سرشناسه : محمدي ري شهري، محمد، 1325 -
عنوان و نام پديدآور : موسوعه الامام علي بن ابي طالب في الكتاب و السنه و التاريخ/ محمد الري شهري، بمساعده محمدكاظم طباطبائي، محمود طباطبائي نژاد؛ مراجعه النهايه حيدر المسجدي، مجتبي الغيوري.
مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحديث العلميه والثقافيه، مركز للطباعه والنشر، 1421ق.= 1379.
مشخصات ظاهري : 8 ج.
فروست : مركز بحوث دا رالحديث؛ 16.
شابك : 300000 ريال: دوره 964-493-216-1 : ؛ ج.1 964-493-217-X : ؛ ج.2 964-493-218-8 : ؛ ج. 3، چاپ دوم 964-493-219-6 : ؛ ج.4 964-493-220-X : ؛ ج. 6، چاپ دوم 964-493-222-6 : ؛ ج.7، چاپ دوم 964-493-223-4 : ؛ 22000ريال: ج.12 964-5985-89-7 :
يادداشت : عربي.
يادداشت : فهرستنويسي بر اساس جلد دوم: 1427ق. = 1385.
يادداشت : چاپ دوم.
يادداشت : ج.1، 3، 4، 6 و 7 (چاپ دوم: 1427ق. = 1385).
يادداشت : ج.4 (چاپ؟: 1427ق.= 1385).
يادداشت : ج.12(چاپ اول: 1421ق.=1379).
يادداشت : كتابنامه.
موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت
موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- اصحاب
موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- فضايل
شناسه افزوده : طباطبائي، سيدمحمدكاظم، 1344 -
شناسه افزوده : طباطبايي، محمود، 1239 - 1319ق.
شناسه افزوده : مسجدي، حيدر
شناسه افزوده : غيوري،سيد مجتبي، 1350 -
رده بندي كنگره : BP37/م36م8 1379
رده بندي ديويي : 297/951
شماره كتابشناسي ملي : 1670645
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
القسم الرابع عشر : حبّ الإمام عليوفيه فصول :الفصل الأوّل : تأكيد حبّهالفصل الثاني : بركات حبّهالفصل الثالث : خصائص محبّيهالفصل الرابع : محبوبيّته عند اللّه ورسوله وملائكتهالفصل الخامس : التحذير من الغلوّ في حبّه
ص: 8
ص: 9
المدخلالحبّ عنوان قيّم ومتأ لّق في سماء الثقافة الإسلاميّة . وقد أكّدت التعاليم الدينيّة على المحبّة أيّما تأكيد . وجاءت جملة «هَلِ الدّينُ الَا الحُبُّ ؟» لتبلغ بالحبّ مكانة عليّة . ولكن ما معنى الحبّ ؟ ومن الَّذي ينبغي حبّه ؟هذَا السؤال وما شابهه من الأسئلة الاُخرى أجابت عنها التعاليم الدينيّة على نحو مستفيض ، ولكن لا مجال لذكره في هذَا المدخل (1) . بيد أ نّنا نؤكّد هنا على أنّ حبّ الجمال وحبّ الوجوه الطافحة بالصلاح والكرامة والمروءة أمر فطريّ ، ولا يتسنّى القول بأنّ من يبقى على فطرته النقيّة ولا تتدنّس توجّهاته السليمة بلوث الانحراف ؛ لا يميل _ تلقائيّاً _ إلى حبّ كلّ ما هو جميل ونبيل وكريم ، ولا تتوق نفسه إلى المعالي والمكارم . لقد أوصى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحبّ عليّ عليه السلام واعتبر محبّة «آل اللّه » من الإيمان . وهل كلّ هذَا إلّا استلهام للواقع ، وإرشاد إلى الحقّ والحقيقة ، وإلى كلّ ما ينبثق من ذات الإنسان ؟ ! إنّ عليّاً زاخر بكلّ معاني الجمال ، وينبوع دافق يفيض بالفضائل والمكارم وجميع المحامد . وما هذَا الواقع الصادق إلّا تجسيد لتلك الحقيقة السامية الَّتي بعثت السرور في نفوس النّاس كلّهم بشتّى نحلهم ومشاربهم ومذاهبهم ، سواء
.
ص: 10
كانوا من الأصدقاء أم من الأعداء (1) . وهل «آل اللّه » أحد سواهم . . . بيد أنّ المجال لايتّسع هنا للإطناب في القول فيهم . ولكن نظراً إلى أهمّية الموضوع ، ونفاسة المطلب يبدو من غير اللائق طيّ صفحة الحديث بدون الإشارة إلى غيض من هذَا الفيض . وهكذا رأينا أنّ من الأجدر بنا أن نتحدّث بإيجاز عن لزوم حبّ عليّ عليه السلام وآل اللّه في ضوء آية من آيات الكتاب الكريم ، ثمّ نبحث باقتضاب في السرّ الكامن وراء التأكيد البالغ على حبّ عليّ وآل عليّ في ضوء آية كريمة ، ثمّ نلخّص الكلام في ضوء معطيات الأحاديث النبويّة ، وفي أعقاب ذلِكَ ندعو القارئ إلى التأمّل في الأحاديث . لقد أمر الباري سبحانه وتعالى رسوله الكريم في سورة الشورى _ الَّتي يتركّز محور موضوعاتها على الوحي وأبعاد رسالة الرسول صلى الله عليه و آله _ بأن يقول للناس : «قُل لَا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى» (2) . ياللعجب ! لقد أتى القرآن الكريم على ذكر شعار كلّ الأنبياء ؛ وأكّد أنّهم جميعاً كانوا يقولون : «وَ مَآ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَا عَلَى رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» (3) ولكنّ الرسول صلى الله عليه و آله أمر أن يُعلِن للناس بأنّ أجر رسالتي موّدة أقاربي . ولو وُضعت هذِهِ الآية الكريمة إلى جانب الآيات الاُخرى الَّتي تناولت هذَا الموضوع ، لاتّضحت لنا حقيقة محتواها . فقد جاء في آية اُخرى : «قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلَا عَلَى
.
ص: 11
اللَّهِ» (1) ، وجاء في آية اُخرى : «قُل لَا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَا ذِكْرَى لِلْعَ__لَمِينَ» (2) . وهذَا يفيد بأنّ ما اُريد من الاُمّة إنّما يصبّ في صالحها ، وإلّا فالكتاب الإلهي «ذكرٌ» للناس كافّة ولا أجر عليه . وجاء في آية اُخرى : «قُلْ مَآ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً» (3) وهو يفيد بأنّ لهذا الأجر علاقة مباشرة بالدعوة وقبولها ، ومعناه أنّ اختيار النّاس للأمر الَّذي أعرضه عليهم هو بمثابة الأجر بالنسبة لي ، وليس هناك من أجر بعده . وهكذا يتّضح لنا من هنا ، ومن خلال الاستنارة بمفاد الآيات الاُخر بأنّ هذِهِ المودّة تعود أيضاً إلى تلبية الدعوة ، والآية دالّة على أنّ هذَا الطلب تعود فائدته عليكم . أي هناك نفي قاطع للأجر تارة ، وتأكيد على أنّ الأجر على من يريد أن يتّخذ إلى ربّه سبيلاً تارة اُخرى ، ويأتي التصريح في ختام المطاف بأنَّ الأجر الَّذي يطلبه منهم تعود منفعته عليهم ، وفي النهاية إنّ أجري «مودّة أقاربي» . إذاً يتّصف «أجري» بالخصائص التالية : 1 _ إنّ منفعته لا تعود عليَّ أبداً . 2 _ إنّ منفعته تعود عليكم بأكملها . 3 _ إنّه ممّا يمهّد لكم السبيل إلى اللّه . وهكذا يتّضح بأنَّ «الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى» ، امتداد لنهج الرسالة ، واستمرار لخطّ الرسول صلى الله عليه و آله .
.
ص: 12
لقد بيّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله هذَا المعنى ، وكشف عن مصداقه على طريق إبلاغ الأهداف العامّة للدين . وعلى هذَا المنوال فقد حدّد فى ضوئه مستقبل زعامة الاُمّة الإسلاميّة ، وصرّح لمن سأله عمّن يكون اُولئك القربى ، قائلاً : «عليّ وفاطمة وابناهما» . ويتجلّى لنا من ذلِكَ بأنّ تفسير الرسول صلى الله عليه و آله لهذه الآية يأتي في السياق العامّ لإبلاغ الرسالة ، والتأكيد على امتداد طريق الرسالة ، مع الحرص على إنارة طريق الغد أمام الاُمّة الإسلاميّة . إنّ الروايات الكثيرة الَّتي تحدّثت عن مودّة آل محمد صلى الله عليه و آله ، وأوجبت محبّتهم واعتبرت الموت على محبّتهم شهادة في سبيل اللّه ، وعداوتهم نفاقاً ، وبغض عليّ عليه السلام نفاقاً ، إنّما جاءت لإيجاد تيّار يسير في خطّهم ، والوقاية من ظهور مناهض لهم ، ومُعادٍ _ مآلاً _ لتعاليم الدين ومعارف القرآن . ومع أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يرى امتداد نهجه متجسّداً في «آل اللّه » ، فقد ألقى عب ء حمل رسالته على كاهل أبرز مصداق ل_ «آل اللّه » وهو عليّ عليه السلام ، معتبراً أيّة مواجهة له مواجهة للرسول ؛ أي لايسوغ لمن كانت لديه فطرة سليمة وإيمان راسخ ، ويعرف الحقّ ويسير عليه ، أن يبغض عليّاً عليه السلام . أليس هو الرجل المعروف بكلّ معاني الجمال وحميد الخصال ومكارم الأخلاق والصفات ؟وهل توجد فطرة سليمة لا تحبّ الجمال وتأبى التغنّي بالملاحم في سبيل معاني الجمال ؟ ! وهل يمكن أن يكون الإنسان على الحقّ ولا يحبّ المثال الَّذي يتجسّد فيه الحقّ بعينه ؟ ! . . . «فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَا الضَّلَ_لُ» (1) . كيف يتواءم ارتداء ثياب الإيمان الجميلة ، وإيكال القلب إلى اللّه ، مع عدم حبّ علي عليه السلام بما يمثّله من ذوبان في اللّه ، وتجسيد لأسمى معاني حبّ اللّه وعبادته ، وما
.
ص: 13
يعكسه من أعلى درجات الإيمان ؟ وهذَا ما يحيط اللثام عن سرّ قوله عليه السلام : «لَو ضَرَبتُ خَيشومَ المُؤمِنِ بِسَيفي هذَا عَلى أن يُبغِضَني ما أبغَضَني ، ولَو صَبَبتُ الدُّنيا بِجَمّاتِها عَلَى المُنافِقِ عَلى أن يُحِبَّني ما أحَبَّني ، وذلِكَ أنَّهُ قُضِيَ فَانقَضى عَلى لِسانِ النَّبِيِّ الاُمِّيِّ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ : يا عَلِيُّ ، لا يُبِغضُكَ مُؤمِنٌ ولا يُحِبُّكَ مُنافِقٌ» (1) . وهنا مكمن السرّ الَّذي غرس حبَّ عليّ عليه السلام في قلوب مؤمنين صالحين طاهرين راسخ إيمانهم ، ونقيّة قلوبهم ، وجعل حبّه ثابتاً بين ثنايا أرواحهم ولايزول حَتّى في أقسى وأمرّ ظروف الحياة . فسطّروا بأقدام ثابتة أروع الملاحم ، وخلّدوا بدافق دمائهم معاني العزّة والمقاومة والإيمان بالحقّ وحبّ الحقّ على ناصية التاريخ ، من أمثال حُجر ، ورشيد ، وميثم ، وعمرو بن الحمق وغيرهم .
.
ص: 14
. .
ص: 15
الفصل الأوّل : تأكيد حبّه1 / 1حُبُّهُ حُبُّ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى عَهِدَ إلَيَّ عَهدا في عَلِيٍّ ، فَقُلتُ : يا رَبِّ بيِّنهُ لي ، فَقالَ : اِسمَع ، فَقُلتُ : سَمِعتُ ، فَقالَ : إنَّ عَلِيّا رايَةُ الهُدى ، وإمامُ أولِيائي ، ونورُ مَن أطاعَني ، وهُوَ الكَلِمَةُ الَّتي ألزَمتُهَا المُتَّقينَ ، مَن أحَبَّهُ أحَبَّني ومَن أبغَضَهُ أبغَضَني ، فَبَشِّرهُ بِذلِكَ (1) .
فضائل الصحابة عن ابن عبّاس :بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَقالَ : أنتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنيا وسَيّدٌ فِي الآخِرَةِ ، مَن أحَبَّكَ فَقَد أحَبَّني وحَبيبُكَ حَبيبُ اللّهِ ، وعَدُوُّكَ عَدُوّي وعَدُوّي عَدُوُّ اللّهِ ، الوَيلُ لِمَن أبغَضَكَ مِن بَعدي (2) .
.
ص: 16
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ عَلِيّا فَقَد أحَبَّني ومَن أحَبَّني فَقَد أحَبَّ اللّهَ ، ومَن أبغَضَ عَلِيّا فَقَد أبغَضَني ومَن أبغَضَني فَقَد أبغَضَ اللّهَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّهُ فَقَد أحَبَّ اللّهَ تَعالى ، ومَن أبغَضَهُ فَقَد أبغَضَ اللّهَ تَعالى (2) .
الأمالي للطوسي عن سلمان :لا أزالُ اُحِبُّ عَلِيّا عليه السلام ، فَإِنّي رَأَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَضرِبُ فَخِذَهُ ويَقولُ : مُحِبُّكَ لي مُحِبٌّ ومُحِبّي للّهِِ مُحِبٌّ ، ومُبغِضُكَ لي مُبغِضٌ ومُبغِضي للّهِِ تَعالى مُبغِضٌ (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :كُنتُ يَومَ بَدرٍ جالِسا وقَدِ انقَضَتِ الغَزاةُ ، فَهَبَطَ عَلَيَّ جَبرائيلُ عليه السلام فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ تَعالى يُقرِئُكَ السَّلامَ ويَقولُ لَكَ : إنّي آلَيتُ عَلى نَفسي بِنَفسي ألّا اُلهِمَ حُبَّ عَلِيٍّ إلّا مَن أحبَبتُهُ ، فَمَن أحبَبتُهُ ألهَمتُهُ ذلِكَ ، ومَن أبغَضتُهُ ألهَمتُهُ بُغضَهُ وعَداوَتَهُ (4) .
الأمالي للطوسي عن أنس بن مالك :لَقَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ يَقولُ : يا أنَسُ ، تُحِبُّ عَلِيّا ؟ قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، وَاللّهِ إنّي لَأُحِبُّهُ لِحُبِّكَ إيّاهُ . فَقالَ : أما إنَّكَ إن أحبَبتَهُ أحَبَّكَ اللّهُ ، وإن أبغَضتَهُ أبغَضَكَ اللّهُ ، وإن أبغَضَكَ اللّهُ أولَجَكَ فِي النّارِ (5) .
راجع : ص51 (اللّه ورسوله) .
.
ص: 17
1 / 2حُبُّهُ حُبُّ النَّبِيِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ عَلِيّا فَقَد أحَبَّني ، ومَن أبغَضَ عَلِيّا فَقَد أبغَضَني (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عليٍّ عليه السلام _: مَن أحَبَّهُ فَقَد أحَبَّني ومَن أحَبَّني فَقَد أحَبَّهُ اللّهُ ، ومَن أبغَضَهُ فَقَد أبغَضَني ومَن أبغَضَني فَقَد أبغَضَ اللّهَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ أقضى اُمَّتي بِكتابِ اللّهِ ، فَمَن أحَبَّني فَليُحِبَّهُ ؛ فَإِنَّ العَبدَ لا يَنالُ وَلايَتي إلّا بِحُبِّ عَلِيٍّ عليه السلام (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنَا وَلِيٌّ لِمَن والَيتَ ، وأنَا عَدُوٌّ لِمَن عادَيتَ . يا عَلِيُّ ، مَن أحَبَّكَ فَقَد أحَبَّني ، ومَن أبغَضَكَ فَقَد أبغَضَني (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :خُلِقتُ أنَا وعَلِيٌّ مِن نورٍ واحِدٍ ، فَمُحِبّي مُحِبُّ عَلِيٍّ ومُبغِضي مُبغِضُ عَلِيٍّ (5) .
.
ص: 18
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، كَذَبَ مَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِبُّني ويُبغِضُكَ (1) .
تاريخ دمشق عن جابر :دَخَلَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ونَحنُ فِي المَسجِدِ وهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عَلِيٍّ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله :أ لَستُم زَعَمتُم أنَّكُم تُحِبّوني ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : كَذَبَ مَن زَعَمَ أنّهُ يُحِبُّني ويُبغِضُ هذَا (2) .
الإمام الباقر عن آبائه عليهم السلام: جاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أكُلُّ مَن قالَ : «لا إلهَ إلَا اللّهُ» مُؤمِنٌ ؟ قالَ : إنَّ عَداوَتَنا تُلحِقُ (3) بِاليَهودِ وَالنَّصارى ، إنَّكُم لا تَدخُلونَ الجَنَّةَ حَتّى تُحِبّوني ، وكَذَبَ مَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِبُّني ويُبغِضُ هذَا . يَعني عَلِيّا عليه السلام (4) .
المناقب للخوارزمي عن أبي برزة :قالَ رَسولُ اللّهُ صلى الله عليه و آله _ ونَحنُ جُلوسٌ ذاتَ يَومٍ _ : وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، لا تَزولُ قَدَمُ عَبدٍ يَومَ القِيامَةِ حَتّى يَسأَلَهُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى عَن أربَعٍ :
.
ص: 19
عَن عُمرِهِ فيما أفناهُ ، وعَن جَسَدِهِ فيما أبلاهُ ، وعَن مالِهِ فيما كَسَبَهُ وفيما أنفَقَهُ ، وعَن حُبِّنا أهلَ البَيتِ . فَقالَ لَهُ عُمَرُ : فَما آيَةُ حُبِّكُم مِن بَعدِكُم ؟ قالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى رَأسِ عَلِيٍّ _ وهُوَ إلى جانِبِهِ _ وقالَ : إنَّ حُبّي مِن بَعدي حُبُّ هذَا (1) .
1 / 3حُبُّهُ فَريضَةٌرسول اللّه صلى الله عليه و آله :جاءَني جَبرَئيلُ مِن عِندِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ بِوَرَقَةِ آسٍ خَضراءَ مَكتوبٌ فيها بِبَياضٍ : إنّي افتَرَضتُ مَحَبَّةَ عَلِيٍّ بنِ أبي طالِبٍ عَلى خَلقي عامَّةً ، فَبَلِّغُهم ذلِكَ عَنّي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ جَبرَئيلَ هَبَطَ عَلَيَّ يَومَ الأَحزابِ وقالَ : إنَّ رَبَّكَ يُقرِئُكَ السَّلامَ ، ويَقولُ لَكَ : إنّي قَدِ افَتَرضتُ حُبَّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ومَوَدَّتَهُ عَلى أهلِ السَّماواتِ وأَهلِ الأَرضِ ، فَلَم أُعذِر في مَحَبَّتِهِ أحَدا ، فَمُر اُمَّتَكَ بِحُبِّهِ ، فَمَن أحَبَّهُ فَبِحُبّي وحُبِّكَ أحَبَّهُ ، ومَن أبغَضَهُ فَبِبُغضي وبُغضِكَ أبغَضَهُ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :أتاني جُبرَئيلُ فَقالَ : إنَّ اللّهَ يَأمُرُك أن تُحِبَّ عَلِيّا وأن تَأمُرَ بِحُبِّهِ ووَلايَتِهِ ، فَإِنّي مُعطٍ أحِبّاءَ عَلِيٍّ الجَنَّةَ خُلدا بِحُبِّهِم إيّاهُ ، ومُدخِلٌ أعداءَهُ والتّارِكينَ وَلايَتَهُ النّارَ جَزاءً بِعَداوَتِهِم إيّاهُ وتَركِهِم وَلايَتَهُ (4) .
.
ص: 20
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ جَبرَئيل نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ يَأمُرُكَ أن تُحِبَّ عَلِيّا وتُحِبَّ مَن يُحِبُّهُ ، فَإِنَّ اللّهَ تَعالى يُحِبُّ عَلِيّا (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أمَرَنِي اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِحُبِّ أربَعَةٍ وأَخبَرَني أنَّهُ يُحِبُّهُم ، إنَّكَ يا عَلِيُّ مِنهُم ، إنَّكَ يا عَلِيّ مِنهُم (2) .
المستدرك على الصحيحين عن بريدة :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ أمَرَني بِحُبِّ أربَعَةٍ مِن أصحابي وأَخبَرَني أنَّهُ يُحِبُّهُم . قالَ : قُلنا : مَن هُم يارَسولَ اللّهِ ؟ وكُلُّنا نُحِبُّ أن نَكون مِنهُم . فَقالَ : ألا إنَّ عَلِيّا مِنهُم ، ثُمَّ سَكَتَ ، ثُمَّ قالَ : أما إنَّ عَلِيّا مِنهُم ، ثُمَّ سَكَتَ (3) .
سنن الترمذي عن بريدة :قالَ رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ أمَرَني بِحُبِّ أربَعَةٍ وأخبَرَني أنَّهُ يُحِبُّهُم . قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، سَمِّهِم لَنا . قالَ : عَلِيٌّ مِنهُم _ يَقولُ ذلِكَ ثَلاثا _ وأبو ذَرٍّ وَالمِقدادُ وسَلمانُ ، أمَرَني بِحُبِّهِم وأخَبرَني أنَّهُ يُحِبُّهُم (4) .
.
ص: 21
مسند الروياني عن بريدة :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اُمِرتُ بِحُبِّ أربَعَةٍ مِن أصحابي ، وأخبَرَنِي اللّهُ تَعالى أنَّهُ يُحِبُّهُم . قُلتُ : مَن هُم يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : فيهِم عَلِيٌّ . قالَ : ثُمَّ ذَكَرَ ذلِكَ مِنَ الغَدِ ، فَقُلتُ : مَن هُم ؟ قالَ : مِنهُم عَلِيٌّ . ثُمَّ ذَكَرَ اليَومَ الثّانِيَ ، فَقُلتُ : مَن هُم يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : مِنهُم عَلِيٌّ . قالَ : ثُمَّ ذَكَرَ اليَومَ الثّالِثَ ، فَقُلتُ : مَن هُم ؟ فَقالَ : مِنهُم عَلِيٌّ ، وأبو ذَرٍّ الغِفارِيُّ ، وسَلمانُ الفارِسِيُّ ، وَالمِقدادُ بنُ الأَسوَدِ الكِندِيُّ (1) .
تفسير فرات عن سليم بن قيس عن الإمام عليّ عليه السلام :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ في كَلامٍ لَهُ طَويلٍ : إنَّ اللّهَ أمَرَني بِحُبِّ أربَعَةٍ رِجالٍ مِن أصحابي وأَخَبَرني أنَّهُ يُحِبُّهمُ ، وأمَرَني أن اُحِبَّهُم ، وَالجَنَّةُ تَشتاقُ إلَيهِم . فَقيلَ : مَن هُم يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَقالَ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، ثُمَّ سَكَتَ . فَقالوا : مَن هُم يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَقالَ : عَلِيٌّ ، ثُمَّ سَكَتَ . فَقالوا : مَن هُم يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَقالَ : عَلِيٌّ وثَلاثَةٌ مَعَهُ ، وهُوَ إمامُهُم وقائِدُهُم ودَليلُهُم وهاديهِم ، لا يَنثَنونَ ، ولايَضِلّونَ ، ولا يَرجِعونَ ، ولا يَطولُ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَتَقسُوَ قُلوبُهُم : سَلمانُ وأبوذَرٍّ وَالمِقدادُ (2) .
الإمام الحسن عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا أنَسُ انطَلِق فَادعُ لي سَيِّدَ العَرَبِ _ يعني عَلِيّا _ فَقالَت عائِشَةُ :أ لَستَ سَيِّدَ العَرَبِ ؟ قالَ : أنَا سَيِّدُ وُلدِ آدَمَ ، وعَلِيٌّ سَيِّدُ العَرَبِ . فَلَمّا جاءَ عَلِيٌ عليه السلام أرسَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَى الأَنصارِ ، فَأَتَوهُ فَقالَ لَهُم : يا مَعشَرَ
.
ص: 22
الأَنصارِ ، أ لا أدُلُّكُم عَلى ما إن تَمَسَّكتُم بِهِ لَن تَضِلّوا بَعدَهُ ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : هذَا عَلِيٌّ فَأَحِبّوهُ بِحُبّي وكَرِّموهُ لِكَرامَتي ، فَإِنَّ جِبريلَ عليه السلام أمَرَني بِالَّذي قُلتُ لَكُم عَنِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلَيكُم بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ فَإِنَّهُ مَولاكُم فَأَحِبّوهُ ، وكَبيرُكُم فَاتَّبِعوهُ ، وعالِمُكُم فَأَكرِموهُ ، وقائِدُكُم إلَى الجَنَّةِ فَعَزِّزوهُ ، وإذا دَعاكُم فَأَجيبوهُ ، وإِذا أمَرَكُم فَأَطيعوهُ ، أحِبّوهُ بِحُبّي ، وأَكرِموهُ بِكَرامَتي ، ما قُلتُ لَكُم في عَلِيٍّ إلّا ما أمَرَني بِهِ رَبّي جَلَّت عَظَمَتُهُ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ أصحابي ، لا تَلوموني في حُبِّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَإِنَّما حُبّي عَلِيّا مِن أمرِ اللّهِ ، وَاللّهُ أمَرَني أن اُحِبَّ عَلِيّا واُدنيَهُ . يا عَليُّ ، مَن أحَبَّكَ فَقَد أحَبَّني ، ومَن أحَبَّني فَقَد أحَبَّ اللّهَ ، ومَن أحَبَّ اللّهَ أحَبَّهُ اللّهُ ، وكانَ حَقيقا عَلَى اللّهِ أن يُسكِنَ مُحِبّيهِ الجَنَّةَ . يا عَلِيُّ ، مَن أبَغَضَكَ فَقَد أبغَضَني ، ومَن أبغَضَني فَقَد أبغَضَ اللّهَ ، ومَن أبغَضَ اللّهَ أبغَضَهُ اللّهُ ولَعَنَهُ ، وكانَ حَقيقا عَلَى اللّهِ أن يوقِفَهُ يَومَ القِيامَةِ مَوقِفَ البُغَضاءِ ، ولا يُقبَلُ مِنهُ صَرفٌ ولا عَدلٌ ولا إجارَةٌ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إنَّكَ أمَرتَني بِحُبِّ عَلِيٍّ ، فَأَحِبَّ مَن يُحِبُّهُ وأبغِض مَن أبغَضَهُ (4) .
.
ص: 23
تاريخ دمشق عن أبي ذرّ :قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا تَزولُ قَدَما ابنِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ حَتّى يُسأَلَ عَن أربَعٍ : عَن عِلمِهِ ما عَمِلَ بِهِ ، وعَن مالِهِ مِمَّا اكتَسَبَهُ ، وفيما أنفَقَهُ ، وعَن حُبِّنا أهلَ البَيتِ . فَقيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ومَن هُم ؟ فَأَومَأَ بِيَدِهِ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (1) .
1 / 4حُبُّهُ عِبادَةٌرسول اللّه صلى الله عليه و آله :حُبُّ عَلِيٍّ عِبادَةٌ ، ولا يَقبَلُ اللّهُ إيمانَ عَبدٍ إلّا بِوَلايَتِهِ وَالبَراءَةِ مِن أعدائِهِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :وَلايَةُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وَلايَةُ اللّهِ ، وحُبُّهُ عِبادَةُ اللّهِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ بابُ عِلمي ، ومُبَيِّنٌ لِاُمَّتي ما اُرسِلتُ بِهِ مِن بَعدي ، حُبُّهُ إيمانٌ ، وبُغضُهُ نِفاقٌ ، وَالنَّظَرُ إلَيه رَأفَةٌ ، ومَوَدَّتُهُ عِبادَةٌ (4) .
الإمام الصادق عليه السلام :حُبُّ عَلِيٍّ عِبادَةٌ (5) .
1 / 5حُبُّهُ نِعمَةٌرسول اللّه صلى الله عليه و آله :حُبُّ عَلِيٍّ نِعمَةٌ ، وَاتِّباعُهُ فَضيلَةٌ (6) .
.
ص: 24
1 / 6حُبُّهُ العُروَةُ الوُثقىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ أن يَتَمَسَّكَ بِالعُروَةِ الوُثقى فَليَتَمَسَّك بِحُبِّ عَلِيٍّ وأهلِ بَيتي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ أن يَتَمَسَّكَ بِالعُروَةِ الوُثقى الَّتي لا انفِصامَ لَها فَليَتَمَسَّك بِوَلايَةِ أخي ووَصِيّي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَإِنَّهُ لا يَهلِكُ مَن أحَبَّهُ وتَوَلّاهُ ، ولا يَنجو مَن أبغَضَهُ وعاداهُ (2) .
1 / 7حُبُّهُ أفضَلُ الأَعمالِالمناقب للخوارزمي عن أبي علقمة_ مَولى بَني هاشِمٍ _: صَلّى بِنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الصِّبحَ ، ثُمَّ التَفَتَ إلَينا فَقالَ : مَعاشِرَ أصحابي ، رَأَيتُ البارِحَةَ عَمّي حَمزَةَ بنَ عَبدِ المُطَّلِبِ وأخي جَعفَرَ بنَ أبي طالِبٍ ، وبَينَ أيديهِما طَبَقٌ مِن نَبِق (3) فَأَكَلا ساعَةٍ ، ثُمَّ تَحَوَّلَ النَّبِقُ عِنَبا فَأَكلا مِنهُ ، فَتَحَوَّلَ العِنَبُ رُطَبا فَأَكَلا ساعَةً ، فَدَنَوتُ مِنهُما فَقُلتُ : بِأَبي أنتُما ، أيُّ الأَعمالِ وَجَدتُما أفضَلَ ؟ قالا : فَدَيناكَ بِالآباءِ وَالاُمَّهاتِ ، وجَدنا أفضَلَ الأَعمالِ : الصَّلاةَ عَلَيكَ ، وسَقيَ الماءِ ، وحُبَّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه (4) .
.
ص: 25
1 / 8حُبُّهُ عُنوانُ صَحيفَةِ المُؤمِنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عُنوانُ صَحيفَةِ المُؤمِنِ حُبُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (1) .
تاريخ بغداد عن أنس بن مالك :وَاللّهِ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، لَسَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : عُنوانُ صَحيفَةِ المُؤمِنِ حُبُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (2) .
الفضائل عن أنس بن مالك :سَمِعَت اُذنايَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ في حَقِّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام : عُنوانُ صَحيفَةِ المُؤمِنِ يَومَ القِيامَةِ حُبُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام (3) .
.
ص: 26
. .
ص: 27
الفصل الثاني : بركات حبّه2 / 1الاِهتِداءُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ عَلِيّا فَقَدِ اهتَدى ، ومَن أبغَضَهُ فَقَدِ اعتَدى (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ عَلِيّا كانَ رَشيدا مُصيبا ، ومَن أبغَضَهُ لَم يَنَل مِنَ الخَيرِ نَصيبا (2) .
راجع : ج1 ص491 (أحاديث الهداية) . وج4 ص380 (الهادي) .
2 / 2الأَمنُ والإيمانُالمعجم الكبير عن ابن عمر :بَينَما أنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في ظِلٍّ بِالمَدينَةِ وهُوَ يَطلُبُ عَلِيّا رضى الله عنهإذِ انتَهَينا إلى حائِطٍ ، فَنَظَرنا فيهِ فَنَظَرَ إلى عَلِيٍّ وهُوَ نائِمٌ فِي الأَرضِ وقَدِ اغبَرَّ ، فَقالَ : لا ألومُ النّاسَ يُكَنّونَكَ أبا تُرابٍ .
.
ص: 28
فَلَقَد رَأيتُ عَلِيّا تَغَيَّرَ وَجهُهُ وَاشتَدَّ ذلِكَ عَلَيهِ . فَقالَ : أ لا اُرضيكَ يا عَلِيُّ ؟ قالَ : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : أنتَ أخي ووَزيري ، تَقضي دَيني ، وتُنجِزُ مَوعِدي ، وتُبرِئُ ذِمَّتي . فَمَن أحَبَّكَ في حَياةٍ مِنّي فَقَد قَضى نَحبَهُ ، ومَن أحَبَّكَ في حَياةٍ مِنكَ بَعدي خَتَمَ اللّهُ لَهُ بِالأَمنِ وَالإيمانِ ، ومَن أحَبَّكَ بَعدي ولَم يَرَكَ خَتَمَ اللّهُ لَهُ بِالأَمنِ وَالإيمانِ وآمَنَهُ يَومَ الفَزَعِ الأَكبَرِ ، ومَن ماتَ وهُوَ يُبغِضُكَ يا عَلِيُّ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً يُحاسِبُهُ اللّهُ بِما عَمِلَ فِي الإِسلامِ (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ عَلِيّا في حَياتِهِ وبَعدَ مَوتِهِ كَتَبَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ لَهُ الأَمنَ وَالإيمانَ ما طَلَعَت شَمسٌ أو غَرَبَت ، ومَن أبغَضَهُ في حَياتِهِ وبَعدَ مَوتِهِ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً وحوسِبَ بِما عَمِلَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: ألا مَن أحَبَّكَ حَفَّ بِالأَمنِ وَالإيمانِ ، ومَن أبغَضَكَ أماتَهُ اللّهُ ميتَةَ الجاهِلِيَّةِ ، وحوسِبَ بِعَمَلِهِ فِي الإِسلامِ (3) .
الأمالي للطوسي عن أبي ذرّ :رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله آخِذا بِيَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ لَهُ : يا عَلِيُّ . . . مَن ماتَ وهُوَ يُحِبُّكَ خَتَمَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ لَهُ بِالأَمنِ وَالإيمانِ ، ومَن ماتَ وهُوَ
.
ص: 29
يُبغِضُكَ لَم يَكنُ لَهُ فِي الإِسلامِ نَصيبٌ (1) .
راجع : ص98 (موت الجاهليّة) .
2 / 3كَمالُ الإيمانِ وَالعَمَلِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا أبَا الحَسَنِ ، مَثلُكَ في اُمَّتي مَثَلُ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» (2) ، فَمَن قَرَأَها مَرَّةً فَقَد قَرأَ ثُلُثَ القُرآنِ ، ومَن قَرَأَها مَرَّتين فَقَد قَرَأَ ثُلُثَيِ القُرآنِ ، ومَن قَرَأَها ثَلاثا فَقَد خَتَمَ القُرآنَ ؛ فَمَن أحَبَّكَ بِلِسانِهِ فَقَد كَمَلَ لَهُ ثُلُثُ الإيمانِ ، ومَن أحَبَّكَ بِلِسانِهِ وقَلبِهِ فَقَد كَمَلَ لَهُ ثُلُثا الإيمانِ ، ومَن أحَبَّكَ بِلِسانِهِ وقَلبِهِ ونَصَرَكَ بِيَدِهِ فَقَدِ استَكمَلَ الإيمانَ . وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ يا عَلِيُّ لَو أحَبَّكَ أهلُ الأَرضِ كَمَحَبَّةِ أهلِ السَّماءِ لَكَ لَما عُذِّبَ أحَدٌ بِالنّارِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّما مَثَلُكَ مَثَلُ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» ، فَإِنَّهُ مَن قَرَأَها مَرَّةً فَكَأَنَّما قَرَأ ثُلُثَ القُرآنِ ، ومَن قَرَأَها مَرَّتَيِن فَكَأَنَّما قَرَأَ ثُلُثَيِ القُرآنِ ، ومَن قَرَأَها ثَلاثَ مَرّاتٍ فَكَأَنَّما قَرَأَ القُرآنَ ؛ وكَذلِكَ مَن أحَبَّكَ بِقَلبِهِ كانَ لَهُ مِثلُ ثُلُثِ ثَوابِ أعمالِ العِبادِ ، ومَن أحَبَّكَ بِقَلبِهِ ونَصَرَكَ بِلِسانِهِ كانَ لَهُ مِثلُ ثُلُثَي أعمالِ العِبادِ ، ومَن أحَبَّكَ بِقَلبِهِ ونَصَرَكَ بِلِسانِهِ ويَدِهِ كانَ لَهُ مِثلُ ثَوابِ أعمالِ العِبادِ (4) .
.
ص: 30
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ عَلِيّا بِقَلبِهِ آتاهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ مِثلَ ثُلُثِ ثَوابِ هذِهِ الاُمَّةِ ، ومَن أحَبَّهُ بِقَلبِهِ وأظهَرَ ذلِكَ بِلِسانِهِ وأَعانَهُ بِيَدِهِ أعطاهُ اللّهُ تَعالى يَومَ القِيامَةِ مِثلَ ثَوابِ هذِهِ الاُمَّةِ كامِلاً (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنّي لَأَرجو لِاُمَّتي في حُبِّ عَلِيٍّ كَما أرجو في قَولِ «لا إلهَ إلَا اللّهُ» (2) .
2 / 4إجابَةُ الدُّعاءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ عَلِيّا قَبِلَ اللّهُ مِنهُ صَلاتَهُ وصِيامَهُ وقِيامَهُ ، وَاستَجابَ دُعاءَهُ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا أباذَرٍّ ، حِبَّ عَلِيّا مُخلِصا ، فَما مِنِ امرِئٍ أحَبَّ عَلِيّا مُخلِصا وسَأَلَ اللّهَ تَعالى شَيئا إلّا أعطاهُ ، ولا دَعا اللّهَ إلّا لَبّاهُ (4) .
2 / 5قَبولُ الأَعمالِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، وَاللّهِ لَو أنَّ رَجُلاً صَلّى وصامَ حَتّى يَصيرَ كَالشِّنِّ البالي ، إذا ما
.
ص: 31
نَفَعَ صَلاتُهُ وصَومُهُ إلّا بِحُبِّكُم (1) .
بشارة المصطفى عن ابن عبّاس :قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أوصِني . فَقالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، عَلَيكَ بِحُبِّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أوصِني . قالَ : عَلَيكَ بِمَوَدَّةِ عَلِيّ بنِ أبي طالِبٍ ، وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ نَبِيّا لا يَقبَلُ اللّهُ مِن عَبدٍ حَسَنَةً حَتّى يَسأَلَهُ عَن حُبِّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النّاسُ ، مَن أرادَ أن يُطفِئَ غَضَبَ اللّهِ ، ومَن أرادَ أن يُقبَلَ عَمَلُهُ ، فَليُحِبَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، فَإِنَّ حُبَّهُ يَزيدُ الإيمانَ ، وإنَّ حُبَّهُ يُذيبُ السَّيِّئاتِ كَما تُذيبُ النّارُ الرَّصاصَ (3) .
2 / 6غُفرانُ الذُّنوبِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :حُبُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ يَأكُلُ السَّيِّئاتِ كَما تَأكُلُ النّارُ الحَطَبَ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :حُبُّ عَلِيٍّ يَأكُلُ الذُّنوبَ كَما تَأكُلُ النّارُ الحَطَبَ (5) .
.
ص: 32
كنز الفوائد عن سهل بن سعيد :بَينا أبوذَرٍّ قاعِدٌ مَعَ جَماعَةٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وكُنتُ يَومَئِذٍ فيهِم ، إذ طَلَعَ عَلَينا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَرَماهُ أبوذَرٍّ بَنَظرِهِ ، ثُمَّ أقبَلَ عَلَى القَومِ بِوَجهِهِ فَقالَ : مَن لَكُم بِرَجُلٍ ، مَحَبَّتُهُ تُساقِطُ الذُّنوبَ عَن مُحِبّيهِ كَما يُساقِطُ الرّيحُ العاصِفُ الهَشيمَ مِنَ الوَرَقِ عَنِ الشَّجَرِ ؟ ! سَمِعتُ نَبِيَّكُم صلى الله عليه و آله يَقولُ ذلِكَ لَهُ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :حُبُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ حَسَنَةٌ لا يَضُرُّ مَعَها سَيِّئَةٌ ، وبُغضُهُ سَيِّئَةٌ لا تَنفَعُ مَعَها حَسَنَةٌ 2 . (2)
2 / 7السُّرورُ عِندَ المَوتِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: حَسبُكَ ، ما لِمُحِبِّكَ حَسرَةٌ عِندَ مَوتِهِ ، ولا وَحشَةٌ في قَبرِهِ ،
.
ص: 33
ولا فَزَعٌ يَومَ القِيامَةِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيّ ، إخوانُكَ يَفرَحونَ في ثَلاثَةِ (2) مَواطِنَ : عِندَ خُروجِ أنفُسِهِم وأنَا شاهِدُهُم وأنتَ ، وعِندَ المُساءَلَةِ في قُبورِهِم ، وعِندَ العَرضِ الأَكبَرِ وعِندَ الصِّراطِ إذا سُئِلَ الخَلقُ عَن إيمانِهِم فَلَم يُجيبوا (3) .
الإمام الباقر عليه السلام :أنفَعُ ما يَكونُ حُبُّ عَلِيٍّ لَكُم إذا بَلَغَتِ النَّفسُ الحُلقومَ (4) .
2 / 8لِقاؤُهُ في أحَبِّ المَواطِنِرجال الكشّي عن الحارث الأعور :أتَيتُ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيّا عليه السلام ذاتَ لَيلَةٍ فَقالَ : يا أعورُ ما جاءَ بِكَ (5) ؟ قالَ : فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، جاءَ بي وَاللّهِ حُبُّكَ . قالَ : فَقالَ : أما إنّي سَاُحَدِّثُكَ لِشُكرِها : أما إنّهُ لا يَموتُ عَبدٌ يُحِبُّني فَتَخرُجُ نَفسُهُ حَتّى يَراني حَيثُ يُحِبُّ ، ولا يَموتُ عَبدٌ يُبغِضُني فَتَخرُجُ نَفسُهُ حَتّى يَراني حَيثُ يَكرَهُ (6) .
الأمالي للطوسي عن الحارث الهمداني :دَخَلتُ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ : ما جاءَ بِكَ ؟قالَ : فَقُلتُ : حُبّي لَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ : يا حارِثُ ،
.
ص: 34
أ تُحِبُّني ؟ فَقُلتُ : نَعَم وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ : أما لَو بَلَغَت نَفسُكَ الحُلقومَ رَأَيتَني حَيثُ تُحِبُّ ، ولَو رَأَيتَني وأَنَا أذودُ (1) الرِّجالَ عَنِ الحَوضِ ذَودَ غَريبَةِ الإِبِلِ لَرَأَيتَني حَيثُ تُحِبُّ ، ولَو رَأَيتَني وأنَا مارٌّ عَلَى الصِّراطِ بِلِواءِ الحَمدِ بَينَ يَدَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَرَأَيتَني حَيثُ تُحِبُّ (2) .
شرح نهج البلاغة عن أبي غسّان النهدي :دَخَلَ قَومٌ مِنَ الشّيعَةِ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فِي الرُّحبَةِ وهُوَ عَلى حَصيرٍ خَلَقٍ (3) ، فَقالَ : ما جاءَ بِكُم ؟ قالوا : حُبُّكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قالَ : أما إنَّهُ مَن أحَبَّني رَآني حَيثُ يُحِبُّ أن يَراني ، ومَن أبغَضَني رَآني حَيثُ يَكرَهُ أن يَراني (4) .
الكافي عن عبد الرحيم :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : حَدَّثَني صالِحُ بنُ ميثَمٍ عَن عَبايَةَ الأَسَدِيِّ أنّهُ سَمِع عَلِيّا عليه السلام يَقولُ : وَاللّهِ لا يُبغِضُني عَبدٌ أبَدا يَموتُ عَلى بُغضي إلّا رَآني عِندَ مَوتِهِ حَيثُ يَكرهُ ، ولا يُحِبُّني عَبدٌ أبَدا فَيَموتُ عَلى حُبّي إلّا رَآني عِندَ مَوتِهِ حَيثُ يُحِبُّ . فَقالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : نَعَم ، ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِاليَمينِ (5) .
الإمام الصادق عليه السلام :وَاللّهِ لا يَهلِكُ هالِكٌ عَلى حُبِّ عَلِيٍّ عليه السلام إلّا رَآهُ في أحَبِّ المَواطِنِ إلَيهِ ، وَاللّهِ لا يَهلِكُ هالِكٌ عَلى بُغضِ عَلِيٍّ عليه السلام إلّا رَآهُ في أبغَضِ المَواطِنِ إلَيهِ (6) .
الكافي عن محمّد بن حنظلة :قُلتُ لاِبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : جُعِلتُ فِداكَ ، حَديثٌ سَمِعتُهُ مِن
.
ص: 35
بَعضِ شيعَتِكَ ومَواليكَ يَرويهِ عَن أبيكَ ، قالَ : وماهُوَ ؟ قُلتُ : زَعَموا أنَّهُ كانَ يَقولُ : أغبَطُ ما يَكونُ امرُؤٌ بِما نَحنُ عَلَيهِ إذا كانَتِ النَّفسُ في هذِهِ ، فَقالَ : نَعَم ، إذا كانَ ذلِكَ أتاهُ نَبِيُّ اللّهِ وأتاهُ عَلِيٌّ وأتاهُ جَبرَئيلُ وأتاهُ مَلَكُ المَوتِ عليهم السلام ، فَيَقولُ ذلِكَ المَلَكُ لِعَليٍّ عليه السلام : يا عَلِيُّ ، إنَّ فُلانا كانَ مُواليا لَكَ ولاِهلِ بَيتِكَ ؟ ! فَيَقولُ : نَعَم ، كانَ يَتَوَلّانا ويتبرّأ مِن عَدُوِّنا ، فَيَقولُ ذلِكَ نَبِيُّ اللّهِ لِجَبرَئيلَ ، فَيَرفَعُ ذلِكَ جَبرَئيلُ إلَى اللّهِ عَزَّوجَلَّ (1) .
الكافي عن ابن أبي يعفور :كانَ خَطّابُ الجُهَنِيُّ خَليطا لَنا ، وكانَ شَديدَ النَّصبِ لِالِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام ، وكانَ يَصحَبُ نَجدَةَ الحَروريَّ (2) ، قالَ : فَدَخَلتُ عَلَيهِ أعودُهُ لِلخِلطَةِ (3) وَالتَّقِيَّةِ ، فَإِذا هُوَ مُغمىً عَلَيهِ في حَدِّ المَوتِ ، فَسَمِعتُهُ يَقولُ : مالي ولَكَ يا عَلِيُّ ! فَأَخبَرتُ بِذلِكَ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : رَآهُ ورَبِّ الكَعبَةِ ، رَآهُ ورَبِّ الكَعبَةِ (4) .
راجع : ج4 ص572 (المناقب المنثورة) .
2 / 9جَوازُ الصِّراطِتاريخ بغداد عن ابن عبّاس :قُلتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : يا رَسولَ اللّهِ ، لِلنّارِ جَوازٌ ؟ قالَ : نَعَم . قُلتُ : وما هُوَ ؟ قالَ : حُبُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (5) .
.
ص: 36
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ شَيءٍ جَوازٌ ، وجَوازٌ الصِّراطِ حُبُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ يَقعُدُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عَلَى الفِردَوسِ ؛ وهُوَ جَبَلٌ قَد عَلا عَلَى الجَنَّةِ ، وفَوقَهُ عَرشُ رَبِّ العالَمينَ ، ومِن سَفحِهِ تَتَفَجَّرُ أنهارُ الجَنَّةِ وتَتَفَرَّقُ فِي الجِنانِ ، وهُوَ جالِسٌ عَلى كُرسِيٍّ مِن نورٍ يَجري بَينَ يَدَيهِ التَّسنيمُ (2) ، لا يَجوزُ أحَدٌ الصِّراطَ إلّا ومَعَهُ بَراءَةٌ بِوَلايَتِهِ ووَلايَةِ أهلِ بَيتِهِ ، يُشرِفُ عَلَى الجَنَّةِ ، فَيُدخِلُ مُحِبّيهِ الجَنَّةَ ومُبِغضيهِ النّارَ (3) .
راجع : ج1 ص489 (مضار مخالفته ومفارقته) . وج4 ص489 (معه جواز الصراط) .
2 / 10الثَّباتُ عَلَى الصِّراطِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما ثَبَّتَ اللّهُ حُبَّ عَلِيٍّ في قَلبِ مُؤمِنٍ فَزَلَّت بِهِ قَدَمٌ ، إلّا ثَبَّتَ اللّهُ قَدَمَيهِ (4) يَومَ القِيامَةِ عَلَى الصِّراطِ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: ما ثَبَتَ حُبُّكَ في قَلبِ امرِئٍ مُؤمِنٍ فَزَلَّت بِهِ قَدَمُهُ عَلَى الصِّراطِ إلّا ثَبَتَ لَهُ قَدَمٌ حَتّى أدخَلَهُ اللّهُ بِحُبِّكَ الجَنَّةَ (6) .
.
ص: 37
الإمام الباقر عليه السلام :ما ثَبَّتَ اللّهُ تَعالى حُبَّ عَلِيٍّ عليه السلام في قَلبِ أحَدٍ فَزَلَّت لَهُ قَدَمٌ ، إلّا ثَبَتَت لَهُ قَدَمٌ اُخرى (1) .
2 / 11البَراءَةُ مِنَ النّارِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :حُبُّ عَلِيٍّ بَراءَةٌ مِنَ النّارِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :ألا ومَن أحَبَّ عَلِيّا وتَوَلّاهُ ، كَتَبَ اللّهُ لَهُ بَراءَةً مِنَ النّارِ وجَوازا عَلَى الصِّراطِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :لَوِ اجتَمَعَ النّاسُ عَلى حُبِّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ لَما خَلَقَ اللّهُ تَعالَى النّارَ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :أتاني جَبرَئيلُ مِن قِبَلِ رَبّي جَلَّ جَلالُهُ فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يُقرِئُكَ السَّلامَ ويَقولُ : بَشِّر أخاكَ عَلِيّا بِأَنّي لا اُعَذِّبُ مَن تَوَلّاهُ ، ولا أرحَمُ مَن عاداهُ (5) .
2 / 12دُخولُ الجَنَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ الجَنَّةَ لَتَشتاقُ لِأَحِبّاءِ عَلِيٍّ عليه السلام ، ويَشتَدُّ (6) ضَوؤُها لِأَحِبّاءِ عَلِيٍّ عليه السلام وهُم فِي الدُّنيا قَبلَ أن يَدخُلوها (7) .
.
ص: 38
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ أن يَستَمسِكَ بِالقَضيبِ الأَحمَرِ الَّذي غَرَسَهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ في جَنَّةِ عَدنٍ بِيَمينِهِ ، فَليَتَمَسَّك بِحُبِّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (1) .
المناقب لابن المغازلي عن أبي هريرة :صَلّى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله صَلاةَ الفَجرِ فَقالَ : أ تَدرونَ بِما هَبَطَ عَلَيَّ جِبريلُ ؟ قُلنا : اللّهُ أعلَمُ ! قالَ : هَبَطَ عَلَيَّ جِبريلُ فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ قَد غَرَسَ قَضيبا فِي الجَنَّةِ ؛ ثُلُثُهُ مِن ياقوتَةٍ حَمراءَ ، وثُلُثُهُ من زَبَرجَدَةٍ خَضراءَ ، وثُلُثُهُ مِن لُؤلُؤَةٍ رَطبَةٍ ، ضَرَبَ عَلَيهِ طاقاتٍ ، جَعَلَ بَينَ الطّاقاتِ غُرَفا (2) ، وجَعَلَ في كُلِّ غُرفَةٍ شَجَرَةً ، وجَعَلَ حَملَها الحورَ العينَ ، وأجرى عَلَيهِ عَينَ السَّلسَبيلِ . ثُمَّ أمسَكَ . فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، لِمَن ذلِكَ القَضيبُ ؟ قالَ : مَن أحَبَّ أن يَتَمَسَّكَ بِذلِكَ فَليَتَمَسَّكَ بِحُبِّ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ (3) .
المناقب لابن شهر آشوب عن عبد اللّه بن موسى :تَشاجَرَ رَجُلانِ فِي الإِمامَةِ ، فَتَراضَيا بِشَريكِ بنِ عَبدِ اللّهِ فَجاءا إلَيهِ ، فَقالَ شَريكٌ : حَدَّثَنِي الأَعمَشُ عَن شَقيقٍ عَن سَلَمَةَ عَن حُذَيفَةَ [ بنِ ] (4) اليَمانِ : قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ خَلَقَ عَلِيّا قَضيبا مِن الجَنَّةِ فَمَن تَمَسَّكَ بِهِ كانَ مِن أهلِ الجَنَّةِ .
.
ص: 39
فَاستَعظَمَ ذلِكَ الرَّجُلُ وقالَ : هذَا حَديثٌ ما سَمِعناهُ ! نَأتِي ابنَ دَرّاجٍ . فَأَتَياهُ فَأَخبَراهُ بِقِصَّتِهِما ، فَقالَ : أ تَعجَبانِ مِن هذَا ؟ ! حَدَّثنِي الأَعمَشُ عَن أبي هارونَ العَبدِيِّ عَن أبي سَعيدٍ الخُدرِيِّ قالَ : قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ خَلَقَ قَضيبا مِن نورٍ فَعَلَّقَهُ بِبُطنانِ عَرشِهِ ، لا يَنالُهُ إلّا عَلِيٌّ ومَن تَوَلّاهُ مِن شيعَتِهِ . فَقالَ الرَّجُلُ : هذِهِ اُختُ تِلكَ ! نَمضي إلى وَكيعٍ . فَمَضَيا إلَيهِ فَأَخبَراهُ بِالقِصَّةِ ، فَقالَ وَكيعٌ : أ تَعجَبانِ مِن هذَا ؟ !حَدَّثنِي الأَعمَشُ عَن أبي صالِحٍ عَن أبي سَعيدٍ الخُدرِيِّ قالَ : قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ أركانَ العَرشِ لا يَنالُها إلّا عَلِيٌّ ومَن تَوَلّاهُ مِن شيعَتِهِ . قالَ : فَاعتَرَفَ الرَّجُلُ بِوَلايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّ اللّهَ زَيَّنَكَ بِزينَةٍ لَم يُزَيِّنِ العِبادَ بِشَيءٍ أحَبَّ إلَى اللّهِ مِنها ، وهِيَ زينَةُ الأَبرارِ عِندَاللّهِ : الزُّهدُ فِي الدُّنيا ؛ فَجَعَلَكَ لا تَنالُ مِنَ الدُّنيا شَيئا ولا تَنالُ الدُّنيا مِنكَ شَيئا ، ووَهَبَ لَكَ حُبَّ المَساكينِ ، فَجَعَلَكَ تَرضى بِهِم أتباعا ويرَضَونَ بِكَ إماما ، فَطوبى لِمَن أحَبَّكَ وصَدَّقَ فيكَ ! فَهُم جيرانُكَ في دارِكَ ورُفَقاؤُكَ في جَنَّتِكَ ، وأمّا مَن أبغَضَكَ وكَذَبَ عَلَيكَ فَحَقٌّ عَلَى اللّهِ أن يوقِفَهُم يَومَ القِيامَةِ مَوقِفَ الكَذّابينَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :ياعَلِيُّ ، مُحِبّوكَ جيرانُ اللّهِ في دارِ الفِردَوسِ ، لايَتَأَسَّفونَ عَلى ما خَلَّفوا مِنَ الدُّنيا (3) .
.
ص: 40
عنه صلى الله عليه و آله :ما مِن عَبدٍ ولا أمَةٍ يَموتُ وفي قَلبِهِ مِثقالُ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ مِن حُبِّ عَلِيٍّ عليه السلام إلّا أدخَلَهُ اللّهُ الجَنَّةَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :قُل لِمَن أحَبَّ عَلِيّا : تَهَيَّأ لِدُخولِ الجَنَّةِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :حُبُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام شَجَرَةٌ أصلُها فِي الجَنَّةِ وأغصانُها فِي الدُّنيا ؛ فَمَن تَعَلَّقَ بِها فِي الدُّنيا أدخَلَهُ الجَنَّةَ ، وبُغضُهُ شَجَرَةٌ أصلُها فِي النّارِ وأغصانُها فِي الدُّنيا ؛ فَمَن تَعَلَّقَ بِها فِي الدُّنيا أدّاهُ إلَى النّارِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: حُبُّكَ إيمانٌ وبُغضُكَ نِفاقٌ ، وأوَّلُ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ مُحِبُّكَ ، وأوَّلُ مَن يَدخُلُ النّارَ مبُغِضُكَ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :كَذَبَ مَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِبُّني ويُبغِضُ عَلِيّا ، لايَجتَمِعُ حُبّي وحُبُّهُ إلّا في قَلبِ مُؤمِنٍ ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ أهلَ حُبّي وحُبِّكَ يا عَلِيُّ في أوَّلِ زُمرَةِ السّابِقينَ إلَى الجَنَّةِ ، وجَعَلَ أهلَ بُغضي وبُغضِكَ في أوَّلِ زُمرَةِ الضّالّينَ مِن اُمَّتي إلَى النّارِ (5) .
أعلام الدين عن أبي ذرّ :كُنتُ جالِسا عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فِي المَسجِدِ ، إذ أقبَلَ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَلَمّا رَآهُ مُقبِلاً قالَ : يا أبا ذَرٍّ ، مَن هذَا المُقِبلُ ؟ فَقُلتُ : عَلِيٌّ يا رَسولَ اللّهِ . فَقالَ : يا أبا ذَرٍّ ، أ تُحِبُّهُ ؟
.
ص: 41
فَقُلتُ : إي وَاللّهِ يا رَسولَ اللّهِ ، إنّي لَاُحِبُّهُ واُحِبُّ مَن يحُبُّهُ . فَقالَ : يا أبا ذَرٍّ ، حِبَّ عَلِيّا وحِبَّ مَن أحَبَّهُ ، فَإِنَّ الحِجابَ الَّذي بَينَ العَبدِ وبَينَ اللّهِ تَعالى حُبُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام . يا أبا ذَرٍّ ، حِبَّ عَلِيّا مُخلِصا ، فَما مِنِ امرِئٍ أحَبَّ عَلِيّا مُخلِصا وسَأَلَ اللّهَ تَعالى شَيئا إلّا أعطاهُ ، ولا دَعَا اللّهَ إلّا لَبّاهُ . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنّي لَأَجِدُ حُبَّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عَلى كَبِدي كَبارِدِ الماءِ ، أو كَعَسَلِ النَّحلِ ، أو كَآيَةٍ مِن كِتابِ اللّهِ أتلوها ، وهُوَ عِندي أحلى مِنَ العَسَلِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : نَحنُ الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ ، وَالعُروَةُ الوُثقى ، ومُحِبّونا وَرَقُها ، فَمَن أرادَ الدُّخولَ إلَى الجَنَّةِ فَليَستَمِسك بِغُصنٍ مِن أغصانِها (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَيُحِبُّني أقوامٌ يَدخُلونَ بِحُبِّي الجَنَّةَ ، ولَيُبغِضُني أقوامٌ يَدخُلونَ بِبُغضِيَ النّارَ (2) .
2 / 13مُجاوَرَةُ النَّبِيِّ فِي الجَنَّةِالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وحُسَينٍ فَقالَ : مَن أحَبَّني وأحَبَّ هذَيِن وأباهُما واُمَّهُما كانَ مَعي في دَرَجَتي يَومَ القِيامَةِ (3) .
المناقب للخوارزمي عن جابر بن عبد اللّه :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام : مَن أحَبَّكَ وتَوَلّاكَ أسكَنَهُ اللّهُ مَعَنا . ثُمَّ تَلا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّ_تٍ وَ نَهَرٍ * فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ
.
ص: 42
عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر » (1) . (2)
تفسير فرات عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أبشِر يا عَلِيُّ ، ما مِن عَبدٍ يُحِبُّكَ ويَنتَحِلُ مَوَدَّتَكَ إلّا بَعَثَهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ مَعَنا . ثُمَّ قَرأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله هذِهِ الآيَةَ «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّ_تٍ وَ نَهَرٍ * فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر» . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ عَلِيّا وأطاعَهُ في دارِ الدُّنيا ؛ وَرَدَ عَلَيَّ حَوضي غَدا وكانَ مَعي في دَرَجَتي فِي الجَنَّةِ ، ومَن أبغَضَ عَلِيّا في دارِ الدُّنيا وعَصاهُ ؛ لَم أرَهُ ولَم يَرَني يَومَ القِيامَةِ ، وَاختُلِجَ (4) دوني ، وأُخِذَ بِهِ ذاتَ الشِّمالِ إلَى النّارِ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ عَلِيّا كانَ مَعي في حَضيرَةِ القُدسِ (6) .
الإمام عليّ عليه السلام :مَن أحَبَّني كانَ مَعي ، أما إنَكَ لَو صُمتَ الدَّهرَ كُلَّهُ وقُمتَ اللَّيلَ كُلَّهُ ثُمَّ قُتِلتَ بَينَ الصَّفا وَالمَروَةِ _ أو قالَ : بَينَ الرُّكِن وَالمَقامِ _ لَما بَعَثَكَ اللّهُ إلّا مَعَ هَواكَ بالِغا ما بَلَغَ ؛ إن في جَنَّةٍ فَفي جَنَّةٍ وإن في نارٍ فَفي نارٍ (7) .
راجع : أهل البيت في الكتاب والسنّة : ص363 (المودّة) .
.
ص: 43
الفصل الثالث : خصائص محبّيه3 / 1طيبُ الوِلادَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: يا أيُّهَا النّاسُ ، امتَحِنوا أولادَكُم بِحُبِّهِ ؛ فَإِنَّ عَلِيّا لايَدعو إلى ضَلالَةٍ ، ولا يُبعِدُ عَن هُدى ، فَمَن أحَبَّهُ فَهُوَ مِنكُم ، ومَن أبغَضَهُ فَلَيسَ مِنكُم (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، لا يُحِبُّكَ إلّا مَن طابَت وِلادَتُهُ ، ولا يُبغِضُكَ إلّا مَن خَبُثَت وِلادَتُهُ ، ولا يُواليكَ إلّا مُؤمِنٌ ، ولا يُعاديكَ إلّا كافِرٌ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ عَلِيّا كانَ طاهِرَ الأَصلِ ، ومَن أبغَضَهُ نَدِمَ يَومَ الفَصلِ (3) .
راجع : ص103 (خبث الولادة) . أهل البيت في الكتاب والسنّة : ص403 (علامة طيب الولادة) .
.
ص: 44
3 / 2الإيمانُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: حُبُّهُ إيمانٌ ؛ وبُغضُهُ كُفرٌ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ عَزَّوجَلَّ : . . . ألا وقَد جَعَلتُ عَلِيّا عَلَما لِلنّاسِ ، فَمَن تَبِعَهُ كانَ هادِيا ، ومَن تَرَكَهُ كانَ ضالّاً ، لا يُحِبُّهُ إلّا مُؤمِنٌ ، ولا يُبغِضُهُ إلّا مُنافِقٌ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ حُبَّ عَلِيٍّ قُذِفَ في قُلوبِ المُؤمِنينَ ؛ فَلا يُحِبُّهُ إلّا مُؤمِنٌ ، ولايُبغِضُهُ إلّا مُنافِقٌ . وإنَّ حُبَّ الحَسَنِ وَالحُسَينِ قُذِفَ في قُلوبِ المُؤمِنينَ وَالمُنافِقينَ وَالكافِرينَ ؛ فَلا تَرى لَهُم ذامّا (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ أصحابي . . . إنَّ اللّهَ جَلَّ جَلالَهُ جَعَلَ عَلَيّا عَلَما بَينَ الإيمانِ وَالنِّفاقِ ، فَمَن أحَبَّهُ كانَ مُؤمِنا ، ومَن أبغَضَهُ كانَ مُنافِقا (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ . . . بِمَحَبَّتِكَ يُعرَفُ الأَبرارُ مِنَ الفُجّارِ ، ويُمَيَّزُ بَينَ الأَشرارِ وَالأَخيارِ ، وبَينَ المُؤمِنينَ وَالكُفّارِ (5) .
.
ص: 45
الإمام عليّ عليه السلام :يَشتَرِكُ في حُبِّ ابنَي فاطِمَةَ البَرُّ والفاجِرُ ، وأبَى اللّهُ أن يُحِبَّني إلّا مُؤمِنٌ (1) .
عنه عليه السلام :إنَّ ابنَي فاطِمَةَ يَشرَكُ في حُبِّهِمَا البَرُّ وَالفاجِرُ ، وإنّي كُتِبَ لي أن يُحِبَّني كُلُّ مُؤمِنٍ ، ويُبغِضَني كُلُّ مُنافِقٍ (2) .
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ جالِسا في مَلَأٍ مِن أصحابِهِ إذ قامَ فَزِعا ، فَاستَقبَلَ جَنازَةً عَلى أربَعَةِ رِجالٍ مِنَ الحَبَشِ ، فَقالَ : ضَعوهُ ! ثُمَّ كَشَفَ عَن وَجهِهِ فَقالَ : أيُّكُم يَعرِفُ هذَا ؟ فَقالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام : أنَا يا رَسولَ اللّهِ ! هذَا عَبدُ بَني رِياحٍ ، مَا استَقبَلَني قَطُّ إلّا قالَ : أنَا وَاللّهِ اُحِبُّكَ . قالَ : قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَأَشهَدُ ما يُحِبُّكَ إلّا مُؤمِنٌ ، وما يُبغِضُكَ إلّا كافِرٌ (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ اللّهَ أخَذَ ميثاقَ المُؤمِنينَ عَلى حُبِّكَ ، وأخَذَ ميثاقَ المُنافِقينَ عَلى بُغضِكَ ، ولَو ضَرَبتَ خَيشومَ (4) المُؤمِنِ ما أبغَضَكَ ، ولَو نَثَرتَ الدَّنانيرَ عَلَى المُنافِقِ ما أحَبَّكَ . ياعَلِيُّ، لا يُحِبُّكَ إلّا مُؤمِنٌ ، ولا يُبغِضُكَ إلّا مُنافِقٌ (5) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَو ضَرَبتُ خَيشومَ المُؤمِنِ بِسَيفي هذَا عَلى أن يُبغِضَني ما أبغَضَني ، ولَو صَبَبتُ الدُّنيا بِجَمّاتِها (6) عَلَى المُنافِقِ عَلى أن يُحِبَّني ما أحَبَّني ؛ وذلِكَ أنَّهُ قُضِيَ فَانقَضى عَلى لِسانِ النَّبِيِّ الاُمِّيِّ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ : يا عَلِيُّ ، لا يُبغِضُكَ مُؤمِنٌ ،
.
ص: 46
ولا يُحِبُّكَ مُنافِقٌ (1) .
عنه عليه السلام :لَو ضَرَبتُ خَياشيمَ المُؤمِنِ بِالسَّيفِ ما أبغَضَني ، ولَو نَثَرتُ عَلَى المُنافِقِ ذَهَبا وفِضَّةً ما أحَبَّني ؛ إنَّ اللّهَ أخَذَ ميثاقَ المُؤمِنينَ بِحُبّي ، وميثاقَ المُنافِقين بِبُغضي ، فَلا يُبِغضُني مُؤمِنٌ ، ولا يُحِبُّني مُنافِقٌ أبَدا (2) .
عنه عليه السلام :وَاللّهِ لَو ضَرَبتُ خَيشومَ مُحِبّينا بِالسَّيفِ ما أبغَضونا ، ووَاللّهِ لَو أدنَيتُ إلى مُبغِضينا وحَثَوتُ (3) لَهُم مِنَ المالِ ما أحَبّونا (4) .
راجع : ص107 (النفاق) .
3 / 3التَّقوىالإمام عليّ عليه السلام :لَقَد كانَ حَبيبي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَثيرا ما يَقولُ لي : يا عَلِيُّ حُبُّكَ تَقوى وإيمانٌ ، وبُغضُكَ كُفرٌ ونِفاقٌ (5) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: لا يُحِبُّكَ إلّا مُؤمِنٌ تَقِيٌّ ، ولا يُبغِضُكَ إلّا فاجِرٌ رَدِيٌّ (6) .
.
ص: 47
عنه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ تَعالى : . . . إنّي جَعَلتُ عَلِيّا عَلَما لِلإيمانِ ؛ فَمَن أحَبَّهُ واتَّبَعَهُ كانَ هادِيا مَهدِيّا ، ومَن أبغَضَهُ وتَرَكَهُ كانَ ضالّاً مُضِلّاً ، وإنَّهُ لا يُحِبُّهُ إلّا مُؤمِنٌ تَقِيٌّ ، ولا يُبغِضُهُ إلّا مُنافِقٌ شَقِيٌّ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :لا يُبغِضُ عَلِيّا إلّا شَقِيٌّ ، ولا يَتَوالى عَلِيّا إلّا تَقِيٌّ ، ولا يُؤمِنُ بِهِ إلّا مُؤمِنٌ مُخلِصٌ (2) .
3 / 4السَّعادَةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ هادي اُمَّتي ؛ ألا إنَّ السَّعيدَ كُلَّ السَّعيدِ مَن أحَبَّكَ وأخَذَ بِطَريقَتِكَ ، ألا إنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ مَن خالَفَكَ ورَغِبَ عَن طَريقِكَ ، إلى يَومِ القِيامَةِ (3) .
المعجم الكبير عن فاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله :خَرَجَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، فَقالَ : إنَّ اللّهَ باهى بِكُم ، وغَفَرَ لَكُم عامَّةً ، ولِعَلِيٍّ خاصَّةً . وإنّي رَسولُ اللّهِ إلَيكُم غَيرُ مُحابٍ (4) لِقَرابَتي ، هذَا جِبريلُ يُخبِرُني أنَّ السَّعيدَ حَقَّ السَّعيدِ مَن أحَبَّ عَلِيّا في حَياتِهِ وبَعدَ مَوتِهِ ، وأنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ مَن أبغَضَ عَلِيّا في حَياتِهِ وبَعدَ مَوتِهِ (5) .
.
ص: 48
الأمالي للطوسي عن أبي الحمراء خادم رسول اللّه صلى الله عليه و آله :خَرَجَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ عَرَفَةَ وهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ : يا مَعشَرَ الخَلائِقِ ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى باهى بِكُم في هذَا اليَومِ لِيَغفِرَ لَكُم عامَّةً . ثُمَّ التَفَتَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام وقالَ لَهُ : وغَفَرَ لَكَ يا عَلِيُّ خاصَّةً . ثُمَّ قالَ لَهُ : يا عَلِيُّ ، اُدنُ مِنّي ، فَدَنا مِنهُ ، فَقالَ : إنَّ السَّعيدَ حَقَّ السَّعيدِ مَن أحَبَّكَ وأطاعَكَ ، وإنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ مَن عاداكَ وأبغَضَكَ ونَصَبَ لَكَ (1) .
الأمالي للمفيد عن سلمان الفارسي :خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ عَرَفَةَ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ، إنَّ اللّهَ باهى بِكُم في هذَا اليَومِ لِيَغفِرَ لَكُم عامَّةً ، ويَغفِرَ لِعَلِيٍّ خاصَّةً . ثُمَّ قالَ : اُدنُ مِنّي يا عَلِيُّ . فَدَنا مِنهُ ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ قالَ : إنَّ السَّعيدَ كُلَّ السَّعيدِ حَقَّ السَّعيدِ مَن أطاعَكَ وتَوَلّاكَ مِن بَعدي ، وإنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ حَقَّ الشَّقِيِّ مَن عَصاكَ ونَصَبَ لَكَ عَداوَةً مِن بَعدي (2) .
شرح الأخبار عن أبي أيّوب الأنصاري :خَرَجَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ عَرَفَةَ ، فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ باهى بِكُم في هذَا اليَومِ ، فَغَفَرَ لَكُم عامَّةً ، ولِعَلِيٍّ خاصَّةً ؛ فَأَمَّا العامَّةُ مِنكُم فَمَن لَم يُحدِث بَعدي حَدَثا ، وهُوَ قَولُ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ» (3) ، وأمَّا الخاصَّةُ : فَطاعَةُ عَلِيٍّ طاعَتي ؛ فَمَن عَصاهُ فَقَد عَصاني . ثُمَّ قالَ : قُمِ يا عَلِيُّ . فَقامَ ، فَوَضَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَفَّهُ في كَفَّهِ ، ثُمَّ قالَ : أيُّها النّاسُ ، إنّي رَسولُ اللّهِ إلَيكُم جَميعا ؛ فَطاعَتي مَفروضَةٌ ، وإنّي غَيرُ خائِفٍ (4) لقومي ، ولا مُحابٍ
.
ص: 49
لِقَرابَتي مِنهُم ، وإنَّما أنَا رَسولُ اللّهِ ، «وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَا الْبَلَ_غُ» (1) ، ألا إنَّ هذَا جَبرائيلُ يُخبِرُني عَن رَبّي عَزَّ وجَلَّ أنَّ السَّعيدَ حَقَّ السَّعيدِ مَن أحَبَّ عَلِيّا في حَياتِهِ أو بَعدَ وَفاتِهِ ، وأنَّ الشَّقِيَّ حَقَّ الشَّقِيِّ مَن أبغَضَ عَليِّا في حَياتِهِ أو بَعدَ وَفاتِهِ (2) .
راجع : ص111 (الشقاء) .
3 / 5الصّيتُ السَّماوِيُّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، طوبى لِمَن أحَبَّكَ وصَدَّقَ بِكَ ، ووَيلٌ لِمَن أبغَضَكَ وكَذَّبَ بِكَ . مُحِبّوكَ مَعروفونَ فِي السَّماءِ السّابِعَةِ ، وَالأَرضِ السّابِعَةِ السُّفلى ، وما بَينَ ذلِكَ ، هُم أهلُ الدّينِ وَالوَرَعِ وَالسَّمتِ (3) الحَسَنِ ، وَالتَّواضُعِ للّهِِ عَزَّوجَلَّ ، خاشِعَةٌ أبصارُهُم ، وَجِلَةٌ قُلوبُهُم لِذِكرِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ ، وقَد عَرَفوا حَقَّ وَلايَتِكَ ، وألسِنَتُهُم ناطِقَةٌ بِفَضلِكَ ، وأعيُنُهُم ساكِبَةٌ تَحَنُّنا عَلَيكَ وعَلَى الأَئِمَّةِ مِن وُلدِكَ ، يَدينونَ اللّهَ بِما أمَرَهُم بِهِ في كِتابِهِ ، وجاءَهُم بِهِ البُرهانُ مِن سُنَّةِ نَبِيِّهِ ، عامِلونَ بِما يَأمُرُهُم بِهِ اُولُو الأَمرِ مِنهُم ، مُتَواصِلونَ غَيرُ مُتَقاطِعينَ ، مُتحَابّونَ غَيرُ مُتَباغِضينَ ، إنَّ المَلائِكَةَ لَتُصَلّي عَلَيهِم ، وتُؤَمِّنُ عَلى دُعائِهِم ، وتَستَغِفرُ لِلمُذنِبِ مِنهُم ، وتَشهَدُ حَضرَتَهُ ، وتَستَوحِشُ لِفَقدِهِ ، إلى يَومِ القِيامَةِ (4) .
.
ص: 50
. .
ص: 51
الفصل الرابع : محبوبيّته عند اللّه ورسوله وملائكته4 / 1اللّهُ ورَسولُهُسنن الترمذي عن البراء :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله بَعَثَ جَيشَينِ وأمَّرَ عَلى أحَدِهِما عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، وعَلَى الآخَرِ خالِدَ بنَ الوَليدِ ، فَقالَ : إذا كانَ القِتالُ فَعَلِيٌّ . قالَ : فَافتَتَحَ عَلِيٌّ حِصنا ، فَأَخَذَ مِنهُ جارِيَةً ، فَكَتَبَ مَعي خالِدُ بنُ الوَليدِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله يَشي (1) بِهِ . فَقَدِمتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقَرأَ الكِتابَ ، فَتَغَيَّرَ لَونُهُ ، ثُمَّ قالَ : ما تَرى في رَجُلٍ يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ؟ ! (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام يَومَ خَيبَرَ _:لَاُعطِيَنَّ اللِّواءَ غَدا رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ (3) .
.
ص: 52
عنه صلى الله عليه و آله_ حينَ قَدِمَ عَلَيهِ وَفدُ أهلِ الطّائِفِ _: يا أهلَ الطّائِفِ ، وَاللّهِ لَتُقيمُنَّ الصَّلاةَ ولَتُؤتُنَّ الزَّكاةَ أو لَأَبعَثَنَّ إلَيكُم رَجُلاً كَنَفسي ، يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، يَقصَعُكُم (1) بِالسَّيفِ . فَتَطاوَلَ لَها أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام فَأَشالَها ، ثُمَّ قالَ : هُوَ هذَا . قالَ أبو بَكرٍ وعُمَرُ : ما رَأَينا كَاليَومِ فِي الفَضلِ قَطُّ (2) .
تاريخ بغداد عن عبد اللّه بن العبّاس :كُنتُ أنا وأبِيَ العَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ جالِسَينِ عِندَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، إذ دَخَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ فَسَلَّمَ ، فَرَدَّ عَلَيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وبَشَّ بِهِ ، وقامَ إلَيهِ ، وَاعتَنَقَهُ ، وقَبَّلَ بَينَ عَينَيهِ ، وأجلَسَهُ عَن يَمينِهِ . فَقالَ العَبّاسُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أ تُحِبُّ هذَا ؟ فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا عَمَّ رَسولِ اللّهِ ، وَاللّهِ ! لَلّهُ أشَدُّ حُبّا لَهُ مِنّي ، إنَّ اللّهَ جَعَلَ ذُرِّيَّةَ كُلِّ نَبِيٍّ في صُلبِهِ ، وجَعَلَ ذُرِّيَّتي في صُلبِ هذَا (3) .
المحاسن والمساوئ عن ابن عبّاس :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ عِندَ اُمِّ سَلَمَةَ بِنتِ أبي اُمَيَّةَ ، إذ أقبَلَ عَلِيٌّ عليه السلام يُريدُ الدُّخولَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَنَقَرَ (4) نَقرا خَفِيّا ، فَعَرَفَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَقرَهُ ، فَقالَ : . . . قومي يا اُمَّ سَلَمَةَ ، فَإِنَّ بِالبابِ رَجُلاً . . . . يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ (5) .
.
ص: 53
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :حَدَّثَني جَبرائيلُ عَنِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ وقالَ : إنَّ اللّهَ يُحِبُّ عَلِيّا ما لا يُحِبُّ المَلائِكَةَ مِثلَ حُبِّ عَلِيٍّ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :قالَ لِيَ الجَليلُ جَلَّ جَلالُهُ : يا مُحَمَّدُ ، مَن تُحِبُّ مِن خَلقي ؟ قُلتُ : اُحِبُّ الَّذي تُحِبُّهُ أنتَ ، يا رَبّي . قالَ لي جَلَّ جلالُهُ : فَأَحِبَّ عَلِيّا ؛ فَإِنّي اُحِبُّهُ ، واُحِبُّ مَن يُحِبُّهُ . فَخَرَرتُ للّهِِ ساجِدا مُسَبِّحا ؛ شاكِرا لِرَبِّي تَبارَكَ وَتعالى . فَقالَ لي : يا مُحَمَّدُ ، عَلِيٌّ وَلِيّي ، وخيرَتي بَعدَكَ مِن خَلقي ، اِختَرتُهُ لَكَ أخا ، ووَصِيّا ، ووَزيرا ، وصَفِيّا ، وخَليفَةً ، وناصِرا لَكَ عَلى أعدائي (2) .
راجع : ج1 ص209 (الدور المصيري في فتح خيبر) .
4 / 2اللّهُ ومَلائِكَتُهُالمعجم الكبير عن الضحّاك الأنصاري :لَمّا سارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلى خَيبَرَ جَعَلَ عَلِيّا رضى الله عنهعَلى مُقَدِّمَتِهِ ، فَقالَ : مَن دَخَلَ النَّخلَ فَهُوَ آمِنٌ . فَلَمّا تَكَلَّمَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله نادى بِها عَلِيٌّ رضى الله عنه ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلى جِبريلَ عليه السلام ، فَضَحِكَ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما يُضحِكُكَ ؟ فَقالَ : إنّي اُحِبُّهُ . فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : إنَّ جِبريلَ يَقولُ : إنّي اُحِبُّكَ . قالَ : وبَلَغتُ أن يُحِبَّني جِبريلُ ؟ قالَ : نَعَم ، ومَن هُوَ خَيرٌ مِن جِبريلَ ؛ اللّهُ تَعالى (3) .
اُسد الغابة عن أبي الضحّاك الأنصاري :لَمّا سارَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى خَيبَرَ جَعَلَ عَلِيّا عَلى
.
ص: 54
مُقَدِّمَتِهِ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : إنَّ جِبريلَ زَعَمَ أنَّهُ يُحِبُّكَ . فَقالَ : وقَد بَلَغتُ إلى أن يُحِبَّني جِبريلُ ؟ قالَ : نَعَم ، ومَن هُوَ خَيرٌ مِن جِبريلَ ؛ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ يُحِبُّكَ (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أخا مِن أهلِ السَّماءِ إسرافيلُ ، ثُمَّ ميكائيلُ ، ثُمَّ جَبرَئيلُ . وأوَّلُ مَن أحَبَّهُ مِن أهلِ السَّماءِ حَمَلَةُ العَرشِ ، ثُمَّ رِضوانُ خازِنُ الجِنانِ ، ثُمَّ مَلَكُ المَوتِ . وإنَّ مَلَكَ المَوتِ يَتَرَحَّمُ عَلَى مُحِبّي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ كَما يَتَرَحَّمُ عَلَى الأَنبِياءِ عليهم السلام (2) .
راجع : ص62 (تقرّب الملائكة إلى اللّه بحبّه) .
4 / 3أحَبُّ الخَلقِ إلَى اللّهِ 3سنن الترمذي عن أنس بن مالك :كانَ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله طَيرٌ ، فَقالَ : اللّهُمَّ ائتِني بِأَحَبِّ خَلقِكَ إلَيكَ ؛ يَأكُلُ مَعي هذَا الطَّيرَ . فَجاءَ عَلِيٌّ ، فَأَكَلَ مَعَهُ (3) .
.
ص: 55
خصائص أمير المؤمنين عن أنس بن مالك :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كانَ عِندَهُ طائِرٌ ، فَقالَ : اللّهُمَّ ائتِني بِأَحَبِّ خَلقِكَ إلَيكَ ؛ يَأكُلُ مَعي مِن هذَا الطَّيرِ . فَجاءَ أبو بَكرٍ ، فَرَدَّهُ ، ثُمَّ جاءَ عُمَرُ ، فَرَدَّهُ ، ثُمَّ جاءَ عَلِيٌّ ، فَأَذِنَ لَهُ (1) .
تاريخ دمشق عن أنس بن مالك :اُهدِيَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حِجلٌ مَشويٌ بِخُبزِهِ وصِنابِهِ (2) ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُمَّ ائتِني بِأَحَبِّ خَلقِكَ إلَيكَ ؛ يَأكُلُ مَعي مِن هذَا الطَّعامِ . فَقالَت عائِشَةُ : اللّهُمَّ اجعَلهُ أبي . وقالَت حَفصَةُ : اللّهُمَّ اجعَلهُ أبي _ قال أنَسٌ : _ وقُلتُ : اللّهُمَّ اجعَلهُ سَعدَ بنَ عُبادَةَ . قالَ أنَسٌ : فَسَمِعتُ حَرَكَةً بِالبابِ ، فَخَرَجتُ ، فَإِذا عَلِيٌّ بِالبابِ ، فَقُلتُ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى حاجَةٍ ، فَانصَرَفَ . ثُمَّ سَمِعتُ حَرَكَةً بِالبابِ ، فَخَرَجتُ ، فَإِذا عَلِيٌّ بِالبابِ ، فَقُلتُ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى حاجَةٍ ، فَانصَرَفَ . ثُمَّ سَمِعتُ حَرَكَةً بِالبابِ ، فَسَلَّمَ عَلِيٌّ ، فَسَمِعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله صَوتَه فَقالَ : اُنظُر مَن هذَا . فَخَرَجتُ فَإِذا هُوَ عَلِيٌّ ، فَجِئتُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَخبَرتُهُ ، فَقالَ : اِيذَن لَهُ . فَدَخَلَ عَلِيٌّ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُمَّ وإلَيَّ ، اللّهُمَّ وإلَيَّ (3) .
شرح الأخبار عن أبي أيّوب الأنصاري :اُهدِيَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله طَيرٌ يُقالَ لَهُ : الحِجلُ ، فَوُضِعَ بَينَ يَدَيهِ ، قالَ : اللّهُمَّ ائتِني بِأَحَبِّ خَلقِكَ ءالَيكَ ؛ يَأكُلُ مَعي مِن هذَا الطَّعامِ . وكانَ أنَسُ بنُ مالِكٍ وعائِشَةُ وحَفصَةٌ قَريبٌ مِنهُ ، فَقالَت عائِشَةُ : اللّهُمَّ اجعَلهُ أبا بِكرٍ .
.
ص: 56
وقالَت حَفصَةُ : اللّهُمَّ اجعَلهُ عُمَرَ . وقالَ أنَسٌ : اللّهُمَّ اجعَلهُ سَعدَ بنَ عُبادَةَ أو رَجُلاً مِنَ الأَنصارِ . وقالَ : وحُرِّكَ البابُ ، فَقالَ : يا أَنسُ انظُر مَن بِالبابِ ! قالَ أنَسٌ : فَخَرَجتُ ، فَإِذا هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فقُلتُ لَهُ : النَّبِيُّ عَلى حاجَةٍ . فَرَجَعَ عَلِيٌّ عليه السلام . ومَكَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ماشاءَ اللّهُ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وقالَ : اللّهُمَّ ائتِني بِأَحَبِّ خَلقِكَ إلَيكَ ؛ لِيَأكُلَ مَعي مِن هذَا الطَّعامِ . ثُمَّ قالَ : وحُرِّكَ البابُ ثانِيَةً ، ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ : يا أَنسُ اُنظُر مَن بِالبابِ ! فَخَرَجتُ ، فَإِذا هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقُلتُ لَهُ : النَّبِيُّ عَلى حاجَةٍ . فَانصَرَفَ . فَمَكَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما شاءَ اللّهُ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ وقالَ : اللّهُمَّ ائتِني بِهِ السّاعَةَ . قالَ : وحُرِّكَ البابُ ، ثُمَّ قالَ : يا أنَسُ ، انظرُ مَن [ ب_ ] (1) البابِ؟ قالَ أنَسٌ: فَخَرَجتُ، فَإِذا هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقُلتُ لَهُ : النَّبِيُّ عَلى حاجَةٍ . _ قالَ : _ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى صَدري ، ثُمَّ دَفَعَني فَأَلصَقَني بِالحائِطِ ، ثُمَّ دَخَلَ . قالَ : فَلَمّا رَآهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عانَقَهُ ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ وإلَيَّ ، اللّهُمَّ وإلَيَّ ؛ يَعني إنَّهُ أحَبُّ خَلقِكَ إلَيكَ وإلَيَّ . ثُمَّ قالَ لَهُ : يا عَلِيُّ ما حَبَسَكَ ؟ قالَ : جِئتُ ثَلاثَ مَرّاتٍ ، كُلُّ ذلِكَ يَرُدُّني أنَسٌ . فَنَظَرَ إلَيَّ النَّبِيُّ ، وقالَ : ما حَمَلَكَ عَلى هذَا يا أنَسُ ؟ ! فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أرَدتُ أن تَكونَ الدَّعوَةُ لِرَجُلٍ مِن قَومِيَ الأَنصارِ . فَقالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَستَ بِأَوَّلِ مَن أحَبَّ قَومَهُ (2) .
المستدرك على الصحيحين عن ثابت البناني :إنَّ أنَسَ بنَ مالِكٍ كانَ شاكِيا ، فَأَتاهُ مُحَمَّدُ بنُ
.
ص: 57
الحَجّاجِ يَعودُهُ في أصحابٍ لَهُ ، فَجَرَى الحَديثُ حَتّى ذَكَروا عَلِيّا رضى الله عنه ، فَتَنَقَّصَهُ (1) مُحَمَّدُ بنُ الحَجّاجِ ، فَقالَ أنَسٌ : مَن هذَا ! !أقعِدوني ، فَأَقعَدوهُ ، فَقالَ : يَابنَ الحَجّاجِ ، ألّا أراكَ تَنَقَّصُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ! وَالَّذي بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِالحَقِّ لَقَد كُنتُ خادِمَ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله بَينَ يَدَيهِ ، وكانَ كلَّ يَومٍ يَخدِمُ بَينَ يَدَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله غُلامٌ مِن أبناءِ الأَنصارِ ، فَكانَ ذلِكَ اليَومُ يَومي ، فَجاءَت اُمُّ أيمَنَ _ مَولاةُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ بِطَيرٍ فَوَضَعَتهُ بَينَ يَدَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا اُمُّ أيمَنَ ، ما هذَا الطّائِرُ ؟ قالَت : هذَا الطّائِرُ أصَبتُهُ ، فَصَنَعتُهُ لَكَ . فَقال رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُمَّ جِئني بِأَحَبِّ خَلقِكَ إلَيكَ وإليَّ ؛ يَأكُلُ مَعي مِن هذَا الطّائِرِ . وضُرِبَ البابُ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا أنَسُ ، انظُر مَن عَلَى البابِ ! قُلتُ : اللّهُمَّ اجعَلهُ رَجُلاً مِنَ الأَنصارِ ، فَذَهَبتُ فَإِذا عَلِيٌّ بِالبابِ ، قُلتُ : إنَّ رَسولَ اللّه صلى الله عليه و آله عَلى حاجَةٍ . فَجِئتُ حَتّى قُمتُ مِن مَقامي ، فَلَم ألبَث أن ضُرِبَ البابُ ، فَقالَ : يا أنَسُ ، انظرُ مَن عَلَى البابِ ! فَقُلتُ : اللّهُمَّ اجعَلهُ رَجُلاً مِنَ الأَنصارِ ، فَذَهَبتُ فَإِذا عَلِيٌّ بِالبابِ ، قُلتُ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى حاجَةٍ . فَجِئتُ حَتّى قُمتُ مَقامي ، فَلَم ألبَث أن ضُرِبَ البابُ ، فَقالَ رَسَولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا أنَسُ ، اذهَب فَأَدخِله ، فَلَستَ بِأَوَّلِ رَجُلٍ أحَبَّ قَومَهُ ، لَيسَ هُوَ مِنَ الأَنصارِ . فَذَهَبتُ فَأَدخَلتُهُ، فَقالَ : يا أنَسُ قَرِّب إلَيهِ الطَّيرَ . قالَ : فَوَضَعتُهُ بَينَ يَدَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَكَلا جَميعا. قالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَجّاجِ : يا أنَسُ ، كانَ هذَا بِمَحضَرٍ مِنكَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : اُعطي بِاللّهِ عَهدا ألّا أنتَقِصَ عَلِيّا بَعدَ مَقامي هذَا ، ولا أعلَمَ أحَدَا يَنتَقِصُهُ إلّا أشَنتُ لَهُ وَجهَهُ (2) .
.
ص: 58
علل الشرائع عن المفضّل بن عمر :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ جَعفرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ عليهماالسلام : لِمَ صارَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بن أبي طالِبٍ قَسيمَ الجَنَّةِ وَالنارِ ؟ قالَ : لِأَنَّ حُبَّهُ إيمانٌ ، وبُغضَهُ كُفرٌ ، وإنَّما خُلِقَتِ الجَنَّةُ لِأَهلِ الإيمانِ ، وخُلِقَتِ النّارُ لِأَهلِ الكُفرِ ، فَهُوَ عليه السلام قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِ لِهذِهِ العِلَّةِ ؛ فَالجَنَّةُ لا يَدخُلُها إلّا أهلُ مَحَبَّتِهِ ، وَالنّارُ لا يَدخُلُها إلّا أهلُ بُغضِهِ . قالَ المُفَضَّلُ : فَقُلتُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، فَالأَنبِياءُ وَالأَوصِياءُ عليهم السلام كانوا يُحِبّونَهُ ، وأعداؤُهُم كانوا يُبغِضونَهُ ؟ قالَ : نَعَم . قُلتُ : فَكَيفَ ذلِكَ ؟ قالَ : أما عَلِمتَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ يَومَ خَيبَرَ : «لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ غَدا رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، ما يَرجِعُ حَتّى يَفتَحَ اللّهُ عَلَى يَدَيهِ» ، فَدَفَعَ الرّايَةَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَفَتَحَ اللّهُ تَعالى عَلى يَدَيهِ ؟ قُلتُ : بَلى . قال : أما عَلِمتَ أنّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمّا اُتِيَ بِالطّائِرِ المَشوِيِّ قالَ صلى الله عليه و آله : « اللّهُمَّ ائتِني بِأَحَبِّ خَلقِكَ إلَيكَ وإلَيَّ ؛ يَأكُلُ مَعي مِن هذَا الطّائِرِ » وعَنى بِهِ عَلِيّا عليه السلام ؟ قُلتُ : بَلى . قالَ : فَهَل يَجوزُ ألّا يُحِبَّ أنبياءُ اللّهِ ورُسُلُهُ وأوصِياؤُهُم عليهم السلام رجُلاً يُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، ويُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ؟ !فَقُلتُ لَهُ : لا . قالَ : فَهَل يَجوزُ أن يَكونَ المُؤمِنونَ مِن اُمَمِهِم لا يُحِبّونَ حَبيبَ اللّهِ وحَبيبَ رَسولِهِ وأنبِيائِهِ عليهم السلام ؟ قُلتُ : لا . قالَ : فَقَد ثَبَتَ أنَّ جَميعَ أنبياءِ اللّهِ ورُسُلِهِ وجَميعَ المُؤمِنينَ كانوا لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ مُحِبّينَ ، وثَبَتَ أنَّ أعداءَهُم وَالمُخالِفينَ لَهُم كانوا لَهُم ولِجَميعِ أهلِ مَحَبَّتِهِم مُبغِضينَ . قُلتُ : نَعَم . قالَ : فَلا يَدخُلُ الجَنَّةَ إلّا مَن أحَبَّهُ مِنَ الأَوَّلين وَالآخِرينَ ، ولا يَدخُلُ النّارَ إلّا مَن أبغَضَهُ مِنَ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، فَهُوَ إذَن قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِ (1) .
راجع : تاريخ دمشق : ج 42 ص244 _ 260 ، وعبقات الأنوار ، المجلّد الرابع .
.
ص: 59
4 / 4أحَبُّ أهلِ بَيتِ النَّبيِّ إلَيهِالمستدرك على الصحيحين عن أسماء بنت عميس :كُنتُ في زَفافِ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا أصبَحنا جاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلَى البابِ ، فَقالَ : يا اُمَّ أيمَنَ ادعي لي أخي . فَقالَت : هُوَ أخوكَ وتُنكِحُهُ ؟ ! قالَ : نَعَم يا اُمَّ أيمَنَ . فَجاءَ عَلِيٌّ ، فَنَضَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلَيهِ مِنَ الماءِ ، ودَعا لَهُ ، ثُمَّ قالَ : ادعي لي فاطِمَةَ . قالَت : فَجاءَت تَعَثَّرُ مِنَ الحَياءِ ، فَقالَ لَها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اسكُني ؛ فَقَد أنكَحتُكِ أحَبَّ أهلِ بَيتي إلَيَّ . قالَت : ونَضَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلَيها مِنَ الماءِ . ثُمَّ رَجَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَرَأى سَوادا بَينَ يَدَيهِ ، فَقالَ : مَن هذَا ؟ فَقُلتُ : أنَا أسماءُ . [قالَ :] (1) بِنتُ عُمَيسٍ ؟قُلتُ : نَعَم . قالَ : جِئتِ في زَفافِ ابنَةِ رَسولِ اللّهِ ؟ قُلتُ : نَعَم . فَدَعا لي 2 . (2)
.
ص: 60
4 / 5أحَبُّ الرِّجالِ إلَى النَّبِيِّالإصابة عن معاذة الغفاريّة :كُنتُ أنيسا لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، أخرُجُ مَعَهُ فِي الأَسفارِ ؛ أقومُ عَلَى المَرضى ، واُداوِي الجَرحى ، فَدَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَيتَ عائِشَةَ وعَلِيٌّ رضى الله عنهخارجٌ مِن عِندِها (1) ، فَسَمِعتُهُ يَقولُ لِعائِشَةَ : إنَّ هذَا أحَبُّ الرِّجالِ إلَيَّ ، وأكرَمُهُم عَلَيَّ ، فَاعرِفي لي حَقَّهُ ، وأكرِمي مَثواهُ (2) .
المناقب لابن شهر آشوب عن بريدة :سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أيُّ النِّساءِ أحَبُّ إلَيكَ ؟ قالَ : فاطِمَةُ . قُلتُ : مِنَ الرِّجالِ ؟ قالَ : زَوجُها (3) .
مسند ابن حنبل عن النعمان بن بشير :اِستَأذَنَ أبو بَكرٍ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ودَخَلَ ، فَسَمِعَ صَوتَ عائِشَةَ عالِيا وهِيَ تَقولُ : وَاللّهِ ، لَقَد عَرَفتُ أنَّ عَلِيّا أحَبُّ إلَيكَ مِن أبي ومِنّي _ مَرَّتَين أو ثَلاثا _ . فَاستَأذَنَ أبو بَكرٍ فَدَخَلَ ، فَأَهوى إلَيها ، فَقالَ : يا بِنتَ فُلانَةَ ، ألّا أسمَعَكِ تَرفَعينَ صَوتَكِ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! (4)
المستدرك على الصحيحين عن جميع بن عمير :دَخَلتُ مَعَ اُمّي عَلى عائِشَةَ ، فَسَمِعتُها مِن وَراءِ الحِجابِ وهِيَ تَسأَلُها عَن عَلِيٍّ ، فَقالَت : تَسأَلُني عَن رَجُلٍ _ واللّه _ ما أعلَمُ
.
ص: 61
رَجُلاً كانَ أحَبَّ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن عَلِيٍّ ! ولا فِي الأَرضِ امرَأةً كانَت أحَبَّ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنِ امرَأَتِهِ (1) .
سنن الترمذي عن جميع بن عمير التيمي :دَخَلتُ مَعَ عَمَّتي عَلى عائِشَةَ ، فَسُئِلَت : أيُّ النّاسِ كانَ أحَبَّ إلى رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قالَت : فاطِمَةُ . فَقيلَ : مِنَ الرِّجالِ ؟ قالَت : زَوجُها ، أن كانَ ما عَلِمتُ صَوّاما قَوّاما (2) .
الأمالي للطوسي عن جميع بن عمير :قالَت عَمَّتي لِعائِشَةَ وأنَا أسمَعُ : أ رأَيتِ مَسيرَكِ إلى عَلِيٍّ عليه السلام ما كانَ ؟قالَت : دَعينا مِنكِ ! إنَّهُ ما كانَ مِنَ الرِّجالِ أحَبُّ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن عَلِيٍّ عليه السلام ، ولا مِنَ النِّساءِ أحَبُّ إلَيهِ مِن فاطِمَةَ عليهاالسلام (3) .
تاريخ دمشق عن عائشة :ما خَلَقَ اللّهُ خَلقا كانَ أحَبَّ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن عَلِيٍّ (4) .
سنن الترمذي عن بريدة :كانَ أحَبَّ النِّساءِ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فاطِمَةُ ، ومِنَ الرِّجالِ عَلِيٌّ (5) .
خصائص أمير المؤمنين عن ابن بريدة :جاءَ رَجُلٌ إلى أبي فَسَأَلَهُ : أيُّ النّاسِ كانَ أحَبَّ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟قالَ : مِنَ النِّساءِ فاطِمَةُ عليهاالسلام ، ومِنَ الرِّجالِ عَلِيٌّ عليه السلام (6) .
.
ص: 62
مسند الروياني عن بريدة :جاءَ قَومٌ مِن خُراسانَ ، فَقالوا : أقلنا . فَقالَ : أما مِن بَني فلا( ؟) (1) . فَقالوا : أما (2) عَن أحَبِّ النّاسِ كانَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . قالوا : فَأَخبرِنا عَن أبغَضِ النّاسِ كانَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ : بَنو اُمَيَّةَ ، وثَقيفٌ ، وحَنيفَةُ (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ النّاسِ ، مَن أحَبَّ عَلِيّا أحبَبتُهُ ، ومَن أبغَضَ عَلِيّا أبغَضتُهُ ، ومَن وَصَلَ عَلِيّا وَصَلتُهُ ، ومَن قَطَعَ عَلِيّا قَطَعتُهُ ، ومَن جَفا عَلِيّا جَفَوتُهُ ، ومَن والى عَلِيّا والَيتُهُ ، ومَن عادى عَلِيّا عادَيتُهُ (4) .
راجع : ص17 (حبّه حبّ النبيّ) .
4 / 6تَقَرُّبُ المَلائِكَةِ إلَى اللّهِ بِحُبِّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى آخى بَيني وبَينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وزَوَّجَهُ ابنَتي
.
ص: 63
مِن فَوقِ سَبعِ سَماواتِهِ ، وأشهَدُ عَلى ذلِكَ مُقَرَّبي مَلائِكَتِهِ ، وجَعَلَهُ لي وَصِيّا ، وخَليفَةً ؛ فَعَلِيٌّ مِنّي ، وأنَا مِنهُ ، مُحِبُّهُ مُحبّي ، ومُبغِضُه مُبغِضي ، وإنَّ المَلائِكَةَ لَتَتَقَرَّبُ إلَى اللّهِ بِمَحَبّتِهِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ المَلائِكَةَ لَتَتَقَرَّبُ إلَى اللّهِ _ تَقَدَّسَ ذِكرُهُ _ بِمَحَبِّتكَ ووَلايَتِكَ ، وَاللّهِ إنَّ أهلَ مَوَدَّتِكَ فِي السَّماءِ لَأَكثَرُ مِنهُم فِي الأَرضِ (2) .
.
ص: 64
. .
ص: 65
الفصل الخامس : التحذير من الغلوّ في حبّهالإمام عليّ عليه السلام :دَعاني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : إنَّ فيكَ مِن عيسى مَثَلاً ؛ أبغَضَتهُ يَهودُ حَتّى بَهَتوا اُمَّهُ ، وأحَبَّتهُ النَّصارى حَتّى أنزَلوهُ بِالمَنزِلِ الَّذي لَيسَ بِهِ . ألا وإنَّهُ يَهلِكُ فِيَّ اثنانِ : مُحِبٌّ يُقَرِّظُني بِما لَيسَ فِيَّ ، ومُبغِضٌ يَحمِلُهُ شَنَآني عَلى أن يَبهَتَني (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّ فيكَ مَثَلاً مِن عيسىَ بنِ مَريَمَ ؛ أحَبَّهُ قَومٌ فَأَفرَطوا في حُبِّهِ فَهَلَكوا فيهِ ، وأبغَضَهُ قَومٌ فَأَفرَطوا في بُغضِهِ فَهَلَكوا فيهِ ، وَاقتَصَدَ فيهِ قَومٌ فَنَجوا (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، مَثَلُكَ في اُمَّتي مَثَلُ المَسيحِ عيسَى بنِ مَريَمَ ؛ افتَرَقَ قَومُهُ ثَلاثَ فِرَقٍ : فِرقَةٌ مُؤمِنونَ ، وهُمُ الحَوارِيّونَ ، وفِرقَةٌ عادَوهُ ، وهُمُ اليَهودُ ، وفِرقَةٌ غَلَوا فيهِ فَخَرَجوا عَنِ الإيمانِ . وإنَّ اُمَّتي سَتَفتَرِقُ فيكَ ثَلاثَ فِرَقٍ : فِرقَةٌ شيعَتُكَ ، وهُمُ المُؤمِنونَ ،
.
ص: 66
وفِرقَةٌ أعداؤُكَ ، وهُمُ النّاكِثونَ ، وفِرقَةٌ غَلَوا فيكَ ، وهُمُ الجاحِدونَ السّابِقونَ . فَأَنتَ _ يا عَلِيُّ _ وشيعَتُكَ فِي الجَنَّةِ ، ومُحِبّو شيعَتِكَ فِي الجَنَّةِ ، وعَدُوُّكَ وَالغالي فيكَ فِي النّارِ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَيُحِبُّني قَومٌ حَتّى يَدخُلُوا النّارَ في حُبّي ، ولَيُبغِضُني قَومٌ حَتّى يَدخُلُوا النّارَ في بُغضي (2) .
عنه عليه السلام :يَهلِكُ فِيَّ رَجُلانِ : مُحِبٌّ مُفرِطٌ ، ومُبغِضٌ مُفتَرٍ (3) .
عنه عليه السلام :يَهلِكُ فِيَّ رَجُلانِ : مُفرِطٌ غالٍ ، ومُبغِضٌ قالٍ (4) .
عنه عليه السلام :يَهلِكُ فِيَّ رَجُلانِ : مُحِبٌّ مُفرِطٌ ، وباهِتٌ مُفتَرٍ (5) .
عنه عليه السلام :سَيَهلِكُ فِيَّ صِنفانِ : مُحِبٌّ مُفرِطٌ يذهَبُ بِهِ الحُبُّ إلى غَيرِ الحَقِّ ، ومُبغِضٌ مُفرِطٌ يَذهَبُ بِهِ البُغضُ إلى غَيرِ الحَقِّ . وخَيرُ النّاسِ فِيَّ حالاً النَّمَطُ الأَوسَطُ ، فَالزَموهُ (6) .
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي بَريءٌ مِنَ الغُلاةِ كَبَراءَةِ عيسَى بنِ مَريمَ مِنَ النَّصارى ، اللّهُمَّ اخذُلهُم
.
ص: 67
أبَدا ، ولا تَنصُر مِنهُم أحَدا (1) .
عنه عليه السلام :يَهلِكُ فِيَّ اثنانِ ولا ذَنبَ لي : مُحِبٌّ مُفرِطٌ ، ومُبغِضٌ مُفرِطٌ . وأنَا أبرَأُ إلَى اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى مِمَّن يَغلو فينا . ويَرفَعُنا فَوقَ حَدِّنا ، كَبَراءَةِ عيسَى بنِ مَريَمَ عليه السلام مِنَ النَّصارى (2) .
راجع : أهل البيت في الكتاب والسنة : ص528 (القسم الثالث عشر : الغلوّ في أهل البيت) .
.
ص: 68
. .
ص: 69
القسم الخامس عشر : بغض الإمام عليوفيه فصول :الفصل الأوّل : بواعث بُغضهالفصل الثاني : التحذير من بُغضهالفصل الثالث : مضارّ بغضهالفصل الرابع : صفات مبغضيهالفصل الخامس : عدّة من مبغضيهالفصل السادس : طوائف تبغضهالفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نورهالفصل الثامن : خيبة آمال أعدائه
ص: 70
ص: 71
الفصل الأوّل : بواعث بُغضه1 / 1أحقادٌ عَلى رَسولِ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :كُلُّ حِقدٍ حَقَدَتهُ قُرَيشٌ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أظهَرَتهُ فِيَّ ، وسَتُظهِرُهُ في وُلدي مِن بَعدي . ما لي ولِقُرَيشٍ ! إنَّما وَتَرتُهُم (1) بِأَمرِ اللّهِ وأمرِ رَسولِهِ ، أفَهذا جَزاءُ مَن أطاعَ اللّهَ ورَسولَهُ إن كانوا مُسلِمينَ ؟ ! (2)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أستَعديكَ عَلى قُرَيشٍ ؛ فَإِنَّهُم أضمَروا لِرَسولِكَ صلى الله عليه و آله ضُروبا مِنَ الشَّرِّ وَالغَدرِ ، فَعَجَزوا عَنها وحُلتَ بَينَهُم وبَينَها ، فَكانَتِ الوَجبَةُ (3) بي ، وَالدّائِرَةُ (4) عَلَيَّ . اللّهُمَّ احفَظ حَسَنا وحُسَينا ولا تُمَكِّن فَجَرَةَ قُرَيشٍ مِنهُما ما دُمتُ حَيَّا ، فَإِذا تَوَفَّيَتَني فَأَنتَ الرَّقيبُ عَلَيهِم ، وأنتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ (5) .
شرح نهج البلاغة :قالَ لَهُ قائِلٌ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أ رَأَيتَ لَو كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله تَرَكَ وَلَدا
.
ص: 72
ذَكَرا قَد بَلَغَ الحُلُمَ ، وآنَسَ مِنهُ الرُّشدَ ؛ أكانَتِ العَرَبُ تُسَلِّمُ إلَيهِ أمرَها ؟ قالَ : لا ، بَل كانَت تَقتُلُهُ إن لَم يَفعَل ما فَعَلتُ . إنَّ العَرَبَ كَرِهَت أمرَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وحَسَدَتهُ عَلى ما آتاهُ اللّهُ مِن فَضلِهِ ، وَاستَطالَت أيَّامَهُ حَتّى قَذَفَت زَوجَتَهُ ، ونَفَّرَتِ بِهِ ناقَتَهُ ، مَعَ عَظيمِ إحسانِهِ إلَيها ، وجَسيمِ مِنَنِهِ عِندَها ، وأجمَعَت _ مُذ كانَ حَيّا _ عَلى صَرفِ الأَمرِ عَن أهلِ بَيتِهِ بَعدَ مَوتِهِ ، ولَولا أنَّ قُرَيشا جَعَلتِ اسمَهُ ذَريعَةً إلى الرِّياسَةِ ، وسُلَّما إلَى العِزِّ وَالإِمرَةِ ، لَما عَبَدَتِ اللّهَ بَعدَ مَوتِهِ يَوما واحِدا ، ولَارتَدَّت في حافِرَتِها (1) ، وعادَ قارِحُها جَذَعا ، وبازِلُها بِكرا (2) ، ثُمَّ فَتَحَ اللّهُ عَلَيَها الفُتوحَ ، فَأَثرَتْ بَعدَ الفاقَةِ ، وتَمَوَّلَت بَعدَ الجَهدِ وَالمَخمَصَةِ ؛ فَحَسُنَ في عُيونِها مِنَ الإِسلامِ ما كان سَمِجا (3) ، وثَبَتَ في قُلوبِ كَثيرٍ مِنها مِنَ الدّينِ ما كانَ مُضطَرِبا ، وقالَت : لَولا أنَّهُ حَقٌّ لَما كانَ كَذا . ثُمَّ نَسَبَت تِلكَ الفُتوحَ إلى آراءِ وُلاتِها ، وحُسنِ تَدبيرِ الاُمَراءِ القائِمينَ بِها ، فَتَأَكَّدَ عِندَ النّاسِ نَباهَةُ قَومٍ وخُمولُ آخَرينَ ؛ فَكُنّا نَحنُ مِمَّن خَمَلَ ذِكرُهُ ، وخَبَت نارُهُ ، وَانقَطَعَ صَوتُهُ وصيتُهُ ، حَتّى أكَلَ الدَّهرُ عَلَينا وشَرِبَ ، ومَضَتِ السِّنونَ وَالأَحقابُ بِما فيها ، وماتَ كَثيرٌ مِمَّن يُعرَفُ ، ونَشَأَ كَثيرٌ مِمَّن لا يُعرَفُ . وما عَسى أن يَكونَ الوَلَدُ لَو كانَ ؟ إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يُقَرِّبني ما تَعلَمونَهُ مِنَ القُربِ لِلنَّسبِ وَاللُّحمَةِ ؛ بَل لِلجِهادِ وَالنَّصيحَةِ ؛ أفَتَراهُ لَو كانَ لَهُ وَلَدٌ هَل كانَ يَفعَلُ ما
.
ص: 73
فَعَلتُ ؟ وكَذاكَ لَم يَكُن يُقرَّبُ ما قُرِّبتُ ، ثُمَّ لَم يَكُن عِندَ قُرَيشٍ وَالعَرَبِ سَبَبا لِلحُظوَةِ وَالمَنزِلَةِ ، بَل لِلحِرمانِ وَالجَفوَةِ . اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنّي لَم اُرِدِ الإِمرَةَ ، ولا عُلُوَّ المُلكِ وَالرِّياسَةِ ؛ وإنَّما أرَدتُ القِيامَ بِحُدودِكَ ، وَالأَداءَ لِشَرعِكَ ، ووَضعَ الاُمورِ في مَواضِعِها ، وتَوفيرَ الحُقوقِ عَلى أهلِها ، وَالمُضِيَّ عَلى مِنهاجِ نَبِيِّكَ ، وإرشادَ الضّالِّ إلى أنوارِ هِدايَتِكَ (1) .
1 / 2أحقادٌ بَدرِيَّةٌ وحُنَينِيَّةٌ وغَيرُهُنَّالإمام الصادق عليه السلام :قالَ رَجُلٌ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَينِ : ما أشَدَّ بُغضَ قُرَيشٍ لاِبيكَ ! قالَ : لاِنَّهُ أورَد أوّلَهُمُ النّارَ ، وألزَمَ آخِرَهُمُ العارَ (2) .
تاريخ دمشق عن ابن طاووس عن أبيه :قُلتُ لِعَلِيِّ بنِ حُسَينِ بنِ عَلِيٍّ : ما بالُ قُرَيشٍ لا تُحِبُّ عَلِيّا ؟ ! فَقالَ : لاِنَّهُ أورَدَ أوَّلَهُمُ النّارَ ، وألزَمَ آخِرَهُمُ العارَ (3) .
عيون أخبار الرضا عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن الإمام الرضا عليه السلام ، قالَ :سَأَلتُهُ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام كَيفَ مالَ النّاسُ عَنهُ إلى غَيرِهِ وقَد عَرَفوا فَضلَهُ وسابِقَتَهُ ومَكانَهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ : إنَّما مالوا عَنهُ إلى غَيرِهِ وقَد عَرَفوا فَضلَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَد كانَ قَتَلَ مِن آبائِهِم وأجدادِهِم وإخوانِهِم وأعمامِهِم وأخوالِهِم وأقرِبائِهِمُ المُحادّينَ للّهِِ ولِرَسولِهِ عَدَدا كَثيرا ، فَكانَ حِقدُهُم عَلَيهِ لِذلِكَ في قُلوبِهِم ؛ فَلَم يُحِبّوا أن يَتَولّى عَلَيهِم ، ولَم يَكُن في قُلوبِهِم عَلى غَيرِهِ مِثلُ ذلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَم يَكُن لَهُ فِي الجِهادِ بَينَ يَدَي
.
ص: 74
رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِثلُ ما كانَ لَهُ ، فَلِذلِكَ عَدَلوا عَنهُ ومالوا إلى سِواهُ (1) .
معرفة الصحابة عن ابن عبّاس :قالَ عُثمانُ لِعَلِيٍّ : ما ذَنبي إن لَم تُحِبُّكَ قُرَيشٌ وقَد قَتَلتَ مِنهُم سَبعينَ رَجُلاً ؛ كَأَنَّ وُجوهَهُم سُيوفُ الذَّهَبِ ؟ (2)
الغارات_ في وَصفِ الوَليدِ بنِ عُقبَةَ _:هُوَ مِن مُبغِضي عَلِيٍّ عليه السلام وأعدائِهِ وأعداءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ؛ لِأَنَّ أباهُ قَتَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيٍّ صَبرا (3) يَومَ بَدرٍ بِالصَّفراءِ (4) . (5)
شرح نهج البلاغة :إنَّ قُريشا كُلَّها كانَت تُبغِضُهُ أشَدَّ البُغضِ ، ولَو عَمَّرَ عُمَرَ نوحٍ ، وتَوَصَّلَ إلَى الخِلافَةِ بِجَميع أنواعِ التَّوصُّلِ ؛ كَالزُّهِد فيها تارَةً ، والمُناشَدَةِ بِفَضائِلِهِ تارَةً ، وبِما فَعَلَهُ فِي ابتِداءِ الأَمرِ مِن إخراجِ زَوجَتِهِ وأطفالِهِ لَيلاً إلى بُيوتِ الأَنصارِ ، وبِمَا اعتَمَدَهُ إذ ذاكَ مِن تَخَلُّفِهِ في بَيتهِ وإظهارِ أنَّهُ قَدِ انعَكَفَ عَلى جَمعِ القُرآنِ ، وبِسائِرِ أنواعِ الحِيَلِ فيها ، لَم تَحصُل لَهُ إلّا بِتَجريدِ السَّيفِ كَما فَعَلَ في آخِرِ الأَمرِ . ولَستُ ألومُ العَرَبَ ، لا سِيَّما قُرَيشا في بُغضِها لَهُ ، وانحِرافِها عَنهُ ؛ فَإِنَّهُ وَتَرَها ، وسَفَكَ دِماءَها ، وكَشَفَ القِناعَ في مُنابَذَتِها ، ونُفوسُ العَرَبِ وأكبادُها كَما تَعلَمُ ! ولَيسَ الإِسلامُ بِمانِعٍ مِن بَقاءِ الأَحقادِ فِي النُّفوسِ ، كَما نُشاهِدُهُ اليَومَ عِيانا ، وَالنّاسُ كَالنّاسِ الاُوَلِ ، وَالطَّبائِعُ واحِدَةٌ ، فَاحسَب أنَّكَ كُنتَ مِن سَنَتَينِ أو ثَلاثٍ جاهِلِيّا أو مِن بَعضِ الرّومِ ، وقَد قَتَلَ واحِدٌ مِنَ المُسلِمينَ ابنَكَ أو أخاكَ ، ثُمَّ
.
ص: 75
أسلَمتَ ؛ أكانَ إسلامُكَ يُذهِبُ عَنكَ ما تَجِدُهُ مِن بُغضِ ذلِكَ القاتِلِ وشَنَآنِهِ ؟ كَلّا ، إنَّ ذلِكَ لَغيرُ ذاهِبٍ ، هذَا إذا كانَ الإِسلامُ صَحيحا ، وَالعَقيدَةُ مَحَقَّقَةً ، لا كَإِسلامِ كَثيرٍ مِنَ العَرَبِ ؛ فَبَعضُهُم تَقليدا ، وبَعضُهُم لِلطَّمَعِ وَالكَسبِ ، وبَعضُهُم خَوفا مِنَ السَّيفِ ، وبَعضُهُم عَلى طَريقِ الحَمِيَّةِ وَالِانتِصارِ ، أو لِعَداوَةِ قَومٍ آخَرينَ مِن أضدادِ الإِسلامِ وأعدائِهِ . وَاعلَم أنَّ كُلَّ دَمٍ أراقَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِسَيفِ عَلِيٍّ عليه السلام وبِسَيفِ غَيرِهِ ؛ فَإِنَّ العَرَبَ بَعدَ وَفاتِهِ عليه السلام عَصَبَت (1) تِلكَ الدِّماءَ بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وَحدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَم يَكُن في رَهطِهِ مَن يَستَحِقُّ في شَرعِهِم وسُنَّتِهِم وعادَتِهِم أن يُعصَبَ بِهِ تِلكَ الدِّماءُ إلّا بِعَلِيٍّ وَحدَهُ ، وهذِهِ عادَةُ العَرَبِ إذا قُتِلَ مِنها قَتلى طالَبَت بِتِلكَ الدِّماءِ القاتِلَ ؛ فَإِن ماتَ أو تَعَذَّرَت عَلَيها مُطالَبَتُهُ ، طالَبَت بِها أمثَلَ النّاسِ مِن أهلِهِ . . . . سَأَلتُ النَّقيبَ أبا جَعفَرٍ يَحيَى بنَ أبي زَيدٍ رَحِمَهُ اللّهُ ! فَقُلتُ لَهُ : إنّي لَأَعجَبُ مِن عَلِيٍّ عليه السلام ! كَيفَ بَقِيَ تِلكَ المُدَّةَ الطَّويلَةَ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ وكَيفَ مَا اغتيلَ وفُتِكَ (2) بِهِ في جَوفِ مَنزِلِهِ ، مَعَ تَلَظِّي الأَكبادِ عَلَيهِ ؟ ! فَقالَ : لَولا أنَّهُ أرغَمَ أنفَهُ بِالتُّرابِ ، ووَضَعَ خَدَّهُ في حَضيضِ الأَرضِ لَقُتِلَ ، ولكِنَّهُ أخمَلَ نَفسَهُ ، وَاشتَغَلَ بِالعِبادَةِ وَالصَّلاةِ وَالنَّظَرِ فِي القُرآنِ ، وخَرَجَ عَن ذلِكَ الزِّيِّ الأَوَّلِ وذلِكَ الشِّعارِ ، ونَسِيَ السَّيفَ ، وصارَ كَالفاتِكِ يَتوبُ ويَصيرُ سائِحا فِي الأَرضِ ، أو راهِبا فِي الجِبالِ . ولَمّا أطاعَ القَومَ الَّذينَ وَلُّوا الأَمرَ ، وصارَ أذَلَّ لَهُم مِنَ الحِذاءِ ، تَرَكوهُ وسَكَتوا
.
ص: 76
عَنهُ ، ولَم تَكُنِ العَرَبُ لِتَقدَمَ عَلَيهِ إلّا بِمُواطَأَةٍ مِن مُتَوَلِّي الأَمرَ ، وباطِنٍ فِي السِّرِّ مِنهُ ، فَلَمّا لَم يَكُن لِوُلاةِ الأَمرِ باعِثٌ وداعٍ إلى قَتلِهِ وَقَعَ الإِمساكُ عَنهُ ، ولَولا ذلِكَ لَقُتِلَ (1) .
راجع : ص137 (الوليد بن عقبة) . وج5 ص476 (المظلوميّة بعد النبيّ) .
1 / 3الحَسَدُشرح نهج البلاغة :جاءَ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» (2) أنَّها اُنزِلَت في عَلِيٍّ عليه السلام وما خُصَّ بِهِ مِنَ العِلمِ (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :ما لَنا ولِقُرَيشٍ ! ! وما تَنكُرُ مِنّا قُرَيشٌ غَيرَ أنّا أهلُ بَيتٍ شَيَّدَ اللّهُ بُنيانَهُم بِبُنيانِنا ، وأعلَى اللّهُ فَوقَ رُؤوسِهِم رُؤوسَنا ، وَاختارَنَا اللّهُ عَلَيهِم ؛ فَنَقَموا عَلَى اللّهِ أنِ اختارَنا عَلَيهِم ، وسَخِطوا ما رَضِيَ اللّهُ وأحَبّوا ما كَرِهَ اللّهُ ، فَلَمَّا اختارَنا اللّهُ عَلَيهِم شَرَكناهُم في حَريمِنا ، وعَرَّفناهُمُ الكِتابَ وَالنُّبُوَّةَ ، وعَلَّمناهُمُ الفَرضَ وَالدّينَ ، وحَفَّظناهُمُ الصُّحُفَ وَالزُّبُر ، ودَيَّنّاهُمُ الدّينَ وَالإِسلامَ ، فَوَثَبوا عَلَينا ، وجَحَدوا فَضلَنا ،ومَنَعونا حَقَّنا ، وألَتونا (4) أسبابَ أعمالِنا وأعلامِنا ! ! اللّهُمَّ فَإِنّي أستَعديكَ (5) عَلى قُرَيشٍ ؛ فَخُذ لي بِحَقّي مِنها ، ولا تَدَع مَظلَمَتي لَدَيها ، وطالِبُهم يا رَبِّ بِحَقّي ؛ فَإِنَّكَ الحَكَمُ العَدلُ (6) .
.
ص: 77
عنه عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ عِندَ خُروجِهِ لِقِتالِ أهلِ البَصرَةِ ، وفيها يَذُمُّ الخارِجينَ عَلَيهِ _: ما لي ولِقُرَيشٍ ! وَاللّهِ لَقَد قاتَلتُهُم كافِرينَ ، ولَاُقاتِلَنَّهُم مَفتونينَ ، وإنّي لَصاحِبُهُم بِالأَمسِ كَما أنَا صاحِبُهُمُ اليَومَ ! وَاللّهِ ما تَنقِمُ مِنّا قُرَيشٌ إلّا أنَّ اللّهَ اختارَنا عَلَيهِم ، فَأَدخَلناهُم في حَيّزِنا فَكانوا كَما قالَ الأَوَّلُ : أدَمتَ _ لَعَمري _ شُربَكَ المَحضَ (1) صابِحا وأكلَكَ بِالزُّبدِ المُقَشَّرَةَ البُجرا (2) ونَحنُ وهَبناكَ العَلاءَ ولَم تَكُن عَلِيّا ، وحُطنا حَولَكَ الجُردَ وَالسُّمرا (3)
شرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس_ مِن كَلامِهِ لِعُثمانَ _: فَأَمّا صَرفُ قَومِنا عَنّا الأَمرَ ، فَعَن حَسَدٍ قَد _ وَاللّهِ _ عَرَفتَهُ ، وبَغيٍ قَد _ وَاللّهِ _ عَلِمتَهُ ، فَاللّهُ بَينَنا وبَينَ قَومِنا (4) .
1 / 4الجَهالةُالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامِهِ في شَأنِ الحَكَمَينِ وذَمِّ أهلِ الشّامِ _: جُفاةٌ طَغامٌ (5) ، وعَبيدٌ أقزامٌ (6) ، جُمِعوا مِن كُلِّ أوبٍ (7) ، وتُلُقِّطوا مِن كُلِّ شَوبٍ ؛ مِمَّن يَنبَغي أن يُفَقَّهَ ويُؤَدَّبَ ، ويُعَلَّمَ ويُدَرَّبَ ، ويُوَلّى عَلَيهِ ، ويُؤخَذَ عَلى يَدَيهِ . لَيسوا مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ،
.
ص: 78
ولا مِنَ الَّذينَ تَبَوَّؤُوا الدّارَ وَالإيمانَ (1) .
عنه عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ إلى عَقيلٍ _: ألا وإنَّ العَرَبَ قَدِ اجتَمَعَت عَلى حَربِ أخيكَ اليَومَ اجتِماعَها عَلى حَربِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله قَبلَ اليَومِ ، فَأَصبَحوا قَد جَهِلوا حَقَّهُ وجَحِدوا فَضلَهُ (2) .
الفتوح_ في وَقائِعِ النَّهرَوانِ _: صاحَ ذُو الثُّدَيَّةِ حُرقوصٌ وقالَ : وَاللّهِ يَابنَ أبي طالِبٍ ، ما نُريدُ بِقِتالِنا إيّاكَ إلّا وَجهَ اللّهِ وَالدّارَ الآخِرَةَ ! ! قالَ : فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : هَل اُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أعمالاً ؟ «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُون أنّهم يُحْسِنُونَ صُنْعا» (3) مِنهُم أهلُ النَّهرَوانِ ورَبِّ الكَعبَةِ ! (4)
راجع : ج2 ص69 (بغض قريش) ، وص71 (الحسد) وج3 ص34 (الحقد) ، وص37 (الحسد) ، وص43 (الجهالة) وص571 (دراسة حول المارقين وجذور انحرافهم) .
.
ص: 79
الفصل الثاني : التحذير من بُغضه2 / 1بُغضُهُ بُغضُ اللّهِ ورَسولِهِمجمع الزوائد عن أبي رافع :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا أميرا عَلَى اليَمَنِ وخَرَجَ مَعَهُ رَجُلٌ مِن أسلَمَ يُقالُ لَهُ : عَمرُو بنُ شاسٍ الأَسلَمِيُّ ، فَرَجَعَ وهُوَ يَذُمُّ عَلِيّا ويَشكوهُ ، فَبَعَثَ إلَيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : اِخسَا يا عَمرُو ! هَل رَأَيتَ مِن عَلِيٍّ جَورا في حُكمِهِ أو أثَرَةً في قَسمِهِ ؟ قالَ : اللّهُمَّ لا ، قالَ : فَعَلامَ تَقولُ الَّذي بَلَغَني ؟ قالَ : بُغضُهُ ، لا أملك . قالَ : فَغَضِبَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى عُرِفَ ذلِكَ في وَجهِهِ ، ثُمَّ قالَ : مَن أبغَضَهُ فَقَد أبغَضَني ، ومَن أبغَضَني فَقَد أبغَضَ اللّهَ ؛ ومَن أحَبَّهُ فَقَد أحَبَّني ، ومَن أحَبَّني فَقَد أحَبَّ اللّهَ تَعالى (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّني فَليُحِبَّ عَلِيّا ؛ ومَن أبغَضَ عَلِيّا فَقَد أبغَضَني ، ومَن أبغَضَني فَقَد أبغَضَ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ ، ومَن أبغَضَ اللّهَ أدخَلَهُ النّارَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّهُ عَزَّوجَلَّ يَقولُ : مَن عاداهُ عاداني ، ومَن والاهُ
.
ص: 80
والاني ، ومَن ناصَبَهُ ناصَبَني ، ومَن خالَفَهُ خالَفَني ، ومَن عَصاهُ عَصاني ، ومَن آذاهُ آذاني ، ومَن أبغَضَهُ أبغَضَني ، ومَن أحَبَّهُ أحَبَّني ، ومَن أرداهُ أرداني ، ومَن كادَهُ كادَني ، ومَن نَصَرَهُ نَصَرَني (1) .
كنز العمّال عن ابن عبّاس :خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قابِضا عَلى يَدِ عَلِيٍّ ذاتَ يَومٍ فَقالَ : ألا مَن أبغَضَ هذَا فَقَد أبغَضَ اللّهَ ورَسولَهُ ، ومَن أحَبَّ هذَا فَقَد أحَبَّ اللّهَ ورَسولَهُ (2) .
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله نَظَرَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَقالَ : أنتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنيا ، سَيِّدٌ فِي الآخِرَةِ ، مَن أحَبَّكَ فَقَد أحَبَّني ، وحَبيبُكَ حَبيبُ اللّهِ ؛ ومَن أبغَضَكَ فَقَد أبغَضَني ، وبَغيضُكَ بغَيضُ اللّهِ ، وَالوَيلُ لِمَن أبغَضَكَ مِن بَعدي ! (3)
راجع : ص15 (حبّه حبّ اللّه ) ، وص17 (حبّه حبّ النبيّ) .
2 / 2عَداوَتُهُ عَداوَةُ اللّهِ ورَسولِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنيا ، سَيِّدٌ فِي الآخِرَةِ ، حَبيبُكَ حَبيبي ، وحَبيبي حَبيبُ اللّهِ ؛ وعَدُوُّكَ عَدُوّي ، وعَدُوّي عَدُوّ اللّهِ ، وَالويَلُ لِمَن أبغَضَكَ بَعدي ! (4)
.
ص: 81
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: وَلِيُّكَ وَلِيّي ، ووَلِيّي وَلِيُّ اللّهِ ؛ وعَدُوُّكَ عَدُوّي وعَدُوّي عَدُوُّ اللّهِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ عَلِيّا سَيِّدُ الوَصِيّينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، ومَولَى المُؤمِنينَ ، وَلِيُّهُ وَلِيّي ، ووَلِيّي وَلِيُّ اللّهِ ؛ وعَدُوُّهُ عَدُوّي ، وعَدُوّي عَدُوُّ اللّهِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ أخي ووارِثي وخَليفَتي عَلى اُمَّتي ، وَلايَتُهُ فَريضَةٌ ، وَاتِّباعُهُ فَضيلَةٌ ، ومَحَبَّتُهُ إلَى اللّهِ وَسيلَةٌ ، فَحِزبُهُ حِزبُ اللّهِ ، وشيعَتُهُ أنصارُ اللّهِ ، وأولِياؤُهُ أولِياءُ اللّهِ ، وأعداؤُهُ أعداءُ اللّهِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :ولِيُّ عَلِيٍّ وَلِيُّ اللّهِ ، وعَدُوُّ عَلِيٍّ عَدُوُّ اللّهِ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام خَليفَةُ اللّهِ وخَليفَتي . . . مُحِبُّهُ مُحِبّي ، ومُبغِضُهُ مُبغِضي ؛ ووَلِيُّهُ وَلِيّي ، وعَدُوُّهُ عَدُوّي (5) .
راجع : ص15 (حبّه حبّ اللّه ) .
.
ص: 82
2 / 3وَيلٌ لِمَن أبغَضَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، طوبى لِمَن أحَبَّكَ وصَدَقَ فيكَ ، ووَيلٌ لِمَن أبغَضَكَ وكَذَبَ فيكَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: طوبى لِمَن أحَبَّكَ وصَدَقَ عَلَيكَ ، ووَيلٌ لِمَن أبغَضَكَ وكَذَبَ عَلَيكَ . يا عَلِيُّ ، أنتَ العَلَمُ لِهذِهِ الاُمَّةِ ؛ مَن أحَبَّكَ فازَ ، ومَن أبغَضَكَ هَلَكَ (2) .
2 / 4سَخَطُ اللّهِ عَلى مَن أبغَضَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ألا إنَّ جَبرَئيل خَبَّرَني عَنِ اللّهِ تَعالى . . . ويَقولُ : مَن عادى عَلِيّا ولَم يَتَوَلَّهُ فَعَلَيه لَعنَتي وغَضَبي (3) .
كنز الفوائد عن أبي هريرة :كُنتُ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إذ أقبَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ فَقالَ : أ تَدري مَن هذَا ؟ قُلتُ : هذَا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : هذَا البَحرُ الزّاخِرُ ، هذَا الشَّمسُ الطّالِعَةُ ، أسخى مِنَ الفُراتِ كَفّا ، وأوسَعُ مِنَ الدُّنيا قَلبا ؛ فَمَن أبغَضَهُ فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ (4) .
.
ص: 83
2 / 5سَخَطُ النَّبِيِّ عَلى مَن أبغَضَهُخصائص أمير المؤمنين عن سعد بن أبي وقّاص :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ الجُحفَةِ ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ، إنّي وَلِيُّكُم ! قالوا : صَدَقتَ يا رَسولَ اللّهِ ، أنتَ وَلِيُّنا . ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَرَفَعَها فَقالَ : هذَا وَلِيّي ، ويُؤَدّي عَنّي دَيني ، وأنَا مُوالي مَن والاهُ ، ومُعادي مَن عاداهُ (1) .
المناقب لابن المغازلي عن عبد اللّه بن مسعود :رأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام وهُوَ يَقولُ : اللّهُ وَلِيّي وأنَا وَلِيُّكَ ، ومُعاديَ مَن عاداكَ ، ومُسالِمُ مَن سالَمَكَ (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ النّاسِ ، مَن أحَبَّ عَلِيّا أحببَتُهُ ، ومَن أبغَضَ عَلِيّا أبغَضتُهُ ، ومَن وَصَلَ عَلِيّا وَصَلتُهُ ، ومَن قَطَعَ عَلِيّا قَطَعتُهُ ، ومَن جَفا عَلِيّا جَفَوتُهُ ، ومَن والى عَلِيّا والَيتُهُ ، ومَن عادى عَلِيّا عادَيتُه (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ فَلَيسَ مِنّي ولا أنَا مِنهُ : بُغضُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، ونَصبٌ لِأَهلِ بَيتي ، ومَن قالَ : الإيمانُ كَلامٌ (4) .
تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن عطاء عن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ
.
ص: 84
أبي طالِبٍ وخالِدَ بنَ الوَليدِ ، كُلَّ واحِدٍ مِنهُما وَحدَهُ ، وجَمَعَهُما فَقالَ : إذَا اجتَمَعتُما فَعَلَيكُم عَلِيٌّ . قالَ : فَأَخَذنا يَمينا أو يَسارا ، قالَ : فَأَخَذَ عَلِيٌّ فَأَبعَدَ ، فَأَصابَ سَبيا ، فَأَخَذَ جارِيَةً مِنَ الخُمسِ . قالَ بُرَيدَةُ : وكُنتُ مِن أشَدِّ النّاسِ بُغضا لِعَلِيٍّ ! وقَد عَلِمَ ذلِكَ خالِدُ بنُ الوَليدِ ، فَأَتى رَجُلٌ خالِدا فَأَخبَرَهُ أنَّهُ أخَذَ جارِيَةً مِنَ الخُمسِ ، فَقالَ : ما هذَا ؟ ثُمَّ جاءَ آخَرُ ، ثُمَّ أتى آخَرُ ، ثُمَّ تَتابَعَتِ الأَخبارُ عَلى ذلِكَ ، فَدَعاني خالِدٌ فَقالَ : يا بُرَيدَةُ ، قَد عَرَفتَ الَّذي صَنَعَ ، فَانطَلِق بِكِتابي هذَا إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَخبِرهُ . وكَتَبَ إلَيهِ . فَانطَلَقتُ بِكتابِهِ حَتّى دَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَخَذَ الكِتابَ فَأَمسَكَهُ بِشِمالِهِ وكانَ كَما قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ لا يَكتُبُ ولا يَقرَأُ ، وكُنتُ رَجُلاً إذا تَكَلَّمتُ طَأطَأتُ رَأسي حَتّى أفرُغَ مِن حاجَتي ، فَطَأطَأتُ رَأسي أو (1) تَكَلَّمتُ فَوَقَعتُ في عَلِيٍّ حَتّى فَرَغتُ ، ثُمَّ رَفَعتُ رَأسي ، فَرَأَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد غَضِبَ غَضَبا لَم أرَهُ غَضِبَ مِثلَهُ قَطُّ إلّا يَومَ قُرَيظَةَ وَالنَّضيرِ ، فَنَظَرَ إلَيَّ فَقالَ : يا بُرَيدَةُ ! إنَّ عَلِيّا وَلِيُّكُم بَعدي ، فَأَحِبَّ عَلِيّا ؛ فَإِنَّهُ يَفعَلُ ما يُؤمَرُ . قالَ : فَقُمتُ وما أحَدٌ مِنَ النّاسِ أحَبُّ إلَيَّ مِنهُ . وقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَطاءٍ : حَدَّثتُ بِذلِكَ أبا حَربِ بنَ سُوَيدِ بنِ غَفلَةَ فَقالَ : كَتَمَكَ عَبدُ اللّهِ بنُ بُرَيدَةَ بَعضَ الحَديثِ ! إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ لَهُ : أ نافَقتَ بَعدي يا بُرَيدَةُ ؟ ! (2)
المعجم الأوسط عن ابن بريدة عن أبيه :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا أميرا عَلَى اليَمَنِ ، وبَعَثَ خالِدَ بنَ الوَليدِ عَلَى الجَبَلِ ، فَقالَ : «إنِ اجتَمَعتُما فَعَلِيٌّ عَلَى النّاسِ» فَالتَقَوا ،
.
ص: 85
وأصابوا مِنَ الغَنائِمِ ما لَم يُصيبوا مِثلَهُ ، وأخَذَ عَلِيٌّ جارِيَةَ مِنَ الخُمسِ ، فَدَعا خالِدُ بنُ الوَليدِ بُرَيدَةَ ، فَقالَ : اِغتَنِمها ، فَأخبِرِ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله بِما صَنَعَ . فَقَدِمتُ المَدينَةَ ، ودَخَلتُ المَسجِدَ ، ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في مَنزِلِهِ ، وناسٌ مِن أصحابِهِ عَلى بابِهِ ، فَقالوا : مَا الخَبَرَ يا بُرَيدَةُ ؟ فَقُلتُ : خَيرٌ ؛ فَتَحَ اللّهُ عَلَى المُسلِمينَ ، فَقالوا : ما أقدَمَكَ ؟ قالَ : جارِيَةٌ أخَذَها عَلِيٌّ مِنَ الخُمسِ ، فَجِئتُ لِاُخبِرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله . قالوا: فَأَخبِرهُ ، فَإِنَّهُ يُسقِطُهُ مِن عَينِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَسمَعُ الكَلامَ ، فَخَرَجَ مُغضَبا وقالَ : ما بالُ أقوامٍ يَنتَقِصونَ عَلِيّا ؟ ! مَن يَنتَقِصُ عَلِيّا فَقَدِ انتَقَصَني ، ومَن فارَقَ عَلِيّا فَقَد فارَقَني ، إنَّ عَلِيّا مِنّي وأنَا مِنهُ ؛ خُلِقَ مِن طينَتي ، وخُلقِتُ مِن طينَةِ إبراهيمَ ، وأنَا أفضَلُ مِن إبراهيمَ «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (1) . وقالَ : يا بُرَيدَةُ ، أما عَلِمتَ أنَّ لِعَلِيٍّ أكثَرَ مِنَ الجارِيَةِ الَّتي أخَذَ ، وأنَّهُ وَلِيُّكُم مِن بَعدي ؟ ! فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ! بِالصُّحبَةِ إلّا بَسَطتَ يَدَكَ حَتّى اُبايِعَكَ عَلَى الإِسلامِ جَديدا . قالَ : فَما فارَقتُهُ حَتّى بايَعتُهُ عَلَى الإِسلامِ (2) .
