موسوعه الامام علي بن ابي طالب في الكتاب و السنه و التاريخ المجلد 5

اشارة

سرشناسه : محمدي ري شهري، محمد، 1325 -

عنوان و نام پديدآور : موسوعه الامام علي بن ابي طالب في الكتاب و السنه و التاريخ/ محمد الري شهري، بمساعده محمدكاظم طباطبائي، محمود طباطبائي نژاد؛ مراجعه النهايه حيدر المسجدي، مجتبي الغيوري.

مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحديث العلميه والثقافيه، مركز للطباعه والنشر، 1421ق.= 1379.

مشخصات ظاهري : 8 ج.

فروست : مركز بحوث دا رالحديث؛ 16.

شابك : 300000 ريال: دوره 964-493-216-1 : ؛ ج.1 964-493-217-X : ؛ ج.2 964-493-218-8 : ؛ ج. 3، چاپ دوم 964-493-219-6 : ؛ ج.4 964-493-220-X : ؛ ج. 6، چاپ دوم 964-493-222-6 : ؛ ج.7، چاپ دوم 964-493-223-4 : ؛ 22000ريال: ج.12 964-5985-89-7 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : فهرستنويسي بر اساس جلد دوم: 1427ق. = 1385.

يادداشت : چاپ دوم.

يادداشت : ج.1، 3، 4، 6 و 7 (چاپ دوم: 1427ق. = 1385).

يادداشت : ج.4 (چاپ؟: 1427ق.= 1385).

يادداشت : ج.12(چاپ اول: 1421ق.=1379).

يادداشت : كتابنامه.

موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- اصحاب

موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- فضايل

شناسه افزوده : طباطبائي، سيدمحمدكاظم، 1344 -

شناسه افزوده : طباطبايي، محمود، 1239 - 1319ق.

شناسه افزوده : مسجدي، حيدر

شناسه افزوده : غيوري،سيد مجتبي، 1350 -

رده بندي كنگره : BP37/م36م8 1379

رده بندي ديويي : 297/951

شماره كتابشناسي ملي : 1670645

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

الفصل السابع : عليّ عن لسان أصحابه

7 / 1 أبو الأسود الدّؤليّ

الفصل السابع : عليّ عن لسان أصحابه7 / 1أبُو الأَسوَدِ الدُّؤَلِيُّربيع الأبرار :سَأَلَ زِيادُ بنُ أبيهِ أبَا الأَسوَدِ عَن حُبِّ عَلِيٍّ فَقالَ : إنَّ حُبَّ عَلِيٍّ يَزدادُ في قَلبي حِدَّةً ، كَما يَزدادُ حُبُّ مُعاوِيَةَ في قَلبِكَ ؛ فَإِنّي اُريدُ اللّهَ وَالدّارَ الآخِرَةَ بِحُبّي عَلِيّا ، وتُريدُ الدُّنيا بِزينَتِها بِحُبِّكَ مُعاوِيَةَ ، ومَثَلي ومَثَلُكَ كَما قالَ إخوَةُ مَذحِجٍ : خَليلانِ مُختَلِفٌ شَأنُنا اُريدُ العَلاءَ ويَهوِى اليَمَن اُحِبُّ دِماءَ بَني مالِك وراقَ المُعَلّى (1) بَياضَ اللَّبَنِ (2)

الاستيعاب_ في رِثاءِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: وقالَ أبُو الأَسوَدِ الدُّؤَلِيُّ وأكثَرُهُم يَرويها لِاُمِّ الهَيثَمِ بِنتِ العُريانِ النَّخَعِيَّةِ : ألا يا عَينُ وَيحَكِ أسعِدينا أ لا تَبكي أميرَ المُؤمِنينا تُبَكّي اُمُّ كُلثومٍ عَلَيهِ بِعَبرَتِها وقَد رَأَتِ اليَقينا ألا قُل لِلخَوارِجِ حَيثُ كانوا فَلا قَرَّت عُيونُ الشّامِتينا أ في شَهرِ الصِّيامِ فَجَعتُمونا بِخَيرِ النّاسِ طُرّا أجمَعينا قَتَلتُم خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا وذَلَّلَها ومَن رَكِبَ السَّفينا ومَن لَبِسَ النِّعالَ ومَن حَذاها ومَن قَرَأَ المَثانِيَ وَالمِئينا فَكُلُّ مَناقِبِ الخَيراتِ فيهِ وحُبُّ رَسولِ رَبِّ العالَمينا لَقَد عَلِمَت قُرَيشٌ حَيثُ كانَت بِأَنَّكَ خَيرُها حَسَبا ودينا إذَا استَقبَلتَ وَجهَ أبي حُسَينِ رَأَيتَ البَدرَ فَوقَ النّاظِرينا وكُنّا قَبلَ مَقتَلِهِ بِخَيرِ نَرى مَولى رَسولِ اللّهِ فينا يُقيمُ الحَقَّ لا يَرتابُ فيهِ ويَعدِلُ فِي العِدا وَالأَقرَبينا ولَيسَ بِكاتِمٍ عِلماً لَدَيهِ ولَم يُخلَق مِنَ المُتَجَبِّرينا كَأَنَّ النّاسَ إذ فَقَدوا عَلِيّا نَعامٌ حارَ في بَلَدٍ سِنينا فَلا تَشمَت مُعاوِيَةَ بنَ صَخرِ فَإِنَّ بَقِيَّةَ الخُلَفاءِ فينا (3)

.


1- .في المصدر : «العلى» ، والصحيح ما أثبتناه كما في تاج العروس : ج19 ص698 .
2- .ربيع الأبرار : ج3 ص479 .
3- .الاستيعاب : ج3 ص223 الرقم1875 ، اُسد الغابة : ج4 ص116 الرقم3789 وفيه «بعضهم يرويها» بدل «أكثرهم يرويها» وراجع مروج الذهب : ج2 ص428 .

ص: 8

7 / 2 الأحنف بن قيس

راجع : ج4 ص 306 (في رثاء الإمام) . ج 7 ص 219 (أبو الأسود الدُّؤلي) .

7 / 2الأَحنَفُ بنُ قَيسٍتنبي_ه الخ_واط_ر ع_ن الأحن_ف بن قي_س_ لَمّا سَأَلَهُ مُعاوِيَةُ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: كانَ آخِذا بِثَلاثٍ تارِكا لِثَلاثٍ : آخِذا بِقُلوبِ الرِّجالِ إذا حَدَّثَ ، حَسَنَ الِاستِماعِ إذا

.

ص: 9

7 / 3 امّ الخير

حُدِّثَ ، أيسَرَ الأَمرَينِ عَلَيهِ إذا خولِفَ ، تارِكا لِلمِراءِ ، تارِكا لِمُقارَنَةِ اللَّئيمِ ، تارِكا لِما يُعتَذَرُ مِنهُ (1) .

راجع : ج 7 ص 251 (الأحنف بن قيس).

7 / 3اُمُّ الخَيرِبلاغات النساء عن الشعبي :كَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى واليهِ بِالكوفَةِ : أن أوفدِ عَلَيَّ اُمَّ الخَيرِ بِنتَ الحَريشِ بنِ سُراقَةَ البارِقِيَّةَ رِحلَةً مَحمودَةَ الصُّحبَةِ غَيرَ مَذمومَةِ العاقِبَةِ . . . فَلَمّا قَدِمَت عَلى مُعاوِيَةَ أنزَلَها مَعَ الحَرَمِ ثَلاثا ثُمَّ أذِنَ لَها فِي اليَومِ الرّابِعِ وجَمَعَ لَهَا النّاسَ ، فَدَخَلَت عَلَيهِ فَقالَت : اَلسَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ! فَقالَ : وعَلَيكِ السَّلامُ وبِالرَّغمِ _ وَاللّهِ _ مِنكِ دَعَوتِني بِهذَا الِاسمِ ، فَقالَت : مَه يا هذا! فَإِنَّ بَديهَةَ السُّلطانِ مَدحَضَةٌ لِما يُحِبُّ عِلمَهُ . قالَ (2) : صَدَقتِ يا خالَةُ ، وكَيفَ رَأَيتِ مَسيرَكِ ؟ قالَت : لَم أزَل في عافِيَةٍ وسَلامَةٍ حَتّى اُوفِدتُ إلى مُلكٍ جَزلٍ وعَطاءٍ بَذلٍ ، فَأَنا في عَيشٍ أنيقٍ عِندَ مَلِكٍ رَفيقٍ ، فَقالَ مُعاوِيَةُ : بِحُسنِ نِيَّتي ظَفِرتُ بِكُم واُعِنتُ عَلَيكُم ! قالَت : مَه يا هذا ! لَكَ وَاللّهِ مِن دَحضِ المَقالِ ما تُردي عاقِبَتُهُ . قالَ : لَيسَ لِهذا أرَدناكِ . قالَت : إنَّما أجري في مَيدانِكَ إذا أجرَيتَ شَيئا أجرَيتُهُ ، فَاسأَل عَمّا بَدا لَكَ . قالَ : كَيفَ كانَ كَلامُكِ يَومَ قَتلِ عَمّارِ بنِ ياسِرٍ ؟

.


1- .تنبيه الخواطر : ج2 ص14 .
2- .في المصدر : «قالت» ، والصحيح ما أثبتناه .

ص: 10

قالَت : لَم أكُن وَاللّهِ رَوَّيتُهُ قَبلُ ، ولا زَوَّرتُهُ (1) بَعدُ ، وإنَّما كانَت كَلِماتٍ نَفَثَهُنَّ لِساني حينَ الصَّدمَةِ ، فَإِن شِئتَ أن اُحَدِّثَ لَكَ مَقالاً غَيرَ ذلِكَ فَعَلتُ . قالَ : لا أشاءُ ذلِكَ . ثُمَّ التَفَتَ إلى أصحابِهِ فَقالَ : أيُّكُم حَفِظَ كَلامَ اُمِّ الخَيرِ ؟ قالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ : أنَا أحفَظُهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ كَحِفظي سورَةَ الحَمدِ ، قالَ : هاتِهِ . قالَ : نَعَم ، كَأَنّي بِها يا أميرَ المُؤمِنينَ وعَلَيها بُردٌ زَبيدِيٌّ كَثيفُ الحاشِيَةِ ، وهِيَ عَلى جَمَلٍ أرمَكَ (2) وقَد اُحيطَ حَولَها حِواءٌ وبِيَدِها سَوطٌ مُنتَشِرٌ الضَّفرِ ، وهِيَ كَالفَحلِ يَهدِرُ في شِقشِقَتِهِ ، تَقولُ : «يَ_أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْ ءٌ عَظِيمٌ» (3) ، إنَّ اللّهَ قَد أوضَحَ الحَقَّ ، وأبانَ الدَّليلَ ، ونَوَّرَ السَّبيلَ ، ورَفَعَ العَلَمَ ، فَلَم يَدَعكُم في عَمياءَ مُبهَمَةٍ ، ولا سَوداءَ مُدلَهِمَّةٍ ، فَإِلى أينَ تُريدونَ رَحِمَكُم اللّهُ ؟ أفِرارا عَن أميرِ المُؤمِنينَ ، أم فِرارا مِنَ الزَّحفِ ، أم رَغبَةً عَنِ الإِسلامِ ، أمِ ارتِدادا عَنِ الحَقِّ ؟ أ ما سَمِعتُمُ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ : «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَ_هِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّ_بِرِينَ وَ نَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ» (4) . ثُمَّ رَفَعَت رَأسَها إلَى السَّماءِ وهِيَ تَقولُ : «اللّهُمَّ قَد عيلَ الصَّبرُ ، وضَعُفَ اليَقينُ ، وَانتَشَرَ الرُّعبُ ، وبِيَدِكَ يا رَبِّ أزِمَّةُ القُلوبِ ، فَاجمَع إلَيهِ الكَلِمَةَ عَلَى التَّقوى ، وألِّفِ القُلوبَ عَلَى الهُدى ، وَاردُدِ الحَقَّ إلى أهلِهِ» هَلُمّوا _ رَحِمَكُمُ اللّهُ! _ إلَى الإِمام

.


1- .التَّزوير : إصلاح الكلام وتهيئته (لسان العرب : ج4 ص337) . تريد أ نّها قالته ارتجالاً .
2- .مِن الرُّمكة : لون الرماد ، وقيل : حُمرةٌ يخلطها سواد (لسان العرب : ج10 ص434) .
3- .الحجّ : 1 .
4- .محمّد : 31 .

ص: 11

العادِلِ ، وَالوَصِيِّ الوَفِيِّ ، وَالصِّدّيقِ الأَكبَرِ ، إنَّها إحَنٌ (1) بَدرِيَّةٌ ، وأحقادٌ جاهِلِيَّةٌ ، وضَغائِنُ اُحُدِيَّةٌ ، وَثَبَ بِها مُعاوِيَةُ حينَ الغَفلَةِ ، لِيُدرِكَ بِها ثاراتِ بَني عَبدِ شَمسٍ . ثُمَّ قالَت : «قَ_تِلُواْ أَئمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لآَ أَيْمَ_نَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ» (2) ، صَبرا ، مَعشَرَ الأَنصارِ وَالمُهاجِرينَ ، قاتِلوا عَلى بَصيرَةٍ مِن رَبِّكُم ، وثَباتٍ مِن دينِكُم ، وكَأَنّي بِكُم غَدا لَقَد لَقيتُم أهلَ الشّامِ كحُمُرٍ مُستَنفِرَةٍ ، لا تَدري أينَ يُسلَكُ بِها مِن فِجاجِ الأَرضِ ، باعُوا الآخِرَةَ بِالدُّنيا ، وَاشتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدى ، وباعُوا البَصيرَةَ بِالعَمى ، عَمّا قَليلٍ لَيُصبِحُنَّ نادِمينَ ، حَتّى تَحُلَّ بِهِمُ النَّدامَةُ ، فَيَطلُبونَ الإِقالَةَ . إنَّهُ وَاللّهِ مَن ضَلَّ عَنِ الحَقِّ وَقَعَ فِي الباطِلِ ، ومَن لَم يَسكُنِ الجَنَّةَ نَزَلَ النّارَ . أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ الأَكياسَ استَقصَروا عُمُرَ الدُّنيا فَرَفَضوها ، وَاستَبطَأوا مُدَّةَ الآخِرَةِ فَسَعَوا لَها . وَاللّهِ أيُّهَا النّاسُ ! لَولا أن تَبطُلَ الحُقوقُ ، وتُعَطَّلَ الحُدودُ ، ويَظهَرَ الظّالِمونَ وتَقوى كَلِمَةُ الشَّيطانِ لَمَا اختَرنا وُرودَ المَنايا عَلى خَفضِ العَيشِ وطيبِهِ ، فَإِلى أينَ تُريدونَ رَحِمَكُمُ اللّهُ عَنِ ابنِ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وزَوجِ ابنَتِهِ ، وأبِي ابنَيهِ ؟ خُلِقَ مِن طينَتِهِ ، وتَفَرَّعَ مِن نَبعَتِهِ ، وخَصَّهُ بِسِرِّهِ ، وجَعَلَهُ بابَ مَدينَتِهِ وعَلَمَ المُسلِمينَ ، وأبانَ بِبُغضِهِ المُنافِقينَ ، فَلَم يَزَل كَذلِكَ يُؤَيِّدُهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِمَعونَتِهِ ، ويَمضي عَلى سَنَنِ استِقامَتِهِ ، لا يَعرُجُ لِراحَةِ الدَّأبِ . هاهُوَ مُفَلِّقُ الهامِ ومُكَسِّرُ الأَصنامِ ، إذ صَلّى وَالنّاسُ مُشرِكونَ ، وأطاعَ وَالنّاسُ مُرتابونَ ، فَلَم يَزَل كَذلِكَ حَتّى قَتَلَ مُبارِزي بَدرٍ ، وأفنى أهلَ اُحُدٍ ، وفَرَّقَ جَمعَ هَوازِنَ ، فَيالَها مِن وَقائِعَ زَرَعَت في قُلوبِ قَومٍ نِفاقا ورِدَّةً وشِقاقا ! قَدِ اجتَهَدتُ فِي القَولِ ، وبالَغتُ فِي النَّصيحَةِ ، وبِاللّهِ التَّوفيقُ وعَلَيكُمُ السَّلامُ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ .

.


1- .جمع إحْنة ؛ الحقد في الصدر (لسان العرب : ج13 ص8) .
2- .التوبة : 12 .

ص: 12

7 / 4 امّ سنان

فَقالَ مُعاوِيَةُ : وَاللّهِ يا اُمَّ الخَيرِ ، ما أرَدتِ بِهذَا الكَلامِ إلّا قَتلي ، وَاللّهِ لَو قَتَلتُكِ ما حَرِجتُ في ذلِكَ . قالَت : وَاللّهِ ما يَسوؤُني يَابنَ هِندٍ! أن يُجرِيَ اللّهُ ذلِكَ عَلى يَدَي مَن يُسعِدُنِيَ اللّهُ بِشَقائِهِ (1) .

7 / 4اُمُّ سِنانٍالعقد الفريد عن سعيد بن أبي حذافة :حَبَسَ مَروانُ بنُ الحَكَمِ _ وهُوَ والِي المَدينَةِ _ غُلاما مِن بَني لَيثٍ في جِنايَةٍ جَناها ، فَأَتَتهُ جَدَّةُ الغُلامِ اُمُّ أبيهِ ، وهِيَ اُمُّ سِنانٍ بِنتُ خَيثَمَةَ بنِ خَرشَةَ المَذحِجِيَّةُ ، فَكَلَّمَتهُ فِي الغُلامِ ، فَأَغلَظَ مَروانُ ، فَخَرَجَت إلى مُعاوِيَةَ ، فَدَخَلَت عَلَيهِ فَانتَسَبَت ، فَعَرَفَها ، فَقالَ لَها : مَرحَبا يَابنَةَ خَيثَمَةَ ، ما أقدَمَكِ أرضَنا وقَد عَهِدتُكِ تَشتُمينَنا وتُحِضّينَ عَلَينا عَدُوَّنا ؟ . . . فَكَيفَ قَولُكِ : عَزُبَ الرُّقادُ فَمُقلَتي لا تَرقُدُ وَاللَّيلُ يُصدِرُ بِالهُمومِ ويورِدُ يا آلَ مَذحِجِ لا مُقامَ فَشَمِّروا إنَّ العَدُوَّ لِالِ أحمَدَ يَقصِدُ هذا عَلِيٌّ كَالهِلالِ تُحُفُّهُ وَسطَ السَّماءِ مِنَ الكَواكِبِ أسعَدُ خَيرُ الخَلائِقِ وَابنُ عَمِّ مُحَمَّدٍ إن يَهدِكُم بِالنّورِ مِنهُ تَهتَدوا ما زالَ مُذ شَهِدَ الحُروبَ مُظَفَّرا وَالنَّصرُ فَوقَ لِوائِهِ ما يُفقَدُ قالَت : كانَ ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وأرجو أن تَكونَ لَنا خَلَفا بَعدَهُ . فَقالَ رَجُلٌ مِن جُلَسائِهِ : كَيفَ يا أميرَ المُؤمِنينَ وهِيَ القائِلَةُ : إمّا هَلَكتَ أبَا الحُسَينِ فَلَم تَزَل بِالحَقِّ تُعرَفُ هادِيا مَهدِيّا فَاذهَب عَلَيكَ صَلاةُ رَبِّكَ مادَعَت فَوقَ الغُصونِ حَمامَةٌ قُمرِيّا قَد كُنتَ بَعدَ مُحَمَّدٍ خَلَفا كَما أوصى إلَيكَ بِنا فَكُنتَ وَفِيّا فَاليَومَ لا خَلَفٌ يُؤَمَّلُ بَعدَهُ هَيهاتَ نَأمُلَ بَعدَهُ إنسِيّا قالَت : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! لِسانٌ نَطَقَ ، وقَولٌ صَدَقَ ، ولَئِن تَحَقَّقَ فيكَ ما ظَنَنّا فَحَظُّكَ الأَوفَرُ ، وَاللّهِ ما وَرَّثَكَ الشَّنَآنَ في قُلوبِ المُسلِمينَ إلّا هؤُلاءِ ، فَأدحِض مَقالَتَهُم ، وأبعِد مَنزِلَتَهُم ، فَإِنَّكَ إن فَعَلتَ ذلِكَ تَزدَد مِنَ اللّهِ قُربا ، ومِنَ المُؤمِنينَ حُبّا . قالَ : وإنَّكَ لَتَقولينَ ذلِكَ ؟ قالَت : سُبحانَ اللّهِ ! وَاللّهِ ما مِثلُكَ مُدِحَ بِباطِلٍ ، ولَا اعتُذِرَ إلَيهِ بِكَذِبٍ ، وإنَّكَ لَتَعلَمُ ذلِكَ مِن رَأيِنا ، وضَميرِ قُلوبِنا ، كانَ وَاللّهِ عَلِيٌّ أحَبَّ إلَينا مِنكَ ، وأنتَ أحَبُّ إلَينا مِن غَيرِكَ ، قالَ : مِمَّن ؟ قالَت : مِن مَروانَ بنِ الحَكَمِ وسَعيدِ بنِ العاصِ (2) .

.


1- .بلاغات النساء : ص55 ، العقد الفريد : ج1 ص343 ، صبح الأعشى : ج1 ص248 .
2- .العقد الفريد : ج1 ص339 ، بلاغات النساء : ص92 عن سعيد بن حذافة .

ص: 13

7 / 5 الحصين بن المنذر

7 / 5الحُصَينُ بنُ المُنذِرِالإمامة والسياسة_ في ذِكرِ اختِلافِ أصحابِ الإِمامِ عليه السلام فِي استِمرارِ القِتالِ في صِفّينَ _: ثُمَّ قامَ الحُصَينُ بنُ المُنذِرِ ، وكانَ أحدَثَ القَومِ سِنّا ، فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّما بُنِيَ هذَا الدّينُ عَلَى التَّسليمِ ؛ فَلا تَدفَعوهُ بِالقِياسِ ، ولا تَهدمِوهُ بِالشُّبهَةِ ، وإنّا وَاللّهِ لَو أنّا لا نَقبَلُ مِنَ الاُمورِ إلّا ما نَعرِفُ لَأَصبَحَ الحَقُّ فِي الدُّنيا قَليلاً ، ولَو تُرِكنا وما نَهوى لَأَصبَحَ الباطِلُ في أيدينا كَثيرا ، وإنَّ لَنا راعِيا قَد حَمِدنا وِردَهُ وصَدرَهُ ، وهُوَ المَأمونُ عَلى ما قالَ وفَعَلَ ، فَإِن قالَ : لا ، قُلنا : لا ، وإن قالَ : نَعَم ، قُلنا : نَعَم (1) .

.


1- .الإمامة والسياسة : ج1 ص140 ، الأخبار الطوال : ص189 وفيه من «إنّ لنا . . .» ؛ وقعة صفّين : ص485 كلاهما نحوه وفيهما «الحضين» بدل «الحصين» .

ص: 14

7 / 6 خالد بن معمّر

7 / 7 دارميّة الحجونيّة

7 / 6خالِدُ بنُ مُعَمَّرٍالصواعق المحرقة :قالَ مُعاوِيَةُ لِخالِدِ بنِ مُعَمَّرٍ : لِمَ أحبَبتَ عَلِيّا عَلَينا ؟ قالَ : عَلى ثَلاثِ خِصالٍ : عَلى حِلمِهِ إذا غَضِبَ ، وعَلى صِدقِهِ إذا قالَ ، وعَلى عَدلِهِ إذا حَكَمَ (1) .

7 / 7دارِمِيَّةُ الحَجونِيَّةُالعقد الفريد عن أبي سهل التميمي :حَجَّ مُعاوِيَةُ فَسَأَلَ عَنِ امرَأَةٍ مِن بَني كِنانَةَ كانَت تَنزِلُ بِالحَجونِ (2) يُقالُ لَها : دارِمِيَّةُ الحَجونِيَّةُ . . . فَبَعَثَ إلَيها فَجيءَ بِها، فَقالَ : . . . أ تَدرينَ لِمَ بَعَثتُ إلَيكِ ؟ قالَت : لا يَعلَمُ الغَيبَ إلَا اللّهُ . قالَ : بَعَثتُ إلَيكِ لِأَسأَلَكِ : عَلامَ أحبَبتِ عَلِيّا وأبغَضتِني ، ووالَيتِهِ وعادَيتِني ؟ قالَت : أوَتُعفيني يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : لا اُعفيكِ . قالَت : أمّا إذ أبَيتَ ؛ فَإِنّي أحبَبتُ عَلِيّا عَلى عَدلِهِ فِي الرَّعِيَّةِ ، وقَسمِهِ بِالسَّوِيَّةِ ، وأبغَضتُكَ عَلى قِتالِكَ مَن هُوَ أولى مِنكَ بِالأَمرِ ، وطِلبَتِكَ ما لَيسَ لَكَ بِحَقِّ ، ووالَيتُ عَلِيّا عَلى ما عَقَدَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ الوَلاءِ ، وحُبِّهِ المَساكينَ ، وإعظامِهِ لِأَهلِ الدّينِ ، وعادَيتُكَ عَلى سَفكِكَ الدِّماءَ ، وجَورِكَ فِي القَضاءِ ، وحُكمِكَ بِالهَوى . . . . قالَ لَها : يا هذِهِ ! هَل رَأَيتِ عَلِيّا ؟ قالَت : إي وَاللّهِ .

.


1- .الصواعق المحرقة : ص132 ، الفصول المهمّة : ص127 ؛ الأمالي للطوسي : ص594 ح1229 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص75 ، كشف الغمّة : ج2 ص36 وفي الثلاثة الأخيرة «ولي» بدل «حكم» .
2- .جبل بأعلى مكّة عنده مدافن أهلها (معجم البلدان : ج2 ص225) .

ص: 15

قالَ : فَكَيفَ رَأَيتِهِ ؟ قالَت : رَأَيتُهُ وَاللّهِ لم يَفتِنهُ المُلكُ الَّذي فَتَنَكَ ، ولَم تَشغَلهُ النِّعمَةُ الَّتي شَغَلَتكَ . قالَ : فَهَل سَمِعتِ كَلامَهُ ؟ قالَت : نَعَم وَاللّهِ ، فَكانَ يَجلُو القَلبَ مِنَ العَمى ، كَما يَجلُو الزَّيتُ صَدَأَ الطَّستِ . قالَ : صَدَقتِ ، فَهَل لَكِ مِن حاجَةٍ ؟ قالَت : أ وَ تَفعَلُ إذا سَأَلتُكَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَت : تُعطيني مِئَةَ ناقَةٍ حَمراءَ فيها فَحلُها وراعيها . قالَ : تَصنَعينَ بِها ماذا ؟ قالَت : أغذوا بِأَلبانِهَا الصِّغارَ ، وأستَحيي بِهَا الكِبارَ ، وأكتَسِبُ بِهَا المَكارِمَ ، واُصلِحُ بِها بَينَ العَشائِرِ . قالَ : فَإِن أعطَيتُكِ ذلِكَ ، فَهَل أحُلُّ عِندَكِ مَحَلَّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؟ قالَت : ماءٌ ولا كَصَدّاءٍ ، ومَرعىً ولا كَالسَّعدانِ ، وفَتىً ولا كَمالِكٍ (1) ، يا سُبحانَ اللّهِ ! أ وَدونَهُ ؟ ! فَأَنشَأَ مُعاوِيَةُ يَقولُ : إذا لَم أعُد بِالحِلمِ مِنّي عَلَيكُمُ فَمَن ذَا الَّذي بَعدي يُؤَمَّلُ لِلحِلمِ خُذيها هَنيئا وَاذكُري فِعلَ ماجِدِ جَزاكِ عَلى حَربِ العَداوَةِ بِالسِّلمِ

.


1- .صَدّاء : رَكِيَّة لم يكن عندهم ماء أعذب من مائها . والسَّعدان : أخثر العشب لبنا ، وهو من أنجع المراعي في المال . ومالك هو ابن نويرة (مجمع الأمثال : ج3 ص267 الرقم 3842 و ج2 ص450 الرقم 2762) وهذه أمثال ثلاثة تضرب للشيء يفضل على أشباهه .

ص: 16

7 / 8 الرّبيع بن خثيم

7 / 9 زيد بن صوحان

ثُمَّ قالَ : أما وَاللّهِ لَو كانَ عَلِيٌّ حَيّا ما أعطاكِ مِنها شَيئا . قالَت : لا وَاللّهِ ، ولا وَبرَةً وَاحِدَةً مِن مالِ المُسلِمينَ (1) .

7 / 8الرَّبيعُ بنُ خُثَيمٍفضائل الصحابة عن منذر عن الربيع بن خثيم (2)_ وذَكَروا عِندَهُ عَلِيّا عليه السلام فَقالَ _فضائل الصحابة عن منذر عن الربيع بن خثيم (3) : ما رَأَيتُ أحَدا [ مِن ] (4) مُبغِضيهِ أشَدَّ لَهُ بُغضا ، ولا مُحِبّيهِ أشَدَّ لَهُ حُبّا ، ولَم أرَهُم يَجِدونَ عَلَيهِ في حُكمِهِ ، وَاللّهُ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ : «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا» (5) . 6

7 / 9زَيدُ بنُ صوحانَالإمام الصادق عليه السلام :لَمّا صُرِعَ زَيدُ بنُ صوحانَ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ يَومَ الجَمَلِ ، جاءَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام حَتّى جَلَسَ عِندَ رَأسِهِ فَقالَ : رَحِمَكَ اللّهُ يا زَيدُ ، قَد كُنتَ خَفيفَ المَؤونَةِ عَظيمَ المَعونَةِ . قالَ : فَرَفَعَ زَيدٌ رَأسَهُ إلَيهِ وقالَ : وأنتَ فَجَزاكَ اللّهُ خَيرا يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَوَاللّهِ ما عَلِمتُكَ إلّا بِاللّهِ عَليما ، وفي اُمِّ الِكتابِ عَلِيّا حَكيما ، وأنَّ اللّهَ في صَدرِكَ لَعَظيمٌ . وَاللّهِ ما قاتَلتُ مَعَكَ عَلى جَهالَةٍ ، ولكِنّي سَمِعتُ اُمَّ سَلَمَةَ زَوجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله تَقولُ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعاد

.


1- .العقد الفريد : ج1 ص342 ، بلاغات النساء : ص105 عن أبي إسحاق المقدمي نحوه .
2- .في المصدر : «خيثم» ، والصحيح ما أثبتناه .
3- .ما بين المعقوفين إضافة يقتضيها السياق .
4- .البقرة : 269 .
5- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص575 ح973 .

ص: 17

7 / 10 سودة الهمدانيّة

مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ» فَكَرِهتُ وَاللّهِ أن أخذُلَكَ فَيَخذُلَنِيَ اللّهُ (1) .

7 / 10سَودَةُ الهَمدانِيَّةُبلاغات النساء عن محمّد بن عبيد اللّه :اِستَأذَنَت سَودَةُ بِنتُ عُمارَةَ بنِ الأَسكِ (2) الهَمدانِيَّةُ عَلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ فَأَذِنَ لَها ، فَلَمّا دَخَلَت عَلَيهِ قالَ : هِي يا بِنتَ الأَسكِ ! أ لَستِ القائِلَةَ يَومَ صِفّينَ : شَمِّر كَفِعلِ أبيكَ يَابنَ عُمارَةَ يَومَ الطِّعانِ ومُلتَقَى الأَقرانِ وَانصُر عَلِيّا وَالحُسَينَ ورَهطَهُ وَاقصِد لِهِندٍ وَابنِها بِهَوانِ إنَّ الإِمامَ أخُو النَّبِيِّ مُحَمَّدِ عَلَمُ الهُدى ومَنارَةُ الإيمانِ فَقِهِ الحُتوفَ وَسِر أمامَ لِوائِهِ قُدُما بِأَبيضَ صارِمٍ وسِنانِ قالَت : إي وَاللّهِ ، ما مِثلي مَن رَغِبَ عَنِ الحَقِّ أوِ اعتَذَرَ بِالكَذِبِ . قالَ لَها : فَما حَمَلَكِ عَلى ذلِكَ ؟ قالَت : حُبُّ عَلِيٍّ عليه السلام وَاتِّباعُ الحَقِّ . قالَ : فَوَاللّهِ ما أرى عَلَيكِ مِن أثَرِ عَلِيٍّ شَيئا . قالَت : أنشُدُكَ اللّهَ يا أميرَ المُؤمِنينَ وإعادَةَ ما مَضى وتَذكارَ ما قَد نُسِيَ ! قالَ : هَيهاتَ ما مِثلُ مَقامِ أخيكِ يُنسى ، وما لَقيتُ مِن أحَدٍ ما لَقيتُ مِن قَومِكِ وأخيكِ قالَت : صَدَقَ فوكَ ، لَم يَكُن أخي ذَميمَ المَقامِ ، ولا خَفِيَّ المَكانِ ، كانَ وَاللّهِ كَقَولِ الخُنَساءِ : وإنَّ صَخرا لَتَأتَمُّ الهُداةُ بِهِ كَأَنَّهُ علَمٌ في رَأسِهِ نارُ قالَ : صَدَقتِ ، لَقَد كانَ كَذلِكِ ، فَقالَت : ماتَ الرَّأسُ وبُتِرَ الذَّنَبُ ، وبِاللّهِ أسأَلُ أميرَ المُؤمِنينَ إعفائي مِمَّا استَعفَيتُ مِنهُ . قالَ : قَد فَعَلتُ ، فَما حاجَتُكِ ؟ قالَت : إنَّكَ أصبَحتَ لِلنّاسِ سَيِّدا ، ولِأَمرِهِم مُتَقَلِّدا ، وَاللّهُ سَائِلُكَ مِن أمرِنا ومَا افتَرَضَ عَلَيكَ مِن حَقِّنا ، ولا يَزالُ يَقدُمُ عَلَينا مَن يَنوءُ بِعِزِّكَ ، ويَبطِشُ بِسُلطانِكَ ، فَيَحصِدُنا حَصدَ السُّنبُلِ ، ويَدوسُنا دَوسَ البَقَرِ ، ويَسومُنَا الخَسيسَةَ ، ويَسلُبُنَا الجَليلَةَ ، هذا بُسرُ بنُ أرطاةَ قَدِمَ عَلَينا مِن قِبَلِكَ ، فَقَتَلَ رِجالي ، وأخَذَ مالي ، يَقولُ لي : فوهي بِمَا أستَعصمُ اللّهَ مِنهُ وَألجَأُ إلَيهِ فيهِ ، ولَولَا الطّاعَةُ لَكانَ فينا عِزٌّ ومَنَعَةٌ ، فَإِمّا عَزَلتَهُ عَنّا فَشَكَرناكَ ، وإمّا لا فَعَرَّفناكَ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : أ تُهَدِّديني بِقَومِكِ ؟ ! لَقَد هَمَمتُ أن أحمِلَكِ عَلى قَتَبٍ (3) أشرَسَ ، فَأَرُدَّكِ إلَيهِ ، يُنفِذُ فيكِ حُكمَهُ ، فَأَطرَقَت تَبكي ثُمَّ أنشَأَت تَقولُ : صَلَّى الإِلهُ عَلى جِسمٍ تَضَمَّنَهُ قَبرٌ فَأَصبَحَ فيهِ العَدلُ مَدفونا قَد حالَفَ الحَقَّ لا يَبغي بِهِ بَدَلا فَصارَ بِالحَقِّ وَالإيمانِ مَقرونا قالَ لَها : ومَن ذلِكِ ؟ قالَت : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام . قالَ : وما صَنَعَ بكِ حَتّى صارَ عِندَكِ كَذلِكِ ؟ قالَت : قَدِمتُ عَلَيهِ في رَجُلٍ وَلّاهُ صَدَقَتَنا قَدِمَ عَلَينا مِن قِبَلِهِ ، فَكانَ بَيني وبَينَهُ ما بَينَ الغَثِّ وَالسَّمينِ ، فَأَتيتُ عَلِيّا عليه السلام لِأَشكُوَ إلَيهِ ما صَنَعَ فَوَجَدتُهُ قائِما يُصَلّي ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيَّ انفَتَلَ مِن صَلاتِهِ ، ثُمَّ قالَ لي بِرَأفَةٍ وتَعَطُّفٍ : أ لَكِ حاجَةٌ ؟ فَأَخبَرتُهُ الخَبَرَ ، فَبَكى ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ إنَّكَ أنتَ الشّاهِدُ عَلَيَّ وعَلَيهِم ، أنّي لَم آمُرهُم بِظُلمِ خَلقِك

.


1- .رجال الكشّي : ج1 ص284 ح119 ، الاختصاص : ص79 كلاهما عن عبد اللّه بن سنان .
2- .كذا في المصدر، وفي العقد الفريد: «الأشتر» بدل «الأسك».
3- .القَتَب : رَحل صغير على قَدر السنام (الصحاح : ج1 ص198) .

ص: 18

ولا بِتَركِ حَقِّكَ ، ثُمَّ أخرَجَ مِن جَيبِهِ قِطعَةَ جِلدٍ كَهَيئَةِ طَرَفِ الجَواب (1) فَكَتَبَ فيها : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُم ، فَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ بِالقِسطِ (2) ، «وَ لَا تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَ لَا تَعْثَوْاْ فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (3) ، «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَ مَآ أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ» (4) . إذا قَرَأتَ كِتابي فَاحتَفِظ بِما في يَدَيكَ مِن عَمَلِنا حَتّى يَقدُمَ عَلَيكَ مَن يَقبِضُهُ مِنكَ ، وَالسَّلامُ . فَأَخَذتُهُ مِنهُ ، وَاللّهِ ما خَتَمَهُ بِطينٍ ولا خَزَمَهُ بِخِزامٍ ، فَقَرَأتُهُ ، فَقالَ لَها مُعاوِيَةُ : لَقَد لَمَّظَكُمُ (5) ابنُ أبي طالِبٍ الجُرأَةَ عَلَى السُّلطانِ فَبَطيئا ما تُفطَمونَ . ثُمَّ قالَ : اُكتُبوا لَها بِرَدِّ مالِها وَالعدلِ عَلَيها . قالَت : ألي خاصٌّ أم لِقَومي عامٌّ ؟ قالَ : ما أنتِ وقَومُكِ ؟ قالَت : هِيَ وَاللّهِ إذَنِ الفَحشاءُ وَاللُّؤمُ ، إن لَم يَكُن عَدلاً شامِلاً وإلّا فَأَنَا كَسائِرِ قَومي . قالَ : اُكتُبوا لَها ولِقَومِها (6) .

.


1- .كذا في المصدر ، والظاهر أنّ الصحيح : «الجراب» كما في المصادر الاُخرى . والجِراب : وعاءٌ من إهاب [جلد ]الشاء (لسان العرب : ج1 ص261) .
2- .مضمون الآية 85 من سورة الأعراف .
3- .الشعراء : 183 .
4- .هود : 86 .
5- .التَّلَمُّظ : التذوّق ، ولَمَظَ الماءَ : ذاقَه بطرف لسانه ، ولمَّظ فلانا لُماظَةً : أي شيئا يتلمّظه (لسان العرب : ج7 ص461 و462) .
6- .بلاغات النساء : ص47 ، العقد الفريد : ج1 ص335 ، الفتوح : ج3 ص59 وراجع الفصول المهمّة : ص127 وتاريخ دمشق : ج42 ص587 .

ص: 19

7 / 11 صعصعة بن صوحان

7 / 11صَعصَعَةُ بنُ صوحانَتاريخ اليعقوبي_ في ذِكرِ بَيعَةِ النّاسِ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: . . . وقامَ صَعصَعَةُ بن

.

ص: 20

صوحانَ فَقالَ : وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَقَد زَيَّنتَ الخِلافَةَ وما زانَتكَ ، ورَفَعتَها وما رَفَعَتكَ ، ولَهِيَ إلَيكَ أحوَجُ مِنكَ إلَيها (1) .

المناقب للكوفي عن عبد الملك بن عمير :سُئِلَ صَعصَعَةُ بنُ صوحانَ : كَيفَ كانَ عَلِيٌّ ؟ قالَ : لَم يَقُل مُستَزيدا لَهُ فَواتَهُ ولا مُستَقصِرا (2) ، إنَّهُ جَمَعَ الحِلمَ ، وَالسِّلمَ ، وَالعِلمَ ، وَالقَرابَةَ القَريبَةَ ، وَالهِجرَةَ القَديمَةَ ، وَالبَلاءَ العَظيمَ فِي الإِسلامِ (3) .

شرح نهج البلاغة :قالَ صَعصَعَةُ بنُ صوحانَ وغَيرُهُ مِن شيعَتِهِ وأصحابِهِ : كانَ [عَلِيٌّ عليه السلام ]فينا كَأَحَدِنا ؛ لينَ جانِبٍ ، وشِدَّةَ تَواضُعٍ ، وسُهولَةَ قِيادٍ ، وكُنّا نَهابُهُ مَهابَةَ الأَسيرِ المَربوطِ لِلسَّيّافِ الواقِفِ عَلى رَأسِهِ (4) .

تذكرة الخواصّ عن عمرو بن يحيى عن صعصعة بن صوحان :إنَّهُ مَرَّ عَلَى المُغيرَةِ بنِ شُعبَةَ فَقالَ لَهُ : مِن أينَ أقبَلتَ ؟ فَقالَ : مِن عِندِ الوَلِيِّ التَّقِيِّ الجَوادِ الحَيِيِّ (5) الحَليمِ الوَفِيِّ الكَريمِ الحَفِيِّ ، المانِعِ بِسَيفِهِ ، الجَوادِ بِكَفِّهِ ، الوَرِيِّ زَندُهُ (6) ، الكَثيرِ رِفدُهُ ، الَّذي هُوَ مِن ضِئضِئِ (7) أشرافٍ أمجادٍ لُيوثٍ أنجادٍ ، لَيسَ بِإِقعادٍ (8) ولا إنكادٍ ، لَيسَ في أمرِهِ ولا في قَولِهِ فَنَدٌ ، لَيسَ بِالطّائِشِ النَّزِقِ ، ولا بِالرّايثِ المَذِقِ (9) ، كَريمُ الأَبناءِ ، شَريفُ الآباءِ ،

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص179 .
2- .كذا في المصدر .
3- .المناقب للكوفي : ج2 ص67 ح550 .
4- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص25 ؛ بحار الأنوار : ج41 ص147 .
5- .في المصدر : «الحي» وهو تصحيف .
6- .الزَّنْد : العود الأعلى الذي يقتدح به النار . وإنّه لواري الزَّند ووريّه : يكون ذلك في الكرم وغيره من الخصال المحمودة (لسان العرب : ج3 ص195) .
7- .الضئضئ : هو الأصل والمعدن (لسان العرب : ج1 ص110) .
8- .الإقعاد : قلّة الآباء والأجداد ؛ وهو مذموم (لسان العرب : ج3 ص362) .
9- .الرايث : من الرَّيث ؛ الإبطاء . ورجلٌ مَذِق : مَلُول (لسان العرب : ج2 ص157 و ج10 ص340) .

ص: 21

حَسَنُ البَلاءِ ، ثاقِبُ السَّناءِ ، مُجَرَّبٌ مَشهورٌ ، وشُجاعٌ مَذكورٌ ، زاهِدٌ فِي الدُّنيا ، راغِبٌ فِي الاُخرى . فَقالَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ : هذِهِ صِفاتُ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ عليه السلام (1) .

طين : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في اختلاف الناسالاختصاص عن مسمع بن عبد اللّه البصري عن رجل :لَمّا بَعَثَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ صَعصَعَةَ بنَ صوحانَ إلَى الخَوارِجِ قالوا لَهُ : أرَأَيتَ لَو كانَ عَلِيٌّ مَعَنا في مَوضِعِنا أ تَكونُ مَعَهُ ؟ قالَ : نَعَم ، قالوا : فَأَنتَ إذا مُقَلِّدٌ عَلِيّا دينَكَ ، اِرجِع فَلا دينَ لَكَ!

فَقالَ لَهُم صَعصَعَةُ : وَيلَكُم ! أ لا اُقَلِّدُ مَن قَلَّدَ اللّهَ فَأَحسَنَ التَّقليدَ ، فَاضطَلَعَ بِأَمرِ اللّهِ صِدّيقا لَم يَزَل ؟ أ وَلَم يَكُن رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذَا اشتَدَّتِ الحَربُ قَدَّمَهُ في لَهَواتِها فَيَطَأُ صِماخَها بِأَخمَصِهِ ، ويُخمِدُ لَهَبَها بِحَدِّهِ ، مَكدودا في ذاتِ اللّهِ . . . .

فَأَنّى تُصرَفونَ ؟ وأينَ تَذهَبونَ ؟ وإلى مَن تَرغَبونَ ؟ وعَمَّن تَصدِفونَ ؟ عَنِ القَمَرِ الباهِرِ ، وَالسِّراجِ الزّاهِرِ ، وصِراطِ اللّهِ المُستَقيمِ ، وسَبيلِ اللّهِ (2) المُقيمِ .

قاتَلَكُمُ اللّهُ ، أنّى تُؤفَكونَ ؟ أ فِي الصِّدّيقِ الأَكبَرِ وَالغَرَضِ الأَقصى تَرمونَ ، طاشَت عُقولُكُم ، وغارَت حُلومُكُم ، وشاهَت وُجوهُكُم ، لَقَد عَلَوتُمُ القُلَّةَ مِنَ الجَبَلِ ، وباعَدتُمُ العِلَّةَ (3) مِنَ النَّهَلِ ، أ تَستَهدِفونَ أميرَ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ووَصِيَّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ لَقَد سَوَّلَت لَكُم أنفُسُكُم خُسرانا مُبينا ، فَبُعدا وسُحقا لِلكَفَرَةِ الظّالِمينَ ، عَدَلَ بِكُم عَنِ القَصدِ الشَّيطانُ ، وعَمِيَ لَكُم عَن واضِحِ المَحَجَّةِ الحِرمانُ (4) .راجع : ج 4 ص 306 (بعد الاستشهاد / في رثاء الإمام) .

.


1- .تذكرة الخواصّ : ص118 .
2- .في المصدر: «حسان الأعد»، والتصويب من بعض النسخ الخطيّة وبحار الأنوار .
3- .من العَلّ : الشربة الثانية (لسان العرب : ج11 ص467) .
4- .الاختصاص : ص121 ، بحار الأنوار : ج33 ص402 ح624 .

ص: 22

7 / 12 ضرار بن ضمرة

7 / 12ضِرَارُ بنُ ضَمرَةَ* وعن الصادق عليه السلام :مروج الذهب :دَخَلَ ضِرارُ بنُ ضَمرَةَ ؛ وكانَ مِن خَواصِّ عَلِيٍّ عَلى مُعاوِيَةَ وافِدا ، فَقالَ لَهُ : صِف لي عَلِيّا . قالَ : أعفِني يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ مُعاوِيَةُ : لابُدَّ مِن ذلِكَ . فَقالَ : أمّا إذا كانَ لابُدَّ مِن ذلِكَ فَإِنَّهُ كانَ وَاللّهِ بَعيدَ المَدى ، شَديدَ القُوى ، يَقولُ فَصلاً ، ويَحكُم عَدلاً ، يَتَفَجَّرُ العِلمُ مِن جَوانِبِهِ ، وتَنطِقُ الحِكمَةُ مِن نَواحيهِ ، يُعجِبُهُ مِنَ الطَّعامِ ما خَشُنَ ، ومِنَ اللِّباسِ ما قَصُرَ .

وكانَ وَاللّهِ يُجيبُنا إذا دَعَوناهُ ، ويُعطينا إذا سَأَلناهُ ، وكُنّا وَاللّهِ _ عَلى تَقريبِهِ لَنا وقُربِهِ مِنّا لا نُكَلِّمُهُ هَيبَةً لَهُ ، ولا نَبتَدِئُهُ لِعِظَمِهِ في نُفوسِنا ، يَبسِمُ عَن ثَغرٍ كَاللُّؤلُؤِ المَنظومِ ، يُعَظِّمُ أهلَ الدّينِ ، ويَرحَمُ المَساكينَ ، ويُطعِمُ فِيالمَسغَبَةِ يَتيما ذا مَقرَبَةٍ أو مِسكينا ذا مَترَبَةٍ ، يَكسُو العُريانَ ، وَينصُرُ اللَّهفانَ ، ويَستَوحِشُ مِنَ الدُّنيا وزَهرَتِها ، ويَأنِسُ بِاللَّيلِ وظُلمَتِهِ .

وكَأَنّي بِهِ وقَد أرخَى اللَّيلُ سُدولَهُ ، وغارَت نُجومُهُ ، وهُوَ في مِحرابِهِ قابِضٌ عَلى لِحيَتِهِ ، يَتَمَلمَلُ تَمَلمُلَ السَّليم (1) ، ويَبكي بُكاءَ الحَزينِ ، ويَقولُ : «يا دُنيا غُرّي غَيري ، إلَيَّ تَعَرَّضتِ أم إلَيَّ تَشَوَّفتِ ؟ هَيهاتَ هَيهاتَ ! لا حانَ حينُكِ ، قد أبَنتُكِ ثَلاثا لا رَجعَةَ لي فيكِ ، عُمُرُكِ قَصيرٌ ، وعَيشُكِ حَقيرٌ ، وخَطَرُكِ يَسيرٌ ، آهِ مِن قِلَّةِ الزّادِ وبُعدِ السَّفَرِ ووَحشَةِ الطَّريقِ .

فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : زِدني شَيئا مِن كَلامِهِ ، فَقالَ ضِرارٌ : كانَ يَقولُ : أعجَبُ ما في الإِنسانِ قَلبُهُ . . . فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : زِدني كُلَّما وَعَيتَهُ مِن كَلامِهِ ، قالَ : هَيهاتَ أن آتِى

.


1- .السَّلِيم : اللديغ . يقال : سَلَمَتْهُ الحيّة ؛ أي لدَغَتْه (لسان العرب : ج12 ص292) .

ص: 23

7 / 13 عبد الرّحمن بن حسّان

7 / 14 عبيدة السّلمانيّ

* وعن الصادق عليه السلام :عَلى جَميعِ ما سَمِعتُهُ مِنهُ (1) .راجع : ص 291 (قصص من عبادته) .

7 / 13عَبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسّانٍ* وعن ابن مسعود :الكامل في التاريخ_ في ذِكرِ مَقتَلِ حُجرِ بنِ عَدِيٍّ وأصحابِهِ _: قالَ [مُعاوِيَةُ ]لِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ حَسّانٍ : يا أخا رَبيعَةَ ، ما تَقولُ في عَلِيٍّ ؟ قالَ : دَعني ولا تَسأَلني فَهُوَ خَيرٌ لَكَ . قالَ : وَاللّهِ لا أدَعُكَ . قالَ : أشهَدُ أنَّهُ كانَ مِنَ الذّاكِرينَ اللّهَ تَعالى كَثيرا ، مِنَ الآمِرينَ بِالحَقِّ ، وَالقائِمينَ بِالقِسطِ ، وَالعافينَ عَنِ النّاسِ .

قالَ : فَما قَولُكَ في عُثمانَ ؟ قالَ : هُوَ أوَّلُ مَن فَتَحَ أبوابَ الظُّلمِ ، وأغلَقَ أبوابَ الحَقِّ .

قالَ : قَتَلتَ نَفسَكَ ! قالَ : بَل إيّاكَ قَتَلتُ ، ولا رَبيعَةَ بِالوادي ؛ يَعني لِيَشفَعوا فيهِ . فَرَدَّهُ مُعاوِيَةُ إلى زِيادٍ ، وأمَرَهُ أن يَقتُلَهُ شَرَّ قَتلَةٍ ، فَدَفَنَهُ حَيّا (2) .7 / 14عَبيدَةُ السَّلمانِيُّ (3)* وعنه عليه السلام :فضائل الصحابة عن عبيدة السلماني :صَحِبتُ عَبدَ اللّهِ بنَ مَسعودٍ سَنَةً ثُمَّ صَحِبتُ عَلِيّا ،

.


1- .مروج الذهب : ج2 ص433 ، الاستيعاب : ج3 ص209 الرقم 1875 عن رجل من همدان ، حلية الأولياء : ج1 ص84 ، تذكرة الخواصّ : ص118 ، تاريخ دمشق : ج24 ص401 والثلاثة الأخيرة عن أبي صالح و ص402 عن محمّد بن غسّان ، مقتل أمير المؤمنين : ص100 ح93 عن أبي عمرو الأسدي وفيه «عن رجل من كنانة» بدل «ضرار بن ضمرة» ؛ خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص70 كلّها نحوه وراجع نهج البلاغة : الحكمة 77 والمناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص103 .
2- .الكامل في التاريخ : ج2 ص498 ، تاريخ الطبري : ج5 ص276 ، الأغاني : ج17 ص156 نحوه .
3- .هو عبيدة بن عمرو السلماني الفقيه المرادي الكوفي . قال العجلي : كوفي ، تابعي ، ثقة ، جاهلي ، أسلم قبل وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله بسنتين ولم يره . وكان من أصحاب عليّ عليه السلام وعبد اللّه بن مسعود . قال ابن نمير وغير واحد : مات سنة (72 ه ) (راجع تهذيب التهذيب : ج4 ص54 الرقم5182 والاستيعاب : ج3 ص143 الرقم 1773) .

ص: 24

7 / 15 قنبر

* وعنه عليه السلام :فَكانَ فَضلُ عَلِيٍّ عَلى عَبدِ اللّهِ فِي العِلمِ كَفَضلِ المُهاجِرِ عَلَى الأَعرابِيِّ (1) .7 / 15قَنبَرٌ* وعنه صلى الله عليه و آله :رجال الكشّي :سُئِلَ قَنبَرٌ : مَولى مَن أنتَ ؟ فَقالَ : أنَا مَولى مَن ضَرَبَ بِسَيفَينِ ، وطَعَنَ بِرُمحَينِ ، وصَلَّى القِبلَتَينِ ، وبايَعَ البَيعَتَينِ ، وهاجَرَ الهِجرَتَينِ ، ولَم يَكفُر بِاللّهِ طَرفَةَ عَينٍ .

أنَا مَولى صالِحِ المُؤمِنينَ ، ووارِثِ النَّبِيّينَ ، وخَيرِ الوَصِيّينَ ، وأكبَرِ المُسلِمينَ ، ويَعسوبِ المُؤمِنينَ ، ونورِ المُجاهِدينَ ، ورَئيسِ البَكّائينَ ، وزَينِ العابِدينَ ، وسِراجِ الماضينَ ، وضَوءِ القائِمينَ ، وأفضَلِ القانِتينَ ، ولِسانِ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ ، وأوَّلِ المُؤمِنينَ مِن آلِ ياسينَ .

المُؤَيَّدِ بِجِبريلَ الأَمينِ ، وَالمَنصورِ بِميكائيلَ المَتينِ ، وَالمَحمودِ عِندَ أهلِ السَّماواتِ أجمَعينَ ، سَيِّدِ المُسلِمينَ وَالسّابِقينَ ، وقاتِلِ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ ، وَالمُحامي عَن حَ_رَمِ المُسلِمينَ ، وَالمُجاهِ_دِ أع_داءَهُ النّاصِبينَ ، ومُطفِئِ نيرانِ الموقِدينَ ، وأفخَرِ مَن مَشى مِن قُرَيشٍ أجمَعينَ ، وأوَّلِ مَن حارَبَ وَاستَجابَ لِلّهِ ، أميرِ المُؤمِنينَ ، ووَصِيِّ نَبِيِّهِ فِي العالَمينَ ، وأمينِهِ عَلَى المَخلوقينَ ، وخَليفَةِ مَن بُعِثَ إلَيهِم أجمَعينَ ، سَيِّدِ المُسلِمينَ وَالسّابِقينَ ، وقاتِلِ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ ، ومُبيدِ المُشرِكينَ ، وسَهمٍ مِن مَرامِي اللّهِ عَلَى المُنافِقينَ ، ولِسانِ كَلِمَةِ العابِدينَ .

ناصِرِ دينِ اللّهِ ، ووَلِيِّ اللّهِ ، ولِسانِ كَلِمَةِ اللّهِ ، وناصِرِهِ في أرضِهِ ، وعَيبَةِ عِلمِهِ ، وكَهفِ دينِهِ ، إمامِ الأَبرارِ ، مَن رَضِيَ عَنهُ العَلِيُّ الجَبّارُ .

.


1- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص541 ح904 .

ص: 25

7 / 16 مالك الأشتر

* وعنه صلى الله عليه و آله :سَمِحٌ ، سَخِيٌّ ، حَيِيٌّ (1) ، بُهلولٌ ، سَنحنَحِيٌّ (2) ، زَكِيٌّ ، مُطَهَّرٌ ، أبطَحِيٌّ ، باذِلٌ ، جَرِيٌّ ، هُمامٌ ، صابِرٌ (3) ، صَوّامٌ ، مَهدِيٌّ ، مِقدامٌ ، قاطِعُ الأَصلابِ ، مُفَرِّقُ الأَحزابِ ، عالِي الرِّقابِ ، أربَطُهُم عِنانا ، وأثبَتُهُم جَنانا ، وأشَدُّهُم شَكيمَةً (4) ، بازِلٌ (5) ، باسِلٌ ، صِنديدٌ ، هِزَبرٌ ، ضِرغامٌ ، حازِمٌ ، عَزّامٌ ، حَصيفٌ ، خَطيبٌ ، مِحجاجٌ ، كَريمُ الأَصلِ ، شَريفُ الفَضلِ ، فاضِلُ القَبيلَةِ ، نَقِيُّ العَشيرَةِ ، زَكِيُّ الرَّكانَةِ (6) ، مُؤَدِّي الأَمانَةِ .

مِن بَني هاشِمٍ ، وَابنُ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَالإِمامُ ، مَهدِيُّ الرَّشادِ ، مُجانِبُ الفَسادِ ، الأَشعَثُ الحاتِمُ ، البَطَلُ الجَماجِمِ ، وَاللَّيثُ المُزاحِمُ ، بَدرِيٌّ ، مَكِّيٌّ ، حَنَفِيٌّ ، روحانِيٌّ ، شَعشَعانِيٌّ . مِنَ الجِبالِ شَواهِقُها ، ومِنَ الهِضابِ رُؤوسُها ، ومِنَ العَرَبِ سَيِّدُها ، ومِنَ الوَغى لَيثُها .

البَطَلُ الهُمامُ ، وَاللَّيثُ المِقدامُ ، وَالبَدرُ التَّمامُ ، مِحَكُّ المُؤمِنينَ ، ووارِثُ المَشعَرَينِ ، وأبُو السِّبطَينِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ ، وَاللّهِ أميرُ المُؤمِنينَ حَقّا حَقّا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عَلَيهِ مِنَ اللّهِ الصَّلَواتُ الزَّكِيَّةُ وَالبَرَكاتُ السَّنِيَّةُ (7) .راجع : ج 7 ص 443 (قنبر مولى أمير المؤمنين).

7 / 16مالِكٌ الأَشتَرُ* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام :تاريخ اليعقوبي_ في ذِكرِ بَيعَةِ النّاسِ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: . . . ثُمَّ قامَ مالِكُ بنُ الحارِث

.


1- .في المصدر : «حيّ» ، والصحيح ما أثبتناه كما في الاختصاص .
2- .أي لا ينام الليل ؛ فهو متيقّظ أبدا (النهاية : ج2 ص407) .
3- .في المصدر : «همام الصابر» ، والصحيح ما أثبتناه كما في الاختصاص .
4- .الشَّكِيمة : قوّة القلب ، وإنّه لشديد الشَّكيمة : إذا كان شديد النفس أنِفا أبيّا (لسان العرب : ج12 ص324) .
5- .أي مستجمع الشباب ، مستكمل القوّة (لسان العرب : ج11 ص53) .
6- .مِن ركُن : إذا كان ساكنا وقورا (لسان العرب : ج13 ص186) .
7- .رجال الكشّي : ج1 ص288 ح129 ، الاختصاص : ص73 وفيه إلى «البطل الجماجم» .

ص: 26

* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام :الأَشتَرُ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! هذا وَصِيُّ الأَوصِياءِ ، ووارِثُ عِلمِ الأَنبِياءِ ، العَظيمُ البَلاءِ ، الحَسَنُ الغَناءِ ، الَّذي شَهِدَ لَهُ كِتابُ اللّهِ بِالإيمانِ ورَسولُهُ بِجَنَّةِ الرِّضوانِ ، مَن كَمُلَت فيهِ الفَضائِلُ ، ولَم يَشُكَّ في سابِقَتِهِ وعِلمِهِ وفَضلِهِ الأَواخِرُ ولَا الأَوائِلُ (1) .طير : في صفة أصحابه صلى الله عليه و آله :وقعة صفّين عن أدهم :إنَّ الأَشتَرَ قامَ يَخطُبُ النّاسَ بِقُناصِرينَ (2) ، وهُوَ يَومَئِذٍ عَلى فَرَسٍ أدهَمَ مِثلُ حَلَكِ الغُرابِ ، فَقالَ : . . . مَعَنَا ابنُ عَمِّ نَبِيِّنا ، وسَيفٌ مِن سُيوفِ اللّهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، صَلّى مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يَسبِقهُ بِالصَّلاةِ ذَكَرٌ حَتّى كانَ شَيخا ، لَم يَكُن لَهُ صَبوَةٌ ولا نَبوَةٌ ولا هَفوَةٌ ، فَقيهٌ في دينِ اللّهِ ، عالِمٌ بِحُدودِ اللّهِ ، ذو رَأيٍ أصيلٍ ، وصَبرٍ جَميلٍ ، وعِفافٍ قَديمٍ (3) .* وفي رواية اُخرى :شرح نهج البلاغة_ في ذِكرِ ما قالَهُ الأَشتَرُ بَعدَ خُطبَةِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام بِذي قارٍ عِندَ سَيرِهِ لِلبَصرَةِ ، ودُعائِهِ عَلى طَلحَةَ وَالزُّبَيرِ _: الحَمدُللّهِ الَّذي مَنَّ عَلَينا فَأَفضَلَ ، وأحسَنَ إلَينا فَأَجمَلَ ، قَد سَمِعنا كلامَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ولَقَد أصَبتَ ووُفِّقتَ ، وأنتَ ابنُ عَمِّ نَبِيِّنا وصهِرُهُ ووَصِيُّهُ ، وأوَّلُ مُصَدِّقٍ بِهِ ، ومُصَلٍّ مَعَهُ ، شَهِدتَ مَشاهِدَهُ كُلَّها ، فَكانَ لَكَ الفَضلُ فيها عَلى جَميعِ الاُمَّةِ ، فَمَنِ اتَّبَعَكَ أصابَ حَظَّهُ ، وَاستَبشَرَ بِفَلجِهِ (4) ، ومَن عَصاكَ ورَغِبَ عَنكَ ، فَإِلى اُمِّهِ الهاوِيَةِ !

لَعَمري يا أميرَ المُؤمِنينَ ! ما أمرُ طَلحَةَ وَالزُّبَيرِ وعائِشَةَ عَلَينا بِمُخيلٍ ، ولَقَد دَخَلَ الرَّجُلانِ فيما دَخَلا فيهِ ، وفارَقا عَلى غَيرِ حَدَثٍ أحدَثتَ ، ولا جَورٍ صَنَعتَ ، فَإِن زَعَما أنَّهُما يَطلُبانِ بِدَمِ عُثمانَ فَليُقيدا مِن أنفُسِهِما ؛ فَإَنَّهُما أوَّلُ مَن ألَّبَ عَلَيهِ وأغرَى النّاسَ بِدَمِهِ ، واُشهِدُ اللّهَ لَئِن لَم يَدخُلا فيما خَرَجا مِنهُ لَنُلحِقَنَّهُما بِعُثمانَ ؛ فَإِنَّ سُيوفَنا .


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص179 .
2- .موضع بالشام (تاج العروس : ج7 ص421) .
3- .وقعة صفّين : ص238 ؛ شرح نهج البلاغة : ج5 ص190 وزاد فيه «ولا سقطة» بعد «ولا هفوة» .
4- .الفَلج : الظَّفَر والفوز (تاج العروس : ج3 ص457) .

ص: 27

7 / 17 نعيم بن دجاجة

7 / 18 يزيد بن قيس

* وفي رواية اُخرى :في عَواتِقِنا ، وقُلوبَنا في صُدورِنا ، ونَحنُ اليَومَ كَما كُنّا أمسِ (1) .7 / 17نُعَيمُ بنُ دِجاجَةَ* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أ نّه :الإمام الصادق عليه السلام :بَعَثَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلى بِشرِ بنِ عُطارِدٍ التَّميمِيِّ في كَلامٍ بَلَغَهُ ، فَمَرَّ بِهِ رَسولُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام في بَني أسَدٍ وأخَذَهُ ، فَقامَ إلَيهِ نُعَيمُ بنُ دِجاجَةَ الأَسَدِيُّ فَأَفلَتَهُ ، فَبَعَثَ إلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَأَتَوهُ بِهِ وأمَرَ بِهِ أن يُضرَبَ ، فَقالَ لَهُ نُعَيمٌ : أما وَاللّهِ إنَّ المُقامَ مَعَكَ لَذُلٌّ ، وإنَّ فِراقَكَ لَكُفرٌ ! قالَ : فَلَمّا سَمِعَ ذلِكَ مِنهُ قالَ لَهُ : يا نُعَيمُ ، قَد عَفَونا عَنكَ ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ : «ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» (2) أمّا قَولُكَ : إنَّ المُقامَ مَعَكَ لَذُلٌّ فَسَيِّئَةٌ اكتَسَبتَها ، وأمّا قَولُكَ : إنَّ فِراقَكَ لَكُفرٌ فَحَسَنَةٌ اكتَسَبتَها ، فَهذِهِ بِهذِهِ ، ثُمَّ أمَرَ أن يُخَلّى عَنهُ (3) .7 / 18يَزِيدُ بنُ قَيسٍ* وفي الخبر :تاريخ الطبري عن المُحِلّ بن خليفة الطائي :لَمّا تَوادَعَ عَلِيٌّ ومُعاوِيَةُ يَومَ صِفّينَ اختَلَفَ فيما بَينَهُمَا الرُّسُلُ رَجاءَ الصُّلحِ ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ عَدِيَّ بنَ حاتِمٍ ويَزيدَ بنَ قَيسٍ الأَرحَبِيَّ وشَبَثَ بنَ رِبعِيٍّ وزِيادَ بنَ خَصَفَةَ إلى مُعاوِيَةَ ، فَلَمّا دَخَلوا . . . تَكَلَّمَ يَزيدُ بنُ قَيسٍ ، فَقالَ :

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص310 .
2- .المؤمنون : 96 .
3- .الكافي : ج7 ص268 ح40 عن ابن محبوب عن بعض أصحابه ، رجال الكشّي : ج1 ص303 ح144 عن الحسن بن محبوب عن رجل ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص113 نحوه من دون إسنادٍ إلى المعصوم وراجع الأمالي للصدوق : ص446 ح596 والغارات : ج1 ص119 .

ص: 28

* وفي الخبر :إنّا لَم نَأتِكَ إلّا لِنُبَلِّغَكَ ما بُعِثنا بِهِ إلَيكَ ، ولِنُؤَدِّيَ عَنكَ ما سَمِعنا مِنكَ ، ونَحنُ عَلى ذلِكَ لَم نَدَع أن نَنصَحَ لَكَ ، وأن نَذكُرَ ما ظَنَنّا أنَّ لَنا عَلَيكَ بِهِ حُجَّةً ، وأنَّكَ راجِعٌ بِهِ إلَى الاُلفَةِ وَالجَماعَةِ .

إنَّ صاحِبَنا مَن قَد عَرَفتَ وعَرَفَ المُسلِمونَ فَضلَهُ ، ولا أظُنُّهُ يَخفى عَلَيكَ ، إنَّ أهلَ الدّينِ وَالفَضلِ لَن يَعدِلوا بِعَلِيٍّ ، ولَن يُمَيِّلوا بَينَكَ وبَينَهُ ، فَاتَّقِ اللّهَ يا مُعاوِيَةُ! ولا تُخالِفُ عَلِيّا ؛ فَإِنّا وَاللّهِ ما رَأَينا رَجُلاً قَطُّ أعمَلَ بِالتَّقوى ، ولا أزهَدَ فِي الدُّنيا ، ولا أجمَعَ لِخِصالِ الخَيرِ كُلِّها مِنهُ (1) . .


1- .تاريخ الطبري : ج5 ص5 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص367 ؛ وقعة صفّين : ص198 .

ص: 29

الفصل الثامن : عليّ عنْ لسان أعْدائه

8 / 1 معاوية بن أبي سفيان

الفصل الثامن : عَلِيٌّ عَنْ لِسَانِ أعْدَائِهِ8 / 1مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَطها : عن أبيطالب :سير أعلام النبلاء عن عبيد :جاءَ أبو مُسلِمٍ الخَولانِيُّ واُناسٌ إلى مُعاوِيَةَ وقالوا : أنتَ تُنازِعُ عَلِيّا ، أم أنتَ مِثلُهُ ؟ فَقالَ : لا وَاللّهِ ، إنّي لَأَعلَمُ أنَّهُ أفضَلُ مِنّي وأحَقُّ بِالأَمرِ مِنّي (1) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في القائم علتاريخ دمشق عن أبي إسحاق :جاءَ ابنُ أحوَرَ التَّميمِيُّ إلى مُعاوِيَةَ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! جِئتُكَ مِن عِندِ ألأَمِ النّاسِ ! وأبخَلِ النّاسِ ! وأعيَى النّاسِ ! وأجبَنِ النّاسِ ! فَقالَ [لَهُ مُعاوِيَةُ] : وَيلَكَ ! وأنّى أتاهُ اللُّؤمُ ، ولَكُنّا نَتَحَدَّثُ أن لَو كانَ لِعَلِيٍّ بَيتٌ مِن تِبنٍ وآخَرُ مِن تِبرٍ (2) لَأَنفَدَ التِّبرَ قَبلَ التِّبنِ ؟ !

وأنّى أتاهُ العِيُّ وإن كُنّا لَنَتَحَدَّثُ أنَّهُ ما جَرَتِ المَواسي عَلى رَأسِ رَجُلٍ مِن قُرَيشٍ أفصَحَ مِن عَلِيٍّ ؟ !

وَيلَكَ ! وأنّى أتاهُ الجُبنُ وما بَرَزَ لَهُ رَجُلٌ قَطُّ إلّا صَرَعَهُ ؟ ! وَاللّهِ يَابنَ أحوَرَ لَولا

.


1- .سير أعلام النبلاء : ج3 ص140 ح25 ، تاريخ دمشق : ج59 ص132 ، البداية والنهاية : ج8 ص129 وراجع وقعة صفّين : ص85 . راجع : ج 3 ص 335 (حرب الدعاية) .
2- .التِّبْر : الذَّهَب (لسان العرب : ج4 ص88) .

ص: 30

* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في القائم علأنَّ الحَربَ خُدعَةٌ لَضَرَبتُ عُنُقَكَ ، اخرُج فَلا تُقيمَنَّ في بَلَدي (1) .طهم : في صفته صلى الله عليه و آله :الإمامة والسياسة :ذَكَروا أنَّ عَبدَ اللّهِ بنَ أبي مِحجَنٍ الثَّقَفِيَّ قَدِمَ عَلى مُعاوِيَةَ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي أتَيتُكَ مِن عِندِ العَيِيِّ (2) الجَبانِ البَخيلِ ابنِ أبي طالِبٍ .

فَقالَ مُعاوِيَةُ : للّهِ أنتَ ! أ تَدري ما قُلتَ ؟ أمّا قَولُكَ : العَيِيُ ، فَوَاللّهِ لَو أنَّ ألسُنَ النّاسِ جُمِعَت فَجُعِلَت لِسانا واحِدا لَكَفاها لِسانُ عَلِيٍّ ، وأمّا قَولُكَ : إنَّهُ جَبانٌ ، فَثَكِلَتكَ اُمُّكَ ، هَل رَأَيتَ أحَدا قَطُّ بارَزَهُ إلّا قَتَلَهُ ؟ وأمّا قَولُكَ : إنَّهُ بَخيلٌ ، فَوَاللّهِ لَو كانَ لَهُ بَيتانِ أحَدُهُما مِن تِبرٍ وَالآخَرُ مِن تِبنٍ ، لَأَنفَدَ تِبرَهُ قَبلَ تِبنِهِ .

فَقالَ الثَّقَفِيُّ : فَعَلامَ تُقاتِلُهُ إذا ؟

قالَ : عَلى دَمِ عُثمانَ ، وعَلى هذَا الخاتَمِ ، الَّذي مَن جَعَلَهُ في يَدِهِ جادَت طينَتُهُ ، وأطعَمَ عِيالَهُ ، وَادَّخَرَ لِأَهلِهِ .

فَضَحِكَ الثَّقَفِيُّ ثُمَّ لَحِقَ بِعَلِيٍّ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هَب لي يَدَيَّ بِجُرمي ، لا دُنيا أصَبتُ ولا آخِرَةً ! فَضَحِكَ عَلِيٌّ ، ثُمَّ قالَ : أنتَ مِنها عَلى رَأسِ أمرِكَ ، وإنَّما يَأخُذُ اللّهُ العِبادَ بِأَحَدِ الأَمرَينِ (3) .* وعنه صلى الله عليه و آله في ماء البحر :فضائل الصحابة عن قيس بن أبي حازم :جاءَ رَجُلٌ إلى مُعاوِيَةَ فَسَأَلَهُ عَن مَسأَلَةٍ ، فَقالَ : سَل عَنها عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ فَهُوَ أعلَمُ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، جَوابُكَ فيها أحَبُّ إلَيَّ مِن جَوابِ عَلِيٍّ ، فَقالَ : بِئسَ ما قُلتَ ولَؤُمَ ما جِئتَ بِهِ!! لَقَد كَرِهتَ رَجُلاً كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَغُرُّهُ العِلمَ غَرّا ، ولَقَد قالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : .


1- .تاريخ دمشق : ج42 ص414 .
2- .في المصدر : «الغبي» ، والصحيح ما أثبتناه كما في شرح الأخبار .
3- .الإمامة والسياسة : ج1 ص134 ؛ شرح الأخبار : ج2 ص98 نحوه وراجع شرح نهج البلاغة : ج1 ص24 وكشف الغمّة : ج2 ص47 .

ص: 31

* وعنه صلى الله عليه و آله في ماء البحر :«أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى غَيرَ أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي» .

وكانَ عُمَرُ إذا أشكَلَ عَليهِ شَيءٌ يَأخُذُ مِنهُ ، ولَقَد شَهِدتُ عُمَرَ وقَد أشكَلَ عَلَيهِ شَيءٌ ، فَقالَ : هاهُنا عَلِيٌّ قُم لا أقامَ اللّهُ رِجلَيكَ (1) .طهر : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :المناقب لابن شهر آشوب عن ابن أبجر العجلي :كُنتُ عِندَ مُعاوِيَةَ فَاختَصَمَ إلَيهِ رَجُلانِ في ثَوبٍ ، فَقالَ أحَدُهُما : ثَوبي ، وأقامَ البَيِّنَةَ ، وقالَ الآخَرُ : ثَوبِي اشتَرَيتُهُ مِن السّوقِ مِن رَجُلٍ لا أعرِفُهُ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : لَو كانَ لَها عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ! فَقالَ ابنُ أبجَرَ : فَقُلتُ لَهُ : قَد شَهِدتُ عَلِيّا عليه السلام قَضى في مِثلِ هذا ، وذلِكَ أنَّهُ قَضى بِالثَّوبِ لِلَّذي أقامَ البَيِّنَةَ ، وقالَ لِلآخَرِ : اُطلُبِ البائِعَ . فَقَضى مُعاوِيَةُ بِذلِكَ بَينَ الرَّجُلَينِ (2) .* وعن العسكريّ عليه السلام :المحاسن والمساوئ :لَمّا كانَ حَربُ صِفّينَ كَتَبَ أميرُ المُؤمِنينَ رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ إلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ : ما لَكَ يُقتَلُ النّاسُ بَينَنا ؟ ابرُز لي ؛ فَإِن قَتَلتَنِي استَرَحتَ مِنّي ، وإن قَتَلتُكَ استَرَحتُ مِنكَ ، فَقالَ لَهُ عَمرُو بنُ العاصِ : أنصَفَكَ الرَّجُلُ فَابرُز إلَيهِ . قالَ : كَلّا يا عَمرُو ! أرَدتَ أن أبرُزَ لَهُ فَيَقتُلَني وتَثِبَ عَلَى الخِلافَةِ بَعدي ! قَد عَلِمَت قُرَيشٌ أنَّ ابنَ أبي طالِبٍ سَيِّدُها وأسَدُها (3) .* وفي دعاء الندبة :تاريخ دمشق عن جابر :كُنّا عِندَ مُعاوِيَةَ فَذُكِرَ عَلِيٌّ ، فَأَحسَنَ ذِكرَهُ وذِكرَ أبيهِ واُمِّهِ ، ثُمَّ قالَ : وكَيفَ لا أقولُ هذا لَهُم ؟ هُم خِيارُ خَلقِ اللّهِ ، وعِندَهُ بَنيهِ أخيارٌ أبناءُ أخيارٍ (4) .* وفي الحديث القدسيّ :شرح نهج البلاغة_ في ذِكرِ ما جَرى بَينَ عَقيلِ بنِ أبي طالِبٍ ومُعاوِيَةَ _: قالَ مُعاوِيَةُ : .


1- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص675 ح1153 ، تاريخ دمشق : ج42 ص170 ح8590 و8591 ، المناقب لابن المغازلي : ص34 ح52 ، الرياض النضرة : ج3 ص162 عن أبي حازم .
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص377 ، شرح الأخبار : ج2 ص315 ح645 ؛ تاريخ دمشق : ج12 ص206 عن حجّار بن أبجر وفيه «فقال الآخر : أنت ضيّعت مالك» بدل «وقال للآخر . . .» وراجع مقتل أمير المؤمنين : ص107 ح95 .
3- .المحاسن والمساوئ : ص52 .
4- .تاريخ دمشق : ج42 ص415 .

ص: 32

* وفي الحديث القدسيّ :ذَكَرتَ مَن لا يُنكَرُ فَضلُهُ ، رَحِمَ اللّهُ أبا حَسَنٍ ! فَلَقَد سَبَقَ مَن كانَ قَبلَهُ ، وأعجَزَ مَن يَأتي بَعدَهُ ، هَلُمَّ حَديثَ الحَديدَةِ ، قالَ : نَعَم .

أقوَيتُ وأصابَتني مَخمَصَةٌ (1) شَديدَةٌ ، فَسَأَلتُهُ فَلَم تَندَ صَفاتُهُ (2) ، فَجَمَعتُ صِبياني وجِئتُهُ بِهِم وَالبُؤسُ وَالضُرُّ ظاهِرانِ عَلَيهِم ، فَقالَ : اِيتِني عَشِيَّةً لِأَدفَعَ إلَيكَ شَيئا ، فَجِئتُهُ يَقودُني أحَدُ وُلدي ، فَأَمَرَهُ بِالتَّنَحّي ، ثُمَّ قالَ : ألا فَدونَكَ ، فَأَهوَيتُ _ حَريصا قَد غَلَبَنِي الجَشَعُ أظُنُّها صُرَّةً _ فَوَضَعتُ يَدي عَلى حَديدَةٍ تَلتَهِب نارا ، فَلَمّا قَبَضتُها نَبَذتُها وخُرتُ كَما يَخورُ الثَّورُ تَحتَ يَدِ جازِرِهِ ، فَقالَ لي : ثَكِلَتكَ اُمُّكَ! هذا مِن حَديدَةٍ أوقَدتُ لَها نارَ الدّنيا فَكَيفَ بِكَ وبي غَدا إن سَلَكنا في سَلاسِلِ جَهَنَّمَ ؟ ثُمَّ قَرَأَ : «إِذِ الْأَغْلَ_لُ فِى أَعْنَ_قِهِمْ وَ السَّلَ_سِلُ يُسْحَبُونَ» (3) ثُمَّ قالَ : لَيسَ لَكَ عِندي فَوقَ حَقِّكَ الَّذي فَرَضَهُ اللّهُ لَكَ إلّا ما تَرى ، فَانصَرِف إلى أهلِكَ .

فَجَعَلَ مُعاوِيَةُ يَتَعَجَّبُ ويَقولُ : هَيهاتَ هَيهاتَ ! عَقِمَتِ النِّساءُ أن يَلِدنَ مِثلَهُ (4) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في السفر :تاريخ دمشق عن جابر :كُنّا ذاتَ يَومٍ عِندَ مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ ، وقَد جَلَسَ عَلى سَريرِهِ وَاعتَجَرَ بِتاجِهِ وَاشتَمَلَ بِساجِهِ (5) ، وأومَأَ بِعَينَيهِ يَمينا وشِمالاً ، وقَد تَفَرَّشَت جَماهيرُ قُرَيشٍ وساداتُ العَرَبِ أسفَلَ السَّريرِ مِن قَحطانَ ، ومَعَهُ رَجُلانِ عَلى سَريرِهِ : عَقيلُ بنُ أبي طالِبٍ ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ ، وَامرَأَةٌ مِن وَراءِ الحِجابِ تُشيرُ بِكُمَّيها يَمينا وشِمالاً ، فَقالَت : يا أميرَ المُؤمِنينَ فاتَتِ اللَّيلَةُ أرِقَةً ، قالَ لَها مُعاوِيَةُ : أ مِن ألَمٍ ؟ .


1- .المخمصة : المجاعة (النهاية : ج2 ص80) .
2- .لم تندَ : من الندى : السخاء والكرم . والصَّفاة : صخرة ملساء . يقال في المثل : «ما تَنْدى صَفاتُه» (تاج العروس : ج20 ص234 و ج19 ص602) .
3- .غافر : ج71 .
4- .شرح نهج البلاغة : ج11 ص253 ؛ بحار الأنوار : ج42 ص118 .
5- .الساج : الطَّيْلسان الضخم الغليظ (لسان العرب : ج2 ص302) ، والطَّيلسان : ضربٌ من الأكسية (لسان العرب : ج6 ص125) .

ص: 33

* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في السفر :قالَت : لا ، ولكِن مِنِ اختِلافِ رَأيِ النّاسِ فيكَ ، وفي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، و (1) أبوكَ أبو سُفيانَ صَخرُ بنُ حَربِ بنِ اُمُيَّةَ ، وكانَ اُمَيَّةُ مِن قُرَيشٍ لُبابَها ، فَقالَت في مُعاوِيَةَ فَأَكثَرَت وهُوَ مُقبِلٌ عَلى عَقيلٍ وَالحَسَنِ ، فَقالَ مُعاوِيَةُ : رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن صَلّى أربَعا قَبلَ الظُّهرِ وأربَعا بَعدَ الظُّهرِ ، حُرِّمَ عَلَى النّارِ أن تَأكُلَهُ أبدا .

ثُمَّ قالَ لَها : أ في عَلِيٍّ تَقولينَ ؟ المُطعِمِ فِي الكُرُباتِ ، المُفَرِّجِ لِلكُرُباتِ ، مَعَ ما سَبَقَ لِعَليٍّ مِنَ العَناصيرِ السِّرِّيَّةِ وَالشِّيَمِ الرَّضِيَّةِ وَالشَّرَفِ ، فَكانَ كَالأَسَدِ الحاذِرِ ، وَالرَّبيعِ النّائِرِ ، وَالفُراتِ الذّاخِرِ ، وَالقَمَرِ الزّاهِرِ ، فَأَمَّا الأَسَدُ فَأَشبَهَ عَلِيٌّ مِنهُ صَرامَتَهُ ومَضاءَهُ ، وأمَّا الرَّبيعُ فَأَشبَهَ عَلِيٌّ مِنهُ حُسنَهُ وبَهاءَهُ ، وأمَّا الفُراتُ فَأَشبَهَ عَلِيٌّ مِنهُ طيبَهُ وسَخاءَهُ ، فَما تَغَطمَطَت (2) عَلَيهِ قَماقِمُ العَرَبِ السّادَةُ (3) مِن أوَّلِ العَرَبِ ، عَبدُ مَنافٍ وهاشِمٌ وعَبّاسٌ القَماقِمُ وَالعَبّاسُ صِنوُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأبوهُ وعَمُّهُ أكرِم بِهِ أبا وعَمّا ، ولَنِعمَ تَرجُمانُ القُرآنِ وَلَدُهُ _ يَعني عَبدَ اللّهِ بنَ عَبّاسٍ _ : كَهلُ الكُهولِ ، لَهُ لِسانٌ سَؤولٌ ، وقَلبٌ عَقولٌ ، خِيارُ خَلقِ اللّهِ وعِترَةُ نَبِيِّهِ ، خِيارُ ابنُ خِيارٍ .

فَقالَ عَقيلُ بنُ أبي طالِبٍ : يا بِنتَ أبي سُفيانَ ، لَو أنَّ لِعَلِيٍّ بَيتَينِ : بَيتٌ مِن تِبرٍ ، وَالآخَرُ تِبنٌ بَدَأَ بِالتِّبرِ _ وهُوَ الذَّهَبُ _ .

فَقالَ مُعاوِيَةُ : يا أبا يَزيدَ ، كَيفَ لا أقولُ هذا في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وعَلِيٌّ مِن هاماتِ قُرَيشٍ وذَوائِبِها ، وسَنامٌ قائِمٌ عَلَيها وعَلِيٌّ عَلامَتُها في شامِخٍ (4) ؟* وفي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام :الاستيعاب :كانَ مُعاوِيَةُ يَكتُبُ فيما يَنزِلُ بِهِ لِيُسأَلَ لَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنهعَن ذلِكَ ، فَلَمّا بَلَغَهُ قَتلُهُ قالَ : ذَهَبَ الفِقهُ وَالعِلمُ بِمَوتِ ابنِ أبي طالِبٍ ، فَقالَ لَهُ أخوهُ عُتبَةُ : لا .


1- .الواو هنا حاليّة .
2- .الغطمطة : اضطراب الأمواج (لسان العرب : ج7 ص363) .
3- .في المصدر : «الشادة»، وما أثبتناه من مختصر تاريخ دمشق .
4- .تاريخ دمشق : ج42 ص415 .

ص: 34

8 / 2 عمرو بن العاص

* وفي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام :يَسمَعَ هذا مِنكَ أهلُ الشّامِ ، فَقالَ لَهُ : دَعني عَنكَ (1) .* وعن زيد بن أرقم :مقتل أمير المؤمنين عن مغيرة :لَمّا جيءَ مُعاوِيَةُ بِنَعيِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وهُوَ قائِلٌ (2) مَعَ امرَأَتِهِ ابنَةِ قَرَظَةَ في يَومٍ صائِفٍ فَقالَ : إنّا لِلّهِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، ماذا فَقَدوا مِنَ العِلمِ وَالخَيرِ وَالفَضلِ وَالفِقهِ ؟

قالَتِ امرَأَتُهُ : بِالأَمسِ كُنتَ تَطعَنُ في عَينَيهِ وتَستَرجِعُ اليَومَ عَلَيهِ ! قالَ : وَيلَكِ ! لا تَدرينَ ماذا فَقَدوا مِن عِلمِهِ وفَضلِهِ وسَوابِقِهِ ! (3)* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في صفة البراتاريخ دمشق عن مغيرة :جاءَ نَعيُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ إلى مُعاوِيَةَ ، وهُوَ نائِمٌ مَعَ امرَأَتِهِ فاخِتَةَ بِنتِ قَرَظَةَ ، فَقَعَدَ باكِيا مُستَرجِعا . فَقالَت لَهُ فاخِتَةُ : أنتَ بِالأَمسِ تَطعَنُ عَلَيهِ وَاليَومَ تَبكي عَلَيهِ ؟ ! فَقالَ : وَيحَكِ ! أنَا أبكي لِما فَقَدَ النّاسُ مِن حِلمِهِ وعِلمِهِ (4) .8 / 2عَمرُو بنُ العاصِ* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :الإمامة والسياسة :ذَكَروا أنَّ رَجُلاً مِن هَمَذانَ (5) يُقالُ لَهُ : بُردٌ ، قَدِمَ عَلى مُعاوِيَةَ فَسَمِعَ عَمرا يَقَعُ في عَلِيٍّ ، فَقالَ لَهُ : يا عَمرُو ، إنَّ أشياخَنا سَمِعوا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» ، فَحَقٌّ ذلِكَ أم باطِلٌ ؟ فَقالَ عَمرٌو : حَقٌّ ، وأنَا أزيدُكَ أنَّهُ لَيسَ أحَدٌ مِن صَحابَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَهُ مَناقِبُ مِثلُ مَناقِبِ عَلِيٍّ (6) .

.


1- .الاستيعاب : ج3 ص209 الرقم 1875 ؛ العدد القويّة : ص250 ح61 .
2- .من القيلولة : الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم (النهاية : ج4 ص133) .
3- .مقتل أمير المؤمنين : ص105 ح94 ، تاريخ دمشق : ج42 ص583 .
4- .تاريخ دمشق : ج42 ص582 ، البداية والنهاية : ج8 ص16 وزاد في آخره «وفضله وسوابقه وخيره» و ص130 نحوه .
5- .كذا في المصدر ، والظاهر أنّها «همْدان».
6- .الإمامة والسياسة : ج1 ص129 .

ص: 35

* وعن أبي الحسن موسى عليه السلام في الجبال :تاريخ الطبري عن عمرو بن العاص_ لِمُعاوِيَةَ _: أما وَاللّهِ إن (1) قاتَلنا مَعَكَ نَطلُبُ بِدَمِ الخَليفَةِ ؛ إنَّ فِي النَّفسِ مِن ذلِكَ ما فيها ، حَيثُ نُقاتِلُ مَن تَعلَمُ سابِقَتَهُ ، وفَضلَهُ وقَرابَتَهُ ، ولَكِنّا إنَّما أرَدنا هذِهِ الدُّنيا (2) .* ومنه عن فاطمة عليهاالسلام :المناقب للخوارزمي عن عمرو بن العاص_ فيما كَتَبَهُ إلى مُعاوِيَةَ قَبلَ التِحاقِهِ بِهِ _: وَيحَكَ يا مُعاوِيَةُ ! أما عَلِمتَ أنَّ أبا حَسَنٍ بَذَلَ نَفسَهُ بَينَ يَدَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . . . وقَد قالَ فيهِ يَومَ غَديرِ خُمٍّ : «ألا مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ» (3) .* وعنه عليه السلام :تاريخ اليعقوبي_ في ذِكرِ قُدومِ عَمرِو بنِ العاصِ عَلى مُعاوِيَةَ وبَيعَتِهِ لَهُ _: قَدِمَ عَلى مُعاوِيَةَ ، فَذاكَرَهُ أمرَهُ ، فَقالَ لَهُ : أمّا عَلِيٌّ ، فَوَاللّهِ لا تُساوِي العَرَبُ بَينَكَ وبَينَهُ في شَيءٍ مِنَ الأَشياءِ ، وإنَّ لَهُ فِي الحَربِ لَحَظّا ما هُوَ لِأَحَدٍ مِن قُرَيشٍ إلّا أن تَظلِمَهُ . قالَ : صَدَقتَ ، ولكِنّا نُقاتِلُهُ عَلى ما في أيدينا ، ونُلزِمُهُ قَتلَ عُثمانَ!!

قالَ : عَمرٌو : وَا سَوأَتاه ! إنَّ أحَقَّ النّاسِ أن لا يَذكُرَ عُثمانَ لا أنَا ولا أنتَ . قالَ : ولِمَ وَيحَكَ ؟ قالَ : أمّا أنتَ فَخَذَلتَهُ ومَعَكَ أهلُ الشّامِ حَتَّى استَغاثَ بِيَزيدَ بنِ أسَدٍ البَجَلِيِّ ، فَسارَ إلَيهِ ، وأمّا أنَا فَتَرَكتُهُ عِيانا ، وهَرَبتُ إلى فِلَسطينَ .

فَقالَ مُعاوِيَةُ : دَعني مِن هذا ! مُدَّ يَدَكَ فَبايِعني ! قالَ : لا ، لَعَمرُ اللّهِ لا اُعطيكَ ديني حَتّى آخُذَ مِن دُنياكَ . قالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : لَكَ مِصرُ طُعمَةً (4) .* وعنه عليه السلام في الفتن :وقعة صفّين عن عمر بن سعد بإسناده :قالَ مُعاوِيَةُ لِعَمرٍو : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، إنّي أدعوكَ إلى .


1- .«إنْ» هنا نافية بمعنى «ما» ، و«إنّ» وما بعدها بمنزلة التعليل لما قبلها .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص561 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص358 وفيه «تقاتل» بدل «نقاتل» .
3- .المناقب للخوارزمي : ص199 ح240 .
4- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص186 ، وقعة صفّين : ص37 وفيه صدره إلى «إلّا أن تظلمه» ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص73 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص118 نحوه .

ص: 36

* وعنه عليه السلام في الفتن :جِهادِ هذَا الرَّجُلِ الَّذي عَصى رَبَّهُ وقَتَلَ الخَليفَةَ ، وأظهَرَ الفِتنَةَ ، وفَرَّقَ الجَماعَةَ ، وقَطَعَ الرَّحِمَ !!

قالَ عَمرٌو : إلى مَن ؟

قالَ : إلى جِهادِ عَلِيٍّ .

فَقالَ عَمرٌو : وَاللّهِ يا مُعاوِيَةُ ، ما أنتَ وعَلِيٌّ بِعِكمَي (1) بَعيرٍ ، ما لَكَ هِجرَتُهُ ولا سابِقَتُهُ ، ولا صُحبَتُهُ ، ولا جِهادُهُ ، ولا فِقهُهُ وعِلمُهُ . وَاللّهِ إنَّ لَهُ مَعَ ذلِكَ حَدّا وجِدّا ، وحَظّا وحُظوَةً ، وبَلاءً مِنَ اللّهِ حَسَنا ، فَما تَجعَلُ لي إن شايَعتُكَ عَلى حَربِهِ ، وأنتَ تَعلَمُ ما فيهِ مِنَ الغَرَرِ وَالخَطَرِ ؟ قالَ : حُكمَكَ . قال : مِصرَ طُعمَةً (2) .* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام لمعاوية :وقعة صفّين عن أبي جعفر وزيد بن حسن :طَلَبَ مُعاوِيَةُ إلى عَمرِو بنِ العاصِ أن يُسَوِّيَ صُفوفَ أهلِ الشّامِ ، فَقالَ لَهُ عَمرٌو : عَلى أنَّ لي حُكمي إن قَتَلَ اللّهُ ابنَ أبي طالِبٍ ، وَاستَوسَقَت لَكَ البِلادُ . قالَ : ألَيسَ حُكمُكَ في مِصرَ ؟ قالَ : وهَل مِصرُ تَكونُ عِوَضا عَنِ الجَنَّةِ ، وقَتلُ ابنِ أبي طالِبٍ ثَمَنا لِعَذابِ النّارِ الَّذي «لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ» (3) ؟ فَقالَ مُعاوِيَةُ : إنَّ لَكَ حُكمَكَ _ أبا عَبدِ اللّهِ _ إن قُتِلَ ابنُ أبي طالِبٍ . رُوَيدا لا يَسمَعِ النّاسُ كَلامَكَ (4) .* وفي الدعاء :وقعة صفّين عن الزهري_ في وَقائِعِ اليَومِ الخامِسِ مِن حَربِ صِفّينَ _: خَرَجَ في ذلِكَ اليَومِ شِمرُ بنُ أبرَهَةَ بنِ الصَّبّاحِ الحِميَرِيُّ ، فَلَحِقَ بِعَلِيٍّ عليه السلام في ناسٍ مِن قُرّاءِ أهلِ الشّامِ ، فَفَتَّ (5) ذلِكَ في عَضُدِ مُعاوِيَةَ وعَمرِو بنِ العاصِ ، وقالَ عَمرٌو : .


1- .العِكْمان : عِدلان يُشدّان على جانبي الهودج بثوب (لسان العرب : ج12 ص415) .
2- .وقعة صفّين : ص37 ؛ شرح نهج البلاغة : ج2 ص64 نحوه .
3- .الزخرف : 75 .
4- .وقعة صفّين : ص237 ؛ شرح نهج البلاغة : ج5 ص189 .
5- .فتّ في ساعده : أضعفه وأوهنه (لسان العرب : ج2 ص65) .

ص: 37

* وفي الدعاء :يا مُعاوِيَةُ ، إنَّكَ تُريدُ أن تُقاتِلَ بِأَهلِ الشّامِ رَجُلاً لَهُ مِن مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله قَرابَةٌ قَريبَةٌ ، ورَحِمٌ ماسَّةٌ ، وقِدَمٌ فِي الإِسلامِ لا يُعتَدُّ أحَدٌ بِمِثلِهِ ، ونَجدَةٌ فِي الحَربِ لَم تَكُن لِأَحَدٍ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وإنَّهُ قَد سارَ إلَيكَ بِأَصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله المَعدودينَ ، وفُرسانِهِم وقُرّائِهِم وأشرافِهِم وقُدَمائِهِم فِي الإِسلامِ ، ولَهُم فِي النُّفوسِ مَهابَةٌ (1) .طول : عن أمير المؤمنين عليه السلام :وقعة صفّين عن الجرجاني_ في ذِكرِ حَربِ صِفّينَ وتَسَلُّطِ مُعاوِيَةَ عَلَى الماءِ _: فَبَقِيَ أصحابُ عَلِيٍّ يَوما ولَيلَةً _ يَومَ الفُراتِ _ بِلا ماءٍ ، وقالَ رَجُلٌ مِنَ السَّكونِ مِن أهلِ الشّامِ . . . :

فَامنَعِ القَومَ ماءَكُم لَيسَ لِلقَو

مِ بَقاءٌ وإن يَكُن فَقَليلُ

فَقالَ مُعاوِيَةُ : الرَّأيُ ما تَقولُ ، ولكِن عَمرٌو لا يَدَعُني . قالَ عَمرٌو : خَلِّ بَينَهُم وبَينَ الماءِ ؛ فَإِنَّ عَلِيّا لَم يَكُن لِيَظمَأَ وأنتَ رَيّانُ ، وفي يَدِهِ أعِنَّةُ الخَيلِ وهُوَ يَنظُرُ إلَى الفُراتِ حَتّى يَشرَبَ أو يَموتَ ، وأنتَ تَعلَمُ أنَّهُ الشُّجاعُ المُطرِقُ (2) ، ومَعَهُ أهلُ العِراقِ وأهلُ الحِجازِ ، وقَد سَمِعتُهُ أنَا وأنتَ وهُوَ يَقولُ : لَوِ استَمكَنتُ مِن أربَعينَ رَجُلاً ، فَذَكَرَ أمرا _ يَعني لَو أنَّ مَعي أربعينَ رَجُلاً يَومَ فُتِّشَ البَيتُ _ يَعني بَيتَ فاطِمَةَ عليهاالسلام (3) .* وفي أميرالمؤمنين عليه السلام :وقعة صفّين_ في ذِكرِ طَلَبِ مُعاوِيَةَ الشّامَ مِن عَلِيٍّ عليه السلام _: قَد رَأَيتُ أن أكتُبَ إلى عَلِيٍّ كِتابا أسأَلُهُ الشّامَ _ وهُوَ الشَّيءُ الأَوَّلُ الَّذي رَدَّني عَنهُ _ واُلقي في نَفسِهِ الشَّكَّ وَالرّيبَةَ ، فَضَحِكَ عَمرُو بنُ العاصِ ، ثُمَّ قالَ : أينَ أنتَ يا مُعاوِيَةُ مِن خُدعَةِ عَلِيٍّ ؟ ! فَقالَ : أ لَسنا بَني عَبدِ مَنافٍ ؟ قالَ : بَلى ، ولكِنَّ لَهُمُ النُّبُوَّةَ دونَكَ ، وإن شِئتَ أن تَكتُبَ فَاكتُب . .


1- .وقعة صفّين : ص222 ؛ شرح نهج البلاغة : ج5 ص180 .
2- .من الطِّرْق : القوّة (لسان العرب : ج10 ص223) .
3- .وقعة صفّين : ص162 ؛ شرح نهج البلاغة : ج3 ص319 .

ص: 38

* وفي أميرالمؤمنين عليه السلام :فَكَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى عَلِيٍّ مَعَ رَجُلٍ مِنَ السَّكاسِكِ (1) . . . فَلَمَّا انتَهى كِتابُ مُعاوِيَةَ إلى عَلِيٍّ قَرَأَهُ ، ثُمَّ قالَ : العَجَبُ لِمُعاوِيَةَ وكِتابِهِ ، ثُمَّ دَعا عَلِيٌّ عليه السلام عُبيدَ اللّهِ بنَ أبي رافِعٍ كاتِبَهُ فَقالَ : اُكتُب . . .

فَلَمّا أتى مُعاوِيَةَ كِتابُ عَلِيٍّ كَتَمَهُ عَن عَمرِو بنِ العاصِ أيّاما ، ثُمَّ دَعاهُ بَعدَ ذلِكَ فَأَقرَأَهُ الكِتابَ فَشَمِتَ بِهِ عَمرٌو .

ولَم يَكُن أحَدٌ مِن قُرَيشٍ أشَدَّ تَعظيما لِعَلِيٍّ عليه السلام مِن عَمرٍو مُنذُ يَومَ لَقِيَهُ وصَفَحَ عَنهُ .

فَقالَ عَمرُو بنُ العاصِ فيما كانَ أشارَ بِهِ عَلى مُعاوِيَةَ :

ألا لِلّهِ دَرُّكَ يَابنَ هِندِ

ودَرُّ الآمِرينَ لَكَ الشُّهودِ أتَطمَعُ _ لا أبا لَكَ _ في عَلِيِّ

وقَد قُرِعَ الحَديدُ عَلَى الحَديدِ وتَرجو أن تُحَيِّرَهُ بِشَكِّ

وتَرجو أن يَهابَكَ بِالوَعيدِ وقَد كَشَفَ القِناعَ وجَرَّ حَربا

يَشيبُ لِهَولِها رَأسُ الوَليدِ لَهُ جَأواءُ (2) مُظلِمَةٌ طُحونُ

فَوارِسُها تَلهَّبُ كَالاُسودِ يَقولُ لَها إذا دَلَفَت إلَيهِ

وقَد مَلَّت طِعانَ القَومِ : عودي فَإِن وَرَدَت فَأَوَّلُها وُرودا

وإن صَدَّت فَلَيسَ بِذي صُدودِ وما هِيَ مِن أبي حَسَنٍ بِنُكرِ

وما هِيَ مِن مَسائِكَ بِالبَعيدِ وقُلتَ لَهُ مَقالَةَ مُستَكينِ

ضَعيفِ الرُّكنِ مُنقَطِعِ الوَريدِ دَعَنَّ الشّامَ حَسبُكَ يَابنَ هِندِ

مِن السَّوءاتِ وَالرَّأيِ الزَّهيدِ ولَو أعطاكَها مَا أزدَدتَ عِزّا

ولا لَكَ لَو أجابَكَ مِن مَزيدِ ولَم تَكسِر بِذاكَ الرَّأيِ عودا

لِرِكَّتِهِ ولا ما دونَ عودِ

فَلَمّا بَلَغَ مُعاوِيَةَ قَولُ عَمرٍو دَعاهُ ، فَقالَ : يا عَمرُو ، إنَّني قَد أعلَمُ ما أرَدتَ بِهذا .

قالَ : ما أرَدتُ ؟ قالَ : أرَدتَ تَفييلَ (3) رَأيي وإعظامَ عَلِيٍّ ، وقَد فَضَحَكَ .

قالَ : أمّا تَفييلي رَأيَكَ فَقَد كانَ ، وأمّا إعظامي عَلِيّا فَإِنَّكَ بِإِعظامِهِ أشَدُّ مَعرِفَةً مِنّي ، ولكِنَّكَ تَطويهِ وأنَا أنشُرُهُ ، وأمّا فَضيحَتي فَلَم يَفتَضِحِ امرَؤٌ لَقِيَ أبا حَسَنٍ (4) . .


1- .السَّكاسِك : حيّ من اليمن ، أبوهم سكسك بن أشرس ؛ من أقيال اليمن (لسان العرب : ج1 ص442) .
2- .كتيبة جأْواء : هي التي يعلوها لون السواد لكثرة الدروع (لسان العرب : ج14 ص127) .
3- .فَيَّلَ رأيه تفييلاً : أي ضعّفه (لسان العرب : ج11 ص535) .
4- .وقعة صفّين : ص470 _ 472 ؛ شرح نهج البلاغة : ج15 ص122 _ 124 .

ص: 39

* وفي الخبر :الأمالي للطوسي عن محمّد بن إسحاق الحضرمي :اِستَأذَنَ عَمرُو بنُ العاصِ عَلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ ، فَلَمّا دَخَلَ عَلَيهِ استَضحَكَ مُعاوِيَةُ ، فَقالَ لَهُ عَمرٌو : ما أضحَكَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ! أدامَ اللّهُ سُرورَكَ ؟ قالَ : ذَكَرتُ ابنَ أبي طالِبٍ وقَد غَشِيَكَ بِسَيفِهِ فَاتَّقَيتَهُ ووَلَّيتَ . فَقالَ : أ تَشمَتُ بي يا مُعاوِيَةُ ؟ ! وأعجَبُ مِن هذا يَومٌ دَعاكَ إلَى البِرازِ فَالتَمَعَ لَونُكَ ، وأطَّت أضلاعُكَ ، وَانتَفَخَ مَنخِرُكَ ، وَاللّهِ لَو بارَزتَهُ لَأَوجَعَ قَذالَكَ (1) ، وأيتَمَ عِيالَكَ ، وبَزَّكَ سُلطانَكَ .

وأنشَأَ عَمرٌو يَقولُ :

مُعاوِيَ لا تَشمَت بِفارِسٍ بُهمَةِ

لَقِيَ فارِسا لا تَعتَليهِ الفَوارِسُ مُعاوِيَ لَو أبصَرتَ فِي الحَربِ مُقبِلاً

أبا حَسَنٍ يَهوي دَهَتكَ الوَساوِسُ وأيقَنتَ أنَّ المَوتَ حَقٌّ وأنَّهُ

لِنَفسِكَ إن لَم تُمعِنِ الرَّكضَ خالِسُ دَعاكَ فَصُمَّت دونَهُ الاُذنُ أذرُعا

ونَفسُكَ قَد ضاقَت عَلَيهَا الأَمالِسُ أتَشمَتُ بي إذ نالَني حَدُّ رُمحِهِ

وعَضَّضَني نابٌ مِنَ الحَربِ ناهِسُ فَأَيُّ امرِىً لاقاهُ لَم يُلقِ شِلوَهُ

بِمُعتَرَكٍ تُسفى عَلَيهِ الرَّوامِسُ أبَى اللّهُ إلّا أنَّهُ لَيثُ غَابَةِ

أبو أشبُلٍ تُهدى إلَيهِ الفَرائِسُ فَإِن كُنتَ في شَكٍّ فَأَرهِج (2) عَجاجَةً

وإلّا فَتِلكَ التُّرَهّاتُ (3) البَسابِسُ

فَقالَ مُعاوِيَةُ : مَهلاً يا أبا عَبدِ اللّهِ ، ولا كُلَّ هذا . قالَ : أنتَ استَدعَيتَهُ (4) . .


1- .القَذال : جماع مؤخّر الرأس من الإنسان والفرس (لسان العرب : ج11 ص553) .
2- .الرَّهْج : الغبار (لسان العرب : ج2 ص284) .
3- .التُّرُّهات : الأباطيل (لسان العرب : ج13 ص480) .
4- .الأمالي للطوسي : ص134 ح217 ، بشارة المصطفى : ص270 وراجع وقعة صفّين : ص473 .

