الفصول المهمه في معرفه الائمه المجلد 1

اشارة

سرشناسه : ابن صباغ، علي بن محمد، 784-855ق.

عنوان و نام پديدآور : الفصول المهمه في معرفة الائمه/ علي بن محمد ابن المالكي مكي الشهير بابن صباغ؛ حققه و علق عليه جعفر الحسيني.

مشخصات نشر : قم : المجمع العالمي لاهل البيت (ع)، 1432 ق.= 2011 م.= 1390.

مشخصات ظاهري : 574 ص.

شابك : 964-529-073-1

وضعيت فهرست نويسي : فاپا(چاپ دوم)

يادداشت : عربي.

يادداشت : چاپ اول: 1385 (فيپا).

يادداشت : چاپ دوم.

يادداشت : چاپ قبلي: موسسه دارالحديث الثقافيه، 1422ق = 1380 (در دو مجلد).

يادداشت : كتابنامه: ص. [553] - 567؛ همچنين به صورت زيرنويس

موضوع : سادات (خاندان) -- نسبنامه

موضوع : ائمه اثناعشر

موضوع : امامت

شناسه افزوده : حسيني، جعفر، 1323 - ، مصحح

شناسه افزوده : مجمع جهاني اهل بيت (ع)

رده بندي كنگره : BP36/5/الف2ف6 1390

رده بندي ديويي : 297/95

شماره كتابشناسي ملي : م 85-556

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

مقدّمة الناشر

مقدّمة الناشريُعتبر عليّ بن أحمد بن عبداللّه المكي المالكي ، المشهور بابن الصبّاغ (784_855 ق) من أكابر علماء المسلمين ، وأبرز أعلام المذهب المالكي في النصف الأوّل من القرن التاسع للهجرة . وكان جامعا لعلوم وفنون شتّى خاصّة : علوم اللغة العربية ، وأُصول الفقه ، وعلوم القرآن ، والحديث ، والتاريخ . كان رحمه الله يتميّز بقدرة فائقة في التأليف والتدوين ، وقد خلّف آثارا ومؤلفاتٍ قيّمةً خاصةً في ميداني التاريخ والحديث ، وبقيت كتبه ولا زالت حتّى الآن مَعِينا ينهل منه العلماء والمحدّثون . كان متمسّكا بأهل بيت الرسول صلى الله عليه و آله ، وكان كيانه طافىً بنور محبّة أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة المعصومين عليهم السلام . وقد أفرد بعضا من مؤلّفاته لذكر مناقبهم وفضائلهم وسيرتهم . نُشير إلى جملةٍ منها : 1 . الفصول المهمة في معرفة الأئمّة عليهم السلام ، 2 . تحرير النقول في مناقب أُمِّنا حواء وفاطمة البتول عليهاالسلام ، 3 . قصائد في مدح أمير المؤمنين عليه السلام . يحظى كتاب الفصول المهمة في معرفة الأئمّة عليهم السلام بأهمّيّة خاصّة واعتبار

.

ص: 8

مضاعف؛ إذ أنّه يتّسم بجودة المضمون ورصانة الأُسلوب ودقّة الضبط والتحقيق ، إضافة إلى حسن التنظيم والتبويب ، بحيث أصبح موضع تأييد من جميع الفرق والمذاهب الإسلامية ، واتُّخِذَ كمصدرٍ موثّق في التراث الإسلامي . جاء تأليف هذا الكتاب بناءً على طلب بعض أصدقائه ، وقد رتّبه في اثني عشر بابا ، في كلّ باب ثلاثة فصول ، وخصّص كلّ فصل منها لذكر مناقب وفضائل كلّ واحد من الأئمّة الاثني عشر ، مع نبذة عن سيرته وتاريخ ولادته واستشهاده . فللّه درّه وعليه أجره . ونظرا إلى تسمية العام الهجري الشمسي يمرّ علينا باسم «عام الإمام عليّ عليه السلام » من قبل قائد الجمهورية الإسلامية _ حفظه اللّه ورعاه _ ، يسرّ مركز نشر دار الحديث أن يقدّم هذا السفر الخالد إلى أبناء الأُمّة الإسلامية ، وخاصة إلى محبّي وشيعة أمير المؤمنين عليه السلام . عسى اللّه أن يشملنا وإيّاهم بشفاعة أمير المؤمنين عليه السلام «يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَ لاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » . ولا يسعنا هنا إلاّ أن نعرب عن فائق الشكر والتقدير للأستاذ سامي الغَريريّ ، الذي بذل جهدا لا يستهان في تنقيح هذا الكتاب والتعليق عليه . وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين . مركز نشر دار الحديث

.

ص: 9

مقدّمة التحقيق

اشاره

مقدّمة المحقِّقالحمدُ للّه الّذي أضاء قلوب أوليائه بنوره فانكشف لهم به أسرار الوجود ، ورشح عليهم من بحر المعارف والعلوم وسقاهم بكأس المحبّة فانشرح به صدورهم ، فخرجوا بما منحهم من إفاضاتة من مضيق عالم الطبيعة وظلمات علائق القيود إلى عالم السعة والنور والسرور . والصلاة والسلام على نبيِّه وصفيِّه ومستودع سرِّه ، أوّل الموجودات ومصباح الهداة ، وعلى آله وأهل بيته معادن الإحسان والجود ، ولاسيّما ابن عمِّه ووصيِّه أمير المؤمنين عليه السلام ، الّذي جعله اللّه تعالى بمنزلة نفس النبيّ صلى الله عليه و آله ، صلاةً دائمةً باقيةً ماظهرت أسرار الوجود عن خبايا العدم ، متلاحقةً متتاليةً لا تكتمل بالعمم . أمّا بعد ، فإنّ أحقَّ الفضائل وأولاها وأزهر العقائل وأسناها هو العلم الّذي يتضاءل عنده رأسُ كلِّ عزٍّ وفخر ، ويتطأطأ عند عظمته تليع عنق الدهر ، ويضمحلّ في حذائه كلُّ نورٍ وينكسف ، وينمحي في إزائه كلُّ ضياءٍ وينخسف ، فلا مجد إلاّ وهو ذروته وسنامه ، ولا شرف إلاّ وهو يمينه وحسامه ، ولا المسك الأذفر والعنبر الأشهب بأطيب منه وأذكى ، بيد أنّ له أفانين وفنون ، وعساليج (1) وغصون ، وإنّ من

.


1- .عساليج : ما لان من قضبان الشجر .

ص: 10

أجلّ العلوم شأنا وأعلاها مكانا وأرجحها ميزانا وأكملها تبيانا علم الحديث . فله مِن بينها الرتبة الأعلى ، والمنزلة القصوى ، وكفى له علوّا وامتيازا ، وسموّا واعتزازا ، أ نّه يرى منازل كانت مهبط جبرئيل ، ويعرّف وجوها نطق في ثنائهم الكتاب الجميل ، ويوصل إلى مربعٍ محفوف بالتقديس والتهليل ، وينظم في عقدٍ منظومٍ مِن جواهر معادن الوحي والتنزيل ، ويشدّ بحبلٍ ممدودٍ يصل إلى اللّه الجليل . ولمّا كان كمال الإيمان بمعرفة أئمّة الأزمان بمنطوق شريف القرآن وجب صرف الهمّة في كلِّ أوان ، لوجوب الاستمرار على الإيمان في كلِّ آن . ولهذا اهتمّ بشأنه العلماء ، وأتعبوا أبدانهم ، وأسهروا أجفانهم ، وتجرّعوا لنيله غُصص النوى ، وباتوا وفي أحشائهم تتّقد نار الجوى ، وخاضوا لأجله لجج الدماء ، وجزعوا المنفق البيداء ، حتّى فازوا بالمراد ، وأصبحوا زعماء البلاد ، ومناهج الرشاد ، وهداة العباد . وقد صنّف علماؤنا رضوان اللّه عليهم في ذلك كتبا مقرّرة ، وألَّف فضلاؤنا في الردِّ على مخالفيهم أقوالاً محرَّرة ، وأجالوا في الحقائق والدقائق خواطرهم ، وأحالوا عن العلائق والعوائق نواظرهم ، ونصبوا في ذلك رايات المعقول والمسموع ، وأوضحوا آيات المستنبط المطبوع ، غير حائدين (1) عن رواية الصدق المبين ، وغير مائلين عن رعاية الحقّ اليقين ، فيستضيء المتعرّف بأنوار مصنّفاتهم ، ويرتدي المتحرّف بأسرار بيِّناتهم . وكيف لا تصرف العناية إلى قومٍ هم الأحبار الأشمّ والأبحار الخضمّ ، أحد السببين اللّذين من اعتلق بهما فاز قداحه ، وثاني الثقلين اللّذين من تعلَّق بهما اسفرّ من جميل السُّرى (2) صباحه ، ولايتُهم نجاةٌ في الاُولى والعقبى ، ومودَّتهم واجبةٌ «قُل

.


1- .حاد عنه _ من باب نصر _ : مال وأعرض .
2- .السير بالليل .

ص: 11

لاَّ أَسْ_ئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى » (1) ، فما من شرفٍ تمتدّ إليه الأبصار ، ولا من طرفٍ يرتفع لديه اقتباس الأقدار ولا باب تعظم فيه الأخطار ولا لبابٍ تقحم به الآثار إلاّ وقد جازته قادات الأطهار وحازته سادات الأبرار ، مع سعي المعاندين في إطفاء نورهم «وَيَأْبَى اللَّهُ إِلآَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ » (2) ، وبغي الجاحدين في تطريدهم وتشتيت قبورهم ، ويُريد اللّه أن يظهر حجّته ومزبوره ، فهل قُدّم عليهم إلاّ من سمل (3) عين الإيمان ؟ وهل تقدّمهم إلاّ من شمل قلبه الطغيان ، وقد ضاءت مدائحهم ومنائحهم في كتاب ربِّ العالمين ، وجاءت لأعدائهم قبائحهم وفضائحهم ظاهرة للناظرين . في طوايا التاريخ على امتداده يجد الباحث والمتتبّع رجالاً وعباقرةً غيَّروا مسير التاريخ بعلمهم وفنِّهم ، واقتادوا الشعوب إلى شواطئ المجد والخلود ، وجداول الحقّ والواقع ، وأوقفوهم على المهيع القويم والصراط المستقيم . نستوقف على نفر من «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَ__لَ_تِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَ لاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَ كَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا » (4) ، ويدفعون الاُمّة إلى قمّة الإنسانية والتكامل ، وفي أيديهم قبسٌ من تلك الحرائق الّتي يشعلها الأنبياء أضواء هداية على الطرق ، وزيتها من دمهم الّذي يتوهّج زيتا ، لا أكرم في الزيوت ولا أضوأ في الإنارة ، ويقودون الأشرعة التائهة في اليمّ ، والقافلة الضالة الحائرة في البيداء ، إلى موانئ السلامة وسواء السبيل والهداية . يجد الباحث ببطن التاريخ صِوَر الّذين كانوا على امتداد التاريخ في الشموخ مشاعل وهّاجة ، ومنارات شاهقة ، حادوا قافلة الجهاد الفكري في ظروف قاسية في الأسار ، وقبضة الإرهاب والبطش الّتي كانت تلاحق كلّ من همس بإيمانه ،

.


1- .الشورى : 23 .
2- .التوبة : 32 .
3- .سمل عينه _ من باب نصر _ : قلعها .
4- .الأحزاب : 39 .

ص: 12

ناهيك عن الهتاف بعقيدته ، وإعلانها على رؤوس الأشهاد . في ظروف حالكة وعهود قائمة والسلطة الحاكمة فيها قيد في الأيدي ، وعلى الأفواه والسجون والمنافي جعلت بيوتا ومأوى للفقهاء والعلماء والشعراء ، برغم هذا التعسّف كلّه يعمل نفر منهم جاهدا لإبادة الجهل والكفر والباطل ، وإزاحة الكابوس اللاعقائدي الّذي يهدف بمساندة أذنابه وعملائه إغراء الشعب ، ودفعه إلى أحضان الجهل والفساد ، وتفريق صفوفه وتمزيق شمله ، وفساد نظام مجتمعه ، وفصم عرى الاُخوّة الإسلامية ، وإثارة الأحقاد الخامدة ، وحشّ نيران الضغائن في نفوس الشعب الإسلامي ، ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بين فرق المسلمين «يَ_أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى الصُّدُورِ » (1) . أجل ، لم تثن السجون والشهادة والتشريد وضرب السياط وإلصاق التهم عزائم قادة الدين الصحيح ، ولم تردعهم عن رسالتهم الصادقة ، وإنّما شقّوا عباب تلكم الظروف القاسية بالصبر والمثابرة والجهاد والمقاومة والبذل والمفاداة ، وحملوا راية المقاومة على جبهة الفكر الكريمة ، وحملوها عالية ، وإن سقطت واستشهدت دونها العشرات الفطاحل ، وهم بين فقيهٍ ومجتهد ، وعالمٍ ومؤلّف ، وأديبٍ وشاعر ، فبلَّغوا وأدُّوا رسالتهم ، وحكوا كلَّ شيءٍ لمن ألقى السمع وهو شهيد . لقد استحوذ الحقُّ ، وتغلّب الواقع على هؤلاء العباقرة منذ نعومة أظفارهم ، وحلّت الهداية الإلهية في قلوبهم ، فرأوا أزهار الجهل والفساد الّتي كانت تنبت بكلِّ مكان تتحوَّل إلى أظافر وأنياب في لحومهم ، وفي جسم الشريعة الإسلامية ، فثاروا في سبيل الحقّ ، ونهضوا في الذبِّ عن الحقيقة . والواقع أنّ الشعوب مدينة لهؤلاء المجاهدين المبدعين والأعلام النابهين ، الّذين كانوا في كلِّ دورٍ وعهدٍ مصدر المعرفة الإنسانية في آفاقها الّتي لا تحدّ «إِنَّ الَّذِينَ

.


1- .يونس : 57 .

ص: 13

قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَ_مُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَ لاَ تَحْزَنُواْ وَ أَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ » (1) . يمكن القول هذا بصراحة : إنّ ابن الصبّاغ المالكي يعتبر في الطليعة من المجاهدين الّذين حفظوا التراث الإسلامي والسنّة النبوية ، وخالطت آثاره حياة الاُمَّة ، وكانت كالنقش على حجر وظلّت في أعماق روحها كما يتذكّر الإنسان حبّه الطفلي الأوّل ، كان اسمه وأثره دائما في قلوبنا رمزا لهذا النوع المتميِّز من البشر ، الّذين استطاعوا أن يجسِّدوا في كلامٍ موجز وبحثٍ قليل ، أجمل وأنبل ما يمكن أن تجود به النفس الإنسانية من مشاعر في حبّ الحقّ والدفاع عنه والدعوة إليه . هذا بالإضافة إلى حيوية اُسلوبه وبيانه الّذي لا يزال رطبا غضّا ، كأ نّه لم يكتبه منذ قرون بل كأ نّه كتبه في هذه الأيّام والساعات ، لأ نّه لا يزال قرعه للأسماع شديدا ، ووقعه في النفوس بليغا ، مع أ نّه مضى عليه قرون ، سلفت فيها اُممٌ ، وتعاقبت شعوبٌ ودول ، وتغيَّرت ظروفٌ وأحوال ، ولكن اُسلوبه الرصين الخالد الّذي استعمله لخدمة دينه واُمّته وبني قومه لم يتبدّل ولم يتغيّر ، لأ نّه استمدّه من روحه وقلبه ، ومن فكره وإخلاصه ، وعقله المستخمر بحبِّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة الهداة من ولده عليهم السلام . حقّا أنّ نور الدين في اُسلوبه وبيانه الممتنع الجزل المفيد الوجيز لَيعكس في أذهاننا جميع عباراته ، بيراعه الخالد الّذي لا يُنسى وقعه ولا يُمحى أثره . ولنعم ما قيل : إنْ كنتَ من شيعة الهادي أبي حسن حقّا فأعدد لريب الدهر تجنافا إنّ البلاءَ نصيبُ كلّ شيعته فاصبر ولا تكُ عند الهمّ منصافا وهذا المعنى مأخوذٌ من قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : مَن أحبَّنا أهل البيت

.


1- .فصّلت : 30 .

ص: 14

فليستعدّ عدّةً للبلاء (1) وفي رواية : فليستعدّ للفقر جلبابا (2) . وقد ثبت أنَّ النبيَّ صلى الله عليه و آله قال لعليٍّ عليه السلام : لا يُحبّك إلاّ مؤمنٌ ولا يُبغضك إلاّ منافق (3) ، وثبت أيضا أ نّه صلى الله عليه و آله قال : إنّ البلوى أسرع إلى المؤمن من الماء إلى الحدود (4) . ولم يكن المترجَم له إنسانا مغمورا حتّى يحتاج إلى التعريف والإشادة بمآثره ، بل هو طودٌ شامخ وعلمٌ معروف ، انتشرت آثاره العلمية في المكتبات الإسلامية ، وعُرفت مآثره الدينية في الأوساط العلمية . إنّه حيٌّ تتجدّد ذكراه على مرِّ العصور والدهور . نعم ، سيبقى حيَّ الذكر اُولئك الّذين أدركوا مغزى خلقتهم للحياة لا للفناء ، واتّجهوا بكنه وجودهم إلى الحيِّ القيُّوم ، واستضاؤوا في مسيرتهم العلمية بأنوار الأنبياء ، وجعلوا سيرة أولياء الحقّ دستورهم المتّبع ، هؤلاء سيبقى ذكرهم حيّا خالدا ، ولا يجد الفناء إليهم سبيلاً . وليس المترجَم له ممّن يتباهى به أهل مذهبه فقط ، بل يتباهى به المسلمون كافّة ، لما أحسّوا فيه من الشخصية المسهمة في إعلاء كلمة اللّه تعالى ، وبذل الجهد لنشر الاُسس الإسلامية المتينة ، كما تشهد بذلك كتبه القيّمة ، فجزاه اللّه عن الإسلام خير جزاء المحسنين . وبما أ نّه قد تُرجمت شخصية المؤلِّف في معظم كتبه ومؤلّفاته _ الّتي رأت النور حديثا _ ترجمةً وافيةً وغزيرة وفي معظم كتب العلماء الأعلام ارتأينا أن نتناول نبذةً وجيزةً عن حياته الشريفة .

.


1- .بحار الأنوار : 34 / 336 .
2- .نهج البلاغة (صبحي الصالح) : الحكمة 112 .
3- .الغدير : 3 / 183 .
4- .شرح النهج لابن أبي الحديد : 4 / 289 .

ص: 15

ترجمة المؤلّف

ترجمة المؤلّفكلُّ مَن ذكره مِن أرباب معاجم التراجم أثنى عليه ثناءً جميلاً ، ووصفه بالفضل والفقه والحديث والأدب ، وأ نّه من الأكابر . فقد ترجم له تلميذه شمس الدين محمّد بن عبدالرحمن السخاوي في كتابه «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» وعدَّد شيوخه ، وأشار إلى مؤلّفاته ، قائلاً : عليُّ بن محمّد بن أحمد بن عبداللّه نور الدين الأسفاقسي الغزّيّ الأصل المكّيّ المالكي ، ويُعرف ب «ابن الصبّاغ» . ولد في العشر الأوّل من ذي الحجَّة سنة أربع وثمانين وسبعمائة بمكّة ونشأ بها ، فحفظ القرآن ، والرسالة في الفقه ، وألفية ابن مالك ، وعرضهما على : الشريف عبدالرحمن الفاسي ، وعبدالوهّاب بن العفيف اليافعي ، والجمال بن ظهيرة ، وقريبه أبي السعود ، وسعد النووي ، وعليّ بن محمّد بن أبي بكر الشيبي ، ومحمّد بن سليمان بن أبي بكر البكري . وأجازوا له ، وأخذ الفقه عن أوّلهم ، والنحو عن الجَلال عبد الواحد المرشدي ، وسمع على الزين المراغي سداسيات الرازي ، وكتب الخطّ الحسن ، وباشر الشهادة مع إسراف على نفسه ، لكنّه كان ساكنا ، مع القول بأ نه تاب . وله مؤلّفات ، منها : الفصول المهمّة لمعرفة الأئمّة _ وهما اثنا عشر _ ، والعِبر فيمن شفّه النظر ، وتحرير النقول في مناقب اُمِّنا حوّاء وفاطمة البتول (1) أجاز لي . ومات في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وثمانمائه ، ودُفن بالمعلاّة سامحه اللّه وإيّانا (2) . وترجم له الزركلي في «الأعلام» بقوله : ابن الصبّاغ ( 784 _ 855 ه ) ( 1383 _ 1451 م ) عليّ بن محمّد بن أحمد نور الدين ابن الصبّاغ ، فقيه مالكي ،

.


1- .نسخة منه في دار الكتب الوطنية في باريس رقم (1927) .
2- .الضوء اللامع لأهل القرن التاسع : 5 / 283 طبع مصر .

ص: 16

ممّن اشتهر بابن الصبّاغ

من أهل مكّة مولدا ووفاةً ، أصله من سفاقس ، له كتب منها : الفصول المهمَّة لمعرفة الأئمّة مطبوع ، والعِبر فيمن شفّه النظر ، قال السخاوي : أجاز لي (1) . وترجم له ابن زبارة في «نشر العرف» ترجمةً مطوَّلة ، وقال فيها : هو من بيت علم شهير بصعدة ، مؤلّفاته تزيد على الخمسين . ثمّ عدَّد مؤلّفاته ، وذكر له هذا الكتاب ، وكتابه «العقود اللؤلؤية واللآلئ الثمينة في فضائل العترة الأمينة» (2) . وترجم له مولانا محمّد إعجاز حسن ابن مولانا محمّد جعفر حسن الباكستاني المتوفّى سنة ( 1350 ه ) ، صاحب المصنّفات الكثيرة ، إلى اللغة الاُردية (3) . وترجم له إسماعيل باشا في «هديَّة العارفين» وعدَّد تصانيفه الكثيرة ، وذكر منها ما ذكرناه (4) . وترجم له جشي في «مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن» وذكر له «قصائد في مدح أمير المؤمنين عليه السلام » وأنّ مخطوطتها في المكتبة الغربية في الجامع الكبير بصنعاء رقم ( 8 ) مجاميع (5) .

ممّن اشتهر بابن الصبّاغ :وقد يُطلق ابن الصبّاغ أيضا على أبي نصر عبد السيّد بن محمّد بن عبدالواحد ، الفقيه الشافعي ، المدرِّس بالمدرسة النظامية ببغداد ، وكان ثقةً حجّةً صالحا ، توفّي ببغداد سنة ( 477 ه ) (6) .

.


1- .أعلام الزركلي : 5 / 8 .
2- .نشر العرف : 2 / 412 _ 427 .
3- .ذكرها له السيّد مرتضى حسين صدر الأفاضل في ترجمته من «مطلع الأنوار» : 483 ، والسيّد حسين عارف نقوي في ترجمته في كتاب «تذكره علماي إمامية باكستان» : 288 .
4- .هدية العارفين : 2 / 236 _ 237 .
5- .مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن : 295 و 438 .
6- .الكنى والألقاب : 324 .

ص: 17

مكانته العلمية

وممَّن اشتهر بهذه الكنية أيضا عليّ بن عبد الحميد بن إسماعيل الزاهد العارف الكبير أبو الحسن ، توفّي بقنا من صعيد مصر سنة ( 612 ه ) ، ودُفن برباطه ، لقي المشايخ والصالحين ، وانتفع به جماعة ، وعنه أخذ مشايخ إقليم الصعيد قرأ القرآن على الفقيه ناشي ، وسمع من الشيخ أبي عبداللّه محمّد بن عمر القرطبي ، كذا ذكره الصفدي (1) . أمّا ما ذكره العلاّمة الخونساري في «روضاته» (2) بأنّ اسم ابن الصبّاغ _ المترجم له _ هو صالح بن عبداللّه بن جعفر الأسدي الكوفي ، ولقبه مُحي الدّين ، كما ذكره المحدِّث النيسابوري ؛ فهو مجرّدٌ من كلِّ دليلٍ مقبول ، وخلاف ما جاء في ترجمته في كتب الرجال المعتبرة عند الفريقين ، لاسيّما كتب المالكية . وله ترجمه في «هديه العارفين» (3) لإسماعيل باشا و«معجم المؤلّفين» (4) لعمر رضا كحّالة ، وكلُّ مَنْ ترجم له ذكر له كتابه «الفصول المهمَّة» .

مكانته العلمية :لا أحسب في خلال عمر ابن الصبّاغ المالكي توجد لحظة أو فترة ذهبت سدى ، أو راحت ولم يترك فيها أثرا فكريّا أو خطوة علمية ، لذلك لو عدّدنا أوراق تآليفه وتتبّعنا صفحات مصنّفاته وجدناها تربو بكثير على أيّام عمره وساعاته الحافلة بالجهاد العلمي الّذي ترتسم على كلِّ اُفقٍ من آفاق هذا العالم الإسلامي . فكان من الرجال المعدودين الّذين امتازوا في التاريخ الإسلامي بمواهب وعبقريات دفعتهم

.


1- .راجع ترجمته في : جامع كرامات الأولياء : 2 / 162 ، والنجوم الزاهرة : 6 / 215 ، والطالع السعيد : 383 ، ودول الإسلام : 2 / 87 ، وشذرات الذهب : 5 / 52 ، ومرآة الجنّات : 4 / 24 ، والعبر : 5 / 42 ، وحسن المحاضرة : 1 / 237 .
2- .روضات الجنّات : 5 / 259 .
3- .هدية العارفين : 1 / 732 .
4- .معجم المؤلّفين : 7 / 187 .

ص: 18

إلى الأوج الأعلى والقمّة الشاهقة من آفاقهم ، فإذا أسماؤهم ومآثرهم كالشهب الوهّاجة تتلألأ في كبد السماء مادامت الحياة . وقليل الّذين ترتسم أسماؤهم في كلِّ اُفق من تلكمُ الآفاق ، وتستنير مآثرهم مدى الحياة ، إلاّ اُولئك الأفذاذ الّذين ارتفعت بهم الطبيعة ، فكان لهم من نبوغهم النادر وشأنهم العظيم ما يجعلهم أفذاذا في دنيا الفكر الإسلامي كلّها ، ومنهم الشيخ المؤلّف ، فقد شاءت المنحة الإلهية والإرادة الربّانية أنْ تبارك عمله ويراعه وبيانه ، فتخرج منهم للأجيال والشعوب نتاجا فكريا من أفضل النتاج ، وغذاءً معنويا تتغلّب به على التيّارات السامّة الوافدة عليها من خارج الوطن الإسلامي ، وما تحيكه أذناب الجهل والعمالة داخل الوطن من انحراف مسير المسلمين واتجاهاتهم البنّاءة الهادفة إلى توحيد الكلمة وكلمة التوحيد . وقد لا أكون مبالغا ولا متعصّبا ولامنحازا حين اُطلق العنان للقلم فيسجّل : أنّ ابن الصبّاغ يتقدّم بما أنتجه وكتبه وصنّفه إلى الطليعة من علماء المالكية ورجالاتها الّذين كرّسوا حياتهم طول أعمارهم لخدمة الحقّ والواقع ، وبهذا استحقّ أن يتصدّر مجلس المالكية في العالم الإسلامي الحاضر ، وحتّى في عصوره المقبلة . لقد منح _ المترجَم له _ لكلِّ لحظة من لحظات حياته حسابا خاصّا ، ومسؤوليةً هامّة يتساءل عنها ويحاسب عليها ، فبنى حياته على قول الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام حيث يقول : «والفرصة تمرُّ مرَّ السحاب ، فانتهزوا فرص الخير» (1) . ومنه أخذ ابن المقفّع عبداللّه ، فقال : انتهز الفرصة في إحراز المآثر ، واغتنم الإمكان باصطناع الخير ، ولا تنتظر مايعامل فتجازى عنه مثله ، فإنّك إن عوملت بمكروهٍ واشتغلت ترصد أوان المكافأة عنه قصر العمر بك عن اكتساب فائدة وافتناء منقبة ، وتصرّمت أيّامك بين تعدٍّ عليك وانتظارٍ للظفر بإدراك الثأر من

.


1- .نهج البلاغة (صبحي الصالح) : الحكمة 21 .

ص: 19

خصمك ، ولاعيشة في الحياة أكثر من ذلك (1) . كان الشيخ _ المترجَم له _ من أكابر المحقّقين الأعلام وأعاظم علماء الإسلام ، كشّافا لمعضلات الدقائق بذهنه الثاقب ، وفتّاحا لمقفلات الحقائق بفهمه الثاقب ، حسن التقرير والإنشاء ، جيِّد التحرير والإملاء ، جميل الأخلاق والشيم ، حميد الآداب والحكم ، في عليا درجةٍ من الزهد والورع والتقوى والدين ، وسميا مرتبةٍ من مراتب الفقهاء والمجتهدين ، رفيع القدر بين طبقات أهل الفضل ، مرموق المكانة في عيون كبار أصحابه ، محترم الجانب من قبل أعاظم سائر المذاهب الإسلامية ، وينوَّه عنه في مجالسهم ومحافلهم بكلِّ إجلال ، ويلقّب بألقاب التفخيم : كالعلاَّمة ، والإمام ، والشيخ ، والبحر ، إلى غير ذلك من ألفاظ الإعجاب والتقدير الّتي تنمّ عن علوّ منزلته العلمية ، كما صرَّحت بذلك كتب الأوائل والأواخر ، وجميع هؤلاء الأفاضل الأماثل اتّفقوا بأنّ ابن الصبّاغ كان من أكابر علماء السنّة ، وأعاظم محدِّثيهم الأعلام (2) . فهذه نسبته ونسبه ، وفضله وحسبه ، وعلمه وأدبه ، فالأحسن والأحقّ والأولى أن اُقرّرها لك بهذا التقرير : لم يكتحل حدقة الزمان له بمثلٍ ولا نظير ، ولما تصل أجنحة الإمكان إلى ساحة بيان فضله الغزير ، كيف ولم يدانه في الفضائل سابق عليه ولا لاحق ، ولم يثنّ إلى زماننا هذا ثناءه الفاخر الفائق ، وإن كان قد ثنّى ما أثنى على غيره من كلِّ لقبٍ جميلٍ رائق ، وعلمٍ جليلٍ لائق . إذن فالأولى لنا التجاوز عن مراحل نعت كماله ، والاعتراف بالعجز عن التعرّض لتوصيف أمثاله ، ويخطر ببالي أن لا أصفه ، إذْ لا تسع مقدّمتي هذه علومه وفضائله وتصانيفه ومحامده ، وله أكثر من خمسين كتابا .

.


1- .شرح النهج لابن أبي الحديد : 4 / 252 .
2- .راجع : جواهر العقدين للسمهودي الشافعي ، ونزهة المجالس للصفوري الشافعي ، وكشف الظنون لملاّ كاتب چلبي ، وإسعاف الراغبين للصبّان ، وذخيرة المآل للعجيلي الشافعي .

ص: 20

شيوخه

شيوخه :نشأ وترعرع في مكّة المكرّمة ، حيث بانت على محيّاه طلائع الفطنة والذكاء ، وصفاء الذهن والقريحة منذ نعومة أظفاره ، فقد كان رحمه الله عالي الهمّة ، مجِدّا مثابرا على مواصلة الدرس والتحصيل ، فأصبح مضرب المثل لعصره في إحراز فضيلتي الذكاء والجدِّ في مواصلة الدراسة ، حتّى اُشير إليه بالبنان من بين اُولي الفضل والعلم بالتفوّق والتقدُّم . حفظ القرآن الكريم ، والرسالة في الفقه ، وألفية ابن مالك ، ودرس العلوم العربية ، واُصول الفقه والحديث ، وسداسيات الرازي ، وعلم الخطّ ، وغير ذلك من العلوم والفنون الإسلامية . وبعد انتهائه من المقدّمات التمهيدية حضر على علماء عصره ، أمثال : 1 _ العلاّمة الشريف عبد الرحمن الفاسي . 2 _ الفاضل عبد الوهَّاب بن العفيف اليافعي . 3 _ جمال الدين بن ظهيرة ، الراوي عن شمس الدين محمّد بن عبد الرحمن عليّ بن أبي الحسن الزمرّدي المعروف بابن الصائغ ، المتوفّى مسموما سنة ( 776 ه ) . 4 _ العلاّمة أبي السعود . 5 _ العلاّمة سعد النووي . 6 _ العلاّمة عليّ بن محمّد بن أبي بكر الشيبي 7 _ العلاّمة محمّد بن سليمان بن أبي بكر البكري . 8 _ العلاّمة الجَلال عبد الواحد المرشدي . 9 _ العلاّمة الزين المراغي .

.

ص: 21

تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه

آثاره العلمية

وجماعة غيرهم ، حتّى حاز مرتبة الاجتهاد ، وبشهادة علماء عصره . لم يقف _ ابن الصبّاغ _ عند علمي الفقه والاُصول كما هو متعارف عند طلبة العلوم الدينية ، بل تجاوزهما بعد أن حصل على بغيته المنشودة منهما إلى بقيّة المجالات العلمية والأدبية من : الحكمة ، والكلام ، والأدب ، والتاريخ ، والنقد ، والعقيدة ، وغير ذلك من العلوم .

تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه :لابن الصبّاغ المالكي تلامذة نبلاء كثيرون ، فمن جملة مَن تشرّف بخدمته وأخذ من بركات أنفاسه : 1 _ العلاّمة الرجالي والأديب الضليع شمس الدين محمّد بن عبدالرحمن السخاوي (1) صاحب «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» والمجاز منه . 2 _ وجملة من فضلاء المالكية ، وردت أسماؤهم في كتاب «نيل الابتهاج بتطريز الديباج» فمن شاء الوقوف على تفصيل تراجمهم فعليه بمراجعة الكتاب المذكور لمؤلّفه سِيديِ أحمد بابا التنكتبي . وكثيرون من أمثالهم ، وهم بين عالمٍ كبير ، وحكيمٍ فاضل ، وفقيه ، ومجتهد ، ومؤلّف ، وأديب ، وشاعر ، ومحدِّث ، ورجالي ، لهم شهرة كسائر المشاهير .

آثاره العلمية :أمّا مؤلّفات المترجَم له فنجدها رفيعةٌ عميقة ، أنيقةٌ رقيقة ، عذبةٌ سامية ، تجمع بين سموّ الفكر وترف اللفظ والاُسلوب ، وهو ما ذكرته عنه في صدر مقدّمتي هذه من كونه حريصا على المزاوجة بين علمه وفنّه ، وفضله وإبداعه ، فإذا ما قرأتَ بحثا

.


1- .السخاوي : نسبته إلى سخا _ بالفتح _ اتّفاقا من الناس على خلاف القياس ، فإنّ القياس في النسبة إلى «سخا» سخوي، وهي بلدة بالغربية من أعمال مصر، وفي «القاموس»: أ نّها كورة بمصر .

ص: 22

علميّا بحتا مهما كان موضوعه خلت أ نّك تقرأ بحثا أدبيا جامعا ، لقوّة اُسلوبه ومتانته ونصاعته ، يعجبك بيانه المستجمع لكلّ العناصر الأدبية ، مع لطف مواقعه من القلوب ، وسرعة تأثيره في النفوس . وبعد اجتياز هذه المرحلة فمؤلّفاته كثيرةٌ أيضا من حيث الكمّية ، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلُّ على ملكةٍ خصبةٍ أصيلة ، ومناعةٍ حيّةٍ قويمة ، تثبت لمترجمنا عمالقة علمٍ ، وبطولة فكرٍ وجهابذة أدب . والّذي يبدو من كتب التاريخ والتراجم أنّ الشيخ نور الدين كانت له كتبٌ معروفةٌ في الأوساط ، مشتهرةٌ عند العلماء ، منتشرةٌ بين الناس ، فتراهم يعرّفونه بها لاشتهارها وتداولها . ولانغالي بشيءٍ إذا قلنا بأنّ للعديد من علماء الإسلام باعا كبيرا ويدا طولى في البحث والتأليف والتجديد والإبداع ، متخطّين الحدود التقليدية الّتي بقي البعض يدور في خللها ويقتات من فتاتها ، فيبتدئ وينتهي حيث ما ابتدأ منه . وإذا حفظتْ لنا صفحات التاريخ أسماء العديد من اُولئك الأعلام البارعين والعباقرة المبدعين فإنّ من حقِّ ذلك التاريخ أن يُزيّن صفحاته تلك بذكر سيرة ومؤلّفات عالمٍ فذٍّ شهد القرن التاسع إبداعاته ونتاجاته المتعدّدة المشارب والأشكال . نعم ، لقد أبدع يراع العلاّمة ابن الصبّاغ رحمه الله في إغناء المكتبة الإسلامية بالجمِّ الكثير من المؤلّفات القيّمة والبحوث الرائعة في شتّى العلوم والمعارف الإسلامية المختلفة ، بشكلٍ قلّ نظيره وتضاءل مثاله . وساُحاول من خلال هذه الأسطر استعراض ما أمكنني حصره من مؤلّفاته تلك ، بأبوابها وعلومها المختلفة ، المطبوعة منها والمخطوطة ، دون اسهاب أو تفصيل . 1 _ الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة : وهو هذا الكتاب الّذي بين يديك أ يّها

.

ص: 23

القارئ الكريم ، وهو كتابٌ جليلٌ قيّم يحتوي على ( 304 ) صفحة من القطع الوزيري ، ويشتمل على غرر مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأولاده المعصومين عليهم السلام ، بأسانيد جياد ، أكثر رواته من الصحابة وأعلام المحدِّثين ، وكان كتابا مشهورا متداولاً يُقرأ على الملأ في مكّة المكرّمة ، ويزدحم الناس لسماعه ، وثّقه الأجلاّء من علماء المذاهب الإسلامية ، وأطروه ، فهو ثقة ، ثبت ، صحيح النقل ، غير منسوب إلى هوى ولا أدغال ، وهو من رجال أصحاب الحديث . 2 _ العِبر فيمن شفّه النظر : الّذي لم يُصنَّف مثله في بابه ، وكفى به شاهداغزارة علمه وتضلُّعه في علوم الشريعة أجمع ، واعتمده أهل الفضل والعلم ، وعدُّوه من الفرائد ، وكيف لا يكون كذلك ومؤلّفه من فرسان الحديث ؟ ! فهما يقظا متقنا ، كثير الحديث جدّا ، ومَن نظر في مؤلفاته عرف محلّه من الحفظ . 3 _ تحرير النقول في مناقب اُمِّنا حوّاء وفاطمة البتول : وهو أكبر من أن تدلَّ عليه وعلى فضله وعلمه وسيره ، وأشهر بالكثرة والثقة من أن يوصف حديثه . توجد نسخته في دار الكتب الوطنية في باريس تحت رقم ( 1927 ) . ولم نوفّق للاطّلاع على الثاني والثالث منها دونك بقيه كتبه الّتي جاوزت الخمسين. 4 _ قصائد في مدح أمير المؤمنين عليه السلام : على الرغم من مناعة المؤلِّف رحمه اللهفي البيان وحيويّته في البحث والتتبّع وإحاطته الكاملة بالسنّة النبويّة ومعاجم السير والحديث والتاريخ والرجال فقد كان في بعض الأحايين يخوض عباب الشعر ، ويتغلّب على أمواجه ، كأ نّه ابن الشعر ونسيجه وصنيعه ، ولا عجب لأنّ في طبع الإنسان _ كما قيل _ نزوعا إلى الترنّم محاكاةً للطيور في أوكارها ، فهو إن قطع مسافةً أو جهد في عملٍ نزع إلى التشاغل من متاعب جسده بشغل فمه ، والترنّم يستدعي كلاما تسبح به العواطف ، وتستلذّه الاُذن ، فوجد الشعر بهذه الدواعي . وتوجد مخطوطتها في المكتبة الغربية في الجامع الكبير بصنعاء تحت رقم ( 8 ) مجاميع .

.

ص: 24

شهرة الكتاب

شهرة الكتاب :تظهر أهمّية الكتاب ومنزلته الرفيعة إذا علمنا أنّ أعلام الفريقين الباحثين في مناقب وفضائل أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام قد اعتمدوه وأوردوا مقاطع كبيرةً ومهمّةً منه ، تارةً بالنصّ ، واُخرى بإيجاز واختصار ، فاهتمام هؤلاء الأعلام بإيراد مقاطع مهمَّة أو اقتباسهم منه في مصنّفاتهم دليلٌ على إخباتهم بتقدُّم العلاّمة ابن الصبّاغ المالكي ، وسبقه في هذا الميدان . وفيما يلي ثبتٌ بأسماء الرواة الثقات الّذين اعتمدوا هذا الكتاب في مؤلّفاتهم باعتباره من أهمّ المصادر العلمية : 1 _ الشيخ شمس الدين محمّد بن عبد الرحمن السخاوي تلميذ المؤلِّف ، صاحب كتاب «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» . 2 _ سِيدي أحمد بابا التنكتبي ، صاحب كتاب «نيل الابتهاج بتطريز الديباج» . 3 _ الشيخ العلاّمة عليّ بن عبداللّه السمهودي الشافعي ، صاحب كتاب «جواهر العقدين» . 4 _ الشيخ الفاضل العلاّمة عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري الشافعي ، صاحب كتاب «نزهة المجالس ومنتخب النفائس» . 5 _ الملاّ كاتب چلبي ، صاحب كتاب «كشف الظنون» . 6 _ الشيخ الفاضل العلاّمة محمّد بن عليّ الصبّان ، صاحب كتاب «إسعاف الراغبين» . 7 _ الشيخ الكامل الفهّامة نور الدين عليّ بن إبراهيم الحلبي الشافعي ، صاحب كتاب «إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون» . 8 _ الشيخ الفاضل العلاّمة أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي ، صاحب كتاب «ذخيرة المآل» .

.

ص: 25

مصادر الكتاب

9 _ العلاّمة الجليل السيّد مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي الشافعي ، صاحب كتاب «نور الأبصار» . 10 _ العلاّمة الشيخ نجم الدين عمر بن فهد المكّي ، صاحب كتاب «اتحاد الورى بأخبار اُمِّ القرى» . 11 _ العالم الجليل الشيخ عبداللّه بن محمّد المطيّري ، صاحب كتاب «الرياض الزاهرة في فضائل آل بيت النبيِّ وعترته الطاهرة» . 12 _ العلاّمة المفضال الشيخاني القادري ، صاحب كتاب «الصراط السويّ في مناقب آل النبيّ» . 13 _ العلاّمة الفاضل إكرام الدين بن نظام الدين محبّ الحقّ الدهلوي ، صاحب كتاب «سعادة الكونين في بيان فضائل الحسنين» . 14 _ العلاّمة الفاضل الشيخ حسن العدوي الخمراوي وقيل الحمزاوي ، صاحب كتاب «مشارق الأنوار» . 15 _ العالم المتبحّر الشيخ محمّد محبوب ، صاحب كتاب «تفسير شاهي» . 16 _ العلاّمة المحقّق والفاضل المتكلّم السيّد محمّد سعيد ، حفيد صاحب عبقات الأنوار ، مؤلّف كتاب «الإمام الثاني عشر» وكتاب «معراج البلاغة» وكتاب «مدينة العلم» (1) .

مصادر الكتاب :حين نتصفّح هذا السفر القيّم نجده في طليعة الكتب الّتي أسبغ اللّه سبحانه مؤلِّفه

.


1- .انظر ترجمته في معجم المطبوعات النجفية : 94 ، ومعجم رجال الفكر والأدب : 390 ، والذريعة : 2 / 514 و 20 / 251 ، ومؤلّفين كتب چاپي فار سي : 3 / 221 ، مقدّمة حديث الثقلين من العبقات : 1 / 20 و 38 .

ص: 26

نعمةً ظاهرةً وباطنة ، فقد اعتمد في تأليفه على أعلام الفريقين ممّن تركوا مآثرا وأيادي موفّقة وناجحة في التراث الفكري الإسلامي ، وخدموه من كلِّ الجوانب ، وجاهدوا في خلوده وحيويته وحفظه ، ولذلك نجد المؤرِّخين وأحبّاء التحقيق يتلقّون مؤلَّفات هؤلاء الأعلام بالتعظيم والتجليل ، ويذكرون أصحابها بالتكريم والثناء البالغ ، ويطول بنا المقام لو بسطنا الحديث عن هؤلاء المشاهير ، ولذلك نقتصر على ذكر أسمائهم مع بيان موجز عن مكانتهم العلمية ، وفي الأخير مصادر حياتهم ، لنتعرّف من خلال ذلك على أهمّية الكتاب . 1 _ النعماني : هو محمّد بن إبراهيم بن جعفر أبو عبداللّه الكاتب النعماني . ذكره النجاشي في «رجاله» بقوله : المعروف بابن أبي زينب ، شيخ فى أصحابنا ، عظيم القدر ، شريف المنزلة ، صحيح العقيدة ، كثير الحديث ، قدِم بغداد ، وخرج إلى الشام ، ومات بها ، له كتب ، منها : كتاب «الغَيبة» وكتاب «الفرائض» وكتاب «الردّ على الإسماعيلية» (1) . وقال العلاّمة المجلسي في ديباجة «بحار الأنوار» : كتاب الغَيبة للشيخ الفاضل الكامل الزكي محمّد بن إبراهيم النعماني تلميذ الكليني رحمه الله . وقال في موضع آخر منها : كتاب النعماني من أجلّ الكتب (2) . وقال الشيخ المفيد في «الإرشاد» بعد أن ذكر النصوص على إمامة الحجّة عليه السلام : والروايات في ذلك كثيرة ، قد دوّنها أصحاب الحديث في هذه العصابة وأثبتوها في كتبهم المصنفة ، فممّن أثبتها على الشرح والتفصيل محمّد بن إبراهيم المكنّى أبا عبداللّه النعماني في كتابه الّذي صنّفه في الغَيبة (3) .

.


1- .رجال النجاشي : 383 رقم 1043 .
2- .بحار الأنوار : 1 / 14 و 31 .
3- .الإرشاد : 2 / 350 .

ص: 27

أقول : وله أيضا كتاب التفسير ينقل عنه سيّدنا المرتضى رحمه الله في «رسالة المحكم والمتشابه» غالبا ، وكأ نّها مأخوذةٌ منه . وله أيضا كتاب «التسلّي» ، حيث ذكر في باب عقاب اللّه تعالى كثيرا فى قتلة سيّدنا الحسين عليه السلام حديثا طريفا (1) . 2 _ الشيخ المفيد : هو معلِّم الاُمّة أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي العكبري البغدادي ( 336 _ 413 ه ) . ترجم له تلميذاه : النجاشي والشيخ الطوسي في فهرسيهما ، وأطراه معاصراه : ابن النديم ، وأبو حيّان التوحيدي . أمّا ابن النديم فقد ترجم له في «الفهرست» مرّتين فقال : في عصرنا انتهت رئاسة متكلّمي الشيعة إليه ، مقدَّم في صناعة الكلام على مذاهب أصحابه ، دقيق الفطنة ، ماضي الخاطر ، شاهدته فرأيته بارعا ، وله من الكتب . وقال في موضعٍ آخر منه : في زماننا انتهت إليه رئاسة أصحابه من الشيعة الإمامية في الفقه والكلام والآثار ، ومولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، وله من الكتب (2) . وأمّا أبو حيّان التوحيدي فقد أطراه في«الإمتاع والمؤانسة» حيث قال عنه : كان حسن اللسان والجدل ، صبورا على الخصم ، كثير الحلم ، ضنين السرّ ، جميل العلانية (3) . وقد ترجم له الكثير مع الإطراء الكثير ، وأحسنهم إطلاقا ابن أبي طيّ الحلبي ، فقد ترجم له ترجمةً حسنةً ومطوّلة ، قد وزّعت في المصادر الناقلة عنه ، فلم ينقلها أحد كاملة ولم يصلنا كتابه ، ونحن نجمع عن أشلائها ما تيسّر .

.


1- .له ترجمة في : أمل الآمل : 2 / 232 ، وتنقيح المقال : 2 / 55 ، وجامع الرواة : 2 / 43 ، وخلاصة الأقوال : 162 ، والذريعة : 16 / 79 ، المستدرك : 3 / 252 .
2- .فهرست ابن النديم : 147 و 226 .
3- .الإمتاع والمؤانسة : 1 / 141 .

ص: 28

فمنها : ما حكاه عنه الذهبي في «تاريخ الإسلام» في وفيات سنة ( 413 ه ) قال : وقد ذكره ابن أبي طيّ في «تاريخ الشيعة» ، فقال : هو شيخ مشايخ الطائفة ، ولسان الإمامية ، ورئيس الكلام والفقه والجدل ، كان أوحد زمانه في جميع فنون العلوم : الاُصول ، والفقه ، والأخبار ، ومعرفة الرجال ، والقرآن ، والتفسير ، والنحو ، والشعر ، ساد في ذلك كلّه ، وكان يُناظر أهل كلِّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية ، والرتبة الجسيمة عند خلفاء العبّاسية . وكان قويّ النفس ، كثير المعروف والصدقة ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، يلبس الخشن من الثياب ، وكان بارعا في العلم وتعليمه ، مديما للمطالعة والفكر ، وكان من أحفظ الناس . حدّثني شيخي ابن شهرآشوب المازندراني ، حدّثني جماعة ممّن لقيت : أنّ الشيخ المفيد ما ترك كتابا للمخالفين إلاّ وحفظه وباحث فيه ، وبهذا قدر على حلّ شبه القوم ، وكان يقول لتلامذته : لا تضجروا من العلم فإنّه ما تعسّر إلاّ وهان ، ولا تأبّى إلاّ ولان ، ماقصد الشيخ من الحشوية والجبرية والمعتزلة فأذل له ( كذا ) حتّى أخذ منه المسألة أوسمع منه . وقال آخر : كان المفيد من أحرص الناس على التعليم ، وإن كان ليدور المكاتب وحوانيت الحاكة فيلمح الصبيّ الفطن ، فيذهب إلى أبيه أو اُمّه حتّى يستأجره ثمّ يعلّمه ، وبذلك كثر تلامذته . وقال غيره : كان الشيخ المفيد ذا منزلةٍ عظيمةٍ من السلطان ، ربّما زاره عضد الدولة ، وكان يقضي حوائجه ، ويقول له : اشفع ، تشفّع ، وكان يقوم لتلامذته بكلّ ما يحتاجون إليه . وكان الشيخ المفيد ربعةً نحيفا أسمر ، وما استغلق عليه جواب معاند إلاّ فزع إلى الصلاة ، ثمّ يسأل اللّه فييسّر له الجواب . عاش ستّا وسبعين سنة ، وصنّف أكثر من

.

ص: 29

مائتي مصنّف ، وشيّعه ثمانون ألفا ، وكانت جنازته مشهورة (1) . وترجم له في موضعٍ آخر ، قال : في زماننا إليه انتهت رياسة أصحابه من الشيعة الإمامية في الفقه والكلام والآثار ، ومولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، وله من الكتب (2) . وترجم له في «العبر» ، وقال : عالم الشيعة ، وإمام الرافضة ، وصاحب التصانيف الكثيرة ، قال ابن أبي طيّ في تاريخه «تاريخ الإمامية» : هو شيخ مشايخ الطائفة (3) . وترجم له ابن شاكر الكتبي في «عيون التواريخ» في وفيات سنة ( 413 ه ) قال : وفيها توفّي الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان . . . عالم الشيعة ، وإمام الرافضة ، صاحب التصانيف الكثيرة ، قال ابن أبي طيّ في «تاريخ الإمامية» : هو شيخ مشايخ الطائفة ، وقال في الورقة قبلها _ في ترجمة محمّد بن الهيصم شيخ الكرامية _ : وكان في زمانه رأس طائفته ، كما كان القاضي عبدالجبار رأس المعتزلة . . . والشيخ المفيد رأس الرافضة (4) . وترجم له ابن حجر في «لسان الميزان» قال : وكان كثير التقشّف والتخشّع والإكباب على العلم ، تخرّج به جماعة ، وبرع في المقالة الإمامية ، حتّى كان يقال :

.


1- .إلى هنا انتهت ترجمة الشيخ المفيد في تاريخ الإسلام : 332 نقلتها حرفيا بطولها ، وراجع ترجمته في : رجال النجاشي : 399 رقم 1067 ، وفهرس الشيخ الطوسي : 186 رقم 710 طبعة النجف الثانية ، وسير أعلام النبلاء : 17 / 344 ، وخلاصة الأقوال للعلاّمة الحلّي : 147 ، ومرآة الجنان لليافعي : 3 / 28 ، ورجال السيّد بحر العلوم : 3 / 311 ، وغربال الزمان : 346 ، وشذرات الذهب : 3 / 200 ، وميزان الاعتدال : 4 / 300 ، وتاريخ بغداد : 3 / 231 ، ودول الإسلام : 1 / 216 ، وهدية العارفين : 2 / 62 ، وتاريخ التراث العربي لسزكين من الأصل الألماني : 1 / 550 و 3 / 310 في تعريبه ، ومجمع الرجال : 6 / 33 .
2- .تاريخ الإسلام : 247 .
3- .العِبر : 3 / 14 .
4- .عيون التواريخ : ترجمة محمّد بن محمّد بن النعمان ، وفيات سنة 413 ه .

ص: 30

له على كلِّ إمام منّة . . . وقال الشريف أبو يعلى الجعفري _ وكان تزوّج بنت المفيد : ما كان المفيد ينام من الليل إلاّ هجعة ، ثمّ يقوم يصلّي أو يطالع أو يدرّس أو يتلو القرآن (1) . وترجم له ابن كثير في «البداية والنهاية» قال : شيخ الإمامية الروافض ، والمصنّف لهم ، والمحامي عن حوزتهم ، كانت له وجاهة عند ملوك الأطراف لميل كثير من أهل الزمان إلى التشيّع ، وكان مجلسه يحضره خلقٌ كثير من العلماء من سائر الطوائف (2) . 3 _ قطب الدين الراوندي : أبو الحسين سعيد بن عبداللّه بن الحسن بن هبة اللّه بن الحسن بن عيسى الراوندي _ ويقال له اختصارا : سعيد بن هبة اللّه _ المشتهر بالقطب الراوندي ، والمتوفّى سنة ( 573 ه ) . كان علاّمة بارعا ، مشاركا في جملة من العلوم ، متضلِّعا فيها متمكِّنا منها ، كالتفسير والكلام والحديث والفقه والاُصول والاُدب ، له في كلّ منها عدّة مصنّفاتٍ رائعة وكتبٍ ممتعة وآثارٍ خالدة . ترجم له تلميذاه : رشيد الدين ابن شهرآشوب في «معالم العلماء» (3) ، ومنتجب الدين في «الفهرست» قائلاً : الشيخ الإمام قطب الدين . فقيه صالح ثقة ، له تصانيف ، منها . . . (4) . وأثنى عليه صاحب «رياض العلماء» بقوله : فاضل ، عالم ، متبحّر ، فقيه ، محدِّث ، متكلّم ، بصير بالأخبار ، شاعر . . . (5) .

.


1- .لسان الميزان : 5 / 368 .
2- .البداية والنهاية : 12 / 15 .
3- .معالم العلماء : 55 رقم 368 .
4- .الفهرست لمنتجب الدين : 87 رقم 186 .
5- .رياض العلماء : 2 / 419 .

ص: 31

وأثنى عليه المحدِّث النوري بقوله:العالم المتبحّر، النقّاد، المفسّر، الفقيه، المحدّث، المحقّق ، صاحب المؤلّفات الرائقة النافعة الشائعة . . . وبالجملة ففضائل القطب ومناقبه وترويجه للمذهب بأنواع المؤلّفات المتعلّقة به أظهر وأشهر من أن يذكر (1) . وأطراه الشيخ العلاّمة الأميني رحمه الله في «الغدير» بقوله : إمامٌ من أئمّة المذهب ، وعينٌ من عيون الطائفة ، وأوحديٌّ من أساتذة الفقه والحديث ، وعبقريٌّ في رجالات العلم والأدب ، لا يُلحق شأوه في مآثره الجمّة ، ولا يُشقّ له غبار في فضائله ومساعيه المشكورة ، وخدماته الدينية ، وأعماله البارّة ، وكتبه القيّمة (2) . و«راوند» من قرى كاشان ، في غربيّها ، وتقع على بُعد ( 12 ) كيلومترا منها يمين الذاهب إليها من قم ، قرية كبيرة لازالت عامرة وبهذا الاسم . يروي عن جماعة من أصحاب الحديث بإصبهان ، وجماعة منهم من همدان وخراسان ، سماعا وإجازةً عن مشايخهم الثقات بأسانيد مختلفة . وروى عنه كثيرون . وقد جاوزت مؤلّفاته ستّا وخمسين في مختلف الفنون ، ومنها : الخرائج والجرائح في معجزات النبيّ صلى الله عليه و آله وأعلام نبوّته ، ومعجزات الأئمّة الاثني عشر من عترته الطاهرة عليهم السلام ، ودلائل إمامتهم ، رتّبه على عشرين بابا ،في كلٍّ منها عدّة فصول ، وقبره رحمه الله مشهور يزار ، يقع في الصحن الكبير من الروضة الفاطمية في قم ، وعليه صخرة كبيرة منحوت عليها اسمه ، وأمّا القبر المنسوب إليه في خسروشاه بنواحي تبريز فلعلّه قبر جدِّه هبة اللّه الراوندي (3) .

.


1- .خاتمة مستدرك الوسائل : 3 / 489 الفائدة الثالثة .
2- .الغدير : 5 / 458 .
3- .له ترجمة في: لسان الميزان لابن حجر : 3/48 ، وأمل الآمل : 2/127، ورياض العلماء: 2/423 و43، والذريعة : 3/29 ، ومصفى المقال : 187، وروضات الجنّات : 4 / 7 ، وأعيان الشيعة : 7 / 241، وتأسيس الشيعة : 341 ، وتلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي : 4 / 2799 ، وتنقيح المقال : 2 / 21 ، وخاتمة المستدرك الوسائل : 3 / 325 _ 326 و 489 ، والكنى والألقاب : 3 / 72 ، وريحانة الأدب : 4 / 467 ، وأعلام الزركلي : 3 / 104 ، وهدية العارفين : 1 / 392 ، وبروكلمن : 1 / 405 ، والذيل : 1 / 705 ، الستوري : 773 ، وفهرست كتابخانه هاى إصفهان : 337 ، ومقابس الأنوار : 14 ، ولؤلؤة البحرين : 304 ، ومعجم المؤلّفين : 4 / 225 ، وطبقات أعلام الشيعة : 124 القرن السادس .

ص: 32

كما خلط الدكتور أسعد طلس بين أبي الحسين سعيد بن هبة اللّه بن الحسن القطب الراوندي الفقيه المتوفّى سنة ( 573 ه ) وبين أبي الحسين سعيد بن هبة اللّه بن الحسن الطبيب الفيلسوف البغدادي ( 436 _ 495 ه ) المترجم في «عيون الأنباء» «الوافي بالوفيات» (1) لاشتراكهما في الكنية والاسم واسم الأب والجدّ ، فقال في مقال له نشره في مجلّة مجمع اللغة العربية في دمشق عن نفائس مخطوطات مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد: الخرائج والجرائح رقم ( 110 ) سنة ( 985 ه ) لأبي الحسن سعيد بن هبة اللّه بن الحسن قطب الدين الراوندي ، الفقيه الطبيب الثقة ، وُلد سنة ( 436 ه ) وتوفّي في عهد المقتدي وهو أوّل مَن شرح نهج البلاغة ، ومن آثاره الكثيرة بقي : المغني في تدبير الأمراض ، خلق الإنسان ، وكتب اُخرى في الطبّ ! (2) 4 _ ابن الجوزي : الشيخ الحافظ الواعظ المتفنّن المفضال جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن عليّ بن محمّد بن عليّ البكري الحنبلي البغدادي ، الملّقب بابن الجوزي ، ينتهي نسبه لستّ عشرة واسطة إلى القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، كما ذكره ابن خلّكان (3) ، ولد سنة ( 510 ه ) وتوفّي سنة ( 597 ه ) . ونقل عن الصلاح الصفدي أ نّه قال : لم ينل أحد بعده ما ناله من الوعظ ، بمعنى أ نّه لم يأتِ أحد في الموعظة مثله ، وكان متعصّبا في مذهبه غايته ، كما يظهر فى كلماته المنقولة عنه في كتب الأصحاب .

.


1- .عيون الأنباء : 1 / 254 ، الوافي بالوفيات : 15 / 268 .
2- .مجلّة مجمع اللغة العربية : 99 السنة 24 دمشق .
3- .وفيات الأعيان : 2 / 321 .

ص: 33

وله مصنّفات كثيرة ، منها : «صفة الصفوة» يذكر فيه كثيرا فى فضائل أهل بيت العصمة عليهم السلاموغيرهم ، وكتاب «المدهش في الوقايع العجيبة» وكتاب «تقويم غلط اللسان» على سياق كتاب «درّة الغواص في أغلاط الخواص» وكتاب «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» وكتاب «الردّ على المتعصّب العنيد المانع من لعن يزيد» وكتاب «النور في فضائل الأيّام والشهور» الّذي نقل عنه صاحب «بحار الأنوار» كيفية نوح الجنّ على أبي عبداللّه عليه السلام (1) وكتاب «تذكرة الخواصّ» ، وكتاب «مثير الغرم الساكن إلى أشرف الأماكن» ينقل عنه مترجمنا _ ابن الصبّاغ _ في «الفصول المهمّة» حكاية ملاقاة شقيق البلخي موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في طريق مكّة المعظّمة ، وإطلاعه منه على آيات ظاهرة ومعجزات متظاهرة (2) . 5 _ ابن خالويه : الشيخ أبو عبداللّه حسين بن أحمد بن خالويه بن حمدان الهمدانيّ الأصل ، البغداديّ المنشأ ، الحلبيّ المسكن والخاتمة ، المعروف بابن خالويه النّحوي اللغوي ، كان في درجة أبي الطيّب اللغوي المشهور ، أعني عبد الواحد بن عليّ الحلبي ، وكان أيضا بينهما مناقشة ونقار ، كما ذكره صاحب «طبقات النحاة» (3) . كان من جملة الفضلاء العارفين بعلوم العربية واللغة والشعر ، وله كتب منها : «إمامة عليّ عليه السلام » و«كتاب الآل» في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، وكتاب «مستحسن القراءة والشواذّ» ، وكتاب في اللغة ، وكتاب «اشتقاق الشهور والأيّام» . وفي «مرآة الجنان» لليافعي 2 / 394 : انّه دخل بغداد ، وأدرك جلّة العلماء بها ،

.


1- .بحار الأنوار : 45 / 235 .
2- .له ترجمة في : وفيات الأعيان : 3 / 321 ، والعبر : 2 / 297 ، والبداية والنهاية : 13 / 28 ، وتاريخ ابن الوردي : 2 / 118 ، وشذرات الذهب : 4 / 329 ، وتذكرة الحفّاظ : 4 / 131 ، والنجوم الزاهرة : 6 / 174 ، وطبقات المفسّرين : 17 ، ومرآة الجنان : 3 / 489 .
3- .طبقات النحاة : ترجمة أبي عبداللّه حسين بن أحمد بن خالويه .

ص: 34

مثل : ابن الأنباري ، وابن مجاهد المقري ، وأبي عمرو الزاهد ، وابن دُريد اللغوي ، وقرأ على أبي سعيد السيرافي ، وانتقل إلى الشام واستوطن حلب ، وصار بها أحد أفراد الدهر ، واشتهر في ساير فنون الأدب والفضل ، وكانت الرحلة إليه في الآفاق ، وآل حمدان يكرمونه ويدرسون عليه ويقتبسون منه ، وله كتابٌ كبير سمّاه «كتاب ليس» يدلُّ على اطّلاعٍ عظيمٍ فيه (1) . 6 _ ابن الخشّاب : الشيخ المتبحّر الإمام عبداللّه بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبداللّه بن نصر بن الخشّاب ، أبو محمّد النحويّ اللغوي ، المعروف بابن الخشّاب . كان أعلم زمانه بالنحو ، حتّى يُقال : إنّه كان في درجة الفارسي ، وكانت له معرفة بالحديث والتفسير واللغة والمنطق والفلسفة والحساب والهندسة ، وما من علمٍ من العلوم إلاّ وكانت له فيه يدٌ حسنة . قرأ الأدب على أبي منصور الجواليقي وغيره ، والحساب والهندسة على أبي بكر بن عبد الباقي الأنصاري ، والفرائض على أبي بكر بن المرزوقي ، وسمع الحديث من أبي الغنائم النيرسي ، وأبي القاسم بن الحسين ، وأبي العزّ بن كادش وجماعة ، ولم يزل يقرأ حتّى علا على أقرانه ، وأقرأ العالي والنازل ، وكان يكتب الخطّ مليحا ، وحصّل كتبا كثيرةً جدا ، وقرأ عليه الناس وانتفعوا به ، وتخرّج به جماعة ، وروى كثيرا من الحديث ، سمع منه أبو سعد السمعاني ، وأبو أحمد بن سكينة ، وأبو محمّد بن الأخضر ، وكان ثقةً في الحديث ، صدوقا نبيلاً حجّة . صنّف «شرح الجُمل» للجرجاني ، و«شرح اللمعة» لابن جنّي ، لم يتمّ ، و«الردّ على ابن بابشاه» في شرح الجُمل ، و«الردّ على التبريزي» في تهذيب الإصلاح ، و«شرح مقدّمة الوزير ابن هبيرة» في النحو ، يقال : إنّه وصله عليها بألف دينار ،

.


1- .له ترجمة في : إنباه الرواة : 1 / 324 ، والبداية والنهاية : 11 / 297 ، وبغية الوعاة : 1 / 529 ، وشذرات الذهب : 3 / 71 ، وطبقات الشافعية : 3 / 269 ، والعبر : 2 / 356 ، ولسان الميزان : 2 / 267 ، ووفيات الأعيان : 1 / 433 ، ويتيمة الدهر : 1 / 123 ، ومعجم الاُدباء : 3 / 4 ، ونزهة الألباء : 311 .

ص: 35

و«الردّ على الحريري» في مقاماته . توفّي عشية الجمعة ثالث شهر رمضان سنة ( 567 ه ) ، ووقف كتبه على أهل العلم . ويروي العلاّمة الحلّي قدس سره مصنّفات ابن الخشّاب المذكور عن السيّد رضيّ الدين بن طاووس عن الشيخ تاج الدين الحسن بن الدربي عن أحمد بن شهريار إلى الخازن عنه (1) . 7 _ أبو نعيم الإصبهاني : أحمد بن عبداللّه بن أحمد بن إسحاق بن مهران ( 336 _ 430 ه ) . ترجم له الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ووصفه بالإمام الحافظ الثقة العلاّمة ، وسمّى تسعة من مصنّفاته ، ثمّ قال : ومصنّفاته كثيرة جدّا ، ثمّ عدّد شيوخه ومَن رووا عنه ، ثمّ قال : وكان حافظا مبرّزا ، عالي الإسناد ، تفرّد في الدنيا بشيءٍ كثيرٍ من العوالي ، وهاجر إلى لقية الحفّاظ . . . قال إنسان : مَن أراد أن يحضر مجلس أبي نعيم فليقم _ وكان أبو نعيم في ذلك الوقت مهجورا بسبب المذهب ! وكان بين الأشعرية والحنابلة تعصّب زائد يؤدِّي إلى فتنةٍ وقيلٍ وقال وصراعٍ طويل _ فقام إليه أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام وكاد الرجل يقتل ! ! . . . انّ السلطان محمود بن سبكتكين لمّا استولى على إصبهان أمرّ عليها واليا من قِبله ورحل عنها ، فوثب أهلها بالوالي فقتلوه ، فرجع السلطان إليها وآمنهم حتّى اطمأ نّوا ، ثمّ قصدهم في يوم جمعة وهم في الجامع فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وكانوا قبل ذلك منعوا الحافظ أبا نعيم من الجلوس في الجامع ، فسلم ممَّا جرى عليهم ، وكان ذلك من كرامته (2) .

.


1- .له ترجمة في : إنباه الرواة : 2 / 99 ، وبغية الوعاة : 2 / 29 ، وفيات الأعيان : 2 / 288 ، ومعجم الاُدباء : 4 / 286 ، والفلاكة والمفلوكين : 103 ، والنجوم الزاهرة : 6 / 65 ، والمنتظم : 10 / 238 ، وخريدة القصر : 1 / 82 ، وطبقات ابن قاضي شهبة : 2 / 17 .
2- .سير أعلام النبلاء: 17/453 و19/306 فقد ترجم فيه لتلميذه الحافظ أبي عليّ الحدّاد الحسن بن أحمد الإصبهاني المتوفّى سنة (515 ه) ، وعدّد الكتب الكثيرة للحافظ أبي نعيم مما رواه عنه أبو عليّ الحدّاد ، وذكره أبو سعد السمعاني في التنجير (التحبير _ خ) في المعجم الكبير : 1 / 180 في ترجمة تلميذه المذكور ، وراجع : تبيين كذب المفتري : 247 ، وطبقات الشافعية للسبكي : 4 / 21 ، وتذكرة الحفّاظ : 3 / 1095 ، وراجع بهامشه بقية مصادر ترجمة الحافظ أبي نعيم .

ص: 36

8 _ الواحدي : عليّ بن أحمد بن محمّد الواحدي ، أبو الحسن ، الإمام المصنّف المفسِّر النحوي اُستاذ عصره . قرأ الكثير على المشايخ ، وأدرك الإسناد العالي من الاُستاذ والإمام أبي طاهر الزيادي وأقرانه ، وأكثر عن أصحاب الأصمّ ، ثمّ عن الشيخ أبي سعد النصروي ، وأبي حسّان المزكي ، وأبي عبداللّه بن إسحاق ، والنصر آبادي ، والزعفراني ، ومن بعدهم من أبي حفص بن مسرور ، والكنجرودي ، وأبي الحسين عبد الغافر ، وشيخ الإسلام الصابوني ، والسادة العلوية ، وغيرهم . وتوفّي عن مرضٍ طويلٍ بنيسابور في شهر جمادى الآخرة سنة ( 468 ه ) . ومن مصنّفاته : أسباب النزول (1) . 9 _ المسعودي : أبو سعيد محمّد بن أبي السعادات عبد الرحمن بن محمّد بن مسعود بن أحمد بن الحسين بن محمّد المسعودي الملّقب تاج الدين الخراساني المرورُّوذي البندهي الفقيه الشافعي الصوفي ، كما ذكره ابن خلّكان ، وقال أيضا : كان أديبا فاضلاً اعتنى بالمقامات الحريرية فشرحها في خمس مجلّدات كبار ، وهو كتابٌ مشهورٌ كثير الوجود بأيدي الناس ، وكان مقيما بدمشق في الخانقاه السميساطية ، والناس يأخذون عنه بعد أن كان يعلّم الملك الأفضل أبا الحسن عليّ ابن السلطان صلاح الدين ، وحصل بطريقه كتبا نفيسةً غريبة ، وبها استعان على

.


1- .له ترجمة في : العِبر : 3 / 267 ، ومرآة الجنان : 3 / 96 ، والوفيات : 438 ، وإنباه الرواة : 2 / 223 ، والبداية والنهاية : 12 / 114 ، وبغية الوعاة : 2 / 145 ، والشذرات : 3 / 330 ، وطبقات المفسِّرين : 22 ، وابن هداية : 58 ، والسبكي : 494 ، والكامل : 10 / 35 ، المختصر في أخبار البشر : 2 / 192 ، ومعجم الأدباء : 2 / 257 ، والنجوم الزاهرة : 5 / 104 ، والمختصر الأوّل للسياق : 66 / ب .

ص: 37

شرح «المقامات» _ إلى أن قال : _ وتوفّي سنة ( 584 ه ) بمدينة دمشق ودُفن بسفح جبل قاسيون ، ووقف كتبه على الخانقاه المذكورة ، انتهى (1) . وقال غيره : فقيه محدِّث صوفي جواد عالم باللغة أديب ، سمع بخراسان من أبي شجاع البسطامي وغيره وببغداد ، وحدَّث وأملى بالشام وديار بكر ، وله من التصانيف «شرح المقامات» في مجلّدين ، روى عنه الحافظ أبو الحسن المقدسي ، مولده سنة ( 522 ه ) ، ومات بدمشق الشام ليلة السبت تاسع عشرين ربيع الأوّل سنة ( 584 ه ) (2) . 10 _ الزمخشري : أبو القاسم محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الملقّب بجار اللّه المحترم ، لكونه في أواخر أمره مجاور البيت والحرم ، وسقطت إحدى رجليه من ثلجٍ أصابه في بعض الأسفار فكان يمشي في خشب . ولد سنة (467 ه) وتوفّي بجرجانية خوارزم سنة (538 ه) . وزمخشر : قرية كبيرة من قرى خوارزم ، وجرجانية هي قصبة خوارزم . وقال جلال الدين السيوطي في «بغية الوعاة» : ولنا عنه النقل هنا في كثير من المقامات ، وكان واسع العلم ، كثير الفضل ، غايةً في الذكاء وجودة القريحة ، متفنّنا في كلِّ علم ، معتزليّا قويّا في مذهبه ، مجاهرا به حنفيّا ، وورد بغداد غير مرّة ، وأخذ الأدب عن أبي الحسن عليّ بن المظفّر النيسابوريِّ وأبي مضر الإصفهاني ، وسمع من أبي سعد الشقانيّ وشيخ الإسلام أبي منصور الحارثي وجماعة . وله من التصانيف : «الكشّاف» في التفسير ، و«الفائق» في غريب الحديث ، «المفصّل» في النحو ، و«المقامات» و«المستقصى» في الأمثال ، و«ربيع الأبرار» ، و«أطواق الذهب» ، و«صميم العربيّة» ، و«شرح أبيات الكتاب» ، و«الانموذج» في

.


1- .وفيات الأعيان لابن خلّكان : 4 / 23 _ 25 .
2- .بغية الوعاة : 1 / 158 .

ص: 38

رواة الأحاديث من الصحابة

النحو ، و«الرائض في الفرائض» ، و«شرح مشكلات المفصَّل» ، و«الكلم النوابغ» ، و«القسطاس في العروض» ، و«الأحاجي في النحو» ، وغير ذلك (1) .

رواة الأحاديث من الصحابة :حقيقة أنّ الصحبة شرفٌ عظيم ومراتبها عالية ، وقد اعتمد المؤلّف في نقل الأحاديث الشريفة والأخبار في فضائل آل البيت الأطهار عليهم السلام على رواية الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، ومن بعدهم على الصحابة الأجلاّء ، مثل : 1 _ أبو رافع : مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، اختُلف في اسمه ، فقيل : اسمه إبراهيم ، وقيل : أسلم ، وقيل : ثابت ، وقيل : هرمز وصالح . يُعدُّ في الطبقة الاُولى من الشيعة ، كان قبطيّا عند العبّاس بن عبدالمطّلب ، فوهبه لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا بُشّر صلى الله عليه و آله بإسلام العبّاس أعتقه . هاجر من مكّة إلى المدينة ، وشارك مع المسلمين في غزوات رسول اللّه صلى الله عليه و آله . لزم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وشهد معه حروبه ، وبعد استشهاد الإمام عليه السلام رجع إلى المدينة مع الإمام الحسن عليه السلام ، حيث أعطاه قسما من بيت عليّ عليه السلام ، لأ نّه باع داره عند خروجه مع الإمام عليّ عليه السلام إلى الكوفة (2) . 2 _ جابر بن عبداللّه : بن عمرو ( عمر ) بن حزام ( حرام ) الأنصاري السلمي ،

.


1- .له ترجمة في : أزهار الرياض : 3 / 282 ، وانباه الرواة : 3 / 265 ، والبداية والنهاية : 12 / 219 ، وبغية الوعاة : 2 / 279 ، وشذرات الذهب : 4 / 118 ، والعِبر : 4 / 106 ، لسان الميزان : 6 / 4 ، ومرآة الجنان : 3 / 269 ، ومعجم الاُدباء : 7 / 149 ، والمنتظم (وفيات) : 538 ، والنجوم الزاهرة : 5 / 274 ، ونزهة الالباء : 391 ، ووفيات الأعيان : 4 / 254 ، والكنى والألقاب : 2 / 298 ، اللباب : 2 / 506 ، وريحانة الأدب 2 / 379 .
2- .انظر ترجمته في : رجال النجاشي : 4 / 1 ، والكنى والألقاب : 1 / 174 ، وتنقيح المقال : 3 / 16 (باب الكنى) ، وتأسيس الشيعة : 319 و 341 ، وأعيان الشيعة : 2 / 350 ، وطبقات ابن سعد : 4 / 73 ق 4 ، واُسد الغابة : 1 / 52 ، وتهذيب التهذيب : 12 / 100 ، وتذهيب التهذيب : 4 / 212 / 2 ، والإصابة : 11 / 128 ، وسير أعلام النبلاء : 2 / 16 / 3 ، والجرح والتعديل : 2 / 149 ، وتاريخ ابن معين : 704 .

ص: 39

الصحابي الجليل ، شهد مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله أكثر غزواته ، ومنها : غزوة بدر . كان رضى الله عنه منقطعا إلى أهل البيت عليهم السلام ، ممدوحا من قِبلهم ، ويُعدّ من أصفيائهم ، أثنى عليه أصحابنا وأوردوا روايات شتى في مدحه والثناء عليه ، ويُعد رضى الله عنه في الطبقة الاُولى من المفسّرين . كان من أوائل الزائرين لقبر الإمام الحسين عليه السلام بعد فاجعة كربلاء المروّعة ، فقدَ عينيه في أواخر حياته ، امتدّ به العمر طويلاً حتّى أدرك الإمام الباقر عليه السلام وأبلغه سلام رسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله عليه . توفّي عام ( 78 ه ) وهو ابن نيّف وتسعين سنة (1) . 3 _ حذيفة بن اليمان : كان حذيفة عليلاً بالكوفة سنة ( 36 ه ) ، فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعليّ عليه السلام ، فقال : أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة ، فوضع على المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبيِّ وآله ، ثمّ قال : أيُّها الناس ! إنّ الناس قد بايعوا عليّا ، فعليكم بتقوى اللّه وانصروا عليّا وآزروه ، فواللّه إنّه لعلى الحقِّ آخرا وأوّلاً ، وإنّه لخير مَن مضى بعد نبيِّكم صلى الله عليه و آله ومَن بقي إلى يوم القيامة ، ثمّ أطبق بيمينه على يساره ، ثمّ قال : اللّهُمّ اشهد أ نّي قد بايعتُ عليّا عليه السلام . قال لابنيه صفوان وسعد : احملاني وكونا معه فستكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلقٌ من الناس ، فاجتهدا أن تستشهدا معه ، فإنّه واللّه على الحقّ ومَن خالفه على الباطل . ومات حذيفةٍ رضى الله عنه بعد هذا اليوم بسبعة أيّام ، وقيل : بأربعين يوما ، ونفّذ الولدان البارّان وصيّة أبيهما ، واستشهدا يوم صفّين وهما يُقاتلان إلى جانب عليّ عليه السلام (2) .

.


1- .انظر ترجمته في : أعيان الشيعة : 4 / 45 ، ورجال ابن داود : 60 / 288 ، وتأسيس الشيعة : 323 ، ورجال الطوسي : 37 / 3 ، ومعجم رجال الحديث : 4 / 11 ، والتاريخ الكبير : 2 / 207 ، ومستدرك الحاكم : 3 / 564 ، واُسد الغابة : 1 / 256 ، وتاريخ الإسلام : 3 / 143 ، وسير أعلام النبلاء : 3 / 189 / 38 ، والعِبر : 1 / 65 ، وتهذيب الكمال : 182 ، وتذكرة الحفّاظ : 1 / 40 ، وتهذيب التهذيب : 2 / 37 ، والإصابة : 1 / 213 ، وشذرات الذهب : 84 / 1 .
2- .مروج الذهب للمسعودي : 3 / 65 _ 66 ، و 425 _ 426 .

ص: 40

4 _ عبداللّه بن العبّاس : بن عبدالمطّلب بن هاشم أبو العبّاس ، المولود قبل الهجرة بثلاث سنين ، والمتوفّى سنة ( 68 ه ) بالطائف بقرية السلامة الّتي بها مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وفي جانبه قبّة فيها قبر ابن عبّاس وجماعة من أولاده ومشهد للصحابة ، وكان له ( 13 ) سنة يوم وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ، ومات رضى الله عنه وهو ابن ( 71 ) أو ( 74 ) سنة ، وصلّى عليه ابن الحنفية ، وقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : «اللّهمّ علّمه الحكمة وتأويل القرآن» . شهد مع عليّ عليه السلام : الجمل، وصفّين ، والنهروان . قال له رجل أنت أعلم أم عليّ عليه السلام ؟ قال له : ثكلتك اُمّك ! عليٌّ عليه السلام علّمني الحديث . ولمّا قُتل الحسين عليه السلام بكى ابن عبّاس بكاءً شديدا ، ثمّ قال : مالقيَت عترة النبيّ صلى الله عليه و آله من هذه الاُمّة بعد نبيّها صلى الله عليه و آله ، اللّهمّ إنّي اُشهدك لعليٍّ وليّ، ولولده وليّ، ولأعدائهم بري،وقال ابن عبّاس في موت الحسن عليه السلام : أصبح اليوم ابن هند آمنا ظاهر النخوة إذ مات الحسن أربع اليوم ابن قامصا إنّما يقمص بالعين السمن وبالجملة، فقد كان ابن عبّاس رضى الله عنه من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان محبّا لعليّ عليه السلام وتلميذه ، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى (1) . 5 _ قيس بن سعد : بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي المدني ، والٍ ، صحابيٌّ ، حمل راية الأنصار مع النبيّ صلى الله عليه و آله ، صحب عليا عليه السلام في خلافته ، واستعمله على مصر سنة ( 36 _ 37 ه ) ، وكان على مقدَّمته يوم صفّين ، ثمّ كان مع الحسن عليه السلام ، حتّى رجع إلى المدينة ، وتوفّي بها في سنة ( 60 ه ) (2) . 6 _ اُمُّ سلمة : هي اُمُّ المؤمنين هند بنت أبي اُميّة سهيل زاد الراكب بن المغيرة بن

.


1- .انظر ترجمته في : معجم الحموي : 5 / 103 ، واُسد الغابة : 3 / 192 ، والإصابة : 2 / 322 ، وفي هامشه : 342 الاستيعاب ، وامالي ابن الشيخ : 8 ، والخلاصة : 51 ، وربيع الأبرار للزمخشري : باب (19) و(47) و(81) ، والبحار : 9 / 635 .
2- .انظر ترجمتها في : تهذيب التهذيب : 8 / 357 / 713 ، وصفة الصفوة : 1 / 715 / 106 ، والإصابة : 3 / 249 / 7177 .

ص: 41

عبداللّه بن عمر بن مخزوم ، زوجة النبيّ صلى الله عليه و آله ، اُمُّها : عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن خزيمة بن علقمة جذل الطعن بن فراس بن غنم بن مالك بن كنانة ، زوجها الأوّل : أبو سلمة عبداللّه بن عبدالأسد المخزومي ، أنجبت له : سلمة ، وعمر ، ودرّة ، وزينب ، ثمّ تزوّجها رسول اللّه صلى الله عليه و آله . كانت رضي اللّه عنها أفضل اُمّهات المؤمنين بعد خديجة بنت خويلد رضي اللّه عنها ، وهي مهاجرة جليلة ذات رأيٍ وعقلٍ وكمالٍ وجمال ، حالها في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهماالسلامأشهر من أن يُذكر ، وأجلى من أن يُحرز ، شهد اللّه سبحانه وتعالى بفضلها ورسوله صلى الله عليه و آله . تُعدّ اُمّ سلمة راوية من راويات الحديث ، عدّها البرقي والشيخ الطوسي رحمهما اللّه في كتابيهما من الراويات عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكذا ابن عبدالبرّ ، وابن مندة ، وأبو نعيم ، وكلُّ مَن ترجم لها (1) . روت عن النبيِّ صلى الله عليه و آله ، وعن فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وعن أبي سلمة . وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين ، منهم : ابناها عمر وزينب ، ومكاتبها نبهان ، وأخوها عامر بن أبي اُميّة ، وابن أخيها مصعب بن عبداللّه بن اُميّة ، ومواليها : عبداللّه بن رافع ، ونافع ، وسفينة ، وأبو كثير ، وابن سفينة ، وخيّرة اُمّ الحسن البصري ، وسليمان بن يسار ، واُسامة بن زيد بن حارثة ، وهند بنت الحارث الفراسية ، وصفية بنت شيبة ، وأبو عثمان النهدي ، وحميد وأبو اُسامة ابنا عبدالرحمن بن عوف بن أبي بكر ، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، وابناه عكرمة وأبو بكر ، وعثمان بن عبداللّه بن موهب ، وعروة بن الزبير ، وكريب مولى ابن عبّاس ، وقبيصة بن ذويب ، ونافع مولى ابن عمر ، ويعلى بن مملك ، وعبداللّه بن عبّاس ، وعائشة ، وأبو سعيد الخدري ، وسعيد بن المسيّب ، وأبو وائل ، وصفية بنت محض ، والشعبي ، وآخرون (2) .

.


1- .رجال البرقي : 61 ، رجال الشيخ الطوسي : 32 .
2- .تهذيب التهذيب : 12 / 456 .

ص: 42

ويبلغ مسندها 378 حديثا ، أخرج لها منهما في الصحيحين 29 حديثا ، والمتّفق عليها منها 13 حديثا ، وانفرد البخاري بثلاثة ، ومسلم بثلاثة عشر (1) ، وهذه فضيلة من فضائلها الكثيرة ، ومنقبة من مناقبها العظيمة الّتي امتازت بها من بين سائر زوجات الرسول صلى الله عليه و آله . وهي من رواة قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» (2) . روى عنها الصدوق مرسلاً في «الفقيه» قال : وجاءت اُمّ سلمة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالت : يا رسول اللّه يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الاُضحية فأستقرض واُضحّي ؟ فقال صلى الله عليه و آله : «استقرضي وضحّي فإنّه دَينٌ مقضي» (3) . وهي من رواة حديث آية التطهير ، أخرجه الشيخ الطوسي في «الأمالي» (4) ، وهي من رواة حديث الثقلين (5) ، ولها روايات اُخرى . اُختُلف في وفاة اُمّ سلمة رضي اللّه عنها ، شأنها شأن الكثير من الصحابة ، قال ابن سعد في «الطبقات» : ماتت اُمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله في سنة تسع وخمسين، وصلّى عليها أبو هريرة ، وروى عن عمر بن أبي سلمة قال: نزلتُ في قبر اُمّ سلمة أنا وأخي سلمة ، وعبداللّه بن عبداللّه بن أبي اُميّة ، وعبداللّه بن وهب بن رفعة الأسدي ،

.


1- .سير أعلام النبلاء : 2 / 148 .
2- .رواه عنها ابن عقدة في حديث الولاية ، وأخرجه عنه الأمرتْسَري في أرجح المطالب : 338 و389 ، والحضرمي في وسيلة المآل : 118 ، وأخرجه القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة : 40 ، عن جواهر العقدين للسمهودي .
3- .من لا يحضره الفقيه : 2 / 138 ح 591 باب فضائل الحجّ ، و 2 / 292 ح 1447 باب الأضاحي .
4- .الأمالي : 2 / 174 ، وراجع سنن الترمذي : 5 / 31 ح 3258 ، وشواهد التنزيل للحسكاني الحنفي : 1 / 124 ، وصحيح مسلم : 15 / 176 (طبع مصر) بشرح النووي _ كتاب الفضائل _ باب فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ومسند أحمد بن حنبل : 1 / 185 ، ومستدرك الحاكم : 2 / 150 .
5- .رواه عنها الشيخ الطوسي في أماليه : 2 / 92 ، وأخرجه الإربلي في كشف الغمّة : 2 / 34 ، وأخرجه الأمرِتْسَري في أرجح المطالب : 338 عن طريق ابن عقدة .

ص: 43

فكان لها يوم ماتت أربع وثمانون سنة (1) . وقال الحاكم النيسابوري : أوصت اُمُّ سلمة أن لا يُصلّي عليها والي المدينة وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، فماتت حين دخلت سنة تسع وخمسين ، وصلّى عليها ابن أخيها عبداللّه بن عبداللّه بن أبي اُميّة (2) . وقال ابن العماد الحنبلي في «شذرات الذهب» في أحداث سنة (61ه ): وفيها توفّيت هند المعروفة باُمّ سلمة، وقيل: توفّيت سنة تسع وخمسين (3) . 7 _ طاووس بن كَيْسان : الفقيه القدوة عالم اليمن ، أبو عبدالرحمن الفارسي ثمّ اليمني الجندي الحافظ . كان من أبناء الفرس الّذين جهّزهم كسرى لأخذ اليمن له ، فقيل : هو مولى بَجير بن رَيْسَان الحِميْري ، وقيل : بل ولاؤه لهمدان ، سمع من زيد بن ثابت ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وزيد بن أرقم ، وابن عبّاس ، ولازم ابن عبّاس مدّة ، وهو معدود في كُبراء الصحابة . روى عنه عطاء ، ومجاهد ، وجماعة من أقرانه. وحديثُه في دواوين الإسلام ، وهو حجّة باتّفاق، فروى عطاءُ بن أبي رباح ، عن ابن عبّاس ، قال : إنّي لأظنّ طاووسا من أهل الجنّة . وقال قيس بن سعد : هو فينا مثل ابن سيرين في أهل البصرة (4) . 8 _ سعيد بن المسيِّب بن حزن المخزومي: اختلف فيه أصحابنا، فهم بين مُشيد

.


1- .الطبقات الكبرى : 8 / 68 .
2- .المستدرك على الصحيحين : 4 / 20 .
3- .شذرات الذهب 1 / 69 .
4- .طبقات ابن سعد 5 / 537 ، وحلية الأولياء : 4 / 3 و 23 ، طبقات الفقهاء للشيرازي : 73 ، واللباب 1 / 241 ، وتذكرة الحفّاظ 1 / 90 ، وطبقات القرَّاء : 1 / 341 ، وتهذيب التهذيب : 5 / 8 ، وشذرات الذهب : 1 / 133 ، والمحلّى : 9 / 519 .

ص: 44

به عاد له في أصحاب الأئمّة عليهم السلام، وبين ذامّ له طاعن حتّى في مذهبه، واللّه تعالى هو العالم بحقيقة الحال . توفّي سنة أربع وتسعين هجرية (1) . 9 _ عبداللّه بن مسعود : هو عبداللّه بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم ، حليف بني زهرة ، كان إسلامه قبل إسلام عمر بن الخطّاب بزمان . توفّي بالمدينة سنة ( 32 ه ) (2) . 10 _ أبو ذرّ الغفاري : هو جندب بن السكن ، ولقبه : بُرَيرْ ، وقيل : اسمه بريد بن جنادة ، وقيل : اسمه جندب بن جنادة ، وهو من غفار قبيلة من كنانة . قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأسلم ورجع إلى قومه ومات في الربذة سنة ( 32 ه ) (3) . 11 _ عمّار بن ياسر : هو أبو اليقضان عَمّار بن ياسر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين وكان هو ووالداه من السابقين إلى الإسلام ، وهو سابع سبعة أجهروا بإسلامهم ، وكان مع عليّ عليه السلام في صفّين ، استشهد سنة ( 37 ه ) وله من العمر 93 سنة (4) . 12 _ زيد بن أرقم : هو زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك الأنصاري الخزرجي ، كنيته أبو عمر ، وقيل : أبو عامر ، روى عنه ابن عبّاس ، وكان يتيما في حجر عبداللّه بن رواحة ، وسار معه إلى مؤتة ، توفّي سنة ( 68 ه ) وقيل : ما

.


1- .انظر ترجمته في : أعيان الشيعة : 7 / 249 ، والخلاصة : 79 / 1 ، ورجال الطوسي : 90 / 1 ، ورجال الكشّي : 1 / 332 ، ورجال أبي داود : 1 / 695 ، وتنقيح المقال : 2 / 30 ، وطبقات ابن سعد : 5 / 119 ، والمعارف : 248 ، وتذكرة الحفّاظ : 1 / 51 ، وسير أعلام النبلاء : 4 / 217 / 88 ، وتاريخ الإسلام : 4 / 4 ، وتهذيب التهذيب : 4 / 74 ، والبداية والنهاية : 9 / 99 ، وطبقات الحفّاظ : 17 ، والنجوم الزاهرة : 1 / 228 ، شذرات الذهب : 1 / 102 ، ومرآة الجنان : 1 / 85 .
2- .انظر اُسد الغابة : 3 / 384 ، وسيرة ابن هشام : 1 / 314 .
3- .انظر التقريب : 2 / 420 ، وجوامع السيرة : 277 .
4- .راجع مروج الذهب : 2 / 21 و 22 ، وتاريخ الطبري : حوادث سنة (36 ه) ، وأنساب الأشراف : 5 / 48 .

ص: 45

بعد قتل الحسين عليه السلام بقليل ، وشهد مع عليّ عليه السلام صفّين (1) . 13 _ أبو أيّوب الأنصاري : هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي البخاري ، شهد العقبة وبدرا واُحدا والخندق ، وكان مع عليّ عليه السلام ومن خاصّته ، شهد صفّين والجمل (2) . 14 _ البرّاء بن عازب : هو البرّاء بن عازب بن حصين ، وقيل : هو أبو عمرو البرّاء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري . غزا مع الرسول صلى الله عليه و آله 14 غزوة وشهد مع عليّ عليه السلام الجمل وصفّين والنهروان (3) . 15 _ حذيفة بن أسيد الغفاري : هو حذيفة بن أسيد بن خالد بن الأغور بن واقعة بن حرام بن غفّار ، بايع تحت الشجرة ، نزل الكوفة ومات فيها ، وصلّى عليه زيد بن أرقم (4) . 16 _ عمر بن الخطّاب : هو عمر بن الخطّاب بن نفيل بن عبدالعُزّى بن رباح بن فرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أسلم في السنة السادسة من النبوّة (5) . 17 _ أنس بن مالك : هو أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي ، خدم النبيّ صلى الله عليه و آله عشر سنين ، وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة سنة ( 91 ه ) وقيل ( 93 ه ) (6) .

.


1- .اُسد الغابة : 2 / 276 .
2- .اُسد الغابة : 2 / 94 ، وجوامع السيرة : 141 .
3- .انظر الاستيعاب بهامش الإصابة : 1 / 143 ، والإصابة : 1 / 146 .
4- .اُسد الغابة : 1 / 466 ، الاستيعاب : رقم 1667 .
5- .انظر ترجمته في تاريخ الخلفاء للسيوطي : 1 / 108 ، وتاريخ عمر بن الخطّاب للسيوطي ايضا : 6 ، وتهذيب التهذيب : 6 / 27 ، والمعارف لابن قتيبة : 179 .
6- .انظر ترجمته في جوامع السيرة : 276 ، وكنز العمّال : 7 / 140 ، وقاموس الرجال : 2 / 202 .

ص: 46

مشاهير المحدِّثين

18 _ اُسامة بن زيد : هو أبو محمّد اُسامة بن زيد بن شراحيل الكلبي ، مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله واُمّه اُمّ ايمن حاضنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، توفّي في خلافة معاوية (1) .

مشاهير المحدِّثين :اعتمد المؤلّف في كتابه على اُمّهات الكتب المعتبرة المسندة الصحيحة عند القوم ، وعلى أئمّة الجرح والتعديل ، مثل : 1 _ البخاري : هو أبو عبداللّه محمّد ابن أبي الحسن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي بالولاء ، ولد ببخارى عام ( 194 ه ) ، ونشأ بها يتيما فحفظ القرآن وحفظ عشرات الألوف من الأحاديث قبل أن يناهز البلوغ،ثمّ رحل في طلب الحديث إلى أكثر ممالك الشرق من : خراسان والجبل والعراق والحجاز ومصر والشام . وظلّ طول حياته يتردّد بين الأمصار ، ويقيم ببغداد ونيسابور ، حتّى اشتاق إلى بلاده فرجع إليها وابتلي فيها بفتنة خلق القرآن ، فأخرجه أهل بخارى ، ومات في طريقه بقرية يقال لها : خرتنك ، على ثلاثة فراسخ من سمرقند عام ( 256 ه ) . ألّف كتابه «الجامع الصحيح» المعروف بصحيح البخاري في ستّ عشرة سنة ، واستخرج أحاديثها من ستمائة ألف حديث ، عدد أحاديثه سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون ، وبعد إسقاط المكرر أربعة آلاف . وقال له ابن حنبل : سمّيت كتابك صحيحا وأكثر رواته خوارج ؟ فقرّر مع الغريري سماع كلِّ كرّاس بدانق ، فلهذا لم ترفع روايته إلاّ عن الغريري . وحبسه قاضي بخارى أيّام حياته لمّا قال له : لِمَ رويت عن الخوارج ؟ قال: لأ نّهم ثقات لا يكذبون،وإنّما شاع كتابه لتظاهره بعداوة أهل البيت عليهم السلام، فلم يروِ خبر الغدير مع بلوغه في الاشتهار ، إلى حدّ لا يمكن فيه الإنكار ، وكتم حديث الطائر مع

.


1- .انظر تهذيب الكمال : 2 / 338 ، وقاموس الرجال : 1 / 716 .

ص: 47

كونه مشهورا في الخاصّ والعامّ على مرور الأيّام ، وجحد آية التطهير مع إجماع المفسّرين على نزولها فيهم من غير نكير ، إلاّ من : عكرمة الخارجي ، والكذّاب الكلبي ، وثالثهما البخاري . ولم ينقل من حديث الراية أوّله ، ولم يروِ حديث سدّ الأبواب ، وقد رواه ثلاثون رجلاً من الصحابة ، ولم يذكر ما نقلَته رواتهم من قول الأوّل : أيّ سماء تظلّني . . . الحديث ، ولا خبر الكلالة ، ولا خطبة الاستقالة ، ولا بدايع عثمان ، ولا حديث ماء الحوأب . ولمّا لم يخش من تلك التمويهات صدق عليه : «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَ_تِ» (1)(2) . 2 _ مسلم : بن الحجّاج بن مسلم القشيري النيسابوري ، وُلد بنيسابور سنة ( 204 ه ) ، من مشاهير علماء الحديث عند أهل السنّة ، أشهر كتبه «الجامع الصحيح» المعروف بصحيح مسلم ، وهو العربيّ الوحيد من بني أصحاب «الصحاح الستّة» . مات بنيسابور سنة ( 261 ه ) (3) . 3 _ النَسائي : الشيخ المحدِّث الحافظ الكبير أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن عليّ بن بحر بن سنان المعروف بالنّسائي ، أحد كبراء المشاهير من محدِّثي أهل السنّة والجماعة ، نسبته إلى نَساء _ بفتح النون _ إحدى مدن خراسان ، وكان إمام عصره في الحديث ، وله كتاب «السنن» المشهور الّذي هو من جملة الصحاح الستّة عند الجمهور ، وشرَحه جماعة ، منهم : أبو الحسين عليّ بن عبداللّه بن خلف الأنصاري الأندلسي الّذي هو من كبار النحاة، وله أيضا كتاب «التفسير» . ومات سنة (567 ه) .

.


1- .البقرة : 139 .
2- .الغدير : 1 / 93 ، والكنى والألقاب : 2 / 71 ، ووفيات الأعيان : 4 / 189 ، ومعجم البلدان : 1 / 355 .
3- .تاريخ بغداد : 13 / 100 ، وتهذيب التهذيب : 10 / 126 ، وسير أعلام النبلاء : 12 / 557 / 217 ، وطبقات الحنابلة : 246 ، وابن الأثير : 7 / 65 ، المنتظم : 32 .

ص: 48

ورد النَسائي مصر ، وانتشرت بها تصانيفه ، وأخذ عنه الناس ، ثُمّ ارتحل منها في أواخر عمره إلى دمشق الشام ، وصنّف بها «الخصائص» في فضائل أهل البيت عليهم السلام ، وأكثر روايته عن أحمد بن حنبل ، فقيل له : ألا تصنّف كتابا في فضل الصحابة ؟ فقال: دخلت دمشق والمنحرف فيها عن عليّ عليه السلام كثير فأردت أن يهديهم اللّه بهذا الكتاب. وقد سئل يوما عن أمر معاوية وما وضعوه من الرواية في فضائله ؟ فقال : ما أعرف له فضلاً ألا لا أشبع اللّه بطنه . وفي رواية : أ نّه قال : أما رضي معاوية أن يكون رأسا برأس حتّى أن أزيد له حديث الفضيلة ؟ ! وبالجملة ، فمازال أهل دمشق يدفعون بعد ذلك عن خصائصه إلى أن أخرجوه منها إلى الرملة ، وهي من أرض فلسطين ، فكان مقيما بها باقي عمره يصوم نهارا منه ويفطر نهارا ، تأسّيا برسول اللّه صلى الله عليه و آله في عمله ذلك للقيام بمقتضى الصبر تكاليف اللّه والشكر على نعمائه ، فإنّ بهما تمام دين المرء ، كما في الأخبار . ثمّ لمّا مرض مرض الموت أشار إلى أهله بأن يحملوه إلى مكّة المعظّمه فحمل إليها، وكان به رمق ، توفّي بها في يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة من صفر المظفّر ، وقيل: في شعبان سنة ( 303 ه )، وقال أبوسعيد عبدالرحمن بن أحمد بن يونس صاحب «تاريخ مصر»: إنّ النَسائي قدم مصر قديما ، وكان إماما في الحديث ثقةً ثبتا حافظا، وكان خروجه من مصر في ذي القعدة سنة ( 302 ه ) ، كما ذكره ابن خلّكان (1) . 4 _ البيهقي : أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ بن عبداللّه بن موسى البيهقي الخسروجردي (384 _ 458 ه) . ترجم له عبد الغافر الفارسي في «السياق» كما في منتخبه «تاريخ نيسابور» ووصفه بواحد زمانه في الحفظ ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط (2) .

.


1- .وفيات الأعيان : 1 / 59 .
2- .تاريخ نيشابور : 127 رقم 231 .

ص: 49

أقول : ويشهد لحفظه وإتقانه ما حكاه ظهير الدين البيهقي . في «تاريخ بيهق» . فقد ترجم له وقال ما معرّبه : كان أوحد زمانه في علم الحديث ، وكان ذات يوم في حلقة الحافظ أبي عبداللّه الحاكم النيسابورى ، وفي الحلقة كثير من العلماء والمحدِّثين ، والحاكم يُملي عليهم الحديث ، فروى الحاكم حديثا سقط من إسناده راوٍ ، ففطن له البيهقي ونبّهه عليه ، فغضب الحاكم فطالبه البيهقي أن يُخرج له الأصل ، فأخرج الأصل ، فإذا الأمر كما قال البيهقي (1) . أقول : وتوفّي في جمادى الاُولى بنيسابور ، وحمل إلى بيهق فدُفن هناك ، ومل ء البلدين يومذاك علماء فقهاء ومحدِّثون ، ولم ينكر نقل الجنازة منهم أحد (2) . 5 _ الطبراني : أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيّوب بن مُطير اللخمي الشامي الطبراني ، نزيل إصفهان ، الحافظ المشهور ، صاحب المعجم الكبير والوسيط والصغير (260 _ 360 ه) . ترجم له تلميذه الحافظ أبو نعيم الإصفهاني ، وذكر أ نّه أقام بها محدِّثا ستّين سنة ، وبها توفّي (3) . وقد أغنتنا شهرته الطائلة عن التوسّع في ترجمته ، وقد أفرد الحافظ ابن مندة الإصفهاني _ وهو أبو زكريّا يحيى بن عبد الوهّاب المتوفّى سنة (511 ه) _ جزءا حافلاً في ترجمته وبعض مناقبه ومولده ووفاته وعدد تصانيفه 4 .

