خاتمه «ما شاء اللّه لا قوّة إلاّ باللّه استغفر اللّه » (5) ، معاصره أبو جعفر المنصور (6) .
.
ص: 913
وأمّا مناقبه فتكاد تفوت من عدّ الحاسب ويحير في أنواعها فهم اليقظ الكاتب ، وقد نقل بعض أهل العلم أنّ كتاب الجفر 1 بالمغرب الّذي يتوارثونه بنو عبدالمؤمن (1) بن عليّ هو من كلامه ، وله في المنقبة السنية والدرجة الّتي هي في مقام الفضل عليه . عن مالك بن أنس قال : قال جعفر الصادق عليه السلام يوما لسفيان الثوري : إذا انعم اللّه عليك بنعمة فأحببت بقائها فأكثر من الحمد والشكر عليها فإن اللّه عزّوجلّ قال في كتابه العزيز «لَ_ئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» (2) . وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الإستغفار فان اللّه عزّوجلّ يقول «اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَلٍ وَبَنِينَ _ يعنى في الدنيا _ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّ_تٍ ... _ في الآخرة _» (3) يا سفيان إذا احزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا باللّه فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة (4) . وقال ابن أبي حازم : كنت عند جعفر الصادق إذ جاء آذنه (5) وقال : إنّ سفيان
.
ص: 914
الثوري في الباب ، فقال : ائذن له ، فدخل فقال له جعفر : يا سفيان إنك رجل يطلبك السلطان في بعض الأوقات وتحضر عنده وأنا (1) أتقي السلطان فاخرج عنّي غير مطرود (2) ، فقال سفيان : حدّثني بحديث أسمعه منك وأقوم ، فقال : حدّثني أبي عن جدّي عن أبيه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهقال : من أنعم اللّه عليه نعمةً فليحمد اللّه ، ومن استبطأ الرزق فليستغفر اللّه ، ومن أحزنه أمرٌ فليقل : لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه . فلمّا قام سفيان قال أبو جعفر : خذها يا سفيان ثلاثا وأيّ ثلاث (3) !! وكان عليه السلام يقول : لايتمّ المعروف إلاّ بثلاث : تعجيله وتصغيره وستره (4) . وقال بعض شيعته [أصحاب جعفر بن محمّد الصادق] : دخلت على جعفر وموسى ولده بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية فحفظتها ، فكان ممّا حفظت [أوصاه به منها] أن قال له : يا بني ، اقبل وصيّتي واحفظ مقالتي ، فإنّك إن حفظتها تعش (5) سيّدا وتمُت (6) حميدا . يا بني ، إنّه مَن قنع (7) بما قسم اللّه له استغنى ، ومَن مدّ عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ، ومَن لم يرض بما قسم اللّه له اتّهم ربّه (8) في قضائه ، ومَن استصغر زلّة نفسه [استعظم زلّة غيره ، ومَن استعظم زلّة نفسه ]استصغر زلّة غيره . يا
.
ص: 915
بني ، مَن كشف حجاب غيره انكشفت عورته (1) ، ومَن سلّ سيف البغي قُتل به ، ومَن احتفر (2) لأخيه بئرا سقط فيها ، ومَن داخل السفهاء حُقّر ، ومَن خالط العلماء وقّر ، ومَن دخل (3) مداخل السوء اتّهم . يا بني ، قل الحقّ لك أو عليك (4) ، وإيّاك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال . يا بني ، إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه فإنّ للجود (5) معادن وللمعادن اُصولاً وللاُصول فروعا وللفروع ثمرا ، ولايطيب ثمر إلاّ بفرع ولافرع إلاّ بأصل ولا أصل ثابت إلاّ بمعدن طيّب . يا بني ، إذا (6) زرت فزر الأخيار ولا تزر الأشرار (7) فانّهم صخرة لاينفجر ماؤها وشجرة لايخضرّ ورقها وأرض لايظهر عشبها (8) . وقال أحمد بن عمرو بن المقدام الرازي (9) : وقع الذباب على وجه المنصور فذبّه فعاد فذبّه فعاد حتّى أضجره ، وكان عنده جعفر بن محمّد عليه السلام في ذلك الوقت ، فقال المنصور : يا أبا عبد اللّه لأيّ شيء خلق اللّه عزّوجلّ الذباب؟ قال : ليذلّ به الجبابرة (10) ، فسكت المنصور (11) .
.
ص: 916
وقيل : كان رجل من أهل السواد يلازم مجلس جعفر الصادق عليه السلام ويقعد طويلاً مقعده ، ففقده في بعض الأيام فسأل عنه فقال له رجل يريد أن ينقصه [يستنقص به] عنده : إنّه رجل نبطي (1) ، فقال جعفر : أصل الرجل عقله ، وحسبه دينه ، وكرمه تقواه ، والناس في آدم مستوون ، فاستحيى (2) الرجل (3) .
قال سفيان الثوري سمعت جعفر الصادق عليه السلام يقول :عزّت (4) السلامة حتّى لقد خفي مطلبها ، فإن تك في شيء فيوشك أن تكون في الخمول ، وإن طلبت (5) في الخمول ولم تجده فيوشك [أن تكون في الصمت ، فإن طلبت في الصمت ولم توجد فيوشك أن تكون في العزلة والخلوة] (6) أن تكون في كلام السلف الصالح ، والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها عن الناس (7) .
وحدّث عبد اللّه بن الفضل بن الربيع (8) عن أبيه قال : لمّا حجّ المنصور في سنة سبع وأربعين ومائة قدم (9) المدينة قال للربيع : ابعث إلى جعفر بن محمّد من يأتينا به
.
ص: 917
متعبا سريعا قتلني اللّه إن لم أقتله ، فتغافل الربيع عنه وناساه (1) فأعاد عليه في اليوم الثاني واغلظ له في القول ، فأرسل إليه الربيع فلمّا حضر قال له الربيع : يا أبا عبد اللّه اذكر اللّه تعالى فإنّه قد أرسل إليك [ب] ما لا دافع له غير اللّه وإنّي أتخوّف عليك ، فقال جعفر : لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم . ثمّ إنّ الربيع دخل (2) به على المنصور فلمّا رآه المنصور أغلظ له بالقول فقال : يا عدوّ اللّه اتخذك أهل العراق إماما يجبون (3) إليك بزكاة أموالهم فتُلحد في سلطاني (4) وتبتغي إلىَّ الغوائل قتلني اللّه إن لم أقتلك ، فقال جعفر : يا أمير المؤمنين إنّ سليمان اُعطي فشكر وإنّ أيوب ابتلي فصبر وإنّ يوسف ظُلم فغفر ، فهولاء أنبياء اللّه وإليهم يرجع نسبك ولك فيهم (5) اُسوة حسنة فقال المنصور : أجل لقد صدقت يا أبا عبد اللّه ارتفع إلى هاهنا عندي ، ثمّ قال : يا أبا عبد اللّه إنّ فلان الفلاني أخبرني عنك بما قلت لك ، فقال : أحضره يا أمير المؤمنين ليواقفني (6) على ذلك . فاُحضر الرجل الّذي سعى به إلى المنصور فقال له المنصور : أحقّا ما حكيت لي عن جعفر؟ فقال : نعم يا أمير المؤمنين ، قال جعفر : فأستحلِفه (7) على ذلك ، فبدر الرجل وقال : واللّه العظيم الّذي لا إله إلاّ هو عالمُ الغيب والشهادة الواحد الأحد الفرد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ... وأخذ يعدّ في صفات اللّه ، فقال جعفر : يا أمير المؤمنين يحلف بما أستحلفه به ويترك يمينه هذا ، فقال المنصور : حلّفه بما تختار ، فقال جعفر عليه السلام : قل : برئتُ من حول اللّه وقوّته والتجأت
.
ص: 918
إلى حولي وقوّتى لقد فعل [جعفر] كذا وكذا ، فامتنع الرجل فنظر إليه المنصور منكرا فحلف بها ، فما كان بأسرع من أن ضرب برجله الأرض وخرَّ (1) ميّتا مكانه في المجلس ، فقال المنصور : جرّوا برجله وأخرجوه لعنه اللّه . ثمّ قال : لا عليك يا أبا عبد اللّه أنت البريء الساحة السليم الناحية المأمون (2) الغائله ، عليَّ بالطيب والغالية ، فأتوا بالغالية فجعل يغلف به لحيته إلى أن تركها تقطر وقال : في حفظ اللّه وكلاءته ، وألحقه الربيع بجوائز حسنة وكسوة سنية . قال الربيع : فلحقته بذلك ثمّ قلت له : يا أبا عبد اللّه إنّي رأيت قبلك ما لم تره أنت ورأيت بعد ذلك ما رأيت ورأيتك تحرّك شفتيك وكلّما حرّكتهما سكن الغضب ، بأيّ شيء كنت تحرّكهما جعلت فداك؟ قال : بدعاء جدّي الحسين عليه السلام ، قلت ، وما هو يا سيّدي؟ قال : قلت : اللّهمّ يا عدّتي عند شدّتي يا غوثي عند كربتي احرسني بعينك الّتي لا تنام واكنفني (3) بركنك الّذي لا يرام وارحمنى بقدرتك عليَّ فلا أهلك وأنت رجائي ، اللّهمّ إنّك أكبر وأجلّ وأقدر ممّا أخاف وأحذر ، اللّهمّ بك أدرأ (4) في نحره وأستعيذ بك من شرّه إنّك على كلّ شيء قدير . قال الربيع : فما نزلت بي شدّة قطّ ودعوت به إلاّ فرّج اللّه عنّي . قال الربيع : وقلت لأبي عبد اللّه : منعت الساعي بك إلى المنصور من أن يحلف يمينه وأحلفته أنت تلك اليمين ، فما كان إلاّ أخذ لوقته فتعجّبت من ذلك ما منعناك فيه؟ قال : لأنّ في يمينه الّذي أراد أن يحلف بها توحيد اللّه وتمجيده وتنزيهه ، فقلت : يحلم عليه ويؤخّر عنه العقوبة ، وأحببتُ تعجيلها فاستحلفته بما سمعت فأخذه اللّه لوقته 5 .
.
ص: 919
وروي أنّ داود بن عليّ بن العباس (1) قتل المعلّى بن خُنيس (2) مولىً كان لجعفر الصادق عليه السلام فأخذ ماله ، فبلغ ذلك جعفر فدخل إلى داره ولم يزل ليله كلّه قائما وقاعدا إلى الصباح ، ولمّا كان وقت السحر سمع منه وهو يقول في مناجاته يا ذا
.
ص: 920
القوّة القوية ، ويا ذا المحال الشديد ، ويا ذا العزّة الّتي كلّ خلقك لها ذليل ، اكفنا هذا الطاغية وانتقم لنا منه . فما كان إلاّ أن ارتفعت الأصوات بالصراخ والعويل وقيل مات داود بن عليّ فجأةً 1 . ولمّا بلغ جعفر الصادق عليه السلام قول الحكم بن العباس الكلبي (1) : صلبنا لكم زيدا على جذع نخلةولم أرَ مهديّا على الجذع يُصلبُ فرفع جعفر يديه إلى السماء وهما يرعشان (2) فقال : اللّهمّ سلّط على الحكم بن العبّاس الكلبي كلبا من كلابك . فبعثه بنو اُمية إلى الكوفة فافترسه الأسد في الطريق ، واتصل ذلك بالصادق فخرّ ساجدا وقال : الحمدللّه الّذي أنجزنا ما وعدَنا 4 .
.
ص: 921
وقال محمّد بن إسماعيل (1) : لمّا خرج محمّد بن عبد اللّه بن الحسن فرّ (2) جعفر بن محمّد إلى ماله بالفُرع (3) ، فلم يزل هناك مقيما حتّى قُتل محمّد واطمأنّ الناس فرجع إلى المدينة وأقام بها (4) .
وروي عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام قال :لمّا رفعت (5) إلى أبي جعفر المنصور بعد قتل محمّد بن عبد اللّه بن الحسن انتهرني (6) وكلّمني بكلامٍ غليظ ثمّ قال لي : يا جعفر قد علمت بفعل محمّد بن عبد اللّه الّذي يسمّونه النفس الزكية وما نزل به وانّما أنتظر الآن أن يتحرّك منكم أحد فاُلحق الصغير بالكبير . قال : فقلت : يا أمير المؤمنين حدّثني أبي محمّد بن عليّ عن أبيه الحسين عن الحسن (7) بن عليّ بن أبي طالب أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : إنّ الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيمدّها (8) اللّه تعالى إلى ثلاث وثلاثين سنة ، وإنّ الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة فيبترها (9) اللّه تعالى إلى ثلاث سنين . قال : فقال لي : واللّه عليك سمعت هذا من أبيك؟ فقلت : واللّه سمعتها فردّها [ثمّ ردّها ]عليَّ ثلاثا ثمّ
.
ص: 922
قال : انصرف (1) .
وممّا حفظ من كلام جعفر الصادق في الحكمة والموعظة وغير ذلك قوله :ما كلّ من نوى (2) شيئا قدر عليه ، ولاكلّ من قدر على شيء وفّق له ، ولاكلّ من وفّق أصاب له موضعا ، فإذا اجتمعت النيّة والقدرة والتوفيق والإصابة فهناك [تجب ]السعادة (3) .
وقال عليه السلام :تأخير التوبة اغترار ، وطول التسويف حَيرة ، والإعتداء على اللّه هلكة ، والإصرار على الذنب أمنٌ مِن مكر اللّه (4) «فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَ_سِرُونَ» 5 .
وقال عليه السلام :أربعة أشياء القليل منها كثير : النار والعداوة والفقر والمرض (5) .
وسئل :لم سمّي البيت العتيق قال : لأنّ اللّه تعالى عتقه من الطوفان (6) .
.
ص: 923
وقال عليه السلام :صحبة عشرين يوما قرابة (1) .
وقال :كفّارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان (2) .
وقال عليه السلام :إذا دخلت منزل أخيك فاقبل الكرامة ما عدا الجلوس في الصدر (3) .
وقال :البنات حسنات والبنون نِعَم ، فالحسنات يُثاب عليهنّ والنعمة يسأل عنها 4 .
قال عليه السلامو من لم يستح من العيب ويرعوي عند المشيب ويخشى اللّه بظهر الغيب فلا خير فيه (4) .
وقال عليه السلام :إيّاكم وملاحاة الشعراء فإنّهم يطنبون بالمدح ويجودون بالهجاء (5) .
وكان يقول :اللّهمّ إنّك بما أنت له أهله من العفو أولى منّي بما أنا أهله من العقوبة (6) .
وقال عليه السلام :مَن أكرمك فأكرمه ، ومَن استخفّ بك فأكرم نفسك عنه (7) .
.
ص: 924
وقال :منع الجود سوء الظنّ بالمعبود (1) .
وقال :دعا اللّه الناس في الدنيا بآبائهم ليتعارفوا ودعاهم في الآخرة بأعمالهم ليتجاوزوا فقال : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ» «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُواْ» (2) .
وقال عليه السلام :إنّ عيال المرء اُسراؤه فمن أنعم اللّهُ عليه بنعمته فليوسّع على اُسرائه ، فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة عنه (3) .
وقال :ثلاثة لايزيد اللّه بها الرجل المسلم إلاّ عزّا : الصفح عمّن ظلمه ، والإعطاء لمن حرمه ، والصلة لمن قطعه (4) .
وقال :حفظ الرجل أخاه بعد وفاته في تركته كرم. (5) .
وقال :المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من (6) حقّ وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل (7) .
وروى محمّد بن حبيب عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليه السلام ورفعه قال :ما من مؤمن أدخل على قوم سرورا إلاّ خلق اللّه من ذلك السرور ملَكا يعبد اللّه تعالى ويحمده ويمجّده ، فإذا صار المؤمن في لحده أتاه ذلك السرور الّذي أدخله على اُولئك القوم فيقول : أنا اليوم اُونس وحشتك واُلقنك حجّتك واُثبتك بالقول الثابت واُشهد بك مشاهد القيامة واُشفع بك إلى ربّك واُريك منزلتك من الجنّة (8) .
.
ص: 925
وقال إبراهيم بن مسعود :كان رجل من التجّار يختلف إلى جعفر بن محمّد عليه السلام وبينه (1) وبينه مودّة وهو معروف بحسن حال (2) فجاء بعد حين إلى جعفر بن محمّد وقد ذهب ماله وتغيّر حاله فجعل يشكو إلى جعفر فأنشده جعفر عليه السلام (3) : فلا تجزع وإن اُعسرت يومافقد أيسرت في زمنٍ طويل (4) ولا تيأس (5) فإنّ اليأس كفرلعلّ اللّه يغنى عن قليل ولا تظننّ بربّك ظنّ سوءٍفإنّ اللّه أول_ى بالجميل
وعن أبي حمزة الثمالي :قال : كنت مع أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق بين مكّة والمدينة فالتفت فإذا عن يساره (6) كلب أسود فقال له : مالك قبّحك اللّه ما أشدّ مسارعتك! فإذا هو في الهواء شبيه (7) الطائر ، فتعجّبت من ذلك ، فقال لي : هذا غثيم (8) بريد الجنّ مات هشام (9) الساعة وهو يطير (10) ينعاه في كلّ بلد (11) .
.
ص: 926
وعن إبراهيم بن عبدالحميد قال :اشتريت من مكّة بُردة وآليت (1) على نفسي أن لا تخرج من ملكي حتّى تكون كفني ، فخرجت بها إلى عرفة فوقفت فيها الموقف ثمّ انصرفت إلى المزدلفة (2) فبعد أن صلّيت فيها المغرب والعشاء رفعتها وطويتها ووضعتها تحت رأسي ونمت ، فلمّا انتبهت فلم أجدها فاغتممت لذلك غمّا شديدا ، فلمّا أصبحت صلّيت وأفضيت مع الناس إلى منى فإنّي واللّه في مسجد الخيف إذ أتاني رسول من أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام يقول لي : يقول (3) لك أبو عبد اللّه : أقبِل (4) في هذه الساعة ، فقمت مسرعا حتّى دخلت على أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام وهو في فسطاطه فسلّمت عليه وجلست فالتفت إليَّ وقال (5) : يا إبراهيم نحن نحبّ أن نعطيك بردة تكون لك كفنا قلت : والّذي يحلف به (6) إبراهيم لقد كانت معي بردة معدّها لذلك ولقد ضاعت منّي في المزدلفة ، فأمر غلامه فأتاني ببردة فتناولتها فإذا هي واللّه بردتي بعينها ، فقلت : بردتي يا سيّدي ، فقال : خذها واحمد اللّه تعالى يا إبراهيم فقد جمع اللّه عليك يا إبراهيم (7) .
وروي عن جعفر الصادق عليه السلام انّه قال لغلامه (8) يافد :يايافد إذا كتبت رقعة أو كتابا
.
ص: 927
في حاجة وأردت أن تنجح حاجتك الّتي تريد فاكتب في رأس الرقعة (1) بقلم غير مديد : بسم اللّه الرحمن الرحيم وعَد اللّه الصابرين المخرج ممّا يكرهون والرزق من حيث لايحتسبون . جعلنا اللّه وإيّاكم من الذين لاخوفٌ عليهم ولاهم يحزنون . قال يافد : فكنت أفعل ذلك فتنجح حوائجي (2) .
مناقب أبي جعفر الصادق عليه السلام فاضلة ، وصفاته في الشرف كاملة ، وشرفه على جبهات الأيام سائلة ، وأندية المجد والعزّ بمفاخره ومآثره آهلة (3) . مات الصادق جعفر بن محمّد عليهاالسلام سنة ثمان وأربعين ومائة في شوّال 4 وله من العمر ثمان وستون سنة 5 أقام فيها مع جدّه عليّ بن الحسين اثني عشر سنة
.
ص: 928
وأياما (1) ومع أبيه محمّد بن عليّ بعد وفاة جدّه ثلاثة عشر سنة (2) وبقى بعد موت أبيه أربعا وثلاثين 3 سنة وهي مدّة إمامته عليه السلام ، يقال إنّه مات بالسمّ في أيام المنصور (3) وقبره بالبقيع ، دفن في القبر الّذي فيه أبوه وجدّه وعمّ جدّه ، فللّه درّه من
.
ص: 929
قبر ما أكرمه وأشرفه (1) . وأمّا أولاده فكانوا سبعة ، ستة ذكور وبنت واحدة ، وقيل كانوا أكثر من ذلك 2 . أسماء الذكور : موسى الكاظم (2) إسماعيل 4
.
ص: 930
ومحمّد (1) وعليّ (2) وعبد اللّه (3) وإسحاق 4 ، والبنت اسمها اُمّ فروة (4) رضوان اللّه عليهم .
.
ص: 931
الفصل السابع : في ذكر أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام وهو الإمام السابع 1 وتاريخ ولادته ومدّة إمامته ومبلغ عمره ووقت وفاته وعدد أولاده وذكر نسبه وكنيته ولقبه وغير ذلك ممّا يتصل بهقال بعض أهل العلم : الكاظم هو الإمام الكبير القدر ، والأوحد الحجّة الحبر ،
.
ص: 932
الساهر ليله قائما ، القاطع نهاره صائما ، المسمّى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظما ، وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى اللّه ، وذلك لنجح قضاء حوائج المسلمين ونيل مطالبهم وبلوغ مآربهم وحصول مقاصدهم (1)(2) . قال الشيخ المفيد : كان أبو الحسن موسى الكاظم هو الإمام بعد أبيه والمقدّم على جميع بنيه لاجتماع خلال (3) الفضل فيه والكمال ، وورود صحيح النصوص وجليّ الأقوال عليه من أبيه بأنّه وليّ عهده والإمام القائم من بعده (4) .
.
ص: 933
روى أبو عليّ الأرجاني عن عبدالرحمن بن الحجّاج قال : دخلت على أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام في منزله فإذا هو في بيت كذا ومسجد له من داره (1) وهو يدعو وعلى يمينه ولده موسى بن جعفر الكاظم يؤمّن على دعائه ، فقلت له : جعلني اللّه فداك (2) قد عَرفت انقطاعي إليك وخدمتي لك فمن وَليُّ الأمر بعدك؟ فقال : يا عبدالرحمن إنّ موسى قد لبس الدرع واستوت (3) عليه ، فقلت له : لا أحتاج بعد هذا إلى شيء» (4) . وروى عبدُ الأعلى (5) عن الفيض بن المختار (6) قال : قلت لأبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام : خُذْ بيدي من النار مَنْ لنا بعدك؟ قال : فدخل أبو إبراهيم موسى الكاظم وهو يومئذٍ غلام فقال : هذا صاحبكم فتمسّك به (7) .
.
ص: 934
وعن ابن أبي نجران عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام : بأبي أنت واُمي إنّ الأنفس يُغدى عليها ويُراح (1) فإذا (2) كان ذلك فمن؟ فقال جعفر : إذا كان ذلك فهو (3) صاحبكم ، وضرب بيده على منكب [أبي الحسن الأيمن وهو فيما أعلم يومئذٍ خماسي وعبد اللّه بن جعفر جالس معنا] (4) موسى الكاظم . ولد موسى الكاظم بالأبواء (5) سنة ثمان وعشرين ومائة للهجرة 6 .
.
ص: 935
وأمّا نسبه أبا واُمّا فهو موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمّد الباقر ابن عليّ زين العابدين ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (رض) (1) . وأمّا اُمّه فتسمّى حميدة البربرية 2 . وأمّا كنيته : فأبو الحسن (2) ، وألقابه كثيرة أشهرها : الكاظم ثمّ الصابر والصالح
.
ص: 936
والأمين 1 . صفته: أسمر غميق (1) ، شاعره السيّد الحميري (2) ،بابه (3) : محمّد بن الفضل (4) ،
.
ص: 937
نقش خاتمه «الملك للّه وحده» (1) ، معاصره الهادى موسى (2) وهرون الرشيد (3) . وأمّا مناقبه وكراماته الظاهرة وفضائله وصفاته الباهرة تشهد له بأنه افترع منه (4) الشرف وعلاها وسما إلى أوج المزايا فبلغ أعلاها ، وذللت له كواهل السيادة فركبها وامتطاها ، وحكم في غنائم المجد فأختار صفاياها فاصطفاها (5) . فمن ذلك ماأخبر به الفضل بن الربيع عن أبيه عن جدّه أنّ المهدي لمّا حبس موسى بن جعفر الكاظم [ففي بعض الليالي ]رأى [المهدي ]في النوم (6) عليّ بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول له : يا محمّد «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ
.
ص: 938
أَرْحَامَكُمْ» (1) قال الربيع : فأرسل إليَّ المهدي ليلاً فراعني وخفت من ذلك ، فلمّا دخلتُ عليه (2) فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان من أحسن الناس صوتا ، فقال : عليَّ الآن بموسى بن جعفر فجئته (3) به فعانقه وأجلسه إلى جانبه (4) وقال : يا أبا الحسن إنّي رأيت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في هذه الساعة في النوم فقرأ عليَّ كذا وكذا فتؤمنّي أن لاتخرج عليَّ ولا على أحدٍ من ولدي؟ فقال : واللّه لافعلت ذلك ولا هو من شأني ، قال : صدقت ، يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار وردّه (5) إلى أهله إلى المدينة . قال الربيع فأحكمت أمره في ثاني ليلة (6) وقضيت جميع حوائجه وما (7) أصبح إلاّ وقد قطع أرضا خوفا عليه من العوائق 8 .
.
ص: 939
قال حسام (1) بن حاتم الأصمّ : قال لي [أبي] حاتم : [قال لي] شقيق البلخي (2) : خرجت حاجّا في سنة تسع وأربعين ومائة فنزلت القادسيّة فبينا (3) أنا انظر [إلى ]الناس في مخرجهم إلى الحاجّ وزينتهم وكثرتهم إذ (4) نظرت إلى فتىً (5) حسن الوجه شديد السمرة ضعيف (6) فوق ثيابه ثوب صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان وقد جلس منفردا ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفية ويريد أن يخرج مع الناس فيكون كلاًّ على الناس (7) في طريقهم واللّه لأمضينّ إليه ولاُوبخنّه ، فدنوت منه فلمّا رآني مقبلاً نحوه قال : ياشقيق «اجْتَنِبُواْ كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ» (8) ثمّ تركني (9) ومضى (10) ، فقلت في نفسي : إنّ هذا الأمر عظيم قد تكلّم بما (11) في
.
ص: 940
نفسي (1) ونطق باسمي وما هذا إلاّ عبد صالح لألحقنّه ولأسأله الدعاء و أن يحلّلني ممّا ظننته (2) به ، فغاب عنّى ولم أره . فلمّا نزلنا واقصة (3) فإذا هو واقف يصلّي [وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري ]فقلت : هذا صاحبي أمضي إليه وأستحلّه (4) ، فصبرت حتّى جلس (5) من صلاته فالتفت إليَّ وقال : يا شقيق اتلُ «وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَ__لِحًا ثُمَّ اهْتَدَى» (6) ثمّ قام ومضى وتركني فقلت : ان هذا الفتى من الأبدال (7) لقد (8) تكلّم على سرّي مرّتين . فلمّا نزلنا زبالة (9) وإذا أنا بالفتى قائم على البئر وأنا أنظر إليه وبيده ركوة يريد أن يستقي فيها الماء ، فسقطت الركوة من يده في البئر فرمق إلى السماء بطرفه وسمعته يقول : أنت ربّي إذا ظمئت إلى الماء ، وأنت (10) قوّتي إذا طلبت طعاما (11) ، ثمّ قال : اللّهمّ إلهي وسيّدي مالى غيرها (12) فلا تعدمنيها . قال شقيق : فواللّه لقد رأيت الماء ارتفع إلى رأس البئر والركوة طافية عليه فمدّ يده وأخذها وملأها ماءً ، فتوضّأ منها
.
ص: 941
وصلّى أربع ركعات ، ثمّ مال إلى كثيب رَملٍ فجعل يقبض بيده يطرحه في الركوة ويحركها ويشرب ، فأقبلت إليه (1) وسلّمت عليه فردّ عليَّ السلام فقلت : أطعمني من فضل ما أنعم اللّه عليك ، فقال : يا شقيق لم تزل نِعَم اللّه علينا (2) ظاهرة وباطنة فأحسن ظنّك بربّك ، ثمّ ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكّر ، فواللّه ما شربت قطّ ألذّ منه ولاأطيب ريحا فشبعت ورويت وأقمت أياما لاأشتهى طعاما ولاشرابا . ثمّ لم أرَه حتّى حططنا (3) بمكة فرأيته ليلة إلى جنب قبّة الشراب في نصف الليل وهو قائم يصلّي بخشوع وأنين وبكاء ، فلم يزل كذلك حتّى ذهب الليل ، فلمّا رأى الفجر (4) جلس في مُصلاّه يُسبّح اللّه تعالى ، ثمّ قال إلى حاشيته الطواف فركع الفجر (5) هناك ثمّ صلّى فيه الصبح مع الناس ، ثمّ دخل الطواف فطاف إلى بعد شروق الشمس ، ثمّ صلّى خلف المقام ، ثمّ خرج يريد الذهاب فخرجت خلفه اُريد السلام عليه وإذا بجماعة قد طافوا به يمينا وشمالاً ومن خلفه ومن قدّامه ، وإذا له حاشية وغاشية (6) وموالٍ وخدم وحشم وأتباع قدخرجوا معه ، فقلت لهم : من هذا الفتى؟ فقالوا : هو موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقلت : لايكون هذا إلاّ لمثل هذا ، ثمّ إنّي انصرفت . وهذه الحكاية رواها جماعة من أهل التأليف والمحدّثين ، رواها ابن الجوزي في كتابه مسير العزم (7) الساكن إلى أشرف الأماكن ، ورواها الحافظ عبدالعزيز
.
ص: 942
الأخضر الجنابذي (1) في كتابه معالم العترة النبوية ، ورواها الرامهرمزي (2) قاضي القضاة في كتابه كرامات الأولياء ، وغيرهم 3 . ومن كتاب الدلائل للحميري روى أحمد بن محمّد عن أبي قتادة القمّي عن أبي خالد الزُبالي (3) قال : قدم علينا أبو الحسن موسى الكاظم عليه السلام زُبالة ومعه جماعة من أصحاب المهدي ، بعثهم [المهدي] في إشخاصه إليه إلى العراق من المدينة ذلك في مسكنه الاُولى ، فأتيته وسلّمت عليه فسرّ برؤيتي وأوصاني وأمرني بشراء حوائج له
.
ص: 943
وتبييتها (1) عندي ، ونظر إليَّ فرآني غير منبسط وأنا مغموم (2) منقبض ، فقال : مالي أراك مغموما (3) ؟ فقلت : وكيف لا ، ورأيتك سائرا وأنت تصير إلى هذا (4) الطاغية ولا آمنه (5) عليك منه؟! فقال : يا أبا خالد ليس عليَّ منه بأس ، فإذا كانت سنة كذا في شهر كذا في يوم الفلاني فانتظرني آخر النهار مع دخول أوّل الليل فإنّي اُوافيك إن شاء اللّه تعالى . قال أبو خالد : فما كان لي هَمٌّ إلاّ إحصاء تلك الشهور والأيّام إلى ذلك اليوم الّذي وعدني المأتيّ فيه، فخرجت وانتظرته إلى أن غربت الشمس فلم أرَ أحدا فداخلني (6) الشكّ في أمره ، فلمّا كان دخول الليل فبينما أنا كذلك فإذا بسوادٍ قد أقبل من ناحية العراق [فقصدته] فإذا هو على بغلةٍ أمامٍ القطار فسلّمت عليه وسررت بمقدمه وتخلّصه ، فقال لي : داخلك الشكّ يا أبا خالد؟ فقلت : الحمدللّه الّذي خلّصك من هذا (7) الطاغية ، فقال : يا أبا خالد إنّ لي (8) إليهم عودة لا أتخلّص منها (9) . وروي عن عيس المدائني قال : خرجت سنة إلى مكة فأقمت [بها] مجاورا ثمّ
.
ص: 944
قلت : أذهب إلى المدينة فاُقيم بها (1) سنة مثل ما أقمت بمكة فهو أعظم لثوابي (2) ، فقدمت المدينة فنزلت طرف المصلّى إلى جنب دار أبي ذرّ (رض) وجعلت أختلف إلى سيّدى موسى الكاظم عليه السلام ، فبينما أنا عنده في ليلة مطيرة (3) إذ قال : يا عيسى ارجع (4) فقد انهدم بيتك (5) على متاعك ، فقمت فإذا البيت قد انهدم (6) على المتاع ، فاكتريت قوما كشفوا عن متاعي واستخرجت جميعه ولم يذهب لي شيء غير سطل الوضوء ، فلمّا أتيته من الغد قال : هل فقدت شيئا من متاعك فندعو اللّه لك بالخلف؟ فقلت : ما فقدت غير سطل (7) كنت أتوضأ به ، فأطرق رأسه [مليا ]ثلاثا (8) ثمّ رفعه فقال:قد ظننت أنّك أنسيت السطل (9) قِبل جارية ربّ الدار فاسألها عنه وقل لها أنسيت السطل في بيت الخلاء فردّيه فإنّها (10) ستردّه عليك . قال : فسألتلها عنه فردّته (11) . وعن عثمان بن عيسى قال : قال موسى الكاظم [أبو الحسن ]لإبراهيم بن عبدالحميد وقد لقيه سحرا وإبراهيم ذاهب إلى قبا (12) وموسى [أبو الحسن ]داخل
.
ص: 945
إلى المدينة [فقال] : يا إبراهيم [فقلت : لبّيك] قال : إلى أين؟ قال : [قلت ]إلى قبا ، فقال : في أيّ شيء؟ فقلت : انّا في كلّ سنة نشتري من هذا التمر فأردت أن آتي رجلاً في هذه السنة من الأنصار فأشتري منه نخلاً [من الثمار ]فقال له موسى : وقد آمنتم الجراد؟ ثمّ دخل (1) ومضيت أنا فأخبرت أبا العزّ فقال : لا واللّه لا أشتري العام نخلة ، فوقع كلامه في صدره (2) فلم يشتر شيئا ، فما مرّت [بنا ]خامسة حتّى بعث اللّه جرادا فأكل عامّة [مافي ]النخل (3) . ونقل صاحب كتاب نثر الدرّ (4) [قال : وكتب عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن] (5) أنّ موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ذكر له أنّ الهادي قدهمّ بك [وعنده جماعة] قال لأهل بيته ومن يليه [بما عزم عليه موسى بن المهدي في أمره] : ما تشيرون به عليَّ من الرأي؟ فقالوا : نرى أن تتباعد عنه وأن تغيّب شخصك عنه (6) فإنه لا يؤمَن عليك من شرّه ، فتبسّم أبو الحسن ثمّ قال : زعمت سخينة (7) أن ستغلب ربّها فليغلبنّ مغالب الغلاّب (8) ثمّ إنّه رفع يده إلى السماء فقال : إلهي (9) كم من عدوٍّ شحذ لي ظبّة مديته (10) وداف لي قواتل سمومه ولم تنم عنّي عين حراستك ، فلمّا رأيتَ ضعفي عن احتمال الفوادح وعجزي عن ملمّات الحوائج (11) صرفتَ عنّي ذلك بحولك وقوّتك لابحولي وقوّتي وألقيته (12) في الحفيرة الّتي (13) احتفره لي (14) خائبا ممّا أمّله في دنياه (15) متباعدا عمّا يرجوه في اُخراه (16) فلك الحمد على ذلك قدر ما عممتني فيه من نعمك وماتولّيتني من جودك وكرمك . اللّهمّ فخذه بقوّتك (17) وافلل حدّه عنّي بقدرتك واجعل له شغلاً فيما يليه وعجزا به عمّا ينويه (18) . اللّهمّ وأعدني عليه عدوةً حاضرةً
.