مسند ابن حنبل عن عبد اللّه بن بريدة :حَدَّثَني أبي بُرَيدَةُ قالَ : أبغَضتُ عَلِيّا بُغضا لَم يَبغِضهُ أحَدٌ قَطُّ ، قالَ : وأحبَبتُ رَجُلاً مِن قُرَيشٍ لَم أحِبَّهُ إلّا عَلى بُغضِهِ عَلِيّا ، قالَ : فَبُعِثَ ذلِكَ الرَّجُلُ عَلى خَيلٍ فَصَحِبتُهُ ، ما أصحَبُهُ إلّا عَلى بُغضِهِ عَلِيّا ، قالَ : فَأَصَبنا سَبيا، قالَ : فَكَتَبَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِبعَث إلَينا مَن يُخَمِّسُهُ ، قالَ : فَبَعَثَ إلَينا عَلِيّا ، وفِي السَّبيِ وَصيفَةٌ هِيَ أفضَلُ مِنَ السَّبيِ ، فَخَمَّسَ وقَسَّمَ ، فَخَرَجَ [ و ] (3) رَأسُهُ مُغَطّى ،
.
ص: 86
فَقُلنا : يا أبَا الحَسَنِ ، ما هذَا ؟ قالَ : ألَم تَرَوا إلَى الوَصيفَةِ الَّتي كانَت فِي السَّبِي ؛ فَإِنّي قَسَّمتُ وخَمَّستُ فَصارَت فِي الخُمسِ ، ثُمَّ صارَت في أهلِ بَيتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ صارَت في آلِ عَلِيٍّ ، ووَقَعتُ بِها . قالَ : فَكَتَبَ الرَّجُلُ إلى نَبِيِّ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقُلتُ : اِبعَثني ، فَبَعَثَني مُصَدِّقا . قالَ : فَجَعَلتُ أقَرَأُ الكِتابَ وأقولُ : صَدَق . قالَ : فَأَمسَكَ يَدي وَالكِتابَ وقالَ : أ تُبغِضُ عَلِيّا ؟ قالَ : قُلتُ : نَعَم ، قالَ : فَلا تُبغِضهُ ، وإن كُنتَ تُحِبُّهُ فَازدَد لَهُ حُبّا ، فَوَالَّذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَنَصيبُ آلِ عَلِيٍّ فِي الخُمسِ أفضَلُ مِن وَصيفَةٍ . قالَ : فَما كانَ مِنَ النّاسِ أحَدٌ بَعدَ قَولِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أحَبَّ إلَيَّ مِن عَلِيٍّ . قالَ عَبدُ اللّهِ : فَوَالَّذي لا إله غَيرُهُ ما بَيني وبَينَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في هذَا الحَديثِ غَيرُ أبي بُرَيدَةَ (1) .
الإرشاد_ في خَبَرِ سَبيِ عَلِيٍّ عليه السلام نِساءً مِن قَومِ عَمرِو بنِ مَعديكَرِبٍ وَاصطِفائِهِ جارِيَةً لِنَفسِهِ _: قالَ بُرَيدَةُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ إن رَخَّصتَ لِلنّاسِ في مِثلِ هذَا ذَهَبَ فَيؤُهُم ! فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : وَيحَكَ يا بُرَيدَةُ ! أحدَثتَ نِفاقا ! إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ يَحِلُّ لَهُ مِنَ الفَيءِ ما يَحِلُّ لي ، إنَّ علِيَّ بنَ أبي طالِبٍ خَيرُ النّاسِ لَكَ ولِقَومِكَ ، وخَيرُ مَن اُخَلِّفُ مِن بَعدي لِكافَّةِ اُمَّتي . يا بُرَيدَةُ ، احذَر أن تُبغِضَ عَلِيّا فَيُبغِضَكَ اللّهُ .
.
ص: 87
قالَ بُريَدَةُ : فَتَمَنَّيتُ أنَّ الأَرضَ انشَقَّت بي فَسُختُ (1) فيها ، وقُلتُ : أعوذُ بِاللّهِ مِن سَخَطِ اللّهِ وسَخَطِ رَسولِهِ ، يا رَسولَ اللّهِ استَغفِر لي ؛ فَلَن اُبغِضَ عَلِيّا أبَدا ، ولا أقولُ فيهِ إلّا خَيرا . فَاستَغفَرَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله (2) .
راجع : ج1 ص461 (الفصل السابع : أحاديث الولاية) .
2 / 6دُعاءُ النَّبِيِّ عَلى مَن أبغَضَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، اللّهُمَّ عادِ مَن عاداهُ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؛ اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وأحِبَّ مَن أحَبَّهُ ، وأبغِض مَن أبغَضَهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ (5) .
الإمام الحسن عليه السلام :دَعا [رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ] وهُوَ عَلَى المِنبَرِ عَلِيّا ، فَاجتَذَبَهُ بِيدِهِ فَقالَ : اللّهُمَّ
.
ص: 88
والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، اللّهُمَّ مَن عادى عَلِيّا فَلا تَجعَل لَهُ فِي الأرضِ مَقعَدا ، ولا فِي السَّماءِ مَصعَدا ، وَاجعَلهُ في أسَفلِ دَرَكٍ (1) مِنَ النّارِ (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عادى اللّهُ مَن عادى عَلِيّا (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في حِجَّةِ الوَداعِ وهُوَ عَلى ناقَتِهِ ويَدُهُ عَلى مَنكِبِ (4) عَلِيٍّ عليه السلام _: اللّهُمَّ هَل بَلَّغتُ ؟ اللّهُمَّ هَل بَلَّغتُ ؟ هذَا ابنُ عَمّي وأبو وُلدي ، اللّهُمَّ كُبَّ مَن عاداهُ فِي النّارِ ! (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: قاتَلَ اللّهُ مَن قاتَلَكَ ، وعادى مَن عاداكَ ! (6)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: قاتَلَ اللّهُ مَن يُقاتِلُكُ ومَن يُعاديكَ ! (7)
الإصابة عن ابن الزبير :قَدِمَ مُعاوِيَةُ حاجّا ، فَدَخَلَ المَسجِدَ ، فَرَأى شَيخا لَهُ ضَفيرَتانِ كانَ أحسَنَ الشُّيوخِ سَمتا وأنظَفَهُم ثَوبا ، فَسَأَلَ فَقيلَ لَهُ : إنَّهُ ابنُ عُرَيضٍ ، فَأَرسَلَ إلَيهِ فَجاءَ فَقالَ : ما فَعَلَت أرضُكَ تَيماءُ ؟ قالَ : باقِيَةٌ ، قالَ : بِعنيها ، قالَ : نَعَم ، ولَولَا الحاجَةُ ما بِعتُها . وَاستَنشَدَهُ مَرثِيَّةَ ابنِهِ لِنَفسِهِ فَأَنشَدَهُ ، ودارَ بَينَهُما كَلامٌ فيهِ ذِكرُ
.
ص: 89
عَلِيٍّ ، فَغَضَّ ابنُ عُرَيضٍ مِن مُعاوِيَةَ ، فَقالَ مُعاوِيَةُ : ما أراهُ إلّا قَد خَرِفَ ، فَأَقيموهُ ، فَقالَ : ما خَرِفتُ ، ولكِن أنشُدُكَ اللّهَ يا مُعاوِيَةُ ، أما تَذكُرُ _ يا مُعاوِيَةُ _ لَمّا كُنّا جُلوسا عِندَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَجاءَ عَلِيٌّ فَاستَقبَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : قاتَلَ اللّهُ مَن يُقاتِلُكَ ، وعادى مَن يُعاديكَ ؟ (1)
راجع : ج1 ص266 (اللّهُمَّ وال من والاه وعاد من عاداه) . وص511 (حديث الغدير) .
2 / 7تَحذيرُ اللّهِ مِن إيذائِهِ«وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانا وَإِثْما مُّبِينا» (2) .
كشف الغمّة عن مقاتل بن سليمان_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَ_تِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ» _: إنَّها نَزَلَت في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وذلِكَ أنَّ نَفَرا مِن قُرَيشٍ كانوا يُؤذونَهُ ويَكذِبونَ عَلَيهِ (3) .
تفسير القرطبي_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَ_تِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَ_نًا وَ إِثْمًا مُّبِينًا » _ : قيلَ : نَزَلَت في عَلِيٍّ ؛ فَإنَّ المُنافِقينَ كانوا يُؤذونَهُ ويَكذِبونَ عَلَيهِ رضى الله عنه (4) .
.
ص: 90
2 / 8حاسِدُهُ حاسِدُ النَّبِيِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن حَسَدَ عَلِيّا حَسَدَني ، ومَن حَسَدَني دَخَلَ النّارَ 1 .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن حَسَدَ عَلِيّا فَقَد حَسَدَني ، ومَن حَسَدَني فَقَد كَفَرَ (1) .
الأمالي للطوسي عن أنس بن مالك :كُنتُ خادِما لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَكانَ إذا ذَكَرَ عَلِيّا عليه السلام رَأَيتُ السُّرورَ في وَجهِهِ ، إذ دَخَلَ عَلَيهِ رَجُلٌ مِن وُلدِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، فَجَلَسَ فَذَكَرَ عَليِّا عليه السلام ، فَجَعَلَ يَنالُ مِنهُ وجَعَلَ وَجهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله يَتَغَيَّرُ ، فَما لَبِثَ أن دَخَلَ عَلِيٌّ عليه السلام فَسَلَّمَ فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : عَلِيٌّ وَالحَقُّ مَعا هكَذا _ وأشارَ بِإصبَعَيهِ _ لَن يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ . يا عَلِيُّ ، حاسِدُك حاسِدي ، وحاسِدي حاسِدُ اللّهِ ، وحاسِدُ اللّهِ فِي النّارِ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :شَكَوتُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَسَدَ النّاسِ إيّاي ، فَقالَ : أ ما تَرضى أن تَكونَ رابِعَ أربَعَةٍ أوَّلَ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ ؟ أنَا وأنتَ وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ ، وأزواجُنا عَن أيمانِنا
.
ص: 91
وعَن شَمائِلِنا ، وذَرارينا خَلفَ أزواجِنا ، وشيعَتُنا مِن وَرائِنا (1) .
راجع : ص76 (الحسد) .
2 / 9إيذاؤُهُ إيذاءُ النَّبِيِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن آذى عَلِيّا فَقَد آذاني (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: مَن آذاكَ فَقَد آذاني ، ومَن آذاني فَقَد آذَى اللّهَ (3) .
مسند أبي يعلى عن سعد بن أبي وقّاص :كُنتُ جالِسا فِي المَسجِدِ أنَا ورَجُلَين مَعي ، فَنِلنا مِن عَلِيٍّ ، فَأَقبَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله غَضبانَ يُعرَفُ في وَجهِهِ الغَضَبُ ، فَتَعَوَّذتُ بِاللّهِ مِن غَضَبِهِ ، فَقالَ : ما لَكُم وما لي ؟ مَن آذى عَلِيّا فَقَد آذاني (4) .
الأمالي للطوسي عن زرّ بن حبيش :كانَت عِصابَةٌ مِن قُرَيشٍ في مَسجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَذَكَروا
.
ص: 92
عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام وَانتَهَكوا مِنهُ ، ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قائِلٌ (1) في بَيتِ بَعضِ نِسائِهِ ، فَاُتِيَ بِقَولِهِم فَثارَ مِن نَومِهِ في إزارٍ لَيسَ عَلَيهِ غَيرُهُ ، فَقَصَدَ نَحوَهُم ورَأَوُا الغَضَبَ في وَجهِهِ ، فَقالوا : نَعوذُ بِاللّهِ مِن غَضَبِ اللّهِ وغَضَبِ رَسولِهِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما لَكُم وعَلِيٌّ ؟ أ ما تَدَعون عَلِيّا ؟ ألا إنَّ عَلِيّا مِنّي وأنَا مِنهُ ، مَن آذى عَلِيّا فَقَد آذاني ، من آذى عليّا فقد آذاني (2) .
مسند ابن حنبل عن عمرو بن شاس الأسلمي :خَرَجتُ مَعَ عَلِيٍّ إلَى اليَمَنِ فَجَفاني في سَفَري ذلِكَ حَتّى وَجَدتُ في نَفسي عَلَيهِ ، فَلَمّا قَدِمتُ أظهَرتُ شِكايَتَهُ فِي المَسجِدِ حَتّى بَلَغَ ذلِكَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَدَخَلتُ المَسجِدَ ذاتَ غُدوَةٍ ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في ناسٍ مِن أصحابِهِ ، فَلَمَّا رَآني أبَدَّني عَينَيهِ _ يَقولُ : حَدَّدَ إلَيَّ النَّظَرَ _ حَتّى إذا جَلَستُ قالَ : يا عَمرُو ، واللّهِ لَقَد آذَيتَني ! قُلتُ : أعوذُ بِاللّهِ أن اُوذِيَكَ يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : بَلى ، مَن آذى عَلِيّا فَقَد آذاني (3) .
التاريخ الكبير عن عمرو بن شاس :قالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : آذَيتَني ! قُلتُ : ما اُحِبُّ أن اُوذِيَكَ ! قالَ : مَن آذى عَلِيّا فَقَد آذاني (4) .
المناقب للخوارزمي عن عمرو بن خالد :حَدَّثَني زَيدُ بنُ عَلِيٍّ _ وهُوَ آخِذٌ بِشَعرِهِ ، قالَ : حَدَّثني عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ ، وهُوَ آخِذٌ بِشَعرِهِ ، قالَ : حَدَّثني الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ ، وهُوَ
.
ص: 93
آخِذٌ بِشَعرِهِ ، قالَ : حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وهُوَ آخِذٌ بِشَعرِهِ ، قالَ : حَدَّثني رَسوُل اللّهِ ، وهُوَ آخِذٌ بِشَعرِهِ ، قالَ : يا عَلِيُّ ، مَن آذى شَعرَةً مِنكَ فَقَد آذاني ، ومَن آذاني فَقَد آذَى اللّهَ ، ومَن آذَى اللّهَ لَعَنَهُ مِل ءَ السَّماواتِ ومِل ءَ الأَرضِ (1) .
2 / 10نَهيُ النَّبِيِّ عَن سَبِّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا تَسُبّوا عَلِيّا ؛ فَإِنَّهُ كانَ مَمسوسا (2) في ذاتِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :أيُّها النّاسُ ، لا تَسُبّوا عَلِيّا ولا تَحسُدوهُ ؛ فَإِنَّهُ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ بَعدي (4) .
2 / 11سَبُّهُ سَبُّ النَّبِيِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن سَبَّ عَلِيّا فَقَد سَبَّني ، ومَن سَبَّني فَقَد سَبَّ اللّهَ تَعالى (5) .
راجع : ص185 (ابن عبّاس) ، وص187 (اُمّ سلمة) .
.
ص: 94
2 / 12نَصُّ النَّبِيِّ عَلى كُفرِ مَن أبغَضَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :حُبُّ عَلِيٍّ إيمانٌ ، وبُغضُهُ كُفرٌ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أبغَضَ عَلِيّا فَقَد أبغَضَني ، ومَن أبغَضَني فَقَد أبغَضَ اللّهَ . لا يُحِبُّكَ إلّا مُؤمِنٌ ، ولا يُبغِضُكَ إلّا كافِرٌ أو مُنافِقٌ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن زَعَمَ أنَّهُ آمَنَ بي وما جِئتُ بِهِ وهُوَ يُبغِضُ عَلِيّا ، فَهُوَ كاذِبٌ لَيسَ بِمُؤمِنٍ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، لا يُبالي مَن ماتَ وهُوَ يُبغِضُكَ ؛ ماتَ يَهودِيّا أو نَصرانِيّا (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن ماتَ وفي قَلبِهِ بُغضُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَليَمُت يَهودِيّا أو نَصرانِيّا (5) .
2 / 13نَصُّ النَّبِيِّ عَلى كُفرِ مَن آذاهُالمناقب لابن المغازلي عن ابن عبّاس :كُنتُ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إذ أقبَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ غَضبانَ ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ما أغضَبَكَ ؟ قالَ : آذَوني فيكَ بَنو عَمِّكَ ! فَقامَ
.
ص: 95
رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُغضَبا ، فَقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! مَن آذى عَلِيّا فَقَد آذاني ؛ إنَّ عَلِيّا أوَّلُكُم إيمانا ، وأوفاكُم بِعَهدِ اللّهِ . يا أيُّهَا النّاسُ ، مَن آذى عَلِيّا بُعِثَ يَومَ القِيامَةِ يَهودِيّا أو نَصرانِيّا . قالَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّ : يا رَسولَ اللّهِ ، وإن شَهِدَ أن لا إلهَ إلّا اللّهُ ، وأنَّكَ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ ؟ فَقالَ : يا جابِرُ ، كَلِمَةٌ يَحتَجِزونَ بِها ألّا تُسفَكَ دِماؤُهُم ، وألّا يُستَباحَ أموالُهُم ، وألّا يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وهُم صاغِرونَ (1) .
راجع : ص15 (حبّه حبّ اللّه ) ، وص17 (حبّه حبّ النبيّ) وص27 (الأمن والإيمان) ، وص44 (الإيمان) وص103 (خبث الولادة) ، وص107 (النفاق) . أهل البيت في الكتاب والسنة : ص447 (القسم العاشر : بغض أهل البيت) .
.
ص: 96
. .
ص: 97
الفصل الثالث : مضارّ بغضه3 / 1الحِرمانُ مِن رَحمَةِ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّما رَفَعَ اللّهُ القَطرَ في بَني إسرائِيلَ بِسوءِ رَأيِهِم في أنبِيائِهِم ، وإنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يَرفَعُ القَطرَ عَن هذِهِ الاُمَّةِ بِبُغضِهِم عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ مَنَعَ بَني إسرائيلَ قَطرَ السَّماءِ بِسوءِ رَأيِهِم في أنبِيائِهِم وَاختِلافِهِم في دينِهِم ، وإنَّهُ آخِذُ هذِهِ الاُمَّةِ بِالسِّنينَ (2) ، ومانِعُهُم قَطرَ السَّماءِ بِبُغضِهِم عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام (3) .
3 / 2هَلاكُ النَّفسِالإمام عليّ عليه السلام :يَهلِكُ فِيَّ ثَلاثَةٌ ، ويَنجو فِيَّ ثَلاثَةٌ ؛ يَهلِكُ اللاعِنُ ، وَالمُستَمِعُ المُقِرُّ ،
.
ص: 98
وَالحامِلُ لِلوِزرِ وهُوَ المَلِكُ المُترَفُ يُتَقَرَّبُ إلَيهِ بِلَعني ، ويُبرَأُ عِندَهُ مِن ديني ، ويُنتَقَصُ عِندَهُ حَسَبي ؛ وإنَّما حَسَبي حَسَبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ودينيدينُهُ . ويَنجو فِيَّ ثَلاثَةٌ : المُحِبُّ المُوالي ، وَالمُعادي مَن عاداني ، وَالمُحِبُّ مَن أحَبَّني . فَإِذا أحَبَّني عَبدٌ أحَبَّ مُحُبّي ، وأبغَضَ مُبغِضي ، وشايَعَني . فَليَمتَحِنِ الرَّجُلُ قَلبَهُ ؛ إنَّ اللّهَ لَم يَجعَل لِرَجُلٍ مِن قَلبَينِ في جَوفِهِ فَيُحِبَّ بِهذا ويُبغِضَ بِهذا ، فَمَن اُشرِبَ قَلبُهُ حُبَّ غَيرِنا فَأَلَّبَ عَلَينا فَليَعلَم أنَّ اللّهَ عَدُوُّهُ وجِبريلَ وميكالَ ، وَاللّهُ عَدُوٌّ لِلكافِرينَ (1) .
3 / 3مَوتُ الجاهِلِيَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ عَلِيّا مَحياهُ ومَماتَه ، كَتَبَ اللّهُ تَعالى لَهُ الأَمنَ وَالإيمانَ ما طَلَعَتِ الشَّمسُ وما غَرَبَت ؛ ومَن أبغَضَ عَلِيّا مَحياهُ ومَماتَه ، فَميتَتُهُ جاهِلِيَّةٌ ، وحوسِبَ بِما أحدَثَ فِي الإِسلامِ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :طَلَبَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَوَجَدَني في جَدوَلٍ نائِما ، فَقالَ : قُم ، ما ألومُ النّاسَ يُسَمّونَكَ أبا تُرابٍ ! قالَ : فَرَآني كَأَنّي وَجَدتُ (3) في نَفسي مِن ذلِكَ ، فَقالَ : قُم ، وَاللّهِ لاُرضِيَنَّكَ ! أنتَ أخي ، وأبو وُلدي ، تُقاتِلُ عَن سُنَّتي وتُبرئ ذِمَّتي ؛ مَن ماتَ في عَهدي فَهُوَ كَنزُ اللّهِ ، ومَن ماتَ في عَهدِكَ فَقَد قَضى نَحبَهُ ، ومَن ماتَ يُحِبُّكَ بَعدَ مَوتِكَ خَتَمَ اللّهُ لَهُ بالأَمنِ وَالإيمانِ ما طَلَعَت شَمسٌ أو غَرَبَت ، ومن مات يُبغِضُكَ
.
ص: 99
ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً ، وحوسِبَ بِما عَمِلَ فِيالإِسلامِ (1) .
الأمالي للمفيد عن أنس بن مالك :نَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ: يا عَلِيُّ، مَن أبغَضَكَ أماتَهُ اللّهُ ميتَةً جاهِلِيَّةً ، وحاسَبَهُ بِما عَمِلَ يَومَ القِيامَةِ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ مُحَمّدا صلى الله عليه و آله أخَذَ بِيَدي ذاتَ يَومٍ فَقالَ : مَن ماتَ وهُوَ يُبِغضُكَ فَفي ميتَةٍ جاهِلِيَّةٍ ، يُحاسَبُ بِما عَمِلَ فِيالإِسلامِ ؛ ومَن عاشَ بَعدَكَ وهُوَ يُحِبُّكَ خَتَمَ اللّهُ لَهُ بِالأَمنِ وَالإيمانِ كُلَّما طَلَعَت شَمسٌ وغَرَبَت حَتّى يَرِدَ عَلَيَّ الحَوضَ (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن ماتَ وهُوَ يُبِغضُكَ يا عَلِيُّ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً يَهودِيّا أو نَصرانِيّا ، و يُحاسِبُهُ اللّهُ بِما عَمِلَ فِي الإِسلامِ (4) .
3 / 4عَمى يَومِ القِيامَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِلمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ _: أحِبّوا عَلِيّا لِحُبّي ، وأكرِموهُ لِكَرامَتي ، وَاللّهِ ما قُلتُ لَكُم هذَا مِن قِبلَي ، ولكِنَّ اللّهَ تَعالى أمَرَني بِذلِكَ . ويا مَعشَرَ العَرَبِ ! مَن أبغَضَ عَلِيّا مِن بَعدي حَشَرَهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ أعمى لَيسَ لَهُ حُجَّةٌ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :يُؤتى بِجاحِدِ حَقِّ عَلِيٍّ ووَلايَتِهِ يَومَ القِيامَةِ أصَمَّ وأبكَمَ وأعمى يَتكَبكَبُ (6) في
.
ص: 100
ظُلُماتِ يَومِ القِيامَةِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :ما مِن أحَدٍ خالَفَ وصِيَّ نَبِيٍّ إلّا حَشَرَهُ اللّهُ أعمى يَتَكَبكَبُ في عَرَصاتِ القِيامَةِ (2) .
3 / 5نارُ جَهَنَّمَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ النّارَ لَتَغيظُ ويَشتَدُّ زَفيرُها عَلى أعداءِ عَلِيٍّ عليه السلام وهُم فِي الدُّنيا قَبلَ أن يَدخُلوها (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، لَو أنَّ اُمَّتي أبغَضوكَ لَأَكَبَّهُمُ اللّهُ عَلى مَناخِرهِم فِي النّارِ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، لَو أنَّ اُمَّتي صاموا حَتّى يَكونوا كَالحَنايا ، وصَلّوا حَتّى يَكونوا كَالأَوتارِ ، ثُمَّ أبغَضوكَ ، لَأَكَبَّهُمُ اللّهُ فِي النّارِ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :لَو أنَّ عَبَدا عَبَدَ اللّهَ ألفَ عامٍ بَعدَ ألفِ عامٍ وألفِ عامٍ بَينَ الرُّكنِ وَالمَقامِ ، ثُمَّ لَقِيَ
.
ص: 101
اللّهَ مُبغِضا لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وعِترَتي ، أكَبَّهُ اللّهُ عَلى مَنخِرَيهِ يَومَ القِيامَةِ في نارِ جَهَنَّمَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، لَو أنَّ عَبدا عَبَدَ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ مِثلَ ما قامَ نوحٌ في قَومِهِ ، وكانَ لَهُ مِثلُ اُحُدٍ ذَهَبا فَأَنفَقَهُ في سَبيلِ اللّهِ ، ومُدَّ في عُمرِهِ حَتّى حجّ ألفَ عامٍ عَلى قَدَمَيهِ ، ثُمَّ قُتِلَ بَينَ الصَّفا وَالمَروَةِ مَظلوما ، ثُمَّ لَم يُوالِكَ يا عَلِيُّ ، لَم يَشَمَّ رائِحَةَ الجَنَّةِ ولَم يَدخُلها (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يَقولُ اللّهُ تَعالى يَومَ القِيامَةِ لي ولِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ : أدخِلَا الجَنَّةَ مَن أحَبَّكُما ، وأدخِلَا النّارَ مَن أبغَضَكُما ؛ وذلِكَ قَولُهُ تَعالى : «أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ» (3) . (4)
ينابيع المودّة عن جابر رفعه :إنَّ اللّهَ تَعالى جَعَلَ عَلِيّا قائِدَ المُسلِمينَ إلَى الجَنَّةِ ؛ بِهِ يَدخُلونَ الجَنَّةَ ، وبِهِ يَدخُلونَ النّارَ ، وبِهِ يُعَذَّبونَ يَومَ القِيامَةِ . قُلنا : وكَيفَ ذلِكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : بِحُبِّهِ يَدخُلونَ الجَنَّةَ ، وبُبغضِهِ يَدخُلونَ النّارَ ويُعَذَّبونَ (5) .
طبقات الحنابلة عن محمّد بن منصور :كُنّا عِندَ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، ما تَقولُ في هذَا الحَديثِ الَّذي يُروى أنَّ عَلِيّاً قالَ : أنَا قَسيمُ النّارِ ؟
.
ص: 102
فَقالَ : وما تُنكِرونَ مِن ذا ؟ ! أ لَيسَ رُوّينا أنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ لِعَلِيٍّ : «لا يُحِبُّكَ إلّا مُؤمِنٌ ولا يُبِغضُكَ إلّا مُنافِقٌ» ؟ ! قُلنا : بَلى . قالَ : فَأَينَ المُؤمِنُ ؟ قُلنا : فِي الجَنَّةِ . قالَ : وأينَ المُنافِقُ ؟ قُلنا : فِي النّارِ . قالَ : فَعَلِيٌّ قَسيمُ النّارِ (1) .
راجع : ص37 (دخول الجنّة) ، وص41 (مجاورة النبيّ صلى الله عليه و آله في الجنّة) . و ج4 ص496 (قسيم الجنّة والنار) .
.
ص: 103
الفصل الرابع : صفات مبغضيه4 / 1خُبثُ الوِلادَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: لا يُبغِضُكَ مِنَ العَرَبِ إلّا دَعِيٌّ (1) ، ولا مِنَ الأَنصارِ إلّا يَهودِيٌ ، ولا مِن سائِرِ النّاسِ إلّا شَقِيٌّ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، لا يُبغِضُكَ مِن قُرَيشٍ إلّا سِفاحِيٌّ ، ولا مِنَ الأَنصارِ إلّا يَهودِيٌ ، ولا مِنَ العَرَبِ إلّا دَعِيٌّ ، ولا مِن سائِرِ النّاسِ إلّا شَقِيٌّ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ الأَنصارِ ! اِعرِضوا أولادَكُم عَلى مَحَبَّةِ عَلِيٍّ ؛ فَإِن أجابوا فَهُم مِنكُم ، وإن أبَوا فَلَيسوا مِنكُم .
.
ص: 104
قالَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ : فَكُنّا نَعرِضُ حُبَّ عَلِيٍّ عليه السلام عَلى أولادِنا ، فَمَن أحَبَّ عَلِيّا عَلِمنا أنَّهُ مِن أولادِنا ، ومَن أبغَضَ عَلِيّا انتَفَينا مِنهُ (1) .
تاريخ دمشق عن ثابت عن أنس :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله شَهَرَ عَلِيّا يَومَ خَيبَرُ فَقالَ : . . . يا أيُّهَا النّاسُ ! اِمتَحِنوا أولادَكُم بِحُبِّهِ ؛ فَإِنَّ عَلِيّا لا يَدعو إلى ضَلالَةٍ ولا يُبعِدُ عَن هُدى ، فَمَن أحَبَّهُ فَهُوَ مِنكُم ، ومَن أبغَضَهُ فَلَيسَ مِنكُم . قالَ أنَسُ بنُ مالِكٍ : وكانَ الرَّجُلُ مِن بَعدِ يَومِ خَيبَرَ يَحمِلُ وَلَدَهُ عَلى عاتِقِهِ ، ثُمَّ يَقِفُ عَلى طريقِ عَلِيٍّ ، وإذا نَظَرَ إلَيهِ يُوَجِّهُهُ بِوَجهِهِ تِلقاءَهُ وأومَأَ بِإِصبَعِهِ : أي بُنَيَّ ، تُحِبُّ هذَا الرَّجُلَ المُقبلَ ؟ فَإِن قالَ الغُلامُ : نَعَم ، قَبِلَهُ ، وإن قالَ : لا ، خَرَقَ بِهِ الأَرضَ وقالَ لَهُ : اِلحَق بِاُمِّكَ ، ولا تلحقَ أبيكَ بِأَهلِها (2) ، فَلا حاجَةَ لي فيمَن لا يُحِبُّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ! (3)
علل الشرائع عن أبي أيّوب الأنصاري :اِعرِضوا حُبَّ عَلِيٍّ عَلى أولادِكُم ؛ فَمَن أحَبَّهُ فَهُوَ مِنكُم ، ومَن لَم يُحِبَّهُ فَاسأَلوا اُمَّهُ مِن أينَ جاءَت بِهِ ؛ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ : لا يُحِبُّكَ إلّا مُؤمِنٌ ، ولا يُبغِضُكَ إلّا مُنافِقٌ ، أو وَلَدُ زِنيَةٍ (4) ، أو حَمَلَتهُ اُمُّهُ وهِيَ طامِث (5) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: لا يُبغِضُهُ إلّا ثَلاثَةٌ : لِزِنيَةٍ ، أو مُنافِقٌ ، أو مَن حَمَلَتهُ اُمُّهُ (6)
.
ص: 105
في بَعضِ حَيضَتِها (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: وَاللّهِ ، لا يُبغِضُهُ ويُعاديهِ إلّا كافِرٌ أو مُنافِقٌ أو وَلَدُ زانِيَةٍ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :بوروا (3) أولادَكُم بِحُبِّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؛ فَمَن أحَبَّهُ فَاعلَموا أنَّهُ لِرِشدَةٍ ، ومَن أبغَضَهُ فَاعلَموا أنَّهُ لِغَيَّةٍ (4) . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :لا يُحِبُّني ثَلاثَةٌ : ولَدُ زِنا ، ومُنافِقٌ ، ورَجُلٌ حَمَلَت بِهِ اُمُّهُ في بَعضِ حَيضِها (6) .
عنه عليه السلام :لا يُحِبُّني كافِرٌ ، ولا وَلَدُ زِنا (7) .
تاريخ دمشق عن محبوب بن أبي الزناد :قالَتِ الأَنصارُ : إن كُنّا لَنَعرِفُ الرَّجُلَ إلى غَيرِ أبيهِ بِبُغضهِ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ (8) .
تاريخ دمشق عن عبادة بن الصامت :كُنّا نَبورُ أولادَنا بِحُبِّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَإِذا رَأَينا أحَدا لا يُحِبُّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عَلِمنا أنَّهُ لَيسَ مِنّا ، وأنَّهُ لِغَيرِ رِشدَةٍ (9) .
.
ص: 106
كتاب من لا يحضره الفقيه :كانَ جابرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّ يَدورُ في سِكَكِ الأَنصارِ بِالمَدينَةِ وهُوَ يَقولُ : عَلِيٌّ خَيرُ البَشَرِ ، فَمَن أبى فَقَد كَفَرَ . يا مَعاشِرَ الأَنصارِ ! أدِّبوا أولادَكُم عَلى حُبِّ عَلِيٍّ ، فَمَن أبى فَانظُروا في شَأنِ اُمِّهِ (1) .
مروج الذهب :في سَنَةِ سِتٍّ وعِشرينَ ومِئَتَينِ ماتَ أبو دُلَفَ القاسِمُ بنُ عيسَى العِجِليُّ ، وكانَ سِيّدَ أهلِهِ ، ورَئيسَ عَشيرَتِهِ مِن عِجلٍ وغَيرِها مِن رَبيعَةَ ، وكانَ شاعِرا مُجيدا ، وشُجاعا بَطَلاً ، مُغَنِّيا مُصيبا . . . . وذَكَر عيسَى بنُ أبي دُلَفَ أنَّ أخاهُ دُلَفَ _ وبِهِ كانَ يُكَنّى أبوهُ أبا دُلَفَ _ كانَ يَنتَقِصُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، ويَضَعُ مِنهُ ومِن شيعَتِهِ ، ويَنسُبُهُم إلَى الجَهلِ ، وأنَّهُ قالَ يَوما _ وهُوَ في مَجلِسِ أبيهِ ، ولَم يَكُن أبوهُ حاضِرا _ : إنَّهُم يَزعُمونَ ألّا يَنتَقِصَ عَلِيّا أحَدٌ إلّا كان لِغَيرِ رِشدَةٍ ، وأنتُم تَعلَمونَ غَيرَةَ الأَميرِ _ يَعني أباهُ _ وأنَّهُ لا يَتَهَيَّأُ الطَّعنُ عَلى أحَدٍ مِن حُرَمِهِ ! وأنَا أُبغِضُ عَلِيّا . قالَ : فَما كانَ بِأَوشَكَ مِن أن خَرَجَ أبو دُلَفَ ، فَلَمّا رَأَيناهُ قُمنا لَهُ ، فَقالَ : قَد سَمِعتُ ما قالَهُ دُلَفُ ، وَالحَديثُ لا يُكذَبُ ، وَالخَبَرُ الوارِدُ في هذَا المَعنى لا يَختَلِفُ ؛ هُوَ وَاللّهِ لِزِنيَةٍ وحَيضَةٍ ! وذلِكَ أنّي كُنتُ عَليلاً فَبَعَثَت إلَيَّ اُختي جارِيَةً لَها ، كُنتُ بِها مُعجَبا ، فَلَم أتَمالَك أن وَقَعتُ عَلَيها وكانَت حائِضا فَعَلِقَت بِهِ ، فَلَمّا ظَهَرَ حَملُها وَهَبَتها لي (2) .
.
ص: 107
4 / 2النِّفاقُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أبشِر يا عَلِيُّ ! فَإِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ قَد عَهِدَ إلَيَّ أنَّهُ لا يُحِبُّكَ إلّا مُؤمِنٌ ، ولا يُبغِضُكَ إلّا مُنافِقٌ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، حُبُّكَ إيمانٌ ، وبُغضُكَ نِفاقٌ وكُفرٌ (2) .
سنن الترمذي عن اُمّ سلمة :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : لا يُحِبُّ عَلِيّا مُنافِقٌ ، ولا يُبغِضُهُ مُؤمِنٌ (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَقَد عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ الاُمِّيُّ صلى الله عليه و آله أنَّهُ لا يُحِبُّكَ إلّا مُؤمِنٌ ، ولا يُبغِضُكَ إلّا مُنافِقٌ (4) .
.
ص: 108
عنه عليه السلام :وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، إنَّهُ لَعَهدُ النَّبِيِّ الاُمِّيِّ صلى الله عليه و آله إلَيَّ : ألّا يُحِبَّني إلّا مُؤمِنٌ ، ولا يُبغِضَني إلّا مُنافِقٌ (1) .
مسند أبي يعلى عن الحارث الهمْداني :رَأَيتُ عَلِيّا جاءَ حَتّى صَعِدَ المِنبَرَ ، فَحَمِد اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قال : قَضاءٌ قَضاهُ اللّهُ عَلى لِسانِ نَبِيِّكُمُ صلى الله عليه و آله النَّبِيِّ الاُمِّيِّ أنَّهُ لا يُحِبُّني إلّا مُؤمِنٌ ، ولا يُبغِضُني إلّا مُنافِقٌ «وَقَدْ خَاب مَنِ افْتَرَى» (2) . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ رَسَّخَ حُبّي في قُلوبِ المُؤمِنينَ ، وكَذلِكَ رَسَّخَ حُبَّكَ يا عَلِيُّ في قُلوبِ المُؤمِنينَ ، ورَسَّخَ بُغضي وبُغضَكَ في قُلوبِ المُنافِقينَ ؛ فَلا يُحِبُّكَ إلّا مُؤمِنٌ تَقِيٌّ ، ولا يبغضُكَ إلّا مُنافِقٌ كافِرٌ (4) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ آيَةَ المُنافِقِ بُغضُ عَلِيٍّ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :ألا ومَن أحَبَّ عَلِيّا ، كَتَبَ اللّهُ لَهُ بَراءَةً مِنَ النّارِ وبَراءَةً مِنَ النِّفاقِ (6) .
سنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري :إنّا كُنّا لَنَعرِفُ المُنافِقينَ _ نَحنُ مَعشَرَ الأَنصارِ _
.
ص: 109
بِبُغضِهِم عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ (1) .
تاريخ دمشق عن أبي سعيد الخدري_ في قَولِهِ تَعالى : «وَلَتَعْرِفَنَّهُم في لَحْنِ الْقَوْلِ» (2) _قالَ : بُغضُهُم (3) عَلِيّ بنَ أبي طالِبٍ (4) .
تاريخ بغداد عن سويد بن غفلة عن عمر بن الخطّاب :أنَّهُ رَأى رَجُلاً يَسُبُّ عَلِيّا ، فَقالَ : إنّي أظُنُّكَ مُنافِقا ؛ سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّما عَلِيٌّ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (5) .
الإمام الباقر عليه السلام :قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ : وَاللّهِ ، ما كُنّا نَعرِفُ المُنافِقينَ في زَمانِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلّا بِبُغضِهِم عَلِيّا عليه السلام (6) .
المستدرك على الصحيحين عن أبي ذرّ :ما كُنّا نَعرِفُ المُنافِقينَ إلّا بِتَكذيبِهِمُ اللّهَ ورَسولَهُ ، وَالتَّخَلُّفِ عَنِ الصَّلواتِ ، وَالبُغضِ لِعَلِيِّ بنِ أبيطالِبٍ رضى الله عنه (7) .
.
ص: 110
تاريخ دمشق عن جابر :كُنّا نَعرِفُ نِفاقَ الرَّجُلِ مِنّا بِبُغضِهِ عَلِيّا (1) .
الدرّ المنثور عن ابن مسعود :ما كُنّا نَعرِفُ المُنافِقينَ عَلى عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلّا بِبُغضِهِم عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ (2) .
تاريخ بغداد عن ابن عبّاس :كُنّا نَعرِفُ المُنافِقينَ عَلى عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِبُغضِهِم عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ (3) .
كفاية الأثر عن زيد بن أرقم :ما كُنّا نَعرِفُ المُنافِقينَ عَلى عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلّا بِبُغضِهِم عَلِيّا ووُلدِهِ عليهم السلام (4) .
الإمام الحسين عليه السلام :ما كُنّا نَعرِفُ المُنافِقينَ عَلى عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلّا بِبُغضِهِم عَلِيّا وَوُلدِهِ عليهم السلام (5) .
راجع : ص44 (الإيمان) ، وص46 (التقوى) وص110 (الفسق) . العمدة : ص 215 الفصل 26 .
4 / 3الفِسقُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا يُبغِضُ عَلِيّا إلّا مُنافِقٌ أو فاسِقٌ أو صاحِبُ دُنيا (6) .
.
ص: 111
تاريخ دمشق عن ميثم :شَهِدتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ _ وهُوَ يَجودُ بِنَفسِهِ (1) _ يَقولُ : يا حَسَنُ ، قالَ الحَسَنُ : لَبَّيكَ يا أبَتاهُ ! قالَ : إنَّ اللّهَ أخَذَ ميثاقَ أبيكَ _ رُبَّما قالَ عَطاءٌ : ميثاقي _ وميثاقَ كُلِّ مُؤمِنٍ عَلى بُغضِ كُلِّ مُنافِقٍ وفاسِقٍ ، وأخَذَ ميثاقَ كُلِّ فاسِقٍ ومُنافِقٍ عَلى بُغضِ أبيكَ (2) .
4 / 4الشَّقاءُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ أخي وأنَا أخوكَ . يا عَلِيُّ ، أنتَ مِنّي وأنَا مِنكَ . يا عَلِيُّ أنتَ وَصِيّي وخَليفَتي وحُجَّةُ اللّهِ عَلى اُمَّتي بَعدي ؛ لَقَد سَعِدَ مَن تَوَلّاكَ وشَقِي مَن عاداكَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أولِياؤُكَ أولِيائي ، وأعداؤُك أعدائي . . . لَقَد سَعِدَ مَن تَوَلّاكَ وشَقِيَ مَن عاداكَ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، شيعَتُكَ شيعَةُ اللّهِ ، وأنصارُكَ أنصارُ اللّهِ ، وأولياؤُكَ أولياءُ اللّهِ ، وحِزبُكَ حِزبُ اللّهِ . يا عَلِيُّ ، سَعِدَ مَن تَوَلّاكَ وشَقِيَ مَن عاداكَ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ السَّعيدَ حَقَّ السَّعيدِ مَن أحَبَّكَ وأطاعَكَ ؛ وإنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ
.
ص: 112
مَن عاداكَ وأبغَضَكَ ونَصَبَ لَكَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :الحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ وعَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ ؛ مَن أطاع عَلِيّا رَشِدَ ، ومَن عَصى عَلِيّا فَسَدَ ، ومَن أحَبَّهُ سَعِدَ ، ومَن أبغَضَهُ شَقِيَ (2) .
راجع : ص46 (التقوى) ، وص47 (السعادة) .
.
ص: 113
الفصل الخامس : عدّة من مبغضيه5 / 1أبو الأعوركان أبو الأعور عمرو بن سفيان السُّلَمي من مبغضي عليّ عليه السلام ومعاديه ، وممّن له دور كبير في مواجهة الإمام في حرب صفّين . وكان في بادئ الأمر على مقدّمة الجيش (1) ، لكنّه لمّا دعاه مالك الأشتر للمبارزة أبى ذلِكَ ، ثمّ لاذ بالفرار من بين يديه ليلاً (2) . ثمّ راح فسيطر على شريعة الماء ليحول دون وصول جيش الإمام عليه السلام إليها (3) . وكان أحد الاُمراء في قتال ذي الحجّة وصفر (4) . ثمّ تولّى قيادة أهل الاُردنّ الذين
.
ص: 114
كانوا على ميسرة جيش الشام (1) . وقد دعا عليه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في الصلاة (2) .
اُسد الغابة :أبُو الأَعَورِ عَمُرو بنُ سُفيانَ السُّلَمِيُّ . . . مِن أصحابِ مُعاوِيَةَ وخاصَّتِهِ ، وشَهِدَ مَعَهُ صِفّينَ ، وكانَ أشَدَّ مَن عِندَهُ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ، وكانَ عَلِيٌّ يَدعو عَلَيهِ فِي القُنوتِ (3) .
تاريخ الطبري عن أبي جناب الكلبي :كان [عَلِيٌّ عليه السلام ] إذا صَلَّى الغَداةَ يَقنُتُ فَيَقولُ : اللّهُمَّ العَن مُعاوِيَةَ ، وعَمرا ، وأبَا الأَعوَرِ السُّلَمِيَّ ، وحَبيبا ، وعَبدَ الرَّحمنِ بنَ خالِدٍ ، وَالضَحّاكَ بنَ قَيسٍ ، وَالوَليدَ ! (4)
راجع : ج3 ص399 (مواجهة مقدّمة الجيشين) .
5 / 2بُسرُ بنُ أرطاةَكان بُسْر من اُمراء جيش معاوية (5) ، وأحد المعادين للإمام أمير المؤمنين عليه السلام . وقد تقابل مع الإمام عليه السلام في صفّين ، لكنّه نجا من الموت بكشف عورته (6) .
.
ص: 115
أغار علَى المدينة ومكّة واليمن بعد صفّين بأمر معاوية ، وآذى شيعة الإمام عليه السلام (1) ، وقتل خلقا كثيرا ، فيهم طفلان لعبيد اللّه بن العبّاس (2) ، وأفرط في قبائحه إفراطا لا يوصف . كما أنّه خرّب دُور أصحاب الإمام عليه السلام في المدينة (3) ، وأسر النساء المسلمات في اليمن وباعهنّ (4) . وقد دعا عليه الإمام عليه السلام (5) ، فجُنَّ على أثر ذلِكَ (6) . ثمّ هلك حوالي سنة (70 ه ) (7) .
الاستيعاب :كانَ بُسرُ بنُ أرطاةَ مِنَ الأَبطالِ الطُّغاةِ ، وكانَ مَعَ مُعاوِيَةَ بِصفّينَ ، فَأَمَرَهُ أن يَلقى عَلِيّا فِي القِتالِ ، وقالَ لَهُ : سَمِعتُكُ تَتَمَنّى لِقاءَهُ ؛ فَلَو أظفَرَكَ اللّهُ بِهِ وصَرَعتَهُ حَصَلتَ عَلى دُنيا وآخِرَةٍ . ولَم يَزَل بِهِ يُشَجِّعُهُ ويُمَنّيهِ حَتّى رَآهُ فَقَصَدَهُ فِي الحَربِ ، فَالتَقَيا فَصَرَعَهُ عَلِيٌّ رِضوانُ اللّه عَلَيهِ ، وعَرَضَ لَهُ مَعَهُ مِثلَ ما عَرَضَ فيما ذَكَروا
.
ص: 116
لِعَلِيٍّ رضى الله عنه مَعَ عَمرِو بنِ العاصِ (1) .
تاريخ دمشق عن عطاء بن أبي مروان :بَعَثُ مُعاوِيَةُ بُسرَ بنَ أرطاةَ إلَى المَدينَةِ ومَكَّةَ وَاليَمَنِ يَستَعرِضُ النّاسَ ؛ فَيَقتُلُ مَن كانَ في طاعَةِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَأَقامَ بِالمَدينَةِ شَهرا ، فَما قيلَ لَهُ في أحَدٍ : إنَّ هذَا مِمَّن أعانَ عَلى عُثمانَ إلّا قَتَلَهُ . وقَتَلَ قَوما مِن بَني كَعبٍ عَلى مالِهِم فيما بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةَ ، وأَلقاهُم فِي البِئرِ . ومَضى إلَى اليَمَنِ وكانَ عُبَيدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ والِيا عَلَيها لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَقَتَلَ بُسرٌ ابنَيهِ : عَبدَ الرَّحمنِ وقُثَما ابنَي عُبَيدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ ، وقَتَل عَمرَو بنَ اُمِّ أراكَةَ الثَّقَفِيَّ ، وقَتَلَ مِن هَمدانَ بِالجَوفِ (2) مِمَّن كانَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفّينَ ؛ قَتَلَ أكثَرَ مِن مِئَتَينِ ، وقَتَلَ مِنَ الأَبناءِ كَثيرا (3) .
الفتوح_ في غارَةِ بُسرِ بنِ أرطاةَ _: سارَ حَتّى جازَ بِئرَ مَيمونٍ (4) ، جَعَلَ النّاسُ يَهرُبونَ بَينَ يَدَيهِ خَوفا مِنهُم عَلى أنفُسِهِم . قالَ : ونَظَرَ بُسرٌ إلى غُلامَينِ مِن أحسَنِ الغِلمانِ هَيئَةً وجَمالاً وهُما هارِبانِ ، فَقالَ : عَلَيَّ بِهما !فَاُتِيَ بِهِما حَتّى وَقَفا بَينَ يَدَيهِ ، فَقالَ لَهُما : مَن أنتُما ؟ فَقالَ أحَدُهما : أنَا قُثَمُ وهذَا أخي ، ابنا عُبَيدِ اللّهِ بنِ عَبّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ . فَقالَ بُسرٌ : اللّهُ أكبَرُ ! أنتُما مِمَّن أتَقَرَّبُ بِكُما وبِسَفكِ دِمائِكُما إلَى اللّهِ تَعالى . قالَ : ثُمَّ أمَرَ بِهِما فَذُبِحا ذَبحا . . . . ثُمَّ سارَ بُسرٌ إلى نَجرانَ (5) وبِها يَومَئِذٍ رَجُلٌ مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله يُقالَ لَهُ
.
ص: 117
عَبدُ المُدانِ ، فَسَمّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَبدَ اللّهِ ، وكانَ مِن شيعَةِ عَلِيٍّ رضى الله عنه ، فَقَتَلَهُ بُسرُ بنُ أبي أرطاةَ وقَتَلَ ابنا لَهُ يُسَمّى مالِكا . . . . ثُمَّ سارَ بُسرُ بنُ أبي أرطاةَ إلى بِلادِ هَمدانَ وبِها قَومٌ مِن أرحَبَ مِن شيعَةِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَقَتَلَهُم عَن آخِرِهِم . ثُمَّ سارَ إلى جَيشانَ (1) وبِها يَومَئذٍ خَلقٌ مِن شيعَةِ عَلِيٍّ رضى الله عنه ، فَقَتَلَهُم عَن آخِرِهِم . ثُمَّ سارَ يُريدُ صَنعاءَ (2) وبِها يَومَئذٍ عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ مِن قِبَلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ، فَلَمّا بَلَغَهُ خَبَرُ بُسرٍ دَعا بِرَجُلٍ يُقالَ لَهُ عَمرُو بنُ أراكَةَ ، فَاستَخلَفَهُ عَلى صَنعاءَ وخَرَجَ عَنها هارِبا . وأقبَلَ عَدُوُّ اللّهِ حَتّى دَخَلَ صَنعاءَ ، فَأَخَذَ عَمرَو بنَ أراكَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ صَبرا ، وجَعَلَ يَتَلَقَّطُ مَن كانَ بِصَنعاءَ مِن شيعَةِ عَلِيٍّ فَيَقتُلُهُم حَتّى لَم يَبقَ مِنهُم أحَدٌ . وخَرَجَ مِن صَنعاءُ يُريدُ حَضرَمَوتَ (3) ، فَلَمّا دَخَلَها جَعَلَ يَسأَلُ عَن كُلِّ مَن يَعرِفُ أحَدا مِن مُوالاةِ عَلِيٍّ فَيَقتُلُهُ ، حَتّى قَتَلَ خَلقا كَثيرا . قالَ : ثُمَّ أقبَلَ إلى رَجُلٍ مِن مُلوكِهِم يُقالُ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ ثَوابَةَ ، وهُوَ في حِصنٍ لَهُ ، فَلَم يَزَل يَختَدِعُهُ ويَحلِفُ لَهُ حَتّى استَنزَلَهُ مِن حِصنِهِ ، ثُمَّ أمَرَ بِقَتلِهِ . فَقالَ لَهُ ابنُ ثَوابَةَ : أيُّهَا الرَّجُلُ ! إنّي لا أعلَمُ ذَنبا لِنَفسي يوجِبُ القَتلَ ، فَعَلامَ
.
ص: 118
تَقتُلُني ؟ ! فَقالَ لَهُ بُسرٌ : بِقُعودِكَ عَن بَيعَةِ مُعاوِيَةَ وتَفضيلِكَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ . فَقالَ ابنُ ثَوابَةَ : فَذَرني حَتّى اُصَلّيَ رَكعَتَينِ أختِمُ بِهِما عَمَلي . فَقالَ بُسرٌ : صَلِّ ما بَدا لَكَ ، فَإِنّي قاتِلُكَ . قالَ : فَصَلّى عَبدُ اللّهِ بنُ ثَوابَةَ رَكعَتَينِ فَعَجَّلَ عَن إتمامِهِما ، وقُطِّعَ بِالسَّيفِ إربا إربا (1) .
اُسد الغابة_ في بُسرِ بنِ أرطاةَ _: دَخَلَ المَدينَةَ ، فَهَرَبَ مِنهُ كَثيرٌ مِن أهلِها ، مِنهُم : جابِرُ بنُ عبدِ اللّهِ ، وأبو أيّوبَ الأَنصارِيُّ ، وغَيرُهُما ، وقَتَلَ فيها كَثيرا . وأغارَ عَلى هَمدانَ بِاليَمَنِ ، وسَبى نِساءَهُم ، فَكُنَّ أوَّلَ مُسلِماتٍ سُبينَ فِي الإِسلامِ ، وهَدَمَ بِالمَدينَةِ دورا (2) .
اُسد الغابة عن أبي عمر_ في بسر بن أرطاة _: كانَ يَحيَى بنُ مُعينٍ يَقولُ : لا تَصُحُّ لَهُ صُحبَةٌ . وكانَ يَقولُ : هُوَ رَجُلُ سَوءٍ ؛ وذلِكَ لِما رَكِبَهُ فِي الإِسلامِ مِنَ الاُمورِ العِظامِ ، مِنها ما نَقَلَهُ أهلُ الأَخبارِ وأهلُ الحَديثِ أيضا مِن ذَبحِهِ عَبدَ الرَّحمنِ وقُثَمَ _ ابنَي عبُيدِ اللّهِ بنِ العبّاس بنِ عَبدِ المُطَّلبِ _ وهُما صَغيرانِ بَينَ يَدَي اُمِّهِما . وكانَ مُعاوِيَةُ سَيَّرَهُ إلَى الحِجازِ وَاليَمَنِ لِيَقتُلَ شِيعَةَ عَلِيٍّ ، ويَأخُذَ البَيعَةَ لَهُ ، فَسارَ إلَى المَدينَةِ فَفَعَلَ بِها أفعالاً شَنيعَةً (3) .
الغارات :قَد كانَ عَلِيٌّ عليه السلام دَعا قَبلَ مَوتِهِ عَلى بُسرِ بنِ أبي أرطاةَ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ فيما بَلَغَنا ، فَقالَ : اللّهُمَّ إنَّ بُسرا باعَ دينَهُ بِدُنياهُ ، وَانتَهَكَ مَحارِمَكَ ، وكانَت طاعَةُ مَخلوقٍ
.
ص: 119
فاجِرٍ آثَرَ عِندَهُ ممّا عِندَكَ ، اللّهُمَّ فَلا تُمِتهُ حَتّى تَسلُبَهُ عَقلَهُ . فَما لَبِثَ بَعدَ وَفاةِ عَلِيٍّ عليه السلام إلّا يَسيرا حَتّى وَسوَسَ ، وذَهَبَ عَقلُهُ (1) .
الكامل في التاريخ :لَمّا سَمِعَ أميرُ المُؤمِنينَ بِقَتلِهِما [ابنَي عُبَيدِ اللّهِ بنِ عبّاسٍ ]جَزِعَ جَزَعا شَديدا ، ودَعا عَلى بُسرٍ ، فَقالَ : اللّهُمَّ اسلُبهُ دينَهُ وعَقلَهُ . فَأَصابَهُ ذلِكَ ، وفَقَدَ عَقلَهُ ، فَكانَ يَهذي بِالسَّيفِ ، ويَطلُبُهُ فَيُؤتى بِسَيفٍ مِن خَشَبٍ ، ويُجعَلُ بَينَ يَدَيهِ زِقٌّ (2) مَنفوخٌ ، فَلا يَزالُ يَضرِبُهُ . ولَم يَزَل كَذلِكَ حَتّى ماتَ (3) .
تاريخ دمشق عن أبي سعيد بن يونس_ في بُسرِ بنِ أرطاةَ _: كانَ مِن شيعَةِ مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ ، وشَهِدَ مَعَ مُعاوِيَةَ صِفّينَ ، وكانَ مُعاوِيَةُ وجَّهُهُ إلَى اليَمَنِ وَالحِجازِ في أوَّلِ سَنَةِ أربَعينَ ، وأمَرَهُ أن يَتَقَرّى (4) مَن كانَ في طاعَةِ عَلِيٍّ فَيوقِعَ بِهِم . فَفَعَلَ بِمَكَّةَ وَالمَدينَةِ وَاليَمَنِ أفعالاً قَبيحَةً . وقَد وَلِيَ البُحرَ (5) لِمُعاوِيَةَ ، وكانَ قَد وَسوَسَ في آخِرِ أيّامِهِ ، فَكانَ إذا لَقِيَ إنسانا قالَ : أينَ شَيخي ؟ أينَ عُثمانُ ؟ ويُسِلُّ سَيفَهُ . فَلَمّا رَأَوا ذلِكَ جَعَلوا لَهُ في جَفِنةِ (6) سَيفا مِن خَشَبٍ ، قالَ : فَكانَ إذا ضَرَبَ لَم يَضُرَّ (7) .
راجع : ج3 ص464 (قتال الإمام بنفسه) وج4 ص171 (غارة بُسر بن أرطاة) .
.
ص: 120
5 / 3حُبيبُ بنُ مَسلَمَةَأحد المعدودين من صحابة النبيّ صلى الله عليه و آله (1) ، وأحد أعداء الإمام عليّ عليه السلام ، ومن اُمراء الجيش الملازمين لمعاوية في صفّين (2) . تولّى قيادة بعض جيشه في حَربَي ذي الحجّة وصفر (3) ، وكان _ أيضاً _ رسوله إلَى الإمام عليه السلام (4) . حقّره الإمام عليه السلام (5) ، ولعنه في قنوت صلاته (6) . هلك سنة (42 ه ) (7) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ مُعاوِيَةَ ، وعَمرَو بنَ العاصِ ، وَابنَ أبي مُعَيطٍ ، وحَبيبَ بنَ مَسلَمةَ ، وابنَ أبي سَرحٍ ، وَالضَّحّاكَ بنَ قَيسٍ ، لَيسوا بِأَصحابِ دينٍ ولا قُرآنٍ ، أنَا أعرَفُ بِهِم مِنكُم ؛ قَد صَحِبتُهُم أطفالاً ، وصَحِبُتُهم رِجالاً ، فَكانوا شَرَّ أطفالٍ ، وشَرَّ رِجالٍ (8) .
تاريخ الطبري عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود :إنَّ مُعاوِيَةَ بَعَثَ إلى عَلِيٍّ حَبيبَ بنَ مَسلَمَةَ الفِهرِيِّ وشَرحَبيلَ بنَ السِّمطِ ومَعَنَ بنَ يَزيدَ بنِ الأخنَسِ ، فَدَخَلوا عَلَيهِ وأنَا عِندَهُ . فَحَمدِ اللّهَ _ حَبيبٌ _ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ :
.
ص: 121
أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ عُثمانَ بنَ عَفّانَ كانَ خَليفَةً مَهدِيّا ، يعمَلُ بِكتابِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ ، ويُنيبُ إلى أمرِ اللّه تَعالى ، فَاستَثقَلتُم حَياتَهُ ، وَاستَبطَأتُم وَفاتَهُ ، فَعَدَوتُم عَلَيهِ فَقَتَلتُموهُ ، فَادفَع إلَينا قَتَلَةَ عُثمانَ _ إن زَعَمت أنَّكَ لَم تَقتُلهُ _ نَقتُلهُم بِهِ ، ثُمَّ اعتَزِل أمرَ النّاسِ ، فَيكونَ أمرُهُم شورى بَينَهُم ، يُوِّلِّي النّاسُ أمرَهُم مَن أجمَعَ عَلَيه رَأيُهُم . فَقالَ لَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ : وما أنتَ _ لا اُمَّ لَكَ _ وَالعَزلُ ، وهذَا الأَمرُ ! اُسكُت ؛ فَإِنَّكَ لَستَ هُناكَ ، ولا بِأَهلٍ لَهُ ! فَقامَ وقالَ لَهُ : وَاللّهِ لتَرَيَنّيِ بِحَيثُ تَكرَهُ ! فَقالَ عَلِيٌّ : وما أنتَ ولَو أجلَبتَ بِخَيلكَ ورَجلِكَ ! لا أبقَى اللّهُ عَلَيكَ إن أبقَيتَ عَلَيَّ ، أحُقرَةً وسوءا ! اِذهَب فَصَوِّب وصَعِّد ما بَدا لَكَ (1) .
5 / 4الحَجّاجُ بنُ يوسُفَشرح نهج البلاغة :كانَ الحَجّاجُ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ يَلعَنُ عَلِيّا عليه السلام ، ويأمُرُ بِلَعنِهِ . وقالَ لَهُ مُتعرِّضٌ بِهِ يَوما وهُوَ راكِبٌ : أيُّهَا الأَميرُ ، إنَّ أهلي عَقّوني فَسَمَّوني عَلِيّا ، فَغَيِّرِ اسمي ، وصِلني بِما أتَبَلَّغُ بِهِ ؛ فَإِنّي فَقيرٌ ! فَقالَ : لِلُطفِ ما تَوَصَّلتَ بِهِ قَد سَمَّيتُكَ كَذا ، ووَلَّيتُكَ العَمَلَ الفُلانِيَّ ، فَاشخَص إلَيهِ (2) .
شرح نهج البلاغة عن الشعبي :كُنّا جَماعَةً ، ما مِنّا إلّا مَن نالَ مِن عَلِيٍّ عليه السلام ؛ مُقارَبَةً لِلحَجّاجِ ، غَيرَ الحَسنِ بنِ أبِي الحَسَنِ (3) .
.
ص: 122
شرح نهج البلاغة عن عبد الرحمن بن السائب :قالَ الحَجّاجُ يَوما لِعَبدِ اللّهِ بنِ هانِئٍ _ وهُوَ رَجُلٌ مِن بني أودٍ ؛ حَيٍّ مِن قَحطانَ ، وكانَ شَريفا في قَومِهِ ، قَد شَهِدَ مَعَ الحَجّاجِ مَشاهِدَهُ كُلَّها ، وكانَ مِن أنصارِهِ وشيعَتِهِ _ : وَاللّهِ ما كافَأتُكَ بعَدُ ! ثُمَّ أرسَلَ إلى أسماءَ بنِ خارِجَةَ _ سَيِّدِ بَني فَزارَةَ _ : أن زَوِّج عَبدَ اللّهِ بنَ هانِئٍ بِابنَتِكَ . فَقالَ : لا وَاللّهِ ، ولا كَرامَةَ ، فَدَعا بِالسِّياطِ ، فَلَمّا رَأَى الشَّرَّ قالَ : نَعَم اُزَوِّجُهُ . ثُمَّ بَعَثَ إلى سَعيدِ بنِ قَيسِ الهَمدانِيِّ _ رَئيسِ اليَمانِيَّةِ _ : زَوِّجِ ابنَتَكَ مِن عَبدِ اللّهِ بنِ أودٍ . فَقالَ : ومَن أودٌ ! ! لا وَاللّهِ ، لا اُزَوِّجُهُ ولا كَرامَةَ . فَقالَ : عَلَيَّ بِالسَّيفِ . فَقالَ : دَعني حَتّى اُشاوِرَ أهلي ! فَشاوَرَهُم ، فَقالوا : زَوِّجهُ ، ولا تُعَرِّض نَفسَكَ لِهذَا الفَاسِقِ . فَزَوَّجَهُ . فَقالَ الحَجّاجُ لِعَبدِ اللّهِ : قَد زَوَّجتُكَ بِنتَ سَيّدِ فَزارَةَ ، وبِنتَ سَيِّدِ هَمدانَ وعَظيمِ كَهلانَ ، وما أودٌ هُناكَ . فَقالَ : لا تَقُل _ أصلَحَ اللّهُ الأَميرَ _ ذاكَ ؛ فَإِنَّ لنا مَناقِبَ لَيسَت لِأَحَدٍ مِنَ العَرَبِ . قالَ : وما هِيَ ؟ قالَ : ما سُبَّ أميرُ المُؤمِنينَ عَبدُ المَلِكِ في نادٍ لَنا قَطُّ . قالَ : مَنقَبَةٌ وَاللّهِ ! قالَ : وشَهِدَ مِنّا صِفّينَ مَعَ أميرِ المُؤمِنينَ مُعاوِيَةَ سَبعونَ رَجُلاً ، ما شَهِدَ مِنّا مَعَ أبي تُرابٍ إلّا رَجُلٌ واحِدٌ ، وكانَ وَاللّهِ ما عَلِمتُهُ امَرأَ سَوءٍ . قال : مَنقَبَةٌ وَاللّهِ ! قالَ : ومِنّا نِسوَةٌ نَذَرنَ إن قُتِلَ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ أن تَنحَرَ كُلُّ واحِدَةٍ عَشرَ قلائِصَ (1) ، فَفَعَلنَ . قالَ : مَنقَبَةٌ وَاللّهِ ! قالَ : وما مِنّا رَجُلٌ عُرِضَ عَلَيهِ شَتمُ أبي تُرابٍ ولَعنُهُ إلّا فَعَلَ ، وزادَ ابنَيهِ حَسَنا وحُسَينا واُمَّهُما فاطِمَةَ . قالَ : مَنقَبَةٌ وَاللّهِ ! قالَ : وما أحَدٌ مِنَ العَرَبِ لَهُ مِنَ الصَّباحَةِ وَالمَلاحَةِ ما لَنا . فَضَحِكَ الحَجّاجُ ، وقالَ : أمّا هذِهِ يا أبا هانِئٍ فَدَعها .
.
ص: 123
وكانَ عَبدُ اللّهِ دَميماً ، شَديدَ الاُدمَةِ (1) ، مَجدورا (2) ، في رَأسِهِ عُجَرٌ (3) ، مائِلَ الشِّدقِ (4) ، أحوَلَ ، قَبيحَ الوَجهِ ، شَديدَ الحَوَلِ (5) .
راجع : ص157 (بنو أوْد) .
5 / 5ذُو الكِلاعِ بنُ ناكورأسلم في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله (6) . وكان من رؤساء حِمْيَر ، نافذ الأمر فيهم (7) . أميرا على قبيلته . وكان أحد القادة على ميمنة معاوية في صفّين (8) ، ومن المحرّضين علَى القتال (9) ، ومن كبار أعوانه (10) . ولمّا بلغه حضور عمّار بن ياسر في جيش الإمام عليه السلام تردّد ، وارتاب في قتال الإمام ، بَيْد أنّه ظلّ على عدائه له . قُتل على يد مالك الأشتر قبل استشهاد عمّار ، وسُرّ معاوية بقتله ، وقال : لو كان
.
ص: 124
حيّا لَساقَ قبيلته نحو عليّ (1) .
راجع : ج3 ص453 (استشهاد عمّار بن ياسر) .
5 / 6زيادُ بنُ أبيهِالأغاني عن زياد بن أبيه_ لِحُجرِ بنِ عَدِيٍّ _: ما كُنتَ تَعرِفُني بِهِ مِن حُبِّ عَلِيٍّ ووُدِّهِ فَإِنَّ اللّهَ قَد سَلَخَهُ مِن صَدري ، فَصَيَّرَهُ بُغضا وعَداوَةً . وما كُنتَ تَعرِفُني بِهِ مِن بُغضِ مُعاوِيَةَ وعَداوَتِهِ فَإِنَّ اللّهَ قَد سَلَخَهُ مِن صَدري ، وحَوَّلَهُ حُبّا ومَوَدَّةً (2) .
سير أعلام النبلاء_ في زِيادِ ابنِ أبيهِ _: إنَّهُ جَمَعَ أهلَ الكوفَةِ لِيَعرِضَهُم عَلَى البَراءَةِ مِن أبِي الحَسَنِ ، فَأَصابَهُ حينَئِذٍ طاعونٌ في سَنَةِ ثَلاثٍ وخَمسينَ (3) .
تاريخ اليعقوبي_ في زِيادِ ابنِ أبيهِ _: رُوِيَ أنَّهُ كانَ أحضَرَ قَوما بَلَغَهُ أنَّهُم شيعَةٌ لِعَلِيٍّ لِيَدعوهُم إلى لَعنِ عَلِيٍّ وَالبَراءَةِ مِنهُ ، أو يَضرِبَ أعناقَهُم ، وكانوا سَبعينَ رَجُلاً . فَصَعِدَ المِنبَرَ ، وجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِالوَعيدِ وَالتَّهديدِ . فَنامَ بَعضُ القَومِ وهُوَ جالِسٌ ، فَقالَ لَهُ بَعضُ أصحابِهِ : تَنامُ وقَد اُحضِرتَ لِتُقتَلَ ! ! فَقالَ : مِن عَمودٍ إلى عَمودٍ فُرقانٌ ، لَقَد رَأَيتُ في نَومَتي هذِهِ عَجَبا ! قالوا : وما رَأَيتَ ؟ قالَ : رَأَيتُ رَجُلاً أسوَدَ دَخَلَ المَسجِدَ ، فَضَرَبَ رَأسُهُ السَّقفَ ، فَقُلتُ : مَن أنتَ يا هذَا ؟ فَقالَ : أنَا النَّقّادُ ، داقُّ الرَّقَبَةِ . قُلتُ : وأينَ تُريدُ ؟ قالَ : أدُقُّ عُنُقَ هذَا الجَبّارِ الَّذي يَتَكَلَّمُ عَلى هذِهِْالأَعوادِ .
.
ص: 125
فَبَينا زِيادٌ يَتَكَلَّمُ عَلَى المِنبَرِ إذ قَبَضَ عَلى إصبَعِهِ ، ثُمَّ صاحَ : يَدي ! وسَقَطَ عَنِ المِنَبرِ مَغشِيّا عَلَيهِ ، فَاُدخِلَ القَصرَ ، وقد طُعِنَ في خِنصَرِهِ اليُمنى ، فَجَعَلَ لا يَتغاذُّ ، فَاُحِضرَ الطَّبيبُ ، فَقالَ لَهُ : اِقطَع يَدي ! قالَ : أيُّهَا الأَميرُ ، أخبِرني عَنِ الوَجَعِ تَجِدُهُ في يَدِكَ ، أو في قَلبِكَ ؟ قالَ : واللّهِ إلّا في قَلبي . قالَ : فَعِش سَوِيّا . فَلَمّا نَزَلَ بِهِ المَوتُ كَتَبَ إلى مُعاوِيَةَ : إنّي كَتَبتُ إلى أميرِ المُؤمِنينَ وأنَا في آخِرِ يَومٍ مِنَ الدُّنيا وأوَّلِ يَومٍ مِنَ الآخِرَةِ ، وقَدِ استَخلَفتُ عَلى عَمَلي خالِدَ بنَ عَبدِ اللّهِ بنِ خالِد بنِ أسيدٍ (1) .
راجع : ص312 (زياد بن أبيه) .
5 / 7الضحّاك بن قيسعُدّ من صغار الصحابة . وهو من أعوان معاوية ، وأحد اُمراء جيش دمشق في صفّين (2) . لعنه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (3) ، وقال فيه وفي أمثاله : ليسوا بأصحاب دِينٍ ولا قرآن (4) . أمره معاوية _ بعد صفّين _ فأغار على شيعة الإمام عليه السلام في مناطق العراق (5) ،
.
ص: 126
فأشخص إليه الإمام عليه السلام حجر بن عَديّ في جماعة ، ففرّ ليلاً (1) . وكان رئيسا لشرطة معاوية (2) . وليَ الكوفة من قِبل معاوية (3) ، ثمّ اُنيطت به حكومة دمشق (4) . انحاز إلى جانب عبد اللّه بن الزبير بعد وفاة معاوية بن يزيد (5) . ودعا إلى نفسه بعد مدّة ، فلم يفلح ، حَتّى قُتل في اصطدامه بجيش مروان سنة (64 ه) (6) .
تاريخ دمشق عن الزبير بن بكّار :كانَ الضَّحّاكُ مَعَ مُعاوِيَةَ ، فَوَلّاهُ الكوفَةَ . وهُوَ الَّذي صَلّى عَلى مُعاوِيَةَ ، وقامَ بِخِلافَتِهِ حَتّى قَدِمَ يَزيدُ بنُ مُعاوِيَةَ . وكانَ قَد دَعا لِابنِ الزُّبَيرِ ، وبايَعَ لَهُ ، ثُمَّ دَعا إلى نَفسِهِ ، فَقَتَلَهُ مَروانُ بنُ الحَكَمِ يَومَ مَرجِ راهِطٍ (7) ، وكانَ عَلى شُرَط مُعاوِيَةَ (8) .
الغارات عن الضحّاك بن قيس_ في خُطبَةٍ خَطَبَها عَلى مِنبَرِ الكوفَةِ حينَ اُخبِرَ أنَّ رِجالاً
.
ص: 127
مِنَ الكوفَةِ يُظهِرونَ شَتمَ عُثمانَ وَالبَراءَةَ مِنهُ _: بَلَغَني أنَّ رِجالاً مِنكُم ضُلّالاً يَشتِمونَ أئِمَّةَ الهُدى ، ويَعيبونَ أسلافَنَا الصّالِحينَ ، أمَا وَالَّذي لَيسَ لَهُ نِدٌّ ولا شَريكٌ لَئِن لَم تَنتَهوا عَمّا بَلَغَني عَنكُم لأَضَعَنَّ فيكُم سَيفَ زِيادٍ ، ثُمَّ لا تَجِدونَني ضَعيفَ السَّورَةِ (1) ، ولا كَليلَ الشَّفرَةِ . أمَا وَاللّهِ ، إنّي لَصاحِبُكُمُ الَّذي أغَرتُ عَلى بِلادِكُم ، فَكُنتُ أوَّلَ مَن غَزاها فِي الإِسلامِ ، فَسِرتُ ما بَينَ الثَّعلَبِيَّةِ (2) وشاطِئِ الفُراتِ ، اُعاقِبُ مَن شِئتُ ، وأعفو عَمَّن شِئتُ ، لَقَد ذَعَرتُ المُخَبَّئآتِ في خُدوِرِهنَّ ، وإن كانَتِ المَرأَةُ لَيَبكِي ابنُها فَلا تُرهِبُهُ ولا تُسكِتُهُ إلّا بِذِكرِ اسمي ! فَاتَّقُوا اللّهَ يا أهلَ العِراقِ ، وَاعلَموا أنّي أنَا الضَّحّاكُ بنُ قَيسٍ (3) .
5 / 8عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِشرح نهج البلاغة :عَبدُ اللّهِ هُوَ الَّذي حَمَلَ الزُّبَيرَ عَلَى الحَربِ ، وهُوَ الَّذي زَيَّنَ لِعائِشَةَ مَسيَرها إلَى البَصرَةِ ، وكانَ سَبّابا ، فاحِشا ، يُبغِضُ بَني هاشِمٍ ، ويَلعَنُ ويَسُبُّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام (4) .
شرح نهج البلاغة :كانَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ يُبغِضُ عَلِيّا عليه السلام ، ويَنتَقِصُهُ ، ويَنالُ مِن عِرضِهِ . ورَوى عُمَرُ بنُ شُبَّةَ وابنُ الكَلِبيِّ والواقِدِيُّ وغَيرُهُم مِن رُواةِ السِّيَرِ أنَّهُ مَكَثَ أيّامَ
.
ص: 128
ادِّعائِهِ الخِلافَةَ أربَعينَ جُمُعَةً لا يُصَلّي فيها عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وقالَ : لا يَمنَعُني مِن ذِكرِهِ إلّا أن تَشمَخَ (1) رِجالٌ بِآنافِها . وفي رِوايَةِ مُحَمَّدِ بنِ حَبيبٍ وأبي عُبَيدَةَ مُعَمَّرِ بنِ المُثَنىّ أنَّ لَهُ اُهَيلَ سَوءٍ يُنغِضونَ رُؤوسَهُم عِندَ ذِكرِهِ . ورَوى سَعيدُ بنُ جُبَيرٍ أنَّ عَبدَ اللّهِ بنَ الزُّبَيرِ قالَ لِعَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ : ما حَديثٌ أسَمُعهُ عَنكَ ؟ قالَ : وما هُوَ ؟ !قالَ : تَأنيبي وذَمّي ! فَقالَ : إنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : بِئسَ المَرءُ المُسلِمُ يَشبَعُ ويَجوعُ جارُهُ . فَقالَ ابنُ الزُّبَيرِ : إنّي لَأَكتُمُ بُغضَكُم أهلَ هذَا البَيتِ مُنذُ أربعينَ سَنَةً ! (2)
راجع : ص196 (محمّد ابن الحنفيّة) .
5 / 9عُبَيدُ اللّهِ بنُ زِيادٍشرح نهج البلاغة عن أبي غسّان البصري :بَنى عُبَيدُ اللّهِ بنُ زِيادٍ أربَعَةَ مَساجِدَ بِالبَصرَةِ تَقومُ عَلى بُغضِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وَالوَقيعَةِ فيهِ : مَسجِدُ بَني عَدِيٍّ ، ومَسجِدُ بَني مُجاشِعٍ ، ومَسجِدٌ كانَ فِي العَلّافينَ عَلى فُرضَةِ البَصرَةِ ، ومَسجِدٌ فِي الأَزدِ (3) .
تاريخ الطبري عن حميد بن مسلم_ في بَيانِ ما جَرى بَعدَ قَتلِ الحُسَينِ عليه السلام ونُزولِ أهلِ بَيتِهِ الكوفَةَ _: صَعِدَ المِنبَرَ ابنُ زِيادٍ ، فَقالَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي أظهَرَ الحَقَّ وأهلَهُ ، ونَصَرَ أميرَ المُؤمِنينَ يَزيدَ بنَ مُعاوِيَةَ وحِزبَهُ ، وقَتَلَ الكَذّابَ ابنَ الكَذّابِ الحُسينَ بنَ عَلِيٍّ وشيعَتَهُ (4) .
.
ص: 129
5 / 10مَروانُ بنُ الحَكَمِالكامل في التاريخ :كانَ مَروانُ قَصيرا ، أحمَرَ ، أوقَصَ (1) . . . وَلِيَ المَدينَةَ لِمُعاوِيَةَ مَرّاتٍ ، فَكانَ إذا وَلِيَ يُبالِغُ في سَبِّ عَلِيٍّ (2) .
البداية والنهاية_ في مَروانَ _: لمّا كانَ مُتَوَلِّيا عَلَى المَدينَةِ لِمُعاوِيَةَ كانَ يَسُبُّ عَلِيّا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى المِنبَرِ . وقالَ لَهُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ : لَقَد لَعَنَ اللّهُ أباكَ الحَكَمَ وأنتَ في صُلِبِه عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ ، فَقالَ : لَعَنَ اللّهُ الحَكَمَ وما وَلَدَ (3) .
مسند أبي يعلى عن أبي يحيى :كُنتُ بَينَ الحُسَينِ وَالحَسَنِ ، ومَروانَ ، يَتَشاتَمانِ ، فَجَعَلَ الحَسَنُ يَكُفُّ الحُسَينَ . فَقالَ مَروانُ : أهلُ بَيتٍ مَلعونونَ . فَغَضِبَ الحَسَنُ ، فَقالَ : أ قُلتَ : أهلُ بَيتٍ مَلعونونَ ! ! فَوَاللّهِ لَقَد لَعَنَكَ اللّهُ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله وأنتَ في صُلبِ أبيكَ ! ! (4)
5 / 11مُعاوِيَةُ بنُ حُدَيجٍممّن عُدّ من صحابة النبيّ صلى الله عليه و آله (5) . كان عثمانيّ الهوى (6) ، مبغضا للإمام
.
ص: 130
أمير المؤمنين عليه السلام ، وأحد وجوه جيش معاوية . شهِد حرب صفّين (1) . وعندما ملك معاوية كان أحد اُمرائه ، وكان يسبّ الإمام عليه السلام (2) . تغلّب على محمّد بن أبي بكر في قتاله معه ، فجعله في جلد حمار وأحرقه وهو عطشان (3) . هلك سنة (52 ه) (4) .
الكامل في التاريخ :كَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى مَسلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ ومُعاوِيَةَ بنِ حُدَيجٍ السَّكونِيِّ _ وكانا قَد خالَفا عَلِيّا _ يَشكُرُهُما عَلى ذلِكَ [الخُروجِ لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثمانَ ]ويَحُثُّهُما عَلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثمانَ ، ويَعِدُهُمَا المُواساةَ في سُلطانِهِ (5) .
الكامل في التاريخ_ في مُعاوِيَةَ بنِ حُدَيجٍ _: كانَ إذا قَدِمَ إلى مُعاوِيَةَ زُيِّنَت لَهُ الطُّرُقُ بِقِبابِ الرَّيحانِ ؛ تَعظيما لِشَأنِهِ (6) .
المعجم الكبير عن عليّ بن أبي طلحة مولى بني اُميّة :حَجَّ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ ، وحَجَّ مَعَهُ مُعاوِيَةُ بنُ حُدَيجٍ ، وكانَ مِن أسَبِّ النّاسِ لِعَلِيٍّ ، فَمَرَّ فِي المَدينَةِ في مَسجِدِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ جالِسٌ في نَفَرٍ مِن أصحابِهِ ، فَقيلَ لَهُ : هذَا مُعاوِيَةُ بنُ حُدَيجٍ السّابُّ لِعَلِيٍّ رضى الله عنه ! فَقالَ : عَلَيَّ بِالرَّجُلِ . فَأَتاهُ الرَّسولُ ، فَقالَ : أجِب ! قالَ : مَن ؟ قالَ : الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ يَدعوكَ . فَأَتاهُ فَسَلَّمَ عَلَيهِ . فَقالَ لَهُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ رضى الله عنه : أنتَ مُعاوِيةُ بنُ
.
ص: 131
حُدَيجٍ ؟ قالَ : نَعَم . فَرَدَّ عَلَيهِ ثَلاثا ، فَقالَ لَهُ الحَسَنُ : السّابُّ لِعَلِيٍّ ؟فَكَأَنَّهُ استَحيى ، فَقالَ لَهُ الحَسَنُ رضى الله عنه : أمَ وَاللّهِ لَئِن وَرَدتَ عَلَيهِ الحَوضَ _ وما أراكَ أن تَرِدَهُ _ لَتَجِدَنَّهُ مُشَمِّرَ الإِزارِ عَلى ساقٍ ، يَذودُ (1) المُنافِقينَ ذَودَ غَريبَةِ الإِبِلِ ، قولُ الصّادِقِ المَصدوقِ صلى الله عليه و آله ، «وَقَدْ خَابَ مَن افْتَرى» (2) . (3)
5 / 12المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَأسلم في السنة الخامسة للهجرة ، بعد أن كان فارّاً لقتله جماعة (4) . وليَ البحرين لعمر في بادئ أمره ، ثمّ ولّاه علَى البصرة ، وعزله عنها بزناه ، لكن استعمله علَى الكوفة (5) . قال بعض الظرفاء : كان الرجل يقول للآخر : غضب اللّه عليك كما غضب أمير المؤمنين علَى المغيرة ؛ عزله عن البصرة ، فولّاه الكوفة ! (6) ولهذا السبب هدّده الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالرجم (7) .
.
ص: 132
ثمّ وليَ الكوفةَ لعثمان مدّة (1) . وعندما بويع الإمام عليّ عليه السلام بالخلافة بايعه المغيرة ، واقترح عليه أن لا يعزل عمّال عثمان ، وأن يولّي طلحة والزبير على بعض الأمصار ، بَيْد أنّ الإمام عليه السلام رفض اقتراحه (2) . ومن الجدير بالذكر أنّه لم يشترك في جيش معاوية أيّام الإمام عليه السلام (3) ، لكنّه كان يبغض الإمام عليه السلام (4) . ذهب إلى معاوية حين آل الأمر إليه ، فنصبه علَى الكوفة (5) ، وكان يسبّ الإمام عليه السلام علَى المنبر (6) . هلك سنة (50 ه) . وكان معروفا بدهائه ، وحرصه الكبير علَى الزواج والطلاق ، حَتّى ذكر المؤرّخون أنّ نساءه كنّ أكثر من سبعين (7) ، أو ثلاثمئة ، أو كُنّ ألف امرأة (8) .
.
ص: 133
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :هامانُ هذِهِ الاُمَّةِ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ لِعَمّارِ بنِ ياسِرٍ وقَد سَمِعَهُ يُراجِعُ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ كَلاما _: دَعهُ يا عَمّارُ ؛ فَإِنَّهُ لَم يَأخُذ مِنَ الدّينِ إلّا ما قارَبَهُ مِنَ الدُّنيا ، وعَلى عَمدٍ لَبَسَ عَلى نَفسِهِ ؛ لِيَجعَلَ الشُّبُهاتِ عاذِرا لِسَقَطاتِهِ (2) .
الغارات عن جندب بن عبد اللّه :ذُكِرَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ عِندَ عَلِيٍّ عليه السلام وجَدُّهُ مَعَ مُعاوِيَةَ ، فَقالَ : ومَا المُغيرَةُ ! إنَّما كانَ إسلامُةُ لِفَجرَةٍ وغَدرَةٍ لِمُطمَئِنّينَ إلَيهِ مِن قَومِهِ ، فَتَكَ بِهِم ورَكِبَها مِنهُم ، فَهَرَبَ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كَالعائِذِ بِالإِسلامِ ، وَاللّهِ ما رَأى أحَدٌ عَلَيهِ _ مُنذُ ادَّعََى الإِسلامَ _ خُضوعا ولا خُشوعا . ألا وإنَّهُ كانَ مِن ثَقيفٍ فَراعِنةٌ قَبلَ يَومِ القِيامَةِ ، يُجانِبونَ الحَقَّ ، ويُسعِرونَ نيرانَ الحَربِ ، ويُوازِرونَ الظّالِمينَ . ألا إنَّ ثَقيفا قَومٌ غُدُرٌ ، لا يوفونَ بِعَهدٍ ، يُبغِضونَ العَرَبَ كَأَنَّهُم لَيسوا مِنهُم ، ولَرُبَّ صالِحٍ قَد كانَ فيهِم ؛ مِنهُم عُروَةُ بنُ مَسعودٍ ، وأبو عُبَيدِ بنُ مَسعودٍ المُستَشهَدُ بِقُسِّ النّاطِفِ (3) عَلى شاطِئِ الفُراتِ ، وإنَّ الصّالِحَ في ثَقيفٍ لَغَريبٌ (4) .
شرح نهج البلاغة عن أبي جعفر الإسكافي :إنَّ مُعاوِيَةَ وَضَعَ قَوما مِنَ الصَّحابَةِ وقَوما مِنَ التّابِعينَ عَلى رِوايَةِ أخبارٍ قَبيحَةٍ في عَلِيٍّ عليه السلام ، تَقتَضِي الطَّعنَ فيهِ ، وَالبَراءَةَ مِنهُ ، وجَعَلَ لَهُم عَلى ذلِكَ جُعلاً يُرغَبُ في مِثلِهِ ، فَاختَلَقوا ما أرضاهُ ؛ مِنهُم : أبو هُرَيرَةَ ،
.
ص: 134
وعَمرُو بنُ العاصِ ، وَالمُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ ، ومِنَ التّابِعينَ : عُروَةُ بنُ الزُّبَيرِ (1) .
شرح نهج البلاغة عن أبي جعفر الإسكافي :كانَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ يَلعَنُ عَلِيّا عليه السلام لَعنا صَريحا عَلى مِنبَرِ الكوفَةِ ، وكان بَلَغَهُ عَن عَلِيٍّ عليه السلام في أيّامِ عُمَرَ أنّهُ قالَ : لَئِن رَأَيتُ المُغيرَةَ لَأَرجُمَنَّهُ بِأَحجارِهِ _ يَعني واقِعَةَ الزِّنا بِالمَرأَةِ الَّتي شَهِدَ عَلَيهِ فيها أبو بَكرَةَ ، ونَكَلَ زِيادٌ عَنِ الشَّهادَةِ _ ، فَكانَ يُبغِضُهُ لِذاكَ ولِغَيرِهِ مِن أحوالٍ اجتَمَعَت في نَفسِهِ . . . . وكانَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ صاحِبَ دُنيا ؛ يَبيعُ دينَهُ بِالقَليلِ النَّزرِ مِنها ، ويُرضي مُعاوِيَةَ بِذِكرِ عَليِّ بن أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ قالَ يَوما في مَجلِسِ مُعاوِيَةَ : إنَّ عَلِيّا لَم يُنكِحهُ رَسولُ اللّهِ ابنَتَهُ حُبّا ، ولكِنَّهُ أرادَ أن يُكافِئَ بِذلِكَ إحسانَ أبي طالِبٍ إلَيهِ . قالَ : وقَد صَحَّ عِندَنا أنَّ المُغيرَةَ لَعَنَهُ عَلى مِنبَرِ العِراقِ مَرّاتٍ لا تُحصى (2) .
شرح نهج البلاغة :إنّ المُغيرَةَ كانَ أزنَى النّاسِ فِي الجاهِلِيَّةِ ، فَلَمّا دَخَلَ فِي الإِسلامِ قَيَّدَهُ الإِسلامُ ، وبَقِيَت عِندَهُ مِنهُ بَقِيَّةٌ ظَهَرَت في أيّامِ وِلايَتِهِ البَصرَةَ (3) .
الإصابة عن المغيرة بن شعبة :أنَا أوَّلُ مَن رَشا فِي الإِسلامِ ، جِئتُ إلى يَرفَأَ _ حاجِبِ عُمَرَ _ وكُنتُ اُجالِسَهُ ، فَقُلتُ لَهُ : خُذ هذِهِ العِمامَةَ فَالبَسها ، فَإِنَّ عِندي اُختَها . فَكانَ يَأنَسُ بي ويَأذَنُ لي أن أجلِسَ مِن داخِلِ البابِ ، فَكُنتُ آتي فَأَجلِسَ فِي القائِلَةِ (4) ، فَيَمرُُّ المارُّ فَيَقولُ : إنَّ لِلمُغيرَةِ عِندَ عُمَرَ مَنزِلَةً ؛ إنَّهُ لَيَدخُلُ عَلَيهِ في ساعَةٍ لا يَدخُلُ فيها أحَدٌ (5) .
شرح نهج البلاغة :كانَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ يُبغِضُ عَلِيّا عليه السلام مُنذُ أيّامِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وتَأَكَّدَت
.
ص: 135
بِغضَتُهُ إلى أيّامِ أبي بَكرٍ وعُثمانَ وعُمَرَ ، وأشارَ عَلَيهِ يَومَ بويِعَ بِالخِلافَةِ أن يُقِرَّ مُعاوِيَةَ عَلَى الشّامِ مُدَّةً يَسيرَةً ، فَإِذا خُطِبَ لَهُ بِالشّامِ وتَوَطَّأَت دَعوَتُهُ دَعاهُ إلَيهِ _ كَما كانَ عُمَرُ وعُثمانُ يَدعُوانِهِ إلَيهِما _ وصَرَفَهُ ، فَلَم يَقبَل ، وكانَ ذلِكَ نَصيحَةً مِن عَدُوٍّ كاشِحٍ (1) . (2)
الغارات عن الكلبي :إنَّ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ كَتَبَ إلى بُسرٍ _ حينَ خَرَجَ مِن مَكَّةَ مُتَوَجِّها إلَى الطّائِفِ (3) _ : أمّا بَعدُ ، فَقَد بَلَغَني مَسيرُكَ إلَى الحِجازِ ، ونُزولُكَ مَكَّةَ ، وشِدَّتُكَ عَلَى المُريبِ ، وعَفوُكَ عَنِ المُسيءِ ، وإكرامُكَ لِاُولي النُّهى ، فَحَمِدتُ رأَيَكَ في ذلِكَ ، فَدُم عَلى صالِحِ ما أنتَ عَلَيهِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ لَن يَزيدَ بِالخَيرِ أهلَهُ إلّا خَيرا ، جَعَلَنا اللّهُ وإيّاكَ مِنَ الآمِرينَ بِالمَعروفِ ، وَالقاصِدينَ إلَى الحَقِّ ، وَالذّاكِرينَ اللّهَ كَثيرا (4) .
الكامل في التاريخ_ في ذِكرِ البَيعَةِ لِيَزيدَ بِوِلايَةِ العَهدِ _: كانَ ابتِداءُ ذلِكَ وأوَّلُهُ مِنَ المُغيرَةِ بنِ شُعبَةَ ؛ فَإِنَّ مُعاوِيَةَ أرادَ أن يَعزِلَهُ عَنِ الكوفَةِ ويَستَعمِلَ عِوَضَهُ سَعيدَ بنَ العاصِ ، فَبَلَغَهُ ذلِكَ فَقالَ : الرَّأيُ أن أشخَصَ إلى مُعاوِيَةَ فَأَستَعفِيَهُ ؛ لِيَظهَرَ لِلنّاسِ كَراهَتي لِلوِلايَةِ . فَسارَ إلى مُعاويَةَ ، وقالَ لِأَصحابِهِ حينَ وَصَلَ إلَيهِ : إن لَم اُكسِبكُمُ الآنَ وِلايَةً وإمارَةً لا أفعَلُ ذلِكَ أبَدا ! ومَضى حَتّى دَخَلَ عَلى يَزيدَ ، وقالَ لَهُ : إنَّهُ قَد ذَهَبَ أعيانُ أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وآلِهِ وكُبراءُ قُرَيشٍ وذَوو أسنانِهِم ، وإنَّما بَقِيَ أبناؤُهُم ، وأنتَ مِن أفضَلِهِم وأحسَنِهِم رَأيا ، وأعلَمُهُم بِالسُّنَّةِ وَالسِّياسَةِ ، ولا أدري ما يَمَنعُ أميرَ المُؤمِنينَ أن يَعقِدَ
.
ص: 136
لَكَ البَيعَةَ ! قالَ : أ وَ تَرى ذلِكَ يَتِمُّ ؟ قالَ : نَعَم . فَدَخَلَ يَزيدُ عَلى أبيهِ ، وأخبَرَهُ بِما قالَ المُغيرَةُ ، فَأَحضَرَ المُغيرَةَ وقالَ لَهُ : ما يَقولُ يَزيدُ ! فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قَد رَأَيتَ ما كانَ مِن سَفكِ الدِّماءِ ، وَالاِختِلافِ بَعدَ عُثمانَ ، وفي يَزيدَ مِنكَ خَلَفٌ ، فَاعقِد لَهُ ، فَإِن حَدَثَ بِكَ حادِثٌ كانَ كَهفا لِلنّاسِ ، وخَلَفا مِنكَ ، ولا تُسفَكُ دِماءٌ ، ولا تَكونَ فِتنَةٌ . قالَ : ومَن لي بِهذا ؟ قالَ : أكفيكَ أهلَ الكوفَةِ ، ويَكفيكَ زِيادٌ أهلَ البَصرَةِ ، ولَيسَ بَعدَ هذَينِ المِصرَينِ أحَدٌ يُخالِفُكَ . قالَ : فَارجِع إلى عَمَلِكَ ، وتَحَدَّث مَعَ مَن تَثِقُ إلَيهِ في ذلِكَ ، وتَرى ونَرىَ . فَودَّعَهُ ورَجِعَ إلَى أصحابِهِ . فَقالوا : مَه ؟ قالَ : لَقَد وَضَعتُ رِجلَ مُعاوِيَةِ في غَرزٍ (1) بَعيدِ الغايَةِ عَلَى اُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، وفَتَقتُ عَلَيهِم فَتقا لا يُرتَقُ أبَدا ، وتَمَثَّلَ : بِمِثلي شاهِدِي النَّجوى وغالى بِيَ الأعداءَ وَالخصمَ الغِضابا وسارَ المُغيرَةُ حَتّى قَدِمَ الكوفَةَ ، وذاكَرَ مَن يَثِقُ إلَيهِ ومَن يَعلَمُ أنَّهُ شيعَةٌ لِبَني اُمَيَّةَ أمرَ يَزيدَ ، فَأَجابوا إلى بَيعَتِهِ ، فَأَوفَدَ مِنهُم عَشَرَةً ، ويُقال : أكَثرُ مِن عَشَرَةٍ ، وأعطاهُم ثَلاثينَ ألفَ دِرهَمٍ ، وجَعَلَ عَلَيهِمُ ابنَهُ موسَى بنَ المُغيرَةِ ، وقَدِموا عَلى مُعاوِيَةَ فَزَيَّنوا لَهُ بَيعَةَ يَزيدَ ، ودَعَوهُ إلى عَقدِها . فَقالَ مُعاوِيَةُ : لاتَعجَلوا بِإِظهارِ هذَا وكونوا عَلى رَأيِكُم . ثُمَّ قالَ لِموسى : بِكَمِ اشتَرى أبوكَ مِن هؤُلاءِ دينَهُم ؟قالَ : بِثَلاثينَ ألفا . قالَ : لَقَد هانَ عَلَيهِم دينُهُم (2) .
.
ص: 137
5 / 13الوَليدُ بنُ عُقبَةَهو أخو عثمان لاُمّه (1) ، وممّن أسلم يوم فتح مكّة . قتل أمير المؤمنين عليه السلام أباه بأمر النبيّ صلى الله عليه و آله بعد أسره في غزوة بدر (2) . نزلت فيه الآية الكريمة : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ . . .» (3) ، (4) ومع ذلِكَ فإنّ الخليفة الثاني كان يرسله لجمع الصدقات (5) . كان مفرِطاً في شرب الخمر ، واُقيم عليه الحدّ بسبب ذلِكَ عندما كان واليا من قِبَل عثمان علَى الكوفة (6) ، وهذَا من جملة المؤاخذات الَّتي سُجّلت على عثمان (7) . كان قديم العداء للإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو الَّذي قال للإمام عليه السلام في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله : «أنا أحدُّ منك سِنانا ، وأبسطُ لسانا ، وأملأُ كتيبةً» ، فنزلت الآية الكريمة :
.
ص: 138
«أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا» (1) على أثر ذلِكَ (2) . ولمّا بويع الإمام عليه السلام لم يبايعه ، بل كان يحرّض معاوية والعثمانيّين بشعر كان ينشده (3) ، بل لازم معاوية في صفّين . وكان يسبّ الإمام عليه السلام (4) .
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :قالَ الوَليدُ بنُ عُقبَةَ بنِ أبي مُعَيطٍ لَعِليِّ بنِ أبي طالِبٍ : أنَا أحَدُّ مِنكَ سِنانا ، وابسَطُ مِنكَ لِسانا ، وأملأَُ لِلكَتيبَةِ مِنكَ ! فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : اُسكُت ، فَإِنَّما أنتَ فاسِقٌ ، فَنَزَلَت : «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ» ، قالَ : يَعني بِالمُؤمِنِ عَلِيّا ، وبِالفاسِقِ الوَليدَ بنَ عُقبَةَ (5) .
شرح نهج البلاغة عن أبي القاسم البلخي :مِنَ المَعلومِ الَّذي لا رَيبَ فيهِ _ لاشتِهارِ الخَبَرِ بِهِ ، وإطباقِ النّاسِ عَلَيهِ _ أنَّ الوَليدَ بنَ عُقَبَةَ بنِ أبي مُعَيطٍ كانَ يُبغِضُ عَلِيّا ويَشتِمُهُ ، وأنَّهُ هُوَ الَّذي لاحاهُ (6) في حَياةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ونابَذَهُ ، وقالَ لَهُ : أنَا أثبَتُ مِنكَ جِنانا ، وأحَدُّ سِنانا ! فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : اُسكُت يا فاسِقُ ! فَأَنزَلَ اللّهُ تَعالى فيهِما : «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ . . .» الآياتِ المَتلُوَّةِ ، وسَمَّى الوَليدَ بِحَسَبِ ذلِكَ في حَياةِ
.
ص: 139
رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الفاسِقَ ، فَكانَ لا يُعرَفُ إلّا بِالوَليدِ الفاسِقِ (1) .
تاريخ دمشق_ في وَصفِ الوَليدِ بنِ عُقبَةَ _: كانَ أبوهُ مِن شَياطينِ قُرَيشٍ ، أسَرَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ بَدرٍ ، وضَرَبَ عُنُقَهُ . وهُوَ الفاسِقُ الَّذي ذَكَرَهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ ، يَقولُ : «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ» (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ امرَأَةَ الوَليدِ بنِ عُقبَةَ أتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَت : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ الوَليدَ يَضرِبُها (3) . قالَ : قولي لَهُ : قَد أجارَني . فَلَم تَلبَث إلّا يَسيرا حَتّى رَجَعتَ ، فَقالَت : ما زادَني إلّا ضَربا . فَأَخَذَ هُدبَةً (4) مِن ثَوبِهِ فَدَفَعَها إلَيها ، وقالَ : قولي لَهُ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد أجارَني . فَلَم تَلبَث إلّا يَسيرا حَتّى رَجَعَتَ ، فَقالَت : ما زادَني إلّا ضَربا . فَرَفَعَ يَدَيهِ وقالَ : «اللّهُمَّ عَلَيكَ الوَليدَ ، أثِمَ بي» مَرَّتَينِ (5) . (6)
الغارات_ في وَصفِ الوَليدِ بنِ عُقبَةَ _: وهُوَ الَّذي سَمّاهُ اللّهُ في كِتابِهِ فاسِقا ، وهُوَ أحَدُ الصِّبيَّةِ الَّذينَ بَشَّرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِالنّارِ . وقالَ شِعرا يَرُدُّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله قَولَهُ _ حَيثُ قالَ في عَلِيٍّ عليه السلام : إن تُوَلّوهُ تَجِدوهُ
.
ص: 140
هادِيا مَهدِيّا ، يَسلُكُ بِكُمُ الطَّريقَ المُستَقيمَ _ فَقالَ : فَإِن يَكُ قَد ضَلَّ البَعيرُ بِحِملِهِ فَلَم يَكُ مَهدِيّا ولا كانَ هادِيا فَهُو مِن مُبغِضي عَلِيٍّ عليه السلام وأعدَائِهِ ، وأعداءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ؛ لِأَنَّ أباهُ قَتَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيٍّ صَبرا يَومَ بَدرٍ بِالصَّفراءِ (1) . (2)
شرح نهج البلاغة :إنَّ الوَليدَ بنَ عُقبَةَ بنِ أبي مُعَيطٍ _ وكانَ يُبغِضُ الأَنصارَ ؛ لِأَ نَّهُم أسَروا أباهُ يَومَ بَدرٍ ، وضَرَبوا عُنُقَهُ بَينَ يَدَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ قامَ يَشتِمُ الأَنصارَ ، وذَكَرَهُم بِالهَجرِ (3) .
تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن مسعود عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :سَيَلي اُمورَكُم مِن بَعدي رِجالٌ ، يُطفِئونَ السُّنَّةَ ، ويعَمَلونَ بِالبِدعَةِ ، ويُؤَخِّرونَ الصَّلاةَ عَن مَواقيتِها . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، فَما تَأمُرُني إن أدرَكتُهُم ؟ فَقالَ : سَأَلَنِي ابنُ اُمِّ عَبدٍ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ حَتّى إنّي لَأَرى بَياضَ إبطَيهِ ، فَقالَ : «لا طاعَةَ لِمَن عَصَى اللّهَ» ثَلاثَ مَرّاتٍ ، حَسَبتُ . فَلَمّا كانَ الوَليدُ بنُ عُقبَةَ بِالكوفَةِ أخَّرَ الصَّلاةَ يَوما ، فَقامَ ابنُ مَسعودٍ ، فَأَقامَ الصَّلاةَ ، وصَلّى بِالنّاسِ (4) .
تاريخ دمشق عن علقمة :كُنّا في جَيشٍ بِالرّومِ ، ومَعَنا حُذيفَةُ ، وعَلَينَا الوَليدُ ، فَشَرِبَ الوَليدُ الخَمرَ ، فَأَرَدنا أن نَحُدَّهُ ، فَقالَ حُذَيفَةُ : أ تَحُدّونَ أميرَكُم وقَد دَنَوتُم مِن عَدُوِّكُم ، فَيَطمَعوا فيكُم ؟ ! فَبَلَغَهُ ، فَقالَ : لَأَشرَبَنَّ وإن كانَت مُحَرَّمَةً ولَأَشرَبَنَّ عَلى رَغمِ أنفِ مَن رَغِم (5)
.
ص: 141
مروج الذهب :أتاهُ [عَلِيّا عليه السلام ] جَماعَةٌ مِمَّن تَخَلَّفَ عَن بَيعَتِهِ مِن بني اُمَيَّةَ ؛ _ مِنهُم : سَعيدُ بنُ العاصِ ، ومَروانُ بنُ الحَكَمِ ، وَالوَليدُ بنُ عُقبَةَ بنِ أبي مُعيَطٍ ، فَجَرى بَينَهُ وبَينَهُم خَطبٌ طَويلٌ ، وقالَ لَهُ الوَليدُ : إنّا لَم نَتَخَلَّف عَنكَ رَغبَةً عَن بَيعَتِكَ ، ولكِنّا قَومٌ وَتَرَنَا النّاسُ ، وخِفنا عَلى نُفوسِنا ، فَعُذرُنا فيما نَقولُ واضِحٌ ؛ أمّا أنَا فَقَتَلتَ أبي صَبرا ، وضَرَبتَني حَدّا (1) .
الغارات عن مغيرة الضبّي :مَرَّ ناسٌ بِالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ عليهماالسلام وهُم يُريدونَ عِيادَةَ الوَليدِ بنِ عُقبَةَ وهُوَ في عِلَّةٍ شَديدَةٍ ، فَأَتاهُ الحَسَنُ عليه السلام مَعَهُم عائِدا ، فَقالَ لِلحَسَنِ : أتوبُ إلَى اللّهِ مِمّا كانَ بَيني وبَينَ جَميعِ النّاسِ ، إلّا ما كانَ بَيني وبَينَ أبيكَ ! يَقولُ : أي لا أتوبُ مِنهُ (2) .
شرح نهج البلاغة_ في بَيانِ عِلَّةِ شِدَّةِ بُغضِ الوَليدِ عَلِيّا عليه السلام _: إنَّ عَلِيّا عليه السلام قَتَلَ أباهُ عُقبَةَ بنَ أبي مُعَيطٍ صَبرا يُومَ بَدرٍ ، وسُمِّيَ الفاسِقَ بَعدَ ذلِكَ فِي القُرآنِ ؛ لِنزِاعٍ وَقَعَ بَينَهُ وبَينَهُ ، ثُمَّ جَلَدَهُ الحَدَّ في خِلافَةِ عُثمانَ ، وعَزَلَهُ عَنِ الكوفَةِ وكانَ عامِلَها . وبِبَعضِ هذَا عِندَ العَرَبِ أربابَ الدّينِ وَالتُّقى تُستَحَلُّ المَحارِمُ ، وتُستَباحُ الدِّماءُ ، ولا تَبقى مُراقَبَةٌ في شِفاءِ الغَيظِ لِدينٍ ولا لِعِقابٍ ولا لِثَوابٍ ، فَكَيفَ الوَليدُ المُشتَمِلُ عَلَى الفُسوقِ وَالفُجورِ ، مُجاهِرا بِذلِكَ ! وكانَ مِنَ المُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم ، مَطعونا في نَسَبِهِ ، مَرمِيّا بِالإِلحادِ وَالزَّندَقَةِ ! (3)
راجع : ج2 ص150 (الصدّ عن إقامة الحدّ على الوليد) وج4 ص366 (المؤمن) .
.
ص: 142
كلام ابن أبي الحديد في المنحرفين عن الإمامشرح نهج البلاغة : ذَكَرَ جَماعةٌ مِن شُيوخِنَا البَغدادِيّينَ أنَّ عِدَّةً مِنَ الصَّحابَةِ وَالتّابِعينَ وَالمُحَدِّثينَ كانوا مُنحَرِفينَ عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، قائِلينَ فَيهِ السّوءَ ، ومِنهُم مَن كَتَمَ مَناقِبَهُ وأعانَ أعداءَهُ مَيلاً مَعَ الدُّنيا وإيثارا لِلعاجِلَةِ.
أ : أنَسُ بنُ مالِكٍفَمنِهُم : أنَسُ بنُ مالِكٍ ، ناشَدَ عَلِيٌّ عليه السلام النّاسَ في رُحبَةِ القَصرِ _ أو قالَ : رُحبَةِ الجامِعِ بِالكوفَةِ _ : أيُّكُم سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؟ فَقامَ اثنا عَشَرَ رَجُلاً فَشَهِدوا بِها ، وأنَسُ بنُ مالِكٍ فِي القَومِ لَم يَقُم ، فَقالَ لَهُ : يا أنَسُ ! ما يَمنَعُكَ أن تَقومَ فَتَشهَدَ ولَقَد حَضَرتَها ؟ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، كَبرِتُ ونَسيتُ . فَقالَ : اللّهُمَّ إن كانَ كاذِبا فَارمِهِ بِها بَيضاءَ لا تُواريهَا العِمامَةُ . قالَ طَلحَةُ بنُ عُمَيرٍ : فَوَاللّهِ لَقَد رَأَيتُ الوَضَحَ (1) بِهِ بَعدَ ذلِكَ أبيَضَ بَينَ عَينَيهِ . ورَوى عُثمانُ بنُ مُطرِّفٍ : أنَّ رَجُلاً سَألَ أنَسَ بنَ مالِكٍ في آخِرِ عُمرِهِ عَن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَقالَ : إنّي آليَتُ ألّا أكتُمَ حَديثا سُئِلتُ عَنهُ في عَلِيٍّ بَعدَ يَومِ
.
ص: 143
الرُّحَبةِ ، ذاكَ رَأسُ المُتَّقينَ يَومَ القِيامَةِ ، سَمِعتُهُ وَاللّهِ مِن نَبِيِّكُم (1) . . . .
ب : الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ وجَريرُ بنُ عَبدِ اللّهِقالوا : وكانَ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ الكِندِيُّ وجَريرُ بنُ عَبدِ اللّهِ البَجَلِيُّ يُبغضانِهِ ، وهَدَمَ عَلِيٌّ عليه السلام دارَ جَريرِ بنِ عَبدِ اللّهِ . قالَ إسماعيلُ بنُ جَريرٍ : هَدَمَ عَلِيٌّ دارَنا مَرَّتَينِ . ورَوىَ الحارِثُ بنُ حُصَين : أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله دَفَعَ إلى جَريرِ بنِ عَبدِ اللّهِ نَعلَينِ مِن نِعالِهِ ، وقالَ : اِحتَفِظ بِهِما ؛ فَإِنَّ ذهابَهُما ذَهابُ دينِكَ . فَلَمّا كانَ يَومُ الجَمَلِ ذَهَبَت إحداهُما ، فَلَمّا أرسَلَهُ عَلِيٌّ عليه السلام إلى مُعاوِيَةَ ذَهَبَتِ الاُخرى ، ثُمَّ فارَقَ عَلِيّا وَاعتَزَلَ الحَربَ . . . .
ج : أبو مَسعودٍ الأَنصارِيُّوكانَ أبو مَسعودٍ الأَنصارِيُّ مُنحَرِفا عَنهُ عليه السلام . رَوى شَريكٌ عَن عُثمانَ بنِ أبي زُرعَةَ عَن زَيدِ بنِ وَهَبٍ ، قالَ : تَذاكَرنَا القِيامَ إذا مَرَّتِ الجَنازَةُ عِندَ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ أبو مَسعودٍ الأَنصاريُّ : قَد كُنّا نَقومُ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : ذاكَ وأنتمُ يَومَئذٍ يَهودٌ . . . . ورَوَى المِنهالُ عَن نَعيمِ بنِ دَجاجَةَ قالَ : كُنتُ جالِسا عِندَ عَلِيٍّ عليه السلام إذ جاءَ أبو مَسعودٍ ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : جاءَكُم فَرّوجٌ . فَجاءَ فَجَلَسَ ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : بَلَغَني أنَّكَ تُفتِي النّاسَ ؟ قالَ : نَعَم ، واُخبِرُهم أنَّ الآخِرَ شَرٌّ . قالَ : فَهَل سَمِعتَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله شَيئا ؟ قالَ : نَعَم سَمِعتُهُ يَقولُ : لا يَأتي عَلَى النّاسِ سَنَةُ مِئَةٍ وعَلَى الأَرضِ عَينٌ تَطرِفُ . قالَ : أخطَأَتِ اِستُكَ الحُفرَةَ (2) ، وغَلِطتَ في أوَّلِ ظَنِّكَ . إنَّما عَنى مَن حَضَرَهُ يَومَئِذٍ ، وهَلِ الرَّخاءُ إلّا بَعدَ المِئَةِ !
.
ص: 144
د : كَعبُ الأَحبارِرَوى جَماعَةٌ مِن أهلِ السِّيَرِ أنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَقولُ عَن كَعبِ الأَحبارِ : إنَّهُ لَكَذَّابٌ . وكانَ كَعبٌ مُنحَرِفا عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، وكانَ النُّعمانُ بنُ بَشيرٍ الأَنصارِيُّ مُنحَرِفا عَنهُ وعَدُوّا لَهُ ، وخاضَ الدِّماءَ مَعَ مُعاوِيَةَ خَوضا ، وكانَ مِن اُمرَاءِ يَزيدَ ابنِهِ حَتّى قُتِلَ وهُوَ عَلى حالِهِ .
ه : عِمرانُ بنُ الحُصَينِرُوِيَ أنّ عِمرانَ بنَ الحُصَينِ كانَ مِنَ المُنحَرِفينَ عَنهُ عليه السلام ، وأَنَّ عَلِيّا سَيَّرَهُ إلَى المَدائِنِ (1) ، وذلِكَ أنَّهُ كانَ يَقولُ : إن ماتَ عَلِيٌّ فَلا أدري ما مَوتُهُ ، وإن قُتِلَ فَعَسى أنّي إن قُتِلَ رَجَوتُ لَهُ . ومِنَ النّاسِ مَن يَجعَلُ عِمرانَ فِي الشّيعَةِ .
و : سَمُرةُ بنُ جُندَبٍوكان سَمُرَةُ بنُ جُندَبٍ مِن شَرَطَةِ زِيادٍ . رَوى عَبدُ المَلِكِ بنُ حَكيمٍ عَنِ الحَسَنِ قالَ : جاءَ رَجُلٌ مِن أهلِ خُراسانَ إلَى البَصرَةِ ، فَتَرَكَ مالاً كانَ مَعَهُ في بَيتِ المالِ ، وأخَذَ بَراءَةً ، ثُمَّ دَخَلَ المَسجِدَ فَصَلّى رَكعَتَينِ ، فَأَخَذَهُ سَمُرَةُ بنُ جُندَبٍ وَاتَّهَمَهُ بِرَأيِ الخَوارِجِ ، فَقَدَّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ ، وهُوَ يَومَئِذٍ عَلى شُرَطَةِ زِيادٍ ، فَنَظَروا فيما مَعَهُ فَإِذَا البَراءَةُ بِخَطِّ بَيتِ المالِ ، فقال أبو بَكرَةَ : يا سَمُرَةُ ! أما سَمِعتَ اللّهَ تَعالى يَقولُ : «قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» (2) فَقالَ : أخوكَ (3) أمَرَني بِذلِكَ .
.
ص: 145
ورَوى الأَعمَشُ عَن أبي صالحٍ قالَ : قيلَ لَنا : قَد قَدِمَ رَجُلٌ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَتَيناهُ فَإِذا هُوَ سَمُرَةُ بنُ جُندَبٍ ، وإذا عِندَ إحدى رِجلَيهِ خَمرٌ وعِندَ الاُخرى ثَلجٌ ! فَقُلنا : ما هذَا ؟ ! قالوا : بِهِ النِّقرِسُ (1) ، وإذا قَومٌ قَد أتَوهُ ، فَقالوا : يا سَمُرَةُ ! ما تَقولُ لِرَبِّكَ غَدا ؟ تُؤتى بِالرَّجُلِ فَيُقالُ لَكَ : هُوَ مِنَ الخَوارجِ ، فَتَأمُرُ بِقَتلِهِ ، ثُمَّ تُؤتى بِآخَرَ فَيُقالُ لَكَ : لَيسَ الَّذي قَتَلتَهُ بِخارِجِيٍّ ، ذاكَ فَتىً وجَدناهُ ماضِيا في حاجَتِهِ ، فَشُبِّهَ عَلَينا ، وإنَّمَا الخارِجِيُّ هذَا ، فَتَأمُرُ بِقَتلِ الثّاني ! فَقالَ سَمُرَةُ : وأيُّ بَأسٍ في ذلِكَ ؟ إن كانَ مِن أهلِ الجَنَّةِ مَضى إلَى الجَنَّةِ ، وإن كانَ مِن أهلِ النّارِ مَضى إلَى النّارِ ! ! ورَوى واصِلٌ مَولى أبي عُيَينَةَ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ بن عَلِيٍّ عليه السلام عَن آبائِهِ ، قالَ : كانَ لِسَمُرَةَ بنِ جُندَبٍ نَخلٌ في بُستانٍ رَجُلٍ مِن الأَنصارِ ، فَكانَ يُؤذيهِ ، فَشَكَا الأَنصارِيُّ ذلِكَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَبَعَثَ إلى سَمُرَةَ فَدَعاهُ فَقالَ لَهُ : بِع نَخلَكَ مِن هذَا وخُذ ثَمَنَهُ . قال : لا أفعَلُ ! قالَ : فَخُذ نَخلاً مَكانَ نَخلِكَ . قالَ : لا أفعَلُ ! قالَ : فَاشتَرِ مِنهُ بُستانَهُ . قالَ : لا أفعَلُ ! قالَ : فَاترُك لي هذَا النَّخلَ ولَكَ الجَنَّةُ . قالَ : لا أفعَلُ . فَقالَ صلى الله عليه و آله لِلأَنصارِيِّ : اِذهبَ فَاقطَع نَخلَهُ ؛ فَإِنَّهُ لا حَقَّ لَهُ فيهِ . وروى شَريَكُ قالَ : أخَبَرنا عَبدُ اللّهِ بنُ سَعدٍ عَن حُجرِ بنِ عَدِيٍّ قالَ : قَدِمتُ المَدينَةَ فَجَلَستُ إلى أبي هُرَيرَةَ ، فَقالَ : مِمِّنَ أنتَ ؟ قُلتُ : مِن أهَلِ البَصرَةِ . قالَ : ما فَعَلَ سَمُرَةُ بنُ جُندَبٍ ؟ قُلتُ : هُوَ حَيٌّ . قالَ : ما أحَدٌ أحَبُّ إليَّ طولَ حَياةٍ مِنهُ . قُلتُ : ولِمَ ذاك ؟ قالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ لي ولَهُ ولِحُذيفَةَ بنِ اليَمانِ : «آخِرُكُم مَوتا فِي النّارِ» فَسَبَقَنا حُذَيفَةُ ، وأنَا الآن أتَمَنّى أن أسبِقَهُ . قالَ : فَبَقِيَ سَمُرَةُ بنُ جُندَبٍ حَتّى شَهِدَ مَقتَلَ الحُسَينِ .
.
ص: 146
ورَوى أحمَدُ بنُ بَشيرٍ عَن مِسعَرِ بنِ كِدامٍ ، قالَ : كان سَمُرَةُ بنُ جُندَبٍ أيّامَ مَسيرِ الحُسَينِ عليه السلام إلَى الكوفَةِ عَلى شَرَطَةِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ زيادٍ ، وكانَ يُحَرِّضُ النّاسَ عَلَى الخُروجِ إلَى الحُسَينِ عليه السلام وقِتالِهِ .
ز : عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرمِنَ المُنحَرِفينَ عَنهُ المُبغِضينَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ ، وقَد ذَكَرناهُ آنِفا ، كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقولُ : «ما زالَ الزُّبَيرُ مِنّا أهلَ البَيتِ ، حَتّى نَشَأَ ابنُهُ عَبدُ اللّهِ فَأَفسَدَهُ » . وعَبدُ اللّهِ هُوَ الَّذي حَمَلَ الزُّبَيرُ عَلَى الحَربِ ، وهُوَ الَّذي زَيَّنَ لِعائِشَةَ مَسيرَها إلَى البَصرَةِ ، وكانَ سَبّابا فاحِشا يُبغِضُ بَني هاشِمٍ ، ويَلعَنُ ويَسُبُّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام (1) .
ح : مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَوكانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقنُتُ في صَلاةِ الفَجرِ ، وفي صَلاةِ المَغرِبِ ، ويَلعَنُ مُعاوِيَةَ وعَمرا وَالمُغيرَةَ وَالوَليدَ بنَ عُقبَةَ وأبَا الأَعوَرِ وَالضَّحّاكَ بنَ قَيسٍ وبُسرَ بنَ أرطاةَ وحَبيبَ بنَ مَسلَمَةَ وأبا موسَى الأَشعَرِيَّ ومَروانَ بنَ الحَكَمِ ، وكانَ هؤُلاءِ يَقنتُونَ عَلَيهِ ويَلعَنونَهُ . ورَوى شَيخُنا أبو عَبدِ اللّهِ البَصرِيُّ المُتَكَلِّمُ رَحِمَهُ اللّهُ تَعالى عَن نَصرِ بنِ عاصِمٍ اللَّيِثيِّ عَن أبيهِ قالَ : أَتيتُ مَسجِدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالنّاسُ يَقولونَ : نَعوذُ بِاللّهِ مِن غَضَبِ اللّهِ وغَضَبِ رَسولِهِ ! فَقُلتُ : ما هذَا ؟ قالوا : مُعاوِيَةُ قامَ السّاعَةَ فَأَخَذَ بِيَدِ أبي سُفيانَ ، فَخَرَجا مِنَ المَسجِدِ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «لَعَنَ اللّهُ التّابِعَ وَالمَتبوعَ ! رُبَّ يَومٍ لاُمَّتي مِن مُعاوِيَةَ ذِي الأَستاهِ » _ قالوا : يَعنِي الكَبيرَ العَجزِ _ وقالَ : رَوَى العَلاءُ بنُ حَريزٍ القُشَيرِيُّ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ لِمُعاوِيَةَ : لَتَتَّخِذَنَّ يا مُعاوِيَةُ البِدعَةَ سُنَّةً ، وَالقُبحَ حُسنا ؛ أكلُك كَثيرٌ ، وظُلمُك عَظيمٌ . . . .
.
ص: 147
ط : المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَرَوى صاحِبُ الغاراتِ عَن أبي صادِقٍ عَن جُندَبِ بنِ عَبدِ اللّهِ قالَ : ذُكِرَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ عِندَ عَلِيٍّ عليه السلام وجَدُّهُ مَعَ مُعاوِيَةَ ، قالَ : ومَا المُغيرَةُ ؟ ! إنَّما كانَ إسلامُهُ لِفَجرَةٍ وغَدرَةٍ غَدَرَها بِنَفَرٍ مِن قَومِهِ فَتَكَ بِهِم ، ورَكِبَها مِنهُم ، فَهَرَبَ مُنهُم ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كَالعائِذِ بِالإِسلامِ ؛ وَاللّهِ ما رَأى أحَدٌ عَلَيهِ مُنذُ ادَّعَى الإِسلامَ خُضوعا ولا خُشوعا . ألا وإنَّهُ يَكونُ مِن ثَقيفٍ فَراعِنَةٌ قَبلَ يَومِ القِيامَةِ ؛ يُجانِبونَ الحَقَّ ، ويُسَعِّرونَ نيرانَ الحَربِ ، ويُؤازرونَ الظّالِمينَ ، ألا إنَّ ثَقيفا قَومٌ غُدُرٌ ، لا يوفونَ بِعَهدٍ ، يُبغِضونَ العَرَبَ كَأَنَّهُم لَيسوا مِنهُم ، ولَرُبَّ صالِحٍ قَد كانَ مِنهُم ؛ فَمِنهُم عُروَةُ بنُ مَسعودٍ ، وأبو عُبَيدِ بنِ مَسعودٍ المُستَشهَدُ يَومَ قُسِّ النّاطِفِ . وإنَّ الصّالِحَ في ثَقيفٍ لَغَريبٌ . . . .
ي : يَزيدُ بنُ حُجَيَّةَذَكَرَ إبراهيمُ بنُ هِلالٍ صاحِبُ كِتابِ الغاراتِ فيمَن فارَقَ عَلِيّا عليه السلام وَالتَحَقَ بِمُعاوِيَةَ يَزيدَ بنَ حُجَيَّةَ التَّيمِيَّ مِن بَني تَيمِ بنِ ثَعلَبَةَ بنِ بَكرِ بنِ وائِلٍ ، وكانَ عليه السلام قَدِ استَعمَلَهُ عَلَى الرَّيَّ ودَستَبنى (1) ، فَكَسَرَ الخَوارِجَ وَاحتَجَنَ (2) المالَ لِنَفسِهِ فَحَبَسَهُ عَلِيٌّ عليه السلام وجَعَلَ مَعَهُ سَعدا مَولاهُ ، فَقَرَّبَ يَزيدُ رَكائِبَهُ وسَعدٌ نائِمٌ فَالتَحَقَ بِمُعاوِيَةَ وقالَ : خادَعتُ سعدا وَارتَمَت بي رَكائِبي إلَى الشّامِ وَاختَرتُ الَّذي هُوَ أفضَلُ وغادَرتُ سَعدا نائِما في عَباءَةٍ وسَعدٌ غُلامٌ مُستَهامٌ مُضَلَّلُ ثُمَّ خَرَجَ حَتّى أتَى الرَّقَّةَ (3) ، وكَذلِكَ كانَ يَصنَعُ مَن يُفارِقُ عَلِيّا عليه السلام ؛ يَبدَأُ بِالرَّقَّةِ
.
ص: 148
حَتّى يَستَأذِنَ مُعاوِيَةَ فِي القُدومِ عَلَيهِ ، وكانَتِ الرَّقَّةُ وَالرُّها (1) وقَرقيسيا (2) وحَرّانَ (3) مِن حَيِّزِ مُعاوِيَةَ ، وعَلَيهَا الضَّحّاكُ بنُ قَيسٍ ، وكانَت هيتُ (4) وعاناتُ (5) ونَصيبينَ (6) ودارا (7) وآمُدُ (8) وسِنجارُ (9) مِن حَيِّزِ عَلِيٍّ عليه السلام وعَلَيهَا الأَشتَرُ ، وكانا يَقتَتِلانِ في كُلِّ شَهرٍ . . . . قالَ أبُو الصَّلتِ التَّيميُّ : كانَ دُعاؤُهُ عَلَيهِ : اللّهُمَّ إنَّ يَزيدَ بن حُجَيَّةَ هَرَبَ بِمالِ المُسلِمينَ ، ولَحِقَ بِالقَومِ الفاسِقينَ ، فَاكفِنا مَكرَهُ وكَيدَهُ ، وَاجزِهِ جَزاءِ الظّالِمينَ . . . .
ك : عَبدُ اللّهِ بنُ عَبدِ الرَّحمنِومِمَّن فارَقَهُ عليه السلام عَبدُ اللّهِ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ مَسعودِ بنِ أوسِ بنِ إدريسَ بنِ مُعَتِّبٍ
.
ص: 149
الثَّقَفِيُّ ، شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام صِفّينَ ، وكانَ في أوَّلِ أمرِهِ مَعَ مُعاوِيَةَ ، ثُمَّ صارَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام ثُمَّ رَجِعَ بَعدُ إلى مُعاوِيَةَ ، وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام يُسَمّيهِ : الهَجَنَّعَ . وَالهَجَنَّعُ : الطَّويلُ .
ل : القَعقاعُ بنُ شَورٍومِنهُمُ القَعقاعُ بنُ شَورٍ ؛ اِستَعمَلَهُ عَلِيٌّ عليه السلام عَلى كَسكَرَ ، فَنَقَمَ مِنهُ اُمورا ؛ مِنها : أنَّهُ تَزَوَّجَ امرَأَةً فَأَصدَقَها مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ ، فَهَرَبَ إلى مُعاوِيَةَ .
م : النَّجاشِيُّومِنهُمُ النَّجاشِيُّ الشّاعِرُ مِن بَنِي الحارِثِ بنِ كَعبٍ ، كانَ شاعِرَ أهلِ العِراقِ بِصِفّينَ ، وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَأمُرُهُ بِمُحارَبَةِ شُعَراءِ أهلِ الشّامِ ، مِثلِ كَعبِ بنِ جُعَيلٍ وغَيرِهِ ، فَشَرِبَ الخَمرَ بِالكوفَةِ ، فَحَدَّهُ عُلِيٌّ عليه السلام ، فَغَضِبَ ولَحِقَ بِمُعاوِيَةَ ، وهَجا عَلِيّاً عليه السلام . . . .
ن : حَنظَلَةُ الكاتِبُومِمَّن فارَقَهُ عليه السلام حَنظَلَةُ الكاتِبُ ؛ خَرَجَ هُوَ وجَريرُ بنُ عَبدِ اللّهِ البَجَلِيُّ مِنَ الكوفَةِ إلى قَرقيسيا وقالا : لا نُقيمُ بِبَلدَةٍ يُعابَ فيها عُثمانُ . . . .
س : مُطَرِّفُ بنُ عَبدِ اللّهِرَوى صاحِبُ كتابِ الغاراتِ عَن إسماعيلَ بنِ حَكيمٍ عَن أبي مَسعودٍ الجَريرِيِّ : كانَ ثَلاثَةٍ مِن أهلِ البَصرَةِ يَتَواصَلون عَلى بُغضِ عَلِيٍّ عليه السلام : مُطَرِّفُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ الشِّخِّيرِ ، وَالعَلاءُ بنُ زيادٍ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ شَقيقٍ . قالَ صاحِبُ كِتابِ الغاراتِ : وكانَ مُطَرِّفٌ عابِدا ناسِكا . وقَد رَوى هِشامُ بنُ حَسّانٍ عَنِ ابنِ سيرينَ أنَّ عَمّارَ بنَ ياسِرٍ دَخَلَ عَلى أبي مَسعودٍ وعِندُهُ ابنُ الشِّخّيرِ ، فَذَكَرَ عَلِيّا بِما لا يُجوزُ أن يُذكَرَ بِهِ ، فَقالَ عَمّارٌ : يا فاسِقُ ! وإنَّكَ لَهاهُنا ؟ فَقالَ
.
ص: 150
أبو مَسعودٍ : اُذَكِّرُكَ اللّهَ يا أبَا اليَقظانِ في ضَيفي ! قالَ : وأكثَرُ مُبغِضيهِ عليه السلام أهلُ البَصرَةِ ؛ كانوا عُثمانِيَّةً ، وكانَت في أنفُسِهِم أحقادُ يَومِ الجَمَلِ ، وكانَ هُوَ عليه السلام قَليلَ التَّأَلُّفِ لِلنّاسِ ، شَديدا في دينِ اللّهِ ، لا يُبالي _ مَعَ عِلمِهِ بِالدّينِ وَاتِّباعِهِ الحَقَّ _ مَن سَخِطَ ومَن رَضِيَ . . . .
ع : الأَسوَدُ بنُ يَزيدَ ومَسروقُ بنُ الأَجدَعِومِنهُمُ الأَسوَدُ بنُ يَزيدَ ومَسروقُ بنُ الأَجدَعِ ، رَوى سَلَمَةُ بنُ كُهَيلٍ : أنَّهُما كانا يَمشيانِ إلى بَعضِ أزواجِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَيقَعانِ في عَلِيٍّ عليه السلام ، فَأَمَّا الأَسوَدُ فَماتَ عَلى ذلِكَ ، وأمّا مَسروقٌ فَلَم يَمُت حَتّى كانَ لا يُصَلّي للّهِِ تَعالى صَلاةً إلّا صَلّى بَعدَها عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ عليه السلام ؛ لِحَديثٍ سَمِعَهُ مِن عائِشَةَ في فَضلِهِ . . . .
ف : أبو بُردَةَ بنُ أبي موسىومِنَ المُبغِضينَ القالينَ : أبو بُردَةَ بنُ أبي موسَى الأَشعَرِيُّ وَرِثَ البِغضَةَ لَهُ لا عَن كَلالَةٍ (1) . ورَوى عَبدُ الرَّحمنِ بنُ جُندَبٍ قال : قالَ أبو بُردَةَ لِزِيادٍ : أشهَدُ أنَّ حُجر بنَ عَدِيٍّ قَد كَفَرَ بِاللّهِ كفرَةَ أصلَعَ . قالَ عَبدُ الرَّحمنِ : إنَّما عَنى بِذلِكَ نِسبَةَ الكُفرِ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ لِأَ نَّهُ كانَ أصلَعَ . قالَ : وقَد رَوى عَبدُ الرَّحمنِ المَسعودِيُّ عَنِ ابنِ عَيّاشٍ المَنتوفِ قالَ : رَأَيتُ أبا بُردَةَ قالَ لأبي العادِيَةِ الجُهَنِيِّ قاتِلِ عَمّارِ بنِ ياسِرٍ : أ أنتَ قَتَلتَ عَمّارَ بنَ ياسِرٍ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : ناوِلني يَدَكَ ، فَقَبَّلَها وقالَ : لا تَمَسُّكَ النّارُ أبَدا !
.
ص: 151
ورَوى أبو نَعيمٍ عَن هِشامٍ بنِ المُغيرَةِ عَنِ الغَضبانِ بنِ يَزيدَ قالَ : رَأَيتُ أبا بُردَةَ قالَ لِأَبِي العادِيَةِ قاتِلِ عَمّارِ بنِ ياسِرٍ : مَرحَبا بِأَخي هاهُنا ، فَأَجلَسَهُ إلى جانِبِهِ .
ص : أبو عَبدِ الرَّحمنِ السُّلَمِيُّومِنَ المُنَحرِفينَ عَنهُ عليه السلام أبو عَبدِ الرَّحمنِ السُّلَمِيُّ القارِئُ . رَوى صاحِبُ كِتابِ الغاراتِ عَن عَطاءِ بنِ السّائِبِ : قالَ رَجلٌ لِأَبي عَبدِ الرَّحمنِ السُّلَمِيُّ : أنشُدُكَ بِاللّهِ إن سَأَلتُكَ لَتُخبِرَنّي ؟ قالَ : نَعَم ، فَلَمّا أكَّدَ عَلَيهِ قالَ : باللّهِ هَل أبغَضتَ عَلِيّا إلّا يَومَ قَسَّمَ المالَ فِي الكوفَةِ ، فَلَم يَصِلكَ ولا أهلَ بَيتِكَ مِنهُ بِشيءٍ ؟ قالَ : أما إذ أنشَدتَني بِاللّهِ فَلَقَد كانَ كَذلِكَ . . .
ق : قيسُ بنُ أبي حازِمِوكانَ قَيسُ بنُ أبي حازِمٍ يُبغِضُ عَلِيّا عليه السلام . رَوى وكيعٌ عَن إسماعِيلَ بنِ أبي خالِدٍ عَن قَيسِ بنِ أبي حازِمٍ قالَ : أتيَتُ عَلِيّا عليه السلام لِيُكَلِّمَ لي عُثمانَ في حاجَةٍ فَأَبى فَأَبغَضتُهُ . قُلتُ : وشُيوخُنا المُتَكَلِّمونَ رَحِمَهُمُ اللّهُ يُسقِطون رِوايَتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله «إنَّكُم لَتَرَونَ رَبَّكُم كَما تَرَونَ القَمَرَ لَيلَةَ البَدرِ» ، ويَقولونَ : إنَّهُ كانَ يُبِغضُ عَلِيّا عليه السلام ، فَكانَ فاسِقا . ونَقَلوا عَنهُ أنَّهُ قالَ : سَمِعتُ عَلِيّا عليه السلام يَخطُبُ عَلَى المِنبَرِ ويَقولُ : « انِفِروا إلى بَقِيَّةِ الأَحزابِ » ، فَدَخَلَ بُغضُهُ في قَلبي . . . .
ر : الزُّهرِيُّ وعُروَةُ بنُ الزُّبَيرِوكانَ الزُّهرِيُّ مِنَ المُنحَرِفينَ عَنهُ عليه السلام . ورَوى جَريرُ بنُ عَبدِ الحَميدِ عَن مُحَمَّدِ بنِ شَيبَةَ قالَ : شَهِدتُ مَسجِدَ المَدينَةِ ؛ فَإِذَا الزُّهرِيُّ وعُروَةُ بنُ الزُّبَيرِ جالِسانِ يَذكُرانِ عَلِيّا عليه السلام ، فَنالا مِنهُ ، فَبَلَغَ ذلِكَ عَلِيَّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام ، فَجاءَ حَتّى وَقَفَ عَلَيهما ، فَقالَ : أمّا أنتَ يا عُروَةُ فَإِنَّ أبي حاكَمَ أباكَ إلَى اللّهِ فَحَكَمَ لِأَبي عَلى أبيكَ . . . . .
.
ص: 152
وقَد رُوِيَ مِن طُرُقٍ كَثيرَةٍ : أنَّ عُروَةَ بنَ الزُّبَيرِ كانَ يَقولُ : لَم يَكُن أحَدٌ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَزهو إلّا عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ واُسامَةُ بنُ زَيدٍ . ورَوى عاصِمُ بنُ أبي عامِرٍ البَجَلِيُّ عَن يَحيَى بنِ عُروَةَ ، قالَ : كانَ أبي إذا ذَكَرَ عَلِيّا نالَ مِنهُ .
ش : زَيدُ بنُ ثابِتٍ وعَمرُو بنُ ثابِتٍوكانَ زَيدُ بنُ ثابِتٍ عُثمانِيا شَديدا في ذلِكَ ، وكانَ عَمرُو بنُ ثابِتٍ عُثمانِيا مِن أعداءِ عَلِيٍّ عليه السلام ومُبغِضيهِ . . . .
ت : مَكحولٌوكانَ مَكحولٌ مِنَ المُبغضِينَ لَهُ عليه السلام . رَوى زُهَيرُ بنُ مُعاوِيَةَ عَنِ الحَسَنِ بنِ الحُرِّ ، قالَ : لَقيتُ مَكحولاً فَإِذا هُوَ مَطبوعٌ _ يَعني مَملوءا _ بُغضا لِعَلِيٍّ عليه السلام ، فَلَم أزَل بِهِ حَتّى لانَ وسَكَنَ . . . . وقالَ شَيخُنا أبو جَعفَرٍ الإِسكافِيُّ : كانَ أهلُ البَصرَةِ كُلُّهُم يُبغِضونَهُ ، وكَثيرٌ مِن أهلِ الكوفَةِ ، وكَثيرٌ مِن أهلِ المَدينَةِ . وأمّا أهلُ مَكَّةَ فَكُلُّهُم كانوا يُبغِضونَهُ قاطِبَةً ، وكانَت قُرَيشٌ كُلُّها عَلى خِلافِهِ ، وكانَ جُمهورُ الخَلقِ مَعَ بَني اُمَيَّةَ عَلَيهِ (1) .
.
ص: 153
الفصل السادس : طوائف تبغضه6 / 1قُرَيشٌ* وعنه صلى الله عليه و آله في علّة غسل الجنابة :رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصِيَّتِهِ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: يا أخي ، إنَّ قُرَيشا سَتُظاهِرُ عَلَيكَ ، وتَجتَمِعُ كَلِمَتُهُم عَلى ظُلمِكَ وقَهرِكَ ؛ فَإِن وَجَدتَ أعوانا فَجاهِدهُم ، وإن لم تَجِد أعوانا فَكُفَّ يَدَكَ ، وَاحقُن دَمَكَ ؛ فَإِنَّ الشَّهادَةَ مِن وَرائِكَ (1) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في زهده في الدالإمام عليّ عليه السلام_ في كَلامٍ لَهُ في التَّظَلُّمِ وَالتَّشَكّي مِن قُرَيشٍ _: اللّهُمَّ إنّي أستَعديكَ عَلى قُرَيشٍ ومَن أعانَهُم ؛ فَإِنَّهُم قَد قَطَعوا رَحِمي ، وأكفَؤوا إنائي (2) ، وأجمَعوا عَلى مُنازَعَتي حَقّا كُنتُ أولى بِهِ مِن غَيري ، وقالوا : ألا إنَّ فِي الحَقِّ أن تَأخُذَهُ ، وفِي الحَقِّ أن تُمنَعَهُ ، فَاصبِر مَغموما ، أو مُت مُتَأسِّفا .