.


1- .تاريخ بيهق : 317 (الطبعة الهندية) .
2- .له ترجمة في : طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة : 1 / 226 ، وأعلام تاج العروس : 1 / 159 ، وسير أعلام النبلاء : 18 / 163 ، وأعلام معجم البلدان : رقم 205 ، وغيرها .
3- .أخبار إصبهان : 1 / 533 .

ص: 50

6 _ الدارقطني : أبو الحسن عليّ بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي ، المتوفّى سنة (385 ه) . ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد» وقال : وكان فريد عصره ، وقرّيع دهره ، وينسج وحده ، وإمام وقته ، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة مع الصدق (1) . وحكى الذهبي في «سير أعلام النبلاء»، عن الحاكم قوله : وله مصنّفات يطول ذكرها . وقوله ثانيةً في موضع آخر : ومصنّفاته يطول ذكرها (2) . قال الكنجي في «كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب» ، عند كلامه عن حديث الغدير : وجمع الحافظ الدارقطني طرقه في جزء (3) . 7 _ الترمذي : أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سوَرة الترمذي ، صاحب «الجامع الصحيح» المعروف بسنن الترمذي ، من مشاهير المحدِّثين والحفّاظ ، له من الكتب : «الشمائل» و«العلل» و«التاريخ» و«الزهد» و«الأسماء والكنى» و«السنن» . وثّقه الذهبي وابن حجر وغيرهما ، توفّي سنة ( 279 ه ) (4) . 8 _ مكحول : بن أبي مسلم شهراب بن شاذل بن سند بن شروان بن يزدك : عالمُ أهل الشام ، يكنّى بأبي عبداللّه ، وقيل بأبي أيّوب ، وقيل بأبي أسلم الدمشقي الفقيه ، وداره بطرف سوق الأحد ، أرسل عن النبيِّ صلى الله عليه و آله أحاديث ، وأرسل عن عِدّة

.


1- .تاريخ بغداد : 12 / 34 .
2- .سير أعلام النبلاء : 16 / 452 و 457 .
3- .كفاية الطالب : 60 . وله ترجمة في : الوافي بالوفيات : 21 / 348 وانظر المصادر الكثيرة المذكورة بهامشه ، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة : 1 / 147 ، وسير أعلام النبلاء : 16 / 449 _ 461 وانظر المصادر الّتي ذكرها المحقّق في تعليقه .
4- .ميزان الاعتدال : 3 / 678 / 8035 ، وتهذيب التهذيب : 9 / 344 / 638 ، وتهذيب الكمال : 26 / 250 / 5531 .

ص: 51

من الصحابة لم يُدركهم : كاُبي بن كعب ، وثوبان ، وعُبَادة بن الصامت ، وأبي هريرة ، وأبي ثَعلبة الخُشَني ، وأبي جَندل بن سهيل ، وأبي هند الداري ، واُمّ أيمن ، وعائشة ، وجماعة . وروى أيضا عن طائفة من قُدماء التابعين ، كأبي مُسلم الخَوْلاني ، ومسروقٍ ، ومالك بن يخامر ، وحدَّث عن واثلة بن الأسقع ، وأبي اُمامة الباهلي ، وأنس بن مالك ، واُمّ الدرداء ، وطاووس ، وقبيصة بن ذوايب ، وغيرهم . حدَّث عنه الزهري ، وربيعة الرأي ، وزيد بن واقد ، وسليمان بن موسى ، وغيرهم . واختُلف في ولاء مكحول ، فقيل : مولى امرأة هُذَلية وهو أصحٌّ ، وقيل : مولى امرأة اُمويّة ، وقيل : كان لسعيد بن العاص فوهبه للهذَلية فأعتقته ، وكان نُوبيا ، عداده في أوساط التابعين ، من أقران الزهري . قال أبو حاتم : مابالشام أحد أفقه من مكحول . وفاته مختلف فيها ، فقيل : سنة ( 112 ه ) ، وقيل سنة ( 113 ه ) ، وقيل بعد سنة ( 116 ه ) (1) . 9 _ أحمد بن حنبل : أبو عبداللّه أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني المروزيّ الأصل البغداديّ المنشأ والمسكن والمدفن ، رابع الأئمّة الأربعة لأهل السنّة . قال ابن خلّكان في وصفه : كان إمام المحدِّثين ، صنَّف كتاب «المسند» ، وجمع فيه من الحديث مالم يتّفق لغيره ، وقيل : إنّه كان يحفظ ألف ألف حديث ، وكان من أصحاب الشافعي وخواصّه ، لم يزل مصاحبه إلى أن ارتحل الشافعي إلى مصر ، دعي إلى القول بخلق القرآن ، فلم يجب فضُرب وحُبس . وفي البحار نقلاً عن الطرائف قال : رأيتُ كتابا كبيرا مجلَّدا في مناقب

.


1- .طبقات ابن سعد : 7 / 453 ، والجرح والتعديل : 8 / 407 ، وحلية الأولياء : 5 / 177 ، وتهذيب الأسماء واللغات : 2 / 113 _ 114 ، ووفيات الأعيان : 5 / 280 ، وطبقات الحفّاظ : 42 ، والبداية والنهاية : 9 / 305 .

ص: 52

أهل البيت عليهم السلامتأليف أحمد بن حنبل فيه أحاديث جليلة قد صرَّح فيها نبيُّهم صلى الله عليه و آله بالنّصّ على عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة على الناس ليس فيها شبهة عند ذوي الإنصاف ، وهي حجّةٌ عليهم ، وفي خزانة مشهد عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالغري من هذا الكتاب نسخةٌ موقوفة ، من أراد الوقوف عليها فليطلبها من خزانته المعروفة . وعن الإمام الثعلبيِّ المفسِّر أ نّه ينقل عن أحمد بن حنبل المذكور أ نّه قال : ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ماجاءَ لعليٍّ عليه السلام من الفضائل . أخذ عنه الحديث جماعة من الأماثل ، منهم : محمّد بن إسماعيل البخاري ، ومسلم بن الحجّاج النيشابوري ، ولم يكن في آخر عصره مثله في العلم والورع ، وتوفّي ضحوة نهار الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل ، وقيل : في شهر ربيع الآخر سنة ( 241 ه ) ببغداد ، ودُفن بمقبرة باب حرب _ المنسوب إلى حرب بن عبداللّه ، أحد أصحاب المنصور الدوانيقي الباني لأصل البلد ، وإلى حرب هذا تُنسب المحلّة المعروفة بالحربية _ وقبر أحمد مشهور يُزار ، وحزر من حضر جنازته من الرجال فكانوا ثمانمائة ألف ، ومن النساء ستّين ألفا ، وقيل : إنّه أسلم يوم مات عشرون ألفا من اليهود والنصارى ، انتهى ما ذكره ابن خلّكان بعد تصرُّف مافيه . ونقل أ نّه دُفن ممّا يلي رأس أبي حنيفة في الجانب الشرقي من بغداد . 10 _ الزهري : ابن شهاب ابن عبداللّه ، هو الّذي طلب إليه خالد القسري أن يكتب له السيرة ، فابن شهاب هو الغالب على تسمية الزهري ، وأمّا عبداللّه فهو جدُّه ، وعبداللّه هو ابن شهاب ، ومن هنا وقع اللبس ، ويؤيِّد ما قلناه أ نّه لم يكن أحد من أهل العلم بالسِير ممَّن عاصر خالد القسري يُعرف بابن شهاب إلاّ ابن شهاب الزهري. إذن ، هذه هي مغازي ابن شهاب الزهري الّتي عرّف بها نفسه ، فقال : قال لي خالد بن عبداللّه القسري اكتب لي النسب ، فبدأتُ بنسب مضر فمكثت فيه أيّاما ، ثمّ أتيته فقال ما صنعت ؟ فقلت : بدأت بنسب مضر وما أتممته ، فقال : اقطعه _ قطع اللّه مع اُصولهم _ واُكتب لي السيرة ، فقلت له : فإنَّه يمرّ بي الشيء من سير عليّ بن أبي

.

ص: 53

طالب صلوات اللّه عليه فأذكره ؟ قال : لا ، إلاّ أنْ تراه في قعر الجحيم (1) . فلمّا لم يجد الزهري عليّا في قعر الجحيم لم يورد له ذكرا في مغازيه ! قال معمر : كان عند الزهري حديثان عن عروة ، عن عائشة في عليّ عليه السلام ، فسألته عنهما يوما، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما؟ اللّه أعلم بهما،إنّي لأ تّهمهما في بني هاشم (2) . كان الزهري أكثر إنصافا لحقائق التاريخ من عروة ، ومرّة اُخرى يبدو الزهري أكثر إنصافا من آخرين ممّن عاصروه حين يوجّه الطعن التاريخ الّذي كان يكتب على عيون بني اُميّة . قال معمر : سألت الزهري عن كاتب الكتاب يوم الحديبية ؟ فضحك وقال : هو عليّ بن أبي طالب ، ولو سألت هؤلاء _ يعني بني اُميّة _ لقالوا : عثمان ! ! . لا شكّ أنّ الخبرين المذكورين قد حفظا للزهري موقفا فريدا ، إذ نزّه قلمه فيهما عن لونين من ألوان اغتصاب الحقيقة التاريخية ، فأبى أن يسوق أحاديث عَلِمَ أ نّها وضعت للنيل من عليّ عليه السلام وبني هاشم،كما أبى أن يسلبهم حقّهم ليمنه آخرين من غيرهم. تجنّب الزهري شيئا من أخبار شيخه عروة حين اتّهمه في بني هاشم ، وهذه فضيله يحفظها له التاريخ ، وفي مقابل ذلك أعرض عن ذكر سِيَر عليّ عليه السلام ومناقبه إرضاءً لبني اُميّة ، وهذه حفظها له بنو اُميّة ! وربّما ظنّ أ نّه قَد سلك مسلكا وسطا ، فلا هو أرضاهم في النيل من عليّ عليه السلام وبني هاشم ، ولا هو أسخطهم بذكر سِيَر عليّ عليه السلام وبني هاشم . وبهذا نجح الزهري فكان ذا حظٍّ عند الاُمويّين لايقدّمون عليه أحدا حتّى توفّي ، ولكن لم يأت هذا النجاح إلاّ بما هدره من حقائق الدين والتاريخ الّتي لو أظهرها لكان الزهري عندهم غير الزهري !

.


1- .الأغاني 22 / 15 من رواية المدائني .
2- .شرح النهج لابن أبي الحديد : 4 / 64 .

ص: 54

مخطوطات الكتاب

مخطوطات الكتاب :1 _ مخطوطة من القرن العاشر ، مع «مناقب أمير المؤمنين عليه السلام » للخطيب الخوارزمي ، المتوفّى سنة ( 568 ه ) ، في المكتبة المركزية لجامعة طهران ، رقم 6665 ، ذُكرت في فهرسها 16 / 329 . 2 _ نسخة من القرن التاسع ، في المكتبة المركزية المذكورة أيضا ، رقم 7009 ، مذكورة في فهرسها 16 / 427 . 3 _ مخطوطة كُتبت سنة ( 988 ه ) في مكتبة البرلمان السابق في طهران . 4 _ مخطوطة كتبها عليّ بن أحمد الأحسائي سنة ( 1118 ه ) في مكتبة البرلمان السابق أيضا ، رقم 2944 ، وصفت في فهرستها10/376 . 5 _ مخطوطة في مكتبة البرلمان السابق أيضا ، رقم 5825 ، كتبها عليّ بن جعفر الحلبي النارنجي الحلّي سنة ( 1058 ه ) ، في 370 صفحة ، مصحّحة ، مقابلة ، وُصفت في فهرسها 17 / 242 . 6 _ مخطوطة اُخرى فيها أيضا ، رقم 1364 ، ذُكرت في فهرسها 4 / 154 . 7 _ مخطوطة اُخرى فيها ، كتبها عليّ الطبسي ، وفرغ منها في محرَّم من سنة ( 983 ه ) ، وهي ضمن المجموعة رقم 4413 ، مذكورة في فهرسها 12 / 109 . 8 _ مخطوطة من القرن الحادي عشر ، في مكتبة مدرسة المروي في طهران ، رقم 340 . 9 _ مخطوطة من القرن التاسع أو العاشر ، معه كتاب «مناقب السادات» بالفارسية ، للقاضي شهاب الدين ابن شمس الدين عمر الزاولي الدولت آبادي الهندي الدهلوي ، مؤلّف «توضيح الدلائل» المتوفّى سنة ( 849 ه ) ، وهو أربعون حديثا ، جمعه في فضلهم ، وهذه المجموعة موجودة في مركز الوثائق في وزارة الإرشاد الإيرانية .

.

ص: 55

10 _ مخطوطة قديمة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد المقدّسة ، رقم 1758، ممّا وقفها السلطان نادر شاه لهذه المكتبة ، ذُكرت في فهرسها القديم 1/63 . 11 _ مخطوطة اُخرى فيها أيضا ، رقم 2094 ، ممّا وقفه ميرزا رضا خان النائيني في سنة ( 1311 ه ) . 12 _ مخطوطة في مكتبة السيّد المرعشي العامّة في قم ، رقم 3253 ، فرغ منها الكاتب في 15 شهر رمضان من سنة ( 977 ه ) ، وُصفت في فهرسها 9 / 44 . 13 _ مخطوطة في مكتبة كلّية الإلهيّات في جامعة الفردوسي في مشهد خراسان ، في آخر المجموعة رقم 456 ، كُتبت سنة ( 1082 ) ، ذُكرت في فهرسها 1 / 362 . 14 _ مخطوطة خطها إبراهيم بن المظفّر الدماوندي ، وفرغ منها في العشر الأخير من صفر سنة ( 1093 ه ) في المكتبة المركزية لجامعة طهران ، رقم 3270 ، وُصفت في فهرسها 11 / 2229 . 15 _ مخطوطة اُخرى فيها ، رقم 3633 ، كتبها عامر بن محمّد بن عبداللّه بن عامر الهدوي سنة ( 1114 ه ) بالمدينة المنوّرة ، ذُكرت في فهرسها 12 / 2639 . 16 _ مخطوطة من القرن التاسع ، قريبة من عصر المؤلّف ، في مكتبة السلطان أحمد الثالث في طوبقبو سراي في إسلامبول ، رقم 2872A . 17 _ مخطوطة في مكتبة بايزيد في إسلامبول ، من مكتبة وليّ الدين ، رقم 1614 ، كُتبت سنة ( 988 ه ) . 18 _ مخطوطة في المكتبة السليمانية في إسلامبول ، من مخطوطات رئيس الكُتّاب ، رقم 4583 . 19 _ مخطوطة اُخرى فيها ، من كتب رئيس الكُتّاب ، كُتبت سنة ( 967 ه ) ، بأوّل المجموعة رقم 1185 ، من 1 ب _ 94 ب .

.

ص: 56

20 _ مخطوطة في مكتبة الآثار العراقية ، من كتب أنستاس الكرملي ، كُتبت سنة ( 1105 ه ) ، وعليها صُحّحت الطبعة النجفية الاُولى . 21 _ مخطوطة في مكتبة الأوقاف بالموصل ، من مخطوطات حسن باشا الجليلي ، كُتبت سنة ( 1202 ه ) كما في فهرسها 1 / 119 . 22 _ مخطوطة كتبها عليّ بن محمّد الشرواني سنة ( 1135 ه ) ، في مكتبة الأوقاف في بغداد ، رقم 2 / 7072 مجاميع ، مذكورة في فهرسها 4/255 . 23 _ مخطوطة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنوّرة ، كتبت سنة ( 973 ه ) ، رقمها 168 . 24 _ مخطوطة في مكتبة الأسد بدمشق ، من كتب الأحمدية ، رقم 266 . 25 _ مخطوطة في مكتبة الجامع الكبير في صنعاء ، رقم 2188 ، فرغ منها الكاتب في 5 صفر من سنة ( 1171ه ) ، ذُكرت في فهرسها 4/1796 . 26 _ نسخة اُخرى فيها ، برقم 2183 ، ذُكرت ايضا في فهرسها 4/1796 . 27 _ مخطوطة في مكتبة خدا بخش في بتنه بالهند ، كُتبت سنة ( 1100 ه ) ، رقمها 2301 . 28 _ مخطوطة في الأمبروزيانا في إيطاليا ، رقم 318D ، كتبت سنة ( 1144ه ) ذكرها الدكتور المنجّد في فهرس الأمبر وزيانا 2 / 69 . وعنها فيلم في معهد المخطوطات بالقاهرة ، رقم 1157 ، ذُكر في فهرس المعهد ج 3 تاريخ ص 227 . 29 _ مخطوطة في المكتبة الوطنية في برلين ، رقمها 9672 ، كتبت سنة ( 950 ه ) ذكرها آلورث في فهرسها 9 / 212 . 30 _ مخطوطة اُخرى فيها رقمها 9671 كتبت سنة ( 1232ه ) ، ذكرها آلورث في فهرسها 9 / 213 . 31 _ مخطوطة في مكتبة جامعة برنستون بالولايات المتحدة ، رقمها 24 ، كُتبت سنة ( 1064ه ) ، من مجموعة يهودا ، ذكرها ماخ في فهرسه : 364 برقم 4589 .

.

ص: 57

طبعاته

32 _ مخطوطة في مكتبة جامعة لوس أنجلس ، رقم 1120 M ، كتبت سنة ( 1119 ه ) ، ذُكرت في نشرة المكتبة المركزية لجامعة طهران 11 / 312 .

طبعاته :طبع في طهران سنة ( 1303 ه ) ، وطبعته المكتبة التجارية ومطبعتها في النجف الأشرف سنة ( 1370 ه _ 1950 م ) مع مقدّمة للمحامي توفيق الفكيكي . وطبعته المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف الأشرف سنة ( 1381ه 1962م ) مع مقدَّمة للاُستاذ الفكيكي أيضا . وطبعته مكتبة الأعلمي في طهران بالاُوفسيت على الطبعة النجفية الاُولى . وطبعته مؤسّسة الأعلمي البيروتية في بيروت بالاُوفسيت على الطبعة النجفية الاُولى. وهنا اُحبّ أن اقول : إنني لم أحرز الكمال في تقويم النصّ ، ولا شكّ أنّ في تحقيقي هذا للكتاب بعض العثرات والتقصير أو الإهمال لأنّ الكمال للّه وحده ، ولكني بذلتُ طاقتي وما في وسعي وكفايتي لأنّ التحقيق أمرٌ صعبٌ وشاقٌّ . وقد عانيتُ من شحّة المصادر وكذلك العوز المادّي في استنساخ بعض المخطوطات حتّى ألجأتني الظروف إلى بيع بعض الأشياء الّتي أعتزُّ بها وكنتُ ومازلت أتمنّى بأن لا أضطرّ إلى بيعها ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن . ثمّ إنّ بعض النُسخ فيها ما فيها من الأخطاء الفاحشه الّتي شوّهت الكتاب وقبّحته وسوّدته فجاءت فيه نصوص الأحاديث ورجالها بشكل مغلوط فضيح لا يمكن الاستفاده منه مع الأسف . وربما التبس الأمر على الناسخ بين الأب والابن ، والحافظ وغيره ، والحقّ والباطل ، والصحيح والعليل . كما وجدتُ بعض النُسخ فيها تصحيفا واضحا في بعض الأسماء والأسانيد وألفاظ الحديث . غير أنّ الكتاب مع وجود الأغاليط والتشويه فيه كان موضع تقدير وثناء في معرض أحاديث الباحثين والمحقّقين ، وما ذلك إلاّ لجلالة قدره والوثوق بما فيه . ولهذا ولغيره من الأسباب .

.

ص: 58

منهج العمل في الكتاب

رغّب إليَّ بعض العاملين في حقلي التنقيب والتحقيق تصحيح الكتاب من ناحية الأسانيد،ومقابلة الأحاديث متونها وألفاظها مع نصوصها المثبوته في معاجم الحديث ومؤلّفات المحدّثين في الفضائل والمناقب ، ووضع فهارس فنّية علمية إلى جانب ترجمة الرواة تسهيلاً لهم في الوقوف على الرجال والأحاديث الوارده في الكتاب . والّذي أعانني في تصحيح الكتاب وسهّل لي الصعاب أنّ في الكتاب حسنةً تذكر لابن الصبّاغ المالكي أنه على عادة المؤلّفين القدماء لا يذكر حديثا إلاّ عزاه لصاحبه فكنتُ أرجع إلى نصوصه واُقابلها مع سائر المصادر والنُسخ . وكان في كثير من الأحايين مهمّة صعبة ، وبهذا تمكّنت من تقويم عوج الكثير من نصوص الكتاب . وفي هامش كلّ صحيفة إشارة إلى مواطن الاقتباس والأخذ من المصادر الّتي وقعت لديَّ ، ورجعتُ بأبيات الشعر الواردة فيه إلى دواوين الشعراء المختلفة وبالآيات القرآنية والأحاديث إلى مظانّها في المصحف وكتب الحديث ، وأخيرا إلى ترجمة الأعلام الواردة في نصّ الكتاب مع الإشارة إلى مصادر الترجمة وزيّنته بفهارس مفصّلة ليزداد قيمةً ويقرب منالاً . وإنّي أحمد اللّه سبحانه أن وفّقني لإخراجه على هذا النحو فإن ، كنتُ أصبتُ فالخير اردت وإن تكن الاُخرى فحسبي أننى بذلتّ وسعي حسبما اتّسع لي من الوقت ويسّرته للقارئ الكريم وجنّبته مصاعب كان يتشعّب فيها فكره ويتبدّد وقته، وأتحت للناقد ان يهجم عليَّ بفكرٍ وعقلٍ نشيط فيستطيع أن يؤدّي واجبه في يسرٍ وسهولة .

منهج العمل في الكتاباعتمدتُ في تحقيقي للكتاب هذا على أربع نسخ ، وهي : 1_ نسخة مصوّرة كُتبت سنة ( 973 ه ) من مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنوّرة ، فهي أقدم النُسخ الموجودة لدينا وعدد أوراقها 232 تحت رقم ( 168 ) 2/7072 مذكورة في فهرسها 4/255 ، وقد رمزت لها بحرف ( ب ) ، وهذه النسخة

.

ص: 59

ناقصة بمقدارٍ قليل ولكن فيها كثير من الألفاظ المطموسة . 2_ نسخة من مكتبة الآثار العراقية من كتب انستاس الكرملي ، كُتبت سنة ( 1105 ه ) وعليها صحّحت الطبعة النجفية الاُولى وبمقدمّة الاُستاذ توفيق الفُكيكي ، وهي مكتوبة بقطع الثمن الصغير وعدد صفحاتها 336 بديع الخطّ وجميع أوراقها مؤطّرة بثلاثة خطوط اثنان منها احمرا وهما اللّذان يليان الكتاب والثالث أزرق ، وقد رمزت لها بحرف ( أ ) وجعلتها هي الأصلية . 3_ نسخة من مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد المقدّسة تحت رقم 1758 ممّا وقفه السلطان نادر شاه لهذه المكتبة ذكرت في فهرسها القديم 1 / 63 وقد رمزت لها بحرف ( ج ) . 4 _ نسخة من مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد المقدّسة مع كتاب مطالب السئول عدد أوراقها 223 تحت رقم 2094 ممّا وقفه ميرزا رضاخان النائيني بتاريخ ( 1311 ه ) بطول 22 عرض 14 ، وقد رمزت لها بحرف ( د ) . وقد قابلتُ النُسخ الأربعة وطريقتي هي التلفيق بين النُسخ لإبراز متنٍ صحيحٍ وكامل من غير أخطاء ، وقد أشرتُ إلى اختلاف النُسخ في الهامش ، وفي حالة حدوث طمس _ أي نقص عبارة في الأصل _ اعتمدتُ تثبيت ماهو أصل له إذا كان المؤلف قد أشار إلى مصدره ، وفي حالة عدم ذكر المصدر أبقيتُ الطمس على حاله وأشرتُ إلى ذلك في الهامش . وكنتُ في بعض الحالات اُشير في الهامش إلى ما أعتقد أنه أقرب إلى الصحّة ، وعند وجود خطأ إملائي أو إعرابي اُصحّحه واُشير إلى أصله في الهامش أيضا ، وإذا كان في الأصل تحريف أو عدم استقامه في المعنى ، وورد النصّ في مصدرٍ آخر صحّحتُ العيب مع حفظي على حرفية الأصل ، وفي حالة عدم التوصّل إلى قراءة كلمة أو عبارة أبقيتُ على رسمها وأشرت إلى ذلك في الهامش بعبارة «هكذا وردت» مع أنّ هذه الحالات كانت قليله جدّا .

.

ص: 60

شكر و تقدير

ثمّ إنّ تعليقي على بعض الموارد الّتي ذكرها ابن الصبّاغ كان من باب المقارنة والمقايسة مع المذاهب الاُخرى . وكذلك لم اكتف بحديثٍ واحد كما يذكر ابن الصبّاغ المالكي ، بل حاولتُ استقصاء جَهد أمكاني تثبيت الأحاديث الاُخرى الواردة بهذا المعنى لأجل ان يتعرّف القارئ الكريم على فضائل أهل البيت عليهم السلاموكانت لي وقفات مع ابن الصبّاغ المالكي في المواقف الّتي تتطلّب ذلك ، كما في كلمة الإمام العادل والآل والغدير والصحاب ، وغير ذلك كثير .

شكر و تقدير :يشرّفني ويسعدني وأنا أختم تحقيق هذا السفر الجليل أن أتقدّم بالشكر الجزيل للعلاّمة السيّد حسين مرتضى صدر الأفاضل النقوي ، والعلاّمة الحاجّ الشيخ شبير حسن الميثمى اللاكهاني ، لتحمّلهما مشاقّ تهيئة بعض المصادر النادرة . كما وأتوجه ببالغ الشكر والامتنان للأخ الفاضل الحاج كمال الكاتب ، على ما بذله من جهد متواصل وسعي مشكور في تقويم النصّ وهوامش الكتاب ، سائلاً اللّه عزّ شأنه أن يزيد لهم في التأييد والتوفيق إنّه بالإنعام والتفضّل حقيق . وفي الختام ، أضع ثمرة جهد خمس سنوات متواصلة بين أيدي المدقّقين والمحقّقين للاستفادة من هذا العمل القليل خدمةً للإسلام والمسلمين ، وآخر دعواي أن الحمد للّه ربّ العالمين . سام_ي الغري_ري 1420 ه

.

ص: 61

M2313_T1_File_4708944

.

ص: 62

M2313_T1_File_4708945

.

ص: 63

M2313_T1_File_4708946

.

ص: 64

M2313_T1_File_4708947

.

ص: 65

M2313_T1_File_4708948

.

ص: 66

M2313_T1_File_4708949

.

ص: 67

M2313_T1_File_4708950

.

ص: 68

M2313_T1_File_4708951

.

ص: 69

. .

ص: 70

. .

ص: 71

مقدّمة المؤلّف

اشاره

مقدّمة المؤلّفالحمد للّه الّذي جعل من صلاح هذه الاُمّة نصب الإمام العادل 1 ،

.

ص: 72

وأعلى (1) ذكر مَن اختاره لولايتها ، فهو عليٌّ في العاجل والآجل ، أحمدهُ في البكر (2) والأصائل ، واُصلّي على نبيّه محمدٍ صلى الله عليه و آله سيّد الأواخر والأوائل ، المختار من الصفوة والأطايب ، والحال من صميم العرب في أعلى الذوائب ، من هجرة (3) مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب 4 ،

.


1- .في (ب) : وعلى .
2- .في (د) : البكور .
3- .في (ج) : شجرة .

ص: 73

وعلى آلهِ 1 ،

.

ص: 74

وأزواجِهِ 1 ،

.

ص: 75

واصحابه 1 ،

.

ص: 76

وذرّياتِهِ 1 أهلِ الشرفِ والمراتب المسطّر ذكرهُم فيالكتابِ تسطيرا المنزلِ فيهم

.

ص: 77

« إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » (1) . وبعدُ : فعنّ لي أن أذكر في هذا الكتاب فصولاً مهمّةً في معرفة الأئمّة ، أعني

.


1- .الأحزاب : 33 .

ص: 78

الأئمّة الاثني عشر الّذين أوّلهم أمير المؤمنين عليّ المرتضى ، وآخرهم المهديّ المنتظر ، يتضمّن شيئا من ذكرِ مناقبهم الشريفة ، ومراتبهم العالية المنيفة ، ومعرفة أسمائهم ، وصفاتهم ، وآبائهم ، واُمّهاتهم ، ومواليدهم ووفاتهم ، وذكر مدّة أعمارهم ، وأسماء حجّابهم وشعرائهم ، خاليا عن الإسهاب المملّ والاختصار (1) المخلّ ، احترازا عن الإكثار المسئم ، إلى الإيجاز (2) المفهم . ولن يعرف شرفه إلاّ مَن وقف عليه فعرفه مَن عرفه . وعقدتُ لكلّ إمام منهم فصلاً ، يشتمل كلّ فصلٍ على ثلاثة فصول : الأوّل منها في عدّة فصول : الفصل الأوّل منها: في ذكر بحر الخضمّ الأطمّ (3) ،والطود الأشمّ (4) ، أخي الرسول 5 ،

.


1- .في (أ) : والتقصير .
2- .في (أ) : إيجاز .
3- .طَمَّ الأمر طَمّا عَلاَ وغَلَبَ . ومنه قيل للقيامة (طَامَّةُ) . انظر لسان العرب وغيره مادة «طَمَّ» .
4- .جمع أَشَمّ : يقال رجل أشمُّ ، أي يمرّ رافعا رأسه ، وجبل أشمّ طويل الأس . انظر لسان العرب مادة «شَمَّ» .

ص: 79

وبعل البتولِ 1 ،

.

ص: 80

وسيف اللّه المسلول ، مُفرّق الكتائبِ 1 ،

.

ص: 81

ومظهر العجائبِ 1 ،

.

ص: 82

ليث بني غالب 1 أمير المؤمنينَ عليّ بن أبي طالبٍ .

.

ص: 83

الفصل الثاني : في ذكر ابنه الحسن . الفصل الثالث : في ذكر أخيه الحسين . الفصل الرابع : في ذكر ابنه زين العابدين عليّ بن الحسين . الفصل الخامس : في ذكر ابنه محمّد الباقر . الفصل السادس : في ذكر ابنه جعفر الصادق . الفصل السابع : في ذكر ابنه موسى الكاظم . الفصل الثامن : في ذكر ابنه عليّ بن موسى الرضا . الفصل التاسع : في ذكر ابنه محمّد بن عليّ الجواد . الفصل العاشر : في ذكر ابنه أبي الحسن عليّ الهادي . الفصل الحادي عشر : في ذكر ابنه الحسن العسكري . الفصل الثانى عشر : في ذكر ابنه محمّد القائم المهدي .

.

ص: 84

وسمّيته ب_ «الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة» رضوان اللّه عليهم أجمعين ، أجبت في ذلك سؤال الأعزّة من الأصحاب والخلّص من الأحباب (1) ، بعد أن جعلت ذلك لي عند اللّه ذخيرة ورجاء في التكفير (2) لما أسلفته من جريرة واقترفته من صغيرةٍ أو كبيرة ، وذلك لما اشتمل عليه هذا الكتاب في ذكر مناقب أهل البيت الشهيرة ومآثرهم الأثيرة ، ولربَّ ذي بصيرةٍ قاصرة وعينٍ من إدراك الحقايق حاسرة يتأمّل ما ألّفته ويتعرّض (3) ماجمعته ولخّصته ، فحمله (4) طرفه المريض وقلبه المهيض إلى أن ينسبني في ذلك إلى الترفّض 5 .

.


1- .في (أ) : الأخيار .
2- .في (أ) : التفكير .
3- .وفي (ج) : يستعرض .
4- .وفي (د) : فيحمله .

ص: 85

حكى الشيخ الإمام العلاّمة المحدّث بالحرم الشريف جمال الدين محمّد بن يوسف الزرندي (1) في كتابه المسمّى ب «درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والسبطين» (2) أنّ الإمام العلاّمة المعظّم ، والحبر الفهّامة المكرّم ، أحد الأئمّة الأعلام المتتبّعين ، المقتدى بهم في اُمور الدين ، محمّد بن إدريس الشافعي (3) ،

.


1- .هو الإمام شمس الدين محمّد بن عزّ الدين أبي المظفّر يوسف بن الحسن بن محمّد بن محمود بن الحسن الأنصاري الحنفي الزرندي . وما ورد في نسخة ب الراوندي فهو تصحيف أو خطأ من النسّاخ . ولد بالمدينة المنورة سنة (693 ه) ، ثمّ انتقل إلى شيراز بدعوة السلطان أبي إسحاق ابن الملك الشهيد شرف الدين محمود شاه الأنصاري ، وتصدّى لمنصب في شيراز ، ومات فيها عام (750 ه) ودُفن فيها . (انظر الدرر الكامنة : 4 / 195 ، شذرات الذهب : 6 / 281 ، العبقات : 8 / 169 ، كشف الظنون : 1/488) .
2- .عنوان كتابه «نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين» كما صرّح به المؤلّف نفسه : 11 . وقيل : دور السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول (راجع كشف الظنون : 1 / 488 ، منتخب المختار للسلامي : 210) .
3- .هو إمام المذهب الشافعي محمّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطّلب ، ولد بغزّة عام (150 ه) وتوفي بمصر عام (204 ه) وقيل (198 ه) ، تتلمذ على مالك في المدينة وبقي عنده حتّى وفاته ، ثمّ خرج إلى اليمن ليتولّى فيها بعض المناصب ، ثمّ انتقل إلى بغداد وهناك بدأ ينشر مذهبه ورأيه . هو أحد كبار مفكّري العالم وأحد الائمة الأربعة بين فقهاء المسلمين، نشأ في حجر اُمّه يتيما وحُمل إلى مكة وهو ابن سنتين ، وفيها نشأ وتلقى العلم . وحفظ موطّأ مالك ، ثمّ سافر إلى المدينة ، ثمّ رحل إلى العراق . وقال عنه أحمد بن حنبل : لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث . وقد عاش الشافعي مع مالك تسع سنوات ، ولمّا مات مالك (179ه) عاد الشافعي إلى مكّة ، ثمّ سافر إلى بحران ومنها إلى العراق ، وأخيرا انتهى به المطاف إلى مصر سنه (199 ه) . وقد ترك مؤلّفات كثيرة منها الاُمّ في سبعة مجلّدات وفيه فقهه ، والمسند في الحديث ، وأحكام القرآن ، والرسالة في اُصول الفقه . وتوفي عام (204ه ) عن أربع وخمسين سنة . (كتاب الشافعي للشيخ محمّد أبي زهرة بتصرّف) .

ص: 86

المطّلبي لمّا صرّح بمحبة أهل البيت قيل فيه ما قيل ، وهو السيّد الجليل ، فقال مجيبا عن ذلك شعرا : إذا نحن فضّلنا عليا فإنّنا روافض بالتفضيل عند ذوي الجهلِ وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته رُميتُ بنصبٍ عند ذكري للفضلِ فلا زلتُ ذا رفضٍ ونصبٍ كلاهما بحبِّهما حتّى اُوسد في الرملِ وقال أيضا : قالوا (1) : ترفّضت قلت : كلا ما الرفض ديني ولا اعتقادي لكن تولّيت دون (2) شكٍّ خيرَ إمامٍ وخير هادِ إن كان حبّ الوصيّ (3) رفضا فإنّني أرفَضُ العبادِ وقال أيضا : يا راكبا قف بالمحصّب من منى واهتف بقاعد (4) خيفها والناهض سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى فيضا كملتطم الفرات الفائض (5) إن كان رفضا حبّ آل محمّدٍ فليشهد الثقلان أ نّي رافضي (6) وحكى قاضي القضاة تاج الدين عبدالوهّاب السبكي (7) في طبقاته الكبرى ، عن السيّد الجليل والإمام الحفيل أبي محمّد عبدالرحمن النَسائي (8) _ أحد أئمّة الحديث المشهور اسمه وكتابه _ أ نّه لمّا دخل إلى دمشق وصنّف بها كتاب الخصائص في

.


1- .في (ب ، ج) : قال لي .
2- .في (ب) : غير .
3- .في (ب ، ج ، د) : الولي .
4- .في (ب) : بساكن .
5- .في (ب ، ج) : الغايض .
6- .انظر نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين لجمال الدين محمّد بن يوسف بن الحسن بن محمّد الزرندي الحنفي المدني : 110 و 111 ، حلية الأولياء لأبي نعيم : 9 / 652 و 152 ط بيروت ، الصواعق لابن حجر : 131 و 79 وفي طبعة اُخرى : 79 و 178 وطبعة ثالثة : 108 ، نور الأبصار للشبلنجي : 115 و 127 ، ديوان الشافعي الطبعة الثالثة بيروت : 55 ، دليل فقه الشافعي : 11 ط جامعة طهران ، النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية لمحمد بن يحيى العلوي ، الكنى والألقاب ترجمة حياة الشافعي ، ابن حجر العسقلاني في تعليقاته على فردوس الأخبار للدّيلمى : 5 / 410 ، فرائد السمطين : 1 / 135 ح 98 و 423 و 424 ، وذكرها أيضا ابن حجر في الصواعق المحرقة : 131 ، 178 وفي طبعه اُخرى : 79 و 108 باختلافٍ وزيادة و 423 و 424 .
7- .هو تاج الدين أبو نصر عبدالوهاب بن قاضي القضاة تقي الدين أبي الحسن عليّ بن زين الدين أبي محمّد عبدالكافي بن ضياء الدين أبي الحسن عليّ بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام السبكي ، ولد بمصر عام (727 ه _ 771 ه) . (انظر ترجمته في كتابه «طبقات الشافعية الكبرى : 1 / 5 تحقيق محمود محمّد الطناحي وعبدالفتاح محمّد الحلو الطبعة الاُولى بمصر ، وانظر : 9 / 35 تجد ما حكاه في طبقاته الكبرى) .
8- .هو الحافظ الإمام شيخ الإسلام ، أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن عليّ بن بحر بن سنان بن دينار النَسائي (214 _ 303 ه) أو (215 _ 300 ه) ولد في مدينة «نَساء» بخراسان وتوفّي في فلسطين ، وقيل في مكة ، ويُعدّ صحيحه بعد صحيح البخاري ومسلم . كان إمام أهل عصره في الحديث ، تفرّد بالمعرفة وعلوّ الإسناد ، واستوطن مصر مدّةً ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ، ويجتهد في العبادة ليلاً . وخرج آخر عمره حاجّا وبلغ دمشق ، وصنّف فيها كتاب الخصائص في فضل عليّ وأهل بيته عليهم السلام فانكروا عليه ذلك ، فمازالوا يدفعون في خصييه وداسوه حتّى اُخرج من المسجد وحمل إلى الرملة ، ومات بسبب الدوس ، وهو منقول ، ولذا قال عنه الدارقطني : امتُحِنَ بدمشق وأدرك الشهادة وكان ذلك سنة 303 ه(انظر ترجمته في تذكرة الحفّاظ : 698 ، وفيات الأعيان : 1 / 59 و 71 ، سير أعلام النبلاء : 14 / 125 و 129 ، كتابه الخصائص : 9 في المقدّمة تحقيق أحمد ميرين البلوشي مكتبة المعلّى _ الكويت ، البداية والنهاية : 11 / 123 ، المختصر في أخبار البشر : 3 / 86 ، الحاكم في معرفة علوم الحديث : 82 ، الأنساب للسمعاني : 559 ، معجم البلدان لياقوت الحموي : 5 / 82) .

ص: 87

فضل عليّ كرّم اللّه وجهه اُنكر عليه ذلك ، وقيل له: لم لا صنّفت في فضائل الشيخين (1) ؟ فقال : دخلت إلى دمشق والمنحرف فيها عن عليّ كثير ، فصنّفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم اللّه تعالى به . فدفعوه في خاصرته (2) وأخرجوه من المسجد ، ثمّ مازالوا به حتّى أخرجوه من دمشق إلى الرملة ، فمات بها رحمه الله . قال قاضي القضاة تاج الدين السبكي المشار إليه ، قال : سألت شيخنا أبا عبداللّه الذهبي الحافظ : (3) أيّهما أحفظ : مسلم بن الحجّاج (4) صاحب الصحيح أو النَسائي ؟ فقال : النَسائي ، ثمّ

.


1- .وقيل له : ألا تُخرجُ فضائل معاوية ؟ فقال : أيّ شيء اُخرج ؟ حديث اللّهمّ لا تشبع بطنه ؟ فسكت السائل . وسئل أيضا عن معاوية وما جاء من فضائله ، فقال : ألا يرضى رأسا برأس حتّى يُفضل . (انظر معالم المدرستين للعلاّمة السيّد مرتضى العسكري : 1 / 43 نقلاً عن الدارقطني الحافظ الشهير الّذي قال عنه الذهبي بأنه حافظ مشهور وصاحب تصانيف . . . وذكره الحاكم فقال : صار أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع وإماما في القرّاء والنحاة . . . وقال الخطيب : كان فريد عصره وفزيع دهره ، ونسيج وحده ، وإمام وقته . . . وقال القاضي أبو الطيّب الطبري : الدارقطني أمير المؤمنين فى الحديث . (انظر العبر : 3 / 28 ، البداية والنهاية : 11 / 317) . عليّ بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن الدارقطني البغدادي [ 306 _ 385 ه ] . ولد وتوفي ببغداد ، وقد رحل منها إلى مصر وألّف هناك مسند فاطمة عليهاالسلام . ومن تصانيفه غريب اللغة والتصحيف في اللغة والجرح والتعديل والعلل في الحديث والقراءات والمختلف والمؤتلف في الرجال وغيرها .
2- .في (د) : فدفعوا في حضنه .
3- .هو الحافظ شمس الدين أبو عبداللّه محمّد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني المصري الشافعي الذهبي (673 ه _ 748 ه) . (مقدّمة كتابه «ميزان الاعتدال» تحقيق عليّ محمّد البجاوي : 1 ط دار الفكر) ، وهو أعرف من أن يعرّف ، فهو إمام المتأخرين في التواريخ والسِير والحجّة عندهم في الجرح والتعديل . انظر ترجمته في مقدّمة كتابه «ميزان الاعتدال» : ج 1 تحقيق عليّ محمّد البجاوي ط دار الفكر ، الدرر الكامنة : 3 / 336 ، الوافي بالوفيات : 2 / 163 و370 ، طبقات الشافعية : 5 / 216 ، البدر الطالع : 2 / 110 ، شذرات الذهب : 6 / 153 ، النجوم الزاهرة : 10 / 182 ، طبقات القرّاء : 2 / 71) .
4- .هو مسلم بن الحجّاج بن مسلم القشيري النيسابوري أبو الحسن (204 _ 261 ه) حافظ من أئمة الحديث ، ولد بنيسابور ، ثمّ رحل إلى الحجاز ومصر والشام والعراق وتوفي بنيسابور ، ومن أشهر كتبه «صحيح مسلم» جمع فيه اثني عشر ألف حديث ، وهو أحد الصحيحين المعوّل عليهما عند أهل السنّة ، وقد شرحه كثيرون . ومن كتبه أيضا «المسند الكبير» و «الجامع» و «الكُنى والأسماء» . (انظر ترجمته في الأعلام للزركلي : 7 / 221) .

ص: 88

ذكرت ذلك للشيخ الإمام الوالد فوافق عليه . وكان ابن الحدّاد (1) أحد أئمة الشافعية ، كثير الحديث والحفظ له ، ولم يحدّث عن غير النَسائي ، وقال : رضيت به حجّةً بيني وبين اللّه تعالى . (2) انتهى ملخّصا . وحكى الإمام أبو بكر البيهقي (3) في الكتاب الّذي صنّفه في مناقب الإمام الشافعي : أنّ الإمام الشافعي قيل له (4) : إنّ اُناسا لا يصبرون على سماع منقبةٍ أو فضيلةٍ تُذكر لأهل البيت قطّ ! وإذا رأوا أحدا يذكر شيئا من ذلك قالوا : تجاوزوا عن هذا (5) فهذا رافضي ، فأنشأ الشافعي يقول : (6) إذا في مجلسٍ ذكروا (7) عليا وسبطيه وفاطمة الزكيه يقال : (8) تجاوزوا يا قوم عنه (9) فهذا من حديث الرافضيه برئت إلى المهيمن من اُناسٍ يرون الرفض حبّ الفاطميه

.


1- .أبو عليّ الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد . (انظر طبقات الشافعية : 4 / 16) .
2- .انظر المصدر السابق .
3- .هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ بن عبداللّه الحافظ البيهقي المتوفى سنة (458 ه) كان أوحد زمانه في الحديث والفقه _ وله تصانيف كثيرة ، جمع نصوص الإمام الشافعي في عشرة مجلّدات ومات في نيسابور . (انظر ترجمته في شذرات الذهب : 3 / 304 ، طبقات الشافعية : 4 / 168 ، العبر : 3 / 342 ، النجوم الزاهرة : 5 / 77 ، وفيات الأعيان : 1 / 57 _ 58 ، تذكرة الحفّاظ : 3 / 309) .
4- .من الجدير ذكره أنّ السائل هو الربيع بن سلمان ، حيث قال : قلت للشافعي : إن هاهنا قوما لا يصبرون على سماع فضيلة لأهل البيت ، فإذا أراد أحد أن يذكرها يقولون : هذا رافضي ، قال : فأنشأ الشافعي يقول . . . (انظر فرائد السمطين : 1 / 98 و 135 و 423 و 424) .
5- .في (ب) : عن ذلك .
6- .انظر نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين لجمال الدين محمّد بن يوسف الزرندي : 111 ، ابن حجر في تعليقاته على فردوس الأخبار للديلمي : 5 / 410 ، فرائد السمطين : 1 / 135 و 423 و 424 ، ديوان الشافعي : 55 الطبعة الثالثة بيروت ، دليل فقه الشافعي : 11 ط جامعة طهران ، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية لمحمد بن يحيى العلوي ، الكنى والألقاب : ترجمة حياة الشافعي ، الصواعق المحرقة لابن حجر : و 79 و 108 و 131 و 178 ، حلية الأولياء لأبي نعيم : 9 / 652 و 152 ط بيروت ، نور الأبصار : 115 و 127 .
7- .في (د) : نذكر .
8- .وفي نسخةٍ اُخرى : وقال .
9- .في (ج) : هذا .

ص: 89

. .

ص: 90

. .

ص: 91

. .

ص: 92

. .

ص: 93

. .

ص: 94

. .

ص: 95

. .

ص: 96

. .

ص: 97

. .

ص: 98

. .

ص: 99

. .

ص: 100

. .

ص: 101

. .

ص: 102

. .

ص: 103

. .

ص: 104

. .

ص: 105

. .

ص: 106

. .

ص: 107

. .

ص: 108

. .

ص: 109

. .

ص: 110

. .

ص: 111

. .

ص: 112

. .

ص: 113

مَن هم أهل البيت ؟

في المباهلة

مَن هم أهل البيت ؟في المباهلةوهذا أوان الشروع في المراد ، وباللّه التوفيق ، وعليه الاعتماد . ولابدّ أن نقدّم أمام ما أردنا التكلّم عليه وصرفنا قصد اهتمامنا إليه من تبيين مَن هم أهل البيت (1) ؟ وأن نذكر شيئا من فضائلهم الّتي لاتُحصى ، ومناقبهم الّتي لا تستقصى ، فأقول وباللّه المستعان (2) والتوفيق ، وإيّاه أسأل الهداية إلى أقوم سبيلٍ وأسهل طريق : أهل البيت _ على ما ذكر المفسّرون في تفسير آية المباهلة وعلى ما روي عن اُمّ سلمة _ هم: النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّ وفاطمه والحسن والحسين عليهم السلام (3) . أمّا آية المباهلة وهي قوله تعالى : «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَ_ذِبِينَ » 4 .

.


1- .تقدّمت تخريجاته .
2- .في (ج) : فأقول وباللّه سبحانه وتعالى وبالتوفيق .
3- .آل عمران : 59 _ 61 .

ص: 114

وسبب نزول هذه الآية 1 :

.

ص: 115

أنّه لمّا قدم وفد نجران 1 على رسول اللّه صلى الله عليه و آله دخلوا عليه مسجده بعد صلاة العصر

.

ص: 116

وعليهم ثياب الحبرات (1) وأردية الحرير ، لابسين الحلل ، متختّمين (2) بخواتم الذهب، يقول من رآهم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله : ما رأينا مثلهم (3) وفدا قبلهم (4) وفيهم ثلاثة من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم ، وهم : العاقب واسمه عبد المسيح ، كان أمير القوم

.


1- .في تفسير ابن كثير: 1 / 376 وسيرة ابن هشام: 1 / 574 اضافة لفظة «جبب» في جمال رجال بني الحارث بن كعب. انظر المصادر السابقة.
2- .في (د) : مختمين .
3- .في (ب) : بعدهم .
4- .في (ج) : مثلهم .

ص: 117

وصاحب رأيهم وصاحب مشورتهم، لا يصدرون إلاّ عن رأيه . والسيّد وهو الأيهم ، وكان عالمهم (1) وصاحب رحلهم (2) ومجتمعهم . وأبو حاتم (3) ابن علقمة ، وكان أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم ، وكان رجلاً من العرب من بني بكر بن وائل ، ولكنّه تنصّر فعظّمته الروم وملوكها وشرّفوه ، وبنوا له الكنايس وموّلوه وولّوه وأخدموه لما علموه من صلابته (4) في دينهم ، وقد كان يعرف أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وشأنه وصفته ممّا علمه من الكتب المتقدّمة ، ولكنّه حمله جهله على الاستمرار في النصرانية (5) لما رأى من تعظيمه ووجاهته (6) عند أهلها. فتكلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله مع أبي حاتم ابن علقمة والعاقب عبدالمسيح ، وسألهما 7 وسألاه . ثمّ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد أن (7) تكلّم مع هذين الحبرين _ اللذين هما العاقب

.


1- .في (أ) : ثمالهم .
2- .في (أ) : رحابهم ، وفي (ج) : رجائهم .
3- .في (د) : أبو حارثة .
4- .في (ج) : علموا من صلابته .
5- .سُمّوا نصارى باسم القرية الّتي نزل فيها «المسيح» وهي ناصرة من أرض الخليل . (انظر المعارف لابن قتيبة : 619 تحقيق ثروة عكاشة الطبعة الاُولى منشورات الشريف الرضي . وفي (ج) : في جاهليته .
6- .في (أ) : وجاهته ، وفي (د) : وجاهه .
7- .في (أ) : لمّا .

ص: 118

عبد المسيح وأبو حاتم (1) _ دعاهما (2) إلى الإسلام ، فقالوا : أسلمنا ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كذبتم (3) ، إنّه يمنعكم من الإسلام ثلاثة أشياء : عبادتكم الصليب ، وأكلكم الخنزير ، وقولكم : للّه ولد (4) ، فقالوا : هل رأيت ولدا بغير أب ؟ فمَن أبو عيسى ؟ فأنزل اللّه تعالى : «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ» (5) الآية . فلمّا نزلت هذه الآية مصرّحةً بالمباهلة دعا (6) رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفد نجران إلى المباهلة ، وتلا عليهم الآية ، فقالوا : حتّى ننظر (7) في أمرنا ونأتيك غدا (8) فلمّا خَلا بعضهم ببعضٍ قالوا للعاقب صاحب مشورتهم : ماترى من الرأي ؟ فقال : واللّه لقد عرفتم _ معشر النصارى _ أنّ محمّدا نبيّ مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من عند (9) صاحبكم ، فواللّه (10) ما لاَعَنَ قومٌ قطّ نبيّهم (11) إلاّ هلكوا عن آخرهم ، فاحذروا كلّ

.


1- .في النسخ الّتي بأيدينا : هما العاقب وعبدالمسيح ، والصحيح ما أثبتناه .
2- .في (ب) : دعاهم .
3- .وفي رواية قال صلى الله عليه و آله : كذبتما ، إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام ، قالا : فهات ، قال صلى الله عليه و آله : حبّ الصليب ، وشرب الخمر ، و أكلّ لحم الخنزير . (انظر تفسير ابن كثير : 1 / 376 ، السيرة لابن هشام : 1 / 574) . وفي رواية قال لهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله أسلما ، قالا : قد أسلمنا ، قال صلى الله عليه و آله : إنكما لم تسلما فأسلما ، قالا : بلى قد أسلمنا قبلك ، قال صلى الله عليه و آله : كذبتما ، يمنعكما من الإسلام ادّعاؤكما للّه ولدا ، وعبادتكما الصليب ، و أكلكما الخنزير ، قالا : فمن أبوه يا محمّد ؟ (انظر المصادر السابقة) .
4- .في (ب) : وزعمكم للّه ولدا .
5- .آل عمران : 59 _ 60 .
6- .وقيل : فدعاهما إلى الملاعنة ، كما في (ب) : وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : 1 / 163) .
7- .في (ب) : نرجع .
8- .وقيل : فوعداه أن يغاديانه بالغداة ، فغدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أن يجيئا . (المصدر السابق : 1 / 158) وفي (ب) : ثمّ نأتيك .
9- .في بعض النسخ «خبر» بدل «عند» . انظر سيرة ابن هشام : 1 / 574 ، تفسير ابن كثير : 1 / 376 .
10- .في بعض النسخ «ولقد علمتم» بدل «فواللّه » .
11- .في (ج) : ما لاعن قوم نبيا قط نبيهم .

ص: 119

الحذر أن يكون آفة (1) الاستئصال منكم ، وإن أبيتم إلاّ إلف دينكم والإقامة عليه فوادعوا الرجل وأعطوه الجزية 2 ، ثمّ انصرفوا إلى مقرّكم (2) . فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فخرج وهو محتضن الحسين ، آخذ 4 بيد

.


1- .في (أ): رأفة .
2- .لاحظ المصادر التالية مع اختلافٍ بسيط في بعض الألفاظ ، دلائل النبوة : 1 / 297 ، تفسير ابن كثير : 2 / 52 ط بيروت ، خصائص الوحي المبين : 68 ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : ح 173-175 .

ص: 120

الحسن وفاطمة خلفه وعليّ خلفهم وهو يقول : اللّهمّ هؤلاءِ أهلي ، إذا أنا دعوت أمّنوا 1 .

.

ص: 121

فلمّا رأى وفد نجران ذلك وسمعوا قوله قال كبيرهم : يامعشر النصارى إنّي لأرى وجوها لو سألت (1) اللّه تعالى أن يزيل جبلاً لأزاله ، لا تُباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ منكم إلى يوم القيامة ، فاقبلوا الجزية (2) . فقبلوا الجزية و (3) انصرفوا (4) فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : والّذي نفس محمّدٍ بيده ، إنّ العذاب قد نزل على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخهم (5) اللّه قردةً وخنازير ، ولاضطرم الوادي عليهم نارا ، ولاستأصل اللّه تعالى نجران وأهله حتّى الطير على الشجر ولم يحل الحول على النصارى حتّى هلكوا 6 .

.


1- .في (ب) : سألوا .
2- .سبق وأن أوضحنا معناها آنفا فراجع ، وانظر قول النصراني في التفسير الكبير للرازي : 8/80 ، وأحكام القرآن : 2 / 295 ، وتفسير المنار : 3 / 323 ، وسنن الترمذي : 5 / 210 بالإضافة إلى المصادر السابقة .
3- .في (ج) : ثمّ .
4- .هذا الحديث ذكره المفسّرون وأهل السِير والأخبار حتّى أنّ الرازي في تفسيره الكبير : 8 / 80 قال : وأعلم أنّ هذه الرواية كالمتفق على صحّتها بين أهل التفسير والحديث . وراجع الميزان في تفسير القرآن : 3 / 222 _ 244 ، وانظر المصادر الّتي أوردناها سابقا في سبب نزول الآية «فمن حاجك فيه . . . . » . ولكن نذكر بعض المصادر على سبيل المثال لا للحصر : صحيح مسلم : 2 / 360 ط عيسى الحلبي ، و : 15 / 176 ط مصر بشرح النووي ، و : 7 / 120 ط محمّد عليّ صبيح ، و : 4 / 1871 ط مصر تحقيق محمّد فؤاد ، تفسير الفخر الرازي : 2 / 699 ط دار الطباعة العامرة بمصر ، و : 8 / 85 ط البهية ، تاريخ ابن كثير : 5 / 53 ط السعادة ، إمتاع الأسماع للمقريزي : 502 ط القاهرة ، الكشّاف للزمخشري : 1 / 268 ط البلاغة قم ، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن المطهّر الحلّي : 214 .
5- .في (ب) : لمسخوا .

ص: 122

قال جابر بن عبد اللّه رضى الله عنه (1) : أنفسنا محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام وأبناؤنا الحسن والحسين ، ونساؤنا فاطمة سلام اللّه عليهم أجمعين 2 . هكذا رواه

.


1- .جابر بن عبداللّه بن عمرو بن حرام بن ثعلبة الخزرجي السلمي الأنصاري : صحابيّ جليل وابن صحابيّ شهد بيعة العقبة مع أبيه وشهد 17 غزوة مع النبيّ صلى الله عليه و آله وصفّين مع عليّ عليه السلام ، قُتل أبوه يوم اُحد ، وشهد العقبه مع السبعين من الأنصار ، وكان أصغرهم يومئذٍ . ورُوي عنه أنه قال : كُنت مَنيحَ أصحابي يوم بدر . ومات بالمدينة سنة (78 ه) وهو يومئذٍ ابن 94 سنة ، وكان قد ذهب بصره وهو آخر من توفي من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله بالمدينة . روى عنه أصحاب الصحاح 1540 حديثا . (انظر ترجمته في تهذيب الكمال : 4 / 443 الرقم 871 ، تهذيب التهذيب : 2 / 42 ، المعارف لابن قتيبة : 307) وقد ذكرنا شيئا عنه في مقدّمتنا تحت عنوان : رواة الأحاديث من الصحابة ، فراجع .

ص: 123

الحاكم (1) في مستدركه عن عليّ بن عيسى (2) وقال : صحيح على شرط مسلم . ورواه

.


1- .هو القاضي المحدّث أبو القاسم عبيداللّه بن عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن حسكان القرشي العامري النيسابوري الحنفي الحاكم ، ويعرف بابن الحذّاء ، شيخ متقن ذو عناية تامة بالحديث ، وكان معمرا عالي الاسناد ، صنّف وجمع وحدّث عن جدّه وأبي الحسن العلوي وغيرهم ، توفي سنة (504 ه) وقيل : (490 ه) وهو من أعلام القرن الخامس الهجري ، له كتب عديدة منها : شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت صلوات اللّه وسلامه عليهم . (انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء : 18 / 268 ط بيروت ، تذكرة الحفّاظ : 4 / 390 ط الهند ، و : 3 / 1200 ط مصر) .
2- .عليّ بن عبدالرحمن بن عيسى بن زيد بن ماتي الدهقان أبو الحسين الكاتب، مولى زيد بن عليّ بن الحسين من أهل الكوفة، قدم بغداد وحدّث بها عن أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري، روى عنه الدارقطني وكان ثقة . توفي سنة (347ه) وحُمل إلى الكوفة . (انظر ترجمته في تذكرة الحفّاظ للذهبي : 3 / 898، تاريخ بغداد : 12 / 32) .

ص: 124

أبو داود الطيالسي (1) عن شعبة (2) عن الشعبي (3) مرسلاً . وروي عن ابن عبّاس (4) والبرّاء (5) نحو ذلك . وأمّا ما روي عن اُمّ سلمة رضى اللّه عنها زوجة (6) النبيّ صلى الله عليه و آله . فروى الإمام أحمد بن حنبل ( رض ) (7) في مسنده يرفعه إلى اُمّ سلمة قالت : بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله في

.


1- .هو الحافظ سليمان بن داود الفارسي البصري الشهير بأبي داود الطيالسي المتوفى سنة (204 ه) كما ذكر في مسنده : 360 الرقم 2725 .
2- .شعبة بن الحجّاج بن الورد مولى الأشاقر عتاقةً ، ويكنى «أبا بسطام» وكان أسنّ من الثوري بعشر سنين ، توفي بالبصرة سنة (160 ه) وهو ابن 75 سنة . (انظر ترجمته في المعارف لابن قتيبة : 501 ، التهذيب : 4 / 338) .
3- .عامر بن سراحيل بن عبد ، أبو عمرو الشعبي الكوفي المتوفّى سنة (104 ه) خرج مع عبدالرحمن بن محمّد بن الأشعث وتخلّف عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، وله قصة طويلة مع الحجّاج عندما دخل إليه. (انظر ترجمته في تهذيب الكمال: 14/28 الرقم 3042، تهذيب تاريخ دمشق للشيخ عبدالقادر بدران: 7 / 153 ، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور: 11 / 259 ، وفيات الأعيان: 3 / 14 ، الطبقات لابن سعد: 6 / 249 ، تاريخ الإسلام للذهبي: 7 / 129 ، الطبري في تاريخ الامم والملوك: 6 / 375).
4- .عبداللّه بن العباس بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبد مناف يكنى أبا العبّاس المتوفّى (68 ه) حبر الاُمّة ومفسّر القرآن . (انظر ترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي : 5 / 148 ، المعجم الكبير للطبراني : 10 / 232 و 236 ، الطبقات لابن سعد : 2 / 365 ، المعرفة والتاريخ للبسوي : 1 / 493 . تهذيب الكمال : 15 / 154 الرقم 3358 ، التبيين في أنساب القرشيّين : 156) .
5- .هو البرّاء بن عازب بن حصين . (انظر ترجمته في تهذيب الكمال :4 / 34 الرقم 649) . وقيل : هو أبو عمرو البرّاء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي ، كان ممّن استصغره الرسول يوم بدر وردّه . وغزا مع الرسول صلى الله عليه و آله 14 غزوة وشهد مع عليّ حرب الجمل وصفّين والنهروان ، سكن الكوفة وابتنى فيها دارا ، وتوفّي بها في إمارة مصعب بن الزبير . (انظر الاستيعاب بهامش الإصابة : 1 / 143 ، والإصابة : 1 / 146) .
6- .في (د) : زوج .
7- .أحمد بن محمّد بن حنبل، أبو عبداللّه الشيباني الوائلي (164 _ 241 ه) إمام المذهب الحنبلي، وأحد الأئمّة الأربعة، أصله من مرو، وكان أبوه والي «سرخس» ولد ببغداد وسافر في سبيل طلب العلم أسفارا كثيرة، وطلب الحديث وهو ابن ست عشرة سنة، وله كتب كثيرة منها «مسند أحمد» . (انظر ترجمته في الأعلام للزركلي : 1 / 203، حلية الأولياء : 9 / 161، طبقات الشافعية : 2 / 27 _ 63، تذكرة الحفّاظ : 2 / 17، وفيات الأعيان : 1 / 47، شذرات الذهب : 2 / 96، النجوم الزاهرة : 2 / 304) .

ص: 125

بيتي يوما إذ قال الخادم (1) : إنّ عليّا وفاطمة [ والحسن والحسين ]بالسدّة (2) . قالت : فقال لي النبيّ : قومي تنحّي عن أهل بيتي . قالت : فقمت فتنحّيت في جانب البيت قريبا ، فدخل عليّ وفاطمة والحسن والحسين وهما صبيّان صغيران ، فأخذ الحسن والحسين فوضعهما في حجره وقبّلهما وأعتنق عليّا بإحدى يديه وفاطمة باليد الاُخرى وجللهم بخميصة (3) سوداء وقال : اللّهمّ إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي (4) . قالت اُمّ سلمة : وأنا يا رسول اللّه ! فقال صلى الله عليه و آله : وأنتِ 5 .

.


1- .هو هلال بن الحارث صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وله رواية تسمى برواية أبي الحمراء ، هذا حسب ماذكره الحاكم في كتابه معرفة علوم الحديث : 226 في النوع 41 .
2- .مكان قريب وهو الباب يسمّى بالسدّة وأهله يسمّون بأهل السدّة لانهم يقفون على الباب .
3- .كساء اسود مربّع له علمان ، وفي رواية عائشة : انّ الكساء كان مرطا مرحّلاً من شعر أسود من صوف أو خزّ ، والمرحّل نوع من الثياب ما اشبهت نقوشه رحال الإبل . (انظر رواية عائشة في شأن نزول آية التطهير في صحيح مسلم : 7 / 130 ، مستدرك الصحيحين : 3 / 147 ، وسنن البيهقي : 2 / 149) .
4- .انظر كنز الحقائق للشيخ محمّد بن عبد الرؤوف ابن تاج العارفين ابن عليّ ابن زين العابدين الحدّادي ثمّ المناوي القاهري المصري : 26 ، وانظر ترجمة الرجل في الأعلام للزركلي : 6 / 204 . كما ذكر الحديث المتّقي الهندي في كنز العمّال : 12 / 101 ح 34187 .

ص: 126

وروى الواحدي (1) في كتابه المسمّى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى اُمّ سلمة رضي اللّه عنها أ نّها قالت : كان النبيّ صلى الله عليه و آله في بيتها يوما فأتته فاطمة عليهاالسلام ببرمة فيها عصيدة (2) فدخلت بها عليه ، فقال لها : ادع لي زوجك وابنيك . فجاء عليّ والحسن والحسين فدخلوا وجلسوا يأكلون والنبيّ صلى الله عليه و آله جالسا على دكّة وتحته كساء خيبري. قالت: وأنا في الحجرة قريبا منهم ، فأخذ النبيّ صلى الله عليه و آله الكساء فغشّاهم به ، ثمّ قال: اللّهمّ أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا . قالت اُمّ سلمة: فأدخلت رأسي البيت ، قلت : وأنا معكم يا رسول اللّه ؟ قال صلى الله عليه و آله : إنّكِ إلى خير ، إنّكِ إلى خير . فأنزل اللّه عزّوجلّ : « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » 3 .

.


1- .هو أبو الحسن عليّ بن أحمد بن محمّد بن عليّ بن متّويه الواحدي المتوي النيسابوري المتوفّى سنة (468 ه) وقيل (428 ه) . قال ابن خلّكان في تاريخه : 1 / 361 : كان اُستاذ عصره في النحو و التفسير ورزق السعادة في تصانيفه ، فأجمع الناس على حسنها ، و ذكرها المدرّسون في دروسهم _ منها : الوسيط والوجيز في التفسير ، وله كتاب أسباب النزول . وكان الواحدي تلميذ الثعلبي صاحب كتاب : الكشف والبيان وعنه أخذ علم التفسير ، وتوفي في مرض طويل . (انظر ترجمته في وفيات الأعيان : 3 / 303 ، وأنباه الرواة :2 / 223) .
2- .وفي نسخة «خزيرة» وهي : لحم يقطع صغارا ويُصَبّ عليه ماء كثير ، فإذا نضج ذُرّ عليه الدقيق ، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة . وقيل : هي حسأ من دقيق ودسم . وقيل : إذا كان من دقيق فهي حريرة ، وإن كان من نخالة فهو خزيرة . (انظر النهاية لابن الأثير : مادة «خزر» ) .

ص: 127

وروى (1) الترمذي (2) في صحيحه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان (3) من وقت نزول هذه الآية

.


1- .في (ب) : روى .
2- .محمّد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي البوغي الترمذي ، أبو عيسى (209 _ 279 ه) صاحب أحد الصحاح الستّة ، من أئمة علماء الحديث ، تتلمذ للبخاري ، وشاركه في شيوخه ، و سافر إلى خراسان والعراق والحجار وعمى في أواخر عمره ، ولد بترمذ ومات ودفن فيها ، وتقع المدينة على نهر جيحون و له جلالة عظيمة عند أهل السنّة ، وله تصانيق عديدة منها : الجامع الكبير والشمائل النبوية و التاريخ ، و العلل (انظر ترجمته في الوافي بالوفيات : 4 / 294 ، طبقات الحفّاظ : 278 ، البداية والنهاية : 11 / 66 ، تهذيب التهذيب : 9 / 387 ، وفيات الأعيان : 4 / 278 ، تذكرة الحفّاظ : 2 / 633 ، سير أعلام النبلاء : 13 / 270 ، الأعلام للزركلي : 6 / 322) . وانظر الحديث المذكور في صحيحه :12 / 85 ، وفي سنن الترمذي : 5 / 328 ح 3206 .
3- .في (أ) كانت .

ص: 128

إلى قريب من ستة أشهر 1 إذا خرج إلى الصلاة يمرّ بباب فاطمة رضوان اللّه تعالى

.

ص: 129

عليها ثمّ يقول : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» . وقال بعضهم (1) في ذلك شعرا : إنّ النبيَّ محمّدا (2) ووصيَّه وابنيه وابنتَه البتولَ الطاهره أهلُ العباء فإنّني بولائهم أرجو السلامة والنجا في الآخره

.


1- .القائل هو ابن دريد أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي المتوفى سنة (321 ه) من مشاهير علماء الأدب واللغة والشعر ، وهو شاعر وله ديوان ، وعدّه ابن شهرآشوب من شعراء أهل البيت عليهم السلاموذكر من شعره هذين البيتين ، وله مؤلّفات عديدة منها كتاب الجمهرة في اللغة ، وهو استاذ لجماعة من العلماء منهم السيرافي وأبو عبداللّه المرزباني ، وقد مات هو وأبو هاشم الجبائي في يوم واحد . (انظر الفهرست لابن النديم : 91 _ 92 ، الأهل القسم : 2 / 62) .
2- .في (ج) : إن أهوى النبي محمّدا بدل إنّ النبي . وفي البيت الثاني ورد «الولاء» بدل «العباء» .

ص: 130

. .

ص: 131

. .

ص: 132

. .

ص: 133

. .

ص: 134

. .

ص: 135

. .

ص: 136

. .

ص: 137

. .

ص: 138

. .

ص: 139

. .

ص: 140

. .

ص: 141

تنبيه على ذكر شيءٍ ممّا جاء في فضلهم وفضل محبّتهم عليهم السلام

تنبيه على ذكر شيءٍ ممّا جاء في فضلهم وفضل محبّتهمعن رافع (1) مولى أبي ذرّ 2 قال: صعد أبو ذرّ رضى الله عنه على عتبة باب الكعبة وأخذ بحلقة الباب ، وأسند ظهره إليه وقال : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذرّ ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أهل بيتي مثل 3 سفينة نوحٍ من

.


1- .وفي (ج) : نافع

ص: 142

ركبها نجا ومن تخلّف عنها زجّ (1) في النار (2) .

وسمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول (3): اجعلوا آل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس ، فإنّ الجسد لا يهتدي إلاّ بالرأس ، ولا يهتدي الرأس إلاّ بالعينين 4 .

.


1- .في (د) : فجّ .
2- .انظر غاية المرام : 238 باب 32 من المقصد الأوّل رقم 10 ، بحار الأنوار : 23 / 120، المعارف لابن قتيبة : 252 ، التهذيب : 4 / 249 ، و : 8 / 9 ، و : 3 / 58 ، الصواعق المحرقة لابن حجر : 152 و186، مودّة القربى: 33، المستدرك للحاكم: 3/150 ، و : 2/343، الاحتجاج للطبرسي : 1 / 156 ، المستدرك : 3 / 150 ، ينابيع المودّة : 28 ، عيون الأخبار للدينوري : 1 / 211 .
3- .في (ب) : وأجعلوا أهل .

ص: 143

ومن كتاب الفردوس (1) عن عبداللّه بن عمر (2) عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنه قال :أول من أشفع له يوم القيامة من اُمّتي أهل بيتي ثمّ الأقرب فالأقرب 3 .

.


1- .كتاب الفردوس بمأثور الخطاب لأبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فنا خسرو الديلمي الهمداني الملقّب ب «إلْكِيا» (445 _ 509 ه) . كان محدّثا واسع الرحلة ، إماما حافظا ، سمع الكثير ، ورحل البلاد وحدّث ، وكان من أوعية العلم ، شافعيّ المذهب . انظر كتابه تحقيق السعيد بن زغلول الطبعة الاُولى بيروت . (انظر ترجمته فى طبقات الشافعية للاسنوي : 2 / 104 ، طبقات الشافعية للسبكي : 7 / 111 و 112 ، تذكرة الحفّاظ : 4 / 1259 ، الوافي بالوفيات : 16 / 217 ، شذرات الذهب : 4 / 23 .
2- .عبداللّه بن عمر بن الخطّاب ، واُمّه زينب بنت مظعون ويكنى أبا عبدالرحمن ، وأسلم مع اسلام أبيه بمكة ، ومات بها وهو ابن أربع وثمانين سنة ، وبقي إلى زمن عبدالملك . (المعارف لابن قتيبة : 185 تحقيق ثروة عكاشه منشورات الشريف الرضى) .

ص: 144

وعن ابن مسعود (1) عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنه قال :حبّ آل محمّدٍ يوما واحدا خيرٌ من عبادة سنة ، ومن مات عليه دخل الجنّة 2 .

وقال صلى الله عليه و آله :أربعة أنا لهم شفيعٌ يوم القيامة : المكرّم لذرّيتي ، والقاضي حوائجهم ، والساعي لهم في اُمورهم عندما اضطرّوا إليه ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه (2) .

وعن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (3) عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال :قال

.


1- .عبداللّه بن مسعود من هذيل ، وكان من حلفاء بنى زهرة ويكنى : أبا عبدالرحمن ، وكان إسلامه قبل إسلام عمر بن الخطّاب بزمان ، وشهد مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بدرا وبيعة الرضوان ، وكان على قضاء الكوفة ، وبيت مالها ، لعُمر وصدرا من خلافة عثمان ثمّ صار إلى المدينة فُتوفى فيها سنة (32 ه) وله من العمر بضع وستين سنة ودُفن بالبقيع . (المعارف لابن قتيبة : 249 ، اُسد الغابة : 3 / 384 ، سيرة ابن هشام : 1 / 314) . وقد ذكرنا شيئا عنه في مقدّمتنا تحت عنوان رواة الحديث من الصحابة ، فراجع .
2- .هذا الحديث رواه الإمام عليّ عليه السلام مرفوعا ، ورواه الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام أيضا عن آبائه عن أجداده عليهم السلام(انظر الفردوس : 1 / 24 الطبعة الاُولى ، ذخائر العقبى : 18 ، مودّة القربى : 13 ، كنز العمّال : 12/100/34180، و :8/151، و : 6/217، جواهر العقدين : 2/274، الصواعق المحرقة: 175 و176.
3- .محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام (57 _ 114 ه) وهو الإمام الخامس ، لقّب بالباقر لتوسّعه في العلوم والمعارف فهو كأبيه أشهر من عرف المسلمون في الورع والزهد والعلم والمعرفة ، وقال بحقّه الرسول صلى الله عليه و آله مخاطبا الصحابي الجليل جابر بن عبداللّه الأنصاري : يوشك أن تبقى حتّى تلقى ولدا لي من الحسين عليه السلام يقال له محمّد، يبقر العلم بقرا ، فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام . (انظر ترجمته في شذرات الذهب: 1/149، وتاريخ اليعقوبي ، ونور الأبصار للشبلنجي ، وتذكرة الخواصّ لابن الجوزي ، والإرشاد للشيخ المفيد . . . وغيرها .

ص: 145

رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أراد التوسّل إليّ وأن تكون (1) له عندي يد أشفع بها يوم القيامّة فليصِل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم (2) .

روى (3) ابن عبّاس رضى الله عنه قال :سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول بإذنيَّ وإلاّ صُمّتا : أنا شجرة ، وفاطمة حملها ، وعليّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمارها ، ومحبّونا أهل البيت ورقها ، وكلّنا في الجنّة حقّا حقّا» 4 .

.


1- .في (أ) : يكون .
2- .انظر جواهر العقدين للسمهودي : 2 / 273 ، وأخرجه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب : 2 / 144 ، الصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني : 176 .
3- .في (ج) : وعن .

ص: 146

وعن زيد بن أرقم رضى الله عنه (1) أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قاللعلي وفاطمة والحسن والحسين : أنا حربٌ لمن حاربكم ، وسلمٌ لمن سالمكم 2 .

وعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه (2) قال:قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : أهل بيتي والأنصار هم كرشي (3)

.


1- .سبق وأن ذكرنا شيئا عن ترجمته في مقدّمتنا تحت عنوان رواة الحديث من الصحابة ، فراجع .
2- .هو سعد بن مالك منسوب إلى «الخُدرة» وهم من اليمن . ومات سنة أربع وسبعين .
3- .الكرش : العيال . (انظر المصباح المنير للفيومي، ولسان العرب لابن منظور مادة «كرش») .

ص: 147

وعيبتي ، اقبلوا عن محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم (1) .

وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى (2) ، عن أبيه قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا يؤمن عبدٌ حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، ويكون أهلي أحبّ إليه من أهله (3) .

وعن عليّ رضى الله عنه قال :سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : من لم يعرف حقّ عترتي والأنصار والعرب فهو لأحد ثلاث : إمّا منافق ، أو ولد زنية (4) ، وإمّا امرؤ حملته (5) اُمّه في غير طهر (6) .

.


1- .الحديث ورد بألفاظ مختلفة بسيطة جدا ، فمثلاً نقله صاحب الفردوس بمأثور الخطاب : 1 / 54 الطبعة الاُولى ، والترمذي في سننه : 5 / 373 / 3994 عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه بلفظ : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ألا إنّ عيبتي الّتي آوي إليها أهل بيتي وإنّ كرشي الأنصار ، فاعفوا عن مسيئهم ، واقبلوا من محسنهم . أمّا في الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي : 151 فورد بلفظ : ألا إنّ عيبتي وكرشي أهل بيتي والأنصار ، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم . وكذلك ورد الحديث في جواهر العقدين : 2 / 176 .
2- .هو أبو عيسى عبدالرحمن بن أبي ليلى (واسمه يسار ، ويقال : بلال ، ويقال : داود بن بلال) بن بليل بن احيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبان بن كلفة الأنصاري الاوسي الكوفي المتوفى سنة (80 ه) على الأرجح . (انظر تهذيب التهذيب : 6 / 260) .
3- .الحديث في جواهر العقدين : 2 / 247 و 251 ورد بهذا اللفظ : روى الحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درره عن سلمان قال صلى الله عليه و آله : لايؤمن رجل حتّى يحبّ أهل بيتي بحبّي ، فقال عمر بن الخطّاب : وما علامة حبّ أهل بيتك ؟ قال : هذا . وضرب بيده على عليّ . وقريب من هذا رواه ابن حجر في صواعقه : 145 ، وفي : 172 ولكن باضافة : ويكون ذاتي أحبّ إليه من ذاته . وهكذا أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ، والديلمي في مسنده : 1 / 260 . وانظر الترمذي : 5 / 329 / 3878 مناقب أهل البيت قريب من هذا اللفظ ، وكذلك في المستدرك للحاكم : 3 / 150 ، والفردوس : 1 / 60 الطبعة الاُولى .
4- .في (أ) : أو لزنية ، وفي (ب) : زانية وفي حاشية (ج) لدنيه .
5- .في (ب) : امرؤ حملت به .
6- .انظر الفردوس : 1 / 64 الطبعة الاُولى ، والصواعق المحرقة : 173 ، وقريب من هذا اللفظ في مودّة القربى : 21 عن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقريب منه أيضا في ينابيع المودّة : 252 ، إحقاق الحقّ : 7 / 222 نقله عن المناقب المرتضوية : 203 ، الغدير للأميني : 4 / 322 .

ص: 148

وعن عبدالرحمن بن عوف (1) رضى الله عنه قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اُوصيكم بعترتي خيرا (2) ، وإنّ موعدكم الحوض (3) .

وعن عبداللّه بن زيد (4) عن أبيه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قال :من أحبّ أن يُنسى له في أجله وأن يمتّع (5) بما خوّله اللّه تعالى فليخلفني في أهل بيتي خلافةً حسنةً، فمن لم يخلفني فيهم بُترِ في عمره ، وورد عليَّ يوم القيامة مسودّا وجهه (6) .

ومن كتاب الآل لابن خالويه (7)

.


1- .عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زُهرة بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة . كان اسمه في الجاهلية عبدالحارث ، ويقال : عبد عمرو ، فسمّاه النبيّ صلى الله عليه و آله عبدالرحمن ، وكان به برص ، ولد بعد عام الفيل بعشر سنين ، ومات سنة (32 ه) وهو يومئذٍ ابن 75 سنة ، مات في خلافة عثمان . (انظر ترجمته في الرياض النضرة : 2 / 376 _ 389) .
2- .وفي (ب) : خير .
3- .أخرجه ابن عقدة ، والحافظ أبو الفتوح العجلي في كتابه الموجز ، والديلمي في الفردوس ، وابن شيبة ، وأبو يعلى عن عبدالرحمن بن عوف ، ولكن بإضافة : والّذي نفسي بيده ، لتقيمنّ الصلاة ، ولتوتينّ الزكاة أو لأبعثنّ إليكم رجلاً [ مني أو ]كنفسي ، يضرب أعناقكم ، ثمّ أخذ بيد عليّ فقال : هو ذا . هذا الحديث قاله صلى الله عليه و آله لمّا فتح مكة وانصرف إلى الطائف وحاصرها سبع عشرة ليلة أو تسع عشرة ، ففتح اللّه الطائف فقام صلى الله عليه و آله خطيبا فيهم . (انظر جواهر العقدين : 2 / 173 وذكر في 169 حديثا آخر : اُوصيكم بعترتي وأهل بيتي ، ثمّ اُوصيكم بهذا الحي من الأنصار) .
4- .هو عبداللّه بن زيد بن أسلم : روى عن أبيه ، ضعّفه يحيى ، وأبو زرعة ، ووثّقه أحمد وغيره (راجع ميزان الاعتدال : 2 / 425) .
5- .في (أ) : يمتنع .
6- .انظر الصواعق المحرقة لابن حجر : 186 ، وأخرجه الديلمي في الفردوس عن أبي سعيد بهذا اللفظ : من أحبّ أن ينسأ _ أي يؤخّر _ في أجله وأن يمتّع بما خوّله اللّه _ أي أعطاه _ فليخلفني في أهل بيتي خلافه حسنة، فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره،وورد عليَّ يوم القيامه مسودّا وجهه. وأخرجه الحافظ جمال الدين الزرندي عن عبداللّه بن زيد بن ثابت عن أبيه . (انظر جواهر العقدين : 2 / 148 . كنز العمّال : 12/99) .
7- .هو أبو عبداللّه الحسين بن أحمد بن خالويه : أصله من همذان ، زار اليمن وأقام بذمار ، وانتقل إلى الشام في زمن سيف الدولة الحمداني ، فكان من المقرّبين إليه ، توفي سنة (370 ه) . اشتهر باللغة والنحو وكان إماما بهما . (انظر وفيات الأعيان : 1 / 157 ، غاية النهاية : 1 / 237 ، الأعلام : 2 / 248) .

ص: 149

ورواه أبو بكر الخوارزمي (1) في كتاب المناقب عن بلال بن حمامة (2) قال : طلع علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم متبسّما ضاحكا ووجهه مشرق كدارة القمر، فقام إليه عبدالرحمن بن عوف فقال : يا رسول اللّه ما هذا النور؟ قال: بشارة أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي، فإنّ اللّه زوّج عليّا من فاطمة، وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاقا _ يعني صكاكا _ بعدد محبّي أهل بيتي (3) وأنشأ تحتها ملائكة من النور ورفع إلى كلّ ملك صكّا ، فإذا استوت القيامّة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محبّ لأهل البيت إلاّ دفعت إليه صكّا فيه فكاكه من النار ، فصار أخي وابن عمّي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من اُمّتي من النار (4) .

.


1- .هو الموفّق بن أحمد بن محمّد المكي الخوارزمي المتوفى سنة (568 ه) كان ثقة في اللغة ومعرفة الأنساب وكان من أئمّة الكتّاب ومن الشعراء. (انظر ترجمته في معجم الاُدباء: 1/101، الأعلام: 7/20).
2- .كذا في المناقب، أمّا في (ب) وجواهر العقدين : حمام (راجع المناقب : 341 ح 361، وجواهر العقدين : 1 / 241) .
3- .في (أ) : أهل البيت .
4- .روي هذا الحديث بطرقٍ مختلفة ، فمثلاً في مودّة القربى : 36 قال : أخرج أبو بكر الخوارزمي في كتابه المناقب : عن موسى بن عليّ القرشي عن قنبر بن أحمد عن بلال بن حمامة (حمام وقيل همام) رضى الله عنه قال : طلع علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم متبسّما ضاحكا ، ووجهه مشرق كدائرة القمر ليلة البدر ، فقام إليه عبدالرحمن بن عوف فقال : يا رسول اللّه ما هذا النور [ الّذي رأينا في وجهك المكرّم ] ؟ قال : بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمّي وابنتي ، فإنّ اللّه تبارك وتعالى زوّج عليا بفاطمة ، وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى ، فحملت رقاقا _ يعني صكاكا _ بعدد محبّي أهل البيت ، وأنشأ اللّه من تحتها ملائكة (خلقها) من النور ، ورفع لكلّ ملك صكا ، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محبّ لأهل بيتي إلاّ دفعت إليه (الملائكة) صكّا فيه فكاكه من النار ، فصار أخي ابن عمّي و ابنتى (سبب) فكاك رقاب الرجال (رجال) والنساء (نساء) من اُمّتي من النار . وأيضا ورد في جواهر العقدين بهذا اللفظ : 2 / 353 ، المناقب للخوارزمي : 341 ، مائة منقبه لابن شاذان : 152 المنقبه : 92 وفي كنوز الحقائق : 31 و 130 و 241 ، المعجم الكبير للطبراني : 22 / 409 حديث 1020 ورد بلفظ : إنّ اللّه أمرني ان أزوج فاطمة بعلي . وانظر الإصابة : 2 / 82 ، تاريخ الخطيب البغدادي : 4 / 210 ، اُسد الغابة لابن الأثير : 1 / 206 ، نزهة المجالس للصفوري : 2 / 225 ، رشفة الصادي لأبي بكر ابن شهاب الدين العلوي : 28 ، ذخائر العقبى : 32 .

ص: 150

وعن أنس بن مالك (1) رضى الله عنه في قوله تعالى : «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» 2 قال : عليّ

.


1- .أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي : من الأنصار ، أتت به اُمّه إلى النبيّ صلى الله عليه و آله حين قدم المدينة وهو ابن ثمان سنين ، فخدمه صلى الله عليه و آله عشر سنين إلى أن قُبض صلوات اللّه عليه ، ودعا له النبيّ صلى الله عليه و آله بكثرة المال والولد . وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة سنة (91 ه) وقيل (93 ه) وكان يخلق ذراعيه بخلوق للمعة بياض كانت به ، وكان ذلك من دعاء الإمام عليّ عليه السلام عليه لكتمانه الشهادة بحديث الغدير أن يضربه اللّه بيضاء لاتواريها العمامة ، روى عنه أصحاب الصحاح 2286 حديثا . (انظر ترجمته في اُسد الغابة ، جوامع السيرة : 276 ، كنز العمّال : 7 / 140 ط1) .

ص: 151

وفاطمة «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجَانُ» (1) قال : الحسن والحسين . رواه صاحب كتاب الدرر عن محمّد بن سيرين (2) في قوله تعالى : «وَ هُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَ صِهْرًا» (3) أ نّها نزلت في النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّ بن أبي طالب رضى الله عنه هو ابن عمّ

.


1- .الرحمن : 22 .
2- .كان سيرين أبو محمّد عبدا ل «أنس بن مالك» كاتبه على عشرين ألفا ، وادّى الكتابة ، وكان من سبي «ميسان» وقيل من سبي «عين التمر» وكانت اُمه صفية مولاة لأبي بكر ، وكان سيرين يكنى : أبا عمارة وكان بزّازا . (انظر ترجمتهما في تهذيب التهذيب : 9 / 216 و : 8 / 416 ط بيروت) .
3- .أمّا الآية (54) من سورة الفرقان فقد أيضا ورد تفسيرها في أكثر المصادر السابقة ، فعن محمّد بن سيرين قال : انها نزلت في النبيّ وعليّ زوج ابنته فاطمة ، وهو ابن عمّه فكان نسبا وصهرا . (انظر نظم درر السمطين : 186 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب المازندراني : 2 / 29 ط النجف ، و : 2 / 181 ط ايران نقلاً عن تفسير الثعلبي ، فضائل الخمسة للسيّد الحسيني : 2 / 133 نقلاً عن الرياض النضرة : 2 / 183 ، ذخائر العقبى : 29 و 31 كلاهما للمحبّ الطبري . غاية المرام : 375 ب 77 ح 1و3 ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : 1 / 414 / 574 ، فرائد السمطين : 1 / 370 / 301 عن محمّد بن سيرين ، الخصائص لابن البطريق : 234 _ 235 يقول : إنها نزلت في عليّ عليه السلام وقد ميّزه الوحي على سائر الخلق ، دلائل الصدق للشيخ المظفّر : 2 / 213 ، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين لابن المطهّر الحلّي : 392 تحقيق حسين الدرگاهي ، مجمع الزوائد : 9 / 89 _ 90 ، نور الأبصار للشبلنجي : 227 ، خصائص الوحي : 230 / 174 ، الصواعق المحرقة : 162 .

ص: 152

رسول اللّه صلى الله عليه و آله زوج ابنته فاطمة فكان نسبا وصهرا .

وروي عن عمر بن الخطّاب (1) ( رض ) أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم (2) قام فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال (3) :ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع ، إنّ كلّ سببٍ ونسبٍ وصهرٍ 4 منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي وصهري 5 . قال عمر ( رض ) :

.


1- .عمر بن الخطّاب بن نفيل بن عبدالعُزّى بن قُرط بن رياح بن عبداللّه بن رِزَاح بن عَدِىّ بن كَعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة ، وينسب عمر إلى «عَديّ» فيقال : العَدِويّ . (انظر تهذيب التهذيب : 6 / 27 ، المعارف لابن قتيبة : 179 تحقيق ثروة عكاشة الطبعة الاُولى منشورات الشريف الرضي) .
2- .ورد في بعض المصادر «ثمّ قام» كما في مجمع الزوائد : 8 / 216 ، وفي بعضها «فقام» كما في جواهر العقدين : 2 / 198 ، وبعضها «وقام» وفي بعضها بإضافة «خطيبا» كما في ينابيع المودّة : 176 الطبعة الاُولى اسلامبول .
3- .ورد في بعض المصادر «وقال» كما في المعرفة والتاريخ : 2 / 499 ، وفي بعضها «فقال» كما في جواهر العقدين : 2 / 208 .

ص: 153

فلمّا سمعت ذلك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أحببت أن يكون بيني وبينه نسب وسبب وصهر ، فخطبت إلى عليّ رضى الله عنه ابنته اُمّ كلثوم ( رض ) من فاطمة رضي اللّه عنها بنت محمّد صلى الله عليه و آله فزوّجنيها . ( قيل ) وكان ذلك في سنة سبع عشر من الهجرة ودخل بها في ذي القعدة من السنة المذكورة ، وكان صداقها أربعين ألف درهم فولدت له زيدا أو (1) زينبا .

.


1- .في (ب): و.

ص: 154

. .

ص: 155

وروى الإمام أبو الحسين البغوي (1) في تفسيره (2) يرفعه بسنده إلى ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال :لمّا نزل قوله تعالى : «قُل لاَّ أَسْ_ئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى» (3) قالوا : يا رسول اللّه مَن هؤلاء الّذين أمرنا اللّه بمودّتهم ؟ قال : عليّ وفاطمة وابناها 4 .

.


1- .الإمام أبو محمّد الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي ، صاحب «مصابيح السُنّة» في الحديث ، و «معالم التنزيل في التفسير و التأويل» . توفّي سنة (510 ه) وقيل (516 ه) كما جاء في كتابه مصابيح السنّة تحقيق د . يوسف بن عبدالرحمن المرعشلي ومحمّد سليم سماره وجمال حمدي الذهبي دار المعرفة (1407 ه) وكما جاء أيضا في تحقيق خالد عبدالرحمن العكّ و مروان سوار ط دار المعرفة بيروت . (انظر الأعلام للزركلي : 2 / 259) .
2- .معالم التنزيل للبغوي الشافعي : 4 / 124 و 125 و 126 إعداد وتحقيق خالد عبدالرحمن العَكّ ومروان سوَار ط دار المعرفة بيروت ط سنة (1415 ه _ 1995 م) .
3- .الشورى : 23 .

ص: 156

. .

ص: 157

. .

ص: 158

. .

ص: 159

وروى السدّي (1) عن أبي مالك (2) عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما في قوله تعالى : «وَ مَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا» (3) قال : المودّة لآل محمّد صلى الله عليه و آله وسلم 4 .

.


1- .هو إسماعيل بن عبدالرحمن بن أبي كريمة الكوفي المفسّر المشهور المعروف بالسدّي الأعور مولى زينب بنت قيس بن مخرمة ، وقيل : مولى بني هاشم ، أصله حجازي سكن الكوفة ، وكان يقعد في سدّة باب الجامع بالكوفة فسمّي السدّي . (الميزان للذهبي : 1 / 236 أخذ عنه الثوري وأبو بكر بن عيّاش ، واحتجّ به مسلم وأصحاب السنن الأربعة . روى عنه في : صحيح الترمذي : 5 / 300 / 3805 ، سنن أبي داود : 3 / 146 / 2981 ، سنن ابن ماجة : 1 / 88 / 241 ، سنن النسائي : ووثقه أحمد ومرّ به إبراهيم النخعي وهو يفسّر القرآن فقال : أما إنه يفسّر تفسير القوم . مات سنة سبع وعشرين ومائة . وانظر تهذيب الكمال : 3 / 132 ط مؤسّسة الرسالة بيروت ، الجرح والتعديل : 2 / 184 ط حيدرآباد ، سير أعلام النبلاء : 5 / 264) .
2- .في (ب) : كثير بن يحيى .
3- .الشورى : 23 .

ص: 160

فهؤلاء هم أهل البيت المرتقون بتطهيرهم إلى ذروة أوج الكمال ، المستحقّون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال ، وللّه درّ القائل إذ قال : هم العروةُ الوثقى لمعتصم بها مناقبُهم جاءت بوحيٍ وإنزالِ مناقب في الشورى (1) وسورة هل أتى (2) وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي وهم آل بيت المصطفى فودادهم على الناس مفروضٌ بحكمٍ وإسجالِ (3) وقال آخر (4) : هم القوم من أصفاهم الودّ مخلصا تمسك (5) في اُخراه بالسبب الأقوى هم القوم فاقوا العالمين مناقبا (6) محاسنها تجلى وآثارهم (7) تُروى موالاتهم فرضٌ وحُبُّهم هدى وطاعتهم ودٌّ وودّهمُ تقوى (8)

.


1- .في (أ) : شورى .
2- .في (ج) : أتت .
3- .نور الأبصار للشبلنجي : 127 وفيه «وفي هل أتى أتت» . يقول الشيخ الأميني في كتابه الغدير : 3 / 106 نقلاً عن أبي محمّد العاصمي في كتابه « زين الفتى في تفسير سورة هل أتى» القائل هو أبو سالم محمّد بن طلحة الشافعي .
4- .يقال أنّ القائل هو إبراهيم بن محمّد بن المؤيد بن عبداللّه بن عليّ بن محمّد الجوينى الخراساني من أعلام القرن السابع والثامن . (انظر فرائد السمطين : 1 / 20) .
5- .في (أ) : يمسّك .
6- .في (ب) : مآثرا .
7- .في (أ) : وآياتها .
8- .في (أ) : وطاعتهم وودّهم التقوى ، وفي (ج) : وطاعتهم قربى وودّهم تقوى . انظر نظم درر السمطين للزرندي : 11 .

ص: 161

. .

ص: 162

. .

ص: 163

الفصل الأوّل : في ذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه

اشاره

الفصل الأوّل : في ذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه

.

ص: 164

. .

ص: 165

الفصل الأوّل : في ذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه 1 .

ص: 166

. .

ص: 167

هو الإمام (1) الأوّل 2 ،

.


1- .سبق وأن تحدّثنا عن الإمام العادل .

ص: 168

واسم أبي طالب : عبد مناف (1) ، واسم عبدالمطّلب (2) : شيبة الحمد (3) .

.


1- .ويلقّب بأبي البطحاء لأنهم استقوا به سقيا فكنّوه بذلك ، وهو شيبة بن هاشم ، وهو عمرو بن عبد مناف ولده : عليّ ، جعفر ، عقيل ، اُمّ هاني . (انظر المعارف لابن قتيبة : 120 ، البداية والنهاية : 4 / 255 تهذيب التهذيب : 2 / 98 ، اُسد الغابة : 1 / 286 ، الإصابة : 1 / 248 ، طبقات ابن سعد : 4 / 28 ، صفة الصفوة : 1 / 208 ، الاستيعاب : 1 / 81 ، حلية الأولياء : 1 / 114 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 3 / 407 .
2- .عبدالمطّلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان) . وعليّ عليه السلام يجتمع مع النبيّ صلى الله عليه و آله في الجدّ الأدنى لا يشاركه في هذه الفضيلة إلاّ بنو عمّه وهو ابن عم الرسول صلى الله عليه و آله فإنّ أبا طالب وعبداللّه «أبا» النبيّ صلى الله عليه و آله اُمّهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم . (انظر ذخائر العقبى : 55 و 56 باب ذكر نسبه عليه السلام ) .
3- .اسم أبي طالب عبد مناف ، وهو شيبة بن هاشم ، وهو عمرو بن عبد مناف ، ولده : عليّ ، وعقيل ، وجعفر ، اُمّ هاني واسمها فاخته _ جمانة _ وسُمّي شيبة الحمد لشيبة كانت في رأسه ، وقيل : لأنه كان بالمدينة عند أخواله فَقدم به المطّلب بن عبد مناف عمّه فدخل مكة وهو خلفه فقالوا : هذا عبدالمطّلب فلزمه الاسم وغلب عليه وإنما اسمه عامر ، ويقال : شيبة الحمد ، وبقي حتّى كبر وعمى ، ومات بمكة ورسول اللّه صلى الله عليه و آله ابن ثمان سنين وشهرين . من عشرة بنين وست بنات . وأولاده : عبداللّه وهو والد النبيّ صلى الله عليه و آله ، والزبير ، وأبو طالب واسمه عبد مناف والد الإمام عليّ عليه السلام ، والعباس ، وحمزة، والمُقوّم ، وأبو لهب واسمه عبدالعُزّى ، والحارث ، والغَيداق واسمه حَجل ويقال : نوفل . أمّا البنات : عاتكة ، واُميمة ، والبيضاء ، وهي اُمّ حكيم ، وبَرّة ، وصفية ، وأروى . (انظر المعارف لابن قتيبة : 72 و 118 ، ومآثر الإنافة للقلقشندي : 1 / 355) .

ص: 169

وكنيته أبو الحارث (1) ، وعنده يجتمع نسب عليّ رضى الله عنه بنسب النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم . وكان وُلد أبي طالب : طالبا ولا عقب له (2) ، وعقيلاً 3 وجعفرا 4 ، وعليّا، وكلّ

.


1- .أبو الحارث أخو عبداللّه والد رسول اللّه صلى الله عليه و آله لاُمّه وأبيه . واُمّهما فاطمة بنت عمرو بن عايذ . كما ذكرنا سابقا . (انظر ذخائر العقبى : 55 و 56 نسب عليّ عليه السلام ) .
2- .انظر المعارف لابن قتيبة : 120 .

ص: 170

واحدٍ أسنّ من الآخر بعشر سنين . واُمّ هاني، واسمها فاختة (1) ، واُمّهم جميعا فاطمة بنت أسد ( رض ) (2) ، هكذا ذكر ذلك ضياء الدين أبو المؤيد موفق بن أحمد

.


1- .فاختة بنت أبي طالب بن عبدالمطّلب (ت بعد 40 ه) الهاشمية القرشية المشهورة باُم هاني اُخت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وبنت عمّ النبيّ صلى الله عليه و آله وقيل : اسمها فاختة ، عاتكة ، فاطمة ، هرب زوجها إلى نجران ففرّق الإسلام بينهما فعاشت أيما . وماتت بعد أخيها الإمام عليّ عليه السلام وروت عن النبيّ صلى الله عليه و آله 46 حديثا . (انظر الأعلام للزركلي : 5 / 126) .
2- .فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهي اُمّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام . تزوّجت من أبي طالب عبد مناف بن عبدالمطّلب وكان النبيّ يزورها ويقيل في بيتها . ثمّ هاجرت حافية مع ابنها إلى المدينة وهي أول امرأة بايعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمكة بعد خديجة رضي اللّه عنها ، وهي أول هاشمية ولدت خليفة هاشميا ولا يعرف خليفة أبواه هاشميان سوى أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، ماتت سنة (5 ه) فكفّنها النبيّ صلى الله عليه و آله بقميصه واضطجع في قبرها وقال : لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها . وقال صلى الله عليه و آله أيضا : جزاك اللّه من اُمّ خيرا . وقبرها في البقيع . (انظر المعارف لابن قتيبة : 203 ، ينابيع المودّة : 1 / 467 هامش 8 ، ابن الجوزي : حياة فاطمة بنت أسد) .

ص: 171

الخوارزمي في كتابه المناقب (1) . وُلِدَ عليٌّ (2) عليه السلام بمكة المشرّفة بداخل (3) البيت الحرام في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر اللّه الأصمّ رجب الفرد سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة ، وقيل بخمس وعشرين 4 ، وقبل المبعث باثني عشرة

.


1- .هو الحافظ الموفّق بن أحمد بن محمّد (أو إسحاق) البكري المكي أخطب خوارزم الحنفي ، يكنى بابي المؤيد وأبي محمّد وأبي الوليد (484 _ 568 ه) أصله من مكة المكرمة ، أخذ العربية عن الزمخشري بخوارزم ، وتولّى الخطابة بجامعها ، وله خطب وشعر و كتاب «مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب» انظر ص 228 . وله كتاب آخر سمّاه «الأربعين» وكتاب «مقتل الحسين عليه السلام » وغيرهما . (انظر الأعلام للزركلي : 7 / 333 ، ومعجم المؤلّفين : 13 / 52 ، والغدير : 4 / 398 ، وأنباه الرواة : 3 / 332) .
2- .ولد عليّ عليه السلام في داخل الكعبة وكرّم اللّه وجهه عن السجود لأصنامها فكأ نّما ميلاده ثَمّة إيذانا بعهدٍ جديدٍ للكعبة وللعبادة فيها . (عبقرية الإمام لعباس محمود العقّاد : 43) . وقال الدهلوي الشهير بشاه وليّ اللّه والد عبدالعزيز الدهلوي مصنّف «التحفة الإثنا عشرية في الردّ على الشيعة» قال في كتابه إزالة الخفاء : تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليه السلام عليا في جوف الكعبة ، فإنه ولد في يوم الجمعة ثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة ، ولم يولد فيها أحد سواه قبله ولا بعده . (انظر الغدير : 6 / 22) .
3- .في (ب) : في داخل .

ص: 172

سنة 1 ، وقيل بعشر سنين (1) . ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه ، وهي فضيلة خصّه اللّه تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهارا لتكرمته . وكان عليّ رضى الله عنه هاشميا من هاشمين وأول مَن ولده هاشم مرّتين 3 .

.


1- .انظر الإصابة لابن حجر بهامش الاستيعاب : 2 / 501 .