ص: 946
تكون من غيظي شفاءً ومن حقّي (1) عليه وفاءً ، وصل اللّهمّ دعائي بالإجابة وانظم شكايتي بالتعبير وعرّفه عمّا قليل ماوعدت [الظالمين ]به من الأجابة لعبيدك المضطرّين إنّك ذو الفضل العظيم والمنّ الجسيم . ثمّ إنّ أهل بيته انصرفوا عنه ، فلمّا كان بعد مدّة يسيرة حتّى اجتمعوا لقراءة الكتاب الوارد على موسى الكاظم بموت موسى الهادى ، وفي ذلك يقول بعضهم : وسارية لم تسر في الأرض تبتغي محلاًّ ولم يقطع بها الأرض (2) قاطع من أبيات ممّا قيل في الدعاء المستجاب (3) . وعن عبد اللّه بن إدريس عن ابن سنان قال : حمل الرشيد في بعض الأيّام إلى عليّ بن يقطين 4 ثيابا فاخرة أكرمه بها وكان في (4) جملتها دُرّاعة [خزّ] منسوجة
.
ص: 947
بالذهب سوداء من لباس الملوك (1) ، فأنفذ بها عليّ بن يقطين إلى موسى الكاظم عليه السلام فردّها الإمام إليه وكتب إليه أن احتفظ بها ولاتخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه ، فارتاب عليّ بن يقطين بردّها عليه ولم يدر ما سبب كلامه ذلك . ثمّ احتفظ (2) بالدُرّاعة وجعلها في سفط وختم عليها ، فلمّا كان بعد ذلك بمدّة يسيرة تغيّر عليّ بن يقطين على غلامه (3) ممّن كان يختصّ باُموره ويطّلع عليها ، فصرفه عن خدمته وطرده لأمر أوجب ذلك منه . فسعى الغلام بعليّ بن يقطين (4) إلى الرشيد وقال له : إنّ عليّ بن يقطين يقول بإمامة موسى الكاظم عليه السلام وإنه يحمل إليه في كلّ سنة زكاة ماله والهدايا والتحف ، وقد حمل إليه في هذه السنة ذلك وصحبته الدُرّاعة السوداء الّتي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا . فاستشاط الرشيد لذلك وغضب غضبا شديدا وقال : لأكشفنّ عن هذه الحال (5) فإن كان الأمر على ما ذكرت أزهقت نفسه (6) وذلك من بعض جزائه . فأنفذ في الوقت والحين أن يحضر عليّ بن يقطين ، فلمّا مثُل بين يديه قال : ما
.
ص: 948
فعلت بالدُرّاعة السوداء الّتي كسوتك بها (1) واختصصتك بها من مدّة من بين سائر خواصّي؟ قال : هي عندي يا أمير المؤمنين في سفط فيه طيب مختوم عليها ، فقال : احضرها الساعة ، فقال : نعم يا أمير المؤمنين السمع والطاعة ، فاستدعى بعض خدمه فقال : امض وخذ مفتاح البيت الفلاني من داري وافتح الصندوق الفلاني وجئني (2) بالسفط الّذي فيه على حالته بختمه . فلم يلبث الخادم إلاّ قليلاً حتّى عاد وفي صحبته السفط مختوما على حالته بختمه ، فوضع بين يدي الرشيد ، فأمر بكسر (3) ختمه ففكّ وفتح السفط فإذا بالدُرّاعة فيه مطوية ومدفونة بالطيب على حالها لم تُلبس ولم تُدنس ولم يُصبها شيء من الأشياء . فقال لعليّ بن يقطين : ارددها (4) إلى مكانها وخذها وانصرف راشدا فلن اُصدّق (5) بعدها عليك ساعيا ، وأمر أن يُتبع بجائزة سنية وأمر أن يُضرب الساعي ألف سوط فضُرب ، فلمّا بلغوا إلى خمسمائة سوط مات تحت الضرب قبل الألف (6) . وكان [أبو الحسن] موسى الكاظم عليه السلام أعبد أهل زمانه وأعلمهم (7) وأسخاهم كفّا
.
ص: 949
وأكرمهم نفسا (1) ، وكان يتفقُد فقراء المدينة في الليل ويحمل إليهم الدراهم والدنانير إلى بيوتهم والنفقات ولايعلمون من أيّ جهة وصلهم ذلك ، ولم يعلموا بذلك إلاّ بعد موته عليه السلام وكان كثيرا مّا يدعو . «اللّهمّ إنّي أسالك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب» (2) . وحكي أنّ الرشيد سأله يوما : كيف قلتم نحن (3) ذرّية رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوأنتم أبناء (4) عليّ وإنّما يُنسب الرجل إلى جدّه لأبيه دون جدّه لاُمّه؟! فقال الكاظم عليه السلام : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم : «وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَ_نَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَ_رُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ» (5) وليس لعيسى أب وإنما اُلحق بذرّية الأنبياء من قِبل اُمّه ، وكذلك اُلحقنا بذرّية النبي من قِبل اُمّنا فاطمة الزهراء عليهاالسلام .وزيادة اُخرى يا أمير المؤمنين قال اللّه عزّوجلّ : «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ...» (6) ولم يدع صلى الله عليه و آلهعند مباهلة النصارى غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين وهما الأبناء 7 .
.
ص: 950
وروي أنّ موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام أحضر وُلده يوما فقال لهم : يا بَنيَّ إنّي موصيكم بوصية مَن حفظها انتفع بها ، إذا أتاكم آتٍ فأسمع أحدكم في الاُذن اليمنى مكروها ثمّ تحوّل إلى الاُذن اليسرى فاعتذر وقال لم أقل شيئا فاقبلوا عذره (1) . وروي عن موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه مرفوعا قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : نظر الولد إلى والديه حبّا لهما عبادة 2 . وعن إسحاق بن جعفر قال : سألت أخي موسى بن جعفر قلت : أصلحك اللّه أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، قلت: أيكون جبانا؟ قال : نعم ، قلت : أيكون خائنا؟ قال : لا ولايكون كذّابا 3 . ثمّ قال : حدّثني أبي جعفر الصادق عليه السلام عن آبائه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : كلّ خلّة يطوى المؤمن عليها ليس الكذب والخيانة . 4 .
.
ص: 951
وروي أحمد بن عبد اللّه بن عماد (1) عن محمّد بن عليّ النوفلي (2) قال : كان السبب في أخذ الرشيد موسى بن جعفر وحبسه أنه سعى به إليه جماعة وقالوا : إنّ الأموال تُحمل إليه من جميع الجهات والزكوات والأخماس ، وإنّه اشترى ضيعة سمّاها اليسيرية (3) بثلاثين ألف دينار ، فخرج الرشيد في تلك السنة يريد الحجّ وبدأ بدخوله إلى المدينة ، فلمّا أتاها (4) استقبله موسى بن جعفر في جماعة من الأشراف ، فلمّا دخلها واستقرّ ومضى كلٌّ إلى سبيله ذهب موسى على جاري عادته إلى المسجد وأقام الرشيد إلى الليل وصار (5) إلى قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفقال : يا رسول اللّه إنّي أعتذر إليك من أمر (6) اُريد أن أفعله وهو أن احبس (7) موسى بن جعفر عليه السلام فإنه يريد التشتيت (8) بين اُمّتك وسفك دمائهم (9)(10) ، وإنّي اُريد حقنها .
.
ص: 952
ثمّ خرج فأمر به فاُخذ من المسجد ودخل (1) به إليه فقيّده في تلك الساعة واستدعى بقبّتين (2) فجعل كلّ واحدة منهما على بغل فجعله في إحدى القبّتين وسترها بالسقلاط (3) وجعل مع كلّ واحدة منهما خيلاً وأرسل بواحدة منهما من على طريق البصرة وبواحدة [من] على طريق الكوفة ، وإنّما فعل الرشيد ذلك ليُعمّي أمره على الناس . وكان موسى الكاظم في القبّة الّتي أرسل بها على طريق البصرة ، وأوصى القوم الذين كانوا معه أن يسلّموه إلى عيسى بن جعفر بن منصور (4) وكان على البصرة يومئذٍ واليا ، فسلّموه إليه ، فتسلّمه منهم وحبسه عنده سنة (5) . فبعد السنة كتب إليه الرشيد في سفك دمه وإراحته منه ، فاستدعى عيسى بن جعفر بعض خواصّه وثقاته اللائذين (6) به والناصحين له فاستشارهم بعد أن أراهم ما كتب به إليه الرشيد ، فقالوا : نشير عليك بالاستعفاء من ذلك وأن لاتقع فيه ، فكتب عيسى بن جعفر إلى الرشيد يقول : يا أمير المؤمنين كتبت إلىَّ في هذا الرجل وقد
.
ص: 953
اختبرته طول مقامه في حبسي بمن حبسته معه عينا عليه لتنظروا (1) حيلته وامره وطويته بمن له المعرفة والدراية ويجري من الإنسان مجرى الدم ، فلم يكن منه سوء قطّ ، ولم يذكر أمير المؤمنين إلاّ بخير ، ولم يكن عنده تطلّع إلى ولاية ولاخروج ولاشيء من أمر الدنيا ، ولاقطّ دعا على أمير المؤمنين ولا على أحد من الناس ، ولايدعو إلاّ بالمغفرة والرحمة له ولجميع المسلمين ، مع ملازمته للصيام والصلاة والعبادة ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من أمره وينفذ مَن يتسلّمه منّي و إلاّ خلّيت (2) سبيله فإني منه في غاية الحرج 3 . وروي أنّ شخصا من بعض العيون الّتي كانت عليه في السجن رفع إلى عيسى بن جعفر أنه سمعه يقول في دعائه : اللّهمّ إنّك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك اللّهمّ وقد فعلتَ فلك الحمد (3) .
.
ص: 954
فلمّا بلغ الرشيد كتاب عيسى بن جعفر كتب 1 إلى السندي بن شاهَك أن يتسلّم موسى بن جعفر الكاظم من عيسى وأمره فيه بأمر ، فكان الّذي تولّى به قتله السندي أن يجعل له سمّا في طعام وقدّمه إليه ، وقيل في رطب ، فأكل منه موسى بن جعفر عليه السلام . ثمّ إنه أقام موعوكا (1) ثلاثة أيام ومات 3 .
.
ص: 955
ولمّا مات موسى بن جعفر عليه السلام أدْخَلَ السندي بن شاهَك لعنه اللّه الفقهاء ووجوه الناس من أهل بغداد وفيهم أبو الهيثم بن عديّ وغيره فنظروا (1) إليه أنه ليس به أثر من جراح ولا (2) مغلّ أو خنق [وأشهدهم] على أنه مات حتف أنفه ، فشهدوا على ذلك 3 . وقد كان قوم زعموا في أيّام موسى الكاظم عليه السلام أنه هو القائم المنتظر ، وجعلوا
.
ص: 956
حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم ، فأمر يحيى بن خالد أن يوضع على الجسر ببغداد وأن ينادي : هذا موسى بن جعفر الّذي تزعم الرافضة أنه لايموت ، فانظروا إليه ميّتا ، فنظر الناس إليه ثمّ إنّه حُمل ودُفن في مقابر قريش في باب (1) التبن 2 .
.
ص: 957
وروي أنه لمّا حضرته الوفاة سأل من السندي أن يحضر مولىً له (1) مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمّد في مشرعة القصب (2) ليتولّى غُسله ودفنه وتكفينه ، فقال له السندي : أنا أقوم لك بذلك على أحسن شيء وأتمّه ، فقال : إنّا أهل بيتٍ مهور نسائنا وحجّ صرورتنا وأكفان موتانا (3) وجهازهم من طاهر (4) أموالنا ، وعندي كفن واُريد أن يتولّى غسلي وجهازي مولاي فلان هذا ، فأجابه إلى ذلك وأحضره إيّاه فوصّاه بجميع ما يفعل ، ولمّا أن مات تولّى ذلك جميعه مولاه المذكور 5 . ومن كتاب الصفوة لابن الجوزي قال : بعث موسى بن جعفر عليه السلام إلى الرشيد من الحبس برسالة كتب إليه فيها انّه لن ينقضي عنّي يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتّى نمضي (5) جميعا إلى يوم ليس ]له[ انقضاء ، هناك يخسر فيه
.
ص: 958
المبطلون (1) . وروى إسحاق بن عمّار (2) قال : لمّا حَبَسَ هارون ]أبا الحسن[ موسى الكاظم عليه السلام دخل عليه السجن ليلاً أبو يوسف ومحمّد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة ]فقال أحدهما للآخر : نحن على أحد الأمرين ، إمّا أن نساويه أو نشكله[ فسلمّا عليه وجلسا عنده وأرادا أن يختبراه بالسؤال لينظرا مكانه من العلم ، فجاء رجل كان موكّلاً من قبل السندي بن شاهَك (3) بالكاظم عليه السلام فقال له : إنّ نوبتي قد انقضت (4) واُريد الانصراف إلى غد إن شاء اللّه فإن كان لك حاجة تأمرني (5) حتّى أن آتيك بها معي إذا جئتك غدا ، فقال : مالي حاجة انصرف . فلمّا أن خرج (6) قال لأبي يوسف ومحمّد بن الحسن : إنّي لأعجب (7) من هذا الرجل يسألني أن اُكلّفه حاجةً يأتيني بها غدا إذا جاء وهو ميّت في هذه الليلة . فأمسكا عن سؤاله وقاما ولم يسألا عن شيء وقالا : أردنا أن نسأله عن الفرض (8) والسنّة أخذ يتكلّم معنا علم الغيب ، واللّه لنرسل خلف الرجل من يبيت عند باب داره وننظر ما يكون من أمره . فأرسلا شخصا من جهتهما جلس على باب ذلك الرجل فلمّا كان أثناء الليل
.
ص: 959
وإذا بالصراخ والواعية ، فقيل لهم : ما الخبر؟ فقالوا : مات صاحب البيت فجأةً ، فعاد إليهما الرسول وأخبرهما بذلك فتعجّبا من ذلك غاية العجب (1) . كانت وفاة أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام لخمس بقين من شهر رجب الفرد سنة ثلاث وثمانين ومائة 2 وله من العمر خمس وخمسون (2) سنة كان مُقامه منها مع أبيه
.
ص: 960
عشرين سنة ، وبقي بعد وفاة أبيه خمسا وثلاثين سنة وهي مدّة إمامته عليه السلام (1) . وأمّا أولاده فقال الشيخ المفيد رحمه الله : ]و] كان لأبي الحسن موسى بن جعفر سبعة وثلاثون ولدا ما بين ذكر واُنثى منهم (2) : عليّ بن موسى الرضا الإمام وإبراهيم والعباس والقاسم لاُمّهات أولادٍ ، وإسماعيل وجعفر وهارون والحسن (3) أشقّاء لاُمّ ولد ، وعبد اللّه وإسحاق وعبيداللّه وزيد والحسن والفضل وسليمان لاُمّهات شتّى ، وأحمد ومحمّد وحمزة أشقاء لاُمّ ولد ، وفاطمة الكبرى وفاطمة الصغرى ورقية وحكيمة واُمّ أبيها (4) ورقية الصغرى وكُلثُم (5) واُمّ جعفر واُمّ لبانة (6) وزينب وخديجة وعائشة وآمنة وحسنة وبُريهة (7) وعُليّة واُمّ سلمة وميمونة واُمّ كلثوم لاُمهات أولاد . وكان أفضل ولد (8) أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام وأنبههم ذكرا وأجلّهم قدرا عليّ بن موسى الرضا عليه السلام .
.
ص: 961
وكان أحمد بن موسى كريما جليلاً كبيرا ورِعا (1) وكان أبوه موسى الكاظم يُحبّه ووهب له ضيعة اليسيرية . ويقال : إنّ أحمد بن موسى اُعتق له ألف مملوك . وكان محمّد بن موسى صاحب وضوء وصلاة ليله كلّه يتوضّأ ويصلّي ويرقد ، ثمّ يقوم فيتوضّأ ويصلّي ويرقد ، هكذا إلى الصباح . قال بعض شيعة أبيه : ما رأيته قطّ إلاّ ذكرت قوله تعالى : «كَانُواْ قَلِيلاً مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ» (2) . وكان إبراهيم بن موسى شجاعا كريما وتقلّد الإمرة (3) على اليمن في أيام المأمون من قِبل محمّد بن زيد (4) بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام . ولكلّ واحد من وُلد (5) أبي الحسن موسى المذكور الكاظم عليه السلام فضل مشهور 6 .
.
ص: 962
. .
ص: 963
. .
ص: 964
. .
ص: 965
الفصل الثامن : في ذكر أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام وهو الإمام الثامن 1 تاريخ ولادته ومدّة إمامته ومبلغ عمره ووقت وفاته وعدد أولاده وذكر كنيته ونسبه ولقبه وغير ذلك ممّا يتّصل بهقال الشيخ كمال الدين بن طلحة : تقدّم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام
.
ص: 966
وزين العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام وجاء عليّ بن موسى الرضا ثالثهما 1 ، ومَن أمعن نظره وفكره (1) وجِدّه في الحقيقة وارثهما نمى إيمانه وعلا شأنه وارتفع [واتسع ]مكانه وكثر أعوانه وظهر برهانه حتّى أحلّه (2) الخليفة المأمون محلّ مهجته وأشركه في مملكته وفوّض إليه أمر خلافته وعقد له على رؤوس الأشهاد عقد نكاح ابنته . وكانت مناقبه علية وصفاته سنية [ومكارمه حاتمية وشنشنه أخزمية وأخلاقه
.
ص: 967
عربية] ونفسه الشريفة زكية هاشمية وأرومته الكريمة نبوية (1) . قال صاحب الإرشاد (ره) : و كان الإمام القائم بعد موسى الكاظم ولده عليّ بن موسى الرضا عليه السلام لفضله على جماعة أهل بيته وبنيه وإخوته ووفور علمه وغزير حلمه وإجماع (2) الخاصّة والعامّة على اجتماع ذلك فيه والنصّ بالإمامة من أبيه وإشارته إليه بذلك دون سائر أهل بيته وبنيه (3) . وممّن روى ذلك من أهل العلم والدين داود بن كثير الرقّي (4) قال : قلت لأبي إبراهيم موسى الكاظم عليه السلام : جُعلت فداك إنّي قد كَبُرت سنِّي فَخُذ بِيَدي وأنقذني من النار مَنْ صاحبُنا بَعدَك؟ قال : فأشار إلى ابنه أبي الحسن الرضا فقال : هذا صاحبكم من بعدي (5) .
.
ص: 968
وعن زياد بن مروان القندي 1 قال : دخلت على أبي إبراهيم موسى الكاظم وعنده عليّ ابنه أبو الحسن الرضا فقال لي : يا زياد هذا ابني عليّ كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي ، وما قال فالقول قوله (1) . وعن المخزومي : وكانت اُمّه من ولد جعفر بن أبي طالب(رض) (2) قال : بعث إلينا موسى أبو الحسن (3) الكاظم عليه السلام فجمعنا ثمّ قال : أتدرون لم جمعتكم؟ فقلنا : لا ، قال : اشهدوا أنّ ابني هذا _ وأشار إلى عليّ بن موسى الرضا _ هو وصيّي والقائم (4) بأمري وخليفتي من بعدي مَن كان له عندي دَين فليأخذه من ابني هذا ، ومن كانت له عندي عدّة فليتنجّزها (5) منه ، ومَن لم يكن له بُدٌّ من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه (6) .
.
ص: 969
ولد عليّ بن موسى الرضا عليه السلام في المدينة سنة ثلاث وخمسين (1) ومائة 2 ، للهجرة وقيل سنة ثمان وأربعين (2) ومائة . وأمّا نسبه (رض) أبا واُمّا فهو عليّ الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمّد الباقر ابن عليّ زين العابدين ابن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام (3) . وأمّا اُمّه فاُمّ ولد يقال لها اُمّ البنين (4)
.
ص: 971
وأمّا ألقابه : فالرضا (1) والصابر (2) والزكي (3) والولي (4) ، وأشهرها الرضا (5) . صفته معتدل القامة (6) ، شاعره دعبل الخزاعي 7 ،
.
ص: 973
وأمّا مناقبه عليه السلام فمن ذلك ما كان أكبر دلائل برهانه وشهد له بعلوّ قدره وسموّ مكانه وهو أنّه لما جعله المأمون وليّ عهده وأقامه خليفة من بعده كان في حاشية المأمون اُناس قدكرهوا ذلك وخافوا خروج الخلافة عن بني العباس وردّها إلى (1) بني فاطمة ، فحصل عندهم من عليّ بن موسى الرضا عليه السلام نفور ، وكانت عادة الرضا إذا جاء إلى دار المأمون ليدخل عليه بادر (2) مَن في الدهليز من الحجّاب (3) وأهل النوبة من الخدم والحشم بالقيام له والسلام عليه ويرفعون (4) له الستر حتّى يدخل (5) . فلمّا حصلت لهم هذه النفرة تفاوضوا في أمر هذه القضية ودخل منها في قلوبهم شيء قالوا فيما بينهم : إذا جاء ليدخل على الخليفة بعد هذا اليوم نعرض عنه ولانرفع له الستر . واتفقوا على ذلك فيما بينهم . فبينماهم جلوس إذ جاء الرضا عليه السلام على جاري عادته فلم يملكوا أنفسهم أن قاموا وسلّموا عليه ورفعوا له الستر ، فلمّا دخل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون على كونهم مافعلوا ما اتفقو عليه ، وقالوا : الكرّة الثانية (6) إذا جاء لا نرفعه له .
.
ص: 974
فلمّا كان اليوم الثاني وجاء الرضا عليه السلام على عادته قاموا وسلّموا عليه ولم يرفعوا له الستر ، فجاءت ريح شديدة فدخلت في الستر ورفعته أكثر ممّا كانوا يرفعونه له ، فدخل ثمّ سكنت ، ثمّ عند خروجه جاءت الريح أيضا من الجانب الآخر فرفعته له وخرج ، فأقبل بعضهم على بعض وقالوا : إنّ لهذا الرجل عنداللّه منزلة وله منه (1) عناية انظروا إلى الريح كيف جاءت ورفعت له الستر عند دخوله وعند خرجه من الجهتين ، ارجعوا إلى ما كنتم عليه من خدمته فهو خيرٌ لكم ، فعادوا إلى ماكانوا عليه وزادت عقيدتهم فيه (2) . وعن صفوان بن يحيى (3) قال : [لمّا] مضى أبو الحسن موسى الكاظم عليه السلام وقام ولده من بعده أبو الحسن الرضا عليه السلام وتكلّم خفنا عليه من ذلك (4) وقلت (5) له إنّك أظهرت أمرا عظيما وإنّا نخاف عليك من هذا (6) الطاغية _يعني هارون الرشيد _ قال ليجهد (7)
.
ص: 975
جهده فلا سبيل له عليَّ (1) . قال صفوان : فأخبرنا (2) الثقة أنّ يحيى بن خالد البرمكي قال للطاغي (3) : هذا عليّ بن موسى الرضا قد قعد (4) وادّعى الأمر لنفسه ، فقال هارون : ما يكفينا ماصنعنا بأبيه تريد أن نقتلهم جميعا (5) ؟ وعن مسافر قال:كنت مع أبي الحسن الرضا عليه السلام بمنى فمرّ يحيى بن خالد البرمكي 6
.
ص: 976
وهو مغطّي (1) وجهه بمنديل من الغبار ، فقال الرضا عليه السلام : مساكين هؤلاء لايدرون مايحلّ بهم في هذه السنة . فكان من أمرهم ما كان . قال : وأعجب من هذا أنا وهارون كهاتين ، وضمّ اصبعيه السبّابة والوسطى . قال مسافر : فواللّه ماعرفت معنى حديثه في هارون إلاّ بعد موت الرضا ودفنه إلى جانبه (2) . وعن موسى بن مهران (3) قال : رأيت عليّ بن موسى الرضا في المدينة وهارون الرشيد يخطب وقال (4) : أتروني وإيّاه ندفن في بيت واحد (5) . وعن حمزة بن جعفر الا رجاني قال : خرج هارون الرشيد من المسجد الحرام [مرّتين] من باب وخرج عليّ بن موسى الرضا عليه السلام من باب [مرّتين] فقال الرضا عليه السلام وهو يعني هارون : ما أبعد الدار وأقرب اللقاء ، يا طوس يا طوس يا طوس ستجمعني (6) وإيّاه (7) .
.
ص: 977
ومن ذلك ما روي عن بكر بن صالح قال : أتيت الرضا عليه السلام فقلت : امرأتي اُخت محمّد بن سنان وكان من خواصّ شيعتهم بها حمل فادع اللّه أن يجعله ذكرا ، قال : هما اثنان فولّيت وقلت [في نفسي] : اسمي واحدا محمّدا والاّخر عليا ، فدعاني وردّني فأتيته وقال : سمّ واحدا عليّا والاُخرى اُمّ عمر (1) ، فقدمت الكوفة وقد ولد لي غلاما وجارية في بطنٍ فسمّيت الذكر عليّا والاُنثى اُمّ عمر كما أمرني وقلت لاُمّي : ما معنى اُمّ عمر قالت : جدّتك كانت تسمّى اُمّ عمر (2) . ومن كتاب إعلام الورى للطبرسي قال : روى الحاكم أبو عبد اللّه الحافظ بإسناده عن محمّد بن عيسى عن أبي حبيب [النباجي] أنّه قال رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله في المنام وكأنّه قد وافى النباج ونزل بها في المسجد الّذي ينزله الحجّاج (3) من بلدنا في كلّ سنة ، وكأني مضيت إليه وسلّمت عليه ووقفت بين يديه فوجدت (4) عنده طبقا من خوص نخل المدينة فيه تمرصيحاني وكأنّه (5) قبض قبضة من ذلك التمر فناولني فعددته فكان (6) ثمانية عشر تمرةً ، فتأوّلت أنّي أعيش بعدد كلّ تمرةٍ سنةً ، فلمّا كان بعد عشرين يوما وأنا في أرض لي تعمر للزراعة إذ (7) جاءني مَن أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا عليه السلام من المدينة ونزوله ذلك المسجد ، ورأيت الناس يسعون إلى السلام
.
ص: 978
عليه من كلّ جانب ، فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الّذي كنت رأيت النبيّ صلى الله عليه و آلهفيه وتحته حصير مثل الحصير الّذي رأيتها تحته صلى الله عليه و آله وبين يديه طبق من خوص وفيه تمرصيحاني ، فسلّمت عليه ، فردّ عليَّ السلام واستدناني (1) وناولني قبضة من ذلك التمر فعددتها فإذا عدده مثل ذلك العدد الّذي ناولني (2) رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفي النوم ثماني عشرة حبّة تمر ، فقلت : زدني ، فقال : لوزادك رسول اللّه لزدناك 3 . وروى الحافظ أيضا بإسناده عن سعيد (3) بن سعد (4) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه نظر إلى رجل فقال : يا عبد اللّه أوص بما تريد واستعدّ لما لابدّ منه ، فكان ماقد قال : فمات الرجل بعد ذلك بثلاثة أيّام (5) .
.
ص: 979
وعن الحسين بن موسى قال : كنّا حول أبي الحسن الإمام عليّ الرضا ونحن شبّان (1) من بني هاشم إذ مرّ علينا جعفر (2) بن عليّ العلوي وهو رثّ الهيئة ، فنظر بعضنا إلى بعضٍ وضحكنا من هيئته (3) ، فقال الرضا عليه السلام : لترونه (4) عن قريبٍ كثير المال كثير التبع (5) حسن الهيئة فما مضى إلاّ شهر واحد حتّى ولّى أمرة المدينة وحسنت حالته وكان (6) يمرّ علينا وحوله الخدم [ومعه الخصيان ]والحشم يسيرون بين يديه (7) .
وعن الحسين بن يسار (8) قال :قال لي الرضا عليه السلام : إنّ عبد اللّه يقتل محمّدا ، فقلت له : عبد اللّه بن هارون يقتل محمّد بن هارون؟ فقال [لي] : نعم عبد اللّه المأمون [الّذي بخراسان] يقتل محمّد الأمين [ابن زبيدة الّذي هو ببغداد ]فكان كما
.
ص: 980
قال عليه السلام 1 .
وعن أبي الحسن القرضي عن أبيه قال حضرنا مجلس أبي الحسن الرضا عليه السلام فجاءه رجل فشكا إليه حاله فأنشأ الرضا يقول (1) : اعذر أخاك على ذنوبه واستر وغطّ (2) على عيوبه واصبر على بهت (3) السفيه وللزمان على خطوبه ودع الجواب تفضّلاً وكِلِ الظلوم إلى (4) حسيبه وعن محمّد بن يحيى الفارسي قال : نظر أبو نؤاس (5) إلى أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا ذات يوم وقد خرج من عند المأمون على بغلةٍ له فارهة فدنا منه
.
ص: 981
وسلّم عليه وقال : يا بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله [قد] قلتُ فيك أبياتا اُحبّ أن تسمعها منّي فقال له : هات (1) ، فأنشأ أبو نؤاس يقول : مطهّرون نقيّات ثيابهم تجري الصلاة عليهم أينما (2) ذكروا من لم يكن علويا حين تنسبه فما له من (3) قديم الدهر مفتخر وأنتم الملأ الأعلى وعندكم (4) علم الكتاب وما جاءت به السوَر
فقال الرضا عليه السلام :قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها (5) أحد . ثمّ قال : ما معك يا غلام من فاضل نفقتنا؟ قال : ثلاث مائة دينار ، قال : اعطها إيّاه (6) . ثمّ بعد أن ذهب إلى بيته قال عليه السلام : لعلّه استقلّها سق يا غلام إليه البغلة (7) .
ونقل الطوسي (ره) (8) في كتابه عن أبي الصلت الهروي قال : دخل دعبل الخزاعي (9) على أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام بمرو فقال له : يا بن رسول اللّه إنّي قد قلتُ فيكم أهل البيت قصيدة وآليت على نفسي أن لا اُنشدها أحدا قبلك واُحبّ أن تسمعها منّي ، فقال له الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام :
.
ص: 982
هاتها (1) ، فأنشأ يقول : ذكرتُ محلّ الرَبع من عرفاتفأسبلتُ (2) دمع العين بالعبراتِ (3) وفلّ عرى (4) صبري وهاجت صبابتي رسوم ديارٍ أقفرت وعِراتِ مدارس آياتٍ خلت من تلاوةٍ ومنزل وحي مقفر العرصاتِ لآل رسول اللّه بالخيف من مِنى وبالبيت والتعريف والجمراتِ ديارُ عليٍّ والحسين وجعفرٍ وحمزة والسجّاد ذي الثفناتِ ديارٌ لعبد اللّه والفضل صنوه نجيّ رسول اللّه في الخلواتِ (5) منازلُ كانت للصلاة وللتقى وللصوم والتطهير والحسناتِ منازلُ جبريل الأمين يحلّها من اللّه بالتسليم والزكواتِ (6) منازلُ وحي اللّه معدن علمه سبيل رشاد واضح الطرقاتِ قفا نسأل الدار الّتي خفّ أهلها متى عهدها (7) بالصوم والصلواتِ فأين الاُولى شطّت بهم غربة النوى أفانينَ (8) في الأقطار مفترقاتِ (9) اُحبّ قصيّ الرحم من أجل حبّكم وأهجر فيكم زوجتي وبناتي (10) هم آل (11) ميراث النبيّ إذا انتَموا وهم خير ساداتٍ وخير حماةِ مطاعيم في الأعسار (12) في كلّ مشهدٍ فلقد (13) شُرّفوا بالفضل والبركاتِ أئمة عدل يهتدى (14) بفعالهم وتؤمن منهم (15) زلّةُ العثراتِ فياربّ زد قلبي هدىً وبصيرةً وزد حبّهم ياربّ في حسناتِ لقد خفتُ في الدنيا وأيام سعيها (16) وإنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي ألم تر أنّي مذ ثلاثين حجّةً أروح وأغدو دائم الحسراتِ أرى فيئهم في غيرهم متقسّما وأيديهم من فيئهم صفُراتِ إذا وتُروا مدوا إلى أهل واتريهم (17) اكفّا عن الأوتار منقبضاتِ وآل رسول اللّه هُلبٌ رقابهم (18) وآل زياد غلّظ القصراتِ (19) سأبكيهم ماذّر في الاُفق شارقٌ ونادى منادي الخير بالصلواتِ وما طلعت شمسٌ وحان غروبها وبالليل أبكيهم وبالغدواتِ ديار رسول اللّه أصبحن بلقعا وآل زياد تسكن الحجراتِ وآل زياد في القصور مصونة وآل رسول اللّه في الفلواتِ فلولا الّذي أرجوه في اليوم أو غد تقطّع نفسي إثرهم حسراتِ خروج امامٍ لامحالة خارجٌ يقوم على اسم اللّه بالبركاتِ يميز فينا كلّ حقّ وباطل ويجزي على النعماء والنقماتِ فيانفس طيبي ثمّ يا نفس فابشري (20) فغير بعيد كلّما (21) هو آتِ وهي قصيدة طويلة عدد أبياتها مائة وعشرون اقتصرت منها على هذا القدر 22 .
.
ص: 983
ولمّا فرغ دعبل (ره) من إنشادها نهض أبو الحسن الرضا عليه السلام وقال : لاتبرح ، فأنفذ إليه صرّة فيها مائة دينار (1) واعتذر إليه ، فردّها دعبل وقال : واللّه مالهذا ، جئت للسلام عليه والتبرّك بالنظر إلى وجهه الميمون ، وإني لفي غنى ، فان رأى أن يعطيني شيئا من ثيابه للتبرّك فهو أحبّ إلىَّ ، فأعطاه الرضا جبّة خزّ وردّ عليه الصرّة ، وقال للغلام : قل له خذها ولاتردّها فإنّك ستصرفها أحوج ما تكون إليها (2) .
.
ص: 984
فأخذها وأخذ الجبة ثمّ اقام بمرو مدّة فتجهّزت قافلة تريد العراق فتجهّز صحبتها فخرج عليهم اللصوص (1) في أثناء الطريق ونهبوا القافلة عن آخرها ولزموا جماعة من أهلها فكتّفوهم وأخذوا ما معهم ، ومن جملتهم دعبل ، فساروا بهم غير بعيد ، ثمّ جلسوا يقتسمون أموالهم فتمثّل مقدم اللصوص وكبيرهم يقول : أرى فيئهم في غيرهم متقسّماوأيديهم من فيئهم صفُراتِ ودعبل يسمعه فقال : أتعرف هذا البيت لمن؟ قال : وكيف لا أعرفه وهو لرجل من خزاعة يقال له دعبل شاعر أهل البيت عليهم السلام قاله في قصيدة مدحهم بها ، فقال دعبل : فأنا واللّه صاحب القصيدة وقائلها فيهم ، فقال : ويلك انظر ماذا تقول؟ قال : واللّه الأمر أشهر من ذلك واسأل أهل القافلة وهؤلاء الممسوكين معكم يخبروكم بذلك ، فسألهم فقالوا بأسرهم : هذا دعبل الخزاعي شاعر أهل البيت المعروف الموصوف ، ثمّ إنّ دعبل أنشدهم القصيدة من أوّلها إلى آخرها عن ظهر قلب فقالوا : قد وجب حقّك علينا وقد أطلقنا القافلة ورددنا جميع ما أخذنا منها إكراما لك يا شاعر أهل البيت . ثمّ إنّهم أخذوا دعبل وتوجّهوا به إلى قم ووصلوه بمال وسألوه في بيع الجبّة الّتي أعطاها له أبو الحسن الرضا ودفعوا له فيها ألف دينار ، فقال : لا أبيعها وإنّما أخذتها للتبرّك معي من أثره .
.
ص: 985
ثمّ إنّه رحل من عندهم من قم بعد ثلاثة أيّام فلما صار خارج البلد على نحو ثلاثة أميال وقيل ثلاثة أيّام خرج عليه قوم من أحداثهم اخذوا الجبّة منه فرجع إلى قم وأخبر كبارهم بذلك فأخذوا الجبّة منهم وردّوها عليه ثمّ قالوا : نخشى أن تؤخذ هذه الجبّة منك يأخذها غيرنا ثمّ لاترجع إليك ، فباللّه إلاّ ما أخذت الألف وتركتها ، فأخذ الألف منهم وأعطاهم الجبّة ثمّ سافر عنهم . وعن أبي الصلت (ره) قال : قال دعبل (رض) : لمّا أنشدت مولاي الرضا هذه القصيده وإنتهيت إلى قولي : خروج إمامٍ لامحالة خارجٌ (1) يقوم على اسم اللّه والبركاتِ يميّز فينا كلّ حقّ وباطل ويجزي على النعماء والنقماتِ بكى الرضا عليه السلام ثمّ رفع رأسه إليَّ وقال : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين (2) أتدري مَن هذا الإمام الّذي تقول؟ فقلت (3) : لا أدري إلاّ أني سمعت يا مولاي بخروج إمام منكم يملأ الأرض (4) عدلاً ، فقال : يا دعبل الإمام بعدي محمّد ابني وبعده عليّ ابنه وبعد عليّ ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غَيبته المطاع في ظهوره ، ولو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا 5 .