ص: 40

* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :المناقب لابن شهر آشوب :لَمّا نُعِيَ بِقَتلِ أميرِ المُؤمِنينَ دَخَلَ عَمرُو بنُ العاصِ عَلى مُعاوِيَةَ مُبَشِّرا فَقالَ : إنَّ الأَسَدَ المُفتَرِشَ ذِراعَيهِ بِالعِراقِ لاقى شَعوبَهُ ، فَقالَ مُعاوِيَةُ :

قُل لِلأَرانِبِ تَربَع حَيثُ ما سَلَكَت

ولِلظِّباءِ بِلا خَوفٍ ولا حَذَرِ (1)* وعنهم عليهم السلامنفحات الأزهار :قالَ أبو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ أحمَدَ بنِ يَعقوبَ الهَمدانِيُّ اليَمَنِيُّ : رُوِيَ أنَّ مُعاوِيَةَ بنَ أبي سُفيانَ قالَ يَوما لِجُلَسائِهِ : مَن قالَ في عَلِيٍّ عَلى ما فيهِ فَلَهُ البَدرَةُ (2) ؟ فَقالَ كُلٌّ مِنهُم كَلاما غَيرَ مُوافِقٍ مِن شَتمِ أميرِ المُؤمِنينَ إلّا عَمرَو بنَ العاصِ ؛ فَإِنَّهُ قالَ أبياتا اعتَقَدَها وخَالَفَها بِفِعالِهِ :

بِآلِ مُحَمَّدٍ عُرِفَ الصَّوابُ

وفي أبياتِهِم نَزَلَ الكِتابُ وهُم حُجَجُ الإلهِ عَلَى البَرايا

بِهِم وبِجَدِّهِم لا يُستَرابُ ولا سِيَما أبي حَسَنٍ عَلِيِّ

لَهُ فِي المَجدِ مَرتَبَةٌ تُهابُ إذا طَلَبَت صَوارِمُهُم نُفوسا

فَلَيس بِها سِوى نَعَمٍ جَوابُ طَعامُ حُسامِهِ مُهَجُ الأَعادي

وفَيضُ دَمِ الرِّقابِ لَها شَرابُ وضَربَتُهُ كَبَيعَتِهِ بِخُمٍّ

مَعاقِدُها مِنَ النّاسِ الرِّقابُ إذا لَم تَبرَء مِن أعداءِ عَلِيٍّ

فَما لَكَ في مَحَبَّتِهِ ثَوابُ هُوَ البَكّاءُ فِي المِحرابِ لَيلا

هُوَ الضَّحّاكُ إن آنَ الضِّرابُ هُوَ النَّبَأُ العَظيمُ وفُلكُ نوح

وبابُ اللّهِ وَانقَطَعَ الجَوابُ

فَأَعطاهُ مُعاوِيَةُ البَدرَةَ وحَرَمَ الآخَرينَ (3) . (4) .


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص85 ، بحار الأنوار : ج41 ص69 ح2 .
2- .البَدْرة : كيس فيه ألفٌ أو عشرة آلاف (لسان العرب : ج4 ص49) .
3- .ونسب البعض هذه الأبيات إلى الناشئ الصغير . راجع الغدير : ج4 ص27 .
4- .نفحات الأزهار : ج4 ص202 .

ص: 41

8 / 3 مروان بن الحكم

8 / 3مَروانُ بنُ الحَكَمِ* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :وقعة صفّين عن مروان :أما وَاللّهِ لَولا ما كانَ مِنّي يَومَ الدّارِ مَعَ عُثمانَ ومَشهدي بِالبَصرَةِ لَكانَ مِنّي في عَلِيٍّ رَأيٌ كانَ يَكفِي امرَأً ذا حَسَبٍ ودينٍ ، ولكِنَّ ولَعَلَّ! (1)* وفي الدعاء :المناقب لابن شهر آشوب :قالَ مُعاوِيَةُ يَومَ صِفّينَ : اُريدُ مِنكُم وَاللّهِ أن تَشجُروهُ بِالرِّماحِ فَتُريحُوا العِبادَ وَالبِلادَ مِنهُ . قالَ مَروانُ : وَاللّهِ لَقَد ثَقُلنا عَلَيكَ يا مُعاوِيَةُ ، إذ كُنتَ تَأمُرُنا بِقَتلِ حَيَّةِ الوادي وَالأَسَدِ العادي ، ونَهَضَ مُغضِبا ، فَأَنشَأَ الوَليدُ بنُ عُقبَةَ :

يَقولُ لَنا مُعاوِيَةُ بنُ حَرب

أما فيكُم لِواتِرِكُم طَلوبُ يَشُدُّ عَلى أبي حَسَنٍ عَلِيّ

بِأَسمَرَ لا تُهَجِّنُهُ الكُعوبُ فَقُلتُ لَهُ أ تَلعَبُ يَابنَ هِندِ

فَإِنَّكَ بَينَنا رَجُلٌ غَريبُ أتَأمُرُنا بِحَيَّةِ بَطنِ وادِ

يُتاحُ لَنا بِهِ أسَدٌ مُهيبُ كَأَنَّ الخَلقَ لَمّا عايَنوهُ

خِلالَ النَّقعِ لَيسَ لَهُم قُلوبُ

فَقالَ عَمرٌو : وَاللّهِ ما يُعَيَّرُ أحَدٌ بِفِرارِهِ مِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (2) .

.


1- .وقعة صفّين : ص463 ؛ شرح نهج البلاغة : ج8 ص98 وفيه «إلى عليّ عليه السلام في أيّام عثمان» بدل «يوم الدار مع عثمان» .
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص85 ، بحار الأنوار : ج41 ص68 ح2 وراجع المناقب للخوارزمي : ص235 .

ص: 42

8 / 4 عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد

8 / 5 الوليد بن عبد الملك

طوف : عن النبيّ صلى الله عليه و آله في الهرّة :شرح نهج البلاغة عن ابن أبي سيف :خَطَبَ مَروانُ وَالحَسَنُ عليه السلام جالِسٌ فَنالَ مِن عَلِيٍّ ، فَقالَ الحَسَنُ عليه السلام : وَيلَكَ يا مَروانُ !! أ هذَا الَّذي تَشتُمُ شَرُّ النّاسِ ؟ قالَ : لا ، ولكِنَّهُ خَيرُ النّاسِ (1) .8 / 4عَبدُ الرَّحمنِ بنُ خالِدِ بنِ الوَليدِ* ومنه الدعاء :وقعة صفّين عن الشعبي :ذَكَرَ مُعاوِيَةُ يَوما صِفّينَ . . . ثُمَّ قالَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ خالِدِ بنِ الوَليدِ : أما وَاللّهِ لَقَد رَأَيتُنا يَوما مِنَ الأَيّامِ وقَد غَشِيَنا ثُعبانٌ مِثلُ الطَّودِ (2) الأَرعَنِ قَد أثارَ قَسطَلاً (3) حالَ بَينَنا وبَينَ الاُفُقِ ، وهُوَ عَلى أدهَمَ شائِلٍ ، يَضرِبُهُم بِسَيفِهِ ضَربَ غَرائِبِ الإِبِلِ ، كاشِرا عَن أنيابِهِ كَشرَ المُخدِرِ (4) الحَرِبِ .

فَقالَ مُعاوِيَةُ : وَاللّهِ إنَّهُ كانَ يُجالِدُ ويُقاتِلُ عَن تِرَةٍ (5) لَهُ وعَلَيهِ ، أراهُ يَعني عَلِيّا (6) .8 / 5الوَليدُ بنُ عَبدِ المَلِكِطوع : عن أبي جعفر عليه السلام :الإرشاد :قالَ الوَليدُ بنُ عَبدِ المَلِكِ لِبَنيهِ يَوما : يا بَنِيَّ عَلَيكُم بِالدّينِ ، فَإِنّي لَم أرَ الدّين

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج13 ص220 .
2- .الطَّوْد : الجبل (النهاية : ج3 ص141) .
3- .القَسْطل : الغبار الساطع (لسان العرب : ج11 ص557) .
4- .المُخدِر : الذي اتّخذ الأجمة خِدرا (لسان العرب : ج4 ص231) .
5- .التِّرَةُ : الثأر (مجمع البحرين : ج3 ص1903) .
6- .وقعة صفّين : ص387 ؛ شرح نهج البلاغة : ج8 ص53 .

ص: 43

8 / 6 عبد العزيز بن مروان

8 / 7 عمرة بنت عبد ودّ

طوع : عن أبي جعفر عليه السلام :بَنى شَيئا فَهَدَمَتهُ الدُّنيا ، ورَأَيتُ الدُّنيا قَد بَنَت بُنيانا هَدَمَهُ الدّينُ . ما زِلتُ أسمَعُ أصحابَنا وأهلَنا يَسُبّونَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ويَدفِنونَ فَضائِلَهُ ، ويَحمِلونَ النّاسَ عَلى شَنَآنِهِ ، فَلا يَزيدُهُ ذلِكَ مِنَ القُلوبِ إلّا قُربا ، ويَجتَهِدونَ في تَقريبِهِم مِن نُفوسِ الخَلقِ فَلا يَزيدُهُم ذلِكَ إلّا بُعدا (1) .8 / 6عَبدُ العَزيزِ بنُ مَروانَطور : عنه عليه السلام :الكامل في التاريخ عن عمر بن عبد العزيز :كانَ أبي إذا خَطَبَ فَنالَ مِن عَلِيٍّ رضى الله عنهتَلَجلَجَ ، فَقُلتُ : يا أبَه ، إنَّكَ تَمضي في خُطبَتِكَ ، فَإِذا أتَيتَ عَلى ذِكرِ عَلِيٍّ عَرَفتُ مِنكَ تَقصيرا ! قالَ : أ وَفَطَنتَ لِذلِكَ ؟

قُلتُ : نَعَم ، فَقالَ : يا بُنَيَّ ، إنَّ الَّذينَ حَولَنا لَو يَعلَمونَ مِن عَلِيٍّ ما نَعلَمُ تَفَرَّقوا عَنّا إلى أولادِهِ (2) .* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في المهديّ عليشرح نهج البلاغة عن عمر بن عبد العزيز :كانَ أبي يَخطُبُ فَلا يَزالُ مُستَمِرّا في خُطبَتِهِ ، حَتّى إذا صارَ إلى ذِكرِ عَلِيٍّ وسَبِّهِ تَقَطَّعَ لِسانُهُ ، وَاصفَرَّ وَجهُهُ ، وتَغَيَّرَت حالُهُ ، فَقُلتُ لَهُ في ذلِكَ ، فَقالَ : أ وَقَد فَطَنتَ لِذلِكَ ؟ إنَّ هؤُلاءِ لَو يَعلَمونَ مِن عَلِيٍّ ما يَعلَمُهُ أبوكَ ما تَبِعَنا مِنهُم رَجُلٌ (3) .راجع : ج 7 ص 209 (رفع السبّ عنه).

8 / 7عَمرَةُ بِنتُ عَبدِ وَدٍّطوح : عن عكرمة في صفّين :المستدرك على الصحيحين عن عاصم بن عمر بن قتادة :لَمّا قَتَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه عَمرو

.


1- .الإرشاد : ج1 ص310 ، بحار الأنوار : ج42 ص19 ح6 .
2- .الكامل في التاريخ : ج3 ص256 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج13 ص221 .

ص: 44

طوح : عن عكرمة في صفّين :ابنَ عَبدِ وَدٍّ أنشَأَت اُختُهُ عَمرَةُ بِنتُ عَبدِ وَدٍّ تَرثيهِ ، فَقالَت :

لَو كانَ قاتِلُ عَمرٍو غيرَ قاتِلِهِ

بَكَيتُهُ ما أقامَ (1) الرّوحُ في جَسَدي لكِنَّ قاتِلَهُ مَن لا يُعابُ بِهِ

وكانَ يُدعى قَديما بَيضَةَ البَلَدِ (2)* ومنه عن أبي عبداللّه عليه السلام :شرح نهج البلاغة :قالَت اُختُ عَمرِو بنِ عَبدِ وَدٍّ تَرثيهِ :

لَو كانَ قاتِلُ عَمرٍو غَيرَ قاتِلِهِ

بَكَيتُهُ أبَدا ما دُمتُ فِي الأَبَدِ لكِنَّ قاتِلَهُ مَن لا نَظيرَ لَهُ

وكانَ يُدعى أبوهُ بَيضَةَ البَلَدِ (3) .


1- .في المصدر : «قام» ، والصحيح ما أثبتناه .
2- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص36 ح4330 وراجع بحار الأنوار : ج20 ص260 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص20 .

ص: 45

الفصْل التّاسع : عليّ عن لسان الأعيان

9 / 1 ابن أبي الحديد

الفَصْلُ التَّاسِعُ : علي عن لسان الأعيان9 / 1ابنُ أبِي الحَديدِ (1)طوب : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :شرح نهج البلاغة :إنَّهُ عليه السلام كانَ أولى بِالأَمرِ وأحَقَّ ، لا عَلى وَجهِ النَّصِّ (2) بَل عَلى وَجهِ الأَفضَلِيَّةِ ؛ فَإِنَّهُ أفضَلُ البَشَرِ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأحَقُّ بِالخِلافَةِ مِن جَميعِ المُسلِمينَ (3) .طنا : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :شرح نهج البلاغة :ما أقولُ في رَجُلٍ أقَرَّ لَهُ أعداؤُهُ وخُصومُهُ بِالفَضلِ ، ولَم يُمكِنهُم جَحدُ مَناقِبِهِ ، ولا كِتمانُ فَضائِلِهِ ، فَقَد عَلِمتَ أنَّهُ استَولى بَنو اُمَيَّةَ عَلى سُلطانِ الإِسلامِ فى

¨

.


1- .هو عزّ الدين أبو حامد ابن هبة اللّه بن محمّد بن محمّد بن الحسين بن أبي الحديد المدائني : أحد جهابذة العلماء وأثبات المؤرّخين ، ممّن نجم في العصر العبّاسي الثاني ، أزهى العصور الإسلاميّة إنتاجا وتأليفا . وكان فقيها اُصوليّا ، وله في ذلك مصنّفات معروفة مشهورة ، وكان متكلّما جدليّا نظّارا ، اصطنع مذهب الاعتزال ، وعلى أساسه جادل وناظر ، وحاجّ وناقش ، وله مع الأشعري والغزالي والرازي كتب ومواقف . وكان أديبا متضلّعا في فنون الأدب ، متقنا لعلوم اللسان . وكان شاعرا عذب المورد ، مشرق المعنى ، كما كان كاتبا بديع الإنشاء ، حسن الترسّل ، ناصع البيان ، وله مصنّفات كثيرة . ولد بالمدائن ونشأ بها وتلقّى عن شيوخها ، ودرس المذاهب الكلاميّة فيها ، ثمّ مال إلى مذهب الاعتزال ، وتوفّي سنة 656 أو 655 ه (راجع شرح نهج البلاغة : المقدّمة ص13 وسير أعلام النبلاء : ج23 ص372 الرقم 265) .
2- .هذا رأي ابن أبي الحديد ، لكنّا أوضحنا في هذه الموسوعة أنّه عليه السلام أولى بالأمر على وجه النصّ .
3- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص140 .

ص: 46

طنا : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :شَرقِ الأَرضِ وغَربِها ، وَاجتَهَدوا بِكُلِّ حيلَةٍ في إطفاءِ نورِهِ وَالتَّحريضِ عَلَيهِ ، ووَضعِ المَعايِبِ وَالمَثالِبِ لَهُ ، ولَعَنوهُ عَلى جَميعِ المَنابِرِ ، وتَوَعَّدوا مادِحيهِ ، بَل حَبَسوهُم وقَتَلوهُم ، ومَنَعوا مِن رِوايَةِ حَديثٍ يَتَضَمَّنُ لَهُ فَضيلَةً ، أو يَرفَعُ لَهُ ذِكرا ، حَتّى حَظَروا أن يُسَمّى أحَدٌ بِاسمِهِ ، فَما زادَهُ ذلِكَ إلّا رِفعَةً وسُمُوّا ، وكانَ كَالمِسكِ كُلَّما سُتِرَ انتَشَرَ عَرفُهُ ، وكُلَّما كُتِمَ تَضَوَّعَ نَشرُهُ ، وكَالشَّمسِ لا تُستَرُ بِالرّاحِ ، وكَضَوءِ النَّهارِ إن حُجِبَت عَنهُ عَينٌ واحِدَةٌ أدرَكَتهُ عُيونٌ كَثيرَةٌ .

وما أقولُ في رَجُلٍ تُعزى إلَيهِ كُلُّ فَضيلَةٍ ، وتَنتَهي إلَيهِ كُلُّ فِرقَةٍ ، وتَتَجاذَبُهُ كُلُّ طائِفَةٍ ، فَهُوَ رَئيسُ الفَضائِلِ ويَنبوعُها ، وأبو عُذرِها ، وسابِقُ مِضمارِها ، ومُجَلّي حَلبَتِها ، كُلُّ مَن بَزَغَ فيها بَعدَهُ فَمِنهُ أخَذَ ، ولَهُ اقتَفى ، وعَلى مِثالِهِ احتَذى (1) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مَلَك المشرح نهج البلاغة_ في ذَيلِ الخُطبَةِ الثّانِيَةِ _: إن قيلَ : ما مَعنى قَولِهِ عليه السلام : «لا يُقاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ مِن هذِهِ الاُمَّةِ أحَدٌ ، ولا يُسَوّى بِهِم مَن جَرَت نِعمَتُهُم عَلَيهِ أبَدا» ؟

قيلَ : لا شُبهَةَ أنَّ المُنعِمَ أعلى وأشرَفُ مِنَ المُنعَمِ عَلَيهِ ، ولا رَيبَ أنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله وأهلَهُ الأَدنَينَ مِن بَني هاشِمٍ _ لا سِيَّما عَلِيّا عليه السلام _ أنعَموا عَلَى الخَلقِ كافَّةً بِنِعمَةٍ لا يُقَدَّرُ قَدرُها ؛ وهِيَ الدُّعاءُ إلَى الإِسلامِ وَالهِدايَةُ إلَيهِ ، فَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وإن كانَ هَدَى الخَلقَ بِالدَّعوَةِ الَّتي قامَ بِها بِلِسانِهِ ويَدِهِ ، ونُصرَةِ اللّهِ تَعالى لَهُ بِمَلائِكَتِهِ وتَأييدِهِ ، وهُوَ السَّيِّدُ المَتبوعُ ، وَالمُصطَفَى المُنَتَجَبُ الواجِبُ الطّاعَةِ ، إلّا أنَّ لِعَلِيٍّ عليه السلام مِنَ الهِدايَةِ أيضا _ وإن كانَ ثانِيا لِأَوَّلَ ، ومُصَلِّيا عَلى إثرِ سابِقٍ _ ما لا يُجحَدُ ، ولَو لَم يَكُن إلّا جِهادُهُ بِالسَّيفِ أوَّلاً وثانِيا ، وما كانَ بَينَ الجِهادَينِ مِن نَشرِ العُلومِ وتَفسيرِ القُرآنِ وإرشادِ العَرَبِ إلى ما لَم تَكُن لَهُ فاهِمَةً ولا مُتَصَوِّرَةً ، لَكفى في وُجوبِ حَقِّهِ ، وسُبوغِ نِعمَتِهِ عليه السلام . .


1- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص16 .

ص: 47

9 / 2 أبو جعفر الإسكافيّ

* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مَلَك المفَإِن قيلَ : لا رَيبَ في أنَّ كَلامَهُ هذا تَعريضٌ بِمَن تَقَدَّمَ عَلَيهِ ، فَأَيُّ نِعمَةٍ لَهُ عَلَيهِم ؟

قيلَ : نِعمَتانِ :

الاُولى مِنهُما : الجِهادُ عَنهُم وهُم قاعِدونَ ؛ فَإِنَّ مَن أنصَفَ عَلِمَ أنَّهُ لَولا سَيفُ عَلِيٍّ عليه السلام لَاصطَلَمَ المُشرِكونَ مَن أشارَ إلَيهِ وغَيرَهُم مِنَ المُسلِمينَ ، وقَد عُلِمَت آثارُهُ في بَدرٍ ، واُحُدٍ ، وَالخَندَقِ ، وخَيبَرَ ، وحُنَينٍ ، وأنَّ الشِّركَ فيها فَغَرَ فاهُ (1) ، فَلَولا أن سَدَّهُ بِسَيفِهِ لَالتَهَمَ المُسلِمينَ كافَّةً .

وَالثّانِيَةُ : عُلومُهُ الَّتي لَولاها لَحُكِمَ بِغَيرِ الصَّوابِ في كَثيرٍ مِنَ الأَحكامِ ، وقَدِ اعتَرَفَ عُمَرُ لَهُ بِذلِكَ ، وَالخَبَرُ مَشهورٌ : «لَولا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ» . . . .

وَاعلَم أنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَدَّعِي التَّقَدُّمَ عَلَى الكُلِّ ، وَالشَّرَفَ عَلَى الكُلِّ ، وَالنِّعمَةَ عَلَى الكُلِّ ، بِابنِ عَمِّهِ صلى الله عليه و آله ، وبِنَفسِهِ ، وبِأَبيهِ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّ مَن قَرَأَ عُلومَ السِّيَرِ عَرَفَ أنَّ الإِسلامَ لَولا أبو طالِبٍ لَم يَكُن شَيئا مَذكورا (2) .9 / 2أبو جَعفرٍ الإِسكافِيُّطنن : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :شرح نهج البلاغة :3 قالَ شَيخُنا أبو جَعفَرٍ : . . . قَد عَلِمنا ضَرورَةً مِن دينِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله

.


1- .فَغَرَ فاه : فتحه وشحاه (لسان العرب : ج5 ص59) .
2- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص140 .

ص: 48

طنن : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :تَعظيمَهُ لِعَلِيٍّ عليه السلام تَعظيما دينِيّا لِأَجلِ جِهادِهِ ونُصرَتِهِ ، فَالطّاعِنُ فيهِ طاعِنٌ في رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (1) .طنفس : عن أبي عبداللّه عليه السلام :شرح نهج البلاغة :قالَ أبو جَعفَرٍ : قَد تَعلَمونَ أنَّ بَعضَ المُلوكِ رُبَّما أحدَثوا قَولاً أو دينا لِهَوىً ، فَيَحمِلونَ النّاسَ عَلى ذلِكَ ، حَتّى لا يَعرِفوا غَيرَهُ ، كَنَحوِ ما أخَذَ النّاسَ الحَجّاجُ بنُ يوسُفَ بِقِراءَةِ عُثمانَ وتَركِ قِراءَةِ ابنِ مَسعودٍ واُبَيِّ بنِ كَعبٍ ، وتَوَعَّدَ عَلى ذلِكَ بِدونِ ما صَنَعَ هُوَ وجَبابِرَةُ بَني اُمَيَّةَ وطُغاةُ مَروانَ بِوُلدِ عَلِيٍّ عليه السلام وشيعَتِهِ ، وإنَّما كانَ سُلطانُهُ نَحوَ عِشرينَ سَنَةً ، فَما ماتَ الحَجّاجُ حَتَّى اجتَمَعَ أهلُ العِراقِ عَلى قِراءَةِ عُثمانَ ، ونَشَأَ أبناؤُهُم ولا يَعرِفونَ غَيرَها ؛ لِاءِمساكِ الآباءِ عَنها ، وكَفِّ المُعَلِّمينَ عَن تَعليمِها حَتّى لَو قُرِأَت عَلَيهِم قِراءَةُ عَبدِ اللّهِ واُبَيٍّ ما عَرَفوها ، ولَظَنّوا بِتَأليفِهَا الِاستِكراهَ وَالِاستِهجانَ ؛ لِاءِلفِ العادَةِ وطولِ الجَهالَةِ ؛ لِأَ نَّهُ إذَا استَولَت عَلَى الرَّعِيَّةِ الغَلَبَةُ ، وطالَت عَلَيهِم أيّامُ التَّسَلُّطِ ، وشاعَت فيهِمِ المَخافَةُ ، وشَمِلَتهُمُ التَّقِيَّةُ ، اتَّفَقوا عَلَى التَّخاذُلِ وَالتَّساكُتِ ، فَلا تَزالُ الأَيّامُ تَأخُذُ مِن بَصائِرِهِم وتَنقُصُ مِن ضَمائِرِهِم ، وتَنقُضُ مِن مَرائِرِهِم ، حَتّى تَصيرَ البِدعَةُ الَّتي أحدَثوها غامِرَةً لِلسُّنَّةِ الَّتي كانوا يَعرِفونَها .

ولَقَد كانَ الحَجّاجُ ومَن وَلّاهُ كَعَبدِ المَلِكِ وَالوَليدِ ومَن كانَ قَبلَهُما وبَعدَهُما مِن فَراعِنَةِ بَني اُمَيَّةَ عَلى إخفاءِ مَحاسِنِ عَلِيٍّ عليه السلام وفَضائِلِهِ وفَضائِلِ وُلدِهِ وشيعَتِهِ ، وإسقاطِ أقدارِهِم ، أحرَصَ مِنهُم عَلى إسقاطِ قِراءَةِ عَبدِ اللّهِ واُبَيٍّ ؛ لِأَنَّ تِلكَ القِراءاتِ لا تَكونُ سَبَبا لِزَوالِ مُلكِهِم ، وفَسادِ أمرِهِم ، وَانكِشافِ حالِهِم ، وفِي اشتِهارِ فَضل .


1- .شرح نهج البلاغة : ج13 ص285 .

ص: 49

طنفس : عن أبي عبداللّه عليه السلام :عَلِيٍّ عليه السلام ووُلدِهِ وإظهارِ مَحاسِنِهِم بَوارُهُم ، وتَسليطُ حُكمِ الكِتابِ المَنبوذِ عَلَيهِم ، فَحَرَصوا وَاجتَهَدوا في إخفاءِ فَضائِلِهِ ، وحَمَلُوا النّاسَ عَلى كِتمانِها وسَترِها ، وأبَى اللّهُ أن يَزيدَ أمرَهُ وأمرَ وُلدِهِ إلَا استِنارَةً وإشراقا ، وحُبَّهُم إلّا شَغَفا وشِدَّةً ، وذِكرَهُم إلَا انتِشارا وكَثرَةً ، وحُجَّتَهُم إلّا وُضوحا وقُوَّةً ، وفَضلَهُم إلّا ظُهورا ، وشَأنَهُم إلّا عُلُوّا ، وأقدارَهُم إلّا إعظاما ، حَتّى أصبَحوا بِإِهانَتِهِم إيّاهُم أعِزّاءَ ، وبِإِماتَتِهِم ذِكرَهُم أحياءً ، وما أرادوا بِهِ وبِهِم مِنَ الشَّرِّ تَحَوَّلَ خَيرا ، فَانتَهى إلَينا مِن ذِكرِ فَضائِلِهِ وخَصائِصِهِ ومَزاياهُ وسَوابِقِهِ ما لَم يَتَقَدَّمهُ السّابِقونَ ، ولا ساواهُ فيهِ القاصِدونَ ، ولا يَلحَقُهُ الطّالِبونَ ، ولَولا أنَّها كانَت كَالقِبلَةِ المَنصوبَةِ فِي الشُّهرَةِ ، وكَالسُّنَنِ المَحفوظَةِ فِي الكَثرَةِ ، لَم يَصِل إلَينا مِنها في دَهرِنا حَرفٌ واحِدٌ ، إذا كانَ الأَمرُ كَما وَصَفناهُ (1) .طنز : في الخبر :شرح نهج البلاغة :قالَ أبو جَعفَرٍ : وقَد رُوِيَ أنَّ مُعاوِيَةَ بَذَلَ لِسَمُرَةَ بنِ جُندَبٍ مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ حَتّى يَروِيَ أنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَت في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ» (2) ، وأنَّ الآيَةَ الثّانِيَةَ نَزَلَت فِي ابنِ مُلجَمٍ ، وهِيَ قَولُهُ تَعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ» (3) فَلَم يَقبَل ، فَبَذَلَ لَهُ مِئَتَي ألفِ دِرهَمٍ فَلَم يَقبَل ، فَبَذَلَ لَهُ ثَلاثَمِئَةِ ألفٍ فَلَم يَقبَل ، فَبَذَلَ لَهُ أربَعَمِئَةِ ألفٍ فَقَبِلَ ، ورَوى ذلِكَ .

قالَ : وقَد صَحَّ أنَّ بَني اُمَيَّةَ مَنَعوا مِن إظهارِ فَضائِلِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وعاقَبوا عَلى ذلِكَ الرّاوِيَ لَهُ ؛ حَتّى إنَّ الرَّجُلَ إذا رَوى عَنهُ حَديثا لا يَتَعَلَّقُ بِفَضلِهِ بَل بِشَرائِعِ الدّين .


1- .شرح نهج البلاغة : ج13 ص223 .
2- .البقرة : 204 و205 .
3- .البقرة : 207 .

ص: 50

9 / 3 أبو جعفر الحسنيّ

طنز : في الخبر :لا يَتَجاسَرُ عَلى ذِكرِ اسمِهِ ؛ فَيَقولُ : عَن أبي زَينَبَ .

ورَوى عَطاءٌ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ شَدّادِ بنِ الهادِ ، قالَ : وَدِدتُ أن اُترَكَ فَاُحَدِّثَ بِفَضائِلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام يَوما إلَى اللَّيلِ ؛ وأنَّ عُنُقي هذِهِ ضُرِبَت بِالسَّيفِ .

قالَ : فَالأَحاديثُ الوارِدَةُ في فَضلِهِ لَو لَم تَكُن فِي الشُّهرَةِ وَالاِستِفاضَةِ وكَثرَةِ النَّقلِ إلى غايَةٍ بَعيدَةٍ ، لَانقَطَعَ نَقلُها لِلخَوفِ وَالتَّقِيَّةِ مِن بَني مَروانَ مَعَ طولِ المُدَّةِ ، وشِدَّةِ العَداوَةِ ، ولَولا أنَّ لِلّهِ تَعالى في هذَا الرَّجُلِ سِرّا يَعلَمُهُ مَن يَعلَمُهُ لُم يُروَ في فَضلِهِ حَديثٌ ، ولا عُرِفَت لَهُ مَنقَبَةٌ ؛ أ لا تَرى أنَّ رَئيسَ قَريَةٍ لَو سَخِطَ عَلى واحِدٍ مِن أهِلها ، ومَنَعَ النّاسَ أن يَذكُروهُ بِخَيرٍ وصَلاحٍ لَخَمَلَ ذِكرُهُ ، ونُسِيَ اسمُهُ ، وصارَ وهُوَ مَوجودٌ مَعدوما ، وهُوَ حَيٌّ مَيِّتا (1) .9 / 3أبو جَعفرٍ الحَسَنِيُّ (2)طنبور : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :شرح نهج البلاغة :كانَ [أبو جَعفَرٍ] يَقولُ : اُنظُروا إلى أخلاقِهِما [رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وعَلِيٍّ عليه السلام ]وخَصائِصِهِما ، هذا شُجاعٌ وهذا شُجاعٌ ، وهذا فَصيحٌ وهذا فَصيحٌ ، وهذا سَخِيٌّ جَوادٌ وهذا سَخِيٌّ جَوادٌ ، وهذا عالِمٌ بِالشَّرائِعِ وَالاُمورِ الإِلهِيَّةِ وهذا عالِمٌ بِالفِقهِ وَالشَّريعَةِ وَالاُمورِ الإِلهِيَّةِ الدَّقيقَةِ الغامِضَةِ ، وهذا زاهِدٌ فِي الدُّنيا غَيرُ نَهِمٍ ولا مُستَكثِرٍ مِنها وهذا زاهِدٌ فِي الدُّنيا تارِكٌ لَها غَيرُ مُتَمَتِّعٍ بِلَذّاتِها ، وهذا مُذيبُ نَفسِهِ فِي الصَّلاةِ وَالعِبادَةِ وهذا مِثلُهُ ، وهذا غَيرُ مُحَبَّبٍ إلَيهِ شَيءٌ مِنَ الاُمورِ العاجِلَةِ إلَا النِّساءُ وهذا مِثلُهُ ، وهذَا ابنُ عَبدِ المُطَّلِبِ بنِ هاشِمٍ ، وهذا في قُعدُدِهِ (3) ، وأبواهُما أخوانِ لِأَب

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص73 .
2- .أبو جعفر بن أبي زيد الحسني : نقيب البصرة ، أحد مشايخ ابن أبي الحديد .
3- .القُعدد : قريب من الجَدّ الأكبر (لسان العرب : ج3 ص361) .

ص: 51

طنبور : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :واحِدٍ دونَ غَيرِهِما مِن بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، ورُبِّيَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله في حِجرِ والِدِ هذا وهذا أبو طالِبٍ ، فَكانَ جارِيا عِندَهُ مَجرى أحَدِ أولادِهِ .

ثُمَّ لَمّا شَبَّ صلى الله عليه و آله وكَبِرَ استَخلَصَهُ مِن بَني أبي طالِبٍ وهُوَ غُلامٌ ، فَرَبّا[هُ] (1) في حِجرِهِ مُكافَأَةً لِصَنيعِ أبي طالِبٍ بِهِ ، فَامتَزَجَ الخُلُقانِ ، وتَماثَلَتِ السَّجِيَّتانِ ، وإذا كانَ القَرينُ مُقتَدِيا بِالقَرينِ ، فَما ظَنُّكَ بِالتَّربِيَةِ وَالتَّثقيفِ الدَّهرَ الطَّويلَ ؟ فَواجِبٌ أن تَكونَ أخلاقُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله كَأَخلاقِ أبي طالِبٍ ، وتَكونَ أخلاقُ عَلِيٍّ عليه السلام كَأَخلاقِ أبي طالِبٍ أبيهِ ، ومُحَمَّدٌ عليه السلام مُرَبّيهِ ، وأن يَكونَ الكُلُّ شيمَةً واحِدَةً ، وسوسا (2) واحِدا ، وطينَةً مُشتَرَكَةً ، ونَفسا غَيرَ مُنقَسِمَةٍ ولا مُتَجَزِّئَةٍ ، وأن لا يَكونَ بَينَ بَعضِ هؤُلاءِ وبَعضٍ فَرقٌ ولا فَضلٌ ، لَولا أنَّ اللّهَ تَعالى اختَصَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِرِسالَتِهِ ، وَاصطَفاهُ لِوَحيِهِ ، لِما يَعلَمُهُ مِن مَصالِحِ البَرِيَّةِ في ذلِكَ ، ومِن أنَّ اللُّطفَ بِهِ أكمَلُ ، وَالنَّفعَ بِمَكانِهِ أتَمُّ وأعَمُّ .

فَامتازَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِذلِكَ عَمَّن سِواهُ ، وبَقِيَ ما عَدَا الرِّسالَةَ عَلى أمرِ الِاتِّحادِ ، وإلى هذَا المَعنى أشارَ صلى الله عليه و آله بِقَولِهِ : «أخصِمُكَ بِالنُّبُوَّةِ ؛ فَلا نُبُوَّةَ بَعدي ، وتَخصِمُ النّاسَ بِسَبعٍ» وقالَ لَهُ أيضا : «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي» فَأَبانَ نَفسَهُ مِنهُ بِالنُّبُوَّةِ ، وأثبَتَ لَهُ ما عَداها مِن جَميعِ الفَضائِلِ وَالخَصائِصِ مُشتَرَكا بَينَهُما (3) .* وعنه عليه السلام :شرح نهج البلاغة_ في ذِكرِ كَلامِ أبي جَعفَرٍ الحَسَنِيِّ فِي الأَسبابِ الَّتي أوجَبَت مَحَبَّةَ النّاسِ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: كانَ أبو جَعفَرٍ لا يَجحَدُ الفاضِلَ فَضلَهُ ، وَالحَديثُ شُجونٌ .

قُلتُ لَهُ [أبي جَعفَرٍ] مَرَّةً : ما سَبَبُ حُبِّ النّاسِ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وعِشقِهِم .


1- .الزيادة منّا لتتميم العبارة .
2- .السُّوْس : الأصل والطبع والخُلُق والسَّجيّة (لسان العرب : ج6 ص108) .
3- .شرح نهج البلاغة : ج10 ص221 . راجع : ج 4 ص 503 (تخصم الناس بسبع) .

ص: 52

* وعنه عليه السلام :لَهُ ، وتَهالُكِهِم في هَواهُ ؟ ودَعني فِي الجَوابِ مِن حَديثِ الشَّجاعَةِ وَالعِلمِ وَالفَصاحَةِ ، وغَيرِ ذلِكَ مِنَ الخَصائِصِ الَّتي رَزَقَهُ اللّهُ سُبحانَهُ الكَثيرَ الطَّيِّبَ مِنها .

فَضَحِكَ وقالَ لي : كَم تَجمَعُ جَراميزَكَ (1) عَلَيَّ !

ثُمَّ قالَ : هاهُنا مُقَدِّمَةٌ يَنبَغي أن تُعلَمَ ؛ وهِيَ أنَّ أكثَرَ النّاسِ مَوتورونَ مِنَ الدُّنيا ، أمَّا المُستَحِقّونَ فَلا رَيبَ في أنَّ أكثَرَهُم مَحرومونَ ، نَحوُ عالِمٍ يَرى أنَّهُ لا حَظَّ لَهُ فِي الدُّنيا ، ويَرى جاهِلاً غَيرَهُ مَرزوقا ومُوَسَّعا عَلَيهِ .

وشُجاعٍ قَد أبلى فِي الحَربِ ، وَانتُفِعَ بِمَوضِعِهِ ، لَيسَ لَهُ عَطاءٌ يَكفيهِ ويَقومُ بِضَروراتِهِ ، ويَرى غَيرَهُ وهُوَ جَبانٌ فَشِلٌ ، يَفرَقُ مِن ظِلِّهِ ، مالِكا لِقُطرٍ عَظيمٍ مِنَ الدُّنيا ، وقِطعَةٍ وافِرَةٍ مِنَ المالِ وَالرِّزقِ .

وعاقِلٍ سَديدِ التَّدبيرِ صَحيحِ العَقلِ ، قَد قُدِرَ عَلَيهِ رِزقُهُ ، وهُوَ يَرى غَيرَهُ أحمَقَ مائِقا تَدُرُّ عَلَيهِ الخَيراتُ ، وتَتَحَلَّبُ عَلَيهِ أخلافُ الرِّزقِ .

وذي دينٍ قَويمٍ ، وعِبادَةٍ حَسَنَةٍ ، وإخلاصٍ وتَوحيدٍ ، وهُوَ مَحرومٌ ضَيِّقُ الرِّزقِ ويَرى غَيرَهُ يَهودِيّا أو نَصرانِيّا أو زِنديقا كَثيرَ المالِ حَسَنَ الحالِ .

حَتّى إنَّ هذِهِ الطَّبَقاتِ المُستَحِقَّةَ يَحتاجونَ في أكثَرِ الوَقتِ إلَى الطَّبَقاتِ الَّتي لَا استِحقاقَ لَها ، وتَدعوهُمُ الضَّرورَةُ إلَى الذُّلِّ لَهُم ، وَالخُضوعِ بَينَ أيديهِم ، إمّا لِدَفعِ ضَرَرٍ ، أو لِاستِجلابِ نَفعٍ .

ودونَ هذِهِ الطَّبَقاتِ مِن ذَوِي الاِستِحقاقِ أيضا ما نُشاهِدُهُ عِيانا من نَجّارٍ حاذِقٍ ، أو بَنّاءٍ عالِمٍ ، أو نَقّاشٍ بارِعٍ ، أو مُصَوِّرٍ لَطيفٍ ، عَلى غايَةِ ما يَكونُ مِن ضيقِ رِزقِهِم ، وقُعودِ الوَقتِ بِهِم ، وقِلَّةِ الحيلَةِ لَهُم ، ويَرى غَيرَهُم مِمَّن لَيسَ يَجري مَجراهُم ، .


1- .الجَراميز : قيل : هي اليدان والرجلان ، وقيل : هي جُملة البدن (النهاية : ج1 ص263) .

ص: 53

* وعنه عليه السلام :ولا يَلحَقُ طَبَقَتَهُم مَرزوقا مَرغوبا فيهِ ، كَثيرَ المَكسَبِ ، طَيِّبَ العَيشِ ، واسِعَ الرِّزقِ . فَهذا حالُ ذَوِي الِاستِحقاقِ وَالِاستِعدادِ .

وأمَّا الَّذينَ لَيسوا مِن أهلِ الفَضائِلِ ، كَحَشوِ العامَّةِ ؛ فَإِنَّهُم أيضا لايَخلونَ مِنَ الحِقدِ عَلَى الدُّنيا وَالذَّمِّ لَها ، وَالحَنَقِ وَالغَيظِ مِنها لِما يَلحَقُهُم مِن حَسَدِ أمثالِهِم وجيرانِهِم ، ولا يُرى أحَدٌ مِنهُم قانِعا بِعَيشِهِ ، ولا راضِيا بِحالِهِ ، بَل يَستَزيدُ ويَطلُبُ حالاً فَوقَ حالِهِ .

قالَ : فَإِذا عَرَفتَ هذِهِ المُقَدَّمَةَ ، فَمَعلومٌ أنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ مُستَحِقّا مَحروما ، بَل هُوَ أميرُ المُستَحِقّينَ المَحرومينَ ، وسَيِّدُهُم وكَبيرُهُم ، ومَعلومٌ أنَّ الَّذينَ يَنالُهُمُ الضَّيمُ ، وتَلحَقُهُمُ المَذَلَّةُ وَالهَضيمَةُ ، يَتَعَصَّبُ بَعضُهُم لِبَعضٍ ، ويَكونونَ إلبا ويَدا واحِدَةً عَلَى المَرزوقينَ الَّذين ظَفِروا بِالدُّنيا ، ونالوا مَآرِبَهُم مِنها ، لِاشتِراكِهِم فِي الأَمرِ الَّذي آلَمَهُم وساءَهُم ، وعَضَّهُم ومَضَّهُم ، وَاشتِراكِهِم فِي الأَنَفَةِ وَالحَمِيَّةِ وَالغَضَبِ وَالمُنافَسَةِ لِمَن عَلا عَلَيهِم وقَهَرَهُم ، وبَلَغَ مِنَ الدُّنيا ما لَم يَبلُغوهُ .

فَإِذا كانَ هؤُلاءِ _ أعنِي المَحرومينَ _ مُتَساوينَ فِي المَنزِلَةِ وَالمَرتَبَةِ ، وتَعَصَّبَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ، فَما ظَنُّكَ بِما إذا كانَ مِنهُم رَجُلٌ عَظيمُ القَدرِ جَليلُ الخَطَرِ كامِلُ الشَّرَفِ ، جامِعٌ لِلفَضائِلِ مُحتَوٍ عَلَى الخَصائِصِ وَالمَناقِبِ ، وهُوَ مَعَ ذلِكَ مَحرومٌ مَحدودٌ ، وقَد جَرَّعَتهُ الدُّنيا عَلاقِمَها ، وعَلَّتهُ عَلَلاً بَعدَ نَهَلٍ من صابِها وصَبِرِها ، ولَقِيَ مِنها بَرحا بارِحا ، وجَهدا جَهيدا ، وعَلا عَلَيهِ مَن هُوَ دونَهُ ، وحَكَمَ فيهِ وفي بَنيهِ وأهلِهِ ورَهطِهِ مَن لَم يَكُن ما نالَهُ مِنَ الإِمرَةِ وَالسُّلطانِ في حِسابِهِ ، ولا دائِرا في خَلَدِهِ ، ولا خاطِرا بِبالِهِ ، ولا كانَ أحَدٌ مِنَ النّاسِ يَرتَقِبُ ذلِكَ لَهُ ولا يَراهُ لَهُ .

ثُمَّ كانَ في آخِرِ الأَمرِ أن قُتِلَ هذَا الرَّجُلُ الجَليلُ في مِحرابِهِ ، وقُتِلَ بَنوهُ بَعدَهُ ، وسُبِيَ حَريمُهُ ونِساؤُهُ ، وتُتُبِّعَ أهلُهُ وبَنو عَمِّهِ بِالقَتلِ وَالطَّردِ وَالتَّشريدِ وَالسُّجونِ ، مَع .

ص: 54

* وعنه عليه السلام :فَضلِهِم وزُهدِهِم وعِبادَتِهِم وسَخائِهِم ، وَانتِفاعِ الخَلقِ بِهِم .

فَهَل يُمكِنُ ألّا يَتَعَصَّبَ البَشَرُ كُلُّهُم مَعَ هذَا الشَّخصِ ؟ ! وهَل تَستَطيعُ القُلوبُ ألّا تُحِبَّهُ وتَهواهُ ، وتَذوبَ فيهِ وتَفنى في عِشقِهِ ، انتِصارا لَهُ ، وحَمِيَّةً مِن أجلِهِ ، وأنَفَةً مِمّا نالَهُ ، وَامتِعاضا مِمّا جَرى عَلَيهِ ؟ ! وهذا أمرٌ مَركوزٌ فِي الطَّبائِعِ ، ومَخلوقٌ فِي الغَرائِزِ ، كَما يُشاهِدُ النّاسُ عَلَى الجُرُفِ إنسانا قَد وَقَعَ فِي الماءِ العَميقِ ، وهُوَ لا يُحسِنُ السِّباحَةَ ؛ فَإِنَّهُم بِالطَّبعِ البَشَرِيِّ يَرِقّونَ عَلَيهِ رِقَّةً شَديدَةً ، وقَد يُلقي قَومٌ مِنهُم أنفُسَهُم فِي الماءِ نَحوَهُ ، يَطلُبونَ تَخليصَهُ ،لايَتَوَقَّعونَ عَلى ذلِكَ مُجازاةً مِنهُ بِمالٍ أو شُكرٍ ، ولا ثَوابا فِي الآخِرَةِ ، فَقَد يَكونُ مِنهُم مَن لا يَعتَقِدُ أمرَ الآخِرَةِ ، ولكِنَّها رِقَّةٌ بَشَرِيَّةٌ ، وكَأَنَّ الواحِدَ مِنهُم يَتَخَيَّلُ في نَفسِهِ أنَّهُ ذلِكَ الغَريقُ ، فَكَما يَطلُبُ خَلاصَ نَفسِهِ لَو كانَ هذَا الغَريقُ ، كَذلِكَ يَطلُبُ تَخليصَ مَن هُوَ في تِلكَ الحالِ الصَّعبَةِ لِلمُشارَكَةِ الجِنسِيَّةِ .

وكَذلِكَ لَو أنَّ مَلِكا ظَلَمَ أهلَ بَلَدٍ مِن بِلادِهِ ظُلما عَنيفا ، لَكانَ أهلُ ذلِكَ البَلَدِ يَتَعَصَّبُ بَعضُهُم لِبَعضٍ فِي الِانتِصارِ مِن ذلِكَ المَلِكِ ، وَالِاستِعداءِ عَلَيهِ ، فَلَو كانَ مِن جُملَتِهِم رَجُلٌ عَظيمُ القَدرِ ، جَليلُ الشَّأنِ ، قَد ظَلَمَهُ المَلِكُ أكثَرَ مِن ظُلمِهِ إيّاهُم ، وأخَذَ أموالَهُ وضِياعَهُ ، وقَتَلَ أولادَهُ وأهلَهُ ، كانَ لِياذُهُم بِهِ ، وَانضِواؤُهُم إلَيهِ ، وَاجتِماعُهُم وَالتِفافُهُم بِهِ أعظَمَ وأعظَمَ ؛ لِأَنَّ الطَّبيعَةَ البَشَرِيَّةَ تَدعو إلى ذلِكَ عَلى سَبيلِ الإيجابِ الِاضطِرارِيِّ ، ولا يَستَطيعُ الإِنسانُ مِنهُ امتِناعا .

وهذا مَحصولُ قَولِ النَّقيبِ أبي جَعفَرٍ ، قَد حَكَيتُهُ وَالأَلفاظُ لي وَالمَعنى لَهُ ؛ لِأَ نّي لا أحفَظُ الآنَ ألفاظَهُ بِعَينِها ، إلّا أنَّ هذا هُوَ كانَ مَعنى قَولِهِ وفَحواهُ (1) . .


1- .شرح نهج البلاغة : ج10 ص223 .

ص: 55

9 / 4 أبو عليّ ابن سينا

9 / 4أبو عَلِيٍّ ابنُ سينا 1طما : عن المنصور لأبي عبداللّه عليه السلام :معراج نامه :قالَ أشرَفُ البَشَرِ وأعَزُّ الأَنبِياءِ وخاتَمُ الرُّسُلِ لِمَركَزِ دائِرَةِ الحِكمَةِ وفَلَكِ الحَقائِقِ ، وخَزانَةِ العُقولِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ عليه السلام : «يا عَلِيُّ ، إذا رَأَيتَ النّاسَ مُقَرَّبونَ إلى خالِقِهِم بِأَنواعِ البِرِّ تَقَرَّب إلَيهِ بِأَنواعِ العَقلِ تَسبِقهُم» (1) . ولا يَستَقيمُ هذَا الخِطابُ لِأَحَدٍ إلّا لِعَظيمٍ كَهذَا ، الَّذي مَحَلُّهُ بَينَ النّاسِ نَظيرُ المَعقولاتِ بَينَ المَحسوساتِ ؛ فَقالَ لَهُ : يا عَلِيُّ ، أتعِب نَفسَكَ في تَحصيلِ المَعقولاتِ كَما أنَّ النّاسَ يُتعِبونَ أنفُسَهُم في كَثرَةِ العِباداتِ ؛ كَي تَسبِقَ الجَميعَ . ولَمّا كانَ إدراكُهُ لِلحَقائِقِ بِبَصيرَةِ العَقلِ استَوَت عِندَهُ المَحسوساتُ وَالمَعقولاتُ وكانَت عِندَهُ بِمَنزِلَةٍ سَواءٍ ، ولِهذا قالَ عليه السلام : «لَو كُشِفَ الغِطاءُ مَا ازدَدتُ يَقيناً» .

ولا ثَروَةَ أعظَمُ مِن إدراكِ المَعقولاتِ ؛ فَإِدراكُ المَعقولاتِ هُوَ الجَنَّةُ بِتَمامِ نَعيمِها بِزَنجَبيلِها وسَلسَبيلِها . وأمَّا الجَحيمُ بِقُيودِها وعَذابِها فَهُوَ مُتابَعَةُ مُتَعَلَّقاتِ الأَجسامِ وشُؤونِها ، وهذِهِ المُتابَعَةُ هَوَت بِالنّاسِ في جَحيمِ الهَوى ، وأسَرَتهُم بِقَيدِ الخَيالِ ومَرارَةِ الوَهمِ (2) .

.


1- .لم نعثر على هذا النصّ بعينه ، وإنّما عثرنا على نصوص مقاربة له ، منها ما ورد في حلية الأولياء : ج1 ص18 : «يا عليّ ، إذا تقرّب الناس إلى خالقهم في أبواب البرّ فتقرّب بأنواع العقل ، تسبقهم بالدرجات والزلفى عند الناس في الدنيا وعند اللّه في الآخرة» وفي مشكاة الأنوار : ص439 ح1476 : «يا عليّ ، إذا تقرّب العباد إلى خالقهم بالبرّ فتقرّب إليه بالعقل تسبقهم ، إنّا معاشر الأنبياء نكلّم الناس على قدر عقولهم» .
2- .معراج نامه (بالفارسيّة) : ص94 .

ص: 56

9 / 5 أبو الفرج الإصفهانيّ

9 / 6 أبو قيس الأوديّ

9 / 5أبُو الفَرَجِ الأَصفَهانِيُّ (1)طمن : عن الحسين بن عليّ عليهماالسلام :مقاتل الطالبيّين :قَد أتَينا عَلى صَدرٍ مِن أخبارِهِ فيهِ مَقنَعٌ ، وفَضائِلُهُ عليه السلام أكثَرُ مِن أن تُحصى ، وَالقَليلُ مِنها لا مَوقِعَ لَهُ في مِثلِ هذَا الكِتابِ ، وَالإِكثارُ يُخرِجُنا عَمّا شَرَطناهُ مِنَ الاِختِصارِ . وإنَّما نُنَبِّهُ عَلى مَن خَمَلَ عِندَ بَعضِ النّاسِ ذِكرُهُ ، أو لَم يَشِع فيهِم فَضلُهُ .

فَأَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بِإِجماعِ المُخالِفِ وَالمُمالي (2) وَالمُضادِّ وَالمُوالي ، عَلى ما لايُمكِنُ غَمطُهُ ولا يَنساغُ سَترُهُ مِن فَضائِلِهِ المَشهورَةِ فِي العامَّةِ لَا المَكتوبَةِ عِندَ الخاصَّةِ ، تُغني عَن تَفضيلِهِ بِقَولٍ وَالِاستِشهادِ عَلَيهِ بِرِوايَةٍ (3) .9 / 6أبو قَيسٍ الأَودِىُّ (4)* ومنه في زيارة عاشوراء :الاستيعاب عن أبي قيس الأودي :أدرَكتُ النّاسَ وهُم ثَلاثُ طَبَقاتٍ : أهلُ دينٍ ؛ يُحِبّونَ عَلِيّا ، وأهلُ دُنيا ، يُحِبّونَ مُعاوِيَةَ ، وخَوارِجُ (5) .

.


1- .أبو الفرج عليّ بن الحسين بن محمّد القرشي الاُموي الأصبهاني الكاتب : مصنّف كتاب «الأغاني» ، وله تصانيف عديدة منها «مقاتل الطالبيّين» وكتاب «أيّام العرب» في خمسة أسفار و«الأخبار والنوادر» و«جمهرة أنساب العرب» و«مجموع الأخبار والآثار» و«الغنم» و . . . قيل : والعجب أنّه اُمويّ شيعيّ . ولد في سنة (284 ه ) ومات في ذي الحجّة سنة (356 ه ) وله اثنتان وسبعون سنة (راجع سير أعلام النبلاء : ج16 ص201 الرقم140 ومقاتل الطالبيّين : ص5) .
2- .مالَأته: عاونته وصرت من مَلَئِهِ؛ أي: جَمْعه نحو: شايَعته. أي : صرت من شيعته (مفردات ألفاظ القرآن : ص776).
3- .مقاتل الطالبيّين : ص42 .
4- .عبد الرحمن بن ثروان ، أبو قيس الأودي الكوفي : ذكره ابن حبّان في الثقات . وقال ابن أبي عاصم : مات سنة عشرين ومئة (راجع تهذيب التهذيب : ج3 ص329 الرقم4453) .
5- .الاستيعاب : ج3 ص213 الرقم1875 .

ص: 57

9 / 7 أبو نعيم الإصفهانيّ

9 / 8 أحمد بن حنبل

9 / 7أبو نَعيمٍ الأَصفَهانِيُّ (1)* وعنه عليه السلام :حلية الأولياء :سَيِّدُ القَومِ ، مُحِبُّ المَشهودِ ، ومَحبوبُ المَعبودِ ، بابُ مَدينَةِ العِلمِ وَالعُلومِ ، ورَأسُ المُخاطَباتِ ومُستَنبِطُ الإِشاراتِ ، رايَةُ المُهتَدينَ ، ونورُ المُطيعينَ ، ووَلِيُّ المُتَّقينَ ، وإمامُ العادِلينَ ، أقدَمُهُم إجابَةً وإيمانا ، وأقوَمُهُم قَضِيَّةً وإيقانا ، وأعظَمُهُم حِلما ، وأوفَرُهُم عِلما ، عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ .

قُدوَةُ المُتَّقينَ وَزينَةُ العارِفينَ ، المُنبِئُ عَن حَقائِقِ التَّوحيدِ ، المُشيرُ إلى لَوامِعِ عِلمِ التَّفريدِ ، صاحِبُ القَلبِ العَقولِ ، وَاللِّسانِ السَّؤولِ ، وَالاُذنِ الواعي ، وَالعَهدِ الوافي ، فَقّاءُ عُيونِ الفِتَنِ ، ووَقِيٌّ مِن فُنونِ المِحَنِ ، فَدَفَعَ النّاكِثينَ ، ووَضَعَ القاسِطينَ ، ودَمَغَ المارِقينَ ، الاُخَيشِنُ في دينِ اللّهِ ، المَمسوسُ في ذاتِ اللّهِ (2) .9 / 8أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ (3)* وعن أبي عبداللّه عليه السلام في فتح مكّة :تاريخ دمشق عن أحمد بن سعيد الرباطي :سَمِعتُ أحمَدَ بنَ حَنبَلٍ يَقولُ : لَم يَزَل عَلِيُّ بن

.


1- .أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن إسحاق بن موسى ، أبو نعيم المهراني الأصبهاني الصوفي : صاحب «الحلية» . ولد سنة (336 ه ) ومات سنة (430 ه ) وله أربع وتسعون سنة . ومصنّفاته كثيرة جدّا ، منها : «معجم» شيوخه وكتاب «الحلية» و«المستخرج على الصحيحين» و«تاريخ أصبهان» و«صفة الجنّة» وكتاب «دلائل النبوّة» وكتاب «فضائل الصحابة» وكتاب «علوم الحديث» وكتاب «النفاق» . . . (راجع سير أعلام النبلاء : ج17 ص453 الرقم 305) .
2- .حلية الأولياء : ج1 ص61 .
3- .أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبل الذهلي الشيباني : إمام المذهب الحنبلي ، ولد في سنة (164 ه ) ومات في سنة (241 ه ). عدّة شيوخه الذين روى عنهم في المسند مئتان وثمانون ونيّف. وله مصنّفات منها : «المسند» ، «الفضائل» ، «الزهد» ، «العلل» ، «التفسير» ، «الإيمان» ، «الأشربة» ، «السنّة» و . . . (راجع سير أعلام النبلاء : ج11 ص177 الرقم78 ومسند ابن حنبل : ج1 ص5 وفضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص25) .

ص: 58

* وعن أبي عبداللّه عليه السلام في فتح مكّة :أبي طالِبٍ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَهُ حَيثُ كانَ (1) .* ومنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله :تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل :كُنتُ بَينَ يَدَي أبي جالِسا ذاتَ يَومٍ ، فَجاءَت طائِفَةٌ مِنَ الكَرخِيّينَ فَذَكَروا خِلافَةَ أبي بَكرٍ وخِلافَةَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ وخِلافَةَ عُثمانَ بنِ عَفّانَ فَأَكثَروا ، وذَكَروا خِلافَةَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وزادوا فَأَطالوا ، فَرَفَعَ أبي رَأسَهُ إلَيهِم فَقالَ :

يا هؤُلاءِ ! قَد أكثَرتُم في عَلِيٍّ وَالخِلافَةِ ، وَالخِلافَةِ وعَلِيٍّ ، إنَّ الخِلافَةَ لَم تُزَيِّن عَلِيّا بَل عَلِيٌّ زَيَّنَها (2) .طمس : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الصواعق المحرقة عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل :سَأَلتُ أبي عنَ عَلِيٍّ ومُعاوِيَةَ فَقالَ : اِعلَم أنَّ عَلِيّا كانَ كَثيرَ الأَعداءِ ، فَفَتَّشَ لَهُ أعداؤُهُ شَيئا فَلَم يَجِدوهُ ، فَجاؤوا إلى رَجُلٍ قَد حارَبَهُ وقاتَلَهُ ، فَأَطرَوهُ (3) كَيدا مِنهُم لَهُ (4) .* ومنه في حديث آخر عنه عليه السلام :المستدرك على الصحيحين عن محمّد بن منصور الطوسي :سَمِعتُ أحمَدَ بنَ حَنبَلٍ يَقولُ : ما جاءَ لِأَحَدٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ الفَضائِلِ ما جاءَ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه (5) .* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :شواهد التنزيل عن حمدان الورّاق :سَمِعتُ أحمَدَ بنَ حَنبَلٍ يَقولُ : ما رُوِيَ لِأحَدٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ الفَضائِلِ الصِّحاحِ ما رُوِيَ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (6) .* وفي زيارة موسى بن جعفر عليهماالسلام :فتح الباري :قَد رُوّينا عَنِ الإِمامِ أحمَدَ قالَ : ما بَلَغَنا عَن أحَدٍ مِنَ الصَّحابَةِ ما بَلَغَنا عَن .


1- .تاريخ دمشق : ج42 ص419 .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص446 . راجع : ج2 ص345 (خطاب طائفة من أصحابه بعد البيعة) .
3- .أطرى فلانٌ فلانا : إذا مدحه بما ليس فيه (لسان العرب : ج15 ص6) .
4- .الصواعق المحرقة : ص127 .
5- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص116 ح4572 ، تاريخ دمشق : ج42 ص418 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص441 وليس فيه «من الفضائل» ، شواهد التنزيل : ج1 ص27 ح8 وزاد فيه «أكثر من» بعد «الفضائل» ، الصواعق المحرقة : ص120 وليس فيه «من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله » .
6- .شواهد التنزيل : ج1 ص27 الرقم9 ، تهذيب التهذيب : ج4 ص204 الرقم5561 نحوه .

ص: 59

9 / 9 الأعمش

* وفي زيارة موسى بن جعفر عليهماالسلام :عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (1) .كشف الغمّة :نَقَلتُ مِن كِتابِ اليَواقيتِ لِأَبي عُمَرَ الزّاهِدِ قالَ : أخبَرَني بَعضُ الثِّقاتِ عَن رِجالِهِ قالوا : دَخَلَ أحمَدُ بنُ حَنبَلَ إلَى الكوفَةِ وكانَ فيها رَجُلٌ يُظهِرُ الإِمامَةَ . . . ، فَقالَ لَهُ الشَّيخُ : يا أبا عَبدِ اللّهِ لي إلَيكَ حاجَةٌ ، قالَ لَهُ أحمَدُ : مَقضِيَّةٌ ، قالَ : لَيسَ اُحِبُّ أن تَخرُجَ مِن عِندي حَتّى اُعلِمَكَ مَذهَبي ، فَقالَ أحمَدُ : هاتِهِ ، فَقالَ لَهُ الشَّيخُ : إنّي أعتَقِدُ أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ كانَ خَيرَ النّاسِ بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وإنّي أقولُ إنَّهُ كانَ خَيرَهُم ، وإنَّهُ كانَ أفضَلَهُم وأعلَمَهُم ، وإنَّهُ كانَ الإِمامَ بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله . قالَ : فَما تَمَّ كَلامُهُ حَتّى أجابَهُ أحمَدُ فَقالَ : يا هذا ! وما عَلَيكَ في هذَا القَولِ ؟ قَد تَقَدَّمَكَ في هذَا القَولِ أربَعَةٌ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : جابِرٌ وأبو ذَرٍّ وَالمِقدادُ وسَلمانُ ، فَكادَ الشَّيخُ يَطيرُ فَرَحا بِقَولِ أحمَدَ (2) .

9 / 9الأَعمَشُ 3المناقب لابن المغازلي عن الأعمش :وَجَّهَ إلَيَّ المَنصورُ ، فَقُلتُ لِلرَّسولِ : لِما يُريدُني أميرُ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : لا أعلَمُ ، فَقُلتُ : أبلِغهُ أنّي آتيهِ . ثُمَّ تَفَكَّرتُ في نَفسي فَقُلتُ :

.


1- .فتح الباري : ج7 ص74 .
2- .كشف الغمّة : ج1 ص160 .

ص: 60

ما دَعاني في هذَا الوَقتِ لِخَيرٍ ، ولكِن عَسى أن يَسأَلَني عَن فَضائِلِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ فَإِن أخبَرتُهُ قَتَلَني ! قالَ : فَتَطَهَّرتُ ولَبِستُ أكفاني وتَحَنَّطتُ ثُمَّ كَتَبتُ وَصِيَّتي ثُمَّ صِرتُ إلَيهِ ، فَوَجَدتُ عِندَهُ عَمرَو بنَ عُبَيدٍ ، فَحَمِدتُ اللّهَ تَعالى عَلى ذلِكَ وقُلتُ : وَجَدتُ عِندَهُ عَونَ صِدقٍ مِن أهلِ النُّصرَةِ ، فَقالَ لي : اُدنُ يا سُلَيمانُ ! فَدَنَوتُ . فَلَمّا قَرُبتُ مِنهُ أقبَلتُ عَلى عَمرِو بنِ عُبَيدٍ اُسائِلُهُ ، وفاحَ مِنّي ريحُ الحَنوطِ ، فَقالَ : يا سُلَيمانُ ما هذِهِ الرّائِحَةُ ؟ وَاللّهِ لَتَصدُقَنّي وإلّا قَتَلتُكَ ! فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أتاني رَسولُكَ في جَوفِ اللَّيلِ ، فَقُلتُ في نَفسي : ما بَعَثَ إلَيَّ أميرُ المُؤمِنينَ في هذِهِ السّاعَةِ إلّا لِيَسأَلَني عَن فَضائِلِ عَلِيٍّ ؛ فَإِن أخبَرتُهُ قَتَلَني ، فَكَتَبتُ وَصِيَّتي ولَبِستُ كَفَني وتَحَنَّطتُ ! فَاستَوى جالِساً وهُوَ يَقولُ : لا حولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ . ثُمَّ قالَ : أ تَدري يا سُلَيمانُ مَا اسمي ؟ قُلتُ : نَعَم يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قالَ : مَا اسمي ؟ قُلتُ : عَبدُ اللّهِ الطَّويلُ ابنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، قالَ : صَدَقتَ ، فَأَخبِرني بِاللّهِ وبِقَرابَتي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَم رَوَيتَ في عَلِيٍّ مِن فَضيلَةٍ مِن جَميعِ الفُقَهاءِ وكَم يَكونُ ؟ قُلتُ : يَسيرٌ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قالَ : عَلى ذاكَ ، قُلتُ : عَشَرَةُ آلافِ حَديثٍ ومازادَ . قالَ : فَقالَ : يا سُلَيمانُ لَاُحَدِّثَنَّكَ في فَضائِلِ عَلِيٍّ عليه السلام حَديثَينِ يَأكُلانِ كُلَّ حَديثٍ رَوَيتَهُ عَن جَميعِ الفُقَهاءِ ، فَإِن حَلَفتَ لي أن لا تَروِيَهُما لِأَحَدٍ مِنَ الشّيعَةِ حَدَّثتُكَ بِهِما ، فَقُلتُ : لا أحلِفُ ولا اُخبِرُ بِهِما أحَداً مِنهُم . . . . ثُمَّ قالَ : يا سُلَيمانُ سَمِعتَ في فَضائِلِ عَلِيٍّ عليه السلام أعجَبَ مِن هذَينِ الحَديثَينِ ؟ يا سُلَيمانُ : «حُبُّ عَلِيٍّ إيمانٌ ، وبُغضُهُ نِفاقٌ» ، «لا يُحِبُّ عَلِيّاً إلّا مُؤمِنٌ ، ولا يُبِغضُهُ إلّا كافِرٌ» ؟ قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! الأَمانَ ؟ قالَ : لَكَ الأَمانُ .

.

ص: 61

قالَ : قُلتُ : فمَا تَقولُ يا أميرَ المُؤمِنينَ فيمَن قَتَلَ هؤُلاءِ ؟ قالَ : فِي النّارِ لا أشُكُّ . فَقُلتُ : فَما تَقولُ فيمَن قَتَلَ أولادَهُم وأولادَ أولادِهِم ؟ قالَ : فنََكَّسَ رَأسَهُ ثُمَّ قالَ : يا سُلَيمانُ ، المُلكُ عَقيمٌ ! ولكِن حَدِّث عَن فَضائِلِ عَلِيٍّ بِما شِئتَ . قالَ : فَقُلتُ : فَمَن قَتَلَ وَلَدَهُ فَهُوَ فِي النّارِ ! قالَ عَمرُو بنُ عُبَيدٍ : صَدَقتَ يا سُلَيمانُ ، الوَيلُ لِمَن قَتَلَ وَلَدَهُ ! فَقالَ المَنصورُ : يا عَمرُو ، أشهَدُ عَلَيهِ أنَّهُ فِي النّارِ . فَقالَ عَمرٌو : وأخبَرَنِي الشَّيخُ الصِّدقُ _ يَعنِي الحَسَنَ _ عَن أنَسٍ : «أنَّ مَن قَتَلَ أولادَ عَلِيٍّ لا يَشُمُّ رائِحَةَ الجَنَّةِ» ، قالَ : فَوَجَدتُ أبا جَعفَرٍ وقَد حَمُضَ وَجهُهُ . قالَ : وخَرَجنا فَقالَ أبو جَعفَرٍ : لَو لا مَكانُ عَمرٍو ما خَرَجَ سُلَيمانُ إلّا مَقتولاً (1) .

المعرفة والتاريخ عن الحسن بن الربيع :قالَ أبو مُعاوِيَةَ (2) : قُلنا لِلأَعمَشِ : لا تُحَدِّث بِهذِهِ الأَحاديثِ ! قالَ : يَسأَلونّي ، فَما أصنَعُ ؟ رُبَّما سَهَوتُ ! فَإِذا سَأَلوني عَن شَيءٍ مِن هذا فَسَهَوتُ فَذَكِّروني . قالَ : فَكُنّا يَوماً عِندَهُ فَجاءَ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَن حَديثِ «أنَا قَسيمُ النّارِ» . قالَ : فَتَنَحنَحتُ ! قالَ : فَقالَ الأَعمَشُ : هؤُلاءِ المُرجِئَةُ لا يَدعونّي اُحَدِّثُ بِفَضائِلِ عَلِيٍّ ، أخرِجوهُم مِنَ المَسجِدِ حَتّى اُحَدِّثَكُم (3) .

مناقب عليّ بن أبي طالب للكلابي عن شريك بن عبد اللّه :كُنتُ عِندَ الأَعمَشِ _ وهُوَ عَليلٌ _

.


1- .المناقب لابن المغازلي : ص144 و155 ح188 ؛ الفضائل لابن شاذان : ص99 نحوه وراجع المناقب للخوارزمي : ص285 ح279 والأمالي للصدوق : ص521 ح709 وبشارة المصطفى : ص172 و ص114 وروضة الواعظين : ص135 والمناقب للكوفي : ج2 ص589 ح1100 .
2- .هو محمّد بن خازم الضرير ، وكان رئيس المرجئة بالكوفة (تهذيب الكمال : ج25 ص123 الرقم5173) .
3- .المعرفة والتاريخ : ج2 ص764 ، تاريخ دمشق : ج42 ص299 ، البداية والنهاية : ج7 ص356 وفيه إلى «فذكِّروني» .

ص: 62

9 / 10 الجاحظ

فَدَخَلَ عَلَيهِ أبو حَنيفَةَ وَابنُ شُبرُمَةَ وَابنُ أبي لَيلى فَقالوا : يا أبا مُحَمَّدٍ ، إنَّكَ في آخِرِ أيّامِ الدُّنيا ، وأوَّلِ أيّامِ الآخِرَةِ ، وقَد كُنتَ تُحَدِّثُ في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ بِأَحاديثَ ، فَتُب إلَى اللّهِ مِنها ! قالَ : أسنِدوني أسنِدوني ؛ فَاُسنِدَ ، فَقالَ : حَدَّثَنا أبُو المُتَوَكِّلِ النّاجي عَن أبي سَعيدٍ الخُدرِيِّ ، قالَ : قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ قالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى لي ولِعَلِيٍّ : ألقِيا فِي النّارِ مَن أبغَضَكُما ، وأدخِلا فِي الجَنَّةِ مَن أحَبَّكُما ، فَذلِكَ قَولُهُ تَعالى : «أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ» (1) » . قالَ : فَقالَ أبو حَنيفَةَ لِلقَومِ : قوموا لايَجيءُ بِشَيءٍ أشَدَّ مِن هذا (2) .

9 / 10الجاحِظُ (3)رسائل الجاحظ :لا نَعلَمُ فِي الأَرضِ مَتى ذُكِرَ السَّبقُ فِي الإِسلامِ وَالتَّقَدُّمُ فيهِ ، ومَتى ذُكِرَ الفِقهُ فِي الدّينِ ، ومَتى ذُكِرَ الزُّهدُ فِي الأَموالِ الَّتي تَشاجَرَ النّاسُ عَلَيها ، ومَتى ذُكِرَ الإِعطاءُ فِيالماعونِ ، كانَ مَذكورا في هذِهِ الحالاتِ كُلِّها ، إلّا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ (4) .

راجع : ج 4 ص 529 (التقدم على الأقران).

.


1- .ق : 24 .
2- .مناقب عليّ بن أبي طالب للكلابي : ص427 ح3 ، شواهد التنزيل : ج2 ص262 ح895 ، مناقب أبي حنيفة : ج2 ص287 ؛ بشارة المصطفى : ص49 كلاهما نحوه وراجع الأمالي للطوسي : ص628 ح1294 والمناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص157 .
3- .أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظ البصري : أحد شيوخ المعتزلة . والجاحظيّة فرقة من المعتزلة وهم أصحاب الجاحظ ، مات في سنة (255 ه ) . تصانيفه كثيرة ، منها : «البلدان» ، «المعلّمين» ، «البيان والتبيين» (سير أعلام النبلاء : ج11 ص526 الرقم149) .
4- .رسائل الجاحظ : ج4 ص125 .

ص: 63

9 / 11 الحسن البصريّ

9 / 11الحَسَنُ البَصرِيُّ (1)شرح نهج البلاغة :رَوى أبانُ بنُ عَيّاشٍ : سَأَلتُ الحَسَنَ البَصرِيَّ عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ : ما أقولُ فيهِ ؟ ! كانَت لَهُ السّابِقَةُ ، وَالفَضلُ ، وَالعِلمُ ، وَالحِكمَةُ ، وَالفِقهُ ، وَالرَّأيُ ، وَالصُّحبَةُ ، وَالنَّجدَةُ ، وَالبَلاءُ ، وَالزُّهدُ ، وَالقَضاءُ ، وَالقَرابَةُ ، إنَّ عَلِيّا كانَ في أمرِهِ عَلِيّا ، رَحِمَ اللّهُ عَلِيّا ، وصَلّى عَلَيهِ . فَقُلتُ : يا أبا سَعيدٍ ! أ تَقولُ : صَلّى عَلَيهِ ، لِغَيرِ النَّبِيِّ ؟ ! فَقالَ : تَرَحَّم عَلَى المُسلِمينَ إذا ذُكِروا ، وصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ وآلِهِ ، وعَلِيٌّ خَيرُ آلِهِ . فَقُلتُ : أ هُوَ خَيرٌ مِن حَمزَةَ وجَعفَرٍ ؟ قالَ : نَعَم ، قُلتُ : وخَيرٌ مِن فاطِمَةَ وَابنَيها ؟ قالَ : نَعَم ، وَاللّهِ إنَّهُ خَيرُ آلِ مُحَمَّدٍ كُلِّهِم ، ومَن يَشُكُّ أنَّهُ خَيرٌ مِنهُم وقَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «وأبوهُما خَيرٌ مِنهُما» ؟ ولَم يَجرِ عَلَيهِ اسمُ شِركٍ ، ولا شُربُ خَمرٍ ، وقَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِفاطِمَةَ عليهاالسلام : «زَوَّجتُكِ خَيرَ اُمَّتي» فَلَو كانَ في اُمَّتِهِ خَيرٌ مِنهُ لَاستَثناهُ . ولَقَد آخى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ أصحابِهِ ، فَآخى بَينَ عَلِيٍّ ونَفسِهِ ، فَرَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله خَيرُ النّاسِ نَفسا ، وخَيرُهُم أخا . فَقُلتُ : يا أبا سَعيدٍ ، فَما هذَا الَّذي يُقالُ عَنكَ إنَّكَ قُلتَهُ في عَلِيٍّ ؟ فَقالَ : يَابنَ أخي ، أحقِنُ دَمي مِن هؤُلاءِ الجَبابِرَةِ ، ولَولا ذلِكَ لَشالَت بِي الخُشُبُ (2) .

.


1- .الحسن بن أبي الحسن يسار البصري ، أبو سعيد مولى الأنصار : ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر ، وتوفّي سنة (110 ه ) ، روى عن كثير وروي عنه الكثير ، وهو من أشهر التابعين في الفقه والحديث (راجع تهذيب التهذيب : ج1 ص541 الرقم1450 والطبقات الكبرى : ج7 ص156) .
2- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص96 .

ص: 64

الاستيعاب :سُئِلَ الحَسَنُ بنُ أبِي الحَسَنِ البَصرِيُّ عَن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ، فَقالَ : كانَ عَلِيٌّ وَاللّهِ سَهما صائِبا مِن مَرامِي اللّهِ عَلى عَدُوِّهِ ، ورَبّانِيَّ هذِهِ الاُمَّةِ ، وذا فَضلِها وذا سابقَتِها ، وذا قَرابَتِها مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، لَم يَكُن بِالنُّوَمَةِ عَن أمرِ اللّهِ ، ولا بِالمَلومَةِ في دينِ اللّهِ ، ولا بِالسَّروقَةِ لِمالِ اللّهِ ، أعطَى القُرآنَ عَزائِمَهُ فَفازَ مِنهُ بِرِياضٍ مونِقَةٍ ، ذلِكَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه (1) .

شرح نهج البلاغة :رَوَى الواقِدِيُّ قالَ : سُئِلَ الحَسَنُ [البَصرِيُّ] عَن عَلِيٍّ عليه السلام وكانَ يُظَنُّ بِهِ الِانحِرافُ عَنهُ ، ولَم يَكُن كَما يُظَنُّ فَقالَ : ما أقولُ فيمَن جَمَعَ الخِصالَ الأَربَعَ : اِئتِمانَهُ عَلى بَراءَةٍ (2) ، وما قالَ لَهُ الرَّسولُ صلى الله عليه و آله في غَزاةِ تَبوكَ ، فَلَو كانَ غَيرَ النُّبُوَّةِ شَيءٌ يَفوتُهُ لَاستَثناهُ ، وقَولَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : الثَّقَلانِ كِتابُ اللّهِ وعِترَتي ، وإنَّهُ لَم يُؤَمَّر عَلَيهِ أميرٌ قَطُّ وقَد اُمِّرَتِ الاُمَراءُ عَلى غَيرِهِ (3) .

الأمالي للصدوق عن سعد عن الحسن البصري :إنَّهُ بَلَغَهُ أنَّ زاعِما يَزعُمُ أنَّهُ يَنتَقِصُ عَلِيّا عليه السلام فَقامَ في أصحابِهِ يَوما فَقالَ : لَقَد هَمَمتُ أن اُغلِقَ بابي ، ثُمَّ لا أخرُجَ مِن بَيتي حَتّى يَأتِيَني أجَلي ، بَلَغَني أنَّ زاعِما مِنكُم يَزعُمُ أنّي أنتَقِصُ خَيرَ النّاسِ بَعدَ نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله ، وأنيسَهُ وجَليسَهُ ، وَالمُفَرِّجَ لِلكَربِ عَنهُ عِندَ الزَّلازِلِ ، وَالقاتِلَ لِلأَقرانِ يَومَ التَّنازُلِ ، لَقَد فارَقَكُم رَجُلٌ قَرَأَ القُرآنَ فَوَقَّرَهُ ، وأخَذَ العِلمَ فَوَفَّرَهُ ، وحازَ البَأسَ فَاستَعمَلَهُ في طاعَةِ رَبِّهِ ، صابِرا عَلى مَضَضِ الحَربِ ، شاكِرا عِندَ اللَأواءِ وَالكَربِ ، فَعَمِلَ بِكِتابِ رَبِّهِ ، ونَصَحَ لِنَبِيِّهِ وَابنِ عَمِّهِ وأخيهِ . آخاهُ دونَ أصحابِهِ ، وجَعَلَ عِندَهُ سِرَّهُ ، وجاهَدَ عَنهُ صَغيرا ، وقاتَلَ مَعَهُ كَبيرا ،

.


1- .الاستيعاب : ج3 ص210 ح1875 ، العقد الفريد : ج3 ص313 نحوه ، الرياض النضرة : ج3 ص187 ، شرح نهج البلاغة : ج4 ص95 وراجع حلية الأولياء : ج1 ص84 والأخبار الموفّقيّات : ص192 ح104 ومقتل أمير المؤمنين : ص109 ح102 .
2- .هكذا في المصدر ، والصحيح : «البراءة» .
3- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص95 .

ص: 65

9 / 12 الخليل بن أحمد

يَقتُلُ الأَقرانَ ، ويُنازِلَ الفُرسانَ دونَ دينِ اللّهِ حَتّى وَضَعَتِ الحَربُ أوزارَها ، مُتَمَسِّكا بِعَهدِ نَبِيِّهِ ، لا يَصُدُّهُ صادٌّ ولا يُمالي عَلَيهِ مُضادٌّ ، ثُمَّ مَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وهُوَ عَنهُ راضٍ ، أعلَمُ المُسلِمينَ عِلما ، وأفهَمُهُم فَهما ، وأقدَمُهُم فِي الإِسلامِ ، لا نَظيرَ لَهُ في مَناقِبِهِ ، ولا شَبيهَ لَهُ في ضَرائِبِهِ ، فَظَلِفَت (1) نَفسُهُ عَنِ الشَّهَواتِ ، وعَمِلَ لِلّهِ فِي الغَفَلاتِ ، وأسبَغَ الطَّهورَ فِي السَّبَراتِ ، وخَشَعَ فِي الصَّلَواتِ ، وقَطَعَ نَفسَهُ عَنِ اللَّذّاتِ مُشَمِّرا عَن ساقٍ، طَيِّبَ الأَخلاقِ ، كَريمَ الأَعراقِ ، اِتَّبَعَ سُنَنَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله وَاقتَفى آثارَ وَلِيِّهِ ، فَكَيفَ أقولُ فيهِ ما يوبِقُني وما أحَدٌ أعلَمُهُ يَجِدُ فيهِ مَقالاً ، فَكُفّوا عَنَّا الأَذى وتَجَنَّبوا طَريقَ الرَّدى (2) .

9 / 12الخَليلُ بنُ أحمَدَ (3)الأمالي للطوسي عن محمّد بن سلام الجمحي :حَدَّثَني يونُسُ بنُ حَبيبٍ النَّحوِيُّ _ وكانَ عُثمانِيّا _ قالَ : قُلتُ لِلخَليلِ بنِ أحمَدَ : اُريدُ أن أسأَلَكَ عَن مَسأَلَةٍ ، فَتَكتُمُها عَلَيَّ ؟ قالَ : إنَّ قَولَكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الجَوابَ أغلَظُ مِنَ السُّؤالِ ، فَتَكتُمُهُ أنتَ أيضا ؟ قالَ : قُلتُ : نَعَم ، أيّامَ حَياتِكَ .قالَ : سَل . قالَ : قُلتُ : ما بالُ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وآلِهِ ورَحِمِهِم كَأَنَّهُم كُلَّهُم

.


1- .ظَلِفَتْ نفسي عن كذا : أي كفّت (لسان العرب : ج9 ص231) .
2- .الأمالي للصدوق : ص519 ح708 .
3- .أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري : أحد الأعلام ، أخذ عنه سيبويه النحو ، والنضر بن شميل و . . . وهو أوّل من استخرج العروض وحصر أشعار العرب بها . له كتاب «العين» في اللغة . وثّقه ابن حبّان . ولد سنة (100 ه ) وتوفّي سنة (175 ه ) وقيل : سنة نيّف وستّين ومائة (راجع سير أعلام النبلاء : ج7 ص429 الرقم161 وتهذيب الكمال : ج8 ص330 الرقم1725 وتهذيب التهذيب : ج2 ص101 الرقم2065) .

ص: 66

بَنو اُمٍّ واحِدَةٍ وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام مِن بَينِهِم كَأَنَّهُ ابنُ عَلَّةٍ (1) ؟ قالَ مِن أينَ لَكَ هذَا السُّؤالُ ؟ قالَ : قُلتُ : قَد وَعَدتَنِي الجَوابَ . قالَ : وقَد ضَمِنتَ الكِتمانَ قالَ : قُلتُ : أيّامَ حَياتِكَ ، فَقالَ : إنَّ عَلِيّا عليه السلام تَقَدَّمَهُم إسلاما ، وفاقَهُم عِلما ، وبَذَّهُم (2) شَرَفا ، ورَجَحَهُم زُهدا ، وطالَهُم جِهادا ، فَحَسَدوهُ ، وَالنّاسُ إلى أشكالِهِم وأشباهِهِم أميَلُ مِنهُم إلى مَن بانَ مِنهُم ، فَافهَم (3) .

علل الشرائع عن أبي زيد النحوي الأنصاري :سَأَلتُ الخَليلَ بنَ أحمَدَ العَروضِيَّ ، فَقُلتُ لَهُ : لِمَ هَجَرَ النّاسُ عَلِيّا عليه السلام وقُرباهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قُرباهُ ، ومَوضِعُهُ مِنَ المُسلِمينَ مَوضِعُهُ ، وعَناهُ فِي الإِسلامِ عَناهُ ؟ فَقالَ : بَهَرَ وَاللّهِ نورُهُ أنوارَهُم ، وغَلَبَهُم عَلى صَفوِ كُلِّ مَنهَلٍ ، وَالنّاسُ إلى أشكالِهِم أميَلُ ، أما سَمِعتَ قَولَ الأَوَّلِ يَقولُ : وكُلُّ شَكلٍ لِشَكلِهِ ألِفٌ أما تَرَى الفيلَ يَألَفُ الفيلا (4)

تنقيح المقال_ في تَرجَمَةِ الخَليلِ بنِ أحمَدَ _: قيلَ لَهُ : مَا الدَّليلُ عَلى أنَّ عَلِيّا عليه السلام إمامُ الكُلِّ فِي الكُلِّ ؟ قالَ : اِحتِياجُ الكُلِّ إلَيهِ وَاستِغناؤُهُ عَنِ الكُلِّ (5) .

تنقيح المقال_ في تَرجَمَةِ الخَليلِ بنِ أحمَدَ _: قيلَ لَهُ : ما تَقولُ في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؟ فَقالَ : ما أقولُ في حَقِّ امرِئٍ كَتَمَت مَناقِبَهُ أولِياؤُهُ خَوفا ، وأعداؤُه

.


1- .العلّة : الضرّة ، وبنو العلّات : بنو رجل واحد من اُمّهات شتّى (لسان العرب : ج11 ص470) .
2- .بذّه : علاه وفاقه (لسان العرب : ج3 ص477) .
3- .الأمالي للطوسي : ص608 ح1256 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص76 ، كشف الغمّة : ج2 ص37 وليس فيه «فحسدوه» ، تنقيح المقال : ج1 ص403 ح3769 .
4- .علل الشرائع : ص145 ح1 ، الأمالي للصدوق : ص300 ح341 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص213 ، روضة الواعظين : ص130 ، تنقيح المقال : ج1 ص403 ح3769 .
5- .تنقيح المقال : ج1 ص403 ح3769 .

ص: 67

9 / 13 سفيان الثّوريّ

9 / 14 الشّافعيّ

حَسَدا ، ثُمَّ ظَهَرَ مِن بَينِ الكَتمَينِ ما مَلَأَ الخافِقَينِ (1) .

9 / 13سُفيانُ الثَّورِيُّ (2)المناقب لابن شهر آشوب عن سفيان الثوري :كانَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام كَالجَبَلِ بَينَ المُسلِمينَ وَالمُشرِكينَ ؛ أعَزَّ اللّهُ بِهِ المُسلِمينَ ، وأذَلَّ بِهِ المُشرِكينَ (3) .

حلية الأولياء عن عطاء بن مسلم :سَمِعتُ سُفيانَ يَقولُ : ما حاجَّ عَلِيٌّ أحَدا إلّا حَجَّهُ (4) .

9 / 14الشّافِعِيُّ (5)الصواعق المحرقة :قالَ [الشّافِعِيُّ] : قالوا تَرَفَّضتَ قُلتُ كَلّا مَا الرَّفضُ ديني ولَا اعتِقادي لكِن تَوَلَّيتُ غَيرَ شَكِّ خَيرَ إمامٍ وخَيرَ هادي إن كانَ حُبُّ الوَلِيِّ رَفضا فَإِنَّني أرفَضُ العِبادِ

.


1- .تنقيح المقال : ج1 ص403 ح3769 ، الرواشح السماويّة : ص203 .
2- .سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري : ولد سنة (97 ه ) في خلافة سليمان بن عبد الملك ، ومات بالبصرة سنة (161 ه ) في خلافة المهدي . قال ابن عيينة : أصحاب الحديث ثلاثة : ابن عبّاس في زمانه ، والشعبي في زمانه ، والثوري في زمانه (راجع سير أعلام النبلاء : ج7 ص229 الرقم82 والطبقات الكبرى : ج6 ص371 وتهذيب التهذيب : ج2 ص356 الرقم2866) .
3- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص68 .
4- .حلية الأولياء : ج7 ص34 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص45 .
5- .محمّد بن إدريس بن العبّاس بن عثمان بن شافع ؛ إمام المذهب الشافعي : ولد بغزّة سنة (150 ه ) ووفاته في سنة (204 ه ) . قال أحمد بن حنبل : الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء : في اللغة ، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه (راجع سير أعلام النبلاء: ج10 ص5 و ص10 و ص81 وتهذيب الكمال: ج24 ص376 الرقم5049) .

ص: 68

9 / 15 الشّعبيّ

وقالَ أيضا : يا راكِبا قِف بِالمُحَصَّبِ مِن مِنى وَاهتِف بِساكِنِ خَيفِها وَالنّاهِضِ سَحَرا إذا فاضَ الحَجيجُ إلى مِنى فَيضا كَمُلتَطِمِ الفُراتِ الفائِضِ إن كانَ رَفضا حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ فَليَشهَدِ الثَّقَلانِ أنّي رَافِضِيٌّ (1)

9 / 15الشَّعبِيُّ (2)المناقب للخوارزمي عن الشعبي :ما نَدري ما نَصنَعُ بِعَلِيٍّ إن أحبَبناهُ افتَقَرنا ، وإن أبغَضناهُ كَفَرنا! (3)

الإرشاد :قَد شاعَ الخَبَرُ وَاستَفاضَ عَنِ الشَّعبِيِّ أنَّهُ كانَ يَقولُ : لَقَد كُنتُ أسمَعُ خُطَباءَ بَني اُمَيَّةَ يَسُبّونَ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام عَلى مَنابِرِهِم فَكَأَنَّما يُشالُ بِضَبعِهِ إلَى السَّماءِ ، وكُنتُ أسمَعُهُم يَمدَحونَ أسلافَهُم عَلى مَنابِرِهِم فَكَأَنَّما يَكشِفونَ عَن جيفَةٍ (4) .

شرح نهج البلاغة :قالَ الشَّعبِيُّ _ وقَد ذَكَرَهُ عليه السلام _: كانَ أسخَى النّاسِ ، كانَ عَلَى الخُلُقِ الَّذي يُحِبُّهُ اللّهُ : السَّخاءِ وَالجودِ ، ما قالَ : «لا» لِسائِلٍ قَطُّ (5) .

.


1- .الصواعق المحرقة : ص133 .
2- .عامر بن شراحيل بن عبد، وقيل: عامر بن عبد اللّه بن شراحيل الشعبي الحميري، أبو عمرو الكوفي: من شعب همدان. قال منصور الغداني عن الشعبي: أدركت خمسمائة من الصحابة. قال أبوجعفر الطبري في طبقات الفقهاء : كان ذا أدب وفقه وعلم . والمشهور إنّ مولده كان لستّ سنين خلت من خلافة عمر . وفي سنة وفاته أقوال : من سنة (103 ه ) إلى سنة (110 ه ) (راجع تهذيب التهذيب : ج3 ص44 الرقم3588) .
3- .المناقب للخوارزمي : ص330 ح350 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص214 .
4- .الإرشاد : ج1 ص309 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص351 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص22 وراجع الصراط المستقيم : ج1 ص162 .

ص: 69

9 / 16 عامر بن عبد اللّه بن الزّبير

9 / 17 الفخر الرّازيّ

9 / 18 المأمون العبّاسيّ

9 / 16عامِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَيرِ (1)الاستيعاب عن عامر بن عبد اللّه بن الزبير_ لَمّا سَمِعَ ابنا لَهُ يَتَنَقَّصُ عَلِيّا _: إيّاكَ وَالعَودَةَ إلى ذلِكَ ؛ فَإِنَّ بَني مَروانَ شَتَموهُ سِتّينَ سَنَةً فَلَم يَزِدهُ اللّهُ بِذلِكَ إلّا رِفعَةً ، وإنَّ الدّينَ لَم يَبنِ شَيئا فَهَدَمَتهُ الدُّنيا ، وإنَّ الدُّنيا لَم تَبنِ شَيئا إلّا عاوَدَت عَلى ما بَنَت فَهَدَمَتهُ (2) .

9 / 17الفَخرُ الرّازِيُّ (3)تفسير الفخر الرازي :مَنِ اقتَدى في دينِهِ بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَقَدِ اهتَدى ، وَالدَّليلُ عَلَيهِ قَولُهُ عليه السلام : «اللّهُمَّ أدِرِ الحَقَّ مَعَ عَلِيٍّ حَيثُ دارَ» (4) .

راجع : ج 1 ص 499 (عليّ مع الحقّ).

9 / 18المَأمونُ العَبّاسِيُّعيون (5) أخبار الرضا عن إسحاق بن حمّاد بن زيد_ في مُجادَلَةِ المَأمونِ المُخالِفينَ في إمامَة

.


1- .عامر بن عبد اللّه بن الزبير بن العوّام الأسدي ، أبو الحارث المدني : قال العجلي : مدنيّ تابعيّ ثقة . وذكره ابن حبّان في الثقات وقال: كان عالما فاضلاً، مات سنة (121 ه ) (راجع تهذيب التهذيب: ج3 ص49 الرقم3595).
2- .الاستيعاب : ج3 ص215 الرقم1875 ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص221 وفيه «قال ابن لعامر بن عبد اللّه بن الزبير لولده» ، تنبيه الخواطر : ج2 ص296 نحوه وفيه «ثمانين عاما» بدل «ستّين سنة» . راجع: ج 7 ص 195 (عامر بن عبد اللّه بن الزبير) .
3- .فخر الدين محمّد بن عمر بن الحسين القرشي البكري الطبرستاني ، الاُصوليّ المفسّر ، كبير الأذكياء والحكماء والمصنّفين ، الفقيه الشافعي . ولد سنة (544 ه ) ، ومات بهَراة سنة (606 ه ) ، وله بضع وستّون سنة (راجع سير أعلام النبلاء : ج21 ص500 الرقم261 وتفسير الفخر الرازي : ج1 ص3) .
4- .تفسير الفخر الرازي : ج1 ص210 .
5- .المأمون الخليفة العبّاسي : ولد سنة (170 ه ) ومات سنة (218 ه ) وله ثمان وأربعون سنة . وقرأ العلم فوالأدب والأخبار والعقليّات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم (راجع سير أعلام النبلاء: ج10 ص272 الرقم72).

ص: 70

عَلِيٍّ عليه السلام وتَفضيلِهِ عَلى سائِرِ النّاسِ بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _عيون (1) أخبار الرضا عن إسحاق بن حمّاد بن زيد : سَمِعنا (2) يَحيَى بنَ أكثَمَ القاضِيَ قالَ : أمَرَنِي المَأمونُ بِإِحضارِ جَماعَةٍ مِن أهلِ الحَديثِ ، وجَماعَةٍ مِن أهلِ الكَلامِ وَالنَّظَرِ ، فَجَمَعتُ لَهُ مِنَ الصِّنفَينِ زُهاءَ أربَعينَ رَجُلاً ، ثُمَّ مَضَيتُ بِهِم ، فَأَمَرتُهُم بِالكَينونَةِ في مَجلِسِ الحاجِبِ لِاُعلِمَهُ بِمَكانِهِم ، فَفَعَلوا فَأَعلَمتُهُ ، فَأَمَرَني بِإِدخالِهِم ، فَدَخَلوا فَسَلَّموا فَحَدَّثَهُم ساعَةً وآنَسَهُم ، ثُمَّ قالَ : إنّي اُريدُ أن أجعَلَكُم بَيني وبَينَ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى في يَومي هذا حُجَّةً ؛ فَمَن كانَ حاقِناً (3) أو لَهُ حاجَةٌ فَليَقُم إلى قَضاءِ حاجَتِهِ ، وَانبَسِطوا وسُلّوا أخفافَكُم وضَعوا أردِيَتَكُم ، فَفَعَلوا ما اُمِروا بِهِ ، فَقالَ : يا أيُّهَا القَومُ! إنَّمَا استَحضَرتُكُم لِأَحتَجَّ بِكُم عِندَ اللّهِ تَعالى ، فَاتَّقُوا اللّهَ وَانظُروا لِأَنفُسِكُم وإمامِكُم ، ولا يَمنَعكُم جَلالَتي ومَكاني مِن قَولِ الحَقِّ حَيثُ كانَ ، ورَدِّ الباطِلِ على مَن أتى بِهِ ، وأشفِقوا عَلى أنفُسِكُم مِنَ النّارِ ، وتَقَرَّبوا إلَى اللّهِ تَعالى بِرِضوانِهِ ، وإيثارِ طاعَتِهِ ؛ فَما أحَدٌ تَقَرَّبَ إلى مَخلوقٍ بِمَعصِيَةِ الخالِقِ إلّا سَلَّطَهُ اللّهُ عَلَيهِ ، فَناظِروني بِجَميعِ عُقولِكُم . إنّي رَجُلٌ أزعُمُ أنَّ عَلِيّاً عليه السلام خَيرُ البَشَرِ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِن كُنتُ مُصيباً فَصَوِّبوا قَولي ، وإن كُنتُ مُخطِئاً فَرُدّوا عَلَيَّ ، وهلُمّوا ؛ فَإِن شِئتُم سَأَلتُكُم ، وإن شِئتُم سَأَلتُموني . فَقالَ لَهُ الَّذينَ يَقولونَ بِالحَديثِ : بَل نَسأَلُكَ . فَقالَ : هاتوا ، وقَلِّدوا كَلامَكُم رَجُلاً واحِدا مِنكُم ، فَإِذا تَكَلَّمَ ؛ فَإِن كانَ عِند

.


1- .المأمون الخليفة العبّاسي : ولد سنة (170 ه ) ومات سنة (218 ه ) وله ثمان وأربعون سنة . وقرأ العلم فوالأدب والأخبار والعقليّات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم (راجع سير أعلام النبلاء: ج10 ص272 الرقم72).
2- .في المصدر : «جمعنا» ، والأنسب ما أثبتناه كما في بحار الأنوار.
3- .هو الذي حبس بوله (النهاية : ج1 ص416) .

ص: 71

أحَدِكُم زِيادَةً فَليَزِد ، وإن أتى بِخَلَلٍ فَسَدِّدوهُ . فَقالَ قائِلٌ مِنهُم : إنَّما نَحنُ نَزعُمُ أنَّ خَيرَ النّاسِ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أبو بَكرٍ مِن قِبَلِ أنَّ الرِّوايَةَ المُجمَعَ عَلَيها جاءَت عَنِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ : اِقتَدوا بِاللَّذَينِ مِن بَعدي أبي بَكرٍ وعُمَرَ ، فَلَمّا أمَرَ نَبِيُّ الرَّحمَةِ بِالِاقتِداءِ بِهِما ، عَلِمنا أنَّهُ لَم يَأمُر بِالِاقتِداءِ إلّا بِخَيرِ النّاسِ . فَقالَ المَأمونُ : الرِّواياتُ كَثيرَةٌ ، ولابُدَّ مِن أن تَكونَ كُلُّها حَقّا أو كُلُّها باطِلاً ، أو بَعضُها حَقّا وبَعضُها باطِلاً ؛ فَلَو كانَت كُلُّها حَقّا كانَت كُلُّها باطِلاً ؛ مِن قِبَلِ أنَّ بَعضَها يَنقُضُ بَعضا ، ولَو كانَت كُلُّها باطِلاً كانَ في بُطلانِها بُطلانُ الدّينِ ، ودُروسُ الشَّريعَةِ ؛ فَلَمّا بَطَلَ الوَجهانِ ثَبَتَ الثّالِثُ بِالاِضطِرارِ ؛ وهُوَ أنَّ بَعضَها حَقٌّ وبَعضَها باطِلٌ ؛ فَإِذا كانَ كَذلِكَ فَلابُدَّ مِن دَليلٍ عَلى ما يَحِقُّ مِنها ؛ لِيُعتَقَدَ ، ويُنفى خِلافُهُ ، فَإِذا كانَ دَليلُ الخَبَرِ في نَفسِهِ حَقّا كانَ أولى ما أعتَقِدُهُ وآخُذُ بِهِ . ورِوايَتُكَ هذِهِ مِنَ الأَخبارِ الَّتي أدِلَّتُها باطِلَةٌ في نَفسِها ، وذلِكَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أحكَمُ الحُكَماءِ ، وأولَى الخَلقِ بِالصِّدقِ ، وأبعَدُ النّاسِ مِنَ الأَمرِ بِالمُحالِ ، وحَملِ النّاسِ عَلَى التَّدَيُّنِ بِالخِلافِ ؛ وذلِكَ أنَّ هذَينِ الرَّجُلَينِ لا يَخلُوا مِن أن يَكونا مُتَّفِقَينِ مِن كُلِّ جِهَةٍ أو مُختَلِفَينِ ؛ فَإِن كانا مُتَّفِقَينِ مِن كُلِّ جِهَةٍ كانا واحِدا فِي العَدَدِ وَالصِّفَةِ وَالصّورَةِ وَالجِسمِ ، وهذا مَعدومٌ أن يَكونَ اثنانِ بِمَعنىً واحِدٍ مِن كُلِّ جِهَةٍ ، وإن كانا مُختَلِفَينِ ، فَكَيفَ يَجوزُ الِاقتِداءُ بِهِما ؟ وهذا تَكليفُ ما لا يُطاقُ ؛ لِأَ نَّكَ إذَا اقتَدَيتَ بِواحِدٍ خالَفتَ الآخَرَ . وَالدَّليلُ عَلَى اختِلافِهِما أنَّ أبا بَكرٍ سَبى أهلَ الرِّدَّةِ ورَدَّهُم عُمَرُ أحرارا ، وأشارَ عُمَرُ إلى أبي بَكرٍ بِعَزلِ خالِدٍ وبِقَتلِهِ بِمالِكِ بنِ نُوَيرَةَ ، فَأَبى أبو بَكرٍ عَلَيهِ ، وحَرَّمَ عُمَرُ المُتعَتَينِ ولَم يَفعَل ذلِكَ أبو بَكرٍ ، ووَضَعَ عُمَرُ ديوانَ العَطِيَّةِ ولَم يَفعَلهُ أبو بَكرٍ ،

.

ص: 72

وَاستَخلَفَ أبو بَكرٍ ولَم يَفعَل ذلِكَ عُمَرُ ، ولِهذا نَظائِرُ كَثيرَةٌ . قالَ مُصَنِّفُ هذَا الكِتابِ : في هذا فَصلٌ ولَم يَذكُر[هُ] (1) المَأمونُ لِخَصمِهِ ؛ وهُوَ أنَّهُم لَم يَرووا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : اِقتَدوا بِاللَّذَينِ مِن بَعدي أبي بَكرٍ وعُمَرَ ، وإنَّما رَوَوا أبو بَكرٍ وعُمَرُ ، ومِنهُم مَن رَوى أبا بَكرٍ وعُمَرَ ، فَلَو كانَتِ الرِّوايَةُ صَحيحَةً لَكانَ مَعنى قَولِهِ بِالنَّصبِ : اِقتَدوا بِاللَّذَينِ مِن بَعدي : كِتابِ اللّهِ وَالعِترَةِ يا أبا بَكرٍ وعُمَرُ ، ومَعنى قَولِهِ بِالرَّفعِ : اِقتَدوا أيُّهَا النّاسُ وأبو بَكرٍ وعُمَرُ بِاللَّذَينِ مِن بَعدي كِتابِ اللّهِ وَالعِترَةِ . رَجَعنا إلى حَديثِ المَأمونِ : فَقالَ آخَرُ مِن أصحابِ الحَديثِ : فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : لَو كُنتُ مُتَّخِذا خَليلاً لَاتَّخَذتُ أبا بَكرٍ خَليلاً . فَقالَ المَأمونُ : هذا مُستَحيلٌ ؛ مِن قِبَلِ أنَّ رِواياتِكُم أنَّهُ صلى الله عليه و آله آخى بَينَ أصحابِهِ وأخَّرَ عَلِياً عليه السلام فَقالَ لَهُ في ذلِكَ فَقالَ : ما أخَّرتُكَ إلّا لِنَفسي . فَأَيُّ الرِّوايَتَينِ ثَبَتَت بَطَلَتِ الاُخرى . قالَ الآخَرُ : إنَّ عَلِيّا عليه السلام قالَ عَلَى المِنبَرِ : خَيرُ هذِهِ الاُمَّةِ بَعدَ نَبِيِّها أبو بَكرٍ وعُمَرُ . قالَ المَأمونُ : هذا مُستَحيلٌ ؛ مِن قِبَلِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله لَو عَلِمَ أنَّهُما أفضَلُ ما وَلّى عَلَيهِما مَرَّةً عَمرَو بنَ العاصِ ، ومَرَّةً اُسامَةَ بنَ زَيدٍ . ومِمّا يُكَذِّبُ هذِهِ الرِّوايَةَ قَولُ عَلِيٍّ عليه السلام لَمّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وأنَا أولى بِمَجلِسِهِ مِنّي بِقَميصي ، ولكِنّي أشفَقتُ أن يَرجِعَ النّاسُ كُفّارا ، وقَولُهُ عليه السلام : أنّى يَكونانِ خَيرا مِنّي وقَد عَبَدتُ اللّهَ تَعالى قَبلَهُما ، وعَبَدتُهُ بَعدَهُما ؟ قالَ آخَرٌ : فَإِنَّ أبا بَكرٍ أغلَقَ بابَهُ ، وقالَ : هَل مِن مُستَقيلٍ فَاُقيلَهُ ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : قَدَّمَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَمَن ذا يُؤَخِّرُكَ ؟

.


1- .ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق .

ص: 73

فَقالَ المَأمونُ : هذا باطِلٌ مِن قِبَلِ أنَّ عَلِيّاً عليه السلام قَعَدَ عَن بَيعَةِ أبي بَكرٍ ، ورَوَيتُم أنَّهُ قَعَدَ عَنها حَتّى قُبِضَت فاطِمَةُ عليهاالسلام ، وأنَّها أوصَت أن تُدفَنَ لَيلاً لِئَلّا يَشهَدا جِنازَتَها . ووَجهٌ آخَرُ : وهُوَ أنَّهُ إن كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله استَخلَفَهُ ، فَكَيفَ كانَ لَهُ أن يَستَقيلَ وهُوَ يَقولُ لِلأَنصارِ : قَد رَضيتُ لَكُم أحَدَ هذَينِ الرَّجُلَينِ أبا عُبَيدَةَ وعُمَرَ ؟ قالَ آخَرُ : إنَّ عَمرَو بنَ العاصِ قالَ : يا نَبِيَّ اللّهِ مَن أحَبُّ النّاسِ إلَيكَ مِنَ النِّساءِ ؟ قالَ : عائِشَةَ . فَقالَ : مِنَ الرِّجالِ ؟ فَقالَ : أبوها . فَقالَ المَأمونُ : هذا باطِلٌ مِن قِبَلِ أنَّكُم رَوَيتُم أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وُضِعَ بَينَ يَدَيهِ طائِرٌ مَشوِيٌّ فَقالَ : اللّهُمَّ ائتِني بِأَحَبِّ خَلقِكَ إلَيكَ ، فَكانَ عَلِيّا عليه السلام . فَأَيُّ رِوايَتِكُم تُقبَلُ ؟ فَقالَ آخَرُ : فَإِنَّ عَلِيّاً عليه السلام قالَ : مَن فَضَّلَني عَلى أبي بَكرٍ وعُمَرَ جَلَدتُهُ حَدَّ المُفتَري . قالَ المَأمونُ : كَيفَ يَجوزُ أن يَقولَ عَلِيٌّ عليه السلام أجلِدُ الحَدَّ عَلى مَن لا يَجِبُ حَدٌّ عَلَيهِ ، فَيَكونَ مُتَعَدِّياً لِحُدودِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ ، عامِلاً بِخِلافِ أمرِهِ ، ولَيسَ تَفضيلُ مَن فَضَّلَهُ عَلَيهِما فِريَةً ، وقَد رَوَيتُم عَن إمامِكُم أنَّهُ قالَ : وليتُكُم ولَستُ بِخَيرِكُم . فَأَيُّ الرَّجُلَينِ أصدَقُ عِندَكُم ؛ أبو بَكرٍ عَلى نَفسِهِ أو عَلِيٌّ عليه السلام على أبي بَكرٍ ؟ مَعَ تَناقُضِ الحَديثِ في نَفسِهِ ، ولابُدَّ لَهُ في قَولِهِ مِن أن يَكونَ صادِقاً أو كاذِباً ، فَإِن كانَ صادِقاً فَأَنّى عَرَفَ ذلِكَ ؟ بِوَحيٍ ؟ فَالوَحيُ مُنقَطِعٌ ، أو بِالتَّظَنّي ؟ فَالمُتَظَنّي مُتَحَيِّرٌ ، أو بِالنَّظَرِ ؟ فَالنَّظَرُ مَبحَثٌ ، وإن كانَ غَيرَ صادِقٍ ، فَمِنَ المُحالِ أن يَلِيَ أمرَ المُسلِمينَ ، ويَقومَ بِأَحكامِهِم ، ويُقيمَ حُدودَهُم كَذّابٌ . قالَ آخَرُ : فَقَد جاءَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : أبو بَكرٍ وعُمَرُ سَيِّدا كُهولِ أهلِ الجَنَّةِ . قالَ المَأمونُ : هذَا الحَديثُ مُحالٌ ؛ لِأَ نَّهُ لا يَكونُ فِي الجَنَّةِ كَهلٌ ، ويُروى أنَّ أشجَعِيَّةً كانَت عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : لا يَدخُلُ الجَنَّةَ عَجوزٌ . فَبَكَت ، فَقالَ لَهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله :

.

ص: 74

إنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ : «إِنَّ_آ أَنشَأْنَ_هُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَ_هُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا» (1) فَإِن زَعَمتُم أنَّ أبا بَكرٍ يُنشَأُ شابّا إذا دَخَلَ الجَنَّةَ ، فَقَد رَوَيتُم أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ لِلحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلام : إنَّهُما سَيِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، وأبوهُما خَيرٌ مِنهُما . قالَ آخَرٌ : فَقَد جاءَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : لَو لَم أكُن اُبعَثُ فيكُم لَبُعِثَ عُمَرُ. قالَ المَأمون : هذا مُحالٌ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ : «إِنَّ_آ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ» (2) وقالَ تَعالى : «وَ إِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَ_قَهُمْ وَ مِنكَ وَ مِن نُّوحٍ وَ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» (3) فَهَل يَجوزُ أن يَكونَ مَن لَم يُؤخَذ ميثاقُهُ عَلَى النُّبُوَّةِ مَبعوثاً ، ومَن اُخِذَ ميثاقُهُ عَلَى النُّبُوَّةِ مُؤَخَّرا ؟ ! قالَ آخَرٌ : إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله نَظَرَ إلى عُمَرَ يَومَ عَرَفَةَ فَتَبَسَّمَ فَقالَ : إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى باهى بِعِبادِهِ عامَّةً ، وبِعُمَرَ خاصَّةً . فَقالَ المَأمونُ : هذا مُستَحيلٌ ؛ مِن قِبَلِ أنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى لَم يَكُن لِيُباهِيَ بِعُمَرَ ويَدَعَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ؛ فَيَكونَ عُمَرُ فِي الخاصَّةِ ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فِي العامَّةِ ، ولَيسَت هذِهِ الرِّواياتُ بِأَعجَبَ مِن رِوايَتِكُم أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : دَخَلتُ الجَنَّةَ فَسَمِعتُ خَفَقَ نَعلَينِ ؛ فَإِذا بِلالٌ مَولى أبي بَكرٍ سَبَقَني إلَى الجَنَّةِ . وإنَّما قالَتِ الشّيعَةُ : عَلِيٌّ عليه السلام خَيرٌ مِن أبي بَكرٍ ، فَقُلتُم : عَبدُ أبي بَكرٍ خَيرٌ مِنَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ؛ لِأَنَّ السّابِقَ أفضَلُ مِنَ المَسبوقِ ، وكَما رَوَيتُم أنَّ الشَّيطانَ يَفِرُّ مِن ظِلِّ عُمَرَ ، وألقى عَلى لِسانِ نَبِيِّ اللّهِ صلى الله عليه و آله : وأنَّهُنَّ الغَرانيقُ العُلى فَفَرَّ مِن عُمَرَ ، وألقى عَلى لِسانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _ بِزَعمِكُم _ الكُفرَ (4) ! قالَ آخَرُ : قَد قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لَو نَزَلَ العَذابُ ما نَجا إلّا عُمَرُ بنُ الخَطّابِ .

.


1- .الواقعة : 35 _37 .
2- .النساء : 163 .
3- .الأحزاب : 7 .
4- .في المصدر : «الكفّار»، والتصويب من بحار الأنوار .

ص: 75

قالَ المَأمونُ : هذا خِلافُ الكِتابِ أيضا ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ» (1) فَجَعَلتُم عُمَرَ مِثلَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ! قالَ آخَرُ : فَقَد شَهِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِعُمَرَ بِالجَنَّةِ في عَشَرَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ . فَقالَ المَأمونُ : لَو كانَ هذا كَما زَعَمتُم ، لَكانَ عُمَرُ لا يَقولُ لِحُذَيفَةَ : نَشَدتُكَ بِاللّهِ أمِنَ المُنافِقينَ أنَا ؟ فَإِن كانَ قَد قالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أنتَ مِن أهلِ الجَنَّةِ ولَم يُصَدِّقهُ حَتّى زَكّاهُ حُذَيفَةُ ، فَصَدَّقَ حُذَيفَةَ ولَم يَصَدِّقِ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَهذا عَلى غَيرِ الإِسلامِ ، وإن كانَ قَد صَدَّقَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَلِمَ سَأَلَ حُذَيفَةَ ؟ وهذانِ الخَبَرانِ مُتَناقِضانِ في أنفُسِهِما . قالَ الآخَرُ : فَقَد قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : وُضِعتُ في كِفَّةِ الميزانِ ووُضَعَت اُمَّتي في كِفَّةٍ اُخرى ، فَرَجَحتُ بِهِم ، ثُمَّ وُضِعَ مَكاني أبو بَكرٍ فَرَجَحَ بِهِم ، ثُمَّ عُمَرُ فَرَجَحَ بِهِم ، ثُمَّ رُفِعَ الميزانُ . فَقالَ المَأمونُ : هذا مَحالٌ ؛ مِن قِبَلِ أنَّهُ لا يَخلو مِن أن يَكونَ أجسامَهُما أو أعمالَهُما ؛ فَإِن كانَتِ الأَجسامَ فَلا يَخفى عَلى ذي روحٍ أنَّهُ مَحالٌ ؛ لِأَ نَّهُ لا يَرجَحُ أجسامُهُما بِأَجسامِ الاُمَّةِ ، وإن كانَت أفعالَهُما فَلَم تَكُن بَعدُ ، فَكَيفَ تَرجَحُ بِما لَيسَ ؟ فَأَخبِروني بِما (2) يَتَفاضَلُ النّاسُ ؟ فَقالَ بَعضُهُم : بِالأَعمالِ الصّالِحَةِ . قالَ : فَأَخبِروني فَمَن (3) فَضَلَ صاحِبَهُ عَلى عَهدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ إنَّ المَفضولَ عَمِلَ بَعدَ وَفاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِأَكثَرَ مِن عَمَلِ الفاضِلِ عَلى عَهدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أ يَلحَقُ بِهِ ؟ فَإِن قُلتُم : نَعَم ، أوجَدتُكُم في عَصرِنا هذا مَن هُوَ أكثَرُ جِهادا وحَجّا وصَوماً وصَلاةً وصَدَقَةً مِن أحَدِهِم .

.


1- .الأنفال : 33 .
2- .كذا في المصدر ، والصحيح : «بِمَ» .
3- .في المصدر : «فممّن» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .

ص: 76

قالوا : صَدَقتَ ، لا يَلحَقُ فاضِلُ دَهرِنا لِفاضِلِ عَصرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله . قالَ المَأمونُ : فَانظُروا فيما رَوَت أئِمَّتُكُمُ الَّذينَ أخَذَتُم عَنهُم أديانَكُم في فَضائِلِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وقيسوا إلَيها ما رَوَوا في فَضائِلِ تَمامِ العَشَرَةِ الَّذينَ شَهِدوا لَهُم بِالجَنَّةِ ؛ فَإِن كانَت جُزءا مِن أجزاءٍ كَثيرَةٍ فَالقَولُ قَولُكُم ، وإن كانوا قَد رَوَوا في فَضائِلِ عَلِيٍّ عليه السلام أكثَرَ ، فَخُذوا عَن أئِمَّتِكُم ما رَوَوا ولا تَعدوهُ . قالَ : فَأَطرَقَ القَومُ جَميعا . فَقالَ المَأمونُ : ما لَكُم سَكَتُّم ؟ قالوا : قَدِ استُقصينا . قالَ المَأمونُ : فَإِنّي أسأَلُكُم : خَبِّروني أيُّ الأَعمالِ كانَ أفضَلَ يَومَ بَعَثَ اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ؟ قالوا : السَّبقُ إلَى الإِسلامِ ؛ لاِنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ : «السَّ_بِقُونَ السَّ_بِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» (1) . قالَ : فَهَل عَلِمتُم أحَدا أسبَقَ مِن عَلِيٍّ عليه السلام إلَى الإِسلامِ؟ قالوا : إنَّهُ سَبَقَ حَدَثا لَم يَجرِ عَلَيهِ حُكمٌ ، وأبوبَكرٍ أسلَمَ كَهلاً قَد جَرى عَلَيهِ الحُكمُ ، وبَينَ هاتَينِ الحالَتَينِ فَرقٌ . قالَ المَأمونُ : فَخَبِّروني عَن إسلامِ عَلِيٍّ عليه السلام ؛ أ بِإِلهامٍ (2) مِن قِبَلِ اللّهِ تَعالى أم بِدُعاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ؟ فَإِن قُلتُم : بِإِلهامٍ فَقَد فَضَّلتُموهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله لَم يُلهَم بَل أتاهُ جَبرَئيلُ عَنِ اللّهِ تَعالى داعِياً ومُعَرِّفا . فَإِن قُلتُم : بِدُعاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ؛ فَهَل دَعاهُ مِن قِبَلِ نَفسِهِ أو بِأَمرِ اللّهِ تَعالى؟ فَإِن قُلتُم : مِن قِبَلِ نَفسِهِ ، فَهذا خِلافُ ما وَصَفَ اللّهُ تَعالى بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله في قَولِهِ تَعالى : «وَ مَآ أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ» (3) . وفي قَولِهِ تَعالى : «وَ مَا يَنطِقُ عَن

.


1- .الواقعة : 10 و 11 .
2- .في المصدر : «أم بإلهام» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
3- .ص : 86 .

ص: 77

الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحَى» (1) وإن كانَ مِن قِبَلِ اللّهِ تَعالى فَقَد أمَرَ اللّهُ تَعالى نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله بِدُعاءِ عَلِيٍّ عليه السلام مِن بَينِ صَبيانِ النّاسِ وإيثارِهِ عَلَيهِم ، فَدَعاهُ ثِقَةً بِهِ وعِلماً بِتَأييدِ اللّهِ تَعالى . وخُلَّةٌ اُخرى : خَبِّروني عَنِ الحَكيمِ هَل يَجوزُ أن يُكَلِّفَ خَلقَهُ ما لا يُطيقونَ؟ فَإِن قُلتُم : نَعَم ؛ فَقَد كَفَرتُم ، وإن قُلتُم : لا ؛ فَكَيفَ يَجوزُ أن يَأمُرَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله بِدُعاءِ مَن لا يُمكِنُهُ قَبولُ ما يُؤمَرُ بِهِ لِصِغَرِهِ ، وحَداثَةِ سِنِّهِ ، وضَعفِهِ عَنِ القَبولِ؟ وخُلَّةٌ اُخرى : هَل رَأَيتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله دَعا أحَدا مِن صِبيانِ أهلِهِ وغَيرِهِم فَيَكونوا اُسوَةَ عَلِيٍّ عليه السلام ؟ فَإِن زَعَمتُم أنَّهُ لَم يَدعُ غَيرَهُ ، فَهذِهِ فَضيلَةٌ لِعَلِيٍّ عليه السلام عَلى جَميعِ صِبيانِ النّاسِ . ثُمَّ قالَ : أيُّ الأَعمالِ أفضَلُ بَعدَ السَّبقِ إلَى الإِيمانِ؟ قالوا : الجِهادُ في سَبيلِ اللّهِ . قالَ : فَهَل تَجِدونَ لِأَحَدٍ مِنَ العَشَرَةِ فِي الجِهادِ ما لِعَلِيٍّ عليه السلام في جَميعِ مَواقِفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مِنَ الأَثَرِ ؟ هذِهِ بَدرٌ قُتِلَ مِنَ المُشرِكينَ فيها نَيِّفٌ وسِتّونَ رَجُلاً ، قَتَلَ عَلِيٌّ عليه السلام مِنهُم نَيِّفاً وعِشرينَ ، وأربَعونَ لِسائِرِ النّاسِ . فَقالَ قائِلٌ : كانَ أبو بَكرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في عَرِيشَةٍ (2) يُدَبِّرُها . فَقالَ المَأمونُ : لَقَد جِئتَ بِها عَجيبَةً ! أ كانَ يُدَبِّرُ دونَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، أو مَعَهُ فَيَشرَكُهُ ، أو لِحاجَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إلى رَأيِ أبي بَكرٍ؟ أيُّ الثَّلاثِ أحَبُّ إلَيكَ أن تَقولَ؟ فَقالَ : أعوذُ بِاللّهِ مِن أن أزعُمَ أنَّهُ يُدَبِّرُ دونَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أو يَشرَكُهُ أو بِافتِقارٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إلَيهِ ! قالَ : فَمَا الفَضيلَةُ فِي العَريشِ ؟ فَإِن كانَت فَضيلَةُ أبي بَكرٍ بِتَخَلُّفِهِ عَنِ الحَربِ ،

.


1- .النجم : 3 و4 .
2- .العَرِيْش : كلّ ما يستظلّ به (النهاية : ج3 ص207) .

ص: 78

فَيَجِبُ أن يَكونَ كُلُّ مُتَخَلِّفٍ فاضِلاً أفضَلَ مِنَ المُجاهِدينَ ، وَاللّهُ عَزَّوجَلَّ يَقولُ : «لَا يَسْتَوِى الْقَ_عِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِى الضَّرَرِ وَالْمُجَ_هِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَ لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَ_هِدِينَ بِأَمْوَ لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَ_عِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَ_هِدِينَ عَلَى الْقَ_عِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا» (1) . قالَ إسحاقُ بنُ حَمّادِ بنِ زَيدٍ : ثُمَّ قالَ لي : اِقرَأ «هَلْ أَتَى عَلَى الْاءِنسَ_نِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ» (2) ، فَقَرَأتُ حَتّى بَلَغتُ : «وَ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَ يَتِيمًا وَ أَسِيرًا» (3) إلى قَولِهِ : «وَ كَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا» (4) ، فَقالَ : فيمَن نَزَلَت هذِهِ الآياتُ ؟ فَقُلتُ : في عَلِيٍّ عليه السلام . قالَ : فَهَل بَلَغَكَ أنَّ عَلِيّا عليه السلام قالَ حينَ أطعَمَ المِسكينَ وَاليَتيمَ وَالأَسيرَ : «إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَ لَا شُكُورًا» (5) عَلى ما وَصَفَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ في كِتابِهِ؟ فَقُلتُ : لا . قالَ : فَإِنَّ اللّهَ تَعالى عَرَفَ سَريرَةَ عَلِيٍّ عليه السلام ونِيَّتَهُ ، فَأَظهَرَ ذلِكَ في كِتابِهِ تَعريفا لِخَلقِهِ أمرَهُ ، فَهَل عَلِمتَ أنَّ اللّهَ تَعالى وَصَفَ في شَيءٍ مِمّا وَصَفَ فِي الجَنَّةِ ما في هذِهِ السّورَةِ : «قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ» (6) . قُلتُ : لا .

.


1- .النساء : 95 .
2- .الإنسان : 1 .
3- .الإنسان : 8 .
4- .الإنسان : 22 .
5- .الإنسان : 9 .
6- .الإنسان : 16 .

ص: 79

قالَ : فَهذِهِ فَضيلَةٌ اُخرى ، فَكَيفَ تَكونُ القَواريرُ مِن فِضَّةٍ ؟ فَقُلتُ : لا أدري . قالَ : يُريدُ كَأَنَّها مِن صَفائِها مِن فِضَّةٍ يُرى داخِلُها كَما يُرى خارِجُها . وهذا مِثلُ قَولِهِ صلى الله عليه و آله : «يا أنجَشَةُ (1) ، رُوَيدا سَوقَكَ (2) بِالقَواريرِ» ؛ وعَنى بِهِ نِساءً كَأَنَّهَا القَواريرُ رِقَّةً . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : «رَكِبتُ فَرَسَ أبي طَلحَةَ ، فَوَجَدتُهُ بَحرا» ؛ أي كَأَنَّهُ بَحرٌ مِن كَثرَةِ جَريِهِ وعَدوِهِ . وكَقَولِ اللّهِ تَعالى : «وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَ مَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَ مِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ» (3) أي كَأَنَّهُ [ما] (4) يَأتيهِ المَوتُ ، ولَو أتاهُ مِن مَكانٍ واحِدٍ ماتَ . ثُمَّ قالَ : يا إسحاقُ ، أ لَستَ مِمَّن يَشهَدُ أنَّ العَشَرَةَ فِي الجَنَّةِ؟ فَقُلتُ : بَلى . قالَ : أ رَأَيتَ لَو أنَّ رَجُلاً قالَ : ما أدري أ صَحيحٌ هذَا الحَديثُ أم لا ، أ كانَ عِندَكَ كافِرا؟ قُلتُ : لا . قالَ : أ فَرَأَيتَ لَو قالَ : ما أدري هذِهِ السّورَةُ قُرآنٌ أم لا ، أ كانَ عِندَكَ كافِرا؟ قُلتُ : بَلى . قالَ : أرى فَضلَ الرَّجُلِ يَتَأَكَّدُ . خَبِّرني (5) يا إسحاقُ عَن حَديثِ الطّائِرِ المَشوِيِّ ؛ أ صَحيحٌ عِندَكَ ؟

.


1- .أنْجَشة : عبدٌ أسود ، وكان حسن الصوت بالحداء ، فحدا بأزواج النبيّ صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع ، فأسرعت الإبل ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله ... الحديث (اُسد الغابة : ج1 ص284) .
2- .في المصدر : «يا إسحاق ، رويدا شوقك بالقوارير» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
3- .إبراهيم : 17 .
4- .أضفنا ما بين المعقوفين من بحار الأنوار .
5- .في المصدر : «خبّروني» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .

ص: 80

قُلتُ : بَلى . قالَ : بانَ وَاللّهِ عِنادُكَ ؛ لا يَخلو هذا مِن أن يَكونَ كَما دَعاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، أو يَكونَ مَردودا ، أو عَرَفَ اللّهُ الفاضِلَ مِن خَلقِهِ وكانَ المَفضولُ أحَبَّ إلَيهِ ، أو تَزعُمُ أنَّ اللّهَ لَم يَعرِفِ الفاضِلَ مِنَ المَفضولِ ؛ فَأَيُّ الثَّلاثِ أحَبُّ إلَيكَ أن تَقولَ بِهِ؟ قالَ إسحاقُ : فَأَطرَقتُ ساعَةً ثُمَّ قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ في أبي بَكرٍ : «ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَ_حِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» (1) فَنَسَبَهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ إلى صُحبَةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله . فَقالَ المَأمونُ : سُبحانَ اللّهِ ! ما أقَلَّ عِلمَكَ بِاللُّغَةِ وَالكِتابِ ، أما يَكونُ الكافِرُ صاحِبا لِلمُؤمِنِ ؟ ! فَأَيُّ فَضيلَةٍ في هذِهِ؟ أما سَمِعتَ قَولَ اللّهِ تَعالى : «قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَ هُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً» ؟ (2) فَقَد جَعَلَهُ لَهُ صاحِبا ، وقالَ الهُذَلِيُّ شِعرا : ولَقَد غَدَوتُ وصاحِبي وَحشِيَّةٌ تَحتَ الرِّداءِ بَصيرَةٌ بِالمَشرقِ وقالَ الأَزدِيُّ شِعرا : ولَقَد ذَعَرتُ الوَحشَ فيهِ وصاحِبي مَحضُ القَوائِمِ مِن هِجانٍ هَيكَلِ فَصَيَّرَ فَرَسَهُ صاحِبَهُ ، وأمّا قَولُهُ : «إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» فَإِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى مَعَ البَرِّ وَالفاجِرِ ، أما سَمِعتَ قَولَهُ تَعالى : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ وَ لَا أَدْنَى مِن ذَ لِكَ وَ لَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ» (3) . وأمّا قَولُهُ :

.


1- .التوبة : 40 .
2- .الكهف : 37 .
3- .المجادلة : 7 .

ص: 81

«لَا تَحْزَنْ» (1) فَأَخبِرني عَن (2) حُزنِ أبي بَكرٍ ، أ كانَ طاعَةً أو مَعصِيَةً ؟ فَإِن زَعَمتَ أنَّهُ طاعَةٌ فَقَد جَعَلتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يَنهى عَنِ الطّاعَةِ ، وهذا خِلافُ صِفَةِ الحَكيمِ ، وإن زَعَمتَ أنَّهُ مَعصِيَةٌ ، فَأَيُّ فَضيلَةٍ لِلعاصي ؟ وخَبِّرني عَن قَولِهِ تَعالى : «فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ» (3) عَلى مَن ؟ قالَ إسحاقُ : فَقُلتُ : عَلى أبي بَكرٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كانَ مُستَغنِياً عَنِ السَّكينَةِ (4) . قال : فخبّرني عن قوله عَزَّ وجَلَّ : «وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْ_ئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» 5 أ تَدري مَنِ المُؤمِنونَ الَّذينَ أرادَ اللّهُ تَعالى في هذَا المَوضِعِ؟ قالَ : فَقُلتُ : لا . فَقالَ : إنَّ النّاسَ انهَزَموا يَومَ حُنَينٍ ، فَلَم يَبقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إلّا سَبعَةٌ مِن بَني هاشِمٍ : عَلِيٌّ عليه السلام يَضرِبُ بِسَيفِهِ ، وَالعَبّاسُ آخِذٌ بِلِجامِ بَغلَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَالخَمسَةُ يُحدِقونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله خَوفا مِن أن يَنالَهُ سِلاحُ الكُفّارِ ، حَتّى أعطَى اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى رَسولَهُ صلى الله عليه و آله الظَّفَرَ ، عَنى بِالمُؤمِنينَ في هذَا المَوضِعِ عَلِيّا عليه السلام ومَن حَضَرَ مِن بَني هاشِمٍ ، فَمَن كان أفضَلَ ؛ أمَن كانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَنَزَلَتِ السَّكينَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وعَلَيهِ ، أم مَن كانَ فِي الغارِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ولَم يَكُن أهلاً لِنُزولِها عَلَيهِ ؟ يا إسحاقُ ! مَن أفضَلُ؟ منَ كانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فِي الغارِ ، أو مَن نامَ عَلى مِهادِه

.


1- .التوبة : 40 .
2- .في المصدر : «من» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
3- .في المصدر : «الصفة السكينة» وحذفنا «الصفة» كما في بحار الأنوار .
4- .التوبة : 25 و 26 .

ص: 82

وفِراشِهِ ووَقاهُ بِنَفسِهِ ، حَتّى تَمَّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ما عَزَمَ عَلَيهِ مِنَ الهِجرَةِ ؟ إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أمَرَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله أن يَأمُرَ عَلِيّاً عليه السلام بِالنّومِ عَلى فِراشِهِ ووِقايَتِهِ بِنَفسِهِ ، فَأَمَرَهُ بِذلِكَ ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أ تَسلَمُ يا نَبِيَّ اللّهِ ؟ [قالَ : نَعَم] (1) قالَ : سَمعا وطاعَةً ، ثُمَّ أتى مَضجَعَهُ وتَسَجّى بِثَوبِهِ ، وأحدَقَ المُشرِكونَ بِهِ ، لا يَشُكّونَ في أنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وقَد أجمَعوا عَلى أن يَضرِبَهُ مِن كُلِّ بَطنٍ مِن قُرَيشٍ رَجُلٌ ضَربَةً لِئَلّا يَطلُبَ الهاشِمِيّونَ بِدَمِهِ ، وعَلِيٌّ عليه السلام يَسمَعُ بِأَمرِ القَومِ فيهِ مِنَ التَّدبيرِ في تَلَفِ نَفسِهِ ، فَلَم يَدعُهُ ذلِكَ إلَى الجَزَعِ كَما جَزِعَ أبو بَكرٍ فِي الغارِ ، وهُوَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وعَلِيٌّ عليه السلام وَحدَهُ، فَلَم يَزَل صابِرا مُحتَسِبا، فَبَعَثَ اللّهُ تَعالى مَلائِكَتَهُ تَمنَعُهُ مِن مُشرِكي قُرَيشٍ. فَلَمّا أصبَحَ قامَ فَنَظَرَ القَومُ إلَيهِ فَقالوا : أينَ مُحَمَّدٌ؟ قالَ : وما عِلمي بِهِ؟ قالوا : فَأَنتَ غَرَرتَنا (2) ثُمَّ لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَلَم يَزَل عَلِيٌّ عليه السلام أفضَلَ لِما بدَا مِنُه إلّا ما يَزيدُ خَيرا ، حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ تَعالى إلَيهِ وهُوَ مَحمودٌ مَغفورٌ لَهُ . يا إسحاقُ! أما تَروي حَديثَ الوِلايَةِ؟ فَقُلتُ : نَعَم . قالَ : اِروِهِ ، فَرَوَيتُهُ . فَقالَ : أما تَرى أنَّهُ أوجَبَ لِعَلِيٍّ عليه السلام عَلى أبي بَكرٍ وعُمَرَ مِنَ الحَقِّ ما لَم يوجِب لَهُما عَلَيهِ؟ قُلتُ : إنَّ النّاسَ يَقولونَ : إنَّ هذا قالَهُ بِسَبَبِ زَيدِ بنِ حارِثَةَ . فَقالَ : وأينَ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله هذا؟ قُلتُ : بِغَديرِ خُمٍّ بَعدَ مُنصَرَفِهِ مِن حَجَّةِ الوَداعِ .

.


1- .سقط ما بين المعقوفين من المصدر ، وأثبتناه من بحار الأنوار .
2- .في المصدر : «غدرتنا» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .

ص: 83

قالَ : فَمَتى قُتِلَ زَيدُ بنُ حارِثَةَ؟ قُلتُ : بِمُؤتَةَ (1) . قالَ : أ فَلَيسَ قَد كانَ قُتِلَ زَيدُ بنُ حارِثَةَ قَبلَ غَديرِ خُمٍّ؟ قُلتُ : بَلى . قالَ : أخبِرني لَو رَأَيتَ ابنا لَكَ أتَت عَلَيهِ خَمسَ عَشرَةَ (2) سَنَةً يَقولُ : مَولايَ مَولَى ابنِ عَمّي أيُّهَا النّاسُ فَاقبَلوا ، أ كُنتَ تَكرَهُ لَهُ ذلِكَ؟ فَقُلتُ : بَلى . قالَ : أ فَتُنَزِّهُ ابنَكَ عَمّا لا يَتَنَزَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَنهُ ؟ ! ويَحَكُم ، أ جَعَلتُم فُقَهاءَكُم أربابَكُم ؟ ! إنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ : «اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَ_نَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ» (3) وَاللّهِ ما صاموا لَهُم ولا صَلَّوا لَهُم ، ولكِنَّهُم أمَروا لَهُم فَاُطيعوا . ثُمَّ قالَ : أ تَروي قَولَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام : أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ؟ قُلتُ : نَعَم . قالَ : أما تَعلَمُ أنَّ هارونَ أخو موسى لِأَبيهِ واُمِّهِ؟ قُلتُ : بَلى . قالَ : فَعَلِيٌّ عليه السلام كَذلِكَ؟ قُلتُ : لا . قالَ : وهارونُ نَبِيٌّ ولَيسَ عَلِيٌّ كَذلِكَ ، فَمَا المَنزِلَةُ الثّالِثَةُ إلَا الخِلافَةُ ، وهذا

.


1- .مؤتة: قرية من أرض البلقاء بطرف الشام الذي يخرج منه أهله إلى الحجاز ، وهي قريبة من الكرك (المصباح المنير : ص584) .
2- .في المصدر : «خمسة عشر» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
3- .التوبة : 31 .

ص: 84

كَما قالَ المُنافِقونَ : إنَّهُ استَخلَفَهُ استِثقالاً لَهُ ، فَأَرادَ أن يُطَيِّبَ نَفسَهُ (1) ، وهذا كَما حَكَى اللّهُ تَعالى عَن موسى عليه السلام حَيثُ يَقولُ لِهارونَ : «اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» (2) . فَقُلتُ : إنَّ موسى خَلَّفَ هارونَ في قَومِهِ وهُوَ حَيٌّ ، ثُمَّ مَضى إلى ميقاتِ رَبِّهِ تَعالى ، وإنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله خَلَّفَ عَلِيّاً عليه السلام حينَ خَرَجَ إلى غَزاتِهِ . فَقالَ : أخبِرني عَن موسى حينَ خَلَّفَ هارونَ ، أ كانَ مَعَهُ حَيثُ مَضى إلى ميقاتِ رَبِّهِ عَزَّوجَلَّ أحَدٌ مِن أصحابِهِ؟ فَقُلتُ : نَعَم . قالَ : أ وَلَيسَ قَدِ استَخلَفَهُ عَلى جَميعِهِم؟ قُلتُ : بَلى . قالَ : فَكَذلِكَ عَلِيٌّ عليه السلام خَلَّفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله حينَ خَرَجَ إلى غَزاتِهِ فِي الضُّعَفاءِ وَالنِّساءِ وَالصِّبيانِ إذ (3) كانَ أكثَرُ قَومِهِ مَعَهُ ، وإن كانَ قَد جَعَلَهُ خَليفَةً عَلى جَميعِهِم ، وَالدَّليلُ عَلى أنَّهُ جَعَلَهُ خَليفَةً عَلَيهِم في حَياتِهِ إذا غابَ وبَعدَ مَوتِهِ قَولُهُ صلى الله عليه و آله : «عَلِيٌّ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي» ، وهُوَ وَزيرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أيضا بِهذَا القَولِ ؛ لِأَنَّ موسى عليه السلام قَد دَعَا اللّهَ تَعالى وقالَ فيما دَعا : «وَ اجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى * هَ_رُونَ أَخِى * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى * وَ أَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى» (4) فَإِذا كانَ عَلِيٌّ عليه السلام مِنهُ صلى الله عليه و آله بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى فَهُوَ وَزيرُهُ ، كَما كانَ هارونُ وَزيرَ موسى ، وهُوَ خَليفَتُهُ ،

.


1- .في المصدر : «بنفسه» ، وما أثبتناه من بحار الأنوار .
2- .الأعراف : 142 .
3- .في المصدر : «إذا» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
4- .طه : 29 _ 32 .

ص: 85

كَما كانَ هارونُ خَليفَةَ موسى عليه السلام . ثُمَّ أقبَلَ عَلى أصحابِ النَّظَرِ وَالكَلامِ فَقالَ : أسأَلُكُم أو تَسأَلونّي؟ فَقالوا : بَل نسَأَلُكَ . فَقالَ : قولوا . فَقالَ قائِلٌ مِنهُم : أ لَيسَت إمامَةُ عَلِيٍّ عليه السلام مِن قِبَلِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، نَقَلَ ذلِكَ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَن نَقَلَ الفَرضَ مِثلَ الظُّهرُ أربَعُ رَكَعاتٍ ، وفي مِئَتَي دِرهَمٍ خَمسَةُ دَراهِمَ ، وَالحَجُّ إلى مَكَّةَ؟ فَقالَ : بلى . قالَ : فَما بالُهُم لَم يخَتَلِفوا في جَميعِ الفَرضِ ، وَاختَلَفوا في خِلافَةِ عَلِيٍّ عليه السلام وَحدَها؟ قالَ المَأمونُ : لِأَنَّ جَميعَ الفَرضِ لا يَقَعُ فيهِ مِنَ التَّنافُسِ وَالرَّغبَةِ ما يَقَعُ فِي الخِلافَةِ . فَقالَ آخَرُ : ما أنكَرتَ أن يَكونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أمَرَهُم بِاختِيارِ رَجُلٍ مِنهُم يَقومُ مَقامَهُ رَأفَةً بِهِم ورِقَّةً عَلَيهِم مِن غَيرِ أن يَستَخلِفَ هُوَ بِنَفسِهِ فَيُعصى خَليفَتُهُ ، فَيَنزِلَ بِهِمُ العَذابُ ؟ فَقالَ : أنكَرتُ ذلِكَ مِن قِبَلِ أنَّ اللّهَ تَعالى أرأَفُ بِخَلقِهِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وقَد بَعَثَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله إلَيهِم وهُوَ يَعلَمُ أنَّ فيهِمُ العاصِيَ وَالمُطيعَ (1) ، فَلَم يَمنَعهُ تَعالى ذلِكَ مِن إرسالِهِ . وعِلَّةٌ اُخرى : لَو أمَرَهُم بِاختِيارِ رَجُلٍ مِنهُم كانَ لا يَخلو مِن أن يَأمُرَهُم كُلَّهُم أو بَعضَهُم ؛ فَلَو أمَرَ الكُلَّ مَن كانَ المُختارَ ؟ ولَو أمَرَ بَعضَنا دونَ بَعضٍ كانَ لا يَخلو مِن أن يَكونَ عَلى هذَا البَعضِ عَلامَةٌ ؛ فَإِن قُلتَ : الفُقَهاءُ ، فَلابُدَّ مِن تَحديدِ الفَقيهِ وسِمَتِهِ .

.


1- .في المصدر : «عاص ومطيع» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .

ص: 86

قالَ آخَرُ : فَقَد رُوِيَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : ما رَآهُ المُسلِمونَ حَسَنا فَهُوَ عِندَ اللّهِ تَعالى حَسَنٌ ، وما رَأَوهُ قَبيحا فَهُوَ عِندَ اللّهِ قَبيحٌ . فَقالَ : هذَا القَولُ لابُدَّ مِن أن يَكونَ يُريدُ كُلَّ المُؤمِنينَ أو البَعضَ ؛ فَإِن أرادَ الكُلَّ فَهذا مَفقودٌ ؛ لِأَنَّ الكُلَّ لا يُمكِنُ اجتِماعُهُم ، وإن كانَ البَعضَ فَقَد رَوى كُلٌّ في صاحِبِهِ حُسنا مِثلُ رِوايَةِ الشّيعَةِ في عَلِيٍّ ، ورِوايَةِ الحَشوِيَّةِ في غَيرِهِ ، فَمَتى يَثبُتُ ما تُريدونَ مِنَ الإِمامَةِ ؟ قالَ آخَرُ : فَيَجوزُ أن تَزعُمَ أنَّ أصحابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أخطَأوا؟ قالَ : كَيفَ نَزعُمُ أنَّهُم أخطَأوا وَاجتَمَعوا عَلى ضَلالَةٍ وهُم لَم يَعلَموا فَرضاً ولا سُنَّةً ؛ لِأَ نَّكَ تَزعُمُ أنَّ الإِمامَةَ لا فَرضٌ مِنَ اللّهِ تَعالى ولا سُنَّةٌ مِنَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ، فَكَيفَ يَكونُ فيما لَيسَ عِندَكَ بِفَرضٍ ولا سُنَّةٍ خَطَأٌ . قالَ آخَرُ : إن كُنتَ تَدَّعي لِعَلِيٍّ عليه السلام مِنَ الإِمامَةِ دونَ غَيرِهِ ، فَهاتِ بَيِّنَتَكَ عَلى ما تَدَّعي . فَقالَ : ما أنَا بِمُدَّعٍ ولكِنّي مُقِرٌّ ، ولا بَيِّنَةَ عَلى مُقِرٍّ ، وَالمُدَّعي مَن يَزعُمُ أنَّ إلَيهِ التَّولِيَةَ وَالعَزلَ ، وأنَّ إلَيهِ الاِختِيارَ ، وَالبَيِّنَةُ لا تَعرى مِن أن تَكونَ مِن شُرَكائِهِ ؛ فَهُم خُصَماءُ ، أو تَكونَ من غَيرِهِم وَالغَيرُ مَعدومٌ ، فَكَيفَ يُؤتى بِالبَيِّنَةِ عَلى هذا؟ قالَ آخَرُ : فَما كانَ الواجِبُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام بَعدَ مُضِيِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : ما فَعَلَهُ . قالَ : أ فَما وَجَبَ أن يُعلِمَ النّاسَ أنَّهُ إمامٌ؟ فَقالَ : إنَّ الإِمامَةَ لا تَكونُ بِفِعلٍ مِنهُ في نَفسِهِ ، ولا بِفِعلٍ مِنَ النّاسِ فيه مِنِ اختِيارٍ أو تَفضيلٍ أو غَيرِ ذلِكَ ، إنَّما تَكونُ (1) بِفِعلٍ مِنَ اللّهِ تَعالى فيهِ ، كَما قال

.


1- .في المصدر : «وإنّها يكون» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .

ص: 87

لِاءِبراهيمَ عليه السلام : «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» (1) ، وكَما قالَ عَزَّ وجَلَّ لِداوُدَ عليه السلام : «يَ_دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَ_كَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ» (2) ، وكَما قالَ عَزَّ وجَلَّ لِلمَلائِكَةِ في آدَمَ عليه السلام : «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» (3) ؛ فَالإِمامُ إنَّما يَكونُ إماما مِن قِبَلِ اللّهِ تَعالى ، وبِاختِيارِهِ إيّاهُ في بَدءِ الصَّنيعَةِ ، وَالتَّشريفِ فِي النَّسَبِ ، وَالطَّهارَةِ فِي المَنشَأِ ، وَالعِصمَةِ فِي المُستَقبَلِ ، ولَو كانَت بِفِعلٍ مِنهُ في نَفسِهِ كانَ مَن فَعَلَ ذلِكَ الفِعلَ مُستَحِقّا لِلإِمامَةِ ، وإذا عَمِلَ خِلافَهَا اعتَزَلَ ، فَيَكونُ خَليفَةً قَبلَ أفعالِهِ . قالَ آخَرُ : فَلِمَ أوجَبَ الإمامَةَ لِعَلِيٍّ عليه السلام بَعدَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ : لِخُروجِهِ مِنَ الطُّفولِيَّةِ إلَى الإِيمانِ كَخُروجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مِنَ الطُّفولِيَّةِ إلَى الإِيمانِ وَالبَراءَةِ مِن ضَلالَةِ قَومِهِ عَنِ الحُجَّةِ وَاجتِنابِهِ الشِّركَ (4) ، كَبَراءَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مِنَ الضَّلالَةِ وَاجتِنابِهِ لِلشِّركِ ؛ لاِنَّ الشِّركَ ظُلمٌ ، ولا يَكونُ الظّالِمُ إماما ، ولا مَن عَبَدَ وَثَنا بِإِجماعٍ ، ومَن أشَرَكَ فَقَد حَلَّ مِنَ اللّهِ تَعالى مَحَلَّ أعدائِهِ ، فَالحُكمُ فيهِ الشَّهادَةُ عَلَيهِ بِمَا اجتَمَعَت عَلَيهِ الاُمَّةُ حَتّى يَجيءَ إجماعٌ آخَرُ مِثلُهُ ، ولِأَنَّ مَن حُكِمَ عَلَيهِ مَرَّةً فَلا يَجوزُ أن يَكونَ حاكِما ، فَيَكونَ الحاكِمُ مَحكوما عَلَيهِ ، فَلا يَكونُ حينَئِذٍ فَرقٌ بَينَ الحاكِمِ وَالمَحكومِ عَلَيهِ . قالَ آخَرُ : فَلِمَ لَم يُقاتِل عَلِيٌّ عليه السلام أبا بَكرٍ وعُمَرَ كَما قاتَلَ مُعاوِيَةَ؟ فَقالَ : المَسأَلَةُ مُحالٌ ؛ لِأنَّ «لِمَ» اقتِضاءٌ ، و «لَم يَفعَل» نَفيٌ ، وَالنَّفيُ لا يَكونُ لَهُ عِلَّةٌ ، إنَّمَا العِلَّةُ لِلإِثباتِ ، وإنَّما يَجِبُ أن يُنظَرَ في أمرِ عَلِيٍّ عليه السلام أمِن قِبَلِ اللّهِ أم مِن قِبَلِ غَيرِهِ؟ فَإِن صَحَّ أنَّهُ مِن قِبَلِ اللّهِ تَعالى فَالشَّكُّ في تَدبيرِهِ كُفرٌ ؛ لِقَولِهِ تَعالى :

.


1- .البقرة : 124 .
2- .ص : 26 .
3- .البقرة : 30 .
4- .في المصدر : «لشرك» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .

ص: 88

«فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا» (1) . فَأَفعالُ الفاعِلِ تَبَعٌ لِأَصلِهِ ؛ فَإِن كانَ قِيامُهُ عَنِ اللّهِ تَعالى فَأَفعالُهُ عَنهُ ، وعَلَى النّاسِ الرِّضا وَالتَّسليمُ ، وقَد تَرَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله القِتالَ يَومَ الحُدَيبِيَّةِ يَومَ صَدَّ المُشرِكونَ هَديَهُ عَنِ البَيتِ ، فَلَمّا وَجَدَ الأَعوانَ وقَوِيَ حارَبَ ، كَما قالَ تعَالى فِي الأَوَّلِ ؛ «فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» (2) ، ثُمَّ قالَ عَزَّ وجَلَّ : «فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ» (3) . قالَ آخَرُ : إذا زَعَمتَ أنَّ إمامَةَ عَلِيٍّ عليه السلام مِن قِبَلِ اللّهِ تَعالى ، وأنَّهُ مُفتَرَضُ الطّاعَةِ ، فَلِمَ لَم يَجُز إلَا التَّبليغُ وَالدُّعاءُ لِلأَنبِياءِ عليهم السلام ، وجازَ لِعَلِيٍّ أن يَترُكَ ما اُمِرَ بِهِ مِن دَعوَةِ النّاسِ إلى طاعَتِهِ؟ فَقالَ : مِن قِبَلِ أنّا لَم نَزعُم أنَّ عَلِياً عليه السلام اُمِرَ بِالتَّبليغِ فَيَكونَ رَسولاً ، ولكِنَّهُ عليه السلام وُضِعَ عَلَما بَينَ اللّهِ تَعالى وبَينَ خَلقِهِ ؛ فَمَن تَبِعَهُ كانَ مُطيعا ، ومَن خالَفَهُ كانَ عاصِيا ؛ فَإِن وَجَدَ أعوانا يَتَقَوّى بِهِم جاهَدَ ، وإن لَم يَجِد أعوانا فَاللَّومُ عَلَيهِم لا عَلَيهِ ؛ لِأَ نَّهُم اُمِروا بِطاعَتِهِ عَلى كُلِّ حالٍ ، ولَم يُؤمَر هُوَ بِمُجاهَدَتِهِم إلّا بِقُوَّةٍ ، وهُوَ بِمَنزِلَةِ البَيتِ ؛ عَلَى النّاسِ الحَجُّ إلَيهِ ؛ فَإِذا حَجّوا أدَّوا ما عَلَيهِم ، وإذا لَم يَفعَلوا كانَتِ اللّائِمَةُ عَلَيهِم ، لا عَلَى البَيتِ . وقالَ آخَرُ : إذا اُوجِبَ أنَّهُ لابُدَّ مِن إمامٍ مُفتَرَضِ الطّاعَةِ بِالاِضطِرارِ ، كَيفَ يَجِبُ بِالاِضطِرارِ أنَّهُ عَلِيٌّ عليه السلام دونَ غَيرِهِ؟ فَقالَ : مِن قِبَلِ أنَّ اللّهَ تعَالى لا يَفرِضُ مَجهولاً ، ولا يَكونُ المَفروضُ مُمتَنِعا ؛ إذ

.


1- .النساء : 65 .
2- .الحِجر : 85 .
3- .التوبة : 5 .

ص: 89

المَجهولُ مُمتَنِعٌ ، فَلابُدَّ مِن دَلالَةِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله عَلَى الفَرضِ ؛ لِيَقطَعَ العُذرَ بَينَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ وبَينَ عِبادِهِ ، أ رَأَيتَ لَو فَرَضَ اللّهُ تَعالى عَلَى النّاسِ صَومَ شَهرٍ ، ولَم يُعلِمِ النّاسَ أيُّ شَهرٍ هُوَ ، ولَم يوسَم بِوَسمٍ ، وكانَ عَلَى النّاسِ استِخراجُ ذلِكَ بُعِقولِهِم ، حَتّى يُصيبوا ما أرادَ اللّهُ تَعالى ، فَيَكونُ النّاسُ حينَئِذٍ مُستَغنينَ عَنِ الرَّسولِ المُبَيِّنِ لَهُم ، وعَنِ الإِمامِ النّاقِلِ خَبَرَ الرَّسولِ إلَيهِم . وقالَ آخَرُ : مِن أينَ أوجَبتَ أنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ بالِغا حينَ دَعاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ؟ فَإِنَّ النّاسَ يَزعُمونَ أنَّهُ كانَ صَبِيّا حينَ دُعِيَ ، ولَم يَكُن جازَ عَلَيهِ الحُكمُ ، ولا بَلَغَ مَبلَغَ الرِّجالِ . فَقالَ : مِن قِبَلِ أنَّهُ لا يَعرى في ذلِكَ الوَقتِ مِن أن يَكونَ مِمَّن اُرسِلَ إلَيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِيَدعُوَهُ ؛ فَإِن كانَ كَذلِكَ فَهُوَ مُحتَمِلُ التَّكليفِ ، قَوِيٌّ عَلى أداءِ الفَرائِضِ . وإن كانَ مِمَّن لَم يُرسَل إلَيهِ فَقَد لَزِمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قَولُ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (1) » (2) وكانَ مَعَ ذلِكَ فَقَد كَلَّفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عِبادَ اللّهِ ما لا يُطيقونَ عَنِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى ، وهذا مِنَ المُحالِ الَّذي يَمتَنِعُ كَونُهُ ، ولا يَأمُرُ بِهِ حَكيمٌ ، ولا يَدُلُّ عَلَيهِ الرَّسولُ ، تَعالَى اللّهُ عَن أن يَأمُرَ بِالمُحالِ ، وجَلَّ الرَّسولُ مِن أن يَأمُرَ بِخِلاف ما يُمكِنُ كَونُهُ في حِكمَةِ الحَكيمِ . فَسَكَتَ القَومُ عِندَ ذلِكَ جَميعا . فَقالَ المَأمونُ : قَد سَأَلتُموني ونَقَضتُم عَلَيَّ ، أ فَأَسأَلُكُم؟ قالوا : نَعَم . قالَ : أ لَيسَ قَد رَوَتِ الاُمَّةُ بِإِجماعٍ مِنها أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ؟ قالوا : بَلى . قالَ : ورَوَوا عَنهُ عليه السلام أنَّهُ قالَ : مَن عَصَى اللّه

.


1- .الوتين : عرق يسقي الكَبِد ، وإذا انقطع مات صاحبه (مفردات ألفاظ القرآن : ص852) .
2- .الحاقّة : 44 _ 46 .

ص: 90

بِمَعصِيَةٍ صَغُرَت أو كَبُرَت ثُمَّ اتَّخَذَها دينا ومَضى مُصِرّا عَلَيها فَهُو مُخَلَّدٌ بَينَ أطباقِ الجَحيمِ؟ قالوا : بَلى . قالَ : فَخَبِّروني عَن رَجُلٍ تَختارُهُ الاُمَّةُ فَتَنصِبُهُ خَليفَةً ، هَل يَجوزُ أن يُقالَ لَهُ : خَليفَةُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ومِن قِبَلِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ ولَم يَستَخلِفهُ الرَّسولُ؟ فَإِن قُلتُم : نَعَم ؛ فَقَد كابَرتُم ، وإن قُلتُم : لا ، وَجَبَ أنَّ أبا بَكرٍ لَم يَكُن خَليفَةَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولا كانَ مِن قِبَلِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، وأنَّكُم تَكذِبونَ عَلى نَبِيِّ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِنَّكُم مُتَعَرِّضونَ لِأَن تَكونوا مِمَّن وَسَمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِدُخولِ النّارِ . وخَبِّروني في أيِّ قَولَيكُم صَدَقتُم؟ أ في قَولِكُم : مَضى عليه السلام ولَم يَستَخلِف ، أو في قَولِكُم لِأَبي بَكرٍ : يا خَليفَةَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَإِن كُنتُم صَدَقتُم فِي القَولَينِ ، فَهذا ما لا يُمكِنُ كَونُهُ ؛ إذ كانَ مُتَناقِضا ، وإن كُنتُم صَدَقتُم في أحَدِهِما بَطَلَ الآخَرُ . فَاتَّقُوا اللّهَ ، وَانظُروا لِأَنفُسِكُم ، ودَعُوا التَّقليدَ ، وتَجَنَّبُوا الشُّبُهاتِ ، فَوَاللّهِ ما يَقبَلُ اللّهُ تَعالى إلّا مِن عَبدٍ لا يَأتي إلّا بِما يَعقِلُ ، ولا يَدخُلُ إلّا فيما يَعلَمُ أنَّهُ حَقٌّ ، وَالرَّيبُ شَكٌّ ، وإدمانُ الشَّكِّ كُفرٌ بِاللّهِ تَعالى ، وصاحِبُهُ فِي النّارِ . وخَبِّروني هَل يَجوزُ أن يَبتاعَ أحَدُكُم عَبدا ، فَإِذَا ابتَاعَهُ صارَ مَولاهُ ، وصارَ المُشتَري عَبدَهُ؟ قالوا : لا . قالَ : كَيفَ جازَ أن يَكونَ مَنِ اجتَمَعتُم عَلَيهِ أنتُم لِهَواكُم وَاستَخلَفتُموهُ صارَ خَليفَةً عَلَيكُم ، وأنتُم وَلَّيتُموهُ؟ أ لّا كُنتُم أنتُمُ الخُلَفاءَ عَلَيهِ؟ بَل تُؤتونَ خَليفَةً وتَقولونَ : إنَّهُ خَليفَةُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ إذا سَخِطتُم (1) عَلَيهِ قَتَلتُموهُ ، كَما فُعِلَ بِعُثمانَ بنِ عَفّانِ !

.


1- .في المصدر : «أسخطتم» ، وما أثبتناه من بحار الأنوار .

ص: 91

فَقالَ قائِلٌ مِنهُم : لِأَنَّ الإِمامَ وَكيلُ المُسلِمينَ ، إذا رَضوا عَنهُ وَلَّوهُ ، وإذا سَخِطوا عَلَيهِ عَزَلوهُ . قالَ : فَلِمَنِ المُسلِمونَ وَالعِبادُ وَالبِلادُ؟ قالوا : لِلّهِ تَعالى . قالَ : فَاللّهُ (1) أولى أن يُوَكِّلَ عَلى عِبادِهِ وبِلادِهِ مِن غَيرِهِ ؛ لِأَنَّ مِن إجماعِ الاُمَّةِ أنَّهُ مَن أحدَثَ حَدَثا في مُلكِ غَيرِهِ فَهُوَ ضامِنٌ ، ولَيسَ لَهُ أن يُحدِثَ ، فَإِن فَعَلَ فَآثِمٌ غارِمٌ (2) . ثُمَّ قالَ : خَبِّروني عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله هَلِ استَخلَفَ حينَ مَضى أم لا ؟ فَقالوا : لَم يَستَخلِف . قالَ : فَتَركُهُ ذلِكَ هُدىً أم ضَلالٌ؟ قالوا : هُدىً . قالَ : فَعَلَى النّاسِ أن يَتَّبِعُوا الهُدى ويَترُكُوا الباطِلَ ويَتَنَكَّبُوا الضَّلالَ . قالوا : قَد فَعَلوا ذلِكَ . قالَ : فَلِمَ استَخلَفَ النّاسُ بَعدَهُ وقَد تَرَكَهُ هُوَ؟ فَتَركُ فِعلِهِ ضَلالٌ ، ومُحالٌ أن يَكونَ خِلافُ الهُدى هُدىً ، وإذا كانَ تَركُ الِاستِخلافِ هُدىً ، فَلِمَ استَخلَفَ أبو بَكرٍ ولَم يَفعَلهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ؟ ولِمَ جَعَلَ عُمَرُ الأَمرَ بَعدَهُ شورى بَينَ المُسلِمينَ خِلافا عَلى صاحِبِهِ ؟ لِأَ نَّكُم زَعَمتُم أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله لَم يَستَخلِف ، وأنَّ أبا بَكرٍ استَخلَفَ ، وعُمَرُ لَم يَترُكِ الِاستِخلافَ كَما تَرَكَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِزَعمِكُم ، ولَم يَستَخلِف كَما فَعَلَ أبو بَكرٍ ،

.


1- .في المصدر : «فوَاللّه » بدل «قال : فاللّه » ، والمناسب ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
2- .الغارِم : الذي يلتزم ما ضَمِنه وتكفّل به ويؤدّيه . والغُرم : أداء شيء لازم (النهاية : ج3 ص363) .

ص: 92

وجاءَ بِمَعنىً ثالِثٍ ، فَخَبِّروني أيُّ ذلِكَ تَرَونَهُ صَوابا؟ فَإِن رَأَيتُم فِعلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله صَوابا فَقَد خَطَّأتُم (1) أبا بَكرٍ ، وكَذلِكَ القَولُ في بَقِيَّةِ الأَقاويلِ . وخَبِّروني أيُّهُما أفضَلُ ، ما فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِزَعمِكُم مِن تَركِ الِاستِخلافِ ، أو ما صَنَعَت طائِفَةٌ مِنَ الِاستِخلافِ؟ وخَبِّروني هَل يَجوزُ أن يَكونَ تَركُهُ مِنَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله هُدىً ، وفِعلُهُ مِن غَيرِهِ هُدىً ، فَيَكونُ هُدىً ضِدَّ هُدىً ، فَأَينَ الضَّلالُ حَينَئِذٍ؟ وخَبِّروني هَل وُلِّيَ أحَدٌ بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِاختِيارِ الصَّحابَةِ مُنذُ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلَى اليَومِ؟ فَإِن قُلتُم : لا ؛ فَقَد أوجَبتُم أنَّ النّاسَ كُلَّهُم عَمِلوا ضَلالَةً بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وإن قُلتُم نَعَم ، كَذَّبتُمُ الاُمَّةَ وأبطَلَ قَولَكُم الوُجودُ الَّذي لا يُدفَعُ . وخَبِّروني عَن قَولِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «قُل لِّمَن مَّا فِى السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ قُل لِّلَّهِ» (2) أ صِدقٌ هذا أم كِذبٌ ؟ قالوا : صِدقٌ . قالَ : أ فَلَيسَ ما سِوَى اللّهِ لِلّهِ ؛ إذ كانَ مُحدِثَهُ ومالِكَهُ؟ قالوا : نَعَم . قالَ : فَفي هذا بُطلانُ ما أوجَبتُم مِنِ اختِيارِكُم خَليفَةً تَفتَرِضونَ طاعَتَهُ ، وتُسَمّونَهُ خَليفَةَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأنتُمُ استَخلَفتُموهُ وهُوَ مَعزولٌ عَنكُم إذا غَضِبتُم عَلَيهِ ، وعَمِلَ بِخِلافِ مَحَبَّتِكُم ، ومَقتولٌ إذا أبَى الِاعتِزالَ . وَيلَكُم! لا تَفتَروا عَلَى اللّهِ كَذِبا ، فَتَلقَوا وَبالَ ذلِكَ غَدا إذا قُمتُم بَينَ يَدَيِ اللّه

.


1- .في المصدر : «أخطأتم» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
2- .الأنعام : 12 .

ص: 93

9 / 19 مجاهد بن جبر

تَعالى ، وإذا وَرَدتُم عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقَد كَذَبتُم عَلَيهِ متُعَمِّدينَ ، وقَد قالَ : مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ . ثُمَّ استَقبَلَ القِبلَةَ ورَفَعَ يَدَيهِ وقالَ : اللّهُمَّ إنّي قَد أرشَدتُهُم ، اللّهُمَّ إنّي قَد أخرَجتُ ما وَجَبَ عَلَيَّ إخراجُهُ مِن عُنُقي ، اللّهُمَّ إنّي لم أدَعهُم في رَيبٍ ولا في شَكٍّ ، اللّهُمَّ إنّي أدينُ بِالتَّقَرُّبِ إلَيكَ بِتَقديمِ عَلِيٍّ عليه السلام عَلَى الخَلقِ بَعدَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله كَما أمَرَنا بِهِ رَسولُكَ صلى الله عليه و آله . قالَ : ثُمَّ افتَرَقنا فَلَم نَجتَمِع بَعدَ ذلِكَ حَتّى قُبِضَ المَأمونُ . قالَ مُحَمَّدُ بنُ أحمَدَ بنِ يَحيَى بنِ عِمرانَ الأَشعَرِيُّ : وفي حَديثٍ آخَرَ : قالَ : فَسَكَتَ القَومُ ، فَقالَ لَهُم : لِمَ سَكَتُّم ؟ قالوا : لا نَدري ما تَقولُ (1) . قالَ : تَكفيني هذِهِ الحُجَّةُ عَلَيكُم . ثُمَّ أمَرَ بِإِخراجِهِم . قالَ : فَخَرَجنا مُتَحيِّرينَ خَجِلينَ . ثُمَّ نَظَرَ المَأمونُ إلَى الفَضلِ بنِ سَهلٍ فَقالَ : هذا أقصى ما عِندَ القَومِ ، فَلا يَظُنَّ ظانٌّ أنَّ جَلالَتي مَنَعَتهُم مِنَ النَّقضِ عَلَيَّ (2) .

9 / 19مُجاهِدُ بنُ جَبرٍ (3)شواهد التنزيل عن مجاهد :إنَّ لِعَلِيٍّ عليه السلام سَبعينَ مَنقَبَةً ما كانَت لِأَحَدٍ مِن أصحابِ النِّبِيِّ صلى الله عليه و آله

.


1- .في بحار الأنوار : «نقول» وهو أظهر .
2- .عيون أخبار الرضا : ج2 ص185 ح2 ، بحار الأنوار : ج49 ص189 ح2 وراجع العقد الفريد : ج4 ص74 .
3- .مجاهد بن جبر ، أبو الحجّاج المكّي القارئ ، شيخ القرّاء والمفسّرين . سمع ابن عبّاس وابن عمر وعليّا عليه السلام . قال : قرأت القرآن على ابن عبّاس مرّات . وقال خصيف : كان أعلمهم بالتفسير مجاهد . وقد وقع الاختلاف في سنة وفاته على أقوال بين (100 ه ) و (104 ه ) وكان مولده سنة (21 ه ) في خلافة عمر (راجع التاريخ الكبير : ج7 ص411 الرقم1805 وتهذيب التهذيب : ج5 ص351 الرقم7649 وسير أعلام النبلاء : ج4 ص449 الرقم175 وتهذيب الكمال : ج27 ص233 و234 الرقم5783) .

ص: 94

9 / 20 المسعودىّ

مِثلُها ، وما مِن شَيءٍ مِن مَناقِبِهِم إلّا وقَد شَرِكَهُم فيها (1) .

9 / 20المَسعودِىُّ (2)مروج الذهب :فَضائِلُ عَلِيٍّ ومَقاماتُهُ ومَناقِبُهُ ووَصفُ زُهدِهِ ونُسُكُهُ أكثَرُ مِن أن يَأتِيَ عَلَيهِ كِتابُنا هذا أو غَيرُهُ مِنَ الكُتُبِ ، أو يَبلُغَهُ إسهابُ مُسهِبٍ ، أو إطنابُ مُطنِبٍ ، وقَد أتَينا عَلى جُمَلٍ مِن أخبارِهِ وزُهدِهِ وسِيَرِهِ ، وأنواعٍ مِن كَلامِهِ وخُطَبِهِ في كِتابِنا المُتَرجَمِ بِكِتابِ «حَدائِقِ الأَذهانِ في أخبارِ آلِ مُحَمَّدٍ عليه السلام » ، وفي كِتابِ «مَزاهِرِ الأَخبارِ وطَرائِفِ الآثارِ لِلصَّفوَةِ النّورِيَّةِ وَالذُّرِّيَّةِ الزَّكِيَّةِ أبوابِ الرَّحمَةِ ويَنابيعِ الحِكمَةِ» . قالَ المَسعودِيُّ : وَالأَشياءُ الَّتي استَحَقَّ بِها أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الفَضلَ هِيَ : السَّبقُ إلَى الإيمانِ ، وَالهِجرَةُ ، وَالنُّصرَةُ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَالقُربى مِنهُ ، وَالقَناعَةُ ، وبَذلُ النَّفسِ لَهُ ، وَالعِلمُ بِالكِتابِ وَالتَّنزيلِ ، وَالجِهادُ في سَبيلِ اللّهِ ، وَالوَرَعُ ، وَالزُّهدُ ، وَالقَضاءُ ، وَالحُكمُ ، وَالفِقهُ ، وَالعِلمُ ، وكُلُّ ذلِكَ لِعَلِيٍّ عليه السلام مِنهُ النَّصيبُ الأَوفَرُ ، وَالحَظُّ الأَكبَرُ ، إلى ما يَنفَرِدُ بِهِ مِن قَولِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حينَ آخى بَينَ أصحابِهِ : «أنتَ أخي» وهُوَ صلى الله عليه و آله لا ضِدَّ لَهُ ، ولا نِدَّ ، وقَولُهُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ : «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي» وقَولُهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِى

.


1- .شواهد التنزيل : ج1 ص24 الرقم4 .
2- .أبو الحسن عليّ بن الحسين بن عليّ : من ذرّية ابن مسعود ، صاحب «مروج الذهب» وغيره من التواريخ ، اختلف في مذهبه وأنّه كان شيعيّا أو لا . توفّي في سنة (345 ه ) أو (346 ه ) . له مصنّفات ، منها : «مروج الذهب» وكتاب «ذخائر العلوم» وكتاب «الرسائل» و«الاستذكار بما مرّ في سالف الأعصار» وكتاب «التاريخ في أخبار الاُمم من العرب والعجم» و«التنبيه والإشراف» وكتاب «أخبار الزمان» وغيرها (راجع قاموس الرجال : ج7 ص432 الرقم5109 وسير أعلام النبلاء : ج15 ص569 الرقم343 ومروج الذهب : ج1 ص6) .

ص: 95

9 / 21 معاوية بن يزيد بن معاوية

مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ» ثُمَّ دُعاؤُهُ عليه السلام وقَد قَدَّمَ إلَيهِ أنَسٌ الطّائِرَ : «اللّهُمَّ أدخِل إلَيَّ أحَبَّ خَلقِكَ إلَيكَ يَأكُل مَعي مِن هذَا الطّائِرِ» فَدَخَلَ عَلَيهِ عَلِيٌّ إلى آخِرِ الحَديثِ . فَهذا وغَيرُهُ مِن فَضائِلِهِ ومَا اجتَمَعَ فيهِ مِن الخِصالِ مِمّا تَفَرَّقَ في غَيرِهِ (1) .

9 / 21مُعاوِيَةُ بنُ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ (2)حياة الحيوان الكبرى_ بَعدَ ذِكرِ خِلافَةِ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ _: ثُمَّ قامَ بِالأَمرِ بَعدَهُ ابنُهُ مُعاوِيَةُ ، وكانَ خَيرا مِن أبيهِ ، فيهِ دينٌ وعَقلٌ ، بويِعَ لَهُ بِالخِلافَةِ يَومَ مَوتِ أبيهِ ، فَأَقامَ فيها أربَعين يَوما ، وقيلَ : أقامَ فيها خَمسَةَ أشهُرٍ وأيّاما ، وخَلَعَ نَفسَهُ ، وذَكَرَ غَيرُ واحِدٍ أنَّ مُعاوِيَةَ بنَ يَزيدَ لَمّا خَلَعَ نَفسَهُ صَعِدَ المِنبَرَ فَجَلَسَ طَويلاً ، ثُمَّ حَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ بِأَبلَغِ ما يَكونُ مِنَ الحَمدِ وَالثَّناءِ ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله بِأَحسَنِ ما يُذكَرُ بِهِ ، يا أيُّهَا النّاسُ ، ما أنَا بِالرّاغِبِ فِي الِائتِمارِ عَلَيكُم ؛ لِعَظيمِ ما أكرَهُهُ مِنكُم ، وإنّي لَأَعلَمُ أنَّكُم تَكرَهونَنا أيضا ؛ لِأَ نّا بُلينا بِكُم وبُليتُم بِنا ، إلّا أنَّ جَدّي مُعاوِيَةَ قَد نازَعَ في هذَا الأَمرِ مَن كانَ أولى بِهِ مِنهُ ومِن غَيرِهِ لِقَرابَتِهِ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وعِظَمِ فَضلِهِ وسابِقَتِهِ ، أعظَمُ المُهاجِرينَ قَدرا ، وأشجَعُهُم قَلبا ، وأكثَرُهُم عِلما ، وأوَّلُهُم إيمانا ، وأشرَفُهُم مَنزِلَةً ، وأقدَمُهُم صُحبَةً ، ابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وصِهرُهُ ، وأخوهُ ، زَوَّجَهُ صلى الله عليه و آله ابنَتَهُ فاطِمَةَ ، وجَعَلَهُ لَها بَعلاً بِاختِيارِهِ لَها ، وجَعَلَها لَهُ زَوجَةً بِاختِيارِها لَهُ ،

.


1- .مروج الذهب : ج2 ص437 .
2- .معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، أبو ليلى الخليفة . بويع بعهد من أبيه . وكان شابّاً ديِّناً خيراً من أبيه . فولِّي أربعين يوماً ، وقيل : ثلاثة أشهر ، وقيل : بل ولِّي عشرين يوماً . ومات وله ثلاث وعشرون سنة ، وقيل : إحدى وعشرون سنة ، وقيل : بل سبع عشرة سنة . وامتنع أن يعهد بالخلافة إلى أحد (راجع سير أعلام النبلاء : ج4 ص139 الرقم46) .

ص: 96

أبو سِبطَيهِ ؛ سَيِّدَي شَبابِ أهِل الجَنَّةِ ، وأفضَلِ هذِهِ الاُمَّةِ ، تَربِيَةِ الرَّسولِ ، وَابنَي فاطِمَةَ البَتولِ ، مِنَ الشَّجَرَةِ الطَيِّبَةِ الطّاهِرَةِ الزّكِيَّةِ ، فَرَكِبَ جَدّي مَعَهُ ما تَعلَمونَ ، ورَكِبتُم مَعَهُ ما لا تَجهَلونَ ، حَتَّى انتَظَمَت لِجَدِّيَ الاُمورُ ، فَلَمّا جاءَهُ القَدَرُ المَحتومُ ، وَاختَرَمَتهُ أيدِي المَنونِ ، بَقِيَ مُرتَهِنا بِعَمَلِهِ ، فَريدا في قَبرِهِ ، ووَجَدَ ما قَدَّمَت يَداهُ ، ورَأى مَا ارتَكَبَهُ وَاعتَداهُ . ثُمَّ انتَقَلَتِ الخِلافَةُ إلى يَزيدَ أبي ، فَتَقَلَّدَ أمرَكُم لِهَوىً كانَ أبوهُ فيهِ ، ولَقَد كانَ أبي يَزيدُ بِسوءِ فِعلِهِ وإسرافِهِ عَلى نَفسِهِ ، غَيرَ خَليقٍ بِالخِلافَةِ عَلى اُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَرَكِبَ هَواهُ ، وَاستَحسَنَ خَطَأَهُ ، وأقدَمَ عَلى ما أقدَمَ مِن جُرأَتِهِ عَلَى اللّهِ ، وبَغيِهِ عَلى مَنِ استَحَلَّ حُرمَتَهُ مِن أولادِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَلَّت مُدَّتُهُ ، وَانقَطَعَ أثَرُهُ ، وضاجَعَ عَمَلَهُ ، وصارَ حَليفَ حُفرَتِهِ ، رَهينَ خَطيئَتِهِ ، وبَقِيَت أوزارُهُ وتَبِعاتُهُ ، وحَصَلَ عَلى ما قَدَّمَ ونَدِمَ حَيثُ لا يَنفَعُهُ النَّدَمُ ، وشَغَلَنَا الحُزنُ لَهُ عَنِ الحُزنِ عَلَيهِ ، فَلَيتَ شِعري ماذا قالَ وماذا قيلَ لَهُ ؟ هَل عوقِبَ بِإِساءَتِهِ وجوزِيَ بِعَمَلِهِ ؟ وذلِكَ ظَنّي . ثُمَّ اختَنَقَتهُ العَبرَةُ ، فَبَكى طَويلاً وعَلا نَحيبُهُ ، ثُمَّ قالَ : وصِرتُ أنَا ثالِثَ القَومِ ، وَالسّاخِطُ عَلَيَّ أكثَرُ مِنَ الرّاضي ، وما كُنتُ لَأَتَحَمَّلَ آثامَكُم ، ولا يَرانِيَ اللّهُ جَلَّت قُدرَتُهُ مُتَقَلِّدا أوزارَكُم وألقاهُ بِتَبِعَاتِكُم ، فَشَأنُكُم أمرُكُم فَخُذوهُ ، ومَن رَضيتُم بِهِ عَلَيكُم فَوَلّوهُ ، فَلَقَد خَلَعتُ بَيعَتي مِن أعناقِكُم . . . . وَاللّهِ لَئِن كانَتِ الخِلافَةُ مَغنَما لَقَد نالَ أبي مِنها مَغرَما ومَأثَما ، ولَئِن كانَت سوءا فَحَسبُهُ مِنها ما أصابَهُ . ثُمَّ نَزَلَ فَدَخَلَ عَلَيهِ أقارِبُهُ واُمُّهُ ، فَوَجَدوهُ يَبكي ، فَقالَت لَهُ اُمُّهُ : لَيتَكَ كُنتَ حَيضَةً ولَم أسمَع بِخَبَرِكَ !! فَقالَ : وَدِدتُ وَاللّهِ ذلِكَ ، ثُمَّ قالَ : وَيلي إن لَم يَرحَمني رَبّي . ثُمَّ إنَّ بَني اُمَيَّةَ قالوا لِمُؤَدِّبِهِ عُمَرَ المَقصوصِ : أنتَ عَلَّمتَهُ هذا ولَقَّنتَهُ إيّاهُ ،

.

ص: 97

وصَدَدتَهُ عَنِ الخِلافَةِ ، وزَيَّنتَ لَهُ حُبَّ عَلِيٍّ وأولادِهِ ، وحَمَلتَهُ عَلى ما وَسَمَنا بِهِ مِنَ الظُّلمِ ، وحَسَّنتَ لَهُ البِدَعَ حَتّى نَطَقَ بِما نَطَقَ وقالَ ما قالَ ، فَقالَ : وَاللّهِ ما فَعَلتُهُ ! ولكِنَّهُ مَجبولٌ ومَطبوعٌ عَلى حُبِّ عَلِيٍّ ، فَلَم يَقبَلوا مِنهُ ذلِكَ ، وأخَذوهُ ودَفَنوهُ حَيّا حَتّى ماتَ (1) .

تاريخ اليعقوبي :ثُمَّ مَلَكَ مُعاوِيَةُ بنُ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ ، واُمُّهُ اُمُّ هاشِمٍ بِنتُ أبي هاشِمِ بنِ عُتبَةَ بنِ رَبيعَةَ أربَعينَ يَوما ، وقيلَ : بَل أربَعَةَ أشهُرٍ ، وكانَ لَهُ مَذهَبٌ جَميلٌ ، فَخَطَبَ النّاسَ ، فَقالَ : أمّا بَعدَ حَمدِ اللّهِ وَالثَّناءِ عَلَيهِ ، أيُّهَا النّاسُ! فَإِنّا بُلينا بِكُم وبُليتُم بِنا ، فَما نَجهَلُ كَراهَتَكُم لَنا وطَعنَكُم عَلَينا ، ألا وإنَّ جَدّي مُعاوِيَةَ بنَ أبي سُفيانَ نازَعَ الأَمرَ مَن كانَ أولى بِهِ مِنهُ فِي القَرابَةِ بِرَسولِ اللّهِ ، وأحَقَّ فِي الإِسلامِ ، سابِقَ المُسلِمينَ ، وأوَّلَ المُؤمِنينَ ، وَابنَ عَمِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ ، وأبا بَقِيَّةِ خاتَمِ المُرسَلينَ ، فَرَكِبَ مِنكُم ما تَعلَمونَ ورَكِبتُم مِنُه ما لا تُنكِرونَ ، حَتّى أتَتهُ مَنِيَّتُهُ وصارَ رَهنا بِعَمَلِهِ ، ثُمَّ قُلِّدَ أبي وكانَ غَيرَ خَليقٍ لِلخَيرِ ، فَرَكِبَ هَواهُ ، وَاستَحسَنَ خَطَأَهُ ، وعَظُمَ رَجاؤُهُ ، فَأَخلَفَهُ الأَمَلُ ، وقَصُرَ عَنهُ الأَجَلُ ، فَقَلَّت مَنَعَتُهُ ، وَانقَطَعَت مُدَّتُهُ ، وصارَ في حُفرَتِهِ ، رَهنا بِذَنبِهِ ، وأسيرا بِجُرمِهِ . ثُمَّ بَكى ، وقالَ : إنَّ أعظَمَ الاُمورِ عَلَينا عِلمُنا بِسوءِ مَصرَعِهِ وقُبحِ مُنقَلَبِهِ ، وقَد قَتَلَ عِترَةَ الرَّسولِ ، وأباحَ الحُرمَةَ ، وحَرَقَ الكَعبَةَ ، وما أنَا المُتَقَلِّدُ اُمورَكُم ، ولَا المُتَحَمِّلُ تَبِعاتِكُم ، فَشَأنُكُم أمرُكُم ، فَوَاللّهِ لَئِن كانَتِ الدُّنيا مَغنَما لَقَد نِلنا مِنها حَظّا ، وإن تَكُن شَرّا فَحَسبُ آلِ أبي سُفيانَ ما أصابوا مِنها (2) .

.


1- .حياة الحيوان الكبرى : ج1 ص57 .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص254 .

ص: 98

9 / 22 النّسائيّ

9 / 23 النّظّام

9 / 22النِّسائِيُّ 1فتح الباري :قالَ أحمَدُ وإسماعيلُ القاضي وَالنِّسائِيُّ وأبو عَلِيٍّ النَّيسابورِيُّ : لَم يَرِد في حَقِّ أحَدٍ مِنَ الصَّحابَةِ بِالأَسانيدِ الجِيادِ أكثَرُ مِمّا جاءَ في عَلِيٍّ (1) .

9 / 23النَّظّامُ (2)الأمالي للطوسي عن الجاحظ عمرو بن بحر :سَمِعتُ النَّظّامَ يَقولُ : عَلِيُّ ابنُ أبي طالِبٍ عليه السلام مِحنَةٌ عَلَى المُتَكَلِّمِ ، إن وَفاهُ حَقَّهُ غَلا ، وإن بَخَسَهُ حَقَّهُ أساءَ ، وَالمَنزِلَةُ الوُسطى دَقيقَةُ الوَزنِ ، حادَّةُ اللِّسانِ ، صَعبَةُ التَّرَقّي ، إلّا عَلَى الحاذِقِ الذِّكِيِّ (3) .

.


1- .فتح الباري : ج7 ص71 ، الصواعق المحرقة : ص120 وفيه «الحسان» بدل «الجياد» وليس فيه «أحمد» .
2- .إبراهيم بن سيّار بن هاني النظّام ، أبو إسحاق البصري : من رؤوس المعتزلة . وكان شاعرا أديبا بليغا . كان أحد فرسان المتكلّمين . وله كتب كثيرة في الاعتزال والفلسفة . مات في خلافة المعتصم أو الواثق سنة بضع وعشرين ومائتين (راجع لسان الميزان : ج1 ص67 الرقم173 وإكمال الكمال : ج7 ص357 وسير أعلام النبلاء : ج10 ص541 الرقم172) .
3- .الأمالي للطوسي : ص588 ح1218 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص214 وفيه «الشان» و «الدين» بدل «اللسان» و «الذكي» ، جامع الأحاديث للقمّي : ص262 وفيه «حقيقة الوزر» بدل «دقيقة الوزن» .

ص: 99

9 / 24 الواقديّ

9 / 25 يوسف بن عبد البرّ

9 / 24الواقِدِيُّ (1)الفهرست_ في أخبارِ الواقِدِيِّ _: هُوَ الَّذي رَوى أنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ مِن مُعجِزاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله كَالعَصا لِموسى عليه السلام وإحياءِ المَوتى لِعيسَى بنِ مَريَمَ عليه السلام (2) .

9 / 25يوسُفُ بنُ عَبدِ البِرِّ (3)الاستيعاب :كانَ بَنو اُمَيَّةَ يَنالونَ مِنهُ ويَنقُصونَهُ ، فَما زادَهُ اللّهُ بِذلِكَ إلّا سُمُوّا وعُلُوّا ومَحَبَّةً عِندَ العُلَماءِ (4) .

.


1- .أبو عبد اللّه محمّد بن عمر بن واقد الواقدي المدني البغدادي : مولى بني هاشم ، وقيل : مولى بني سهم بن أسلم . المؤرّخ المشهور ، كان عالما بالمغازي والسيَر والفتوح ، واختلاف الناس في الحديث والفقه والأحكام والأخبار . قيل : إنّه شيعي . وُلد سنة (130 ه ) وتوفّي ببغداد سنة (207 ه ) (راجع أعيان الشيعة : ج10 ص31 ومقدّمة المغازي للواقدي) .
2- .الفهرست لابن النديم : ص111 .
3- .أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ بن عاصم النمري المالكي : صاحب التصانيف . مولده في سنة (368 ه ) ، وعاش 95 عاما ، ووفاته سنة (463 ه ) . وله كتاب «التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد» و«الاستيعاب في أسماء الصحابة» وكتاب «جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله» وكتاب «الكافي في مذهب مالك» خمسة عشر مجلّدا . . . (راجع سير أعلام النبلاء : ج18 ص153 الرقم85) .
4- .الاستيعاب : ج3 ص215 الرقم1875 .

ص: 100

. .

ص: 101

الفصل العاشر : عليّ عن لسان الشعراء

بحث حول عليّ في الشعر العربي

الفصل العاشر : عليّ عن لسان الشعراءبحث حول عليّ في الشعر العربيالشعر من أروع ما أبدعه الفكر الجمالي لدى الإنسان . وهو من الوسائل المهمّة لتخليد الأفكار ، والأحداث ، والقيم ، ويعدّ أهمّ عامل لبثّ الأفكار والتعاليم . الشعر يهيّج العواطف ، ويثير دفائن العقول . وقد تولّد القصائد المطوّلة والمقطوعات الشعريّة ملحمة و هياجاً و جلبةً في المجتمع الإنساني . وكان الشعراء _ على مرّ التاريخ _ أهمّ المنادين بالقيم ، والموسّعين لنطاق الأفكار ، و الموجّهين للعواطف سواءً فيما يُحمد أم فيما يذمّ . . . وبهذه الرؤية نظر أئمّة الدين إلى الشعر ، وجدّوا في دعوة الشعراء إلى الهدفيّة ، والالتزام ، والرويّة الرفيعة ، والصمود والصلابة ، والاستقامة وإلى مقارعة الرذائل والقبائح و ضروب الظلم وكلّ ما يشين ، والثبات على طريق بثّ القيم الإنسانيّة والدفاع عن الحقّ . ومن المؤسف أن شهد التاريخ على تواتر الأيّام استغلال المتسلّطين من أعداء الفضيلة لهذا المظهر الجميل للروح الإنسانيّة استغلالاً سيّئاً ، فألجؤوا الشعراء إلى إنشاء المدائح الذليلة المذلّة الجارحة للعزّ والشمم ، وسجّلوا بهذا إحدى الصفحات السوداء للأدب والثقافة البشريّة .

.

ص: 102

وقد قالَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ وهو نبيّ الحرّية والكرامة الإنسانيّة _ : «اُحثوا في وُجوهِ المَدّاحينَ التُّرابَ» (1) . وقالَ أيضا مبيّنا ما في مدح الجبّارين و الطّغاة من شدّة القبح والوضاعة والحقارة : «إذا مُدِحَ الفاجِرُ اهتَزَّ العَرشُ و غَضِبَ الرَّبُّ» (2) . بيد أنّه صلى الله عليه و آله كان من جهة اُخرى يثني على الشاعر الذي ينشد في الحقّ ، و يرفع صوته بمكرمة إنسانيّة ؛ و يدعو له ، و يثمّن عمله ، كما أثر عنه صلى الله عليه و آله لمّا سمع أبياتاً من رائيّة النابغة الجعدي أنّه دعا له قائلاً : «لا يَفضُضِ اللّهُ فاكَ . . .» (3) . وكان هناك شعراء منذ قديم الأيّام لم يطيقوا مدح الظلم والولاء له ، ولم يَرُقْهم الثناء على الظالمين ، بل كانوا ينشدون ملاحم المجد والعظمة و البهاء ، و يشيدون بالجمال والنور وصانعيه ، وكان دأبهم التواضع لوهج شمس الحقيقة المتألّقة . و هكذا كان منهم من وقف أمام القمّة الشاهقة لشخصيّة مولى الموحّدين و أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ومدحوا ذلك الطود الأشمّ ، الفيّاض بالمكارم ، الذي تستمدّ منه وجودها جميع القيم الإنسانيّة الربّانيّة الرفيعة ، وسطّروا في كلماتهم معالي ذلك الإنسان العظيم ، وشجاعته ، وشهامته ، واستبساله ، وعشقه ، وولهه في اللّه تعالى ، وقدّموها لجميع الأجيال و الأعصار . إنّ ما تطرّق إليه الشعراء من أوصاف إمام المحقّين و دليل الأبرار ؛ من ضروب تعظيمه ، و بيان أبعاد شخصيّته ، ممّا يثير الحماسة و الهياج . و من مظاهر هذا التعظيم والتبجيل ذكر واقعة «غديرخمّ» العظيمة منذ لحظاتها

.


1- .الأمالي الصدوق : ص512 ح707 ، بحار الأنوار : ج73 ص294 ح1 و ج76 ص331 .
2- .تحف العقول : ص46 ، بحار الأنوار : ج77 ص152 ح84.
3- .الغيبة للطوسي : ص119 .

ص: 103

الاُولى ، إذ قام حسّان بن ثابت ، و أنشد يقول : يُناديهُمُ يَومَ الغَديرِ نَبِيُّهُم بِخُمٍّ، و أسمِع بِالرَّسولِ مُنادِيا و إلى يومنا هذا خلّد الشعراء ذلك «الإبلاغ» العظيم في مئات القصائد و المقطوعات . ونذكر في هذا الفصل غيضاً من فيض ، و قطرةً من بحر ذلك الثناء و التعظيم ، و المظاهر الرفيعة للإبداعات الفنّية للاُدباء و الشعراء ؛ الطافح شعرهم بالمشاعر الفيّاضة في مدح مولى الموحّدين أمير المؤمنين عليه السلام . وتمتدّ هذه المدائح القيّمة من القرن الأوّل حتى قرننا هذا ، مع تأكيدنا المتكرّر أنّ هذه المدائح مختارات على قدر ما يفسح به المجال ، و إلّا فمن الواضح أنّها لو جمعت لبلغت مجلّدات من الكتب .

.

ص: 104

القرن الأوّل :

10 / 1 كعب بن زهير

10 / 2 بشر بن منقذ العبديّ

القَرنُ الأَوَّلُ10 / 1كَعبُ بنُ زُهَيرٍ (1)من شعراء القرن الأوّل ، يقول : إنَّ عَلِيّا لَمَيمونٌ نَقيبَتُهُ بِالصّالِحاتِ مِنَ الأَفعالِ مَحبورٌ صِهرُ النَّبِيِّ وخَيرُ النّاسِ كُلِّهِمُ فَكُلُّ مَن رامَهُ بِالفَخرِ مَفخورُ صَلَّى الصَّلاةَ مَعَ الاُمِّيِّ أوَّلَهُم قَبلَ العِبادِ ورَبُّ النّاسِ مَكفورُ بِالعَدلِ قُمتَ أمينا حينَ خالَفَهُ أهلُ الهَوى مِن ذَوِي الأَهواءِ وَالزّور يا خَيرَ مَن حَمَلتَ نَعلاً لَهُ قَدَمٌ إلَا النَّبِيِّ لَدَيهِ البَغيُ مَهجورُ اللّهُ أعطاكَ فَضلاً لا زَوالَ لَهُ مِن أينَ آتي لَهُ الأَيّامَ تَغييرُ (2)

10 / 2بِشرُ بنُ مُنقِذٍ العَبدِيُّ (3)من شعراء القرن الأوّل ، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، يقول_ في الإمام على

.


1- .كان شاعرا فحلاً مُجيدا ، وكان النبيّ صلى الله عليه و آله قد أهدر دمه لأبيات قالها لمّا هاجر أخوه بجير بن زهير إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، فهرب ثمّ أقبل إلى النبيّ صلى الله عليه و آله مسلما ، فأنشده في المسجد قصيدته التي أوّلها «بانت سعاد فقلبي اليوم متبول» . وأورد ابن شهر آشوب أبياتا له في أمير المؤمنين عليه السلام . توفّي سنة (45 ه ) (راجع أعيان الشيعة : ج9 ص29) .
2- .المناقب للكوفي: ج2 ص86 ح571، الغدير: ج3 ص231 وفيه ثلاثة أبيات؛ أنساب الأشراف: ج3 ص265 نحوه وفيه خمسة أبيات .
3- .أبو منقذ بشر بن منقذ المعروف بالأعور الشنّي العبدي : كان مع عليّ عليه السلام في الجمل وصفّين ، وكان من شعراء أهل العراق في صفّين . وفي الطليعة : كان فارسا شجاعا شاعرا ، له في صفّين وغيرها مآثر وإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام . توفّي في زمن معاوية وولاية زياد على الكوفة ، وقيل : قتله زياد فيمن قتل من شيعة عليّ عليه السلام وذلك حدود سنة (50 ه ) (راجع أعيان الشيعة : ج3 ص576) .

ص: 105

10 / 3 حسّان بن ثابت

وولديه الحسن والحسين عليهم السلام _: أبا حَسَنٍ أنتَ شَمسُ النَّهارِ وهذانِ فِي الحادِثاتِ القَمَرْ وأنتَ وهذانِ حَتَّى المَماتِ بِمَنزِلَةِ السَّمعِ بَعدَ البَصَرْ وأنتُم اُناسٌ لَكُم سَورَةٌ يُقَصِّرُ عَنها أكُفُّ البَشَرْ يُخَبِّرُنا النّاسُ عَن فَضلِكُمْ وفَضلُكُمُ اليَومَ فَوقَ الخَبَرْ عَقَدتَ لِقَومٍ ذَوي نَجدَةٍ مِنَ اهلِ الحَياءِ وأهلِ الخَطَرْ مساميحُ بِالمَوتِ عِندَ اللِّقا ءِ مِنّا وإخوانِنا مِن مُضَرْ ومِن حَيِّ ذي يَمَنٍ جِلَّةٌ يُقيمونَ فِي النّائِباتِ الصَّعَرْ (1) فَكُلٌّ يَسُرُّكَ في قَومِهِ ومَن قالَ : لا فَبِفيهِ الحَجَرْ ونَحنُ الفَوارِسُ يَومَ الزُّبَيرِ وطَلحَةَ إذ قيلَ أودى غُدَرْ ضَرَبناهُمُ قَبلَ نِصفِ النّهارِ إلَى اللَّيلِ حَتّى قَضَينَا الوَطَرْ ولَم يَأخُذِ الضَّربُ إلَا الرُّؤوسَ ولَم يَأخُذِ الطَّعنُ إلَا الثُّغَرْ فَنَحنُ اُولئِكَ في أمسِنا ونَحنُ كَذلِكَ فيما غَبَرْ (2)

10 / 3حَسّانُ بنُ ثابِتٍ (3)من جهابذة شعراء القرن الأوّل ، يقول : جَزَى اللّهُ خَيرا (4) وَالجَزاءُ بِكَفِّهِ أبا حَسَنٍ عَنّا ومَن كَأَبي حَسَنْ سَبَقتَ قُرَيشا بِالَّذي أنتَ أهلُهُ فَصَدرُكَ مَشروحٌ وقَلبُكَ مُمتَحَنْ تَمَنَّت رِجالٌ مِن قُرَيشٍ أعِزَّةٌ مَكانَكَ هَيهاتَ الهُزالُ مِنَ السِّمَنْ! وأنتَ مِنَ الإِسلام في كُلِّ مَوطِنٍ بِمَنزِلَةِ الدَّلوِ البَطينِ مِنَ الرَّسَنْ غَضِبتَ لَنا إذ قامَ عَمروٌ بِخُطبَةٍ أماتَ بِهَا التَّقوى وأحيا بِهَا الإِحَنْ وكُنتَ المُرجّى مِن لُؤَيِّ بنِ غالِبٍ لِما كانَ مِنهُم وَالَّذي كانَ لَم يَكُنْ حَفِظتَ رَسولَ اللّهِ فينا وعَهدَهُ إلَيكَ ومَن أولى بِهِ مِنكَ مَنْ ومَنْ ؟ أ لَستَ أخاهُ فِي الهُدى ووَصِيَّهُ وأعلَمَ مِنهُم بِالكِتابِ وبِالسُّنَنْ فَحَقُّكَ مادامَت بِنَجدٍ وَشيجَةٌ عَظيمٌ عَلَينا ثُمَّ بَعدُ عَلَى اليَمَنْ (5)

.


1- .الصَّعَر : التكبُّر (لسان العرب : ج4 ص456) .
2- .وقعة صفّين: ص426، أعيان الشيعة : ج3 ص577؛ شرح نهج البلاغة: ج8 ص68 .
3- .أبو الوليد حسّان بن ثابت بن المنذر : ولد حسّان قبل مولد النبيّ صلى الله عليه و آله بثمان سنين ، وعاش مئة وعشرين سنة وتوفّي سنة (54 ه ) على قول ، وبيت حسّان أحد بيوتات الشعر ، عريق في الأدب ونظم القريض . وعن أبي عبيدة : إنّ العرب اجتمعت على أنّ حسّان أشعر أهل المدن وأنّه فضل الشعراء بثلاث : كان شاعر الأنصار ، وشاعر النبيّ صلى الله عليه و آله في أيّامه ، وشاعر اليمن كلّها في الإسلام (راجع الغدير : ج2 ص62 _ 63) .
4- .في المصدر : «عنّا» ، وما في المتن أثبتناه من تاريخ اليعقوبي .
5- .الأخبار الموفّقيّات : ص598 ، شرح نهج البلاغة : ج6 ص35 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص128 نحوه .

ص: 106

ويقول أيضاً : أبا حَسَنٍ تَفديكَ نَفسي ومُهجَتي وكُلُّ بَطيءٍ فِي الهُدى ومُسارِعِ أيَذهَبُ سَعيٌ فيمَديحِكَ ضائِعا ؟ ! ومَا المَدحُ في جَنبِ الإِلهِ بِضائِعِ فَأَنتَ الَّذي أعطَيتَ إذ كُنتَ راكِعا فَدَتكَ نُفوسُ القَومِ يا خَيرَ راكِعِ فَأَنزَلَ فيكَ اللّهُ خَيرَ وِلايَةٍ فَثَبَّتَها في مُحكَماتِ الشَّرائِعِ (1)

راجع : ج 1 ص 565 (أبيات حسّان بن ثابت).

.


1- .بشارة المصطفى : ص266 ، مجمع البيان: ج3 ص325، كشف الغمّة: ج1 ص301، المناقب لابن شهر آشوب: ج3 ص6 ونسب فيه إلى «خزيمة بن ثابت» ؛ المناقب للخوارزمي : ص265 ح246 كلاهما نحوه .

ص: 107

10 / 4 محمّد الحميريّ

10 / 4مُحَمَّدٌ الحِميَرِيُّ (1)يقول : بِحَقِّ مُحَمَّدٍ قولوا بِحَقٍّ فَإِنَّ الإِفكَ مِن شِيَمِ اللِّئامِ أبَعَد مُحَمَّدٍ بِأَبي واُمّي رَسولِ اللّهِ ذِي الشَّرَفِ الهُمامِ ألَيسَ عَلِيٌّ أفضَلَ خَلقِ رَبّي وأشرَفَ عِندَ تَحصيلِ الأَنامِ ؟ وِلايَتُهُ هِيَ الإِيمانُ حَقّا فَذَرني مِن أباطيلِ الكَلامِ وطاعَةُ ربِّنا فيها وفيها شِفاءٌ لِلقُلوبِ مِنَ السَّقامِ عَلِيُّ إمامُنا بِأَبي واُمّي أبُو الحَسَنِ المُطَهَّرُ مِن حَرامِ إمامُ هُدىً أتاهُ اللّهُ عِلما بِهِ عُرِفَ الحَلالُ مِنَ الحَرامِ ولَو أنّي قَتَلتُ النَّفسَ حُبّا لَهُ ما كانَ فيها مِن أثامِ يَحُلُّ النّارَ قَومٌ أبغَضوهُ وإن صَلّوا وصاموا ألفَ عامِ ولا وَاللّهِ لا تَزكو صَلاةٌ بِغَيرِ وِلايَةِ العَدلِ الإِمامِ أميرَ المُؤمِنينَ بِكَ اعتِمادي وبِالغُرِّ المَيامينِ اعتِصامي فَهذَا القَولُ لي دِينٌ وهذا إلى لُقياكَ يا رَبّي كَلامي بَرِئتُ مِن الَّذي عادى عَلِيّا وحارَبَهُ مِنَ اولادِ الحَرامِ تَناسَوا نَصبَهُ في يَومِ «خُمٍّ» مِنَ الباري ومِن خَيرِ الأَنامِ بِرَغمِ الأَنفِ مَن يَشنَأُ كَلامي عَلِيٌّ فَضلُهُ كَالبَحرِ طامي (2) وأبرَأُ مِن اُناسٍ أخَّروهُ وكانَ هُوَ المُقَدَّمَ بِالمَقامِ عَلِيٌّ هَزَّمَ الأَبطالَ لَمّا رَأَوا في كَفِّهِ ذاتَ الحُسامِ عَلى آلِ الرَّسولِ صَلاةُ رَبّي صَلاةً بِالكَمالِ وبِالتَّمامِ (3)

.


1- .محمّد بن عبد اللّه الحميري : زميل عمرو بن العاص ، أحسبه ابن القاضي عبد اللّه بن محمّد الحميري الذي قلَّدهُ معاوية بن أبي سفيان ديوان الخاتم . عدّه صاحب الغدير من شعراء القرن الأوّل الهجري ، ولقصيدته «بحقّ محمّد قولوا بحقّ . . .» قصّة مشهورة ؛ فقد اجتمع الطرمّاح الطائي ، وهشام المرادي ، ومحمّد بن عبد اللّه الحميري عند معاوية بن أبي سفيان ، فأخرج بدرة فوضعها بين يديه ، وقال : يا معشر شعراء العرب! قولوا قولكم في عليّ بن أبي طالب ، ولا تقولوا إلّا الحقّ ، وأنا نفيٌّ من صخر بن حرب إن أعطيت هذه البدرة إلّا من قال الحقّ في عليّ . فقام الطرمّاح وتكلّم في عليّ ووقع فيه ، فقال له معاوية : اجلس فقد عرف اللّه نيّتك ورأى مكانك ! ثمّ قام هشام المرادي فقال أيضا ووقع فيه ، فقال له معاوية : اجلس مع صاحبك فقد عرف اللّه مكانكما ! فقال عمرو بن العاص لمحمّد بن عبد اللّه الحميري _ وكان خاصّا به _ : تكلّم ولا تقل إلّا الحقّ . فقام محمّد بن عبد اللّه فتكلّم ثمّ قال : «بحقّ محمّد . . .» القصيدة ، فقال معاوية : أنت أصدقهم قولاً ، فخذ هذه البدرة (راجع الغدير : ج2 ص178) .
2- .طما البحر : ارتفع بأمواجه (النهاية : ج3 ص139) .
3- .بشارة المصطفى : ص11، بحار الأنوار : ج33 ص259 ح531؛ فرائد السمطين : ج1 ص375 نحوه إلى «برئت».

ص: 108

10 / 5 امّ الهيثم بنت الأسود النّخعيّة

10 / 5اُمُّ الهَيثَمِ بِنتُ الأَسوَدِ النَّخَعِيَّةُ 1من صحابيّات أمير المؤمنين عليه السلام ، تقول في رثائه : ألا يا عَينُ وَيحَكِ فَاسعَدينا أ لا تَبكي أميرَ المُؤمِنينا! رُزينا خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا وخَيَّسَها (1) ومَن رَكِبَ السَّفينا ومَن لَبِسَ النِّعالَ ومَن حَذاها ومَن قَرَأَ المَثانِيَ وَالمِئينا وكُنّا قَبلَ مَقتَلِهِ بِخَيرٍ نَرى مَولى رَسولِ اللّهِ فينا يُقيمُ الدّينَ لا يَرتابُ فيهِ ويَقضي بِالفَرائِضِ مُستَبينا ويَدعو لِلجَماعَةِ مَن عَصاهُ ويَنْهَكُ (2) قَطعَ أيدِي السّارِقينا ولَيسَ بِكاتِمٍ عِلما لَدَيهِ ولَم يَخلُق مِنَ المُتَجَبِّرينا لَعَمرُ أبي لَقَد أصحابُ مِصرٍ عَلى طولِ الصَّحابَةِ أوجَعونا وغَرّونا بِأَنَّهُمُ عُكوفٌ ولَيسَ كَذاكَ فِعلُ العاكِفينا أفي شَهرِ الصِّيامِ فَجَعتُمونا بِخَيرِ النّاسِ طُرّا أجمَعينا ومِن بَعدِ النَّبِيِّ فَخَيرُ نَفسٍ أبو حَسَنٍ وخَيرُ الصّالِحينا كَأَنَّ النّاسَ إذ فَقَدوا عَلِيّا نَعامٌ جالَ في بَلَدٍ سِنينا ولَو أنّا سُئِلنَا المالَ فيهِ بَذَلنَا المالَ فيهِ وَالبَنينا أشابَ ذُؤابَتي وأطالَ حُزني اُمامَةُ حينَ فارَقَتِ القَرينا تَطوفُ بِهِ لِحاجَتِها إلَيهِ فَلَمَّا استَيأَسَت رَفَعَت رَنينا وعَبرَةُ اُمِّ كُلثومٍ إلَيها تُجاوِبُها وقَد رَأَتِ اليَقينا فَلا تَشمَت مُعاوِيَةَ بنَ صَخرٍ فَإِنَّ بَقِيَّةَ الخُلَفاءِ فينا وأجمَعنَا الإِمارَةَ عَن تَراضٍ إلَى ابنِ نَبِيِّنا وإلى أخينا ولا نُعطي زِمامَ الأَمرِ فينا سِواهُ الدَّهرَ آخِرَ ما بَقينا وإنّ سَراتَنا (3) وذَوي حِجانا تَواصَوا أن نُجيبَ إذا دُعينا بِكُلِّ مُهَنَّدٍ عَضبٍ وجُردٍ عَلَيهِنَّ الكُماةُ مُسَوَّمينا (4)

.


1- .خيّسه : راضه وذلّله بالركوب (النهاية : ج2 ص92) .
2- .النَّهْك : المبالغة في كلّ شيء (لسان العرب : ج10 ص500) أي يبالغ في العقوبة .
3- .سَراتنا : أي أشرافنا (النهاية : ج2 ص363) .
4- .مقاتل الطالبيّين : ص55 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص315 عن أبي الأسود الدؤلي وفيه بعض الأبيات .

ص: 109

. .

ص: 110

10 / 6 امّ سنان بنت خيثمة بن خرشة المذحجيّة

10 / 6اُمُّ سِنانٍ بِنتُ خَيثَمَةَ بنِ خَرَشَةَ المَذحِجِيَّةُ (1)من شواعر القرن الأوّل ، تقول : عَزَبَ (2) الرُّقادُ فَمُقلَتي ما تَرقُدُ وَاللَّيلُ يُصدِرُ بِالهُمومِ ويورِدُ يا آلَ مَذحِجَ لا مُقامَ فَشَمِّروا إنَّ العَدُوَّ لِالِ أحمَدَ يَقصِدُ هذا عَلِيٌّ كَالهِلالِ يَحُفُّهُ وَسَطَ السَّماءِ مِنَ الكَواكِبِ أسعَدُ خَيرُ الخَلائِقِ وَابنُ عَمِّ مُحَمَّدٍ وكَفى بِذاكَ لِمَن شَناهُ (3) تَهَدُّدُ ما زالَ مُذ عَرَفَ الحُروبَ مُظَفَّرا وَالنَّصرُ فَوقَ لِوائِهِ ما يُفقَدُ (4)

ولها أيضا : إمّا هَلَكتَ أبَا الحُسَينِ فَلَم تَزَلْ بِالحَقِّ تُعرَفُ هادِيا مَهدِيّا فَاذهَب عَلَيكَ صَلاةُ رَبِّكَ ما دَعَت فَوقَ الغُصونِ حَمامَةٌ قَمَريّا قَد كُنتَ بَعدَ مُحَمَّدٍ خَلَفا لَنا أوصى إلَيكَ بِنا فَكُنتَ وَفِيّا فَاليَومَ لا خَلَفٌ نَأمُلُ بَعدَهُ هَيهاتَ نَمدَحُ بَعدَهُ إنسِيّا (5)

.


1- .راجع : ج 4 ص 12 (اُمّ سنان) .
2- .عَزَب : بَعُد عهده (النهاية : ج3 ص227) .
3- .شنأه : أبغضه (لسان العرب : ج1 ص101) .
4- .بلاغات النساء : ص92، العقد الفريد: ج1 ص339، تاريخ دمشق: ج70 ص247 .
5- .بلاغات النساء : ص93، العقد الفريد: ج1 ص340؛ الصراط المستقيم: ج2 ص38 .

ص: 111

القرن الثّاني

10 / 7 الكميت بن زيد الأسديّ

القَرنُ الثّاني10 / 7الكُمَيتُ بنُ زَيدٍ الأَسَدِيُّ (1)من أشهر وأشجع شعراء أهل البيت عليهم السلام، يقول : عَلِيٌّ أميرُ المُؤمِنينَ وحَقُّهُ مِنَ اللّهِ مَفروضٌ عَلى كُلِّ مُسلِمِ وإنَّ رَسولَ اللّهِ أوصى بِحَقِّهِ وأشرَكَهُ في كُلِّ حَقٍّ مُقَسَّمِ وزَوَّجَهُ صِدّيقَةً لَم يَكُن لَها مُعادِلَةٌ غَيرُ البَتولَةِ مَريَمِ ورَدَّمَ أبوابَ الَّذينَ بَنى لَهُم بُيوتا سِوى أبوابِهِ لَم يُرَدِّمِ وأوجَبَ يَوما بِالغَديرِ وِلايَةً عَلى كُلِّ بَرٍّ مِن فَصيحٍ وأعجَمِ (2)

وله أيضا : نَفى عَن عَينِكَ الأرَقُ الهُجوعا وهَمٌّ يَمتَري مِنهَا الدُّموعا دَخيلٌ فِي الفُؤادِ يَهيجُ سُقما وحُزنا كانَ مِن جَذَلٍ مَنوعا وتَوكافُ (3) الدُّموعِ عَلَى اكتِئابٍ أحَلَّ الدَّهرُ موجَعَهُ الضُّلوعا تَرَقرَقُ أسحَما دَرَرا وسَكبا يُشَبَّهُ سَحُّها غَربا هَموعا (4) لِفِقدانِ الخَضارِمِ مِن قُرَيشٍ وخَيرِ الشّافِعينَ مَعا شَفيعا لَدَى الرَّحمنِ يَصدَعُ بِالمَثاني وكانَ لَهُ أبو حَسَنٍ قَريعا حَطوطا في مَسَرَّتِهِ ومَولىً إلى مَرضاةِ خالِقِهِ سَريعا وأصفاهُ النَّبِيُّ عَلَى اختِيارٍ بِما أعيَا الرَّفوضَ لَهُ المُذيعا ويَومَ الدَّوحِ دَوحِ غَديرِ خُمٍّ أبانَ لَهُ الوِلايَةَ لَو اُطيعا ولكِنَّ الرِّجالَ تَبايَعوها فَلَم أَرَ مِثلَها خَطَرا مَبيعا (5)

.


1- .أبو المستهل الكميت بن زيد بن خنيس : قال أبو الفرج : شاعر مقدّم عالم بلغات العرب ، خبير بأيّامها ، من شعراء مضر وألسنتها ، وكان في أيّام بني اُميّة ، ولم يدرك الدولة العبّاسيّة ومات قبلها ، وكان معروفا بالتشيّع لبني هاشم مشهورا بذلك . وقال بعضهم : كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر : كان خطيب أسد ، فقيه الشيعة ، حافظ القرآن العظيم ، ثبت الجنان ، كاتبا حسن الخطّ ، نسّابة جدلاً ، وهو أوّل من ناظر في التشيّع ، راميا لم يكن في أسد أرمى منه ، فارسا شجاعا سخيّا ديّنا ، وهو شاعر أهل البيت عليهم السلام ، وقد ورد عنهم عليهم السلام في حقّه مدائح قيّمة ، ولادته سنة (60 ه ) ووفاته سنة (126 ه ) (راجع الغدير : ج2 ص195 و ص211) .
2- .الغدير : ج2 ص195 .
3- .وَكَفَ الدمع : تقاطر (النهاية : ج5 ص220) .
4- .الأسْحَم : السحاب ، يقال : أسحمتِ السماءُ : جسّت ماءها ، والغَرْب : الدلو العظيمة ، وَهَمَعَ : سال (لسان العرب : ج12 ص282 و ج1 ص642 و ج8 ص375) .
5- .الغدير : ج2 ص180 .