ص: 173

ومن كتاب المناقب لأبي المعالي (1) الفقيه المالكي روى خبرا يرفعه إلى عليّ بن الحسين (2) رضى اللّه عنهما أ نّه قال: كنّا عند الحسين رضى الله عنه في بعض الأيام وإذا بنسوة مجتمعين فأقبلت امرأة منهنّ علينا فقلت لها : من أنت يرحمكِ اللّه ؟ قالت : أنا زيدة (3) ابنة العجلان من بني ساعدة ، فقلت لها: هل عندك من شيءٍ تحدّثينا به ؟ قالت : إي واللّه حدّثتني اُمّ عمارة بنت عبادة بن فضلة بن مالك بن عجلان (4) الساعدي أ نّها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيبا حزينا ، فقلت له : ما شأنك ؟ قال : إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة من الطلق. ثمّ أ نّه أخذ بيدها وجاء بها إلى الكعبة فدخل بها ، وقال : اجلسي على اسم اللّه ، فطلقت طلقة واحدة فولدت غلاما نظيفا منظّفا لم أر أحسن وجها منه ، فسمّاه أبو طالب عليّا وقال شعرا : سمّيته بعليٍّ كي يدوم له عزّ العلوِّ وفخر (5) العزّ أدومه 6

.


1- .في بعض النسخ لابن المغازلي .
2- .ستأتي ترجمته في الفصل الرابع إن شاء اللّه .
3- .وفي (ب) : زبدة .
4- .في (ج) : بن مالك العجلاني .
5- .في (د) : وخير .

ص: 174

وجاء النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم فحمله معه إلى منزل اُمّه 1 . قال عليّ بن الحسين : فواللّه ما سمعت بشيءٍ حسنٍ قطّ ، إلاّ وهذا من أحسنه (1) . وكان مولد عليٍّ رضى الله عنه بعد أن دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بخديجة رضى اللّه عنها بثلاث سنين وكان عمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم ولادة عليّ رضى الله عنه ثمانيا (2) وعشرين سنة واللّه أعلم .

.


1- .غاية المرام : 13 ب 3 من المقصد الأوّل ح 1 ، المناقب لابن المغازلي الشافعي : 6 / 3 .
2- .وفي (د): ثمانية.

ص: 175

. .

ص: 176

. .

ص: 177

فصل : في ذكر اُمّ عليٍّ كرّم اللّه وجهه

فصل : في ذكر اُمّ عليٍّ كرّم اللّه وجههاُمّه : فاطمة بنت أسد (1) بن هاشم بن عبد مناف تجتمع هي وأبو طالب في هاشم، أسلمت وهاجرت مع النبيّ صلى الله عليه و آله وكانت من السابقات إلى الإيمان بمنزلة الاُمّ من النبيّ صلى الله عليه و سلم . فلما ماتت كفّنها النبيّ صلى الله عليه و آله بقميصه (2) وأمر اُسامة بن زيد (3) ، وأبا أيوب الأنصاري، وعمر بن الخطّاب، وغلاما أسود، فحفروا قبرها ، فلمّا بلغوا لحدها حفره رسول اللّه صلى الله عليه و سلم بيديه وأخرج ترابه ، فلمّا فرغ اضطجع فيه (4) وقال : اللّه (5) الّذي يحيي ويميت وهو حيٌّ لا يموت ، اللّهمّ اغفر لاُمّي فاطمة بنت أسد ولقّنها حجّتها ووسّع

.


1- .سبق وأن ذكرت ترجمتها .
2- .سبق وأن تمّ تخريجه وراجع تذكرة الخواصّ : 20 ، المناقب لابن المغازلي : 6 .
3- .هو اُسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي أبو محمّد مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله واُمّه اُمّ ايمن حاضنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله توفّي في خلافة معاوية . (انظر تهذيب الكمال : 2 / 338) .
4- .في بعض النُسخ «ولمّا بلغ الحفر إلى اللحد» بدل «فلمّا بلغوا لحدها» و «بيده» بدل «بيديه» و «ونام في قبرها» بدل «اضطجع فيه» .
5- .في بعض النُسخ : يااللّه .

ص: 178

عليها قبرها (1) بحقّ نبيك محمّد والأنبياء الّذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين . فقيل : يا رسول اللّه رأيناك صنعت (2) شيئا لم تكن صنعته (3) بأحدٍ قبلها!! فقال صلى الله عليه و سلم : ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة، واضطجعت (4) في قبرها ليخفّف عنها من ضغطة القبر ، إنها (5) كانت من أحسن خلق اللّه صنعا (6) إليَّ بعد أبي طالب رضي اللّه عنهما ورحمهما 7 .

.


1- .في (أ) : مدخلها .
2- .في (أ) : وضعت .
3- .في (أ) : وضعته .
4- .في (ج) : واضجعت .
5- .في (ج) : فيها .
6- .في (ب) : صنيعا .

ص: 179

. .

ص: 180

. .

ص: 181

فصل : في تربية النبيّ صلى الله عليه و سلم له عليه السلام

فصل : في تربية النبيّ صلى الله عليه و سلم لهوذلك أ نّه لمّا نشأ عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه وبلغ سنّ التمييز أصاب أهل مكّة جدب شديد وقحط أجحف بذوي المروّة وأضرّ بذوي العيال إلى الغاية ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعمّه العبّاس _ وكان من أيسر بني هاشم _ : يا عمّ (1) إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى ، فانطلق بنا إلى بيته (2) لنخفّف (3) من عياله فتأخذ أنت رجلاً واحدا وآخذ أنا رجلاً ، فنكفلهما عنه . قال العباس : أفعل (4) . فانطلقا حتّى أتيا أبا طالب فقالا : إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه ، فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلاً وطالبا فاصنعا ماشئتما ، فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و سلم عليا وضمّه (5) إليه، وأخذ العبّاس جعفرا فضمّه إليه ، فلم

.


1- .في (د) : يا أبا الفضل .
2- .في (ج) : إليه .
3- .في (ب) : نخفّف عنه .
4- .وفي (د) : نعم .
5- .في (أ) : فضمه .

ص: 182

يزل عليّ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى بعث (1) اللّه عزّوجلّ محمّدا نبيّا فاتَّبعه عليّ عليه السلام وآمن به وصدَّقه ، وكان عمره إذ ذاك في السنة الثالثة عشر من عمره ولم يبلغ الحلم ، وقيل غير ذلك 2 ، وأكثر الأقوال وأشهرها أنه لم يبلغ الحلم 3 .

.


1- .وفي (ج) : بعثه .

ص: 183

وأ نّه أول مّن أسلم وآمن برسول اللّه صلى الله عليه و آله من الذكور بعد خديجة (1) . قال الثعلبي (2) في تفسير قوله تعالى : «وَ السَّ_بِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَ_جِرِينَ وَالْأَنصَارِ » 3 : وهو قول ابن عباس ، وجابر بن عبداللّه الأنصاري ، وزيد بن أرقم ،

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .هو أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري المتوفّى سنة (427 ه) وقيل (429 ه) ، كما جاء في كتابه يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر تحقيق محمّد محي الدين عبدالحميد بمجلّدين ط دار الكتب العلمية مخطوط . انظر تفسير الآية المذكورة في المتن ، وما رواه عنه السيّد عبداللّه بن حمزة في كتاب الشافي : 1 / 103 الطبعة الاُولى . وهو المفسّر المشهور ، كان أوحد زمانه في علم التفسير ، حدّث عن أبي طاهر بن خزيمة والإمام أبي بكر بن مهران المقرئ ، وكان كثير الحديث ، كثير الشيوخ . (انظر وفيات الأعيان : 1 / 79 ، معجم الأدباء : 5 / 36 ، النجوم الزاهرة : 4 / 283 وانظر تفسيره الجزء الأوّل منه المطبوع على الحجر ، وتفسيره المسمّى بالكشف والبيان في تفسير القرآن .

ص: 184

ومحمّد بن المنكدر (1) ، وربيعة المرائي (2) . وقد أشار عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه إلى شيءٍ من ذلك في أبياتٍ قالها رواها عنه الثقات الأثبات وهي هذه الأبيات : محمّد النبيّ أخي وصنوي وحمزة سيّد الشهداء عمّي وبنت محمّدٍ سكني وعرسي منوطٌ لحمها بدمي ولحمي سبقتكم إلى الإسلام طفلاً صغيرا ما بلغت أوان حلمي 3 فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويلٌ لمن يلقى الإله غدا بظلمي 4

.


1- .وفي نسخة (أ) : محمّد بن المتكدر، وهو أبو عبداللّه محمّد بن المنكدر بن عبداللّه بن الهدير بن عبدالعزّى المدني . روى عن أبيه وعمّه وله صحبة مع أبي هريرة وآخرين وابن هدير من بني تيم قريش، وللمنكدر أخ يقال له : ربيعة بن هدير من فقهاء الحجاز، ومات محمّد بن المنكدر سنة (130 ه) . انظر المعارف لابن قتيبة : 461 منشورات الشريف الرضي، تهذيب التهذيب 9 / 473، الأعلام للزركلي : 7 / 333 .
2- .هو ربيعة بن عبداللّه بن الهدير التميمي القرشي ولد في حياة الرسول صلى الله عليه و آله ومات سنة (93ه) . (الإستيعاب بهامش الإصابة : 1 / 514 ، تهذيب التهذيب : 3 / 257) .

ص: 185

ربّاه النبيّ صلى الله عليه و سلم وأزلفه وهداه إلى مكارم الأخلاق والفقه (1) ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و سلم قبل بدء أمره إذا أراد الصلاة خرج إلى شعاب مكة مستخفيا وأخرج عليا معه فيصلّيان ما شاء اللّه ، فإذا قضيا رجعا إلى مكانهما (2) . ونقل يحيى بن عفيف الكندي قال : حدّثني أبي قال : كنت جالسا مع العباس بن عبدالمطّلب بمكّة بالمسجد قبل أن يظهر أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجاء شابّ فنظر إلى السماء حين حلقت الشمس ثمّ استقبل الكعبة فقام يصلّي ، فجاء غلام فقام عن يمينه ، ثمّ جاءت امرأة فقامت خلفهما ، فركع الشابّ فركع الغلام والمرأة ، ثمّ رفع فرفعا ، ثمّ سجد فسجدا ، فقلت : يا عباس أمرٌ عظيم فقال العباس : اتعرف (3) هذا الشابّ ؟ فقلت : لا ، فقال : هذا محمّد بن عبداللّه بن عبدالمطّلب ابن أخي ، أتدري مَن هذا الغلام ؟ هذا عليّ بن أبي طالب ابن أخي ، أتدري مَن هذه المرأة ؟ هذه خديجة بنت خويلد ، إنّ ابن أخي هذا حدّثني أنّ ربَّه ربّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين وهو عليه ، ولا واللّه على ظهر الأرض اليوم على هذا الدين غير هؤلاء . وكان عفيف يقول لي بعد أن أسلم ورسخ في الإسلام : ليتني كنت رابعا لهم 4 .

.


1- .في (ج) : ثقفه .
2- .ورد في كتاب الرياض النضرة : 2 / 159 عن ابن إسحاق هكذا : كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه عليّ بن أبي طالب عليه السلام مستخفيا من عمّه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه ، فيصلّيان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا . وذكر صاحب كتاب الجوهرة : 12 تحقيق الدكتور محمّد التونجي مثله وزيادة : فمكثا كذلك ما شاء اللّه تعالى أن يمكُثا . ومثله في كتاب مطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعي .
3- .في (أ) : أتعرب ، وهو اشتباه . و عبارة «أمرٌ عظيم» مكرّرة مرّتين في نسخة (ج) .

ص: 186

. .

ص: 187

. .

ص: 188

. .

ص: 189

. .

ص: 190

. .

ص: 191

. .

ص: 192

. .

ص: 193

. .

ص: 194

. .

ص: 195

فصل : في ذكر شيءٍ من علومه عليه السلام

فصل : في ذكر شيءٍ من علومهفمنها : علم الفقه الّذي هو مرجع الأنام ومجمع الأحكام ومنبع الحلال والحرام . فقد كان عليّ عليه السلام مطّلعا على غوامض أحكامه ، منقادا له جامحا بزمامه ، مشهودا له فيه بعلوّ محلّه ومقامه ، ولهذا خصّه رسول اللّه صلى الله عليه و سلم بعلم القضاء ، كما نقله الإمام أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي رحمة اللّه عليه في كتابه المصابيح مرويّا عن أنس بن مالك : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله [ لمّا ] خصّص جماعةً من الصحابة كلّ واحدٍ بفضيلة خصّ (1) عليّا بعلم القضاء ، فقال : وأقضاكم عليّ 2 .

.


1- .في (د) : خصص .

ص: 196

ومن ذلك : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان جالسا في المسجد وعنده اُناس (1) من الصحابة إذ جاءه صلى الله عليه و سلم رجلان يختصمان ، فقال أحدهما : يا رسول اللّه ، إنّ لي حمارا ولهذا (2) بقرة ، وإنّ بقرته نطحت (3) حماري فقتلته ، فبدر (4) رجل من الحاضرين فقال : لا ضمان

.


1- .في (ج) : جمع .
2- .في (د) : وإنّ لهذا .
3- .في (ب) : قتلت .
4- .في (ج) : فبدأ .

ص: 197

على البهائم ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اقضِ بينهما يا عليّ ، فقال لهما عليّ كرّم اللّه وجهه : أكان الحمار والبقرة موثّقَين أم [ كانا ]مرسَلين ، أم أحدهما موثّقا والآخر مُرسَلاً (1) ؟ فقالا : كان الحمار موثّقا والبقرة مرسلة وكان صاحبها معها ، فقال عليه السلام : على صاحب البقرة الضمان ، وذلك بحضرة النبيّ صلى الله عليه و آله ، فقرّر صلى الله عليه و آله حكمه وأمضى قضاءه 2 . ومن ذلك : ما يروى أنّ رجلاً اُتي به إلى عمربن الخطّاب ( رض ) ، وكان صدر منه أ نّه قال لجماعةٍ من الناس وقد سألوه كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت اُحبّ الفتنة ، وأكره الحقّ ، واُصدّق اليهود والنصارى ، واُؤمن بما لم أره ، واُقرّ بما لم يُخلق ، فرفع إلى عمر ( رض ) فارسل إلى عليّ كرّم اللّه وجهه ، فلمّا جاءه أخبره بمقالة الرجل قال : صدق ، يحبّ الفتنة ، قال اللّه تعالى : «إِنَّمَآ أَمْوَ لُكُمْ وَ أَوْلَ_دُكُمْ فِتْنَةٌ» (2) . ويكره الحقّ [ يعني ] الموت ، قال اللّه تعالى : «وَ جَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ

.


1- .في (ب) : مشدودَين بدل جملة «أم أحدهما موثّقا . . . .» .
2- .التغابن : 15 .

ص: 198

بِالْحَقِّ» (1) . ويصدّق اليهود والنصارى ، قال اللّه تعالى : «وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَ_رَى عَلَى شَىْ ءٍ وَ قَالَتِ النَّصَ_رَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَىْ ءٍ» (2) . ويؤمن بما لم يره ، يؤمن باللّه عزّوجلّ ، ويُقرّ بما لم يُخلق ، يعنى الساعة ، فقال عمر ( رض ) : أعوذ من معضلةٍ ، لا عليّ لها (3)4 .

.


1- .ق : 19 .
2- .البقرة : 113 .
3- .في (ب) : [ بها ] .

ص: 199

وقال سعيد بن المسيّب : كان عمر يقول : اللّهمّ لا تبقني لمعضلةٍ ليس فيها أبو الحسن ، وقال ( رض ) مرّةً : لولا عليّ لهلك عمر (1) . ومن ذلك : أ نّه عليه السلام وقعت له واقعة حارت علماء عصره (2) في (3) حكمها ، وهي : أنّ رجلاً تزوّج بخنثى ولها فرج كفرج الرجال (4) وفرج كفرج النساء (5) وأصدقها جاريةً كانت له ، ودخل بها (6) ، فحملت منه الخنثى وجاءته (7) بولد . ثمّ إنّ الخنثى وطأت الجارية الّتي أصدقها زوجها (8) ، فحملت منها (9) وجاءت بولد ، فاشتهرت قصّتهما

.


1- .راجع المصادر السابقة .
2- .في (ج) : وقتها .
3- .في (د): فيها.
4- .في (ب) : النساء .
5- .في (د) : الرجال .
6- .في (د) : بالخنثى فأصابها .
7- .في (ب) : وجاءت .
8- .في (د) : لها الرجل .
9- .في (ب) : منه الجارية .

ص: 200

ورفع أمرهما (1) إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فسأل عن حال الخنثى ، فأخبر أ نّها تحيض وتطأ وتوطأ وتمني من الجانبين وقد حبلت وأحبلت فصار الناس مُتَحَيّري الأفهام في جوابها ! وكيف الطريق إلى حكم قضائها وفصل خطابها ؟ فاستدعى أمير المؤمنين [ غلامين ] يرفا وقنبرا وأمرهما أن يعدّا أضلاع الخنثى (2) من الجانبين وينظرا ، فإن كانت متساويةً فهي امرأة ، وإن كان الجانب الأيسر أنقص من أضلاع الجانب الأيمن بضلعٍ واحدٍ فهو رجل ، فدخلا (3) على الخنثى كما أمرهما أمير المؤمنين عليه السلام وعدّا أضلاعها من الجانبين فوجدا أضلاع الجانب الأيسر تنقص (4) عن (5) أضلاع الجانب الأيمن بضلع ، فأخبراه بذلك وشهدا عنده به ، فحكم على الخنثى بأ نّها رجل ، وفرّق بينها وبين زوجها . ودليل ذلك : أنّ اللّه تعالى لمّا خلق آدم عليه السلام وحيدا أراد سبحانه وتعالى لإحسانه إليه ولخفيِّ حكمته فيه أن يجعل له زوجا من جنسه ليسكن كلّ واحدٍ منهما إلى صاحبه ، فلمّا نام آدم عليه السلام خلق اللّه تعالى من ضلعه القصير (6) من جانبه الأيسر حوّاء ، فانتبه فوجدها جالسةً إلى جانبه كأحسن ما يكون من الصوَر ، فلذلك صار الرجل ناقصا من جانبه الأيسر على المرأة بضلعٍ واحدٍ والمرأة كاملة الأضلاع من الجانبين ، والأضلاع الكاملة من الجانبين أربعة وعشرون ضلعا في كلّ جانبٍ اثنا عشر ضلعا ، وهذا في المرأة . وأمّا الرجل فثلاثة وعشرين ضلعا ، اثنا عشر من اليمين ، وأحد عشر من اليسار . وباعتبار هذه الحالة قيل : للمرأة ضلع أعوج ، وقد صرّح النبيّ صلى الله عليه و آله _ على مصدرٍ _ بأنّ المرأة خُلقت من ضلعٍ أعوج ، إن ذهبت تقيمها

.


1- .في (ج) : قصّتها ورفع أمرهما .
2- .في (ب) : اضلاعها .
3- .في (ج) : فذهبا .
4- .في (د) : انقص .
5- .في (ب) : من .
6- .في (د) : القصري .

ص: 201

كسرتها ، وإن تركتها استمتعت بها على عوج 1 . وقد نظّم بعض الشعراء (1) فقال : هي الضلع للعوجاء لست تقيمها ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها أتجمع ضَعفا (2) واقتدارا على الفتى أليس عجيبا ضعفها واقتدارها (3) فانظر رحمك اللّه إلى استخراج أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام بنور علمه وثاقب فهمه ما أوضح به سبيل السداد وبيّن به طريق الرشاد ، وأظهر به جانب الذكورة (4) الاُنوثة من مادّةٍ الايجاد ، وحصلت له هذه المنّة الكاملة والنعمة الشاملة بملاحظة النبيّ له وتربيته وحنوّه عليه وشفقته (5) ، فاستعدّ لقبول الأنوار وتهيّأ لفيض العلوم والأسرار ، فصارت الحكمة من ألفاظه ملتقطة ، والعلوم الظاهرة والباطنة بفؤاده مرتبطة ، لم تزل بحار العلوم تتفجّر من صدره ويطفى (6) عبابها ، حتّى قال صلى الله عليه و آله : أنا مدينة العلم

.


1- .في (أ) : الاُدباء .
2- .في (ج) : ظلما ، وهو اشتباه .
3- .نور الأبصار للشبلنجي : 71 .
4- .في (أ) : الذكر .
5- .في (أ ، ج) : عامة .
6- .في (د) : يطفو .

ص: 202

وعليٌّ بابها 1 .

.

ص: 203

. .

ص: 204

. .

ص: 205

. .

ص: 206

. .

ص: 207

فصل : في محبّة اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله له عليه السلام

فصل : في محبّة اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله له عليه السلاموذلك أ نّه صحّ النقل في كتب الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة : عن أنس بن مالك (رض) قال : اُهدي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله طير مشوي يسمّى الحجل 1 . وفي

.

ص: 208

رواية ما رواه الأحباري (1) فقال : اللّهمّ ائتني (2) بأحبّ الخلق (3) إليك يأكل معي من

.


1- .الاحباري : يقصد به عبداللّه بن عباس لأنه يسمّى ب «حبر الاُمّة» .
2- .في (د) : آتني .
3- .في (ب) : خلقك .

ص: 209

هذا الطير ، فقلت : اللّهمّ اجعله رجلاً من الأنصار . فجاء عليّ فحجبته وقلت (1) : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و سلم مشغول ، رجاء أن يكون الدعوة لرجلٍ من قومي ، ثمّ جاء عليّ ثانيةً فحجبته ، ثمّ جاء الثالثة فقرع الباب فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : أدخِله فقد عييته ، فلمّا دخل قال له النبيّ: ما حبسك عنيّ يرحمك اللّه ؟!فقال: هذا (2) آخر ثلاث مرّاتٍ وأنس يقول: إنّك مشغول ، فقال : يا أنس ، ما حملك على ذلك؟ قال : سمعت دعوتك فأحببت أن تكون لرجل من قومي ، فقال صلى الله عليه و آله : لا يلام الرجل على حبّه لقومه . رواه الترمذي (3) . وفي صحيح البخاري (4) ومسلم (5) وغيرهما من الصحاح : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال يوم خيبر : لأعطينّ الرايةَ غدا رجلاً يفتح اللّه على يديه ، يُحبّ اللّه ويُحبّه اللّه ورسوله . قال : فبات الناس يخوضون (6) ليلتهم أيّهم (7) يُعطاها ، فلمّا أصبح الناس غدوا على

.


1- .في (ج) : فقلت .
2- .في (د) : هذه .
3- .هو محمّد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي البوغي الترمذي ، أبو عيسى (209 _ 279 ه) من أئمة علماء الحديث وحفّاظه ، من أهل ترمذ _ على نهر جيحون _ تتلمذ للبخاري ، وشاركه شيوخه ، وقام برحلة إلى خراسان والعراق والحجاز وعمي في آخر عمره ، ومن تصانيفه «الجامع الكبير» و «الشمائل النبوية» و«العلل» . (انظر ترجمته في أعلام الزركلي : 6 / 322 . وانظر الحديث في سننه : 5 / 300 / 3720 و 3721 و 3805) .
4- .محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري ، أبو عبداللّه (194 _ 256 ه) حافظ ، صاحب «الجامع الصحيح» المعروف بصحيح البخاري و «التاريخ» و «الضعفاء» مطبوع في رجال الحديث و «خلق أفعال العباد» مطبوع و «الأدب المفرد» . ولد فى بخارى ونشأ يتيما ، وقام برحلة طويلة سنة (210 ه) في طلب الحديث فزار حواضر كثيرة ، وسمع من نحو ألف شيخ ، وجمع نحو ستمائة ألف حديث اختار منها في صحيحه ما وثق برواته ، أقام في بخارى ، فتعصّب عليه جماعة ورموه بالتهم ، فاُخرج إلى قرية من قرى سمرقند يقال لها : «خرتنك» ومات فيها . يعدّ كتابه في الحديث من أوثق الصحاح الستة وأولها وأهمها عند أهل السنّة . (انظر الأعلام للزركلي : 6 / 34) .
5- .تقدمت ترجمته .
6- .في (ج) : يدوكون .
7- .في (و) : انهم.

ص: 210

رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلّ منهم يرجو أن يُعطاها، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أين عليّ بن أبي طالب؟ فقيل : يا رسول اللّه ، إنه أرمد (1) ، قال : فأرسلوا إليه ، فاُتي به فبصق في عينيه (2) ودعا له ، فبرئ حتّى لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، فقال عليّ كرّم اللّه وجهه : يااللّه ، اُقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا ؟ فقال : انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثمّ ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ اللّه فيه ، فواللّه لئن يهدي اللّه بك رجلاً واحدا خيرا لك من أن يكون لك حُمُر النعم . 3 قال : فمضى وفتح اللّه على يديه .

.


1- .في (ب) : هو يشتكي عينه .
2- .في (د) : عينه .

ص: 211

وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت 1 ( رض ) في مدحه : وكان عليٌّ أرمد العين يبتغي دواءً فلمّا لم يحسّ (1) مداويا شفاهُ (2) رسول اللّه منه بتفلةٍ فبورك مرقيّا وبورك راقيا وقال : ساُعطي الراية اليوم صارما (3) كميّا شجاعا في الحروب مجاريا (4) يُحبّ إلهي والإله يحبّه (5) به يفتح اللّه الحصون الأوابيا فخصّ لها دون البريّة كلّهم عليّا وسمّاه الوليّ المؤاخيا (6)

.


1- .في (ب) : يحسّن .
2- .في (د) : حباه .
3- .في (أ) : راية القوم فارسا .
4- .في (د) : فذاك محبّ للرسول مواتيا ، وفي (ب) : محاميا .
5- .في (أ) : يحبّ إلها والإله محبّه .
6- .في (د) : فأقضى بها ، دون البرية كلّها .

ص: 212

وفي صحيح مسلم 1 : قال عمر بن الخطّاب (رض) : فما أحببت الإمارة إلاّ يومئذٍ، فتساورتُ لها وحرصتُ عليها ، حتّى أبديت وجهي ، وتصدّيت لذلك ليتذكّرني ، قالوا : وإنما كانت محبّة عمر لها لما دلّت عليه من محبّته للّه ورسوله صلى الله عليه و آله ومحبّتهما له والفتح على يديه ، قاله الشيخ عبداللّه بن أسعد اليافعيّ (1) في كتابه «المرهم» (2) .

.


1- .عفيف الدين عبداللّه بن أسعد بن عليّ اليافعي : مؤرّخ وباحث متصوّف ، من شافعية اليمن ، نسبته إلى بني يافع من حمير ، مولده ومنشأه في عدن (698 _ 768 ه) صاحب تصانيف كثيرة منها «مرهم العلل المعضلة» . (انظر طبقات الشافعية : 6 / 103 ولكن فيه وفاته (767 ه) ، معجم المطبوعات 1952 ، الدرر الكامنة : 2 / 247 ، الفوائد البهية : 33 في التعليقات ، شذرات الذهب : 6 / 2100) .
2- .تقدم تخريج الحديث والتعليق عليه في المصدر السابق ، فلاحظ وتأمّل .

ص: 213

. .

ص: 214

. .

ص: 215

. .

ص: 216

. .

ص: 217

. .

ص: 218

. .

ص: 219

فصل : في مؤاخاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله له عليه السلام

فصل : في مؤاخاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله له ، وسبب تسميته بأبي تراب وغير ذلك ممّا خصّ بها من المزايا العليّة الواردة في الأحاديث الصحيحة الجليّةفمن ذلك ما رواه الترمذي في صحيحه بسنده عن عبداللّه بن عمر ( رض ) أنه قال : لمّا آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين صحابته رضي اللّه عنهم جاءه (1) عليّ كرّم اللّه وجهه وعيناه تدمعان ، فقال : يا رسول اللّه ، آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد ، فسمعت (2) رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أنت أخي في الدنيا والآخرة (3) . ومن مناقب ضياء الدين الخوارزمي عن ابن عبّاس ( رض ) قال : لمّا آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار _ وهو أ نّه صلى الله عليه و آله آخى بين أبي بكر

.


1- .في (د) : جاء له .
2- .في (ج) : فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنت ... .
3- .صحيح البخاري : 2 / 299 ، و : 5 / 300 / 3804 و 636 / 3720 مع اختلافٍ بسيط جدا في نقل عبارة عبداللّه بن عمر في التقديم والتأخير ، وجامع الترمذي : 2 / 213 .

ص: 220

وعمر (رض) ، وآخى بين عثمان وعبدالرحمن بن عوف ، وآخى بين طلحة والزبير ، وآخى بين أبي ذرّ الغفاري والمقداد رضوان اللّه عليهم أجمعين _ ولم يؤاخ بين عليّ بن أبي طالب وبين أحدٍ منهم خرج عليّ مغضبا حتّى أتى جدولاً من الأرض وتوسّد ذراعه ونام فيه تسفي الريح عليه (1) ، فطلبه النبيّ صلى الله عليه و آله فوجده على تلك الصفة ، فوكزه برجله ، وقال له : قم فما صلحت أن تكون إلاّ أبا تراب ، أغضبتَ حين آخيتُ بين المهاجرين والأنصار ولم اُؤاخِ بينك وبين أحدٍ منهم ؟ ! أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أ نّه لا نبيَّ (2) بعدي ؟ ! ألا من أحبّك فقد حُفّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته اللّه ميتةً جاهلية ، وحوسب بعمله في الإسلام 3 .

.


1- .في (ب) : وسفّت عليه الريح .
2- .في (ج) : ليس نبي .

ص: 221

وفي صحيح البخاري 1 عن أبي حازم أنّ رجلاً جاء إلى سهل بن سعد فقال :

.

ص: 222

هذا فلأن أمير المدينة (1) يدعو عليا عند المنبر يقول له أبو تراب ، فضحك ، فقال : واللّه ما سمّاه بهذا الإسم إلاّ النبيّ صلى الله عليه و آله ، وما كان اسم أحبّ إليه منه . . . الحديث قال فيه : فقلت : يا أبا عباس ، كيف كان ذلك ؟ قال : دخل عليّ على فاطمة ثمّ خرج واضطجع في المسجد ، فجاءها النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : أين ابن عمّك ؟ قالت : في المسجد ، فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره ، فجعل يمسح عن ظهره ويقول : اجلس يا أبا تراب _ مرّتين _ .

.


1- .قال صاحب ينابيع المودّة : 1 / 162 _ الطبعة الاُولى تحقيق السيّد عليّ جمال أشرف الحسيني _ في المراد بأمير المدينة : قال شارح القسطلاني : هو مروان بن الحكم .

ص: 223

وفي صحيح مسلم نحوه عن سهل بن سعد ، وقال فيه : جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت ، فقال : أين ابن عمّك ؟ فقالت : كانت بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يَقِل عندي ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لإنسانٍ : انظر أين هو ؟ فجاء فقال : يا رسول اللّه ، هو في المسجد راقد ، فجاءه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو مضطجع وقد سقط رداؤه عن شقّه فأصابه تراب ، فجعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يمسحه عنه ويقول : قم يا أبا تراب ، ثمّ يا أبا تراب . وهذا بعض الحديث (1) . قولها (2) : «خرج ولم يَقِل عندي»هو بفتح الياء وكسر القاف من القيلولة، وهي النوم نصف النهار . قال العلماء : وفيه جواز النوم في المسجد واستحباب ملاحظة ملاطفة الغضبان وممازحته والمشي إليه لاسترضائه .

وفي صحيح البخاري :عن سعد بن أبي وقّاص (3) ( رض ) قال : قال النبيّ صلى الله عليه و آله لعلي كرّم اللّه وجهه : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى (4) .

وفي صحيح مسلم قال فيه :وخلّف رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب في غزوة تبوك [ فأرجف له من المنافقين فقالوا : خلفه مع النساء والصبيان وذلك استخفافا منه فأخذ سلاحه ولحق النبيّ صلى الله عليه و آله وهو نازل بالجحفة ] ، فقال : يا رسول اللّه ، تخلّفني

.


1- .في بعض النسخ وكذلك بعض المصادر لاتوجد لفظة «يا» بل فقط أبا تراب .
2- .في (أ) : قوله .
3- .سعد بن مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي ، كان سابع سبعة سبقوا إلى الإسلام ، شهد بدرا وما بعدها ، وهو أول من رمى بسهم في الإسلام ، وكان رأس من فتح العراق ، وكوّف الكوفة ، ووليها لعمر بن الخطّاب وعينّه في الستة أصحاب الشورى ، واعتزل الناس بعد مقتل عثمان ، وأبى أن يبايع عليا ، وكذلك أبى على معاوية أن يسبّ عليا ، ودسّ إليه معاوية السمّ فمات ، روى عنه أصحاب الصحاح 271 حديثا . كان يكنى أبا إسحاق وله أخوان عتبة وعمير . فمن ولد عتبة هاشم المرقال رحمه اللهوكان مع الإمام عليّ عليه السلام يوم صفّين ، وكان من أشجع الناس ، أما عمير فاستشهد يوم بدر.(انظر اُسد الغابة،وصحيح مسلم : 7/120،والمعارف لابن قتيبة: 241).
4- .صحيح البخاري : كتاب بدء الخلق في باب مناقب عليّ بن أبي طالب : 2 / 200 روى بسنده ، و : 4 / 208 ، و : 14 / 245 / 3470 ، و : 16 / 217 / 4115 بشرح الكرماني .

ص: 224

في النساء والصبيان ؟ فقال : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أ نّه لا نبيَّ بعدي 1 .

.

ص: 225

. .

ص: 226

. .

ص: 227

. .

ص: 228

. .

ص: 229

. .

ص: 230

. .

ص: 231

وممّا رواه الترمذي :أ نّه صلى الله عليه و آله انتجى عليا عند يوم الطائف ، فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمّه ، فقال صلى الله عليه و آله : ما انتجيته ، ولكنّ اللّه انتجاه 1 .

.

ص: 232

وروى الترمذي [ عن أنس بن مالك (رض) قال: ] انّه صلى الله عليه و آله بعث ب [ سورة ] براءة ، أو قال :سورة التوبة مع أبي بكر ، ثمّ دعاه فقال : لا ينبغي لأحدٍ أن يبلّغ عني [ هذا ]إلاّ رجل هو (1) من (2) أهل بيتي ، أو قال : يذهب بها إلاّ رجل هومنّي وأنا منه ، فدعا عليّا فأعطاه إيّاها 3 .

.


1- .في (د) : هو منّي .
2- .في (ج) : من أهلي .

ص: 233

. .

ص: 234

. .

ص: 235

وروى الترمذيّ أيضا عن زيد بن أرقم قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه . هذا اللفظ بمجرّده (1) .

ورواه الترمذيّ ولم يزد عليه 2 .

.


1- .في (ب) : مجرد .

ص: 236

. .

ص: 237

وزاد غيره _ وهو الزهري (1) _ ذكر اليوم والزمان والمكان ، قال : لمّا حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حجّة الوداع ، وعاد قاصدا المدينة قام بغدير خمّ _ وهو ماء بين مكّة والمدينة _ وذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام وقت الهاجرة ، فقال صلى الله عليه و آله :أيّها النّاس ، إنّي مسؤول وأنتم مسئولون ، هل بلّغتُ ؟ قالوا: نشهد أ نّك قد بلّغت ونصحت ، قال : وأنا أشهد أ نّي قد بلّغت ونصحت ثمّ قال : أيّها الناس ، أليس تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه ، وأ نّي رسول اللّه ؟ ! قالوا : نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأ نّك رسول اللّه . قال : وأنا أشهد مثل ما شهدتم . ثمّ قال : أيّها الناس ، قد خلّفت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي : كتاب اللّه ، وأهل بيتي ، ألا وإنّ اللطيف أخبرني أ نّهما لم يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض ، سعة حوضي مابين بصرى وصنعاء ، عدد

.


1- .أبو بكر محمّد بن مسلم بن عبيداللّه القرشي الزهري (ت 124 ه) أحد الأئمة الأعلام ، عالم الحجاز والشام ، وهو الّذي قال له عبداللّه بن العلاء عند ما روى حديث «من كنت مولاه فهذا وليّه ، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه» : لا تُحدّث بهذا بالشام وأنت تسمع مل ء اُذنيك سبّ عليّ ، فقال _ أي الزهري : واللّه إنّ عندي من فضائل عليّ مالو تحدّثت لقُتلتُ . (انظر ترجمته في تذكرة الحفّاظ للذهبي : 1 / 96 ، ومناقب الزهري وأخباره : 19 ، وابن الأثير في اُسد الغابة : 1 / 308) .

ص: 238

آنيته عدد النجوم ، إنّ اللّه مسائلكم كيف خلّفتموني في كتابه وأهل بيتي . ثمّ قال : أيّها النّاس ، من أولى الناس بالمؤمنين ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : إنّ أولى الناس بالمؤمنين أهل بيتي . قال ذلك ثلاث مرّات ، ثمّ قال في الرابعة وأخذ بيد عليّ : «اللّهمّ من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه 1

.

ص: 239

_ يقولها ثلاث مرّات _ ألا فليبلّغ الشاهد الغائب (1) .

وروى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : عن البرّاء بن عازب 2 قال : كنّا مع

.


1- .انظر المصادر السابقة .

ص: 240

النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم في سفر (1) فنزلنا بغدير خمّ ، فنودي (2) فينا الصلاة جامعة ، وكسح لرسول اللّه صلى الله عليه و آله تحت شجرتين (3) فصلّى (4) الظهر ، وأخذ بيد عليّ فقال :ألستم تعلمون أ نّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ! قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أ نّي أولى بكلّ مؤمنٍ من نفسه ؟ ! قالوا : بلى ، [ وأخذ بيد عليّ ]فقال : «اللّهمّ : من كنتُ مولاه فعليٌّ

.


1- .في (ج) : سفرة .
2- .في (ب) : ونودي .
3- .في (د) : شجرة .
4- .في (ج) : وصلّى .

ص: 241

مولاه ، اللّهمّ والِ (1) من والاه ، وعادِ من عاداه ، [ قال ] فلقيه عمر بن الخطّاب بعد ذلك فقال له : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة .

وروى الحافظ أبو بكر بن أحمد بن الحسين البيهقي رحمة اللّه عليه أيضا هذا الحديث بلفظه مرفوعا إلى البرّاء بن عازب (2) .

وروى الحافظ أبو الفتوح أسعد ابن أبي الفضائل بن خلف العجلي في كتابه «الموجز» في فضل الخلفاء الأربعة (رض ) ، يرفعه بسنده إلى حذيفة بن اُسيد الغفاري (3) وعامر بن [ أبي ] ليلى بن ضمرة قالا (4) :لمّا صدر رسول اللّه صلى الله عليه و سلم من حجّه الوداع ولم يحجّ غيرها أقبل ، حتّى إذا كان بالجحفة نهى عن سمرات متغاديات (5) بالبطحاء أن لا ينزل تحتهنّ أحد ، حتّى إذا أخذ القوم منازلهم أرسل فَقُمَّ ما تحتهنّ ، حتّى إذا نودى (6) بالصلاة _ صلوة الظهر _ عَمَدَ إليهنّ فصلّى بالناس تحتهنّ ، وذلك يوم غدير خمٍّ ، [ و ] بعد فراغه من الصلاة ، قال : أيّها الناس ، إنه قد

.


1- .في (د) : فوال .
2- .الاعتقاد على مذهب السلف للبيهقي : 182 و 195 و 204 ط بيروت ، مسند أحمد بن حنبل : 4 / 281 ، وسنن ابن ماجة : 1 / 28 ، وخصائص النسائي : 16 ، وغيرها من المصادر السابقة .
3- .حذيفة بن اُسيد أبو سريحة الغفاري من أصحاب الشجرة ، توفي سنة (40 أو 42 ه) روى عنه حديث الغدير ابن عقدة في كتاب حديث الموالاة ، كما نقله عن السمهودي عنه صاحب ينابيع المودّة : 38 ، والحافظ أبو الفتوح العجلي في كتابه الموجز في فضائل الخلفاء الأربعة : 119 ، ونقله عن كتاب الموجز صاحب مناقب الثلاثة المطبوع بمصر : 19 ، والبداية والنهاية : 5 / 209 ، و : 7 / 248 ، وابن حجر في الصواعق : 25 ، والحلبي في السيرة الحلبية : 3 / 301 نقلاً عن الطبراني ، ومجمع الزوائد : 9 / 165 ، نزل الأبرار : 18 ، أخبار الدول : 102 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 114 ، اُسد الغابة : 3 / 92 ، الإصابة لابن حجر : 2 / 257 .
4- .في (أ) : قال .
5- .كذا في النُسخ ، والصحيح «متقاربات» كما في بعض المصادر .
6- .في (ج) : ثُوِّبَ .

ص: 242

أنبأني (1) اللطيف الخبير أ نّه لم يعمر نبيّ إلاّ نصف عمر النبيّ الّذي كان (2) قبله ، وإنّي لأظنّ بأ نّي اُدعى (3) وأجيب ، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون هل بلّغت ؟ فما أنتم قائلون؟ قالوا : نقول : قد بلّغتَ وجهدتَ ونصحتَ وجزاك اللّه خيرا ، قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقّ ، وأنّ ناره حقّ ، والبعث بعد الموت حقّ ؟ ! قالوا : اللّهمّ [ نَشهدُ ، قال : اللّهمّ ]أشهد . ثمّ قال : أيّها الناس ، ألا تسمعون ؟ ألا فإنّ اللّه مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم ، ألا ومن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه . وأخذ بيد عليٍّ فرفعها حتّى نظر (4) القوم ، ثمّ قال : اللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه (5) .

ونقل الإمام أبو إسحاق الثعلبيّ ( ره ) في تفسيره 6 : أنّ سفيان بن

.


1- .في (أ) : نبّأني .
2- .في (د) : من .
3- .في (ب) : يوشك أن اُدعى .
4- .في (ب) : نظرها ، وفي (ج) : نظره .
5- .انظر المصادر السابقة .

ص: 243

عيينة (1) سُئل عن قول اللّه عزّوجلّ : «سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» (2) فيمن نزلت؟ فقال للسائل : لقد سألتني عن مسألةٍ ما سألني عنها أحد قبلك ، حدّثني أبي ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا كان بغدير خمٍّ نادى الناس فاجتمعوا ، فأخذ بيد عليّ وقال (3) : من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه . فشاع ذلك في أقطار البلاد ، وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ناقته ، فأناخ راحلته (4) ونزل عنها ، وقال : يا محمّد ، أمرتنا عن اللّه عزّوجلّ أن نشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه وأ نّك رسول اللّه فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصلّي خمسا فقبلناه [ منك وامرتنا

.


1- .في (أ) : عتبة .
2- .المعارج : 1 .
3- .في (ب) : فقال .
4- .في (ج) : فاناخها .

ص: 244

بالزكاه فقبلنا ] (1) ،وأمرتنا أن نصوم رمضان فقبلناه، وأمرتنا بالحجّ فقبلناه، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك تفضّله علينا فقلت: «من كُنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» ، فهذا شيءٌ منك أم من اللّه عزّوجلّ ؟ ! فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : والّذي (2) لا إله إلاّ هو إنّ هذا من اللّه عزّوجلّ ، فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللّهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّا فأمطر علينا حجارةً من السماء،أو أئتنا بعذابٍ أليم،فما وصل إلى راحلته حتّى رماه اللّه عزّوجلّ بحجرٍ (3) سقط على هامته فخرج من دبره فقتله . فأنزل اللّه عزّوجلّ «سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَ_فِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ ذِى الْمَعَارِجِ» (4) .

وعن عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه قال :عمّمني رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم غدير خمٍّ بعمامة فسدل (5) طرفها (6) على منكبي وقال (7) : إنّ اللّه تعالى أمدّني يوم بدرٍ وحنين بملائكةٍ معتمّين (8) هذه العمّة 9 .

.


1- .ما بين المعقوفتين مذكور عمّا رواه الثعلبي كما في نور الأبصار وغيره .
2- .في (د) : فالّذي .
3- .في (ب) : بحجارة .
4- .المعارج : 1 _ 3 .
5- .في (ج) : فسدلها خلفي .
6- .في (أ) : بمرقها .
7- .في (د) : ثمّ قال .
8- .في (ب) : يعتمّون .

ص: 245

وروى الإمام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمّى ب «أسباب النزول» يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري ( رض ) (1) قال : نزلت هذه الآية «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» 2 يوم غدير خمٍّ في عليّ بن أبي طالب. وقوله: «بغدير خُمّ هو

.


1- .رمز ( رض ) لاتوجد في المصدر بل أثبتناه من (ج) .

ص: 246

بضمّ الخاء المعجمة وتشديد الميم مع التنوين اسم ل « غيظة» على ثلاثة أميالٍ من الجحفة ، عندها غدير مشهور يضاف إلى الغيظة ، فيقال : غدير خُمٍّ ، هكذا ذكره الشيخ محيي الدين النووي (1) .

تنبيه على معاني الكلمات في هذا الفصل :منها قوله صلى الله عليه و آله : «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» (2) قال العلماء : لفظة «المولى» مستعملة بإزاء معانٍ متعدّدة ، وقد ورد القرآن العظيم بها . فتارةً تكون بمعنى أولى ، قال اللّه تعالى في حقّ المنافقين : «مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِىَ مَوْلَاكُمْ» (3) معناه : أولى بكم .

.


1- .انظر صحيح مسلم : 7 / 123 ، و : 6 / 22 ط مشكول ، و : 2 / 137 ط الحلبي ، و : 22 / 242 ط مصر بشرح النووي .
2- .تقدّمت تخريجاته .
3- .الحديد : 15 .

ص: 247

وتارةً بمعنى الناصر ، قال اللّه تعالى : «ذَ لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ أَنَّ الْكَ_فِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ» (1) معناه : أنّ اللّه ناصر الّذين آمنوا وأنّ الكافرين لا ناصر لهم . وتارةً بمعنى الوارث ، قال تعالى : «وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَ لِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَ لِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ» (2) معناه : وارثا . وتارةً بمعنى العصبة ، قال اللّه تعالى : «وَ إِنِّى خِفْتُ الْمَوَ لِىَ مِن وَرَآءِى» (3) معناه : عصبتي . وتارةً بمعنى الصديق ، قال اللّه تعالى : «يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْ_ئا» (4) معناه : حميم عن حميم ، وصديق عن صديق . وتارةً بمعنى السيّد والمعتق ، وهو ظاهر . وإن (5) كانت واردةً لهذه المعاني فيكون معنى الحديث : من كنت ناصره أو حميمه أو صديقه فإنّ عليّا يكون كذلك 6 .

.


1- .محمّد : 11 .
2- .النساء : 33 .
3- .مريم: 5 .
4- .الدخان : 41 .
5- .في (د) : وإذا .

ص: 248

ومنها قوله صلى الله عليه و سلم : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير أ نّه لا نبيّ بعدي» 1 فلابدّ أوّلاً من كشف سرّ المنزلة الّتي لهارون من موسى .

.

ص: 249

وذلك أنّ القرآن المجيد _ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه _ نطق بأنّ موسى عليه السلام سأل ربّه عزّوجّل فقال : « وَ اجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى *

.

ص: 250

هَ_رُونَ أَخِى * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى * وَ أَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى » (1) ، وأنّ اللّه عزّوجلّ أجابه إلى مسؤوله وأجناه من شجرة دعائه ثمرة سؤله ، فقال عزّ من قائل : «قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَ_مُوسَى » (2) وقال عزّوجلّ : «وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَ_بَ وَ جَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَ_رُونَ وَزِيرًا» (3) ، وقال تعالى : «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ» (4) ، فظهر أنّ منزلة هارون من موسى منزلة الوزير ، والوزير مشتقّ من إحدى معانٍ ثلاثة : أحدها : من الوِزرْ _ بكسر الواو وتسكين الزاي _ وهو الثقل ، فكونه وزيرا له يحمل عنه أثقاله ويخفّفها . ثانيها : من الوَزَر _ بفتح الواو والزاي _ وهو المرجع والملجأ ، ومنه قوله تعالى : «كَلاَّ لاَ وَزَرَ» (5) . فكان (6) الوزير المرجوع إلى رأيه ومعرفته، والملجأ (7) إلى الاستعانة به. والمعنى الثالث : من الأزْرِ وهو الظهر ، قال تعالى : « اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى » فيحصل بالوزير قوّة الأمر واشتداد الظهر ، كما يقوى البدن ويشتدّ به ، وكانت منزلة هارون من موسى أ نّه يشدّ أزْره ويعاضده ويحمل عنه أثقاله ، أي : أثقال بني إسرائيل بقدر استطاعته 8 .

.


1- .طه : 29 _ 32 .
2- .طه : 36 .
3- .الفرقان : 35 .
4- .القصص : 35 .
5- .القيامة : 11 .
6- .في (أ) : وكان .
7- .في (د) : وملجأً، وفي (أ) : والمرجع .

ص: 251

فتلخّص : أنّ منزلة هارون من موسى صلوات اللّه عليهما أ نّه كان أخاه ووزيره

.

ص: 252

وعضده في النبوّة ، وخليفته على قومه عند سفره ، وقد جعل رسول اللّه صلى الله عليه و سلم عليّا منه بهذه المنزلة ، إلاّ النبوّة فإنّه صلى الله عليه و سلم استثناها بقوله : «غير أ نّه لا نبيّ بعدي» . فعليٌّ أخوه ووزيره وعضده ، وخليفته على أهله عند سفره إلى تبوك . ومنها : الاُخوّة ، وحقيقتها بين الشخصين ، كونهما مخلوقَين من أصلٍ واحد ، وهذه الحقيقة منتفية هاهنا ، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أبوه (1) عبداللّه واُمّه آمنة ، وعليّ أبوه أبو طالب واُمّه فاطمة بنت أسد ، فتعيّن صرف حقيقة الاُخوّة إلى لوازمها، ومن لوازمها : المناصرة والمعاضدة والإشفاق وتحمّل المشاقّ والمحبّةُّ والمودّة ، فمعنى قوله : «أنت أخي في الدنيا والآخرة» أ نّي ناصرك وعضدك ومشفقٌ عليك ومعتزٌّ بك (2) ، وقد أشار صلى الله عليه و سلم إلى كون المناصرة من لوازم الاُخوّة بقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح : «انصُر أخاك ظالما أو مظلوما ، فقال السامع : أنصره مظلوما ، فكيف أنصره ظالما ؟ فقال : تمنعه من الظلم فذلك نصرك إيّاه» (3) فجعل النبيّ صلى الله عليه و آله النصرة من لوازم الاُخوّة .

.


1- .في (ج) : أبواه .
2- .في (د) : ومعين بك .
3- .صحيح البخاري : 3 / 98 ، و : 8 / 59 ، سنن البيهقي : 6 / 94 ، الشرح الكبير لابن قدامة : 10 / 318 ، سنن الدارمي : 2 / 311 ، كشف اللثام : 2 / 375 .

ص: 253

. .

ص: 254

. .

ص: 255

. .

ص: 256

. .

ص: 257

. .

ص: 258

. .

ص: 259

. .

ص: 260

. .

ص: 261

. .

ص: 262

. .

ص: 263

. .

ص: 264

. .

ص: 265

. .

ص: 266

. .

ص: 267

. .

ص: 268

. .

ص: 269

. .

ص: 270

. .

ص: 271

. .

ص: 272

. .

ص: 273

. .

ص: 274

. .

ص: 275

. .

ص: 276

. .

ص: 277

. .

ص: 278

. .

ص: 279

. .

ص: 280

. .

ص: 281

فصل : في ذكر شيءٍ من شجاعته عليه السلام

فصل : في ذكر شيءٍ من شجاعته (1)أمّا شجاعته فكانت ظاهرةً على أعطافه ، مشهورةً (2) معروفةً من نعوته وأوصافه، وأول ذلك : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا بايع طائفةً من الأنصار بيعة العقبة الاُولى 3 وكانوا

.


1- .إنّ أرفع درجات الإيثار هي إيثاره عليه السلام بنفسه حفاظا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فإنّه آثر بها في موارد كثيرة لسنا بصدد بيانها ، وما أحسن المرء أن يجود بنفسه من أجل غيره ، ويؤثر الآخرين على نفسه كما وصفه سبحانه وتعالى «وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ » (الحشر : 9) وغيرها من الآيات كما يأتى بحثها إن شاء اللّه تعالى .
2- .في (ج) : معلومة .

ص: 282

ستّة (1) أنفسٍ،منهم: بشير بن سعد (2) ، وحارثة بن النعمان (3) ، وسعد بن عبادة الصامت 4 ،

.


1- .سيرة ابن هشام : 2 / 40 _ 42 .
2- .بشير بن سعد : هو بشير بن سعد بن ثعلبة بن فلاس بن زيد بن الحارث بن الخزرج . يكنّى أبا النعمان بابنه النعمان بن بشير ، شهد العقبة الثانية وبدرا واُحدا ، قُتل يوم عين التمر سنة (12 ه) وهو أوّل من بايع أبا بكر يوم السقيفة من الأنصار . (اُسد الغابة : 1 / 231 تحت رقم 459) .
3- .حارثة بن النعمان: هو حارثة بن النعمان بن نقع بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجّار الأنصاري الخزرجي، شهد بدرا واُحدا والخندق والمشاهد كلّها مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (اُسد الغابة : 1 / 429 تحت رقم 1003) .

ص: 283

وعبداللّه بن رواحة 1 . ف_لمّا ك_ان في العام القابل 2 أقبل اُولئك الستّة ومعهم ستّة آخرون ،

.

ص: 284

وهم (1) : بشير بن زيد (2) ، والبرّاء بن معرور (3) ، وعبداللّه بن أنيس (4) ، وسهل بن زيد (5) ، وعبادة بن الصامت (6) ، والهيثم (7) . فلقوا النبيّ صلى الله عليه و آله عند العقبة ، وبايعوه (8) على أنّهم لا

.


1- .في (أ) : منهم ، وفي (د) : هم .
2- .انظر ترجمته في السيرة الحلبية : 2 / 243 ، وراجع المصادر السابقة .
3- .هو البرّاء بن معرور بن صخر الخزرجي الأنصاري صحابي من العقلاء المقدّمين ، شهد العقبة وكان أحد النقباء الاثني عشر من الأنصار ، وهو أول من تكلّم منهم ليلة العقبة حين لقي السبعون من الأنصار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبايعوه وأول من مات من النقباء ، توفي قبل الهجرة بشهر واحد . (انظر الإصابة : 1 / 144 ، صفة الصفوة : 1 / 203 ، الأعلام للزركلي : 2 / 47) .
4- .هو عبداللّه بن أنيس ، أبو يحيى من بني وبرة ، من قضاعة ، ويعرف بالجهني ، صحابي ، من القادة الشجعان من أهل المدينة ، كان حليفا لبني سلمة من الأنصار ، صلّى إلى القبلتين وشهد العقبة . وفي نسخة (ج) : بن الصامت بدل أنيس . (انظر إمتاع الأسماع للمقريزي : 1 / 254 و271 ، الإصابة الترجمة 4541 ، الأعلام للزركلي : 4 / 73) .
5- .انظر السيرة الحلبية : 2 / 242 بالإضافة إلى المصادر السابقة .
6- .عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي صحابي ورع ، شهد العقبة ، وكان أحد النقباء ، وبدرا وسائر المشاهد . ثمّ حضر فتح مصر ، روى 181 حديثا ، وكان من سادات الصحابة . (تهذيب التهذيب : 5 / 111 ، الإصابة : ترجمة 4488 ، تهذيب ابن عساكر : 7 / 206) .
7- .أبو الهيثم مالك بن التيهان بن عتيك بن عمرو بن عبدالأعلم الأنصاري الأوسي ، كان أول من بايع رسول اللّه ليلة العقبة وحضر الحروب مع الرسول صلى الله عليه و آله وشهد صفين مع الإمام عليّ عليه السلام وقُتل فيها . (انظر الدرجات الرفيعة في طبقات الشافعية : 320 بدري ، وانظر ترجمته في اُسد الغابة :4 / 274 و 5 / 318 ، أنساب الأشراف : 2 / 319 ، الإصابة : 4 / 212 ، الاستيعاب بهامش الإصابة : 4 / 200) .
8- .وفي (ب) : فبايعوه .

ص: 285

يُشركون باللّه شيئا ، ولا يسرقون ، ولا يزنون ، ولا يقتلون النفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحق ، ولا يأتون ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ، ولا يعصونه في معروف ، فقالوا: يا رسول اللّه ، إن تركنا من هذه الشرائع واحدةً ماذا يكون ؟ فقال النبيّ : يكون الأمر في ذلك إلى اللّه عزّوجلّ : إن شاء عفا وإن شاء عذّب . فقالوا : رضينا يا رسول اللّه فابعث معنا رجلاً من أصحابك يقرأ علينا القرآن ، ويعلّمنا شرائع الإسلام ، فبعث معهم النبي صلى الله عليه و آله مصعب بن عمير (1) بن هاشم ليقرئهم القرآن ويعلّمهم شرائع الإسلام،والناس يؤمنون الواحد بعد الواحد، والرجل بعد الرجل ، والمرأة بعد المرأة. فلمّا كان فى العام الثالث 2 _ وهي (2) البيعة الأخيرة الّتي بايعه فيها منهم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان _ بايعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أن يمنعوه ممّا يمنعون نساءهم وأبناءهم وأنفسهم ، فاختار رسول اللّه صلى الله عليه و آله منهم اثني عشر نقيبا ، وانصرفوا إلى المدينة ، فصار كلّما اشتدّ البلاء على المؤمنين بمكّة يستأذنون رسول اللّه صلى الله عليه و آله في

.


1- .في (أ) : عمرو .
2- .في (د) : ومن .

ص: 286

الهجرة إلى المدينة فيأذن لهم ، فيخرجون أرسالاً متسلّلين أوّلهم فيما قيل : أبو سلمة بن عبدالأسد المخزومي (1) ، وقيل : أوّلهم مصعب بن عمير (2) ، فعند قدومهم المدينة على الأنصار أكرموهم وأنزلوهم في دورهم ، وآووهم ونصروهم وواسوهم . فلمّا علم المشركون بذلك وأ نّه صار للمسلمين دار هجرة وأنّ أكثر من أسلم قد هاجر إليها شقّ عليهم ذلك ، فاجتمع رؤساء قريش بدار الندوة 3 وكانت موضع

.


1- .تقدّمت ترجمته .
2- .تقدّمت ترجمته آنفا .

ص: 287

مشورتهم لينظروا ما يصنعوا بالنبيّ ، وكانوا عشرة (1) ، وهم : شيبة (2) وعتبة (3) ابنا ربيعة ، ونبيه (4) ومنبّه (5) ابنا الحجّاج ، واُبيّ (6) واُمية 7 ابنا خلف ، وأبو جهل ابن هشام 8 ، ونضر 9 بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط 10 ، فهؤلاء العشرة 11 اجتمعوا للمشورة . فجاءهم إبليس في صورة الشيخ النجدي عليه جبّة صوف وبرنس أخضر ، وفي يده عكاز يتوكّأ عليه ، فقال لهم : قد بلغني اجتماعكم لمشورتكم فأحببت أن أحضركم فما تعدمون منّي رأيا حسنا ، فأدخلوه معهم . وأوّل 12 من تكلّم عتبة بن ربيعة 13 ، فقال : الرأي أن تحبسوا محمّدا في بيتٍ

.


1- .في (ج) : فكانوا .
2- .انظر سيرة ابن هشام : 2 / 237 حقّقها الشيخ مصطفى السقا وإبراهيم الابياري وعبدالحفيظ شلبي الطبعة الاُولى 1995 دار إحياء التراث العربي ، اُسد الغابة : 2 / 534 .
3- .راجع المصدر السابق .
4- .لقد عدّ المصنّف هنا تسعة وقد سقط العاشر من المصدر. وهو العاص بن وائل ، وقيل : هو أبو سفيان . (انظر أمالي الشيخ الطوسي نقلاً عن أعيان الشيعة : 1 / 375) ، أمّا ابن الأثير في الكامل : 2 / 71 فقد ذكرهم هكذا : عتبة ، وشيبة ، وأبو سفيان ، وطعيمة بن عدي ، وحبيب بن مطعم ، والحرث بن عامر ، والنضر بن الحرث ، وأبو البختري بن هشام ، وربيعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، وأبو جهل ، ونبيها ومنبها ابني الحجّاج ، واُمية بن خلف ، وغيرهم .
5- .في (د) : فأوّل .
6- .وقيل : وأول من تكلّما العاص بن وائل واُمية بن خلف .

ص: 288

مغلق ، ليس لها غير طاقة واحدة (1) ، يدخل منها طعامه وشرابه ، وتربّصون (2) به ريب المنون . فقال الشيخ النجدي : ليس هذا برأي (3) ، فإنّ له عشيرة ، فتحملهم الحميّة على أن لا يمكّنوا من ذلك فتتقاتَلوا ، فقالوا : صدق الشيخ . فقال شيبة بن ربيعة : الرأي أن تركبوا محمّدا جملاً شرودا قد شددتموه بالافشاع (4) عليه ، وتطلقوه نحو البادية ، فيقع على أعراب جفاة ، فيكدر عليهم بما يقول ، فيكون هلاكه على يد غيركم ، فتستريحون منه . فقال الشيخ النجدي : بئس الرأي ، تعمدون إلى رجل قد أفسد سفهاءكم وجهّالكم فتخرجوه إلى غيركم فيفسدهم ويستعذبهم (5) بعذوبة لفظه وطلاقة لسانه ؟ ! لئن فعلتم ليجمعنّ الناس عليكم جمعا ، ويقاتلكم بهم ، ويخرجكم من دياركم ، فقالوا : صدق الشيخ . فقال أبو جهل : لاشيرنّ عليكم برأي لا رأي غيره ، وهو أن تأخذوا من كلّ بطن من قريش غلاما وسطا ، وتدفعوا إلى كلّ غلامٍ سيفا ، فيضربوا محمّدا ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه يفرّق دمه في قبائل قريش كلّها فلا يقدر بنو هاشم على حرب قريش كلّها ، فيرضون بالعقل فيعطوهم عقله ، وتخلصوا منه . فقال الشيخ النجدي : هذا هو الرأي وقد صدق فيما قال وأشار به ، وهو أجود آرائكم ، فلا تعدلوا عنه ، فتفرقّوا على رأي أبي جهل ، مجتمعين على قتل النبيّ صلى الله عليه و آله . فأتى جبرئيل عليه السلام إلى النبىّ صلى الله عليه و آله وأخبره بذلك ، وأمره ان [ لا ] يبيت في موضعه الّذي كان ينام فيه ، وأذن اللّه تعالى في الهجرة ، فعند ذلك أخبر عليّا باُمورهم ، وأمره

.


1- .في (د) : واحد .
2- .في (ب ، ج) : وتربّصوا .
3- .في (د) : ما هذا لكم .
4- .في (ب) : الاتساع ، وفي (د) : الاشساع .
5- .في (أ) : ويستتبعهم .

ص: 289

أن ينام عوضه في (1) مضجعه على (2) فراشه الّذي كان ينام فيه ، وقال له : لن يصل إليك منهم أمرٌ تكرهه 3 ، ووصّاه بحفظ ذمتّه وأداء أمانته ، ظاهرا على أعين الناس ، وكانت قريش تدعو النبيّ صلى الله عليه و آله في الجاهلية بالأمين . وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم : فاطمة بنت النبي (3) صلى الله عليه و آله ، وفاطمة بنت أسد (4) اُمّ عليّ كرّم اللّه وجهه ، وفاطمة بنت الزبير بن عبدالمطّلب (5) ، ولم يهاجر معه من بني هاشم

.


1- .في (ب) : على .
2- .في (د) : في .
3- .تأتي ترجمتها في الفصل القادم إن شاء اللّه .
4- .سبق وأن ترجمنا لها .
5- .انظر ترجمتها في السيرة لابن هشام : 2 / 236 .

ص: 290

ومن ضعفاء المؤمنين [ أحد ]وقال لعليّ : إذا أبرمت ما أمرتك به كن على أهبّة الهجرة 1

.

ص: 291

إلى اللّه ورسوله ، وسر لقدوم كتابي عليك (1) . ثمّ خرج عنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال له : إذا جاءك أبو بكر فوجّهه خلفي نحو بئر اُمّ ميمون وكان ذلك في فحمة العشاء ، والرصد من قريش قد أطافوا بالدار ينتظرون أن ينتصف الليل وينام الناس ، فأخذ النبيّ صلى الله عليه و آله قبضة من تراب وقرأ عليها (2) . وحثاها في وجوههم ، فخرج فلم يروه . ونام عليّ عليه السلام على فراشه . فدخل عليه أبو بكر ( رض ) وهو يظنّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال له عليّ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج نحو بئر اُمّ ميمون (3) وهو يقول لك : أدركني فلحقه ، أبو بكر ( رض ) ومضيا جميعا يتسايران حتّى أتيا جبل ثور فدخلا الغار

.


1- .انظر تاريخ دمشق : 1 / 153 _ 155 ، تاريخ بغداد : 13 / 191 ، اُسد الغابة : 4 / 19 ، تاريخ اليعقوبي : 2 ر 39 ، المستدرك على الصحيحين : 3 / 4 ، مسند أحمد : 1 / 348 ، التفسير الكبير للفخر الرازي : 15 / 155 ، ذخائر العقبى : 87 ، الخرائج والجرائح نقلاً عن الإحقاق : 3 / 44 ، البحار : 19 / 28 نقلها من كتب الشيعة والسنّة وبألفاظ مختلفة فلاحظ ذلك .
2- .قرأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قوله تعالى : «يس * وَ الْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ» إلى قوله : «فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ » (يس : 1_9) كما ذكرناه آنفا .
3- .وفي حديث ابن عباس «بئر ميمون» رواه أحمد بن حنبل: 1 / 373 ط و 330 الطبعة الاُولى ، وشواهد التنزيل: 1 / 125 ح 134 ، ومسند أبي داود الطيالسي: 360 ح 2753 ، تاريخ دمشق: 1 / 71 الطبعة الثانية .

ص: 292

واختفيا فيه وجاءت العناكب الذكور والإناث من أسفل الغار يستقبل بعضها بعضا حتّى نسجت على الغار نسج أربع سنين في ساعة واحدة ، وأقبلت حمامتان من حمام مكة حتّى سقطتا جميعا على باب الغار وباضت الاُنثى منهما من ساعتها بقدرة اللّه وحضنت على البيض. وذهب من الليل ما ذهب وعليّ ( رض ) نائم على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله والمشركون يرجمونه (1) ، فلم يضطرب ولم يكترث ، ثمّ أ نّهم تسوّروا عليه ودخلوا شاهرين سيوفهم ، فثار في وجوههم فعرفوه فقالوا : هو أنت ؟ ! أين صاحبك (2) ؟ فقال : لا أدري ، فخرجوا عنه وتركوه ، ولم يصل إليه منهم مكروه وكفاه اللّه شرّهم . قال بعض أصحاب الحديث : وأوحى اللّه تعالى إلى جبرئيل وميكائيل أن انزلا إلى عليّ عليه السلام واحرساه في هذه الليلة إلى الصباح ، فنزلا إليه وهما يقولان : بخٍ بخٍ مَن مثلك يا عليّ قد باهى اللّه تعالى بك ملائكته (3) . وأورد الإمام حجّة الإسلام أبو حامد محمّد ابن الغزالي (4) رحمه اللّه تعالى في كتاب «إحياء علوم الدين» أنّ ليلة بات عليّ بن أبي طالب على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله أوحى اللّه تعالى إلى جبرئيل وميكائيل : أنيّ آخيت بينكما ، وجعلت عُمْرَ أحدكما أطول من عُمْرَ الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختارا كلاهما

.


1- .في (ب) : يرجمون .
2- .انظر شواهد التنزيل : 1 / 129 ح 139 ، تفسير الثعلبي رواه العلاّمة الحلبي : 16 / 86 .
3- .انظر تذكرة الخواصّ : 41 ، السيرة الحلبية بهامش السيرة النبوية : 2 / 27 ، ينابيع المودّة : 94 ، المناقب لابن شهرآشوب : 2 / 65 ، البحار : 19 / 39 و 64 ، كنز الفوائد : 1 / 55 .
4- .أبو حامد محمّد الغزالي الطوسي (450 _ 505 ه) مولده ووفاته في الطابران _ قصبة طوس بخراسان _ رحل إلى نيسابور ، ثمّ إلى بغداد فالحجاز فبلاد الشام فمصر ، وعاد إلى بلدته . نسبته الى صناعة الغزل أو إلى غزالة من قرى طوس . له كتب كثيرة منها : إحياء علوم الدين ، راجع : 3 / 154 ، تهافت الفلاسفة ، المنقذ من الضلال . . . . انظر ترجمته في كتاب رجال الفكر والدعوة في الاسلام : 206 ، الكويت سنة 1969 ، المنتظم لابن الجوزي : 9 / 169 ط دائرة المعارف حيدرآباد .

ص: 293

الحياة وأحبّاها ، فأوحى اللّه تعالى إليهما : أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب حين آخيت بينه وبين محمّدٍ فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه ، وكان (1) جبرئيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ينادي ويقول : بخٍّ بخٍّ مَن مثلك يا ابن أبي طالب ؟ يباهي اللّه بك الملائكة ، فأنزل (2) اللّه عزّوجلّ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوف بِالْعِبَادِ» (3) . وفي تلك الليلة أنشأ عليّ كرّم اللّه وجهه يقول 4 : وقيتُ بنفسي خيرَ من وطئ الثرى وأكرم خلقٍ طاف بالبيت والحجر وبِتُّ اُراعي منهُمُ ما يسوؤني وقد صَبَرت نفسي على القتل والأسر وباتَ رسول اللّهِ في الغار آمنا ومازال في حفظ الإله وفي السرّ (4) فهذا ممّا يشهد له بقوّة جنانه ، وثبات أركانه ، وتبريزه على نظرائه (5) وأقرانه ، من أبطال الحرب وشجعانه . ومن كلام بعضهم : واعجباه ! هذا فداه بنفسه من الكفّار ، وهذا ساواه بنفسه في الغار ، وهذا آنسه في مسيره ، وهذا بات على سريره ، وهذا أنفق ماله عليه ، وهذا بذل مهجته بين يديه ، وكلّ (6) منهما سعيه مشكور ، وفضله مشهور ، وهو على صنيعه مثاب ومأجور 8 .

.


1- .في (د) : فكان .
2- .في (ب) : وأنزل .
3- .البقرة : 207 . وراجع المصادر السابقة .
4- .في (د) : الستر .
5- .في (أ): نظائره .
6- .في (ب) : فكلّ .

ص: 294

قال (1) : وأصبحت (2) قريش وقد خرجوا في طلب النبيّ صلى الله عليه و آله يقصون أثره في شعاب مكّة وجبالها ، فلم يتركوا موضعا ، حتّى أ نّهم وقفوا على باب الغار الّذي فيه النبيّ صلى الله عليه و آله ، فوجدوا العنكبوت ناسجا على بابه ، ووجدوا حمامتين وحشيّتين قد نزلتا بباب الغار ، وباضتا وفرختا ، فقال لهم عتبة بن ربيعة : ما وقوفكم هاهنا ، لو دخل محمّد هذا الغار لخرق هذا النسج الّذي ترون ولطارت الحمامتان ، وجعل القوم يتكلّمون . فحزن أبو بكر وخاف ، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : يا أبا بكر ، نحن اثنان واللّه ثالثنا ، فما ظنّك باثنين اللّه ثالثهما ؟ لاتحزن إنّ اللّه معنا ، وسيُقتل عامّة من ترى ببدر

.


1- .يعني الغزالي .
2- .في (أ) : وأصبح .

ص: 295

إن شاء اللّه تعالى (1) . فضرب اللّه على وجوه القوم فانصرفوا . نقل المسعودي _ في شرحه لمقامات الحريري (2) عند ذكره طوق الحمامة في المقامة الأربعين _ عن أبي مصعب المكي قال : أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة رضي اللّه عنهم ، فسمعتهم يتحدّثون في أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليلة الغار ، فقالوا : بعد أن دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله الغار ] و ] معه أبو بكر أمر اللّه سبحانه وتعالى شجرةً فَنَبَتَتْ على فم الغار قبالة وجه النبيّ صلى الله عليه و آله ، وأمر حمامتين وحشيّتين فنزلتا بباب الغار ، وأقبل فتيان قريش من كلّ بطنٍ رجل بعِصيّهم وبهراواهم (3) وسيوفهم على عواتقهم ، حتّى إذا كانوا قريبا من الغار ونظروا إلى الحمامتين بباب الغار فرجعوا ، وقالوا : لا ننظر بالغار غير حمامتين وحشيّتين ، ولو كان به أحد لطارتا ، فسمت (4) النبيّ صلى الله عليه و سلم حينئذٍ على الحمَام ، وفرض جزاءهنّ في قتلهنّ في الحرم ، فكنّ في الحرم آمنات . قوله : «سمت على الحمَام» يعني : قال لهنّ : بارك اللّه عليكنّ ، يقال : سمت له أي إذا دعا له بالبركة (5) ، انتهى . وما أحسن قول الفيّومي (6) في تخميسه للبردة : هذا الحمَام بباب الغار قد نزلا والعنكبوت حكت من نسجها حللا فالصاحبان هنا يا قوم ما دخلا ظنّوا الحمام وظنّوا العنكبوت علا خير البريّة لم تنسج ولم تحم

.


1- .انظر المصادر السابقة في قصة الغار وقصة مبيت الإمام عليّ عليه السلام في فراش النبيّ صلى الله عليه و آله ليلة الهجرة ، وكذلك انظر شواهد التنزيل : 1 / 277 ح 283 و 285 _ 288 ، وأمالي الشيخ الطوسي : 1 / 458 .
2- .هو الشيخ أبو محمّد القاسم بن عليّ بن محمّد بن عثمان الحريري البصري .
3- .في (أ ، ب) : وهراولهم .
4- .في (أ) : سمت ، وفي (ب) : فستمت ، وفي نسخة اُخرى : شمت .
5- .المقامات الحريرية : 2 / 83 ط بولاق _ مصر .
6- .الفيّومي : شمس الدين محمّد ، له كتاب تخميس الكواكب الدرية في مدح خير البرية المعروفة بالبردة ، ط مطبعة الشرقية ، 1308ه : 42 .

ص: 296

قال : وأقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاثة أيّام بلياليها في الغار ، وقريش يطلبونه فلا يقدرون عليه ، ولا يدرون أين هو ؟ وأسماء بنت أبي بكر تأتيهما ليلاً بطعامها وشرابهما . قال : فلمّا كان بعد الثلاثة الأيام أمرها النبيّ صلى الله عليه و آله [ أن تذهب ] إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال لها : أخبريه بموضعنا ، وقولي له يستأجر لنا دليلاً ، ويأتينا معه بثلاثة من الإبل بعد مضيّ من الليلة الآتية . قال : فجاءت أسماء إلى عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه فأخبرته بذلك ، فأستأجر لهما عليّ رضى الله عنه عند ذلك رجلاً يقال له : الاُريقط بن عبداللّه الليثي ، وأرسل معه بثلاثٍ من الإبل ، فجاء بهنّ إلى أسفل الجبل ليلاً [ بعد ما مضى من الليلة الآتية (1) قليلاً ] . قال : وسمع النبيّ صلى الله عليه و آله برغاء الإبل ، فنزل من الغار هو وأبو بكر إليه فعرفاه ، فعرض عليه النبيّ صلى الله عليه و سلم الإسلام ، فقيل : أسلم . وقيل : إنّه لم يسلم ، وجعل يشدّ على الإبل أرحالها (2) وهو يرتجز ويقول : شدّا العرى على المطيّ وأخرما (3) وودّعا غاركما والحرما وشمّرا هديتما وسلّما للّه هذا الأمر حقّا فاعلما سينصر اللّه النبيّ المسلما قال : وركب النبيّ صلى الله عليه و سلم وركب أبو بكر وركب الدليل وساروا ، فأخذ بهم الدليل أسفل مكّة ، ومضى بهما على طريق الساحل ، فاتصل الخبر بأبي جهل [ في ] ثاني يوم ، فنادى في أهل مكّة فجمعهم ، وقال : إنّه بلغني أنّ محمّدا قد مضى نحو يثرب على طريق الساحل ومعه رجلان آخران ، فأيّكم يأتيني بخبره ؟ قال :

.


1- .في (د): الرابعة .
2- .في (ب) : أجلاسها .
3- .في (أ) : أخرا .

ص: 297

فوثب سراقة بن مالك بن جعثم المدلجي أحد بني كنانة فقال : أنا لمحمّد يا أبا الحكم . ثمّ إنّه ركب راحلته واستجنب فرسه ، وأخذ معه عبدا له أسود ، كان من الشجعان الموصوفين المشهورين ، فسار[ ا ] في أثر النبيّ صلى الله عليه و سلم سيرا عنيفا نحو الساحل فلحقا به . قال : فالتفت أبو بكر فنظر إلى سراقة بن مالك مقبلاً ، فقال : يا رسول اللّه قد دُهِينَا ، هذا سراقة بن مالك قد أقبل في طلبنا ومعه غلامه الأسود المشهور فلان ، فلمّا أبصرهم سراقة نزل عن راحلته وركب فرسه ، وتناول رمحه ، وأقبل نحوهم ، فلمّا قرب منهم قال النبيّ صلى الله عليه و سلم : اللّهمّ أكفنا أمر سراقة بما شئت وكيف شئت وأ نّى شئت . قال : فساخت (1) قوائم فرسه في الأرض حتّى لم يقدر الفرس أن يتحرّك . قال : فلمّا نظر سراقة إلى ذلك هاله فرمى بنفسه عن الفرس إلى الأرض ورمى برمحه وقال : يا محمّد أنت آمِن أصحابك فادعُ ربّكَ أن يطلق لي جوادي ولك عليّ عهد وميثاق أن أرجع عنك ولا عليك منّي [ فزع ] فرفع النبيّ صلى الله عليه و آله يديه إلى السماء وقال : اللّهمّ إن كان صادقا فيما يقول فأطلق له جواده . قال : فأطلق اللّه تعالى قوائم فرسه حتّى وقف على الأرض صحيحا سليما ، فأخرج سراقة سهما من كنانته ودفعه إلى النبيّ صلى الله عليه و سلم وقال : يا محمّد خذ هذا السهم معك فإنّك ستمرّ بإبل لي فيها غلام لي يرعاها [ أمامك ]خذ منها ما شئت فادفع إليه السهم واستعر من أباعري بعيرا أو بعيرين ما أردت توصل به ، ولي غنم أيضا ترعى أمامك خذ منها ما شئت فاذبحه ، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : على أنك تؤمن باللّه وتشهد بشهادة الحقّ في وقتك هذا ، فقال : يا محمّد أما الآن فلا ، ولكنّي أصرف عنك الناس ، فقال النبيّ صلى الله عليه و سلم : إذا بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في مالك (2) .

.


1- .في (ب): فغاصت .
2- .انظر السيرة لابن هشام : 2 / 137 ، الكامل في التاريخ : 2 / 105 ، فرائد السمطين : 1 / 330 / 256 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 40 ، تذكرة الخواصّ : 41 ، السيرة الحلبية بهامش السيرة النبوية : 2 / 27 ، ينابيع المودّة : 92 ط اسلامبول ، كنز الفوائد : 1 / 55 ، البحار : 19 / 67 ، المناقب لابن شهرآشوب : 2 / 184 و 58 ، مروج الذهب : 2 / 85 ، الإحقاق : 3 / 45 ، معجم البلدان : 5 / 41 الكافي : 8 / 263 .

ص: 298

قال : وانصرف سراقة راجعا إلى مكة ، وسار النبيّ صلى الله عليه و سلم يريد يثرب ، فلمّا رجع سراقة إلى مكّة اجتمع إليه أهلها وقالوا : أخبرنا ما وراءك يا سراقة ؟ فقال : ما رأيت لمحمّد أثرا ولا سمعت عنه (1) خبرا ، والإبل الّتي بلغتكم أ نّها متوجّهة نحو يثرب إبل لعبد القيس ، فقال أبو جهل : أما واللات يا سراقة، إنّ نفسي تحدّثني أ نّك رأيت محمّدا ولحقت به، ولكنّه خدعك فانخدعت، ودعاك فأجبت ، قال : فتبسّم سراقة من قول أبي جهل وقال : أما إنّك لو عاينت من فرسي هذا ما عاينت لصرفت عنّي كلامك ، ونهض عنهم قائما. ثمّ إنّه بعد ذلك أخبرهم بقصّته مع النبيّ صلى الله عليه و سلم قال : ومضى النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وأبو بكر والدليل بين أيديهما حتّى أخذ بهما أسفل عسفان ، ثمّ خرج بهما على قديد ، ثمّ على الفجاج ، ثمّ سار بهما إلى أن قربا من المدينة ، والأوس والخزرج قد بلغهم خروج النبيّ صلى الله عليه و سلم من مكة يريد يثرب . وكانوا يخرجون كلّ يوم إذا صلّوا الظهر (2) إلى ظاهر الحرّة يجلسون هناك ينتظرون قدومه صلى الله عليه و سلم فلا يزالون كذلك حتّى يبلغ منهم حرّ الشمس ، فإذا لم يروا شيئا رجعوا إلى منازلهم . قال : فوصل رسول اللّه صلى الله عليه و سلم إلى قبا يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل ، ونزل على كلثوم بن الهرم (3) أخي بني عمرو بن عوف وقال قوم : نزلوا على سعد بن خيثمة ، والصحيح أ نّه نزل على كلثوم بن الهرم ، غير أ نّه كان إذا خرج من منزل كلثوم يجلس للناس في منزل سعد بن خيثمة وراودوه الدخول إلى

.


1- .في (د) : له .
2- .في (ب ، د) : الصبح .
3- .في (ب ، د) : الهدم .

ص: 299

المدينة فقال : ما أنا بداخلها حتّى يقدم ابن عمّي وابنتي _ يعني عليا وفاطمة رضي اللّه عنهما _ . قال أبو اليقظان : ولمّا وصل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إلى قبا حدّثنا بما أرادت به قريش من المكر ، ومن مبيت عليّ على فراشه ، وبين مؤاخاة اللّه بين جبرئيل وميكائيل ، وجعل عُمْرَ أحدهما أطول من عمر الآخر . . . الحديث المقدّم بتمامه كما ذكره صاحب الكشّاف أيضا . قال : وكتب النبيّ صلى الله عليه و آله إلى عليّ عليه السلام يأمره بالمسير إليه والمهاجرة هو ومَن معه ، وكان عليّ كرّم اللّه وجهه بعد أن توجّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله قام صارخا بالأبطح ينادي : مَن كان له قِبل محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمانة فليأت تردّ إليه أمانته وقضى حوائجه وجميع اُموره . وابتاع ركايب وأجمالاً بسبب المهاجرة ، ولم يكن ينتظر غير ورود كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا ورد عليه الكتاب خرج بالفواطم وخرج معه أيمن بن اُمّ أيمن مولى النبيّ صلى الله عليه و آله وجماعة من ضعفاء المؤمنين ومعهم [ اُمّ ] أيمن أيضا ، فأتوا النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وهو نازل بقبا على بني عمرو بن عوف لم يدخل المدينة . فلما أن جاؤوا خرج من قبا يوم الجمعة بجمع من بني سالم ومَن معه من المسلمين وهم يومئذٍ مائة رجل ، ثمّ ركب ناقته وجعل الناس يكلّمونه فى النزول عليهم ويأخذون بخطام الناقة فيقول صلى الله عليه و سلم : خلّوا سبيلها فإنّها مأمورة . فبركت عند موضع مسجد (1) رسول اللّه صلى الله عليه و سلم وهو يومئذٍ يصلّي فيه رجال من المسلمين وهو مِرْبَد (2) لسهل وسهيل غلامين من بني مالك بن النجّار اشتراه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعشرة دنانير ، وقيل : امتنعوا من بيعه وبذلوه للّه عزّوجلّ ، وهو الصحيح ، فاتخذه رسول اللّه صلى الله عليه و سلم مسجدا (3) وهو مكان مسجده اليوم . وهذا تفصيل شيء من مواقف أبي الحسن رضى الله عنه

.


1- .في (أ) : قبر .
2- .في (أ) : مؤبد . والمربد : مجلس الإبل وما شاكلها .
3- .في (أ) : تسجدا وهو تصحيف أو خطأ من النسّاخ .

ص: 300

ومواطن جهاده الّتي قام فيها بالفروض والسنن . فمنها : ما كان مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وذلك [ كانت ] على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدمه (1) إلى المدينة الشريفة وَعُمرُ عليّ ( رض ) إذ ذاك سبع وعشرة (2) ، سنة فاتفقت غزوة بدر الّتي أردت بالشرك فَقَصَمتْ مطاه وفصمت عراه ، فيومها يوم خصّه اللّه تعالى بإبدار بدره ، وبشّرت بالنصر تباشير فجره ، ونزلت فيه الملائكة المسمومة لامداد نصره ، وانقسمت جموع المشركين يومئذٍ إلى مجدول بقتله (3) ومخذول بأسره . فكان عليّ ( رض ) خائضا لجج غمراته بقلب لا ينحرف ، وقدم إقدام لا ينصرف ، يَقُطُّ بشبا (4) سيفه رقاب الهامّ قَطَّ الأقلام . فكان عدّة من قَتل عليّ كرّم اللّه وجهه من مقاتلة المشركين على ما قيل في المغازي أحدا وعشرين قتيلاً ، منهم مَن اتفق الناقلون على انفراده بقتله وهم تسعة : وليد بن عتبة بن ربيعة ، خال معاوية بن أبي سفيان قتله مبارزةً وكان شجاعا جريئا (5) فتّاكا (6) وقّاحا تهابه الأبطال ، والعاص بن سعيد بن العاص بن اُمية وكان هولاً عظيما من الرجال المعدودين ، وعامر بن عبداللّه ، ونوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش وكان من أشدّ الناس عداوةً للنبيّ صلى الله عليه و سلم ، وكانت قريش تقدّمه وتعظّمه (7) ولمّا عرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله حضوره سأل اللّه أن يكفيه أمره [ وقال صلى الله عليه و آله : اللّهمّ أكفني نوفلاً ]فقتله عليّ بن أبي طالب ( رض ) ، ومسعود بن اُمية بن المغيرة ، وأبو قيس بن

.


1- .في (د) : قدومه .
2- .في (أ) : سبع وعشرون .
3- .في (ج) : بقلبه ، وهو تصحيف أو خطأ من النسّاخ .
4- .في (ب) : بسنا ، وفي (ج ، د) : بشبابيب .
5- .في (أ) : جريا .
6- .في (ج) : فاتكا .
7- .في (ج) : وتطيعه .

ص: 301

الفاكه (1) ، وعبداللّه بن المنذر بن أبي رفاعة ، والعاص بن منبّه بن الحجّاج ، وحاجب بن السائب 2 .

.


1- .في (أ) : الفاكهة .

ص: 302

وأمّا الّذين شارك (1) في قتلهم غيره فهم أربعة : حنظلة بن أبي سفيان بن حرب أخو معاوية، وعبيدة بن الحارث، وزمعة (2) وعقيل ابنا (3) الأسود بن [ عبد ]المطّلب (4) . وأمّا المختلف فيهم فسبعة وهم (5) : طعيمة (6) بن عدي بن نوفل وكان من رؤوس أهل الضلال ، وعمر بن عثمان بن عمر ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العاص بن قيس ، وأوس الجمحي ، وعقبة بن أبي معيط [ صبرا ] ، ومعاوية بن عامر . فهذه عدّة من قتله عليّ كرّم اللّه وجهه يوم بدر . وأجمع أهل الغزوات على أنّ

.


1- .في (أ) : شاركه ، وفي (ب) : شاركهم .
2- .في (أ) : ربيعة .
3- .في (د): أبناء.
4- .ذكرهم الشيخ المفيد في الإرشاد: 61و69 الفصل18و20 من الباب2، كشف الغمّة: 1/241 باب المناقب.
5- .منهم : طعيمة بن أبي عدي ، وعقبة بن أبي معيط ، قتلهم النبيّ صلى الله عليه و آله صبرا كما يقول ابن قتيبة في المعارف : 155 ، ولكن في 156 يقول : وقال بعضهم : قتله عليّ عليه السلام وقال بعضهم : قتله حمزة ، لكن في نسخة اُخرى غير النسخة الّتي حقّقها ثروة عكاشة بخطّ يوحنا بن يوسف من مخطوطات المكتبة الأهلية بباريس تحت رقم 1465 يذكر ابن قتيبة فيها أنّ طعيمة بن عدي قتله عليّ عليه السلام يوم بدر . ويؤيد هذا القول الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد : 69 فصل 20 من الباب 2 حيث قال : روي عن عروة بن الزبير أنّ عليا عليه السلام أقبل يوم بدر نحو طعيمة بن أبي عدي بن نوفل فشجره (فشجّه) بالرمح وقال له : واللّه لا تخاصمنا في اللّه بعد اليوم أبدا .
6- .في (أ): طعيم.

ص: 303

عدّة من قُتل من مقاتلة المشركين يوم بدر سبعون رجلاً 1 . وروي عن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : لمّا أصبح الناس يوم بدر اصطفّت قريش أمامها عتبة بن ربيعة وأخاه شيبة وابنه الوليد ، فنادى عتبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله [ فقال ] : يا محمّد،أخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، فبدر إليه (1) ثلاثة من شبّان

.


1- .في (ب): إليهم .

ص: 304

الأنصار (1) ، فقال لهم عتبة : من أنتم ؟ فانتسبوا له ، فقال لهم : لا حاجة لنا (2) إلى (3) مبارزتكم ، إنّما طلبنا بني عمّنا ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله للأنصار : ارجعوا إلى مواقفكم ، ثمّ قال : قم يا عليّ ، قم يا حمزة ، قم يا عبيدة ، قاتلوا على حقّكم الّذي بُعث به نبيّكم . إذ جاؤوا بباطلهم ليطفئوا نور اللّه ، فقاموا فصفّوا [ للقوم ]في وجوههم وكان على رؤوسهم (4) البيض ، فلم يعرفوهم . فقال لهم عتبة : يا هؤلاء تكلّموا ، فإن كنتم أكفاءنا قاتلناكم ، فقال حمزة : أنا حمزة بن عبدالمطّلب أسد اللّه وأسد رسوله ، فقال عتبة : كفوّ كريم . وقال عليّ : أنا عليّ بن أبي طالب [ بن عبدالمطّلب ] وقال عبيدة : أنا عبيدة بن الحارث بن عبدالمطّلب ، فقال عتبة لابنه الوليد : قم يا وليد ، ابرز لعلي [ فبرز إليه ] وكانا إذ ذاك أصغر الجماعة سنّا ، فاختلفا بضربتين (5) ، أخطأت ضربة الوليد ووقعت ضربة عليّ [ على ] اليد (6) اليسرى من الوليد فأبانتها ، ثمّ ثنّى عليه باُخرى فجدله صريعا (7) . وروي عن عليّ عليه السلام أ نّه كان إذا ذكر (8) بدرا وقتله الوليد قال في حديثه : كأ نّي أنظر إلى وميض خاتمه في شماله ، عندما اُبينت يده منه وبها أثر من خَلوق فعلمت

.


1- .هم كما أشرنا سابقا : عوف ومسعود ابنا عفراء ، وعبداللّه بن رواحة . (انظر المصادر السابقة والأحكام السلطانية لأبي يعلى محمّد بن الحسين الحنبلي الفرّاء : 1 / 420 ، والأحكام السلطانية للماوردي : 2 / 38 تحقيق الدكتور محمّد حامد الطبعة الثانية منشورات مكتب الإعلام المركزي / قم ، المغازي للواقدي : 1 / 148 تحقيق الدكتور مارسدن جونس / نشر دانش اسلامي) .
2- .في (ب) : بنا .
3- .في (أ) : في .
4- .في (ب ، د) : عليهم .
5- .في (أ) : ضربتين .
6- .في (ج): بيده .
7- .في (ج) : قتيلاً .
8- .في (ب) : يذكر .

ص: 305

أنّه قريب عهدٍ بعرس (1) . ثمّ بارز (2) عتبة حمزة فقتله حمزة ، وبارز (3) عبيدة شيبة وكانا من أسنّ القوم، فاختلفا بضربتين فأصاب ذبال (4) سيف شيبة عضلة ساق عبيدة فقطعتها ، فاستنقذه عليّ وحمزة منه وقتلا شيبة ، فحُمل عبيدة [ من مكانه ]فمات بالصفراء رحمه اللّه تعالى . ومنها : غزوه اُحد 5 في شوّال سنة ثلاث من الهجرة ، وتلخيص القول في هذه

.


1- .روى الحديث الشيخ المفيد في الإرشاد : 66 فصل 30 باب 20 بهذا اللفظ : كأ نّي أنظر إلى وميض خاتمه في شماله ، ثمّ ضربته ضربة اُخرى فصرعته وسلبته ، فرأيت به ردعا من خلوق ، فعلمت أ نّه قريب عهد بعرس . وروى الحسين بن حميد قال بإسناده إلى جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لقد تعجّبت يوم بدر من جرأة القوم ، وقد قتلت الوليد بن عتبة وقتل حمزة عتبة وشركته في قتل شيبة ، إذ أقبل إليَّ حنظلة بن أبي سفيان ، فلمّا دنا منّي ضربته ضربة بالسيف فسالت عيناه فلزم الأرض قتيلاً . (الإرشاد : 74 ، ومن أراد المزيد فليراجع المصادر الّتي أشرنا إليها سابقا) .
2- .في (أ) : وبارز .
3- .في (د) : مشى .
4- .في (أ) ذباب .

ص: 306

القصّة : أنّ أشراف قريش لمّا كُسِروا يوم بدر وقُتِلَ بعضهم واُسِرَ بعضهم دخل الحزن على أهل مكة بقتل رؤسائهم وأشرافهم ، فتجمّعوا وبذلوا أموالاً ، واستمالوا جمعا من الأحابيش من كنانةَ وغيرهم ليقصدوا النبيّ صلى الله عليه و آله بالمدينة لاستيصال المسلمين ، وتولّى ذلك أبو سفيان بن حرب فجنّد الجنود وحشّد وقصد المدينة ، فخرج

.

ص: 307

النبيّ صلى الله عليه و آله بالمسلمين فاتفق (1) النفاق بين جماعة من الّذين خرجوا مع النبيّ صلى الله عليه و آله ، فرجع قريب من ثلثهم (2) ، وبقى مع النبيّ صلى الله عليه و آله سبعمائة (3) من المسلمين . وهذه القصّة ذكرها اللّه تعالى في سورة آل عمران في قوله تعالى : « وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَ_عِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » 4 إلى آخر ستين آية ، واشتدّت الحرب ودار[ ت ] رحاها واضطرب المسلمون ، واستشهد حمزة وجماعة من المسلمين وقُتل من مقاتلة المسلمين ، اثنان وعشرون قتيلاً . ونقل أصحاب المغازي 5 أنّ عليا قتل منهم سبعة هم : طلحة بن

.


1- .في (ب): فتفق ، وفي (ج): فنفق ، وفي (د): ونفق.
2- .انظر كشف اليقين : 126 .
3- .آل عمران : 121 .

ص: 308

أبي طلحة بن عبدالعزّى ، وعبداللّه بن جميل من بني عبدالدار ، وأبو الحكم بن الأخنس ، وسباغ بن عبدالعزّى ، وأبو اُمية بن المغيرة ، هؤلاء الخمسة متفق على أنّ عليا قتلهم . وأبو سعد طلحة بن طليحة ، وغلام (1) حبشي مولى لبني عبدالدار مختلف فيهما . وعاد أبو سفيان ومن معه من المشركين طالبين مكة 2 .

.


1- .في (ب) : مولى .

ص: 309

ودخل (1) النبيّ صلى الله عليه و آله المدينة فدفع سيفه ذا الفقار (2) إلى فاطمة رضي اللّه عنها فقال : اغسلي عن هذا دمه يا بنية ، فواللّه لقد صدقني اليوم . وناولها عليّ ( رض ) [ سيفه ] (3) وقال لها مثل ذلك (4) . وروى محمّد بن إسحاق أنّ عليا ( رض ) لمّا فرغ من القتال ناول سيفه فاطمة وأنشد يقول (5) : أفاطم هاكِ السيف غيرَ ذَميم فلستُ برعديدٍ ولا بمُليم (6) لَعَمري لقد أعذَرْتُ في نصر أحمدٍ وطاعة ربٍّ بالعباد عليم (7) وقال ابن إسحاق : [ و ] في هذا اليوم هاجت ريح فسمع هاتفا يقول 8 : لا سيف إلاّ ذوالفقار ولا فتى إلاّ عليّ فإذا ندبتم (8) هالكا فابكوا الولي ابن الولي وأنشد الخطيب ضياء الدين أخطب خوارزم الموفق بن أحمد الخوارزمي ، ثمّ المكّي رحمة اللّه تعالى عليه 10 : أسد الإله وسيفه وقناته كالظفر يوم صياله والناب جاء النداء من الإله وسيفه بدم الكماة يسح في تسكاب لا سيف إلاّ ذوالفقار ولا فتى إلاّ عليّ هازم الأحزاب فكان السيف لمنبه بن الحجّاج السهمي ، كان مع ابنه العاص بن منية يوم بدر ، فقتله عليّ ( رض ) وجاء بالسيف إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأعطاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا بعد ذلك فقاتل به دونه يوم اُحد . ويروى أنّ بلقيس أهدت إلى سليمان عليه السلام سبعة أسياف كان ذوالفقار منها ، وقد جاء في بعض الروايات عن عليّ بن أبي طالب ( رض ) أ نّه قال : جاء جبرئيل إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال له : إنّ صنما باليمن مفغر في الحديد فابعث إليه فادققه وخذ حديده (9) . وقال عليّ ( رض ) : فدعاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبعثني إليه فذهبت ودققت الصنم وأخذت الحديد فجئت به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله واستضرب (10) منه سيفين ، فسمّى أحدهما ذوالفقار ، والآخر مخذما ، فتقلّد رسول اللّه ذوالفقار وأعطاني مخذما ، ثمّ أعطاني بعد ذلك ذوالفقار فرآني وأنا اُقاتل به دونه يوم اُحد فقال : لا سيف إلاّ ذوالفقار ولا فتى إلاّ عليّ (11) قال الواقدي في المغازي 14 :

.


1- .في (ب) : وانصرف .
2- .في (د) : ذوالفقار .
3- .انظر المصادر السابقة .
4- .ورد في أعيان الشيعة : 1 / 389 هكذا : أي فاغسلي عنه فواللّه لقد صدقني اليوم .
5- .انظر الإرشاد : 1 / 90 ، والبحار : 20 / 87 ، والطبري في تاريخه : 2 / 514 ، والمناقب لابن شهرآشوب : 3 / 124 ، وإعلام الورى : 194 .
6- .في (ج ، ب) : بلئيم .
7- .في (ب) : رحيم .
8- .في (ب ، د) : بكيتم .
9- .في (ب ، د) : الحديد .
10- .في (ج) : فاستعرت .
11- .انظر سيرة ابن هشام : 3 / 52 ، والإرشاد للشيخ المفيد : 47 ، ونظم الدرر : 120 .

ص: 310

إنّه لمّا سافر (1) الناس يوم اُحد ما زال النبيّ صلى الله عليه و آله شبرا واحدا ، بل مرّة يرمي عن قوسه ، ومرّة يضرب بسيفه ، ومرّة يرمي بالحجارة (2) . وصبر معه أربعة عشر رجلاً ، سبعة من المهاجرين ، وسبعة من الأنصار . أبو بكر ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعليّ بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيداللّه ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، والزبير بن العوّام ، فهولاء من المهاجرين . ومن الأنصار : الحباب بن المنذر ، وأبو دجانة ، وعاصم بن ثابت ، والحارث بن الصمت ، وسهل بن حنيف ، واُسيد (3) بن حضير (4) ، وسعد (5) بن

.


1- .في (أ) : فرّ .
2- .انظر كتاب المغازي للواقدي : 1 / 283 .
3- .في (ب) : أسد .
4- .في (د) : خضير .
5- .في (أ) : أسعد .

ص: 311

معاذ (1) . ويقال : ثبت ابن سعد بن عبادة ، ومحمّد بن مسلمة . وبايعه يومئذٍ ثمانية على الموت ، ثلاثة من المهاجرين ، وخمسة من الأنصار : الزبير ، وطلحة ، وأبو دجانة ، والحارث بن الصمت ، وحباب بن المنذر ، وعاصم بن ثابت ، وسهل بن حنيف ، ولم يقتل منهم أحد ، واُصيبت (2) يومئذٍ عين قتادة بن النعمان حتّى وقعت على خدّه قال : فجئت إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وقلت : يا رسول اللّه ! إنّ تحتي امرأة شابّة جميلة اُحبّها وتحبّني وأنا أخشى أن تقذر مكان عيني . قال : فأخذها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فردّها فأبصرتُ بها ، وعادت أحسن ممّا كانت . لم تؤلمني ساعة من الليل أو نهار ، وكان يقول بعد ما أن أسنّ هي أقوى عينيَّ وأحسنهما (3) . وعن ابن عباس ( رض ) قال : خرج طلحة بن أبي طلحة يوم اُحد وكان (4) صاحب لواء المشركين فقال : يا أصحاب محمّد! تزعمون أنّ اللّه يعجّلنا بأسيافكم إلى النار ، ويعجّلكم بأسيافنا إلى الجنة فأيّكم يبرز إليَّ ؟ فبرز إليه عليّ بن أبي طالب وقال له : واللّه لا اُفارقك حتّى اُعجلك بسيفي إلى النار ، فاختلفا بضربتين فضربه عليّ على رجله فقطعها وسقط إلى الأرض ، فأراد عليّ أن يجهز عليه فقال : اُنشدك اللّه والرحم يابن عمّ ، فانصرف عنه إلى موقفه ، فقال المسلمون : هلا أجهزت عليه ، فقال : أنشدني (5) اللّه ولن يعيش ، فمات من ساعته . وبُشّرَ النبيّ صلى الله عليه و آله بذلك ، فَسُرَّ وسُرَّ المسلمون [ ثمّ قال : ] قال [ محمّد ] بن إسحاق : كان الفتح يوم اُحد بصبر (6) عليّ عليه السلام وعنائه وثباته وحسن بلائه 7 .

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .في (أ) : معاد .
3- .في (أ): واصيب .
4- .في (ب) : فكان .
5- .في (د) : ناشدني .
6- .في (أ) : نصر .

ص: 312

وفي ذلك يقول الحَجّاج بن عِلاط السُلَمي شعرا (1) : [ جادت يداك له بعاجل طعنة تركت طليحة للجبين مجدّلاً ] للّه أيّ مُذبِّبٍ عن حزبه (2) أعني ابن فاطمة المُعمّ المُخوّلا (3) وشددت شدّة باسل فكشفتهم (4) بالسفح إذ يهوون (5) أسفل أسفلا (6) وعللتَ سيفك بالدماء ولم تكن (7) لتردّه حرّان (8) حتّى ينهلا وروى الحافظ محمّد بن عبدالعزيز الجنابذي في كتاب معالم العترة النبوية (9) مرفوعا إلى قيس بن سعد عن أبيه انه سمع عليا يقول:أصابتني يوم اُحد ست عشرة ضربة ، سقطت إلى الأرض في أربع منهنّ (10) فجاء (11) رجل حسن الوجه طيّب الريح فأخذ بضبعي فأقامني ، ثمّ قال : أقبِل عليهم فإنّك في طاعة اللّه ورسوله وهما عنك راضيان، قال عليّ: فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخبرته فقال: يا عليّ أقرّ اللّه عينيك (12) ذاك جبرئيل (13) . ومنها : غزوة الخندق 14 ، وهي أنّ قوما تجمّعت وقائدهم أبو سفيان بن

.