.
ص: 986
قال إبراهيم بن العباس (1) : سمعت العباس يقول : ما سئل الإمام الرضا عليه السلام عن شيءٍ [قطّ] إلاّ علمه ، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقت عصره (2) ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كلّ شيء فيجيبه الجواب الشافي (3) . وكان قليل النوم [بالليل] كثير الصوم لايفوته صيام ثلاثة أيّام في كلّ شهر ويقول
.
ص: 987
ذلك صيام الدهر ، وكان كثير المعروف والصدقة سرّا وأكثر مايكون ذلك منه في الليالي المظلمة (1) . وكان جلوس الرضا (2) في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسحٍ (3) .
.
ص: 988
. .
ص: 989
قال إبراهيم بن العباس :سمعت الرضا عليه السلام يقول وقد سأله رجل : أيكلف اللّه العباد ما لايطيقون؟ فقال : هو أعدل من ذلك ، قال : أفيقدرون على فعل كلّ ما يريدون؟ قال : هم أعجز من ذلك .
وقال [الآبي] صاحب كتاب نثر الدرر :سأل الفضل بن سهل (1) عليّ بن موسى الرضا عليه السلام في مجلس المأمون قال : يا أبا الحسن الخلق مجبَرون؟ قال : إنّ اللّه تعالى أعدل من أن يجبر ثمّ يعذّب ، قال : فمطلَقون؟ قال : اللّه تعالى أحكم من أن يهمل
.
ص: 990
عبده ويكله إلى نفسه (1) .
ومن كتاب عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام تصنيف الشيخ عماد الدين أبي جعفر محمّدبن عليّ بن الحسين بن بابويه رحمهم اللّه :إنّ عليّ بن موسى الرضا حدّث عن أبيه عن آبائه عن عليّ بن أبي طالب عن النبيّ صلّى اللّه عليه وعليهم أجمعين أنّ موسى بن عمران لمّا ناجى ربّه قال:ياربّ أبعيدٌ أنت منّي فاُناديك أم قريبٌ فاُناجيك؟ فاوحى اللّه تعالى إليه : يا موسى أنا جليس من ذكرني ، فقال (2) موسى : يا ربّ إني أكون في حال أجلّك أن أذكرك فيها ، فقال : يا موسى اذكرني على كلّ حال (3) .
وعن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام عن آبائه عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنه قال :مَن لم يؤمن بحوضي فلا أورده اللّه حوضي ، ومَن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله اللّه شفاعتي . ثمّ قال صلى الله عليه و آله : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من اُمّتي ، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل (4) .
وعن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام عن آبائه عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما كان ولايكون إلى يوم القيامة من مؤمن إلاّ وله جار يؤذيه (5) .
وعن عليّ بن موسى الرضا عن آبائه عن عليّ بن أبي طالب قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الشيب في مقدم الرأس عزّ ، وفي العارضين سخاء ، وفي الذوائب شجاعة ، وفي القفا شؤم . (6)
وعنه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لمّا اُسري بي إلى السماء رأيت رحما معلّقة بالعرش تشكو رحما إلى ربّها أنها قاطعة لها ، قلت : كم بينك وبينها من
.
ص: 991
أب؟ قال : نلتقي من أربعين أبا (1) .
وعن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام أنه قال :مَن صام من شعبان يوما واحدا ابتغاء ثواب اللّه إلاّ دخل الجنّة (2) ، ومَن استغفر اللّه تعالى في كلّ يوم منه سبعين مرّة حشره اللّه يوم القيامة في زمرة النبيّ صلى الله عليه و آلهووجبت له من اللّه الكرامة (3) ، ومَن تصدّق في شعبان بصدقة ولو بشقّ تمرة حرّم اللّه جسده على النار (4) .
وعن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام أنه قال :مَن صام أوّل يوم من رجب رغبةً في ثواب اللّه تعالى وجبت له الجنّة ، ومَن صام في يوم من وسطه شفّع في مثل ربيعة ومضر ، ومَن صام في يوم من آخره جعله اللّه من أملاك الجنّة وشفّعه اللّه في أبيه واُمّه وإخوانه وأخواته وأعمامه وعمّاته وأخواله وخالاته ومعارفه وجيرانه وإن كان فيهم مَن هو مستوجب النار (5) .
وعن ياسر الخادم قال :سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام يقول : أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاث مواطن : يوم يولد المولود ويخرج من بطن اُمّه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم يُبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا ، وقد سلم اللّه على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وأمن روعته فقال «وَسَلَ_مٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا» (6)(7) .
وقد سلّم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن أيضا فقال : «وَالسَّلَ_مُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» 8 . وقال المولى السعيد إمام الدنيا عماد الدين محمّد بن أبي سعيد 9 بن عبدالكريم
.
ص: 992
الوزّان في محرّم سنة ستّ وتسعين وخمسمائة قال : أورد صاحب كتاب تاريخ نيشابور في كتابه : أنّ عليّ بن موسى الرضا عليه السلام لمّا دخل إلى نيشابور في السفرة الّتي فاز (1) فيها بفضيلة الشهادة كان في قبّة مستورة بالسقلاط (2) على بغلة شهباء وقد شقّ نيشابور ، فعرض له الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية والمثابران (3) على السنّة المحمّدية أبو زرعة الرازي (4) ومحمّد بن أسلم الطوسي (5) ومعهما خلائق لايُحصون من طلبة العلم وأهل الأحاديث وأهل الرواية والدراية ، فقالا : أيّها السيّد الجليل ابن السادة الأئمّة بحقّ آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلاّ ما أريتنا وجهك الميمون المبارك ورويتَ لنا حديثا عن آبائك عن جدّك محمّد صلى الله عليه و آلهنذكرك به . فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكشف المظلّة عن القبّة وأقرّ عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة ، فكانت له ذؤابتان على عاتقه والناس كلّهم قيام على طبقاتهم ينظرون إليه وهم بين صارخٍ وباكٍ ومتمرّغٍ في التراب ومقبلٍ لحافر (6) بغلته ، وعلا الضجيج فصاحت الأئمّة والعلماء والفقهاء : معاشر الناس اسمعوا وعوا وانصتو لسماع ماينفعكم ولاتؤذونا بكثرة صراخكم وبكائكم . وكان المستملي أبوزرعة
.
ص: 993
ومحمّد بن أسلم الطوسي .
فقال عليّ بن موسى الرضا عليه السلام :حدّثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمّد الباقر عن أبيه عليّ زين العابدين عن أبيه الحسين شهيد كربلاء عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال : حدّثني حبيبي وقرّة عين رسول اللّه صلى الله عليه و آلهقال : حدّثني جبرئيل قال : سمعت ربّ العزّة سبحانه وتعالى يقول : كلمة لا إله إلاّ اللّه حصني ، فمن قالها دخل حصني ، ومَن دخل حصني أمن [من] عذابي . ثمّ ارخى الستر على القبّة وسار .
قال فعدّوا أهل المحابر والدوي الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا (1) . قال الاُستاذ أبو القاسم القشيري 2 : اتصل هذا الحديث بهذا السند ببعض الاُمراء السامانية فكتبه بالذهب وأوصى أن يُدفن معه في قبره ، فرؤي بالنوم بعد موته فقيل له : مافعل اللّه بك؟ قال : غفر اللّه لي بتلفّظي بلا إله إلاّ اللّه وتصديقي بأنّ محمّدا رسول اللّه [مخلصا] 3 .
.
ص: 994
. .
ص: 995
. .
ص: 996
. .
ص: 997
. .
ص: 998
. .
ص: 999
. .
ص: 1000
. .
ص: 1001
. .
ص: 1002
. .
ص: 1003
. .
ص: 1004
ودخل على عليّ بن موسى الرضا عليه السلام بنيشابور (1) قوم من الصوفية فقالوا :إنّ أمير المؤمنين المأمون لمّا نظر فيما ولاّه [اللّه ] من الاُمور فرآكم أهل البيت أولى مَن قام بأمر الناس ، ثمّ نظر في أهل البيت فرآك أولى بالناس من كلّ واحد منهم ، فردّ هذا الأمر إليك ، والإمامة (2) تحتاج إلى من يأكل الجشب (3) ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض ويشيّع الجنائز .
قال :وكان الإمام الرضا عليه السلام متّكئا فاستوى جالسا ثمّ كان يوسف بن يعقوب نبيّا فلبس (4) أقبية الديباج المزرّرة بالذهب والقباطي المنسوجة بالذهب وجلس على متكآت آل فرعون وحكم وأمر ونهى ، وإنّما يراد من الإمام قسطه وعدله (5) إذا قال صدق وإذا حكم عدل وإذا وعد أنجز ، إنّ اللّه لم يحرّم ملبوسا ولامطعما ، وتلا
.
ص: 1005
قوله تعالى : «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَ_تِ مِنَ الرِّزْقِ» (1)(2) .
ذكر ولاية العهد من المأمون لعليّ بن موسى الرضا عليه السلامذكر جماعة من أصحاب السِير ورواة الأخبار بأيّام الخلفاء أنّ المأمون لمّا أراد ولاية العهد للرضا عليه السلام وحدّث نفسه بذلك وعزم عليه أحضر الفضل بن سهل فأعلمه (3) بما قد عزم عليه وأمره مشاورة بالاجتماع مع أخيه الحسن على (4) ذلك ففعل واجتمعا (5) وحضرا عند المأمون ، فجعل الحسن يُعَظِّم ذلك عليه ويعرفه ما في إخراج الأمر من (6) أهل بيته ، فقال له المأمون : إنّي عاهدت اللّه أني إن ظفرت بالمخلوع (7) أخرجت (8) الخلافة إلى أفضل (9) بني آل أبي طالب ، وما أعلم أحدا أفضلَ من هذا الرجل على وجه الأرض ، ولابدّ من ذلك . فلمّا رأيا تصميمه وعزيمته على ذلك أمسكا عن معارضته فقال : تذهبان الآن إليه وتخبرانه بذلك عنّي وتلزمانه به ، فذهبا إلى الرضا عليه السلام وأخبراه بذلك وإلزام
.
ص: 1006
المأمون له بذلك ، فامتنع منه ، فلم يزالا به حتّى أجاب على أنّه لا يأمر ولا ينهى ولا يولي ولا يعزل ولا يتكلّم بين اثنين في حكم ولا يغيّر شيئا هو قائم على اُصوله ، فأجابه المأمون إلى ذلك . ثمّ إنّ المأمون جلس مجلسا خاصّا لخواصّ أهل دولته من الاُمراء والوزراء والحجّاب والكتّاب وأهل الحلّ والعقد ، وكان ذلك في يوم الخميس وأحضرهم ، فلمّا حضروا قال للفضل بن سهل : أخبر الجماعة الحاضرين برأي أمير المؤمنين في الرضا عليّ بن موسى عليه السلام ، وأنه ولاّه عهده وأمرهم بلبس الخُضْرِة والعود لبيعته في الخميس الآخر وأخذ إعطياتهم وأرزاقهم سنة على حكم التعجيل ، ثمّ صرفهم . فلمّا كان الخميس الثاني حضر الناس وجلسوا على مقادير طبقاتهم ومنازلهم كلٌّ في موضعه ، وجلس المأمون ، ثمّ جيء بالرضا عليه السلام فجلس بين وسادتين عظيمتين وضعتا له وهو لابس الخضرة وعلى رأسه عمامة مقلّد بسيف ، فأمر المأمون ابنه العباس بالقيام إليه والمبايعة له أوّل الناس ، فرفع الرضا عليه السلام يده [فتلقّى بها وجه نفسهِ وببطنها وجوههم ]وحطّها من فوق ، فقال له المأمون : ابسط يدك للبيعة ، فقال الرضا عليه السلام : هكذا كان يبايع رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيضع يده فوق أيديهم ، فقال : أفعل ماترى . ثمّ وُضِعت بِدَر الدراهم (1) والدنانير وقطع (2) الثياب والخلع وقام الخطباء والشعراء وذكروا ما كان أمر المأمون وولاية عهده للرضا ، وذكروا فضل الرضا وفرّقت الصِلات والجوائز على الحاضرين على قدر مراتبهم ، وفرّقت في ذلك اليوم أموال عظيمة . ثمّ إنّ المأمون قال للرضا : قم واخطب الناس ، فقام وتكلّم ، فحمداللّه وأثنى عليه
.
ص: 1007
وثنى بذكر نبيّه محمّد صلى الله عليه و آلهوقال : أيّها الناس إنّ لنا عليكم حقّا برسول اللّه صلى الله عليه و آلهولكم علينا حقّ به ، فإذا أدّيتم إلينا ذلك وجب لكم علينا الحقّ لكم (1) ، والسلام . ولم يسمع منه في هذا المجلس غير هذا . وخطب للرضا بولاية العهد في كلّ بلد ، وخطب عبدالجبار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول اللّه صلى الله عليه و آلهبالمدينة الشريفة فقال في الدعاء للرضا وهو على المنبر : وليُّ عهد المسلمين عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأنشد : ستة آباءٍ هم ماهم أفضلُ من يشرب صوبُ الغَمام (2) وذكر المديني (3) قال : لمّا جلس الرضا ذلك المجلس وهو لابس تلك الخلع والخطباء يتكلَّمون وتلك الألوية تخفق على رأسه نظر أبو الحسن الرضا إلى بعض مواليه الحاضرين ممّن كان يختصّ به وقد داخله من السرور مالا عليه من مزيد (4) وذلك لما رأى ، فأشار إليه الرضا فدنا منه وقال له في اُذنه سرّا : لاتشغل قلبك بهذا الأمر (5) ولاتستبشر به فإنّه شيء لايتمّ 6 .
.
ص: 1008
وهذا مختصر من كتاب العهد الّذي كتبه المأمون الخليفة للرضا بخطّه اختصرته لطوله وذكرت أوّله وآخره وصورته : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا كتابٌ كتبه عبد اللّه بن هارون الرشيد لعليّ بن موسى بن جعفر وليّ عهده : أمّا بعد ، فإنّ اللّه عزّوجلّ اصطفى الإسلام دينا واختار له من عباده رسلاً دالّين عليه وهادين إليه ، يبشّر أوّلهم بآخرهم ، ويصدّق تأليهم ماضيهم ، حتّى انتهت نبوّة اللّه تعالى إلى محمّد صلى الله عليه و آله على فترةٍ من الرسل ودروسٍ من العلم وانقطاعٍ من الوحي واقتراب من الساعة ، فختم اللّه به النبيّين وجعله شاهدا لهم (1) ومهيمنا عليهم ، وأنزل عليه الكتاب العزيز الّذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل (2) من حكيمٍ حميد . فلمّا انقضت النبوّة وختم اللّه بمحمّد صلى الله عليه و آلهبالرساله (3) جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين في الخلافة (4) ونظامها والقيام بشرايعها وأحكامها .
.
ص: 1009
ولم يزل أمير المؤمنين منذ انقضت إليه الخلافة وحمل مشاقّها واختبر مرارة طعمها ومذاقها مسهر العينين مضنيا لبدنه مطيلاً لفكره فيما فيه عزّ الدين وقمع المشركين وصلاح الاُمّة وجمع الكلمة ونشر العدل وإقامه الكتاب والسنّة ومنعه ذلك من الحفظ والدعة ومهنأ العيش محبّة أن يلقى اللّه سبحانه وتعالى مناصحا له في دينه وعباده ومختارا لولاية عهده ورعاية الاُمّة من بعده ، أفضل من يقدر عليه في دينه وورعه وعلمه ، وأرجاهم للقيام بأمر اللّه تعالى وحقّه ، مناجيا للّه تعالى بالاستخارة في ذلك ومسألته الهامّة مافيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره ، معملاً فكره ونظره فيما فيه طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد اللّه بن العباس وعليّ بن أبي طالب ، مقتصرا ممّن علم حاله ومذهبه منهم على علمه وبالغا في المسألة ممّن خفي عليه أمره جهده وطاقته ، رضاه وطاعته ، حتّى استقصى اُمورهم معرفة ، وابتلى (1) أخبارهم مشاهدة ، واستبرأ أحوالهم معاينة ، وكشف ماعندهم مسائلة . وكانت خيرته بعد استخارة اللّه تعالى واجتهاده نفسه في قضاء حقّه في عباده وبلاده في الفئتين جميعا عليّ بن موسى الرضا ابن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام لما رأى من فضله البارع وعلمه الذايع وورعه الظاهر الشايع وزهده الخالص النافع ، وتخليته من الدنيا وتفرّده عن الناس وقد استبان له مالم تزل الأخبار عليه مطبقة والألسن عليه متّفقة والكلمة فيه جامعه والأخبار واسعة ، ولما لم نزل نعرفه به من الفضل يافعا وناشئا وحدثا وكهلاً فلذلك عقد له بالعهد والخلافة من بعده واثقا بخيرة اللّه تعالى في ذلك ، إذ علم اللّه تعالى أنه فعله إيثارا له وللدين ونظرا للإسلام وطلبا للسلامة وثبات الحجّة والنجاة في اليوم الّذي يقوم الناس فيه لربّ العالمين .
.
ص: 1010
ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصّته وقوّاده وخدمه فبايعه الكلّ مطيعين مسارعين مسرورين عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة اللّه على الهوى في ولده وغيره (1) ممن هو أشبك منه رحما وأقرب قرابةً . وسمّاه الرضا إذ كان رضيّا عنداللّه تعالى وعند الناس ، وقد آثر طاعة اللّه والنظر لنفسه وللمسلمين ، والحمدللّه ربّ العالمين . وكتب بيده في يوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين 2 . وهذه صورة ما على ظهر العهد مكتوبا بخطّ الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام من غير اختصار : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، الحمدللّه الفعّال لما يشاء ، لامعقّب لحكمه ولا رادَّ لقضائه ، يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور ، وصلواته على نبيه محمّد خاتم النبيّين وآله الطيّبين الطاهرين . أقول وأنا عليّ بن موسى بن جعفر : إنّ أمير المؤمنين عضده اللّه بالسداد ووفّقه للرشاد عرف من حقّنا ما جهله غيره فوصل أرحاما قُطعت وآمن أنفسا (2) فُزعت ،
.
ص: 1011
بل أحياها وقد تلفت بعد أن أمن الحياة أنسيت (1) وأغناها (2) بعد فقرها (3) ، وعرفها بعد نكرها ، مبتغيا بذلك رضا ربّ العالمين لايريد جزاءً من غيره وسيجزي اللّه الشاكرين ولايضيع أجر المحسنين . وإنّه جعل إليَّ عهده والإمرة الكبرى إن بقيت بعده ، فمن حلّ عقدة أمر اللّه بشدّها [أ ]وقصم عروةً أحبّ اللّه إيثاقها (4) فقد أباح اللّه حريمه وأحلّ محرمه إذا كان بذلك زاريا (5) على الإمام منتهكا حرمة الإسلام [بذلك جرى السلف فصبر منه على الفلتات ولم يعترض على الفرمات] وخوفا من شتات الدين واضطراب حبل (6) المسلمين وحذر (7) فرصة تُنتهز وناعقة (8) تُبتدر . وقد جعلتُ للّه على نفسي عهدا _ إن استرعاني أمر المسلمين وقلّدني خلافتة _ العمل فيهم عامّة وفي بني العباس بن عبدالمطلب خاصّة أن أعمل فيهم بطاعة اللّه تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه و آلهو[ان] لا اُسفك دما حراما ولا اُبيح فرجا ولا مالاً إلاّ ماسفكته حدوده (9) وأباحته فرائضه ، وأن أتخيّر الكفاة جهدي وطاقتي ، وجعلتُ بذلك على نفسي عهدا مؤكّدا يسألني اللّه عنه فإنّه عزّوجلّ يقول : «وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْ_ئولاً» . وإن أحدثتُ أو غيّرتُ أو بدّلتُ كنتُ للغِيَر (10) مستحقّا وللنكال
.
ص: 1012
متعرّضا ، وأعوذ باللّه من سخطه وإليه أرغب في التوفيق لطاعته والحول بيني وبين معصيته في عافيه لي وللمسلمين . والجامعة والجفر يدلاّن على ضدّ ذلك ، وما أدري مايفعل بي و[لا] بكم إنِ الحكم إلاّ للّه يقضي بالحقّ وهو خير الفاصلين ، لكنني امتثلت أمر أمير المؤمنين وآثرت رضاه واللّه تعالى يعصمني وإيّاه ، وأشهدت اللّه على نفسي بذلك وكفى باللّه شهيدا . وكتبت بخطّي بحضرة أمير المؤمنين أطال اللّه بقاءه (1) والحاضرين من أولياء نِعَمهِ وخواصّ دولته وهم : الفضل بن سهل ، وسهل بن الفضل ، والقاضي يحيى بن أكثم ، وعبد اللّه بن طاهر ، وثمامة بن أشرس (2) ، وبشر بن المعتمر ، وحمّاد بن النعمان ، وذلك في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين . صورة رقم شهادة القاضي يحيى بن أكثم : شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا الكتاب ظهره وبطنه وهو يسأل اللّه تعالى أن يعرّف أمير المؤمنين وكافّة المسلمين بركة (3) هذا العهد والميثاق . وكتب بخطّه في التاريخ المبيَّن فيه . صورة رقم شهادة عبد اللّه بن طاهر : أثبت شهادته فيه بتاريخه ، عبد اللّه بن ظاهر . وصورة رقم شهادة حمّاد بن النعمان : شهد حمّاد بن النعمان بمضمونه ظهره و بطنه (4) وكتبه بيده في تاريخه . وصورة رقم شهادة ابن المعتمر (5) : شهد بذلك بشر بن المعتمر ) . 6 وعلى الجانب الأيسر بخطّ الفضل بن سهل : رسم أمير المؤمنين [أطال اللّه بقاءه]
.
ص: 1013
قراءة (1) هذه الصحيفة الّتي هي صحيفة العهد والميثاق [نرجو أن نجوز بها الصراط ]ظهرها وبطنها (2) بحرم سيّدنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين الروضة والمنبر على رؤوس الأشهاد وبمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وسائر الأولياء والأخيار [والأحفاد] بعد أخذ البيعة عليهم واستيفاء شروطها بما أوجبه أمير المؤمنين من العهد لعليّ بن موسى الرضا عليه السلام لتقوم به الحجّة على جميع المسلمين ولتبطل (3) الشبهة الّتي كانت اعترضت آراء (4) الجاهلين ، وما كان للّه ليَذرَ المؤمنين على ما أنتم عليه . وكتب الفضل بن سهل بحضرة أمير المؤمنين في تاريخ المعيّن فيه 5 .
.
ص: 1014
. .
ص: 1015
. .
ص: 1016
. .
ص: 1017
. .
ص: 1018
روي إبراهيم بن العباس قال : كانت البيعة للرضا لخمس خلون من شهر رمضان المعظّم سنة إحدى ومائتين (1) . وزوّجه المأمون ابنته اُمّ حبيب في أوّل سنة اثنين ومأتين (2) والمأمون متوجّه إلى العراق . وممّا نقل إلى الأسماع بالاستماع وروته الألسن بالبقاع في الأصقاع وخطّته الأيدي في الصحائف والرقاع أنّ الخليفة المأمون وجد في يوم عيد انحراف مزاج أحدث عنده ثقلاً له عن الخروج إلى الصلاة فقال لأبي الحسن الرضا : قم يا أبا الحسن اركب وصلّ بالناس العيد ، فامتنع وقال : قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط فاعفني من الصلاة ، فقال المأمون : انّما اُريد أن أنوه (3) بذكرك ليشهر أمرك بأنك وليّ عهدي والخليفة من بعدي ، وألحّ عليه في ذلك فقال له الرضا : إن أعفيتني من ذلك كان أحبّ إليَّ ، فإن أبيت إلاّ أن أخرج إلى الصلاة بالناس فإنّما أخرج كما كان النبيّ صلى الله عليه و آلهيخرج للصلاة وعلى الصفة الّتي كان يخرج عليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال المأمون : افعل كيف ما أردت .
.
ص: 1019
وأمر المأمون القوّاد والجند وأعيان دولته بالركوب في خدمته إلى المصلّى فركب الناس إلى بيته وحضر القوّاد والمؤذّنون والمكبّرون إلى بابه ينتظرون أن يخرج . فخرج إليهم الرضا وقد اغتسل ولبس أفخر ثيابه وتعمّم بعمامة [بيضاء من] قطن وألقى طرفا منها على عاتقه (1) ومسّ طيبا وأخذ عكّازة (2) في يده وخرج ماشيا ولم يركب ، وقال لمواليه وأتباعه : افعلو كما فعلت ، ففعلوا كفعله ، وساروا بين يديه عند شروق الشمس رافعين أصواتهم بالتكبير والتهليل ، فلمّا رأوه القوّاد والجند على تلك الحالة لم يسعهم إلاّ أن نزلوا عن خيولهم ومراكبهم وساروا بين يديه وتركوا دوّابهم مع غلمانهم خلف الناس ، وكان كلّما كبّر الرضا كبّر الناس تكبيرة ، وكلّما هلّل هلّلوا تهليلة وهم سائرون بين يديه حتّى خيل للناس أنّ الحيطان والجدران تجاوبهم بالتكبير والتهليل ، وتزلزلت مرو وارتفع البكاء والضجيج ، فبلغ ذلك المأمون فقال له الفضل : إن بلغ الرضا المصلّى افتتن الناس به وخفنا على دمائنا وأرواحنا وعليك في نفسك فابعث إليه فردّه ، فبعث إليه المأمون قائلاً : قد كلّفناك يا أبا الحسن شططا ولانحبّ أن تلحقك مشقّة ، ارجع إلى بيتك يصلّي بالناس من كان يصلّي بهم قبل . فرجع عليّ بن موسى الرضا عليه السلام إلى بيته وركب المأمون فصلّى بالناس 3
.
ص: 1020
قال هرثمة بن أعين (1) _ وكان من خدّام الخليفة عبد اللّه المأمون إلاّ أنه كان محبّا لأهل البيت إلى الغاية ويعدّ نفسه من شيعتهم وكان قائما بخدمة الرضا وجميع مصالحه مؤثرا لذلك على جميع أصحابه مع تقدّمه عند المأمون وقربه منه قال : _ طلبني سيّدي أبوالحسن الرضا عليه السلام في يوم من الأيّام فقال لي : يا هرثمة إنّي مطّلعك على أمرٍ يكون سرّا عندك لا تظهره لأحد مدّة حياتي ، فإن أظهرته حال حياتي كنت خصيما لك عنداللّه . فحلفتُ له إنّي لا أتفوّه بما تقوله لي مدّة حياته . فقال لي : اعلم يا هرثمة إنّه قد دنا (2) رحيلي [إلى اللّه تعالى] ولحوقي بجدّي وآبائي ، وقد بلغ الكتاب أجله وإنّي اُطعم عنبا ورمّانا مفروكا (3) فأموت ، ويقصد الخليفة أن يجعل قبري خلف قبر أبيه الرشيد وأنّ اللّه لايقدره على ذلك ، وانّ الأرض تشتدّ عليهم فلا تعمل فيها المعاول ولايستطيعون حفر شيء منها فتكون تعلم . يا هرثمة إنّما مدفني في الجهة الفلانية من الحدّ الفلاني ، بموضع عيِّنه له عنده ، فإذا أنا متّ وجهّزت فأعلمه بجميع ما قلته لك ليكونوا على بصيرة من أمري ، وقل له إن اُوضعت في نعشي وأرادوا الصلاة عليَّ فلا يصلى عليَّ وليأني بي قليلاً فإنّه يأتيكم رجل عربي ملثّم على ناقة له مصرع من جهة الصحراء عليه وعثاء (4) السفر فينيخ راحلته وينزل عنها فيصلّي عليَّ وصلّوا معه عليَّ ، فإذا فرغتم من الصلاة عليَّ وحملتموني إلى مدفني الّذي عينته لك فاحفر شيئا يسيرا من وجه
.
ص: 1021
الأرض تجد قبرا مطبقًا معمورا في قعره ماء أبيض ، إذا كشفت عنه الطبقات نشف (1) الماء فهذا مدفني فادفنوني فيه . واللّه اللّه يا هرثمة أن تخبر بهذا أو بشيء منه قبل موتي . قال هرثمة : فواللّه ما طالت الأناة حتّى أكل الرضا عند الخليفة عنبا ورمّانا مفتوتا فمات 2 . عن أبي الصلت الهروي (2) [ أنّه ] قال : دخلت على الرضا وقد خرج من عند المأمون فقال لي : يا أبا الصلت قد فعلوها ، وجعل يوحّد اللّه ويمجّده (3) ، فأقام يومين ومات في اليوم الثالث . قال هرثمة : فدخلت على عبد اللّه المأمون لمّا رفع إليه موت أبي الحسن الرضا فوجدت المنديل في يده وهو يبكي عليه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ثَمّ كلام أتاذن لي أن أقوله لك؟ قال : قل ، قلت : إنّ الرضا أسرَّ إليَّ في حياته بأمرٍ وعاهدني أن
.
ص: 1022
لا أبوح به لأحد إلاّ لك عند موته . [قال : هات ]وقصصت عليه القصة الّتي قالها لي من أوّلها إلى آخرها وهو متعجّب من ذلك ، ثمّ أمر بتجهيزه وخرجنا بجنازته إلى المصلّى وتأنّينا بالصلاة عليه قليلاً فإذا بالرجل قد أقبل على بعيرٍ من جهة الصحراء كما قال ونزل ولم يكلّم أحدا فصلّى عليه وصلّى الناس معه ، وأمر الخليفة بطلب الرجل فلم يروا له أثرا ولالبعيره (1) . ثمّ إنّ الخليفة قال : نحفر له من خلف قبر الرشيد ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ألم اُخبرك بمقالته؟ قال : نريد ننظر إلى ماقلته ، فعجز الحافرون ، فكانت الأرض أصلب من الصخر الصوان ، وعجزوا عن حفرها وتعجّب الحاضرون من ذلك ، وتبيّن للمأمون صدق ما قلته له عنه . فقال : أرني الموضع الّذي أشار إليه ، فجئت بهم إليه فما كان إلاّ أن كشف التراب عن وجه الأرض فظهرت الأطباق فرفعناها فظهر من تحتها قبر معمول وإذا في قعره ماء أبيض ، وأعلمت الخليفة فحفر وأبصره على الصفة الّتي ذكرتها له ، وأشرف عليه المأمون وأبصره . ثمّ إنّ ذلك الماء نشف من وقته فواريناه ورددنا فيه الأطباق على حالها والتراب ، ولم يزل الخليفة المأمون يتعجّب بما رأى وممّا سمعه منّي ويتأسّف عليه ويندم ، وكلّما خلوت في خدمته يقول : يا هرثمة كيف قال لك أبو الحسن الرضا؟ فاُعيد عليه الحديث فيتلهّف ويتأسّف ويقول : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون (2) .
.
ص: 1023
قال بعض الأئمّة من أهل العلم : مناقب عليّ بن موسى الرضا من أجلّ المناقب ، وإمداد فضائله وفواضله متوالية كتوالي الكتائب ، وموالاته محمودة البوادي والعواقب (1) ، وعجائب أوصافه من غرائب العجائب ، وسؤدده ونبله قد حلّ من الشرف في الذروة والمغارب ، فلمواليه (2) السعد الطالع ولمناويه النحس الغارب . أمّا شرف آبائه فأشهر من الصباح المنير وأضوأ من عارض الشمس المستدير . وأمّا أخلاقه وسماته وسيرته وصفاته ودلائله وعلاماته ونفسه الشريفه فناهيك من فخارٍ وحسبك من علوّ مقدارٍ جاز على طريقة ورثها عن الآباء وورثها عنه البنون ، فهم جميعا في كرم الاُرومة وطيب الجرثومة كأسنان المشط متعادلون فشرفا لهذا البيت المعالي الرتبة السامي المحلّة ، لقد طال السماء علاءً ونبلاً ، وسما على الفراقد منزلةً ومحلاًّ ، واستوفى صفات الكمال ، فما يستثنى في شيءٍ منه لغيره وإلاّ انتظم هؤلاء الأئمّة انتظام اللآلي ، وتناسبوا في الشرف فاستوى المقدّم والتالي ، ونالوا رتبة مجدٍ يحيط عنها المقصّر والعالي ، اجتهد عداتهم في خفض منازلهم واللّه يرفعه ، وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم واللّه يجمعه ، وكم ضيّعوا من حقوقهم ما لا يهمله اللّه ولايضيّعه (3) . كانت وفاة عليّبن موسى الرضا عليه السلام بطوس من خراسان في قرية يقال لها سناباد (4) في آخر صفر سنة ثلاث ومائتين 5 ، وله من العمر يومئذٍ خمس وخمسون
.
ص: 1024
سنة 1 . كانت مدّة إمامته عشرون (1) سنة ، كان أوّلها في بقية ملك الرشيد ، ثمّ ملك ولده محمّد المعروف بالأمين وهو ابن زبيدة بعد ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوما، ثمّ خلع الأمين وأجلس مكانه عمّه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة أربعة
.
ص: 1025
عشر يوما ، ثمّ خرج (1) محمّد الأمين من الحبس وبويع له ثانية وبقي سنة وسبعة (2) أشهر وثلاثة وعشرين يوما ، وقتله طاهر بن الحسين ، ثمّ ملك بعده المأمون _ عبد اللّه المأمون _ ابن هارون الرشيد عشرين سنة وثلاثة وعشرين يوما واستشهد الرضا عليه السلام في أيّامه 3 .
.
ص: 1026
. .
ص: 1027
. .
ص: 1028
. .
ص: 1029
. .
ص: 1030
. .
ص: 1031
قال ابن الخشّاب في كتابه مواليد أهل البيت : ولد للرضا خمس بنين وابنة واحدة ، أسماء أولاده : محمّد القانع والحسن وجعفر وإبراهيم والحسين ، والبنت عائشة [فقط] رضوان اللّه عليهم أجمعين 1 .
.
ص: 1032
. .
ص: 1033
الفصل التاسع:في ذكر أبي جعفر محمّد الجواد بن عليّ الرضا عليهماالسلام وهو الإمام التاسع 1 وتاريخ ولادته ومدّة إمامته ومبلغ عمره وحين وفاته وعدد أولاده وذكر نسبه وكنيته ولقبه وغير ذلك ممّا يتّصل بهقال صاحب كتاب مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : هو أبو جعفر محمّد
.
ص: 1034
. .
ص: 1035
الثاني فإنّه تقدّم في آبائه أبو جعفر محمّد وهو الباقر بن عليّ ، فجاء هذا باسمه وكنيته فهو اسم جدّه فعرف بأبي جعفر الثاني ، وإن كان صغير السنّ فهو كبير القدر رفيع الذكر ، القائم بالإمامة بعد عليّ بن موسى الرضا ولده أبو جعفر محمّد الجواد للنصّ عليه والإشاره له بها من أبيه ، كما أخبر بذلك جماعة من الثقات العدول (1) . عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا : قد كُنّا نسألُكَ قبل أن يَهَبَ اللّه لك أبا جعفر مَن القائم بعدك فتقول : يهب اللّه لي غلاما ، وقد وهبه اللّه لك وقرّ (2) عيوننا به ، فإن كان كون ولا أرانا اللّه لك يومك (3) فإلى مَن؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه وعمره إذ ذاك ثلاث سنين ، فقلت : وهذا ابن ثلاث! فقال (4) : وما يضرّ (5) من ذلك فقد قام عيسى بالحجّة وهو ابن أقلّ من ثلاث سنين 6 .
.
ص: 1036
وعن معمر بن خلاّد : قال سمعت الرضا عليه السلام يقول _ وذكر شيئا (1) _ فقال : ما حاجتكم إلى ذلك؟! هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني ، وقال : إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذّة بالقذة (2)(3) . وعن الخيراني (4) عن أبيه قال : كنت واقفا بين يدي أبي الحسن الرضا بخراسان فقال قائل : يا سيّدي إن كان كون إلى مَن؟ فقال إلى ابني أبي جعفر ، فكأنّ القائل (5) استصغر سنّ (6) أبي جعفر ، فقال الرضا : إنّ اللّه بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيا
.