فَنَظَرتُ فَإِذا لَيسَ لي رافِدٌ (3) ، ولا ذابٌّ ولا مُساعِدٌ ، إلّا أهلَ بَيتي ، فَضَننَتُ (4) بِهِم
.
ص: 154
* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في زهده في الدعَنِ المَنِيَّةِ ؛ فَأَغضَيتُ عَلَى القَذى ، وجَرَعتُ ريقي عَلَى الشَّجا (1) ، وصَبَرتُ مِن كَظمِ الغَيظِ عَلى أمَرَّ مِنَ العَلقَمِ (2) ، وآلمَ لِلقَلبِ مِن وَخزِ الشِّفارِ (3) . (4)* وفي غزوة الطائف :عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أستَعديكَ (5) عَلى قَرَيشٍ ومَن أعانَهُم ! فَإِنَّهُم قَطَعوا رَحِمي ، وصَغَّروا عَظيمَ مَنزِلَتي ، وأجمَعوا عَلى مُنازَعَتي أمرا هُوَ لي . ثُمَّ قالوا : ألا إنّ فِي الحَقِّ أن تَأخُذَهُ ، وفِي الحَقِّ أن تَترُكَهُ (6) .دبج : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :اللّهُمَّ اجزِ قُرَيشا عَنِّي الجَوازي ؛ فَقَد قَطَعَت رَحِمي ، ودَفَعَتَني عَن حَقّي ، وأغرَت بي سُفَهاءَ النّاسِ ، وخاطَرَت بِدَمي (7) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الطاووس :عنه عليه السلام :اللّهُمَّ اجزِ قُرَيشا عَنِّي الجَوازي ؛ فَقَد ظَلَموني حَقّي ، وصَغَّروا شَأني ، ومنعوني إرثي (8) .* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في القياعنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أستَعديك عَلى قُرَيشٍ ؛ فَإِنَّهُم ظَلَموني حَقّي ، ومَنَعوني إرثي ، وتَمالَؤوا عَلَيَّ (9) . .
ص: 155
* وعنه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :ما لَنا ولِقُرَيشٍ ! يَخضِمونَ الدُّنيا بِاسمِنا ، ويَطَؤونَ عَلى رِقابِنا ، فَياللّهَِ ولِلعَجَبِ ! مِنِ اسمٍ جَليلٍ لِمُسَمّىً ذَليلٍ (1) .دبح : عن أبي جعفر عليه السلام _ لحمران _ في المهدعنه عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ إلى أخيهِ عَقيلٍ _: دَع عَنكَ قُرَيشا وتَركاضَهُم (2) فِي الضَّلالِ ، وتَجوالَهُم (3) فِي الشِّقاقِ ، وجِماحَهُم (4) فِي التّيهِ (5) ؛ فَإِنَّهُم قَد أجمَعوا عَلى حَربي كَإجماعِهِم على حَربِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبلي ، فَجَزَت قُرَيشا عَنِّي الجَوازي ! فَقَد قَطَعوا رَحِمي ، وسَلَبوني سُلطانَ ابنِ اُمّي (6) . 7راجع : ص71 (أحقاد على رسول اللّه ) ، وص73 (أحقاد بدريّة وحنينيّة وغيرهنّ) .
.
ص: 156
6 / 2بَنو اُمَيَّةَ* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام في رسول اللّهالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ بَني اُمَيَّةَ لَيُفَوِّقونَني تُراثَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله تَفويقا ، وَاللّهِ لَئِن بَقيتُ لَهُم لَأَنفُضَنَّهُم نَفضَ اللَّحّامِ الوِذامَ التَّرِبَةَ 1 .* وعن الصادق عليه السلام في مذيعي سرّهم عليهم السعنه عليه السلام_ لَمّا بَلَغَهُ اتِّهامُ بَني اُمَيَّةَ لَهُ بِالمُشارَكَةِ في دَمِ عُثمانَ _: أ وَلَم يَنهَ بَني اُمَيَّةَ عِلمُها بي عَن قَرفي (1) ؟أ وَما وَزَعَ الجُهّالَ سابِقَتي عَن تُهَمَتي ! ولَما وعَظهُمُ اللّهُ بِهِ أبلَغُ مِن لِساني .
أنا حَجيجُ المارِقينَ ، وخَصيمُ النّاكِثينَ المُرتابينَ ، وعَلى كِتابِ اللّهِ تُعرَضُ الأَمثالُ ، وبِما فِي الصُّدورِ تُجازَى العِبادُ ! (2)* وعنه عليه السلام :الأغاني عن الحارث بن حبيش :بَعَثَني سَعيدُ بنُ العاصِ بِهَدايا إلَى المَدينَةِ ، وبَعَثَني إلى عَلِيٍّ عليه السلام وكَتَبَ إلَيهِ : إنّي لَم أبعَث إلى أحَدٍ بِأَكثَرَ مِمّا بَعَثتُ بِهِ إلَيكَ إلّا شَيئا في خَزائنِ أميرِ المُؤمِنينَ . قالَ : فَأَتَيتُ عَلِيّا فَأَخبَرتُهُ فَقالَ : لَشَدَّ ما تَحظُرُ بَنو اُمَيَّةَ تُراثَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ! أمَا وَاللّهِ لَئِن وَليتُها لَأَنفُضَنَّها نَفضَ القَصّابِ لِتُرابِ الوَذِمَةِ (3) .
.
ص: 157
* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الشيطالكامل في التاريخ عن أبي الزناد :لَقيتُ هِشاما ؛ فَإِنّي لَفِي المَوكِبِ إذ لَقِيَهُ سَعيدُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ الوَليدِ بنِ عُثمانَ بنِ عَفّانَ ، فَسارَ إلى جَنبِهِ فَسَمِعَهُ يَقولُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنَّ اللّهَ لَم يَزَل يُنعِمُ عَلى أهلِ بَيتِ أميرِ المُؤمِنينَ ! ويَنصُرُ خَليفَتَهُ المَظلومَ ، ولَم يَزالوا يَلعَنونَ في هذِهِ المواطِنِ أبا تُرابٍ ! فَإِنَّها مَواطِنُ صالِحَةٌ ، وأميرُ المُؤمِنينَ يَنبَغي لَهُ أن يَلعَنَهُ فيها .
فَشَقَّ عَلى هِشامٍ قَولُهُ وقالَ : ماقَدِمنا لِشَتمِ أحَدٍ ولا لِلَعنِهِ ، قَدِمنا حُجّاجا (1) .6 / 3بَنو أودٍكان بنو أوْد من القحطانيّة ، عُرفوا بدناءتهم وضعتهم . وكانوا أعداءً للإمام عليّ عليه السلام وأولاده . شاركوا في صفّين إلى جانب معاوية (2) ، لازموا الاُمويّين وناوؤوا أهل البيت عليهم السلام 3 .
* ومنه عن سُكَينة بنت الحسين عليه السلام :فرحة الغري عن هشام بن السائب الكلبي عن أبيه :أدرَكتُ بَني أودٍ وهُم يُعَلِّمونَ أبناءَهُم وخَدَمَهُم سَبَّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وفيهِم رَجُلٌ مِن رَهطِ عَبدِ اللّهِ بنِ إدريسَ بنِ هانِئٍ ، فَدَخَلَ عَلَى الحَجّاجِ بنِ يوسُفَ يَوما ، فَكَلَّمَهُ بِكَلامٍ فَأَغلَظَ لَهُ الحَجّاجُ فِي الجَوابِ ، فَقالَ لَهُ : لا تَقُل هذَا أيُّهَا الأَميرُ ؛ فَلا لِقُرَيشٍ ولا لِثَقيفٍ مَنقَبَةٌ يَعتَدّونَ بِها إلّا ونَحنُ نَعتَدُّ بِمِثلِها .
.
ص: 158
* ومنه عن سُكَينة بنت الحسين عليه السلام :قالَ لَهُ : وما مَناقِبكُمُ ؟ قالَ : ما يُنقَصُ عُثمانُ ولا يُذكَرُ بِسوءٍ في نادينا قَطُّ . قالَ : هذِهِ مَنقَبَةٌ !
قالَ : وما رُؤِيَ مِنّا خارِجِيٌّ قَطُّ . قال : ومَنقَبَةٌ !
قالَ : وما شَهِدَ مِنّا مَعَ أبي تُرابٍ مَشاهِدَهُ إلّا رَجُلٌ واحِدٌ ؛ فَأَسقَطَهُ ذلِكَ عِندَنا وأخمَلَهُ ، فَما لَهُ عِندَنا قَدرٌ ولا قيمَةٌ . قالَ : ومَنقَبَةٌ !
قالَ : وما أرادَ مِنّا رَجُلٌ قَطُّ أن يَتَزَوَّجَ امرَأَةً إلّا سَأَلَ عَنها : هِل تُحِبُّ أبا تُرابٍ أو تَذكُرُهُ بِخَيرِ ؟ فَإِن قيلَ : إنَّها تَفعَلُ ذلِكَ ، اجتَنَبَها فَلَم يَتَزَوَّجها . قالَ : ومَنقَبَةٌ !
قالَ : وما وُلِدَ فينا ذَكَرٌ فَسُمِّيَ عَلِيّا ولا حَسَنا ولا حُسَينا ، ولا وُلِدَت فينا جارِيَةٌ فَسُمِّيَت فاطِمَةُ . قالَ : ومَنقَبَةٌ !
قالَ : وَنذَرَت مِنَّا امرأَةٌ حينَ أقبَلَ الحُسَينُ إلَى العِراقِ إن قَتَلَهُ اللّهُ أن تَنحَرَ عَشرَ جُزُرٍ (1) ، فَلَمّا قُتِلَ وَفَتِ بِنَذرِها . قالَ : ومَنقَبَةٌ !
قالَ : ودُعِيَ رَجُلٌ مِنّا إلَى البَراءَةِ مِن عَلِيٍّ ولَعنِهِ ، فَقالَ : نَعَم ، وأزيدُكُم حَسَنا وحُسَينا . قالَ : ومَنقَبَةٌ ، وَاللّهِ ! !
قالَ : وقالَ لَنا أميرُ المُؤمِنينَ عَبدُ المَلِكِ : أنتُمُ الشِّعارُ دونَ الدِّثارِ (2) ، وأنتُمُ الأَنصارُ بَعدَ الأَنصارِ . قالَ : ومَنقَبَةٌ !
قالَ : وما بِالكوفَةِ إلّا مَلاحَةُ بَني أودٍ ، فَضَحِكَ الحَجّاجُ .
قالَ هِشامُ بنُ السّائِبِ الكَلِبيُّ : قالَ لي أبي : فَسَلَبُهُمُ اللّهُ مَلاحَتَهُم (3) .راجع : ص121 (الحجّاج بن يوسف) .
.
ص: 159
6 / 4باهِلَةُباهلة : قبيلة من قيس بن عيلان (1) ، من العدنانيّة الذين كانوا أعداءً للإمام عليّ عليه السلام ، وحاربوه في الجمل (2) . قيل فيها : كانت باهلة في الدناءة والضَّعة واللؤم إلى أقصى غاية (3) .
دبا : عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام في الجراد :الإمام عليّ عليه السلام :يا باهِلَةُ ! اُغدوا خُذوا حَقَّكُم مَعَ النّاسِ ، وَاللّهُ يَشهَدُ أنَّكُم تُبغِضوني وأنّي أُبغِضُكُم (4) .* وعن عليّ بن جعفر :وقعة صفّين عن ليث بن سليم :دَعا عَلِيٌّ باهِلَةَ فَقَالَ : يا مَعشَرَ باهِلَةَ ! اُشهِدُ اللّهَ أنَّكُم تُبغِضوني وأُبغِضُكُم ، فَخُذوا عَطاءَكُم واخرُجوا إلَى الدَّيلَمِ .
وكانوا قَد كَرِهوا أن يَخرُجوا مَعَهُ إلى صِفّينَ (5) .دثر : عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام في الشيعة :الغارات عن سعيد الأشعري :اِستَخلَفَ عَلِيٌّ عليه السلام حينَ سارَ إلَى النَّهرَوانِ رَجُلاً مِنَ النَّخَعِ يُقالُ لَهُ : هانِئُ بنُ هوذَةَ ، فَكَتَبَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام : إنَّ غَنِيّا وباهِلَةَ فُتِنوا ؛ فَدَعَوُا اللّهَ عَلَيكَ أن يَظفَرَ بِكَ عَدُوُّكَ ، قالَ : فَكَتَبَ إلَيهِ عَلِيٌّ عليه السلام : اجلُهُم مِنَ الكوفَةِ ، ولا تَدَعْ مِنهُم أحَدا (6) .
.
ص: 160
* ومنه عن موسى بن جعفر عليهماالسلام في قنوته علىتاريخ بغداد عن سعيد بن سلم بن قتيبة أبي محمّد الباهلي :خَرَجتُ حاجّا ومَعي قِبابٌ وكَنائِسُ (1) ، فَدَخَلتُ البادِيَةَ فَتَقَدَّمتُ القِبابَ والكَنائِسَ عَلى حَميرٍ لي ، فَمَرَرتُ بِأَعرابِيٍّ مُحتَبٍ (2) عَلى بابِ خَيمَةٍ لَهُ ، وإذا هُوَ يَرمُقُ القِبابَ وَالكَنائِسَ ، فَسَلَّمتُ عَلَيهِ ، فَقالَ : لِمَن هذِهِ القِبابُ وَالكَنائِسُ ؟ قالَ : قُلتُ : لِرَجُلٍ مِن باهِلَةَ ، قالَ : تَاللّهِ ما أظَنُّ اللّهَ يُعطِي الباهِلِيَّ كُلَّ هذَا .
قالَ : فَلَمّا رَأَيتُ إزراءَهُ بِالباهِلِيَّةِ دَنَوتُ مِنهُ فَقُلتُ : يا أعرابِيُّ ، أ تُحِبُّ أن يَكونَ لَكَ القِبابُ وَالكَنائِسُ ، وأنتَ رَجُلٌ مِن باهِلَةَ ؟ فَقالَ : لاهَا اللّهِ (3) . فَقُلتُ : أ تُحِبُّ أن تَكونَ أميرَ المُؤمِنينَ وأنتَ رَجُلٌ مِن باهِلَةَ ؟ قالَ : لاهَا اللّهِ . قُلتُ : أ تُحِبُّ أن تَكونَ مِن أهلِ الجَنَّةِ وأنتَ رَجُلٌ مِن باهِلَةَ ؟ قالَ : بِشَرطٍ . قالَ : قُلتُ : وما ذاكَ الشَّرطُ ؟قالَ : لايَعلَمُ أهلُ الجَنَّةِ أنّي باهِلِيٌّ !
قالَ : ومَعي صُرَّةُ دَراهِمَ ، قالَ : فَرَمَيتُ بِها إلَيهِ فَأَخَذَهَا ، وقالَ : لَقَد وافَقَت مِنّي حاجَةً . قُلتُ لَهُ لَمّا أن ضَمَّها إلَيهِ : أنَا رَجُلٌ مِن باهِلَةَ ، قالَ : فَرَمى بِها إلَيَّ وقالَ : لا حاجَةَ لي فيها . فَقُلتُ : خُذها إلَيكَ يا مِسكينُ ؛ فَقَد ذَكَرتَ مِن نَفسِكَ الحاجَةَ ! فَقالَ : لا اُحِبُّ أن ألقَى اللّهَ ولِلباهِلِيِّ عِندي يَدٌ !
قالَ : فَقَدِمتُ فَدَخَلتُ عَلَى المَأمونِ فَحَدَّثتُهُ بِحَديثِ الأَعرابِيِّ ، فَضَحِكَ حَتّى استَلقى عَلى قَفاهُ وقالَ لي : يا أبا مُحَمَّدٍ ، ما أصبَرَكَ ! وأجازَني بِمِئَةِ ألفٍ (4) . .
ص: 161
* وعن عليّ بن الحسين عليهماالسلام لحنّان بن سديرالكنى والألقاب :الباهِلِيُّ نِسبَةٌ إلى باهِلَةَ ، وكانَتِ العَرَبُ تَستَنكِفُ مِنَ الاِنتِسابِ إلى هذِهِ القَبيلَةِ حَتّى قالَ الشّاعِرُ :
وما يَنفَعُ الأَصلُ مِن هاشِمٍ
إذا كانَتِ النَّفسُ مِن باهِلَه
وقال الآخر :
ولَو قيلَ لِلكَلبِ يا باهِلِيُّ
عَوَى الكَلبُ مِن لُؤمِ هذَا النَّسَبِ (1)6 / 5غَنِيٌّ (2)دجج : قيل لأمير المؤمنين عليه السلام لمّا دعا الزالإمام عليّ عليه السلام :اُدعوا لي غَنِيّا وباهِلَةَ _ وحَيّا آخَرَ قَد سَمّاهُم _ فَليَأخُذوا أعطِياتَهُم ، فَوَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ! ما لَهُم فِي الإِسلامِ نَصيبٌ ، وإنّي شاهِدٌ لَهُم في مَنزِلي عِندَ الحَوضِ وعِندَ المَقامِ المَحمودِ أنَّهُم أعدائي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، ولَئِن ثَبَتَت قَدَمايَ لَأَرُدَّنَّ قَبيلَةً إلى قَبيلَةٍ ، ولاُبَهرِجَنَّ (3) سِتّينَ قَبيلَةً ما لَهُم فِي الإِسلامِ نَصيبٌ (4) .* ومنه عن الحسين بن عليّ عليهماالسلام :الإمام الصادق عليه السلام :قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ عليه السلام : عِندي صَحيفَةٌ مِن رَسولِ اللّهِ بِخاتَمِهِ ، فيها سِتّونَ قَبيلَةً بَهْرَجَةً ، لَيسَ لَها فِي الإِسلامِ نَصيبٌ ، مِنهُم غَنِيٌّ وباهِلَةُ .
.
ص: 162
* ومنه عن الحسين بن عليّ عليهماالسلام :وقالَ : يا مَعشَرَ غَنِيٍّ وباهِلَةَ ، أعِدّوا (1) عَلَيَّ عَطاياكُم حَتّى أشهَدَ لَكُم عِندَ المَقامِ المَحمودِ أنَّكُم لا تُحِبّوني ولا اُحِبُّكُم أبَدا .
وقالَ : لَاخُذَنَّ غَنِيّا أخذَةً تَضطَرِبُ مِنها باهِلَةُ .
وقالَ : اُخِذَ في بَيتِ المالِ مالٌ مِن مُهورِ البَغايا ، فَقال : اِقسِموهُ بَينَ غَنِيٍّ وباهِلَةَ (2) . .
ص: 163
الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره7 / 1مَنعُ ذِكرِ مَناقِبِهِ7 / 1 _ 1خِطابٌ دَورِيٌّ في مَنعِ ذِكرِ مَناقِبِهِ* ومنه عن حليمة في رسول اللّه صلى الله عليه و آلهشرح نهج البلاغة عن عليّ بن محمّد المدائني :كَتَبَ مُعاوِيَةُ نُسخَةً واحِدَةً إلى عُمِّالِهِ بَعدَ عامِ الجَماعَةِ : أن بَرِئَتِ الذِّمَّةُ مِمَّن رَوى شَيئا مِن فَضلِ أبي تُرابٍ وأهلِ بَيتِهِ .
فَقامَتِ الخُطَباءُ في كُلِّ كورَةٍ وعَلى كُلِّ مِنبَرٍ يَلعَنونَ عَلِيّا ، ويَبَرؤونَ مِنهُ ، ويَقَعونَ فيهِ وفي أهلِ بَيتِهِ (1) .دجا : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الموت :الاحتجاج :نادى مُنادي مُعاوِيَةَ : أن قَد بَرِئَتِ الذِّمَّةُ مِمَّن يَروي حَديثا مِن مَناقِبِ عَلِيٍّ وفَضلِ أهلِ بَيتِهِ . وكانَ أَشدُّ النّاسِ بَلِيّةً أهلَ الكوفَةِ ؛ لِكَثرَةِ مَن بِها مِنَ الشّيعَةِ (2) .* ومنه الدعاء :المناقب لابن شهر آشوب :نادى مُعاوِيَةُ : أن بَرِئَتِ الذِّمِّةُ مِمَّن رَوى حَديثا مِن مَناقِبِ
.
ص: 164
* ومنه الدعاء :عَلِيٍّ عليه السلام . حَتّى قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ شَدّادٍ اللَّيثِيُّ : وَدِدتُ أنّي اُترَكُ أن اُحَدِّثَ بِفَضائِلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ يَوما إلَى اللَّيلِ ، وأنَّ عُنُقي ضُرِبَت !
فَكانَ المُحَدِّثُ يُحَدِّثُ بِحَديثٍ فِي الفِقهِ ، أو يَأتي بِحَديثِ المُبارَزَةِ ، فَيَقولُ : قالَ رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ . وكانَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي لَيلى يَقولُ : حَدَّثَني رَجُلٌ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وكانَ الحَسَنُ البَصرِيُّ يَقولُ : قالَ أبو زَينَبَ .
وسُئِلَ ابنُ جُبَيرٍ عَن حامِلِ اللِّواءِ ، فَقالَ : كَأَنَّكَ رَخِيُّ البالِ (1) ! (2)* ومنه أيضاً :أنساب الأشراف عن عبد اللّه بن فائد وسحيم بن حفص :كَتَبَ مُعاوِيَةُ إلَى المُغيرَةِ بنِ شُعبَةَ : أظهِر شَتمَ عَلِيِّ وتَنَقَّصهُ (3) .دحدح : عن فاطمة عليهاالسلام في أميرالمؤمنين عليهتاريخ الطبري عن المغيرة بن شعبة_ لِصَعصَعَةَ _: إيّاكَ أن يَبلُغَني عَنكَ أنَّكَ تَعيبُ عُثمانَ عِندَ أحَدٍ مِنَ النّاسِ ، وإيّاكَ أن يَبلُغَني عَنكَ أنَّكَ تُظهِرُ شَيئا مِن فَضلِ عَلِيٍّ عَلانِيَةً ، فَإِنَّكَ لَستَ بِذاكِرٍ مِن فَضلِ عَلِيٍّ شَيئا أجهَلُهُ ، بَل أنَا أعلَمُ بِذلِكَ ، ولكِنَّ هذَا السُّلطانَ قَد ظَهَرَ ، وقَد أخَذنا بِإِظهارِ عَيبِهِ لِلنّاسِ ، فَنَحنُ نَدَعُ كَثيرا مِمّا أمَرنا بِهِ ، ونَذكُرُ الشَّيءَ الَّذي لا نَجِدُ مِنهُ بُدّا ؛ نَدفَعُ بِهِ هؤلاءِ القَومَ عَن أنفُسِنا تَقِيَّةً ، فَإِن كُنتَ ذاكِرا فَضلَهُ فَاذكُرهُ بَينَكَ وبَينَ أصحابِكَ وفي مَنازِلِكُم سِرّا ، وأمّا عَلانِيَةً فِي المَسجِدِ فَإِنَّ هذَا لا يَحتَمِلُهُ الخَليفَةُ لَنا ، ولا يَعذِرُنا بِهِ (4) .* وعن ابن الحنفيّة :أنساب الأشراف عن النضر بن إسحاق الهذلي :إنَّ الحَجّاجَ سَأَلَ الحَسَنَ [البَصرِيَّ ]عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، فَذَكَرَ فَضلَهُ . فَقالَ : لا تُحَدِّثَنَّ في مَسجِدِنا ، فَخَرَجَ فَتَوارى (5) . .
ص: 165
دحر : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الشيطان :المستدرك على الصحيحين عن مالك بن دينار :سَأَلتُ سَعيدَ بنَ جُبَيرٍ ، فَقُلتُ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، مَن كانَ حامِلَ رايَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : فَنَظَرَ إلَيَّ وقالَ : كَأَنَّكَ رَخِيُّ البالِ ! فَغَضِبتُ ، وشَكَوتُهُ إلى إخوانِهِ مِنَ القُرّاءِ ، فَقُلتُ : أ لا تَعجَبونَ مِن سَعيدٍ ، إنّي سَأَلتُهُ : مَن كانَ حامِلَ رايَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَنَظَرَ إلَيَّ وقالَ : إنَّكَ لَرَخِيُّ البالِ ! قالوا : إنَّكَ سَأَلَتهُ وهُوَ خائِفٌ مِنَ الحَجّاجِ ، وقَد لاذَ بِالبَيتِ ، فَسَلهُ الآنَ . فَسَأَلتُهُ ، فَقالَ : كانَ حامِلَها عَلِيٌّ رضى الله عنه (1) .7 / 1 _ 2مَنعُ الرِّوايَةِ عَنهُدحض : عن الرضا عليه السلام فيمن ترك الإمام إلى غيتهذيب الكمال عن يونس بن عبيد :سَأَلتُ الحَسَنَ [البَصرِيَّ] ، قُلتُ : يا أبا سَعيدٍ ، إنَّكَ تَقولُ : «قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله » وإنَّكَ لَم تُدرِكُهُ ؟ قالَ : يَابنَ أخي ، لَقَد سَأَلتَني عَن شَيءٍ ما سَأَلَني عَنهُ أحَدٌ قَبلَكَ ، ولَولا منزِلَتُكَ مِنّي ما أخبَرتُكَ ، إنّي في زَمانٍ كَما تَرى _ وكانَ في عَمَلِ الحَجّاجِ _ كُلَّ شَيءٍ سَمِعتَني أقولُ : «قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله » فَهُو عَن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، غَيرَ أنّي في زَمانٍ لا أستَطيعُ أن أذكُرَ عَلِيّا (2) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الدنيا :الإرشاد :فيمَا انتَهى إلَيهِ الأَمرُ في دَفنِ فَضائِلِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وَالحَيلولَةِ بَينَ العُلَماءِ ونَشرِها ما لا شُبَهَة فيهِ عَلى عاقِلٍ ، حَتّى كانَ الرَّجُلُ إذا أرادَ أن يَرويَ عَن أميرِ المُؤمِنينَ رِوايَةً لَم يَستَطِع أن يُضيفَها إلَيهِ بِذِكرِ اسمِهِ ونَسَبِهِ ، وتَدعوهُ الضَّرورَةُ إلى أن يَقولَ : حَدَّثَني رَجُلٌ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، أو يَقولَ : حَدَّثَني رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ ، ومِنهُم مَن يَقولُ : حَدَّثَني أبو زَينَبَ (3) .
.
ص: 166
7 / 1 _ 3مَنعُ ذِكرِهِ بِخَيرٍ* وعنه عليه السلام في التسبيح :الاحتجاج عن معاوية_ لابنِ عَبّاسٍ _: إنّا قَد كَتَبنا فِي الآفاقِ نَنهى عَن ذِكرِ مَناقِبِ عَلِيٍّ وأهلِ بَيتِهِ ، فَكُفَّ لِسانَكَ .
فَقالَ : يامُعاوِيَةُ أ تَنهانا عَن قِراءَةِ القُرآنِ ؟ ! قالَ : لا . قالَ : أ فَتَنهانا عن تَأويلِهِ ؟ ! قالَ : نَعَم . قالَ : فَنَقرَؤُهُ ولا نَسأَلُ عَمّا عَنَى اللّهُ بِهِ !
ثُمَّ قالَ : فَأَيُّهُما أوجَبُ عَلَينا ؛ قِراءَتُهُ ، أوِ العَمَلُ بِهِ ؟ قالَ : العَمَلُ بِهِ . قالَ : فَكَيفَ نَعمَلُ بِهِ ولا نَعلَمُ ما عَنَى اللّهُ بِهِ ؟ !
قالَ : سَل عَن ذلِكَ مَن يَتَأَوَّلُهُ عَلى غَيرِ ما تَتَأَوَّلُهُ أنتَ وأهلُ بَيتِكَ .
قالَ : إنَّما أنزَلَ اللّهُ القُرآنَ عَلى أهلِ بَيتي ، أ فَأَسأَلُ عَنهُ آلَ أبي سُفيانَ ؟ ! يا مُعاوِيَةُ ، أ تَنهانا أن نَعبُدَ اللّهَ بِالقُرآنِ بِما فيهِ مِن حَلالٍ وحَرامٍ ! فَإِن لَم تَسألِ الاُمَّةُ عَن ذلِكَ حَتّى تَعلَمَ تَهلِك وتَختَلِف .
قالَ : اِقرَؤُوا القُرآنَ وتَأَوَّلوهُ ، ولا تَرووا شَيئا مِمّا أنزَلَ اللّهُ فيكُم ، وَارووا ما سِوى ذلِكَ .
قالَ : فَإِنَّ اللّهَ يَقولُ فِي القُرآنِ : «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِ_ؤواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلآَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَ_فِرُونَ» (1) . (2)دحن : عن ملك الموت لآدم عليه السلام :الإرشاد_ في بَيانِ مَظلومِيَّةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: وكانَتِ الوُلاةُ الجَوَرَةُ تَضرِبُ بِالسِّياطِ مَن ذَكَرَهُ بِخَيرٍ ، بَل تَضرِبُ الرِّقابَ عَلى ذلِكَ ، وتَعتَرِضُ النّاسَ بِالبَراءَةِ مِنهُ .
.
ص: 167
دحن : عن ملك الموت لآدم عليه السلام :وَالعادَةُ جارِيَةٌ فيمَنِ اتَّفَقَ لَهُ ذلِكَ ألّا يُذكَرَ عَلى وَجهٍ بِخَيرٍ ، فَضلاً عَن أن تُذكَرَ لَهُ فَضائِلُ ، أو تُروى لَهُ مَناقِبُ ، أو تُثَبتَ لَهُ حُجَّةٌ بِحَقٍّ (1) .دحا : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الأغاني عن ابن شهاب بن عبد اللّه :قالَ لي خالِدُ بنُ عَبدِ اللّه القَسرِيُّ _ أحَدُ وُلاةِ بَني اُمَيَّةَ _ : . . . اُكتُب لِيَ السّيرَةَ . فَقُلتُ لَهُ : فَإِنَّهُ يَمُرُّ بِي الشَّيءُ مِن سِيَرِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، فَأَذكُرُهُ ؟ فَقالَ : لا ، إلّا أن تَراهُ في قَعرِ الجَحيمِ (2) .7 / 1 _ 4مَنعُ التَّسمِيَةِ بِاسمِهِ* ومنه عن أبي رافع :الكامل للمبرّد عن أبي العبّاس :يُروى عَن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ أنَّهُ افتَقَدَ عَبدَ اللّهِ بنَ العَباسِ في وَقتِ صَلاةِ الظُّهرِ ، فَقالَ لِأَصحابِهِ : ما بالُ أبِي العَبّاسِ لَم يَحضُر ؟ فَقالوا : وُلِدَ لَهُ مَولودٌ .
فَلَمّا صَلّى عَلِيٌّ رحمه الله قالَ : امضوا بِنا إلَيهِ . فَأَتاهُ فَهَنّأَهُ ، فَقالَ : شَكَرتُ الواهِبَ ، وبورِكَ لَكَ فِي المَوهوبِ ، ما سَمَّيتَهُ ؟
قالَ : أ وَيَجوزُ لي أن اُسَمِّيَهُ حَتّى تُسَمِّيَهُ ؟ !
فَأَمَرَ بِهِ ، فَاُخرِجَ إلَيهِ ، فَأَخَذَهُ ، فَحَنَّكَهُ ، ودَعا لَهُ ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَيهِ ، وقالَ : خُذهُ إلَيكَ أبَا الأَملاكِ ، قَد سَمَّيتُهُ عَلِيّا ، وكَنَّيتُه أبَا الحَسَنِ .
فَلَمّا قامَ مُعاوِيَةُ ، قالَ لاِبنِ عَبّاسٍ : لَيسَ لَكُمُ اسمُهُ وكُنيَتُهُ ، وقَد كَنَّيتُهُ : أبا مُحَمَّدٍ . فَجَرَت عَلَيهِ (3) .
.
ص: 168
* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :لسان الميزان :أمّا عَلِيُّ بنُ الجَهمِ بنِ بَدرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَسعودِ بن أسَدِ بنِ ادينَةَ الساجِيُّ الشّاعِرُ في أيّامِ المُتَوَكِّلِ فَكانَ مَشهورا بِالنَّصبِ ، كَثيرَ الحَطِّ عَلى عَلِيٍّ وأهلِ البَيتِ عليهم السلام . وقيلَ : إنَّهُ كانَ يَلعَنُ أباه لِمَ سَمّاهُ عَلِيّا (1) .7 / 2وَضعُ الأَحاديثِ في ذَمِّهِ* ومنه في مناجاته تعالى لموسى عليه السلام :شرح نهج البلاغة :ذَكَرَ شَيخُنا أبو جَعفَرِ الإسكافِيُّ رَحِمَهُ اللّهُ تَعالى _ وكانَ مِنَ المُتَحَقِّقينَ بِمُوالاةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَالمُبالِغينَ في تَفضيلِهِ وإن كانَ القَولُ بِالتَّفضيلِ عامّاً شائِعاً فِي البَغدادِيّينَ مِن أصحابِنا كافَّةً إلّا أنَّ أبا جَعفَرٍ أشَدُّهُم في ذلِكَ قَولاً ، وأخلَصُهُم فيهِ اعتِقاداً _ أنَّ مُعاوِيَةَ وَضَعَ قَوماً مِنَ الصَّحابَةِ ، وقَوماً مِنَ التّابِعينَ عَلى رِوايَةِ أخبارٍ قَبيحَةٍ في عَلِيٍّ عليه السلام ، تَقتَضِي الطَّعنَ فيهِ ، وَالبَراءَةَ مِنهُ ، وجَعَلَ لَهَمُ عَلى ذلِكَ جُعلاً (2) يُرغَبُ في مِثلِهِ ، فَاختَلَقوا ما أرضاهُ ، منهم : أبو هُرَيرَةُ ، وعَمروُ بنُ العاصِ ، وَالمُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ ، ومِنَ التّابِعينَ : عُروَةُ بنُ الزُّبَيرِ .
رَوى الزُّهِريُّ أنَّ عُروَةَ بنَ الزُّبَيرِ حَدَّثَهُ ، قالَ : حَدَّثَتني عائِشَةُ ، قالَت : كُنتُ عِندَ رَسولِ اللّهِ ، إذ أقبَلَ العَبّاسُ وعَلِيٌّ ، فَقالَ : يا عائِشَةُ ، إنَّ هذَينِ يَموتانِ عَلى غَيرِ مِلَّتي !! أو قال : ديني . . . .
وأمّا عَمرُو بنُ العاصِ ، فَرَوى عَنهُ الحَديثَ الَّذي أخرَجَهُ البُخارِيُّ ومُسلِمٌ في صَحيحَيهِما مُسنَدا مُتَّصِلاً بِعَمرِو بنِ العاصِ ، قالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ
.
ص: 169
* ومنه في مناجاته تعالى لموسى عليه السلام :آلَ أبي طالِبٍ لَيسوا لي بِأَولِياءَ ، إنَّما وَلِيِّيَ اللّهُ ، وصالِحُ المُؤمِنينَ .
وأمّا أبو هُرَيرَةَ فَرَوى عَنهُ الحَديثَ الَّذي مَعناهُ أنَّ عَلِيّا عليه السلام خَطَبَ ابنَةَ أبي جَهلٍ في حَياةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَسخَطَهُ ، فَخَطَبَ عَلَى المِنبَرِ وقالَ : لاهَا اللّهِ ! لا تَجتَمِعُ ابنَةُ وَلِيِّ اللّهِ وَابنَةُ عَدُوِّ اللّهِ أبي جَهلٍ ، إنَّ فاطِمَةَ بِضعَةٌ مِنّي ؛ يُؤذيني ما يُؤذيها ، فَإِن كانَ عَلِيٌّ يُريدُ ابنَةَ أبي جَهلٍ فَليُفارِقِ ابنَتي ، وَليَفعَل ما يُريدُ . أو كَلاماً هذَا مَعناهُ ، وَالحَديثُ مَشهورٌ مِن رِوايَةِ الكَرابيسِيِّ . . . .
ورَوَى الأَعمَشُ قالَ : لَمّا قَدِمَ أبو هُرَيرَةَ العِراقَ مَعَ مُعاوِيَةَ عامَ الجَماعَةِ جاءَ إلى مَسجِدِ الكوفَةِ ، فَلَمّا رَأى كَثرَةَ مَنِ استَقبَلَهُ مِنَ النّاسِ جَثا عَلى رُكبَتَيهِ ، ثُمَّ ضَرَبَ صَلعَتَهُ مِرارا وقالَ : يا أهلَ العِراقِ أ تَزعُمونَ أنّي أكذِبُ عَلَى اللّهِ وعَلى رَسولِهِ ، واُحرِقُ نَفسي بِالنّارِ ! وَاللّهِ لَقدَ سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَرَما ، وإنَّ حَرمي بِالمَدينَةِ ما بَينَ عَيرٍ إلى ثَورٍ (1) ، فَمَن أحدَثَ فيها حَدَثا فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أجمَعينَ . وأشهَدُ بِاللّهِ أنّ عَلِيّا أحدَثَ فيها .
فَلمّا بَلَغَ مُعاوِيَةَ قَولُهُ ، أجازَهُ ، وأكرَمَهُ ، ووَلّاهُ إمارَةَ المَدينَةِ . . . .
قالَ أبو جَعفَرٍ : وأبو هُرَيرَةَ مَدخولٌ عِندَ شُيوخِنا ، غَيرُ مَرضِيِّ الرِّوايَةِ ، ضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وقالَ : قَد أكثَرتَ مِن الرِّوايَةِ وأحرِ (2) بِكَ أن تَكونَ كاذِبا عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .
ورَوى سُفيانُ الثَّورِيُّ عَن مَنصورٍ عَن إبراهيمَ التَّيمِيِّ ، قَالَ : كانوا لا يأخُذونَ عَن أبي هُرَيرَةَ إلّا ما كانَ مِن ذِكرِ جَنَّةٍ أو نارٍ .
ورَوى أبو اُسامَةَ عَنِ الأَعمَشِ ، قالَ : كانَ إبراهيمُ صَحيحُ الحَديثِ ، فَكُنتُ إذا .
ص: 170
* ومنه في مناجاته تعالى لموسى عليه السلام :سَمِعتُ الحَديثَ أتَيتُهُ فَعَرَضتُهُ عَلَيهِ . فَأَتَيتُه يَوما بِأَحاديثَ مِن حَديثِ أبي صالِحٍ عَن أبي هُرَيرَةَ ، فَقالَ : دَعني مِن أبي هُرَيرَةَ ؛ إنَّهُم كانوا يَتُركونَ كَثيراً مِن حَديثِهِ .
وقَد رَوى عَن عَلِيٍّ عليه السلام أنَّهُ قالَ : ألا إنَّ أكذَبَ النّاسِ _ أو قالَ : أكذَبَ الأَحياءِ _ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أبو هُرَيرَةَ الدَّوسِيُّ .
ورَوى أبو يوسُفَ قالَ : قُلتُ لاِبي حَنيفَةَ : الخَبَرُ يَجيءُ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُخالِفُ قِياسَنا ، ما تَصنَعُ بِهِ ؟ قالَ : إذا جاءَت بِهِ الرُّواةُ الثُّقاتُ عَمِلنا بِهِ ، وتَرَكنَا الرَّأيَ . فَقُلتُ : ما تَقولُ في رِوايَةِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ؟ فَقالَ : ناهيكَ بِهِما . فَقُلتُ : عَلِيٌّ وعُثمانُ ؟ قالَ : كَذلِكَ . فَلَمَّا رَآني أعُدُّ الصَّحابَةَ قالَ : وَالصَّحابَةُ كُلُّهُم عُدولٌ ، ما عَدا رِجالاً ، ثُمَّ عَدَّ مِنهُم أبا هُرَيرَةَ ، وأنَسَ بنَ مالِكٍ .
ورَوى سُفيانُ الثَّورِيُّ عَن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ القاسِمِ عَن عُمَرَ بنِ عَبدِ الغَفّارِ أنَّ أبا هُرَيرَةَ لَمّا قَدمَ الكوفَةَ مَعَ مُعاوِيَةَ كانَ يَجلِسُ بِالعَشِيّاتِ بِبابِ كِندَةَ ، ويَجلِسُ النّاسُ إلَيهِ ، فَجاءَ شابٌّ مِنَ الكوفَةِ فَجَلَسَ إلَيهِ ، فَقالَ : يا أبا هُرَيرَةَ ، أنشُدُكَ اللّهَ ! أ سَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ : اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ؟ !فَقالَ : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : فَأَشهَدُ بِاللّهِ لَقَد والَيتَ عَدُوَّهُ ، وعادَيتَ وَلِيَّهُ . ثُمَّ قامَ عَنهُ .
ورَوَتِ الرُّواةُ أنَّ أبا هُرَيرَةَ كانَ يُؤاكِلُ الصِّبيانَ فِي الطَّريقِ ، ويَلعَبُ مَعَهُم ، وكانَ يَخطُبُ وهُوَ أميرُ المَدينَةِ ، فَيَقولُ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَ الدّينَ قِياما ، وأبا هُرَيرَةَ إماما ؛ يُضحِكُ النّاسَ بِذلِكَ . وكانَ يَمشي _ وهُوَ أميرُ المَدينَةِ _ فِي السّوقِ ، فَإِذَا انتَهى إلى رَجُلٍ يَمشي أمامَهُ ضَرَبَ بِرِجلَيهِ الأَرضَ ، ويَقولُ : الطَّريقُ ، الطَّريقُ ، قَد جاءَ الأَميرُ ؛ يَعني نَفسَهُ .
قُلتُ : قَد ذَكَرَ ابنُ قُتَيَبَةَ هذَا كُلَّهُ في كِتابِ المَعارِفِ في تَرجَمَةِ أبي هُرَيرَةَ ، وقَولُهُ .
ص: 171
* ومنه في مناجاته تعالى لموسى عليه السلام :فيهِ حُجَّةٌ ؛ لاِنُّهُ غَيرُ مُتَّهَمٍ عَلَيهِ .
قالَ أبو جَعفَرٍ : وكانَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ يَلعَنُ عَلِيّا عليه السلام لَعناً صَريحا عَلى مِنبَرِ الكوفَةِ ، وكانَ بَلَغَهُ عَن عَلِيٍّ عليه السلام في أيّامِ عُمَرَ أنَّهُ قالَ : «لَئِن رَأيتُ المُغيرَةَ لَأَرجُمَنَّهُ بِأَحجارِهِ» ؛ يَعني واقِعَةَ الزِّنا بِالمَرأَةِ الَّتي شَهِدَ عَلَيهِ فيها أبو بَكرَةَ ، ونَكَلَ زِيادٌ عَنِ الشَّهادَةِ ، فَكانَ يُبغِضُهُ لِذاكَ ولِغَيرهِ مِن أحوالٍ اجتَمَعَت في نَفسِهِ .
قالَ : وقَد تَظاهَرَتِ الرِّوايَةُ عَن عُروَةَ بنِ الزُّبَيرِ أنَّهُ كانَ يَأخُذُهُ الزَّمَعُ (1) عِندَ ذِكرِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَيَسُبُّهُ ، ويَضرِبُ بِإِحدى يَدَيهِ عَلَى الاُخرى ، ويَقولُ : وما يُغني أنَّهُ لَم يُخالِف إلى ما نُهِيَ عَنهُ ، وقَد أراقَ مِن دِماءِ المُسلِمينَ ما أراقَ !
قالَ : وقَد كانَ فِي المُحَدِّثينَ منَ يُبغِضُهُ عليه السلام ، ويَروي فيهِ الأَحاديثَ المُنكَرَةَ ، مِنهُم : حريزُ بنُ عُثمانَ ، كانَ يُبغِضُهُ ، ويَنتَقِصُهُ ، ويَروي فيهِ أخباراً مَكذوبَةً . . . .
قالَ أبو بَكرٍ : وحَدَّثَني أبو جَعفَرٍ ، قالَ : حَدَّثني إبراهيمُ ، قالَ : حَدَثَني مُحَمَّدُ بنُ عاصِمٍ صاحِبُ الخاناتِ ، قالَ : قالَ لَنا حَريزُ بنُ عُثمانَ : أنتُم يا أهلَ العِراقِ تُحِبّونَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، ونَحنُ نُبغِضُهُ . قالوا : لِمَ ؟ قالَ : لاِنَّهُ قَتَلَ أجدادي .
ورَوَى الواقِدِيُّ أنَّ مُعاوِيَةَ لَمّا عادَ مِنَ العِراقِ إلَى الشامِ _ بَعدَ بَيعَةِ الحَسَنِ عليه السلام وَاجتماعِ النّاسِ إلَيهِ _ خَطَبَ ، فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ لي : إنَّكَ سَتَلِي الخِلافَةَ مِن بَعدي ، فَاختَرِ الأَرضَ المُقَدَّسَةَ ؛ فَإِنَّ فيهَا الأَبدالَ . وقَدِ اختَرتُكُم ، فَالعَنوا أبا تُرابٍ ! فَلَعَنوهُ .
فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ كَتَبَ كِتابا ، ثُمَّ جَمَعَهُم فَقَرَأَهُ عَلَيهِم ، وفيهِ : هذَا كِتابٌ كَتَبَهُ أميرُ المُؤمِنينَ مُعاوِيَةُ صاحِبُ وَحِي اللّهِ الَّذي بَعَثَ مُحَمَّدا نَبِيّا وكانَ اُمِّيّا لا يَقرَأُ ولا يَكتُبُ ، فَاصطَفى لَهُ مِن أهلِهِ وَزيرا كاتِبا أمينا ، فَكانَ الوَحيُ يَنزِلُ عَلى مُحَمَّدٍ وأنَا .
ص: 172
* ومنه في مناجاته تعالى لموسى عليه السلام :أكتُبُهُ ، وهُوَ لا يَعلَمُ ما أكتُبُ ، فَلَم يَكُن بَيني وبَينَ اللّهِ أحَدٌ مِن خَلقِهِ .
فَقالَ لَهُ الحاضِرونَ كُلُّهُم : صَدَقتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ .
قالَ أبو جَعفَرٍ : وقَد رُويٍ أنَّ مُعاوِيَةَ بَذَلَ لِسَمُرَةَ بنِ جُندَبٍ مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ حَتّى يَروي أنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَت في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ» (1) ، وأنَّ الآيَةَ الثّانِيَةَ نَزَلَتَ فِي ابنِ مُلجَمٍ ؛ وهِيَ قَولُهُ تَعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ» (2) ، فَلَم يَقبَل ، فَبَذَلَ لَهُ مِئَتَي ألفِ دِرهَمٍ ، فَلَم يَقبَل ، فَبَذَلَ لَهُ ثَلاثَمِئَةِ ألفٍ ، فَلَم يَقبَل ، فَبَذَلَ لَهُ أربَعمِئَةِ ألفٍ ، فَقَبِلَ ، ورَوى ذلِكَ (3) .راجع : كتاب «الغدير» : ج 5 ص 209 .
7 / 3إشاعَةُ سَبِّهِ7 / 3 _ 1إخبارُ الإِمامِ عَن سَبِّهِ وَالبَراءَةِ مِنهُ* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ مُعاوِيَةَ _: أما إنَّهُ سَيَظهَرُ عَلَيكُم بَعدي رَجُلٌ رَحبُ (4) البُلعومِ ، مُندَحِقُ (5) البَطنِ ، يَأكُلُ ما يَجِدُ ، ويَطلُبُ ما لا يَجِدُ ، فَاقتُلوهُ ، ولَن تَقتُلوهُ ! ألا وإنَّهُ
.
ص: 173
* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :سَيَأمُرُكُم بِسَبّي ، وَالبَراءَةِ مِنّي ! فَأَمَّا السَّبُّ فَسُبّوني ؛ فَإِنَّهُ لي زَكاةٌ ، ولَكُم نَجاةٌ ، وأمَّا البرَاءَةُ فَلا تَتَبَرَّؤوا مِنّي ؛ فَإِنّي وُلِدتُ عَلَى الفِطرَةِ ، وسَبَقتُ إلَى الإيمانِ وَالهِجرَةِ (1) .* ومنه عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام للزهريّ :عنه عليه السلام :إنَّكُم سَتُعرَضونَ مِن بَعدي عَلى سَبّي ، فَسُبّوني ، فَإِن عُرِضَ عَلَيكُمُ البَراءَةُ مِنّي فَلا تَبَرَّؤوا مِنّي ؛ فَإِنّي عَلَى الإِسلامِ ، فَمَن عُرِضَ عَلَيهِ البَراءَةُ مِنّي فَليَمدُد عُنُقَهُ ، فَإِن تَبَرَّأَ مِنّي فَلا دُنيا لَهُ ولا آخِرَةَ (2) .* ومنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله :المستدرك على الصحيحين عن أبي صادق : قالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه :إنَّكُم سَتُعرَضونَ عَلى سَبّي ، فَسُبّوني ، فَإِن عُرِضَت عَلَيكُم البَراءَةُ مِنّي فَلا تَبَرَّؤوا مِنّي ، فَإِنّي عَلَى الإِسلامِ ، فَليَمدُد أحَدُكُم عُنُقَهُ _ ثَكَلَتهُ اُمُّهُ _ ؛ فَإِنَّهُ لا دُنيا لَهُ ولا آخِرَةَ بَعدَ الإِسلامِ . ثُمَّ تَلا : «إِلَا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْاءِيمَ_نِ» (3) . (4)* وعنه صلى الله عليه و آله :خصائص الأئمة عليهم السلام عن ميثم التمّار :دَعاني أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَوما ، فَقالَ لي : يا ميثَمُ ، كَيفَ أنتَ إذا دَعاكَ دَعِيُّ (5) بَني اُمَيَّةَ عُبَيدُ اللّهِ بنُ زِيادٍ إلَى البَراءَةِ مِنّي ؟ قُلتُ : إذا وَاللّهِ أصِبرُ ، وذاكَ فِي اللّهِ قَليلٌ . قالَ : يا ميثَمُ ، إذا تَكونَ مَعي في دَرَجَتي (6) .دخن : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :الإمام الباقر عليه السلام :خَطَبَ عَلِيٌّ عليه السلام عَلى مِنبَرِ الكوفَةِ ، فَقالَ : سَيُعرَضُ عَلَيكُم سَبّي ، .
ص: 174
دخن : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :وسَتُذبَحونَ عَلَيهِ ؛ فَإِن عُرِضَ عَلَيكُم سَبّي فَسُبّوني ، وإن عُرِضَ عَلَيكُمُ البَراءَةُ مِنّي فَإِنّي عَلى دينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . ولَم يَقُل : فَلا تَبَرَّؤوا مِنّي (1) .* وعن حريز :الإمام الصادق عليه السلام :قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : وَاللّهِ لتُذبَحُنَّ عَلى سَبّي _ وأشارَ بِيَدِهِ إلى حَلقِهِ _ ثُمَّ قالَ : فَإِن أمَروكُم بِسَبّي ، فَسُبّوني ، وإن أمَروكُم أن تَبَرَّؤوا مِنّي فَإِنّي عَلى دينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . ولَم يَنهَهُم عَن إظهارِ البَراءَةِ (2) .* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام :الكافي عن مسعدة بن صدقة :قيلَ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : إنَّ النّاسَ يَروون أنَّ عَلِيّا عليه السلام قالَ عَلى مِنبَرِ الكوفَةِ : أيُّهَا النّاسُ ، إنَّكُم سَتُدعَونَ إلى سَبّي ، فَسُبّوني ، ثُمَّ تُدعَونَ إلَى البَراءَةِ مِنّي ، فَلا تَبَرَّؤوا مِنّي .
فَقالَ : ما أكثَرَ ما يَكذِبُ النّاسُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام ! ثُمَّ قالَ : إنَّما قالَ : إنَّكُم سَتُدعَون إلى سَبّي ، فَسُبّوني ، ثُمَّ سَتُدعَون إلَى البَراءَةِ مِنّي وإنّي لَعَلى دينِ مُحَمَّدٍ . ولَم يَقُل : لا تَبَرَّؤوا مِنّي .
فَقالَ لَهُ السّائِلُ : أرَأَيتَ إنِ اختارَ القَتلَ دونَ البَراءَةِ ؟ فَقالَ : وَاللّهِ ما ذلِكَ عَلَيهِ ، وما لَه إلّا ما مَضى عَلَيهِ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ حَيثُ أكرَهَهُ أهلُ مَكَّةَ وقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإيمانِ ، فَأَنَزَلَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ فيهِ : «إِلَا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنُّم بِالْاءِيمَ_نِ» ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عِندَها : يا عَمّارُ ، إن عادوا فَعُد ؛ فَقَد أنزَلَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ عُذرَكَ ، وأمَرَكَ أن تَعودَ إن عادوا (3) .درأ : عن موسى عليه السلام في فرعون :الإمام عليّ عليه السلام :ألا إنَّكُم مَعرضون (4) عَلى لَعني ودُعايَ كَذّابا ، فَمَن لَعَنَني كارِها مُكرَها .
ص: 175
درأ : عن موسى عليه السلام في فرعون :_ يَعلمُ اللّه أنَّهُ كانَ مُكرَها _ وَرَدتُ أنا وهُوَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مَعا . ومَن أمسَكَ لِسانَهُ فَلَم يَلعَنّي ؛ سَبَقَني كَرَميَةِ سَهمٍ ، أو لَمحَةٍ بِالبَصَرِ . ومَن لَعَنَني مُنشَرِحا صَدرُهُ بِلَعني فَلا حِجابَ بَينَهُ وَبينَ اللّهِ ، ولا حُجَّةَ لَهُ عِندَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله .
ألا إنّ مُحَمّدا صلى الله عليه و آله أخَذَ بِيَدي يَوما فَقالَ : مَن بايَعَ هؤُلاءِ الخَمسَ ثُمَّ ماتَ وهُوَ يُحِبُّكَ فَقدَ قَضى نَحبَهُ ، ومَن ماتَ وهُوَ يُبغِضُكَ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً ، يُحاسَبُ بِما عَمِلَ فِي الإِسلامِ (1) .راجع : مرآة العقول : ج 9 ص 174 _ 179 .
7 / 3 _ 2الأَمرُ بِسَبِّهِ وَالبَراءَةِ مِنهُ* ومنه عن موسى بن جعفر عليهماالسلام في الدعاء :المناقب لابن شهر آشوب :وَالأَصلُ في سَبِّهِ [عَلِيٍّ عليه السلام ] ما صَحَّ عِندَ أهلِ العِلمِ أنَّ مُعاوِيَةَ أمَرَ بِلَعنِهِ عَلَى المَنابِرِ ، فَتَكَلَّمَ فيهِ ابنُ عَبّاسٍ ، فَقالَ : هَيهاتَ ، هذَا أمرُ دِينٍ ، لَيسَ إلى تَركِهِ سَبيلٌ ، أ لَيسَ الغاشَّ لِرَسولِ اللّهِ ، الشَّتّامَ لِأَبي بَكرٍ ، المُعَيِّر عُمَرَ ، الخاذِلَ عُثمانَ !
قالَ : أ تَسُبُّهُ عَلَى المَنابِرِ ، وهُوَ بَناها بِسَيفِهِ !
قالَ : لا أدَعُ ذلِكَ حَتّى يَموتَ فيهِ الكَبيرُ ، ويَشِبّ عَلَيهِ الصَّغيرُ (2) .درب : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في عهده للأشترالكامل في التاريخ :إنَّ مُعاوِيَةَ استَعمَلَ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ عَلَى الكوفَةِ سَنَةَ إحدى وأربَعينَ ، فَلَمّا أمَّرَهُ عَلَيها دَعاهُ وقالَ لَهُ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ لِذِي الحِلمِ قَبلَ اليَومِ ما تُقرَعُ
.
ص: 176
درب : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في عهده للأشترالعَصا 1 ، وقَد يَجزي عَنكَ الحَكيمُ بِغَيرِ التَّعليمِ ، وقَد أردتُ إيصاءَكَ بِأَشياءَ كَثيرَةٍ ، أنَا تارِكُهَا اعتِمادا عَلى بَصَرِكَ ، ولَستُ تارِكا إيصاءَكَ بِخَصلَةٍ : لا تَتُرك شَتم عَلِيٍّ وذَمَّهُ ، وَالتَّرَحُّمَ عَلى عُثمانَ وَالاِستِغفارَ لَهُ ، وَالعَيبَ لِأَصحابِ عَلِيٍّ وَالإقصاءَ لَهُم ، وَالإِطراءَ بِشيعَةِ عُثمانَ وَالإِدناءَ لَهُم (1) .* وعنه عليه السلام في سجت الفارسي :المستدرك على الصحيحين عن عبد اللّه بن ظالم :كانَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ يَنالُ في خُطبَتِهِ مِن عَلِيٍّ ، وأقامَ خُطَباءَ يَنالونَ مِنهُ (2) .درج : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في المهديّ عليهأنساب الأشراف :وَلّى مُعاوِيَةُ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ الكوفَةَ ، فَأَقامَ بِها تِسعَ سِنينَ ، وهُوَ أحسَنُ رَجُلٍ سيرَةً ! !وأشَدُّهُ حُبّا لِلعافِيَةِ ، غَيرَ أنَّهُ لا يَدَعُ ذَمَّ عَلِيٍّ وَالوَقيعَةَ فيهِ ! ! وَالعَيبَ لِقَتَلَةِ عُثمانَ وَاللَّعنَ لَهُم (3) .* وعنه عليه السلام في بني اُميّة :أنساب الأشراف :كانَ لِلوَليدِ بنِ عُثمانَ بنِ عَفّانَ ابنٌ يُظهِرُ التَّأَلُّهَ يُقالَ لَهُ : عَبدُ اللّهِ بنُ الوَليدِ ، وكانَ يَلعَنُ عَلِيّا ويَقولُ : قَتَلَ جَدَّيَّ عُثمانَ وَالزُّبَيرَ _ وكانَت اُمُّهُ ابنَةَ الزُّبَيرِ بنِ العَوّامِ _ .
وقامَ إلى هِشامِ بنِ عَبدِ المَلِكِ وهُوَ عَلَى المِنبَرِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ هذَا يَومٌ كانَتِ الخُلَفاءُ تَستَحِبُّ فيهِ لَعنَ أبي تُرابٍ ! فَقالَ لَهُ : يا عَبدَ اللّهِ ، إنّا لَم نَأتِ هاهُنا لِسَبِّ النّاسِ ولَعنِهِم ! (4) .
ص: 177
7 / 3 _ 3سَبُّهُ عَلَى المَنابِرِ* وعنه عليه السلام :المناقب لابن المغازلي عن أبي معاوية هشيم بن بشير الواسطي :أدَركتُ خُطباءَ أهلِ الشّامِ بِواسِطٍ (1) في زَمَنِ بَني اُمَيَّةَ ، كانَ إذا ماتَ لَهُم مَيِّتٌ قامَ خَطيبُهُم فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ فَسَبَّهُ . فَحَضَرتُهُم يَوما وقَد ماتَ لَهُم مَيِّتٌ ، فَقامَ خَطيبُهُم ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وذَكَرَ عَلِيّا عليه السلام فَسَبَّهُ ، فَجاءَ ثَورٌ فَوَضَع قَرنَيهِ في ثَديَيهِ وألزَقَهُ بِالحائِطِ ، فَعَصَرَهُ حَتّى قَتَلَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ يَشُقُّ النّاسَ يَمينا وشِمالاً لا يَهيجُ أحَدا ولايُؤذيهِ (2) .* ومنه عن ابن يزيد لأبي عبداللّه عليه السلام :مروج الذهب :ذَكَرَ بَعضُ الأَخبارِيّينَ أنَّهُ قالَ لِرَجُلٍ مِن أهلِ الشّامِ مِن زُعَمائِهِم وأهلِ الرَّأيِ وَالعَقلِ مِنهُم : مَن أبو تُرابٍ هذَا الَّذي يَلعَنُهُ الإِمامُ عَلَى المِنبَرِ ؟ قالَ : أراهُ لِصّا مِن لُصوصِ الفِتَنِ (3) .درد : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :الغارات عن الواقدي :إنَّ عُمَرَ بنَ ثابِتٍ . . . كانَ يَركَبُ ويَدورُ فِي القُرى بِالشّامِ ، فَإِذا دَخَلَ قَرَيةً جَمَعَ أهلَها ، ثُمَّ يَقولُ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ كانَ رَجُلاً مُنافِقا ، أرادَ أن يَنخُسَ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَيلَةَ العَقَبَةِ ، فَالعَنوهُ .
قالَ : فَيَلعَنُهُ أهلُ تِلكَ القَريَةِ ، ثُمَّ يَسيرُ إلَى القرَيَةِ الاُخرى ، فَيَأمُرُهُم بِمِثلِ ذلِكَ (4) .قال العلّامة الأميني رحمه الله : لم يزَل معاوية وعمّاله دائبين على ذلِكَ [لعن الإمام عليه السلام ]
.
ص: 178
حَتّى تمرَّن عليه الصغير ، وهرم الشيخ الكبير ، ولعلّ في أوليات الأمر كان يوجد هناك من يمتنع عن القيام بتلك السبّة المخزية ، وكان يسَع لبعض النفوس الشريفة أن يتخلّف عنها ، غير أنّ شدّة معاوية _ الحليم في إجراء اُحدوثته _ وسطوة عمّاله _ الخصماء الألدّاء على أهل بيت الوحي ، وتهالكهم دون تدعيم تلك الإمرة الغاشمة ، وتنفيذ تلك البدعة الملعونة _ حكمت في البلاء ، حَتّى عمّت البلوى ، وخضعت إليها الرقاب ، وغلّلتها أيدي الجور تحت نِير (1) الذلّ والهوان . فكانت العادة مستمرّة منذ شهادة أمير المؤمنين عليه السلام إلى نهي عمر بن عبد العزيز ، طيلة أربعين سنة (2) ، على صهوات المنابر ، وفي الحواضر الإسلاميّة كلّها ؛ من الشام إلَى الري إلَى الكوفة إلَى البصرة إلى عاصمة الإسلام المدينة المشرّفة إلى حرم أمن اللّه مكّة المعظّمة إلى شرق العالم الإسلامي وغربه ، وعند مجتمعات المسلمين جمعاء . . . . واتّخذوا ذلِكَ كعقيدة راسخة ، أو فريضة ثابتة ، أو سنّة متّبعة ، يرغب فيها بكلّ شوق وتوق (3) حَتّى أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا منع عنها _ لحكمة عمليّة _ أو لسياسة وقتيّة _ حسبوه كأنّه جاء بطامّةٍ كبرى ، أو اقترف إثما عظيما (4) .
راجع : كتاب «الغدير» : ج 10 ص 257 _ 271 .
.
ص: 179
7 / 3 _ 4خُطبَةُ الإِمامِ لَمّا بلَغَهُ خَبَرُ سَبِّهِدرر : عن النبيّ صلى الله عليه و آله في الاستسقاءالإمام الباقر عليه السلام :خَطَبَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ بِالكوفَةِ بَعدَ مُنصَرَفِهِ مِنَ النَّهرَوانِ وبَلَغَهُ أنَّ مُعاوِيَةَ يَسُبُّهُ ويَلعَنُهُ ويَقتُلُ أصحابَهُ ، فَقامَ خَطيبا ، فَحَمِدَ اللّهَ ، وأثنى عَلَيهِ ، وصَلّى عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وذَكَرَ ما أنعَمَ اللّهُ عَلى نَبِيِّهِ وعَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : لَولا آيَةٌ في كِتابِ اللّهِ ما ذَكَرتُ ما أنَا ذاكِرُهُ في مَقامي هذَا ، يَقولُ اللّهُ عَزَّوجَلَّ : «وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» (1) .
اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلى نِعَمِكَ الَّتي لا تُحصى ، وفَضلِكَ الَّذي لا يُنسى . يا أيُّهُا النّاسُ ! إنَّهُ بَلَغَني ما بَلَغَني ، وإنّي أراني قَدِ اقتَرَبَ أجَلي ، وكَأَنّي بِكُم وقَد جَهِلتُم أمري ، وإنّي تارِكٌ فيكُم ما تَرَكَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ كِتابَ اللّهِ وعِترَتي ؛ وهِيَ عِترَةُ الهادي إلَى النَّجاةِ ، خاتَمِ الأَنبِياءِ ، وسَيِّدِ النُّجَباءِ ، وَالنَّبِيِّ المُصطَفى . . . .
بِبُغضي يُعرَفُ المُنافِقونَ ، وبِمَحَبَّتي امتَحَنَ اللّهُ المُؤمِنين ، هذَا عَهدُ النَّبِيِّ الاُمِّيِّ إلَيَّ أنَّهُ لا يُحِبُّكَ إلّا مُؤمِنٌ ، ولا يُبغِضُكَ إلّا مُنافِقٌ . وأنَا صاحِبُ لِواءِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، ورَسولُ اللّهِ فَرَطي (2) ، وأنَا فَرَطُ شيعَتي . وَاللّهِ لا عَطِشَ مُحِبّي ، ولا خافَ وَلِيّي ، وأنَا وَلِيُّ المُؤمِنينَ ، وَاللّهُ وَلِيّي ، حَسبُ مُحِبِّيَّ أن يُحِبّوا ما أحَبَّ اللّهُ ، وحَسبُ مُبغِضِيَّ أن يُبغِضوا ما أحَبَّ اللّهُ .
ألا وإنَّهُ بَلَغَني أنَّ مُعاوِيَةَ سَبَّني ولَعَنَني ، اللّهُمَّ اشدُد وَطأَتَكَ عَلَيهِ ، وأنزِلِ اللَّعنَةَ عَلَى المُستَحِقِّ ، آمينَ يا رَبَّ العالَمينَ ، رَبَّ إسماعِيلَ ، وباعِثَ إبراهيمَ ، إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ .
ثُمَّ نَزَلَ عليه السلام عَن أعوادِهِ ، فَما عادَ إلَيها حَتّى قَتَلَهُ ابنُ مُلجَمٍ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ (3) .
.
ص: 180
7 / 4تَعذيبُ مُحِبّيهِ وتَشريدُهُم وقَتلُهُم* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :شرح نهج البلاغة :رُوِيَ أنَّ أبا جَعفَرٍ مَحمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الباقِرَ عليه السلام قالَ لِبَعضِ أصحابِهِ : يا فُلانُ ، ما لَقينا مِن ظُلمِ قُرَيشٍ إيّانا وتَظاهُرِهِم عَلَينا ، وما لَقِيَ شيعَتُنا ومُحِبّونا مِنَ النّاسِ ! إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قُبِضَ وَقد أخبَرَ أنّا أولَى النّاسِ بِالنّاسِ ، فَتَمالَأَت عَلَينا قُرَيشٌ حَتّى أخرَجَتِ الأَمرَ عَن مَعدِنِهِ ، واحتَجَّت عَلَى الأَنصارِ بِحَقِّنا وحُجَّتِنا ، ثُمَّ تَداوَلَتها قُرَيشٌ واحِدٍ بَعدَ واحِدٍ ، حَتّى رَجَعَت إلَينا ، فَنَكَثَت بَيعَتَنا ونَصَبَتِ الحَربَ لَنا ، ولَم يَزَل صاحِبُ الأَمرِ في صَعودٍ كَؤودٍ (1) حَتّى قُتِلَ .
فبويِعَ الحَسَنُ ابنُهُ ، وعوهِدَ ، ثُمَّ غُدِرَ بِهِ ، واُسلِمَ ، ووَثَبَ عَلَيهِ أهلُ العِراقِ حَتّى طُعِنَ بِخَنجَرٍ في جَنبِهِ ، ونُهِبَت عَسكَرُهُ ، وعولِجَت (2) خَلاليلُ اُمَّهاتِ أولادِهِ ، فَوادَعَ مُعاوِيَةَ ، وحَقَنَ دَمَهُ ودِماءَ أهلِ بَيتِهِ وهُم قَليلٌ حَقَّ قَليلٍ .
ثُمَّ بايَعَ الحُسَينَ عليه السلام مِن أهلِ العِراقِ عِشرونَ ألفاً ، ثُمَّ غَدَروا بِهِ ، وخَرَجوا عَلَيهِ وبَيعَتُهُ في أعناقِهِم ، وقَتَلوهُ ، ثُمَّ لَم نَزَل _ أهلَ البَيتِ _ نُستَذَلُّ ونُستَضامُ ونُقصى ونُمتَهَنُ ونُحرَمُ ونُقتَلُ ونُخافُ ولا نَأمَنُ عَلى دِمائِنا ودِماءِ أولِيائِنا . ووَجَدَ الكاذِبونَ الجاحِدونَ ؛ _ لِكذِبِهِم وجُحودِهِم _ مَوضِعاً يَتَقَرَّبونَ بِهِ إلى أولِيائِهِم وقُضاةِ السَّوءِ وعُمّالِ السَّوءِ في كُلِّ بَلدَةٍ ، فَحَدَّثوهُمِ بِالأَحاديثِ المَوضوعَةِ المَكذوبَةِ ، ورَوَوا عَنّا ما لَم نَقُلهُ وما لَم نَفعَلهُ ؛ لِيُبَغِّضونا إلَى النّاسِ . وكانَ عِظَمُ ذلِكَ وكِبَرُهُ زَمَنَ مُعاوِيَةَ بَعدَ
.
ص: 181
* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَوتِ الحَسَنِ عليه السلام ؛ فَقُتِلَت شيعَتُنا بِكُلِّ بَلدَةٍ ، وقُطِعَتِ الأَيدي وَالأَرجُلِ عَلَى الظِّنَّةِ ، وكانَ مَن يُذكَرُ بِحُبِّنا وَالاِنقِطاعِ إلَينا سُجِنَ ، أو نُهِبَ مالُهُ ، أو هُدِمَت دارُهُ ، ثُمَّ لَم يَزَل البَلاءُ يَشتَدُّ ويَزدادُ إلى زَمانِ عُبَيدِ اللّهِ بن زِيادٍ قَاتِلِ الحُسَينِ عليه السلام .
ثُمَّ جَاءَ الحَجّاجُ فَقَتَلَهُم كُلَّ قِتلَةٍ ، وأخَذَهُم بِكُلِّ ظِنّةٍ وتُهمَةٍ ، حَتّى إنَّ الرَّجُلَ لَيُقالُ لَهُ : «زِنديقٌ» أو «كافِرٌ» أحَبُّ إلَيهِ مِن أن يُقالَ : «شيعَةُ عَلِيٍّ» ، وحَتّى صارَ الرَّجُلُ الَّذي يُذكَرُ بِالخَيرِ _ ولَعَلَّهُ يَكونُ وَرِعاً صَدوقاً _ يُحَدِّثُ بِأَحاديثَ عَظيمَةٍ عَجيبَةٍ مِن تَفضيلِ بَعضِ مَن قَد سَلَفَ مِنَ الوُلاةِ ولَم يَخلُقِ اللّهُ تَعالى شَيئا مِنها ، ولا كانَت ، ولا وقَعَت ، وهُوَ يَحسَبُ أنَّها حَقٌّ ؛ لِكَثرَةِ مَن قَد رَواها مِمَّن لَم يُعرَف بِكَذِبٍ ولا بِقِلَّةٍ وَرَعٍ .
ورَوى أبُو الحَسَنٍ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبي سَيفٍ المَدائِنِيُّ في كِتابِ الأَحداثِ قالَ : كَتَبَ مُعاوِيَةُ نُسخَةً واحِدَةً إلى عُمّالِهِ بَعدَ عامِ الجَماعَةِ : أن بَرِئَتِ الذِّمّةُ مِمَّن رَوى شَيئا مِن فَضلِ أبي تُرابٍ وأهلِ بَيتِهِ . فَقامَتِ الخُطَباءُ في كُلِّ كورَةٍ وعَلى كُلِّ مِنبَرٍ يَلعَنونَ عَلِيّا ، ويَبرَؤونَ مِنهُ ، ويَقَعونَ فيهِ وفي أهلِ بَيتِهِ . وكانَ أشَدَّ النّاسِ بَلاءً حينَئِذٍ أهلُ الكوفَةِ ؛ لِكَثرَةِ مِن بِها مِن شيعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَاستَعمَلَ عَلَيهِم زِيادَ بنَ سُمَيَّةَ ، وضَمَّ إلَيهِ البَصرَةَ ، فَكانَ يَتَتَبَّعُ الشّيعَةَ _ وهُوَ بِهِم عارِفٌ ؛ لِأَ نَّهُ كانَ مِنهُم أيّامَ عَلِيٍّ عليه السلام _ فَقَتَلَهُم تَحتَ كُلِّ حَجَرٍ ومَدَرٍ ، وأخافَهُم ، وقَطَعَ الأَيدِيَ وَالأَرجُلَ ، وسَمَلَ (1) العُيونَ ، وصَلَبَهُم عَلى جذوع النّخلِ ، وطَرَدَهُم ، وَشَرَّدَهُم عَنِ العِراقِ ، فَلَم يِبَقَ بِها مَعروفٌ مِنهُم .
وكَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى عُمّالِهِ في جَميعِ الآفاقِ ألّا يُجيزوا لأَِحَدٍ مِن شيعَةِ عَلِيٍّ وأهلِ بَيتِهِ شَهادَةً ، وكتب إلَيهِم : أنِ انظُروا مَن قِبَلَكُم مِن شيعَةِ عُثمانَ ومُحِبّيهِ وأهلِ وَلايَتِهِ .
ص: 182
* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :وَالَّذين يَروونَ فَضائِلَهُ ومَناقِبَهُ فَأَدنوا مَجالِسَهُم ، وقَرِّبوهُم ، وَأكرموهُم ، وَاكتُبوا لي بِكُلِّ ما يَروي كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم ، وَاسمَهُ ، وَاسمَ أبيهِ وعَشيرَتِهِ . فَفَعلوا ذلِكَ ، حَتّى أكثَروا في فَضائِلِ عُثمانَ ، ومَناقِبِهِ ؛ لِما كانَ يَبعَثُهُ إلَيهِم مُعاوِيَةُ مِنَ الصِّلاتِ وَالكِساءِ وَالحِباءِ وَالقَطائِعِ ، ويُفيضُهُ فِي العَرَبِ مِنهُم وَالمَوالي ، فَكَثُرَ ذلِكَ في كُلِّ مِصرٍ ، وتَنافَسوا فِي المَنازِلِ وَالدُّنيا ، فَلَيسَ يَجيءُ أحَدٌ مَردودٌ مِنَ النّاسِ عامِلاً مِن عُمّالِ مُعاوِيَةَ فَيَروي في عُثمانَ فَضيلَةً أو مَنقَبَةً إلّا كَتَبَ اسمَهُ ، وقَرَّبَهُ ، وشَفّعَهُ . فَلَبِثوا بِذلِكَ حيناً .
ثُمَّ كَتَبَ إلى عُمّالِهِ : إنَّ الحَديثَ في عُثمانَ قَد كَثُرَ وفَشا في كُلِّ مِصرٍ ، وفي كُلِّ وَجهٍ وناحِيَةٍ ، فَإِذا جاءَكُم كِتابي هذَا فَادعُوا النّاسَ إلَى الرِّوايَةِ في فَضائِلِ الصَّحابَةِ وَالخُلَفاءِ الأَوَّلينَ ، ولا تَتُركوا خَبَراً يَرويهِ أحَدٌ مِنَ الُمسلِمين في أبي تُرابٍ إلّا وتَأتوني بِمُناقِضٍ لَهُ فِي الصَّحابَةِ ؛ فَإِنَّ هذَا أحَبُّ إلَيَّ ، وأقَرُّ لِعَيني ، وأدحَضُ لِحُجَّةِ أبي تُرابٍ وشيعَتِهِ ، وأشَدُّ عَلَيهِم مِن مَناقِبِ عُثمانَ وفَضلِهِ .
فَقُرِئَت كُتُبُهُ عَلَى النّاسِ ، فَرُوِيَت أخبارٌ كَثيرَةٌ _ في مَناقِبِ الصَّحابَةِ _ مُفتَعَلَةٌ لا حَقيقَةَ لَها ، وجدّ النّاسُ في رِوايَةِ ما يَجري هذَا المَجرى ، حَتّى أشادوا بِذِكرِ ذلِكَ عَلَى المَنابِرِ ، واُلقِي إلى مُعَلِّمي الكَتاتيبِ فَعَلَّموا صِبيانَهُم وغِلمانَهُم مِن ذلِكَ الكَثيرَ الواسِعَ ، حَتّى رَوَوهُ وتَعَلّموهُ كَما يَتَعَلَّمونَ القُرآنَ ، وحَتّى عَلَّموهُ بِناتِهِم ونِساءَهُم وخَدَمَهُم وحَشَمَهُم . فَلَبِثوا بِذلِكَ ما شاءَ اللّهُ .
ثُمَّ كَتَبَ إلى عُمّالِهِ نُسخَةً واحِدَةً إلى جَميعِ البُلدانِ : اُنظرُوا مَن قامَت عَلَيهِ البَيِّنَةُ أنَّهُ يُحِبُّ عَلِيّا وأهلَ بَيتِهِ فَامحوهُ مِنَ الدّيوانِ ، وأسقِطوا عَطاءَهُ ورِزقَهُ .
وشَفَعَ ذلِكَ بِنُسخَةٍ اُخرى : مَنِ اتّهَمتُموهُ بِمُوالاةِ هؤُلاءِ القَومِ فَنَكِّلوا به ، وَاهدِموا دارَهُ . فَلَم يَكُنِ البَلاءُ أشَدَّ ولا أكثَرَ مِنهُ بِالعِراقِ ، ولا سِيَّما بِالكوفَةِ ، حَتّى إنَّ الرَّجُلَ .
ص: 183
* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مِن شيعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام لَيَأتيهِ مَن يَثِقُ بِهِ فَيدخُلُ بَيتَهُ فَيُلقي إلَيهِ سِرَّهُ ، ويَخافُ مِن خادِمِهِ ومَملوكِهِ ، ولا يُحَدِّثُهُ حَتّى يأخُذَ عَلَيهِ الأَيمانَ الغَليظَةَ لَيكتُمَنَّ عَلَيهِ . فَظَهَرَ حَديثٌ كَثيرٌ مَوضوعٌ ، وبُهتانٌ مُنتَشِرٌ ، ومَضى عَلى ذلِكَ الفُقَهاءُ والقُضاةُ وَالوُلاةُ .
وكانَ أعظَمَ النّاسِ في ذلِكَ بَلِيَّةً القُرّاءُ المُراؤونَ ، وَالمُستَضعَفونَ الَّذينَ يُظهِرونَ الخُشوعَ وَالنُّسُكَ ، فَيَفتَعِلونَ الأَحاديثَ ؛ لِيَحظَوا بِذلِكَ عِندَ وُلاتِهِم ، ويُقَرِّبوا مَجالِسَهُم ، ويُصيبوا بِهِ الأَموالَ وَالضِّياعَ وَالمَنازِلَ . حَتّى انتَقَلَت تِلكَ الأَخبارُ وَالأَحاديثُ إلى أيدِي الدَّيّانينَ الَّذين لا يَستَحِلّونَ الكَذِبَ والبُهتانَ ، فَقَبِلوها ، ورَوَوها وهُم يَظُنّونَ أنَّها حَقٌّ ، ولَو عَلِموا أنَّها باطِلَةٌ لَما رَوَوها ، ولا تَدَيَّنوا بِها .
فَلَم يَزَلِ الأَمرُ كَذلِكَ حَتّى ماتَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَازدادَ البَلاءُ وَالفِتنَةُ ، فَلَم يَبقَ أحَدٌ مِن هذَا القَبيلِ إلّا وهُوَ خائِفٌ عَلى دَمِهِ ، أو طَريدٌ فِي الأَرضِ .
ثُمَّ تَفاقَمَ الأمَرُ بَعدَ قَتلِ الحُسَينِ عليه السلام ، ووَلِيَ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ فَاشتَدَّ عَلَى الشّيعَةِ ، ووَلّى عَلَيهِمُ الحَجّاجَ بنَ يوسُفَ ، فَتَقَرَّبَ إليَهِ أهلُ النُّسُكِ وَالصَّلاحِ وَالدّينِ بِبُغضِ عَليٍّ ومُوالاةِ أعدائِهِ ، ومُوالاةِ مَن يَدّعي مِنَ النّاسِ أنَّهُم أيضاً أعداؤُهُ ، فَأَكثَروا فِي الرِّوايَةِ في فَضلِهِم وسَوابِقِهِم ومَناقِبِهِم ، وأكثَروا مِنَ الغَضِّ (1) مِن عَلِيٍّ عليه السلام ، وعَيبِهِ ، وَالطَّعنِ فيه ، وَالشَّنَآنِ لَهُ ، حَتّى إنَّ إنساناً وقَفَ لِلحَجّاجِ _ ويُقالُ : إنَّهُ جَدُّ الأَصمَعِيِّ عَبد المَلِكِ بنِ قَريبٍ _ فَصاحَ بِهِ : أيُّهَا الأَميرُ إنَّ أهلي عَقّوني فَسَمَّوني عَلِيّا ، وإنّي فَقيرٌ بائس ، وأنَا إلى صِلَةِ الأَميرِ مُحتاجٌ . فَتَضاحَكَ لَهُ الحَجّاجُ ، وقالَ : لِلُطفِ ما تَوَسَّلتَ بِهِ قَد وَلَّيتُكَ مَوضِعَ كَذا .
وقَد رَوَى ابنُ عَرَفَةَ _ المَعروفُ بِنِفطَوَيهِ ، وهُوَ مِن أكابِرِ المُحَدِّثِينَ وأعلامِهِم _ في تاريخِهِ ما يُناسِبُ هذَا الخَبَرَ ، وقالَ : إنَّ أكثَرَ الأحاديثِ المَوضوعَةِ في فَضائِلِ .
ص: 184
* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الصَّحابَةِ افتُعِلَت في أيّامِ بَني اُمَيَّةَ ؛ تَقَرُّباً إلَيهِم بِما يَظُنّونَ أنَّهُم يُرغِمونَ بِهِ اُنوفَ بَني هاشِمٍ (1) .7 / 5الدّافِعُ السِّياسِيُّ في كَيدِ أعدائِهِ* وعن أبي عبداللّه عليه السلام في فاطمة الزهراء عالإمام زين العابدين عليه السلام :قالَ مَروانُ بنُ الحَكَمِ : ما كانَ فِي القَومِ أحَدٌ أدفَعَ عَن صاحِبِنا مِن صاحِبِكُم _ يَعني عَلِيّا عَن عُثمانَ _ قالَ : قُلتُ : فَما لَكُم تَسُبّونَهُ عَلَى المِنبَرِ ؟ ! قالَ : لا يَستَقيمُ الأمرُ إلّا بِذلِكَ (2) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :أنساب الأشراف عن عمر بن عليّ :قالَ مَروانُ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَينِ : ما كانَ أحَدٌ أكَفَّ عَن صاحِبِنا مِن صاحِبِكُم . قالَ : فَلِمَ تَشتِمونَهُ عَلَى المَنابِرِ ؟ ! قالَ : لا يَستَقيمُ لَنا هذَا إلّا بِهذا (3) .راجع : ص203 (كلام في خيبة أعدائه) .
.
ص: 185
الفصل الثامن : خيبة آمال أعدائه8 / 1إنكارُ سَبِّهِ8 / 1 _ 1إبراهيمُ بنُ يَزيدَ* وعنه عليه السلام :شرح نهج البلاغة عن إسماعيل بن إبراهيم :كُنتُ أنا وإبراهيمُ بنُ يَزيدَ جالِسَينِ فِي الجُمُعَةِ مِمّا يَلي أبواب كِندَةَ ، فَخَرَجَ المُغيرَةُ فَخَطَبَ ، فَحَمِدَ اللّهَ ثُمَّ ذَكَرَ ما شاءَ أن يَذكُرَ ، ثُمَّ وَقَعَ في عَلِيٍّ عليه السلام ، فَضَرَبَ إبراهيمُ عَلى فَخِذي أو رُكبَتي ، ثُمَّ قالَ : أقبِل عَلَيَّ فَحَدِّثني فَإِنّا لَسنا في جُمُعَةٍ ، أ لا تَسمَعُ ما يَقولُ هذَا ؟ ! (1)8 / 1 _ 2ابنُ عَبّاسٍدرف : عن مسمع :المستدرك على الصحيحين عن عبيد اللّه بن أبي مليكة :جاءَ رَجُلٌ مِن أهلِ الشّامِ فَسَبَّ عَلِيّا عِندَ ابنِ عبّاسٍ ، فَحَصَبَهُ ابنُ عَبّاسِ فَقالَ : يا عَدُوَّ اللّهِ ، آذَيتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله «إِنَّ الَّذِينَ
.
ص: 186
درف : عن مسمع :يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا» (1) ! لَو كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَيّا لآَذَيتَهُ (2) .درق : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا نزلمروج الذهب :مَرَّ ابنُ عَبّاسٍ بِقَومٍ يَنالونَ مِن عَلِيٍّ ويَسُبّونَهُ ، فَقالَ لِقائِدِهِ : أدنِني مِنهُم ، فَأَدناهُ ، فَقالَ : أيُّكُمُ السّابُّ اللّهَ ؟ قالوا : نَعوذُ بِاللّهِ أن نَسُبَّ اللّه ! فَقالَ : أيُّكُمُ السّابُّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالوا : نَعوذُ بِاللّهِ أن نَسُبَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! فَقالَ : أيُّكُمُ السّابُّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ؟ قالوا : أمّا هذِهِ فَنَعَم ، قال : أشهَدُ لَقَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن سَبَّني فَقَد سَبَّ اللّهَ ، ومَن سَبَّ عَلِيّا فَقَد سَبَّني . فَأَطرَقوا (3) .* وعن أبي جعفر عليه السلام :المناقب لابن المغازلي عن سليمان بن عليّ عن أبيه :كُنتُ مَعَ عَبدِ اللّه بنِ العَبّاسِ وسَعيدُ بنُ جُبَيرٍ يَقودُهُ ، فَمَرَّ عَلى ضِفَّةِ زَمزَمَ ، فَإِذا بِقَومٍ مِن أهلِ الشّامِ يَسبُّونَ عَلِيّا عليه السلام ، فَقالَ لِسَعيدٍ : رُدَّني إلَيهِم ، فَوَقَفَ عَلَيهِم فَقالَ : أيُّكُمُ السّابُّ لِلّهِ عَزَّوجَلَّ ؟ قالوا : سُبحانَ اللّهِ ، ما فينا أحَدٌ يَسُبُّ اللّهَ عَزَّوجَلَّ ! قالَ : فَأيُّكُمُ السّابُّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟قالوا : سُبحانَ اللّهِ ، ما فينا أحَدٌ يَسُبُّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! قال : فَأَيُّكُمُ السّابُّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ؟ قالوا : أمّا هذَا فَقَد كانَ .
قالَ : فَأَشهَدُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله سَمِعَتهُ اُذُنايَ ووَعاهُ قَلبي يَقولُ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام : يا عَلِيُّ مَن سَبَّكَ فَقَد سَبَّني ، ومَن سَبَّني فَقَد سَبَّ اللّهَ عَزَّوجَلَّ ، ومَن سَبَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ كَبَّهُ اللّهُ عَلى مَنخِرَيِه فِي النّارِ . ثُمَّ وَلّى عَنهُم (4) . .
ص: 187
8 / 1 _ 3أبو بَكرَةَدرك : عن أبي عبداللّه عليه السلام :تاريخ الطبري عن عليّ بن محمّد :خَطَبَ بُسرٌ عَلى مِنبَرِ البَصرَةِ ، فَشَتَمَ عَلِيّا عليه السلام ، ثُمَّ قالَ : نَشَدتُ اللّهَ رَجُلاً عَلِمَ أنّي صادِقٌ إلّا صَدَّقَني ، أو كاذِبٌ إلّا كَذَّبَني !
قالَ : فَقالَ أبو بَكرَةَ : اللّهُمَّ إنّا لا نَعلَمُكَ إلّا كاذِبا . قالَ : فَأَمَرَ بِهِ فَخُنِقَ ، قالَ : فَقامَ أبو لُؤلُؤَةَ الضَّبِّيُّ فَرَمى بِنَفسِهِ عَلَيهِ ، فَمَنَعَهُ (1) .8 / 1 _ 4اُمُّ سَلَمَةَ* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :المستدرك على الصحيحين عن أبي عبد اللّه الجدلي :دَخَلتُ عَلى اُمِّ سَلَمَةَ فَقالَت لي : أيُسَبُّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فيكُم ؟ فَقُلتُ : مَعاذَ اللّهِ _ أو : سُبحانَ اللّهِ ! أو كَلِمَةً نَحوَها _ فَقالَت : سَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن سَبَّ عَلِيّا فقد سَبَّني (2) .درم : عن النبيّ صلى الله عليه و آله في النساء :المصنّف لابن أبي شيبة عن أبي عبد اللّه الجدلي :قالَت لي اُمَُّسَلَمَةَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، أيُسَبُّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فيكُم ثُمَّ لا تُغَيِّرونَ ؟ قُلتُ : ومَن يَسُبُّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَت : يُسَبُّ عَلِيُّ ومَن يُحِبُّهُ ، وقَد كانَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُحِبُّهُ (3) .
.
ص: 188
درن : عن أبي عبداللّه عليه السلام :المستدرك على الصحيحين عن أبي عبد اللّه الجدلي :حَجَجتُ وأنَا غُلامٌ ، فَمَرَرتُ بِالمَدينَةِ وإذَا النّاسُ عُنُقٌ واحِدٌ ، فَاتَّبَعتُهُم فَدَخَلوا عَلى اُمِّ سَلَمَةَ زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَسَمِعتُها تَقولُ : يا شَبَثَ (1) بنَ رِبِعيٍّ ! فَأَجابَها رَجُلٌ جِلفٌ (2) جافٍ : لَبَّيكِ يا أُمَّتاهُ ، قالَت : يُسَبُّ رَسوُل اللّهِ صلى الله عليه و آله في ناديكُم ؟ قالَ : وأنّى ذلِكَ ؟ ! قالَت : فَعَلِيٌّ بنُ أبي طالِبٍ ؟ ! قالَ : إنّا لَنَقولُ أشياءَ نُريدُ عَرَضَ الدُّنيا . قالَت : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن سَبَّ عَلِيّا فَقَد سَبَّني ، ومَن سَبَّني فَقَد سَبَّ اللّهَ تَعالى (3) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في تشبيه الصلاالعقد الفريد :كَتَبَت اُمُّ سَلَمَة زَوجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إلى مُعاوِيَةَ : «إنَّكُم تَلعَنونَ اللّهَ ورَسولَهُ عَلى مَنابِرِكُم ، وذلِكَ أنَّكُم تَلعَنونَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ومَن أحَبَّهُ ، وأنَا أشهَدُ أنَّ اللّهَ أحَبَّهُ ورَسولَهُ» ، فَلَم يَلتَفِت إلى كَلامِها (4) .راجع : ج5 ص235 (الصبر وفي العين قذى) .
8 / 1 _ 5أنيسُ بنُ قَتادَةَدرى : عن الرضا عليه السلام :اُسد الغابة عن شهر بن حوشب :أقامَ فَلانٌ خُطَباءَ يَشتِمونَ عَلِيّا رَضِيَ اللّهُ عَنهُ وأرضاهُ ، ويَقَعونَ فيهِ ، حَتّى كانَ آخِرَهُم رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ ، أو غَيرِهِم ، يُقالُ لَهُ : أنيسٌ ، فَحَمِدَ اللّه وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : إنَّكُم قَد أكثَرتُمُ اليَومَ في سَبِّ هذَا الرَّجُلِ وَشتمِهِ ، وإنّي اُقسِمُ بِاللّهِ إنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «إنّي لأََشفَعُ يَومَ القِيامَةِ لأَِكثَرَ مِمّا عَلَى
.
ص: 189
درى : عن الرضا عليه السلام :الأَرضِ مِن مَدَرٍ وشَجَرٍ» . واُقسِمُ بِاللّهِ ما أحَدٌ أوصَلَ لِرَحِمِهِ مِنهُ ، أفَتَرَونَ شَفاعَتَهُ تَصِلُ إلَيكُم وتَعجِزُ عَن أهلِ بَيتِهِ ؟ (1)8 / 1 _ 6بُرَيدَةُ* ومنه عن الصادق عليه السلام :مسند الروياني عن ابن بريدة عن أبيه :أنَّهُ دَخَلَ عَلى مُعاوِيَةَ ، وَرجُلٌ يَتَناوَلُ عَلِيّا وَيقَعُ فيهِ .
قالَ : فَقالَ : يا مُعاوِيَةُ ، تَأذَنُ لي فِي الكَلامِ ؟
قالَ : فَقالَ : تَكَلَّم، وهُوَ يَرى أنَّهُ يَقولُ مِثلَما قالَ صاحِبُهُ .
فقالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «إنّي لأََرجو أن أشفَعَ عَدَدَ كُلِّ شَجَرَةٍ ومَدَرَةٍ » ، أفَتَرجوها أنتَ يا مُعاوِيَةُ ولا يَرجوها عَلِيٌّ ؟ !
قالَ : فَقالَ : اُسكُت ، فَإنَّكَ شَيخٌ قَد ذَهَبَ عَقلُكَ (2) .8 / 1 _ 7الحَسَنُ البَصرِيُّدست : وعن الواقدي في عبدالمطّلب لمّا جاءته حليمةشرح نهج البلاغة عن أشعث بن سوّار :سَبَّ عَدِيُّ بنُ أوطاةَ عَلِيّا عليه السلام عَلَى المِنبَرِ ، فَبَكَى الحَسَنُ البَصرِيُّ وقالَ : لَقَد سُبَّ هذَا اليَومَ رَجُلٌ إنَّهُ لأََخو رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (3) .
.
ص: 190
8 / 1 _ 8زَيدُ بنُ أرقَمَدسر : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في السماوات :مسند ابن حنبل عن قطبة بن مالك :سَبَّ أميرٌ مِنَ الاُمَراءِ عَليِّا رَضِيَ اللّهُ تَعالى عَنهُ ، فَقامَ زَيدُ بن أرقَمَ فَقالَ : أما أن قَد عَلِمت أنَّ رَسول اللّهِ صلى الله عليه و آله نَهى عَن سَبِّ المَوتى ، فَلِمَ تَسُبُّ عَلِيّا وقَد ماتَ ؟ (1)8 / 1 _ 9سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :صحيح مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه :أمَرَ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ سَعدا فَقالَ : ما مَنَعَكَ أن تَسُبَّ أبا التُّرابِ؟ فَقالَ : أما ما ذَكَرتُ ثَلاثا قالَهُنَّ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَلَن أسُبَّهُ ؛ لأََن تَكونَ لي واحِدَةٌ مِنهُنَّ أحَبُّ إلَيَّ مِن حُمرِ النَّعَمِ .
سَمِعُتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لَهُ ، خَلَّفَهُ في بَعضِ مَغازيهِ ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : يا رَسولُ اللّهِ ، خَلَّفتَني مَعَ النِّساءِ وَالصِّبيانِ ؟ فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «أما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نُبُوَّةَ بَعدي» .
وسَمِعتُهُ يَقولُ يَومَ خَيبَرَ : «لاُعطِيَنَّ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ» . قالَ : فَتَطاوَلنا لَها ، فَقالَ : «اُدعوا لي عَليِّا» . فاُتِيَ بِه أرمَدَ ، فَبَصَقَ في عَينِهِ وَدَفَعَ الرّايَةَ إلَيهِ ، فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيهِ .
ولَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةَ : «فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ» (2) دَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا
.
ص: 191
* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :وفاطِمَةَ وحَسَنا وحُسَينا فَقالَ : «اللّهُمَّ هؤُلاءِ أهلي» (1) .* وفي صدقات الصادق عليه السلام على غير الشيعة :الأمالي للطوسي عن ابن عبّاس :كُنتُ عِندَ مُعاوِيَةَ وقَد نَزَلَ بِذي طُوى (2) ، فَجاءَهُ سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِ ، فَقالَ مُعاوِيَةُ : يا أهلَ الشّامِ ، هذَا سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ وهُوَ صَديقٌ لِعَلِيٍّ ، قالَ : فَطَأطَأَ القَومُ رؤوسَهُم ، وسَبّوا عَلِيّا عليه السلام ، فَبَكى سَعدٌ ، فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : مَا الَّذي أبكاكَ ؟
قالَ : ولِمَ لا أبكي لِرَجُلٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُسَبُّ عِندَكَ ولا أستَطيعُ أن اُغَيِّرَ ؟ وقَد كانَ في عَلِيٍّ خِصالٌ لأََن تَكونَ فِيَّ واحِدَةٌ مِنهُم أحَبُّ مِنَ الدُّنيا وما فيها :
أحدُها : إنَّ رَجُلاً كانَ بِاليَمَنِ ، فَجاءَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ : لأََشكُوَنَّكَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَدِمَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَسَأَلَهُ عَن عَلِيٍّ عليه السلام فَثَنى عَلَيهِ ، فَقالَ : أنشُدُكَ بِاللّهِ الَّذي أنزَلَ عَلَيَّ الكِتابَ ، وَاختَصَّني بِالّرَسالَةِ ، عَن سُخطٍ تَقولُ ما تَقولُ في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؟
قالَ : نَعَم يا رَسولَ اللّهِ .
قالَ : أ لا تَعلَمُ أنّي أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسهِمِ ؟
قالَ : بَلى .
قالَ : فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . .
ص: 192
* وفي صدقات الصادق عليه السلام على غير الشيعة :وَالثّانِيَةُ : إنّهُ صلى الله عليه و آله بَعَثَ يَومَ خَيبَرَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ إلَى القِتالَ فَهُزِمَ وأصحابُهُ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : «لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ غَدا إنسانا يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ» فَقَعَدَ المُسلِمونَ وعَلِيٌّ عليه السلام أرمَدُ ، فَدَعاهُ فَقالَ : «خُذِ الرّايَةَ» فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ عَيني كَما تَرى ، فَتَفَلَ فيها ، فَقامَ فَأَخَذَ الرّايَةَ ، ثُمَّ مَضى بِها حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيهِ .
وَالثّالثَةُ : خَلَّفَهُ صلى الله عليه و آله في بَعضِ مَغازيهِ فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : يا رَسولَ اللّهِ ، خَلَّفتَني مَعَ النِّساءِ وَالصِّبيانِ ؟
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنّهُ لا نَبِيَّ بَعدي .
وَالرّابِعَةُ : سَدَّ الأَبوابَ فِي المَسجِدِ إلّا بابَ عَلِيٍّ .
وَالخامِسَةُ : نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (1) فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلِيّا وحَسَنا وحُسَينا وفاطِمَةَ عليهم السلام ، فَقالَ : اللّهُمَّ هؤُلاءِ أهلي ، فَأَذهِب عَنهُمُ الرِّجسَ ، وطَهِّرهُم تَطهيرا (2) .دسع : عن فاطمة عليهاالسلام :المصنّف لابن أبي شيبة عن أبي بكر بن خالد بن عرفطة :أتَيتُ سَعدَ بنَ مالِكٍ (3) بِالمَدينَةِ فَقالَ : ذُكِرَ لي أنَّكُم تَسُبّونَ عَلِيّا ؟ قالَ : قَد فَعَلنا ، قالَ : فَلَعَلَّكَ قَد سَبَّيَتَهُ ؟ قُلتُ : مَعاذَ اللّهِ ! قالَ : فَلا تَسُبَّهُ ، فَلَو وُضِعَ المِنشارُ عَلى مَفرِقي عَلى أن أسُبَّ عَلِيّا ما سَبَبتُهُ أبَدا ، بَعدَما سَمِعتُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما سَمِعتُ (4) .دسكر : في هِرَقل لمّا طلب من قومه مبايعة النبيّ صمروج الذهب عن ابن أبي نجيح :لَمّا حَجَّ مُعاوِيةُ طافَ بِالبَيتِ ومَعَهُ سَعدٌ ، فَلَمّا فَرَغَ انصَرَفَ .
ص: 193
دسكر : في هِرَقل لمّا طلب من قومه مبايعة النبيّ صمُعاوِيَةٌ إلى دارِ النَّدوَةِ ، فَأَجلَسَهُ مَعَهُ عَلى سَريرِهِ ، ووَقَعَ مُعاوِيَةُ في عَلِيٍّ وشَرَعَ في سَبِّهِ ، فَزَحَفَ سَعدٌ ثُمَّ قالَ : أجلَستَني مَعَكَ عَلى سَريرِكَ ثُمَّ شَرَعتَ في سَبِّ عَلِيٍّ ، وَاللّهِ لَأَن يَكونَ فِيَّ خَصلَةٌ واحِدَةٌ مِن خِصالٍ كانَت لِعَلِيٍّ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن يَكونَ لي ما طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ (1) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :تاريخ دمشق عن عائشة بنت سعد :إنَّ مَروانَ بنَ الحَكَمِ كانَ يَعودُ سَعدَ بنَ أبي وَقّاصٍ ، وعِندُهُ أبو هُرَيرَةَ وهُوَ يَومَئِذٍ قاضي لِمَروانَ بنِ الحَكَمِ ، فَقالَ سَعدٌ : رُدّوهُ . فَقالَ أبو هُرَيرَةَ : سُبحانَ اللّهِ ! كَهلُ قُرَيشٍ وأميرُ البَلَدِ ، جاءَ يَعودُكَ فَكانَ حَقُّ مَمشاهُ إلَيكَ أن تَرُدَّهُ ؟ ! فَقالَ سَعدٌ : اِيذَنوا لَهُ ، فَلَمّا دَخَلَ مَروانُ وأبصَرَهُ سَعدٌ بِوَجهِهِ تَحَوَّلَ عَنهُ نَحو سَريرِ ابنَتِهِ عائِشَةَ ، فَاُرعِدَ سَعدٌ وقالَ : وَيلَكَ يا مَروانُ ! اِنهَ طاعَتَكَ _ يَعني أهلَ الشّامِ _ عَلى شَتمِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ . فَغَضِبَ مَروانُ ، فَقامَ وخَرَجَ مُغضَبا (2) .* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :جواهر المطالب :لَمّا مات الحَسَنُ رضى الله عنه حَجَّ مُعاوِيَةُ ، فَدَخَلَ المَدينَةَ ، وأرادَ أن يَلعَنَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عَلى مَنبَرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقيلَ لَهُ : إنَّ هاهُنا سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ ، ولا نَراهُ يَرضى بِهذَا الأَمرِ ، فَابعَث إلَيهِ وخُذ رَأيَهُ ، فَأَرسَلَ إلَيهِ مُعاوِيَةُ وذَكَرَ لَهُ ذلِكَ . فَقالَ : وَاللّهِ لَئِن فَعَلتَ لَأَخرُجَنَّ مِن هذَا المَسجِدِ ، فَلا أعودَ إلَيهِ . فَأَمسَكَ مُعاوِيَةُ عنَ ذلِكَ حَتّى ماتَ سَعدٌ .
فَلَمّا ماتَ سَعدٌ لَعَنَهُ عَلَى المِنبَرِ ، وكَتَبَ إلى سائِرِ عُمّالِهِ بِذلِكَ وأمَرَهُم أن يَلعَنوهُ عَلى مَنابِرِهِم ، فَأَنكَرَ ذلِكَ أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأعظَموهُ وتَكَلَّموا في ذلِكَ وبالَغوا ، فَلَم يُفِد ذلِكَ شَيئاً (3) . .
ص: 194
8 / 1 _ 10سَعيدُ بنُ زَيدٍ* وعنه صلى الله عليه و آله :السنّة عن عبد الرحمن بن البيلماني :كُنّا عِندَ مُعاوِيَةَ فَقامَ رَجُلٌ فَسَبَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رضى الله عنهوسَبَّ وسَبَّ ، فَقامَ سَعيدُ بنُ زَيدٍ بنِ عَمرِو بن نُفَيلٍ فَقالَ : يا مُعاوِيَةُ ، ألا أرى يُسَبُّ عَلِيٌّ بَينَ يَدَيكَ ولا تُغَيّرُ ؟ فإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : هُوَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى (1) .دعج : في صفة النبيّ صلى الله عليه و آله :مسند ابن حنبل عن عبد اللّه بن ظالم المازني :لَمّا خَرَجَ مُعاوِيَةُ مِنَ الكوفَةِ استَعمَلَ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ ، قالَ : فَأَقامَ خُطباءُ يَقَعونَ في عَلِيٍّ ، قالَ : وأنَا إلى جَنبِ سَعيدِ بنِ زَيدِ بنِ عَمرِو بن نُفَيلٍ ، قالَ : فَغَضِبَ ، فَقامَ فَأَخَذَ بِيَدي فَتَبِعتُهُ ، فَقالَ : أ لا ترى إلى هذَا الرَّجُلِ الظّالِمِ لِنَفسِهِ ، الَّذي يَأمُرُ بِلَعنِ رَجُلٍ مِن أهلِ الجَنَّةِ ؟ ! (2)* وفي صفة أميرالمؤمنين عليه السلام :مسند ابن حنبل عن رياح بن الحارث :إنَّ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ (3) كانَ فِي المَسجِدِ الأَكبَرِ ، وعِندَهُ أهلُ الكوفَةِ عَن يَمينِهِ وعَن يَسارِهِ ، فَجاءَهُ رَجُلٌ يُدعى سَعيدَ بنَ زَيدٍ ، فَحَيّاهُ المُغيرَةُ وأجلَسَهُ عِندَ رِجلَيهِ عَلَى السَّريرِ ، فَجاءٌ رَجُلٌ مِن أهلِ الكوفَةِ فَاستَقبَلَ المُغيرَةَ فَسَبَّ وسَبَّ ، فَقالَ : مَن يَسُبُّ هذَا يا مُغيرَةُ ؟ قالَ : يَسُبُّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ! قالَ : يا مُغيرَ بنَ شُعبَ ، يا مُغيرَ بنَ شُعبَ ، ثُلاثا ، أ لا أسمَعُ أصحابَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُسَبّونَ عِندَكَ لا تُنكِرُ ولاتُغَيِّرُ ! ! (4)
.
ص: 195
8 / 1 _ 11سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِدعر : عن أميرالمؤمنين عليه السلام فيمن يصرف الناسشرح نهج البلاغة عن أبي بكر بن عبد اللّه الأصبهاني :كانَ دَعِيٌّ لِبَني اُمَيَّةَ يُقالَ لَهُ : خالِدُ بنُ عَبدِ اللّهِ ، لا يَزالُ يَشتِمُ عَلِيّا عليه السلام ، فَلَمّا كانَ يَومُ جُمُعَةٍ وهُوَ يَخطُبُ النّاسَ ، قالَ : وَاللّهِ إن كانَ رَسولُ اللّهِ لَيَستَعمِلُهُ ، وإنَّهُ لَيَعلَمُ ما هُوَ !ولكِنَّهُ كانَ خَتنَهُ . وقَد نَعَسَ سَعيدُ بنُ المُسَّيِّبِ فَفَتَحَ عَينَيهِ ، ثُمَّ قالَ : وَيحَكُم ! ما قالَ هذَا الخَبيثُ ؟ رَأَيتُ القَبرَ انصَدَعَ ورَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : كَذَبتَ يا عَدُوَّ اللّهِ ! (1)8 / 1 _ 12عامِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَيرِ* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الأمالي للطوسي عن صالح بن كيسان :سَمِعَ عامِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَيرِ _ وكانَ مِن عُقَلاءِ قُرَيشٍ _ ابنا لَهُ يَنتَقِصُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقالَ لَهُ : يا بُنَيَّ لا تَنتَقِص عَلِيّا ، فَإنَّ الدّينَ لَم يَبنِ شَيئا فَاستَطاعَتِ الدُّنيا أن تَهدِمَهُ ، وإنَّ الدُّنيا لَم تَبنِ شَيئا إلّا هَدَمَهُ الدّينُ .
يا بُنَيَّ ، إنَّ بَني اُمَيَّةَ لَهِجوا بِسَبِّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام في مَجالِسِهِم ولَعَنوهُ عَلى مَنابِرِهم ، فَإِنّما يَأخُذونَ وَاللّهِ بِضَبعَيهِ (2) إلَى السَّماءِ مَدّا ، وإنَّهُم لَهِجوا بِتَقريظِ ذَويهِم وأوائِلِهِم مِن قَومِهِم ، فَكَأَنَّما يَكشِفونَ مِنهُم عَن أنتَنِ مِن بُطونِ الجِيَفِ ، فَأَنهاكَ عَن سَبِّهِ (3) .راجع :ج5 ص69 (عامر بن عبد اللّه بن الزبير) .
.
ص: 196
8 / 1 _ 13مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِيَّةِدعم : عن أبي عبداللّه عليه السلام :شرح نهج البلاغة عن سعيد بن جبير :خَطَبَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ فَنالَ مِن عَلِيٍّ عليه السلام ، فَبَلَغَ ذلِكَ مُحَمَّدَ ابنَ الحَنَفَيِّةِ ، فَجاءَ إلَيهِ وهُوَ يَخطُبُ ، فَوُضِعَ لَهُ كُرسِيٌّ ، فَقَطَعَ عَلَيهِ خُطبَتَهُ ، وقالَ : يا مَعشَرَ العَرَبِ ، شاهَتِ الوُجوهُ ، أ يُنَتَقصُ عَلِيٌّ وأنتُم حُضورٌ ؟ ! إنَّ عَلِيّا كانَ يَدَ اللّهِ عَلى أعداءِ اللّهِ ، وصاعِقَةً مِن أمرِهِ ، أرسَلَهُ عَلَى الكافِرينَ وَالجاحِدينَ لِحَقِّهِ ، فَقَتَلَهُم بِكُفرِهِم فَشَنؤوهُ وأبغَضوهُ ، وأضمَروا لَهُ الشَّنَفَ وَالحَسَدَ ، وَابنُ عَمِّهِ صلى الله عليه و آله حَيٌّ بَعدُ لَم يَمُت ، فَلَمّا نَقَلَهُ اللّهُ إلى جوِارِهِ وأحَبَّ لَهُ ما عِندَهُ ، أظهَرَت لَهُ رِجالٌ أحقادَها ، وشَفَت أضغانَها ، فَمِنهُم مَنِ ابتَزَّ حَقَّهُ ، ومِنهُم مَنِ ائتَمَرَ بِهِ لِيَقتُلَهُ ، ومِنهُم مَن شَتَمَهُ وقَذَفَهُ بِالأَباطيلِ ، فَإِن يَكُن لِذُرِّيَّتِهِ وناصِري دَعوَتِهِ دَولَةٌ تَنشُر عِظامَهُم ، وتَحفِر عَلى أجسادِهِم ، وَالأَبدانُ مِنهُم يَومَئِذٍ بالِيَةٌ ، بَعدَ أن تَقتُلَ الأَحياءَ مِنهُم وتُذِلَّ رِقابَهُم ، فَيَكونَ اللّهُ عَزَّ اسمُهُ قَد عَذَّبَهُم بِأَيدينا وأخزاهُم ، ونَصَرَنا عَلَيهِم ، وشَفا صُدورَنا مِنهُم .
إنَّهُ وَاللّهِ ما يَشتِمُ عَلِيّا إلّا كافِرٌ ، يُسِرُّ شَتمَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ويَخافُ أن يَبوحَ بِهِ ، فَيُكَنّي بِشَتِم عَلِيٍّ عليه السلام عَنهُ .
أما إنَّهُ قَد تَخَطَّتِ المَنِيَّةُ مِنكُم مَنِ امتَدَّ عُمُرُهُ ، وسَمِعَ قَولَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فيهِ : لا يُحِبُّكَ إلّا مُؤمِنٌ ولا يُبغِضُكَ إلّا مُنافِقٌ «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» (1) .
فَعادَ ابنُ الزُّبَيرِ إلى خُطبَتِهِ ، وقالَ : عَذَرتُ بَنِي الفَواطِمِ يَتَكَلَّمونَ ، فَما بالُ ابنِ
.
ص: 197
دعم : عن أبي عبداللّه عليه السلام :اُمِّ حَنيفَةَ ؟ !
فَقالَ مُحَمَّدٌ : يَابنَ اُمِّ رومانَ ، وما لي لا أَتَكَلَّمُ ؟ ! وهَل فاتَني مِنَ الفَواطِمِ إِلّا واحِدَةٌ ؟ ! ولَم يَفُتني فَخرُها ؛ لأَ نَّها اُمُّ أخَوَيَّ ، أنَا ابنُ فاطِمَةَ بِنتِ عِمرانَ بنِ عائِذِ بنِ مَخزومٍ جَدَّةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأنَا ابنُ فاطِمَةَ بِنتِ أسَدِ بنِ هاشِمٍ كافِلَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَالقائِمَةِ مَقامَ اُمِّهِ ، أمَا وَاللّهِ لَولا خَديجَةُ بِنتُ خُويلِدٍ ماتَرَكتُ في بَني أسدِ بنِ عَبدِ العُزّى عَظما إلّا هَشَمتُهُ ! ثُمَّ قامَ فَانصَرَفَ (1) .8 / 2اِمتِناعُ النّاسِ مِن سَبِّهِدعمص : عن النبيّ صلى الله عليه و آله في المعراج :تاريخ اليعقوبي_ في حَوادِثِ سَنَةِ (44 ه ) _: في هذِهِ السَّنَةِ عَمِلَ مُعاوِيَةُ المَقصورَةَ فِي المَسجِدِ ، وأخَرَجَ المَنابِرَ إلَى المُصَلّى فِي العيدَينِ ، وخَطَبَ الخُطبَةَ قَبلَ الصَّلاةِ ، وذلِكَ أنَّ النّاسَ إذا صَلَّوا انصَرَفوا لِئَلّا يَسمَعوا لَعنَ عَلِيٍّ ، فَقَدَّمَ مُعاوِيَةُ الخُطبَةَ قَبلَ الصَّلاةِ ، ووَهَبَ فَدَكا لِمَروانَ بنِ الحَكَمِ لِيُغيظَ بِذلِكَ آلَ رَسولِ اللّهِ (2) .* ومنه عن فاطمة الصّغرى في الكوفة :رجال الكشّي عن عاصم بن أبي النجود عمّن شهد ذلِكَ :إنَّ مُعاوِيَةَ حينَ قَدِمَ الكوفَةَ دَخَلَ عَلَيهِ رِجالٌ مِن أصحابِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وكانَ الحَسَنُ عليه السلام قَد أخَذَ الأَمانَ لِرِجالٍ مِنهُم مُسَمَّينَ بِأَسمائِهِم وأسماءِ آبائِهِم ، وكانَ فيهِم صَعصَعَةُ .
فَلَمّا دَخَلَ عَلَيهِ صَعصَعَةُ قالَ مُعاوِيَةُ لِصَعصَعَةَ : أمَا وَاللّهِ إنّي كُنتُ لاُبغِضُ أن تَدخُلَ في أماني ، قالَ : وأنَا وَاللّهِ اُبغِضُ أن اُسَمِّيَكَ بِهذَا الاِسمِ ! ثُمَّ سَلَّمَ
.
ص: 198
* ومنه عن فاطمة الصّغرى في الكوفة :عَلَيهِ بِالخِلافَةِ .
قالَ : فَقالَ مُعاوِيَةُ : إن كُنتَ صادِقا فَاصعَدِ المِنبَرِ فَالعَن عَلِيّا ! قالَ :
فَصَعِدَ المِنبَرَ وحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ، أتَيتُكُم مِن عِندِ رَجُلٍ قَدَّمَ شَرَّهُ وأخَّرَ خَيرَهُ ، وإنَّهُ أمَرَني أن ألعَنَ عَلِيّا فَالعَنوهُ لَعَنَهُ اللّهُ ، فَضَجَّ أهلُ المَسجِدِ بِآمينَ .
فَلَمّا رَجَعَ إلَيهِ فَأَخبَرَهُ بِما قالَ ، ثُمَّ قالَ : لا وَاللّهِ ما عَنَيتَ غَيري ، اِرجِع حَتّى تُسَمِّيَهُ بِاسمِهِ .
فَرَجَعَ وصَعِدَ المِنبَرَ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ، إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ أمَرَني أن ألعَنَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ فَالعَنوا مَن لَعَنَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ . قالَ : فَضَجّوا بِآمينَ .
فَلَمّا خُبِّرَ مُعاوِيَةُ قالَ : لا وَاللّهِ ما عَنى غَيري ، أخرِجوهُ ، لا يُساكِنُني في بَلَدٍ . فَأَخرَجوهُ (1) .* وعن موسى بن جعفر عليهماالسلام :الأذكياء :قامَتِ الخُطَباءُ إلَى المُغيرَةِ بنِ شُعبَةَ بِالكوفَةِ ، فَقامَ صَعصَعَةُ بنُ صوحان فَتَكَلَّمَ ، فَقالَ المُغيرَةُ : أرجِئوهُ (2) فَأقيموهُ عَلَى المِصطَبَّةِ فَليَلعَن عَلِيّا .
فَقالَ : لَعَنَ اللّهُ مَن لَعَنَ اللّهَ ولَعَنَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ . فَأَخبَروهُ بِذلِكَ ، فَقالَ : اُقسِمُ بِاللّهِ لَتُعيدُنَّهُ . فَخَرجَ فَقالَ : إنَّ هذَا يَأبى إلّا عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ فَالعَنوهُ لَعَنَهُ اللّهُ . فَقالَ المُغيرَةُ : أخرِجوهُ أخرَجَ اللّهُ نَفسَهُ (3) . .
ص: 199
دعا : عن النبيّ صلى الله عليه و آله لرجل حلب عندهشرح نهج البلاغة :أمَرَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ _ وهُوَ يَومَئِذٍ أميرُ الكوفَةِ مِن قِبَلِ مُعاوِيَةَ _ حُجرَ بنَ عَدِيٍّ أن يَقومَ فِي النّاسِ فَليَلعَن عَلِيّا عليه السلام ، فَأَبى ذلِكَ ، فَتَوَعَّدَهُ ، فَقامَ فَقالَ : أيُّها النّاسُ ، إنَّ أميرَكُم أمَرَني أن ألعَنَ عَلِيّا فَالعَنوهُ . فَقالَ أهلُ الكوفَةِ : لَعَنَهُ اللّهُ . وأعادَ الضَّميرَ إلَى المُغيرَةِ بِالنِّيَّةِ وَالقَصدِ (1) .* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :العقد الفريد عن أبي الحُباب الكندي عن أبيه :إنّ مُعاوِيَةَ بنَ أبي سُفيانَ بَينَما هُوَ جالِسٌ وعِندَهُ وُجوهُ النّاسِ ، إذ دَخَلَ رَجُلٌ مِن أهلِ الشّامِ فَقامَ خَطيبا ، فَكانَ آخِرُ كَلامِهِ أن لَعَنَ عَلِيّا ، فَأَطرَقَ النّاسُ وتَكَلَّمَ الأَحنَفُ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ هذَا القائِلَ ما قالَ آنِفا ، لَو يَعلَمُ أنَّ رِضاكَ في لَعنِ المُرسَلينَ لَلَعَنَهُم ، فَاتَّقِ اللّهَ ودَع عَنكَ عَلِيّا ، فَقَد لَقِيَ رَبَّهُ ، واُفرِدَ في قَبرِهِ ، وخَلا بِعَمَلِهِ ، وكانَ وَاللّهِ [ ما عَلِمنا ] المُبَرِّزَ (2) بِسَبقِهِ ، الطّاهِرَ خُلُقُهُ ، المَيمونَ نَقيبَتُهُ (3) ، العَظيمَ مُصيبَتُهُ .
فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : يا أحنَفُ ، لَقَد أغضَيتَ العَينَ عَلَى القَذى ، وقُلتَ بِغَيرِ ما تَرى ، وَايمُ اللّهِ لَتَصعَدَنَّ المِنبَرَ فَلَتَلعَنَّهُ طَوعا أو كَرها .
فَقالَ لَهُ الأَحنَفُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إن تُعفِني فَهُو خَيرٌ لَكَ ، وإن تُجبِرني عَلى ذلِكَ فَوَاللّهِ لا تَجري بِهِ شَفَتايَ أبَدا ، قالَ : قُم فَاصعَدِ المِنبَرَ ، قالَ الأَحنَفُ : أمَا وَاللّهِ مَعَ ذلِكَ لاُنصِفَنَّكَ فِي القَولِ وَالفِعلِ ، قالَ : وما أنتَ قائِلٌ يا أحنَفُ إن أنصَفتَني ؟ قالَ : أصعَدُ المِنبَرَ فَأَحمَدُ اللّهَ بِما هُوَ أهلُهُ ، واُصَلّي عَلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ أقولُ : أيُّهَا النّاسُ ، إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ مُعاوِيَةَ أمَرَني أن ألعَنَ عَلِيّا ، وإنَّ عَلِيّا ومُعاوِيَةَ اختَلَفا فَاقتَتَلا ، وادَّعى (4) كُلُّ واحِدٍ مِنهُما أنَّهُ بُغِيَ عَلَيهِ وعَلى فِئَتِهِ ، فَإِذا دَعَوتُ فَأَمِّنوا رَحِمَكُمُ اللّهُ . .
ص: 200
* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :ثُمَّ أقولُ : اللّهُمَّ العَن أنتَ ومَلائِكَتُكُ وأنبِياؤُكَ وجَميعُ خَلقِكَ الباغِيَ مِنهُما عَلى صاحِبِهِ ، وَالعَنِ الفِئَةَ الباغِيَةَ ، اللّهُمَّ العَنهُم لَعنا كَثيرا ، أمِّنوا رَحِمَكُمُ اللّهُ . يا مُعاوِيةُ ، لا أزيدُ عَلى هذَا ولا أنقُصُ مِنهُ حَرفا ولَو كانَ فيهِ ذَهابُ نَفسي . فَقالَ مُعاوِيَةُ : إذَن نُعفيكَ يا أبا بَحرٍ (1) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :أنساب الأشراف عن الأعمش :رَأَيتُ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ أبي لَيلى وَقَفَهُ الحَجّاجُ فَقالَ : اِلعنِ الكَذّابين : عَلِيّا ، وعَبدَ اللّهِ بنَ الزُّبَيرِ ، وَالمُختارَ بنَ أبي عُبَيدٍ ، فَقالَ : لَعَنَ اللّهُ الكذّابين ثُمَّ ابتَدَأ فَقالَ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ ، وَالمُختارُ بنُ أبي عُبَيدٍ . قالَ : فَعَلِمتُ أنَّهُ حينَ ابتَدَأَهُم ورَفَعَهُم أنَّهُ لَم يَلعَنهُم (2) .* وعنه عليه السلام :الأذكياء :ضَرَبَ الحَجّاجُ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ أبي لَيلى وأقامَهُ لِلنّاسِ ، ومَعَهُ رَجُلٌ يَحُثُّهُ ويَقولُ : اِلعَن عَلِيّا ، فَيَقولُ : اللّهُمَّ العَنِ الكَذّابين . ثُمَّ يَسكُتُ ويَقولُ : آهٍ ، عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، ثُمَّ يَسكُتُ ، ثُمَّ يَقولُ : المُختارُ وَابنُ الزُّبَيرِ (3) .* وعن عليّ عليه السلام في بَراثا :الطبقات الكبرى عن سعد بن محمّد بن الحسن بن عطيّة :جاءَ سَعدُ بنُ جُنادَةَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وهُوَ بِالكوفَةِ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّهُ وُلِدَ لي غُلامٌ فَسَمِّهِ . قالَ : هذَا عَطِيَّةُ اللّهِ . فَسُمِّيَ عَطِيَّةُ (4) . وكانَت اُمُّهُ اُمَّ وَلَدٍ رومِيَّةً .
وخَرَجَ عَطِيَّةُ مَعَ ابنِ الأَشعَثِ عَلَى الحَجّاجِ ، فَلَمَّا انهَزَمَ جَيشُ ابنِ الأَشعَثِ هَرَبَ عَطِيَّةُ إلى فارِسَ ، فَكَتَبَ الحَجّاجُ إلى مُحَمَّدِ بنِ القاسِمِ الثَّقَفِيِّ : أنِ ادعُ عَطِيَّةَ ، فَإِن لَعَنَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ وإلّا فَاضرِبهُ أربَعَمِئَةِ سَوطٍ وَاحلِق رَأسَهُ ولِحيَتَهُ . فَدَعاهُ .
ص: 201
* وعن عليّ عليه السلام في بَراثا :فَأَقرَأَهُ كِتابَ الحَجّاجِ ، فَأَبى عَطِيَّةُ أن يَفعَلَ ، فَضَرَبَهُ أربَعَمِئَةِ سَوطٍ وحَلَقَ رَأسَهُ ولِحيَتَهُ (1) .8 / 3مَدينَةٌ امتَنَعَت مِن سَبِّهِ* ومنه عن الرضا عليه السلام في صوم يوم عاشوراء :معجم البلدان_ في وَصفِ مَدينَةِ سِجِستانَ _: قالَ الرَّهنِيُّ : وأجَلُّ مِن هذَا كُلِّهِ أنَّهُ لُعِنَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه عَلى مَنابِرِ الشَّرقِ وَالغَربِ ولَم يُلعَن عَلى مِنبَرِها إلّا مَرَّةً ، وَامتَنَعوا عَلى بَني اُمَيَّةَ حَتّى زادوا في عَهدِهِم ألاّ يُلعَنَ عَلى مِنبَرِهِم أحَدٌ ، ولا يَصطادوا في بَلَدِهِم قُنفُذا ولا سُلحَفاةً ، وأيُّ شَرَفٍ أعظَمُ مِنِ امِتناعِهِم مِن لَعنِ أخي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى مِنبَرِهِم وهُوَ يُلعَنُ عَلى مَنابِرِ الحَرَمَينِ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ ! ! (2)8 / 4الِامتِناعُ مِنَ البَراءَةِدغص : في هند لمّا أخرجت كبد حمزة :تاريخ الطبري عن أبي مخنف_ في بَيانِ مَقتَلِ حُجرِ بنِ عَدِيٍّ وأصحابِهِ _: جاءَ رَسولُ مُعاوِيَةَ إلَيهِم بِتَخلِيَةِ سِتَّةٍ وبِقَتلِ ثَمانِيَةٍ ، فَقالَ لَهُم رَسولُ مُعاوِيَةَ : إنّا قَد اُمِرنا أن نَعرِضَ عَلَيكُمُ البَراءَةَ مِن عَلِيٍّ وَاللَّعَن لَهُ ، فَإِن فَعَلتُم تَرَكناكُم ، وإن أبَيتُم قَتَلناكُم ، وإنَّ أميرَ المُؤمِنينَ يَزعُمُ أنَّ دِماءَكُم قَد حَلَّت لَهُ بِشَهادَةِ أهلِ مِصرِكُم عَلَيكُم ، غَيرَ أنَّهُ قَد عفا عَن ذلِكَ ، فَابرَؤوا مِن هذَا الرَّجُلِ نُخَلِّ سَبيلَكُم .
قالوا : اللّهُمَّ إنّا لَسنا فاعِلي ذلِكَ . فَأَمَرَ بِقُبورِهِم فَحُفِرَت ، واُدِنَيت أكفانُهُم ، وقامُوا اللَّيلَ كُلَّهُ يُصَلّونَ ، فَلَمّا أصبَحوا قالَ أصحابُ مُعاوِيَةَ : يا هؤُلاءِ ، لَقَد رَأَيناكُمُ البارِحَةَ قَد أطلَتُمُ الصَّلاةَ ، وأحسنتُمُ الدُّعاءَ ، فَأَخبِرونا ما قَولُكُم في عُثمانَ ؟
.
ص: 202
دغص : في هند لمّا أخرجت كبد حمزة :قالوا : هُوَ أوَّلُ مَن جارَ فِي الحُكمِ ، وعَمِلَ بِغَيرِ الحَقِّ .
فَقالَ أصحابُ مُعاوِيَةَ : أميرُ المُؤمِنينَ كانَ أعلمُ بِكُم ، ثُمَّ قاموا إلَيهِم فَقالوا : تَبرَؤونَ مِن هذَا الرَّجُلِ ؟
قالوا : بَل نَتَوَلّاهُ وَنَتَبَرَّأُ مِمَّن تَبَرَّأَ مِنهُ .
فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم رَجُلاً لِيَقتُلَهُ ، ووَقَعَ قَبيصَةُ بنُ ضُبَيعَةَ في يَدَي أبي شَريفٍ البَدّيِّ ، فَقالَ لَهُ قَبيصَةُ : إنَّ الشَّرَّ بَينَ قَومي وقَومِكَ آمِنٌ ، فَليَقتُلني سِواكَ ، فَقالَ لَهُ : بَرَّتكَ رَحِمٌ ! فَأَخَذَ الحَضرَمِيَّ فَقَتَلَهُ ، وقَتَلَ القُضاعِيُّ قَبيصَةَ بنَ ضُبَيعَةَ .
قالَ : ثُمَّ إنَّ حُجرا قالَ لَهُم : دَعوني أتَوَضَّأُ ، قالوا لَهُ : تَوَضَّأ ، فَلَمّا أن تَوَضَّأَ قالَ لَهُم : دَعوني اُصَلّي رَكعَتَينِ ، فَاَيمُنُ اللّهِ ما تَوَضَّأتُ قَطُّ إلّا صَلَّيتُ رَكعَتَينِ .
قالوا : لِتصُلَِّ .
فَصَلّى ثُمَّ انصَرَفَ فَقالَ : وَاللّهِ ما صَلَّيتُ صَلاةً قَطُّ أقصَرَ مِنها ، ولَولا أن تَرَوا أنَّ ما بي جَزَعٌ مِنَ المَوتِ لَأَحبَبتُ أن أستَكثِرَ مِنها ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ إنّا نَستَعديكَ عَلى اُمَّتِنا ، فَإِنَّ أهلَ الكوفَةِ شَهِدوا عَلَينا ، وإنَّ أهَلَ الشّامِ يَقتُلونَنا ، أمَا وَاللّهِ لَئِن قَتَلتُموني بِها إنّي لَأَوَّلُ فارِسٍ مِنَ المُسلِمين هَلَكَ في واديها ، وأوَّلُ رَجُلٍ مِنَ المُسلِمينَ نَبَحَتهُ كِلابُها .
فَمَشى إلَيهِ الأَعوَرُ هُدبَةُ بنُ فَيّاضٍ بِالسَّيفِ ، فَاُرعِدَت خَصائِلُهُ ، فَقالَ : كَلّا ، زَعَمتَ أنَّكَ لا تَجزَعُ مِنَ المَوتِ ، فَأنَا أدَعُكَ فَابرَأ مِن صاحِبِكَ .
فَقالَ : ما لي لا أجزَعُ وأنا أرى قَبرا مَحفورا ، وكَفَنا مَنشورا ، وسَيفا مَشهورا ، وإنّي وَاللّهِ إن جَزِعتُ مِنَ القَتلِ لا أقولُ ما يُسخِطُ الرَّبَّ . فَقَتَلَهُ ، وأقبَلوا يَقتُلونَهُم واحِدا واحِدا حَتّى قَتَلوا سِتَّةً (1) .راجع : ص309 (رشيد الهَجَري) .
.
ص: 203
كلام في خيبة أعدائهرَوى ابنُ أبِي الحَديدِ عَن شَيخِهِ أبي جَعفَرٍ الإسكافِيِّ أنَّهُ قالَ : لَولا ما غَلَبَ عَلَى النّاسِ مِنَ الجَهلِ وحُبِّ التَّقليدِ ؛ لَم نَحتَج إلى نقَضِ مَا احتَجَّتِ بِهِ العُثمانِيَّةُ ، فَقَد عَلِمَ النّاسُ كافَّةً أنَّ الدَّولَةَ وَالسُّلطانَ لِأَربابِ مَقالَتِهِم ، وعَرَفَ كُلُّ أحدٍ عُلُوَّ أقدارِ شُيوخِهِم وعُلَمائِهِم واُمَرائِهِم ، وظُهورَ كَلِمَتِهِم ، وقَهرَ سُلطانِهِم ، وَارتِفاعَ التَّقِيَّةِ عَنهُم ، وَالكَرامَةَ وَالجائِزَةَ لِمَن رَوَى الأَخبارَ وَالأَحاديثَ في فَضلِ أبي بَكرٍ ، وما كانَ مِن تَأكيدِ بَني اُمَيَّةَ لِذلِكَ ، وما وَلَّدَهُ المُحَدِّثونَ مِنَ الأَحاديثِ طَلَبا لَما في أيديهِم ، فَكانوا لا يَألونَ جُهدا في طولِ ما مَلَكوا أن يُخمِلوا ذِكرَ عَلِيٍّ عليه السلام ووُلدِهِ ، ويُطفِئوا نورَهُم ، ويَكتُموا فَضائِلَهُم ومَناقِبَهُم وسَوابِقَهُم ، ويَحمِلوا عَلى شَتمِهِم وسَبِّهِم ولَعنِهِم عَلَى المَنابِرِ . فَلَم يَزَلِ السَّيفُ يَقطُرُ مِن دِمائِهِم ، مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِم وكَثرَةِ عَدُوِّهِم ؛ فَكانوا بَينَ قَتيلٍ وأسيرٍ ، وشَريدٍ وهارِبٍ ، ومُستَخفٍ ذَليلٍ ، وخائِفٍ مُتَرقِّبٍ ، حَتّى إنَّ الفَقيهَ وَالمُحَدِّثَ وَالقاضِيَ وَالمُتَكَلِّمَ ، لَيُتَقَدَّمُ إلَيهِ ويُتَوَعَّدُ بِغايَةِ الإيعادِ وأشَدِّ العُقوبَةِ ، أن يَذكُروا شَيئا مِن فَضائِلِهِم ، ولا يُرَخِّصوا لِأَحَدٍ أن يُطيفَ بِهِم . وحَتّى بَلَغَ مِن تَقِيَّةِ المُحَدِّثِ أنَّهُ إذا ذَكَرَ حَديثا عَن عَلِيٍّ عليه السلام كَنَى عَن ذِكرِهِ ، فَقالَ : قالَ رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ ؛ وفَعَلَ رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ ، ولا يَذكُرُ عَلِيّا عليه السلام ، ولا يَتَفَوَّهُ بِاسمِهِ .
.
ص: 204
ثُمَّ رَأَينا جَميعَ المُختَلِفينَ قَد حاوَلوا نَقضَ فَضائِلِهِ ، ووَجَّهُوا الحِيَلَ وَالتَّأويلاتِ نَحوَها ، مِن خارِجِيٍّ مارِقٍ ، وناصِبٍ حَنِقٍ ، وثابِتٍ مُستَبهِمٍ ، وناشِى ءٍ مُعانِدٍ ، ومُنافِقٍ مُكَذِّبٍ ، وعُثمانِيٍّ حَسودٍ ؛ يَعتَرِضُ فيها ويَطعَنُ ، ومُعتَزِلِيٍّ قَد نَقَضَ فِي الكَلامِ ، وأبصَرَ عِلمَ الاختِلافِ ، وعَرَفَ الشُّبَهَ ومَواضِعَ الطَّعنِ وضُروبَ التَّأويلِ ، قَدِ التَمَسَ الحِيَلَ في إبطالِ مَناقِبِهِ ، وتَأَوَّلَ مَشهورَ فَضائِلِهِ ، فَمَرَّةً يَتَأَوَّلُها بِما لا يَحتَمِلُ ، ومَرَّةً يَقصِدُ أن يَضَعَ مِن قَدرِها بِقياسٍ مُنتَقَضٍ ، ولا يَزدادُ مَعَ ذلِكَ إلّا قُوَّةً ورِفعَةً ، ووُضوحا وَاستِنارَةً . وقَد عَلِمتَ أنَّ مُعاوِيَةَ ويَزيدَ ومَن كانَ بَعدَهُما مِن بَني مَروانَ أيّامَ مُلكِهِم _ وذلِكَ نَحو ثَمانينَ سَنَةً _ لَم يَدَعوا جُهدا في حَملِ النّاسِ عَلى شَتمِهِ ولَعنِهِ ، وإخفاءِ فَضائِلِهِ ، وسَترِ مَناقِبِهِ وسَوابِقِهِ . رَوى خالِدُ بنُ عَبدِ اللّهِ الواسِطِيُّ عَن حُصَينِ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ عَن هِلالِ بنِ يِسافٍ عَن عَبدِ اللّهِ بن ظالِمٍ قالَ : لَمّا بويِعَ لِمُعاوِيَةَ أقامَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ خُطَباءَ يَلعَنونَ عَلِيّاً عليه السلام ، فَقالَ سَعيدُ بنُ زَيدٍ بنِ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ : أ لا تَرَونَ إلى هذَا الرَّجُلِ الظّالِمِ يَأمُرُ بِلَعنِ رَجُلٍ مِن أهلِ الجَنَّةِ ؟ ! رَوى سُلَيمانُ بنُ داودَ عَن شُعبَةَ عَنِ الحُرِّ بنِ الصّباحِ قالَ : سَمِعتُ عَبدَ الرَّحمنِ بنِ الأَخنَسِ يَقولُ : شَهِدتُ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ خَطَبَ ، فَذَكَرَ عَلِيّا عليه السلام ، فَنالَ مِنهُ . رَوى أبو كُرَيبٍ قالَ : حَدَّثَنا أبو اُسامَةَ قالَ : حَدَّثَنا صَدَقَةُ بنُ المُثَنَّى النَّخَعِيُّ عَن رِياحِ بنِ الحارِثِ ، قالَ : بَينَما المُغيرَةُ بنُ شُعبَةِ بِالمَسجِدِ الأَكبَرِ وعِندَهُ ناسٌ ، إذ جاءَهُ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ : قَيسُ بنُ عَلقَمَةََ ، فَاستَقبَلَ المُغيرَةَ فَسَبَّ عَلِيّا عليه السلام . رَوى مُحَمَّدُ بنُ سَعيدٍ الإِصفَهانِيُّ عَن شريكٍ عَن مُحَمَّدِ بنِ إسحاق عَن عَمرِو بنِ
.
ص: 205
عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عَن أبيهِ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليه السلام ، قالَ : قالَ لي مَروانُ : ما كانَ فِي القَومِ أدفَعُ عَن صاحِبِنا مِن صاحِبِكُم ، قُلتُ : فَما بالُكُم تَسُبّونَهُ عَلَى المَنابِرِ ؟ قالَ : إنَّهُ لا يَستَقيمُ لَنَا الأَمرُ إلّا بِذلِكَ ! ! رَوى مالِكَ بنُ إسماعيلُ أبو غَسّانَ النَّهدِيُّ عَن ابنِ أبي سَيفٍ قالَ : خَطَبَ مَروانُ وَالحَسَنُ عليه السلام جالِسٌ ، فَنالَ مِن عَلِيِّ عليه السلام ، فَقالَ الحَسَنُ : وَيلَكَ يا مَروانُ ! أ هذَا الَّذي تَشتِمُ شَرُّ النّاسِ ! قالَ : لا ، ولكِنَّهُ خَيرُ النّاسِ . ورَوى أبو غَسّانَ أيضا قالَ : قالَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ : كانَ أبي يَخطُبُ ، فَلا يَزالُ مُستَمِرّا في خُطَبتِهِ ، حَتّى إذا صارَ إلى ذِكرِ عَلِيٍّ وسَبِّهِ تَقَطَّعَ لِسانُهُ ، وَاصفَرَّ وَجهُهُ ، وتَغَيَّرت حالُهُ ، فَقُلتُ لَهُ في ذلِكَ فَقالَ : أ وَقَد فَطِنتَ لِذلِكَ ؟إنّ هؤُلاءِ لَو يَعلَمونَ مِن عَلِيٍّ ما يَعلَمُهُ أبوكَ ما تَبِعَنا مِنهُم رَجُلٌ . ورَوى أبو عُثمانَ قالَ : حَدَّثَنا أبُو اليَقظانِ قالَ : قامَ رَجُلٌ مِن وُلدِ عُثمانَ إلى هِشامِ بنِ عَبدِ المَلِكِ يَومَ عَرَفَةَ فَقَالَ : إنَّ هذَا يَومٌ كانَتِ الخُلَفاءُ تَستَحِبُّ فيهِ لَعنَ أبي تُرابٍ ! ورَوى عَمرُو بنُ القَنّادِ عَن مُحَمَّدِ بنِ فُضَيلٍ عَن أشعَثِ بنِ سَوّارٍ قالَ : سَبَّ عَدِيُّ بنُ أوطاةَ عَلِيّا عليه السلام عَلَى المِنبَرِ ، فَبَكَى الحَسَنُ البَصرِيُّ وقالَ : لَقَد سُبَّ هذَا اليَومَ رَجُلٌ إنَّهُ لَأَخو رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . ورَوى عَدِيُّ بنُ ثابِتٍ عَن إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ قالَ : كُنتُ أنَا وإبراهيمُ بنُ يَزيدَ جالِسَينِ فِي الجُمُعَةِ مِمّا يَلي أبوابَ كِندَةَ ، فَخَرَج المُغيرَةُ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللّهَ ، ثُمَّ ذَكَرَ ما شاءَ أن يَذكُرَ ، ثُمَّ وَقَعَ في عَلِيٍّ عليه السلام فَضَرَبَ إبراهيمُ عَلى فَخِذي أو رُكبَتي ثُمَّ قالَ : أقبِل عَلَيَّ فَحَدِّثني ؛ فَإِنّا لَسنا في جُمُعَةٍ ؛ أ لا تَسمَعُ ما يَقولُ هذَا ؟ ورَوى عَبدُ اللّهِ بنُ عُثمانَ الثَّقَفِيُّ قالَ : حَدَّثَنَا ابنُ أبي سَيفٍ قالَ : قالَ ابنٌ لِعامرِ بنِ
.