1- .انظر كشف الغمّة : 1 / 196 ، ابن هشام في السيرة : 3 / 159 ، البحار : 20 / 89 ، الإرشاد للمفيد : 82 ط قديمة ، و : 1 / 91 ط مؤسسة آل البيت عليهم السلام .
2- .في (أ) : حربه ، وفي (د) : حريمه ، وفي (ج) : حرمه ، وانظر السيرة : 3 / 125 ، الامتاع للمقريزي : 125 .
3- .في (أ) : المحولا .
4- .في (أ) : فكشفتم .
5- .في (أ) : يجرون .
6- .في (ج) : والسيرة والامتاع : أخول أخولا .
7- .في (أ) : يكن .
8- .في (أ) : ظمآن .
9- .هو الحافظ أبو محمد تقيّ الدين عبدالعزيز بن محمود بن المبارك بن الأخضر الجنابذي الحنبلي محدّث العراق في عصره ، ولد في بغداد سنة (524) والمتوفى سنة (611 ه) وعنوان كتابه : معالم العترة النبوية ومعارف أهل البيت الفاطمية : 216 . (انظر ترجمته في شذرات الذهب : 5 / 46 والأعلام للزركلي : 4 / 153) .
10- .في (أ) : منها .
11- .في (أ): فجاءني .
12- .في (أ) : عينك .
13- .انظر نور الأبصار للشبلنجي : 79 ، اُسد الغابة لابن الأثير : 4 / 20 روى بسنده عن سعيد بن المسيّب ، الرياض النضرة : 2 / 172 ، المرقاة لعلي بن سلطان : 5 / 568 عن أبي رافع . . . وساق الحديث _ إلى أن قال : _ قال جبريل : يا رسول اللّه إنّ هذه لهي المواساة ، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : إنه منّي وأنا منه . فقال جبريل : وأنا منكما يا رسول اللّه . كشف اليقين في فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام لابن المطهّر الحلّي : 131 .

ص: 313

حرب (1) ، وأنّ غطفان تجمّعت وقائدهم عُيَينة (2) بن حصن (3) بن حذيفة بن

.


1- .تقدّمت ترجمته بالإضافة إلى المصادر السابقة .
2- .في (أ) : عتبة .
3- .في (أ) : حصين .

ص: 314

بدر (1) ، واتفقوا مع بني النضير من اليهود على قصد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحصار المدينة ، أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حراسة المدينة بحفر (2) خندق عليها ، وعمل صلى الله عليه و آله فيه بنفسه الشريفة (3) فاحكمه في أيام ، وكان في حفر الخندق آيات من معجزات رسول اللّه صلى الله عليه و آله شاهدها المسلمون نذكرها ليزداد من وقف عليها ، إيمانا باللّه [ تعالى ]وتصديقا لرسوله صلى الله عليه و آله . منها : ما رواه [ سعد بن معاذ ] ابن مساءة أنّ ابنة بشير (4) بن سعد هي (5) اُخت النعمان بن بشير قالت : دعتني اُمّي [ عَمْرَة ] بنت رواحة فاعطتني حفنة من تمر في ثوبي ثمّ قالت : اذهبي إلى أبيك وخالك عبداللّه بن رواحة بغدائهما ، قالت : فأخذتها وانطلقت بها فمررت برسول اللّه صلى الله عليه و آله وأنا ألتمس أبي وخالي فقال [ لي ] : تعالي يا بنية ما هذا معك ؟ قالت : قلت (6) : يا رسول اللّه صلى اللّه عليك وآلك قليل من التمر بعثتني به اُمّي إلى بشير بن سعيد (7) وخالي عبداللّه بن رواحة يتغديان به ، قال صلى الله عليه و آله : هاتيه فصببته في كفّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأملأها (8) ثمّ أمر صلى الله عليه و آله بثوب فبسطه (9) ثمّ دحى بالتمر عليه وغطّاه بثوبٍ آخر وقال لإنسان عنده : اصرخ في أهل الخندق أن هلمّوا (10) إلى الغداء ، فاجتمع أهل الخندق عليه ، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتّى صدر أهل الخندق عنه وأنه يسقط من أطراف الثوب (11) .

.


1- .انظر إمتاع الأسماع للمقريزي : 235، وتاريخ الطبري : 3 / 324 .
2- .في (أ) : بعمل .
3- .انظر مغازي الواقدي : 2 / 441 ، والكامل لابن الأثير : 3 / 178 .
4- .في (أ) : بشير .
5- .في (أ): ابن .
6- .في (ب) : فقلت .
7- .في (ج ، د) : سعد .
8- .في (ب ، ج) : كفّيه فأملاهما .
9- .في (أ) : فبسط .
10- .في (أ) : هلمّ .
11- .بلغ الرسول صلى الله عليه و آله وأصحابه من شدّة وطأة الجوع والبرد أنهم كانوا يربطون الحجارة على بطونهم كما يذكر ابن هشام : 3 / 250 وانظر المصادر السابقة أيضا .

ص: 315

ومنها : ما رواه جابر بن عبداللّه الأنصاري رضى الله عنه قال : اشتدّت عليهم في الخندق كوديه عجز (1) حافروها عنها فشكوها إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فدعا بإناء فيه ماء فتفل فيه ثمّ دعا بما شاء اللّه تعالى أن يدعو به ثمّ نضح الماء على تلك الكوديه فقال من حضرها [ من المسلمين ] ، والّذي بعث محمّدا بالحقّ نبيا لقد انهالت حتّى عادت كالرمل لا يرد فأسا ولا مسحاة (2) . ومنها : ما رواه جابر أيضا قال : كان عملنا مع رسول اللّه في الخندق وكانت عندي شويهة قال : فقلت : لو صنعناها (3) لرسول اللّه صلى الله عليه و آله . قال : فأمرت امرأتي فطحنت لنا شيئا من شعير فصنعت لنا خبزا وذبحت تلك الشويهة (4) وصفعتها لرسول اللّه صلى الله عليه و آله . قال : وأمسينا وذلك أنا كنّا نعمل في الخندق نهارا فإذا أمسينا رجعنا إلى أهلنا فقلت : يا رسول اللّه إنّي قد صنعت لك شويهة كانت عندنا وصنعنا معها شيئا من خبز هذا الشعير واُحبّ أن تنصرف معي إلى منزلي وإنّما أردت ان ينصرف معي (5) رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحده . قال : فلمّا أن قلت له ذلك أمر صارخا فصرخ أن انصرفوا [ بأجمعكم ] مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى بيت جابر بن عبداللّه . قال : قلت : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون . قال : فأقبل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأقبل الناس معه ، فجلس وأخرجنا ذلك إليه فبرك صلى الله عليه و آله عليه وسمّى اللّه تعالى وأكل ، وتواردها الناس كلّما فرغ قوم جاء قوم غيرهم حتّى صدر أهل الخندق بأسرهم وفضل الطعام (6) . ولمّا فرغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من حفر الخندق أقبلت قريش بجيوشها (7) وأتباعها من

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .في (د) : كديه عجزوا .
3- .انظر سيرة ابن هشام : 3 / 260 بالإضافة إلى المصادر السابقة ، وفي (ب ، د) : معولاً ، وفي (ج) : معولاً ولا مسحاةً .
4- .في (أ ، ب) : وضعناها ، وفي (ج) : وصفعناها .
5- .في (أ) : الشاة .
6- .في (أ) : مع .
7- .في (ج): وبمجموعها .

ص: 316

كنانة وأهل تهامة في عشرة آلاف (1) ، وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد، فنزلوا من فوق المسلمين ومن أسفلهم كما قال اللّه تعالى : « إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ» (2) فخرج (3) النبيّ صلى الله عليه و آله بالمسلمين وهم ثلاثه آلاف (4) وجعلوا الخندق بينهم، واتفق المشركون مع اليهود على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد ذكر اللّه تعالى هذه القضية (5) في سورة الأحزاب (6) ، وطمع المشركون بكفرهم ومعاقبة ( موافقة ) اليهود لهم في استيصال المسلمين . واشتدّ الأمر على المسلمين فركب فوارس من قريش (7) منهم عمرو بن عبد ودّ

.


1- .انظر تاريخ اليعقوبي : 2 / 50 ، الواقدي في المغازي : 2 / 477 _ 480 ، إمتاع الأسماع للمقريزي : 235 _ 236 ، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين : 131 ، السيرة الحلبية بهامش السيرة النبوية : 2 / 309 ، كشف الغمّة : 1 / 267 ، تاريخ الطبري : 3 / 233 .
2- .الأحزاب : 10 .
3- .أي عسكر صلى الله عليه و آله إلى سفح سلع _ وهو جبل فوق المدينة _ فجعل سلعا خلف ظهره والخندق بينه وبين القوم . (انظر المصادر السابقة) .
4- .ابن هشام : 3 / 238 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 51 ، كشف اليقين : 132 ، دائرة المعارف الإسلامية الشيعية : 1 / 262 ، الكامل لابن الأثير : 2 / 178 ، تاريخ الطبري : 3 / 234 .
5- .في (ج) : القصة .
6- .إشارة إلى قوله تعالى «إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَ إِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَ_رُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ . . . وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ » الأحزاب : 10 _ 25 .
7- .قال الطبري في تاريخه : 2 / 239 ، والحلبي في السيرة بهامش السيرة النبوية : 2 / 318 ، والكامل لابن الأثير : 2 / 180 ، والمجلسي في بحار الأنوار 20 ص 203 و226 ، وأعيان الشيعة : 1 / 395 ، وتاريخ دمشق : 1 / 151 ، والشيخ المفيد في الإرشاد : 1 / 97 وغيرهم قالوا : وانتدبَتْ فوارسُ من قريش للبراز ، منهم : عمرو بن عبد وَدّ بن أبي قَيْس بن عامر بن لؤي بن غالب والّذي يُعدّ بألف فارس كما ذكر ابن مسعود في غاية المرام : 420 ح 1 و2 وشواهد التنزيل : 2 / 5 ح 634 وح 629 ، وتفسير القمي : 2 / 183 ، وعِكرمة بن أبي جهل ، وهُبَيرة بن أبي وَهْب _ المخزوميان _ وضرار بن الخَطّاب ، ومرداس الفِهْري ، ونوفل بن عبداللّه بن المغيرة . . . على رواية الواقدي : 2 / 441 _ ومنبّه بن عثمان ، وحسل بن عمرو بن عبد ودّ كما ذكر صاحب أعيان الشيعة : 1 / 396 .

ص: 317

وكان من مشاهيرهم وأبطالهم ، وعِكرمة بن أبي جهل (1) ، وأقبلوا تتعثّر (2) بهم خيولهم حتّى وقفوا على الخندق ثمّ قصدوا مكانا ضيّقا منه وضربوا خيولهم فاقتحمته وجالت خيولهم (3) بين الخندق و[بين ]المسلمين (4) . فلمّا رأى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ذلك خرج ومعه نفر من المسلمين وبادروا الثغرة 5 الّتي دخلوا منها ، وأخذ عليهم المضيق الّذي دخلوا منه واقتحموه ، ووقف فيه وخرج عمرو بن عبد ودّ من بينهم ومعه ولده حنبل (5) وقد كان عمرو جعل له علامة (6) يشتهر بها وليعرف مكانه ويظهر شأنه [ على عليّ ومن معه من النفر الّذين خرجوا معه ]فقال : هل من مبارز (7) ؟ فقال عليّ عليه السلام : أنا (8) له ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله :

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .سبق وأن ترجمت حياته .
3- .في (ج) : تَعبق .
4- .في (أ) : خيلهم .
5- .انظر المصادر السابقة ووردت العبارة باختلاف بسيط : وخرج عليّ في نفر من المسلمين حتّى أخذ عليهم الثغرة . وفي (أ) : وبادر الثغرة .
6- .في (أ) : حبيل ، وفي (ب) : حسل .
7- .انظر المصادر السابقة ، وكذلك شواهد التنزيل : 2 / 13 ح 635 تحقيق المحمودي . ومستدرك الصحيحين : 3 / 32 .
8- .انظر المصادر السابقة ، وكذلك غاية المرام : 420 باب 170 ح 1 و2 ، وشواهد التنزيل : 2 / 12 ح 629 و 634 ، وتفسير القمي : 2 / 183 ، وكشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين : 132 .

ص: 318

إنّه (1) عمرو ، فسكت ، فنادى عمرو الثانية والثالثة فقال : هل من مبارز ؟ ثمّ جعل يؤنّبهم (2) ويقول : اين [ حميّتكم ] أين جنّتكم الّتي تزعمون أنّ من قُتل دخلها ؟ أفلا يبرز إليَّ رجل منكم ، ثمّ ارتجل يقول شعرا (3) : ولقد بححت من النداء بجمع كم هل من مبارز ووقفت إذ جبن الشجاع (4) موقف القرن (5) المناجز وكذاك (6) أني لم أزل متسرّعا قبل الهزاهز (7) إنّ الشّجاعة في الفتى (8) والجود من خير الغرائز فقال عليّ عليه السلام : أنا له يا رسول اللّه ، فقال صلى الله عليه و آله : إنّه عمرو ، فقال : وإن كان عمرو ؟ !

.


1- .راجع المصادر السابقة .
2- .انظر المصادر السابقة مع اختلاف بسيط في اللفظ . فقال عمرو: هل من مبارز ، اين جنّتكم الّتي تزعمون أ نّه من قُتِل منكم دخلها ، أفلا يبرز إليَّ رجل؟ (كشف اليقين: 132) . وكرّر القول ثلاث وقيل أربع مرات وفي كلّها يقول الإمام عليّ عليه السلام : أنا له يا رسول اللّه ، والرسول صلى الله عليه و آله يقول له: إنّه عمرو ، ثمّ أذن الرسول صلى الله عليه و آله له عليه السلام وقال بألفاظ مختلفة سنوردها إن شاء اللّه بعد قليل: خرج الإسلام كلّه إلى الشرك كلّه . (نور الأبصار: 98) .
3- .وردت هذه الأبيات في مصادر مختلفة وبألفاظ فيها شيء بسيط من الاختلاف لسنا بصدد بيانها بل نحيل القارئ الكريم إليها مع العلم أنها لا توجد في بعض النسخ وبعضها ذكرت الأبيات بعد خروج الإمام عليّ عليه السلام له وبعد تعميمه من قِبل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتقليده السيف والدعاء له من قِبله صلى الله عليه و آله . (انظر نور الأبصار : 79 ، المغازي للواقدي : 2 / 479 ، المناقب لابن شهرآشوب : 2 / 325 ط النجف ، و : 3 / 136 ط ايران ، تاريخ الطبري : 2 / 239 ، تاريخ دمشق : 1 / 151 ، بحار الأنوار : 20 / 203 و226 ، أعيان الشيعة : 1 / 395 الكامل في التاريخ : 2 / 180 ، السيرة الحلبية بهامش السيرة النبوية : 2 / 318 ، سيرة ابن هشام : 3 / 241 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 19 / 61 ، الإرشاد للشيخ المفيد : 1 / 100 .
4- .في (أ) : المشجع .
5- .في (د) : بموقف البطل .
6- .في (ب ، د) : وإلى ذلك .
7- .في (ب) : باضافة نحو الهزاهز .
8- .في (ب ، د) : بإضافة : والسماحة ، وكذلك بعد كلمة «الجود» اضافة : في الفتى .

ص: 319

فأذن له رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مبارزته 1 وقال له : أدنُ منّي يا عليّ ، فدنا منه ، فَنَزع عِمامتَه من رأسه صلى الله عليه و آله وعمّمه بها ، وأعطاه سيفه وقال [ له ] : امض لشأنك ، ثمّ قال : اللّهمّ [ أعنه ] (1) ، [ و ] قد خرج عليّ عليه السلام وهو يقول : لا تعجلنّ فقد أتا ك مجيب صوتك غير عاجز ذو نيّةٍ (2) وبصيرةٍ والصدق منجي كلّ فائز 4 إنّي لأرجو (3) أن اُقيم عليك نائحة الجنائز من ضربةٍ نجلاء (4) ويب قى ذكرها عند الهزائز (5) ثمّ قال له : يا عمرو إنك أخذت على نفسك عهدا أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلّتين 8 إلاّ أجبته إلى واحدةٍ منهما (6) ، قال له : أجل ، فقال له عليّ رضى الله عنه :

.


1- .انظر الإرشاد : 1 / 100 . وأمّا في شواهد التنزيل : 2 / 10 ح 634 فورد بلفظ : فدعاه النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : إنه عمرو بن عبد ودّ قال : وأنا عليّ بن أبي طالب ، فألبسه درعه ذات الفضول وأعطاه سيفه ذا الفقار وعمّمه بعمامته السحاب على رأسه . . . ثمّ قال له : تقدّم ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا ولّى : اللّهمّ احفظه مِن بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه . كما ورد في البحار : 20 / 203 ، ونور الأبصار : 98 بلفظ : ونزع عمامته عن رأسه وعمّم عليا عليه السلام بها وقال : امض لشأنك . أمّا عن المغازي لابن إسحاق فقد ورد فيه هكذا : فقال : اُدن ، فدنا فقلّده سيفه وعمّمه بعمامته وقال : امض لشأنك ، فلمّا انصرف قال : اللّهمّ أعنه عليه . . .
2- .في (ب) : نبهة .
3- .في (ب ، د) : لآمل .
4- .في (ج) : فوهاء .
5- .انظر المغازي لمحمد بن إسحاق : 1 / 216 ، والمناقب لابن شهرآشوب : 3 / 134 _ 140 ، و :2 / 325 ط النجف ط ايران، السيرة الحلبية بهامش السيرة النبوية: 2/319، المستدرك : 3/32، نور الأبصار: 98 .
6- .في (ج ، د) : أخذتها منه .

ص: 320

فإنّي أدعوك إلى اللّه تعالى ورسوله وإلى الإسلام ، فقال : أما هذه فلا حاجة لي فيها ، فقال له عليّ : فإذا كرهت هذه فإنّي أدعوك إلى النزال : قال [ له ] : ولِم يا ابن أخي فما اُحبّ أن أقتلك ولقد كان أبوك خِلاًّ لي ، فقال [ له ]عليّ : ولكنّى واللّه اُحبّ أن أقتلك . فحمى عمرو وغضب من كلامه، فاقتحم عن فرسه إلى الأرض وضرب وجهها ، ونزل عليّ رضى الله عنه عن فرسه ، وأقبل كلّ واحدٍ منهما نحو الآخر فتصاولا وتجاولا ساعةً ثمّ ضربه عليّ رضى الله عنه على عاتقه بالسيف ورمى جثّته إلى الأرض وتركه قتيلاً . ثمّ ركب عليّ رضى الله عنه على فرسه وكرّ على ابنه حنبل (1) بن عمرو فقتله ، فخرجت خيولهم منهزمة ورمى عِكرمة بن أبي جهل رمحه وفرّ منهزما مع مَن انهزم من أصحابه 2 ، فرجع عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه وهو يقول : أَعَلَيَّ تقتحم (2) الفوارسُ هكذا عنّي وعنهم (3) خبّروا (4) أصحابي اليومَ تَمْنَعُني الفِرارَ حَفيظتي ومُصَمّمٌ في الرأس ليس يناب أرْدَيْتُ عَمْرا إذ طغى بمهنّد (5) صافي الحَديد مُجرّب قَصّاب هذا ابن عبد الودّ كذب قوله وصدقت فاستمعوا إلى الكذّاب نصرَ الحجارة من سفاهة رأيه ونصرتُ دين محمّدٍ بصواب وغدوت (6) حين تركته مُتَجَدّلاً كالعير (7) بين دَكادِكٍ وروابِ وعَفَفتُ عن أثوابه لو أ نّني كُنْتُ المقطّر (8) بزّني (9) أثوابي لا تحسبنّ اللّه خاذل دينه ونبيّه يا معشر الأحزاب (10) ولمّا قُتل عمرو وولده حنبل (11) وانهزم عِكرمة ومن معه من فوارس قريش الّذين اقتحموا الخندق أرسل اللّه تعالى الريح على قريش (12) وغطفان ووقع الاختلاف والاضطراب بينهم فولّوا راجعين «وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْرًا وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَ كَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا» 14 .

.


1- .كما ذكرنا ورد في (أ) : حبيل ، وفي (ب) : حسل .
2- .في (أ) : تفتخر .
3- .في (ج) : وعنها .
4- .في (أ) : سائلوا .
5- .في (ب) : أرديتُ عمرا حين أخلص صقله .
6- .في (ب) : فصددت .
7- .في (ب) : وكالجذع .
8- .في (أ) : المجدّل .
9- .في (د) : نزّني .
10- .رويت هذه الأبيات بزيادة ونقصان كما في المستدرك مثلاً : 3 / 33 ، ودلائل النبوّة : 3 / 439 ، ومناقب آل أبي طالب : 3 / 137 ، وبحار الأنوار : 20 / 257 و264 ، والارشاد للشيخ المفيد : 1 / 104 .
11- .كما ذكرنا سابقا ورد في (أ) : حبيل ، وفي (ب) : حسل .
12- .انظر سيرة ابن هشام: 3 / 229 _ 251 ، بحار الأنوار: 20 / 208 ، الكافي: 8 / 232 ح 420 .

ص: 321

وفي قتل عمرو بن عبد ودّ يقول حسّان رضى الله عنه : أمسى الفتى عمرو بن ودّ يبتغي (1) بجنوب يثرب غارةً لم تُنظر (2) ولقد وجدتَ سيوفنا مشهورةً ولقد وجدتَ جيادنا (3) لم تُقصر ولقد رأيتَ غداةَ بدرٍ عُصبةً ضربوك ضربا ليس ضرب المحسر (4) أصبحتَ لا تُدعى ليوم عظيمةٍ يا عمرو أو لجسيم أمرٍ منكر (5) وقالت اُخت (6) عمرو وقد نعي إليها أخوها عمرو : من [ ذا الّذي ] اجترأ عليه [ فقتله ] ؟ فقالوا : عليّ بن أبي طالب ، فقالت : كفؤٌ كريم ، وأنشدت تقول : أسدان في ضيق المَكرّ 7 تصاولا وكلاهما كفوٌ كريم باسل فتخالسا مُهجَ النفوس كلاهما وسط المجال مجالد ومقاتل وكلاهما حضر القراع حفيظةً لم يثنِهِ عن ذاك شُغلٌ شاغل فاذهب عليٌّ فما ظفرتَ (7) بمثله قولٌ سديدٌ ليس فيه تحامل (8) ثمّ قالت : واللّه لا ثأرت قريش بأخي ما حنّت النوق (9) . وقالت اُمّ عمرو ترثيه : لو كان قاتل عمرو غير قاتله ما زلت أبكي عليه دائم الأبد (10) لكن قاتله ما (11) لا يُعاب (12) به مَن (13) كان يُدعى أبوه بيضة البلد من هاشم في ذراها وهي صاعدة إلى السماء تميت الناس بالحسد قومٌ أبى اللّه إلاّ أن تكون لهم مكارم الدين والدنيا إلى (14) الأبد يا اُمّ كلثوم أبكيه ولا تدعي بكاء معولة حرى على ولد 16

.


1- .في (أ) : يرى .
2- .في (أ) : يُنظر .
3- .في (أ) : رماحنا .
4- .في (أ) : المخصر ، وفي (ج) : المخبر ، وفي (د) : المخسر .
5- .انظر سيرة ابن هشام : 3 / 281 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 13 / 290 ، بحار الأنوار : 20 / 259 ، الارشاد للشيخ المفيد : 1 / 106 . وفي (أ) : ياعمرو كلاّ والإله الأكبر .
6- .وهي اُخته عمرة وكنيتها اُم كلثوم كما ذكر صاحب أعيان الشيعة : 1 / 398 .
7- .في (ج ، ب) : بما ظفرته .
8- .انظر الفصول المختارة : 237 ، وباختلاف يسير في الارشاد : 1 / 108 ، بحار الأنوار : 20 / 260 . وروى أحمد بن عبدالعزيز قال : حدّثنا سليمان بن أيوب عن أبي الحسن المدائني قال : لمّا قَتَل علي بن أبي طالب عمرو بن عبدودّ نُعي إلى اُخته فقالت : من ذا الّذي اجترأ عليه ؟ فقالوا : ابن أبي طالب ، فقالت : لم يَعدُ يومه على يد كُف ء كريم ، لا رقأت دمَعتي إن هرقْتُها عليه ، قَتل الأبطال وبارز الأقران وكانت منيّته على يد كف ء كريم قومه ، وما سمعت أفخر من هذا يا بني عامر . (انظر الارشاد للشيخ المفيد :1 / 107) .
9- .انظر المصادر السابقة ولكن بلفظ يا أخي بدل بأخي والنيب بدل النوق كما جاء أيضا في (ب) . وهذه الرواية مشهورة لكن بين ألفاظها اختلاف نقله المفيد في الارشاد : 57 والمرتضى في الفصول : 237 وابن شهرآشوب في المناقب : 1 / 199 ، والاربلي في كشف الغمّة : 1 / 68 ، وغيرهم .
10- .في (ب) : بكيت أبدا ما عشت في الأبد .
11- .في (د) : مما .
12- .في (أ) : يُراب ، وكذلك زاد : من لا نظير له .
13- .في (ج) : قد .
14- .في (ب ، د) : في .

ص: 322

فأسلاها وعزّاها وهوّن عليها قتل ولدها جلالة القاتل ، وافتخرت بكون ولدها مقتولاً له . ومنها : وقعة الجمل 1 ثمّ صفّين (1) الّتي كانت كلّ واحدة منهما أمر من الحنظل والدفلا ، وأقامت النوادب ، وأجرت الدموع السواكب على اُلوف من القتلى ، وألبست الأجساد أثوابا من الأحزان لا تخلق ولا تبلى ، وكم قد تركت كلّ واحدة

.


1- .بناءً على قول جماعة من المؤرّخين ، أنّ معركة صفّين وقعت بعد ستة أشهر من معركة الجمل الأكبر أي في ذي الحجّة سنة (36 ه) وانتهت في 13 صفر ، سنة (37 ه) وسنأتي إلى تفاصيل المعركة . (انظر أعيان الشيعة : 1 / 465) . وقال المسعودي في مروج الذهب : 2 / 384 : وكان سير عليّ عليه السلام من الكوفة إلى صفّين لخمس خلون من شوال سنة (36 ه) وقيل الفرق بين معركة الجمل وصفّين حوالي أربعة أشهر ، كما ذكره صاحب البداية والنهاية : 8 / 125 ، والطبري في تاريخه : 6 / 184 .

ص: 323

منهما نساءً أيمى واُخريات ثكلى . ذكر حَمَلة (1) الأخبار وأصحاب المقالات من أهل التاريخ : أنّ البيعة (2) لمّا عقدت لعليّ بن أبي طالب عليه السلام بملأ من المهاجرين والأنصار وذلك بعد أن اقامت المدينة خمسة أيام بعد قتل عثمان 3 وأميرها الغافقي ابن حرب العكي (3) مقدم المصريّين الّذين قصدوا عثمان بالمدينة ، وأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتردّدون (4) إلى عليّ عليه السلام لأجل المبايعة ويقولون له : لابدّ للناس من إمام (5) ، وهو يقول : لا حاجة لي في

.


1- .في (ب ، د) : نقلة .
2- .سبق وأن تقدّم تعريف البيعة لغةً واصطلاحا .
3- .قال حسن إبراهيم حسن في كتابه تاريخ الاسلام : 1 / 363 ط 7 دار الأندلس بيروت مانصّه : وقد قتله _ يعنى عثمان _ الغافقي بحديدة كانت معه . وورد في تاريخ الطبري : 3 / 454 قال : بقيت المدينة بعد قتل عثمان خمسة أيام وأميرها الغافقي ابن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر .
4- .وفي رواية البلاذري في أنساب الأشراف : 5 / 70 ، والحاكم في المستدرك : 3 / 14 : وجاء الناس كلّهم يهرعون إلى عليّ ، أصحاب النبيّ وغيرهم .
5- .الطبري : 5 / 152 ، كنز العمّال : 3 / 161 .

ص: 324

أمركم مَن اخترتموه (1) رضيتُ به ، فقالوا : ما نختار غيرك و[ إنّا ] لا نعلم أحدا أحقّ بهذا (2) الأمر منك ولا أقدم سابقةً ولا أقرب قرابةً من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : فإن كان [ و ]لابدّ ففي المسجد فإنّ بيعتي [ لا ]تكون خفيةً . وكان كلامهم له ( رض ) في بيته 3 . وقيل : في حائط لبني عمرو بن مبذول (3) . فخرج إلى المسجد (4) فقام إليه الناس فبايعوه ، وكان أوّل من بايعه طلحة بن

.


1- .في (ب) : اخترتم .
2- .في (ب ، د) : به منك .
3- .ذكر ذلك الطبري في تاريخه : 5 / 153 ، أمّا في الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 66 فقد ذكر حائط بني مازن . وفي (ب) : مندول .
4- .خرج إلى المسجد وعليه إزار وطاق وعمامة خزّ ونعلاه في يده متوكّئا على قوس فبايعه الناس . ذكر ذلك ابن الأثير في الكامل : 3 / 190 ، وتاريخ الطبري : 3 / 450 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 240 ط وتحقيق محمّد أبوالفضل : 4 / 8 _ 9 .

ص: 325

عبيداللّه (1) فنظر إليه رجل يقال له حبيب بن ذؤيب (2) فقال : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، أوّل يد بايَعّت يد شلاّء ، لا يتمّ هذا الأمر (3) . ثمّ بايعه الزبير (4) (رض) ثمّ بقية الصحابة بعد ذلك من المهاجرين والأنصار غير نُفَيرٍ (5) يسير ، فإنّهم لم يبايعوه في ذلك الوقت لأنهم كانوا عثمانية 6 منهم : محمّد بن

.


1- .وروى الطبري في تاريخه : 5 / 153 ، والبلاذري في أنساب الأشراف : 5 / 70 ، والحاكم في المستدرك : 3 / 114 : وكان أوّل من بايعه طلحة بن عبيداللّه بيده ، وكانت إصبع طلحة شلاّء فتطيّر منها عليّ وقال : ما أخلقه أن ينكث . وانظر المعيار والموازنة للاسكافي : 22 و 51 ، تذكرة الخواصّ : 57 ، الطبقات الكبرى لابن سعد : 3 / 31 ، الكامل لابن الأثير : 3 / 98 ط دار الكتاب العربي ، مروج الذهب للمسعودي : 2 / 364 ط بيروت ، أنساب الأشراف للبلاذري : 2 / 205 ح 250 و 272 و 275 ط بيروت . كلّهم يذكرون أ نّه لمّا قُتل عثمان بن عفان وبايع الناس عليا كان طلحة والزبير أوّل من بايع .
2- .وروى الطبري أيضا : 5 / 153 أنّ حبيب بن ذؤيب نظر إلى طلحة حين بايع فقال : أوّل من بدأ بالبيعة يد شلاّء لا يتمّ هذا الأمر ... ومثله في الفتوح لابن أعثم : 2 / 248 ، وابن الأثير : 3/102 .
3- .تاريخ الطبري : 5 / 153 و 165 وط اوروبا : 1 / 3068 باختلاف يسير ، والكامل في التاريخ : 3 / 190 الفتوح لابن أعثم : 2 / 248 ، و : 1 / 432 الطبعة الاُولى دار الكتب العلمية بيروت .
4- .انظر تاريخ ابن أعثم : 170 ، العقد الفريد : 4 / 313 ، مروج الذهب بهامش ابن الأثير : 5 / 184 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 157 وتاريخ الطبري : 5 / 152 ، كنز العمّال : 1 / 163 ح 2471 ، أنساب الأشراف للبلاذري : 5 / 70 ، الحاكم في المستدرك : 3 / 114 .
5- .في (ب ، ج) : نفر .

ص: 326

مسلمة (1) ، والنعمان بن بشير (2) ، ونافع (3) بن خديج ، وفضالة بن عبيدة ، وكعب بن عجرة، وصهيب بن سنان، واُسامه بن زيد . وكانت البيعة لعلي رضى الله عنه يوم الجمعة لخمس بقين من ذيالحجّة سنة خمس وثلاثين من الهجرة (4) ، فما كان من النعمان بن بشير فإنه أخذ قميص عثمان الّذي قُتل فيه مضرّجا بالدم ، وأخذ أصابع يد زوجته نائلة (5) الّتي قُطعت حين مدّت يدها دونه ، وهرب بها إلى الشام إلى معاوية (6) . وأمّا طلحة بن عبيداللّه (7) والزبير فإنّهما هربا إلى مكة بعد المبايعة بأربعة أشهر (8) . ثمّ إنّ عليّا فرّق عمّاله على البلدان وكتب إلى بعض عمّال عثمان ليستقدمهم

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .راجع المصادر السابقة .
3- .في (ب) : رافع.
4- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 450 ، الكامل لابن الأثير : 3 / 190 . وقيل يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة كما جاء في العقد الفريد : 2 / 93 ، والأخبار الطوال : 140 .
5- .نائلة ابنة الفرافصة بن الاحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن كلب ولدت له مريم ابنة عثمان . انظر تاريخ الطبري : 3 / 445 ط مؤسّسة الأعلمي بيروت .
6- .انظر تاريخ اليعقوبي : 2 / 188 وتاريخ الطبري ، 3 / 561 ، و : 5 / 112 ، والكامل لابن الأثير : 3 / 96 ، أنساب الأشراف : 5 / 65 .
7- .في (أ) : عبداللّه .
8- .ذكر الطبري في : 1 / 369 ، و : 5 / 153 و 158 ، وابن كثير في البداية والنهاية : 7 / 227 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 170 _ 73 ، وابن أعثم في الفتوح : 2 / 248 ، واليعقوبي في تاريخه : 2 / 180 أنه بقى طلحة والزبير في المدينة أربعة أشهر يراقبان عليّا من قريب حتّى إذا أيسا منه وبلغهما موقف اُمّ المؤمنين بمكّة عزما على الخروج من المدينة فأتيا عليّا فقالا : إنّا نريد العمرة فائذن لنا في الخروج ، فقال عليّ لبعض أصحابه : واللّه ما أرادا العمرة ولكنهما أرادا الغدرة . . . والتحقا بركب اُمّ المؤمنين عائشة . . . وقال ابن الأثير في الكامل : 3 / 191 ما نصّه : وهربا إلى مكّة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر . . .

ص: 327

عليه ، وكتب إلى معاوية بن أبي سفيان أيضا كتابا يستقدمه فيه وكانت صورة الكتاب : «من عبداللّه [ عليّ ] أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان 1 ، أمّا بعد،

.

ص: 328

فإنّه (1) ] إن ] كان عثمان ذا حقّ وقرابة [ فإني ذو حقّ وقرابة ]ألا [ و ]إنّ اللّه تعالى قلّدني أمر الناس عن مشاورة من المهاجرين والأنصار ، ألا وإنّ الناس تبع لهم فيما رأوا وعملوا وأحبّوا وكرهوا ، فالعجل عليَّ ثمّ العجل فإنّي قد بعثت إلى جميع العمّال لأعهد إليهم واُقلّدهم من ذلك ما قلّدت ، أستبرئ من (2) ذلك ديني وأمانتي ، لأ نّي لم أجد من (3) تلك بّدا فأقدم إليَّ (4) مع أشراف أصحابك عند وقوفك على كتابي هذا إن شاء اللّه تعالى» 5 .

.


1- .في (أ) : إنّه .
2- .في (د) : بمن .
3- .في (ب) : اذ .
4- .في (ج ، ب) : عليَّ .

ص: 329

فعند فراغة من كتابة الكتاب جاء (1) المغيرة بن شعبة (2) فقال : ما هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : كتاب كتبته إلى معاوية أستقدمه فيه واُريد أن أبعث به إليه رسولاً (3) ، فقال : يا أمير المؤمنين عندي لك نصيحة فاقبلها منّي ، قال : هات ، قال : إنّه ليس أحد يتشغّب عليك غير معاوية وفي يده الشام وهو ابن عمّ عثمان وعامله ، فابعث إليه بعهده تلزمه طاعتك ، فإذا استقرّت قدماك رأيت فيه رأيك (4) . فقال عليّ كرّم اللّه وجهه : يمنعني من ذلك قول اللّه تعالى : «وَ مَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا» (5) واللّه لا يراني اللّه مستعينا بمعاوية أبدا ولكنّي أدعوه إلى ما نحن عليه فإن أجاب

.


1- .في (ب) : جاءه .
2- .المغيرة بن شعبه بن أبي عامر بن مسعود الثقفي . اُمه امرأة من بني نصر بن معاوية ، أسلم عام الخندق وهاجر إلى المدينة ، وشهد الحديبية ، وأرسله الرسول مع أبي سفيان لهدم صنم ثقيف بالطائف ، واُصيبت عينه يوم اليرموك ، ولاّه عمر البصرة وعزله عنها لمّا شهدوا عليه بالزنا ، ثمّ ولاّه الكوفة ، وتوفّي أميرا عليها من قبل معاوية سنة (50 ه) بعد أن أحصن 300 امرأة في الإسلام وقيل بل ألف أمرأة . (انظر الإصابة : 3 / 432 ، الإستيعاب بهامش الإصابة : 3 / 368 ، اُسد الغابة : 4 / 406) .
3- .في (أ) : رسول .
4- .ذكر هذه القصة ابن أعثم الكوفي في الفتوح : 1 / 446 الطبعة الاُولى دار الكتب العلميّة بيروت باختلاف يسير جدا وفيه : فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ لك عندي نصيحة فاقبلها فقال عليّ : وما تلك يا مغيرة ؟ قال : لست أني أخاف عليك أحدا يخالفك ويشعث عليك إلاّ معاوية بن أبي سفيان ، لأ نّه ابن عمّ عثمان والشام في يده ، فابعث إليه بعهده وألزمه طاعتك . . . فقال عليّ : ويحك يا مغيرة ! واللّه ما معني من ذلك إلاّ قول اللّه تعالى لنبيه محمّد صلى الله عليه و آله «وَ مَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا » واللّه إلاّ يراني اللّه تعالى وأنا استعمل معاوية على شيء من أعمال المسلمين أبدا، ولكني أدعوه إلى ما نحن فيه، فإن هو أجاب إلى ذلك أصاب رشده، وإلاّ حاكمته إلى اللّه عزّوجلّ . . . وذكر الطبري في تاريخه : 3 / 459 : فجاء _ يعني المغيرة _ حتّى دخل عليه فقال إنّ لك حقّ الطاعة والنصيحة وإنّ الرأي اليوم تحرز به ما في غد ، وإنّ الضياع اليوم تضيع . . .
5- .الكهف : 51 .

ص: 330

وإلاّ حاكمته إلى اللّه تعالى (1) . فخرج عنه [ المغيرة ] 2 وقال : نبيت (2) هذا اليوم [ واصبر ] إلى غدٍ آتيك إن شاء اللّه تعالى ثمّ ننظر ماذا يكون . فلمّا كان من الغد جاءه المغيرة بن شعبة وقال له : يا أمير المؤمنين ، إنّي قد جئتك بالأمس وأشرت عليك بما أشرت وخالفتني فيه ، ثمّ إنّي بتّ ليلتي هذه فرأيت أنّ الرأي ما رأيت فأرسل إلى معاوية بالكتاب الّذي كتبته فإن قدم وإلاّ فاعزله فهو أهون شوكة وأضيق عطنا وولّ من تثق به ، قال : أفعل إن شاء اللّه تعالى ، فخرج عنه المغيرة بن شعبة وهو يقول : نصحت عليّا في ابن هند نصيحة (3) فردّ فما منى له الدهر (4) ثانية وقلت (5) له أرسل إليه بعهده إلى الشام (6) حتّى يستقرّ معاوية ويعلم أهل الشام إن قد ملكته واُمّ ابن هند بعد ذلك هاوية فتحكم فيه ماتريد (7) فإنّه لداهية فارفق به أي (8) داهية فلم يقبل النصح الّذي جئته به (9) وكانت له تلك النصيحة كافية ثمّ إنّ المغيرة بن شعبة هرب إلى مكّة وكان يقول : نصحت عليّا فلمّا لم يقبل غششته 11 . وعن ابن عباس ( رض ) قال : أتيت عليّا ( رض ) بعد مبايعة الناس له فوجدت [ عنده ] : المغيرة بن شعبة مستخليا به فقلت له بعد أن خرج [ من عنده ] : ما كان يقول لك هذا ؟ فقال : قال لي قبل يومه (10) : إنّ لك حقّ الطاعة والنصيحة ، وأنت بقية الناس وإنّ الرأي اليوم يحرز ما في غدٍ وإنّ الضياع اليوم يضيع به ما في غدٍ ، واُشير عليك بشور وهو : أن تقرر معاوية ، وابن عامر ، وعمّال عثمان على عملهم حتّى تأتيك بيعتهم وتسكين الناس ، ثمّ اعزل من شئت منهم وابقِ من شئت ، فأبيت عليه (11) ذلك وقلت : لا اُداهن في ديني ولا اُعطي الدنية في أمري ، قال : فإن كنت

.


1- .ذكر صاحب وقعة صفّين نصر بن مزاحم تحقيق وشرح عبدالسلام هارون : 52 الطبعة الثانية القاهرة ص 52 تحت عنوان كتاب عليّ إلى جرير جاء فيه : وإنّ المغيرة بن شعبة قد كان أشار عليَّ أن أستعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة ، فأبيت ذلك عليه ، ولم يكن اللّه ليراني أتّخذ المضلِّين عضدا ، فإن بايعك الرجل ، وإلاّ فأَقْبِل . واُنظر الفتوح لابن أعثم : 1 / 446 .
2- .في (ب) : نتثبت .
3- .في (ب) : مقالة .
4- .في (د) : فردت فلا يسمع لها الدهر .
5- .في (ج) : فقلت .
6- .في (د) : على الناس .
7- .في (ب) : أردت .
8- .في (ج ، د) : وابن .
9- .في (ب ، د) : قد أتيته .
10- .في (ج) : قبل مرّته هذه .
11- .في (د) : على .

ص: 331

أبيت عليَّ فانزع من شئت واترك معاوية فإنّ لمعاوية جرأة وهو في أهل الشام يطيعونه ويسمعون منه ، وتلك حجّة في إبقائه فإنّ عمر بن الخطّاب ولاّه الشام في خلافته ، فقلت : لا واللّه لا أستعمل معاوية يومين ، فانصرف من عندي وأنا أعرف منه أ نّه يرى أ نّي مخطئ ، ثمّ عاد إليَّ الآن فقال : إنّي أشرت إليك أوّل مرّة بالّذي أشرت وخالفتني (1) فيه ثمّ رأيت بعد ذلك أن تصنع الّذي رأيت أن تعزل من تختار وتستعين بمن تثق به فقد كفى باللّه تعالى وهو أهون شوكة وأقلّ عددا . قال ابن عباس رضى الله عنه : فقلت لعليّ عليه السلام : إنّما المرّة الاُولى فقد نصحك ، وأمّا المرّة الثانية فقد غشّك 2 . قال : وكيف نصحُه لي ؟ قلت : لأنّ معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى أثبتهم وأبقيتهم على عملهم لا يبالون من ولّي هذا الأمر ، ومتى تعزلهم يقولون أخذ هذا الأمر بغير شورى (2) ، وهو قتل صاحبنا (3) ، ويؤلبون (4) عليك فينتقض عليك أهل

.


1- .في (ب) : فخالفتني .
2- .في (أ) : حقّ .
3- .في (أ) : أصحابنا.
4- .في (أ): يولون .

ص: 332

الشام وأهل العراق مع أ نّي لا آمن طلحة والزبير أن يكرّا (1) عليك ، وأنا اُشير عليك أيضا أن تثبت (2) معاوية فإن بايع فلك عليَّ أن اُقلعه من منزله ، فقال عليٌّ ( رض ) : لا اُعطيه إلاّ السيف (3) ، ثمّ تمثّل بقول القائل : وما ميتة إن مُتُّها غيرُ عاجِزٍ بِعارٍ إذا ما غالَتِ النفسَ غولُها (4) فقلت : يا أمير المؤمنين أنت رجل شجاع لست بصاحب رأي (5) في الحرب ، أما سمعت قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله [ يقول ] : الحرب خدعة ؟ فقال [ عليّ ] : بلى ، فقلت [ فقال ابن عباس ] : وأيم اللّه ، لئن أطعتني لأصدرنّ منهم (6) بعد الورود على ما في نفسك ، ولأتركنّهم ينظرون في أدبار الاُمور ولا يعرفون ما كان وجهها (7) في غير نقصان عليك ولا إثم لك . فقال : يابن عباس لست من هنيهاتك ولا من هُنيهات معاوية في شيء ، فقال ابن عباس ( رض ) : فقلت له : أطعني في شيء ، الحق بمالك بينبع واغلق بابك عليك فإنّ العرب تجول جولة وتضطرب فلا تجد غيرك ، ولا تنهض مع هؤلاء القوم ، فلئن نهضت معهم ليحملنّك دم عثمان [ غدا ] فأبى ذلك منّي. وقال : لك أن تشير عليَّ وأرى فإذا عصيتك فأطعني . قال : فقلت له : أفعل فإنّ أيسر ما لك عندي الطاعة (8) وإنّي باذلها لك ، فقال له عليّ ( رض ) : اُريد منك أن

.


1- .في (أ) : يكدرا .
2- .في (أ) : تبقي .
3- .في تاريخ الطبري : 3 / 460 : قال له عليّ : لم نصحني قال ابن عباس : لأنك تعلم أنّ معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى تثبتهم لا يبالون بمن ولّي هذا الأمر ومتى تعزلهم يقولوا : أخذ هذا الأمر يغير شورى . . .
4- .ذكر هذا البيت الطبري في تاريخه : 3 / 462 وفيه : ما ميتة .
5- .في (ج ، د) : لست بأرب .
6- .في (ب) : بهم .
7- .في (أ) : وجوهها .
8- .ذكره الطبري في تاريخه : 3 / 462 باختلاف يسير في الألفاظ .

ص: 333

تسير إلى الشام فقد ولّيتكها (1) ، فقال ابن عباس : ما هذا برأيٍ ، معاوية رجل من بني اُمية ، وهو ابن عمّ عثمان وعامله ، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان ، وأنّ أدنى ما هو صانع بي وإن أحسن إليَّ أن يحبسني ويحتكم فيَّ لقرابتي منك ، وكلّما حمل عليك حمل عليَّ ، ولكن أرسل إليه الكتاب الّذي كتبته تستقدمه (2) فيه وانظر ماذا يجيب . قال : فأرسل إليه عليٌّ [ الكتاب ] مع بشير الجهني (3) ، فلمّا قدم على معاوية بالكتاب فأخذه منه ووقف على ما فيه ولم يُجب عليه بشيء . وكلما تنجز جوابه لم يزده على قوله : أدِم إدامةَ حصن أو جِدا (4) بيدي حربا ضروسا تشبّ الجزل والضرما في جاركم وابنكم إذ كان مقتله شنعاء شيّبت (5) الأصداغ (6) واللمما (7) أعيى (8) المَسودُ بها والسيِّدون فلم يوجد لها غيرنا مولىً ولا حَكما (9) حتّى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان وفي أواخر صفر دعا معاوية برجل (10) من بني عبس ، فدفع إليه طومارا (11) مختوما على غير كتابة ليس في باطنه شيء وعنوانه : من معاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وقال للعبسي : إذا دخلت بالمدينة 12 فادخلها نهارا واعط عليا الطومار على رؤوس الناس ، فإذا فضّه وفتحه إلى آخره ولم يجد فيه شيئا فتراه يقول لك : ما الخبر ؟ فقل له كيت وكيت بكلام أسرّه إلى [ ال ]رسول . ثمّ دعا معاوية بشير الجهني رسول عليّ فجهّزه مع رسوله فخرجا جميعا فقدما المدينة في اليوم الثامن (12) من شهر ربيع الأوّل ، فرفع رسول معاوية الطومار على يده عند دخوله المدينة، وتبعه الناس ينظرون ما أجاب [ به ]معاوية،وعلموا أ نّه يتعرّض

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .ذكر ذلك ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 67 باختلاف يسير . قال عليّ : فإني قد ولّيتك الشام فسر إليها . قال : قلت : ليس هذا برأي ، أترى معاوية وهو ابن عمّ عثمان مخليا بيني وبين عمله ، ولست آمن إن ظفر بي أين يقتلني بعثمان ، وأدنى ما هو صانع أن يحبسني ويحكم عليَّ ، ولكن اكتب إلى معاوية فمنه وعده ، فإن استقام لك الأمر فابعثني . قال : ثمّ أرسل بالبيعة إلى الآفاق وإلى جميع الأمصار ، فجاءته البيعة من كلّ مكان إلاّ الشام ، فإنّه لم يأته منها بيعة . فأرسل إلى المغيرة بن شعبة ، فقال له : سر إلى الشام فقد وليتكها . قال : تبعثني إلى معاوية وقد قُتل ابن عمّه ، ثمّ آتيه واليا ، فيظنّ أني من قتلة ابن عمّه ؟ ولكن إن شئت أبعث إليه بعهده ، فإنّه بالحري إذا بعثت له بعهده أن يسمع ويطيع . فكتب عليّ إلى معاوية : أمّا بعد فقد ولّيتك ما قبلك من الأمر والمال فبايع من قبلك ، ثمّ أقدم إليَّ في ألف رجل من أهل الشام . وذكر ابن كثير في البداية والنهاية : 7 / 185 أنّ عليا ولّى الشام سهل بن حُنيف .
3- .في (أ) : مستقدمه .
4- .ذكر الطبري في : 3 / 464 : وكان رسول أمير المؤمنين إلى معاوية سبرة الجهني فقدم عليه فلم يكتب معاوية بشيء ولم يجبه ورد رسوله وجعل كلّما تنجز جوابه لم يزد على قوله . . . .
5- .في (أ) : فخذ .
6- .في (أ) : شيت .
7- .في (د ، أ) : الأضلاع .
8- .في (أ) : اللمسما .
9- .في (ج ، أ) : أعني .
10- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 464 .
11- .في (أ) : رجلاً .
12- .في (ب) : العاشر .

ص: 334

ويتشغّب ، فدخل الرسول على عليّ بن أبي طالب وأعطاه [ الطومار ]ففضّ خاتمه وفتحه إلى آخره فلم يجد فيه كتابة فقال للرسول : ما وراءك ؟ قال : آمن أنا ؟ قال : نعم إنّ الرسول لا يُقتل ، قال : إنّي تركت ورائي قوما (1) يقولون : لا نرضى إلاّ بالقوَد . قال: ممّن؟ (2) قال: يقولون: من خيط رقبة عليّ،وتركت ستين ألف 3 شيخ يبكي تحت قميص عثمان ، وهو منصوب لهم قد ألبسوه (3) منبر مسجد دمشق ، وأصابع زوجته نائلة معلّقة فيه ، فقال عليّ عليه السلام : أمنّي يطلبون دم عثمان ؟ ! اللّهمّ إني أبرأ إليك من دم عثمان ، ما نجا واللّه قتلَة عثمان إلاّ أن يشاء اللّه ، فإنّه إذا أراد أمرا بلغه ، اُخْرُج ، قال : وأنا آمن ؟ قال : وأنت آمن ، فخرج العبسي (4) ، وأراد الناس أن يقتلوه فقالوا: ما [ ل_ ]هذا الكلب رسول الكلاب يتكلّم بمثل هذا ، ولولا أمان عليّ عليه السلام لقتلناه . ثمّ (5) أحبّ أهل المدينة بعد ذلك أن يعلموا ما رأي عليّ ( رض ) في معاوية هل يقاتله أو ينكل عنه (6) ، وقد بلغهم أنّ ابنه الحسن ( رض ) دعاه (7) إلى القعود 9 .

.


1- .في (أ) : أقواما .
2- .ذكر الطبري في تاريخه : 3 / 464 قال : ممّن ؟ قال : من خيط نفسك وتركت ستين . . . فقال : منّي يطلبون . . . ألست موتورا كَتِرة عثمان . . . أمرا أصابه . . .
3- .في (أ) : لبسوه .
4- .وفي تاريخ الطبري : 3 / 464 : فخرج العبسي وصاحت السبائيه قالوا هذا الكلب هذا وافد الكلاب اقتلوه ، فنادى يا آل مضر يا آل قيس الخيل والنبل إني أحلف باللّه جلّ اسمه ليردّنها عليكم أربعة آلاف خصي فانظروا كم الفحولة والركاب ، وتعاووا عليه ، ومنعته مضر وجعلوا يقولون له اسكت . . . ولكن الصحيح هو ما قاله ابن الصبّاغ المالكي في المتن [ ولولا أمان عليّ عليه السلام لقتلناه . . . ]
5- .في (ب) : و .
6- .في (د) : عليه .
7- .في (أ) : دعا .

ص: 335

وترك (1) الناس فدسّوا (2) إليه زياد بن حنظلة التميمي (3) وكان منقطعا إلى عليّ عليه السلام فجلس إليه ساعة ، فقال له عليّ عليه السلام : يا زياد تيسّر (4) فقال : لأي شيء يا أمير

.


1- .في (أ) : ونزل .
2- .في (أ) : فتقدّم .
3- .زياد بن حنظلة التميمي تركنا ترجمته للقارئ الكريم ليراجعها في كتاب العلاّمة السيّد مرتضى العسكري «خمسون ومائة صحابي مختلق» : 1 / 93 و106 و151 و289 و305 و376 و417 و420 و434 و448 و449 .
4- .في (أ): تجهّز.

ص: 336

المؤمنين ؟ فقال : لحرب أهل الشام ، فقال زياد : الأناة (1) والرفق يا أمير المؤمنين ، امتثل يا أمير المؤمنين ، وأنشد : ومن لم يصانع في اُمورٍ كثيرةٍ يُضَرَّسْ بأنيابٍ ويوطأ بمنْسِمِ (2)

.


1- .في (ج) : الاناءة .
2- .ذكره الطبري عن سيف في حوادث سنة (36 ه) في تاريخه : 4 / 465 وفيه «ومن لا يصانع» .

ص: 337

. .

ص: 338

. .

ص: 339

. .

ص: 340

. .

ص: 341

. .

ص: 342

. .

ص: 343

. .

ص: 344

. .

ص: 345

. .

ص: 346

فقال 1 عليّ بن أبي طالب عليه السلام : متى تجمع (1) القلبَ (2) الذكيّ وصارِما (3) وأنفا حَمِيّا (4) تجتنبك المظالِمُ (5)

.


1- .في (أ) : تجتمع .
2- .في (ج ، د) : الذكر .
3- .في (ب) : والصارما .
4- .في (ب ، د) : حمّا .
5- .انظر المصدر السابق .

ص: 347

. .

ص: 348

. .

ص: 349

. .

ص: 350

. .

ص: 351

. .

ص: 352

. .

ص: 353

. .

ص: 354

. .

ص: 355

. .

ص: 356

. .

ص: 357

. .

ص: 358

. .

ص: 359

. .

ص: 360

. .

ص: 361

. .

ص: 362

. .

ص: 363

. .

ص: 364

. .

ص: 365

. .

ص: 366

. .

ص: 367

. .

ص: 368

. .

ص: 369

فخرج زياد من عنده والناس ينظرونه فقالوا له : ما وراءك ؟ قال : السيف ، فعرفوا ما هو فاعل . ثمّ إنّ عليا رضى الله عنه تجهّز يريد الشام لقتال (1) معاوية ، فدعا محمّد ابن الحنفية (2) فأعطاه اللواء (3) ، وولّى (4) عبداللّه بن عباس ميمنة (5) ، وعمرو بن مسلمة (6) ميسرة ، ودعا (7) أبا ليلى [ بن ]عمر بن الجرّاح ابن [ أخي ] أبي عبيدة بن الجرّاح مقدمته (8) ، واستخلف على المدينة قُثَم بن العباس (9) . وكتب إلى العراق إلى قيس بن سعد 10 ،

.


1- .في (أ) : لقتل .
2- .محمّد بن الحنفية : هو محمّد بن عليّ بن أبي طالب ، ابن الحنفية خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمه بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن حنفية من جذم بكر بن وائل ، سبيت ثمّ أخذها عليّ عليه السلام ، واختلفوا في كيفية سبيها ، روى ابن أبي الحديد في شرح النهج : 1 / 81 من شرحه عن أنساب البلاذري أنّ بني أسد أغارت على بني حنيفة في أيام أبي بكر فسبوها منهم وقدموا بها المدينة فباعوها من عليّ وبلغ قومها خبرها فأتوا عليا وأخبروه بموضعها منهم ، فأعتقها ومهرها وتزوّجها فولدت محمّدا فكنّاه أبا القاسم . وقيل : إنّ خالدا قاتل أهلها في حرب الردّة وسباها ودفعها أبو بكر إلى عليّ . (انظر المعارف لابن قتيبة : 216) .
3- .انظر تاريخ الطبري: 3/465 ، و : 5/207 ط اُخرى، وتاريخ ابن أعثم: 1/478 ومروج الذهب: 2/13 .
4- .في (أ) : فجعل .
5- .سبق وأن ترجمنا له . أمّا أ نّه على الميمنة فقد ذكر ذلك الطبري في تاريخه : 3 / 465 ، و : 5 / 208 ط اُخرى .
6- .قيل : عمرو بن سفيان بن عبد الأسد كما ذكره الطبري في تاريخه : 3 / 465 . أمّا ابن قتيبة في معارفه : 136 فذكره باسم عُمر بن أبي سلمة، وهو ربيب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكان عُمر مع عليّ يوم الجمل .
7- .في (أ) : وجعل .
8- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 465 .
9- .راجع المصدر السابق، وتاريخ الإسلام للذهبي : 2 / 149، وتاريخ ابن خيّاط : 1 / 180، ووقعة صفين لنصر بن مزاحم : 449 وهو القائل للنعمان بن بشير وكان مع معاوية يوم الجمل : انظر يا نعمان ، هل ترى مع معاوية إلاّ طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور، انظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون الّذين رضي اللّه عنهم، ثمّ انظر هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك _ يعني مسلمة بن مخلد _ ولستما ببدريّين ولا عقبيّين ولا اُحديّين، ولا لكما سابقة في الإسلام ولا آية في القرآن، ولعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك . وقال قيس فى ذلك شعرا . ولمّا رأى معاوية قوة قيس وعدم متابعته على أمره شقّ عليه ذلك فاختلق معاوية كتابا من قيس بن سعد فقرأه على أهل الشام وكانت لمعاوية قبل هذا سابقة في الوضع والدسّ . انظر الطبري : 5 / 229، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 24) .

ص: 370

وإلى عثمان بن حنيف (1) ، وإلى أبي موسى الأشعري (2) ، أن يندبوا الناس إلى الخروج إليه إلى قتال أهل الشام 3 ، وقال لأهل المدينة : إنّ في سلطان اللّه تعالى عصمة أمركم (3) فاعطوه طاعتكم غير ملوية (4) ولا مستكرهين لها (5) لعلّ اللّه تعالى أن يلمّ

.


1- .عثمان بن حنيف بن واهب بن الحكيم الأنصاري الأويسي أبو عمرو وأبو عبداللّه ، شهد اُحدا وما بعدها . (انظر اُسد الغابة : 3 / 371 ، وتاريخ الطبري : 3 / 465) .
2- .هو عبداللّه بن قيس بن سُليم بن حضار بن حرب بن عامر بن بكر بن عامر بن وائل بن ناجية بن الجُماهر بن الأشعر . قدم مكّة وحالف سعيد بن العاص بن اُمية ثمّ أسلم بمكّة ولاّه عمر البصرة بعد أن عزل المغيرة عنها ، ثمّ ولاّه عثمان الكوفة حتّى عزله عليّ بن أبي طالب ، ثمّ عَيّنه للتحكيم بطلب أهل العراق ، توفي سنة (42 أو 44 أو 50 أو 52 ه) في مكة بعد أن غدر ومكر به ابن العاص . (انظر الاستيعاب : 4 / 172 ، الإصابة ، والجمهرة لابن حزم : 397 . اسمه سليم بن هصا (حصار) .
3- .في (أ) : لأمركم، وفي (ب، ج) : لأميركم .
4- .في (أ) : ملومة .
5- .في (ج ، د) مستكره بها.

ص: 371

شعثكم ، ويجمع كلمتكم ويصلح بكم ما يريد هؤلاء القوم فساده (1) .

فبينما هم كذلك على قصدهم التوجّه إلى الشام إذ أتاهم الخبر عن طلحة والزبير وعائشة أ نّهم على الخلاف (2) وأ نّهم قد سخطوا من فعله (3) وهم يريدون الخروج إلى البصرة ، وكان سبب ذلك أنّ طلحة والزبير لمّا قدما من المدينة إلى مكة وجدا عائشة فقالت لهما : ما وراءكما ؟ قالا : إنّا تحمّلنا هربا من المدينة من غوفاءِ [ و ] أعراب وفارقنا قوما (4) حيارى لا يعرفون حقّا ولا ينكرون باطلاً ولا يمنعون أنفسهم ، فقالت : انهضوا (5) إلى هذه الغوغاء . فقالوا : كيف يكون ؟ فقالت : أو نأتي الشام ؟ فقال ابن عامر (6) _ وكان قد أتى من البصرة إلى مكة بعد مقتل عثمان : لا حاجة لكم في الشام فقد كفاكم معاوية ، ولكن نأتي البصرة فإنّ لي بها صنايع ولي بها المال ولأهل البصرة في طلحة هوى وهو الأوفق بنا والأليق . فاستقام رأيهم على التوجّه إلى البصرة وأجابتهم عائشة إلى ذلك ودعوا

.


1- .ذكر هذا القول الطبري في تاريخه : 3 / 465 _ 466 باختلاف بسيط في اللفظ .
2- .تاريخ الطبري : 3 / 466 .
3- .في (أ) : مأربه .
4- .في (أ) : قومنا .
5- .في (أ) : ننهض .
6- .عبداللّه بن عامر بن كريز هو ابن خال عثمان ، فقد كانت اُمّ عثمان أروى بنت كريز ، ولاّه عثمان البصرة بعد أن دخل عليه شبل بن خالد ، وحين لم يكن عنده غير اُموي قال : ما لكم معشر قريش ؟ أما فيكم صغير تريدون أن ينبل أو فقير تريدون غناه أو خامل تريدون التنويه باسمه ؟ عَلامَ أقطعتم هذا الأشعري _ يعني أبا موسى الأشعري _ العراق يأكلها خضما ؟ فقال عثمان : ومن لها ؟ فأشاروا عليه بعبد اللّه بن عامر وهو ابن ست عشرة سنة . وهو الّذي هرب منها ليلاً بعدما بايع أهل البصرة عليا . (انظر مروج الذهب : 2 / 394 ، والاستيعاب لابن عبد البرّ : تحت رقم 2613) . وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 78 : وقد فرّ من أهلها فرار العبد الآبق . (وانظر تاريخ الطبري : 5 / 114 والبلاذري في أنساب الأشراف : 5 / 47 ، وابن الأثير في الكامل : 3 / 70 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : 1 / 165 ، وابن كثير فى البداية والنهاية : 7 / 157 ، مسند أحمد : 6 / 77 و259) .

ص: 372

عبداللّه بن عمر (1) ليسير معهم فأبى وقال : أنا من أهل المدينة أفعل ما فعلوه فتركوه (2) . وأرادت حفصة اُخت عبداللّه بن عمر المسير معهم فمنعها أخوها عبداللّه بن عمر من ذلك 3 . وجهّزهم يعلى بن منية (3) بستمائة ألف درهم وستمائة

.


1- .عبداللّه ابن الخليفة عمر بن الخطّاب توفّي في مكّة سنة (73 ه) وكان سبب موته أنّ الحجّاج أمر رجلاً فسمَّ زجّ رمحه وزحمه في الطريق ووضع الزجَّ في ظهر قدمه ، وقد أخرجوا له 2630 حديثا . (انظر جوامع السيرة : 276 ، الاستيعاب تحت رقم 1579 ، واُسد الغابة والإصابة) .
2- .ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 79 أنّ طلحة قال للزبير : إنّه ليس شيء أنفع ولا أبلغ في استمالة أهواء الناس من أن نشخص لعبداللّه بن عمر ، فأتياه فقالا : يا أبا عبدالرحمن ، إنّ اُمنا عائشة خفت لهذا الأمر ، رجاء الإصلاح بين الناس ، فاشخص معنا فإنّ لك بها اُسوة ، فإن بايعنا الناس فأنت أحقّ بها ، فقال ابن عمر : أيها الشيخان ، أتريدان أن تخرجاني من بيتي ، ثمّ تلقياني بين مخالب ابن أبي طالب ؟ إنّ الناس إنّما يُخدعون بالدينار والدرهم ، وإنّي تركت هذا الأمر عيانا في عافية أنا لها . فانصرفا عنه . . . وذكر ذلك أيضا ابن أعثم في الفتوح : 2 / 278 بزيادة بسيطة : تخرجاني من بيتي كما يخرج الأرنب من جحره . وفي (ب) : مايفعلون .
3- .يعلى بن اُميّة بن أبي عبيدة بن همام التميمي الحنظلي . كنيته أبو صفوان أو أبو خالد وهو المعروف بيعلى بن منية وهي اُمه منية بنت غزوان اُخت عتبة بن غزوان ، وقيل : إنّ منية هي بنت الحارث بن جابر عمّة عتبة ، وجدّة يعلى اُمّ أبيه ، وجدّة الزبير بن العوّام اُمّ أبيه . أسلم يوم فتح مكة وشهد حنينا والطائف وتبوك ، واستعمله عمر على بعض اليمن فحمى لنفسه حمىً فجلبه عمر فمات قبل أن يصل إليه ، فاستعمله عثمان على صنعاء ، وكان ذا منزلة عظيمة عند عثمان ، ولمّا بلغه قتل عثمان أقبل لينصره فسقط عن بعيره في الطريق فانكسرت فخذه فقدم بعد انقضاء الحجّ واستشرف إليه الناس فقال : من يخرج يطلب بدم عثمان فَعَلَيَّ جهازه ، فأعان الزبير بأربعمائة ألف وحمل سبعين من قريش وحمل عائشة على الجمل الّذي شهدت القتال عليه ، ثمّ شهد الجمل مع عائشة ، ثمّ صار من أصحاب عليّ وقُتل معه بصفّين . (انظر ترجمته في اُسد الغابة : 5 / 128 _ 129 ، والاستيعاب ، والإصابة ، والعقد الفريد :1 / 299 ، و : 2 / 68 ط مصر ، ومروج الذهب : 2 / 394 ، وابن الأثير : 2 / 313) .

ص: 373

بعير (1) وكان من عمّال عثمان على اليمن قدم مكة بعد مقتل عثمان ونادى منادي عائشة : إنّ اُمّ المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن أراد إعزاز الدين وقتال المُحلّين (2) والطلب بثأر عثمان وليس له مركب وجهاز فليأت . فحملوا ستمائة على ستمائة [ بعير ] وساروا في ألف (3) من أهل المدينة [ ومكة ]ولحقهم اُناس آخرون فكانوا ثلاثة آلاف رجل (4) .

.


1- .ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 79 أنه أخرج أربعمائة بعير ودعا إلى الحملان، فقال الزبير : دعنا من إبلك هذه، وأقرضنا من هذا المال، فأقرض الزبير ستين ألفا، وأقرض طلحة أربعين ألفا . وفي مروج الذهب : 2 / 394 : أعطى عائشة وطلحة والزبير أربعمائة ألف درهم وكراعا وسلاحا، وبعث إلى عائشة بالجمل المسمّى عسكرا وكان شراؤه باليمن مائتى دينار . وعند ابن الأثير : 2 / 313 ستمائة بعير وستمائة ألف درهم . وعند ابن أعثم في الفتوح : 1 / 454 أنه أقرضهم ستين ألف دينار ففرّقها الزبير فيمن أحبّ ممّن خفّ معه . . .
2- .وفي (ب ، ج) : المستحلّين .
3- .وقيل : فخرجوا في سبعمائة من أهل المدينة والكوفة . (انظر تاريخ الطبري : 5 / 168 ، و : 1 / 1303 ط اوروبا) .
4- .انظر تاريخ الطبري : 1 / 1303 ، و : 2 / 469 ، و :3 / 393 ، و : 5 / 167 _ 168 ، بحار الأنوار : 32 / 144 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 6 / 224 ، وغيرهم وجاء في تلكم : فحملوا على ستمائة بعير وساروا في ألف . وقيل : في تسعمائة من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس فكانوا في ثلاثة آلاف رجل . (انظر مروج الذهب : 6/367 ، والكامل لابن الأثير : 3/221، وفي (ب، ج) كذلك .

ص: 374

وأعطى يعلى بن منية (1) عائشة جملاً اسمه عسكر 2 اشتراه لها بمائتي دينار (2) ، وقيل : بل كان الجمل لرجل من عرينة ، قال العريني : بينما أنا أسير (3) على جمل لي إذ عرض لي والبة بن الحباب قال : أتبيع جملك ؟ قلت : نعم ، قال : بكم ؟ قلت : بألف درهم ، قال : أمجنون أنت ؟ قلت : ولِمَ وأنا واللّه ما طلبت عليه أحدا إلاّ أدركته (4) ولا طلبني أحد إلاّ فُتّه ، قالوا : لا (5) تعلم لمن نريده ، إنما نريده لاُمّ المؤمنين عائشة ، قلت : فخذه بغير ثمن ، قال : بل تذهب معنا إلى الرجل فنعطيك دراهم وناقة . قال : فرجعت فأعطوني ناقة مهرية وستمائة درهم 7 .

.


1- .تقدمت ترجمته آنفا .
2- .تقدّمت تخريجاته .
3- .في (أ) : راكب .
4- .في (أ) : لحقته .
5- .في (ب) : لو .

ص: 375

وبعثت اُمّ الفضل _ ابنة الحارث اُمّ عبداللّه بن العباس ( رض ) _ رجلاً من جهينة استأجرته يسمّى ظفرا (1) إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام يخبره بخروج طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة . قال : وخرجت عائشة ومن معها من مكّة ، فلمّا خرجوا منها وصاروا على مرحلة وجاء وقت الصلاة أذن مروان بن الحكم ، ثمّ جاء حتّى وقف على طلحة والزبير وابنيهما جالسين عندهما فقال لهما : على أ يّكما اُسلّم بالإمارة واُؤذن بالصلاة ؟ فقال عبداللّه بن الزبير : على أبي ، وقال محمّد بن طلحة : على أبي ، فبلغ ذلك عائشة ، فأرسلت إلى مروان وقالت : تريد أن يفترق أمرنا ليصل بالناس عبدالرحمن بن عتاب بن اُسيد ، فكان معاذ بن جبل يقول : واللّه لو ظفرنا لا قتتلنا ما كان الزبير يترك طلحة والأمر ولا كان طلحة يترك الزبير [ والأمر ] . وخرج مع عائشة اُمّهات [ المؤمنين ] مودّعات لها إلى ذات عِرق،وبكوا الإسلام، فلم يُرَ يوم كان أكثر باكيا [ وباكية ] من ذلك اليوم ، وكان يسمّى يوم النحيب 2 .

.


1- .في (ب ، د) : طغرا .

ص: 376

ثمّ إنّهم ساروا متوجّهين إلى نحو البصرة ، وسار عليّ ( رض ) من المدينة في معسكره على قصده الشام ، وكان ذلك في آخر شهر ربيع الآخر سنة خمس

.

ص: 377

وثلاثين ، فبينما هو في مسيره إذ أتاه رسول اُمّ الفضل (1) ( رض ) يخبره عن طلحة والزبير وعائشة بما كان منهم و[ أنهم ] خرجوا [ من ]مكة قاصدين إلى البصرة ، فلمّا بلغه ذلك دعا وجوه أهل المدينة فخطبهم وحمد اللّه وأثنى عليه وقال : إنّ آخر هذا الأمر لا يصلح إلاّ بما يصلح أوّله ، فانصروا اللّه تعالى ينصركم ويصلح أمركم (2) . ثمّ إنّ عليا ( رض ) أعرض عن قصد الشام وحثّ المسير إلى جهة البصرة رجاء أن يدرك طلحة والزبير قبل وصولهما إليها فيراهما (3) ويناجزهما ، فلمّا انتهى إلى الربذة أتاه الخبر بأ نّهم سبقوا إلى البصرة وقد نزلوا بقبابها (4) .

قال علقمة بن وقّاص الليثي (5) : رأيت طلحة في مخرجه هذا مع الزبير وعائشة بعد بيعة أهل البصرة لهم وأحبّ المجالس إليه أخلاها وهو ضارب بيده على لحيته مفكّرا فقلت له : يا أبا محمّد إنّي أرى أحبّ المجالس إليك أخلاها وإنّي لم أزل أراك ضاربا بيدك على لحيتك مفكّرا إن كرهت شيئا فاجلس . قال : فقال [ لي ] : يا علقمة بينا نحن على يدٍ واحدة على مَن سوانا [ إذ ]صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضا . يا علقمة إنّه كان منّي في عثمان شيء ليس توبتي منه إلاّ أن يسفك دمي في طلب دمه . قال : فقلت (6) ] له ] : ردّ ابنك محمّدا فإنّ لك ضياعا وعيالاً فإنّ

.


1- .وكتبت اُمّ الفضل بنت الحارث إلى عليّ عليه السلام : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، لعبداللّه عليّ أمير المؤمنين من اُمّ الفضل بنت الحارث ، أمّا بعد ، فإنّ طلحة والزبير وعائشة قد خرجوا من مكّه يريدون البصرة وقد استنفروا الناس إلى حربك ولم يخف معهم إلى ذلك إلاّ من كان في قلبه مرض ، ويد اللّه فوق أيديهم ، والسلام . (ذكر ذلك ابن أعثم في الفتوح : 1 / 459) .
2- .تاريخ الطبري : 5 / 185 ، والكامل في التاريخ : 3 / 115 .
3- .في (ب ، ج): فيردهما.
4- .انظر المصادر السابقة .
5- .علقمة بن وقاص الليثي ولد على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وشهد الخندق وتوفّي أيام عبدالملك بن مروان بالمدينة . (انظر اُسد الغابة : 4 / 15) .
6- .في (أ) : قلت .

ص: 378

يك شيئا يخلفك ، قال : فكلّمه لعلّه (1) يسمع منك . قال : فأتيت ابنه محمّدا فقلت [ له ] : لو أقمت فإن حدث في أبيك (2) حدث كنت تخلفه في عياله وضياعه (3) ، قال ما اُحبّ أن أسائل عنه (4) الركبان 5 . ويروى أنّ طلحة قال في بعض هذه الأيّام : [ هذه ] الفتنة الّتي كنّا نتحدّث بها ، فقال له بعض مواليه : تسمّيها فتنة وتقاتل فيها ؟ ! فقال له : ويلك إنّا نبصر ولا تبصروا وما كان أمر قطّ إلاّ وأنا أعلم موضع قدمي فيه ، غير هذا الأمر فإني لا أعلم أنا مقبل فيه أم مدبر (5) . وحدّث شهاب بن طارق (6) قال : خرجت مستقبلاً لعليّ أيام خروجه إلى الجمل فكان

.


1- .في (ج) : فلعله .
2- .في (ب) : بأبيك .
3- .في (ج) : ضيعته .
4- .في (د) : عن .
5- .ذكر هذه المقولة الطبري في تاريخه : 3 / 491 وكذلك في : 5 / 183 ط آخر ، و : 1 / 3136 ط اُوربا عن قتادة عن أبي عمرة مولى الزبير قال : لمّا بايع أهل البصرة الزبير وطلحة قال الزبير : ألا ألف فارس أسير بهم إلى عليّ فإمّا بيَّته وإما صبَّحته لعلِّي أقتله قبل أن يصل إلينا ، فلم يجبه أحد ، فقال : إنّ هذه لهي الفتنة الّتي كنّا نحدّث عنها ، فقال له مولاه : أتسمّيها فتنة وتقاتل فيها ؟ ! قال : ويحك إنا نُبصِر ولا نَبصُر ما كان أمر قطّ إلاّ علمت موضع قدمي في غير هذا الأمر ، فإنّي لا أدري أمُقْبل أنا فيه أم مُدبر . . . وهنا يثبت لنا الطبري بأنّ القائل هو الزبير وليس طلحة كما أورد ابن الصبّاغ المالكي ، وأعتقد أنه خطأٌ من النّساخ . ويؤيد ذلك أنّ الكامل في التاريخ : 3 / 113 يذكر أن القائل هو الزبير بن العوّام .
6- .ذكر الطبري في تاريخه : 3 / 474 ، و : 5 / 170 ط اُخرى «حدّث طارق بن شهاب» وليس شهاب بن طارق ، وحسب ما أظنّ أنه تصحيف من قِبل المصنف . والعباره وردت هكذا : عن طارق بن شهاب قال : خرجنا من الكوفة معتمرين حين أتانا قتل عثمان رضى الله عنه فلمّا انتهينا إلى الربذة وذلك في وجه الصبح إذا الرفاق وإذا بعضهم يتلو بعضا ، فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : أمير المؤمنين ، فقلت : ما له ؟ قالوا : غلبه طلحة والزبير فخرج يعترض لهما ليردّهما فبلغه أنهما قد فاتاه فهو يريد أن يخرج في آثارهما ، فقلت : إنا للّه وإنا إليه راجعون آتي عليا فاُقاتل معه هذين الرجلين واُمّ المؤمنين أو اُخالفه إنّ هذا لشديد ، فخرجت فأتيته فاُقيمت الصلاة بغلس فتقدّم فصلّى فلمّا انصرف أتاه ابنه الحسن . . . وطارق بن شهاب هو الّذي ذكره ابن جرير الطبري الإمامي في كتابه المسترشد في إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب : 216 و 616 ، فراجع .

ص: 379

صديقا لي ، فلقيته وقد ترك الربذة فسألت ما أقدمه الربذة ، فقيل لي : خالفه طلحة والزبير وعائشة وتوجّهوا إلى البصرة وهم على وجه القتال ، فقلت في نفسي : اُقاتل حواري رسول اللّه صلى الله عليه و آله واُمّ المؤمنين ، فهذا عظيم [ أو أدع القتال مع عليّ وهو أولى بالمؤمنين أو قال: وهو أمير المؤمنين _ وابن عمّ رسول ربّ العالمين فهذا عظيم ]. قال: ثمّ أتيت عليا فسلّمت عليه وجلست إليه فأقبل بوجهه إليَّ (1) ثمّ قصّ عليَّ قصَته وقصَه القوم، فلمّا فرغ أذن بالصلاة فصلّى بنا الظهر . ثمّ انفتل فقام إليه ابنه الحسن 2 (رض)

.


1- .في (ب ، د) : عليَّ .

ص: 380

فجلس بين يديه فبكى وقال : يا أبت أمرتك بأمرٍ فعصيتني 1 ثمّ أمرتك (1) وها أنت تقبل غدا بمصبغة (2) من الأرض ولا ناصر لك ، فقال له عليّ ( رض ) : [ هات ]ما عندك إنّك لا تزال تحنّ حنين الجارية (3) ما الّذي أمرتني [ به ]فزعمت أني عصيتك فيه ؟ قال : أمرتك حين أحاط الناس بعثمان أن تعتزل (4) ناحية [ عن المدينة ]فإنّ الناس إن قتلوه طلبوك حيث كنت فبايعوك فلم تفعل ، ثمّ قُتل عثمان، فلمّا ، أتاك الناس يبايعونك أمرتك بأن لا تفعل حتّى يجتمع (5) الناس ويأتيك وفود العرب فلم تفعل ،

.


1- .في (ب) : آمرك .
2- .في (أ) : بمضيعة .
3- .انظر المصادر السابقة .
4- .في (أ) : تعزل .
5- .في نسخة (ج) زاد لفظ «لا يجتمع» وهو خطأ .

ص: 381

ثمّ جاءك (1) طلحة والزبير فأمرتك أن لا تتبعهما وتدعهما فإن اجتمعت إليك الاُمّة قبلت ذلك منها وإن اختلفت رضيت بقضاء اللّه تعالى (2) .

فقال (3) له عليّ ( رض ) : واللّه لا أكون كالضبُع تنام (4) [ على طول ]اللدْم (5) حتّى يصل إليها (6) طالبها وجارُّها فيدخل الحبل في رجلها ثمّ يقول دَباب دَباب (7) فيقطع عرقوبها (8) ، ولكن أبوك يضرب المدبر بالمقبل والعاصي بالطائع والمخالف بالسامع ، ثمّ الأمر للّه يفعل ما يشاء 9 . اللدم : شيء يحرّك عند غار الضبُع حتّى تسمعه فترتاع من صوته فتنجحر في (9) غارها فيدخل عليها طالبها وهو يقول : دَباب دَباب فيربطها ، أي لا أنخدع كما

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .في (د) : خالفك .
3- .في (أ) : قال .
4- .في (أ) : تنتظر .
5- .في (ب ، د) : اللزم .
6- .في (أ) : يدخل .
7- .في (أ) : ذباب ذباب .
8- .في (أ) : عرقبها ، وفي (ب) : عروقها .
9- .في (ب ، د): فتتروى في جانب .

ص: 382

ينخدع الضبُع (1) . ثمّ إنّ عليا ( رض ) كتب من الربذة إلى طلحة والزبير يقول لهما : أمّا بعد ، يا طلحة ويا زبير فقد علمتما (2) أني لم أرد الناس حتّى أرادوني ، ولم اُبايعهم حتّى أكرهوني وأنتما (3) أوّل من بادر إلى بيعتي، و لم تدخلا في هذا الأمر بسلطانٍ غالب ولا لعرضٍ (4) حاضر ، وأنت يا زبير ففارس قريش وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين، ورفعُكما (5) هذا الأمر (6) قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه إلاّ [ أنّ ]هؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه وأنتما رجلان من المهاجرين وقد أخرجَتكما اُمّكما من بيتها الّتي أمرها اللّه تعالى أن تقرّ فيه ، واللّه حسبكما ، والسلام 7 .

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .في (د) : علمتم .
3- .في (ب ، د) انتم .
4- .في (ب) : لغرض .
5- .في (د) : ودفعكم .
6- .في (أ) : القبر .

ص: 383

وكتب إلى عائشة : أمّا بعد [ فإنّكِ ] خرجت من بيتكِ تطلبين أمرا كان منكِ (1) موضوعا ، ثمّ تزعمين أ نّكِ لن تريدين (2) إلاّ الإصلاح بين الناس (3) فخبّريني ما

.


1- .في نسخة (ج) : عنك .
2- .في (ج) : لا تريدن .
3- .في (ج): المسلمين .

ص: 384

النساء وقَود العسكر (1) . وزعمت أنكِ مطالبة بدم عثمان ، وعثمان من بني اُمية وأنتِ امرأة من بني تيم بن مرّة ، لعمري إنّ الّذي أخرَجَكِ لهذا الأمر وحملَكِ عليه لأعظم ذنبا إليك من كلّ أحد ، فاتقِ اللّه يا عائشة وارجعي إلى منزلك واسبلي عليك سترك ، والسلام 2 . فرجع الجواب: يابن أبي طالب، جلّ الأمر عن العتاب (2) وضاق الوقت عن الجواب 4 .

.


1- .في (ج ، د) : الجيوش .
2- .في (أ) : العناد .

ص: 385

ثمّ إنّ عليا رضى الله عنه كتب إلى أهل الكوفة وسَيّرَ كتابه مع محمّد بن أبي بكر 1 ،

.

ص: 386

ومحمّد بن جعفر 1 ( رض ) ، يقول لهم : إنّي اخترتكم (1) على أهل الأمصار وفزعت إليكم لما حدث ، فكونوا للدين (2) أعوانا وأنصارا ، فانهضوا (3) إلينا فالإصلاح [ ما ]نريد لتعود هذه الاُمّة إخوانا (4) فمضيا (5) . وأرسل عليّ ( رض ) إلى أهل المدينة فأتاه منها ما أراد من دابّة وسلاح (6) ، وقام في الناس فخطبهم فقال : إنّ اللّه تعالى أعزّنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانا بعد ذلّة وتباعد (7) وتباغض ، فجرى الناس على ذلك ما شاء اللّه تعالى ، الإسلام دينهم ، والحقّ مذهبهم ، والكتاب إمامهم ، حتّى اُصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الّذين نزغهم (8) الشيطان لينزغ بين هذه الاُمّة ، ألا وإنّ هذه الاُمّة لابدّ مفترقة

.


1- .في (ب) : أخرتكم .
2- .في (ج) : لدين اللّه .
3- .في (ج ، د) : وأيدونا .
4- .روى ذلك الطبري في تاريخه : 3 / 494 و : 5 / 185 مؤسّسة الأعلمي، والكامل في التاريخ : 3 / 115 بإضافة : ومن أحبّ ذلك وآثره فقد أحبّ الحقّ وآثره، ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحقّ وغمصه.
5- .أي : محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر .
6- .ذكر ذلك الطبري أيضا : 3 / 494 .
7- .في (أ) : وتنافر .
8- .في (أ): يرغمهم.

ص: 387

كما افترقت الاُمم قبلهم (1) ، فنعوذ باللّه من شرّ ما هو كائن (2) .

ثمّ عاد ثانية فقال : إنّه لابدّ ممّا هو كائن أن يكون ، ألا وإنّ هذه الاُمّة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة شرها فرقة تنتحلني (3) ولا تعمل بعملي ، وقد أدركتم ورأيتم ، فالزموا دينكم واهتدوا بهدىُ [ نبيّكم ]محمّد صلى الله عليه و آله واتبعوا سنّته وأعرضوا ما اُشكل عليكم على القرآن ، فما عرّفه القرآن فالزموه وما أنكره فردّوه وارضوا باللّه [ جلّ وعزّ ] ربا وبالإسلام دينا وبمحمّد صلى الله عليه و آله نبيا ورسولاً وبالقرآن حَكما وإماما (4) . ثمّ سار عليّ ( رض ) من الربذة إلى ذي قار ، وأمّا المحمّدان _ محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر ( رض ) _ فإنّهما أتيا الكوفة ودخلا بالكتاب على أبي موسى الأشعري ( رض ) فقرأه على الناس فلم يُجابا بشيء ، فلمّا كان الليل دخل ناس من ذوي الحِجى (5) على أبي موسى الأشعري فقرأه على الناس فقالوا : ما ترى في الخروج ؟ فقال : كان الرأي بالأمس ليس اليوم ، إنّ الّذي تهاونتم به فيما مضى هو الّذي جرّ عليكم ما ترون اليوم ، وإنّما هو أمران القعود سبيل الآخر . والخروج سبيل

.


1- .في (أ) : قبلها .
2- .انظر الطبري في تاريخه : 5 / 185 ، و : 3 / 494 ط اُخرى ، والكامل في التاريخ : 3 / 115 .
3- .في (ب) : تنتمي لي .
4- .انظر تاريخ الطبري : 5 / 185 ، و : 3 / 494 ط اُخرى ، والكامل في التاريخ : 3 / 115 .
5- .أي ذوي العقل والفطنة . وفي الإمامة والسياسة : 1 / 84 هكذا : فلمّا أمسوا دخل رجال من أهل الكوفة على أبي موسى الأشعري ، فقالوا : ما ترى ؟ أتخرج مع هذين الرجلين إلى صاحبهما أم لا ؟ فقال أبو موسى : أمّا سبيل الآخرة ففي أن تلزموا بيوتكم ، وأمّا سبيل الدنيا فالخروج مع من أتاكم ، فأطاعوه ، فتباطأ الناس على عليّ . . . وذكر الطبري قول الأشعري في : 3 / 493 بلفظ : أمّا سبيل الآخرة فأن تقيموا وأمّا سبيل الدنيا فأن تخرجوا وأنتم أعلم . لكن الطبري هنا يذكر غير ما ذكره سابقا حيث يقول : بعث محمّد بن أبي بكر إلى الكوفة ومحمّد بن عون . . . ولا ندري لِمَ هذا التناقض لأنه بعد صفحة واحدة ذكر محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر ، وذكر في 496 : فلمّا قدم محمّد ومحمّد على الكوفة وأتيا أبا موسى . . .

ص: 388

الدنيا فاختاروا ، فلم ينفر إليه (1) أحد (2) . فغضب الرجلان (3) وأغلظا لأبي موسى القول ، فقال لهما : واللّه إنّ بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما ، فإن لم يكن بدّ من قتال فلا يقاتل أحدا حتّى يُفرغ من قتَلة عثمان حيث كانوا (4) . فانطلقا إلى عليّ رضى الله عنه فأخبراه الخبر وهو بذي قار ، فقال عليّ للأشتر وكان معه : أنت صاحبنا في أبي موسى والمعترض في كلّ شيء ولم نقرّ أبا موسى على عمل الكوفة إلاّ برأي منك ، اذهب أنت والحسن بن عليّ (5) والعمّار 6 فأصلح ما أفسده . فخرجوا وقدموا الكوفة ، فدخلوها والناس في المسجد وأبو موسى يخطبهم

.


1- .في (أ) : إليها .
2- .انظر المصادر السابقة .
3- .في (أ) : المحمّدان .
4- .انظر الطبري في : 3 / 496 .
5- .ذكر الطبري في: 3 / 496 ذلك ولكنه ذكر عبداللّه بن عباس بدل الحسن بن علي .

ص: 389

ويثبّطهم ويقول : أيّها الناس ، إنّ أصحاب محمّد الّذين صحبوه أعلم باللّه (1) ورسوله ممّن لم يصحبه ، وإنّ لكم علينا حقّ النصيحة ، وإنّ هذه فتنة صمّاء ولقد سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: ستكون فتنة القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الراكب، وقد جعلنا اللّه تعالى إخوانا وحرّم علينا دماءنا وأموالنا 2 .

.


1- .في (ب) : فاللّه .

ص: 390

فقام إليه الحسن بن عليّ ( رض ) فسكّته وقال : اعتزل عملنا يا شيخ لا اُمّ لك (1) . فقال : أجّلني هذه العشية ، فقال : هي لك (2) .

.


1- .ذكر ذلك الطبري في تاريخه : 3 / 501 بدون ذكر «فسكته» ولكن مع زيادة في الأخير : وتنحَّ عن منبرنا .
2- .وذكر الطبري أيضا في : 3 / 501 : فصاح به الأشتر أخرج من قصرنا لا اُمّ لك اخرج اللّه نفسك ، فواللّه إنك لمن المنافقين قديما قال : أجّلني هذه العشية ، فقال : هي لك ولا تبيَّتن في القصر الليلة ، ودخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر وأخرجهم من القصر . . . (انظر الكامل في التاريخ : 3 / 118 ، والبداية والنهاية : 7 / 237) .

ص: 391

ثمّ قام الحسن رضى الله عنه فصعد المنبر فخطب فقال : أيّها الناس ، أجيبوا دعوة أميركم وسيروا (1) إلى إخوانكم ، واللّه لئن يلي هذا الأمر أو النهي فإنّه مثل في العاجل والآجل وخيرٌ لكم في العاقبة ، فأجيبوا دعوتنا على ما ابتلينا به وابتليتم ، فإنّ أمير المؤمنين يقول : قد خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما وإنّي أذكر اللّه تعالى رجلاً رعى حقّ اللّه بفرقان إن كنت مظلوما أعانني وإن كنت ظالما أخذ منّي ، واللّه إنّ طلحة والزبير أوّل من بايعني وأوّل من خرجا (2) عليَّ فهل استأثرت بمالٍ أو بدّلت حكما فانفروا فائمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر (3) . وقام عمّار رضى الله عنه فتكلّم أيضا (4) . وروى البخاري في صحيحه عن ابن مريم عبداللّه بن زياد الأسدي قال : لمّا سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث عليّ عليه السلام عمّار بن ياسر وابنه الحسن فقدما علينا الكوفة وصعدا المنبر وكان الحسن بن عليّ عليه السلام في أعلى المنبر وعمّار رضى الله عنه أسفل من الحسن فاجتمعنا إليهما (5) فسمعت عمّارا يقول : إنّ عائشة سارت إلى البصرة واللّه إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه و آله في الدنيا والآخرة . ولكنّ اللّه [ تبارك وتعالى ]

.


1- .في (أ) : فانفروا .
2- .في (أ) : خرج .
3- .سبق وأن أشرنا إليها وانظر المصادر السابقة ، وفتح الباري : 13 / 58 .
4- .المصدر السابق ، والفتوح لابن أعثم : 1 / 461 ، والبخاري في الصحيح : 4 / 229 ، والفتح الربّاني : 23 / 140 .
5- .انظر صحيح البخاري: 4 / 229 ، والطبري في تاريخه: 3 / 497 ، وفتح الباري: 3 / 140 ، علما بأننا ذكرنا سابقا بأنّ البخاري لم يذكر خطبة الإمام الحسن عليه السلام ولكن نحن ذكرناها من فتح الباري: 13 / 58 ، والطبري: 5 / 189 ، والكامل في التاريخ: 3 / 118.

ص: 392

ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي 1 ، انتهى . وجعل (1) الأشتر (2) ( رض ) لا يمرّ بقبيلة (3) إلاّ دعاهم ، فتسامع الناس وأجابوه (4) فقام هند بن عمرو وقال لقومه : إنّ أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا رسله [ حتّى جاءنا ] مع ابنه الحسن فاسمعوا إلى قوله (5) وانتهوا إلى أمره وأعينوه برأيكم وانظروا معه في هذا الأمر (6) . وقام حجر بن عدي رحمه الله فقال : أيّها الناس اُجيبوا أمير المؤمنين وانفروا خفافا وثقالاً فانفروا وأنا أوّلكم وأذعن للمسير (7) .

.


1- .في (ج) : وبدأ .
2- .في (ب) : الأمير .
3- .في (ب ، د) : لا يمر بجماعة ، وفي (ج) : فيها جماعة .
4- .انظر الكامل في التاريخ : 3 / 118 ، والبداية والنهاية : 7 / 237 مع اختلاف يسير في اللفظ ، والطبري في تاريخه : 3 / 501 .
5- .في (أ): فاستمعوا لقوله .
6- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 500 مع اختلاف يسير في اللفظ . أمّا ابن أعثم في الفتوح : 1 / 462 فيقول : إنّ القائل هو الهيثم بن مجمع العامري مع اختلاف يسير في اللفظ .
7- .المصدر السابق ، ولكن الطبري نسب قول «وأنا أولكم» إلى هند بن عمرو ولكن لا يمنع أنّ مالك الأشتر قال ذلك أيضا لأنهما على خطّ واحد ، وصاحب البداية والنهاية في : 7 / 237 ، والطبري في : 5 / 189 نسبا القول إلى مالك الأشتر .

ص: 393

فقال الحسن : أيّها الناس ، إنّي غادٍ (1) فمن شاء منكم أن يخرج معي (2) الظُهر ومن شاء في المساء . فنفر معهم قريب تسعة آلاف ومائتان (3) في البرّ وألفان وثمانمائة في البحر (4) ، فقدموا على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار فلقيهم في ناسٍ من وجوه أصحابه منهم عبداللّه بن عباس ( رض ) فرحّب بهم (5) وقال : يا أهل الكوفة ، أنتم قتلتم ملوك العجم (6) وفضضتم جموعهم حتّى (7) صار إليكم تراثهم (8) وأغنيتم حوزتكم وأعنتم الناس على عدوّهم ، وقد دعوناكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة ، فإن رجعوا (9) فذاك الّذي نريد ، وإن يلحّوا داريناهم بالرفق حتّى يبدأونا بظلم ، ولم ندع امرا فيه صلاح إلاّ آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء اللّه تعالى (10) . ثمّ دعا عليّ ( رض ) بالقعقاع (11) فأرسله إلى أهل البصرة وقال له : الق هذين

.


1- .في (أ) : إنّا عازمون .
2- .في (أ) : معنا .
3- .في (ج) : فقط تسعة آلاف .
4- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 500 ولكنه في : 502 ذكر خمسة آلاف أخذ نصفهم في البرّ ونصفهم في البحر وخفّ من لم ينفر فيها ولم يعمل لها وكان عليّ ظاعنا ملازما للجماعة فكانوا أربعة الآف . . . أمّا ابن أعثم في الفتوح : 1 / 462 فقد قال : ونفر من أهل الكوفة تسعة آلاف ومائتا رجل . . . .
5- .انظر المصادر السابقة .
6- .في (ب ،د) : انكم ولّيتم شوكة الأعاجم .
7- .في (أ) : حين .
8- .في (أ) : ثروتهم .
9- .في (ج) : نزحوا .
10- .ذكر هذه الخطبة ابن أعثم في الفتوح : 1 / 462 مع اختلاف يسير في اللفظ ، وانظر الارشاد للشيخ المفيد : 1 / 249 ، وكذلك في كتابه الجمل : 143 ، والعلاّمة المجلسي في البحار : 8 / 416 . ووردت مقاطع من هذه الخطبة في الاستيعاب : 2 / 221 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 38 و 55 ، و : 1 / 26 .
11- .تقدّمت ترجمته .

ص: 394

الرجلين [ يا ابن الحنظلية ] _ يعني طلحة والزبير (1) . وكان القعقاع من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم _فادعهما إلى الاُلفة والجماعة وعظّم عليهما الفرقة والمباينة (2) ، ومثلك يعلم كيف يصنع . فخرج القعقاع حتّى قدم البصرة فبدأ بعائشة فقال أي اُمّ (3) ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة ؟ فقالت : أي بني (4) لإصلاح بين الناس (5) ، قال : فابعثي إلى طلحة والزبير حتّى تسمعي كلامي وكلامهما ، فبعثت إليهما فجاءا (6) . فقال لهما القعقاع : إنّي سألت اُمّ المؤمنين ما أشخصها وأقدمها ؟ قالت : الإصلاح ، فما تقولان أنتما متابعان أم مخالفان ؟ فقالا : بل متابعان ، فقال : أخبراني ما وجه الإصلاح ، فواللّه إن عرفتماه لتصلحنّ وإنّ أنكرتما لا يقع شيء (7) قالا : قتَلة عثمان ؟ فقال لهما القعقاع : هذا ما لا يكون في هذا الوقت ولا يتهيأ ، فالرأي عندي تسكين هذه الثائرة في هذه الساعة وحقن دماء المسلمين ، فإذا سكنت فاختلجوا ، وليس لهذا الأمر دواء غير هذا ، وإن أبيتم إلاّ لمكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شرّ وذهاب الأموال والأرواح ، فآثروا (8) العافية ترزقوها ، وكونوا مفاتيح خير ولا تتعرّضوا للبلاء فيصرعنا وإيّاكم ، وأيم اللّه إنّي لأقول هذا القول وأدعوكم وانّي لخائف أن لا يتمّ حتّى يأخذ اللّه حاجته من هذه الاُمّة . فقالوا : قد أصبت وأحسنت ، فإن قدم عليّ على مثل رأيك هذا فقد صلح الأمر . فرجع القعقاع إلى عليّ وأخبره

.


1- .ذكر ذلك الطبري في تاريخه : 3 / 502 .
2- .في (أ) : المبايعة .
3- .في (ب) : فسلّم عليها .
4- .في (أ) : شيء .
5- .في (ب ، د) : المسلمين .
6- .في (أ) : فحضرا .
7- .في (ب) : وإن أنكرناه لا نُصلح ، قالا . . .
8- .في (أ) : فارتزوا .

ص: 395

بذلك فسرّ به واُعجب 1 .

وأشرف القوم على الصلح وكره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه ، وأقبلت وفود

.

ص: 396

العرب من [أهل ]البصرة نحو عليّ عليه السلام بذي قار لينظروا ما رأي إخوانهم من أهل الكوفة ، فأخبروهم أنّ الّذي عليه رأيهم الإصلاح ولا خطر لهم القتال على بال . وسأل عليّ(رض) جرير بن شرس (1) عن طلحة والزبير فقال : أمّا الزبير فإنّه يقول : بايعنا[ه ]كرها (2) ، وأمّا طلحة فانّه يتمثّل بالأشعار فيقول شعرا : ألا بلغ أبلغ (3) بني بكر رسولاً فليس إلى بني كعب سبيل سيرجع ظلمكم منكم عليكم طويل الساعدين له فضول (4) فتمثّل عليّ عليه السلام بقوله : ألم تعلم أبا سمعان أ نّا نردُّ (5) الشيخ مِثلك ذا الصداع ونذهلُ عقله بالحرب حتّى يقوم فيستجيب بغير داع فدافَعَ عن خزاعة جمعُ بكر وما بك يا سُراقةُ من دفاع (6) ثمّ إنّ عليا (رض) قام خطيبا في الناس فحمد اللّه تعالى وأثنى عليه وذكر الجاهلية وشقاها والإسلام وسعادة الناس به وإنعام اللّه على الاُمّة بالجماعة والخليفة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ الّذي يليه ثمّ حدث هذا الأمر الّذي جرّه (7) على الاُمّة أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أفاء اللّه تعالى منها وأرادوا ردّ الإسلام والاُمور على أدبارها واللّه بالغ أمره (8) . ثمّ قال عليّ عليه السلام : ألا وإ نّي راحل غدا فارتحلوا

.


1- .في (أ) : جريرا .
2- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 505 .
3- .في (أ) : بلّغ .
4- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 505 ، وفي (أ) : وصول .
5- .في (أ) : بردّ ، وفي (د) : نصمّ .
6- .ذكر هذه الأبيات الطبري في تاريخه : 3 / 504 _ 505 .
7- .في (أ) : جرت .
8- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 506 مع اختلاف يسير في اللفظ .

ص: 397

ولا يرتحلنّ أحد أعان على قتل عثمان بشيء من اُمور الناس ، وليغن السفهاء عن أنفسهم (1) . فشقّ ذلك على الّذين خرجوا على عثمان وكان معه منهم بذي قار ألفان وخمسمائة (2) وباتوا بأسوأ ليلة وهم يتشاورون ، فقال لهم رئيسهم عبداللّه بن سبأ (3) وهو الشهير بابن السوداء : يا قوم إنّ عزّكم في مخالطة الناس فلا تتركوا عليا والزموه فإذا كان غدا والتقى الناس فانشبوا القتال ، فمن كنتم (4) معه لا يجد بدّا من أن يمتنع ، فإذا اشتغل الناس بالناس ننظر ماذا يكون . فتفرّقوا على رأيه 5 . وأصبح عليّ عليه السلام على ظهر حتّى نزل على عبد القيس (5) فانضمّوا [إليه ]وسار من هناك يريد البصرة ، فقام إليه الأعور بن بيان المنقري (6) فقال : يا أمير المؤمنين ما تريد

.


1- .المصدر السابق : 507 ، وفي (ب) : الشقاعنّي .
2- .المصدر السابق : 507 .
3- .المصدر السابق : 508 .
4- .في (أ) : كنت .
5- .تاريخ الطبري : 3 / 508 .
6- .تاريخ الطبري : 3 / 509 ولكنه أورده باسم : الأعور بن بنان المنقري .

ص: 398

بإقدامك إلى البصرة ؟ فقال : الإصلاح وإطفاء الثائرة لعلّ اللّه تعالى يجمع شمل هذه الاُمّة بنا ويضع حربهم ، قال : فإن لم يجيبوا ؟ قال : تركناهم ما تركونا ، قال : فإن [لم ]يتركوا ؟ قال : دفعناهم عن أنفسنا ، قال : فهل لهم من هذا مثل الّذي عليهم ؟ قال : نعم (1) . وقام إليه أبو سلام الدلابي (2) فقال : يا أمير المؤمنين أترى لهؤلاء القوم حجّة [فيما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا اللّه بذلك ؟ قال : أفترى لك حجّة ]بتأخير ذلك ؟ قال : نعم ، إنّ الشيء إذا كان [لا] يدرك فإنّ الحكم فيه ما كان أحوطه (3) وأعمّه نفعا ، قال : فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدا بقتالهم ؟ قال : إنّي لأرجو أن لا يُقتل منّا ومنهم أحد وقلبه مخلص للّه تعالى إلاّ أدخله اللّه تعالى الجنة (4) .