ص: 1037
صاحب شريعة مبتدَأةٍ في أصغر من السنّ الّذي فيه أبو جعفر (1) . ولد أبو جعفر محمّد الجواد بالمدينه تاسع عشر [من] شهر رمضان 2 المعظّم سنة خمس وتسعين ومائة (2) للهجرة .
.
ص: 1038
وأمّا نسبه : أبا واُمّا فهو محمّد الجواد ابن عليّ الرضا ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمّد الباقر ابن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام (1) . وأمّا اُمّه اُمّ ولد يقال لها سبيكة (2) النوبية وقيل : المريسية 3 . وأمّا كنيته : فأبو جعفر كنية جدّه محمّد الباقر (3) . وأمّا ألقابه : فالجواد ، والقانع ، والمرتضى ، وأشهرها الجواد 5 .
.
ص: 1039
صفته : أبيض معتدل (1) . شاعره : حمّاد (2) . بابه (3) : عمرو بن الفرات (4) . نقش خاتمه : «نعم القادر اللّه » (5) معاصره : المأمون (6) والمعتصم (7) .
.
ص: 1040
وأمّا مناقبه : فقال الشيخ كمال الدين بن طلحة : مناقب أبي جعفر محمّد الجواد [ف ]_ما اتسعت جلباب مجالها ولاامتدّت أوقات آجالها بل قضت عليه الأقدار الإلهية بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وأسجالها ، فقلّ في الدنيا مقامه ، وعجّل القدوم إليه لزيارته حمامه (1) ، فلم تطلّ فيها مدّته (2) ولاامتدّت فيها أيّامه ، غير أنّ اللّه خصّه بمنقبة أنوارها متألّقة في مطالع التعظيم وأخبارها مرتفعة في معارج (3) التفضيل والتكريم ، وهي أنّ أبا جعفر محمّد الجواد لمّا توفي والده أبو الحسن الرضا عليه السلام وقدم الخليفة المأمون إلى بغداد بعد وفاته بسنة اتفق أنّ المأمون خرج يوما يتصيّد فاجتاز بطرف البلد وثمّ صبيان يلعبون ومحمّد الجواد واقف عندهم ، فلمّا أقبل المأمون فرّ الصبيان ووقف محمّد الجواد وعمره إذ ذاك تسع سنين ، فلمّا قرب منه الخليفة نظر إليه وكان اللّه تعالى ألقى في قلبه مسحة قبول ، فقال له : يا غلام ما منعك أن لاتفرّ كما فرّ أصحابك؟ فقال له محمّد الجواد مسرعا : يا أمير المؤمنين فرّ أصحابي خوفا والظنّ بك حسن أنّه لايفرّ منك من لا ذنب له ، ولم يكن بالطريق ضيق فأتنحّى (4) عن أمير المؤمنين ، فأعجب المأمون كلامه وحسن صورته فقال : ما اسمك يا غلام؟ فقال : محمّد بن عليّ الرضا ، فترحّم الخليفة على أبيه .
.
ص: 1041
وساق جواده إلى نحو وجهته (1) وكان معه بزاة الصيد ، فلمّا بعُد عن العمارة أخذ الخليفة بازيا منها وأرسل على درّاجة فغاب البازي عنه قليلاً ، ثمّ عاد وفي منقاره سمكة صغيرة وبها بقايا (2) من الحياة ، فتعجّب المأمون من ذلك غاية العجب ثمّ أنّه أخذ السمكة في يده وكرّ راجعا إلى داره وترك الصيد في ذلك اليوم وهو متفكّر فيما صاده البازي من الجوّ ، فلمّا وصل موضع الصبيان وجدهم على حالهم ووجد محمّدا معهم فتفرّقوا على جاري عادتهم إلاّ محمّد[ا] فلمّا دنا منه الخليفة قال : يا محمّد ، قال : لبّيك يا أمير المؤمنين ، قال مافي يدي؟ فأنطقه اللّه تعالى بأن قال : إنّ اللّه تعالى خلق في بحر قدرته المستمسك في الجوّ ببديع حكمته سمكا صغارا تصيدها (3) منها بزاة [الملوك ]والخلفاء كي يختبر بها سلالة بيت المصطفى . فلمّا سمع المأمون كلامه تعجّب منه وأكثر وجعل يطيل النظر فيه وقال : أنت ابن الرضا حقّا ومن بيت المصطفى صدقا ، وأخذه معه وأحسن إليه وقرّبه وبالغ في إكرامه وأجلاله وإعظامه ، فلم يزل مشغفا به لما ظهر له أيضا بعد ذلك من بركاته ومكاشفاته وكراماته وفضله وعلمه وكمال عقله وظهور برهانه مع صغر سنّه . ولم يزل المأمون متوفّرا على تبجيله وإعظامه وإجلاله وإكرامه (4) إلى أن عزم على أنه يزوّجه ابنته اُمّ الفضل وصمّم على ذلك ، فبلغ ذلك العبّاسيين فغلظ عليهم واستكبروه (5) وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما إنتهى مع أبيه الرضا ، فاجتمع الأكابر من العبّاسيين الدالّين على الخليفة ودخلوا عليه وقالوا : ننشدك اللّه يا أمير المؤمنين
.
ص: 1042
إلاّ مارجعت عن هذه النية وصرفت خاطرك عن هذا الأمر ، فإنّا نخاف ونخشى أن يخرج عنّا أمر قد ملّكناه اللّه وينزع منّا (1) عزّا ألبسناه اللّه تعالى ويتحوّل إلى غيرنا ، وأنت تعلم ما بيننا وبين هؤلاء القوم وما كان عليه الخلفاء من بعدهم وقد كنّا في وهلة (2) من عملك مع الرضا كما عملت حتّى كفانا اللّه تعالى المهمّ (3) من ذلك ، فاللّه اللّه أن تردّنا إلى غمٍّ قد انحسر عنّا ، واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه (4) من أهل بيتك ممّن يصلح لذلك . فقال لهم المأمون : أمّا ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بالأمر منكم . وأمّا ما كان من استخلاف الرضا فقد درج الرضا إلى رحمة اللّه وكان أمر اللّه قدرا مقدورا . وأمّا ابنه محمّد فأخبرته لتبريزه على كافّة أهل الفضل في العلم والحلم (5) والمعرفه والأدب مع صغر سنّه ، فقالوا : إنّ هذا صبىّ صغير السنّ وأيّ علمٍ له اليوم أو معرفة أو أدب؟ فأمهله (6) يتفقّه يا أمير المؤمنين ثمّ اصنع به ما شئت ، قال : كأنكم تشكّون في قولي إن شئتم فاختبروه أو ادعوا من يختبره ثمّ بعد ذلك لوموا فيه أو اعذروا ، قالوا : وتتركنا وذلك يا أميرالمؤمنين؟ قال : نعم ، قالوا : فيكون ذلك بين يديك يترك مَن يسأله عن شيءٍ من اُمور الشريعة فإن أصاب لم يكن في أمره لنا اعتراض وظهر للخاصّة والعامّة سديد رأي أميرالمؤمنين ، وإن عجز عن ذلك كفينا
.
ص: 1043
خطبه ولم يكن لأمير المؤمنين عذر في ذلك ، فقال لهم المأمون : شأنكم وذلك متى أردتم فخرجوا من عنده . واجتمع رأيهم على القاضي يحيى بن أكثم (1) أن يكون هو الّذي يسأله ويمتحنه وقرّروا ذلك مع القاضي يحيى ووعدوه بأشياء كثيرة متى قطعه وأخجله ، ثمّ عادوا إلى المأمون وسألوه أن يعيّن لهم يوما يجتمعون فيه بين يديه لمسألته ، فعيّن لهم يوما فاجتمعوا في ذلك اليوم بين يدي أمير المؤمنين المأمون ، وحضر العباسيون ومعهم القاضى يحيى بن أكثم ، وحضر خواصّ الدوله وأعيانها من اُمرائها وحجّابها وقوّادها ، وأمر المأمون بأن يفرش لأبي جعفر محمّد الجواد عليه السلام فرشا حسنا وأن يجعل عليه مسورتان (2) ، ففعل ذلك ، وخرج أبو جعفر فجلس بين المسورتين ، وجلس القاضي يحيى مقابله ، وجلس الناس في مراتبهم على قدر طبقاتهم ومنازلهم . فأقبل يحيى بن أكثم على أبي جعفر فسأله عن مسائل أعدّها له ، فأجاب 3
.
ص: 1044
بأحسن جواب وأبان فيها عن وجه الصواب بلسانٍ ذلق ووجهٍ طلق وقلبٍ جسور ومنطقٍ ليس بعيٍّ ولا حصور ، فعجب القوم من فصاحة لسانه وحسن اتساق منطقه ونظامه ، فقال له المأمون : أجدت وأحسنت يا أبا جعفر ، فإن رأيت أن تسأل يحيى كما سألك ولو عن مسألة واحدة ، فقال ذلك إليه يا أمير المؤمنين ، فقال يحيى يسأل يا أمير المؤمنين فإن كان عندي في ذلك جواب أجبت به وإلاّ استفدت بالجواب ، واللّه أسأل أن يرشد للصواب .
فقال له أبو جعفر عليه السلام :ما تقول في رجل نظر إلى امرأةٍ في أوّل النهار بشهوة فكان نظره إليها حراما عليه ، فلمّا ارتفع النهار حلّت له ، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر حلّت له ، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه ، فلمّا دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له ، فلمّا انتصف الليل حرمت عليه ، فلمّا طلع الفجر حلّت له ، فبماذا حلّت هذه المرأة لهذا الرجل؟ وبماذا حرمت عليه في هذه الأوقات؟ فقال يحيى بن أكثم : لا أدري ، فإن رأيت أن تفيدنا بالجواب فذلك إليك . فقال أبو جعفر : هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها بعض من الناس في أوّل
.
ص: 1045
النهار بشهوة فكان نظره إليها حراما ، فلمّا ارتفع النهار ابتاعها من مولاها (1) فحلّت له ، فلمّا كان وقت الظهر اعتقها فحرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلّت له ، فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه ، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له ، فلمّا كان نصف الليل طلّقها طلقةً واحدة فحرمت عليه ، فلمّا كان الفجر راجعها فحلّت له .
فأقبل المأمون على أهل بيته قال : هل فيكم أحد يستحضر أن يجيب عن هذه المسائل بمثل هذا الجواب؟ فقالوا : ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء ، فقال : قد عرفتم الآن ما كنتم تنكرونه وتبيّن في وجه القاضي يحيى الخجل والتغيير بحيث عرف ذلك كلّ مَن في المجلس،فقال المأمون : الحمدللّه على ما مَنّ به عليَّ من السداد في الأمر والتوفيق في الرأي وأقبل على أبي جعفر وقال : إنّي مزوّجك ابنتي اُمّ الفضل وإن رغم ذلك اُنوف قوم فاخطب لنفسك فقد رضيتك لنفسي وابنتي ، فقال أبو جعفر : الحمدللّه إقرارا بنعمته ولا إله إلاّ اللّه إخلاصا لوحدانيته ، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد صلى الله عليه و آله سيّد بريّته والأصفياء من عترته . أمّا بعد ، كان من فضل اللّه على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال تعالى : «وَأَنكِحُواْ الْأَيَ_مَى مِنكُمْ وَالصَّ__لِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَسِعٌ عَلِيمٌ» (2) ثمّ إنّ محمّد بن عليّ بن موسى خطب إلى أميرالمؤمنين ابنته اُمّ الفضل وقد بذل لها من الصداق مهر جدّته فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه و آله وهو خمسمائة درهم جيادا فهل زوّجتني إيّاها يا أمير المؤمنين على هذا الصداق المذكور؟ فقال المأمون : زوجتك ابنتي اُمّ الفضل على هذا الصداق المذكور ، فقال أبو جعفر : قبلت نكاحها على هذا الصداق المذكور . قال الريّان (3) : وأخرج الخدم مثل السفينة من الفضة مطلية بالذهب فيها
.
ص: 1046
الغالية (1) مضروبة بأنواع الطيب والماء [ال] ورد والمسك فتطيّب منها جميع الحاضرين على قدر منازلهم ومراتبهم ، ثمّ وضعت موائد الحلواء فأكل منها الحاضرون وفرّقت عليهم الجوائز والعطيات على قدر طبقاتهم، ثمّ انصرف الناس وتقدّم المأمون بالصدقة على الفقراء والمساكين وأهل الأربطة والخوانق والمدارس 2 . ولم يزل عنده محمّد الجواد مكرّما معظّما إلى أن توجّه بزوجته اُمّ الفضل إلى المدينة الشريفة . روي أنّ اُمّ الفضل بعد توجّهها مع زوجها إلى المدينة كتبت إلى أبيها المأمون تشكو أبا جعفر وتقول : إنّه يتسرّى (2) عليَّ ويغيرني ، فكتب إليها أبوها : يا بنية إنّا لم نزوّجك (3) أبا جعفر لتحرّمي عليه حلالاً فلا تعاودينني لذكر شيءٍ ممّا ذكرتِ (4) .
.
ص: 1047
وحكي أنه لمّا توجّه أبو جعفر منصرفا من بغداد إلى المدينة الشريفة خرج معه الناس يشيّعونه للوداع فصار إلى أن وصل إلى باب الكوفة عند دار المسيّب فنزل هناك مع غروب الشمس ، ودخل إلى مسجد قديم مؤسّس بذلك الموضع ليصلّي فيه المغرب ، وكان في صحن المسجد شجرة نبق (1) لم تحمل قطّ ، فدعا بكوز فيه ماء فتوضّأ في أصل الشجرة [النبقة] وقام يصلّي فصلّى معه الناس المغرب ، فقرأ في الاُولى الحمد وإذا جاء نصر اللّه والفتح ، وقرأ في الثانية بالحمد وقل هو اللّه أحد [وقنت قبل ركوعه فيها وصلّى الثالثه وتشهّد وسلّم] ثمّ بعد فراغه جلس هُنيئةً يذكر اللّه تعالى وقام فتنفّل بأربع ركعات وسجد بعدهنّ سجدتي الشكر ، ثمّ قام فوادع الناس وانصرف فأصبحت النبقة وقد حملت من ليلتها حملاً حسنا ، فرآها الناس وقد تعجّبوا في ذلك غاية العجب ثمّ ما كان هو أغرب وأعجب من ذلك أنّ نبقة هذه الشجرة لم يكن لها عَجَمٌ (2) فزاد تعجّبهم من ذلك أكثر وأكثر . وهذا من بعض كراماته الجليلة ومناقبه الجميلة (3) .
.
ص: 1048
وعن أبي خالد (1) قال : كنت بالعسكر (2) فبلغني أنّ هناك رجلاً محبوسا اُتي به من الشام مكبولاً (3) بالحديد وقالوا إنّه تنبّأ ، فأتيت باب السجن ودفعت شيئا للبوّابين (4) حتّى دخلت عليه ، فإذا برجلٍ ذا فَهْم وعقل وأدب فقلت : يا هذا ما قصّتك؟ قال : إنّي كنت رجلاً بالشام أعبد اللّه تعالى في الموضع الّذي يقال إنّه نصب فيه رأس الحسين عليه السلام ، فبينما أنا ذات ليلة (5) في موضعي مقبل على المحراب أذكر اللّه إذ رأيت شخصا بين يديَّ فنظرت إليه فقال : قُمْ ، فقمت معه فمشى [بي ]قليلاً فإذا أنا في مسجد الكوفة ، فقال لي : أتعرف هذا المسجد؟ قلت : نعم هذا مسجد الكوفة ، قال : فَصلّى فصلّيت معه ، ثمّ انصرف فانصرفت (6) معه فمشى قليلاً فإذا [نحن بمسجد الرسول صلى الله عليه و آلهفسلّم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصلّى وصلّيت معه ، ثمّ خرج وخرجت معه فمشى قليلاً وإذا ]نحن بمكة المشرّفة فطاف بالبيت فطفت معه ، ثمّ خرج فخرجت معه فمشى قليلاً فإذا أنا بموضعي الّذي كنت فيه بالشام ، ثمّ غاب عنّي فبقيت متعجّبا ممّا رأيت . فلمّا كان في العام المقبل وإذا بذلك الشخص قد أقبل عليَّ فاستبشرت به فدعاني فأجبته ففعل بي كما فعل فيَّ العام (7) الماضي ، فلمّا أراد مفارقتي قلت له : سألتك بحقّ الّذي أقدرك على ما رأيت منك إلاّ ما أخبرتني مَن أنت؟ فقال : أنا
.
ص: 1049
محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، فحدّثت بعض مَن كان يجتمع لي بذلك فرفع ذلك إلى محمّد بن عبدالملك الزيّات (1) فبعث إلىَّ مَن أخذني من موضعي وكبّلني في الحديد وحملني إلى العراق وحبسني كماترى وادّعى عليَّ بالمحال ، قلت له ، فأرفَعُ عنك قصّةً (2) إلى محمّد بن عبدالملك الزيّات؟ قال : افعل ، فكتبت عنه قصّةً ) (3) وشرحت فيها أمره ورفعتها إلى محمّد بن عبدالملك فوقّع في (4) ظهرها : قل للّذي أخرجك من الشام إلى هذه المواضع الّتي ذكرتها يخرجك من السجن الّذي أنت فيه ، فقال ابن خالد فاغتممت لذلك وسقط في يدي وقلت : إلى غدٍ آتيه وآمره بالصبر وأعده من اللّه بالفرج واُخبره بمقالة هذا الرجل المتجبّر . قال : فلمّا كان من الغد باكرت السجن فإذا أنا بالحرس والجند وأصحاب السجن وخلق (5) كثير يهرعون (6) فسألت: ما الخبر؟ فقيل لي : إنّ الرجل المتنبئ المحمول من الشام فُقد البارحة من الحبس 7 وحده بمفرده وأصبحت قيوده والأغلال الّتي كانت في عنقه مرمى بها في السجن لاندري كيف خلص منها ، وطلب فلم يوجد له أثر ولاخبر ولايدرون أخسفت به الأرض أو اختطفته الطير 8 . فتعجّبت من ذلك وقلت :
.
ص: 1050
استخفاف ابن الزيات بأمره واستهزاؤه بما وقع به على قصّتة خلّصه 1 من السجن . قال ابن حمدون في كتابه التذكرة : روي عن محمّد بن عليّ بن موسى الرضا أنه قال : كيف يضيع من اللّه كافله؟ وكيف ينجو من اللّه طالبه (1) ؟ وعنه أنه قال : مَن انقطع إلى غير اللّه وكله اللّه إليه ، ومَن عمل على غير علم أفسد أكثر ممّا يصلح (2) . وعنه أنه قال : القصد إلى اللّه بالقلوب أبلغ من إتعاب (3) الجوارح بالأعمال (4) .
وروي عبدالعزيز بن الأخضر الجنابذي في كتابه معالم العترة النبوية أخبارا رواها الجواد محمّد بن عليّ عن آبائه عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنه قال :لمّا بعثني
.
ص: 1051
النبيّ صلى الله عليه و آله إلى اليمن قال لي وهو يوصيني : يا عليّ عليك بالدلجة (1) فإنّ الأرض تطوى في الليل (2) مالا تطوى بالنهار . يا عليّ عليك بالبكر فإنّ اللّه تعالى بارك لاُمّتي في بكورها (3) .
وعنه عليه السلام قال :من استفاد أخا في اللّه فقد استفاد بيتا في الجنّة (4) .
وعنه عليه السلام أنه قال :لو كانت السماوات والأرض رتقاً (5) على عبد ثمّ أتقى اللّه تعالى لجعل منها مخرجا (6) .
وعنه (رض) أنه قال لقيس بن سعد حين قدم من مصر : يا قيس إنّ للمحن غايات (7) لابدّ أن ينتهى إليها ، فيجب على العاقل أن ينام لها إلى أدبارها ، فإنّ مكابدتها بالحيلة عند أقبالها زياده فيها (8) .
وقال عليه السلام :انّه مَن وثق باللّه أراه السرور ، ومن توكّل عليه (9) كفاه الاُمور ، والثقة باللّه حصنٌ لايتحصّن فيه إلاّ مؤمن (10) ، والتوكّل على اللّه نجاةٌ من كلّ سوء وحرزٌ من
.
ص: 1052
كلّ عدوّ ، والدين عزٌّ والعلم كنزُ والصمت نورٌ ، وغاية الزهد الورع ، ولاهدم للدين مثل البدع ، ولا أفسد للرجال من الطمع ، وبالراعي تصلح الرعية ، وبالدعاء تصرف البلية ، ومَن ركب مركب الصبر (1) اهتدى إلى مضمار النصر ، ومَن عاب عيب ، ومَن شتم اُجيب ، ومَن غرس أشجار التقى اجتنى أثمار المنى (2) .
وقال عليه السلام :أربع خصال تعين المرء على العمل: الصحّة، والغنى، والعلم، والتوفيق (3) .
وقال عليه السلام :إنّ للّه عبادا (4) يخصّهم بدوام النِعَم فلا تزال (5) فيهم ما بذلوها (6) ، فإذا منعوها نزعها عنهم وحوّلها إلى غيرهم (7) .
وقال عليه السلام :ما عظمت نِعَم اللّه على أحد (8) إلاّ عظمت إليه مؤونة (9) الناس ، فمن لم يحتمل تلك المؤونة عرّض تلك النعمة للزوال (10) .
وقال عليه السلام :أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه لأنّ لهم أجرهم وفخره وذكره ، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنّما يبدأ فيه بنفسه . (11)
وقال (رض) :مَن أمّل إنسانا [فقد ]هابه ، ومَن جهل شيئا عابه ، والفرصة خلسة ، ومَن كثر همّه سقم جسده ، وعنوان صحيفة المسلم (12) حسن خلقه . وقال عليه السلام
.
ص: 1053
[في ]موضع آخر : عنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه (1) .
وقال عليه السلام :الجمال في اللسان ، والكمال في العقل .
وقال عليه السلام :العفاف زينة الفقر ، والشكر زينة الغنى ، والصبر زينة البلاء ، والتواضع زينة الحسب ، والفصاحة زينة الكلام ، والحفظ زينة الرواية ، وخفض الجناح زينة العلم ، وحسن الأدب زينة العقل ، وبسط الوجه زينة الحلم (2) ، وترك المنّ زينة المعروف ، والخشوع زينة الصلاة ، والتقلّل (3) زينة القناعة ، وترك ما لا يعني زينة الورع .
وقال عليه السلام :حسب المرء من كمال المرؤة تركه ممّا لا يجمل فيه ، ومن حيائه أن لا يلقى أحدا بما يكره ، ومَن حُسن خُلق الرجل كفّه أذاه ، ومن سخائه برّه بمن يجب حقّه عليه ، ومن كرمه أيثاره على نفسه ، ومن صبره قلّة شكواه ، ومن عقله إنصافه من نفسه ، ومن إنصافه قبول الحقّ إذا بان له ، ومن نصحه نهيه عمّا لا يرضاه لنفسه ، ومن حفظه لجوارك (4) تركه توبيخك عند إساءتك (5) مع علمه بعيوبك ، ومن رفقه تركه عذلك عند غضبك بحضرة من تكره ، ومن حُسن صحبته لك إسقاطه عنك مؤونة التحفّظ [أذاك] ، ومن علامة صداقته لك كثرة موافقته وقلّة مخالفته (6) ، ومن شكره معرفته إحسان من أحسن إليه ، ومن تواضعه معرفته بقدره ، ومن سلامته قلّة حفظه لعيوب غيره وعنايته بصلاح عيوبه (7) .
.
ص: 1054
. .
ص: 1055
وقال عليه السلام :العالم بالظلم والمعين له والراضي (1) به شركاء .
وقال عليه السلام :يوم العدل على الظالم أشدّ من يوم الجور على المظلوم .
وقال عليه السلام :مَن أخطأ وجوه المطالب خذلته وجوه الحيَل ، والطامع في وثاق الذلّ (2) ، ومَن أحبّ البقاء فليعدّ للبلاء (3) قلبا صبورا .
وقال عليه السلام :العلماء غرباء لكثرة الجهّال بينهم .
وقال :الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت بها (4) .
وقال عليه السلام :ثلاث يبلغن بالعبد رضوان اللّه تعالى : كثرة الاستغفار ، ولين (5) الجانب ، وكثرة الصدقة . وثلاث مَن كنّ فيه لم يندم : ترك العجلة ، والمشورة ، والتوكّل على اللّه عند العزم . لو سكت الجاهل ما اختلف الناس . مقتل الرجل بين فكيه (6) والرأي مع الإناءة ، وبئس الظهر وبئس الظهير (7) ] وبئس [الرأي القصير الرأي الفطير .
وقال عليه السلام :ثلاث خصال تجتلب بهنّ المحبّة (8) : الإنصاف في المعاشرة (9) ، والمواساة في الشدّة ، والانطواء والرجوع على (10) قلبٍ سليم .
.
ص: 1056
وقال عليه السلام :الناس (1) أشكال وكلّ (2) يعمل على شاكلته ، والناس إخوان ، فمن كانت اخوّته في غير ذات اللّه تعالى فإنّها تعود (3) عداوة ، وذلك قوله عزّوجلّ : «الْأَخِلاَّءُ يَوْمَ_ئِذِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ» (4) .
وقال عليه السلام :من استحسن قبيحا كان شريكا فيه .
وقال عليه السلام :كفر النعمة داعية المقت ، ومَن جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر ممّا أخذ منك .
وقال عليه السلام :لاتفسد (5) الظنّ على صديق ]و]قد أصلحك اليقين له ، ومَن وعظ أخاه سرّا فقد زانه ، ومَن وعظه علانيةً فقد شانه .
وقال عليه السلام :لازال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى أن يبلغ ثماني عشرة سنة ، فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه ، وما أنعم اللّه على عبدٍ نعمةً فعلم أنها من اللّه إلاّ كتب اللّه جلّ (6) اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها ، ولا أذنب العبد ذنبا فعلم أنّ اللّه مطّلع (7) عليه إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له إلاّ غفر [اللّه ] له قبل أن يستغفره .
وقال عليه السلام :الشريف كلّ الشريف من شرّفه علمه ، والسؤدد كلّ السؤدد لمن اتقى اللّه ربّه .
وقال عليه السلام :لاتعالجوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ، ولايطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم ، وارحموا ضعفاءكم واطلبوا من اللّه الرحمة بالرحمة لهم (8) .
.
ص: 1057
وقال عليه السلام :من أمّل فاجرا كان أدنى عقوبته الحرمان .
وقال عليه السلام :موت الإنسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل ، وحياته بالبرّ أكثر من حياته بالعمر . آخر ما نقل من كتاب الجنابذي(ره) (1) .
قُبض أبو جعفر محمّد الجواد ابن عليّ الرضا عليه السلام ببغداد (2) وكان سبب وصوله إليها إشخاص المعتصم له من المدينة ، فقدم بغداد مع زوجته اُمّ الفضل بنت المأمون لليلتين بقيتا من المحرّم سنة عشرين ومائتين (3) ، وتوفى بها في آخر ذي القعدة الحرام ، وقيل : توفي بها يوم الثلاثاء (4) لستّ خلون من ذي الحجّة من السنة المذكورة ، ودُفن في مقابر قريش في ظهر جدّه أبي الحسن موسى الكاظم . 5 ودخلت امرأته اُمّ الفضل إلى قصر المعتصم فجعلت مع الحرم وكان له من العمر خمس وعشرون سنة وأشهر 6 . وكانت مدّة إمامته
.
ص: 1058
سبعة عشر سنة 1 ، أوّلها في بقية ملك المأمون ، وآخرها في ملك المعتصم . ويقال : إنّه مات مسموما 2 .
.
ص: 1059
وخلّف من الولد : عليّا (1) الإمام ، وموسى 2 ، وفاطمة واُمامة ابنين وابنتين (2) . تغمّدهم اللّه برحمته وأسكنهم فسيح جنّاته .
.
ص: 1060
. .
ص: 1061
الفصل العاشر : في ذكر أبي الحسن عليّ المعروف بالعسكري عليه السلام وهو الإمام العاشر 1 وتاريخ ولادته ومدّة إمامته ومبلغ عمره وحين وفاته وعدد أولاده وذكر نسبه وكنيته ولقبه وغير ذلك ممّا يتّصل بهقال صاحب الإرشاد : كان الإمامُ بعد أبي جعفر ابنه أبا الحسن عليّ بن محمّد
.
ص: 1062
لاجتماع خصال الإمامة فيه ولتكامل فَضلهِ وعِلمه وأنّه لاوارثَ لمقام أبيه سواه ولثبوت النصّ عليه بالإمامة والأشارة إليه من أبيه [بالخلافة] (1) . وعن إسماعيل بن مهران قال : لمّا خرج أبو جعفر محمّد الجواد من المدينة إلى بغداد يطلبه المعتصم قلت له عند خروجه : جعلت فداك إنّي أخاف عليك من هذا الوجه فإلى مَن الأمر بعدك؟ (2) فبكى حتّى اخضلّت (3) لحيته ، ثمّ التفت إليَّ فقال : عند هذه يخاف عليَّ الأمر من بعدي إلى ابني (4) عليّ (5) .
.
ص: 1063
قال ابن الخشّاب في كتابه مواليد اهل البيت عليهم السلام: ولد أبو الحسن عليّ العسكري في رجب سنة اثنتي عشرة ومائتين من الهجرة 1 . وأمّا نسبه : أبا واُمّا فهو عليّ الهادي ابن محمّد الجواد ابن عليّ الرضا ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمّد الباقر ابن عليّ زين العابدين ابن الحسين بن عليّبن أبي طالب عليهم السلام (1) . وأمّا اُمه فاُمّ ولد يقال لها سمانة المغربية ، وقيل غير ذلك 3 .
.
ص: 1064
وأمّا كنيته : فأبو الحسن لاغير (1) و أمّا ألقابه : فالهادي ، والمتوكّل ، والناصح ، والمتقي ، والمرتضى ، والفقيه ، والأمين ، والطيّب ، وأشهرها الهادي والمتوكّل ، وكان يأمر أصحابه أن يعرضوا عن تلقيبه بالمتوكّل لكونه يومئذٍ لقبا للخليفة جعفر المتوكّل ابن المعتصم 2 . صفته : أسمر اللون (2) . شاعره : العوفي (3) والديلمي . (4) بابه (5) : عثمان بن سعيد 7 .
.
ص: 1065
نقش خاتمه : اللّه ربّي وهو عصمتي من خلقه (1) . معاصره : الواثق (2) ، ثمّ المتوكّل (3) أخوه ، ثمّ ابنه المنتصر (4) ، ثمّ المستعين (5) ابن أخي المتوكّل . وأمّا مناقبه : فقال الشيخ كمال الدين بن طلحة : فمنها ماحلّ في الآذان محلّ جلالها باتصافها واكتناف اللآلي اليتيمة (6) بأصدافها وشهد لأبي الحسن عليّ الرابع (7) . أنّ نفسه موصوفة بنفائس أوصافها وأنه نازل في الدوحة (8) النبوية في دار
.
ص: 1066
أشرافها وشرفات أغرافها (1) . فمن ذلك : أنّ أبا الحسن كان قد خرج يوما من سرّ من رأى إلى قرية له لمهمّ عرض له ، فجاء رجل من بعض الأعراب يطلبه في داره فلم يجده ، فقيل (2) له انّه [قد ]ذهب إلى الموضع الفلاني ، فقصده إلى موضعه ، فلمّا وصل إليه قال له : ما حاجتك؟ فقال له : أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسّكين بولاية (3) جدّك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقد ركبني دَينٌ فادحٌ اثقلني حمله (4) ولم أرَ من أقصده لقضائه سواك ، فقال له أبو الحسن : كم دَينك؟ فقال : نحو العشرة آلاف درهم ، فقال : طب نفسا وقرّ عينا يقضى دَينك إن شاء اللّه تعالى . ثمّ أنزله فلمّا أصبح قال له : يا أخا العرب اُريد منك حاجة لاتخالفني (5) فيها ، واللّه اللّه فيما آمرك به وحاجتك تقضى إن شاء اللّه تعالى ، فقال الأعرابي : لا اُخالفك في شيء ممّا تأمرني به . فأخذ أبو الحسن ورقة وكتب فيها بخطّه دَينا عليه للأعرابي بالمذكور وقال خذ هذا الخطّ معك فإذا وصلت (6) سرَّ من رأى فتراني أجلس مجلسا عامّا فإذا حضر الناس أو احتفل المجلس فتعال إليَّ بالخطّ وطالبني واغلظ عليَّ في القول في ترك ايفائك إيّاه (7) . واللّه اللّه في مخالفتي (8) في شيءٍ ممّا اُوصيك به . فلمّا وصل أبو الحسن إلى سرّ من رأى جلس مجلسا عامّا وحضر عنده جماعة
.
ص: 1067
من وجوه الناس وأصحاب الخليفة المتوكّل وأعيان البلد وغيرهم ، فجاء ذلك الأعرابي وأخرج الخطّ وطالبه بالمبلغ المذكور وأغلظ عليه في الكلام ، فجعل أبو الحسن يعتذر إليه ويطيب نفسه بالقول ويعده بالخلاص عن قريب وكذلك الحاضرون وطلب منه المهلة ثلاثة أيّام . فلمّا انفكّ المجلس نقل ذلك الكلام إلى الخليفة المتوكّل فأمر لأبي الحسن على الفور بثلاثين ألف درهم ، فلمّا حملت إليه تركها إلى أن جاء الأعرابي فقال له : خذ هذا المال واقضِ (1) منه دَينك واستعن بالباقي على وقتك والقيام على عائلتك ، فقال الأعرابي : يابن رسول اللّه ، واللّه إنّ في العشرة آلاف بلوغ مطلبي ونهاية أربي وكفاية أملي كان يقصر عن ثلث هذا (2) . فقال أبو الحسن : واللّه لتأخذنّ ذلك جميعه وهو رزقك الّذي ساقه اللّه إليك ، ولو كان أكثر من ذلك مانقصناه . فأخذ الأعرابي الثلاثين ألف درهم وانصرف وهو يقول : اللّه أعلم حيث يجعل رسالته (3) . وعن الوشّاء عن خيران الأسباطي (4) قال : قدمت على أبي الحسن عليّ بن محمّد بالمدينة الشريفة النبوية من العراق فقال لي : ما خبر الواثق عندك؟ قلت : [جعلت فداك ]خلّفته في عافية وأنا مِن أقرب الناس عهدا به وهذا مقدمي من عنده وتركته صحيحا سويّا ، قال : إنّ أهل المدينة (5) يقولون إنّه قد مات [فقلت : أنا أقرب
.
ص: 1068
الناس به عهدا . قال : فقال لي : إنّ الناس يقولون : إنّه مات] (1) فلمّا قال لي انّ الناس يقولون علمت أنه يعني نفسه فسكتّ ، فقال لي : ما فعل ابن الزيّات؟ قلت : الناس معه والأمر أمره ، فقال أمّا إنّه شُؤمٌ عليه ، ثمّ قال : لابدّ أن تجري مقادير اللّه وأحكامه يا خيران (2) مات الواثق [و]قد قعد جعفر المتوكّل وقّتل ابن الزيّات ، فقلت : متى جعلت فداك؟! فقال : بعد خروجك بستة أيّام . فما كان إلاّ أيّام قلائل حتّى وصل قصّاد المتوكّل إلى المدينة فكان كما قال عليه السلام (3) . وحكي أنّ سبب شخوص أبي الحسن عليّ بن محمّد من المدينة إلى سُرّ مَن رأى 4 أنّ عبد اللّه بن محمّد (4) كان ينوب عن الخليفة المتوكّل الحرب والصلاة بالمدينة الشريفة فسعى بأبي الحسن إلى المتوكّل وكان يقصده بالأذى ، فبلغ أبو الحسن سعايته [به] فكتب إلى المتوكّل يَذكُرُ تحامل عبد اللّه بن محمّد [ويكذّبه فيما سعى ]عليه وقصده له بالأذى ، فتقدّم المتوكّل بالكتابة إليه وأجابه عن كتابه وجعل
.