ص: 206
عَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَيرِ لِوَلَدِهِ : لا تَذكُر يا بُنَيَّ عَلِيّا إلّا بِخَيرٍ ؛ فَإِنَّ بَني اُمَيَّةَ لَعَنوهُ عَلى مَنابِرِهِم ثَمانينَ سَنَةً ، فَلَم يَزِدهُ اللّهُ بِذلِكَ إلّا رِفعَةً . إنَّ الدُّنيا لَم تَبنِ شَيئا قَطُّ إلّا رَجَعَت عَلى ما بَنَت فَهَدَمَتهُ ، وإنَّ الدّينَ لَم يَبنِ شَيئاً قَطُّ وهَدَمَهُ . ورَوى عُثمانُ بنُ سَعيدٍ قالَ : حَدَّثَنا مُطَّلِبُ بنُ زِيادٍ عَن أبي بَكرِ بنِ عَبدِ اللّهِ الأَصبهانِيِّ قالَ : كانَ دَعِيٌّ لِبَني اُمَيَّةَ يُقالُ لَهُ خالِدُ بنُ عَبدِ اللّهِ لا يَزالُ يَشتِمُ عَلِيّا عليه السلام ، فَلَمّا كانَ يَومُ جُمُعَةٍ وهُوَ يَخطُبُ النّاسَ قالَ : وَاللّهِ إن كانَ رَسولُ اللّهِ لَيَستَعمِلُهُ وإنَّهُ لَيَعلَمُ ما هُوَ ، ولكِنَّهُ كانَ خَتَنَهُ (1) ، وقَد نَعَسَ سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ فَفَتَحَ عَينَيهِ ثُمَّ قالَ : وَيحَكُم ! ما قالَ هذَا الخَبيثُ ؟ رَأَيتُ القَبرَ انصَدَعَ ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : كَذَبتَ يا عَدُوَّ اللّهِ . ورَوَى القَنّادُ قالَ : حَدَّثَنا أسباطُ بنُ نَصرِ الهَمدانِيُّ عَن السَّدِّيِّ قالَ : بَينَما أنَا بِالمَدينَةِ عِندَ أحجارِ الزَّيتِ (2) ، إذ أقبَلَ راكِبٌ عَلى بَعيرٍ ، فَوَقَفَ فَسَبَّ عَلِيّا عليه السلام ، فَخَفَّ بِهِ النّاسُ يَنظُرونَ إلَيهِ ، فَبَينَما هُوَ كَذلِكَ ، إذ أقبَلَ سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ فَقالَ : اللّهُمَّ إن كانَ سَبَّ عَبدا لَكَ صالِحاً فَأَرِ المُسلِمينَ خِزيَهُ ، فَما لَبِثَ أن نَفَرَ بِهِ بَعيرُهُ ، فَسَقَطَ فَاندَقَّت عُنُقُهُ . ورَوى عُثمانُ بنُ أبي شَيبَةَ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ موسى عَن فُطرِ بنِ خَليفَةَ عَن أبي عَبدِ اللّهِ الجَدلِيِّ قالَ : دَخَلتُ عَلى اُمِّ سَلَمَةَ رَحِمَهَا اللّهُ ، فَقالَت لي : أ يُسَبُّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فيكُم وأنتُم أحياءٌ ؟ قُلتُ : وأنّى يَكونُ هذَا ؟ قالَت : أ لَيسَ يُسَبُّ عَلِيٌّ عليه السلام ومَن يُحِبُّهُ ؟ ورَوَى العَبّاسُ بنُ بَكّارٍ الضَّبِّيُّ قالَ : حَدَّثَني أبو بَكرٍ الهُذَلِيُّ عَنِ الزُّهرِيِّ قالَ : قالَ
.
ص: 207
ابنُ عَبّاسٍ لِمُعاوِيَةَ : أ لا تَكُفَّ عَن شَتمِ هذَا الرَّجُلِ ؟ قالَ : ما كُنتُ لِأَفعَلَ حَتّى يَربوَ عَلَيهِ الصَّغيرُ ويَهرَمَ فيهِ الكَبيرُ ، فَلَمّا وُلِّيَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ كَفَّ عَن شَتمِهِ ، فَقالَ النّاسُ : تَرَكَ السُّنَّةَ . قالَ : وقَد رُوِيَ عَنِ ابن مَسعودٍ _ إمّا مَوقوفاً عَلَيهِ أو مَرفوعا _ : كَيفَ أنتُم إذا شَمَلتَكُم فِتنَةٌ يَربو عَلَيهَا الصَّغيرُ ، ويَهرَمُ فيهَا الكَبيرُ ، يَجري عَلَيهَا النّاسُ فَيَتَّخِذونَها سُنَّةً ، فَإِذا غُيِّرَ مِنها شَيءٌ قيلَ : غُيِّرَتِ السُّنَّةُ ؟ قالَ أبو جَعفَرٍ : وقَد تَعلَمونَ أنَّ بَعضَ المُلوكِ رُبَّما أحدَثوا قَولاً أو ديناً لِهَوىً ، فَيَحمِلونَ النّاسَ عَلى ذلِكَ حَتّى لا يَعرِفوا غَيرَهُ ، كَنَحوِ ما أخَذَ النّاسَ الحَجّاجُ بنُ يوسُفَ بِقراءَةِ عُثمانَ ، وتَرَكَ قِراءَةَ ابنِ مَسعودٍ واُبَيِّ بنِ كَعبٍ ، وتَوَعَّدَ عَلى ذلِكَ بِدونِ ما صَنَعَ هُوَ وجَبابِرَةُ بَني اُمَيَّةً وطُغاةُ مَروانَ بِوُلدِ عَلِيٍّ عليه السلام وشيعَتِهِ ، وإنَّما كانَ سُلطانُهُ نَحوَ عِشرينَ سَنَةً ، فَما ماتَ الحَجّاجُ حَتَّى اجتَمَعَ أهلُ العِراقِ عَلى قِراءَةِ عُثمانَ ، ونَشَأَ أبناؤُهُم ولا يَعرِفون غَيرَها ؛ لاِءِمساكِ الآباءِ عَنها ، وكَفِّ المُعَلِّمينَ عَن تَعليمِها ، حَتّى لَو قُرِئَت عَلَيهِم قِراءَةُ عَبدِ اللّهِ واُبَيٍّ ما عَرَفوها ، ولَظَنّوا بِتَأليفِها الاِستِكراهَ وَالاِستِهجانَ ؛ لِاءِلفِ العادَةِ وطولِ الجَهالَةِ ؛ لِأَ نَّهُ إذَا استَولَت عَلَى الرَعِيَّةِ الغَلَبَةُ ، وطالَت عَلَيهِم أيّامُ التَّسَلُّطِ ، وشاعَت فيهِمُ المَخافَةُ ، وشَمِلَتُهُم التَّقِيَّةُ ، اتَّفَقوا عَلَى التَّخاذُلِ وَالتَّساكُتِ ، فَلا تَزالُ الأَيَّامُ تَأخُذُ مِن بَصائِرِهِم ، وتَنقُصُ مِن ضَمائِرِهِم ، وتَنقُضُ مِن مَرائِرِهِم (1) ، حَتّى تَصيرَ البِدعَةُ الَّتي أحدَثوها غامِرَةً لِلسُّنَّةِ الَّتي كانوا يَعرِفونَها . ولَقَد كانَ الحَجّاجُ ومَن وَلّاهُ كَعَبدِ المَلِكِ وَالوَليدِ ومَن كانَ قَبلَهُما وبَعدَهُما مِن فَراعِنَةِ بَني اُمَيَّةَ عَلى إخفاءِ مَحاسِنِ عَلِيٍّ عليه السلام وفَضائِلِهِ وفَضائِلِ وُلدِهِ وشيعَتِهِ
.
ص: 208
وإسقاطِ أقدارِهِم ؛ أحرَصَ مِنهُم عَلى إسقاطِ قِراءَةِ عَبدِ اللّهِ واُبَيٍّ ؛ لأَنَّ تِلكَ القِراءاتِ لا تَكونُ سَبَبا لِزَوال مُلكِهِم وفَسادِ أمرِهِم وَانكِشافِ حالِهِم ، وفِي اشتِهارِ فَضلِ عَلِيّ عليه السلام ووُلدِهِ وإظهارِ مَحاسِنِهم بَوارُهُم ، وتَسليطُ حُكمِ الكِتابِ المَنبوذِ عَلَيهِم ، فَحَرَصوا وَاجتَهَدوا في إخفاءِ فَضائِلِهِ ، وحَمَلُوا النّاسَ عَلى كِتمانِها وسَترِها ، وأبَى اللّهُ أن يَزيدَ أمرَهُ وأمرَ وُلدِهِ إلَا استِنارَةً وإشراقا ، وحُبَّهُم إلّا شَغَفاً وشِدَّةً ، وذِكرَهُم إلَا انتِشاراً وكَثرَةً ، وحُجَّتَهُم إلّا وُضوحاً وقُوَّةً ، وفَضلَهُم إلّا ظُهوراً ، وشَأنَهُم إلّا عُلُوّاً ، وأقدارَهُم إلّا إعظاماً ، حَتّى أصبَحوا بِإِهانَتِهِم إيّاهُم أعِزّاءَ ، وبِإِماتَتِهِم ذِكرَهُم أحياءً ، وما أرادوا بِهِ وبِهِم مِنَ الشَّرِّ تَحَوَّلَ خَيراً . فَانتَهى إلَينا مِن ذِكرِ فَضائِلِهِ وخَصائِصِهِ ومَزاياهُ وسَوابِقِهِ ، ما لَم يَتَقَدَّمهُ السّابِقونَ ، ولا ساواهُ فيهِ القاصِدونَ ، ولا يَلحَقُهُ الطّالِبونَ ، ولَولا أنَّها كانَت كَالقِبلَةِ المَنصوبَةٍ في الشُّهرَةِ ، وكَالسُّنَنِ المَحفوظَةِ فِي الكَثرَةِ ؛ لَم يَصِل إلَينا مِنها في دَهرِنا حَرفٌ واحِدٌ إذا كانَ الأَمرُ كَما وَصَفناهُ (1) .
.
ص: 209
8 / 5رَفعُ السُّبِّ عَنهُدفع : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في كتابه إلى اُشرح نهج البلاغة :إنَّ مُعاوِيَةَ أمرَ النّاسَ بِالعِراقِ وَالشّامِ وغَيرِهِما بِسَبِّ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَالبَراءَةِ مِنهُ ، وخَطَبَ بِذلِكَ عَلى مَنابِرِ الإِسلامِ ، وصارَ ذلِكَ سُنَّةً في أيّامِ بَني اُمَيَّةَ ، إلى أن قامَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ فَأَزالَهُ (1) .* وعن أبي جعفر عليه السلام :الكامل في التاريخ :كانَ بَنو اُمَيَّةَ يَسُبّونَ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، إلى أن وَلِيَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ الخِلافَةَ ، فَتَرَكَ ذلِكَ وكَتَبَ إلَى العُمّالِ فِي الآفاقِ بِتَركِهِ .
وكانَ سَبَبُ مَحَبَّتِهِ عَلِيّا أنَّهُ قالَ : كُنتُ بِالمَدينَةِ أ تَعَلَّمُ العِلمَ ، وكُنتُ ألزَمُ عُبَيدَ اللّهِ بنَ عَبدِ اللّهِ بنِ عُتبَةَ بنِ مَسعودٍ ، فَبَلَغَهُ عَنّي شَيءٌ مِن ذلِكَ ، فَأَتَيتُهُ يَوما وهُوَ يُصَلّي ، فَأَطالَ الصَّلاةَ ، فَقَعَدتُ أنتَظِرُ فَراغَهُ ، فَلَمّا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ التَفَتَ إلَيَّ فَقالَ لي : مَتى عَلِمتَ أنَّ اللّهَ غَضِبَ عَلى أهلِ بَدرٍ وبَيعَةِ الرِّضوانِ بَعدَ أن رَضِيَ عَنهُم ؟ قُلتُ : لَم أسمَع ذلِكَ . قالَ : فَمَا الَّذي بَلَغَني عَنكَ في عَلِيٍّ ؟ فَقُلتُ : مَعذِرَةً إلَى اللّهِ وإلَيكَ ! وتَرَكتُ ما كُنتُ عَلَيهِ .
وكانَ أبي إذا خَطَبَ فَنالَ مِن عَلِيٍّ رضى الله عنه تَلَجلَجَ (2) ، فَقُلتُ : يا أبَه ، إنَّكَ تَمضي في خُطبَتِكَ ، فَإِذا أتَيتَ عَلى ذِكرِ عَلِيّ عَرَفتُ مِنكَ تَقصيرا !
قالَ : أ وَفطِنَت لِذلِكَ ؟ قُلتُ : نَعَم . فَقالَ : يا بُنَيَّ ، إنَّ الَّذينَ حَولَنا لَو يَعلَمونَ مِن عَلِيٍّ ما نَعلَمُ تَفَرَّقوا عَنّا إلى أولادِهِ .
.
ص: 210
* وعن أبي جعفر عليه السلام :فَلَمّا وَلِيَ الخِلافَةَ لَم يَكُن عِندَهُ مِنَ الرَّغبَةِ فِي الدُّنيا ما يَرتَكِبُ هذَا الأَمرَ العَظيمَ لاِجلِها ، فَتَرَكَ ذلِكَ وكَتَبَ بِتَركِهِ ، وقَرَأَ عِوَضَهُ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ وَ إِيتَآىءِ ذِى الْقُرْبى» الآيةَ (1) ، فَحَلَّ هذَا الفِعلَ عِندَ النّاسِ مَحَلّاً حَسَنا ، وأكثَروا مَدحَهُ بِسَبَبِهِ (2) .* وعن المفضّل في أبي عبداللّه عليه السلام :شرح نهج البلاغة عن عمر بن عبد العزيز :كُنتُ غُلاما أقرَأُ القُرآنَ عَلى بَعضِ وُلدِ عُتبَةَ بنِ مَسعودٍ ، فَمَرَّ بي يَوما وأنَا ألعَبُ مَعَ الصِّبيانِ ، ونَحنُ نَلعَنُ عَلِيّا ، فَكَرِهَ ذلِكَ ودَخَلَ المَسجِدَ ، فَتَرَكتُ الصِّبيانَ وجِئتُ إلَيهِ لَأدُرسَ عَلَيهِ وِردي ، فَلَمّا رَآني قامَ فَصَلَّى وأطالَ فِي الصَّلاةِ _ شِبهَ المُعرِضِ عَنّي _ حَتّى أحسَستُ مِنهُ بِذلِكَ ، فَلَمَّا انفَتَلَ مِن صلاتِهِ كَلَحَ (3) في وَجهي ، فَقُلتُ لَهُ : ما بالُ الشَّيخِ ؟ فَقالَ لي : يا بُنَيَّ ، أنتَ اللاّعِنُ عَلِيّا مُنذُ اليَوم ؟ قُلتُ : نَعَم . قالَ : فَمَتى عَلِمتَ أنَّ اللّهَ سَخِطَ عَلى أهلِ بَدرٍ بَعدَ أن رَضِيَ عَنهُم ؟ فَقُلتُ : يا أبَتِ ، وهَل كانَ عَلِيٌّ مِن أهلِ بَدرٍ ؟ فَقالَ : وَيحَكَ ! وهَل كانَتَ بَدرٌ كُلُّها إلّا لَهُ ! ! فَقلُتُ : لا أعودُ ، فَقالَ : آللّهَ أنَّكَ لا تَعودُ ؟ قُلتُ : نَعَم . فَلَم ألعنَهُ بَعدَها .
ثُمَّ كُنتُ أحضُرُ تَحتَ مِنبَرِ المَدينَةِ ، وأبي يَخطُبُ يَومَ الجُمُعَةِ _ وهُوَ حينَئِذٍ أميرُ المَدينَةِ _ فَكُنتُ أسمَعُ أبي يَمُرُّ في خُطَبِهِ تَهدِرُ شَقاشِقُهُ (4) ، حَتّى يَأتِيَ إلى لَعنِ عَلِيٍّ عليه السلام فَيُجَمجِمُ (5) ، ويَعرِضُ لَهُ مِنَ الفَهاهَةِ وَالحَصرِ مَا اللّهُ عالِمٌ بِهِ ، فَكُنتُ أعجَبُ مِن ذلِكَ ، فَقُلتُ لَهُ يَوما : يا أبَتِ ، أنتَ أفصَحُ النّاسِ وأخطَبُهُم ، فَما بالي أراكَ أفصَحَ .
ص: 211
* وعن المفضّل في أبي عبداللّه عليه السلام :خَطيبٍ يَومَ حَفلِكَ ، حَتّى إذا مَرَرتَ بِلَعنِ هذَا الرَّجُلِ صِرتَ ألكَنَ عَيِّيا (1) !
فَقالَ : يا بُنَيَّ ، إنَّ مَن تَرى تَحتَ مِنبَرِنا مِن أهلِ الشّامِ وغَيرِهِم ، لَو عَلِموا مِن فَضلِ هذَا الرَّجُلِ ما يَعلَمُهُ أبوكَ لَم يَتبعَنا مِنهُم أحَدٌ .
فَوَقِرَت كَلِمَتُهُ في صَدري ؛ مَعَ ما كانَ قالَهُ لي مُعَلِّمي أيّامَ صِغَري ، فَأَعطَيتُ اللّهَ عَهدا ؛ لَئِن كانَ لِي في هذَا الأَمرِ نَصيبٌ لاُغَيِّرَنَّهُ ، فَلَمّا مَنَّ اللّهُ عَلَيَّ بِالخِلافَةِ أسقَطتُ ذلِكَ ، وجَعَلتُ مِكانَهُ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ وَ إِيتَآىءِ ذِى الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَ الْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» . وكَتَبَ بِهِ إلَى الآفاقِ ، فَصارَ سُنَّةً (2) .دفف : عن النبيّ صلى الله عليه و آله في صفة الجنّةالأمالي للشجري عن أبي عبد اللّه الختلي :لَمّا أسقَطَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ مِنَ الخُطَبِ عَلَى المَنابِرِ لَعنَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام قامَ إلَيهِ عَمرُو بنُ شُعَيبٍ _ وقَد بَلَغَ إلَى المَوضِعِ الَّذي كانَتَ بَنو اُمَيَّةَ تَلعَنُ فيهِ عَلِيّا عليه السلام ، فَقَرَأ مَكانَهُ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ وَ إِيتَآىءِ ذِى الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ» فَقامَ إلَيهِ عَمرُو بنُ شُعَيبٍ لَعَنَهُ اللّهُ _ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! السُّنَّةَ السُّنَّةَ ! يُحَرِّضُهُ عَلى لَعنِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ عُمَرُ : اُسكُت قَبَّحَكَ اللّهُ !تِلكَ البِدعَةُ لَا السُّنَّةُ . وتَمَّمَ خُطبَتَهُ (3) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :بحر المعارف :لَمّا آلَ نَوبَةُ الإِمارَةِ إلى عُمرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ تَفَكَّرَ في مُعاوِيَةَ وأولادِهِ ولَعنِهِ عَلِيّا عليه السلام وقَتلِ أولادِهِ مِن غَيرِ استِحقاقٍ ، فَلَمّا أصبَحَ أحضَرَ الوُزَراءَ فَقالَ : رَأَيتُ البارِحَةَ أنَّ هَلاكَ آلِ أبي سُفيانَ بِمُخالَفَتِهِمُ العُترَةَ ، وخَطَرَ بِبالي أن أرفَعَ لَعنَهُم . وقالَ وزَراؤُهُ : الرَّأيُ رَأيُ الأَميرِ . .
ص: 212
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :فَلَمّا صَعِدَ المِنبَرَ يَومَ الجُمُعَةِ قامَ إلَيهِ ذِمِّيٌّ مُتَمَوِّلٌ ، واستَنكَحَ مِنهُ بِنتَهُ ، قالَ عُمَرُ : إنَّكَ عِندَنا كافِرٌ ، لا تَحِلُّ بَناتُنا لِلكافِرِ ، فَقالَ الذِّمُّي : فَلِمَ زَوَّجَ نَبِيُّكُم بِنتَهُ فاطِمَةَ مِنَ الكافِرِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؟ فَصاحَ عَلَيهِ عُمَرُ فَقالَ : مَن يَقولُ إنَّ عَلِيّا كافِرٌ ؟ فَقالَ الذِمِّيُّ : إن لَم يَكُن عَلِيٌّ كافِرا فَلِمَ تَلعَنونَهُ ؟ فَتَخَجَّلَ عُمَرُ ونَزَلَ ، وكَتَبَ إلى قاضي بِلادِ الإِسلامِ : إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عُمَرَ بنَ عَبدِ العَزيزِ رَفَعَ لَعنَ عَلِيٍّ عليه السلام ؛ لِأَنَّ ذلِكَ كانَ بِدعَةً وضَلالَةً ، وأمَرَ القُوّادَ _ خَمسَمِئةِ شَجعانَ _ حَتّى لَبِسُوا السِّلاحَ تَحتَ ثِيابِهِم في جُمُعَةٍ اُخرى وصَعِدَ المِنَبرَ ، وكانَ عادَتُهُم لَعنَهُ عليه السلام آخِرَ الخُطبَةِ ، فَلَمّا خَرَجَ مِنَ الخُطبَةِ قالَ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ وَ إِيتَآىءِ ذِى الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَ الْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » مَقامَ اللَّعنِ ونَزَلَ ، فَصاحَ القَومُ مِن جَوانِبِ المَسجِدِ : كَفَرَ أميرُ المُؤمِنينَ ، وحَمَلوا عَلَيهِ لِيَقتُلوهُ ، فَنادَى القُوّادَ فَصاحَ بِهِم حَتّى أظهَرُوا الأَسلِحَةَ وخَلَّصوهُ مِن أيديهِم وَالتَجَأَ بِإِعانَةِ القُوّادِ إلى قَصرِهِ ؛ فَصارَت قِراءَةُ هذِهِ الآيَةِ سُنَّةً في آخِرِ الخُطبَةِ ؛ وتَفَرَّقَ النّاسُ قائِلينَ : غُيِّرَتِ السُّنَّةُ ، اُبدِلَتِ السُّنَّةُ (1) . .
ص: 213
ص: 214
ص: 215
تحليلٌ في طبقات عمّالهحكومة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام الَّتي دامت قرابة خمس سنين جديرة بالبحث والدراسة من جهات متنوّعة . والتأمّل في سيرته المباركة عليه السلام من جوانب شتّى ذو بُعدٍ تذكيري وتربوي . وعمّاله وولاته يترجمون مفردة مهمّة من مفردات سياسته عليه السلام ، من حيث اختيارهم ، ومراقبة الإمام لهم بعد الاختيار ، وغير ذلك . تحدّثنا عن هذه الاُمور في فصول هذا الكتاب ، والَّذي نريد ذكره هنا هو أنّنا يمكن أن نقسّم ولاته عليه السلام إلى الأقسام الآتية : 1 _ الولاة الثقات المتديّنون المعروفون بكفاءتهم الإداريّة وحَنَكتهم وشخصيّتهم الاجتماعيّة الخاصّة . ولنا أن نسمّي هؤلاء طلائع أصحابه والوجوه البارزة فيهم . وكان هؤلاء أعضاد الإمام عليه السلام ومشاوريه الصالحين المخلصين . منهم : مالك الأشتر الَّذي ولّاه الإمام في البداية على الجزيرة (منطقة بين دجلة والفرات ، كانت تتمتّع بأهمّية خاصّة لقربها من الشام) . ثمّ استعمله على مصر . ومنهم : عبد اللّه بن عبّاس الَّذي كان واليا على البصرة . ومنهم : قيس بن سعد بن عُبادة الَّذي وجّهه إلى مصر ، ثمّ جعله على آذربايجان . وكان هؤلاء إذا نشبت الحرب لازموا الإمام عليه السلام ، ولم يقيموا في العاصمة ، ذلك
.
ص: 216
لأنّ اُولي الكفاءة القياديّة وأصحاب الرأي عند المشاورة كانوا قليلين . إذا ألقينا نظرة تاريخيّة على هؤلاء ، نجد أنّ مالك الأشتر هو الوجه المتألّق الَّذي لم تَشُبه شائبة قطّ . أمّا ابن عبّاس فإنّ ما اُشيع عليه من أخذ أموال البصرة حقيق بالتأمّل . وأمّا قيس بن سعد فإنّ عزله عن حكومة مصر _ مع عظمته _ لافت للنظر . 2 _ الولاة المتديّنون الملتزمون المعتمدون الذين تنقصهم الكفاءة الإداريّة بشكلٍ من الأشكال . فهؤلاء لم يكن لهم باع يُذكر في تدبير الاُمور . ولقد كانوا من الوجهاء ، بَيْدَ أنّهم لم يتّخذوا القرار الحاسم في الظروف الحرجة ، ولم يتخلّصوا من الأزمات كما ينبغي . فمحمّد بن أبي بكر ، مع سموّ قدره ، عجز عن تهدئة الوضع في مصر ، وفقد قدرة الدفاع حين اضطربت اُمورها . وأبو أيّوب الأنصاري ، مع جلالته وعظمته ، لم يستطع مواجهة بُسر ولاذ بالفرار . وسهل بن حُنيف لم يسيطر على الأوضاع في تمرّد أهالي فارس وامتناعهم عن دفع الخراج ، فعُزل عن منصبه . وعبيد اللّه بن عبّاس ولّى مدبرا أمام بُسر . وعثمان بن حُنيف فَقدَ حزمه في مواجهة مكيدة النّاكثين ، وأخفق ، فأُلقيَ عليه القبض . وكميل بن زياد لم يُطِق غارات معاوية ، فهمّ بالمقابلة بالمثل وتوجّه لشنّ الغارة على مناطق الشام ، فلامه الإمام عليه السلام . 3 _ الولاة الذين ليس لهم عقيدة راسخة ، ولم يتمتّعوا بإيمانٍ عميق وإن كانوا ساسة مدبّرين وذوي حسّ إداري فعّال . فهؤلاء لم يتورّعوا عن القبض على بيت المال والتلاعب به إسرافا وتبذيرا . وقد اشتكى منهم الإمام عليه السلام في الأيّام الأخيرة من حياته ، وقال : « لَوِ ائتَمَنتُ أحَدَكُم عَلى قَدَحٍ لَأَخَذَ عِلاقَتَهُ » (1) . ومن هؤلاء : زياد بن أبيه ؛ فقد تصرّف في بيت المال بنحوٍ غير مشروع ، فاعترض عليه الإمام عليه السلام . ثمّ التحق بمعاوية بعد استشهاد الإمام عليه السلام ، ولم يَرعَوِ عن ارتكاب الجرائم .
.
ص: 217
ومنهم : المنذر بن الجارود . عنّفه الإمام عليه السلام لأ نّه أباح لنفسه التلاعب في بيت المال أيضا . ومنهم : النّعمان بن عجلان ، لامه الإمام عليه السلام أيضا بسبب بذله الأموال على قبيلته وتصرّفه غير المشروع فيها لمصلحته ، ثمّ فرّ والتحق بمعاوية . ومنهم : يزيد بن حجية ، ومصقلة بن هُبَيرة ، والقَعْقاع بن شور ، فقد فعلوا فعل أصحابهم المذكورين . إنّ التأمّل في حياة عمّال الإمام عليه السلام ، وتحليل مواقفهم ، والنّظر في مآل حياتهم السياسيّة ، كلّ ذلك ذو بُعدٍ تربوي توجيهي للمرء . ومن الضروري أن نستعرض في هذا المجال ملاحظات ترتبط بهذا الموضوع : 1 _ الشخصيّات الفعّالة الموثوق بها كانت قليلة مع الإمام عليه السلام . وهؤلاء هم الذين كانوا يُنتَدَبون للأعمال في مواطن متنوّعة . وظلّ الإمام عليه السلام في الحقيقة وحيدا بعد استشهاد عدد من عِلية أصحابه في صفّين ، وخلا الجوّ من هؤلاء الأعاظم . وعزم الإمام عليه السلام على تسريح هاشم بن عتبة إلى مصر بعد عزل قيس بن سعد ، بَيْدَ أنّه كان بحاجة إلى شخصيّته القِتاليّة في صفّين ؛ لذا أشخص محمّد بن أبي بكر إليها . وعندما استُشهد هاشم في صفّين ، لم يجد بُدّا إلّا إرسال مالك الأشتر إليها مع حاجته الشديدة إلى وجوده معه في مركز الخلافة الإسلاميّة . 2 _ كان بين أصحاب الإمام عليه السلام رجال اُمناء صالحون ووجهاء اُولو سابقة مشرقة نقيّة من كلّ شائبة . وهؤلاء كانوا دعائم الحكومة وأعضاد النّظام العلَوي . ولا مناص من بقائهم إلى جانب الإمام عليه السلام ، إذ كان يشاورهم في شؤون الحكومة . ومن هؤلاء : الصحابي الجليل عمّار بن ياسر ، النّصير الوفيّ المخلص للإمام عليه السلام . وكان وجوده مع الإمام ودفاعه السخيّ عنه يقضي على التردّد ، ويُثبّت كثيرا من الذين كانت تضعضعهم الدعايات المسمومة الَّتي تبثّها أجهزة الإعلام الاُموي في الشام ضدّ الإمام عليه السلام .
.
ص: 218
من جانب آخر ، كانت هناك قبائل ما زالت العصبيّات القبليّة متأصّلة في نفوسها ، فلم تسمع إلّا كلام رُؤسائها . من هنا ، ظلّ رجال مثل عديّ بن حاتم إلى جانب الإمام عليه السلام لتبقى قبائلهم معه أيضا . 3 _ إنّ وجود أشخاصٍ مثل زياد بن أبيه بين عمّال الإمام عليه السلام مثير للسؤال . فقد أنفذ الإمامُ الشخصَ المذكور _ باقتراح عبد اللّه بن عبّاس وتأييد جارية بن قُدامة _ على رأس قوّة عسكريّة كبيرة لإخماد تمرّد أهل فارس الذين امتنعوا عن دفع الضرائب ، فاستطاع زياد بتدبيره وحنكته السياسيّة الخاصّة أن يسيطر على الوضع . كان زياد مطعونا في نسبه ، وكان يتّصف بدهاء عجيب . ويمكن أن نعدّه نموذجا للإنسان المتخصّص غير الملتزم الَّذي جمع بين خبث السريرة وظلمة الروح وبين التدبير والدهاء . وإنّ ملازمته لمعاوية مع تحذيرات الإمام المتكرّرة له ، وعمله في «العراقَين» مَعْلَمان على خبث طينته ودَنَسه الَّذي لم يظهره في عصر الإمام عليه السلام . وينبغي الالتفات إلى أنّ الإمام عليه السلام كان يواجه حقائق لا تُنكَر كغيره من الحكّام . وبالنظر إلى ضرورة إدارة المجتمع واستثمار مختلف الطاقات ، وبالنظر أيضا إلى معاناة الإمام عليه السلام من قلّة الأنصار المخلصين فلابدّ له من تولية زياد وأضرابه ، بَيْدَ أنّه عليه السلام كان يقرِن ذلك بالإشراف والتحذير ، ويراقب الأوضاع بدقّة . 4 _ كان بعض الأشخاص يعملون مع الإمام عليه السلام ، لكنّهم كانوا لا يوافقونه في بعض مواقفه ! ! فزياد لم يشترك في حروبه جميعها . وأبو مسعود الأنصاري لم يرغب في الاشتراك في الحروب ، وحين نشبت حرب صفّين ، وَليَ الكوفة وظلّ فيها . ويزيد بن قيس الَّذي عُيّن واليا على إصفهان كان يميل إلى الخوارج ، ففرّق الإمام عليه السلام بينه وبينهم بتعيينه . هذا كلّه آية على سماحة الإمام عليه السلام من جهة ، ومن جهة اُخرى مَعْلَم على ما ذكرناه آنفا من أنّه كان يواجه حقائق في المجتمع لا محيص له منها .
.
ص: 219
1أبو الأَسوَدِ الدُّؤَلِيُّهو ظالم بن عمرو (1) ، المعروف بأبي الأسود الدُّؤلي (2) . أحد الوجوه البارزة والصحابة المشهورين للإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (3) . أسلم على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لكنّه لم يَحْظَ برؤيته (4) . وهو من المتحقّقين بمحبّة عليّ ومحبّة ولده (5) . ويمكن أن نستشفّ هذا الحبّ من أشعاره الحِسان (6) . الذين ترجموا له ذكروه بعناوين متنوّعة منها : «علويّ» (7) ، «شاعر متشيِّع» (8) ، «من وجوه الشيعة» (9) . شَهِد أبو الأسود حروب الإمام عليه السلام ضدّ مساعير الفتنة في الجمل (10) ، و صفّين (11) .
.
ص: 220
وعيّنه الإمام عليه السلام قاضياً على البصرة عندما ولّى عليها ابن عبّاس (1) . وكان ابن عبّاس يقدّره ، وحينما كان يخرج من البصرة ، يُفوّض إليه أعمالها (2) ، وكان ذلك يحظى بتأييد الإمام عليه السلام أيضاً (3) . ووسّع أبو الأسود علم النّحو بأمر الإمام عليه السلام الَّذي كان قد وضع اُسسه وقواعده (4) ، وأقامه ورسّخ دعائمه (5) ، وهو أوّل من أعجم القرآن الكريم وأشكله (6) . وله في الأدب العربي منزلة رفيعة ؛ فقد عُدّ من أفصح النّاس (7) . وتبلور نموذج من هذه الفصاحة في شعره الجميل الَّذي رثى به الإمام عليه السلام (8) ، وهو آية على محبّته للإمام ، وبغضه لأعدائه . ولم يدّخر وسعاً في وضع الحقّ موضعه ، والدفاع عن عليّ عليه السلام ، ومناظراته مع معاوية (9) دليل على صراحته وشجاعته وثباته واستقامته في معرفة «خلافة الحقّ»
.
ص: 221
و «حقّ الخلافة» ومكانة عليّ عليه السلام العليّة السامقة . وخطب بعد استشهاد الإمام عليه السلام خطبة حماسيّة من وحي الألم والحرقة ، وأخذ البيعة من النّاس للإمام الحسن عليه السلام بالخلافة (1) . فارق أبو الأسود الحياة سنة 69 ه (2) .
دفق : في حديث الاستسقاء :ربيع الأبرار :سَأَلَ زِيادُ بنُ أبيهِ أبَا الأَسودِ عَن حُبِّ عَلِيٍّ فَقالَ : إنَّ حُبَّ عَلِيٍّ يَزدادُ في قَلبي حِدَّةً ، كَما يَزدادُ حُبُّ مُعاوِيَةَ في قَلبِكَ ؛ فَإِنّي اُريدُ اللّهَ وَالدّارَ الآخرَةَ بِحُبّي عَلِيّا ، وتُريدُ الدُّنيا بِزينَتِها بِحُبِّكَ مُعاوِيَةَ ، ومَثَلي ومَثَلُكَ كَما قالَ إخوَةُ مَذحِجٍ :
خَليلانِ مُختَلِفٌ شَأنُنا
اُريدُ العَلاءَ ويَهوَى اليَمَن اُحِبُّ دِماءَ بَني مالِكٍ
وراقَ المُعَلّى بَياضَ اللَّبَن (3)* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام :العقد الفريد :لَمّا قَدِمَ أبُو الأَسوَدِ الدُّؤَلِيُّ عَلى مُعاوِيَةَ عامَ الجَماعَةِ (4) ، قالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : بَلَغنَي يا أبَا الأَسوَدِ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أرادَ أن يَجعَلَكَ أحَدَ الحَكَمَينِ ، فَما كُنتَ تَحكُمُ بِهِ ؟
قالَ : لَو جَعَلَني أحَدَهُما لَجَمَعتُ ألفا مِنَ المُهاجِرينَ وأبناءِ المُهاجِرينَ ، وألفا مِنَ الأَنصارِ وأبناءِ الأَنصارِ ، ثُمَّ ناشَدتُهُمُ اللّهَ : المُهاجِرينَ وأبناءَ المُهاجِرينَ أولى بِهذَا الأَمرِ أمِ الطُّلَقاءَ ؟
قالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : للّهِِ أبوكَ ! أيُّ حَكَمٍ كُنتَ تَكونُ لَو حُكِّمتَ ! (5) .
ص: 222
دفل : عن الصادق عليه السلام :تاريخ دمشق :كانَ أبُو الأَسوَدِ مِمَّن صَحِبَ عَلِيّا ، وكانَ مِنَ المُتَحَقِّقينَ بِمَحَبَّتِهِ ومَحَبَّةِ وُلدِهِ ، وفي ذلِكَ يَقولُ :
يَقولُ الأرَذَلونَ بَنو قُشَيرٍ
طَوالَ الدَّهرِ لا يَنسى عَلِيّا اُحِبُّ مُحَمَّدا حُبّا شَديدا
وعَبّاسا وحَمزَةَ وَالوَصِيّا فَإِن يَكُ حُبُّهُم رُشدا اُصِبْهُ
ولَيسَ بِمُخطِئٍ إن كانَ غَيّا
وكانَ نازِلاً في بَني قُشَيرٍ بِالبَصرَةِ ، وكانوا يَرجمُونَهُ بِاللَّيلِ لِمَحَبَّتِهِ لِعَلِيٍّ ووُلدِهِ ، فَإِذا أصبَحَ فَذَكَرَ رَجمَهُم ، قالوا : اللّهُ يَرجُمُكَ ! فَيَقولُ لَهُم : تَكذِبونَ ، لَو رَجَمَنِي اللّهُ لَأَصابَني ، وأنتُم تَرجُمونَ فَلا تُصيبونَ (1) .* ومنه في مواعظ عيسى عليه السلام :سير أعلام النّبلاء عن أبي الأسود :دَخَلتُ عَلى عَلِيٍّ ، فَرَأَيتُهُ مُطرِقا ، فَقُلتُ : فيمَ تَتَفَكَّرُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟قالَ : سَمِعتُ بِبَلِدَكُم لَحنا ، فَأَرَدتُ أن أضَعَ كِتابا في اُصولِ العَرَبِيَّةِ . فَقُلتُ : إن فَعَلتَ هذا أحييَتَنا !فَأَتَيتُهُ بَعدَ أيّامٍ ، فَأَلقى إلَيَّ صَحيفَةً فيها : الكَلامُ كُلُّهُ : اسمٌ ، وفِعلٌ ، وحَرفٌ ؛ فَالاِسمُ ما أنبَأَ عَنِ المُسَمّى ، وَالفِعلُ ما أنبَأَ عَن حَرَكَةِ المُسَمّى ، وَالحَرفُ ما أنبَأَ عَن مَعنىً لَيسَ بِاسمٍ ولا فِعلٍ . ثُمَّ قالَ لي : زِدهُ وتَتَبَّعهُ . فَجَمَعتُ أشياءَ ثُمَّ عَرَضتُها عَلَيهِ (2) .دفن : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الأغاني :قيلَ لِأَبي الأَسوَدِ : مِن أينَ لَكَ هذَا العِلمُ _ يَعنونَ بِهِ النَّحوَ _ ؟ فَقالَ : أخَذتُ حُدودَهُ عَن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام (3) .* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الخمرالأربعون حديثا عن عليّ بن محمّد :رَأَيتُ ابنَةَ أبِي الأَسوَدِ الدُّؤَلِيِّ وَبينَ يَدَي أبيها خَبيصٌ (4) .
ص: 223
* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الخمرفَقالَت : يا أبَه ، أطعِمني ، فَقالَ : افتَحي فاكِ . قالَ : فَفَتَحَت ، فَوَضَعَ فيهِ مِثلَ اللَّوزَةِ ، ثُمَّ قالَ لَها : عَلَيكِ بِالتَّمرِ ؛ فَهُو أنفَعُ وأشبَعُ .
فَقالَت : هذا أنفَعُ وأنجَعُ ؟
فَقالَ : هذَا الطَّعامُ بَعَثَ بِهِ إلَينا مُعاوِيَةُ يَخدَعُنا بِهِ عَن حُبِّ عَلِيّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام .
فَقَالَت : قَبَّحَهُ اللّهُ ! يَخدَعُنا عَنِ السَّيِدِ المُطَهَّرِ بِالشَّهدِ المُزَعفَرِ ؟ تُبّا لِمُرسِلِهِ وآكِلِهِ ! ثُمَّ عالَجَت نَفسَها وقاءَت ما أكَلَت مِنهُ ، وأنشَأَت تَقولُ باكِيَةً :
أ بِالشَّهدِ المُزَعفَرِ يَا بنَ هِندٍ
نَبيعُ إلَيكَ إسلاما ودينا فَلا وَاللّهِ لَيسَ يَكونُ هذا
ومَولانا أميرُ المُؤمِنينا (1)راجع : ج6 ص249 (مؤسّس علم النّحو) .
2أبو أيُّوبَ الأَنصارِيُّهو خالد بن زيد بن كُلَيب ، أبو أيّوب الأنصاري الخزرجي ، وهو مشهور بكنيته . من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . نزل النّبيّ صلى الله عليه و آله في داره عند هجرته إلى المدينة (2) . شهد أبو أيّوب حروب النّبيّ جميعها (3) . وكان بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله من السابقين إلى الولاية ، والثابتين في حماية حقّ الخلافة (4) ولم يتراجع عن موقفه هذا قطّ (5) . وعُدَّ من
.
ص: 224
الاثني عشر الذين قاموا في المسجد النّبوي بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه و آله ودافعوا عن حقّ عليّ عليه السلام بصراحة (1) . لم يَدَع أبو أيّوب ملازمة الإمام عليه السلام وصحبته. واشترك معه في كافّة حروبه الَّتي خاضها ضدّ مثيري الفتنة (2) . وكان على خيّالته في النّهروان (3) ، وبيده لواء الأمان . ولّاه الإمام على المدينة (4) ، لكنّه فرّ منها حين غارة بُسر بن أرطاة عليها (5) . عَقَد له الإمام عليه السلام في الأيّام الأخيرة من حياته الشريفة لواءً على عشرة آلاف ليتوجّه إلى الشام مع لواء الإمام الحسين عليه السلام ، ولواء قيس بن سعد لحرب معاوية ، ولكنّ استشهاد الإمام عليه السلام حال دون تنفيذ هذه المهمّة ، فتفرّق الجيش ، ولم يتحقّق ما أراده الإمام عليه السلام (6) . وكان أبو أيّوب من الصحابة المكثرين في نقل الحديث . وروى في فضائل الإمام عليه السلام أحاديث جمّة . وهو أحد رواة حديث الغدير (7) ، وحديث الثقلين (8) ، وكلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله للإمام عليه السلام حين أمره بقتال النّاكثين ، والقاسطين ، والمارقين (9) ،
.
ص: 225
ودعوتهِ صلى الله عليه و آله أبا أيّوب أن يكون مع الإمام عليه السلام (1) . توفّي أبو أيّوب بالقسطنطينيّة سنة 52 ه ، عندما خرج لحرب الروم ، ودُفن هناك (2) .
دقق : عن أبي عبداللّه عليه السلام في الصدقة على اوقعة صفّين عن الأعمش :كَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى أبي أيّوبَ خالدِ بنِ زَيدٍ الأَنصارِيِّ _ صاحب مَنزلِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وكانَ سَيِّدا مُعَظَّما مِن ساداتِ الأَنصارِ ، وكانَ مِن شيعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام _ كِتابا ، وَكَتَبَ إلى زِيادِ بنِ سُمَيَّةَ _ وكانَ عامِلاً لِعَلِيٍّ عليه السلام عَلى بَعضِ فارِسٍ _ كِتابا ؛ فَأَمّا كِتابُهُ إلى أبي أيّوبَ فكان سطرا واحدا : لا تنسى شَيْباءُ أبا عُذرتها ، ولا قاتلَ بِكرها .
فلم يَدرِ أبو أيّوبَ ما هُوَ ؟ فَأَتى بِهِ عَلِيّا وقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنَّ مُعاوِيَةَ ابنَ أكّالَةِ الأَكبادِ ، وكَهفَ المُنافِقينَ ، كَتَبَ إلَيَّ بِكِتابٍ لا أدري ما هُوَ ؟ فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : وأينَ الكِتابُ ؟ فَدَفَعَهُ إلَيهِ فَقَرَأَهُ وقالَ :
نَعَم ، هذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ لَكَ ، يَقولُ : ما أنسىَ الَّذي لا تَنسى الشَّيباءُ ؛ لا تَنسى أبا عُذرَتِها ، وَالشَّيباءُ : المَرأَةُ البِكرُ لَيلَةَ افتِضاضِها ، لا تَنسى بَعلَهَا الَّذي افتَرَعَها أبَدا ، ولا تَنسى قاتِلَ بِكرِها ؛ وهُوَ أوَّلُ وُلدِها . كَذلِكَ لا أنسى أنا قَتلَ عُثمانَ (3) .راجع : ج4 ص27 (رفع راية الأمان) .
.
ص: 226
3أبو حَسَّانٍ البَكرِيُّدقل : في الخبر :وقعة صفّين :بَعَثَ [ عَلِيٌّ عليه السلام ] أبا حَسّانٍ البَكرِيَّ عَلى إستانِ العالي (1) . (2)4أبو ذَرٍّ الغِفارِيُّ (3)جُنْدَب بن جُنادة ، وهو مشهور بكنيته . صوت الحقّ المدوّي ، وصيحة الفضيلة والعدالة المتعالية ، أحد أجلّاء الصحابة ، والسابقين إلى الإيمان ، والثابتين على الصراط المستقيم (4) . كان موحِّداً قبل الإسلام ، وترفّع عن عبادة الأصنام (5) . جاء إلى مكّة قادماً من البادية ، واعتنق دين الحقّ بكلّ وجوده ، وسمع القرآن . عُدَّ رابعَ (6) من أسلم أو خامسهم (7) . واشتهر بإعلانه إسلامَه ، واعتقاده بالدين الجديد ، وتقصّيه الحقّ منذ يومه الأوّل (8) .
.
ص: 227
وكان فريداً فذّاً في صدقه وصراحة لهجته ، حتى قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلمته الخالدة فيه تكريماً لهذه الصفة المحمودة العالية : «ما أظَلَّتِ الخَضراءُ ، وما أقَلَّتِ الغَبراءُ (1) أصدَقَ لَهجَةً مِن أبي ذَرٍّ » (2) . وكان من الثلّة المعدودة الَّتي رعت حرمة الحقّ في خضمّ التغيّرات الَّتي طرأت بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه و آله (3) . وتفانى في الدفاع عن موقع الولاية العلويّة الرفيعة ، وجعل نفسه مِجَنّاً للذبّ عنه ، وكان أحد الثلاثة الذين لم يفارقوا عليّاً عليه السلام قطّ (4) . ولنا أن نعدّ من فضائله ومناقبه صلاته على الجثمان الطاهر لسيّدة نساء العالمين فاطمة عليهاالسلام ، فقد كان في عداد من صلّى عليها في تلك الليلة المشوبة بالألم والغمّ والمحنة (5) . وصرخاته بوجه الظلم ملأت الآفاق ، واشتهرت في التاريخ ؛ فهو لم يصبر على إسراف الخليفة الثالث وتبذيره وعطاياه الشاذّة ، وانتفض ثائراً صارخاً ضدّها، ولم يتحمّل التحريف الَّذيافتعلوه لدعم تلك المكرمات المصطنعة، وقدح في الخليفة وتوجيه كعب الأحبار لأعماله وممارساته . فقام الخليفة بنفي صوت العدالة هذا إلى الشام الَّتي كانت حديثة عهدٍ بالإسلام ، غيرَ مُلمّةٍ بثقافته (6) . ولم يُطِقه معاوية أيضاً ؛ إذ كان يعيش في الشام كالملوك ، ويفعل ما يفعله
.
ص: 228
القياصرة ، ضارباً بأحكام الإسلام عرض الجدار ، فأقضّت صيحات أبي ذرّ مضجعه (1) . فكتب إلى عثمان يخبره باضطراب الشام عليه إذا بقي فيها أبو ذرّ ، فأمر بردّه إلى المدينة (2) ، وأرجعوه إليها على أسوأ حال . وقدم أبو ذرّ المدينة ، لكن لا سياسة عثمان تغيّرت ، ولا موقف أبي ذرّ منه ، فالاحتجاج كان قائماً ، والصيحات مستمرّة ، وقول الحقّ متواصلاً ، وكشف المساوئ لم يتوقّف . ولمّا لم يُجْدِ الترغيب والترهيب معه ، غيّرت الحكومة اُسلوبها منه ، وما هو إلّا الإبعاد ، لكنّه هذه المرّة إلى الرَّبَذة (3) ، وهي صحراء قاحلة حارقة ، وأصدر عثمان تعاليمه بمنع مشايعته (4) . ولم يتحمّل أمير المؤمنين عليه السلام هذه التعاليم الجائرة ، فخرج مع أبنائه وعدد من الصحابة لتوديعه (5) . وله كلام عظيم خاطبه به وبيّن فيه ظُلامته (6) . وتكلّم من كان معه أيضاً ليعلم النّاس أنّ الَّذي أبعد هذا الصحابي الجليل إلى الربذة هو قول الحقّ ومقارعة الظلم لا غيرها (7) .
.
ص: 229
وكان إبعاد أبي ذرّ أحد ممهّدات الثورة على عثمان (1) . وذهب هذا الرجل العظيم إلى الربذة رضيّ الضمير ؛ لأنّه لم يتنصّل عن مسؤوليّته في قول الحقّ ، لكنّ قلبه كان مليئاً بالألم ؛ إذ تُرك وحده ، وفُصل عن مرقد حبيبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله . يقول عبد اللّه بن حواش الكعبي : رأيتُ أبا ذرّ في الربذة وهو جالس وحده في ظلّ سقيفةٍ ، فقلت : يا أبا ذرّ !وحدك ! فقال : كان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر شعاري ، وقول الحقّ سيرتي ، وهذا ما ترك لي رفيقاً . توفّي أبو ذرّ سنة 32 ه (2) . وتحقّق ما كان يراه النّبيّ صلى الله عليه و آله في مرآة الزمان ، وما كان يقوله فيه ، وكان قد قال صلى الله عليه و آله : «يَرحَمُ اللّهُ أبا ذَرٍّ ، يَعيشُ وَحدَهُ ، ويَموتُ وَحدَهُ ، ويُحشَرُ وَحدَهُ» (3) . ووصل جماعة من المؤمنين فيهم مالك الأشتر بعد وفاة ذلك الصحابيّ الكبير القائل الحقّ في زمانه ، ووسّدوا جسده النّحيف الثرى باحترام وتبجيل (4) . 5
.
ص: 230
* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام في موضع قبر أمرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما أظَلَّتِ الخَضراءُ ، ولا أَقلَّتِ الغَبراءُ عَلى رَجُلٍ أصدَقَ لهَجَةً مِن أبي ذَرٍّ (1) .* وعن العبّاس :عنه صلى الله عليه و آله :مَن سَرَّهُ أن يَنظُرَ إلى شَبيهِ عيسَى بنِ مَريَمَ خَلقا وخُلقُا ؛ فَلينَظُر إلى أبي ذَرٍّ (2) .دكك : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :سنن الترمذي عن أبي ذرّ :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما أظَلَّتِ الخَضراءُ ، ولا أقَلَّتِ الغَبراءُ مِن ذي لَهجَةٍ أصدَقَ ولا أوفى مِن أبي ذَرّ شِبهِ عيسَى بنِ مَريَمَ عليه السلام . فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ كَالحاسِدِ : يا رَسولَ اللّهِ أ فَنَعرِفُ ذلِكَ لَهُ ؟قالَ : نَعَم ، فَاعرِفوهُ لَهُ (3) .* ومنه عن نافع مولى عمر لهشام :مسند ابن حنبل عن بريدة :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ مِن أصحابي أربَعَةً ، أخبَرَني أنَّهُ يُحِبُّهُم ، وأمَرَني أن اُحِبَّهُم . قالوا : مَن هُم يا رَسولَ اللّهِ ؟
قالَ : إنَّ عَلِيّا مِنهُم ، وأبو ذَرٍّ الغِفارِيُّ ، وسَلمانُ الفارِسِيُّ ، وَالمِقدادُ بنُ الأَسوَدِ الكِندِيُّ (4) .* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام :أنساب الأشراف :لَمّا أعطى عُثمانُ مَروانَ بنُ الحَكَمِ ما أعطاهُ ، وأعطَى الحارِثَ بنَ الحَكَمِ بنِ أبي العاصِ ثَلاثَمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ ، وأعطى زَيدَ بنَ ثابِتٍ الأَنصارِيَّ مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ ، جَعَلَ أبو ذَرٍّ يَقولُ : بَشِّرِ الكانِزينَ بِعَذابٍ أليمٍ ، ويَتلو قَولَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : .
ص: 231
* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام : «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ» الآية (1) .
فَرَفَعَ ذلِكَ مَروانُ بنُ الحَكَمِ إلى عُثمانَ ، فَأَرسَلَ إلى أبي ذَرٍّ ناتِلاً مَولاهُ أنِ انتَهِ عَمّا يَبلُغُني عَنكَ ، فَقالَ : أ يَنهاني عُثمان عَن قِراءَةِ كِتابِ اللّهِ ، وعَيبِ مَن تَرَكَ أمرَ اللّهِ ؟ ! فَوَاللّهِ لَأَن اُرضِيَ اللّهَ بِسخَطِ عُثمانَ أحَبُّ إلَيَّ وخَيرٌ لي مِن أن اُسخِطَ اللّهَ بِرِضاهُ . فَأَغضَبَ عُثمانَ ذلِكَ وأحفَظَهُ (2) ، فَتَصابَرَ وكَفَّ .
وقالَ عُثمانُ يَوما : أ يَجوزُ لِلإِمامِ أن يَأخُذَ مِنَ المالِ ، فَإِذا أيسَرَ قَضى ؟ فَقالَ كَعبُ الأَحبارِ : لا بَأسَ بِذلِكَ !فَقالَ أبو ذَرٍّ : يَابنَ اليَهودِيَّينِ ! أ تُعَلِّمُنا دينَنا ؟ ! فَقالَ عُثمانُ : ما أكثَرَ أذاكَ لي ، وأولَعَكَ بِأَصحابي ! (3)دكن : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في فاطمة عليهااأنساب الأشراف عن كميل بن زياد :كُنتُ بِالمَدينَةِ حينَ أمَرَ عُثمانُ أبا ذَرٍّ بِاللَّحاقِ بِالشّامِ ، وكُنتُ بِها فِي العامِ المُقبِلِ حينَ سَيَّرَهُ إلَى الرَّبَذَةِ (4) .* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :تاريخ اليعقوبي :بَلَغَ عُثمانَ أيضا أنَّ أبا ذَرٍّ يَقَعُ فيهِ ، ويَذكُرُ ما غَيَّرَ وبَدَّلَ مِن سُنَنِ رَسولِ اللّهِ ، وسُنَنِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ، فَسَيَّرَهُ إلَى الشّامِ إلى مُعاوِيَةَ ، وكان يَجلِسُ فِي المَسجدِ ، فَيقولُ كَما كانَ يَقولُ ، ويَجتَمِعُ إلَيهِ النّاسُ ، حَتّى كَثُرَ مَن يَجتَمِعُ إلَيهِ ويَسمَعُ مِنهُ .
وكانَ يَقِفُ عَلى بابِ دِمَشقَ إذا صَلّى صَلاةَ الصُّبحِ ، فَيَقولُ : جاءَتِ القِطارُ تَحمِلُ النّارَ ، لَعَنَ اللّهُ الآمِرينَ بِالمَعروفِ وَالتّارِكينَ لَهُ ، ولَعَنَ اللّهُ النّاهينَ عَنِ المُنكَرِ وَالآتينَ لَهُ . .
ص: 232
* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :وكَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى عُثمانَ : إنَّكَ قَد أفسَدتَ الشّامَ عَلى نَفسِكَ بِأَبي ذَرٍّ ، فَكَتَبَ إلَيهِ أنِ احمِلهُ عَلى قَتَبٍ (1) بِغَيرِ وِطاءٍ ، فَقَدِمَ بِهِ إلَى المَدينَةِ ، وقَد ذَهَبَ لَحمُ فَخِذَيهِ ، فَلَمّا دَخَلَ إلَيهِ وعِندَهُ جَماعَةٌ قالَ : بَلَغَني أنَّكَ تَقولُ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ يَقولُ : « إذا كَمُلَت بَنو اُمَيَّةَ ثَلاثينَ رَجُلاً اتَّخَذوا بِلادَ اللّهِ دُوَلاً (2) ، وعِبادَ اللّهِ خَوَلاً (3) ، ودينَ اللّهِ دَغَلاً (4) » فَقالَ : نَعَم ، سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ يَقولُ ذلِكَ .
فَقالَ لَهُم : أ سَمِعتُم رَسولَ اللّهِ يَقولُ ذلِكَ ؟
فَبَعَثَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَأَتاهُ ، فَقالَ : يا أَبا الحَسَنِ ! أ سَمِعتَ رَسَولَ اللّهِ يَقولُ ما حَكاهُ أبو ذَرٍّ ؟ وقَصَّ عَلَيهِ الخَبَرَ . فَقالَ عَلِيٌّ : نَعَم ! قالَ : وكَيفَ تَشهَدُ ؟ قالَ : لِقَولِ رَسولِ اللّهِ : « ما أظَلَّتِ الخَضراءُ ، ولا أقَلَّتِ الغَبراءُ ذا لَهجَةٍ أصدَقَ مِن أبي ذَرٍّ» .
فَلَم يُقِم بِالمَدينَةِ إلّا أيّاما حَتّى أرسَلَ إلَيهِ عُثمانُ : وَاللّهِ لَتَخرُجَنَّ عَنها ! قالَ : أ تُخرِجُني مِن حَرَمِ رَسولِ اللّهِ ؟قالَ : نَعَم ، وأنفُكَ راغِمٌ . قالَ : فَإِلى مَكَّةَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : فَإِلَى البَصرَةِ ؟ قالَ : لا ، قالَ : فَإِلَى الكوفَةِ ؟قالَ : لا ، ولكِن إلى الرَّبَذَةِ الَّتي خَرَجتَ مِنها حَتّى تَموتَ بِها ! يا مَروانُ ، أخرِجهُ ، ولا تَدَع أحَدا يُكَلِّمهُ ، حَتّى يَخرُجَ .
فَأَخرَجَهُ عَلى جَمَلٍ ومَعَهُ امرَأَتُهُ وَابَنَتُهُ ، فَخَرَجَ وَعِليٌّ وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ وعَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ وعَمّارُ بنُ ياسِرٍ يَنظُرونَ ، فَلَمّا رَأى أبو ذَرٍّ عَلِيّا قامَ إلَيهِ فَقَبَّلَ يَدَهُ ثُمَّ بَكَى ، وقالَ : إنّي إذا رَأَيتُكَ ورَأَيتُ وُلدَكَ ذَكَرتُ قَولَ رَسولِ اللّهِ ، فَلَم أصبِر حَتّى .
ص: 233
* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :أبكِيَ ! فَذَهَبَ عَلِيٌّ يُكَلِّمُهُ ، فَقالَ لَهُ مَروانُ : إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ قَد نَهى أن يُكَلِّمَهُ أحَدٌ ، فَرَفَعَ عَلِيٌّ السَّوطَ فَضَرَبَ وَجَهَ ناقَةِ مَروانَ ، وقالَ : تَنَحَّ ، نحّاكَ اللّهُ إلَى النّارِ !
ثُمَّ شَيَّعَهُ ، فَكَلَّمَهُ بِكَلامٍ يَطولُ شَرحُهُ ، وَتَكَلَّمَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ القَومِ وَانصَرَفوا ، وَانصَرَفَ مَروانُ إلى عُثمانَ ، فَجَرى بَينَهُ وبَينَ عَلِيٍّ في هذا بَعضُ الوَحشَةِ ، وتَلاحَيا كَلاما ، فَلَم يَزَل أبو ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ حَتّى تُوُفِّيَ (1) .* وعن أبي ذرّ في النبيّ صلى الله عليه و آله :أنساب الأشراف :كانَ أبو ذرٍّ يُنكِرُ عَلى مُعاوِيَةَ أشياءَ يَفعَلُها ، وبَعَثَ إلَيهِ مُعاوِيَةُ بِثَلاثِمِئَةِ دينارٍ ، فَقالَ : إن كانَت مِن عَطائِيَ الَّذي حَرَمتُمونيهِ عامي هذا قَبِلتُها ، وإن كانَت صِلَةً فَلا حاجَةَ لي فيها .
وبَعَثَ إلَيهِ حَبيبُ بنُ مَسلمَةَ الفِهرِي بِمِئَتَي دينارٍ ، فَقالَ : أ ما وَجَدَتَ أهونَ عَلَيكَ مِنّي حينَ تَبعَثُ إلَيَّ بِمالٍ ؟ورَدَّها .
وبَنى مُعاوِيَةَ الخَضراءَ بِدِمَشقَ ، فَقالَ : يا مُعاوِيَةُ ، إن كانَت هذِهِ الدّارُ مِن مالِ اللّهِ فَهِيَ الخِيانَةُ ، وإن كانَت مِن مالِكَ فَهذا الإِسرافُ . فَسَكَتَ مُعاوِيَةُ (2) .دلج : عن لقمان عليه السلام :أنساب الأشراف :كانَ أبو ذرٍّ يَقولُ : وَاللّهِ لَقَد حَدَثَت أعمالٌ ما أعرِفُها ، وَاللّهِ ما هِيَ في كِتابِ اللّهِ ولا سُنَّةِ نَبِيِّهِ ، وَاللّهِ إنّي لَأَرى حَقّا يُطفَأُ ، وباطِلاً يُحيا ، وصادِقا يُكَذَّبُ ، وأثَرَةً بِغَيرِ تُقى ، وصالِحا مُستَأثَرا عَلَيهِ .
فَقالَ حَبيبُ بنُ مَسلمَةَ لِمُعاوِيَةَ : إنَّ أبا ذَرٍّ مُفسِدٌ عَلَيكَ الشّامَ ، فَتَدارَك أهلَهُ إن كانَت لَكُم بِهِ حاجَةٌ ، فَكَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى عُثمانَ فيهِ ، فَكَتَبَ عُثمانُ إلى مُعاوِيَةَ : أمّا بَعدُ ؛ فَاحمِل جُندَبا إليَّ عَلى أغلَظِ مَركَبٍ وأوعَرِهِ ، فَوَجَّهَ مُعاوِيَةُ مَن سارَ .
ص: 234
دلج : عن لقمان عليه السلام :بِهِ اللَّيلَ وَالنَّهارَ .
فَلَمّا قَدِمَ أبو ذَرٍّ المَدينَةَ جَعَلَ يَقولُ : يَستَعمِلُ الصِّبيانَ ويَحمِي الحِمى ، ويُقَرِّبُ أولادَ الطُّلقاءِ . فَبَعَثَ إلَيهِ عُثمانُ : اِلحَق بِأَيِّ أرضٍ شِئتَ ، فَقالَ : بِمَكَّةَ ، فَقالَ : لا ، قالَ : فَبَيتُ المَقدِسِ ، قالَ : لا ، قالَ : فَبِأَحَدِ المِصرَينِ (1) ، قالَ : لا ، ولكِنّي مُسَيِّرُكَ إلَى الرَّبَذَةِ ، فَسَيَّرَهُ إلَيها ، فَلَم يَزَل بِها حَتّى ماتَ (2) .* وعن أبي جعفر عليه السلام :أنساب الأشراف عن قتادة :تَكَلَّمَ أبو ذَرٍّ بِشَيءٍ كَرِهَهُ عُثمانُ فَكَذَّبَهُ ، فَقالَ : ما ظَنَنتُ أنَّ أحَدا يُكَذِّبُني بَعدَ قَولِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «ما أقَلَّتِ الغَبراءُ ، ولا أطبَقَتِ الخَضراءُ ، عَلى ذي لَهجَةٍ أصدَقَ مِن أبي ذَرٍّ » ! ثُمَّ سَيَّرَهُ إلَى الرَّبَذَةِ .
فَكانَ أبو ذَرٍّ يَقولُ : ما تَرَكَ الحَقُّ لي صَديقا . فَلَمّا سارَ إلَى الرَّبَذَةِ قالَ : رَدَّني عُثمانُ بَعدَ الهِجرَةِ أعرابِيّا ! (3)دلح : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الملائكة :أنساب الأشراف عن إبراهيم التيمي عن أبيه :قُلتُ لِأَبي ذَرٍّ : ما أنزَلَكَ الرَّبَذَةَ ؟ قالَ : نُصحي لِعُثمانَ ومُعاوِيَةَ (4) .دلدل : في الخبر :الأمالي للطوسي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري :لَمّا قَدِمَ أبو ذَرٍّ عَلى عُثمانَ ، قالَ : أخبِرني أيَّ البِلادِ أحَبُّ إلَيكَ ؟ قالَ : مُهاجَري ، فَقالَ : لَستَ بِمُجاوِري . قالَ : فَأَلحَقُ بِحَرَمِ اللّهِ فَأَكونُ فيهِ ، قالَ : لا ، قالَ : فَالكوفَةُ ؛ أرضٌ بِها أصحابُ رسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قالَ : لا ، قالَ : فَلَستُ بِمُختارٍ غَيرَهُنَّ . فَأَمَرَهُ بِالمَسيرِ إلَى الرَّبَذَةِ ، فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّه صلى الله عليه و آله قالَ لي : « اِسمَع وأطِع ، وَانفُذ حَيثُ قادوكَ ، ولَو لِعَبدٍ حَبَشِيٍّ مُجَدَّعٍ » . .
ص: 235
دلدل : في الخبر :فَخَرَجَ إلَى الرَّبَذَةِ ، وأقامَ مُدَّةً ، ثُمَّ أتى إلَى المَدينَةِ ، فَدَخَلَ عَلى عُثمانَ وَالنّاسُ عِندَهُ سِماطَينِ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنَّكَ أخرَجتَني مِن أرضي إلى أرضٍ لَيسَ بِها زَرعٌ ولا ضَرعٌ إلّا شُوَيهاتٌ ، ولَيس لي خادِمٌ إلّا مُحَرَّرَةٌ (1) ، ولا ظِلٌّ يُظِلُّني إلّا ظِلُّ شَجَرَةٍ ، فَأَعطِني خادِما وغُنَيماتٍ أعِش فيها ، فَحَوَّلَ وَجهَهُ عَنهُ ، فَتَحَوَّلَ عَنهُ إلَى السِّماطِ الآخَرِ ، فَقالَ مِثلَ ذلِكَ .
فَقالَ لَهُ حَبيبُ بنُ سَلَمَةَ (2) : لَكَ عِندي يا أبا ذَرٍّ ألفُ دِرهَمٍ وخادِمٌ وخَمسُمِئَةِ شاةٍ ، قالَ أبو ذَرٍّ : أعطِ خادِمَكَ وألفَكَ وشُوَيهاتِكَ مَن هُوَ أحوَجُ إلى ذلِكَ مِنّي ؛ فَإِنّي إنَّما أسأَلُ حَقّي في كِتابِ اللّهِ .
فَجاءَ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَقالَ لَهُ عُثمانُ : أ لا تُغني عَنّا سَفيهَكَ هذا ؟ قالَ : أيُّ سَفيهٍ ؟ قالَ : أبو ذَرٍّ !
قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : لَيسَ بِسَفيهٍ ، سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : « ما أظَلَّتِ الخَضراءُ ، ولا أقَلَّتِ الغَبراءُ ، أصدَقَ لَهجَةً مِن أبي ذَرٍّ » أنزِلهُ بِمَنزِلَةِ مُؤمِنِ آلِ فِرعَونَ ، «وَ إِن يَكُ كَ_ذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ» (3) . قالَ عُثمانُ : التُّرابُ في فيكَ ! قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : بَلِ التُّرابُ في فيكَ ، أنشُدُ بِاللّهِ مَن سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ ذلِكَ لِأَبي ذَرٍّ ، فَقامَ أبو هُرَيرَةَ وَعَشَرَةٌ فَشَهِدوا بِذلِكَ ، فَوَلّى عَلِيٌّ عليه السلام (4) .دلس : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الصلح :الكافي عن أبي جعفر الخثعمي :لَمّا سَيَّرَ عُثمانُ أبا ذَرٍّ إلَى الرَّبَذَةِ شَيَّعَهُ أميرُ المُؤمِنينَ وعَقيلٌ وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ عليهم السلام ، وعَمّارُ بنُ ياسِرٍ ، فَلَمّا كانَ عِندَ الوَداعِ ، قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : يا أبا ذَرٍّ ، إنَّكَ إنَّما غَضِبتَ للّهِِ عَزَّ وجَلَّ ، فَارجُ مَن غَضِبتَ لَهُ . إنَّ .
ص: 236
دلس : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الصلح :القَومَ خافوكَ عَلى دُنياهُم ، وخِفتَهُم عَلى دينِكَ ، فَأَرحَلوكَ عَنِ الفَناءِ وَامتَحَنوكَ بِالبَلاءِ . ووَاللّهِ لَو كانَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ عَلى عَبدٍ رَتقا ، ثُمَّ اتَّقَى اللّهَ عَزَّ وجَلَّ ؛ جَعَلَ لَهُ مِنها مَخرَجا ، فَلا يُؤنِسكَ إلّا الحَقُّ ، ولا يوحِشكَ إلَا الباطِلُ (1) .دلع : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا شَيَّعَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام أبا ذَرٍّ ، وشَيَّعَهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ عليهماالسلام ، وعَقيلُ بنُ أبي طالِبٍ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ ، وعَمّارُ بنُ ياسِرٍ عَلَيهِم سَلامُ اللّهِ ، قالَ لَهُم أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : وَدِّعوا أخاكُم ؛ فَإنِّهُ لابُدَّ لِلشّاخِصِ مِن أن يَمضِيَ ، ولِلمُشَيِّعِ مِن أن يَرجِعَ .
قالَ : فَتَكَلَّمَ كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم عَلى حِيالِهِ ، فَقالَ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام : رَحِمَكَ اللّهُ يا أبا ذَرٍّ ! إنَّ القَومَ إنَّمَا امتَهَنوكَ بِالبَلاءِ ؛ لِأَنَّكَ مَنَعتَهُم دينَكَ ، فَمَنَعوكَ دُنياهُم ، فَما أحوَجَكَ غَدا إلى ما مَنَعتَهُم ، وأغناك عَمّا مَنَعوكَ .
فَقالَ أبو ذَرٍّ : رَحِمَكُمُ اللّهُ مِن أهلِ بَيتٍ ! فَما لي فِي الدُّنيا مِن شَجَنٍ (2) غَيرُكُم ، إنّي إذا ذَكَرتُكُم ذَكَرتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله (3) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الأمالي للمفيد عن أبي جهضم الأزدي عن أبيه_ بَعدَ مُعامَلَةِ عُثمانَ السَّيِّئَةِ مَعَ أبي ذَرٍّ _: بَلَغَ ذلِكَ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام فَبَكى حَتّى بَلَّ لِحيَتَهُ بِدُموعِهِ ، ثُمَّ قالَ : أ هكَذا يُصنَعُ بِصاحِبِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ ! إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ .
ثُمَّ نَهَضَ وَمَعَهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ عليهماالسلام ، وعَبدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ وَالفَضلُ وقُثَمُ وعُبيدُ اللّهِ ، حَتّى لَحِقوا أبا ذَرٍّ ، فَشَيَّعوهُ ، فَلَمّا بَصُرَ بِهِم أبو ذَرٍّ حَنَّ إلَيهِم ، وبَكى .
ص: 237
* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :عَلَيهِم ، وقالَ : بِأَبي وُجوهٌ إذا رَأَيتُها ذَكَرتُ بِها رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وشَمَلَتنِي البَرَكَةُ بِرُؤيَتِها .
ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ إلَى السَّماءِ وقالَ : اللّهُمّ إنّي اُحِبُّهُم ، ولَو قُطِّعتُ إربا إربا في مَحَبَّتِهِم ما زِلتُ عَنهَا ابتغاءَ وَجهِكَ وَالدّارِ الآخِرَةِ ، فَارجِعوا رَحِمَكُمُ اللّهُ ، وَاللّهَ أسأَلُ أن يُخلُفَني فيكُم أحسَنَ الخِلافَةِ . فَوَدَّعَهُ القَومُ ورَجَعوا وهُم يَبكونَ عَلى فِراقِهِ (1) .دلف : في أميرالمؤمنين عليه السلام :تاريخ اليعقوبي :لَم يَزَل أبو ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ حَتّى تُوُفِّيَ ، ولَمّا حَضَرَتهُ الوَفاةُ قالَت لَهُ ابنَتُهُ : إنّي وَحدي في هذَا المَوضِعِ ، وأخافُ أن تَغلِبَني عَلَيكَ السِّباعُ ، فَقالَ : كَلّا إنَّهُ سَيَحضُرُني نَفَرٌ مُؤمِنونَ ، فَانظُري أ تَرَينَ أحَدا ؟ فَقالَت : ما أرى أحَدا ! قالَ : ما حَضَرَ الوَقتُ ، ثُمَّ قالَ : انظُري ، هَل تَرَينَ أحَدا ؟ قالَت : نَعم أرى رَكبا مُقبِلينَ ، فَقالَ : اَللّهُ أكبَرُ ، صَدَقَ اللّهُ ورَسولُهُ ، حَوِّلي وَجهي إلَى القِبلَةِ ، فَإِذا حَضَرَ القَومُ فأقرِئيهِم مِنّي السَّلامَ ، فَإِذا فَرَغوا مِن أمري ، فَاذبَحي لَهُم هذِهِ الشّاةَ ، وقولي لَهُم : أقسَمتُ عَلَيكُم إن بَرِحتمُ حَتّى تَأكُلوا ، ثُمَّ قُضِيَ عَلَيهِ .
فَأَتَى القَومُ ، فَقالَت لَهُمُ الجارِيَةُ : هذا أبو ذَرٍّ صاحِبُ رَسولِ اللّهِ قَد تُوُفِّيَ ، فَنَزَلوا ، وكانوا سَبعَةَ نَفَرٍ ، فيهِم حُذَيفَةُ بنُ اليَمانِ ، وَالأَشتَرُ ، فَبَكَوا بُكاءً شَديدا ، وغَسَّلوهُ ، وكَفَّنوهُ ، وصَلَّوا عَلَيهِ ، ودَفَنوهُ .
ثُمَّ قالَت لَهُم : إنَّهُ يُقسِمُ عَلَيكُم ألّا تَبرَحوا حَتّى تَأكُلوا ، فَذَبَحُوا الشّاةَ وأكَلوا ، ثُمَّ حَمَلُوا ابنَتَهُ حَتّى صاروا بِها إلَى المَدينَةِ (2) .راجع : ج2 ص158 (نفي أبي ذرّ) .
.
ص: 238
5أبو رافِعٍ مَولى رَسولِ اللّهِغَلَبتْ عليه كنيتُه ، واختُلف في اسمه ، فقيل : أسلمُ ؛ وهو أشهر ما قيل فيه ، وقيل : إبراهيم (1) ، وقيل غير ذلك . أحد الوجوه البارزة في التشيّع ، ومن السابقين إلى التأليف والتدوين والعلم ، وأحد صحابة الإمام الأبرار . كان غلاماً للعبّاس عمّ النّبيّ صلى الله عليه و آله (2) ، ثمّ وهبه العبّاس للنبيّ صلى الله عليه و آله (3) . ولمّا أسلم العبّاس وبلّغ أبو رافع رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله بإسلامه أعتقه (4) . شهد أبو رافع حروب النّبيّ صلى الله عليه و آله كلّها إلّا بدراً (5) . ووقف بعده إلى جانب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ثابت العقيدة ولم يفارقه (6) . وهو أحد رواة حديث الغدير (7) . وعُدّ من أبرار الشيعة وصالحيهم (8) . وكان مع الإمام عليه السلام أيضاً في جميع معاركه 9 .
.
ص: 239
وكان مسؤولاً عن بيت ماله عليه السلام بالكوفة (1) . وولداه عبيد اللّه (2) وعليّ (3) من كُتّابه عليه السلام . ولأبي رافع كتاب كبير عنوانه «السُّنن والقضايا والأحكام» (4) ، يشتمل على الفقه في أبوابه المختلفة ، رواه جمع من المحدّثين الكبار وفيهم ولده . وله كتب اُخرى منها كتاب «أقضية أمير المؤمنين» ، و «كتاب الديات» وغيرهما ، ويعتقد بعض العلماء أنّها قاطبةً أبواب ذلك الكتاب الكبير وفصوله (5) . وذهب أبو رافع مع الإمام الحسن عليه السلام إلى المدينة بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (6) . ووضع الإمام الحسن المجتبى عليه السلام نصف بيت أبيه تحت تصرّفه . وروى أبو رافع عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله (7) . وذكر البعض أنّه توفّي سنة 40 ه (8) .
دلك : عن أعرابيّ :رجال النّجاشي عن أبي رافع :دَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ نائِمٌ ، أو يوحى إلَيهِ ، وإذا حَيَّةٌ في جانِبِ البَيتِ ، فَكَرِهتُ أن أقتُلَها فَاُوقِظَهُ ، فَاضطَجَعتُ بَينَهُ وبَينَ الحَيَّةِ ، حَتّى إن كانَ مِنها سوءٌ يَكونُ إلَيَّ دونَهُ ، فَاستَيقَظَ وهُوَ يَتلو هذِهِ الآيَةَ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ .
ص: 240
دلك : عن أعرابيّ :الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» (1) .
ثُمَّ قالَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي أكمَلَ لِعَلِيٍّ عليه السلام مُنيَتَهُ ، وَهنيئا لِعَلِيٍّ عليه السلام بِتَفضيلِ اللّهِ إيّاهُ ، ثُمَّ التَفَتَ ، فَرَآني إلى جانِبِهِ ، فَقالَ : ما أضجُعَكَ هاهُنا يا أبا رافِعٍ ؟ فَأَخبَرتُهُ خَبَرَ الحَيَّةِ ، فَقالَ : قُم إلَيها فَاقتُلها ، فَقَتَلتُها .
ثُمَّ أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدي فَقالَ : يا أبا رافِعٍ كَيفَ أنتَ وقَومٌ يُقاتِلونَ عَلِيّا عليه السلام ؛ هُوَ عَلَى الحَقِّ وهُم عَلَى الباطِلِ ! يَكونُ في حَقِّ اللّهِ جِهادُهُم ، فَمَن لَم يَستَطِع جِهادَهُم فَبِقَلِبهِ ، فَمَن لَم يَستَطِع فَلَيس وَراءَ ذلِكَ شَيءٌ . فَقُلتُ : ادعُ لي إن أدرَكتُهُم أن يُعينَنِي اللّهُ ويُقَوِّيَني عَلى قِتالِهِم ، فَقالَ : اللّهُمَّ إن أدرَكَهُمُ فَقَوِّهِ وأعِنهُ . ثُمَّ خَرَجَ إلَى النّاسِ ، فَقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! مَن أحَبَّ أن يَنظُرَ إلى أميني عَلى نَفسي وأهلي ، فَهذا أبو رافِعٍ أميني عَلى نَفسي (2) .* وسُئِل أبو عبداللّه عليه السلام عن قوله تعالى :رجال النّجاشي عن عون بن عبيد اللّه بن أبي رافع :لَمّا بويعَ عَلِيٌّ عليه السلام وخالَفَهُ مُعاوِيَةُ بِالشّامِ ، وسارَ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ إلَى البَصرَةِ ، قالَ أبو رافعٍ : هذا قَولُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، سَيُقاتِلُ عَلِيّا عليه السلام قَومٌ يَكونُ حَقّا فِي اللّهِ جِهادُهُم .
فَباعَ أرضَهُ بِخَيَبَر ودارَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام وهُوَ شَيخٌ كَبيرٌ لَهُ خَمسٌ وثَمانونَ سَنةً ، وقالَ : الحَمدُ للّهِِ ، لَقَد أصبَحتُ لا أحَدَ بِمَنزِلَتي ، لَقَد بايَعتُ البَيعَتَينِ ؛ بَيعَةَ العَقَبَةِ ، وبَيَعَةَ الرِّضوانِ ، وصَلَّيتُ القِبلَتَيِن ، وهاجَرتُ الهِجَرَ الثَّلاثَ ، قُلتُ : ومَا الهِجَرُ الثَّلاثُ ، قالَ : هاجَرتُ مَعَ جَعَفَر بنِ أبي طالِبٍ إلى أرضِ الحَبَشَةِ ، وهاجَرتُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَى المَدينَةِ ، وهذِهِ الهِجرَةُ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام إلَى الكوفَةِ ، فَلَم يَزَل مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام حَتَّى استُشهِدَ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَرَجَعَ أبو رافِعٍ إلَى المَدينَةِ .
ص: 241
* وسُئِل أبو عبداللّه عليه السلام عن قوله تعالى :مَعَ الحَسَنِ عليه السلام ، ولا دارَ لَهُ بِها ولا أرضَ ، فَقَسَمَ لَهُ الحَسَنُ عليه السلام دارَ عَلِيٍّ عليه السلام بِنِصفَينِ ، وأعطاهُ سُنُحَ (1) ؛ أرضٌ أقطَعَهُ إيّاها ، فَباعَها عُبَيدُ اللّهِ بنُ أبي رافِعٍ مِن مُعاوِيَةَ بِمِئَةِ ألفٍ وسَبعينَ ألفا (2) .راجع : ج2 ص466 (عدم استئثار الأولاد والأقرباء) .
6أبو سَعيدٍ الخُدرِيُّهو سعد بن مالك بن شيبان ، أبو سعيد الأنصاري الخدري ، وهو مشهور بكنيته ، أحد الصحابة (3) والوجوه البارزة المشهورة من الأنصار (4) . وهو من المحدّثين الكبار (5) ، وفي عداد رواة حديث الغدير (6) ، وحديث المنزلة (7) . كان مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في كثير من غزواته (8) ، وبعده كان أحد الثابتين فكريّاً على معرفة الحقّ (9) ، وأحد الراسخين في دعم الحقيقة (10) . ذكره الإمام الصادق عليه السلام بتبجيل وتكريم ، ونصّ على استقامته في طريق الحقّ 11 .
.
ص: 242
لم يترك مرافقة عليٍّ عليه السلام ، وكان إلى جانبه في معركة النّهروان (1) . ودّع الحياة الدنيا سنة 74 ه (2) .
7أبو قَتادَةَ الأَنصارِيُّهو الحارث بن ربعيّ بن بَلْدَمَة ، أبو قتادة الأنصاري الخزرجي ، وهو مشهور بكنيته ، كان من الصحابة (3) . شارك في معركة اُحد وما بعدها من المعارك (4) . وكان أحد الشجعان في جيش النّبيّ صلى الله عليه و آله (5) حتى ذكره صلى الله عليه و آله بأنّه من خيرة المقاتلين . كان من صحابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (6) ، واشترك في جميع حروبه (7) . قال في معركة الجمل قولاً يدلّ على إيمانه العميق ووفائه للإمام عليه السلام (8) . وكان على الرجّالة في النّهروان (9) . وولّاه الإمام عليه السلام على مكّة (10) . توفّي أبو قتادة في أيّام
.
ص: 243
خلافة الإمام عليه السلام (1) .
* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في صفّين :الاستيعاب :إنَّ عَلِيّا لَمّا وَلِيَ الخِلافَةَ عَزَلَ خالِدَ بنَ العاصِي بنِ هِشامِ بنِ المُغيرَةِ المَخزومِيَّ عَن مَكَّةَ ووَلّاها أبا قَتادَةَ الأَنصارِيَّ (2) .* ومنه عن الصادق عليه السلام :تاريخ الطبري عن أبي قتادة_ لِعَلِيٍّ عليه السلام في حَربِ الجَمَلِ _: يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَلَّدني هذَا السَّيفَ وقَد شِمتُهُ (3) فَطالَ شَيمُهُ ، وقَد أنى تَجريدُهُ عَلى هؤُلاءِ القَومِ الظّالِمينَ الَّذينَ لَم يَألُوا الاُمَّةَ غِشّا ؛ فَإِن أحبَبتَ أن تُقَدِّمَني ، فَقَدِّمني (4) .8أبو مَسعودٍ البَدرِيُّهو عُقبَة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود البدري ، وهو مشهور بكنيته . من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله (5) . اشترك في حروبه كلّها إلّا بدرا (6) . عندما تقلّد الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أمر الخلافة ، قام وأثنى عليه ، وعدّ بيعته كبيعة العَقَبة ، و الرضوان ، وحثّ
.
ص: 244
النّاس على بيعته عليه السلام (1) . وحين توجّه الإمام عليه السلام إلى صفّين ، استخلفه على الكوفة (2) . لم يشترك هذا الرجل في حرب من حروب الإمام عليه السلام (3) . مات أبو مسعود سنة 40 ه (4) .
9أبو موسَى الأَشعَرِيُّهو عبد اللّه بن قيس بن سليم ، المشهور بأبي موسى الأشعري . من أهل اليمن (5) ، وأحد صحابة النّبيّ صلى الله عليه و آله (6) . أسلم في مكّة (7) . وكان حَسَنَ الصوت ، واشتهر بالقراءة (8) .
.
ص: 245
ولّاه النّبيّ صلى الله عليه و آله على مناطق من اليمن (1) . وليالبصرة (2) في عهد عمر بعد عزل المغيرة (3) . عندما كان واليا على البصرة ، فتح كثيرا من مناطق إيران ، منها الأهواز (4) ، وتُستَر (5) ، وقمّ (6) ، وأصفهان (7) ، وجُنديسابور (8) . وظلّ واليا على البصرة في أوّل خلافة عثمان (9) ، ثمّ عزله عثمان ونصب مكانه عبد اللّه بن عامر بن كريز (10) الَّذي كان ابن خمس وعشرين سنة (11) . ولمّا ثار أهل الكوفة على عثمان وواليه سعيد بن العاص وطلبوا أبا موسى ،
.
ص: 246
وافق عثمان على ذلك ، وولي أبو موسى الكوفة (1) . وعندما تسلّم أمير المؤمنين عليه السلام مقاليد الخلافة أبقاه في منصبه باقتراح مالك الأشتر (2) . وهو الوالي الوحيد الَّذي ظلّ في منصبه من ولاة عثمان (3) . وكان أبو موسى يثبّط النّاس عن نصرة الإمام عليه السلام في فتنة أصحاب الجمل ، فعزله الإمام (4) ، وأخرجه مالك الأشتر من الكوفة (5) . اعتزل أبو موسى القتال في صفّين (6) وانضمّ إلى القاعدين . ولكن عندما فُرِضَ التحكيم على الإمام عليه السلام ، فُرِضَ أبو موسى عليه أيضا حَكَما بإصرار الأشعث بن قيس والخزرج وبلبلتهم (7) . وكان الإمام عليه السلام يعلم أنّ أبا موسى سيُضيع الحقّ بمكيدة عمرو بن العاص ، وكذلك كان يعتقد أصحابه الأجلّاء كمالك الأشتر ، وابن عبّاس ، والأحنف بن قيس (8) . وفي آخر المطاف انخدع أبو موسى بمكيدة ابن العاص ، وعجز عن
.
ص: 247
استخلاف عبد اللّه بن عمر ، الَّذي كان صهره (1) ، وكان يطمع فيها (2) . لقد وَهِم أبو موسى أنّه عزل عليّا عليه السلام ومعاوية . واستغلّ ابن العاص الفرصة ، وكادَ فأبقى معاوية . وعبّر أبو موسى بحماقته هذه عن دوره المخزي في التاريخ مرّة اُخرى ، وساق المجتمع الإسلامي إلى هاوية الدمار (3) . ويا عجبا ! فإنّ التدقيق في حوار الرجلين يدلّ على أنّ أبا موسى كان غير مطّلع على موضوع التحكيم ، ولم يعلم في الحقيقة كُنه ما يريد أن يُحكّم فيه . لجأ أبو موسى بعد ذلك إلى مكّة (4) . وعندما مَلَكَ معاوية كان يتردّد عليه ، وكان معاوية يحتفي به (5) . وكان أمير المؤمنين عليّ عليه السلام يدعو في صلاته على أبي موسى ، ومعاوية ، وابن العاص (6) . ويدلّ التدبّر في حياة أبي موسى الأشعري وإنعام النّظر فيما ذكرناه أنّه كان ذا «جمود فكري» من جهة ، و «خمود سلوكي» من جهة اُخرى . فلا هو من اُولي الفكر الحركي الفعّال ، ولا هو من أصحاب السعي اللائق المحمود . لقد كان رجلاً ظاهر التنسّك دون الاهتداء بما عليه العقل .
.
ص: 248
مات أبو موسى سنة 42 ه (1) وهو ابن ثلاث وستّين سنةً (2) .
* وعن الصادق عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ أبي موسَى الأَشعَريِّ _: وَاللّهِ ما كانَ عِندي مُؤتَمَنا ولا ناصِحا ، ولَقد كانَ الَّذينَ تَقَدَّمونِي استَولَوا عَلى مَوَدَّتِهِ ، ووَلَّوهُ وسَلَّطوهُ بِالإِمرَةِ عَلَى النّاسِ ، ولَقَد أرَدتُ عَزلَهُ فَسَأَلَنِي الأَشتَرُ فيهِ أن اُقِرَّهُ ، فَأَقرَرتُهُ عَلى كُرهٍ مِنّي لَهُ ، وتَحَمَّلتُ عَلى صَرفِهِ مِن بَعدُ (3) .* وسأل عبدالغفّار السلمي أبا إبراهيم عليه السلاممروج الذهب_ في ذِكرِ حَربِ الجَمَلِ _: كاتَبَ عَلِيٌّ مِنَ الرَّبَذَةِ أبا موسَى الأَشعَرِيَّ لِيَستَنفِرَ النّاسَ ، فَثَبَّطَهُم أبو موسى وقالَ : إنَّما هِيَ فِتنَةٌ ، فَنُمِيَ (4) ذلِكَ إلى عَلِيٍّ ، فَوَلّى عَلَى الكوفَةِ قَرَظَةَ بنَ كَعبٍ الأَنصارِيَّ ، وكَتَبَ إلى أبي موسى : اِعتَزِل عَمَلَنا يَابنَ الحائِكِ مَذموما مَدحورا ، فَما هذا أوِّلُ يَومِنا مِنكَ ، وإنَّ لَكَ فينا لَهَناتٍ وهُنَيّاتٍ (5) .* وعن معاوية لأميرالمؤمنين عليه السلام :سير أعلام النّبلاء عن شقيق :كُنّا مَعَ حُذَيفَةَ جُلوسا ، فَدَخَلَ عَبدُ اللّهِ وأبو موسَى المَسجِدَ ، فَقالَ : أحَدُهُما مُنافِقٌ ، ثُمَّ قالَ : إنَّ أشبَهَ النّاس هَديا ودَلّاً وسَمتا بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَبدُاللّهِ (6) .دمث : في صفته صلى الله عليه و آله :شرح نهج البلاغة :رُوِيَ أنَّ عَمّارا سُئِلَ عَن أبي موسى ، فَقالَ : لَقَد سَمِعتُ فيهِ مِن حُذَيفَةَ .
ص: 249
دمث : في صفته صلى الله عليه و آله :قَولاً عَظيما ، سَمِعتُهُ يَقولُ : صاحِبُ البُرنُسِ (1) الأَسوَدِ ، ثُمَّ كَلَحَ كُلوحا (2) ، عَلِمتُ مِنهُ أنَّهُ كانَ لَيلَةَ العَقَبَةِ بَينَ ذَلِكَ الرَّهطِ (3) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :تاريخ دمشق عن أبي تِحيَى حُكَيّم :كُنتُ جالِسا مَعَ عَمّارٍ ، فَجاءَ أبو موسى فَقالَ : ما لي ولَكَ ؟ قالَ : أ لَستُ أخاكَ ؟ قالَ : ما أدري إلّا أنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَلعَنُكَ لَيلَةَ الجَمَلِ . قالَ : إنَّهُ قَدِ استَغفَرَ لي . قالَ عَمّارٌ : قَد شَهِدتُ اللَّعنَ ، ولَم أشهَدِ الِاستِغفارَ (4) .دمج : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :تاريخ الطبري عن جويرية بن أسماء :قَدِمَ أبو موسى عَلى مُعاوِيَةَ ، فَدَخَلَ عَلَيهِ في بُرنُسٍ أسودَ ، فَقالَ : السَّلامُ عَلَيكَ يا أمينَ اللّهِ ! قالَ : وعَلَيكَ السَّلامُ ، فَلَمّا خَرَجَ قالَ مُعاوِيَةُ : قَدِمَ الشَّيخُ لِاُوَلِّيهُ ، ولا وَاللّهِ لا اُوَلّيهِ (5) .* وعنه عليه السلام :الغارات عن محمّد بن عبد اللّه بن قارب :إنّي عِندَ مُعاوِيَةَ لَجالِسٌ ، إذ جاءَ أبو موسى فَقالَ : السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ! قالَ : وعَلَيكَ السَّلامُ ، فَلَمّا تَولّى قالَ : وَاللّهِ لا يَلي هذا عَلَى اثنَينِ حَتّى يَموتَ (6) .* وعن الصادق عليه السلام في الحيوانات المفترسة :الطبقات الكبرى عن أبي بُردة [ بن أبي موسى ] :دَخَلتُ عَلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ حينَ أصابَتهُ قُرحَتُهُ ، فَقالَ : هَلُمَّ يَابنَ أخي تَحَوَّلَ فَانظُر . قالَ : فَتَحَوَّلتُ ، فَنَظَرتُ ، فَإِذا هِيَ قَد سَبَرَت (7) _ يَعني : قُرحَتُهُ _ فَقُلتُ : لَيسَ عَلَيكَ بَأسٌ . . . إذ دَخَلَ يَزيدُ بنُ .
ص: 250
* وعن الصادق عليه السلام في الحيوانات المفترسة :مُعاوِيَةَ ، فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : إن وَليتَ مِن أمرِ النّاس شَيئا ، فَاستَوصِ بهذا ؛ فَإِنَّ أباهُ كانَ أخا لي _ أو خَليلاً ، أو نَحوَ هذا مِنَ القَولِ _ غَيرَ أنّي قَد رَأَيتُ فِي القِتالِ ما لَم يَرَ (1) .10أبُو الهَيثَمِهو مالك بنُ التَّيِّهانِ بن مالك أبو الهيثم الأنصاري ، وهو مشهور بكنيته . من أوائل الأنصار الذين أسلموا في مكّة قبل هجرة النّبيّ صلى الله عليه و آله (2) . وكان قبل الإسلام موحّداً أيضاً ولم يعبد الأصنام (3) . وشهد مشاهد النّبيّ صلى الله عليه و آله جميعها (4) ، وهو ممّن روى حديث الغدير (5) . وكان من السابقين في معرفة الحقّ بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ إذ سبق إلى معرفة خلافة الحقّ (6) ، ولم يتنازل عنها إلى غيرها (7) ، وهو أحد الإثني عشر الذين احتجّوا في مسجد النّبيّ مدافعين عن الإمام عليه السلام ، ومعارِضين لتغيير مسار الخلافة (8) . وهكذا كان ؛ فقد رافق الإمام عليه السلام منذ بداية تبلور خلافته ، وتصدّى مع عمّار بن ياسر لأخذ البيعة من النّاس (9) .
.
ص: 251
جعله الإمام عليه السلام وعمّارَ بن ياسر على بيت المال . وهو آية على نزاهته (1) . وعندما ذكر الإمامُ عليه السلام بلَوعةٍ وألم _ وهو في وحدته ومحنة نُكول أصحابه وضعفهم _ أحِبَّته الماضين الذين ثبتوا على الطريق ، ذكر فيهم مالك بن التَّيِّهان ، وتأسّف على فقده (2) . واختلف المؤرّخون في وقت وفاته ، لكن يستبين من خطبة الإمام عليه السلام ، الَّتي ذكر فيها اسمه وتأوَّة على فقده وفقد عمّار بن ياسر ، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، قائلاً : « أينَ إخوانِيَ الَّذينَ رَكِبوا الطَّريقَ ومَضَوا عَلَى الحَقِّ ؟ أينَ عَمّارٌ ؟ وأينَ ابنُ التَّيِّهانِ ؟ وأينَ ذُو الشَّهادَتَينِ ؟ وأينَ نُظَراؤُهُم مِن إخوانِهِمُ الَّذينَ تَعاقَدوا عَلَى المَنِيَّةِ ، واُبِردَ بِرُؤوسِهِم إلَى الفَجَرَةِ ؟ » يستبين أنّه استُشهد في صفّين (3) . وبه صرّح ابن أبي الحديد (4) ، والعلّامة التستري (5) .
11الأَحنَفُ بنُ قَيسٍالأحنف بن قيس بن معاوية ، أبو بحر التميمي السعدي ، والأحنف لقب له لحَنَفٍ (6) كان برجله ، واسمه الضحّاك وقيل : صخر ، من كبار تميم (7) . أسلم على عهد
.
ص: 252
النّبيّ صلى الله عليه و آله (1) ، لكنّه لم يَرَهُ (2) . حُمِدَ بالحلم والسيادة ، وربّما أفرط مترجموه في نقل بعض الأمثلة من حلمه وسيادته (3) . وكان الأحنف من اُمراء الجيش في فتح خراسان أيّام عمر (4) . وفتح مَرْو في عصر عثمان (5) . واعتزل الإمامَ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام في حرب الجمل (6) ، فتبعه أربعة آلاف من قبيلته تاركين عائشة (7) ، ودَعته عائشة إلى اللحاق بها ، فلم يُجِب ودحض موقفها بكلام بصير واعٍ (8) . وكان من قادة جيش الإمام عليه السلام في معركة صفّين (9) ، واقترح أن يمثّل الإمام عليه السلام في التحكيم بدل أبي موسى (10) . واعتزل في فتنة ابن الحضرمي ولم يدافع عن الإمام عليه السلام . وكانت سياسته ترتكز على المسامحة والموادعة ، ومسايرة قومه وقبيلته ، والابتعاد عن التوتّر (11) .
.
ص: 253
وكانت له منزلة حسنة عند معاوية (1) ، لكنّه لم يتنازل عن مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والثناء عليه وتعظيمه يومئذٍ (2) . وكاتَبه الإمام الحسين عليه السلام قبل ثورته فلم يُجِبه (3) . وإن صحّ هذا ( أي عدم استجابته لدعاء الإمام عليه السلام ) ؛ فهو دليل على ركونه إلى الدنيا ، وتزعزع عقيدته . وكانت تربطه بمصعب بن الزبير صداقة ، من هنا رافقه في مسيره إلى الكوفة (4) . مات الأحنف سنة 67 ه (5) .
دمغ : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن المبارك :قيل للأحنف بن قيس : بأيّ شيء سوّدك قومك ؟ قال : لو عاب النّاس الماءَ لم أشربه (6) .* وعنه عليه السلام :الجمل_ في ذكر حرب _: بَعَثَ إلَيهِ [ عَلِيٍّ عليه السلام ]الأَحنَفُ بنُ قَيسٍ رَسولاً يَقولُ لَهُ : إنّي مُقيمٌ عَلى طاعَتِكَ في قَومي ؛ فَإِن شِئتَ أتَيتُكَ في مِئَتَينِ مِن أهلِ بَيتي فَعَلتُ ، وإن (7) شِئتَ حَبَستُ عَنكَ أربَعَةَ آلافِ سَيفٍ مِن بَني سَعدٍ .
فَبَعَثَ إلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : بَلِ احبِس وكُفَّ .
فَجَمَعَ الأَحنَفُ قَومَهُ ، فَقالَ : يا بَني سَعدٍ ! كُفّوا عَن هذِهِ الفِتنَةِ ، وَاقعُدوا في بُيوتِكُم ؛ فَإنِ ظَهَرَ أهلُ البَصرَةِ فَهُم إخوانُكُم لَم يُهيِّجوكُم ، وإن ظَهَرَ عَلِيٌّ سَلِمتُم . .
ص: 254
* وعنه عليه السلام :فَكَفّوا وتَرَكُوا القِتالَ (1) .* وفي داود عليه السلام :الجمل :لَمّا جاءَ رَسولُ الأَحنَفِ وقَد قَدِم عَلى عَلِيٍّ عليه السلام بِما بَذَلَ لَهُ مِن كَفِّ قَومِهِ عَنهُ ، قالَ رَجُلٌ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، مَن هذا ؟ قالَ : هذا أدهَى العَرَبِ وخَيرُهُم لِقَومِهِ .
فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : كَذلِكَ هُوَ ، وإنّي لَأَمثَلُ بَينَهُ وبَينَ المُغيرَةِ بنِ شُعبَةَ ؛ لَزِمَ الطّائِفَ ، فَأَقامَ بِها يَنتَظِرُ عَلى مَن تَستَقيمُ الاُمَّةُ ! فَقالَ الرَّجُلُ : إنّي لَأَحسَبُ أنَّ الأَحنَفَ لَأَسرَعُ إلى ما تُحِبُّ مِنَ المُغيرَةِ (2) .دمق : سئل أبو عبداللّه عليه السلام :وقعه صفّين_ في ذِكرِ قَضِيَّةِ إرسالِ الحَكَمَينِ في آخِرِ حَربِ صِفّينَ _: قامَ الأَحنَفُ بنُ قَيسٍ إلى عَلِيٍّ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي خَيَّرتُكَ يَومَ الجَمَلِ أن آتيكَ فيمَن أطاعَني وأكُفَّ عَنكَ بَني سَعدٍ ، فَقُلتَ : كُفَّ قَومَكَ فَكَفى بِكَفِّكَ نَصيرا ، فَأَقَمتُ بِأَمرِكَ . وإنَّ عَبدَ اللّهِ بنَ قَيسٍ رَجُلٌ قَد حَلَبتُ أشطُرَهُ فَوَجَدتهُ قَريبَ القَعرِ كَليلَ المُديَةِ ، وهُوَ رَجُلٌ يَمانٍ ، وقَومُهُ مَعَ مُعاوِيَةَ . وقَد رُمِيتَ بِحَجَرِ الأَرضِ وبِمنَ حارَبَ اللّهَ ورَسولَهُ ، وإنَّ صاحِبَ القَومِ مَن يَنأى حَتّى يَكونَ مَعَ النَّجمِ ، ويَدنو حَتّى يَكونَ في أكُفِّهِم . فَابعَثني ووَاللّهِ لا يَحِلُّ عُقدَةً إلّا عَقَدتُ لَكَ أشَدَّ مِنها . فَإِن قُلتَ : إنّي لَستُ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَابعَث رَجُلاً مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، غَيرَ عَبدِ اللّه بنِ قَيسٍ ، وَابعَثني مَعَهُ . فَقالَ عَلِيٌّ : إنَّ القَومَ أتَوني بِعَبدِ اللّهِ بنِ قَيسٍ مُبَرنَسا ، فَقالُوا : اِبعَث هذا ؛ فَقَد رَضينا بِهِ . وَاللّهُ بالِغُ أمرِهِ (3) .دمل : عن فاطمة عليهاالسلام :وقعة صفّين_ بَعدَ ذِكرِ دَعوَةِ الإِمامِ عليه السلام أهلَ البَصرَةِ لِقِتالِ مُعاوِيَةَ ، وقِراءَةِ ابنِ عَبّاسٍ .
ص: 255
دمل : عن فاطمة عليهاالسلام :كِتابَهُ عليه السلام عَلَيهِم _: فَقامَ الأَحنَفُ بنُ قَيسٍ فَقالَ : نَعَم ، وَاللّهِ لَنُجيبَنَّكَ ، ولَنَخرُجَنَّ مَعَكَ عَلَى العُسرِ وَاليُسرِ ، وَالرِّضا وَالكُرهِ ، نَحتَسِبُ في ذلِكَ الخَيرَ ، وَنأمُلُ مِنَ اللّهِ العَظيمَ مِنَ الأَجرِ (1) .* ومنه عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام في الكوفة :تاريخ دمشق :إنَّ الأَحنَفَ بنَ قَيسٍ دَخَلَ عَلى مُعاوِيَةَ ، فَقالَ : أنتَ الشّاهِرُ عَلَينا سَيفَكَ يومَ صِفّينَ ، وَالمُخَذِّلُ عَن أمِّ المُؤمِنينَ ؟ ! فَقالَ : يا مُعاوِيَةُ ! لا تَرُدَّ الاُمورَ عَلى أدبارِها ؛ فَإِنَّ السُّيوفَ الَّتي قاتَلناكَ بِها عَلى عَواتِقِنا ، وَالقُلوبَ الَّتي أبغَضناكَ بِها بَينَ جَوانِحِنا ، وِاللّهِ لا تَمُدُّ إلَينا شِبرا مِن غَدرٍ إلّا مَدَدنا إلَيكَ ذِراعا مِن خَترٍ (2) ، وإن شِئتَ لَتَستَصفِينَّ كَدَرَ قُلوبِنا بِصَفوٍ مِن عَفوِكَ . قالَ : فَإِنّي أفعَلُ (3) .دملج : في فاطمة عليهاالسلام :العقد الفريد عن أبي الحباب الكندي عن أبيه :إنَّ مُعاوِيَةَ بنَ أبي سُفيانَ بَيَنَما هُوَ جالِسٌ وعِندَهُ وُجوهُ النّاسِ ، إذ دَخَلَ رَجُلٌ مِن أهلِ الشّامِ ، فَقامَ خَطيبا ، فَكانَ آخِرُ كَلامِهِ أن لَعَنَ عَلِيّا ، فَأَطرَقَ النّاسُ ، وتَكَلَّمُ الأَحنَفُ ، فَقالَ :
يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنّ هذَا القائِلَ ما قالَ آنِفا ، لَو يُعلَمُ أنَّ رِضاكَ في لَعنِ المُرسَلينَ لَلَعَنَهُم ! فَاتَّقِ اللّهَ ودَع عَنكَ عَلِيّا ؛ فَقَد لَقِيَ رَبَّهُ ، واُفرِدَ في قَبرِهِ ، وخَلا بِعَمَلِهِ ، وكانَ وَاللّهِ _ ما عَلِمنا _ المُبرِّزَ بِسَبقِهِ ، الطّاهِرَ خُلُقَهُ ، المَيمونَ نَقيبَتَهُ (4) ، العَظيمَ مُصيبَتَهُ . .
ص: 256
دملج : في فاطمة عليهاالسلام :فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : يا أحنَفُ ! لَقَد أغضَيتَ العَينَ عَلَى القَذى ، وقُلتَ بِغَيرِ ما تَرى ، وَايمُ اللّهِ لَتَصعَدَنَّ المِنبَرَ فَلَتَلعَنَّهُ طَوعا أو كَرها ، فَقالَ لَهُ الأَحنَفُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إن تُعفِني فَهُوَ خَيرٌ لَكَ ، وإن تَجبُرني عَلى ذلِكَ فَوَاللّهِ لا تَجري بِهِ شَفَتايَ أبَدا ، قالَ : قُم فَاصعَدِ المِنبَرَ .
قالَ الأَحنَفُ : أمَا وَاللّهِ مَعَ ذلِكَ لاُنصِفَنَّكَ فِي القَولِ وَالفِعلِ .
قالَ : وما أنتَ قائِلٌ يا أحنَفُ إن أنصَفتَني ؟
قالَ : أصعَدُ المِنبَرَ ، فَأَحمَدُ اللّهَ بِما هُوَ أهلُهُ ، واُصَلّي عَلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ أقولُ : أيُّهَا النّاسُ ، إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ مُعاوِيَةَ أمَرَني أن ألعَنَ عَلِيّا ، وإنَّ عَلِيّا ومُعاوِيَةَ اختَلَفا فَاقتَتَلا ، وَادَّعى كُلُّ واحِدِ مِنهُما أنَّهُ بُغِيَ عَلَيهِ وعَلى فِئَتِهِ ؛ فَإِذا دَعَوتُ فَأَمِّنوا رَحِمَكُمُ اللّهُ . ثُمَّ أقولُ :
اللّهُمَّ العَن أنتَ ومَلائِكَتُكُ وأنبِياؤُكَ وجَميعُ خَلِقكَ الباغِيَ مِنهُما عَلى صاحِبِهِ ، وَالعَنِ الفِئَةَ الباغِيَةَ ، اللّهُمَّ العَنهُم لَعنا كَثيرا . أمِّنوا رَحِمَكُم اللّهُ !
يا مُعاوِيَةُ ! لا أزيدُ عَلى هذا ولا أنقُصُ مِنهُ حَرفا ولَو كانَ فيهِ ذَهابُ نَفسي .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : إذَن نُعفيكَ يا أبا بَحرٍ (1) .* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالىعيون الأخبار عن السكن :كَتَبَ الحَسَينُ بنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللّهُ عَنهُما إلَى الأَحنَفِ يَدعوهُ إلى نَفسِهِ فَلَم يَرُدَّ الجَوابَ ، وقالَ : قَد جَرَّبنا آلَ أبِي الحَسَنِ ، فَلَم نَجِد عِندَهُم إيالَةَ (2) لِلمُلكِ ، ولا جَمعا لِلمالِ ، ولا مَكيدَةً فِي الحَربِ (3) . .
ص: 257
12الأَشعَثُ بنُ قَيسٍالأشعث بن قيس بن معديكَرِب الكِندي ، يُكنّى أبا محمّد ، واسمه معديكَرِب (1) . من كبار اليمن ، وأحد الصحابة (2) . عَوِرت عينه في حرب اليرموك (3) . وهو وجه مشبوه مُريب متلوّن ، رديء الطبع ، سيّئ العمل في التاريخ الإسلامي . ارتدّ بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الدِّين واُسِر ، فعفا عنه أبو بكر ، وزوّجه اُخته (4) . وكان أبو بكر يُعرب عن ندمه ، ويتأسّف لعفوه (5) . زوّج بنته لابن عثمان في أيّام خلافته (6) . ونصبه عثمان والياً على آذربايجان (7) . وكان يهبه مئة ألف درهم من خراجها سنويّاً (8) . عزل الإمام عليّ عليه السلام الأشعث عن آذربايجان ، ودعاه إلى المدينة (9) ، فهمّ بالفرار في البداية ، ثمّ قدم المدينة بتوصية أصحابه ، ووافى الإمامَ عليه السلام (10) . تولّى رئاسة قبيلته «كِندة» في حرب صفّين (11) ، وكان على ميمنة
.
ص: 258
الجيش (1) . وتزعّم الأشعث التيّار الَّذي فرض التحكيمَ (2) وفرض أبا موسى الأشعري على الإمام عليه السلام . وعارض اختيارَ ابن عبّاس ومالك الأشتر حكَمَين عن الإمام عليه السلام بصراحة (3) ، ونادى بيمانيّة أحد الحكمين (4) . وله يدٌ في نشوء الخوارج ، كما كان له دور كبير في إيقاد حرب النّهروان مع أنّه كان في جيش الإمام عليه السلام (5) . وهو ممّن كان يعارض الإمام عليه السلام وأعماله داخل الجيش بكلّ ما يستطيع (6) ، حتى عُدَّت مواقفه أصل كلّ فساد واضطراب (7) . وكان شرساً إلى درجة أنّه هدّد الإمامَ عليه السلام مرّةً بالقتل (8) . وسمّاه الإمام عليه السلام منافقاً ، ولعنه (9) . وكان ابن ملجم يتردّد على داره (10) ، وهو الَّذي أشار على المذكور بالإسراع يوم عزمه على قتل الإمام عليه السلام (11) . ونحن وإن لم نمتلك دليلاً تاريخيّا قطعيّا على صلته السرّيّة بمعاوية ، لكن لا بدّ من الالتفات إلى أنّ الأيادي الخفيّة تعمل بحذر تامّ
.
ص: 259
وكتمان شديد ، ولذا لم تنكشف إلّا نادرا . لكن ملفّ جنايات هذا البيت المشؤوم يمكن عدّه وثيقة معتبرة على علقته بل وعلقة اُسرته بأعداء أهل البيت ، وممّا يعزّز ذلك تعبير الإمام عنه بالمنافق . قامت بنته جعدة بسمّ الإمام الحسن عليه السلام (1) . وتولّى ابنه محمّد إلقاء القبض على مسلم بن عقيل بالكوفة ، بعد أن آمنه زوراً ، ثمّ غدر به (2) وكان ابنه الآخر قيس (3) من اُمراء جيش عمر بن سعد في كربلاء ، ولم يقلّ عن أبيه ضعَةً ونذالةً ؛ إذ سلب قطيفة الإمام الحسين عليه السلام فاشتهر ب_ «قيس القطيفة» (4) . هلك الأشعث سنة 40 ه (5) ، فخُتم ملفّ حياته الدَّنِس الملوَّث بالعار .
* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :شرح نهج البلاغة عن الأعمش :إنَّ جَريرا وَالأَشعَثَ خَرَجا إلى جَبّانِ (6) الكوفَةِ ، فَمَرَّ بِهِما ضَبٌّ يَعدو ، وهُما في ذَمِّ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَنادَياه : يا أبا حِسلٍ ، هَلُمَّ يَدَكَ نُبايِعكَ بِالخِلافَةِ ! فَبَلَغَ عَلِيّا عليه السلام قَولُهُما ، فَقالَ : أما إنَّهُما يُحشَرانِ يَومَ القِيامَةِ وإمامُهُما ضَبٌّ (7) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ الأَشعَثَ بنَ قَيسٍ شَرِكَ في دَمِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وَابنَتُهُ جَعدَةُ سَمَّتِ الحَسَنَ عليه السلام ، ومُحَمَّدٌ ابنُهُ شَرِكَ في دَمِ الحُسَينِ عليه السلام (8) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الجنّة :تاريخ دمشق عن إبراهيم :اِرتَدَّ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ وناسٌ مِنَ العَرَبِ لَمّا ماتَ .
ص: 260
* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الجنّة :نَبِيُّ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالوا : نُصَلّي ولا نُؤُدِّي الزَّكاةَ ، فَأَبى عَلَيهِم أبو بَكرٍ ذلِكَ ، قالَ : لا أحُلُّ عُقدَةً عَقَدَها (1) رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولا أعقِدُ عُقدَةً حَلَّها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولا أنقُصُكُم شَيئا مِمّا أخَذَ مِنكُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولَاُجاهِدَنَّكُم ، ولَو مَنَعتُموني (2) عِقالاً مِمّا أخَذَ مِنكُم نَبِيُّ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، لَجاهَدتُكُم عَلَيهِ ، ثُمَّ قَرَأَ : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ» (3) الآيَةَ .
فَتَحَصَّنَ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ هُوَ وناسٌ مِن قَومِهِ في حصِنٍ ، فَقالَ الأَشعَثُ : اِجعَلوا لِسَبعينَ مِنّا أمانا ، فَجُعِلَ لَهُم ، فَنَزَلَ بَعدَ سَبعينَ ، ولَم يُدخِل نَفسَهُ فيهِم ، فَقالَ أبو بَكرٍ : إنَّهُ لا أمانَ لَكَ ، إنّا قاتِلوكَ ، قالَ : أفَلا أدُلُّكَ عَلى خَيرٍ مِن ذلِكَ ؟ تَستَعينُ بي عَلى عَدُوِّكَ ، وتُزَوِّجُني اُختَكَ ، فَفَعَلَ (4) .* وسئِل أميرالمؤمنين عليه السلام :الأخبار الطوال :كانَ [ الأَشعَثُ ] مُقيما بِأَذرَبيجانَ طولَ وِلايَةِ عُثمانَ بنِ عَفّانَ ، وكانَت وِلايَتُهُ مِمّا عَتَبَ النّاسُ فيهِ عَلى عُثمانَ ؛ لِأَنَّهُ وَلّاهُ عِندَ مُصاهَرَتِهِ إيّاهُ ، وتَزويجِ ابنَةِ الأَشعَثِ مِنِ ابنِهِ (5) .* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابه إلَى الأَشعَثِ بنِ قَيسٍ عامِلِ أذرَبيجانَ _: وإنَّ عَمَلَكَ لَيسَ لَكَ بِطُعمَةٍ ، ولكِنَّهُ في عُنُقِكَ أمانَةٌ ، وأنتَ مُستَرعىً لِمَن فَوقَكَ ، لَيسَ لَكَ أن تَفتَاتَ (6) في رَعِيَّةٍ ، ولا تُخاطِرَ إلّا بِوَثيقَةٍ ، وفي يَدَيكَ مالٌ مِن مالِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، وأنتَ مِن خُزّانِهِ .
ص: 261
* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :حَتّى تُسَلِّمَهُ إلَيَّ ، ولَعَلّي ألّا أكونَ شَرَّ وُلاتِكَ لَكَ ، وَالسَّلامُ (1) .* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :وقعة صفّين عن الأشعث بن قيس_ مِن خُطبَتِهِ في أذربيجانَ بَعدَ بَيعَةِ النّاسِ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام _: أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عُثمانَ وَلّاني أذرَبيجانَ ، فَهَلَكَ وهِيَ في يَدي ، وقَد بايَعَ النّاسُ عَلِيّا ، وطاعَتُنا لَهُ كَطاعَةِ مَن كانَ قَبلَهُ ، وقَد كانَ مِن أمرِهِ وأمرِ طَلحَةَ وَالزُّبَيرِ ما قَد بَلَغَكُم ، وعَلِيٌّ المَأمونُ عَلى ما غابَ عَنّا وعَنكُم مِن ذلِكَ الأَمرِ .
فَلَمّا أتى مَنزِلَهُ دَعا أصحابَهُ فَقالَ : إنَّ كِتابَ عَلِيٍّ قَد أوحَشَني ، وهُوَ آخِذٌ بِمالِ أذرَبيجانَ ، وأنَا لاحِقٌ بِمُعاوِيَةَ .
فَقالَ القَومُ : المَوتُ خَيرٌ لَكَ مِن ذلِكَ ، أَ تَدَعُ مِصرَكَ وجَماعَةَ قَومِكَ وتَكونُ ذَنَبا لِأَهلِ الشّامِ ؟ !
فَاستَحيى فَسارَ حَتّى قَدِمَ عَلى عَلِيّ (2) .دما : في صفته صلى الله عليه و آله :تاريخ اليعقوبي_ في كِتابَةِ وَثيقَةِ التَّحكيمِ وَاختِلافِهِم في تَقديمِ الإِمامِ وتَسمِيَتِهِ بِإمرَةِ المُؤمِنينَ _: فَقالَ أبُو الأَعوَرِ السُّلَميُّ : لا نُقَدِّمُ عَلِيّا ، وقالَ أصحابُ عَلِيٍّ : ولا نُغيّرُ اسمَهُ ولا نَكتُبُ إلّا بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ ، فَتَنازَعوا عَلى ذَلِكَ مُنازَعَةَ شَديدَةً حَتّى تَضارَبوا بِالأَيدي ، فَقالَ الأَشعَثُ : اُمحوا هذا الاِسمَ ، فَقالَ لَهُ الأَشتَرُ : وَاللّهِ _ يا أعوَرُ ! _ لَهَمَمتُ أن أملَأَ سَيفي مِنكَ ، فَلَقد قَتَلتُ قَوما ما هُم شَرٌّ مِنكَ ، وإنّي أعلَمُ أنَّكَ ما تُحاوِلُ إلّا الفِتنَةَ ، وما تَدورُ إلّا عَلَى الدُّنيا وإيثارِها عَلَى الآخِرَةِ ! (3)* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله في عقيقة الحسن عالإمام عليّ عليه السلام :أمّا هذَا الأَعوَرُ _ يَعنِي الأَشعَثَ _ فَإِنَّ اللّهَ لَم يَرفَع شَرَفا إلّا حَسَدَهُ ، ولا أظهَرَ فَضلاً إلّا عابَهُ ، وهُوَ يُمَنّي نَفسَهُ ويَخدَعُها ، يَخافُ ويَرجو ، فَهُوَ بَينَهُما لا يَثِقُ .
ص: 262
* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله في عقيقة الحسن عبِواحِدٍ مِنهُما ، وقَد مَنَّ اللّهُ عَلَيهِ بِأَن جَعَلَهُ جَبانا ، ولَو كانَ شُجاعا لَقَتَلَهُ الحَقُّ (1) .* وعنه صلى الله عليه و آله في بيعة الأنصار :الإمام الصادق عليه السلام :حَدَّثَتنِي امرَأَةٌ مِنّا ، قالَت : رَأَيتُ الأشعَثَ بنَ قَيسٍ دَخَلَ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فَأَغلَظَ لَهُ عَلِيٌّ ، فَعَرَضَ لَهُ الأَشعَثُ بِأَن يَفتِكَ بِهِ .
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : أبِالمَوتِ تُهَدِّدُني ؟ ! فَوَاللّهِ ما اُبالي وَقَعتُ عَلَى المَوتِ ، أو وَقَعَ المَوتُ عَلَيَّ (2) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام لابن عبّاس :تاريخ دمشق عن قيس بن أبي حازم :دَخَلَ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ عَلى عَلِيٍّ في شَيءٍ ، فَتَهَدَّدَهُ بِالمَوتِ ، فَقالَ عَلِيٌّ : بِالمَوتِ فَتُهَدِّدُني ! ما اُبالي سَقَطَ عَلَيَّ أو سَقَطتُ عَلَيهِ . هاتوا لَهُ جامِعَةً وقَيدا ، ثُمَّ أومَأَ إلى أصحابِهِ فَطَلَبوا إلَيهِ فيهِ ، قالَ : فَتَرَكَهُ (3) .* وعنه عليه السلام في مدح هَمْدان :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ قالَهُ لِلأَشعَثِ بنِ قَيسٍ وهُوَ عَلى مِنبَرِ الكوفَةِ يَخطُبُ ، فَمَضى في بَعضِ كَلامِه شَيءٌ اعتَرَضَهُ الأَشعثُ فيهِ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هذِهِ عَلَيكَ لا لَكَ ، فَخَفَضَ عليه السلام إلَيهِ بَصَرَهُ ثُمَّ قالَ _: ما يُدريكَ ما عَلَيَّ مِمّا لي ؟ عَلَيكَ لَعنَةُ اللّهِ ولَعنَةُ اللاعِنينَ ! حائِكٌ ابنُ حائِكٍ ! مُنافِقٌ ابنُ كافِرٍ ! وَاللّهِ لَقَد أسَرَكَ الكُفرُ مَرَّةً وَالإِسلامُ اُخرى ! فَما فَداكَ مِن واحِدَةٍ مِنهُما مالُكَ ولا حَسَبُكَ ! وإنَّ امرَأً دَلَّ عَلى قَومِهِ السَّيفَ ، وساقَ إلَيهِمُ الحَتفَ ، لَحَرِيٌّ أن يَمقُتَهُ الأَقرَبُ ، ولا يَأمَنَهُ الأَبعَدُ ! 4 .
ص: 263
دندن : في الخبر :شرح نهج البلاغة :كُلُّ فَسادٍ كانَ في خِلافَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وكُلُّ اضطِرابٍ حَدَثَ فَأَصلُهُ الأَشعَثُ ، ولَولا مُحاقَّتُهُ (1) أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام في مَعنَى الحُكومَةِ في هذه المَرَّةِ لَم تَكُن حَربُ النَّهرَوانِ ، ولَكانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَنهَضُ بِهِم إلى مُعاوِيَةَ ، ويَملِكُ الشّامَ ؛ فَإنَّهُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ حاوَلَ أن يَسلُكَ مَعَهُم مَسلَكَ التَّعريضِ وَالموارَبَةِ (2) .
وفِي المَثَلِ النَّبَوِيِّ صَلَواتُ اللّهِ عَلى قائِلِهِ : « الحَربُ خُدعَةٌ » ، وذاكَ أنَّهُم قالوا لَهُ : تُب إلَى اللّهِ مِمّا فَعَلتَ كَما تُبنا نَنهَض مَعَكَ إلى حَربِ أهلِ الشّامِ ، فَقالَ لَهُم كَلِمَةً مُجمَلَةً مُرسَلَةً يَقولُهَا الأَنبِياءُ وَالمَعصومونَ ، وهِيَ قَولُهُ : « أستَغفِرُ اللّهَ مِن كُلِّ ذَنبٍ » ، فَرَضوا بِها ، وعَدّوها إجابَةً لَهُم إلى سُؤلِهِم ، وصَفَت لَهُ عليه السلام نِيّاتُهُم ، وَاستَخلَصَ بِها ضَمائِرَهُم ، مِن غَيرِ أن تَتَضَمَّنَ تِلَكَ الكَلِمَةُ اعتِرافا بِكُفرٍ أو ذَنبٍ .
فَلَم يَترُكهُ الأَشعَثُ ، وجاءَ إلَيهِ مُستَفسِرا وكاشِفا عَنِ الحالِ ، وهاتِكا سِترَ التَّوِريَةِ وَالكِنايَةِ ، ومُخرِجا لَها مِن ظُلمَةِ الإِجمالِ وسِترِ الحيلَةِ إلى تَفسيرِها بِما يُفسِدُ التّدبيرَ ، ويُوغِرُ الصُّدورَ ، ويُعيدُ الفِتنَةَ ، ولَم يَستَفسِرهُ عليه السلام عَنها إلّا بِحُضورِ مَن لا يُمكِنُهُ أن يَجعَلَها مَعَهُ هُدنَةً عَلى دَخَن (3) ، ولا تَرقيقا عَن صَبوحٍ (4) ، وألجَأَهُ بِتَضييقِ .
ص: 264
دندن : في الخبر :الخِناقِ عَلَيهِ إلى أن يَكشِفَ ما في نَفسِهِ ، ولا يَترُكَ الكَلِمَةَ عَلَى احتِمالِها ، ولا يَطويها عَلى غَرِّها (1) ، فَخَطَبَ بِما صَدَعَ بِهِ عَن صورَةِ ما عِندَهِ مُجاهَرَةً ، فَانتقَضَ ما دَبَّرَهُ ، وعادَتِ الخَوارِجُ إلى شُبهَتِهَا الاُولى ، وراجَعُوا التَّحكيمَ وَالمُروقَ .
وهكَذَا الدُّوَلُ الَّتي تَظهَرُ فيها أماراتُ الاِنقِضاءِ وَالزَّوالِ ، يُتاحُ لَها أمثالُ الأَشعَثِ مِن اُولِي الفَسادِ فِي الأَرضِ « سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَ لَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً» (2) . (3)13أصبَغُ بنُ نُباتَةَأصبغ بن نباتة التَّمِيمي الحنظلي المُجاشِعي . كان من خاصّة الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، ومن الوجوه البارزة بين أصحابه (4) ، وأحد ثقاته عليه السلام (5) ، وهو مشهور بثباته واستقامته على حبّه عليه السلام . وصفته النّصوص التاريخيّة القديمة بأنّه شيعيّ (6) ، وأنّه مشهور بحبّ عليّ عليه السلام . وكان من «شرطة الخميس» (7) ، ومن اُمرائهم (8) . عاهد الإمام عليه السلام
.
ص: 265
على التضحية والفداء والاستشهاد (1) . وشهد معه الجمل ، وصفّين (2) . وكان معدوداً في أنصاره الأوفياء المخلصين . وهو الَّذي روى عهده إلى مالك الأشتر (3) ؛ ذلك العهد العظيم الخالد ! وكان من القلائل الذين اُذن لهم بالحضور عند الإمام عليه السلام بعد ضربته (4) . وعُدّ الأصبغ في أصحاب الإمام الحسن عليه السلام أيضاً (5) .
دنف : عن الكاظم عليه السلام :وقعة صفّين عن عمر بن سعد الأسدي_ في ذِكرِ وَقعَةِ صِفّينَ _: حَرَّضَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أصحابَهُ ، فَقامَ إلَيهِ الأَصبَغُ بنُ نُباتَةَ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! قَدِّمني فِي البَقِيَّةِ مِنَ النّاسِ ؛ فَإِنَّكَ لا تَفقِدُ لِيَ اليَومَ صَبرا ولا نَصرا . أمّا أهلُ الشّامِ فَقَد أصبَنا مِنهُم ، وأمّا نَحنُ فَفينا بَعضُ البَقِيَّةِ ، اِيذَن لي فَأَتَقَدَّمَ ؟ فَقالَ عَلِيٌّ : تَقَدَّم بِاسمِ اللّهِ وَالبَرَكَةِ ، فَتَقَدَّمَ وأخَذَ رايَتَهُ ، فَمَضى وهُوَ يَقولُ :
حَتّى مَتى تَرجُو البَقا يا أصبَغُ
إنَّ الرَّجاءَ بِالقُنوطِ يُدمَغُ أما تَرى أحداثَ دَهرٍ تَنبَغُ
فَادبُغْ هَواكَ ، والأَديمُ يُدبَغُ وَالرُّفقُ فيما قَد تُريدُ أبلَغُ
اَليومَ شُغلٌ وغَدا لا تَفرَغُ
فَرَجَعَ الأَصبَغُ وقَد خَضَبَ سَيفَهُ دَما ورُمحَهُ ، وكانَ شَيخا ناسِكا عابِدا ، وكانَ إذا لَقِيَ القَومُ بَعضُهُم بَعضا يَغمِدُ سَيفَهُ ، وكانَ مِن ذَخائِرِ عَلِيٍّ مِمَّن قَد بايَعَهُ عَلَى المَوتِ ، وكانَ مِن فُرسانِ أهلِ العِراقِ ، وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَضِنُّ بِهِ عَلَى الحَربِ وَالقِتالِ (6) . .
ص: 266
14اُمُّ الفَضَلِ بنتُ الحارِثِهي لبابة بنت الحارث بن حَزْن الهلاليّة ، أمّ الفضل ، وهي زوجة العبّاس بن عبد المطّلب ، واُمّ أكثر بنيه ، وهي اُخت ميمونة زوج النّبيّ صلى الله عليه و آله . يقال : إنّها أوّل امرأة أسلمت بعد خديجة ، روى ابن عبّاس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : « الأَخَواتُ المُؤمِناتُ : مَيمونَةُ بِنتُ الحارِثِ وأُمُّ الفَضلِ [ و ]سَلمى وأسماءُ (1) » .
* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام للمفضّل :الفتوح :كَتَبَت أُمُّ الفَضلِ بِنتُ الحارِثِ إلى عَلِيٍّ رضى الله عنه : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، لِعَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ مِن أُمِّ الفضلِ بِنتِ الحارِثِ ، أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ طَلحَةَ وَالزُّبَيرَ وعائِشَةَ قَد خَرَجوا مِن مَكَّةَ يُريدونَ البَصرَةَ ، وقَدِ استَنفَرُوا النّاسَ إلى حَربِكَ ، ولَم يَخِفَّ مَعَهُم إلى ذلِكَ إلّا مَن كانَ في قَلبِهِ مَرَضٌ ، ويَدُ اللّهِ فَوقَ أيديهِم ، وَالسَّلامُ .
قالَ : ثُمَّ دَفَعَت أُمَّ الفَضلِ هذَا الكِتابَ إلى رَجُلٍ مِن جُهَينَةَ لَهُ عَقلٌ ولِسانٌ ، يُقالُ لَهُ : ظَفرٌ ، فَقالَت : خُذ هذَا الكِتابَ ، وَانظُر أن تَقتُلَ في كُلِّ مَرحَلَةٍ بَعيرا وعَلَيَّ ثَمَنُهُ ، وهذِهِ مِئَةُ دينارٍ قَد جَعَلتُها لَكَ ، فَجُدَّ السَّيرَ حَتّى تَلقى عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ، فَتَدفَعَ إلَيهِ كِتابي هذا .
قالَ : فَسارَ الجُهَنِيُّ سَيراً عَنيفاً حَتّى لَحِقَ أصحابَ عَلِيٍّ رضى الله عنه وهُم عَلى ظَهرِ المَسيرِ ، فَلَمّا نَظَروا إلَيهِ نادَوهُ مِن كُلِّ جانِبٍ : أيُّهَا الرّاكِبُ ما عِندَكَ ؟ فَنادَى الجُهَنِيُّ بِأَعلى صَوتِهِ شِعراً يُخبِرُ فيهِ قُدومَ عائِشَةَ وطَلحَةَ وَالزُّبَيرِ (2) .
.
ص: 267
15اُوَيسٌ القَرَنِيُّهو اُويس بن عامر بن جَزْء المرادي القرني . كان طاهر الفطرة ، سليم الفكرة ، ووجهاً متألّقاً في التاريخ الإسلامي . أسلم على عهد النّبيّ صلى الله عليه و آله ، لكنّه ما رآه (1) . لذا عُدَّ في التابعين . وصفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأنّه أفضل التابعين وأعلاهم شأناً (2) ، وصرّح بأنّه يشفع لخلق كثيرين يوم القيامة (3) . وكان في عداد الزهّاد المشهورين (4) ، وأحد ثمانيتهم المعروفين (5) . لم يكن له حضور مشهور في القضايا الاجتماعيّة ، وكان نَصِباً (6) في العبادة ، ونُقل أنّه ربما أمضى الليل كلّه ساجداً . شهد مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الجمل ، وصفّين (7) ، وعاهده على الشهادة في صفّين . وفيها نال ذلك الوسام بوجهٍ مُدمى (8) ، ودُفن هناك (9) .
.
ص: 268
وقد وصف الإمام موسى بن جعفر عليه السلام اُويساً وصفا يبيّن منزلته الرفيعة ، حين قال : «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ . . . أين حواريّ عليّ بن أبي طالب . . . فيقوم عمرو بن الحمق . . . واُويس القرني » (1) .
* وعن فاطمة عليهاالسلام في عليّ عليه السلام :رسول اللّه صلى الله عليه و آله :خَليلي مِن هذِهِ الاُمَّةِ اُوَيسٌ القَرَنِيُّ (2) .* وعن البزنطي :صحيح مسلم عن اُسير بن جابر :كانَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ إذا أتى عَلَيهِ أمدادُ أهلِ اليَمَنِ ، سَأَلَهُم : أفيكُم اُوَيسُ بنُ عامِرٍ ؟ حَتّى أتى عَلى اُويَسٍ ، فَقالَ : أنتَ اُوَيسُ بنُ عامِرٍ ؟ قالَ : نَعَم ، قالَ : مِن مُرادٍ ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ ؟قالَ : نَعَم ، قالَ : فَكانِ بِكَ بَرَصٌ فَبَرِئتَ مِنهُ إلّا مَوضِعَ دِرهَمٍ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : لَكَ والِدَةٌ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : « يَأتي عَلَيكُم اُويَسُ بنُ عامِرٍ مَع أمدادِ أهلِ اليَمَنِ مِن مُرادٍ ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ ، كانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرِئَ مِنهُ إلّا مَوضِعَ دِرهَمٍ ، لَهُ والِدَةٌ هُوَ بِها بُرٌّ ، لَو أقسَمَ عَلَى اللّهِ لَأَبَرَّهُ ؛ فَإِنِ استَطَعتَ أن يَستَغفِرَ لَكَ فَافعلَ » فَاستَغفِر لي ، فَاستَغفَرَ لَهُ .
فَقالَ لَهُ عُمَرُ : أينَ تُريدُ ؟ قالَ : الكوفَةَ ، قالَ : أ لا أكتُبُ لَكَ إلى عامِلِها ؟ قالَ : أكونُ في غَبراءِ (3) النّاسِ أحَبُّ إلَيَّ .
قالَ : فَلَمّا كانَ مِنَ العامِ المُقِبِل حَجَّ رَجُلٌ مِن أشرافِهِم ، فَوافَقَ عُمَرَ ، فَسَأَلَهُ عَن اُويَسٍ ، قالَ : تَرَكَتُهُ رَثَّ البَيتِ ، قَليلَ المَتاعِ (4) . .
ص: 269
ردع : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في قتل الوليد :المستدرك على الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى :لَمّا كانَ يَومُ صِفّينَ نادى مُنادٍ مِن أصحابِ مُعاوِيَةَ أصحابَ عَلِيٍّ : أفيكُم اُوَيسٌ القَرَنِيُّ ؟ قالوا : نَعَم ، فَضَرَبَ دابَّتَهُ حَتّى دَخَلَ مَعَهُم ، ثُمَّ قالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : « خَيرُ التّابِعينَ اُويَسٌ القَرَنِيُّ » (1) .* وعنه صلى الله عليه و آله :حلية الأولياء عن أصبغ بن زيد :إنَّما مَنَعَ اُوَيسا أن يَقدَمَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِرُّهُ بِاُمِّهِ (2) .* وعنه صلى الله عليه و آله في حديث آخر :خصائص الأئمّة عليهم السلامعن الأصبغ بن نباتة : كُنتُ مَعَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام بِصِفّينَ فَبايَعَهُ تِسعَةٌ وتِسعونَ رَجُلاً ، ثُمَّ قالَ : أينَ تَمامُ المِئَةِ ؟ فَقَد عَهِدَ إلَيَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنَّهُ يُبايِعُني في هذَا اليَومِ مِئَةُ رَجُلٍ . فَقالَ : فَجاءَ رَجُلٌ عَلَيهِ قَباءُ صوفٍ مُتَقلِّدٌ سَيفَينِ ، فَقالَ : هَلُمَّ يَدَكَ اُبايِعكَ ، فَقالَ عَلى ما تُبايِعُني ؟ قالَ : عَلى بَذلِ مُهجَةِ نَفسي دونَكَ . قالَ : ومَن أنتَ ، قالَ : اُويَسٌ القَرَنِيُّ ، فَبايَعَهُ . فَلَم يَزَل يُقاتِلُ بَينَ يَدَيهِ حَتّى قُتِلَ ، فَوُجِدَ فِي الرَجّالَةِ مَقتولاً (3) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الإمام الكاظم عليه السلام :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ . . . يُنادي مُنادٍ : أينَ حَوارِيّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وَصَيِّ مُحَمَّدٍ بنِ عَبدِ اللّهِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَيَقومُ عَمرُو بنُ الحَمِقِ الخُزاعِيُّ ، ومُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ ، وميثَمُ بنُ يَحيَى التَّمّارُ مَولى بَني أسَدٍ ، واُوَيسٌ القَرَنِيُّ (4) . .
ص: 270
* وعن أبي جعفر عليه السلام في رسول اللّه صلى اللهالأمالي للطوسي :قيلَ لِاُويسِ بنِ عامِرٍ القَرَنِيِّ : كَيفَ أصبَحتَ يا أبا عامِرٍ ؟ قالَ : ما ظَنَّكُم بِمَن يَرحَلُ إلَى الآخِرَةِ كُلَّ يَومٍ مَرحَلَةً لا يَدري إذا انقَضى سَفَرُهُ أعَلَى جَنَّةٍ يَرِدُ أم عَلى نارٍ ؟ (1)* وعن أبي إبراهيم عليه السلام في عبدالمطّلب لمّاحلية الأولياء عن أصبغ بن زيد :كانَ اُويَسٌ القَرَنِيُّ إذا أمسى يَقولُ : هذِهِ لَيلَةُ الرُّكوعِ ، فَيَركَعُ حَتّى يُصبِحَ .
وكانَ يَقولُ إذا أمسى : هذِهِ لَيلَةُ السُّجودِ ، فَيَسجُدُ حَتّى يُصبِحَ .
وكانَ إذا أمسى تَصَدَّقَ بِما في بَيتِهِ مِنَ الفَضلِ مِنَ الطَّعامِ وَالثِّيابِ ، ثُمَّ يَقولُ : اللّهُمَّ مَن ماتَ جوعا فَلا تُؤاخِذني بِهِ ، ومَن ماتَ عُريانا فَلا تُؤاخِذني بِهِ (2) .راجع : ج3 ص150 (وصول قوّات الكوفة إلى الإمام) . وص447 (استشهاد اُويس بن عامر القرني) .