وسار طلحة والزبير وعائشة فالتقوا عند قصر عبيداللّه بن زياد (5) فنزل الناس هناك وهم يتراؤون وأقاموا (6) ثلاثة أيام لم يكن بينهم شيء إلاّ الصلح وهم يتراسلون ، وكان نزولهم في النصف من جُمادَى الآخرة سنة ثمان وثلاثين (7) ، فقام

.


1- .انظر الطبري في تاريخه : 3 / 509 باختلاف يسير في اللفظ .
2- .المصدر السابق ولكنّه أورده باسم : أبو سلامة الدألاني .
3- .في (أ) : أحرجه .
4- .المصدر السابق باختلاف يسير في اللفظ .
5- .تاريخ الطبري : 3 / 514 ، و : 5 / 199 ، و : 1 / 3175 ط أوربا ، ولكن الطبري لم يذكر مادار بينهم من كتب ومحاججات وانّما ذكر بعضها ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 65 ط مصطفى محمّد ، وابن أعثم في تاريخه : 173 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 3 / 122 كما ذكرنا سابقا .
6- .في (أ) : فأقاموا ، وفي (ج) : أقاموا .
7- .ذكر الطبري في تاريخه : 3 / 514 ، و : 5 / 199 ، و : 1 / 3175 ط اوربا ، نزولهم في النصف من جمادى الآخرة سنة 36 يوم الخميس وليس كما ذكر المصنف سنة ثمان وثلاثين . ويؤيد قول الطبري أيضا الأغاني في : 16 / 126 ، واليعقوبي في تاريخه : 2 / 180 ، والمسعودي في المروج بهامش ابن الأثير : 5 / 188 ، وابن أعثم في تاريخه : 175 ، وأبو مخنف في كتابه (الجمل) برواية ابن أبي الحديد عند شرحه لنهج البلاغة : 2 / 430 ، والمستدرك للحاكم : 3 / 371 وغير هؤلاء كثير .

ص: 399

عليّ عليه السلام فخطب أصحابه فقال : أ يّها الناس ، املكوا عن هؤلاء أيديكم [وألسنتكم] وإيّاكم أن تسبقوا إلى شيء فإنّ المخصوم غدا من خصم اليوم (1) . وكانت عائشة حين نزولهم نزلت في الأزد ويرأس الأزد يومئذٍ صبرة ابن سبحان (2) فقال له كعب بن سور 3 : إنّ الجموع إذا تراءت لم تستطع كفافها إنّما هي

.


1- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 509 بالإضافة إلى المصادر السابقة .
2- .انظر المصادر السابقة ، ولكن الطبري في : 3 / 508 والمفيد في كتاب الجمل : 348 ذكراه باسم : صبرة بن شيمان .

ص: 400

نحو تدفّق ، فأطعني ولا تشهدهم ، واعتزل بقومك فإنّي أخاف أن لا يكون صلح ، ودع مضرا وربيعه ، فإنّهما اخوان ، فإن اصطلحا فالصلح أردنا وإن اقتتلا كنّا حكّاما عليهم غدا ، وكان كعب في الجاهلية على دين النصرانية (1) ، فقال له صبرة : أخشى أن يكون (2) فيك شيء من دين النصرانية أتأمرني أن أغيب عن إصلاح بين الناس وأخذل اُمّ المؤمنين وطلحة والزبير إذا أرادوا الصلح ؟ واللّه لا أفعل ذلك أبدا ، فأطبق أهل اليمن على الحضور (3) . وحضر مع عائشة المنجاب بن راشد (4) في الرباب وهم : تيم وعدي وثور وعكل بنو عبد مناف (5) ابن [ادبن ]طانجة بن إلياس بن مضر وضبة بن ادبن طانجة ، وحضر

.


1- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 515 .
2- .في (ج ، د) : بقي .
3- .راجع المصادر السابقة .
4- .تاريخ الطبري : 3 / 516 حيث قال المنجاب بن راشد : ياللرباب لا تعتزلوا واشهدوا هذا الأمر وتولّوا كيسه .
5- .في (ب ، د) : مناة .

ص: 401

أيضا أبو الجرباء 1 في بني عمر بن تيم وهلال بن وكيع في بني حنظلة وصبرة بن سبحان على الأزد ومجاشع بن مسعود السلمي على سليم وزفر بن الحارث في بني عامر وغطفان ومالك بن مشبع على بكر والحارث بن راشد على بنى ناجية 2 وعلى اليمن ذوي الأحمر الحميري . فنزلت مضر إلى (1) مضر وهم لا يشكون في الصلح ، ونزلت ربيعة إلى ربيعة ، واليمن إلى اليمن ، وكلّ قبيلة نزلت إلى اُختها (2) . وكان أصحاب عليّ عليه السلام عشرين ألفا (3) وأصحاب طلحة والزبير وعائشة ثلاثين (4)

.


1- .في (أ) : على .
2- .تاريخ الطبري : 3 / 517 .
3- .تاريخ الطبري : 3 / 517 ، أمّا ابن أعثم في الفتوح : 1 / 463 فيقول : تسعة عشر ألف رجل من فارس وراجل ، وسار عليّ رضى الله عنه من ذي قار يريد البصرة في جميع أصحابة والناس يتلاحقون به من كلّ أوب .
4- .انظر المصادر السابقة ، وابن أعثم في الفتوح : 1 / 466 .

ص: 402

ألفا ، فأرسل عليّ عليه السلام عشية اليوم الثالث من نزولهم عبداللّه بن عباس إلى طلحة والزبير بالسلام ، وأرسل طلحة والزبير إلى عليّ بالسلام ، وتردّدت الرسل بينهم في الصلح فتداعوا إليه ، وشاع ذلك في الفئتين فسرّ الناس بذلك وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها من الفرح والسرور . ولمّا اشرفوا عليه من الصلح وبات الّذين أثاروا أمر عثمان بأسوأ ليلة لما رأوه ونظروه من تراسل القوم وتصافيهم ، فباتوا يتشاورون ليلتهم فأجمع رأيهم على إنشاب الحرب مع الفجر . [قال : ]فلمّا كان غلس الصبح ثاروا إلى أصحاب طلحة والزبير ، مضرهم إلى مضرهم ، وربيعتهم إلى ربيعتهم ، ووضعوا فيهم السلاح ، فثارت كلّ قبيلة إلى اُختها ، وقام الحرب بينهم وثبت القتال ، ولم يدر الناس كيف الأمر ولا كيف كان (1) . فقام في الميمنة أصحاب [طلحة] عبد الرحمن بن الحارث (2) ، وفي الميسرة عبدالرحمن [بن ]عتاب (3) ، وفي القلب طلحة والزبير 4 فقالوا لأصحابهم : كيف كان هذا الأمر ؟

.


1- .سبق وأن أشرنا إلى ذلك ودور مروان في نشوب القتال ولا نريد تكراره هنا ، لكن المصنّف أخذ هذا الكلام من تاريخ الطبري : 3 / 517 _ 518 .
2- .ذكر ذلك الطبري في تاريخه : 3 / 518 .
3- .المصدر السابق . وعبدالرحمن بن عتاب بن اُسيد بن أبي العيص القرشي الاُموي اُمّه جويرية بنت أبي جهل ، وكان اسم سيفه «ولول» وقطعت يده وفيها خاتمه قالوا : فخطفها نسر ذلك اليوم وطرحها بالمدينه أو اليمامة فعرفت يده بخاتمة. (انظر الطبري: 5/210، اُسد الغابة: 3/308، نسب قريش: 193).

ص: 403

قالوا : لا ندري إلاّ وقد طوّقونا في غلس الصبح واضعين فينا السيوف ، فقال طلحة والزبير : إنّ عليا لم يطعنا حتّى يسفك الدماء .

وقام عليّ عليه السلام في أصحابه وقال : كيف هذا ؟ فقال [له] السبأية : ما شعرنا إلاّ وقد

.

ص: 404

بيّتونا فرددناهم فركبونا فثار الناس وثبت القتال ، فقال عليّ عليه السلام : قد علمت أنّ طلحة والزبير غير منتهين حتّى يسفكا الدماء وانّهما لم يطاوعا . والسبأية لا تفتر عن القتال وقد وضع الناس السيف في بعضهم بعضا (1) ، فأقبل كعب بن سور على عائشة فقال لها : أركبي وقد أبى الناس إلاّ القتال فأركبوها هودجا وألبسوا هودجها الأدراع وشدّوا على جملها «عسكرا» وأبرزوه للناس» (2) . ثمّ إنّ عليا عليه السلام نادى في معسكره : أ يّها الناس اُنشدكم اللّه أن لا تقتلوا مدبرا ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تستحلّوا سبيا ، ولا تأخذوا سلاحا ولا متاعا 3 . ثمّ إنّه عليه السلام

.


1- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 517 _ 522 ولكن سبق وأن فنّدنا اُسطورة السبأية وبيّنا كيف نشأ القتال ودور مروان وأصحابه .
2- .تقدّمت ترجمته واستخراج هذا القول أيضا . انظر الفتوح لابن أعثم : 1 / 473 ، و : 485 ، وتاريخ الطبري : 3 / 518 .

ص: 405

رفع يديه إلى السماء وقال : اللّهمّ إنّ طلحة والزبير أعطياني صفقة أيديهما طائعين ثمّ نصبا لي الحرب ظاهرين (1) ، اللّهمّ فاكفنيهما بما شئت فكيف شئت (2) . هذا كله وعليّ عليه السلام على بغلة وعليه قميص ورداء وعمامة (3) ، فلمّا أسفر النهار [ورأى أنه لم يبق إلاّ التصافح بالصفاح والتطاول بالرماح ]خرج عليّ عليه السلام ما بين الصفّين هو على تلك الصفة ونادى بأعلى صوته : أين الزبير بن العوّام ؟ فليخرج إليَّ ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين أتخرج إلى الزبير وأنت [معرٍ وهو لابس وأنت على بغلةٍ وهو على

.


1- .في (د) : وظاهرا عليَّ .
2- .انظر ابن أعثم في الفتوح : 1 / 472 مع اختلاف يسير في اللفظ وفيه : . . . اللّهمّ إنّ طلحة بن عبيداللّه أعطاني صفقة بيمينه طائعا، ثمّ نكث بيعته ، اللّهمّ فعاجله ولا تميطه ، اللّهمّ ! إنّ الزبير بن العوّام قطع قرابتي ونكث عهدي وظاهر عدوّي ، ونصب الحرب لي ، وهو يعلم أ نّه ظالم ، فاكفنيه كيف شئت وأ نّى شئت .
3- .تقدّمت تخريجاته بالإضافة إلى الفتوح لابن أعثم : 1 / 473 .

ص: 406

جواد] على هذه الهيئة وقد علمت أ نّه فارس قريش وبطلها ؟ فقال : ليس له عليَّ منه [سِنة ]ثمّ نادى الثانية : أين الزبير بن العوّام ؟ فليخرج إليَّ .

فخرج إليه الزبير فدنا كلّ منهما من الآخر إلى أن اختلفت (1) أعناق دوابهما (2) ، فقال له عليّ عليه السلام : ما حملك على ما صنعت 3 يا زبير ؟ قال : حملني على ذلك الطلب

.


1- .في (أ) : اعتنق .
2- .تقدّم تفصيل ذلك ، وانظر ابن أعثم في الفتوح : 1 / 473 _ 474 .

ص: 407

بدم (1) عثمان ، فقال ]له] عليّ : إن أنصفت من نفسك أنت وأصحابك قتلتموه ولكني اُنشدك اللّه يا زبير ، أما تذكر قال لك رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا زبير أتحبّ عليا ؟ فقلت : يا رسول اللّه وما يمنعني من حبّه وهو ابن خالي ؟ ! فقال صلى الله عليه و آله لك : أما إنك ستخرج عليه وأنت ظالم له ، فقال [الزبير] : اللّهمّ بلى قد كان ذلك . فقال : اُنشدك اللّه ثانيا أما تذكر يوم جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله من عند بني [عمرو بن] عوف وأنت معه وهو آخذ بيدك فاستقبلته [أنا] فسلّمت عليه فضحك في وجهي وضحكتُ [أنا] إليه فقلت أنت : لا يدع ابن أبي طالب زهوه [أبدا] ، فقال لك صلى الله عليه و آله : مهلاً يا زبير ليس بعلي زهوة ولتخرجنّ عليه يوما وأنت ظالم له ؟ فقال الزبير : اللّهمّ بلى ولكنّي قد نسيت ذلك وبعد أن ذكّرتنيه لأنصرفنّ ، ولو ذكرتُ هذا قبل ما خرجتُ عليك ولكن هذا تصديقا لقوله صلى الله عليه و آله ، ثمّ كرّ راجعا .

فقالت [له] عائشة [وهي واقفه في هودجها] : ما وراك يا أبا عبداللّه ؟ فقال لها [الزبير : ورائى] واللّه ما وقفت موقفا [قطّ] ولا شهدت مشهدا في شرك ولا إسلام إلاّ

.


1- .في (أ) : لدم .

ص: 408

ولي فيه بصيرة ، وأمّا اليوم في (1) شكّ من أمري (2) وما أكاد أبصر موضع قدمي 3 . ثمّ شقّ الصفوف وخرج من بينهم وأخذ (3) طريق (4) مكة فنزل على قومٍ من بني تميم فقام إليه عمرو (5) بن جرموز المجاشعي 7 فضيّفه وخرج معه إلى وادي السباع

.


1- .في (أ) : على .
2- .في (د) : امرك.
3- .في (ب ، ج) : آخذا .
4- .ورد في كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 93 : أنّ الزبير لمّا انصرف راجعا إلى المدينة ومثله في تاريخ الطبري : 3 / 540 .
5- .في (أ) : عمر .

ص: 409

وأراه أنه يريد مسايرته ومؤانسته فقتله غيلةً بعد أن خدعه بذلك ، وأخذ سيفه وخاتمه ومضى يؤم عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلمّا وصله سلّم عليه وهنّأه بالفتح وأخبره بقتله للزبير بن العوّام ، فقال له عليّ أبشر بالنار _ يعني قوله ، بشّر قاتل ابن صفية بالنار _ . قال ابن جرموز : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، إنّا إن قاتلناكم فنحن في النار وان قتلنا لكم فنحن في النار ؟ ! فقال عليّ بن أبي طالب : ويلك ذلك شيء قد سبق لابن صفية .

أمّا طلحة (1) فأصابه سهم غريب (2)3

.


1- .هو أبو محمّد طلحه بن عبيداللّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سَعد بن تيم بن مُرّة بن كعب بن لُؤي بن غالب القرشي التيمي ، واُمّه صعبة بنت الحضرمي امرأة من أهل اليمن ، اُخت العلاء ابن الحضرمي ، شهد اُحد فشلّت إصبعه بها وقد آخى النبيّ صلى الله عليه و آله بينه وبين الزبير ، وكان من أشدّ المؤلِّبين على عثمان . فلمّا قتل عثمان سبق إلى بيعة عليّ عليه السلام ثمّ خرج إلى البصرة مطالبا بدم عثمان . ورآه مروان بن الحكم يوم الجمل فقال : لا أطلب بثأري بعد اليوم . فرماه بسهم قُتل منه في سنة 36 ه . (انظر ترجمته في طبقات ابن سعد: 3 قسم 1/156 ، الإصابة : 3/220 ، مروج الذهب : 2 / 11 ، تهذيب ابن عساكر : 7 / 84 ، تاريخ ابن كثير : 7/247 ، أنساب الأشراف: 5/44 _ 90، الرياض النضرة: 2/258، العقد الفريد :3/92 _ 109.
2- .في (ب ، ج) والطبري : غرب .

ص: 410

فشكّ رجله بصفحة الفرس وهو ينادي (1) : عباد اللّه الصبر الصبر ، فقال له القعقاع بن عمرو (2) : يا أبا محمّد إنّك لجريح (3) ، وإنّك لفي شغل عمّا تريد ادخل البيوت ، فدخل ودمه يسيل وهو يقول : اللّهمّ خذ لعثمان منّي حتّى ترضى (4) ، فلمّا امتلأ خفّه (5) دما قال لغلامه : اركب من خلفي وامسكني (6) وابغني مكانا أنزل فيه ، فدخل به البصرة وأنزله في دارٍ من خرابها قريبا من ظاهرها فمات ]بها [من فوره (7) . وقيل : إنّه اجتاز به رجل من أصحاب عليّ عليه السلام فقال ]له] : أنت من أصحاب أمير

.


1- .ذكر الطبري : 3 / 523 أنه قال : إليَّ عباد اللّه الصبر الصبر .
2- .أعرضنا عن ترجمة القعقاع بن عمرو وبطولاته في الحروب وصحبته للنبي صلى الله عليه و آله وما نسب إليه من شعر وما قام به البطل بالسفارة للصلح بين عليّ من جهة وعائشة وطلحة والزبير من جهة اُخرى ، بل نحيل القارئ الكريم إلى دراسة حياته إلى الدراسة الّتي قام بها العلاّمة السيّد مرتضى العسكري في كتابه «خمسون ومائة صحابي مختلق» وخاصّة الجزء الأوّل منه ط 6 مطبعة صدر قم 1993م : 93 و95 و97 و100 و102 و106 و109 و111 و114 و140 و144 و156 و159 و162 و172 و182 و185 و191 و193 و197 و198 و208 و209 و212 و215 و216 و221 و223 و227 و235 و 243 و271 و273 و376 و417 و427 و432 و347 .
3- .في (أ) : تجرع .
4- .في (أ) : يرضى .
5- .في تاريخ الطبري: 3 / 519: موزجه ، وهو بمعنى الخفّ .
6- .في (أ) : واسكني .
7- .على الرغم من أننا لا نؤمن بما قاله الطبري حول شخصية القعقاع وأحلنا القارئ الكريم إلى كتاب العلاّمة العسكري «خمسون ومائة صحابي مختلق» لكن التحقيق يتطلّب منّا البحث والتنقيب عمّا يقوله ابن الصبّاغ المالكي في كتابه هذا والّذي نحن بصدد تحقيقه وجدنا أنّ هذا القول في تاريخ الطبري : 3 / 523 هذا نصّه : يا أبا محمّد انّك لجريح وانك عمّا تريد لعليل فأدخل الأبيات ، فقال : يا غلام ادخلني وابغني مكانا فاُدخل البصرة ومعه غلام ورجلان . . .

ص: 411

المؤمنين ؟ قال : نعم ، قال : امدد يدك اُبايعك [له] ، فبايعه خوفا من أن يموت وليس في عنقه بيعة ، ولمّا قضى دُفن في بني سعد بظاهر البصرة . قال : ولم أر شيخا أضيع دما (1) منّي ، وتمثّل عنه دخوله البصرة بقوله شعرا (2) : فإن تكن الحوادث أقصدتني وأخطاهنّ سهمي حين أرمي فقد ضيّعت حين تبعت سمعا سفاهة ما سفهت بفضل (3) حلمي أطعتهم بفرقة آل (4) لايٍ فألقوا للسباع دمي ولحمي وكان الّذي رمى طلحة مروان بن الحكم ، وقيل : غيره ، واللّه أعلم . ثمّ ما كان بأسرع من أن أفجأ الناس هزيمة طلحة والزبير (5) وأطافت الخيل بالجمل فلمّا رأى المنهزمون إطافتهم بالجمل عادوا [عليهم] قلبا واحدا كما (6) كانوا أوّل مرّة (7) وتوافقوا، فوقفت مضر البصرة لمضر الكوفة، وربيعتها لربيعتها ، وتيمها لتيمها فاقتتلوا أشدّ القتال وأعظمه وأكثر ممّا كان أوّل مرّة ، واختلط القوم بعضهم في بعض ، فما رؤي قبلها ولا بعدها وقعة أعظم منها (8) ولا أكثر ذراعا مقطوعا ولا يدا مقطوعة،ولم يزل الأمر كذلك حتّى قُتل خلق كثير ولا يحصون من الفريقين على خطام الجمل.

قال: وأخذ الخطام سبعون رجلاً 9 من قريش ما نجا منهم واحد ، بل كلّهم قُتلوا ،

.


1- .الطبري : 3 / 534 ، ابن أعثم في الفتوح : 485 .
2- .تاريخ الطبري : 3 / 519 .
3- .وفي (ب ، د) ملأ .
4- .في (أ) : طه .
5- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 519 .
6- .في (أ) : بحيث .
7- .في (ب ، د) : إلى أمر جديد .
8- .ليست في (أ) عبارة : أعظم منها .

ص: 412

وكان ممّن أخذ بخطام الجمل محمّد بن طلحة 1 فجعل لا يحمل عليه أحد إلاّ من

.

ص: 413

قال «حم لا ينصرون» وكان ذلك من شعار أصحاب عليّ عليه السلام ،وكان عليّ عليه السلام قد أذن في أصحابه بأن لا يقتل محمّد بن طلحة مَنْ عسى أن يظفر به ولا يتعرّضه أحد بسوء ، فحمل عليه شريح بن أوفى العبسي فقال : «حم» وقد سبقه شريح بالطعنة فأتى على نفسه فكان كما قيل : سبق السيف العذل ، وكان محمّد بن طلحة هذا من العبّاد والزهّاد (1) واعتزل الناس على جانب وإنّما خرج برّا بأبيه ، وكان يعرف بالسجّاد لكثرة صلاته وسجوده ، وفي ذلك يقول قاتله شريح بن أوفى العبسي (2) :

وأشعث قوّام بآيات (3) ربّه قليل الأذى فيما ترى العينُ مُسلم هتكتُ (4) بصدر الرمح جيب قميصه فخرَّ صريعا لليدين وللفم على غير شيء غير أن ليس تابعا عليا ومن لا يتبع الحقّ يندم يُذكِّرني حم والرمح شاجر فهلاّ تلا حم قبل التقدّم وأخذ بخطام الجمل عمرو بن الأشرف (5) فجعل لايدنو منه أحد إلاّ خبطه ، فأقبل إليه الحارث بن زهير الأسدي (6) وهو يقول : يا اُمّنا يا خير اُمّ نعلمُ (7) أما ترين كم شجاع يكلّمُ (8) وتُجتلى هامتُه والمِعصمُ وحمل كلّ واحد منهما على صاحبه فاختلفا بضربتين فوقعت ضربة [كلّ] واحد منهما على الآخر فقتلته ، وأحدقت أهل النجدات والشجاعة بالجمل فكان لا يأخذ أحد بخطام الجمل إلاّ قُتل ، وكان لا يأخذه إلاّ من يُنسب ويقول أنا فلان بن فلان الفلاني ، فواللّه إن كان إلاّ الموت الأحمر وما أخذه أحد ، ثمّ أفلت منه فعاد إليه (9) . وجاء عبداللّه بن الزبير 10 وأخذ بخطام الجمل وهو ساكت لم يتكلّم [فقالت له

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .قال الطبري في تاريخه : 3 / 533 : واجتمع عليه نفر كلّهم ادّعى قتله : المكعْبر الأسدي ، والمكعْبر الضبي ، ومعاوية بن شدّاد العبسي ، وعفان بن الأشقر النصري ، فأنفذه بعضهم بالرمح ففي ذلك يقول قائله منهم : وأشعث . . . .
3- .وفي (أ) : بآت .
4- .في (أ) : شككتُ .
5- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 533 ، وابن الأثير : 3 / 98 ولم يذكر نسب عمرو بن الأشرف بل ذكره ابن دريد في الاشتقاق: 483 والجمهرة: 350 وكان أزديا من عتيك. وجاء في نسخة (ج) عمرو.
6- .انظر المصادر السابقة والحارث هذا أيضا أزديا في جيش عليّ عليه السلام ، فهما اذن ولدا عمٍّ يقتل أحدهما الآخر .
7- .في (ب ، د) :تعمل .
8- .في (أ) : مكلّم ، وفي (د) : تكلم .
9- .انظر المصادر السابقة . وتاريخ الطبري : 3 / 529 .

ص: 414

عائشة : من أنت يا هذا ؟ لم لا تنتسب ؟ فقال : أنا ابن اُختك ، قالت : عبداللّه ؟ ! واثكل] أسماء ، فجاءه الأشتر (رض) وهو آخذ بالخطام فاقتتلا قتالاً شديدا فضربه الأشتر (رض) على رأسه فجرحه جراحة خفيفه ثمّ اعتنق كلّ واحد منهما بصاحبه وسقطا على الأرض ، فقال ابن الزبير : اقتلوني ومالكا (1) ، فلم يعرفوا مالكا مَن هو (2) ، ولو عرفه أصحاب ابن الزبير لقتلوه . ثمّ إنهما افترقا 3 فجاء الأشتر يقول : لقيت في ذلك اليوم جماعة من الأبطال فما

.


1- .في (ب ، د) : واقتلوا مالكا معي .
2- .في (أ) : منه .

ص: 415

لقيت منهم ما لقيت من ابن الزبير ولقيت من عبدالرحمن بن عتاب أشدّ من ذلك ، لقيته أشدّ الناس بأسا وأشجعهم قلبا وأثبتهم جأشا ، وما كدت أن أنجو منه وتمنّيت أني لم أكن لقيته (1) . وما رؤي مثل ذلك اليوم وكثرة من اُصيب يوم الجمل ومن قُتل حوله من العسكرين وقُتل عليه خلائق لا يحصون وقُطعت عليه أيدٍ كثيرة حتّى صاح عليّ : اعقروا الجمل 2 إنْ يُعْقَر الجمل تفرّق الناس ، فانتدب [له] رجل يقال له بحير بن دلجة الكلابي 3 فضرب ساقه فسقط إلى الأرض [على جنبه وله جرجرة

.


1- .لم نعثر على هذا القول إلاّ عند الطبري في تاريخه : 5 / 217 ، و : 3 / 528 وقد ورد بلفظ : قال عبداللّه بن الزبير : مشيت يوم الجمل وبي سبع وثلاثون جراحة من ضربة وطعنة وما رأيت مثل يوم الجمل قط ما ينهزم منّا أحد وما نحن إلاّ كالجبل الأسود وما يأخذ بخطام الجمل أحد إلاّ قُتل ، فأخذه عبدالرحمن بن عتّاب فقُتل فأخذه الأسود بن أبي البختري فصُرع ، فجئت فأخذت بالخطام فقالت عائشة : من أنت ؟ قلت : عبداللّه بن الزبير ، قالت واثكل أسماء ، ومرّ بي الأشتر فعرفته فعانقته فسقطنا جميعا وناديت : اقتلوني ومالكا فجاء ناس منّا ومنهم فقاتلوا عنّا حتّى تحاجزنا وضاع الخطام .

ص: 416

عظيمة لم يسمع بمثلها ، ولا سمع أشدّ من عجيجه حين سقط إلى الأرض ]فانهزم الناس وتفرق أصحاب عائشة ، فجاء القعقاع وورقة بن نوفل فقطعا ابطان الجمل وحملا الهودج وأنزلاه إلى الأرض وفيه عائشة وأنّ الهودج لكان كقنفذ (1) لما فيه من السهام ، ثمّ أطافا به وفرّ من فرّ وانهزم من انهزم .

.


1- .انظر المصادر السابقة ويقول ابن أبي الحديد في شرح النهج : 1 / 87 : فتعلّقت السهام به فصارت كالقنفذ . ويقول الطبري : 5 / 218 عن عيسى بن حطّان قال : حاص الناس حيصة ثمّ رجعنا وعائشة على جمل أحمر في هودج ما شبّهته إلاّ القنفذ من النبل . وقال أبو مخنف برواية المعتزلي في الشرح : 2 / 81 : ورمي الجمل بالنبل حتّى صارت القبّة عليه كهيئة القنفذ . . .

ص: 417

فأمر عليّ عليه السلام بالنداء في الناس أن لا يتبعوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح ولا يدخلوا دارا ولا يسلبوا سلاحا ولا ثيابا ولا متاعا (1) . وأمر عليّ عليه السلام بأن يحمل الهودج من بين القتلى وأرسل إلى عائشة أخاها محمّد بن أبي بكر (2) وأمره أن يضرب عليها قبّة ، وقال : انظر هل وصل إليها شيء من سهم أو جرح ، فأدخل رأسه

.


1- .تقدّمت تخريجاته .
2- .تقدّمت ترجمته .

ص: 418

في هودجها فقالت : من أنت ؟ قال : أبغض أهلك إليك ، قالت : ابن الخثعمية ؟ قال : نعم ، قالت : يا ابن أبي الحمد للّه الّذي عافاك 1 . فلمّا كان الليل أدخلها أخوها إلى البصرة وأنزلها في دار عبداللّه بن خلف الخزاعي (1) على صفية بنت الحارث [بن طلحة] بن أبي طلحة بن العزّى بن عثمان بن عبدالدار وهي اُمّ طلحة الطلحات 3 ، وتسلّل الجرحى ليلاً من بين القتلى

.


1- .هو عبداللّه بن خلف بن أسعد بن عامر الخزاعي : أبو طلحة الطلحات ، وكان كاتبا على ديوان البصرة لعمر وعثمان ، وشهد أخوه عثمان بن خلف حرب الجمل مع عليّ ، على ما ذكر في اُسد الغابة . وروى مبارزته أبو مخنف في الجمل على رواية ابن أبي الحديد في شرحه : 1 / 261 _ 262 تحقيق محمّد أبو الفضل ، وابن أعثم في تاريخه ، وراجع ترجمته في الاشتقاق : 475 ، والمحبر : 377 ، والاستيعاب : 348 ، واُسد الغابة : 3 / 151 .

ص: 419

فدخلوا البصرة (1) ، وأقام عليّ عليه السلام بظاهر البصرة ثلاثا (2) وأذن للناس في دفن قتلاهم ، فخرجوا إليهم فدفنوهم . وطاف عليّ عليه السلام على (3) القتلى فلمّا أتى كعب بن سور قال : زعمتم أن لا يخرج معهم إلاّ السفهاء . وأتى عليّ عليه السلام على عبدالرحمن بن عتّاب فقال : هذا يعسوب القوم (4) الّذي كانوا يطوفون (5) به واجتمعوا على الرضا به لصلاتهم 6 . وأتى عليّ عليه السلام

.


1- .انظر تاريخ : 3 / 542 عن محمّد وطلحة قالا : وتسلّل الجرحى في جوف الليل ودخلوا البصرة من كان يطيق الانبعاث منهم . وانظر أيضا ابن أعثم في الفتوح : 1 / 490 .
2- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 542 . أمّا ابن أعثم في الفتوح : 1 / 495 فقال : فأقام عليّ بالبصرة بعد حرب الجمل أياما قلائل .
3- .في (ب ، ج) : في .
4- .انظر المصدر السابق .
5- .في (ب ، د) : يطيفون .

ص: 420

على قبر طلحة بن عبيداللّه فقال : لهفي عليك يا أبا محمّد ، إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، واللّه لقد كنت أكره أن أرى قريشا صرعى ، أنت واللّه يا أبا محمّد كما قال الشاعر : فتىً كان يدنيه الغنى من صديقه إذا ما هو استغنى (1) وأسعده الفقر 2

.


1- .في (ج) : يبعده .

ص: 421

وأتى على ابنه محمّد وهو صريع فوقف عليه وقال : هذا رجل قتله برّه بأبيه (1) . وصلّى عليّ عليه السلام على جميع القتلى من أهل البصرة والكوفة وغيرهم وأمر فدُفنت الأطراف (2) جميعا في قبر عظيم وجمع ما في العسكرين من سلاح وثياب وطرح في المسجد وقال : من عرف شيئا فليأخذه إلاّ سلاحا في الخزائن [كان ]عليه سمة السلطان (3) . ولمّا فرغ عليّ عليه السلام من الواقعه أتاه (4) الأحنف بن قيس 5 في بني سعد يهنّونه

.


1- .تقدّمت تخريجاته بالاضافة إلى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 98 .
2- .ذكر ابن أعثم في الفتوح : 1/487 أنّ عدد الأطراف الّتي قطعت على الخطام يومئذٍ ثماني وتسعون يدا .
3- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 542 باختلاف يسير ، انظر الخراج لأبي يوسف : 215 ، السنن الكبرى : 8 / 180 شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 23 وانظر جورج جرداق في كتابه الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانية : 1 / 82 ، ومستدرك الوسائل : 2 / 251 _ 252 لتجد سيرته عليه السلام مع معارضيه .
4- .في (أ) : أتى .

ص: 422

بالنصر ، فقال له عليّ عليه السلام : تربّصت يا أحنف ؟ ! 1 فقال الأحنف : ما كنت أرى إلاّ أ نّي قد أحسنت وبأمرك كان ما كان يا أمير المؤمنين ، ارفق فإنّ طريقتك الّتي سلكت

.

ص: 423

بعيد وأنت إلى غدٍ أحوج منك إلى أمس ، فاعرف إحساني وأستبق مودّتى لغد ، ولا تقل مثل هذا فإنّي لم أزل لك ناصحا (1) .

ودخل عليّ عليه السلام البصرة يوم الاثنين فبايعه أهلها على راياتهم حتّى الجرحى والمستأمنة (2) . ثمّ راح إلى عائشة وهي في بيت عبداللّه بن خلف وهي أعظم دار بالبصرة ، فسلّم عليها وجلس إليها (3) . ثمّ إنّ عائشة سألت عن الناس ومن قُتل منهم ممّن كان معها ومع عليّ ، فكلّما نعى واحد من الفئتين قالت : يرحمه اللّه ، فقيل لها : كيف ذلك ؟ ! قالت : كذلك قال رسول اللّه فلان في الجنة وفلان في الجنة . وقال عليّ عليه السلام : إنّي لأرجو أن لا يكون أحد قُتل منّا ومنهم وقلبه نقي مخلص للّه تعالى إلاّ أدخله اللّه الجنة (4) . ثمّ إنّ عليا عليه السلام جهّز عائشة بكلّ ما ينبغي لها من مركب وزاد [ومتاع ]وغير ذلك وبعث معها كلّ من نجا ممّن كان معها في الوقعة من أصحابها إلاّ من أحبّ (5) المقام (6) ، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المخبورات المعروفات سيّرهنّ معها وسيّر معها أخاها محمّد بن أبي بكر 7 .

.


1- .المصادر السابقة .
2- .المصادر السابقة ، وانظر تاريخ الطبري : 3 / 543 _ 544 .
3- .تقدّمت تخريجاته وانظر تاريخ الطبري : 3 / 543 .
4- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 542 .
5- .في (أ) : أحبّها لاقامة .
6- .المصدر السابق : 3 / 547 وذكر الطبري أيضا في : 3 / 545 عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : لمّا فرغوا يوم الجمل أمرني الأشتر فانطلقت فاشتريت له جملاً بسبعمائة درهم من رجل من مَهرة فقال : انطلق به إلى عائشة فقل لها : بعث به إليك الأشتر مالك بن الحارث وقال هذا عوض من بعيرك ، فانطلقت به إليها فقلت : مالك يقرئك السلام ويقول : إنّ هذا البعير مكان بعيرك ، قالت : لا سلّم اللّه عليه إذ قتل يعسوب العرب _ تعني ابن طلحة _ وصنع بابن اُختى مأصنع قال : فرددته إلى الأشتر واعلمته . قال : فأخرج ذراعين شعراوين وقال : أرادوا قتلي فما أصنع ؟

ص: 424

ولمّا كان اليوم الّذي ارتحلت فيه عائشة أتاها عليّ عليه السلام بنفسه فوقف لها وحضر الناس لوداعها فقالت : يابني لا يعتب (1) بعضنا على بعض [إنّه ]واللّه لم يكن بيني وبين عليّ في القديم إلاّ ما يكون بين المرأة وأحمائها (2) وإنّه عندي على معتبتي (3) لمن الأخيار ، فقال عليّ عليه السلام : [أ يّها الناس ]صدقت واللّه ما كان بيني وبينها إلاّ ذاك وإنّها لزوجة نبيّكم (4) صلى الله عليه و آله في الدنيا والآخرة . وخرجت يوم السبت غرة رجب وسار معها عليّ عليه السلام أميالاً وسرح (5) بنيه معها يوما كاملاً (6) . وكان توجّهها إلى مكة المشرّفة فأقامت بها إلى أيّام الحجّ فحجّت ثمّ رجعت إلى المدينة 7 .

.


1- .في (أ) : لا يغضب ، وفي (ج) : تعتب .
2- .في (أ) : وحماها .
3- .في (أ) : وإنّه على معتبي .
4- .في (أ) : نبيّنا .
5- .في (أ) : وسير .
6- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 547 .

ص: 425

وأمّا المنهزمون يوم الجمل فكان منهم : عتبة بن أبي سفيان جرح هو وعبدالرحمن ويحيى ابنا الحَكم ، فساروا في (1) البلاد فلقيهم عصمة بن أبَير (2) التميمي فقال : هل لكم في الجوار ؟ فقالوا : نعم ، فأجارهم وأنزلهم عنده حتّى برئت جراحاتهم وسيّرهم نحو الشام في أربعمائة راكب ، فلّما وصلوا معهم إلى دومة الجندل قال (3) : ارجعوا فقد وفت ذمّة صاحبكم وقد قضيتم ما عليكم ، فرجعوا عنهم . وأمّا ابن عامر فإنّه جرح أيضا فلقيه رجل من بني حرقوص فأجاره وسيّره إلى الشام . وأمّا مروان بن الحَكم فاستجار بمالك بن مِسمع فأجاره فحفظ بنو مروان ذلك لمالك في أيّام خلافتهم وانتفع بهم وشرّفوه وكرّموه . وأمّا عبداللّه بن الزبير فإنّه نزل بدار رجل من [ال ]أزد وبيده ستّ وثلاثون جراحة ، فقال للأزدي : اذهب إلى اُمّ المؤمنين عائشة وأخبرها بمكاني وإيّاك أن يطّلع على هذا محمّد بن

.


1- .في (أ) : فسار وأتى .
2- .في (أ) : مير ، وفي تاريخ الطبري : أبَير التيمي .
3- .في (أ) : قالوا .

ص: 426

أبي بكر (1) ، [فأتى الأزدي عائشة فأخبرها فقالت : عليَّ بمحمّد بن أبي بكر فقال لها الأزدي : إنّه نهاني من أن يعلم بمكانه ، فقالت : لا عليك ، فلمّا أتاها محمّد بن أبي بكر] فقالت: اذهب مع هذا الرجل وائتني بابن اُختك عبداللّه .فانطلقَ معه حتّى دخلا عليه، فخرج به إلى عائشة وهي بدار عبداللّه بن خلف الّتي كانت نازلتها في البصرة (2) . ولمّا فرغ عليّ عليه السلام من بيعة أهل البصرة قسّم ما كان في بيت المال على من شهد معه (3) الوقعة فأصاب كلّ رجل (4) منهم خمسمائة دينار (5) وقال لهم : إن أظفركم اللّه بأهل الشام فلكم مثلها إلى اعطياتكم (6) .

قال القعقاع بن عمرو : ما رأيت شيئا أشبه [بشيءٍ] من قتال يوم الجمل بقتال يوم صفّين ، ولقد رأيتنا ندافعهم بأسنّة رماحنا ونتكئ على أزجّتها وهم مثل ذلك حتّى لو أنّ الرجال مشت عليها لاستقلّت بهم (7) . وقال عبداللّه بن سنان الكاهلي : لمّا كان يوم الجمل ترامينا بالنبل حتّى فنيت ، وتطاعنّا بالرماح حتّى انكسرت ، وتشبّكت في صدورنا وصدورهم حتّى لو أنّ الخيل سيرت عليها لسارت . فقال عليّ عليه السلام : السيوف يا أبناء المهاجرين والأنصار ، فما شبهت وقع أصواتها في البيض والجحف إلاّ بأصوات القصّارين (8) .

.


1- .في (أ) : وأخبرها بمكاني ولا يعلم محمّد بن أبي بكر .
2- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 540 _ 541 تحت عنوان «من انهزم يوم الجمل فاختفى ومضى في البلاد» مع اختلاف يسير في اللفظ . وعتبة ذهبت عينه يوم الجمل وكان يضعّف وولاّه معاوية مصر كما يقول ابن قتيبة في المعارف : 345 ، 586 .
3- .في (أ) : له .
4- .في (أ) : واحد .
5- .انظر تاريخ الطبري: 3 / 544 بإضافة أنه عليه السلام نظر في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألفٍ وزيادة.
6- .المصدر السابق : 3 / 544 .
7- .المصدر السابق : 3 / 538 ، و : 5 / 218 ، والعقد الفريد : 4 / 32 ، و في (أ) : لاستقلّت بها .
8- .تقدّمت تخريجاته ، وفي (ب ،د) : ضرب القصّارين .

ص: 427

وعلم أهل المدينة بوقعة الجمل من يومها من البصرة قبل أن تغرب الشمس ، وذلك لمّا كانت تمرّ النسور حول المدينة يرى معها من أعضاء القتلى من يد ورجل وعضد وغير ذلك فيتساقط منها ، ووجد كفّ فيه خاتم نقش عبدالرحمن بن عتّاب . وعلم مَن بين مكة والمدينة لمثل ذلك لما يتساقط من النسور عليهم من أعضاء بني آدم (1) . وذكر نقلة الأخبار وأصحاب التواريخ أنّ عدّة من قُتل من أهل الجمل ستة عشر ألفا وسبعمائة وتسعون رجلاً ، وكانت (2) جملتهم ثلاثين ألفا ، فأتى القتل على أكثرٍ من نصفهم ، وأنّ عدّة من قتل من أصحاب عليّ عليه السلام ألفا وسبعون رجلاً وكانت عدّتهم عشرين ألفا ، وقيل غير ذلك ، واللّه أعلم 3 .

.


1- .تقدّمت تخريجاته .
2- .في (ج) : كان .

ص: 428

ولمّا انقضت وقعة الجمل اتفق حرب صفّين (1) المشتمل على وقايع يضطرب لها فؤاد الجليد ، ويشيب لها فؤاد الوليد ، ويجبن منها قلب البطل الصنديد ، وذلك أنّ عليا عليه السلام لمّا عاد من البصرة بعد فراغه من الجمل قصد الكوفة وأرسل إلى جرير بن عبداللّه البجلي (2) وكان عاملاً على هَمدان (3) استعمله عليها

.


1- .صِفِّين : ما بين أعالي العراق وبلاد الشام ، تلك البلدة الّتي خلّدها التاريخ ، وتلك الحرب الّتي استنفدت من الدم المهراق مائة يوم وعشرة أيام ، بلغت فيها الوقائعُ تسعين وقعةً . كانت حربا ضروسا أو شكت أن تُفني المسلمين وتذهب بمجدهم وتمحو آثارهم ، فما كاد المسلمون ينزلون عن خيلهم بعد وقعة الجمل سنة 36 ه ، حتّى اعتلَوْها مرةً اُخرى في حرب صفّين ، لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء من تلك السنة ، وكان الباعث عليها كالباعث على حرب الجمل وهو حبّ الدنيا والعداوة للرسول وأهل بيته عليهم السلام ، ولو كانت هذه الحرب في نصرة الإسلام لجرت على الإسلام خيرا كثيرا بقدر ما جرت عليه من الضرر أو أكثر . (انظر أعيان الشيعة : 1 / 465 ، معجم البلدان (صفّين) ، وقعة صفين لنصربن مزاحم تحقيق وشرح عبدالسلام محمّد هارون الطبعة الثانية منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي / المؤسّسة العربية الحديثة : 131 ، والفهرست لابن النديم : 137 و 144 . وانظر ابن خلّكان : 1 / 506 ، الطبري في تاريخه : 5 / 235 ، و : 6 / 2 _ 40 ، المعارف : 36 ، الاشتقاق : 152 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 287 ، وغيرهم كثير .
2- .جرير بن عبداللّه بن جابر ، يكنى أبا عمرو من قبيلة «بجيلة» قدم إلى النبيّ صلى الله عليه و آله سنة عشر في رمضان وبايعه وأسلم . وكان عمر بن الخطّاب يقول : جرير يوسف هذه الاُمّة ، لحُسنه ، واشترك في الفتوح زمن عمر ، توفّي بالشراة بقرقيسيا سنة احدى وخمسين ، أو أربع وخمسين ، في ولاية الضحّاك بن قيس على الكوفة . (انظر الإصابة : 1 / 233 ، اُسد الغابة : 1 / 279 _ 280 ، المعارف لابن قتيبة : 292) .
3- .وردت أيضا بلفظ (همذان) وهما لغتان ، فلغة الإعمال هي الفارسية ، وبالإعجام معرّبة . (انظر معجم استينجاس : 1509) .

ص: 429

عثمان (1) ، وأرسل إلى الأشعث بن قيس (2) وكان عاملاً على آذربيجان من جهة عثمان أيضا (3) ، فلمّا حضرا أخذ عليهما البيعة وأقرّهما على عملهما 4 .

.


1- .انظر الفتوح لابن أعثم : 1 / 508 ، الأخبار الطوال : 156 ، وتاريخ اليعقوبي : 2 / 186 ، الكامل لابن المبرّد : 183 ، صفين لنصر بن مزاحم : 52 و 15 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 580 ، الإصابة : 1 / 233 ، واُسد الغابة : 1 / 280 ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 110 ، تاريخ الطبري : 3 / 560 .
2- .الأشعث بن قيس الكندي: وفد مع قومه إلى النبيّ صلى الله عليه و آله سنة عشر من الهجرة وارتدّ بعد النبيّ فاُسر وجيء به إلى المدينة فقال لأبي بكر: استبقني لحربك وزوّجني اُختك ، ففعل. وشهد مع عليّ صفّين وألزم عليا بالتحكيم. مات بعد سنة أربعين بالكوفة. (انظر المعارف لابن قتيبة: 168 ، اُسد الغابة: 1 / 98 ، الأخبار الطوال: 156 ، ابن أعثم: 2 / 367 ، العقد الفريد: 4 / 330 ، وانظر الشافي: 4 / 129 _ 135 المطبوع و : 193 الرقم 1282 المخطوط في مكتبة السيّد المرعشي النجفي ، وتلخيص الشافي للشيخ الطوسي: 3 / 162 _ 167 ، شرح النهج لابن أبي الحديد: 2 / 30 _ 33 ط القديمة ، بحار الأنوار: 8 / 248 _ 250 ، المسترشد في الإمامة لابن رستم الطبري: 353 تحقيق الشيخ المحمودي.
3- .انظر المصادر السابقة .

ص: 430

ثمّ إنّ عليا عليه السلام خرج بعسكره إلى النُخيلة (1) واستنفر (2) الناس للمسير إلى معاوية وقتال أهل الشام ، فبلغ ذلك معاوية فاستشار عمرو بن العاص 3 فقال له : أمّا إذا سار إليك عليّ بنفسه فاخرج إليه بنفسك ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك (3) . فخرج معاوية وخرج معه عمرو بن العاص فكتبا الكتايب ، وعبّيا الجيوش ، وعقد معاوية لواءً لعمرو بن العاص ، ولواءً لابنيه محمّد وعبداللّه ولواءً لغلامه وردان ، وفي ذلك يقول 5 : هل يغنين (4) وردانُ عَنّيقَنْبَرا وتُغنِيَ السَكونُ (5) عنّي حِمْيَرا إذا الكُماةُ لَبِسوا السنورا (6) فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال 9 :

.


1- .انظر الفتوح لابن أعثم : 1 / 571 ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة : 120 _ 125 ، أعيان الشيعة : 1 / 475 _ 479 ، تاريخ الطبري : 3 / 563 .
2- .في (أ) : واستقرّ .
3- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 562 مع اختلاف يسير في اللفظ .
4- .في (أ) : تغنين .
5- .في (أ) : الفرسان .
6- .في (أ) : الستورا .

ص: 431

لاصبِحنَّ العاص ابن العاصي سبعين (1) ألفا عاقدي النواصي

.


1- .في(ب ، د) : تسعين .

ص: 432

[مُسْتَحقبيْنَ حَلَق الدلاصي قد جنّبوا الخيل مع القلاصِ] (1) مجنِّبين الخيل بالقِلاص مستحقبين حَلَق الدِلاصِ [آساد غيلٍ حين لا مناص] ثمّ إنّ كلّ واحد منهما سار في لقاء الآخر فتوافوا على الفرات فدعا عليّ عليه السلام أبا عمرة (2) بشير بن عمرو بن مِحصَن الأنصاري 3 ، وسعد بن قيس الهمداني (3) وشبث بن ربعي التميمي (4) فقال لهم : اذهبوا إلى هذا الرجل _ يعني معاوية _ وادعوه إلى اللّه تعالى وإلى الطاعة والجماعة لعلّ اللّه تعالى أن يهديه ويلتئم شمل هذه

.


1- .في (ج) فقط ، والظاهر أنه خطأ من قِبل النساخ في تكرار البيت .
2- .في (أ) : عمرو .
3- .ذكره كلّ من ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 136 و 137 و 165 ، ونصر بن مزاحم في وقعة صفين : 117 على الرغم من أنه ذكره باسم سعيد بن قيس الهمداني كما في : 138 و 426 و 432 وباسم سعد في : 195 .
4- .هو أبو عبدالقدوس شبث بن ربعي التميمي : كان مع المتنبئة ، ثمّ أسلم ، ثمّ سار مع الخوارج ، ثمّ تاب ، وعمّر إلى ما بعد المختار . (انظر الجمهرة: 216 وابن سعد: 6/216، وقعة صفين: 97 و98 و187 و 195 و 197 و 199 و 205 و 294 ، معجم الفِرق الإسلامية : 214 ، الملل والنحل للشهرستاني : 1 / 106) . لتجد أنّ شبث بن ربعي من زعماء الخوارج ، وكان دينه تكفير عليّ وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين في صفين . (وانظر المعارف لابن قتيبة : 405 حيث قال : إنّ شبث بن ربعي أذّن لها _ أي اذّن لسجاح ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة أيضا : 149 و 169 على الرغم من أنه ذكره باسم شيث بن ربعي ، والإرشاد : 2 / 38 و 52 و 53 و 95 و 98 ، تاريخ الطبري : 5 / 240 ، الأخبار الطوال : 172) .

ص: 433

الاُمّة (1) . وكان ذلك في أوّل يوم من ذي الحجّة سنة ستّ وثلاثين من الهجرة ، فأتوه ودخلوا عليه ، فابتدأ (2) بشير بن عمرو الأنصاري فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : يا معاوية ، إنّ الدنيا عنك زائلة وإنّك راجع إلى الآخرة ، وإنّ اللّه تعالى محاسبك بعملك (3) ومجازيك بما قدّمت يداك (4) وإنّي اُنشدك اللّه تعالى أن لا تفرّق جماعة هذه الاُمة وأن لا تسفك دماءها فيما بينها . فقطع معاوية عليه كلامه وقال : هلاّ أوصيت (5) بذلك صاحبك ، فقال : إنّ صاحبي ليس أحد مثله وهو صاحب السابقة في الإسلام والفضل والدين والقرابة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله (6) . قال : فما الّذي عندك يا ابن عمرو ؟ وما الّذي تأمرني به ؟ قال : الّذي عندي وما آمرك به تقوى اللّه وإجابة ابن عمّك إلى ما يدعوك إليه من الحقّ فإنّه أسلم لك في دنياك وخيرٌ لك في عاقبه أمرك، قال معاوية: ونُطل (7) دم عثمان واللّه لا أفعل ذلك أبدا. ثمّ تكلّم سعد بن قيس وشبث بن ربعي ، فلم يلتفت معاوية إلى كلامهم وقال : انصرفوا من عندي فإنّه ليس بيني وبينكم إلاّ السيف (8) ، فقال له شبث بن ربعي : أفعلينا تهول (9) بالسيف ؟ واُقسم ليعجلِنّ بها إليك (10) . فأتوا عليا عليه السلام فأخبروه بالّذي كان (11) ، فجعل عليّ عليه السلام بعد إتيانهم بكلام معاوية

.


1- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 17 .
2- .في (ب): فتقدّم.
3- .في (أ): بذلك.
4- .في (أ) : ومجازيك عليه .
5- .في (أ) : أوصاك .
6- .انظر المصدر السابق مع اختلاف يسير في اللفظ، وكذلك تاريخ الطبري: 5/242، و : 3/569 ط اُخرى.
7- .في (أ) : وأترك .
8- .في (أ) : انصرفوا عنّي فليس عندي إلاّ السيف .
9- .في (أ) : أتهول علينا .
10- .في (أ) : واللّه لنعجلنها إليك .
11- .في (أ) : فأخبروه بذلك .

ص: 434

س يأمر الرجل ذا الشرف من أصحابه أن يخرج في خيل [فيخرج إليه جماعة من أصحاب معاوية في خيل] مثلها فيقتتلان ، ثمّ تنصرف كلّ خيل إلى أصحابها وذلك لمّا كرهوه (1) من ملاقاة جمع أهل العراق لجمع أهل الشام فيكون فيه استئصال العسكرين وذهاب الفئتين وهلاك المسلمين (2) . فكان عليّ عليه السلام يخرج مرّة ، ومرّة الأشتر (3) ، ومرّة حجر بن عدي الكندي 4 ، ومرّة شبث بن ربعي (4) ، ومرّة خالد بن

.


1- .في (ب) : وأخذوا يكرهون .
2- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 570 مع اختلاف يسير في اللفظ .
3- .الأشتر هو مالك بن الحارث النخعي ، أدرك الرسول صلى الله عليه و آله وكان رئيس قومه ، شترت عينه في اليرموك فلقّب بالأشتر ، وله مواقف شهيرة في الجمل وصفين مع عليّ عليه السلام وفي سنة (38ه) ولاّه على مصر ، فأمر معاوية دهقانا وكان بالعريش _ مدينة من أوّل أعمال مصر من ناحية الشام _ أن يدسّ له السمّ ، فلمّا نزل الأشتر العريش سمّه الدهقان في عسل ، فقال معاوية : «للّه جنود من العسل» . انظر مروج الذهب : 2 / 139 ط بيروت ، المغتالين من الأشراف : 39 ، وتاريخ اليعقوبي : 2 / 139 ط بيروت ومعجم البلدان : لغة بعلبك ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 29 ، والطبري في تاريخه : حوادث سنة (38 _ 39ه) ، تهذيب الكمال : 27 / 126 الرقم 5731 ، معجم رجال الحديث : 14 / 161 الرقم 9796 .
4- .تقدّمت ترجمته .

ص: 435

المعمر (1) ، ومرّة زياد بن النضر الحارث (2) ، ومرّة زياد بن خصفة التيمي (3) ، ومرّة سعد بن قيس الهمداني (4) ، ومرّة معقل بن قيس الرياحي (5) ، ومرّة قيس بن سعد الأنصاري (6) رضي اللّه عنهم 7 . وكان الأشتر (رض) أكثرهم خروجا للقتال 8 .

وكان معاوية يخرج إليهم عبدالرحمن بن خالد بن الوليد 9 مرّة ، ومرّة أبو الأعور

.


1- .ذكره ابن قتيبة في الإمامة والسياسة في: 1 / 140 و 150 ، وابن مزاحم في وقعة صفين: 485 و 507 ، والأخبار الطوال: 189. وخالد هذا هو الّذي قال: يا أمير المؤمنين ، إنّا واللّه ما اخترنا هذا المقام أن يكون أحد أولى به منا ولكن قلنا: أحبّ الاُمور إلينا ما كفينا مؤونته ، فأمّا إذا استفنينا فإنّا لا نرى البقاء إلاّ فيما دعاك القوم إليه اليوم إن رأيت ذلك ، وإن لم تره فرأيك أفضل. انظر الإصابة تحت رقم 2317.
2- .انظر المصادر السابقة ووقعة صفين : 101 و 111 و 117 _ 119 و 123 و 152 و 153 و 195 و 214 و 253 و 254 و 270 و 369 و 533 .
3- .في (أ) : التميمي . وانظر وقعة صفين : 197 و 199 و 261 و 288 و 297 .
4- .تقدّمت ترجمته وانظر المصادر السابقة .
5- .انظر وقعة صفين : 195 بإضافة : وكان أكثر القوم خروجا الأشتر . وانظر أيضا تاريخ الطبري : 3 /571.
6- .في (أ) : مخرجا .

ص: 436

السلمي 1 ، ومرّة حبيب بن مسلمة (1) الفهري (2) ، ومرّة [ابن] ذي الكلاع الحميري (3) ، ومرّة عبيداللّه (4) بن عمر [بن الخطّاب] 6 ، ومرّة شرحبيل بن السِّمط

.


1- .في (أ) : حنيف بن مسلم .
2- .ذكره ابن قتيبة في المعارف : 592 باسم حبيب بن مسلمة الفهري وقال عنه في : 615 : كان يلي الويلات زمن عثمان ومعاوية وعدّه من الطوال وقال : كالمُشرف على دابته لطوله . وذكره ابن مزاحم في وقعة صفين : 196 و 200 و 206 و 213 و 214 و 234 و 245 و 246 و 248 و 489 و 507 و 511 و 552 ، وتاريخ الطبري : 3 / 571 بالإضافة إلى المصادر السابقة .
3- .ذكره ابن قتيبة في المعارف : 104 و 421 وقال : اسمه سُمِيفَع بن ناكور من التابعين وهو من حمير ، وقال في الاُصول : سُميفع بن حوشب ، ولكن التصويب من الجمهرة : 407 ، والاشتقاق : 525 والقاموس «كلع». وقال ابن دريد: سميفع تصغير «سمفيع» إن كان أوله مضموما ، وإلاّ فهو مثل «سميدع» . وقيل اسمه حوشب ذو ظليم ، أبو مر كما ورد في وقعة صفين : 60 و 61 و 182 و 206 و 289 و 335 و 358 و 364 و 400 و 401 و 406 و 455 و 456 و 525 بالإضافة إلى المصادر السابقة .
4- .في (أ) : عبداللّه .

ص: 437

الكندي 1 ،

.

ص: 438

ومرّة حمزة بن مالك الهمداني (1) فاقتتلوا أيام ذي الحجّة وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرّتين (2) .

ثمّ دخلت سنة سبع وثلاثين فحصل في شهر المحرّم منها بين عليّ عليه السلام ومعاوية موادعة على الحرب طمعا في الصلح واختلفت الرسل بينهما فلم يتّفق صلح 3 . فلمّا

.


1- .ذكره ابن أعثم في الفتوح: 2 / 33 من أصحاب معاوية ، وهو الّذي خاطب عبداللّه بن خليفه الطائي وجماعته من أصحاب عليّ عليه السلام قائلاً: مَن أنتم؟ فقال له عبداللّه : نحن طيّ السهل طيّ الجبل ، نحن طيّ الرماح وطيّ الصفاح وطيّ النطاح وفرسان الصباح ، فقال له حمزة بن مالك: بخ بخ يا أخا طيّ في حسن ثنائك على قومك فاقتتلوا ساعة ... انظر تاريخ الطبري أيضا: 6 / 17 وما بعدها ، و: 3 / 571 ، وانظر وقعة صفين: 44 و في ص 207 جعله معاوية على رجّالة همدان الاردن. وانظر أيضا : 196 و 279 و 507 من وقعة صفين ، وانظر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: 148 و 150.
2- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 571 ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 150 ، ووقعة صفين : 207 و 196 بالإضافه إلى المصادر السابقة. وانظر أيضا مروج الذهب: 3/41، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 1/649.

ص: 439

انسلخ المحرم أمر عليّ عليه السلام مناديا فنادى : يا أهل الشام يقول لكم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب إني استدمتكم (1) لتراجعوا الحقّ وتنيبوا إليه فلم تفعلوا ولم تنتهوا عن طغيان ولم تجيبوا إلى طاعة وإنّي قد نبذت إليكم سواء واللّه لا يحبّ الخائنين (2) . ثمّ أصبح عليّ عليه السلام فجعل على خيل [أهل] الكوفة الأشتر (3) (رض) ، وعلى خيل

.


1- .في (أ) : استقدمتكم .
2- .ذكر ابن أعثم في الفتوح : 2 / 21 أنه بعث عليّ رجلاً من أصحابه يقال له مرثد بن الحارث ، حتّى وقف قريبا من عسكر معاوية ، ثمّ نادى بأعلى صوته عند غروب الشمس : يا أهل الشام ، إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب يقول لكم : إنّا قد كففنا عنكم في هذا الشهر الحرام فلم تكفّوا عنّا ، وواللّه ما كففنا عنكم شكّا في أمركم ولا جبنا عنكم،وإنما كففنا لخروج هذا الشهر المحرّم لترجعوا إلى الحقّ، واحتججنا عليكم بكتاب اللّه عزّ وجلّ ودعوناكم ، فلم تنتهوا عن الطغيان ، والظلم والعدوان ، والكذب والبهتان ، ولم تجيبوا إلى حقّ ولا برهان ، فإنّا قد أنذرناكم على سواء إن اللّه لا يحبّ الخائنين . . . ويظهر من هذا أنّ هذا الكلام وإرسال مرثد بن الحارث الجشمي كان بعد أن دنا انسلاخ المحرم، وهذا ما ذكره الطبري في: 4/6 .
3- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 7 مع إضافة : وصار أهل الكوفة إلى عبداللّه بن بديل وعمّار بن ياسر . وانظر وقعة صفين : 204 _ 206 تجد تفصيلاً كاملاً تحت عنوان «عقد الألوية وتأمير الامراء» . وانظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 22 تجد تفصيلاً أيضا ويذكر فيه بأنه كان على خيل ميمنته الحسن والحسين سبطا النبيّ صلى الله عليه و آله وعلى رجّالتها عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب ومسلم بن عقيل بن أبي طالب ، وعلى خيل الميسرة محمّد بن الحنفية ومحمّد بن أبي بكر ، وعلى رجّالتها هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص وأخوه عمر بن عتبة ، وعلى خيل القلب عبداللّه بن عباس والعباس بن ربيعة بن الحارث ، وعلى رجّالتها مالك الأشتر . . . وانظر ومروج الذهب : 2 / 391 ، والنهاية لابن الأثير : 3 / 107 ، وأعيان الشيعة : 1 / 498 ، الاشتقاق : 250 ، تاريخ دمشق : 11 / 551 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 6 / 215 ، الإرشاد للشيخ المفيد : 131 تذكرة الخواصّ : 66 ، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين : 156 الإمامة والسياسة : 1 / 124 وقارن بين هذه المصادر .

ص: 440

[أهل ]البصرة سهل بن حنيف 1 ، وعلى رجّالة [أهل] الكوفه عمّار بن ياسر 2 (رض)،

.

ص: 441

وعلى رجّالة [أهل] البصرة قيس بن سعد (1) ، وجعل مسعر بن فدكي على قرّاء الكوفة 2

.


1- .تقدّمت ترجمته .

ص: 442

وقرّاء أهل البصرة ، وأعطى الراية هاشم بن عتبة المرقال 1 ، وخرج إلى مصافّاتهم (1)

.


1- .في (أ) : مصافّهم .

ص: 443

وذلك في أوّل يوم من صفر (1) . فخرج إليهم معاوية وقد جعل على ميمنته [ابن ]ذا الكلاع الحميري (2) ، وعلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري (3) ، وعلى مقدمته أبا الأعور السلمي (4) ، وعلى خيل دمشق عمرو بن العاص (5) ، وعلى رجالة دمشق مسلم بن عقبة (6) المرّي (7) ، وعلى بقية أصحابه الضحّاك بن قيس (8)9 . وبايع رجالٌ رجالاً من أهل الشام على

.


1- .انظر تاريخ الطبري : 3 / 571 ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 150 ، ووقعة صفين : 207 بإضافة الصفحات السابقة في ترجمة الرجال ، ومروج الذهب: 3/41، وابن أبي الحديد في شرح النهج: 1/649.
2- .تقدّمت ترجمتهما .
3- .تقدّمت ترجمته ، بالإضافة إلى ذلك يقول صاحب الإصابة : 2 / 540 ، واُسد الغابة : 6 / 16 : أدرك الجاهلية وشهد حنينا مشركا ، وفي كنز العمّال : 8 / 82 يقول لعنه النبيّ صلى الله عليه و آله . وكان أمير المؤمنين عليه السلام يدعو عليه ، وكان من أشدّ المبغضين لعليّ عليه السلام كما ورد في الإصابة .
4- .تقدّمت ترجمته .
5- .في (أ) : أسلم بن عيينة .
6- .ذكره الطبري في تاريخه : 4 / 7 وقد جعله معاوية على رجال أهل دمشق ، وكذلك ذكره ابن مزاحم في وقعة صفين : 206 وجاء في الهامش رقم 3 من نفس الصفحة : المري نسبة إلى مرّة بن عوف . وقال ابن دريد في الاشتقاق : 174 : فمن قبائل مرّة بن عوف مسلم بن عقبة الّذي اعترض أهل المدينة فقتلهم يوم الحرّة في طاعة يزيد بن معاوية . وانظر المعارف : 153 ، وكذلك ورد اسمه في وقعة صفين أيضا : 213 وجعلهُ على رجالة أهل دمشق .
7- .هو الضحّاك بن قيس القُرشي الفهري ، ولد قبل وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله نحوا من سبع سنين ، له في حروب معاوية بلاءٌ عظيم ، وكان على شرطته ، ولاّه الكوفة سنة (53 ه) وعزله سنة (57 ه) وهو الّذي ولّي دفن معاوية ، وأخبر يزيد بموته ، وكان يزيد يوم ذاك خارج دمشق ، وبايع لابن الزبير بعد معاوية بن يزيد وقاتل مروان بمَرج راهِط ، فقُتل بها منتصف ذي الحجّة سنة أربع وستين . انظر اُسد الغابة : 3 /36 _ 37 ، تهذيب ابن عساكر : 7 / 4 _ 5 ، تاريخ الطبري : 6 / 78 ، و : 4 / 7 ط اُخرى قال : . . . والضحّاك بن قيس على رجّالة الناس كلّها . وانظر ابن الأثير : 3 / 150 ، شرح النهج لابن أبي الحديد تحقيق أبو الفضل : 2 / 111 _ 117 ، وقعة صفين : 12 و 206 و 213 و 226 و 360 و 552 و 557 ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 22 ، الإمامة والسياسة : 1 / 74 و 75 و 127 و 188 و 191 و 193 و 225 و 242 ، و : 2 / 18 و 20 و 22 و 116 و 163 .
8- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 22 ، والطبري : 4 / 7 ، وقعة صفين : 213 بالإضافة إلى المصادر السابقة .

ص: 444

الموت فعقَّلوا أنفسهم بعمائمهم (1) وكانوا خمس (2) صفوف .

فلمّا توافقت الأبطال وتصافّت الخيل للمبارزة والنزال خرج من عسكر معاوية فارس من أهل الشام معروف بشدّة البأس وقوّة المراس يقال له المخراق (3) بن عبد الرحمن (4) فوقف بين الصفّين وسأل المبارزة ، فخرج إليه فارس من أهل العراق يقال له ابن المرادي (5) فتطاعنا بالرماح ثمّ تضاربا بالصفاح وظفر به الشامي فقتله ، ثمّ نزل عن فرسه فاحتزّ (6) رأسه وحكّ بوجهه الأرض وتركه مكبوبا على وجهه ، ثمّ ركب فرسه وسأل المبارزة فخرج إليه فتىً من الأزد يقال له مسلم بن عبد ربّه (7) فقتله الشامي أيضا وفعل به ما فعل بالأوّل أيضا . ثمّ ركب فرسه وخرج إلى المبارزة فخرج إليه عليّ عليه السلام متنكرا فتجاولا ساعة ثمّ ضربه الإمام البطل الهمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالسيف جاءت عاتقه رمت بشقّه (8)

.


1- .ذكر ذلك الطبري في تاريخه : 4 / 7 ولكن بلفظ «بالعمائم ، فكان المعقلون خمسة صفوف ، وكان يخرجون ويصفّون عشرة صفوف ، ويخرج أهل العراق أحد عشر صفّا» . وكذلك في وقعة صفين : 213 وقال في الهامش رقم 3 : أي جعلوا العمائم لهم بمثابة العقل _ جمع عقال _ وفي الأصل «فعلقوا» تحريف ، ولكنه في : 228 قال : وقد قيَّدت عكٌّ أرجلَها بالعمائم ، ثمّ طرحوا حجرا بين أيديهم وقالوا : لا نفرّ حتّى يفرّ هذا الحَكَرُ . وعكٌ تقلب الجيم كافا .
2- .راجع المصادر السابقة .
3- .في (أ) : المحراق .
4- .انظر كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين لابن المطهّر الحلّي : 156 . وذكره ابن أعثم في الفتوح : 2 / 110 باسم المخارق بن عبدالرحمن وكان فارسا بطلاً .
5- .أورده ابن المطهّر الحلّي في كشف اليقين : 156 باسم : المؤمّل بن عبيد اللّه المرادي ، وفي الهامش رقم 3 : المؤمّل عبداللّه المرادي ، وفي الفتوح لابن أعثم : 2 / 110 : المؤمّل بن عبيد المرادي ، لكن ، وفي الهامش رقم 2 : المؤمن بن عبيد .
6- .في (أ) : فجرّ ، وفي (د) : فجزّ .
7- .انظر الفتوح : 2 / 111 ولكنه أضاف : الأزدي .
8- .في (أ) : بشعثه .

ص: 445

إلى الأرض وسقط ، ونزل عليّ عليه السلام عن فرسه وحزّ (1) رأس الشامي وجعل وجهه إلى السماء ، ثمّ ركب ونادى : هل من مبارز ؟ فخرج إليه فارس من فرسان الشام فقتله عليّ عليه السلام ونزل عن فرسه وحزَّ رأسه وجعل (2) وجهه إلى السماء ، ثمّ ركب ونادى : هل من مبارز فخرج إليه فارس آخر من فرسان الشام فقتله وفعل به كما فعل بصاحبيه الأوّلين ، وهكذا إلى أن قتل منهم سبعة ، فأحجم الناس عنه ولم يقدم على مبارزته أحد بعد اُولئك ، فجال بين الصفّين جولة ورجع إلى أصحابه ولم يعرفه أهل الشام لأنه كان متنكّرا (3) . ومنها : ما اتفق في بعض أيّامها وقد تقابل الجيشان ، إذ خرج فارس من أبطال عسكر أهل الشام يقال له : كريب بن الصباح (4) فوقف بين الجمعين (5) وسأل المبارزة

.


1- .في (ب) : وجزّ .
2- .في (أ) : وخلا .
3- .انظر المصدر السابق مع اختلاف يسير في اللفظ .
4- .كريب بن الصباح من حمير من آل ذي يزن ، ليس في أهل الشام يومئذٍ رجلٌ أشهر شدَّة بالبأس منه كما ذكره نصر بن مزاحم في وقعة صفين : 315 . وانظر الإصابه تحت رقم 7483 حيث قال : قتله عليّ يوم صفين . وكريب هذا هو الّذي قتل المرتفع بن الوضّاح الزبيدي رحمه الله من أصحاب عليّ عليه السلام وقتل أيضا الحارث بن الجُلاح وقتل عائد بن مسروق الهمداني ، ثمّ رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض ، ثمّ قام عليها بغيا واعتداءً ، ثمّ نادى : هل من مُبارز ؟ فبرز إليه عليٌّ ثمّ ناداه : ويحك ياكريب ، إنّي اُحذّرك اللّه وبأسه ونقمته ، وادعُوك إلى سنّة اللّه وسنّة رسوله ، ويحك لايُدخلنّك ابن آكلة الآكباد النار . فكان جوابه أن قال: ماأكثر ما قدسمعنا هذه المقالة منك ، فلا حاجة لنا فيها . أقدِمْ إذا شئت ، مَن يشتري سيفي وهذا أثرُه ؟ فقال عليّ عليه السلام : لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه . ثمّ مشى إليه فلم يمهله أن ضربه ضربةً خَرَّ منها قتيلاً يتشحَّط في دمه . انظر وقعة صفين: 316، وكشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين: 157 ، وتاريخ الطبري : 4/14 لتجد الاختلاف في اسم الأب ، فتارةً يذكره باسم كريب بن شريح مع إخوته الّذين عبّر عنهم «فقتل هؤلاء الأخوة الستة جميعا» وتارةً اُخرى يذكره باسم كريب بن زيد مع إخوته فقال عنهم «فقتل هؤلاء الأخوة الثلاثة» وتارةً ثالثة عبّر عنه باسم الكريب أخو القلوص . وذكره ابن أعثم في الفتوح : 2 / 111 .
5- .في (أ) : الصفّين .

ص: 446

فخرج إليه فارس من أهل العراق يقال له المرقع الخولاني (1) فقتله الشامي ، ثمّ خرج إليه الحارث الحكمي (2) فقتله الشامي أيضا ، فنظر الناس إلى مقام فارس صنديد فخرج إليه عليّ عليه السلام بنفسه الكريمة فوقف بإزائه وقال له : من أنت أيّها الفارس فقال : أنا كريب (3) بن صالح الحميري فقال له عليّ عليه السلام : يا كريب اُحذرك اللّه في نفسك وأدعوك إلى كتابه وسنّة نبيه محمّد صلى الله عليه و آله فقال [له ]كريب : من أنت ؟ فقال أنا عليّ بن أبي طالب ، يا كريب اللّه اللّه في نفسك فإنّي أراك بطلاً فارسا فيكون لك مالنا وعليك ما علينا ولايغررك معاوية ، فقال : ادنُ منّي يا عليّ ، وجعل يلوح بسيفه فجرّد الإمام سيفه ودنا منه فتجاولا ساعة ثمّ اختلفا بضربتين فسبقه الإمام بالضربة فقتله وسقط إلى الأرض (4) ثمّ نادى : هل من مبارز ؟ فخرج إليه الحارث الحميري (5) فقتله وسقط على الأرض ، وهكذا لم يزل يخرج إليه فارس بعد فارس إلى أن قتل منهم أربعة (6) وهو يقول : «الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَ_تُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [وَاتَّقُواْ اللَّهَ ]وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» (7) .

.


1- .اختلف في اسمه فقيل هو المبرقع كما ورد في كشف اليقين : 157 ، والفتوح لابن أعثم : 2 / 111 لكنه قال عنه : الوضّاح الخولاني ، وقيل : هو المرتفع كما ورد في وقعة صفين : 315 ، وقيل : هو الحولاني ، وقيل : الجولاني كما ورد في بعض النسخ .
2- .ورد اسمه في وقعة صفين : 316 باسم الحارث بن الجُلاح وفي الهامش رقم 2 : بن اللجاج ، وفي الفتوح : 2 / 111 : الحارث بن الجُلاح الحكمي ، لكنه ذكر في الهامش رقم 3 : الخلمي.
3- .في (أ) : كريت .
4- .انظر وقعة صفين : 315 _ 316 باختلاف يسير في اللفظ ، وانظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 112 .
5- .ذكره نصر بن مزاحم في وقعة صفين : 316 باسم : الحارث بن وداعة الحميري ، وفي الفتوح : 2 / 112 : الحارث بن وداع الحميري ، وأضاف : ثمّ خرج إليه المطاع بن المطّلب القيني فقتله الإمام عليّ عليه السلام . وانظر ابن أبي الحديد في شرح النهج : 1 / 504 .
6- .قيل : أربعة ، وقيل : سبعة ، وقيل : ثلاثة ، انظر المصادر السابقة ، والفتوح لابن أعثم : 2 / 112 .
7- .البقرة : 194 .

ص: 447

ثمّ قال (1) عليّ عليه السلام : يا معاوية هلمّ إلى مبارزتي لا تفنى العرب بيننا (2) ، فقال معاوية : لا حاجة لي في مبارزتك فقد قتلت أربعة من أبطال العرب فحسبك (3) . فصاح فارس من أصحاب معاوية يقال له عروة (4) فقال : يا ابن أبي طالب إن كان معاوية قد (5) كره مبارزتك فأنا (6) ، وجرّد سيفه وخرج للإمام فتجاولا ثمّ إنّه سبق الإمام بضربة تلقّاها عليّ عليه السلام في سيفه ، ثمّ إنّ عليا عليه السلام ضربه ضربةً على رأسه ألقاه إلى الأرض قتيلاً (7) ، فعظم على أهل الشام قتل عروة لأنه كان من أعظم شجعانهم ومشاهير فرسانهم ثمّ حجز الليل بينهم . ومنها : ما اتّفق أيضا في بعض أيّامها وقد تقابل الجيشان إذ خرج عليّ بن أبي طالب عليه السلام متنكّرا فدعا بالمبارزة 8 فقال معاوية لعمرو بن العاص : عزمت عليك إلاّ

.


1- .في (أ) : صاح .
2- .انظر كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين : 157 ، وقعة صفين : 316 ولكن بلفظ «ولا يُقْتَلَنَّ الناس فيما بيننا» والفتوح لابن أعثم : 2 / 112 .
3- .انظر وقعة صفين : 275 و 316 و 388 ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 126 تحت عنوان «دعا عليّ عليه السلام معاوية إلى البراز» وخلاصة ذلك : ابرز لي وأعف الفريقين من القتال ، فأيُّنا قَتَل صاحبه كان الأمر له ، قال عمرو : لقد أنصفك الرجل ، فقال معاوية : إنّي لأكره أن اُبارز . . . لعلّك طمعت فيها يا عمرو . . . وانظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 112 .
4- .هو عروة بن داود الدمشقي كما جاء في الفتوح :2 / 113 ، ووقعة صفين: 458 ، أمّا ابن أبي الحديد في شرح النهج: 2 / 300 قال: أبو داود عروة بن داود العامري .
5- .في (ب) : فقد .
6- .في (أ) : له .
7- .انظر ابن أعثم في الفتوح : 2 / 113 ، ووقعة صفين : 458 ولكن بلفظ «فضربه فقطعهُ قطعتين ، سقطت إحداهما يمنةً ، والاُخرى يَسرة ، فارتجّ العسكران لهول الضربة . . . وقد رثاه ابن عمٍّ له ، انظر الشعر : 458 _ 459 .

ص: 448

ما خرجت لمبارزة هذا الفارس ، فخرج إليه عمرو وهو لا يعرف أنه عليّ ، فلمّا رآه عليّ عرفه فاطّرد (1) بين يديه ليبعده عن أصحابه (2) ، فتبعه عمرو هو يقول : 3

يا قادة الكوفة يا أهل الفتن أضربكم ولاأرى أبا الحسن فكرّ عليه عليّ عليه السلام وهو يقول : أبو الحسين فاعلمنّ والحسن قد جاك يقتاد العنان والرسن فعرفه عمرو فولّى عنه ركضا وهو يقول : مكره أخاك لا بطل ، فلحقه عليّ عليه السلام فطعنه طعنة جاءت في فضول (3) درعه فألقته إلى الأرض فظنّ أنّ عليا قاتله فرفع

.


1- .في (أ) : فانهزم .
2- .في (د) : عسكره .
3- .في (أ) : فصول .

ص: 449

رجليه (1) فبدت سوأته ، فصرف عليّ عنه وجهه راجعا إلى عسكره وهو يقول : عورة المؤمن حمى ، فقام عمرو فركب فرسه وأقبل على معاوية فجعل معاوية يضحك (2) منه ، فقال عمرو: ممّ تضحك؟ واللّه لو تكن أنت وبدا له من صفحتك ما بدا [له ]من صفحتي لصرت كذلك وما أقالك ، فقال له معاوية : لو كنت أعلم أ نّك ما تحمل مزاحا ما مازحتك ، فقال عمرو : وما أحملني للمزاح ولكنّي رأيت أن لقي رجل رجلاً قصد أحدهما على الآخر انفطر السماء دما ، فقال معاوية : ولكنها سوأة تعقب فضيحة الأبد ، أما واللّه لو عرفته ما قدمت عليه . والى ذلك أشار أبو فراس بقوله : ولا خير في دفع (3) الردى بمذلّة كما ردّها يوما بسوأته عمرو ثمّ إن فارسا من فرسان معاوية كان مشهورا بالشجاعة يقال له بُسر بن أرطاة 4

.


1- .في (أ) : رجله .
2- .المصدر السابق : 2 / 44 مع اختلاف يسير في اللفظ .
3- .في (أ) : ردّ .

ص: 450

حدّثته نفسه بالخروج إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومبارزته ، وكان له غلام شهم شجاع يقال له لاحق (1) فشاوره في ذلك فقال : ما اُشير عليك إلاّ أن تكون واثقا من نفسك (2) إنّك (3) من أقرانه ومن فرسان ميدانه فابرز إليه فإنّه الأسد (4) الخادر والشجاع

.


1- .أورد القصة نصر بن مزاحم في وقعة صفين : 460 باختلاف بسيط في اللفظ وفيه : فقال معاوية لبُسر بن أرطاة : أتقوم لمبارزته ؟ فقال : ما أحدٌ أحقُّ بها منك ، وإذا أبيتموه فأنا له ، فقال له معاوية : أما إنّك ستلقاه في العجاجة غدا في أوّل الخيل . . . . وكان عند بُسر بن أرطاة ابنُ عمٍّ له قد قدم من الحجاز يخطُبُ ابنتَه فأتى بُسرا فقال له : إنّي سمعت أنك وعدتَ من نفسك أن تبادر عليا . . . . فضحك الغلام وقال شعرا : . . . وأورد المحاورة أيضا ابن أعثم في الفتوح : 2 / 104 فراجع وتأمّل .
2- .في (ب) : بنفسك .
3- .في (د) : وانك .
4- .في (ج ، د) : لأسد الاُسود .

ص: 451

المطرق ، وأنشد العبد يقول 1 :

فأنت له يابُسر إن كنتَ مثله وإلاّ فإنّ الليث للضبع آكل متى تلقه فالموت في رأس رمحه وفي سيفه شغل لنفسك شاغل قال : ويحك هل هو إلاّ الموت ، واللّه لابدّ لي من مبارزته على كلّ حال (1) . فخرج بُسر بن أرطاة لمبارزة عليّ فلمّا رآه عليّ عليه السلام حمل عليه ودقّه بالرمح ، فسقط على قفاه إلى الأرض فرفع رجليه (2) فبدت سوأته ، فصرف عليّ عليه السلام وجهه فوثب بُسر قائما وقد سقطت البيضة (3) عن رأسه فعرفه أصحاب عليّ ، فصاحوا به : يا أمير المؤمنين إنّه بُسر بن أرطاة لا يذهب ، فقال [رض] : دعوه (4) وإن كان فعليه ما يستحقّ ، فركب جواده ورجع إلى معاوية . فجعل معاوية يضحك منه ويقول له : لا عليك ولا تستحي ، فقال (5) : نزل بك ما نزل بعمرو فصاح رجل (6) من أهل الكوفة : ويلكم يا أهل الشام أما تستحون من كشف الاستاه ، وأنشد بقوله 8 : ألا (7) كلّ يوم فارس بعدفارس (8) له عورة وسط (9) العجاجة بادية يكفّ حيا لها (10) عليّ سنانه ويضحك منها في الخلاء معاويه بدت أمس من عمرو فقنّع (11) رأسه وعورة ، بُسر مثلها حذو حاذيه فقولا لعمرو وابن أرطاة أبصرا سبيلكما لاتلقيا الليث ثانيه ولا تحمدا إلاّ الحياه (12) وخصاكما هما كانتا واللّه للنفس واقيه فلولاهما لم تنجوا من سنانه وتلك بما فيها عن العود كافيه ناهيه (13) متى تلقيا الخيل المشيحة (14) صُبْحَةً وفيها عليٌّ فاتركا الخيل ناحيه وكان بُسر بن أرطاة يضحك من عمرو وصار عمرو يضحك منه (15) ، وتحامى أهل الشام عليا وخافوه خوفا شديدا (16) ولم يقدر (17) واحد منهم مبارزته ، وصار عليّ عليه السلام لا يخرج إلى المبارزه إلاّ متنكّرا . ثمّ إنّ مولى من موالي عثمان يقال له الأحمر 20 وكان شجاعا خرج يبغي المبارزة ، فخرج له مولى لعلي يقال له كيسان 21 فحمل كلّ منهما على صاحبه فسبقه الأحمر بالضربة فقتله (18) ، فقال عليّ : قتلني اللّه إن لم أقتلك به (19) . فكرّ عليّ على

.


1- .انظر ابن أعثم في الفتوح : 2 / 104 قال : فقال بُسر لغلامه : ويحك يا لاحق ! هل هو إلاّ الموت ؟ واللّه لابدّ من لقاء اللّه على أيّ الأحوال كان ذلك في موت أو قتل .
2- .في (أ) : رجله .
3- .في (أ) : سقط المغفر .
4- .في (أ) : ذروه .
5- .في (د) : فقد قال .
6- .في (أ) : فتى .
7- .في (ب) : أفي .
8- .في (د) : ذو كريه .
9- .في (أ) : تحت .
10- .في (أ) : منها ، وفي (ج) : عنه وفي مناقب الخوارزمي : يكفّ بها عنه . . .
11- .في (ب) : فنكس .
12- .في (ج) : الخنا .
13- .في (أ) :كافيه .
14- .في (ج) : المغيرة .
15- .أوردها ابن أعثم في الفتوح : 2 / 105 بهذا اللفظ : فكان بُسر بن أرطاة مرّة يضحك من عمرو ، ثمّ صار عمرو يضحك منه . وانظر تاريخ الطبري : 4 / 13 .
16- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 105 ، وقعة صفين : 462 باختلاف يسير ، وتاريخ الطبري : 4 / 13 .
17- .في (أ) : يصر .
18- .المصدر السابق ، وتاريخ الطبري : 4 / 13 .
19- .المصدر السابق ولكن بلفظ : فقال عليّ عليه السلام : ورب الكعبة قتلني اللّه إن لم أقتلك أو تقتلني .

ص: 452

العبد فرجع العبد عليه بالسيف فضربه فتلقّاها عليّ بسيفه فنشب (1) السيف بالسيف ، فدنا عليّ منه ومدّ يده إلى عنقه فقبض (2) عليها ورفعه عن فرسه وجلد (3) به الأرض فكسر ظهره وأضلاعه ورجع عنه (4) . وكان لمعاوية عبدٌ يقال له حريث (5) وكان فارسا بطلاً شجاعا ومعاوية يحذّره من التعرّض لعليّ بن أبي طالب عليه السلام (6) فخرج عليّ متنكّرا يطلب المبارزة وقد عرفه عمرو بن العاص فقال لحريث : «عليك بهذا الفارس لايفوتنّك اقتله وتشيع به ، فخرج له حريث وهو لا يعرف أنه عليّ ، فما كان بأسرع من أن ضربه الإمام بالسيف ضربةً على اُمّ رأسه سقط منها إلى الأرض قتيلاً ، وتبين لمعاوية ولأهل الشام أنّ قاتله عليّ بن أبي طالب عليه السلام فشقّ ذلك على معاوية وقال لعمرو : أنت قتلت عبدي وغررته ولم يقتله أحد غيرك (7) .

.


1- .في (ب) : فثبت .
2- .في (ب ، د) : فجذبه .
3- .في (ج) : ثمّ جلد .
4- .المصدر السابق ، وانظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 486 ، والطبري : 4 / 13 .
5- .المصدر السابق ، والطبري : 4 / 13 .
6- .أورد ابن مزاحم في وقعة صفين:272 تحذير معاويه لحريث بلفظ: اتّق عليا،وضع رُمْحَك حيث شئت . . . حتّى أنه كان يلبس سلاحَ معاوية متشبِّها به ، فإذا قاتل _ قابل _ ، قال الناس: ذاك معاوية.
7- .انظر المصدر السابق وفيه المحاورة الّتي دارت بين عمرو بن العاص وحريث وكيفية قتل الإمام عليّ عليه السلام لحريث والأشعار الّتي قيلت . وانظر أيضا الفتوح لابن أعثم : 2 / 26 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 492 ، وتاريخ الطبري : 4 / 13 .

ص: 453

. .

ص: 454

ومنها : ما اتّفق في بعض مصافّه (1) أن خرج العباس بن ربيعة الهاشمي (2) من

.


1- .في (ب) : مصافّها .
2- .العبّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطّلب بن هاشم كان له قدر ، وأقطعه عثمان دارا بالبصرة ، وأعطاه مائة ألف درهم ، وشهد صفِّين مع عليّ عليه السلام وهو المذكور في حديث أبي الأغر التميمي ، وكانت تحته أُمّ فِراس بنت حسّان بن ثابت . انظر ترجمته في المعارف لابن قتيبة : 128 ، والفتوح لابن أعثم : 2 / 140 .

ص: 455

أصحاب عليّ عليه السلام وخرج إليه فارس مشهور يقال له غرار (1) من أصحاب معاوية فقال : يا عباس هل لك في المبارزة ؟ فقال العباس : هل لك في المنازلة ، فقال : نعم ، فرمى كلّ واحد منهما بنفسه عن فرسه وتلاقيا وكفّ أهل الجيشين (2) أعِنَّة خيولهم عنهما لينظرا ما يكون من أمرهما ، فتجاولا ساعةً بسيفهما فلم يقدر أحد منهما على الآخر . ثمّ إنّهما تجاولا ثانيةً فتبيّن للعباس وهن في درع الشامي ، وكان سيف العباس قاطعا فضربه بالسيف على وسطه (3) من فوق الدرع فقسمه (4) بنصفين فكبّر الناس وعجبوا لذلك . وعطف العباس على فرسه فركبها وجال بين الصفّين (5) ، فقال معاوية لأصحابة من خرج منكم إلى العباس (6) فقتله فله عندي ديتان (7) ، فخرج فارسان من لخم (8) وقال كلّ واحد منهما : أنا له ، فقال اخرجا [إليه ]فأيّكما [سبق إلى] قتله فله من

.


1- .هو غرار بن الأدهم ، لم يكن بالشام رجل أفرس منه ولا أقدم في الحرب كما ذكره ابن أعثم في الفتوح: 2 / 140 .
2- .في (د) : العسكر .
3- .في (أ) : وسط .
4- .في (ب) : فقدّه .
5- .ذكر هذه المنازلة ابن أعثم في الفتوح : 2 / 140 باختلاف يسير في اللفظ مع إضافة الأشعار الّتي قيلت بالمناسبة ، وفيها قال الإمام عليّ عليه السلام عند ما التفت إلى أبي العز التميمي الّذي كان واقفا بجنبه عليه السلام فقال : يا أبا العزّ ، مَن المبارز لعدوّنا ؟ فقلت : ابن شيخكم العباس بن ربيعة ، قال : فصاح به عليّ : يا عباس ، قال العباس : لبيك يا أمير المؤمنين ، فقال : ألم آمرك وآمر عبيداللّه بن عباس أن لا تخلوا بمراكزكما في وقتٍ من الأوقات إلاّ بإذني ؟ فقال العباس : يا أمير المؤمنين ، أفيدعوني عدوّي إلى البراز فلا أخرج إليه ؟ فقال عليّ : نعم إنّ طاعة إمامك أوجب عليك من مبارزة عدوّك . قال : ثمّ حوّل وجهه إلى ناحية القبلة ورفع كفّيه وقال : اللّهمّ لا تنس هذا اليوم للعباس . انظر ابن أعثم في الفتوح : 2 / 142 .
6- .في (أ) : لهذا الفارس .
7- .في (ب ، د) : من المال كذا وكذا .
8- .في (ب ، ج) : رجلان لخميان .

ص: 456

المال عندي ما قلت (1) وللآخر نصف مثله (2) ، فخرجا جميعا ووقفا في مقرّ المبارزة (3) ثمّ صاحا : يا عباس هل لك في المبارزة فابرز لأيّنا اخترت ، فقال : [حتّى ]أستأذن أميري (4) وأرجع إليكما فجاء إلى عليّ عليه السلام فاستأذنه فقال عليّ (رض) : أنا لهما ادنُ منّي يا عباس وهات لبسك وفرسك وجميع ما عليك وخذ لبسي وفرسي . ثمّ إنّ عليّا عليه السلام خرج إليهما فجال بين الصفّين وكلّ من رأه يظنّه العباس فقال له اللخميان : استاذنت صاحبك (5) فتحرّج عليّ عليه السلام من الكذب فقال : «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَ_تَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُ_لِمُواْ وَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ» (6) فتقدّم إليه أحدهما فاختلفا (7) بضربتين سبقه أمير المؤمنين بالضربة فجاءت (8) على بطنه (9) فقطعته بنصفين ، فتقدّم إليه الآخر فما كان بأسرع من طرفة عين من أن ألحقه بصاحبه ، وجال بين الصفّين جولة ورجع إلى مكانه ، فتبيّن لأهل الشام ومعاوية أنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام ولكنه تنكّر ، فقال معاوية : قبّح اللّه اللجاج ، إنّه لقعود ما ركبه أحد قطّ إلاّ خذله (10) ، فقال عمرو : المخذول واللّه اللخميان لا [أنت] (11) .

.


1- .في (ج) : بذلت .
2- .في (د) : مثل ذلك .
3- .في (ج) : ميدان الحرب .
4- .في (ب): سيّدي .
5- .في (ب ، ج) : أذن لك سيّدك .
6- .الحجّ : 39.
7- .في (ب) : فالتقيا .
8- .في (أ) : فجاء .
9- .في (د) : مراق بطنه .
10- .في (ب) : ما ركبته إلاّ خُذلتُ .
11- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 142 _ 143 باختلاف يسير في اللفظ وانظر فيه المحاورة الّتي دارت بين معاوية وعمرو بن العاص .

ص: 457

ومنها : ليلة الهرير 1 الّتي كلما أردى (1) عليّ [رض] فيها قتيلاً أعلن عليه بالتكبير فاُحصيت (2) تكبيراته في تلك الليلة فكانت خمسمائة تكبيرة وثلاثا وعشرين تكبيرة بخمسمائة وثلاثا وعشرين قتيلاً (3) ، وكان الناس يتلاطمون في تلك (4)

.


1- .في (ب) : قتل .
2- .في (ج) : فعُدّ له كذا وكذا .
3- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 178 وأضاف : وكان عليه السلام إذا علا قَدّ وإذا وسط قَطّ ، وفي وقعة صفين : 477 ذكر أنّه قتل فيما ذكر العادّون زيادةً على خمسمائة من أعلام العرب ، وانظر كشف اليقين : 158 .
4- .في (أ) : هذه .

ص: 458

الليلة تلاطم السيول والأمواج ويتصادمون تصادم الفحول عند الهياج . ولمّا أسفر صبح هذه الليلة عن ضياء وحسر الليل عن ظلماته كانت عدّة القتلى من الفريقين ستّة وثلاثون ألفا (1) ، وكانت هذه الليلة ليلة الجمعة . وأصبح أمير المؤمنين عليه السلام والمعركة كلّها خلف ظهره وهو في قلب معسكره والأشتر (2) (رض) في الميمنة وابن عباس (رض) في الميسرة (3) والناس يقتتلون (4) من كلّ جانب ولوائح النصر لائحة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام والأشتر يزحف في الميمنة يقاتل بها ويقول لأصحابه : ازحفوا قبل هذا الرمح ، ويزحف بهم زحفةً ثانية ويقول: قيد هذا القوس ، وكلّما فعلوا (5) ، يزحف نحو أهل الشام ويقول مثل ذلك 6 .

.


1- .أكثر المصادر التاريخية ذكرت أنّ عدد قتلى ليلة الهرير ويومها 36 ألف قتيل كما في المعارف : 135 ، والفتوح لابن أعثم : 2 / 178 ، والطبري : 4 / 27 ، ومروج الذهب : 2 / 391 ، وأعيان الشيعة : 1 / 498 ، وكشف اليقين : 158 لكن بعض المصادر ذكرت أنّ عدد القتلى في تلك الليلة ويومها 70 ألف قتيل كما جاء في كتاب سُليم بن قيس : 176 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 208 ، ووقعة صفين : 475 ، ولكن الأصحّ هو الأوّل .
2- .تقدّمت ترجمته بالإضافة إلى أنّ في وقعة صفين : 475 ذكر أنّ الأشتر في ميمنة الناس ، وابن عباس في الميسرة ، وعليٌّ في القلب ، والناس يقتتلون .
3- .تقدّمت ترجمته وانظر المصدر السابق .
4- .في (أ) : يقبلون .
5- .في (أ) : اقتتلوا .

ص: 459

ولمّا رأى عليّ بن أبي طالب عليه السلام الظفر من ناحية الأشتر(رض) أمدّه برجال (1) . ولمّا رأى عمرو بن العاص (2) وهن أهل الشام وخورهم وأنّ أهل العراق استعلوا عليهم وأنّ الحرب قد فضت (3) أصحابه وقد تضاحى عليهم النهار وتخايل

.


1- .انظر المصادر السابقة ، والأخبار الطوال : 188 ، وينابيع المودّة : 2 / 9 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 208 .
2- .انظر المصادر السابقة ، والأخبار الطوال : 189 ، وتاريخ الطبري : 4 / 33 ، والإمامة والسياسة : 143 وما بعدها .
3- .في (ب) : عضت .

ص: 460

منهم (1) الهزيمة والفرار (2) قال لمعاوية : هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلاّ اجتماعا ولا يزيدهم إلاّ فرقة ؟ قال : نعم (3) : قال : ترفع المصاحف على رؤوس الرماح ثمّ تقول : ندعوكم لما فيها ، وهذا حَكمٌ بيننا وبينكم ، فإن أبى بعضهم أن يقبلها وجدتَ فيهم مَن يقول : ينبغي أن نقبل كتاب اللّه عزّ وجلّ فيكون فرقة بينهم ، وان قبلوا لما فيها رفع القتال عنّا إلى أجل 4 . فرفعوا المصاحف على رؤوس الرماح (4) وقالوا : هذا كتاب اللّه بيننا وبينكم مَن

.


1- .في (أ) : عليهم .
2- .انظر المصادر السابقة باختلاف يسير في اللفظ .
3- .انظر المصادر السابقة ، وتاريخ الطبري : 4 / 34 .
4- .في (أ) : رؤوسهم .

ص: 461

لثغور أهل الشام ؟ ومَن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق ؟ (1) فلمّا رآها الناس قالوا : نجيب إلى كتاب اللّه تعالى (2) ، فقال لهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام : عباد اللّه امضوا إلى (3) حقّكم وصدقكم في قتال عدوّكم ، فإنّ معاوية وعمرو بن أبي معيط وابن أبي سرح والضحّاك أنا اعرف بهم منكم ليسوا بأصحاب قرآن وقد صحبتهم أطفالاً ثمّ رجالاً ، ويلكم واللّه ما رفعوها إلاّ مكيدة وخديعة وقد وهنوا (4) . فقال أصحاب عليّ عليه السلام القرّاء منهم : ما يسعنا (5) أن نُدعى إلى كتاب اللّه عزّ وجلّ فنأبى أن نقبله ؟ ! فقال لهم عليّ عليه السلام : إنّي إنّما اُقاتلهم ليدينوا (6) لحكم الكتاب فإنّهم قد عصوا اللّه تعالى فيما يأمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه (7) . فقال له مسعر (8) بن فدكي التميمي وزيد بن حصين (9) الطائي في عصابة من القرّاء الّذين صاروا خوارج فيما بعد (10) : يا عليّ 11

.


1- .انظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 211 ، ووقعة صفين: 481 قال: فثار أهل الشام فنادوا في سواد الليل: يا أهل العراق مَنْ لذرارينا إنْ قتلتمونا ومَن لذراريكم إن قتلناكم؟ اللّه اللّه في البقية... وقريب من هذا اللفظ في الفتوح: 2 / 178 وتاريخ الطبري: 4 / 34. وفي (أ): مَن لثغور الشام بعد أهله ، ومَن لثغور العراق بعد أهله .
2- .انظر المصادر السابقة ، والطبري في تاريخه : 4 / 34 وأضاف : وننيب إليه .
3- .في (ب) : على .
4- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 34 ، و : 6 / 27 ط اُخرى والأخبار الطوال : 189 ، والفتوح : 2 / 187 بإضافة : ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة والضحّاك بن قيس وابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، وأنا أعرف بهم منكم ، لأني قد رأيتهم صغارا وصحبتُهم كبارا ، وكانوا شرَّ أطفال وشرَّ رجال . . . وقريب من هذا في وقعة صفين : 489 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 186 ، وينابيع المودّة : 2 / 13 .
5- .في (أ) : لا يسعنا .
6- .في (أ) : ليدنوا .
7- .انظر المصادر السابقة .
8- .في (أ) : مسعود .
9- .في (أ) : حسين .
10- .يقول في وقعة صفين : 489 : فنادَوه باسمه لا بإمرة المؤمنين : يا عليٌّ . . .

ص: 462

أجب إلى كتاب اللّه تعالى إذا دعيت إليه وإلى ما فيه أوّلاً وإلاّ دفعناك برمّتك إلى القوم (1) . وكان الأشتر (رض) في الميمنة وعليّ عليه السلام في القلب وابن عباس في الميسرة على ما سبق ذكره . فكفّ عليّ وابن عباس عن القتال (2) ولم يكفّ الأشتر (3) وذلك لمّا رأى من لوايح النصر والظفر فقالوا : ابعث إلى الأشتر فليأتك ويكفّ عن القتال فبعث إليه عليّ يزيد بن هانئ يستدعيه (4) ، فقال الأشتر : قل لأمير المؤمنين : ليست هذه الساعة بالساعة الّتى ينبغي أن يزيلني بها عن موقفي (5) فإنّي قد وجدت ريح الظفر (6) . فأتى عليا وأخبره بمقالته فردّه إليه ثانيا وهو يقول له : اقبل إليَّ فإنّ الفتنة قد وقعت ، فجاءه (7) الأشتر (رض) وقال : ما هذا ؟ أ لرفع المصاحف ؟ قال : نعم ، قال : واللّه لقد ظننت أنها ستوقع (8) اختلافا وفرقةً وأنها مشورة ابن العاص (9) .

فأقبل الأشتر على القوم من أصحابه وقال : يا أهل العراق يا أهل الذلّ والوهن ، أحين عَلَوتم القوم وعرفوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها؟ ويلكم أمهلوني فُوَاقا فإنّ الفتح قد حصل والنصر قد أقبل ، قالوا : لا يكون ذلك أبدا فقال : أمهلوني عدو الفَرس ، قالوا : إذن ندخل معك في خطيئتك ، قال : محدِّثوني 10

.


1- .انظر المصادر السابقة ، وأضاف صاحب وقعة صفين : . . . يا عليٌّ ، أجب القومَ إلى كتاب اللّه إذْ دُعيتَ إليه ، وإلاّ قتلناك كما قَتلنا ابن عفان ، فواللّه لنفعلنَّها إنْ لم تُجِبْهم . فقال لهم : ويحكم ، أنا أوّل من دعا إلى كتاب اللّه وأوّل من أجاب إليه . . . وقريب من هذا في الفتوح لابن أعثم : 2 / 183 .
2- .انظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 186 ، و : 2 / 211 وما بعدها ، وقعة صفين : 490 ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 183 .
3- .المصادر السابقة ، والأخبار الطوال : 190، والطبري : 4/35، و : 6/27 ، ومروج الذهب: 3/400 .
4- .في (أ) : مكاني .
5- .انظر المصادر السابقة مع اختلاف يسير في اللفظ ، وانظر كشف اليقين : 159 .
6- .في (أ) : فإنّ الفتنة تريد أن تقع فجاء . . .
7- .في (أ) : سترفع .
8- .انظر المصادر السابقة ، وفي تاريخ الطبري : 4 / 35 : ابن العاهرة وكذلك في (ج ، د) .
9- .في (أ) : فخبّروني .

ص: 463

عنكم متى كنتم محقِّين؟ أحِينَ تقاتلون وخياركم يقتلون ؟ أم الآن حين أمسكتم (1) عن القتال ؟ فقالوا : دعنا منك يا أشتر قاتلناهم للّه وندعهم للّه ، قال : خدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب الجباه السُّود ، كنّا نظنّ أنّ صلاتكم زَهادةٌ في الدنيا وشوقا إلى لقاء اللّه تعالى فلا أرى فراركم إلاّ إلى الدنيا من الموت (2) . يا أشباه النيب (3) الجلاّلة ما أنتم برائين بعدها عِزّا أبدا ، فابعدُوا كما بعُدَ القومُ الظالمون . فسبّوه وسبَّهم وضربوا وجه دابّته ، فصاح بهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام ]فكَفُّوا] 4 .