ص: 1069
يعتذر إليه فيه ويلين له القول ، ودعاه فيه إلى الحضور إليه على جميلٍ من القول والفعل ، وكانت صورة الكتاب الّذي كتبه إليه المتوكّل : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ، إنّ أمير المؤمنين عارف بقدرك راعٍ لقرابتك موجب لحقّك مؤثر من الاُمور فيك وفي أهل بيتك لما فيه إصلاح حالك وحالهم ويثبت عزّك وعزّهم وإدخال الأمن (1) عليك وعليهم يبتغي ذلك رضاء ربّه (2) وأداء ما افترضه عليه فيك وفيهم ، وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد اللّه بن محمّد عمّا كان يتولاّه من الحرب والصلاة بمدينة الرسول صلى الله عليه و آله إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقّك واستخفافه بقدرك وعند ما قَرَفَكَ به (3) ونسبك إليه من الأمر وما رماك به وعزاك إليه من الأمر الّذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه ولمّا تبيّن له من صدق نيتك وحسن طويتك وسلامة صدرك وأنك لم تؤهّل نفسك بشيءٍ ممّا ذكره عنك وقد ولّي أمير المؤمنين ممّا كان يليه عبد اللّه بن محمّد من الحرب والصلاة بمدينة الرسول صلى الله عليه و آلهلمحمّد بن فضل ، وأمره بإكرامك واحترامك وتوقيرك وتبجيلك (4) والانتهاء إلى أمرك ورأيك وعدم مخالفتك والتقرّب إلى اللّه تعالى وإلى أمير المؤمنين بذلك وأمير المؤمنين مشتاق إليك ويحبّ إحداث العهد بقربك واليمن (5) بالنظر إلى ميمون طلعتك المباركة فان نشطت لزيارته والمُقام قِبَلَه وفي جهته ما أحببت احضرت أنت ومن اخترته من أهل بيتك ومواليك وحشمك وخدمك على مهلة وطمأنينة ، ترحل إذا شئت وتسير كيف شئت ، وإن أحببت وحسن رأيك أن يكون
.
ص: 1070
يحيى بن هرثمة 1 بن أعين مولى أمير المؤمنين في خدمتك ومَن معه من الجند يرحلون لرحيلك وينزلون لنزولك فالأمر إليك في ذلك ، وقد كتبت إليه في طاعتك وجميع ما تحبّ ، فاستخر اللّه تعالى ، فما أحد عند أمير المؤمنين من أهل بيته وولده وخاصّته ألطف منزلةً ولا أحمد أثرةً ولاهو انظر إليهم أبرَّ بهم وأشفق عليهم وأسكن إليهم منك إليه ، والسّلام عليك ورحمة اللّه وبركاته . وكتب (1) إبراهيم بن العباس في شهر كذا سنة ثلاث وأربعين ومائتين من الهجرة (2) . فلمّا وصل الكتاب إلى أبي الحسن عليه السلام تجهّز للرحيل وخرج معه يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومَن معه من الجند حافّين به إلى أن وصل إلى سرّ من رأى ، فلمّا وصل إليها تقدّم المتوكّل بأن يُحْجب عنه [في يومه] فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك وأقام فيه يومه . ثمّ إنّ المتوكّل أفرد له دارا حسنةً وأنزله أيّاما ، فأقام أبو الحسن مدّة مقامه بسرّ من رأى مكرّما معظّما مبجّلاً في ظاهر الحال ، والمتوكّل
.
ص: 1071
يبتغي له الغوائل في باطن الأمر فلم يقدره اللّه تعالى عليه (1) . وعن عليّ بن إبراهيم بن محمّد الطائفي (2) قال : مرض المتوكّل من خُراجٍ (3) خرج بحلقه فأشرف على الهلاك أو لم يجسر (4) أحد أن يمسّه بحديدة ، فنذرت اُمّ المتوكّل لأبي الحسن عليّ بن محمّد إن عُوفي ولدها من هذه العلّة لتعطينّه مالاً جليلاً من مالها ، فقال الفتح بن خاقان (5) للمتوكّل : لو بعثت إلى هذا الرجل _ يعني أبا الحسن _ فسألته فربّما كان على يده فرجٌ لك ، فقال : ابعثوا إليه ، فمضى إليه رسول المتوكّل فقال : خذوا كُسْبَ الغنم (6) وديفوه بماء ورد (7) وضعوه على الخراج (8) ينفتح من ليلته بأهون مايكون ويكون في ذلك شفاؤه إن شاء اللّه تعالى . فلمّا عاد الرسول وأخبرهم بمقالته جعل من بحضرة (9) المتوكّل من خواصّه يهزأ من هذا الكلام ، فقال الفتح : ومايضرّ من تجربة ذلك؟ فإني واللّه لأرجو به الصلاح ، فعملوه ووضعوه على الجراح فانفتح من ليلته وخرج ما كان فيه ، فشفي المتوكّل من
.
ص: 1072
الألم الّذي كان يجده ، فأخذت اُمّ المتوكّل عشرة آلاف دينار من مالها ووضعتها في كيس وختمت عليه وبعثت به إلى أبي الحسن فأخذها . وبعث إليه المتوكّل بفضله كيسا فيه خمسمائة دينار . ثمّ بعد ذلك بمدة طويلة كبيرة سعى شخص يقال له البَطحاني (1) لعنه اللّه بأبي الحسن عليه السلام إلى المتوكّل وقال : عنده أموال وسلاح وعدد ولا آمن خروجه عليك ، فتقدّم المتوكّل إلى سعيد الحاجب بأن يهجم عليه ليلاً داره في جماعة من الرجال والشجعان ويأخذ جميع ما يجده عنده من الأموال والسلاح ويحمله إليه . قال إبراهيم بن محمّد : قال لي سعيد الحاجب 2 : صرت (2) إلى دار أبي الحسن ليلاً بعد أن هجع الناس في جماعة من الرجال الأمجاد ومعي الأعوان بالسلالم (3) ، فصعدنا إلى سطح داره وفتحنا الباب وهجمنا بالشموع والسرج والنيران وفتّشنا الدار جميعا أعلاها وأسفلها موضعا موضعا ومكانا مكانا فلم نجد فيها شيئا ممّا سعي به عليه غيركيسين أحدهما كبير ملآن مختوم والآخر صغير فيه فضلة وسيف واحد في جفير خلق معلّق ، ووجدنا أبا الحسن قائما يصلّي على حصير وعليه جُبَّة
.
ص: 1073
صُوفٍ وقلنسوة ، ولم يرتاع لشيءٍ ممّا نحن فيه ولااكترث . فأخذت الكيسين البدرة والسيف وسرت إلى المتوكّل فدخلت عليه وقلت : هذا الّذي وجدنا من المال والسلاح ، وأخبرته بما فعلت وبما رأيت من أبي الحسن ، فوجد على الكيس الملآن ختم اُمّه فطلبها وسألها عن البدرة (1) فقالت : كنت نذرت في علّتك إن عافاك اللّه منها لأعطينّ أبا الحسن عشرة آلاف دينار من مالي ، فحملتها إليه في هذا الكيس وهذا ختمي عليها ، فأضاف المتوكّل خمسمائة دينار اُخرى إلى الخمسمائة الّتي كانت في الكيس الصغير من قبل وقال لسعيد الحاجب : اردد الكيسين والسيف واعتذر لنا فيه ممّا كان منّا إليه . قال سعيد : فرددت ذلك إليه وقلت له : أمير المؤمنين يعتذر إليك ممّا جرى منه وقد زادك خمسمائة دينار على الخمسمائة دينار الّتي كانت في الكيس من قبل ، وأستحي (2) منك يا سيّدي أن تجعلني أنا الآخر في حلّ فاني عبدٌ مأمور ولا أقدر على مخالفة أمير المؤمنين ، فقال لي : يا سعيد «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» (3)(4) . قال بعض أهل العلم : فضل أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي قد ضرب على المجرة (5) قبابه ، ومدّ على نجوم السماء أطنابه ، فما تعدّ منقبة إلاّ وإليه نحيلها (6) ،
.
ص: 1074
ولاتذكر كريمة إلاّ وله فضيلتها ، ولا تورد محمّدة إلاّ وله تفضيلها وجملتها ، ولاتستعظم حالة سنية إلاّ وتظهر عليه أدلّتها ، استحقّ ذلك بما في جوهر نفسه من كرمٍ تفرّد بخصائصه ومجدٍ حكم فيه على طبعه الكريم بحفظه من الثوب (1) حفظ الراعي لفصائله (2) فكانت نفسه مهذّبة وأخلاقه مستعذبة وسيرته عادلة وخلاله فاضلة ومبارّه (3) إلى العفاة واصلة وربوع (4) المعروف بوجود وجوده عامرة آهلة ، جرى من الوقار والسكون والطمأنينة والعفّة والنزاهة والخمول في النباهة على وتيرة نبوية وشنشنة علوية ونفس زكية وهمّة علية لايُقاس بها (5) أحد من الأنام ولايدانيها ، وطريقة حسنة لايشاركه فيها خلق ولايطمع فيها . قبض أبو الحسن عليّ الهادي عليه السلام المعروف بالعسكري ابن محمّد الجواد بسرّ من رأى في يوم الاثنين الخامس والعشرين من جُمادَى الآخر سنة أربع وخمسين ومائتين 6 ، ودُفن في داره بسرّ من رأى وله يومئذ من العمر أربعون سنة [وأشهر ]
.
ص: 1075
وكان المتوكّل قد أشخصه من المدينة النبوية إلى سرّ من رأى مع يحيى بن هرثمة بن أعين في سنة ثلاث وأربعين ومائتين (1) كما قدّمنا فأقام بها حتّى مضى لسبيله إحدى عشر سنة ، وكانت مدّة إمامته ثلاث وثلاثين سنة ، كانت أوائل إمامته في بقية ملك المعتصم ، ثمّ ملك الواثق خمس سنين وتسعة (2) أشهر ، ثمّ ملك المتوكّل أربعة عشر سنة ، ثمّ ملك ابنه المنتصر ستة أشهر ، ثمّ ملك المستعين ابن أخي المتوكّل ولم يكن أبوه خليفة سنتان (3) وتسعة أشهر ، ثمّ ملك المعتزّ وهو الزبير ابن المتوكّل ثماني سنين وستة أشهر . استشهد في آخر ملكه أبو الحسن لأنه يقال
.
ص: 1076
إنه مات مسموما ، واللّه أعلم (1) . خلف من الولد : أبا محمّد الحسن ابنه وهو الإمام من بعده (2) ، والحسين (3) ، ومحمّدا (4) ، وجعفرا (5) ، وابنة اسمها عائشة (6) ، سقا اللّه ثراهم شآبيب الرحمة والرضوان وأسكن محبّهم فراديس الجنان .
.
ص: 1077
الفصل الحادي عشر :في ذكر أبي محمّد الحسن الخالص بن عليّ العسكري عليه السلام وهو الإمام الحادي عشر 1 وتاريخ ولادته ووقت وفاته وذكر ولده ونسبه وكنيته ولقبه وغير ذلك ممّا يتّصل بهقال صاحب الإرشاد : [وكان] الإمام القائم بعد أبي الحسن عليّ بن محمّد ابنه
.
ص: 1078
أبو محمّد الحسن لاجتماع خلال الفضل فيه وتقدّمه على كافّة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة ويقضي له الرئاسة (1) من العلم والورع والزهد وكمال العقل [والعصمة والشجاعة والكرم] وكثرة الأعمال المقرّبة إلى اللّه تعالى ، ثمّ لنصّ أبيه عليه وإشارته بالخلافة إليه (2) . قال صاحب الإرشاد رحمه اللّه تعالى أيضا : الإمام المنتصب بعد أبي الحسن ابنه
.
ص: 1079
أبو محمّد الحسن لثبوت النصّ عليه من أبيه . وعن يحيى بن يسار العنبري (1) قال : أوصى أبو الحسن عليّ بن محمّد إلى ابنه أبي محمّد الحسن قبل مضيّه (2) بأربعة أشهر وأشار إليه بالأمر من بعده وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي (3) . ولد أبو محمّد الحسن بالمدينة لثمان خلون من ربيع الآخر سنة اثنين وثلاثين ومائتين للهجرة (4) . أمّا نسبه أبا واُمّا فهو الحسن الخالص ابن عليّ الهادي ابن محمّد الجواد ابن عليّ الرضا ابن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ زين العابدين ابن الحسين بن
.
ص: 1080
عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين (1) . وأمّا اُمّه فاُمّ ولد يقال لها حُديْث (2) وقيل سوسن (3) . وأمّا كنيته : فأبو محمّد (4) . وأمّا لقبه : فالخالص ، والسراج ، والعسكري ، وكان هو وأبوه وجدّه كلّ واحد منهم يعرف في زمانه بابن الرضا 5 .
.
ص: 1081
وصفته : بين السمرة والبياض (1) . شاعره : ابن الرومي (2) . بابه (3) عثمان بن سعيد (4) . نقش خاتمه «سبحان مَن له مقاليد السماوات والأرض» (5) .معاصرة : المعتزّ والمهتدي (6) والمعتمد (7) . وأمّا مناقبه : فقال الشيخ كمال الدين بن طلحة : كفى أبا محمّد الحسن شرفا أن جعل اللّه تعالى محمّد المهدي من كسبه وأخرجه من صلبه وجعله معدودا من حزبه ، ولم يكن لأبي محمّد ذَكرٌ سواه وحسب ، ذلك منقبته وكفاه ، ولم تطل مدّته أيّام مُقامه ومثواه ولا امتدّت أيّام حياته فيها لتظهر الناظرين مأثره ومزاياه (8) .
.
ص: 1082
وعن أبي الهيثم بن عديّ قال : لمّا أمر المعتزّ بحمل أبي محمّد الحسن إلى الكوفة كتبت إليه : ما هذا الخبر الّذي بلغنا فأقلقنا وغمّنا؟ فكتب : بعد ثلاث يأتيكم الفرَج إن شاء اللّه تعالى . فقُتل المعتزّ في اليوم الثالث 1 . وعن أبي هاشم (1) قال : سمعت أبا محمّد الحسن يقول : إنّ في الجنّة بابا يقال له باب المعروف لايدخله إلاّ أهل المعروف ، فحمدت اللّه في نفسي وفرحت بما أتكلّف به من حوائج الناس ، فنظر إليَّ وقال : يا أبا هاشم [نعم ]فدُم (2) على ما أنت عليه ، فإنّ أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة [وجعلك اللّه منهم يا أبا هاشم ورحمك] (3) .
.
ص: 1083
وعنه أيضا قال : سمعت أبا محمّد الحسن (رض) يقول : بسم اللّه الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم اللّه الأعظم من سواد العين إلى بياضها (1) . وعن أبي هاشم قال : سمعت أبي محمّد يقول : من الذنوب الّتي يخشى على الرجل أن لا تغفر له قوله ليتني لم اُوآخذ إلاّ بهذا الذنب ، قلت في نفسي : إنّ هذا لهو النظر دقيق قد ينبغي للرجل أن يتفقّد من نفسه كلّ شيء . قال : فأقبل عليَّ وقال : صدقت يا أبا هاشم (2) . وعن محمّد بن حمزة الدوري (3) قال : كتبت على يدي أبي هاشم داود بن القاسم وكان لي مؤاخيا إلى أبي محمّد الحسن أسأله أن يدعو اللّه لي بالغنى وكنت قد أملقت (4) وقلّت ذات يدي وخفت الفضيحة ، فخرج الجواب على يده : أبشر فقد أتاك الغنى غنى اللّه تعالى ، مات ابن عمّك يحيى بن حمزة وخلّف مائة ألف درهم ولم يترك وارثا سواك وهي واردة عليك [فاشكراللّه ] وعليك بالاقتصاد وإيّاك والإسراف فإنّه من فعل الشيطان . فورد عليَّ المال والخبر بموت ابن عمّي كما قال عن أيّام قلائل ، وزال عنّي الفقر ، فأدّيت حقّ اللّه تعالى وبررت إخواني وتماسكت بعد ذلك وكنت مبذرا (5) . وعن إسماعيل بن محمّد بن عليّ بن إسماعيل بن عليّ بن عبداللّه بن العباس قال : قَعَدْتُ لأبي محمّد الحسن على ظهر الطريق (6) فلمّا مرَّ قمت في وجهه شكوت
.
ص: 1084
إليه الحاجة والضرورة وحلفت له ليس عندي درهم (1) . فما فوقه ، فقال : تحلف باللّه كاذبا (2) وقد دفنت مائتي دينار وليس قولي هذا دفعا لك عن العطية ، اعطه يا غلام ما معك ، فأعطاني غلامه (3) مائة دينار فشكرت له وولّيت ، فقال : ما أخوفني أن تفقد المائتي دينار أحوج ما تكون إليها ، فذهبت إليها فافتقدتها فإذا هي في مكانها فنقلتها إلى موضعٍ آخر ودفنتها من حيث لايطّلع عليها أحد ، ثمّ قعدت مدّة طويلة فاضطررت إليها فجئت أطلبها من (4) مكانها فلم أجدها فجننت وشقّ ذلك عليَّ ، فوجدت ابنا لي قد عرف موضعها (5) وأخذها وأبعدها ولم يحصل لي شيء ، فكان كما قال (6) . وحدّث أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري قال : كنت في الحبس [المعروف بحبس صالح بن وصيف الأحمر ]الّذي بالجوشق أنا والحسن بن محمّد العقيقي (7)(8) ومحمّد بن إبراهيم العمري وفلان وفلان خمسة ستة من الشيعة إذ ورد (9) علينا
.
ص: 1085
أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليهما السلام وأخوه جعفر فحففنا بأبي محمّد (1) وكان المتولّى لحبسه صالح بن الوصيف الحاجب وكان معنا في الحبس رجل جمحي [يقال : إنّه علوي] قال : فالتفت إلينا أبو محمّد وقال لنا سرا : لولا أنّ فيكم مَن ليس منكم لأعلمتكم متى يفرّج عنكم (2) ، وترى هذا الرجل فيكم قد كتب فيكم قصّته إلى الخليفة يخبره فيها بما تقولون فيه وهي مدسوسة معه في ثيابه يريد أن يوسع الحيلة في إيصالها إلى الخليفة من حيث لا تعلمون فاحذروا شرّه . قال أبو هاشم : فما تمالكنا أن تحاملنا جميعا على الرجل ففتّشناه فوجدنا القصّة مدسوسة معه بين ثيابه وهو يذكرنا فيها بكلّ سوء ، فأخذناها منه وحذّرناه (3) . وكان الحسن يصوم في السجن فإذا افطر أكلنا معه من طعامه وكان يحمله إليه غلامه في جونة مختومة . قال أبو هاشم : فكنت أصوم معه ، فلمّا كان ذات يوم ضعفتُ من الصوم فأمرت غلامي فجاءني بكعك فذهبت إلى مكان خالي في الحبس فأكلت وشربت ثمّ عدت إلى مجلسي مع الجماعة ولم يشعر بي أحد ، فلمّا رآني تبسّم وقال : أفطرت؟ فخجلت ، فقال : لا عليك يا أبا هاشم إذا رأيت انّك قد ضعفت وأردت القوّة فكل اللحم فإنّ الكعك لاقوّة فيه ، وقال : عزمت عليك أن تفطر ثلاثا فإنّ البنية إذا أنهكها الصوم لاتتقوّى إلاّ بعد ثلاث (4) . قال أبو هاشم : ثمّ لم تطل مدّة أبي محمّد الحسن في الحبس إلاّ أن قحط الناس بسرّ من رأى قحطا شديدا ، فأمر الخليفة المعتمد على اللّه ابن المتوكّل بخروج الناس إلى الاستسقاء ، فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون ويدعون فلم يُسقوا ، فخرج
.
ص: 1086
الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء وخرج معه النصارى والرهبان وكان فيهم راهب كلّما مدّ يده إلى السماء ورفعها هطلت بالمطر . ثمّ خرجوا في اليوم الثاني وفعلوا كفعلهم أوّل يوم فهطلت السماء بالمطر وسُقوا سقيا شديدا حتّى استعفوا ، فعجب الناس من ذلك وداخلهم الشكّ وصفا بعضهم إلى دين النصرانية ، فشقّ ذلك على الخليفة فأنفذ إلى صالح بن وصيف أن أخرج أبا محمّد الحسن بن عليّ من السجن وائتني به . فلمّا حضر أبو محمّد الحسن عليه السلام عند الخليفة قال له : أدرك اُمّة جدّك محمّد صلى الله عليه و آلهفيما لحق بعضهم في هذه النازلة ، فقال أبو محمّد : دعهم يخرجون غدا اليوم الثالث ، قال : قد استعفى الناس من المطر واستكفوا فما فائدة خروجهم؟ قال : لاُزيل الشكّ عن الناس وما وقعوا فيه من هذه الورطة الّتى أفسدوا فيها عقولاً ضعيفة . فأمر الخليفة الجاثليق والرهبان أن يخرجوا أيضا في اليوم الثالث على جاري عادتهم وأن يخرجوا الناس ، فخرج النصارى وخرج لهم أبو محمّد الحسن ومعه خلق كثير فوقف النصارى على جاري عادتهم يستسقون إلاّ أنّ ذلك الراهب مدّ يديه رافعا لهما إلى السماء ورفعت النصارى والرهبان أيديهم على جاري عادتهم فغيّمت السماء في الوقت ونزل المطر . فأمر أبو محمّد الحسن القبض على يد الراهب وأخذ ما فيها فإذا بين أصابعه (1) عظم آدمي ، فأخذه أبو محمّد الحسن ولفّه في خرقة وقال : استسق ، فانكشف السحاب وانقشع الغيم وطلعت الشمس ، فعجب الناس من ذلك وقال الخليفة : ما هذا يا أبا محمّد؟ فقال : عظم نبيّ من أنبياء اللّه عزّوجلّ ظفر به هؤلاء من بعض قبور (2) الأنبياء ، وما كشف نبيّ عن عظم تحت السماء إلاّ هطلت بالمطر . واستحسنوا (3) ذلك فامتحنوه فوجدوه كما قال .
.
ص: 1087
فرجع أبو محمّد الحسن إلى داره بسرّ من رأى وقد أزال عن الناس هذه الشبهة ، وقد سرّ الخليفة والمسلمون ذلك ، وكلّم أبو محمّد الحسن الخليفة في إخراج أصحابه الذين كانوا معه في السجن فأخرجهم وأطلقهم له ، وأقام أبو محمّد الحسن بسرّ من رأى بمنزله بها معظّما مكرّما مبجّلاً ، وصارت صِلات الخليفة وأنعامه تصل إليه في منزله إلى أن قضي تغمّده اللّه برحمته (1) . وعن عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عيسى بن الفتح قال : لمّا دخل علينا أبو محمّد الحسن السجن قال لي : يا عيسى لك من العمر خمس وستون سنة وشهر ويومان . قال : وكان معي كتاب [دعاء] فيه تاريخ ولادتي فنظرت فيه فكان كما قال . ثمّ قال لي : هل اُرزقت ولدا؟ فقلت : لا ، قال : اللّهمّ ارزقه ولدا يكون له عضدا فنِعمَ العضد الولد ثمّ أنشد : من كان ذا عضد يدرك ظلامتهإنّ الذليل الّذي ليست له عضد فقلت له : يا سيّدي وأنت لك ولد؟ فقال : واللّه سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا وعدلاً ، وأمّا الآن فلا ، ثمّ أنشد متمثّلاً : لعلّك يوما أن تراني كأنّمابني حوالي الاُسود اللوابد فإنّ تميما قبل أن يلد العصاأقام زمانا وهو في الناس واحد وعن الحسن بن محمّد الأشعري عن أحمد بن عبيداللّه (2) بن خاقان قال : لقد ورد على الخليفة المعتمد على اللّه أحمد بن المتوكّل في وقت وفاة أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري ما تعجّبنا منه ولاظنّنا أنّ مثله يكون من مثله ، وذلك أنه لمّا اعتلّ أبو محمّد ركب خمسة من دار الخليفة من خدّام أمير المؤمنين وثقاته
.
ص: 1088
وخاصّته ، كلّ منهم نحرير فقه ، وأمرهم بلزوم دار أبي الحسن وتعرّف خبره وحاله ومشاركتهم له بحاله وجميع ما يحدث له في مرضه ، وبعث إليه من خدّام المتطبّبين وأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده (1) صباحا ومساءً . فلمّا كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثا أخبروا الخليفة بأنّ قوّته قد سقطت وحركته قد ضعفت ، وبعيد أن يجيء منه شيء فأمر المتطبّبين بملازمته وبعث الخليفة إلى القاضي ابن بختيار ان يختار عشرة ممّن يثق بهم وبدينهم وأمانتهم يأمرهم إلى دار أبي محمّد الحسن وبملازمته ليلاً ونهارا ، فلم يزالوا هناك إلى أن توفّي بعد أيام قلائل (2) . ولمّا رُفع خبر وفاته ارتجّت سرّ من رأى وقامت ضجّة واحدة [مات ابن الرضا] وعُطّلت الأسواق وغُلقت أبواب الدكاكين ، وركب بنو هاشم والكتّاب والقوّاد والقضاة والمعدلون وسائر الناس إلى أن حضروا إلى جنازته ، فكانت سرّ من رأى في ذلك شبيها بالقيامة (3) . فلمّا فرغوا من تجهيزه وتهيئته بعث السلطان (4) إلى [أبي ]عيسى ابن المتوكّل أخيه [فأمره] بالصلاة عليه ، فلمّا وُضعت الجنازة للصلاة دنا [أبو] عيسى منها (5)
.
ص: 1089
وكشف عن وجهه وعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية وعلى القضاة والكتّاب والمعدلين فقال : هذا أبو محمّد العسكري مات حتف أنفه على فراشه ، وحضره من خدّام أمير المؤمنين فلان وفلان . ثمّ غطّى وجهه وصلّى عليه وكبّر عليه خمسا وأمر بحمله ودفنه 1 . وكانت وفاة أبي محمّد الحسن بن عليّ بسرّ من رأى في يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستين ومائتين للهجرة 2 ، ودُفن في البيت الّذي دُفن
.
ص: 1090
فيه أبوه بدارهما من سرّ من رأى وله يومئذ من العمر ثمان وعشرون سنة (1) . وكانت مدّة إمامته ست سنين 2 كانت في بقية ملك المعتزّ ابن المتوكّل ، ثمّ ملك المهتدي ابن
.
ص: 1091
الواثق أحد عشرا شهرا ، ثمّ ملك المعتمد على اللّه أحمد ابن المتوكّل ثلاث وعشرين سنة مات في أوائل دولته (1) . خلّف أبو محمّد الحسن من الولد ابنه الحجّة القائم المنتظر لدولة الحقّ ، وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وشدّة طلب (2) السلطان وتطلّبه للشيعة
.
ص: 1092
وحبسهم والقبض عليهم 1 ، وتولّى جعفر بن عليّ أخوه (1) وأخذ تركته واستولى عليها وسعى في حبس جواري أبي محمّد (2) وشنع على أصحابه عند السلطان ، وذلك لكونه أراد القيام عليهم مقام أخيه فلم يقبلوه لعدم أهليّته لذلك ولا
.
ص: 1093
ارتضوه ، وبذل جعفر على ذلك مالاً جليلاً لوليّ الأمر فلم يتّفق له ولم يجتمع عليه اثنان (1) . ذهب كثير من الشيعة إلى أنّ أبا محمّد الحسن مات مسموما (2) وكذلك أبوه وجدّه وجميع الأئمّة الذين من قبلهم ، خرجوا كلّهم تغمّدهم اللّه برحمته من الدنيا على الشهادة ، واستدلّوا على ذلك ممّا روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : مامنّا إلاّ مقتولٌ أو شهيد (3) . مناقب سيّدنا أبي محمّد الحسن العسكري دالّة على أنّه السري (4) ابن السري ، فلايشكّ في إمامته أحد ولايمتري ، واعلم إن بيعت (5) مكرمة فسواه بايعها وهو المشتري ، واحد زمانه من غير مدافع ، ويسبح (6) وحده من غير منازع ، وسيّد أهل عصره ، وإمام أهل دهره ، أقواله سديدة ، وأفعاله حميدة ، وإذا كانت أفاضل زمانه قصيدة فهو في بيت القصيدة ، وإن انتظموا عقدا كان مكانه الواسطة الفريدة ، فارس العلوم الّذي لاتجاري، ومبين غوامضها فلا يحاول ولايماري ، كاشف الحقائق بنظره الصائب ، مظهر الدقائق بفكره الثاقب ، المحدّث في سرّه
.
ص: 1094
بالاُمور الخفيّات ، الكريم الأصل والنفس والذات ، تغمّده اللّه برحمته وأسكنه فسيح جنانه بمحمّد صلى الله عليه و آلهآمين (1) .
.
ص: 1095
الفصل الثاني عشر :في ذكر أبي القاسم محمّد عليه السلام الحجّة الخلف الصالح ابن أبي محمّد الحسن الخالص عليه السلام وهو الإمام الثاني عشر 1 وتاريخ ولادته ودلائل إمامته وذكر طرفٍ من أخباره وغَيبته ومدّة قيام دولته وذكر كنيته ونسبه وغير ذلك ممّا يتّصل به رضى الله عنه وأرضاهقال صاحب الإرشاد الشيخ المفيد أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان
.
ص: 1096
رحمه اللّه تعالى : و كان الإمام بعد أبي محمّد الحسن ابنه محمّدا [المسمّى باسم رسول اللّه صلى الله عليه و آله المكنّى بكنيته] ولم يخلّف أبوه ولدا غيره ظاهرا ولاباطنا ، وخلّفه أبوه غائبا مستترا (1) بالمدينة وكان سنّه (2) عند وفاة أبيه خمسَ سنين ،
.
ص: 1097
آتاه اللّه تعالى فيها الحكمة [وفصل الخطاب ، وجعله آيةً للعالمين] كما آتاها يحيى صبيّا وجعله إماما في حال الطفولية [الظاهرة ]كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبيّا . وقد سبق النصّ عليه في ملّة الإسلام من نبيّ الهدى (1) عليه الصلاة والسلام ، ثمّ (2) من جدّه [أمير المؤمنين] عليّ بن أبي طالب [ونصّ عليه الأئمّة عليهم السلامواحدا بعد واحد إلى أبيه عليه السلام ، ونصّ أبوه عليه عند ثقاته وخاصّة شيعته ، وكان الخبر بغَيبته ثابتا قبل وجوده ، وبدولته مستفيضا قبل غَيبته] ومن بقية آبائه أهل الشرف والمراتب ، و هو صاحب السيف و القائم بالحقّ المنتظَر [لدولة الإيمان ]كما ورد ذلك في صحيح الخبر ، وله قبل قيامه غَيبتان 3
.
ص: 1098
إحداهما (1) أطول من الاُخرى ، فأمّا الاُولى فهي القُصرى 2 منهما فمنذ وقت مولده (2) إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته ، وأمّا الثانية فهي الّتي بعد الاُولى و في آخرها يقوم بالسيف ، قال اللّه تعالى : «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّ__لِحُونَ» (3) .
وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لن تنقضي (4) الأيّام والليالي حتّى يبعث اللّه رجلاً من أهل بيتي يُواطئ اسمه اسمي يملؤها (5) عدلاً وقسطا كما ملئت ظلما وجورا (6) .
.
ص: 1099
. .
ص: 1100
. .
ص: 1101
وعن زرارة قال :سمعت أبا جعفر يقول : الأئمة الاثنا عشر كلّهم من آل محمّد صلى الله عليه و آلهكلّهم محدّث ، عليّ بن أبي طالب وأحد عشر من ولده ، ورسول اللّه وعليّ هما الوالدان صلّى اللّه عليهما (1) .
وروي الحافظ أبو نعيم بسنده مرفوعا إلى عبداللّه بن عمر قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :وروي الحافظ أبو نعيم بسنده مرفوعا إلى عبداللّه بن عمر قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لاتذهب الدنيا حتّى يملك (2) اللّه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي [واسم أبيه اسم أبي] (3) ، يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا (4) .
.
ص: 1102
وروى ابن الخشّاب في كتابه مواليد أهل البيت يرفعه بسنده إلى عليّ بن موسى الرضا عليه السلام أنه قال :الخلف الصالح من ولد أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري ، وهو صاحب الزمان القائم وهو المهدي (1) .
وأمّا النصّ على إمامته من جهة أبيه فروى محمّد بن عليّ بن بلال قال : قد خرج إليَّ أمر أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري قَبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثمّ خرج إليَّ قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف بأنه ابنه من بعده (2) . وعن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي محمّد الحسن بن عليّ : جلالتك تمنعني من مساءلتك فتأذن [لي] أن أسألك؟ فقال : سل ، قلت (3) : يا سيّدي هل لك ولد؟ قال : نعم ، قلت ، فإن حدث حادث فأين أسأل عنه؟ قال بالمدينة (4) . ولد أبو القاسم محمّد ابن الحجّة ابن الحسن الخالص بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة (5) .
.
ص: 1103
وأمّا نسبه أبا واُمّا فهو أبو القاسم محمّد الحجّة ابن الحسن الخالص ابن عليّ الهادي ابن محمّد الجواد ابن عليّ الرضا ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمّد الباقر ابن عليّ زين العابدين ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين (1) . وأمّا اُمّه فاُمّ ولد يقال لها نرجس (2) خير أمة (3) ، وقيل : اسمها غير ذلك 4 .
.
ص: 1104
وأمّا كنيته فأبو القاسم 1 . وأمّا لقبه فالحجّة ، والمهدي ، والخلف الصالح ، والقائم المنتظَر ، وصاحب الزمان ، وأشهرها المهدي 2 .
.
ص: 1105
صفته عليه السلام : شابٌّ مرفوع القامة حسن الوجه والشعر ، يسيل شعره على منكبيه ، أقنى الأنف أجلى الجبهة 1 .
.
ص: 1106
بابه (1) : محمّد بن عثمان 2 . معاصره : المعتمد (2) . قيل : إنّه غاب في السرداب (3) والحرس عليه وكان ذلك سنة ستّ وسبعين ومائتين للهجرة (4) .
.
ص: 1107
وهذا طرفٌ يسير ممّا جاء في النصوص الدالّة على الإمام الثاني عشر من (1) الأئمّة الثقات ، والروايات في ذلك كثيرة أضربنا عن ذكرها وقد دوّنها أصحاب الحديث في كتبهم واعتنوا بجمعها ولم يتركوا شيئا . وممّن اعتنى بذلك وجمعه إلى الشرح والتفصيل الشيخ الإمام جمال الدين أبو عبداللّه محمّد بن إبراهيم الشهير بالنعماني (2) في كتابه الّذي صنّفه أثناء (3) الغَيبة في طول الغَيبة (4) . وجمع الحافظ أبو نعيم أربعين حديثا في أمر المهدي خاصّة (5) . وصنّف الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي في ذلك كتابا سمّاه البيان في أخبار صاحب الزمان (6) . وروى الشيخ أبو عبداللّه الكنجي المذكور في كتابه هذا بإسناده عن زرّ بن عبداللّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لاتذهب الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي . أخرجه أبو داود (7) .
وعن عليّ بن أبي طالب عليه السلام عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنه قال :لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم
.
ص: 1108
لبعث اللّه رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جورا . هكذا أخرجه أبو داود في مسنده (1) .
وروى أبو داود والترمذي في سننهما كلّ واحد منهما يرفعه إلى أبي سعيد الخدري (رض) قال :سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يقول : المهدي منّي أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت جورا وظلما . وزاد أبو داود : يملك سبع سنين . و قال : حديث ثابت صحيح .
ورواه الطبراني في مجمعه وكذلك غيره من أئمّة الحديث (2) .
وذكر ابن شيرويه الديلمي في كتاب الفردوس في باب الألف واللام بإسناده عن ابن عبّاس (رض) قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : المهدي طاووس أهل الجنّة (3) .
وبإسناده أيضا عن حذيفة بن اليمان (رض) عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال :المهدي ]من [ولدي وجهه كالقمر الدرّيّ ، اللون (4) منه لون عربي والجسم جسم إسرائيلي ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا ، يرضى بخلافته أهل السماء (5) وأهل الأرض والطير
.
ص: 1109
في الجوّ يملك عشرين سنة (1)(2) .
وممّا رواه أبو داود أيضا يرفعه إلى اُمّ سلمه (رض) قالت :سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقول : المهدي من عترتي من أولاد (3) فاطمة عليهاالسلام (4) .