16تَميمٌ المازِنِيُّهو تميم بن عمرو (3) المازني الأنصاري أبو حسن [أبو حنش ]عُدّ من الصحابة في المصادر الَّتي ترجمت لهم (4) . ذكره الشيخ الطوسي رحمه اللهفي أصحاب الإمام عليّ عليه السلام ، ونقل أنّ الإمام عليه السلام استعمله على المدينة ، حتى وصل سهل بن حُنَيف (5) .
.
ص: 271
17ثَاِبتُ بنُ قَيسٍثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري الظفري . أحد الصحابة . كان مع النّبيّ صلى الله عليه و آله في اُحد (1) ، ويقال : إنّه جُرح فيها اثني عشر جرحا (2) ، وسمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله «الحاسر» . واشترك في الغزوات الَّتي تلتها أيضا (3) ، وكان ثابت الخُطى ، شديد النّفس (4) . عندما ثار النّاس على عثمان ، واستدعى ولاته على الأمصار إلى المدينة للمشورة ، استخلف سعيد بن العاص والي الكوفة يومئذٍ ثابتا عليها (5) . وذكر المؤرّخون أنّ الإمام عليّا عليه السلام ولّاه على المدائن (6) . وكان معاوية يهابه (7) . وظلّ على المدائن إلى أن استعمل معاوية المغيرة على الكوفة ، فعزله (8) . كان ثابت مع الإمام عليه السلام في حروبه الثلاث 9 .
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام في المتّقين :تاريخ بغداد_ في ذِكرِ ثابِتِ بنِ قَيسِ بنِ الخَطيمِ _: شَهِدَ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله اُحُدا وَالمَشاهِدَ بَعدَها . ويُقالُ : إنَّهُ جُرِحَ يَومَ اُحُدٍ اثنَتَي عَشرَةَ جِراحَةً ، وعاشَ إلى خِلافَةِ مُعاوِيَةَ ، وَاستَعمَلَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عَلَى المَدائِنِ 10 .
.
ص: 272
رخا : عن الصادق عليه السلام :اُسد الغابة :شَهِدَ ثابِتٌ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه الجَمَلَ وصِفّينَ وَالنَّهرَوانَ (1) .* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :تاريخ بغداد عن عبد اللّه بن عمارة بن القدّاح :كان ثابِتُ بنُ قَيسِ بنِ الخَطيمِ شَديدَ النَّفسِ ، وكانَ لَهُ بَلاءٌ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وَاستَعمَلَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عَلَى المَدائِنِ ، فَلَم يَزَل عَلَيها حَتّى قَدِمَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ الكوفَةَ ، وكانَ مُعاوِيَةُ يَتَّقي مَكانَهُ (2) .18جابِرُ بنُ عبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّجابر بن عبد اللّه بن عمرو الأنصاري ، يُكنّى أبا عبد اللّه . صحابيّ ذائع الصِّيت (3) ، عمّر طويلاً . وكان مع أبيه في تلك الليلة التاريخيّة المصيريّة الَّتي عاهد فيها أهل يثرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله على الدفاع عنه ودعمه ونصره ، وبيعتهم هي البيعة المشهورة في التاريخ الإسلامي ب_ «بيعة العقبة الثانية» (4) . ولمّا دخل النّبيّ صلى الله عليه و آله المدينة ، صحبه وشهد معه حروبه (5) ولم يتنازل عن حراسة الحقّ وحمايته بعده صلى الله عليه و آله ، كما لم يدّخر وسعاً في تبيان منزلة عليٍّ عليه السلام والتنويه بها (6) . أثنى الأئمّة عليهم السلام على رفيع مكانته في معرفة مقامهم عليهم السلام ، وعلى وعيه العميق للتيّارات المختلفة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومعارف التشيّع الخاصّة ، وفهمه النّافذ لعمق
.
ص: 273
القرآن . وأشادوا به واحداً من القلّة الذين لم تتفرّق بهم السبل بعد النّبيّ صلى الله عليه و آله ، ولم يستبِقوا الصراط بعده ، بل ظلّوا معتصمين متمسّكين به (1) . قلنا إنّه عمّرطويلاً، لذا ورد اسمه الكريم فيصحابة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام (2) ، والإمام الحسن عليه السلام (3) ، والإمام الحسين عليه السلام (4) ، والإمام السجّاد عليه السلام (5) ، والإمام الباقر عليه السلام (6) ، وهو الَّذي بلّغ الإمام الباقر عليه السلام سلامَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله له (7) . وكان قد شهد صفّين مع الإمام عليه السلام (8) . وهو أوّل من زار قبر الحسين عليه السلام وشهداء كربلاء في اليوم الأربعين من استشهادهم ، وبكى على أبي عبد اللّه كثيراً (9) . والروايات المنقولة عنه بشأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وما اُثر عنه من أخبار تفسيريّة ، ومناظراته ، تدلّ كلّها على ثبات خُطاه ، وسلامة فكره ، وإيمانه العميق ، وعقيدته الراسخة . وصحيفة جابر مشهورة أيضاً (10) ولأنّه لم ينصر عثمان في فتنته ، فقد ختم الحجّاج بن يوسف على يده يريد إذلاله بذلك (11) . فارق جابر الحياة سنة 78ه (12) .
.
ص: 274
* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله في صفة السحاب :علل الشرائع عن أبي الزبير المكّي :رَأَيتُ جابِرا مُتَوَكِّئاً على عَصاهُ وهُوَ يَدورُ في سِكَكِ الأَنصارِ ومَجالِسِهِم ، وهُوَ يَقولُ : عَلِيٌّ خَيرُ البَشَرِ ، فَمَن أبى فَقَد كَفَرَ . يا مَعشَرَ الأَنصارِ ! أدِّبوا أولادَكُم عَلى حُبِّ عَلِيٍّ ، فَمَن أبى فَانظُروا في شَأنِ اُمِّهِ (1) .* ومنه عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام فيالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ جابِرَ بنَ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيَّ كانَ آخِرَ مَن بَقِيَ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وكانَ رَجُلاً مُنقَطِعا إلَينا أهلَ البَيتِ (2) .راجع : ج4 ص626 (جابر بن عبد اللّه الأنصاري) .
19جارِيَةُ بنُ قُدامَةَ السَّعدِيُّجارية بن قدامة التميمي السعدي . كان من صحابة النّبيّ صلى الله عليه و آله (3) ، ومن أنصار عليِّ عليه السلام الأبرار الشجعان (4) . وكان فتيّ القلب ، عميق الرؤية ، ذا شخصيّة رفيعة جعلته ودوداً محبوباً . وكان ثابت القدم في حبّ عليٍّ عليه السلام ، شديداً على أعدائه (5) . ولمّا تقلّد الإمام الخلافة ، أخذ له البيعة في البصرة (6) . وكان من جملة الهائمين
.
ص: 275
بحبّه ، الذين عُرفوا باسم «شرطة الخميس» . وقد شهد مشاهده كلّها بجدٍّ وتفانٍ (1) . وتولّى قيادة قبيلة «سعد» و «رباب» في صفّين . وكان خطيباً مفوَّهاً ، ويشهد على لباقته وبلاغة لسانه محاوراته في صفّين ، وكلماته الجريئة ، وعباراته القويّة الدامغة في قصر معاوية دفاعاً عن إمامه عليه السلام . وجّهه عليّ بن أبي طالب إلى أهل نجران عند ارتدادهم عن الإسلام (2) . بدأت غارات معاوية الظالمة على أطراف العراق بعد معركة النّهروان ، وأشخص عبد اللّه بن عامر الحضرمي إلى البصرة ليأخذ له البيعة من أهلها ، ففعل ذلك واستولى على المدينة ، فوجّه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في البداية أعين بن ضبيعة لإخماد فتنة ابن الحضرمي لكنّه استشهد ليلاً في فراشه ، فأرسل جاريةَ ، فاستعادها بتدبير دقيق وشجاعة محمودة ، فأثنى عليه الإمام عليه السلام (3) . وبعثه عليه السلام في الأيّام الأخيرة من حياته لإطفاء فتنة بسر بن أرطاة الَّذي كان مثالاً لا نظير له في الخبث واللؤم ، وبينا كان جارية في مهمّته هذه استُشهد الإمام عليه السلام . وأخذ جارية البيعة للإمام الحسن عليه السلام من أهل مكّة والمدينة بخُطىً ثابتة ، ووعي عميق للحقّ (4) . وكان جارية ذا سريرة وضيئة ، وروح كبيرة . ولم يخشَ أحداً في إعلان الحقّ
.
ص: 276
قطّ . وهكذا كان ، فقد دافع عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام بحضور معاوية ، وأكّد ثباته على موقفه (1) . وتوفّي هذا الرجل الجليل بعد حكومة يزيد (2) .
* وعن الرضا عليه السلام :تهذيب الكمال عن الفضل بن سويد :وَفَدَ الأَحنَفُ بنُ قَيسٍ ، وجارِيَةُ بنُ قُدامَةَ ، وَالحُبابُ بنُ يَزيدَ المُجاشِعيُّ عَلى مُعاوِيَةَ ، فَقالَ لِجارِيَةَ : يا جارِيَةُ ! أنتَ السّاعي مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وَالموقِدُ النّارَ في شَعلِكَ ، تَجوسُ قُرىً عَرَبِيَّةً تَسفِكُ دِماءَهُم ؟ قالَ جارِيَةُ : يا مُعاوِيَةُ ! دَع عَنكَ عَلِيّا ؛ فَما أبغَضنا عَلِيّا مُذ أحبَبناهُ ، ولا غَشَشناهُ مُذ نَصَحناهُ .
قالَ : وَيحَكَ يا جارِيَةُ ! ما كانَ أهوَنَكَ عَلى أهلِكَ ، إذ سَمَّوكَ جارِيَةَ !
قالَ : أنتَ يا مُعاوِيَةُ كُنتَ أهوَنَ عَلى أهلِكَ إذ سَمَّوكَ مُعاوِيَةَ !
قالَ : لا اُمَّ لَكَ .
قالَ : اُمٌّ ما وَلَدَتني ! إنَّ قوائِمَ السُّيوفِ الَّتي لَقيناكَ بِها بِصِفّينَ في أيدينا .
قالَ : إنَّكَ لَتُهَدِّدُني !
قالَ : إنَّكَ لَم تَملِكنا قَسرَةً ، ولَم تَفتَحنا عَنوَةً (3) ، ولكِن أعطَيتَنا عُهودا ومَواثيقَ ؛ فَإِن وَفَيتَ لَنا وَفَينا لَكَ ، وإن نَزَعتَ إلى غَيرِ ذلِكَ ، فَقَد تَرَكنا وَراءَنا رِجالاً مِدادا (4) ، وأذرُعا شِدادا ، وأسِنَّةً حِدادا ، فَإِن بَسَطتَ إلَينا فِترا مِن غَدرٍ ، دَلَفنا إلَيكَ بِباعٍ مِن خَترٍ (5) . .
ص: 277
* وعن الرضا عليه السلام :قالَ مُعاوِيَةُ : لا كَثَّرَ اللّهُ فِي النّاسِ أمثالَكَ !
قالَ : قُل مَعروفا يا أميرَ المُؤمِنينَ ! فَقَد بَلَونا قُرَيشا ، فَوَجَدناك أوراها زَندا ، وأكثَرَها رِفدا ، فَأرعِنا رُوَيدا ؛ فَإِنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الحُطَمَةُ (1) . (2)راجع : ج1 ص535 _ 546 (هجوم ابن الحضرمي على البصرة) .
20جُعدَةُ بنُ هُبَيرَةَ المَخزومِيُّجعدة بن هبيرة بن أبي وهب القرشي المخزومي ، واُمّه أمّ هانئ بنت أبي طالب . وُلِد على عهد النّبيّ صلى الله عليه و آله ، لكنّه لم يصحبه (3) ، ورآه (4) . أثنى المؤرّخون على استبساله في القتال (5) ، وفقاهته (6) ، وقدرته الخطابيّة (7) . وهو ابن اُخت الإمام عليه السلام (8) ، وصهره (9) .
.
ص: 278
وكان الإمام عليه السلام يحبّه كثيرا ويحتفي به (1) . وحين دخل الكوفة كان معه في داره (2) . وفي حرب صفّين قابل عتبة بن أبي سفيان وتحدّث معه باقتدار كبير ، وأثنى على منزلة الإمام عليه السلام الرفيعة ، وطعن في أبي سفيان بكلّ صلابة (3) ، وجَبُن عتبة في مواجهته إيّاه ، ففرّ منه (4) . وحواره معه آية على وعيه لموقف الإمام الحقّ ، وسفاهة العدوّ ورِجسه . استعمله الإمام عليه السلام على خراسان (5) .وكان بالكوفة عند استشهاد الإمام عليه السلام . وعندما ضُرب الإمام صلّى مكانه (6) . توفّي جعدة في أيّام معاوية (7) .
* وفي الحديث :رجال الكشّي :قالَ لَهُ [ أي لِجُعدَةَ ] عُتبَةُ بنُ أبي سُفيانَ : إنَّما لَكَ هذِهِ الشِّدَّةُ فِي الحَربِ مِن قِبَلِ خالِكَ . فَقالَ لَهُ جُعدَةُ : لَو كانَ خالُكَ مِثلَ خالي لَنَسيتَ أباكَ (8) .* ومنه عن فاطمة عليهاالسلام لأبي بكر :وقعة صفّين :قالَ عُتبَةُ : يا جُعدَةُ ! إنَّهُ وَاللّهِ ما أخرَجَكَ عَلَينا إلّا حُبُّ خالِكَ . . . فَقالَ جُعدَةُ : أمّا حُبّي لِخالي فَوَاللّهِ أن لَو كانَ لَكَ خالٌ مِثلَهُ لَنَسَيتَ أباكَ (9) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :وقعة صفّين عن الأصبغ بن نباتة :إنَّ عَلِيّا لَمّا دَخَلَ الكوفَةَ ، قيلَ لَهُ : أيُّ القَصرَينِ نُنزِلُكَ ؟ .
ص: 279
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :قالَ : قَصرُ الخَبالِ لا تُنزِلونيهِ ! فَنَزَلَ عَلى جُعدَةَ بنِ هُبَيرَةَ المَخزومِيِّ (1) .رحل : في الخبر :المستدرك على الصحيحين عن مصعب بن عبد اللّه الزبيري :قالَ جُعدَةُ :
ومَن ذَا الَّذي يَبأى (2) عَلَيَّ بِخالِهِ
وخالي عَلِيٌّ ذُو النَّدى وعَقيلُ 3(3)21جُندَبُ بنُ عبدِ اللّهِ الأَزدِيُّهو جندب بن كعب بن عبد اللّه الأزدي الغامدي ، وربّما يُنسَب إلى جدّه ويقال : جندب بن عبد اللّه ، وهو جندب الخير ، وأحد جنادب الأزد (4) . وهو من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه و آله (5) والإمام عليّ عليه السلام (6) . وهو قاتل الساحر بالكوفة أيّام عثمان عند إمارة الوليد بن عقبة عليها ، بعدما أخذ يمارس الشعوذة والسحر في مسجد الكوفة ، بحضور الوليد (7) ، فسجنه الوليد ثمّ نفاه إلى المدينة . وقد نُفي إلى الشام أيضاً ومعه مالك الأشتر ورجال آخرون ؛ لأنّهم كانوا يذكرون
.
ص: 280
مساوئ عثمان ومثالبه ، وحضر جُندَب حروب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كلّها (1) .
* وفي صفته صلى الله عليه و آله :الإرشاد عن جندب بن عبد اللّه :دَخَلتُ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ بِالمَدينَةِ بَعدَ بَيعَةِ النّاسِ لِعُثمانَ ، فَوَجَدتُهُ مُطرِقاً كَئيباً ، فَقُلتُ لَهُ : ما أصابَ قَومَكَ ؟
قالَ : صَبرٌ جَميلٌ .
فَقُلتُ لَهُ : سُبحانَ اللّهِ ! وَاللّهِ إنَّكَ لَصَبورٌ !
قالَ : فَأَصنَعُ ماذا ؟
فَقُلتُ : تَقومُ فِي النّاسِ وتَدعوهُم إلى نَفسِكَ ، وتُخبِرُهُم أنَّكَ أولى بالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِالفَضلِ وَالسّابِقَةِ ، وتَسأَلُهُمُ النَّصرَ عَلى هؤُلاءِ المُتَمالِئينَ عَلَيكَ ؛ فَإِن أجابَكَ عَشَرَةٌ مِن مِئَةٍ شَدَدتَ بِالعَشَرَةِ عَلَى المِئَةِ ، فَإِن دانوا لَكَ كانَ ذلِكَ عَلى ما أحبَبتَ ، وإن أبَوا قاتَلتَهُم ؛ فَإِن ظَهَرتَ عَلَيهِم فَهُو سُلطانُ اللّهِ الَّذي آتاهُ نَبِيَّهُ عليه السلام ، وكُنتَ أولى بِهِ مِنهُم ، وإن قُتِلتَ في طَلَبِهِ قُتِلتَ شَهيداً ، وكُنتَ أولى بِالعُذرِ عِندَ اللّهِ ، وأحَقَّ بِميراثِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .
فَقالَ : أ تَراهُ _ يا جُندَبُ _ يُبايِعُني عَشَرَةٌ مِن مِئَةٍ ؟
قُلتُ : أرجو ذلِكَ .
قالَ : لكِنَّني لا أرجو ولا مِن كُلِّ مِئَةٍ اثنَينِ ، وسَاُخبِرُكَ مِن أينَ ذلِكَ ؛ إنَّما يَنظُرُ النّاسُ إلى قُرَيشٍ ، وإنَّ قُرَيشاً تَقولُ : إنَّ آلَ مُحَمَّدٍ يَرَون لَهُم فَضلاً عَلى سائِرِ النّاسِ ، وإنَّهُم أولِياءُ الأَمرِ دونَ قُرَيشٍ ، وإنَّهُم إن وَلوهُ لَم يَخرُج مِنهُم هذَا السُّلطانُ إلى أحَدٍ أبَداً ، ومَتى كانَ في غَيرِهِم تَداوَلتُموهُ بَينُكم ، ولا _ وَاللّهِ _ لا تَدفَعُ قُرَيشٌ إلَينا هذَا السُّلطانَ طائِعينَ أبَداً . .
ص: 281
* وفي صفته صلى الله عليه و آله :قالَ : فَقُلتُ لَهُ : أفَلا أرجِعُ فَاُخبِرَ النّاسَ بِمَقالَتِكَ هذِهِ ، وأدعوهُم إلَيكَ ؟ فَقالَ لي : يا جُندَبُ ، لَيسَ هذا زَمانُ ذاكَ .
قال : فَرَجَعتُ بَعدَ ذلِكَ إلى العِراقِ ، فَكُنتُ كُلَّما ذَكَرتُ لِلنّاسِ شَيئاً مِن فَضائِلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ومَناقِبِهِ وحُقوقِهِ زَبَروني (1) ونَهَروني ، حَتّى رُفِعَ ذلِكَ مِن قَولي إلَى الوَليدِ بنِ عُقبَةَ لَيالِيَ وَلِيَنا ، فَبَعَثَ إلَيَّ فَحَبَسَني حَتّى كُلِّمَ فِيَّ ، فَخَلّى سَبيلي (2) .22جُوَيرِيَةُ بنُ مُسهِرٍجويرية بن مسهر العبدي . من أصحاب الإمام عليه السلام (3) السابقين المقرّبين (4) ، ومن ثقاته (5) . كان عبدا صالحا ، وصديقا للإمام عليه السلام ، وكان الإمام يحبّه (6) . استشهد جويرية في أيّام خلافة معاوية ، حيث قطع زياد يده ورجله ثمّ صلبه (7) .
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :الإرشاد :إنَّ جُوَيرِيَةَ بنَ مُسهِرٍ وَقَفَ عَلى بابِ القَصرِ فَقالَ : أينَ أميرُ المُؤمِنينَ ؟ فَقيلَ لَهُ : نائِمٌ ، فَنادى : أيُّهَا النّائِمُ ! استَيقِظ ، فَوَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، لَتُضرَبَنَّ ضَربَةً عَلى رَأسِكَ تُخضَبُ مِنها لِحيَتُكُ ، كَما أخبَرتَنا بِذلِكَ مِن قَبلُ . فَسَمِعَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَنادى : أقبِل ياجُوَيرِيَةُ حَتّى اُحَدِّثَكَ بِحَديثِكَ .
.
ص: 282
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :فَأَقبَلَ ، فَقالَ : وأنتَ _ وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ _ لَتُعتَلَنَّ إلَى العُتُلِّ الزَّنيمِ (1) ، ولَيَقطَعَنَّ يَدَكَ ورِجلَكَ ، ثُمَّ لَيَصلُبَنَّكَ تَحتَ جِذعٍ كافِرٍ .
فَمَضى عَلى ذلِكَ الدَّهرُ حَتّى وَلِيَ زيادٌ في أيّامِ مُعاوِيَةَ ، فَقَطَعَ يَدَهُ ورِجلَهُ ، ثُمَّ صَلَبَهُ إلى جِذعِ ابنِ مُكَعبَرٍ ، وكانَ جِذعا طَويلاً ، فَكانَ تَحتَهُ (2) .* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام :شرح نهج البلاغة عن حبّة العرني :سِرنا مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام يَوما ، فَالتَفَتَ فَإِذا جُوَيرِيَةُ خَلفَهُ بَعيدا ، فَناداهُ : يا جُوَيرِيَةُ ! اِلحق بي لا أبا لَكَ ! أ لا تَعلَمُ أنّي أهواكَ واُحِبُّكَ ؟ قالَ : فَرَكَضَ نَحوَهُ ، فَقالَ لَهُ : إنّي مُحَدِّثُكَ بِاُمورٍ فَاحفظَها ، ثُمَّ اشتَرَكا فِي الحَديثِ سِرّا ، فَقالَ لَهُ جُوَيرِيَةُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي رَجُلٌ نَسِيٌّ ، فَقالَ لَهُ : إنّي اُعيدُ عَلَيكَ الحَديثَ لِتَحفَظَهُ .
ثُمَّ قالَ لَهُ في آخِرِ ما حَدَّثَهُ إيّاهُ : يا جُوَيرِيَةُ ، أحبِب حَبيبَنا ما أحَبَّنا ، فَإِذا أبغَضَنا فَأبغِضهُ ، وأبغِض بَغيضَنا ما أبغَضَنا ، فَإِذا أحَبَّنا فَأَحِبَّهُ (3) .23الحارِثُ بنُ الرَّبِيعِالحارث بن الربيع بن زياد العبسي ، يُكنّى أبا زياد . استعمله الإمام عليه السلام على المدينة مدّةً . كان من قبيلة مازن بن النّجّار (4) . وكانت له
.
ص: 283
منزلة خاصّة بين قومه في الجاهليّة . عدّه المؤرّخون من المهاجرين الأوّلين نحو رسول اللّه صلى الله عليه و آله (1) .
24الحارِثُ الهَمدانِيُّهو الحارث بن عبد اللّه بن كعب الأعور الهَمْداني الكوفي ، أبو زهير . كان من أصحاب الإمام عليّ (2) والإمام الحسن عليهماالسلام (3) ومن الشيعة الاُوَل (4) ، كثير العلم (5) ، من أفقه النّاس وأفرضهم ، تعلّم الفرائض من الإمام عليّ عليه السلام (6) . كان من وجوه النّاس بالكوفة ، ومن الذين ثاروا على عثمان وطالبوا بعزل سعيد بن العاص (7) وممّن سيّرهم عثمان (8) . توفّي سنة 65 ه بالكوفة (9) .
رجن : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في نوق الالطبقات الكبرى عن علباء بن أحمر :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ خَطَبَ النّاسَ فَقالَ : مَن يَشتَري عِلما بِدِرهَمٍ ؟فَاشتَرَى الحارِثُ الأَعوَرُ صُحُفا بِدِرهَمٍ ، ثُمَّ جاءَ بِها عَلِيّا ، فَكَتَبَ لَهُ عِلما كَثيرا . ثُمَّ إنَّ عَلِيّا خَطَبَ النّاسَ بَعَدُ فَقالَ : يا أهلَ الكوفَةِ !
.
ص: 284
رجن : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في نوق الغَلَبَكُم نِصفُ رَجُلٍ (1) .* وفي شعر الجارود :شرح الأخبار عن أبي الحجاف :بَلَغَني أنَّ الحارِثَ أتى عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام لَيلاً ، فَقالَ لَهُ : يا حارِثُ ما جاءَ بِكَ هذِهِ السّاعَةَ ؟
فَقالَ : حُبُّكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ .
قالَ : وَاللّهِ ما جاءَ بِكَ إلّا حُبّي ؟
قالَ : وَاللّهِ ما جاءَ بي إلّا حُبُّكَ .
قالَ عليه السلام : فَأَبشِر يا حارِثُ ، لَن تَموتَ نَفسٌ تُحِبُّني إلّا رَأَتني حَيثُ تُحِبُّ ، وَاللّهِ لا تَموتُ نَفسٌ تُبغِضُني إلّا رَأَتني حَيثُ تُبغِضُني (2) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :الأمالي للمفيد عن جميل بن صالح :أنشَدَني أبو هاشِمٍ السَّيِّدُ الحِميَرِيُّ (3) :
قَولُ عَلِيٍّ لِحارِثٍ عَجَبٌ
كَم ثَمَّ اُعجوبَةٌ لَهُ حَمَلا يا حارِ هَمدانَ مَن يَمُت يَرَني
مِن مُؤمِنٍ أو مُنافِقٍ قُبُلا يَعرِفُني طَرفُهُ وأعرِفُهُ
بِنَعتِهِ وَاسمِهِ وما عَمِلا وأنتَ عِندَ الصِّراطِ تَعرِفُني
فَلا تَخَف عَثرَةً ولا زَللَا أسقيكَ مِن بارِدٍ عَلى ظَمَاٍ
تَخالُهُ فِي الحَلاوَةِ العَسَلا أقولُ لِلنّارِ حينَ توقِفُ لِل
عَرضِ دَعيهِ لا تَقرَبِي الرَّجُلا دَعيهِ لا تَقربَيهِ إنَّ لَهُ
حَبلاً بِحبَلِ الوَصِيِّ مُتَّصِلا (4) .
ص: 285
25حَبَّةُ بنُ جُوَينٍ العُرَنِيُّحبّة بن جوين بن عليّ البجلي العُرَني ، أبو قدامة ، من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (1) والإمام عليّ عليه السلام (2) ، ومن رواة حديث الغدير (3) . اشترك في حرب الجمل (4) وصفّين (5) والنّهروان (6) مع الإمام عليّ بن أبي طالب (7) . مات في سنة 75 أو 76ه (8) .
26حَبيبُ بنُ مُظاهِرٍ الأَسَدِيُّحبيبُ بن مظاهر (9) الأسدي . من أصحاب الإمام عليّ عليه السلام (10) ومن السابقين والمقرّبين من عليّ عليه السلام (11) ، وهو أيضا من أصحاب الإمام الحسن عليه السلام (12) والإمام الحسين عليه السلام (13)
.
ص: 286
ومن الذين كتب إلى الإمام عليه السلام (1) واشترك في حرب الإمام بقيادة مَيْسر جيشه (2) . استشهد في يوم عاشوراء وطافوا برأسه في البلاد مع بقيّة رؤوس الشهداء (3) .
27حُجرُ بنُ عَدِيٍّحُجْرُ بن عديّ بن معاوية الكندي ، أبو عبد الرحمن ، وهو المعروف بحجر الخير ، وابن الأدبر (4) كان جاهليّاً إسلاميّاً (5) ، وفد على النّبيّ (6) ، وله صحبة (7) . من الوجوه المتألّقة في التاريخ الإسلامي ، ومن القمم الشاهقة الساطعة في التاريخ الشيعي . جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه و آله وأسلم وهو لم يزل شابّاً . وكان من صفاته : تجافيه عن الدنيا ، وزهده ، وكثرة صلاته وصيامه ، واستبساله وشجاعته ، وشرفه ونُبله وكرامته ، وصلاحه وعبادته (8) . وكان معروفاً بالزهد (9) ، مستجاب الدعوة لِما كان يحمله من
.
ص: 287
روح طاهرة ، وقلب سليم ، ونقيبة محمودة ، وسيرة حميدة (1) . ولم يسكت حجر قطّ أمام قتل الحقّ وإحياء الباطل والركون إليه . من هنا ثار على عثمان مع سائر المؤمنين المجاهدين (2) . ولم يألُ جهداً في تحقيق حاكميّة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فعُدّ من خاصّة أصحابه (3) وشيعته (4) المطيعين . اشترك حجر في حروب الإمام عليه السلام . وكان في الجمل (5) قائداً على خيّالة كِنْدة (6) ، وفي صفّين (7) أميراً على قبيلته (8) ، وفي النّهروان قاد ميسرة (9) الجيش أو ميمنته (10) . وكان فصيح اللسان ، نافذ الكلام ، يتحدّث ببلاغة ، ويكشف الحقائق بفصاحة . وآية ذلك كلامه الجميل المتبصّر في تبيان منزلة الإمام عليه السلام (11) . وكان نصير الإمام الوفيّ المخلص ، والمدافع المجدّ عنه . ولمّا أغار الضحّاك بن قيس على العراق ، أمره الإمام عليه السلام بصدّه ، فهزمه حجر ببطولته وشجاعته ،
.
ص: 288
وأجبره على الفرار (1) . اطّلع حجر على مؤامرة قتل الإمام عليه السلام قبل تنفيذها بلحظات ، فحاول بكلّ جهده أن يتدارك الأمر فلم يُفلح (2) . واغتمّ لمقتله كثيراً . وكان من أصحاب الإمام الحسن عليه السلام الغيارى الثابتين (3) . وقد جاش دم غيرته في عروقه حين سمع خبر الصلح ، فاعترض (4) ، فقال له الإمام الحسن عليه السلام : لو كان غيرُك مثلَك لَما أمضيتُه (5) . وكان قلبه يتفطّر ألماً من معاوية . وطالما كان يبرأ من هذا الوجه القبيح لحزب الطلقاء الَّذي تأمّر على المسلمين ، ويدعو عليه مع جمع من الشيعة (6) . وهو الحزب الَّذي كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصفه بأنّه ملعون . وكان حجر يقف للدفاع عن العقيدة وأهل البيت عليهم السلام بلا وجلٍ ، ويُعنّف المغيرة الَّذي كان فرداً في رجسه وقبحه ورذالته ، وقد تسلّط على الكوفة في أثناء حكومة الطلقاء ، وكان يطعن في عليٍّ عليه السلام وشيعته (7) . وضاق معاوية ذرعاً بحجر وبمواقفه وكشفه الحقائق ، وصلابته ، وثباته ، فأمر بقتله وتمّ تنفيذ أمره ، فاستشهد (8) ذلك الرجل الصالح في «مَرْج عذراء (9) » (10) سنة 51 ه ، مع
.
ص: 289
ثلّة من رفاقه (1) . وكان حجر وجيهاً عند النّاس ، وذا شخصيّة محبوبة نافذة ، ومنزلة حسنة ، فكَبُر عليهم استشهاده (2) ، واحتجّوا على معاوية ، وقرّعوه على فعله القبيح هذا . وكان الإمام الحسين عليه السلا (3) ممّن تألّم كثيراً لاستشهاده ، واعترض على معاوية في رسالة بليغة له أثنى فيها ثناءً بالغاً على حجر ، وذكر استفظاعه للظلم ، وذكّر معاوية بنكثه للعهد ، وإراقته دم حجر الطاهر ظلماً وعدواناً . واعترضت عائشة (4) أيضاً على معاوية من خلال ذكرها حديثاً حول شهداء «مرج عذراء» (5) . وكان معاوية _ على ما اتّصف به من فساد الضمير _ يرى قتل حجر من أخطائه ، ويعبّر عن ندمه على ذلك (6) ، وقال عند دنوّ أجله : لو كان ناصحٌ لَمَنعنا من قتله (7) ! وقتل مصعب بن الزبير ولدَي حجر : عبيد اللّه ، وعبد الرحمن صبراً (8) . وكان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد أخبر باستشهاده من قبل ، وشبّه استشهاده
.
ص: 290
وصحبه باستشهاد «أصحاب الاُخدود» (1) .
* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام :الأمالي للطوسي عن ربيعة بن ناجذ_ بَعدَ غارَةِ سُفيانَ بنِ عَوفٍ الغامِدِيِّ وَاستِنفارِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام النّاسَ وتَقاعُدِ أصحابِهِ _: قامَ حُجرُ بنُ عَدِيٍّ وسَعدُ بنُ قَيسٍ فَقالا : لا يَسوؤُكَ اللّهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ! مُرنا بِأَمرِكَ نَتَّبِعهُ ، فَوَاللّهِ العَظيمِ ، ما يَعظُمُ جَزَعُنا عَلى أموالِنا أن تَفَرَّقَ ، ولا عَلى عَشائِرِنا أن تُقتَلَ في طاعَتِكَ (2) .* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :تاريخ اليعقوبي_ في ذِكرِ غارَةِ الضَّحّاكِ عَلى القَطقَطانَةِ (3) ودَعوَتِهِ عليه السلام النّاسَ لِلخُروجِ إلى قِتالِهِ _ : قامَ إلَيهِ حُجرُ بنُ عَدِيٍّ الكِندِيُّ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! لا قَرَّبَ اللّهُ مِنّي إلى الجَنَّةِ مَن لا يُحِبُّ قُربَكَ ، عَلَيكَ بِعادَةِ اللّهِ عِندَكَ ؛ فَإِنَّ الحَقَّ مَنصورٌ ، وَالشَّهادَةُ أفضَلُ الرَّياحينِ ، اُندُب مَعِيَ النّاسَ المُناصِحينَ ، وكُن لي فِئَةً بِكِفايَتِكَ ، وَاللّهُ فِئَةُ الإنسانِ وأهلُهُ ، إنَّ الشَّيطانَ لا يُفارِقُ قُلوبَ أكثَرِ النّاسِ حَتّى تُفارِقُ أرواحُهُم أبدانَهُم .
فَتَهَلَّلَ وأثنى عَلى حُجرٍ جَميلاً ، وقالَ : لا حَرَمَكَ اللّهُ الشَّهادَةَ ؛ فَإِنّي أعلَمُ أنَّكَ مِن رِجالِها (4) .* وأيضا في حديث آخر :وقعة صفّين عن عبد اللّه بن شريك :قامَ حُجرٌ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! نَحنُ بَنُو الحَربِ وأهلُها ، الَّذينَ نُلقِحُها ونَنتِجُها ، قَد ضارَسَتنا وضارَسناها (5) ، ولَنا أعوانٌ ذَوو صَلاحٍ ، وعَشيرَةٌ ذاتُ عَدَدٍ ، ورَأيٌ مُجَرَّبٌ ، وبَأسٌ مَحمودٌ ، وأزِمَّتُنا مُنقادَةٌ لَكَ بِالسَّمعِ وَالطّاعَةِ ؛ فَإِن شَرَّقتَ شَرَّقنا ، وإن غَرَّبت غَرَّبنا ، وما أمَرتَنا بِهِ مِن أمرٍ فَعَلناهُ . .
ص: 291
* وأيضا في حديث آخر :فَقالَ عَلِيٌّ : أكُلُّ قَومِكَ يَرى مِثلَ رَأيِكَ ؟ قالَ : ما رَأَيتُ مِنهُم إلّا حَسَنا ، وهذِهِ يَدي عَنهُم بِالسَّمعِ وَالطّاعَةِ ، وبِحُسِن الإِجابَةِ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ خَيرا (1) .* وعن هند بن أبي هالة في صفته صلى الله عليه و آلهالإمام عليّ عليه السلام :يا أهلَ الكوفَةِ ! سَيُقتَلُ فيكُم سَبعَةُ نَفَرٍ خِيارُكُم ، مَثَلُهُم كَمَثَلِ أصحابِ الاُخدودِ ، مِنهُم حُجرُ بنُ الأَدبَرِ وأصحابُهُ (2) .رجل : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الأموات :الأغاني عن المجالد بن سعيد الهمداني ، والصقعب بن زهير ، وفُضيل بن خديج ، والحسن بن عقبة المرادي . . . :إنَّ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ لَمّا وَلِيَ الكوفَةَ كانَ يَقومُ عَلَى المِنبَرِ ، فَيَذُمُّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ وشيعَتَهُ ، ويَنالُ مِنهُم ، ويَلعَنُ قَتَلَةُ عُثمانَ ، ويَستَغفِرُ لِعُثمان ويُزَكّيهِ ، فَيَقومُ حُجرُ بنُ عَدِيٍّ فَيَقولُ : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّ مِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ» (3) وإنّي أشهَدُ أنَّ مَن تَذُمّونَ أحَقُّ بِالفَضلِ مِمَّن تُطرونَ ، ومَن تُزَكّونَ أحَقُّ بِالذَّمِّ مِمَّن تَعيبونَ . فَيَقولُ لَهُ المُغيرَةُ : يا حُجرُ ! وَيَحَكَ ! اُكفُف مِن هذا ، وَاتَّقِ غَضبَةَ السُّلطانِ وسَطوَتَهُ ؛ فَإِنَّها كَثيرا ما تَقتُلُ مِثلَكَ ، ثُمَّ يَكُفُّ عَنهُ .
فَلَم يَزَل كَذلِكَ حَتّى كانَ المُغيرَةُ يَوما في آخِرِ أيّامِهِ يَخطُبُ عَلَى المِنبَرِ ، فَنالَ مِن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، ولَعَنَهُ ، ولَعَنَ شيعَتَهُ ، فَوَثَبَ حُجرٌ فَنَعَرَ نَعرَةً (4) أسمَعَت كُلَّ مَن كانَ فِي المَسجِدِ وخارِجِهِ . فَقالَ لَهُ : إنَّكَ لا تَدري أيُّهَا الإِنسانُ بِمَن تولِعُ ، أوَهَرِمتَ ! مُر لَنا بِأَعطِياتِنا وأرزاقِنا ؛ فَإنَّكَ قَد حَبَستَها عَنّا ، ولَم يَكُن ذلِكَ لَكَ ولا لِمَن كانَ قَبلَكَ ، وقَد أصبَحتَ مولَعا بِذَمِّ أميرِ المُؤمِنينَ وتَقريظِ المُجرِمينَ .
فَقامَ مَعَهُ أكثَرُ مِن ثَلاثينَ رَجُلاً يَقولونَ : صَدَقَ وَاللّهِ حُجرٌ ! مُر لَنا بِأَعطِياتِنا ؛ فَإِنّا لا نَنتَفِعُ بِقَولِكَ هذا ، ولا يُجدي عَلَينا . وأكثَروا في ذلِكَ . .
ص: 292
رجل : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الأموات :فَنَزَلَ المُغيرَةُ ودَخَلَ القَصرَ ، فَاستَأذَنَ عَلَيهِ قَومُهُ ، ودَخَلوا ولاموهُ فِي احتِمالِهِ حُجرا ، فَقالَ لَهُم : إنّي قَد قَتَلتُهُ . قالَ : وكَيفَ ذلِكَ ؟ ! قالَ : إنَّهُ سَيَأتي أميرٌ بَعدي فَيَحسَبُهُ مِثلي فَيصَنَعُ بِهِ شَبيها بِما تَرَونَهُ ، فَيَأخُذُهُ عِندَ أوَّلِ وَهلَةٍ ، فَيَقتُلُهُ شَرَّ قَتلَةٍ .
إنَّهُ قَدِ اقتَرَبَ أجَلي ، وضَعُفَ عَمَلي ، وما اُحِبُّ أن أبتَدِئَ أهلَ هذَا المِصرِ بِقَتلِ خِيارِهِم ، وسَفكِ دِمائِهِم ، فَيَسعَدوا بِذلِكَ وأشقى ، ويَعِزُّ مُعاوِيَةُ فِي الدُّنيا ، ويَذِلُّ المُغيرَةُ فِي الآخِرَةِ ، سَيَذكُرونَني لَو قَد جَرَّبُوا العُمّالَ (1) .* وعن الصادق عليه السلام :الطبقات الكبرى_ في ذِكرِ أحوالِ حُجرِ بنِ عَدِيٍّ _: ذَكَرَ بَعضُ رُواةِ العِلمِ أنَّهُ وَفَدَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مَعَ أخيهِ هانِئِ بنِ عَدِيٍّ ، وشَهِدَ حُجرٌ القادِسِيَّةَ وَهُوَ الَّذِي افتَتَحَ مَرجَ عَذرا ، وكانَ في ألفَينِ وخَمسِمِئَةٍ مِنَ العَطاءِ . وكانَ مِن أصحابِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وشَهِدَ مَعَهُ الجَمَلَ وصِفّينَ .
فَلَمّا قَدِمَ زِيادُ بنُ أبي سُفيانَ والِيا عَلَى الكوفَةِ دَعا بِحُجرِ بنِ عَدِيٍّ فَقالَ : تَعلَمُ أنّي أعرِفُكَ ، وقَد كُنتُ أنا وإيّاكَ عَلى ما قَد عَلِمتَ _ يَعني مِن حُبِّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ _ وإنَّهُ قَد جاءَ غَيرُ ذلِكَ ، وإنّي أنشُدُكَ اللّهَ أن تُقطِرَ لي مِن دَمِكَ قَطرَةً فَأَستَفرغَهُ كُلَّهُ ، أملِك عَلَيكَ لِسانَكَ ، وليَسَعكَ مَنزِلُكَ . . .
وكانَتِ الشّيعة يَختَلِفونَ إلَيهِ ويَقولونَ : إنَّكَ شَيخُنا وأحَقُّ النّاسِ بِإِنكارِ هذَا الأَمرِ .
وكانَ إذا جاءَ إلَى المَسجِدِ مَشَوا مَعَهُ ، فَأَرسَلَ إلَيهِ عَمرُو بنُ حُرَيثٍ _ وهُوَ يَومَئِذٍ خَليفَةُ زِيادٍ عَلَى الكوفَةِ وزِيادٌ بِالبَصرَةِ _ أبا عَبدِ الرَّحمنِ : ما هذِهِ الجَماعَةُ وقَد أعطَيتَ الأَميرَ مِن نَفسِكَ ما قَد عَلِمتَ ؟ فَقالَ لِلرَّسولِ : تُنكِرونَ ما أنتُم فيهِ ؟ إلَيكَ .
ص: 293
* وعن الصادق عليه السلام :وَراءَكَ أوسَعُ لَكَ ، فَكَتَبَ عَمرُو بنُ حُرَيثٍ بِذلِكَ إلى زِيادٍ ، وكَتَبَ إلَيهِ : إن كانَت لَكَ حاجَةٌ بِالكوفَةِ فَالعَجَلَ . . .
فَأَرسَلَ إلَيهِ الشُّرَطَ وَالبُخارِيَّةَ فَقاتَلَهُم بِمَن مَعَهُ ، ثُمَّ انفَضّوا عَنهُ واُتِيَ بِهِ زِيادا وبِأَصحابِهِ فَقالَ لَهُ : وَيلَكَ ما لَكَ ؟ فَقالَ : إنّي عَلى بَيعَتي لِمُعاوِيَةَ لا اُقيلُها ولا أستَقيلها ، فَجَمَعَ زِيادٌ سَبعينَ مِن وُجوهِ أهلِ الكوفَةِ فَقالَ : اُكتُبوا شَهادَتَكُم عَلى حُجرٍ وأصحابِهِ ، فَفَعَلوا ثُمَّ وَفَدَهُم عَلى مُعاوِيَةَ ، وبَعَثَ بِحُجرٍ وأصحابِهِ إلَيهِ . . . فَقالَ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ : أخرِجوهُم إلى عَذرا فَاقتُلوهُم هُنالِكَ .
قالَ : فَحُمِلوا إلَيها ، فَقالَ حُجرٌ : ما هذِهِ القَرَيةُ ؟ قالوا : عَذراءُ ، قالَ : الحَمدُ للّهِ ! أمَا وَاللّهِ إنّي لَأَوَّلُ مُسلِمٍ نَبَّحَ كِلابَها في سَبيلِ اللّهِ ، ثُمَّ اُتِيَ بِيَ اليَومَ إلَيها مَصفودا . ودُفِعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم إلى رَجُلٍ مِن أهلِ الشّامِ لِيَقتُلَهُ ، ودُفِعَ حُجرٌ إلى رَجُلٍ مِن حِميَرٍ فَقَدَّمَهُ لِيَقتُلَهُ فَقالَ : يا هؤُلاءِ ! دَعوني اُصَلّي رَكعَتَينِ ، فَتَرَكوهُ فَتَوَضَّأَ وصَلّى رَكعَتَينِ ، فَطَوَّلَ فيهِما ، فَقيلَ لَهُ : طَوَّلتَ ، أجَزِعتَ ؟ فَانصَرَفَ فَقالَ : ما تَوَضَّأتُ قَطُ إلّا صَلَّيتُ ، وما صَلَّيتُ صَلاةً قَطُّ أخَفَّ مِن هذِهِ ، ولَئِن جَزِعتُ لَقَد رَأَيتُ سَيفا مَشهورا وكَفَنا مَنشورا وقَبرا مَحفورا .
وكانَت عَشائِرُهُم جاؤوا بِالأَكفانِ وحَفَروا لَهُمُ القُبورَ ، ويُقالَ : بَل مُعاوِيَةُ الَّذي حَفَرَ لَهُمُ القُبورَ وبَعَثَ إلَيِهم بِالأَكفانِ .
وقالَ حُجرٌ : اللّهُمَّ إنّا نَستَعديكَ عَلى اُمَّتِنا ؛ فَإِنَّ أهلَ العِراقِ شَهدوا عَلَينا ، وإنَّ أهلَ الشّامِ قَتَلونا .
قالَ : فَقيلَ لِحُجرٍ : مُدَّ عُنُقَكَ ، فَقالَ : إنَّ ذاكَ لَدَمٌ ما كُنتُ لِاُعينَ عَلَيهِ ، فَقُدِّمَ فَضُرِبَت عُنُقُهُ . . .
عَن مُحَمّدٍ قالَ : لَمّا اُتِيَ بِحُجرٍ فاُمِرَ بِقَتلِهِ ، قالَ : اِدفنِوني في ثِيابي ؛ فَإِنّي .
ص: 294
* وعن الصادق عليه السلام :اُبعَثُ مُخاصِما (1) .* وعنه عليه السلام :تاريخ الطبري عن أبي إسحاق :بَعَثَ زِيادٌ إلى أصحابِ حُجرٍ حَتّى جَمَعَ اثنَي عَشَرَ رَجُلاً فِي السِّجنِ . ثُمَّ إنَّهُ دَعا رُؤوسَ الأَرباعِ ، فَقالَ : اِشهَدوا على حُجرٍ بِما رَأَيتُم مِنهُ . . .
فَشَهِدَ هؤُلاءِ الأَربَعَةُ : أنَّ حُجرا جَمَعَ إلَيهِ الجُموعَ ، وأظهَرَ شَتمَ الخَليفَةِ ، ودَعا إلى حَربِ أميرِ المُؤمِنينَ ، وزَعَمَ أنَّ هذَا الأَمرَ لا يَصلُحُ إلّا في آلِ أبي طالِبٍ (2) .رجف : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الأغاني :كَتَبَ أبو بُردَةَ بنُ أبي موسى : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، هذا ما شَهِدَ عَلَيهِ أبو بُردَةَ بنُ أبي موسى للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ؛ شَهِدَ أنَّ حُجرَ بنَ عَدِيٍّ خَلَعَ الطّاعَةَ ، وفارَقَ الجَماعَةَ ، ولَعَنَ الخَليفَةَ ، ودَعا إلَى الحَربِ وَالفِتنَةِ ، وجَمَعَ إلَيهِ الجُموعَ يَدعوهُم إلى نَكثِ البَيعَةِ ، وخَلَعَ أميرَ المُؤمِنينَ مُعاوِيَةَ ، وكَفَرَ بِاللّهِ كُفرَةً صَلعاءَ (3) .* وعن الصادق عليه السلام :الأغاني :قالَ لَهُم] أي لِحُجْرٍ وأصحابِهِ السِّتَّةِ] رَسولُ مُعاوِيَةَ : إنّا قَد اُمرِنا أن نَعرِضَ عَلَيكُمُ البَراءَةَ مِن عَلِيٍّ واللَّعنَ لَهُ ؛ فَإِن فَعَلتُم هذا تَرَكناكُم ، وإن أبَيتُم قَتَلناكُم ، وَأميرُ المُؤمِنينَ يَزعُمُ أنَّ دِماءَكُم قَد حَلَّت بِشَهادَةِ أهلِ مِصرِكُم عَلَيكُم ، غَيرَ أنَّهُ قَد عَفا عَن ذلِكَ ، فَابرَؤوا مِن هذَا الرَّجِل يُخلِ سَبيلَكُم .
قالوا : لَسنا فاعِلين ، فَأَمَرَ بِقيُودِهِم فَحُلَّت ، واُتِيَ بِأَكفانِهِم فَقامُوا اللَّيلَ كَلَّهُ يُصَلّونَ ، فَلَمّا أصبَحوا قالَ أصحابُ مُعاوِيَةَ : يا هؤُلاءِ ، قَد رَأَيناكُمُ البارِحَةَ أطَلتُمُ الصَّلاةَ ، وأحسَنتُمُ الدُّعاءَ ، فَأَخبِرونا ما قَولُكُم في عُثمانَ ؟ قالوا : هُوَ أوَّلُ مَن جارَ فِي الحُكمِ ، وعَمِلَ بِغَيرِ الحَقِّ . فَقالوا : أميرُ المُؤمِنينَ كانَ أعرَفُ بِكُم . ثُمَّ قاموا إلَيهِم وقالوا : تَبرَؤونَ مِن هذَا الرَّجُلِ ؟ قالوا : بَل نَتَوَلّاهُ (4) . .
ص: 295
* وعن الحسن بن الجهم :الأغاني :قالَ لَهُم حُجرٌ : دَعوني اُصَلّي رَكعَتَينِ ؛ فَإِنّي وَاللّهِ ما تَوَضَّأتُ قَطُّ إلّا صَلَّيتُ ، فَقالوا لَهُ : صَلِّ ، فَصَلّى ثُمَّ انصَرَفَ ، فَقالَ : وَاللّهِ ما صَلَّيتُ صَلاةً قَطُّ أقَصَرَ مِنها ، ولَولا أن يَرَوا أنَّ ما بي جَزَعٌ مِنَ المَوتِ لَأَحبَبتُ أن أستَكثِرَ مِنها .
ثُمَّ قالَ : اللَّهُمَّ إنّا نَستَعديكَ عَلى اُمَّتِنا ؛ فَإِنَّ أهلَ الكوفَةِ قَد شَهِدوا عَلَينا ، وإنَّ أهلَ الشّامِ يَقتُلوننا ، أمَا وَاللّهِ لَئِن قَتَلتُمونا ؛ فَإِنّي أوَّلُ فارِسٍ مِنَ المُسلِمينَ سَلَكَ في واديها ، وأَوّلُ رَجُلٍ مِنَ المُسلِمينَ نَبَحَتهُ كِلابُها .
فَمَشى إلَيهِ هُدبَةُ بنُ الفَيّاضِ الأَعوَرُ بِالسَّيفِ ، فَأَرعَدَت خَصائِلُهُ (1) ، فَقالَ : كَلّا ، زَعَمتَ أنَّكَ لا تَجزَعُ مِنَ المَوتِ ؛ فَإِنّا نَدَعُكَ ، فَابرَأْ مِن صاحِبِكَ ! فَقالَ : ما لي لا أجزَعُ ، وأنَا أرى قَبرا مَحفورا ، وكَفَنا مَنشورا ، وسَيفا مَشهورا ، وإنّي وَاللّهِ إن جَزِعتُ لا أقولُ ما يُسخِطُ الرَّبَّ . فَقَتَلَهُ (2) .* وعنه عليه السلام :الأغاني عن أبي مخنف عن رجاله :فَكانَ مَن قُتِلَ مِنهُم سَبعَةُ نَفَرٍ : حُجرُ بنُ عَدِيٍّ ، وشَريكُ بنُ شَدّادٍ الحَضرَمِيُّ ، وصَيفِيُّ بنُ فسيلٍ الشَّيبانِيُّ ، وقَبيصَةُ بنُ ضُبيعَةً العَبسِيُّ ، ومُحرِزُ بنُ شِهابٍ المِنقَرِيُّ ، وكِدامُ بنُ حَيّانَ العَنزِيُّ ، وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسّانٍ العَنزِيُّ (3) .* وعنه عليه السلام في زكاة الشريكين :تاريخ اليعقوبي :قالَت عائِشَةُ لِمُعاوِيَةَ حينَ حَجَّ ، ودَخَلَ إلَيها : يا مُعاوِيَةُ ، أ قَتَلتَ حُجرا وأصحابَهُ ! فَأَينَ عَزَبَ حِلمُكَ عَنهُم ؟ أما إنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يُقتَلُ بِمُرجِ عَذراءَ نَفَرٌ يَغضَبُ لَهُم أهلُ السَّماواتِ ، قالَ : لَم يَحضُرني رَجُلٌ رَشيدٌ ، يا اُمَّ المُؤمِنينَ ! (4) .
ص: 296
* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :الأغاني عن عبد الملك بن نوفل :كانَت عائِشَةُ تَقولُ : لَولا أنّا لَم نُغَيِّر شَيئا قَطُّ إلّا آلَت بِنَا الاُمورُ إلى أشَدَّ مِمّا كُنّا فيهِ ، لَغَيَّرنا قَتلَ حُجرٍ ، أمَا وَاللّهِ إن كانَ لَمُسلِما ما عَلمتُهُ حاجّا مُعتَمِرا (1) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :تاريخ اليعقوبي :رُويَ أنَّ مُعاوِيَةَ كانَ يَقولُ : ما أعدُّ نَفسي حَليما بَعدَ قَتلي حُجرا وأصحابَ حُجرٍ (2) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام في الميّت :تاريخ الطبري عن ابن سيرين_ في مُعاوِيَةَ _: بَلَغَنا أنَّهُ لَمّا حَضَرَتهُ الوَفاةُ جَعَلَ يُغَرغِرُ بِالصَّوتِ ويَقولُ : يَومي مِنكَ يا حُجرُ يَومٌ طَويلٌ (3) .28حُذَيفَةُ بنُ اليَمانِحذيفة بن اليمان بن جابر ، أبو عبد اللّه العبسي . كان من وجهاء الصحابة وأعيانهم . وقد أثنى عليه الرجاليّون وأصحاب التراجم بمزايا ذكروها في كتبهم كقولهم : «كان من نجباء (4) وكبار أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله » (5) ، وقولهم : «صاحب سرّ النّبيّ صلى الله عليه و آله » (6) ، وقولهم : «وأعلم النّاس بالمنافقين» (7) . وأسرّ إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله أسماء
.
ص: 297
المنافقين (1) وضبط عنه الفتن الكائنة في الاُمّة (2) إلى قيام الساعة (3) . لم يشهد بدرا ، وشهد اُحدا وما بعدها من المشاهد (4) . كان أحد الذين ثبتوا على العقيدة . لم يصبر على تغيير «حقّ الخلافة» و «خلافة الحقّ» بعد وفاة رسول اللّه ، ووقف إلى جانب عليّ عليه السلام بخطىً ثابتة (5) . كان حذيفة ممّن شهد جنازة السيّدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام، وصلّى على جثمانها الطاهر (6) . وليَ المدائن في عهد عمر وعثمان (7) . وكان مريضا في ابتداء خلافة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام . مع هذا كلّه لم يُطِق السكوت عن مناقبه وفضائله صلوات اللّه عليه ، فصعد المنبر بجسمه العليل ، وأثنى عليه وأبلغ الثناء ، وذكره بقوله : «فواللّه إنّه لعلى الحقّ آخرا وأوّلاً» ، وقوله : «إنّه لخير من مضى بعد نبيّكم» (8) . وأخذ له البيعة (9) ، وهو نفسه بايعه أيضا (10) .
.
ص: 298
وأوصى أولاده مؤكّدا ألّا يقصّروا في اتّباعه والسير وراءه ، وقال لهم : «فإنّه واللّه على الحقّ ، ومن خالفه على الباطل» (1) . ثمّ توفّي بعد سبعة أيّام مضت على ذلك (2) . وقيل : توفّي بعد أربعين يوما (3) .
* وعن أبي عبداللّه عليه السلام في ولادة النبيّ صلالإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى حُذَيفَةَ بنِ اليَمانِ _: بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى حُذَيفَةَ بنِ اليَمانِ ، سَلامٌ عَلَيكَ .
أمّا بَعدُ ؛ فَإِنّي قَد وَلَّيتُكَ ما كُنتَ تَليهِ لِمَن كانَ قَبلي مِن حَرفِ المَدائِنِ ، وقَد جَعَلتُ إلَيكَ أعمالَ الخَراجِ والرُّستاقِ وجِبايَةِ أهلِ الذِّمَّةِ ، فَاجمَع إليكَ ثِقاتِكَ ومَن أحبَبتَ مِمَّن تَرضى دينَهُ وأمانَتَهُ ، وَاستَعِن بِهِم عَلى أعمالِكَ ؛ فَإِنّ ذلِكَ أعَزُّ لَكَ ولِوَلِيِّكَ ، وأكبَتُ لِعَدُوِّكَ .
وإنّي آمُرُكَ بِتَقَوى اللّهِ وطاعَتِهِ فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ، واُحَذِّرُكَ عِقابَهُ فِي المَغيبِ وَالمَشهَدِ ، وأتَقَدَّمُ إلَيكِ بِالإِحسانِ إلَى المُحسِنِ ، وَالشِّدَّةِ عَلَى المُعانِدِ ، وآمُرُكَ بِالرِّفقِ في اُمورِكَ ، وَاللّينِ وَالعَدلِ عَلى رَعِيَّتِكَ ؛ فَإِنَّكَ مَسؤولٌ عَن ذلِكَ ، وإنصافِ المَظلومِ ، وَالعَفوِ عَنِ النّاسِ ، وحُسنِ السّيرَةِ مَا استَطَعتَ ، فَاللّهُ يَجزِي المُحسِنينَ .
وآمُرُكَ أن تَجبي خَراجَ الأَرَضينَ عَلَى الحَقِّ وَالنَّصَفَةِ ، ولا تَتَجاوَز ما قَدَّمتُ بِهِ إلَيكَ ، ولا تَدَع مِنهُ شَيئا ، ولا تَبتَدِع فيهِ أمرا ، ثُمَّ اقسِمهُ بينَ أهلِهِ بِالسَّوِيَّةِ وَالعَدلِ . وَاخفِض لِرَعِيَّتِكَ جَناحَكَ ، وواسِ بَينَهُم في مَجلِسِكَ ، وَليكَنُ القَريبُ وَالبَعيدُ عِندَكَ فِي الحَقِّ سَواءً ، وَاحكُم بَينَ النّاسِ بِالحَقِّ ، وأقِم فيهِم بِالقِسطِ ، ولا تَتَّبِعِ الهَوى ، ولا .
ص: 299
* وعن أبي عبداللّه عليه السلام في ولادة النبيّ صلتَخَف فِي اللّهِ لَومَةَ لائِمٍ ؛ فَ_ «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّ الَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ» (1) .
وقَد وَجَّهتُ إلَيكَ كِتابا لِتَقرَأَهُ عَلى أهلِ مَملَكَتِكَ ، لِيَعلَموا رَأَينا فيهِم وفي جَميعِ المُسلِمينَ ، فَأَحضِرهُم وَاقرَأهُ عَلَيهِم ، وخُذ لَنَا البَيعَةَ عَلَى الصَّغيرِ وَالكَبيرِ مِنهُم إن شاءَ اللّهُ (2) .رجس : عن فقه الرضا عليه السلام :الأمالي للطوسي عن حذيفة :ألا مَن أرادَ _ وَالَّذي لا إلهَ غَيرُهُ _ أن يَنظُرَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ حَقّا حَقّا ، فَلينَظُر إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَوازِروهُ وَاتَّبِعوهُ وانصروه (3) .* ومنه في تفسير الإمام العسكريّ عليه السلام في قومروج الذهب :كانَ حُذَيفَةُ عَليلاً بِالكوفَةِ في سَنَةِ سِتٍّ وثَلاثينَ ، فَبَلَغَهُ قَتلُ عُثمانَ وبَيعَةُ النّاسِ لِعَلِيٍّ ، فَقالَ : أخرِجوني وَادعُوا الصَّلاةَ جامِعَةً ، فَوُضِعَ عَلَى المِنبَرِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ وصَلّى عَلَى النَّبِيِّ وعَلى آلِهِ ، ثُمَّ قالَ :
أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ النّاسَ قَد بايَعوا عَلِيّا ؛ فَعَلَيكُم بِتَقَوى اللّهِ ، وَانصُروا عَلِيّا ووازِروهُ ، فَوَاللّهِ إنَّهُ لَعَلَى الحَقِّ آخِرا وأوَّلاً ، وإنَّهُ لَخَيرُ مَن مَضى بَعدَ نَبِيِّكُم ومَن بَقِيَ إلى يَومِ القِيامَةِ .
ثُمَّ أطبَقَ يَمينَهُ عَلى يَسارِهِ ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ اشهَد ، إنّي قَد بايَعتُ عَلِيّا . وقالَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي أبقاني إلى هذَا اليَومِ ، وقالَ لِابنَيهِ صَفوانَ وسَعدٍ : اِحمِلاني ، وكونا مَعَهُ ؛ فَسَتَكونُ لَهُ حُروبٌ كَثيرَةٌ ، فَيَهلِكُ فيها خَلقٌ مِنَ النّاسِ ، فَاجتَهِدا أن تَستَشهِدا مَعَهُ ؛ فَإِنَّهُ وَاللّهِ عَلَى الحَقِّ ، ومَن خالَفَهُ عَلَى الباطِلِ . وماتَ حُذَيفَةُ بَعدَ هذَا اليَومِ بِسَبعَةِ أيّامٍ (4) .* وعن الرضا عليه السلام في قوله تعالى :الأمالي للطوسي عن أبي راشد :لَمّا أتى حُذَيفَةَ بَيعَةُ عَلِيٍّ عليه السلام ضَرَبَ بِيَدِهِ واحِدَةً عَلَى .
ص: 300
* وعن الرضا عليه السلام في قوله تعالى :الاُخرى وبايَعَ لَهُ ، وقالَ : هذِهِ بَيعَةُ أميرِ المُؤمِنينَ حَقّا ، فَوَاللّهِ لا يُبايَعُ بَعدَهُ لِواحدٍ مِن قُرَيشٍ إلّا أصغَرَ أو أبتَرَ يُوَلِّي الحَقَّ استَهُ (1) .* وعنه عليه السلام :مجمع الزوائد عن سيّار أبي الحكم :قالَت بَنو عَبسٍ لِحُذَيفَةَ : إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عُثمانَ قَد قُتِلَ ، فَما تَأمُرُنا ؟قالَ : آمرُكُم أن تَلزَموا عَمّاراً . قالوا : إنَّ عَمّاراً لا يُفارِقُ عَلِيّاً ! قالَ : إنَّ الحَسَدَ هُوَ أهلَكَ الجَسَدَ ، وإنَّما يُنَفِّرُكُم مِن عَمّارٍ قُربُهُ مِن عَلِيٍّ ! فَوَاللّهِ لَعَلِيٌّ أفضَلُ مِن عَمّارٍ أبعَدَ ما بَينَ التُّرابِ وَالسَّحابِ ، وإنَّ عَمّاراً لَمِنَ الأَخيارِ . وهُوَ يَعلَمُ أنَّهُم إن لَزِموا عَمّاراً كانوا مَعَ عَلِيٍّ (2) .راجع : ج4 ص629 (حذيفة بن اليمان) .
29حُكَيمُ بنُ جَبَلَةَحُكَيم بن جبلة بن حصين العبدي ، ويقال ابن جبل . من أصحاب عليّ عليه السلام (3) ، ومن الثابتين على طاعته ، والعارفين بحقّه في الخلافة . أثنى عليه أصحاب التراجم بعبارات متنوّعة ، منها : «كان مُطاعا في قومه» (4) ، ومنها : «أحد أشراف الأبطال» (5) ، ومنها : «وما سُمع بأشجع منه» (6) . تولّى قيادة البصريّين في الثورة على عثمان (7) .
.
ص: 301
وعندما نقض مساعير فتنة الجمل «طلحة والزبير» ومن معهما الهدنة مع عثمان بن حنيف ، وحملوا على النّاس ، وهمّوا باحتلال البصرة ، قاتلهم حكيم وأصحابه بشجاعة وبصيرة . وارتفاع كلمته الرائعة عند القتال : «إنّي لستُ في شكٍّ من قتال هؤلاء . . .» (1) آية على معرفته الدقيقة واعتقاده العميق بالحقّ . وقد رزقه اللّه الشهادة في ذلك القتال (2) . وذكر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّ مقتل حكيم كان أحد الأسباب الَّتي دفعته إلى مقاتلة أصحاب الجمل ومواجهة فتنتهم وفسادهم (3) .
رجحن : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الملائكة :تاريخ الطبري عن الجارود بن أبي سبرة :لَمّا كانَتِ اللَّيلَةُ الَّتي اُخِذَ فيها عُثمانُ بنُ حُنَيفٍ ، وفي رُحبَةِ مَدينَةِ الرِّزقِ طَعامٌ يَرتَزِقُهُ النّاسُ ، فَأَرادَ عَبدُ اللّهِ أن يَرزُقَهُ أصحابَهُ وبَلَغَ حُكَيمَ بنَ جَبَلَةَ ما صُنِعَ بِعُثمانَ ، فَقالَ : لَستُ أخافُ اللّهَ إن لَم أنصُرهُ . فَجاءَ في جَماعَةٍ مِن عَبدِ القَيسِ وبَكرِ بنِ وائِلٍ وأكثَرُهُم عَبدُ القَيسِ ، فَأَتَى ابنُ الزُّبَيرِ مَدينَةَ الرِّزقِ ، فَقالَ : ما لَكَ يا حُكَيمُ ؟ قالَ : نُريدُ أن نَرتَزِقَ مِن هذَا الطَّعامِ ، وأن تُخَلّوا عُثمانَ فَيُقيمَ في دارِ الإِمارَةِ عَلى ما كَتَبتُم بَينَكُم حَتّى يَقدِمَ عَلِيٌّ ، وَاللّهِ لَو أجِدُ أعوانا عَلَيكُم أخبِطُكُم بِهِم ما رَضيتُ بِهذِهِ مِنكُم حَتّى أقتُلَكُم بِمَن قَتَلتُم ، ولَقَد أصبَحتُم وإنَّ دِماءَكُم لَنا لَحَلالٌ بِمَن قَتَلتُم مِن إخوانِنا ، أما تَخافونَ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ ! بِمَ تَستَحِلّونَ سَفكَ الدِّماءِ ؟ قالَ : بِدَمِ عُثمانَ بنِ عَفّانَ . قالَ : فَالَّذينَ قَتَلتُموهُم قَتَلوا عُثمانَ ؟ أما تَخافونَ مَقتَ اللّهِ ؟ .
ص: 302
رجحن : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الملائكة :فَقالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ : لا نَرزُقُكُم مِن هذَا الطَّعامِ ، ولا نُخَلّي سَبيلَ عُثمانَ بنِ حُنَيفٍ حَتّى يخلَعَ عَلِيّا ، قالَ حَكَيمٌ : اللّهُمَّ إنَّكَ حَكَمُ عَدلٌ فَاشهَد . وقالَ لِأَصحابِهِ : إنّي لَستُ في شَكٍّ مِن قِتالِ هؤُلاءِ ؛ فَمَن كانَ في شَكٍّ فَليَنصَرِف . وقاتَلَهُم فَاقتَتَلوا قِتالاً شَديدا ، وضَرَبَ رَجُلٌ ساقَ حُكَيمٍ ، فَأَخَذَ حُكَيمٌ ساقَهُ فَرَماهُ بِها ، فَأَصابَ عُنُقَهُ فَصَرَعَهُ ووَقَذَهُ (1) ثُمَّ حَبا إلَيهِ فَقَتَلَهُ وَاتَّكَأَ عَلَيهِ ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقالَ : مَن قَتَلَكَ ؟ قالَ : وِسادَتي ! وقُتِلَ سَبعونَ رَجُلاً مِن عَبدِ القَيسِ . قالَ الهذَلِيُّ : قالَ حُكَيمٌ حينَ قُطِعَت رِجلُهُ :
أقولُ لَمّا جَدَّ بي زِماعي (2)
لِلرِّجلِ يا رِجلِيَ لَن تُراعي إنَّ مَعي مِن نَجدَةٍ ذِراعي
قالَ عامِرٌ ومَسلَمَةُ : قُتِلَ مَعَ حُكَيمٍ ابنُهُ الأَشرَفُ ، وأخوهُ الرّعلُ بنُ جَبَلَةَ (3) .* وعنه عليه السلام :سير أعلام النّبلاء :لَم يَزَل يُقاتِلُ يَومَ الجَمَلِ حَتّى قُطِعَت رِجُلهُ ، فَأَخَذَها وضَرَبَ بِهَا الَّذي قَطَعَها فَقَتَلَهُ بِها ، وَبَقِيَ يُقاتِلُ عَلى رِجلٍ واحِدَةٍ ويَرتَجِزُ ، ويَقولُ :
يا ساقُ لَن تُراعي
إنَّ مَعي ذِراعي أحمي بِها كُراعي (4)
فَنَزَفَ مِنهُ دَمٌ كَثيرٌ ، فَجَلَسَ مُتَّكِئا عَلَى المَقتولِ الَّذي قَطَعَ ساقَهُ ، فَمَرَّ بِهِ فارِسٌ ، فَقالَ : مَن قَطَعَ رِجلَكَ ؟ .
ص: 303
* وعنه عليه السلام :قالَ : وِسادَتي !
فَما سُمِعَ بِأَشجَعَ مِنهُ . ثُمَّ شَدَّ عَلَيهِ سُحَيمٌ الحُدّانِيُّ فَقَتَلَهُ (1) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام فيمن كان معه من الالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامِهِ حينَ دَخَلَ البَصرَةَ _: عِبادَ اللّهِ ! اِنهَدوا (2) إلى هؤُلاءِ القَومِ مُنشَرِحَةً صُدورُكُم بِقِتالِهِم ؛ فَإِنَّهُم نَكَثوا بَيعَتي ، وأخرَجُوا ابنَ حُنَيفٍ عامِلي بَعدَ الضَّربِ المُبَرِّحِ وَالعُقوبَةِ الشَّديدَةِ ، وقَتَلُوا السيابِجَةَ (3) ، وقَتَلوا حُكَيمَ بنَ جَبَلَةَ العَبدِيَّ (4) .30الحلوُ بنُ عَوفٍ* وعنه عليه السلام :تاريخ اليعقوبي :كانَ عَلِيٌّ قَد وَجَّهَ الحُلوَ بنَ عَوفٍ الأَزدِيَّ عامِلاً عَلى عُمانَ ، فَوَثَبَت بِهِ بَنو ناجِيَةَ فَقَتلوهُ (5) .31خَالِدُ بنُ مُعَمَّرٍخالد بن المعمّر بن سليمان السدوسي . كان من أصحاب الإمام عليّ ، ومن كبار قبيلة ربيعة (6) . شهد الجمل . وكان من رؤساء البصرة الاُوَل الذين استجابوا للإمام عليه السلام عند عزمه على قتال معاوية ، وأسرعوا إلى نصرته (7) .
.
ص: 304
وكانت قبيلة ربيعة من كبار القبائل الَّتي شهدت حرب صفّين ، ولها فيها دور أساسيّ مهمّ (1) . حاول معاوية ترغيبه ، وكاتَبه ، ووعده بولاية خراسان ، ومع أنّ هذا الموضوع لم يثبت عند الإمام عليه السلام ، واستمرّ خالد قائداً لربيعة ، إلّا أنّ تضعضعه في الأحداث اللاحقة للحرب كان ملحوظاً بوضوح . وعندما رُفعت المصاحف على الرماح قال خالد للإمام عليه السلام : ما البقاء إلّا فيما دعا القوم إليه إن رأيتَه . وإن لم تره فرأيك أفضل (2) . وخان خالد الإمام الحسن عليه السلام (3) ، وذهب إلى معاوية وبايعه . فكرّمه ووسّده على أرضييّة . وقيل في هذا المجال : مَعاوي أكرِم ( أمِّرْ ) خالِدَ بنَ مُعمَّرِ فَإِنَّكَ لَولا خالِدٌ لَم تُؤَمَّرِ ومات خالد قبل وصوله إليها (4) . وجاء في بعض المصادر أنّه مدح الإمام عليّاً عليه السلام بمحضر معاوية، وقال في حبّه إيّاه: اُحبّه واللّه على حلمه إذا غضب ، ووفائه إذا عقد ، وصدقه إذا أكّد ، وعدله إذا حكم (5) .
32خُزَيمَةُ بنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَينِخزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري الأوسي يُكنّى أبا عمارة . ويلقّب بذي
.
ص: 305
الشهادتين . من الشخصيّات المتألّقة بين صحابة النّبيّ صلى الله عليه و آله . شهد اُحدا وبقيّة المشاهد (1) . وإنّما اشتهر بذي الشهادتين ؛ لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جعل شهادته شهادة رجلين (2) . وكان خزيمة أحد الأفراد القلائل الذين ثبتوا على «حقّ الخلافة» و «خلافة الحقّ» بعد النّبيّ صلى الله عليه و آله (3) ، إذ قام في المسجد رافعا صوته بالدفاع عن خلافة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام . واحتجّ بالمنزلة الَّتي خصّه بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فشهد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جعل أهل بيته عليهم السلام معيارا لمعرفة الحقّ من الباطل ، ونصبهم أئمّة على العباد (4) . وشهد خزيمة حروب أمير المؤمنين عليه السلام وكان ثابت الخُطى فيها . رُزق الشهادة بعد استشهاد عمّار بن ياسر (5) . (6)
رجب : عن ابن المنذر في السقيفة :رجال الكشّي عن أبي إسحاق :لَمّا قُتِلَ عَمّارٌ ، دَخَلَ خُزَيمَةُ بنُ ثابِتٍ فُسطاطَهُ ، وطَرَحَ عَنهُ سِلاحَهُ ، ثُمَّ شَنَّ عَلَيهِ الماءَ فَاغتَسَلَ ، ثُمَّ قاتَلَ حَتّى قُتِلَ (7) . .
ص: 306
* ومنه عن الصادق عليه السلام :أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن عبد الرحمن بن أبي ليلى :كُنتُ بِصِفّينَ فَرَأَيتُ رَجُلاً أبيضَ اللِّحيَةِ ، مُعتَمّاً مُتَلَثِّماً ، ما يُرى مِنهُ إلّا أطرافُ لِحيَتِهِ ، يُقاتِلُ أشَدَّ قِتالٍ ، فَقُلتُ : يا شَيخُ ! تُقاتِلُ المُسلِمينَ ؟ فَحَسَرَ لِثامَهُ ، وقالَ : أنَا خُزَيمَةُ ، سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : « قاتِل مَعَ عَلِيٍّ جَميعَ مَن يُقاتِلُ» (1) .33خُلَيدُ بنُ قُرَّةَ اليَربوعِيُّ* وعن الرضا عليه السلام لأبي الصلت :تاريخ الطبري :كانَ [ خُلَيدٌ ] والِيَ خُراسانَ (2) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام في الدّنيا :وقعة صفّين :بَعَثَ [ الإِمامُ عَلِيٌّ عليه السلام ] خُلَيدا إلى خُراسانَ ، فَسارَ خُلَيدٌ حَتّى إذا دَنا مِن نَيسابورَ بَلَغَهُ أنَّ أهلَ خُراسان قَد كَفَروا ونَزَعوا يَدَهُم مِنَ الطّاعَةِ ، وقَدِمَ عَلَيهِم عُمّالُ كِسرى مِن كابُلَ ، فَقاتَلَ أهلَ نَيسابورَ فَهَزَمَهُم وحَصَرَ أهلَها ، وبَعثَ إلى عَلِيٍّ بِالفَتحِ وَالسَّبيِ (3) .34رِبعِيُّ بنُ كَاسرثث : في الحسن بن الحسن المثنّى :وقعة صفّين :اِستَعمَلَ [ الإِمامُ عَلِيٌّ عليه السلام ] رِبعِيَّ بنَ كاسٍ عَلى سَجِستانَ (4) . (5)
.
ص: 307
رتم : في مناظرة هشام مع الشّامي :الكامل في التاريخ :بَعدَ خُروجِ حَسَكَةَ في سَجِستانَ كَتَبَ عَلِيٌّ عليه السلام إلى عَبدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ يَأمُرُهُ أن يُوَلِّيَ سَجِستانَ رَجُلاً ويُسَيِّرَهُ إلَيها في أربَعَةِ آلافٍ ، فَوَجَّهَ رِبِعيَّ بنَ كاسٍ العَنبَرِيَّ ومَعَهُ الحُصَينُ بنُ أبي الحُرِّ العَنبَرِيُّ ، فَلَمّا وَرَدَ سَجِستانَ قاتَلَهُم حَسَكَةُ وقَتَلوه ، وضَبَطَ رِبِعيُّ البِلادَ (1) .35الرَّبيعُ بنُ خُثَيمٍالربيع بن خثيم 2 الثوري يُكنّى أبا يزيد . وهو من أصحاب عبد اللّه بن مسعود (2) . اشتهر بالزهد (3) ، فعُدَّ أحد الزهّاد الثمانية المعروفين (4) . جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام في وقعة صفّين مع جماعة من القرّاء ، فقال : قد شككنا
.
ص: 308
في هذا القتال ! ولا غنى بك ولا بالمسلمين عمّن يقاتل المشركين ، فولّنا بعض هذه الثغور لنقاتل عن أهله ، فولّاهم ثغر قزوين والريّ . وولّاه عليهم (1) . فهو إذاً لم يعرف الحقّ ، وارتاب عند اشتعال نار الفتنة ، مع ادّعائه الزهد والقداسة والإعراض عن الدنيا ، ورغب عن أمير المؤمنين عليه السلام الَّذي كان محور الحقّ وفارقه . بيد أنّ بعض الرجاليّين أثنَوا عليه (2) ، ولكن حسبنا في ذمّه تخلّفه وكلامه الآنف الذكر . ومن هنا إذا لم تقترن العبادة والزهد بالوعي والعمق فهذه هي عاقبتها . توفّي في الكوفة أيّام عبيد اللّه بن زياد (3) . فالظاهر أنّ خواجة ربيع المدفون في خراسان وفي جوار الإمام الرضا عليه السلام هو غير ربيع بن خثيم الَّذي توفّي بالكوفة ، ولعلّه من أصحاب الصادق عليه السلام .
رتق : عن الإمام الباقر عليه السلام لمّا سئل عن الالأخبار الطوال_ في ذِكرِ مَجيءِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام إلى صِفّينَ _: أجابَهُ جُلُّ النّاسِ إلَى المَسيرِ ، إلّا أصحابَ عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعودٍ ، وعُبَيَدَةَ السَّلمانِيِّ ، وَالرَّبيعِ بنِ خُثَيمٍ في نَحوٍ مِن أربَعِمِئَةِ رَجُلٍ مِنَ القُرّاءِ ، فَقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! قَد شَكَكنا في هذَا القِتالِ ، مَعَ مَعرِفَتِنا فَضلَكَ ، ولا غِنى بِكَ ولا بِالمُسلِمينَ عَمَّن يُقاتِلُ المُشرِكينَ ، فَوَلِّنا بَعضَ هذِهِ الثُّغورِ لِنُقاتِلَ عَن أهلِهِ .
فَوَلّاهُم ثَغرَ قَزوينَ وَالرَّيِّ ، ووَلّى عَلَيهِم الرَّبيعَ بنَ خُثَيمٍ ، وعَقَدَ لَهُ لِواءً ، وكانَ أَوّلَ لِواءٍ عُقِدَ فِي الكوفَةِ (4) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :حلية الأولياء عن بلال بن المنذر_ بَعدَ شَهادَةِ الإِمامِ الحُسَينِ عليه السلام _: قالَ رَجلٌ : إن لَم .
ص: 309
* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :أستَخرِجِ اليَومَ سَيِّئَةً مِنَ الرَّبيعِ لِأَحَدٍ لَم أستَخرِجها أبَدا !
قالَ [ الرَّجُلُ ] : قُلتُ : يا أبا يَزيدَ ، قُتِلَ ابنُ فاطِمَةَ عليهاالسلام ، قالَ : فَاستَرجَعَ ، ثُمَّ تَلا هذِهِ الآيَةَ : « قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ عَ__لِمَ الْغَيْبِ وَ الشَّهَ_دَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِى مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ » (1) .
قالَ [ الرَّجُلُ ] : قُلتُ : ما تَقولُ ؟ قالَ : ما أقولُ ! إلَى اللّهِ إيابُهُم ، وعَلَى اللّهِ حِسابُهُم (2) .36رُشَيدٌ الهَجَرِيُّرُشيد الهَجَري من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الواعين الراسخين (3) . وعدّ من أصحاب الإمام الحسن (4) والإمام الحسين عليهماالسلام أيضا (5) ، كان أمير المؤمنين عليه السلام يعظّمه ويُسمّيه «رشيد البلايا» . واخترقت نظرته الثاقبة النّافذة ما وراء عالم الشهادة ، فعُرف بعالِم « البلايا والمنايا » (6) . قال له الإمام عليه السلام يوما : « كَيفَ صَبرُكَ إذا أرسَلَ إلَيكَ دَعِيُّ بَني اُمَيَّةَ ، فَقَطَعَ يَدَيكَ ورِجلَيكَ ولِسانَكَ ؟ » . قال : أ يَكونُ آخِرُ ذلِكَ إلَى الجَنَّةِ ؟ (7)
.
ص: 310
وهكذا ترجم عظمة الصبر ، ودلّ على صلابته في محبّته أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه . ولمّا آن ذلك الأوان فعل زياد بن أبيه فعلته ، ولم يتنازل رشيد عن الحقّ إلى أن استشهد وصلب (1) .
* وعنه عليه السلام :الأمالي للطوسي عن بنت رُشيد الهَجَري عن رُشيد الهجَرَي :قال لي حبيبي أمير المؤمنين عليه السلام : يا رُشيد ، كيف صَبرُكَ إذا أرسَلَ إلَيكَ دَعِيُّ بَني اُمَيَّةَ فَقَطَعَ يَدَيكَ ورِجلَيكَ ولِسانَكَ ؟ فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أ يَكونُ آخِرُ ذلِكَ إلَى الجَنِّةِ ؟ قالَ : نَعَم يا رُشَيدُ ، وأنتَ مَعي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ .
قالَت : فَوَاللّهِ ما ذَهَبَتِ الأَيّامُ حَتّى أرسَلَ إلَيهِ الدَّعِيُّ عُبَيدُ اللّهِ بنُ زِيادٍ ، فَدَعاهُ إلَى البَراءَةِ مِن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَأَبى أن يَتَبَرَّأَ مِنهُ ، فَقالَ لَهُ ابنُ زِيادٍ : فَبِأَيِّ ميتَةٍ قالَ لَكَ صاحِبُكَ تَموتُ ؟
قالَ : أخبَرَني خَليلي صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ أ نَّكَ تَدعوني إلَى البَراءَةِ مِنهُ فَلا أتَبَرَّأُ ، فَتُقَدِّمُني فَتَقطَعُ يَدَيَّ ورِجلَيَّ ولِساني .
فَقالَ : وَاللّهِ لَاُكَذِّبَنَّ صاحِبَكَ ، قَدِّموهُ فاَقطَعوا يَدَهُ ورِجلَهُ وَاترُكوا لِسانَهُ ، فَقَطَعوهُ ثُمَّ حَمَلوهُ إلى مَنزِلِنا .
فَقُلتُ لَهُ : يا أبَه ، جُعِلتُ فِداكَ ، هَل تَجِدُ لِما أصابَكَ ألَما؟
قالَ : وَاللّهِ لا يابُنَيَّةَ إلّا كَالزِّحامِ بَينَ النّاسِ .
ثُمَّ دَخَلَ عَلَيهِ جيرانُهُ ومَعارِفُهُ يَتَوجَّعونَ لَهُ ، فَقالَ : اِيتوني بِصَحيفَةٍ ودَواةٍ أذكُر لَكُم ما يَكونُ مِمّا أعلَمَنيهِ مَولايَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام .
فَأَتَوهُ بِصَحيفَةٍ ودَواةٍ ، فَجَعَلَ يَذكُرُ ويُملي عَلَيهِم أخبارَ المَلاحِمِ وَالكائِناتِ .
ص: 311
* وعنه عليه السلام :ويُسنِدُها إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام .
فَبَلَغَ ذلِكَ ابنَ زِيادٍ ، فَأَرسَلَ إلَيهِ الحَجّامَ حَتّى قَطَعَ لِسانَهُ ، فَماتَ مِن لَيلَتِهِ تِلكَ رَحِمَهُ اللّهُ (1) .رتج : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في التوحيد :الإرشاد عن زياد بن النّضر الحارثي :كُنتُ عِندَ زِيادٍ إذ اُتِيَ بِرُشَيدٍ الهَجَرِيِّ ، فَقالَ لَهُ زِيادٌ : ما قالَ لَكَ صاحِبُكُ _ يعَني عَلِيّا عليه السلام _ إنّا فاعِلونَ بِكَ ؟قالَ : تَقطَعون يَدَيَّ ورِجلَيَّ وتَصلُبونَني . فَقالَ زِيادٌ : أمَ وَاللّهِ لَاُكَذِّبَنَّ حَديثَهُ ، خَلّو سَبيلَهُ .
فَلَمّا أرادَ أن يَخرُجَ قالَ زِيادٌ : وَاللّهِ ما نَجِدُ لَهُ شَيئا شَرّا مِمّا قالَ صاحِبُهُ ، اِقطَعوا يَدَيهِ ورِجلَيهِ وَاصلُبوهُ .
فَقالَ رُشَيدٌ : هَيهاتَ ، قَد بَقِيَ لي عِندَكُم شَيءٌ أخبَرَني بِهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام . قالَ زِيادٌ : اِقطَعوا لِسانَهُ . فَقالَ رُشَيدٌ : الآنَ وَاللّهِ جاءَ تَصديقُ خَبَرِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام (2) .37زِرُّ بنُ حُبَيشٍزرّ بن حُبيش بن حُباشة الأسدي من الفضلاء والعلماء والقرّاء المطّلعين على معارف القرآن ، وأحد عيون التابعين (3) ، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الأجلّاء (4) . وقد شهد الإمام عليه السلام بوثاقته . وبلغ حبّه وودّه للإمام عليه السلام درجة أنّ أصحاب الرجال
.
ص: 312
عدّوه علويّا (1) . كان بارعا في أدب العرب . ووصفته كتب التراجم بأ نّه أعرب النّاس ، وذكرت أنّ عبد اللّه بن مسعود كان يسأله عن العربيّة (2) . قرأ زرّ القرآن كلّه على أمير المؤمنين عليه السلام (3) ، وقرأه عاصم عليه (4) ، وكان عاصم من القرّاء السبعة وكبار علماء الكوفة في القرن الثاني . عُمِّر زرّ طويلاً ، وتوفّي حوالي سنة 80 ه (5) ، وهو ابن مئة وعشرين سنة (6) .
رتب : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :ميزان الاعتدال عن زرّ بن حُبيش :قَرَأتُ القُرآنَ كُلَّهُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فَلَمّا بَلَغُت : «وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ فِى رَوْضَ_اتِ الْجَنَّ_اتِ» (7) بَكى حَتّى ارتَفَعَ نَحيبُهُ (8) .38زِيادُ بنُ أبيهِهو زياد بن سُميَّة ؛ وهي اُمّه ، وقبل استلحاقه بأبي سفيان يقال له : زياد بن عبيد
.
ص: 313
الثقفي ، تحدّثنا عنه مجملاً في مدخل البحث . كان من الخطباء (1) والساسة . اشتهر بذكائه المفرط ومكره في ميدان السياسة (2) . ولدته سميّة ، الَّتي كانت بغيّا من أهل الطائف (3) _ وكانت تحت عبيد الثقفي (4) _ في السنة الاُولى من الهجرة (5) . أسلم زياد في خلافة أبي بكر (6) . ولفت نظر عمر في عنفوان شبابه بسبب كفاءته ودهائه السياسي (7) ، فأشخصه في أيّام خلافته إلى اليمن لتنظيم ما حدث فيها من اضطراب (8) . كان عمر بن الخطّاب قد استعمله على بعض صدقات البصرة أو بعض أعمال البصرة (9) . كان زياد يعيش في البصرة ، وعمل كاتبا لولاتها : أبي موسى الأشعري (10) ،
.
ص: 314
والمغيرة بن شعبة (1) ، وعبد اللّه بن عامر (2) . وكان كاتبا (3) ومستشارا (4) لابن عبّاس في البصرة أيّام خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام . ولمّا توجّه ابن عبّاس إلى صفّين جعله على خراج البصرة وديوانها وبيت مالها (5) . وعندما امتنع أهل فارس وكرمان من دفع الضرائب ، وطردوا واليهم سهل بن حُنيف ، استشار الإمام عليه السلام أصحابه لإرسال رجل مدبّر وسياسي إليهم ، فاقترح ابن عبّاس زيادا (6) ، وأكّد جاريةُ بن قدامة هذا الاقتراح (7) . فتوجّه زياد إلى فارس وكرمان (8) . وتمكّن بدهائه السياسي من إخماد نار الفتنة . وفي تلك الفترة نفسها ارتكب أعمالاً ذميمة فاعترض عليه الإمام عليه السلام (9) . لم يشترك زياد فيحروب الإمام عليه السلام ، وكان مع الإمام وابنه الحسن المجتبى عليهماالسلامحتى استشهاد الإمام عليه السلام ، بل حتى الأيّام الاُولى من حكومة معاوية (10) .
.
ص: 315
ثمّ زلّ بمكيدة معاوية ، ووقع فيما كان الإمام قد حذّره منه (1) ، وأصبح أداةً طيّعة لمعاوية تماما ، من خلال مؤامرة الاستلحاق . وسمّاه معاوية أخاه (2) . وشهد جماعة على أ نّه ابن زنا (3) . وهكذا أصبح زياد بن أبي سفيان ! ! كانت المفاسد والقبائح متأصّلة في نفس زياد ، وقد أبرز خبث طينته واسوداد قلبه في بلاط معاوية . ولّاه البصرة في بادئ الأمر ، ثمّ صار أميرا على الكوفة أيضا (4) . ولمّا أحكم قبضته عليهما لم يتورّع عن كلّ ضرب من ضروب الفساد والظلم (5) . وتشدّد كثيرا على النّاس ، خاصّة شيعة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (6) ، إذ سجن الكثيرين منهم في سجون مظلمة ضيّقة أو قتلهم (7) . وأكره النّاس على البراءة من الإمام عليه السلام (8) وسبّه (9) مصرّا على ذلك .
.
ص: 316
هلك زياد بالطاعون (1) سنة 53 ه (2) وهو ابن 53 سنة (3) ، بعد عقدٍ من الجور والعدوان والنّهب ونشر القبائح وإشاعة الرجس والفحشاء ، وخَلّفَ من هذه الشجرة الخبيثة ثمرة خبيثة تقطر قبحا ، وهو عبيد اللّه الَّذي فاق أباه في الكشف عن سوء سريرته وظلمه لآل عليّ عليه السلام وشيعته . كان زياد نموذجا واضحا للسياسي الَّذي له دماغ مفكّر ، ولكن ليس له قلب وعاطفة قطّ ! ! كان الشرَه ، والعَبَث ، والنّفاق في معاملة النّاس من صفاته الَّتي أشار إليها الإمام عليه السلام في رسالة موقظة منبِّهة (4) . كان زياد عظيما عند طلّاب الدنيا الذين يَعظُم في عيونهم زبرجها وبهرجها ؛ ولذا مدحوه بالذكاء الحادّ والمكانة السامية (5) . بَيد أنّ نظرة إلى ما وراء ذلك تدلّنا على أ نّه لم يَرْعَوِ من كلّ رجسٍ ودنسٍ وقبحٍ وخبث ، حتى من تغيير نسبه أيضا .
دوخ : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :سير أعلام النّبلاء_ في ذِكرِ زِيادِ بنِ أبيهِ _: هُوَ زِيادُ بنُ عُبَيدٍ الثَّقَفِيُّ ، وهُوَ زِيادُ بنُ سُمَيَّةَ ، وهِيَ اُمُّهُ ، وهُوَ زِيادُ بنُ أبي سُفيانَ الَّذِي استَلحَقَهُ مُعاوِيَةُ بِأَ نَّهُ أخوهُ .
كانَت سُمَيَّةُ مَولاةً لِلحارِثِ بنِ كَلَدَةَ الثَّقَفِيُّ طَبيبِ العَرَبِ .
يُكنّى أبَا المُغيرَةِ . .
ص: 317
دوخ : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :لَهُ إدراكٌ ، وُلِدَ عامَ الهِجرَةِ ، وأسلَمَ زَمَنَ الصِّدّيقِ وهُوَ مُراهِقٌ ، وهُوَ أخو أبي بَكرَةَ الثَّقَفِيِّ الصَّحابِيِّ لِاُمِّهِ ، ثُمَّ كانَ كاتِبا لِأَبي موسَى الأَشعَرِيِّ زَمَنَ إمرَتِهِ عَلَى البَصرَةِ . . . .
وكانَ كاتِبا بَليغا ، كَتَبَ أيضا لِلمُغيرَةِ ولاِبنِ عَبّاسٍ ، ونابَ عَنهُ بِالبَصرَةِ .
يُقالُ : إنَّ أبا سُفيانَ أتَى الطّائِفَ ، فَسَكَرَ ، فَطَلَبَ بَغَيِّا ، فَواقَعَ سُمَيَّةَ ، وكانَت مُزَوَّجَةً بِعُبَيدٍ ، فَوَلَدَت مِن جَماعَهٍ زيادا ، فَلَمّا رَآهُ مُعاوِيَةُ مِن أفرادِ الدَّهرِ ، استَعطَفَهُ وَادَّعاهُ ، وقالَ : نَزَلَ مِن ظَهرِ أبي .
ولَمّا ماتَ عَلِيٌّ عليه السلام ، كانَ زِيادٌ نائِبا لَهُ عَلى إقليمِ فارِسٍ (1) .* ومن شعر الكميت :الاستيعاب_ في ذِكرِ زِيادِ بنِ أبيهِ _: كانَ رَجُلاً عاقِلاً في دُنياهُ ، داهِيَةً خَطيبا ، لَهُ قَدرٌ وجَلالَةٌ عِندَ أهلِ الدُّنيا (2) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :اُسد الغابة :كانَ عَظيمَ السِّياسَةِ ، ضابِطا لِما يَتَوَلّاهُ (3) .* وفي غدير خمّ :تاريخ اليعقوبي :كانَ [ المُغيرَةُ ] يَختَلِفُ إلَى امرَأَةٍ مِن بَني هِلالٍ يُقالُ لَها : اُمُّ جَميلٍ ، زَوجَةُ الحَجّاجِ بنِ عَتيكٍ الثَّقَفِيِّ ، فَاستَرابَ بِهِ جَماعَةٌ مِنَ المُسلِمينَ ، فَرَصَدَهُ أبو بَكرَةَ ونافِعُ بنُ الحارِثِ وشِبلُ بنُ مَعبَدٍ وزِيادُ بنُ عُبَيدٍ ، حَتّى دَخَلَ إلَيها فَرَفَعَتِ الرّيحُ السِّترَ فَإِذا بِهِ عَلَيها ، فَوَفَدَ عَلى عُمَرَ ، فَسَمِعَ عُمَرُ صوتَ أبي بَكرَةَ وبَينَهُ وبَينَهُ حِجابٌ ، فَقالَ : أبو بَكرَةَ ! قالَ : نَعَم . قالَ : لَقَد جِئتَ بِشَرٍّ (4) ! قالَ : إنَّما جاءَ بِهِ المُغيرَةُ .
ثُمَّ قَصَّ عَلَيهِ القِصَّةَ . .
ص: 318
* وفي غدير خمّ :فَبَعَثَ عُمَرُ أبا موسَى الأَشعَرِيَّ عامِلاً مَكانَهُ ، وأمَرَهُ أن يُشخِصَ المُغيرَةَ ، فَلَمّا قَدِمَ عَلَيهِ جَمَعَ بَينَهُ وبَينَ الشُّهودِ ، فَشَهِدَ الثَّلاثَةُ ، وأقبَلَ زِيادٌ ، فَلَمّا رَآهُ عُمَرُ قالَ : أرى وَجهَ رَجُلٍ لا يُخزِي اللّهُ بِهِ رَجُلاً مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ ، فَلَمّا دَنا قالَ : ما عِندَكَ يا سَلحَ العُقابِ ؟ قالَ : رَأَيتُ أمرا قبيحا ، وسَمِعتُ نَفَسا عالِيا ، ورَأَيتُ أرجُلاً مُختَلِفَةً ، ولَم أرَ الَّذي مِثلَ الميلِ فِي المُكحُلَةِ .
فَجَلَدَ عُمَرُ أبا بَكرَةَ ، ونافِعا ، وشِبلَ بنَ مَعبَدٍ ، فَقامَ أبو بَكرَة وقالَ : أشهَدُ أنَّ المُغيرَةَ زانٍ، فَأَرادَ عُمَرُ أن يَجلِدَهُ ثانَيِةً ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : إذا تُوَفّي صاحِبَكَ حِجارَةً (1) .
وكانَ عُمَرُ إذا رَأَى المُغيرَةَ قالَ : يا مُغيرَةُ ، ما رَأَيتُكَ قَطُّ إلّا خَشيتُ أن يَرجُمَنِي اللّهُ بِالحِجارَةِ (2) .دوح : في النبيّ صلى الله عليه و آله :الاستيعاب :بَعَثَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ زِيادا في إصلاحِ فَسادٍ وَقَعَ بِاليَمَنِ ، فَرَجَعِ مِن وَجهِهِ وخَطَبَ خُطَبَةً لَم يَسمَعِ النّاسُ مِثلَها ، فَقالَ عَمرُو بنُ العاصِ : أمَا وَاللّهِ لَو كانَ هذَا الغُلامُ قُرَشِيّا لَساقَ العَرَبَ بِعَصاهُ .
فَقالَ أبو سُفيانَ بنُ حَربٍ : وَاللّهِ إنّي لَأَعرِفُ الَّذي وَضَعَهُ في رَحِمِ اُمِّهِ .
فَقالَ لَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ : ومَن هُوَ يا أبا سُفيانَ ؟
قالَ : أنا . .
ص: 319
دوح : في النبيّ صلى الله عليه و آله :قالَ : مَهلاً يا أبا سُفيانَ .
فَقالَ أبو سُفيانُ :
أمَا وَاللّهِ لَولا خَوفُ شَخصٍ
يَراني يا عَلِيُّ مِنَ الأَعادي لَأَظهَرَ أمرَهُ صَخرُ بنُ حَربٍ
ولَم تَكُنِ المَقالَةُ عَن زِيادِ وقَد طالَت مُجامَلَتي ثَقيفا
وتَركِيَ فيهِمُ ثَمَرَ الفُؤادِ (1)* ومنه :تاريخ دمشق عن الشعبي :أقامَ عَلِيٌّ عليه السلام بَعدَ وَقعَةِ الجَمَلِ بِالبَصرَةِ خَمسينَ لَيلَةً ، ثُمَّ أقبَلَ إلَى الكوفَةِ وَاستَخلَفَ عَبدَ اللّهِ بنَ عَبّاسٍ عَلَى البَصرَةِ ، قالَ : فَلَم يَزَلِ ابنُ عَبّاسٍ عَلَى البَصرَةِ حَتّى سارَ إلى صِفّينَ . ثُمَّ استَخلَفَ أبَا الأَسوَدِ الدّيلِيَّ عَلَى الصَّلاةِ بِالبَصرَةِ ، وَاستَخلَفَ زِيادا عَلَى الخَراجِ وبَيتِ المالِ وَالدّيوانِ ، وقَد كانَ استَكتَبَهُ قَبلَ ذلِكَ ، فَلَمَ يَزالا عَلَى البَصَرةِ حَتّى قَدِمَ مِن صفّينَ (2) .دوج : عن ياسر في الإمام الجواد عليه السلام :شرح نهج البلاغة :فَأَمّا أوَّلُ ما ارتَفَع بِهِ زِيادٌ فَهُوَ استِخلافُ ابنِ عَبّاسٍ لَهُ عَلَى البَصرَةِ في خِلافَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وبَلَغَت عَلِيّا عَنهُ هَناتٌ ، فَكَتَبَ إلَيهِ يَلومُهُ ويُؤَنِّبُهُ ؛ فَمِنهَا الكِتابُ الَّذي ذَكَرَ الرَّضِيُّ بَعضَهُ وقَد شَرَحنا فيما تَقَدَّمَ ما ذَكَرَ الرَّضِيُّ مِنهُ .
وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام أخرَجَ إلَيهِ سَعدا مَولاهُ يَحُثُّهُ عَلى حَملِ مالِ البَصرَةِ إلَى الكوفَةِ ، وكانَ بَينَ سَعدٍ وزِيادٍ مُلاحاةٌ ومُنازَعَةٌ ، وعادَ سَعدٌ وشَكاهُ إلى عَلِيٍّ عليه السلام وعابَهُ ، فَكَتَبَ عَلِيٌّ عليه السلام إلَيهِ :
أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ سَعدا ذَكَرَ أ نَّكَ شَتَمتَهُ ظُلما ، وهَدَّدتَهُ وجَبَهتَهُ تَجَبُّرا وتَكَبُّرا ، فَما دَعاكَ إلَى التَّكَبُّرِ وقَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : « الكِبرُ رِداءُ اللّهِ ، فَمَن نازَعَ اللّهَ رِداءَهُ .
ص: 320
دوج : عن ياسر في الإمام الجواد عليه السلام :قَصَمَهُ » .
وقَد أخبَرني أ نَّكَ تُكَثِّرُ مِنَ الأَلوانِ المُختَلِفَةِ فِي الطَّعامِ فِي اليَومِ الواحِدِ ، وتَدَّهِنُ كُلَّ يَومٍ ، فَما عَلَيكَ لَو صُمتَ للّهِِ أيّاما ، وتَصَدَّقتَ بِبَعضِ ما عِندَكَ مُحتَسِبا ، وأَكلتَ طعامَكَ مِرارا قَفارا (1) ، فَإِنَّ ذلِكَ شِعارُ الصّالِحينَ ! أ فَتَطمَعُ وأنتَ مُتَمَرِّغٌ فِي النَّعيمِ ، تَستَأثِرُ بِهِ عَلَى الجارِ وَالمِسكينِ وَالضَّعيفِ وَالفَقيرِ وَالأَرمَلَةِ وَاليَتيمِ ، أن يُحسَبَ لَكَ أجرُ المُتَصَدِّقينَ ؟
وأخَبَرني أ نَّكَ تَتَكَلَّمُ بِكَلامِ الأَبرارِ ، وتَعمَلُ عَمَلَ الخاطِئينَ ، فَإن كُنتَ تَفعَلُ ذلِكَ فَنَفسَكَ ظَلَمتَ ، وَعمَلَكَ أحبَطتَ ، فَتُب إلى رَبِّكَ يُصلِح لَكَ عَمَلَكَ ، واقتَصِد في أمرِكَ ، وقَدِّم إلى رَبِّكَ الفَضلَ لِيَومِ حاجَتِكَ ، وَادَّهِن غِبّا (2) ، فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «اِدَّهِنوا غِبّا ولا تَدَّهِنوا رَفها (3) » (4) .* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله حين سُئِل عن الدتاريخ اليعقوبي :وَجَّهَ [ عَلِيٌّ عليه السلام ] رَجُلاً مِن أصحابِهِ إلى بَعضِ عُمّالِهِ مُستحِثّا ، فَاستَخَفَّ بِهِ فَكَتَبَ إلَيهِ : أمّا بَعدُ ،فَإِنَّكَ شَتَمتَ رَسولي وزَجَرتَهُ ، وبَلَغَني أ نَّكَ تُبَخِّرُ وتُكثِرُ الاِدِّهانَ وألوانَ الطَّعامِ ، وتَتَكَلَّمُ عَلَى المِنبَرِ بِكَلامِ الصِّدّيقينَ ، وتَفعَلُ إذا نَزَلتَ أفعالَ المُحِلّينَ ، فَإِن يَكُن ذلِكَ كَذلِكَ فَنَفسَكَ ضَرَرتَ ، وأدَبي تَعَرَّضتَ .
وَيحَكَ أن تَقول : العَظَمَةُ وَالكِبرِياءُ رِدائي ، فَمَن نازَعَنيهِما سَخِطتُ عَلَيهُ ! بَل ما عَلَيكَ أن تَدَّهِنَ رَفيها ، فَقَد أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِذلِكَ ! وما حَمَلَكَ أن تُشهِدَ النّاسَ عَلَيكَ بِخِلافِ ما تَقولُ ، ثُمَّ عَلَى المِنبَرِ حَيثُ يَكثُرُ عَلَيكَ الشّاهِدُ ، ويَعظُمُ مَقتُ اللّهِ لَكَ ! بَل كَيفَ تَرجو وأنتَ مُتَهَوِّعٌ فِي النَّعيمِ ، جَمَعتَهُ مِنَ الأَرمَلَةِ وَاليَتيمِ ، أن يوجِبَ .
ص: 321
* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله حين سُئِل عن الداللّهُ لَكَ أجرَ الصّالِحينَ ؟ ! بَل ما عَلَيكَ _ ثَكَلَتَكَ اُمُّكَ _ لَو صُمتَ للّهِِ أيّاما ، وتَصَدَّقتَ بِطائِفَةٍ مِن طَعامِكَ ، فَإنَّها سيرَةُ الأَنبِياءِ وأدَبُ الصّالِحينَ ! أصلِح نَفسَكَ ، وتُب مِن ذَنبِكَ ، وأدِّ حَقَّ اللّهِ عَلَيكَ ، وَالسَّلامُ (1) .* وعنه عليه السلام :تاريخ الطبري عن الشعبي :لَمَّا انتَقَضَ أهلُ الجبِالِ وطَمِعَ أهلُ الخَراجِ في كَسرِهِ ، وأخرَجوا سَهلَ بنَ حُنَيفٍ من فارِسٍ _ وكانَ عامِلاً عَلَيها لِعَلِيٍّ عليه السلام _ قالَ ابنُ عَبّاسٍ لِعَلِيٍّ : أكفيكَ فارِسَ .
فَقَدِمَ ابنُ عَبّاسٍ البَصرَةَ ، ووَجَّهَ زِيادا إلى فارِسَ في جَمعٍ كَثيرٍ ، فَوَطِئَ بِهِم أهلَ فارِسَ ، فَأَدَّوُا الخَراجَ (2) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :تاريخ الطبري عن عليّ بن كثير :إنَّ عَلِيّا استَشارَ النّاسَ في رَجُلٍ يُوَلّيهِ فارِسَ حينَ امتَنَعوا مِن أداءِ الخَراجِ ، فَقالَ لَهُ جارِيَةُ بنُ قُدامَةَ : ألا أدُلُّكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ عَلى رَجُلٍ صَليبِ الرَّأيِ ، عالِمٍ بِالسِّياسَةِ ، كافٍ لِما وَلِيَ ؟
قالَ : مَن هُوَ ؟
قالَ : زِيادٌ .
قالَ : هُوَ لَها .
فَولّاهُ فارِسَ وكِرمانَ ، ووَجَّهَهُ في أربَعَةِ آلافٍ ، فَدَوَّخَ تِلكَ البِلادَ حَتَّى استَقاموا (3) .* ومنه عن الحسين عليه السلام :شرح نهج البلاغة عن عليّ بن محمّد المدائني :لَمّا كانَ زَمَنُ عَلِيٍّ عليه السلام وَلّى زِيادا فارِسَ أو بَعضَ أعمالِ فارِسَ ، فَضَبَطَها ضَبطا صالِحا ، وجَبى خَراجَها وحَماها ، وعَرَفَ ذلِكَ .
ص: 322
* ومنه عن الحسين عليه السلام :مُعاوِيَةُ ، فَكَتَبَ إلَيهِ : أمّا بَعدُ ، فَإنَّهُ غَرَّتكَ قِلاعٌ تَأوي إلَيها لَيلاً ، كَما تَأوِي الطَّيرُ إلى وَكرِها ، وَايمُ اللّهِ ، لَولاَ انتِظاري بِكَ مَا اللّهُ أعلَمُ بِهِ لَكانَ لَكَ مِنّي ما قالَهُ العَبدُ الصّالِحُ : «فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَ لَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَ هُمْ صَ_غِرُونَ» (1) .
وكَتَبَ في أسفَلِ الكِتابِ شِعرا مِن جُملَتِهِ :
تَنسى أباكَ وَقد شالَت نَعامَتُهُ
إذ يَخطُبُ النّاسَ وَالوالي لَهُم عُمَرُ
فَلَمّا وَرَدَ الكِتابُ عَلى زِيادٍ قامَ فَخَطَبَ النّاسَ ، وقالَ : العَجَبُ مِنِ ابنِ آكِلَةِ الأَكبادِ ، ورَأسِ النِّفاقِ ! يُهَدِّدُني وبَيني وبَينَهُ ابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وزَوجُ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ ، وأبُو السِّبطَينِ ، وصاحِبُ الوَلايَةِ وَالمَنزِلَةِ وَالإِخاءِ في مِئَةِ ألفٍ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالتّابِعينَ لَهُم بِإِحسانٍ ! أمَا وَاللّهِ لَو تَخَطّى هؤُلاءِ أجمَعينَ إلَيَّ لَوَجَدَني أحمَرَ مِخَشّا (2) ضرّابا بِالسَّيفِ .
ثُمَّ كَتَبَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام ، وبَعَثَ بِكتابِ مُعاوِيَةَ في كِتابِهِ .
فَكَتَبَ إلَيهِ عَلِيٌّ عليه السلام ، وبَعَثَ بِكتابِهِ :
أمّا بَعدُ ، فَإِنّي قَد وَلَّيتكَ ما وَلَّيتُكَ وأنَا أراكَ لِذلِكَ أهلاً ، وإنَّهُ قَد كانَت مِن أبي سُفيانَ فَلتَةٌ في أيّامِ عُمَرَ مِن أمانِيِّ التّيهِ وكِذبِ النَّفسِ ، لَم تَستَوجِب بِها ميراثا ، ولَم تَستَحِقَّ بِها نَسَبا ، وإنَّ مُعاوِيَةَ كَالشَّيطانِ الرَّجيمِ يأتِي المَرءَ مِن بَينِ يَدَيهِ وعَن خَلفِهِ وعَن يَمينِهِ وعَن شِمالِهِ ، فَاحذَرهُ ، ثُمَّ احذَرهُ ، ثُمَّ احذَرهُ ، وَالسَّلامُ (3) .دنا : عن عمر في صلح الحُديْبية :أنساب الأشراف :كَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى زِيادٍ يَتَوَعَّدُهُ ويَتَهَدَّدُهُ ، فَخَطَبَ النّاسَ فَقالَ : أيُّهَا .
ص: 323
دنا : عن عمر في صلح الحُديْبية :النّاسُ ، كَتَبَ إلَيَّ ابنُ آكِلَةِ الأَكبادِ ، وكَهفُ النِّفاقِ ، وبَقِيَّةُ الأَحزابِ ، يَتَوعَّدُني ، وبَيني وبَينَهُ ابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ في سَبعينَ ألفا ، قَبائِعُ سُيوفِهِم عِندَ أذقانِهِم ، لا يَلتَفِتُ أحَدٌ مِنهُم حَتّى يَموتَ ، أمَا وَاللّهِ لَئِن وَصَلَ هذَا الأمرُ إلَيهِ لَيَجِدَنّي ضَرّابا بِالسَّيفِ (1) .* ومنه الحديث :اُسد الغابة :لَمّا وَلِي زيادٌ بِلادَ فارِسَ لِعَلِيٍّ ، كَتَبَ إلَيهِ مُعاوِيَةُ يُعَرِّضُ لَهُ بِذلِكَ ويَتَهَدَّدُهُ إن لَم يُطِعُه ، فَأَرسَلَ زيادٌ الكِتابَ إلى عَلِيٍّ ، وخَطَبَ النّاسَ وقالَ : عَجِبتُ لِابنِ آكِلَةِ الأَكبادِ ، يَتَهَدَّدُني ، وبَيني وبَينَهُ ابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ فِي المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ .
فَلَمّا وَقَفَ علَى كِتابِهِ عَلِيٌّ عليه السلام كَتَبَ إلَيهِ : إنَّما وَلَّيتُكَ ما وَلَّيتُكَ وأنتَ عِندي أهلٌ لِذلِكَ ، ولَن تُدرِكَ ما تُريدُ إلّا بِالصَّبرِ وَاليَقينِ ، وإنَّما كانَت مِن أبي سُفيانَ فَلتَةٌ زَمَنَ عُمَرَ لا تَستَحِقُّ بِها نَسَبا ولا ميراثا ، وإنَّ مُعاوِيَةَ يَأتِي المَرءَ مِن بَينِ يَدَيهِ ومِن خَلفِهِ ، فَاحذَرهُ ، وَالسَّلامُ (2) .* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :نهج البلاغة :مِن كتابٍ لَهُ عليه السلام إلى زِيادِ بنِ أبيهِ ، وقَدَ بَلَغَهُ أنَّ مُعاوِيَةَ كَتَبَ إلَيهِ يُريدُ خَديعَتَهُ بِاستِلحاقِهِ : وقَد عَرَفتُ أنَّ مُعاوِيَةَ كَتَبَ إلَيكَ يَستَزِلُّ لُبَّكَ ، ويَسَتِفلُّ غَربَكَ (3) ، فَاحذرَهُ فَإِنَّما هُوَ الشَّيطانُ ؛ يَأتِي المرَءَ مِن بَينِ يَديَهِ ومِن خَلفِهِ ، وعَن يَمينِهِ وَعن شِمالِهِ ، لِيَقتَحِمَ غَفلَتَهُ ، ويَستَلِبَ غِرَّتَهُ .
وقَد كانَ مِن أبي سُفيانَ في زَمَنِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ فَلتَةٌ مِن حَديثِ النَّفسِ ، وَنزغَةٌ مِن نَزَغاتِ الشَّيطانِ : لا يَثبُتُ بِها نَسَبٌ ، ولا يُستَحَقُّ بِها إرثٌ ، وَالمُتَعَلِّقُ بِها كَالواغِلِ .
ص: 324
* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :المُدَفَّعِ (1) ، وَالنَّوطِ المُذَبذَبِ (2) .
فَلَمّا قَرَأَ زِيادٌ الكِتابَ قالَ : شَهِدَ بِها ورَبِّ الكَعبَةِ . ولَم تَزَل في نَفسِهِ حَتَّى ادّعَاهُ مُعاوِيَةُ (3) .* ومنه عن إسماعيل بن عبدالعزيز عن أبي عبداللّه علتاريخ الخلفاء :وفي سَنَةِ ثلاثٍ وأربَعينَ هجريّة . . . استَلحَقَ (4) مُعاوِيَةُ زيادَ بنَ أبيهِ ، وهِيَ أوَّلُ قَضِيَّةٍ غَيَّر فيها حُكمَ النَّبِيِّ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي الإِسلامِ (5) .* ومنه عن سلمان :تاريخ دمشق عن سعيد بن المسيّب :أوَّلُ مَن رَدَّ قَضاءَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، دَعوَةُ مُعاوَيِةَ (6) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :تاريخ دمشق عن ابن أبي نجيح :أوَّلُ حُكمٍ رُدَّ مِن حُكمِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الحُكمُ في زِيادٍ (7) .ذكا : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :تاريخ دمشق عن عمرو بن نعجة :أوَّلُ ذُلٍّ دَخَلَ عَلَى العَرَبِ قَتلُ الحُسَينِ وَادِّعاءُ زِيادٍ (8) .* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :مروج الذهب :لَمّا هَمَّ مُعاوِيَةُ بِإِلحاقِ زِيادٍ بِأَبي سُفيانَ أبيهِ _ وذلِكَ في سَنَةِ أربَعٍ وأرَبعينَ _ شَهِدَ عِندَهُ زِيادُ بنُ أسماءَ الحرمازِيُّ ومالِكُ بنُ رَبيعَةَ السَّلولِيُّ وَالمُنذِرُ بنُ الزُّبَيرِ بنِالعَوّامِ : أنَّ أبا سُفيانَ أخبَرَ أ نَّهُ ابنُهُ . . . ثُمَّ زادَهُ يَقينا إلى ذلِكَ شَهادَةُ أبي مَريَمَ السَّلولِيَّ ، وكانَ أخبَرَ النّاسَ بِبَدءِ الأَمرِ ، وذلِكَ أ نَّهُ جَمَعَ بَينَ أبي سُفيانَ وسُمَيَّةَ اُمِّ زِيادٍ فِي الجاهِلِيَّةِ عَلى زِنى .
وكانَت سُمَيَّةُ مِن ذَواتِ الرّاياتِ بِالطّائِفِ تُؤَدِّي الضَّريبَةَ إلَى الحارِثِ بنِ كَلَدَةَ ، .
ص: 325
* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :وكانَت تَنزِلُ بِالمَوضِعِ الَّذي تَنزِلُ فيهِ البَغايا بِالطّائِفِ خارِجا عَنِ الحَضَرِ في مَحَلَّةٍ يُقالُ لَها : حارَةُ البَغايا (1) .* وفيالحديث :تاريخ اليعقوبي :كانَ زِيادُ بنُ عُبَيدٍ عامِلَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عَلى فارِسَ ، فَلَمّا صارَ الأَمرُ إلى مُعاوِيَةَ كَتَبَ إلَيهِ يَتَوَعَّدُهُ ويَتَهَدَّدُهُ ، فَقامَ زِيادٌ خَطيبا ، فَقالَ :
إنَّ ابنَ آكِلَةِ الأَكبادِ ، وكَهفَ النِّفاقِ ، وَبقِيَّةَ الأَحزابِ ، كَتَبَ يِتَوَعَّدُني وَيَتَهدَّدُني ، وَبيني وبَينَهُ ابنا بِنتِ رَسولِ اللّهِ في تِسعين ألفا ، واضِعي قَبائِعَ سُيوفِهِم تَحتَ أذقانِهِم ، لا يَلتَفِتُ أحَدُهُم حَتّى يَموتَ ، أمَا وَاللّهِ لَئِن وَصَلَ إلَيَّ لَيَجِدَنّي أحمَزَ ، ضَرّابا بِالسَّيفِ .
فَوَجَّهَ مُعاوِيَةُ إلَيهِ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ ، فَأَقدَمَهُ ثُمَّ ادّعَاهُ ، وألحَقَهُ بِأَبي سُفيانَ ، ووَلّاهُ البَصرَةَ ، وأحضَرَ زِيادٌ شُهودا أربَعَةً ، فَشَهِدَ أحَدُهُم أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أعلَمَهُ أ نَّهُم كانوا جُلوسا عِندَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ حينَ أتاهُ زِيادٌ بِرِسالَةِ أبي موسَى الأَشعَرِيِّ ، فَتَكَلَّمَ زِيادٌ بِكَلامٍ أعجَبَهُ ، فَقالَ : أكُنتَ قائِلاً لِلنّاسِ هذا عَلَى المِنبَرِ ؟ قالَ : هُم أهوَنُ عَلَيَّ مِنكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَقالَ أبو سُفيانُ : وَاللّهِ لَهُوَ ابني ، ولَأَنا وَضَعتُهُ في رَحِمِ اُمِّهِ . قُلتُ : فَما يَمنَعُكَ مِن ادِّعائِهِ ؟ قالَ : مَخافَةُ هذَا العَيرِ (2) النّاهِقِ .
وتَقَدَّمَ آخَرُ فَشَهِدَ عَلى هذِهِ الشَّهادَةِ . قالَ زِيادٌ الهَمدانِيُّ : لَمّا سَأَلَهُ زِيادٌ : كَيفَ قَولُكَ في عَلِيٍّ ؟ قالَ : مِثلُ قَولِكَ حينَ وَلّاكَ فارِسَ ، وشَهِدَ لَكَ أ نَّكَ ابنُ أبي سُفيانَ .
وتَقَدَّمَ أبو مَريَمَ السَّلولِيُّ فَقالَ : ماأدري ما شَهادَةُ عَلِيٍّ ، ولكِنّي كُنتُ خَمّارا بِالطّائِفَ ، فَمَرَّ بيأبو سُفيانُ مُنصَرِفا مِن سَفَرٍ لَهُ ، فَطَعِم وَشَرِبَ ، ثُمَّ قالَ : يا أبا مَريَمَ طالَتِ الغُربَةُ ، فَهَل مِن بَغِيٍّ ؟ فَقُلتُ : ما أجِدُ لَكَ إلّا أَمةَ بَني عَجلانَ . قالَ : فَائِتني بِها .
ص: 326
* وفيالحديث :عَلى ما كانَ مِن طولِ ثَديَيها ونَتنِ رُفغِها (1) ، فَأَتَيتُهُ بِها ، فَوَقَعَ عَلَيها ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيَّ فَقالَ لي : يا أبا مَريَمَ ، لَاستَلَّت ماءَ ظَهرِي استِلالاً تثيبُ ابنَ الحَبلِ (2) في عَينِها .
فَقالَ لَهُ زِيادٌ : إنَّما أتَينا بِكَ شاهِدا ، ولَم نَأتِ بِكَ شاتِما ! قالَ : أقولُ الحَقَّ عَلى ما كانَ .
فَأَنفَذَ مُعاوِيَةُ . . . (3) قالَ : ما قَد بَلَغَكُم وشَهِدَ بِما سَمِعتُم ، فَإِن كانَ ما قالوا حَقّا ، فَالحَمدُ للّهِِ الَّذي حَفِظَ مِنّي ما ضَيَّعَ النّاسُ ، ورَفَعَ مِنّي ما وَضَعوا ، وإن كانَ باطِلاً ، فَمُعاوِيَةُ وَالشُّهودُ أعلَمُ ، وما كانَ عُبيَدٌ إلّا والِدا مَبرورا مَشكورا (4) .* وفي رجز أبي قرّة :تاريخ دمشق عن هشام بن محمّد عن أبيه :كانَ سَعيدُ بنُ سَرحٍ مَولى حَبيبِ بنِ عَبدِ شَمسٍ شيعَةً لِعَلِيّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَلَمّا قَدِمَ زِيادٌ الكوفَةَ والِيا عَلَيها أخافَهُ ، وطَلَبَهُ زِيادٌ ، فَأَتَى الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ ، فَوَثَبَ زِيادٌ عَلى أخيهِ ووَلَدِهِ وَامرَأَتِهِ فَحَبَسَهُم ، وأخَذَ مالَهُ ، وهَدَمَ دارَهُ .
فَكَتَبَ الحَسَنُ إلى زِيادٍ : مِنَ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ إلى زِيادٍ ، أمّا بَعدُ ، فَإنَّكَ عَمَدتَ إلى رَجُلٍ مِنَ المُسلِمينَ لَهُ ما لَهُم وعَلَيهِ ما عَلَيهِم ، فَهَدَّمتَ دارَهُ ، وأخَذتَ مالَهُ وعِيالَهُ فَحَبَستَهُم ، فَإِذا أتاكَ كِتابي هذا فَابنِ لَهُ دارَهُ ، وَاردُد عَلَيهِ عِيالَهُ ومالَهُ ، فَإِنّي قَد أجرَتُهُ ، فَشَفِّعني فيهِ .
فَكَتَبَ إلَيهِ زِيادٌ : مِن زِيادِ بنِ أبي سُفيانَ إلَى الحَسَنِ بنِ فاطِمَةَ ، أمّا بَعدُ ، فَقدَ أتاني كِتابُكَ تَبدَأ فيهِ بِنَفسِكَ قَبلي ، وأنتَ طالِبُ حاجَةٍ ، وأنَا سُلطانٌ وأنتَ سوقَةٌ ، .
ص: 327
* وفي رجز أبي قرّة :كَتَبتَ إلَيَّ في فاسِقٍ لا يُؤويهِ إلّا مِثلُهُ ، وشَرٌّ مِن ذلِكَ تَوَلّيهِ أباكَ وإيّاكَ ، وقَد عَلِمتُ أ نَّكَ قَد آوَيتَهُ إقامَةً مِنكَ عَلى سوءِ الرَّأيِ ، ورِضا مِنكَ بِذلِكَ ، وَايمُ اللّهِ لا تَسبِقُني بِهِ ولَو كانَ بَينَ جِلدِكَ ولَحمِكَ ، وإن نِلتُ بَعضَكَ ، غَيرَ رَفيقٍ بِكَ ولا مُرعٍ عَلَيكَ ، فَإنَّ أحَبَّ لَحمٍ إلَيَّ آكُلُهُ لَلَّحمِ الَّذي أنتَ مِنهُ ، فَأَسلِمهُ بِجَريرَتِهِ إلى مَن هُوَ أولى بِهِ مِنكَ ، فَإِن عَفَوتُ عَنهُ لَم أكُن شَفَّعتُكَ فيهِ ، وإن قَتَلتُهُ لَم أقتُلهُ إلّا بِحُبِّهِ إيّاكَ .
فَلَمّا قَرَأَ الحَسَنُ عليه السلام الكِتابَ تَبَسَّمَ ، وكَتَبَ إلى مُعاوِيَةَ يَذكُرُ لَهُ حالَ ابنِ سَرحٍ ، وكِتابَهُ إلى زِيادٍ فيهِ ، وإجابَةَ زِيادٍ إيّاهُ ، ولَفَّ كِتابَهُ في كِتابِهِ ، وبَعَثَ بِهِ إلى مُعاوِيَةَ .
وكَتَبَ الحَسَنُ إلى زِيادٍ : مِنَ الحَسَنِ بنِ فاطِمَةَ إلى زِيادِ بنِ سُمَيَّةَ : « الوَلَدُ لِلفِراشِ ولِلعاهِرِ الحَجَرُ » .
فَلَمّا وَصَلَ كِتابُ الحَسَنِ إلى مُعاوِيَةَ ، وقَرَأَ مُعاوِيَةُ الكِتابَ ضاقَت بِهِ الشّامُ ، وكَتَبَ إلى زِيادٍ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ بَعَثَ بِكِتابِكَ إلَيَّ جَوابَ كِتابِهِ إلَيكَ فِي ابنِ سَرحٍ ، فَأَكثَرتُ التَّعَجُّبَ مِنكَ ، وعَلِمتُ أنَّ لَكَ رَأيَينِ : أحَدَهُما مِن أبي سُفيانَ ، وَالآخَرَ مِن سُمَيَّةَ ، فَأَمَّا الَّذي مِن أبي سُفيانَ فَحِلمٌ وحَزمٌ ، وأمّا رَأيُكَ مِن سُمَيَّةَ فَما يَكونُ رَأيُ مِثلِها ؟ ومِن ذلِكَ كِتابُكَ إلَى الحَسَنِ تَشتِمُ أباهُ ، وتُعَرِّضُ لَهُ بِالفِسقِ ، ولَعَمري لَأَنتَ أولى بِالفسِقِ مِنَ الحَسَنِ ، ولَأَبوكَ إذ كُنتُ تُنسَبُ إلى عُبَيدٍ أولى بِالفِسقِ مِن أبيهِ .
وإنَّ الحَسَنَ بَدَأ بِنَفسِهِ ارتِفاعا عَلَيكَ ، وإنَّ ذلِكَ لَم يَضَعكَ ، وأمّا تَركُكَ تَشفيعَهُ فيما شَفَعَ فيهِ إليكَ فَحَظٌّ دَفَعتَهُ عَن نَفسِكَ إلى مَن هُوَ أولى بِهِ مِنكَ .
فَإِذا قَدِمَ عَلَيكَ كِتابي فَخَلِّ ما في يَدَيكَ لِسَعيدِ بنِ سَرحٍ ، وابنِ لَهُ دارَهُ ، ولا تَعرِض لَهُ ، وَاردُد عَلَيهِ مالَهُ ، فَقَد كَتَبتُ إلَى الحَسَنِ أن يُخبِرَ صاحِبَهُ إن شاءَ أقامَ عِندَهُ ، وإن شاءَ رَجَعَ إلى بَلَدِهِ ، لَيسَ لَكَ عَلَيهِ سُلطانٌ بِيَدٍ ولا لِسانٍ ، وأمّا كِتابُكَ إلَى .
ص: 328
* وفي رجز أبي قرّة :الحَسَنِ بِاسمِهِ ولا تَنسِبُهُ إلى أبيهِ فَإِنَّ الحَسَنِ _ وَيلَكَ _ مَن لا يُرمى بِهِ الرَّجَوانِ (1) ! أ فَإِلى اُمِّهِ وكَلتَهُ ! لا اُمَّ لَكَ ؟ ! هي فاطِمَةُ بِنتُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! وتِلكَ أفخَرُ لَهُ ، إن كُنتَ تَعقِلُ .
وكَتَبَ في أسفَلِ الكِتابِ :
تَدارَك ما ضَيَّعتَ مِن بَعدِ خُبرَةٍ
وأنتَ أريبٌ بِالاُمورِ خَبيرُ أما حَسَنٌ بِابنِ الَّذي كانَ قَبلَهُ
إذا سارَ سارَ المَوتُ حَيثُ يَسيرُ وهَل يَلِدُ الرِّئبالُ إلّا نَظيرَهُ
فَذا حَسَنٌ شِبهٌ لَهُ ونَظيرُ ولكِنَّهُ لَو يَوزَنُ الحِل (2) وَالحِجى
بِرَأيٍ لَقالوا فَاعلَمَنَّ ثَبيرُ (3)* وعنه عليه السلام :تاريخ الطبري عن مسلمة والهذلي وغيرهما :إنَّ مُعاوِيَةَ استَعمَلَ زِيادا عَلَى البَصرَةِ وخُراسانَ وسَجِستانَ ، ثُمَّ جَمَعَ لَهُ الهِندَ وَالبَحرَينِ وعُمانَ ، وقَدِمَ البَصرَةَ في آخِرِ شَهرِ رَبيعِ الآخرِ _ أو غُرَّةِ جُمادَى الاُولى _ سَنَةَ خَمسٍ ، وَالفِسقُ بِالبَصرَةِ ظاهِرٌ فاشٍ ، فَخَطَبَ خُطبَةً بَتراءَ ، لَم يَحمَدِ اللّهَ فيها :
إنّي رَأَيتُ آخِرَ هذَا الأَمرِ لا يَصلُحُ إلّا بِما صَلَحَ بِهِ أوَّلُهُ ، لينٌ في غَيرِ ضَعفٍ ، وشِدَّةٌ في غَيرِ جِبرِيَّةٍ وعُنفٍ ، وإنّي اُقسِمُ بِاللّهِ لَاخُذَنَ الوَلِيَّ بِالوَليِّ ، وَالمُقيمَ بِالظّاعِنِ ، وَالمُقبِلَ بِالمُدبِرِ ، وَالصَّحيحَ مِنكُم بِالسَّقيمِ ، حَتّى يَلقَى الرَّجلُ مِنكُم أخاهُ فَيقولُ : انجُ سَعدٌ فَقَد هَلَكَ سَعيدٌ ، أو تَستَقيمَ لي قَناتُكُم .
إنَّ كِذبَةَ المِنبَرِ تَبقى مَشهورَةً ، فَإِذا تَعَلَّقتُم عَلَيَّ بِكِذبَةٍ فَقَد حَلَّت لَكُم مَعصِيَتي ، وإذا سَمِعتُموها مِنّي فَاغتَمِزوها فِيَّ ، وَاعلَموا أنَّ عِندي أمثالَها ، مَن بُيِّتَ مِنكُم فَأَنَا .
ص: 329
* وعنه عليه السلام :ضامِنٌ لِما ذَهَبَ لَهُ .
إيّايَ ودَلَجُ اللَّيلِ ، فَإِنّي لا اُوتى بِمُدلِجٍ إلّا سَفَكتُ دَمَهُ ، وقَد أجّلَتُكُم في ذلِكَ بِقَدرِ ما يَأتِي الخَبَرُ الكوفَةَ وَيرجِعُ إلَيَّ . وإيّايَ ودَعوَى الجاهِلِيَّةِ ، فَإِنّي لا أجِدُ أحَدا دَعا بِها إلّا قَطَعتُ لِسانَهُ ، وقَد أحدَثتُم أحداثا لم تَكُن ، وقَد أحدَثنا لِكُلٍّ ذَنبٍ عُقوبَةً ، فَمَن غَرَّقَ قَوما غَرَّقتُهُ ، ومَن حَرَّقَ عَلى قَومٍ حَرَّقناهُ ، ومَن نَقَبَ بَيتا نَقَبتُ عَن قَلبِهِ ، ومَن نَبَشَ قَبرا دَفَنتُهُ فيهِ حَيّا ، فَكُفّوا عَنّي أيدِيَكُم وألسِنَتَكُم أكفُف يَدي وأذايَ ، لا يَظهَرُ مِن أحَدٍ مَنكُم خِلافَ ما عَلَيهِ عامَّتُكُم إلّا ضَرَبتُ عُنُقَهُ (1) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام في المهديّ عليه التاريخ الطبري عن مسلمة :اِستَعمَلَ زِيادٌ عَلى شَرَطَتِهِ عَبدَ اللّهِ بنَ حِصنٍ ، فَأَمهَلَ النّاسَ حَتّى بَلَغَ الخَبرُ الكوفَةَ ، وعادَ إلَيهِ وُصولُ الخَبَرِ إلَى الكوفَةِ ، وكانَ يُؤَخِّرُ العِشاءَ حَتّى يَكونَ آخِرَ مَن يُصَلّي ثُمَّ يُصَلّي ، يَأمُرُ رَجُلاً فَيَقرَأ سورَةَ البَقَرَةِ ومِثلَها ، يُرَتِّلُ القُرآنَ ، فَإذا فَرَغَ أمهَلَ بِقَدرِ ما يَرى أنَّ إنسانا يَبلُغُ الخُرَيبَةَ ، ثُمَّ يَأمُرُ صاحِبَ شَرَطَتِهِ بِالخُروجِ ، فَيَخرُجُ ولا يَرى إنسانا إلّا قَتَلَهُ .
قالَ : فَأَخَذَ لَيلَةً أعرابِيّا ، فَأَتى بِهِ زيادا ، فَقالَ : هل سَمِعتَ النِّداءَ ؟ قالَ : لا وَاللّهِ ، قَدِمتُ بِحَلوبَةٍ (2) لي ، وغَشِيَنِي اللَّيلُ ، فَاضطَرَرتُها إلى مَوضِعٍ ، فَأَقَمتُ لِأُصبِحَ ، ولا عِلمَ لي بِما كانَ مِنَ الأَميرِ .
قالَ : أظُنُّكَ وَاللّهِ صادِقا ، ولكن في قَتلِكَ صَلاحُ هذِهِ الاُمَّةِ ، ثُمَّ أمَرَ بِهِ فَضُرِبَت عُنُقُهُ . .
ص: 330
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام في المهديّ عليه الوكانَ زِيادٌ أوَّلَ مَن شَدَّ أمرَ السُّلطانِ ، وأكَّدَ المُلكَ لِمُعاوِيَةَ ، وألزَمَ النّاسَ الطّاعَةَ ، وتَقَدَّمَ فِي العُقوبَةِ ، وجَرَّدَ السَّيفَ ، وأخَذَ بِالظِّنَّةِ ، وعاقَبَ عَلَى الشُّبهَةِ ، وخافَهُ النّاسُ في سُلطانِهِ خَوفا شَديدا ، حَتّى أمِنَ النّاسُ بَعضُهم بعضا ، حَتّى كانَ الشَّيءُ يَسقُطُ مِنَ الرَّجُلِ أوِ المَرأَةِ فَلا يَعرُضُ لَهُ أحَدٌ حَتّى يَأتِيَهُ صاحِبُهُ فَيَأخُذَهُ ، وتَبيتُ المَرأَةُ فَلا تَغلُقُ عَلَيها بابَها ، وساسَ النّاسَ سِياسَةً لَم يُرَ مِثلُها ، وهابَهُ النّاسُ هَيبَةً لَم يَهابوها أحَدا قَبلَهُ ، وأدَرَّ العَطاءَ ، وبَنى مَدينَةَ الرِّزقِ (1) .* وعن الرضا عليه السلام في معنى المشيّة :شرح نهج البلاغة عن الشعبي_ في ذِكرِ سُلطَةِ زِيادٍ عَلَى البَصرَةِ _: فَصَبَّحَ عَلى بابِ القَصرِ تِلكَ اللَّيلةَ سَبعُمِئَةِ رَأسٍ ، ثُمَّ خَرَجَ اللَّيلَةَ الثّانِيَةَ فَجاءَ بِخَمسينَ رَأسا ، ثُمَّ خَرَجَ اللَّيلَةَ الثّالِثَةَ فَجاءَ بِرَأسٍ واحِدٍ ، ثُمَّ لَم يَجِئ بَعدَها بِشَيءٍ ، وكانَ النّاسُ إذا صَلَّوُا العِشاءَ الآخِرَةَ اُحضِروا إلى مَنازِلِهِم شَدّا حَثيثا ، وقَد يَترُكُ بَعضُهُم نِعالَهُ (2) .ذكر : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في صفة القرآن :مروج الذهب :قَد كانَ زِيادٌ جَمَعَ النّاسَ بِالكوفَةِ بِبابِ قَصرِهِ يُحَرِّضُهُم عَلى لَعنِ عَلِيٍّ ، فَمَن أبى ذلِكَ عَرَضَهُ عَلَى السَّيفِ (3) .* وعنه صلى الله عليه و آله في ناقة فاطمة عليهاالسالمعجم الكبير عن الحسن :كانَ زِيادٌ يَتَتَبَّعُ شيعَةَ عَلِيٍّ عليه السلام فَيَقُتلُهُم ، فَبَلَغَ ذلِكَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : اللّهُمَّ تَفَرَّد بِمَوتِهِ ، فَإنَّ القَتلَ كَفّارَةٌ (4) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الجنّة :سير أعلام النّبلاء عن الحسن البصري :بَلَغَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ أنَّ زِيادا يَتَتَبَّعُ شيعَةَ عَلِيٍّ بِالبَصرَةِ فَيَقتُلُهُم ، فَدَعا عَلَيهِ .
وقيلَ : إنَّهُ جَمَعَ أهلَ الكوفَةِ لِيَعرِضَهُم عَلَى البَراءَةِ مِن أبِي الحَسَنِ ، فَأَصابَهُ حينَئِذٍ .
ص: 331
* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الجنّة :طاعونٌ في سَنَةِ ثَلاثِ وخَمسينَ (1) .راجع : ص124 (زياد بن أبيه) .
39زِيادُ بنُ النَّضرِزياد بن النّضر الحارثي ، كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام (2) الأجلّاء ، ومن أعوانه المخلصين ، وأحد اُمراء الجيش (3) ، وتدلّ أقواله ومواقفه في صفّين وغيرها من المشاهد على أ نّه كان ذا وعي عميق ومعرفة رفيعة بشخصيّة المولى أمير المؤمنين عليه السلام . أشار في موقف من مواقفه إلى سبق الإمام عليه السلام في الإيمان ، ومنزلته العالية عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وأكّد القتال في صفّين من خلال تصوير دقيق (4) . كان من رُؤساء الكوفيّين الذين قدموا المدينة للاحتجاج على عثمان (5) . وكان من اُمراء جيش الإمام عليّ عليه السلام ، وتولّى في صفّين قيادة «مقدّمة الجيش» مع شُريح بن هاني (6) ، ولمّا صاروا في مقابل العدوّ ، أمّر عليهما الإمام مالكَ الأشتر (7) . كان زياد صاحب لواء قبيلة مذحج في المعركة (8) ، وكانت له صولات عظيمة في
.
ص: 332
معارك ذي الحجّة (1) . وأوفده الإمام عليه السلام لمفاوضة أصحاب النّهروان قبل الحرب (2) . أجل ، لقد كان طاهر القلب ، شجاعا ، خيّرا كريما ، مطيعا مخلصا لأمير المؤمنين عليه السلام .