.


1- .في (ج) : إمساككم .
2- .ليست «من الموت» في (أ) .
3- .في (أ) : البقر .

ص: 464

واتفق الناس على أن يجعلوا القرآن حَكما بينهم (1) ورضوا (2) بذلك ، فجاء الأشعث (3) إلى عليّ عليه السلام فقال : أرى الناس قد رضوا وسرّهم بما دُعوا إليه من حُكم القرآن بينهم (4)

.


1- .ذكر نصر بن مزاحم في وقعة صفين : 493 أنّه قال الناس : قد قبِلنا أن نجعل القرآنَ بيننا وبينهم حَكما .
2- .وردت في وقعة صفين: 498 على لسان الأشعث ، وانظر الكامل في التاريخ: 3 / 318 ، وقريب من هذا اللفظ في تاريخ الطبري: 4 / 36.
3- .تقدّمت ترجمته . وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : 1 / 468 : كلّ فساد كان في خلافة أمير المؤمنين عليّ ، وكلّ اضطراب حدث فأصله الأشعث .
4- .وردت في وقعة صفين : 498 بلفظ : ما أرى الناس إلاّ وقد رضُوا وسرَّهم أن يُجيبوا إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن . وانظر مروج الذهب : 2 / 404 قريب من هذا ، والطبري : 4 / 35 ، والفتوح : 2 / 191 ، ينابيع المودّة : 2 / 16 .

ص: 465

فإن (1) شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد (2) ، قال : ائته ، فأتاه (3) فقال : لأيّ شيءٍ رفعتم هذه المصاحف ؟ قال : لنرجع (4) نحن وأنتم إلى ما أمر اللّه تعالى في كتابه تبعثون (5) رجلاً [منكم ]ترضونه ونبعث رجلاً [منّا] نرضاه ونأخذ عليهما أن لا يعملا إلاّ بما في كتاب اللّه تعالى لايعدوانه ، ثمّ نتبع ما اتّفقا عليه (6) ، قال الأشعث : هذا هو الحقّ ، فانصرف (7) إلى عليّ فأخبره بما قال معاوية . فقال الناس: قد رضينا ذلك وقبلناه ، فقال أهل الشام اخترنا (8) عمرا ، وقال الأشعث واُولئك الّذين صاروا خوارج فيما بعد : نرضى بأبي موسى الأشعري (9) ، فقال لهم عليّ عليه السلام ، قد عصيتموني في أول الأمر ولا تعصوني الآن لا أرى أن تولّوا أبا موسى الحكومة فإنّه يضعف عن عمرو ومكايده (10) ، فقال الأشعث ، وزيد بن

.


1- .في (أ) : وإن .
2- .انظر وقعة صفين : 499 بإضافة : ونظرت ما الّذي يسأل ، وانظر أيضا شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 216 قريب من هذا اللفظ .
3- .المصدر السابق ولكن بلفظ «ائته إن شئت» وقريب من هذا في الفتوح : 2 / 180 ، والطبري : 6 / 28 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : 1 / 433 ، الكامل في التاريخ : 3 / 162 ، مروج الذهب : 2 / 434 .
4- .في (ج) : ليرجع .
5- .في (د) : فابعثوا .
6- .وقعة صفين باختلاف يسير في اللفظ والكامل في التاريخ : 2 / 389 ، والطبري : 3 / 562 ، و : 4 / 36 ط اُخرى ، وابن أعثم في الفتوح : 2 / 188 و192 .
7- .في (أ) : ورجع .
8- .في (أ) : نرضى .
9- .وقعة صفين : 499 بإضافة : فبعث عليٌّ قرّاء من أهل العراق ، وبعث معاويةُ قُرّاء من أهل الشام ، فاجتمعوا بين الصفّين ومعهم المصحف فنظروا فيه وتدارسوه . . . فقال أهل الشام : فإنّا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص . وقال الأشعث والقرّاء الّذين صاروا خوارج فيما بعد : فإنا قد رضينا واخترنا أبا موسى الأشعري . . . وقريب من هذا في شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 228 ، وتاريخ الطبري : 4 / 94 ،4 / 36 ط اُخرى ، والكامل في التاريخ : 2 / 394 .
10- .وقعة صفين : 499 وفيه : فقال لهم عليّ : إني لا أرضى بأبي موسى ، ولا أرى أن أوّليه . . . وقريب من هذا في تاريخ الطبري : 4 / 36 ، ينابيع المودّة : 2 / 17 .

ص: 466

حصين [الطائي] ، ومسعر (1) بن فدكي : لا نرضى إلاّ به فإنّه قد حذّرنا ممّا وقعنا فيه فلم نسمع منه (2) ، فقال عليّ عليه السلام : إنّ أبا موسى لا يكمل (3) في هذا الأمر (4) ولكن هذا ابن عباس دعوني نوليه (5) فإنّه أدرى منه بهذه الاُمور (6) فقالوا : واللّه لا نبالي أنت كنت أم ابن عباس لا نريد إلاّ رجلاً هو منك ومن معاوية سواء (7) ، فقال : فدعوني أجعل الأشتر (8) ، قالوا : وهل سعّر الأرض نارا إلاّ الأشتر ؟ ! فقال : قد أبيتم أن ترضوا إلاّ أبا موسى ؟ 9

.


1- .في (أ) : مسعود .
2- .انظر وقعة صفين : 499 ، وتراجم هؤلاء مرّت سابقا ، وانظر زيد بن حصين الطائي في الإصابة لابن حجر الرقم 2887 وقد سبقت خطبة له في وقعة صفين : 99 و100 ، وابن أعثم في : 2 / 193 ، وأنساب العرب : 378 ، والطبري : 6 / 28 ، و : 4 / 36 ط اُخرى .
3- .في (ج) : لم يكمل .
4- .في (أ) : في الأمر .
5- .في (أ) : اوليه .
6- .انظر المصدر السابق ولكن بإضافة : قال عليّ : فإنّه ليس لي برضا ، وقد فارقَني وخَذَّل الناس عنّي ثمّ هرب حتّى أمّنته بعد أشهر . . . وقريب من هذا في الفتوح لابن أعثم : 2 / 193 ، تاريخ الطبري : 4 / 36 ، ينابيع المودّة : 2 / 16 وما بعدها .
7- .المصدر السابق باختلاف يسير في اللفظ ، وقريب من هذا في الفتوح لابن أعثم : 2 / 193 ، تاريخ الطبري : 4 / 36 ، ينابيع المودّة : 2 / 17 .
8- .المصدر السابق ولكن بلفظ : قال عليّ : فإني أجعل الأشتر . . . وقريب من هذا في تاريخ الطبري : 4 / 36 ، ينابيع المودّة : 2 / 17 ، وكشف اليقين : 159 .

ص: 467

قالوا : نعم ، قال : فاصنعوا ماأردتم (1)(2) .

فبعثوا إلى أبي موسى وجاؤوا (3) به وكان معتزل القتال (4) عن (5) الفئتين ، فأتاه مولى له فقال له : إنّ الناس قد اصطلحوا ، فقال : الحمد للّه (6) فقال إنهم قد جعلوك حَكما بينهم ، فقال إنّا للّه وإنّا إليه راجعون (7) . ولمّا حضر أبو موسى جاء الأحنف بن قيس إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكان الأحنف أيضا معتزل القتال عن الفئتين فقال: يا أميرالمؤمنين إنّك رُميت بحجر الأرض عمرو بن العاص وإنّي قد عجمت عود هذا الرجل (8) وحلبت أشطره (9) فوجدته كليل

.


1- .في (أ) : ما شئتم .
2- .انظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 7 / 109 باب 102 .
3- .في (د) : فجاؤوا .
4- .انظر وقعة صفين : 190 و 500 ، تاريخ الطبري : 4 / 37 ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 195 ، ينابيع المودّة : 2 / 17 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 228 ، الكامل في التاريخ : 3 / 318 .
5- .في (أ): من .
6- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 195 لكن بإضافة «ربّ العالمين» وتاريخ الطبري : 4 / 37 مثله ، وقعة صفين : 500 .
7- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 195 باختلاف يسير في اللفظ ، وقعة صفين : 500 ، تاريخ الطبري: 4 /37 .
8- .في (أ): أبي موسى الأشعري .
9- .في (أ) : وجليت أسطره .

ص: 468

الشّفرة قريبَ القعر وإنّه لا يصلح لهؤلاء القوم إلاّ رجل يدنو منهم حتّى يصير (1) في أكفُهم ويبعد (2) حتّى يصير (3) بمنزلة النجم منهم ، فإن أبيت (4) أن تجعلني حَكما وإلاّ فاجعلني ثانيا أو ثالثا فإنّه لن يعقد عمرو عقدةً إلاّ حللتها ، ولن يحلّ (5) عقدةً إلاّ ربطتها (6) . فقال له عليه السلام : ان الناس قد أبوا ولن يرضوا بأحد إلاّ أبا موسى 7 . وحضر عمرو بن العاص عند عليّ عليه السلام ليكتب القصّة بحضوره فكتب الكاتب (7) : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما تقاضى عليه أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومعاوية بن أبي سفيان 9 ومن معهما ، فقال عمرو بن العاص : هو أميركم وأمّا أميرنا

.


1- .في (ب) : يكون .
2- .في (د) : يتباعد .
3- .في (ب): يكون .
4- .في (أ) : رأيت .
5- .في (أ) : ولا تحلّ .
6- .انظر وقعة صفين : 501 باختلاف يسير في اللفظ . وروى حديث الاحنف صاحب اللسان : 3 / 237 ، تاريخ الطبري : 4 / 37 .
7- .ذكر ابن أعثم في الفتوح : 2 / 197 اسم الكاتب وهو عبيداللّه بن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو كاتب عليّ عليه السلام ، وانظر الإصابة : 7 / 66 ، تهذيب التهذيب : 7 / 10 ، كتاب الوزراء للجهشياري : 23 ، وتاريخ اليعقوبي : 2 / 189 .

ص: 469

فلا ، امح اسم الإمرة ، فقال الأحنف بن قيس لأمير المؤمنين : لا تمحها ولو (1) قتل الناس بعضهم بعضا فإني أتخوّف إن محوتها لا ترجع إليك أبدا (2) ، فأبى ذلك عليٌّ مليا من النهار ثمّ إنّ الأشعث بن قيس كلّمه في ذلك فمحاه ، وقال عليّ عليه السلام : اللّه أكبر سنة بسنة (3) ، واللّه إنّي لكاتب رسول اللّه يوم الحديبية فكتب : محمّد رسول اللّه ، فقال المشركون : لست برسول اللّه ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ، فأمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمحيه ، فقلت : لا أستطيع ، قال : فأرنيه فأريته إيّاه فمحاه بيده وقال : إنّك ستدعى إلى مثلها فتجيب ، قال عمرو : سبحان اللّه أنشبه الكفّار ونحن مؤمنون (4) ؟ ! فقال : اكتبوا : هذا ما تقاضى (5) عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان . قاضى عليّ على أهل الكوفة ومَن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين (6) ، وقاضى معاوية على أهل الشام ومن معهم (7) إنّا ننزل عند حُكم اللّه وكتابه ، وأن لا يكون بيننا غيره ، وأنّ كتاب اللّه تعالى بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحيا ما أحيا ونميت ما أمات (8) . فما وجد الحَكمان [ذلك ]في كتاب اللّه تعالى اتّبعناه وهما أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص عملا به وما لم يجدا في كتاب اللّه تعالى فالسنّة العادلة الجامعة غير المفرقة ، وأخذ الحَكمان من عليٍّ ومعاوية وجنديهما عهودا ومواثيق أنهما آمنان على أنفسهما

.


1- .في (أ) : وإلاّ .
2- .انظر المصادر السابقة باختلاف يسير في اللفظ كما أوضحناه في الهامش السابق ، وانظر دلائل النبوّة للبيهقي : 4 / 105 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : 2 / 232 .
3- .في (أ) : سنته بسنته ، وفي تاريخ الطبري كما أثبتناه بإضافة : ومثل بمثل .
4- .انظر المصادر السابقة .
5- .في (أ) : ما تراضى .
6- .في (أ) : ومَن معهم (بدل) ومَن كان معه . . .
7- .في (ب ، د) : ومَن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين .
8- .في (د ، ج) : نحيا ما أحيا القرآن ونميت ما أمات القرآن .

ص: 470

[وأموالهما ]وأهليهما والاُمّة لهما أنصار على الّذي يتقاضيان (1) عليه وعلى أبي موسى عبداللّه بن قيس وعمرو عهد اللّه وميثاقه أن يحكما بين هذه الاُمّة بحكم القرآن ولا يردّاها في حرب ولا فرقة حتّى يقضيا وأجل القضاء إلى انسلاخ رمضان (2) ، وإن أحبّا أن يؤخّرا ذلك أخّراه وأنّ مكان قضيّتهما مكانا عدلاً بين أهل الكوفة وأهل الشام (3) .

وكتب في الصحيفة الأشعث بن قيس ، وعدي بن حجر ، وسعد بن قيس الهمداني ، وورقاء بن شمس ، وعبداللّه بن عكل العجلي ، وحجر بن عدي الكندي ، وعقبة بن زياد الحضرمي ، ويزيد بن حجرة التميمي ، ومالك بن كعب الهمداني ، هؤلاء كلّهم من أصحاب عليٍّ عليه السلام 4 .

.


1- .في (ب) : يقضيان .
2- .في (أ) : وأجل الفتيا إلى رمضان .
3- .انظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 234 ، 2 / 191 باختلاف يسير في اللفظ ، ينابيع المودّة : 2 / 19 ، الإمامة والسياسة : 1 / 152 ، وقعة صفين : 504 _ 506 فزاد فيه شيئا على ما ذكره أصحاب السِير والتاريخ فراجع ، وانظر تاريخ الطبري : 4 / 38 _ 39 ، الكامل في التاريخ : 3 / 321 ، مروج الذهب : 2 / 404 ، أعيان الشيعة : 1 / 514 ، الأخبار الطوال : 194 _ 195 ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 201 .

ص: 471

وكتب من أصحاب معاوية : أبو الأعور السلمي ، وحبيب بن مسلمة ، وزمل (1) بن عمرو العذري (2) ، ومرّة بن مالك الهمداني ، وعبدالرحمن بن خالد المخزومي ، وسبيع بن يزيد الأنصاري ، وعتبة بن أبي سفيان ، ويزيد بن الحارث العبسي 3 . وخرج بالكتاب الأشعث بن قيس يقرأه (3) على الناس (4) وكانت كتابته يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين (5) ، واتّفقوا على أن

.


1- .في (أ) : زميل .
2- .في (أ) : العدوي .
3- .في (أ) : فقرأه .
4- .انظر مروج الذهب : 2 / 404 ، أعيان الشيعة : 1 / 514 ، وقعة صفين : 512 ، تاريخ الطبري : 4 / 39 ، الكامل في التاريخ : 3 / 322 ، الأخبار والطوال : 196 ، ينابيع المودّة : 2 / 19 .
5- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 40 ، وقعة صفين : 508 ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 202 هامش رقم 2 ، الأخبار الطوال : 195 ، ينابيع المودّة : 2 / 19 ، الاستيعاب بهامش الإصابة : 2 / 473 .

ص: 472

يكون اجتماع الحَكمين _ وهما أبو موسى عبداللّه بن قيس الأشعري وعمرو بن العاص بن وايل السهمي _ بدومة الجندل 1 وهو موضع كثير النخل وبه حصن اسمه مارد قال أبو سعيد الضرير : دومة الجندل في غايظ من الأرض خمسة فراسخ فيها عين تسقي النخل والزرع ، انتهى .

ثمّ رجع الناس عن صفّين ولمّا رجع عليّ عليه السلام إلى الكوفة خالفت الحرورية 2

.

ص: 473

وخرجت وانكرت التحكيم وقالت : لا حكم إلاّ للّه ، 1 ولا طاعة لمن عصى (1) . وكان ذلك أوّل ما ظهر من مرامهم (2) ورجعوا إلى غير الطريق الّذي كانوا فيه .

.


1- .انظر المصادر السابقة ، بالإضافة إلى ابن أعثم : 2 / 248 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 29 ، المسترشد في إمامة أمير المؤمنين لابن رستم الطبري الإمامي : 389 ، أعيان الشيعة : 1 / 515 ، شرح النهج تحقيق محمّد أبو الفضل : 2 / 238 .
2- .في (ب) : عن امرهم ، وفي (د) : مرادهم .

ص: 474

ولمّا جاء (1) أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام النُّخَيْلة (2) ورأى بيوت الكوفة فإذا بعبد اللّه بن وديعة الأنصاري (3) قد لقاه فدنا منه (4) وسلّم عليه وقال : مرحبا يا أمير المؤمنين ، ثمّ إنّه سايره فقال له عليّ عليه السلام : ما سمعت الناس يقولون [في أمرنا هذا؟] (5) قال: يقولون: إنّ عليّا كان له جمع عظيم ففرَّقه،وكان له حصن حصين فهدمه فمتى يبني ما انهدم (6) ويجمع ما تفرّق (7) ؟ ولو كان مضى بمن أطاعة إذ عصاه من عصاه فقاتل حتّى يظفر (8) أو يهلك كان ذلك (9) الحزم (10) . فقال عليّ عليه السلام : أنا هدمت أم هم هدموا ؟ أنا فرّقت أم هم فرّقوا ؟ وأمّا قولهم «كان يمضي بمن أطاعه فيقاتل حتّى يظفر أو يَهلك» فواللّه ما غبِيَ (11) هذا عنّي وإن كنت لسخيّا (12) بنفسي عن الدنيا طيّب النفس بالموت ولقد هَممتُ بالإقدام على القوم فنظرت إلى هذين قد ابتدراني _ يعني الحسن والحسين عليهماالسلام _ ونظرت إلى هذين الآخرين وقد استقدماني _ يعني عبداللّه بن جعفر ومحمّد ابن الحنفية(رض) فعلمت أنّ هذين إن هلكا انقطع نسل محمّد صلى الله عليه و آله (13)

.


1- .في (ب) : جاوز .
2- .النُخيلة : موضع قرب الكوفة على سمت الشام ، انظر معجم البلدان : 8 / 276 ، وتاريخ الطبري : 5 / 236.
3- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 44 ، وقعة صفين : 529 .
4- .كذا في تاريخ الطبري وهو الصحيح ، وفي الأصل : منّا .
5- .تاريخ الطبري : 4/44 مع اختلاف يسير في اللفظ، وقعة صفين: 529 لكن بإضافة: انّ عبداللّه بن وديعة قرأ قوله تعالى «وَ لاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ» فقال له : فما يقول ذَوُو الرأي ؟ قال : يقولون : إنّ عليّا . . . .
6- .في (د): مثل ما قد هدم .
7- .في (ب ، ج) : ما قد خرق .
8- .في (د) : يظفره اللّه .
9- .في (ب) : ذلك هو .
10- .المصدر السابق ، وقعة صفين : 529 مع اختلاف يسير في اللفظ .
11- .في (أ) : خَفِيَ .
12- .في (أ) : سخيّا .
13- .في (أ) : فقلت : هذين إن يهلكا يقطع نسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ص: 475

من هذه الاُمّة فكرهتُ ذلك ، وأشفقت أيضا على هذين أن يهلكا على أثرهما ؛ وأيم اللّه إن لقيتهم (1) بعد يومي هذا لألقينّهم وهم معي في معسكر (2) . ثمّ حرّك دابته ومضى وإذا على جنبه قبور ستة أو سبعة (3) فقال عليّ عليه السلام : لمن هذه القبور ؟ فقالوا (4) : يا أميرالمؤمنين الخبّاب بن الأرت بعد مخرجك أوصى إن مات أن يدفن ظاهر البلد 5 . وكان الناس قبل ذلك يدفنون موتاهم في دورهم وأفنيتهم ، وكان أوّل من دُفن بظاهر الكوفة هو ودُفن الناس إلى جنبه (5) ، فقال عليّ عليه السلام : رحم اللّه خبّابا ، فلقد أسلم راغبا ، وهاجَر طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتُليَ في جسمه (6) أحوالاً (7) ، ولن يُضيع اللّه أجرَ من أحسنَ عملاً (8) . ووقف عليهما وقال : السلام عليكم

يا أهل الديار الموحِشة ، والمَحالِّ المقفرة من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، أنتم لنا سَلفٌ (9) ونحن لكم تَبع وبكم عَمّا قليل لاحِقون ، اللّهمّ اغْفِر لنا ولهم وتجاوز بعفوك عنّا وعنهم ، طوبى لمن ذكر المَعَاد ، وعَمِل للحساب ، وقَنَع بالكَفاف ، ورضي عن اللّه عزّ وجلّ (10) . ثمّ أقبل حتّى حاذى سكّة الثوريّين (11) فسمع البكاء فقال : ما هذه الأصوات ؟ فقيل : البكاء على قتلى صفين (12) ، فقال عليه السلام :أمّا إنّى أشهدُ لمن قُتِل منهم صابرا محتسبا بالشهادة . ثمّ مرّ بالفائشيّين (13) فسمع مثل ذلك ، ثمّ مر بالشباميّين (14) فسمع مثل ذلك وسمع معه رجّة (15) شديدة (16) فوقف فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي (17) فقال له أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : ما هذا! تغلبكم نساؤكم ؟

.


1- .في (أ): لقيتم .
2- .في (ب) : وليس هما معي في معسكرٍ ولا دار . (انظر المصدر السابق ، وقعة صفين : 530) .
3- .تاريخ الطبري : 4 / 44 ، لكن في وقعة صفين : 530 قال : بقبورٍ سبعة أو ثمانية .
4- .المصدر السابق ، وقعة صفين : 530 ولكنه ذكر القائل وهو قدامة بن عَجْلان الأزدي .
5- .في (ج) : جانبه .
6- .في (ب) : جسده .
7- .في (أ): سنينا .
8- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 44 باختلاف يسير في اللفظ . وأخرج هذا الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام الطبراني وأشار إليه ابن حجر في الإصابة : 1 / 316 ، وقعة صفين : 530 _ 531 ، نهج البلاغة ضبط الدكتور صبحي الصالح : 476 حكمة رقم 43 بإضافة : وقنع بالكفاف ، ورضي عن اللّه ، اُسد الغابة : 2 / 100 ، البيان والتبيين : 2 / 94 ، العقد الفريد : 3 / 238 ، حلية الأولياء : 1 / 147 ، زهر الآداب : 1 / 42 .
9- .في (ب ، د) بإضافة : وفرط .
10- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 45 ، وقعة صفين : 531 مع اختلاف يسير في اللفظ .
11- .في (أ) : الصورين .
12- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 45 مع اختلاف يسير في اللفظ ، وقعة صفين : 529 _ 531 ، وفي (د) من قتل يوم صفين .
13- .في (أ) : بالقاسقطين ، وفي (د) : القابسين .
14- .في (أ) : بالشاميين .
15- .في (ج) : رنّة .
16- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 45 ، وقعة صفين : 531 .
17- .المصدرين السابقين . وشبام _ بالكسر _ حيّ من همدان .

ص: 476

ألا تنهونهنّ عن هذه الفعال (1) ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا أو أربعا قَدَرْنا على ذلك ولكن قُتل من هذا الحيِّ وحده مائة وثمانون قتيل (2) فليس دارا إلاّ وفيها البكاء ، وأمّا نحن معشر (3) الرجال فإنّا لا نبكي ولكن نفرح لهم بالشهادة (4) ، فقال عليّ عليه السلام : رحم اللّه قتلاكم ، وغفر لموتاكم (5) . وأقبل حرب يمشي وعليّ عليه السلام راكب فقال له : ارجع ، وأمسك دابّته عن السير ، فقال: بل أمشي بين يديك يا أمير المؤمنين ، فقال : بل ارجع فإنّ مَشْيَ مثلك مع مثلي فتنةٌ للموالي ومَذلّه للمؤمنين (6) . ثمّ مضى فلم يزل يذكر اللّه تعالى حتّى دخل الكوفة 7 . قال ابن خيثمة: وفي أوائل سنة سبع وثلاثين سار معاوية من الشام وكان قد دعا لنفسه وعليّ بن أبي طالب عليه السلام من العراق فالتقيا بصفين الفرات (7) . فقُتل من أصحاب عليّ عليه السلام

.


1- .انظر المصدرين السابقين مع اختلاف يسير في اللفظ ، وفي (ج) : عن هذا الصياح .
2- .في (أ) : رجل .
3- .في (أ) : معاشر .
4- .انظر المصدرين السابقين مع اختلاف يسير في اللفظ ، وفي (أ) : نفرح بالشهادة .
5- .تاريخ الطبري : 4 / 46 ، وقعة صفين : 532 مع اختلاف يسير في اللفظ .
6- .انظر المصدرين السابقين ، وفي (أ) : فتنة الموالي ومذلّة المؤمنين .
7- .انظر وقعة صفين : 539 .

ص: 477

خمسة وعشرون ألفا (1) منهم عمّار بن ياسر (2) (رض) وخمسة وعشرون بدريا 3 ،

.


1- .انظر مروج الذهب : 2 / 436 ، تذكرة خواصّ الائمة لسبط ابن الجوزي : 81 ، لكن في مروج الذهب :2 / 404 قال : وبلغ عدد القتلى من أهل العراق عشرين ألفا . وانظر البداية والنهاية لابن كثير : 7 / 275 ، وقيل غير ذلك .
2- .تقدّمت ترجمته .

ص: 478

وكان عدّة عسكره تسعون (1) ألفا . وقُتل من أصحاب معاوية خمس وأربعون ألفا (2) وكان عدّتهم مائة ألف وعشرون ألفا (3) . وذكر أنهما أقاما بصفين مائة يوم وعشرة أيام (4) وكان بينهم سبعون وقعة ، ثمّ

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .انظر وقعة صفين: 458، لكن في مروج الذهب: 2/404 قال: وبلغ عدد القتلى من أهل الشام تسعين ألفا.
3- .انظر مروج الذهب : 2 / 404 .
4- .مروج الذهب للمسعودي : 2 / 405 .

ص: 479

تداعيا إلى الحكومة فرضي عليّ وأهل الكوفة بأبي موسى الأشعري ، ورضي معاوية وأهل الشام بعمرو بن العاص ، وعلى أنّ الحَكمين يجتمعان بدومة الجندل بأن ينظرا للمسلمين ويتفقان على حالة واحدة ورأي واحد ويختارا أمرا يكون فيه مصلحة للمسلمين وائتلاف الفريقين ومهادنة بين الفئتين ، انتهى .

ولمّا دخل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام الكوفة لم يدخل الخوارج معه وأتوا حرورا (1) فنزلوا بها وهم اثنا عشر ألفا (2) ، ونادى مناديهم : إنّ أمير القتال شبث بن ربعي التميمي (3) ، وأمير الصلاة عبداللّه بن الكوّاء اليشكري 4 ، والأمر

.


1- .تقدّمت الإشارة إليها .
2- .انظر مروج الذهب : 2 / 405 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير : 3 / 326 ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 248 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 29 ، تاريخ الطبري : 4 / 46 ، و : 6 / 35 ط اُخرى .
3- .تقدّمت ترجمته .

ص: 480

شورى بعد الفتح والبيعة للّه عزّ وجلّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1) ، وزعموا أنّ عليا عليه السلام كان إماما إلى أن حَكم الحَكمين فشكّ في دينه وحار في أمره وأنه الحيران الّذي ذكره اللّه في القرآن بقوله تعالى : «لَهُ أَصْحَ_بٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى» (2) وكذبوا فيما زعموا _ قاتلهم اللّه _ وإنّما ضرب اللّه تعالى بالآية المذكورة مثلاً لغيره كما هو معروف في كتب التفاسير وليس عليّ عليه السلام بحيران بل به يهتدي الحيارى .

ولمّا سمع عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو وأصحابه ذلك بعث إليهم عبداللّه بن عبّاس وقال له : لا تعجل في (3) جوابهم وخصومتهم حتّى آتيك فإنّي في أثرك (4) ، فلمّا أتاهم

.


1- .انظر الكامل لابن الأثير : 3/326 ، دلائل النبوّة : 4/147 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2/232 ، و :1/258، خصائص أمير المؤمنين : 150 ، الكامل في التاريخ : 2 / 204 ، وشرح النهج للعلاّمة الخوئي : 4 / 126 نفس اللفظ .
2- .الأنعام : 71.
3- .في (ب) : على .
4- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 47 لكن بدون لفظ «فإنّي في أثرك» ، والفتوح لابن أعثم : 2 / 248 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 29 وفيه : قال له : يا ابن عباس امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه ولماذا اجتمعوا ، الكامل في التاريخ : 3 / 326 مثل لفظ الطبري ، المسترشد في الإمامة للحافظ ابن رستم الطبري الإمامي : 389 ، وانظر مناشدته ومحاججاته مع الخوارج في كشف اليقين : 162 ، الرياض النضرة : 2 / 240 الطبعة الاُولى ، الخصائص للنسائي : 48 ط مصر .

ص: 481

عبداللّه بن عباس رحّبوا به وأكرموه (1) . وقالوا : ما الّذي جاء (2) بك يا ابن عبّاس ؟ قال : جئتكم من عند خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله (3) وابن عمّه (4) وأعلمنا بربّه وسنّة نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله 5 ، فقالوا : يا ابن عباس إنّا أذنبنا ذنبا عظيما حين حكّمنا الرجال في دين

.


1- .انظر خصائص أمير المؤمنين للنسائي : 150 _ 152 ح 185 ، دلائل النبوّة : 4 / 147 ، المناقب للخوارزمي : 192 ح 231 ، الكامل في التاريخ : 2 / 204 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 232 ، و : 10 / 258 ، الارشاد للشيخ المفيد : 63 ، مجمع البيان : 5 / 119 ، المصنّف لعبد الرزاق : 10 / 157 _ 160 ح 81678 ، جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبرّ : 2 / 103 ، الحاكم في المستدرك : 2 / 150 ، مناقب ابن المغازلي : 406 ح 460 .
2- .في (أ) : ما جاء .
3- .في (د) : من المهاجرين والأنصار .
4- .في (ب) : وابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصهره .

ص: 482

اللّه تعالى ، فإن تاب كما تبنا ونهض لمجاهدة عدوّنا رجعنا إليه (1) .

فلم يصبر ابن عباس على (2) مجاوبتهم وقال : اُنشدكم اللّه إلاّ [ما] صدقتم ، أما قال اللّه تعالى : «فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَ_حًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَآ» (3) في حقّ المرأة وزوجها ؟ قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : فكيف باُمة محمّد صلى الله عليه و آله (4) ؟ فقالت الخوارج : أمّا ما جعل اللّه تعالى حكمه إلى الناس وأمرهم بالنظر فيه والاصلاح له فهو إليهم ، وأمّا ما حكم به وأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه ، حكم في الزاني (5) مائة جلدة ، وفي السارق بقطع يده (6) ، فليس للعباد أن ينظروا في هذا (7) . فقال ابن عباس(رض) :[و] قال اللّه تعالى : «يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ [ وآخران من غيركم ] هَدْيَا بَ__لِغَ الْكَعْبَةِ» (8) في أرنب يساوي ربع درهم يصاد فى الحرم 9 ، فقالوا :

.


1- .انظر شرح النهج للعلاّمة الخوئي : 4 / 126 ، تذكرة الخواصّ : 95 . ولكن ذكر صاحب النهج لابن أبي الحديد : 2 / 233 و238 و240 أنّ أصل هذا الكلام قالته الحرورية للإمام عليّ عليه السلام وليس لابن عباس بلفظ : يا عليّ قد كنّا زللنا وأخطأنا حين رضينا بالحكمين ، وقد بان لنا أ نّا زللنا وأخطأنا فرجعنا إلى اللّه [تعالى ]وتبنا ، فأرجع أنتَ يا عليّ كما رجعنا وتب إلى اللّه كما تبنا وإلاّ برئنا منك . . . (وانظر ينابيع المودّة : 2 / 20 _ 21 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 238 تحقيق محمّد أبو الفضل ، وقعة صفين : 517 ، الإمامة والسياسة : 1 / 168 ، الكامل لابن الأثير : 2 / 404) .
2- .في (ب) : عن .
3- .النساء : 35 .
4- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 47 .
5- .في (أ) : الزنا .
6- .في (أ) : القطع .
7- .المائدة : 95 ، وما بين المعقوفتين ليس من الآية ، فهو إمّا خطأ من المصنّف أو من النسّاخ ، فتأمّل .
8- .انظر تذكرة الخواصّ : 95 وشرح النهج للعلاّمة الخوئي : 2 / 126 ، وفي 275 : وفي صيد اُصيب كأرنب يساوي نصف درهم .

ص: 483

[أ] تجعل الحكم في الصيد وشقاق الرجل وزوجته كالحكم في دماء المسلمين ؟ (1) ثمّ قالوا له: أعدل (2) عندك عمرو بن العاص وهو بالأمس يقاتلنا [ويسفك دماءنا]؟ فإن كان عدلاً فلسنا بعدول [ونحن أهل حربه] وقد حكمتم بأمر اللّه تعالى : «الرِّجَالُ قَوَّ مُونَ عَلَى النِّسَآءِ» (3) وقد أمضى اللّه تعالى حكمه في معاوية وأصحابه أن يُقتلوا أو يرجعوا ، وقد كتبتم بينكم وبينهم كتابا وقد جعلتم بينكم الموادعة ، وقد قطع اللّه الموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة إلاّ من أقرّ بالجزية (4) . ثمّ خرج عليّ عليه السلام في أثر عبداللّه بن عباس فانتهى إليهم وهم يخاصمونه وهو يخاصمهم، فقال له عليّ عليه السلام :ألم أنهك عن كلامهم (5) ؟ثمّ قال لهم عليّ عليه السلام : مَن زعيمكم؟ قالوا: عبداللّه بن الكوّاء ، فقال لهم : عليَّ به ، فلمّا حضر قال له عليّ عليه السلام : ما أخرجكم علينا هذا المخرج ؟ قالوا : حكومتكم (6) يوم صفين ، فقال له عليّ : اُنشدكم (7) اللّه تعالى ألم أقل لكم حين (8) رفعوا المصاحف : أنا أعلم بالقوم منكم ، إنّهم استحر بهم القتل ، وإنّما رفعوها خديعةً ومكيدةً لكم ليفتنوكم ويثبّطوكم عنهم ويقطعون الحرب ويتربّصون بكمُ الدوائر [وذكر لهم جميع ما كان في ذلك اليوم ]فلم تسمعوا منّي ، واشترطت على الحَكمين أن يحييا ما أحيا القرآن ويميتا ما أمات القرآن (9) ، فان

.


1- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 47 باختلاف يسير مع زيادة : أوَ تجعل الحكم في الصيد والحدث يكون بين المرأة وزوجها كالحكم في دماء المسلمين ؟ وقالت الخوارج : قلنا له : فهذه الآية بيننا وبينك .
2- .في (ج) : فكأن .
3- .إشارة إلى الآية الكريمة « الرِّجَالُ قَوَّ مُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ » النساء : 34.
4- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 251 مع اختلاف في اللفظ ، وتاريخ الطبري : 4 / 47 أيضا .
5- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 47 بلفظ «ألم أنهك رحمك اللّه » . وقيل : قال له عليه السلام : انته عن كلامهم .
6- .في (أ) : قال تحكيمكم .
7- .في (د) : ناشدتكم .
8- .في (ب ، د) : يوم .
9- .في (أ) : ما أماته .

ص: 484

حَكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالفه ، وإن أبيا فنحن من حُكمهما براء 1 .

.

ص: 485

فقالوا : «أخبرنا عن عمرو أتراه عدلاً حتّى تحكّمه في الدماء (1) ؟ قال : إنّما حكّمت القرآن ، وهذا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين دفّتين لا ينطق إنّما (2) يتكلّم به الرجال (3) . فقالوا فأخبرنا (4) عن الأجل لِمَ جعلته فيما بينك وبينهم ؟ (5) قال : ليعلم الجاهل ويتثبّت (6) العالم ولعلّ اللّه عزّ وجلّ أن يصلح الاُمّة في هذه الهدنة (7) هذه المدة ويلهمها رشدها (8) .

قالوا : فأخبرنا عن يوم كتبت الصحيفة إذ كتب الكاتب : هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، فأبى عمرو أن يقبل منك أنك أمير المؤمنين ، فمحوت اسمك من إمرة المؤمنين فقلت (9) للكاتب : اكتب هذا ما تقاضى عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان . فإن لم تكن أنت أمير

.


1- .انظر التاريخ الطبري : 4 / 48 باختلاف يسير في اللفظ ، الإرشاد : 1 / 271 .
2- .في (أ) : وإنّما .
3- .المصدران السابقان ، تذكرة الخواصّ : 96 ، قريب من هذا اللفظ .
4- .في (أ) : وأخبرنا .
5- .في (أ) : لم جعلته بينكم .
6- .في (د) : يثبت .
7- .في (أ) : يصلح الاُمّة في هدن ، وفي (د) : هدى هذه الاُمّة ، وفي نهج البلاغة لصبحي الصالح (خطبة 125) : أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الاُمّة .
8- .المصدران السابقان ، تاريخ الطبري : 5 / 65 ط اُخرى ، البحار : 8 / 611 ط بيروت .
9- .في (أ) : وقلت .

ص: 486

المؤمنين ونحن المؤمنون فلست بأمير (1) ، فقال عليّ عليه السلام :يا هؤلاء أنا كنت كاتب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الحديبية ، فقال النبى صلى الله عليه و آله : اكتب : هذا ما اصطلح (2) عليه محمّد رسول اللّه وسهيل بن عمرو ، فقال سهيل : لو علمنا أنك رسول اللّه ما صددناك ولا قاتلناك ، فأمرني رسول اللّه فمحوت اسمه من الكتاب وكتبت : هذا ما اصطلح عليه محمّد بن عبداللّه . وإنمّا محوت اسمي من إمرة المؤمنين كما محا رسول اللّه اسمه من الرسالة،فكان لي به اُسوة فهل عندكم شيء غير هذا تحتجّون عليَّ به؟ فسكتوا (3) . فقال لهم: قوموا فادخلوا مصركم يرحمكم اللّه (4) ، قالوا: ندخل ولكن نريد أن نمكث مدّة الأجل الّذي بينك وبين الحكمين هاهنا ليجبى المال ويسمن الكراع (5) ثمّ ندخل (6) . فانصرف عنهم عليّ عليه السلام وهم كاذبون فيما زعموه قاتلهم اللّه . ولمّا جاء وقت الحَكمين أرسل عليّ عليه السلام مع أبي موسى الأشعري أربعمائة (7) راكب

.


1- .انظر المصدران السابقان ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 270 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 30 ، الكامل للمبرّد : 543 قريب من هذه الألفاظ ، الكامل في التاريخ : 3 / 181 و182 ، وشرح النهج تحقيق محمّد أبو الفضل : 2 / 275 ط آخر .
2- .في (أ) : تصالح .
3- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 48 باختلاف يسير في اللفظ ، وكشف اليقين : 164 ، تذكرة الخواصّ : 95 ، مروج الذهب : 2 / 404 ، شرح النهج للعلاّمة الخوئي : 4 / 126 ، الكامل لابن الأثير : 3 / 334 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائى : 150 ، دلائل النبوّة للبيهقي : 4 / 147 ، المناقب للخوارزمي : 192 ، الكامل في التاريخ : 2 / 204 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 232 ، و : 10 / 147 ، الارشاد للشيخ المفيد : 63 ، مجمع البيان : 5 / 119 ، البداية والنهاية : 7 / 287 ، الأغاني : 5 / 9 ، ينابيع المودّة : 2 / 20 _ 21 ، وقعة صفين : 517 قريب من هذا اللفظ .
4- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 48 باختلاف يسير .
5- .في (أ) : ليجنى المال ويسمى الكراع .
6- .المصدر السابق .
7- .المصدر السابق : 4 / 49 والفتوح لابن أعثم : 2 / 205 وفيه «خمسائة رجل من أصحابه» بدل «أربعمائة» . وفي مروج الذهب : 2 / 406 مثل ما في الطبري ، وكذلك في وقعة صفين : 533 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد تحقيق محمّد أبو الفضل : 2 / 244 وفي الإمامة والسياسة : 1 / 153 ذكر في الهامش خمسمائة رجل .

ص: 487

وعليهم شريح بن هاني الحارثي 1 ومعهم عبداللّه بن عباس (رض) يصلّي بهم . وأرسل معاوية مع عمرو بن العاص أربعمائة (1) رجل من أهل الشام وتوافوا بدومة الجندل ، وحضر معهم : عبداللّه بن عمر (2) ، وعبدالرحمن بن أبي بكر (3) ، وعبداللّه بن الزبير (4) ، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام (5) ، وعبدالرحمن بن يغوث الزهري 7 ،

.


1- .انظر المصادر في الهامش الأسبق .
2- .تقدّمت ترجمته .
3- .عبدالرحمن بن أبي بكر : شهد يوم بدر مع المشركين ، ثمّ أسلم ومات سنة ثلاث وخمسين بجبل بقُرب مكة ، فأدخلته عائشة بنت أبي بكر الحَرم ودفنته وأعتقت عنه ، وكان شهد الجمل مع عائشة ويكنى : أبا عبداللّه ، وقد تقدّمت ترجمته . وانظر المعارف لابن قتيبة : 174 ، الاستيعاب : 2 / 393 ، اُسد الغابة : 3 / 306 ، الإصابة : 2 / 400 ، شذرات الذهب حوادث سنة 35 ه ، المستدرك : 3 / 476 وهو القائل لمعاوية أهرقليّة ؟ إذا مات كسرى كان كسرى مكانه . هذا لمّا أراد معاوية البيعة ليزيد .
4- .تقدّمت ترجمته وانظر المعارف لابن قتيبة : 282 وفيه : عبدالرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة ، وكان يكنى : أبا محمّد ، وكان اسمه ابراهيم فدخل على عمر بن الخطّاب في ولايته حين أراد أن يغيّر أسماء المسلمين بأسماء الأنبياء فسمّاه عبدالرحمن فثبت اسمه إلى اليوم .
5- .هو عبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري ، ولد على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومات أبوه في ذلك الزمان . (انظر الإصابة : 5072 ، وتهذيب التهذيب) .

ص: 488

وأبو جهم بن حذيفة الندوي (1) ، والمغيرة بن شعبة (2)(3) . وكان سعد بن أبي وقّاص (4) على ماء لبني سُليم بالبادية فأتاه ابنه عمر وقال (5) له : إنّ أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص فقد حضرا للحكومة وقد شهدهم نفر من قريش فاحضر معهم فإنكّ صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأحد الستة الّتي كانت الشورى فيهم ولم تدخل في أمرٍ تكرهه هذه الاُمّة وأنت أحقّ الناس بالخلافة ، فلم يفعل 6 . وقيل : بل حضرهم [سعد] ثمّ ندم على حضوره فأحرم ،

.


1- .تقدّمت ترجمته .
2- .انظر وقعة صفين : 541 .
3- .انظر وقعة صفين : 539 وفيه يذكر : عبداللّه بن الزبير ، وعبداللّه بن عمر ، وأبو الجهم بن حذيفة ، وعبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري ، وعبداللّه بن صفوان الجمحي ، ورجال من قريش ، وأتاه المغيرة وكان مقيما بالطائف . . . وانظر وتاريخ الطبري : 4 / 49 .
4- .تقدّمت ترجمته ، والإصابة في الاستيعاب بهامش الإصابة : 2 / 18 _ 25 والإصابة : 2 / 30 _ 32 ، وتاريخ الطبري : 4 / 49 .
5- .في (ج) : فقال .

ص: 489

بعمرة من بيت المقدس وتوجّه إلى مكة المشرّفة محرما (1) . وكان عمرو بن العاص بعد تحكيم عليّ عليه السلام ومعاوية له ولأبي موسى الأشعري يقدّم أبا موسى في كلّ شيء ، ويظهر له الاحترام والإعظام (2) ويقول له : لا أتقدّمك في أمر من الاُمور ولا في شيءٍ من الأشياء ولا في كلامٍ ولا في غيره لأنّك (3) أسنّ منّي (4) وأنّك (5) صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله (6) وقد دعا لك وقال : اللّهمّ اغفر لعبداللّه بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريما . حتّى استقرّ ذلك في نفس أبي موسى [اطمأن عليه وظنّ أ نّه لا يغشّه ]وسكن في خاطره وظنّ أنّ تقديمه له على نفسه تعظيما له وتكريما (7)

.


1- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 48 حيث قال : وزعم الواقدي أن سعدا قد شهد مع مَن شهد الحكمين وأنّ ابنه عمر لم يدعه حتّى أحضره أذرع فندم فأحرم من بيت المقدس بعمرة .
2- .انظر الفتوح لابن أعثم: 2 / 207 تحت عنوان: ذكر غرور عمرو بن العاص صاحبه _ ويقصد به الأشعري _ وكيف يستقبله ويسلّم عليه ويصافحه ويضمّه إلى صدره ويقول له: يا أخاه طال عهدي بك قبّح اللّه أمرا فرّق بيننا ، ثمّ أقعده على فراشه وأقبل إليه يحدّثه ساعة ، ثمّ دعا عمرو بالطعام فأكلا جميعا. وقد نقلناه بتصرّف. وانظر وقعة صفين: 544 باختلاف يسير فى اللفظ ، والطبري في تاريخة: 6 /39 ، و: 4 / 51 ط اُخرى بلفظ: فكان عمرو قد عوّد أبا موسى أن يقدّمه في كلّ شيء اغتزى بذلك كلّه أن يقدمه. ويقول صاحب وقعة صفين فى الهامش رقم 5: «اغتزى» هي الصحيحة نقلاً عن اللسان: 19 / 359 معتمدا على ابن الأعرابي في شعره «قد يغتزى الهجران بالتجرّم» لأنّ في متن وقعة صفين يقول: وانّما اغترّه بذلك ليقدِّمه. وانظر هامش رقم 2 من الإمامة والسياسة: 157.
3- .في (ب) : أنت .
4- .تاريخ الطبري : 4 / 51 ، والأخبار الطوال : 200 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 254 وفيه «وأنت أكبر منّي سنّا» ، وينابيع المودّة : 2 / 24 .
5- .في (أ) : وأنت .
6- .المصادر السابقة ، لكنها لا تذكر «وقد دعا لك وقال اللّهمّ اغفر لعبداللّه بن قيس . . .» ونحن فتّشنا عن هذا القول في المصادر الّتي بايدينا فلم نعثر عليه .
7- .المصادر السابقة ، ولكن بلفظ قريب من هذا ، وانظر الكامل في التاريخ : 3 / 168 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 3 / 451 ، وتاريخ الطبري : 6 / 39 ط اُخرى .

ص: 490

وانّما هو دهاءً وخديعةٌ منه له (1) . ولمّا اجتمعا للحكومة وتفاوضا في الكلام وكان كلام عمرو بن العاص أن قال لأبي موسى : ألستَ (2) تعلم أنّ عثمان قُتل مظلوما ؟ قال : أشهد (3) ، قال : ألستَ (4) تعلم أنّ معاوية وآل معاوية أولياؤه ؟ قال : نعم (5) ، قال فما يمنعك من تولية معاوية وليّ عثمان (6) وبيته (7) في قريش كما علمت ، فإن تخوّفت أن يقول الناس ولّى معاوية وليست له سابقةّ (8) فقد وجدته ولّى عثمان الخليفة المقتول (9) ظلما وهو الطالب بدمه مع ما له من حُسن السياسة والتدبير 10 وهو أخو

.


1- .المصادر السابقة ، ولكن بلفظ قريب من هذا أيضا ، وفي هامش رقم 2 من الإمامة والسياسة : 157 قال : وكان عمرو قد حاك خدعته بدقة وأحاط بأبي موسى من كلّ جانب ، والرجل غافل لا يدري كيف تجري الاُمور ، وما يخطّط عمرو وما يرسم في ذهنه حتّى أنّ معاوية نفسه شكّك بنية عمرو واسترابه . وفي وقعة صفين : 545 قال : وكان أبو موسى رجلاً مغفلاً . ومثل ذلك في شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 254 و255 وينابيع المودّة : 2 / 25 ، وفي (ب ، ج) : كان مكرا وخديعة واغترارا منه له .
2- .في (أ) : ألم .
3- .تاريخ الطبري : 4 / 49 ، وانظر الإمامة والسياسة : 1 / 156 مع اختلاف في اللفظ ، الأخبار الطوال : 199 ، وقعة صفين : 514 ، شرح النهج لابن أبي الحديد تحقيق محمّد أبو الفضل : 2 / 252 ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 210 ، الكامل في التاريخ : 3 / 331 ، مروج الذهب : 2 / 440 .
4- .تاريخ الطبري : 4 / 49 وأضاف : قال فإنّ اللّه عزّ وجلّ قال : « وَ مَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَ_نًا فَلاَ يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا » الإسراء : 33 . وانظر وقعة صفين : 541 ، والإمامة والسياسة : 1 / 156 _ 157 ، شرح النهج لابن أبي الحديد تحقيق محمّد أبو الفضل : 2 / 252 ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 211 ، الأخبار الطوال : 201 ، مروج الذهب : 2 / 411 ، الكامل في التاريخ : 3 / 331 .
5- .في (أ) : من توليته .
6- .في (ج ، د) : وتنبيه .
7- .في (ج) : وإن خفت أن يقول الناس ليس له سابقة .
8- .في (ب ، د) المظلوم .
9- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 50 باختلاف يسير في اللفظ ، ووقعة صفين : 541 ، شرح النهج لابن أبي الحديد تحقيق محمّد أبوالفضل : 2 / 252 . وانظر أيضا الكامل في التاريخ : 3 / 331 ، ومروج الذهب : 2 / 411 قريب من هذا اللفظ .

ص: 491

اُمّ حبيبة (1) زوجة (2) النبيّ صلى الله عليه و آله وكاتب (3) وحي النبيّ صلى الله عليه و آله ، وعرض له بسلطان (4) .

فقال أبو موسى : يا عمرو اتق اللّه [عزّ وجلّ] فأمّا ما ذكرت من شرف معاوية فالشرف لأهل الدين والفضل ، مع انّي لو كنت معطيه أفضل قريش شرفا أعطيته عليّ بن أبي طالب (5) . وأمّا (6) قولك : إنّ معاوية ولّي دم عثمان فولّه هذا الأمر فلم أكن لاُولّيه (7) معاوية وأدع المهاجرين الأوّلين (8) . وأمّا تعريضك لي بالسلطان فواللّه

.


1- .اُمّ حبيبة : إسمها رملة أوهند بنت أبي سفيان الاُموية ، واُمّها صفيّة بنت أبي العاص بن اُميّة ... سبق وأن ترجمنا لها في الفصل الأوّل تحت عنوان «وأزواجه صلى الله عليه و آله » فراجع . وانظر تاريخ الطبري : 4/50، والإصابة (قسم النساء) ، الروض الأنف : 2 / 268 ، وقعة صفين : 541 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2/252 .
2- .في (أ) : زوج .
3- .سبق وأن ترجمنا لمعاوية بن أبي سفيان وكيفية دخوله هو وأبوه في الإسلام وهل دخلا في الإسلام فعلاً ودخل الإيمان ولو بقدر ذرة في قلبيهما أم لا؟ وهل حقا أنّه كان كاتبا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فراجع ذلك في الفصل الأوّل . علما إنّ الطبري : 4 / 50 لم يذكر هنا أنه كاتب وحي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بل قال : وقد صحبه فهو أحد أصحابه . وكذلك في وقعة صفين : 541 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد تحقيق محمّد أبو الفضل : 2 / 252 .
4- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 50 ، وقعة صفين : 541 بإضافة : إنْ هو وَليَ الأمرَ أكرمكَ كرامةً لم يُكرمْك أحدٌ قطّ . ومثل ذلك في شرح النهج لابن أبي الحديد تحقيق محمّد أبو الفضل : 2 / 252 .
5- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 50 مع زيادة في اللفظ . . . فإن هذا ليس على الشرف يولاّه أهله ولو كان الشرف لكان هذا الأمر لآل أبرهة بن الصباح إنما هو لأهل . . . وانظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 210 مع اختلاف يسير في اللفظ ، وقعة صفين : 541 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 254 ، و :2/253 تحقيق محمّد أبو الفضل ، الكامل لابن الأثير : 3/329 ، ومروج الذهب : 2 / 409 ، البداية والنهاية : 7/281 .
6- .في (أ) : فأمّا .
7- .في (أ) : اُوليّه .
8- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 50 ، وقعة صفين : 541 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 254 ، و : 2 / 253 تحقيق محمّد أبو الفضل ، الكامل لابن الأثير : 3 / 329 ، مروج الذهب : 2 / 408 ، البداية والنهاية : 7 / 283 .

ص: 492

لو خرج معاوية لي من (1) سلطانه[كلّه] ما ولّيته (2) . فقال له عمرو: فما تقول في ابني عبداللّه وأنت تعلم فضله وصلاحه (3) ؟ فقال: قد غمست (4) ابنك في هذه الفتنة ولا يكون ذلك (5) ، فقال عمرو: إنّ هذا الأمر لا يصلح (6) إلاّ لرجل [له ضرس ]يأكل ويطعم (7) . فسمع ابن الزبير كلمته فقال . يا أبا موسى تفطّن وتنبّه لكلام عمرو (8) . ثمّ قال : يابن العاص إنّ العرب قد أسندت إليك أمرها بعدما تقارعت (9) بالسيوف وأشرفوا على الحتوف فلا تردّنهم في فتنة واتق اللّه (10) .

.


1- .في (أ) : معاوية عن .
2- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 50 ، مع زيادة في اللفظ . . . وما كنت لأرتشي في حكم اللّه عزّ وجلّ ولكنك إن شئت أحيينا اسم عمر بن الخطّاب . . . وانظر وقعة صفين : 541 مثله ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 254 ، مروج الذهب : 2 / 408 ، البداية والنهاية : 7 / 281 .
3- .تاريخ الطبري : 4 / 50 ، وقعة صفين : 542 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 254 ، مروج الذهب : 2 / 409 ، البداية والنهاية : 7 / 283 .
4- .في (أ) : غميت .
5- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 50 مع زيادة في اللفظ فلاحظها ، وقعة صفين : 542 ، الأخبار الطوال : 200 ، شرح النهج لابن أبي الحديد تحقيق محمّد أبو الفضل : 2 / 253 ، مروج الذهب : 2 / 410 ، الكامل لابن الأثير : 3 / 330 ، البداية والنهاية : 7 / 248 .
6- .في (ب ، ح) يصلحه .
7- .تاريخ الطبري : 4 / 50 ، وقعة صفين : 542 باختلاف يسير في اللفظ ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 253 تحقيق محمّد أبو الفضل ، مروج الذهب : 2 / 411 ، الكامل : 3 / 329 ، البداية والنهاية : 7 / 247 .
8- .انظر تاريخ الطبري : 4/50 مع اختلاف في اللفظ ، و :6/39 ط اُخرى، شرح النهج لابن أبي الحديد : 1/198، و:2/253 تحقيق محمّد أبو الفضل ، مروج الذهب : 2 / 410 ، الكامل : 3 / 331 ، البداية والنهاية : 7 / 248 .
9- .في (أ) : تقارعوا .
10- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 50 ، وقعة صفين : 542 وذكر أنّ القائل هو عبداللّه بن عمر : ويلك يا ابنَ العاص ، إنّ العرب . . . ، شرح النهج : 2 / 253 تحقيق محمّد أبو الفضل ، مروج الذهب : 2 / 411 ، الكامل : 3 / 329 ، البداية والنهاية : 7 / 247 .

ص: 493

ولمّا راود عمرو بن العاص أبا موسى على معاوية وعلى ابنه عبداللّه فأبى أبو موسى منه راود أبو موسى عمرو على تولية الخلافة لعبداللّه بن عمر فأبى (1) عمرو منه ثمّ قال : هات رأيا غير هذا (2) ، فقال أبو موسى : رأيي (3) أن نخلع هذين الرجلين _ يعنى عليا ومعاوية _ ونجعل (4) الأمر شورى فيختار المسلمون من أحبّوه (5) ، فقال عمرو : الرأى ما رأيت (6) . فأقبلا على الناس بوجههما (7) وهم مجتمعون ينظرون ما يتّفقان عليه (8) ، فقال عمرو : تكلّم يا أبا موسى وأخبرهم أنّ

.


1- .أورد ابن أعثم في الفتوح: 2/210 أنّ عمرو بن العاص راود الأشعري على عبداللّه بن عمر بن الخطّاب فانّه رجل زاهد عابد ولم يبسط في هذه الحروب لسانا ولا يدا ؟ فقال أبو موسى : أحسنت رحمك اللّه وجزاك بنصيحتك خيرا . . . وقيل عكس ذلك كما في الطبري : 4 / 50 و51 بل قال عمرو بن العاص : وان كنت تحب بيعة ابن عمر فما يمنعك من ابنى وأنت تعرف فضله وصلاحه . . . وانظر وقعة صفين : 544 ، والطبري : 5 / 68 _ 69 ط اُخرى ، الأخبار الطوال : 200 ، الإمامة والسياسة : 1 / 156 . وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 253 تحقيق محمّد أبوالفضل ، مروج الذهب : 2 / 411 ، الكامل : 3 / 330 .
2- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 51 قريب من هذا بلفظ : خبّرنى ما رأيك ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 355 ، مروج الذهب : 2 / 411 ، الكامل في التاريخ : 3 / 331 .
3- .في (أ) : أرى .
4- .في (أ) : فنجعل .
5- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 51 ، والإمامة والسياسة : 1 / 157 بلفظ : ونجعلها لعبداللّه بن عمر . . . ، ووقعة صفين : 544 ولكن بلفظ : نجعل هذا الأمر شورى . . . ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 255 تحقيق أبو الفضل ، الكامل لابن الأثير : 3 / 330 ، مروج الذهب : 2 / 410 .
6- .المصدر السابق ، وقعة صفين : 544، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2/254 ، مروج الذهب : 2/410، الكامل : 3/333 .
7- .في (أ) : بوجوههما ، وفي (ب ، د) : بوجوههم .
8- .المصدر السابق ، وقعة صفين : 545 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 253 ، مروج الذهب : 2 / 411 ، الكامل : 3 / 333 .

ص: 494

رأينا اتفق (1) فقال أبو موسى : أ يّها الناس ، إنّ رأينا اتفق على أمرٍ نرجو أن يصلح اللّه به أمر [هذه ]الاُمّة ويلمّ شعثها ويجمع كلمتها (2) ، فقال عمرو : صدق أبو موسى وَبَرَّ فيما قال ، فتقدّم يا أبا موسى وتكلّم (3) . فقام إليه عبداللّه بن العباس وقال له : ويحك (4) ! إن كنت وافقته على أمرٍ فقدّمه يتكلّم به قبلك ، فإنّي أخشى من خديعته لك ، وإنّي لا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك [وبينه] فإذا قمت في الناس خالفك (5) . فقال [له] أبو موسى : [إنّا ]قد اتفقنا (6) وتراضينا وما ثَمّ مخالفة أبدا (7) . وكان أبو موسى رجلاً سليم القلب فتقدّم فحمد اللّه تعالى وأثنى عليه ثمّ قال : أ يّها الناس ، إنّا قد نظرنا في أمر هذه الاُمّة فلم نَرَ أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها (8) من أمرٍ قد جمع (9) رأيي ورأي عمرو عليه ، وهو أن نخلع عليا ومعاوية ، وتستقبل هذه الاُمّة هذا الأمر بأنفسها فيولّوا (10) منهم (11) مَنْ أحبّوا واختاروا ، وإنّي قد خلعت عليا

.


1- .المصدر السابق ، وابن أعثم : 2 / 211 ، وشرح النهج : 2 / 254 ، ومروج الذهب : 2 / 411 ، والكامل : 3 / 331 .
2- .المصدر السابق قريب من هذا ، وقعة صفين : 545 ، مروج الذهب : 2 / 411 ، الكامل : 3 / 331 .
3- .المصدر السابق قريب من هذا ، وقعة صفين : 545 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 254 ، ينابيع المودّة : 2 / 24 و25 ، الكامل لابن الأثير : 3 / 331 ، مروج الذهب : 2 / 411 ، البداية والنهاية : 7 / 248 .
4- .في (أ) : يا أبا موسى .
5- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 51 باختلاف بسيط في اللفظ وبإضافة : وان عمرا رجل غادر . . . وكان أبو موسى مغفّلاً ، وانظر الأخبار الطوال : 201 ، ومروج الذهب : 2 / 442 ، الكامل : 3 / 168 ، البداية والنهاية : 7 / 248 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 451 ، و : 2 / 255 تحقيق محمّد أبو الفضل ، الإمامة والسياسة : 1 / 157 ، وقعة صفين : 545 .
6- .في (أ) : توافقنا .
7- .تاريخ الطبري : 4 / 51 مع اختلاف يسير في اللفظ ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 255 تحقيق محمّد أبو الفضل ، وقعة صفين : 545 .
8- .في (أ) : شعثا .
9- .في (أ) : اجتمع .
10- .في (ب ، د) : ويولّوا.
11- .في (أ) : عليهم .

ص: 495

ومعاوية فاستقبلوا أمركم [و ]ولّوا عليكم من رأيتموه أهلاً لذلك (1) . ثمّ تنحّى . وأقبل (2) عمرو بن العاص فقام مقامه فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : أ يّها الناس ، إنّ أبا موسى قد خلع صاحبه عليا وقد قال ما سمعتم ، وأنا أيضا قد أخلع (3) صاحبه عليا واُثبت (4) صاحبي معاوية على الخلافة فإنه وليّ عثمان بن عفان والطالب (5) بدمه وأحقّ الناس بمقامه ثمّ تنحّى (6) .

فقال أبو موسى : مالك لا وفّقك اللّه غدرت وفجرت؟! وانّما مثلك كمثل (7) الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث (8) ، فقال عمرو لأبي موسى : أنت انّما

.


1- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 52 مع اختلاف يسير في اللفظ من حيث التقديم والتأخير ببعض الكلمات والزيادة . وانظر أيضا الفتوح : 2 / 211 بإضافة : وإني قد خلعت عليا من الخلافة كما خلعت خاتمي هذا من أصبعي ، والسلام . وانظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 256 تحقيق محمّد أبو الفضل ، وانظر وقعة صفين : 546 وفيه : ثمّ تنحّى فقعد .
2- .في (أ) : فأقبل .
3- .في (أ) : خلعت .
4- .في (أ) : وأبقيت .
5- .في (أ) : المطالب .
6- .تاريخ الطبري : 4 / 52 ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 211 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 256 وقعة صفين : 546 . ولا نريد التعليق على كلام ورأى ابن كثير في البداية : 7 / 284 في التحكيم حيث قال : فأقرّ _ يعني ابن العاص _ معاوية لمّا رأى ذلك من الملحّة والاجتهاد يخطئ ويصيب ، . . . وابن العاص خافَ على الاُمّة أن تنام ليلة واحدة بدون إمام ؟ لأنّ من مات في هذه الليلة فستكون ميتته ميتة جاهلية ، فلهذا أسرع بتنصيب إمام الزمان معاوية . . . ولو لم يفعل ذلك لوصل الأمر إلى مفسدة طويلة . . . ولكن نطرح عليه سؤالاً لماذا لم يقل ذلك ابن كثير عندما يتطرّق إلى الإمامة والوصية والخلافة بعد الرسول صلى الله عليه و آله وكيف يترك رسول الانسانية الاُمّة بدون إمام ؟
7- .في (أ): مثل .
8- .تاريخ الطبري : 4 / 52 وانظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 211 بلفظ : عليك غضب اللّه فواللّه ما أنت إلاّ كما قال تعالى : فمثله كمثل الكلب . . . الآية : 176 من سورة الأعراف ، الأخبار الطوال : 201 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 256 تحقيق محمّد أبو الفضل .

ص: 496

مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا 1 . وقال سعد لأبي موسى : ما أضعفك يا أبا موسى عن عمرو ومكائده (1) ؟ ! فقال أبو موسى : ما أصنع ؟ ! وافقني على أمرٍ ثمّ غدر (2) . فقال ابن عباس (رض) : لا ذنب لك يا أبا موسى إنما الذنب لمن قدّمك وأقامك في هذا المقام (3) . وقال عبدالرحمن بن أبي بكر : «لو مات (4) هذا الأشعري قبل هذا اليوم كان خيرا [له]» 6 .

.


1- .انظر المصادر السابقة بإضافة كتاب الرعاية لحقوق اللّه عزّ وجلّ لابن عبداللّه الحارث بن أسد المحاسبي (ت 243) : 96 .
2- .انظر المصادر السابقة .
3- .في (أ) : غاب .
4- .انظر الكامل لابن الأثير : 3 / 311 ، مروج الذهب : 2 / 411 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 246 .

ص: 497

وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه (1) بالسوط ، وحمل ابن عمرو على شريح فضربه بالسوط (2) وحجز الناس بينهم (3) ، فكان شريح يقول بعد ذلك : ما ندمت على شيءٍ ندامتي أن لا أكون ضربت عمرا بالسيف عوضا عن السوط (4) . والتمس الناس أبا موسى فوجدوه قد ركب راحلته ولحق (5) إلى مكة (6) ، وكان أبو موسى يقول : حذّرني ابن عباس غدر عمرو ولكنّي اطمأننت إليه لما يظهر لي وظننت أنّ هذا الغادر لا يؤْثِر شيئا على مصالح المسلمين ونصيحة الاُمّة (7) . وانصرف عمرو بن العاص وأهل الشام إلى معاوية وسلّموا عليه بالخلافة (8) فقيل : إنّ معاوية قام في الناس فقال : أمّا بعد ، فمن كان متكلّما في هذا الأمر بعد ذلك فليطلع لنا قرنه (9) . قال ابن عمر فاطلقت حبوتي فأردت (10) أن أقول له : يتكلّم

.


1- .أي علاه به ، وفي (أ) : فضربه .
2- .في (أ) : بعصى .
3- .انظر تاريخ الطبري : 4/52 مع اختلاف يسير في اللفظ ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2/256 تحقيق محمّد أبو الفضل، وقعة صفين : 546 ، الكامل لابن الأثير : 3 / 330 ، مروج الذهب : 2 / 410 ، ينابيع المودّة : 2 / 25 .
4- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 52 مع اختلاف يسير في اللفظ ، انظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 256 مع إضافة : أتى الدهر بما أتى به . . . وقريب من هذا في وقعة صفين : 546 : ينابيع المودّة : 2 / 25 .
5- .في (أ) : وهرب .
6- .المصدر السابق ، وانظر شرح النهج لابن أبي الحديد: 2/256 وكان ابن عباس يقول : قَبّح اللّه أبا موسى، لقد حذّرته وهديتهُ إلى الرأي فما عَقَل ، وانظر الإمامة والسياسة : 1 / 157 ، وقعة صفين : 546 ، تاريخ الطبري: 6/40 ط اُخرى، الكامل في التاريخ : 3 / 331 ، مروج الذهب : 2 / 411 ، ينابيع المودّة: 2/26.
7- .المصدر السابق ، وانظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 256 مع اختلاف يسير في اللفظ ، ووقعة صفين : 546 .
8- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 52 ، و : 6 / 40 ط اُخرى ، وقعة صفين : 546 و 550 ، الكامل لابن الأثير : 3 / 331 ، مروج الذهب : 2 / 411 .
9- .تاريخ الطبري : 4 / 42 .
10- .في (أ) : فأطلعت حياتي وأردت .

ص: 498

فيه رجال قاتلوك وأباك على الإسلام ثمّ خشيت أن أقول (1) كلمة يتفرّق بها جماعة ويسفك فيها دم (2) فقلت : ما وعداللّه في الحساب أحبّ من ذلك (3) فلمّا انصرفت إلى منزلي جاءني حبيب بن مسلمة فقال : ما منعك أن تتكلّم حين سمعت هذا الرجل يقول ؟ قلت : أردت ذلك [ثمّ ]خشيت أن أقول (4) كلمة يتفرّق بها جماعة ويسفك بها دماء ، فقال حبيب : فقد وفقت وعصمت (5) . وخرج شريح بن هانى مع ابن عباس (رض) إلى عليّ عليه السلام وأخبراه الخبر (6) فقام في الكوفة فخطبهم فقال : الحمد للّه وإن أتى الدهر (7) بالخطب الفادح والحدث (8) الجليل ، وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه [وحده لا شريك له ]وأنّ محمّدا رسول اللّه . أمّا بعد ، فإنّ المعصية تورث الحسرة وتُعقب الندامة (9) وقد كنتُ أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة أمري فأبيتم ونحلتكم (10) رأيي فما ألويتم ، فكنتُ أنا وأنتم كما قال أخو هوازن : أَمَرْتُهُم أمري بمنعرِجِ اللِّوَى فلم يستبينوا (11) النصح (12) إلاّ ضُحَى الغَدِ أمّا بعد ، فإنّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حَكمين قد نبذا حكم القرآن

.


1- .تاريخ الطبري : 4 / 42 .
2- .في (أ) : فخشيت أن تكون .
3- .في (أ) : بها دماء.
4- .تاريخ الطبري : 4 / 42 باختلاف يسير في اللفظ .
5- .في (أ) : تكون .
6- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 52 لكن دون ذكر «واخبراه الخبر» .
7- .في (أ) : اللّه .
8- .في (أ) : الحدثان .
9- .في (ج): الندم .
10- .في (أ) : ونحلتم .
11- .في (أ) : يستبين .
12- .في (د) وتاريخ الطبري : الرشد .

ص: 499

وراء ظهورهما، وأحييا ما أمات القرآن ، واتّبع كلّ واحدٍ منهما هواه من غير هدى من اللّه ، فحكما بغير حجّةٍ بيّنة ولا سُنةٍ ماضية (1) ، واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يُرشدا ، استعدوا وتأهّبوا للمسير إلى الشام وأصبحوا في معسكركم [إن شاءاللّه ] يوم الاثنين (2) . ثمّ نزل وكتب إلى الخوارج بالنهروان : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من عبداللّه [عليّ] أمير المؤمنين إلى زيد بن حصن (3) ، وعبداللّه بن وهب (4) ، وعبداللّه بن الكوّاء (5) ، ومن معهم من الناس . أما بعد ، فإنّ هذين الرجلين الّذين ارتضينا حكمهما (6) قد خالفا كتاب اللّه واتبعا هواهما بغير هدىً من اللّه فلم (7) يعملا بالسنّة ولم ينفِّذا للقرآن حُكما ، فإذا وصلكم كتابي هذا فأقبلوا إلينا فإنّا سائرون إلى عدوِّنا

.


1- .في (أ) : مضيئة .
2- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 57 مع اختلاف يسير في اللفظ ، وانظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 259 تحقيق محمّد أبو الفضل ولكنه بدل أن يذكر «يوم الاثنين» ذكر «يوم كذا» . وانظر مروج الذهب : 2 / 412 وشرح النهج للفيض : 107 وفيها «أحق هوازن» و «أمرتُكم» بدل «أمرتهم» و «مُنعرج» بدل «بمنعرج» وأخو هوازن صاحب الشعر هو دُرَيْد بن الصِّمة والأبيات مذكورة في ديوان الحماسة بشرح المرزوقي : 2 / 813 . وانظر أيضا شرح التبريزي للحماسة : 2 / 304 وفيه «أمَرْتُهُم» . وانظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 213 .
3- .تقدّمت ترجمته وقلنا بأنّ اسمه تارة يرد باسم «يزيد بن حصن أو حصين» واُخرى باسم «زيد بن حصن أو حصين» وثالثة باسم «يزيد بن الحصين» كما جاء أيضا في الفتوح لابن أعثم : 2 / 261 هامش رقم 1 ، والأخبار الطوال : 206 ، وتاريخ الطبري : 4 / 57 .
4- .عبداللّه بن وهب الراسبي كما جاء في الأخبار الطوال: 206 ، والفتوح: 2 / 261 و 274 ، وتاريخ الطبري: 4 / 57 لم يذكر (الراسبي) ولكن ابن المطهّر الحلي في كشف اليقين: 163 ذكره بالراسبي ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 30 .
5- .تقدّمت ترجمته . وتاريخ الطبري :4 / 57 لم يذكره في هذا الكتاب من عليّ عليه السلام إلى الخوارج ولذا قال «ومن معهما» وانظر الأخبار الطوال : 208 .
6- .في (أ) : أرتضيا حكمين .
7- .في (أ) : ولم .

ص: 500

وعدوِّكم ونحن على الأمر الأوّل الّذي كنّا عليه (1) . فكتبوا : أمّا بعد ، فإنّك لم تغضب لربك وإنّما غضبت لنفسك ، فان شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلاّ فقد نابذناك على سواء ، إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين (2) . فلمّا قرأ كتابهم أيس منهم فرأى (3) أن يدَعَهم ويمضي بالناس إلى أهل الشام [حتّى يلقاهم ]فيناجزهم (4) .

فقام في أهل الكوفة فحمد اللّه تعالى وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّه من ترك الجهاد في اللّه تعالى وادّهن (5) في أمره كان على شفا هلكة إلاّ أن يتداركه اللّه برحمته (6) ، فاتقوا اللّه تعالى وقاتلوا من حادّ اللّه [وحادّ رسوله ]وحاول أن يطفئ نور اللّه ، قاتلوا الخائنين [الخاطئين الضالّين القاسطين المجرمين ]الّذين لو ولّوا عملوا فيكم أعمال كَسرى وهِرَقْل ، وتأهّبوا للمسير إلى عدوّكم من أهل الشام ، وقد بعثنا إلى إخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم ، فإذا اجتمعتم شخصنا إن شاء اللّه

.


1- .تاريخ الطبري : 4 / 57 مع اختلاف بسيط في اللفظ وإضافة كلمة «والسلام» في آخر الكتاب . وانظر الفتوح :2 / 261 الهامش رقم 1 والّذي أخذ هذا الكتاب من الترجمة الفارسية : 320 ، والأخبار الطوال : 206 . أمّا في متن الفتوح فانظر المناظرة بين عبداللّه بن أبي عقب والخوارج كعبداللّه بن وهب وحرقوص وهي مناظرة جدير بكل مؤمن ومسلم أن يتأمّل فيها من : 261 الى 267 ، الإمامة والسياسة : 1 / 164 ، والأخبار الطوال : 208 ، والكامل لابن الأثير : 2 / 401 ، والفتوح لابن أعثم أيضا : 4 / 106 باختلاف في الألفاظ وزيادة ونقصان .
2- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 57 ، الإمامة والسياسة : 1 / 164 مع اختلاف يسير في اللفظ بالإضافة «واللّه لا يهدي كيد الخائنين» بدل «إن اللّه لا يحب الخائنين» والأخبار الطوال : 208 .
3- .في (أ) : ورأى .
4- .تاريخ الطبري : 4/57 ، الإمامة والسياسة : 1 / 164 ، الأخبار الطوال : 209 ، ومروج الذهب : 2/448 .
5- .في (أ) : وداهن .
6- .في (د) : بنعمته .

ص: 501

تعالى ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم (1) . وكتب إلى عبداللّه بن عباس (رض) : أمّا بعد ، فإنّا [قد] خرجنا إلى معسكرنا بالنُخيلة وقد اجتمعنا على المسير (2) [إلى] عدوّنا من أهل المغرب (3) فاشخص بالناس (4) من أهل البصرة (5) . فقرأه ابن عباس على الناس وندبهم على المسير مع الأحنف بن قيس فشخصوا إلى عليّ عليه السلام في ثلاثة آلاف ومائتين (6) . وكتب عليّ عليه السلام إلى رئيس كلّ قبيلة من القبائل يستنفره (7) بما في عشيرته من المقاتلة وأبنائهم الّذين أدركوا وعبدانهم ومواليهم (8) . وجاءه سعد بن قيس الهمداني وقال : يا أمير المؤمنين سمعا وطاعة أنا أوّل الناس إجابةً (9) . وجاءه معقل بن قيس ،

.


1- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 57 ، والإمامة والسياسة : 1 / 164 ، وابن الأثير : 2 / 401 ، ومروج الذهب : 2 / 449 .
2- .في (أ) : بالمسير .
3- .في (أ) : الحرب .
4- .في (أ) : بمن معك .
5- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 58 ، الإمامة والسياسة : 1 / 164 .
6- .تاريخ الطبري : 4 / 58 وفيه ما يلي : فشخص معه منهم ألف وخمسمائة رجل فاستقلّهم عبداللّه بن عباس فقام في الناس فحمداللّه وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد يا أهل البصرة فانه جاءني أمر أمير المؤمنين يأمرني بإشخاصكم فأمرتكم بالنفير إليه مع الأحنف بن قيس ولم يشخص معه منكم إلاّ ألف وخمسمائة وأنتم ستون ألفا سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم ، ألا انفروا مع جارية بن قدامة السعدي ولا يجعلن رجل على نفسه سبيلاً فإني موقع بكل من وجدته متخلّفا عن مكتبه عاصيا لإمامه ، وقد أمرت أبا الأسود الدؤلي يحشركم فلا يَلُم رجل جعل السبيل على نفسه إلاّ نفسه . فخرج جارية وخرج أبو الأسود فحشر الناس فاجتمع إلى جارية ألف وسبعمائه ثمّ أقبل حتّى وافاه عليّ بالنخيلة فلم يزل بالنخيلة حتّى وافاه هذان الجيشان من البصرة ثلاثة آلاف ومائتا رجل . . . وانظر الإمامة والسياسة : 1 / 165 ، الأخبار الطوال : 208 ، ومروج الذهب : 2 / 449 .
7- .في (أ) : يستفزّه .
8- .تاريخ الطبري : 4 / 58 ، الإمامة والسياسة : 1 / 165 .
9- .تاريخ الطبري : 4 / 58 _ 59 مع زيادة في الألفاظ ، الإمامة والسياسة : 1 / 165 .

ص: 502

وعديّ بن حاتم، وزياد بن خصفة (1) ، وحجر بن عديّ،وأشراف الناس والقبائل في أربعين ألفا من المقاتلة الرجّالة وستة عشر ألفا من أبناء الموالي والعبيد (2) . وكتب إلى سعد بن مسعود [الثقفي ]بالمدائن يأمره بإرسال مَن معه من المقاتلة (3) . وبلغ عليا عليه السلام أنّ الناس يقولون : لو سار بنا إلى قتال هؤلاء الحرورية فبدأنا بهم فإذا فرغنا (4) وجّهنا إلى قتال المحِلّين (5) . فقال لهم عليّ عليه السلام : بلغني أنكم قلتم كيت وكيت وأنّ غير هؤلاء الخارجين أهمّ إلينا فدعوا ذكرهم وسيروا بنا إلى معاوية وأهل الشام (6) أن لا يكونوا جبّارين في الأرض ولا يتّخذوا عباد اللّه خولاً (7) . فتنادى (8) الناس : يا أمير المؤمنين ، نحن حزبك وأنصارك (9) وأتباعك نعادي مَن عاداك ونوالي من والاك ونتابع من أناب إلى طاعتك ، مَن كانوا وأين كانوا سر بنا حيث شئت 10 .

.


1- .في (أ) : حفصة .
2- .مرّت تراجم هؤلاء ، وانظر تاريخ الطبري : 4 / 59 لكن بإضافة : وسبعة عشر ألفا من الأبناء ممّن أدرك وثمانية آلاف من مواليهم وعبيدهم . . . وانظر الإمامة والسياسة أيضا : 1 / 166 .
3- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 59 ، وانظر فِرق الشيعة للنوبختي : 24 ، والصحيح هو سعيد بن مسعود الثقفي من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام .
4- .في (أ) : فإذا فرغنا منهم .
5- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 59 ، الكامل لابن الأثير : 3 / 343 . وفي (أ) : المخلّين .
6- .وفي (ج) زاد لفظ : نقاتلهم .
7- .المصدر السابق مع زيادة في اللفظ .
8- .في (أ) : فناداه .
9- .في (ج) زاد لفظ : وشيعتك .

ص: 503

فبينما أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام معهم في الكلام إذ أتاه الخبر أنّ الخوارج خرجوا على الناس وأنهم قتلوا عبداللّه بن خبّاب 1 صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله

.

ص: 504

وبقروا بطن امرأته (1) وهي حامل ، وقتلوا ثلاث نسوة من طيّ (2) ، وقتلوا اُمّ سنان الصيداوية (3) ، فلمّا بلغ عليا ذلك بعث إليهم الحارث بن مرة (4) ليأتينهم وينظر صحّة الخبر فيما بلغه عنهم ويكتب به إليه ولا يكتمه شيئا من أمرهم ، فلمّا دنا منهم وسألهم قتلوه 5 وأتى عليا عليه السلام الخبر بذلك وهو في معسكره ، فقال الناس : يا أمير

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 61 ، اُسد الغابة : 3 / 150 ، الإصابة : 2 / 295 ، الكامل للمبرّد : 561 ، الطبقات الكبرى : 5 / 183 ، الإمامة والسياسة : 1 / 167 و 168 .
3- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 61 ، و : 6 / 46 ط اُخرى ، طبقات ابن سعد : 5 / 183 ، الكامل للمبرّد : 565 ، الإمامة والسياسة : 1 / 168 ، مروج الذهب : 2 / 415 .
4- .انظر المصادر السابقة كالإمامة والسياسة : 1 / 168 ، والفتوح لابن أعثم : 2 / 199 وهو القائل للإمام عليّ عليه السلام : يا أمير المؤمنين : إننا منّا من يقول ما لا يفعل ومنّا من يهوى ما لا يستطيع ، وليس ينفعك إلاّ من فعل واستطاع ، فقد واللّه ذهب الفاعل وضعف المستطيع ، ولسنا نحرّك من شيء إن كنت قاتلت معاوية للّه وقاتلك للدنيا ، فقد واللّه بلغ أهل الدين من الدنيا حاجتهم وان كانوا بلغوا منّا دون مابلغنا منهم ، فإن كنت كرهت هذه القضية وأردت قتالهم فمن مضى بمن مضى ومن بقي بمن بقي ، والسلام . وانظر وقعة صفين : 205 وكذلك الطبري في : 4 / 61 .

ص: 505

المؤمنين علام ندع هؤلاء القوم وراءنا يخلفونا في أموالنا وعيالنا ؟ سربنا إليهم فإذا فرغنا منهم سرنا إلى أعدائنا من أهل الشام (1) . فقام إليه الأشعث بن قيس فتكلّم بمثل كلامهم ، وكان الناس يرون أنّ الأشعث يرى رأي الخوارج لأنه كان يقول يوم صفين أنصَفنا قوم يدعون (2) إلى كتاب اللّه تعالى ، فلمّا قال هذه المقالة علم الناس أنه لم يكن يرى رأيهم (3) .

فأجمع عليّ عليه السلام المسير إليهم ، فجاءه منجّم يقال له مسافر بن عديّ (4) فقال : يا أمير المؤمنين ، إذا أردت المسير إلى هؤلاء القوم فسر إليهم في الساعة الفلانية فإنّك إن سرت في غيرها لقيت أنت وأصحابك ضرّا شديدا ومشقّة عظيمة . فخالفه عليّ عليه السلام وسار في غير الساعة الّتي أمره المنجّم بالمسير فيها (5) ، فلمّا قرب عليّ عليه السلام منهم ودنا بحيث إنّه يراهم ويرونه نزل وأرسل إليهم أن ادفعوا إلينا قتلة إخواننا

.


1- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 61 مع اختلاف يسير في اللفظ كما أوضحناه سابقا وخاصّة في الكامل لابن الأثير : 3 / 341 .
2- .في (أ) : أنصف قوما يدعون .
3- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 61 ، الإمامة والسياسة : 1 / 168 وابن أعثم في الفتوح : 2 / 194 ، الأخبار الطوال : 194 ، وقعة صفين : 273 و 275 وسبق وأن ترجمنا له .
4- .هو مسافر بن عفيف الأزدي كما ذكره ابن الأثير في الكامل: 3 / 343 ، انظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 269 تحقيق محمّد أبو الفضل ، ونقل عن ابن ديزيل قال: عزم علي عليه السلام على الخروج من الكوفة إلى الحرورية ، وكان في أصحابه منجِّم فقال له: يا أمير المؤمنين ، لا تَسِر في هذه الساعة وسِرْ على ثلاث ساعات مضين من النهار ، فإنّك إن سرت فى هذه الساعة أصابك وأصحابك أذىً وضُرٌّ شديد ، وإن سرتَ في الساعة الّتى أمرتُك بها ظَفِرت وظهرت وأصبْت ما طلبْتَ ، فقال له علي عليه السلام : أتدري ما في بَطْن فَرسي هذه ، أذكر هو أم اُنثى؟ قال: إن حسَبتُ عَلِمْت ، فقال عليّ عليه السلام : مَنْ صدّقك بهذا فقد كذّب بالقرآن ، قال تعالى « إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مَا فِى الْأَرْحَامِ ... » لقمان: 34. وانظر تاريخ الطبري: 4 / 61 ولكنه لم يذكر اسم المنجّم ، وانظر مروج الذهب: 2 / 415 .
5- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 61 ولكنه أضاف : ثمّ قال : لو سرنا في الساعة الّتي أمرنا بها المنجّم لقال الجهّال الّذين لا يعلمون : سار في الساعة الّتي أمره بها المنجّم فظفر . وانظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 270 تحقيق محمّد أبو الفضل ، والكامل لابن الأثير : 3 / 341 ، ومروج الذهب : 2 / 415 .

ص: 506

[منكم ]نقتلهم بهم وأترككم وأكف عنكم حتّى ألقى أهل الشام فلعلّ اللّه تعالى أن يقلب (1) بقلوبكم ويردكم إلى خير ممّا أنتم عليه من اُموركم (2) . فقالوا : كلّنا قتلناهم وكلّنا مستحلّون لدمائكم ودمائهم (3) . فخرج قيس بن سعد بن عبادة فقال لهم : عباد اللّه ، أخرجوا إلينا قتلة إخواننا منكم وادخلوا [معنا] في هذا الأمر الّذي خرجتم منه (4) ، وعودوا إلى قتال عدوّنا وعدوّكم فإنّكم قد ركبتم عظيما من الأمر تشهدون علينا بالشرك وتسفكون دماء المسلمين (5) ، فقال عبداللّه بن شجرة السلمي (6) : إنّ الحق قد أضاء لنا فلسنا بتابعيكم (7) . ثمّ إنّ عليا عليه السلام خرج إليهم بنفسه فقال لهم : أيتها (8) العصابة الّتي أخرجها عداوة المراء واللجاجة (9) وصدّها (10) عن الحقّ اتّباع الهوى واللجاج ، إنّ أنفسكم الأمّارة سوّلت لكم فراقي لهذه الحكومة الّتي أنتم بدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره ،

.


1- .في (أ): يقبل.
2- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 62 ، و : 5 / 84 ط اُخرى ، الإمامة والسياسة : 1 / 168 ، ابن الأثير : 2 / 404 وقسم منها في نهج البلاغة صبحي الصالح : 140 ، والفتوح لابن أعثم : 2 / 260 قريب من هذا ، ومروج الذهب : 2 / 416 .
3- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 62 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 271 ، الكامل لابن الأثير : 3 / 340 ، مروج الذهب : 2 / 416 .
4- .في (أ) : عنه .
5- .تاريخ الطبري : 4 / 62 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 271 تحقيق محمّد أبو الفضل ، الكامل لابن الأثير : 3 / 341 ، مروج الذهب : 2 / 416 .
6- .تقدّمت ترجمته تارةً بهذا الأسم وتارةً اُخرى باسم «سحرة» وتارةً ثالثة باسم «ابن أبي سلمة» فراجع .
7- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 62 مع زيادة في اللفظ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 272 ، ومروج الذهب : 2 / 417 .
8- .في (أ) : أيها .
9- .في (أ) : والحجاج .
10- .في (أ) : وصدّهم .

ص: 507

وأنبأتكم أنّ القوم إنّما فعلوه مكيدة فأبيتم عليَّ إباء المخالفين وعندتم عليَّ عناد العاصين [وعدلتم عنّي عدول النكداء ]حتّى صرفت رأيي إلى رأيكم ، وإنّي معاشرهم واللّه صغارُ الهامِ سفهاء الأحلام ، فأجمع [رأي ]رؤسائكم وكبرائكم أن اختاروا رجلين ، فأخذنا عليهما أن يحكما بالقرآن ولا يتعدّيانه ، فتاها وتركا الحقّ وهما يبصرانه فبيّنوا لنا بما تستحلّون قتالنا والخروج عن جماعتنا ثمّ تستعرضون الناس تضربون أعناقهم ، إنّ هذا لهوَ الخسرانُ المبين (1) . فتنادوا (2) ان لا تخاطبوهم ولا تكلّموهم وتهيّأوا للقتال،الرواح الرواح إلى الجنة (3) . فرجع عليّ عليه السلام عنهم إلى أصحابه ثمّ عبّأهم للقتال ، فجعل على ميمنته حجر بن عديّ (4) (رض) ، وميسرته شبث بن ربعي ) (5) ، أو (6) معقل بن قيس الرياحي (7) ، وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري 8 ، وعلى الرجّالة أبا قتادة الأنصاري 9 ، وفي مقدمتهم

.


1- .ذكر هذه الخطبة الطبري في تاريخه : 4 / 63 ، و : 6 / 48 ط اُخرى باختلاف وزيادة في اللفظ ، و : 5 / 84 ط اُخرى ، وابن الأثير : 2 / 404 ، وقسم منها شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 201 ، والفتوح لابن أعثم : 4 / 125 وسبق وان أشرنا إليها ، والإمامة والسياسة : 1 / 168 ، الأخبار الطوال : 207 ، ومروج الذهب : 2 / 449 .
2- .في (أ) : فنادوا .
3- .المصادر السابقة ، ولكن الطبري في تاريخه 4 / 63 ، و : 6 / 48 ذكر «وتهيّأوا للقاء الربّ الرواح الرواح إلى الجنة» .
4- .تقدّمت ترجمته .
5- .في (أ) : وقيل .
6- .تقدّمت ترجمته وانظر مواقفه في وقعة صفين : 96 و117 و132 و148 و195 و381 و513 .
7- .تقدّمت ترجمته . وكان أبو أيوب يبكي أيام بني اُمية ، وعندما سُئل عن بكائه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : لا تبكوا على الّذين إذا وليه أهله ، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله . روى ذلك أحمد في الفتح : 23 / 32 ، والحاكم في المستدرك : 4 / 515 ، والطبراني في الزوائد : 245 .

ص: 508

قيس بن سعد بن عبادة (1) (رض) (2) .

وعبّأت الخوارج قاتلهم اللّه أصحابها ، فجعلوا على ميمنتهم زيد بن قيس [حصين] الطائي (3) ، وعلى الميسرة شريح بن أوفى العبسي (4) ، وعلى خيلهم حمزة بن سنان الأسدي (5) ، وعلى رجّالتهم حرقوص بن زهير السعدي (6)(7) . وأعطى عليّ عليه السلام لأبي أيوب الأنصاري راية أمان (8) فناداهم أبو أيوب (رض) :

.


1- .تقدّمت ترجمته.
2- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 63 بإضافة : وعلى أهل المدينة وهم سبعمائة أو ثمانمائة رجل قيس بن سعد بن عبادة . . . الإمامة والسياسة : 1 / 169 قال : وعلى أهل المدينة وهم ثمانمائة رجل . . . اُسد الغابة : 1 / 385 ، و : 2 / 351 وما بعدها ، و : 3 / 150 ، و : 4 / 100 ، و : 5 / 122 ، أنساب الأشراف : 2 / 362 وما بعدها ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 167 ط الغري .
3- .تقدّمت ترجمته ، وانظر الإمامة والسياسة : 1 / 162 ، والأخبار الطوال : 204 والّذي قتله أبو أيوب الأنصاري في النهروان .
4- .تقدّمت ترجمته ، وانظر مروج الذهب : 2 / 415 و مابعدها ، والطبري : 4 / 63 ، والكامل لابن الأثير : 3 / 343 وما بعدها في حوادث سنة (36 ه) .
5- .تقدّمت ترجمته ، وانظر الإمامة والسياسة : 1 / 161 ، اُسد الغابة : 1 / 385 ، و : 2 / 351 و 371 و 375 ، و : 3 / 150 و 354 ، و : 4 / 100 و 215 و : 5 / 122 و 143 و 274 ، أنساب الأشراف : 2 / 362 و 368 و 371 و 375 .
6- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 260 و 261 و 265 ، الأخبار الطوال : 206 ، الإمامة والسياسة : 1 / 161 و 163 ، وانظر ترجمته في اُسد الغابة : 1 / 396 ، والإصابة : 1 / 329 الترجمة 1661 القسم الأوّل وهو ذو الخويصرة الّذي سيأتي ذكره في أحاديث النبيّ صلى الله عليه و آله وكان رجلاً أسود مُنْتِن الريح له ثدي كثدي المرأة ، إذا مُدّت كانت بطول اليد الاُخرى وإذا تركت اجتمعت وتقلّصَتْ ، وصارت كثدي المرأة ، عليها شعرات مثل شوارب الهرّة . . . انظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 276 تحقيق محمّد أبو الفضل ، وكشف اليقين : 165 ، الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي : 2 / 224 .
7- .تاريخ الطبري : 4 / 64 ، كشف اليقين : 165 .
8- .تاريخ الطبري : 4 / 64 ، و : 6 / 49 والإمامة والسياسة : 1 / 169 ، اُسد الغابة : 1 / 385 وما بعدها ، و : 2 / 351 و 371 و 375 ، و : 3 / 150 و 354 ، و : 4 / 100 و 315 ، و : 5/122 و 143 و 274 .

ص: 509

من جاء إلى هذه الراية فهو آمن ممّن لم يكن قتل ولا تعرض لأحد من المسلمين بسوء ، ومن انصرف منكم إلى الكوفة فهو آمن ، ومن انصرف إلى المدائن فهو آمن لا حاجة لنا بعد أن نُصيب قتلة إخواننا في سفك دمائكم (1) . فانصرف عروة بن نوفل الأشجعي (2) في خمسمائة (3) فارس ، وخرج طائفة اُخرى منصرفين إلى الكوفة (4) وطائفة اُخرى إلى المدائن (5) ، وتفرّق أكثرهم بعد أن كانوا اثني عشر ألفا ، فلم يبق منهم غير أربعة آلاف (6) فزحفوا إلى عليّ عليه السلام وأصحابه ، فقال عليّ لأصحابه : كفّوا عنهم حتّى يبدأوكم (7) . فتنادوا الرواح الرواح إلى الجنة (8) . فحملوا على الناس فانفرّقت خيل عليّ عنهم فرقتين حتّى ساروا في وسطهم (9) عطفوا عليهم من الميمنة والميسرة واستقبلت الرماة وجوههم بالنبل

.


1- .تاريخ الطبري : 4 / 64 ، الإمامة والسياسة : 1 / 169 وجاء فيه : من جاء منكم إلى هذه الراية فهو آمن ، ومن دخل المصر فهو آمن ، ومن انصرف إلى العراق وخرج من هذه الجماعة فهو آمن ، فإنّه لاحاجة لنا في سفك دمائكم وبعد النداء انصرفت طائفة منهم إلى الدكسرة وطائفة إلى الكوفة وجماعة إلى عليّ وكانوا أربعة آلاف وبقى مع عبداللّه بن وهب منهم ألفان وثمانمائة رجل كما جاء في تاريخ الطبري : 5 / 86 ، وابن الأثير : 2 / 406 ، والفتوح لابن أعثم : 4 / 125 .
2- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 64 ، أنساب الأشراف : 2 / 362 و 368 و 371 و 375 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 167 ط الغري .
3- .انظر الإمامة والسياسة : 1 / 169 بالإضافة إلى المصادر السابقة .
4- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 275 ، الأخبار الطوال : 204 المصادر السابقة .
5- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 64 ، الأخبار الطوال : 205 ، والمصادر السابقة . وفي نسخة (ب) : الدين .
6- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 277 ، كشف اليقين : 165 والمصادر السابقة .
7- .انظر المصادر السابقة، والإمامة والسياسة : 1/169 ، وشرح النهج للعلاّمة الخوئي : 4/122 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 272 ، ومروج الذهب : 2 / 416 ، ومستدرك الوسائل : 2 / 254 ، والطبري : 6 / 49 .
8- .المصادر السابقة ، تاريخ الطبري : 6 / 49 ط اُخرى .
9- .المصادر السابقة مع اختلاف يسير في اللفظ ، وفي الإمامة والسياسة أضاف : فلا واللّه مالبثوا فواقا حتّى صرعهم اللّه كأنما قيل لهم موتوا فماتوا .

ص: 510

وعطفت عليهم الرجّالة بالسيوف والرماح فما كان بأسرع من أن قتلوهم عن آخرهم وكانوا أربعة آلاف (1) .

فلم يفلت منهم إلاّ تسعة (2) أنفس لا غير ، رجلان هربا إلى خراسان (3) وبها نسلهما إلى الآن ، ورجلان صارا إلى بلاد عمان (4) وبها نسلهما إلى الآن ، ورجلان إلى بلاد اليمن (5) وبها نسلهما وهم الّذين يقال لهم الأباضية (6) أصحاب عبداللّه بن أباض (7) ، ورجلان صارا إلى الجزيرة (8) ، ورجل صار إلى تل موذن (9) .

.


1- .المصادر السابقة ، وكشف اليقين : 165 ، وابن أعثم في الفتوح : 2 / 275 .
2- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 275 ، كشف اليقين : 166 وهامش رقم 5 في الإمامة والسياسة : 1 / 169 .
3- .المصادر السابقة ، بل في الفتوح «سجستان» بدل «خراسان» . وأضاف «ورجلان إلى كرمان» وراجع الإمامة والسياسة : 1 / 169 هامش رقم 5 .
4- .المصادر السابقة .
5- .المصادر السابقة ، وهامش رقم 5 في الإمامة والسياسة : 1 / 169 .
6- .فرقه من الخوارج وهم يسكنون الآن في عمان سلطنة صغيره واقعة في الجنوب الشرقي من بلاد العرب تمتدّ على ساحل بحر العرب والخليج الإسلامي ، مرّ بهم ابن بطوطة الرحّالة المعروف في سياحته الّتي كانت في القرن الثامن للهجرة وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 172 وما بعدها : هم أباضية المذهب ، ويصلّون الجمعة ظهرا أربعا ، فإذا فرغوا قرأ الإمام آيات من القرآن ، ونثر كلاما شبه الخطبة يرضى فيه عن أبي بكر وعمر ويسكت عن عثمان وعليّ ، وإذا أرادوا ذكر عليّ كنّوا عنه بالرجل ، ويرضون عن الشقي اللعين ابن ملجم ويقولون فيه العبد الصالح مع الفتنة . . . راجع ينابيع المودّة : 252 ، إحقاق الحق للتستري : 7 / 222 ، المناقب المرتضوية : 203 ، الغدير للأميني : 4 / 322 .
7- .هو عبداللّه بن أباض من بني مُرّة بن عُبيد من بني تميم رهط الأحنف بن قيس كما جاء في المعارف: 622 .
8- .المصادر السابقة وهامش رقم 5 في الإمامة والسياسة : 1 / 169 .
9- .المصادر السابقة . وفي معجم البلدان : 2 / 409 ، و : 5 / 153 ، وفي الشرح : 2 / 29 ذكر «تل مَوْزَن» وفي نسخ اُخرى «مورن» وفي ثالثة «موزون» وهي مدينة على دجلة فوق تكريت . وفي : 2 / 297 «البوازيج» بلد قرب تكريت على فم الزاب الأسفل حيث يصب في دجلة . والفتوح لابن أعثم : 2 / 275 هامش رقم 6 و 7 .

ص: 511

وغنم (1) أصحاب (2) عليّ عليه السلام منهم غنائم كثيرة ، وقُتل من شيعة عليّ رجلان 3 ولم يسلم من الخوارج [المارقين ]المقتولين غير هذه التسعة (3) المذكورين خذلهم اللّه . وهذه كرامة من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فإنّه قال قبل ذلك : نقتلهم ولا يقتل منّا عشرة ولا يسلم منهم عشرة 5 .

.


1- .في (ب) : أصاب .
2- .في (ب ، د) : شيعة .
3- .انظر المصادر السابقة .

ص: 512

. .

ص: 513

. .

ص: 514

. .

ص: 515

. .

ص: 516

. .

ص: 517

. .

ص: 518

. .

ص: 519

. .

ص: 520

. .

ص: 521

. .

ص: 522

. .

ص: 523

. .

ص: 524

. .

ص: 525

. .

ص: 526

. .

ص: 527

. .

ص: 528

. .

ص: 529

. .

ص: 530

. .

ص: 531

. .

ص: 532

. .

ص: 533

ف_ائ_دة

ف_ائ_دةالخوارج : هم هؤلاء الّذين خرجوا على عليّ عليه السلام لما حَكم الحَكمين وقالوا : لا حُكم إلاّ للّه (1) ، وهم الّذين قال فيهم النبيّ صلى الله عليه و آله : يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية (2) . كما جاء في الحديث الصحيح الّذي رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : يخرج في هذه الاُمّة _ ولم يقل منها _ قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ويقرأون القرآن ولا يجاوز حلوقهم 3 _ أو قال حناجرهم _ يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية (3) . ومنهم عبداللّه بن ذي

.


1- .تقدّمت الإشارة إلى هذا القول ومصادره مع العلم أنّ صاحب شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 271 تحقيق محمّد أبو الفضل قال نقلاً عن كتاب الأوائل لأبي هلال العسكري : إنّ أول من قال «لا حكم إلاّ للّه » عُرْوة بن حُدَير قالها بصفين ، وقيل : زيد بن عاصم المحاربي .
2- .رواه الطبراني في كنز العمّال : 11 / 208 وسبق وان أشرنا إليه مفصّلاً .
3- .انظر المصادر السابقة .

ص: 534

الخويصرة التميمي (1) ] الّذي] جاء إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وهو يقسّم الصدقات فقال : اعدل يا رسول اللّه ، فقال صلى الله عليه و آله :ويلك فمن يعدل إن لم أعدل (2) ؟ ! قال عمر بن الخطّاب : أيأذن لي رسول اللّه أن أضرب عنقه (3) ؟ قال صلى الله عليه و آله :دعه فإنّ له أصحابا يحقرّ أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية (4) . وفيهم

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .انظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 266 تحقيق محمّد أبو الفضل، وفي كتاب النصّ والاجتهاد للسيّد شرف الدين الموسوي : 103 يقول رحمه الله في الهامش رقم 2: بضمّ الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون الياء وكسر الصاد، واسمه حرقوص بن زهير . ولكن في الكامل: 3 / 190 و 343 _ 346 يقول: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بينما هو يَقْسِم قَسْما جاء رجل من بني تميم يُدعى ذا الخويصرة فقال: اعدل يا محمّد، فقال صلى الله عليه و آله : قد عدلت، فقال له ثانية: اعدل يا محمّد، فانك لم تعدل، فقال صلى الله عليه و آله : وَيْلكَ! وَمنْ يَعْدِل إذا لم أعدل، فقام عمر بن الخطّاب فقال: يا رسول اللّه ، ائذن لي أضرب عُنُقه فقال: دَعْه، فيستخرج من ضِئْضِئ _ أي من جنس _ هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر أحدكم إلى نَصْلهِ فلا يجد شيئا، فينظر إلى نضيه فلا يجد شيئا . . . وفي تاج العروس: 4 / 379 أيضا اسمه حرقوص بن زهير، وانظر النهاية: 2 / 19، وانظر تاريخ الطبري: 5 / 72 ط اُخرى، ومروج الذهب: 1 / 415، وتذكرة الخواصّ لابن الجوزي: 100 والمسترشد في الإمامة: 673 .
3- .انظر المصادر السابقة وصحيح مسلم كتاب الزكاة باب 47 ج 2 / 741 و باب 48 : 746 ، و : 1 / 394 ، وكنز العمّال : 11 / 204 و206 و307 و308 ، بإضافة : وقد خبتُ وخسرت إن لم أكن أعدل . كما جاء في البخاري عن أبي سعيد الخدري : 2 / 184 ، و صحيح مسلم : 1 / 393 . وجاء كذلك في نسخة (ج) .
4- .المصادر السابقة بإضافة من البخاري : يقرأون القرآن لايجاوز تراقيهم يمرقون من الدين _ وفي صحيح مسلم : يمرقون من الإسلام _ كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر إلى نصله . . . . آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدور ويخرجون على حين فرقة من الناس . . . قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأشهد أنّ عليّ بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به حتّى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه و آله الّذي نعته . . . جاء ذلك عن أبي سعيد في مسند أحمد : 3 / 56 . وانظر صحيح البخاري : كتاب بدء الخلق : 4 / 243 ط مطابع الشعب ، وصحيح مسلم : 7 / 167 ، ومروج الذهب : 2 / 452 ، الفتح الرباني : 23 / 156 ، الخصائص الكبرى : 2 / 250 ، البداية والنهاية : 7 / 298 ، كتاب السنّة : 2 / 599 ، فتح الباري : 12 / 286 ، كشف الخفاء : 1 / 282 .