ص: 112

10 / 8 السيّد الحميريّ

10 / 8السَيِّدُ الحِميَرِيُّ (1)من أكابر الشعراء في القرن الثاني ، يقول : اُقسِمُ بِاللّهِ وآلائِهِ وَالمَرءُ عَمّا قالَ مَسؤولُ إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عَلَى التُّقى وَالبِرِّ مَجبولُ وإنَّهُ كانَ الإِمامَ الَّذي لَهُ عَلَى الاُمَّةِ تَفضيلُ يَقولُ بِالحَقِّ ويعنى (2) بِهِ ولا تُلَهّيهِ الأَباطيلُ كانَ إذَا الحَربُ مَرَتهَا القَنا (3) وأحجَمَت عَنهَا البَهاليلُ (4) يَمشي إلَى القِرنِ وفي كَفِّهِ أبيَضُ ماضِي الحَدِّ مَصقولُ مَشيَ العَفَرْنى (5) بَينَ أشبالِهِ أبرَزَهُ لِلقَنَصِ الغيلُ (6) ذاكَ الَّذي سَلَّمَ في لَيلَةٍ عَلَيهِ ميكالٌ وجِبريلُ ميكالُ في ألفٍ وجبريلُ في ألفٍ ويَتلوهُمُ سَرافيلُ لَيلَةَ بَدرٍ مَدَداً اُنزِلوا كَأَنَّهُم طَيرٌ أبابيلُ فَسَلَّموا لَمّا أتَوا حَذوَهُ وذاكَ إعظامٌ وتَبجيلُ (7)

.


1- .إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن ربيعة الحِمْيري : ولد في سنة (105 ه ) ، قال : كنت وأنا صبي أسمع أبويّ يثلبان أمير المؤمنين عليه السلام فأخرج عنهما وأبقى جائعا ، واُؤثر ذلك على الرجوع إليهما ، فأبيت في المساجد جائعا لحبّي لفراقهما وبغضي لهما . والذي يجمع عليه المؤرّخون أنّه اعتنق أوّل ما اعتنق المذهب الكيساني ، ولكنّه اعتنق مذهب الإماميّة بعد أن لقي الإمام الصادق عليه السلام فناظره وألزمه الحجّة . توفّي سنة (173 ه ) ودفن بالجنينة ببغداد (راجع ديوان السيّد الحميري : ص5) .
2- .في أعيان الشيعة : «يَقضي» وهو الأنسب. وفي بشارة المصطفى : «يفتي».
3- .مرى الشيء : استخرجه ، ومنه : مريتُ الفرسَ : إذا استخرجت ما عنده من الجري بسوط أو غيره . والقَنى : جمع قناة ؛ أي الرمح (تاج العروس : ج20 ص182 و ص102) .
4- .البهلول : العزيز الجامع لكلّ خير ، والحييّ الكريم (لسان العرب : ج11 ص73) .
5- .العَفَرْنى : الأسد الشديد (النهاية : ج3 ص262) .
6- .الغِيْل : الأجَمة وموضع الأسد (لسان العرب : ج11 ص512) .
7- .الأمالي للطوسي: ص198 ح339، بشارة المصطفى : ص53، ديوان السيّد الحميري : ص322 الرقم128 ، الغدير: ج2 ص269 .

ص: 113

وله أيضا : عَلِيٌ أحَبُّ النّاسِ إلّا مُحَمَّدا إلَيَّ فَدَعني مِن مَلامِكَ أو لُمِ عَلِيٌّ وَصِيُّ المُصطَفى وَابنُ عَمِّهِ وأوَّلُ مَن صَلّى ووَحَّدَ فَاعلَمِ عَلِيٌّ هُوَ الهادِي الإِمامُ الَّذي بِهِ أنارَ لَنا مِن دينِنا كُلِّ مُظلِمِ عَلِيٌّ وَلِيُّ الحَوضِ وَالذّائِدُ الَّذي يُذَبِّبُ عَن أرجائِهِ كُلَّ مُجرِمِ عَلِيٌّ قَسيمُ النّارِ مِن قَولِهِ لَها : ذَري ذا ، وهذا فَاشرَبي مِنهُ وَاطعَمي خُذي بِالشَّوى مِمَّن يُصيبُكِ مِنهُمُ ولا تَقرَبي مَن كانَ حِزبي فَتَظِلمي عَلِيٌّ غَدا يُدعى فَيَكسوهُ رَبُّهُ ويُدنيهِ حَقّا مِن رَفيقٍ مُكَرَّمِ فَإِن كُنتَ مِنهُ يَومَ يُدنيهِ راغِما وتُبدي الرِّضا عَنهُ مِنَ الآنَ فَارغَمِ فَإِنَّكَ تَلقاهُ لَدَى الحَوضِ قائِما مَعَ المُصطَفَى الهادِي النَّبِيِّ المُعَظَّمِ يُجيزانِ مَن والاهُما في حَياتِهِ إلَى الرَّوحِ وَالظِّلِّ الظَّليلِ المُكَمَّمِ عَلِيٌ أميرُ المُؤمِنينَ وحَقُّهُ مِنَ اللّهِ مَفروضٌ عَلى كُلِّ مُسلِمِ لِأَنَّ رَسولَ اللّهِ أوصى بِحَقِّهِ وأشرَكَهُ في كُلِّ فَيءٍ ومَغنَمِ وزَوجَتُهُ صِدّيقَةٌ لَم يَكُن لَها مُقارِنَةٌ غَيرُ البَتولَةِ مَريَمِ وكانَ كَهارونَ بنِ عِمرانَ عِندَهُ مِنَ المُصطَفى موسَى النَّجيبِ المُكَلَّمِ وأوجَبَ يَوما بِالغَديرِ وَلاءَهُ عَلى كُلِّ بَرٍّ مِن فَصيحٍ وأعجَمِ لَدى دَوحِ خُمٍّ آخِذا بِيَمينِهِ يُنادي مُبينا بِاسمِهِ لَم يُجَمجِمِ (1) أما وَالَّذي يَهوي إلى رُكنِ بَيتِهِ بِشُعثِ النَّواصي كُلُّ وَجناءَ عَيهَمِ (2) يُوافينَ بِالرُّكبانِ مِن كُلِّ بَلدَةٍ لَقَد ضَلَّ يَومَ الدَّوحِ مَن لَم يُسَلِّمِ وأوصى إلَيهِ يَومَ وَلّى بِأَمرِهِ وميراثَ عِلمٍ مِن عُرَى الدّينِ مُحكَمِ فَما زالَ يَقضي دَينَهُ وعِداتِهِ ويَدعو إلَيها مُسمِعا كُلَّ مَوسِمِ (3)

.


1- .جَمْجَمَ الرجل : إذا لم يبيّن كلامه (لسان العرب : ج12 ص110) .
2- .الوجناء : الغليظة الصلبة ، وقيل : العظيمة الوجنتين (النهاية : ج5 ص158) والعيهم : الشديد (تاج العروس : ج17 ص513) والمراد بها هنا الإبل .
3- .ديوان السيّد الحميري : ص399 الرقم167 ، الغدير : ج2 ص228 ، أعيان الشيعة : ج3 ص413 .

ص: 114

وله أيضا : مَن كانَ أوَّلَ مَن أبادَ بِسَيفِهِ كُفّارَ بَدرٍ وَاستَباحَ دِماءَ ؟ مَن ذاكَ نَوَّهَ جَبرَئيلُ بِإِسمِهِ في يَومِ بَدرٍ يَسمَعونَ نِداءَ ؟ لا سَيفَ إلّا ذُوالفَقارِ [و] لا فَتى إلّا عَلِيٌّ رِفعَةً وعَلاءَ ؟ مَن أنزَلَ الرَّحمنُ فيهِم هَل أتى لَمّا تَحَدَّوا لِلنُّذورِ وَفاءَ ؟ مَن خَمسَةٌ جِبريلُ سادِسُهُم وقَد مَدَّ النَّبِيُّ عَلَى الجَميعِ عَباءَ ؟ مَن ذا بِخاتَمِهِ تَصَدَّقَ راكِعا فَأَثابَهُ ذُو العَرشِ عَنهُ وَلاءَ ؟ يا رايَةً جِبريلُ سارَ أمامَها قَدما وأتبَعَهَا النَّبِيُّ دُعاءَ اللّهُ فَضَّلَهُ بِها ورَسولُهُ وَاللّهُ ظاهَرَ عِندَهُ الآلاءَ مَن ذا تَشاغَلَ بِالنَّبِيِّ وغُسلِهِ ورَأى عَنِ الدُّنيا بِذاكَ عَزاءَ ؟ مَن كانَ أعلَمُهُم وأقضاهُم ومَن جَعَلَ الرَّعِيَّةَ وَالرُّعاةَ سَواءَ ؟ مَن كانَ بابَ مَدينَةِ العِلمِ الَّذي ذَكَرَ النُّزولَ وفَسَّرَ الأَنباءَ ؟ مَن كانَ أخطَبَهُم وأنطَقَهُم ومَن قَد كانَ يَشفي قَولُهُ البُرَحاءَ (1) مَن كانَ أنزَعَهُم مِنَ الإِشراكِ أو لِلعِلمِ كانَ البَطنُ مِنهُ حَفاءَ ؟ مَن ذَا الَّذي اُمِروا إذَا اختَلَفوا بِأَن يَرضَوا بِهِ في أمرِهِم قَضّاءَ ؟ مَن قيلَ لَولاهُ ولَولا عِلمُهُ هَلَكوا وعانوا فِتنَةً صَمّاءَ ؟ مَن كانَ أرسَلَهُ النَّبِيُّ بِسورَةٍ فِي الحَجِّ كانَت فَيصَلاً وقَضاءَ ؟ مَن ذَا الَّذي أوصى إلَيهِ مُحَمَّدٌ يَقضِي العِداتِ فَأَنفَذَ الإِيصاءَ ؟ مَن ذَا الَّذي حَمَلَ النَّبِيُّ بِرَأفَةٍ اِبنَيهِ حَتّى جاوَزَ الغَمْصاءَ (2) ؟ مَن قالَ نِعْمَ الرّاكِبانِ هُما ولَم يَكُنِ الَّذي قَد كانَ مِنهُ خَفاءَ ؟ مَن ذا مَشى في لَمعِ بَرقٍ ساطِعٍ إذ راحَ مِن عِندِ النَّبِيِّ عِشاءَ (3) ؟

.


1- .البُرَحاء : الشدّة والمشقّة ، وخصّ بعضهم به شدّة الحمّى (لسان العرب : ج2 ص410) .
2- .الغَمْصاء : من منازل القمر ، وهي في الذراع أحد الكوكبين (لسان العرب : ج7 ص62) .
3- .ديوان السيّد الحميري : ص54 الرقم5 ، أعيان الشيعة : ج3 ص418 .

ص: 115

وله أيضا : قَولُ عَلِيٍّ لِحارِثٍ عَجَبٌ كَم ثَمَّ اُعجوبَةً لَهُ حَمَلا يا حارِ هَمدانَ مَن يَمُت يَرَني مِن مُؤمِنٍ أو مُنافِقٍ قُبُلا يَعرِفُني طَرفُهُ وأعرِفُهُ بِنَعتِهِ وَاسمِهِ وما عَمِلا وأنتَ عِندَ الصِّراطِ تَعرِفُني فَلا تَخَف عَثرَةً ولا زَلَلا أسقيكَ مِن بارِدٍ عَلى ظَمَإٍ تَخالُهُ فِي الحَلاوَةِ العَسَلا أقولُ لِلنّارِ حينَ توقَفُ لِلعَر ضِ دَعيهِ لاتَقرَبي الرَّجُلا دَعيهِ لا تَقرَبيهِ إنَّ لَهُ حَبلاً بِحَبلِ الوَصِيِّ مُتَّصِلا (1)

.


1- .الأمالي للمفيد : ص7 ح3 ، الأمالي للطوسي : ص627 ح1292 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص237 ، بشارة المصطفى : ص5 ، ديوان السيّد الحميري : ص327 الرقم131 ، بحار الأنوار: ج39 ص241 ح28؛ شرح نهج البلاغة: ج1 ص299.

ص: 116

وله أيضا : وَلَدَتهُ في حَرَمِ الإِلهِ وأمنِهِ وَالبَيتُ حَيثُ فِناؤُهُ وَالمَسجِدُ بَيضاءُ طاهِرَةُ الثِّيابِ كَريمَةٌ طابَت وطابَ وَليدُها وَالمَولِدُ في لَيلَةٍ غابَت نُحوسُ نُجومِها وبَدَت مَعَ القَمَرِ المُنيرِ الأَسعَدُ ما لُفَّ في خِرَقِ القَوابِلِ مِثلُهُ إلَا ابنُ آمَنَةَ النَّبِيُّ مُحَمَّدُ (1)

وله أيضا : أعلِماني أيَّ بُرهانٍ جَلِيّْ فَتَقولانِ بِتَفضيلِ عَلِيّْ ؟ بَعدَما قامَ خَطيبا مُعلِنا يَومَ «خُمٍّ» بِاجتِماعِ المَحفِلِ أحمَدُ الخَيرِ ونادى جاهِرا بِمَقالٍ مِنهُ لَم يُفتَعَلِ قالَ : إنَّ اللّهَ قَد أخبَرَني في مَعاريضِ الكِتابِ المُنزَلِ أنَّهُ أكمَلَ دينا قَيِّما بِعَلِيٍّ بَعدَ أن لَم يَكمُلِ وَهْوَ مَولاكُم فَوَيلٌ لِلَّذي يَتَوَلّى غَيرَ مَولاهُ الوَلِيّْ وهْوَ سَيفي ولِساني ويَدي ونَصيري أبَدا لَم يَزَلِ وَهْوَ صِنوي وصَفِيّي وَالَّذي حُبُّهُ فِي الحَشرِ خَيرُ العَمَلِ نورُهُ نوري ونوري نورُهُ وَهْوَ بِي مُتَّصِلٌ لَم يُفصَلِ وَهْوَ فيكُم مِن مَقامي بَدَلٌ وَيلُ مَن بَدَّلَ عَهدَ البَدَلِ قَولُهُ قَولي فَمَن يَأمُرهُ فَليُطِعهُ فيهِ وَليَمتَثِلِ إنَّما مَولاكُمُ بَعدي إذا حانَ مَوتي ودَنا مُرتَحَلي اِبنُ عَمّي ووَصِيّي وأخي ومُجيبي فِي الرَّعيلِ الأَوَّلِ وَهْوَ بابٌ لِعُلومي فَسُقوا ماءَ صَبِرٍ بِنَقيعِ الحَنظَلِ قَطَّبوا في وَجهِهِ وَائتَمَروا بَينَهُم فيهِ بِأَمرٍ مُعضِلِ (2)

.


1- .ديوان السيّد الحميري : ص155 الرقم42 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص175 ، روضة الواعظين : ص93 .
2- .الغدير : ج2 ص226 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص24 نحوه .

ص: 117

10 / 9 العبديّ الكوفيّ

10 / 9العَبدِيُّ الكوفِيُّ (1)* وعن المأمون :من الشعراء الممدوحين لدى أهل البيت عليهم السلام، يقول :

بَلِّغ سَلامِيَ قَبرا بِالغَرِيِّ حَوى

أوفَى البَرِيَّةِ مِن عُجمٍ ومِن عَرَبِ وَاجعَل شِعارَكَ للّهِ الخُشوعَ بِهِ

ونادِ خيرَ وَصِيٍّ صِنوِ خَيرِ نَبِيِّ اِسمَعْ أبا حَسَنٍ إنَّ الاُلى عَدَلوا

عَن حُكمِكَ انقَلَبوا عَن شَرِّ مُنقَلَبِ ما بالُهُم نَكَبوا نَهجَ النَّجاةِ وقَد

وَضَّحتَهُ وَاقتَفَوا نَهجا مِنَ العَطَبِ ؟ ! ودافَعوكَ عَنِ الأَمرِ الَّذي اعتَلَقَت

زِمامَهُ مِن قُرَيشٍ كَفُّ مُغتَصِبِ

إلى أن قال :

وكانَ أوَّلَ مَن أوصى بِبَيعَتِهِ

لَكَ النَّبِيُّ ولكِن حالَ مِن كَثَبِ حتّى إذا ثالِثٌ مِنهُم تَقَمَّصَها

وقَد تَبَدَّلَ مِنهَا الجِدُّ بِاللَّعِبِ عادَت كَما بُدِئَت شَوهاءَ جاهِلةً

تَجُرُّ فيها ذِئابٌ أكلَةَ الغَلَبِ وكانَ عَنها لَهُم في «خُمٍّ» مُزدَجَرٌ

لَمّا رَقى أحمَدُ الهادي عَلى قَتَبِ (2) وقالَ وَالنّاسُ مِن دانٍ إلَيهِ ومِن

ثاوٍ لَدَيهِ ومِن مُصغٍ ومُرتَقِبِ قُم يا عَلِيُّ فَإِنّي قَد اُمِرتُ بِأَن

اُبلِّغَ النّاسَ وَالتَّبليغُ أجدَرُ بي إني نَصَبتُ عَلِيّا هادِيا عَلَما

بَعدي وإنَّ عَلِيّا خيرُ مُنتَصَبِ فَبايَعوكَ وكُلٌّ باسِطٌ يَدَهُ

إلَيكَ مِن فَوقِ قَلبٍ عَنكَ مُنقَلِبِ

إلى أن قال :

لَكَ المَناقِبُ يَعيَى الحاسِبونَ بِها

عَدّا ويَعجِزُ عَنها كُلُّ مُكتَتِبِ كَرَجعَةِ الشَّمسِ إذ رُمتَ الصَّلاةَ وقَد

راحَت تَوارى عَنِ الأَبصارِ بِالحُجُبِ رُدَّت عَلَيكَ كَأَنَّ الشُّهبَ مَا اتَّضَحَت

لِناظرٍ وكَأَنَّ الشَّمسَ لَم تَغِبِ وفي بَراءَةَ أنباءٌ عَجائِبُها

لَم تُطوَ عَن نازِحٍ يَوما ومُقتَرِبِ ولَيلَةَ الغارِ لَما بِتَّ مُمتَلِئاً

أمنا وغَيرُكَ مَلآنٌ مِنَ الرُّعُبِ ما أنتَ إلّا أخُو الهادي وناصِرُهُ

ومُظهِرُ الحَقِّ وَالمَنعوتُ فِي الكُتُبِ وزَوجُ بَضعَتِهِ الزَّهراءِ يَكنُفُها

دونَ الوَرى وأبو أبنائِهِ النُّجُبِ (3)

.


1- .أبو محمّد سفيان بن مصعب العبدي الكوفي : من شعراء أهل البيت الطاهر ، المتزلّفين إليهم بولائه وشعره ، المقبولين عندهم لصدق نيّته وانقطاعه إليهم ، قال الإمام الصادق عليه السلام : «علّموا أولادكم شعر العبدي ، فإنّه على دين اللّه » (رجال الكشّي : ج2 ص704 الرقم748) ، ولم نجد في غير آل اللّه له شعرا ، وإنّ الواقف على شعره وما فيه من الجودة والجزالة والسهولة والعذوبة والمتانة ويرى ثناء الحِمْيري سيّد الشعراء عليه بأنّه أشعر الناس من أهله في محلّه (راجع الغدير : ج2 ص294 _ 297) .
2- .القَتَب : رَحلٌ صغير على قدر السنام (الصحاح : ج1 ص198) .
3- .الغدير : ج2 ص291 _ 293 .

ص: 118

. .

ص: 119

القرن الثّالث

10 / 10 الشّافعيّ

القَرنُ الثّالِثُ10 / 10الشّافِعِيُّ (1)* وعنه عليه السلام :أحد أئمّة أهل السنّة ، يقول : إذا في مَجلِسٍ نَذكُرُ عَلِيّا

وسِبطَيهِ وفاطِمَةَ الزَّكِيَّهْ يُقالُ تَجاوَزوا يا قومُ هذا

فَهذا مِن حَديثِ الرّافِضِيَّهْ بَرِئتُ إلَى المُهَيمِنِ مِن اُناسٍ

يَرَونَ الرَّفضَ حُبَّ الفاطِمِيَّهْ (2)* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :وله أيضا : يا آلَ بَيتِ رَسولِ اللّهِ حُبُّكُمُ

فَرضٌ مِنَ اللّهِ فِي القُرآنِ أنزَلَهُ يَكفيكُمُ مِن عَظيمِ الفَخرِ أنَّكُمُ

مَن لَم يُصَلِّ عَلَيكُم لا صَلاةَ لَهُ (3)طمح : عن أبي جعفر عليه السلام :وله أيضا : إلامَ إلامَ وحَتّى مَتى

اُعاتَبُ في حُبِّ هذَا الفَتى ؟ وهَل زُوِّجَت فاطِمٌ غَيرَهُ

وفي غَيرِهِ هَل أتى «هَلْ أَتَى» ؟ (4)(5)راجع : ص 67 (الشافعي) .

.


1- .هو إمام الشافعيّة ، وقد تقدّمت ترجمته في «عليّ عن لسان الأعيان» .
2- .ديوان الشافعي : ص83 وراجع الصراط المستقيم : ج3 ص77 والغدير : ج4 ص324 .
3- .ديوان الشافعي : ص68؛ الغدير: ج3 ص173.
4- .الإنسان : 1 .
5- .الصراط المستقيم : ج1 ص183 .

ص: 120

10 / 11 دعبل الخزاعيّ

10 / 11دِعبِلٌ الخُزاعِيُّ 1* وعن الوليد بن المغيرة :من أكابر الشعراء في القرن الثالث ، يقول : نَطَقَ القُرانُ بِفَضلِ آلِ مُحَمَّدٍ

ووِلايَةٍ لِعَلِيِّهِ لَم تُجحَدِ بِوَلايَةِ المُختارِ مَن خَيرُ الَّذي

بَعدَ النَّبِيِّ الصّادِقِ المُتَوَدِّدِ إذ جاءَهُ المِسكينُ حالَ صَلاتِهِ

فَامتَدَّ طَوعا بِالذِّراعِ وبِاليَدِ فَتَناوَلَ المِسكينُ مِنهُ خاتَما

هِبَةَ الكَريمِ الأَجوَدِ بنِ (1) الأَجوَدِ فَاختَصَّهُ الرَّحمنُ في تَنزيلِهِ

مَن حازَ مِثلَ فَخارِهِ فَليَعدُدِ إنَّ الإِلهَ وَلِيُّكُم ورَسولَهُ

وَالمُؤمِنينَ فَمَن يَشَأ فَليَجحَدِ يَكُنِ الإِلهُ خَصيمَهُ فيها غَدا

وَاللّهُ لَيسَ بِمُخلِفٍ فِي المَوعِدِ (2)طلا : عن أبي عبداللّه عليه السلام في العنب :وله أيضا : سَقيا لِبَيعَةِ أحمَدٍ ووَصِيِّهِ

أعنِي الإِمامَ وَلِيَّنَا المَحسودا أعنِي الَّذي نَصَرَ النَّبِيَّ مُحَمَّدا

قَبلَ البَرِيَّةِ ناشِئا ووَليدا أعنِي الَّذي كَشَفَ الكُروبَ ولَم يَكُن

فِي الحَربِ عِندَ لِقائِها رِعْدِيدا (3) أعنِي المُوَحِّدَ قَبلَ كُلِّ مُوَحِّدٍ

لا عابِدا وَثَنا ولا جُلمودا (4)(5)

.


1- .في المصدر : «الأجودي» ، والصحيح ما أثبتناه كما في الغدير .
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص7 ، الصراط المستقيم: ج1 ص266، الغدير : ج2 ص382 .
3- .رجل رِعْدِيد : جبان يُرعَد عند القتال جبنا (لسان العرب : ج3 ص179) .
4- .الجُلْمود : الصخر (لسان العرب : ج3 ص129) .
5- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص28 ، الغدير : ج2 ص382 .

ص: 121

10 / 12 ابن الرّوميّ

10 / 12اِبنُ الرّومِيِّ (1)* وعن سطيح في النبيّ صلى الله عليه و آله :من اُدباء القرن الثالث ، يقول : يا هِندُ لَم أعشَق ومِثلِيَ لا يَرى

عِشقَ النِّساءِ دِيانَةً وتَحَرُّجا لكِنَّ حُبِّيَ لِلوَصِيِّ مُخَيَّمٌ

فِي الصَّدرِ يَسرَحُ فِي الفُؤادِ تَوَلُّجا فَهُوَ السِّراجُ المُستَنيرُ ومَن بِهِ

سَبَبُ النَّجاةِ مِنَ العَذابِ لِمَن نَجا وإذا تَرَكتُ لَهُ المَحَبَّةَ لَم أجِد

يَومَ القِيامَةِ مِن ذُنوبِيَ مَخرَجا قُل لي : أ أترُكُ مُستَقيمَ طَريقِهِ

جَهلاً وأتَّبِعَ الطَّريقَ الأَعوَجا ؟ وأراهُ كَالتِّبرِ المُصَفّى جَوهَرا

وأرى سِواهُ لِناقِديهِ مُبَهرَجا ومَحِلُّهُ مِن كُلِّ فَضلٍ بَيِّنٌ

عالٍ مَحَلَّ الشَّمسِ أو بَدرَ الدُّجا قالَ النَّبِيُّ لَهُ مَقالاً لَم يَكُن

يَومَ الغَديرِ لِسامِعيهِ مُمَجْمِجا (2) مَن كُنتُ مَولاهُ فَذا مَولىً لَهُ

مِثلي وأصبَحَ بِالفَخارِ مُتَوَّجا وكَذاكَ إذ مَنَعَ البَتولَ جَماعَةً

خَطَبوا وأكرَمَهُ بِها إذ زَوَّجا ولَهُ عَجائِبُ يَومَ سارَ بِجَيشِهِ

يَبغي لِقَصدِ النَّهرَوانِ المَخرَجا رُدَّت عَلَيهِ الشَّمسُ بَعدَ غُروبِها

بَيضاءَ تَلمَعُ وَقدَةً وتَأَجُّجا (3)

.


1- .أبو الحسن عليّ بن عبّاس بن جريح مولى عبيد اللّه بن عيسى ، الشهير بابن الرومي : ولد ببغداد سنة (221 ه ) ، شعره الكثير الطافح برونق البلاغة قد أربى على سبائك التبر حسنا وبهاءً ، فكان فنّانا بارعاً ، اُوتي ملكة التصوير ولطف التخيّل والتوليد وبراعة اللعب بالمعاني والأشكال ، وكان ذا حظّ وافر في اللغة ، وقصائده دالّة على تبحّره في اللغة وإحاطته الواسعة بغريب مفرداتها وأوزان اشتقاقها وتصريفها وموقع أمثالها ، وليس في شعر العربيّة مَن تبدو هذه الشواهد في كلامه بهذه الغزارة والدقّة غير المترجم والمعرّي ، عاش ابن الرومي حياته في بغداد ، وتوفّي في جمادى الاُولى سنة (283 ه ) (راجع الغدير : ج3 ص51) .
2- .مَجْمَجَ الرجل في خبره : لم يبيّنه (لسان العرب : ج2 ص363) .
3- .الغدير : ج3 ص29، المناقب لابن شهر آشوب: ج3 ص28 و ج2 ص322 .

ص: 122

10 / 13 ب_كر بن حمّاد التّاهرتيّ

10 / 13بَ_كرُ بنُ حَمّادٍ التّاهَرتِيُّ (1)* ومنه عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام في الاستسقاءمن المحدّثين في القرن الثالث ، يقول : قُل لِابنِ مُلجَمٍ وَالأَقدارُ غالِبَةٌ

هَدَّمتَ _ وَيلَكَ!_ لِلإِسلامِ أركانا قَتَلتَ أفضَلَ مَن يَمشي عَلى قَدَمٍ

وأوَّلَ النّاسِ إسلاما وإيمانا وأعلَمَ النّاسِ بِالقُرآنِ ثُمَّ بِما

سَنَّ الرَّسولُ لَنا شَرعا وتِبيانا صِهرَ النَّبِيَّ ومَولاهُ وناصِرَهُ

أضحَت مَناقِبُهُ نورا وبُرهانا وكانَ مِنهُ عَلى رَغمِ الحَسودِ لَهُ

مَكانَ (2) هارونَ مِن موسَى بنِ عِمرانا وكانَ فِي الحَربِ سَيفا صارِما ذَكَرا

لَيثا إذا لَقِيَ الأَقرانُ أقرانا ذَكَرتُ قاتِلَهُ وَالدَّمعُ مُنحَدِرٌ

فَقُلتُ سُبحانَ رَبِّ النّاسِ سُبحانا إنّي لَأَحسَبُهُ ما كانَ مِن بَشَرٍ

يَخشَى المَعادَ ولكِن كانَ شَيطانا أشقى مُرادٍ (3) إذا عُدَّت قَبائِلُها

وأخسَرَ النّاسِ عِندَ اللّهِ ميزانا كَعاقِرِ النّاقَةِ الاُولَى الَّتي جَلَبَت

عَلى ثَمودَ بِأَرضِ الحِجرِ خُسرانا قَد كانَ يُخبِرُهُم أن سَوفَ يَخضِبُها

قَبلَ المَنِيَّةِ أزمانا فَأَزمانا فَلا عَفَا اللّهُ عَنهُ ما تَحَمَّلَهُ

ولا سَقى قَبرَ عِمرانَ بنِ حَطّانا لِقَولِهِ في شَقِيٍّ [ظَلَّ] (4) مُجتَرِما

ونالَ ما نالَهُ ظُلما وعُدوانا «يا ضَرَبةً مِن تَقِيٍّ ما أرادَ بِها

إلّا لِيَبلُغَ مِن ذِي العَرشِ رِضوانا!!» بَل ضَربَةً مِن غَوِيٍّ أورَدَتهُ لَظىً

فَسَوفَ يَلقى بِهَا الرَّحمنَ غَضبانا كَأَنَّهُ لَم يُرِد قَصدا بِضَربَتِهِ

إلّا لِيَصلى عَذابَ الخُلدِ نيرانا (5)

.


1- .بكر بن حمّاد التاهرتي القيرواني أبو عبد الرحمن : هو من حفّاظ الحديث ، وثقات المحدّثين المأمونين . له قصيدة يرثي فيها أمير المؤمنين عليه السلام ، ويردّ على عمران بن حطّان الخارجي في رثائه لعبد الرحمن بن ملجم ، توفّي بتلعون في المئة الثالثة للهجرة (راجع أعيان الشيعة : ج3 ص591) .
2- .في المصدر : «ما كان» ، وما في المتن أثبتناه من المصدرَين الآخَرين.
3- .في المصدر : «مرادا» ، والصحيح ما أثبتناه كما في الغدير ومروج الذهب .
4- .سقط ما بين المعقوفين من المصدر وأثبتناه من الغدير .
5- .الاستيعاب : ج3 ص221 الرقم1875 ، مروج الذهب : ج2 ص427 ؛ الغدير : ج1 ص326 عن بكر بن الحسّان الباهلي .

ص: 123

القرن الرّابع

10 / 14 أحمد بن علويّة الأصبهانيّ

القَرنُ الرّابِعُ10 / 14أحمَدُ بنُ عَلَوِيَّةِ الأَصبَهانِيُّ (1)* وعنه عليه السلام :من أئمّة المحدّثين والاُدباء في القرن الرابع ، يقول : ولَهُ يَقولُ مُحَمَّدٌ: أقضاكُمُ

هذا وأعلَمُكُم لَدَى التِّبيانِ إنّي مَدينَةُ عِلمِكُم وأخي لَها

بابٌ وَثيقُ الرُّكنِ مِصراعانِ فَأْتوا بُيوتَ العِلمِ مِن أبوابِها

فَالبَيتُ لايُؤتى مِنَ الحيطانِ لَولا مَخافَةُ مُفتَرٍ مِن اُمَّتي

ما فِي ابنِ مَريَمَ يَفتَرِي النَّصراني أظهَرتُ فيكَ مَناقِبا في فَضلِها

قَلبُ الأَديبِ يَظَلُّ كَالحَيرانِ ويُسارِعُ الأَقوامُ مِنكَ لاِخذِ ما

وَطِئَتهُ مِنكَ مِنَ الثَّرَى العَقِبانِ (2)

.


1- .أبو جعفر أحمد بن علويّة الأصبهاني الكرماني ، الشهير بأبي الأسود : أحد مؤلّفي الإماميّة المطّرد ذكرهم في المعاجم ، ومن أئمّة الحديث وصدور حملته ، وحسبه جلالة أن تكون أخباره مبثوثة في مثل الفقيه والتهذيب والكامل والأمالي للصدوق والأمالي للمفيد وأمثالها ، وأمّا شاعريّته فهي في الذروة والسنام من مراقي قرض الشعر ، وجاء شعره في أئمّة الدين عليهم السلامكسيف صارم لشُبَه أهل النصب . ولد سنة (212 ه ) وتوفّي سنة (320 ه ) ونيّف (راجع الغدير : ج3 ص348) .
2- .أعيان الشيعة : ج3 ص23 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص33 و ج1 ص264 .

ص: 124

* وعن الرضا عليه السلام في اللقطة :وله أيضا : أم مَن سَرى مَعَهُ سِواهُ عِندَما

مَضَيا بِعَونِ اللّهِ يَبتَدِرانِ نَحوَ البَنِيَّةِ بَيتِهِ العالِي الَّذي

ما زالَ يُعرَفُ شامِخَ البُنيانِ حَتّى إذَا انتَهَيا إلَيهِ بِسُدْفَةٍ (1)

وهُما لِما قَصَدا لَهُ وَجِلانِ وتَفَرَّقَ الكُفّارُ عَن أركانِهِ

وخَلَا المَقامُ وهَوَّمَ الحَيّانِ أهوى لِيَحمِلَهُ قَراهُ وَصِيُّهُ

فَوَنى سِوى ألف ونى هذانِ (2) إنَّ النُّبُوَّةَ لَم يَكُن لِيُقِلَّها

إلّا نَبِيٌّ أيِّدُ النَّهَضانِ فَحَنَى النَّبِيُّ لَهُ مَطاهُ وقالَ قُم

فَاركَب ولا تَكُ عَنهُ بِالخَشيانِ فَعَلاهُ وَهوَ لَهُ مُطيعٌ سامِعٌ

بِأَبِي المُطيعُ مَعَ المُطاعِ الحاني ولَوِ انَّهُ مِنهُ يَرومُ بَنانُهُ

نَجما لَنالَ مَطالِعَ الدَّبَرانِ (3) فَتَناوَلَ الصَّنَمَ الكَبيرَ فَزَجَّهُ

مِن فَوقِهِ ورَماهُ بِالكَذّانِ (4) حَتّى تَحَطَّمَ مَنكِباهُ ورَأسُهُ

ووَهَى القَوائِمُ (5) وَالتَقَى الطَّرَفانِ ونَحا بِصَمَّ جَلامِدِ أوثانِهِم

فَأَبادَها بِالكَسرِ وَالإِيهانِ وغَدا عَلَيهِ الكافِرونَ بِحَسرَةٍ

وهُمُ بِلا صَنَمٍ ولا أوثانِ أم مَن شَرى للّهِِ مُهجَةَ نَفسِهِ

دونَ النَّبِيِّ عَلَيهِ ذو تُكلانِ هَل جادَ غَيرُ أخيهِ ثُمَّ بِنَفسِهِ

فَوقَ الفِراشِ يَغِطُّ كَالنَّعسانِ أم مَن عَلَى المِسكينِ جادَ بِقوتِهِ

وعَلَى اليَتيمِ مَعَ الأَسيرِ العاني حَتّى تَلَا التّالونَ فيها سورَةً

عُنوانُها هَلَ اتى عَلَى الإِنسانِ أم مَن طَوى يَومَينِ لَم يَطعَم ولَم

تَطعَم حَليلَتُهُ وَلَا الحَسَنانِ فَمَضى لِزَوجَتِهِ بِبَعضِ ثِيابِها

لِيَبيعَهُ فِي السّوقِ كَالعَجلانِ يَهوَى ابتِياعَ جَرادِقَ لِعِيالِهِ

مِن بَينِ ساغِبَةٍ ومِن سَغبانِ إذ جاءَ مِقدادٌ يُخَبِّرُ أنَّهُ

مُذ لَم يَذُق أكلاً لَهُ يَومانِ

إلى أن يقول :

أم مَن لَهُ فِي الطَّيرِ قالَ نَبِيُّهُ

قَولاً يُنيرُ بِشَرحِهِ الاُفُقانِ يا رَبِّ جِئ بِأَحَبِّ خَلقِكَ كُلِّهِم

شَخصا إلَيكَ وخَيرِ مَن يَغشاني! كَيما يُواكِلَني ويُؤنِسَ وَحشَتي

وَالشّاهِدانِ بِقَولِهِ عَدلانِ فَبَدا عَلِيٌّ كَالهِزَبرِ ووَجهُهُ

كَالبَدرِ يَلمَعُ أيَّما لَمَعانِ فَتَواكَلا وَاستَأنَسا وتَحَدَّثا

بِأَبي واُمّي ذلِكَ الحِدثانِ أم مَن لَهُ ضَرَبَ النَّبِيُّ بِحُبِّهِ

مَثَلَ ابنِ مَريَمَ إنَّ ذاكَ لشانِ إذ قالَ: يَهلِكُ في هَواكَ وفِي القِلى

لَكَ يا عَلِيُّ جَلالَةُ جيلانِ كَعِصابَةٍ قالُوا المَسيحُ إلهُنا

فَردٌ ولَيسَ لِأُمِّهِم مِن ثانِ وعِصابَةٌ قالوا كَذوبٌ ساحِرٌ

خُشِيَ الوُقوفُِ بِهِ عَلى بُهتانِ فَكَذاكَ فَردٌ لَيسَ عيسى كَالَّذي

جَهلاً عَلَيهِ تَخَرَّصَ القَولانِ وكَذا عَلِيٌّ قَد دَعاهُ إلهَهُم

قَومٌ فَأَحرَقَهُم ولَم يَستانِ وأباهُ قَومٌ آخَرونَ قِلىً لَهُ

مِن بَينِ مُنتَكِثٍ وذي خِذلانِ أم أيُّهُم فَخَرَ الأَنامَ بِخَصلَةٍ

طالَت طِوالَ فُروعِ كُلِّ عِنانِ مِن بَعدِ أن بَعَثَ النَّبِيُّ إلى مِنىً

بِبَراءَةَ مَن كانَ بِالخَوّانِ فيها فَأَتبَعَهُ رَسولاً رَدَّهُ

تَعدو بِهِ القَصواءُ (6) كَالسِّرحانِ (7) كانَت لِوَحي منزل وافى بِهِ ال_

_رّوحُ الأَمينُ فَقَصَّ عَن تِبيانِ إذ قالَ لا عَنّي يُؤَدّي حُجَّتي

إلّا أنَا أو لي نَسيبٌ داني أم مَن يَقولُ لَهُ سَأُعطي رايَتي

مَن لَم يَفِرَّ ولَم يَكُن بِجَبانِ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ وهُوَ يُحِبُّهُ

قَرْما (8) يَنالُ السَّبقَ يَومَ رِهانِ وعَلى يَدَيهِ اللّهُ يَفتَحُ بَعدَما

وافَى النَّبِيَّ بِرَدِّهَا الرَّجُلانِ فَدَعا عَلِيّا وَهوَ أرمَدُ لا يَرى

أن تَستَمِرَّ بِمِشيَةِ الرَّجُلانِ فَهَوى إلى عَينَيهِ يَتفِلُ فيهِما

وعَلَيهِما قَد أطبَقَ الجَفنانِ فَمَضى بِها مُستَبشِرا وكَأَنَّما

مِن ريقِهِ عَيناهُ مِرآتانِ فَأَتاهُ بِالفَتحِ النَّجيحِ ولَم يَكُن

يَأتي بِمِثلِ فُتوحِهِ العُمَرانِ أم مَن أقَلَّ بِخَيبَرَ البابَ الَّذي

أعيا بِهِ نَفَرٌ مِنَ الأَعوانِ (9) .


1- .السُّدْفة : من الأضداد تقع على الضياء والظلمة ، ومنهم من يجعلها اختلاط الضوء والظلمة معا كوقت ما بين طلوع الفجر والإسفار (النهاية : ج2 ص354) .
2- .كذا في المصدر .
3- .الدَّبَران : خمسة كواكب من الثور ، يقال إنّه سَنامه ، وهو من منازل القمر (الصحاح : ج2 ص653) .
4- .الكذّان : حجارة فيها رخاوة (لسان العرب : ج13 ص357) .
5- .في المصدر : «القائم» ، والصحيح ما أثبتناه .
6- .القَصْواء : الناقة التي قُطع طرف اُذنها ، ولم تكن ناقة النبيّ صلى الله عليه و آله قصواء ، وإنّما كان هذا لقبا لها (النهاية : ج4 ص75) .
7- .السرحان : الذئب ، وقيل : الأسد (النهاية : ج2 ص358) .
8- .القَرْم من الرجال : السيّد المعظّم (لسان العرب : ج12 ص473) .
9- .أعيان الشيعة : ج3 ص25 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص141 وفيه إلى «ولا أوثان» ونسبها لابن الأسود الكاتب وراجع ص61 و ص129 .

ص: 125

. .

ص: 126

. .

ص: 127

10 / 15 المفجّع

10 / 15المُفَجَّعُ (1)* ومنه عن الرضا عليه السلام في سمّ_انة :من أكابر الاُدباء في القرن الرابع ، يقول : لَم يَكُن أمرُهُ بِدَوحاتِ خُمٍّ

مُشكِلاً عَن سَبيلِهِ مَلوِيّا إنَّ عَهدَ النَّبِيِّ في ثَقَلَيهِ

حُجَّةٌ كُنتُ عَن سِواها غَنِيّا نَصَبَ المُرتَضى لَهُم في مَقامٍ

لَم يَكُن خامِلاً هُناكَ دَنِيّا عَلَما قائِما كَما صَدَعَ البَد

رُ تَماما دُجُنَّةً (2) أو دَجِيّا قالَ : هذا مَولىً لِمَن كُنتُ مَولا

هُ جِهارا يَقولُها جَهْوَرِيّا والِ يا رَبِّ مَن يُواليهِ وَانصُرْ

هُ وعادِ الَّذي يُعادِي الوَصِيّا إنَّ هذَا الدُّعا لِمَن يَتَعَدّى

راعِيا فِي الأَنامِ أم مَرعِيّا لا يُبالي أماتَ مَوتَ يَهودٍ

مَن قَلاهُ أو ماتَ نَصرانِيّا مَن رَأى وَجهَهُ كَمَن عَبَدَ الل_ّ

_هَ مُديمَ القُنوتِ رُهبانِيّا كانَ سُؤلَ النَّبِيِّ لَمّا تَمَنّى

حينَ أهدوهُ طائِرا مَشوِيّا إذ دَعَا اللّهَ أن يَسوقَ أحَبَّ ال_

_خَلقِ طُرّا إلَيهِ سَوْقا وَحِيّا (3) فَإِذا بِالوَصِيِّ قَد قَرَعَ البا

بَ يُريدُ السَّلامَ رَبّانِيّا فَثَناهُ عَنِ الدُّخولِ مِرارا

أنَسٌ حينَ لَم يَكُن خَزرَجِيّا وذَخيرا لِقَومِهِ وأبَى الرَّح_

_منُ إلّا إمامَنَا الطّالِبِيّا ورَمى بِالبَياضِ مَن صَدَّ عَنهُ

وحَبَا الفَضلَ سَيِّدا أريَحِيّا (4)

.


1- .أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عبد اللّه الكاتب النحوي المصري ، الملقّب بالمفجّع : أوحديّ من رجالات العلم والحديث ، مدحه أصحابنا الإماميّة بحسن العقيدة وسلامة المذهب وسداد الرأي ، وقد أكثر في شعره الثناء على أهل البيت عليهم السلاموالتفجّع لما انتابهم من المصائب والفوادح ، ولذا لقّبه مناوئوه المتنابزون بالألقاب بالمفجّع ، وكان شاعر البصرة وأديبها ، وكان يجلس في الجامع بالبصرة فيكتب عنه ويُقرأ عليه الشعر واللغة والمصنّفات ، وشعره مشهور ، ولد المفجّع بالبصرة وتوفّي بها سنة (327 ه ) (راجع الغدير : ج3 ص361) .
2- .الدجنة : الظلمة ، والدياجي : الليالي المظلمة (النهاية : ج2 ص102) .
3- .الوَحِيّ _ على فعليل _ : السريع (لسان العرب : ج15 ص382) .
4- .الغدير : ج3 ص353 .

ص: 128

10 / 16 أحمد الصّنوبريُ

10 / 16أحمَدُ الصَّنَوبَرِيُ (1)* ومنه في زيارة أميرالمؤمنين عليه السلام :من جهابذة الشعراء في القرن الرابع ، يقول : أ لَيسَ مَن حَلَّ مِنهُ في اُخُوَّتِهِ

مَحَلَّ هارونَ مِن موسَى بنِ عِمرانِ صَلّى إلَى القِبلَتَينِ المُقتَدى بِهِما

وَالنّاسُ عَن ذاكَ في صُمٍّ وعُميانِ ما مِثلُ زَوجَتِهِ اُخرى يُقاسُ بِها

ولا يُقاسُ إلى سِبطَيهِ سِبطانِ فَمُضمِرُ الحُبِّ في نورٍ يُخَصُّ بِهِ

ومُضمِرُ البُغضِ مَخصوصٌ بِنيرانِ هذا غَدا مالِكٌ فِي النّارِ يَملِكُهُ

وذاكَ رِضوانُ يَلقاهُ بِرِضوانِ قالَ النَّبِيُّ لَهُ : أشقَى البَرِيَّةِ يا

عَلِيُّ إن ذُكِرَ الأَشقى شَقِيّانِ هذا عَصى صالِحا في عَقرِ ناقَتِهِ

وذاكَ فيكَ سَيَلقاني بِعِصيانِ لَيَخضِبَنْ هذِهِ مِن ذا أبا حَسَنٍ

في حينَ يَخضِبُها مِن أحمَرٍ قانِ نِعْمَ الشَّهيدانِ رَبُّ العَرشِ يَشهَدُ لي

وَالخَلقُ إنَّهُما نِعمَ الشَّهيدانِ مَن ذا يُعَزِّي النَّبِيَّ المُصطَفى بِهِما

مَن ذا يُعَزِّيهِ مِن قاصٍ ومِن دانِ مَن ذا لِفاطِمَةَ اللَّهفى يُنَبِّؤُها

عَن بَعلِها وَابنِها إنباءَ لَهفانِ ؟ مِن قابِضِ النَّفسِ فِي المِحرابِ مُنتَصِبٌ

وقابِضِ النَّفسِ فِي الهَيجاءِ عَطشانِ ؟ نَجمانِ فِي الأَرضِ بَل بَدرانِ قَد أفَلا

نَعَم وشَمسانِ إمّا قُلتَ شَمسانِ سَيفانِ يُغمَدُ سَيفُ الحَربِ إن بَرَزا

وفي يَمينِهِما لِلحَربِ سَيفانِ (2)

.


1- .أحمد بن محمّد بن الحسن بن مرار الجزري الرقّي الضبّي الحلبي ، الشهير بالصنوبري : شاعر شيعي مُجيد ، جمع شعره بين طرفي الرقّة والقوّة ، ونال من المتانة وجودة الاُسلوب حظّه الأوفر . ولد سنة (303 ه ) وتوفّي سنة (334 ه ) (راجع الغدير : ج3 ص369) .
2- .أعيان الشيعة : ج3 ص96 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص316 و ص399 و ص309 و ص238 ، الغدير : ج3 ص371 .

ص: 129

10 / 17 أبو الفتح محمود بن محمّد كشاجم

10 / 17أبُو الفَتحِ مَحمودُ بنُ مُحَمَّدٍ كَشاجِمٌ 1طسج : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :من نوابغ القرن الرابع ، يقول : ووالِدُهُم سَيِّدُ الأَوصياءِ

ومُعطِي الفَقيرِ ومُردِي البَطَلْ ومَن عَلَّمَ السُّمْرَ طَعنَ الحَلِيّ

لَدَى الرَّوعِ وَالبيضَ ضَربَ القُلَلْ (1) ولَو زالَتِ الأَرضُ يَومَ الهِيا

جِ مِن تَحتِ أخمَصِهِ لَم يَزُلْ ومَن صَدَّ عَن وَجهِ دُنياهُمُ

وقَد لَبِسَت حُليِها وَالحُلَلْ وكانَ إذا ما اُضيفوا إلَيهِ

فَأَرفَعُهُم رُتبَةً فِي المَثَلْ سماءٌ اُضيفَ إلَيهَا الحَضيضْ

وبَحرٌ قَرَنتَ إلَيهِ الوَشَلْ (2) بِجودٍ تَعَلَّمَ مِنهُ السَّحابْ

وحِلمٍ تَوَلَّدَ مِنهُ الجَبَلْ وكَم شُبهَةٌ بِهُداهُ جَلا

وكَم خُطَّةٌ بِحِجاهُ فَصَلْ وكَم أطفَأَ اللّهُ نارَ الضَّلالْ

بِهِ وَهْيَ تَرمِي الهُدى بِالشُّعَلْ ومَن رَدَّ خالِقُنا شَمسَهُ

عَلَيهِ وقَد جَنَحَت لِلطَّفَلْ (3) ولَو لَم تَعُد كانَ في رَأيِهِ

وفي وَجهِهِ مِن سَناها بَدَلْ ومَن ضَرَبَ النّاسَ بِالمُرهَفاتْ (4)

عَلَى الدّينِ ضَربَ عِرابِ الإِبِلْ وقَد عَلِموا أنَّ يَومَ الغَديرْ

بِغَدرِهُمُ جَرَّ يَومَ الجَمَلْ (5)

.


1- .جمع قُلّة ؛ وهي من كلّ شيء : رأسه وأعلاه (لسان العرب : ج11 ص565) .
2- .الوَشَل : الماء القليل (النهاية : ج5 ص189) .
3- .طَفَلَت الشمس : دنت للغروب (لسان العرب : ج11 ص403) .
4- .الرَّهْف : الرقّة واللطف ، وأرهفت سيفي : أي رقّقته ؛ فهو مرهف (لسان العرب : ج9 ص128) .
5- .الغدير : ج4 ص3 .

ص: 130

. .

ص: 131

10 / 18 أبو القاسم الزّاهيّ

* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله لفاطمة عليهاوله أيضا : ولَو سَلَّموا لِاءِمامِ الهُدى

لَقوبِلَ مُعوَجُّهُم بِاستِواءِ هِلالٌ إلَى الرُّشدِ عالِيالضِّيا

وسَيفٌ عَلَى الكُفرِ ماضِي المَضاءِ وبَحرٌ تَدَفَّقُ بِالمُعجِزاتْ

كَما يَتَدَفَّقُ يَنبوعُ ماءِ عُلومٌ سَماوِيَّةٌ لا تُنالْ

ومَن ذا يَنالُ نُجومَ السَّماءِ ؟ لَعَمرِي الاُولى جَحَدوا حَقَّهُ

وما كانَ أولاهُمُ بِالوَلاءِ وكم مَوقِفٍ كانَ شَخصُ الحِمامْ

مِنَ الخَوفِ فيهِ قَليلَ الخِفاءِ جَلاهُ فَإِن أنكَروا فَضلَهُ

فَقَد عَرَفَت ذاكَ شَمسُ الضُّحاءِ أراهَا العَجاجَ قُبَيلَ الصَّباحْ

ورُدَّت عَلَيهِ بُعَيدَ المَساءِ وإن وَتَرَ القَومَ في بَدرِهِم

لَقَد نَقَضَ القَومُ في كَربَلاءِ (1)10 / 18أبُو القاسِمِ الزّاهِيُّ (2)طرن : في حديث رفع الحجر الأسود :من عباقرة الاُدباء في القرن الرابع ، يقول : هذَا الَّذي أردَى الوَليدَ وعُتبَةً

وَالعامِرِيَّ وذَا الخِمارِ ومَرحَبا هذَا الَّذي هَشَمَت يَداهُ فَوارِسا

قَسرا ولَم يَكُ خائِفا مُتَرَقِّبا في كُلِّ مَنبِتِ شَعرَةٍ مِن جِسمِهِ

أسَدٌ يَمُدّ إلَى الفَريسَةِ مِخلَبا (3)

.


1- .الغدير : ج4 ص16 .
2- .هو عليّ بن إسحاق بن خلف القطّان البغدادي ، الشهير بالزاهي : شاعر عبقريّ ، تحيّز في شعره إلى أهل بيت الوحي ودان بمذهبهم ، وأكثر شعره فيهم بحيث عدّ في طبقة المجاهرين من شعرائهم ، ولجزالة شعره وجودة تشبيهه وحسن تصويره لم يدع لأرباب المعاجم منتدحا من إطرائه . ولد سنة (318 ه ) وتوفّي ببغداد سنة (352 ه ) وقيل : بعد سنة (360 ه ) (راجع الغدير : ج3 ص391) .
3- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص91 ، الغدير : ج3 ص395 .

ص: 132

* وفي آدابه صلى الله عليه و آله :وله أيضا : لا يَهتَدي إلَى الرَّشادِ مَن فَحَصْ

إلّا إذا والى عَلِيّا وخَلَصْ ولا يَذوقُ شَربَةً مِن حَوضِهِ

مَن غَمَسَ الوَلا عَلَيهِ وغَمَصْ (1) ولا يَشُمُّ الرَّوحَ مِن جِنانِهِ

مَن قالَ فيهِ مَن عَداهُ وَانتَقَصْ نَفسُ النّبِيِّ المُصطَفى وَالصِّنُو وَال

_خَليفَةُ الوارِثُ لِلعِلمِ بِنَصّْ مَن قَد أجابَ سابِقا دَعوَتَهُ

وَهوَ غُلامٌ وإلَى اللّهِ شَخَصْ ما عَرَفَ اللّاتَ ولَا العُزّى ولَا ان

_ثَنى إلَيهِما ولا حَبَّ ونَصّْ مَنِ ارتَقى مَتنَ النَّبِيِّ صاعِدا

وكَسَّرَ الأَوثانِ في اُولَى الفُرَصْ وطَهَّرَ الكَعبَةَ مِن رِجسٍ بِها

ثُمَّ هَوى لِلأَرضِ عَنها وقَمَصْ (2) مَن قَد فَدى بِنَفسِهِ مُحَمَّدا

ولَم يَكُن بِنَفسِهِ عَنهُ حَرَصْ وباتَ مِن فَوقِ الفِراشِ دونَهُ

وجادَ فيما قَد غَلا وما رَخَصْ مَن كانَ في بَدرٍ ويَومِ اُحُدٍ

قَطَّ مِنَ الأَعناقِ ما شاءَ وقَصّْ فَقالَ جِبريلُ ونادى : لا فَتى

إلّا عَلِيٌّ عَمَّ فِي القَولِ وخَصّْ مَن قَدَّ عَمْرَو العامِرِيَّ سَيفُهُ

فَخَرَّ كَالفيلِ هَوى وما فَحَصْ (3) ورآءَ ما صاحَ : أ لا مُبارِزٌ

فَالتَوَتِ الأَعناقُ تَشكو مِن وَقَصْ (4) مَن اُعطِيَ الرايَةَ يَومَ خَيبَرٍ

مِن بَعدِ ما بِها أخُو الدَّعوى نَكَصْ وراحَ فيها مُبصِرا مُستَبصِرا

وكانَ أرمَدا بِعَينَيهِ الرَّمَصْ (5) فَاقتَلَعَ البابَ ونالَ فَتحَهُ

ودَكَّ طَودَ مَرحَبٍ لَمّا قَعَصْ (6)

إلى أن قالَ :

يَابنَ أبي طالِبٍ يا مَن هُوَ مِنْ

خاتَمِ الأَنبِياءِ فِي الحِكمَةِ فَصّْ فَضلُكَ لا يُنكَرُ لكِنَّ الوَلا

قَد ساغَهُ بَعضٌ وبَعضٌ فيهِ غَصّْ فَذِكرُهُ عِندَ مَواليكَ شِفا

وذِكرُهُ عِندَ مُعاديكَ غُصَصْ كَالطَّيرِ بَعضٌ في رِياضٍ أزهَرَتْ

وَابتَسَمَ الوَردُ وبَعضٌ في قَفَصْ (7) .


1- .غَمَصه : حقّره واستصغره ولم يره شيئا (لسان العرب : ج7 ص61) .
2- .قمصتُ : أي وثبت ونفرت (النهاية : ج4 ص108) .
3- .في الطبعة المعتمدة : «قحص» ، والتصحيح من طبعة مركز الغدير .
4- .الوقص : كسر العنق (النهاية : ج5 ص214) .
5- .الرمص : وسخ يجتمع في موق العين (مجمع البحرين : ج2 ص732) .
6- .قعصته : إذا قتلته قتلاً سريعا (النهاية : ج4 ص88) .
7- .الغدير : ج3 ص388 .

ص: 133

10 / 19 المتنبّي

10 / 19المُتَنَبّي (1)* وعنه عليه السلام فيما يُعرف به الإمام :من فحول الشعراء ، قيل له :ما لك لم تمدح أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ؟ قالَ :

وتَرَكتُ مَدحي لِلوَصِيِّ تَعَمُّدا

إذ كانَ نورا مُستطيلاً شامِلا وإذَا استَقَلَّ الشَّيءُ قامَ بِذاتِهِ

وكَذا ضِياءُ الشَّمسِ يَذهَبُ باطِلا (2)(3)

.


1- .هو أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكندي ، المعروف بالمتنبّي ، الشاعر ، من أهل الكوفة ، اشتغل بفنون الأدب ومهر فيها ، وأمّا شعره فهو في النهاية ، واعتنى العلماء بديوانه فشرحوه أكثر من أربعين شرحا ولم يُفعل هذا بديوان غيره . ولد في سنة (303 ه ) وقتل في بغداد سنة (354ه ) (وفيات الأعيان : ج1 ص120 ، الأنساب : ج5 ص191) .
2- .في كنز الفوائد : «وأرى صفات الشمس تذهب باطلا» . وفي بعض المصادر : «وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا» (مصادر نهج البلاغة وأسانيده : ج1 ص146) .
3- .ديوان المتنبّي : ص856 (وممّا يبعث على الأسف والعجب حذف هذين البيتين من بعض طبعاته الموجودة) ، كنز الفوائد : ج1 ص281 نحوه .

ص: 134

10 / 20 أبو فراس الحمْدانيّ

10 / 20أبو فِراسٍ الحَمْدانِيُّ (1)* وعن الصادق عليه السلام في الزكاة :من جهابذة الاُدباء في القرن الرابع ، يقول : تَبّا لِقَومٍ تابَعوا أهواءَهُم

فيما يَسوؤُهُمُ غَدا عُقباهُ أتَراهُمُ لَم يَسمَعوا ما خَصَّهُ

مِنهُ النَّبِيُّ مِنَ المَقالِ أباهُ ؟ ! إذ قالَ يَومَ غَديرِ خُمٍّ مُعلِنا

مَن كُنتُ مَولاهُ فَذا مَولاهُ هذي (2) وَصِيَّتُهُ إلَيهِ فَافهَموا

يا مَن يَقولُ بِأَنَّ ما أوصاهُ أقِرّوا مِنَ القُرآنِ ما في فَضلِهِ

وتَأَمَّلوهُ وَافهَموا فَحواهُ لَو لَم تُنَزَّل فيهِ إلّا هَل أتى

مِن دونِ كُلِّ مُنَزَّلٍ لَكَفاهُ مَن كان أوَّلَ مَن حَوَى القُرآنَ مِن

لَفظِ النَّبِيِّ ونُطقِهِ وتَلاهُ ؟ مَن كانَ صاحِبَ فَتحِ خَيبَرَ ؟ مَن رَمى

بِالكَفِّ مِنهُ بابَهُ ودَحاهُ ؟ مَن عاضَدَ المُختارَ مِن دونِ الوَرى ؟

مَن آزَرَ المُختارَ مَن آخاهُ ؟ مَن باتَ فَوقَ فِراشِهِ مُتَنَكِّرا

لَمّا أطَلَّ فِراشَهُ أعداهُ ؟ مَن ذا أرادَ إلهُنا بِمَقالِهِ

الصّادِقونَ القانِتونَ سِواهُ ؟ مَن خَصَّهُ جِبريلُ مِن رَبِّ العُلى

بِتَحِيَّةٍ مِن رَبِّهِ وحَباهُ ؟ أظَنَنتُمُ أن تَقتُلوا أولادَهُ

ويُظِلُّكُم يَومَ المَعادِ لِواهُ ؟ أو تَشرَبوا مِن حَوضِهِ بِيَمينِهِ

كَأسا وقَد شَرِبَ الحُسَينُ دِماهُ ؟ ! (3)

ويقول أيضا :

أنَسيتُمُ يَومَ الكِساءِ وأنَّهُ

مِمَّن حَواهُ مَعَ النَّبِيِّ كِساهُ ؟ ! يا رَبِّ إنّي مُهتَدٍ بِهُداهُمُ

لا أهتَدي يَومَ الهُدى بِسِواهُ أهوَى الَّذي يَهوَى النَّبِيَّ وآلَهُ

أبَدا وأشنَأُ كُلَّ مَن يَشناهُ (4)

.


1- .أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني التغلبي : كان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلاً وكرما ونبلاً ومجدا وبلاغةً وفروسيّةً وشجاعة ، وشعره مشهور ، وكان الصاحب يقول : بدئ الشعر بملك وخُتم بملك ، يعني امرئ القيس وأبا فراس . كان يسكن منبج ويتنقّل في بلاد الشام في دولة ابن عمّه أبي الحسن سيف الدولة ، واشتهر في عدّة معارك معه حارب بها الروم واُسر مرّتين . ولد سنة (320 ه ) وقيل (321ه ) وقتل سنة (357 ه ) (راجع الغدير : ج3 ص405) .
2- .في الطبعة المعتمدة : «هذا» ، والتصحيح من طبعة مركز الغدير .
3- .الغدير : ج3 ص404 وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص232 .
4- .أعيان الشيعة : ج4 ص344 وراجع الغدير : ج3 ص405 .

ص: 135

10 / 21 النّاشئ الصّغير

10 / 21النّاشِئُ الصَّغيرُ (1)* وفي عليّ بن الحسين عليهماالسلام :من أكابر الفقهاء والمحدّثين والشعراء ، يقول : ذاكَ عَلِيُّ الَّذي يَقولُ لَهُ

جِبريلُ يَومَ النِّزالِ مُمتَدِحا لا سَيفَ إلّا سَيفُ الوَصِيِّ ولا

فَتى سِواهُ إن حادِثٌ فَدَحا لَو وَزَنوا ضَربَهُ لِعَمرٍو وأعْ_

_مالِ البَرايا لَضَربُهُ رَجَحا ذاكَ عَلِيٌّ الَّذي تَراجَعَ عَن

فَتحٍ سِواهُ وسارَ فَافتَتَحا في يَومِ حَضِّ اليَهودِ حينَ أ

قَلَّ البابَ مِن حِصنِهِم وحينَ دَحا لَم يَشهَدِ المُسلِمونَ قَطُّ رَحى

حَربٍ وألفَوا سِواهُ قُطبَ رَحى صَلّى عَلَيهِ الإِلهُ تَزكِيَةً

ووَفَّقَ العَبدَ يُنشِئُ المِدَحا (2)

.


1- .أبو الحسن عليّ بن عبد اللّه بن الوصيف الناشئ الصغير البغدادي : ولد سنة (271 ه ) وكان في الطليعة من علماء الشيعة ومتكلّميها ومحدّثيها وفقهائها وشعرائها ، روى عنه الشيخ المفيد ، وبواسطته يروي عنه الشيخ الطوسي . وتوفّي سنة (365 ه ) في بغداد ودفن في مقابر قريش وقبره هناك معروف ، وهو ممّن نُبش قبره في واقعة سنة (443 ه ) واُحرقت تربته (الغدير : ج4 ص28) .
2- .الغدير : ج4 ص24 .

ص: 136

* وعنه عليه السلام في السفياني :ويقول في قصيدة يوجد منها ستّة وثلاثون بيتا : ألا يا خَليفَةَ خَيرِ الوَرى

لَقَد كَفَرَ القَومُ إذ خالَفوكا أدَلُّ دَليلٍ عَلى أنَّهُم

أبَوكَ وقَد سَمِعُوا النَّصَّ فيكا خِلافُهُمُ بَعدَ دَعواهُمُ

ونَكثُهُمُ بَعدَما بايَعوكا

إلى أن يقول :

فَيا ناصِرَ المُصطَفى أحمَدٍ

تَعَلَّمتَ نُصرَتَهُ مِن أبيكا وناصَبتَ نُصّابَهُ عَنوَةً

فَلَعنَةُ رَبّي عَلى ناصِبيكا فَأَنتَ الخَليفَةُ دونَ الأَنامْ

فَما بالَهُم فِي الوَرى خَلَّفوكا ؟ ولاسِيَّما حينَ وافَيتَهُ

وقَد سارَ بِالجَيشِ يَبغي تَبُوكا فَقالَ اُناسٌ : قَلاهُ النَّبِيّْ

فَصِرتَ إلَى الطُّهرِ إذ خَفَّضوكا فَقالَ النَّبِيُّ جَوابا لِما

يُؤَدّي إلى مِسمَعِ الطُّهرِ فوكا أ لَم تَرضَ أنّا عَلى رَغمِهِم

كَموسى وهارونَ إذ وافَقوكا ؟ ولَو كانَ بَعدي نَبِيٌّ كَما

جُعِلتَ الخَليفَةَ كُنتَ الشَّريكا ولكِنَّني خاتِمُ المُرسَلينَ

وأنتَ الخَليفَةُ إن طاوَعوكا (1) .


1- .الغدير : ج4 ص24 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص153 و ص18 و ج2 ص67 .

ص: 137

10 / 22 أبو عليّ تميم

10 / 22أبو عَلِيٍّ تَميمٌ (1)* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :يقول_ في ردّه على عبد اللّه بن المعتزّ في تفضيله للعبّاسيّين على العلويّين _:

لَيسَ عَبّاسُكُم كَمِثلِ عَلِيٍّ

هَل تُقاسُ النُّجومُ بِالأَقمارِ مَن لَهُ الفَضلُ وَالتَّقَدُّمُ فِي الإِس

لامِ وَالنّاسُ شيعَةُ الكُفّارِ مَن لَهُ الصِّهرُ وَالمُواساةُ وَالنُّص

_رَةُ وَالحَربُ تَرتَمي بِالشَّرارِ مَن دَعاهُ النَّبِىُّ خِدْنا (2) وسَمّا

هُ أخا فِي الخَفاءِ وَالإِظهارِ مَن لَهُ قالَ لا فَتىً كَعلِيٍّ

لا ولا مُنصُلٌ سِوى ذِي الفَقارِ وبِمَن باهَلَ النَّبِيُّ ؟ أ أنتُم

جُهَلاءُ بِواضِحِ الأَخبارِ ؟ ! أ بِعَبدِ الإِلهِ أم بِحُسَينٍ

وأخيهِ سُلالَةِ الأَطهارِ يا بَني عَمِّنا ظَلَمتُم وطِرتُم

عَن سَبيلِ الإِنصافِ كُلَّ مَطارِ كَيفَ تَحوُونَ بِالأَكُفِّ مَكانا

لَم تَنالوا رُؤياهُ بِالأَبصارِ مَن تَوَطَّأَ الفِراشَ يَخلُفُ فيهِ

أحمَدا وَهْوَ نَحوَ يَثرِبَ ساري أينَ كانَ العَبّاسُ إذ ذاكَ فِي الهِج

_رَةِ أم فِي الفِراشِ أم فِي الغارِ ؟ أ لَكُم مِثلُ هذِهِ يا بَنِي العَ

_بّاسِ مَأثورَةٌ مِنَ الآثارِ ؟

.


1- .أبو عليّ تميم ابن الخليفة المعزّ لدين اللّه معد بن إسماعيل الفاطمي : أديب شاعر من بيت الملك في أبان عزّه ومجده . فكان تميم _ والجميع قد أجمعوا أو كادوا يجمعون _ على عرش الإمارة في الشعر ، كما كان أبوه وأخوه على عرش الخلافة في مصر ، توفّي سنة (368 ه ) (أعيان الشيعة : ج3 ص640) .
2- .الخِدن : الصديق ، الصاحب المحدّث (لسان العرب : ج13 ص139) .

ص: 138

10 / 23 الصّاحب بن عبّاد

* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :إلى أن :

أ جَعَلتُم سَقيَ الحَجيجِ كَمَن آ

مَنَ بِاللّهِ مُؤمنا لا يُداري أو جَعَلتُم نِداءَ عَبّاسٍ فِي الحَر

بِ لِمَن فَرَّ عَن لِقاءِ الشِّفارِ (1) كَوُقوفِ الوَصِيِّ في غَمرَةِ المَو

تِ لِضَربِ الرُّؤوسِ تَحتَ الغُبارِ حينَ وَلّى صَحبُ النَّبِيِّ فِرارا

وَهوَ يَحمِي النَّبِيَّ عِندَ الفِرارِ وَاسأَلوا يَومَ خَيبَرٍ وَاسأَلوا مَ

_كَّةَ عَن كَرِّهِ عَلَى الفُجّارِ وَاسأَلوا يَومَ بَدرٍ مَن فارِسُ الإِس

لامِ فيهِ وطالِبُ الأَوتارِ وَاسأَلوا كُلَّ غَزوَةٍ لِرَسولِ ال_

_لّهِ عَمَّن أغارَ كُلَّ مَغارِ يا بَني هاشِمٍ ألَيسَ عَلِيٌّ

كاشِفَ الكَربِ وَالرَّزايَا الكِبارِ فَبِماذا مَلَكتُمُ دونَنا إر

ثَ نَبِيِّ الهُدى بِلَا استِظهارِ أبِقُربى فَنَحنُ أقرَبُ لِلمَو

رُوْثِ مِنكُم ومِن مَكانِ الشِّعارِ أم بِإِرثٍ وَرِثتُموهُ فَإِنّا

نَحنُ أهلُ الآثارِ وَالأَخطارِ لا تُغَطّوا بِحَيفِكُم واضِحَ الحَ_

_قِّ فَيَقضي بِكُم لِكُلِّ دَمارِ (2)10 / 23الصّاحِبُ بنُ عَبّادٍ 3* وفي حديث فاطمة عليهاالسلام :من جهابذة العلماء والاُدباء في القرن الرابع ، يقول : قالَت : فَمَن صاحِبُ الدّينِ الحَنيفِ أجِب ؟

فَقُلتُ : أحمَدُ خَيرُ السّادَةِ الرُّسُلِ قالَت : فَمَن بَعدَهُ تُصفِي الوَلاءَ لَهُ ؟

قُلتُ : الوَصِيُّ الّذي أربى عَلى زُحَلِ قالَت : فَمَن باتَ مِن فَوقِ الفِراشِ فِدىً ؟

فَقُلتُ : أثبَتُ خَلقِ اللّهِ فِي الوَهَلِ (3) قالَت : فَمَن ذَا الَّذي آخاهُ عَن مِقَةٍ ؟

فَقُلتُ : مَن حازَ رَدَّ الشَّمسِ فِي الطَّفَلِ قالَت : فَمَن زَوَّجَ الزَّهراءَ فاطمةَ ؟

فَقُلتُ : أفضَلُ مَن حافٍ ومُنتَعِلِ قالَت : فَمَن والِدُ السِّبطَينِ إذ فَرَعا ؟

فَقُلتُ : سابِقُ أهلِ السَّبقِ في مَهَلِ قالَت : فَمَن فازَ في بَدرٍ بِمُعجِزِها ؟

فَقُلتُ : أضرَبُ خَلقِ اللّهِ فِي القُلَلِ قالَت : فَمَن أسَدُ الأَحزابِ يَفرِسُها ؟

فَقُلتُ : قاتِلُ عَمرِو الضَّيغَمِ البَطَلِ قالَت : فَيَومَ حُنَينٍ مَن فَرا وبَرا ؟

فَقُلتُ : حاصِدُ أهلِ الشِّركِ فِي عَجَلِ قالَت : فَمَن ذا دُعِيَ لِلطَّيرِ يَأكُلُهُ ؟

فَقُلتُ : أقرَبُ مَرضِيٍّ ومُنتَحِلِ قالَت : فَمَن تِلوُهُ يَومَ الكِساءِ أجِب ؟

فَقُلتُ : أفضَلُ مَكسُوٍّ ومُشتَمِلِ قالَت : فَمَن سادَ في يَومِ «الغَديرِ» أبِنْ ؟

فَقُلتُ : مَن كانَ لِلإِسلامِ خَيرَ وَلِيِّ قالَت : فَفي مَن أتى في هَل أتى شَرَفٌ ؟

فَقُلتُ : أبْذَلِ أهلِ الأَرضِ لِلنَّفَلِ قالَت : فَمَن راكِعٌ زَكّى بِخاتَمِهِ ؟

فَقُلتُ : أطعَنُهُم مُذ كانَ بِالأَسَلِ (4) قالَت : فَمَن ذا قَسيمُ النّارِ يُسهِمُها ؟

فَقُلتُ : مَن رَأيُهُ أذكى مِنَ الشُّعَلِ قالَت : فَمَن باهَلَ الطُّهرُ النَّبِيُّ بِهِ ؟

فَقُلتُ : تاليهِ في حِلٍّ ومُرتَحَلِ قالَت : فَمَن شِبهُ هارونَ لِنَعرِفَهُ ؟

فَقُلتُ : مَن لَم يَحُل يَوما ولَم يَزُلِ قالَت : فَمَن ذا غَداً بابُ المَدينَةِ قُل ؟

فَقُلتُ : مَن سَأَلوهُ وَهوَ لَم يَسَلِ قالَت : فَمَن قاتِلُ الأَقوامِ إذ نَكَثوا ؟

فَقُلتُ : تَفسيرُهُ في وَقعَةِ الجَمَلِ قالَت : فَمَن حارَبَ الأَرجاسَ إذ قَسَطوا ؟

فَقُلتُ : صِفِّينُ تُبدي صَفحَةَ العَمَلِ قالَت : فَمَن قارَعَ الأَنجاسَ إذ مَرَقوا ؟

فَقُلتُ : مَعناهُ يَومَ النَّهرَوانِ جَلي

قالَت : فَمَن صاحِبُ الحَوضِ الشَّريفِ

غَدا ؟

فَقُلتُ : مَن بَيتُهُ في أشرَفِ الحُلَلِ قالَت : فَمَن ذا لِواءُ الحَمدِ يَحمِلُهُ ؟

فَقُلتُ : مَن لَم يَكُن فِي الرَّوعِ بِالوَجِلِ قالَت : أكُلُّ الَّذي قَد قُلتَ في رَجُلٍ ؟

فَقُلتُ : كُلُّ الَّذي قَد قُلتُ في رَجُلِ قالَت : فَمَن هُوَ هذَا الفَردُ سِمهُ لَنا ؟

فَقُلتُ : ذاكَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيّ (5)

.


1- .الشِّفار : جمع شَفْرة ؛ وهو حدّ السيف (لسان العرب : ج4 ص420) .
2- .أعيان الشيعة : ج3 ص640 .
3- .الوَهَل : الفزع (لسان العرب : ج11 ص737) .
4- .الأسَل : الرماح (لسان العرب : ج11 ص15) .
5- .الغدير : ج4 ص40، المناقب لابن شهر آشوب: ج3 ص293 نحوه .

ص: 139

. .

ص: 140

* وعن اُمّ سلمة لعائشة :وله أيضا : بِحُبِّ عَلِيٍّ تَزولُ الشُّكوكُ

وتَسمُو النُّفوسُ ويَعلُو النِّجارُ فَأَينَ رَأَيتَ مُحِبّا لَهُ

فَثَمَّ الزَّكاءُ وثَمَّ الفَخارُ وأَينَ رَأَيتَ عَدُوّا لَهُ

فَفي أصلِهِ نَسَبٌ مُستَعارُ فَلا تَعذِلوهُ عَلى فِعلِهِ

فَحيطانُ دارِ أبيهِ قِصارُ (1) .


1- .ديوان الصاحب بن عبّاد : ص95 الرقم15، المناقب لابن شهر آشوب: ج3 ص208، روضة الواعظين: ص147، الغدير: ج4 ص324 كلّها نحوه .

ص: 141

* وعنه عليه السلام في الاستبراء :وله أيضا : أبا حَسَنٍ لَو كانَ حُبُّكَ مُدخلي

جَحيما فَإِنَّ الفَوزَ عِندي جَحيمُها وكَيفَ يَخافُ النّارَ مَن هُوَ مُؤمِنٌ

بِأَنَّ أميرَ المُؤمِنينَ قَسيمُها (1)* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :وله أيضا : حُبُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبِ

أحلى مِنَ الشَّهدَةِ لِلشّارِبِ لا تُقبَلُ التَّوبَةُ مِن تائِبٍ

إلّا بِحُبِّ ابنِ أبي طالِبِ أخي رَسولِ اللّهِ بَل صِهرِهِ

وَالصِّهرُ لا يُعدَلُ بِالصّاحِبِ يا قَومُ مَن مِثلُ عَلِيٍّ وقَد

رُدَّت عَلَيهِ الشَّمسُ مِن غائِبِ (2)طرف : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :وله أيضا : وقالوا : عَلِيٌّ عَلا . قُلتُ : لا

فَإِنَّ العُلى بِعَلِيٍّ عَلا ولكِن أقولُ كَقَولِ النَّبِيِّ

وقَد جَمَعَ الخَلقَ كُلَّ المَلا ألا إنَّ مَن كُنتُ مَولىً لَهُ

يُوالي عَلِيّا وإلّا فَلا (3)* وعن العاقب في الكتب :وله أيضا : يا كُفؤَ بِنتِ مُحَمَّدٍ لَولاكَ ما

زُفَّت إلى بَشَرٍ مَدَى الأَحقابِ يا أصلَ عِترَةِ أحمَدٍ لَولاكَ لَم

يَكُ أحمَدُ المَبعوثُ ذا أعقابِ وَاُفِئتَ بالحَسَنينِ خَيرَ وِلادَةٍ

قَد ضُمِّنَت بِحَقائِقِ الأَنجابِ كانَ النَّبِيُّ مَدينَةَ العِلمِ الَّتي

حَوَتِ الكَمالَ وكُنتَ أفضَلَ بابِ رُدَّت عَلَيكَ الشَّمسُ وهِيَ فَضيلَةٌ

بَهَرَت فَلَم تُستَر بِلَفِّ نِقابِ لَم أحكِ إلّا ما رَوَتهُ نَواصِبٌ

عادَتكَ وهِيَ مُباحَةُ الأَسلابِ (4) .


1- .ديوان الصاحب بن عبّاد : ص275 الرقم197 .
2- .أعيان الشيعة : ج3 ص358 ، بشارة المصطفى : ص147 نحوه ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص317 وليس فيهما البيت الأوّل .
3- .ديوان الصاحب بن عبّاد : ص260 الرقم168 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص28، الغدير: ج4 ص41 .
4- .ديوان الصاحب بن عبّاد : ص102 الرقم18 ، بحار الأنوار : ج45 ص284 وفيه ثلاثة أبيات فقط .

ص: 142

طرس : في النبيّ صلى الله عليه و آله :وله أيضا : مَن كَمَولايَ عَلِيٍّ

وَالوَغى تَحمى لَظاها مَن يَصيدُ الصَّيدَ فيها

بِالظُّبى حينَ انتَضاها (1)(2)* ومنه عن ابن حمدان في سفره إلى قم :وله أيضا : مَن لَهُ في كُلِّ يَومٍ

وَقَعاتٌ لا تُضاهى ؟ كَم وكَم حَربٍ ضَروسٍ

سَدَّ بِالمُرهَفِ فاها ؟ اُذكُروا أفعالَ بَدرٍ

لَستُ أبغي ما سِواها اُذكُروا غَزوَةَ اُحْدٍ

إنَّهُ شَمسُ ضُحاها اُذكُروا حَربَ حُنَينٍ

إنَّهُ بَدرُ دُجاها اُذكُرُوا الأَحزابَ قِدْما

إنَّهُ لَيثُ شَراها (3) اُذكُروا مُهجَةَ عَمرٍو

كَيفَ أفناها شَجاها ؟ اُذكُروا أمرَ بَراءَهْ

وَاخبِروني مَن تَلاها ؟ اُذكُروا مَن زُوِّجَ الزَّه_

_راءَ قَد طابَ ثَراها اُذكُروا بُكرَةَ طَيرٍ

فَلَقَد طارَ ثَناها ؟ اُذكُروا لي قُلَلَ العِلمِ

ومَن حَلَّ ذُراها حالُهُ حالَةُ هارو

نَ لِموسى فَافهَماها أ عَلى حُبِّ عَلِيٍّ

لامَنِي القَومُ سَفاها ؟ ! أهمَلوا قُرباهُ جَهلاً

وتَخَطَّوا مُقتَضاها أوَّلُ النّاسِ صَلاةً

جَعَلَ التَّقوى حُلاها رُدَّتِ الشَّمسُ عَلَيهِ

بَعدَما غابَ سَناها حُجَّةُ اللّهِ عَلَى الخَل_

قِ شَقى مَن قَد قَلاها (4) .


1- .انتضى السيفَ : سلَّهُ من غمده (لسان العرب : ج15 ص329) .
2- .أعيان الشيعة : ج3 ص359، الغدير: ج4 ص57 .
3- .الشَّرى : موضع تنسب إليه الاُسْد (لسان العرب : ج14 ص431) .
4- .الغدير : ج4 ص57 وراجع المناقب للخوارزمي : ص174 ح210 وكفاية الطالب : ص388 وتذكرة الخواصّ : ص52 .

ص: 143

* وعن أبي جعفر عليه السلام في فاطمة عليهاالسلام :وله أيضا : أنَا وجَميعُ مَن فَوقَ التُّرابِ

فِداءُ تُرابِ نَعلِ أبي تُرابِ (1) قَد لَقَّبوكَ أبا تُرابٍ بَعدَما

باعوا شَريعَتَهُم بِكَفِّ تُرابِ (2) حُبُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالبِ

فَرضٌ عَلَى الشّاهِدِ وَالغائِبِ (3) لَو فَتَّشوا قَلبي رَأَوا وَسطَهُ

سَطرَينِ قَد خُطّا بِلا كاتِبِ حُبُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالبِ

وحُبُّ مَولايَ أبي طالِبِ (4) .


1- .ديوان الصاحب بن عبّاد : ص185 الرقم9، روضة الواعظين: ص147 .
2- .ديوان الصاحب بن عبّاد : ص104 الرقم18، بحار الأنوار: ج45 ص284 .
3- .ديوان الصاحب بن عبّاد : ص184 الرقم8، المناقب لابن شهر آشوب: ج3 ص208 .
4- .ديوان الصاحب بن عبّاد : ص183 الرقم6 .

ص: 144

10 / 24 ابن الحجّاج البغداديّ

راجع : كتاب «ديوان الصاحب بن عبّاد» .

10 / 24اِبنُ الحَجّاجِ البَغدادِيُّ (1)* وعن الصّادق عليه السلام في خَلْق المؤمن :من عباقرة حملة العلم والأدب في القرن الرابع ، يقول : يا صاحِبَ القُبَّةِ البَيضا عَلَى النَّجَفِ

مَن زارَ قَبرَكَ وَاستَشفى لَدَيكَ شُفي زوروا أبَا الحَسَنِ الهادِيَ لَعَلَّكُمُ

تَحظَونَ بِالأَجرِ وَالإِقبالِ وَالزُّلَفِ زورُوا الَّذي تُسمَعُ النَّجوى لَدَيهِ فَمَن

يَزُرهُ بِالقَبرِ مَلهوفا لَدَيهِ كُفي إذا وَصَلتَ إلى أبوابِ قُبَّتِهِ

تَأَمَّلِ البابَ تَلقى وَجهَهُ وقِفِ وقُل سَلامٌ مِنَ اللّهِ السَّلامِ عَلى

أهلِ السَّلامِ وأهلِ العِلمِ وَالشَّرَفِ إنّي أَتَيتُكَ يا مَولايَ مِن بَلَدي

مُستَمسِكا مِن حِبالِ الحَقِّ بِالطَّرَفِ لِأَ نَّكَ العُروَةُ الوُثقى فَمَن عَلِقَت

بِها يَداهُ فَلَن يَشقى ولَم يَخَفِ وأنَّ شَأنَكَ شَأنٌ غَيرُ مُنتَقَصٍ

وإنَّ نورَكَ نورٌ غَيرُ مُنكَسِفِ وأنَّكَ الآيَةُ الكُبرَى الَّتي ظَهَرَتْ

لِلعارِفينَ بِأَنواعٍ مِنَ الطُّرَفِ كانَ النَّبِيُّ إذَا استَكفاكَ مُعضِلَةً

مِنَ الاُمورِ وقَد أعيَت لَدَيهِ كُفي وقِصَّةُ الطّائِرِ المَشوِيِّ عَن أنَسٍ

جاءَت بِما نَصَّهُ المُختارُ مِن شَرَفِ (2)

.


1- .أبو عبد اللّه الحسين بن أحمد بن محمّد بن جعفر بن محمّد بن الحجّاج النيلي البغدادي : ولد في المائة الثالثة للهجرة ، وهو أحد العمد والأعيان من علماء الطائفة ، وعبقريّ من عباقرة حملة العلم والأدب ، ومن كبار شعراء وفحول الكتّاب ، حتى قيل : إنّه كامرئ القيس في الشعر ، والغالب على شعره العذوبة والانسجام ، بل قيل : إنّه فرد زمانه في فنّه الذي شهر به ، وإنّه لم يسبق إلى طريقته ولم ير كاقتداره على ما يريده من المعاني ، وقد أكثر من مدائح أهل البيت عليهم السلاموالنَّيل من مناوئيهم . وتوفّي سنة (391 ه ) وحمل إلى مشهد الإمام الطاهر موسى الكاظم عليه السلام ودفن فيه (راجع الغدير : ج4 ص130) .
2- .أعيان الشيعة : ج5 ص433 ، الغدير : ج4 ص88 .

ص: 145

10 / 25 أبو محمّد العونيّ

10 / 25أبو مُحَمَّدٍ العَونِيُّ 1* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :من أكابر الاُدباء في القرن الرابع ، يقول : إنَّ رَسولَ اللّهِ مِصباحُ الهُدى

وحُجَّةُ اللّهِ عَلى كُلِّ البَشَرْ جاءَ بِفُرقانٍ مُبينٍ ناطِقٍ

بِالحَقِّ مِن عِندِ مَليكٍ مُقتَدِرْ فَكانَ مِن أوَّلِ مَن صَدَّقَهُ

وَصِيُّهُ وَهوُ بِسِنٍّ ما ثُغِرْ ولَم يَكُن أشرَكَ بِاللّهِ ولا

دَنَّسَ يَوما بِسُجودٍ لِحَجَرْ فَذاكُمُ أوَّلُ مَن آمَنَ بِال_

_لّهِ ومَن جاهَدَ فيهِ ونَصَرْ أوَّلُ مَن صَلّى مِنَ القَومِ ومَن

طافَ ومَن حَجَّ بِنُسكٍ وَاعتَمَرْ مَن شارَكَ الطّاهِرَ في يَومِ العَبا

في نَفسِهِ ؟ مَن شَكَّ في ذاكَ كَفَرْ مَن جادَ بِالنَّفسِ ومَن ضَنَّ بِها

في لَيلَةٍ عِندَ الفِراشِ المُشتَهَر ؟ مَن صاحِبُ الدّارِ الَّذِي انقَضَّ بِها

نَجمٌ مِنَ الجَوِّ نَهارا فَانكَدَرْ ؟ مَن صاحِبُ الرّايَةِ لَمّا رَدَّها

بِالأَمسِ بِالذُّلِّ قَبيعٌ وزُفَرْ مَن خُصَّ بِالتَّلبيغِ في بَراءَةٍ ؟

فَتِلكَ لِلعاقِلِ مِن إحدَى العِبَرْ مَن كانَ فِي المَسجِدِ طَلقا بابُهُ

حِلّاً وأبوابُ اُناسٍ لَم تُذَرْ ؟ مَن حازَ في «خُمٍّ» بِأَمرِ اللّهِ ذا

كَ الفَضلَ وَاستَولى عَلَيهِم وَاقتَدَرْ ؟ مَن فازَ بِالدَّعوَةِ يَومَ الطّائِرِ ال

_مَشوِيِّ ؟ مَن خُصَّ بِذاكَ المُفتَخَر ؟ مَن ذَا الَّذي اُسرِيَ بِهِ حَتّى رَأَى ال_

_قُدرَةَ في حِندِسِ لَيلٍ مُعتَكِرْ ؟ مَن خاصِفُ النَّعلِ ؟ ومَن خَبَّرَكُم

عَنهُ رَسولُ اللّهِ أنواعَ الخَبَرْ ؟ سائِل بِهِ يَومَ حُنَينٍ عارِفا

مَن صَدَّقَ الحَربَ ومَن وَلَّى الدُّبُرْ ؟ كَليمُ شَمسِ اللّهِ وَالرّاجِعُها

مِن بَعدِمَا انجابَ ضِياها وَاستَتَرْ كَليمُ أهلِ الكَهفِ إذ كَلَّمَهُم

في لَيلَةِ المَسحِ فَسَلْ عَنهَا الخَبَرْ وقِصَّةُ الثُّعبانِ إذ كَلَّمَهُ

وَهوَ عَلَى المِنبَرِ وَالقَومُ زُمَرْ وَالأَسَدُ العابِسُ إذ كَلَّمَهُ

مُعتَرِفا (1) بِالفَضلِ مِنهُ وأقَرّْ بِأَنَّهُ مُستَخلَفُ اللّهِ عَلَى ال_

اُمَّةِ وَالرَّحمنُ ما شاءَ قَدَرْ عَيبَةُ (2) عِلمِ اللّهِ وَالبابُ الَّذي

يُؤتى رَسولُ اللّهِ مِنهُ المُشتَهَرْ (3)

.


1- .في الطبعة المعتمدة : «معرّفا» ، والتصحيح من طبعة مركز الغدير .
2- .العَيْبة : مستودع الثياب ، أو مستودع أفضل الثياب . وعيبة العلم على الاستعارة (مجمع البحرين : ج2 ص1296) .
3- .الغدير : ج4 ص125، المناقب لابن شهر آشوب: ج2 ص27 و ج3 ص291 .

ص: 146

. .

ص: 147

القرن الخامس

10 / 26 مهيار الدّيلميّ

القَرنُ الخامِسُ10 / 26مِهيارٌ الدَّيلَمِيُّ (1)* وعنه عليه السلام في الأشتر :من جهابذة الاُدباء في القرن الخامس ، يقول : إن يَحسُدوكَ فَلِفَرطِ عَجزِهِمُ

فِي المُشكِلاتِ ولِما فيكَ كَمَلْ الصِّنُو أنتَ وَالوَصِيُّ دونَهُمُ

ووارِثُ العِلمِ وصاحِبُ الرُّسُلْ وآكِلُ الطّائِرِ وَالطّارِدُ لِلصِّ_

_لِّ ومَن كَلَّمَهُ قَبلَكَ صَلّْ ؟ ! وخاصِفُ النَّعلِ وذُو الخاتَمِ وَال

_مُنهِلُ في يَومِ القَليبِ وَالمُعِلْ وفاصِلُ القَضِيَّةِ العَسراءِ في

يَومِ الجَنينِ (2) وهو حُكمٌ ما فُصِلْ ورَجعَةُ الشَّمسِ عَلَيكَ نَبَأٌ

تُشَعَّبُ الأَلبابُ فيهِ وتَضِلّْ فَما ألومُ حاسِدا عَنكَ انزَوى

غَيظا ولا ذا قَدَمٍ فيكَ تَزُلْ يا صاحِبَ الحَوضِ غَدا لاحُلِّئَت

نَفسٌ تَوالَيكَ عَنِ العَذبِ النَّهَلْ ولا تُسَلَّط قَبضَةُ النّارِ عَلى

عُنُقٍ إلَيكَ بِالوِدادِ يَنفَتِلْ عادَيتُ فيكَ النّاسَ لَم أحفِل بِهِم

حَتّى رَمَوني عَن يَدٍ إلَا الأَقَلّْ تَفَرَّغوا يَعتَرِقونَ (3) غيبَةَ

لَحمي وفي مَدحِكَ عَنهُم لي شُغُلْ عَدَلتُ أن تَرضى بِأَن يَسخَطَ مَن

تُقِلُّهُ الأَرضُ عَلَيَّ فَاعتَدَلْ ولَو يُشَقَّ البَحرُ ثُمَّ يَلتَقي

فِلقاهُ فَوقي في هواكَ لَم اُبَلْ (4)

.


1- .أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي : هو أرفع راية للأدب العربي منشورة بين المشرق والمغرب ،وأنفس كنز من كنوز الفضيلة ، ولعمر الحقّ إنّ من المعاجز أنّ فارسيّا في العنصر يحاول قرض الشعر العربي فيفوق أقرانه ، ويُقتدى به عند الورد والصدر ، أسلم على يد الشريف الرضي سنة (394 ه ) وتخرّج عليه في الأدب والشعر ، وتوفّي سنة (428 ه ) (راجع الغدير : ج4 ص238) .
2- .في الطبعة المعتمدة : «الحنين» ، والتصحيح من طبعة مركز الغدير .
3- .اعترقَت العظم : إذا أخذتَ منه اللحم بأسنانك (النهاية : ج3 ص220) .
4- .الغدير : ج4 ص255 .

ص: 148

10 / 27 السّيّد المرتضى

10 / 27السَّيِّدُ المُرتَضى 1* ومنه عن فاطمة عليهاالسلام لغلامها :من أئمّة العلم والأدب في القرن الخامس ، يقول : وبِمَرحَبٍ ألوى فَتىً ذو جَمرَةٍ

لا تُصطَلى وبِسالَةٍ لا تُقتَرى (1) إن حَزَّ حَزَّ مُطَبَّقا أو قالَ قا

ل مُصَدَّقا أو رامَ رامَ مُطَهَّرا (2) فَثَناهُ مُصفَرَّ البَنانِ كَأَنَّما

لَطَخَ الحِمامُ عَلَيهِ صِبغا أصفَرا شَهِقَ العُقابُ بِشِلوِهِ ولَقَد هَفَتْ

زَمَنا بِهِ شُمُّ الذَّوائِبِ وَالذُّرى أمَّا الرَّسولُ فَقَد أبانَ وَلاءَهُ

لَو كانَ يَنفَعُ جائِرا (3) أن يُنذَرا أمضى مَقالاً لَم يَقُلْهُ مُعَرِّضا

وأشادَ ذِكرا لَم يُشِدْهُ مُعَذِّرا وثَنى إلَيهِ رِقابَهُمْ وأقامَهُ

عَلَما عَلى بابِ النَّجاةِ مُشَهَّرا ولَقَد شَفى يَومُ الغَديرِ مَعاشرا

ثَلِجَتْ نُفوسُهُمُ وأودى مَعشَرا قُلِقَت (4) بِهِ أحقادُهُمْ فَمُرَجِّعٌ

نَفسا ومانِعُ أنَّةٍ أن تَجهَرا ياراكِبا رَقَصَتْ بِهِ مَهْرِيَّةٌ

أَشِبَتْ بِساحَتِهِ (5) الهُمومُ فَأَصحَرا عُجْ بِالغَرِيِّ فَإِنَّ فيهِ ثاوِيا

جَبَلاً تَطَأطَأَ فَاطمَأَنَّ بِهِ الثَّرى وَاقرَا السَّلامَ عَلَيهِ مِن كَلِفٍ بِهِ

كُشِفَتْ لَهُ حُجُبُ الصَّباحِ فَأَبصَرا ولَوِ استَطَعتُ جَعَلتُ دارَ إقامَتي

تِلكَ القُبورَ الزُّهرَ حَتّى اُقبَرا (6)

.


1- .قرا الأمرَ واقتراه : تتبّعه (لسان العرب : ج15 ص175) .
2- .في الطبعة المعتمدة : «مظهّرا» ، والتصحيح من طبعة مركز الغدير .
3- .في الطبعة المعتمدة : «حايرا» ، والتصحيح من طبعة مركز الغدير .
4- .في الطبعة المعتمدة: «قلعت»، والتصحيح من طبعة مركز الغدير.
5- .في الطبعة المعتمدة : «لساحته» ، والتصحيح من طبعة مركز الغدير .
6- .الغدير : ج4 ص263 .

ص: 149

القرن السّادس

10 / 28 الملك الصّالح

القَرنُ السّادِسُ10 / 28المَلِكُ الصّالِحُ 1* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «آفه المن رجال السياسة والأدب في القرن السادس ، يقول : يا راكِبَ الغَيِّ دَع عَنكَ الضَّلالَ فَها

ذَا الرُّشدُ بِالكوفَةِ الغَرّاءِ مَشهَدُهُ مَن رُدَّتِ الشَّمسُ مِن بَعدِ المَغيبِ لَهُ

فَأَدرَكَ الفَضلَ وَالأَملاكُ تَشهَدُهُ ويَومَ خُمٍّ وقَد قالَ النَّبِيُّ لَهُ

بَينَ الحُضورِ وشالَت عَضُدَهُ يَدُهُ مَن كُنتُ مَولىً لَهُ هذا يَكونُ لَهُ

مَولىً أتانى بِهِ أمرٌ يُؤَكِّدُهُ مَن كانَ يَخذُلُهُ فَاللّهُ يَخذُلُهُ

أو كانَ يَعضُدُهُ فَاللّهُ يَعضُدُهُ وَالبابُ لَمّا دَحاهُ وَهوَ في سَغَبٍ

مِنَ الصِّيامِ وما يَخفى تَعَبُّدُهُ وقَلقَلَ الحِصنَ فَارتاعَ اليَهودُ لَهُ

وكانَ أكثَرُهُم عَمدا يُفَنِّدُهُ نادى بِأَعلَى السَّما جِبريلُ مُمتَدِحا

هذَا الوَصِيُّ وهذَا الطُّهرُ أحمَدُهُ وفِي الفُراتِ حَديثٌ اذ طَغى فَأَتى

كُلٌّ إلَيهِ لِخَوفِ الهُلكِ يَقصِدُهُ فَقالَ لِلماءِ : غِضْ طَوعا فَبانَ لَهُم

حَصباؤُهُ حينَ وافاهُ يُهَدِّدُهُ (1)

.


1- .الغدير : ج4 ص341 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص30 وفيه من «ويوم خمّ» إلى «يعضده» .

ص: 150

ظعن : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :وله أيضا : وفي مَواقِفَ لا يُحصى لَها عَدَدٌ

ما كانَ فيها بِرِعْديدٍ ولا نَكِلِ كَم كُربَةٍ لِأَخيهِ المُصطَفى فُرِّجَت

بِهِ وكانَ رَهينَ الحادِثِ الجَلَلِ ؟ كَم بَينَ مَن كانَ قَد سَنَّ الهُروبَ ومَن

فِي الحَربِ إن زالَتِ الأَجبالُ لَم يَزُلِ ؟ ! في «هَل أتى» بَيَّنَ الرَّحمنُ رُتبَتَهُ

في جودِهِ فَتَمَسَّك يا أخي بِ«هَلِ» عَلِيُّ قالَ اسأَلوني كَي اُبِينَ لَكُم

عِلمي وغَيرُ عَلِيٍّ ذاكَ لَم يَقُلِ بَل قالَ : لَستُ بِخَيرٍ إذ وَلَيْتُكُمُ

فَقَوِّموني فَإِنّي غَيرُ مُعتَدِلِ إن كانَ قَد أنكَرَ الحُسّادُ رُتبَتَهُ

فَقَد أقَرَّ لَهُ بِالحَقِّ كُلُّ وَلِيِّ وفِي الغَديرِ لَهُ الفَضلُ الشَّهيرُ بِما

نَصَّ النَّبِيُّ لَهُ في مَجمَعٍ حَفلِ (1) .


1- .الغدير : ج4 ص342 .

ص: 151

10 / 29 ابن مكّيّ النّيليّ

* ومنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله :وله أيضا : أنَا مِن شيعَةِ الإِمامِ عَلِيِّ

حَربُ أعدائِهِ وسِلمُ الوَلِيِّ أنَا مِن شيعَةِ الإِمامِ الَّذي ما

مالَ في عُمرِهِ لِفِعلٍ دَنِيِّ أنَا عَبدٌ لِصاحِبِ الحَوضِ ساقي

مَن تَوالى فيهِ بِكَأسٍ رَوِيِّ أنَا عَبدٌ لِمَن أبانَ لَنَا المُش_

_كِلَ فَارتاضَ كُلُّ صَعبٍ أبِيِّ وَالَّذي كَبَّرَت مَلائِكَةُ اللّ_

_هِ لَهُ عِندَ صَرعَةِ العامِرِيِّ الإِمامُ الَّذي تَخَيَّرَهُ اللّ_

_هُ بِلا مِريَةٍ أخا لِلنَّبِيِّ قَسَما ما وَقاهُ بِالنَّفسِ لَمّا

باتَ فِي الفَرشِ عَنهُ غَيرُ عَلِيِّ ولَعَمري إذ حَلَّ في يَومِ (خُمٍّ)

لَم يَكُن موصِيا لِغَيرِ الوَصِيِّ (1)10 / 29اِبنُ مَكِّيٍّ النّيلِيُّ 2* وعن عائشة في الإفك :من أعيان الاُدباء في القرن السادس ، يقول : أ لَم تَعلَموا أنَّ النَّبِيَّ مُحَمَّدا

بِحَيدَرَةٍ أوصى ولَم يَسكُنِ الرَّمسا ؟ ! وقالَ لَهُم وَالقَومُ في «خُمٍّ» حُضَّرٌ

ويَتلُو الَّذي فيهِ وقَد هَمَسوا هَمسا عَلِيٌّ كَزِرّي مِن قَميصي وإنَّهُ

نَصيري ومِنّي مِثلُ هارونَ مِن موسى أ لَم تُبصِرُوا الثُّعبانَ مُستَشفِعا بِهِ

إلَى اللّهِ وَالمَعصومُ يَلحَسُهُ لَحسا ؟ ! فَعادَ كَطاووسٍ يَطيرُ كَأَنَّهُ

تَغَشرَمَ فِي الأَملاكِ فَاستَوجَبَ الحَبسا أما رَدَّ كَفَّ العَبدِ بَعدَ انقِطاعِها ؟ !

أما رَدَّ عَينا بَعدَ ما طُمِسَت طَمسا ؟ ! (2)

.


1- .الغدير : ج4 ص342.
2- .الغدير : ج4 ص392 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص18 وفيه إلى «من موسى» .

ص: 152

* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام عند دفن فاطمة عليهوله في مدح أمير المؤمنين عليه السلام : فَإِن يَكُن آدَمُ مِن قَبلِ الوَرى

نُبِيَّ وفي جَنَّةِ عَدنٍ دارُهُ فَإِنَّ مَولايَ عَلِيٌّ ذُوالعُلى

مِن قَبلِهِ ساطِعَةٌ أنوارُهُ تابَ عَلى آدَمَ مِن ذُنوبِهِ

بِخَمسَةٍ وَهوَ بِهِم أجارَهُ وإن يَكُن نوحٌ بَنى سَفينَةً

تُنجيهِ مِن سَيلٍ طَمى تَيّارُهُ فَإِنَّ مَولايَ عَلِيٌّ ذُوالعُلى

سَفينَةٌ يُنجى بِها أنصارُهُ وإن يَكُن ذُوالنّونِ ناجى حوتَهُ

فِي اليَمِّ لَمّا كَضَّهُ حضارهُ (1) فَفي جُلَندى لِلأَنامِ عِبرَةٌ

يَعرِفُها مَن دَلَّهُ اختِيارُهُ رُدَّت لَهُ الشَّمسُ بِأَرضِ بابِلَ

وَاللَّيلُ قَد تَجَلَّلَت أستارُهُ وإن يَكُن موسى رَعى مُجتَهِدا

عَشرا إلى أن شَفَّهُ انتِظارُهُ وسارَ بَعدَ ضُرِّهِ بِأَهلِهِ

حَتّى عَلَت بِالوادِيَينِ نارُهُ فَإِنَّ مَولايَ عَلِيٌّ ذُوالعُلى

زَوَّجَهُ وَاختارَ مَن يَختارُهُ وإن يَكُن عيسى لَهُ فَضيلَةٌ

تُدهِشُ مَن أدهَشَهُ انبِهارُهُ مَن حَمَلَتهُ اُمُّهُ ما سَجَدَت

لِلّاتِ بَل شَغَلَهَا استِغفارُهُ (2) .


1- .في الغدير : «حصاره» .
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص265 ، الغدير : ج4 ص394 .

ص: 153

10 / 30 الخطيب الخوارزميّ

10 / 30الخَطيبُ الخُوارِزمِيُّ 1ظلف : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الزكاةمن كبار المحدّثين والمؤرّخين في القرن السادس ، يقول : ألا هَل فَتىً كَأَبي تُرابِ

وأنّى مِثلُهُ فَوقَ التُّرابِ ؟ ! إذا ما مُقلَتي رَمِدَت فَكُحلي

تُرابٌ مَسَّ نَعلَ أبي تُرابِ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ كَمِصرِ عِلمٍ

أميرُ المُؤمِنينَ لَهُ كَبابِ هُوَ البَكّاءُ فِي المِحرابِ لكِنْ

هُوَ الضَّحّاكُ في يَومِ الحِرابِ هُوَ المَولَى المُفَرِّقُ فِي المَوالي

جَرائِبَ قَد حَواها بالحرابِ وعَن حَمراءِ بَيتِ المالِ أمسى

وعَن صَفرائِهِ صِفرَ الوِطابِ (1) شَياطينُ الوَغى دُحِروا دُحورا

بِهِ إذ سَلَّ سَيفا كَالشِّهابِ نَعَمْ زَوجُ البَتولِ أخو أبيها

أبُو السِّبطَينِ رَوّاضُ الصِّعابِ عَلِيٌّ ما عَلِيٌّ ما عَلِيٌّ!!

فَتىً يَومَ الكَتيبَةِ وَالكِتابِ عَلِيٌّ بِالهِدايَةِ قَد تَحَلّى

ولَمّا يَدَّرَعُ بُردَ الثِّيابِ عَلِيٌّ كاسِرُ الأَصنامِ لَمّا

عَلا كِتفَ النَّبِيِّ بِلَا احتِجابِ عَلِيٌّ فِي النِّساءِ لَهُ وَصِيٌّ

أمينٌ لَم يُمانَع بِالحِجابِ

إلى أن قالَ :

عَلِيٌّ قاتِلٌ عَمرَو بنَ وَدٍّ

بِضَربٍ عامِرُ البَلَدِ الخَرابِ عَلِيُّ بَراءَةٍ وغَديرُ خُمٍّ

ورايَةُ خَيبَرَ ضَرغامُ غابِ

إلى أن قالَ :

هُما مَثَلاً كَهارونَ وموسى

بِتَمثيلِ النَّبِيِّ بِلَا ارتِيابِ بَنى فِي المَسجِدِ المَخصوصِ بابا

لَهُ إذ سَدَّ أبوابَ الصِّحابِ كَأَنَّ النّاسَ كُلَّهُمُ قُشورٌ

ومَولانا عَلِيٌّ كَاللُّبابِ وِلايَتُهُ بِلا رَيبٍ كَطوقٍ

عَلى رَغمِ المَعاطِسِ فِي الرِّقابِ إذا عُمَرٌ تَخَبَّطَ في جَوابٍ

ونَبَّهَهُ عَلِيٌّ لِلصَّوابِ يَقولُ بِعَدلِهِ : لَولا عَلِيٌّ

هَلَكتُ هَلَكتُ في دَركِ الجَوابِ (2)

.