40زَيدُ بنُ صوحانَزيد بن صوحان بن حُجْر العبدي أخو صعصعة وسيحان . كان خطيبا (3) مصقعا وشجاعا ثابت الخُطى (4) ، وكان من العظماء ، والزهّاد ، والأبدال (5) ، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الأوفياء (6) . أسلم في عهد النّبيّ صلى الله عليه و آله فعُدَّ من الصحابة (7) . وله وفادة على النّبيّ صلى الله عليه و آله (8) . كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يذكره بخير ، ويقول : «مَن سَرَّهُ أن يَنظُرَ إلى رَجُلٍ يَسبِقُهُ بَعضُ أعضائِهِ إلَى الجَنَّةِ ، فَليَنظُر إلى زَيدِ بنِ صوحانَ » (9) .
.
ص: 333
وتحقّق هذا الكلام النّبوي الَّذي كان فضيلة عظيمة لزيد في حرب جلولاء (1) . (2) وكان لزيد لسان ناطق بالحقّ مبيّن للحقائق ، فلم يُطق عثمان وجوده بالكوفة فنفاه إلى الشام (3) . وعندما بلور الثوّار تحرّكهم المناهض لعثمان ، التحق بهم أهل الكوفة في أربع مجاميع ؛ كان زيدٌ على رأس أحدها (4) . واشترك في حرب الجمل (5) ، وأخبر بشهادته (6) . كتبت إليه عائشة تدعوه إلى نُصرتها ، فلمّا قرأ كتابها نطق بكلام رائع نابه ، فقال : «اُمرَتْ بأمرٍ واُمرنا بغيره ، فركبت ما اُمرنا به ، وأمرتنا أن نركب ما اُمرت هي به ! اُمرَت أن تقرّ في بيتها ، واُمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة ، والسلام» (7) . كان لسانا ناطقا معبّرا في الدفاع عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان له باعٌ في دعمه وحمايته . وخاطبه الإمام عليه السلام عندما جلس عند رأسه قائلاً : « رَحِمَكَ اللّهُ يا زَيدُ ؛ قَد
.
ص: 334
كُنتَ خَفيفَ المَؤونَةِ ، عَظيمَ المَعونَةِ » (1) .
* وعنه عليه السلام لابن صعصعة :تاريخ دمشق عن أبي سليمان :لَمّا وَرَدَ عَلَينا سَلمانُ الفارِسِيُّ أتَيناهُ نَستَقرِئُهُ القُرآنَ ، فَقالَ : إنَّ القُرآنَ عَرَبِيٌّ فَاستَقرِئوهُ رَجُلاً عَرَبِيّا . وكانَ يُقرِئُنا زَيدُ بنُ صوحانَ ، ويَأخُذُ عَلَيهِ سَلمانُ ، فَإِذا أخطَأَ رَدَّ عَلَيهِ سَلمانُ (2) .ذعذع : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في بنياُميّة :تاريخ دمشق عن أبي قدامة :كانَ سَلمانُ عَلَينا بِالمَدائِنِ ، وهُوَ أميرُنا ، فَقالَ : إنّا اُمِرنا أن لا نَؤُمَّكُم ، تَقَدَّم يا زَيدُ . فَكانَ زَيدُ بنُ صوحانَ يَؤُمُّنا ويَخطُبُنا (3) .ذعت : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :الطبقات الكبرى عن مِلْحان بن ثروان :إنَّ سَلمانَ كانَ يَقولُ لِزَيدِ بنِ صوحانَ يَومَ الجُمُعَةِ : قُم فَذَكِّر قَومَكَ (4) .* وفي خبر سحر لبيد اليهوديّ النبيَّ صلى الله عليهتاريخ بغداد عن حميد بن هلال :كانَ زَيدُ بنُ صوحانَ يَقومُ اللَّيلَ ويَصومُ النَّهارَ ، وإذا كانَت لَيلَةُ الجُمُعَةِ أحياها ، فإن كانَ لَيَكرَهُها إذا جاءَتِ مِمّا كانَ يَلقى فيها ، فَبَلَغَ سلمانَ ما كانَ يَصنَعُ ، فَأَتاهُ فَقالَ : أينَ زَيدٌ ؟ قالَتِ امرَأَتُهُ : لَيسَ ها هُنا ، قالَ : فَإِنّي اُقسِمُ عَلَيكِ لَمَّا صَنَعتِ طَعاما ، ولَبِستِ مَحاسِنَ ثِيابِكِ ، ثُمَّ بَعَثتِ إلى زَيدٍ .
قالَ : فَجاءَ زَيدٌ ، فَقُرِّبَ الطَّعامُ ، فَقالَ سَلمانُ : كُل يا زُيَيدُ ، قالَ : إنّي صائِمٌ ، قالَ : كُل يازُيَيدُ لا يَنقُصُ _ أو تُنقِص _ دينكَ ، إنَّ شَرَّ السَّيرِ الحَقحَقَةُ (5) ، إنَّ لِعَينِكَ عَلَيكَ حَقّا ، وإنَّ لِبَدَنِكَ عَلَيكَ حَقّا ، وإنَّ لِزَوجَتِكَ عَلَيكَ حَقّا ، كُل يا زُيَيدُ . فَأَكَلَ وتَرَكَ ما كانَ يَصنَعُ (6) . .
ص: 335
* وفي حديث الأحزاب :الطبقات الكبرى عن ابن أبي الهذيل :دَعا عُمَرُ بنُ الخَطّابِ زَيدَ بنَ صوحانَ فَضَفَنَهُ (1) عَلى الرَّحلِ كَما تَضفِنونَ اُمَراءَكُم ، ثُمَّ التَفَتَ إلَى النّاسِ فَقالَ : اِصنَعوا هذا بِزَيدٍ وأصحابِ زَيدٍ (2) .* وعنه عليه السلام في صلاة الاستسقاء :الطبقات الكبرى عن عبد اللّه بن أبي الهذيل :إنَّ وَفدَ أهلِ الكوفَةِ قَدِموا عَلى عُمَرَ وفيهِم زَيدُ بنُ صوحانَ . . . وجَعَلَ عُمَرُ يَرحَلُ لِزَيدٍ ، وقالَ : يا أهلَ الكوفَةِ ، هكَذا فَاصنَعوا بِزَيدٍ وإلّا عَذَّبتُكُم (3) .* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الطبقات الكبرى عن إبراهيم :كانَ زَيدُ بنُ صوحانَ يُحَدِّثُ ، فَقالَ أعرابِيٌّ : إنَّ حَديثَكَ لَيُعجِبُني ، وإنَّ يَدَكَ لَتُريبُني .
فَقالَ : أ وَ ما تَراهَا الشِّمالَ ؟
فَقالَ : وَاللّهِ ما أدرِي اليمينَ يَقطَعونَ أمِ الشِّمالَ !
فَقالَ زَيدٌ : صَدَقَ اللّهُ «الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَ نِفَاقًا وَ أَجْدَرُ أَلَا يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ» (4) . (5)* وعنه عليه السلام في صفة الأرض :البرصان والعرجان :زَيدُ بنُ صوحانَ العَبدِيُّ ، الخَطيبُ الفارِسُ القائِدُ ، وفِي الحَديثِ المَرفوعِ : « يَسبِقُهُ عُضوٌ مِنهُ إلَى الجَنَّةِ » . وزَيدٌ هُوَ الَّذي قالَ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِما : إنّي مَقتولٌ غَدا . .
ص: 336
* وعنه عليه السلام في صفة الأرض :قالَ : وَلِمَ ؟
قالَ : رَأَيتُ يَدي فِي المَنامِ حَتّى نَزَلتَ مِنَ السَّماءِ ، فَاستَشَلَّت يَدي .
فَلَمّا قَتَلَهُ عُمَيرُ بنُ يَثرِبِيّ مُبارَزَةً ، ومَرَّ بِهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ وهُوَ مَقتولٌ فَوَقَفَ [ وقالَ ] : أمَا وَاللّهِ ما عَلِمُتكَ إلّا حاضِرَ المَعونَةِ ، خَفيفَ المَؤونَةِ (1) .ذرا : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الجاهل المدّالإمام الصادق عليه السلام :لَمّا صُرِعَ زَيدُ بنُ صوحانَ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ يَومَ الجَمَلِ جاءَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام حَتّى جَلَسَ عِندَ رَأسِهِ ، فَقالَ : يَرحَمُكَ اللّهُ يا زَيدُ ، قَد كُنتَ خَفيفَ المَؤونَةِ عَظيمَ المَعونَةِ .
قالَ : فَرَفَعَ زَيدٌ رأسَهُ إلَيهِ وقالَ : وأنتَ فَجَزاكَ اللّهُ خَيرا يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَوَاللّهِ ما عَلِمتُكَ إلّا بِاللّهِ عَليما ، وفي اُمِّ الكِتابِ عَلِيّا حَكيما ، وأنَّ اللّهَ في صَدرِكَ لَعَظيمٌ ، وَاللّهِ ما قاتَلتُ مَعَكَ عَلى جَهالَةٍ ، ولكِنّي سَمِعتُ اُمَّ سَلَمَةَ زَوجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله تَقولُ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اَللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ . وكَرِهتُ وَاللّهِ أن أخذُلَكَ فَيَخذُلَنِي اللّهُ (2) .41سَعدُ بنُ مَسعودٍ الثَّقَفِيُّسعد بن مسعود الثقفي عمّ المختار بن أبي عبيد ، من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام الأوفياء . وقيل : من أصحاب رسول اللّه (3) . ذكرت بعض المصادر أ نّه اصطدم يوما بعمّار بن ياسر الَّذي كان واليا على الكوفة من قبل عمر (4) .
.
ص: 337
ولّاه (1) الإمام عليه السلام في البداية على منطقة الزوابي (2) ، وعندما تحرّك الإمام عليه السلام تلقاء صفّين ، ولّاه على المدائن (3) . (4) أثنى عليه الإمام عليه السلام في رسالة له ، وذكره بالتقوى والنّجابة ، ودعا له (5) . لمّا جُرح الإمام الحسن عليه السلام في ساباط (6) وناله سوء من أصحابه ، التجأ إلى سعد بن مسعود (7) . كان المختار بن أبي عبيد الثقفيّ ابن أخيه (8) الَّذي استخلفه الإمام عليه السلام على المدائن (9) . ويُنسَب إليه أيضا المحدِّث والمؤرّخ الشيعي الكبير إبراهيم الثقفي الكوفي (10) .
* وعن جعفر عليه السلام في الصّائم :الفهرست :سَعدُ بنُ مَسعودٍ أخو أبي عُبَيدِ بنِ مَسعودٍ ، عَمُّ المُختارِ ، وَلّاهُ عَلِيٌّ عليه السلام عَلَى المَدائِنِ ، وهُوَ الَّذي لَجَأَ إلَيهِ الحَسَنُ عليه السلام يَومَ ساباطَ (11) . .
ص: 338
* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :تاريخ اليعقوبي :كَتَبَ [ عَلِيٌّ عليه السلام ] إلى سَعدِ بنِ مَسعودٍ عَمِّ المُختارِ بنِ أبي عُبَيدٍ ، وهُوَ عَلَى المَدائِنِ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّكَ قَد أدَّيتَ خَراجَكَ ، وأطعتَ رَبَّكَ ، وأرضَيتَ إمامَكَ ، فِعلَ المُبِرِّ التَّقِيِّ النَّجيبِ ، فَغَفَرَ اللّهُ ذَنبَكَ ، وتَقَبَّلَ سَعيَكَ ، وحَسَّنَ مَآبَكَ (1) .* وعن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى :الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى سَعدِ بنِ مَسعودٍ الثَّقَفِيِّ عامِلِهِ عَلَى المَدائِنِ وجوخا (2) _: أمّا بَعدُ ، فَقَد وفَّرتَ عَلَى المُسلِمينَ فَيأَهُم ، وأطَعتَ رَبَّكَ ، ونَصَحتَ إمامَكَ ، فِعلَ المُتَنَزِّهِ العَفيفِ ، فَقَد حَمِدتُ أمرَكَ ، ورَضيتُ هَديَكَ ، وأبَبتَ (3) رُشدَكَ ، غَفَرَ اللّهُ لَكَ ، وَالسَّلامُ (4) .42سَعِيدُ بنُ قَيسٍ الهَمدانِيُّكان مقاتلاً شجاعا وبطلاً ، شهد الجمل (5) ، وصفّين (6) . جعله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أميرا على همدان في الجمل (7) وصفّين (8) . وفي سياق خطبة بليغة خطبها في جماعة من أصحابه ، كشف حقيقة الجيشين جيّدا وأظهر انقياده التامّ للإمام عليه السلام (9) ، ودلّ على عظمة جيش الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الَّذي كان فيه ثُلّة من البدريّين . ثمّ بيّن منزلة
.
ص: 339
الإمام الرفيعة بكلام رائع ، وفضحَ معاوية وأخزاه مشيرا إلى السابقة السيّئة له ولأسلافه (1) . وقد أصحر بطاعته المطلقة للإمام عليه السلام بعبارات حماسيّة في مواطن كثيرة . وكان الإمام عليه السلام يُثني على ذلك الرجل الزاهد المقاتل . ومن ثنائه عليه قال : يَقودُهمُ حامي الحقيقة ماجدٌ سعيدُ بن قيسٍ ، والكريمُ محامِ (2) أشخصه الإمام عليه السلام إلى الأنبار 3 بعد معركة صفّين لصدّ الغارات الَّتي كان يشنّها سفيان بن عوف (3) . وثبت سعيد على صراط الحقّ بعد أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان من أصحاب الإمام الحسن عليه السلام ، وبعثه الإمام الحسن عليه السلام ليخلف قيس بن سعد في قيادة الحرب ضدّ معاوية (4) . مدحه أبو عمرو الكشّي بقوله : من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهّادهم (5) . توفّي سعيد بن قيس حوالي سنة 41 ه (6) .
* وعن أبي جعفر عليه السلام في تغسيل النبيّ صلى الالغارات_ في ذِكرِ غارَةِ سُفيانَ بنِ عَوفٍ عَلَى الأَنبارِ ، وَاستِنفارِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام النّاسَ، .
ص: 340
* وعن أبي جعفر عليه السلام في تغسيل النبيّ صلى الوقُعودِ أصحابِهِ _: فَقامَ حُجرُ بنُ عَدِيٍّ الكِندِيُّ وسَعيدُ بنُ قَيسٍ الهَمدانِيُّ فَقالا : لا يَسُؤكَ اللّهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، مُرنا بِأَمرِكَ نَتَّبِعهُ ، فَوَاللّهِ ما نُعظِمُ جَزَعا عَلى أموالِنا إن نَفَدَت ، ولا عَلى عَشائِرِنا إن قُتِلَت في طاعَتِكَ (1) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الفتوح_ في ذِكرِ وَقعَةِ صِفّينَ _: فَقالَ سَعيدُ بنُ قَيسٍ : وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما نَصرُنا إلّا للّهِِ ولا أجَبنا غَيرَهُ ، ولَقَد قاتَلنا مَعَ مَن لَيسَ لَهُ مِثلُ سابِقَتِكَ ولا قَرابَتِكَ ، فَارمِ بِنا حَيثُ شِئتَ وأينَ أحبَبتَ ، فَنَحنُ لَكَ سامِعونَ مُطيعونَ .
قالَ : فَعِندَها أنشَأَ عَلِيٌّ عليه السلام أبياتا يَقولُ :
فَلَو كُنتُ بَوّابا عَلى بابِ جَنَّةٍ
لَقُلتُ لِهَمدانَ ادخُلوا بِسَلامِ جَزَى اللّهُ هَمدانَ الجِنانَ فَإِنَّهُم
سِمامُ العِدى في كُلِّ يَومِ حِمامِ (2)* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :تاريخ الطبري عن جبر بن نوف_ بَعدَ أن ذَكَرَ حَثَّ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام النّاسَ لِلخُروجِ إلى قِتالِ أهلِ الشّامِ ، بَعدَ حَربِ صِفّينَ _:فَقامَ سَعيدُ بنُ قَيسٍ الهَمدانِيُّ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، سَمعا وطاعَةً ، ووُدّا ونَصيحَةً ، أنَا أوَّلُ النّاسِ جاءَ بِما سَأَلتَ وبِما طَلَبت (3) .* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الغارات عن أبي عبد الرحمن السلمي_ أيضا _: فَقامَ إلَيهِ سَعيدُ بنُ قَيسٍ الهَمدانِيُّ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وَاللّهِ لَو أمَرتَنا بِالمَسيرِ إلى قَسطَنطينِيَّةَ ورومِيَّةَ مُشاةً حُفاةً عَلى غَيرِ عَطاءٍ ولا قُوَّةٍ ، ما خالَفتُكَ أنَا ، ولا رَجُلٌ مِن قَومي .
قالَ : فَصَدَقتُم جَزاكُمُ اللّهُ خَيرا (4) . .
ص: 341
43سَلمانُ الفارِسِيُّسلمان الفارسي ، أبو عبد اللّه ، وهو سلمان المحمّدي ، زاهد ثاقب البصيرة ، نقيّ الفطرة ، من سلالة فارسيّة (1) ، مولده رامهرمز (2) وأصله من أصبهان (3) ، صحابيّ (4) جليل من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . كان يحظى بمكانة عظيمة لا تستوعبها هذه الصفحات القليلة . كان يطوي الفيافي والقفار بحثا عن الحقّ . وعندما دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله المدينة حضر عنده وأسلم (5) . وآثر خدمة ذلكم السفير الإلهيّ العظيم بكلّ طواعية ، ولم يألُ جهدا في ذلك ، وشهد الخندق وأعان المؤمنين بذكائه وخبرته بفنون القتال ، واقترح حفر الخندق ، فلقي اقتراحه ترحيبا . كان يعيش في غاية الزهد ، ولمّا كان قد قطع جميع الوشائج ، وأعرض عن جميع زخارف الحياة ، والتحق بالحقّ ، شرّفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقوله : « سَلمانُ مِنّا أهلَ البَيتِ » (6) . وكان قلبه الطاهر مَظهرا للأنوار الإلهيّة ، فقال فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « مَن أرادَ أن يَنظُرَ إلى رَجُلٍ نُوِّرَ قَلبُهُ فَليَنظُر إلى سَلمانَ » (7) .
.
ص: 342
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول عن سعة علمه واطّلاعه : «عَلِمَ العِلمَ الأَوَّلَ وَالعِلمَ الآخِرَ ، وقَرَأَ الكِتابَ الأَوَّلَ وقَرَأَ الكِتابَ الآخِرَ ، وكانَ بَحرا لا يَنزِفُ » (1) . وقد رعى سلمان حرمة الحقّ بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولم يحد عن مسير الحقّ (2) ، وكان أحد القلائل الذين قاموا في المسجد النّبويّ ودافعوا عن «خلافة الحقّ» و « حقّ الخلافة » (3) . وكان من عشّاق عليّ وآل البيت عليهم السلام ، ومن الأقلّين الذين شهدوا الصلاة على السيّدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليهاالسلاموحضروا دفنها في جوف الليل الحزين (4) . ولّاه عمر على المدائن (5) ، فكانت حكومته فيها من المظاهر المشرّفة الباعثة على الفخر والاعتزاز ، فهي حكومة تعلوها الرؤية الإلهيّة ، ويحيطها الزهد والورع ، وهدفها الحقّ والعدل . كان سلمان من المعمّرين ، عاش قرابة مئتين وخمسين سنة (6) ، وتوفّي بالمدائن (7)
.
ص: 343
أيّام حكومة عمر (1) أو عثمان (2) .
* وعنه عليه السلام :رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ الجَنَّةَ لَتَشتاقُ إلى ثَلاثَةٍ : عَليٍّ وعَمّارٍ وسَلمانَ (3) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام في بيعة أبي بكر :حلية الأولياء عن أبي الأسود وزاذان الكندي :كُنّا ذاتَ يَومٍ عِندَ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَوافَقَ النّاسُ مِنهُ طيبَ نَفسٍ ومُزاحٍ ، فَقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، حَدِّثنا عَن أصحابِكَ .
قالَ : عَن أيِّ أصحابي ؟
قالوا : عَن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله .
قالَ : كُلُّ أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أصحابي ، فَعَن أيِّهِم ؟
قالوا : عَنِ الَّذينَ رَأَيناكَ تُلطِفُهُم بِذِكرِكَ وَالصَّلاةِ عَلَيهِم دونَ القَومِ ، حَدِّثنا عَن سَلمانَ .
قالَ : مَن لَكُم بِمِثلِ لُقمانَ الحَكيمِ ؟ ! ذاكَ امرُؤٌ مِنّا وإلَينا أهلَ البَيتِ ، أدرَكَ العِلمَ الأَوَّلَ وَالعِلمَ الآخِرَ ، وقَرَأَ الكِتابَ الأَوَّلَ وَالكِتابَ الآخِرَ ، بَحرٌ لا يَنزِفُ (4) .ذرب : عن إبراهيم بن أبي البلاد :الأمالي للطوسي عن منصور بن بزرج :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ الصّادقِ عليه السلام : ما أكثَرَ ما أسمَعُ .
ص: 344
ذرب : عن إبراهيم بن أبي البلاد :مِنكَ يا سَيِّدي ذِكرَ سَلمانَ الفارِسِيِّ !
فَقالَ : لا تَقُلِ الفارِسِيَّ ، ولكِنَ قُل : سَلمانَ المُحَمَّدِيَّ ، أ تَدري ما كَثرَةُ ذِكري لَهُ ؟
قُلتُ : لا .
قالَ : لِثَلاثِ خِلالٍ ، أحَدُها : إيثارُهُ هَوى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام عَلى هَوى نَفسِهِ ، وَالثانِيَةُ : حُبُّهُ لِلفُقَراءِ وَاختِيارُهُ إيّاهُم عَلى أهلِ الثَّروَةِ وَالعَدَدِ ، وَالثّالِثَةُ : حُبُّهُ لِلعِلمِ وَالعُلماءِ . إنَّ سَلمانَ كانَ عَبدا صالِحا حَنيفا مُسلِما وما كانَ مِنَ المُشرِكينَ (1) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :المستدرك على الصحيحين عن عوف بن أبي عثمان النّهدي :قالَ رَجُلٌ لِسَلمانَ : ما أشَدَّ حُبَّك لِعَلِيٍّ عليه السلام ! قالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن أحَبَّ عَلِيّا فَقَد أحَبَّني ، ومَن أبغَضَ عَلِيّا فَقَد أبغَضَني (2) .ذرأ : عن أبي الحسن عليه السلام :الطبقات الكبرى عن النّعمان بن حميد :دَخَلتُ مَعَ خالي عَلى سَلمانَ بِالمَدائِنِ وهُوَ يَعمَلُ الخوصَ ، فَسَمِعتُهُ يَقولُ : أشتَري خوصا بِدِرهَمٍ فَأعمَلُهُ فَأَبيعُهُ بِثَلاثَةِ دَراهِمَ ، فَاُعيدُ دِرهَما فيه ، واُنفِقُ دِرَهَما عَلى عِيالي ، وأتَصَدَّقُ بِدِرهَمٍ ، ولَو أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ نَهاني عَنهُ ما انتَهَيتُ (3) .* وعن عليّ بن موسى عليهماالسلام :مروج الذهب_ في ذِكرِ سَلمانَ الفارِسِيِّ _: كانَ يَلبَسُ الصّوفَ ، ويَركَبُ الحِمارَ بِبَرذَعَتِهِ (4) بِغَيرِ إكافٍ (5) ، ويَأكُلُ خُبزَ الشَّعيرِ ، وكانَ ناسِكا زاهِدا ، فَلَمَّا احتَضَرَ .
ص: 345
* وعن عليّ بن موسى عليهماالسلام :بِالمَدائِنِ قالَ لَهُ سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ : أوصِني يا أبا عَبدِ اللّهِ .
قالَ : نَعَم ، قالَ : اُذكُرِ اللّهَ عِندَ هَمِّكَ إذا هَمَمتَ ، وعِندَ لِسانِكَ إذا حَكَمت ، وعِندَ يَدِكَ إذا قَسَمتَ .
فَجَعَلَ سَلمانُ يَبكي ، فَقالَ لَهُ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، ما يُبكيكَ ؟
قالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ فِي الآخِرَةِ عَقَبَةً لا يَقطَعُها إلَا المُخِفّون ، وأرى هذِهِ الأَساوِدَةَ حَولي . فَنَظَروا فَلَم يَجِدوا فِي البَيتِ إلّا إداوَةً ورَكوَةً (1) ومَطهَرَةً ! (2)* وفي الحديث القدسيّ :الطبقات الكبرى عن أبي سفيان عن أشياخه :دَخَلَ سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ عَلى سَلمانَ يَعودُهُ ، فَبَكى سَلمانُ ، فَقالَ لَهُ سَعدٌ : ما يُبكيكَ يا أبا عَبدِ اللّهِ ؟ تُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ عَنكَ راضٍ ، وتَلقى أصحابَكَ ، وتَرِدُ عَلَيهِ الحَوضَ !
قالَ سَلمانُ : وَاللّهِ ما أبكي جَزَعا مِنَ المَوتِ ولا حِرصا عَلَى الدُّنيا ، ولكِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَهِدَ إلَينا عَهدا فَقالَ : لِتَكُن بُلغَةُ أحَدِكُم مِنَ الدُّنيا مِثلَ زادِ الرّاكِبِ . وحَولي هذِهِ الأَساوِدُ .
قالَ : وإنَّما حَولَهُ جَفنَةٌ أو مَطهَرَةٌ أو إجّانَةٌ (3) ، فَقالَ لَهُ سَعدٌ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، اِعهَد إلَينا بِعَهدٍ نَأخُذهُ بَعدَكَ .
فَقالَ : يا سَعدُ ، اُذكُرِ اللّهَ عِندَ هَمِّكَ إذا هَمَمتَ ، وعِندَ حُكمِكَ إذا حَكَمتَ ، وعِندَ يَدِكَ إذا قَسَمتَ (4) .* ومنه في عبدالمطّلب :المعجم الكبير عن بقيرة_ امرَأَةِ سَلمانَ _: لَمّا حَضَرَ سَلمانَ المَوتُ دَعاني ، وهُوَ في .
ص: 346
* ومنه في عبدالمطّلب :عِلِّيَّةٍ (1) لَها أربَعَةُ أبوابٍ ، فَقالَ : اِفتَحي هذِهِ الأَبوابَ يا بقيرةُ ، فَإِنَّ لِيَ اليَومَ زُوّارا لا أدري مِن أيِّ هذِهِ الأَبوابِ يَدخُلونَ عَلَيَّ . ثُمَّ دَعا بِمِسكٍ لَهُ ، ثُمَّ قالَ : أديفيهِ في تَورٍ (2) ، فَفَعَلتُ ، ثُمَّ قالَ : اِنضَحيهِ حَولَ فِراشي ثُمَّ انزِلي فَامكُثي ، فَسَوفَ تَطَّلِعينَ قربتي (3) عَلى فِراشي ، فَاطَّلَعتُ فَإِذا هُوَ قَد اُخِذَ روحُهُ ، فَكَأَ نَّهُ نائِمٌ عَلى فِراشِهِ ، أو نَحوا مِن ذلِكَ (4) .* ومنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله :الطبقات الكبرى عن عطاء بن السائب :إنَّ سَلمانَ حينَ حَضَرَتهُ الوَفاةُ ، دَعا بِصُرَّةٍ مِن مِسكٍ كانَ أصابَها مِن بَلَنجَرَ (5) ، فَأَمرَ بِها أن تُدافَ وتُجعَلَ حَولَ فِراشِهِ ، وقالَ : فَإِنَّهُ يَحضُرُنِي اللَّيلَةَ مَلائِكَةٌ يَجِدونَ الرّيحَ ولا يَأكُلونَ الطَّعامَ (6) .44سُلَيمانُ بنُ صُرَدٍ الخُزاعِيّسليمان بن صرد بن الجون الخزاعي يكنّى أبا مُطَرِّف ، من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله (7) ، وأحد وجوه الشيعة البارزين في الكوفة (8) . تخلّف عن الإمام عليّ عليه السلام
.
ص: 347
يوم الجمل فلامه الإمام وعنّفه (1) ، ولكنّه كان أمير ميمنته على الرجّالة يوم صفّين (2) . ولّاه الإمام عليه السلام على منطقة الجبل (3) ، ومدح صلابته في الدِّين (4) . وفي أيّام الإمام الحسن المجتبى عليه السلام كان من أصحابه (5) . وعندما نقض معاوية الصلح ، اقترح سليمان على الإمام إخراج عامل معاوية من الكوفة ، فلم يوافق (6) . جمع أهل الكوفة بعد هلاك معاوية ، وكتب إلى الإمام الحسين عليه السلام يدعوه إلى الكوفة ، لكنّه تخلّف عن بيعته ولم يشهد معه واقعة الطفّ (7) . لمّا هلك يزيد ، جمع شيعة الكوفة ونظّم ثورة التوّابين على ابن زياد رافعا شعاره المعروف «يالَثارات الحسين» (8) . وكانت هذه الثورة حماسيّة عاطفيّة . وانهزم سليمان أمام عبيد اللّه بن زياد بعد قتالٍ شديدٍ ، ورزقه اللّه الشهادة سنة 65 ه (9) ، وله من العمر 93 سنة (10) .
.
ص: 348
* وعنه عليه السلام في الدّنيا :الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى سُليمانَ بنِ صُرَدٍ وهُوَ بِالجَبَلِ _: ذَكَرتَ ما صارَ في يَدَيكَ مِن حُقوقِ المُسلِمينَ ، وإنَّ مَن قِبَلَكَ وقِبَلَنا فِي الحَقِّ سَواءٌ ، فَأَعلِمني مَا اجتَمَعَ عِندَكَ مِن ذلِكَ ، فَأَعطِ كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّهُ ، وَابعَث إلَينا بِما سِوى ذلِكَ لِنَقسِمَهُ فيمَن قِبَلِنا إن شاءَ اللّهُ (1) .ديم : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :وقعة صفّين عن عون بن أبي جحيفة :بَعدَ كِتابَةِ صَحيفَةِ التَّحكيمِ في حَربِ صِفّينَ ، أتى سُلَيمانُ بنُ صُرَدٍ عَلِيّا أميرَ المُؤمِنينَ بَعدَ الصَّحيفَةِ ، ووَجهُهُ مَضروبٌ بِالسَّيفِ ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيهِ عَلِيٌّ قالَ : «فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً» (2) فَأَنتَ مِمَّن يَنتَظِرُ ومِمَّن لَم يُبَدِّل .
فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أما لَو وَجَدتُ أعوانا ما كُتِبَت هذِهِ الصَّحيفَةُ أبَدا . أمَا وَاللّهِ لَقَد مَشيتُ فِي النّاسِ لِيَعودوا إلى أمرِهِمُ الأَوَّلِ فَما وَجَدتُ أحَدا عِندَهُ خَيرٌ إلّا قَليلاً (3) .ديذ : عن إبراهيم بن أبي البلاد لأبي جعفر الجواد عوقعة صفّين عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود :إنَّ سُلَيمانَ بنَ صُرَدٍ الخُزاعِيَّ دَخَلَ عَلى عَلِيٍّ بنِ أبي طالِبٍ بَعدَ رَجعَتِهِ مِنَ البَصرَةِ ، فَعاتَبَهُ وعَذَلَهُ وقالَ لَهُ : اِرتَبتَ وتَرَبَّصتَ وراوَغتَ ، وقَد كُنتَ مِنَ أوثَقِ النّاسِ في نَفسي وأسرَعِهِم _ فيما أظُنُّ _ إلى نُصرَتي ، فَما قَعَدَ بِكَ عَن أهلِ بَيتِ نَبِيِّكَ ، وما زَهَّدَكَ في نَصرِهِم ؟ !
فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لا تَرُدَّنَّ الاُمورَ عَلى أعقابِها ، ولا تُؤَنِّبني بِما مَضى مِنها ، وَاستَبقِ مَوَدَّتي يَخلُص لَكَ نَصيحَتي ، وقَد بَقِيتَ اُمورٌ تَعرِفُ فيها وَلِيَّكَ مِن عَدُوِّكَ . فَسَكَتَ عَنهُ وجَلَسَ سُلَيمانُ قَليلاً ، ثُمَّ نَهَضَ فَخَرَجَ إلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ وهُوَ قاعِدٌ .
ص: 349
ديذ : عن إبراهيم بن أبي البلاد لأبي جعفر الجواد عفِي المَسجِدِ ، فَقالَ : ألا أُعَجِّبُكَ مِن أميرِ المُؤمِنينَ وما لَقيتُ مِنهُ مِنَ التَّبكيتِ وَالتَّوبيخِ ؟
فَقالَ لَهُ الحَسَنُ : إنَّما يُعاتَبُ مَن تُرجى مَوَدَّتَهُ ونَصيحَتُهُ .
فَقالَ : إنَّهُ بَقِيَت اُمورٌ سَيَستَوسِقُ فيهَا القَنا ، ويُنتَضى فيهَا السُّيوفُ ، ويَحتاجُ فيها إلى أشباهي ، فَلا تَستَغِشّوا عَتبي ، ولا تَتَّهِموا نَصيحَتي .
فَقالَ لَهُ الحَسَنُ : رَحِمَكَ اللّهُ ! ما أنتَ عِندَنا بِالظَّنينِ (1) .45سُلَيمُ بنُ قَيسٍ الهِلالِيُّسليم بن قيس الهلالي العامري يكنى أبا صادق ، كان من محدّثي التابعين ، وعلمائهم ، وعظمائهم ، وهو من أصحاب أمير المؤمنين (2) ، والحسن (3) ، والحسين (4) ، وزين العابدين (5) ، والباقر (6) ، عليهم السلام أجمعين . وكان في أصحاب الإمام أمير المؤمنين من «شرطة الخميس (7) » (8) . وعُدّ من السبّاقين في التأليف وضبط
.
ص: 350
الحقائق والتاريخ (1) . ويعتبر كتابه _ الَّذي جاء في كتب التراجم والمصادر بعناوين متنوّعة _ من أهمّ كتب الشيعة ، وسمّاه بعض العلماء «أصل من أكبر كتب الاُصول» (2) . والَّذي هو الآن موجود في أيدينا وعنوانه : «كتاب سُليم» مع كثرة نسخه وطرقه ، دار حوله كلام بين علماء الرجال والباحثين الإسلاميّين ، منذ زمن بعيد ، فذهب بعضهم إلى أ نّه موضوع أساسا ، ورأى بعض آخر أنّ نسبته إلى سليم ثابتة لا غبار عليها ، وحاول هؤلاء الإجابة عن الإشكالات والشبهات المثارة عليه . واحتاط آخرون فقالوا : إنّه مدسوس ، وحكموا عليه بأنّ فيه الثابت والمشكوك فيه ، والحسن والرديء ، والصحيح والسقيم (3) . مع هذا كلّه ، فإنّ سُليما نفسه لا قدح فيه ؛ إذ كان من الشخصيّات المتألّقة في تاريخ التشيّع ، ومن الموالين الأبرار للأئمّة عليهم السلام ، ومن أحبّاء آل الرسول صلى الله عليه و آله وأودّائهم .
46سَهلُ بنُ حُنَيفٍسهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي ، أخو عثمان بن حُنيف (4) . من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأحد البدريّين (5) .
.
ص: 351
شهد حروب النّبيّ صلى الله عليه و آله كلّها (1) . وعندما اشتدّ القتال في اُحد وفرّ جمع كبير من المسلمين كان سهل ممّن ثبت مع النّبيّ صلى الله عليه و آله (2) . كان سهل من السبّاقين إلى الدفاع عن الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، إذ رعى حُرمة خلافة الحقّ (3) . وهو من القلائل الذين صدعوا بذَودهم عن الإمام عليه السلام (4) . اختاره الإمام عليه السلام لولاية الشام ، لكنّ جنود معاوية حالُوا دون وصوله إليها (5) . ثمّ ولّاه الإمام عليه السلام على المدينة (6) . وفي صفّين دعاه إلى الالتحاق به وجعل مكانه تمّام بن عبّاس (7) . وكان فيها أميرا على خيّالة من جند البصرة (8) . ثمّ ولي فارس ، ولكنّه عُزل بسبب الفوضى وتوتّر الأوضاع فيها ، فاستعمل الإمام عليه السلام مكانه زياد بن أبيه باقتراح عبد اللّه بن عبّاس (9) (مضى تفصيل ذلك) . توفّي بالكوفة سنة 38 ه (10) ، وأثنى عليه الإمام عليه السلام كثيرا عند دفنه (11) .
.
ص: 352
* ومنه الحديث :الاُصول الستّة عشر عن ذريح المحاربي :ذَكَرَ [ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام ]سَهلَ بنَ حُنَيفٍ فَقالَ : كانَ مِنَ النُّقَباءِ (1) ، فَقُلتُ لَهُ : مِن نُقَباءِ نَبِيِّ اللّهِ الاِثنَي عَشَرَ ؟ فَقالَ : نَعَم ، كانَ مِنَ الَّذينَ اختيروا مِنَ السَّبعينَ ، فَقُلتُ لَهُ : كُفَلاءُ عَلى قَومِهِم ، فَقالَ : نَعَم ، إنَّهُم رَجَعوا وفيهِم دَمٌ ، فَاستَنظَروا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى قابِلٍ ، فَرَجَعوا فَفَزَغوا (2) مِن دَمِهِم وَاصطَلَحوا ، وأقبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله مَعَهُم .
وذَكَرَ سَهلاً فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : ما سَبَقَهُ أحَدٌ مِن قُرَيشٍ ولا مِنَ النّاسِ بِمَنقَبَةٍ ، وأثنى عَلَيهِ وقالَ : لَمّا ماتَ جَزِعَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام جَزَعا شَديدا ، وصَلّى عَلَيهِ خَمسَ صَلَواتٍ وقالَ : لَو كانَ مَعي جَبَلٌ لَارفَضَّ (3) . (4)* وعن الباقر عليه السلام :رجال الكشّي عن الحسن بن زيد :كَبَّرَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام عَلى سَهلِ بنِ حُنَيفٍ سَبعَ تَكبيراتٍ ، وكانَ بَدرِيّاً ، وقالَ : لَو كَبَّرتُ عَلَيهِ سَبعينَ لَكانَ أهلاً (5) .* وعن بريد :الإمام عليّ عليه السلام_ وقَد تُوُفِّيَ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ الأَنصارِيُّ بِالكوفَةِ بَعدَ مَرجِعِهِ مَعَهُ مِن صِفّينَ ، وكانَ أحَبَّ النّاسِ إلَيهِ _: لَو أحَبَّني جَبَلٌ لَتَهافَتَ (6) . .
ص: 353
47سَيحانُ بنُ صُوحانسيحان بن صوحان بن حُجْر ، أخو زيد وصعصعة ابني صوحان (1) . كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام كأخويه (2) . كانت الراية يوم الجمل في يده فقتل فأخذها زيد فقتل فأخذها صعصعة (3) . ودفن مع أخيه زيد في قبرٍ واحدٍ (4) .
48شَبَثُ بنُ رِبعِيٍّ التَّمِيمِيُّشبث بن ربعي التميمي اليربوعي ، أبو عبد القدّوس الكوفي أحد الوجوه المتلوّنة المشبوهة العجيبة في التاريخ الإسلامي . كان مؤذّنا لسجاح (5) ، ثمّ أسلم (6) ، وله دور في فتنة عثمان (7) . كان من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في عصره (8) ، ومن اُمراء جيشه في
.
ص: 354
حرب صفّين (1) . وأوفده الإمام إلى معاوية ليتحدّث معه (2) . بيد أ نّه لحق بالخوارج بعد التحكيم ، وصار من اُمراء عسكرهم (3) . ثمّ فارقهم بعد مدّة ، وعاد إلى جيش الإمام عليه السلام (4) ، وكان قائد ميسرته في النّهروان (5) . كاتب الإمام الحسين عليه السلام بعد هلاك معاوية كسائر الكوفيّين ، ودعاه إلى الكوفة (6) . ثمّ انضمّ إلى جماعة ابن زياد ، وثبّط النّاس عن مسلم بن عقيل عليه السلام (7) . وكان ممّن قاتل مسلما (8) . وكان أحد القادة العسكريّين في جيش يزيد يوم الطفّ (9) . وبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام جدّد بناء مسجده بالكوفة ؛ فرحا بقتل الحسين (10) . وعندما ثار المختار نهض شبث أيضا للثأر بدم الحسين عليه السلام (11) . ثمّ اشترك مع
.
ص: 355
مصعب بن الزبير ضدّ المختار (1) . مات بالكوفة سنة 80 ه (2) .
49شُرَيحُ بنُ هانِيشريح بن هاني بن يزيد الحارثي يكنى أبا المقدام ، كان من المخضرمين (3) ، أدرك النّبيّ ولم يره (4) ، وكان من أكابر التابعين (5) ، ومن كبار أصحاب عليّ عليه السلام (6) وشهد معه المشاهد (7) ، وكان أميرا في الجمل (8) ، وفي صفّين من اُمراء مقدّمة الجيش وعلى الميسرة (9) . ولمّا بعث عليّ عليه السلام أبا موسى إلى دومة الجندل (10) بعث معه أربعمئة عليهم
.
ص: 356
شريح بن هاني (1) . وعندما ذُكر اسمه في زمرة الشاهدين على حجر بن عدي ، أنفذ إلى معاوية كتابا كذّب فيه ذلك وأثنى على حجر (2) . قتل شريح بسجستان سنة 78 ه (3) ، وهو ابن مئةٍ وعشرين سنة (4) .
50صَعصَعَةُ بنُ صُوحانَصعصعة بن صوحان بن حُجْر العبدي ، كان مسلما على عهد النّبيّ صلى الله عليه و آله ولم يره (5) . وكان من كبار أصحاب الإمام عليّ عليه السلام (6) ، ومن الذين عرفوه حقّ معرفته كما هو حقّه (7) ، وكان خطيبا شحشحا (8) بليغا (9) . ذهب الأديب العربي الشهير الجاحظ إلى أ نّه كان مقدّما في الخطابة . وأدلّ من كلّ دلالة استنطاق عليّ بن أبي طالب عليه السلام له (10) . أثنى عليه أصحاب التراجم بقولهم : كان شريفا ، أميرا ، فصيحا ، مفوّها ، خطيبا ،
.
ص: 357
لسنا ، ديّنا ، فاضلاً (1) . نفاه عثمان إلى الشام مع مالك الأشتر ورجالات من الكوفة (2) . وعندما ثار النّاس على عثمان ، واتّفقوا على خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قام هذا الرجل الَّذي كان عميق الفكر ، قليل المثيل في معرفة عظمة عليٍّ عليه السلام _ وكان خطيبا مصقعا _ فعبّر عن اعتقاده الصريح الرائع بإمامه ، وخاطبه قائلاً : «واللّه يا أمير المؤمنين ! لقد زيّنت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما رفعتك ، ولهي إليك أحوج منك إليها» . وعندما أشعل موقدو الفتنة فتيل الحرب على أمير المؤمنين عليه السلام في الجمل ، كان إلى جانب الإمام ، وبعد أن استشهد أخواه زيد وسيحان اللذان كانا من أصحاب الألوية ، رفع لواءهما وواصل القتال (3) . وفي حرب صفّين ، هو رسول الإمام عليه السلام إلى معاوية (4) ومن اُمراء الجيش (5) وراوي وقائع صفّين (6) . وقف إلى جانب الإمام عليه السلام في حرب النّهروان ، واحتجّ على الخوارج بأحقّيّة إمامه وثباته (7) . وجعله الإمام عليه السلام شاهدا على وصيّته (8) ، فسجّل بذلك فخرا عظيما لهذا الرجل . ونطق صعصعة بفضائل الإمام ومناقبه أمام معاوية وأجلاف بني اُميّة مرارا ، وكان يُنشد ملحمة عظمته أمام عيونهم المحملقة ، ويكشف عن قبائح
.
ص: 358
معاوية ومثالبه بلا وجل (1) . وكم أراد منه معاوية أن يطعن في عليّ عليه السلام ، لكنّه لم يلقَ إلّا الخزي والفضيحة ، إذ جوبه بخطبه البليغة الأخّاذة (2) . آمنه معاوية مكرها بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام وصلح الإمام الحسن عليه السلام (3) ، فاستثمر صعصعة هذه الفرصة ضدّ معاوية . وكان معاوية دائم الامتعاض من بيان صعصعة الفصيح المعبّر وتعابيره الجميلة في وصف فضائل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يخفِ هذا الامتعاض (4) . إنّ ما ذكرناه بحقّ هذا الرجل غيض من فيض . وستلاحظون عظمة هذه الشخصيّة المتألّقة في النّصوص الَّتي سننقلها لاحقا . وكفى في عظمته قول الإمام الصادق عليه السلام : ما كان مع أمير المؤمنين عليه السلام من يعرف حقّه إلّا صعصعة وأصحابه (5) . توفّي صعصعة أيّام حكومة معاوية (6) .
دهس : عن دُرَيد :الطبقات الكبرى_ في ذِكرِ صَعصَعَةَ بنِ صوحانَ _: كانَ مِن أصحابِ عَلِيٍّ بنِ أبي طالِبٍ وشَهِدَ مَعَهُ الجَمَلَ هُوَ وأخَواهُ زَيدٌ وسَيحانُ ابنا صوحانَ . وكانَ سَيحانُ الخَطيبَ قَبلَ صَعصَعَةَ ، وكانَتِ الرّايَةُ يَومَ الجَمَلِ في يَدِهِ فَقُتِلَ ، فَأَخَذَها زَيدٌ فَقُتِلَ ، فَأَخَذها صَعصَعَةُ 7 . .
ص: 359
دهرس : عن حارثة في المباهلة :الأمالي للطوسي عن صعصعة بن صوحان :دَخَلتُ عَلى عُثمانَ بنِ عَفّانَ في نَفَرٍ مِنَ المَصرِيّينَ ، فَقالَ عُثمانُ : قَدِّموا رَجُلاً مِنكُم يُكَلِّمُني ، فَقَدَّموني ، فَقالَ عُثمانُ : هذا ! وكَأَ نَّهُ استَحدَثَني .
فَقُلتُ لَهُ : إنَّ العِلمَ لَو كانَ بِالسِّنِّ لَم يَكُن لي ولا لَكَ فيهِ سَهمٌ ، ولكِنَّهُ بِالتَّعَلُّمِ .
فَقالَ عُثمانُ : هاتِ .
فَقُلتُ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّ_هُمْ فِى الْأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَ ءَاتَوُاْ الزَّكَوةَ وَ أَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ وَ لِلَّهِ عَ_قِبَةُ الْأُمُورِ» (1) .
فَقالَ عُثمانُ : فينا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ .
فَقُلتُ لَهُ : فَمُر بِالمَعروفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ .
فَقالَ عُثمانُ : دَع هذا وهاتِ ما مَعَكَ .
فَقُلتُ لَهُ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ «الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَ_رِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَا أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ» (2) إلى آخِرِ الآيَةِ .
فَقالَ عُثمانُ : وهذِهِ أيضا نَزَلَت فينا ، فَقُلتُ لَهُ : فَأَعطِنا بِما أخَذتَ مِنَ اللّهِ .
فَقالَ عُثمانُ : يا أيُّهَا النّاسُ ، عَلَيكُم بِالسَّمعِ وَالطّاعَةِ ، فَإِنَّ يَدَ اللّهِ عَلَى الجَماعَةِ وإنَّ الشَّيطانَ مَعَ الفَذِّ (3) ، فَلا تَستَمِعوا إلى قَولِ هذا ، وإنَّ هذا لا يَدري مَنِ اللّهُ ولا أينَ اللّهُ .
فَقُلتُ لَهُ : أمّا قَولُكَ : « عَلَيكُم بِالسَّمعِ وَالطّاعَةِ » فَإِنَّكَ تُريدُ مِنّا أن نَقولَ غَدا : «رَبَّنَآ إِنَّ_آ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَ كُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا» (4) ، وأمّا قَولُكَ : « أنَا لا أدري مَنِ .
ص: 360
دهرس : عن حارثة في المباهلة :اللّهُ » فَإِنَّ اللّهَ رَبُّنا ورَبُّ آبائِنَا الأَوَّلينَ ، وأمّا قَولُكَ : « إنّيلا أدري أينَ اللّهُ » فَإِنَّ اللّهَ تَعالى بِالمِرصادِ .
قالَ : فَغَضِبَ وأمَرَ بِصَرفِنا وغَلقِ الأَبوابِ دونَنا (1) .دهر : في حديث سَطيح :تاريخ اليعقوبي عن صعصعة بن صوحان_ بَعدَ خِلافَةِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _:وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَقَد زَيَّنتَ الخِلافَةَ وما زانَتكَ ، ورَفَعتَها وما رَفَعَتكَ ، ولَهِيَ إلَيكَ أحوَجُ مِنكَ إلَيها (2) .* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في فرق االغارات عن الأسود بن قيس :جاءَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام عائِدا صَعصَعَةَ ، فَدَخَلَ عَلَيهِ فَقالَ لَهُ : يا صَعصَعَةُ ، لا تَجعَلَنَّ عِيادَتي إلَيكِ اُبَّهَةً عَلى قَومِكَ .
فَقالَ : لا وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ولكِن نِعمَةً وشُكرا .
فَقالَ لَهُ عَلِيُّ عليه السلام : إن كُنتَ لَما عَلِمتُ لَخفيفَ المَؤونَةِ عَظيمَ المَعونَةِ .
فَقالَ صَعصَعَةُ : وأنتَ وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّكَ ما عَلِمتُ بِكِتابِ اللّهِ لَعلَيمٌ ، وإنَّ اللّهَ في صَدرِكَ لَعَظيمٌ ، وإنَّكَ بِالمُؤمِنينَ لَرَؤوفٌ رَحيمٌ (3) .* ومنه :تاريخ اليعقوبي :إنَّ عَلِيّا دَخَلَ عَلى صَعصَعَةَ يَعودُهُ ، فَلَمّا رَآهُ عَلِيٌّ قالَ : إنَّكَ ما عَلِمتُ حَسَنُ المَعونَةِ ، خَفيفُ (4) المَؤونَةِ .
فَقالَ صَعصَعَةُ : وأنتَ وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، عَليمٌ ، وأبهٌ في صَدرِكَ عَظيمٌ .
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : لا تَجعَلها اُبَّهةً عَلى قَومِكَ أن عادَكَ إمامُكَ . .
ص: 361
* ومنه :قالَ : لا يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ولكِنَّهُ مَنٌّ مِنَ اللّهِ عُلَيَّ أن عادَني أهلُ البَيتِ وابنُ عَمِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ (1) .دهده : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الرؤيالاختصاص عن مسمع بن عبد اللّه البصري عن رجل :لَمّا بَعَثَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ صَعصَعَةَ بنَ صوحانَ إلَى الخَوارِجِ قالوا لَهُ : أ رَأَيتَ لَو كانَ عَلِيٌّ مَعَنا في مَوضِعِنا أ تَكونُ مَعَهُ ؟
قالَ : نَعَم .
قالوا : فَأَنتَ إذا مُقلِّدٌ عَلِيّا دينَكَ ، ارجِع فَلا دينَ لَكَ .
فَقالَ لَهُم صَعصَعَةُ : وَيلَكُم ! ألا اُقَلِّدُ مَن قَلَّدَ اللّهَ فَأَحسَنَ التَّقليدَ ، فَاضطَلَعَ بِأَمرِ اللّهِ صِدّيقا لَم يَزَل ؟ أ وَلَم يَكُن رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذَا اشتَدَّتِ الحَربُ قَدَّمَهُ في لَهَواتِها فَيَطَأُ صِماخَها بِأَخمَصِهِ (2) ، ويُخمِدُ لَهَبَها بِحَدِّهِ ، مَكدودا في ذاتِ اللّهِ ، عَنهُ يَعبُرُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالمُسلِمونَ ، فَأَ نّى تُصرَفونَ ، وأينَ تَذهَبونَ ، وإلى مَن تَرغَبونَ ، وعَمَّنَ تَصدِفونَ ! ؟ (3)* وفي حديث الإمام الرضا عليه السلام في نيشابور :مروج الذهب عن محمّد بن عبد اللّه بن الحارث الطائي :لَمَّا انصَرَفَ عَلِيٌّ مِنَ الجَمَلِ قالَ لِاذِنِهِ : مَن بِالبابِ مِن وُجوهِ العَرَبِ ؟
قالَ : مُحَمَّدُ بنُ عُمَيرِ بنِ عَطارِدَ التَّيمِيُّ وَالأَحنَفُ بنُ قَيسٍ وصَعصَعَةُ بنُ صوحانَ العَبدِيُّ ، في رجالٍ سَمّاهُم .
فَقالَ : اِيذَن لَهُم . .
ص: 362
* وفي حديث الإمام الرضا عليه السلام في نيشابور :فَدَخَلوا فَسَلَّموا عَلَيهِ بِالخِلافَةِ ، فَقالَ لَهمُ : أنتُم وُجوهُ العَرَبِ عِندي ، ورُؤَساءُ أصحابي ، فَأشيروا عَلَيَّ في أمرِ هذَا الغُلامِ المُترَفِ _ يَعني مُعاوِيَةَ _ فَافتَنَّت (1) بِهِمُ المَشورَةُ عَلَيهِ .
فَقالَ صَعصَعَةُ : إنَّ مُعاوِيَةَ أترَفَهُ الهَوى ، وحُبِّبَت إلَيهِ الدُّنيا ، فَهانَت عَلَيهِ مَصارِعُ الرِّجالِ ، وَابتاعَ آخِرَتَهُ بِدُنياهُم ، فَإِن تَعمَل فيهِ بِرَأيٍ تَرشُد وتُصِب ، إن شاءَ اللّهُ ، وَالتَّوفيقُ بِاللّهِ وبِرَسولِهِ وبِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وَالرّأيُ أن تُرسِلَ لَهُ عَينا مِن عُيونِكَ وثِقَةً مِن ثِقاتِكَ ، بِكِتابٍ تَدعوهُ إلى بَيعَتِكَ ، فَإِن أجابَ وأنابَ كانَ لَهُ ما لَكَ وعَلَيهِ ما عَلَيكَ ، وإلّا جاهَدتَهُ وصَبَرتَ لِقَضاءِ اللّهِ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ .
فَقالَ عَلِيٌّ : عَزَمتُ عَلَيكَ يا صَعصَعَةُ إلّا كَتَبتَ الكِتابَ بِيَدَيكَ ، وتَوَجَّهتَ بِهِ إلى مُعاوِيَةَ ، وَاجعَل صَدرَ الكِتابِ تَحذيرا وتَخويفا ، وعَجزَهُ استِتابَةً وَاستِنابَةً ، وَليَكُن فاتِحَةَ الكِتابِ « بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مُعاوِيَةَ ، سَلامٌ عَلَيكَ ، أمّا بَعدُ . . . » ثُمَّ اكتُب ما أشَرتَ بِهِ عَلَيَّ ، وَاجعَل عُنوانَ الكِتابِ « ألا إلَى اللّهِ تَصيرُ الاُمورُ » .
قالَ : أعفِني مِن ذلِكَ .
قالَ : عَزَمتُ عَلَيكَ لَتَفعَلَنَّ .
قالَ : أفعَلُ ، فَخَرَجَ بِالكِتابِ وتَجَهَّزَ وسارَ حَتّى وَرَدَ دِمَشقَ ، فَأَتى بابَ مُعاوِيَةَ فَقالَ لِاذِنِهِ : اِستَأذِن لِرَسولِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ _ وَبِالبابِ أزفَلَةٌ (2) مِن بَني اُمَيَّةَ _ فَأَخَذَتهُ الأَيدي وَالنِّعالُ لِقَولِهِ ، وهُوَ يَقولُ : «أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّىَ .
ص: 363
* وفي حديث الإمام الرضا عليه السلام في نيشابور :اللَّهُ» (1) وكَثَرَتِ الجَلَبَةُ (2) وَاللَّغطُ ، فَاتَّصَلَ ذلِكَ بِمُعاوِيَةَ فَوَجَّهَ مَن يَكشِفُ النّاسَ عَنهُ ، فَكَشَفوا ، ثُمَّ أذِنَ لَهُم فَدَخَلوا ، فَقالَ لَهُم : مَن هذَا الرَّجُلُ ؟
فَقالوا : رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ يُقالُ لَهُ : صَعصَعَةُ بنُ صوحانَ ، مَعَهُ كِتابٌ مِن عَلِيٍّ .
فَقالَ : وَاللّهِ لَقَد بَلَغَني أمرُه ، هذا أحَدُ سِهامِ عَلِيٍّ وخُطباءِ العَرَبِ ، ولَقَد كُنتُ إلى لِقائِهِ شَيِّقا ، ايذَن لَهُ يا غُلامُ ، فَدَخَلَ عَلَيهِ .
فَقالَ : السَّلامُ عَلَيكَ يَا بنَ أبي سُفيانَ ، هذا كِتابُ أميرِ المُؤمِنينَ .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : أما إنَّهُ لَو كانَتِ الرُّسُلُ تُقتَلُ في جاهِلِيَّةٍ أو إسلامٍ لَقَتَلتُكَ ، ثُمَّ اعتَرَضَهُ مُعاويَةُ فِي الكَلامِ ، وأرادَ أن يَستَخرِجَهُ لِيَعرِفَ قَريحَتَهُ أطَبعا أم تَكَلُّفا ، فَقالَ : مِمَّنِ الرَّجُلُ ؟
قالَ : مِن نَزارٍ .
قالَ : وما كانَ نَزارٌ ؟
قالَ : كانَ إذا غَزا نَكَسَ ، وإذا لَقِيَ افتَرسَ ، وإذَا انصَرَفَ احتَرَسَ .
قالَ : فَمِن أيِّ أولادِهِ أنتَ ؟
قالَ : مِن رَبيعَةَ .
قالَ : وما كانَ رَبيعَةُ ؟
قالَ : كانَ يُطيلُ النِّجادَ ، ويَعولُ العِبادَ ، ويَضرِبُ بِبِقاعِ الأَرضِ العِمادَ .
قالَ : فَمِن أيِّ أولادِهِ أنتَ ؟
قالَ : مِن جَديلَةَ . .
ص: 364
* وفي حديث الإمام الرضا عليه السلام في نيشابور :قالَ : وما كانَ جَديلَةُ ؟
قالَ : كانَ فِي الحَربِ سَيفا قاطِعا ، وفِي المَكرُماتِ غَيثا نافِعا ، وفِي اللِّقاءِ لَهَبا ساطِعا .
قالَ : فَمِن أيِّ أولادِهِ أنتَ ؟
قالَ : مِن عَبدِ القَيسِ .
قالَ : وما كانَ عَبدُ القَيسِ ؟
قالَ : كانَ خَصيبا خِضرِما أبيَضَ ، وَهّابا لِضَيفِهِ ما يَجِدُ ، ولا يَسأَلُ عَمّا فَقَدَ ، كَثيرُ المَرَقِ ، طَيِّبُ العِرقِ ، يَقومُ للِنّاس مَقامَ الغَيثِ مِنَ السَّماءِ .
قالَ : وَيحَكَ يَا بنَ صوحانَ ! فَما تَرَكتَ لِهذَا الحَيِّ مِن قُرَيشٍ مَجدا ولا فَخرا .
قالَ : بَلى وَاللّهِ يَا بنَ أبي سُفيانَ ، تَرَكتُ لَهُم ما لا يَصلُحُ إلّا بِهِم ، ولَهُم تَرَكتُ الأَبيَضَ وَالأَحمَرَ ، وَالأَصفَرَ وَالأَشقَرَ ، وَالسَّريرَ وَالمِنبَرَ ، وَالمُلكَ إلَى المَحشَرِ ، وأ نّى لا يَكونُ ذلِكَ كَذلِكَ وهُم مَنارُ اللّهِ فِي الأَرضِ ، ونُجومُهُ فِي السَّماءِ ؟ !
فَفَرِحَ مُعاوِيَةُ وظَنَّ أنَّ كَلامَهُ يَشتَمِلُ عَلى قُرَيشٍ كُلِّها ، فَقالَ : صَدَقتَ يَا بنَ صوحانُ ، إنَّ ذلِكَ لَكَذلِكَ .
فَعَرَفَ صَعصَعَةُ ما أرادَ ، فَقالَ : لَيسَ لَكَ ولا لِقَومِكَ في ذلِكَ إصدارٌ ولا إيرادٌ ، بَعُدتُم عَن اُنُفِ المَرعى ، وعَلَوتُم عَن عَذبِ الماءِ .
قالَ : فَلِمَ ذلِكَ ويلَكَ يابنَ صوحانَ ؟ !
قالَ : الوَيلُ لِأَهلِ النّارِ ! ذلِكَ لِبَني هاشِمٍ .
قال : قم ، فأخرَجُوه .
فَقالَ صَعصَعَةُ : الصِّدقُ يُنبِئُ عَنكَ لا الوَعيدُ ، مَن أرادَ المُشاجَرَةَ قَبلَ المُحاوَرَةِ .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : لِشَيءٍ ما سَوَّدَهُ قَومُهُ ، وَدِدتُ وَاللّهِ أنّي مِن صُلبِهِ ، ثُمَّ التَفَتَ إلى بَني .
ص: 365
* وفي حديث الإمام الرضا عليه السلام في نيشابور :اُمَيَّةَ فَقالَ : هكَذا فَلتَكُنِ الرِّجالُ (1) .* ومنه في الخبر :مروج الذهب عن الحارث بن مسمار البهراني :حَبَسَ مُعاوِيَةُ صَعصَعَةَ بنُ صوحانَ العَبدِيَّ وعَبدَ اللّهِ بنَ الكَوّاءِ اليَشكُرِيَّ ورِجالاً مِن أصحابِ عَلِيٍّ مَعَ رِجالٍ مِن قُرَيشٍ ، فَدَخَلَ عَلَيهِم مُعاوِيَةُ يوما فَقالَ : نَشَدتُكُم بِاللّهِ إلّا ما قُلتُم حَقّا وصِدقا ، أيُّ الخُلفَاءِ رَأَيتُموني ؟
فَقالَ ابنُ الكَوّاءِ : لَولا أ نَّكَ عَزَمتَ عَلَينا ما قُلنا لِأَ نَّك جَبّارٌ عَنيدٌ ، لا تُراقِبُ اللّهَ في قَتلِ الأَخيارِ ، ولكِنّا نَقولُ : إنَّكَ ما عَلِمنا واسِعُ الدُّنيا ، ضَيِّقُ الآخِرَةِ ، قَريبُ الثَّرى ، بَعيدُ المَرعى ، تَجعَلُ الظُّلماتِ نورا ، وَالنّورَ ظُلُماتٍ .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : إنَّ اللّهَ أكرَمَ هذَا الأَمرَ بِأَهلِ الشّامِ الذّابّينَ عَن بَيضَتِهِ ، التّارِكينَ لِمَحارِمِهِ ، ولَم يَكونوا كَأَمثالِ أهلِ العِراقِ المُنتَهِكينَ لِمَحارِمِ اللّهِ ، وَالمُحِلّين ما حَرَّمَ اللّهُ ، وَالمُحَرِّمينَ ما أحَلَّ اللّهُ .
فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ الكَوّاءِ : يَا بنَ أبي سُفيانَ ، إنَّ لِكُلِّ كَلامٍ جَوابا ، ونَحنُ نَخافُ جَبَروتَكَ ، فَإِن كُنتَ تُطلِقُ ألسِنَةً ذَبَبنا عَن أهلِ العِراقِ بِأَلسِنَةٍ حِدادٍ لا تَأخُذُها فِي اللّهِ لَومَةُ لائِمٍ ، وإلّا فَإِنّا صابِرونَ حَتّى يَحكُمَ اللّهُ ويَضَعَنا عَلى فَرجَةٍ (2) .
قالَ : وَاللّهِ لا يُطلَقُ لَكَ لِسانٌ .
ثُمَّ تَكَلَّمَ صَعصَعَةُ فَقالَ : تَكَلَّمتَ يَا بنَ أبي سُفيانَ فَأَبلَغتَ ، ولَم تُقصِر عَمّا أرَدتَ ، ولَيسَ الأَمرُ عَلى ما ذَكَرتَ ، أ نّى يَكونُ الخَليفَةُ مَن مَلَكَ النّاسَ قَهرا ، ودانَهُم كِبرا ، وَاستَولى بِأَسبابِ الباطِلِ كَذِبا ومَكرا ؟ ! أما وَاللّهِ ، ما لَكَ في يَومِ بَدرٍ مَضرَبٌ ولا مَرمى ، وما كُنتَ فيهِ إلّا كَما قالَ القائِلُ : « لا حُلِّي ولا سيري » (3) ولَقَد كُنتَ أنتَ .
ص: 366
* ومنه في الخبر :وأبوكَ فِي العيرِ وَالنَّفيرِ مِمَّن أجلَبَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وإنَّما أنتَ طَليقٌ ابنُ طَليقٍ ، أطلَقَكُما رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَنّى تَصلُحُ الخلافَةُ لِطَليقٍ ؟ !
فَقالَ مُعاوِيَةُ : لَولا أ نّي أرجِعُ إلى قَولِ أبي طالِبٍ حَيثُ يَقولُ :
قابَلتُ جَهلَهُم حِلما ومَغفِرَةً
وَالعَفوُ عَن قُدرَةٍ ضَربٌ مِنَ الكَرَمِ
لَقَتَلتُكُم (1) .* ومنه عن الرضا عليه السلام :ديوان المعاني عن محمّد بن عبّاد :تَكَلَّمَ صَعصَعَةُ عِندَ مُعاوِيَةَ بِكَلامٍ أحسَنَ فيهِ ، فَحَسَدَهُ عَمرُو بنِ العاصِ ، فَقالَ : هذا بِالتَّمرِ أبصَرُ مِنهُ بِالكَلامِ !
قالَ صَعصَعَةُ : أجَل ! أجوَدُهُ ما دَقَّ نَواهُ ورَقَّ سِحاؤُهُ (2) وعَظُمَ لِحاؤُهُ (3) ، وَالرّيحُ تَنفجُهُ (4) ، وَالشَّمسُ تُنضِجُهُ ، وَالبَردُ يُدمِجُهُ ، ولكِنَّكَ يَابنَ العاصِ لا تَمرا تَصِفُ ولا الخَيرَ تَعرِفُ ، بَل تَحسُدُ فَتُقرِفُ .
فَقالَ مُعاوِيَةُ [ لِعَمرٍو ] : رَغما !
فَقالَ عَمرٌو : أضعافُ الرَّغمِ لَكَ ! وما بي إلّا بَعضُ ما بِكَ (5) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام في الشجرة :تاريخ الطبري عن الشعبي_ في ذِكرِ قِيامِ الكوفِيّينَ عَلى سَعيدِ بنِ العاصِ _: فَكَتَبَ سَعيدٌ إلى عُثمانَ يُخبِرُهُ بِذلِكَ ويَقولُ : إنَّ رَهطا مِن أهلِ الكوفَةِ _ سَمّاهُم لَهُ عَشرَةً _ يُؤَلِّبونَ ويَجتَمِعونَ عَلى عَيبِكَ وعَيبي وَالطَّعنِ في دينِنا ، وقَد خَشيتُ إن ثَبَتَ أمرُهُم أن يَكثُروا ، فَكَتَبَ عُثمانُ إلى سَعيدٍ : أن سَيِّرهُم إلى مُعاوِيَةَ _ ومُعاوِيَةُ يَومَئذٍ عَلَى الشّامِ _ . .
ص: 367
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام في الشجرة :فَسَيَّرَهُم _ وهُم تِسعَةُ نَفَرٍ _ إلى مُعاوِيَةَ ، فيهِم : مالِكُ الأَشتَرُ وثابِتُ بنُ قَيسِ بنِ مُنقعٍ وكُمَيلُ بنُ زيادٍ النَّخَعِيُّ وصَعصَعَةُ بنُ صوحانَ . . . .
إنَّ مُعاوِيَةَ . . . قالَ فيما يَقولُ : وإنّي وَاللّهِ ما آمُرُكُم بِشَيءٍ إلّا قَد بَدَأتُ فيهِ بِنَفسي وأهلِ بَيتي وخاصَّتي ، وقَد عَرَفَت قُرَيشٌ أنَّ أبا سُفيانَ كانَ أكرَمَها وَابنَ أكرَمِها ، إلّا ما جَعَلَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ نَبِيِّ الرَّحمَةِ صلى الله عليه و آله ، فَإِنَّ اللّهَ انتَخَبَهُ وأكرَمَهُ ، فَلَم يَخلقُ في أحَدٍ مِنَ الأَخلاقِ الصّالِحَةِ شَيئا إلّا أصفاهُ اللّهُ بِأَكرَمِها وأحسَنِها ، ولَم يَخلُق مِن الأَخلاقِ السَّيِّئَةِ شَيئا في أحَدٍ إلّا أكرَمَهُ اللّهُ عَنها وَنَزّهَهُ ، وإنّي لَأَظُنُّ أنَّ أبا سُفيانَ لَو وَلَدَ النّاسَ لَم يَلِد إلّا حازِما .
قالَ صَعصَعَةُ : كَذَبتَ ! قَد وَلَدَهُم خَيرٌ مِن أبي سُفيانَ ؛ مَن خَلَقَهُ اللّهُ بِيَدِهِ ونَفَخَ فيهِ مِن روحِهِ وأمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدوا لَهُ ، فَكانَ فيهِمُ البَرُّ وَالفاجِرُ وَالأَحمَقُ وَالكَيِّسُ .
فَخَرجَ تِلكَ اللَّيلَةَ مِن عِندِهِم ، ثُمَّ أتاهُمُ القابِلَةَ فَتَحَدَّثَ عِندَهُم طَويلاً ، ثُمَّ قالَ : أيَّهَا القَومُ ، رُدّوا عَلَيَّ خَيرا أوِ اسكُتوا وتَفَكَّروا وَانظُروا فيما يَنفَعُكُم ويَنفَعُ أهليكُم ويَنفَعُ عَشائِرَكُم ويَنفَعُ جَماعَةَ المُسلِمينَ ، فَاطلبُوهُ تَعيشوا ونَعِش بِكُم .
فَقالَ صَعصَعَةُ : لَستَ بِأَهلِ ذلِكَ ولا كَرامَةَ لَكَ أن تُطاعَ في مَعصِيَةِ اللّهِ .
فَقالَ : أ وَلَيسَ مَا ابتَدَأتُكُم بِهِ أن أمَرتُكُم بِتَقوَى اللّهِ وطاعَتِهِ وطَاعَةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله . . . ولُزومِ الجَماعَةِ وكَراهَةِ الفُرقَةِ ، وأن تُوَقِّروا أئِمَّتَكُم وتَدُلّوهُم عَلى كُلِّ حَسَنٍ ما قَدَرتُم ، وتَعِظوهُم في لينٍ ولُطفٍ في شَيءٍ إن كان مِنهُم ؟
فَقالَ صَعصَعَةُ : فَإِنّا نأمُرُكَ أن تَعتَزِلَ عَمَلَكَ ، فَإنَّ فِي المُسلِمينَ مَن هُوَ أحَقُّ بِهِ مِنكَ . قالَ : مَن هُوَ ؟ قالَ : مَن كانَ أبوهُ أحَسَنَ قِدَما مِن أبيكَ ، وهُوَ بِنَفسِهِ أحسَنُ قِدَما مِنكَ فِي الإِسلامِ (1) . .
ص: 368
* وروي :رجال الكشّي عن عاصم بن أبي النّجود عمّن شهد ذلك :إنَّ مُعاوِيَةَ حينَ قَدِم الكوفَةَ دَخَلَ عَلَيهِ رِجالٌ مِن أصحابِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وكانَ الحَسَنُ عليه السلام قَد أخَذَ الأَمانَ لِرِجالٍ مِنهُم مُسَمِّينَ بِأَسمائِهِم وأسماءِ آبائِهِم ، وكانَ فيهِم صَعصَعَةُ .
فَلَمّا دَخَلَ عَلَيهِ صَعصَعَةُ ، قالَ معُاوِيَةُ لِصَعصَعَةَ : أمَا وَاللّهِ ، إنّي كُنتُ لَاُبغِضُ أن تَدخُلَ في أماني .
قالَ : وأنَا وَاللّهِ ، اُبغِضُ أن اُسَمِّيكَ بِهذَا الاِسمِ . ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيهِ بِالخِلافَةِ .
قالَ : فَقالَ مُعاوِيَةُ : إن كُنتَ صادِقا فَاصعَدِ المِنبَرَ فَالعَن عَلِيّا !
فَصَعِدَ المِنبَرَ وحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ، أتَيتُكُم مِن عِندِ رَجُلٍ قَدَّمَ شَرَّهُ وأخَّرَ خَيرَهُ ، وإنَّهُ أمَرَني أن ألعَنَ عَلِيّا ، فَالعَنوهُ لَعَنَهُ اللّهُ ، فَضَجَّ أهلُ المَسجِدِ بِآمينَ .
فَلَمّا رَجَعَ إلَيهِ فَأَخبَرَهُ بِما قالَ ، ثُمَّ قالَ : لا وَاللّهِ ما عَنَيتَ غَيري ، اِرجِع حَتّى تُسَمِّيهُ بِاسمِهِ .
فَرَجَعَ وصَعِدَ المِنبَرَ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ، إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ أمَرَني أن ألعَنَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ فَالعَنوا مَن لَعَنَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، فَضَجّوا بِآمينَ .
فَلَمّا خُبِّرَ مُعاوِيَةُ قالَ : لا وَاللّهِ ما عَنى غَيري ، أخرِجوهُ لا يُساكِنني في بَلَدٍ ، فَأَخرَجوهُ (1) .* وعن الرضا عليه السلام في الإجّاص اليابس :العقد الفريد :دَخَلَ صَعصَعَةُ بنُ صوحانَ عَلى مُعاوِيَةَ ومَعَهُ عَمرُو بنُ العاصِ جالِسٌ عَلى سَريرِهِ ، فَقالَ : وَسِّع لَهُ عَلى تُرابِيَّةٍ فيهِ . .
ص: 369
* وعن الرضا عليه السلام في الإجّاص اليابس :فَقالَ صَعصَعَةُ : إنّي وَاللّهِ لَتُرابِيٌّ ، مِنهُ خُلِقتُ وإلَيهِ أعودُ ، ومِنهُ اُبعَثُ ، وإنَّكَ لَمارِجٌ (1) مِن مارِجٍ مِن نارٍ (2) .دوا : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :تاريخ الطبري عن مرّة بن منقذ بن النّعمان_ في ذِكرِ خُروجِ الخَوارِجِ في زَمَنِ مُعاوِيَةَ وسَعي المُغيرَةِ لِتَعيينِ قائِدِ الجُندِ _: لَقَد كانَ صَعصَعَةُ بنُ صوحانَ قامَ بَعدَ مَعقِلِ بنِ قَيسٍ وقالَ : اِبعثَني إلَيهِم أيُّهَا الأَميرُ ، فَأَنَا وَاللّهِ لِدِمائِهِم مُستَحِلٌّ ، وبِحَملِها مُستَقِلٌّ .
فَقالَ : اِجلِس ، فَإِنَّما أنتَ خَطيبٌ . فَكانَ أحفَظَهُ ذلِكَ ، وإنَّما قالَ ذلِكَ لأَ نَّهُ بَلَغَهُ أ نَّهُ يَعيبُ عُثمانَ بنَ عَفّانَ ، ويُكثرُ ذِكرَ عَلِيٍّ ويُفَضِّلُهُ ، وقَد كانَ دَعاهُ ، فَقالَ :
إيّاكَ أن يَبلُغَني عَنكَ أ نَّكَ تَعيبُ عُثمانَ عِندَ أحَدٍ مِنَ النّاسِ ، وإيّاكَ أن يَبلُغَني عَنكَ أ نَّكَ تُظهِرُ شَيئا مِن فَضلِ عَلِيٍّ عَلانِيَةً ، فَإنَّكَ لَستَ بِذاكِرٍ مِن فَضلِ عَلِيٍّ شَيئا أجهَلُهُ ، بَل أنَا أعلَمُ بِذلِكَ ، ولكِنَّ هذَا السُّلطانَ قَد ظَهَرَ ، وقَد اُخِذنا بِإِظهارِ عَيبِهِ لِلنّاسِ ، فَنَحنُ نَدَعُ كَثيرا مِمّا اُمِرنا بِهِ ، وَنذكُرُ الشَّيءَ الَّذي لا نَجِدُ مِنهُ بُدّا ، نَدفَعُ بِهِ هؤُلاءِ القَومَ عَن أنفُسِنا تَقِيَّةً ، فَإِن كُنتَ ذاكِرا فَضلَهُ فَاذكُرهُ بَينَكَ وبَينَ أصحابِكَ وفي مَنازِلِكُم سِرّا ، وأمّا علانِيَةً فِي المَسجِدِ فَإِنَّ هذا لا يَحتَمِلُهُ الخَليفَةُ لَنا ، ولا يَعذِرُنا بِهِ .
فَكانَ يَقولُ لَهُ : نَعَم أفعَلُ ، ثُمَّ يبَلُغُهُ أ نَّهُ قَد عادَ إلى ما نَهاهُ عَنهُ . فَلَمّا قامَ إلَيهِ وقالَ لَهُ : اِبعَثني إلَيهِم ، وجَدَ المُغيرَةَ قَد حَقَدَ عَلَيهِ خِلافَهُ إيّاهُ ، فَقال : اِجلِس ، فَإِنَّما أنتَ خَطيبٌ ، فَأَحفَظَهُ .
فَقالَ لَهُ : أ وَما أنَا إلّا خَطيبٌ فَقَط ؟ ! أجَل وَاللّهِ ، إنّي لَلخَطيبُ الصَّليبُ الرَّئيسُ ، أمَا وَاللّهِ لَو شَهِدتَني تَحتَ رايَةِ عَبدِ القَيسِ يَومَ الجَمَلِ حَيثُ اختَلَفَتِ القَنا ؛ .
ص: 370
دوا : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :فَشُؤونٌ (1) تُفرى ، وهامَةٌ تُختَلى ، لَعَلِمتَ أ نّي أنَا اللَّيثُ الهِزَبرُ .
فَقالَ : حَسبُكَ الآنَ ، لَعَمري لَقَد اُوتيتَ لِسانا فَصيحا (2) .دوم : عن أبي عبداللّه عليه السلام في النبيّ صلى امروج الذهب :وفَدَ عَلَيهِ [ أي مُعاوِيَةَ ] (3) عَقيلُ بنُ أبي طالِبٍ مُنتَجِعا وزائِرا ، فَرَحَّبَ بِهِ مُعاوِيَةُ ، وسُرَّ بِوُرودِهِ ، لِاختِيارِهِ إيّاهُ عَلى أخيهِ ، وأوسَعَهُ حِلما وَاحتِمالاً ، فَقالَ لَهُ : يا أبا يَزيدَ ، كَيفَ تَرَكتَ عَلِيّا ؟ !
فَقالَ : تَرَكتُهُ عَلى ما يُحِبُّ اللّهُ ورَسولُهُ ، وألفَيتُكَ عَلى ما يَكرَهُ اللّهُ ورَسولَهُ .
فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : لَولا أ نَّكَ زائِرٌ مُنتَجِعٌ جَنابَنا لَرَدَدتُ عَلَيكَ _ أبا يَزيدَ _ جَوابا تَألَمُ مِنهُ . ثُمَّ أحَبَّ مُعاوِيَةُ أن يَقطَعَ كَلامَهُ مَخافَةَ أن يَأتِيَ بِشَيءٍ يَخفِضُهُ ، فَوَثَبَ عَن مَجلِسِهِ ، وأمَرَ لَهُ بِنُزُلٍ ، وحَمَلَ إلَيهِ مالاً عَظيما ، فَلَمّا كانَ مِن غَدٍ جَلَسَ وأرسَلَ إلَيهِ فَأَتاهُ ، فَقالَ لَهُ : يا أبا يَزيدَ ، كَيفَ تَرَكتَ عَلِيّا أخاكَ ؟ !
قالَ : تَرَكتُهُ خَيرا لِنَفسِهِ مِنكَ ، وأنتَ خَيرٌ لي مِنهُ .
فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : أنتَ وَاللّهِ كَما قالَ الشّاعِرُ :
وإذا عَدَدت فَخارَ آلِ مُحَرّقٍ
فَالمَجدُ مِنهُم في بَني عتّاب
فَمَحَلُّ المَجدِ مِن بَني هاشِمٍ مَنوطٌ فيكَ يا أبا يَزيدَ ، ما تُغَيِّرُكَ الأَيّامُ وَاللَّيالي .
فَقالَ عَقيلٌ :
اِصبِر لِحَربٍ أنتَ جانيها
لابُدَّ أن تُصلى بِحاميها
وأنتَ وَاللّهِ يَابنَ أبي سُفيانَ كَما قالَ الآخِرُ :
وإذا هَوازِنُ أقبَلَت بِفَخارِها
يَوما فَخَرتُهُم بِآلِ مُجاشِعِ بِالحامِلينَ عَلَى المَوالي غُرمَهمُ
وَالضّارِبينَ الهامَ يَومَ الفازِعِ
ولكِن أنتَ يا مُعاوِيَةُ إذَا افتَخَرَت بَنو اُمَيَّةَ فَبِمَن تَفخَرُ ؟
فَقالَ مُعاوِيَةُ : عَزَمتُ عَلَيكَ أبا يَزيدَ لَمّا أمسَكتَ ، فَإِنّي لَم أجلِس لِهذا ، وإنَّما أرَدتُ أن أسأَلَكَ عَن أصحابِ عَلِيٍّ فَإِنَّكَ ذو مَعرِفَةٍ بِهِم .
فَقالَ عَقيلٌ : سَل عَمّا بَدا لَكَ .
فَقالَ : مَيِّز لي أصحابَ عَلِيٍّ ، وَابدَأ بِآلِ صوحانَ فَإِنَّهُم مَخاريقُ الكَلامِ .
قالَ : أمّا صَعصَعَةُ فَعَظيمُ الشَّأنِ ، عَضبُ (4) اللِّسانِ ، قائِدُ فُرسانٍ ، قاتِلُ أقرانٍ ، يَرتِقُ ما فَتَقَ ، ويَفتِقُ ما رَتَقَ ، قَليلُ النَّظيرِ . وأمّا زَيدٌ وعَبدُ اللّهِ فَإِنَّهُما نَهرانِ جارِيانِ ، يَصُبُّ فيهِمَا الخُلجانُ ، ويُغاثُ بِهِمَا البُلدانُ ، رَجُلا جِدٍّ لا لَعِبَ مَعَهُ ، وبَنو صوحانَ كَما قالَ الشّاعِرُ :
إذا نَزَلَ العَدُوُّ فَإِنَّ عِندي
اُسودا تَخلِسُ الاُسدَ النُّفوسا
فَاتَّصَلَ كَلامُ عَقيلٍ بِصَعصَعَةَ فَكَتَبَ إلَيهِ : « بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، ذِكرُ اللّهِ أكبَرُ ، وبِهِ يَستَفتِحُ المُستَفتِحونَ ، وأنتُم مَفاتيحُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، أمّا بَعدُ ، فَقَد بَلَغَ مَولاكَ كَلامُكَ لِعَدُوِّ اللّهِ وعَدوِّ رَسولِهِ ، فَحَمِدتُ اللّهَ عَلى ذلِكَ ، وسَأَلتُهُ أن يُفيءَ بِكَ إلَى الدَّرَجَةِ العُليا ، وَالقَضيبِ الأَحمَرِ ، وَالعَمودِ الأَسوَدِ ؛ فَإِنَّهُ عَمودٌ مَن فارَقَهُ فارَقَ الدّينَ الأَزهَرَ ، ولَئِن نَزَعَت بِكَ نَفسُكَ إلى مُعاوِيَةَ طَلَبا لِمالِهِ إنَّكَ لَذو عِلمٍ بِجَميعِ خِصالِهِ ، فَاحذَر أن تَعلَقَ بِكَ نارُهُ فَيُضِلَّكَ عَنِ الحُجَّةِ ، فَإِنَّ اللّهَ قَد رَفَعَ عَنكُم أهلَ البَيتِ ما .
ص: 371
دوم : عن أبي عبداللّه عليه السلام في النبيّ صلى اوضَعَهُ في غَيرِكُم ، فَما كانَ مِن فَضلٍ أو إحسانٍ فَبِكُم وصَلَ إلَينا ، فَأَجَلَّ اللّهُ أقدارَكُم ، وحَمى أخطارَكُم ، وكَتَبَ آثارَكُم ، فَإِنَّ أقدارَكُم مَرضِيَّةٌ ، وأخطارَكُم مَحمِيَّةٌ ، وآثارَكُم بَدرِيَّةٌ ، وأنتُم سُلَّمُ اللّهِ إلى خَلقِهِ ، ووَسيلَتُهُ إلى طُرُقِهِ ، أيدٍ عَلِيَّةٌ ، ووُجوهٌ جَلِيَّةٌ » (1) . .
ص: 372
51الضَّحّاكُ بنُ قَيْسٍ الهِلالِيّ* وعن الإمام الحسين عليه السلام :الكامل في التاريخ :في هذِهِ السَّنَةِ [ 38 ه ] بَعدَ مَقتَلِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ وَاستيلاءِ عَمرُو بنُ العاصِ عَلى مِصرَ ، سَيَّرَ مُعاوِيَةُ عَبدَ اللّهِ بنَ عَمرٍو الحَضرَمِيَّ إلَى البَصرَةِ . . . فَسارَ ابنُ الحَضرَمِيِّ حَتّى قَدِمَ البَصرَةَ . . . فَخَطَبَهُم وقالَ : إنَّ عُثمانَ إمامُكُم إمامُ الهُدى ، قُتِلَ مَظلوما ، قَتَلَهُ عَلِيٌّ ، فَطَلَبتُم بِدَمِهِ فَجَزاكُمُ اللّهُ خَيرا .
فَقامَ الضَّحّاكُ بنُ قَيسٍ الهِلالِيُّ ، وكانَ عَلى شَرَطَةِ ابنِ عَبّاسٍ ، فَقالَ : قَبَّحَ اللّهُ ما جِئتَنا بِهِ وما تَدعونا إلَيهِ ، أتَيتَنا وَاللّهِ بِمِثلِ ما أتانا بِهِ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ ، أتَيانا وقَد بايَعنا عَلِيّا وَاستَقامَت اُمورُنا ، فَحَمَلانا عَلَى الفُرقَةِ حَتّى ضَرَبَ بَعضُنا بعَضا ، ونَحنُ الآنَ مُجتَمِعونَ عَلى بَيعَتِهِ ، وقَد أقالَ العَثرَةَ ، وعَفا عَنِ المُسيءِ ، أ فَتَأمُرُنا أن نَنتَضِيَ أسيافَنا ويَضرِبَ بَعضُنا بَعضا لِيَكونَ مُعاوِيَةُ أميرا ؟ وَاللّهِ لَيَومٌ مِن أيّامِ عَلِيٍّ خَيرٌ مِن مُعاوِيَةَ وآلِ مُعاوِيَةَ . . . (1) .
.
ص: 373
52ضِرارُ بنُ ضَمرَةٍ الضِّبابِيّ* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في شرائط الإماخصائص الأئمّة عليهم السلام :ذَكَروا أنَّ ضِرارَ بنَ ضَمرَةٍ الضِّبابِيِّ دَخَلَ عَلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ وهُوَ بِالمَوسِمِ فَقالَ لَهُ : صِف عَلِيّا .
قالَ : أ وَتَعفِني ؟
قال : لا بُدَّ أن تَصِفَهُ لي .
قالَ : كان _ وَاللّهِ _ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، طَويلَ المَدى ، شَديدَ القُوى ، كثيرَ الفِكرَةِ ، غَزيرَ العَبرَةِ ، يَقولُ فَصلاً ، ويَحكُمُ عَدلاً ، يَتَفَجَّرُ العِلمُ مِن جَوانِبِه ، وتَنطِقُ الحِكمَةُ مِن نَواحيهِ ، يَستَوحِشُ مِنَ الدُّنيا وزَهرَتِها ، ويَأنَسُ بِاللَّيلِ ووَحشَتِهِ ، وكانَ فينا كَأَحَدِنا يُجيبُنا إذا دَعَوناهُ ، ويُعطينا إذا سَأَلناهُ ، ونَحنُ _ وَاللّهِ _ مَعَ قُربِهِ لا نُكَلِّمُهُ لِهَيبَتِهِ ، ولا نَدنو مِنهُ تَعظيما لَهُ ، فَإِن تَبَسَّمَ فَعَن غَيرِ أشَرٍ (1) ولَا اختِيالٍ ، وإن نَطَقَ فَعَنِ الحِكمَةِ وفَصلِ الخِطابِ ، يُعَظِّمُ أهلَ الدّينِ ، ويُحِبُّ المَساكينَ ، ولا يُطمِعُ الغَنِيَّ في باطِلِهِ ، ولا يوئِسُ الضَّعيفَ مِن حَقِّهِ ، فَأَشهَدُ لَقَد رَأَيتُهُ في بَعضِ مَواقِفِهِ وقَد أرخَى اللَّيلُ سُدولَهُ وهُوَ قائِمٌ في مِحرابِهِ ، قابِضٌ عَلى لِحيَتِهِ ، يَتَمَلمَلُ تَمَلمُلَ السَّليمِ ، ويَبكي بُكاءَ الحَزينِ ، ويَقولُ :
يا دُنيا يا دُنيا ، إلَيكِ عَنّي ، أ بي تَعَرَّضتِ أم لي تَشَوَّقتِ ؟ لا حانَ حينُكِ ، هيهاتَ ! غُرّي غَيري ، لا حاجَةَ لي فيكِ ، قَد طَلَّقتُكِ ثَلاثا لا رَجعَةَ فيها ، فَعَيشُكِ قَصيرٌ ، وخَطَرُكِ يَسيرٌ ، وأمَلُكِ حَقيرٌ ، آه مِن قِلَّةِ الزّادِ ، وطولِ المَجازِ ، وبُعدِ السَّفَرِ ، وعَظيمِ المَورِدِ !
قالَ : فَوَكَفَت (2) دُموعُ مُعاوِيَةَ ما يَملِكُها ، ويَقولُ : هكَذا كانَ عَلِيُّ عليه السلام ، فَكَيفَ
.
ص: 374
* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في شرائط الإماحُزنُكَ عَلَيهِ يا ضِرارُ ؟
قالَ : حُزني عَلَيهِ _ واللّه _ حُزنُ مَن ذُبِحَ واحِدُها في حِجرِها ؛ فَلا تَرقَأ دَمعَتُها ، ولا تَسكُنُ حَرارَتُها (1) .راجع : ج5 ص22 (ضرار بن ضمرة) .
53عامِرُ بنُ واثِلَةَعامر بن واثلة بن عبد اللّه الكناني الليثي ، أبو الطُّفَيل وهو بكنيته أشهر . ولد في السنة الَّتي كانت فيها غزوة اُحد . أدرك ثماني سنين من حياة النّبيّ صلى الله عليه و آله (2) ، ورآه (3) ، وهو آخر من مات من الصحابة (4) . وكان يقول : أنا آخر من بقي ممّن كان رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله (5) . توفّي
.
ص: 375
سنة 100 ه (1) . كان من أصحاب عليّ عليه السلام (2) وثقاته (3) ومحبّيه (4) وشيعته (5) وشهد معه جميع حروبه (6) . كان له حظّ وافر من الخطابة ، وكان ينشد الشعر الجميل . كما كان مقاتلاً باسلاً في الحروب . خطب في صفّين كثيرا ، وذهب إلى العسكر ومدح عليّا عليه السلام بشعره النّابع من شعوره الفيّاض . وافتخر بصمود أصحاب الإمام ، وقدح في أصحاب الفضائح من الاُمويّين وأخزاهم (7) . وذكره نصر بن مزاحم بأ نّه من «مخلصي الشيعة» ، وأخبر عن مواقفه الرائعة (8) . كان عامر بن واثلة حامل لواء المختار ، عندما نهض للثأر بدم الإمام الحسين عليه السلام (9) . وقيل : إنّه كان كيسانيّا (10) ، واختلف فيه (11) . والصحيح أ نّه رجع إن كان
.
ص: 376
كيسانيّا (1) . ساعدته مهارته في الكلام واستيعابه لمعارف الحقّ وإلمامه بكتاب اللّه على أن يتحدّث بصلابة ، دفاعا عن الحقّ ، وتقريعا لغير الكفوئين (2) . لقد كان شخصيّة عظيمة ، ذكره أصحاب الرجال بإجلال وإكبار . وقال الذهبي في حقّه : كان ثقةً فيما ينقله ، صادقا ، عالما ، شاعرا ، فارسا ، عُمِّر دهرا طويلاً (3) .
* ومنه عن قسّ بن ساعدة في الأئمّة عليهم السلاموقعة صفّين عن جابر الجعفي :سَمِعتُ تَميمَ بنَ حُذَيمٍ النّاجِيَّ يَقولُ : لَمَّا استَقامَ لِمُعاوِيَةَ أمرُهُ ، لَم يَكُن شَيءٌ أحَبَّ إلَيهِ مِن لِقاءِ عامِرِ بنِ واثِلَةَ ، فَلَم يَزَل يُكاتِبُهُ ويَلطُفُ حَتّى أتاهُ ، فَلَمّا قَدِمَ سَأَلَهُ عَن عَرَبِ الجاهِلِيَّةِ . قالَ : ودَخَلَ عَلَيهِ عَمرُو بنُ العاصِ وَنَفرٌ مَعَهُ ، فَقالَ لَهُم مُعاوِيَةُ : تَعرِفونَ هذا ؟ هذا فارِسُ صِفّينَ وشاعِرُها ، هذا خَليلُ أبِي الحَسَنِ .
ثُمَّ قالَ : يا أبَا الطُّفَيلِ ، ما بَلَغَ مِن حُبِّكَ عَلِيّا ؟
قالَ : حُبَّ اُمِّ موسى لِموسى .
قالَ : فَما بَلَغَ مِن بُكائِكَ عَلَيهِ ؟
قالَ : بُكاءَ العَجوزِ المِقْلاتِ ، وَالشَّيخِ الرَّقوبِ (4) ، إلَى اللّهِ أشكو تَقصيري .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : ولكِنَّ أصحابي هؤُلاءِ لَو كانوا سُئِلوا عَنّي ما قالوا فِيَّ ما قُلتَ في صاحِبَكَ !
قالَ : إنّا وَاللّهِ لا نَقولُ الباطِلَ . .
ص: 377
* ومنه عن قسّ بن ساعدة في الأئمّة عليهم السلامفَقالَ لَهمُ مُعاوِيَةُ : لا وَاللّهِ ولَا الحَقَّ (1) .دوس : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :سير أعلام النّبلاء عن عبد الرحمن الهمداني :دَخَلَ أبُو الطُّفَيلِ عَلى مُعاوِيَةَ ، فَقالَ : ما أبقى لَكَ الدَّهرُ مِن ثُكلِكَ عَلِيّا ؟
قال : ثُكلَ العَجوزِ المِقلاتِ ، وَالشَّيخِ الرَّقوبِ .
قالَ : فَكَيفَ حُبُّكَ لَهُ ؟
قالَ : حبَّ اُمِّ موسى لِموسى ، وإلَى اللّهِ أشكُو التَّقصيرَ (2) .* وعن الصادق عليه السلام :الاستيعاب :قَدِمَ أبُو الطُّفَيلِ يَوما عَلى مُعاوِيَةَ فَقالَ لَهُ : كَيفَ وَجدُكَ عَلى خَليلِكَ أبِي الحَسَنِ ؟
قالَ : كَوَجدِ اُمِّ موسى عَلى موسى ، وأشكو إلَى اللّهِ التَّقصيرَ (3) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الطاووس :تاريخ اليعقوبي :أتاهُ [ عُمَرَ بنَ عَبدِ العَزيزِ ] أبُو الطُّفَيلِ عامرُ بنُ واثِلَةَ وكانَ مِن أصحابِ عَلِيٍّ ، فَقالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! لِمَ مَنَعتَني عَطائي ؟
فَقالَ لَهُ : بَلَغَني أ نَّكَ صَقَلتَ سَيفَكَ ، وشَحَذتَ سِنانَكَ ، ونَصَّلتَ سَهمَكَ ، وغَلَّفتَ قَوسَكَ ، تَنتَظِرُ الإِمامَ القائِمَ حَتّى يَخرُجَ ، فَإِذا خَرَجَ وفّاكَ عَطاءَكَ .
فَقالَ : إنَّ اللّهَ سائِلُكَ عَن هذا .
فَاستَحيا عُمَرُ مِن هذا وأعطاهُ (4) .* ومنه عن الرضا عليه السلام :تاريخ دمشق عن أبي عبد اللّه الحافظ :سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ _ يَعني مُحَمّدَ بنَ يَعقوبَ الأَخرَمَ _ يَقولُ وسُئِل : لِمَ تَرَكَ البُخارِيُّ حَديثَ أبِي الطُّفَيلِ عامِرِ بنِ واثِلَةَ ؟ .
ص: 378
* ومنه عن الرضا عليه السلام :قالَ : لِأَ نَّهُ كانَ يُفرِطُ فِي التَّشَيُّعِ (1) .54عَبدُ اللّهِ بنُ الأَهتَمِّمن بين المصادر التاريخيّة انفرد البلاذُري في أنساب الأشراف في عدّة من ولاة عليّ عليه السلام ، فقد قال : وولي عبد اللّه بن الأهتمّ كرمان (2) . وكان عبد اللّه بالبصرة حين دخلها زياد بن أبيه ، وأيّد خطبته الاُولى ومدحه (3) . وتعاون مع الحجّاج بن يوسف أيضا (4) . عاقبته مدعاة إلى العظة والاعتبار والتذكير (5) .
55عَبدُ اللّهِ بنُ بُدَيلعبد اللّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، أسلم قبل فتح مكّة (6) ، وشهد حنينا ، والطائف ، وتبوك (7) ، أشخصه النّبيّ صلى الله عليه و آله إلى اليمن مع أخيه عبد الرحمن (8) . عدّه
.
ص: 379
المؤرّخون من عظماء أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأعيانهم (1) . اشترك عبد اللّه في الثورة على عثمان (2) . ثمّ كان إلى جانب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عضدا صلبا وصاحبا مُضحّيا . وشهد معه الجمل ، وصفّين . وكان في صفّين قائد الرجّالة (3) أو قائد الميمنة ، وتولّى رئاسة قُرّاء الكوفة أيضا (4) . تدلّ خُطبه وأقواله على أ نّه كان يتمتّع بوعيٍ عظيم في معرفة أوضاع عصره ، واُناس زمانه ، ودوافع أعداء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (5) . وقف عند قيام الحرب بكلّ ثبات ، وقال : « إنّ معاوية ادّعى ما ليس له ، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحقّ ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب ، وزيّن لهم الضلالة . . . وأنتم واللّه على نورٍ من ربّكم ، وبرهانٍ مبين» (6) . دنا من معاوية بشجاعة محمودة وصولة لا هوادة فيها . فلمّا رأى معاوية أنّ الأرض قد ضاقت عليه بما رحُبت ، أمر أن يرضخ بالصخر والحجارة ويُقضى عليه . فاستشهد عبد اللّه (7) ، وسمّاه معاوية «كبش القوم» ، وذكر شجاعته واستبساله متعجّبا ، وذهب إلى أ نّه فذّ لا نظير له في القتال (8) . وعُدّ عبد اللّه أحد دُهاة العرب
.
ص: 380
الخمسة (1) . واستشهد أخوه عبد الرحمن في صفّين أيضا (2) . ودافع عبد اللّه عن إمامه حتى آخر لحظة من حياته بكلّ ما اُوتي من جُهد . وعندما طلب منه رفيق دربه وصاحبه الأسود بن طهمان الخزاعي أن يوصيه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، قال : « اُوصيك بتقوى اللّه ، وأن تناصح أمير المؤمنين ، وأن تقاتل معه المحلّين حتى يظهر الحقّ أو تلحق باللّه ، وأبلغه عنّي السلام . . . » . وعندما بلغ الإمام صلوات اللّه عليه سلامه قال : « رَحِمَهُ اللّهُ ! جاهَدَ مَعَنا عَدُوَّنا فِي الحَياةِ ، ونَصَحَ لَنا فِي الوَفاةِ » (3) .
دود : عن أبي عبداللّه عليه السلام :وقعة صفّين عن زيد بن وهب :إنَّ عَبدَ اللّهِ بنَ بُدَيلٍ قامَ في أصحابِهِ فَقالَ : إنَّ مُعاوِيَةَ ادَّعى ما لَيسَ لَهُ ، ونازَعَ الأَمرَ أهلَهُ ومَن لَيسَ مِثلَهُ ، وجادَلَ بِالباطِلِ لِيَدحَضَ بِهِ الحَقَّ ، وصالَ عَلَيكُم بِالأَعرابِ وَالأَحزابِ ، وزَيَّنَ لَهُمُ الضَّلالَةَ ، وزَرَعَ في قُلوبِهِم حُبَّ الفِتنَةِ ، ولَبَّسَ عَلَيهِمُ الأَمرَ ، وزادَهُم رِجسا إلى رِجسِهِم ، وأنتُم وَاللّهِ عَلى نورٍ مِن رَبِّكُم وبُرهانٍ مُبينٍ .
قاتِلوا الطَّغامَ الجُفاةَ ولا تَخشَوهُم ، وَكيفَ تَخشَونَهُم وفي أيديكُم كِتابٌ مِن رَبِّكُم ظاهِرٌ مَبروزٌ ؟ ! «أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَ_تِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ» (4) وقَد قاتَلتُهُم .
ص: 381
دود : عن أبي عبداللّه عليه السلام :مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَاللّهِ ما هُم في هذِهِ بِأَزكى ولا أتقى ولا أبرَّ ، قوموا إلى عَدُوِّ اللّهِ وعَدُوِّكُم (1) .راجع : ج3 ص444 (استشهاد عبداللّه بن بديل) .
56عَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرِ بنِ أبي طالِبعبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي يُكنى أبا جعفر من صحابة النّبيّ صلى الله عليه و آله (2) . وعندما هاجرت أوّل مجموعة من المسلمين إلى الحبشة ، كان جعفر بن أبي طالب المشهور بذي الجناحين (3) ، وزوجته أسماء بنت عميس معهم (4) ، وولد عبد اللّه هناك (5) . كان له من العمر سبع سنين عندما جاء إلى المدينة مع أبيه . ولمّا نظر إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله تبسّم وبسط يده ، فبايعه عبد اللّه (6) . استشهد والده جعفر في مؤتة ، فتكفّل النّبيّ صلى الله عليه و آله تربيته (7) .
.
ص: 382
كان أخا لمحمّد بن أبي بكر ، ويحيى بن عليّ بن أبي طالب من جهة الاُمّ (1) . وكانت تربطه بآل الرسول صلى الله عليه و آله وشيجة قويّة . وهو زوج زينب بنت عليّ عليه السلام . شهد صفّين مع عمّه أمير المؤمنين عليه السلام (2) . ولم يأذن له بالقتال . وعندما عاد إلى الكوفة قال عليه السلام : . . . لئلّا ينقطع به نسل بني هاشم (3) . وكان عبد اللّه طويل الباع ، فصيح اللسان ، ثابتا على الحقّ . عدّه المؤرّخون وأصحاب التراجم من أجواد العرب المشهورين (4) ، بل من أسخاهم (5) . وذكروا قصصا في ذلك (6) ، من هنا سُمّي «بحر الجود» (7) . كان يُصحر بالحقّ في مواطن كثيرة ، ويرعى المنزلة الرفيعة لأمير المؤمنين عليه السلام وآل الرسول صلى الله عليه و آله . ولم يسكت عن الطعن في «الشجرة الملعونة» الاُمويّين على مرأى ومسمع منهم (8) ، مع هذا كلّه كان معاوية يكرمه (9) . وكان مع الحسنين عليهماالسلام بعد استشهاد أبيهما ، وتبعهما بصدق . وكان يتأسّف على عدم حضوره في كربلاء ، لكنّه كان يفتخر ويعتز باستشهاد
.
ص: 383
أولاده مع الحسين عليه السلام (1) . توفّي عبد اللّه بالمدينة سنة 80 ه عام الجُحاف (2)(3) وهو ابن ثمانين سنة (4) .
57عَبدُ اللّهِ بنُ شُبَيلٍ الأحمَسِيُّكان واليا على آذربايجان مدّةً (5) . وعندما فُتحت ثانيةً سنة 24 ه أو 25 ه توجّه إليها أميرا على مقدّمة الجيش (6) . أثنى عليه الإمام عليّ عليه السلام بالتواضع وحسن السيرة والهدى (7) .
رأس : عن أبي عبداللّه عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى قَيسِ بنِ سَعدٍ عامِلِهِ عَلى أذربَيجانَ _: قَد سَأَلَني عَبدُ اللّهِ بنُ شُبَيلٍ الأَحمَسِيُّ الكِتابَ إلَيكَ في أمرِهِ ، فَاُوصيكَ بِهِ خَيرا ، فَإِنّي رَأَيتُهُ وادِعا مُتَواضِعا ، حَسَنَ السَّمتِ وَالهَديِ (8) .* وفي ألقاب الرضا عليه السلام :تاريخ اليعقوبي عن غياث :لَمّا أجمَعَ عَلِيٌّ القِتالَ لِمُعاوِيَةَ كَتَبَ أيضا إلى قَيسٍ : أمّا بعد ،
.
ص: 384
* وفي ألقاب الرضا عليه السلام :فاستعمل عبد اللّه بن شبيل الأحمسي خليفة لك ، وأقبل إليّ ، فإنّ المسلمين قد أجمع ملؤهم وانقادت جماعتهم ، فعجّل الإقبال ، فأنا سأحضرنّ إلى المحلّين عند غُرَّةِ الهِلالِ ، إن شاءَ اللّهُ ، وما تَأَخُّري إلّا لَكَ ، قَضَى اللّهُ لَنا ولَكَ بِالإِحسانِ في أمرِنا كُلِّهِ (1) .58عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍعبد اللّه بن عبّاس بن عبد المطلب أبو العبّاس القرشي الهاشمي ، من المفسّرين والمحدّثين المشهورين في التاريخ الإسلامي (2) . وُلِدَ بمكّة في الشِّعب قبل الهجرة بثلاث سنين (3) . وذهب إلى المدينة سنة 8 ه ، عام الفتح (4) . كان عمر يستشيره في أيّام خلافته (5) . وعندما ثار النّاس على عثمان ، كان مندوبه في الحجّ (6) . ولمّا آلت الخلافة إلى الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام كان صاحبه ، ونصيره ، ومستشاره ، وأحد ولاته واُمرائه العسكريّين . كان على مقدّمة الجيش في معركة الجمل (7) ، ثمّ ولي البصرة (8) بعدها . وقبل أن تبدأ حرب صفّين ، استخلف أبا الأسود الدؤلي على البصرة وتوجّه مع
.
ص: 385
الإمام عليه السلام لحرب معاوية (1) . كان أحد اُمراء الجيش في الأيّام السبعة الاُولى من الحرب (2) . ولازم الإمام عليه السلام بثباتٍ على طول الحرب . اختاره الإمام عليه السلام ممثّلاً عنه في التحكيم ، بَيْدَ أنّ الخوارج والأشعث عارضوا ذلك قائلين : لا فرق بينه وبين عليّ عليه السلام (3) . حاورَ الخوارج مندوبا عن الإمام عليه السلام في النّهروان مرارا . وأظهر في مناظراته الواعية عدمَ استقامتهم ، وتزعزع موقفهم ، كما أبان منزلة الإمام الرفيعة السامية (4) . كان واليا على البصرة عند استشهاد الإمام عليه السلام (5) . بايع الإمام الحسن المجتبى عليه السلام (6) ، وتوجّه إلى البصرة من قِبَله (7) . ولم يشترك مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء . وعلّل البعض ذلك بعماه . لم يبايع عبدَ اللّه بن الزبير حين استولى على الحجاز ، والبصرة ، والعراق . ومحمّد ابن الحنفيّة لم يبايعه أيضا ، فكَبُرَ ذلك على ابن الزبير حتى همّ بإحراقهما (8) .
.
ص: 386
كان ابن عبّاس عالما له منزلته الرفيعة العالية في التفسير ، والحديث ، والفقه . وكان تلميذ الإمام عليه السلام في العلم (1) مفتخرا بذلك أعظم افتخار . توفّي ابن عبّاس في منفاه بالطائف سنة 68 ه وهو ابن إحدى وسبعين (2) ، وهو يكثر من قوله : «اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بمحمّدٍ وآله ، اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية الشيخ عليّ بن أبي طالب» (3) وفي رواية : لمّا حضرت عبد اللّه بن عبّاس الوفاة قال : «اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب» (4) . خلفاء بني العبّاس من ذرّيّته ، وأخبر الإمام عليه السلام بهذا في خطابه لابن عبّاس «أبا الأملاك » (5) .
* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :المستدرك على الصحيحين عن الزهري :قالَ المُهاجِرونَ لِعُمَرَ بنِ الخَطّابِ : اُدعُ أبناءَنا كَما تَدعُو ابنَ عَبّاسٍ .
قالَ : ذاكُم فَتَى الكُهولِ ، إنَّ لَهُ لِسانا سَؤولاً ، وقَلبا عَقولاً (6) .ذيل: عن أميرالمؤمنين عليه السلام :أنساب الأشراف :إنَّ ابنَ عَبّاسٍ خَلا بِعَلِيٍّ حينَ أرادَ أن يَبعَثَ أبا موسى فَقالَ : إنّي أخافُ أن يَخدَعَ مُعاوِيَةُ وعَمرٌو أبا موسى ، فَابعَثني حَكَما ولا تَبعَثهُ ولا تَلتَفِت إلى قَولِ .
ص: 387
ذيل: عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الأَشعَثِ وغَيرِهِ مِمَّنِ اختارَهُ ، فأبى ، فَلَمّا كانَ مِن أمرِ أبي موسى وخَديعَةِ عَمرٍو لَهُ ما كانَ ، قالَ عَلِيٌّ : للّهِِ دَرُّ ابنِ عَبّاسٍ إن كانَ لَيَنظُرُ إلَى الغَيبِ مِن سِترٍ رَقيقٍ (1) .ذيع : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الأوليمختصر تاريخ دمشق عن المدائني :قالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ في عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ : إنَّهُ يَنظُرُ إلَى الغَيبِ مِن سِترٍ رَقيقٍ ؛ لِعَقلِهِ وفِطنَتِهِ بِالاُمورِ (2) .ذيخ : عن النبيّ صلى الله عليه و آله لاُهيب :الجمل عن أبي مخنف لوط بن يحيى :لَمَّا استَعمَلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام عَبدَ اللّهِ بنَ العَبّاسِ عَلَى البَصرَةِ ، خَطَبَ النّاسَ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ وصَلّى عَلى رَسولِهِ ، ثُمَّ قالَ :
يا معاشِرَ النّاسِ ! قَدِ استَخلَفتُ عَلَيكُم عَبدَ اللّهِ بنَ العَبّاسِ ، فَاسمَعوا لَهُ وأطيعوا أمرَهُ ما أطاعَ اللّهَ ورَسولَهُ ، فَإِن أحدَثَ فيكُم أو زاغَ عَنِ الحَقِّ فَأَعلِموني أعزِلهُ عَنكُم ، فَإِنّي أرجو أن أجِدَهُ عَفيفا تَقِيّا وَرِعا ، وإنّي لَم اُوَلِّهِ عَلَيكُم إلّا وأنَا أظُنُّ ذلِكَ بِهِ ، غَفَرَ اللّهُ لَنا ولَكُم (3) .ذيت : في يوم الجمل :وقعة صفّين :كانَ عَلِيٌّ قَدِ استَخلَفَ ابنَ عَبّاسٍ عَلَى البَصرَةِ ، فَكَتَبَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ إلى عَلِيٍّ يَذكُرُ لَهُ اختِلافُ أهلِ البَصرَةِ ، فَكَتَبَ إلَيهِ عَلِيٌّ :
مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ .
أمّا بَعدُ ، فَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ وصَلَّى اللّهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ عَبدِهِ ورَسولِهِ .
أمّا بَعدُ ، فَقَد قَدِمَ عَلَيَّ رَسولُكَ ، وذَكَرتَ ما رَأَيتَ وبَلَغَكَ عَن أهلِ البَصرَةِ بَعدَ انصِرافي ، وسَاُخبِرُكَ عَنِ القَومِ :
هُم بَينَ مُقيمٍ لِرَغبَةٍ يَرجوها ، أو عُقوبَةٍ يَخشاها . فَأَرغِب راغِبَهُم بِالعَدلِ عَلَيهِ ، .
ص: 388
ذيت : في يوم الجمل :وَالإِنصافِ لَهُ والإِحسانِ إلَيهِ ، وحُلَّ عُقدَةَ الخَوفِ عَن قُلوبِهِم ، فَإِنَّهُ لَيسَ لِاُمَراءِ أهلِ البَصرَةِ في قُلوبِهِم عِظَمٌ إلّا قَليلٌ مِنهُم . وَانتَهِ إلى أمري ولا تَعدُهُ ، وأحسِن إلى هذَا الحَيِّ مِن رَبيعَةَ ، وكُلُّ مَن قِبَلِكَ فَأَحسِن إلَيهِم مَا استَطَعتَ إن شاءَ اللّهُ ، وَالسَّلامُ (1) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام في الاستسقاء :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ وهُوَ عامِلُهُ عَلَى البَصرَةِ _: وَاعلَم أنَّ البَصرَةَ مَهِبطُ إبليسَ ، ومَغرِسُ الفِتَنِ ، فَحادِث أهلَها بِالإِحسانِ إلَيهِم ، وَاحلُلُ عُقدَةَ الخَوفِ عَن قُلوبِهِم ، وقَد بَلَغَني تَنَمُّرُكَ لِبَني تَميمٍ ، وغِلظَتُكَ عَلَيهِم ، وإنَّ بَني تَميمٍ لَم يَغِب لَهُم نَجمٌ إلّا طَلَعَ لَهُم آخَرُ ، وإنَّهُم لَم يُسبَقوا بِوَغمٍ (2) في جاهِلِيَّةٍ ولا إسلامٍ ، وإنَّ لَهُم بِنا رَحِما ماسَّةً ، وقَرابَةً خاصَّةً ، نَحنُ مَأجورونَ عَلى صِلَتِها ، ومَأزورونَ عَلى قَطيعَتِها . فَاربَع أبَا العَبّاسِ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ فيما جَرى عَلى لِسانِكَ ويَدِكَ مِن خَيرٍ وشَرٍّ ! فَإِنّا شَريكانِ في ذلِكَ ، وكُن عِندَ صالِحِ ظَنّي بِكَ ، ولا يَفيلَنَّ (3) رَأيي فيكَ ، وَالسَّلامُ (4) .* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :مختصر تاريخ دمشق عن سفيان بن عيينة :وَرَدَ صَعصَعَةُ بنُ صوحانَ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ مِنَ البَصرَةِ ، فَسَأَلَهُ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ ، وكانَ عَلى خِلافَتِهِ بِها ، فَقالَ صَعصَعَةُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّهُ آخِذُ بِثَلاثٍ وتارِكٌ لِثَلاثٍ : آخِذٌ بِقُلوبِ الرِّجالِ إذا حَدَّثَ ، ويُحسِنُ الِاستِماعَ إذا حُدِّثَ ، وبِأَيسَرِ الأَمرَينِ إذا خولِفَ . تارِكٌ لِلمرِاءِ ، وتارِكٌ لِمُقارَبَةِ اللَّئيمِ ، وتارِكٌ لِما يُعتَذَرُ مِنهُ (5) .* وعن أبي سعيد الخدريّ :رجال الكشّي عن الحارث :اِستَعمَلَ عَلِيٌّ عليه السلام عَلَى البَصرَةِ عَبدَ اللّهِ بنَ عبَّاسٍ ، فَحَمَلَ كُلَّ مالٍ .
ص: 389
* وعن أبي سعيد الخدريّ :في بَيتِ المالِ بِالبَصرَةِ ، ولَحِقَ بِمَكَّةَ وتَرَكَ عَلِيّا عليه السلام ، وكانَ مَبلَغُهُ ألفَي ألفِ دِرهَمٍ .
فَصَعِدَ عَلِيٌّ عليه السلام المِنبَرَ حينَ بَلَغَهُ ذلِكَ فَبَكَى ، فَقالَ : هذَا ابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في عِلِمِهِ وقَدرِهِ يَفعَلُ مِثلَ هذا ، فَكَيفَ يُؤمَنُ مَن كانَ دونَهُ ؟ اللّهُمَّ إنّي قَد مَلَلَتُهُم فَأَرِحني مِنهُم ، وَاقبِضني إلَيكَ غَيرَ عاجِزٍ ولا مَلولٍ (1) .ذهب : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الأنبياء :رجال الكشّي عن الشعبي :لَمَّا احتَمَلَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ بَيتَ مالِ البَصَرةِ وذَهَبَ بِهِ إلَى الحِجازِ ، كَتَبَ إلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ : مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ ، أمّا بَعدُ ، فَإِنّي قَد كُنتُ أشرَكتُكَ في أمانَتي ، ولَم يَكُن أحَدٌ مِن أهلِ بَيتي في نَفسي أوثَقَ مِنكَ لِمُواساتي ومُوازَرَتي وأداءِ الأَمانَةِ إلَيَّ ، فَلَمّا رَأَيتَ الزَّمانَ عَلَى ابنِ عَمِّكَ قَد كَلِبَ ، وَالعَدُوَّ عَلَيهِ قَد حَرِبَ ، وأمانَةَ النّاسِ قَد خَرِبَت ، وهذِهُ الاُمورَ قَد قَسَت ، قَلَبتَ لِابنِ عَمِّكَ ظَهرَ المِجَنِّ (2) ، وفارَقتَهُ مَعَ المُفارِقينَ ، وخَذَلتَهُ أسوأَ خِذلانِ الخاذِلينَ .
فَكَأَ نَّكَ لَم تَكُن تُريدُ اللّهَ بِجِهادِكَ ، وكَأَ نَّكَ لَم تَكُن عَلى بَيِّنَةٍ مِنَ رَبِّكَ ، وكَأَ نَّكَ إنَّما كُنتَ تَكيدُ اُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله عَلى دُنياهُم ، وتَنوي غِرَّتَهُم (3) ، فَلَمّا أمكَنَتكَ الشِّدَّةُ في خِيانَةِ اُمَّةِ مُحَمَّدٍ أسرَعتَ الوَثبَةَ وعَجَّلتَ العَدوَةَ ، فَاختَطَفتَ ما قَدَرتَ عَلَيهِ اختِطافَ الذِّئبِ الأَزَلِّ (4) رَمِيَّةَ المِعزَى الكَسيرِ .
كَأَ نَّكَ _ لا أبا لَكَ _ إنَّما جَرَرتَ إلى أهلِكَ تُراثَكَ مِن أبيكَ واُمِّكَ ، سُبحانَ اللّهِ ! أ ما تُؤمِنُ بِالمَعادِ ؟ ! أ وَما تَخافُ مِن سوءِ الحِسابِ ؟ ! أ وَما يَكبُرُ عَلَيكَ أن تَشتَرِيَ .
ص: 390
ذهب : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الأنبياء :الإِماءَ ، وتَنكِحَ النِّساءَ بِأَموالِ الأَرامِلِ وَالمُهاجِرينَ الَّذينَ أفاءَ اللّهُ عَلَيهِم هذِهِ البِلادَ ؟ !
اُردُد إلَى القَومِ أموالَهُم ، فَوَاللّهِ لَئِن لَم تَفعَل ثُمَّ أمكَنَنِي اللّهُ مِنكَ لاُعذِرَنَّ اللّهَ فَيكَ ، فَوَاللّهِ لَو أنَّ حَسَنا وحُسَينا فَعَلا مِثلَ ما فَعَلتَ ، لَما كانَ لَهُما عِندي في ذلِكَ هَوادَةٌ ، ولا لِواحِدٍ مِنهُما عِندي فيهِ رُخصَةٌ ، حَتّى آخُذَ الحَقَّ ، واُزيحَ الجَورَ عَن مَظلومِها ، وَالسَّلامُ .
قالَ : فَكَتَبَ إلَيهِ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ : أمّا بَعدُ ، فَقَد أتاني كِتابُكَ ، تُعَظِّمُ عَلَيَّ إصابَةَ المالِ الَّذي أخَذتُهُ مِن بَيتِ مالِ البَصرَةِ ، ولَعَمري إنَّ لي في بَيتِ مالِ اللّهِ أكثَرَ ممِّا أخَذتُ ، وَالسَّلامُ .
قالَ : فَكَتَبَ إلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام : أمّا بَعدُ ، فَالعَجَبِ كُلُّ العَجَبِ مِن تَزيينِ نَفسِكَ أنَّ لَكَ في بَيتِ مالِ اللّهِ أكَثَرَ مِمّا أخَذتَ ، وأكثَرَ مِمّا لِرَجُلٍ مِنَ المُسلِمينَ ، فَقَد أفلَحتَ إن كانَ تَمَنّيكَ الباطِلَ وادِّعاؤُكَ ما لا يَكونُ يُنجيكَ مِنَ الإِثمِ ، ويُحِلُّ لَكَ ما حَرَّمَ اللّهُ عَلَيكَ ، عَمركَ اللّهُ إِ نَّكَ لَأَنتَ العَبدُ المُهتدي إذا !
فَقَدَ بَلَغَني أ نَّكَ اتَّخَذتَ مَكَّةَ وَطَنا ، وضَرَبتَ بِها عَطَنا (1) ، تَشتَري مُوَلَّداتِ مَكَّةَ وَالطّائِفِ ، تَختارُهُنَّ عَلى عَينِكَ ، وتُعطي فيهِنَّ مالَ غَيرِكَ ، وإنّي لَاُقسِمُ بِاللّهِ رَبّي ورَبِّك رَبِّ العِزَّةِ ، ما يَسُرُّني أنَّ ما أخَذتَ مِن أموالِهِم لي حَلالٌ أدَعُهُ لِعَقِبي ميراثا ، فَلا غَروَ ، وأشَدّ بِاغتِباطِكَ تَأكُلُه رُوَيدا رُوَيدا ، فَكَأَن قَد بَلَغتَ المَدى ، وعُرِضتَ عَلى رَبِّكَ ، وَالمَحَلّ الَّذي يَتَمَنَّى الرَّجعَةَ ، والمُضَيِّع لِلتَّوبَةِ كَذلِكَ ، وما ذلِكَ ، ولاتَ حينَ مَناصٍ ! وَالسَّلامُ .
قالَ : فَكَتَبَ إلَيهِ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ : أمّا بَعدُ ، فَقَد أكثَرتَ عَلَيَّ ، فَوَاللّهِ لَأَن ألقَى اللّهَ .
ص: 391
ذهب : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الأنبياء :بِجَميعِ ما فِي الأَرضِ مِن ذَهَبِها وعِقيانِها أحَبُّ إلَيَّ أن ألقَى اللّهَ بِدَمِ رَجُلٍ مُسلِمٍ (1) .* وعنه عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ إلى بَعضِ عُمّالِهِ _: أمّا بَعدُ ، فَإِنّي كُنتُ أشرَكتُكَ في أمانَتي ، وجَعَلتُكَ شِعاري وبِطانَتي ، ولَم يَكُن رَجُلٌ مِن أهلي أوثَقَ مِنكَ في نَفسي لِمُواساتي ومُوازَرَتي ، وأداءِ الأَمانَةِ إلَيَّ ، فَلَمّا رَأَيتَ الزَّمانَ عَلَى ابنِ عَمِّكَ قَد كَلِبَ ، وَالعَدُوَّ قَد حَرِبَ ، وأمانَةَ النّاسِ قَد خَزِيَت ، وهذِهِ الاُمَّةَ قَد فَنَكَت (2) وشَغَرَت (3) ، قَلَبتَ لِابنِ عَمِّكَ ظَهرَ المِجَنِّ ، فَفارَقتهُ مَعَ المُفارِقينَ ، وخَذَلَتَهُ مَعَ الخاذِلينَ ، وخُنتَهُ مَعَ الخائِنينَ ، فَلاَ ابنَ عَمِّكَ آسَيتَ ، ولَا الأَمانَةَ أدَّيتَ .
وكَأَ نَّكَ لَم تَكُنِ اللّهَ تُريدُ بِجِهادِكَ ، وكَأَ نَّكَ لَم تَكُن عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّكَ ، وكَأَ نَّكَ إنَّما كُنتَ تَكيدُ هذِهِ الاُمَّةَ عَن دُنياهُم ، وتَنوي غِرَّتَهُم عَن فَيئِهِم ، فَلَمّا أمكَنَتَكَ الشِّدَّةُ في خِيانَةِ الاُمَّةِ أسرَعتَ الكَرَّةَ ، وعاجَلتَ الوَثبَةَ ، وَاختَطَفتَ ما قَدَرتَ عَلَيهِ مِن أموالِهِمُ المَصونَةِ لِأَرامِلِهِم وأيتامِهِمُ اختِطافُ الذِّئبِ الأَزَلِّ دامِيَةَ المِعزَى الكَسيرَةَ ، فَحَمَلتَهُ إلَى الحِجازِ رَحيبَ الصَّدرِ بِحَملِهِ ، غَيرَ مُتَأَثِّمٍ مِن أخذِهِ ، كَأَ نَّكَ _ لا أبا لِغَيرِكَ _ حَدَرتَ إلى أهلِكَ تُراثَكَ مِن أبيكَ واُمِّكَ ، فَسُبحان اللّهِ ! أ ما تُؤمِنُ بِالمَعادِ ؟ أ وَما تَخافُ نِقاشَ الحِسابِ ؟
أيُّهَا المَعدودُ _ كانَ _ عِندَنا مِن اُولِي الأَلبابِ ، كَيفَ تُسيغُ شَرابا وطَعاما ، وأنتَ تَعلَمُ أ نَّكَ تَأكُلُ حَراما ، وتَشرَبُ حَراما ، وتَبتاعُ الإِماءَ وَتنكِحُ النِّساءَ مِن أموالِ اليَتامى والمَساكينِ وَالمُؤمِنينَ وَالمُجاهِدينَ ، الَّذينَ أفاءَ اللّهُ عَلَيهِم هذِهِ الأَموالَ ، وأحرَزَ بِهِم هذِهِ البِلادَ ! فَاتَّقِ اللّهَ وَاردُد إلى هؤُلاءِ القَومِ أموالَهُم ، فَإِنَّكَ إن لَم تَفعَل ثُمَّ .
ص: 392
* وعنه عليه السلام :أمكَنَنِي اللّهُ مِنكَ لَاُعذِرَنَّ إلَى اللّهِ فيكَ ، ولَأَضرِبَنَّكَ بِسَيفِي الَّذي ما ضَرَبتُ بِهِ أحَدا إلّا دَخَلَ النّارَ !
ووَاللّهِ ، لَو أنَّ الحَسَنَ وَالحُسَينَ فَعَلا مِثلَ الَّذي فَعَلتَ ، ما كانَت لَهُما عِندي هَوادَةٌ ، ولا ظَفِرا مِنّي بِإِرادَةٍ ، حَتّى آخُذَ الحَقَّ مِنهُما ، واُزيحَ الباطِلَ عَن مَظلَمَتِهِما ، واُقسِمُ بِاللّهِ رَبِّ العالَمينَ ما يَسُرُّني أنَّ ما أخَذتَهُ مِن أموالِهِم حَلالٌ لي ، أترُكُهُ ميراثا لِمَن بَعدي ، فَضَحِّ رُوَيدا ، فَكَأَ نَّكَ قَد بَلَغتَ المَدى ، ودُفِنتَ تَحتَ الثَّرى ، وعُرضَت عَلَيكَ أعمالُكُ بِالمَحَلِّ الَّذي يُنادِي الظّالِمُ فيهِ بِالحَسرَةِ ، ويَتَمَنَّى المُضَيِّعُ فيهِ الرَّجعَةَ ، ولاتَ حينَ مَناصٍ ! (1)ذوى : عن الصادق عليه السلام في الجنين :عيون الأخبار :وَجَدتُ في كِتابٍ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ إلَى ابنِ عَبّاسٍ حينَ أخَذَ مِن مالِ البَصرَةِ ما أخَذَ :
إنّي أشرَكتُكَ في أمانَتي ولَم يَكُن رَجُلٌ مِن أهلي أوثَقَ مِنكَ في نَفسي ، فَلَمّا رَأَيتَ الزَّمانَ عَلَى ابنِ عَمِّكَ قَد كَلِبَ ، وَالعَدُوَّ قَد حَرِبَ ، قَلَبتَ لِابنِ عَمِّكَ ظَهرَ المِجَنِّ بِفِراقِهِ مَعَ المُفارِقينَ ، وخِذلانِهِ مَعَ الخاذِلينَ ، وَاختَطَفتَ ما قَدَرتَ عَلَيهِ مِن أموالِ الاُمَّةِ اختِطافَ الذِّئبِ الأَزَلِّ دامِيَةَ المِعزى .
وفِي الكِتابِ : ضَحِّ رُوَيدا فَكَأَن قَد بَلَغَتَ المَدى ، وعُرِضَت عَلَيكَ أعمالُكَ بِالمَحَلِّ الَّذي بِهِ يُنادِي المُغتَرُّ بِالحَسرَةِ ، ويَتَمَنَّى المُضَيِّعُ التَّوبَةَ ، وَالظّالِمُ الرَّجعَةَ (2) .* وفي الخبر عن حال الناس إذا خرجوا من عنده صلى التاريخ الطبري :خَرَجَ عَبدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ مِنَ البَصرَةِ ولَحِقَ مَكَّةَ في قَولِ عامَّةِ أهلِ السِّيَرِ ، وقَد أنكَرَ ذلِكَ بَعضُهُم ، وزَعَمَ أ نَّهُ لَم يَزَلِ بِالبَصرَةِ عامِلاً عَلَيها مِن قِبَلِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ عليه السلام حَتّى قُتِلَ ، وبَعدَ مَقتَلِ عَلِيٍّ حَتّى صالَحَ الحَسَنُ مُعاوِيَةَ ، ثُمَّ .
ص: 393
* وفي الخبر عن حال الناس إذا خرجوا من عنده صلى الخَرَجَ حينَئِذٍ إلى مَكّة (1) .ذوق : في رسول اللّه صلى الله عليه و آله :تاريخ اليعقوبي :كَتَبَ أبوُ الأَسوَدِ الدُّؤَلِيُّ _ وكانَ خَليفَةَ عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسِ بِالبَصرَةِ _ إلى عَلِيٍّ يُعلِمُهُ أنَّ عَبدَ اللّهِ أخَذَ مِن بَيتِ المالِ عَشَرَةَ آلافِ دِرهَمٍ ، فَكَتَبَ إلَيهِ يَأمرُهُ بِرَدِّها ، فَامتَنَعَ ، فَكَتَبَ يُقسِمُ لَهُ بِاللّهِ لَتَرُدَّنَّها .
فَلَمّا رَدَّها عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ ، أو رَدَّ أكثَرَها ، كَتَبَ إلَيهِ عَلِيٌّ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ المَرءَ يَسُرُّهُ دَركَ ما لَم يَكُن لِيَفوتَهُ ، ويَسوؤُهُ فَوتَ ما لَم يَكُن لِيُدرِكَهُ ، فَما أتاكَ مِنَ الدُّنيا فَلا تُكثِر بِهِ فَرَحا ، وما فاتَكَ مِنها فَلا تُكثِر عَلَيهِ جَزَعا ، وَاجعَل هَمَّكَ لِما بَعدَ المَوتِ ، وَالسَّلامُ .
فَكانَ ابنُ عَبّاسٍ يَقولُ : ما اتَّعَظتُ بِكَلامٍ قَطُّ اتّعاظي بِكَلامِ أميرِ المُؤمِنينَ (2) . .
ص: 394
كلام فيما نسب إلى ابن عبّاس من الخيانةمن الملاحظات المهمّة في حياة ابن عبّاس موضوع بيت المال بالبصرة ؛ فقد جاء في المصادر التاريخيّة والحديثيّة كتاريخ الطبري ، والكامل في التاريخ ، وأنساب الأشراف ، ورجال الكشّي ، ونهج البلاغة (بلا ذكر لاسمه) وأمثالها أ نّه أخذ من بيت مال البصرة . وتختلف أنظار الباحثين حول هذا الموضوع على أقوال : أ _ أنكره بعض الباحثين وعلماء الرجال نظرا إلى : _ ضعف الأسانيد . _ جلالة ابن عبّاس وعلمه وفضله . _ ارتباطه الوثيق بالإمام عليّ عليه السلام وإخلاصه له وحبّه إيّاه . _ دور الاُمويّين في تشويه سمعة أصحاب الإمام عليه السلام . ب _ اعترف قسم منهم ببعض ما حصل ، لأ نّه ورد في كتب كثيرة ، وتناقله النّاس آنذاك ، وانتُقِد ابن عبّاس عليه يومئذٍ ، فلم يرَ هؤلاء أنّ إنكاره أمر سهل . ج _ أقرّ بعضهم بأصل الموضوع وبتذكير الإمام عليه السلام إيّاه ، فذهبوا إلى أ نّه وقف على خطئه ، وأعاد أكثر الأموال أو بعضها . وهذا ما ذكره اليعقوبي في تاريخه ، ويبدو أنّ اليعقوبي قد تفرّد في نقله ، غير أ نّه يمكن أن يكون مفيدا في تحليل الموضوع .
.
ص: 395
النّقطة المهمّة الَّتي ينبغي ألّا ننساها في مثل هذه الموضوعات هي دور المفتعِلين للحوادث والمُرجِفين . وقد وقف حسن بن زين الدين المشهور بصاحب المعالم على دور الاُمويّين في اختلاق هذه الحادثة ، وأكّده باحثون مثل السيّد جعفر مرتضى العاملي . وسيتيسّر علينا فهم هذه النّقطة إذا عرفنا أنّ ابن عبّاس _ نظرا إلى مكانته السامية وسمعته العلميّة الَّتي لا تُنكَر _ كان المدافع الشجاع عن عليّ وآل عليّ عليهم السلام في ذلك العهد الاُموي الأسود ، كما كان المنتقد الجريء للاُمويّين والكاشف عن فضائحهم . علما أ نّنا لا نقول بعصمته ، ولا ننكر احتمال خطئه ، بَيْدَ أ نّا نستبعد قبول جميع ما جاء في كتب التاريخ حول هذا الموضوع ، ولا نراه لائقا بشأن ابن عبّاس (1) . ولذا قال ابن أبي الحديد : قد أشكل عليَّ أمر هذا الكتاب ، فإن أنا كذّبت النّقل وقلت : هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين عليه السلام ، خالفت الرواة ، فإنّهم قد أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه ، وقد ذكر في أكثر كتب السِّيَر ، وإن صرفته إلى عبد اللّه بن عبّاس صدّني عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وبعد وفاته ، وإن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من أصرفه من أهل أمير المؤمنين عليه السلام ، والكلام يُشعر بأنّ الرجل المخاطب من أهله وبني عمّه ، فأنا في هذا الموضع من المتوقّفين ! (2)
.
ص: 396
59عَبدُ اللّهِ بنُ كَعبٍ المُرادِيُّكان من أعيان أصحاب الإمام عليّ عليه السلام (1) .
ذوب : عن الصادق عليه السلام :وقعة صفّين عن عبد الرحمن بن عبد اللّه :إنَّ عَبدَ اللّهِ بنَ كَعبٍ قُتِلَ يَومَ صِفّينَ ، فَمَرَّ بِهِ الأَسوَدُ بنُ قَيسٍ بِآخِرِ رَمَقٍ فَقالَ : عَزَّ عَلَيَّ وَاللّهِ مَصرَعُكَ ، أمَا واللّهِ لَو شَهِدتُكَ لَاسَيتُكَ ولَدافَعتُ عَنكَ ، ولَو رَأَيتُ الَّذي أشعَرَكَ لَأَحبَبتُ ألّا يُزايِلَني حَتّى أقتُلَهُ أو يُلحِقَني بِكَ .
ثُمَّ نَزَلَ إلَيهِ فَقالَ : رَحِمَكَ اللّهُ يا عَبدَ اللّهِ ، وَاللّهِ إن كانَ جارُكَ لَيَأمَنُ بَوائِقَكَ ، وإن كُنتَ لَمِنَ الذّاكِرينَ اللّهَ كَثيرا ، أوصِني رَحِمَكَ اللّهُ .
قالَ : اُوصيكَ بِتَقوَى اللّهِ ، وأن تُناصِحَ أميرَ المُؤمِنينَ ، وأن تُقاتِلَ مَعَهُ المُحِلّينَ ، حَتّى يَظَهَرَ الحَقُّ أو تَلحَقَ بِاللّهِ . وأبلِغهُ عَنِّي السَّلامَ وقُل لَهُ : قاتلِ عَلَى المَعرَكَةِ حَتّى تَجعَلَها خَلفَ ظَهرِكَ ، فَإِنَّهُ مَن أصبَحَ وَالمَعرَكَةُ خَلفَ ظَهرِهِ كانَ الغالِبَ .
ثُمَّ لَم يَلبَث أن ماتَ ، فَأَقبَلَ الأَسوَدُ إلى عَلِيٍّ فَأَخبَرَهُ ، فَقالَ : رَحِمَهُ اللّهُ ، جاهَدَ مَعَنا عَدُوَّنا فِي الحَياةِ ، ونَصَحَ لَنا فِي الوَفاةِ (2) .
.
ص: 397
60عَبدُ اللّهِ بنُ هاشِمِ بنِ عُتبَةَ بنِ أبي وَقّاصنجل البطل العظيم في ساحة الوغى ، والعابد ذي القلب السليم في جيش أمير المؤمنين عليه السلام هاشم بن عتبة (1) . رفع الراية بعد أبيه (2) ، وألقى خطبة حماسيّة أمام جيش معاوية ، وصف فيها أباه ، وذكر منزلة الإمام الرفيعة ، وكشف عن حقيقة معاوية . ثمّ حمل على العدوّ (3) . اُخذ إلى معاوية أسيرا بعد شهادة أمير المؤمنين ، وتحدّث بشجاعة وثبات ، فردّ على ما نطق به عمرو بن العاص من كلمات بذيئة وأخزاه (4) . وهذا الحوار دليل على شهامته ، وقوّته ، وشجاعته العجيبة . أمضى مدّةً في سجن معاوية .
* وعن فاطمة عليهاالسلام :وقعة صفّين عن عمرو بن شمر :لَمَّا انقَضى أمرُ صِفّينَ ، وسَلَّمَ الأَمرَ الحَسَنُ عليه السلام إلى مُعاوِيَةَ ، ووَفَدَت عَلَيهِ الوُفودُ ، اُشخِصَ عَبدُ اللّهِ بنُ هاشِمٍ إلَيه أسيرا ، فَلَمّا اُدخِلَ عَلَيهِ مَثُلَ بَينَ يَدَيهِ وعِندَهُ عَمرُو بنُ العاصِ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هذَا المُختالُ ابنُ المِرقالِ ، فَدونَكَ الضَّبُّ المُضِبُّ ، المُغتَرُّ المُفتونُ ، فَإِنَّ العَصا مِنَ العُصَيَّةِ ، وإنَّما تَلِدُ الحَيَّةُ حَيَّةً ، وجَزاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةٌ مِثلُها .
فَقالَ لَهُ ابنُ هاشِمٍ : ما أنَا بِأَوِّلِ رَجُلٍ خَذَلَهُ قَومُهُ ، وأدرَكَهُ يَومُهُ .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : تِلكَ ضَغائِنُ صِفّينَ وما جَنى عَلَيكَ أبوكَ ، فَقالَ عَمرٌو : أمكِنّي مِنهُ فَاُشخِبُ أوداجَهُ (5) عَلى أثباجِهِ (6) .
.
ص: 398
* وعن فاطمة عليهاالسلام :فَقالَ لَهُ ابنُ هاشِمٍ : فَهَلّا كانَت هذِهِ الشَّجاعَةُ مِنكَ يَابنَ العاصِ أيّامَ صِفّينَ حينَ نَدعوكَ إلَى النِّزالِ ، وقَدِ ابتَلَّت أقدامُ الرِّجالِ مِن نَقيعِ الجِريالِ (1) ، وقَد تَضايَقَت بِكَ المسالِكُ ، وأشرَفتَ فيها عَلَى المَهالِكِ . وَايمُ اللّه لَولا مَكانُكَ مِنهُ لَنَشَبَت لَكَ مِنّي خافِيَةٌ أرميكَ مِن خِلالِها أحَدَّ مِن وَقعِ الأَشافي (2) ، فَإِنَّكَ لا تَزالُ تُكثِرُ في هَوَسِكَ ، وتَخِبطُ في دَهَشِكَ ، وتَنشِبُ في مَرَسِكَ ، تَخَبُّط العَشواءِ فِي اللَّيلةِ الحِندِسِ الظَّلماءِ .