ومن ذلك ما رواه القاضي أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي في كتابه المسمّى بشرح السنّة ، وخرّجه مسلم والبخاري في صحيحهما يرفعه كلّ واحد منهما بسنده إلى أبي هريرة قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم (5) ؟! .
ومن ذلك ما أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما يرفعه كلّ واحد منهما إلى عبداللّه بن مسعود قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لولم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يلي (6) فيه رجلاً من اُمّتي ومن أهل بيتي ، يواطئ اسمه إسمي ، يملأ
.
ص: 1110
الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت جورا وظلما (1) .
ومن ذلك ما رواه أبو إسحاق أحمد بن محمّد ابن الثعلبي يرفعه بسنده إلى أنس بن مالك قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : نحن ولد عبد المطّلب سادات (2) الجنّة ، أنا وحمزة وجعفر وعليّ والحسن والحسين والمهدي . وأخرجه ابن ماجة في صحيحه (3) .
وعن علقمة بن عبداللّه قال :بينما نحن عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ أقبل فتية (4) من بني هاشم ، فلمّا رآهم النبيّ صلى الله عليه و آلهاغرورقت عيناه بالدموع وتغيّر لونه . قال قلت : مالك (5) يا رسول اللّه نرى في وجهك شيئا نكرهه (6) ؟ قال صلى الله عليه و آله وسلم : إنّا أهل بيت (7) اختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا ، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي تشريدا وتطريدا ، حتّى يأتي قوم من قِبل المشرق ومعهم رايات سود فيسألون الخير فلا يُعطونه فيقاتلون فيُنصرون
.
ص: 1111
فيُعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتّى يدفعوها (1) إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملؤوها (2) جورا ، فمن أدرك ذلك منكم فليأتينّهم ولو حبوا على الثلج . أخرجه الحافظ أبو نعيم (3) .
وروى الحافظ أبو نعيم أيضا بسنده عن ثوبان قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا رأيتم الرايات السود ]قد جاءت [من خراسان فائتوها ولو حبوا على الثلج ، فإنّ فيها خليفة اللّه المهدي (4) .
وروى الحافظ أبو نعيم أيضا بسنده عن عبداللّه بن عمر قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعة (5)6 .
.
ص: 1112
وروى الحافظ أبو عبداللّه بن ماجة القزويني في حديثٍ طويل نزول عيسى بن مريم على نبيّنا وآله وعليه السلام عن أبي اُمامة الباهلي قال :خطبنا (1) رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوذكر الدجّال وقال فيه : إنّ المدينة لتنقي خبثها كما ينقي الكير خبث الحديد ، ويُدعى ذلك اليوم يوم الخلاص .
فقالت (2) اُمّ شريك بنت العسكر : يا رسول فأين العرب يومئذٍ؟ قال صلى الله عليه و آله وسلم :هم يومئذٍ قليل وجلّهم في بيت (3) المقدس وإمامهم المهدي ]وهو رجل صالح [قد تقدّم إذ صلّى بهم ، إذ نزل عيسى بن مريم فيرجع ذلك الإمام ينكص عن عيسى القهقرى ليتقدّم عيسى يصلّي بالناس الظهر فيضع عيسى يده بين كتفيه ويقول (4) : تقدّم ]فصلّ فإنّها لك اُقيمت ، فيصلّي بهم إمامهم] . هذا حديث صحيح ثابت وهذا مختصره (5) .
وعن أبي هريرة قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟ وهذا حديث حسن متّفق على صحّته من حديث محمّد بن شهاب
.
ص: 1113
الزهري ، ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما (1) .
وعن جابر بن عبداللّه قال :سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : لاتزال طائفة من اُمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة . قال : فينزل عيسى بن مريم على نبيّنا وآله وعليه السلام فيقول [له ]أميرهم : تعال صلّ بنا (2) فيقول ألا إنّ بعضكم على بعض اُمراء تكرمة [من] اللّه لهذه الاُمّة . هذا حديث حسن صحيح أخرجه مسلم في صحيحه 3 .
وعن ابن هارون العبدي قال لقيت (3) أبا سعيد الخدري (رض) فقلت له :هل شهدت بدرا؟ قال : نعم ، فقلت : أفلا تحدّثني بما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفي عليّ عليه السلام وفضله؟ قال : بلى اُخبرك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرض مرضةً نقه منها ، فدخلت عليه فاطمة عليهاالسلام وأنا جالس عن يمين النبي صلى الله عليه و آلهفلمّا رأت فاطمة ما برسول اللّه صلى الله عليه و آلهمن الضعف خنقتها العبرة حتّى بدت دموعها على خدّها ، فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله : مايبكيك يا فاطمة؟ قالت : أخشى الضيعة يا رسول اللّه ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا
.
ص: 1114
فاطمة إنّ اللّه تعالى أطلع إلى (1) الأرض إطلاعةً على خلقه فاختار منهم أباك فبعثه نبيّا (2) ، ثمّ أطلع ثانيةً فاختار منهم بعلك فأوحى إلىَّ أن انكحه فاطمة فأنكحته إيّاكِ (3) واتّخذته وصيّا . أما علمت أنكِ بكرامة اللّه تعالى إيّاك زوّجك أغزرهم علما وأكثرهم حلما وأقدمهم سلما (4) ؟ فاستبشرت ، فأراد رسول اللّه صلى الله عليه و آلهأن يزيدها من مزيد الخير الّذي قسمه اللّه تعالى لمحمّد صلى الله عليه و آله . قال : فقال لها : يا فاطمة ولعلي ثمانية أضراس يعنى مناقب : إيمان باللّه ورسوله وحكمته وزوجته وسبطاه الحسن والحسين وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر . يا فاطمة إنّا أهل بيت اُعطينا ستّ (5) خصال لم يعطها أحدٌ من الأوّلين ولايدركها أحدٌ من الآخرين غيرنا ، فنبيّنا خير الأنبياء [وهو أبوك] ، ووصيّنا خير الأوصياء وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك [حمزة] ، ومنّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث يشاء وهو جعفر ، ومنّاسبطا هذه الاُمّة وهما ابناك ، ومنّا مهديّ [هذه ]الاُمّة الّذي يصلّي خلفه عيسى بن مريم . ثمّ ضرب على منكب الحسين عليه السلام وقال : من هذا مهديّ هذه الاُمّة . هكذا أخرجه الدار قطني صاحب الجرح والتعديل 6 .
.
ص: 1115
وعن أبي نضرة قال :كنّا عند جابر بن عبداللّه الأنصارى (رض) فقال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يوشك أهل العراق أن لا يجبى (1) إليهم قفيز ولادرهم ، قلنا : من أين [ذاك]؟ قال : من قِبل العجم يمنعون ذلك . ثمّ قال : يوشك أهل الشام أن لايجبى إليهم دينار ولا مدّ ، قلنا : من أين [ذاك]؟ قال : من قِبل الروم . ثمّ سكت هنيئةً ثمّ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يكون في آخر اُمّتي خليفة يحثو المال حثوا لايعدّه عدّا ، قلنا : نراه عمر بن عبدالعزيز؟ قال : لا . وهذا حديث حسن صحيح أخرجه مسلم في صحيحه 2 .
وعن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيكون في آخر الزمان خليفة يقسّم المال ولا يعدّه . هذا لفظ مسلم في صحيحه (2) .
.
ص: 1116
وعن أبي سعيد وجابر بن عبداللّه قالا :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اُبشّركم بالمهدي [يبعث في اُمّتي على اختلافٍ من الناس وزلزال] يملأ (1) الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت جورا وظلما ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، يقسّم المال صحاحا ، فقال له رجل : ما معنى صحاحا؟ قال : بالسوية بين الناس . وقال : يملأ اللّه قلوب اُمّة محمّد صلى الله عليه و آلهغنى ويسعهم عدله حتّى يأمر مناديا فينادي فيقول : مَن له في المال حاجة فليقم ، فما يقوم من الناس إلاّ رجل واحد فيقول : أنا ، فيقول له : ائت السدان _ يعني الخازن _ فقل [له] : إنّ المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً ، فيقول له ، احث ، فيحثو له في ثوبه حثوا ، حتّى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم (2) ويقول : كنت أجشع اُمّة محمّد نفسا أو أعجز عنّي ما عما وسعهم ، فيردّه إلى الخازن فلا يقبل منه فيقول : إنّا لا نأخذ شيئا ممّا أعطيناه ، فيكون المهدي كذلك سبع سنين أو ثمان أو تسع ، ثمّ لاخير في العيش بعده ، أو قال : لا خير في الحياة بعده . وهذا حديث حسن ثابت أخرجه شيخ أهل الحديث أحمد بن حنبل في مسنده (3) .
وعن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يكون عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن رجل يقال له المهدي عطاؤه هنيئا ، أخرجه الحافظ أبو نعيم في الردّ على من زعم أنّ المهدي هو المسيح (4) .
.
ص: 1117
وعن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال :قلت : يا رسول اللّه أمنّا آل محمّد المهدي أم من غيرنا؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا ، بل منّا يختم اللّه به الدين كما فتح بنا ، وبه (1) ينقذون من الفتن (2) كما اُنقذوا من الشرك ، وبنا يؤلّف اللّه بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخوانا كما ألّف اللّه قلوبهم بعد عداوة الشرك ، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخوانا في دينهم . وهذا حديثٌ حسَنٌ عالٍ رواه الحفّاظ في كتبهم ، وأمّا الطبراني فقد ذكره في المعجم الأوسط ، وأمّا أبو نعيم فرواه في حلية الأولياء ، وأمّا عبدالرحمن بن حمّاد فقد ساقه في عواليه (3) .
وعن عبداللّه بن عمر أنه قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها ملَك ينادي : هذا خليفة اللّه المهدي فاتّبعوه . روته الحفّاظ كأبي نعيم والطبراني وغيرهما (4) .
وعن أبي اُمامة الباهلي قال :قال رسول صلى الله عليه و آله : بينكم وبين الروم أربع سنين (5) تؤمّ
.
ص: 1118
الرابعة على يد رجل من آل (1) هرقل تدوم سبع سنين ، فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستور (2) بن غيلان : يا رسول اللّه مَن إمام الناس يومئذٍ؟ قال صلى الله عليه و آله : المهدي من ولدي ابن أربعين سنة كأنّ وجهه كوكب درّيّ ، في خدّه الأيمن خال أسود وعليه عبايتان قطوانيّتان 3 كأنّه من رجال بني إسرائيل [يملك عشرين سنة ]يستخرج الكنوز ويفتح مدين الشرك 4 .
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله قال:لا تقوم الساعة حتّى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطينيه وجبل الديلم ، ولو لم يبق إلاّ يوم لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يفتحها. هذا سياق الحافظ أبي (3) نعيم وقال : هذا هو المهدي بلا شكّ وفقا بين الروايات (4) .
وعن جابر بن عبداللّه قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : سيكون بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء اُمراء ومن بعد الاُمراء ملوك جبابرة ، ثمّ يخرج رجل (5) من أهل بيتي يملأ
.
ص: 1119
الأرض عدلاً كما ملئت جورا . هكذا ذكره الحافظ أبو نعيم في فوائده والطبراني في معجمه الكبير (1) .
وعن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله تتنعّم اُمّتي في زمن المهدي عليه السلام نعيما لم ينعموا مثله (2) قطّ يرسل السماء عليهم مدرارا ، ولا تدع (3) الأرض شيئا من نباتها إلاّ أخرجته . رواه الطبراني في معجمه الكبير (4) . قال الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن يوسف ابن الكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان عجل اللّه فرجه الشريف : في (5) الدلالة على كون المهدي عليه السلام حيّا باقيا منذ غَيبته وإلى الآن ، وانّه لاامتناع في بقائه بدليل (6) عيسى بن مريم والخضر وإلياس من أولياء اللّه تعالى ، وبقاء الأعور الدجّال وإبليس الملعونين (7) من أعداء اللّه ، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنّة ، وقد اتّفقوا عليه ثمّ أنكروا جواز بقاء المهدي ، وها أنا اُبيّن بقاء كلّ واحد منهم ، فلا يسمع بعد هذا لعاقل إنكار
.
ص: 1120
جواز بقاء المهدي عليه السلام . وإنما أنكروا بقاءه من وجهين : أحدهما طول الزمان ، والثاني أنّه في سرداب من غير أن يقوم أحد بطعامه وشرابه ، وهذا يمتنع عادةً . قال مؤلّف الكتاب محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي : بعون اللّه نبتدي وإيّاه نستكفي وما توفيقي إلاّ باللّه جلّ جلاله . أمّا عيسى عليه السلام فالدليل على بقائه قوله تعالى «وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَ_بِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ» (1) ولم يؤمن به مُذ (2) نزول هذه الآيه وإلى يومنا هذا أحد ، فلابدّ أن يكون ذلك (3) في آخر الزمان . وأمّا السنّة فما رواه مسلم في صحيحه عن زهير بن حرب بإسناده عن النواس بن سمعان في حديث طويل في قصّة الدجّال قال : فينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء [شرقي دمشق ]بين مهرودتين (4) ، واضعا كفّيه على أجنحة ملَكين (5) . وأيضا ما تقدّم من قوله صلى الله عليه و آله وسلم : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم (6) . وأمّا الخضر وإلياس فقد قال ابن جرير الطبري : الخضر وإلياس باقيان يسيران في الأرض (7) .
.
ص: 1121
وأيضا مارواه في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال : حدّثنا رسول اللّه صلى الله عليه و آلهحديثا طويلاً عن الدجّال 1 فكان (1) فيما حدثنا أنّه قال : يأتي وهو مُحرّم عليه أن يدخل نقاب (2) المدينة فينتهي إلى بعض السباخ الّتي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذٍ رجل هو خير الناس _ أو من خير الناس _ [فيقول له : أشهد أنك الدجّال الّذي حدّثنا رسول اللّه صلى الله عليه و آلهحديثه ]فيقول الدجّال [أرأيتم] إن قتلتُ هذا ثمّ أحييته أتشكّون في الأمر؟ فيقولون : لا . قال : فيقتله ثمّ يحييه فيقول حين يحييه : واللّه ما كنت فيك قطّ أشدّ بصيرة من (3) الآن . قال : فيريد الدجّال أن يقتله [ثانيا ]
.
ص: 1122
فلا (1) يسلّط عليه . قال (2) إبراهيم بن سعد : يقال إنّ هذا الرجل هو الخضر ، هذا لفظ مسلم في صحيحه (3) كما سقناه سواء (4) وأمّا الدليل على بقاء ابليس اللعين فآي الكتاب العزيز وهو قوله تعالى «قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ»5 . وأمّا بقاءالمهدي فقد جاء في الكتاب والسنّة . أمّا الكتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (5) قال: هو المهدي من ولد فاطمة عليهاالسلام . وأمّا من قال فإنه عيسى فلا تنافي بين القولين إذ هو مساعد للمهدي على ما تقدّم ، وقد قال مقاتل بن سليمان ومن شايعه (6) من المفسّرين في تفسير قوله تعالى «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ» (7) قال : هو المهدي عليه السلام يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأماراتها (8) انتهى (9) واللّه تعالى أعلم بذلك .
.
ص: 1123
ص: 1124
الحَسني 1 ،
.
ص: 1125
واختلاف بني العباس في الملك [الدنياوي] 1 ، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان (1) ، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات وعلى خلاف حساب أهل النجوم ومن أنّ خسوف القمر لا يكون إلاّ في الثالث عشر أو الرابع عشر والخامس عشر لاغير وذلك عند تقابل الشمس والقمر على هيئة مخصوصة،وأنّ كسوف الشمس لايكون إلاّ في السابع والعشرين من الشهر أو الثامن والعشرين والتاسع والعشرين وذلك عند اقترانهما على هيئة مخصوصة ، ومن ذلك 3 طلوع الشمس من
.
ص: 1126
مغربها 1 ، وقتل نفس زكيّة تظهر في سبعين من الصالحين (1) ، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام (2) ، وهدم سور (3) مسجد الكوفة 5 .
.
ص: 1127
وإقبال رايات سودٍ من قبل خراسان 1 وخروج اليمانيّ (1) ، وظهور المغربيّ بمصر وتملّكه الشامات (2) ، ونزول التُرك الجزيرة (3) ، ونزول الروم الرملة 5 ، وطلوع نجم في
.
ص: 1128
المشرق يضيء كما يضيء القمر ثمّ ينعطف حتّى يكاد أن يلتقي طرفاه (1) ، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر (2) في آفاقها ، ونار تظهر بالمشرق طولاً وتبقى في الجوّ ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام (3) ، وخلع العرب أعنّتها وتملّكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم (4) ، وقتل أهل مصر أميرهم ، وخراب الشام واختلاف ثلاث راياتٍ فيه ، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ، ورايات كندة إلى خراسان ، وورود خيل من قِبل المغرب (5) حتّى تربط بفناء الحيرة ، وإقبال رايات سودٍ من المشرق ونحوها ، وبثقٌ (6) في الفرات حتّى يدخل الماء أزقّة الكوفة (7) .
.
ص: 1129
وخروج ستّين كذابا كلّهم يدعي النبوّة (1) ، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه 2 ، وإحراق (2) رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولاء وخانقين عند [عَقْد ]الجسر ممّا يلي الكرخ بمدينة بغداد [السلام] (3) ، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار وزلزلة حتّى ينخسف كثيرٌ منها ، وخوف يشمل أهل العراق وموت ذريعٌ ونقص من الأنفس و في الأموال والثمرات ، وجرادٌ يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتّى يأتى على الزرع والغلاّت وقلّة ريعٍ لما يزرعه (4) الناسُ (5) ، واختلاف [صنفين ]من (6) العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم (7) ، وخروج
.
ص: 1130
العبيد عن طاعة (1) ساداتهم وقَتْلهم مواليهم [ومسخٌ لقوم 2 من أهل البدع حتّى يصيروا قردة وخنازير ، وغلبة العبيد على بلاد السادات ، ونداء من السماء حتّى يسمعه أهل الأرض كلّ أهل لغةٍ بلغتهم ، ووجهٌ وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس ، وأموات يُنشرون من القبور حتّى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون] ثمّ يختم بعد ذلك بأربع وعشرين مطرة متّصلة فتحيا بها الأرض من بعد موتها وتُعرف (2) بركاتها ، وتزول بعد ذلك كلُّ عاهة من معتقدي الحقّ من شيعة (3) المهدي فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجّهون نحوه (4) قاصدين لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار (5) . ومن جملة هذه الأحداث ما هو محتومة (6) ومنها ما هو مشروطة واللّه أعلم بما يكون ، وانّما ذكرناها على حسب ما ثبت في الاُصول
.
ص: 1131
وتضمّنها الأثر المنقول (1) .
وعن عليّ بن يزيد (2) الأودي (3) عن أبيه عن جدّه [قال :]قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : بين يدي القائم موت أحمر ، وموت أبيض ، وجراد في حينه وفي غير حينه كألوان الدم ، فأمّا الموت الأحمر فالسيف ، وأمّا الموت الأبيض فالطاعون (4) .
وعن جابر الجعفي (5) عن أبي جعفر عليه السلام قال :قال لي : الزَم الأرض ولاتُحرِّك يدا ولا رجْلاً حتّى ترى علامات أذكرها [لك] وما أراك تُدرك ذلك : اختلاف (6) بين بني العباس ، ومنادٍ (7) ينادي من السماء ، وخسف قرية من قرى الشام تسمّى (8) الجابية (9) ، ونزول التُرك الجزيرة،ونزول الروم الرملة،واختلاف كثير عند ذلك في كلّ أرض حتّى تخرب الشام ، ويكون [سبب ]خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها راية الأصهب (10)
.
ص: 1132
وراية الأبقع (1) وراية السفياني (2)(3) .
وأمّا السَنة الّتي يقوم فيها القائم واليوم الّذي يبعث فيه فقد جاءت فيه آثار ، وعن أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام :لايخرج القائم إلاّ في وترٍ من السنين سنة إحدى أو ثلاثٍ أو خمس أو سبع أو تسع (4) .
وعنه عن أبي عبداللّه قال :ينادي باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين ، ويقوم في يوم عاشوراء وهو اليوم الّذي قتل فيه الحسين ولكأنى به في يوم السبت العاشر من المحرم قائما بين الركن والمقام وشخص [جبرائيل عليه السلام ] قائم على يده [اليمنى ]ينادى البيعة البيعة [للّه ]فيصير إليه شيعته أنصاره من أطراف الأرض تُطوى لهم طَيّا حتّى يُبايعوه فيملأُ اللّه به الأرض عدلاً كما ملئت ظلما وجورا (5) ثمّ يسير من مكة حتّى يأتي الكوفة فينزل على نجفها ثمّ يفرق الجنود منها في (6) الامصار (7) .
وعن عبدالكريم الخثعمي قال :قلت لأبي عبداللّه : كم يملك القائم؟ قال : سبع سنين تطول له الأيام والليالي حتّى تكون السنة من سنيّه مقدار (8) عشر سنين من
.
ص: 1133
سنيّكم فيكون سنو ملكه (1) بمقدار سبعين سنة من سنيّكم هذه (2) .
وعن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال :إذا قام القائم سار إلى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد ، فلم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلاّ هدمها وجعلها جمعاء، ووسع الطريق الأعظم لمساجدها ، وكسر كلّ جناح خارج في الطريق ، وأبطل الكنف والميازيب الخارجة إلى الطرقات ، ولا يترك (3) بدعة إلاّ أزالها ، ولا سُنّةً إلاّ أقامها ، ويفتح القسطنطينية والصين وجبال الديلم فيمكث على ذلك سبع سنين ، مقدار كلّ سنة عشر سنين من سنيّكم هذه ، ثمّ يفعل اللّه ما يشاء (4) .
وعن أبي جعفر أيضا قال :المهدي (5) منّا منصور بالرعب مؤيّد بالظفر ، تطوى له الأرض وتظهر له الكنوز ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر اللّه دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون،فلا يبقى في الأرض خراب إلاّ عمّره ، ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلاّ أخرجته ، ويتنعّم الناس في زمانه نعمةً لم يتنعّموا مثلها قطّ (6) .
قال الراوى : فقلت له : يا بن رسول اللّه فمتى (7) يخرج قائمكم؟ قال : إذا تشبّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، وركبت ذوات الفروج السروج ، وأمات الناس الصلوات (8) ، واتّبعوا الشهوات ، وأكلوا الربا ، واستخفّوا بالدماء ، وتعاملوا بالربا ،
.
ص: 1134
وتظاهروا بالزنا ، وشيّدوا البناء ، واستحلّوا الكذب ، وأخذوا الرشا ، واتّبعوا الهوى ، وباعوا الدين بالدنيا ، وقطعوا الأرحام ، ومنّوا (1) بالطعام ، وكان الحلم ضعا (2) ، والظلم فخرا ، والاُمراء فجرة ، والوزراء كذَبة ، والاُمناء خوَنة ، والأعوان ظلَمة ، والقرّاء فسقة ، وظهر الجور ، وكثر الطلاق ، وبدأ الفجور ، وقبلت شهادة الزور ، وشُربت الخمور ، وركبت الذكور الذكور ، وأشتغلت (3) النساء بالنساء ، واتخذوا الفيء مغنما ، والصدقة مغرما ، واتقي الأشرار مخافة ألسنتهم . وخرج السفيانيّ من الشام ، واليمانيّ من اليمن ، وخسف خسف بالبيداء 4 بين مكة والمدينة ، و قتل غلام من آل محمّد بين الركن والمقام ، وصاح صايح من
.
ص: 1135
السماء بأنّ الحقّ معه ومع أتباعه فعند ذلك خروج قائمنا (1) ، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاث مائة وثلاثة عشر 2 رجلاً من أتباعه ، فأوّل ما ينطق هذه الآية : «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» (2) ثمّ يقول : أنا بقية اللّه وخليفته وحجّته عليكم ، فلا يسلّم مسلّم عليه إلاّ قال : السلام عليك يا بقية اللّه في الأرض (3) . فإذا أجتمع عنده العقد عشرة آلاف رجل فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحد ممّن يعبد غير اللّه إلاّ آمن به وصدّقه وتكون الملّة واحدة ملّة الإسلام ، وكلّما كان في الأرض من معبود سوى اللّه فينزل عليه نارا فيحرقه (4) . قال بعض أهل الأثر : المهدي هو القائم المنتظر ، وقد تعاضدت الأخبار على
.
ص: 1136
ظهوره ، وتظاهرت الروايات على إشراق نوره ، وستسفر ظلمة الأيام والليالي بسفوره ، وتتجلّى برؤيته الظُلَم انجلاء الصباح من ديجوره ، ويخرج من سرار الغيبة فيملأ القلب بسروره ، ويسري عدله في الآفاق أضوأ من البدر المنير في مسيره . انتهى . وبتمام الكلام في هذا الفصل تمّ جميع الكتاب واللّه الموفّق للصواب ، وصلاته وسلامه على سيّدنا محمّد خاتم النبيّين وآله وصحبه أجمعين (1) .
.
ص: 1137
. .
ص: 1138
. .
ص: 1139
. .
ص: 1140
. .
ص: 1141
. .
ص: 1142
. .
ص: 1143
. .
ص: 1144
. .
ص: 1145
. .
ص: 1146
. .
ص: 1147
. .
ص: 1148
. .
ص: 1149
. .
ص: 1150
. .
ص: 1151
. .
ص: 1152
. .
ص: 1153
. .
ص: 1154
. .
ص: 1155
. .
ص: 1156
. .
ص: 1157
. .
ص: 1158
. .
ص: 1159
. .
ص: 1160
. .
ص: 1161
. .
ص: 1162
. .
ص: 1163
. .
ص: 1164
. .
ص: 1165
. .
ص: 1166
. .
ص: 1167
. .
ص: 1168
. .
ص: 1169
. .
ص: 1170
. .
ص: 1171
. .
ص: 1172
. .
ص: 1173
. .
ص: 1174
. .
ص: 1175
. .
ص: 1176
. .
ص: 1177
. .
ص: 1178
. .
ص: 1179
. .
ص: 1180
. .
ص: 1181
. .
ص: 1182
. .
ص: 1183
. .
ص: 1184
. .
ص: 1185
. .
ص: 1186
. .
ص: 1187
. .
ص: 1188
. .
ص: 1189
. .
ص: 1190
. .
ص: 1191
. .
ص: 1192
. .
ص: 1193
. .
ص: 1194
. .
ص: 1195
. .
ص: 1196
. .
ص: 1197
. .
ص: 1198
. .
ص: 1199
. .
ص: 1200
. .
ص: 1201
. .
ص: 1202
. .
ص: 1203
. .
ص: 1204
. .
ص: 1205
. .
ص: 1206
. .
ص: 1207
. .
ص: 1208
. .
ص: 1209
. .
ص: 1210
. .
ص: 1211
. .
ص: 1212
. .
ص: 1213
. .
ص: 1214
. .
ص: 1215
. .
ص: 1216
. .
ص: 1217
. .
ص: 1218
. .
ص: 1219
. .
ص: 1220
. .
ص: 1221
. .
ص: 1222
. .
ص: 1223
. .
ص: 1224
. .
ص: 1225
. .
ص: 1226
. .
ص: 1227
. .
ص: 1228
. .
ص: 1229
. .
ص: 1230
. .
ص: 1231
. .
ص: 1232
. .
ص: 1233
. .
ص: 1234
. .
ص: 1235
. .
ص: 1236
. .
ص: 1237
. .
ص: 1238
. .
ص: 1239
. .
ص: 1240
. .
ص: 1241
. .
ص: 1242
. .
ص: 1243
. .
ص: 1244
. .
ص: 1245
. .
ص: 1246
. .
ص: 1247
. .
ص: 1248
. .
ص: 1249
. .
ص: 1250
. .
ص: 1251
. .
ص: 1252
. .
ص: 1253
. .
ص: 1254
. .
ص: 1255
. .
ص: 1256
. .
ص: 1257
. .
ص: 1258
. .
ص: 1259
. .
ص: 1260
. .
ص: 1261
. .
ص: 1262
. .
ص: 1263
. .
ص: 1264
. .
ص: 1265
. .
ص: 1266
. .
ص: 1267
. .
ص: 1268
. .
ص: 1269
. .
ص: 1270
. .
ص: 1271
. .
ص: 1272
. .
ص: 1273
. .
ص: 1274
. .
ص: 1275
. .
ص: 1276
. .
ص: 1277
. .
ص: 1278
. .
ص: 1279
. .
ص: 1280
. .
ص: 1281
. .
ص: 1282
. .
ص: 1283
. .
ص: 1284
. .
ص: 1285
. .
ص: 1286
. .
ص: 1287
. .
ص: 1288
. .
ص: 1289
. .
ص: 1290
. .
ص: 1291
. .
ص: 1292
. .
ص: 1293
. .
ص: 1294
. .
ص: 1295
. .
ص: 1296
. .
ص: 1297
. .
ص: 1298
. .
ص: 1299
. .
ص: 1300
. .
ص: 1301
. .
ص: 1302
. .
ص: 1303
. .
ص: 1304
. .
ص: 1305
. .
ص: 1306
. .
ص: 1307
. .
ص: 1308
. .
ص: 1309
. .
ص: 1310
. .
ص: 1311
. .
ص: 1312
. .
ص: 1313
. .
ص: 1314
. .
ص: 1315
. .
ص: 1316
. .
ص: 1317
. .
ص: 1318
. .
ص: 1319
. .
ص: 1320
. .
ص: 1321
. .
ص: 1322
. .
ص: 1323
. .
ص: 1324
. .
ص: 1325
. .
ص: 1326
. .
ص: 1327
. .
ص: 1328
. .
ص: 1329
. .
ص: 1330
. .
ص: 1331
. .
ص: 1332
. .
ص: 1333
. .
ص: 1334
. .
ص: 1335
. .
ص: 1336
. .
ص: 1337
. .
ص: 1338
. .
ص: 1339
. .
ص: 1340
. .
ص: 1341
. .
ص: 1342
. .
ص: 1343
. .
ص: 1344
. .
ص: 1345
. .
ص: 1346
. .
ص: 1347
. .
ص: 1348
. .
ص: 1349
. .
ص: 1350
. .
ص: 1351
. .
ص: 1352
. .
ص: 1353
. .
ص: 1354
. .
ص: 1355
. .
ص: 1356
. .
ص: 1357
. .
ص: 1358
. .
ص: 1359
. .
ص: 1360
. .
ص: 1361
. .
ص: 1362
. .
ص: 1363
. .
ص: 1364
. .
ص: 1365
. .
ص: 1366
. .
ص: 1367
. .
ص: 1368
. .
ص: 1369
فهرس المنابع والمآخذ. القرآن الكريم . 1 . آلاء الرحمن في تفسير القرآن ، محمّد جواد البلاغي ، قم ، الطبعة الثانية . 2 . الإبانة عن أُصول الديانة ، ابن بطّة الفلكي ، دمشق ، الطبعة الأُولى . 3 . الإبانة عن أُصول الديانة ، عليّ بن إسماعيل الأشعري ، القاهرة ، 1359 ق ؛ و دمشق : مكتبة دار البيان ، 1401 ق . 4 . إتحاد الورى بأخبار أُمِّ القُرى ، نجم الدين عمر بن فهد المكّي ، الرياض . 5 . الإتحاف بحب الأشراف ، عبد اللّه بن عامر الشبراوي الشافعي (ت 1172 ق) ، تحقيق : محمّد جابر ، المطبعة الهندية العربية ، 1259 ق ؛ ومصر ، 1313 ق ؛ وإيران ، 1404 ق . 6 . إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل ، القاضي نور اللّه التستري (ت 1019 ق ) ، وفي هامشه تعليقات السيد شهاب الدين المرعشي ، قم ، 1401 ق ؛ و 1411 ق . 7 . إحياء علوم الدين ، محمّد بن محمّد الغزالي (ت 505 ق) ، تحقيق : كامل الدمياطي ، مصر : مطبعة مصطفى البابي ، 1221 ق . 8 . اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) ، محمّد بن الحسن الطوسي ، قم : مؤسّسة آل البيت عليهم السلاملإحياء التراث ؛ وبيروت ، 1409 ق . 9 . الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد ، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي [المفيد] (ت 413 ق) ، قم : مؤسّسة آل البيت عليهم السلاملإحياء التراث ؛ وبيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1415 ق .
.
ص: 1370
10 . أُسد الغابة في معرفة الصحابة ، عزّ الدين عليّ بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني [ ابن الأثير الجزري ] (ت 630 ق) ، تحقيق : محمّد إبراهيم ، القاهرة ، 1390 ق ؛ وطبع بالاُفست في المكتبة الإسلامية للحاج رياض؛ و طبع مصر : المطبعة الوهبية. 11 . إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وأهل البيت الطاهرين (بهامش نور الأبصار) ، محمّد بن عليّ الصبان ، طبع العثمانية . 12 . إشتقاق الشهور والأيّام ، حسين بن أحمد بن خالويه بن حمدان الهمداني (ت 317 أو 370) ، مخطوط . 13 . الإصابة في معرفة تمييز الصحابة ، أحمد شهاب الدين بن عليّ الشافعي [ابن حجر العسقلاني ](ت 852 ق) ، تحقيق : ولي عارف ، مصر : مطبعة السعادة ، 1323 ق ؛ وبيروت : دار الفكر ، 1403 ق ؛ ومصر (اُفسيت على كلكتا) ؛ وإحياء التراث العربي ، 1408 ق . 14 . أُصول الكافي ، محمّد بن يعقوب الكليني الرازي (ت 329 ق) ، المكتبة الإسلامية ، 1388؛ و 1389 ق ؛ مؤسّسة الوفاء ؛ 1406 ق ؛ طهران : دار الكتب الإسلاميّة ، 1389 ق . 15 . الإعتقاد على مذهب السلف ، أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (ت 458 ق ) ، حيدر آباد . 16 . الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ، أحمد بن أبي فرح القرطبي (ت 671 ق) ، تحقيق : صلاح الدين السلفي ، بيروت ، 1156 ق . 17 . إعلام الورى بأعلام الهدى ، الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ق) ، تحقيق : عليّ أكبر الغفاري ، بيروت : دار المعرفة ، 1399 ق ، الطبعة الأُولى ؛ وطبعة النجف الأشرف : الحيدرية ، 1365 ق . 18 . الإقتصاد في الإعتقاد ، محمّد بن محمّد بن أحمد الغزالي الطوسي (ت 505 ق ) ، مصر : مطبعة السعادة ، 1327 ق ، الطبعة الثانية . 19 . الآثار الباقية ، محمّد بن أحمد ( أبو الريحان البيروني ) ، بغداد : مكتبة المثنى ، 1395ق طبعة أُفسيت .
.
ص: 1371
20 . الأُم ، محمّد بن إدريس الشافعي ، بيروت : دار الفكر ، الطبعة الثانية . 21 . الإمام زين العابدين ، عبد الرزاق الموسوي المقرّم ، النجف الأشرف . 22 . إمامة عليّ ، حسين بن أحمد بن خالوية بن حمدان الهمداني (ت 317 أو 370 ق) ، دار الهلال . 23 . الإمامة والسياسة ، عبد اللّه بن مسلم [ابن قتيبة الدينوري ](ت 276 ق) ، مصر : مكتبة ومطبعة مصطفى بابي الحلبي ، 1388 ق . 24 . الإمتاع والمؤانسة ، عليّ بن محمّد التوحيدي ، مصر : دار إحياء الكتب العربية . 25 . إنباه الرواة على إنباه النحاة ، عليّ بن يوسف القفطي (ت 646 ق) ، القاهرة : مطبعة دار الكتب العربية ، 1371 ق . 26 . الأحاجي في النحو ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) . 27 . أحكام القرآن ، أحمد بن عليّ الرازي الجصاص ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1405ق؛ وطبع عبدالرحمان محمّد . 28 . أحكام القرآن ، محيي الدين محمّد بن عليّ بن محمّد بن عربي الطائي الحاتمي المرسي الدمشقي (ت 638 ق) ، تحقيق : حسن حسني الأزهري ، طبع الحلبي ؛ وبيروت : مطبعة السعادة ، 1406 ق . 29 . أخبار الدوب وآثار الأوّل ، أحمد جلبي بن يوسف بن أحمد [ أحمد بن سنان القرماني الدمشقي ] (ت 1019 ق) ، [لخصه من تاريخ الجنابي الرومي] ، بيروت . 30 . الأربعون ، أحمد بن محمّد بن أبي الفتح الفوارس ، مخطوط . 31 . أرجح المطالب ، عبد اللّه الرازي الأمرتْسَري ، لاهور ، 1416 ق . 32 . أزهار الرياض ، سليمان بن عبد اللّه البحراني ، القاهرة . 33 . أسباب النزول ، علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت 468 ق) ، تحقيق : كمال بسيوني زغلول ، مصر : طبعة الحلبي ، 1402 ق ؛ وبيروت : دار الكتب العلمية . 34 . الأسماء والكنى ، محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 297 ق) ، أُخذ بالواسطة .