1- .الوِطاب : جمع وَطْب ؛ وهو سقاء اللبن ، وصَفِرت وِطابُه : أي فَرَغت وخَلَت (لسان العرب : ج1 ص797) .
2- .المناقب للخوارزمي : ص399 ؛ الغدير : ج4 ص397 نحوه .

ص: 154

القرن السّابع

10 / 31 مجد الدّين بن جميل

القَرنُ السّابِعُ10 / 31مَجدُ الدّينِ بنُ جَميلٍ (1)* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام :الأديب المتضلّع في القرن السابع ، يقول : ومَن أعطاهُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ

صَريحَ المَجدِ وَالشَّرَفَ القُدامى ومَن رُدَّت ذُكاءُ (2) لَهُ فَصَلّى

أداءً بَعدَ ما ثَنَتِ اللِّثاما وآثَرَ بِالطَّعامِ وقَد تَوالَت

ثَلاثٌ لَم يَذُق فيها طَعاما بِقُرصٍ مِن شَعيرٍ لَيسَ يَرضى

سِوَى المِلحِ الجَريشِ لَهُ إداما فَرَدَّ عَلَيهِ ذاكَ القُرصُ قُرصا

وزادَ عَلَيهِ ذاكَ القُرصُ جاما (3) أبا حَسَنٍ وأنتَ فَتىً إذا ما

دَعاهُ المُستَجيرُ حِمىً وحاما أزُرتُكَ يَقظَةً غُرَرَ القَوافي

فَزُرني يَابنَ فاطِمَةٍ مَناما وبَشِّرني بِأَنَّكَ لي مُجيرٌ

وأنَّكَ مانِعي مِن أن اُضاما فَكَيفَ يَخافُ حادِثَةَ اللَّيالي

فَتىً يُعطيهِ حَيدَرَةٌ ذِماما سَقَتكَ سَحائِبُ الرِّضوانِ سَحّا

كَفَيضِ يَدَيكَ يَنسَجِمُ انسِجاما وزارَ ضَريحَكَ الأَملاكُ صَفّا

عَلى مَغناكَ تَزدَحِمُ ازدِحاما ولا زالَت رَوايَا المُزنِ تُهدي

إلَى النَّجَفِ التَّحِيَّةَ وَالسَّلاما (4)

.


1- .هو مجد الدين أبو عبد اللّه محمّد بن منصور بن جميل الجبائي : ولد في هيت _ من مدن العراق _ وقدَم بغداد ودرس فيها حتى برع في الفقه والفرائض والنحو وسمع الحديث . فهو كاتب شاعر ، وأديب متضلّع ، له في النحو واللغة والأدب وقرض الشعر خطوات واسعة . توفّي سنة (616 ه ) ودفن في مقابر قريش في الكاظميّة (الغدير : ج5 ص402) .
2- .ذكاء : اسم الشمس (لسان العرب : ج14 ص287) .
3- .الجامُ : إناء من فضّة (لسان العرب : ج12 ص112) .
4- .الغدير : ج5 ص401 .

ص: 155

10 / 32 ابن أبي الحديد

10 / 32اِبنُ أبِي الحَديدِ (1)ظلل : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :من جهابذة العلماء وأثبات المؤرّخين في القرن السابع ، يقول : كَأَنَّ ظُباتِ المَشرَفِيَّةِ (2) مِن كَرىً

فَما يَبتَغي إلّا مَقَرَّ المَحاجِرِ فَلا تَحسَبَنَّ الرَّعدَ رَجسَ غَمامَةٍ

ولكِنَّهُ مِن بَعضِ تِلكَ الزَّماجِرِ (3) ولا تَحسَبَنَّ البَرقَ نارا فَإِنَّهُ

وَميضٌ أتى مِن ذِي الفَقارِ بِفاقِرِ (4) ولا تَحسَبَنَّ المُزنَ تَهمي (5) فَإِنَّها

أنامِلُهُ تَهمي بِأَوطَفِ (6) هامِرِ (7) تَعالَيتَ عَن مَدحٍ فَأَبلَغُ خاطِبٍ

بِمَدحِكَ بَينَ النّاسِ أقصَرُ قاصِرِ (8)

.


1- .راجع : ص 45 (ابن أبي الحديد) .
2- .الظُّبة : حدّ السيف والسنان والنصل والخنجر وما أشبه ذلك (لسان العرب : ج15 ص22) . والمشرفيّة : نوع من السيوف ؛ تنسب إلى قرية في مشارف الشام (تاج العروس : ج12 ص301) .
3- .الزماجر : جمع زَمْجَرة ؛ وهي الصوت ، وخصّ بعضهم به الصوت من الجوف (لسان العرب : ج4 ص329) .
4- .فاقر : يوم من أيّام العرب ، يجوز أن يكون افتقر فيه قوم ، أو كسر فيه فقار قوم فسمّي بذلك (معجم البلدان : ج4 ص232) .
5- .هَمَتْ عينُه : صبّت دمعها ، وقيل : سال دمعها (لسان العرب : ج15 ص364) .
6- .سحاب أوطف : هو الذي فيه استرخاء في جوانبه لكثرة الماء (لسان العرب : ج9 ص357 _ 358) .
7- .الهمّار : السحاب السيّال (لسان العرب : ج5 ص266) والهامر : السائل .
8- .الروضة المختارة : ص126 .

ص: 156

* وعنه صلى الله عليه و آله :وله أيضا : فَلَولا أناةٌ فِي ابنِ عَمِّكَ جَعْجَعَتْ (1)

بِعَضبِكَ (2) أجرى مِن دَمِ القَومِ أبحُرا ولكِنَّ سِرَّ اللّهِ شُطِّرَ فيكُما

فَكُنتَ لِتَسطو ثُمَّ كانَ لِيَغفِرا وَرَدتَ حُنينا وَالمَنايا شَواخِصٌ

فَذَلَّلتَ مِن أركانِها ما تَوَعَّرا فَكَم مِن دَمٍ أضحى بِسَيفِكَ قاطِرا

بِها مِن كَمِيٍّ قَد تَرَكتَ مُقَطَّرا وكَم فاجِرٍ فَجَّرتَ يَنبوعَ قَلبِهِ

وكَم كافِرٍ فِي التُّربِ أضحى مُكَفَّرا وكَم مِن رُؤوسٍ فِي الرِّماحِ عَقَدتَها

هُناكَ لِأَجسامٍ مُحَلَّلَةِ العُرا وأعجَبَ إنسانا مِنَ القَومِ كَثرَةٌ

فَلَم يُغنِ شَيئا ثُمَّ هَروَلَ مُدبِرا وضاقَت عَلَيهِ الأَرضُ مِن بَعدِ رَحبِها

ولِلنَّصِّ حُكمٌ لا يُدافَعُ بِالمِرا ولَيسَ بِنُكرٍ في حُنينِ فِرارُهُ

فَفي اُحُدٍ قَد فَرَّ خَوفا وخَيبَرا رُوَيدَكَ إنَّ المَجدَ حُلوٌ لِطاعِمٍ

غَريبٌ فَإِن مارَستَهُ ذُقتَ مُمقِرا وماكُلُّ مَن رامَ المَعالِي تَحَمَّلَتْ

مَناكِبُهُ مِنهَا الرُّكامَ (3) الكَنَهْوَرا (4) تَنَحَّ عَنِ العَلياءِ يَسحَبُ ذَيلَها

هُمامٌ تَرَدّى بِالعُلى وتَأَزَّرا فَتىً لَم تُعَرِّق فيهِ تيمُ بنُ مُرَّةٍ

ولا عَبَدَ اللّاتَ الخَبيثَةَ أعصُرا ولا كانَ مَعزولاً غَداةَ بَراءَةٍ

ولا عَن صَلاةٍ أمَّ فيها مُؤَخَّرا ولا كانَ في بَعضِ ابنِ زَيدٍ مُؤَمَّرا

عَلَيهِ فَأَضحى لِابنِ زَيدٍ مُؤَمِّرا ولا كانَ يَومَ الغارِ يَهفو جَنانَهُ

حِذارا ولا يَومَ العَريشِ تَسَتُّرا إمامُ هُدىً بِالقُرصِ آثَرَ فَاقتَضى

لَهُ القُرصُ رَدَّ القُرصِ أبيَضَ أزهَرا يُزاحِمُهُ جِبريلُ تَحتَ عَباءَةٍ

لَها قيلَ : كُلُّ الصَّيدِ في جانِبِ الفَرا حَلَفتُ بِمَثواهُ الشَّريفِ وتُربَةٍ

أحالَ ثَراها طيبَ رَيّاهُ عَنبَرا لَأَستَنفِذَنَّ العُمرَ في مِدَحي لَهُ

وإن لامَني فيهِ العَذولُ فَاُكثِرا (5) .


1- .جعجع بالماشية : أي حبسها (لسان العرب : ج8 ص51) .
2- .العضب : السيف القاطع (لسان العرب : ج1 ص609) .
3- .الركام : السحاب المتراكب بعضه فوق بعض (النهاية : ج2 ص260) .
4- .الكَنَهْوَر : العظيم من السحاب (النهاية : ج4 ص206) .
5- .الروضة المختارة : ص106 .

ص: 157

* وسُئِل أبو عبداللّه عليه السلام :وله أيضا : يا بَرقُ إن جِئتَ الغَرِيَّ فَقُل لَهُ

أ تَراكَ تَعلَمُ مَن بِأَرضِكَ مودَعُ فيكَ ابنُ عِمرانَ الكَليمُ وبَعدَهُ

عيسى يُقَفّيهِ وأحمَدُ يَتبَعُ بَل فيكَ جِبريلٌ وميكالٌ وإسْ

_رافيلُ وَالمَلَأُ المُقَدَّسُ أجمَعُ بَل فيكَ نورُ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ

لِذَوِي البَصائِرِ يُستَشَفُّ ويَلمَعُ فيكَ الإِمامُ المُرتَضى فيكَ الوَصِيُّ

المُجتَبى فيكَ البَطينُ الأَنزَعُ الضّارِبُ الهامِ المُقَنَّعُ فِي الوَغى

بِالخَوفِ لِلبُهَمِ (1) الكُماةِ (2) يُقَنَّعُ وَالسَّمهَرِيَّةُ (3) تَستَقيمُ وتَنحَني

فَكَأَنَّها بَينَ الأَضالِعِ أضلَعُ وَالمُترِعُ (4) الحَوضِ المُدَعدِعِ (5) حَيثُ

لا وادٍ يَفيضُ ولا قَليبٌ (6) يَترَعُ ومُبَدِّدُ الأَبطالِ حَيثُ تَأَلَّبوا

ومُفَرِّقُ الأَحزابِ حَيثُ تَجَمَّعُ وَالحِبرُ يَصدَعُ بِالمَواعِظِ خاشِعا

حَتّى تَكادَ لَهَا القُلوبُ تَصَدَّعُ حَتّى إذَا استَعَرَ الوَغى مُتَلَظِّيا

شَرِبَ الدِّماءَ بِغُلَّةٍ (7) لا تَنقَعُ (8) مُتَجَلبِبا ثَوبا مِنَ الدَّمِ قانِيا

يَعلوهُ مِن نَقعِ (9) المَلاحِمِ بُرقُعُ زُهدُ المَسيحِ وفَتكَةُ الدَّهرِ الَّذي

أودى بِها كَسرى وفَوَّزَ تُبَّعُ هذا ضَميرُ العالَمِ المَوجودِ عَن

عَدَمٍ وسِرُّ وُجودِهِ المُستَودَعُ هذِي الأَمانَةُ لا يَقومُ بِحَملِها

خَلقاءُ هابِطَةٌ وأطلَسُ أرفَعُ (10) تَأبَى الجِبالُ الشُّمُّ عَن تَقليدِها

وتَضِجُّ تَيهاءٌ وتَشفَقُ بُرقُعُ (11) هذا هُوَ النّورُ الَّذي عَذَباتُهُ

كانَت بِجَبهَةِ آدَمٍ تَتَطَلَّعُ (12) .


1- .البُهَم : جمع بُهْمَة _ بالضمّ _ : وهو الشجاع . وقيل : هو الفارس الذي لايُدرى من أين يؤتى له من شدّة بأسه (لسان العرب : ج12 ص58) .
2- .الكماة : جمع كَميّ ؛ وهو الشجاع (القاموس المحيط : ج4 ص383) .
3- .السمهري : الرمح الصلب (القاموس المحيط : ج2 ص52) .
4- .أترعَ الحوضَ : ملأه (القاموس المحيط : ج3 ص8) .
5- .المدعدِع : من دعدعتُ الشيء ؛ ملأته (لسان العرب : ج8 ص86) .
6- .القليب : البئر التي لم تطو (النهاية : ج4 ص98) .
7- .الغُلّة : حرارة العطش (مجمع البحرين : ج2 ص1331) .
8- .ينقع به العطش : أي يروى (النهاية : ج5 ص108) .
9- .النَّقْع : الغبار الساطع (لسان العرب : ج8 ص362) .
10- .صخرة خلقاء : ليس فيها وَصْم ولا كسر (لسان العرب : ج10 ص90) . والأطلس : الفلك التاسع .
11- .فلاة تيهاء : مضلّة ، أي يتيه فيها الإنسان (لسان العرب : ج13 ص482) ، والبُِرقِع : اسمٌ للسماء ف(تاج العروس : ج11 ص14) ، ويريد بذلك قوله : «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ» الآية (الأحزاب : 72) ويريد بالأمانة ، عليّا عليه السلام ومحبّته .
12- .الروضة المختارة : ص136 .

ص: 158

. .

ص: 159

* ومنه عن سلمان :وله أيضا : حَلَفتُ بِرَبِّ القَعضَبِيَّةِ (1) وَالقَنَا (2) ال

_مُثَقَّفِ وَالبيضِ الرِّقاقِ البَواتِرِ وبِالسّابِحاتِ (3) السّابِقاتِ كَأَنَّها

مِنَ النّاشِراتِ الفارِقاتِ الأَعاصِرِ وعُوْجٍ مُرِنّاتٍ (4) وصُفرٍ صَوائِبٍ

وفُلكٍ بِآذِيِّ العُبابِ مَواخِرِ لَقَد فازَ عَبدٌ لِلوَصِيِّ وَلاؤُهُ

وإن شابَهُ بِالموبِقاتِ الكَبائِرِ وخابَ مُعاديهِ ولَو حَلَّقَت بِهِ

قَوادِمُ فَتخاءِ الجَناحَينِ كاسِرِ هُوَ النَّبَأُ المَكنونُ وَالجَوهَرُ الَّذي

تَجَسَّدَ مِن نورٍ مِنَ القُدسِ زاهِرِ وذُو المُعجِزاتِ الواضِحاتِ أقَلُّها

الظُّهورُ عَلى مُستَودَعاتِ السَّرائِرِ ووارِثُ عِلمِ المُصطَفى وشَقيقُهُ

أخا ونَظيرا فِي العُلى وَالأَواصِرِ ألا إنَّمَا الإِسلامُ لَولا حُسامُهُ

كَعَفطَةِ عَنزٍ أو قُلامَةِ حافِرِ ألا إنَّمَا التَّوحيدُ لَولا عُلومُهُ

كَعُرضَةِ ضِلّيلٍ أو كَنُهبَةِ كافِرِ ألا إنَّمَا الأَقدارُ طَوعُ يَمينِهِ

فَبورِكَ مِن وَترٍ مُطاعٍ وقادِرِ فَلَو رَكَضَ (5) الصُّمَّ الجَلامِدَ واطِئا

لَفَجَّرَها بِالمُترَعاتِ الزَّواخِرِ ولَو رامَ كَسفَ الشَّمسِ كَوَّرَ نورَها

وعَطَّلَ مِن أفلاكِها كُلَّ دائِرِ هُوَ الآيَةُ العُظمى ومُستَنبِطُ الهُدى

وحَيرةُ أربابِ النُّهى وَالبَصائِرِ رَمَى اللّهُ مِنهُ يَومَ بَدرٍ خُصومَهُ

بِذي فُذَذٍ (6) في آلِ بَدرٍ مُبادِرِ (7) .


1- .القعضبيّة : الأسنّة نسبة إلى اسم رجل من بني قشير ، كان يعمل الأسنّة (تاج العروس : ج2 ص334) .
2- .القنا : الرمح (مجمع البحرين : ج3 ص1518) .
3- .السابحات : من قولهم فرسٌ سابحٌ : إذا كان حسن مدّ اليدين في الجري (النهاية : ج2 ص332) .
4- .العُوْج المُرِنّات : القِسيّ (انظر لسان العرب : ج2 ص335 و ج13 ص187) .
5- .الركض : الرفس بالرجل والإصابة بها (النهاية : ج2 ص2592) .
6- .بذي فذذ : أي بسهم ذي فذذ ؛ وهي جمع فذّة ؛ وهي الواحدة من ريش السهم (هامش المصدر) .
7- .الروضة المختارة : ص122 .

ص: 160

10 / 33 أبو محمّد المنصور باللّه

10 / 33أبو مُحَمَّدٍ المَنصورُ بِاللّهِ (1)طعم : عن أميرالمؤمنين عليه السلام للأشعث :أحد أئمّة الزيديّة في القرن السابع ، يقول : وكانَ فِي البَيتِ العَتيقِ مَولِدُهْ

واُمُّهُ إذ دَخَلَتْ لا تَقصِدُهْ وإنَّما إلهُهُ مُؤَيِّدُهْ

فَمَن تَلاهُ فَالجَحيمُ مَوعِدُهْ ثُمَّ أبوهُ كافِلُ الرَّسولِ

ومُؤمِنٌ بِاللّهِ وَالتَّنزيلِ في قَولِ أهلِ العِلمِ وَالتَّحصيلِ

فَهاتِ في آبائِهِم كَقيلي واُمُّهُ رَبَّت أخاهُ أحمَدا

وَاتَّبَعَتهُ إذ دَعا إلَى الهُدى فَكَم دَعاها اُمَّهُ عِندَ النِّدا

وقامَ في جِهازِها مُمَجِّدا ألبَسَها قَميصَهُ إكراما

ونامَ في حَفيرِها إعظاما ومَدَّ لِلمَلائِكَ القِياما

حَتّى قَضَوا صَلاتَها تَماما وَهوَ الَّذي كانَ أخا لِلمُصطَفى

بِحُكمِ رَبِّ العالَمينَ وكَفى وَاقتَسَما نورَهُمَا المُشَرَّفا

فَاعدُد لَهُم كَمِثلِ هذا شَرَفا وزَوجُهُ سَيِّدَةُ النِّساءِ

خامِسَةُ الخَمسَةِ فِي الكِساءِ أنكَحَهَا الصِّدّيقُ فِي السَّماءِ

فَهَل لَهُم كَهذِهِ العَلياءِ ؟ اللّهُ في إنكاحِها هُوَ الوَلِيّْ

وجَبرَئيلُ مُستَنابٌ عَن عَلِيّْ وَالشُّهَداءُ حامِلُو العَرشِ العَلِيّْ

فَهَل لَهُم كَمِثلِ ذا فَاقصُصهُ لي ؟ حورِيَّةٌ إنسِيَّةٌ سَيّاحَهْ

خَلَقَهَا اللّهُ مِنَ التُّفّاحَهْ وأكرَمُ الأَصلِ بِها لِقاحُهْ

فَهَل تَرى إنكاحَهُم إنكاحَهْ ؟ وَابناهُ مِنها سَيِّدَا الشَّبابِ

وَابنا رَسولِ اللّهِ عَن صَوابِ مُرتَضِعَا السُّنَّةِ وَالكِتابِ

فَهَل لَهُم كَهذِهِ الأَسبابِ ؟ (2)

ويقول أيضا :

أ لَم يَقُل فيهِ النَّبِيُّ المُنتَجَبْ

قَولاً صَريحا : أنتَ فارِسُ العَرَبْ وكَم وكَم جَلا بِهِ اللّهُ الكُرَبْ ؟

فَاعجَب ومَهما عِشتَ عايَنتَ العَجَبْ وَاسمَع أحاديثَ بِلَفظِ البابِ

فِي العِلمِ وَالحِكمَةِ وَالصَّوابِ ولا تَلُمني بَعدُ فِي الإِطنابِ

في حُبِّ مَولايَ أبي تُرابِ وقالَ أيضا فيهِ : أقضاكُم عَلِيّْ

ومِثلُهُ : أعلَمُكُم عَنِ النَّبِيّْ ومِثلُهُ : عَيبَةُ عِلمي وَالمَلِيّ

أنّى يَكونُ هكَذا غَيرُ الوَصِيّْ ؟ أ لَم يَكُن فَوقَ الرِّجال حُجَّهْ

نَيِّرَةً واضِحَةَ المَحَجَّهْ ؟ وعِلمُهُم في عِلمِهِ كالمَجَّهْ

فَما تَكونُ مَجَّةٌ في لُجَّهْ ؟ أحاطَ بِالتَّوراةِ وَالإِنجيلِ

وبِالزَّبورِ يا ذَوِي التَّفضيلِ عِلما وبِالقُرآنِ ذِي التَّنزيلِ

في قَولِهِ المُصَدَّقِ المَقبولِ (3)

ويقول أيضا :

وقالَ فيهِ المُصطَفى : أنتَ الوَلِيّْ

ومِثلُهُ : أنتَ الوَزيرُ وَالوَصِيّْ وكَم وكَم قالَ لَهُ : أنتَ أخي ؟

فَأَيُّهُم قالَ لَهُ مِثلَ عَلِيّْ ؟ وهَل سَمِعتَ بِحَديثِ مَولى

يَومَ الغَديرِ وَالصَّحيحُ أولى ؟ أ لَم يَقُل فيهِ الرَّسولُ قَولا

لَم يُبقِ لِلمُخالِفينَ حَولا ؟ وهَل سَمِعتَ بِحَديثِ المَنزِلَهْ

يَجعَلُ هارونَ النَّبِيَّ مَثَلَهْ ؟ وثَبَّتَ الطُّهرُ لَهُ ما كانَ لَهْ

مِن صِنوِهِ موسى فَصارَ مَدخَلَهْ ؟ مِن حَيثُ لَو لَم يَذكُرِ النُّبُوَّهْ

كانَت لَهُ مِن بَعدِهِ مَرجُوَّهْ فَاستُثنِيتَ ونالَ ذُو الفُتُوَّهْ

عُمومَ ما لِلمُصطَفى مِن قُوَّهْ (4)

إلى أن قالَ :

إنَّ الكِتابَ لِلوَصِيِّ قَد حَكَمْ

بِأَنَّهُ الإِمامُ في خَيرِ الاُمَمْ فَمَن يَكُن مُخالِفا فَقَد ظَلَمْ

وقَد أساءَ الفِعلَ حَقّا وَاجتَرَمْ قالَ : فَلي دَلائِلُ فِي الآثارْ

تَواتَرَت وَانتَشَرَت فِي الأَقطارْ عَلى إمامَةِ الرِّجالِ الأَخيارْ

فَأَيُّ قَولٍ بَعدَ تِلكَ الأَخبارْ ؟ فَقُلتُ : إن كانَ حَديثُ المَنزِلَهْ

فيها وأخبارُ الغَديرِ مُدخَلَهْ ؟ فَإِنَّها مَعلومَةٌ مُفَصَّلَهْ

أولا فَدَعها لِعَلِيٍّ فَهِيَ لَهْ (5)

.


1- .الإمام الحسن بن محمّد بن أحمد بن يحيى بن يحيى الهادي إلى الحقّ اليمني : أحد أئمّة الزيديّة في الديار اليمنيّة ، وأوحديّ أعلامها في علم الحديث وفنونه ، كما له في الأدب خطوات واسعة ، وكتابه أنوار اليقين في شرح اُرجوزته الغرّاء المذكورة في الإمامة . ولد سنة (596 ه ) وبويع له بالإمامة بعد مقتل الإمام أحمد بن الحسين ، وتوفّي سنة (670 ه ) (الغدير : ج5 ص423) .
2- .الغدير : ج5 ص418 .
3- .الغدير : ج5 ص420 .
4- .الغدير : ج5 ص422 .
5- .الغدير : ج5 ص423 .

ص: 161

. .

ص: 162

. .

ص: 163

القرن الثّامن

10 / 34 جمال الدّين الخلعيّ

القَرنُ الثّامِنُ10 / 34جَمالُ الدّينِ الخَلعِيُّ 1* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الشاعر الكبير ، يقول : أنكَرَ قَومٌ عيدَ الغَديرِ وما

فيهِ عَلَى المُؤمِنينَ مِن نُكرِ حَكَّمَكَ اللّهُ فِي العِبادِ بِهِ

وسِرتَ فيهِم بِأَحسَنِ السِّيَرِ وأكمَلَ اللّهُ فيهِ دينَهُمُ

كَما أتانا في مُحكَمِ السُّوَرِ نَعتُكَ في مُحكَمِ الكِتابِ وفِي ال

_تَّوراةِ بادٍ وَالسِّفْرِ وَالزُّبُرِ عَلَيكَ عَرضُ العِبادِ تَقضي عَلى

مَن شِئتَ مِنهُمُ بِالنَّفعِ وَالضَّرَرِ تُظمِئُ قَوما عِندَ الوُرودِ كَما

تُروي اُناسا بِالوِردِ وَالصَّدرِ يا مَلجَأَ الخائِفِ اللَّهيفِ ويا

كَنزَ المَوالي وخَيرَ مُدَّخَرِ لُقِّبتُ بِالرَّفضِ وهُوَ أشرَفُ لي

مِن ناصِبِيٍّ بِالكُفرِ مُشتَهَرِ نَعَم رَفَضتُ الطّاغوتَ وَالجِبتَ وَاس

_تَخلَصتُ وُدّي لِلأَنجُمِ الزُّهرِ (1)

.


1- .الغدير : ج6 ص10 .

ص: 164

طعن : في الخبر :وله أيضاً : حَبَّذا يَومُ الغَديرِ

يَومُ عيدٍ وسُرورِ إذ أقامَ المُصطَفى مِنْ

بَعدِهِ خَيرَ أميرِ قائِلاً : هذا وَصِيّي

في مَغيبي وحُضوري وظَهيري ونَصيري

ووَزيري ونَظيري وهُوَ الحاكِمُ بَعدي

بِالكِتابِ المُستَنيرِ وَالَّذي أظهَرَهُ اللّ

_هُ عَلى عِلمِ الدُّهورِ وَالَّذي طاعَتُهُ فَرْ

ضٌ عَلى أهلِ العُصورِ فَأَطيعوهُ تَنالُوا ال

_قَصدَ مِن خَيرِ ذَخيرِ فَأَجابوهُ وقَد أخ

_فَوا لَهُ غِلَّ الصُّدورِ بِقَبولِ القَولِ مِنهُ

وَالتّهاني وَالحُبورِ يا أميرَ النَّحلِ يا مَنْ

حُبُّهُ عَقدُ ضَميري وَالَّذي يُنقِذُني مِنْ

حَرِّ نيرانِ السَّعيرِ وَالَّذي مِدْحَتُهُ ما

عِشتُ اُنسي وسَميري وَالَّذي يَجعَلُ فِي الحَش

_رِ إلَى الخُلدِ مَصيري لَكَ أخلَصتُ الوِلا يا

صاحِبَ العِلمِ الغَزيرِ (1) .


1- .الغدير : ج6 ص10.

ص: 165

10 / 35 السّريجيّ الاواليّ

10 / 35السُّرَيجِيُّ الاُوالِيُّ (1)* وعن أبي جعفر عليه السلام :من البارعين في الشعر في القرن الثامن ، يقول : ولي بِوُدِّ أميرِ النَّحلِ حَيدَرَةٍ

شُغلٌ عَنِ اللَّهوِ وَالإِطرابِ ألهاني هاتِ الحَديثَ سَميري عَن مَناقِبِهِ

ودَع حَديثَ رُبى نَجدٍ ونُعمانِ مُردِي الكُماةِ وفَتّاكُ العُتاةِ و

هَطّالُ الهِباتِ وأمنُ الخائِفِ الجاني بَنى بِصارِمِهِ الإِسلامَ إذ هَدَمَ ال

أصنامَ أكرِمْ بِهِ مِن هادِمٍ بانِ سائِلْ بِهِ يَومَ اُحْدٍ والقَليبِ وفي

بَدرٍ وخَيبَرَ يا مَن فيهِ يَلحاني ويَومَ صِفّينَ وَالأَلبابُ طائِشَةٌ

وفي حُنَينٍ إذَا التَفَّ الفَريقانِ ويَومَ عَمرِو بنِ وَدٍّ حينَ جَلَّلَهُ

عَضبا بِهِ قَرُبَت آجالُ أقرانِ وفِي الغَديرِ وقَد أبدَى النَّبِيُّ لَهُ

مَناقِبا أرغَمَت ذَا البِغضَةِ الشّاني إذ قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَأَنتَ لَهُ

مَولىً بِهِ اللّهُ يَهدي كُلَّ حَيرانِ اُنزِلتَ مِنّي كَما هارونُ اُنزِلَ مِنْ

موسى ولَم يَكُ بَعدي مُرسَلٌ ثاني وآيَةُ الشَّمسِ إذ رُدَّت مُبادِرَةً

غَرّاءَ أقصَرَ عَنها كُلُّ إنسانِ وإنَّ في قِصَّةِ الأَفعى ومَكمَنِهِ

فِي الخُفِّ هَديا لِذي بُغضٍ وإرعانِ وقِصَّةُ الطّائِرِ المَشوِيِّ بَيِّنَةٌ

لِكُلِّ مَن حادَ عَن عَمدٍ وشَنْآنِ مَن غَيرُهُ بَطَنَ العِلمَ الخَفِيَّ ؟ ومَنْ

سِواهُ قالَ : اسأَلوني قَبلَ فِقداني ؟ ومَن وَقَتْ نَفسُهُ نَفسَ الرَّسولِ وقَد

وافَى الفِراشَ ذَوو كُفرٍ وطُغيانِ ؟ ومَن تَصَدَّقَ في حالِ الرُّكوعِ ولَمْ

يَسجُد كَما سَجَدَت قَومٌ لِأَوثانِ ؟ مَنْ كانَ في حَرَمِ الرَّحمنِ مَولِدُهُ

وحاطَهُ اللّهُ مِن بَأْسٍ وعُدوانِ ؟ مَنْ غَيرُهُ خاطَبَ الرَّحمنَ وَاعتَضَدَت

بِهِ النُّبُوَّةُ في سِرٍّ وإعلانِ ؟ مَن اُعطِيَ الرّايَةَ الغَرّاءَ إذ رَبِدَت (2)

نارُ الوَغى فَتحاماهَا الخَميسانِ ؟ مَن رُدَّتِ الكَفُّ إذ بانَت بِدَعوَتِهِ ؟

وَالعَينُ بَعدَ ذَهابِ المَنظَرِ الفاني ؟ مَن اُنزِلَ الوَحيُ في أن لا يُسَدَّ لهُ

بابٌ وقَد سُدَّ أبوابٌ لِاءِخوانِ ؟ ومَن بِهِ بُلِّغَتْ مِن بَعدِ أوبَتِها

بَراءَةٌ لِاُولي شِركٍ وكُفرانِ ؟ ومَن تَظَلَّمَ طِفلاً وَارتَقى كَتِفَ ال

_مُختارِ خَيرَ ذَوي شيبٍ وشُبّانِ ؟ ومَن يَقولُ : خُذي يا نارُ ذا وذَري

هذا وبِالكَأسِ يَسقي كُلَّ ظَمآنِ ؟ مَن غَسَّلَ المُصطَفى ؟ مَن سالَ في يَدِهِ

أجَلُّ نَفسٍ نَأَت عَن خَيرِ جُثمانِ ؟ ومَن تَوَرَّكَ مَتنَ الرّيحِ طائِعَةً

تَجري بِأَمرِ مَليكِ الخَلقِ رَحمانِ ؟ حَتّى أتى فِتيَةَ الكَهفِ الَّذينَ جَرَت

عَلى مَراقِدِهِم أعصارُ أزمانِ فَاستَيقَظوا ثُمَّ قالوا بَعدَ يَقظَتِهِم

أنتَ الوَصِيُّ عَلى عِلمٍ وإيقانِ (3)

.


1- .السيّد عبد العزيز بن محمّد بن الحسن بن أبي نصر الحسيني السريجي الاُوالي : من شعراء الشيعة ، وكان فاضلاً أديبا جامعاً ، وشاعراً ظريفاً بارعاً ، توفّي في البصرة سنة (750 ه ) تقريباً (الغدير : ج6 ص38) .
2- .اربَدَّ وجهه وتربّد : احمرّ حمرة فيها سواد عند الغضب (لسان العرب : ج3 ص170) .
3- .الغدير : ج6 ص20 .

ص: 166

10 / 36 علاء الدّين الحلّيّ

10 / 36عَلاءُ الدّينِ الحِلِّيُّ (1)* وعن أبي جعفر عليه السلام :من أكابر العلماء والاُدباء في القرن الثامن ، يقول : يامَن بِهِ كَمُلَ الدّينُ الحَنيفُ ولِل

إِسلامِ مِن بَعدِ وَهنٍ مَيلَهُ عَضَدا وصاحِبَ النَّصِّ في خُمٍّ وقَد رَفَعَ النَّبِيُّ

[مِنهُ] (2) عَلى رَغمِ العَدا عَضُدا أنتَ الَّذِي اختارَكَ الهادِي البَشيرُ أخا

وما سِواكَ ارتَضى مِن بَينِهِم أحَدا أنتَ الَّذي عَجِبَت مِنهُ المَلائِكُ في

بَدرٍ ومِن بَعدِها إذ شاهَدوا اُحُدا

ويقول أيضا :

وحَقِّ نَصرِكَ لِلإِسلامِ تَكلَؤُهُ

حِياطَةً بَعدَ خَطبٍ فادِحٍ ورَدى ما فَصَّلَ المَجدُ جِلبابا لِذي شَرَفٍ

إلّا وكانَ لِمَعناكَ البهيجِ رِدا يا كاشِفَ الكَربِ عَن وَجهِ النَّبِيِّ لَدى

بَدرٍ وقَد كَثُرَت أعداؤُهُ عَدَدا اِستَشعَرُوا الذُّلَّ خَوفا مِن لِقاكَ وقَد

تَكاثَروا عَدَدا وَاستَصحَبوا عُدَدا ويومَ عمرِو بنِ وَدِّ العامِرِيِّ وقَد

سارَت إلَيكَ سَرايا جَيشِهِ مَدَدا أضحَكتَ ثَغرَ الهُدى بشرا بِهِ وبَكَتْ

عَينُ الضَّلالِ لَهُ بَعدَ الدِّما مُدَدا وفي هَوازِنَ لَمّا نارُهَا استَعَرَتْ

من عَزمِ عَزمِكَ يَوما حَرُّها بَرَدا أجرى حُسامُكَ صَوبا مِن دِمائِهُمُ

هَدَرا وأمطَرتُهُم مِن أسهُمٍ بَرَدا أقدَمتَ وَانهَزَمَ الباقونَ حينَ رَأَوا

عَلَى النَّبِيِّ مُحيطا جَحفَلاً لُبَدا (3) لَولا حُسامُكُ ما وَلَّوا ولَا اطَّرَحوا

مِنَ الغَنائِمِ مالاً وافِرا لُبَدا (4)(5)

.


1- .أبو الحسن علاء الدين عليّ بن الحسين الحلّي الشهيفي ، المعروف بابن الشهفيّة : عالم فاضل وأديب كامل ، وقد جمع بين الفضيلتين علم غزير وأدب بارع . وفي الطليعة : من شعراء أهل البيت عليهم السلام ، وقد أثنى عليه بالعلم والفضل والأدب القاضي في المجالس ، والحرّ العاملي في أمل الآمل ، والميرزا صاحب رياض العلماء ، وسيّدنا مؤلّف رياض الجنّة ، وابن أبي شبانة في تتميم الأمل وغيرهم (الغدير : ج6 ص365) .
2- .ما بين المعقوفين أثبتناه من طبعة مركز الغدير .
3- .لُبَدا : أي مجتمعين (لسان العرب : ج3 ص387) .
4- .لُبَدا : أي كثيرا لايُخاف فناؤه (لسان العرب : ج3 ص387) .
5- .الغدير : ج6 ص365 .

ص: 167

. .

ص: 168

* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :وله أيضا : يَكفيكَ فَخرا أنَّ دينَ مُحَمَّدٍ

لَولا كَمالُكَ نَقصُهُ لَن يَكمُلا وفَرائِضَ الصَّلَواتِ لَولا أنَّها

قُرِنَت بِذِكرِكَ فَرضُها لَن يُقبَلا يامن إذا عُدَّت مَناقِبُ غَيرِهِ

رَجَحَتْ مَناقِبُهُ وكانَ الأَفضَلا إنّي لَأَعذِرُ حاسِديكَ عَلَى الَّذي

أولاكَ رَبُّكَ ذُو الجَلالِ وفَضَّلا إن يَحسُدوكَ عَلى عُلاكَ فَإِنَّما

مُتَسافِلُ الدَّرَجاتِ يَحسُدُ منَ عَلا (1)* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام في شجرة طوبى :وله أيضا : ومسيرُهُ فَوقَ البِساطِ مُخاطِبا

أهلَ الرَّقيمِ (2) فَضيلَةٌ لا تُجحَدُ وعَلَيهِ قَد رُدَّت ذُكاءُ وأحمَدٌ

مِن فَوقِ رُكبَتِهِ اليَمينِ مُوَسَّدُ وعَلَيهِ ثانِيَةً بِساحَةِ بابِلٍ

رَجَعَت كَذا وَرَدَ الحَديثُ المُسنَدُ ووَلِيُّ عَهدِ مُحَمَّدٍ أفَهَل تَرى

أحَدا إلَيهِ سَواهُ أحمَدُ يَعهَدُ ؟ إذ قالَ : إنَّكَ وارِثي وخَليفَتي

ومُغَسِّلٌ لي دونَهُم ومُلَحِّدُ أم هَل تَرى فِي العالَمينَ بِأَسرِهِم

بَشَرا سِواهُ بِبَيتِ مَكَّةَ يولَدُ ؟ في لَيلَةٍ جِبريلُ جاءَ بِها مَعَ ال

_مَلَاءِ المُقَدَّسِ حَولَهُ يَتَعَبَّدُ فَلَقَد سَما مَجدا عَلِيُّ كَما عَلا

شَرَفا بِهِ دونَ البِقاعِ المَسجِدُ أم هَل سِواهُ فَتىً تَصَدَّقَ راكِعا

لَمّا أتاهُ السّائِلُ المُستَرفِدُ ؟ المُؤثِرُ المُتَصَدِّقُ المُتَفَضِّلُ

المُتَمَسِّكُ المُتَنَسِّكُ المُتَزَهِّدُ الشّاكِرُ المُتَطَوِّعُ المُتَضَرِّعُ ال

_مُتَخَضِّعُ المُتَخَشِّعُ المُتَهَجِّدُ الصّابِرُ المُتَوَكِّلُ المُتَوَسِّلُ ال

_مُتَذَلِّلُ المُتَمَلمِلُ المُتَعَبِّدُ رَجُلٌ يَتيهُ بِهِ الفَخارُ مُفاخِرا

ويَسودُ إذ يُعزى إلَيهِ السُّؤدَدُ إن يَحسُدوهُ عَلى عُلاهُ فَإِنَّما

أعَلا البَرِيَّةِ رُتبَةً مَن يُحْسَدُ (3) .


1- .الغدير : ج6 ص388 .
2- .أي أصحاب الكهف ، إشارة إلى الآية 9 من سورة الكهف : «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَ_بَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ . . .» .
3- .الغدير : ج6 ص360 .

ص: 169

القرن التّاسع

10 / 37 الشّيخ رجب البرسيّ الحلّيّ

القَرنُ التّاسِعُ10 / 37الشَّيخُ رَجَبٌ البُرسِيُّ الحِلِّيُّ (1)* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :من الفقهاء والمحدّثين والاُدباء في القرن التاسع ، يقول : رَوى فَضلَهُ الحُسّادُ مِن عظم (2) شَأنِهِ

وأعظَمُ فَضلٍ جاءَ يَرويهِ حاسِدُ مُحِبّوهُ أخفَوا فَضلَهُ خيفَةَ العِدى

وأخفاهُ بُغضا حاسِدٌ ومُعانِدُ فَشاعَ لَهُ ما بَينَ ذَينِ مَناقِبٌ

تَجِلُّ بِأَن تُحصى إذا عَدَّ قاصِدُ إمامٌ لَهُ في جَبهَةِ المَجدِ أنجُمٌ

عَلَتْ فَعَلَتْ إن يَدنُ مِنهُنَّ راصِدُ لَهَا الفِرقُ مِن فَرعِ السِّماكِ (3) مَنابِرٌ

وفي عُنُقِ الجَوزاءِ مِنها قَلائِدُ مَناقِبُ إذ جَلَّتْ جَلَت كُلَّ كُربَةٍ

وطابَت فَطابَت مِن شَذاهَا المَشاهِدُ إمامٌ يُحارُ الفِكرُ فيهِ فَعابِدٌ (4)

لَهُ ومُقِرٌّ بِالوَلاءِ وجاحِدُ إمامٌ مُبينٌ كُلَّ إُكرومَةٍ حَوى

بِمِدْحَتِهِ التَّنزيلُ ، وَالذِّكْرُ شاهِدُ (5)

.


1- .الشيخ رضيّ الدين رجب بن محمّد بن رجب البرسي الحلّي : من عرفاء الإماميّة وفقهائها المشاركين في العلوم ، مجمعٌ على فضله الواضح في فنّ الحديث وتقدّمه في الأدب وقرض الشعر وإجادته ، وله شعر رائق ، جلّه بل كلّه في مدائح النبيّ الأقدس وأهل بيته الطاهرين صلوات اللّه عليهم . وفاته كانت حدود سنة (813 ه ) (راجع الغدير : ج7 ص33) .
2- .في المصدر : «معظم» ، والصحيح ما أثبتناه كما في الغدير .
3- .السِّماك : نجم معروف (لسان العرب : ج10 ص444) .
4- .في المصدر : «معاندٌ» ، والصحيح ما أثبتناه كما في الغدير .
5- .مشارق أنوار اليقين : ص231 .

ص: 170

10 / 38 ضياء الدّين الهادي

* ومنه :وله أيضا : إذا رُمتَ يَومَ البَعثِ تَنجو مِنَ اللَّظى

ويُقبَلُ مِنكَ الدّينُ وَالفَرضُ وَالمِنَنْ فَوالِ عَلِيّا وَالأَئِمَّةَ بَعدَهُ

نُجومَ الهُدى تَنجو مِنَ الضّيقِ وَالمِحَنْ فَهُم عِترَةٌ قَد فَوَّضَ اللّهُ أمرَهُ

إلَيهِم لِما قَد خَصَّهُم مِنهُ بِالمِنَنْ أئِمَّةُ حَقٍّ أوجَبَ اللّهُ حَقَّهُمْ

وطاعَتُهُم فَرضٌ بِهَا الخَلقُ (1) تُمتَحَنْ نَصَحتُكَ أن تَرتابَ فيهِم فَتَنثَني

إلى غَيرِهِم مَن غَيرُهُم فِي الأَنامِ مَنْ ؟ فَحُبُّ عَلِيٍّ عُدَّةٌ لِوَلِيِّهِ

يُلاقيهِ عِندَ المَوتِ وَالقَبرِ وَالكَفَنْ كَذلِكَ يَومَ البَعثِ لَم يَنجُ قادِمٌ

مِنَ النّارِ إلّا مَن تَوَلّى أبَا الحَسَنْ (2)10 / 38ضِياءُ الدّينِ الهادي 3* وعن فاطمة عليهاالسلام :من أعاظم علماء الزيديّة ، يقول : هذا ومَذهَبُنا أنَّ الإِمامَ عَقي

_بَ المُصطَفى حَيدَرُ الأَبطالِ وَالبُهَمِ أعني عَلِيّا أميرَ المُؤمِنينَ ومَن

بِالعَطفِ خُصَّ مِنَ الرَّحمنِ ذِي القِسَمِ اللّهُ أنزَلَ آياتٍ مُبارَكَةً

في فَضلِهِ عَدُّها لي غَيرُ مُنتَظَمِ وقالَ فيهِ رَسولُ اللّهِ سَيِّدُنا

يَومَ الغَديرِ بِخُمٍّ يَومَ حَجِّهِمِ مَن كُنتُ مَولاهُ أي أولى بِهِ فَعَلِيّْ

أولى بِهِ وَهْوَ مَولاهُم بِكُلِّهِمِ قامَ النَّبِيُّ خَطيباً في مُعَسكَرِهِ

بِهذِهِ الخُطبَةِ الغَرّا لِجَمعِهِمِ وشالَ ضَبعاً (3) كَريماً مِن أبي حَسَنٍ

في يَومِ حَرٍّ شَديدِ اللَّفحِ مُضطَرِمِ كَي لا يُقالَ : بِأَنَّ النَّصَّ مُكتَتَمٌ

ما كانَ إلّا صَريحاً غَيرَ مُكتَتَمِ فَهُوَ الخَليفَةُ بَعدَ المُصطَفى ولَهُ

فَضلُ التَّقَدُّمِ لَم يَسجُد إلى صَنَمِ وكانَ سابِقَهُم في كُلِّ مَكرُمَةٍ

وكانَ في كُلِّ حَربٍ ثابِتَ القَدَمِ وكانَ أوَّلَ مَن صَلّى لِقِبلَتِهِمْ

وأعلَمَ النّاسِ بِالقُرآنِ وَالحِكَمِ وكانَ أقرَبَهُم قُربىً وأفضَلَهُمْ

رُغبىً وأضرَبَهُم بِالسَّيفِ فِي القِمَمِ وكانَ أشرَفَهُم هَمّا وأرفَعَهُمْ

في هِمَّةٍ فَهُوَ عالِي الهَمِّ وَالهِمَمِ وكانَ أعبَدَهُم لَيلاً وأكثَرَهُمْ

صَوماً إذَا الفاجِرُ المِسكينُ لَم يَصُمِ وكانَ أفصَحَهُم قَولاً وأبلَغَهُمْ

نُطقاً وأعدَلَهُم حُكماً لِمُحتَكِمِ وكانَ أحسَنَهُم وَجهاً وأوسَعَهُم

صَدراً وأطهَرَهُم كَفّاً لِمُستَلَمِ وكانَ أغزَرَهُم جوداً وأدوَنَهُم

مالاً فَطالَ عَلى الأَطوادِ وَالاُدُمِ فَكَيفَ تُقدِمُهُ مَن لا يُماثِلُهُ

فِي العِلمِ وَالحِلمِ وَالأَخلاقِ وَالشِّيَمِ وفِي الشَّجاعَةِ وَالفَضلِ العَظيمِ وفِي

التَّدبيرِ وَالوَرَعِ المَشهورِ وَالكَرَمِ (4)

.


1- .في المصدر : «اللّه ُ» ، والصحيح ما أثبتناه كما في الغدير .
2- .مشارق أنوار اليقين : ص245 .
3- .الضَّبْع _ بسكون الباء _ : وسط العَضُد وقيل : هو ما تحت الإبط (النهاية : ج3 ص73) .
4- .الغدير : ج11 ص197 .

ص: 171

. .

ص: 172

10 / 39 ابن العرنْدس الحلّيّ

10 / 39اِبنُ العَرَنْدَسِ الحِلِّيُّ (1)طفس : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الظالممن ذوي الباع في الأدب والفقه ، يقول : ثُمَّ السَّلامُ مِنَ السَّلامِ عَلَى الَّذي

نُصِبَت لَهُ في خُمِّ راياتُ الوَلا تالي كِتابِ اللّهِ أكرَمُ مَن تَلا

وأجَلُّ مَن لِلمُصطَفَى الهادي تَلا زَوجُ البَتولِ أخُ الرَّسولِ مُطَلِّقُ

الدُّنيا وقاليها بِنيرانِ الفِلا رَجُلٌ تَسَربَلَ بِالعَفافِ وحَبَّذا

رَجُلٌ بِأَثوابِ العَفافِ تَسَربَلا تَلقاهُ يَومَ السَّلمِ غَيثاً مُسبِلاً

وتَراهُ يَومَ الحَربِ لَيثاً مُشبِلا ذُو الرّاحَةِ اليُمنَى الَّتي حَسَناتُها

مُدَّت عَلى كَيْوانَ باعاً (2) أطوَلا وَالمُعجِزاتُ الباهِراتُ النَّيِّرا

تُ المُشرِقاتُ المُعذِراتُ لِمَن غَلا مِنها رُجوعُ الشَّمسِ بَعدَ غُروبِها

نَبَأٌ تَصيرُ لَهُ البَصائِرُ ذُهَّلا ولِسَيرِهِ فَوقَ البِساطِ فَضيلَةٌ

أوصافُها تُعيِي الفَصيحَ المِقْوَلا وخِطابُ أهلِ الكَهفِ مَنقَبَةٌ غَلَتْ

وعَلَت فَجاوَزَتِ السِّماكَ الأَعزَلا وصُعودُ غارِبِ أحمَدٍ فَضلٌ لَهُ

دونَ القَرابَةِ وَالصَّحابَةِ أفضَلا هذَا الَّذي حازَ العُلومَ بِأَسرِها

ما كانَ مِنها مُجمَلاً ومُفَصَّلا هذَا الَّذي بِصَلاتِهِ وصِلاتِهِ

لِلدّينِ وَالدُّنيا أتَمَّ وأكمَلا هذَا الَّذي بِحُسامِهِ وقَناتِهِ

في خَيبَرٍ صَعبُ الفُتوحِ تَسَهَّلا وأبادَ مَرحَبَ فِي النِّزالِ بِضَربَةٍ

أَلقَت عَلَى الكُفّارِ عِبئاً مُثقِلا وكَتائِبُ الأَحزابِ صَيَّرَ عَمْرَوها

بِدِمائِهِ فَوقَ الرِّمالِ مُرَمَّلا وتَبوكُ نازَلَ شُوْسَها (3) فَأَبادَهُمْ

ضَرباً بِصارِمِ عَزمَةٍ لَن يَفلَلا وبِهِ تَوَسَّلَ آدَمُ لَمّا عَصى

حَتَّى اجتَباهُ رَبُّنا وتَقَبَّلا وبِهِ دَعا نوحٌ فَسارَت فُلكُهُ

وَالأَرضُ بِالطّوفانِ مُفعَمَةً مَلا وبِهِ الخَليلُ دَعا فَأَضحَت نارُهُ

بَردا وقَد أذكَت حَريقا مُشعَلا وبِهِ دَعا موسى تَلَقَّفَتِ العَصا

حَيّاتِ سِحرٍ كُنَّ قِدماً أحْبُلا وبِهِ دَعا عيسَى المَسيحُ فَأَنطَقَ ال

_مَيْتَ الدَّفينَ بِهِ وقامَ مِنَ البِلا وبخُمِّ واخاهُ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ

حَقّا وذلِكَ فِي الكِتابِ تَنَزَّلا عَذَلَ النَّواصِبُ في هَواهُ وعَنَّفوا

فَعَصَيتُهُم وأطَعتُ فيهِ مَن غَلا ومَدَحتُهُ رَغما عَلى آنافِهِمْ

مَدحا بِه رَبّي صَدا قَلبي جَلا وتُرابُ نَعلِ أبي تُرابٍ كُلَّما

مَسَّ القَذا عَيني يَكونُ لَها جَلا فَعَلَيهِ أضعافُ التَّحِيَّةِ ماسَرى

سارٍ وما سَحَّ السَّحابُ وأهمَلا (4)

.


1- .الشيخ صالح بن عبد الوهاب بن العرندس الحلّي ، الشهير بابن العرندس : أحد أعلام الشيعة ، ومن مؤلّفي علمائها في الفقه والاُصول ، وله مدائح ومراثي لأئمّة أهل البيت عليهم السلام . توفّي حدود سنة (840 ه ) بالحلّة الفيحاء ودفن فيها ، وله قبر يزار ويتبرّك به (الغدير : ج7 ص13) .
2- .كَيْوان : نجم يقال له زُحَل (العين : ص724) . والباع : السَّعة في المكارم (لسان العرب : ج8 ص22) .
3- .الشُّوْس : جمع الأشْوَس ؛ وهو الجريء على القتال الشديد (لسان العرب : ج6 ص116) .
4- .الغدير : ج7 ص7 .

ص: 173

. .

ص: 174

القرن العاشر

10 / 40 الشّيخ إبراهيم بن عليّ الكفعميّ

القَرنُ العاشِرُ10 / 40الشَّيخُ إبراهيمُ بنُ عَلِيٍّ الكَفعَمِيُّ (1)* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام لخالد :من أعيان القرن العاشر ، يقول : عَلِيُّ الوَصِيِّ وَصِيُّ النَّبِيِّ

وغَوثُ الوَلِيِّ وحَتفُ الكَفورِ وغَيثُ المَحولِ وزَوجُ البَتولِ

وصِنوُ الرَّسولِ السِّراجِ المُنيرِ أمانُ البِلادِ وساقِي العِبادِ

بِيَومِ المَعادِ بِعَذبٍ نَميرِ هُمامُ الصُّفوفِ ومِقرَي الضُّيوفِ

وعِندَ الزُّحوفِ كَلَيثٍ هَصورِ ومَن قَد هَوَى النَّجمُ في دارِهِ

ومَن قاتَلَ الجِنَّ في قَعرِ بيرِ وسَل عَنهُ بَدرا واُحْدا تَرى

لَهُ سَطَواتُ شُجاعٍ جَسورِ وسَل عَنهُ عَمرا وسَل مَرحَبا

وفي يَومِ صِفّينَ لَيلَ الهَريرِ وكَم نَصَرَ الدّينَ في مَعرَكٍ

بِسَيفٍ صَقيلٍ وعَزمٍ مَريرِ وسِتّا وعِشرينَ حَربا رَأى

مَعَ الهاشِمِيِّ البَشيرِ النَّذيرِ أميرُ السَّرايا بِأَمرِ النَّبِيِّ

ولَيسَ عَلَيهِ بِها مِن أميرِ ورُدَّت لَهُ الشَّمسُ في بابِلٍ

وآثَرَ بِالقُرصِ قَبلَ الفُطورِ تَرى ألفَ عَبدٍ لَهُ مُعتَقا

ويَختارُ فِي القوتِ قُرصَ الشَّعيرِ وفي مَدحِهِ نَزَلَت هَل أتى

وفِي ابنَيهِ وَالاُمِّ ذاتِ الطَّهورِ جَزاهُمُ بِما صَبَروا جَنَّةً

ومُلكا كَبيرا ولُبسَ الحَريرِ وحَلّوا أساوِرَ مِن فِضَّةٍ

ويَسقيهُمُ مِن شَرابٍ طَهورِ وآيُ التَّباهُلِ دَلَّت عَلى

مَقامٍ عَظيمٍ ومَجدٍ كَبيرِ وأولادُهُ الغُرُّ سُفْنُ النَّجاةِ

هُداةُ الأَنامِ إلى كُلِّ نورِ (2)

.


1- .الشيخ تقيّ الدين إبراهيم ابن الشيخ زين الدين عليّ . . . ابن الشيخ إسماعيل الحارثي الهمداني الخارقي العاملي الكفعمي : أحد أعيان القرن التاسع ، الجامعين بين العلم والأدب ، وينتهي نسبه إلى التابعي العظيم الحارث بن عبد اللّه الأعور الهمداني ، والده الشيخ زين الدين عليّ جدّ جدّ شيخنا البهائي ، أحد أعلام الطائفة وفقهائها البارعين . ولد سنة (840 ه ) في جبل عامل ، وتوفّي في كربلاء المشرّفة سنة (905 ه ) كما في كشف الظنون . وكان يوصي أهله بدفنه في الحائر المقدّس . له مؤلّفات كثيرة قيّمة ، منها : المصباح ، والبلد الأمين ، وشرح الصحيفة ، ورسالة في محاسبة النفس ، وكفاية الأدب (راجع الغدير : ج11 ص213) .
2- .أعيان الشيعة : ج2 ص188 ، الغدير : ج11 ص211 وفيه إلى «أمير السرايا» وراجع المصباح للكفعمي : ص927 .

ص: 175

10 / 41 الشّيخ أحمد السّبعيّ الأحسائيّ

10 / 41الشَّيخُ أحمَدُ السَّبعِيُّ الأَحسائِيُّ 1طفشل :من العلماء والاُدباء في القرن العاشر ، يقول : أعيَت صِفاتُكَ أهلَ الرَّأيِ وَالنَّظَرِ

وأورَدَتهم حِياضَ العَجزِ وَالحَصَرِ أنتَ الَّذي دَقَّ مَعناهُ لِمُعتَبِرٍ

يا آيةَ اللّهِ بَل يا فِتنَةَ البَشَرِ يا حُجَّةَ اللّهِ بَل يا مُنتَهَى القَدَرِ عَن كَشفِ مَعناكَ ذُو الفِكرِ الدَّقيقِ وَهَنْ

وفيكَ رَبُّ العُلى أهلَ العُقولِ فَتَنْ أنّى تَحُدُّكَ يا نورَ الإِلهِ فُطُنْ

يامَن إلَيهِ إشاراتُ العُقولِ ومَنْ فيهِ الأَلِبّاءُ بَينَ العَجزِ وَالخَطَرِ فَفي حُدوثِكَ قَومٌ في هَواكَ غَوَوا

إذ أبصَروا مِنكَ أمرا مُعجِزا فَغَلَوا حَيَّرتَ أذهانَهُم يا ذَا العُلى فَعَلَوا

هَيَّمتَ أفكارَ ذِي الأَفكارِ حينَ رَوَوا آياتِ شَأنِكَ فِي الأَيّامِ وَالعُصُرِ أوضَحتَ لِلنّاسِ أحكاما مُحَرَّفَةً

كَما أبَنتَ أحاديثا مُصَحَّفَةً أنتَ المُقَدَّمُ أسلافا وأسلِفَةً

يا أوَّلاً آخِرا نورا ومَعرِفَةً يا ظاهِرا باطِنا فِي العَينِ وَالأَثَرِ يا مُطعِمَ القُرصِ لِلعانِي الأَسيرِ وما

ذاقَ الطَّعامَ وأمسى صائِما كَرَما ومُرجِعَ القُرصِ إذ بَحرُ الظَّلامِ طَما

لَكَ العِبارَةُ بِالنُّطقِ البَليغِ كَما لَكَ الإِشارَةُ فِي الآياتِ وَالسُّوَرِ أنوارُ فَضلِكَ لا تُطفي لَهُنَّ عِدا

مَهما يُكَتِّمُهُ أهلُ الضَّلالِ بَدا تَخالَفَت فيكَ أفكارُ الوَرى أبَدا

كَم خاضَ فيكَ اُناسٌ فَانتَهَوا فَغَدا مَغناكَ مُحتَجِبا عَن كُلِّ مُقتَدِرِ (1)

.


1- .أعيان الشيعة : ج3 ص124 ، الغدير : ج7 ص42 عن الحافظ البرسي .

ص: 176

10 / 42 عزّ الدّين الشّيخ حسين العامليّ

10 / 42عِزُّ الدّينِ الشَّيخُ حُسَينٌ العامِلِيُّ 1* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :من ذوي العلوم المختلفة في القرن العاشر ، يقول : إلامَ اُلامُ وأمري شَهيرْ

وأشفَقُ مِن كُلِّ نَذلٍ حَقيرْ وحُبِّي النَّبِيَّ وآلَ النَّبِيِّ

وقَولِيَ بِالعَدلِ نِعمَ الخَفيرْ ولي رَحِمٌ تَقتَضي حُرمَةً

ولي نِسبَةٌ بِوِلائِيَ الخَطيرْ فَلي فِي المَعادِ عِمادٌ بِهِمْ

ولي فِي القِيامِ مَقامٌ نَضيرْ لِأَنّي اُنادي لَدَى النّائِبا

تِ وَالخَوفِ مِن أنَّ ذَنبي كَبيرْ أخَا المُصطَفى وأبَا السَّيِّدَينِ

وزَوجَ البَتولِ ونَجلَ الظَّهيرْ ومَحبوبَ رَبٍّ حَميدٍ مَجيدْ

وخَيرِ نَبِيٍّ بَشيرٍ نَذيرْ ونورَ الظَّلامِ وكافِي العِظامْ

ومَولَى الأَنامِ بِنَصِّ الغَديرْ مُجَلِّيَ الكُروبِ عَليمَ الغُيوبْ

نَقِيَّ الجُيوبِ بِقَولِ الخَبيرْ وأقضَى الأَنامِ وأقصَى المَرامْ

وسَيفَ السَّلامِ السَّميعِ البَصيرْ (1)

.


1- .الغدير : ج11 ص217 .

ص: 177

القرن الحادي عشر

10 / 43 ابن أبي شافين البحرانيّ

القَرنُ الحادي عَشَرَ10 / 43ابنُ أبي شافينَ البَحرانِيُّ (1)* ومنه عن أبي سعيد الخدري :من عباقرة حملة العلم والأدب في القرن الحادي عشر ، يقول : وسارَ النَّبِيُّ الطُّهرُ مِن أرضِ مَكَّةٍ

وقَد ضاقَ ذَرعاً بِالَّذي فيهِ أضمَروا ولَمّا أتى نَحوَ الغَديرِ بِرَحلِهِ

تَلَقّاهُ جِبريلُ الأَمينُ يُبَشِّرُ بِنَصبِ عَلِيٍّ والِياً وخَليفَةً

فَذلِكَ وَحيُ اللّهِ لا يَتَأَخَّرُ فَرَدَّ مِنَ القَومِ الَّذين تَقَدَّموا

حَطَّ اُناسٌ رَحلَهُم قَد تَأَخَّروا ولَم يَكُ تِلكَ الأَرضُ مَنزِلَ راكِبٍ

بِحَرِّ هَجيرٍ نارُهُ تَتَسَعَّرُ رَقى مِنبَرَ الأَكوارِ طُهرٌ مُطَهَّرٌ

ويَصدَعُ بِالأَمرِ العَظيمِ ويُنذِرُ فَأَثنى عَلَى اللّهِ الكَريمِ مُقَدِّساً

وثَنّى بِمَدحِ المُرتَضى وَهوَ مُخبِرُ بِأَن جاءَني فيهِ مِنَ اللّهِ عَزمَةٌ

وإن أنَا لَم أصدَع فَإِنّي مُقَصِّرُ وإنّي عَلَى اسمِ اللّهِ قُمتُ مُبَلِّغاً

رِسالَتَهُ وَاللّهُ لِلحَقِّ يَنصُرُ عَلِيٌّ أخي في اُمَّتي وخَليفَتي

وناصِرُ دينِ اللّهِ وَالحَقُّ يُنصَرُ وطاعَتُهُ فَرضٌ عَلى كُلِّ مُؤمِنٍ

وعِصيانُهُ الذَّنبُ الَّذي لَيسَ يُغفَرُ ألا فَاسمَعوا قَولي وكونوا لِأَمرِهِ

مُطيعينَ في جَنبِ الإِلهِ فَتُؤجَروا أ لَستُ بِأَولى مِنكُمُ بِنُفوسِكُمُ ؟

فَقالوا : نَعَم نَصٌّ مِنَ اللّهِ يُذكَرُ فَقالَ : ألا مَن كُنتُ مَولاهُ مِنكُمُ

فَمَولاهُ بَعدي وَالخَليفَةُ حَيدَرُ (2)

.


1- .الشيخ داود بن محمّد بن أبي طالب ، الشهير بابن أبي شافين ، الجدحفصي البحراني : ومن مآثر ذلك العصر المحلّى بالمفاخر ، شعره مبثوث في مدوّنات الأدب ، والموسوعات العربيّة ، ومجاميع الشعر ، ولم يكن في مصره وعصره من يدانيه في مدّه وقصره ، وهو في العلم فاضل لا يسامى ، وفي الأدب فاصل لم يكلّ الدهر له حساماً ، إن شهر طبق ، وإن نشر عبق ، وشعره أبهى من شفّ البرود . توفّي بعد سنة (1001 ه ) (الغدير : ج11 ص233) .
2- .الغدير : ج11 ص232 .

ص: 178

. .

ص: 179

10 / 44 الشّيخ حسين العامليّ

10 / 45 السّيّد عليّ خان المشعشعيّ

10 / 44الشَّيخُ حُسَينٌ العامِلِيُّ (1)* وفي الدعاء :من الفضلاء الاُدباء في القرن الحادي عشر ، يقول : فَخاضَ أميرُ المُؤمِنينَ بِسَيفِهِ

لِواها وأملاكُ السَّماءِ لَهُ جُندُ وصاحَ عَلَيهِم صَيحَةً هاشِمِيَّةً

تَكادُ لَهَا الشُّمُّ الشَّوامِخُ تَنهَدُّ غَمامٌ مِنَ الأَعناقِ تَهطِلُ بِالدِّما

ومِن سَيفِهِ بَرقٌ ومِن صَوتِهِ رَعدُ وَصِيُّ رَسولِ اللّهِ وارِثُ عِلمِهِ

ومَن كانَ فِي خُمٍّ لَهُ الحَلُّ وَالعَقدُ لَقَد خابَ مَن قاسَ الوَصِيَّ بِغَيرِهِ

وذُو العَرشِ يَأبى أن يَكونَ لَهُ نِدُّ (2)10 / 45السَّيِّدُ عَلي خانٍ المُشَعشَعِيُّ 3* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :من أعلام العلم والأدب ، يقول : يا دُرَّةً بيعَت بِأَبخَسِ قيمَةٍ

قَد صادَفَت (3) في ذَا الزَّمانِ كَسادا دَهرٌ يَحُطُّ الكامِلينَ ويَرفَعُ ال

أَنذالَ وَالأَوباشَ وَالأَوغادا لَو كانَ في ذَا الدَّهرِ خَيرٌ ما عَلا

التَّيمِيُّ بَعدَ المُصطَفى أعوادا ويُذادُ عَنها حَيدرٌ مَعَ أنَّ خَي

_رَ الخَلقِ صَرَّحَ فِي الغَديرِ ونادى مَن كُنتُ مَولاهُ فَذا مَولاهُ مِنْ

بَعدي وأسمَعَ بِالنِّدَا الأَشهادا (4)

.


1- .الشيخ حسين بن شهاب الدين بن حسين بن محمّد بن حيدر العاملي الكركي الحكيم : كان عالما فاضلاً ماهرا أديبا شاعرا ، سكن أصفهان مدّة ثمّ حيدر آباد ، وتوفّي بها وعمره أربع وستّون سنة . له مؤلّفات كثيرة ، منها : شرح نهج البلاغة ، هداية الأبرار إلى طريقة الأئمّة الأطهار ، عقود الدرر في حلّ المطوّل والمختصر . توفّي سنة (1076 ه ) (راجع أعيان الشيعة : ج6 ص36) .
2- .أعيان الشيعة : ج6 ص37 ، الغدير : ج11 ص299 .
3- .في المصدر : «صادقت» وهو تصحيف .
4- .الغدير : ج11 ص310 .

ص: 180

* ومنه :وله أيضاً : وشارَكَهُ بِالَّذِي اختَصَّهُ

أخوهُ الَّذي خَصَّهُ بِالإِخا فَقِسمَةُ طوبى ونارُ العَذابِ

إلَيهِ بِلا شُبهَةٍ أو مِرا فَإِن كُنتَ في مِرْيَةٍ مِن عُلاهُ

يُخَبِّرْكَ عَنهُ حَديثُ الشِّوى وفي خَصفِهِ النَّعلَ قَد بُيِّنَتْ

فَضيلَتُهُ وتَجَلَّى العَمى وفي «أنتَ مِنّي» وُضوحُ الهُدى

وتَزويجُهُ الطُّهرُ خَيرَ النِّسا وبَعثُ بَراءَةَ نَصٌّ عَلَيهِ

وإنَّ سِواهُ فَلا يُصطَفى وفي يَومِ خُمٍّ أبانَ النَّبِيُّ

مُوالاتَهُ بِرَفيعِ النِّدا فَأَوَّلُهُم كانَ سِلماً لَهُ

وفاديهِ بِالنَّفسِ لَيلَ الفِدا وناصِرُهُ يَومَ فَرَّ الصِّحا

بُ عَنهُ فِراراً كَسِربِ القَطا (1) .


1- .الغدير : ج11 ص311 .

ص: 181

القرن الثّاني عشر

10 / 46 الشّيخ الحرّ العامليّ

القَرنُ الثّاني عَشَرَ10 / 46الشَّيخُ الحُرُّ العامِلِيُّ (1)* ومنه عن فاطمة عليهاالسلام :من نوادر العلماء في العصور المختلفة ، يقول : كَيفَ تَحظى بِمَجدِكَ الأَوصِياءُ ؟

وبِهِ قَد تَوَسَّلَ الأَنبِياءُ ما لِخَلقٍ سِوَى النَّبِيِّ وسِبطَي

_هِ السَّعيدَينِ هذِهِ العَلياءُ فَبِكُم آدَمُ استَغاثَ وقَد مَسَّتهُ

بَعدَ المَسَرَّةِ الضَّرّاءُ يَومَ أمسى فِي الأَرضِ فَرداً غَريباً

ونَأَتْ عَنهُ عُرْسُهُ حَوّاءُ وبَكى نادِماً عَلى ما بَدا مِن

_هُ وجُهدُ الصَّبِّ الكئيبِ البُكاءُ فَتَلَقّى مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ

شَرَّفَتها مِن ذِكرِكُم أسماءُ فَاستُجيبَ الدُّعاءُ مِنهُ ولَولا

ذِكرُكُم مَا استُجيبَ مِنهُ الدُّعاءُ ثُمَّ يَعقوبُ قَد دَعا مُستَجيراً

مِن بَلاءٍ بِكُم فَزالَ البَلاءُ وأتاهُ (2) قَميصُ يوسُفَ وَارتَدَّ

بَصيراً وتَمَّتِ النَّعماءُ وبِكُم كانَ لِلخَليلِ ابتِهالٌ

ودُعاءٌ لِرَبِّهِ وَاشتِكاءُ حينَ ألقاهُ عُصبَةُ الكُفرِ فِي النّا

رِ فَما ضَرَّ جِسمَهُ الإِلقاءُ أ يُضامُ الخَليلُ مِن بَعدِما كا

نَ إلَيكُم لَهُ هَوىً [وَ] (3) التِجاءُ ؟ وبِكُم يونُسُ استَغاثَ ونوحٌ

إذ طَغَا الماءُ وَاستَجَدَّ العَناءُ وبِأَسمائِكُم تَوَسَّلَ أيّو

بُ فَزالَت عَنهُ بِهَا الأَسواءُ يالَهُ سُؤدَداً مَنيعاً رَفيعاً

قَد رَواهُ الأَعداءُ وَالأَولِياءُ لِعَلِيٍّ مَجدٌ غَداً دونَ أدنا

هُ الثُّرَيّا فِي البُعدِ وَالجَوزاءُ هُوَ فَضلٌ وعِصمَةٌ ووَفاءٌ

وكَمالٌ ورَأفَةٌ وحَياءُ ولَكَمْ نالَ سُؤدَداً لَم يُبِن كُنْ

_هَ عُلاهُ الإِنشادُ وَالإِنشاءُ ؟ وَالحُروفُ الَّتي تَرَكَّبَتِ العَل

_ياءُ مِنها عَينٌ ولامٌ وياءُ كانَ نوراً مُحَمَّدٌ وعَلِيٌّ

في سَنا آدَمٍ لَهُ لَأْلاءُ أخَذَ اللّهُ كُلَّ عَهدٍ وميثا

قٍ لَهُ إذ بَدا سَناً وسَناءُ أيُّ فَخرٍ كَفَخرِهِ وَالنَّبِيّو

نَ عَلَيهِم عَهدٌ لَهُ ووَلاءُ ؟ وبِهِ يُعرَفُ المُنافِقُ إذ كا

نَت لَهُ في فُؤادِهِ بَغضاءُ ولَعَمري مِن أوَّلِ الأَمرِ لاتَخ

_فى عَلى ذِي البَصيرَةِ السَّعداءُ وَلَدَتهُ مُنَزَّهاً اُمُّهُ ما

شانَهُ فِي الوِلادَةِ الأَقذاءُ داخِلَ الكَعبَةِ الشَّريفَةِ لَم يَد

نُ إلَيها مِنَ الأَنامِ النِّساءُ لاحَ مِنهُ نورٌ فَأَشرَقَتِ الأَر

ضُ وأَرجاؤُها بِهِ وَالسَّماءُ كانَ لِلدّينِ في وِلادَتِهِ مِث

_لُ أخيهِ مَسَرَّةٌ وَازدِهاءُ يا لَهُ مَولِداً سَعيداً تَجَلَّتْ

عَن مُحَيّاهُ بَهجَةٌ غَرّاءُ فَهَنيئاً بِهِ لِفاطِمَةَ السَّع

_دُ الَّذي ما لَهُ مَدىً وَانتِهاءُ بَل لِدينِ الإِسلامِ مِن غَيرِ شَكٍّ

وَارتِيابٍ قَد كانَ ذاكَ الهَناءُ (4)

.


1- .محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد الحسين . . . ابن الحرّ الرياحي المستشهد أمام الإمام السبط يوم الطفّ هذا الحرّ الشهيد ، هو مؤسّس الشرف الباذخ لآله الكرام وأشهرهم شيخنا المترجم الذي لا تنسى مآثره ، ولا يأتي الزمان على حلقات فضله الكثار ، فلا تزال متواصلة العرى ما دام لأياديه المشكورة عند الاُمّة جمعاء أثر خالد ، وإنّ من أعظمها كتاب وسائل الشيعة في مجلّداتها الضخمة التي تدور عليها رحى الشريعة ، وهو المصدر الفذّ لفتاوي علماء الطائفة ، وإنّ من آثاره أو من مآثره تدوينه لأحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السلام في مجلّدات كثيرة . . .ولد المترجم له سنة (1033 ه ) وتوفّي سنة (1104 ه ) (الغدير : ج11 ص335) .
2- .في المصدر : «وأتاه بكم» ، والصحيح ما ذكرناه .
3- .مابين المعقوفين زيادة منّا لتصحيح البيت .
4- .الغدير : ج11 ص332 .

ص: 182

. .

ص: 183

* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام لمعاوية :وله أيضاً : هِدايَةُ رَبِّ العالَمينَ قُلوبَنا

إلى حُبِّ مَن لَم يُخلَقِ الخَلقُ لَولاهُ هُوَ الجَوهَرُ الفَردُ الَّذي لَيسَ يَرتَقي

لِأَعلى مَقاماتِ النَّبِيّينَ إلّا هُو هِلالٌ نَما فَارتَدَّ بَدراً فَأَشرَقَتْ

جَوانِبُ آفاقِ العُلا بِمُحَيّاهُ هُما عِلَّةٌ لِلخَلقِ أعني مُحَمَّداً

وأوَّلَ مَن لَمّا دَعَا الخَلقَ لَبّاهُ هَوَى النَّجمُ يَبغي دارَهُ لا بَلِ ارتَقى

إلَيها فَمَثوَى النَّجمِ مِن دونِ مَثواهُ هَلِ اختارَ خَيرُ المُرسَلينَ مُواخِياً

سِواهُ فَأَولاهُ الكَمالَ وآخاهُ ؟ هَلِ اختارَ في يَومِ الغَديرِ خَليفَةً

سِواهُ لَهُ حَتّى عَلَى الخَلقِ وَلّاهُ ؟ هُدىً لاحَ مِن قَولِ النَّبِيِّ : وَلِيُّكُمْ

عَلِيٌّ ومَولى كُلِّ مَن كُنتُ مَولاهُ هُناكَ أتاهُ الوَحيُ بَلِّغ ولاتَخَفْ

ومِن كُلِّ ما تَخشاهُ يَعصِمُكَ اللّهُ هُنالِكَ أبدَى المُصطَفى بَعضَ فَضلِهِ

وباحَ بِما قَد كانَ لِلخَوفِ أخفاهُ (1)* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :وله أيضاً : عُدِمَ المُجاري فِي الكَمالِ لِسَيِّدي

ذِي السُؤدَدِ الأَسنَى البَطينِ الأَنزَعِ عَمَّ الفَضائِلَ حينَ خُصَّ بِرِفعَةٍ

مِن ذِروَةِ العَليا أجَلِّ وأرفعِ عَجَباً لِمَن فيهِ يَشُكُّ وقَد أتى

خَبَرُ الغَديرِ ونَصُّهُ لَم يُدفَعِ عَهِدَ النَّبِيُّ إلَى الأَنامِ بِفَضلِهِ

وَيلٌ لِمُنكِرِ فَضلِهِ ومُضَيِّعِ عُدَّت فَضائِلُهُ فَأَعيى حَصرُها

وغَدا حَسيراً عَنهُ فِكرُ الأَلمَعِيِّ (2) .


1- .الغدير : ج11 ص334 .
2- .الغدير : ج11 ص335 .

ص: 184

10 / 47 السّيّد عليّ خان المدنيّ

10 / 47السَّيِّدُ عَلي خانٍ المَدَنِيُّ (1)* وعن أبي عبداللّه عليه السلام :من نوابغ العلم والأدب في القرن الثاني عشر ، يقول : أميرَ المُؤمِنينَ فَدَتكَ نَفسي

لَنا مِن شَأنِكَ العَجَبُ العُجابُ تَوَلّاكَ الاُلى سَعِدوا فَفازوا

وناواكَ الَّذينَ شَقوا فَخابوا ولَو عَلِمَ الوَرى ما أنتَ أضحَوا

لِوَجهِكَ ساجِدينَ ولَم يُحابوا يَمينُ اللّهِ لَو كُشِفَ المُغَطّى

ووَجهُ اللّهِ لَو رُفِعَ الحِجابُ خَفيتَ عَنِ العُيونِ وأنتَ شَمسٌ

سَمَت عَن أن يُجَلِّلَها سَحابُ ولَيسَ عَلَى الصَّباحِ إذا تَجَلّى

ولَم يُبصِرهُ أعمَى العَينِ عابُ لِسِرٍّ مّا دَعاكَ أبا تُرابٍ

مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ المُستَطابُ فَكانَ لِكُلِّ مَن هُوَ مِن تُرابٍ

إلَيكَ وأنتَ عِلَّتُهُ انتِسابُ فَلَولا أنتَ لَم يُخلَق سَماءٌ

ولَولا أنتَ لَم يُخلَق تُرابُ وفيكَ وفي وَلائِكَ يَومَ حَشرٍ

يُعاقَبُ مَن يُعاقَبُ أو يُثابُ بِفَضلِكَ أفصَحَتْ توراةُ موسى

وإنجيلُ ابنِ مَريَمَ وَالكِتابُ فَيا عَجَباً لِمَن ناواكَ قِدماً

ومِن قَومٍ لِدَعوَتِهِم أجابوا أزاغوا عَن صِراطِ الحَقِّ عَمداً

فَضَلّوا عَنكَ أم خَفِيَ الصَّوابُ أمِ ارتابوا بِما لارَيبَ فيهِ

وهَل فِي الحَقِّ إذ صُدِعَ ارتِيابُ ؟ وهَل لِسواكَ بَعدَ غَديرِخُمٍّ

نَصيبٌ فِي الخِلافَةِ أو نِصابُ ؟ أ لَم يَجعَلكَ مَولاهُم فَذَلَّت

عَلى رَغمٍ هُناكَ لَكَ الرِّقابُ ؟ فَلَم يَطمَح إلَيها هاشِمِيٌّ

وإن أضحى لَهُ الحَسَبُ اللُّبابُ فَمَن تَيمُ بنُ مُرَّةَ أو عَدِيٌّ ؟

وهُم سِيّانِ إن حَضَروا وغابوا لَئِن جَحَدوكَ حَقَّكَ عَن شِقاءٍ

فَبِالأَشْقَينِ ما حَلَّ العِقابُ فَكَم سَفِهَت عَلَيكَ حُلومُ قَومٍ

فَكُنتَ البَدرَ تَنبَحُهُ الكِلابُ (2)

.


1- .صدر الدين السيّد علي خان المدني الشيرازي : من ذخائر الدهر ، وحسنات العالم كلّه ، ومن عباقرة الدنيا ، فنّي كلّ فنّ ، والعلَم الهادي لكلّ فضيلة ، ألا وهو كلّ كتاب خطّه قلمه ، أو قريض نطق به فمه لايجد ملتحداً عن الإذعان بإمامته في كلّ تلكم المناحي ، وله مؤلّفات كثيرة .ولد سنة (1052 ه ) ، وتوفّي سنة (1120 ه ) ، ودفن في شيراز بحرم الشاه چراغ أحمد ابن الإمام موسى بن جعفر سلام اللّه عليه (الغدير : ج11 ص346) .
2- .الغدير : ج11 ص346 .

ص: 185

طلق : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ومن كلام له يمدح به أمير المؤمنين عليه السلام لمّا ورد إلى النجف الأشرف مع جمع من حجّاج بيت اللّه : يا صاحِ ! هذَا المَشهَدُ الأَقدَسُ

قَرَّت بِهِ الأَعيُنُ وَالأَنفُسُ وَالنَّجَفُ الأَشرَفُ بانَت لَنا

أعلامُهُ وَالمَعهَدُ الأَنفَسُ وَالقُبَّةُ البَيضاءُ قَد أشرَقَتْ

يَنجابُ عَن لَألائِهَا الحِندِسُ حَضرَةُ قُدسٍ لَم يَنَل فَضلَها

لَا المَسجِدُ الأَقصى ولَا المَقدِسُ حَلَّت بِمَن حَلّ بِها رُتبَةٌ

يَقصُرُ عَنهَا الفَلَكُ الأَطلَسُ تَوَدُّ لَو كانَت حَصا أرضِها

شُهُبُ الدُّجى وَالكُنَّسُ الخُنَّسُ وتَحسُدُ الأَقدامَ مِنّا عَلَى

السَّعيِ إلى أعتابِهَا الأَرؤُسُ فَقِف بِها وَالثِم ثَرى تُربِها

فَهِيَ المَقامُ الأَطهَرُ الأَقدَسُ وقُل : صَلاةٌ وسَلامٌ عَلى

مَن طابَ مِنهَا الأَصلُ وَالمَغرِسُ خَليفَةُ اللّهِ العَظيمِ الَّذي

مِن ضوئِهِ نورُ الهُدى يُقبَسُ نَفسُ النَّبِيِّ المُصطَفى أحمَدٍ

وصِنوُهُ وَالسَّيِّدُ الأَرؤُسُ العَلَمُ العَيلَمُ بَحرُ النَّدا

وبَرُّهُ وَالعالِمُ النِّقرِسُ (1) فَلَيلُنا مِن نورِهِ مُقمِرٌ

ويَومُنا مِن ضَوئِهِ مُشمِسُ اُقسِمُ بِاللّهِ وآياتِهِ

ألِيَّةً تُنجي ولا تُغمِسُ إنَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ

مَنارُ دينِ اللّهِ لا يُطمَسُ ومَن حَباهُ اللّهُ أنباءَ ما

في كُتُبِهِ فَهوَ لَها فِهرِسُ أحاطَ بِالعِلمِ الَّذي لَم يُحِط

بِمِثلِهِ بليا ولا هِرمِسُ لَولاهُ لَم تُخلَق سَماءٌ ولا

أرضٌ ولا نُعمى ولا أبؤُسُ ولا عَفَا الرَّحمنُ عَن آدَمٍ

ولانَجا مِن حوتِهِ يونُسُ هذا أميرُ المُؤمِنينَ الَّذي

شَرائِعُ اللّهِ بِهِ تُحرَسُ وحُجَّةُ اللّهِ الَّتي نورُها

كَالصُّبحِ لايَخفى ولا يُبلِسُ تَاللّهِ لايَجحَدُها جاحِدٌ

إلَا امرُؤٌ في غَيِّهِ مُركَسُ المُعلِنُ الحَقَّ بِلاخَشيَةٍ

حَيثُ خَطيبُ القَومِ لايَنبِسُ وَالمُقحِمُ الخَيلَ وَطِيْسَ الوَغى

إذا تَناهَى البَطَلُ الأَحرَسُ جِلبابُهُ يَومَ الفَخارِ التُّقى

لَا الطَّيلَسانُ الخَزُّ وَالبُرنُسُ يَرفُلُ مِن تَقواهُ في حُلَّةٍ

يَحسُدُهَا الدّيباجُ وَالسُّندُسُ يا خِيرَةَ اللّهِ الَّذي خَيرُهُ

يَشكُرُهُ النّاطِقُ وَالأَخرَسُ عَبدُكَ قَد أمَّكَ مُستَوحِشاً

مِن ذَنبِهِ لِلعَفوِ يَستَأنِسُ يَطوي إلَيكَ البَحرَ وَالبَرَّ لا

يوحِشُهُ شَيءٌ ولا يُؤنِسُ طَوراً عَلى فَلَكٍ بِهِ سابِحٍ

وتارَةً تَسري بِهِ عِرْمِسُ (2) في كُلِّ هَيماءَ (3) يَرى شَوكَها

كَأَنَّهُ الرَّيحانُ وَالنَّرجِسُ حَتّى أتى بابَكَ مُستَبشِراً

ومَن أتى بابَكَ لايَيأَسُ أدعوكَ يا مَولَى الوَرى موقِناً

إنَّ دُعائي عَنكَ لايُحبَسُ فَنَجِّني مِن خَطبِ دَهرٍ غَداً

لِلجِسمِ مِنّي أبَداً يَنهَسُ هذا ولَولا أملي فيكَ لَم

يُقَرَّ بي مَثوىً ولا مَجلِسُ صَلّى عَلَيكَ اللّهُ مِن سَيِّدٍ

مَولاهُ فِي الدَّارَينِ لايوكَسُ (4) ما غَرَّدَت وَرقاءُ في رَوضَةٍ

وما زَهَت أغصانُهَا المَيِّسُ (5) .


1- .النِّقرِس : الداهية الفطن . وطبيب نِقْرِس ؛ أي حاذق (لسان العرب : ج6 ص241) .
2- .العِرْمِس : الناقة الصُّلبة الشديدة (لسان العرب : ج6 ص138) .
3- .الهيماء : المفازة لا ماء بها (الصحاح : ج5 ص2063) .
4- .الوكس : النقص (لسان العرب : ج6 ص257) .
5- .الغدير : ج11 ص350 .

ص: 186

. .

ص: 187

10 / 48 الشّيخ عبد الرّضا المقري الكاظميّ

10 / 48الشَّيخُ عَبدُ الرِّضَا المُقرِي الكاظِمِيُّ (1)* وفيالدعاء :من جهابذة العلماء والاُدباء في القرن الثاني عشر ، يقول : فَأَضاعوا وَصِيَّةً يَومَ خُمٍّ

بِعَلِيٍّ وَصّى وهُم شُهَداءُ عَن لِسانِ الرّوحِ الأَمينِ عَنِ اللّ

_هِ تَعالى ألا لَهُ الآلاءُ بِعَلِيٍّ بَلِّغ وإلّا فَما بَلَّغتَ

وَاللّهُ مِن عِداكَ وَقاءُ بَعدَما بَخْبَخُوا وقالوا لَقَد أص

_بَحتَ مَولىً لَنا وصَحَّ الوَلاءُ وأتَى النَّصُّ فيهِ : «اليَومَ أكمَلْ

_تُ لَكُم دينَكُم» وحَقَّ الهَناءُ ثُمَّ قالوا : بِأَنَّ أحمَدَ لَم يو

صِ وهذا مِنهُمُ عَلَيهِ افتِراءُ ورَوى مَن يَمُت ولَم يوصِ قَد ما

تَ مَوتَةً جاهِلِيَّةً العُلَماءُ وَيْلَهُم جَهَّلُوا النَّبِيَّ وقالوا

عَنهُ ما لَم يَقُل وبِالإِفكِ جاؤوا ما نُجيبُ اليَهودَ يَوماً إذَا احتَجّوا

عَلَينا ؟ أ لَيسَ فيكُم حَياءُ ؟ إنَّ موسى فِي القَومِ وَصّى وقَد غا

بَ وطه يَقضي ولا إيصاءُ حَيثُ قالَ اخلُفني لِهارونَ فِي القَو

مِ وبِالأَهلِ تَسعَدُ الخُلَفاءُ وَالنَّبِيُّ الكَريمُ قَد تَرَكَ القَو

مَ سُدىً بَعدَهُ وهذا هُذاءُ وَهْوَ بِالمُؤمِنينَ كانَ رَؤوفاً

وعَلى كُلِّهِم لَهُ إسداءُ ما عَلَيهِ أن لَو عَلى واحِدٍ نَصَّ

وفيما يَختارُهُ الإِرتِضاءُ وَهوَ أدرى بِمَن لَها كانَ أهلاً

ولَهُ في نُصحِ الأَنامِ اعتِناءُ وإذا ما قَد ماتَ راعِيَ غُنَيما

تٍ فَتَركُ الإِيصاءِ عَنهُ عَياءُ (2)

.


1- .الشيخ عبد الرضا بن أحمد بن خليفة أبو الحسن المقري الكاظمي : من أفذاد القرن الثاني عشر وعلمائه وأفاضله الجامعين لفضيلتي العلم والأدب ، توفّي حدود سنة ألف ومئة وعشرين ، وعزى إليه ديوانه المرتّب على الحروف في مدح الأئمّة عليهم السلام ، وهو يربو على الثلاثة آلاف والخمسمئة بيتاً (الغدير : ج11 ص361) .
2- .الغدير : ج11 ص354 .

ص: 188

* وعن رجل من الجنّ :وله أيضاً : يا إماماً عَلا عَلى سائِرِ الخَل

_قِ بِخُلقٍ مُهَذَّبٍ وبِخَلقِ حُزتَ كُلّاً مِنَ العُلومِ إِلى أنْ

قَد جَرَى الكُلُّ مِنكَ في كُلِّ عِرقِ بِمَقالٍ يُقيمُ عُذرَ المُغالي

أنَّكَ اللّهُ حَيثُ لِلشَّكِّ يُبقِ أنتَ حِلفُ الهُدى وحِلفُ نِزالٍ

دَرُّهُ العَذبُ ساغٍ في كُلِّ خَلقِ (1) قَد عَبَدتَ الإِلهَ طِفلاً مَعَ المُخ

_تارِ وَالكُلُّ مُشرِكٌ بِالحَقِّ وبِبَدرٍ بَذَلتَ نَفسَكَ فِي اللّ

_هِ وبادَرتَها ضُحىً غَيرَ طَرقِ وبِخُمٍّ بويِعتَ إذ لَيسَ إلّا

أنتَ دونَ الوَرى لَها مِن مُحِقِّ فَأَتَى النَّصُّ فيكَ «اليَومَ أكمَل

_تُ لَكُم دينَكُم» وأثبَتُّ حَقّي يالَها مِن إمامَةٍ قَد تَسامَتْ

بِإِمامٍ مُؤَيَّدٍ بِالصِّدقِ صاحِبِ النَّصِّ وَالدَّلالَةِ بِالإِج

_ماعِ وَالإِتِّفاقِ مِن غَيرِ مَذقِ نَفسِ طهَ النَّبِيِّ وَالصِّهرِ وَابنِ ال

_عَمِّ وَالصِّنوِ وَالأَخِ المُشتَقِّ (2) .


1- .كذا ، والظاهر أنّها تصحيف «حَلقِ» .
2- .الغدير : ج11 ص357 .

ص: 189

* وعن أميرالمؤمنين عليه السلام :وله أيضاً : عُج بِالغَرِيِّ فَثَمَّ سِرٌّ مودَعُ

لَيسَت تُكَيَّفُ ذاتُهُ وتُمَثَّلُ وَاخلَع نِعالَكَ غَيرَ ما مُتَكَبِّرٍ

فيهِ وأنتَ مُكَبِّرٌ ومُهَلِّلُ وقُلِ : السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن حُبُّهُ

لِلدّينِ فيهِ تَتِمَّةٌ وتَكَمُّلُ فَهُناكَ عَينُ اللّهِ وَالسِّرُّ الَّذي

قَد دَقَّ مَعنىً وَالأَخيرُ الأَوَّلُ الحاكِمُ العَدلُ الَّذي حَقّا يَرى

مَا العَبدُ مِن خَيرٍ وشَرٍّ يَعمَلُ وَالآخِذُ التَّرّاكُ أفضَلُ مُسلِمٍ

مِن بَعدِ أحمَدَ يَحتَفي أو يَنعَلُ وَيلُ امرِئٍ قَد حادَ عَنهُ ضِلَّةً

وعَلَى النَّبِيِّ بِجَهلِهِ يَتَقَوَّلُ جَعَلَ الإِمامَةَ غَيرَ مَوضِعِها عَمىً

وَاللّهُ أعلَمُ حَيثُ كانَت تُجعَلُ وكَفى عَلِيّاً فِي الغَديرِ فَضيلَةً

يَأتي إلَيها غَيرُهُ يَتَوَصَّلُ حَيثُ الأَمينُ أتَى الأَمينَ مُبَلِّغا

يُقرِي السَّلامَ مِنَ السَّلامِ ويَعجَلُ بَلِّغ وإلّا لَم تُبَلِّغ ما أتى

في حَقِّ حَيدَرَ أيُّهَا المُزَمِّلُ فَهُناكَ بَينَ الصَّحبِ قامَ لِرَبِّهِ

يُثني بِعالي صَوتِهِ ويُفَضِّلُ ويَسارُ حَيدَرَةٍ بِيُمناهُ وقَدْ

نادى ومِنهُ فيهِ يَفصَحُ مِقوَلُ مَن كُنتُ مَولاهُ فَحَيدَرَةٌ لَهُ

مَولىً فَإِيّاكُم بِهِ أن تُبدِلوا وَالطّائِرُ المَشوِيُّ هَل مَعَ أحمَدٍ

أحَدٌ سِواهُ كانَ مِنهُ يَأكُلُ ؟ وَالنَّجمُ لَمّا أن هَوى في دارِهِ

جَهرا وأشرَقَ مِنهُ لَيلٌ أليَلُ فِي العَرشِ قِدماً كانَ نوراً مُحدِقاً

طَورا يُكَبِّرُ رَبَّهُ ويُهَلِّلُ مُتَقَلِّبٌ فِي الساجِدينَ وكانَ مِنْ

صُلبٍ إلى صُلبٍ طَهوراً (1) يُنقَلُ (2) .


1- .في المصدر : «طهور» ، والصحيح ما أثبتناه .
2- .الغدير : ج11 ص359 .

ص: 190

* ومنه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في الطّفّ :وله أيضاً : حَيدَرُ الكَرّارِ أزكى ناعِلٍ

مِن بَني آدَمَ أو حافٍ مَشى ما غَشَى اللَّيلُ نَهاراً نُصحُهُ

مُذهِبٌ شَكّاً عَلَى القَلبِ غَشا نورُ عَينِ الدّينِ قَد رَدَّ وقَد

رَدَّ طَرفَ الشِّركِ مِنهُ أعمَشا قَتَلَ الكُفّارَ في صارِمِهِ

ولِرَبعِ الاُنسِ مِنهُم أوحَشا لَم يَدنُ لِلّاتِ يَوماً قَطُّ بَلْ

عَبَدَ اللّهَ وبِالتَّقوى نَشا قَد شَفَى الإِسلامَ مِن داءٍ بِهِ

وجَلا مِن أعيُنِ الدّينِ الغِشا ولَقَد أصبَحَ في خُمٍّ لَهُ

شاهِدٌ عَدلٌ أبى أن يُرتَشا جادَ بِالقُرصِ وصَلَّى العَصرَ إذ

رَدَّهُ لَمّا لَهُ غَشَّى العِشا ولَهُ قَد كَلَّمَ الثُّعبانُ إذ

ظَنَّهُ النّاسُ أتى كَي يَنهَشا (1) .


1- .الغدير : ج11 ص361 .

ص: 191

القرن الثّالث عشر

10 / 49 الشّيخ كاظم الازريّ

القَرنُ الثّالِثَ عَشَرَ10 / 49الشَّيخُ كاظِمٌ الاُزرِيُّ 1ظنب : عن أبي الأسود لمعاوية :من كبار الشعراء في القرن الثالث عشر ، يقول : لا فَتى فِي الوُجودِ إلّا عَلِيٌّ

ذاكَ شَخصٌ بِمِثلِهِ اللّهُ باهى لا تَرُمْ وَصفَهُ فَفيهِ مَعانٍ

لَم يَصِفها إلَا الَّذي سَوّاها مَن رَآهُ رَأى تَماثيلَ قُدسٍ

عَن ثَناءِ الإِلهِ لا تَتلاها وُسِمَتْ في ضَميرِهِ حَضرَةُ القُد

سِ فَأَنّى يَفوتُهُ ذِكراها ما حَوَى الخافِقانِ إنسٌ وجِنٌّ

قَصَباتِ السَّبقِ الَّتي قَد حَواها ألِفَتهُ بَكَرُ العُلى فَهِيَ تَهوى

حُسنَ أخلاقِهِ كَما يَهواها شَقَّ مِن ذِكرِهِ العَلِيُّ لَهُ اسما

فَهوَ ذاتُ العَلياءِ جَلَّ ثَناها (1)

له أيضا :

أيُّهَا الرّاكِبُ المُجِدُّ رُوَيدا

بِقُلوبٍ تَقَلَّبَت في جَواها إن تَراءَت أرضُ الغَرِيّينَ فَاخضَعْ

وَاخلَعِ النَّعلَ دونَ وادي طُواها وإذا شِمْتَ (2) قُبَّةَ العالَمِ الأَع

_لى وأنوارُ رَبِّها تَغشاها فَتَواضَع فَثَمَّ دارَةُ قُدسٍ

تَتَمَنَّى الأَفلاكُ لَثْمَ ثَراها قُل لَهُ وَالدُّموعُ سَفحُ عَقيقٍ

وَالحِشى تُصطَلى بِنارِ غَضاها يَابنَ عَمِّ النَّبِيِّ أنتَ يَدُ اللّ

_هِ الَّتي عَمَّ كُلَّ شَيءٍ نَداها أنتَ قُرآنُهُ القَديمُ وأوصا

فُكَ آياتُهُ الَّتي أوحاها حَسبُكَ (3) اللّهُ في مَآثِرِ شَتّى

هِيَ مِثلُ الأَعدادِ لا تَتَناهى لَيتَ عَينا بِغَيرِ رَوضِكَ تَرعى

قَذِيَت وَاستَمَرَّ فيها قَذاها أنتَ بَعدَ النَّبِيِّ خَيرُ البَرايا

وَالسَّما خَيرُ ما بِها قَمراها لَكَ ذاتٌ كَذاتِهِ حَيثُ لَولا

أنَّها مِثلُها لَما آخاها قَد تَراضَعتُما بِثَديِ وِصالٍ

كانَ مِن جَوهَرِ التَّجَلّي غِذاها (4)

له أيضا :

لَكَ نَفسٌ مِن مَعدِنِ اللُّطفِ صيغَتْ

جَعَلَ اللّهُ كُلَّ نَفسٍ فِداها هِيَ قُطبُ المُكَوَّناتِ ولَولا

ها لَما دارَتِ الرَّحى لَولاها لَكَ كَفٌّ مِن أبحُرِ اللّهِ تَجري

أنهُرُ الأَنبِياءِ مِن جَدواها حُزتَ مُلكا مِنَ المَعالي مُحيطا

بِأَقاليمَ يَستَحيلُ انتِهاها لَيسَ يَحكي دُرِّيَ فَخرِكَ دُرٌّ

أينَ مِن كُدرَةِ المِياهِ صَفاها (5)

.


1- .قرآن الشعر : ص50 .
2- .شِمْتُ مخايل الشيء : إذا تطلّعت نحوها ببصرك منتظراً له (لسان العرب : ج12 ص330) .
3- .كذا والظاهر أنّها تصحيف «خصّك» .
4- .قرآن الشعر : ص85 .
5- .قرآن الشعر : ص88 .

ص: 192

. .

ص: 193

10 / 50 الشّيخ حسين نجف

10 / 50الشَّيخُ حُسَين نَجَف 1* ومنه عن الحسين بن عليّ عليهماالسلام :ممّن جمع الإيمان والأدب في القرن الثالث عشر ، يقول : لِعَلِيٍّ مَناقِبٌ لا تُضاهى

لا نَبِيٌّ ولا وَصِيٌّ حَواها مَن تَرى فِي الوَرى يُضاهي عَلِيّا

أيُضاهى فَتىً بِهِ اللّهُ باهى فَضلُهُ الشَّمسُ لِلأَنامِ تَجَلَّتْ

كُلُّ راءٍ بِناظِرَيهِ يَراها هُوَ نورُ الإِلهِ يَهدي إلَيهِ

فَاسأَلِ المُهتَدينَ عَمَّن هَداها وإذا قِستَ فِي المَعالي عَلِيّا

بِسِواهُ رَأَيتَهُ في سَماها غَيرَ مَن كانَ نَفسَهُ ولِهذا

خَصَّهُ دونَ غَيرِهِ بِإِخاها (1)

وله أيضا :

جَعَلَ اللّهُ بَيتَهُ لِعَلِيٍّ

مَولِداً يالَهُ عُلاً لا يُضاهى لَم يُشارِكهُ فِي الوِلادَةِ فيهِ

سَيِّدُ الرُّسُلِ لا ولا أنبِياها عَلِمَ اللّهُ شَوقَها لِعَلِيٍّ

عِلمَهُ بِالَّذي بِهِ مِن هَواها إذ تَمَنَّت لِقاءَهُ وتَمَنّى

فَأَراها حَبيبَهُ ورَآها مَا ادَّعى مُدَّعٍ لِذلِكَ كَلّا

مَن تَرى فِي الوَرى يَرومُ ادَّعاها ؟ فَاكتَسَت مَكَّةٌ بِذاكَ افتِخارا

وكَذَا المَشعَرانِ بَعدَ مِناها بَل بِهِ الأَرضُ قَد عَلَت إذ حَوَتهُ

فَغَدَت أرضُها مَطافَ سَماها ؟ أ وَ ما تَنظُرُ الكَواكِبَ لَيلاً

ونَهارا تَطوفُ حَولَ حِماها ؟ وإلَى الحَشرِ فِي الطَّوافِ عَلَيهِ

وبِذاكَ الطَّوافِ دامَ بَقاها (2)

.


1- .أعيان الشيعة : ج6 ص168 .
2- .الغدير : ج6 ص29 .

ص: 194

10 / 51 إبراهيم بن صادق المخزوميّ العامليّ

10 / 51إبراهيمُ بنُ صادِقٍ المَخزومِيُّ العامِلِيُّ 1* ومنه عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام في الثَّقَلَمن علماء القرن الثالث عشر ، يقول : هذا ثَرى حَطَّ الأَثيرُ (1) لِقَدرِهِ

ولِعِزِّهِ هامَ الثُّرَيّا يَخضَعُ وضَريحُ قُدسٍ دونَ غايَةِ مَجدِهِ

وجَلالِهِ خَفَضَ الضُّراحُ الأَرفَعُ أنّى يُقاسُ بِهِ الضُّراحُ (2) عُلاً وفي

مَكنونِهِ سِرُّ المُهَيمِنِ مودَعُ جَدَثٌ عَلَيهِ مِنَ الإِلهِ سُرادِقٌ

ومِنَ الرِّضا وَاللُّطفِ نورٌ يَسطَعُ وَدَّت دَرارِي الكَواكِبِ أنَّها

(كذا) بِالدُرِّ مِن حَصبائِهِ تَتَرَصَّعُ وَالسَّبعَةُ الأَفلاكُ وَدَّ عَلِيُّها

لَو أنَّها لِثَرى عَلِيٍّ مَضجَعُ عَجَبا تَمَنّى كُلُّ رَبعٍ أنَّهُ

لِلمُرتَضى مَولَى البَرِيَّةُ مَربَعُ ووُجودُهُ وَسِعَ الوُجودَ وهَل خَلا

في عالَمِ الإِمكانِ مِنهُ مَوضِعُ ؟ كَشّافُ داجِيَةِ القَضاءِ عَنِ الوَرى

بِعَزائِمٍ مِنهَا القَضاءُ يُرَوَّعُ هُوَ آيَةُ اللّهِ العَظيمِ وسِرُّهُ

ومَنارُ حُجَّتِهِ الَّتي لا تُدفَعُ هُوَ بابُ حِطَّتِهِ وخازِنُ وَحيِهِ

ولِسِرِّ غامِضِ عِلمِهِ مُستَودَعُ هُوَ سَيفُهُ البَتّارُ وَالنّورُ الَّذي

بِضِيائِهِ ظُلَمُ الضَّلالِ تَقَشَّعُ

إلى أن يقول :

لَولاهُ ما عَبَدَ الإِلهَ مُوَحِّدٌ

كَلّا ولا عَرَفَ الهُدى مُتَطَوِّعُ لَولاهُ ما مُحِيَ الضَّلالُ ولَا انجَلى

لِسَبيلِ دينِ اللّهِ نَهجٌ مَهْيَعُ وبِسَيفِهِ الإِسلامُ قامَ فَرُكنُهُ

حَتَّى القِيامِ بِناهُ لا يَتَضَعضَعُ وَالعِلمُ مِنهُ اُصولُهُ فَجميعُ ما

فِي اللَّوحِ عَن تِلكَ الاُصولِ مُفَرَّعُ غَمَرَ الوُجودَ بِسابِغِ الجودِ الَّذي

ضاقَت بِأَيسَرِهِ الجَهاتُ الأَربَعُ (3)

.


1- .الأثير : وهو الفلك التاسع الأعظم الحاكم على كلّ الأفلاك (تاج العروس : ج6 ص11) .
2- .الضراح : بيت في السماء مقابل الكعبة في الأرض ، قيل : هو البيت المعمور (لسان العرب : ج2 ص527) .
3- .أعيان الشيعة : ج2 ص146 .