ص: 535

نزل قوله تعالى : « وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِى الصَّدَقَ_تِ » (1) الحديث الصحيح الّذي رواه البخاري أيضا عن عبداللّه بن عمر ، ويقال لهم : الحرورية ، بحاء مهملة وراء مكرّرة بينهما واو ، ثمّ بالنسبة إلى حرور أرض نزلوا بها لمّا مضوا عن عليّ عليه السلام (2) .

.


1- .التوبة : 58 .
2- .انظر صحيح البخاري : كتاب بدء الخلق : 4 / 243 ط مطابع الشعب ، مسند أحمد : 3 / 56 و 65 ، خصائص النسائي : 43 و 44 ط التقدّم ، المناقب للخوارزمي : 182 ، اُسد الغابة : 2 / 140 ، منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد : 5 / 432 ، وكنز العمّال : 11 / 202 و289 و307 ، و : 6 ح 1179 ، إحقاق الحقّ : 8 / 475 _ 522 ، صحيح مسلم بشرح النووي : 6 / 86 ، مجمع الزوائد : 6 / 242 .

ص: 536

. .

ص: 537

فصل : في ذكر شيءٍ من كلماته الرائعة

فصل : في ذكر شيءٍ من كلماته الرائعة ومعانيه الفائقة ومواعظه النافعة وزواجره الصادعة ونُكته الحسنة ومقاصده المستحسنةفمن ذلك كلمات من كلامه عليه السلام جمعها الجاحظ (1) في بعض تصانيفه وهي تشمل على كثير من الحكمة ، كلّ كلمة منها تعدّ بألف كلمة ، وهي هذه : الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا (2) . الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم (3) .

.


1- .تقدّمت ترجمته .
2- .انظر المائة المختارة للجاحظ في حاشية كتاب الشهاب للقضاعي المغربي (مخطوط) : الكلمة 3 ، الصواعق المحرقة : 120 وما بعدها ب 9 الفصل 2 و4 ، وقد أوردها القندوزي في ينابيع المودّة : 2 / 412 تحت رقم 89 ط اُسوة ، وأكثرها مأخوذة من نهج البلاغة تنظيم الدكتور صبحي الصالح : حكم أمير المؤمنين : 469 وما بعدها .
3- .المصدر السابق الكلمة الرابعة ، وينابيع المودّة : 2 / 412 رقم 90 .

ص: 538

قيمة كلّ امرئءٍ ما يُحسنه (1) . مَن عرف نفسه فقد عرف ربّه (2) . المرء مخبوء تحت لسانه (3) . مَن عَذُبَ لسانه كثر إخوانه (4) . بشّر مال البخيل بحادثٍ أو وارث (5) . لا تنظر إلى مَن قال وانظر إلى ما قال (6) . الجزع عند البلاء تمام المحنة (7) . لا ظفر مع البغي (8) .

.


1- .انظر نهج البلاغة (صبحي الصالح): 482 حكمة رقم81، وفي غررالحكم: 81، وفي شرح النهج للفيض: 78 ، شرح النهج لابن ميثم : 73 ، في ظلال شرح النهج : 79 ، وشرح النهج للعلاّمة الخوئي: 77 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج: 78 ، وشرح النهج لمحمّد عبده : 81 ، وشرح النهج لملاّ فتح اللّه : 76، وشرح النهج لملاّ صالح : 78 ، والبيان والتبيين : 1 / 36 و179 ، وجامع بيان العلم والفضيلة : 99 و100 ، والعقد الفريد : 2 / 249 ، وعيون الأخبار : 2 / 10 ، وتحف العقول : 220 والطبعة الثانية : 201 وفيه : ما يُحسنُ .
2- .انظر غرر الحكم : 5 / 194 ولكن بدون لفظ «فقد» ، المائة المختارة : الكلمة 7 .
3- .انظر نهج البلاغة (صبحي الصالح): 497 حكمة رقم 148، وفي شرح النهج للفيض: 140، وشرح النهج لابن ميثم : 135 ، وفي ظلال شرح النهج : 147 ، وفي شرح النهج للعلاّمة الخوئي : 140 ، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : 144 ، وفي شرح النهج لمحمّد عبده : 148 ، وفي شرح النهج لملاّ فتح اللّه : 123، وفي شرح النهج لملاّ صالح : 143 ، والخصال : 1 / 46 ، والطراز : 1 / 167 ، وغرر الحكم : 1 / 240 .
4- .انظر غرر الحكم : 5 / 156 ، المائة المختارة : الكلمة 9 .
5- .انظر المائة المختارة للجاحظ : الكلمة 11 ، وكذلك الصواعق المحرقة : 120 وما بعدها ب 9 فصل 2 و4 ، والينابيع : 2 / 412 وما بعدها ط اُسوة رقم 98 .
6- .انظر غرر الحكم : 6/266 ، وورد قول آخر « . . . وانظر إلى ما قال ولا تَنْظُر إلى مَنْ قالَ» في : 3/422 ، المائة المختارة : الكلمة 13 .
7- .انظر المائة المختارة : الكلمة 12 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : 28 .
8- .انظر الكلمة الخامسة عشر ، والصواعق المحرقة : 121 وما بعدها ب 9 فصل 2 ، وينابيع المودّة : 2 / 413 رقم 101 .

ص: 539

لا ثناء مع الكِبر (1) . لا برّ مع الشحّ (2) . لا صحّة مع النهم (3) . لا شرف مع سوء الأدب (4) . لا اجتناب من محرّمٍ مع الحرص (5) . لا راحة مع الحسد (6) . لا سؤدد مع الانتقام (7) . لا محبّة مع المِراء (8) . لا صواب مع ترك المشورة (9) . لا مروّة لكذوب (10) . لا ريادة مع زعارة (11) .

.


1- .المصدر السابق : الكلمة السادسة عشر ، وينابيع المودّة : 2 / 413 رقم 102 .
2- .المصدر السابق : الكلمة الرابعة عشر .
3- .المصدر السابق الكلمة السابعة عشر ، وينابيع المودّة : 2 / 413 رقم 103 ، والنَهْم : كثرة الأكل .
4- .المائة المختارة : الكلمة 18 ، ينابيع المودّة : 2 / 413 رقم 104 .
5- .المصدر السابق : الكلمة التاسعة عشر ، كنز الفوائد : 1 / 318 ومابعدها .
6- .انظر شرح النهج لابن أبي الحديد تحقيق محمّد أبو الفضل : 1 / 318 وفيه «محرّم للحرص» ، ينابيع المودّة : 2 / 413 رقم 105 ، المائة المختارة للجاحظ : الكلمة 20 ، والصواعق المحرقة لابن حجر : 121 ب 9 فصل 2 و4 ، كنز الفوائد : 1 / 137 .
7- .المصادر السابقة، والمائة المختارة : الكلمة 22 ، ولكن بلفظ «لا تودّد» ، وينابيع المودّة تحت رقم 106.
8- .المصادر السابقة ، والمائة المختارة : الكلمة 21 .
9- .المصادر السابقة ، والمائة المختارة : الكلمة 24 ، وينابيع المودّة رقم 107 .
10- .انظر الإعجاز والإيجاز : 29 ، وتحف العقول الطبعة الثانية تحقيق الغفاري : 215 ، وينابيع المودّة: 2/413 رقم108، المائة المختارة للجاحظ : الكلمة 25 ، والصواعق المحرقة: 120 ب9 فصل2 و4 .
11- .المصادر السابقة، والمائة المختارة للجاحظ : الكلمة 23 ، وينابيع المودّة: 2/115 ط اُسوة، والزعارة: شراسة الخُلق.

ص: 540

لا وفاء لملوك (1) . لا كرم أعزّ من التقى (2) . لا شرف أعلى من الإسلام (3) . لا معقل أحسنُ من العقل (4) . لا شفيع أنجح من التوبة (5) . لا لباس أجمل من العافية (6) . لا داء أعيا من الجهل (7) .

.


1- .المصادر السابقة ، والمائة المختارة : الكلمة 27 .
2- .وردت في تحف العقول : 90 وفيه «التَقوى» بدل «التقى» ، وانظر الصواعق المحرقة : 121 فصل 2 ب 9 ، ينابيع المودّة : 2 / 414 ، والمائة المختارة : الكلمة 26 .
3- .انظر نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 540 الرقم 371 ، وفي الغرر : 371 ، وفي شرح النهج للفيض : 363 ، وفي شرح النهج لابن ميثم : 352 ، وفي ظلال شرح النهج : 369 ، وفي شرح النهج للعلامة الخوئي : 356 ، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : 377 ، وفي شرح النهج لمحمّد عبده : 369 ، وفي شرح النهج لملاّ فتح اللّه : 354 ، وفى شرح النهج لملاّ صالح : 364 ، وروضة الكافي : 18 ، وتحف العقول . 9067 و93 ط اُخرى ، والأمالي : 193 ، والصواعق المحرقة : 121 ب 9 فصل 2 و4 ، والمائة المختارة : الكلمة 28 .
4- .وردت الحكمة في شرح النهج (صبحي الصالح) : 540 الرقم 371 ، وفيه «الورع» وكذلك في الغرر : 371 ، وروضة الكافي 18 ، وتحف العقول : 67 ولكن في الطبعة الثانية لجامعة المدرّسين بقم / تحقيق عليّ أكبر الغفاري : 90 و 93 «ولا معقل أحرز في الورع» ، والأمالي : 193 ، كما في شرح النهج للفيض : 363 ، وشرح النهج لابن ميثم : 352 ، وفي ظلال شرح النهج : 369 ، وشرح النهج للعلاّمة الخوئي : 356 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 377 ، وشرح النهج لمحمّد عبده : 369 ، شرح النهج لملاّ فتح اللّه : 354 ، وشرح النهج لملاّ صالح : 364 ، ولكن في بعض النسخ ورد بلفظ «العقل» كما في نسخة من المعجم المفهرس : 875 تحت عنوان مستدرك اختلاف النسخ : 1457 ، المائة المختارة : الكلمة 29 .
5- .انظر المائة المختارة : الكلمة 30 ، ونهج البلاغة (صبحي الصالح) : 540 الرقم 371 بالإضافة إلى المصادر السابقة .
6- .المائة المختارة : الكلمة 31 ، ولكن بلفظ «أجمل من السلامة» .
7- .المائة المختارة : الكلمة 33 .

ص: 541

لا مرض أخفى من قلّة العقل (1) . لسانك يقتضيك ما عوّدته (2) . المرء عدوّ ما جهله (3) . رحم اللّه امرءً عرف نفسه ولم يتعدّ طوره (4) . إعادة الاعتذار تذكرة بالذنب (5) . النصح بين الملأ تقريع (6) . إذا تمّ العقل نقص الكلام (7) . الشفيع جناح الطالب (8) . نفاق المرء ذلّه 9 . نعمة الجاهل كروض على مزبلة 10 . الجزع أتعب من الصبر 11 . المسؤول حر حتّى يَعِده 12 .

.


1- .المصادر السابقة ، والمائة المختارة للجاحظ : الكلمة 34 ، وينابيع المودّة : 2 / 115 ط اُسوة ، والصواعق المحرقة : 122 ب 9 فصل 2 .
2- .المصادر السابقة ، والمائة المختارة : الكلمة 35 ، وينابيع المودّة : 2 / 112 وما بعدها ط اُسوة .
3- .المصادر السابقة ، والمائة المختارة : الكلمة 36 ، وكنز الفوائد : 1 / 316 وما بعدها .
4- .المصادر السابقة ، والمائة المختارة : الكلمات 38 و39 و40 و41 .
5- .انظر المائة المختارة : الكلمة 42 ، وغرر الحكم : 6 / 181 ولكن بلفظ «نفاق المرء من ذلّ يجده في نفسه» .
6- .انظر غرر الحكم : 6 / 181 ، المائة المختارة : الكلمة 43 .
7- .ورد في أسرار البلاغة : 345 ، المائة المختارة : كلمة 44 .
8- .وردت الحكمة في نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 534 الرقم 336 هكذا «المسؤول حُرّ حتّى يَعِدَ» ومثله الغرر : 336 ، وفي شرح النهج للفيض أيضا : تحت الرقم 327 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : 341 ، المائة المختارة للجاحظ : الكلمة 45 ، الحكمة الخالدة : 112 .

ص: 542

أكبر الأعداء أخفاهم مكيدة (1) . من طلب ما لا يعنيه فاته ما يعنيه (2) . السامع للغيبة أحد المغتابين (3) . الذلّ مع الطمع (4) . العزّ مع اليأس (5) . الحرمان مع الحرص (6) . من كثر مزاحه حُقد عليه واستُخفّ به (7) . عبد الشهوة أذلّ من عبدالرقّ (8) . الحاسد مغتاض على من لا ذنب له (9) . منع الجود سوء الظنّ بالمعبود (10) . كفى بالظفر شفيعا للذنب (11) .

.


1- .انظر المائة المختارة للجاحظ : الكلمة 46 ، الرعاية لحقوق اللّه عزّ وجلّ لأبي عبداللّه المحاسبي : 196 .
2- .المائة المختارة : الكلمة 47 .
3- .المائة المختارة : الكلمة 48 .
4- .المائة المختارة : الكلمة 49 .
5- .المائة المختارة : الكلمة 50 ولكن بلفظ «الراحة مع اليأس» .
6- .المائة المختارة : الكلمة 52 .
7- .المائة المختارة : الكلمة 51 .
8- .المائة المختارة : الكلمة 55 .
9- .انظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 318 تحقيق محمّد أبو الفضل بإضافة «بخيل بما لا يملكه» ، وكنز الفوائد للإمام أبي الفتح الشيخ محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكي الطرابلسي تحقيق الشيخ عبداللّه نعمة : 1 / 136 دار الأضواء بيروت ، المائة المختارة : الكلمة 54 .
10- .المائة المختارة للجاحظ : الكلمة 53 .
11- .المصدر السابق : الكلمة 55 .

ص: 543

رُبّ ساعٍ فيما يضرّه (1) . لا تتّكل على المنى فإنّها بضائع الحمقى (2) . اليأس حرّ والرجاء عبد (3) . ظنّ العاقل كهانة (4) . مَن نظر اعتبر (5) . العداوة شغل القلب (6) . القلب إذا كره عمى (7) . الأدب صورة العقل (8) . مَن لانت أسافله صلبت أعاليه (9) . مَن أتى في عجابه قلّ حياؤه وبذا لسانه (10) .

.


1- .وردت الحكمة في تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه و آله لابن شعبة الحرّاني تحقيق عليّ أكبر الغفاري الطبعة الثانية نشر جامعة مدرسين قم المقدسة : 79 ، المائة المختارة : الكلمة 56 .
2- .انظر المائة المختارة : الكلمة 57 ، وشرح النهج للخوئي : 179 .
3- .انظر أسرار البلاغة : 346 ، المائة المختارة : الكلمة 58 .
4- .المائة المختارة للجاحظ : الكلمة 59 .
5- .المائة المختارة : الكلمة 60 .
6- .المائة المختارة : الكلمة 61 .
7- .وردت في نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 503 ضمن حكمة رقم 193 ولكن بلفظ «فإنّ القلب إذا اُكره عَمِيَ» ، وفي شرح النهج للفيض : 184 ، وشرح النهج لابن ميثم : 179 ، وفي ظلال شرح النهج : 192 ، وشرح النهج للعلاّمة الخوئي : 184 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 189 ، وشرح النهج لمحمّد عبده : 193 ، وشرح النهج لملاّ صالح : 188 ، وشرح النهج لملاّ فتح اللّه : 168 ، المائة المختارة : الكلمة : 62 ، أنساب الأشراف : 115 ، الفرج بعد الشدّة للتنوخي : 1 / 37 ، مروج الذهب : 2 / 264 ، الخصال : 1 / 9 ، ربيع الأبرار : 1 / 362 ، غرر الحكم : 113 .
8- .انظر أسرار البلاغة : 23 ، والمائة المختارة : الكلمة 63 .
9- .المائة المختارة للجاحظ : الكلمة 65 .
10- .المائة المختارة للجاحظ : الكلمة 66 ، وفي (ب) : احانه .

ص: 544

السعيد من وعظ بغيره (1) . البخل جامع لمساوي العيوب (2) . كثرة الوفاق نفاق ، وكثرة الخلاف شفاق (3) . رُبّ أملٍ خائب (4) . رُبّ رجاء يؤدّي إلى الحرمان (5) . رُبّ ربح يؤدّي إلى الخسران (6) . رُبّ طمع كاذب (7) . البغي سائق الى الحَيْنِ (8) . في كلّ جرعة شرقة (9) .

.


1- .انظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 20 / 289 ولكن بإضافة «والشقي من اتّعظ به غيره» ، تحف العقول : 89 و100 و214 ورد بلفظ «السعيد من وُعِظَ بغيره» ، المائة المختارة : الكلمة 67 .
2- .انظر نهج البلاغة : 2 / 241 مع إضافة «وهو زمام يقاد به إلى كلّ سوء» وفي تحف العقول الطبعة الثانية تحقيق عليّ أكبر الغفاري : 90 و 93 ورد بلفظ «وَالشَّرَهُ» بدل «البخل» ، المائة المختارة : الكلمة 69 ، بلفظ «الشر» .
3- .انظر المائة المختارة : الكلمة 70 .
4- .انظر تحف العقول الطبعة الثانية تحقيق الغفاري : 93 ولكن بلفظ «طمع» بدل «أمل» ، وانظر روضة الكافي : 180 ، المائة المختارة : الكلمة 71 .
5- .انظر المصدر السابق ، والروضة : 18 وفيهما «ورجاء» ، المائة المختارة : الكلمة 72 .
6- .انظر تحف العقول الطبعة الثانية تحقيق الغفاري:93، والروضة: 18 وفيهما «وتجارةٍ تؤول إلى الخُسْرانِ» ، المائة المختارة : الكلمة 74 .
7- .انظر تحف العقول الطبعة الثانية تحقيق الغفاري : 93 ، والروضة للكليني : 18 _ 19 وفيهما «خائب» ، المائة المختارة : الكلمة 73 .
8- .وردت في أسرار البلاغة: 23 هكذا «البغي سائق إلى الشرّ»، وفي تحف العقول: 93 ط 2 تحقيق الغفاري «البغي سائق إلى الحَين» ، وكذلك وردت في الروضة للكليني : 18 ، والحَين : الهلاك ، المائة المختارة : الكلمة 75 .
9- .انظر شرح النهج لملاّ صالح : 196 ، والشرقة : الغصّة ، والمائة المختارة : الكلمة 76 .

ص: 545

مع كلّ أكلة غصّة (1) . مَن كثُر ذكره في العواقب لم يشجع (2) . إذا حلّت المقادير ضلّت التدابير (3) . إذا حلّ القدَر بطل الحذَر (4) . الإحسان يقطع اللسان (5) . الشرف بالعقل ، والأدب بالأصل والنسب (6) . أكرم النسب حُسن الأدب (7) . أفقر الفقر الحمق (8) . أوحش الوحشة العُجب (9) . أغنى الغِنى العقل (10) .

.


1- .وردت في نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 503 لكن ضمن حكمة 191 بلفظ « . . . وفي كلّ أكلةٍ غصصٌ . . .» ، وفي شرح النهج للفيض : 182 ، وشرح النهج لابن ميثم : 177 ، وفي ظلال شرح النهج : 190 ، وفي شرح النهج للعلاّمة الخوئي : 182 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 186 ، وشرح النهج لمحمّد عبده : 191 ، وشرح النهج لملاّ فتح اللّه : 165 ، وشرح النهج لملاّ صالح : 185 ، وفي أنساب الأشراف : 188 ، والغرر للوطواط : 25 ، غرر الحكم : 57 ، الأمالي : 2 / 53 ، الخصال : 2 / 156 ، تحف العقول : 100 ، وفي الطبعة الثانية منه تحقيق الغفاري : 91 .
2- .المائة المختارة : الكلمة 77 ، وفي (ب) : فكره .
3- .المائة المختارة : الكلمة 78 .
4- .المائة المختارة : الكلمة 79 .
5- .المائة المختارة : الكلمة 80 .
6- .المائة المختارة : الكلمة 81 .
7- .المائة المختارة : الكلمة 82 .
8- .المائة المختارة : الكلمة 84 .
9- .المائة المختارة : الكلمة 83 .
10- .وردت الحكمة في نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 478 رقم 54 ولكن بلفظ «لا غنى كالعقل . . .» ، وفي الغرر : 54 ، وشرح النهج للفيض : 51 ، وفي شرح النهج لابن ميثم : 47 ، وفي ظلال شرح النهج : 53 ، وفي شرح النهج للعلاّمة الخوئي ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : 52 ، وشرح النهج لمحمّد عبده : 54 ، وشرح النهج لملاّ فتح اللّه : 51 ، وشرح النهج لملاّ صالح : 52 . وانظر تحف العقول : 201 و89 و94 ، الروضة : 17 ، الأمالي : 193 ، البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي : 25 ، العقد الفريد : 2 / 252 ، المائة المختارة : الكلمة 85 .

ص: 546

الطامع في وثاق الذلّ (1) . ليس العجب ممّن هلك كيف هلك إنّما العجب ممّن نجا كيف نجا (2) . احذروا نفار النِعم فما كلّ شارد بمردود (3) . أكثر مصارع العقول تحت بروق الأطماع [المطامع] (4) . مَن أبدى صفحته للحقّ هلك (5) .

.


1- .انظر شرح النهج (صبحي الصالح) : 508 حكمة رقم : 226 ، والغرر : 226 ، وفي شرح النهج للفيض : 217 ، وشرح النهج لابن ميثم : 211 ، وفي ظلال شرح النهج : 225 ، وفي شرح النهج للعلاّمة الخوئي : 215 ، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : 222 ، وفي شرح النهج لمحمّد عبده : 227، وفي شرح النهج لملاّ فتح اللّه : 201، وفي شرح النهج لملاّ صالح : 222، المائة المختارة : الكلمة 88، ربيع الأبرار للزمخشري.
2- .المصادر السابقة .
3- .المائة المختارة : الكلمة 87 .
4- .انظر غرر الحكم : حكمة رقم 219 ، وشرح النهج (صبحي الصالح) : 507 حكمة رقم 219 ، وفي شرح النهج للفيض : 210 ، وشرح النهج لابن ميثم : 204 ، وفي ظلال شرح النهج : 218 ، وفي شرح النهج للعلاّمة الخوئي : 208 ، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : 215 ، وفي شرح النهج لمحمّد عبده : 220 ، وفي شرح النهج لملاّ فتح اللّه : 194 ، وفي شرح النهج لملاّ صالح : 215 ، المائة المختارة : الكلمة 88 ، المحاضرات : 1 / 251 .
5- .انظر نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 502 حكمة رقم 118 ، شرح النهج للفيض : 179 ، شرح النهج لابن ميثم : 174 ، في ظلال شرح النهج : 187 ، شرح النهج للعلاّمة الخوئي : 179 ، والبيان والتبيين : 2 / 65 ، النهاية لابن الأثير : 1 / 132 ، الإرشاد : 139 ، عيون الأخبار : 2 / 236 ، و : 10 / 60 ، وفي ابن أبي الحديد : 155 ، وفي شرح النهج لمحمّد عبده : 188 ، وفي شرح النهج لملاّ فتح اللّه : 135 ، وشرح النهج لملاّ صالح : 155 ، وفي الغرر : 188 ، العقد الفريد : 2 / 162 ، المائة المختارة : الكلمة 89 .

ص: 547

إذا مُلقتم فبادروا بالصدقة (1) . مَن لان عُوده كثرت أغصانه (2) . قلب الأحمق في فيه ، ولسان العاقل في قلبه (3) . مَن جرى في ميدان أمله عثر في عنان أجله (4) . إذا وصلت إليكم أطراف النِعم فلا تنفّروا أقصاها (5) بقلّة الشكر (6) .

.


1- .وردت في النهج (صبحي الصالح) : 513 الرقم 258 هكذا «إذا أمْلَقْتُمْ فتاجروا اللّه بالصدقة» . وكذلك في غرر الحكم الرقم 258 ، وفي شرح النهج للفيض : 250 ، وشرح النهج لابن ميثم : 244 ، وفي ظلال شرح النهج : 257 ، وفي الشرح النهج للعلاّمة الخوئي : 248 ، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : 255 ، وفي شرح النهج لمحمّد عبده : 260 ، وفي شرح النهج لملاّ فتح اللّه : 238 ، وفي شرح النهج لملاّ صالح : 255 ، المائة المختارة : الكلمة 91 .
2- .المصادر السابقة ، المائة المختارة : الكلمة 92 .
3- .انظر نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 476 حكمة 41 ، وفي الغرر : 41 ، وفي شرح النهج للفيض : 39 ، وفي شرح النهج لابن ميثم : 35 ، وفي ظلال شرح النهج : 40 ، وفي شرح النهج للعلاّمة الخوئي : 39 ، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : 40 ، وفي شرح النهج لمحمّد عبده : 41 ، وفي شرح النهج لملاّ فتح اللّه : 39 ، وفي شرح النهج لملاّ صالح : 39 ، المائة المختارة : الكلمة 93 ، ربيع الأبرار : 1 / 219 ، اُصول الكافي : 2 / 443 ، المحاسن : 6 ، الأمالي : 153 ، تفسير العيّاشي : 2 / 262 ، تحف العقول : 71 .
4- .انظر المصادر السابقة ، المائة المختارة : الكلمة 95 .
5- .في (أ) : أقضاها .
6- .انظر نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 470 الرقم : 13 ، والغرر : 13 و 141 ، وشرح النهج للفيض : 13 ، وشرح النهج لابن ميثم : 8 ، وفي ظلال شرح النهج : 12 ، وشرح النهج للعلاّمة الخوئي : 12 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 14 ، وشرح النهج لمحمّد عبده : 12 ، وشرح النهج لملاّ فتح اللّه : 14 ، وشرح النهج لملاّ صالح : 13 ، ودستور معالم الحكم ص 33 ، وربيع الأبرار : 1 / 403 (المخطوطة) .

ص: 548

إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه شكر القُدرة عليه (1) . ما أضمر أحدٌ شيئا في قلبه إلاّ ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه (2) . البخيل يستعجل الفقر [ل] يعيش في الدنيا عيشة الفقراء ، ويحاسَب في الآخرة حساب الأغنياء (3) . لسان العاقل وراء قلبه ، وقلب الأحمق وراء لسانه (4) . انتهى .

.


1- .وردت الحكمة في نهج البلاغة (صبحي الصالح) ص 470 حكمة 11 هكذا «إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه» ، وفي الغرر كذلك الرقم : 11 ، وشرح النهج للفيض : 10 ، وشرح النهج لابن ميثم : 6 ، وفي ظلال شرح النهج : 10 ، وفي شرح النهج للخوئي : 10 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 11 ، وشرح النهج لمحمّد عبده : 10 ، وشرح النهج لملاّ فتح اللّه : 11 ، وشرح النهج لملاّ صالح : 10 ، المحاضرات : 1 / 111 ، لباب الآداب : 335 ، زهر الآداب : 1 / 44 ، روض الأخبار : 36 ، نهاية الأرب : 3 / 35 ، المائة المختارة : الكلمة 96 .
2- .انظر المصادر السابقة ، المائة المختارة : الكلمة 98 .
3- .ورد في نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 491 ضمن حكمة رقم 126 ولكن بلفظ «عجبت لبخيل يستعجل الفقر الّذي منه هرب ويفوته الغنى الّذي إياه طلب ، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء . . .» ، وفي شرح النهج للفيض مثله : 121 ، وشرح النهج لابن ميثم : 116 ، وفي ظلال شرح النهج : 125 ، وشرح النهج للعلاّمة الخوئي : 121 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 121 ، وشرح النهج لمحمّد عبده : 127 ، وشرح النهج لملاّ فتح اللّه : 108 ، وشرح النهج لملاّ صالح : 122 ، المائة المختارة : الكلمة 99 ، غرر الحكم : 219 ، روض الأخبار لمحمد بن قاسم : 224 .
4- .انظر نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 476 حكمة رقم 40 ، وفي شرح النهج للفيض : 39 ، وشرح النهج لابن ميثم : 35 ، وفي ظلال شرح النهج : 40 ، وفي شرح النهج للعلاّمة الخوئي : 39 ، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : 40 ، وفي شرح النهج لمحمّد عبده : 40 ، وفي شرح النهج لملاّ فتح اللّه : 39 ، وفي شرح النهج لملاّ صالح : 38 ، ربيع الأبرار : 1 / 219 ، اُصول الكافي : 2 / 443 ، المحاسن : 6 ، الأمالي : 153 ، تفسير العيّاشي : 2 / 262 ، تحف العقول : 71 ، المائة المختارة : الكلمة 1000 .

ص: 549

فصل : أيضا في ذكر شيء من كلماته

فصل [ آخر ] : [ في ذكر شيءٍ من كلماته الرائعة ومعانيه الفائقة ومواعظه النافعة وزواجره الصادعة ونُكته الحسنة ومقاصده المستحسنة ]ذكر الشيخ المفيد (1) في كتاب الإرشاد : ومن كلامه عليه السلام في شيعتهم (2) المخلصين ما رواه نقلة الآثار (3) أنه عليه السلام خرج ذات ليلةٍ من المسجد وكانت ليلةً قمراءَ فأمَّ الجبّانة ، ولحِقَهُ جماعة يَقْفون أثرَهُ ، فوقف ثمّ قال (4) : مَن أنتم ؟ قالوا : نحنُ شيعتُك يا أمير المؤمنين ، فتفرّس (5) في وجِوههِم ثُمّ قال : فمالي لا أرى عليكم (6) سِيماءَ الشيعة ؟ قالوا : وما سيماءُ الشيعة يا أمير المؤمنين ؟ قال : صُفْرُ الوجوه من السهَرِ ، حُدْبُ الظهورِ من القيام ، عُمْشُ العيونِ من البكاء ، خُمْصُ البطونِ من الصيامِ ، ذُبْلُ

.


1- .تقدّمت ترجمته رحمه الله .
2- .في الإرشاد: في صفة شيعته .
3- .في (أ) : الأخبار .
4- .في (أ) : وقال .
5- .في (د) : فنضر .
6- .في (أ) : فيكم .

ص: 550

الشِفاه من الدعاء ، وعليهم غَبرةُ الخاشعينَ (1) . ومن ذلك ما نقل عنه عليه السلام في العلم والعقل والمال قال عليه السلام : العلم حياة القلوب ونور الأبصار ، ينزل اللّه تعالى حامله منازل الأخيار ، ويمنحه صحبة الأبرار ، ويرفعه في الدنيا والآخرة (2) .

وقال عليه السلام :العلم يرفع الوضيع ويضع الرفيع (3) .

وقال عليه السلام :العلم خير من المال [العلم] يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم حاكم والمال محكوم عليه (4) .

.


1- .الارشاد للشيخ المفيد : 1 / 237 . وانظر أمالي الشيخ الطوسي : 1 / 219 ، مشكاة الأنوار : 58 ، صفات الشيعة : 89 / 20 ، و : 95 / 33 ، العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار : 68 / 150 / 4 علما بأنّ هذه القطعة الذهبية للامام عليّ عليه السلام لاتوجد إلاّ في نسخة (أ) فقط وفي بعض النسخ مطموسة ولكن نحن أخذناها من المصادر السابقة ومن النسخ على الرغم أنّ بعضها مطموس .
2- .انظر المصادر السابقة ، ينابيع المودة : 2 / 415 .
3- .انظر المصادر السابقة ، ينابيع المودة : 2 / 415 .
4- .جاء هذا الكلام في نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 495 تحت رقم 147 من قِبل الإمام عليّ عليه السلام موجّها لكميل بن زياد النخعي _ ثقة ، رمي بالتشيّع مات سنة اثنتين وثمانين ، شهد مع على صفين وكان شريفا مطاعا في قومه ، قتله الحجاج _ انظر ترجمته في الاشتقاق لابن دريد : 404 ، وفي تقريب التهذيب ، والفصول الفخرية في اُصول البرية لجمال الدين أحمد بن عنبة : 56 ، وفي تهذيب التهذيب ، وابن حبان في الثقات والمدائني في عباد أهل الكوفة . . . الخ وجاء في النهج بلفظ « . . . يا كميل العلم خير من المال _ إلى أن يقول : _ العلم حاكم والمال محكوم عليه . . .» . انظر الغارات لأبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي [ت 283 ه] تحقيق جلال الدين المحدّث : 1 / 149 ط 2 ، والعقد الفريد : 1 / 265 ، التاريخ لابن واضح : 2 / 400 ، تحف العقول : 169 ، الخصال : 1 / 85 ، كمال الدين : 169 ، المحاسن والمساوئ للبيهقي : 40 ، قوت القلوب : 1 / 272 ، تاريخ بغداد : 6 / 389 ، تفسير الرازي : 2 / 192 ، المختصر : 29 ، المناقب للخوارزمي : 390 ، تهذيب اللغة للازهري : 1 / 70 ، وشرح النهج للفيض : 139 ، وشرح النهج لابن ميثم : 134 ، في ظلال شرح النهج : 146 ، شرح النهج للعلاّمة الخوئي : 139 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 143 ، شرح النهج لمحمّد عبده : 147 ، شرح النهج لملاّ فتح اللّه : 122 ، شرح النهج لملاّ صالح : 142 ، غرر الحكم : 2 / 68 و81 ، ينابيع المودّة : 2 / 115 رقم 139 ط اُسوة ، الصواعق المحرقة : 121 ب 9 فصل 2 .

ص: 551

وقال عليه السلام :قصم ظهري رجلان : عالمٌ متهتّك ، وجاهلٌ متنسّك ، هذا ينفّر الناس بتهتّكه (1) وهذا يضلّ الناس بتنسّكه (2) .

وقال عليه السلام :أقلّ الناس قيمةً أقلّهم علما [إذ قيمة] كلّ امرئٍ ما يُحسنه ، وكفى بالعلم شرفا أنه يدّعيه مَن لا يحسنه ويفرح إذا نُسب إليه ، وكفى بالجهل ذمّا أنه يبرأ منه مَن هو فيه ويغضب إذا نُسب إليه ، والناس عالمٌ ومتعلّمٌ وساير الناس همجٌ رُعاع [لا خير فيهم] (3) .

وقال عليه السلام في العقل :الإنسان عقل وصورة ، فمن أخطأه العقل لزمته الصورة ، ومن لم يكن كاملاً كان بمنزلة جسد بلا روح (4) .

وقال عليه السلام في صفة الدنيا :ألا وإنّ الدنيا قد أدبرتْ وآذنتْ بوَداعٍ و[إنّ] الآخرة قد أظلّت وأشرفت (5) باطّلاعٍ ، ألا وإنّ المِضمارَ اليومَ والسباق غدا ، فإمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار ، وإنّكمْ في أيّامِ مَهَلٍ من ورائِهِ أجَلٌ يحثّهُ عَجَلٌ ، فمن (6) عمل في أيّام مهَله قبل حلول أجَله نفعه عمله ولم يضرّ أمله،ومن لم يعمل في أيّام مهَله قبل حلول أجَله ضرّه أمله ولم ينفعه عمله، ولو عاش أحدكم ألف عام كان الموت بالغه ونحبه لاحقه، فلا تغرّنكم الأماني ولا يغرّنكم باللّه الغرور ، كان قبلكم في هذه الدنيا سكّانٌ شيدوا البنيان ووطّنوا الأوطان أضحت أبدانهم في قبورهم هامدة وأنفاسهم خامدة ويتلهّف

.


1- .في نسخة (ج) : هذا يفتي ويغير دين .
2- .انظر المصادر السابقة ، والصواعق المحرقة: 121 فصل 2 ص9، وينابيع المودّة: 2/115 تحت رقم 140 ، عيون الحكم والمواعظ لعليّ بن محمد الليثي الواسطي : 479 ، غرر الحكم : 6 / 98 / 665.
3- .انظر المصادر السابقة ، وينابيع المودّة : 2 / 416 رقم 141 ط اُسوة نقلاً عن الصواعق المحرقة : 122 ب 9 فصل 2 و4 ، الغارات : 1 / 149 ، سنن الدارمي : 1 / 94 .
4- .انظر المصادر السابقة ، بحار الأنوار : 110 / 157 .
5- .في (أ) : أقبلت وأذنت .
6- .في (أ) : مَن .

ص: 552

المفرط منهم على ما فرّط يقول : ياليتني قدّمت لنفسي ياليتني أطعت ربّي . . . (1) .

وقال عليه السلام :كأنّ (2) ما هو كائن من الدنيا لم يَكُنْ ، وكأنّ ما هو كائنٌ قد كان (3) من الآخرة لم يزل ، وكلّما هو آتٍ قريب ، فكم مؤمّل لأمل لم يدركه ، وكم جامع ما لا يأكله وذاخر ما عساه يتركه ، ولعلّه من باطل جَمعه (4) ومن حرام رفعه ، أصابه حراما عدوانا ، واحتمل وزره (5) وباء منه بما ضرّه، خسر الدنيا والآخره ذلك هو الخسران المبين (6) . ومن ذلك ما ورد عنه عليه السلام في الحِكم والأمثال عن ابن عباس انّه قال : ما انتفعتُ بكلامٍ بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانتفاعي بكتاب كتبه إليَّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فانّه كتب إليَّ : أمّا بعد ، فإنّ المرء يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ، ويسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، وليكن أسفك على ما فاتك منها ، وما نلت من دنياك فلا تُكثِر (7) به فرحا ، وما فاتك منها فلا تأس عليه [جزعا] ، وليكن

.


1- .وردت هذه الكلمة في الارشاد للشيخ المفيد : 1 / 235 و236 طبع مؤسّسة آل البيت عليهم السلامالطبعة الثانية 1416 ه ولكنها تختلف في بعض الألفاظ فقارن بين هذه وبين ما وجد في الإرشاد ، الدرّ المنثور : 1 / 223 ، البيان والتبيين : 2 / 27 ، العقد الفريد : 4 / 159 ، الكافي : 8 / 58 / 21 ، مروج الذهب : 2 / 424 ، و : 3 / 413 ، من لا يحضره الفقيه : 1 / 327 ، أمالي المفيد : 93 و207 ، نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد : 1 / 66 / 27 ، مصباح المتهجّد : 605 ، الأمالي : 1 / 236 ، تذكرة الخواصّ : 116 .
2- .في (ج ، د) فكَأَنَّ .
3- .ليست في (أ) لفظ : قد كان .
4- .في (ج) زاد لفظ : ومن حقّ منعه .
5- .في (ج) زاد لفظ : حرمانا وأورثه عدوانا واحتمل به آثاما فباء بوزره .
6- .وردت هذه ضمن الحكمة 344 من نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 535 مع اختلاف ببعض الألفاظ والزيادة ، وكذلك وردت في تذكرة الخواصّ : 135 ، وشرح النهج للفيض : 336 ، وشرح النهج لابن ميثم : 325 ، وفي ظلال شرح النهج : 343 ، وشرح النهج للعلاّمة الخوئي : 330 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 350 ، وشرح النهج لمحمّد عبده : 343 ، وغرر الحكم : 2 / 265 قريب من هذا اللفظ .
7- .في (أ) : تكن .

ص: 553

همّك فيما (1) بعد الموت ، والسلام (2) . وقال : الشيء شيئان : [ف] شيء [لغيري] قصر عنّي لم اُرزقه فيما مضى ولا آمُلُه (3) فيما بقي ، وشيء لا أنالُهُ دون وقته ولو استعنت (4) عليه بقوّة أهل السماوات والأرض ، فما اعجب من الإنسان يسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ، ولو أنه فكّر لأبصر ولَعَلِمَ أ نّه مُدَبَّر واقتصر على ما تيسَّر ، ولم يتعرّض لما تعسّر ، واستراح قلبه ممّا استوعى ، فكونوا أقلّ (5) ما لا تكونوا في الباطل (6) أموالاً وأحسن ما تكونوا في الآخرة أحوالاً (7) ، فإنّ اللّه تعالى أدّب عباده المؤمنين أدبا حسنا فقال عزّ من قائل : «يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَ_هُمْ

.


1- .في (أ) : لما .
2- .ورد الكتاب في نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 378 رقم 22 ولكن بلفظ : امّا بعد ، فإنّ المرء قد يسرّه درك مالم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت مالم يكن ليدركه ، فليكن سرورك . . . ، وانظر الغرر : 22 ، وشرح النهج للفيض : 22 ، وشرح النهج لابن ميثم : 22 ، وفي ظلال شرح النهج : 21 ، وشرح النهج للعلاّمة الخوئي : 22 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 22 ، وشرح النهج لمحمّد عبده : 22 ، وشرح النهج لملاّ فتح اللّه : 23 ، وشرح النهج لملاّ صالح : 22 ، ووقعة صفين : 107 ، وروضة الكافي : 240 ، المجالس : 4 / 186 ، الأمالي : 2 / 96 ، العقد الفريد : 2 / 142 ، وقوت القلب لأبي طالب المكي : 1 / 158 ، أنساب الأشراف : 117 ، المحاضرات للراغب الإصفهاني : 2 / 173 ، دستور معالم الحكم للقاضى القضاعي : 96 ، تذكرة الخواصّ : 160 ، عين الأدب والسياسة لابن هذيل : 210 ، الطراز للسيد اليماني : 2 / 370 . وهناك كتاب آخر في النهج لصبحي الصالح تحت رقم 66 : 457 أيضا إلى عبداللّه بن عباس لكنه بخلاف يسير في هذه الرواية فراجع وقارن مع المصادر السابقة أيضا ، وكذلك صفة الصفوة : 1 / 347 ، أنساب الأشراف : 2 / 116 ، المجالس : 4 / 155 ، وتحف العقول الطبعة الثانية تحقيق الغفاري : 200 ولكن بدون لفظ «والسلام» في كلّ هذه المصادر .
3- .في (أ) : ولا أرجوه .
4- .في (ج) : أجْلبْتُ .
5- .في (ب ، د) : أعلى .
6- .في (ج) : الباطن .
7- .في (أ) : أعمالاً .

ص: 554

لاَ يَسْ_ئلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا» (1) . وقال : لا تكون غنيا حتّى تكون عفيفا ، ولا تكون زاهدا حتّى تكون متواضعا ، ولا تكون متواضعا حتّى تكون حليما ، ولا يسلم قلبك حتّى تحبّ للمسلمين ما تحبّ لنفسك ، وكفى بالمرء جهلاً أن يرتكب ما نُهي عنه ، وكفى به عقلاً أن يسلم الناس شرّه ، واعرض عن الجهل وأهله ، واكفف عن الناس ما تحبّ ان يكفّ (2) عنك ، وأكرم من صافاك ، وأحسن مجاورة من جاورك وإن جانبك ، واكفف الأذى ، واصفح عن سوء الأخلاق ، ولتكن يدك العليا ان استطعت ، ووطّن نفسك على الصبر على ما أصابك ، وألهم نفسك القناعة ، وانهم الرجاء ، وأكثر الدعاء تسلم من سَورة الشيطان ، ولا تنافس على الدنيا ، ولا تتّبع الهوى ، واحلم على السفيه تكثر أنصارك عليه ، وعليك بالشِيَم العالية تُقهر من يناويك (3) . وقال : قل عند كلّ شدّة «لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم» تكفّ . وقل عند كلّ نعمة «الحمد للّه » تزد منها . وإذا أبطأت عليك الأرزاق فقل «أستغفر اللّه » يوسّع عليك (4) . مفتاح الجنة الصبر (5) . مفتاح الشرف التواضع (6) . مفتاح الكرم التقوى (7) . مَن أراد أن يكون شريفا فيلزم التواضع 8 .

.


1- .البقرة : 273 .
2- .في (ب) : يكفف .
3- .انظر المصادر السابقة والمائة المختارة للجاحظ .
4- .مستدرك الوسائل : 5 / 212 وبحار الأنوار : 75 / 9 ونهج السعادة : 8 / 219 .
5- .نهج البلاغة : 2 / 50 خطب الإمام عليّ عليه السلام .
6- .الكافي : 2 / 121 .
7- .المصادر السابقة .

ص: 555

عُجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله (1) .

وقال عليه السلام :لا راحة لحسود ، ولا شرف لبخيل ، ولا همّة لمهين ، ولا سلامة لمن أكثر مخالطة الناس ، ولا كنز أغنى من القناعة ، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت (2) .

وقال عليه السلام :مَن كثُرت عوارفه كثرت معارفه (3) . مَن أجمل في الطلب أتاه رزقه من حيث لا يحتسب (4) . مَن كثّر دنيّه لم تقرّ عينه (5) . مَن فعل ما شاء لقي ما لا يشاء (6) . مَن استكان بالرأي ملَك ، ومَن كابد الاُمور هلك (7) . مَن أمسك عن الفضول عُدّ من أرباب العقول 8 . مَن لم يكتسب بالأدب مالاً اكتسب به جمالاً 9 . ما كساه الغنى ثوبا خفيت عن العيون عيوبه 10 . مَن حسُنت سياسته دامت رياسته 11 . مَن ركب العجلة لم يأمن الكبوة 12 . مَن تقدّم بحُسن النية نصره التوفيق 13 .

وقال عليه السلام :الوحدة راحة ، والعزلة عبادة ، والقناعة غِنى ، والاقتصاد بُلغة ، عدل

.


1- .شرح النهج لابن أبي الحديد : 4 / 49 خطب الإمام عليّ عليه السلام ، نهج السعادة : 7 / 229 .
2- .المصادر السابقة .
3- .المصادر السابقة .
4- .نظم درر السمطين : 157 .
5- .نظم درر السمطين : 160 .
6- .شرح النهج لابن أبي الحديد : 20 / 211 .
7- .المصدر السابق .

ص: 556

السلطان خير من خصب الزمان ، والعزيز بغير اللّه ذليل ، والغني الشره (1) فقير ، ولا تعرف الناس إلاّ بالاختبار ، فاختبر أهلك وولدك في غَيبتك ، وصديقك في مصيبتك ، وذا القرابة عند فاقتك ، والتودّد والملق عند عطيّتك ، لتعلم بذلك أين منزلتك (2) .

وقال عليه السلام :ما ذبّ عن الأعراض كالصفح والإعراض (3) . في إغضائك راحة أعضائك (4) . أجل النوال ما وصل قبل السؤال (5) . الحكيم لا يعجب بقضاء محتوم ، حلّ بمخلوق (6) . عفّة اللسان صمّة . من الفراغ يكون الصبوة (7) .

وقال عليه السلام :لا تحدّث من غير ثقة تكن كذّابا ، وقارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشرّ تبن عنهم . واعلم أنّ من الحزم العزم ، وساعد أخاك وإن جفاك ، وان قطعته فاستبق له بقية من نفسك ، ولا ترغبن فيمن زهد فيك ، وليس جزاء مَن سرَّك أنّ تسوءه . واعلم أنّ عاقبة الكذب الذمّ ، وعاقبة الصدق النجاة (8) .

وقال عليه السلام :خير أهلك من كفاك 9 . ترك الخطيئة أهون من التوبة 10 . عدوٌّ عاقل خيرٌ من صديقٍ جاهل 11 .

.


1- .في (أ) : الشرّير .
2- .بحار الأنوار : 75 / 10 .
3- .عيون الحكم والمواعظ : 522 .
4- .المصادر السابقة .
5- .المصادر السابقة .
6- .انظر تحف العقول : 86 .
7- .انظر كتاب الرعاية لحقوق اللّه عزّ وجلّ للمحاسبي : 197 وما بعدها .
8- .انظر المصدر السابق ، والطرائف للسيد ابن طاووس : 250 ، وشرح سنن النسائي : 2 / 142 .

ص: 557

التوفيق من السعادة (1) . مَن بحث عن عيوب الناس بنفسه بدا (2) . مَن سلم من ألسنة الناس كان سعيدا (3) . مَن وقع في ألسنة الناس هلك (4) . مَن تحفّظ من سقط الكلام أفلح (5) . خير مالك ما أعانك على حاجتك (6) . كم من غريب خيرٌ من قريب (7) . خير إخوانك مَن واساك ، وخيرٌ منه مَن كفاك (8) . مَن أحبّ الدنيا جمع لغيره 9 . المعروف قرض ، والدنيا دول 10 . مَن كان في النعمة جهِلَ قدر البلية 11 . مَن قلّ سروره كان في الموت راحته 12 . السؤال مذلّة ، والعطاء محبّة ، والمنع مبغضة ، وصحبة الأشرار تورث سوء الظنّ

.


1- .انظر المائة المختارة للجاحظ .
2- .انظر غرر الحكم : 6 / 157 .
3- .انظر المصدر السابق .
4- .انظر كتاب الرعاية لحقوق اللّه عزّ وجلّ للمحاسبي : 198 .
5- .انظر شرح النهج لملاّ صالح : 146 .
6- .انظر غرر الحكم : 187 .
7- .انظر شرح النهج لابن ميثم : 287 .
8- .انظر شرح النهج للعلاّمة الخوئي : 150 .

ص: 558

بالأخيار (1) . الحرّ حرّ ولو مسّه الضرّ (2) . ما ضلّ من استرشد ، ولا خاب من استشار (3) . الحازم لا يستبدّ برأيه (4) . آمن من نفسك عندك مَن وثقته على سرّك (5) . المودّة بين الآباء صلة في الأبناء (6) . مَن رضي عن نفسه كثُر الساخطون عليه (7) . مَن كرُمت عليه نفسه هانت عليه شهوته (8) . مَن هوّن (9) صغار المصائب ، ابتلاه اللّه بكبارها . رُبّ مفتونٍ يُحسن القول فيه 10 .

.


1- .انظر المائة المختارة للجاحظ .
2- .انظر المصدر السابق .
3- .انظر قوت القلوب : 2 / 160 .
4- .المصدر السابق : 167 .
5- .انظر غرر الحكم : 3 / 96 .
6- .وردت في نهج البلاغة : 2 / 223 هكذا «مودّة الآباء قرابة بين الأبناء» وكذلك في النهج (صبحي الصالح) : 529 ضمن حكمة رقم 308 ، ومطالب السؤول : 1 / 162 . وانظر شرح النهج للفيض : 1300 ، وشرح النهج لابن ميثم : 292 ، وفي ظلال شرح النهج : 308 ، وشرح النهج للعلاّمة الخوئي : 297 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 314 ، وشرح النهج لمحمّد عبده : 309 ، وشرح النهج لملاّ صالح : 304 ، وشرح النهج لملاّ فتح اللّه : 285 .
7- .انظر المصادر السابقة .
8- .في (ب) : عظّم .
9- .انظر المصادر السابقة ، نهج البلاغة : 4 / 106 ، خطب الإمام عليّ عليه السلام ، عيون الحكم والمواعظ : 268 .

ص: 559

ما أحْسَنَ تَوَاضُعَ الأغنياءِ لِلفُقَراءِ طَلَبا لِما عِندَ اللّه ، وأحسنُ مِنْهُ تِيهُ الفُقَراءِ على الأغنياءِ اتّكَالاً على اللّه (1) . الدهر يومان : يوم لك ويوم عليك ، فإذا (2) كان لك فلا تبطر ، وإذا (3) كان عليك فلا تضجر ، فاصبر (4) . الراكن إلى الدنيا مع مَن يعاين فيها جاهل (5) . الطمأنينة إلى كلّ أحد قبل الإختبار به (6) عجز (7) . البخل جامع لمساوئ الأخلاق (8) . نِعَم اللّه على العبد جالبة حوائج الناس إليه ، فمن قام فيها بما يجب عرَّضها

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .انظر نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 547 الرقم 406 وشرح النهج للفيض 398 ، وشرح النهج لابن ميثم : 382 ، وفي ظلال شرح النهج : 400 ، وشرح النهج للعلاّمة الخوئي : 386 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 414 ، وشرح النهج لمحمّد عبده : 400 ، وشرح النهج لملاّ فتح اللّه : 385 ، وشرح النهج لملاّ صالح : 394 ، وقوت القلوب : 2 / 101 ، وتاريخ بغداد : 12 / 386 ، والمناقب للخوارزمي : 269 ، ومروج الذهب : 4 / 263 ، ومجمع الأمثال : 2 / 454 .
3- .في (أ) : فإن .
4- .في (أ) : وإن.
5- .في (ب ، د) : فاصطبر . انظر غرر الحكم : 2 / 80 ، وفي نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 546 ضمن الحكمة 396 ، وفي شرح النهج للفيض : 390 ، وشرح النهج لابن ميثم : 376 ، وفي ظلال شرح النهج ، وفي شرح النهج للعلاّمة الخوئي : 380 و 404 _ 406 ، وفي شرح النهج لمحمّد عبده : 394 ، وفي شرح النهج لملاّ فتح اللّه : 379 ، وفي شرح النهج لملاّ صالح : 388 ، وانظر تحف العقول : 207 ، وروضة الكافي : 21 و 95 الطبعة الثانية تحقيق الغفاري بإضافة «فَبِكليهما تُمتَحَن» وفي 207 «سَتُخْتَبَر» بدل «تمتحن» .
6- .في (أ) : الاختيار .
7- .انظر المصادر السابقة ، نهج البلاغة : 4 / 90 خطب الإمام عليّ عليه السلام ، روضة الواعظين : 285 .
8- .تقدّمت تخريجاته .

ص: 560

للدوام والبقاء (1) ، ومَن لم يقم بها عرَّضها للزوال والفناء (2) . العفاف زينة الفقير ، والشكر زينة الغِنى (3) . ومَن أطال الأمل أساء العمل (4) . الناس أبناء الدنيا فلا لوم عليهم في حبّ اُمّهم (5) . الطمع ضامن غير وفي . . . والأماني تعمي [أعين ]البصاير (6) . لا تجارة كالعمل الصالح ، ولا ربح كالثواب ، واللّه أعلم بالصواب (7) .

.


1- .انظر المصدر السابق .
2- .انظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 18 / 116 باب 14 .
3- .انظر تحف العقول الطبعة الثانية تحقيق الغفاري : 90 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 4 / 273 و396 ، و : 4 / 80 وشرح النهج لابن ميثم : 5 / 409 بإضافة «والشكر زينة الغنى» وبلا ذيل في نهج البلاغة : 4 / 15 ، وشرح النهج لابن ميثم : 5 / 273 ، والحكمة الاُولى : 68 ، والثانية : 340 ، و(صبحي الصالح) : 479 و 524 .
4- .نهج البلاغة (صبحي الصالح) : الحكمة 36 .
5- .نهج البلاغة (صبحي الصالح) : الحكمة 303 مع اختلافٍ يسير .
6- .نهج البلاغة (صبحي الصالح) : الحكمة 275 ، مع اختلافٍ يسير .
7- .نهج البلاغة (صبحي الصالح) : ضمن الحكمة 113 ، وليس فيها «واللّه أعلم بالصواب» .

ص: 561

فصل : في ذكر شيءٍ يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامه عليه السلام

فصل : في ذكر شيءٍ يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامهفمن ذلك قوله عليه السلام (1) : فكن (2) معدنا للحلم واصفح عن الأذى فإنّك لاقٍ (3) ما عملت (4) وسامع واحبب (5) إذا أحببت حبّا مقاربا فإنّك لا تدري متى الحبّ راجع (6) وابغض إذا أبغضت بغضا مفارقا (7) فإنّك لا تدري متى الحبّ نافع (8)

.


1- .انظر روائع الحكم في أشعار الإمام عليّ عليه السلام تقديم وضبط وشرح عبود أحمد الخزرجي : 63 و 64 منشورات الشريف الرضي الطبعة الاُولى .
2- .في (ب) : وكن .
3- .في (ج) : لازما .
4- .في (ج) : علمت .
5- .في (ب ، د) : وأحبّ .
6- .في (ب) : أنت نازع .
7- .في (ب) : مقاربا .
8- .في (ب) : أنت راجع .

ص: 562

ولعليّ عليه السلام (1) : لَئِنْ كُنتُ مُحتاجا إلى الحلم إنّني إلى الجهلِ في بعض الأحايين أحْوَجُ وَلي فَرَسٌ بالحلم للحلم مُلجَمٌ وَلِي فَرَسٌ بالجهل للجهل مُسْرَجُ وما كنت أرضى الجهل خدنا (2) وصاحبا ولكنّني أرضى بِهِ حِينَ أحْوَجُ وإن قال (3) بَعضُ الناس فيه سماجةٌ فقد (4) صَدقُوا والذلُّ بالحرّ أسْمَجُ فإن (5) شاء (6) تَقوِيمِي فَإنّي مُقَوَّم وإن شاء تَعوِيجِي فإنّي مُعوَّجُ (7)

وله عليه السلام (8) : فارقْ تجد عوضا عمّا تفارقه فانصب فإنّ لذيذ العيش في النصب فالاُسد لولا فراق الغاب ما افتُرست والسهم لولا فراق القوس لم يصب

وله عليه السلام (9) : الصبر من كرم الطبيعه والمنّ مفسدة الصنيعه ترك التعاهد للصديق يكون داعية القطيعه

وله عليه السلام (10) : أحمد ربّي على خصال خصّ بها سادة الرجال لزوم صبر وخلع كبر وصون عرض وبذل مال

.


1- .روائع الحِكم في أشعار الإمام عليّ عليه السلام : 63 و 64 .
2- .في (ب) : هديا ،وفي (د) : شيمتي .
3- .في (ب) : فان الناس .
4- .في (أ) : لقد .
5- .في (ج) : فمن .
6- .في (أ) : شئت ، وكذلك في عجز البيت .
7- .في (أ) : معوسج .
8- .ديوان الإمام عليّ عليه السلام : 176 .
9- .المصدر السابق : 146 .
10- .المصدر السابق : 136 .

ص: 563

وقال عليه السلام (1) : عش موسرا إن شئت أو معسرا لابدّ في الدنيا من الغمّ دنياك بالأحزان مقرونةٌ فلا تقطع الدنيا إلاّ بهمّ حلاوة دنياك مسمومة فلا تأكل الشهد إلاّ بسمّ

وقال عليه السلام (2) : محامدك (3) اليوم مَذْمُومَةٌ فَلاَ تكسبُ الحمدِ إلاّ بِذَمِ إذا تَمَّ أمرٌ بَدَا نَقْصُهُ تَوَقّعْ زَوَالاً إِذا قِيْلِ تمِ إذا كنت في نعمة فارعها فإنّ المعاصي تزيل النعمِ وداوم عليها بشكر الإله فإنّ الإله سريع النقمِ فإن تعط نفسك آمالها فعند مناها تحلّ الندمِ فكم عمّن عاش في غفلةٍ (4) فما حسّ بالموت (5) إلاّ هَجمِ

وعن جابر بن عبداللّه الأنصاري رضى الله عنه (6) قال : دخلت على عليّ عليه السلام في بعض عِلاته وقد نقه ، فلمّا نظر إليَّ قال : يا جابر من كثَرت نِعَم اللّه عليه (7) كثُرت حوائج الناس إليه ، فإن قام بما أمر اللّه تعالى عرَّضها للدوام والبقاء ، وإن لم يعمل فيها بما أمر اللّه تعالى عرَّضها للزوال والفناء ، ثمّ أنشأ يقول : ما أحسن الدنيا وإقبالها إذا أطاع اللّه من نالها من لم يواس الناس من فضله (8) عرَّض للإدبار إقبالها فاحذر زوال الفضل يا جابر واعط من الدنيا (9) لمن سالها فإنّ ذا العرش (10) جزيل العطا يضعف بالجنة (11) أمثالها قال جابر : ثمّ هزّ بضبعي هزّة خيّل أنّ عضدي خرجت من كاهلي وقال : يا جابر حوائج الناس إليكم من نِعَم اللّه عليكم ، فلا تملّوا النِعَم فيحلّ بكم النِقَم ، فاعلموا أنّ خير المال ما اكتسب حمدا أو أعقب أجرا ، ثمّ أنشأ يقول : لا تخضعن لمخلوق على طمع (12) فإنّ ذلك وهنٌ منك في الدين واسأل اِلهك ممّا في خزائنه فإنّما هي (13) بين الكاف والنون أما (14) ترى كلّ من ترجو (15) وتأمله من البرية مسكين ابن مسكين ما أحسن الجود في الدنيا (16) وأجمله وأقبح البخل فيمن صيغ من طين قال جابر : فهممت أن أقوم ، قال : انا معك يا جابر ، فلبس نعليه وألقى إزاره على منكبيه وخرجنا نتساير ، فذهب بنا إلى الجبّانة _ جبّانة الكوفة _ فسلّم على أهل القبور ، فسمعت ضجّة وهجّة فقلت : ما هذا يا أميرالمؤمنين ؟ فقال : هؤلاء بالأمس كانوا معنا واليوم فارقونا ، أتسأل عن أحوالهم فهم إخوانٌ لا يتزاورون وأودّاء لا

.


1- .المصدر السابق : 147 .
2- .انظر روائع الحِكم في أشعار الإمام عليّ عليه السلام : 84 .
3- .في (ج) : دنياك .
4- .في (أ) : نعمة .
5- .في (ج ، ب) : فلم يشعر الناس حتّى .
6- .انظر مناقب الخوارزمي : 369 ، وديوان الإمام عليّ عليه السلام : 117 و 120 .
7- .في (د) : عليك .
8- .في (أ) : فضلها .
9- .في (ب ، ج) : دنياك .
10- .في (أ) : العرض .
11- .في (ج ، د) : الحبّة .
12- .في (ب) : ثقة .
13- .في (أ) : فإنّ ذلك .
14- .في (أ) : ألا .
15- .في (ب) : ترى .
16- .في (ج) : في الدين .

ص: 564

يتعاودون . ثمّ خلع نعليه وحسر عن ذراعيه وقال : يا جابر اعطوا من دنياكم الفانية لآخرتكم الباقية ، ومن حياتكم لموتكم ، ومن صحّتكم لسقمكم ، ومن غناكم لفقركم ، اليوم أنتم في الدور وغدا في القبور [وإلى اللّه تصير الاُمور] . ثمّ انشأ يقول : سلام على أهل القبور الدوارس كأنهم لم يجلسوا في المجالس ولم يشربوا من بارد الماء شربة ولم ياكلوا ما بين رطب ويابس ألا فاخبروني أين قبر ذليلكم وقبر العزيز الباذخ المتنافس

.

ص: 565

وله عليه السلام (1) : واللّه لو عاش الفتى من دَهره ألفاً من الأعوام مالك أمره متلذذا (2) فيها بكل هنيئة ومبلغا كلّ المنى من دهره لا يعرف الآلام فيها مرّة كلاّ ولا جرت الهموم بفكره ما كان ذاك يفيده من عظم ما يلقى بأوّل ليلة في قبره

وله أيضا عليه السلام (3) : أيّ يوم من الموت أفر يوم لا يقدر أو يوم قدر يوم لا يقدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو (4) الحذر

وله عليه السلام أيضا (5) : إذا عقد القضاء عليك أمرا فليس يحلّه غير (6) القضاء فما لك قد أقمت بدار ذلٍّ وأرض اللّه واسعة الفضاء

.


1- .انظر ديوان الإمام عليّ عليه السلام : 109 . وفي (أ) : وقال .
2- .في (أ) : متلذذ .
3- .ديوان الإمام عليّ عليه السلام : 116 .
4- .في (أ) : يرجى .
5- .ديوان الإمام عليّ عليه السلام : 200 .
6- .في (أ) : إلاّ .

ص: 566

ومن نظمه [رضي اللّه عنه وأرضاه] (1) : صُن النفسَ واحمِلْها على ما يَزينُها تَعِش سَالما والقولُ فيكَ جميلُ ولا ترين الناس إلاّ تجمُّلا نبا بك دهرٌ أو جفاك خليلُ وإن ضاق رزقُ اليوم فاصبر إلى غدٍ عسى نكباتُ الدهر عنكَ تزولُ يعزّ غنيّ النفس إن قلّ ماله ويغني فقير النفس وهو ذليل وما أكثر الإخوان حين تعدّهم ولكنّهم في النائبات قليل وروي أيضا (2) عنه أ نّه أتاه رجل وقال له يا عليّ : أخبرني (3) ما واجب وأوجب؟ وعجيب وأعجب؟ وصعب (4) وأصعب؟ وقريب وأقرب ؟ فأجابه بقوله : فرضٌ على الناس أن يتُوبُوا لكِنَّ تَركَ الذُنوب أوجبُ والدهرُ في صرفهِ عجيْبٌ وغَفْلَةُ الناس فِيه أعجبُ والصبرُ في النائباتِ صعبٌ لكنَّ فَوتَ الثوابِ أصعبُ وكلّما يُرتَجى قَريبٌ والموتُ مِن كُلّ ذَاكَ أقربُ

.


1- .انظر ديوان الإمام عليّ عليه السلام : 104 ، وكذلك من روائع الحكم في أشعار الإمام عليّ عليه السلام : 19 ، وقد وردت أيضا في ديوان الشافعي : 70 مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ مثل : «تولين» بدل «ترين» كما في نسخة (ب) ، و «دهرا» بدل «دهرٌ» كما في نسخة (د) .
2- .انظر روائع الحِكم في أشعار الإمام عليّ عليه السلام : 177 ، ديوان الإمام عليّ عليه السلام : 96 .
3- .في (أ) : أخبر .
4- .في (أ) : صعيب .

ص: 567

فصل : في ذكر مناقبه الحسنة عليه السلام

فصل : في ذكر مناقبه الحسنة وما جاء في ذلك من الأحاديث والأخبار المستحسنةفمن ذلك ما ورد في الصحيحين من المناقب لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : الاُولى : نزوله من المصطفى صلى الله عليه و آله منزلة هارون من موسى (1) . الثانية : شهادته صلى الله عليه و آله له عليه السلام انّه يحبّ اللّه ورسوله 2 . الثالثة : تخصيصه [ صلى الله عليه و آله ] له [ عليه السلام ] بالراية ذات المرتبة العلية ، ووصفه له بالرجولة . الرابعة : الشجاعة المنسوبة إليه وفتح خيبر على يديه عليه السلام 3 . الخامسة : علمه المشهور ، وعمله المشكور 4 . السادسة : زهده المعروف الشهير الموصوف 5 .

.


1- .تقدّمت تخريجاتها .

ص: 568

السابعة : القرابة الموصوفة بالنجابة (1) . الثامنة : قوله صلى الله عليه و آله : اللّهمّ هؤلاء أهلي ، وأشار إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين سلام اللّه عليهم أجمعين [وذلك لمّا نزلت آية المباهلة] (2) . التاسعة : تزويجه صلى الله عليه و آله [له] بابنته فاطمة سيدة نساء أهل الجنة 3 . العاشرة : انّه عليه السلام من الرهط اُولي الجاهات العراض الّذين توفّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو عنهم راض 4 . الحادية عشر : إقامته للحقّ غير مكترث بمعاداة الخلق كما اتفق [له ]في قتل الفئة الباغية وجهادها ، المخطئة للصواب في رأيها واجتهادها 5 . الثانية عشر : قوله صلى الله عليه و آله لعمّار : تقتلك الفئة الباغية ، ثمّ قُتل وهو من عسكره وحزبه

.


1- .تقدّمت تخريجاتها .
2- .تقدّمت تخريجات قتال المارقين والقاسطين والمارقين .

ص: 569

وفي نصرته (رض) (1) . قال الشيخ العارف باللّه عبداللّه بن أسعد اليافعي رحمه الله : قال علماؤنا من أئمّة أهل الحقّ : هذا الحديث حجّة ظاهرة في أنّ عليّا عليه السلام كان محقّا ومصيبا والطائفة الاُخرى بغاة لكنهم مجتهدون (2) . وفيه معجزة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله من أوجه : منها : أنّ عمّارا يموت قتيلاً ، وأ نه يقتله مسلمون ، وأ نهم بغاة ، وأنّ الصحابة يقاتلونهم ، وأ نّهم يكونون فرقتين باغية وغيرها . قالوا : وكلّ هذا وقع مثل فلق الصبح صلّى اللّه على سيّدنا محمّد عبده ورسوله الّذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى ، انتهى ذكره في كتابه المرهم . الثالثة عشر : قِدمه في الإسلام مذ هو غُلام (3) . الرابعة عشر : أنّ نسله من الزهراء البتول فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه و آله (4) . الخامسة عشر : شهرة محاسنه الجميلة واتّصافه بكلّ فضيلة (رض) (5) . فمن ذلك ما رواه البيهقي في كتابه الّذي صنّفه في فضائل الصحابة (رض) يرفعه بسنده إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنه قال : مَن أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام 6 .

.


1- .تقدّم الكلام حول عمّار بن ياسر واستشهاده في صفين مع الإمام عليّ عليه السلام ، وكذلك تقدّم استخراج حديث الرسول صلى الله عليه و آله : ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية . وانظر أنساب الأشراف : 2 / 314 وما بعدها تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي مؤسّسة الأعلمي بيروت .
2- .في (ب ، د) : مجهدون .
3- .تقدّم الكلام حول إسلامه .
4- .تقدّم الكلام حول ذلك .
5- .تقدّم الكلام حول ذلك أيضا .

ص: 570

وروى الإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني بسنده إلى عبداللّه بن حكيم الجهني قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنّ اللّه تبارك وتعالى أوحى اليَّ في عليّ ثلاثة أشياء ليلة اُسري بي بإنّه سيّد المؤمنين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين 1 .

.

ص: 571

وعن ابن عباس (رض) قال : لمّا نزل قوله تعالى : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (1) قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أنا المنذر وعليّ الهادي ، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون 2 .

.


1- .الرعد : 7 .

ص: 572

وعن مكحول عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام في قوله تعالى : «وَ تَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ عِيَةٌ» (1) قال : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله :سألت اللّه أن يجعلها اُذنك يا عليّ ففعل 2 . فكان

.


1- .الحاقّة : 12 .

ص: 573

عليّ عليه السلام يقول : ما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلاما إلاّ وعيته وحفظته ولم أنسه (1) . وعن ابن عباس (رض)قال : لمّا نزلت هذه الآية : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» (2) قال لعلي : هو أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضييّن ، ويأتي اعداؤك غضابا مقحمين 3 .

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .البيّنة : 7 .

ص: 574

ونقل الواحدي في تفسيره يرفعه بسنده إلى ابن عباس (رض)قال : كان مع (1) عليّ بن أبي طالب عليه السلام أربعة دراهم لا (2) يملك غيرها (3) ، فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهارا وبدرهم سرّا وبدرهم علانية 4 ، فأنزل اللّه سبحانه وتعالى : «الَّذِينَ يُنفِقُونَ

.


1- .في (ب) : عند .
2- .في (ج ، د) : لم .
3- .في (ب ، ج) : سواها .

ص: 575

أَمْوَ لَهُم بِالَّيْلِ وَالنهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (1) .

.


1- .البقرة : 274 .

ص: 576

ونقل أبو إسحاق أحمد بن محمّد الثعلبي في تفسيره يرفعه بسنده قال : بينما عبداللّه بن عباس (رض) جالسا على شفير (1) زمزم يقول : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يحدّث الناس إذ أقبل رجل متعمّم بعمامة (2) فوقف فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ قال الرجل : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال ابن عباس : سألتك باللّه من أنت [فكشف العمامة عن وجهه ]فقال : أ يّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا [جندب بن جنادة البدري] أبو ذرّ الغفاري سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بهاتين وإلاّ صمّتا [ورأيته بهاتين وإلاّ فعميتا وهو ]يقول عن عليّ : انه قائد البررة وقاتل الكفرة منصورٌ من نصره ومخذولٌ من خذله 3 .

.


1- .في (أ) : قريباً من بئر .
2- .في (أ) : متلثماً .

ص: 577

أما إنّي وصلّيت (1) مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوما من الأيام صلاة الظهر (2) فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحدٌ شيئا ، فرفع السائل يده (3) إلى السماء وقال : اللّهمّ [اشهد ]أ ني سألت في مسجد رسول اللّه (4) محمّد صلى الله عليه و آله ولم يعطني أحدٌ شيئا . وكان عليّ في الصلاة راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى [وكان يتختّم ]فيها خاتم فأقبل السائل حتّى أخذ (5) الخاتم من خنصره ، وذلك بعينٍ (6) من النبيّ صلى الله عليه و آله وهو في المسجد ، فرفع رسول اللّه صلى الله عليه و آله رأسه (7) إلى السماء وقال : اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال : «رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى * وَ يَسِّرْ لِى أَمْرِى * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى * يَفْقَهُواْ قَوْلِى * وَ اجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى * هَ_رُونَ أَخِى * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى * وَ أَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى» (8) فأنزلتَ عليه قرآنا ناطقا «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَ_نًا فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا» (9) . اللّهمّ وأ نّا (10) محمّد

.


1- .في (أ) : وصلّيت .
2- .في (أ) : أيام الظهر .
3- .في (أ) : يديه .
4- .في (أ) : نبيّك .
5- .في (أ) : فأخذ .
6- .في (أ) : بمرأى .
7- .في (أ) : طرفه .
8- .طه: 25 _ 32.
9- .القصص : 35 .
10- .في (أ) : وإنّي .

ص: 578

نبيّك وصفيّك ، اللّهمّ فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا اشدّد به ظهري (1) . قال أبو ذرّ (رض) فواللّه ما استتمّ رسول اللّه الكلام (2) حتّى هبط عليه (3) جبرئيل عليه السلام من عنداللّه عزّ وجلّ وقال : [يا محمّد هنيئا لك ما وهب اللّه لك في أخيك ، قال : وما ذاك يا جبرئيل ؟ قال : أمر اللّه اُمّتك بموالاته إلى يوم القيامة ، وأنزل قرآنا عليك ]اقرأ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» (4) . ونقل الواحدي في كتابه المسمّى بأسباب النزول أنّ الحسن (5) والشعبي (6) والقرطبي 7 قالوا : إنّ عليّا والعباس وطلحة بن شيبة افتخروا ، فقال طلحة : أنا

.


1- .في (ب) : ازري .
2- .في (أ) : فما استتمّ دعاءه .
3- .في (أ) : نزل .
4- .المائدة : 55 ، وسبق وان فصلنا الكلام في ذلك .
5- .هو الحسن بن أبي الحسن بن يسار مولى الأنصار واُمّه خيرة مولاة أُمّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه و آله وهو من سَبي «ميسان» ويسار بالبصرة ويسمى «نهر المرأة» حفره أردشير الأصغر كما في (معجم البلدان) ويسمى أبو سعيد مات سنة (110 ه) كما جاء في تهذيب التهذيب: 2 / 263 _ 271 ، والمعارف لابن قتيبة : 18 و136 و264 و440 سبق وأن ترجمنا له سابقاً .
6- .وهو عامر بن شراحيل بن عبدالشعبي من حمير ونسب إلى جبل باليمن مات سنة (105 ه) سبق وأن ترجمنا له .انظر ترجمته أيضا في المعارف : 449 ، وعيون الأخبار : 1 / 315 ، وتهذيب التهذيب : 5 / 65 .

ص: 579

صاحب البيت بيدي مفاتيحه (1) ولو شئت كنت فيه ، قال العباس : وأنا صاحب السقاية والقائم عليها ، فقال عليّ : ما أدري (2) [ماتقولان ]لقد صلّيت ستة أشهر قبل

.


1- .وزاد في (ب) : وإليَ ثيابه .
2- .في (أ): لا أدري .

ص: 580

الناس وأنا صاحب الجهاد ، فأنزل اللّه تعالى [هذه الآية] : «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَْخِرِ وَجَ_هَدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ _ إلى أن قال : _ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَ_هَدُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَ لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَآئِزُون» (1) . ومن كتاب المناقب لأبي المؤيد عن أبي بردة (رض)قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونحن جلوس ذات يوم : والّذي نفسي بيده لا يزول قدم عبدٍ (2) يوم القيامة حتّى يسأل اللّه تعالى الرجل عن أربع : عن عمره فيما (3) أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله ممّ كسبه وفيم أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت 4 ، فقال [له ]عمر [بن

.


1- .التوبة : 19 و 20 . انظر أسباب النزول للواحدي : 139 ط مصطفى محمّد و نقله عن الحسن البصري والشعبي والقرطبي ، ونقل عن ابن سيرين ومرّة الهمداني أن عليّا قال للعباس : ألا تهاجر ؟ ألا تلحق بالنبيّ صلى الله عليه و آله ؟ فقال : ألست في أفضل من الهجرة ؟ ألست أسقي حاجّ بيت اللّه وأعمر المسجد الحرام ؟ فنزلت الآية . وانظر شواهد التنزيل : 1 / 320 و ما بعدها تحقيق المحمودي ح : 328 _ 339 .
2- .في (أ) : لايزال قدم عن قدم .
3- .في (ب ، ج) : فيم.

ص: 581

الخطّاب] : فما (1) آية حبّكم [من بعدكم] ؟ فوضع يده على رأس عليّ وهو جالس جنبه فقال : آيته حبّ هذا من بعدي (2) . وروي الحافظ عبدالعزيز الأخضر الجنابذي في كتابه معالم العترة النبوية مرفوعا إلى فاطمة عليهاالسلام قالت : خرج علينا (3) رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشية عرفة فقال : إنّ اللّه عزّ وجلّ باهى بكم [الملائكة عامة] وغفر لكم عامّة وباهى بعليّ (4) خاصّة [وغفر له خاصّة] وانّي رسول اللّه غير محاب لقرابتي ، إنّ السعيد كلّ السعيد مَن أحبّ عليّا في حياته وبعد موته 5 .

.


1- .في (أ) : ما .
2- .معالم العترة النبوية : 53 ورق (م) .
3- .في (ج) : على الحجيج .
4- .في (ج ، د) وباهى بعلي .

ص: 582

ورواه الطبراني أيضا في معجمه عن فاطمة الزهراء عليهاالسلام وزاد فيه : إنّ الشقي كلّ الشقي مَن أبغض عليّا في حياته وبعد مماته (1) . وروى الترمذي والنسائي عن زرّ بن حبيش (2) قال : سمعت عليّا عليه السلام يقول : والّذي فلق الحبّ _ أو قال : الحبّة وبرء النسمة _ أ نه لعهد النبيّ الاُمّي أنه لا يحبّني (3) إلاّ مؤمن ولا يبغضني (4) إلاّ منافق 5 .

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .في (أ) : يزيد بن حنيس ، وهو اشتباه .
3- .في (ب) : يحبك .
4- .في (ب) : يبغضك .

ص: 583

وعن أبي سعيد الخدري قال : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ ببغضهم عليّا 1 . وعن الحارث الهمداني قال : جاء عليّ عليه السلام حتّى صعد المنبر وحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : قضاءٌ قضاه اللّه تعالى على لسان نبيكم محمّد صلى الله عليه و آله لايحبني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق ، وقد خاب مَن افترى 2 .

.

ص: 584

ومن كتاب الخصائص عن العبّاس بن عبدالمطّلب (رض)قال : سمعت عمر بن الخطّاب وهو يقول : كفّوا عن ذكر عليّ ابن أبي طالب إلاّ بخير (1) فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : في عليّ ثلاث خصال وددت لو أنّ لي واحدة منهنّ كلّ واحدة منهنّ أحبّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس (2) ، وذاك أ ني كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة ابن

.


1- .تقدّمت تخريجاته ، وفي رواية كنز العمّال: 6 / 395 قال عمر : لن تنالوا عليّا . . . ثلاثة لئن يكون لي واحدة منهن أحبّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس . . . قال : وأخرجه ابن النجّار من : 15 / 101 وذكره كاملاً فانظر فضائل الخمسة من الصحاح الستة : 1 / 182 و183 وأخرجه الحسن بن بدر فيما رواه الخلفاء ، والحاكم في الكنى ، والشيرازي في الألقاب . وانظر كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام : 40 ، إحقاق الحقّ: 4 / 34 ، أرجح المطالب : 447 ، وأخرجه الطبري في الخصائص والديلمي .
2- .تقدّمت تخريجاته . وقد ورد هذا القول عن ابن عمر أيضا ، كان يقول : كان لعلي ثلاثة ، لو كان لي واحدة منها كانت أحبّ إليَّ من حمر النعم : تزويجه بفاطمة عليهاالسلام وإعطاء الراية يوم خيبر ، وآية النجوى . منتخب كنز العمّال في هامش مسند أحمد : 5 / 35 ، كفاية الطالب : 137 وقد روى عن عمر بن الخطّاب ذلك في الموقف الّذي لم ينكره أحد يوم خيبر إذ قال صلى الله عليه و آله : لأعطين الراية غدا رجلاً . . . وسبق لنا وأن أوضحنا ذلك بشكل جلي ، ولكن هنا ننقل قول عمر بن الخطّاب فقط ، قال : لقد أعطي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ثلاثا لأن تكون لي واحدة منها أحبّ إليَّ من حمر النعم : زوجته بنت رسول اللّه ، وسكناه المسجد مع رسول اللّه يحلّ له ما يحلّ له فيه ، والراية يوم خيبر . فانظر المستدرك : 3 / 125 ومسند أحمد : 2 / 26 ، و : 4 / 369 ، المناقب للخوارزمي : 322 ح 354 ، تاريخ دمشق : 1 / 220 ح 283 ، الصواعق المحرقة : 125 و76 ، مجمع الزوائد : 9 / 120 ، تاريخ الخلفاء : 172 ، نظم درر السمطين : 129 ، فرائد السمطين : 1 / 345 ح 268 ، أسنى المطالب للجزري : 65 ، فضائل الخمسة : 2 / 250 و150 ، الغدير : 3 / 204 ، والكنز : 6 / 393 و319 ، الرياض النضرة : 2 / 192 ، المصنّف لابن أبي شيبة : 2 / 70 ح 12148 ، حلية الأولياء : 4 / 153 ، المسترشد في إمامة أميرالمؤمنين : 482 في الهامش ، كشف اليقين : 40 ، إحقاق الحقّ : 4 / 34 ، أرجح المطالب : 447 .

ص: 585

الجرّاح ونفر من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ ضرب (1) النبيّ صلى الله عليه و آله على كتف (2) عليّ بن أبي طالب (3) وقال : يا عليّ أنت أوّل المسلمين (4) إسلاما وأنت أوّل المؤمنين (5) إيمانا ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى (6) ، كذب من زعم انّه يحبّني وهو مبغضك . يا عليّ مَن أحبّك فقد أحبّني ومَن أحبّني أحبّه اللّه ومَن أحبّه اللّه أدخله الجنة ، ومَن أبغضك فقد أبغضني ومَن أبغضني فقد أبغضه اللّه تعالى وأدخله النار 7 . وروى مسلم والترمذي أنّ معاوية قال : لسعد بن أبي وقّاص : مامنعك أن تسبّ أبا تراب 8 فقال سعد: أمّا ما ذكرت فلثلاث قالهنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلن أسبّه ولأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حمر النِعَم 9 . سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول وقد خلّفه في بعض مغازيه ، فقال عليّ خلّفتني مع النساء والصبيان ؟ ! 10 فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي 11 . وسمعته يقول صلى الله عليه و آله يوم خيبر لأعطينّ الراية غدا رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله 12 ، فتطاولنا إليها فقال صلى الله عليه و آله : ادعوا لي عليّا ، فاُتي به أرمد فبصق في عينه فبرئ ودفع إليه الراية ففتح اللّه على يديه 13 . ولمّا نزلت هذه الآية : «قُلْ

.


1- .في (ب) : فضرب .
2- .في (ج) : بيده على منكب .
3- .تقدّمت تخريجاته بالإضافة إلى ذخائر العقبى : 58 فضائل عليّ عليه السلام و ذكر أ نّه أوّل من أسلم ، كشف اليقين : 39 ، إحقاق الحقّ : 4 / 34 ، أرجح المطالب : 447 .
4- .في (ج ، د) : الناس .
5- .تقدّمت تخريجاته ، وانظر ذخائر العقبى أيضا : 58 و77 ، ينابيع المودّة : 2 / 146 و169 ط اُسوة .
6- .تقدّمت تخريجاتها ، بالإضافة إلى المصادر السابقة .

ص: 586

تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ» (1) فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا وقال : اللّهمّ هؤلاء أهلي (2) . ومن كتاب كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام تأليف الشيخ الإمام الحافظ محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي : حكي عن عبداللّه بن عباس وكان سعيد بن جبير يقوده (3) بعد كفّ بصره ، فمرّ على ضفة زمزم فإذا بقومٍ من أهل الشام يسبّون (4) عليّا فسمعهم عبداللّه بن عباس فقال لسعيد : ردّني إليهم ، فردّه فوقف عليهم وقال (5) : أيّكم السابّ للّه تعالى ؟ فقالوا : سبحان اللّه ! ما فينا أحدٌ سبّ اللّه ، فقال أ يّكم السابّ لرسوله ؟ فقالوا : سبحان اللّه ! ما فينا أحدٌ سبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : فأيّكم السابّ لعليّ بن أبي طالب ؟ فقالوا : أمّا هذا فقد كان منه شيء ، فقال : أشهد على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ممّا سمعته اُذناي ووعاه قلبي ، سمعتُه يقول لعليّ بن أبي طالب عليه السلام : يا عليّ مَن سبّك فقد سبّني ومَن سبّني فقد سبّ اللّه ومَن سبّ اللّه فقد أكبّه (6) اللّه على منخريه في النار ، ثمّ تولّى (7) عنهم 8 وقال : يابني ماذا رأيتهم صنعوا ؟

.


1- .آل عمران : 61 .
2- .تقدّمت تخريجاته .
3- .في (أ) : يقوم ، وفي (ب ، ج) : يقوده ويقول له ، وفي (د) : يقول له ، وما أثبتناه هو من كفاية الطالب .
4- .في (ب) : يشتمون .
5- .في (ج) : فقال .
6- .في (أ) : كبّه .
7- .في (أ) : وولّى .

ص: 587

قال : فقلت له : يا أبتي : نظروا إليك بأعين محمرّة (1) نظر التيوس الى شفار الجازر فقال : زدني فداك أبي واُمّي (2) ، فقلت : خُزْرَ الحواجب (3) منكسي أذقانهم (4) نظر الذليل إلى العزيز القاهر فقال : زدني فداك أبي واُمّي 5 ، فقلت : ليس عندي مزيد ، فقال : عندي المزيد : أحياؤهم عارٌ على أمواتهم والميّتون مسبّةٌ للغابر

.


1- .في (ب) : مُزْوَرَّةٍ .
2- .في (أ) : أبوك .
3- .في (أ) : العيون .
4- .في (أ) : نواكس أبصارهم .

ص: 588

. .

ص: 589

. .

ص: 590

. .

ص: 591

. .

ص: 592

ومن كتاب الآل لابن خالوية عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ : حبّك إيمان وبغضك نفاق ، وأوّل من يدخل الجنّة محبّك ، وأوّل من يدخل النار مبغضك 1 .

وعن عمّار بن ياسر (رض)أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام :طوبى لمن أحبّك وصدّق فيك ، وويلٌ لمن ابغضك وكذّب فيك (1) .

وعن ابن عباس (رض) أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال له :أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة ، من أحبّك فقد أحبّني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وبغضك بغضٌ اللّه ، فالويل كلّ الويل لمن أبغضك 3 .

.


1- .أخرجه الحاكم في : 3 / 135 من المستدرك ثمّ قال : هذا حديث صحيح الاسناد ، ويوجد في نظم درر السمطين : 102 وفرائد السمطين : 1 / 129 و 310 ح 248 ، تاريخ دمشق : 2 / 211 ح 705 و 706 ، إحقاق الحقّ : 7 / 271 ، المناقب للخوارزمي : 70 و 116 ح 45 و 126 ، ذخائر العقبى : 92 و 100 ، كنوز الحقائق : 203 ط بولاق و : 121 ط اُخرى ، مجمع الزوائد : 9 / 132 ينابيع المودّة : 91 و 213 ط اسلامبول و : 104 و 252 ط الحيدرية ، و : 1 / 271 و 398 عن عليّ عليه السلام مع بعض الاختلاف و : 444 عن عمّار مع بعض الاختلاف في اللفظ عن ابن عباس مرفوعا ط اُسوة ، نور الأبصار : 74 ط العثمانية و : 73 ط السعيدية بمصر ، الرياض النضرة : 2 / 285 الطبعة الثانية بمصر ، و : 2 / 214 ط الخانجي ، منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد : 5 / 34 ، الفضائل لأحمد : 2 / 680 ح 1162 ، كنز العمّال : 11 ح 33030 ، المناقب لابن المغازلي : 105 ح 148 مع اختلاف في اللفظ وزيادة .

ص: 593

وعن النبيّ صلى الله عليه و آله أ نه قال :ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا ، ألا ومَن مات على ]حبّ] آل محمّد مات مؤمنا [مستكمل الإيمان] ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّد زفّ إلى الجنة كما تزفّ العروس إلى زوجها 1 .

.

ص: 594

ولبديع الزمان الهمداني (1) : يقولون لي أما تحبّ الرضا فقلت الثرى بفمّ الكاذب اُحبّ النبيّ وآل النبيّ واختصّ آل أبي طالب ولابن هرثمة رحمه الله تعالى 2 : مهما اُلام على حبّهم (2) فإنّى اُحبّ بني فاطمه بني بنت من جاء بالمحكمات (3) وبالدين والسنن القائمه

.


1- .هو أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى الهمداني (358 _ 398 ه) : أحد أئمة الكتاب . له مقامات وكان شاعرا وطبقته في الشعر دون طبقته في النثر . وله ديوان شعر ورسائل عدّتها 233 . انظر ترجمته في أعلام الزركلي : 1 / 116 ، يتيمة الدهر : 4 / 167 ، معجم الاُدباء : 1 / 94 ، وفيات الأعيان : 1 / 39 ، معاهد : 3 / 113 ، النويري : 3 / 110 ، دائرة المعارف الإسلامية : 3 / 471 .
2- .وفي (أ) : فمن كان يعدل في حبّهم .
3- .في (أ) : بالبيّنات .

ص: 595

. .

ص: 596

. .

ص: 597

فصل : في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة عليه السلام

فصل : في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة عليه السلامقال الخطيب أبو المؤيد الخوارزمي عن أبي إسحاق : لقد رأيت عليّا عليه السلام أبيض الرأس واللحية ، ضخم البطن ، ربعة من الرجال (1) . وذكر ابن مندة : إنّه كان شديد الاُدمة ، ظاهر السمرة ، كثير الشعر ، عريض اللحية ثقيل (2) العينين عظيمهما ، ذا بطن وهو إلى القصر أقرب (3) .

.


1- .انظر المناقب للخوارزمي : 45 ، أنساب الأشراف : 2 / 116 و118 و123 و125 وفيه : عن أبي إسحاق وذكر صدر الكلام فقط دون ضخم البطن و . . . ، وأمّا في الطبقات : 3 / 26 عن سوادة بن حنظلة العَشيري قال : رأيت عليّا أصفر اللحية ، وفي نفس المصدر عن العطاردي يقول : رأيت عليّا أصلع كثير الشعر ، وفي الطبقات عن : 3 / 25 عن أبي إسحاق قال : رأيت عليّا أبيض الرأس واللحية . . . . وانظر المعارف : 210 ، طبقات ابن سعد : 2 / 16 ، الطبري : 6 / 88 ، صفة الصفوة : 1 / 119 ، ابن الأثير : 2 / 172 ، بحار الأنوار : 35 / 4 .
2- .في (ج) : سبل .
3- .انظر المناقب للخوارزمي : 45 مع اختلافٍ يسير ، أنساب الأشراف : 2 / 126 وفيه عن ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبداللّه بن أبي فروة قال : سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ فقلت : ما كانت صفة عليّ ، فقال : كان آدم شديد الاُدمة ، ثقيل العينين عظيمهما ، ذا بطن ، أصلع إلى القصر أقرب ، وفي الطبقات : 3 / 27 قريب من هذا ، تاريخ الطبري : 4 / 117 ، المعارف : 210 ، الإصابة : 4 / 269 ، لطائف المعارف : 91 ، ابن الأثير : 2 / 172 ، تاريخ الخلفاء : 113 ، بحار الأنوار : 35 / 4 نشر مؤسّسة الوفاء بيروت .

ص: 598

وزاد محمّد بن حبيب البغدادي صاحب الكنز [المحبر] الكبير في صفاته ، أنه أدم اللون ، حسن الوجه ، ضخم الكراديس ، أنزع (1) بطين (2) . وممّا رواه الغر (3) المحدّث في صفته وذلك عند سؤال بدر الدين [يوسف بن ]لؤلؤ صاحب الموصل له عند صفته له فقال : كان ربعة من الرجال ، أدعج العينين ، حَسن الوجه كأنه القمر ليلة البدر حُسنا ، ضخم البطن ، عريض المنكبين ، شثن الكفّين ، كأنّ عنقه إبريق فضّة ، أصلع كثّ اللحية ، له شاش كشاش السبع الضاري لا يتبيّن عضده من ساعده وقد اُدمجت إدماجا (4) . قال معاوية لضرار بن ضمرة (5) : صف لي عليّا، فقال: اعفني، فقال: [لابدّ أن تصفه ]أقسمت عليك لتصفنّه [لي] ، قال : أمّا إذا كان لابدّ فإنّه واللّه كان بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه وتنطق الحكمه من نواحيه (6) ،

.


1- .في (ب) : بالانزع .
2- .انظر تاريخ الطبري : 4 / 117 ، و : 6 / 88 ، تاريخ بغداد : 1 / 134 ، صفة الصفوة : 1 / 119 ، الطبقات لابن سعد : 2 / 16 ، ابن الأثير : 3 / 172 ، الاستيعاب : 2 / 282 ، الإصابة : 4 / 269 ، لطائف المعارف : 91 . مقاتل الطالبيّين : 42 تحقيق أحمد الصقر منشورات الشريف الرضي .
3- .في (د) : الفر .
4- .ذكر صدر الكلام صاحب الاستيعاب في : 2 / 469 وأضاف : . . . إذا مشى تكفّأ ، وإذا أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس ، وهو إلى السمن ما هو شديد الساعد واليد ، وإذا مشى للحرب هرول ، ثبت الجنان ، قويّ شجاع منصور على من لاقاه ، وفي اُسد الغابة : 4 / 39 عن أبي هريرة : . . . وكان عليه السلام من أحسن النّاس وجها ، وفي الرياض النضرة : 2 / 202 قال : أخرج الملا في سيرته . . . فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله . . . وقد أعطى عليه السلام خصالاً شتى ، صبرا كصبري ، وحسنا كحسن يوسف ، وقوّةً كقوة جبريل .
5- .هو ضرار بن حمزة الضبائي من خواصّ الإمام عليّ عليه السلام ومن أهل الزهد والعبادة .
6- .في (أ) : لسانه .

ص: 599

يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته ، وكان غزير العبرة (1) طويل الفكرة ، [يقلّب كفّه ويخاطب نفسه ويناجي ربّه ]يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب ، وكان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن واللّه مع تقريبه (2) لنا وقربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبةً له ، ويعظّم أهل الدين ويقرّب المساكين ، ولا يطمع القويّ في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله . وأشهد (3) لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه [وهو قائم في محرابه ]قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غرّي غيري ، أبي (4) تعرّضت أم إليَّ تشوّقت ، هيهات هيهات طلّقتك (5) ثلاثا لارجعة فيها ، فعمرك قصير وخطرك كثير (6) وعيشك حقير . آه من قلّة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق . فبكى معاوية وقال : رحم اللّه أبا الحسن ، لقد كان واللّه كذلك ، فكيف (7) حزنك عليه يا ضرار ؟ فقال : حزن من ذُبح ولدها في حِجرها ، فهي لا يرقى دمعها (8) ولا يخفى فجعها (9)10 .

.


1- .في (أ) الدمعة .
2- .في (د) : تقرّبه .
3- .في (ج) : فأشهد .
4- .في (أ) : إليَّ .
5- .في (ج) : قد بتتك .
6- .في (أ) : كبير .
7- .في (ج) : فما .
8- .في (ب ، د) : ترقأ عبرتها .
9- .في (ب ، ج) : يسكن حزنها .

ص: 600

وسأل معاوية خالد بن معمر 1 فقال له : علام أحببت عليّا ؟ فقال : على ثلاث

.

ص: 601

خصال : على حلمه إذا غضب ، وعلى صدقه إذا قال ، وعلى عدله إذا حكم (1) . ونقل عن سودة بنت عمارة الهمدانية (2) رحمهما اللّه أنها قدِمت على معاوية بعد موت عليّ عليه السلام 3 فجعل معاوية يؤنّبها على تحريضها عليه في أ يّام قتال صفين . ثمّ

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .سبق وأن ترجمنا لها بالإضافة إلى أنّ عمر رضا كحالة يقول عنها في أعلام النساء : 2 / 270 : إنّ سودة كانت شاعرة من شواعر العرب ذات فصاحة وبيان . وفي العقد الفريد : 2 / 102 اورد القصة كاملة .

ص: 602

إنّه قال لها : ماحاجتك ؟ فقالت : إنّ اللّه تعالى مسائلك عن أمرنا وما افترض (1) عليك من حقّنا وما فوض إليك من أمرنا ، ولا يزال يقدِم علينا من قبلك من يسمو (2) بمقامك (3) ويبطش بسلطانك ، فيحصدنا حصد السنبل ، ويدوسنا دوس الحرمل (4) ، يسومنا الخسف ويذيقنا الحتف ، هذا بسر بن أرطاة قد قدِم علينا فقتل رجالنا (5)

.


1- .في (أ) : فرض .
2- .في (ب) : ينوء .
3- .في (ج ، د) : بعزك .
4- .في (ب ، د) : البقر .
5- .في (ب) : رجالي.

ص: 603

وأخذ أموالنا (1) ولولا الطاعة لكان فينا عزّ ومنعة ، فإن (2) عزلته عنّا شكرناك ، وإلاّ فإلى اللّه شكوناك . فقال معاوية : إيّاي تعنين ولي تهدّدين ؟ لقد هممت ياسودة أن أحملك على قتب أشوس (3) فأردّك إليه فَينُفِّذ حكمه فيك ، فأطرقت ثمّ أنشأت تقول [هذه الأبيات] : صلّى الإله على جسم تضمّنه قبرٌ فأصبح فيه العدل مدفونا قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلاً فصار بالحقّ والإيمان مقرونا (4) فقال معاوية : من هذا (5) يا سودة ، فقالت : هذا واللّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال : وما صنع بك حتّى صار عندك كذلك ؟ قالت : لقد جئته (6) في رجل كان قد ولاّه صدقاتنا (7) فجار علينا فصادفته قائما يريد صلاة فلما رآني انفتل ثمّ أقبل عليَّ بوجه طلقٍ ورحمةٍ ورفق وقال : ألكِ (8) حاجة ؟ فقلت : نعم ، وأخبرته بالأمر فبكى ، ثمّ قال : اللّهمّ أنت الشاهد (9) أني لم آمرهم بظلم خلقك ، ولا بترك حقّك . ثمّ أخرج من جيبه قطعة جلد وكتب فيها : بسم اللّه الرحمن الرحيم «قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَ لاَ تُفْسِدُواْ فِى

.


1- .في (ب) : أموالي .
2- .في (ب ، د) : فإما .
3- .في (ب ، ج) : أشرس .
4- .انظر المصادر السابقة وكذلك تاريخ دمشق : 3 / 345 الرقم 1053 وفيه «الجود» بدل «العدل» و «قبرا» بدل «قبرٌ» كما في (ب) .
5- .في (ب) : ذلك .
6- .في (ج) : قدمت عليه .
7- .في (د ، ج) : صدقتنا .
8- .في (أ) : لكِ .
9- .في (أ) : شاهد .

ص: 604

الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَ_حِهَا ذَ لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» (1) وإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملك حتّى يقدِم عليك من يقبضه [منك ]والسلام . ثمّ دفع إليَّ الرقعة فجئتُ بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنّا معزولاً . فقال [معاوية] : اكتبوا لها بما تريد واصرفوها إلى بلدها غير شاكية . فقالت : ألي خاصّة أم لقومي عامّة ؟ قال : وما أنتِ وغيرك ؟ قالت : هي واللّه إذا الفحشاء واللؤم إن لم يكن عدلاً شاملاً ، وإلاّ أنا كسائر قومي . قال : هيهات ، لمظكم ابن أبي طالب الجرأة وغرّكم قوله : فلو كنت بوّابا على باب جنّة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام (2)

.


1- .الأعراف : 85 . وقد وقع خلطٌ بينها وبين آية 183 من سورة الشعراء في بعض النُسخ من قِبل النسّاخ .
2- .مابين المعقوفتين وجدناه في بعض النُسخ ، مع العلم أنّ ابن أعثم ذكره في الفتوح : 2 / 57 و 58 باختلاف يسير في اللفظ مع زيادة : «فواللّه ماختمها _ الرقعة _ بطين ولا حزمها بسحاءة . . .» ولكنه لم يذكر الشعر الّذي تمثّل به معاوية .

ص: 605

فصل : في ذكر كنيته ولقبه وغير ذلك ممّا يتصل به عليه السلام

فصل : في ذكر كنيته ولقبه وغير ذلك ممّا يتصل به عليه السلامأمّا كنيته : أبو الحسن (1) وأبو السبطين (2) وأبو تراب (3) كنّاه بذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكان أحبّ الكنيات (4) إليه (5) كما سبق ذكر ذلك . وأمّا لقبه : فالمرتضى 6

.


1- .تقدّمت تخريجاته بالإضافة إلى المعارف لابن قتيبة : 203 ، والارشاد : 1 / 5 .
2- .انظر تذكرة الخواصّ : 16 طبع بيروت بزيادة « . . . وأبو القاسم وأبو محمّد . . .» ومثله في كشف الغمّة : 1 / 90 ، الإستيعاب بهامش الإصابة : 3 / 26 ، الغدير : 6 / 337 ، ينابيع المودّة : 1 / 181 ط اُسوة ، ذخائر العقبى : 92 .
3- .تقدّمت تخريجاته . وانظر المصادر السابقة الّتي فصّلنا فيها الكنية تفصيلاً على غرار أحاديث الرسول صلى الله عليه و آله .
4- .في (د) : الكنايات .
5- .تقدّمت تخريجاته وكذلك الأحاديث الّتي قالها رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين وجده راقدا وعلى جنبه التراب فقال له ملاطفا : قم يا أبا تراب ، فكان أحبّ ألقابه . . . انظر الغدير : 6 / 337 ، غاية المرام للعلاّمة البحراني : 15 باب 7 من المقصد الأوّل ح 1 ، البحار : 35 / 50 و 51 ، كشف الغمّة : 1 / 93 .