قالَ : فَأَعجَبَ مُعاوِيَةَ ما سَمِعَ مِن كلامِ ابنِ هاشِمٍ ، فَأَمَرَ بِهِ إلَى السِّجنِ وكَفَّ عَن قَتلِهِ (3) .61عَبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسّانِ بنِ ثابِتٍ* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام لبعض أصحابه :تاريخ الطبري_ في بَيانِ تَسمِيَةِ الَّذين بُعِثَ بِهِم إلى مُعاوِيَةَ ومنهُم عَبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسّانٍ ، وساقَ الحَديثَ إلى أن قالَ _: ثُمَّ أقبَلَ عَلى عَبدِ الرَّحمنِ العَنَّزِيِّ فَقالَ : إيهٍ يا أخا رَبيعَةَ ، ما قَولُكَ في عَلِيٍّ ؟
قالَ : دَعني ولا تَسأَلني فَإِنَّهُ خَيرٌ لَكَ .
قالَ : وَاللّهِ لا أدَعُكَ حَتّى تُخبِرَني عَنهُ .
قالَ : أشهَدُ أ نَّهُ كانَ مِنَ الذّاكِرينَ اللّهَ كَثيرا ، ومِنَ الآمِرينَ بِالحَقِّ ، وَالقائِمينَ بِالقِسطِ ، وَالعافينَ عَنِ النّاسِ .
قالَ : فَما قَولُكَ في عُثمانَ ؟
.
ص: 399
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام لبعض أصحابه :قالَ : هُوَ أوَّلُ مَن فَتَحَ بابَ الظُّلمِ ، وأرتَجَ (1) أبوابَ الحَقِّ .
قالَ : قَتَلتَ نفَسَكَ .
قالَ : بَل إيّاكَ قَتَلتُ ولا رَبيعَةَ بِالوادي _ يَقولُ حينَ كَلَّمَ شِمرَ الخَثعَمِيَّ في كَريمِ بنِ عَفيفٍ الخَثعَمِيِّ ، ولَم يَكُن لَهُ أحَدٌ مِن قَومِهِ يُكَلِّمُهُ فيهِ _ فَبَعَثَ بِهِ مُعاوِيَةُ إلى زِيادٍ ، وكَتَبَ إلَيهِ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ هذا العَنزيَّ شَرُّ مَن بَعَثتَ ، فَعاقِبهُ عُقوبَتَهُ الَّتي هُوَ أهلُها ، وَاقتُلهُ شَرَّ قَتلَةٍ .
فَلَمّا قُدِمَ بِهِ عَلى زِيادٌ بَعَثَ بِهِ زِيادٌ إلى قُسِّ النّاطِفِ (2) ، فَدُفِنَ بِهِ حَيّا (3) .62عَبدُ الرَّحمنِ بنُ كَلَدَةَ* وفي الدعاء :وقعة صفّين عن عبد الرحمن بن حاطب :خَرَجتُ ألتَمِسُ أخي فِي القَتلى بَصِفّينَ ؛ سُوَيدا ، فَإِذا بِرَجُلٍ قَد أخَذَ بِثَوبي ، صَريعٍ فِي القَتلى ، فَالتَفَتُّ فَإِذا بِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ كَلَدَةَ ، فَقُلتُ : إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، هَل لَكَ فِي الماءِ ؟
قالَ : لا حاجَةَ لي فِي الماءِ قَد اُنفِذَ فيَّ السِّلاحُ وخَرَّقَني ، ولَستُ أقدِرُ عَلَى الشُّربِ ، هَل أنتَ مُبلِغٌ عَنّي أميرَ المُؤمِنينَ رِسالَةً فَاُرسِلُكَ بِها ؟
قُلتُ : نَعمَ .
قالَ : فَإِذا رَأَيتَهُ فَاقرَأ عَلَيهِ مِنّي السَّلامَ ، وقُل : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اِحمِل جَرحاكَ
.
ص: 400
* وفي الدعاء :إلى عَسكَرِكَ ، حَتّى تَجعَلَهُم مِن وَراءِ القَتلى ، فَإِنَّ الغَلَبَةَ لِمَن فَعَلَ ذلِكَ .
ثُمَّ لَم أبرَح حَتّى ماتَ ، فَخَرَجتُ حَتّى أتَيتُ عَلِيّا فَدَخَلتُ عَلَيهِ فَقُلتُ : إنَّ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ كَلَدَةَ يَقرَأُ عَلَيكَ السَّلامَ .
قالَ : وعَلَيهِ ، أينَ هُوَ ؟
قُلتُ : قَد وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ أنفَذَهُ السِّلاحُ وخَرَّقَهُ فَلَم أبرَح حَتّى تُوُفِّيَ ، فَاستَرجَعَ . قُلتُ : قَد أرسَلَني إلَيكَ بِرِسالَةٍ .
قالَ : وما هِيَ ؟
قُلتُ : قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اِحمِل جَرحاكَ إلى عَسكَرِكَ ، حَتّى تَجعَلَهُم مِن وَراءِ القَتلى ، فَإِنَّ الغَلَبَةَ لِمَن فَعَلَ ذلِكَ .
قالَ : صَدَقَ وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ . فَنادى مُنادِي العَسكَرِ : أنِ احمِلوا جَرحاكُم إلى عَسكَرِكمُ ، فَفَعَلوا ذلِكَ (1) .63عُبَيدُ اللّهِ بنُ أبي رافِعٍأحد الوجوه المتألّقة في تاريخ التشيّع ، ومن السبّاقين إلى التأليف وتدوين العلوم . وكان كاتب أمير المؤمنين عليه السلام (2) ، ومن خاصّته . وشهد معه الجمل (3) ، وصفّين (4) ،
.
ص: 401
والنّهروان (1) . عدّه مؤلّفو التراجم والرجاليّون من روّاد التأليف في الثقافة الإسلاميّة ، وذكروا بعض كتبه . منها : كتاب «قضايا أمير المؤمنين» ، و «تسمية من شهد مع أمير المؤمنين عليه السلام الجمل وصفّين والنّهروان من الصحابة رضي اللّه عنهم» (2) . وهذا الكتاب مَعْلَم على نباهة عبيد اللّه ووعيه للوقائع ، ويدلّ على اهتمامه بضبط الحوادث . وكان أخوه _ عليّ بن أبي رافع _ كاتبا للإمام عليه السلام أيضا (3) .
64عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍعبيد اللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب القرشي الهاشمي أخو عبد اللّه بن عبّاس ، ابن عمّ النّبيّ صلى الله عليه و آله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام . وُلِدَ على عهد النّبيّ صلى الله عليه و آله (4) . قيل : إنّه سمع الحديث عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في صغره ، وحَفِظَه ، وحدّث به ، وكان مشهورا بالسخاء (5) . ولّاه الإمام عليه السلام على اليمن (6) . وفرّ بعد غارة بُسر بن أرطاة عليها (7) ، وعثر بُسر على
.
ص: 402
طفلَيه الصغيرين فذبحهما (1) . وعاد عبيد اللّه إليها بعد أن غادرها بُسر (2) . جعله الإمام الحسن عليه السلام على مقدّمة الجيش الَّذي أنفذه إلى معاوية ، ولكنّه خان ، وانخدع بمال معاوية ، ومن ثمّ التحق به (3) . وتوفّي بالمدينة في أيام معاوية ويقال : إنّه كفّ بصره (4) .
* وعنه عليه السلام في صفة السماء :الغارات عن أبي روق :كانَ الَّذي هاجَ مُعاوِيَةَ عَلى تَسريحِ بُسرِ بنِ أبي أرطاةَ إلَى الحِجازِ وَاليَمَنِ ، أنَّ قَوما بِصَنعاءَ كانوا مِن شيعَةِ عُثمانَ يُعَظِّمونَ قَتلَهُ لَم يَكُن لَهُم نِظامٌ ولا رَأسٌ ، فَبايَعوا لِعَلِيّ عليه السلام عَلى ما في أنفُسِهِم ، وعامِلُ عَلِيٍّ عليه السلام يَومَئِذٍ عَلى صَنعاءَ عُبيدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ ، وعامِلُهُ عَلَى الجَنَد (5) سَعيدُ بنُ نِمرانَ ، فَلَمَّا اختَلَفَ النّاسُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام بِالعِراقِ ، وقُتِلَ مُحَمَّدُ بن أبي بَكرٍ بِمِصرَ ، وكَثُرَت غاراتُ أهلِ الشّامِ تَكَلَّموا ، ودَعَوا إلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثمانَ ، ومَنعَوُا الصَّدَقاتِ وأظهَرُوا الخِلافَ ، فَبَلَغَ ذلِكَ عُبَيدَ اللّهِ بنَ العَبّاسِ فَأَرسَلَ إلى ناسٍ مِن وُجوهِهِم فَقالَ : ما هذَا الَّذي بَلَغَني عَنكُم ؟ قالوا : إنّا لَم نَزَل ننكِرُ قَتلَ عُثمانَ ونَرى مُجاهَدَةَ مَن سَعى عَلَيهِ ، فَحَبَسَهُم ، فَكَتَبوا إلى من بِالجَنَدِ مِن أصحابِهِم فَثاروا بِسَعيدِ بنِ نِمرانَ فَأَخرَجوهُ مِنَ الجَنَدِ وأظهروا أمرَهُم ، وخَرَجَ إلَيهِم مَن كانَ بِصَنعاءَ ، وَانضَمَّ إلَيهِم كُلُّ مَن كانَ عَلى رَأيِهِم ، ولَحِقَ بِهِم قَومٌ لَم يَكونوا عَلى رَأيِهِم إرادَةَ أن يَمنَعُوا الصَّدَقَةَ .
فَذُكِرَ مِن حَديثِ أبي رَوقٍ قالَ : وَالتَقى عُبَيدُ اللّهِ وسَعيدُ بنُ نِمرانَ ومَعَهُما شيعَةُ .
ص: 403
* وعنه عليه السلام في صفة السماء :عَلِيٍّ ، فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ لِابنِ نِمرانَ : وَاللّهِ لَقَدِ اجتَمَعَ هؤُلاءِ وإنَّهُم لَنا لَمُقارِبونَ ، ولَئِن قاتَلناهُم لا نَعلَمُ عَلى مَن تَكونُ الدّائِرَةُ ، فَهَلُمَّ فَلنَكتُب إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام بِخَبَرِهِم وعَدَدِهِم وبِمَنزِلِهِمُ الَّذي هُم بِهِ ، فَكَتَبا إلى عَلِيٍّ عليه السلام :
أمّا بَعدُ ، فَإنّا نُخبِر أميرَ المُؤمِنينَ أنَّ شيعَةَ عُثمانَ وَثَبوا بِنا وأظهَروا أنَّ مُعاوِيَةَ قَد شَيَّدَ أمرَهُ ، وَاتَّسَقَ لَهُ أكَثرُ النّاسِ ، وإنّا سِرنا إلَيهِم بِشيعَةِ أميرِ المُؤمِنينَ ومَن كانَ عَلى طاعَتِهِ ، وإنَّ ذلِكَ أحمَشَهُم وألَّبَهُم ، فَتَعَبَّوا لَنا وتَداعَوا عَلَينا مِن كُلِّ أوبٍ ، ونَصَرَهُم عَلَينا مَن لَم يَكُن لَهُ رَأيٌ فيهِم مِمَّن سَعى إلَينا إرادَةَ أن يَمنَعَ حَقَّ اللّهِ المَفروضَ عَلَيهِ ، وقَد كانوا لا يَمنَعونَ حَقّا عَلَيهِم ولا يُؤخَذُ مِنهُم إلّا الحَقُّ ، فَاستَحوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطانُ ، فَنَحنُ في خَيرٍ ، وهُم مِنكَ في قَفزَةٍ ، ولَيسَ يَمنَعُنا مِن مُناجَزَتِهِم إلّا انتِظارُ الأَمرِ مِن مَولانا أميرِ المُؤمِنينَ أدامَ اللّهُ عِزَّهُ وأيَّدَهُ وقَضى بِالأَقدارِ الصّالِحَةِ في جَميعِ اُمورِهِ ، وَالسَّلامُ .
فَلَمّا وَصَلَ كِتابُهُما ساءَ عَلِيّا عليه السلام وأغضَبَهُ ، فَكَتَبَ إلَيهِما :
مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى عُبَيدِ اللّهِ بنِ العبّاسِ وسَعيدِ بنِ نِمرانَ ، سَلامٌ عَلَيكُما ، فإِنّي أحمَدُ إلَيكُمَا اللّهَ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، أمّا بَعدُ ، فَإِنَّهُ أتاني كِتابُكُما تَذكُرانِ فيهِ خروجَ هذِهِ الخارِجَةِ وتُعَظِّمانِ مِن شَأنِها صَغيرا ، وتُكَثِّرانِ مِن عَدَدِها قَليلاً ، وقَد عَلِمتُ أنَّ نَخَبَ أفئِدَتِكُما وصِغَرَ أنفُسِكُما وشَتاتَ رَأيِكُما وسوءَ تَدبيرِكُما هُوَ الَّذي أفسَدَ عَلَيكُما مَن لَم يَكُن عَنكُما نائِما ، وجَرَّأَ عَلَيكُما مَن كانَ عَن لِقائِكُما جَبانا ، فَإِذا قَدِمَ رَسولي عَلَيكُما فَامضِيا إلَى القَومِ حَتّى تَقُرءا عَلَيهِم كِتابي إلَيهِم ، وتَدعُواهُم إلى حَظِّهِم وتَقوى رَبِّهِم ، فَإِن أجابوا حَمِدنَا اللّهَ وَقبِلنا مِنهُم ، وإن حارَبُوا استَعَنّا عَلَيهِم بِاللّهِ وَنَبذناهُم عَلى سَواءٍ : «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَآئِنِينَ» (1) ، .
ص: 404
* وعنه عليه السلام في صفة السماء :وَالسَّلامُ عَلَيكُما (1) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :الغارات عن أبي الودّاك :كُنتُ عِندَ عَلِيّ عليه السلام حينَ قَدِمَ عَلَيهِ سَعيدُ بنُ نِمرانَ الكوفَةَ فَعَتَبَ عَلَيهِ وعَلى عُبَيدِ اللّهِ أن لا يَكونا قاتَلا بُسرا ، فَقالَ سَعيدٌ : وَاللّهِ قاتَلتُ ، ولكِنَّ ابنَ عَبّاسٍ خَذَلَني وأبى أن يُقاتِلَ ، ولَقَد خَلوَتُ بِهِ حينَ دَنا مِنّا بُسرٌ ، فَقُلتُ : إنَّ ابنَ عَمِّكَ لا يَرضى مِنّي ولا مِنكَ إلّا بِالجِدِّ في قِتالِهِم ، وما نُعذَرُ ، قالَ : لا وَاللّهِ ، ما لَنا بِهِم طاقَةٌ ولا يَدانِ .
فَقُمتُ فِي النّاسِ ، وحَمِدتُ اللّهَ وأثنَيتُ عَلَيهِ ثُمَّ قُلتُ : يا أهلَ اليَمَنِ ، مَن كانَ في طاعَتِنا وعَلى بَيعَةِ أميرِ المُؤمِنينَ فَإِليَّ إلَيَّ . فَأَجابَني مِنهُم عِصابَةٌ فاستَقدَمتُ بِهِم فَقاتَلتُ قِتالاً ضَعيفا وتَفَرَّقَ النّاسُ عَنّي ، وَانصَرَفتُ ووَجَّهتُ إلى صاحِبي فَحَذَّرتُهُ مَوجِدَةَ (2) صاحِبِهِ عَلَيهِ ، وأمَرتُهُ أن يَتَمَسَّكَ بِالحِصنِ ويَبعَثَ إلى صاحِبِنا ويَسأَلَهُ المَدَدَ ، فَإِنَّهُ أجمَلُ بِنا وأعذَرُ لَنا ، فقال : لا طاقَةَ لَنا بِمَن جاءَنا ، وأخافُ تِلكَ (3) .ذلل : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في نخلة سرجال الكشّي :كانَ الحَسَنُ عليه السلام جَعَلَ ابنَ عَمِّهِ عُبَيدَ اللّهِ بنَ العَبّاسِ عَلى مُقَدِّمَتِهِ ، فَبَعَثَ إلَيهِ مُعاوِيَةُ بِمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ ، فَمَرَّ بِالرّايَةِ ولَحِقَ بِمُعاوِيَةَ وَبقِيَ العَسكَرُ بِلا قائِدٍ ولا رَئيسٍ (4) .راجع : ج4 ص171 (غارة بسر بن أرطاة) .
.
ص: 405
65عُبَيدَةٌ السَّلمانِيُّهو عبيدة بن عمرو ، وقيل : ابن قيس ، السلماني ، وسلمان بطن من مراد يكنى أبا مسلم . أحد العلماء والفقهاء ، ومن تلامذة عبد اللّه بن مسعود . ذكر البلاذري أ نّه كان عامل عليٍّ عليه السلام على منطقة الفرات (1) . أسلم عبيدة قبل وفاة النّبيّ صلى الله عليه و آله بعامين (2) . كان يسكن اليمن ، وهاجر إلى الكوفة في عهد عمر (3) . روى عن عليّ عليه السلام وابن مسعود وعمر (4) . لم يدخل في عسكر الإمام عليه السلام يوم صفّين ، وأقام له عسكرا مستقلّاً مع جماعة من القرّاء (5) ، بعد محاورته للإمام عليه السلام . ولم يشترك في الحرب . وتحدّث هو ومرافقوه مع الإمام عليه السلام ومعاوية مرارا كوسطاء في موضوع الحرب (6) . عدّه علماء الشيعة من أصحاب الإمام (7) ، ومن شرطة الخميس (8) . مات سنة 72 ه (9) .
.
ص: 406
* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الصلاة :أنساب الأشراف :وَلّى عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام عُبَيَدَةَ السَّلمانِيَّ _ مِن مُرادٍ _ الفُراتَ (1) .66عُثمانُ بنُ حُنَيفعثمان بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي أخو سهل بن حنيف ، من صحابة النّبيّ صلى الله عليه و آله وأحد الأنصار (2) . شهد اُحدا وما تلاها من غزوات (3) . وكان أحد الاثني عشر الذين اعترضوا على تغيير الخلافة بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه و آله (4) . وتولّى مساحة الأرض (5) ، وتعيين الخراج (6) في أيّام عمر . وليَ البصرة في خلافة الإمام عليّ عليه السلام . عندما وصل أصحاب الجمل إلى البصرة قاتلهم في البداية ، وحين أعلنت الهدنة بينهما ، هجموا عليه ليلاً ، وقتلوا حرّاس دار الإمارة وظفروا به ، وعذّبوه ، ونَتَفوا شعر لحيته (7) . وتعدّ رسالة الإمام عليه السلام إليه حين دُعيَ إلى وليمة 8 في البصرة من الوثائق الدالّة على عظمة الحكومة العلويّة ، وضرورة اجتناب الولاة والمسؤولين الترف والرفاهيّة ومعاشرة الأثرياء والمفسدين .
.
ص: 407
توفّي عثمان أيّام حكومة معاوية (1) .
* وعن أبي طالب يمدح النبيّ صلى الله عليه و آله:الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ إلى عُثمانَ بنِ حُنَيفٍ الأَنصارِيِّ ، وكانَ عامِلَهُ عَلَى البَصرَةِ ، وقَد بَلَغَهُ أ نَّهُ دُعِيَ إلى وَليمَةِ قَومٍ مِن أهلِها ، فَمَضى إلَيها _: أمّا بَعدُ ، يَابنَ حُنَيفٍ ، فَقَد بَلَغَني أنَّ رَجُلاً مِن فِتيَةِ أهلِ البَصرَةِ دَعاكَ إلى مَأدُبَةٍ فَأَسرَعتَ إلَيها ، تُستَطابُ لَكَ الأَلوانُ ، وتُنقَلُ إلَيكَ الجِفانُ (2) ، وما ظَنَنتُ أَ نَّكَ تُجيبُ إلى طَعامِ قَومٍ ، عائِلُهُم مَجفُوٌّ ، وغَنِيُّهُم مَدعُوٌّ . فَانظُر إلى ما تَقضَمُهُ مِن هذَا المَقضَمِ ، فَمَا اشتَبَهَ عَلَيكَ عِلمُهُ فَالفِظهُ ، وما أيقَنتَ بِطيبِ وُجوهِهِ فَنَل مِنهُ .
ألا وإنَّ لِكُلِّ مَأمومٍ إماما ، يَقتَدي بِهِ ويَستَضيءُ بِنورِ عِلمِهِ ، ألا وإنَّ إمامَكُم قَدِ اكتَفى مِن دُنياهُ بِطِمرَيهِ ، ومِن طُعمِهِ بِقُرصَيهِ ، ألا وإنَّكُم لا تَقدِرونَ عَلى ذلِكَ ، ولكِنَ أعينوني بِوَرَعٍ وَاجتِهادٍ ، وعِفَّةٍ وسَدادٍ (3) .راجع : ج2 ص389 (الفصل الثالث : السياسة الإدارية) وج3 ص161 (الفصل السادس : احتلال البصرة) وج5 ص412 (طعامه) .
67عَدِيُّ بنُ حاتِمٍعديّ بن حاتم بن عبد اللّه الطائي يكنى أبا طريف ، ابن سخيّ العرب المشهور
.
ص: 408
حاتم الطائي (1) ، وأحد الصحابة (2) . تولّى عديّ رئاسة قبيلته ، وحضر عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله سنة (7 ه ) وأسلم (3) ، فأكرمه ورعى حرمته (4) . ظلّ وفيّا للولاية العلويّة بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه و آله ، وذاد عن حريم الحقّ والولاية (5) . شهد مع أمير المؤمنين عليه السلام مشاهده (6) . ولمّا لحق أحد أولاده بمعاوية ، برئ منه (7) . وكلماته أمام مساعير الفتنة دليل على وعيه العميق للحوادث ، وإدراكه السليم لموقف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وثباته على صراط الحقّ ، ومن كلماته : أيّها النّاس ، إنّه واللّهِ لو غير عليٍّ دعانا إلى قتال أهل الصلاة ما أجبناه . . . (8) . اختاره الإمام عليه السلام لمفاوضة العدوّ في صفّين بسبب منطقه البليغ (9) . قتل أحد أولاده في إحدى حروب الإمام ، كما فقد إحدى عينيه (10) . وكان معاوية يعظّمه ويرعى
.
ص: 409
حرمته ، بَيْد أ نّه كان يذكر الإمام عليه السلام في مناسبات مختلفة ويُثني عليه . ولم يتنازل عن موقفه الحقّ أمام معاوية (1) . توفّي حوالي سنة 68 ه (2) ، وله من العمر مئةٌ وعشرون سنة (3) .
* وعن أبي عبداللّه عليه السلام في إسماعيل عليه الالإمامة والسياسة_ في ذِكرِ حَربِ صِفّينَ وَاختِلافِ أصحابِ الإِمامِ فِي استِمرارِ القِتالِ _: ثُمَّ قامَ عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ، إنَّهُ وَاللّهِ لَو غَيرُ عَلِيٍّ دَعانا إلى قِتالِ أهلِ الصَّلاةِ ما أجَبناهُ ، ولا وَقَعَ بِأَمرٍ قَطُّ إلّا ومَعَهُ مِنَ اللّهِ بُرهانٌ ، وفي يَدَيِهِ مِنَ اللّهِ سَبَبٌ ، وإنَّهُ وَقَفَ عَن عُثمانَ بِشُبَهةٍ ، وقاتَلَ أهلَ الجَمَلِ عَلَى النَّكثِ ، وأهلَ الشّامِ عَلَى البَغيِ (4) .* ومنه في دعاء السمات :وقعة صفّين :جاءَ عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ يَلتَمِسُ عَلِيّا ، ما يَطأُ إلّا عَلى إنسانٍ مَيِّتٍ أو قَدَمٍ أو ساعِدٍ ، فَوَجَدَهُ تَحتَ راياتِ بَكرِ بنِ وائِلٍ ، قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ألا نَقومُ حَتّى نَموتَ ؟
فَقالَ عَلِيٌّ : اُدنُه ! فَدَنا حَتّى وَضَعَ اُذُنَهُ عِندَ أنفِهِ ، فقال : وَيحَكَ ، إنَّ عامَّةَ مَن مَعي يَعصيني ، وإنَّ مُعاوِيَةَ فيمَن يُطيعُهُ ولا يَعصيهِ (5) .* وعن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى :الجمل_ في ذِكرِ أحداثِ ما قَبلَ حَربِ الجَمَلِ _: أقبَلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام عَلى عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ فَقالَ لَهُ : يا عَدِيُّ ، أنتَ شاهِدٌ لَنا ، وحاضِرٌ مَعَنا وما نَحنُ فيهِ ؟ .
ص: 410
* وعن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى :فَقالَ عَدِيٌّ : شَهِدتُكَ أو غِبتُ عَنكَ فَأَنَا عِندَ ما أحبَبتَ ، هذِهِ خُيولُنا مُعَدَّةٌ ، ورِماحُنا مُحَدَّدَةٌ ، وسُيوفُنا مُجَرَّدَةٌ ، فَإِن رَأَيتَ أن نَتَقَدَّمَ تَقَدَّمنا ، وإن رَأَيتَ أن نُحجِمَ أحجَمنا ، نَحنُ طَوعٌ لِأَمرِكَ ، فَأْمُر بِما شِئتَ ، نُسارِع إلَى امتِثالِ أمرِكَ (1) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام في الآية :تاريخ الطبري عن جعفر بن حُذيفة :إنَّ عائِذَ بنَ قَيسٍ الحِزمِرِيَّ واثَبَ عَدِيَّ بنَ حاتِمٍ فِي الرّايَةِ بِصِفّينَ _ وكانَت حِزمِرٌ أكَثَرَ مِن بَني عَدِيٍّ رَهطِ حاتِمٍ _ فَوَثَبَ عَلَيهِم عَبدُ اللّهِ بنُ خَليفَةَ الطائِيُّ البَولانِيُّ عِندَ عَلِيٍّ ، فَقالَ :
يا بَني حِزمِرٍ ، عَلى عَدِيٍّ تَتَوَثَّبونَ ! وهَل فيكُم مِثلُ عَدِيٍّ أو في آبائِكُم مِثلُ أبي عَدِيٍّ ؟ ! أ لَيسَ بِحامِي القِربَةِ ومانِعِ الماءِ يَومَ رَوَيَّةَ ؟ أ لَيسَ بِابنِ ذِي المِرباعِ وَابنِ جَوادِ العَرَبِ ؟ ! أ لَيسَ بِابنِ المُنهِبِ مالِهِ ومانِعِ جارِهِ ؟ !أ لَيسَ مَن لَم يَغدُر ولَم يَفجُر ، ولَم يَجهَل ولَم يَبخَل ، ولَم يَمنُن ولَم يَجبنُ ؟ ! هاتوا في آبائِكُم مِثلَ أبيهِ ، أو هاتوا فيكُم مِثلَهُ .
أ وَلَيسَ أفضَلَكم فِي الإِسلامِ ؟ ! أ وَلَيسَ وافِدَكُم إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ ! أ لَيسَ بِرَأسِكُم يومَ النُّخَيلَةِ ويومَ القادِسِيَّةِ ويومَ المَدائِنِ ويومَ جَلَولاءَ الوَقيعةِ ويَومَ نَهاوَندَ ويَومَ تُستَرَ ؟ ! فَما لَكُم ولَهُ ؟ ! وَاللّهِ ما مِن قَومِكُم أحَدٌ يَطلُبُ مِثلَ الَّذي تَطلُبونَ .
فَقالَ لَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ : حَسبُكَ يَابنَ خَليفَةَ ، هَلُمَّ أيُّهَا القَومُ إلَيَّ ، وعَلَيَّ بِجَماعَةِ طَيِّئً ، فَأَتَوهُ جَميعا ، فَقالَ عَلِيٌّ : مَن كانَ رَأسَكُم في هذِهِ المَواطِنِ ؟
قالَت لَهُ طَيِّئٌ : عَدِيٌّ .
فَقالَ لَهُ ابنُ خَليفَةَ : فَسَلَهُم يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أ لَيسوا راضينَ مُسَلِّمينَ لِعَدِيٍّ الرِّياسَةَ ؟ فَفَعَلَ ، فَقالوا : نَعمَ . فَقالَ لَهُم : عَدِيٌّ أحَقُّكُم بِالرّايَةِ ، فَسَلِّموها لَهُ . .
ص: 411
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام في الآية :فَقالَ عَلِيٌّ _ وضَجَّت بَنُو الحِزمِرِ _ : إنّي أراهُ رَأسَكُم قَبلَ اليَومِ ، ولا أرى قَومَهُ كُلَّهُم إلّا مُسَلِّمينَ لَهُ غَيرَكُم ، فَأَتَّبِعُ في ذلِكَ الكَثرَةَ . فَأَخَذها عَدِيٌّ (1)
.* وعنه صلى الله عليه و آله :وقعة صفّين عن المحلّ بن خليفة :لَمّا تَوادَعَ عَلِيٌّ عليه السلام ومُعاوِيَةُ بِصِفّينَ ، اختَلَفَتِ الرُّسُلُ فيما بَينَهُما رَجاءَ الصُّلحِ ، فَأَرسَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ إلى مُعاوِيَةَ عَدِيَّ بنَ حاتِمٍ ، وشَبَثَ بنَ ربِعِيٍّ ، ويَزيدَ بنَ قَيسٍ ، وزِيادَ بنَ خَصَفَةَ ، فَدَخَلوا عَلى مُعاوِيَةَ ، فَحَمِدَ اللّهَ عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ :
أمّا بَعدُ ، فَإِنّا أتَيناكَ لِنَدعُوَكَ إلى أمرٍ يَجمَعُ اللّهُ بِهِ كَلِمَتَنا واُمَّتَنَا ، ويَحقِنَ اللّهُ بِهِ دِماءَ المُسلِمينَ ، ونَدعُوكَ إلى أفضَلِها سابِقَةً وأحسَنِها فِي الإِسلامِ آثارا ، وقَدِ اجتَمَعَ لَهُ النّاسُ ، وقَد أرشَدَهُمُ اللّهُ بِالَّذي رَأَوا فَأَتَوا ، فَلَم يَبقَ أحَدٌ غَيرُكَ وغَيرُ مَن مَعَكَ ، فَانتَهِ يا مُعاوِيَةُ مِن قَبلِ أن يُصيبَكَ اللّهُ وأصحابَكَ بِمِثلِ يَومِ الجَمَلِ .
فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : كَأَ نَّكَ إنَّما جِئتَ مُتَهَدِّدا ولَم تَأتِ مُصلِحا . هَيهاتَ يا عَدِيُّ ، كَلّا وَاللّهِ إنّي لَابنُ حَربٍ ، ما يُقَعقَعُ لِي بِالشِّنانِ (2) . أمَا وَاللّهِ إنَّكَ لَمِنَ المُجلِبينَ عَلَى ابنِ عَفّانَ ، وأنتَ لَمِن قَتَلَتِهِ ، وإنّي لَأَرجُو أن تَكونَ مِمَّن يَقتُلُهُ اللّهُ . هَيهاتَ يا عَدِيُّ ، قَد حَلَبتَ بِالسّاعِدِ الأَشَدِّ (3) .* وعن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى :مروج الذهب :ذُكِرَ أنَّ عَدِيَّ بنَ حاتِمٍ الطّائيَّ دَخَلَ عَلى مُعاوِيَةَ ، فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : مافَعَلَتِ الطَّرَفاتِ _ يَعني أولادَهُ _ ؟
قالَ : قُتِلوا مَعَ عَلِيٍّ . .
ص: 412
* وعن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى :قالَ : ما أنصَفَكَ عَلِيٌّ ، قَتَلَ أولادَكَ وبَقّى أولادَهُ !
فَقالَ عَدِيٌّ : ما أنصَفتُ عَلِيّا إذ قُتِلَ وبَقيتُ بَعدَهُ .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : أما إنَّهُ قَد بَقِيَت قَطرَةٌ مِن دَمِ عُثمانَ ما يَمحوها إلّا دَمُ شَريفٍ مِن أشرافِ اليَمَنِ .
فَقالَ عَدِيٌّ : وَاللّهِ إنَّ قُلوبَنَا الَّتي أبغَضناكَ بِها لَفي صُدورِنا ، وإنَّ أسيافَنَا الَّتي قاتَلناكَ بِها لَعَلى عَواتِقِنا ، ولَئِن أدنَيتَ إلَينا مِن الغَدرِ فِترا لَنُدِنيَنَّ إلَيكَ مِنَ الشَّرِّ شِبرا ، وإنَّ حَزَّ الحُلقومِ وحَشرَجَةَ الحَيزومِ لَأَهوَنُ عَلَينا مِن أن نَسمَعَ المَساءَةَ في عَلِيٍّ ، فَسَلِّمِ السَّيفَ يا مُعاوِيَةُ لِباعِثِ السَّيفِ .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : هذِهِ كَلِماتُ حُكمٍ فَاكتُبوها . وأقبَلَ عَلى عَدِيٍّ مُحادِثا لَهُ كَأَ نَّهُ ما خاطَبَهُ بِشَيءٍ (1) .* وعن الصادق عليه السلام :المحاسن والمساوئ :إنَّ عَدِيَّ بنَ حاتِمٍ دَخَلَ عَلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ فَقالَ : يا عُدِيُّ ، أين الطَّرَفاتُ ؟يَعني بَنيهِ طَريفا وطارِفا وطَرَفَةَ .
قالَ : قُتِلوا يَومَ صِفّينَ بَينَ يَدَي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه .
فَقالَ : ما أنصَفَكَ ابنُ أبي طالِبٍ إذ قَدَّمَ بَنيكَ وأخَّرَ بَنيهِ !
قالَ : بَل ما أنصَفتُ أنَا عَلِيّا إذ قُتِلَ وبَقيتُ !
قالَ : صِف لي عَلِيّا . فَقالَ : إن رَأَيتَ أن تُعفِيَني .
قالَ : لا اُعفيكَ .
قالَ : كانَ وَاللّهِ بَعيدَ المَدى ، وشَديدَ القُوى ، يَقولُ عَدلاً ، ويَحكُمُ فَصلاً ، تَتَفَجَّرُ الحِكمَةُ مِن جَوانِبِهِ ، وَالعِلمُ مِن نَواحيهِ ، يَستَوحِشُ مِنَ الدُّنيا وزَهرَتِها ، ويَستَأنِسُ بِاللَّيلِ ووَحشَتِهِ ، وكانَ واللّهِ غَزيرَ الدَّمعَةِ ، طَويلَ الفِكرَةِ ، يُحاسِبُ نَفسَهُ إذا خَلا ، .
ص: 413
* وعن الصادق عليه السلام :ويَقلِبُ كَفَّيهِ عَلى ما مَضى ، يُعجِبُهُ مِنَ اللِّباسِ القَصيرَ ، ومِنَ المَعاشِ الخَشِنَ ، وكانَ فينا كَأَحدِنا ؛ يُجيبُنا إذا سَأَلناهُ ويُدنينا إذا أتَيناهُ ، ونَحنُ مَعَ تَقريبِهِ لَنا وقُربِهِ مِنّا لا نُكَلِّمُهُ لِهَيبَتِهِ ، ولا نَرفَعُ أعيُنَنا إلَيهِ لِعَظَمَتِهِ ، فَإِن تَبَسَّمَ فَعَنِ اللُّؤلُؤِ المَنظومِ ، يُعَظِّمُ أهلَ الدّينِ ، يَتَحَبَّبُ إلَى المَساكينِ ، لا يَخافُ القَوِيُّ ظُلمَهُ ، ولا يَيأَسُ الضَّعيفُ مِن عَدلِهِ .
فَاُقسِمُ ، لَقَد رَأَيتُهُ لَيلَةً وقَد مَثُلَ في مِحرابِهِ ، وأرخَى اللَّيلُ سِربالَهُ وغارَت نُجومُهُ ، ودُموعُهُ تَتَحادَرُ عَلى لِحيَتِهِ وهُوَ يَتَمَلمَلُ تَمَلمُلَ السَّليمِ ، ويَبكي بُكاء الحَزينِ ، فَكَأَ نّي الآنَ أسمَعُهُ وهُوَ يَقولُ : يا دُنيا أ إلَيَّ تَعَرَّضتِ ، أم إلَيَّ أقبَلتِ ؟ غُرّي غَيري ، لا حانَ حينُكِ ، قَد طَلَّقَتُكِ ثَلاثا لا رجَعَةَ لي فيكِ ، فَعَيشُكِ حَقيرٌ ، وخَطَركِ يَسيرٌ ، آه مِن قِلَّةِ الزّادِ ، وبُعدِ السَّفَرِ ، وقِلَّةِ الأَنيسِ !
قالَ : فَوَكَفَت عَينا مُعاوِيَةَ ينِشّفُهُما بِكُمِّهِ ، ثُمَّ قالَ : يَرحَمُ اللّهُ أبَا الحَسَنِ ! كانَ كَذا ، فَكَيفَ صَبرُكَ عَنهُ ؟
قالَ : كَصَبرِ مَن ذُبِحَ وَلَدُها في حِجرِها ؛ فِهِيَ لا تَرَقَأُ دَمعَتُها ، ولا تَسكُنُ عَبرَتُها .
قالَ : فَكَيفَ ذِكرُكَ لَهُ ؟
قالَ : وهَل يَترُكُنِي الدَّهرُ أن أنساهُ ! (1)68عَدِيُّ بنُ الحارِثِذكرت بعض المصادر أنّ الإمام عليه السلام ولّاه على «بُهَرسير (2) » (3) ، وأورد العلّامة
.
ص: 414
المجلسي أنّ اسم الوالي على تلك المنطقة هو عديّ بن حاتم (1) . وعلى أيّ حال لم تثمر الجهود المبذولة لمعرفة عديّ بن حارث ، وهو شخصيّة مجهولة بناءً على الوثائق التاريخيّة .
* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :وقعة صفّين :بَعثَ [ عَلِيٌّ عليه السلام ] . . . عَدِيَّ بنَ الحارِثِ عَلى مَدينَةِ بُهَرسير واُستانِها (2) . (3)69العَكبَرُ بنُ جَديرٍبطل مقدام ومقاتل لا يكلّ . وكان له لسان بليغ وبيان يأخذ بالقلوب . اشترك في صفّين ، واستبسل حتى أهدر معاوية دمه غيظا . وكان ينظم الشعر أيضا ، ونلحظ في شعره الفيّاض إعلاءً لملحمة الحقّ ، وإخزاءً لحزب الطلقاء (4) .
* ومنه عن الصادق عليه السلام :وقعة صفّين عن زيد بن وهب_ في ذِكرِ وَقعَةِ صِفّينَ _: كانَ فارِسَ أهلِ الكوفَةِ الَّذي لا يُنازَعُ رَجُلٌ كانَ يُقالَ لَهُ : العَكبَرُ بنُ جَديرٍ الأَسَدِيُّ ، وكانَ فارِسَ أهلِ الشّامِ الَّذي لا يُنازَعُ عَوفُ بنُ مجزَأَةَ الكوفِيُّ المُرادِيُّ المُكَنّى أبا أحمَرَ ، وهُوَ أبُو الَّذِي استَنقَذَ الحَجّاجَ بنَ يوسُفَ يَومَ صُرِعَ فِي المَسجِدِ بِمَكَّةَ ، وكانَ العَكبَرُ لَهُ عِبادَةٌ ولِسانٌ لا يُطاقُ .
فَقامَ إلى عَلِيٍّ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنَّ في أيدينا عَهدا مِنَ اللّهِ لا نَحتاجُ فيهِ إلَى النّاسِ ، وقَد ظَنَنّا بِأَهلِ الشّامِ الصَّبرَ وظَنّوهُ بِنا ، فَصَبَرنا وصَبَروا . وقَد عَجِبتُ مِن صَبرِ أهلِ الدُّنيا لِأَهلِ الآخِرَةِ ، وصَبرِ أهلِ الحَقِّ عَلى أهلِ الباطِلِ ، ورَغبَةِ أهلِ
.
ص: 415
* ومنه عن الصادق عليه السلام :الدُّنيا ! ثُمَّ نَظَرتُ فَإِذا أعجَبُ ما يُعجِبُني جَهلي بِآيَةٍ مِن كِتابِ اللّهِ : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَ هُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكَ_ذِبِينَ» (1) . وأثنى عَلَيهِ عَلِيٌّ خَيرا ، وقالَ خَيرا .
وخَرَجَ النّاسُ إلى مَصافِّهِم وخَرَجَ عَوفُ بنُ مَجزَأَةَ المُرادِيُّ نادِرا (2) مِنَ النّاسِ ، وكَذلِكَ كانَ يَصنَعُ ، وقَد كانَ قَتَلَ قَبلَ ذلِكَ نَفَرا مِن أهلِ العِراقِ مُبارَزَةً ، فَنادى : يا أهلَ العِراقِ ، هَل مِن رَجُلٍ عَصاهُ سَيفُهُ يُبارِزُني ، ولا أغُرُّكُم مِن نَفسي ؛ فَأَنَا فارِسُ زَوفٍ .
فَصاحَ النّاسُ بِالعَكبَرِ ، فَخَرَجَ إلَيهِ مُنقَطِعا مِن أصحابِهِ وَالنّاسُ وُقوفٌ ، ووَقَفَ المُرادِيُّ وهُوَ يَقولُ :
بِالشّامِ أمنٌ لَيسَ فيهِ خَوفُ
بِالشّامِ عَدلٌ لَيسَ فيهِ حَيفُ بِالشّامِ جودٌ لِيسَ فيهِ سَوفُ (3)
أنَا المُرادِيُّ ورَهطي زَوفُ أنَا ابنُ مَجزاةَ وَإسمي عَوفُ
هَل مِن عِراقِيِّ عَصاهُ سَيفُ يَبرُزُ لي وكَيفَ لي وكَيفُ
فَبَرَزَ إلَيهِ العَكبَرُ وهُوَ يَقولُ :
الشّامُ مَحلٌ وَالعِراقُ تَمطُرُ
بِهَا الإِمامُ وَالإِمامُ مُعذِرُ وَالشّام فيها لِلإِمامِ مُعوِرُ (4)
أنَا العِراقِيُّ وإسمِي العَكبَرُ اِبنُ جَديرٍ وأبوهُ المُنذِرُ
اُدنُ فَإِنّي لِلكَمِيِّ مُصحِرُ .
ص: 416
* ومنه عن الصادق عليه السلام :فَاطَّعَنا فَصَرَعَهُ العَكبَرُ فَقَتَلَهُ ، ومُعاوِيَةُ عَلَى التَّلِّ في اُناسٍ مِن قُرَيشٍ ونَفَرٍ مِنَ النّاسِ قَليلٍ ، فَوَجَّهَ العَكبَرُ فَرَسَهُ فَمَلَأ فُروجَهُ (1) رَكضا يَضرِبُهُ بِالسَّوطِ ، مُسرِعا نَحوَ التَّلِّ ، فَنَظَرَ إلَيهِ مُعاوِيَةُ فَقالَ : إنَّ هذَا الرَّجُلَ مَغلوبٌ عَلى عَقلِهِ أو مُستَأمَنٌ ، فَاسأَلوهُ . فَأَتاهُ رَجُلٌ وهُوَ في حَمْيِ (2) فَرَسِهِ ، فَناداهُ فَلَم يُجِبهُ ، فَمَضى مُبادِرا حَتّى انتَهى إلى مُعاوِيَةَ وجَعَلَ يَطعَنُ في أعراضِ الخَيلِ ، ورَجَا العَكبَرُ أن يُفرِدوا لَهُ مُعاوِيَةَ ، فَقَتَلَ رِجالاً ، وقامَ القَومُ دونَ مُعاوِيَةَ بِالسُّيوفِ وَالرِّماحِ ، فَلَمّا لَم يَصِل إلى مُعاوِيَةَ نادى : أولى لَكَ (3) يَا بنَ هِندٍ ، أنَا الغُلامُ الأَسَدِيُّ .
فَرَجَعَ إلى عَلِيٍّ فَقالَ لَهُ : ماذا دَعاكَ إلى ما صَنَعتَ يا عَكبَرُ ؟ لا تُلقِ نَفسَكَ إلَى التَّهلُكَةِ .
قالَ : أرَدتُ غِرَّةَ ابنَ هِندٍ . وكانَ شاعِرا فَقالَ :
قَتَلتُ المُرادِيَّ الَّذي جاءَ باغِيا
يُنادي وقَد ثارَ العَجاجُ : نَزالِ يَقولُ أنا عَوفُ بنُ مَجزاةَ وَالمُنى
لِقاءُ ابنِ مَجزا بِيَومِ قِتالِ
[ إلى آخر الأبيات ]وَانكَسَرَ أهلُ الشّامِ لِقَتلِ عَوفٍ المُرادِيِّ ، وهَدَرَ مُعاوِيَةُ دَمَ العَكبَرِ . فَقالَ العَكبَرُ : يَدُ اللّهِ فَوقَ يَدِ مُعاوَيِةَ ، فَأَينَ دِفاعُ اللّهِ عَنِ المُؤمِنينَ؟ (4) .
ص: 417
70عَلقَمةُ بنُ قَيسٍعلقمة بن قيس بن عبد اللّه النّخعي الكوفي ، أبو شِبْل ، أحد فقهاء الكوفة ومحدّثيها وقرّائها الكبار ، ويعدّ من رجال مدرسة ابن مسعود في الفقه والحديث (1) ، ومن الرواة الذين روى عنهم رجال كُثر (2) . شهد معركة صفّين (3) ، وفقد فيها إحدى رِجليه (4) . وكان مع الإمام عليّ عليه السلام في النّهروان أيضا (5) . أمضى سنتين في خوارزم ، وتوجّه إلى خراسان للقتال . اختُلِف في سنة وفاته بين سنة 61 و 65 ه (6) . استشهد أخوه في صفّين أيضا (7) .
* ومنه عن أبي مويهب الراهب في النبيّ صلى الله عليوقعة صفّين :إنَّ النَّخَعَ قاتَلَت قِتالاً شَديدا ، فَاُصيبَ مِنهُم يَومَئِذٍ . . . اُبَيُّ بنُ قَيسٍ أخو عَلقَمَةَ بنِ قَيسٍ الفَقيهِ ، وقُطِعتَ رِجلُ عَلقَمَةَ بنِ قَيسٍ فَكانَ يَقولُ : ما اُحِبُّ أنَّ رِجلي أصَحُّ ما كانَت ؛ لِما أرجو بِها مِن حُسنِ الثَّوابِ مِن رَبّي (8) .
.
ص: 418
71عَلِيُّ بنُ أبي رافِعٍعليّ بن أبي رافع . ولد في عهد النّبيّ وسمّاه عليّا (1) ، تابعيّ ، من خيار الشيعة ، كانت له صحبة مع أمير المؤمنين ، وكان كاتبا له ، وحفظ كثيرا ، وجمع كتابا في فنون من الفقه : الوضوء ، والصلاة ، وسائر الأبواب (2) ، وكان على بيت مال عليّ عليه السلام (3) ، وكان كاتبه (4) .
72عَمّارُ بنُ ياسرٍعمّار بن ياسر بن عامر المَذْحِجيُّ ، أبو اليقظان ، واُمّه سميّة ، وهي أوّل من استشهد في سبيل اللّه . من السابقين إلى الإيمان والهجرة ، ومن الثابتين الراسخين في العقيدة ؛ فقد تحمّل تعذيب المشركين مع أبوَيه منذ الأيّام الاُولى لبزوغ شمس الإسلام ، ولم يداخله ريب في طريق الحقّ لحظة واحدة (5) . شهد له رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأنّه يزول مع الحقّ ، وأنّه الطيّب المطيَّب وأنّه مُلئ إيمانا . وأكّد أنّ النّار لا تمسّه أبدا . وهو ممّن حرس _ بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ «خلافة الحقّ» و«حقّ الخلافة» ، ولم يَنكُب عن الصراط المستقيم قطّ (6) ، وصلّى مع
.
ص: 419
أمير المؤمنين عليه السلام على جنازة السيّدة المطهّرة فاطمة الزهراء عليهاالسلام (1) ، وظلّ ملازما للإمام صلوات اللّه عليه . ولي الكوفة مدّةً في عهد عمر (2) . وكان قائدا للجيوش في فتح بعض الأقاليم (3) . ولمّا حكم عثمان كان من المعارضين له بجدٍّ (4) . وانتقد سيرته مرارا ، حتى همّ بنفيه إلى الربذة لولا تدخّل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، إذ حال دون تحقيق هدفه (5) . ضُرب بأمر عثمان لصراحته ، وفعل به ذلك أيضا عثمان نفسه ، وظلّ يعاني من آثار ذلك الضرب إلى آخر عمره (6) . وكان لاشتراكه الفعّال في حرب الجمل ، وتصدّيه لقيادة الخيّالة في جيش الإمام عليه السلام مظهر عظيم (7) . كما تولّى في صفّين قيادة رجّالة الكوفة والقرّاء (8) . تحدّث مع عمرو بن العاص وأمثاله من مناوئي الإمام عليه السلام في غير موطن ، وكشف الحقّ بمنطقه البليغ واستدلالاته الرصينة (9) .
.
ص: 420
وفي صفّين استُشهد هذا الصحابيّ الجليل والنّموذج المتألّق (1) ، فتحقّقت بذلك النّبوءة العظيمة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ إذ كان قد خاطبه قائلاً : « تَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ » . وكان له من العمر إبّان استشهاده ثلاث وتسعون سنة (2) . نُقل الخبر الغيبيّ الَّذي أدلى به النّبيّ صلى الله عليه و آله حول قتل الفئة الباغية عمّارَ بن ياسر بألفاظ متشابهة ، وطرق متعدّدة . وكان النّاس ينظرون إلى عمّار بوصفه المقياس في تمييز الحقّ والباطل . واُثر هذا الحديث بصيغة : « تَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ » ، وبصيغة : « تَقتُلُ عَمّاراً الفِئَةُ الباغِيَةُ » ، وبصيغة : « تَقتُلُهُ الفِئَةُ الباغِيَةُ » على لسان سبعة وعشرين من الصحابة ، وهم : أبو سعيد الخدري ، وعمرو بن العاص ، وعبد اللّه بن عمرو بن العاص ، ومعاوية ، وأبو هريرة ، وأبو رافع ، وخزيمة بن ثابت ، وأبو اليسر ، وعمّار ، واُمّ سلمة ، وقتادة بن النّعمان ، وأبو قتادة ، وعثمان بن عفّان ، وجابر بن سَمُرة ، وكعب بن مالك ، وأنس بن مالك ، وجابر بن عبد اللّه ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وابن عبّاس ، وأبو أيّوب ، وعبد اللّه بن أبي هذيل ، وعبد اللّه بن عمر ، وأبو سعد ، وأبو اُمامة ، وزياد بن الفرد ، وعائشة (3) . وصرّح البعض بتواتره
.
ص: 421
كابن عبد البرّ (1) ، والذهبي (2) ، والسيوطي (3) . وأثار هذا الحديث مشكلة لمعاوية بعد استشهاد عمّار ، فحاول توجيهه بقوله : ما نحن قتلناه وإنّما قتله مَنْ جاء به (4) ! فقال الإمام عليه السلام في جوابه : « فَرَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذَن قاتِلُ حَمزَةَ ! » (5) ولا يمكن لهذه الصفحات القليلة أن تفي بحقّ تلك الشخصيّة العظيمة قط . وأترككم مع هذه النّصوص من الروايات والتاريخ ، الَّتي بيّنت لنا غيضا من فيض فيما يرتبط بهذه القمّة الرفيعة شرفا ، واستقامة ، وحرّيّة .
* وفي حديث الحَرَّة :رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ الجَنَّةَ لَتَشتاقُ إلى ثَلاثَةٍ : عَلِيِّ وعَمّارٍ وسَلمانَ (6) . .
ص: 422
* ومنه الدعاء :الإمام عليّ عليه السلام_ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _: يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ قُلتَ : « إنَّ الجَنَّةَ لَتَشتاقُ إلى ثَلاثَةٍ » فَمَن هؤُلاءِ الثّلاثَةُ ؟ قالَ : أنتَ مِنهُم وأنتَ أوَّلُهُم ، وسَلمانُ الفارِسِيُّ ؛ فَإِنَّهُ قَليلُ الكِبرِ ، وهُوَ لَكَ ناصِحٌ ؛ فَاتَّخِذهُ لِنَفسِكَ ، وعَمّارُ بنُ ياسِرٍ شَهِدَ مَعَكَ مَشاهِدَ غَيرَ واحِدَةٍ ، لَيسَ مِنها إلّا وهُوَ فيها كَثيرٌ خَيرُهُ ، ضَوِيٌّ نورُهُ ، عَظيمٌ أجرُهُ (1) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الرؤيا :عنه عليه السلام :جاءَ عَمّارٌ يَستَأذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : ائذَنوا لَهُ ، مَرحَبا بِالطَّيِّبِ المُطَيَّبِ (2) .* وفي دعاء استسقاء الإمام الحسن عليه السلام :رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مُلِئَ عَمّارٌ إيمانا إلى مُشاشِهِ (3) . (4)ربث : في الخبر :عنه صلى الله عليه و آله :ابنُ سُمَيَّةَ ما عُرِضَ عَلَيهِ أمرانِ قَطُّ إلّا أخَذَ بِالأَرشَدِ مِنهُما (5) .ربح : عن أبيالحسن عليه السلام في كحل أبي جعفر عليعنه صلى الله عليه و آله :عَمّارٌ خَلَطَ اللّهُ الإيمانَ ما بَينَ قَرنِهِ إلى قَدَمِهِ ، وخَلَطَ الإيمانَ بِلَحمِهِ ودَمِهِ ، يَزولُ مَعَ الحَقِّ حَيثُ زالَ ، ولَيسَ يَنبَغي لِلنّارِ أن تَأكُلَ مِنهُ شَيئا (6) .ربحل : في حديث ابن ذي يَزَن :الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ عَمّارٍ _: ذلِكَ امرُؤٌ خالَطَ اللّهُ الإيمانَ بِلَحمِهِ ودَمِهِ وشَعرِهِ .
ص: 423
ربحل : في حديث ابن ذي يَزَن :وبَشَرِهِ ، حَيثُ زالَ زالَ مَعَهُ ، ولا يَنبَغي لِلنّارِ أن تَأكُلَ مِنهُ شَيئا (1) .ربد : عن عليّ بن إبراهيم :رسول اللّه صلى الله عليه و آله :دَمُ عَمّارٍ ولَحمُهُ حَرامٌ عَلَى النّارِ أن تَأكُلَهُ أو تَمَسَّهُ (2) .* ومنه عن ابن المسيّب :الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ عَمّارِ بنِ ياسِرٍ _: . . . ذاكَ امرُؤٌ حَرَّمَ اللّهُ لَحمَهُ ودَمَهُ عَلَى النّارِ أن تَمَسّ شَيئا مِنهُما (3) .* ومنه في عوذة الدوابّ :رسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إنَّكَ أولَعتَهُم بِعَمّارٍ ؛ يَدعوهُم إلَى الجَنَّةِ ، ويَدعونَهُ إلَى النّارِ (4) .* وعن المأمون :عنه صلى الله عليه و آله :ما لَهُم ولِعَمّارٍ ؟ يَدعوهُم إلَى الجَنَّةِ ، ويَدعونَهُ إلَى النّارِ ، وذاكَ دَأبُ الأَشقِياءِ الفُجّارِ (5) .* وفي الحديث :عنه صلى الله عليه و آله :يا عَمّارَ بنَ ياسِرٍ ! إن رَأَيتَ عَلِيّا قَد سَلَكَ وادِيا ، وسَلَكَ النّاسُ وادِيا غَيرَهُ ، فَاسلُك مَعَ عَلِيٍّ ؛ فَإِنَّهُ لَن يُدلِيَكَ في رَدى ، ولَن يُخرِجَكَ مِن هُدى (6) .* ومنه في الصلاة على العسكريّ عليه السلام :عنه صلى الله عليه و آله :إذَا اختَلَفَ النّاسُ كانَ ابنُ سُمَيَّةَ مَعَ الحَقِّ (7) . .
ص: 424
ربذ : عن أبي جعفر عليه السلام :المستدرك على الصحيحين عن حبّة العرني :دَخَلنا مَعَ أبي مَسعودٍ الأَنصارِيِّ عَلى حُذَيفَةَ بنِ اليَمانِ أسأَلُهُ عَنِ الفِتَنِ ، فَقالَ : دوروا مَعَ كِتابِ اللّهِ حَيثُما دارَ ، وَانظُرُوا الفِئَةَ الَّتي فيهَا ابنُ سُمَيَّةَ فَاتَّبِعوها ؛ فَإِنَّهُ يَدورُ مَعَ كِتابِ اللّهِ حَيثُما دارَ .
قالَ : فَقُلنا لَهُ : ومَنِ ابنُ سُمَيَّةَ ؟
قالَ : عَمّارٌ ، سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لَهُ : لَن تَموتَ حَتّى تَقتُلَكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ ، تَشرَبُ شُربَةَ ضَياحٍ (1) تَكن آخِرَ رِزقِكَ مِنَ الدُّنيا (2) .ربص : عن أميرالمؤمنين عليه السلام لمعاوية في عثماالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ امرَأً مِنَ المُسلِمينَ لَم يَعظُم عَلَيهِ قَتلَ عَمّارٍ ، ويَدخُل عَلَيهِ بِقَتلِهِ مُصيبَةٌ موجِعَةٌ ، لَغيرُ رَشيدٍ ، رَحِمَ اللّهُ عَمّارا يَومَ أسلَمَ ، ورَحِمَ اللّهُ عَمّارا يومَ قُتِلَ ، ورَحِمَ اللّهُ عَمّارا يَومَ يُبعَثُ حَيّا !
لَقَد رَأَيتُ عَمّارا ما يُذكَرُ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أربَعَةٌ إلّا كانَ الرّابِعَ ، ولا خَمسَةٌ إلّا كانَ الخامِسَ ، وما كانَ أحَدٌ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله يَشُكُّ في أنَّ عَمّارا قَد وجَبَت لَهُ الجَنَّةُ في غَيرِ مَوطِنٍ ، ولَا اثنَينِ ، فَهَنيئا لَهُ الجَنَّةُ ! عَمّارٌ مَعَ الحَقِّ أينَ دارَ ، وقاتِلُ عَمّارٍ فِي النّارِ (3) .* ومنه عن ابن زياد :الأمالي للطوسي عن عمّار :لَو لَم يَبقَ أحَدٌ إلّا خالَفَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ لَما خالَفتُهُ ، ولا زالَت يَدي مَعَ يَدِهِ ؛ وذلِكَ لِأَنَّ عَلِيّا لَم يَزَل مَعَ الحَقِّ مُنذُ بَعَثَ اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِنّي أشهَدُ أنَّهُ لا يَنبَغي لِأَحَدٍ أن يُفَضِّلَ عَلَيهِ أحَدا (4) .ربض : في حديث اُمّ معبد :أنساب الأشراف عن أبي مخنف :إنَّ المِقدادَ بنَ عَمروٍ وعَمّارَ بنَ ياسِرٍ وطَلحَةَ وَالزُّبيَرَ في .
ص: 425
ربض : في حديث اُمّ معبد :عِدَّةٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَتَبوا كِتابا عَدَّدوا فيهِ أحداثَ عُثمانَ ، وخَوَّفوهُ رَبَّهُ ، وأعلَموهُ أنَّهُم مُواثِبوهُ إن لَم يُقلِع ، فَأَخَذَ عَمّارٌ الكِتابَ وأتاهُ بِهِ ، فَقَرَأَ صَدرا مِنهُ ، فَقالَ لَهُ عُثمانُ : أ عَلَيَّ تُقدِمُ مِن بَينِهِم ؟ فَقالَ عَمّارٌ : لِأَنّي أنصَحُهُم لَكَ ، فَقالَ : كَذَبتَ يَابنَ سُمَيَّةَ ، فَقالَ : أنَا وَاللّهِ ابنُ سُمَيَّةَ وابنُ ياسِرٍ .
فَأَمَرَ غِلمانا لَهُ فَمَدّوا بِيَدَيهِ ورِجلَيهِ ، ثُمَّ ضَرَبَهُ عُثمانُ بِرِجلَيهِ وهِيَ فِي الخُفَّينِ على مَذاكيرِهِ ، فَأَصابَهُ الفَتقُ ، وكانَ ضَعيفا كَبيرا ، فَغُشِي عَلَيهِ (1) .* ومنه عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام في المنافقأنساب الأشراف عن أبي مخنف :كانَ في بَيتِ المالِ بِالمَدينَةِ سَفَطٌ (2) فيهِ حَليٌ وجَوهَرٌ ، فَأَخَذَ مِنهُ عُثمانُ ما حَلّى بِهِ بَعضَ أهلِهِ ، فَأَظهَرَ النّاسُ الطَّعنَ عَلَيهِ في ذلِكَ وكَلَّموهُ فيهِ بِكَلامٍ شَديدٍ حَتّى أغضَبوهُ ، فَخَطَبَ فَقالَ : لَنَأخُذَنَّ حاجَتَنا مِن هذَا الفَيءِ وإن رُغِمَت اُنوفُ أقوامٍ .
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : إذا تُمنَعُ مِن ذلِكَ ويُحالُ بَينَكَ وبَينَهُ .
وقالَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ : اُشهِدُ اللّهَ أنَّ أنفي أوّلُ راغِمٍ مِن ذلِكَ ، فَقالَ عُثمانُ : أ عَلَيَّ يَابنَ المَتكاءِ (3) تَجتَرِئُ ؟خُذوهُ ، فَاُخِذَ ودَخَلَ عُثمانُ فَدَعا بِهِ فَضَرَبَهُ حَتّى غُشِيَ عَلَيهِ ، ثُمَّ اُخرِجَ فَحُمِلَ حَتّى اُتِيَ بِهِ مَنزِلَ اُمِّ سَلَمَةَ زَوجِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَم يُصَلِّ الظُّهرَ وَالعَصرَ وَالمَغرِبَ ، فَلَمّا أفاقَ تَوَضَّأَ وصَلّى ، وقالَ : الحَمدُ للّهِِ ، لَيسَ هذا أوَّلُ يَومٍ اُوذينا فيهِ فِي اللّهِ . . .
وبَلَغَ عائِشَةَ ما صُنِعَ بِعَمّارٍ ، فَغَضِبَت وأخَرَجَت شَعرا مِن شَعرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وثَوبا مِن ثِيابِهِ ، ونَعلاً مِن نِعالِهِ ، ثُمَّ قالَت : ما أسرَعَ ما تَرَكتُم سُنَّةَ نَبِيَّكُم ، وهذا شَعرُهُ .
ص: 426
* ومنه عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام في المنافقوثَوبُهُ ونَعلُهُ ولَم يَبلَ بَعدُ ! فَغَضِبَ عُثمانُ غَضَبا شَديدا حَتّى ما دَرى ما يَقولُ (1) .دهق : عن أمير المؤمنين عليه السلام :تاريخ اليعقوبي :لَمَّا بَلَغَ عُثمانَ وَفاةُ أبي ذَرٍّ ، قالَ : رَحِم اللّهُ أبا ذَرٍّ ! قالَ عَمّارٌ : نَعَم ! رَحِمَ اللّهُ أبا ذَرٍّ مِن كُلِّ أنفُسِنا ، فَغَلُظَ ذلِكَ عَلى عُثمانَ .
وبَلَغَ عُثمانَ عَن عَمّارٍ كَلامٌ ، فَأَرادَ أن يُسَيِّرَهُ أيضا ، فَاجتَمَعَت بَنو مَخزومٍ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وسَأَلوهُ إعانَتَهُم ، فَقالَ عَلِيٌّ : لا نَدَعُ عُثمانَ ورَأيَهُ . فَجَلَسَ عَمّارٌ في بَيتِهِ ، وبَلَغَ عُثمانَ ما تَكَلَّمَت بِهِ بَنو مَخزومٍ ، فَأَمسَكَ عَنهُ (2) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :الكامل في التاريخ_ فى ذِكرِ حَربِ صِفّينَ _: خَرَجَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ عَلَى النّاسِ فَقالَ : اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنّي لَو أعلَمُ أنَّ رِضاكَ في أن أقذِفَ بِنَفسي في هذَا البَحرِ لَفَعَلتُهُ . اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنّي لَو أعلَمُ أنَّ رِضاكَ في أنَ أضَعَ ظُبَةَ (3) سَيفي في بَطني ثُمَّ أنحَنِيَ عَلَيها حَتّى تَخرُجَ مِن ظَهري لَفَعَلتُهُ . وإنّي لا أعلَمُ اليَومَ عَمَلاً هُوَ أرضى لَكَ مِن جِهادِ هؤُلاءِ الفاسِقينَ ، ولَو أعلَمُ عَمَلاً هُوَ أرضى لَكَ مِنهُ لَفَعَلتُهُ .
وَاللّهِ إنّي لَأَرى قَوما لَيَضرِبُنَّكُم ضَربا يَرتابُ مِنهُ المُبطلِونَ ، وَايمُ اللّهِ لَو ضَرَبونا حَتّى يَبلغُوا بِنا سَعَفاتِ هَجَرٍ ، لَعَلِمتُ أنّا عَلَى الحَقِّ وأنَّهُم عَلَى الباطِلِ .
ثُمَّ قالَ : مَن يَبتَغي رِضوانَ اللّهِ رَبِّهِ ولا يَرجِعُ إلى مالٍ ولا وَلَدٍ ؟ فَأَتاهُ عِصابَةٌ ، فَقالَ : اُقصُدوا بِنا هؤُلاءِ القَومَ الَّذينَ يَطلُبونَ دَمَ عُثمانَ ، وَاللّهِ ما أرادُوا الطَّلَبَ بِدَمِهِ ولكِنَّهُم ذاقُوا الدُّنيا وَاستَحَبّوها ، وعَلِموا أنَّ الحَقَّ إذا لَزِمَهُم حالَ بَينَهُم وبَينَ ما يَتَمَرَّغونَ فيهِ مِنها ، ولَم يَكُن لَهُم سابِقةٌ يَستَحِقّون بِها طاعَةَ النّاسِ وَالوِلايَةَ عَلَيهِم ، فَخَدَعوا أتباعَهُم وإن قالوا : إمامُنا قُتِلَ مَظلوما ، لِيَكونوا بِذلِكَ جَبابِرَةً مُلوكا ، فَبَلَغوا ما تَرَون ، فَلَولا هذِهِ ما تَبِعَهُم مِنَ النّاسِ رَجُلان . .
ص: 427
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :اللّهُمَّ إن تَنصُرنا فَطالَما نَصَرتَ ، وإن تَجعَلَ لَهُمُ الأَمرَ فَادَّخِر لَهُم بِما أحدَثوا في عِبادَكَ العَذابَ الأَليمَ (1) .* وعنه عليه السلام :رجال الكشّي عن حمران بن أعين عن الإمام الباقر عليه السلام :قُلتُ : ما تَقولُ في عَمّارٍ ؟ قالَ : رَحِمَ اللّهُ عَمّارا ، ثَلاثا !قاتَلَ مَعَ أميرِ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وآلِهِ ، وقُتِلَ شَهيدا . قُلتُ في نَفسي : ما تَكونُ مَنزِلَةٌ أعظَمَ مِن هذِهِ المَنزِلَةِ ؟ فَالتَفَتَ إلَيَّ ، فَقالَ : لَعَلَّكَ تَقولُ مِثلَ الثَّلاثَةِ ! هَيهاتَ !
قُلتُ : وما عِلمُهُ أنَّهُ يُقتَلُ في ذلِكَ اليَومِ ؟
قالَ : إنَّهُ لَمّا رَأَى الحَربَ لا تَزدادُ إلّا شِدَّةً ، وَالقَتلَ لا يَزدادُ إلّا كَثرَةً ، تَرَكَ الصَّفَّ وجاءَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هُوَ هُوَ ؟ قالَ : اِرجِع إلى صَفِّكَ ، فَقالَ لَهُ ذلِكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ ، كُلُّ ذلِكَ يَقولُ لَهُ : ارجِع إلى صَفِّكَ ، فَلمَّا أن كانَ فِي الثّالِثَةِ قالَ لَهُ : نَعَم . فَرَجَعَ إلى صِفِّهِ وهُوَ يَقولُ : اَليَومَ ألقَى الأَحِبَّةَ ، مُحَمَّدا وحِزبَهُ (2) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ مِمّا أنشَدَهُ في شَهادَةِ عَمّارٍ _:
ألا أيُّهَا المَوتُ الَّذي لَيسَ تارِكي
أرِحني فَقدَ أفنَيتَ كُلَّ خَليلِ أراكَ مُضِرّا (3) بِالَّذينَ أحِبُّهُم
كَأَنَّكَ تَنحو نَحوَهُم بِدَليلِ (4)* ومنه عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام :رسول اللّه صلى الله عليه و آله :بَشِّر قاتِلَ ابنِ سُمَيَّةَ بِالنّارِ (5) . .
ص: 428
* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أشراط السعنه صلى الله عليه و آله_ في عَمّارٍ _: إنَّ قاتِلَهُ وسالِبَهُ فِي النّارِ (1) .ربط : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه صلى الله عليه و آله :وَيحَ عَمّارٍ ! تَقتُلُهُ الفِئَةُ الباغِيَةُ ، يَدعوهُم إلَى الجَنَّةِ ويَدعونَهُ إلَى النّارِ (2) .* ومنه عن الصادق عليه السلام :المناقب لابن شهر آشوب :كَثُرَ أصحابُ الحَديثِ عَلى شَريكٍ (3) ، وطالَبوهُ بأَنَّهُ يُحَدِّثُهُم بِقَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : « تَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ » ، فَغَضِبَ وقالَ : أ تَدرونَ أن لا فَخرَ لِعَلِيٍّ أن يُقتَلَ مَعَهُ عَمّارٌ ، إنَّمَا الفَخرُ لِعَمّارٍ أن يُقتَلَ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام (4) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :الكامل في التاريخ :إنَّ أبَا الغارِيَةِ قَتَلَ عَمّارا وعاشَ إلى زَمَنِ الحَجّاجِ ، ودَخَلَ عَلَيهِ فَأَكرَمَهُ الحَجّاجُ وقالَ لَهُ : أنتَ قَتَلتَ ابنَ سُمَيَّةَ _ يَعني عَمّارا _ ؟ قالَ : نَعَم . . . ثُمَّ سَأَلَهُ أبُو الغارِيَةِ حاجَتَهُ فَلَم يُجِبهُ إلَيها ، فَقالَ : نُوَطِّئُ لَهُمُ الدُّنيا ، ولا يُعطونا مِنها ، ويَزعُمُ أنّي عَظيمُ الباعِ يَومَ القِيامَةِ !
فَقالَ الحَجّاجُ : أجَل وَاللّهِ ، مَن كان ضَِرسُهُ مِثلَ اُحُدٍ ، وفَخِذُهُ مِثلَ جَبَلِ وَرِقانَ ، ومَجلِسُهُ مِثلَ المَدينَةِ وَالرَّبَذَةِ إنَّهُ لَعَظيمُ الباعِ يَومَ القِيامَةِ ، وَاللّهِ لَو أنَّ عَمّارا قَتَلَهُ أهلُ الأَرضِ كُلُّهُم لَدَخَلوا كُلُّهُمُ النّارَ (5) .راجع : ج3 ص453 (استشهاد عمّار بن ياسر) .
.
ص: 429
73عُمَرُ بنُ أبي سَلَمَةًعمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد القرشي المخزومي . ولد قبل الهجرة بعامين أو أكثر (1) . توفّي أبوه سنة 3 ه (2) ، فانتقل إلى بيت النّبيّ صلى الله عليه و آله مع اُمّه الَّتي أصبحت من أزواج رسول اللّه صلى الله عليه و آله (3) ، فنشأ في بيت الوحي (4) . وكانت والدته امرأة جليلة ، وهي الَّتي أرسلته إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في معركة الجمل (5) ، ومعه كتاب منها إليه (6) . ولّاه الإمام عليه السلام على البحرين (7) بعد معركة الجمل ، ثمّ عزله وطلب منه أن يلتحق بعسكر الإمام عليه السلام في صفّين (8) . وتدلّ رسالة الإمام عليه السلام على أنّه كان رجلاً أمينا ومجرّبا وجادّا في عمله . وأنّ حضوره في عسكر الإمام عليه السلام ضدّ ظلمة الشام ضروري . وكان مع الإمام في حروبه جميعها (9) . توفّي عمر سنة 83 ه 10 .
* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الجنّة :تاريخ اليعقوبي :كَتَبَ [ عَلِيٌّ عليه السلام ] إلى عُمَرَ بنِ أبي سَلَمَةَ المَخزومِيِّ ، وهُوَ ابنُ اُمِّ سَلَمَةَ
.
ص: 430
* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الجنّة :زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وكانَ عامِلَهُ عَلَى البَحرَينِ : أمّا بَعدُ ؛ فَإِنّي قَد وَلَّيتُ النُّعمانَ بنَ العَجلانِ البَحرَينَ بِلا ذَمٍّ لَكَ ، فَأَقبِل ، غَيرَ ظَنينٍ (1) ، وَاخرُج إلَيهِ مِن عَمَلِ ما وُلّيتَ ، فَقَد أرَدتُ الشُّخوصَ إلى ظَلَمَةِ أهلِ الشّامِ وبَقِيَّةِ الأَحزابِ ، فَأَحبَبتُ أن تَشهَدَ مَعي لِقاءَهُم ؛ فَإِنَّكَ مِمَّن أستَظهِرُ بِهِ عَلى إقامَةِ الدّينِ ونَصرِ الهُدى ، جَعَلَنَا اللّهُ وإيّاكَ مِنَ الَّذينَ يَعمَلونَ بِالحَقِّ وبِهِ يَعدِلونَ .
فَأَقَبلَ عُمَرُ فَشَهِدَ مَعَهُ ، ثُمَّ انصَرَفَ وتَبِعَ عَلِيّا إلَى الكوفَةِ ، فَمَكَثَ مَعَهُ سَنَةً وبَعضَ اُخرى (2) .* وعن أبي الصلت في الرضا عليه السلام في نيسابور :الفتوح :جاءَ عُمَرُ بنُ أبي سَلَمَةَ إلى عَلِيٍّ رضى الله عنه فَصارَ مَعَهُ ، وكانَ لَهُ فَضلٌ وعِبادَةٌ وعَقلٌ ، فَأَنشَأَ رَجُلٌ مِن أصحابِ عَلِيٍّ رضى الله عنه يَمدَحُ اُمّ سَلَمَةَ وهُوَ يَقولُ أبياتا مَطلَعُها :
اُمُّ يا اُمَّه لَقيتِ الظَفَرْ
ثُمَّ لا زِلتِ تُسقَيِنَّ المَطَرْ (3)74عَمرُو بنُ الحَمِقِ الخُزاعِيّعمرو بن الحمق بن الكاهن الخزاعي . صحابيّ جليل من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله (4) ، وأمير المؤمنين عليه السلام (5) ، والإمام الحسن عليه السلام (6) .
.
ص: 431
أسلم بعد الحديبية (1) ، وتعلّم الأحاديث من النّبيّ صلى الله عليه و آله . وكان من الصفوة الذين حرسوا «حقّ الخلافة» بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ فوقف إلى جانب أمير المؤمنين عليه السلام بإخلاص (2) . واشترك في ثورة المسلمين على عثمان ، ورفع صوت الحقّ إزاء التغيّرات الشاذّة الَّتي حصلت في هذا العصر (3) . شهد حروب أمير المؤمنين عليه السلام وساهم فيها بكلّ صلابة وثبات (4) . وكان ولاؤه للإمام عليه السلام عظيما حتى قال له : ليت أنّ في جُندي مئة مثلك (5) . أجل ، كان عمرو مهتديا ، عميق النّظر . وكان من بصيرته بحيث يرى نفسه فانيا في عليّ عليه السلام ، وكان يقول له بإيمانٍ ووعي : ليس لنا معك رأي . وكان عمرو صاحبا لحجر بن عديّ ورفيق دربه . وصيحاته المتعالية ضدّ ظلم الاُمويّين (6) هي الَّتي دفعت معاوية إلى الهمّ بقتله . وقتله سنة 50 ه ، بعد أن كان قد سجن زوجته الكريمة بغية استسلامه (7) .
.
ص: 432
واُرسل برأسه إلى معاوية (1) . وهو أوّل رأس في الإسلام يُحمَل من بلد إلى بلد (2) . عبّر عنه الإمام أبو عبد اللّه الحسين عليه السلام ب_ «العَبدُ الصّالِحُ الَّذي أبلَتهُ العِبادَةُ» ، وذلك في رسالته البليغة القارعة الَّتي بعثها إلى معاوية ، ووبّخه فيها لارتكابه جريمة قتله (3) .
* ومنه عن حليمة :الإمام الكاظم عليه السلام :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ . . . يُنادي مُنادٍ : أينَ حَوارِيُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وَصِيِّ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ رَسولِ اللّهِ ؟ فَيَقومُ عَمرُو بنُ الحَمِقِ الخُزاعِيُّ ، ومُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ ، وميثَمُ بنُ يَحيَى التَّمّارُ مَولى بَني أسَدٍ ، واُوَيسٌ القَرَنِيُّ (4) .* ومنه عن المقداد :وقعة صفّين_ في أحداثِ ما بَعدَ رَفعِ المَصاحِفِ _: قامَ عَمرُو بنُ الحَمِقِ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنّا وَاللّهِ ما أجَبناكَ ولا نَصرناكَ عَصَبِيَّةً عَلَى الباطِلِ ، ولا أجَبنا إلَا اللّهَ عَزَّ وجَلَّ ، ولا طَلَبنا إلَا الحَقَّ ، ولو دَعانا غَيرُكَ إلى ما دَعَوتَ إلَيهِ لَاستَشرى (5) فيهِ اللَّجاجُ ، وطالَت فيهِ النَّجوى ، وقَد بَلَغَ الحَقُّ مَقطَعَهُ ، ولَيسَ لَنا مَعَكَ رَأيٌ (6) .* وفي صفة أميرالمؤمنين عليه السلام :وقعة صفّين عن عبد اللّه بن شريك :قالَ عَمرُو بنُ الحَمِقِ : إنّي وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما أجَبتُكَ ولا بايَعتُكَ عَلى قَرابَةٍ بَيني وبَينَكَ ، ولا إرادَةِ مالٍ تُؤتينيهِ ، ولَا التِماسِ سُلطانٍ يُرفَعُ ذِكري بِهِ ، ولكِن أحبَبتُكَ لِخِصالٍ خَمسٍ : أنَّكَ ابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأوَّلُ مَن آمَنَ بِهِ ، وزَوجُ سَيِّدَةِ نِساءِ الاُمَّةِ فاطِمَةَ بِنتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وأبُو الذُّرِّيَّةِ الَّتي بَقِيَت فينا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأعظَمُ رَجُلٍ مِنَ المُهاجِرينَ سَهما فِي الجِهادِ . .
ص: 433
* وفي صفة أميرالمؤمنين عليه السلام :فَلَو أنّي كُلِّفتُ نَقلَ الجِبالِ الرَّواسي ، ونَزحَ البُحورِ الطَّوامي (1) حَتّى يَأتِيَ عَلَيَّ يَومي في أمرٍ اُقوِّي بِهِ وَلِيَّكَ ، واُوهِنُ بِهِ عَدُوَّكَ ، ما رَأَيتُ أنّي قَد أدَّيتُ فيهِ كُلَّ الَّذي يَحِقُّ عَلَيَّ مِن حَقِّكَ .
فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ : اللّهُمَّ نَوِّر قَلبَهُ بِالتُّقى ، واهدِهِ إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ ، لَيتَ أنَّ في جُندي مِئَةً مِثلَكَ !
فَقالَ حُجرٌ : إذا وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، صَحَّ جُندُكَ ، وقَلَّ فيهِم مَن يَغُشُّكَ (2) .* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في عيسىتاريخ الطبري بن أبيهِ_ في ذِكرِ طَلَبِ زِياد بن أبيهِ ومُتابَعَتِهِ أصحابَ حُجرٍ _: فَخَرَجَ عَمرُو بنُ الحَمِقِ ورِفاعَةُ بنُ شَدّادٍ حَتّى نَزَلا المَدائِنَ ، ثُمَّ ارتَحلا حَتّى أتَيا أرضَ المَوصِلِ (3) ، فَأَتَيا جَبَلاً فَكَمِنا فيهِ ، وبَلَغَ عامِلَ ذلِكَ الرُّستاقِ أنَّ رَجُلَين قَد كَمِنا في جانِبِ الجَبَلِ ، فَاستَنكَرَ شَأنَهُما _ وهُوَ رَجُلٌ مِن هَمدانَ يُقالُ لَهُ : عَبدُ اللّهِ بنُ أبي بَلتَعَةَ _ فَسارَ إلَيهِما فِي الخَيلِ نَحوَ الجَبَلِ ومَعَهُ أهلُ البَلَدِ ، فَلَمَّا انتَهى إلَيهِما خَرَجا .
فَأَمّا عَمرُو بنُ الحَمِقِ فَكانَ مَريضا ، وكانَ بَطنُهُ قَد سَقى (4) ، فَلَم يَكُن عِندَهُ امتِناعٌ ، وأمّا رِفاعَةُ بنُ شَدّادٍ _ وكانَ شابّا قَوِيّا _ فَوَثَبَ عَلى فَرَسٍ لَهُ جَوادٍ ، فَقالَ لَهُ : اُقاتِلُ عَنكَ ؟ قالَ : وما يَنفَعُني أن تُقاتِلَ ! اُنجُ بِنَفسِكَ إنِ استَطَعتَ ، فَحَمَلَ عَلَيهِم ، فَأَفرَجوا لَهُ ، فَخَرَجَ تَنفِرُ بِهِ فَرَسُهُ ، وخَرَجَتِ الخَيلُ في طَلَبِهِ _ وكانَ رامِيا _ فَأَخَذَ لا يَلحَقُهُ فارِسٍ إلّا رَماهُ فَجَرَحَهُ أو عَقَرَهُ ، فَانصَرَفوا عَنهُ ، واُخِذَ عَمرُو بنُ الحَمِقِ ، فَسَأَلوهُ : .
ص: 434
* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في عيسىمَن أنتَ ؟ فَقالَ : مَن إن تَرَكتُموهُ كانَ أسلَمَ لَكُم ، وإن قَتَلتُموهُ كانَ أضَرَّ لَكُم ، فَسَأَلوهُ ، فَأَبى أن يُخبِرَهُم ، فَبَعَثَ بِهِ ابنُ أبي بَلتَعَةَ إلى عامِلِ المَوصِلِ _ وهُوَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ عُثمانَ الثَّقَفِيُّ _ فَلَمّا رَأى عَمرَو بنَ الحَمِقِ عَرَفَهُ ، وكَتَبَ إلى مُعاوِيَةَ بِخَبَرِهِ .
فَكَتَبَ إلَيهِ مُعاوِيَةُ : إنَّهُ زَعَمَ أنَّهُ طَعَنَ عُثمانَ بنَ عَفّانَ تِسعَ طَعَناتٍ بِمَشاقِصَ (1) كانَت مَعَهُ ، وإنّا لا نُريدُ أن نَعتَدِيَ عَلَيهِ ، فَاطعَنهُ تِسعَ طَعَناتٍ كَما طَعَنَ عُثمانَ . فَاُخرِجَ فَطُعِنَ تِسعَ طَعَناتٍ ، فَمات فِي الاُولى مِنهُنَّ أوِ الثّانِيَةِ (2) .* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :تاريخ اليعقوبي :بَلَغَ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ اُمِّ الحَكَمِ _ وكانَ عامِلَ مُعاوِيَةَ عَلَى المَوصِلِ _ مَكانُ عَمرِو بنِ الحَمِقِ الخُزاعِيَّ ، ورِفاعَةَ بنِ شَدّادٍ ، فَوَجَّهَ في طَلَبِهِما ، فَخَرَجا هارِبَينِ ، وعَمرُو بنُ الحَمِقِ شَديدُ العِلَّةِ ، فَلَمّا كانَ في بَعضِ الطَّريقِ لَدَغَت عَمرا حَيَّةٌ ، فَقالَ : اللّهُ أكبَرُ ! قالَ لي رَسولُ اللّهِ : «يا عَمرُو ! لَيَشتَرِكُ في قَتلِكَ الجِنُّ والإِنسُ» ثُمَّ قالَ لِرِفاعَةَ : اِمضِ لِشَأنِكَ ؛ فَإِنّي مَأخوذٌ ومَقتولٌ .
ولَحِقَتهُ رُسُلُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ اُمِّ الحَكَمِ ، فَأَخَذوهُ وضُرِبَت عُنُقُهُ ، ونُصِبَ رَأسُهُ عَلى رُمحٍ ، وطيفَ بِهِ ، فَكانَ أوَّلَ رَأسٍ طيفَ بِهِ فِي الإِسلامِ .
وقَد كانَ مُعاوِيَةُ حَبَسَ امرَأَتَهُ بِدِمَشقَ ، فَلمّا أتى رَأسُهُ بَعَثَ بِهِ ، فَوُضِعَ في حِجرِها ، فَقالَت لِلرَّسولِ : أبلِغ مُعاوِيَةَ ما أقولُ : طالَبَهُ اللّهُ بِدَمِهِ ، وعَجَّلَ لَهُ الوَيلَ مِن نِقَمِهِ ! فَلَقَد أتى أمرا فَرِيّا ، وقَتَلَ بَرّا نَقِيّا !
وكانَ أوّلَ مَن حَبَسَ النِّساءَ بِجَرائِرِ الرِّجالِ (3) . .
ص: 435
* وفي الحديث :الاختصاص :كانَ عَمرُو بنُ الحَمِقِ الخُزاعِيُّ شيعَةً لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَلَمّا صارَ الأَمرُ إلى مُعاوِيَةَ انحازَ إلى شَهرَزورَ مِنَ المَوصِلِ وكَتَبَ إلَيهِ مُعاوِيَةُ :
أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ اللّهَ أطفَأَ النّائِرَةَ (1) ، وأخمَدَ الفِتنَةَ ، وجَعَلَ العاقِبَةَ لِلمُتَّقينَ ، ولَستَ بِأبعَدِ أصحابِكَ هِمَّةً ، ولا أشَدِّهِم في سوءِ الأَثَرِ صُنعا ، كُلُّهُم قَد أسهَلَ بِطاعَتي ، وسارَعَ إلَى الدُّخولِ في أمري ، وقَد بَطُؤَ بِكَ ما بَطُؤَ ، فَادخُل فيما دَخَلَ فيهِ النّاسُ ، يُمحَ عَنكَ سالِفُ ذُنوبِكَ ، ومُحِيَ داثِرُ حَسَناتِكَ ، ولَعَلّي لا أكونُ لَكَ دونَ مَن كانَ قَبلي إن أبقَيتَ واتَّقَيتَ ووَقَيتَ وأحسَنتَ ، فَاقدَم عَلَيَّ آمِنا في ذِمَّةِ اللّهِ وذِمَّةِ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، مَحفوظا مِن حَسَدِ القُلوبِ وإحَنِ الصُّدورِ ، وكفى بِاللّهِ شَهيدا .
فَلَم يَقدَم عَلَيهِ عَمرُو بنُ الحَمِقِ ، فَبَعَثَ إلَيهِ مَن قَتَلَهُ وجاءَ بِرَأسِهِ ، وبَعَثَ بِهِ إلَى امرَأَتِهِ فَوُضِعَ في حِجرِها ، فَقالَت : سَتَرتُموهُ عَنّي طَويلاً وأهدَيتُموهُ إلَيَّ قَتيلاً ! فَأَهلاً وسَهلاً مِن هَدِيَّةٍ غَيرَ قالِيَةٍ ولا مَقلِيَّةٍ ، بَلِّغ أيُّهَا الرَّسولُ عَنّي مُعاوِيَةَ ما أقولُ : طَلَبَ اللّهُ بِدَمِهِ ، وعَجَّلَ الوَبيلَ مِن نِقَمِهِ ! فَقَد أتى أمرا فَرِيّا، وقَتَلَ بارّا تَقِيّا ! فَأبلِغ أيُّهَا الرَّسولُ مُعاوِيَةَ ما قُلتُ .
فَبَلَّغَ الرَّسولُ ما قالَت ، فَبَعَثَ إلَيها ، فَقالَ لَها : أنتِ القائِلَةُ ما قُلتِ ؟ قالَت : نَعَم ، غَيرَ ناكِلَةٍ عَنهُ ولا مُعتَذِرَةٍ مِنهُ ، قالَ لَها : اُخرُجي مِن بِلادي ، قالَت : أفعَلُ ، فَوَاللّهِ ما هُوَ لي بِوَطَنٍ ولا أحِنُّ فيها إلى سِجنٍ ، ولَقَد طالَ بِها سَهَريِ، وَاشتَدَّ بِها عَبري ، وكَثُرَ فيها دَيني مِن غَيرِ ما قَرَّت بِه عَيني .
فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ أبي سَرحٍ الكاتِبُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنَّها مُنافِقَةٌ فَأَلحِقها بِزَوجِها ، فَنَظَرَت إلَيهِ فَقالَت : يا مَن بَينَ لِحيَيهِ كَجُثمانِ الضِّفدَعِ ، ألا قُلتَ (2) مَن .
ص: 436
* وفي الحديث :أنعَمَكَ (1) خِلَعا وأصفاكَ كِساءً ! إنَّمَا المارِقُ المُنافِقُ مَن قالَ بِغَيرِ الصَّوابِ ، وَاتَّخَذَ العِبادَ كَالأَربابِ ، فَاُنزِلَ كُفرُهُ فِي الكِتابِ ! فَأَومى مُعاوِيَةُ إلَى الحاجِِب بِإِخراجِها ، فَقالَت : وا عَجَباهُ مِنِ ابنِ هِندٍ ، يُشيرُ إلَيَّ بِبَنانِهِ، ويَمنَعُني نَوافِذَ لِسانِهِ ، أمَا وَاللّهِ لَأَبقُرَنَّهُ بِكَلامٍ عَتيدٍ كَنَواقِدِ الحَديدِ ، أو ما أنَا بِآمِنَةَ بِنتِ الشَّريدِ (2) .* ومنه عن ابن وجناء :الإمام الحسين عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى مُعاوِيَةَ _: أ وَلَستَ قاتِلَ عَمرِو بنِ الحَمِقِ صاحِبِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، العَبدِ الصّالِحِ الَّذي أبلَتهُ العِبادَةُ فَنَحَلَ جِسمُهُ وصَفَّرَت لَونَهُ ، بَعدَما آمَنتَهُ وأعطَيتَهُ مِن عُهودِ اللّهِ ومَواثيقِهِ ، ما لَو أعطَيتَهُ طائِرا لَنَزَلَ إلَيكَ مِن رَأسِ الجَبَلِ ، ثُمَّ قَتَلتَهُ جُرأَةً عَلى رَبِّكَ ، وَاستِخفافا بِذلِكَ العَهدِ ؟ (3)75عَمرُو بنُ مِحصَنٍعمرو بن محصن بن حرثان الأسدي ، أخو عُكاشَةَ بن محصن . صحابيّ جليل من صحابة النّبيّ صلى الله عليه و آله . شهد اُحدا (4) . وكان مع أمير المؤمنين عليه السلام في معركة الجمل (5) ، وكان _ علاوة على حضوره فيها _ قد دفع مئة ألف درهم لتجهيز جيش الإمام عليه السلام . استُشهد في صفّين (6) ، فعزّ ذلك على أمير المؤمنين عليه السلام وأعرب عن حزنه عليه (7) .
.
ص: 437
رثاه النّجاشي شاعر العراق بقصيدة طويلة ، أثنى فيها على بطولته وأبعاد شخصيّته الكريمة (1) .
* وفي العوذة :رجال الطوسي :عَمرُو بنُ مِحصَنٍ ، يُكَنّى أبا اُحَيحَةَ ، اُصيبَ بِصِفّينَ ، وهُوَ الَّذي جَهَّزَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام بِمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ في مَسيرِهِ إلَى الجَمَلِ (2) .ربق : عن رجل عن أبي عبداللّه عليه السلام :وقعة صفّين :كانَ ابنُ مِحصَنٍ مِن أعلامِ أصحابِ عَلِيٍّ عليه السلام ، قُتِلَ فِي المَعرَكَةِ ، وجَزِعَ عَلِيٌّ عليه السلام لِقَتلِهِ (3) .76الفَضلُ بنُ العَبّاسِالفضل بن العبّاس بن عبد المطّلب القرشي الهاشمي ، واُمّه اُمّ الفضل لُبابَة بنت الحارث . وهو أكبر ولد العبّاس . عدّ من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه و آله والإمام عليّ عليه السلام . غزا مع رسول اللّه مكّة وحنيناً (4) . وثبت يومئذٍ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين ولّى النّاس منهزمين (5) . كان فيمن غسل النّبيّ وشهد كفنه ودفنه ودخل القبر مع الإمام عليّ عليه السلام (6) . كان من جملة المخلصين في ولائهم للإمام عليّ عليه السلام ، ومن المدافعين عن حقّه عليه السلام في الخلافة (7) . شارك في مراسم دفن فاطمة عليهاالسلام (8) . وتوفّي في سنة 18 ه في
.
ص: 438
زمن خلافة عمر بن الخطّاب 1 .
ذأب : عن النبيّ صلى الله عليه و آله لقريش :الأخبار الموفّقيّات عن محمّد بن إسحاق :إنَّ أبا بَكرٍ لَمّا بويِعَ افتَخَرَت تَيمُ بنُ مُرَّةَ . قالَ : وكانَ عامَّةُ المُهاجِرينَ وجُلُّ الأَنصارِ لا يَشُكّونَ أنَّ عَلِيّا هُوَ صاحِبُ الأَمرِ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ الفَضلُ بنُ العَبّاسِ : يا مَعشَرَ قُرَيشٍ وخُصوصاً يا بَني تَيمٍ ! إنَّكُم إنَّما أخَذتُمُ الخِلافَةَ بِالنُّبُوَّةِ ، ونَحنُ أهلُها دَونَكُم ، ولَو طَلَبنا هذَا الأَمرَ الَّذي نَحنُ أهلُهُ لَكانَت كَراهَةُ النّاسِ لَنا أعظَمَ مِن كَراهَتِهِم لِغَيرِنا ، حَسَداً مِنهُم لَنا ، وحِقداً عَلَينا ، وإنّا لَنَعلَمُ أنَّ عِندَ صاحِبِنا عَهداً هُوَ يَنتَهي إلَيهِ (1) .77قُثَمُ بنُ العَبّاسِقُثَم بن العبّاس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ، واُمّه اُمّ الفضل لُبابَة بنت الحارث من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله (2) ، وأخو أحد الحسنين عليهماالسلام من الرضاعة (3) ، أثنوا عليه بالمعرفة القويّة والفضل والفضيلة . وليَ مكّة (4) والطائف (5) طيلة خلافة الإمام
.
ص: 439
أمير المؤمنين عليه السلام . وصار أمير الحجّ سنة 38 ه (1) . وعندما أغار بُسر بن أرطاة على مكّة ، فرَّ منها (2) ثمّ عاد إليها بعد خروج بُسر (3) . كان قُثَم حاضرا في مسجد الكوفة عندما ضُرب الإمام عليه السلام ، وهو الَّذي قبض على ابن ملجم (4) . توفّي قُثَم في فتح سمرقند (5) أيّام معاوية (6) .
* وعنه عليه السلام :الاستيعاب :كانَ قُثَمُ بنُ العَبّاسِ والِيا لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عَلى مَكَّةَ ، وذلِكَ أنَّ عَلِيّا لَمّا وَلِيَ الخِلافَةَ عَزَلَ خالِدَ بنَ العاصِي بنِ هِشامِ بنِ المُغيرَةِ المَخزومِيَّ عَن مَكَّةَ ، ووَلّاها أبا قُتادَةَ الأَنصارِيَّ ، ثُمَّ عَزَلَهُ ، ووَلّى قُثَمَ بنَ العَبّاسِ ، فَلَم يَزَل والِيا عَلَيها حَتّى قُتِلَ عَلِيٌّ رحمه الله (7) .* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :المستدرك على الصحيحين عن أبي إسحاق :سَأَلتُ قُثَمَ بنَ العَبّاسِ : كَيفَ وَرِثَ عَلِيٌّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله دونَكُم ؟قالَ : لِأَنَّهُ كانَ أوَّلَنا بِهِ لُحوقا ، وأشَدَّنا بِهِ لُزوقا (8) .ذبب : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى قُثَمَ بنِ العَبّاسِ عامِلِهِ عَلى مَكَّةَ _: أمّا بَعدُ ، فَأَقِم لِلنّاسِ .
ص: 440
ذبب : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الحَجَّ ، وذَكِّرهُم بِأَيّامِ اللّهِ ، وَاجلِس لَهُمُ العَصرَينِ ؛ فَأَفتِ المُستَفِتيَ ، وعَلِّمِ الجاهِلَ ، وذاكِرِ العالِمَ . ولا يَكُن لَكَ إلَى النّاسِ سَفيرٌ إلّا لِسانُكَ ، ولا حاجِبٌ إلّا وَجهُكَ . ولا تَحجُبَنَّ ذا حاجَةٍ عَن لِقائِكَ بِها ؛ فَإِنَّها إن ذيدَت عَن أبوابِكَ في أوَّلِ وِردِها لَم تُحمَد فيما بَعدُ عَلى قَضائِها .
وَانظُر إلى مَا اجتَمَعَ عِندَكَ مِن مالِ اللّهِ فَاصرِفهُ إلى مَن قِبَلَكَ مِن ذَوِي العِيالِ وَالمَجاعَةِ ، مُصيبا بِهِ مَواضِعَ الفاقَةِ وَالخَلّاتِ ، وما فَضَلَ عَن ذلِكَ فَاحمِلهُ إلَينا لِنَقسِمَهُ فيمَن قِبَلَنا .
ومُر أهلَ مَكَّةَ ألّا يَأخُذوا مِن ساكِنٍ أجرا ؛ فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ يَقولُ : «سَوَآءً الْعَ_كِفُ فِيهِ وَ الْبَادِ» (1) فَالعاكِفُ : اَلمُقيمُ بِهِ ، وَالبادِي : الَّذي يَحُجُّ إلَيهِ مِن غَيرِ أهلِهِ . وَفَّقَنَا اللّهُ وإيّاكُم لِمَحابِّهِ ، وَالسَّلامُ (2) .* وفي حديث آخر قال عليه السلام لعمر في الخلافة :الطبقات الكبرى :غَزا قُثَمُ خُراسانَ ، وكانَ عَلَيها سَعيدُ بنُ عُثمانَ فَقالَ لَهُ : أضرِبُ لَكَ بِأَلفِ سَهمٍ ، فَقالَ : لا ، بَل اُخَمِّسُ ، ثُمَّ أعطِ النّاسَ حُقوقَهُم ، ثُمَّ أعطِني بَعدُ ما شِئتَ . وكانَ قُثَمُ وَرِعا فاضِلاً ، وتُوُفِّيَ بِسَمَرقَندَ (3) .78قُدامَةُ بنُ عَجلانَ الأَزدِيُّكان من ولاة الإمام عليه السلام على منطقة كَسكَر (4) . ويُستشفّ من كتاب الإمام عليه السلام إليه (5)
.
ص: 441
أنّه كان قد أفرط في التصرّف ببيت المال ، فانتقده الإمام عليه السلام على ذلك . ولم نحصل على معلومات أكثر حول حياته .
* ومن شعر أبي طالب :أنساب الأشراف :قُدامَةُ بنُ عَجلانَ عامِلُهُ [أي عَلِيٍّ عليه السلام ]عَلى كَسكَرَ (1) .* وفي عيسى بن موسى :الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى قُدامَةَ بنِ عَجلانَ عامِلِهِ عَلى كَسكَرَ _: أمّا بَعدُ ؛ فَاحمِل ما قِبَلَكَ مِن مالِ اللّهِ ؛ فَإِنَّهُ فَيءٌ لِلمُسلِمينَ ، لَستَ بِأَوفَرَ حَظّا فيهِ مِن رَجُلٍ فيهِم ، ولا تَحسَبَنَّ يَابنَ اُمِّ قُدامَةَ أنَّ مالَ كَسكَرَ مُباحٌ لَكَ كَمالٍ وَرِثتَهُ عَن أبيكَ واُمِّكَ ، فَعَجِّل حَملَهُ ، وأعجِل فِي الإِقبالِ إلَينا ، إن شاءَ اللّهُ (2) .79قَرَظَةُ بنُ كَعبٍ الأَنصارِيُّقرظة بن كعب بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي ، يُكنّى أبا عمر . من صحابة النّبيّ صلى الله عليه و آله (3) وفقهائهم (4) . اشترك في غزوة اُحد وما تلاها من غزوات (5) .
.
ص: 442
فتح الري في زمن عمر (1) . وليَ الكوفة (2) ، وبِهْقُباذات (3)(4) ، وخراج ما بين النّهرين في خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (5) . كان مع الإمام عليه السلام في حروبه (6) ، وتوفّي في أيّام خلافة الإمام عليه السلام بالكوفة فصلّى عليه الإمام عليه السلام (7) .
* ومنه في محمّد بن إسماعيل الذي سعى على موسى بن جالاستيعاب :وَلّاهُ [قَرَظَةَ بنَ كَعبٍ الأَنصارِيَّ] عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عَلَى الكوفَةِ ، فَلَمّا خَرَجَ عَلِيٌّ إلى صِفّينَ حَمَلَهُ مَعَهُ ووَلّاها أبا مَسعودٍ البَدرِيَّ (8) .* وفي الحديث :الاستيعاب :شَهِدَ قَرَظَةُ بنُ كَعبٍ مَعَ عَلِيٍّ مَشاهِدَهُ كُلَّها ، وتُوُفِّيَ في خِلافَتِهِ في دارٍ ابتَناها بِالكوفَةِ ، وصَلّى عَلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (9) . .
ص: 443
* وفي حديث المناهي :الإمام عليّ عليه السلام_ في كتابِهِ إلى قَرَظَةَ بنِ كَعبٍ _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ قَوما مِن أهلِ عَمَلِكَ أتَوني ، فَذَكَروا أنَّ لَهُم نَهرا قَد عَفا ودَرَسَ ، وأنَّهُم إن حَفَروهُ وَاستَخرَجوهُ عَمَرَت بِلادُهُم ، وقَووا عَلى كُلِّ خَراجِهِم ، وزادَ فَيءُ المُسلِمينَ قِبَلَهُم ، وسَأَلونِي الكِتابَ إلَيكَ لِتَأخُذَهُم بِعَمَلِهِ وتَجمَعَهُم لِحَفرِهِ وَالإِنفاقِ عَلَيهِ ، ولَستُ أرى أن اُجبِرَ أحَدا عَلى عَمَلٍ يَكرَهُهُ ، فَادعُهُم إلَيكَ ، فَإِن كانَ الأَمرُ فِي النَّهرِ عَلى ما وَصَفوا ، فَمَن أحَبَّ أن يَعمَلَ فَمُرهُ بِالعَمَلِ ، وَالنَّهرُ لِمَن عَمِلَهُ دونَ مَن كَرِهَهُ ، ولَأَن يَعمُروا ويَقووا أحَبُّ إلَيَّ مِن أن يَضعُفوا ، وَالسَّلامُ (1) .80قَنبَرٌ مَولى أميرِ المُؤمِنينَغلام أمير المؤمنين عليه السلام ، ومُرافقه . غالبا ما يرِد ذكره بالخير في أقضية الإمام عليه السلام (2) . وكان ملازما له مقيما لحدوده ومنفّذا لأوامره . وذُكر أنّه كان من السابقين الذين عرفوا حقّ أمير المؤمنين عليه السلام (3) وثبتوا على الذود عن حقّ الولاية (4) . دفع إليه الإمام عليه السلام لواءً يوم صفّين في قبال غلام عمرو بن العاص الَّذي كان قد رفع لواءً (5) . استدعاه الحجّاج وأمر بقتله ، بسبب وفائه وعشقه الصادق الخالص للإمام عليّ عليه السلام . وكان عند استشهاده يتلو آيةً من القرآن الكريم أخزى بها الحجّاج
.
ص: 444
وأضرابه (1) .
* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الإمام الصادق عليه السلام :كانَ قَنبَرٌ غُلامُ عَلِيٍّ يُحِبُّ عَلِيّا عليه السلام حُبّا شَديدا ، فَإِذا خَرَجَ عَلِيٌّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ خَرَجَ عَلى أثَرِهِ بِالسَّيفِ ، فَرَآهُ ذاتَ لَيلَةٍ فَقالَ : يا قَنبَرُ ما لَكَ ؟
فَقالَ : جِئتُ لِأَمشِيَ خَلفَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ .
قالَ : وَيحَكَ أ مِن أهلِ السَّماءِ تَحرُسُني أو مِن أهلِالأَرضِ ؟ !
فَقالَ : لا ، بَل مِن أهلِ الأَرضِ .
فَقالَ : إنَّ أهلَ الأَرضِ لا يَستَطيعونَ لي شَيئا إلّا بِإِذنِ اللّهِ مِنَ السَّماءِ ، فَارجِع . فَرَجَعَ (2) .ذبل : عن أبي عبداللّه عليه السلام :الإرشاد :ما رَواهُ أصحابُ السّيرَةِ مِن طُرُقٍ مُختَلِفَةٍ : أنَّ الحَجّاجَ بنَ يُوسُفَ الثَّقَفِيَّ قالَ ذاتَ يَومٍ : اُحِبُّ أن اُصيبَ رَجُلاً مِن أصحابِ أبي تُرابٍ فَأَتَقَرَّبَ إلَى اللّهِ بِدَمِهِ ! !
فَقيلَ لَهُ : ما نَعلَمُ أحَدا كانَ أطولَ صُحبَةً لِأَبي تُرابٍ مِن قَنبَرٍ مَولاهُ . فَبَعَثَ في طَلَبِهِ فَاُتِيَ بِهِ ، فَقالَ لَهُ : أنتَ قَنبَرٌ ؟
قالَ : نَعَم .
قالَ : أبو هَمدانَ ؟
قالَ : نَعم .
قالَ : مَولى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؟
قالَ : اللّهُ مَولايَ ، وأميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ وَلِيُّ نِعمَتي .
قالَ : ابرَأ مِن دينِهِ . .
ص: 445
ذبل : عن أبي عبداللّه عليه السلام :قالَ : فَإِذا بَرِئتُ مِن دينِهِ تَدُلُّني عَلى دينٍ غَيرِهِ أفضَلَ مِنهُ ؟
فَقالَ : إنّي قاتِلُكَ ، فَاختَر أيَّ قَتلَةٍ أحَبَّ إلَيكَ .
قالَ : قَد صَيَّرتُ ذلِكَ إلَيكَ .
قالَ : ولِمَ ؟
قالَ : لِأَنَّكَ لا تَقتُلُني قَتلَةً إلّا قَتَلتُكُ مِثلَها ، ولَقَد خَبَّرَني أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام أنَّ مَنِيَّتي تَكونُ ذَبحا ظُلما بِغَيرِ حَقٍّ .
قالَ : فَأَمَرَ بِهِ فَذُبِحَ (1) .* ومنه في زيارة الإمام الحسين عليه السلام :الإمام الهادي عليه السلام :إنَّ قَنبَرا مَولى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام دَخَلَ عَلَى الحَجّاجِ بنِ يُوسُفَ ، فَقالَ لَهُ : ما الَّذي كُنتَ تَلي مِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؟
فَقالَ : كُنتُ اُوَضِّئُهُ .
فَقالَ لَهُ : ما كانَ يَقولُ إذا فَرَغَ مِن وُضوئِهِ ؟
فَقالَ : كانَ يَتلو هذِهِ الآيَةَ : «فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَ بَ كُلِّ شَىْ ءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ اُوتُواْ أَخَذْنَ_هُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» (2)
فَقالَ الحَجّاجُ : أظُنُّهُ كانَ يَتَأَوَّلُها عَلَينا ؟
قالَ : نَعَم .
فَقالَ : ما أنتَ صانِعٌ إذا ضَرَبتُ عِلاوَتَكَ ؟
قالَ : إذَن اُسعدَ وتَشقى . فَأَمَرَ بِهِ (3) . .
ص: 446
81قَيسُ بنُ سَعدِ بنِ عُبادَةَقيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي الساعدي ، هو أحد الصحابة (1) ومن كبار الأنصار . وكان يحظى باحترام خاصّ بين قبيلته والأنصار وعامّة المسلمين (2) ، وكان شجاعاً ، كريم النّفس ، عظيماً ، مطاعاً في قبيلته (3) . وكان طويل القامة ، قويّ الجسم ، معروفاً بالكرم (4) ، مشهوراً بالسخاء (5) . حمل اللواء في بعض حروب النّبيّ صلى الله عليه و آله (6) . وهو من السبّاقين إلى رعاية حرمة الحقّ (7) ، والدفاع عن «خلافة الحقّ» و «حقّ الخلافة» وإمامة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله (8) . وكان من صحابة الإمام عليه السلام المقرّبين وحماته الثابتين في أيّام خلافته عليه السلام .
.
ص: 447
ولّاه عليه السلام على مصر (1) ، فاستطاع بحنكته أن يُسكت المعارضين ويقضي على جذور المؤامرة (2)(3) . حاول معاوية آنذاك أن يعطفه إليه ، بَيْدَ أنّه خاب ولم يُفلح . وبعد مدّة استدعاه الإمام عليه السلام وأشخص مكانه محمّد بن أبي بكر لحوادث وقعت يومئذٍ (4) . وكان قيس قائداً لشرطة الخميس (5) ، وأحد الاُمراء في صفّين ، إذ ولي رجّالة البصرة فيها (6) . تولّى قيادة الأنصار عند احتدام القتال (7) وكان حضوره في الحرب مهيباً . وخطبه في تمجيد شخصيّة الإمام عليه السلام ، ورفعه علم الطاعة لأوامره عليه السلام ، وحثّ اُولي الحقّ وتحريضهم على معاوية ، كلّ ذلك كان أمارة على وعيه العميق ، وشخصيّته الكبيرة ، ومعرفته بالتيّارات السياسيّة والاجتماعيّة والاُمور الجارية ، وطبيعة الوجوه يومذاك (8) . ولّاه الإمام عليه السلام على أذربيجان (9) . وشهد قيس معه صفّين والنّهروان 10 ، وكان على
.
ص: 448
ميمنة الجيش (1) . ولمّا عزم الإمام عليه السلام على قتال معاوية بعد النّهروان ، ورأى حاجة الجيش إلى قائد شجاع مجرَّب متحرّس أرسل إليه ليشهد معه الحرب (2) . وفي آخر تعبئة للجيش من أجل حرب المفسدين والمعتدين ، صعد الإمام عليه السلام على حجارة وخطب خطبة كلّها حرقة وألم ، وذكر الشجعان من جيشه _ ويبدو أنّ هذه الخطبة كانت آخر خطبة له _ ثمّ أمّر قيساً على عشرة آلاف . كما عقد للإمام الحسين عليه السلام على عشرة آلاف ، ولأبي أيّوب الأنصاري على عشرة آلاف ، ومن المؤسف أنّ الجيش قد تخلخل وضعه بعد استشهاده عليه السلام (3) . وكان قيس أوّل من بايع الإمام الحسن عليه السلام بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام ، ودعا النّاس إلى بيعته من خلال خطبة واعية له (4) . وكان على مقدّمة جيشه عليه السلام (5) . ولمّا كان عبيد اللّه بن العبّاس أحد اُمراء الجيش ، كان قيس مساعداً له ، وحين فرّ عبيد اللّه إلى معاوية صلّى قيس بالناس الفجر ، ودعا المصلّين إلى الجهاد والثبات والصمود ، ثمّ أمرهم بالتحرّك (6) . وبعد عقد الصلح بايع قيس معاوية بأمر الإمام عليه السلام (7) . فكرّمه معاوية ،
.
ص: 449
وأثنى عليه (1) . وعُدَّ قيس أحد الخمسة المشهورين بين العرب بالدهاء (2) . وفارق قيس الحياة في السنين الأخيرة من حكومة معاوية (3) .
ذخر : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :سير أعلام النّبلاء عن عمرو بن دينار :كانَ قَيسُ بنُ سَعدٍ رَجُلاً ضَخما ، جَسيما ، صَغيرَ الرَّأسِ ، لَيسَت لَهُ لِحيَةٌ ، إذا رَكِبَ حِمارا خَطَّت رِجلاهُ الأَرضَ (4) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في لحوم الأضاُسد الغابة عن ابن شهاب :كانَ قَيسُ بنُ سَعدٍ يَحمِلُ رايَةَ الأَنصارِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله . قيلَ : إنَّهُ كانَ في سَرِيَّةٍ فيها أبو بَكرٍ وعُمَرُ ، فَكانَ يَستَدينُ ويُطعِمُ النّاسَ ، فَقالَ أبو بَكرٍ وعُمَرُ : إن تَرَكنا هذَا الفَتى أهلَكَ مالَ أبيهِ ، فَمَشَيا فِي النّاسِ ، فَلَمّا سَمِعَ سَعدٌ قامَ خَلفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : مَن يَعذِرُني (5) مِنِ ابنِ أبي قُحافَةَ وابنِ الخَطّابِ؟ يُبَخِّلانِ عَلَيَّ ابني (6) .ردم : عن أبي عبداللّه عليه السلام في بناء الكعبةتاريخ بغداد عن عروة :باعَ قَيسُ بنُ سَعدٍ مالاً مِن مُعاوِيَةَ بِتِسعينَ ألفا ، فَأَمَرَ مُنادِيا فَنادى فِي المَدينَةِ : مَن أرادَ القَرضَ فَليَأتِ مَنزِلَ سَعدٍ . فَأَقرَضَ أربَعينَ أو خَمسينَ ، وأجازَ بِالباقي ، وكَتَبَ عَلى مَن أقرَضَهُ صَكّا ، فَمَرِضَ مَرَضا قَلَّ عُوّادُهُ ، فَقالَ .
ص: 450
ردم : عن أبي عبداللّه عليه السلام في بناء الكعبةلِزَوجَتِهِ قَريبَةَ بنتِ أبي قُحافَةَ _ اُختِ أبي بَكرٍ _ : يا قَريبَةُ ، لِمَ تَرَينَ قَلَّ عُوّادي ؟
قالَت : لِلَّذي لَكَ عَلَيهِم مِنَ الدَّينِ .
فَأَرسَلَ إلى كُلِّ رَجُلٍ بِصَكِّهِ (1) .* وسئل الصادق عليه السلام عن قوله تعالى :الاستيعاب :مِن مَشهورِ أخبارِ قَيسِ بنِ سَعدِ بنِ عُبادَةَ : أنَّهُ كانَ لَهُ مالٌ كَثيرٌ دُيونا عَلَى النّاسِ ، فَمَرِضَ وَاستَبطَأَ عُوّادَهُ ، فَقيلَ لَهُ : إنَّهُم يَستَحيونَ مِن أجلِ دَينِكَ ، فَأَمَرَ مُنادِيا يُنادي : مَن كانَ لِقَيسِ بنِ سَعدٍ عَلَيهِ دَينٌ فَهُوَ لَهُ ، فَأَتاهُ النّاسُ حَتّى هَدَموا دَرَجَةً كانوا يَصعَدونَ عَلَيها إلَيهِ (2) .* وفي الخبر :تاريخ الإسلام عن موسى بن عقبة :وقَفَت عَلى قَيسٍ عَجوزٌ ، فَقالَت : أشكو إلَيكَ قِلَّةَ الجُرذانِ .
فَقالَ : ما أحسَنَ هذِهِ الكِنايَةَ ! املَؤوا بَيتَها خُبزا ولَحما وسَمنا وتَمرا (3)
.* ومنه عن الإمام الصادق عليه السلام في المُحرِم :شُعب الإيمان عن قيس بن سعد :لَولا أنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : المَكرُ وَالخَديعَةُ فِي النّارِ ، لَكُنتُ أمكَرَ هذِهِ الاُمَّةِ (4) .ردن : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الجنّة :تهذيب الكمال عن ابن شهاب :كانوا يَعُدُّون دُهاةَ العَرَبِ حينَ ثارَتِ الفِتنَةُ خَمسَةَ رَهطٍ ، يُقالُ لَهُم : ذَوو رَأيِ العَرَبِ في مَكيدَتِهِم : مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ، وعَمرُو بنُ العاصِ، .
ص: 451
ردن : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الجنّة :وقَيسُ بنُ سَعدِ بنِ عُبادَةَ، وَالمُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ ، ومِن المُهاجِرينَ عَبدُ اللّهِ بنُ بُدَيلِ بنِ وَرقاءَ الخُزاعِيُّ . وكانَ قَيسُ بنُ سَعدٍ وَابنُ بُدَيلٍ مَعَ عَلِيٍّ (1) .* وعن ابن عبّاس :سير أعلام النّبلاء عن أحمد بن البرقي :كانَ [قَيسٌ] صاحِبَ لِواءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في بَعضِ مَغازيهِ ، وكانَ بِمِصرَ والِيا عَلَيها لِعَلِيٍّ عليه السلام (2) .* ومنه عن عبدالمطّلب في النبيّ صلى الله عليه و آلتاريخ الطبري عن الزهري :كانَت مِصرُ مِن حينِ عَلِيٍّ ، عَلَيها قَيسُ بنُ سَعدِ بنِ عُبادَةَ ، وكانَ صاحِبَ رايَةِ الأَنصارِ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وكانَ مِن ذَوِي الرَّأيِ وَالبَأسِ ، وكانَ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ وعَمرُو بنُ العاصِ جاهِدَينِ عَلى أن يُخرِجاهُ مِن مِصرَ لِيَغلِبا عَلَيها ، فَكانَ قَدِ امتَنَعَ فيها بِالدَّهاءِ وَالمُكايَدَةِ ، فَلَم يَقدِرا عَلَيهِ ، ولا عَلى أن يَفتَتِحا مِصرَ (3) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :تاريخ الطبري عن سهل بن سعد :لَمّا قُتِلَ عُثمانُ ووَلِيَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ الأَمرَ ، دَعا قَيسَ بنَ سَعدٍ الأَنصارِيَّ فَقالَ لَهُ : سِر إلى مِصرَ فَقَد وَلَّيتُكَها ، وَاخرُج إلى رَحلِكَ ، وَاجمَع إلَيكَ ثِقاتِكَ ومَن أحبَبتَ أن يَصحَبَكَ حَتّى تَأتِيَها ومَعَكَ جُندٌ ، فَإِنَّ ذلِكَ أرعَبُ لِعَدُوِّكَ وأعَزُّ لِوَلِيِّكَ ، فَإِذا أنتَ قَدِمتَها إن شاءَ اللّهُ ، فَأَحسِن إلَى المُحسِنِ ، وَاشتَدَّ عَلَى المُريبِ ، وَارفُق بِالعامَّةِ وَالخاصَّةِ ، فَإِنَّ الرِّفقَ يُمنٌ .
فَقالَ لَهُ قَيسُ بنُ سَعدٍ : رَحِمَكَ اللّهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَقَد فَهِمتُ ما قُلتَ ، أمّا .
ص: 452
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :قَولُك : اُخرُج إلَيها بِجُندٍ ، فَوَاللّهِ لَئِن لَم أدخُلها إلّا بِجُندٍ آتيها بِهِ مِنَ المَدينَةِ لا أدخُلُها أبدا ، فَأَنَا أدَعُ ذلِكَ الجُندَ لَكَ ، فَإِن أنتَ احتَجتَ إلَيهِم كانوا مِنكَ قَريبا ، وإن أرَدتَ أن تَبعَثَهُم إلى وَجهٍ مِن وُجوهِكَ كانوا عُدَّةً لَكَ ، وأنَا أصيرُ إلَيها بِنَفسي وأهلِ بَيتي . وأمّا ما أوصَيتَني بِهِ مِنَ الرِّفقِ وَالإِحسانِ ، فَإِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ هُوَ المُستعانُ عَلى ذلِكَ .
قالَ : فَخَرَجَ قَيسُ بنُ سَعدٍ في سَبعَةِ نَفَرٍ مِن أصحابِهِ حَتّى دَخَلَ مِصرَ (1) .رده : عن أبي جعفر عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابٍ كَتَبَهُ لِأَهلِ مِصرَ مَعَ قَيسِ بنِ سَعدٍ لَمّا وَلّاهُ إمارَتَها _: قَد بَعَثتُ إلَيكُم قَيسَ بنَ سَعدِ بنِ عُبادَةَ أميرا ، فَوازِروهُ وكانِفوهُ (2) ، وأعينوهُ عَلى الحَقِّ ، وقَد أمَرتُهُ بِالإِحسانِ إلى مُحسِنِكُم ، وَالشِّدَّةِ عَلى مُريبِكُم ، وَالرِّفقِ بِعَوامِّكُم وخَواصِّكُم ، وهُوَ مِمَّن أرضى هَديَهُ ، وأرجو صَلاحَهُ ونَصيحَتَهُ . أسأَلُ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ لَنا ولَكُم عَمَلاً زاكِيا ، وثَوابا جَزيلاً ، ورَحمَةً واسِعَةً ، وَالسَّلامُ عَلَيكُم ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ (3)
.* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :الكامل في التاريخ :خَرَجَ قَيسٌ حَتّى دَخَلَ مِصرَ في سَبعَةٍ مِن أصحابِهِ . . . ، فَصَعِدَ المِنبَرَ فَجَلَسَ عَلَيهِ ، وأمَرَ بِكِتابِ أميرِ المُؤمِنينَ فَقُرِئَ عَلى أهلِ مِصرَ بِإِمارَتِهِ ، ويَأمُرُهُم بِمُبايَعَتِهِ ومُساعَدَتِهِ وإعانَتِهِ عَلَى الحَقِّ ، ثُمَّ قامَ قَيسٌ خَطيبا وقالَ :
الحَمدُ للّهِ الَّذي جاءَ بِالحَقِّ وأماتَ الباطِلَ وكَبَتَ الظّالِمينَ ، أيُّهَا النّاسُ ، إنّا قَد بايَعنا خَيرَ مَن نَعلَمُ بَعدَ نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله ، فَقوموا أيُّهَا النّاسُ فَبايِعوهُ عَلى كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ ، فَإِن نَحنُ لَم نَعمَل لَكُم بِذلِكَ فَلا بَيعَةَ لَنا عَلَيكُم . .
ص: 453
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :فَقامَ النّاسُ فَبايَعوا ، وَاستَقامَت مِصرُ ، وبَعَثَ عَلَيها عُمّالَهُ، إلّا قَريَةً مِنها يُقالُ لَها : خَرنَبا ، فيها ناسٌ قَد أعظَموا قَتلَ عُثمانَ ، عَلَيهِم رَجُلٌ مِن بَني كِنانَةَ ثُمَّ مِن بَني مُدلِجٍ اسمُهُ يَزيدُ بنُ الحَرثِ ، فَبَعَثَ إلى قَيسٍ يَدعو إلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثمانَ .
وكانَ مَسلَمَةُ بنُ مُخَلّدٍ قَد أظهَرَ الطَّلَبَ أيضا بِدَمِ عُثمانَ ، فَأَرسَلَ إلَيهِ قَيسٌ : وَيحَكَ أ عَلَيَّ تَثِبُ ؟ ! فَوَاللّهِ ما اُحِبُّ أنَّ لي مُلكَ الشّامِ إلى مِصرَ وأنّي قَتَلتُكَ !
فَبَعَثَ إلَيهِ مَسلَمَةُ : إنّي كافٌّ عَنكَ ما دُمتَ أنتَ والِيَ مِصرَ .
وبَعَثَ قَيسٌ _ وكانَ حازِما _ إلى أهلِ خَرنَبا : إنّي لا اُكرِهُكُم عَلَى البَيعَةِ وإنّي كافٌّ عَنكُم ، فَهادَنَهُم وجَبَى الخَراجَ لَيسَ أحَدٌ يُنازِعُهُ (1) .ردا : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :أنساب الأشراف عن محمّد بن سيرين :بَعَثَ عَلِيٌّ قَيسَ بنَ سَعدِ بنِ عُبادَةَ أميرا عَلى مِصرَ ، فَكَتَبَ إلَيهِ مُعاوِيَةُ وعَمرُو بنُ العاصِ كِتابا أغلَظا فيهِ وشَتَماهُ ، فَكَتَبَ إلَيهِما بِكِتابٍ لَطيفٍ قارَبَهُما فيهِ ، فَكَتَبا إلَيهِ يَذكُرانِ شَرَفَهُ وفَضلَهُ ، فَكَتَبَ إلَيهِما بِمِثلِ جَوابِهِ كِتابَهُمَا الأَوَّلَ .
فَقالا : إنّا لا نُطيقُ مَكرَ قَيسِ بنِ سَعدٍ ، ولكِنّا نَمكُرُ بِهِ عِندَ عَلِيٍّ ، فَبَعَثا بِكِتابِهِ الأَوَّلِ إلى عَلِيٍّ ، فَلَمّا قَرَأَهُ قالَ أهلُ الكوفَةِ : غَدَرَ وَاللّهِ قَيسٌ فَاعزِلهُ .
فَقالَ عَلِيٌّ : وَيحَكُم ، أنَا أعلَمُ بِقَيسٍ ، إنَّهُ وَاللّهِ ما غَدَرَ ولكِنَّها إحدى فَعَلاتِهِ .
قالوا : فَإِنّا لا نَرضى حَتّى تَعزِلَهُ . فَعَزَلَهُ وبَعَثَ مَكانَهُ مُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ (2) .* وعنه عليه السلام :تاريخ الطبري عن أبي مخنف :لَمّا أيِسَ مُعاوِيَةُ مِن قَيسٍ أن يُتابِعَهُ عَلى أمرِهِ ، شَقَّ عَلَيهِ ذلِكَ ؛ لِما يَعرِفُ مِن حَزمِهِ وبَأسِهِ ، وأظهَرَ لِلنّاسِ قِبَلِهِ أنَّ قَيسَ بنَ سَعدٍ قَد تابَعَكُم ، .
ص: 454
* وعنه عليه السلام :فَادعُوا اللّهَ لَهُ ، وقَرَأَ عَلَيهِم كِتابَهُ الَّذي لانَ لَهُ فيهِ وقارَبَهُ .
قالَ : وَاختَلَقَ مُعاوِيَةُ كِتابا مِن قَيسِ بنِ سَعدٍ ، فَقَرَأَهُ عَلى أهلِ الشّامِ :
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، لِلأَميرِ مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ مِن قَيسِ بنِ سَعدٍ ، سَلامٌ عَلَيكَ ، فَإِنّي أحمَدُ إلَيكُمُ اللّهَ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، أمّا بَعدُ ، فَإِنّي لَمّا نَظَرتُ رَأَيتُ أنَّهُ لا يَسَعُني مُظاهَرَةَ قَومٍ قَتَلوا إمامَهُم مُسلِما مُحَرَّما بَرّا تَقِيّا ، فَنَستَغفِرُ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ لِذُنوبِنا ، ونَسأَلُهُ العِصمَةَ لِدينِنا . ألا وإنّي قَد ألقَيتُ إلَيكُم بِالسِّلمِ ، وإنّي أجَبتُكَ إلى قِتالِ قَتَلَةِ عُثمانَ ، إمامِ الهُدى المَظلومِ ، فَعَوِّل عَلَيَّ فيما أحبَبتَ مِنَ الأَموالِ وِالرِّجالِ اُعَجِّل عَلَيكَ ، وَالسَّلامُ .
فَشاعَ في أهلِ الشّامِ أنَّ قَيسَ بنَ سَعدٍ قَد بايَعَ مُعاوِيَةَ بنَ أبي سُفيانَ ، فَسَرَّحَت عُيونُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ إلَيهِ بِذلِكَ ، فَلَمّا أتاهُ ذلِكَ أعظَمَهُ وأكبَرَهُ ، وتَعَجَّبَ لَهُ ، ودَعا بَنيهِ ، ودَعا عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ فَأَعلَمَهُم ذلِكَ ، فَقالَ : ما رَأيُكُم ؟
فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، دَع ما يُريبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ ، اِعزِل قَيسا عَن مِصرَ .
قالَ لَهُم عَلِيٌّ : إنّي وَاللّهِ ما اُصَدِّقُ بِهذا عَلى قَيسٍ .
فَقالَ عَبدُ اللّهِ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اِعزِلهُ ، فَوَاللّهِ لَئِن كانَ هذا حَقّا لا يَعتَزِلُ لَكَ إن عَزَلتَهُ (1) .* ومنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله في صفة الجاهتاريخ الطبري عن أبي مخنف :جاءَ كِتابٌ مِن قَيسِ بنِ سَعدٍ فيهِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أمّا بَعدُ ، فَإِنّي اُخبِرُ أميرَ المُؤمِنينَ أكرَمَهُ اللّهُ أنَّ قِبَلي رِجالاً مُعتَزِلينَ قَد سَأَلوني أن أكُفَّ عَنهُم ، وأن أدَعَهُم عَلى حالِهِم حَتّى يَستَقيمَ أمرُ النّاسِ ، فَنَرى .
ص: 455
* ومنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله في صفة الجاهويَرَوا رَأيَهُم ، فَقَد رَأَيتُ أن أكُفَّ عَنهُم ، وألّا أتَعَجَّلَ حَربَهُم ، وأن أتَأَ لَّفَهُم فيما بَينَ ذلِكَ لَعَلَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أن يُقبِلَ بِقُلوبِهِم ، ويُفَرِّقَهُم عَن ضَلالَتِهِم ، إن شاءَ اللّهُ .
فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما أخوَفَني أن يَكونَ هذا مُمالَأَةً لَهُم مِنهُ ، فَمُرهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ بِقِتالِهِم ، فَكَتَبَ إلَيهِ عَلِيٌّ :
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أمّا بَعدُ ، فَسِر إلَى القَومِ الَّذينَ ذَكَرتَ ، فَإِن دَخَلوا فيما دَخَلَ فيهِ المُسلِمونَ وإلّا فَناجِزهُم ، إن شاءَ اللّهُ .
فَلَمّا أتى قَيسَ بنَ سَعدٍ الكِتابُ فَقَرَأَهُ ، لَم يَتَمالَك أن كَتَبَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ :
أمّا بَعدُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَقَد عَجِبتُ لِأَمرِكَ ، أ تَأمُرُني بِقِتالِ قَومٍ كافّينَ عَنكَ ، مُفَرِّغيكَ لِقِتالِ عَدُوِّكَ ؟ ! وإنَّكَ مَتى حارَبتَهُم ساعَدوا عَلَيكَ عَدُوَّكَ ، فَأَطِعني يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وَاكفُف عَنهُم ، فَإِنَّ الرَّأيَ تَركَهُم ، وَالسَّلامُ . . .
فَبَعَثَ عَلِيٌّ مُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ عَلى مِصرَ وعَزَلَ عَنها قَيسا (1) .* ومنه عن الصادق عليه السلام :تاريخ الطبري عن كعب الوالبي :إنَّ عَلِيّا كَتَبَ مَعَهُ [أي مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ ]إلى أهلِ مِصرَ كِتابا ، فَلَمّا قَدِمَ بِهِ عَلى قَيسٍ ، قالَ لَهُ قَيسٌ : ما بالُ أميرِ المُؤمِنينَ ؟ ! ما غَيَّرَهُ ؟ أدَخَلَ أحَدٌ بَيني وبَينَهُ ؟
قالَ لَهُ : لا ، وهذَا السُّلطانُ سُلطانُكَ !
قالَ : لا ، وَاللّهِ لا اُقيمُ مَعَكَ ساعَةً واحِدَةً . وغَضِبَ حينَ عَزَلَهُ ، فَخَرَجَ مِنها مُقبِلاً إلَى المَدينَةِ ، فَقَدِمَها ، فَجاءَهُ حَسّانُ بنُ ثابِتٍ شامِتا بِهِ _ وكانَ حَسّانُ عُثمانِيّا _ فَقالَ لَهُ : نَزَعَكَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وقَد قَتَلتَ عُثمانَ ، فَبَقِيَ عَلَيكَ الإِثمُ ، ولَم يُحسِن لَكَ الشُّكرَ ! .
ص: 456
* ومنه عن الصادق عليه السلام :فَقالَ لَهُ قَيسُ بنُ سَعدٍ : يا أعمَى القَلبِ وَالبَصَرِ ، وَاللّهِ لَولا أن اُلقِيَ بَينَ رَهطي ورَهطِكَ حَربا لَضَرَبتُ عُنُقَكَ ، اُخرُج عَنّي .
ثُمَّ إنَّ قَيسا خَرَجَ هُوَ وسَهلُ بنُ حُنَيفٍ حَتّى قَدِما عَلى عَلِيٍّ ، فَخَبَّرَهُ قَيسٌ فَصَدَّقَهُ عَلِيٌّ ، ثُمَّ إنَّ قَيسا وسَهلاً شَهِدا مَعَ عَلِيٍّ صِفّينَ (1) .* وعنه عليه السلام :سير أعلام النّبلاء عن الزهري :قَدِمَ قَيسٌ المَدينَةَ فَتَوامَرَ (2) فيهِ الأَسوَدُ بنُ أبِي البُختُرِيِّ ومَروانُ أن يُبَيِّتاهُ ، وبَلَغَ ذلِكَ قَيسا ، فَقالَ : وَاللّهِ إنَّ هذا لَقَبيحٌ أن اُفارِقَ عَلِيّا وإن عَزَلَني ، وَاللّهِ لَأَلحَقَنَّ بِهِ .
فَلَحِقَ بِهِ ، وحَدَّثَهُ بِما كانَ يَعتَمِدُ بِمِصرَ . فَعَرَفَ عَلِيٌّ أنَّ قَيسا كانَ يُداري أمرا عَظيما بِالمَكيدَةِ ، فَأَطاعَ عَلِيٌّ قَيسا فِي الأَمرِ كُلِّهِ ، وجَعَلَهُ عَلى مُقَدِّمَةِ جَيشِهِ (3) .ركد : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في طلحة :الغارات عن المدائني عن أصحابه :فَسَدَت مِصرُ عَلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ ، فَبَلَغَ عَلِيّا تَوَثُّبُهُم عَلَيهِ ، فَقالَ : ما لِمِصرَ إلّا أحَدُ الرَّجُلَينِ : صاحِبُنا الَّذي عَزَلناهُ عَنها بِالأَمسِ _ يَعني قَيسَ بنَ سَعدٍ _ أو مالِكُ بنُ الحارِثِ الأَشتَرُ .
وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام حينَ رَجَعَ عَن صِفّينَ قَد رَدَّ الأَشتَرَ إلى عَمَلِهِ بِالجَزيرَةِ ، وقالَ لِقَيسِ بنِ سَعدٍ : أقِم أنتَ مَعي عَلى شَرَطَتي حَتّى نَفرُغَ مِن أمرِ هذِهِ الحُكومَةِ ، ثُمَّ اخرُج إلى أذرَبيجانَ ، فَكانَ قَيسٌ مُقيما عَلى شَرَطَتِهِ (4) .* وفي الخبر :الإمام عليّ_ في كِتابِهِ إلى قَيسِ بنِ سَعدِ بنِ عُبادَةَ وهُوَ عَلى أذرَبيجانَ _: أمّا بَعدُ ، .
ص: 457
* وفي الخبر :فَأَقبِل عَلى خَراجِكَ بِالحَقِّ ، وأحسِن إلى جُندِكَ بِالإِنصافِ ، وعَلِّم مَن قِبَلَكَ مِمّا عَلَّمَكَ اللّهُ ، ثُمَّ إنَّ عَبدَ اللّهِ بنَ شُبَيلٍ الأَحمَسِيَّ سَأَلَني الكِتابَ إلَيكَ فيهِ بِوِصايَتِكَ بِهِ خَيرا ، فَقَد رَأَيتُهُ وادِعا مُتَواضِعا ، فَأَلِن حِجابَكَ ، وَافتَح بابَكَ ، وَاعمَد إلَى الحَقِّ فَإِن وافَقَ الحَقُّ ما يَحبو أسَرَّهُ «وَ لَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ» (1) . (2)* وعن المقداد بن الأسود :تاريخ اليعقوبي عن غياث :لَمّا أجمَعَ عَلِيٌّ القِتالَ لِمُعاوِيَةَ كَتَبَ أيضا إلى قَيسٍ : أمّا بَعدُ ، فَاستَعمِل عَبدَ اللّهِ بنَ شُبَيلٍ الأَحمَسِيَّ خَليفَةً لَكَ ، وأقبِل إلَيَّ ، فَإِنَّ المُسلِمينَ قَد أجمَعَ مَلَؤُهُم وَانقادَت جَماعَتُهُم ، فَعَجِّلِ الإِقبالَ ، فَأَنَا سَأَحضَرَنَّ إلَى المُحِلّينَ عِندَ غُرَّةِ الهِلالِ ، إن شاءَ اللّهُ ، وما تَأَخُّري إلّا لَكَ ، قَضَى اللّهُ لَنا ولَكَ بِالإِحسانِ في أمرِنا كُلِّهِ (3) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :تاريخ الطبري عن الزهري :جَعَلَ عَلِيٌّ عليه السلام قَيسَ بنَ سَعدٍ عَلى مُقَدِّمَتِهِ مِن أهلِ العِراقِ إلى قِبَلِ أذرَبيجانَ ، وعَلى أرضِها ، وشَرَطَةِ الخَميسِ الَّذِي ابتَدَعَهُ مِنَ العَرَبِ ، وكانوا أربَعينَ ألفا ، بايَعوا عَلِيّا عليه السلام عَلَى المَوتِ ، ولَم يَزَل قَيسٌ يُدارِئُ ذلِكَ البَعثَ حَتّى قُتِلَ عَلِيٌّ عليه السلام (4) .* ومنه الدعاء عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام :وقعة صفّين عن قيس بن سعد_ قَبلَ حَربِ صِفّينَ _: يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اِنكَمِش بِنا إلى عَدُوِّنا ولا تُعَرِّد (5) ، فَوَاللّهِ لِجِهادُهُم أحَبُّ إلَيَّ مِن جِهادِ التُّركِ وَالرّومِ ؛ لِاءِدهانِهِم في دينِ اللّهِ ، وَاستِذلالِهِم أولِياءَ اللّهِ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ؛ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالتّابِعينَ بِإِحسانٍ . .
ص: 458
* ومنه الدعاء عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام :إذا غَضِبوا عَلى رَجُلٍ حَبَسوهُ أو ضَرَبوهُ أو حَرَموهُ أو سَيَّروهُ ، وفَيئُنا لَهُم في أنفُسِهِم حَلالٌ ، ونَحنُ لَهُم _ فيما يَزعُمونَ _ قَطينٌ (1) . (2)* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :تاريخ اليعقوبي :أتاهُ (3) [مُعاوِيَةَ] قيسُ بنُ سَعدِ بنِ عُبادَةَ فَقالَ : بايِع قَيسٌ !
قالَ : إن كُنتُ لَأَكرَهُ مِثلَ هذَا اليَومِ ، يا مُعاوِيَةُ .
فَقالَ لَهُ : مَه ، رَحِمَكَ اللّهُ ! فَقالَ : لَقَد حَرَصتُ أن اُفَرِّقَ بَينَ روحِكَ وجَسَدِكَ قَبلَ ذلِكَ ، فَأَبَى اللّهُ _ يَابنَ أبي سُفيانَ _ إلّا ما أحَبَّ . قالَ : فَلا يُرَدُّ أمرُ اللّهِ .
قالَ : فَأَقبَلَ قَيسٌ عَلَى النّاسِ بِوَجهِهِ ، فَقالَ : يا مَعشَرَ النّاسِ ، لَقَدِ اعتَضتُمُ الشَّرَّ مِنَ الخَيرِ ، وَاستَبدَلتُمُ الذُّلَّ مِنَ العِزِّ ، وَالكُفرَ مِنَ الإيمانِ ، فَأَصبَحتُم بِعدَ وِلايَةِ أميرِ المُؤمِنينَ ، وسَيِّدِ المُسلِمينَ ، وَابنِ عَمِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ ، وقَد وَلِيَكُمُ الطَّليقُ ابنُ الطَّليقِ يَسومُكُمُ الخَسفَ ، ويَسيرُ فيكُم بِالعَسفِ ، فَكَيفَ تَجهَلُ ذلِكَ أنفُسُكُم ، أم طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلوبِكُم ، وأنتُم لا تَعقِلونَ ؟!