ص: 195

القرن الرّابع عشر

10 / 52 عبد المسيح الأنطاكيّ

القَرنُ الرّابِعَ عَشَرَ10 / 52عَبدُ المَسيحِ الأَنطاكِيُّ 1* ومنه عن فاطمة عليهاالسلام :شاعر مسيحي ، يقول : ومُذ أتَت أحمَدَ الهادي نُبُوَّتُهُ

كانَ الوَصِيُّ بِإِيمانٍ مُلاقيها فَقَد رَأَى الأَسنى يَضيءُ عَلى

مُحَمَّدٍ وَهْوَ يَخفيهِ لِيَخفِيها وكانَ يَسمَعُ جِبريلاً يُشافِهُهُ

بِها وآياتُهَا الزَّهراءُ يوحيها مِن قَبلِ سَبعِ سِنينٍ مِن ظُهورِ رَسو

لِ اللّهِ بِالدَّعوَةِ النّاجي مُلَبّيها وكانَ حَيدَرَةٌ ما طَرَّ شارِبُهُ

في زَهرَةِ العُمرِ يَستَجليحَوافيها أعوامُهُ لَم تَكُن إلّا ثَلاثَةَ عَش_

_رَةَ بِمَلقَى الهُدى قَد كانَ طاويها إذ ذاكَ قَد رَضِيَ الإِسلامَ مُتَّبِعا

خُطى أبِي القاسِمِ المَأمونِ قافيها وقَد تَعَبَّدَ لِلخَلّاقِ قَبلَ جَمي_

_عِ النّاسِ في إِثرِ خَيرِ الخَلقِ تَجريها وإنَّ أهلَ الهُدى قَد كانَ أوَّلُها

طه وكانَ عَلِيُّ البَرُّ ثانيها (1)

إلى أن قالَ :

آخَى الصِّحابَ مَعَ الأَنصارِ مُتَّخِذا

لِكُلِّ ذاتٍ بِهِم ذاتا تُصافيها إلّا عَلِيّا فَلَم يَذكُر لَهُ أحَدا

لِذِي الاُخُوَّةِ في عالي مَعانيها فَجاءَهُ سائِلاً وَالدَّمعُ مُنبَجِسٌ

مِن عَينِهِ وبِهِ سالَت مَآقيها وقالَ : أينَ أخي حَتّى اُخادِنَهُ ؟

فَقالَ : خِلَّتُنا ماضٍ تَآخيها أ لَم اُواخِكَ قَبلاً عِندَ هِجرَتِنا

وعِندَما دَعوَتي نادَيتَ راضيها إنّي أخوكَ بِذِي الدُّنيا وأنتَ أخي

وفِي الجِنانِ إذا ما رُحتَ ثاويها وقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَأَنتَ لَهُ

مَولىً وَصِيَّةُ حَقٍّ جِئتُ اُوصيها وكانَ ذلِكَ بَينَ النّاسِ أجمَعِها

ووَسْطَ مَجلِسِ مَكّيها وطيبِيها كَذاكَ كانَ عَلِيٌّ لِلرَّسولِ أخا

عَلَى الشَّدائِدِ ما تَدهى دَواهيها وكانَ يَحمِلُ فِي المَيدانِ رايَتَهُ

وفَوقَ أنصارِهِ الأَخيارِ يُعليها وكانَ صاحِبَهُ يُفضي إلَيهِ بِما

في نَفسِهِ مِن رِغابٍ كانَ يَنويها فَما غَزا غَزوَةَ طه بِسُؤدَدِهِ

إلّا وَحيدَرَةُ المِقدامُ غازيها ولا نَدا نَدوَةً لِلمُسلِمينَ بِها

إلّا وحَيدَرَةٌ مِن مُستَشاريها ولا أرادَ لِخَيرِ الدّينِ مَسأَلَةً

إلّا وحَيدَرَةٌ قَد هَبَّ يُجريها كَذاكَ كانَ وَزيرَ المُصطَفى بِبِنا

أساسِ دَولَتِهِ مُذ هَمَّ يَبنيها فَقُل لِمَن رامَ أن يُخفي فَضيلَتَهُ

هَيهاتَ فَالشَّمسُ لا يَخفى تَلاليها وقُل لِمَن رامَ [أنْ] (2) يَدنُو لِرُتبَتِهِ

أهوِن عَلَيكَ الثُّرَيّا أن تُدانيها (3)

ثُمَّ قالَ :

وَالعُربُ تَطلُبُ أكفاءً تُزَوِّجُهُم

بَناتِها سُنَّةٌ تَأبى تَعَدّيها وكُلُّ عَقدٍ بِغَيرِ الكُف ءِ تَحسَبُهُ

عارا عَلَيها لَدَى الأَقرانِ يُخزيها فَمَن يَليقُ بِبِنتِ المُصطَفى حَسَبا ؟

ومَنْ مِنَ العَرَبِ العَرْباءِ كافيها ؟ ومَن يُناسِبُ طه كَي يُصاهِرَهُ ؟

وَهيَ المُصاهَرَةُ المَسعودُ مُلقيها غَيرُ العَلِيِّ رَبيبِ المُصطَفى ولَهُ

سَبقُ الهِدايَةِ مُذ نادى مُناديها فَإِنَّهُ بَعدَ طه خَيرُ مَن وَلَدَت

قُرَيشُ مُنذُ بَرَا الباري ذَراريها وإنَّهُ بَطَلُ الإِسلامِ تَعرِفُهُ

تِلكَ الحُروبُ الَّتي أمسى مُجَلّيها وأعلَمُ النّاسِ بِالشَّرعِ المُشَرَّفِ بَع_

_دَ المُصطَفى وأجَلُّ النّاسِ تَفقيها وأطهَرُ النّاسِ نِيّاتٍ وأطيَبُها

قَلبا إذا ما أرَدنا أن نُجاهيها (4) وأبلَغُ النّاسِ أقوالاً وأفصَحُها

خِطابَةً وَهوَ يُنشيها ويُلقيها وأزهَدُ النّاسِ فِي الدُّنيا وزُخرُفِها

وأبعَدُ النّاسِ عَن مُغري مَلاهيها وأرحَبُ النّاسِ صَدرا بِالعُفاةِ إذا

وافَتهُ ما في يَدَيهِ كانَ يوليها هذَا العَميدُ المُفَدّى كُف ءُ فاطِمَةٍ

وخَيرُ نِدٍّ لَها مِن دونِ أهليها لِذلِكَ اختارَهُ رَبُّ السّماءِ لَها

بَعلاً وأمسَت بِهِ الدُّنيا تُهَنّيها (5)

.


1- .ملحمة الإمام عليّ عليه السلام : ص64 .
2- .الزيادة منّا لتتميم العبارة ، والظاهر أنّه سقط مطبعي .
3- .ملحمة الإمام عليّ عليه السلام : ص94 .
4- .أجهت السماء : انكشفت وأضحَت (تاج العروس : ج19 ص300) .
5- .ملحمة الإمام عليّ عليه السلام : ص103 .

ص: 196

. .

ص: 197

. .

ص: 198

10 / 53 عبد الكريم الجزائريّ

10 / 53عَبدُ الكَريمِ الجَزائِرِيُّ 1* وعن جابر :ممّن جمع العلم والأدب في القرن الرابع عشر ، يقول : قِف بِبابِ المُرادِ بابِ عَلِيٍّ

تَلقَ لِلأَجرِ فيهِ فَتحا مُبينا هُوَ بابُ اللّهِ الَّذي مَن أتاهُ

خائِفا مِن خَطاهُ عادَ أمينا وَاخلَعِ النَّعلَ عِندَهُ بِاحتِرامٍ

فَهُوَ بِالفَضلِ دونَهُ طورُ سينا قَد عَلِقنا بِحُبِّ مَن حَلَّ فيهِ

ويَقينا مِنَ العَذابِ يَقينا وَاطلُبِ الإِذنَ وَانحُ نَحوَ ضَريحٍ

فيهِ أضحى سِرُّ الإِلهِ دَفينا يا سَفينَ النَّجاةِ لَم أرَ إلّا

أمَلي فيكَ لِلنَّجاةِ سَفينا وإمامَ الهُدى بِبابِكَ لُذنا

مِن ذُنوبٍ أبكَيْنَ مِنَّا العُيونا لَكَ جِئنا فَاشفَع لَنا وأجِرنا

يَومَ لا مالُ نافِعٌ أو بَنونا فَتَحَ اللّهُ لِلوَرى بِعَلِيٍّ

بابَ خَيرٍ يَأتونَهُ أجمَعينا قُل لِقُصّادِ بابِهِ اُدخُلوهُ

بِسَلامٍ لا زِلتُمُ آمِنينا هُوَ بابٌ بِهِ الرَّجا (1) أرِّخوهُ

ذاكَ بابُ المُرادِ لِلزّائِرينا (2)

.


1- .في المصدر : «الرجاء» ، والتصحيح منّا مراعاةً للوزن .
2- .أعيان الشيعة : ج8 ص41 .

ص: 199

القرن الخامس عشر

10 / 54 مصطفى جمال الدّين

القَرنُ الخامِسَ عَشَر10 / 54مُصطَفى جَمالُ الدّينِ (1)من كبار شعراء القرن الخامس عشر، قالَ فيمدح مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام : سَيِّدي أيُّهَا الضَّميرُ المُصَفّى وَالصِّراطُ الَّذي عَلَيهِ نَسيرُ لَكَ مَهوى قُلوبِنا وعَلى زا دِك نُربي عُقولَنا ونَميرُ نَحنُ عُشّاقُكَ المُلِحّونَ فِي العِش_ _قِ وإن هامَ في هَواكَ الكَثيرُ نَحنُ نَهواكَ لا لِشَيءٍ سِوى أنَّكَ مِن أحمَدٍ أخٌ ووَزيرُ وحُسامٌ يَحمي وروحٌ تُفَدّي ولِسانٌ يَدعو وعَقلٌ يُشيرُ ومَفاتيحُ مِن عُلومٍ حَباها لَكَ إذ أنتَ كَنزُهَا المَذخورُ ضَرَبَ اللّهُ بَينَ وهَجَيكُما حَدّا فَأَنتَ المَنارُ وَهْوَ المُنيرُ وإذَا الشَّمسُ آذنَت بِمَغيبٍ غَطَّتِ الكَونَ مِن سَناهَا البُدورُ (2)

.


1- .ولد الدكتور مصطفى جمال الدين في العراق (مدينة سوق الشيوخ) سنة (1927 م ) ، أكمل دراسته الحوزويّة في النجف الأشرف ، وتخرّج من كلّية الفقه ، ثمّ حصل على درجة الماجستير في الشريعة الإسلاميّة من جامعة بغداد ، ثمّ على درجة الدكتوراه في اللغة العربيّة ، هاجر من العراق إلى سورية حيث توفّي سنة (1996 م _ 1417 ه ) وكان عالما ومجاهدا وأديبا كبيرا (مقتطفات من شعر الدكتور السيّد مصطفى جمال الدين) .
2- .مقتطفات من شعر الدكتور السيّد مصطفى جمال الدين : ص10 و 11 .

ص: 200

. .

ص: 201

القسم العاشر: خصائص الإمام عليّ عليه السلام

اشاره

القسم العاشر: خصائص الإمام عليوفيه فصول :الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّةالفصل الثاني : الخصائص الأخلاقيةالفصل الثالث : الخصائص العمليّةالفصل الرابع : الخصائص السياسيّة والاجتماعيّةالفصل الخامس : الخصائص الحربيّة

.

ص: 202

. .

ص: 203

كلام حول خصائص الإمام

كلام حول خصائص الإمامالإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام منبع الفضائل ، وروحه ملأى بكلّ المحامد والمحاسن ، وحياته مظهر للمَكْرُمات . وما نورده هنا هو طرف من خصائص الإمام عليه السلام . وأمّا الخصائص الرفيعة الكريمة كالعلم ، والعصمة ، وما ماثلهما ، فقد جاءت في ذيل عناوينها الخاصّة . بَيْدَ أنّ ما نُورده هنا ، وفي مواضع اُخرى أيضا ، لا يمثّل كلَّ شيء يمكن أن يقال في إمام الإنسانيّة المتفرّد هذا . وسبب ذلك هو أنّ بحر عظمته وشخصيّته أوسع وأعزّ من أن يأتي عليه الوصف أو يفي به القلم أو يبلغ قعره الفكر ، وهو القائل : «يَنحَدِرُ عَنِّي السَّيلُ ، ولا يَرقى إلَيَّ الطَّيرُ» (1) . والسبب الآخر هو أنّ التاريخ لم ينقل للأجيال جميع مناقبه وفضائله ومكارمه . وكم دأبَ الكثيرون على محوها من ذاكرة التاريخ ، لكن ظهر منها ما بهر العيون وحيّر العقول ، رغم كلّ محاولات الجائرين المجحفين طمسها ودفنها . وما أروع كلام الخليل بن أحمد وأبلغه في الإمام حين قالَ : «ما أقولُ في حَقِّ امرِئٍ كَتَمَت مَناقِبَهُ أولِياؤُهُ خَوفا ، وأعداؤُهُ حَسَدا ، ثُمَّ ظَهَرَ ما بَينَ الكَتمَينِ ما مَلَأَ الخافِقَينِ ؟ !» (2) .

.


1- .راجع : ج 4 ص 531 (فيا عجبا للدهر) .
2- .راجع : ص 65 (الخليل بن أحمد) .

ص: 204

نزرٌ يسير نذكره هنا من تضاعيف النصوص الدينيّة المأثورة عن الفريقين ؛ إذ لا يسَعنا الإحاطة بصفات شخصيّة كشخصيّة عليّ عليه السلام ؛ تلك الشخصيّة المتفرّدة التي لا مثيل لها في الإيمان والعلم والخُلق والفتوّة والشجاعة والرحمة . بل لا نجد إنسانا يحمل بين جنباته خصائص متضادّة _ لا تُجمع في شخصٍ عادةً _ كعليّ إذا نظر إلى العدوّ وصاح به في ساحات الوغى ارتعدت فرائصه وبلغ قلبُه حنجرتَه ، ولم يجرُؤ أقرانه على منازلته . وإذا نظر إلى دموع اليتيم مترقرقةً في عينيه ، أو أبصر من حنا الدهرُ ظَهرَه اهتزّ قلبه وجرت دموعه . . . فلذا عُرف بأنّه «جامع الأضداد» ! إنّه العديم النظير في التاريخ كلّه ، وفي جميع الميادين ؛ فهو المعجزة الكبرى للإسلام ولرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكيف لا يكون كذلك وقد تكفّلته النبوّة واحتضنته الرسالة في حجر هذا الرسول العظيم ، وهو الفاني في جمال الحقّ . لكنّه _ مع كلّ ذلك _ كيف كان يرى نفسه في مقابل النبيّ صلى الله عليه و آله ؟ نجد ذلك في جوابه عليه السلام لمّا عَجِب أحدُهم مرّةً من علمه الزاخر ومعرفته العميقة حتى ظنّ أنّه هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال له الإمام عليّ عليه السلام : «أنَا عَبدٌ مِن عَبيدِ مُحَمَّدٍ» (1) . كان عليه السلام منذ الأيّام الاُولى لحياته رفيق رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعضده ، وكم يأسر القلوبَ تصويره عليه السلام لهذه المرافقة والملازمة في خطبته الطويلة المعروفة بالقاصعة ! (2) قلب عليّ عليه السلام منهل الوحي الصافي الزلال ، وروحه معطّرة بالتعاليم الربّانيّة ، وقد بلور ذلك كلّه في ميدان القتال والسياسة . وحياة عليّ عليه السلام مزيج عجيب من العلم والعمل ، والزهد والسعي . وهو أسد الحروب والكفاح ، وروحه الكبيرة متعلّقة بالملكوت الأعلى في جوف الليل !

.


1- .راجع : ج 4 ص 527 (أنا عبد من عبيد محمّد) .
2- .راجع : ص 224 (كلام في بدءِ إسلام الإمام) .

ص: 205

الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة

1 / 1 لم ي_كفر باللّه طرفة عين

الفصل الأوّل : الخصائص العقائديّة1 / 1لَم يَ_كفُر بِاللّهِ طَرفَةَ عَينٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ سُبّاقَ الاُمَمِ ثَلاثَةٌ لَم يَكفُروا طَرفَةَ عَينٍ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وصاحِبُ ياسينَ ، ومُؤمِنُ آلِ فِرعَونَ ، فَهُمُ الصِّدِّيقونَ ، وعَلِيٌّ أفضَلُهُم (1) .

عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثَةٌ ما كَفَروا بِاللّهِ قَطُّ : مُؤمِنُ آلِ ياسينَ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وآسِيَةُ امرَأَةُ فِرعَونَ (2) .

عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثَةٌ لَم يَكفُروا بِالوَحيِ طَرفَةَ عَينٍ : مُؤمِنُ آلِ ياسينَ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وآسِيَةُ امرَأَةُ فِرعَونَ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام :إنّي لَم اُشرِك بِاللّهِ طَرفَةَ عَينٍ ، ولَم أعبُدِ اللّاتَ وَالعُزّى (4) .

.


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص6 ؛ كفاية الطالب : ص123 وفيه «لم يشركوا» بدل «لم يكفروا» وكلاهما عن أبي ليلى .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص313 ح8864 عن جابر .
3- .تاريخ بغداد : ج14 ص155 ح7468 ؛ الخصال : ص174 ح230 كلاهما عن جابر .
4- .الخصال : ص572 ح1 عن مكحول .

ص: 206

عنه عليه السلام :إنّي وُلِدتُ عَلَى الفِطرَةِ ، وسَبَقتُ إلَى الإِيمانِ وَالهِجرَةِ (1) .

الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ تَعالى : «الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَ_نَهُم بِظُ_لْمٍ أُوْلَ_ئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ» (2) _: نَزَلَت في أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ لِأَ نَّهُ لَم يُشرِك بِاللّهِ طَرفَةَ عَينٍ قَطُّ ، ولَم يَعبُدِ اللّاتَ وَالعُزّى (3) .

الأمالي للمفيد عن ابن عبّاس :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ صَلَّى القِبلَتَينِ ، وبايَعَ البَيعَتَينِ ، ولَم يَعبُد صَنَما ولا وَثَنا ، ولَم يُضرَب عَلى رَأسِهِ بِزَلَمٍ (4) ولا قِدحٍ (5) ، وُلِدَ عَلَى الفِطرَةِ ، ولَم يُشرِك بِاللّهِ طَرفَةَ عَينٍ (6) .

الإيضاح :وَالاُمَّةُ مُجمِعَةٌ عَلى أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام لَم يُشرِك بِاللّهِ عَزَّ وجَلَّ طَرفَةَ عَينٍ قَطُّ ، ولَم يَتَّخِذ دينَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ هُزُوا ولَعِبا (7) .

الطبقات الكبرى عن الحسن بن زيد :لَم يَعبُدِ الأَوثانَ قَطُّ (8) .

راجع : ج 4 ص 368 (السابق) .

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 57 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص272 ، إعلام الورى : ج1 ص340 وفيهما «الإسلام» بدل «الإيمان» .
2- .الأنعام : 82 .
3- .تفسير فرات : ص134 ح158 عن أبان بن تغلب وراجع ص222 ح298 .
4- .الزُّلَم والزَّلم : واحد الأزلام ؛ وهي القِداح التي كانت في الجاهليّة عليها مكتوب الأمر والنهي ؛ افعل ولا تفعل ، كان الرجل منهم يضعها في وعاء له فإذا أراد سفرا أو زواجا أو أمرا مهمّا أدخل يده فأخرج زلَما فإن خرج الأمر مضى لشأنه وإن خرج النهي كفّ عنه ولم يفعله (النهاية : ج2 ص311) .
5- .القدح : السهم الذي كانوا يستقسمون به (النهاية : ج4 ص20) .
6- .الأمالي للمفيد : ص235 ح6 ، الأمالي للطوسي : ص11 ح14 .
7- .الإيضاح : ص199 .
8- .الطبقات الكبرى : ج3 ص21 ، تاريخ دمشق : ج42 ص26 ، الصواعق المحرقة : ص120 وزاد فيه «ومن ثمّ يقال فيه : كرّم اللّه وجهه» .

ص: 207

1 / 2 أوّل من أسلم

اشارة

1 / 2أوَّلُ مَن أسلَمَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أوَّلُكُم وارِدا عَلَى الحَوضِ (1) أوَّلُكُم إسلاما ؛ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (2) .

عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أوَّلَ هذِهِ الاُمَّةِ وُرودا عَلَيَّ أوَّلُها إسلاما ، وإنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أوَّلُها إسلاما (3) .

عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ أوَّلُ مَن آمَنَ بي وصَدَّقَني (4) .

المعجم الكبير عن أبي ذرّ وسلمان :أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : إنَّ هذا أوَّلُ مَن آمَنَ بي ، وهُوَ أوَّلُ مَن يُصافِحُني يَومَ القِيامَةِ ، وهذَا الصِّدِّيقُ الأَكبَرُ ، وهذا فاروقُ هذِهِ الاُمَّةِ يُفَرِّقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ ، وهذا يَعسوبُ (5) المُؤمِنينَ ، وَالمالُ يَعسوبُ الظّالِمِ (6) .

.


1- .ويمكن ضبطها أيضاً بهذا الشكل: «عَلَيَّ الحَوضَ» .
2- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص147 ح4662 ، تاريخ بغداد : ج2 ص81 ح459 وفيه «واردة» بدل «واردا» ، تاريخ دمشق : ج42 ص40 ح8367 ، الاستيعاب : ج3 ص198 ح1875 كلّها عن سلمان ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص229 ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص280 ح195 عن أبي ذرّ ، الفصول المختارة : ص262 عن سلمان وفي الخمسة الأخيرة «ورودا» بدل «واردا» .
3- .كنز الفوائد : ج1 ص263 عن أنس .
4- .تاريخ دمشق : ج42 ص36 ح8362 عن ابن عبّاس ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص225 عن الشعبي و ص233 ، الرياض النضرة : ج3 ص110 كلاهما نحوه ؛ رجال الكشّي : ج1 ص114 ح51 ، الأمالي للطوسي : ص148 ح242 ، كنز الفوائد : ج1 ص263 والأربعة الأخيرة عن أبي ذرّ ، الأمالي للصدوق : ص74 ح42 عن جابر ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص6 عن ابن عبّاس .
5- .اليعسوب : السيّد والرئيس والمقدّم (النهاية : ج3 ص234) .
6- .المعجم الكبير : ج6 ص269 ح6184 ، تاريخ دمشق : ج42 ص41 ح8368 ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص228 نحوه ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص267 ح179 و ص280 ح194 ، الأمالي للطوسي : ص210 ح361 ، تفسير العيّاشي : ج1 ص4 ح4 ، الإرشاد : ج1 ص31 ، الأمالي للصدوق : ص274 ح304 ، بشارة المصطفى : ص103 والأربعة الأخيرة عن أبي ذرّ ، معاني الأخبار : ص402 ح64 والستّة الأخيرة نحوه ، شرح الأخبار : ج2 ص266 ح572 كلاهما عن ابن عبّاس .

ص: 208

رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ أوَّلُ مَن آمَنَ بي وصَدَّقَني ، وأنتَ أوَّلُ مَن أعانَني عَلى أمري ، وجاهَدَ مَعي عَدُوّي ، وأنتَ أوَّلُ مَن صَلّى مَعي وَالنّاسُ يَومَئِذٍ في غَفلَةِ الجَهالَةِ ، يا عَلِيُّ ، أنتَ أوَّلُ مَن تَنشَقُّ عَنهُ الأَرضُ مَعي ، وأنتَ أوَّلُ مَن يَجوزُ الصِّراطَ مَعي (1) .

عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ المَلائِكَةَ صَلَّت عَلَيَّ وعَلى عَلِيٍّ سَبعَ سِنينَ قَبلَ أن يُسلِمَ بَشَرٌ (2) .

عنه صلى الله عليه و آله :صَلّى عَلَيَّ المَلائِكَةُ وعَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام سَبعَ سِنينَ ، ولَم يَصعَد _ أو تَرتَفِع _ شَهادَةُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ مِنَ الأَرضِ إلَى السَّماءِ إلّا مِنّي ومِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (3) .

المناقب للخوارزمي عن ابن عبّاس :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : صَلَّتِ المَلائِكَةُ عَلَيَّ وعَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ سَبعَ سِنينَ . قالوا : وَلِمَ ذلِكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ صلى الله عليه و آله : لَم يَكُن مَعي مَن أسلَمَ مِنَ الرِّجالِ غَيرَهُ ، وذلِكَ أنَّهُ لَم تُرفَع شَهادَةُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ إلَى السَّماءِ إلّا مِنّي ومِن عَلِيٍّ (4) .

.


1- .عيون أخبار الرضا : ج1 ص303 ح63 ، بشارة المصطفى : ص220 كلاهما عن إبراهيم بن أبي محمود و ص125 عن رزين الخزاعي وكلّها عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام .
2- .تاريخ دمشق : ج56 ص36 ح11747 ، شواهد التنزيل : ج2 ص184 ح818 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص7 كلّها عن أبي ذرّ .
3- .تاريخ دمشق : ج42 ص39 ح8366 ، المناقب للخوارزمي : ص54 ح18 ، المناقب لابن المغازلي : ص14 ح19 ؛ الإرشاد : ج1 ص30 ، الفصول المختارة : ص266 ، إعلام الورى : ج1 ص361 كلّها عن أنس نحوه .
4- .المناقب للخوارزمي : ص53 ح17 ، تاريخ دمشق : ج42 ص36 ح8363 ، المناقب لابن المغازلي : ص14 ح17 عن أبي أيّوب وكلاهما نحوه إلى «غيره» .

ص: 209

رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اُمَّتي عُرِضَت عَلَيَّ فِي الميثاقِ ، فَكانَ أوَّلَ مَن آمَنَ بي عَلِيٌّ ، وهُوَ أوَّلُ مَن صَدَّقَني حينَ بُعِثتُ ، وهُوَ الصِّدِّيقُ الأَكبَرُ ، وَالفاروقُ يُفَرِّقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ (1) .

تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن عبّاس :سَمِعتُ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ وعِندَهُ جَماعَةٌ فَتَذاكَرُوا السّابِقينَ إلَى الإِسلامِ فَقالَ عُمَرُ : أمّا عَلِيٌّ فَسَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ فيهِ ثَلاثَ خِصالٍ لَوَدِدتُ أنَّ لي واحِدَةً مِنهُنَّ ، فَكانَ أحَبَّ إلَيَّ مِمّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ ، كُنتُ أنَا وأبو عُبَيدَةَ وأبو بَكرٍ وجَماعَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ إذ ضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِيَدِهِ عَلى مَنكِبِ عَلِيٍّ فَقالَ لَهُ : يا عَلِيُّ ! أنتَ أوَّلُ المُؤمِنينَ إيمانا ، وأوَّلُ المُسلِمينَ إسلاما ، وأنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى (2) .

الإمام عليّ عليه السلام :أنَا أوَّلُ مَن أسلَمَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله (3) .

عنه عليه السلام_ في خُطبَتِهِ عَلى مِنبَرِ البَصرَةِ _: أنَا الصِّدِّيقُ الأَكبَرُ ، آمَنتُ قَبلَ أن يُؤمِنَ أبو بَكرٍ ، وأسلَمتُ قَبلَ أن يُسلِمَ (4) .

عنه عليه السلام :إنّي أوَّلُ النّاسِ إيمانا وإسلاما (5) .

.


1- .تفسير العيّاشي : ج2 ص41 ح115 عن ابن مسكان عن بعض أصحابه عن الإمام الباقر عليه السلام .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص167 ح8581 ، المناقب للخوارزمي : ص54 ح19 ، الرياض النضرة : ج3 ص109 وفيه من «كنت أنا . . . » ، الفردوس : ج5 ص315 ح8299 وفيه من «يا عليّ . . . » ، كنز العمّال : ج13 ص122 ح36393 .
3- .تاريخ بغداد : ج4 ص233 ح1947 عن حيّة ، تاريخ دمشق : ج42 ص31 ، المناقب للخوارزمي : ص57 ح23 كلاهما عن حبّة العرني ، البداية والنهاية : ج7 ص224 ، شرح نهج البلاغة : ج8 ص265 وليس في الثلاثة الأخيرة «مع النبيّ صلى الله عليه و آله » و ج13 ص228 عن حبّة العرني .
4- .تاريخ دمشق : ج42 ص33 ، أنساب الأشراف : ج2 ص379 ، المعارف لابن قتيبة : ص169 ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص228 و ج4 ص122 وفيه «وقد قال غير مرّة» ؛ الإرشاد : ج1 ص31 ، الفصول المختارة : ص261 كلّها عن معاذة العدويّة ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص 4 ، كنز الفوائد : ج1 ص 265 نحوه وكلاهما عن معادة العدويّة .
5- .الخصال : ص572 ح1 عن مكحول .

ص: 210

عنه عليه السلام :أنَا عَبدُ اللّهِ ، وأخو رَسولِهِ ، وأنَا الصِّدِّيقُ الأَكبَرُ ، لا يَقولُها بَعدي إلّا كاذِبٌ ، آمَنتُ قَبلَ النّاسِ سَبعَ سِنينَ (1) .

عنه عليه السلام :لَقَد أسلَمتُ قَبلَ النّاسِ بِسَبعِ سِنينَ (2) .

سير أعلام النبلاء عن عبد اللّه [بن مسعود] :إنَّ أوَّلَ شَيءٍ عَلِمتُهُ مِن أمرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قَدِمتُ مَكَّةَ مَعَ عُمومَةٍ لي أو اُناسٍ مِن قَومي ، نَبتاعُ مِنها مَتاعا ، وكان في بُغيَتِنا شِراءُ عِطرٍ ، فَأَرشَدونا عَلَى العَبّاسِ ، فَانتَهَينا إلَيهِ ، وهُوَ جالِسٌ إلى زَمزَمَ ، فَجَلَسنا إلَيهِ ، فَبَينا نَحنُ عِندَهُ ، إذ أقبَلَ رَجُلٌ مِن بابِ الصَّفا ، أبيَضُ ، تَعلوهُ حُمرَةٌ ، لَهُ وَفرَةٌ جَعدَةٌ (3) ، إلى أنصافِ اُذُنَيهِ ، أشَمُّ (4) ، أقنى (5) ، أذلَفُ (6) ، أدعَجُ (7) العَينَينِ ، بَرّاقُ الثَّنايا ، دَقيقُ المَسرُبَةِ (8) ، شَثنُ الكَفَّينِ وَالقَدَمَينِ (9) ، كَثُّ اللِّحيَةِ ، عَلَيهِ ثَوبانِ أبيَضانِ ، كَأَنَّهُ القَمَرُ لَيلَةَ البَدرِ ، يَمشي عَلى يَمينِهِ غُلامٌ حَسَنُ الوَجهِ ، مُراهِقٌ أو مُحتَلِمٌ ، تَقفوهُمُ امرَأَةٌ قَد سَتَرَت مَحاسِنَها ، حَتّى قَصَدَ نَحوَ الحَجَرِ ، فَاستَلَمَ ، ثُمَّ استَلَمَ الغُلام ، وَاستَلَمَتِ المَرأَةُ ، ثُمَّ طافَ بِالبَيتِ سَبعا ، وهُما يَطوفانِ مَعَهُ ، ثُمَّ استَقبَلَ الرُّكنَ ، فَرَفَعَ يَدَهُ وكَبَّرَ ،

.


1- .خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص38 ح6 عن عباد بن عبد اللّه .
2- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص586 ح993 عن عبّاد بن عبد اللّه ؛ الفصول المختارة : ص261 عن عباية الأسدي .
3- .جَعْدُ الشَّعر : ضدّ السَّبْط (النهاية : ج1 ص275) .
4- .الشَّمَم : ارتفاع قَصبة الأنف واستواء أعلاها وإشراف الأرنبة قليلاً (النهاية : ج2 ص502) .
5- .القنا في الأنف : طوله ورِقّة أرنَبَته مع حَدَبٍ في وسطه (النهاية : ج4 ص116) .
6- .الذَّلَف : قصر الأنف وانبطاحه ، وقيل : ارتفاع طرفه مع صِغر أرنَبَته (النهاية : ج2 ص165) .
7- .الدَّعَجُ والدُّعجةُ : السواد في العين وغيرها ، يريد أنّ سواد عينيه كان شديد السواد . وقيل : الدَّعَجُ : شِدَّةُ سَواد العين في شدّة بياضها (النهاية : ج2 ص119) .
8- .المسرُبة : ما دقّ من شعر الصدر سائلاً إلى الجوف (النهاية : ج2 ص356) .
9- .شثن الكفّين والقدمين : أي أنّهما يميلان إلى الغِلَظِ والقِصَر . وقيل : هو الذي في أنامله غِلَظٌ بلا قِصَر (النهاية : ج2 ص444) .

ص: 211

وقامَ ثُمَّ رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قامَ . فَرَأَينا شَيئاً أنكَرناهُ ، لَم نَكُن نَعرِفُهُ بِمَكَّةَ ، فَأَقبَلنا عَلَى العَبّاسِ ، فَقُلنا : يا أبَا الفَضلِ ! إنَّ هذَا الدّينَ حَدَثَ فيكُم ، أو أمرٌ لَم نَكُن نَعرِفُهُ ؟ قالَ : أجَل وَاللّهِ ما تَعرِفونَ هذا ، هذَا ابنُ أخي مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ ، وَالغُلامُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وَالمَرأَةُ خَديجَةُ بِنتُ خُوَيلِدٍ امرَأَتُهُ ، أما وَاللّهِ ما عَلى وَجهِ الأَرضِ أحَدٌ نَعلَمُهُ يَعبُدُ اللّهَ بِهذا الدّينِ إلّا هؤُلاءِ الثَّلاثَةُ (1) .

مسند ابن حنبل عن إياس بن عفيف الكندي عن أبيه :كُنتُ امرَأً تاجِرا ، فَقَدِمتُ الحَجَّ فَأَتَيتُ العَبّاسَ بنَ عَبدِ المُطَّلِبِ لِأَبتاعَ مِنهُ بَعضَ التِّجارَةِ ، وكانَ امرَأً تاجِرا ، فَوَاللّهِ إنّي لَعِندَهُ _ بِمِنىً _ إذ خَرَجَ رَجُلٌ مِن خِباءٍ قَريبٍ مِنهُ ، فَنَظَرَ إلَى الشَّمسِ ، فَلَمّا رَآها مالَت _ يَعني : قامَ يُصَلّي _ . قالَ : ثُمَّ خَرَجَتِ امرَأَةٌ مِن ذلِكَ الخِباءِ الَّذي خَرَجَ مِنهُ ذلِكَ الرَّجُلُ ، فَقامَت خَلفَهُ تُصَلّي ، ثُمَّ خَرَجَ غُلامٌ حينَ راهَقَ الحُلُمَ مِن ذلِكَ الخِباءِ ، فَقامَ مَعَهُ يُصَلّي . قالَ : فَقُلتُ لِلعَبّاسِ : مَن هذا يا عَبّاسُ ؟ قالَ : هذا مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ ابنُ أخي . قالَ : فَقُلتُ : مَن هذِهِ المَرأَةُ ؟ قالَ : هذِهِ امرَأَتُهُ خَديجَةُ ابنَةُ خُوَيلِدٍ . قالَ : قُلتُ : مَن هذَا الفَتى ؟ قالَ : هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ابنُ عَمِّهِ . قالَ : فَقُلتُ : فَما هذَا الَّذي يَصنَعُ ؟ قالَ : يُصَلّي ، وهُوَ يَزعُمُ أنَّهُ نَبِيٌّ ، ولَم يَتبَعهُ عَلى أمرِهِ إلَا امرَأَتُهُ وَابنُ عَمِّهِ هذَا الفَتى ، وهُوَ يَزعُمُ أنَّهُ سَيُفتَحُ عَلَيهِ كُنوزُ كَسرى وقَيصَرَ . قالَ : فَكانَ عَفيفٌ _ وهُوَ ابنُ عَمِّ الأَشعَثِ بنِ قَيسٍ _ يَقولُ _ وأسلَمَ بَعدَ ذلِك

.


1- .سير أعلام النبلاء : ج1 ص463 الرقم87 ، البداية والنهاية : ج6 ص18 نحوه ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص225 ، المناقب للخوارزمي : ص56 الرقم21 ؛ كشف الغمّة : ج1 ص83 .

ص: 212

فَحَسُنَ إسلامُهُ _ : لَو كانَ اللّهُ رَزَقَنِي الإِسلامَ يَومَئِذٍ فَأَكونَ ثالِثا مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه (1) .

خصائص أمير المؤمنين عن عفيف :جِئتُ فِي الجاهِليَّةِ إلى مَكَّةَ ، وأنَا اُريدُ أن أبتاعَ لِأَهلي مِن ثِيابِها وعِطرِها . فَأَتَيتُ العَبّاسَ بنَ عَبدِ المُطَّلِبِ _ وكانَ رَجُلاً تاجِرا _ فَأَنَا عِندَهُ جالِسٌ ، حَيثُ أنظُرُ إلَى الكَعبَةِ ، وقَد حَلَّقَتِ (2) الشَّمسُ فِي السَّماءِ ، فَارتَفَعَت ، وذَهَبَت ، إذ جاءَ شابٌّ فَرَمى بِبَصَرِهِ إلَى السَّماءِ ، ثُمَّ قامَ مُستَقبِلَ الكَعبَةِ ، ثُمَّ لَم ألبَث إلّا يَسيرا حَتّى جاءَ غُلامٌ فَقامَ عَلى يَمينِهِ ، ثُمَّ لَم ألبَث إلّا يَسيرا حَتّى جاءَتِ امرَأَةٌ فَقامَت خَلفَهُما ، فَرَكَعَ الشّابُّ ، فَرَكَعَ الغُلامُ وَالمَرأَةُ ، فَرَفَعَ الشّابُّ فَرَفَعَ الغُلامُ وَالمَرأَةُ ، فَسَجَدَ الشّابُّ فَسَجَدَ الغُلامُ وَالمَرأَةُ . فَقُلتُ : يا عَبّاسُ ، أمرٌ عَظيمٌ ! قالَ العَبّاسُ : نَعَم أمرٌ عَظيمٌ ، أ تَدري مَن هذَا الشّابُّ ؟ قُلتُ : لا . قالَ : هذا مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ ؛ ابنُ أخي . أ تَدري مَن هذَا الغُلامُ ؟ هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ؛ ابنُ أخي . أ تَدري مَن هذِهِ المَرأَةُ ؟ هذِهِ خَديجَةُ بِنتُ خُوَيلِدٍ ؛ زَوجَتُهُ . إنَّ ابنَ أخي هذا أخبَرَني : أنَّ رَبَّهُ رَبُّ السَّماءِ وَالأَرضِ ، أمَرَهُ بِهذَا الدّينِ الَّذي هُوَ عَلَيهِ ، ولا وَاللّهِ ما عَلَى الأَرضِ كُلِّها أحَدٌ عَلى هذَا الدّينِ غَيرُ هؤُلاءِ الثَّلاثَةِ (3) .

.


1- .مسند ابن حنبل : ج1 ص448 ح1787 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص202 ح4842 ، المعجم الكبير : ج18 ص100 ح181 ، دلائل النبوّة للبيهقي : ج2 ص162 ، تاريخ الطبري : ج2 ص311 ، الاستيعاب : ج3 ص201 ح1875 و ص311 ح2059 ، الإصابة : ج4 ص425 ح5602 ، البداية والنهاية : ج3 ص25 ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص261 ح173 كلّها نحوه ، كشف الغمّة : ج1 ص84 .
2- .التحليق : الارتفاع (النهاية : ج1 ص426) .
3- .خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص36 ح5 ، تاريخ دمشق : ج8 ص313 و ج42 ص34 ، مسند أبي يعلى : ج2 ص213 ح1544 ، اُسد الغابة : ج4 ص47 ح3702 ، المعجم الكبير : ج18 ص101 ح182 وج22 ص452 ح1103 ، الطبقات الكبرى : ج8 ص17 ، تاريخ الطبري : ج2 ص311 ، الاستيعاب : ج3 ص311 ح2059 ، الإصابة : ج4 ص425 ح5602 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص484 ، البداية والنهاية : ج3 ص25 ؛ الإرشاد : ج1 ص30 ، المناقب للكوفي : ج1 ص271 ح183 و ص272 ح184 ، روضة الواعظين : ص97 ، العمدة : ص63 ح75 وفي الاثنتي عشرة الأخيرة نحوه وراجع المناقب للخوارزمي : ص56 ح21 .

ص: 213

فضائل الصحابة عن ابن عبّاس :إنَّ عَلِيّا أوَّلُ مَن أسلَمَ (1) .

مسند ابن حنبل عن زيد بن أرقم :أوَّلُ مَن أسلَمَ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيٌّ عليه السلام (2) .

المعجم الكبير عن مالك بن الحويرث :كانَ أوَّلُ مَن أسلَمَ مِنَ الرِّجالِ عَلِيّا ، ومِن النِّساءِ خَديجَةَ (3) .

مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: كانَ أوَّلَ مَن أسلَمَ مِنَ النّاسِ بَعدَ خَديجَةَ (4) .

.


1- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص589 ح997 و ح998 عن الحسن وغيره ، المعجم الكبير : ج11 ص21 ح10924 و ص321 ح12151 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج5 ص325 ، اُسد الغابة : ج4 ص89 ح3789 ، تاريخ دمشق : ج42 ص36 .
2- .مسند ابن حنبل : ج7 ص78 ح19301 ، سنن الترمذي : ج5 ص642 ح3735 وليس فيه «مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص147 ح4663 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص34 ح3 و4 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص502 ح43 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص21 ، تاريخ دمشق : ج42 ص37 ، تاريخ الطبري : ج2 ص310 ، البداية والنهاية : ج3 ص26 و ج7 ص224 .
3- .المعجم الكبير : ج19 ص291 ح648 ، تاريخ دمشق : ج42 ص37 ، مجمع الزوائد : ج9 ص353 ح15258 عن أبي رافع ، الاستيعاب : ج3 ص198 ح1875 عن ابن شهاب وعبد اللّه بن محمّد بن عقيل وقتادة وأبي إسحاق نحوه ؛ الأمالي للطوسي : ص259 ح467 عن ابن عبّاس .
4- .مسند ابن حنبل : ج1 ص709 ح3062 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص684 ح1168 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص143 ح4652 ، الاستيعاب : ج3 ص198 ح1875 وفيه «قال أبو عمر : هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد ؛ لصحّته وثقة نقلته» ، المناقب للخوارزمي : ص126 ح140 وفيها «آمن» بدل «أسلم» و ص58 ح27 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص71 ح23 ، المعجم الكبير : ج12 ص77 ح12593 ، تاريخ دمشق : ج42 ص98 ، السنّة لابن أبي عاصم : ص589 ح1351 ، البداية والنهاية : ج7 ص339 ، ذخائر العقبى : ص157 ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص295 ح219 عن أبي مجلز وفيه «آمن» بدل «أسلم» ، شرح الأخبار : ج2 ص300 ح618 وراجع كشف الغمّة : ج1 ص86 .

ص: 214

تاريخ الطبري عن ابن إسحاق :كانَ أوَّلَ ذَكَرٍ آمَنَ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وصَلّى مَعَهُ ، وصَدَّقَهُ بِما جاءَهُ مِن عِندِ اللّهِ ، عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وهُوَ يَومَئِذٍ ابنُ عَشرِ سِنينَ . وكانَ مِمّا أنعَمَ اللّهُ بِهِ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام أنَّهُ كانَ في حِجرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبلَ الإِسلامِ (1) .

الاستيعاب :رُوِيَ عَن سَلمانَ وأبي ذَرٍّ وَالمِقدادِ وخَبّابٍ وجابِرٍ وأبي سَعيدٍ الخُدرِيِّ وزَيدِ بنِ الأَرقَمِ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام أوَّلُ مَن أسلَمَ ، وفَضَّلَهُ هؤُلاءِ عَلى غَيرِهِ (2) .

البداية والنهاية عن محمّد بن كعب :أوَّلُ مَن أسلَمَ مِن هذِهِ الاُمَّةِ خَديجَةُ ، وأوَّلُ رَجُلَينِ أسلَما أبو بَكرٍ وعَلِيٌّ ، وأسلَمَ عَلِيٌّ قَبلَ أبي بَكرٍ . (3)

معرفة علوم الحديث_ في بَيانِ مَعرِفَةِ الصَّحابَةِ عَلى مَراتِبِهِم _: أوَّلُهُم : قَومٌ أسلَموا بِمَكَّةَ ، مِثلُ : أبي بَكرٍ ، وعَمُرَ ، وعُثمانَ ، وعَلِيٍّ ، وغَيرِهُم ، ولا أعلَمُ خِلافا بَينَ أصحابِ التَّواريخِ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أوَّلُهُم إسلاما ، وإنَّمَا اختَلَفوا في بُلوغِهِ (4) .

.


1- .تاريخ الطبري : ج2 ص312 و ص309 وليس فيه من «وهو يومئذٍ . . . » ، السيرة النبويّة لابن هشام : ج1 ص262 ، المناقب للخوارزمي : ص51 ح13 ، البداية والنهاية : ج3 ص26 نحوه ؛ روضة الواعظين : ص97 وفيه إلى «عشر سنين» وراجع دلائل النبوّة للبيهقي : ج2 ص165 والاستيعاب : ج3 ص199 ح1875 والفصول المختارة : ص266 .
2- .الاستيعاب : ج3 ص197 ح1875 ، تاريخ الطبري : ج2 ص312 عن محمّد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبي حازم المدني والكلبي ، البداية والنهاية : ج3 ص25 عن ابن حميد وعيسى بن سوادة بن أبي الجعد ومحمّد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبي حازم والكلبي ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص229 وفيه «روي بروايات مختلفة كثيرة متعدّدة عن زيد بن أرقم وسلمان الفارسي وجابر بن عبد اللّه وأنس بن مالك» ، الصواعق المحرقة : ص120 عن ابن عبّاس وأنس وزيد بن أرقم وسلمان الفارسي وجماعة وزاد في آخره «ونقل بعضهم الإجماع عليه» وليس فيها من «وفضّله . . . » .
3- .البداية والنهاية : ج3 ص26 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج1 ص136 ، دلائل النبوّة للبيهقي : ج2 ص163 ، تاريخ دمشق : ج42 ص44 كلّها نحوه .
4- .معرفة علوم الحديث : ص22 .

ص: 215

شرح نهج البلاغة :اِعلَم أنَّ شُيوخَنَا المُتَكَلِّمينَ لا يَكادونَ يَختَلِفونَ في أنَّ أوَّلَ النّاسِ إسلاما عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، إلّا مَن عَساهُ خالَفَ في ذلِكَ مِن أوائِلِ البَصرِيّينَ . فَأَمَّا الَّذي تَقَرَّرَتِ المَقالَةُ عَلَيهِ الآنَ ، فَهُوَ القَولُ بِأَنَّهُ عليه السلام أسبَقُ النّاسِ إلَى الإِيمانِ ، لا تَكادُ تَجِدُ اليَومَ _ في تَصانيفِهِم وعِندَ مُتَكَلِّميهِم وَالمُحَقِّقينَ مِنهُم _ خِلافا في ذلِكَ . وَاعلَم أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ما زالَ يَدَّعي ذلِكَ لِنَفسِهِ ، ويَفتَخِرُ بِهِ ، ويَجعَلُهُ في أفضَلِيَّتِهِ عَلى غَيرِهِ ، ويُصَرِّحُ بِذلِكَ . وقَد قالَ عليه السلام غَيرَ مَرَّةٍ : أنَا الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وَالفاروقُ الأَوَّلُ ، أسلَمتُ قَبلَ إسلامِ أبي بَكرٍ ، وصَلَّيتُ قَبلَ صَلاتِهِ . ورَوى عَنهُ هذَا الكَلامَ بِعَينِهِ أبو مُحَمَّدِ بنُ قُتَيبَةَ في كِتابِ المَعارفِ ، وهُوَ غَيرُ مُتَّهَمٍ في أمرِهِ . ومِنَ الشِّعرِ المَروِيِّ عَنهُ عليه السلام في هذَا المَعنَى الأَبياتُ الَّتي أوَّلُها : مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ أخي وصِهري وحَمزَةُ سَيِّدُ الشُّهَداءِ عَمّي ومِن جُملَتِها : سَبَقتُكُمُ إلَى الإِسلامِ طُرّا غُلاما ما بَلَغتُ أوانَ حُلمي وَالأَخبارُ الوارِدَةُ في هذَا البابِ كَثيرَةٌ جِدّا ، لا يَتَّسِعُ هذَا الكِتابُ لِذِكرِها ، فَلتُطلَب مِن مَظانِّها . ومَن تَأَمَّلَ كُتُبَ السِّيَرِ وَالتَّواريخِ عَرَفَ مِن ذلِكَ ما قُلناهُ . فَأَمَّا الذّاهِبونَ إلى أنَّ أبا بَكرٍ أقدَمُهُما إسلاما ، فَنَفَرٌ قَليلونَ (1) .

راجع : ص 224 (كلام في بدء إسلام الإمام) و ص 279 (أوّل من صلّى مع النبيّ) و ص 287 (أوّل من عَبَدَ اللّه من الاُمّة) و ج 4 ص 368(السابق) و كتاب «الغدير» : ج3 ص219 _ 243 .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص122 .

ص: 216

1 / 2 _ 1 عمره يوم أسلم

1 / 2 _ 1عُمُرُهُ يَومَ أسلَمَالكافي عن سعيد بن المسيّب :سَأَلتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ عليهماالسلام : اِبنَ كَم كانَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام يَومَ أسلَمَ ؟ فَقالَ عليه السلام : أ وَكانَ كافِرا قَطُّ ؟ إنَّما كانَ لِعَلِيٍّ عليه السلام حَيثُ بَعَثَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ رَسولَهُ صلى الله عليه و آله عَشرُ سِنينَ ، ولَم يَكُن يَومَئِذٍ كافِرا ، ولَقَد آمَنَ بِاللّهِ تَبارَكَ وتَعالى وبِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وسَبَقَ النّاسَ كُلَّهُم إلَى الإِيمانِ بِاللّهِ وبِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله وإلَى الصَّلاةِ بِثَلاثِ سِنينَ ، وكانَت أوَّلُ صَلاةٍ صَلّاها مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الظُّهرَ رَكعَتَينِ (1) .

شرح نهج البلاغة :وَاختُلِفَ في سِنِّهِ عليه السلام حينَ أظهَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله الدَّعوَةَ ، إذ تَكامَلَ لَهُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ أرَبعونَ سَنَةً ؛ فَالأَشهَرُ مِنَ الرِّواياتِ أنَّهُ كانَ ابنَ عَشرٍ ، وكَثيرٌ مِن أصحابِنَا المُتَكَلِّمينَ ، يَقولونَ : إنَّهُ كانَ ابنَ ثَلاثَ عَشرَةَ سَنَةً ، ذَكَرَ ذلِكَ شَيخُنا أبُو القاسِمِ البَلخِيُّ وغَيرُهُ مِن شُيوخِنا . وَالأَوَّلونَ يَقولونَ : إنَّهُ عليه السلام قُتِلَ وهُوَ ابنُ ثَلاثٍ وسِتّينَ سَنَةً ، وهؤُلاءِ يَقولونَ : اِبنُ سِتٍّ وسِتّينَ ، وَالرِّواياتُ في ذلِكَ مُختَلِفَةٌ . ومِنَ النّاسِ مَن يَزعُمُ أنَّ سِنَّهُ كانَت دونَ العَشرِ ، وَالأَكثَرُ الأَظهَرُ خِلافُ ذلِكَ . وذَكَرَ أحمَدُ بنُ يَحيَى البَلاذُرِيُّ وعَلِيُّ بنُ الحُسَينِ الأَصفَهانِيُّ أنَّ قُرَيشا أصابَتها أزمَةٌ وقَحطٌ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَمَّيهِ حَمزَةَ وَالعَبّاسِ : ألا نَحمِلُ ثِقلَ أبي طالِبٍ في هذَا المَحلِ (2) ! فَجاؤا إلَيهِ ، وسَأَلوهُ أن يَدفَعَ إلَيهِم وُلدَهُ ؛ لِيَكفوهُ أمرَهُم . فَقالَ : دَعوا لي عَقيلاً ، وخُذوا مَن شِئتُم _ وكانَ شَديدَ الحُبِّ لِعَقيلٍ _ . فَأَخَذَ العَبّاسُ طالِبا ، وأخَذَ حَمزَةُ جَعفَرا ، وأخَذَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله عَلِيّا عليه السلام ، وقالَ لَهُم : قَدِ اختَرتُ مَنِ اختارَهُ اللّهُ لى ¨

.


1- .الكافي : ج8 ص339 ح536 ، مختصر بصائر الدرجات : ص129 .
2- .المَحْل : الشِّدّة ، والجوع الشديد (لسان العرب : ج11 ص616) .

ص: 217

1 / 2 _ 2 يوم إسلامه

عَلَيكُم ؛ عَلِيّا . قالوا : فَكانَ عَلِيٌّ عليه السلام في حِجرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، مُنذُ كانَ عُمُرُهُ سِتَّ سِنينَ . وكانَ ما يُسدي إلَيهِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ مِن إحسانِهِ وشَفَقَتِهِ وبِرِّهِ وحُسنِ تَربِيَتِهِ كَالمُكافَأَةِ وَالمُعاوَضَةِ لِصَنيعِ أبي طالِبٍ بِهِ ؛ حَيثُ ماتَ عَبدُ المُطَّلِبِ وجَعَلَهُ في حِجرِهِ . وهذا يُطابِقُ قَولَهُ عليه السلام : لَقَد عَبَدتُ اللّهَ قَبلَ أن يَعبُدَهُ أحَدٌ مِن هذِهِ الاُمَّةِ سَبعَ سِنينَ» ، وقَولَهُ عليه السلام : «كُنتُ أسمَعُ الصَّوتَ ، واُبصِرُ الضَّوءَ سِنينَ سَبعا ، ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حينَئِذٍ صامِتٌ ، ما اُذِنَ لَهُ فِي الإِنذارِ وَالتَّبليغِ» ؛ وذلِكَ لِأَ نَّهُ إذا كانَ عُمُرُهُ يَومَ إظهارِ الدَّعوَةِ ثَلاثَ عَشرَةَ سَنَةً ، وتَسليمُهُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن أبيهِ وهُوَ ابنُ سِتٍّ ، فَقَد صَحَّ أنَّهُ كانَ يَعبُدُ اللّهَ قَبلَ النّاسِ بِأَجمَعِهِم سَبعَ سِنينَ (1) . وَابنُ سِتٍّ تَصِحُّ مِنهُ العِبادَةُ إذا كانَ ذا تَمييزٍ ، عَلى أنَّ عِبادَةَ مِثلِهِ هِيَ التَّعظيمُ ، وَالإِجلالُ ، وخُشوعُ القَلبِ ، وَاستِخذاءُ الجَوارِحِ إذا شاهَدَ شَيئا مِن جَلالِ اللّهِ سُبحانَهُ وآياتِهِ الباهِرَةِ ، ومِثلُ هذا مَوجودٌ في الصِّبيانِ (2) .

1 / 2 _ 2يَومُ إسلامِهِالإمام عليّ عليه السلام :بُعِثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ الإِثنَينِ ، وأسلَمتُ يَومَ الثُّلاثاءِ (3) .

.


1- .ومن الممكن أن يكون عمره عليه السلام عند ظهور الإسلام عشر سنوات _ كما هو المشهور _ ولكن لم يسلم أحد بعدُ إلّا خديجة عليهاالسلامإلى السنة الثالثة للهجرة ، ونزول قوله تعالى : « وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ » ، فإنّه _ على هذا الاحتمال _ يكون بين السادسة من عمره وبين السنة الثالثة من الهجرة سبع سنين أيضا .
2- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص14 .
3- .مسند أبي يعلى : ج1 ص238 ح442 ، تاريخ دمشق : ج42 ص30 كلاهما عن حبّة ، كنز العمّال : ج13 ص128 ح36407 نقلاً عن أبي القاسم الجرّاح في أماليه ؛ روضة الواعظين : ص96 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص7 ، المناقب للكوفي : ج1 ص278 ح192 والثلاثة الأخيرة عن حبّة .

ص: 218

1 / 3 أفضل الامّة يقينا

المستدرك على الصحيحين عن أنس :نُبِّئَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَومَ الإِثنَينِ ، وأسلَمَ عَلِيٌّ عليه السلام يَومَ الثُّلاثاءِ (1) .

تاريخ دمشق عن أنس :اُنزِلَتِ النُّبُوَّةُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ الإِثنَينِ ، وبُعِثَ يَومَ الإِثنَينِ ، وأسلَمَت خَديجَةُ يَومَ الإِثنَينِ ، وأسلَمَ عَلِيٌّ عليه السلام يَومَ الثُّلاثاءِ ، لَيسَ بَينَهُما إلّا لَيلَةٌ (2) .

راجع : ص 279 (أوّل من صلّى مع النبي) .

1 / 3أفضَلُ الاُمَّةِ يَقينارسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أقدَمُ اُمَّتي سِلما ، وأكثَرُهُم عِلما ، وأصَحُّهُم دينا ، وأكثَرُهُم يَقينا ، وأكمَلُهُم حِلما ، وأسمَحُهُم كَفّا ، وأشجَعُهُم قَلبا ، وهُوَ الإِمامُ وَالخَليفَةُ بَعدي (3) .

عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أقدَمُ اُمَّتي سِلما ، وأكثَرُهُم عِلما ، وأصَحُّهُم دينا ، وأفضَلُهُم يَقينا ، وأحلَمُهُم حِلما ، وأسمَحُهُم كَفّا ، وأشجَعُهُم قَلبا (4) .

.


1- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص121 ح4587 ، تاريخ بغداد : ج1 ص134 ح1 ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص229 وفيهما «استنبئ» بدل «نُبّئ» ، تاريخ دمشق : ج42 ص28 و 29 ، مجمع الزوائد : ج9 ص128 ح14609 عن أبي رافع ، اُسد الغابة : ج4 ص89 ح3789 ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص259 ح171 ، الفصول المختارة : ص263 عن جابر وفي الثلاثة الأخيرة «بعث» بدل «نُبّئ» ، تفسير القمّي : ج1 ص378 نحوه .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص28 ؛ كنز الفوائد : ج1 ص263 نحوه وراجع شرح نهج البلاغة : ج13 ص223 _ 248 وفيه نقل كلام الشيخ أبي جعفر الإسكافي في إثبات أوّليّة عليّ عليه السلام في الإسلام دون أبي بكر و . . . .
3- .كنز الفوائد : ج1 ص263 عن جابر بن عبد اللّه .
4- .الأمالي للصدوق : ص57 ح13 ، مائة منقبة : ص74 ح25 كلاهما عن جابر بن عبد اللّه .

ص: 219

الإمام عليّ عليه السلام :لَو كُشِفَ الغِطاءُ مَا ازدَدتُ يَقينا (1) .

عنه عليه السلام :إنّي لَعَلى يَقينٍ مِن رَبّي ، وغَيرِ شُبهَةٍ مِن ديني (2) .

عنه عليه السلام :ما أنكَرتُ اللّهَ تَعالى مُنذُ عَرَفتُهُ (3) .

عنه عليه السلام :ما شَكَكتُ فِي الحَقِّ مُذ اُريتُهُ (4) .

عنه عليه السلام :إنّي لَعَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبّي ، وبَصيرَةٍ مِن ديني ، ويَقينٍ مِن أمري (5) .

عنه عليه السلام :إنّي لَعَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبّي ، ومِنهاجٍ مِن نَبِيّي ، وإنّي لَعَلَى الطَّريقِ الواضِحِ ألقُطُهُ لَقطا (6) .

عنه عليه السلام :وإنّي لَعَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبّي ، بَيَّنَها لِنَبِيِّهِ عليه السلام ، فَبَيَّنَها لي ، و إنّي لَعَلَى الطَّريقِ الواضِحِ ألقُطُهُ لَقطا (7) .

عنه عليه السلام :إنَّ مَعي لَبَصيرَتي ، ما لَبَستُ عَلى نَفسي ، ولا لُبِسَ عَلَيَّ (8) .

.


1- .الصواعق المحرقة : ص129 ، شرح نهج البلاغة : ج7 ص253 و ج11 ص179 و ص202 ، المناقب للخوارزمي : ص375 ح395 ، تفصيل النشأتين : ص46 ؛ الفضائل لابن شاذان : ص116 عن حرّة بنت حليمة السعديّة ، كشف الغمّة : ج1 ص170 ، إرشاد القلوب : ص212 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص38 ، غرر الحكم : ح7569 ، مشارق أنوار اليقين : ص178 .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 22 ، الكافي : ج5 ص54 ح4 عن ابن محبوب رفعه ، الأمالي للطوسي : ص169 ح284 عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي وفيهما «أمري» بدل «ديني» ، غرر الحكم : ح3773 .
3- .غرر الحكم : ح9481 .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 4 والحكمة 184 ، الإرشاد : ج1 ص254 وفيه «رأيته» بدل «اُريته» ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص107 ، غرر الحكم : ح9482 .
5- .غرر الحكم : ح3772 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص61 وفيه صدره .
6- .نهج البلاغة : الخطبة 97 .
7- .تاريخ دمشق : ج42 ص396 عن عبد اللّه بن يحيى ، شرح نهج البلاغة : ج1 ص265 عن أبي مخنف نحوه ، كنز العمّال : ج13 ص164 ح36499 ؛ الأمالي للصدوق : ص491 ح668 عن جابر عن الإمام الباقر عليه السلام ، المزار للشهيد الأوّل : ص74 وفيه «ألفظه لفظا» بدل «ألقطه لقطا» وراجع وقعة صفّين : ص315 .
8- .نهج البلاغة : الخطبة 10 .

ص: 220

1 / 4 أخلص المؤمنين إيمانا

عنه عليه السلام_ في شَأنِ طَلحَةَ وَالزُّبَيرِ _: إنَّ مَعي لَبَصيرَتي ، ما لَبَستُ ولا لُبِسَ عَلَيَّ ، وإنَّها لَلفِئَةُ الباغِيَةُ ، فيهَا الحَمَأُ وَالحُمَةُ (1) ، وَالشُّبهَةُ المُغدِفَةُ (2) ، وإنَّ الأَمرَ لَواضِحٌ ، وقَد زاحَ الباطِلُ عَن نِصابِهِ (3) .

الإمام الحسن عليه السلام_ لِعَمرِو بنِ العاصِ _: وَاللّهِ ، إنَّكَ لَتَعلَمُ أنَّ عَلِيّا عليه السلام لَم يَتَرَيَّب فِي الأَمرِ ، ولَم يَشُكَّ فِي اللّهِ طَرفَةَ عَينٍ (4) .

راجع : ج 1 ص 497 (أحاديث العصمة) .

1 / 4أخلَصُ المُؤمِنينَ إيمانارسول اللّه صلى الله عليه و آله :أوَّلُ المُؤمِنينَ إسلاما ، وأخلَصُهُم إيمانا ، وأسمَحُ النّاسِ كَفّا ، سَيِّدُ النّاسِ بَعدي ، قائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، إمامُ أهلِ الأَرضِ ، عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (5) .

الإمام الصادق عليه السلام_ في زِيارَةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: كُنتَ أوَّلَ القَومِ إسلاما ، وأخلَصَهُم إيمانا ، وأشَدَّهُم يَقينا ، وأخوَفَهُم للّهِ ، وأعظَمَهُم عَناءً ، وأحوَطَهُم عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (6) .

.


1- .الحَمَأ : الطين الأسود المُنتن . وقال الجوهري : حُمَة العقرب : سمّها وضرّها (تاج العروس : ج1 ص140 وج19 ص344) . قال ابن أبي الحديد : أي في هذه الفئة الباغية الضلال والفساد والضرر (شرح نهج البلاغة : ج9 ص34) .
2- .أغدف الليل سُدُولَه ، إذا أظلم (النهاية : ج3 ص345) .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 137 .
4- .المحاسن والمساوئ : ص86 .
5- .الأمالي للصدوق : ص250 ح275 عن الأعمش عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام .
6- .المزار الكبير : ص231 ح6 عن معاوية بن عمّار ويوسف الكناسي ، الكافي : ج1 ص454 ح4 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص592 ح3199 ، المزار للشهيد الأوّل : ص102 والثلاثة الأخيرة من دون إسنادٍ إلى المعصوم ، بحار الأنوار : ج100 ص338 ح32 .

ص: 221

1 / 5 أرجح أهل الأرض إيمانا

1 / 5أرجَحُ أهلِ الأَرضِ إيماناالمناقب للخوارزمي عن عمر بن الخطّاب :أشهَدُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَسَمِعتُهُ وهُوَ يَقولُ : لَو أنَّ السَّماواتِ السَّبعَ وَالأَرَضينَ السَّبعَ وُضِعنَ في كِفَّةِ ميزانٍ ، ووُضِعَ إيمانُ عَلِيٍّ في كِفَّةِ ميزانٍ ، لَرَجَحَ إيمانُ عَلِيٍّ (1) .

تاريخ دمشق عن مصقلة العبدي عن أبيه :أتى رَجُلانِ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ _ في وِلايَتِهِ _ يَسأَلانِهِ عَن طَلاقِ الأَمَةِ ، فَقامَ مُعتَمِدا بِشَيءٍ بَينَهُما حَتّى أتى حَلقَةً فِي المَسجِدِ وفيها رَجُلٌ أصلَعُ ، فَوَقَفَ عَلَيهِ ، فَقالَ : يا أصلَعُ ، ما قَولُكَ في طَلاقِ الأَمَةِ ؟فَرَفَعَ رَأسَهُ إلَيهِ ، ثُمَّ أومَأَ إلَيهِ بِإِصبَعَيهِ . فَقالَ عُمَرُ لِلرَّجُلَينِ : تَطليقَتانِ . فَقالَ أحَدُهُما : سُبحانَ اللّهِ ! جِئنا لِنَسأَلَكَ وأنتَ أميرُ المُؤمِنينَ ، فَمَشَيتَ مَعَنا حَتّى وَقَفتَ عَلى هذَا الرَّجُلِ ، فَسَأَلتَهُ ، فَرَضيتَ مِنهُ بِأَن أومَأَ إلَيكَ ! ! فَقالَ : أ وَتَدرِيانِ مَن هذا ؟ قالا : لا . قالَ : هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . أشهَدُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله سَمِعتُهُ وهُوَ يَقولُ : لَو أنَّ السَّماواتِ السَّبعَ وُضِعنَ في كِفَّةِ ميزانٍ ، ووُضِعَ إيمانُ عَلِيٍّ في كِفَّةِ ميزانٍ ، لَرَجَحَ بِها إيمانُ عَلِيٍّ (2) .

شرح نهج البلاغة عن عمر بن الخطّاب :أمّا أنتَ يا عَلِيُّ ، فَوَاللّهِ لَو وُزِنَ إيمانُكَ بِإِيمانِ أهل

.


1- .المناقب للخوارزمي : ص131 ح146 ، الفردوس : ج3 ص363 ح5100 نحوه ، ذخائر العقبى : ص178 .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص340 ح8911 و ص341 ح8912 عن ضبيعة العيدي عن أبيه ، المناقب لابن المغازلي : ص289 ح330 ، المناقب للخوارزمي : ص131 ح145 ، كفاية الطالب : ص258 ؛ الأمالي للطوسي : ص238 ح422 و ص575 ح1188 ، شرح الأخبار : ج2 ص321 ح659 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص370 عن أبي صبرة ومصقلة بن عبد اللّه وكلّها نحوه .

ص: 222

1 / 6 امتحن اللّه قلبه للإيمان

الأَرضِ لَرَجَحَهُم ! (1)

1 / 6اِمتَحَنَ اللّهُ قَلبَهُ لِلإِيمانِسنن الترمذي عن ربعي بن حراش عن الإمام عليّ عليه السلام_ بِالرَّحَبَةِ _: لَمّا كانَ يَومُ الحُدَيبِيَةِ خَرَجَ إلَينا ناسٌ مِنَ المُشرِكينَ ، فيهِم : سُهَيلُ بنُ عَمرٍو ، واُناسٌ مِن رُؤَساءِ المُشرِكينَ ، فَقالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، خَرَجَ إلَيكَ ناسٌ مِن أبنائِنا وإخوانِنا وأرِقّائِنا ، ولَيسَ لَهُم فِقهٌ فِي الدّينِ ، وإنَّما خَرَجوا فِرارا مِن أموالِنا وضِياعِنا ، فَاردُدهُم إلَينا . قالَ : فَإِن لَم يَكُن لَهُم فِقهٌ فِي الدّينِ سَنُفَقِّهُهُم . فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا مَعشَرَ قُرَيشٍ ! لَتَنتَهُنَّ ، أو لَيَبعَثَنَّ اللّهُ عَلَيكُم مَن يَضرِبُ رِقابَكُم بِالسَّيفِ عَلَى الدّينِ ، قَدِ امتَحَنَ اللّهُ قَلبَهُ عَلَى الإِيمانِ . قالوا : مَن هُوَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَقالَ لَهُ أبو بَكرٍ : مَن هُوَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ وقالَ عُمَرُ : مَن هُوَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ صلى الله عليه و آله : هُوَ خاصِفُ النَّعلِ _ وكانَ أعطى عَلِيّا عليه السلام نَعلَهُ يَخصِفُها _ . ثُمَّ التَفَتَ إلَينا عَلِيٌّ عليه السلام فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ (2) .

الإمام عليّ عليه السلام :لَمَّا افتَتَحَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَكَّةَ أتاهُ ناسٌ مِن قُرَيشٍ ، فَقالوا : يا مُحَمَّدُ ، إنّا حُلَفاؤُكَ وقَومُكَ ، وإنَّهُ لَحِقَ بِكَ أرِقّاؤُنا ؛ لَيسَ لَهُم رَغبَةٌ فِي الإِسلامِ ، وإنَّما فَرّوا مِن

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج12 ص259 .
2- .سنن الترمذي : ج5 ص634 ح3715 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص649 ح1105 نحوه ، اُسد الغابة : ج4 ص99 ح3789 ، المناقب للخوارزمي : ص128 ح142 نحوه ، المناقب لابن المغازلي : ص439 ح24 نحوه ؛ إعلام الورى : ج1 ص372 نحوه .

ص: 223

1 / 7 الإيمان مخالط لحمه ودمه

العَمَلِ ، فَاردُدهُم عَلَينا . فَشاوَرَ أبا بَكرٍ في أمرِهِم ، فَقالَ : صَدَقوا يا رَسولَ اللّهِ . فَقالَ لِعُمَرَ : ما ترى ؟ فَقالَ مِثلَ قَولِ أبي بَكرٍ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا مَعشَرَ قُرَيشٍ ! لَيَبعَثَنَّ اللّهُ عَلَيكُم رَجُلاً مِنكُمُ ؛ امتَحَنَ اللّهُ قَلبَهُ لِلإِيمانِ ، فَيَضرِبُ رِقابَكُم عَلَى الدّينِ ! . فَقالَ أبو بَكرٍ : أنَا هُوَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : لا . قالَ عُمَرُ : أنَا هُوَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : لا ، ولكِنَّهُ خاصِفُ النَّعلِ فِي المَسجِدِ _ وقَد كانَ ألقى نَعلَهُ إلى عَلِيٍّ يَخصِفُها _ (1) .

1 / 7الإيمانُ مُخالِطٌ لَحمَهُ ودَمَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: الإِيمانُ مُخالِطٌ لَحمَكَ ودَمَكَ كَما خالَطَ لَحمي ودَمي (2) .

.


1- .المستدرك على الصحيحين : ج2 ص149 ح2614 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص86 ح31 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص497 ح18 وفيه من «يا معشر . . . » ، تاريخ بغداد : ج1 ص133 ح1 و ج8 ص433 ح4540 ، تاريخ دمشق : ج42 ص342 ح8913 ، مسند البزّار : ج3 ص118 ح905 ، المناقب لابن المغازلي : ص440 ح25 كلّها عن ربعي ، كنز العمّال : ج13 ص127 ح36402 نقلاً عن ابن حنبل وابن جرير وسنن سعيد بن منصور ، المحاسن والمساوئ : ص41 ؛ الإرشاد : ج1 ص122 ، بشارة المصطفى : ص216 عن ربعي وفيهما من «يا معشر ...» وكلّها نحوه . راجع : ج 4 ص 423 (نفسي) .
2- .المناقب لابن المغازلي : ص238 ح285 عن جابر بن عبد اللّه ، المناقب للخوارزمي : ص129 ح143 ، كفاية الطالب : ص265 كلاهما عن زيد بن عليّ عن أبيه عن جدّه عليهماالسلام عنه صلى الله عليه و آله ؛ الأمالي للصدوق : ص157 ح150 ، الإقبال : ج1 ص507 ، بشارة المصطفى : ص155 ، كنز الفوائد : ج2 ص179 ، شرح الأخبار : ج2 ص382 ص740 ، المسترشد : ص634 ح298 ، إعلام الورى : ج1 ص366 ، المناقب للكوفي : ج1 ص251 ح167 و ص266 ح178 كلّها عن جابر .

ص: 224

كلام في بدء إسلام الإمام

كلام في بدء إسلام الإمامكان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أفضل وأكرم مؤمن عرفه التاريخ الإسلاميّ بل كان في ذروة الإيمان ، وإيمانه ذو مواصفات لا مثيل لها عند غيره من اُولي الإيمان ، فهو أوّل من صدّق برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإيمانه نقيّ خالص لم تَشُبه شائبة الشرك قطّ ، ولم يشاكله أحد في ثبات خطاه على الإيمان وقوّة العقيدة . كان عليه السلام _ كما أشرنا سابقا _ ينام في فراش النبيّ صلى الله عليه و آله منذ الأيّام الاُولى لحياته . وقد نشأ برعاية النبيّ إيّاه . وتربّى على الخلق النبوي العظيم والسيرة المباركة . وكان يشهد مراحل النبوّة مع النبيّ صلى الله عليه و آله جنبا إلى جنب ، وكان النبيّ يأخذه معه إلى غار حراء ، فتعرّف على أسرار الملكوت . وصرّح في خطبته العظيمة «القاصعة» أنّه كان يرى نور الوحي ، ويسمع رنّة الشيطان اليائسة . وعلى مشارف إبلاغ الرسالة نال لقب «الوصي» ، و«الوزير» ، و «الأخ» ، من خلال مرافقته لرسول اللّه صلى الله عليه و آله . ولنلحظ تصويره الجميل للرعاية النبويّة . قالَ : «وقَد عَلِمتُم مَوضِعي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالقَرابَةِ القَريبَةِ ، وَالمَنزِلَةِ الخَصيصَةِ . وَضَعَني في حِجرِهِ وأنَا وَلَدٌ يَضُمُّني إلى صَدرِهِ ، ويَكنُفُني في فِراشِهِ ، ويُمِسُّنى ¨

.

ص: 225

جَسَدَهُ ، ويُشِمُّني عَرفَهُ (1) . وكانَ يَمضَغُ الشَّيءَ ثُمَّ يُلقِمُنيهِ . وما وَجَدَ لي كَذبَةً في قَولٍ ، ولا خَطلَةً في فِعلٍ . ولَقَد قَرَنَ اللّهُ بِهِ صلى الله عليه و آله مِن لَدُن أن كانَ فَطيما أعظَمَ مَلَكٍ مِن مَلائِكَتِهِ يَسلُكُ بِهِ طَريقَ المَكارمِ ، ومَحاسِنَ أخلاقِ العالَمِ ، لَيلَهُ ونَهارَهُ . ولَقَد كُنتُ أتَّبِعُهُ اتِّباعَ الفَصيلِ أثَرَ اُمِّهِ ، يَرفَعُ لي في كُلِّ يَومٍ مِن أخلاقِهِ عَلَما ، ويَأمُرُني بِالاِقتِداءِ بِهِ . ولَقَد كانَ يُجاوِرُ في كُلِّ سَنَةٍ بِحِراءَ فَأَراهُ ، ولا يَراهُ غَيري . ولَم يَجمَع بَيتٌ واحِدٌ يَومَئِذٍ فِي الإِسلامِ غَيرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وخَديجَةَ وأنَا ثالِثُهُما . أرى نورَ الوَحي وَالرِّسالَةِ ، وأشُمُّ ريحَ النُّبُوَّةِ . ولَقَد سَمِعتُ رَنَّةَ الشَّيطانِ حينَ نَزَلَ الوَحيُ عَلَيهِ صلى الله عليه و آله فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما هذِهِ الرَّنَّةُ ؟ فَقالَ : هذَا الشَّيطانُ قَد أيِسَ مِن عِبادَتِهِ . إنَّكَ تَسمَعُ ما أسمَعُ ، وتَرى ما أرى ، إلّا أنَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ ، ولكِنَّكَ لَوَزيرٌ وإنَّكَ لَعَلى خَيرٍ» (2) . وقال ابن أبي الحديد _ في بيان قوله عليه السلام : «إنّي وُلِدتُ عَلَى الفِطرَةِ» _ : «ومُرادُهُ هاهُنا بِالوِلادَةِ عَلَى الفِطرَةِ أنَّهُ لَم يولَد فِي الجاهِلِيَّةِ ؛ لِأَ نَّهُ وُلِدَ عليه السلام لِثَلاثينَ عاما مَضَت مِن عامِ الفيلِ ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله اُرسِلَ لِأَربَعينَ سَنَةً مَضَت مِن عامِ الفيلِ . وقَد جاءَ فِي الأَخبارِ الصَّحيحَةِ أنَّهُ صلى الله عليه و آله مَكَثَ قَبلَ الرِّسالَةِ سِنينَ عَشرا يَسمَعُ الصَّوتَ ويَرَى الضَّوءَ ، ولا يُخاطِبُهُ أحَدٌ ، وكانَ ذلِكَ إرهاصا لِرِسالَتِهِ عليه السلام ، فَحُكمُ تِلكَ السِّنينَ العَشرِ حُكمُ أيّامِ رِسالَتِهِ صلى الله عليه و آله ، فَالمَولودُ فيها إذا كانَ في حِجرِهِ وهُوَ المُتَوَلّي لِتَربِيَتِهِ مَولودٌ في أيّامٍ كَأَيّامِ النُّبُوَّةِ ، ولَيسَ بِمَولودٍ في جاهِلِيَّةٍ مَحضَةٍ ، فَفارَقَت حالُهُ حالَ مَن يُدّعى لَهُ مِنَ الصَّحابَةِ مُماثَلَتُهُ فِي الفَضلِ .

.


1- .العَرْف : الريح الطيّبة (النهاية : ج3 ص217) .
2- .راجع : ج 4 ص 522 (القرابة القريبة) .

ص: 226

وقَد رُوِيَ أنَّ السَّنَةَ الَّتي وُلِدَ فيها عَلِيٌّ عليه السلام هِيَ السَّنَةُ الَّتي بُدِئَ فيها بِرِسالَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَاُسمِعَ الهُتافَ مِنَ الأَحجارِ وَالأَشجارِ ، وكُشِفَ عَن بَصَرِهِ ، فَشاهَدَ أنوارا وأشخاصا ، ولَم يُخاطَب فيها بِشَيءٍ . وهذِهِ السَّنَةُ هِيَ السَّنَةُ الَّتِي ابتَدَأَ فيها بِالتَّبَتُّلِ وَالاِنقِطاعِ وَالعُزلَةِ في جَبَلِ حِراءَ ، فَلَم يَزَل بِهِ حَتّى كوشِفَ بِالرِّسالَةِ ، واُنزِلَ عَلَيهِ الوَحيُ . وكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَتَيَمَّنُ بِتِلكَ السَّنَةِ وبِوِلادَةِ عَلِيٍّ عليه السلام فيها ، ويُسَمّيها سَنَةَ الخَيرِ وسَنَةَ البَرَكَةِ ، وقالَ لِأَهلِهِ لَيلَةَ وِلادَتِهِ ، وفيها شاهَدَ ما شاهَدَ مِن الكَراماتِ وَالقُدرَةِ الإِلهِيَّةِ ، ولَم يَكُن مِن قَبلِها شاهَدَ مِن ذلِكَ شَيئا : «لَقَد وُلِدَ لَنَا اللَّيلَةَ مَولودٌ يَفتَحُ اللّهُ عَلَينا بِهِ أبوابا كَثيرَةً مِنَ النِّعمَةِ وَالرَّحمَةِ» . وكانَ كَما قالَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ؛ فَإِنَّهُ عليه السلام كانَ ناصِرَهُ وَالمُحامِيَ عَنهُ وكاشِفَ الغَمّاءِ عَن وَجهِهِ ، وبِسَيفِهِ ثَبَتَ دينُ الإِسلامِ ، ورَسَت دَعائِمُهُ ، وتَمَهَّدَت قَواعِدُهُ» (1) . ويقول الكاتب المسيحي الشهير جورج جرداق : «وإذا أسلَمَ بَعضُ الوُجوهِ مِن قُرَيشٍ مُنذُ أوَّلِ الدَّعوَةِ احتِكاما لِلعَقلِ وتَخَلُّصا مِنَ الوَثَنِيَّةِ ؛ وإذا أسلَمَ كَثيرٌ مِنَ العَبيدِ وَالأَرِقّاءِ وَالمُضطَهَدينَ طَلَبا لِلعَدالَةِ الَّتي تَتَدَفَّقُ بِها رِسالَةُ مُحَمَّدٍ ، وَاستِنكارا لِلجَورِ الَّذي يُلهِبُ ظُهورَهُم بِسِياطِهِ ؛ وإذا أسلَمَ قَومٌ بَعدَ انتِصارِ النَّبِيِّ امتِثالاً لِلواقِعِ وتَزَلُّفا لِلمُنتَصَرِ كَما هِيَ الحالُ بِالنِّسبَةِ لِأَكثَرِ الأَمَوِيّينَ ؛ إذا أسلَمَ هؤُلاءِ جَميعا في ظُروفٍ تَتَفاوَتُ مِن حَيثُ قيمَتِها ومَعانيهَا الإِنسانِيَّةِ ، وتَتَّحِدُ في خُضوعِها لِلمَنطِقِ أو لِلواقِعِ الرّاهِنِ ، فَإِنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ قَد وُلِدَ مُسلِما ؛ لِأَ نَّهُ مِن مَعدِنِ الرِّسالَةِ مَولِدا ونَشأَةً ، ومِن ذاتِهِ خَلقا وفِطرَةً . ثُمَّ إنَّ الظَّرفَ الَّذي أعلَنَ فيهِ عَمّا يَكمُنُ فى ¨

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص114 .

ص: 227

كِيانِهِ مِن روحِ الإِسلامِ ومِن حَقيقَتِهِ ، لَم يَكُن شَيئا مِن ظُروفِ الآخَرينَ ولَم يَرتَبِط بِموجِباتِ العُمُرِ ؛ لِأَنَّ إسلامَ عَلِيٍّ كانَ أعمَقَ مِن ضَرورَةِ الاِرتِباطِ بِالظُّروفِ إذ كانَ جارِيا مِن روحِهِ كَما تَجرِي الأَشياءُ مِن مَعادِنِها وَالمِياهُ مِن يَنابيعِها . فَإِنَّ الصَّبِيَّ ما كادَ يَستَطيعُ التَّعبيرَ عَن خَلَجاتِ نَفَسِهِ ، حَتّى أدّى فَرضَ الصَّلاةِ وشَهِدَ بِاللّهِ ورَسولِهِ دونَ أن يَستَأذِنَ أو يَستَشيرَ . لَقد كانَ أوَّلُ سُجودِ المُسلِمينَ الاُوَلِ لِالِهَةِ قُرَيشٍ ! وكانَ أوَّلُ سُجودِ عَلِيٍّ لِاءِلهِ مُحَمَّدٍ ! إلّا أنَّهُ إسلامُ الرَّجُلِ الَّذي اُتيحَ لَهُ أن يَنشَأَ عَلى حُبِّ الخَيرِ ويَنمُوَ في رِعايَةِ النَّبِيِّ ويُصبِحَ إمامَ العادِلينَ مِن بَعدِهِ ، ورُبّانَ السَّفينَةِ في غَمرَةِ العَواصِفِ وَالأَمواجِ» (1) . يتبيّن ممّا ذكرناه _ وهو غيض من فيض ، ويمكن ملاحظة حقائق كثيرة تدعم ما أوردناه _ ما يأتي : 1 _ يعود إيمان عليّ عليه السلام إلى السنين التي سبقت الجهر بالرسالة الإسلاميّة . 2 _ تباينت أقوال المؤرّخين في عمره عليه السلام حين تصديقه النبيّ صلى الله عليه و آله بين الثمان (2) ، والتسع (3) ،

.


1- .الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانيّة : ص38 .
2- .التاريخ الكبير : ج6 ص259 الرقم 2343 ، السنن الكبرى : ج6 ص339 ح12160 ، تاريخ دمشق : ج42 ص25 ، المعجم الكبير : ج1 ص95 ح162 كلّها عن عروة ، تاريخ بغداد : ج1 ص134 ح1 عن أبي الأسود عمّن حدّثه ، الاستيعاب : ج3 ص199 الرقم 1875 عن أبي الأسود .
3- .الطبقات الكبرى : ج3 ص21 عن محمّد بن عبد الرحمن بن زرارة ، تاريخ دمشق : ج42 ص26 عن محمّد بن عبد الرحمن بن زرارة وحسن بن زيد وأبي نعيم ، المعارف لابن قتيبة : ص168 عن ابن إسحاق ، تاريخ الطبري : ج2 ص312 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص484 ، البداية والنهاية : ج3 ص25 والثلاثة الأخيرة عن الكلبي ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص235 عن الشعبي .

ص: 228

والعشر (1) ، والإحدى عشرة (2) ، والاثنتي عشرة (3) ، والثلاث عشرة (4) ، والأربع عشرة (5) ، والخمس عشرة (6) ، والستّ عشرة (7) . وإن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على تحديد عمره في موقفه من الرسالة فحسب ، وإلّا فإنّ روحه الطاهرة لم تتلوّث بالشرك قطّ (8) . وهكذا قالَ زين العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام في جواب من سأله عن عمر الإمام عليه السلام عند إيمانه : أوَكانَ كافِرا ؟ إنَّما كانَ لِعَلِيٍّ حَيثُ بَعَثَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ رَسولَهُ صلى الله عليه و آله عَشرُ سِنينَ ، ولَم يَكُن

.


1- .الكافي : ج8 ص339 ح536 عن سعيد بن المسيّب عن الإمام زين العابدين عليه السلام ؛ المستدرك على الصحيحين : ج3 ص120 ح4580 ، الاستيعاب : ج3 ص199 الرقم 1875 ، دلائل النبوّة للبيهقي : ج2 ص165 ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص235 ، تاريخ الطبري : ج2 ص312 والخمسة الأخيرة عن ابن إسحاق و ص314 ، اُسد الغابة : ج4 ص89 الرقم 3789 ، السنن الكبرى : ج6 ص339 ح12162 والثلاثة الأخيرة عن مجاهد و ح12161 عن ابن إسحاق ، البداية والنهاية : ج3 ص26 عن ابن إسحاق ومجاهد .
2- .الكامل في التاريخ : ج1 ص484 عن ابن إسحاق ، السنن الكبرى : ج6 ص340 ح12163 ، تاريخ دمشق : ج42 ص26 كلاهما عن شريك ، شرح نهج البلاغة : ج14 ص235 عن عبد اللّه بن سمعان عن الإمام الصادق عليه السلام وعن عبد اللّه بن زياد وكلاهما عن الإمام الباقر عليه السلام .
3- .الاستيعاب : ج3 ص199 الرقم1875 عن أبي عمر .
4- .الاستيعاب : ج3 ص199 الرقم1875 عن أبي عمر و ص200 الرقم1875 عن ابن عمر .
5- .تاريخ دمشق : ج42 ص26 عن المغيرة ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص234 عن جرير وحذيفة .
6- .تاريخ خليفة بن خيّاط : ص150 ، الاستيعاب : ج3 ص199 الرقم 1875 ، تاريخ دمشق : ج42 ص27 كلّها عن الحسن ، العقد الفريد : ج3 ص312 عن أبي الحسن ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص234 عن خبّاب بن الأرت والحسن وعبد الرزّاق ومعمر وقتادة .
7- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص589 ح998 ، السنن الكبرى : ج6 ص340 ح12164 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج5 ص325 ، المعجم الكبير : ج1 ص95 ح163 ، تاريخ دمشق : ج42 ص27 كلّها عن الحسن وغيره وفيها «هو ابن خمس عشرة سنة أو ستّ عشرة سنة» ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص120 ح4581 عن الحسن وفيه «أسلم عليّ وهو ابن عشر أو ابن ستّ عشرة سنة» ، الاستيعاب : ج3 ص199 الرقم 1875 عن أبي عمر .
8- .راجع : ص 205 (لم يكفر باللّه طرفة عين) .

ص: 229

يَومَئِذٍ كافِرا (1) . ونضيف إلى أنّ ما نُقل عن أنّه عليه السلام كان ابن عشر سنين حين تصديقه بالرسالة يعدّ من أصحّ الأخبار وأشهرها (2) . 3 _ من هنا لا مراء فيمن كان أوّل المؤمنين ! فبعض الصحابة أسلم بعد فترة قصيرة مضت على الرسالة ، وبعضهم أسلم بعد برهة من الزمن . أمّا عليّ عليه السلام فقد كانت روحه معطّرة بعبير الوحي منذ أيّامه الاُولى ، كما كان يعرف معالمه قبل البعثة وقد ألفه وتمرّس عليه ، ومن الطبيعيّ أنّه رافق أوّل قبس تألّق منه بلا تأخير . والآن أيّ شأن لأقوال الذين يحاولون أن يستهينوا بإيمان عليٍّ عليه السلام لصغر سنّه ؟ !ليت لعِلية القوم المسنّين قليلاً من تلك الفطنة ، وسلامة الفطرة وخلوص القلب ، وليتهم ألِفوا نور الوحي ! 4 _ نُقلت روايات متنوّعة كثيرة في عبادة الإمام عليه السلام وصلاته . ولا تدلّ هذه الروايات على أنّه أوّل من صلّى بعد النبيّ فحسب ، بل تدلّ على أنّه سبق الآخرين إلى العبادة بثلاث أو خمس أو سبع سنين أيضا . ويمكن أن تشير هذه الروايات إلى عبادته عليه السلام قبل البعثة أيضا 3 . (3)

.


1- .راجع : ص 216 (عمره يوم أسلم) .
2- .لأ نّه عليه السلام _ على المشهور _ ولد بعد عام الفيل بثلاثين سنة (راجع : ج 1 ص 61 «المولد») وأيضا _ على المشهور _ كان عمره عليه السلام يوم استشهد في سنة (40 ه) 63 سنة (راجع: ج 4 ص 298 «تاريخ شهادته») ومجموعهما يدلّ على أنّه عليه السلام كان ابن عشر سنين عند البعثة .
3- .نستثني من الذين سبقهم الإمام عليه السلام إلى الإيمان والعبادة خديجة عليهاالسلام ، إذ يحتاج هذا الموضوع إلى دراسة مستقلّة .

ص: 230

. .

ص: 231

الفصل الثاني : الخصائص الأخلاقية

2 / 1 حسن الخلق

الفصل الثاني : الخصائص الاخلاقيةُ2 / 1حُسنُ الخُلقِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ . . . أحسَنُ النّاسِ خُلُقا (1) .

مطالب السؤول_ في ذِكرِ مَكارِمِ أخلاقِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: قَد بَلَغَ في ذلِكَ إلَى الغايَةِ القُصوى ، حَتّى نُسِبَ مِن غَزارَةِ حُسنِ خُلُقِهِ إلَى الدُّعابَةِ ، وكانَ مَعَ هذِهِ الغايَةِ في حُسنِ الخُلُقِ ، ولينِ الجانِبِ ، يَخُصُّ ذلِكَ بِذَوِي الدّينِ وَاللّينِ . وأمّا مَن لَم يَكُن كَذلِكَ فَكانَ يوليه غِلظَةً وفِظاظَةً ؛ لِلتَّأديبِ ، حَتّى رُوِيَ عَنهُ عليه السلام أنَّهُ قالَ في هذَا المَعنى : ألِينُ لِمَن لانَ لي جَنبُهُ وأنزو عَلى كُلِّ صَعبٍ شَديدٍ كَذا الماسُ يَعمَلُ فيهِ الرَّصّاصُ عَلى أنَّهُ عامِلٌ فِي الحَديدِ (2)

.


1- .المناقب لابن المغازلي : ص151 ح188 عن ابن عبّاس ، الرياض النضرة : ج3 ص144 عن أنس نحوه ؛ الاحتجاج : ج1 ص363 ح60 ، كتاب سليم بن قيس : ج2 ص601 ح6 ، الفضائل لابن شاذان : ص123 والثلاثة الأخيرة نحوه عن أبي ذرّ وسلمان والمقداد و ص102 عن ابن عبّاس .
2- .مطالب السؤول : ص29 .

ص: 232

الفخري :رُوِيَ أنَّ عَلِيّا أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام استَدعى بِصَوتِهِ بَعضَ عَبيدِهِ ، فَلَم يُجِبهُ ، فَدَعاهُ مِرارا فَلَم يُجِبهُ ، فَدَخَلَ عَلَيهِ رَجُلٌ وقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّهُ بِالبابِ واقِفٌ ، وهُوَ يَسمَعُ صَوتَكَ ، ولا يُكَلِّمُكَ ! فَلَمّا حَضَرَ العَبدُ عِندَهُ ، قالَ عليه السلام : أما سَمِعتَ صَوتي ؟ قالَ : بَلى . قالَ عليه السلام : فَما مَنَعَكَ مِن إجابَتي ؟ قالَ : أمِنتُ عُقوبَتَكَ . قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : الحَمدُ للّهِ الَّذي خَلَقَني مِمَّن يَأمَنُهُ خَلقُهُ (1) .

المناقب لابن شهر آشوب :دَعا [عَلِيٌّ عليه السلام ] غُلاما لَهُ مِرارا ، فَلَم يُجِبهُ ، فَخَرَجَ ، فَوَجَدَهُ عَلى بابِ البَيتِ ، فَقالَ : ما حَمَلَكَ عَلى تَركِ إجابَتي ؟ قالَ : كَسِلتُ عَن إجابَتِكَ ، وأمِنتُ عُقوبَتَكَ . فَقالَ عليه السلام : الحَمُد للّهِ الَّذي جَعَلَني مِمَّن تَأمَنُهُ (2) خَلقُهُ ، امضِ فَأَنتَ حُرٌّ لِوَجهِ اللّهِ . وأنشَدَ الأَشجَعُ : ولَستُ بِخائِفٍ لِأَبي حُسَينٍ ومَن خافَ الإِلهَ فَلَن يَخافا (3)

.


1- .الفخري : ص19 .
2- .في بحار الأنوار والمصادر الاُخرى: «يأمنه».
3- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص113 ، الأمالي للسيّد المرتضى : ج2 ص162 ، تنبيه الخواطر : ج1 ص100 ، نزهة المجالس للصفوري : ج1 ص206، بحار الأنوار: ج41 ص48 ح1 ؛ المناقب للكوفي : ج2 ص86 ح572 عن بكر بن عبد اللّه المزني وكلّها نحوه وليس فيها الشعر .

ص: 233

2 / 2 كثرة التّبسّم

2 / 2كَثرَةُ التَّبَسُّمِالكامل في التاريخ_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: كانَ مِن أحسَنِ النّاسِ وَجها ، ولا يُغَيِّرُ شَيبَهُ ، كَثيرَ التَّبَسُّمِ (1) .

شرح نهج البلاغة_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: وأمّا سَجاحَةُ الأَخلاقِ وبِشرُ الوَجهِ وطَلاقَةُ المُحَيّا وَالتَّبَسُّمُ فَهُوَ المَضروبُ بِهِ المَثَلُ فيهِ ، حَتّى عابَهُ بِذلِكَ أعداؤُهُ ؛ قالَ عَمرُو بنُ العاصِ لِأَهلِ الشّامِ : إنَّهُ ذو دُعابَةٍ شَديدَةٍ . وقالَ عَلِيٌّ عليه السلام في ذاكَ : عَجَبا لِابنِ النّابِغَةِ ! يَزعُمُ لِأَهلِ الشّامِ أنَّ فِيَّ دُعابَةً ، وأنِّي امرُؤٌ تِلعابَةٌ (2) ، اُعافِسُ (3) واُمارِسُ . وعَمرُو بنُ العاصِ إنَّما أخَذَها عَن عُمَرَ بنِ الخَطّابِ ؛ لِقَولِهِ لَهُ لَمّا عَزَمَ عَلَى استِخلافِهِ : للّهِ أبوكَ ، لَولا دُعابَةٌ فيكَ ! إلّا أنَّ عُمَرَ اقتَصَرَ عَلَيها ، وعَمرٌو زادَ فيها وسَمَّجَها . قالَ صَعصَعَةُ بنُ صوحانَ وغَيرُهُ مِن شيعَتِهِ وأصحابِهِ : كانَ فينا كَأَحَدِنا ، لينَ جانِبٍ ، وشِدَّةَ تَواضُعٍ ، وسُهولَةَ قِيادٍ ، وكُنّا نَهابُهُ مَهابَةَ الأَسيرِ المَربوطِ لِلسَّيّافِ الواقِفِ عَلى رَأسِهِ . وقالَ مُعاوِيَةُ لِقَيسِ بنِ سَعدٍ : رَحِمَ اللّهُ أبا حَسَنٍ ، فَلَقَد كانَ هَشّا بَشّا ، ذا فُكاهَةٍ . قالَ قَيسٌ : نَعَم ، كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَمزَحُ ، ويَبتَسِمُ إلى أصحابِهِ ، وأراكَ تُسِر

.


1- .الكامل في التاريخ : ج2 ص440 .
2- .تِلعابة : أي كثير المزح والمداعبة (النهاية : ج4 ص253) .
3- .المُعافَسة : المُعالَجة والممارسة والملاعبة (النهاية : ج3 ص263) .

ص: 234

2 / 3 شرح الصّدر

حَسوا فِي ارتِغاءٍ (1) ، وتَعيبُهُ بِذلِكَ ! أما وَاللّهِ لَقَد كانَ مَعَ تِلكَ الفُكاهَةِ وَالطَّلاقَةِ أهيَبَ مِن ذي لِبدَتَينِ قَد مَسَّهُ الطَّوى ، تِلكَ هَيبَةُ التَّقوى ، ولَيسَ كَما يَهابُكَ طَغامُ (2) أهلِ الشّامِ (3) .

2 / 3شَرحُ الصَّدرِالإمامة والسياسة_ في شِدَّةِ حَربِ الجَمَلِ _: فَشَقَّ عَلِيٌّ عليه السلام في عَسكَرِ القَومِ يَطعَنُ ويَقتُلُ ، ثُمَّ خَرَجَ وهُوَ يَقولُ : الماءَ الماءَ ، فَأَتاهُ رَجُلٌ بِإِداوَةٍ فيها عَسَلٌ ، فَقالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أمَّا الماءُ فَإِنَّهُ لا يَصلُحُ لَكَ في هذَا المَقامِ ، ولكِن اُذيقُكَ (4) هذَا العَسَلَ . فَقالَ عليه السلام : هاتِ . فَحَسا مِنهُ حُسوَةً ، ثُمَّ قالَ عليه السلام : إنَّ عَسَلَكَ لَطائِفِيٌّ . قالَ الرَّجُلُ : لَعَجَبا مِنكَ وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لِمَعرِفَتِكَ الطّائِفِيَّ مِن غَيرِهِ في هذَا اليَومِ ، وقَد بَلَغَتِ القُلوبُ الحَناجِرَ ! فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : إنَّهُ وَاللّهِ يَابنَ أخي ما مَلَأَ صَدرَ عَمِّكَ شَيءٌ قَطُّ ، ولا هابَهُ شَيءٌ (5) .

مروج الذهب_ في شِدَّةِ حَربِ الجَمَلِ _: ثُمَّ استَسقى [عَلِيٌّ عليه السلام ] فَاُتِيَ بِعَسَلٍ وماءٍ ، فَحَسا مِنهُ حُسوَةً ، وقالَ : هذَا الطّائِفِيُّ ، وهُوَ غَريبٌ بِهذَا البَلَدِ .

.


1- .يُسِرُّ حَسْوا في ارتِغاء : الارتِغاء : شرب الرَّغوة ، وأصله الرجل يُؤتى باللبن ، فيُظهر أنّه يريد الرَّغوة خاصّة ولا يريد غيرها ، فيشربها وهو في ذلك ينال من اللبن . وهو مَثل يضرب لمن يُريك أنّه يُعينك وإنّما يجرّ النفع إلى نفسه (مجمع الأمثال : ج3 ص525 الرقم 4680) .
2- .الطغام : من لا عقل له ولا معرفة، وقيل: هم أوغاد الناس وأراذلهم (النهاية : ج3 ص128) .
3- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص25 .
4- .في المصدر : «أذوقك» ، والصحيح ما أثبتناه .
5- .الإمامة والسياسة : ج1 ص96 وراجع المحاسن والمساوئ : ص483 .

ص: 235

2 / 4 الصّبر وفي العين قذى

فَقالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ : أما شَغَلَكَ ما نَحنُ فيهِ عَن عِلمِ هذا ؟ قالَ عليه السلام : إنَّهُ وَاللّهِ يا بُنَيَّ ما مَلَأَ صَدرَ عَمِّكَ شَيءٌ قَطُّ مِن أمرِ الدُّنيا (1) .

2 / 4الصَّبرُ وفِي العَينِ قَذىًرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّكَ لَن تَموتَ حَتّى تُؤمَرَ ، وتُملَأَ غَيظا ، وتوجَدَ مِن بَعدي صابِرا (2) .

المناقب لابن شهر آشوب عن الحارث بن حصين :قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، إنَّكَ لاقٍ بَعدي كَذا وكَذا . فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ السَّيفَ لَذو شَفرَتَينِ ، وما أنَا بِالفَشِلِ (3) ولَا الذَّليلِ . قالَ صلى الله عليه و آله : فَاصبِر يا عَلِيُّ . قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أصبِرُ يا رَسولَ اللّهِ (4) .

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَتِهِ المَعروفَةِ بِالشِّقشِقِيَّةِ ، وفيها يَشتَكي أمرَ الخِلافَةِ _: أما وَاللّهِ لَقَد تَقَمَّصَها فُلانٌ وإنَّهُ لَيَعلَمُ أنَّ مَحَلّي مِنها مَحَلُّ القُطبِ مِنَ الرَّحى ؛ يَنحَدِرُ عَنِّي السَّيلُ ، ولا يَرقى إلَيَّ الطَّيرُ ، فَسَدَلتُ دونَها ثَوبا ، وطَوَيتُ عَنها كَشحا (5) ، وطَفِقتُ أرتَئي بَينَ أن أصولَ بِيَدٍ جَذّاءَ (6) ، أو أصبِرَ عَلى طَخيَةٍ (7) عَمياءَ ، يَهرَمُ فيها الكَبيرُ ،

.


1- .مروج الذهب : ج2 ص377 .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص422 ح9016 عن أنس و ح9017 ؛ شرح الأخبار : ج2 ص257 ح560 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص216 كلّها عن عمران بن حصين ، اليقين : ص488 ح195 عن سلمان وكلّها نحوه .
3- .في المصدر: «بالقتل»، والتصويب من بحارالأنوار : ج29 ص453 ح44.
4- .المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص216 .
5- .طويت عنها كشحا : كناية عن امتناعه وإعراضه عنها (مجمع البحرين : ج3 ص1572) .
6- .جذّاء : مقطوعة ، كنّى به عن قصور أصحابه وتقاعدهم عن الغزو ؛ فإنّ الجند للأمير كاليد (النهاية : ج1 ص250) .
7- .طخية عمياء : أي ظُلمة لا يُهتدى فيها للحقّ ، وكنّى بها عن التباس الاُمور في أمر الخلافة (مجمع البحرين : ج1 ص279) .

ص: 236

ويَشيبُ فيهَا الصَّغيرُ ، ويَكدَحُ فيها مُؤمِنٌ حَتّى يَلقى رَبَّهُ ! فَرَأَيتُ أنَّ الصَّبرَ عَلى هاتا أحجى ، فَصَبَرتُ ، وفِي العَينِ قَذىً ، وفِي الحَلقِ شَجاً (1) ؛ أرى تُراثي نَهبا . . . فَصَبَرتُ عَلى طولِ المُدَّةِ ، وشِدَّةِ المِحنَةِ (2) .

عنه عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ يَذكُرُ فيها صِفَتَهُ قَبلَ البَيعَةِ لَهُ _: فَنَظَرتُ فَإِذا لَيسَ لي مُعينٌ إلّا أهلَ بَيتي ، فَضَنِنتُ بِهِم عَنِ المَوتِ ، وأغضَيتُ عَلَى القَذى ، وشَرِبتُ عَلَى الشَّجا ، وصَبَرتُ عَلى أخذِ الكَظَمِ (3) ، وعَلى أمَرَّ مِن طَعمِ العَلقَمِ (4)(5) .

عنه عليه السلام_ فِي التَّظَلُّمِ وَالتَّشَكّي مِن قُرَيشٍ _: اللّهُمَّ إنّي أستَعديكَ عَلى قُرَيشٍ ومَن أعانَهُم ؛ فَإِنَّهُم قَد قَطَعوا رَحِمي ، وأكفَؤوا إنائي ، وأجمَعوا عَلى مُنازَعَتي حَقّاً كُنتُ أولى بِهِ مِن غَيري ، وقالوا : «ألا إنَّ فِي الحَقِّ أن تَأخُذَهُ ، وفِي الحَقِّ أن تُمنَعَهُ ، فَاصبِر مَغموماً ، أو مُت مُتَأَسِّفاً» ، فَنَظَرتُ فَإِذا لَيسَ لي رافِدٌ ، ولا ذابٌّ ، ولا مُساعِدٌ ، إلّا أهلَ بَيتي ، فَضَنِنتُ بِهِم عَنِ المَنِيَّةِ ، فَأَغضَيتُ عَلَى القَذى ، وجَرِعت ريقي عَلَى الشَّجا ، وصَبَرتُ مِن كَظمِ الغَيظِ عَلى أمَرَّ مِنَ العَلقَمِ ، وآلَمَ لِلقَلبِ مِن وَخزِ الشِّفارِ (6) . (7)

.


1- .القذى : ما يقع في العين فيؤذيها كالغبار ونحوه ، والشَّجا : ما يَنشُب في الحلق من عظم ونحوه فيُغصُّ به ، وهما كنايتان عن النقمة ، ومرارة الصبر ، والتألّم من الغبن (مجمع البحرين : ج2 ص932) .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 3 ، علل الشرائع : ص150 ح12 ، معاني الأخبار : ص361 ح1 ، الإرشاد : ج1 ص287 ، الاحتجاج : ج1 ص452 ح105 كلّها عن ابن عبّاس ، الأمالي للطوسي : ص372 ح803 عن زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام عن ابن عبّاس وعن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه عنه عليهم السلامنحوه وفيها «ابن أبي قحافة» بدل «فلان» ؛ تذكرة الخواصّ : ص124 عن ابن عبّاس .
3- .الكَظَم : مخرج النَّفَس ، يقال : أخذت بكَظَمه أي بمخرج نَفَسه (لسان العرب : ج12 ص520) .
4- .العلقم : شجر الحنظل (المحيط في اللغة : ج2 ص215) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 26 .
6- .الشِّفار : جمع شَفْرة ؛ وهو حدّ السيف (لسان العرب : ج4 ص420) .
7- .نهج البلاغة : الخطبة 217 ، الغارات : ج1 ص308 عن جندب ، المسترشد : ص417 ح141 عن شريح بن هاني وكلاهما نحوه .

ص: 237

عنه عليه السلام_ فيما قالَهُ بَعدَ أخذِ البَيعَةِ عَلى مَن حَضَرَهُ لَمّا نَزَلَ بِذي قارٍ _: قَد جَرَت اُمورٌ صَبَرنا فيها ، وفي أعيُنِنَا القَذى ؛ تَسليما لِأَمرِ اللّهِ تَعالى فيمَا امتَحَنَنا بِهِ ؛ رَجاءَ الثَّوابِ عَلى ذلِكَ ، وكانَ الصَّبرُ عَلَيها أمثَلَ مِن أن يَتَفَرَّقَ المُسلِمونَ ، وتُسفَكَ دِماؤُهُم (1) .

الإرشاد عن عمرو بن شمر عن رجاله :سَمِعنا أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام يَقولُ : ما رَأَيتُ مُنذُ بَعَثَ اللّهُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله رَخاءً ، فَالحَمدُ للّهِ ، وَاللّهِ لَقَد خِفتُ صَغيرا ، وجاهَدتُ كَبيرا ، اُقاتِلُ المُشرِكينَ ، واُعادِي المُنافِقينَ ، حَتّى قَبَضَ اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله فَكانَتِ الطّامَّةُ الكُبرى ، فَلَم أزَل حَذِرا وَجِلاً ، أخافُ أن يَكونَ ما لا يَسَعُني مَعَهُ المُقامُ ، فَلَم أرَ بِحَمدِ اللّهِ إلّا خَيرا . وَاللّهِ ، ما زِلتُ أضرِبُ بِسَيفي صَبِيّا حَتّى صِرتُ شَيخا ، وأنَّهُ لَيُصَبِّرُني عَلى ما أنَا فيهِ أنَّ ذلِكَ كُلَّهُ فِي اللّهِ ورَسولِهِ ، وأنَا أرجو أن يَكونَ الرَّوحُ عاجِلاً قَريبا ، فَقَد رَأَيتُ أسبابَهُ . قالوا : فَما بَقِيَ بَعدَ هذِهِ المَقالَةِ إلّا يَسيرا حَتى اُصيبَ عليه السلام (2) .

الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا حَضَرَت فاطِمَةَ الوَفاةُ بَكَت ، فَقالَ لَها أميرُ المُؤمِنينَ : يا سَيِّدتي ما يُبكيكِ ؟ قالَت : أبكي لِما تَلقى بَعدي . فَقالَ لَها : لا تَبكي ، فَوَاللّهِ إنَّ ذلِكِ لَصَغيرٌ عِندي في ذاتِ اللّهِ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامِهِ عِندَ دَفنِ فاطِمَةَ عليهاالسلام كَالمُناجي بِهِ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عِندَ قَبرِهِ _: السَّلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللّهِ عَنّي ، وعَنِ ابنَتِكَ النّازِلَةِ في جِوارِكَ ، وَالسَّريعَةِ اللِّحاق

.


1- .الإرشاد : ج1 ص249 .
2- .الإرشاد : ج1 ص284 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص121 وفيه إلى «شيخا» .
3- .بحار الأنوار : ج43 ص218 ح49 نقلاً عن مصباح الأنوار .

ص: 238

بِكَ ! قَلَّ يا رَسولَ اللّهِ عَن صَفِيَّتِكَ صَبري ، ورَقَّ عَنها تَجَلُّدي (1) ، إلّا أنَّ فِي التَّأَسّي لي بِعَظيمِ فُرقَتِكَ ، وفادِحِ مُصيبَتِكَ ، مَوضِعَ تَعَزٍّ ، فَلَقَد وَسَّدتُكَ في مَلحودَةِ قَبرِكَ ، وفاضَت بَينَ نَحري وصَدري نَفسُكَ ، فَإِنّا للّهِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ . فَلَقَِد استُرجِعَتِ الوَديعَةُ ، واُخِذَتِ الرَّهينَةُ . أمّا حُزني فَسَرمَدٌ ، وأمّا لَيلي فَمُسَهَّدٌ ، إلى أن يَختارَ اللّهُ لي دارَكَ الَّتي أنتَ بِها مُقيمٌ . وسَتُنَبِّئُكَ ابنَتُكَ بِتَضافُرِ اُمَّتِكَ عَلى هَضمِها ، فَأَحفِهَا (2) السُّؤالَ ، وَاستَخبِرهَا الحالَ . هذا ولَم يَطُلِ العَهدُ ، ولَم يَخلُ مِنكَ الذِّكرُ ، وَالسَّلامُ عَلَيكُما سَلامَ مُوَدِّعٍ ، لا قالٍ ولا سَئِمٍ ، فَإِن أنصَرِف فَلا عَن مَلالَةٍ ، وإن اُقِم فَلا عَن سوءِ ظَنٍّ بِما وَعَدَ اللّهُ الصّابِرينَ (3) .

الإمام زين العابدين عليه السلام :بَلَغَ اُمَّ سَلَمَةَ _ زَوجَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _ أنَّ مَولىً لَها يَتَنَقَّصُ عَلِيّا عليه السلام ، ويَتَناوَلُهُ . فَأَرسَلَت إلَيهِ ، فَلَمّا أن صارَ إلَيها ، قالَت لَهُ : يا بُنَيَّ ، بَلَغَني أنَّكَ تَتَنَقَّصُ عَلِيّا عليه السلام وتَتَناوَلُهُ ! قالَ لَها : نَعَم ، يا اُمّاه . قالَت : اُقعُد _ ثَكِلَتكَ اُمُّكَ _ حَتّى اُحَدِّثَكَ بِحَديثٍ سَمِعتُهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ اختَر لِنَفسِكَ ! إنّا كُنّا عِندَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله تِسعَ نِسوَةٍ ، وكانَت لَيلَتي ويَومي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وهُوَ مُتَهَلِّلٌ ، أصابِعُهُ في أصابِعِ عَلِيٍّ ، واضِعا يَدَهُ عَلَيهِ ، فَقالَ : يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اُخرُجي مِنَ البَيتِ ، وأخليهِ لَنا . فَخَرَجتُ ، وأقبَلا يَتَناجَيانِ ، أسمَعُ الكَلامَ ، وما أدري ما يَقولانِ ، حَتّى إذَا انتَصَفَ النَّهارُ أتَيتُ البابَ ،

.


1- .التَّجلُّد : تكلّف الجَلادة ، والجَلَد : القوّة والصبر (لسان العرب : ج3 ص126 وص125) .
2- .أحفاهُ : ألَحَّ عليه في المسألة (لسان العرب : ج14 ص187) .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 202 ، الكافي : ج1 ص459 ح3 عن عليّ بن محمّد الهرمزاني عن الإمام الحسين عليه السلام ، الأمالي للمفيد : ص281 ح7 ، الأمالي للطوسي : ص109 ح166 ، بشارة المصطفى : ص259 والثلاثة الأخيرة عن عليّ بن محمّد الهرمزاني عن الإمام زين العابدين عن أبيه عليهماالسلاموكلّها نحوه ، روضة الواعظين : ص169 .

ص: 239

فَقُلتُ : أدخُلُ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : لا . فَكَبَوتُ كَبوَةً شَديدَةً ؛ مَخافَةَ أن يَكونَ رَدَّني مِن سَخطَةٍ ، أو نَزَلَ فِيَّ شَيءٌ مِنَ السَّماءِ . ثُمَّ لَم ألبَث أن أتَيتُ البابَ الثّانِيَةَ ، فَقُلتُ : أدخُلُ يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَقالَ : لا . فَكَبَوتُ كَبوَةً أشَدَّ مِنَ الاُولى . ثُمَّ لَم ألبَث حَتّى أتَيتُ البابَ الثّالِثَةَ ، فَقُلتُ : أدخُلُ يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَقالَ : اُدخُلي يا اُمَّ سَلَمَةَ . فَدَخَلتُ ، وعَلِيٌّ عليه السلام جاثٍ بَينَ يَدَيهِ ، وهُوَ يَقولُ : فِداكَ أبي واُمّي يا رَسولَ اللّهِ ! إذا كانَ كَذا وكَذا فَما تَأمُرُني ؟ قالَ : آمُرُكَ بِالصَّبرِ . ثُمَّ أعادَ عَلَيهِ القَولَ الثّانِيَةَ ، فَأَمَرَهُ بِالصَّبرِ . فَأَعادَ عَلَيهِ القَولَ الثّالِثَةَ ، فَقالَ لَهُ : يا عَلِيُّ ، يا أخي ، إذا كانَ ذاكَ مِنهُم فَسُلَّ سَيفَكَ ، وضَعهُ عَلى عاتِقِكَ ، وَاضرِب بِهِ قُدُما قُدُما ، حَتّى تَلقاني وسَيفُكَ شاهِرٌ يَقطُرُ مِن دِمائِهِم . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلَيَّ ، فَقالَ لي : ما هذِهِ الكَآبَةُ يا اُمَّ سَلَمَةَ ؟ قُلتُ : لِلَّذي كانَ مِن رَدِّكَ لي يا رَسولَ اللّهِ . فَقالَ لي : وَاللّهِ ما رَدَدتُكِ مِن مَوجِدَةٍ ، وإنَّكِ لَعَلى خَيرٍ مِنَ اللّهِ ورَسولِهِ ، لكِن أتَيتِني وجَبرَئيلُ عَن يَميني وعَلِيٌّ عَن يَساري ، وجَبرَئيلُ يُخبِرُني بِالأَحداثِ الَّتي تَكونُ مِن بَعدي ، وأمَرَني أن اُوصِيَ بِذلِكَ عَلِيّا . يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اسمَعي وَاشهَدي ، هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أخي فِي الدُّنيا ، وأخي فِي الآخِرَةِ . يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اسمَعي وَاشهَدي ، هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ وَزيري فِي الدُّنيا ، ووَزيري فِي الآخِرَةِ .

.

ص: 240

يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اسمَعي وَاشهَدي ، هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ حامِلُ لِوائي فِي الدُّنيا ، وحامِلُ لِوائي غَدا فِي القِيامَةِ . يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اسمَعي وَاشهَدي ، هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ وَصِيّي ، وخَليفَتي مِن بَعدي ، وقاضي عِداتي ، وَالذّائِدُ عَن حَوضي . يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اسمَعي وَاشهَدي ، هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ سَيِّدُ المُسلِمينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وقاتِلُ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَ . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، مَنِ النّاكِثونَ ؟ قالَ : الَّذينَ يُبايِعونَهُ بِالمَدينَةِ ، ويَنكُثونَ بِالبَصرَةِ . قُلتُ : مَنِ القاسِطونَ ؟ قالَ : مُعاوِيَةُ وأصحابُهُ مِن أهلِ الشّامِ . قُلتُ : مَنِ المارِقونَ ؟ قالَ : أصحابُ النَّهرَوانِ . فَقالَ مَولى اُمِّ سَلَمَةَ : فَرَّجتِ عَنّي ، فَرَّجَ اللّهُ عَنكِ ، وَاللّهِ لا سَبَبتُ عَلَيّا أبَدا (1) .

الإرشاد عن جندب بن عبد اللّه :دَخَلتُ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ بِالمَدينَةِ بَعدَ بَيعَةِ النّاسِ لِعُثمانَ ، فَوَجَدتُهُ مُطرِقا كَئيبا ، فَقُلتُ لَهُ : ما أصابَ قَومَكَ ؟ قالَ : صَبرٌ جَميلٌ . فَقُلتُ لَهُ : سُبحانَ اللّهِ ! وَاللّهِ إنَّكَ لَصَبورٌ (2) .

راجع : ص 476 (المظلوميّة بعد النبيّ) .

.


1- .الأمالي للصدوق : ص463 ح620 ، الأمالي للطوسي : ص425 ح952 ، بشارة المصطفى : ص58 كلّها عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلام ، الاحتجاج : ج1 ص461 ح106 نحوه .
2- .الإرشاد : ج1 ص241 ، الأمالي للطوسي : ص234 ح415 ؛ شرح نهج البلاغة : ج12 ص266 نحوه .

ص: 241

2 / 5 أعظم النّاس حلما

2 / 5أعظَمُ النّاسِ حِلمارسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام _: زَوَّجتُكِ أقدَمَ اُمَّتي سِلما ، وأكثَرَهُم عِلما ، وأعظَمَهُم حِلما (1) .

عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ . . . أعلَمُ النّاسِ عِلما ، وأحلَمُ النّاسِ حِلما (2) .

عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ أفضَلُ اُمَّتي فَضلاً ، وأقدَمُهُم سِلما ، وأكثَرُهُم عِلما ، وأوفَرُهُم حِلما (3) .

المستدرك على الصحيحين عن أبي يحيى :نادى رَجُلٌ مِن الغالينَ عَلِيّا عليه السلام وهُوَ فِي الصَّلاةِ _ صَلاةِ الفَجرِ _ فَقالَ : «وَ لَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَ_سِرِينَ» (4) .

.


1- .مسند ابن حنبل : ج7 ص288 ح20329 ، المعجم الكبير : ج20 ص230 ح538 وفيه «أحلمهم» بدل «أعظمهم» وكلاهما عن معقل بن يسار و ج1 ص94 ح156 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج5 ص490 ح9783 وفيهما «أوّل أصحابي» بدل «أقدم اُمّتي» ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص505 ح68 ، أنساب الأشراف : ج2 ص354 والأربعة الأخيرة عن أبي إسحاق ، تاريخ دمشق : ج42 ص126 ح8496 عن معقل و ص132 ح8505 عن أنس و ح8506 عن عائشة و ح8504 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص764 ح1346 كلاهما عن بريدة وفي الثلاثة الأخيرة «أفضلهم» بدل «أعظمهم» ، الاستيعاب : ج3 ص203 ح1875 نحوه ؛ الخصال : ص412 ح16 ، الأمالي للطوسي : ص154 ح256 كلاهما عن أبي أيّوب ، الإرشاد : ج1 ص36 عن أبي سعيد الخدري ، كمال الدين : ص263 ح10 عن سلمان الفارسي ، المناقب للكوفي : ج1 ص279 ح193 عن بكر بن عبد اللّه المزني .
2- .المناقب لابن المغازلي : ص151 ح188 ، المناقب للخوارزمي : ص290 ح279 كلاهما عن ابن عبّاس ، تاريخ دمشق : ج42 ص131 ح8503 عن بريدة ؛ الأمالي للطوسي : ص607 ح1254 عن سلمان وفيهما «أعلمهم علما وأحلمهم حلما» ، الفضائل لابن شاذان : ص102 عن ابن عبّاس .
3- .الأمالي للصدوق : ص101 ح77 عن مقاتل بن سليمان عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، روضة الواعظين : ص115 .
4- .الروم : 60 .

ص: 242

فَأَجابَهُ عَلِيٌّ عليه السلام وهُوَ فِي الصَّلاةِ : «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ» (1) . (2)

شرح نهج البلاغة عن زرارة بن أعين عن أبيه عن الإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام إذا صَلَّى الفَجرَ لَم يَزَل مُعَقِّبا إلى أنَ تَطلُعَ الشَّمسُ ، فَإِذا طَلَعَتِ اجتَمَعَ إلَيهِ الفُقَراءُ وَالمَساكينُ وغَيرُهُم مِنَ النّاسِ ، فَيُعَلِّمُهُمُ الفِقهَ وَالقُرآنَ . وكانَ لَهُ وَقتٌ يَقومُ فيهِ مِن مَجلِسِهِ ذلِكَ ، فَقامَ يَوما فَمَرَّ بِرَجُلٍ ، فَرَماهُ بِكَلِمَةِ هُجرٍ _ قالَ : لَم يُسَمِّهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام _ فَرَجَعَ عَودَهُ عَلى بَدئِهِ حَتّى صَعِدَ المِنبَرَ ، وأمَرَ فَنودِيَ الصَّلاةَ جامِعَةً ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ وصَلّى عَلى نَبِيِّهِ ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ، إنَّهُ لَيسَ شَيءٌ أحَبَّ إلَى اللّهِ ولا أعَمَّ نَفعا مِن حِلمِ إمامٍ وفِقهِهِ ، ولا شَيءٌ أبغَضَ إلَى اللّهِ ولا أعَمَّ ضَرَرا مِن جَهلِ إمامٍ وخُرقِهِ (3) ، ألا وإنَّهُ مَن لَم يَكُن لَهُ مِن نَفسِهِ واعِظٌ لَم يَكُن لَهُ مِنَ اللّهِ حافِظٌ ، ألا وإنَّهُ مَن أنصَفَ مِن نَفسِهِ لَم يَزِدهُ اللّهُ إلّا عِزّا ، ألا وإنَّ الذُّلَّ في طاعَةِ اللّهِ أقرَبُ إلَى اللّهِ مِنَ التَّعَزُّزِ في مَعصِيَتِهِ . ثُمَّ قالَ : أينَ المُتَكَلِّمُ آنِفا ! فَلَم يَستَطِعِ الإِنكارَ ، فَقالَ : ها أنَاذا يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ : أما إنّي لَو أشاءُ لَقُلتُ . فَقالَ : إن تَعفُ وتَصفَح فَأَنتَ أهلُ ذلِكَ . قالَ : قَد عَفَوتُ وصَفَحتُ .

.


1- .الزمر : 65 .
2- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص158 ح4704 ، السنن الكبرى : ج2 ص348 ح3327 ، تفسير الطبري : ج11 الجزء21 ص59 عن عليّ بن ربيعة وقتادة ، تاريخ الطبري : ج5 ص73 عن القاسم بن الوليد و ص74 عن أبي رزين وكلاهما نحوه ، البداية والنهاية : ج7 ص282 عن الشافعي وفي الأربعة الأخيرة «الخوارج» بدل «الغالين» وراجع المصنّف لابن أبي شيبة : ج8 ص731 ح11 .
3- .الخُرْق : الجهل والحمق (لسان العرب : ج10 ص75) .

ص: 243

فَقيلَ لِمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام : ما أرادَ أن يَقولَ ؟ قالَ : أرادَ أن يَنسُبَهُ (1) .

شرح نهج البلاغة :أمَّا الحِلمُ وَالصَّفحُ ، فَكانَ أحلَمَ النّاسِ عَن ذَنبٍ ، وأصفَحَهُم عَن مُسيءٍ . وقَد ظَهَرَ صِحَّةُ ما قُلناهُ يَومَ الجَمَلِ ؛ حَيثُ ظَفِرَ بِمَروانَ بنِ الحَكَمِ _ وكانَ أعدَى النّاسِ لَهُ ، وأشَدَّهُم بُغضا _ فَصَفَحَ عَنهُ . وكانَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ يَشتُمُهُ عَلى رُؤوسِ الأَشهادِ ، وخَطَبَ يَومَ البَصرَةِ فَقالَ : قَد أتاكُمُ الوَغدُ اللَّئيمُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقولُ : ما زالَ الزُّبَيرُ رَجُلاً مِنّا أهلَ البَيتِ حَتّى شَبَّ عَبدُ اللّهِ ، فَظَفِرَ بِهِ يَومَ الجَمَلِ ، فَأَخَذَهُ أسيرا ، فَصَفَحَ عَنهُ ، وقالَ : اِذهَب ، فَلا أرَيَنَّكَ . لَم يَزِدهُ عَلى ذلِكَ . وظَفِرَ بِسَعيدِ بنِ العاصِ _ بَعدَ وَقعَةِ الجَمَلِ _ بِمَكَّةَ _ وكانَ لَهُ عَدُوّا _ فَأَعرَضَ عَنهُ ، ولَم يَقُل لَهُ شَيئا . وقَد عَلِمتُم ما كانَ مِن عائِشَةَ في أمرِهِ ، فَلَمّا ظَفِرَ بِها أكرَمَها ، وبَعَثَ مَعَها إلَى المَدينَةِ عِشرينَ امرَأَةً مِن نِساءِ عَبدِ القَيسِ ، عَمَّمَهُنَّ بِالعَمائِمِ ، وقَلَّدَهُنَّ بِالسُّيوفِ ، فَلَمّا كانَت بِبَعضِ الطَّريقِ ذَكَرَته بِما لا يَجوزُ أن يَذكُرَ بِهِ ، وتَأَفَّفَت ، وقالَت : هَتَكَ سَتري بِرِجالِهِ وجُندِهِ الَّذينَ وَكَلَهُم بي . فَلَمّا وَصَلَتِ المَدينَةَ ألقَى النِّساءُ عَمائِمَهُنَّ ، وقُلنَ لَها : إنَّما نَحنُ نِسوَةٌ . وحارَبَهُ أهلُ البَصرَةِ ، وضَرَبوا وَجهَهُ ووُجوهَ أولادِهِ بِالسُّيوفِ ، وشَتَموهُ ، ولَعَنوهُ ، فَلَمّا ظَفِرَ بِهِم رَفَعَ السَّيفَ عَنهُم ، ونادى مُناديهِ في أقطارِ العَسكَرِ : ألا لا يُتبَع مُوَلٍّ ، ولا يُجهَز عَلى جَريحٍ ، ولا يُقتَل مُستَأسِرٌ ، ومَن ألقى سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ ، ومَن تَحَيَّزَ إلى عَسكَرِ الإِمامِ فَهُوَ آمِنٌ . ولَم يَأخُذ أثقالَهُم ، ولا سَبى ذَرارِيَّهُم ، ولا غنِمَ شَيئا مِن أموالِهِم ، ولَو شاءَ أن يَفعَلَ كُلَّ ذلِكَ لَفَعَلَ ، ولكِنَّهُ أبى إلَا الصَّفحَ وَالعَفوَ ، وتَقَيَّلَ سُنَّة

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص109 ؛ بحار الأنوار : ج41 ص132 .

ص: 244

2 / 6 قوّة العزم والاستقامة

رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ فَتَحَ مَكَّةَ ؛ فَإِنَّهُ عَفا وَالأَحقادُ لَم تَبرُد ، وَالإِساءَةُ لَم تُنسَ (1) .

راجع : ج 2 ص 531 (الرفق ما لم يكن تأمرا) و ج 3 ص 241 (بعد الظفر) و ص 627 (مسير المارقين إلى النهروان) و ص 645 (صبر الإمام على أذاهم ورفقه بهم) و ج 4 ص 39 (سياسة الإمام في الجرحى والغنائم) .

2 / 6قُوَّةُ العَزمِ وَالاِستِقامَةِالإمام عليّ عليه السلام :أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ولَيسَ أحَدٌ مِنَ العَرَبِ يَقرَأُ كِتابا ، ولا يَدَّعي نُبُوَّةً ولا وَحيا ، فَقاتَلَ بِمَن أطاعَهُ مَن عَصاهُ ، يَسوقُهُم إلى مَنجاتِهِم . . . وَايمُ اللّهِ ، لَقَد كُنتُ مِن ساقَتِها حَتّى تَوَلَّت بِحَذافيرِها ، وَاستَوسَقَت في قِيادِها ، ما ضَعُفتُ ، ولا جَبُنتُ ، ولا خُنتُ ، ولا وَهَنتُ وَايمُ اللّهِ ، لَأَبقُرَنَّ الباطِلَ حَتّى اُخرِجَ الحَقَّ مِن خاصِرَتِهِ (2) .

عنه عليه السلام :لَقَد كُنّا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وإنَّ القَتلَ لَيَدورُ عَلَى الآباءِ وَالأَبناءِ وَالإِخوانِ وَالقَراباتِ ، فَما نَزدادُ عَلى كُلِّ مُصيبَةٍ وشِدَّةٍ إلّا إيمانا ومُضِيّا عَلَى الحَقِّ ، وتَسليما لِلأَمرِ ، وصَبرا عَلى مَضَضِ الجِراحِ (3) .

المستدرك على الصحيحين عن ابن عبّاس :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقولُ في حَياةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ يَقولُ : «أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَ_بِكُمْ» (4) وَاللّهِ لا نَنقَلِبُ عَلى أعقابِنا بَعدَ إذ هَدانَا اللّهُ ، وَاللّهِ لَئِن ماتَ أو قُتِلَ لَاُقاتِلَنَّ عَلى ما قاتَلَ عَلَيهِ حَتّى أموتَ ، وَاللّهِ إنّى ¨

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص22 .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 104 والخطبة 33 ، الإرشاد : ج1 ص248 كلاهما عن ابن عبّاس نحوه .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 122 ، الاحتجاج : ج1 ص440 ح100 ، بحار الأنوار : ج33 ص369 ح600 و ح601 .
4- .آل عمران : 144 .

ص: 245

لَأَخوهُ ، ووَلِيُّهُ ، وَابنُ عَمِّهِ ، ووارِثُ عِلمِهِ ، فَمَن أحَقُّ بِهِ مِنّي ! (1)

الإمام عليّ عليه السلام_ في كَلامٍ لَهُ بَعدَ وَقعَةِ النَّهرَوانِ يَذكُرُ فيهِ فَضائِلَهُ _: فَقُمتُ بِالأَمرِ حينَ فَشِلوا ، وتَطَلَّعتُ حينَ تَقَبَّعوا (2) ، ونَطَقتُ حينَ تَعتَعوا ، ومَضَيتُ بِنورِ اللّهِ حينَ وَقَفوا ، وكُنتُ أخفَضَهُم صَوتا ، وأعلاهُم فَوتا (3) ، فَطِرتُ بِعِنانِها ، وَاستَبدَدتُ بِرِهانِها (4) ، كَالجَبَلِ ؛ لا تُحَرِّكُهُ القَواصِفُ ، ولا تُزيلُهُ العَواصِفُ ، لَم يَكُن لِأَحَدٍ فِيَّ مَهمَزٌ ، ولا لِقائِلٍ فِيَّ مَغمَزٌ (5) .

عنه عليه السلام_ في جَوابِ كِتابِ عَقيلٍ _: وأمّا ما سَأَلتَ عَنهُ مِن رَأيي فِي القِتالِ ، فَإِنَّ رَأيي قِتالُ المُحِلّينَ حَتّى ألقَى اللّهَ ، لا يَزيدُني كَثرَةُ النّاسِ حَولي عِزَّةً ، ولا تَفَرُّقُهُم عَنّي وَحشَةً ، ولا تَحسَبَنَّ ابنَ أبيكَ _ ولَو أسلَمَهُ النّاسُ _ مُتَضَرِّعا مُتَخَشِّعا ، ولا مُقِرّا لِلضَّيمِ واهِنا ، ولا سَلِسَ الزِّمامِ لِلقائِدِ ، ولا وَطِيءَ الظَّهرِ لِلرّاكِبِ المُتَقَعِّدِ ، ولكِنَّهُ كَما قالَ أخو بَني سَليمٍ : فَإِن تَسأَليني كَيفَ أنتَ فَإِنَّني صَبورٌ عَلى رَيبِ الزَّمانِ صَليبُ يَعِزُّ عَلَيَّ أن تُرى بي كَآبَةٌ فَيَشمَتَ عادٍ أو يُساءَ حَبيبُ (6)

.


1- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص136 ح4635 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص652 ح1110 ، المعجم الكبير : ج1 ص107 ح176 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص130 ح65 وزاد فيه «أو اُقتل» بعد «أموت» ، تاريخ دمشق : ج42 ص56 ، تفسير ابن أبي حاتم : ج2 ص581 ح1553 نحوه ؛ الأمالي للطوسي : ص502 ح1099 ، الاحتجاج : ج1 ص466 ح110 ، المناقب للكوفي : ج1 ص339 ح265 .
2- .القُبوع : أن يُدخل الإنسان رأسه في قميصه أو ثوبه ، ويَقبَع رأسَه : يُخبئهُ (لسان العرب : ج8 ص258) .
3- .فاتني كذا : أي سبقني (لسان العرب : ج2 ص69) .
4- .طرتُ بعنانها : أي سبقتهم ، وهذا الكلام استعارة من مسابقة خيل الحَلْبة . واستبددت بالرهان : أي انفردت بالخطر الذي وقع التراهن عليه (شرح نهج البلاغة : ج2 ص285) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 37 .
6- .نهج البلاغة : الكتاب 36 ، الغارات : ج2 ص433 عن زيد بن وهب نحوه ؛ ربيع الأبرار : ج2 ص527 وفيه من «ولا تحسبنّ . . . » ، الإمامة والسياسة : ج1 ص74 نحوه .

ص: 246

2 / 7 تمام الإخلاص

2 / 8 كمال الصّدق

2 / 7تَمامُ الإِخلاصِالفخري :قيلَ إنَّ عَلِياً عليه السلام صَرَعَ في بَعضِ حُروبِهِ رَجُلاً ، ثُمَّ قَعَدَ عَلى صَدرِهِ لِيَحتَزَّ رَأسَهُ ، فَبَصَقَ ذلِكَ الرَّجُلُ في وَجهِهِ ، فَقامَ عَلِيٌّ عليه السلام وتَرَكَهُ ، فَلَمّا سُئِلَ عَن سَبَبِ قِيامِهِ وتَركِهِ قَتلَ الرَّجُلِ بَعدَ التَّمَكُّنِ مِنهُ قالَ : إنَّهُ لَمّا بَصَقَ في وَجهِي اغتَضتُ مِنهُ ، فَخِفتُ إن قَتَلتُهُ أن يَكونَ لِلغَضَبِ وَالغَيظِ نَصيبٌ في قَتلِهِ ، وما كُنتُ اُحِبُّ أن أقتُلَهُ إلّا خالِصاً لِوَجهِ اللّهِ تَعالى (1) .

شرح نهج البلاغة :أنتَ إذا تَأَمَّلتَ دَعَواتِهِ ومُناجاتِهِ ، ووَقَفتَ عَلى ما فيها مِن تَعظيمِ اللّهِ سُبحانَهُ وإجلالِهِ ، وما يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الخُضوعِ لِهَيبَتِهِ ، وَالخُشوعِ لِعِزَّتِهِ ، وَالاِستِخذاءِ (2) لَهُ ، عَرَفتَ ما يَنطَوي عَلَيهِ مِنَ الإِخلاصِ ، وفَهِمتَ مِن أيِّ قَلبٍ خَرَجَت ، وعَلى أيِّ لِسانٍ جَرَت (3) .

راجع : ص 220 (أخلص المؤمنين إيمانا) .

2 / 8كَمالُ الصِّدقِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ . . . أحسَنُهُم خُلُقا ، وأصدَقُهُم لِسانا (4) .

.


1- .الفخري : ص44 ، إحقاق الحقّ : ج18 ص147 نحوه . راجع : ج 1 ص 197 (الفصل السادس: الضربة المصيريّة في غزوة الخندق) .
2- .استخذيتُ : خضعتُ ، وقد يُهمز (لسان العرب : ج14 ص225) .
3- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص27 ؛ بحار الأنوار : ج41 ص148 .
4- .الاحتجاج : ج1 ص363 ح60 ، كتاب سليم بن قيس : ج2 ص601 ح16 ، الفضائل لابن شاذان : ص123 كلّها عن سلمان والمقداد وأبي ذرّ .

ص: 247

الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا بويِعَ بِالمَدينَةِ _: وَاللّهِ ، ما كَتَمتُ وَشمَةً (1) ، ولا كَذَبتُ كَذبَةً (2) .

عنه عليه السلام :فَوَاللّهِ ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ (3) .

عنه عليه السلام_ مِن خُطبَتِهِ بَعدَ وَقعَةِ النَّهرَوانِ _: أتَراني أكذِبُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! !وَاللّهِ ، لَأَنَا أوَّلُ مَن صَدَّقَهُ ، فَلا أكونُ أوَّلَ مَن كَذَبَ عَلَيهِ (4) .

عنه عليه السلام :وَاللّهِ ، ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ ، ولا ضَلَلتُ ولا ضُلَّ بي وما نَسيتُ ما عُهِدَ إلَيَّ ، إنّي إذا لَنَسِيٌّ (5) .

خصائص الأئمّة عليهم السلام: تَحَدَّثَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] يَوما بِحَديثٍ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَنَظَرَ القَومُ بَعضُهُم إلى بَعضٍ ، فَقالَ عليه السلام : ما زِلتُ مُذ قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَظلوما ، وقَد بَلَغَني مَع

.


1- .وَشْمَة : أي كلمة (النهاية : ج5 ص189) .
2- .الكافي : ج8 ص67 ح23 و ج1 ص369 ح1 ، الغيبة للنعماني : ص202 ح1 وفيهما «وسمة» بدل «وشمة» وكلّها عن يعقوب السرّاج وعليّ بن رئاب عن الإمام الصادق عليه السلام ، نهج البلاغة : الخطبة 16 ، غرر الحكم : ح10124 .
3- .صحيح مسلم : ج2 ص749 ح157 ، السنن الكبرى : ج8 ص296 ح16701 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص309 ح176 كلّها عن عبيد اللّه بن أبي رافع و ص317 ح183 عن زيد بن وهب ، مسند ابن حنبل : ج1 ص294 ح1179 عن الوضيء و ص296 ح1188 و ص298 ح1196 ، المستدرك على الصحيحين : ج4 ص577 ح8617 والثلاثة الأخيرة عن أبي الوضي و ج2 ص167 ح2658 عن مالك بن الحارث ، تاريخ بغداد : ج7 ص237 ح3729 عن جابر ، البداية والنهاية : ج7 ص294 عن أبي موسى ؛ الإرشاد : ج1 ص16 ، الاختصاص : ص123 عن مسمع بن عبد اللّه البصري عن رجل ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص191 عن عبد اللّه بن أبي رافع وأبي موسى وجندب وأبي الوضا ، مسند زيد : ص409 ، وقال عليه السلام هذا الكلام في موارد مختلفة منها : في النهروان ، والإخبار بشهادته ، وعلم القرآن .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 37 ؛ المحاسن والمساوئ : ص50 نحوه وفيه من «واللّه . . . » .
5- .الأمالي للصدوق : ص491 ح668 ، وقعة صفّين : ص315 كلاهما عن جابر عن الإمام الباقر عليه السلام ، الأمالي للطوسي : ص261 ح473 عن عبد اللّه بن نجي ، المزار للشهيد الأوّل : ص74 وفي الثلاثة الأخيرة إلى «إليَّ» ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص107 ، نهج البلاغة : الحكمة 185 ، غرر الحكم : ح9483 و 9484 ؛ شرح نهج البلاغة : ج1 ص265 عن أبي مخنف وفي الأربعة الأخيرة إلى «ضُلّ بي» ، مسند أبي يعلى : ج1 ص269 ح514 عن عليّ بن ربيعة نحوه .

ص: 248

2 / 9 كمال الإيثار

ذلِكَ أنَّكُم تَقولونَ : إنّي أكذِبُ عَلَيهِ ، وَيلَكُم أتَرَوني أكذِبُ ! ! فَعَلى مَن أكذِبُ ؛ أعَلَى اللّهِ ، فَأَنَا أوَّلُ مَن آمَنَ بِهِ ؟ ! أم عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأنَا أوَّلُ مَن صَدَّقَهُ ؟ ! ولكِن لَهجَةٌ غِبتُم عَنها ، ولَم تَكونوا مِن أهلِها ، وعلِمٌ عَجَزتُم عَن حَملِهِ ، ولَم تَكونوا مِن أهلِهِ ، إذ كَيلٌ بَغَيرِ ثَمَنِ لَو كانَ لَهُ وِعاءٌ : «وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين» (1) . (2)

2 / 9كَمالُ الإِيثارِالإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ أوَّلَ مَن شَرى نَفسَهُ ابتِغاءَ رِضوانِ اللّهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وقالَ عَلِيٌّ عليه السلام عِندَ مَبيتِهِ عَلى فِراشِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : وَقَيتُ بِنَفسي خَيرَ مَن وَطِى ءَ الحَصى ومَن طافَ بِالبَيتِ العَتيقِ وبِالحِجر رَسولَ إلهٍ خافَ أن يَمكُروا بِهِ فَنَجّاهُ ذُو الطَّولِ الإِلهُ مِنَ المَكر وباتَ رَسولُ اللّهِ فِي الغارِ آمِنا مُوَقّىً وفي حِفظِ الإلهِ وفي سِتر وبِتُّ اُراعِيهِم ولَم يَتهَمونَني وقَد وَطَّنتُ نَفسي عَلَى القَتلِ وَالأَسر (3)

اُسد الغابة عن أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي :رَأَيتُ في بَعضِ الكُتُبِ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمّا أرادَ الهِجرَةَ خَلَّفَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام بِمَكَّةَ ؛ لِقَضاءِ دُيونِهِ ، ورَدِّ الوَدائِعِ الَّتى ¨

.


1- .ص : 88 .
2- .خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص99 ، نهج البلاغة : الخطبة 71 ، الاختصاص : ص155 كلاهما نحوه من «قد بلغني . . . » .
3- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص5 ح4264 ، المناقب للخوارزمي : ص127 ح141 ، شواهد التنزيل : ج1 ص130 ح141 و 142 كلّها عن حكيم بن جبير ، تذكرة الخواصّ : ص35 عن ابن عبّاس من دون إسنادٍ إلى المعصوم ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص124 ح69 عن ليث ، الأمالي للطوسي : ص468 ح1031 عن عبيد اللّه بن أبي رافع ، الفصول المختارة : ص59 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص60 ، الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ عليه السلام : ص280 الرقم 207 وفي الأربعة الأخيرة الأبيات فقط .

ص: 249

كانَت عِندَهُ ، وأمَرَهُ لَيلَةَ خَرَجَ إلَى الغارِ _ وقَد أحاطَ المُشرِكونَ بِالدّارِ _ أن يَنامَ عَلى فِراشِهِ ، وقالَ لَهُ : اِتَّشِح (1) بِبُردِي الحَضرَمِيِّ الأَخضَرِ ؛ فَإِنَّهُ لا يَخلُصُ إلَيكَ مِنهُم مَكروهٌ إن شاءَ اللّهُ تَعالى . فَفَعَلَ ذلِكَ . فَأَوحَى اللّهُ إلى جَبرَئيلَ وميكائيلَ عليهماالسلام : إنّي آخَيتُ بَينَكُما ، وجَعَلتُ عُمُرَ أحدِكُما أطوَلَ مِن عُمُرِ الآخَرِ ، فَأَيُّكُما يُؤثِرُ صاحِبَهُ بِالحَياةِ ؟ فَاختارا كِلاهُمَا الحَياةَ ، فَأَوحَى اللّهُ عَزَّ وجَلَّ إلَيهِما : أ فَلا كُنتُما مِثلَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؛ آخَيتُ بَينَهُ وبَينَ نَبِيّي مُحَمَّدٍ فَباتَ عَلى فِراشِهِ يَفديهِ بِنَفسِهِ ، ويُؤثِرُهُ بِالحَياةِ . اِهبِطا إلَى الأَرضِ ؛ فَاحفَظاهُ مِن عَدُوِّهِ . فَنَزَلا ، فَكانَ جَبرَئيلُ عِندَ رأسِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وميكائيلُ عِندَ رِجلَيهِ ، وجِبريلُ يُنادي : بَخٍ بَخٍ ، مَن مِثلُكَ يَابنَ أبي طالِبٍ يُباهِي اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِكَ (2) المَلائِكَةَ ! ! فَأَنزَلَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلى رَسولِهِ صلى الله عليه و آله _ وهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى المَدينَةِ _ في شَأنِ عَلِيٍّ عليه السلام : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ» (3) . (4)

مجمع البيان عن أبي الطفيل :اِشتَرى عَلِيٌّ عليه السلام ثَوبا ، فَأَعجَبَهُ ، فَتَصَدَّقَ بِهِ وقالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن آثَرَ عَلى نَفسِهِ آثَرَهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ بِالجَنَّةِ ، ومَن أحَبَّ شَيئا فَجَعَلَهُ للّهِ قالَ اللّهُ تَعالى يَومَ القِيامَةِ : قَد كانَ العِبادُ يُكافِئونَ فيما بَينَهُم بِالمَعروفِ ،

.


1- .التَّوشُّح بالرداء : هو أن يُدخل الثوب من تحت يده اليمنى فيلقيه على منكبه الأيسر ؛ كما يفعل المحرم (لسان العرب : ج2 ص633) .
2- .في المصدر: «به»، والصواب ما أثبتناه كما في جميع المصادر الاُخرى.
3- .البقرة : 207 .
4- .اُسد الغابة : ج4 ص98 ح3789 ، تذكرة الخواصّ : ص35 عن ابن عبّاس ، إحياء علوم الدين : ج3 ص379 ، شواهد التنزيل: ج1 ص123 ح133 عن أبي سعيد الخدري؛ الأمالي للطوسي: ص469 ح1031 عن أبي يقظان، تنبيه الخواطر : ج1 ص173 ، الفضائل لابن شاذان : ص81 ، إرشاد القلوب : ص224 عن أبي سعيد الخدري ، كشف الغمّة : ج1 ص310 وليس في السبعة الأخيرة صدره ، خصائص الوحي المبين : ص92 ح62 .

ص: 250

2 / 10 شدّة الغيرة

وأنَا اُكافِئُكَ اليَومَ بِالجَنَّةِ (1) .

الإمام الصادق عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام أشبَهَ النّاسِ طُعمَةً وسيرَةً بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وكانَ يَأكُلُ الخُبزَ وَالزَّيتَ ، ويُطعِمُ النّاسَ الخُبزَ وَاللَّحمَ (2) .

شرح نهج البلاغة :رُوِيَ عَنهُ أنَّهُ كانَ يَسقي بِيَدِهِ لِنَخلِ قَومٍ مِن يَهودِ المَدينَةِ حَتّى مَجِلَت (3) يَدُهُ ، ويَتَصَدَّقُ بِالاُجَرةِ ، ويَشُدُّ عَلى بَطنِهِ حَجَرا (4) .

راجع : ج 1 ص 145 (الفصل الثالث: الإيثار الرائع ليلة المبيت) و ج 4 ص 382 (الذي يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه ) .

2 / 10شِدَّةُ الغيرَةِ* وفي الخبر :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَتِهِ بَعدَ هُجومِ عُمّالِ مُعاوِيَةَ عَلى مَدينَةِ الأَنبارِ _: قَد بَلَغَني أنَّ الرَّجُلَ مِنهُم كانَ يَدخُلُ عَلَى المَرأَةِ المُسلِمَةِ ، وَالاُخرَى المُعاهَدَةِ ، فَيَنتَزِعُ حِجلَها وقُلبَها (5) وقَلائِدَها ورِعاثَها (6) ، ما تُمنَعُ مِنهُ إلّا بِالاِستِرجاعِ وَالاِستِرحامِ ، ثُمَّ انصَرَفوا وافِرينَ ، ما نالَ رَجُلاً مِنهُم كَلمٌ ، ولا اُريقَ لَهُ دَمٌ . فَلَو أنَّ امرَأً مُسلِما ماتَ مِن بَعد

.


1- .مجمع البيان : ج2 ص792 .
2- .الكافي : ج8 ص165 ح176 وج6 ص328 ح3 ، المحاسن : ج2 ص279 ح1901 وزاد فيه «والخلّ» بعد «الخبز» وليس فيهما «سيرة» ، تنبيه الخواطر : ج2 ص148 كلّها عن زيد بن الحسن ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص99 عن الإمام الباقر عليه السلام نحوه وليس فيه صدره وراجع الغارات: ج1 ص85 وشرح نهج البلاغة: ج2 ص200.
3- .مَجَلَت يدُه ومَجِلَت : ثَخُن جلدها وتعجّر ، وظهر فيها ما يُشبه البَثْر ؛ من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة (النهاية : ج4 ص300) .
4- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص22 ؛ بحار الأنوار : ج41 ص144 .
5- .القُلْب : السِّوار (النهاية : ج4 ص98) .
6- .الرِّعاث : القِرَطَة ، وهي من حلي الاُذن ، واحدتها : رَعْثَة ورَعَثَة (النهاية : ج2 ص234) .

ص: 251

2 / 11 زينة الزّهد

* وفي الخبر :هذا أسَفا ما كانَ بِهِ مَلوما ، بَل كانَ عِندي بِهِ جَديرا (1) .* ومنه في الحسين بن عليّ عليهماالسلام :عنه عليه السلام :لَقَد بَلَغَني أنَّ العُصبَةَ مِن أهلِ الشّامِ كانوا يَدخُلونَ عَلَى المَرأَةِ المُسلِمَةِ ، وَالاُخرَى المُعاهَدَةِ ، فَيَهتِكونَ سِترَها ، ويَأخُذونَ القِناعَ مِن رَأسِها ، وَالخُرصَ مِن اُذُنِها ، وَالأَوضاحَ (2) مِن يَدَيها ورِجلَيها وعَضُدَيها ، وَالخَلخالَ وَالمِئزَرَ مِن سوقِها ، فَما تَمتَنِعُ إلّا بِالاِستِرجاعِ وَالنِّداءِ : يالَلمُسلِمينَ ، فَلا يُغيثُها مُغيثٌ ، ولا يَنصُرُها ناصِرٌ . فَلَو أنَّ مُؤمِنا ماتَ مِن دونِ هذا أسَفا ما كانَ عِندي مَلوما ، بَل كانَ عِندي بارّا مُحسِنا (3) .2 / 11زينَةُ الزُّهدِ* وعنه صلى الله عليه و آله :رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّ اللّهَ تَعالى قَد زَيَّنَكَ بِزينَةٍ لَم تُزَيَّنِ العِبادُ بِزينَةٍ أحَبَّ إلَى اللّهِ تَعالى مِنها ؛ هِيَ زينَةُ الأَبرارِ عِندَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : الزُّهدُ فِي الدُّنيا ، فَجَعَلَكَ لا تَرزَأُ (4) مِنَ الدُّنيا شَيئا ، ولا تَرزَأُ الدُّنيا مِنكَ شَيئا ، ووَهَبَ لَكَ حُبَّ المَساكينِ ، فَجَعَلَكَ تَرضى بِهِم أتباعا ، ويَرضَونَ بِكَ إماما (5) .* وسُئل أبو جعفر عليه السلام عن الرواية :عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّ اللّهَ قَد زَيَّنَكَ بِزينَةٍ لَم يَتَزَيَّنِ العِبادُ بِزينَةٍ أحَبَّ إلَى اللّهِ مِنها ؛ الزُّهد

.


1- .الكافي : ج5 ص5 ح6 عن أبي عبد الرحمن السلمي ، نهج البلاغة : الخطبة 27 ، شرح الأخبار : ج2 ص75 ح442 عن أبي صادق ، معاني الأخبار : ص310 ح1 ، نثر الدرّ : ج1 ص298 ، الغارات : ج2 ص476 ، دعائم الإسلام : ج1 ص390 ؛ الكامل للمبرّد : ج1 ص30 ، البيان والتبيين : ج2 ص54 ، العقد الفريد : ج3 ص122 ، الأخبار الطوال : ص212 والثمانية الأخيرة نحوه .
2- .الأوضاح : نوع من الحُليّ يُعمل من الفضّة ، سمّيت بها لبياضها ، واحدها : وَضَح (النهاية : ج5 ص196) .
3- .الإرشاد : ج1 ص283 ، الاحتجاج : ج1 ص416 ح89 .
4- .ما رَزَأْنا منه : ما نَقَصْنا منه شيئاً ، ولا أخذنا (النهاية : ج2 ص218) .
5- .حلية الأولياء : ج1 ص71 ، ذخائر العقبى : ص179 ، شواهد التنزيل : ج1 ص517 ح548 نحوه إلى «المساكين» وكلّها عن عمّار .

ص: 252

* وسُئل أبو جعفر عليه السلام عن الرواية :فِي الدُّنيا ، فَجَعَلَكَ لا تَنالُ مِنَ الدُّنيا شَيئا ، ولا تَنالُ الدُّنيا مِنكَ شَيئا ، ووَهَبَ لَكَ حُبَّ المَساكينِ ، فَرَضوا بِكَ إماما ، ورَضيتَ بِهِم أتباعا ، فَطوبى لِمَن أحَبَّكَ وصَدَقَ فيكَ ، ووَيلٌ لِمَن أبغَضَكَ وكَذَبَ عَلَيكَ ؛ فَأَمَّا الَّذينَ أحَبّوا وصَدَقوا فيكَ فَهُم جيرانُكَ في دارِكَ ، ورُفَقاؤُكَ في قَصرِكَ ، وأَمَّا الَّذينَ أبغَضوكَ وكَذَبوا عَلَيكَ فَحَقٌّ عَلَى اللّهِ أن يوقِفَهُم مَوقِفَ الكَذّابينَ يَومَ القِيامَةِ (1) .* وعنه عليه السلام :عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ اللّهَ زَيَّنَكَ بِزينَةٍ لَم يُزَيِّنِ العِبادَ بِشَيءٍ أحَبَّ إلَى اللّهِ مِنها ، ولا أبلَغَ عِندَهُ مِنها ؛ الزُّهدِ فِي الدُّنيا ، وإنَّ اللّهَ قَد أعطاكَ ذلِكَ ، جَعَلَ الدُّنيا لا تَنالُ مِنكَ شَيئا ، وجَعَلَ لَكَ مِن ذلِكَ سيماءَ تُعرَفُ بِها (2) .* وعن موسى بن جعفر عليهماالسلام في العلم :الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى عامِلِهِ عَلَى البَصرَةِ عُثمانَ بنِ حُنَيفٍ _: ألا وإنَّ لِكُلِّ مَأمومٍ إماما يَقتَدي بِهِ ، ويَستَضيءُ بِنورِ عِلمِهِ ، ألا وإنَّ إمامَكُم قَدِ اكتَفى مِن دُنياهُ بِطِمرَيهِ (3) ، ومِن طُعمِهِ بِقُرصَيهِ ، ألا وإنَّكُم لا تَقدِرونَ عَلى ذلِكَ ، ولكِن أعينوني بِوَرَعٍ وَاجتِهادٍ ، وعِفَّةٍ وسَدادٍ . فَوَاللّهِ ماكَنَزتُ مِن دُنياكُم تِبرا (4) ، ولَا ادَّخَرتُ مِن غَنائِمِها وَفرا (5) ، ولا أعدَدتُ لِبالي ثَوبي طِمرا ...

بَلى ! كانَت في أيدينا فَدَكٌ مِن كُلِّ ما أظَلَّتهُ السَّماءُ ، فَشَحَّت عَلَيها نُفوسُ قَومٍ ، .


1- .تاريخ دمشق : ج42 ص281 و ص282 نحوه ، اُسد الغابة : ج4 ص96 ح3789 ، المعجم الأوسط : ج2 ص337 ح2157 ، المناقب للخوارزمي : ص116 ح126 كلاهما نحوه ، المناقب لابن المغازلي : ص106 ح148 ، الفردوس : ج5 ص319 ح8311 نحوه وكلاهما إلى «منك شيئا» ؛ الأمالي للطوسي : ص181 ح303 ، بشارة المصطفى : ص98 ، شرح الأخبار : ج1 ص151 ح87 والثلاثة الأخيرة نحوه وكلّها عن عمّار ، روضة الواعظين : ص479 وفيه إلى «من الدنيا شيئا» .
2- .المحاسن : ج1 ص454 ح1046 ، مشكاة الأنوار : ص207 ح560 كلاهما عن أبي أيّوب الأنصاري .
3- .الطِّمْر : الثوب الخَلَق (النهاية : ج3 ص138) .
4- .التِّبْر : هو الذهب والفضّة قبل أن يُضربا دنانير ودراهم (النهاية : ج1 ص179) .
5- .الوَفْر : المال الكثير (النهاية : ج5 ص210) .

ص: 253

* وعن موسى بن جعفر عليهماالسلام في العلم :وسَخَت عَنها نُفوسُ قَومٍ آخَرينَ ، ونِعمَ الحَكَمُ اللّهُ . وما أصنَعُ بِفَدَكٍ وغَيرِ فَدَكٍ ، وَالنَّفسُ مَظانُّها في غَدٍ جَدَثٌ ، تَنقَطِعُ في ظُلمَتِهِ آثارُها ، وتَغيبُ أخبارُها ، وحُفرَةٌ لَو زِيدَ في فُسحَتِها ، وأوسَعَت يَدا حافِرِها ، لَأَضغَطَهَا الحَجَرُ وَالمَدَرُ ، وسَدَّ فُرَجَهَا التُّرابُ المُتَراكِمُ .

وإنَّما هِيَ نَفسي أروضُها بِالتَّقوى ؛ لِتَأتِيَ آمِنَةً يَومَ الخَوفِ الأَكبَرِ ، وتَثبُتَ عَلى جَوانِبِ المَزلَقِ .

ولَو شِئتُ لَاهتَدَيتُ الطَّريقَ إلى مُصَفّى هذَا العَسَلِ ، ولُبابِ هذَا القَمحِ ، ونَسائِجِ هذَا القَزِّ ، ولكِن هَيهاتَ أن يَغلِبَني هَوايَ ، ويَقودَني جَشَعي إلى تَخَيُّرِ الأَطعِمَةِ ، ولَعَلَّ بِالحِجازِ أوِ اليَمامَةِ مَن لا طَمَعَ لَهُ فِي القُرصِ ، ولا عَهدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ، أو أبيتَ مِبطانا وحَولي بُطونٌ غَرثى وأكبادٌ حَرّى ، أو أكونَ كَما قالَ القائِلُ :

وحَسبُكَ داءً أن تَبيتَ بِبِطنَةٍ

وحَولَكَ أكبادٌ تَحِنُّ إلَى القِدِّ

أ أَقنَعُ مِن نَفسي بِأَن يُقالَ : هذا أميرُ المُؤمِنينَ ، ولا اُشارِكَهُم في مَكارِهِ الدَّهرِ ، أو أكونَ اُسوَةً لَهُم في جُشوبَةِ العَيشِ ! فَما خُلِقتُ لِيَشغَلَني أكلُ الطَّيِّباتِ ، كَالبَهيمَةِ المَربوطَةِ ؛ هَمُّها عَلَفُها ، أوِ المُرسَلَةِ ؛ شُغُلُها تَقَمُّمُها ، تَكتَرِشُ مِن أعلافِها ، وتَلهو عَمّا يُرادُ بِها ، أو اُترَكَ سُدىً ، أو اُهمَلَ عابِثا ، أو أجُرَّ حَبلَ الضَّلالَةِ ، أو أعتَسِفُ طَريقَ المَتاهَةِ ! . . .

إلَيكِ عَنّي يا دُنيا ، فَحَبلُكِ عَلى غارِبِكِ ، قَدِ انسَلَلتُ مِن مَخالِبِكِ ، وأفلَتُّ مِن حَبائِلِكِ ، وَاجتَنَبتُ الذَّهابَ في مَداحِضِكِ ، أينَ القُرونُ الَّذينَ غَرَرتِهِم بِمَداعِبِكِ ! أينَ الاُمَمُ الَّذينَ فَتَنتِهِم بِزَخارِفِكِ ! فَها هُم رَهائِنُ القُبورِ ، ومَضامينُ اللُّحودِ .

وَاللّهِ لَو كُنتِ شَخصا مَرئِيّا ، وقالِبا حِسِّيّا ، لَأَقَمتُ عَلَيكِ حُدودَ اللّهِ في عِبادٍ غَرَرتِهِم بِالأَمانِيِّ ، واُمَمٍ ألقَيتِهِم فِي المَهاوي ، ومُلوكٍ أسلَمتِهِم إلَى التَّلَفِ ، وأوردَتِهِم .

ص: 254

* وعن موسى بن جعفر عليهماالسلام في العلم :مَوارِدَ البَلاءِ ، إذ لا وِردَ ولا صَدَرَ !

هَيهاتَ ! مَن وَطِئَ دَحضَكِ زَلِقَ ، ومَن رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ ، ومَنِ ازوَرَّ عَن حَبائِلِكِ وُفِّقَ ، وَالسّالِمُ مِنكِ لا يُبالي إن ضاقَ بِهِ مُناخُهُ ، وَالدُّنيا عِندَهُ كَيَومٍ حانَ انسِلاخُهُ .

اُعزُبي عَنّي ! فَوَاللّهِ لا أذِلُّ لَكِ فَتَستَذِلّيني ، ولا أسلَسُ لَكِ فَتَقوديني . وَايمُ اللّهِ _ يَمينا أستَثني فيها بِمَشيئَةِ اللّهِ _ لَأَروضَنَّ نَفسي رِياضَةً تَهِشُّ مَعَها إلَى القُرصِ إذا قَدَرتُ عَلَيهِ مَطعوما ، وتَقنَعُ بِالمِلحِ مَأدوما ، ولَأَدَعَنَّ مُقلَتي كَعَينِ ماءٍ نَضَبَ مَعينُها ، مُستَفرِغَةً دُموعَها .

أ تَمتَلِئُ السّائِمَةُ مِن رِعِيها فَتَبرُكَ ، وتَشبَعُ الرَّبيضَةُ مِن عُشبِها فَتَربِضَ . ويَأكُلُ عَلِيٌّ مِن زادِهِ فَيَهجَعَ ؟ ! قَرَّت إذا عَينُهُ إذَا اقتَدى _ بَعدَ السِّنينَ المُتَطاوِلَةِ _ بِالبَهيمَةِ الهامِلَةِ ، وَالسّائِمَةِ المَرعِيَّةِ .

طوبى لِنَفسٍ أدَّت إلى رَبِّها فَرضَها ، وعَرَكَت (1) بِجَنبِها بُؤسَها ، وهَجَرَت فِي اللَّيلِ غُمضَها ، حَتّى إذا غَلَبَ الكَرى عَلَيهَا افتَرَشَت أرضَها ، وتَوَسَّدَت كَفَّها ، في مَعشَرٍ أسهَرَ عُيونَهُم خَوفُ مَعادِهِم ، وتَجافَت عَن مَضاجِعِهِم جُنوبُهُم ، وهَمهَمَت بِذِكرِ رَبِّهِم شِفاهُهُم ، وتَقَشَّعَت بِطولِ استِغفارِهِم ذُنوبُهُم ؛ «أُوْلَ_ئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (2) .

فَاتَّقِ اللّهَ يَابنَ حُنَيفٍ ، وَلتَكفُف أقراصُكَ ، لِيَكونَ مِنَ النّارِ خِلاصُكَ (3) .عنه عليه السلام :وَاللّهِ ما دُنياكُم عِندي إلّا كَسَفرٍ عَلى مَنهَلٍ حَلّوا ، إذ صاحَ بِهِم سائِقُهُم فَارتَحَلوا ، ولا لَذاذَتُها في عَيني إلّا كَحَميمٍ أشرَبُهُ غَسّاقا ، وعَلقَمٍ أتَجَرَّعُهُ زُعاقا ،

.


1- .عرك البعيرُ جنبَه بمرفقه : إذا دلكه فأثّر فيه (النهاية : ج3 ص222) .
2- .المجادلة : 22 .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 45 .

ص: 255

وسَمِّ أفعى اُسقاه دِهاقا ، وقِلادَةٍ مِن نارٍ اُوهِقُها (1) خِناقا . ولَقَد رَقَّعتُ مِدرَعَتي هذِهِ حَتَّى استَحيَيتُ مِن راقِعِها ، وقالَ لي : اِقذِف بِها قَذفَ الاُتُنِ ، لا يَرتَضيها لِيَرقَعَها . فَقُلتُ لَهُ : اُغرُب عَنّي فَعِندَ الصَّباحِ يَحمَدُ القَومُ السُّرى (2) ، وتَنجَلي عَنّا عُلالاتُ الكَرى . ولَو شِئتُ لَتَسَربَلتُ بِالعَبقَرِيِّ المَنقوشِ مِن ديباجِكُم ، ولَأَكَلتُ لُبابَ هذَا البُرِّ بِصُدورِ دَجاجِكُم ، ولَشَرِبتُ الماءَ الزُّلالَ بِرَقيقِ زُجاجِكُم ، ولكِنّي اُصَدِّقُ اللّهَ جَلَّت عَظَمَتُهُ حَيثُ يَقولُ : «مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَ زِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَ__لَهُمْ فِيهَا وَ هُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الْأَخِرَةِ إِلَا النَّارُ» (3) . فَكَيفَ أستَطيعُ الصَّبرَ عَلى نارٍ لَو قَذَفَت بِشَرَرَةٍ إلَى الأَرضِ لَأَحرَقَت نَبتَها ! ولَوِ اعتَصَمَت نَفسٌ بِقُلَّةٍ لَأَنضَجَها وَهجُ النّارِ في قُلَّتِها ! وأيُّما خَيرٌ لِعَلِيٍّ أن يَكونَ عِندَ ذِي العَرشِ مُقَرَّبا ، أو يَكونَ في لَظى خَسيئا مُبعَّدا مَسخوطا عَلَيهِ بِجُرمِهِ مُكَذَّبا ! (4)

عنه عليه السلام :دُنياكُم هذِهِ أزهَدُ عِندي مِن عَفطَةِ عَنزٍ (5) .

عنه عليه السلام :وَاللّهِ لَدُنياكُم هذِهِ أهوَنُ في عَيني مِن عُراقِ (6) خِنزيرٍ في يَدِ مَجذومٍ (7) .

.


1- .الوَهَق : حبل كالطِّوَل ؛ تُشدّ به الإبل والخيل لئلّا تنِدّ (النهاية : ج5 ص233) .
2- .عند الصباح يحمد القوم السُّرى : مثلٌ يُضربُ للرجل يحتمل المشقّة رجاء الراحة (مجمع الأمثال : ج2 ص318 الرقم 2382) .
3- .هود : 15 و 16 .
4- .الأمالي للصدوق : ص718 ح988 عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 3 ، معاني الأخبار : ص362 ح1 ، علل الشرائع : ص151 ح12 ، الإرشاد : ج1 ص289 والثلاثة الأخيرة عن ابن عبّاس ، الأمالي للطوسي : ص374 ح803 عن زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام عن ابن عبّاس وعن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه عنه عليهم السلام ، نثر الدرّ : ج1 ص275 وفيه «أهون» بدل «أزهد» .
6- .العَرْق : العظم إذا اُخذ عنه معظم اللحم ، وجمعه : عُراق (النهاية : ج3 ص220) .
7- .نهج البلاغة : الحكمة 236 .

ص: 256

عنه عليه السلام :إنَّ دُنياكُم عِندي لَأَهوَنُ مِن وَرَقَةٍ في فَمِ جَرادَةٍ ، تَقضَمُها ، ما لِعَلِيٍّ ولِنَعيمٍ يَفنى ، ولَذَّةٍ لا تَبقى ! (1)

عنه عليه السلام_ حينَ عَزَموا عَلى بيعَةِ عُثمانَ _: وَاللّهِ لَاُسلِمَنَّ ما سَلِمَت اُمورُ المُسلِمينَ ولَم يَكُن فيها جَورٌ إلّا عَلَيَّ خاصَّةً ؛ التِماسا لِأَجرِ ذلِكَ وفَضلِهِ ، وزُهدا فيما تَنافَستُموهُ مِن زُخرُفِهِ وزِبرِجِهِ (2) .

المحاسن عن حبّة العرني :اُتِيَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بِخِوانِ (3) فالوذَجٍ ، فَوُضِعَ بَينَ يَدَيهِ ، فَنَظَرَ إلى صَفائِهِ وحُسنِهِ ، فَوَجَأَ بِإِصبَعِهِ فيهِ حَتّى بَلَغَ بِأَسفَلِهِ ، ثُمَّ سَلَّها ولَم يَأخُذ مِنهُ شَيئا ، وتَلَمَّظَ إصبَعَهُ ، وقالَ : إنَّ الحَلالَ طَيِّبٌ ، وما هُوَ بِحَرامٍ ، ولكِنّي أكرَهُ أن اُعَوِّدَ نَفسي ما لَم اُعَوِّدهَا ، ارفَعوهُ عَنّي ، فَرَفَعوهُ (4) .

شرح الأخبار عن الزهري :لَقَد بَلَغَنا أنَّهُ [عَلِيّاً عليه السلام ]اشتَهى كَبِدا مَشوِيَّةً عَلى خُبزَةٍ لَبِنَةٍ (5) ، فَأَقامَ حَولاً يَشتَهيها . ثُمَّ ذَكَرَ ذلِكَ لِلحَسَنِ عليه السلام (6) يَوما وهُوَ صائِمٌ ، فَصَنَعَها لَهُ ، فَلَمّا أرادَ أن يُفطِرَ قَرَّبَها إلَيهِ ، فَوَقَفَ سائِلٌ بِالبابِ ، فَقالَ : يا بُنَيَّ احمِلها إلَيهِ ؛ لا تُقرَأ صَحيفَتُنا غَدا «أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَ_تِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَ اسْتَمْتَعْتُم بِهَا» (7) . (8)

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 224 ، الأمالي للصدوق : ص722 ح988 عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلامعنه عليه السلام وفيه «ولذّةٍ تنتجها المعاصي» بدل «ولذّةٍ لا تبقى» ؛ تذكرة الخواصّ : ص156 عن ابن عبّاس وفيه إلى «جرادة» .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 74 .
3- .الخِوَان : هو ما يوضع عليه الطعام عند الأكل (النهاية : ج2 ص89) .
4- .المحاسن : ج2 ص178 ح1502 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص99 نحوه .
5- .كذا في المصدر ، ولعلّ الصحيح : «ليّنة» .
6- .في المصدر : «الحسن» ، والصحيح ما أثبتناه كما في مستدرك سفينة البحار : ج9 ص6 .
7- .الأحقاف : 20 .
8- .شرح الأخبار : ج2 ص362 ح720 .

ص: 257

الإمام عليّ عليه السلام_ حينَ رُئِيَ عَلَيهِ إزارٌ خَلَقٌ مَرقوعٌ فَقيلَ لَهُ في ذلِكَ _: يَخشَعُ لَهُ القَلبُ ، وتَذِلُّ بِهِ النَّفسُ ، ويَقتَدي بِهِ المُؤمِنونَ . إنَّ الدُّنيا وَالآخِرَةَ عَدُوّانِ مُتَفاوِتانِ ، وسَبيلانِ مُختَلِفانِ ، فَمَن أحَبَّ الدُّنيا وتَوَلّاها أبغَضَ الآخِرَةَ وعاداها ، وهُما بِمَنزِلَةِ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وماشٍ بَينَهُما ؛ كُلَّما قَرُبَ مِن واحِدٍ بَعُدَ مِنَ الآخَرِ ، وهُما بَعدُ ضَرَّتانِ (1) .

الزهد عن أبي النوار بيّاع الكرابيس :أتاني عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ومَعَهُ غُلامٌ لَهُ ، فَاشتَرى مِنّي قَميصَي كَرابيسَ ، ثُمَّ قالَ لِغُلامِهِ : اِختَر أيَّهُما شِئتَ . فَأَخَذَ أحَدَهُما ، وأخَذَ عَلِيٌّ عليه السلام الآخَرَ ، فَلَبِسَهُ ، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ ، ثُمَّ قالَ : اِقطَعِ الَّذي يَفضُلُ مِن قَدرِ يَدي ، فَقَطَعَهُ ، وكَفَّهُ فَلَبِسَهُ ثُمَّ ذَهَبَ (2) .

الإمام عليّ عليه السلام :وَاللّهِ لَقَد رَقَّعتُ مِدرَعَتي هذِهِ حَتَّى استَحيَيتُ مِن راقِعِها ، ولَقَد قالَ لي قائِلٌ : ألا تَنبِذُها عَنكَ ؟ فَقُلتُ : اُغرُب عَنّي ، فَعِندَ الصَّباحِ يَحمَدُ القَومُ السُّرى (3) .

تاريخ دمشق عن العلاء :خَطَبَ عَلِيٌّ عليه السلام ، قالَ : أيُّهَا النّاسُ ، وَاللّهِ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، ما رَزَأتُ مِن مالِكُم قَليلاً ولا كَثيرا إلّا هذِهِ _ وأخرَجَ قارورَةً مِن كُمِّ قَميصِهِ فيها طيبٌ ، فَقالَ : أهداها إلَيَّ دِهقانٌ _ (4) .

الإمام الصادق عليه السلام :مَا اعتَلَجَ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام أمرانِ للّهِ قَطُّ إلّا أخَذَ بِأَشَدِّهِما ، وما زالَ عِندَكُم يَأكُلُ مِمّا عَمِلَت يَدُهُ ، يُؤتى بِهِ مِنَ المَدينَةِ . وإن كانَ لَيَأخُذُ السَّويقَ فَيَجعَلُه

.


1- .نهج البلاغة : الحكمة 103 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص96 .
2- .الزهد لابن حنبل : ص165 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص544 ح911 ، اُسد الغابة : ج4 ص97 الرقم 3789 ، شرح نهج البلاغة : ج9 ص235 ؛ عوالي اللآلي : ج1 ص278 ح109 كلاهما نحوه .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 160 ، مجمع البيان : ج9 ص133 ، غرر الحكم : ح7345 ، إرشاد القلوب : ص19 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص101 نحوه وفيها «اعزب» بدل «اغرب» .
4- .تاريخ دمشق : ج42 ص480 ، حلية الأولياء : ج1 ص81 نحوه ، البداية والنهاية : ج8 ص2 ، كنز العمّال : ج13 ص168 ح36510 ؛ خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص79 نحوه وراجع أنساب الأشراف : ج2 ص372 وحلية الأولياء : ج9 ص53 .

ص: 258

فِي الجِرابِ ، ثُمَّ يَختِمُ عَلَيهِ ؛ مَخافَةَ أن يُزادَ فيهِ مِن غَيرِهِ . ومَن كانَ أزهَدَ فِي الدُّنيا مِن عَلِيٍّ عليه السلام ! (1)

عنه عليه السلام :حَدَّثَني مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليه السلام قالَ : لَمّا تَجَهَّزَ الحُسَينُ عليه السلام إلَى الكوفَةِ أتاهُ ابنُ عَبّاسٍ ، فَناشَدَهُ اللّهَ وَالرَّحِمَ أن يَكونَ هُوَ المَقتولَ بِالطَّفِّ ، فَقالَ : [أنَا أعرَفُ] (2) بِمَصرَعي مِنكَ ، وما وُكدي مِنَ الدُّنيا إلّا فِراقُها . أ لا اُخبِرُكَ يَابنَ عَبّاسٍ بِحَديثِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وَالدُّنيا ؟ فَقالَ لَهُ : بَلى ، لَعَمري إنّي لَاُحِبُّ أن تُحَدِّثَني بِأَمرِها . فَقالَ أبي : قالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام يَقولُ : حَدَّثَني أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، قالَ : إنّي كُنتُ بِفَدَكَ في بَعضِ حيطانِها ، وقَد صارَت لِفاطِمَةَ عليهاالسلام_ قالَ : _ فَإِذا أنَا بِامرَأَةٍ قَد قَحَمَت عَلَيَّ وفي يَدي مِسحاةٌ وأنَا أعمَلُ بِها ، فَلَمّا نَظَرتُ إلَيها طارَ قَلبي مِمّا تَداخَلَني مِن جَمالِها ، فَشَبَّهتُها بِبُثَينَةَ بِنتِ عامِرِ الجُمَحِيِّ _ وكانَت مِن أجمَلِ نِساءِ قُرَيشٍ _ . فَقالَت : يَابنَ أبي طالِبٍ ، هَل لَكَ أن تَتَزَوَّجَ بي فَاُغنِيَكَ عَن هذِهِ المِسحاةِ ، وأدُلَّكَ عَلى خَزائِنِ الأَرضِ ، فَيَكونَ لَكَ المُلكُ ما بَقيتَ ولِعَقِبِكَ مِن بَعدِكَ ؟ فَقالَ لَها عَلِيٌّ عليه السلام : مَن أنتِ حَتّى أخطُبَكِ مِن أهلِكِ ؟ فَقالَت : أنَا الدُّنيا . قالَ: [قُلتُ] (3) لَها : فَارجِعي وَاطلُبي زَوجاً غَيري ، وأقبَلتُ عَلى مِسحاتي ، وأنشَأتُ أقولُ : لَقَد خابَ مَن غَرَّتهُ دُنيا دَنِيّةً وما هِيَ إن غَرَّت قُروناً بِنائِلِ أتَتنا عَلى زِيِّ العَزيزِ بُثَينَةَ وزينَتُها في مِثلِ تِلكَ الشَّمائِلِ فَقُلتُ لَها غُرّي سِوايَ فَإِنَّني عَزوفٌ عَنِ الدُّنيا ولَستُ بِجاهِلِ وما أنَا وَالدُّنيا فَإِنَّ مُحَمَّداً اُحِلَّ صَريعاً بَينَ تِلكَ الجَنادِلِ وهَبها أتَتني بِالكُنوزِ ودُرِّها وأموالِ قارونَ ومُلكِ القَبائِلِ ألَيسَ جَميعاً لِلفَناءِ مَصيرُها ويَطلُبُ مِن خُزّانِها بِالطَّوائِلِ فَغُرِّي سِوايَ إنَّني غَيرُ راغِبٍ بِما فيكِ مِن مُلكٍ وعِزٍّ ونائِلِ فَقَد قَنِعَت نَفسي بِما قَد رُزِقتُهُ فَشَأنَكِ يا دُنيا وأهلَ الغَوائِلِ فَإِنّي أخافُ اللّهَ يَومَ لِقائِهِ وأخشى عَذاباً دائِماً غَيرَ زائِلِ (4) فَخَرَجَ مِن الدُّنيا ولَيسَ في عُنُقِهِ تَبِعَةٌ لِأَحَدٍ ، حَتّى لَقِيَ اللّهَ مَحموداً غَيرَ مَلومٍ ولا مَذمومٍ ، ثُمَّ اقتَدَت بِهِ الأَئِمَّةُ مِن بَعدِهِ بِما قَد بَلَغَكُم ، لَم يَتَلَطَّخوا بِشَيءٍ مِن بَوائِقِها ، عَلَيهِمُ السَّلامُ أجمَعينَ ، وأحسَنَ مَثواهُم (5) .

.


1- .الغارات : ج1 ص81 ؛ شرح نهج البلاغة : ج2 ص201 كلاهما عن معاوية بن عمّار .
2- .ما بين المعقوفين سقط من المصدر وأثبتناه من بحار الأنوار .
3- .ما بين المعقوفين أثبتناه من بحار الأنوار.
4- .وقع تصحيف في بعض الألفاظ فصحّحناها من بحار الأنوار .
5- .كشف الريبة : ص89 ، بحار الأنوار : ج75 ص362 ح77 وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص102 .

ص: 259

المناقب لابن شهر آشوب_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: سَأَلَهُ أعرابِيٌّ شَيئا ، فَأَمَرَ عليه السلام لَهُ بِأَلفٍ ، فَقالَ الوَكيلُ (1) : مِن ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ ؟ فَقالَ عليه السلام : كِلاهُما عِندي حَجَرانِ ، فَأَعطِ الأَعرابِيَّ أنفَعَهُما لَهُ (2) .

الكامل في التاريخ :إنَّهُ [ عَلِيّا عليه السلام ] أخرَجَ سَيفا لَهُ إلَى السّوقِ ، فَباعَهُ ، وقالَ : لَو كانَ عِندي أربَعَةُ دَراهِمَ ثَمَنُ إزارٍ لَم أبِعهُ . وكانَ لا يَشتَري مِمَّن يَعرِفُهُ ، وإذَا اشتَرى قَميصا قَدَّرَ كُمَّهُ عَلى طولِ يَدِهِ وقَطَعَ الباقِيَ (3) .

.


1- .لفظ الوكيل قرينة على أنّ المال من أمواله عليه السلام لا من بيت المال .
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص118 .
3- .الكامل في التاريخ : ج2 ص443 ، البداية والنهاية : ج8 ص3 ، تاريخ دمشق : ج42 ص482 كلاهما عن مجمع التيمي ، المناقب للخوارزمي : ص121 ح135 عن مجمع التميمي وفيها إلى «لم أبِعه» .

ص: 260

مكارم الأخلاق عن مجمع :إنَّ عَلِيّا عليه السلام أخرَجَ سَيفَهُ ، فَقالَ : مَن يَرتَهِنُ سَيفي هذا ؟أما لَو كانَ لي قَميصٌ ما رَهَنتُهُ . فَرَهَنَهُ بِثَلاثَةِ دَراهِمَ ، فَاشتَرى قَميصا سُنبُلانِيّا ، كُمُّهُ إلى نِصفِ ذِراعَيهِ ، وطولُهُ إلى نِصفِ ساقَيهِ (1) .

خصائص الأئمّة عليهم السلام: قالَ [ عَلِيٌّ ] عليه السلام يَوما عَلى مِنبَرِ الكوفَةِ : «مَن يَشتَري مِنّي سَيفي هذا ، ولَو أنَّ لي قوتُ لَيلَةٍ ما بِعتُهُ» ، وغَلَّةُ صَدَقَتِهِ تَشتَمِلُ حينَئِذٍ عَلى أربَعينَ ألفَ دينارٍ في كُلِّ سَنَةٍ (2) .

الإمام الحسن عليه السلام_ بَعدَ شَهادَةِ أبيهِ عليه السلام _: ما تَرَكَ عَلى أهلِ الأَرضِ صَفراءَ ولا بَيضاءَ إلّا سَبعَمِئَةِ دِرهَمٍ ؛ فَضَلَت مِن عَطاياهُ ، أرادَ أن يَبتاعَ بِها خادِما لِأَهلِهِ (3) .

الاستيعاب :قَد ثَبَتَ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ عليهماالسلام مِن وُجوهٍ أنَّهُ قالَ : لَم يَترُك أبي إلّا ثَمانَمِئَةِ دِرهَمٍ أو سَبعَمِئَةٍ فَضَلَت مِن عَطائِهِ ، كانَ يُعِدُّها لِخادِمٍ يَشتَريها لِأَهلِهِ . وأمّا تَقَشُّفُهُ في لِباسِهِ ومَطعَمِهِ فَأَشهَرُ (4) .

.


1- .مكارم الأخلاق : ج1 ص247 ح733 .
2- .خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص79 وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص72 .
3- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص189 ح4802 عن عمر بن عليّ عن أبيه الإمام زين العابدين عليه السلام ، مسند ابن حنبل : ج1 ص426 ح1720 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص548 ح922 كلاهما عن عمرو بن حبشي و ص549 ح926 عن الشعبي وكلّها نحوه ، مروج الذهب : ج2 ص426 كلاهما من دون إسنادٍ إلى المعصوم ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص502 ح42 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص38 ، المعجم الكبير : ج3 ص79 ح2719 و ص80 ح2723 والأربعة عن هبيرة بن يريم ، مسند البزّار : ج4 ص180 ح1341 عن أبي رزين ؛ الكافي : ج1 ص457 ح8 عن أبي حمزة عن الإمام الباقر عنه عليهماالسلام ، الأمالي للطوسي : ص270 ح501 عن أبي الطفيل ، الأمالي للصدوق : ص397 ح510 عن حبيب بن عمرو وكلاهما نحوه ، الإرشاد : ج2 ص8 عن أبي إسحاق وغيره ، مسائل عليّ بن جعفر : ص328 ح818 عن عمر بن عليّ عليه السلام .
4- .الاستيعاب: ج3 ص211 ح1875 وراجع مسند البزّار: ج4 ص179 ح1340 ومسند أبي يعلى: ج6 ص169 ح6725.

ص: 261

مروج الذهب :قالَ بَعضُهُم : تَرَكَ لِأَهلِهِ مِائَتَينِ وخَمسينَ دِرهَما ، ومُصحَفَهُ ، وسَيفَهُ (1) .

مقتل أمير المؤمنين عن قبيصة بن جابر :ما رَأَيتُ أزهَدَ فِي الدُّنيا مِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام (2) .

الكامل في التاريخ عن الحسن بن صالح :تَذاكَرُوا الزُّهّادَ عِندَ عُمَرِ بنِ عَبدِ العَزيزِ ، فَقالَ عُمَرُ : أزهَدُ النّاسِ فِي الدُّنيا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام (3) .

شرح نهج البلاغة :وهُوَ الَّذي كانَ يَكنُسُ بُيوتَ الأَموالِ ، ويُصَلّي فيها . وهُوَ الَّذي قالَ : يا صَفراءُ ويا بَيضاءُ غُرّي غَيري . وهُوَ الَّذي لَم يُخَلِّف ميراثا ، وكانَتِ الدُّنيا كُلُّها بِيَدِهِ إلّا ما كانَ مِنَ الشّامِ (4) .

شرح نهج البلاغة :أمَّا الزُّهدُ فِي الدُّنيا فَهُوَ سَيِّدُ الزُّهّادِ ، وبَدَلُ الأَبدالِ ، وإلَيهِ تُشَدُّ الرِّحالُ ، وعِندَهُ تُنفَضُ الأَحلاسُ ، ما شَبِعَ مِن طَعامٍ قَطُّ ، وكانَ أخشَنَ النّاسِ مَأكَلاً ومَلبَسا . قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ أبي رافِعٍ : دَخَلتُ إلَيهِ يَومَ عيدٍ ، فَقَدَّمَ جِرابا مَختوما ، فَوَجَدنا فيهِ خُبزَ شَعيرٍ يابِسا مَرضوضا ، فَقُدِّمَ ، فَأَكَلَ . فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَكَيفَ تَختِمُهُ ؟قالَ : خِفتُ هذَينِ الوَلَدَينِ أن يَلُتّاهُ (5) بِسَمنٍ أو زَيتٍ . وكانَ ثَوبُهُ مَرقوعا بِجِلدٍ تارَةً ، وليفٍ اُخرى ، ونَعلاهُ مِن ليفٍ . وكانَ يَلبَس

.


1- .مروج الذهب : ج2 ص426 .
2- .مقتل أمير المؤمنين : ص108 ح98 ، المناقب للخوارزمي : ص122 ح137 .
3- .الكامل في التاريخ : ج2 ص443 ، تاريخ دمشق : ج42 ص489 ، مقتل أمير المؤمنين : ص108 ح99 عن الحسن بن حيّ نحوه ، المناقب للخوارزمي : ص117 ح128 عن الحارث بن حصيرة وفيه «ما علمنا أنّ أحدا كان في هذه الاُمّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله أزهد من عليّ بن أبي طالب عليه السلام » .
4- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص22 وراجع شرح الأخبار : ج2 ص361 ح717 .
5- .لَتَّ السَّويقَ والأقِطَ ونحوهما يَلُتُّهُ : جَدَحَه ، وقيل : بَسَّهُ بالماء ونحوه (تاج العروس : ج3 ص124) .

ص: 262

2 / 12 سماحة الكفّ

الكِرباسَ الغَليظَ ، فَإِذا وَجَدَ كُمَّهُ طَويلاً قَطَعَهُ بِشَفرَةٍ ، ولَم يَخِطهُ ، فَكانَ لا يَزالُ مُتَساقِطا عَلى ذِراعَيهِ حَتّى يَبقى سَدىً لا لُحمَةَ لَهُ . وكانَ يَأتَدِمُ _ إذَا ائتَدَمَ _ بِخَلٍّ أو بِمِلحٍ ، فَإِن تَرَقّى عَن ذلِكَ فَبَعضُ نَباتِ الأَرضِ ، فَإِنِ ارتَفَعَ عَن ذلِكَ فَبِقَليلٍ مِن ألبانِ الإِبِلِ . ولا يَأكُلُ اللَّحمَ إلّا قَليلاً ، ويَقولُ : «لا تَجعَلوا بُطونَكُم مَقابِرَ الحَيَوانِ» . وكانَ مَعَ ذلِكَ أشَدَّ النّاسِ قُوَّةً ، وأعظَمَهُم أيدا (1) ، لا يَنقُضُ الجوعُ قُوَّتَهُ ، ولا يُخَوِّنُ (2) الإِقلالُ مُنَّتَهُ . وهُوَ الَّذي طَلَّقَ الدُّنيا ، وكانَتِ الأَموالُ تُجبى إلَيهِ مِن جَميعِ بِلادِ الإِسلامِ إلّا مِنَ الشّامِ ، فَكانَ يُفَرِّقُها ويُمَزِّقُها ، ثُمَّ يَقولُ : هذا جَنايَ وخِيارُهُ فيه إذ كُلُّ جانٍ يَدُهُ إلى فيه (3)(4)

راجع : ص 416 (إمام المستضعفين) و ص 446 (صدقاته) .

2 / 12سَماحَةُ الكَفِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ . . . أقدَمُ النّاسِ إسلاما ، وأسمَحُهُم كَفّا (5) .

.


1- .الأيْدُ : القوّة (لسان العرب : ج3 ص76) .
2- .التَّخَوُّن : التنقُّص (لسان العرب : ج13 ص145) .
3- .هذا مثل ، أوّل من قاله عمرو ابن اُخت جذيمة الأبرش ؛ كان يجني الكمأة مع أصحاب له ، فكانوا إذا وجدوا خيار الكمأة أكلوها ، وإذا وجدها عمرو جعلها في كُمّه حتّى يأتي بها خاله ، وقال هذه الكلمات فصارت مثلاً ، وأراد عليّ عليه السلام بقولها أنّه لم يتلطّخ بشيء من فيء المسلمين بل وضعه مواضعه (النهاية : ج1 ص309) .
4- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص26 .
5- .المناقب لابن المغازلي : ص151 ح188 ؛ بشارة المصطفى : ص174 ، الفضائل لابن شاذان : ص102 كلّها عن ابن عبّاس ، المناقب للكوفي : ج2 ص595 ح1100 عن سليمان الأعمش ، الأمالي للصدوق : ص57 ح13 ، كنز الفوائد : ج1 ص263 ، مائة منقبة : ص74 ح25 والثلاثة الأخيرة عن جابر .

ص: 263

عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ . . . أجوَدُهُم كَفّا ، وأزهَدُهُم فِي الدُّنيا (1) .

عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هذَا البَحرُ الزّاخِرُ ، هذَا الشَّمسُ الطالِعَةُ ، أسخى مِنَ الفُراتِ كَفّا ، وأوسَعُ مِنَ الدُّنيا قَلبا ، فَمَن أبغَضَهُ فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ (2) .

الإمام عليّ عليه السلام :لَقَد رَأَيتُني مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وإنّي لَأَربُطُ الحَجَرَ عَلى بَطني مِنَ الجوعِ ، وإنَّ صَدَقَتِي اليَومَ لَأَربَعونَ ألفا (3) .

عنه عليه السلام :لَقَد رَأَيتَني أربُطُ الحَجَرَ عَلى بَطني مِنَ الجوعِ في عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وإنَّ صَدَقَتِي اليَومَ لَأَربَعونَ ألفَ دينارٍ (4) .

سنن الدارقطني عن أبي سعيد :شَهِدتُ جِنازَةً فيها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا وُضِعَت سَأَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أعَلَيهِ دَينٌ ؟ قالوا : نَعَم . فَعَدَلَ عَنها ، وقالَ صلى الله عليه و آله : صَلّوا عَلى صاحِبِكُم . فَلَمّا رَآهُ عَلِيٌّ تَقَفّى ، قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، بَرِئَ مِن دَينِهِ ، وأنَا ضامِنٌ لِما عَلَيهِ . فَأَقبَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَصَلّى عَلَيهِ ، ثُمَّ انصَرَفَ ، فَقالَ : يا عَلِيُّ ، جَزاكَ اللّهُ خَيرا ، فَكَّ اللّهُ رِهانَكَ يَومَ القِيامَةِ كَما فَكَكتَ رِهانَ أخيكَ المُسلِمِ ؛ لَيسَ مِن عَبدٍ يَقضي عَن أخيهِ دَينَهُ إلّا فَكَّ اللّهُ رِهانَهُ يَومَ القِيامَةِ (5) .

.


1- .الاحتجاج : ج1 ص363 ح60 ، كتاب سليم بن قيس : ج2 ص601 ح6 ، الفضائل لابن شاذان : ص123 فكلّها عن سلمان والمقداد وأبي ذرّ .
2- .مائة منقبة : ص55 ح12 ، كنز الفوائد : ج1 ص148 كلاهما عن أبي هريرة .
3- .مسند ابن حنبل : ج1 ص334 ح1367 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص539 ح899 و ص550 ح927 ، الزهد لابن حنبل : ص166، تاريخ دمشق : ج42 ص375 ، البداية والنهاية : ج7 ص333 كلّها عن محمّدبن كعب .
4- .تاريخ دمشق: ج42 ص375، مسندابن حنبل: ج1 ص335 ح1368، حليه الأولياء: ج1 ص85، اُسد الغابة: ج4 ص97 ح3789 نحوه ، ربيع الأبرار : ج2 ص147؛ المناقب للكوفي : ج2 ص66 ح548 كلّها عن محمّد بن كعب .
5- .سنن الدارقطني : ج3 ص78 ح291 و 292 و ص47 ح194 ، السنن الكبرى : ج6 ص121 ح11399 كلاهما عن عاصم بن ضمرة عن الإمام عليّ عليه السلام و ح11398 ، تاريخ أصبهان : ج2 ص260 ح1633 كلّها نحوه ، المنتخب من مسند عبد بن حميد : ص281 ح893 ؛ عوالي اللآلي : ج2 ص114 ح314 نحوه .

ص: 264

ربيع الأبرار عن محمّد ابن الحنفيّة :كانَ أبي عليه السلام يَدعو قَنبَرا بِاللَّيلِ ، فَيُحَمِّلُهُ دَقيقا وتَمرا ، فَيَمضي إلى أبياتٍ قَد عَرَفَها ، ولا يُطلِعُ عَلَيهِ أحَدا . فَقُلتُ لَهُ : يا أبَةِ ، ما يَمنَعُكَ أن يُدفِعَ إلَيهِم نَهارا ؟ قالَ عليه السلام : يا بُنَيَّ ، صَدَقَةُ السِّرِّ تُطفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ (1) .

المناقب للكوفي عن محمّد ابن الحنفيّة :كانَ أبي رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ إذا جاءَت غَلَّتُهُ مِن ضِياعِهِ أخَذَ قوتَهُ لِنَفسِهِ ، وقوتَ عِيالِهِ واُمَّهاتِ أولادِهِ ، وأعطَى الحَسَنَ وَالحُسَينَ قوتَهُما ، وأعطاني قوتي ، وأعطى مَن بَلَغَ مِن وُلدِهِ ، وأعطى عَقيلَ ووُلدَهُ ، ووُلدَ جَعفَرٍ ، واُمَّ هانِئٍ ووُلدَها ، وأعطى جَميعَ وُلدِ عَبدِ المُطَّلِبِ مَن كانَ مِنهُم يَحتاجُ إلى أن يُعطِيَهُ ، وإلى سائِرِ بَني هاشِمٍ ، وإلى وُلدِ المُطَّلِبِ بنِ عَبدِ مَنافٍ ، ووُلدِ نَوفَلِ بنِ عَبدِ مَنافٍ ، وإلى جَماعَةٍ مِن قُرَيشٍ مَن كانَ مِنهُم يَحتاجُ إلَى الصِّلَةِ ، وإلى أهلِ بُيوتٍ مِنَ الأَنصارِ ، وغَيرِهِم ، حَتّى لا يُبقي مِنهُ شَيئا رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ ومَغفِرَتُهُ . ولَم يَسأَلهُ أحَدٌ شَيئا فَرَدَّهُ إلّا بِما يُرضيهِ (2) .

ربيع الأبرار :أتى عَلِيّا رضى الله عنه أعرابِيٌّ فَقالَ : وَاللّهِ ، يا أميرَ المُؤمِنينَ ما تَرَكتُ في بَيتي لا سَبَدا ولا لَبَدا (3) ، ولا ثاغِيَةَ ولا راغِيَةَ (4) . فَقالَ : وَاللّهِ ، ما أصبَحَ في بَيتي فَضلٌ عَن قوتي . فَوَلَّى الأَعرابِيُّ وهُوَ يَقولُ : وَاللّهِ ، لَيَسأَلَنَّكَ اللّهُ عَن مَوقِفي بَينَ يَدَيكَ . فَبَكى بُكاءً شَديدا ، وأمَرَ بِرَدِّهِ ، وَاستِعادَةِ كَلامِهِ . ثُمَّ بَكى ، فَقالَ : يا قَنبَرُ ائتِنى ¨

.


1- .ربيع الأبرار : ج2 ص148 ؛ المناقب للكوفي : ج2 ص69 ح552 .
2- .المناقب للكوفي : ج2 ص68 ح552 .
3- .ماله سَبَد ولا لَبَد : أي ماله ذو وَبر ولا صوف ؛ يكنّى بهما عن الإبل والغنم ، وقيل : عن المعز والضأن (لسان العرب : ج3 ص202) .
4- .الثاغية : الشاة ، والراغية : الناقة ؛ أي ما له شاة ولا بعير (لسان العرب : ج14 ص113) .

ص: 265

بِدِرعِيَ الفُلانِيَّةِ ، ودَفَعَها لِلأَعرابِيِّ (1) وقالَ : لا تُخدَعَنَّ عَنها ؛ فَطالَما كَشَفتُ بِهَا الكَربَ عَن وَجهِ رَسولِ اللّهِ . ثُمَّ قالَ قَنبَرٌ : كانَ يُجزيهِ عِشرونَ دِرهَما . قالَ : يا قَنبَرُ ، وَاللّهِ ما يَسُرُّني أنَّ لي زِنَةَ الدُّنيا ذَهَبا أو فِضَّةً فَتَصَدَّقتُ وقَبِلَهُ اللّهُ مِنّي وأنَّهُ سَأَلَني عَن مَوقِفِ هذا بَينَ يَدَيَّ (2) .

تاريخ دمشق عن الأصبغ بن نباتة عن الإمام عليّ عليه السلام :جاءَهُ رَجُلٌ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ لي إلَيكَ حاجَةً ، فَرَفَعتُها إلَى اللّهِ قَبلَ أن أرفَعَها إلَيكَ ، فَإِن أنتَ قَضَيتَها حَمِدتُ اللّهَ وشَكَرتُكَ ، وإن أنتَ لَم تَقضِها حَمِدتُ اللّهَ وعَذَرتُكَ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : اُكتُب حاجَتَكَ عَلَى الأَرضِ ؛ فَإِنّي أكرَهُ أن أرى ذُلَّ السُّؤالِ في وَجهِكَ . فَكَتَبَ : إنّي مُحتاجٌ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : عَلَيَّ بِحُلَّةٍ ، فَاُتِيَ بِها ، فَأَخَذَهَا الرَّجُلُ فَلَبِسَها ، ثُمَّ أنشَأَ يَقولُ : كَسَوتَني حُلَّةً تَبلى مَحاسِنُها فَسَوفَ أكسوكَ مِن حُسنِ الثَّنا حُلَلا إن نِلتَ حُسنَ ثَنائي نِلتَ مَكرُمَةً ولَستَ تَبغي بِما قَد قُلتُهُ بَدَلا إنَّ الثَّناءَ لَيُحيي ذِكرَ صاحِبِهِ كَالغَيثِ يُحيي نَداهُ السَّهلَ وَالجَبَلا لا تَزهَدِ الدَّهرَ في زَهوٍ تُواقِعُهُ فَكُلُّ عَبدٍ سَيُجزى بِالَّذي عَمَلا فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : عَلَيَّ بِالدَّنانيرِ ، فَاُتِيَ بِمِئَةِ دينارٍ ، فَدَفَعَها إلَيهِ . فَقالَ الأَصبَغُ : فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، حُلَّةٌ ومِئَةُ دينارٍ ؟ ! قالَ عليه السلام : نَعَم ، سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : أنزِلوا النّاسَ مَنازِلَهُم . وهذِهِ مَنزِلَة

.


1- .في الطبعة المعتمدة : «لك الأعرابي» ، والتصحيح من طبعة مؤسّسة الأعلمي : ج3 ص201 ح158 .
2- .ربيع الأبرار : ج2 ص668 ، المستطرف : ج2 ص54 ؛ المناقب للكوفي : ج2 ص75 ح558 عن الحسن عن رجل من بني تميم .

ص: 266

هذَا الرَّجُلِ عِندي (1) .

شرح نهج البلاغة :وجاءَ فِي الأَثَرِ : أنَّ عَلِيّا عليه السلام عَمِلَ لِيَهودِيٍّ في سَقيِ نَخلٍ لَهُ في حَياةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِمُدٍّ مِن شَعيرٍ ، فَخَبَزَهُ قُرصا ، فَلَمّا هَمَّ أن يُفطِرَ عَلَيهِ أتاهُ سائِلٌ يَستَطعِمُ ، فَدَفَعَهُ إلَيهِ ، وباتَ طاوِيا ، وتاجَرَ اللّهَ تَعالى بِتِلكَ الصَّدَقَةِ . فَعَدَّ النّاسُ هذِهِ الفِعلَةَ مِن أعظَمِ السَّخاءِ ، وعَدّوها أيضا مِن أعظَمِ العِبادَةِ (2) .

الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام أعتَقَ ألفَ مَملوكٍ مِن مالِهِ وكَدِّ يَدِهِ (3) .

المناقب لابن شهر آشوب عن محمّد بن الصمة عن أبيه عن عمّه :رَأَيتُ فِي المَدينَةِ رَجُلاً عَلى ظَهرِهِ قِربَةٌ وفي يَدِهِ صَحفَةٌ ، يَقولُ : اللّهُمَّ وَلِيَّ المُؤمِنينَ ، وإلهَ المُؤمِنينَ ، وجارَ المُؤمِنينَ ، اقبَل قُربانِي اللَّيلَةَ ، فَما أمسَيتُ أملِكُ سِوى ما في صَحفَتي ، وغَيرَ ما يُواريني ، فَإِنَّكَ تَعلَمُ أنّي مَنَعتُهُ نَفسي مَعَ شِدَّةِ سَغَبي في طَلَبِ القُربَةِ إلَيكَ غُنما ، اللّهُمَّ فَلا تُخلِق وَجهي ، ولا تَرُدَّ دَعوَتي . فَأَتَيتُهُ حَتّى عَرَفتُهُ ، فَإِذا هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَأَتى رَجُلاً فَأَطعَمَهُ (4) .

الرسالة القشيريّة :بَكى أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام يَوما فَقيلَ لَهُ : ما يُبكيكَ ؟ فَقالَ عليه السلام : لَم يَأتِني ضَيفٌ مُنذُ سَبعَةِ أيّامٍ ، وأخافُ أن يَكونَ اللّهُ تَعالى قَد أهانَني (5) .

.


1- .تاريخ دمشق : ج42 ص523 ح9048 ، البداية والنهاية : ج8 ص9 ؛ الأمالي للصدوق : ص348 ح420 عن أحمد بن أبي المقدام العجلي نحوه .
2- .شرح نهج البلاغة : ج19 ص101 .
3- .الكافي : ج5 ص74 ح2 عن الفضل بن أبي قرّة و ح4 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص326 ح895 ، المحاسن : ج2 ص464 ح2608 كلّها عن زيد الشحّام ، مجمع البيان : ج9 ص133 عن محمّد بن قيس عن الإمام الباقر عليه السلام وزاد في آخره «من كدّ يمينه تربت منه يداه وعرق فيه وجهه» وراجع دعائم الإسلام : ج2 ص302 ح1133 والغارات : ج1 ص92 وشرح نهج البلاغة : ج2 ص202 .
4- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص76 .
5- .الرسالة القشيريّة : ص253 .

ص: 267

المناقب لابن شهر آشوب :رُوِيَ أنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يُحارِبُ رَجُلاً مِنَ المُشرِكينَ ، فَقالَ المُشرِكُ : يَابنَ أبي طالِبٍ ، هَبني سَيفَكَ ، فَرَماهُ إلَيهِ ، فَقالَ المُشرِكُ : عَجَبا يَابنَ أبي طالِبٍ ! في مِثلِ هذَا الوَقتِ تَدفَعُ إلَيَّ سَيفَكَ ! فَقالَ عليه السلام : يا هذا ، إنَّكَ مَدَدتَ يَدَ المَسأَلَةِ إلَيَّ ، ولَيسَ مِنَ الكَرَمِ أن يُرَدَّ السّائِلُ ، فَرَمَى الكافِرُ نَفسَهُ إلَى الأَرضِ وقالَ : هذِهِ سيرَةُ أهلِ الدِّينِ ، فَباسَ قَدَمَهُ وأسلَمَ (1) .

تفسير فرات عن موسى بن عيسى الأنصاري :كُنتُ جالِسا مَعَ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام بَعدَ أن صَلَّينا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله العَصرَ بِهَفَواتَ ، فَجاءَ رَجُلٌ إلَيهِ فَقالَ لَهُ : يا أبَا الحَسَنِ ! قَد قَصَدتُكَ في حاجَةٍ ، اُريدُ أن تَمضِيَ مَعي فيها إلى صاحِبِها . فَقالَ لَهُ : قُل . قالَ : إنّي ساكِنٌ في دارٍ لِرَجُلٍ فيها نَخلَةٌ ، وإنَّهُ يَهيجُ الرّيحَ فَتَسقُطُ مِن ثَمَرِها بَلَحٌ (2) وبُسرٌ ورُطَبٌ وتَمرٌ ، ويَصعَدُ الطَّيرُ فَيُلقي مِنهُ ، وأنَا آكُلُ مِنهُ ويَأكُلُ مِنهُ الصِّبيانُ مِن غَيرِ أن نَنخُسَها بِقَصَبَةٍ ، أو نَرمِيَها بِحَجَرٍ ، فَاسأَلهُ أن يَجعَلَني في حِلٍّ . قالَ : اِنهَض بِنا ، فَنَهَضتُ مَعَهُ ، فَجِئنا إلَى الرَّجُلِ ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَرَحَّبَ وفَرِحَ بِهِ وسُرَّ وقالَ : فيما جِئتَ يا أبَا الحَسَنِ ؟ قالَ : جِئتُكَ في حاجَةٍ . قالَ : تُقضى إن شاءَ اللّهُ ، قالَ : ما هِيَ ؟ قالَ : هذَا الرَّجُلُ ساكِنٌ في دارٍ لَكَ في مَوضِعِ كَذا ، وذَكَرَ أنَّ فيها نَخلَةً ، وأنَّهُ يَهيجُ الرّيحُ فَيَسقُطُ مِنها بَلَحٌ وبُسرٌ ورُطَبٌ وتَمرٌ ، ويَصعَدُ الطَّيرُ فَيُلقي مِثلَ ذلِكَ مِن غَيرِ حَجَرٍ يَرميها بِهِ ، أو قَصَبَةٍ يَنخُسُها ، اُريدُ أن تَجعَلَهُ في حِلٍّ . فَتَأَبّى عَن ذلِكَ ، وسَأَ لَهُ ثانِيا وأقبَلَ يُلِحُّ عَلَيهِ فِي المَسأَلَة

.


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص87 ، بحار الأنوار : ج41 ص69 ح2 .
2- .البَلَحُ : أوّل ما يُرطِبُ من البُسْر (النهاية : ج1 ص151) .

ص: 268

ويَتَأَبّى ، إلى أن قالَ : [و] (1) اللّهِ ، أنَا أضمَنُ لَكَ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن يُبدِلَكَ بِهذِهِ النَّخلَةِ حَديقَةً فِي الجَنَّةِ . فَأَبى عَلَيهِ ، ورَهِقَنَا المَساءُ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : تَبيعُنيها بِحَديقَتي فُلانَةَ ؟ فَقالَ لَهُ : نَعَم . قالَ فَأَشهِد لي عَلَيكَ اللّهَ وموسَى بنَ عيسَى الأَنصارِيَّ أنَّكَ قَد بِعتَها بِهذِهِ الدّارِ ؟قالَ : نَعَم ، اُشهِدُ اللّهَ وموسَى بنَ عيسى أنّي قَد بِعتُكَ هذِهِ الحَديقَةَ بِشَجَرِها ونَخلِها وثَمَرِها بِهذِهِ الدّارِ ، أ لَيسَ قَد بِعتَني هذِهِ الدّارَ بِما فيها بِهذِهِ الحَديقَةِ ؟ ولَم يَتَوَهَّم أنَّهُ يَفعَلُ . فَقالَ : نَعَم اُشهِدُ اللّهَ وموسَى بنَ عيسى عَلى أنّي قَد بِعتُكَ هذِهِ الدّارَ بِما فيها بِهذِهِ الحَديقَةِ . فَالتَفَتَ عَلِيٌّ عليه السلام إلَى الرَّجُلِ فَقالَ لَهُ : قُم فَخُذِ الدّارَ بارَكَ اللّهُ لَكَ فيها وأنتَ في حِلٍّ مِنها . ووَجَبَتِ المَغرِبُ ، وسَمِعوا أذانَ بِلالٍ ، فَقاموا مُبادِرينَ حَتّى صَلّوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله المَغرِبَ وعِشاءَ الآخِرَةِ ، ثُمَّ انصَرَفوا إلى مَنازِلِهِم ، فَلَمّا أصبَحوا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِهِمُ الغَداةَ ، وعَقَّبَ فَهُوَ يُعقِّبُ حَتّى هَبَطَ عَلَيهِ جَبرَئيلُ عليه السلام بِالوَحيِ مِن عِندِ اللّهِ ، فَأَدارَ وَجهَهُ إلى أصحابِهِ فَقالَ : مَن فَعَلَ مِنكُم في لَيلَتِهِ هذِهِ فِعلَةً ، فَقَد أنزَلَ اللّهُ بَيانَها فَمِنكُم أحَدٌ يُخبِرُني أو اُخبِرُهُ . فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام : بَل أخبِرنا يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ صلى الله عليه و آله : نَعَم ، هَبَطَ جَبرَئيلُ عليه السلام فَأَقرَأَني عَنِ اللّهِ السَّلامَ ، وقالَ لي : إنَّ عَلِيّا فَعَلَ البارِحَةَ فِعلَة ، فَقُلتُ لِحَبيبي جَبرَئيلَ عليه السلام : ما هِيَ ؟ فَقالَ : اِقرَأ يا رَسولَ اللّهِ ، فَقُلتُ : وما أقرَأُ ؟ فَقالَ : اِقرَأ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ * وَ الَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَ النَّهَارِ إِذَا

.


1- .ما بين القوسين أثبتناه من بحار الأنوار.

ص: 269

تَجَلَّى * وَ مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى» إلى قَولِهِ «وَ لَسَوْفَ يَرْضَى» (1) أنتَ يا عَلِيُّ أ لَستَ صَدَّقتَ بِالجَنَّةِ ، وصَدَّقتَ بِالدّارِ عَلى ساكِنِها بَدَلَ الحَديقَةِ ؟ فَقالَ عليه السلام : نَعَم ، يا رَسولَ اللّهِ . قالَ صلى الله عليه و آله : فَهذِهِ سورَةٌ نَزَلَت فيكَ ، وهذا لَكَ . فَوَثَبَ صلى الله عليه و آله إلى أميرِ المُؤمِنينَ ، فَقَبَّلَ بَينَ عَينَيهِ وضَمَّهَ إلَيهِ ، وقالَ لَهُ : أنتَ أخي وأنَا أخوكَ (2) .

المناقب لابن شهر آشوب_ في حِلمِ عَلِيٍّ عليه السلام _: وجاءَهُ أبو هُرَيرَةَ _ وكانَ تَكَلَّمَ (3) فيهِ ، وأسمَعَهُ فِي اليَومِ الماضي _ وسَأَلَهُ حوائِجَهُ فَقَضاها ، فَعاتَبَهُ أصحابُهُ عَلى ذلِكَ ، فَقالَ : إنّي لَأَستَحيي أن يَغلِبَ جَهلُهُ عِلمي ، وذَنبُهُ عَفوي ، ومَسأَلَتُهُ جودي (4) .

شرح نهج البلاغة عن الشعبي_ في وَصفِ سَخاءِ الإِمامِ عليه السلام _: كانَ أسخَى النّاسِ ، كانَ عَلَى الخُلُقِ الَّذي يُحِبُّهُ اللّهُ : السَّخاءِ وَالجودِ ، ما قالَ : «لا» لِسائلٍ قَطُّ (5) .

شرح نهج البلاغة :وقالَ عَدُوُّهُ ومُبغِضُهُ الَّذي يَجتَهِدُ في وَصمِهِ وعَيبِهِ _ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ _ لِمِحفَنِ بنِ أبي مِحفَنٍ الضَّبِّيِّ لَمّا قالَ لَهُ : جِئتُكَ مِن عِندِ أبخَلِ النّاسِ ، فَقالَ : وَيحَكَ ! كَيفَ تَقولُ : إنَّهُ أبخَلُ النّاسِ ؟ لَو مَلِكَ بَيتا مِن تِبرٍ وبَيتا مِن تِبنٍ ، لَأَنفَدَ تِبرَهُ قَبلَ تِبنِهِ (6) .

.


1- .الليل : 1 _ 21 .
2- .تفسير فرات : ص566 ح726 و ص565 ح725 عن الإمام زين العابدين عليه السلام نحوه، بحار الأنوار: ج41 ص37 ح16 و 15 .
3- .في المصدر : «يكلّم» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
4- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص114 ، بحار الأنوار : ج41 ص49 ح1 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص22 وراجع الصراط المستقيم : ج1 ص162 .
6- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص22 ؛ الصراط المستقيم : ج1 ص162 وفيه «محقن الضبّي» بدل «محفن بن أبي محفن الضبّي» وراجع تاريخ دمشق : ج42 ص414 والإمامة والسياسة : ج1 ص134 وشرح الأخبار : ج2 ص99 وكشف الغمّة : ج2 ص47 .