ص: 606

وحيدر وأمير المؤمنين (1) والأنزع البطين (2) . نقش عليّ على خاتمه : أسندت ظهري إلى اللّه (3) ، وقيل : حسبي اللّه (4) ، بابه (5) : سلمان (رض) (6) ، شاعره : حسّان بن ثابت (7) ، ومعاصروه : أبو بكر وعمر

.


1- .انظر المصادر السابقة ، وخاصّة كشف الغمّة : 1 / 93 ، وأعيان الشيعة : 1 / 325 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 19 / 224 ، وشرح النهج للفيض : 1226 كلمات القصار 308 ، ومجمع البحرين : 2 / 121 ، و :4 / 395 مادّة «نزع» ، وتذكرة الخواصّ : 16 و 162 ، النهاية لابن الأثير : 5 / 29 و 42 مادّة «نزع» . والأنزع معناه الأنزع من الشرك ، المملوء البطن من العلم والإيمان . وانظر البحار : 24 / 112 ، واُصول الكافي : 2 / 218 ، وشرح النهج للفيض أيضا : 557 الخطبة 175 ، المناقب لابن المغازلي : 400 ح 455 كما في النهاية ، جواهر العقدين : 2 / 219 ، المناقب للخوارزمي : 294 ح 284 .
2- .انظر المصادر السابقة .
3- .انظر تاريخ الخميس : 2 / 166 .
4- .ذكر صاحب أنساب الأشراف : 2 / 186 أنه كان نقش خاتم علي «اللّه الملك» ، وفي الطبقات : 3 / 30 «محمّد رسول اللّه » وهكذا ورد في حرب الجمل وصفين .
5- .في (أ) : بوّابه .
6- .تقدّمت ترجمة سلمان ، أبو عبداللّه ، اصبهاني أو رامهرمزي والّذي كان مُعَمّرا صحب بعض أوصياء عيسى بن مريم واستُرق وبيع بالمدينة من امرأة من اليهود فكاتبها وأعتق نفسه ، شهد الخندق ومابعدها وولي المدائن لعمر ومات في آخريات خلافته أو في أوائل خلافة عثمان . انظر الاستيعاب : 2 / 53 _ 59 ، الإصابة : 2 / 60 ، الطبري : 2 / 443 ، ابن هشام : 4 / 335 ، مسند أحمد : 1 / 55 ، الرياض النضرة : 1 / 167 ، الخميس : 1 / 188 ، ابن الأثير : 2 / 126 ، ابن كثير : 5 / 245 ، اليعقوبي : 2 / 103 ، اُسد الغابة : 3 / 222 . أمّا في تاريخ الخلفاء ص 156 [حاجبه : قنبر مولاهُ ]ومثله في الجوهرة في نسب الإمام عليّ عليه السلام لابي بكر الأنصاري التلمساني المعروف بالبرِّي من القرن السابع البحري تحقيق محمّد التونجي : 121 ط صدر نشر مؤسّسة انصاريان .
7- .سبق وأن ترجمنا له .

ص: 607

وعثمان ومعاوية (1) .

.


1- .انظر على سبيل المثال لا الحصر اُسد الغابة في معرفة الصحابة ، الإصابة في تمييز الصحابة ، الإمامة والسياسة ، الانتقال الصعب لإدريس الحسيني ، أنساب الأشراف ، الأوائل لأبي هلال الحسن بن عبداللّه العسكري ، بداية المجتهد للقرطبي ، البداية والنهاية ، بصائر الدرجات لابن فرّوخ الصفّار ، تاريخ ابن خلدون ، التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر ، تاريخ بغداد ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ، تاريخ الطبري ، تاريخ دمشق ، تاريخ اليعقوبي ، تجارب الاُمم للرازي ، تذكرة الخواصّ ، تفسير ابن كثير ، تفسير الجلالين ، تهذيب التهذيب ، حلية الأولياء ، طبقات الأصفياء ، خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب للنسائي ، الخصائص الكبرى للسيوطي ، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ، دلائل النبوّة ، ومعرفة أحوال صاحب الشريعة للبيهقي ، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للطبري ، ربيع الأبرار ونصوص الأخبار للزمخشري ، عيون الأخبار للدينوري ، الغارات لأبي إسحاق الثقفي ، الغدير في الكتاب والسنّة والأدب .

ص: 608

. .

ص: 609

فصل : في مقتله ومدّة عمره وخلافته عليه السلام

فصل : في مقتله ومدّة عمره وخلافته عليه السلامعن أنس بن مالك (1) (رض)قال : مرض عليّ عليه السلام فدخلت عليه وعنده أبو بكر وعمر وعثمان فجلست عنده معهم ، فجاء النبيّ صلى الله عليه و آله فنظر في وجهه فقال أبو بكر وعمر : قد تخوّفنا عليه يا رسول اللّه ، فقال صلى الله عليه و آله : لا بأس عليه ولن يموت الآن ولا يموت حتّى يملأ غيظا ولن يموت إلاّ مقتولاً (2) .

.


1- .تقدّمت ترجمته .
2- .روى السيوطي في الخصائص الكبرى : 2 / 210 الحديث بهذا اللفظ : قال أنس : دخلت مع النبيّ صلى الله عليه و آله على عليّ وهو مريض . وعنده أبو بكر وعمر ، فقال أحدهما لصاحبه : ما أراه إلاّ هالكا ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : إنه لن يموت إلاّ مقتولاً ، ولن يموت حتّى يملأ غيظا . وفي تاريخ دمشق : 3 / 266 ح 1343 و 1344 قريب من هذا ولكن فيه «فدخل عليه النبى صلى الله عليه و آله » بدل «دخلت عليه» و «تحوّلتُ عن مجلسي» بدل «فجلست عنده معهم» و «فجلس النبى صلى الله عليه و آله » بدل «فجاء» ولم يشر إلى قول أبي بكر وعمر بل قال الحديث بلفظ : إنّ هذا لايموت حتّى . . . وفي ح 1344 ذكر قول أبي بكر و عمر : يا نبيّ اللّه ، لانراه إلاّ لما به فقال صلى الله عليه و آله : لن يموت هذا الآن ، ولن يموت إلاّ مقتولاً .

ص: 610

وعن فضاله الأنصاري (1) قال : خرجت مع أبي إلى الينبع (2) عائدين لعليّ بن أبي طالب وكان مريضا بها قد نُقل إليها من المدينة ، فقال له : مايقيمك بهذا (3) المنزل ؟ ولو هلكت به لم يدفنك (4) إلاّ أعراب جهينة ، وكان أبو فضاله من أهل بدر (5) ، فقال له عليّ : لست بميّت من وجعي هذا وذلك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عهد إليَّ أن لا أموت حتّى اُؤمر وتخضب (6) هذه من دم هذا (7) _ وأشار إلى لحيته ورأسه _ قضاءً مقضيا وعهدا معهودا منه إليَّ (8) . وقال [أبو] المؤيد الخوارزمي في كتابه المناقب يرفعه بسنده إلى أبي الأسود الدؤلي أنه عاد عليّا في شكوى اشتكاها . قال : فقلت له : قد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه ، فقال لكنّي واللّه ما تخوّفت على نفسي

.


1- .هو مولى النبيّ صلى الله عليه و آله نزل الشام بعد ذلك كما جاء في المعارف : 148 وقتل أبو فضاله مع عليّ يوم صفين كما جاء في تاريخ دمشق : 3 / 283 ح 1372 .
2- .في (د) : البقيع.
3- .في (أ) : في هذا .
4- .في (ج ، د) : يلك .
5- .تاريخ دمشق : 3 / 284 ح 1374 ، الاستيعاب : 2 / 681 ، مسند أحمد : 1 / 102 ، الرياض النضرة : 2 / 223 ، ومسند أبي داود : 1 / 23 ، بحار الأنوار : 42 / 195 .
6- .في (ب) : ثمّ تخضّب .
7- .في (د) : هذه .
8- .هذا الحديث ورد بألفاظ متعدّدة وبطرق أيضا متعدّدة عن أبي فضاله وغيره كماجاء في البداية والنهاية : 6 / 218 ، و : 7 / 358 ، ورواه الطبراني ، وقال الهيتمي : إسناده حسن كما جاء في الزوائد : 9 / 137 ، والحاكم في المستدرك وصحيحه : 3 / 113 و 143 ، ورواه الفتح الربّاني : 23 / 163 ، وكنز العمّال : 11 / 297 ، وذخائر العقبى : 115 ، والصواعق المحرقة : 121 ب 9 فصل 2 . وفي المناقب لابن شهر آشوب : 3 / 111 الرواية عن عمّار أيضا بلفظ : أتعلم من أشقى الناس ؟ اشقى الناس اثنان : احيمر ثمود الّذي عقر الناقة ، وأشقاها الّذي يخضّب هذه ووضع يده على لحيته . والمناقب لابن المغازلي : 8 ح5 ، ينابيع المودّة : 2 / 396 ط اُسوة ، تاريخ دمشق : 3 / 278 ح 1364 و 1365 لتجدن نفس الحديث مع اختلاف يسير في اللفظ وكذلك في فرائد السمطين : 1 / 390 / 327 .

ص: 611

لأني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّك ستُضرب ضربةً هاهنا _ وأشار إلى رأسه _ فيسيل دمها حتّى تخضب لحيتك ، يكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود 1 . قيل : وسئل عليّ وهو على المنبر (1) في الكوفة عن قوله تعالى : «مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَ_هَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ

.


1- .في (ج) : منبر .

ص: 612

تَبْدِيلاً» (1) فقال : اللّهمّ غفرا (2) هذه الآية نزلت فيَّ وفي عمّي حمزة وفي ابن عمّي عبيدة بن الحارث بن عبدالمطّلب ، فأمّا (3) عبيدة بن الحارث فانّه قضى نحبه شهيدا يوم بدر ، وأمّا عمّي حمزة فإنّه قضى نحبه [شهيدا ]يوم اُحد ، وأمّا أنا فأنتظر (4) أشقى الاُمّة (5) يخضب هذه من هذا (6) _ وأشار [بيده ]إلى لحيته ورأسه وقال : _ عهدٌ عهده إليَّ حبيبي أبو القاسم صلى الله عليه و آله 7 . ومن المناقب (7) مرفوعا إلى إسماعيل بن راشد [وأبو هشام الرفاعي] 9 قال :

.


1- .في (د) : هذه .
2- .الأحزاب : 23 .
3- .في (أ) : اغفر .
4- .في (أ) : أمّا .
5- .في (أ) : انتظر .
6- .في (أ) : أشقاها .
7- .مناقب الخوارزمي : 380 _ 410 ، ومناقب ابن شهرآشوب : 3 / 309 .

ص: 613

كان من حديث عبدالرحمن بن ملجم (1) لعنه اللّه وصاحبيه وهما البُرَك (2) بن عبداللّه التميميّ وعمرو بن بكر التميمي (3) ، انّهم اجتمعوا بمكّة فتذاكروا (4) أمر الناس

.


1- .هو عبدالرحمن بن عمرو بن ملجم بن المكشوح بن نفر بن كلدة من حمير . . . وعداده في مراد هو حليف بني جبلة من كندة ويقال : إن مراداً أخواله . انظر أنساب الأشراف : 1 / 488 و489 ، والإمامة والسياسة : 1 / 179 ، وفي المناقب لابن شهرآشوب : 3 / 309 ذكر أنّ اسمه عبدالرحمن بن ملجم التجوبي ، قبيله من حمير . . . قال ابن عباس : كان من ولد قدار عاقر ناقة صالح ، وقصّتها واحدة لأنّ قدار عشق امرأة يقال لها رباب ، كما عشق ابن ملجم قطاما .
2- .هو الحجّاج بن عبيداللّه الصريمي صريم مقاعس بن [كذا] بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة ابن تميم ، وفي الأخبار الطوال : 214 النزال بن عامر .
3- .هو داذويه مولى بني حارثة بن كعب بن العنبر كما ذكره البلاذري في أنساب الأشراف : 2 / 187 . أمّا ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 179 ، فقد ذكره باسم : أذويه ، وفي المروج والكامل للمبرّد باسم : زادويه ، وفي الأخبار الطوال : عبداللّه بن مالك الصيداوي .
4- .في (أ) : فذكروا .

ص: 614

وما نالهم من القتل وما هم عليه ، فعابوا ذاك على ولاتهم ، ثمّ إنّهم ذكروا أهل النهروان فترحّموا (1) عليهم وقالوا : ما نصنع بالبقاء (2) بعدهم ، اُولئك كانوا دعاة الناس لعبادة (3) ربهم لا يخافون في اللّه لومة لائم ، فلو شرينا أنفسنا قاتلنا أئمة الضلالة (4) فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد والعباد وثأرنا بهم إخواننا في اللّه . فقال ابن ملجم لعنة اللّه عليه : أنا أكفيكم [أمر] عليّ بن أبي طالب ، وقال البُرَك : أنا أكفيكم [أمر ]معاوية ، وقال عمرو بن بكر : أنا أكفيكم عمرو بن العاص . فتعاهدوا [وتعاقدوا] وتواثقوا باللّه على ذلك أن لا ينكص (5) واحد منهم عن صاحبه الّذي تكفّل به (6) حتّى يقتله أو يموت دونه ، فأخذوا أسيافهم (7) فشحذوها ثمّ أسقوها السمّ ، وتوجّه كلّ واحدٍ منهم إلى جهة صاحبه الّذي تكفّل به ، وتواعدوا على أن يكون وثوبهم عليهم في ليلة واحدة ، وتوافقوا على أن تكون هذه الليلة [هي الليلة ] الّتي يسفر صاحبها عن ليلة تسع عشرة (8) من شهر رمضان المعظّم ، وقيل : هي الليلة الحادية والعشرون منه . فأمّا ابن ملجم لعنه اللّه فإنّه لمّا أتى الكوفة لقي بها جماعة من أصحابه فكتمهم (9) أمره مخافة (10) ان يظهروا (11) عليه شيء من ذلك ، فمرّ في بعض الأيّام بدارٍ من دور

.


1- .في (أ) : تراحموا ، وفي (د) : وتراحموا .
2- .في (أ) : بالحياة .
3- .في (أ) : إلى .
4- .في (أ) : الضلال .
5- .في (أ) : ينكل.
6- .في (ب) : توجّه اليه .
7- .في (أ) : سيوفهم .
8- .في (أ) : يوم السابع عشر ، وما أثبتناه هو الشائع في أخبار أهل البيت عليهم السلام .
9- .في (أ) : فكاتمهم .
10- .في (أ) : كراهة .
11- .في (أ) : يظهر .

ص: 615

الكوفة فيها عرس ، فخرج منها نسوة فرأى فيهنّ امرأة جميلة فائقة في حسنها يقال لها قَطام بنت الأصبغ التميمي 1 ] فنظر اليها [لعنها اللّه فهواها ووقعت في قلبه محبّتها ، فقال لها : يا جارية ، أيم أنتِ أم ذات بعل ؟ فقالت : بل أيم . فقال لها : هل لك في زوج لا تذمّ خلايقه ؟ فقالت : نعم ، ولكن لي أولياء اُشاورهم . فتبعها فدخلت دارا ثمّ خرجت إليه فقالت : يا هذا ، إنّ أوليائي أبوا أن يزوّجوني إلاّ على ثلاثة آلاف درهم وعبدٍ وقينةٍ ، قال : لكِ ذلك ، قالت : وشريطة اُخرى ! قال : وما هي ؟ قالت : قَتلُ عليّ بن أبي طالب فإنّه قتل أبي وأخي (1) يوم النهروان ، قال : ويحك ! ومن يقدر على قتل عليّ وهو فارس الفرسان وواحد الشجعان ؟ ! فقالت : لا تكثر ، فذلك أحبّ إلينا من المال ، إن كنتَ تفعل ذلك وتقدر عليه وإلاّ فاذهب إلى سبيلك ؟ فقال لها : أمّا قتل عليّ بن أبي طالب فلا ، ولكن إن رضيتي ضربتُه بسيفى

.


1- .انظر المصادر السابقة ومروج الذهب : 2 / 457 .

ص: 616

ضربةً واحدةً وانظرى ماذا يكون ؟ قالت : رضيتُ ولكن ألتمس غرّته لضربتك ، فإن أصبته انتفعت بنفسك وبي ، وإن هلكت فما عنداللّه خيرٌ وأبقى من الدنيا وزينة أهلها ، فقال لها : واللّه ما جاء بي (1) إلى هذا المصر إلاّ قتل عليّ بن أبي طالب ، قالت : فإذا كان الأمر على ما ذكرت دعني أطلب لك من يشدّ (2) ظهرك ويساندك (3) ، فقال لها : افعلي . فبعثت إلى رجل من أهلها يقال له وردان (4) من تيم الرباب فكلّمته فأجابها ، وخرج (5)6 ابن ملجم إلى رجل من أشجع يقال له شبيب بن بُجرة (6) من الخوارج ، فقال له : هل لك في شرف الدنيا والآخرة ؟ قال : وكيف ذلك ؟ قال : قَتل عليّ بن أبي طالب ، فقال له : ثكلتك اُمّك لقد جئت شيئا ]إدّا] إذ كيف تقدر على ذلك ؟ قال : أكمنُ له في المسجد ، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه (7) ، فإن نجونا (8) شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا ، وإن قُتلنا فما عند اللّه خيرٌ من الدنيا وما فيها ، ولنا اُسوة في أصحابنا الّذين سبقونا . فقال له : ويحك ! لو كان غير عليّ [كان أهون عليَّ] وقد عرفت بلاءه في

.


1- .في (أ) : جاءني .
2- .في (د) : يسند .
3- .في (ج) : يساعدك .
4- .ذكره الشيخ المفيد في : 1 / 18 باسم : وَردْان بن مُجَالِد ، وأضاف البلاذري في الأنساب :2 / 493 وهو ابن عمّ قطام . . . .
5- .في (أ) : وجاء ، وفي (ج) وأتى .
6- .في (أ) : بحرة ، وفي (ب) عجرة ، وفي (د) : عبرة .
7- .في (أ) : فقتلنا .
8- .في (أ) : نجينا .

ص: 617

الإسلام وسابقته مع النبيّ صلى الله عليه و آله وما أجدُ نفسي تنشرح لقتله ، قال : أما (1) تعلم أ نه قتل أهل النهروان العبّاد المصلّين ؟ قال : بلى ، قال : فنقتله بمن قتل من إخواننا . فأجابه إلى ذلك . فجاؤوا إلى قَطام وهي في المسجد الأعظم معتكفة وكان ذلك في شهر رمضان فقالوا لها : قد صمّمنا وأجمع رأينا على قَتل عليّ بن أبي طالب . فقال ابن ملجم[قاتله اللّه ] : ولكن يكون ذلك في ليلة الحادية والعشرين منه فإنّها الليلة الّتي تواعدت أنا وصاحباي فيها على أن يبيّت كلّ واحد منّا على صاحبه الّذي تكفّل بقتله ، فأجابوه إلى ذلك (2) . فلمّا كانت الليلة الحادية والعشرين أخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدّة الّتي يخرج منها عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكانت ليلة الجمعة ، فلمّا خرج لصلاة الصبح شدّ عليه شبيب فضربه بالسيف فوقع (3) سيفه بعضادة الباب (4) ، وضربه ابن ملجم لعنه اللّه بسيفه فأصابه 5 ، وهرب وَردان ، ومضى شبيب لعنه اللّه هاربا حتّى دخل منزله

.


1- .في (أ) : ألم .
2- .وقال أبو فرج الاصفهاني في المقاتل : 19 : قالت قطام لهما : فإذا أردتما ذلك فالقياني في هذا الموضع فانصرفا من عندها فلبثا أيّاما ، ثمّ أتياها ليلة الجمعة لتسع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربعين . وقال المسعودي في المروج : 2 / 424 : فدعت قطام لهما بحرير فعصبتهما . . . ومثله في البحار : 42 / 228 _ 230 في حديث طويل .
3- .في (أ) : فوقف .
4- .وفي (ج) إضافة : أو الطاق .

ص: 618

فدخل عليه [رجل ]من بني أبيه (1) فقتله . وأمّا ابن ملجم [لعنه اللّه ] فإنّ رجلاً من همدان لحقه فطرح (2) عليه قطيفة (3) كانت في يده ثمّ صرعه وأخذ السيف منه وجاء به إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فنظر إليه عليّ ثمّ قال : « «النفسُ بالنفس» إن أنا مِتُّ فاقْتلُوه كما قَتَلني ، وإن سَلِمْتُ رأيتُ رأيي فيه (4) . فقال ابن ملجم لعنه اللّه : واللّه لقد ابتَعْتُه بألف وسَمَمْتُه بألف ، فإن خانني فأبعد[ه]

.


1- .في (أ) : اُمية .
2- .في (ب) : وطرح .
3- .القطيفة : كساء له خمل . (نهاية ابن الأثير : 4 / 84) .
4- .انظر مقاتل الطالبيين : 22 ، وروى عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج : 6 / 118 والبحار :42 / 231 .

ص: 619

اللّه مضاربه (1) . قال [قتادة] : فنادته اُمّ كلثوم ابنة سيّدنا عليّ عليه السلام : يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين ، فقال: إنّما قتلتُ أباك (2) ، قالت: يا عدوّ اللّه إنّي لأرجو أن لا يكون عليه باسٌ، قال لها : أراك (3) إذا تبكين عليَّ ، واللّه لقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم (4) . فاُخْرجَ من بين يدي أميرالمؤمنين والناس يلعنونه ويسبّونه ويقولون [له] : يا عدوّ اللّه وماذا أتيت أهلكت اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله وقتلت خير الناس ، وأ نّهم لو تركوهم به لقطّعوه [لعنه اللّه ] قطعا وهو [صامت ]لا ينطق لهم . قال : ودعا أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام حسنا وحسينا فقال : أوصيكما بتقوى اللّه تعالى ولا تبغيا (5) الدنيا وإن بغتكما وتتكيّا [ولا تبكيا ولا تأسفا ]على شيء زوي منها عنكما [و] قولا بالحقّ] واعملا للأجر [وارحما اليتيم وأعينا (6) الضعيف ]الملهوف الضائع [واصنعا للاُخرى ، وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا (7) ، واعملا بما في كتاب اللّه تعالى ولا تأخذ كما في اللّه لومة لائم (8) .

.


1- .ذكر ذلك الشيخ المفيد في الإرشاد : 1 / 21 ، وذكر البلاذري في الأنساب : 2 / 494 بلفظ آخر : لقد أحددت سيفي بكذا وسممته بكذا . . . .
2- .وذكر صاحب الأنساب : 2 / 495 انّه قال لها : لم أقتل أمير المؤمنين ولكن قتلت أباك ! ! . . . .
3- .في (ب) : فعلى من .
4- .في (أ) : أهل مصر ما بقي منهم أحد . هذا وقد ذكر صاحب الأنساب أنه قال : لو كانت الضربة بأهل عكاظ _ ويقال : بربيعة ومضر _ لأتت عليهم ، واللّه لقد سممته شهرا ، فإن أخلفني فأبعده اللّه سيفا وأسحقه .
5- .في (أ) : تبغوا .
6- .في (ب) : واغيثا .
7- .في (أ) : أنصاراً .
8- .انظر نهج البلاغة تنظيم صبحي الصالح : 421 الكتاب 47 ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 281 وفيهما اختلاف يسير .

ص: 620

ثمّ التفت (1) إلى محمّد بن الحنفية فقال : ]هل [حفظت ما أوصيت به أخويك ؟ قال : نعم ، فقال ]ف [إنّي اُوصيك بمثله ، واُوصيك بتوقير أخويك لعظيم (2) حقّهما عليك ولا تؤثر (3) أمرا دونهما . ثمّ قال : اُوصيكما به فإنّه ]شقيقكما] (4) ابن أبيكما ، وقد علمتما أنّ أباكما كان يحبّه (5) . وفي رواية (6) عن الحسن بن عليّ عليه السلام : لمّا حضرت أبي الوفاة أقبل يوصي فقال : هذا ما أوصى به [أميرالمؤمنين ]عليُّ بن أبي طالبٍ أخو محمّد رسول اللّه وابن عمّه وصاحبه وخليفته ، أوصى بأنه يشهد (7) أن لا إله إلاّ اللّه [وحده لا شريك له] وأنّ محمّدا [عبده ورسوله] (8) رسول اللّه وخيرته ، اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته (9) ، وأنّ

.


1- .في (أ) : نظر .
2- .في (أ) : لعظم ، وفي (د) : العظيم .
3- .في (ج) : توثق .
4- .في (ج) : أخوكما .
5- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 281 مع اختلاف يسير في اللفظ . وانظر بحار الأنوار : 42 / 245 ، كشف الغمّة : 2 / 129 .
6- .ذكر هذه الرواية أهل السير والتاريخ وأرباب المناقب والمقاتل مع اختلاف يسير في بعض ألفاظها كالاصفهاني في مقاتل الطالبيين والطبري في تاريخه والكليني في الكافي والمجلسي في البحار وابن شعبة الحرّاني في تحف العقول ونهج البلاغة في كلّ شروحه تحت رقم الكتاب 47 وابن أعثم في الفتوح والشيخ المفيد في الإرشاد وغيرهم كثير ، ونحن نذكر عين ما روى ابن الصبّاغ المالكي في كتابه هذا الّذي نحن بصدد تحقيقه مع الأخذ بعين الإعتبار المخطوطات والنسخ التى بأيدينا والمصادر أيضا .
7- .في (أ) : أول وصيّتي أني أشهد .
8- .وأضاف صاحب مقاتل الطالبيين : 51 بما يلي : أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، صلوات اللّه وبركاته عليه «إن صلاتى ونسكى ومحَياي ومماتي للّه ربِّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرتُ وأنا أولُ المسلمين» الأنعام : 162 و163 . وقريب من هذا في البحار : 42 / 248 ، وتحف العقول عن آل الرسول : 197 و198 ، وتاريخ الطبري : 4 / 113 ، والحاكم في المستدرك : 3 / 143 ، وتاريخ ابن كثير : 7 / 328 ، والكامل لابن الأثير : 3 / 168 ، والغدير : 1 / 325 وذِكره الأبيات الشعرية ورَدّه لابن حزم الظاهري .
9- .في (أ) : لخلقه .

ص: 621

اللّه باعث مَن في القبور وسائل الناس عن أعمالهم ، عالمٌ بما في الصدور . ثمّ قال : إنّى اُوصيكَ يا حَسَنُ 1 وكفى بك وصيّا بما أوصاني به رسول اللّه صلى الله عليه و آله فإذا

.

ص: 622

كان ذلك [يا بنيّ ]فالزم بيتك وابكِ على خطيئتك ، ولا تكن الدنيا أكبر همّك ، واُوصيك يا بنيّ بالصلاة عند وقتها والزكاة في أهلها عند محلّها ، والصمت عند الشبهة (1) ، والاقتصاد ، والعدل في الرضا والغضب ، وحسن الجوار ، وإكرام الضيف ، ورحمة المجهود وأصحاب البلاء ، وصلة الرحم ، وحبّ المساكين ومجالستهم والتواضع فإنّه أفضل العبادات (2) ، وقصر الأمل ، وذكر (3) الموت ، والزهد في الدنيا فإنّك رهن موتٍ وغرض بلاء وطريح سقم . واُوصيك بخشية اللّه تعالى في سرّ أمرك وعلانيتك ، وأنهاك عن التسرّع بالقول والفعل ، وإذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به ، وإذا عرض شيء من أمر الدنيا فتأ نّه (4) حتّى تصيب رشدك فيه ، وإيّاك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء ، فإنّ قرين السوء يغير (5) جليسه . وكن للّه يا بنيّ عاملاً،وعن الخنا زجورا، وبالمعروف آمرا ، وعن المنكر ناهيا ، وواخِ الإخوان في اللّه ، وأحبّ الصالح لصلاحه ، ودار الفاسق عن دينك وابغضه بقلبك ، وزايله بأعمالك لئلا (6) تكون مثله ، وإيّاك والجلوس في الطرقات ، ودع المماراة ومجاورة (7) من لا عقل له [ولا علم] .

.


1- .في (أ) : الشبهات .
2- .في (أ) : العبادة .
3- .في (ب) : وذكر . . . وازهد . . . رهن . . . وغرض . . . وصريع .
4- .في (أ) : فتأنّ به .
5- .في (ج): يغرّ.
6- .في (د) : كيلا .
7- .في (ب) : مجاراة .

ص: 623

واقتصد يا بنيّ في معيشتك ، واقتصد في عبادتك ، وعليك فيها بالأمر الدائم الّذي تطيقه ، والزم الصمت وبه تسلم ، وقدّم لنفسك تغنم ، وتعلّم الخير تعلم ، وكن ذاكرا للّه تعالى على كلّ حال ، وارحم من أهلك الصغير ، ووقّر منهم الكبير ، ولا تأكلنّ طعاما حتّى تتصدّق منه قبل أكله ، وعليك بالصوم فإنّه زكاة البدن وجنّة لأهله . وجاهد نفسك ، واحذر جليسك ، واجتنب عدوّك ، وعليك بمجالس الذِكر ، وأكثر من الدعاء فإنّي لم آلك يا بنيّ نصحا وهذا فراق بيني وبينك . واُوصيك بأخيك محمّد [خيرا ]فإنّه [شقيقك] ابن أبيك وقد تعلم حبّي له. أمّا أخوك الحسين فإنّه شقيقك وابن اُمّك وأبيك ، ولا [اُزيد الوصاة بذلك (1) ]أزيدك وصياته ، واللّه الخليفة عليكم ، وإيّاه أسأل أن يصلحكم ، وأن يكفّ الطغاة والبغاة عنكم ، والصبر الصبر حتّى يقضي (2) اللّه الأمر ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم (3) . ثمّ قال للحسن : يا حسن أبصروا ضاربي ، أطعموه من طعامي ، واسقوه من شرابي ، فإن أنا عشتُ فأنا أولى بحقّى ، وإن متُّ فاضربوه ضربةً ، ولا تمثّلوا به فإنّي سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : ايّاكم والمثله ولو بالكلب العقور (4) . يا حسن إن أنا متُّ

.


1- .في (أ) : ولا أزيدك وصايته ، وفي بعض نسخ الكتاب : ولا اُريد الوصاية بذلك ، وفي بعضها الآخر والبحار : ولا اُريد الوصاة بذلك ، وفي بعض نسخ أمالي المفيد : ولا اُريد الرضاة بذلك ، وفي أمالي الشيخ : ولا أزيد الوطأة بذلك .
2- .في (ج) : ينزل .
3- .انظر نصّ هذه الوصية في أمالي الشيخ المفيد : 220 _ 222 ، أمالي الشيخ الصدوق : 4 و5 . وانظر الكامل في التاريخ : 2/436 ، البحار : 42/292 ، أعيان الشيعة : 1 / 533 قريب من هذا.
4- .انظر نهج البلاغة تنظيم صبحي الصالح : 421 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 78 _ 80 الكتاب 47 ، و : 3 / 647 و648 ، كنز العمّال : 6 / 413 ، مسند الإمام الشافعي في قتال أهل البغي : 180 ، مستدرك الصحيحين : 3 / 144 ، تاريخ الطبري : 4 / 114 ، كشف الغمّة : 2 / 130 ، بحار الأنوار : 42 / 246 و 257 ، ينابيع المودّة : 2 / 30 ، و : 3 / 445 ط اُسوة .

ص: 624

لا تغال في كفني فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : لا تغالوا في الأكفان فامشوا بي بين المشيتين ، فإن كان خيرا عجلتموني إليه ، وان كان شرّا ألقيتموه عن أكتافكم . يا بني عبدالمطّلب لا ألفينّكم تريقون (1) دماء المسلمين بعدي ، تقولون : قتلتم أميرالمؤمنين ، ألا لايقتلنّ بي إلاّ قاتلي (2) . ثمّ لم ينطق إلاّ بلا إله إلاّ اللّه حتّى قبض عليه السلام وذلك في شهر رمضان سنة أربعين (3) . وغسّله الحسن والحسين وعبداللّه بن جعفر ومحمّد بن الحنفية يصبّ الماء ، وكُفّن في ثلاثة (4) أثواب ليس فيها قميص ، وصلّى عليه ابنه الحسن عليه السلام وكبّر عليه سبع تكبيرات (5) ،

.


1- .في (ب) : تخوضون .
2- .انظر نهج البلاغة تنظيم صبحي الصالح : 421 الكتاب 47 ، ينابيع المودّة : 3 / 444 _ 445 ، بحار الأنوار : 42 / 246 و250 .
3- .انظر الكافي : 7 / 51 و52 ، بحار الأنوار : 42 / 250 ، ينابيع المودّة : 3 / 145 ط اُسوة .
4- .وردت عبارات وألفاظ عديدة بهذا الخصوص ، فمنهم من قال كفّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص كما ورد في أنساب الأشراف للبلاذري : 2 / 496 وكذلك الماتن ، ومنهم من قال خمسة أثواب كما في البحار : 42 / 294 و244 ، وكذلك في نسخة (ج) ، وفي تاريخ الطبري : 4 / 114 : كفّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ، وفي العدد للواقدي مخطوط ورقة 96 : كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولاعمامة . . . ، وانظر كشف الغمّة : 131 .
5- .اتفق المؤرّخون وأهل السِير والتاريخ والحديث أنّ الّذي صلّى عليه هو ابنه الإمام الحسن عليه السلام ولكنهم اختلفوا في عدد التكبيرات ، فالماتن وجماعة كالبحار في : 42 / 495 قالوا : كبّر سبعا كما أمره به أبوه عليه السلام وقال بعضهم كأنساب الأشراف : 2 / 496 و497 : وكبر عليه أربعا . . . ولكن هذه التكبيرات الأربع ضعيفة ومعارضة بما هو أقوى منها ، ممّا رواه علماء الشيعة وجماعة من أهل السنّة من أنّ أصل صلاة الميّت ذات خمس تكبيرات وأنّ أوّل من جمع النّاس على أربع هو الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب كما رواه العسكري في كتاب الأوائل : 83 ورواه عنه في الطرائف : 175 وتاريخ دمشق لابن عساكر : ح 1407 من ترجمة الإمام عليّ عليه السلام . وقد رواه أحمد بن حنبل في مسند زيد بن أرقم من مسنده : 4 / 367 و370 و372 ، ورواه أيضا في عنوان «الصبر على الحمّى» من منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد : 1 / 221 ، ورواه أيضا المحاملي في : 3 من أماليه الورق (28) ، وتاريخ بغداد : 11 / 143 ، وفي تاريخ الطبري : 4 / 114 : وكبّر عليه الحسن تسع تكبيرات .

ص: 625

ودُفن في جوف الليل بالغري (1) موضع معروف [يزار] إلى الآن وقيل: بالنجف ، وفيه يقول بعض الشعراء (2) : تسح (3) سحايب الرضوان سحا كجود يديه ينسجم انسجاما ولازالت رواة المزن تهدي إلى النجف التحية والسلاما وقيل: دُفن [بين منزلة] والجامع الأعظم (4) ، وقيل: في القصر 5 ، وقيل : غير ذلك 6 ، ولمّا فرغوا من دفنه عليه السلام جلس الحسن عليه السلام وأمر أن يؤتى بابن ملجم لعنه اللّه فجيء به، فلمّا وقف بين يديه قال: يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين وأعظمت الفساد في الدين 7 ،

.


1- .وهذا ممّا أجمعت عليه أئمة أهل البيت عليهم السلامورواه عنهم شيعتهم خلفا عن سلف ، وهو عندهم من الضروريات الثابتة بالتواتر مثل كون بيت اللّه الحرام بمكّة ، وقبر النبي صلى الله عليه و آله في بيته بمسجد المدينة المنوّرة . أمّا ما قيل بأنّه عليه السلام دفن في مسجد الجماعة في الرحبه ممّا يلي أبواب كندة بالكوفة أو ممّا قيل انّه دفن بالكناسة ، أو ممّا قيل بالسدّة وغمّي قبره مخافة أن ينبشه الخوارج فلم يعرف ذلك من الأئمة عليهم السلاموذلك أنّ الخوارج في ذلك الوقت كانوا مطرودين منكوبين وقد أخبر عليه السلام بذلك قبل استشهاده بل ربما الخوف كان من معاوية وأشياعه لانّهم لو علموا بموضع قبره لحفروه وأخرجوه وأحرقوه كما فعلوا بزيد بن عليّ بن الحسين عليه السلام كما ذكر ذلك العلاّمة المجلسي في البحار : 42 / 220 ح 26 ، و 290 ، وانظر دفنه عليه السلام في إعلام الورى : 202 ، فرحة الغري : 51 و39 ، مقاتل الطالبيين : 42 ، كامل الزيارات : 33 ، كفاية الطالب : 471 ، الفتوح لابن أعثم : 2 / 283 ، وقال في الهامش رقم 2 : والغري نصب كان يذبح عليه العتائر والغريان طربالان ، بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة قرب قبر عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وانظر معجم البلدان : 6 / 282 وذكر في الهامش رقم 3 من الفتوح : 2 / 283 : وقيل إنّ عليّا عليه السلام أوصى أن يخفى قبره لعلمه أنّ الأمر يصير إلى بني اُمية فلم يأمن من أن يمثّلوا بقبره ، وقد اختلف في قبره ، فقيل في زاوية الجامع بالكوفة ، وقيل بالرحبة من الكوفة ، وقيل بقصر الإماره منها ، وقيل بنجف الحيرة في المشهد الّذي يزار به اليوم .
2- .انظر المصادر السابقة .
3- .في (ب) : سقيته .
4- .انظر البحار : 42 / 282 _ 285 ولكنه نسب بعض هذه الألفاظ إلى الناس وهم ينهشون لحمه بأسنانهم ويقولون له: يا عدوّ اللّه ، ما فعلتَ؟ أهلكتَ اُمّة محمّد، وقتلتَ خير الناس! ثمّ أورد قول الإمام الحسن عليه السلام : يا ويلك يا لعين ، يا عدوّ اللّه ، أنتَ قاتل أمير المؤمنين ، ومثكلنا إمام المسلمين ؟ هذا جزاؤه منك حيث آواك وقرّبك وأدناك وآثرك على غيرك ؟ وهل كان بئس الإمام لك حتّى جازيته بهذا الجزاء يا شقي ؟ _ إلى أن قال له الملعون : _ يا أبا محمّد أفأنت تنقذ من في النّار ؟ وإلى أن قال الإمام الحسن عليه السلام إلى حذيقه الّذي جاء باللعين : كيف ظفرت بعدوّ اللّه وأين لقيته ؟ وانظر الواقعة في الإرشاد للشيخ المفيد : 1 / 32 .

ص: 626

ثمّ أمر به فضُربت عنقه وأخذه الناس وأدرجوه في بواري وأحرقوه لعنه اللّه (1) . وقيل : إنّ اُم الهيثم بنت الأسود النخعية (2) استوهبت جيفته من الحسن عليه السلام وأحرقتها بالنار (3) . وأمّا الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص فإنّ أحدهما في صبيحة تلك الليلة وهو البُرك ضرب معاوية وهو راكع في صلاة الصبح فوقعت ضربته في إليته من فوق ثياب كثيرة كانت عليه فجرحه جرحا يسيرا ، وقُبض على البُرك فقال لمعاوية : إنّ [لك ]عندي بشارة (4) اُسرّك به فإن أخبرتك أنافعي ذلك عندك ؟ فقال : نعم ، قال : إنّ عليّا قُتل في هذه الليلة ، قتله أخٌ لي ، قال : وكيف ؟ فأخبره بخبرهم ثلاثتهم وما عقدوا عليه ، فقال معاوية : ولعلّه لم يقدر على ذلك اقتلوه ، فاُخذ وقُتل (5) .

.


1- .المصدر السابق ، بحار الأنوار : 42 / 232 ، كشف الغمّة : 2 / 130 .
2- .في (أ) : الخثعمية .
3- .الإرشاد : 1 / 22 ، تاريخ الطبري : 4 / 114 ، الكامل في التاريخ : 2 / 436 ، كشف الغمّة : 2 / 128 النهاية : 4 / 227 ، بحار الأنوار : 42 / 232 .
4- .في (أ) : خبر .
5- .انظر القصة في الكامل في التاريخ : 2 / 434 ، وتاريخ الطبري : 4 / 110 ، ومروج الذهب : 2 / 423 ، ومقاتل الطالبيين : 17 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 6 / 113 ، و : 2 / 65 ط اُخرى . والبحار : 42 / 228 و 233 . وقيل إنه البرك قال لمعاوية : إنّ لك عندي بشارة ، قال : وماهي ؟ فأخبره بخبر صاحبيه وقال له : إنّ عليّا عليه السلام يُقتل في هذه الليلة فاحبسني عندك ، فإن قُتل فأنتَ وليّ ماتراه في أمري ، وإن لم يقتل أعطيتك العهود والمواثيق أن أمضي فأقتله ، ثمّ أعود إليك فأضع يدي في يدك حتّى تحكم فيَّ بماترى ، فحبسه عنده ، فلمّا أتاه أنّ عليّا عليه السلام قُتل خَلّى سبيله . وقال بعض من الرواة : بل قتله من وقته كما ذكر المصنّف وابن الأثير : 3 / 170 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : 2 / 42 ، وكشف الغمّة : 2 / 129 ، والنهاية : 4 / 228 .

ص: 627

وبعث معاوية إلى طبيب يقال له الساعدي وكان طبيبا حاذقا فأراه جراحته ، فلمّا نظر إليها قال : اختر إمّا أن أحمي [لك ]حديدة فاضعها (1) في موضع السيف (2) ] فتبرأ] وإمّا أن اُسقيك شربة (3) يقطع بها عنك الولد وتبرأ فإنّ ضربته مسمومة ، قال معاوية : أمّا النار فلاصبر (4) لي عليها ، وأمّا الولد ففي يزيد وعبداللّه ما تقرّبه عيني ، فسقاه شربة (5) فبرئ ولم يولِد بعدها، وأمر معاوية بعد ذلك بالمقصورات في المسجد وحرس الليل وقيام الشرطة على رأسه،وهو أوّل من عمل المقصورات في الإسلام (6) . أمّا الرجل الثالث وهو عمرو بن بكر التميمي وافى خارجة [بن أبي حبيبة] (7) [وكان صاحب شرطته] في صبيحة تلك الليلة وهو في المسجد في صلاة الصبح فضربه بسيفه وهو يظنّ أنه عمرو ، وكان عمرو قد تخلّف صبيحة تلك الليلة واستخلف خارجة فوقعت الضربة في خارجة فقتله فمات (8) منها في اليوم الثاني (9) ،

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .في (ب) : اجعلها.
3- .في (ج، د) : الضربة .
4- .في (د) : دواءً .
5- .في (ب ، ج) : اُطيقها .
6- .في (د) : دواءً.
7- .في بعض المصادر : حنيفة ، وهذا ماجاء أيضا في (د) ، وفي بعضها : ابن حذافة .
8- .في (أ) : مات .
9- .ذكرت هذه الواقعة مقطّعة في تاريخ الطبري : 5 / 143 ، مقاتل الطالبيين : 29 ، طبقات ابن سعد : 3 / 35 ، وأنساب الأشراف : 2 / 489 و 524 ، مروج الذهب : 2 / 411 ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 159 ، الكامل في التاريخ : 3 / 389 ، مناقب الخوارزمي : 380 ح 401 ، مناقب ابن شهرآشوب : 3 / 311 ، بحار الأنوار : 42 / 228 و 233 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 65 .

ص: 628

وفي ذلك يقول ابن زيدون (ره) (1) : فليتها إذ فدت عَمْرا بخارجة فدت عليّا بمن شاءت من البشر وأخذوا قاتل خارجة فاُدخل على عمرو فلمّا رآه قال له : من قتلت ؟ قال : يقولون خارجة ، فقال : أردت عمرا وأراد اللّه خارجة (2) فصارت مثلاً ، وأمر به عمرو فقُتل ، فلمّا بلغ معاوية قتل خارجة وسلامة عمرو كتب إليه بهذه الأبيات 3 : وقَتْلٌ وأسبابُ المنايا (3) كثيرةٌ مَنيَّةُ شيخٍ من لؤيِّ بن غالِبِ فيا عَمرو مَهلاً إنّما أنت عَمُّهُ وصاحبُهُ دون (4) الرجال الأقارِبِ نَجْوتَ وقد بَلَّ المُراديُّ سَيْفَهُ مِن ابن أبي شيخ الأباطحِ طالبِ ويضرِبُني بالسيف آخرُ مِثْلهُ فكانَتْ علينا (5) تلك ضربَةَ لازِبِ وأنتَ تُناغي كلَّ يومٍ وليلةٍ بمِصْرِكَ بيضا كالظِباء (6) السواربِ (7) وقد صحّ النقل أنّ عليّا عليه السلام ضربه عبدالرحمن بن ملجم ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان المعظّم سنة أربعين ومات من ضربته ليلة الأحد وهي الليلة الثالثة من ليلة ضرْبِه 9 ، وكان عمره إذ ذاك خمسا وستين

.


1- .انظر ديوان ابن زيدون : 217 الطبعة الاُولى مصر تحقيق عبدالرحمن محمّد صرفي .
2- .وردت هذه القصة بألفاظ مختلفة وبطرق عديدة ، فمثلاً الطبري في تاريخه : 4 / 15 بلفظ : . . . قال : فمن قتلت ؟ قالوا : خارجة بن حذافة ، قال : أما واللّه يا فاسق ما ظننته غيرك ، فقال عمرو : أردتني وأراد اللّه خارجة فقدمه عمرو فقتله فبلغ ذلك معاوية فكتب إليه [الشعر] . وانظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 65 ، وبحار الأنوار : 42 / 233 ، الإرشاد : 1 / 23 ، مقاتل الطالبيين : 29 ، طبقات ابن سعد : 3 / 53 ، وغيرها من المصادر المذكورة آنفا .
3- .في (أ) : الردى ، وفي (ب) : الاُمور .
4- .في (ب) : ذوي ، وفي (د) : دور .
5- .في (أ) : وكانت عليه .
6- .في (أ) : كالضياء .
7- .في (أ) : الشوازب ، وفي (ب) : التواقب .

ص: 629

سنة (1) أقام منها مع النبيّ خمسا وعشرين سنة (2) منها قبل البعث والنبوة اثنا عشر سنة وبعدها ثلاثة عشر سنة (3) ، ثمّ هاجر واقام مع النبيّ صلى الله عليه و آله بالمدينة إلى أن توفّي

.


1- .انظر مناقب آل أبي طالب : 2 / 78 ، بحار الأنوار : 42 / 199 وفيه : وله يومئذٍ خمس وستون سنة في قول الصادق عليه السلام وقال أهل السنّة : ثلاث وستون سنة . وورد في كشف الغمّة : 2 / 131 بلفظ : . . . فيكون عمره خمسا وستّين سنة ، وقيل : بل كان ثلاثا وستّين ، وقيل : بل ثمان وخمسين ، وقيل : بل كان سبعا وخمسين سنة ، وأصحّ هذه الاقوال هو القول الأوّل . وانظر تاريخ الطبري : 4 / 116 و 117 ، أنساب الأشراف : 2 / 498 قال : وكان له يوم توفي ثلاث وستون سنة ، وذلك هو الثبت . ويقال : إنّه توفي وله تسع وخمسون سنة . . . وانظر أيضاً الطبقات لابن سعد : 3 / 38 ، مقتل ابن أبي الدنيا : ح 49 ، تاريخ بغداد : 1 / 136 ، تاريخ دمشق : ح 1445 ، و : 3 / 318 ح 1429 ترجمة الإمام عليّ عليه السلام نقلاً عن الخطيب ، الكافي : 1 باب مولد أمير المؤمنين : 452 .
2- .انظر المصادر السابقة ، وكذلك بحار الأنوار : 42 / 244 نقلاً عن كشف الغمّة : 2 / 131 .
3- .انظر المصادر السابقة . والإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 181 ، ومروج الذهب : 2 / 385 ، وابن الأثير : 2 / 492 _ 440 ، طبقات ابن سعد : 3 / 37 ، المعارف : 209 ، المحبر : 17 ، نهاية الأرب : 2 / 218 .

ص: 630

النبيّ صلى الله عليه و آله عشر سنين (1) ، ثمّ عاش من بعد وفاة النبيّ إلى أن قُتل عليه السلام ثلاثين سنة ، فجملة ذلك خمس وستون سنة 2 . وبالإسناد عن جابر بن عبداللّه الأنصاري (رض)قال : إنّي حاضر عند عليّ بن أبي طالب [في وقتٍ ]إذ جاءه عبدالرحمن بن ملجم لعنه اللّه يستحمله فحمله ثمّ قال 3 : اُريد حياته ويُريدُ قتلي عذيري من خليلي من مُرادِ ثمّ قال : هذا واللّه قاتلي لا محالة ، قلنا : يا أمير المؤمنين أفلا تقتله ؟ ! قال : لا فمن يقتلني ، ثمّ قال (2) عليه السلام : اشدُدْ حَيازيمكَ للموت فإنّ الموتَ لاقيكا ولاتَجْزَع من الموت إذا حَلّ بناديكا ولا تغترّ بالدهر وان كان يواتيكا كما أضْحَكَكَ الدهرُ كذاكَ الدهرُ يبكيكا وقال غنم بن المغيرة (3) : كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام في شهر رمضان من السنة الّتي قُتل فيها يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبداللّه بن جعفر ، لا يزيد في كلّ أكله على ثلاث أو أربع لقم (4) ويقول : يأتيني أمرُ اللّه وأنا خميصٌ ، إنّما هي ليالٍ قلائل ، فلم يمض الشهر حتّى قُتل عليه السلام 7 . وعن الحسن بن كثير عن أبيه قال : خرج عليّ عليه السلام في فجر اليوم الّذي قُتل فيه فأقبل الأوز يصحن في وجهه فطُردن عنه ، فقال عليه السلام : ذروهنّ فإنّهنّ نوائح 8 ، فقتله

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .كذا ، والظاهر أنّ الصحيح هو عثمان بن المغيرة كما في أكثر المصادر .
3- .انظر فرائد السمطين: 1 / 386 / 320 ، البحار: 42 / 276 ، الإرشاد: 1 / 14 ولكن بلفظ «يتعشى» بدل «يفطر» ، اُسد الغابة: 4 / 35 ، كنز العمّال: 6 / 413 و 414 .
4- .انظر الإرشاد : 1 / 14 ولكن بلفظ «إنّما هي ليلةٌ أو ليلتان» بدل «إنّما هي ليالٍ قلائل» . وقريب من هذا في إعلام الورى : 155 ، الخرائج للراوندي : 1 / 201 ح 41 ، مناقب الخوارزمي : 392 و400 و410 ، مناقب آل أبي طالب : 2 / 271 ، كنز العمّال : 13 / 195 ح 36583 ، اُسد الغابة : 4 / 35 .

ص: 631

ابن ملجم لعنه اللّه . وقال الحسن بن عليّ عليه السلام : قمت ليلاً فوجدت أبي قائما يصلّي في مسجد داره فقال : يا بني أيقظ أهلك يصلّون فانّها ليلة الجمعة صبيحة بدر ، ولقد ملكتني عيناي فنمت فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقلت : يا رسول اللّه ماذا لقيتُ من اُمّتك من الأوَد واللدد (1) ! ! فقال صلى الله عليه و آله : ادْعُ عليهم ، فقلتُ : اللّهمّ أبدلنى بهم مَن هو خيرٌ منهم وأبدلهم بي مَن هو شرٌّ منهم (2) . فجاء المؤذّن فأذنه بالصلاة فخرج وخرجتُ خلفه فضربه ابن ملجم لعنه اللّه فقتله (3) . وفي قصّة عبدالرحمن بن ملجم لعنه اللّه ومهره لقَطام واشتراطها عليه قَتل

.


1- .انظر المصادر السابقة .
2- .رُوي ذلك بطرق عديدة ، فمثلاً عن عمّار الدُهْني عن أبي صالح الحنفي قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : رأيتُ النبيّ صلى الله عليه و آله في منامي ، فَشكَوْتُ إليه ما لقيت من امّتهِ من الْأَوَد واللدَد _ العوج والخصومة الشديدة _ وبكيتُ ، فقال : لاتَبكِ يا عليّ والتفِتْ ، فالتفتُّ فإذا رجلان مُصَفَّدان ، وإذا جلاميد تُرْضَح بها رؤوسهما . انظر النهاية : 4 / 244 ، الإرشاد : 1 / 15 ، المناقب للخوارزمي : 378 و402 ، مناقب ابن شهر آشوب : 3 / 311 ، كشف الغمّة : 1 / 433 ط الحديثة قريب من هذا اللفظ ، وتذكرة الخواصّ : 100 ، إعلام الورى : 155 ، بحار الأنوار : 42 / 225 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 128 ، شرح النهج للفيض : 156 خطبة 96 ، تاريخ دمشق ترجمة الإمام عليّ : 3 / 295 ، الإستيعاب لابن عبد البرّ بهامش الإصابة : 3 / 61 .
3- .في شرح النهج للفيض : 156 خطبة 69 ، وتاريخ دمشق : 3 / 295 والاستيعاب : 3 / 61 ورد بلفظ : ادْعُ عَلَيهم ، فقلتُ : أبدلني اللّه بهم خيرا منهم ، وأبدَلهم بي شَرّا لهم منّي .

ص: 632

عليّ عليه السلام ، يقول الفرزدق (1) : فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة كمهر (2) قَطامٍ من فصيحٍ وأعجم (3) ثلاثة آلاف وعبدٌ وقينةٌ وضرب عليٍّ بالحسام المصمّم (4) فلا مهر أغلى من عليٍّ (5) وإن غلاولا فتك (6) إلاّ دون فتك ابن ملجم وللّه درّ القائل حيث يقول (7) : فلا عزّ (8) للأشراف إن ظفرت بها ذئاب (9) الأعادي من فصيح وأعجم فحربة وحشيّ سقت حمزة الردى وحتف عليّ من حسام ابن ملجم وقال أبو الأسود الدؤلي في قتل عليّ عليه السلام 10 : ألا أبلغْ معاوية بن حربٍ (10) فلا قَرَّت عيون الشامتينا أفي شهر الحرام (11) فجعتمونا بخير الناس طُرّا أجمعينا رزينا (12) خير من ركب المطايا ورحّلها (13) ومَن ركب السفينا ومَن لبس النعال ومَن حذاها ومَن قرأ المثاني والمبينا (14) إذا استقبلت وجه أبي حسين رأيت البدر (15) زاغ الناظرينا لقد علمت قريشٌ حيث (16) كانت بأنك خيرهم حسبا (17) ودينا فقل للشامتين بنا رويدا سيلقى الشامتون كما لقينا وقال بكر بن حسّان الباهلي (18) : قال لابن ملجم والأقدار غالبة هدمت (19) للدين والإسلام أركانا قتلت أفضل من يمشي على قدم وأفضل (20) الناس إسلاما وإيمانا وأعلم الناس بالقرآن ثمّ بما سنّ الرسول لنا شرعا وتبيانا صهر النبيّ ومولاه وناصره أضحت مناقبه نورا وبرهانا وكان (21) منه على رغم الحسود له مكان (22) هارون من موسى بن عمرانا ذكرتُ قاتله والدمع منحدر فقلتُ سبحان ربِّ العرش (23) سبحانا قد كان يخبرنا (24) أن سوف يخضبها قبل المنية أشقاها وقد كانا (25) وبالإسناد عن الزهري قال : قال لي عبدالملك بن مروان : أيّ واحدٍ أنت أن حدّثتني ما كانت علامة يوم قُتل عليّ بن أبي طالب ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ما رفعت حصاة ببيت المقدس إلاّ وكان تحتها دم عبيط . فقال : أنا وأنت غريبان في هذا الحديث (26) .

.


1- .انظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 284 هامش رقم 1 ، المقاتل : 50 ، مروج الذهب : 2 / 423 ، أنساب الأشراف : 2 / 507 ، الإرشاد : 1 / 22 ، تاريخ الطبري : 4 / 116 ، و : 6 / 87 ط اُخرى نسب الشعر إلى ابن أبي مياس المرادي ، وفي سمط النجوم العوالي : 2 / 468 نسبه للفرزدق كما عند الماتن والمصادر السابقة . وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 171 ، والكامل للمبرّد : 495 نسبها إلىّ ابن ملجم لعنه اللّه وفي الأخبار الطوال : 214 قال : وقال شاعر ، وفي الاستيعاب : 472 قال : وممّا قيل في ابن ملجم ، بحار الأنوار : 42 / 232 و 266 باب 127 .
2- .في (أ) : مهر .
3- .في (ج ، د) : بيّنا غير مبهم .
4- .في (ب) : المسمَّم .
5- .في (ج ، د) : عليّ .
6- .في (ب) : قتل . . . قتل .
7- .انظر المصادر السابقة ، وبحار الأنوار : 42 / 290 .
8- .في (أ) : غرو .
9- .في (أ) : كلاب .
10- .في (أ) : هندٍ .
11- .كذا في (ب) و مناقب ابن شهر آشوب ، وفي (أ) و تاريخ الطبري : الصيام .
12- .كذا في (ج) ومناقب ابن شهر آشوب ، وفي (أ) وتاريخ الطبري : قتلتم .
13- .كذا في (أ) وتاريخ الطبرى ، وفي (ب) : وذلّلها ، وفي (د) : وأكرمهم ، وفي (ج) ومناقب ابن شهر آشوب : وحثحثها .
14- .كذا في (ج) وتاريخ الطبري ومناقب ابن شهر آشوب ، وفي (أ) : المئينا .
15- .كذا في (أ) ومناقب ابن شهر آشوب و تاريخ الطبري ، وفي (ب) : النور ، وفوق لفظة «راق» كتبت : زاغ زاغ .
16- .كذا في (أ) ومناقب ابن شهر آشوب وتاريخ الطبري ، وفي (ج) : حين .
17- .كذا في (د) ومناقب ابن شهر آشوب و تاريخ الطبري ، وفي (أ) : نسباً .
18- .ورد في نور الأبصار : 98 اسم الشاعر بلفظ «بكر بن حسان» ، وفي فضائل الخمسة : 3 / 71 بلفظ «بكر بن حمّاد التاهرتي» وكذلك ذكره ابن حجر في الإصابة : 3/179 وقال : وهو من أهل القيروان في عصر البخاري وأجازه عند السيِّد الحميري الشاعر المشهور الشيعي وهو في ديوانه. وكذلك في الاستيعاب : 2/ 472 ، مروج الذهب : 2 / 43 ، الكامل لابن الأثير : 3/171 ، تمام المتون للصفدي : 152 ، وفي الغدير : 1 / 326 ذكره باسم «بكر بن حسّان الباهلي» .
19- .في (ج) : ويلك قبل هدمت .
20- .في (ج) : أوّل .
21- .في (أ) : فكان .
22- .في (ب) : ما كان .
23- .في (ج) : الناس .
24- .في (ب) : يخبرهم .
25- .في (ب) : أزمانا فأزمانا .
26- .انظر مناقب الخوارزمي : 388 ح 404 ، مناقب آل أبي طالب : 1 / 481 و482 ، والبحار : 43 / 308 و309 ولكن بلفظ «لم يرفع من وجه الأرض حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط» . وفي أربعين الخطيب وتاريخ النسوي انّه سأل عبدالملك بن مروان الزهري : ما كانت علامة يوم قتل عليّ عليه السلام قال : ما رفع حصاة من بيت المقدس إلاّ كان تحتها دم عبيط ، ولمّا ضرب في المسجد سمع صوت . . . ثمّ هتف هاتف آخر : مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومات أبوكم . . . وانظر فرائد السمطين : 1 / 389 رقم 325 و336 ، وقريب من اللفظ الأوّل في مستدرك الصحيحين : 3 / 113 ، وتاريخ دمشق : 3 / 316 ح 1424 . وانظر مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : ح 109 .

ص: 633

ومن كتاب المناقب لأبي بكر (1) الخوارزمي قال : قال أبو القاسم الحسن بن محمّد : كنت بالمسجد الحرام فرأيت الناس مجتمعين حول مقام إبراهيم عليه السلام فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : راهب قد أسلم وجاء إلى مكّة وهو يحدّث بحديثٍ عجيب ، فأشرفتُ عليه فإذا شيخ كبير عليه جبّة صوف وقلنسوة صوف عظيم الجثة وهو قاعد عند المقام يحدّث الناس وهم يسمعون إليه (2) فقال : بينما أنا قاعد في صومعتي في بعض الأيام إذ أشرفت منها إشرافة فإذا طائر كالنسر الكبير قد سقط على صخرة على شاطئ البحر فتقيّأ فرمى من فيه ربع إنسان ثمّ طار! فغاب يسيرا ثمّ عاد فتقيّأ ربعا آخر ثمّ طار! وعاد فتقيّأ (3) هكذا ، إلى أن تقيّأ أربعة أرباع إنسان ثمّ طار! فدنت الأرباع بعضها إلى (4) بعض فالتأمت ، فقام منها إنسان كامل وأنا أتعجّب ممّا رأيت ، فإذا بالطائر قد انقضّ عليه فاختطف ربعه ، ثمّ عاد (5) واختطف ربعا آخر ثمّ طار! وهكذا إلى أن اختطف جميعه ، فبقيت أتفكّر (6) وأتحسّر ألا كنت سألته مَن هو وما قصّته ؟

.


1- .كذا ، والصحيح كما سبق ذكره من المصنّف : لأبي المؤيّد .
2- .في (ب) : له .
3- .في (أ) : وتقيّأ .
4- .في (د) : من .
5- .في (ب) : طار .
6- .في (ب) : متفكرا .

ص: 634

فلمّا كان في اليوم الثاني فإذا بالطائر قد أقبل وفعل كفعله بالأمس ، فلمّا التأمت الأرباع وصارت شخصا كاملاً نزلتُ من صومعتي مبادرا إليه ودنوته وسألته : باللّه مَن أنت يا هذا ؟ فسكت عنّي ، فقلت له : بحقّ من خلقك إلاّ ما أخبرتني مَن أنت ؟ فقال : أنا ابن ملجم ]ف] قلت : ما قصّتك مع هذا الطائر ؟ قال : قتلت عليّ بن أبي طالب فوكّل [اللّه ]بي هذا الطائر ليفعل بي ما ترى كلّ يوم . فخرجت من صومعتي وسألت عن عليّ بن أبي طالب مَن هو ؟ فقيل لي : إنّه ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأسلمت وأتيت ماتّا (1) من هذا إلى بيت الحرام قاصدا الحجّ وزيارة النبيّ صلى الله عليه و آله (2) .

.


1- .هكذا في نسخة (ج) وفي النُسخ الاُخرى مطموسة.
2- .انظر المناقب للخوارزمي : 389 ح 405 ، ومناقب آل أبي طالب : 1 / 481 و482 ، والبحار : 42 / 309 قريب من هذا ، وفضائل الخمسة : 3 / 68 ، وفرائد السمطين : 1 / 391 و 328 .

ص: 635

. .

ص: 636

. .

ص: 637

. .

ص: 638

. .

ص: 639

. .

ص: 640

. .

ص: 641

فصل : في ذكر أولاده عليه وعليهم السلام

فصل : في ذكر أولاده عليه وعليهم السلامأولاد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام سبعة [ثمانية] وعشرون ولدا (1) ما بين ذكور وإناث ، وهم : الحسنُ والحسينُ وزينبُ الكُبرى (2) وزينبُ الصغرى المكنّاةُ اُمَّ كُلْثُومَ (3) واُمُّهم فاطمة البتول سيِّدةُ نساء العالمين 4 . ومحمّد المكنّى بأبي

.


1- .قال الشيخ المفيد في الإرشاد : 342 باب 4 : فأولاد أمير المؤمنين عليه السلام ثمانية وعشرون ولدا ذكرا واُنثى . ولكن في : 1 / 354 تحقيق . مؤسّسة آل البيت عليهم السلام قال : فأولاد أمير المؤمنين عليه السلام سبعة وعشرون ولدا ذكرا واُنثى . وفي العدد القوية لدفع المخاوف اليوميه للشيخ رضيّ الدين عليّ بن سديد الدين يوسف بن عليّ بن مطهّر الحلّي في الفصل الثاني (مخطوط) قال : كان له عليه السلام سبعة وعشرون ذكرا واُنثى ، وفي المناقب لابن الشهرآشوب: 2/76 و77 قال: قال الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد:أولاده خمسة وعشرون وربما يزيدون على ذلك إلى خمسة وثلاثين ، ذكره النسّابة العمريّ في الشافي وصاحب الأنوار . . . .
2- .سيأتي الحديث عنها مفصّلاً .
3- .سيأتي الحديث عنها مفصّلاً أيضا .

ص: 642

القاسم ، اُمّه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية (1) . وعمر ورقية كانا توأمين ، واُمّهما اُمّ حبيب بنت ربيعة 2 . والعباس وجعفر وعثمان وعبداللّه الشهداء مع أخيهم

.


1- .سبق وأن ترجمنا له رضى الله عنه ولاُمّه بالإضافة إلى المصادر السابقة كالإرشاد:1/354، وانظر أنساب الأشراف: 2 / 200 قال : وولد لعليّ بن أبي طالب محمّد ، واُمّه خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبه بن يربوع بن ثعلبة من الدؤل بن حنيفة بالجيم. لكن في المعارف:210 قال : اُمّه خوله بنت إياس بن جعفر. وتاريخ دمشق: 51/66 ح10 نقلاً عن الزبير بن بكّار وفي ح13 منه نقلاً عن ابن سعد. وأضاف صاحب الأنساب: بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام إلى اليمن فأصاب خوله في بني زبيد،وقد ارتدّوا مع عمرو بن معدي كرب،وصارت في سهمه،وذلك في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إن ولدت منك غلاما فسمّه باسمي وكنّه بكنيتي ، فولدت له بعد موت فاطمة عليهاالسلام غلاما فسمّاه محمّدا وكنّاه أبا القاسم . وانظر الأنساب : 2 / 201 حيث قال : أغارت بنو أسد بن خزيمة على بني حنيفة فسبّوا خوله بنت جعفر ثمّ قدموا بها المدينة في أوّل خلافة أبي بكر فباعوها من عليّ ، وبلغ الخبر قومها فقدموا المدينة على عليّ فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم فاعتقها ومهّرها وتزوجها فولدت له محمّدا ابنه ، وقد كان قال لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : أتأذن لي إن ولد لي بأن اسمّيه باسمك واكنّيه بكنيتك ؟ فقال : نعم . . . قال البلاذري : وهذا أثبت من خبر المدائني [السابق الذكر ]ولسنا بصدد كلّ حياته وكيفية اتخاذ الكيسانية له إماما لهم، وسبق أن عالجنا موضوع الكيسانية في كتابنا «براءة أهل البيت عليهم السلاموأتباعهم من الفِرق المغالية» فراجع ذلك .

ص: 643

الحسين عليه السلام بطفِّ كربلاء ، اُمّهم اُمّ البنين بنت حزام بن خالد بن دارم 1 . ومحمّد

.

ص: 644

الأصغر المكنّى أبا بكر وعبداللّه الشهيدان أيضا مع أخيهما الحسين بكربلاء ، اُمّهما ليلى بنت مسعود الدارمية 1 . ويحيى وعون ، اُمّهما أسماء بنت عميس الخثعمية (1) .

.


1- .انظر أنساب الأشراف : 2 / 192 بإضافة : . . . وكان عليّ عليه السلام خلف عليها بعد أبي بكر . وانظر تاريخ الطبري : 4 / 118 ، وفي المعارف : 210 ذكر يحيى فقط ، ومثله في الإرشاد : 1 / 354 . أمّا في البحار : 42 / 74 ذكر يحيى وعون .

ص: 645

واُمّ الحسن ورملة ، اُمّهما اُمّ مسعود بنت عروة الثقفي (1) . ونَفِيْسةُ وزينبُ الصغرى ورُقَيّةُ الصغرى واُمّ هانئ واُمّ الكِرام وجُمانةُ المكنّاةُ باُمّ جعفرٍ واُمَامةُ واُمّ سَلَمةَ ومَيْمُوْنَةُ وخَديجةُ وفاطمةُ كلّهنّ لاُمّهات شتّى 2 .

.


1- .انظر الإرشاد للشيخ المفيد : 1 / 354 لكن بلفظ : واُمّهما اُمّ سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي ، وفي البحار : 42 / 74 قال : وكان له من اُمّ شعيب الدارمية _ وقيل اُمّ مسعود المخزومية _ اُمّ الحسن ورملة . والظاهر أنه أخذ ذلك من كتاب العدد القوية لدفع المخاوف اليومية (مخطوط) . وانظر المعارف : 211 . وفي تاريخ الطبري : 4 / 119 أضاف : ورملة الكبرى . أمّا في أنساب الأشراف : 2 / 193 قال : أمّ الحسن بنت عليّ ، كانت عند جعدة بن هبيرة المخزومي ، ثمّ خلف عليها جعفر بن عقيل ، فقتل مع الحسين فخلف عليها عبداللّه بن الزبير . . . ثمّ ذكر رملة الكبرى واُمّهما اُمّ سعيد . . . .

ص: 646

واعلم أنّ الناس قد اختلفوا في عدد أولاده ذكورا وإناثا ، فمنهم مَن أكثر ومنهم مَن اختصر ، والّذي نقله صاحب كتاب الصفوة أنّ أولاده الذكور أربعة عشر ذكرا (1) ، وأولاده الإناث تسعة عشر إناثا (2) .وهذا تفصيل أسمائهم رضوان اللّه عليهم أجمعين. الذكور : الحسن ، والحسين ، ومحمّد الأكبر ، وعبيداللّه ، وأبو بكر ، والعبّاس ، وعثمان،وجعفر، وعبداللّه ،ومحمّد الأصغر،ويحيى، وعون، وعمر، ومحمّد الأوسط (3) . الإناث : زينب الكبرى (4) ، واُمّ كلثوم الكبرى 5 ، واُمّ الحسن ، ورملة الكبرى ، واُمّ

.


1- .انظر كتاب الصفوة . وتاريخ الطبري : 4 / 119 ، تذكرة الخواصّ : 57 طبع بيروت لبنان ، الكامل لابن الأثير : 2 / 400 _ 441 .
2- .انظر المصادر السابقة .
3- .تقدّمت الإشاره إليهم ماعدا الحسن والحسين عليهماالسلام وسيأتي التفصيل عنهما إن شاء اللّه تعالى في الفصل القادم.
4- .انظر أنساب الأشراف : 2 / 189 بإضافة : وزينب الكبرى تزوجها عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب فولدت له . . . وانظر الإرشاد : 1 / 354 ، الكافي : 6 / 18 ، الخصال : 634 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 213 ، المناقب لابن شهرآشوب : 3 / 358 ، تاريخ الطبري : 5/153 ، و : 4/118 ط اُخرى ، الكامل في التاريخ : 3 / 397 ، و : 4 / 272 ، الإصابة : 3 / 471 ، لسان الميزان : 1 / 268 ، ميزان الاعتدال : 1 / 139 ، مقاتل الطاليين : 25 و 86 ، بحار الأنوار : 42 / 74 .

ص: 647

هانئ ، وميمونة ، وزينب الصغرى ، واُمّ كلثوم الصغرى ، ورقية ، وفاطمة ، واُمامة ، وخديجة ، واُمّ الكرام ، واُمّ سلمة ، واُمّ جعفر ، وجمانة . وعدّ بنتا اُخرى لم يذكر اسمها ماتت صغيرة (1) . وذكروا أنّ فيهم محسنا شقيقا للحسن والحسين عليهماالسلام ذكرته الشيعة وانّه كان سقطا . فهؤلاء أولاده عليه وعليهم السلام (2) . والنسل منهم للحسن والحسين ومحمّد ابن الحنفية والعبّاس ابن الكلابية وعمر ابن التغلبية وهي الصهباء بنت ربيعة من السبي الّذين (3) أغار عليهم خالد بن الوليد بعين التمر وعمّر عمر هذا حتّى بلغ خمسا وثمانين سنة فحاز نصف ميراث عليّ عليه السلام وذلك أنّ جميع إخوته وأشقّائه _ وهم عبداللّه وجعفر وعثمان _ قُتلوا جميعهم قبله مع الحسين عليه السلام بالطف فورثهم (4) . وكان عند عليّ عليه السلام يوم قُتل أربع زوجات حرائر 5 في عقد نكاحه وهنّ : اُمامه

.


1- .سبق وأن ترجمنا لهنّ ، فراجع .
2- .تقدّمت تخريجاته .
3- .في (ب) : الّذي.
4- .في (أ) : حرير .

ص: 648

بنت أبي العاص بنت زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله تزوّجها بعد موت خالتها فاطمة البتول ، وليلى بنت مسعود التميمية ، وأسماء بنت عميس الخثعمية ، واُمّ البنين الكلابية ، واُمّهات أولاد عشر إماء (1) . هذا (2) بعض ما أوردناه من (3) مناقب أبي السبطين وفارس بدر واُحد وحُنين، زوج البتول وأبي الريحانتين قرارة القلب قرّة العينين سيف اللّه وحجّته وصراطه المستقيم ومحجّته ، فإيّ شرف ما افترع هضابه ؟ وأيّ معقل عزّ ما فتح بابه ؟ فأبناء عليّ عليه السلام لهم شرف ظاهر على بني الأنام ومناقب يرثوها كابر عن كابر وسجايا يهديها أوّل إلى آخر ، وقد ثبت لأمير المؤمنين من المفاخر المشهورة والمآثر المأثورة الّتي هي في صفحات جباه الأيّام مسطورة وفي الكتاب والسنّة مذكورة . ولبني فاطمة على إخوتهم من بني عليّ شرفٌ إذا عُدّت مراتب أهل الشرف ، ومكانة حصلوا منها في الرأس وإخوتهم في الطرف ، وجلالةٌ ادرعوا برودها ، ودرّة كرم ارتضعوا زودها ، ومجدٌ بلغ السماء ذات البروج ، ومحلّ علا توطّدوه ، فلم يطمع غيرهم في الإرتقاء إليه ولا العروج،إذ هم شاركوا بني أبيهم في شرف الآباء وانفردوا بشرف الاُمّهات،وقد أوضح اللّه تعالى ذلك بقوله : «وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَ_تٍ» (4) فجمعوا بين مجدين تالد وطريف ، وضمّوا إلى علامة تعريفهم علامة تشريف ، وعدّوا النبيّ صلى الله عليه و آله أبا وجدّا وارتدوا من نسب أبيهم بردا ومن قِبل اُمّهم بردا ، فأصبح كلٌّ منهم معلّم الطرفين ظاهر الشرفين برد أبويهم الشريفين كانا لذويهما ظريفين .

.


1- .تقدّمت الترجمه لهنّ . وفي بحار الأنوار : 42 / 92 نقل عن قوت القلوب انّه عليه السلام توفّي عن أربعة . . . وأضاف : ولم يتزوّجن بعده . . . وأضاف : وتوفّي عن ثمان عشرة اُمّ ولد . . . وأورد ذلك ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب : 2 / 76 و77 و267 و268 .
2- .في (ج ، د) : وهذا .
3- .في (أ) : في .
4- .الأنعام : 165 .

ص: 649

فصل : في ذكر البتول

فصل : في ذكر البتول (1)ولنذكر طرفا من مناقبها الّتي تشرّف هذا النسب من نسبها واكتسى فخرا ظاهرا من حسبها. وهي فاطمة الزهراء (2) بنت من اُنزل عليه «سُبْحَ_نَ الَّذِى أَسْرَى» 3

.


1- .سبق وأن أوضحنا معنى البتول والأحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلامفي الفصل الأوّل ، فلاحظ .
2- .وردت أحاديث عديدة في تسميتها بفاطمة الزهراء كما روي عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلامكما في عيون أخبار الرضا : 2 / 46 قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إني سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ اللّه عزّوجلّ فطمها وفطم مَن أحبّها من النار . كما وردت روايات في علّة تسميتها بالزهراء منها ؛ ما روي عن جعفر بن محمّد بن عمارة عن أبيه قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن فاطمة ، لِمَ سمّيت بالزهراء؟ فقال : لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض . انظر معاني الأخبار : 64 ، علل الشرائع : 1 / 181 ، المحجة البيضاء : 4 / 212 الطبعة الثانية ، فضائل الخمسة من الصحاح الستة : 3 / 155 ، ذخائر العقبى : 26 ، كنز العمّال : 6 / 219 ، بحار الأنوار : 43 / 61 ، كشف الغمّة : 2 / 21 .

ص: 650

ثالثة الشمس والقمر 1 ،

.

ص: 651

بنت خير البشر الطاهرة 1 الميلاد ، السيّدة 2 بإجماع أهل السداد . قال الشيخ كمال الدين بن طلحة (1) : ولدت فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل

.


1- .هو كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي (ت 652 ه) صاحب كتاب مطالب السؤول في مناقب آل الرسول و كتاب زبدة المقال في فضائل الآل ، نسخة منه في مكتبة ولي الدين _ سليمانية _ برقم 574 ، واُخرى بمكتبة داماد إبراهيم باشا _ سليمانية _ برقم 303 .

ص: 652

النبوّة والمبعث بخمس سنين ، وقريش تبني البيت ، وتزوجّها عليّ بن أبي طالب عليه السلام في شهر رمضان المعظّم قدره من السنة الثانية من الهجرة 1 ،

.

ص: 653

ودخل (1) بها في ذي الحجّة من السنة المذكورة 2 . نقل 3 الشيخ أبو عليّ الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان (2) بسنده إلى

.


1- .في (ج) : وبنى .
2- .هو أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان القمّي من أجلاّء العلماء الإمامية الفقيه النبيه ابن أخت الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد قولويه القمّي رحمه الله له كتاب : إيضاح دقائق النواصب ومناقب أمير المؤمنين عليه السلام ومائة منقبة من طريق أهل السنة . قرأ عليه الشيخ الكراجكي بمكّة المعظمة في المسجد الحرام محاذي المستجار سنة (312ه) يروي عن والده أبي العباس أحمد بن عليّ صاحب كتاب «زاد المسافر» «والأمالي» . وكان أبو العبّاس أحمد سمع من محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ومحمّد بن عليّ بن تمام الدهقان ، وكان شيخ الشيعة في وقته كما نقل عن لسان الميزان . ولا يخفى أنّ مناقب ابن شاذان غير كتاب «فضائل بن جبرائيل القمّي» الّذي ينقل منه العلاّمة المجلسي . انظر الكنى والألقاب : 1 / 318 .

ص: 654

أنس (رض) قال : كنت عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فغشيه الوحي ، فلمّا أفاق قال لي : يا أنس ، أتدري ما جاءنى به جبرئيل عليه السلام من [عند] صاحب العرش جلّ وعلا؟ قلت : بأبي أنت واُمّي ما جاءك به جبرئيل؟ قال : قال لي : إنّ اللّه تبارك وتعالى يأمرك أن تزوّج فاطمة من عليٍّ عليه السلام ، فانطلِق فادع لي أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وبعدّتهم من الأنصار . قال : فانطلقت فدعوتهم [له] فلمّا أن أخذوا مجالسهم قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الحمد للّه المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع بسلطانه ، المرهوب (1) إليه من عذابه ، النافذ أمره في أرضه وسمائه ، الّذي خلق الخلق بقدرته ، وميَّزهم بأحكامه وأعزّهم بدينه ، وأكرمهم بنبيّه محمدّ صلى الله عليه و آله . ثمّ إنّ اللّه جعل المصاهرة نسبا لاحقا ، وأمرا مفترضا ، وحكما عدلاً ، وخيرا جامعا ، وشجَّ (2) بها الأرحام ، وألزمها الأنام فقال عزّ وجلّ : «وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا» (3) وأمرُ اللّه يجري إلى قضائه ، وقضاؤه يجري إلى قدره ، ولكلِّ قضاء قدر ، ولكلِّ قدر أجل ، ولكلِّ أجل كتاب «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_ب» (4) .

.


1- .وزاد كشف الغمّة : المرغوب إليه فيما عنده .
2- .في (ج) : وشبّح .
3- .سورة الفرقان (25) : 54
4- .سورة الرعد (13) : 39 .

ص: 655

ثمّ إنّ اللّه تعالى أمرني أن اُزوّج فاطمة من عليّ واُشهدكم أنّي قد زوّجت فاطمة من عليٍّ 1

.

ص: 656

على أربعمائة مثقال فضّة 1 إن رضي بذلك (1) على السنّة القائمة ، والفريضة الواجبة ، فجمع اللّه شملهما ، وبارك لهما ، وأطاب نسلهما ، مفاتيح الرحمة ، ومعادن الحكمة ،

.


1- .وكان عليّ عليه السلام غائبا قد بعثه رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حاجة لي .

ص: 657

واُمناء الاُمّة ، أقول قولي هذا وأستغفر اللّه لي ولكم 1 . ثمّ أمر لنا رسول اللّه بطبق فيه بسر (1) فوضعه (2) بين أيدينا (3) ثمّ قال : انهبوا (4) . فبينما نحن كذلك إذ أقبل عليٌّ عليه السلام فتبسّم إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ قال (5) : يا عليٌّ إنّ اللّه

.


1- .في (أ) : تمر .
2- .في (د) : فوضع .
3- .في (ج) : ثمّ .
4- .في (أ) : فقال انتهبوا . انظر الرياض النضرة : 2 / 183 ، ذخائر العقبى : 29 و31 ، الصواعق المحرقة : 16 ، وفي ط اُخرى : 84 عن شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان وقال : أخرجه ابن عساكر ، فضائل الخمسة : 2 / 133 ، المجالس السنيّة : 3 / 74 ، جواهر العقدين : 2 / 222 ، ينابيع المودّة : 2 / 61 ط اُسوة ، نظم درر السمطين : 184 ، المرقاة : 5 / 574 ، البحار : 43 / 112 ح24 عن ابن مردوية : 120 ح 29 عن كشف الغمّة بالإضافة إلى المصادر السابقة الّتي أوردناها في خطبته صلى الله عليه و آله .
5- .في (أ) : و قال .

ص: 658

أمرنى أن اُزوِّجك فاطمة ، وإنّي قد زوَّجتكها (1) على أربعمائة مثقال فضّه ، [أرضيت؟] فقال عليّ : رضيت يا رسول اللّه . ثمّ قام عليّ فخرَّ للّه ساجدا ، شكرا للّه تعالى ، فلمّا رفع رأسه قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله بارك اللّه لكما (2) ، وبارك عليكما ، وأسعد جدّكما ، وأخرج منكما الكثير الطيّب (3) . قال أنس : واللّه لقد خرج (4) منهما الكثير الطيّب (5) .

وعن أبي هريرة قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : [إن] أول شخص يدخل على الجنة فاطمة بنت محمّد (6) .

وروى باللفظ الصريح يرويه كلّ من النجّار ، ومسلم ، والترمذي ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال :كَمُلَّ من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد (7) .

.


1- .في (أ) : زوّجتكما .
2- .في (ب ، د) : جعل اللّه فيكما .
3- .انظر المصادر السابقة .
4- .في (ب) : أخرج .
5- .انظر المصادر السابقة . بالإضافة إلى أن صاحب جواهر العقدين : 2 / 222 وذخائر العقبى : 29 قالا : ... أخرجه أبو عليّ الحسن بن شاذان فيما نقله عنه الحافظ جمال الدين الزرندي في «نظم درر السمطين» وقد أورده المحبّ الطبري في ذخائره ، وأخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي .
6- .انظر ميزان الاعتدال للذهبي : 2 / 131 عن أبي هريرة ولكن بدون لفظ «إنّ» وانظر كنز العمّال : 6 / 219 وفيه «إن» وكذلك في فضائل الخمسة : 3 / 167 ، وقريب من هذا بلفظ : يا عليّ إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين ... كما جاء في ذخائر العقبى : 123 . وانظر جواهر العقدين : 2 / 218 ، الفضائل لأحمد : 2 / 624 / 1068 ، الصواعق المحرقة : 160 الفصل الأوّل ، الرياض النضرة : 2 / 209 ، مجمع الزوائد : 9 / 131 ، كنز العمّال : 12 / 98 / 34166 ، إحقاق الحقّ : 20 / 324 مرآة المؤمنين للعلاّمة المولوي اللكنهوي : 37 .
7- .النجار : 2 / 356 . مسلم : 1 / 958 روى هذا الحديث في تفسير ابن جرير : 3 / 180 عن أبي موسى الأشعري لكن بدون لفظ بنت عمران وبنت مزاحم بل اكتفى بذكر مريم وآسية» وذكره الزمخشري في الكشاف في تفسيره قوله تعالى «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَنَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا» التحريم : 12 ، وفتح الباري : 7 / 258 ذكره العسقلاني وقال : أخرجه الطبراني والثعلبي في تفسيره ، الترمذي في صحيحه : 2 / 306 .

ص: 659

. .

ص: 660

ومن كتاب العترة النبوية مرفوعا إلى قتادة عن أنس قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : خير نسائنا مريم ، وخير نسائنا فاطمة بنت محمّد ، وآسية امرأة فرعون 1 .

وبإسناده أيضا عن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال :حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد 2 .

.

ص: 661

وعنه أيضا قالت عائشة لفاطمة : ألا يسرّك انّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول :سيّدات نساء أهل الجنة أربع : مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت محمّد ، وخديجة بنت خويلد ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون (1) .

وعنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال :إذا كان يوم القيامة قيل يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتّى تمرّ فاطمة بنت محمّد ، فتمر وعليها ريطتان خضراوان وفي بعض الروايات حمراوان (2) .

.


1- .انظر معالم العترة : 59 ، وكشف الغمّة : 1 / 450 و453 ولكن بلفظ : «ألا اُبشّرك» بدل «ألا يسرّك» . ومثله في المستدرك : 3 / 158 ، وفي ذخائر العقبى : 44 عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أربع نسوة سيدات سادات عالمهن ، مريم بنت عمران ... .
2- .انظر والمصادر السابقة ومعالم العترة النبويه ورق 59 ، وقد روي بألفاظ فيها زيادة . ففي مستدرك الصحيحين : 3 / 153 روى بسنده عن عليّ عليه السلام قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول : إذا كان يوم القيامه نادى منادٍ من وراء الحجاب : يا أهل الجمع ... قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين . وفي : 3 / 161 منه زاد فيه : فتمر وعليها ريطتان خضراوان ... وقال : هذا حديث صحيح الإسناد . ورواه أيضا ابن الأثير في اُسد الغابة : 5 / 523 ، مجمع الزوائد : 9 / 212 ، ذخائر العقبى : 48 . وفي تاريخ بغداد : 8 / 141 روى بطريقين عن عائشة ولكن فيه لفظ : يا معشر الخلائق طأطئوا رؤوسكم حتّى تجوز فاطمة ... وفي ذخائر العقبى : 48 مثله وقال : خرّجه ابن بشران عن عائشة . وفي كنز العمّال : 6 / 218 وفيه ... نكّسوا رؤوسكم ... على الصراط ، فتمرّ مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمرّ البرق ... وكذلك في الصواعق : 113 و190 ب 11 فصل 3 ، وقريب منه في تفسير فرات : 171 ، مسند أحمد : 5 / 56 ، معالم الزلفى : 233 باب 102 ، عقاب الأعمال للشيخ الصدوق : 10 ، المناقب لابن شهرآشوب : 2 / 91 ، و : 3 / 326 و117 و107 ، المناقب لابن المغازلي : 355 / 404 ، كشف الغمّة : 2 / 13 : 1/ 457 ، ينابيع المودّة : 260 ط اسلامبول ، و : 2 / 88 و322 و478 ط اُسوة ، الجامع الصغير : 1 / 127 ح 822 ، كنز العمّال : 12 / 108 ح 34219 ، البحار : 53 / 220 _ 224 ح 4 و6 و11 و12 ، عيون أخبار الرضا : 2 / 31 / 55 و : 29 / 38 و : 8 / 21 ، صحيفة الرضا . 31 و22 ، مجالس المفيد : 84 .

ص: 662

ومن المسند للإمام أحمدبن حنبل عن حذيفه بن اليمان(رض) قال: سألتني اُمّي: متى عهدك بالنبيّ؟ فقلت منذ كذا وكذا [مالي به عهد] ذكرت مدّة طويلة فنالت منّي وسبّتني ، فقلت لها: دعيني فإنّي آتي النبيّ صلى الله عليه و آله [فاُصلّي ]معه المغرب ، ثمّ لا أدعه حتّى يستغفر لي ولك . قال : فأتيت النبيّ صلى الله عليه و آله فصلّيت معه المغرب والعشاء ، ثمّ انفتل صلى الله عليه و آله من صلاته فسبقته فعرض له عارض فناجاه ، ثمّ ذهب فسبقته فسمع مشي خلفه ، فقال : من هذا! فقلت: حذيفة؟ فقال : مالك؟ فحدّثته بحديث اُمّي ، فقال : غفر اللّه لاُمّك ولك . قال : أما رأيت الّذي عرض لي؟ فقلت : بلى يا رسول اللّه ، قال : هو ملَك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قطّ قبل هذه الليلة استأذن ربّه في أن يسلّم عليَّ ويبشّر أنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة،وأنّ فاطمة سيدة نساء العالمين (1) .

.


1- .انظر مسند أحمد : 5 / 391 ، و : 3 / 3 و62 و82 ، صحيح الترمذي : 2 / 306 ، و : 5 / 326 باب 110 ح 3870 باختلاف يسير في اللفظ مع زيادة أحيانا ، حلية الأولياء : 4 / 190 و5 / 71 ، اُسد الغابة : 5 / 574 ، كنز العمّال : 12 / 112 و6 / 217 و218 ، تاريخ دمشق : 7 / 102 ، بحار الأنوار : 43 / 36 ولكن بلفظ [حذيفه إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : أتاني ملك فبشرني أنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة أو نساء أمتي ... ]المناقب لابن شهرآشوب : 3 / 323 نحوه وانظر كنوز الحقائق : 36 ، ذخائر العقبى : 129 ، مودة القربى : 37 بلفظ [نزل ملك من السماء فاستأذن اللّه أن يسلّم عليّ فلم ينزل قبلها ، فبشّرنى عن اللّه عزّوجلّ : أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة] ونحوه في مقتل الحسين للخوارزمي : 31 ، الصواعق المحرقة : 191 ب 11 فصل 3 ولكن بلفظ [ ... ما رأيت العارض الّذي عرض لي قبل ذلك ، هو ملك من الملائكه لم يهبط إلى الأرض قط ... ]ونحوه في كشف الخفاء : 1 / 429 .

ص: 663

ومن المسند أيضا عائشة قالت : أقبلت فاطمة تمشي وكأنَّ مشيتها مشية رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال صلى الله عليه و آله : مرحبا بابنتي ، ثمّ أجلسها (1) عن يمينه وأسرَّ إليها (2) حديثا فبكت ، فقلت : استخصّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ تبكين . ثمّ أسرَّ إليها حديثا أيضا فضحكت ، فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ، فسألتها عمّا قيل لها (3) فقالت : ما كنت لأفشي سرَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى (4) قُبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسألتها قالت : [إنّه] أسرَّ إليَّ [فقال : إنّ ]جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كلِّ سنة (5) مرّة وإنّه عارضني به العام مرَّتين ولا أراني (6) إلاّ وقد (7) حضر أجلي ، وإنّكِ أوّل أهل بيتي لحوقا بي ، ونِعم السلف أنا لك ، فبكيت (8) لذلك ، فقال : «ألا ترضين (9) أن تكوني سيّدة نساء هذه الاُمة ، أو نساء المؤمنين؟ قالت : فضحكت لذلك 10 .

.


1- .في (ب) : فأجلسها .
2- .في (أ) : اليها .
3- .في (ج) : ذلك .
4- .في (ج) : إذا .
5- .في (أ) : عام .
6- .في (أ) : أراه .
7- .في (أ) : قد .
8- .في (ج) : ثمّ بكيت .
9- .في (أ) : ترضي .

ص: 664

وروي عن مجاهد (1) قال :خرج النبيّ صلى الله عليه و آله وهو آخذ بيد فاطمة فقال : من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد ، وهي بضعة منّي ، وهي قلبي وروحي الّتي (2) بين جنبيَّ ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني

.


1- .هو مجاهد بن جبر المكي أبو الحجاج المخزومي المتوفّى (104 ه) انظر تهذيب الكمال : 27 / 228 ، رقم : 5783 ، تهذيب التهذيب : 10 / 42 رقم (68) ، الجرح والتعديل : 8 / 319 ، رقم : 1469 ، تاريخ الإسلام للذهبي : 7 / 235 ، رقم : 221 .
2- .في (ب ، د) : الّذي .

ص: 665

فقد آذى اللّه 1 .

وروى الأصبغ بن نُباتة 2 عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا

.

ص: 666

كان يوم القيامة جمع اللّه الأوَّلين والآخرين في صعيد واحد ، ثمّ فينادى (1) منادٍ من بطنان العرش : إنّ الجليل جلّ جلاله يقول : نكّسوا وغضّوا أبصاركم ؛ فإنّ هذه فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله تريد أن تمرّ على الصراط . [وعن محمّد بن الحنفية قال : سمعت أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه يقول : دخلت يوما منزلي فإذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس والحسن رضى الله عنه عن يمينه ، والحسين رضى الله عنه عن يساره ، وفاطمة رضى الله عنه بين يديه وهو يقول : يا حسن! يا حسين! أنتما كفّتا الميزان ، وفاطمة لسانه ، ولا تعتدل الكفّتان إلاّ باللسان ، ولا يقوم اللسان إلاّ على الكفّتين ، أنتما الإمامان ، ولاُمّكما الشفاعة . ثمّ التفت إليّ وقال : يا أبا الحسن! أنت توفّي اُجورهم ، وتقسم الجنة بين أهلها يوم القيامة] (2) .

وعن أبي سعيد الخدري في حديثه عن النبيّ صلى الله عليه و آله انّه مرّ في السماء الرابعة قال :فرأيت لمريم ، ولاُمّ موسى ، ولآسية امرأة فرعون ، ولخديجة بنت خويلد ، قصورا من ياقوت ، ولفاطمة بنت محمّد سبعين قصرا مرجانا أحمر مكلّلاً باللؤلؤ ، وأبوابها وأسترتها من عود واحد (3) .

وهذا يسير من بعض مناقبها الّتي لاتستقصى ومفاخرها الّتي تجلّ عن الحصر والعدّ والاستقصاء (4) . قال الشيخ كمال الدين [بن] طلحة (5) : توفّيت فاطمة عليهاالسلام ليلة الثلاثاء لثلاث

.


1- .في (أ) : ثمّ ينادي .
2- .مابين المعقوفتين موجود في (ج) فقط . وسبق وأن تمّ استخراج الحديث بألفاظ فيها شيء من الزيادة ، فانظر المصادر السابقة بالإضافة إلى تفسير فرات : 171 المستدرك : 3 / 161 ، ذخائر العقبى : 48 ، مجالس الشيخ المفيد : 84 ، البحار : 43 / 224 / 11 .
3- .سبق وأن تمّ استخراج الحديث .
4- .إلى هنا الموجودة فقط في نسخة (أ) وقد أشرنا إلى بدايتها في الطبع الجديد ص4 تحت رقم (11) .
5- .تقدّمت ترجمته ، وانظر كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : 220 وكذلك زبدة المقال في فضائل الاْل مخطوط ورق 110 .

ص: 667

خلون من شهر رمضان المعظّم ، سنة إحدى عشرة من الهجرة 1 ، ودُفنت بالبقيع ليلاً 2 ،

.

ص: 668

وصلّى (1) عليها عليّ بن أبي طالب ، وكبّر عليها خمس تكبيرات ، وقيل : صلّى عليها العباس ، ونزل في حفرتها هو ، وعليّ ، والفضل بن العباس (رض) (2) . ومن كتاب الذرّية الطاهرة للدولابي قال : لبثت فاطمة بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثة أشهر ثمّ توفّيت 3 .

.


1- .انظر المصادر السابقة وعلل الشرائع : 185 / 1 ، والبحار : 43 / 206 / 34 ، وعيون المعجزات : 55، روضة الواعظين : 131 ، الطرف لابن طاووس : 41 طرفة 27 . وورد في المناقب : 3 / 137 ، والبحار : 43/182 انّه صلّى عليها أمير المؤمنين والحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار وبريدة، وفي رواية: العباس وابنه الفضل ، وفي رواية : وحذيفة بن مسعود . وفي المناقب أيضا : 138 انّه عليه السلام سوّى قبرها مع الأرض مستويا ، وقالوا سوَّى حواليها قبورا مزوَّرة مقدار سبعة _ وفي البحار : أربعة _ حتّى لا يعرف قبرها ، وروى انّه رشَّ أربعين قبرا حتّى لا يبيّن قبرها من غيره من القبور ، فيصلّوا عليها ... .
2- .راجع المصادر السابقة ، وكشف الغمّة : 1 / 363 ، والبحار : 43 / 189 / 19 ، كتاب سُليم بن قيس : 249 ، تاريخ الطبري 4 / 474 .

ص: 669

وقال عروة بن الزبير ، وعائشة : لبثت [فاطمة] ستة أشهر . ومثله عن الزهري ، وابن شهاب ، وهو الصحيح (1) . وقال ابن قتيبة في معارفه : لبثت فاطمة بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله مائة يوم (2) . وحكي أنّ العبّاس دخل على عليّ بن أبي طالب ، وفاطمة الزهراء عليهماالسلاموكلّ واحد منهما (3) يقول لصاحبه : أنا أسنّ منك (4) ، فقال العبّاس : ولدتَ يا عليّ قبل أن تبني (5) قريش البيت بسنوات ، وولدت فاطمة [ابنتي ]وقريش تبني البيت ورسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ ذاك ابن خمس وثلاثين سنة قبل النبوة بخمس سنين (6) . وعن عمرو بن دينار قال : إنّ فاطمة عليهاالسلام لم تضحك بعد موت النبيّ صلى الله عليه و آله

.


1- .انظر المصادر السابقة ، وكشف الغمّة : 1 / 363 ، والبحار : 43 / 188 / 19 .
2- .المعارف : 142 .
3- .في (ب ، د) : وأحدهما .
4- .في (ج) : أيّنا أكبر .
5- .في (ب ، ج) : بناء .
6- .تمّ استخراج ذلك سابقا . وانظر كشف الغمّة : 1 / 503 ، والبحار : 43 / 189 / 19 .

ص: 670

حتّى قُبضت (1) .

وعن عليّ عليه السلام قال :إنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله جاءت إلى قبر أبيها بعد موته صلى الله عليه و آله فوقفت عليه 2 وبكت ثمّ أخذت قبضة من تراب القبر فجعلتها على عينها ووجهها ،

.


1- .البحار : 43 / 201 وبلفظ «ما رؤيت ضاحكة» وانظر الكافي : 1 / 459 ولكن بلفظ «لم تَر كاشرة ولاضاحكة ...» المناقب لابن شهرآشوب : 3 / 119 بزيادة على ما في البحار « ... قط منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى توفيت» .

ص: 671

وأنشأت تقول 1 : ماذا على من شمّ تربة أحمد أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا صُبّت عليَّ مصائبٌ لو أنها صُبّت على الأيّام صرن (1) لياليا (2) ولفاطمة عليهاالسلام ترثى النبيّ صلى الله عليه و آله (3) اغبّر آفاق السماء (4) فكوّرت (5) شمس النهار وأظلم العصران والأرض من بعد النبيّ كئيبة (6) أسفا عليه كثيرة الأحزان فليبكه شرق البلاد (7) وغربها وليبكه مضرٌ وكلّ يَمان وليبكه الطودُ الأشمّ وجوه والبيت والأستار والأركان يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه صلّى عليك مُنزل القرآن

.


1- .في (أ) : عدْنَ .
2- .في (ب) : ليلا .
3- .انظر مودة القربى : 38 _ 40 ، ينابيع المودّة : 2 / 340 ط اُسوة . بالإضافة إلى المصادر السابقة .
4- .في (ب ، ج) : البلاد .
5- .في (ج) : وكوّرت .
6- .في (ب) : حزينة .
7- .في (أ) : العباد .

ص: 672

. .

ص: 673

وروي أنّ عليا لمّا ماتت فاطمة وفرغ من جهازها ودفنها ، رجع إلى البيت فاستوحش فيه وجزع عليها جزعا شديدا ، ثمّ أنشأ يقول (1) : أرَى عِلَلَ الدنيَا عليَّ كثيرةً وَصَاحبُها حتّى المماتِ عَليلُ لكلِّ اجتماعٍ مِنْ خليلينِ فرقةٌ وكلّ الّذي دون الفراق قليلُ (2) وإنّ افتقادي فاطما بعد أحمدٍ دَليلٌ على أنْ لايدُومَ خَليلُ

وروى جعفر بن محمّد عليه السلام قال :لمّا ماتت فاطمة عليهاالسلام كان عليّ عليه السلام يزور قبرها في كلّ يوم . قال : وأقبل ذات يوم فانكبّ على القبرِ بكى وأنشأ يقول (3) : مالي مررت (4) على القبور مسلّما قبر الحبيبِ فَلَم يَرُدَّ جَوابِي يا قبر (5) مالك لا تجيب (6) مناديا (7) أمللت (8) بعدى خُلّةَ الاحْبَابِ

.


1- .انظر أمالي الشيخ الصدوق : 397 / 7 والبحار : 43 / 207 / 35 و180 / 15 و184 و213 / 44 ، روضة الواعظين : 132 ، كشف الغمّة : 149 والمناقب للخوارزمي : 1 / 84 ، مستدرك الحاكم : 3 / 163 والمناقب لابن شهرآشوب : 2 / 118 و3 / 139 ، أمالي الشيخ الطوسي : 2 / 15 ، الكافي : 285 / 11 ، روائع الحكم في أشعار الإمام عليّ عليه السلام الديوان : 92 ، فرائد السمطين : 2 / 88 ، مروج الذهب : 2 / 298 ، دعوة الحسينية : 65 ، مستدرك الحاكم 3 : كتاب معرفة الصحابه عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال «فاطمة الزهراء» : 262 و279 و294 .
2- .وروي عجز البيت الثاني في بعض النسخ والمصادر السابقة هكذا « ... وإن بقائي بعدكم لقليل» . وروي صدر البيت الثالث هكذا «وان افتقادي واحدا بعد واحدٍ ...».
3- .انظر المصادر السابقة مع اختلاف يسير في اللفظ كالبحار : 43 / 216 ح 48 ، روائع الحِكم «الديوان» : 95.
4- .في (ب) : وقفت .
5- .في (ب ، د) : أحبيب .
6- .في (ب ، د) : تردّ .
7- .في (ب ، د) : جوابنا .
8- .في (ب ، د) : أنسيت .

ص: 674

فأجابه هاتف يسمع صوته ، ولا يرى شخصه وهو يقول : قل للحبيب (1) فكيف (2) لي بجوابكم وأنا رهين جنادل وتراب أكل التراب محاسني (3) فنسيتكم (4) وحجبت عن أهلي وعن أترابى فعليكم منّي السلام تقطّعت منّي (5) ومنكم خلّة الأحباب (6) قال (7) الحافظ أبو محمّد عبدالعزيز بن أخضر الجنابذي الحنبلي في كتابه «معالم العترة النبوية ومعارف الأئمة أهل البيت الفاطمية» قال : اُمّ الأئمة 8

.


1- .في (أ) : قال الجيب .
2- .في (د) : وكيف .
3- .في (ب ، ج) : جوانحي .
4- .في (ج) : ونسيتكم .
5- .في (ب) : عنّي وعنكم
6- .في (أ) : الأسباب .
7- .في (ب) : ونقل .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.