فَجَثا مُعاوِيَةُ عَلى رُكبَتَيهِ ، ثُمَّ أخَذَ بِيَدِهِ وقالَ : أقسَمتُ عَلَيكَ ! ثُمَّ صَفَقَ عَلى كَفِّهِ ، ونادَى النّاسُ : بايَعَ قَيسٌ !
فَقالَ : كَذَبتُم ، وَاللّهِ ، ما بايَعتُ (4) . .
ص: 459
تحليل عزل قيس بن سعدكان قيس بن سعد بن عبادة سياسيّاً ماهراً ، وذكيّاً ، ودقيقاً في الاُمور ، فعيّنه الإمام عليه السلام في أوائل أيّام خلافته والياً على مصر ، وبعثه إليها . وأراد الإمام عليه السلام إرسال جيش إلى مصر لدعم ونصرة قيس ، بيدَ أنّ قيساً أخذ معه نفراً قليلاً يقلّ عددهم عن السبعة وقائلاً للإمام : أنا أدع ذلك الجند لك فإن أنت احتجت إليهم كانوا منك قريبا . وأخرج محمّد بن أبي حذيفة عبدَ اللّه بن سعد بن أبي سرح وأعوانه وأنصاره من ممثّلي عثمان في مصر قبل مجيء قيس إليها ، فلمّا وصل قيس تسلّط على زمام الاُمور بسهولة ، واعتمد سياسة مسايرة المخالفين ، واستطاع بهذه السياسة أن يُسيطر على الوضع السائد ، ويُهدِّئ العثمانيّين ، ويحول دون ثورتهم . واستمرّ هذا الهدوء مدّة هي دون السنة قطعاً ، حيث عزل الإمام قيس بن سعد واستدعاه وولّى عليها محمّد بن أبي بكر ؛ وكان شابّاً شجاعاً ، لكن لم تكن له قدرة قيس السياسيّة . وكان عزل قيس ونصب محمّد محلّاً لسؤال وقدح الكثيرين ، وبالخصوص في السنوات التالية ؛ حيث ثار النّاس على محمّد بن أبي بكر ، وآل الأمر إلى إلقاء القبض عليه وقتله وإحراق جسده .
.
ص: 460
فكان السؤال الَّذي يطرح نفسه : لماذا عزل الإمام عليه السلام السياسيَّ الذكيّ ، وعيّن محلّه هذا الشابّ النّاشئ ، حتى انتهى به الحال إلى شهادته بهذا الشكل المفجع ؟ تُعزي النّصوص التاريخيّة السبب إلى مؤامرة حاكها معاوية لتحقيق أهدافه الخبيثة ؛ حيث قيل إنّه كان يسعى إلى كسب قيس بأساليبه الخدّاعة ، وأرسل إليه عدّة رسائل حرّضه فيها على الطلب بثأر عثمان ، بيد أنّ قيساً كان أذكى من أن تنطلي عليه مثل هذه الأساليب ، بل احترز عن الإدلاء برأيه الصريح في موافقة معاوية أو مخالفته ؛ وذلك لما تميّزت به مصر من المحلّ الاستراتيجي من جهة ، وطمع بني اُميّة ونفوذهم فيها ، وقربها إلى الشام من جهة اُخرى . بيد أنّ معاوية _ هذا السياسي الماكر المتأثّر بمرافقة وإسناد عمرو بن العاص _ ابتدع بمكره رسالة مزوّرة عن لسان قيس بن سعد مضمونها تأييد معاوية (1) . وذاع خبر هذه الرسالة في الشام ، ووصل خبرها إلى الكوفة وإلى الإمام عليّ عليه السلام ، فجمع الإمام عليه السلام أعوانه وشاورهم في هذا الموضوع ، فكان رأيهم عزل قيس بن سعد وتعيين رجل أصلب منه ؛ لانتشار خبر هذه الرسالة بين الجيش وبين عامّة المسلمين . جاء في بعض النّصوص الإشارة إلى اقتراح عبد اللّه بن جعفر بعزل قيس بن سعد ، وتعيين محمّد بن أبي بكر . وقد حُمل هذا الاقتراح على محبّة عبد اللّه لأخيه محمّد بن أبي بكر ؛ حيث كانا أخوين لاُمّ واحدة (2) . وقال بعض المفكّرين : إنّ عزل قيس ونصب محمّد بن أبي بكر كان بسبب الضغوط الَّتي تحمّلها الإمام من أصحابه ؛ قال العلّامة المجلسي : وجدت في بعض
.
ص: 461
الكتب أنّ عزل قيس عن مصر ممّا غلب أميرَ المؤمنين عليه السلام أصحابُه واضطرّوه إلى ذلك ، ولم يكن هذا رأيه ؛ كالتحكيم ، ولعلّه أظهر وأصوب (1) . وقال بعض المُغرضين : إنّ سبب هذا هو انخداع أمير المؤمنين عليه السلام بحيلة معاوية (2) . والَّذي وصلنا إليه من مجموع هذه التحليلات والنّظريّات أنّها جميعاً بصدد تحليل «النّتيجة» لا بصدد تحليل «الاُسلوب» . وبكلمة اُخرى : إنّ الَّذي جُعل تحت مجهر البحث هو النّتيجة الحاصلة من دون لحاظ الظروف المحيطة والعوامل المؤثّرة الموجودة أو المختلقة آنذاك . وإنّما صُبّ النّظر على موفّقية قيس بن سعد وانهزام محمّد بن أبي بكر ، مع أنّ الصحيح هو تحليل هذا الموقف الَّذي اتّخذه الإمام عليه السلام مع الأخذ بنظر الاعتبار جميع العوامل المؤثّرة ، وكلّ ما له دخل في اتّخاذ هذا التصميم من دون غفلة عن الواقع اليومي الحاكم آنذاك ، وعلى هذا ، نقول في تحليل الموقف: 1 _ إنّ قيس بن سعد من الشخصيّات السياسيّة البارزة في التاريخ الإسلامي ، بل عُدّ من دُهاة العرب الخمسة ، ولا شبهة في ذكائه ، وممّا يؤيّد ذلك الاطمئنان والهدوء الَّذي خيّم على مصر أيّام حكومته . 2 _ إنّ محمّد بن أبي بكر كان هو الآخر من الشخصيّات البارزة آنذاك ، وكان له محبّة في قلوب المصريّين ، حتى أنّ الثائرين على عثمان طلبوا من عثمان عزل عبد اللّه بن أبي سرح ونصبه بدله ، وحين قام عثمان بذلك سافر المصريّون إلى بلادهم . ولهذا كان من الطبيعي أن يميل المصريّون إلى حكومة محمّد بن أبي بكر حين ولي أمير المؤمنين عليه السلام الخلافة أيضاً .
.
ص: 462
3 _ عُزل قيس بن سعد في منتصف سنة (36 ه ) عن ولاية مصر ، وولّي محمّد بن أبي بكر مكانه ، فكان مجموع ولايته على مصر ثمانية أشهر . وأمّا محمّد بن أبي بكر فقد استمرّت حكومته إلى آخر العام (37 ه ) وقد حكمها تلك المدّة باقتدار تامّ ، ولم تحصل أيّ فتنة أو ثورة . 4 _ بعد التحكيم وما أعقبه من تشتّت جيش الإمام واشتداد شوكة معاوية وأصحابه ، تغيّرت الأوضاع ، ومن جملة ذلك أوضاع مصر ؛ حيث اعترض العثمانيّون في مصر بعد سباتهم وهدوئهم قبل ذلك ، وهجم جيش الشام بقيادة عمرو بن العاص على مصر _ الَّتي كان يراها حقّه وحصّته من صفقة الصلح مع معاوية _ وقد استطاع بمؤازرة العثمانيّين القاطنين في مصر كسرَ جيش محمّد بن أبي بكر ، ولم تكن الأوضاع مؤاتية للإمام كي يستطيع إرسال الإمدادت العسكريّة لإسناد محمّد بن أبي بكر ، كما لم تكن قوّات محمّد بن أبي بكر بذلك العدد الَّذي يستطيع مقاومة جيش الشام . 5 _ اتّضح ممّا سبق أنّ اختيار محمّد بن أبي بكر ونصبه والياً على مصر اختيار صائب تماماً في ذلك الظرف ، كما أنّه على وفق القواعد السياسيّة . وتبيّن أنّ مدّة حكومته على مصر تعادل حكومة قيس بن سعد بمرّتين ، وأنّ انكسار محمّد بن أبي بكر ناشئ من عوامل ومؤثّرات خارجة عن اختياره . 6 _ إنّ سياسة قيس بن سعد وإن حافظت على هدوء مصر لكنّها كانت محطّاً للسؤال والنّقد ؛ حيث كان الواجب عليه في أوائل خلافة الإمام _ والَّذي هو أوان قمّة قدرته _ أن يُلجئ العثمانيّين الذين في مصر على البيعة للإمام ؛ فإنّه لو كان فعل ذلك لكان اعتراضهم فيما بعدُ محدوداً لا شاملاً ، حتى تتهيّأ الأرضيّة المناسبة لتدخّل الجيش الشامي ، علماً أنّ هذه التصرّفات لم تكن مرضيّة عند الثوريّين من أصحاب الإمام عليّ عليه السلام ، بل لعلّ الإمام عليه السلام لم يكن موافقاً على ذلك ، ولذا فإنّ عزل
.
ص: 463
قيس بن سعد يمكن أن يكون تأييداً لاعتراض هؤلاء الثوريّين . 7 _ لمّا ثار العثمانيّون في مصر نصب الإمام مالك الأشتر والياً على مصر ، وهو رجل شجاع جريء ، وكانت سمعته العسكريّة طاغية على سمعته السياسيّة . ومن جهة اُخرى فإنّ الإمام أثنى على هاشم بن عتبة ، وأيّد أهليّته لحكومة مصر . فتعيين مالك والثناء على هاشم بن عتبة يكشف عن موافقة الإمام على المواجهة العسكريّة في مصر ، وعدم رضاه بالمداهنة والمصالحة . 8 _ إنّ الإمام ذكر قيس بن سعد وقال : إنّه صالح لحكومة مصر ، بيد أنّه لم ينصّبه مرّة اُخرى ، بل بعثه إلى بلد بعيد وقليل الأهمّية في هذا الأزمنة مثل أذربيجان . ولا نمتلك نصّاً تاريخيّاً يدلّ على مذاكرة الإمام مع قيس في شأن توليته مصر مرّة ثانية .
82كُمَيلُ بنُ زِيادٍهو كميل بن زياد بن نُهَيك النّخعي الكوفي ، من أصحاب الإمامين أمير المؤمنين عليّ عليه السلام (1) ، وأبي محمّد الحسن عليه السلام (2) . عُدّ من ثقات أصحاب الإمام عليّ عليه السلام (3) ، وقيل في حقّه : كان شجاعاً فاتكاً ، وزاهداً عابداً (4) .
.
ص: 464
كان في مقدّمة الكوفيّين الثائرين على عثمان (1) ، فأقصاه عثمان مع عدّة إلى الشام (2) . ولمّا كانت حرب صفّين شارك فيها مع أهل الكوفة (3) . ولّاه الإمام على هيت ، فلم يتحمّل عِبْأها ، بل كان ضعيفاً في ولايته ، فعاتبه الإمام على ذلك (4) . روى عن أمير المؤمنين عليه السلام (5) ، وممّا رواه الدعاء المشهور ب_ «دعاء كميل» (6) . لم يرد ذكره في واقعة كربلاء ، ولا في ثورة التوّابين والمختار . استشهد كميل _ والَّذي كان من جملة العبّاد الثمانية المشهورين في الكوفة (7) _ في سنة 82 ه (8) على يد الحجّاج لعنه اللّه (9) .
* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام :شرح نهج البلاغة :كانَ كُمَيلُ بنُ زِيادٍ عامِلَ عَلِيٍّ عليه السلام عَلى هيتَ (10) ، وكانَ ضَعيفا ، يَمُرُّ عَلَيهِ سَرايا مُعاوِيَةَ تَنهَبُ أطرافَ العِراقِ ولا يَرُدُّها ، ويُحاوِلُ أن يَجبُرَ ما عِندَهُ مِنَ الضَّعفِ بِأَن يُغيرَ عَلى أطرافِ أعمالِ مُعاوِيَةَ ، مِثلِ قَرقيسِيا (11) وما يَجري مَجراها مِنَ .
ص: 465
* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام :القُرَى الَّتي عَلَى الفُراتِ .
فَأَنكَرَ عليه السلام ذلِكَ مِن فِعلِهِ ، وقالَ : إنَّ مِنَ العَجزِ الحاضِرِ أن يُهمِلَ الوالي ما وَلِيَهُ ، ويَتَكَلَّفَ ما لَيسَ مِن تَكليفِهِ (1) .* ومنه عن عليّ بن جعفر :الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى كُمَيلِ بنِ زيادٍ النَّخَعِيِّ ، وهُوَ عامِلُهُ عَلى هيتَ ، يُنكِرُ عَلَيهِ تَركَهُ دفَعَ مَن يَجتازُ بِهِ مِن جَيشِ العَدُوِّ طالِبا الغارَةَ _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ تَضييعَ المَرءِ ما وُلِّيَ ، وتَكَلُّفَهُ ما كُفِيَ ، لَعَجزٌ حاضِرٌ ، ورَأيٌ مُتَبَّرٌ (2)
! وإنَّ تَعاطِيَكَ الغارَةَ عَلى أهلِ قَرقيسِيا ، وتَعطيلَكَ مَسالِحَكَ (3) الَّتي وَلَّيناكَ _ لَيسَ بِها مَن يَمنَعُها ، ولا يَرُدُّ الجَيشَ عَنها _ لَرَأيٌ شَعاعٌ (4) ! فَقَد صِرتَ جِسرا لِمَن أرادَ الغارَةَ مِن أعدائِكَ عَلى أولِيائِكَ ، غَيرَ شَديدِ المَنكِبِ ، ولا مَهيبِ الجانِبِ ، ولا سادٍّ ثُغرَةً ، ولا كاسِرٍ لِعَدُوٍّ شَوكَةً ، ولا مُغنٍ عَن أهلِ مِصرِهِ ، ولا مُجزٍ عَن أميرِهِ ! (5)* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام :الإرشاد عن المغيرة :لَمّا وُلِّيَ الحَجّاجُ طَلَبَ كُمَيلَ بنَ زِيادٍ ، فَهَرَبَ مِنهُ ، فَحَرَمَ قَومَهُ عَطاءَهُم ، فَلَمّا رَأى كُمَيلٌ ذلِكَ قالَ : أنَا شَيخٌ كَبيرٌ قَد نَفِدَ عُمري ؛ لا يَنبَغي أن أَحرِمَ قَومي عَطِيّاتِهِم ، فَخَرَجَ فَدَفَعَ بِيَدِهِ إلَى الحَجّاجِ ، فَلَمّا رَآهُ قالَ لَهُ : لَقَد كُنتُ اُحِبُّ أن أجِدَ عَلَيكَ سَبيلاً ! .
ص: 466
* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام :فَقالَ لَهُ كُمَيلٌ : لا تَصرِف (1) عَلَيَّ أنيابَكَ ، ولا تَهَدَّم (2) عَلَيَّ ، فَوَاللّهِ ما بَقِيَ مِن عُمري إلّا مِثلُ كَواسِلِ (3) الغُبارِ ، فَاقضِ ما أنتَ قاضٍ ، فَإِنَّ المَوعِدَ اللّهُ ، وبَعدَ القَتلِ الحِسابُ ، ولَقَد خَبَّرني أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام أنَّك قاتِلي .
فَقالَ لَهُ الحَجّاجُ : الحُجَّةُ عَلَيكَ إذاً !
فَقالَ كُمَيلٌ : ذاكَ إن كانَ القَضاءُ إلَيكَ !
قالَ : بَلى ، قَد كُنتَ فيمَن قَتَلَ عُثمانَ بنَ عَفّانَ ! اِضرِبوا عُنُقَهُ . فَضُرِبَت عُنُقُهُ (4) .83مالِكٌ الأَشتَرُهو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النّخعي الكوفي ، المعروف بالأشتر ؛ الوجه المشرق ، والبطل الَّذي لا يُقهَر ، واللّيث الباسل في الحروب ، وأصلب صحابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأثبتهم . وكان الإمام عليه السلام يثق به ويعتمد عليه ، وطالما كان يُثني على وعيه ، وخبرته ، وبطولته ، وبصيرته ، وعظمته ، ويفتخر بذلك . وليس بأيدينا معلومات تُذكر حول بدايات وعيه . وكان أوّل حضوره الجادّ في فتح دمشق وحرب اليرموك (5) ، وفيها اُصيبت عينه (6) فاشتهر بالأشْتَر (7) .
.
ص: 467
وكان مالك يعيش في الكوفة . وكان طويل القامة ، عريض الصدر ، طلق اللّسان (1) ، عديم المثيل في الفروسيّة (2) . وكان لمزاياه الأخلاقيّة ومروءته ومَنعته وهيبته واُبّهته وحيائه ، تأثيرٌ عجيب في نفوس الكوفيّين ؛ من هنا كانوا يسمعون كلامه ، ويحترمون آراءه . ونُفي مع عدد من أصحابه إلى حِمْص (3) في أيّام عثمان بسبب اصطدامه بسعيد بن العاص والي عثمان (4) . ولمّا اشتدّت نبرة المعارضة لعثمان عاد إلى الكوفة ، ومنع واليه _ الَّذي كان قد ذهب إلى المدينة آنذاك _ من دخولها (5) . واشترك في ثورة المسلمين على عثمان (6) ، وتولّى قيادة الكوفيّين الذين كانوا قد توجّهوا إلى المدينة ، وكان له دور حاسم في القضاء على حكومة عثمان (7) . وكان يصرّ على خلافة الإمام عليّ عليه السلام بفضل ما كان يتمتّع به من وعي عميق ، ومعرفةٍ دقيقة برجال زمانه ، وبالتيّارات والحوادث الجارية يومذاك (8) . من هنا كان
.
ص: 468
نصير الإمام عليه السلام وعضده المقتدر عند خلافته . وقد امتزجت طاعته وإخلاصه له عليه السلام بروحه ودمه ، وكان الإمام عليه السلام أيضا يحترمه احتراما ، خاصّا ويقيم وزنا لآرائه في الاُمور . وكان له رأي في بقاء أبي موسى الأشعري واليا على الكوفة ، ارتضاه الإمام عليه السلام وأيّده (1) ، مع أنّه عليه السلام كان يعلم بمكنون فكر أبي موسى ، ولم يكن له رأي في بقائه (2) . وعندما كان أبو موسى يثبّط النّاس عن المسير مع الإمام عليه السلام في حرب الجمل ، ذهب مالك إلى الكوفة ، وأخرج أبا موسى _ الَّذي كان قد عزله الإمام عليه السلام _ منها ، وعبّأ النّاس من أجل دعم الإمام عليه السلام والمسير معه في الحرب ضدّ أصحاب الجمل (3) . وكان له دور حاسم عجيب في الحرب . وكان على الميمنة فيها (4) . واصطراعه مع عبد اللّه بن الزبير مشهور في هذه المعركة (5) . ولي مالك الجزيرة (6) _ وهي تشمل مناطق بين دجلة والفرات _ بعد حرب الجمل . وكانت هذه المنطقة قريبة من الشام الَّتي كان يحكمها معاوية (7) . واستدعاه الإمام عليه السلام قبل حرب صفّين .
.
ص: 469
وكان على مقدّمة الجيش في البداية ، وقد هَزم مقدّمة جيش معاوية . ولمّا استولى جيش معاوية على الماء وأغلق منافذه بوجه جيش الإمام عليه السلام ، كان لمالك دور فاعل في فتح تلك المنافذ والسيطرة على الماء (1) . وكان في الحرب مقاتلاً باسلاً مقداما ، رابط الجأش مجدّا مستبسلاً ، وقد قاتل بقلبٍ فتيّ وشجاعة منقطعة النّظير (2) . وتولّى قيادة الجيش مع الأشعث (3) ، وكان على خيّالة الكوفة طول الحرب (4) ، وأحيانا كان يقود أقساما اُخرى من الجيش (5) . وفي معارك ذي الحجّة الاُولى كانت المسؤوليّة الأصليّة والدور الأساس للقتال على عاتقه (6) . وفي المرحلة الثانية _ شهر صفر _ كان يقود القتال أيضا يومين في كلّ ثمانية أيّام (7) . وكان له مظهر عجيب في المنازلات الفرديّة للقتال ، وفي حلّ عُقَد الحرب ، وعلاج مشاكل الجيش ، والنّهوض بعب ء الحرب ، والسير بها قُدما بأمر الإمام عليه السلام . بَيد أنّ مظهره الباهر الخالد قد تجلّى في الأيّام الأخيرة منها ، بخاصّة «يوم الخميس» و «ليلة الهَرير» . وكان يوم الخميس وليلة الجمعة «ليلة الهرير» مسرحا لعرض عجيب تجلّت فيه
.
ص: 470
شجاعته ، وشهامته ، واستبساله ، وقتاله بلا هوادة ، إذ خلخل نظم الجيش الشامي ، وتقدّم صباح الجمعة حتى أشرف على خيمة القيادة (1) . وصار هلاك العدوّ أمرا محتوما ، وبينا كان الظلم يلفظ أنفاسه الأخيرة ، والنّصر يلتمع في عيون مالك ، تآمر عمرو بن العاص ونشر فخّ مكيدته ، فأسرعت جموع من جيش الإمام _ وهم الذين سيشكّلون تيّار الخوارج _ ومعهم الأشعث إلى مؤازرته ، فازداد الطين بلّةً بحماقتهم . وهكذا جعلوا الإمام عليه السلام في وضعٍ حَرِج ليقبل الصلح ، ويُرجعَ مالكا عن موقعه المتقدّم في ميدان الحرب . وكان طبيعيّا في تلك اللّحظة المصيريّة الحاسمة العجيبة أن يرفض مالك ، ويرفض معه الإمام عليه السلام أيضا ، لكن لمّا بلغه أنّ حياة الإمام في خطر ، عاد بروح ملؤها الحزن والألم ، فأغمد سيفه ، ونجا معاوية الَّذي أوشك أن يطلب الأمان من موت محقَّق ، وخرج من مأزق ضاق به ! ! (2) وشاجر مالكٌ الخوارجَ والأشعثَ ، وكلّمهم في حقيقة ما حصل ، وأنبأهم ، بما يملك من بصيرة وبُعد نظر ، أنّ جذر تقدّسهم يكمن في تملّصهم من المسؤوليّة ، وشغفهم بالدنيا (3) . وحين اقترح الإمام عليه السلام عبدَ اللّه بن عبّاس للتحكيم ورفَضه الخوارج والأشعث ، اقترح مالكا ، فرفضوه أيضا مصرِّين على يمانيّة الحَكَم ، في حين كان مالك يمانيّ المحتد ، وهذا من عجائب الاُمور ! (4)
.
ص: 471
وعاد مالك بعد صفّين إلى مهمّته (1) . ولمّا اضطربت مصر على محمّد بن أبي بكر وصعب عليه أمرها وتمرّد أهلها ، انتدب الإمام عليه السلام مالكا وولّاه عليها (2) . وكان قد خَبَر كفاءته ، ورفعته ، واستماتته ، ودأبه ، ووعيه ، وخبرته في العمل ، فكتب إلى أهل مصر كتابا يعرّفهم به ، قال فيه : « . . . بَعَثتُ إلَيكُم عَبدا مِن عِبادِ اللّهِ ، لا يَنامُ أيّامَ الخَوفِ ، ولا يَنكُلُ عَنِ الأَعداءِ ساعاتِ الرَّوعِ ، أشَدَّ عَلَى الفُجّارِ مِن حَريقِ النّارِ ، وهُوَ مالِكُ بنُ الحارِثِ أخو مَذحِجٍ ، فَاسمَعوا لَهُ وأطيعوا أمرَهُ فيما طابَقَ الحَقَّ ؛ فَإِنَّهُ سَيفٌ مِن سُيوفِ اللّهِ ، لا كَليلُ الظُّبَةِ (3) ولا نابِي (4) الضَّرِيبَةِ ؛ فَإِن أمَرَكُم أن تَنفِروا فَانفِروا ، وإن أمَرَكُم أن تُقيموا فَأَقيموا ؛ فَإِنَّهُ لا يُقدِمُ ولا يُحجِمُ ولا يُؤَخِّرُ ولا يُقَدِّمُ إلّا عَن أمري ، وقَد آثَرتُكُم بِهِ عَلى نَفسي لِنَصيحَتِهِ لَكُم ، وشِدَّةِ شَكيمَتِهِ عَلى عَدُوِّكُم» (5) . وكانت تعليماته عليه السلام الحكوميّة _ المشهورة ب_ «عهد مالك الأشتر» _ أعظم وأرفع وثيقة للحكومة وإقامة القسط ، وهي خالدة على مرّ التاريخ (6) . وكان معاوية قد عقد الأمل على مصر ، وحين شعر أنّ جميع خططه ستخيب
.
ص: 472
بذهاب مالك إليها ، قضى عليه قبل وصوله إليها . وهكذا استُشهد ليث الوغى ، والمقاتل الفذّ ، والنّاصر الفريد لمولاه ، بطريقة غادرة بعدما تناول من العسل المسموم بسمّ فتّاك ، وعرجت روحه المشرقة الطاهرة إلى الملكوت الأعلى (1) . وحزن الإمام عليه السلام لمقتله ، حتى عَدّ موته من مصائب الدهر (2) . وأبّنه فكان تأبينه إيّاه فريدا ؛ كما أنّ وجود مالك كان فريدا له في حياته عليه السلام (3) . ولمّا نُعي إليه مالك وبلغه خبر استشهاده المؤلم ، صعد المنبر وقال : «ألا إنَّ مالِكَ بنَ الحارِثِ قَد قَضى نَحبَهُ ، وأوفى بِعَهدِهِ ، ولَقِيَ رَبَّهُ ، فَرَحِمَ اللّهُ مالِكا ! لَو كانَ جَبَلاً لَكانَ فِنداً (4) ، ولَو كانَ حَجَرا لَكانَ صَلداً . للّهِِ مالِكٌ ! وما مالِكٌ ! وهَل قامَتِ النِّساءُ عَن مِثلِ مالِكٍ ! وهَل مَوجودٌ كَمالِكٍ !» (5) . ومعاوية الَّذي كان فريدا أيضا في خبث طويّته ورذالته وضَعَته وقتله للفضيلة ، طار فرحا باستشهاد مالك ، ولم يستطع أن يخفي سروره ، فقال من فرط فرحه : كان لعليّ بن أبي طالب يدان يمينان ، فقُطعت إحداهما يوم صفّين _ يعني عمّار بن ياسر _ وقُطعت الاُخرى اليوم ، وهو مالك الأشتر (6) .
.
ص: 473
وكلّما كان يذكره الإمام عليه السلام ، يثقل عليه الغمّ والحزن ، ويتحسّر على فقده . وحين ضاق ذرعا من التحرّكات الجائرة لأهل الشام ، وتألّم لعدم سماع جُنده كلامه ، وتأوّه على قعودهم وخذلانهم له في اجتثاث جذور الفتنة ، قال رجل : استبانَ فقدُ الأشتر على أهل العراقِ . لو كان حيّا لقلّ اللغط ، ولعلم كلّ امرئٍ ما يقول (1) . نطق هذا الرجل حقّا ، فلم يكن أحد في جيش الإمام عليه السلام مثل مالك .
* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في القيامة :تنبيه الخواطر :حُكِيَ أنَّ مالِكا الأَشتَرَ كانَ مُجتازا بِسوقِ الكوفَةِ وعَلَيهِ قَميصُ خامٍ وعِمامَةٌ مِنهُ ، فَرَآهُ بَعضُ السّوقَةِ (2) فَازدَرى (3) بِزِيِّهِ ؛ فَرَماهُ بِبُندُقَةٍ تَهاوُنا بِهِ ، فَمَضى ولَم يَلتَفِت ، فَقيلَ لَهُ : وَيلَكَ ! أ تَدري بِمَن رَمَيتَ ؟ فَقالَ : لا ، فَقيلَ لَهُ : هذا مالِكٌ صاحِبُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ! فَارتَعَدَ الرَّجُلُ ومَضى إلَيهِ لِيَعتَذِرَ مِنهُ ، فَرَآهُ وقَد دَخَلَ مَسجِدا وهُوَ قائِمٌ يُصَلّي ، فَلَمَّا انفَتَلَ أكَبَّ الرَّجُلُ عَلى قَدَمَيهِ يُقَبِّلُهُما ، فَقالَ : ما هذَا الأَمرُ ؟ ! فَقالَ : أعتَذِرُ إلَيكَ مِمّا صَنَعتُ ، فَقالَ : لا بَأسَ عَلَيكَ ، فَوَاللّهِ ما دَخَلتُ المَسجِدَ إلّا لِأَستَغفِرَنَّ لَكَ (4) .* ومنه عن معاوية لعمرو :المناقب للخوارزمي عن أبي هاني بن معمر السدوسي_ في ذِكرِ غَلَبَةِ جُندِ مُعاوِيَةَ عَلَى الماءِ في حَربِ صِفّينَ _: كَنتُ حينَئِذٍ مَعَ الأَشتَرِ وقَد تَبَيَّنَ فيهِ العَطَشُ ، فَقُلتُ لِرَجُلٍ مِن بَني عَمّي : إنَّ الأَميرَ عَطشانُ ، فَقالَ الرَّجُلُ : كُلُّ هؤُلاءِ عِطاشٌ، وعِندي إداوَةُ (5) ماءٍ أمنَعُهُ لِنَفسي ، ولكِنّي اُوثِرُهُ عَلى نَفسي ، فَتَقَدَّمَ إلَى الأَشتَرِ فَعَرَضَ عَلَيهِ الماءَ ، .
ص: 474
* ومنه عن معاوية لعمرو :فَقالَ : لا أشرَبُ حَتّى يَشرَبَ النّاسُ (1) .رقل : عن جابر :تاريخ دمشق عن أبي حذيفة إسحاق بن بشر_ في ذِكرِ وَقعَةِ اليَرموكِ _: ومَضى خالِدٌ يَطلُبُ عُظمَ (2) النّاسِ، حَتّى أدرَكَهُم بِثَنِيَّةِ العُقابِ (3) ، وهِيَ تُهبِطُ الهابِطَ المُغَرِّبَ مِنها إلى غوطَةِ دِمَشقَ يُدرِكُ عُظمَ النّاسِ، حَتّى أدرَكَهُم بِغوطَةِ دِمَشقَ ، فَلَمَّا انتَهَوا إلى تِلكَ الجَماعَةِ مِنَ الرّومِ ، وأقبَلوا يَرمونَهُم بِالحِجارَةِ مِن فَوقِهِم ، فَتَقَدَّمَ إلَيهِمُ الأَشتَرُ وهُوَ في رِجالٍ مِنَ المُسلِمينَ ، فَإِذا أمامَهُم رَجُلٌ مِنَ الرّومِ جَسيمٌ عَظيمٌ ، فَمَضى إلَيهِ حَتّى وقَفَ عَلَيهِ ، فَاستَوى هُوَ وَالرّومِيُّ عَلى صَخرَةٍ مُستَوِيَةٍ ، فَاضطَرَبا بِسَيفَيهِما ، فَأَطَرَّ الأَشتَرُ كَفَّ الرّومِيِّ ، وضَرَبَ الرّومِيُّ الأَشتَرَ بِسَيفِهِ فَلَم يَضُرَّهُ ، وَاعتَنَقَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما صاحِبَهُ ، فَوَقَعا عَلَى الصَّخرَةِ ، ثُمَّ انحَدَرا ، وأخَذَ الأَشتَرُ يَقولُ _ وهُوَ في ذلِكَ مُلازِمٌ العِلجَ لا يَترُكُهُ _ : «قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَ لِكَ اُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» (4) .
قالَ : فَلَم يَزَل يَقولُ ذلِكَ حَتَّى انتَهى إلى مُستَوَى الخَيلِ وقَرارٍ ، فَلَمَّا استَقَرَّ وَثَبَ عَلَى الرّومِيِّ فَقَتَلَهُ ، وصاحَ فِي النّاسِ : أن جوزوا .
قالَ : فَلَمّا رَأَتِ الرّومُ أنَّ صاحِبَهُم قَد قُتِلَ ، خَلَّوُا الثَّنِيَّةَ وَانهَزَموا .
قالوا : وكانَ الأَشتَرُ الأَحسَنَ فِي اليَرموكِ ، قالوا : لَقَد قَتَلَ ثَلاثَةَ عَشَرَ (5) .* وفي الحديث :وقعة صفّين عن سنان بن مالك_ في مُواجَهَةِ مُقَدِّمَةِ الجَيشِ قَبلَ حَربِ صِفّينَ _: قُلتُ .
ص: 475
* وفي الحديث :لَهُ [أبِي الأَعوَرِ] : إنَّ الأَشتَرَ يَدعوكَ إلى مُبارَزَتِهِ ، فَسَكَتَ عَنّي طَويلاً ثُمَّ قالَ : إنَّ خِفَّةَ الأَشتَرِ وسوءَ رَأيِهِ هُوَ الَّذي دَعاهُ إلى إجلاءِ عُمّالِ عُثمانَ مِنَ العِراقِ ، وَافتِرائِهِ عَلَيهِ ؛ يُقَبِّحُ مَحاسِنَهُ ، ويَجهَلُ حَقَّهُ ، ويُظهِرُ عَداوَتَهُ .
ومِن خِفَّةِ الأَشتَرِ وسوءِ رَأيِهِ أنَّهُ سارَ إلى عُثمانَ في دارِهِ وقَرارِهِ ، فَقَتَلَهُ فيمَن قَتَلَهُ ، فَأَصبَحَ مُبتَغىً بِدَمِهِ ؛ لا حاجَةَ لي في مُبارَزَتِهِ .
قالَ : قُلتُ لَهُ : قَد تَكَلَّمتَ فَاستَمِع مِنّي حَتّى اُخبِرَكَ ، قالَ : فَقالَ : لا حاجَةَ لي في جَوابِكَ ، ولَا الاِستِماعِ مِنكَ ، اِذهَب عَنّي ، وصاحَ بي أصحابُهُ ، فَانصَرَفتُ عَنهُ (1) .* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :شرح نهج البلاغة_ في وَصفِ الأَشتَرِ _: كانَ شَديدَ البَأسِ ، جَوادا رَئيسا حَليما فَصيحا شاعِرا ، وكانَ يَجمَعُ بَينَ اللينِ وَالعُنفِ ، فَيَسطو في مَوضِعِ السَّطوَةِ ، ويَرفُقُ في مَوضعِ الرِّفقِ (2) .* ومنه عن عمر :سير أعلام النّبلاء :مَلِكُ العَرَبِ ، مالِكُ بنُ الحارِثِ النَّخَعِيُّ ، أحَدُ الأَشرافِ وَالأَبطالِ المَذكورينَ . حَدَّثَ عَن عُمَرَ ، وخالِدِ بنِ الوَليدِ ، وفُقِئَت عَينُهُ يَومَ اليَرموكِ . وكانَ شَهما مُطاعا زَعِرا (3) ، ألَّبُ عَلى عُثمانَ وقاتَلَهُ ، وكانَ ذا فَصاحَةٍ وبَلاغَةٍ .
شَهِدَ صفّينَ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام ، وتَمَيَّزَ يَومَئِذٍ ، وكادَ أن يَهزِمَ مُعاوِيَةَ ، فَحَمَلَ عَلَيهِ أصحابُ عَلِيٍّ لَمّا رَأَوا مَصاحِفَ جُندِ الشّامِ عَلَى الأَسِنَّةِ يَدعونَ إلى كِتابِ اللّهِ ، وما أمكَنَهُ مُخالَفَةَ عَلِيٍّ ، فَكَفَّ (4) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :شرح نهج البلاغة :قَد رَوَى المُحَدِّثونَ حَديثا يَدُلُّ عَلى فَضيلَةٍ عَظيمَةٍ لِلأَشتَرِ رحمه الله ، وهِيَ .
ص: 476
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :شَهادَةٌ قاطِعَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِأَنَّهُ مُؤمِنٌ ، رَوى هذَا الحَديثَ أبو عُمَرَ بنِ عَبدِ البَرِّ في كِتابِ الاِستيعابِ في حَرفِ الجيمِ ، في بابِ «جُندَب» ، قالَ أبو عُمَرَ :
لَمّا حَضَرَت أبا ذَرٍّ الوَفاةُ وهُوَ بِالرَّبَذَةِ بَكَت زَوجَتُهُ اُمُّ ذَرٍّ ، فَقالَ لَها : ما يُبكيكِ ؟
فَقالَت : ما لي لا أبكي وأنتَ تَموتُ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرضِ ، ولَيسَ عِندي ثَوبٌ يَسَعُكَ كَفَناً ، ولابُدَّ لي مِنَ القِيامِ بِجَهازِكَ ؟ !
فَقالَ : أبشِري ولا تَبكي ، فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «لا يَموتُ بَينَ امرَأَينِ مُسلِمَينِ وَلَدان أو ثَلاثَةٌ ، فَيَصبِرانِ ويَحتَسِبانِ فَيَرَيانِ النّارَ أبَدا» ؛ وقَد ماتَ لَنا ثَلاثَةٌ مِنَ الوُلدِ .
وسَمِعتُ أيضا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِنَفَرٍ أنَا فيهِم : «لَيموتَنَّ أحَدُكُم بِفَلاةٍ مِنَ الأَرضِ يَشهَدُهُ عِصابَةٌ مِنَ المُؤمِنينَ» ، ولَيسَ مِن اُولئِكَ النَّفَرِ أحَدٌ إلّا وقَد ماتَ في قَريَةٍ وجَماعَةٍ . فَأَنَا _ لا أشُكُّ _ ذلِكَ الرَّجُلُ ، وَاللّهِ ما كَذَبتُ ولا كُذِبتُ ، فَانظُرِي الطَّريقَ .
قالَت اُمُّ ذَرٍّ : فَقُلتُ : أنّى وقَد ذَهَبَ الحاجُّ وتَقَطَّعَتِ الطُّرُقُ ؟ !
فَقالَ : اِذهَبي فَتَبَصَّري .
قالَت : فَكُنتُ أشتَدُّ إلَى الكَثيبِ ، فَأَصعَدُ فَأَنظُرُ ، ثُمَّ أرجِعُ إلَيهِ فَاُمَرِّضُهُ ، فَبَينا أنَا وهُوَ عَلى هذِهِ الحالِ إذ أنَا بِرِجالٍ عَلى رِكابِهِم ، كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ (1) ، تَخُبُّ بِهِم رَواحِلُهُم ، فَأَسرَعوا إلَيَّ حَتّى وَقَفوا عَلَيَّ ، وقالوا : يا أمَةَ اللّهِ ، ما لَكِ ؟
فَقُلتُ : اُمرُؤٌ مِنَ المُسلِمينَ يَموتُ ، تُكَفِّنونَهُ ؟
قالوا : ومَن هُوَ ؟ قُلتُ : أبو ذَرٍّ . قالوا : صاحِبُ رَسولِ اللّهِ عليه السلام ؟ .
ص: 477
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :قُلتُ : نَعَم ، فَفَدَّوهُ بِآبائِهِم واُمَّهاتِهِم ، وأسرَعوا إلَيه حَتّى دَخَلوا عَلَيهِ ، فَقالَ لَهُم : أبشِروا فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِنَفَرٍ أنَا فيهِم : «لَيَموتَنَّ رَجُلٌ مِنكُم بِفَلاةٍ مِنَ الأَرضِ تَشهَدُهُ عِصابَةٌ مِنَ المُؤمِنينَ» ، ولَيسَ مِن اُولئِكَ النَّفَرِ إلّا وقَد هَلَكَ في قَريَةٍ وجَماعَةٍ ، وَاللّهِ ما كَذَبتُ ولا كُذِبتُ ، ولَو كانَ عِندي ثَوبٌ يَسَعُني كَفَنا لي أو لاِمرَأَتي لَم اُكَفَّن إلّا في ثَوبٍ لي أو لَها ؛ وإنّي أنشُدُكُمُ اللّهَ ألّا يُكَفِّنَني رَجُلٌ مِنكُم كانَ أميرا أو عَريفا (1) أو بَريدا أونَقيبا (2) !
قالَت : ولَيسَ في اُولئِكَ النَّفَرِ أحَدٌ إلّا وقَد قارَفَ بَعضَ ما قالَ ، إلّا فَتىً مِنَ الأَنصارِ قالَ لَهُ : أَنا اُكَفِّنُكَ يا عَمُّ في رِدائي هذا ، وفي ثَوبَينِ مَعي في عَيبَتي مِن غَزلِ اُمّي .
فَقالَ أبو ذَرٍّ : أنتَ تُكَفِّنُني ، فَماتَ فَكَفَّنَهُ الأَنصارِيُّ وغَسَّلَهُ النَّفَرُ الَّذينَ حَضَروهُ وقاموا عَلَيهِ ودَفَنوهُ ؛ في نَفَرٍ كُلُّهُم يَمانٍ .
رَوى أبو عُمَرَ بنِ عَبدِ البَرِّ قَبلَ أن يَروِيَ هذَا الحَديثَ في أوَّلِ بابِ «جُندَب» : كانَ النَّفَرُ الَّذينَ حَضَروا مَوتَ أبي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ - مُصادَفَةً - جَماعَةً ؛ مِنهُم حُجرُ بنُ الأَدبَرِ ، ومالِكُ بنُ الحارِثِ الأَشتَرُ .
قُلتُ : حُجرُ بنُ الأَدبَرِ هُو حُجرُ بنُ عَدِيٍّ الَّذي قَتَلَهُ مُعاوِيَةُ ، وهُوَ مِنَ أعلامِ الشّيعَةِ وعُظمائِها ، وأمَّا الأَشتَرُ فَهُو أشهَرُ فِي الشّيعَةِ مِن أبِي الهُذَيلِ فِي المُعتَزِلَةِ (3) .راجع : ج3 ص460 (قتال الأشتر و دوره الأساسيّ في الحرب) وج4 ص95 (الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر) .
.
ص: 478
84مالِكُ بنُ حَبيبٍمالك بن حبيب اليربوعي من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام البررة ، وعندما تحرّك الإمام عليه السلام تلقاء صفّين ، تركه في الكوفة ليعبّئ النّاس لنصرته . وكان قد ساءه عدم حضوره المعركة معه ، لكنّ الإمام عليه السلام وعده بالأجر العظيم ، وكان مالك على شرطة الإمام عليه السلام في الكوفة (1) .
* ومنه في حديث قسّ بن ساعدة :وقعة صفّين :أخَذَ مالِكُ بنُ حَبيبٍ رَجُلاً وقَد تَخَلَّفَ عَن عَلِيٍّ فَضَرَبَ عُنُقَهُ ، فَبَلَغَ ذلِكَ قَومَهُ ، فَقالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ : اِنطَلِقوا بِنا إلى مالِكٍ ، فَنَتَسَقَّطُهُ لَعَلَّهُ أن يُقِرَّ لَنا بِقَتلِهِ ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أهوَجُ .
فَجاؤوا فَقالوا : يا مالِكُ ، قَتَلتَ الرَّجُلَ ؟
قالَ : اُخبِرُكُم أنَّ النّاقَةَ تَرأَمُ (2) وَلَدَها . اُخرُجوا عَنّي قَبَّحَكُمُ اللّهُ ، أخبَرتُكُم أنّي قَتَلتُهُ (3) .85مالِكُ بنُ كَعْبٍمالك بن كعب الأرحبي من أصحاب الإمام عليّ عليه السلام ومن أركان حكومته كان والياً على عين التمر (4) ، وبهقباذات (5) ، مضافاً إلى إشرافه على عمل سائر المسؤولين
.
ص: 479
في الكوفة والجزيرة . وممّا يُثنى عليه شجاعته الَّتي أبداها قبال هجوم النّعمان بن بشير على عين التمر ؛ فإنّه واجه جيش النّعمان الَّذي قوامه ألفي فارس بسريّة قوامها مئة مقاتل فقط ، حتى وصل الإسناد العسكري إليه ، واضطرّ النّعمان إلى الفرار (1) . كما استدعي لمواجهة جيش مسلم بن عقبة المري في دومة الجندل ، فكان موفّقاً في هذه المهمّة أيضاً . وممّا يدلّ على حسن معرفته ؛ إظهار استعداده لإعانة محمّد بن أبي بكر في الوقت الَّذي لم يلبِّ دعوة الإمام أحد .
* ومنه عن أبيطالب :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى مالِكِ بنِ كَعبٍ الأَرحَبِيِّ _: إنّي وَلَّيتُكَ مَعونَةَ البِهقُباذاتِ ، فَآثِر طاعَةَ اللّهِ ، وَاعلَم أنَّ الدُّنيا فانِيَةٌ، وَالآخِرَةَ آتِيَةٌ ، وَاعمَل صالِحا تُجزَ خَيرا ، فَإِنَّ عَمَلَ ابنَ آدَمَ مَحفوظٌ عَلَيهِ وإنَّهُ مَجزِيٌّ بِهِ ، فَعَلَ اللّهُ بِنا وبِكَ خَيرا ، وَالسَّلامُ (2) .* وعن عليّ بن الحسين عليهماالسلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى كَعبِ بنِ مالِكٍ (3) _: أمّا بَعدُ ، فَاستَخلِف عَلى عَمَلِكَ ، وَاخرُج في طائِفَةٍ مِن أصحابِكَ حَتّى تَمُرَّ بِأَرضِ كورَةِ السَّوادِ (4) ، فَتَسأَلَ عَن عُمّالي وتَنظُرَ في سيرَتِهِم فيما بَينَ دِجلَةَ وَالعُذَيبِ (5) ، ثُمَّ ارجِع إلَى البِهقُباذاتِ فَتَوَلَّ مَعونَتَها ، .
ص: 480
* وعن عليّ بن الحسين عليهماالسلام :وَاعمَل بِطاعَةِ اللّهِ فيما وَلّاك مِنها .
وَاعلَم أنَّ كُلَّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ مَحفوظٌ عَلَيهِ مَجزِيٌّ بِهِ ، فَاصنَع خَيرا صَنَعَ اللّهُ بِنا وبِكَ خَيرا، وأعلِمنِي الصِّدقَ فيما صَنَعتَ . وَالسَّلامُ (1) .رقص : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في ما يورثه متاالإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى كعبِ بنِ مالِكٍ _: أمّا بَعدُ ، فَاستَخلِف عَلى عَمَلِكَ ، وَاخرُج في طائِفَةٍ مِن أصحابِكَ حَتّى تَمُرَّ بِأَرضِ السَّوادِ كورَةً كورَةً ، فَتَسأَلَهُم عَن عُمّالِهِم ، وتَنظُرَ في سيرَتِهِم ، حَتّى تَمُرَّ بِمَن كانَ مِنهُم فيما بَينَ دِجلَةَ وَالفُراتِ ، ثُمَّ ارجِع إلَى البِهقُباذاتِ فَتَوَلَّ مَعونَتَها ، وَاعمَل بِطاعَةِ اللّهِ فيما وَلّاكَ مِنها .
وَاعلَم أنَّ الدُّنيا فانِيَةٌ وأنَّ الآخِرَةَ آتِيَةٌ ، وأنَّ عَمَلَ ابنَ آدَمَ مَحفوظٌ عَلَيهِ ، وأنَّكَ مَجزِيٌّ بِما أسلَفتَ ، وقادِمٌ عَلى ما قَدَّمتَ مِن خَيرٍ ، فَاصنَع خَيرا تَجِد خَيرا (2) .* وعن أبيطالب :الغارات عن عبد اللّه بن حوزة الأزدي :كُنتُ مَعَ مالِكِ بنِ كَعبٍ حينَ نَزَلَ بِنَا النُّعمانُ بنُ بَشيرٍ وهُوَ في ألفَينِ ، وما نَحنُ إلّا مِئَةٌ ، فَقالَ لَنا : قاتِلوهُم فِي القَريَةِ وَاجعَلُوا الجُدُرَ في ظُهورِكُم ، ولا تُلقوا بِأَيديكُم إلَى التَّهلُكَةِ ، وَاعلَموا أنَّ اللّهَ تَعالى يَنصُرُ العَشَرَةَ عَلَى المِئَةِ ، وَالمِئَةَ عَلَى الأَلفِ ، وَالقَليلَ عَلَى الكَثيرِ مِمّا يَفعَلُ اللّهُ ذلِكَ .
ثُمَّ قالَ : إنَّ أقرَبَ مَن هاهُنا إلَينا مِن شيعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام وأنصارِهِ وعُمّالِهِ قَرَظَةُ بنُ كَعبٍ ومِخنَفُ بنُ سُلَيمٍ ، فَاركُض إلَيهِما وأعلِمهُما حالَنا ، وقُل لَهُما فَليَنصُرانا بِمَا استَطاعا .
فَأَقبَلتُ أركُضُ وقَد تَرَكتُهُ وأصحابَهُ ، وإنَّهُم لَيَتَرامَونَ بِالنَّبلِ ، فَمَرَرتُ بِقَرَظَةَ بنِ كَعبٍ فَاستَغَثتُهُ ، فَقالَ : إنَّما أنَا صاحِبُ خَراجٍ وما مَعي أحَدٌ اُغيثُهُ بِهِ ، فَمَضَيتُ حَتّى أتَيتُ مِخنَفَ بنَ سُلَيمٍ فَأَخبَرتُهُ الخَبَرَ ، فَسَرَّحَ مَعي عَبدَ الرَّحمنِ بنِ مِخنَفٍ في .
ص: 481
* وعن أبيطالب :خَمسينَ رَجُلاً ، وقاتَلَهُم مالِكُ بنُ كَعبٍ وأصحابُهُ إلَى العَصرٍ ، فَأَتَيناهُ وقَد كَسَرَ هُوَ وأصحابَهُ جُفونَ (1) سُيوفِهِم وَاستَسلَموا لِلمَوتِ ، فَلَو أبطَأنا عَنهُم هَلَكوا ، فَما هُوَ إلّا أن رَآنا أهلُ الشّامِ قَد أقبَلنا عَلَيهِم أخَذوا يَنكُصونَ عَنهُم ويَرتَفِعونَ ، ورَآنا مالِكٌ وأصحابُهُ فَشَدّوا عَلَيهِم حَتّى دَفَعوهُم عَنِ القَريَةِ وَاستَعرَضناهُم ، فَصَرَعنا مِنهُم رِجالاً ثَلاثَةً وَارتَفَعَ القَومُ عَنّا ، وظَنّوا أنَّ وَراءَنا مَدَدا ، ولَو ظَنّوا أنَّهُ لَيسَ غَيرُنا لَأَقبَلوا عَلَينا وأهلَكونا ، وحالَ بَينَنا وبَينَهُمُ اللَّيلُ فَانصَرَفوا إلى أرضِهِم .
وكَتَبَ مالِكُ بنُ كَعبٍ إلى عَلِيٍّ عليه السلام : أمّا بَعدُ ، فَقَد نَزَلَ بِنَا النُّعمانُ بنُ بَشيرٍ في جَمعٍ مِن أهلِ الشّامِ كَالظّاهِرِ عَلَينا ، وكانَ عُظمُ أصحابي مُتَفَرِّقينَ ، وكُنّا لِلَّذي كانَ مِنهُم آمِنينَ ، فَخَرَجنا إلَيهِم رِجالاً مُصلِتينَ (2) فَقاتَلناهُم حَتَّى المَساءِ ، وَاستَصرَخنا مِخنَفَ بنَ سُلَيمٍ ، فَبَعَثَ إلَينا رِجالاً مِن شيعَةِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ عليه السلام ووَلَدَهُ عِندَ المَساءِ ، فَنِعمَ الفَتى ونِعمَ الأَنصارُ كانوا ، فَحَمَلنا عَلى عَدُوِّنا وشَدَدنا عَلَيهِم ، فَأَنزَلَ اللّهُ عَلَينا نَصرَهُ وهَزَمَ عَدُوَّهُ وأعَزَّ جُندَهُ ، وَالحَمدُِللّهِ رَبِّ العالَمينَ ، وَالسَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ .
قالَ : لَمّا وَرَدَ الكِتابُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام قَرَأَهُ عَلى أهلِ الكوفَةِ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ نَظَرَ إلى جُلَسائِهِ فَقالَ : الحَمدُِللّهِ ، ونَدِمَ أكثَرُهُم (3) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :أنساب الأشراف :بَعَثَ مُعاوِيَةُ [مُسلِمَ] بنَ عُقبَةَ المَرِّيَّ إلى أهلِ دَومَةِ الجَندَلِ (4) _ وكانوا قَد تَوَقَّفوا عَنِ البَيعَةِ لِعَلِيٍّ ومُعاوِيَةَ جَميعا _ فَدَعاهُم إلى طاعَةِ مُعاوِيَةَ وبَيعَتِهِ ، .
ص: 482
* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :وبَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا فَبَعَثَ إلى مالِكِ بنِ كَعبٍ الهَمدانِيِّ أن خَلِّف عَلى عَمَلِكَ مَن تَثِقُ بِهِ وأقبِل إلَيَّ .
فَفَعَلَ وَاستَخلَفَ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ عَبدِ اللّهِ الكِندِيَّ ، فَبَعَثَهُ عَلِيٌّ إلى دَومَةِ الجَندَلِ في ألفِ فارِسٍ ، فَلَم يَشعُر مُسلِمٌ إلّا وقَد وافاهُ ، فَاقتَتَلوا يَوما ثُمَّ انصَرَفَ مُسلِمٌ مُنهَزِما ، وأقامَ مالِكٌ أيّاما يَدعو أهلَ دَومَةِ الجَندَلِ إلَى البَيعَةِ لِعَلِيٍّ ، فَلَم يَفعَلوا وقالوا : لا نُبايِعُ حَتّى يَجتَمِعَ النّاسُ عَلى إمامٍ . فَانصَرَفَ (1) .رقش : عن اُمّ سلمة لعائشة :تاريخ الطبري_ بَعدَ أن ذَكَرَ خُطبَةَ الإِمامِ عليه السلام يَستَنفِرُ النّاسَ لِاءِغاثَةِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ وأصحابِهِ ، وعَدَمَ استِجابَةِ النّاسِ لَهُ عليه السلام _: فَقامَ إلَيهِ مالِكُ بنُ كَعبٍ الهَمدانِيُّ ثُمَّ الأَرحَبِيُّ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اندُبِ النّاسَ فَإِنَّهُ لا عِطرَ بَعدَ عَروسٍ (2) ، لِمِثلِ هذَا اليَومِ كُنتُ أدَّخِرُ نَفسي ، وَالأَجرُ لا يَأتي إلّا بِالكَرَّةِ (3) . اِتَّقوا اللّهَ وأجيبوا إمامَكُم ، وَانصُروا دَعوَتَهَ ، وقاتِلوا عَدُوَّهُ ، أنَا أسيرُ إلَيها يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ : فَأَمَرَ عَلِيٌّ مُنادِيَهُ سَعدا ، فَنادى فِي النّاسِ : ألَا انتَدِبوا إلى مِصرَ مَعَ مالِكِ بنِ كَعبٍ (4) .86مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍهو محمّد بن عبد اللّه بن عثمان وهو محمّد بن أبي بكر بن أبي قُحافة ، واُمّه
.
ص: 483
أسماء بنت عُمَيس ، وُلد في حجّة الوداع [ سنة 10 ه ] بذي الحُلَيفة (1) ، في وقتٍ كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد تهيّأ مع جميع أصحابه لأداء حجّة الوداع . اُمّه أسماء بنت عُمَيس . كانت في البداية زوجة جعفر بن أبي طالب (2) وهاجرت معه إلى الحبشة (3) . وبعد استشهاد جعفر تزوّجها أبو بكر (4) ، وبعد موته تزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام . فانتقلت إلى بيته مع أولادها وفيهم محمّد الَّذي كان يومئذٍ ابن ثلاث سنين (5) . نشأ في حِجر الإمام عليه السلام (6) إلى جانب الحسن والحسين عليهماالسلام ، وامتزجت روحه بمعرفة وحبّ أهل البيت عليهم السلام وكان الإمام عليه السلام يقول أحيانا ملاطفا : محمّد ابني من صُلب أبي بكر (7) . وكان محمّد في مصر أيّام حكومة عثمان ، وبدأ فيها تعنيفه وانتقاده له (8) ، واشترك في الثورة عليه 9 . وكان إلى جانب الإمام عليه السلام بعد تصدّيه للخلافة . وهو
.
ص: 484
الَّذي حمل كتابه إلى أهل الكوفة قبل نشوب حرب الجمل (1) ، وكان على الرجّالة فيها (2) . وبعد غلبة الإمام عليه السلام تولّى متابعة الشؤون المتعلّقة بعائشة بأمر الإمام عليه السلام (3) ، وأعادها إلى المدينة (4) . كان محمّد مجدّا في الجهاد والعبادة ، ولجدّه في عبادته سُمّي عابد قريش (5) . وهو جدّ الإمام الصادق عليه السلام من الاُمّهات 6 . ولّاه الإمام عليه السلام على مصر سنة 36 ه بعد عزل قيس بن سعد عنها (6) . ولمّا تخاذل أصحاب الإمام عن نصرته عليه السلام وتركوه وحيداً ، اغتنم معاوية هذه الفرصة واستطاع أن يغتال هذا النّصير المخلص باُسلوب غادر خبيث ، واستطاع حينئذٍ أن يسخّر مصر تحت قدرته (7) . كان الإمام عليه السلام يُثني عليه ويذكره بخير في مناسبات مختلفة ويقول : «لَقَد كانَ إلَيَّ حَبيبا، وكانَ لي رَبيبا (8) ، فَعِندَ اللّهِ نَحتَسِبُهُ وَلَدا ناصِحا، وعامِلاً
.
ص: 485
كادِحا، وسَيفا قاطعا، ورُكنا دافِعا» (1) .
رقد : في الحديث القدسي :صحيح مسلم عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري_ في ذِكرِ حَجَّةِ الوَداعِ _: حَتّى أتَينا ذَا الحُليفَةِ فَوَلَدَت أسماءُ بِنتُ عُمَيسٍ مُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ (2) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام لمعاوية :اُسد الغابة_ في ذِكرِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: كانَ لَهُ فَضلٌ وعِبادَةٌ ، وكانَ عَلِيٌّ يُثني عَلَيهِ ، وهُوَ أخو عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ لِاُمِّهِ ، وأخو يَحيَى بنِ عَلِيٍّ لِاُمِّهِ (3) .* ومنه الحديث :اُسد الغابة_ في ذِكرِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: تَزَوَّجَ عَلِيٌّ بِاُمِّهِ أسماءَ بِنتِ عُمَيسٍ بَعدَ وَفاةِ أبي بَكرٍ ، وكانَ أبو بَكرٍ تَزَوَّجَها بَعدَ قَتلِ جَعفَرِ بنِ أبي طالِبٍ ، وكانَ رَبيبُهُ في حِجرِهِ . وشَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ الجَمَلَ ، وكانَ عَلَى الرَجّالَةِ ، وشَهِدَ مَعَهُ صِفّينَ ، ثُمَّ وَلّاهُ مِصرَ فَقُتِلَ بِها (4) .* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :شرح نهج البلاغة :كانَ مُحَمَّدٌ رَبيبَهُ وخِرّيجَهُ ، وجارِيا عِندَهُ مَجرى أولادِهِ ، رَضَعَ الوِلاءَ وَالتَّشَيُّعَ مُذ زَمَنِ الصِّبا ، فَنَشَأَ عَلَيهِ ، فَلَم يَكُن يَعرِفُ لَهُ أبا غَيرَ عَلِيٍّ ، ولا يَعتَقِدُ لِأَحَدٍ فَضيلَةً غَيرَهُ ، حَتّى قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «مُحَمَّدٌ ابني مِن صُلبِ أبي بَكرٍ» (5) .* وعن الإمام الباقر عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في ذِكرِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ وَالتَّفَجُّعِ عَلَيهِ _: إنَّهُ كانَ لي وَلَدا ، ولِوُلدي ووُلدِ أخي أخا (6) .راجع : ج4 ص132 (استشهاد محمّد بن أبي بكر) .
.
ص: 486
87مُحَمّدُ بنُ أبي حُذَيفَةَهو محمّد بن أبي حذيفة بن عتبة العبشمي أبو القاسم ، حفيد عتبة بن ربيعة (1) _ أحد أقطاب المشركين (2) _ وابن خال معاوية (3) . ولد في الحبشة حين هاجر أبوه إليها (4) ، ولمّا استشهد أبوه نشأ في أحضان عثمان بن عفّان (5) . والعجيب أنّه كان أحد المعارضين المحادّين لعثمان حين ثارت الاُمّة ضدّه (6) ، وهو الَّذي حرّض المصريّين على الثورة ضدّ عثمان (7) ، واشترك في محاصرة داره (8) . كان من أصحاب الإمام عليّ عليه السلام (9) . ولمّا عزل والي مصر تولّى حكومتها حتى
.
ص: 487
نصب الإمام عليه السلام قيس بن سعد (1) . ولمّا تسلّط معاوية على مصر اُلقي عليه القبض وسجن ، بيد أنّه تمكّن من الفرار ، ثمّ قتل بأمر معاوية (2) .
* ومنه عن وهب في داود عليه السلام :رجال الكشّي عن أمير بن عليّ عن الإمام الرضا عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : إنَّ المَحامِدَةَ تَأبى أن يُعصَى اللّهُ عَزَّ وجَلَّ .
قُلتُ : ومَنِ المَحامِدَةُ ؟
قالَ : مُحَمَّدُ بنُ جَعفَرٍ ، ومُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ ، ومُحَمَّدُ بنُ أبي حُذَيفَةَ ، ومُحَمَّدُ بنُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام . أمّا مُحَمَّدُ بنُ أبي حُذَيفَةَ هُوَ ابنُ عُتبَةَ بنِ رَبيعَةَ ، وهُوَ ابنُ خالِ مُعاوِيَةَ (3) .* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :تاريخ الطبري عن الزهري :خَرَجَ مُحَمَّدُ بنُ أبي حُذَيفَةَ ومُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ عامَ خَرَجَ عَبدُ اللّهِ بنُ سَعدٍ ، فَأَظهَرا عَيبَ عُثمانَ وما غَيَّرَ ، وما خالَفَ بِهِ أبا بَكرٍ وعُمَرَ ، وأنَّ دَمَ عُثمانَ حَلالٌ .
ويَقولانِ : اِستَعمَلَ عَبدَ اللّهِ بنَ سَعدٍ؛ رَجُلاً كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أباحَ دَمَهُ ونَزَلَ القُرآنُ بِكُفرِهِ ، وأخرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَوما وأدخَلَهُم ، ونَزَعَ أصحابَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَاستَعمَلَ سَعيدَ بنَ العاصِ وعَبدَ اللّهِ بنَ عامِرٍ .
فَبَلَغَ ذلِكَ عَبدَ اللّهِ بنَ سَعدٍ ، فَقالَ : لا تَركَبا مَعَنا ، فَرَكِبا في مَركَبٍ ما فيهِ أحَدٌ مِنَ المُسلِمينَ ، ولَقُوا العَدُوَّ ، وكانا أكَلَّ المُسلِمينَ قِتالاً ، فَقيلَ لَهُما في ذلِكَ ، فَقالا : كَيفَ .
ص: 488
* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :نُقاتِلُ مَعَ رَجُلٍ لا يَنبَغي لَنا أن نُحَكِّمَهُ ؛ عَبدِ اللّهِ بنِ سَعدٍ، استَعمَلَهُ عُثمانُ ، وعُثمانُ فَعَلَ وفَعَلَ ، فَأَفسَدا أهلَ تِلكَ الغَزاةِ ، وعابا عُثمانَ أشَدَّ العَيبِ (1) .* ومنه عن أكثم :الغارات عن عليّ بن محمّد بن أبي سيف :إنَّ مُحَمَّدَ بنَ أبي حُذَيفَةَ بنِ عُتبَةَ بنِ رَبيعَةَ بنِ عَبدِ شَمسٍ اُصيبَ لَمّا فَتَحَ عَمرُو بنُ العاصِ مِصرَ ، فَبَعَثَ بِهِ إلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ وهُوَ يَومَئِذٍ بِفِلَسطينَ ، فَحَبَسَهُ مُعاوِيَةُ في سِجنٍ لَهُ، فَمَكَثَ فيهِ غَيرَ كَثيرٍ ، ثُمَّ إنَّهُ هَرَبَ _ وكانَ ابنَ خالِ مُعاوِيَةَ _ فَأَرى مُعاوِيَةُ النّاسَ أنَّهُ كَرِهَ انفلاتَهُ مِنَ السِّجنِ ، فَقالَ لِأَهلِ الشّامِ : مَن يَطلُبُهُ ؟
وقَد كانَ مُعاوِيَةُ فيما يَرَونَ يُحِبُّ أن يَنجُوَ ، فَقالَ رَجُلٌ مِن خَثعَمٍ يُقالُ لَهُ : عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَمرِو بنِ ظَلامٍ ، وكانَ شُجاعا وكانَ عُثمانِيّا : أنَا أطلُبُهُ ، فَخَرَجَ في خَيلِهِ فَلَحِقَهُ بِحُوّارينَ (2) وقَد دَخَلَ في غارٍ هُناكَ ، فَجاءَت حُمُرٌ تَدخُلُهُ وقَد أصابَهَا المَطَرُ ، فَلَمّا رَأَتِ الرَّجُلَ فِي الغارِ فَزِعَت مِنهُ فَنَفَرَت .
فَقالَ حَمّارونَ _ كانوا قَريبا مِنَ الغارِ _ : وَاللّهِ إنَّ لِنَفرِ هذِهِ الحُمُرِ مِنَ الغارِ لَشَأنا ، ما نَفَّرَها مِن هذَا الغَارِ إلّا أمرٌ ، فَذَهَبوا يَنظُرونَ ، فَإِذا هُم بِهِ فَخَرَجوا ، فَوافاهُم عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَمرِو بنِ ظَلامٍ فَسَأَلهُم عَنهُ ووَصَفَهُ لَهُم ، فَقالوا لَهُ : ها هُوَذا فِي الغارِ ، فَجاءَ حَتَّى استَخرَجَهُ ، وكَرِهَ أن يَحمِلَهُ إلى مُعاوِيَةَ فَيُخَلِّيَ سَبيلَهُ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ ، رَحِمَهُ اللّهُ تَعالى (3) .رقأ : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :رجال الكشّي :كانَ مُحَمَّدُ بنُ أبي حُذَيفَةَ بنِ عُتبَةَ بنِ رَبيعَةَ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ومِن أنصارِهِ وأشياعِهِ ، وكانَ ابنَ خالِ مُعاوِيَةَ ، وكانَ رَجُلاً مِن خِيارِ المُسلِمينَ ، .
ص: 489
رقأ : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :فَلَمّا تُوُفِّيَ عَلِيٌّ عليه السلام أخَذَهُ مُعاوِيَةُ وأرادَ قَتلَهُ ، فَحَبَسَهُ فِي السِّجنِ دَهرا ، ثُمَّ قالَ مُعاوِيَةُ ذاتَ يَومٍ : ألا نُرسِلُ إلى هذَا السَّفيهِ مُحَمَّدِ بنِ أبي حُذَيفَةَ فَنُبَكِّتُهُ (1) ، ونُخبِرُهُ بِضَلالِهِ ، ونَأمُرُهُ أن يَقومَ فَيَسُبَّ عَلِيّا ؟ قالوا : نَعَم .
فَبَعَثَ إلَيهِ مُعاوِيَةُ فَأَخرَجَهُ مِنَ السِّجنِ ، فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : يا مُحَمَّدُ بنُ أبي حُذَيفَةَ أ لَم يَأنَ لَكَ أن تُبصِرَ ما كُنتَ عَلَيهِ مِنَ الضّلالَةِ بِنُصرَتِكَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ . . .
قالَ : وَاللّهِ إنّي لَأَشهَدُ إنَّكَ مُنذُ عَرَفتُكَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَالإِسلامِ لَعَلى خُلُق واحِدٍ ما زادَ الإِسلامُ فيكَ قَليلاً ولا كَثيرا ، وإنَّ علامَةَ ذلِكَ فيكَ لَبَيِّنَةٌ تَلومُني عَلى حُبّي عَلِيّا ، كَما خَرَجَ مَعَ عَلِيٍّ كُلُّ صَوّامٍ قَوّامٍ مُهاجِرِيِّ وأنصارِيٍّ ، وخَرَجَ مَعَكَ أبناءُ المُنافِقينَ وَالطُّلَقاءِ وَالعُتَقاءِ ، خَدَعتَهُم عَن دينِهِم ، وخَدَعوكَ عَن دُنياكَ ، وَاللّهِ يا مُعاوِيَةُ ما خَفِيَ عَلَيكَ ما صَنَعتَ ، وما خَفِيَ عَلَيهِم ما صَنَعوا ، إذ أحَلّوا أنفُسَهُم بِسَخَطِ اللّهِ في طاعَتِكَ ، وَاللّهِ لا أزالُ اُحِبُّ عَلِيّاِللّهِ ، واُبغِضُك فِي اللّهِ وفي رَسولِهِ أبَدا ما بَقيتُ .
قالَ مُعاوِيَةُ : وإنّي أراكَ عَلى ضَلالِكَ بَعدُ ، رُدّوهُ ، فَرَدّوهُ وهُوَ يَقرَأُ فِي السِّجنِ : «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ» (2) ، فَماتَ فِي السِّجنِ (3) .88مِخنَفُ بنُ سُلَيمٍمخنف بن سليم بن الحارث الأزْدي الغامدي ، كان من صحابة النّبيّ صلى الله عليه و آله (4) ،
.
ص: 490
وعليّ عليه السلام (1) . وكان يحمل راية قبيلته _ الأزد _ يوم الجمل (2) ، وقد جرح في هذه الحرب (3) . وقبل صفّين طلب منه الإمام عليه السلام أن يأتي إلى الكوفة ، ويرافقه في مسيره إلى صفّين . وتولّى قيادة قبيلته (4) وبعض القبائل الاُخرى في حرب صفّين (5) . ولّاه الإمام عليه السلام على أصفهان (6) وهَمَدان (7) . وكلّفه عليه السلام مرّةً بجمع الضرائب في أرض الفرات حتى منطقة بكر بن وائل ، وظلّ مسؤولاً عليها برهةً . وكتب إليه في هذه المهمّة تعليمات رفيعة هي في غاية الروعة والقيمة والوعظ والتذكير (8) . ومخنف هذا هو الجدّ الأعلى للمؤرّخ الشيعي الجليل أبي مخنف (9) . ونُقلت عن الامام عليه السلام كلمات في مدحه وذمّه (10) .
* ومنه الخبر :اُسد الغابة :مِخنَفُ بنُ سُلَيمٍ ، لَهُ صُحبَةٌ . وَاستَعمَلَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ عَلى مَدينَةِ أصفَهانَ ، وشَهِدَ مَعَهُ صِفّينَ ، وكانَ مَعَهُ رايةُ الأَزدِ (11) . .
ص: 491
89مُسلِمٌ المُجاشِعِيُّكان يعيش في المدائن أيّام واليها حُذيفة بن اليمان ، وبعد قتل عثمان وبقاء حذيفة واليا عليها بأمر الإمام عليّ عليه السلام ، قرأ حذيفة على النّاس رسالة الإمام عليه السلام ، ودعاهم إلى بيعته متحدّثا عن عظمته . ولمّا بايع النّاس ، طلب مسلم من حذيفة أن يحدّثه بحقيقة ما كان قد جرى ، ففعل فأصبح مسلم من الموالين للإمام عليه السلام (1) . ورسخ حبّ الإمام في قلبه حتى قال عليه السلام فيه يوم الجمل : «إنَّ الفَتى مِمَّن حَشَى اللّهُ قَلبَهُ نورا وإيمانا ، وهُوَ مَقتولُ . . .» (2) . وكان أوّل من استُشهد يومئذٍ بعد قَطع يدَيه (3) .
* ومنه في ابن ذي يزن :المناقب للخوارزمي عن مجزأة السدوسي_ في ذِكرِ أحداثِ حَربِ الجَمَلِ _: لَمّا تَقابَلَ العَسكَرانِ : عَسكَرُ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ عليه السلام وعَسكَرُ أصحابِ الجَمَلِ ، جَعَلَ أهلُ البَصرَةِ يَرمونَ أصحابَ عَلِيٍّ بِالنَّبلِ حَتّى عَقَروا مِنهُم جَماعَةً ، فَقالَ النّاسُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّهُ قَد عَقَرَنا نَبلُهُم، فَمَا انتِظارُكَ بِالقَومِ ؟ !
فَقالَ عَلِيٌّ : اللَّهُمَّ إنّي اُشهِدُك أنّي قَد أعذَرتُ وأنذَرتُ ، فَكُن لي عَلَيهِم مِنَ الشّاهِدينَ .
ثُمَّ دَعا عَلِيٌّ بِالدِّرعِ فَأَفرَغَها عَلَيهِ ، وَتَقلَّدَ بِسَيفِهِ وَاعتَجَرَ (4) بِعِمامَتِهِ وَاستَوى عَلى بَغلَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ دَعا بِالمُصحَفِ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ ، وقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ، مَن يَأخُذُ هذَا
.
ص: 492
* ومنه في ابن ذي يزن :المُصحَفَ فَيَدعو هؤُلاءِ القَومَ إلى ما فيهِ ؟
قالَ : فَوَثَبَ غُلامٌ مِن مُجاشِعٍ يُقالُ لَه : مُسلِمٌ ، عَلَيهِ قَباءٌ أبيَضُ ، فَقالَ لَهُ : أنَا آخُذُهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : يا فَتى إنَّ يَدَكَ اليُمنى تُقطَعُ ، فَتَأخُذُهُ بِاليُسرى فَتُقطَعُ ، ثُمَّ تُضرَبُ عَلَيهِ بِالسَّيفِ حَتّى تُقتَلَ .
فَقالَ الفَتى : لا صَبرَ لي عَلى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ .
قالَ : فَنادى عَلِيٌّ ثانِيَةً ، وَالمُصحَفُ في يَدِهِ ، فَقامَ إلَيهِ ذلِكَ الفَتى وقالَ : أنَا آخُذُهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ .
قالَ : فَأَعادَ عَلَيهِ عَلِيٌّ مَقالَتَهُ الاُولى ، فَقالَ الفَتى : لا عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَهذا قَليلٌ في ذاتِ اللّهِ ، ثُمَّ أخَذَ الفَتَى المُصحَفَ وَانطَلَقَ بِهِ إلَيهِم ، فَقالَ : يا هؤُلاءِ ، هذا كِتابُ اللّهِ بَينَنا وبَينَكُم .
قالَ : فَضَرَبَ رَجُلٌ مِن أصحابِ الجَمَلِ يَدَهُ اليُمنى فَقَطَعَها ، فَأَخَذَ المُصحَفَ بِشِمالِهِ فَقُطِعَت شِمالُهُ ، فَاحتَضَنَ المُصحَفَ بِصَدرِهِ فَضُرِبَ عَلَيهِ حَتّى قُتِلَ _ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ _ (1) .* وعنه عليه السلام أيضا :الجمل :كانَت اُمُّهُ [أي مُسلِمٍ] حاضِرَةً فَصاحَت وطَرَحَت نَفسَها عَلَيهِ وجَرَّتهُ مِن مَوضِعِهِ ، ولَحِقَها جَماعَةٌ مِن عَسكَرِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أعانوها عَلى حَملِهِ حَتّى طَرَحوهُ بَينَ يَدَي أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام واُمُّهُ تَبكي وتَندُبُهُ وتَقولُ :
يا رَبِّ إنَّ مُسلِما دَعاهُم
يَتلو كِتابَ اللّهِ لا يَخشاهُم فَخَضَّبوا مِن دَمِهِ قَناهُم
واُمُّهُم قائِمَةٌ تَراهُم تَأمُرُهُم بِالقَتلِ لا تَنهاهُم (2) .
ص: 493
راجع : ج3 ص209 (فشل آخر الجهود) .
90مَصقَلَةُ بنُ هُبَيرَةَكان أحد أصحاب الإمام عليه السلام (1) ، ونائب ابن عبّاس ، ووالي أردشير خرّه (2) ، (3) فكان عاملاً غير مباشر للإمام عليه السلام . وفي سنة 38 ه (4) لمّا ظَهَر معقل بن قيس على الثوّار المرتدّين من بني ناجية وأسرهم ، اشتراهم مصقلةُ وأطلق سراحهم ، ثمّ لم يتمكّن من أداء قيمتهم إلى بيت المال (5) . مضافاً إلى تصرّفه في أموال بيت المال بالبذل لأقربائه والعفو عمّا عليهم . ولهذا استدعاه الإمام وعاتبه على تصرّفه غير المشروع في بيت مال المسلمين وإتلافه للأموال ، وطلب منه ردّ ما أخذه من بيت المال لفكّ الأسرى .
.
ص: 494
فعظم ذلك على مصقلة حيث لم يكن يتصوّر أنّ الإمام يعامله بهذه الشدّة بعد أن رأى عطاء عثمان وهباته من بيت المال ، بل كان يأمل عفو الإمام . فلمّا لم يصل الى أمله فرّ والتحق بمعاوية (1) . ولهذا قال الإمام عليه السلام في حقّه : «فَعلَ فِعلَ السّادَةِ ، وفَرَّ فِرارَ العَبيدِ» (2) . لقد شغل مصقلة بعض المناصب في حكومة معاوية (3) . وشهد على حجر بن عديّ حين أراد معاوية قتله. (4) .
* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :مروج الذهب :مَضَى الحارِثُ بنُ راشِدٍ النّاجي في ثَلاثِمِئَةٍ مِنَ النّاسِ فَارتَدّوا إلى دينِ النَّصرانِيَّةِ . . . فَسَرَّحَ إلَيهِم عَلِيٌّ مَعقِلَ بنَ قَيسٍ الرِّياحِيَّ ، فَقَتَلَ الحارِثَ ومَن مَعَهُ مِنَ المُرتَدّينَ بِسَيفِ البَحرِ ، وسَبى عِيالَهُم وذَراريَهُم ، وذلِكَ بِساحِلِ البَحرَينِ ، فَنَزَلَ مَعقِلُ بنُ قَيسٍ بَعضَ كُوَرِ الأَهوازِ بِسَبيِ القَومِ ، وكانَ هُنالِكَ مَصقَلَةُ بنُ هُبَيرَةَ الشَّيبانِيُّ عامِلاً لِعَلِيٍّ ، فَصاحَ بِهِ النِّسوَةُ : اُمنُن عَلَينا ، فَاشتَراهُم بِثَلاثِمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ وأعتَقَهُم ، وأدّى مِنَ المالِ مِئَتَي ألفٍ وهَرَبَ إلى مُعاوِيَةَ .
فَقالَ عَلِيٌّ : قَبَّحَ اللّهُ مَصقَلَةَ ! فَعَلَ فِعلَ السَّيِّدِ ، وفَرَّ فِرارَ العَبدِ ، لَو أقامَ أخَذنا ما قَدَرنا عَلى أخذِهِ ؛ فَإِن أعسَرَ أنظَرناهُ ، وإن عَجِزَ لَم نَأخُذهُ بِشَيءٍ . وأنفَذَ العِتقَ . .
ص: 495
* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :وفي ذلِكَ يَقولُ مَصقَلَةُ بنُ هُبَيرَةٍ ، مِن أبياتٍ :
تَركتُ نِساءَ الحَيِّ بَكرِ بنِ وائِلٍ
وأعتَقتُ سَبيا مِن لُؤَيِّ بنِ غالِبِ وفارَقتُ خَيرَ النّاسِ بَعدَ مُحَمَّدٍ
لِمالٍ قَليلٍ لا مَحالَةَ ذاهِبِ (1)* وعنه عليه السلام :الغارات عن عبد اللّه بن قعين_ بَعدَمَا اشتَرى مَصقَلَةُ اُسارى بَني ناجِيَةَ _: اِنتَظَرَ عَلِيٌّ عليه السلام مَصقَلَةَ أن يَبعَثَ إلَيهِ بِالمالِ ، فَأَبطَأَ بِهِ ، فَبَلَغَ عَلِيّا عليه السلام أنَّ مَصقَلَةَ خَلّى سَبيلَ الاُسارى ، ولَم يَسأَلهُم أن يُعينوهُ في فَكاكِ أنفُسِهِم بِشَيءٍ . فَقالَ : ما أرى مَصقَلَةَ إلّا قَد حَمَلَ حَمالَةً (2) ، لا أراكُم إلّا سَتَرَونَهُ عَن قَريبٍ مُبَلدَحا (3) .
ثُمَّ كَتَبَ إلَيهِ : أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ مِن أعظَمِ الخِيانَةِ خِيانَةَ الاُمَّةِ ، وأعظَمُ الغِشِّ عَلى أهلِ المِصرِ غِشُّ الإِمامِ ، وعِندَكَ مِن حَقِّ المُسلِمينَ خَمسُمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ ، فَابعَث إلَيَّ بِها حينَ يَأتيكَ رَسولي ، وإلّا فَأَقبِل إلَيَّ حينَ تَنظُرُ في كِتابي ؛ فَإِنّي قَد تَقَدَّمتُ إلى رَسولي ألّا يَدَعَكَ ساعَةً واحِدَةً تُقيمُ بَعدَ قُدومِهِ عَلَيكَ إلّا أن تَبعَثَ بِالمالِ ، وَالسَّلامُ .
قالَ : وكانَ الرَّسولُ أبا حرَّةَ الحَنَفِيَّ ، فَقالَ لَهُ أبو حرَّةَ : إن تَبعَث بِهذَا المالِ وإلّا فَاشخَص مَعي إلى أميرِ المُؤمِنين . فَلَمّا قَرَأَ كِتابَهُ أقبَلَ حَتّى نَزَلَ البَصرَةَ ، وكانَ العُمّالُ يَحمِلونَ المالَ مِن كُوَرِ البَصرَةِ إلَى ابنِ عَبّاسٍ فَيَكونُ ابنُ عَبّاسٍ هُوَ الَّذي يَبعَثُ بِهِ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ لَهُ : نَعَم أنظِرني أيّاما ، ثُمَّ أقبَلَ مِنَ البَصرَةِ حَتّى أتى عَلِيّا عليه السلام بِالكوفَةِ ، فَأَقَرَّهُ عَلِيٌّ عليه السلام أيّاما لَم يَذكُر لَهُ شَيئا ثُمَّ سَأَلَهُ المالَ ، فَأَدّى إلَيهِ مِئَتَي ألفِ دِرهَمٍ ، وعَجِزَ عَنِ الباقي فَلَم يَقدِر عَلَيهِ (4) . .
ص: 496
* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام في المؤمن :تاريخ اليعقوبي :كَتَبَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] إلى مَصقَلَةَ بنِ هُبَيرَةَ ؛ وبَلَغَهُ أنَّهُ يُفَرِّقُ ويَهَبُ أموالَ أردَشيرخُرَّةَ، وكانَ عَلَيها :
أمّا بَعُد ؛ فَقَد بَلَغَني عَنكَ أمرٌ أكبَرتُ أن اُصَدِّقَهُ : أنَّكَ تَقسِمُ فَيءَ المُسلِمينَ في قَومِكَ ، ومَنِ اعتَراكَ مِنَ السَّأَلَةِ وَالأَحزابِ ، وأهلِ الكَذِبِ مِنَ الشُّعَراءِ ، كما تَقسِمُ الجَوزَ !
فَوَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرأَ النَّسَمَةَ ، لَاُفَتِّشُ عَن ذلِكَ تَفتيشا شافِيا ؛ فَإِن وَجَدتُهُ حَقّا لَتَجِدَنَّ بِنَفسِكَ عَلَيَّ هَوانا ، فَلا تَكونَنّ مِنَ الخاسِرينَ أعمالاً ، «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» (1) . (2)* وعنه صلى الله عليه و آله عند موته :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى مَصقَلَةَ بنِ هُبَيرَةَ الشَّيبانِيِّ ، وهُوَ عامِلُهُ عَلى أردَشير خُرَّةَ _: بَلَغَني عَنكَ أمرٌ إن كُنتَ فَعَلتَهُ فَقَد أسخَطتَ إلهَكَ ، وعَصَيتَ إمامَكَ : أنَّكَ تَقسِمُ فَيءَ المُسلِمينَ الَّذي حازَتهُ رِماحُهُم وخُيولُهُم ، واُريقَت عَلَيهِ دِماؤُهُم ، فيمَنِ اعتامَكَ مِن أعرابِ قَومِكَ !
فَوَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَئِن كانَ ذلِكَ حَقّا لَتَجِدَنَّ لَكَ عَلَيَّ هَوانا ، ولَتَخِفَّنَّ عِندي ميزانا ، فَلا تَستَهِن بِحَقِّ رَبِّكَ ، ولا تُصلِح دُنياكَ بِمَحقِ دينِكَ ، فَتَكونَ مِنَ الأَخسَرينَ أعمالاً .
ألا وإنَّ حَقَّ مَن قِبَلَكَ وقِبَلَنا مِنَ المُسلِمينَ في قِسمَةِ هذَا الفَيءِ سَواءٌ ؛ يَرِدونَ عِندي عَلَيهِ ، ويَصدُرونَ عَنهُ (3) . .
ص: 497
رفق : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الغارات عن ذهل بن الحارث :دَعاني مَصقَلَةُ إلى رَحلِهِ ، فَقَدَّمَ عَشاءً فَطَعِمنا مِنهُ ، ثُمَّ قالَ : وَاللّهِ إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ يَسأَلُني هذَا المالَ ، ووَاللّهِ لا أقدِرُ عَلَيهِ ، فَقُلتُ لَهُ : لَو شِئتَ لا يَمِضي عَلَيك جُمعَةٌ حَتّى تَجمَعَ هذَا المالَ ، فَقالَ : وَاللّهِ ما كُنتُ لِاُحَمِّلَها قَومي ، ولا أطلُبَ فيها إلى أحَدٍ .
ثُمَّ قالَ : أمَا وَاللّهِ لَو أنَّ ابنَ هِندٍ يُطالِبُني بِها ، أوِ ابنَ عَفّانَ لَتَرَكَها لي ، أ لَم تَرَ إلَى ابنِ عفّانَ حَيثُ أطعَمَ الأَشعَثَ بنَ قَيسٍ مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ مِن خَراجِ أذَربَيجانَ في كُلِّ سَنَةٍ ، فَقُلتُ : إنَّ هذا لا يَرى ذلِكَ الرَّأيَ وما هُوَ بِتارِكٍ لَكَ شَيئا ، فَسَكَتَ ساعَةً وسَكَتُّ عَنهُ ، فَما مَكَثَ لَيلَةً واحِدَةً بَعدَ هذَا الكَلامِ حَتّى لَحِقَ بِمُعاوِيَةَ ، فَبَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا عليه السلام فَقالَ :
ما لَهُ ؟ ! تَرَّحَهُ (1) اللّهُ ! فَعَلَ فِعلَ السَّيِّدِ ، وفَرَّ فِرارَ العَبدِ ، وخانَ خِيانَةَ الفاجِرِ ، أما إنَّهُ لَو أقامَ فَعَجِزَ ما زِدنا عَلى حَبسِهِ ؛ فَإِن وَجَدنا لَهُ شَيئا أخَذناهُ ، وإن لَم نَقدِر لَهُ عَلى مالٍ تَرَكناهُ ، ثُمَّ سارَ إلى دارِهِ فَهَدَمها (2) .91مَعقِلُ بنُ قَيسٍ الرِّياحِيُّمعقل بن قيس الرياحي ، شجاع من مقاتلي الكوفة ، وخطيب بليغ من خطبائها . وكان من اُمراء الجيش في زمن الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن المجتبى عليهماالسلام .
.
ص: 498
وكان رسول عمّار إلى المدينة في فتح «تُسْتَر» (1) وقدِم إليها مع الهُرْمُزان (2) . تولّى قيادة رجّالة الكوفة في معركة الجمل (3) ، وغدا أميرا على بعض قبائلها في معركة صفّين (4) . ووَلي قيادة الجيش حينا في معارك ذي الحجّة يوم صفّين (5) . كان قائد الميسرة يوم النّهروان (6) . ثمّ أمره الإمام عليه السلام بقمع تمرّد «بني ناجية» فهزم خرّيت بن راشد (7) . عندما أغار يزيد بن شجرة على مكّة والمدينة ، هَبَّ معقل إلى مواجهته ، فأسَر عددا من أصحابه ولاذ الباقون بالفرار (8) . لمّا عزم الإمام عليه السلام على معاودة قتال معاوية بعد إخماد فتنة النّهروان ، واستبان الاستعداد النّسبي الَّذي أبداه أهل الكوفة للقتال ، ذهب معقل إلى أطراف الكوفة لجمع المقاتلين ، لكنّه تلقّى _ وهو في مهمّته _ الخبر المفجِع لاستشهاد الإمام عليّ عليه السلام (9) . في سنة 43 ه خرج المُسْتَورد _ أحد أقطاب الخوارج _ في أيّام حكومة معاوية الغاصبة (10) وهو يريد الشيعة ، فنهض معقل إلى قتاله . واستشهد بعد أن دَحَر جيشه
.
ص: 499
وقتَله في مبارزة بينهما (1) . وصفه سعيد بن قيس بأنّه ناصح ، أريب صليب شجاع (2) .
رفغ : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :شرح نهج البلاغة :مَعقِلُ بنُ قَيسٍ كانَ مِن رِجالِ الكوفَةِ وأبطالِها ، ولَهُ رِياسَةٌ وقَدَمٌ ، أوفَدَهُ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ إلى عُمَرَ بنِ الخَطّابِ مَعَ الهُرمُزانِ لِفَتح تُستَرَ . وكانَ مِن شيعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَجَّهَهُ إلى بَني ساقَةَ فَقَتَلَ مِنهُم وسَبى . وحارَبَ المُستَورِدَ بنَ عُلفَةَ الخارِجِيَّ مِن تَميمِ الرَّبابِ ، فَقَتَلَ كلُّ واحِدٍ مِنهُما صاحِبَهُ بِدِجلَةَ (3) .* وعن موسى بن جعفر عليهماالسلام :الغارات عن عبد اللّه بن قعين_ في ذِكرِ حَربِ بَني ناجِيَةَ _: سارَ فينا مَعقِلٌ ، يُحَرِّضُنا ويَقولُ لَنا : يا عِبادَ اللّهِ ، لا تَبدَؤُوا القَومَ وغُضُّوا الأَبصارَ ، وأقِلُّوا الكَلامَ ، ووَطِّنوا أنفُسَكُم عَلَى الطَّعنِ وَالضَّربِ ، وأبشِروا في قِتالِهِم بِالأَجرِ العَظيمِ ، إنَّما تُقاتِلونَ مارِقَةً مَرَقَت مِنَ الدّينِ، وعُلوجا (4) مَنَعُوا الخَراجَ ، ولُصوصا وأكرادا ، اُنظُروني فَإِذا حَمَلتُ فَشُدّوا شَدَّةَ رَجُلٍ واحِدٍ .
قالَ : فَمَرَّ فِي الصَّفِّ كُلِّهِ يَقولُ لَهُم هذِهِ المَقالَةَ حَتّى إذا مَرَّ بِالنّاسِ كُلِّهِم ، أقبَلَ فَوَقَفَ وَسَطَ الصَّفِّ فِي القَلبِ ، ونَظَرنا إلَيهِ ما يَصنَعُ ، فَحَرَّكَ رايَتَهُ تَحريكَتَينِ ، ثُمَّ حَمَلَ فِي الثّالِثَةِ وحَمَلنا مَعَهُ جَميعا ، فَوَاللّهِ ما صَبَروا لَنا ساعَةً واحِدَةً حَتّى وَلَّوا وَانهَزَموا ، وقَتَلنا سَبعينَ عَرَبِيّا مِن بَني ناجِيَةَ ومِن بَعضِ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ العَرَبِ ، وقَتَلنا نَحوَ ثَلاثِمِئةٍ مِنَ العُلوجِ وَالأَكرادِ (5) . .
ص: 500
* ومنه عن رجل :الغارات عن كعب بن قعين :أقامَ مَعقِلُ بنُ قَيسٍ بِأَرضِ الأَهوازِ وكَتَبَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام مَعي بِالفَتحِ وكُنتُ أنَا الَّذي قَدِمَ بِالكِتابِ عَلَيهِ ، وكانَ فِي الكِتابِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، لِعَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ مِن مَعقِلِ بنِ قَيسٍ ، سَلامٌ عَلَيكَ فَإِنّي أحمَدُ إلَيكَ اللّهَ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، أمّا بَعدُ ، فَإِنّا لَقيَنا المارِقينَ وقَدِ استَظهَروا عَلَينا بِالمُشرِكينَ ، فَقَتَلنا مِنهُم ناسا كَثيرا ، ولَم نَتَعَدَّ فَيهِم سِيرَتَكَ ، فَلَم نَقتُل مِنهُم مُدبِرا ولا أسيرا ، ولَم نُذَفِّف (1) مِنهُم عَلى جَريحٍ ، وقَد نَصَرَكَ اللّهُ وَالمُسلِمينَ ، وَالحَمدُِللّهِ رَبِّ العالَمينَ ، وَالسَّلامُ (2) .* وعن الرضا عليه السلام في أبيه :الغارات عن أبي عبد الرحمن السلمي_ في ذِكرِ عَزمِ الإِمامِ عليه السلام عَلى حَربِ مُعاوِيَةَ ثانِيا فَقالَ لِأَصحابِهِ _: أشيروا عَلَيَّ بِرَجُلٍ يَحشُرُ النّاسَ مِنَ السَّوادِ ومِنَ القُرى ومِن مَحشَرِهِم .
فَقالَ سَعيدُ بنُ قَيسٍ : أمَا وَاللّهِ أُشيرُ عَلَيكَ بِفارِسِ العَرَبِ النّاصِحِ ، الشَّديدِ عَلى عَدُوِّكَ .
قالَ لَهُ : مَن ؟
قالَ : مَعقِلُ بنُ قَيسٍ الرِّياحِيُّ .
قالَ : أجَل ، فَدَعاهُ فَسَرَّحَهُ في حَشرِ النّاسِ مِنَ السَّوادِ إلَى الكوفَةِ ، فَلَم يَقدَم حَتّى اُصيبَ أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وسَلامُهُ (3) . .
ص: 501
92المِقدادُ بنُ عَمرٍوالمقداد بن عمرو بن ثعلبة البَهْرَاوِيُّ الكندي ، المعروف بالمقداد بن الأسود . طويل القامة ، أسمر الوجه (1) . كان من شجعان الصحابة وأبطالهم ونُجَبائهم (2) . شهد المشاهد كلّها مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله (3) . وصَفُوه بأنّه مجمع الفضائل والمناقب ، وكان أحد الأركان الأربعة (4) . وعَدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحد الأربعة الذين تشتاق إليهم الجنّة (5) . ثبت على الصراط المستقيم بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وحفظ حقّ الولاية العلويّة ، وأعلن مخالفته للذين بدّلوا ، في مسجد النّبيّ صلى الله عليه و آله (6) . وعُدَّ المقداد في بعض الروايات أطوع أصحاب الإمام عليه السلام (7) . وكان من الصفوة الذين صلّوا على الجثمان الطاهر لسيّدة النّساء فاطمة صلوات اللّه عليها (8) . عارض المقداد حكومة عثمان ، وأعلن عن معارضته لها من خلال خطبة ألقاها في مسجد المدينة (9) ، وقال : إنّي لأعجب من قريش أنّهم تركوا رجلاً ما أقول إنّ
.
ص: 502
أحدا أعلم ولا أقضى منه بالعدل . . أما واللّه لو أجد عليه أعوانا . . . . توفّي المقداد سنة 33 ه وهو في السبعين من عمره (1) . وكان له نصيب من مال الدنيا منذ البداية فأوصى للحسن والحسين عليهماالسلامبستّة وثلاثين ألف درهم منه (2) . وهذه الوصيّة دليل على حبّه لأهل البيت عليهم السلام وتكريمه واحترامه لهم عليهم السلام .
رفع : في أسمائه تعالى :الأمالي للطوسي عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه :لَمّا بويِعَ عُثمانُ سَمِعتُ المِقدادَ بنَ الأَسوَدِ الكِندِيَّ يَقولُ لِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ : وَاللّهِ يا عَبدَ الرَّحمنِ ، ما رَأَيتُ مِثلَ ما اُتِيَ إلى أهلِ هذَا البَيتِ بَعدَ نَبِيِّهِم .
فَقالَ لَهُ عَبدُ الرَّحمنِ : وما أنتَ وذاكَ يا مِقدادُ ؟
قالَ : إنّي وَاللّهِ اُحِبُّهُم لِحُبِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ويَعتريني وَاللّهِ وَجدٌ لا أبُثُّهُ بَثَّةً ، لَتَشَرَّفَ قُرَيشٌ عَلَى النّاسِ بِشَرَفِهِم ، وَاجتِماعِهِم عَلى نَزعِ سُلطانِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن أيديهِم .
فَقالَ لَهُ عَبدُ الرَّحمنِ : وَيحَكَ ! وَاللّهِ لَقَدِ اجتَهَدتُ نَفسي لَكُم .
فَقالَ لَهُ المِقدادُ : وَاللّهِ لَقَد تَركَتَ رَجُلاً مِنَ الَّذينَ يَأمُرونَ بِالحَقِّ وبِهِ يَعدِلونَ ، أمَا وَاللّهِ لَو أنَّ لي عَلى قُرَيشٍ أعواناً لَقاتَلتُهُم قِتالي إيّاهُم يَومَ بَدرٍ واُحُدٍ .
فَقالَ لَهُ عَبدُ الرَّحمنِ : ثَكَلَتكَ اُمُّكَ يا مِقدادُ ! لا يَسمَعَنَّ هذَا الكَلامَ مِنكَ النّاسُ ، أمَا وَاللّهِ إنّي لَخائِفٌ أن تَكونَ صاحِبَ فُرقَةٍ وفِتنَةٍ .
قالَ جُندَبٌ : فَأَتَيتُهُ بَعدَمَا انصَرَفَ مِن مَقامِهِ ، فَقُلتُ لَهُ : يا مِقدادُ، أنَا مِن أعوانِكَ .
فَقالَ : رَحِمَكَ اللّهُ ، إنَّ الَّذي نُريدُ لا يُغني فيهِ الرَّجُلانِ وَالثَّلاثَةُ . .
ص: 503
رفع : في أسمائه تعالى :فَخَرَجتُ مِن عِندِهِ وأتَيتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَذَكَرتُ لَهُ ما قالَ وقُلتُ ، قالَ : فَدَعا لَنا بِخَيرٍ (1) .* ومنه عن الصادق عليه السلام :تاريخ اليعقوبي_ في ذِكرِ أحداثِ ما بَعدَ استِخلافِ عُثمانَ _: مالَ قَومٌ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وتَحامَلوا فِي القَولِ عَلى عُثمانَ .
فَرَوى بَعضُهُم قالَ : دَخَلتُ مَسجِدَ رَسولِ اللّهِ ، فَرَأَيتُ رَجُلاً جاثِياً عَلى رُكبَتَيهِ يَتَلَهَّفُ تَلَهُّفَ مَن كَأَنَّ الدُّنيا كانَت لَهُ فَسُلِبَها ، وهُوَ يَقولُ : واعَجَباً لِقُرَيشٍ ! ودَفعِهِم هذَا الأَمرَ عَن أهلِ بَيتِ نَبِيِّهِم ، وفيهِم أوَّلُ المُؤمِنينَ ، وَابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ أعلَمُ النّاسِ وأفقَهُهُم في دينِ اللّهِ ، وأعظَمُهُم غَناءً فِي الإِسلامِ ، وأبصَرُهُم بِالطَّريقِ ، وأهداهُم لِلصِّراطِ المُستَقيمِ .
وَاللّهِ لَقَد زَوَوها عَنِ الهادي المُهتَدي الطّاهِرِ النَّقِيِّ ، وما أرادوا إصلاحاً لِلاُمَّةِ ولا صَواباً فِي المَذهَبِ ، ولكِنَّهُم آثَرُوا الدُّنيا عَلَى الآخِرَةِ ، فَبُعداً وسُحقاً لِلقَومِ الظّالِمينَ .
فَدَنَوتُ مِنهُ فَقلتُ : مَن أنتَ يَرحَمُكَ اللّهُ ؟ ومَن هذَا الرَّجُلُ ؟
فَقالَ : أنَا المِقدادُ بنُ عَمروٍ ، وهذَا الرَّجُلُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ .
قالَ : فَقُلتُ : ألا تَقومُ بِهذَا الأَمرِ فَاُعينُكَ عَلَيهِ ؟
فَقالَ : يَابنَ أخي ! إنَّ هذَا الأَمرَ لا يَجري فيهِ الرَّجُلُ ولَا الرَّجُلانِ .
ثُمَّ خَرَجتُ فَلَقيتُ أبا ذَرٍّ ، فَذَكَرتُ لَهُ ذلِكَ ، فَقالَ : صَدَقَ أخِيَ المِقدادُ . ثُمَّ أتَيتُ عَبدَ اللّهِ بنَ مَسعودٍ ، فَذَكَرتُ ذلِكَ لَهُ ، فَقالَ : لَقَد اُخبِرنا فَلَم نَألُ (2) . .
ص: 504
93المُنذِرُ بنُ الجارودِ العَبدِيُّالمنذر بن الجارود العبدي ، واسم الجارود بشر بن عمرو بن حبيش ، من صحابة الإمام عليّ عليه السلام (1) ، وكان على قسم صغير من جيشه في معركة الجمل (2) . ولّاه الإمام عليه السلام على إصْطَخر (3) ، (4) وكان حسن الظاهر لكنّه مضطرب الباطن ، وليس له ثبات . خان المنذرُ الامامَ عليه السلام في بيت المال ، واستأثر بقسم منه لنفسه ، فكتب إليه الإمام عليه السلام كتابا عنّفه فيه . وبعد تسلّمِهِ كتابَ الإمام جاء إلى الكوفة ، فعزله الإمام عليه السلام ، وحكم عليه بدفع ثلاثين ألف درهم ، وحبسه ، ثمّ أطلقه بشفاعة صَعصَعة بن صُوحان (5) . ولي بعض المناطق في أيّام عبيد اللّه بن زياد (6) الَّذي كان صهره (7) . وعندما عزم الإمام الحسين عليه السلام على نهضته العظمى كاتب كثيرا من الشخصيّات
.
ص: 505
المعروفة ودعاهم إلى نصرته والدفاع عن الحقّ . وكان المنذر أحد الذين راسلهم الإمام عليه السلام ، لكنّه سلّم الرسالة والرسول إلى عبيداللّه بن زياد ، فيا عجبا من فعلته هذه (1) ! مات المنذر سنة 61 ه (2) .
* ومنه عن صفوان في ناقة أبي عبداللّه عليه السلامالغارات عن الأعمش :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام وَلَّى المُنذِرَ بنَ الجارودِ فارِسا فَاحتازَ مالاً مِنَ الخَراجِ ، قالَ : كانَ المالُ أربَعَمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ ، فَحَبَسَهُ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَشَفَعَ فيهِ صَعصَعَةُ بنُ صوحانَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام وقامَ بِأَمرِهِ وخَلَّصَهُ (3) .رفض : عن الإمام الصادق عليه السلام في عليّ بن الحتاريخ اليعقوبي عن غياث :[إنَّ عَلِيّا عليه السلام ] كَتَبَ إلَى المُنذِر بنِ الجارودِ ، وهُوَ على إصطَخرَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ صَلاحَ أبيكَ غَرَّني مِنكَ ، فَإِذا أنتَ لا تَدَعُ انقِيادا لِهَواكَ أزرى ذلِكَ بِكَ . بَلَغَني أنَّكَ تَدَعُ عَمَلَكَ كَثيرا ، وتَخرُجُ لاهِيا بِمِنبَرِها ، تَطلُبُ الصَّيدَ وتَلعَبُ بِالكِلابِ ، واُقسِمُ لَئِن كانَ حَقّا لَنُثيَبنَّكَ فِعلَكَ ، وجاهِلُ أهلِكَ خَيرٌ مِنكَ ، فَأَقبِل إلَيَّ حينَ تَنظُرُ في كِتابي ، وَالسَّلامُ .
فَأَقبَلَ فَعَزَلَهُ وأغرَمَهُ ثَلاثينَ ألفا ، ثُمَّ تَرَكَها لِصَعصَعَةَ بنِ صوحانَ بَعدَ أن أحلَفَهُ عَلَيها ، فَحَلَفَ (4) .* ومنه في فاطمة عليهاالسلام :الأخبار الطوال :قَد كانَ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ رضى الله عنه كَتَبَ كِتابا إلى شيعَتِهِ مِن أهلِ البَصرَةِ مَعَ مَولىً لَهُ يُسَمّى «سَلمانُ» نُسخَتُهُ : .
ص: 506
* ومنه في فاطمة عليهاالسلام :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، مِنَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ إلى مالِكِ بنِ مِسمَعٍ وَالأَحنَفِ بنِ قَيسٍ ، وَالمُنذِرِ بنِ الجارودِ ومَسعودِ بنِ عَمرٍو وقَيسِ بنِ الهَيثَمِ ، سَلامٌ عَلَيكُم ، أمّا بَعدُ ، فَإِنّي أدعوكُم إلى إحياءِ مَعالِمِ الحَقِّ وإماتَةِ البِدَعِ ، فَإِن تُجيبوا تَهتَدوا سُبُلَ الرَّشادِ ، وَالسَّلامُ .
فَلَمّا أتاهُم هذَا الكِتابُ كَتَموهُ جَميعا إلَا المِنذِرَ بنَ الجارودِ ، فَإِنَّهُ أفشاهُ ، لِتَزويجِهِ ابنَتَهُ هِندا مِن عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ ، فَأَقبَلَ حَتّى دَخَلَ عَلَيهِ ، فَأَخبَرَهُ بِالكِتابِ ، وحَكى لَهُ ما فيهِ ، فَأَمَرَ عُبَيدُ اللّهِ بنُ زِيادٍ بِطَلَبِ الرَّسولِ ، فَطَلَبوهُ ، فَأَتَوهُ بِهِ ، فَضُرِبَت عُنُقُهُ (1) .راجع : ج2 ص410 (المنذر بن الجارود) .
94ميثَمٌ التَّمّارُهو ميثم بن يحيى التمّار الأسدي أبو سالم ، جليل من أصحاب أمير المؤمنين (2) ، والحسن (3) ، والحسين (4) عليهم السلام . كان عبدا لامرأة فاشتراه عليّ عليه السلام وأعتقه ، نال منزلةً رفيعةً من العلم بفضل باب العلم النّبوي حتى وُصف بأنّه اُوتي علم المنايا والبلايا . كان الإمام عليه السلام قدأخبره بكيفيّة استشهاده وما يلاقيه في سبيل اللّه . وقد نطق ميثم بهذه الحقيقة العظيمة الواعِظة أمام قاتله الجلّاد الجائر ، وأكّد حتميّة تحقّق تلك
.
ص: 507
النّبوءة الإعجازيّة بصلابةٍ تامّةٍ (1) . إنّ رسوخه على طريق الحقّ ، وثباته في الدفاع عن الولاية ، ومنطقه البليغ في تجلية الحقائق . كلّ ذلك قد استبان مرارا في كلمات الأئمّة عليهم السلام وذكرته أقلام العلماء ممّا سنقف عليه لاحقا . قتله عبيد اللّه بن زياد قبل استشهاد الإمام الحسين عليه السلام بأيّام (2) .
* وروي :الإرشاد :إنَّ ميثمَاً التَّمّارَ كانَ عَبدا لِامرَأَةٍ مِن بَني أسَدٍ ، فَاشتَراهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام مِنها وأعتَقَهُ ، وقالَ لَهُ : مَا اسمُكَ ؟ قالَ : سالِمٌ . قالَ : أخبَرَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنَّ اسمَكَ الَّذي سَمّاكَ بِهِ أبَواكَ فِي العَجَمِ ميثَمٌ . قالَ : صَدَقَ اللّهُ ورَسولُهُ وصَدَقتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وَاللّهِ إنَّهُ لَاسمي . قالَ : فَارجِع إلَى اسمِكَ الَّذي سَمّاكَ بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ودَع سالِما . فَرَجَعَ إلى ميثَمٍ وَاكتَنى بِأَبي سالِمٍ .
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام ذاتَ يَومٍ : إنَّكَ تُؤخَذُ بَعدي فَتُصلَبُ وتُطعَنُ بِحَربَةٍ ، فَإِذا كانَ اليَومُ الثّالِثُ ابتَدَرَ مَنخِراكَ وفَمُكَ دَما فَيخضِبُ لِحيَتَكَ ، فَانتَظِر ذلِكَ الخِضابَ ، وتُصلَبُ عَلى بابِ دارِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ عاشِرَ عَشَرَةٍ أنتَ أقصَرُهُم خَشَبَةً وأقرَبُهُم مِنَ المِطهَرَةِ ، وَامضِ حَتّى اُرِيَكَ النَّخلَةَ الَّتي تُصلَبُ عَلى جِذعِها . فَأَراهُ إيّاها .
فَكانَ مِيثمٌ يَأتيها فَيُصَلّي عِندَها ويَقولُ : بورِكتِ مِن نَخلَةٍ ، لَكِ خُلِقتُ ولي غُذّيتِ . ولَم يَزَل يَتَعاهَدُها حَتّى قُطِعَت وحَتّى عَرَفَ المَوضِعَ الَّذي يُصلَبُ عَلَيها بِالكوفَةِ . قالَ : وكانَ يَلقى عَمرَو بنَ حُرَيثٍ فَيقولُ لَهُ : إنّي مُجاوِرُكَ فَأَحسِن جِواري . فَيَقولُ لَهُ عَمرٌو : أ تُريدُ أن تَشتَرِيَ دارَ ابنَ مَسعودٍ أو دارَ ابنَ حَكيمٍ ؟ وهُوَ .
ص: 508
* وروي :لا يَعلَمُ ما يُريدُ . وحَجَّ فِي السَّنَةِ الَّتي قُتِلَ فيها ، فَدَخَلَ عَلى اُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنها ، فَقالَت : مَن أنتَ ؟ قالَ : أنَا ميثَمٌ . قالَت : وَاللّهِ لَرُبَّما سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يوصي بِكَ عَلِيّا في جَوفِ اللَّيلِ . فَسَأَلَها عَنِ الحُسَينِ ، قالَت : هُوَ في حائِطٍ (1) لَهُ .
قالَ : أخبِريهِ أنّي قَد أحبَبتُ السَّلامَ عَلَيهِ ، ونَحنُ مُلتَقونَ عِندَ رَبِّ العالَمينَ إن شاءَ اللّهُ . فَدَعَت لَهُ بِطيبٍ فَطَيَّبَت لِحيَتَهُ ، وقالَت لَهُ : أما إنَّها سَتُخضَبُ بِدَمٍ .
فَقَدِمَ الكوفَةَ فَأَخَذَهُ عُبَيدُ اللّهِ بنُ زِيادٍ فاُدخِلَ عَلَيهِ فَقيلَ : هذا كانَ مِن آثَرِ النّاسِ عِندَ عَلِيٍّ . قالَ : وَيحَكُم! هذَا الأَعجَمِيُّ ؟ ! قيلَ لَهُ : نَعَم .
قالَ لَهُ عُبَيدُ اللّهِ : أينَ رَبُّكَ ؟ قالَ : بِالمِرصادِ لِكُلِّ ظالِمٍ، وأنتَ أحَدُ الظَّلَمَةِ . قالَ : إنَّكَ عَلى عُجمَتِكَ لَتَبلُغُ الَّذي تُريدُ ! ما أخبَرَكَ صاحِبُكَ أنّي فاعِلٌ بِكَ ؟ قالَ : أخبَرَني أنَّكَ تَصلُبُني عاشِرَ عَشَرَةٍ ، أنَاأقصَرُهُم خَشَبَةً وأقرَبُهُم مِنَ المِطهَرَةِ . قالَ : لَنُخالِفَنَّهُ .
قالَ : كَيفَ تُخالِفُهُ ؟ ! فَوَاللّهِ ما أخبَرَني إلّا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله عَن جَبرَئيلَ عَنِ اللّهِ تَعالى ، فَكَيفَ تُخالِفُ هؤُلاءِ ! ؟ولَقَد عَرَفتُ المَوضِعَ الَّذي اُصلَبُ عَلَيهِ أينَ هُوَ مِنَ الكوفَةِ ، وأنَا أوَّلُ خَلقِ اللّهِ اُلجِمَ فِي الإِسلامِ .
فَحَبَسَهُ وحَبَسَ مَعَهُ المُختارَ بنَ أبي عُبَيدٍ ، فَقالَ ميثَمٌ التَّمّارُ لِلمُختارِ : إنَّكَ تُفلِتُ وتَخرُجُ ثائِرا بِدَمِ الحُسَينِ فَتَقتُلُ هذَا الَّذي يَقتُلُنا .
فَلَمّا دَعا عُبَيدُ اللّهِ بِالمُختارِ لِيَقتُلَهُ طلَعَ بَريدٌ بِكِتابِ يَزيدَ إلى عُبَيدِ اللّهِ يَأمُرُهُ بِتَخلِيَةِ سَبيلِهِ، فَخَلّاهُ ، وأمَرَ بِميثَمٍ أن يُصلَبَ ، فَاُخرِجَ فَقالَ لَهُ رَجُل لَقِيَهُ : ما كانَ أغناكَ عَن هذا يا ميثَمُ ! فَتَبَسَّمَ وقالَ وهُوَ يومِئُ إلَى النَّخلَةِ : لَها خُلِقتُ ولي غُذِّيَت ، فَلَمّا رُفِعَ عَلَى الخَشَبَةِ اجتَمَعَ النّاسُ حَولَهُ عَلى بابِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ . قالَ عَمرٌو : .
ص: 509
* وروي :قَد كانَ وَاللّهِ يَقولُ : إنّي مُجاوِرُكَ . فَلَمّا صُلِبَ أمَرَ جارِيَتَهُ بِكَنسِ تَحتِ خَشَبَتِهِ وَرشِّهِ وتَجميرِهِ (1) ، فَجَعَلَ ميثَمٌ يُحَدِّثُ بِفَضائِلِ بَني هاشِمٍ ، فَقيلَ لاِبنِ زِيادٍ : قَد فَضَحَكُم هذَا العَبدُ . فَقالَ : ألجِموهُ . فَكانَ أوَّلَ خَلقِ اللّهِ اُلجِمَ فِي الإِسلامِ .
وكانَ مَقتَلُ ميثَمٍ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ قَبلَ قُدومِ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام العِراقَ بِعَشَرَةِ أيّامٍ ، فَلَمّاكانَ يَومُ الثّالِثِ مِن صَلبِهِ ، طُعِنَ ميثَمُ بِالحَربَةِ ، فَكَبَّرَ ثُمَّ انبَعَثَ في آخِرِ النَّهارِ فَمُهُ وأنفُهُ دَما (2) .رفرف : عن النبيّ صلى الله عليه و آله في المعراج :رجال الكشّي عن حمزة بن ميثم :خَرَجَ أبي إلَى العُمرَةِ ، فَحَدَّثَني قالَ : اِستَأذَنتُ عَلى اُمِّ سَلَمَةَ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيها ، فَضَرَبَت بَيني وبَينَها خِدرا ، فَقالَت لي : أنتَ ميثَمٌ ؟ فَقُلتُ : أنَا ميثَمُ . فَقالَت : كَثيرا ما رَأَيتُ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ ، ابنَ فاطِمَةَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم يَذكُرُكَ . قُلتُ : فَأَينَ هُوَ ؟ قالَت : خَرَجَ في غَنَمٍ لَهُ آنِفا . قُلتُ : أنَا وَاللّهِ اُكثِرُ ذِكرَهُ فَأَقرِئيهِ السَّلامَ فَإِنّي مُبادِرٌ . فَقالَت : يا جارِيَةُ اخرُجي فَادهُنيهِ ، فَخَرَجَت فَدَهَنَت لِحيَتي بِبانٍ (3) . فَقُلتُ : أمَا وَاللّهِ لَئِن دَهَنتِها لَتُخضَبَنَّ فيكُم بِالدِّماءِ .
فَخَرَجنا فَإِذَا ابنُ عَبّاسٍ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِما جالِسٌ ، فَقُلتُ : يَا بنَ عَبّاسٍ، سَلني ما شِئتَ مِن تَفسيرِالقُرآنِ ، فَإِنّي قَرَأتُ تَنزيلَهُ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وعَلَّمَني تَأويلَهُ . فَقالَ : يا جارِيَةُ الدَّواةَ وقِرطاسا ، فَأَقبَلَ يَكتُبُ . فَقُلتُ : يَا بنَ عَبّاسٍ ، كَيفَ بِكَ إذا رَأَيتَني مَصلوبا تاسِعَ تِسعَةٍ؛ أقصَرَهُم خَشَبَةً وأقرَبَهُم بِالمِطهَرَةِ .
فَقالَ لي : وتَكهُنُ أيضا؟! خَرِّقِ الكِتابَ . فَقُلتُ : مَه، اِحتَفِظ بِما سَمِعتَ مِنّي فَإِن يَكُ ما أقولُ لَكَ حَقّا أمسَكتَهُ ، وإن يَكُ باطِلاً خَرَّقتَهُ . قالَ : هُوَ ذاكَ . .
ص: 510
رفرف : عن النبيّ صلى الله عليه و آله في المعراج :فَقَدِمَ أبي عَلَينا فَما لَبِثَ يَومَينِ حَتّى أرسَلَ عُبَيدُ اللّهِ بنُ زِيادٍ ، فَصَلَبَهُ تاسِعَ تِسعَةٍ؛ أقصَرَهُم خَشَبَةً وأقرَبَهُم إلَى المِطهَرَةِ ، فَرَأَيتُ الرَّجُلَ الَّذي جاءَ إلَيهِ لِيَقتُلَهُ وقَد أشارَ إلَيهِ بِالحَربَةِ ، وهُوَ يَقولُ : أمَا وَاللّهِ لَقَد كُنتَ ما عَلِمتُكَ إلّا قَوّاما ، ثُمَّ طَعَنَهُ في خاصِرَتِهِ فَأَجافَهُ، (1)
فَاحتَقَنَ الدَّمُ، فَمَكَثَ يَومَينِ ، ثُمَّ إنَّهُ فِي اليَومِ الثّالِثِ بَعدَ العَصرِ قَبلَ المَغرِبِ انبَعَثَ مِنخَراهُ دَما ، فَخُضِبَت لِحيَتُهُ بِالدِّماءِ (2) .* وفي الزيارة :خصائص الأئمّة عليهم السلام عن ابن ميثم التمّار :سَمِعتُ أبي يَقولُ : دَعاني أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَوما فَقالَ لي : يا ميثَمُ، كَيفَ أنتَ إذا دَعاكَ دَعِيُّ بَني اُمَيَّةَ عُبَيدُ اللّهِ بنُ زِيادٍ إلَى البَراءَةِ مِنّي ؟ قَلتُ : إذا وَاللّهِ أصبِرُ ، وذاكَ فِي اللّهِ قَليلٌ .
قالَ : يا ميثَمُ ، إذا تَكون مَعي في دَرَجَتي .
وكانَ ميثَمٌ يَمُرُّ بِعَريفِ (3) قَومِهِ فَيَقولُ : يا فُلانُ ، كَأَنّي بِكَ قَد دَعاكَ دَعِيُّ بَني اُمَيَّةَ وَابنُ دَعِيِّها فَيَطلُبُني مِنكَ ، فَتَقولُ: هُوَ بِمَكَّةَ ، فَيَقولُ : لا أدري ما تَقولُ ، ولا بُدَّ لَكَ أن تَأتِيَ بِهِ ، فَتَخرُجُ إلَى القادِسِيَّةِ فَتَقيمُ بِها أيّاما ، فَإِذا قَدِمتُ عَلَيكَ ذَهَبتَ بي إلَيهِ حَتّى يَقتُلَني عَلى بابِ دارِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ ، فَإِذا كانَ اليَومُ الثّالِثُ ابتَدَرَ مِن مَنخِري دَمٌ عَبيطٌ . قالَ : وكانَ ميثَمٌ يَمُرُّ فِي السَّبخَةِ بِنَخلَةٍ فَيَضرِبُ بِيَدِهِ عَلَيها ، ويَقولُ : يا نَخلَةُ ما غُذّيتِ إلّا لي ، وكانَ يَقولُ لِعَمرِو بنِ حُرَيثٍ : إذا جاوَرتُكَ فَأَحسِن جِواري ، فَكانَ عَمرٌو يَرى أنَّهُ يَشتَري عِندَهُ دارا أو ضَيعَةً لَهُ بِجَنبِ ضَيعَتِهِ ، فَكانَ عَمرٌو يَقولُ : سَأَفعَلُ .
فَأَرسَلَ الطّاغِيَةُ عُبَيدُ اللّهِ بنُ زِيادٍ إلى عَريفِ ميثَمٍ يَطلُبُهُ مِنهُ ، فَأَخبَرَهُ أنَّهُ بِمَكَّةَ ، فَقالَ لَهُ : إن لَم تَأتِني بِهِ لَأَقتُلَنَّكَ فَأَجَّلَهُ أجَلاً ، وخَرَجَ العَريفُ إلَى القادِسِيَّةِ يِنتَظِرُ .
ص: 511
* وفي الزيارة :ميثَما ، فَلَمّا قَدِمَ ميثَمٌ أخَذَ بِيَدِهِ فَأَتى بِهِ عُبَيدَ اللّهِ بنَ زِيادٍ ، فَلَمّا أدخَلَهُ عَلَيهِ ، قالَ لَهُ : ميثَمٌ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : اِبرَأ مِن أبي تُرابٍ . قالَ : لا أعرِفُ أبا تُرابٍ . قالَ : اِبرَأ مِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ . قالَ : فَإِن لَم أفعَل ؟ قالَ : إذا وَاللّهِ أقتُلكَ . قالَ : أما إنَّهُ قَد كانَ يُقالُ لي إنَّكَ سَتَقتُلُني ، وتَصلُبُني عَلى بابِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ ، فَإِذا كانَ اليَومُ الثّالِثُ ابتَدَرَ مِن مَنخِري دَمٌ عَبيطٌ . قالَ : فَأَمَرَ بِصَلبِهِ عَلى بابِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ . فَقالَ لِلنّاسِ : سَلوني ، سَلوني _ وهُوَ مَصلوبٌ _ قَبلَ أن أموتَ ، فَوَاللّهِ لَاُحَدِّثَنَّكُم بِبَعضِ ما يَكونُ مِنَ الفِتَنِ ، فَلَمّا سَأَلَهُ النّاسُ وحَدَّثَهُم ، أتاهُ رَسولٌ مِنِ ابنِ زِيادٍ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ فَأَلجَمَهُ بِلِجامٍ مِن شَريطٍ ، فَهُوَ أوَّلُ مَن اُلجِمَ بِلِجامٍ وهُوَ مَصلوبٌ ، ثُمَّ أنفَذَ إلَيهِ مَن وَجَأَ جَوفَهُ حَتّى ماتَ ، فَكانَت هذِهِ مِن دَلائِلِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام (1) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :رجال الكشّي عن سدير عن أبيه أبي حكيم :اِجتَمَعنا سَبعَةٌ مِنَ التَّمّارينَ فَاتّعَدنا لِحَملِهِ فَجِئنا إلَيهِ لَيلاً وَالحُرّاسُ يَحرُسونَهُ ، وقَد أوقَدُوا النّار فَحالَت بَينَنا وبَينَهُم ، فَاحتَمَلناهُ بِخَشَبَتِهِ حَتَّى انتَهَينا بِهِ إلى فَيضٍ مِن ماءٍ في مُرادٍ فَدَفَنّاهُ فيهِ ، ورَمَينا بِخَشَبَتِهِ في مُرادٍ فِي الخَرابِ ، وأصبَحَ فَبَعَثَ الخَيلَ فَلَم يَجِد شَيئا (2) .95النُّعمانُ بنُ العَجلانِرفد : عن أبي عبداللّه عليه السلام في القائم عليهالإصابة عن المبرّد :أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ استَعمَلَ النُّعمانَ هذا عَلَى البَحرَينِ ، فَجَعَلَ يُعطي كُلَّ مَن جاءَهُ مِن بَني زُرَيقٍ ، فَقالَ فيهِ الشّاعِرُ :
أرى فِتنَةً قَد ألهَتِ النّاسَ عَنكُمُ
فَنَدلاً زُرَيقُ المال نَدلَ الثَّعالِبِ فَإِنَّ ابنَ عَجلانَ الَّذي قَد عَلِمتُمُ
يُبَدِّدُ مالَ اللّهِ فِعلَ المَناهِبِ (3)
.
ص: 512
راجع : ج4 ص87 (النّعمان بن العجلان) .
96نُعَيمُ بنُ دَجاجَةَ الأَسَدِيُّ* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في موت خالإمام الصادق عليه السلام :بَعَثَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلى بِشرِ بنِ عُطارِدٍ التَّميمِيِّ في كَلامٍ بَلَغَهُ ، فَمَرَّ بِهِ رَسولُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام في بَني أسَدٍ وأخَذَهُ ، فَقامَ إلَيهِ نُعَيمُ بنُ دَجاجَةَ الأَسَدِيُّ فَأَفلَتَهُ ، فَبَعَثَ إلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَأَتَوهُ بِهِ وأمَرَ بِهِ أن يُضرَبَ ، فَقالَ لَهُ نُعَيمٌ : أمَا وَاللّهِ إنَّ المُقامَ مَعَكَ لَذُلٌّ، وإنَّ فِراقَكَ لَكُفرٌ .
قالَ : فَلَمّا سَمِعَ ذلِكَ مِنهُ قالَ لَهُ : يا نُعيمُ ، قَد عَفَونا عَنكَ ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ : «ادْفَعْ بِالَّتي هيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» (1) ؛ أمّا قَولُكَ : إنَّ المُقامَ مَعَكَ لَذُلٌّ ، فَسَيِّئَةٌ اكتَسَبتَها ، وأمّا قَولُكَ : إنَّ فِراقَكَ لَكُفرٌ ، فَحَسَنَةٌ اكتَسَبتَها ، فَهذِهِ بِهذِهِ ، ثُمَّ أمَرَ أن يُخَلّى عَنهُ (2) .97هَاشِمُ بنُ عُتبَةَهاشم بن عتبة بن أبي وقاص المِرْقَالُ ، يكنى أبا عمرو ، وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص العارف السليم القلب ، وأسد الحروب الباسل . كان من الفضلاء الخيار
.
ص: 513
وكان من الأبطال البُهَم (1) . (2) من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الكبار (3) ، وكان نصيرا وفيّا للإمام أمير المؤمنين عليه السلام (4) ، ومن الشجعان الأبطال (5) . أسلم يوم الفتح . وذهبت إحدى عينيه في معركة اليرموك (6) . ثمّ سارع إلى نصرة عمّه سعد بن أبي وقّاص (7) . وتولّى قيادة الجيش في فتح جَلَوْلاء (8) . لُقِّب بالمِرقال لطريقته الخاصّة في القتال وفي هجومه على العدوّ (9) . شهد معركة الجمل (10) وصفّين (11) . وإنّ ملاحمه ، وخطبه في بيان عظمة الإمام
.
ص: 514
عليّ عليه السلام ، وكشفه ضلال الاُمويّين وسيرتهم القبيحة ، كلّها كانت دليلاً على عمق تفكيره ، ومعرفته الحقّ ، وثباته عليه . دفع الإمام عليّ عليه السلام رايته العظمى إليه يوم صفّين (1) ، وتولّى قيادة رجّالة البصرة يومئذٍ (2) ، استُشهد في صفّين عند مقاتلته كتيبة اُمويّة بقيادة «ذو الكلاع» (3) . وأثنى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على شجاعته وشهامته وثباته وكياسته (4) .
* ومنه الحديث :الاستيعاب عن أبي عمر :أسلَمَ هاشِمُ بنُ عُتبَةَ يَومَ الفَتحِ ، يُعرَفُ بِالمِرقالِ ، وكانَ مِنَ الفُضَلاءِ الخِيارِ ، وكانَ مِنَ الأَبطالِ البُهَمِ (5) ، فُقِئَت عَينُهُ يَومَ اليَرموكِ ، ثُمَّ أرسَلَهُ عُمَرُ مِنَ اليَرموكِ مَعَ خَيلِ العِراقِ إلى سَعدٍ ، كَتَبَ إلَيهِ بِذلِكَ ، فَشَهِدَ القادِسِيَّةَ ، وأبلى بِها بَلاءً حَسَنا وقامَ مِنهُ في ذلِكَ ما لَم يَقُم مِن أحَدٍ ، وكانَ سَبَبَ الفَتحِ عَلَى المُسلِمينَ . وكانَ بُهمَةٌ مِنَ البُهَمِ، فاضِلاً خَيِّرا . وهُوَ الَّذي افتَتَحَ جَلَولاءَ ، فَعَقَدَ لَهُ سَعدٌ لِواءً ووَجَّهَهُ ، وفَتَحَ اللّهُ عَلَيهِ جَلَولاءَ ولَم يَشهَدها سَعدٌ (6) .* ومنه :المستدرك على الصحيحين عن محمّد بن عمر :كانَ [هاشِمُ بنُ عُتبَةَ ]أعورَ ، فُقِئَت عَينُهُ .
ص: 515
* ومنه :يَومَ اليَرموكِ (1) .رغا : فيه :الإصابة عن المرزباني :لَمّا جاءَ قَتلُ عُثمانَ إلى أهلِ الكوفَةِ ، قالَ هاشِمٌ لأَبي موسَى الأَشعَرِيِّ : تَعالَ يا أبا موسى بايِع لِخَيرِ هذِهِ الاُمَّةِ عَلِيٍّ . فَقالَ : لا تَعجَل . فَوَضَعَ هاشِمٌ يَدَهُ عَلَى الاُخرى ، فَقالَ : هذِهِ لِعَلِيٍّ وهذِهِ لي ، وقَد بايَعتُ عَلِيّا ، وأنشَدَ :
اُبايِعُ غَيرَ مُكتَرثٍ عَلِيّا
ولا أخشى أميرا أشعَرِيّا اُبايِعُهُ وأعلَمُ أن سَاُرضي
بِذاكَ اللّهَ حَقّا وَالنَّبِيّا (2)* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام :وقَد أرَدتُ تَولِيَةَ مِصرَ هاشِمَ بنَ عُتبَةَ ، ولَو وَلَّيتُهُ إيّاها لَما خَلّى لَهُمُ العَرصَةَ ، ولا أنهَزَهُمُ الفُرصَةَ ، بِلا ذَمٍّ لِمُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ ، ولَقَد كانَ إلَيَّ حَبيبا ، وكانَ لي رَبيبا (3) .* وفيالحديث القدسي :عنه عليه السلام :رَحِمَ اللّهُ مُحَمَّدا ، كانَ غُلاما حَدَثا ، أمَا وَاللّهِ لَقَد كُنتُ أرَدتُ أن اُوَلِّيَ المِرقالَ هاشِمَ بنَ عُتبَةَ بنَ أبي وَقّاصٍ مِصرَ ، وَاللّهِ لَو أنَّهُ وَلِيَها لَما خَلّى لِعَمرِو بنِ العاصِ وأعوانِهِ العَرصَةَ ، ولَما قُتِلَ إلّا وسَيفُهُ في يَدِهِ (4) .* ومنه عن فاطمة عليهاالسلام :وقعة صفّين عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود :لَمّا أرادَ عَلِيٌّ المسيرَ إلى أهلِ الشّامِ دَعا إلَيهِ مَن كانَ مَعَهُ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ وقالَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّكُم مَيامينُ الرَّأيِ ، مَراجيحُ الحِلمِ ، مَقاويلُ بِالحَقِّ ، مُبارَكو الفِعلِ وَالأَمرِ ، وقَد أرَدَنا المَسيرَ إلى عَدُوِّنا وعَدُوِّكُم ، فَأَشيروا عَلَينا بِرَأيِكُم . .
ص: 516
* ومنه عن فاطمة عليهاالسلام :فَقامَ هاشِمُ بنُ عُتبَةَ بنِ أبي وَقّاصٍ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ بِما هُوَ أهلُهُ ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، يا أميرَ المُؤمِنينَ فَأَنَا بِالقَومِ جِدُّ خَبيرٍ ، هُم لَكَ ولِأَشياعِكَ أعداءٌ ، وهُم لِمَن يَطلُبُ حَرثَ الدُّنيا أولِياءُ ، وهُم مُقاتِلوكَ ومُجاهِدوكَ لا يُبقونَ جُهدا ، مُشاحَّةً عَلَى الدُّنيا ، وضَنّا بِما في أيديهِم مِنها ، ولَيسَ لَهُم إربَةٌ (1) غَيرُها إلّا ما يَخدَعونَ بِهِ الجُهّالَ مِنَ الطَّلَبِ بِدَمِ عُثمانَ بنِ عَفّانَ . كَذَبوا لَيسوا بِدَمِهِ يَثأَرونَ ، ولكِنِ الدُّنيا يَطلُبونَ ، فَسِر بنا إلَيهِم ، فَإِن أجابوا إلَى الحَقِّ فَلَيسَ بَعدَ الحَقِّ إلّا الضَّلالُ ، وإن أبَوا إلَا الشِّقاقَ فَذلِكَ الظَنُّ بِهِم . وَاللّهِ ما أراهُم يُبايِعونَ وفيهِم أحَدٌ مِمَّن يُطاعُ إذا نَهى ، و(لا) يُسمَعُ إذا أمَرَ (2) .* ومنه في أميرالمؤمنين عليه السلام :وقعة صفّين عن هاشم بن عتبة_ في جَوابِ استِنفارِ عَلِيٍّ عليه السلام قَبلَ حَربِ صِفّينَ _: سِر بِنا يا أميرَ المُؤمِنينَ إلى هؤُلاءِ القَومِ القاسِيَةِ قُلوبُهُم ، الَّذينَ نَبَذوا كِتابَ اللّهِ وَراءَ ظُهورِهِم ، وعَمِلوا في عِبادِ اللّهِ بِغَيرِ رِضَا اللّهِ ، فَأَحَلّوا حَرامَهُ وحَرَّموا حَلالَهُ ، وَاستَولاهُمُ الشَّيطانُ ووَعَدَهُمُ الأَباطيلَ ومَنّاهُمُ الأَمانِيَّ ، حَتّى أزاغَهُم عَنِ الهُدى وقَصَدَ بِهِم قَصدَ الرَّدى ، وحَبَّبَ إلَيهِمُ الدُّنيا ، فَهُم يُقاتِلونَ عَلى دُنياهُم رَغبَةً فيها كَرَغبَتِنا فِي الآخِرَةِ إنجازَ مَوعودِ رَبِّنا .
وأنتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أقرَبُ النّاسِ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَحِما ، وأفضَلُ النّاسِ سابِقَةً وقَدَما . وهُم يا أميرَ المُؤمِنينَ مِنكَ مِثلُ الَّذي عَلِمنا ، ولكِن كُتِبَ عَلَيهِمُ الشَّقاءُ ، ومالَت بِهِمُ الأَهواءُ وكانوا ظالِمينَ . فَأَيدينا مَبسوطَةٌ لَكَ بِالسَّمعِ وَالطّاعَةِ ، وقُلوبُنا مُنشَرِحَةٌ لَكَ بِبَذلِ النَّصيحَةِ ، وأنفُسُنا تَنصُرُكَ جَذِلَةً (3) عَلى مَن خالَفَكَ .
ص: 517
* ومنه في أميرالمؤمنين عليه السلام :وتَولَّى الأَمرَ دونَكَ . وَاللّهِ ما اُحِبُّ أنَّ لي ما فِي الأَرضِ مِمّا أقَلَّت ، وما تَحتَ السَّماءِ مِمّا أظَلَّت ، وأنّي والَيتُ عَدُوّا لَكَ ، أو عادَيتُ وَلِيّا لَكَ .
فَقالَ عَلِيٌّ : اللّهُمَّ ارزُقهُ الشَّهادَةَ في سَبيلِكَ ، وَالمُرافَقَةَ لِنَبِيِّكَ صلى الله عليه و آله (1) .راجع : ج3 ص451 (استشهاد هاشم بن عتبة) .
98هانِئُ بنُ هَوذَةَ النَّخَعِيُّ* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :تاريخ خليفة بن خيّاط :اِستَخلَفَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] حينَ سارَ إلَى النَّهرَوانِ هانِئَ بنَ هَوذَةَ النَّخَعِيَّ فَلَم يَزَل بِالكوفَةِ حَتّى قُتِلَ عَلِيٌّ (2) .99يَزيدُ بنُ حُجَيَّةَمن أصحاب الإمام عليه السلام (3) ، وشهد معه حروبه (4) . وجعله الإمام عليه السلام أحد الشهود في التحكيم (5) . استعمله الإمام عليه السلام على الريّ (6) ودَستبى (7) . (8) لكنّه انتهج الخيانة ، إذ نقل
.
ص: 518
ابن الأثير أنّه استحوذ على ثلاثين ألف درهم من بيت المال ؛ وطالبه الإمام بالنقص الحاصل في بيت المال ، فأنكر ذلك ، فجلده (1) وسجنه ، ففرّ من السجن والتحق بمعاوية (2) . وشهد على حجر بن عديّ حين أراد معاوية قتله (3) .
100يَزيدُ بنُ قَيسٍ الأَرحَبِيُّاشترك في الثورة على عثمان (4) ، وشهد الجمل (5) وصفّين مع الإمام عليه السلام . وكان أحد الذين بعثهم الإمام عليه السلام إلى معاوية في حرب صفّين (6) . مال إلى الخوارج في فتنتهم الَّتي أوقدوا نارها ، بَيْدَ أنّ الإمام عليه السلام فصله عنهم وولّاه على إصفهان والري (7) . وكان مع الإمام عليه السلام في النّهروان ، واحتجّ الخوارج على ذلك (8) . ولي المدائن (9) وجُوخَا (10) مدّةً ، (ويبدو أنّ ذلك كان في الفترة الواقعة بين الجمل وصفّين) (11) . وبعد النّهروان كان عامل
.
ص: 519
الإمام عليه السلام على أصفهان (1) ، وهَمَدان (2) .
* ومنه عن الصادق عليه السلام :وقعة صفّين عن يوسف وأبي روق :إنَّ عَلِيّا حينَ قَدِمَ مِنَ البَصرَةِ إلَى الكوفَةِ بَعَثَ يَزيدَ بنَ قَيسٍ الأَرحَبِيَّ عَلَى المَدائِنِ وجوخا كُلِّها (3) .* وعنه عليه السلام في الناكثين :تاريخ اليعقوبي :كَتَبَ [ عَلِيٌّ عليه السلام ] إلى يَزيدَ بنِ قَيسٍ الأَرحَبِيِّ : أمّا بَعدُ ، فَإِنّكَ أبطَأتَ بِحَملِ خَراجِكَ ، وما أدري مَا الَّذي حَمَلَكَ عَلى ذلِكَ . غَيرَ أنّي اُوصيكَ بِتَقوَى اللّهِ واُحذِّرُكَ أن تُحبِطَ أجرَكَ ، وتُبطِلَ جِهادَكَ بِخِيانَةِ المُسلِمينَ ، فَاتَّقِ اللّهَ ونَزِّه نَفسَكَ عَنِ الحَرامِ ، ولا تَجعَل لي عَلَيكَ سَبيلاً ، فَلا أجِدُ بُدّا مِنَ الإيقاعِ بِكَ ، وأعزِزِ المُسلِمينَ ولا تَظلِمِ المُعاهِدينَ : «وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّهُ الدّارَ الآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ وَ لَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» (4) . (5) .
ص: 520
M2744_T1_File_2624920
M2744_T1_File_2624921
.
ص: 521
الفهرس التفصيلي .
ص: 522
. .
ص: 523
. .
ص: 524
. .
ص: 525
. .
ص: 526
. .
ص: 527
. .
ص: 528
. .
ص: 529
. .
ص: 530
. .
ص: 531
. .
ص: 532
. .