.
ص: 1372
35 . أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب ، محمّد بن دويش الحوت البَيْرُوتِي ، بيروت : دار الكتاب العربي 1391 ق ؛ ومصر : مطبعة مصطفى ، 1355 ق ؛ ومصر ، 1416ق ؛ وبيروت : دار الفكر الإسلامي ، 1408 ق . 36 . أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب ، محمّد بن عليّ بن يوسف الجزري الشافعي (ت 833 ق) ، مكّة المكرمة ، 1324 ق ؛ و بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1328 ق . 37 . أسنى المطالب في نجاة أبي طالب ، أحمد زيني دحلان (ت 1304 ق) ، مصر ، 1305ق ؛ وبيروت : دار الكتاب العربي ، 1405 ق . 38 . أصل الشيعة وأصولها ، محمّد حسين آل كاشف الغطاء ، النجف الأشرف : المطبعة الحيدرية ، 1385ق .
39 . أطواق الذهب ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) ، مخطوط . 40 . الأعلام ، خير الدين الزركلي (ت 1396 ق) ، بيروت : دار الملايين ، 1399 ق ، الطبعة الرابعة ؛ و 1400 ق ، الطبعة الخامسة . 41 . أعيان الشيعة ، محسن بن عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي الشقرائي (ت 1371 ق) ، إعداد : حسن الأمين ، قم : مكتب الإعلام الإسلامي ، 1403 ق ، الطبعة الخامسة . 42 . الأغاني ، أبو الفرج الإصفهاني (ت 356 ق) ، تحقيق : خليل محيي الدين ، دار الكتب المصرية ، 1358 ق ، الطبعة الأُولى . 43 . ألفية ابن مالك ، محمّد جمال الدين بن مالك (600 _ 672 ق) ، طُبِع مرات عديدة . 44 . ألقاب الرسول وفاطمة والأئمة عليهم السلاموعترتة ، سعيد بن عبد اللّه بن الحسين بن هبة اللّه بن الحسن الراوندي . 45 . الأمالي ، الحسن بن إسماعيل المحاملي ، مخطوطة مصورة من المكتبة الظاهرية الأهلية في دمشق . 46 . الأمالي ، محمّد بن النعمان العكبري البغدادي [المفيد] (ت 413 ق) ، بغداد : مطبعة العاني ، 1358 ق ؛ وقم : مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404ق .
.
ص: 1373
47 . الأمالي الخميسية (أمالي الشجري) ، يحيى بن الحسين الشجري (499 ق ) ، صنعاء ، 1264 ق ؛ وبيروت : عالم الكتب ، 1403 ق . 48 . أمالي الشيخ الطوسي ، محمّد بن الحسن الطوسي ، قم : مكتبة الداوري ؛ وطهران : المطبعة الإسلاميّة ، 1404 ق ؛ وقم : مؤسّسة البعثة ، 1414 ق . 49 . أمالي الصدوق ، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي [الصدوق ](ت 381 ق ) ، بيروت : دار الفكر العربي ، 1254ق ؛ ومؤسّسة الأعلمي ، الطبعة الخامسة ، 1400ق . 50 . أمالي المرتضى ، علي بن الحسين الموسوي] الشريف المرتضى] ، قم ، الطبعة الأُولى . 51 . الأمالي والنوادر ، إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي . 52 . أمل الآمل ، محمّد بن الحسن الحر العاملي ، النجف الأشرف ، 1350 ق . 53 . الأنساب ، عبد الكريم بن محمّد بن منصور السمعاني التميمي ، طبع : (المستشرق) مرجليوت ليدن ، 1912م ؛ وطبع : قاسم محمّد رجب ، 1970م ؛ وبيروت : دار الجنان ، 1408 ق . 54 . أنساب الأشراف ، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت 279 ق) ، تحقيق : كمال الحارثي ، مصر : مكتبة الخانجي ، 1125 ق ؛ وبغداد : مكتبة المثنى ، 1396 ق ؛ وتحقيق : المحمودي ، بيروت : مؤسّسة الأعلمي . 55 . أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) ، عبد اللّه بن عمر الشيرازي البيضاوي ، دار النفائس ، 1402 ق ؛ ومصر : طبعة مصطفى محمّد . 56 . بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (ت 1110ق) ، تحقيق ونشر : دار إحياء التراث ، بيروت ، الطبعة الأُولى ، 1412ق ؛ ومؤسّسة الوفاء ، 1400 ق ؛ والطبعة الرابعة ، 1405 ق . 57 . بحث حول الولاية ، محمّد باقر الصدر ، المجموعة الكاملة . 58 . البحر المحيط (تفسير البحر المحيط) ، محمّد بن يوسف [أبو حيّان الأندلسي] (ت 745 ق) ، تحقيق : عادل أحمد عبد الموجود ، بيروت ، 1413 ق .
.
ص: 1374
59 . البخلاء ، عمرو بن بحر الجاحظ بن محبوب الكناني الليثي (ت 255 ق) ، القاهرة : المكتبة العربية ، 1358 ق . 60 . البداية والنهاية ، إسماعيل بن كثير الدمشقي ، تحقيق : عليّ شيري ، دار الكتب العلمية ، 1409 ق ، الطبعة الخامسة ؛ ومصر : مطبعة السعادة ، 1351 ق . 61 . البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع ، ومن ترجمة تلميذه العلاّمة حسين بن محسن السبعي الأنصاري اليماني ، الشَّوْكَاني ، بيروت : دار المعرفة . 62 . بديع المعاني ، القاضي النجم محمّد الشافعي الأذرعي (ت 876 ق) ، القاهرة . 63 . براءة أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم من الفِرق المغالية ، سامي الغريري ، دار الكتاب الإسلامي ، 1422 ق . 64 . بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ، محمّد بن القاسم الطبري ، النجف الأشرف : المطبعة الحيدرية ، 1383 ق ، الطبعة الثانية ؛ ومصر : مطبعة الخانجي ، 1400 ق . 65 . البصائر والذخائر ، عليّ بن محمّد التوحيدي (ت 380 أو 400 ق) ، لجنة التأليف والنشر ، 1373ق . 66 . بغية الوعاة ، عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي (ت 911 ق ) ، القاهرة : مطبعة عيسى البابي الحلبي ، 1964م ؛ وطبع سنة 1326ق . 67 . البلدان ، أحمد بن محمّد الهمداني [ابن الفقيه] ، النجف الأشرف ؛ وليدن . 68 . بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية ، عليّ بن موسى الحلّي [ابن طاووس] ، تحقيق : عليّ الغريفي ، قم : مؤسّسة آل البيت عليهم السلاملإحياء التراث . 69 . البيان في أخبار صاحب الزمان (ضمن كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب) ، محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت 658 ق) ، تحقيق وتصحيح وتعليق : محمّد هادي الأميني ، 1404 ق ، مطبعة الفارابي ، الطبعة الثالثة . 70 . البيان والتبيين ، عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255 ق) ، شرح : حسن السندوبي ، دار الجاحظ ، 1409 ق ؛ والقاهرة : مطبعة الإستقامة ، 1366 ق ؛ وسوريا : دار الوعي ، 1402ق .
.
ص: 1375
71 . البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث ، إبراهيم بن محمّد بن كمال الدين الحسيني الحراني الدمشقي الحنفي [ابن حمزة] (ت 1120 ق) ، بيروت . 72 . تاج العروس من جواهر القاموس ، محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي ، دار الهداية ؛ وبيروت ، 1306 ق . 73 . تاريخ ابن معين ، يحيى بن معين بن عون بن زياد البغدادي الحافظ (ت 233 ق) ، تحقيق : محسن القحطاني ، المدينة المنورة . 74 . تاريخ ابن الوردي ، عمر بن مظفّر [ابن الوردي] ، دار المعرفة ؛ وبيروت : دار الكتب العلمية ، 1402 ق . 75 . تاريخ الإسلام ، حسن إبراهيم حسن ، بيروت : دار الكتاب ، 1401 ق . 76 . تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ، محمّد بن أحمد الذهبي (ت 748 ق) ، تحقيق : عمر عبد السلام تدمري ، القاهرة : دار الرائد العربي ، 1405 ق ، وبيروت : دار الكتاب العربي ، 1411 ق ، و حيدر آباد _ الدكن ، 1354 ق .
77 . تاريخ الإلحاد في الإسلام ، عبد الرحمان بدوي ، بيروت ، 1405 ق . 78 . تاريخ الإمامية ، ابن أبي طي الحلبي ،بيروت : دار صادر . 79 . تاريخ أخبار إصبهان ، أحمد بن عبد اللّه الإصفهاني (ت 430 ق) ، تحقيق : كسروي حسن ، بيروت : دار الكتب العلمية . 80 . تاريخ الأدب العربي ، كارل بروكلمان ، ترجمة (الأجزاء الثلاثة الأول) : عبد الحليم النجار ، القاهرة : دار المعارف ، الطبعة الرابعة ، وترجمة (الأجزاء الثلاثة الأُخر) : يعقوب بكر ، رمضان تواب . 81 . تاريخ بغداد (مدينة السلام) ، أحمد بن عليّ بن ثابت الخطيب البغدادي (ت 463 ق) ، حيدر آباد _ الدكن ، 1378 ق ؛ والمدينة المنوّرة : المكتبة السلفيّة ؛ و مصر : دار السعادة . 82 . تاريخ بيهق ، ظهير الدين البيهقي ، الطبعة الثانية . 83 . تاريخ التراث العربي ، فؤاد سزكين ، تعريب : جماعة من المترجمين .
.
ص: 1376
84 . تاريخ حبيب السير ، خواند أمير غياث الدين محمّد بن همام (ت 942 ق ) ، مؤرخ فارسي صفوي ، مكتبة الچلبي . 85 . تاريخ الخلفاء ، عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي ، بيروت : دار الجبل ، 1408ق ؛ ومصر : دار السعادة ، 1416 ق . 86 . تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس ، حسين بن محمّد بن الحسن الدياربكري المالكي (ت 966 ق) ، تحقيق : عليّ زغلول ، بيروت : دار الفكر ، 1406 ق ؛ والقاهرة : بولاق ، 1358 ق ؛ ومؤسّسة شعبان للنشر ؛ ومصر : المطبعة الوهبية ، 1283 ق . 87 . تاريخ الشيعة ، ابن أبي طي الحلبي ، بيروت . 88 . تاريخ الطبري ، محمّد بن جرير الطبري ، بيروت : دار المعارف . 89 . تاريخ عمر بن الخطّاب ، عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي (ت 911 ق ) ، القاهرة ، 1402 ق . 90 . تاريخ الغيبة الصغرى ، محمّد صادق الصدر ، بيروت ، 1400 ق . 91 . تاريخ الغيبة الكبرى ، محمّد صادق الصدر ، قم : ذو الفقار ؛ وبيروت : دار التعارف . 92 . التاريخ الكبير ، إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري (ت 256 ق) ، حيدر آباد _ الدكن ، 1361 ق ؛ وبيروت : دار الكتب العلمية . 93 . تاريخ مدينة جرجان ، حمزة بن يوسف السهمي القرشي (ت 427 ق) ، حيدر آباد _ الدكن : مطبعة مجلس دائرة المعارف ، 1387 ق ؛ وبيروت : عالم الكتب ، 1407 ق ، الطبعة الرابعة . 94 . تاريخ مدينة دمشق ، عليّ بن الحسن بن هبة اللّه [ابن عساكر الدمشقي ](ت 571 ق) ، تحقيق : سكينة الشهابي ، دمشق ، 1402 ق ؛ وبيروت : دار الفكر ، 1415 ق ، الطبعة الأُولى . 95 . تاريخ مصر ، عبد الرحمان بن أحمد بن يونس ، مطبعة الفجالة الجديدة ، 1400 ق . 96 . تاريخ نيشابور ، أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه بن الحاكم النيشابوري (ت 405 ق ) ، بيروت : دار الكتب العربية . 97 . تاريخ اليعقوبي ، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح [اليعقوبي] ، بيروت : دار صادر ، 1405 ق .
.
ص: 1377
98 . تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ، حسن الصدر ، دار التراث العربي . 99 . تبيين كذب المفتري ، عليّ بن الحسن بن هبة اللّه [ابن عساكر الدمشقي ](ت 571 ق) ، القاهرة . 100 . تثبيت دلائل النبوة ، القاضي عبد الجبار ، بيروت : دار الملايين للعلم ، 1402 ق . 101 . تحرير النقول في مناقب أُمِّنا حوّاء وفاطمة البتول ، علي بن أحمد بن عبد اللّه المكّي المالكي (ابن الصبّاغ) ، مخطوط . 102 . تحف الراغب ، شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلافة القليوبي المصري الشافعي (ت 1096 ق) ، مخطوط . 103 . تحف العقول ، الحسن بن عليّ الحراني [ابن شعبة] ، قم : مؤسسة النشر الإسلامي ، 1404 ق ، الطبعة الثانية ؛ ودار إحياء التراث العربي ، 1406 ق . 104 . تذكره علماي إمامية باكستان ، حسين عارف نقوي ، لاهور . 105 . التذكرة ، عبد الرحمان بن عليّ بن محمّد بن عليّ البكري الحنبلي البغدادي [ابن الجوزي الحنفي] ، حيدر آباد _ الدكن . 106 . تذكرة الحفاظ ، شمس الدين الذهبي (ت 748 ق) ، تحقيق : أحمد السقا ، القاهرة ، 1400 ق ؛ وحيدر آباد _ الدكن ، 1387 ق ؛ ومكّة المكرمة : دار إحياء التراث العربي مكتبة الحرم المكي . 107 . تذكرة الخواص (تذكرة خواص الأُمّة) ، يوسف بن فرغلي بن عبد اللّه [سبط ابن الجوزي الحنبلي الحنفي] (ت 654 ق) ، بيروت ، 1401 ق ، الطبعة الثانية ؛ والنجف الأشرف ؛ ومصر . 108 . ترجمة الإمام الحسين بن علي عليه السلام من تاريخ دمشق ، عليّ بن الحسن بن هبة اللّه [ابن عساكر الدمشقي] (ت 571 ق) ، بيروت : مؤسسة المحمودي . 109 . ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق ، علي بن الحسن بن هبة اللّه [ابن عساكر الدمشقي ](ت 571 ق) ، دمشق .
.
ص: 1378
110 . التسلّي ، محمّد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني . 111 . التصحيف في اللغة ، عبدالرحمان النسائي (ت 303 ق ) ، أُخذ بالواسطة . 112 . التفسير ، أحمد بن عليّ بن عبد اللّه بن خلف الأنصاري الأندلسي ، مخطوط . 113 . تفسير الإعتلال ، محمّد بن أحمد الذهبي (ت748 ق)، مخطوط. 114 . تفسير أبي السعود (بهامش تفسير الرازي) ، محمّد بن العمادي ، دار إحياء التراث العربي . 115 . تفسير البرهان ، هاشم بن سليمان البحراني ، دار الكتب الإسلاميّة ، 1409 ق ؛ وقم : مؤسسة مطبوعات إسماعيليان ، الطبعة الثانية . 116 . تفسير الجلالين ، عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي ، القاهرة ، 1364ق . 117 . تفسير الحبري ، الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري الكوفي (ت 268 ق ) ، الرياض : رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة .
118 . تفسير الخازن ، علاء الدين الخازن الخطيب البغدادي (ت 725 ق) ، بيروت : دار الفكر ، 1409 ق ؛ ومصر : دار الكتب العربية الكبرى ، 1415 ق . 119 . تفسير شاهي ، محمّد محبوب العلم ابن صفي الدين جعفر بدر العالم ، حيدر آباد _ الدكن ، طبعة حجرية . 120 . تفسير شبر ، عبد اللّه شُبَّر بن محمّد رضا الحسيني الكاظمي ، النجف الأشرف ؛ و دار الكتب العربية ؛ ودار إحياء التراث ، الطبعة الثالثة . 121 . تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان (في هامش تفسير جامع البيان) ، نظام الدين النيسابوري (ت 303 ق) ، المملكة العربية السعودية : المكتبة السلفية ، 1409 ق . 122 . تفسير فرات الكوفي ، فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (القرن الرابع الهجري) ، إعداد : محمّد كاظم المحمودي ، طهران : وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1410 ق ، الطبعة الأُولى . 123 . تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) ، إسماعيل بن عمر بن كثير البصري الدمشقي ، بيروت : دار المعرفة ، 1407 ق ؛ ودار إحياء التراث العربي ؛ دار صادر .
.
ص: 1379
124 . التفسير الكبير ومفاتيح الغيب (تفسير الفخر الرازي) ، محمّد بن عمر [فخر الرازي] (ت 604 ق) ، بيروت : دار الكتب العلمية ، 1408 ق ؛ والبهية : دار الطباعة العامرة . 125 . تفسير معالم التنزيل في التفسير والتأويل ، الحسين بن مسعود بن محمّد الفراء الشافعي البغوي الجاوي (ت 510 أو 516 ق ) ، دار الفكر ، 1405 ق . 126 . تفسير مقاتل ، مقاتل بن سليمان البلخي الأزدي الخراساني ، القاهرة . 127 . تفسير المنار ، محمد رشيد رضا ، القاهرة ، 1400 ق ؛ وبيروت ، 1405 ق . 128 . تفسير النيسابوري (المطبوع بهامش تفسير الطبري) ، حسن القمّي ، مصر . 129 . تقريب المعارف ، الجليي ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق . 130 . تقريب المعارف في العقائد والأحكام ، تقي الدين بن نجم الدين (أبو الصلاح الحلبي) (374 _ 447 ق) ، مطبوع ومنشور ، وتوجد نسخة خطية منه في القاهرة . 131 . تقويم غلط اللسان ، عبد الرحمان بن عليّ بن محمّد بن عليّ البكري الحنبلي البغدادي [ابن الجوزي الحنفي] . 132 . تلخيص الشافي ، محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي ، بيروت : دار العلم للملايين ، 1402 ق ؛ ودار الكتاب العربي ، 1405 ق . 133 . تلخيص مجمع الآداب ، كمال الدين عبد الرزاق (ابن الفوطي) (646 _ 700 ق) ، بولاق . 134 . تلخيص المستدرك (ذيل المستدرك) ، محمّد بن أحمد الذهبي (ت 748 ق) ، بيروت : دار صادر . 135 . التمهيد والبيان في فضائل الخليفة عثمان ، أبو بكر الأشعري ، مخطوط . 136 . تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة ، ابن عرَّاق الكناني (ت 963ق) ، تحقيق : عبد الوهاب عبد اللطيف _ عبد اللّه محمّد الصِّديق ، بيروت : دار الكتب العلمية ، 1399 ق ، الطبعة الأُولى ؛ و 1401 ق ، الطبعة الثانية . 137 . تنقيح المقال في علم الرجال ، عبد اللّه بن محمّد حسن المامقاني ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1402 ق ؛ والنجف الأشرف : المطبعة المرتضوية .
.
ص: 1380
138 . توضيح الدلائل ، شهاب الدين ابن شمس الدين عمر الزاولي الدولت آبادي الهندي الدهلوي . 139 . تهذيب الإصلاح ، هدية بن خرشم . أُخذ بالواسطة . 140 . تهذيب الآثار ، محمّد بن جرير الطبري (ت 310 ق) ، مصر : مطبعة الفجالة . 141 . تهذيب الأحكام في شرح المقنعة (التهذيب) ، محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ق) ، بيروت : دار التعارف ، 1401 ق ، الطبعة الأُولى . 142 . تهذيب الأسماء واللغات ، يحيى بن شرف النووي (ت 676 ق) ، بيروت : دار الكتب العلمية ، 1412 ق ؛ ومصر : المطبعة المنيرية ، 1348 ق . 143 . تهذيب التهذيب ، أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 852 ق) ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، بيروت : دار الكتب العلمية ، 1415 ق ، الطبعة الأُولى ؛ والهند : مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية ، 1315 ق ؛ وبيروت : دار صادر ، مصور من طبعة دائرة المعارف العثمانية ، الهند _ حيدر آباد ، 1325 ق . 144 . تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، جمال الدين يونس بن عبد الرحمان المزي (ت 742 ق)، تحقيق : بشّار عواد ، بيروت : مؤسّسة الرسالة ، 1409ق ؛ ودار الملايين للعلم . 145 . تيسير الوصول إلى جامع الأُصول ، عبد الرحمان بن عليّ [ابن الديبع] ، نواكشوط ؛ ومصر : المطبعة التجارية الكبرى ، 1356 ق . 146 . الثقات ، محمّد بن حبّان بن أحمد التميمي البستي (354 ق) ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية ، حيدر آباد _ الدكن ، 1369 ق ، الطبعة الأُولى . 147 . جامع الأُصول في أحاديث الرسول ، المبارك بن محمّد بن محمّد الشيباني الشافعي (ابن الأثير) (ت 606 ق ) ، مصر : مطبعة الفجالة ، 1406 ق . 148 . جامع البيان في تفسير القرآن (تفسير الطبري) ، محمّد بن جرير الطبري (ت 310 ق) ، مصر : بولاق ، 1356 ق ؛ وبغداد : مكتبة المثنى ، 1395 ق . 149 . جامع الجوامع ، أمين الدين عليّ الطبرسي ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1371 ق .
.
ص: 1381
150 . جامع الرواة ، محمّد بن عليّ الأردبيلي الغروي الحائري ، طهران : طبعة المحمدي . 151 . جامع السعادات ، المولى محمّد مهدي النراقي بن أبي ذر ، عدّة طبعات . 152 . الجامع الصحيح، محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري. 153 . الجامع الصغير ، عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي (ت 911 ق) ، القاهرة ، 1365 ق ، الطبعة الأُولى . 154 . الجامع الكبير ، محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 297 ق) ، بولاق . 155 . الجامع الكبير، عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي (ت 911 ق) ، مصر : مطبعة الطباعة العامرة ، 1368 ق . 156 . جامع كرامات الأولياء ، يوسف بن إسماعيل النبهاني البيروتي ، مصر .
157 . الجامع لأحكام القرآن ، أحمد بن أبي فرح القرطبي (ت 671 ق) ، تحقيق : اطفيش ، بيروت ، 1385 ق ؛ والقاهرة : دار الكتب المصرية ، 1938 م . 158 . الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) ، محمّد بن أحمد القرطبي (ت 671 ق) ، مصر : مطبعة الفجالة القديمة ؛ وتصحيح : أحمد عبد العليم البردوني ، دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الأُولى . 159 . جامع مناقب النساء ، أُخذ بالواسطة . 160 . الجرح والتعديل ، عبدالرحمان النسائي (ت 303 ق ) ، أُخذ بالواسطة . 161 . الجرح والتعديل ، محمّد بن إدريس بن منذر الرازي(ت 327 ق) ، حيدر آباد_ الدكن ، دار المعارف العثمانية ، 1371 ق . 162 . الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (المفيد) (ت 413 ق) ، النجف الأشرف : الحيدرية . 163 . جمهرة الخطب ، أحمد زكي صفوت ، بيروت : دار الكتاب العربي . 164 . الجمهرة في اللغة ، أبو بكر بن محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت 321 ق ) ، المجمع اللغوي العام ، القاهرة .
.
ص: 1382
165 . جوامع السيرة ، عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري ، بيروت . 166 . جواهر العقدين في فضل الشرفين شرف العلم الجلي والنسب العلي ، علي بن عبد اللّه الحسني السمهودي (844 _ 911 ق ) ، تحقيق : موسى بناي العليلي ، بغداد : وزارة الأوقاف العراقية _ مطبعة العاني ، 1405 ق . 167 . الحاكم في معرفة علوم الحديث ، محمّد بن عبد اللّه بن الحاكم النيشابوري (ت 405 ق ) ، دار الكتاب العربي . 168 . حسن المحاضرة في أخبار مصر القاهرة ، عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي ، القاهرة : مطبعة الموسوعات . 169 . حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، أحمد بن عبد اللّه الإصفهاني (ت 430 ق) ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1405 ق ، الطبعة الرابعة ؛ و 1967م ، الطبعة الثانية . 170 . حياة الحيوان ، محمّد بن موسى الدميري (ت 808 ق) ، الرباط ، 1403 ق . 171 . حياة الصحابة ، محمّد بن يوسف إلياس الحنفي الهندي ، لاهور . 172 . الحيوان ، عمرو بن بحر الجاحظ بن محبوب الكناني الليثي (ت 255 ق) ، القاهرة : دار الجاحظ ، 1409 ق . 173 . الخرائج والجرائح ، سعيد بن عبد اللّه الراوندي [قطب الدين الراوندي ](ت 573 ق ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة الإمام المهدي (عج) ، قم ، 1409 ق . 174 . خريدة القصر وجريدة العصر ، عماد الدين محمّد بن صفي الدين محمّد بن حامد الكاتب [ابن العماد الإصفهاني] ، بغداد . 175 . الخصائص العلوية ، أحمد بن محمّد النطنزي، بيروت: دار الفكر، 1408 ق . 176 . الخصائص في فضل عليّ وأهل بيته (خصائص أمير المؤمنين) ، عبد الرحمان النسائي (ت 303 ق ) ، القاهرة : التقدم . 177 . الخصائص الكبرى ، عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي (ت 911 ق) ، تحقيق : أحمد ميرين البلوشي ، الكويت : مكتبة المعلّى ؛ وبيروت : دار الكتاب العربي ، 1406 ق ؛ والقاهرة : الهيئة المصرية للتأليف والنشر ، 1402 ق .
.
ص: 1383
178 . خصائص الوحي المبين ، يحيى بن الحسن [ابن البطريق] ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ، إيران : وزارة الإرشاد الإسلامي ، 1406 ق ، الطبعة الأُولى . 179 . الخصال ، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي [الصدوق] ، بيروت : مؤسّسة الأعلمي ، 1400 ق ، الطبعة الخامسة ؛ ودار صادر ، بدون تاريخ ؛ والأعلمي ، 1410 ق . 180 . خطط المقريزي، تقي الدين أحمدبن عليّ المقريزي، بيروت: الساحل الجنوبي،1406 ق. 181 . خلاصة الأقوال في معرفة الرجال (رجال العلاّمة الحلّي) ، الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي (ت 726 ق ) ، تصحيح : محمّد صادق بحر العلوم ، منشورات الشريف الرضي ، 1402 ق ، الطبعة الأُولى . 182 . خلاصة عبقات الأنوار ، مير حامد حسين النيشابوري الهندي . 183 . خلفاء الرسول ، محمّد بن محمّد الموسوي الحائري البحراني . 184 . خلق الإنسان ، سعيد بن هبة اللّه بن الحسن الطبيب . 185 . خمسون ومئة صحابي مختلق ، مرتضى العسكري ، قم : مطبعة صدر ، الطبعة السادسة . 186 . دائرة المعارف الإسلامية ، نقلها إلى العربية : محمّد ثابت أفندي _ أحمد الشنتناوي _ إبراهيم زكي خورشيد _ عبد الحميد يونس ، مصر ، 1913 _ 1957 م . 187 . دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ، حسن الأميني ، بيروت . 188 . دائرة معارف القرن العشرين ، محمّد فريد وجدي (ت 1373 ق) ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1402 ق . 189 . درّر بحر المناقب ، ابن حسنوية الحنفي الموصلي ، مخطوط . 190 . الدرّر الكامنة في أعيان المئة الثامنة ، ابن حجر العسقلاني ، تحقيق : محمّد جاد الحق ، حيدر آباد _ الدكن ، 1945م ؛ والقاهرة ؛ 1966م ، الطبعة الثانية . 191 . الدرّ المنثور في التفسير المأثور ، عبد الرحمان بن جلال الدين محمّد السيوطي (ت 911 ق) ، أُفست المطبعة الإسلامية ، 1377 ق . 192 . درّة الغواص في أغلاط (أوهام ، تغليط ) الخواص ، المطهّر بن يحيى الحريري البصري (المتوكل على اللّه ) .
.
ص: 1384
193 . دلائل الإمامة ، محمّد بن جرير الطبري (ت 310 ق ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة البعثة ، قم ، 1413 ق ، الطبعة الأُولى ؛ والنجف الأشرف . 194 . دلائل الصدق ، محمّد حسن المظفر ، إحياء التراث العربي ، 1409 ق .
195 . دلائل النبوّة ، أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ق) ، تحقيق : صقر ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، بيروت : دار النصر ، 1389 ق ؛ وتحقيق : عبد المعطي قلعچي ، بيروت : دار الكتب العلمية ، 1405 ق ، الطبعة الأُولى . 196 . دلائل النبوّة ، أحمد بن عبد اللّه الإصفهاني (ت 430 ق) ، بيروت : دار الفكر ، بدون تاريخ. 197 . دليل فقه الشافعي ، جامعة طهران . 198 . دول الإسلام ، شمس الدين بن محمّد بن أحمد الذهبي (ت 748 ق)، بيروت . 199 . ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، أحمد بن عبد اللّه [المحب الطبري ](ت 694 ق) ، القاهرة : نشر حسام الدين القدسي ، 1356ق . 200 . ذخائر المواريث ، عبد الغني النابلسي الدمشقي . 201 . ذخيرة المآل في شرح عقد الآل ، أحمد بن عبد القادر بن بكري العجيلي الشافعي . 202 . الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، آقا بُزرك الطهراني ، بيروت : دار الأضواء . 203 . الذرية الطاهرة ، محمّد بن أحمد الدولابي ، مخطوط ؛ وتحقيق : محمّد جواد الجلالي ، مؤسسة النشر الإسلامي ، 1407 ق . 204 . ذيل بروكلمن ، الستوري ، ترجمة : عبد الحليم النجار . 205 . الرائض في الفرائض ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) . 206 . ربيع الأبرار ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق) . 207 . رجال ابن داود ، الحسن بن عليّ بن داود الحلّي ، المدينة المنوّرة : المكتبة السلفية ، 1402 ق . 208 . رجال البرقي (طبع ضمن رجال ابن داوود) ، أحمد بن محمّد البرقي الكوفي (ت 274 ق ) ، جامعة طهران ، 1342 ق ، الطبعة الأُولى .
.
ص: 1385
209 . رجال السيّد بحر العلوم ، محمّد بن محمّد تقي بن رضا بن بحر العلوم ، النجف الأشرف : منشورات مكتبة الصادق ، 1325 ق . 210 . رجال الطوسي ، محمّد بن الحسن الطوسي ، تحقيق : جواد القيومي ، قم : مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق . 211 . رجال النجاشي (فهرس أسماء مصنفي الشيعة) ، أحمد بن عليّ بن أحمد النجاشي (ت 450 ق ) ، بيروت : دار الأضواء ، 1408 ق ، الطبعة الأُولى . 212 . الردّ على الإسماعيلية ، محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني . 213 . الردّ على التبريزي ، عبد اللّه بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد اللّه بن نصر بن الخشّاب . 214 . الردّ على المتعصّب العنيد المانع من لعن يزيد ، عبد الرحمان بن عليّ بن محمّد بن عليّ البكري الحنبلي [ابن الجوزي الحنفي] . 215 . الرسالة في الفقه ، علي بن محمّد بن أحمد نور الدين ابن الصبّاغ ( 784 _ 855 ق ) ، مخطوط . 216 . رسالة المحكم والمتشابه ، علي بن الحسين الموسوي [الشريف المرتضى] ، بيروت ، 1402 ق . 217 . رشفة الصادي من بحور فضائل بني الهادي ، أبو بكر بن شهاب الدين العلوي الحسيني الشافعي ، مصر ، 1303 ق . 218 . روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات ، محمّد باقر الخوانساري ، قم : مكتبة إسماعيليان . 219 . الروض الأُنف في تفسير السيرة النبوية ، عبد الرحمان السهيلي (ت 581 ق) ، تحقيق : عبد الرحمان الوكيل ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت : مؤسسة التاريخ العربي ، الطبعة الأُولى ، 1412 ق ؛ ومصر : شركة الطباعة الفنية المتحدة ، 1391 ق . 220 . روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) ، تحقيق : سليم نعيم ، قم : منشورات الشريف الرضي ، 1410 ق ، الطبعة الأُولى .
.
ص: 1386
221 . الروض الأزهر ، شاه تقي العلوي الكاظمي الهندي الحنفي الكاكوردي [قندر] ، أُخذ بالواسطة . 222 . الروضة من الكافي ، محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي ، طهران : دار الكتب الإسلامية ، 1389 ق ، الطبعة الثانية . 223 . روضة الواعظين ، محمّد بن الحسن بن عليّ الفتال النيسابوري (508 ق) ، بيروت ، 1402 ق ؛ وبيروت : مؤسسة الأعلمي ، 1406 ق . 224 . الرياض الزاهرة في فضائل آل بيت النبيِّ وعترته الطاهرة ، عبد اللّه بن محمّد المطيّري . 225 . رياض العلماء وحياض الفضلاء ، الميرزا عبد اللّه أفندي الإصفهاني (القرن الثاني عشر ) ، تحقيق : أحمد الحسيني ، قم : مكتبة المرعشي النجفي . 226 . الرياض النضرة في فضائل العشرة ، محّب الدين الطبري الشافعي (ت 694 ق) ، بيروت 1403 ق ؛ ومصر . 227 . ريحانة الأدب ، محمد عليّ المدرّس التبريزي (ت 1373 ق ) ، إيران . 228 . الزهد ، أبو عبد الرحمان بن عبد اللّه بن مبارك الحنظلي المروزي (ت 181 ق ) ، تحقيق : حبيب الرحمان الأعظمي ، بيروت : دار الكتب العلمية . 229 . الزهد ، الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي (ت 250 ق) ، تحقيق : غلام رضا عرفانيان _ حسينيان ، قم ، 1402 ق ، الطبعة الثانية . 230 . زهر الآداب ، الحصري ، أُخذ بالواسطة . 231 . زهر الآداب ، القيرواني ، أُخذ بالواسطة . 232 . زهرة المقول في نسب ثاني فرعي الرسول ، عليّ بن الحسن بن شدقم . 233 . زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ، أحمد بن محمّد بن عليّ العاصمي الشافعي (من أعلام القرن الرابع) ، مخطوط .
234 . سبيل النجاة في تتمّة المراجعات ، أُخذ بالواسطة . 235 . الاستيعاب ، الأشعري ، حيدر آباد ، الطبعة الثانية .
.
ص: 1387
236 . سداسيات الرازي ، الرازي ، مخطوط . 237 . سرّ العالمين ، محمّد بن محمّد الغزالي(ت 505 ق) ، بيروت ، 1402 ق . 238 . سعادة الكونين في بيان فضائل الحسنين ، محبّ الحقّ الدهلوي (إكرام الدين بن نظام الدين) . 239 . سعد السعود ، عليّ بن موسى الحلّي [ابن طاووس] (ت664 ق )، قم : مكتبة الرضي ، 1363 ق ، الطبعة الأُولى . 240 . سفينة البحار ، عباس القمّي (ت 1359 ق ) ، طهران : دار الأُسوة ، 1414 ق ، الطبعة الأُولى ؛ والنجف الأشرف ، 1365ق . 241 . سمط النجوم العوالي ، عبد الملك العاصمي المكي ، بيروت . 242 . سنن ابن ماجة ، محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (ت 275 ق) ، تحقيق : فؤاد عبد الباقي ، بيروت : دار إحياء التراث ، 1395 ق ، الطبعة الأُولى ؛ وبيروت : دار الفكر ، 1371 ق . 243 . سنن الترمذي ، محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 297 ق) ، تحقيق : أحمد محمّد شاكر ، بيروت : دار إحياء التراث . 244 . سنن الدارقطني ، عليّ بن عمر البغدادي [الدارقطني ](ت 285 ق ) ، تحقيق : أبو الطيب محمّد آبادي ، بيروت : عالم الكتب ، 1406 ق ، الطبعة الرابعة ؛ والقاهرة : بولاق . 245 . السنن الكبرى ، أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي(ت 458 ق) ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1405 ق ؛ وتحقيق : محمّد عبد القادر عطا ، بيروت : دار الكتب العلمية ، 1414 ق ، الطبعة الأُولى مصورة من دائرة المعارف العثمانية ، حيدر آباد _ الدكن ، 1353 ق . 246 . سير أعلام النبلاء ، محمّد بن أحمد الذهبي (ت 748 ق) ، تحقيق : شُعيب الأرنؤوط ، بيروت : مؤسسة الرسالة ، 1414 ق ، الطبعة العاشرة . 247 . السيرة الحلبية ( إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون ) ، علي بن إبراهيم الحلبي الشافعي ، بيروت : دار الفكر العربي ، 1400 ق . 248 . السيرة النبويّة ، عبد الملك بن هشام ين أيوب الحميري (ت 213 أو 218ق) ، تحقيق :
.
ص: 1388
مصطفى السقا _ إبراهيم الأنباري _ عبد الحفيظ شلبي ، قم : مكتبة المصطفى ، 1355 ق ، الطبعة الأُولى . 249 . السيرة النبويّة بهامش السيرة الحلبية ، أحمد بن زيني بن أحمد دحلان (ت 1304 ق) ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1408 ق . 250 . السيف اليماني المسلول ، محمد الحسيني التونسي المالكي [الكوفي] . 251 . الشافعي حياته وعصره ، محمّد أبو زهرة ، القاهرة ، الطبعة الثانية . 252 . الاشتقاق (الأشتقاقات) ، المبرّد محمّد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي البصري (ت 285 ق ) ، مخطوط ؛ والنجف الأشرف . 253 . شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، أبو الفلاح عبد الحي [ابن العماد ](ت 1089 ق) ، تحقيق : شُعيب الأرنؤوط ، بيروت ؛ ودمشق ، 1409 ق ؛ والقاهرة : مكتبة القدسي ، 1350ق . 254 . شرح أبيات الكتاب ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) . 255 . شرح أُرجوزة الشيخ الخزرجي ، أُخذ بالواسطة . 256 . شرح الباب الحادي عشر ، جعفر بن الحسن [المحقّق الحلّي] ، بيروت ، 1400 ق . 257 . شرح التجريد ، نجم الدين جعفر بن الحسن [المحقّق الحلّي] ، طبع مرات عديدة . 258 . شرح الجُمل ، يوسف بن سليمان بن عيسى الجرجانيالأندلسي (ت 476 ق ) ، حيدر آباد _ الهند . 259 . شرح ديوان أمير المؤمنين عليه السلام، مير حسين الميبدي ، مخطوط . 260 . شرح الشمائل ، عليّ بن سلطان محمّد القاري الهروي المكّي الحنفي [مُلاّ عليّ القاري] ، مخطوط . 261 . شرح صحيح البخاري ، محمود بن أحمد العيني (ت 855 ق) ، مصر : مطبعة الفجالة الجديدة ، 1376 ق . 262 . شرح اللمع ، أحمد بن عليّ الماهابادي (الماه آبادي) .
.
ص: 1389
263 . شرح اللمع ، عثمان بن جنّي الموصلي النحوي (ت 392 ق ) . 264 . شرح مشكلات المفصَّل ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) . 265 . شرح مغني المحتاج الى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ، محمّد الشربيني الهجري ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 266 . شرح المقامات ، محمّد بن عبدالرحمان بن محمّد بن مسعود بن أحمد المسعودي . 267 . شرح مقامات الحريري ، عبد الرحمان بن محمّد بن مسعود المروزي (ت 584 ق ) ، القاهرة : الفجالة الجديدة ؛ وبولاق . 268 . شرح مقدّمة الوزير ابن هبيرة ، عبد اللّه بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد اللّه بن نصر بن الخشّاب . 269 . شرح المواقف ، علي بن محمّد الجرجاني (ت 816 ق ) ، مصر : مطبعة السعادة ، 1325 ق ، الطبعة الأُولى . 270 . شرح ميمية أبي فراس ، أُخذ بالواسطة . 271 . شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ق) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل ، بيروت ، 1409 ق . 272 . شرح نهج البلاغة ، محمّد عبده ، مصر : الفجالة الجديدة ، 1403 ق ؛ ودار الكتاب العربي ، 1406 ق .
273 . شرح الهاشميات ، محمّد محمود الرافعي ، مصر : شركة التمدّن ، الطبعة الثانية ؛ وبيروت ، 1402 ق . 274 . شرف النبي المصطفى ، أحمد بن عبد الملك بن أبي عثمان بن محمّد بن إبراهيم الخركوشي النيشابوري الواعظ (ت 407 ق ) ، الطبعة الأُولى . 275 . الشمائل ، عيسى بن سورة الترمذي (ت 297 ق) ، مطبعة مصطفى البابي وأولاده . 276 . شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ، عبيد اللّه بن عبد اللّه النيسابوري [الحاكم الحسكاني ](من أعلام القرن الخامس ، والمتوفّى بعد سنة 470 ق) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ، طهران : مؤسّسة الطبع والنشر ، 1411 ق ، الطبعة الأُولى .
.
ص: 1390
277 . صحيح البخاري ، محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري (ت 256 ق ) ، تحقيق : مصطفى ديب البغا ، بيروت : دار ابن كثير ، 1410 ق ، الطبعة الرابعة ؛ ومطبعة المصطفائي ، 1307ق . 278 . صحيح الترمذي ، عيسى بن سورة الترمذي (ت 297 ق) ، بيروت ، 1405 ق ؛ والمدينة المنوّرة : مطبعة المكتبة السلفية . 279 . صحيح الجامع الكبير ، محمّد بن إسماعيل البخاري ، مصر : مطبعة الفجالة الجديدة ، 1358 ق . 280 . صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 ق) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، بيروت ، 1374 ق ؛ والقاهرة : دار الحديث ، الطبعة الأُولى 1412 ق ؛ وبيروت : دار إحياء التراث العربي . 281 . صحيح مسلم بشرح النووي ، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيشابوري (ت 261 ق) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، القاهرة : دار الحديث ، 1412 ق ، الطبعة الأُولى . 282 . الصراط السوي في مناقب آل النبي ، الشيخاني القادري . 283 . الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم ، عليّ بن يونس النباطي البياضي (ت 877 ق ) ، إعداد : محمّد باقر المحمودي ، طهران : المكتبة المرتضوية ، 1384 ق ، الطبعة الأُولى . 284 . صفة الصفوة ، عبد الرحمان بن عليّ بن محمّد [ابن الجوزي] (ت 597 ق) ، تحقيق : محمّد هارون ، بيروت : دار الفكر ، 1413 ق ، الطبعة الأُولى . 285 . صميم العربيّة ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) . 286 . الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة ، أحمد بن حجر الهيّتمي الكوفي (ت 974 ق) ، إعداد : عبد الوهاب بن عبد اللطيف ، مصر : مكتبة القاهرة _ المطبعة الميمنية ، 1385 ق ، الطبعة الثانية ؛ وطبع المحمديّة ؛ وطبع الحيدرية . 287 . الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ، محمّد بن عبد الرحمان [الحافظ السخاوي] (ت 902 ق) ، بيروت : دار مكتبة الحياة ؛ ومصر : مطبعة القدسي ، 1352 ق .
.
ص: 1391
288 . الطالع السعيد ، محمّد بن عليّ الأدفوي المقري ، أُخذ بالواسطة من المحلى لابن حزم الظاهري . 289 . طبقات أعلام الشيعة ، آقا بُزرك الطهراني ، قم : مؤسّسة إسماعيليان ، الطبعة الثانية . 290 . طبقات الحفّاظ ،عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي (ت 911 ق ) ، بولاق . 291 . طبقات الحنابلة ، أبو يعلي ، تحقيق : محمّد حامد الفقي ، مطبعة السنة المحمدية . 292 . طبقات الشافعية ، عبد الوهاب بن عليّ تاج الدين السبكي (771 ق ) ، تحقيق : الحلو _ الطناحي ، القاهرة : دار إحياء الكتب العربية ، 1396 ق . 293 . طبقات الشافعية الكبرى ، عليّ بن عبد الكافي السبكي (ت 771 ق) ، تحقيق : عبد الفتاح محمّد الحلو _ محمود محمّد الطناحي ، دار إحياء الكتب العربية ؛ ومصر : طبع عيسى البابي ، 1383 ق . 294 . طبقات الفقهاء ، أبو إسحاق الشيرازي الشافعي (393 ق ) ، دار الرائد العربي ، 1401 ق ، الطبعة الثانية . 295 . طبقات القرَّاء ، شمس الدين الجزري ، مصر : مطبعة السعادة ، 1932م . 296 . الطبقات الكبرى ، محمّد بن سعد الواقدي الزهري (ت 230 ق ) ، بيروت : دار صادر ، 1405ق ؛ وأُوربا ؛ وليدن . 297 . طبقات المفسّرين ، عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي (ت 911 ق) ، أُخذ بالواسطة . 298 . طبقات المفسّرين ، علاء الدين محمّد بن هداية اللّه الحسني الخيروي (ت 967 ق) ، مخطوط . 299 . طبقات النحاة، عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي (ت911 ق)، أُخذ بالواسطة . 300 . الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، عليّ بن موسى بن طاووس الحسني (ت 664 ق ) ، قم : مطبعة الخيام ، 1400 ق ، الطبعة الأُولى . 301 . عائشة والسياسة ، سعيد الأفغاني ، حيدر آباد _ الدكن . 302 . عبد اللّه بن سبأ وأساطير أُخرى ، مرتضى العسكري ، بيروت : مطبعة دار الكتب ، 1393 ق ، الطبعة الرابعة .
.
ص: 1392
303 . العِبر في خبر من غبر ، محمّد بن عثمان الذهبي (ت 748 ق ) ، تحقيق وضبط : محمّد السعيد بن بسيوني ، بيروت : دار الكتب العلمية ؛ والكويت : دار المعارف ، 1961م . 304 . العِبر فيمن شفّه النظر ، علي بن محمّد بن أحمد نور الدين ابن الصبّاغ ( 784 _ 855 ق ) ، مخطوط . 305 . عبقات الأنوار ، مير حامد حسين النيشابوري الهندي ، الهند ؛ وإيران . 306 . العقد الفريد ، أحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسي (ت 328 ق) ، تحقيق : أحمد الزين _ إبراهيم الأبياري ، بيروت : دار الأندلس ، 1408ق ، الطبعة الأُولى ؛ والقاهرة ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، 1948م . 307 . العقود اللؤلؤية واللآلئ الثمينة في فضائل العترة الأمينة ، علي بن محمّد بن أحمد نور الدين ابن الصبّاغ ( 784 _ 855 ق ) ، مخطوط . 308 . العلل ، محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 297 ق) ، مخطوط .
309 . العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ، عبد الرحمان بن عليّ بن محمّد [ابن الجوزي] ، تحقيق : إرشاد الحق الأثري ، الهند _ لاهور . 310 . عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار ، يحيى بن الحسن ابن البطريق الأسدي الحلّي ، قم : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ، 1407 ق . 311 . عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال ، عبد اللّه الإصفهاني ، تحقيق : مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، الطبعة الأُولى . 312 . عيون الأثر ، أحمد بن عبد اللّه بن يحيى [ابن سيّد الناس] (ت 734 ق) ، بيروت : دار المعرفة ، 1401 ق ؛ وطبعة القدسي ، 1356 ق . 313 . عيون أخبار الرضا عليه السلام، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي [الصدوق] (ت 381ق) ، النجف الأشرف : منشورات المكتبة الحيدرية . 314 . عيون الأخبار وفنون الآثار ، ابن قتيبة الدينوري (ت 276 ق ) ، دار الكتاب العربي ؛ وطبع قديم .
.
ص: 1393
315 . عيون الأنباء في طبقات الأطباء ، بيروت . 316 . عيون التواريخ ، محمّد بن شاكر الكتبي الشافعي ، القاهرة . 317 . غاية المرام ، هاشم بن سليمان الحسيني الكتكتاني البحراني (ت 1107 ق)، دار القاموس . 318 . الغدير في الكتاب والسُّنَّة والأدب ، عبد الحسين أحمد الأميني (ت 1390 ق) ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1387 ق ، الطبعة الثالثة ؛ و دار إحياء الكتب العلمية ، 1402 ق ؛ . 319 . غربال الزمان في وفيات الأعيان ، يحيى بن أبي بكر العامري ، المكتبة السلفية . 320 . غرر الحكم ودرر الحكم ، عبد الواحد الآمدي التميمي (ت 550 ق) ، تحقيق: مير سيّد جلال الدين المحدث الأرموي ، جامعة طهران ، 1360 ق ، الطبعة الثالثة . 321 . غرر الخصائص الواضحة ، إبراهيم بن يحيى الكتبي [الوطواط] ، أُخذ بالواسطة . 322 . غريب الحديث ، حمد بن محمّد الخطابي ، تحقيق : عبد الكريم الغرباوي ، دمشق : أُمّ القرى ، 1402 ق . 323 . الغنية ، الجيلي ، أُخذ بالواسطة . 324 . الغيبة ، محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (ت 460 ق )، تحقيق : عباد اللّه الطهراني _ عليّ أحمد ناصح ، قم : مؤسسة المعارف الإسلامية ، 1411 ق ، الطبعة الأُولى ؛ وطبع مطبعة حبيب الرحمان الأعلمي ، 1395ق . 325 . الغيبة ، محمّد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني (ت 350 ق)، تحقيق : عليّ أكبر الغفاري ، طهران : مكتبة الصدوق ؛ وبيروت : المكتبة العربية ، 1405 ق . 326 . الفائق في غريب الحديث ، محمود بن عمر الزمخشري (ت 516 ق) ، مصر : مطبعة عيسى البابي الحلبي ، 1359 ق . 327 . فتح الباري ، أحمد بن عليّ بن محمّد بن حجر العسقلاني (ت 852 ق) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ؛ ومصر : المطبعة السلفية ، 1380 ق ؛ وتحقيق : عبد العزيز بن عبد اللّه بن باز ، القاهرة ، 1398 ق . 328 . الفتح القدير ، محمّد بن عليّ الشوكاني (ت 1250 ق ) ، دار إحياء التراث العربي ؛ ودار الكتب العلمية ، 1403 ق .
.
ص: 1394
329 . فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم عليّ ، أحمد بن محمّد الصديق المغربي ، مصر : المطبعة الإسلامية ، 1304 ق ؛ والنجف الأشرف : المطبعة الحيدرية . 330 . الفتنة الكبري ،طه حسين ، بيروت : دار الكتاب اللبناني . 331 . فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم ، إبراهيم ابن محمّد بن المؤيد بن عبد اللّه الجويني الحمويني (ت 722 أو 730 ق) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ، بيروت : مؤسّسة المحمودي ، 1398ق . 332 . الفرائض ، محمّد بن إبراهيم النعماني . 333 . الفرج بعد الشدّة ، عليّ بن محمّد التنوخي (ت 384 ق ) ، مؤسسة النعمان ، بيروت ، 1410 ق ، الطبعة الأُولى . 334 . الفردوس بمأثور الخطاب ، شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فنا خسرو الديلمي الهمداني [إلْكِيا] (ت 509 ق) ، تحقيق : السعيد بن بسيوني زغلول ، بيروت : دار الكتب العلمية ، 1406 ق ، الطبعة الأُولى ؛ و 1419ق . 335 . الفصل في الملل والأهواء والنحل ، ابن حزم الأندلسي الظاهري (ت 456 ق ) ، بيروت : دار صادر ، 1400 ق ، وبغداد : مكتبة المثنى . 336 . الفضائل ، شاذان بن جبريل بن إسماعيل بن أبي طالب القمّي (ت 660 ق ) ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1406 ق ؛ والنجف الأشرف : المطبعة الحيدرية ، 1338 ق ، الطبعة الأُولى . 337 . فضائل الخمسة من الصحاح الستة ، مرتضى الحسيني الفيروزآبادي ، بيروت : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، 1973م ، الطبعة الثالثة . 338 . فضائل الصحابة ، أحمد بن محمّد حنبل الشيباني (241 ق ) ، تحقيق : وصي اللّه بن محمّد عباس ، دار العلم ، 1403ق ، الطبعة الأُولى ؛ والمملكة العربية السعودية : جامعة أُم القرى . 339 . الفلاكة والمفلوكين ، أُخذ بالواسطة . 340 . الفهرست ، محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ق) ، بيروت ، 1412 ق . 341 . الفهرست ، محمّد بن إسحاق بن النديم ، تحقيق : ناهد عباس عثمان ، قطر _ الدوحة : دار قطري بن الفجاءة ، 1985 م ، الطبعة الأُولى .
.
ص: 1395
342 . فهرست كتابخانه هاى إصفهان . 343 . في رحاب نهج البلاغة ، مرتضى المطهري (ت 1400 ق) ، دار المعارف ، 1415 ق . 344 . فيض القدير ، محمّد بن عليّ الشوكاني (ت 1250 ق ) ، دار الصحابة . 345 . فيض القدير شرح الجامع الصغير ، يحيى بن محمّد عبد الرؤوف المناوي (ت 1031ق) ، القاهرة ، 1356ق ، الطبعة الأُولى . 346 . القاموس ، محمّد مرتضى الزبيدي (ت 1205 ق) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1405 ق .
347 . قاموس الرجال في تحقيق رواة الشيعة ومحدثيهم ، محمد تقي بن كاظم التستري (ت 1320 ق ) ، قم : مؤسسة النشر الإسلامي ، 1410 ق ، الطبعة الثانية . 348 . القاموس المحيط ، محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي ، القاهرة : مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، 1952م ، الطبعة الثانية . 349 . القسطاس في العروض ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) . 350 . قصائد في مدح أمير المؤمنين ، علي بن محمّد بن أحمد نور الدين ابن الصبّاغ ( 784 _ 855 ق ) ، مخطوط . 351 . قصار الجُمل ، محمد تقي بن كاظم التستري (ت 1320 ق ) ، النجف الأشرف : المطبعة الحيدرية . 352 . قضاء أمير المؤمنين ، محمد تقي بن كاظم التستري (ت 1320 ق ) ، بغداد : مكتبة المثنى . 353 . قواعد المرام ، محمّد بن محمّد الموسوي الحائري البحراني . 354 . قوت القلوب ، أبو طالب المكّي ، أُخذ بالواسطة . 355 . القول الفصل ، عليّ بن طاهر الحداد ، لاهور . 356 . الكافي ، محمّد بن يعقوب الكليني الرازي (ت 329 ق) ، تحقيق : عليّ أكبر الغفّاري ، طهران : دار الكتب الإسلامية ، 1389 ق . 357 . الكامل في التاريخ ، عليّ بن محمّد الشيباني الموصلي [ابن الأثير ](ت 630ق) ، تحقيق : عليّ شيري ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق ، الطبعة الأُولى .
.
ص: 1396
358 . الكامل في ضعفاء الرجال ، عبد اللّه بن عدي الجرجاني [ابن عدي ](ت 365 ق)، تحقيق : لجنة من المختصين ، بيروت : دار الفكر ، 1404 ق ، الطبعة الأُولى. 359 . كتاب الآل ، حسين بن أحمد بن خالويه بن حمدان الهمداني [ابن خالويه ](ت 317 أو 370) طبعة حجرية . 360 . كتاب ليس ، حسين بن أحمد بن خالويه بن حمدان الهمداني الفارسي [ابن خالويه] (ت 317 أو 370) ، طبعة حجرية . 361 . كتاب الوزراء ، محمّد بن عبدوس بن يحيى بن عبد اللّه [الجهشياري] . 362 . الكشّاف ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) ، بيروت : دار المعرفة ؛ قم : دار البلاغة . 363 . كشف الأستار عن زوائد البزار . 364 . كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، مصطفى بن عبد اللّه القسطنطيني (ت 1067 ق) ، القاهرة ، 1389 ق . 365 . كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون ، مصطفى بن عبد اللّه (حاجي خليفة) ، بغداد : مكتبة المثنى . 366 . كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ، علي بن عيسى الإربلي (ت 687 ق ) ، تصحيح : هاشم الرسولي المحلاتي ، بيروت : دار الكتاب الإسلامي ، 1401 ق ، الطبعة الأُولى ؛ تبريز (بدون تاريخ) . 367 . كشف المراد ، الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي (ت 726 ق ) ، بيروت : دار الفكر ، ودار إحياء التراث . 368 . الكشف والبيان في التفسير (تفسير الثعلبي) ، أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري (ت 437 ق)، الجزء الأول طبعة حجرية،ومخطوط في مكتبة المرعشي النجفي العامة. 369 . الكشف والبيان في تفسير القرآن (تفسير الثعلبي) ، أبو إسحاق الثعلبي ، المدينة المنوّرة : مكتبة الثقافة ، 1402 ق .
.
ص: 1397
370 . كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين ، الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي (ت 726 ق ) ، تحقيق : حسين الدرگاهي ، إحياء التراث العربي . 371 . كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر ، عليّ بن محمّد بن عليّ الخزاز الرازي القمّي (القرن الرابع الهجري ) ، تحقيق : عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري ، قم : إنتشارات بيدار ، 1401 ق . 372 . كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب ، محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي (ت 658 ق ) ، تحقيق : محمّد هادي الأميني ، طهران : دار إحياء تراث أهل البيت ، 1404 ق ، الطبعة الثانية . 373 . الكلم النوابغ ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) ، طبعة حجرية . 374 . كمال الدين وتمام النعمة ، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي [الصدوق] (ت 381 ق ) ، تحقيق : عليّ أكبر الغفّاري ، قم : مؤسسة النشر الإسلامي ، 1405 ق ، الطبعة الأُولى . 375 . كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال ، علاء الدين عليّ المتّقي ابن حسام الدين الهندي (ت 975 ق ) ، تصحيح : صفوة السقا ، بيروت : مكتبة التراث الإسلامي ، 1397 ق ، الطبعة الأُولى ؛ وحلب : دار الوعي ، 1396 ق . 376 . كنوز الحقائق ، عبد الرؤوف المناوي الشافعي ، مصر . 377 . الكنى والأسماء ، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيشابوري (ت 261 ق) ، القاهرة . 378 . الكنى والألقاب ، عباس القمّي ، طهران : مكتبة الصدر ، 1368 ق . 379 . الكوكب المنير في شرح الجامع الصغير ، شمس الدين محمّد العلقمي (ت 929 ق) ، القاهرة . 380 . اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ، عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي (ت 911 ق ) ، بيروت : دار المعرفة ، 1403 ق . 381 . اللباب ، مجد الدين المبارك بن محمّد بن محمّد [ابن الأثير الشيباني الشافعي] (ت 606 ق ) ، بولاق .
.
ص: 1398
382 . لباب النقول في أسباب النزول ، عبد الرحمان بن جلال الدين السيوطي (ت 911 ق ) ، القاهرة : مطبعة مصطفى البابي الحلبي . 383 . لسان العرب ، محمّد بن مكرّم بن منظور الأفريقي المصري (ت 711 ق) ، بيروت : دار صادر ، 1410 ق ، الطبعة الأُولى . 384 . لسان الميزان ، أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 852 ق) ، تحقيق : عادل أحمد عبد الموجود _ عليّ محمّد معوض ، بيروت : دار الكتب العلمية ، 1416 ق ، الطبعة الأُولى . 385 . لطائف المعارف ، أبو منصور الثعلبي . 386 . اللوامع ، أحمد بن عبد الملك بن أبي عثمان بن محمّد بن إبراهيم الخركوشي النيشابوري الواعظ (ت 407 ق ) .
387 . اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية ، الفاضل المقداد السيوري ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1402 ق ؛ وتبريز . 388 . لؤلؤة البحرين ، سليمان بن عبد اللّه البحراني ، بيروت . 389 . اللؤلؤة المثنية في الآثار المعنعنة المروية ، محمّد بن محمّد بن أحمد الجشني الداغستاني ، مصر . 390 . المئة المختارة ، عمرو بن بحر الجاحظ بن محبوب الكناني الليثي (ت 255 ق) . 391 . مآثر الإنافة في معالم الخلافة ، أحمد بن عبد اللّه القلقشندي (ت 821 ق ) ، تحقيق : عبد الستار فراج ، بيروت : عالم الكتب . 392 . ما أُنزل من القرآن في عليّ ، محمّد بن العباس بن عليّ بن مروان [الحجّام] . 393 . مثير الأحزان ومنير سبل الأشجان ، محمّد بن جعفر الحلّي [ابن نما ](ت 645 ق ) تحقيق ونشر : مؤسّسة الإمام المهدي ، قم . 394 . مثير الغرم الساكن إلى أشرف الأماكن ، علي بن محمّد بن أحمد نور الدين ابن الصبّاغ ( 784 _ 855 ق ) ، مخطوط . 395 . المجالس السنية ، محسن الأمين العاملي ، النجف الأشرف .
.
ص: 1399
396 . مجلّة مجمع اللغة العربية ، العدد 99 سنة 24، دمشق . 397 . مجمع البيان في تفسير القرآن ، الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ق) ، بيروت : دار المعرفة ، 1419 ق ؛ و دار إحياء التراث العربي . 398 . مجمع الرجال ، محمد قاسم بن الأمير محمّد الطباطبائي الحسني الحسيني القهپائي (ت 1126 ق ) ، تحقيق : ضياء الدين الإصفهاني ، قم : مؤسسة إسماعيليان . 399 . مَجْمَع الزوائد ومنبع الفوائد ، علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 ق) ، تحقيق : عبد اللّه محمّد درويش ، بيروت : دار الفكر ، 1412 ق ، الطبعة الأُولى ؛ والقاهرة ، الطبعة الثانية بدون تاريخ . 400 . المحاسن ، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 280 ق ) ، تحقيق : مهدي الرجائي ، قم : المجمع العالمي لأهل البيت ، 1413 ق ، الطبعة الأُولى . 401 . المحاسن والأضداد ، عمرو بن بحر الجاحظ بن محبوب الكناني الليثي (ت 255 ق) ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1419 ق . 402 . محاضرات الأدباء ، الراغب الأصفهاني ، بيروت . 403 . المحتضر ، الحسن بن سيلمان الحلّي ، النجف الأشرف . 404 . المحلّى ، عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري ، دار الفكر . 405 . محيط المحيط ، بطرس البستاني ، لبنان . 406 . المختصر الأوّل للسياق (مخطوط) ، أُخذ بالواسطة . 407 . المختصر في أخبار البشر ، عماد الدين إسماعيل (أبو الفداء) (ت 732 ق) ، القاهرة : مكتبة القدسي ، 1408 ق ؛ وإدارة ترحاب السُّنة ، باكستان : المكتبة الإعدادية . 408 . المختلف والمؤتلف في أسماء رجال العرب ، عليّ بن محمّد بن العباس بن فسانجس . 409 . مدارج النبوّة ، عبد الحق الدهلوي (ت 1052 ق ) ، لكهنو . 410 . المدهش في الوقايع العجيبة ، عبد الرحمان بن عليّ بن محمّد بن عليّ البكري الحنبلي البغدادي .
.
ص: 1400
411 . مدينة العلم ، علي بن محمّد بن أحمد نور الدين ابن الصبّاغ ( 784 _ 855 ق ) ، مخطوط . 412 . مدينة المعاجز ، هاشم بن سليمان الحسيني البحراني التوبلي ، قم : مؤسسة المعارف الإسلامية . 413 . مرآة الجنّان ، عبد اللّه بن سعد اليافعي ، بيروت : دار صادر ، 1405 ق . 414 . مرآة العقول ، محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (ت 1110ق) ، بيروت : دار صادر ، 1400 ق . 415 . المراجعات ، عبدالحسين شرف الدين الموسوي العاملي ، بيروت . 416 . مروج الذهب ومعادن الجوهر ، عليّ بن الحسين المسعودي (ت 346 ق) ، تحقيق : محمّد مُحيي الدين عبد الحميد ، القاهرة : مطبعة السعادة ، 1384 ق ، الطبعة الرابعة . 417 . المرهم ، عبد اللّه بن أسعد اليافعي ، مخطوط . 418 . مسار الشيعة ، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي [المفيد ](ت 413 ق) ، بيروت . 419 . مستحسن القراءة والشواذّ ، عليّ بن محمّد بن يوسف بن مهجور الفارسي [ابن خالويه] (ت 370 ق ) ، طبعة حجرية . 420 . المستدرك على الصحيحين ، محمّد بن عبد اللّه الحاكم النيسابوري ، بيروت : دار الكتب العلمية ، 1411 ق ، الطبعة الأُولى ؛ وطبع حيدر آباد . 421 . مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، الميرزا حسين النوري ، طهران : ناصر خسرو . 422 . المستقصى ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) ، لكنهو . 423 . مسند ابن ماجة ، محمّد بن يزيد القزويني (ت 275 ق) ، تحقيق : فؤاد عبد الباقي ، بيروت : نشر دار الفكر ، 1371 ق ؛ وبيروت : دار إحياء التراث ، 1395 ق ، الطبعة الأُولى . 424 . مسند الإمام الرضا عليه السلام، المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام، قم : مؤسّسة الإمام المهدي (عجل اللّه تعالى فرجه) ، 1408 ق ، الطبعة الأُولى . 425 . مسند الإمام زيد بن عليّ زين العابدين ، جَمعه : عليّ بن سالم الصنعاني ، دار الصحابة 1412ق ؛ طهران : دار الكتب الإسلامية ، الطبعة الثانية .
.
ص: 1401
426 . مسند أحمد ، محمّد بن حنبل الشيباني (ت 241 ق) ، تحقيق : عبد اللّه محمّد الدرويش ، بيروت : دار الفكر ، 1414 ق ، الطبعة الثانية ؛ والمملكة العربية السعودية : جامعة أُم القرى ؛ ودار العلم ، 1403ق .
427 . مسند الطيالسي ، سليمان بن داود الطيالسي (ت 204 ق) ، بيروت : دار صادر ، 1402ق . 428 . مشارق الأنوار ، حسن العدوي الخمراوي . 429 . مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام، رجب البرسي ، قم : منشورات الشريف الرضي . 430 . مشكاة المصابيح ، ولي الدين الخطيب العمري . 431 . مصابيح السنّة ، البغوي الشافعي ، طبع : محمّد عليّ صبيح . 432 . مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن ، دار مكتبة الحياة . 433 . مصفى المقال في مصنفي علم الرجال ، آقا بُزرك الطهراني ، 1378 ق . 434 . المصنّف ، عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 ق) ، تحقيق : حبيب الرحمان الأعظمي ، بيروت : منشورات المجلس العلمي الأعلى ، 1392 ق . 435 . المصنّف في الأحاديث والآثار ، عبد اللّه بن محمّد بن أبي شيبة العبسي الكوفي (ت 235 ق) ، تحقيق : سعيد محمّد اللحام ، حيدر آباد _ الدكن : مطبعة العلوم الشرقية ، 1390 ق ؛ وبيروت : دار الفكر ، 1399 ق . 436 . مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ، محمّد بن طلحة الشافعي (ت 654 ق ) ، النجف الأشرف ؛ ونسخة خطّية في مكتبة السيّد المرعشي النجفي . 437 . مطلع الأنوار ، مرتضى حسين صدر الأفاضل ، باكستان . 438 . معارج العُلى في مناقب المرتضى ، محمد صدر عالم . 439 . معارج النبوّة ، ملاّ معين الكاشفي . 440 . المعارف ، أبو الصلاح الحلبي . 441 . المعارف ، عبد اللّه بن مسلم [ابن قتيبة الدينوري] (ت 276 ق) ، حققه وقدم له ثروت عكاشة ، قم : منشورات الشريف الرضي ، 1415 ق ، الطبعة الأُولى .
.
ص: 1402
442 . معالم التنزيل ، محمّد الحسين بن مسعود الفراء البغوي (ت 516 ق) ، تحقيق : خالد محمّد العك _ مروان سوار ، بيروت : دار المعرفة ، 1407 ق ، الطبعة الثانية . 443 . معالم العترة النبوية ومعارف الأئمة أهل البيت الفاطمية ، تقي الدين عبد العزيز بن محمود بن المبارك بن الأخضر الجنابذي الحنبلي (524 _ 611 ق) ، مخطوط ؛ وبيروت ، 1407 ق . 444 . معالم العلماء ، رشيد الدين محمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني (ت 588 ق ) ، بيروت . 445 . المعتمر من المخصر ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) ، بيروت ، وقم . 446 . معجم الأدباء ، ياقوت بن عبد اللّه الحموي الرومي البغدادي المغازي (ت 626 ق) ، بغداد : دار المأمون ، 1355 ق . 447 . المعجم الأوسط ، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مُطير اللخمي الشامي الطبراني (ت 360ق)، تحقيق: طارق بن عوض اللّه _ عبد الحسن بن إبراهيم الحسيني ، القاهرة : دار الحرمين ، 1415 ق . 448 . معجم البلدان ، ياقوت بن عبد اللّه الحموي الرومي (ت 626 ق ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1399ق ، الطبعة الأُولى . 449 . معجم رجال الحديث ، أبو القاسم بن عليّ أكبر الخوئي ، بيروت : دار إحياء التراث 1406 ق ؛ وقم : منشورات مدينة العلم ، 1403 ق ، الطبعه الثالثة . 450 . معجم رجال الفكر والأدب ، محمد هادي الأميني ، بيروت : دار الجبل . 451 . المعجم الصغير ، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مُطير اللخمي الشامي الطبراني (ت 360ق ) ، تحقيق : محمّد عثمان ، بيروت : دار الفكر ، 1401ق ، الطبعة الثانية . 452 . المعجم الكبير ، سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني (ت 360 ق)، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1404 ق، الطبعة الثانية. 453 . معجم المطبوعات النجفية ، النجف الأشرف : المطبعة الحيدرية .
.
ص: 1403
454 . المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ، محمّد فؤاد عبد الباقي ، بيروت : دار المعرفة ، 1408 ق . 455 . معجم المؤلفين (تراجم مصنفي الكتب العربية) ، عمر رضا كحالة ، بغداد : مكتبة المثنى ؛ وبيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1409 ق . 456 . المعجم الوسيط ، إبراهيم أنيس ومجموعة من الأساتذة ، مصر : شركة الطباعة الفنية المتحدة ، 1409ق ؛ ودار الفكر ، 1418 ق . 457 . معراج البلاغة ، مير حامد حسين النيشابوري الهندي ، حيدر آباد _ الدكن . 458 . معرفة الصحابة من المستدرك ، 459 . معرفة علوم الحديث ، محمّد بن عبد اللّه بن الحاكم النيشابوري (ت 405 ق ) ، دار الكتاب العربي ، الطبعة الأُولى . 460 . المعمّرون والوصايا ، سهل بن محمّد السجستاني (ت 250 ق ) ، تحقيق : عبد المنعم عامر ، مصر : المطبعة الميمنية ، 1356 ق . 461 . المعيار والموازنة ، محمّد بن عبد اللّه الإسكافي (ت 240 ق ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي . 462 . المغازي ، محمّد بن سعد الواقدي الزهري (ت 230 ق ) ، تحقيق : مارسون جونس ، بيروت : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ؛ ومصر : الدار العامرة . 463 . المغني ، محمّد بن عبد اللّه بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 620 ق ) ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1359 ق ؛ وطبع محمّد عليّ صبيح وأولاده ؛ وعلى مختصر أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد اللّه بن أحمد الخرقي ، مصر : مطبعة المنار ، 1342ق . 464 . المغني في أبواب التوحيد والعدل ، القاضي عبد الجبار ، بيروت : دار الثقافة والنشر ، 1402 ق . 465 . المغني في تدبير الأمراض ، سعيد بن هبة اللّه بن الحسن الطبيب ، وزارة الصحة المصرية .
466 . مفتاح النجا في مناقب آل العبا ، الميرزا محمّد البدخشي ، مخطوط . 467 . المفردات ، الراغب الإصفهاني . 468 . المفصّل ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (ت 538 ق ) .
.