ص: 270

2 / 13 التّواضع عن رفعة

شرح نهج البلاغة_ في بَيانِ فَضائِلِ عَلِيٍّ عليه السلام _: وأمَّا السَّخاءُ وَالجودُ ؛ فَحالُهُ فيهِ ظاهِرَةٌ ، وكانَ يَصومُ ويَطوي ويُؤثِرُ بِزادِهِ ، وفيهِ اُنزِلَ : «وَ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَ يَتِيمًا وَ أَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَ لَا شُكُورًا» (1) . ورَوَى المُفَسِّرونَ : أنَّهُ لَم يَكُن يَملِكُ إلّا أربَعَةَ دَراهِمَ ؛ فَتَصَدَّقَ بِدِرهَمٍ لَيلاً ، وبِدِرهَمٍ نَهارا ، وبِدِرهَمٍ سِرّا ، وبِدِرهَمٍ عَلانِيَةً ، فَاُنزِلَ فيهِ : «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَ لَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً» (2) . (3)

راجع : ص 443 (إمام المتصدّقين) و ج 4 ص 381 (الولي المتصدّق في الركوع) و ص 384 (الذي ينفق ماله بالليل والنهار سرّا و علانية) و ص 414 (الاُسرة)، و ص 427 (قاضي دَيني) .

2 / 13التَّواضُعُ عَن رِفعَةٍفضائل الصحابة عن زاذان :رَأَيتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام يُمسِكُ الشُّسوعَ بِيَدِهِ ، يَمُرُّ فِي الأَسواقِ ، فَيُناوِلُ الرَّجُلَ الشِّسعَ ، ويُرشِدُ الضّالَّ ، ويُعينُ الحَمّالَ عَلَى الحَمولَةِ وهُوَ يَقرَأُ هذِهِ الآيَةَ : «تِلْكَ الدَّارُ الْأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَ الْعَ_قِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (4) ثُمَّ يَقولُ : هذِهِ الآيَةُ اُنزِلَت فِي الوُلاةِ وذَوِي القُدرَةِ مِنَ النّاسِ (5) .

.


1- .الإنسان : 8 و 9 .
2- .البقرة : 274 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص21 وراجع الصراط المستقيم : ج1 ص162 .
4- .القصص : 83 .
5- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص621 ح1064 و ج1 ص345 ح497 وراجع تاريخ دمشق : فج42 ص489 والبداية والنهاية : ج8 ص5 والمناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص104 .

ص: 271

فضائل الصحابة عن صالح بيّاع الأكسية عن اُمّه أو جدّته :رَأَيتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ اشتَرى تَمرا بِدِرهَمٍ ، فَحَمَلَهُ في مِلحَفَتِهِ ، فَقالوا : نَحمِلُ عَنكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : لا ، أبُو العِيالِ أحَقُّ أن يَحمِلَ (1) .

الغارات عن صالح :أنَّ جَدَّتَهُ أتَت عَلِيّاً عليه السلام ومَعَهُ تَمرٌ يَحمِلُهُ ، فَسَلَّمَت وقالَت : أعطِني هذَا التَّمرَ أحمِلهُ ، قالَ : أبُو العِيالِ أحَقُّ بِحَملِهِ . قالَت : وقالَ : أ لا تَأكُلينَ مِنهُ ؟ قالَت : قُلتُ : لا اُريدُهُ . قالَت : فَانطَلَقَ بِهِ إلى مَنزِلِهِ ثُمَّ رَجَعَ وهُوَ مُرتَدٍ بِتِلكَ المِلحَفَةِ وفيها قُشورُ التَّمرِ ، فَصَلّى بِالنّاسِ فيهَا الجُمُعَةَ (2)

المناقب لابن شهر آشوب عن أبي طالب المكّي :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَحمِلُ التَّمرَ وَالمِلحَ بِيَدِهِ ويَقولُ : لا يَنقُصُ الكامِلَ مِن كَمالِهِ ما جَرَّ مِن نَفعٍ إلى عِيالِهِ (3)

المناقب لابن شهر آشوب عن أبي الحسن البلخي_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّهُ اجتازَ بِسوقِ الكوفَةِ ، فَتَعَلَّقَ بِهِ كُرسِيٌّ ، فَتَخَرَّقَ قَميصُهُ ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ ، ثُمَّ جاءَ بِهِ إلَى الخَيّاطينَ فَقالَ : خيطوا لي ذا بارَكَ اللّهُ فيكُم (4) .

تاريخ دمشق عن صالح بن أبي الأسود عمّن حدّثه :أنَّهُ رَأى عَلِيّا عليه السلام قَد رَكِبَ حِمارا ودَلّى رِجلَيهِ إلى مَوضِعٍ واحِدٍ ، ثُمَّ قالَ : أنَا الَّذي أهَنتُ الدُّنيا (5) .

.


1- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص546 ح916 ، الزهد لابن حنبل : ص165 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص443 ، تاريخ دمشق : ج42 ص489 ، شرح نهج البلاغة : ج2 ص202 نحوه ، البداية والنهاية : ج8 ص5 ؛ الغارات : ج1 ص89 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص104 كلاهما نحوه ، تنبيه الخواطر : ج1 ص23 .
2- .الغارات : ج1 ص89 ؛ شرح نهج البلاغة : ج2 ص202 .
3- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص104، إتحاف السادة : ج6 ص370 من دون إسنادٍ إلى المعصوم.
4- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص96 .
5- .تاريخ دمشق : ج42 ص489 ، البداية والنهاية : ج8 ص5 .

ص: 272

الإمام العسكري عليه السلام :مَن تَواضَعَ فِي الدُّنيا لِاءِخوانِهِ ، فَهُوَ عِندَ اللّهِ مِنَ الصِّدّيقينَ ، ومِن شيعَةِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام حَقّا ، ولَقَد وَرَدَ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أخَوانِ لَهُ مُؤمِنانِ أبٌ وَابنٌ ، فَقامَ إلَيهِما ، وأكرَمَهُما ، وأجلَسَهُما في صَدرِ مَجلِسِهِ ، وجَلَسَ بَينَ أيديهِما ، ثُمَّ أمَرَ بِطَعامٍ فاُحضِرَ ، فَأَكَلا مِنهُ ، ثُمَّ جاءَ قَنبَرٌ بِطَستٍ وإبريقِ خَشَبٍ ومِنديلٍ لِيَيبَسَ ، وجاءَ لِيَصُبَّ عَلى يَدِ الرَّجُلِ ماءً ، فَوَثَبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَأَخَذَ الإِبريقَ لِيَصُبَّ عَلى يَدِ الرَّجُلِ ، فَتَمَرَّغَ الرَّجُلُ فِي التُّرابِ وقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اللّهُ يَراني وأنتَ تَصُبُّ عَلى يَدي ؟ ! قالَ : اُقعُد وَاغسِل يَدَكَ ؛ فَإِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يَراكَ وأخوكَ الَّذي لا يَتَمَيَّزُ مِنكَ ، ولا يَتَفَضَّلُ عَلَيكَ يَخدُمُكَ ، يُريدُ بِذلِكَ خِدمَةً فِي الجَنَّةِ مِثلَ عَشَرَةِ أضعافِ عَدَدِ أهلِ الدُّنيا ، وعَلى حَسَبِ ذلِكَ في مَمالِكِهِ فيها . فَقَعَدَ الرَّجُلُ فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : أقسَمتُ عَلَيكَ بِعَظيمِ حَقِّي الَّذي عَرَفتَهُ وبَجَّلتَهُ ، وتَواضُعِكَ للّهِ حَتّى جازاكَ عَنهُ بِأَن نَدَبَني لِما شَرَّفَكَ بِهِ مِن خِدمَتي لَكَ ، لَمّا غَسَلتَ يَدَكَ مُطمَئِنّا كَما كُنتَ تَغسِلُ لَو كانَ الصّابُّ عَلَيكَ قَنبَرا ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذلِكَ . فَلَمّا فَرَغَ ناوَلَ الإِبريقَ مُحَمَّدَ ابنَ الحَنَفِيَّةِ وقالَ : يا بُنَيَّ ، لَو كانَ هذَا الاِبنُ حَضَرَني دونَ أبيهِ لَصَبَبتُ عَلى يَدِهِ ، ولكِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يَأبى أن يُسَوِّيَ بَينَ ابنٍ وأبيهِ إذا جَمَعَهُما مَكانٌ ، لكِن قَد صَبَّ الأَبُ عَلَى الأَبِ ، فَليَصُبَّ الاِبنُ عَلَى الاِبنِ ، فَصَبَّ مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِيَّةِ عَلَى الاِبنِ (1) .

راجع : ص 251 (زينة الزهد) .

.


1- .الاحتجاج : ج2 ص518 ح340 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص107 ، التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : ص325 ح173 وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص105 .

ص: 273

2 / 14 الخشونة في ذات اللّه

2 / 15 الجمع بين الأضداد

2 / 14الخُشونَةُ في ذاتِ اللّهِمسند ابن حنبل عن أبي سعيد الخدري :اِشتَكى عَلِيّاً النّاسُ . قالَ : فَقامَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فينا خَطيبا ، فَسَمِعتُهُ يَقولُ : أيُّهَا النّاسُ ! لا تَشكوا عَلِيّا ؛ فَوَاللّهِ إنَّهُ لَأَخشَنُ في ذاتِ اللّهِ ، أو في سَبيلِ اللّهِ (1) .

الإرشاد :أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُنادِيَهُ فَنادى فِي النّاسِ : اِرفَعوا ألسِنَتَكُم عَن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّهُ خَشِنٌ في ذاتِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ غَيرُ مُداهِنٍ في دينِهِ (2) .

الإمام عليّ عليه السلام :وَاللّهِ لا اُداهِنُ في ديني (3) .

عنه عليه السلام :إنّي لَو قُتِلتُ في ذاتِ اللّهِ وحَييتُ ، ثُمَّ قُتِلتُ ثُمَّ حَييتُ سَبعينَ مَرَّةً ، لَم أرجِع عَنِ الشِّدَّةِ في ذاتِ اللّهِ ، وَالجِهادِ لِأَعداءِ اللّهِ (4) .

2 / 15الجَمعُ بَينَ الأَضدادِنهج البلاغة_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: ومِن عَجائِبِهِ عليه السلام الَّتِي انفَرَدَ بِها وأمِنَ المُشارَكَةَ فيها ، أنَّ كَلامَهُ الوارِدَ فِي الزُّهدِ وَالمَواعِظِ ، وَالتَّذكيرِ وَالزَّواجِرِ ، إذا تَأَمَّلَهُ المُتَأَمِّلُ ، وفَكَّرَ فيهِ المُتَفَكِّرُ ، وخَلَعَ مِن قَلبِهِ أنَّهُ كَلامُ مِثلِهِ مِمَّن عَظُمَ قَدرُهُ ، ونَفَذَ أمرُهُ ، وأحاط

.


1- .مسند ابن حنبل : ج4 ص172 ح11817 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص145 ح4654 ، السيرة النبويّة لابن هشام : ج4 ص250 ، البداية والنهاية : ج5 ص209 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص679 ح1161 ، تاريخ دمشق : ج42 ص199 ح8668 ، حلية الأولياء : ج1 ص68 ، الصواعق المحرقة : ص124 وفي الأربعة الأخيرة «لهو اُخيشن» بدل «إنّه لأخشن» .
2- .الإرشاد : ج1 ص173 ، إعلام الورى : ج1 ص260 عن الإمام الصادق عليه السلام وفيه إلى «ذات اللّه عزّ وجلّ» .
3- .مروج الذهب : ج2 ص364 .
4- .وقعة صفّين : ص471 ؛ شرح نهج البلاغة : ج15 ص123 .

ص: 274

بِالرِّقابِ مُلكُهُ ، لَم يَعتَرِضهُ الشَّكُّ في أنَّهُ كَلامُ مَن لا حَظَّ لَهُ في غَيرِ الزَّهادَةِ ، ولا شُغلَ لَهُ بِغَيرِ العِبادَةِ ، قَد قَبَعَ في كِسرِ بَيتٍ ، أوِ انقَطَعَ إلى سَفحِ جَبَلٍ ، ولا يَسمَعُ إلّا حِسَّهُ ، ولَا يَرى إلّا نَفَسَهُ . ولا يَكادُ يوقِنُ بِأَنَّهُ كَلامُ مَن يَنغَمِسُ فِي الحَربِ مُصلِتا سَيفَهُ ، فَيَقُطُّ الرِّقابَ ، ويُجَدِّلُ الأَبطالَ ، ويَعودُ بِهِ يَنطِفُ دَما ، ويَقطُرُ مُهَجا ، وهُوَ مَعَ تِلكَ الحالِ زاهِدُ الزُّهّادِ ، وبَدَلُ الأَبدالِ . وهذِهِ مِن فَضائِلِهِ العَجيبَةِ ، وخَصائِصِهِ اللَّطيفَةِ ، الَّتي جَمَعَ بِها بَينَ الأَضدادِ ، وألَّفَ بَينَ الأَشتاتِ (1) .

شرح نهج البلاغة :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ذا أخلاقٍ مُتَضادَّةٍ : فَمِنها ما قَد ذَكَرَهُ الرَّضِيُّ رحمه الله ، وهُوَ مَوضِعُ التَّعَجُّبِ ؛ لِأَنَّ الغالِبَ عَلى أهلِ الشَّجاعَةِ وَالإِقدامِ وَالمُغامَرَةِ وَالجُرأَةِ أن يَكونوا ذَوي قُلوبٍ قاسِيَةٍ ، وفَتكٍ وتَمَرُّدٍ وجَبَرِيَّةٍ (2) ، وَالغالِبَ عَلى أهلِ الزُّهدِ ورَفضِ الدُّنيا وهِجرانِ مَلاذِّها وَالاِشتِغالِ بِمَواعِظِ النّاسِ ، وتَخويفِهِمُ المَعادَ ، وتَذكيرِهِمُ المَوتَ ، أن يَكونوا ذَوي رِقَّةٍ ولينٍ ، وضَعفِ قَلبٍ ، وخَوَرِ طَبعٍ ، وهاتانِ حالَتانِ مُتَضادَّتانِ ، وقَدِ اجتَمَعَتا لَهُ عليه السلام . ومِنها : أنَّ الغالِبَ عَلى ذَوِي الشَّجاعَةِ وإراقَةِ الدِّماءِ أن يَكونوا ذَوي أخلاقٍ سَبُعِيَّةٍ ، وطِباعٍ حوشِيَّةٍ ، وغَرائِزَ وَحشِيَّةٍ ، وكَذلِكَ الغالِبَ عَلى أهلِ الزَّهادَةِ وأربابِ الوَعظِ وَالتَّذكيرِ ورَفضِ الدُّنيا أن يَكونوا ذَوِي انقِباضٍ فِي الأَخلاقِ ، وعَبوسٍ في الوُجوهِ ، ونِفارٍ مِنَ النّاسِ وَاستيحاشٍ . وأميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام كانَ أشجَعَ النّاسِ وأعظَمَهُم إراقةً لِلدَّمِ ، وأزهَدَ النّاسِ وأبعَدَهُم

.


1- .نهج البلاغة : المقدّمة ص35 .
2- .الجَبَريّة : الكِبْر (لسان العرب : ج4 ص113) .

ص: 275

عَن مَلاذِّ الدُّنيا ، وأكثَرَهُم وَعظا وتَذكيرا بِأَيّامِ اللّهِ ومَثُلاتِهِ (1) ، وأشَدَّهُمُ اجتِهادا فِي العِبادَةِ وآدابا لِنَفسِهِ فِي المُعامَلَةِ . وكانَ مَعَ ذلِكَ ألطَفَ العالَمِ أخلاقا ، وأسفَرَهُم وَجها ، وأكثَرَهُم بِشرا ، وأوفاهُم هَشاشَةً ، وأبعَدَهُم عَنِ انقِباضٍ موحِشٍ ، أو خُلُقٍ نافِرٍ ، أو تَجَهُّمٍ مُباعِدٍ ، أو غِلظَةٍ وفَظاظَةٍ تَنفِرُ مَعَهُما نَفسٌ ، أو يَتَكَدَّرُ مَعَهُما قَلبٌ . حَتّى عيبَ بِالدُّعابَةِ ، ولَمّا لَم يَجِدوا فيهِ مَغمَزا ولا مَطعَنا تَعَلَّقوا بِها ، وَاعتَمَدوا فِي التَّنفيرِ عَنهُ عَلَيها «وتِلكَ شَكاةٌ ظاهِرٌ عَنكَ عارُها» . وهذا مِن عَجائِبِهِ وغَرائِبِهِ اللَّطيفَةِ . ومِنها : أنَّ الغالِبَ عَلى شُرَفاءِ النّاسِ ومَن هُوَ مِن أهلِ بَيتِ السِّيادَةِ وَالرِّياسَةِ أن يَكونَ ذا كِبرٍ وتيهٍ وتَعَظُّمٍ وتَغَطرُسٍ ، خُصوصا إذا اُضيفَ إلى شَرَفِهِ مِن جَهَةِ النَّسَبِ شَرَفُهُ مِن جِهَاتٍ اُخرى ، وكانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام في مُصاصِ (2) الشَّرَفِ ومَعدِنِهِ ومَعانيهِ ، لا يَشُكُّ عَدُوٌّ ولا صِدّيقٌ أنَّهُ أشرَفُ خَلقِ اللّهِ نَسَبا بَعدَ ابنِ عَمِّهِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ . وقَد حَصَلَ لَهُ مِنَ الشَّرَفِ غَيرَ شَرَفِ النَّسَبِ جِهاتٌ كَثيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ ، قَد ذَكَرنا بَعضَها ، ومَعَ ذلِكَ فَكانَ أشَدَّ النّاسِ تَواضُعا لِصَغيرٍ وكَبيرٍ ، وأليَنَهُم عَريكَةً ، وأسمَحَهُم خُلُقا ، وأبعَدَهُم عَنِ الكِبرِ ، وأعرَفَهُم بِحَقٍّ ، وكانَت حالُهُ هذِهِ في كِلا زَمانَيهِ : زَمانِ خِلافَتِهِ ، وَالزَّمانِ الَّذي قَبلَهُ ، لَم تُغَيِّرهُ الإِمرَةُ ، ولا أحالَت خُلُقَهُ الرِّياسَةُ ، وكَيفَ تُحيلُ الرِّياسَةُ خُلُقَهُ وما زالَ رَئيسا ! وكَيفَ تُغَيِّرُ الإِمرَةُ سَجِيَّتَهُ وما بَرِحَ أميرا ! لَم يَستَفِد بِالخِلافَةِ شَرَفا ، ولَا اكتَسَبَ بِها زينَةً ! بَل هُوَ كَما قالَ أبو عَبدِ اللّهِ أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ ، ذَكَرَ ذلِكَ الشَّيخُ أبُو الفَرَج

.


1- .المَثُلات : الأشباه والأمثال ممّا يعتبر به (مجمع البحرين : ج3 ص1671) .
2- .المُصاص : خالص كلّ شيء (لسان العرب : ج7 ص91) .

ص: 276

عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَلِيِّ بنِ الجوزِيِّ في تاريخِهِ المَعروفِ بِالمُنتَظَمِ : تَذاكَروا عِندَ أحمَدَ خِلافَةَ أبي بَكرٍ وعَلِيٍّ وقالوا فَأَكثَروا ، فَرَفَعَ رَأسَهُ إلَيهِم ، وقالَ : قَد أكثَرتُم ! إنَّ عَلِيّا لَم تَزِنهُ الخِلافَةُ ، ولكِنَّهُ زانَها . وهذَا الكَلامُ دالٌّ بِفَحواهُ ومَفهومِهِ عَلى أنَّ غَيرَهُ ازدانَ بِالخِلافَةِ وتَمَّمَت نَقصَهُ ، وأنَّ عَلِيّا عليه السلام لَم يَكُن فيهِ نَقصٌ يَحتاجُ إلى أن يُتَمَّمَ بِالخِلافَةِ ، وكانَتِ الخِلافَةُ ذاتَ نَقصٍ في نَفسِها ، فَتَمَّ نَقصُها بِوِلايَتِهِ إيّاها . ومِنها : أنَّ الغالِبَ عَلى ذَوِي الشَّجاعَةِ وقَتلِ الأَنفُسِ وإراقَةِ الدِّماءِ أن يَكونوا قَليلَيِ الصَّفحِ ، بَعيدَيِ العَفوِ ؛ لِأَنَّ أكبادَهُم واغِرَةٌ (1) ، وقُلوبَهُم مُلتَهِبَةٌ ، وَالقُوَّةَ الغَضَبِيَّةَ عِندَهُم شَديدَةٌ ، وقَد عَلِمتَ حالَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام في كَثرَةِ إراقَةِ الدَّمِ وما عِندَهُ مِنَ الحِلمِ وَالصَّفحِ ، ومُغالَبَةِ هَوَى النَّفسِ ، وقَد رَأَيتَ فِعلَهُ يَومَ الجَمَلِ ، ولَقَد أحسَنَ مَهيارُ في قَولِهِ : حَتّى إذا دارَت رَحى بَغيِهِمْ عَلَيهِمُ وسَبَقَ السَّيفُ العَذَلْ عاذوا بِعَفوٍ ماجِدٍ مُعَوَّدٍ لِلعَفوِ حَمّالٍ لَهُم عَلَى العِلَلْ فَنَجَّتِ البُقيا عَلَيهِم مَن نَجا وأَكَلَ الحَديدُ مِنهُم مَن أكَلْ أطَّت بِهِم أرحامُهُم فَلَم يُطِعْ ثائِرَةَ الغَيظِ ولَم يُشفِ الغُلَلْ ومِنها : أنّا ما رَأَينا شُجاعا جَوادا قَطُّ ،كانَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ شُجاعا ؛ وكانَ أبخَلَ النّاسِ ، وكانَ الزُّبَيرُ أبوهُ شُجاعا ؛ وكانَ شَحيحا ، قالَ لَهُ عُمَرُ : لَو وُلِّيتَها لَظِلتَ تُلاطِمُ النّاسَ فِي البَطحاءِ عَلَى الصّاعِ وَالمُدِّ . وأرادَ عَلِيٌّ عليه السلام أن يَحجُرَ عَلى عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ لِتَبذيرِهِ المالَ ، فَاحتالَ لِنَفسِهِ ،

.


1- .الوَغَر : الغِلّ والحرارة (النهاية : ج5 ص208) .

ص: 277

فَشارَكَ الزُّبَيرَ في أموالِهِ وتِجاراتِهِ ، فَقالَ عليه السلام : أما إنَّهُ قَد لاذَ بِمَلاذٍ ، ولَم يَحجُر عَلَيهِ . وكانَ طَلحَةُ شُجاعا ؛ وكانَ شَحيحا ، أمسَكَ عَنِ الإِنفاقِ حَتّى خَلَّفَ مِنَ الأَموالِ ما لا يَأتي عَلَيهِ الحَصرُ . وكانَ عَبدُ المَلِكِ شُجاعا ؛ وكانَ شَحيحا ، يُضرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الشُّحِّ ، وسُمِّيَ رَشحَ الحَجَرِ لِبُخلِهِ . وقَد عَلِمتَ حالَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فِي الشَّجاعَةِ وَالسَّخاءِ كَيفَ هِيَ ، وهذا مِن أعاجيبِهِ أيضا عليه السلام (1) .

المناقب لابن شهر آشوب عن أبي عليّ سينا :لَم يَكُن شُجاعا فيلَسوفا قَطُّ إلّا عَلِيٌّ عليه السلام (2) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص50 _ 53 .
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص49 .

ص: 278

. .

ص: 279

الفصل الثالث : الخصائص العمليّة

3 / 1 إمام المصلّين

3 / 1 _ 1 أوّل من صلّى مع النّبيّ

الفصل الثالث : الخصائص العمليّة3 / 1إمامُ المُصَلّينَ3 / 1 _ 1أوَّلُ مَن صَلّى مَعَ النَّبِيِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أوَّلُ مَن صَلّى مَعي عَلِيٌّ (1) .

عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هذا أوَّلُ مَن آمَنَ بي وصَدَّقَني وصَلّى مَعي (2) .

عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ أنتَ أوَّلُ مَن آمَنَ بي وصَدَّقَني ، وأنتَ أوَّلُ مَن أعانَني عَلى أمري ، وجاهَدَ مَعي عَدُوّي ، وأنتَ أوَّلُ مَن صَلّى مَعي وَالنّاسُ يَومَئِذٍ في غَفلَةِ الجَهالَةِ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام :أنَا أَوّلُ مَن صَلّى مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (4) .

.


1- .الفردوس : ج1 ص27 ح39 ، فرائد السمطين : ج1 ص245 ح190 ، كنز العمّال : ج11 ص616 ح32992 كلّها عن ابن عبّاس ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص14 عن زيد بن أرقم وابن عبّاس .
2- .شرح نهج البلاغة : ج13 ص225 عن الشعبي .
3- .عيون أخبار الرضا : ج1 ص303 ح63 ، بشارة المصطفى : ص220 كلاهما عن إبراهيم بن أبي محمود و ص125 عن رزين وكلّها عن الإمام الرضا عن آبائه عن الإمام الحسين عليهم السلام .
4- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص590 ح999 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص32 ح1 ، اُسد الغابة : ج4 ص90 ح3789 ، أنساب الأشراف : ج2 ص346 ، تاريخ دمشق : ج42 ص31 ، مسند ابن حنبل : ج1 ص297 ح1191 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص498 ح22 وفيهما «أنا أوّل رجل . . .» ، الطبقات الكبرى : ج3 ص21 وفيه «أنا أوّل من صلّى» ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص269 ح180 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص15 كلّها عن حبّة العرني .

ص: 280

رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَقَد صَلَّتِ المَلائِكَةُ عَلَيَّ وعَلى عَلِيٍّ سَبعَ سِنينَ ؛ لِأَ نّا كُنّا نُصَلّي لَيسَ مَعَنا أحَدٌ يُصَلّي غَيرَنا (1) .

الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أوَّلُ مَن أنابَ ، وسَمِعَ وأجابَ ، لَم يَسبِقني إلّا رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله بِالصَّلاةِ (2) .

عنه عليه السلام :لَم يَسبِقني بِصَلاتي مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أحَدٌ (3) . (4)

عنه عليه السلام :صَلَّيتُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَذا وكَذا لا يُصَلّي مَعَهُ غَيري إلّا خَديجَةُ (5) .

عنه عليه السلام :أنَا عَبدُ اللّهِ وأخو رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وأنَا الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، لا يَقولُها بَعدي إلّا كَذّابٌ ، صَلَّيتُ قَبلَ النّاسِ لِسَبعِ سِنينَ (6) .

عنه عليه السلام :لَقَد صَلَّيتُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله سَبعَ حِجَجٍ ، ما يُصَلّي مَعَهُ غَيري إلّا خَديجَةُ بِنت

.


1- .تاريخ دمشق : ج42 ص39 ح8364 ؛ كنز الفوائد : ج1 ص272 ، الفصول المختارة : ص262 ، المناقب للكوفي : ج1 ص283 ح19 كلّها عن أبي أيّوب الأنصاري .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 131 .
3- .في المصدر : «حد» وهو تصحيف .
4- .وقعة صفّين : ص314 ، الأمالي للصدوق : ص491 ح668 نحوه ؛ شرح نهج البلاغة : ج5 ص248 كلّها عن جابر عن الإمام الباقر عليه السلام .
5- .الاستيعاب : ج3 ص201 ح1875 .
6- .سنن ابن ماجة : ج1 ص44 ح120 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص121 ح4584 وفيه «إنّي» بدل «أنا» ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص587 ح993 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص38 ح6 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص498 ح21 ، السنّة لابن أبي عاصم : ص584 ح1324 ، تاريخ الطبري : ج2 ص310 ، البداية والنهاية : ج3 ص26 ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص260 ح172 وزاد في الأربعة الأخيرة «مفترٍ» بعد «كذّاب» ، الخصال : ص402 ح110 كلّها عن عبّاد بن عبد اللّه .

ص: 281

خُوَيلِدٍ ، ولَقَد رَأَيتُني أدخُلُ مَعَهُ الوادِيَ ، فَلا نَمُرُّ بِحَجَرٍ ولا شَجَرٍ إلّا قالَ : السَّلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللّهِ ، وأنَا أسمَعُهُ (1) .

عنه عليه السلام :لَقَد صَلَّيتُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ثَلاثَ سِنينَ قَبلَ أن يُصَلِّيَ مَعَهُ أحَدٌ مِنَ النّاسِ (2) .

سنن الترمذي عن ابن عبّاس :أوَّلُ مَن صَلّى عَلِيٌّ عليه السلام (3) .

مسند ابن حنبل عن زيد بن أرقم :أوَّلُ مَن صَلّى مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيٌّ عليه السلام (4) .

الطبقات الكبرى عن مجاهد :أوَّلُ مَن صَلّى عَلِيٌّ عليه السلام وهُوَ ابنُ عَشرِ سِنينَ (5) .

مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس :أوَّلُ مَن صَلّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بَعدَ خَديجَةَ عَلِيٌّ عليه السلام (6) .

سنن الترمذي عن أنس :بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَومَ الإِثنَينِ ، وصَلّى عَلِيٌّ يَومَ الثُّلاثاءِ (7) .

المستدرك على الصحيحين عن بريدة :اِنطَلَقَ أبو ذَرٍّ ونُعَيمٌ ابنُ عَمِّ أبي ذَرٍّ وأنَا مَعَهُم نَطلُب

.


1- .كنز الفوائد : ج1 ص272 عن عباد بن يزيد .
2- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص682 ح1166 و ح1165 ؛ الأمالي للطوسي : ص261 ح473 كلّها عن عبد اللّه بن نجيّ ، المناقب للكوفي : ج1 ص297 ح221 عن نجيّ الحضرمي ، الفصول المختارة : ص261 عن عبد اللّه بن يحيى الحضرمي نحوه ، شرح الأخبار : ج1 ص177 ح135 عن ابن يحيى .
3- .سنن الترمذي : ج5 ص642 ح3734 ، تاريخ دمشق : ج42 ص35 ، تاريخ الطبري : ج2 ص310 ، البداية والنهاية : ج3 ص26 .
4- .مسند ابن حنبل: ج7 ص79 ح19304 وص82 ح19322، فضائل الصحابة لابن حنبل: ج2 ص610 ح1040، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص33 ح2 و ص34 ح4 ، مسند الطيالسي : ص93 ح678 ، تاريخ دمشق : ج42 ص37 و 38 ، أنساب الأشراف : ج2 ص347 ، الاستيعاب : ج3 ص201 ح1875 ، المناقب للخوارزمي : ص56 ح22 ؛ الفصول المختارة : ص263 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص14 ، الخصال : ص210 ح33 عن ابن عبّاس .
5- .الطبقات الكبرى : ج3 ص21 ، تاريخ دمشق : ج42 ص26 .
6- .مسند ابن حنبل : ج1 ص799 ح3542 ، مسند الطيالسي : ص360 ح2753 ، تاريخ دمشق : ج42 ص35 ، الاستيعاب : ج3 ص198 ح1875 ، شرح نهج البلاغة : ج4 ص117 .
7- .سنن الترمذي : ج5 ص640 ح3728 ، تاريخ دمشق : ج42 ص29 ، الاستيعاب : ج3 ص200 ح1875 ، تاريخ الطبري : ج2 ص310 ، البداية والنهاية : ج3 ص26 كلاهما عن جابر ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص14 .

ص: 282

رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وهُوَ بِالجَبَلِ مُكتَتِمٌ ، فَقالَ أبو ذَرٍّ : يا مُحَمَّدُ ، أتَيناكَ نَسمَعُ ما تَقولُ وإلى ما تَدعو ؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أقولُ : لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وإنّي رَسولُ اللّهِ . فَآمَنَ بِهِ أبو ذَرٍّ وصاحِبُهُ وآمَنتُ بِهِ ، وكانَ عَلِيٌّ في حاجَةٍ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أرسَلَهُ فيها . واُوحِيَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ الإِثنَينِ ، وصَلّى عَلِيٌّ يَومَ الثُّلاثاءِ (1) .

المعجم الكبير عن أبي رافع :صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله غَداةَ الإِثنَينِ ، وصَلَّت خَديجَةُ يَومَ الإِثنَينِ مِن آخِرِ النَّهارِ ، وصَلّى عَلِيٌّ عليه السلام يَومَ الثُّلاثاءِ ، فَمَكَثَ عَلِيٌّ عليه السلام يُصَلّي مُستَخفِيا سَبعَ سِنينَ وأشهُرا قَبلَ أن يُصَلِّيَ أحَدٌ (2) .

المستدرك على الصحيحين عن أبي رافع :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله صَلّى يَومَ الإِثنَينِ ، وصَلَّت مَعَهُ خَديجَةُ ، وإنَّهُ عَرَضَ عَلى عَلِيٍّ يَومَ الثُّلاثاءِ الصَّلاةَ ... فَصَلّى مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ الثُّلاثاءِ (3) .

تذكرة الخواصّ عن ابن عبّاس :أوَّلُ مَن رَكَعَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَنَزَلَت فيهِ هذِهِ الآيَةُ : «وَ أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَ ءَاتُواْ الزَّكَوةَ وَ ارْكَعُواْ مَعَ الرَّ كِعِينَ» (4)(5) .

المناقب للخوارزمي عن ابن عبّاس_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ ارْكَعُواْ مَعَ الرَّ كِعِينَ» _: إنَّها نَزَلَت في رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وعَلِيٍّ خاصَّةً ، وهُما أوَّلُ مَن صَلّى ورَكَعَ (6) .

.


1- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص121 ح4586 .
2- .المعجم الكبير : ج1 ص320 ح952 ، تاريخ دمشق : ج42 ص28 ، المناقب للخوارزمي : ص57 ح24 ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص285 ح202 ، كنز الفوائد : ج1 ص272 كلّها نحوه ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص15 وفيه إلى «يوم الثلاثاء» .
3- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص201 ح4841 .
4- .البقرة : 43 .
5- .تذكرة الخواصّ : ص13 .
6- .المناقب للخوارزمي : ص280 ح274 ، النور المشتعل : ص40 ح1 ، شواهد التنزيل : ج1 ص111 فح124 ؛ تفسير فرات : ص59 ح20 ، تفسير الحبري : ص237 ح5 ، كشف الغمّة : ج1 ص325 ، تأويل الآيات الظاهرة : ج1 ص53 ح29 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص13 عن ابن عبّاس والإمام الباقر عليه السلام .

ص: 283

3 / 1 _ 2 اهتمامه بأوّل الوقت
3 / 1 _ 3 صلاته صلاة رسول اللّه

3 / 1 _ 2اِهتِمامُهُ بِأَوَّلِ الوَقتِإرشاد القلوب :كانَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] يَوما في حَربِ صِفّينَ مُشتَغِلاً بِالحَربِ وَالقِتالِ ، وهُوَ مَعَ ذلِكَ بَينَ الصَّفَّينِ يَرقُبُ الشَّمسَ ، فَقالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما هذَا الفِعلُ ؟ فَقالَ عليه السلام : أنظُرُ إلَى الزَّوالِ حَتّى نُصَلِّيَ . فَقالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ : وهَل هذا وَقتُ صَلاةٍ ؟ ! إنَّ عِندَنا لَشُغُلاً بِالقِتالِ عَنِ الصَّلاةِ . فَقالَ عليه السلام : عَلامَ نُقاتِلُهُم ؟ إنَّما نُقاتِلُهُم عَلَى الصَّلاةِ (1) .

3 / 1 _ 3صَلاتُهُ صَلاةُ رَسولِ اللّهِصحيح البخاري عن مطرف بن عبد اللّه :صَلَّيتُ خَلفَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، أنَا وعِمرانُ بنُ حُصَينٍ ، فَكانَ إذا سَجَدَ كَبَّرَ ، وإذا رَفَعَ رَأسَهُ كَبَّرَ ، وإذا نَهََض مِنَ الرَّكعَتَينِ كَبَّرَ ، فَلَمّا قَضَى الصَّلاةَ ، أخَذَ بِيَدي عِمرانُ بنُ حُصَينٍ فَقالَ : قَد ذَكَّرَني هذا صَلاةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، أو قالَ : لَقَد صَلّى بِنا صَلاةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله (2) .

مسند ابن حنبل عن مطرف بن عبد اللّه بن الشخير :صَلَّيتُ أنَا وعِمرانُ بنُ حُصَينٍ بِالكوفَةِ خَلفَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَكَبَّرَ بِنا هذَا التَّكبيرَ حينَ يَركَعُ وحينَ يَسجُدُ فَكَبَّرَهُ كُلَّهُ ، فَلَمَّا انصَرَفنا قالَ لي عِمرانُ : ما صَلَّيتُ مُنذُ حينَ _ أو قالَ : مُنذُ كَذا وكَذا _ أشبَه

.


1- .إرشاد القلوب : ص217 ، بحار الأنوار : ج83 ص23 ح43 .
2- .صحيح البخاري : ج1 ص272 ح753 و ص284 ح792 ، سنن النسائي : ج2 ص204 ، سنن أبي داود : ج1 ص221 ح835 كلّها عن مطرف .

ص: 284

3 / 1 _ 4 حاله عند حضور وقت الصّلاة
3 / 1 _ 5 حضور قلبه في الصّلاة

بِصَلاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن هذِهِ الصَّلاةِ ، يَعني صَلاةَ عَلِيٍّ عليه السلام (1) .

3 / 1 _ 4حالُهُ عِندَ حُضورِ وَقتِ الصَّلاةِالإمام الصادق عليه السلام_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: وإن كانَ لَيَقومُ إلَى الصَّلاةِ ، فَإِذا قالَ : وَجَّهتُ وَجهي تَغَيَّرَ لَونُهُ ، حَتّى يُعرَفُ ذلِكَ في وَجهِهِ (2) .

تنبيه الغافلين :إنَّهُ [عَلِيّا عليه السلام ] كانَ إذا حَضَرَ وَقتُ الصَّلاةِ ارتَعَدَت فَرائِصُهُ (3) وتَغَيَّرَ لَونُهُ ، فَسُئِلَ عَن ذلِكَ ، فَقالَ : جاءَ وَقتُ الأَمانَةِ الَّتي عَرَضَهَا اللّهُ عَلَى السَّماواتِ وَالأَرضِ وَالجِبالِ فَأَبَينَ أن يَحمِلنَها وأشفَقنَ مِنها ، وحَمَلَهَا الإِنسانُ ، فَلا أدري أ اُحسِنُ أداءَ ما حُمِّلتُ أم لا ؟ (4)

3 / 1 _ 5حُضورُ قَلبِهِ فِي الصَّلاةِالمناقب لابن شهر آشوب عن ابن عبّاس :اُهدِيَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ناقَتانِ عَظيمَتانِ سَمينَتانِ ، فَقالَ لِلصَّحابَةِ : هَل فيكُم أحَدٌ يُصَلّي رَكعَتَينِ بِقيامِهِما ورُكوعِهِما وسُجودِهِما ووُضوئِهِما وخُشوعِهِما لا يَهتَمُّ فيهِما مِن أمرِ الدُّنيا بِشَيءٍ ، ولا يُحَدِّثُ قَلبَهُ بِفِكرِ الدُّنيا ، اُهدي إلَيهِ إحدى هاتَينِ النّاقَتَينِ ؟ فَقالَها : مَرَّةً ومَرَّتَينِ وثَلاثَةً ، لَم

.


1- .مسند ابن حنبل : ج7 ص200 ح19881 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص110 عن زرارة .
3- .الفرائص : جمع فريصة ؛ وهي المضغة التي بين الثدي ومرجع الكتف من الرجل والدابّة (لسان العرب: ج7 ص64).
4- .تنبيه الغافلين : ص539 ح872 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص124 ، عوالي اللآلي : ج1 ص324 ح62 كلاهما نحوه .

ص: 285

يُجِبهُ أحَدٌ مِن أصحابِهِ . فَقامَ أميرُ المُؤمِنينَ فَقالَ : أنَا يا رَسولَ اللّهِ ، اُصَلّي رَكعَتَينِ اُكَبِّرُ تَكبيرَةَ الاُولى إلى أن اُسَلِّمَ مِنهُما ، لا اُحَدِّثُ نَفسي بِشَيءٍ مِن أمرِ الدُّنيا ، فَقالَ : يا عَلِيُّ ، صَلِّ صَلَّى اللّهُ عَلَيكَ . فَكَبَّرَ أميرُ المُؤمِنينَ ودَخَلَ فِي الصَّلاةِ ، فَلَمّا سَلَّمَ مِنَ الرَّكعَتَينِ هَبَطَ جَبرَئيلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ يُقرِئُكَ السَّلامَ ويَقولُ لَكَ : أعطِهِ إحدَى النّاقَتَينِ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنّي شارَطتُهُ أن يُصَلِّيَ رَكعَتَينِ لا يُحَدِّثُ فيهِما بِشَيءٍ مِنَ الدُّنيا اُعطيهِ إحدَى النّاقَتَينِ إن صَلّاهُما ، وإنَّهُ جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ فَتَفَكَّرَ في نَفسِهِ أيَّهُما يَأخُذُ ؟ فَقالَ جَبرَئيلُ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ يُقرِئُكَ السَّلامَ ويَقولُ لَكَ : تَفَكَّرَ أيَّهُما يَأخُذُها أسمَنَهُما وأعظَمَهُما فَيَنحَرَها ويَتَصَدَّقَ بِها لِوَجهِ اللّهِ ؟ فَكانَ تَفَكُّرُهُ لِلّهِ عَزَّ وجَلَّ لا لِنَفسِهِ ولا لِلدُّنيا ، فَبَكى رَسولُ اللّهِ وأعطاهُ كِلَيهِما . وأنزَلَ اللّهُ فيهِ : «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَذِكْرَى» لَعِظَةٌ «لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ» عَقلٌ «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ» يَعني يَستَمِعُ أميرُ المُؤمِنينَ بِاُذُنَيهِ إلى مَن تَلاهُ بِلِسانِهِ مِن كَلامِ اللّهِ «وَ هُوَ شَهِيدٌ» (1) يَعني وأميرُ المُؤمِنينَ شاهِدُ القَلبِ لِلّهِ في صَلاتِهِ ، لا يَتَفَكَّرُ فيها بِشَيءٍ مِن أمرِ الدُّنيا (2) .

إرشاد القلوب_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: لَقَد كانَ يُفرَشُ لَهُ بَينَ الصَّفَّينِ وَالسِّهامُ تَتَساقَطُ حَولَهُ ، وهُوَ لا يَلتَفِتُ عَن رَبِّهِ ولا يُغَيِّرُ عادَتَهُ ، ولا يَفتُرُ عَن عِبادَتِهِ ، وكانَ إذا تَوَجَّهَ إلَى اللّهِ تَعالى تَوَجَّهَ بِكُلِّيَّتِهِ ، وَانقَطَعَ نَظَرُهُ عَنِ الدُّنيا وما فيها ، حَتّى أنَّهُ يَبقى لا يُدرِك

.


1- .ق : 37 .
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص20 ، تأويل الآيات الظاهرة : ج2 ص612 ح8 ، بحار الأنوار : ج36 ص161 ح142 .

ص: 286

3 / 1 _ 6 اهتمامه بصلاة اللّيل

الأَل_َمَ ؛ لِأَ نَّهُم كانوا إذا أرادوا إخراجَ الحَديدِ وَالنُّشابَ مِن جَسَدِهِ الشَّريفِ تَرَكوهُ حَتّى يُصَلِّيَ ؛ فَإِذَا اشتَغَلَ بِالصَّلاةِ وأقبَلَ إلَى اللّهِ تَعالى أخرَجُوا الحَديدَ مِن جَسَدِِه ولَم يُحِسَّ ، فَإِذا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ يَرى ذلِكَ ، فَيَقولُ لِوَلَدِهِ الحَسَنِ عليه السلام : إن هِيَ إلّا فَعلَتُكَ يا حَسَنُ (1) .

المحجّة البيضاء :يُنسَبُ إلى مَولانا أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أنَّهُ وَقَعَ في رِجلِهِ نَصلٌ فَلَم يُمكِن مِن إخراجِهِ ، فَقالَت فاطِمَةُ عليهاالسلام : أخرِجوهُ في حالِ صَلاتِهِ ؛ فَإِنَّهُ لا يُحِسُّ بِما يَجري عَلَيهِ حينَئِذٍ ، فَاُخرِجَ وهُوَ عليه السلام في صلاتِهِ (2) .

3 / 1 _ 6اِهتِمامُهُ بِصَلاةِ اللَّيلِالإمام عليّ عليه السلام :ما تَرَكتُ صَلاةَ اللَّيلِ مُنذُ سَمِعتُ قَولَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : صَلاةُ اللَّيلِ نورٌ ، فَقالَ ابنُ الكَوّا : ولا لَيلَةَ (3) الهَريرِ (4) ؟ قالَ : ولا لَيلَةَ الهَريرِ (5) .

إرشاد القلوب :لَم يَترُك [عَلِيٌّ عليه السلام ] صَلاةَ اللَّيلِ قَطُّ حَتّى لَيلَةَ الهَريرِ (6) .

راجع : ص 298 (اهتمامه بالذكر) .

.


1- .إرشاد القلوب : ص217 .
2- .المحجّة البيضاء : ج1 ص397 .
3- .في المصدر : «لليلة» ، والصواب ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
4- .لَيلةُ الهَرِير : من ليالي صفّين ، قُتل فيها ما يقرُب من سبعين ألف قتيل (تاج العروس : ج7 ص621) .
5- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص123 ، بحار الأنوار : ج41 ص17 ح10 .
6- .إرشاد القلوب : ص217 ، بحار الأنوار : ج83 ص23 ح42 .

ص: 287

3 / 1 _ 7 ركوعه

3 / 2 إمام العابدين

3 / 2 _ 1 أوّل من عبد اللّه من الامّة

3 / 1 _ 7رُكوعُهُالإمام الصادق عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَركَعُ فَيَسيلُ عَرَقُهُ حَتّى يَطَأَ في عَرَقِهِ مِن طولِ قِيامِهِ (1) .

عنه عليه السلام :إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَعتَدِلُ فِي الرُّكوعِ مُستَوِيا حَتّى يُقالَ : لَو صُبَّ الماءُ عَلى ظَهرِهِ لَاستَمسَكَ . . . وكانَ يَكرَهُ أن يَحدُرَ رَأسَهُ ومَنكِبَيهِ فِي الرُّكوعِ (2) .

3 / 2إمامُ العابِدينَ3 / 2 _ 1أوَّلُ مَن عَبَدَ اللّهَ مِنَ الاُمَّةِالإمام عليّ عليه السلام :عَبَدتُ اللّهَ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله سَبعَ سِنينَ قَبلَ أن يَعبُدَهُ أحَدٌ مِن هذِهِ الاُمَّةِ (3) .

عنه عليه السلام :ما أعرِفُ أحَدا مِن هذِهِ الاُمَّةِ عَبَدَ اللّهَ بَعدَ نَبِيِّنا غَيري ؛ عَبَدتُ اللّهَ قَبلَ أن يَعبُدَهُ أحَدٌ مِن هذِهِ الاُمَّةِ سَبعَ سِنينَ (4) .

فضائل الصحابة عن حبّة العرني عن الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ لا أعتَرِفُ أنَّ عَبدا لَكَ مِن هذِه

.


1- .فلاح السائل : ص213 ح123 عن أبي الصباح ، بحار الأنوار : ج85 ص110 ح20 .
2- .الذكرى : ص198 عن إسحاق بن عمّار ، بحار الأنوار : ج85 ص118 ح27 .
3- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص121 ح4585 ، البداية والنهاية : ج7 ص334 كلاهما عن حبّة جوين .
4- .خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص40 ح7 عن عبد اللّه بن أبي الهذيل ، وفي بعض النسخ «تسع سنين» ، ولكن بما أنّ سبع سنين هو المشهور فالظاهر أنّ تسع تصحيف ، مسند أبي يعلى : ج1 ص238 ح443 ، تاريخ دمشق : ج42 ص30 ، اُسد الغابة : ج4 ص90 ح3789 وفي الثلاثة الأخيرة «أعلم» بدل «أعرف» ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص269 ح181 و ص281 ح196 كلّها عن حبّة بن جوين و ص256 ح169 عن حبّة العرني وفيهما «اعترف» بدل «أعرف» وزاد فيها «أو خمس سنين» ، كنز الفوائد : ج1 ص265 نحوه إلى «غيري» .

ص: 288

3 / 2 _ 2 صفة عبادته

الاُمَّةِ عَبَدَكَ قَبلي غَيرَ نَبِيِّكَ صلى الله عليه و آله . قالَ : فَقالَ ذلِكَ ثَلاثَ مِرارٍ ، ثُمَّ قالَ : لَقَد صَلَّيتُ قَبلَ أن يُصَلِّيَ أحَدٌ سَبعا (1) .

الإمام عليّ عليه السلام :لَقَد عَبَدتُ اللّهَ قَبلَ أن يَعبُدَهُ أحَدٌ مِن هذِهِ الاُمَّةِ خَمسَ سِنينَ (2) .

عنه عليه السلام :ما عَبَدَ اللّهَ أحَدٌ قَبلي مَعَ نَبِيِّهِ (3) .

راجع : ص 207 (أول من أسلم) و ص 216 (عمره يوم أسلم) و ص 217 (يوم إسلامه) .

3 / 2 _ 2صِفَةُ عِبادَتِهِالإمام عليّ عليه السلام_ مُناجِيا لِرَبِّهِ _: إلهي ما عَبَدتُكَ خَوفا مِن عِقابِكَ ، ولا رَغبَةً في ثَوابِكَ ، ولكِن وَجَدتُكَ أهلاً لِلعِبادَةِ فَعَبَدتُكَ (4) .

عنه عليه السلام :لَم أعبُدهُ خَوفا ولا طَمَعا ، لكِني وَجَدتُهُ أهلاً لِلعِبادَةِ فعَبَدتُهُ (5) .

.


1- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص681 ح1164 ، مسند ابن حنبل : ج1 ص213 ح776 ، تاريخ دمشق : ج42 ص32 ، ذخائر العقبى : ص114 ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص288 ح205 كلاهما نحوه ، الفصول المختارة : ص261 ، شرح الأخبار : ج1 ص177 ح136 ، مسند زيد : ص405 نحوه .
2- .الاستيعاب : ج3 ص200 ح1875 ، تاريخ دمشق : ج42 ص30 وزاد فيه «أو سبع سنين» ، شرح نهج البلاغة : ج4 ص118 كلّها عن حبّة بن الجوين .
3- .الغارات : ج2 ص587 عن أبي الجحاف عن رجل ؛ شرح نهج البلاغة : ج4 ص104 عن أبي غسّان النهدي نحوه وفيه «إلّا» بدل «مع» .
4- .شرح المائة كلمة : ص219 ، شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج5 ص361 ح223 وفيه «طمعا» بدل «رغبةً» ، عوالي اللآلي : ج1 ص404 ح63 وج2 ص11 ح18 والثلاثة الأخيرة نحوه ، نهج الحقّ : ص248 ، بحار الأنوار : ج41 ص14 ح4 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج10 ص157 .

ص: 289

3 / 2 _ 3 شدّة عبادته
3 / 2 _ 4 كثرة صلاته وصومه

3 / 2 _ 3شِدَّةُ عِبادَتِهِالإمام الباقر عليه السلام_ فِيالإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: ما أطاقَ أحَدٌ عَمَلَهُ، وإن كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلاملَيَنظُرُ فِي الكِتابِ مِن كُتُبِ عَلِيٍّ عليه السلام فَيَضرِبُ بِهِ الأَرضَ ويَقولُ : مَن يُطيقُ هذا ؟ (1)

الإمام الصادق عليه السلام_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: وَاللّهِ ، ما أطاقَ عَمَلَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن بَعدِهِ أحَدٌ غَيرُهُ ، وَاللّهِ ما نَزَلَت بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله نازِلَةٌ قَطُّ إلّا قَدَّمَهُ فيها ثِقةً مِنهُ بِهِ (2) .

شرح نهج البلاغة :قيلَ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام _ وكانَ الغايَةَ فِي العِبادَةِ _ : أينَ عِبادَتُكَ مِن عِبادَةِ جَدِّكَ ؟ قالَ : عِبادَتي عِندَ عِبادَةِ جَدّي كَعِبادَةِ جَدّي عِندَ عِبادَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (3) .

نهج البلاغة عن نوف البكالي_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: كَأَنَّ جَبينَهُ ثَفِنَةُ (4) بَعيرٍ (5) .

3 / 2 _ 4كَثرَةُ صَلاتِهِ وصَومِهِالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ عَلِيّا عليه السلام في آخِرِ عُمُرِهِ كانَ يُصَلِّي في كُلِّ يَومٍ ولَيلَةٍ ألفَ رَكعَةٍ (6) .

.


1- .الكافي : ج8 ص130 ح100 عن محمّد بن مسلم و ص163 ح172 عن عبد الرحمن بن الحجّاج وحفص بن البختري وسلمة بيّاع السابري عن الإمام الصادق عنه عليهماالسلامنحوه ، الأمالي للطوسي : ص693 ح1470 عن محمّد بن مسلم ، تنبيه الخواطر : ج2 ص84 عن عمر بن سعيد بن هلال عن الإمام الصادق عليه السلام .
2- .الكافي : ج8 ص165 ح175 عن معاوية بن وهب ، الإرشاد : ج2 ص141 ، شرح الأخبار : ج3 ص271 ح1175 كلاهما نحوه ، إعلام الورى : ج1 ص487 وفيه صدره وكلّها عن سعيد بن كلثوم ، الخرائج والجرائح : ج2 ص891 نحوه وفيه «علم» بدل «عمل» .
3- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص27 ؛ بحار الأنوار : ج41 ص149 ح45 .
4- .الثَّفِنة : ما وَلي الأرض من كلّ ذات أربع إذا بَرَكت ، كالركبتين وغيرهما ، ويحصل فيه غلظ من أثر البروك (النهاية : ج1 ص215) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 182 ، بحار الأنوار : ج4 ص313 ح40 .
6- .الكافي : ج4 ص154 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج3 ص64 ح215 كلاهما عن أبي بصير و ص61 ح209 عن جميل بن صالح ، الأمالي للصدوق : ص356 ح437 عن محمّد بن قيس عن الإمام الباقر عليه السلام ، روضة الواعظين : ص131 عن الإمام الباقر عليه السلام وليس في الثلاثة الأخيرة «في آخر عمره» .

ص: 290

المناقب لابن شهر آشوب عن سليمان بن المغيرة عن اُمّه :سَأَلتُ اُمَّ سَعيدٍ سُرِّيَّةَ عَلِيٍّ عَن صَلاةِ عَلِيٍّ عليه السلام في شَهرِ رَمَضانَ . فَقالَت : رَمَضانُ وشَوّالٌ سَواءٌ ، يُحيِي اللَّيلَ كُلَّهُ (1) .

سنن الترمذي عن جميع بن عمير التيمي :دَخَلتُ مَعَ عَمَّتي عَلى عائِشَةَ فَسُئِلَت : أيُّ النّاسِ كانَ أحَبَّ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَت : فاطِمَةُ ، فَقيلَ : مِنَ الرِّجالِ ؟ قالَت : زَوجُها ؛ إن كانَ ما عَلِمتُ صَوّاما قَوّاما (2) .

كفاية الطالب عن الأسود بن يزيد :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَصومُ شَطرَ الدَّهرِ (3) .

الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَدخُلُ إلى أهلِهِ ويَقولُ : عِندَكُم شَيءٌ ؟ وإلّا صُمتُ ، فَإِن كانَ عِندَهُم شَيءٌ أتَوهُ بِهِ وإلّا صامَ (4) .

شرح نهج البلاغة_ في بَيانِ فَضائِلِ عَلِيٍّ عليه السلام _: أمَّا العِبادَةُ ؛ فَكانَ أعبَدَ النّاسِ وأكثَرَهُم صَلاةً وصَوما ، ومِنهُ تَعَلَّمَ النّاسُ صَلاةَ اللَّيلِ ، ومُلازَمَةَ الأَورادِ ، وقِيامَ النّافِلَةِ ، وما ظَنُّكَ بِرَجُلٍ يَبلُغُ مِن مُحافَظَتِهِ عَلى وِردِهِ أن يُبسَطَ لَهُ نِطَعٌ بَينَ الصَّفَّينِ لَيلَةَ الهَريرِ ، فَيُصَلّي عَلَيهِ وِردَهُ ، وَالسِّهامُ تَقَعُ بَينَ يَدَيهِ وتَمُرُّ عَلى صِماخَيهِ يَمينا وشِمالاً ، فَلا يَرتاعُ لِذلِكَ ، ولا يَقومُ حَتّى يَفرُغَ مِن وَظيفَتِهِ ! وما ظَنُّكَ بِرَجُلٍ كانَت جَبهَتُهُ كَثَفِنَةِ البَعيرِ لِطولِ سُجودِهِ ! (5)

.


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص123 ؛ كفاية الطالب : ص399 .
2- .سنن الترمذي : ج5 ص701 ح3874 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص171 ح4744 ، تاريخ دمشق : ج42 ص263 ، ذخائر العقبى : ص77 ؛ كشف الغمّة : ج2 ص88 .
3- .كفاية الطالب : ص399 .
4- .تهذيب الأحكام : ج4 ص188 ح531 ، عوالي اللآلي : ج3 ص135 ح15 كلاهما عن هشام بن سالم .
5- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص27 ؛ بحار الأنوار : ج41 ص148 ح45 .

ص: 291

3 / 2 _ 5 قصص من عبادته

3 / 2 _ 5قِصَصٌ مِن عِبادَتِهِحلية الأولياء عن أبي صالح :دَخَلَ ضِرارُ بنُ ضَمرَةَ الكِنانِيُّ عَلى مُعاوِيَةَ ، فَقالَ لَهُ : صِف لي عَلِيّا . فَقالَ : أ وَتُعفيني يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : لا اُعفيكَ ، قالَ : أمّا إذ لابُدَّ ؛ فَإِنَّهُ كانَ وَاللّهِ بَعيدَ المَدى ، شَديدَ القُوى ، يَقولُ فَصلاً ، ويَحكُمُ عَدلاً ، يَتَفَجَّرُ العِلمُ من جَوانِبِهِ ، وتَنطِقُ الحِكمَةُ مِن نِواحِيهِ ، يَستَوحِشُ مِن الدُّنيا وزَهرَتِها ، ويَستَأنِسُ بِاللَّيلِ وظُلمَتِهِ . كانَ وَاللّهِ غَزيرَ العَبرَةِ ، طَويلَ الفِكرَةِ ، يُقَلِّبُ كَفَّهُ ، ويُخاطِبَ نَفسَهُ ، يُعجِبُهُ مِن اللِّباسِ ما قَصُرَ ، ومِنَ الطَّعامِ ما جَشَبَ ، كانَ وَاللّهِ كَأَحَدِنا ؛ يُدنينا إذا أتَيناهُ ، ويُجيبُنا إذا سَأَلناهُ ، وكانَ مَعَ تَقَرُّبِهِ إلَينا وقُربِهِ مِنّا لا نُكَلِّمُهُ هَيبَةً لَهُ ؛ فَإِن تَبَسَّمَ فَعَن مِثلِ اللُّؤلُؤِ المَنظومِ ، يُعَظِّمُ أهلَ الدِّينِ ، ويُحِبُّ المَساكينَ ، لا يَطمَعُ القَوِيُّ في باطِلِهِ ، ولا يَيأَسُ الضَّعيفُ مِن عَدلِهِ . فَأَشهَدُ بِاللّهِ لَقَد رَأَيتُهُ في بَعضِ مَواقِفِهِ وقَد أرخَى اللَّيلُ سُدولَهُ ، وغارَت نُجومُهُ يَميلُ في مِحرابِهِ ، قابِضا عَلى لِحيَتِهِ ، يَتَمَلمَلُ تَمَلمُلَ السَّليمِ (1) ، ويَبكي بُكاءَ الحَزينِ ، فَكَأَنّي أسمَعُهُ الآنَ وهُوَ يَقولُ : يا رَبَّنا يا رَبَّنا _ يَتَضَرَّعُ إلَيهِ _ ثُمَّ يَقولُ لِلدُّنيا : إلَيَّ تَغَرَّرتِ ! إلَيَّ تَشَوَّفتِ ! هَيهاتَ هَيهاتَ ، غُرّي غَيري ، قَد بَتَتُّكِ ثَلاثا ، فَعُمُرُكِ قَصيرٌ ، ومَجلِسُكِ حَقيرٌ ، وخَطَرُكِ يَسيرٌ ، آهِ آهِ مِن قِلَّةِ الزّادِ ، وبُعدِ السَّفَرِ ، ووَحشَةِ الطَّريقِ . فَوَكَفَت (2) دُموعُ مُعاوِيَةَ عَلى لِحيَتِهِ ما يَملِكُها ، وجَعَلَ يَنشُفُها بِكُمِّهِ وقَدِ اختَنَقَ القَومُ بِالبُكاءِ ، فَقالَ : كَذا كانَ أبُو الحَسَنِ رحمه الله ! كَيفَ وَجدُكَ عَلَيهِ يا ضِرارُ ؟ قالَ : وَجد

.


1- .السَّليم : اللديغ . يقال : سَلَمَتْهُ الحيّةُ ؛ أي لَدَغَتْهُ (لسان العرب : ج12 ص292) .
2- .وَكَفَ الدمع : إذا تقاطر (النهاية : ج5 ص220) .

ص: 292

مَن ذُبِحَ واحِدُها في حِجرِها ، لا تَرقَأُ (1) دَمعَتُها ، ولا يَسكُنُ حُزنُها . ثُمَّ قامَ فَخَرَجَ (2) .

الأمالي للصدوق عن الأصبغ بن نباتة :دَخَلَ ضِرارُ بنُ ضَمرَةَ النَّهشَلِيُّ عَلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ فَقالَ لَهُ : صِف لي عَلِيّا . قالَ : أوَتُعفيني ، فَقالَ : لا ، بَل صِفْهُ لي ، فَقالَ لَهُ ضِرارٌ : رَحِمَ اللّهُ عَلِيّا ! كانَ وَاللّهِ فينا كَأَحَدِنا ؛ يُدنينا إذا أتَيناهُ ، ويُجيبُنا إذا سَأَلناهُ ، ويُقَرِّبُنا إذا زُرناهُ ، لا يُغلَقُ لَهُ دونَنا بابٌ ، ولا يَحجُبُنا عَنهُ حاجِبٌ ، ونَحنُ وَاللّهِ مَعَ تَقريبِهِ لَنا وقُربِهِ مِنّا ، لا نُكَلِّمُهُ لِهَيبَتِهِ ، ولا نَبتَديهِ لِعَظَمَتِهِ ، فَإِذا تَبَسَّمَ فَعَن مِثلِ اللُّؤلُؤَ المَنظومِ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : زِدني مِن صِفَتِهِ ، فَقالَ ضِرارٌ : رَحِمَ اللّهُ عَلِيّا ! كانَ وَاللّهِ طَويلَ السُّهادِ ، قَليلَ الرُّقادِ ، يَتلو كِتابَ اللّهِ آناءَ اللَّيلِ وأطرافَ النَّهارِ ، ويَجودُ لِلّهِ بِمُهجَتِهِ ، ويَبوءُ إلَيهِ بِعَبرَتِهِ ، لا تُغلَقُ لَهُ السُّتورُ ، ولا يَدَّخِرُ عَنَّا البُدورَ ، ولا يَستَلينُ الاِتِّكاءَ ، ولا يَستَخشِنُ الجَفاءَ ، ولَو رَأيتَهُ إذ مُثِّلَ في مِحرابِهِ ، وقَد أرخَى اللَّيلُ سُدولَهُ ، وغارَت نُجومُهُ ، وهُوَ قابِضٌ عَلى لِحيَتِهِ ، يَتَمَلمَلُ تَمَلمُلَ السَّليمِ ، ويَبكي بُكاءَ الحَزينِ ، وهُوَ يَقولُ : يا دُنيا ! إليَّ تَعَرَّضتِ أم إلَيَّ تَشَوَّقتِ ؟ هَيهاتَ هَيهاتَ ، لا حاجَةَ لي فيكِ ، أبَنْتُكِ ثَلاثا لا رَجعَةَ لي عَلَيكِ ، ثُمَّ يَقولُ : واهٍ واهٍ لِبُعدِ السَّفَرِ ، وقِلَّةِ الزّادِ ، وخُشونَةِ الطَّريقِ . قالَ : فَبَكى مُعاوِيَةُ وقالَ : حَسبُكَ يا ضِرارُ ، كَذلِكَ كانَ وَاللّهِ عَلِيٌّ ! رَحِمَ اللّه

.


1- .رقَأ الدمع : سكن وانقطع (النهاية : ج2 ص248) .
2- .حلية الأولياء : ج1 ص84 ، تاريخ دمشق : ج24 ص401 و402 ، الاستيعاب : ج3 ص209 ح1875 ، المحاسن والمساوئ : ص46 وفيه «عدي بن حاتم» بدل «ضرار» ، صفة الصفوة : ج1 ص133 ، الصواعق المحرقة : ص131 ، تذكرة الخواصّ : ص118 ، ذخائر العقبى : ص178 ، الفصول المهمّة : ص127 ، مروج الذهب : ج2 ص433 ؛ نهج البلاغة : الحكمة 77 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص70 ، كنز الفوائد : ج2 ص160 ، عدّة الداعي : ص194 ، إرشاد القلوب : ص218 ، الفضائل لابن شاذان : ص83 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص103 ، تنبيه الخواطر : ج1 ص79 كلّها نحوه .

ص: 293

أبَا الحَسَنِ ! (1)

الأمالي للصدوق عن عروة بن الزبير :كُنّا جُلوسا في مَجلِسٍ في مَسجِدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَتَذاكَرنا أعمالَ أهلِ بَدرٍ وبَيعَةَ الرِّضوانِ ، فَقالَ أبُو الدَّرداءِ : يا قَومُ ! ألا اُخبِرُكُم بِأَقَلِّ القَومِ مالاً ، وأكثَرِهِم وَرَعا ، وأشَدِّهِمُ اجتِهادا فِي العِبادَةِ ، قالوا : مَن ؟قالَ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام . قالَ : فَوَاللّهِ إن كانَ في جَماعَةِ أهلِ المَجلِسِ إلّا مُعرِضٌ عَنهُ بِوَجهِهِ ، ثُمَّ انتَدَبَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ فَقالَ لَهُ : يا عُوَيمِرُ ! لَقَد تَكَلَّمتَ بِكَلِمَةٍ ما وافَقَكَ عَلَيها أحَدٌ مُنذُ أتَيتَ بِها . فَقالَ أبُو الدَّرداءِ : يا قَومُ ، إنّي قائِلٌ ما رَأَيتُ ، وَليَقُل كُلُّ قَومٍ مِنكُم ما رَأَوا ، شَهِدتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام بِشُوَيحِطاتِ النَّجّارِ وقَدِ اعتَزَلَ عَن مَواليهِ وَاختَفى مِمَّن يَليهِ ، وَاستَتَرَ بِمُغَيِّلاتِ النَّخِلِ ، فَافتَقَدتُهُ وبَعُدَ عَلَيَّ مَكانُهُ ، فَقُلتُ : لَحِقَ بِمَنزِلِهِ ، فِإِذا أنَا بِصَوتٍ حَزينٍ ونَغمَة سِحرٍ (2) شَجِيٍّ ، وهُوَ يَقولُ : إلهي كَم مِن موبِقَةٍ حَمَلتَ عَنّي فَقابَلتَها بِنِعمَتِكَ ، وكَم مِن جَريرَةٍ تَكَرَّمتَ عَن كَشفِها بِكَرَمِكَ ، إلهي إن طالَ في عِصيانِكَ عُمُري ، وعَظُمَ فِي الصُّحُفِ ذَنبي ؛ فَما أنَا مُؤَمِّلٌ غَيرَ غُفرانِكَ ، ولا أنَا بِراجٍ غَيرَ رِضوانِكَ . فَشَغَلَنِي الصَّوتُ ، وَاقتَفَيتُ الأَثَرَ ، فَإِذا هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام بِعَينِهِ ، فَاستَتَرتُ لَهُ وأخمَلتُ الحَرَكَةَ ، فَرَكَعَ رَكَعاتٍ في جَوفِ اللَّيلِ الغابِرِ ، ثُمَّ فَزَعَ إلَى الدُّعاءِ وَالبُكاءِ وَالبَثِّ وَالشَّكوى . فَكانَ مِمّا ناجى بِهِ اللّهَ أن قالَ : إلهي اُفَكِّرُ في عَفوِكَ ؛ فَتَهونُ عَلَيَّ خَطيئَتي ، ثُمَّ أذكُرُ العَظيمَ مِن أخذِكَ ؛ فَتَعظُمُ عَلَيَّ بَلِيَّتي ، ثُمَّ قالَ : آهِ إن أنَا قَرَأتُ فِي الصُّحُفِ سَيِّئَةً أنَا ناسيها ، وأنتَ مُحصيها ، فَتَقولُ : خُذوهُ ! ! فَيالَهُ مِن مَأخوذٍ ، لا تُنجيهِ عَشيرَتُهُ ، ولا تَنفَعُهُ قَبيلَتُهُ ، يَرحَمُهُ المَلا

.


1- .الأمالي للصدوق : ص724 ح990 ، بحار الأنوار : ج41 ص14 ح6 .
2- .كلمة «سحر» هنا ضروريّة ، أخذناها من روضة الواعظين .

ص: 294

إذا اُذِنَ فيهِ بِالنِّداءِ ، ثُمَّ قالَ : آهِ مِن نارٍ تُنضِجُ الأَكبادَ وَالكُلى ، آهِ مِن نارٍ نَزّاعَةٍ لِلشَّوى ، آهِ مِن غَمرَةٍ مِن مُلهَباتِ لَظى . قالَ : ثُمَّ أنعَمَ فِي البُكاءِ ؛ فَلَم أسمَع لَهُ حِسّا ولا حَرَكَةً ، فَقُلتُ : غَلَبَ عَلَيهِ النَّومُ لِطولِ السَّهَرِ ، اُوقِظُهُ لِصَلاةِ الفَجرِ . قالَ أبُو الدَّرداءِ : فَأَتَيتُهُ فَإِذا هُوَ كَالخَشَبَةِ المُلقاةِ ، فَحَرَّكتُهُ فَلَم يَتَحَرَّك ، وزَوَيتُهُ فَلَم يَنزَوِ ، فَقُلتُ : إنّا لِلّهِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، ماتَ وَاللّهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ! قالَ : فَأَتَيتُ مَنزِلَهُ مُبادِرا أنعاهُ إلَيهِم ، فَقالَت فاطِمَةُ عليهاالسلام : يا أبَا الدَّرداءِ ، ما كانَ مِن شَأنِهِ ومِن قِصَّتِهِ ؟ فَأَخبَرتُهَا الخَبَرَ ، فَقالَت : هِيَ وَاللّهِ يا أبَا الدَّرداءِ الغَشيَةُ الَّتي تَأخُذُهُ مِن خَشيَةِ اللّهِ ، ثُمَّ أَتَوهُ بِماءٍ فَنَضَحوهُ عَلى وَجهِهِ ، فَأَفاقَ ونَظَرَ إلَيَّ وأنَا أبكي ، فَقالَ : مِمَّ بُكاؤُكَ يا أبَا الدَّرداءِ ؟ فَقُلتُ : مِمّا أراهُ تُنزِلُهُ بِنَفسِكَ ، فَقالَ : يا أبَا الدَّرداءِ ، فَكَيفَ لَو رَأَيتَني ودُعِيَ بي إلَى الحِسابِ ، وأيقَنَ أهلُ الجَرائِمِ بِالعَذابِ ، وَاحتَوَشَتني مَلائِكَةٌ غِلاظٌ ، وزَبانِيَةٌ فِظاظٌ ، فَوَقَفتُ بَينَ يَدَيِ المَلِكِ الجَبّارِ ، قَد أسلَمَنِي الأَحِبّاءُ ، ورَحِمَني أهلُ الدُّنيا ، لَكُنتَ أشَدَّ رَحمَةً لي بَينَ يَدَي مَن لا تَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ . فَقالَ أبُو الدَّرداءِ : فَوَاللّهِ مارَأَيتُ ذلِكَ لِأَحَدٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (1) .

فلاح السائل عن حبّة العرني :بَينا أنَا ونَوفٌ نائِمينَ في رَحَبَةِ القَصرِ ؛ إذ نَحنُ بِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام في بَقِيَّةٍ مِنَ اللَّيلِ واضِعا يَدَهُ عَلَى الحائِطِ شِبهَ الوالِهِ (2) وهُوَ يَقولُ : «إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ» إلى آخِرِ الآيَةِ (3) قالَ : ثُمَّ جَعَلَ يَقرَأُ هذِهِ الآياتِ ،

.


1- .الأمالي للصدوق : ص137 ح136 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص156 ، روضة الواعظين : ص125 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص124 وفيه من «أنا بصوت حزين . . .» .
2- .الوَلَه : ذهاب العقل ، والتحيّر من شدّة الوجد (النهاية : ج5 ص227) .
3- .البقرة : 164 وآل عمران : 190 .

ص: 295

ويَمُرُّ شِبهَ الطّائِرِ عَقلُهُ ، فَقالَ : أ راقِدٌ يا حَبَّةُ أم رامِقٌ ؟ قُلتُ : رامِقٌ ، هذا أنتَ تَعمَلُ هذَا العَمَلَ فَكَيفَ نَحنُ ؟ ! قالَ : فَأَرخى عَينَيهِ فَبَكى ، ثُمَّ قالَ لي : يا حَبَّةُ ، إنَّ لِلّهِ مَوقِفا ، ولَنا بَينَ يَدَيهِ مَوقِفٌ ، لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ مِن أعمالِنا . يا حَبَّةُ ، إنَّ اللّهَ أقرَبُ إلَيكَ وإلَيَّ مِن حَبلِ الوَريدِ . يا حَبَّةُ ، إنَّهُ لَن يَحجُبَني ولا إيّاكَ عَنِ اللّهِ شَيءٌ . قالَ ثُمَّ قالَ : أراقِدٌ أنتَ يا نَوفٌ ؟ قالِ : لا يا أميرَ المُؤمِنينَ ما أنَا بِراقِدٍ ، ولَقَد أطَلتَ بُكائي هذِهِ اللَّيلَةَ . فَقالَ : يا نَوفُ ، إن طالَ بُكاؤُكَ فِي هذَا اللَّيلِ مَخافَةً مِنَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، قَرَّت عَيناكَ غَدا بَينَ يَدَيِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ . يا نَوفُ ، إنَّهُ لَيسَ مِن قَطرَةٍ قَطَرَت مِن عَينِ رَجُلٍ مِن خَشيَةِ اللّهِ إلّا أطفَأَت بِحارا مِنَ النّيرانِ . يا نَوفٌ ، إنَّهُ لَيسَ مِن رَجُلٍ أعظَمَ مَنزِلَةً عِندَ اللّهِ مِن رَجُلٍ بَكى مِن خَشيَةِ اللّهِ ، وأحَبَّ فِي اللّهِ ، وأبغَضَ فِي اللّهِ . يا نَوفُ ، إنَّهُ مَن أحَبَّ فِي اللّهِ لَم يَستَأثِر عَلى مُحِبّيهِ ، ومَن أبغَضَ فِي اللّهِ لَم يُنِل مُبغِضيهِ خَيرا ، عِندَ ذلِكَ استَكمَلتُم حَقائِقَ الإِيمانِ . ثُمَّ وَعَظَهُما وذَكَّرَهُما . وقالَ في أواخِرِهِ : فَكونوا مِنَ اللّهِ عَلى حَذَرٍ فَقَد أنذَرتُكُما . ثُمَّ جَعَلَ يَمُرُّ وهُوَ يَقولُ : لَيتَ شِعري في غَفَلاتي ، أمُعرِضٌ أنتَ عَنّي أم ناظِرٌ إلَيَّ ؟ ولَيتَ شِعري في طولِ مَنامي وقِلَّةِ شُكري في نِعَمِكَ عَلَيَّ ، ما حالي ؟ قالَ : فَوَاللّهِ ما زالَ فِي هذَا الحالِ حَتّى طَلَعَ الفَجرُ (1) .

الخصال عن نوف البكالي :بِتُّ لَيلَةً عِندَ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَكانَ يُصَلِّي اللَّيلَ كُلَّهُ ، ويَخرُجُ ساعَةً بَعدَ ساعَةٍ ؛ فَيَنظُرُ إلَى السَّماءِ ويَتلُو القُرآنَ قالَ : فَمُرَّ بي بَعدَ هُدوءٍ مِنَ اللَّيلِ ، فَقالَ : يا نَوفُ ، أراقِدٌ أنتَ أم رامِقٌ ؟ قُلتُ : بَل رامِقٌ ، أرمُقُكَ بِبَصَري يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ :

.


1- .فلاح السائل : ص466 ح315 ، بحار الأنوار : ج41 ص22 ح13 و ج87 ص201 ح9 .

ص: 296

3 / 3 إمام الدّاعين

3 / 3 _ 1 اهتمامه بالدّعاء

طوبى لِلزّاهِدينَ فِي الدُّنيا ، وَالرّاغِبينَ فِي الآخِرَةِ ، اُولئِكَ الَّذينَ اتَّخَذُوا الأَرضَ بَساطا ، وتُرابَها فِراشا ، وماءَها طيبا ، وَالقُرآنَ دِثارا ، وَالدُّعاءَ شِعارا ، وقَرَّضوا مِنَ الدُّنيا تَقريضا عَلى مِنهاجِ عيسَى بنِ مَريَمَ عليه السلام (1) .

3 / 3إمامُ الدّاعينَ3 / 3 _ 1اِهتِمامُهُ بِالدُّعاءِالإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام رَجُلاً دَعّاءً (2) .

الإمام عليّ عليه السلام :ما مِن أحَدٍ ابتُلِيَ وإن عَظُمَت بَلواهُ بِأَحَقَّ بِالدُّعاءِ مِنَ المُعافَى الَّذي لا يَأمَنُ البَلاءَ (3) .

عنه عليه السلام_ لِابنِهِ الإِمامِ الحَسَنِ عليه السلام _: وَاعلَم أنَّ الَّذي بِيَدِهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأَرضِ قَد أذِنَ لَكَ فِي الدُّعاءِ ، وتَكَفَّلَ لَكَ بِالإِجابَةِ ، وأمَرَكَ أن تَسأَلَهُ لِيُعطِيَكَ ، وتَستَرحِمَهُ لِيَرحَمَكَ ، ولَم يَجعَل بَينَكَ وبَينَهُ مَن يَحجُبُكَ عَنهُ ، ولَم يُلجِئكَ إلى مَن يَشفَعُ لَكَ إلَيهِ ، ولَم يَمنَعكَ إن أَسَأتَ مِنَ التَّوبَةِ . . . وفَتَحَ لَكَ بابَ المَتابِ ، وبابَ الاِستِعتابِ ؛ فَإِذا

.


1- .الخصال : ص337 ح40 ، الأمالي للمفيد : ص132 ح1 ، نهج البلاغة : الحكمة 104 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص97 ، فلاح السائل : ص465 ح314 وفيه «الدين» بدل «الدعاء» ، المناقب للكوفي : ج2 ص578 ح1087 ؛ تاريخ بغداد : ج7 ص162 ح3608 ، تاريخ دمشق : ج62 ص304 ، دستور معالم الحكم : ص76 كلّها نحوه .
2- .الكافي : ج2 ص468 ح8 عن ابن القدّاح ، عدّة الداعي : ص191 ، بحار الأنوار : ج93 ص304 ح39 .
3- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص399 ح5857 ، الأمالي للصدوق : ص337 ح395 كلاهما عن إسحاق بن عمّار عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، نهج البلاغة : الحكمة 302 وفيه «ما المُبتلى الذي قد اشتدّ به البلاء بأحوج إلى الدعاء الذي لا يأمن البلاء» ، بحار الأنوار : ج93 ص380 ح2 و ص382 ح12 .

ص: 297

نادَيتَهُ سَمِعَ نِداكَ ، وإذا ناجَيتَهُ عَلِمَ نَجواكَ ؛ فَأَفضَيتَ إلَيهِ بِحاجَتِكَ ، وأبثَثتَهُ ذاتَ نَفسِكَ ، وشَكَوتَ إلَيهِ هُمومَكَ ، وَاستَكشَفتَهُ كُروبَكَ ، وَاستَعَنتَهُ عَلى اُمورِكَ ، وسَأَلتَهُ مِن خَزائِنِ رَحمَتِهِ ما لا يَقدِرُ عَلى إعطائِهِ غَيرُهُ ، مِن زِيادَةِ الأَعمارِ ، وصِحَّةِ الأَبدانِ ، وسَعَةِ الأَرزاقِ . ثُمَّ جَعَلَ في يَدَيكَ مَفاتيحَ خَزائِنِهِ بِما أذِنَ لَكَ مِن مَسأَلَتِهِ ، فَمَتى شِئتَ استَفتَحتَ بِالدُّعاءِ أبوابَ نِعمَتِهِ ، وَاستَمطَرتَ شَآبيبَ (1) رَحمَتِهِ (2) .

عنه عليه السلام :أكثِرِ الدُّعاءَ تَسلَم مِن سَورَةِ الشَّيطانِ (3) .

عنه عليه السلام :أعلَمُ النّاسِ بِاللّهِ أكثَرُهُم لَهُ مَسأَلَةً (4) .

عنه عليه السلام :لِلمُؤمِنِ ثَلاثُ ساعاتٍ : فَساعَةٌ يُناجي فيها رَبَّهُ ، وساعَةٌ يَرُمُّ مَعاشَهُ ، وساعَةٌ يُخَلِّي بَينَ نَفسِهِ وبَينَ لِذَّتِها فيما يَحِلُّ ويَجمُلُ (5) .

عنه عليه السلام :التَّقَرُّبُ إلَى اللّهِ تَعالى بِمَسأَلَتِهِ ، وإلَى النّاسِ بِتَركِها (6) .

عنه عليه السلام :الحُظوَةُ عِندَ الخالِقِ بِالرَّغبَةِ فيما لَدَيهِ ، الحُظوَةُ عِندَ المَخلوقِ بِالرَّغبَةِ عَمّا في يَدَيهِ (7) .

الإمام الباقر عليه السلام_ لِأَبِي المِقدامِ _: يا أبَا المِقدامِ ، إنَّما شيعَةُ عَلِيٍّ عليه السلام الشّاحِبونَ ،

.


1- .الشآبيب من المطر : الدُّفعات (لسان العرب : ج1 ص479) .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 31 ، تحف العقول : ص75 نحوه ، بحار الأنوار : ج93 ص301 ح38 ؛ كنز العمّال : ج16 ص173 ح44215 نقلاً عن وكيع والعسكري في المواعظ نحوه .
3- .مطالب السؤول : ص55 ؛ بحار الأنوار : ج78 ص9 ح64 .
4- .غرر الحكم : ح3260 .
5- .نهج البلاغة : الحكمة 390 ، تحف العقول : ص203 وفيه «يحاسب فيها نفسه» بدل «يَرُمُّ معاشه» ، بحار الأنوار : ج94 ص94 ح11 .
6- .غرر الحكم : ح1801 .
7- .غرر الحكم : ح2055 .

ص: 298

3 / 3 _ 2 اهتمامه بالذّكر

النّاحِلونَ ، الذّابِلونَ . . . كَثيرٌ سُجودُهُم ، كَثيرَةٌ دُموعُهُم ، كَثيرٌ دُعاؤُهُم ، كَثيرٌ بُكاؤُهُم ، يَفرَحُ النّاسُ وهُم يَحزَنونَ (1) .

3 / 3 _ 2اِهتِمامُهُ بِالذِّكرِصحيح البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ فاطِمَةَ عليهاالسلام أتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله تَسأَلُهُ خادِما ، فَقالَ : ألا اُخبِرُكِ ما هُوَ خَيرٌ لَكِ مِنهُ ؟ تُسَبِّحينَ اللّهَ عِندَ مَنامِكِ ثَلاثا وثَلاثينَ ، وتَحمَدينَ اللّهَ ثَلاثا وثَلاثينَ ، وتُكَبِّرينَ اللّهَ أربَعا وثَلاثينَ _ ثُمَّ قالَ سُفيانُ : إحداهُنَّ أربَعٌ وثَلاثونَ _ فَما تَرَكتُها بَعدُ . قيلَ : ولا لَيلَةَ صِفّينَ ؟ قالَ : ولا لَيلَةَ صِفّينَ (2) .

المناقب لابن شهر آشوب_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: لَهُ لَيلَةَ الهَريرِ ثَلاثُمِئَةِ تَكبيرَةٍ ؛ أسقَطَ بِكُلِّ تَكبيرَةٍ عَدُوّا . وفي رِوايَةٍ خَمسُمِئَةٍ وثَلاثَةٌ وعِشرونَ ، رَواهُ الأَعثَمُ . وفي رِوايَةٍ سَبعُمِئَةٍ (3) .

إرشاد القلوب :رُوِيَ أنَّهُ عليه السلام كانَ إذا يَفرَغُ مِنَ الجِهادِ يَتَفَرَّغُ لِتَعليمِ النّاسِ وَالقَضاءِ بَينَهُم ، فَإِذا فَرَغَ مِن ذلِكَ اشتَغَلَ في حائِطٍ لَهُ يَعمَلُ فيهِ بِيَدِهِ ، وهُوَ مَعَ ذلِكَ ذاكِرُ اللّهِ (4) تَعالى جَلَّ جَلالُهُ (5) .

.


1- .الخصال : ص444 ح40 ، صفات الشيعة : ص88 ح19 نحوه وكلاهما عن أبي المقدام ، مشكاة الأنوار : ص150 ح363 ، بحار الأنوار : ج68 ص149 ح2 .
2- .صحيح البخاري : ج5 ص2051 ح5047 ، صحيح مسلم : ج4 ص2091 ح2727 ، مسند ابن حنبل : ج1 ص309 ح1249 عن هبيرة بن مريم و ص227 و 228 ح838 عن السائب ، المنتخب من مسند عبد بن حميد : ص55 ح79 عن أبي جعفر مولى عليّ عليه السلام ، مسند الحميدي : ج1 ص24 ح43 كلّها نحوه .
3- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص83 ، بحار الأنوار : ج41 ص67 ح2 .
4- .في المصدر: «ذاكرا اللّه »، والتصويب من بحار الأنوار. وفي عدّة الداعي: «ذاكر للّه » .
5- .إرشاد القلوب : ص218 ، عدّة الداعي : ص101 ، بحار الأنوار : ج103 ص16 ح70 .

ص: 299

3 / 3 _ 3 أدعيته في تسبيح اللّه وتحميده
أ : التّسبيحات

3 / 3 _ 3أدعِيَتُهُ في تَسبيحِ اللّهِ وتَحميدِهِأ : التَّسبيحاتُالإمام الصادق عليه السلام_ في ذِكرِ تَسبيحِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام بَعدَ صَلاتِهِ _: سُبحانَ مَن لا تَبيدُ مَعالِمُهُ ، سُبحانَ مَن لا تَنقُصُ خَزائِنُهُ ، سُبحانَ مَن لَا اضمِحلالَ لِفَخرِهِ ، سُبحانَ مَن لا يَنفَدُ ما عِندَهُ ، سُبحانَ مَن لَا انقِطاعَ لِمُدَّتِهِ ، سُبحانَ مَن لا يُشارِكُ أحَدا في أمرِهِ ، سُبحانَ مَن لا إلهَ غَيرُهُ (1) .

كامل الزيارات عن أبي سعيد المدائني :دَخَلتُ عَلى أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فَقُلتُ : . . . جُعِلتُ فِداكَ ، عَلِّمني تَسبيحَ عَلِيٍّ وفاطِمَةَ عليهماالسلام . قالَ : نَعَم يا أبا سَعيدٍ ، تَسبيحُ عَلِيٍّ عليه السلام : سُبحانَ الَّذي لا تَنفَدُ خَزائِنُهُ ، سُبحانَ الَّذي لا تَبيدُ مَعالِمُهُ ، سُبحانَ الَّذي لا يَفنى ما عِندَهُ ، سُبحانَ الَّذي لا يُشرِكُ أحَدا في حُكمِهِ ، سُبحانَ الَّذي لَا اضمِحلالَ لِفَخرِهِ ، سُبحانَ الَّذي لَا انقِطاعَ لِمُدَّتِهِ ، سُبحانَ الَّذي لا إلهَ غَيرُهُ (2) .

الإمام عليّ عليه السلام :سُبحانَكَ مَلَأتَ كُلَّ شَيءٍ ، وبايَنتَ كُلَّ شَيءٍ ، فَأَنتَ الَّذي لا يَفقِدُكَ شَيءٌ ، وأنتَ الفَعّالُ لِما تَشاءُ (3) .

عنه عليه السلام :سُبحانَ الَّذي بَهَرَ العُقولَ عَن وَصفِ خَلقٍ جَلّاهُ لِلعُيونِ ، فَأَدرَكَتهُ مَحدودا مُكَوَّنا ، ومُؤَلَّفا مُلَوَّنا ، وأعجَزَ الأَلسُنَ عَن تَلخيصِ صِفَتِهِ ، وقَعَدَ بِها عَن تَأدِيَةِ نَعتِهِ ،

.


1- .مصباح المتهجّد : ص292 ح403 ، جمال الاُسبوع : ص163 ، المصباح للكفعمي : ص539 ، كامل الزيارات : ص413 ح639 وفيه «يشاور» بدل «يشارك» ، بحار الأنوار : ج91 ص172 ح5 .
2- .كامل الزيارات : ص384 ح631 ، بحار الأنوار : ج101 ص167 ح17 .
3- .إثبات الوصيّة : ص137 ، بحار الأنوار : ج25 ص28 ح46 .

ص: 300

وسُبحانَ مَن أدمَجَ قَوائِمَ الذَّرَّةِ وَالهَمَجَةِ (1) إلى ما فَوقَهُما مِن خَلقِ الحيتانِ وَالفِيَلَةِ ، ووَأى (2) عَلى نَفسِهِ أنْ لا يَضطَرِبَ شَبَحٌ مِمّا أولَجَ فِيهِ الرّوحَ ، إلّا وجَعَلَ الحِمامَ مَوعِدَهُ ، وَالفَناءَ غايَتَهُ (3) .

عنه عليه السلام :سُبحانَكَ ما أعظَمَ شَأنَكَ ! سُبحانَكَ ما أعظَمَ ما نَرى مِن خَلقِكَ ! وما أصغَرَ كُلَّ عَظيمَةٍ في جَنبِ قُدرَتِكَ ! وما أهوَلَ ما نَرى مِن مَلَكوتِكَ ! وما أحقَرَ ذلِكَ فيما غابَ عَنّا مِن سُلطانِكَ ! وما أسبَغَ نِعَمَكَ فِي الدُّنيا ! وما أصغَرَها في نِعَمِ الآخِرَةِ . . . سُبحانَكَ خالِقا ومَعبودا بِحُسنِ بَلائِكَ عِندَ خَلقِكَ ! (4)

عنه عليه السلام_ في صِفَةِ الأَرضِ _: سُبحانَ مَن أمسَكَها بَعدَ مَوَجانِ مِياهِها ، وأجمَدَها بَعدَ رُطوبَةِ أكنافِها ؛ فَجَعَلَها لِخَلقِهِ مِهادا ، وبَسَطَها لَهُم فِراشا ! فَوقَ بَحرٍ لُجِّيٍّ راكِدٍ لا يَجري ، وقائِمٍ لا يَسري ، تُكَركِرُهُ (5) الرِّياحُ العَواصِفُ ، وتَمخَضُهُ (6) الغَمامُ الذَّوارِفُ (7) .

عنه عليه السلام :سُبحانَ مَن لا يَخفى عَلَيهِ سَوادُ غَسَقٍ داجٍ ، ولا لَيلٍ ساجٍ ، في بِقاعِ الأَرَضينَ المُتَطَأطِئاتِ ، ولا في يَفاعِ (8) السُّفعِ (9) المُتَجاوِراتِ ، وما يَتَجَلجَلُ بِهِ الرَّعدُ في اُفُقِ السَّماءِ ، وما تَلاشَت عَنهُ بُروقُ الغَمامِ (10) .

.


1- .الهَمَجَة : واحدة الهَمَج ؛ وهو ذباب صغير يسقط على وجوه الغنم والحمير ، وقيل : هو البَعوض (النهاية : ج5 ص273) .
2- .الوأْي : الوعد الذي يوثّقه الرجل على نفسه ويعزم على الوفاء به (النهاية : ج5 ص144) .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 165 ، بحار الأنوار : ج65 ص32 ح1 .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 109 ، بحار الأنوار : ج4 ص318 ح43 .
5- .الكَرْكَرَةُ : تصريفُ الريحِ السحابَ إذا جمَعَته بعد تفرُّق (لسان العرب : ج5 ص137) .
6- .مَخَضَ الشيء : حرَّكه شديدا (القاموس المحيط : ج2 ص343) .
7- .نهج البلاغة : الخطبة 211 ، بحار الأنوار : ج57 ص39 ح15 .
8- .اليَفاع : المشرف من الأرض والجبل ، وكلّ شيء مرتفع فهو يَفاع (لسان العرب : ج8 ص414) .
9- .والسُّفع : جمع سُفعة : نوع من السواد ليس بالكثير، وقيل : هو سواد مع لون آخر (النهاية : ج2 ص374).
10- .نهج البلاغة : الخطبة 182 ، بحار الأنوار : ج4 ص314 ح40 و ج77 ص309 ح13 .

ص: 301

ب : التّحميدات

عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: سُبحانَ مَن نَدعوهُ لِحَظِّنا فَيُسرِعُ ، ويَدعونا لِحَظِّنا فَنُبطِئُ . خَيرُهُ إلَينا نازِلٌ ، وشَرُّنا إلَيهِ صاعِدٌ ، وهُوَ مالِكٌ قادِرٌ (1) .

عنه عليه السلام_ أيضا _: سُبحانَ الواحِدِ الَّذي لَيسَ غَيرُهُ ، سُبحانَ الدّائِمِ الَّذي لا نَفادَ لَهُ ، سُبحانَ القَديمِ الَّذي لَا ابتِداءَ لَهُ ، سُبحانَ الغَنِيِّ عَن كُلِّ شَيءٍ ، ولا شَيءَ مِنَ الأَشياءِ يُغني عَنهُ ! (2)

ب : التَّحميداتُالإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الَّذي لَم أكُن عِندَهُ مَنسِيّا ، الحَمدُ للّهِ الَّذي أثبَتَني عِندَهُ في صَحيفَةِ الأَبرارِ ، وَالحَمدُ للّهِ ذِي الجَلالِ وَالإِكرامِ (3) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الَّذي أنعَمَ عَلَيَّ بِالإِسلامِ ، وعَلَّمَنِي القُرآنَ ، وحَبَّبَني إلى خَيرِ البَرِيَّةِ خاتَمِ النَّبِيّينَ وسَيِّدِ المُرسَلينَ ؛ إحسانا مِنهُ [ إلَيَّ ] (4) ، وفَضلاً مِنهُ عَلَيَّ (5) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الَّذي لا مِن شَيءٍ كانَ ، ولا مِن شَيءٍ كَوَّنَ ما قَد كانَ ؛ المُستَشهِدِ بِحُدوثِ الأَشياءِ عَلى أزَلِيَّتِهِ ، وبِما وَسَمَها بِهِ مِنَ العَجزِ عَلى قُدرَتِهِ ، وبِمَا اضطَرَّها إلَيه مِنَ الفَناءِ عَلى دَوامِهِ (6) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص348 ح990 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص348 ح997 .
3- .الكافي : ج4 ص183 ح7 عن محمّد بن عمران عن الإمام الصادق عليه السلام ، الإرشاد : ج1 ص336 وفيه «الحمد للّه الذي كنت ممّا كتبه مذكورا» بدل «الحمد للّه الذي أثبتَني» ، وقعة صفّين : ص148 عن حبّة العرني ، شرح الأخبار : ج2 ص368 ح730 كلّها نحوه ، بحار الأنوار : ج38 ص62 ح13 و ج40 ص290 ح64 .
4- .ما بين المعقوفين أثبتناه من إعلام الورى .
5- .الأمالي للصدوق : ص157 ح150 ، بشارة المصطفى : ص155 كلاهما عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، إعلام الورى : ج1 ص366 وفيه «مَنَّ» بدل «أنعَمَ» ، بحار الأنوار : ج39 ص19 ح2 .
6- .عيون أخبار الرضا : ج1 ص121 ح15 ، التوحيد : ص69 ح26 كلاهما عن الهيثم بن عبد اللّه الرّماني عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج4 ص221 ح2 .

ص: 302

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الَّذي جَعَلَ الحَمدَ مِفتاحا لِذِكرِهِ ، وسَبَبا لِلمَزيدِ مِن فَضلِهِ ، ودَليلاً عَلى آلائِهِ وعَظَمَتِهِ (1) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ خالِقِ العِبادِ ، وساطِحِ المِهادِ (2) ، ومُسيلِ الوِهادِ (3) ، مُخصِبِ النِّجادِ (4) ؛ لَيسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابتِداءٌ ، ولا لِأَزَلِيَّتِهِ انقِضاءٌ (5) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الَّذي لا تُواري عَنهُ سَماءٌ سَماءً ، ولا أرضٌ أرضا (6) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الَّذي نَصَرَ وَلِيَّهُ ، وخَذَلَ عَدُوَّهُ ، وأعَزَّ الصّادِقَ المُحِقَّ ، وأذَلَّ الكاذِبَ المُبطِلَ (7) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الَّذي إلَيهِ مَصائِرُ الخَلقِ ، وعَواقِبُ الأَمرِ . نَحمَدُهُ عَلى عَظيمِ إحسانِهِ ، ونَيِّرِ بُرهانِهِ ، ونَوامي (8) فَضلِهِ وَامتِنانِهِ ؛ حَمدا يَكونُ لِحَقِّهِ قَضاءً ، ولِشُكرِهِ أداءً ، وإلى ثَوابِهِ مُقَرِّبا ، ولِحُسنِ مَزيدِهِ موجِبا . ونَستَعينُ بِهِ استِعانَةَ راجٍ لِفَضلِهِ ، مُؤَمِّلٍ لِنَفعِهِ ، واثِقٍ بِدَفعِهِ (9) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الأَوَّلِ فَلا شَيءَ قَبلَهُ ، وَالآخِرِ فَلا شَيءَ بَعدَهُ ، وَالظّاهِرِ فَلا شَيءَ فَوقَهُ ،

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 157 .
2- .المَهْد : الأرض ، كالمِهاد (تاج العروس : ج5 ص263) .
3- .الوَهْدُ والوَهدة : المطمئنّ من الأرض والمكان المنخفض كأنّه حُفرة ، وجمعها : أوْهُدٌ و وِهاد (تاج العروس : ج5 ص329) .
4- .النِّجاد : جمع نَجْد : ما أشرَفَ من الأرض وارتَفَع واستَوَى وصَلُب وغَلُظَ (تاج العروس : ج5 ص268) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 163 ، بحار الأنوار : ج4 ص306 ح35 و ج57 ص27 ح3 .
6- .نهج البلاغة : الخطبة 172 .
7- .الإرشاد : ج1 ص259 ، الأمالي للمفيد : ص127 ح5 عن عبد الرحمن بن عبيد بن الكنود ، وقعة صفّين : ص4 عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود وغيره وفيه «الناكث» بدل «الكاذب» ، بحار الأنوار : ج32 ص351 ح334 و 335 .
8- .نَمَى الشيءُ ينمي ويَنمُو : إذا زاد وارتفع (النهاية : ج5 ص121) .
9- .نهج البلاغة : الخطبة 182 ، بحار الأنوار : ج4 ص313 ح40 .

ص: 303

وَالباطِنِ فَلا شَيءَ دونَهُ (1) .

عنه عليه السلام :أحمَدُهُ استِتماما لِنِعمَتِهِ ، وَاستِسلاما لِعِزَّتِهِ ، وَاستِعصاما مِن مَعصِيَتِهِ . وأستَعينُهُ فاقَةً إلى كِفايَتِهِ ؛ إنَّهُ لا يَضِلُّ مَن هَداهُ (2) .

عنه عليه السلام :أحمَدُهُ شُكرا لِاءِنعامِهِ ، وأستَعينُهُ عَلى وَظائِفِ حُقوقِهِ ؛ عَزيزَ الجُندِ ، عَظيمَ المَجدِ (3) .

عنه عليه السلام :نَحمَدُهُ عَلى ما كانَ ، ونَستَعينُهُ مِن أمرِنا عَلى ما يَكونُ ، ونَسأَلُهُ المُعافاةَ فِي الأَديانِ ، كَما نَسأَلُهُ المُعافاةَ فِي الأَبدانِ (4) .

عنه عليه السلام :نَحمَدُهُ عَلى ما وَفَّقَ لَهُ مِنَ الطّاعَةِ ، وذادَ (5) عَنهُ مِنَ المَعصِيَةِ ، ونَسأَلُهُ لِمِنَّتِهِ تَماما ، وبِحَبلِهِ اعتِصاما (6) .

عنه عليه السلام :نَحمَدُهُ عَلى ما أخَذَ وأعطى ، وعَلى ما أبلى وَابتَلى . الباطِنُ لِكُلِّ خَفِيَّةٍ ، وَالحاضِرُ لِكُلِّ سَريرَةٍ ، العالِمُ بِما تُكِنُّ الصُّدورُ ، وما تَخونُ العُيونُ (7) .

عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلى ما تَأخُذُ وتُعطي ، وعَلى ما تُعافي وتَبتَلي ؛ حَمدا يَكونُ أرضَى الحَمدِ لَكَ ، وأحَبَّ الحَمدِ إلَيكَ ، وأفضَلَ الحَمدِ عِندَكَ ؛ حَمدا يَملَأُ ما خَلَقتَ ، ويَبلُغُ ما أرَدتَ ؛ حَمدا لا يُحجَبُ عَنكَ ، ولا يُقصَرُ دونَكَ ؛ حَمدا لا يَنقَطِعُ عَدَدُهُ ، ولا يَفنى مَدَدُهُ .

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 96 .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 2 ، بحار الأنوار : ج77 ص331 ح19 ؛ مطالب السؤول : ص58 .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 190 .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 99 .
5- .الذَّوْد : السَّوْق والطَّرْد والدَّفْع (لسان العرب : ج3 ص167) .
6- .نهج البلاغة : الخطبة 194 ، بحار الأنوار : ج72 ص176 ح6 .
7- .نهج البلاغة : الخطبة 132 .

ص: 304

فَلَسنا نَعلَمُ كُنْهَ عَظَمَتِكَ ، إلّا أنّا نَعلَمُ أنَّكَ حَيٌّ قَيُّومٌ ، لا تَأخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَومٌ ، لَم يَنتَهِ إلَيكَ نَظَرٌ ، ولَم يُدرِككَ بَصَرٌ ، أدرَكتَ الأَبصارَ ، وأحصَيتَ الأَعمالَ (1) ، وأخَذتَ بِالنَّواصي وَالأَقدامِ . ومَا الَّذي نَرى مِن خَلقِكَ ، ونَعجَبُ لَهُ مِن قُدرَتِكَ ، ونَصِفُهُ مِن عَظيمِ سُلطانِكَ ، وما تَغَيَّبَ عَنّا مِنهُ ، وقَصُرَت أبصارُنا عَنهُ ، وَانتَهَت عُقولُنا دونَهُ ، وحالَت سُتورُ الغُيوبِ بَينَنا وبَينَهُ _ أعظَمُ . فَمَن فَرَّغَ قَلبَهُ ، وأعمَلَ فِكرَهُ ؛ لِيَعلَمَ كَيفَ أقَمتَ عَرشَكَ ، وكَيفَ ذَرَأتَ خَلقَكَ ، وكَيفَ عَلَّقتَ فِي الهَواءِ سَماواتِكَ ، وكَيفَ مَدَدتَ عَلى مَورِ (2) الماءِ أرضَكَ _ رَجَعَ طَرفُهُ حَسيرا (3) ، وعَقلُهُ مَبهورا (4) ، وسَمعُهُ والِها ، وفِكرُهُ حائِرا (5) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الَّذي لا يَبلُغُ مِدحَتَهُ القائِلونَ ، ولا يُحصي نَعماءَهُ العادّونَ ، ولا يُؤَدّي حَقَّهُ المُجتَهِدونَ ؛ الَّذي لا يُدرِكُهُ بُعدُ الهِمَمِ ، ولا يَنالُهُ غَوصُ الفِطَن ؛ الَّذي لَيسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحدودٌ ، ولا نَعتٌ مَوجودٌ ، ولا وَقتٌ مَعدودٌ ، ولا أجَلٌ مَمدودٌ . فَطَرَ الخَلائِقَ بِقُدرَتِهِ ، ونَشَرَ الرِّياحَ بِرَحمَتِهِ ، ووَتَّدَ بِالصُّخورِ مَيَدانَ أرضِهِ (6) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ المُتَجَلّي لِخَلقِهِ بِخَلقِهِ ، وَالظّاهِرِ لِقُلوبِهِم بِحُجَّتِهِ ، خَلَقَ الخَلقَ مِن غَيرِ رَوِيَّةٍ ، إذ كانَتِ الرَّوِيّاتُ لا تَليقُ إلّا بِذَوِي الضَّمائِرِ ، ولَيسَ بِذي ضَميرٍ في نَفسِهِ (7) .

.


1- .في نسخة : «الأعمار» .
2- .المَوْر : المَوْج ، والاضطراب ، والتحرُّك (تاج العروس : ج7 ص496) .
3- .بَصَرٌ حَسِير : كَلِيل (لسان العرب : ج4 ص188) .
4- .بَهَرَهُ : قَهَرَه وعَلاه وغَلَبَه (تاج العروس : ج6 ص119) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 160 .
6- .نهج البلاغة : الخطبة 1 ، الاحتجاج : ج1 ص473 ح113 ، بحار الأنوار : ج4 ص247 ح5 و ج77 ص300 ح7 .
7- .نهج البلاغة : الخطبة 108 .

ص: 305

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ النّاشِرِ فِي الخَلقِ فَضلَهُ ، وَالباسِطِ فيهِم بِالجودِ يَدَهُ . نَحمَدُهُ في جَميعِ اُمورِهِ ، ونَستَعينُهُ عَلى رِعايَةِ حُقوقِهِ (1) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الفاشي فِي الخَلقِ حَمدُهُ ، وَالغالِبِ جُندُهُ ، وَالمُتَعالي جَدُّهُ (2) . أحمَدُهُ عَلى نِعَمِهِ التُّؤامِ (3) وآلائِهِ العِظامِ . الَّذي عَظُمَ حِلمُهُ فَعَفا ، وعَدَلَ في كُلِّ ما قَضى ، وعَلِمَ ما يَمضي وما مَضى ، مُبتَدِعِ الخَلائِقِ بِعِلمِهِ ، ومُنشِئِهِم بِحُكمِهِ بِلَا اقتِداءٍ ولا تَعليمٍ (4) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الَّذي بَطَنَ خَفِيّاتِ الاُمورِ ، ودَلَّت عَلَيهِ أعلامُ الظُّهورِ ، وَامتَنَعَ عَلى عَينِ البَصيرِ ، فَلا عَينُ مَن لَم يَرَهُ تُنكِرُهُ ، ولا قَلبُ مَن أثبَتَهُ يُبصِرُهُ (5) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الَّذي لا يَحويهِ مَكانٌ ، ولا يَحُدُّهُ زَمانٌ ؛ عَلا بِطَولِهِ ، ودَنا بِحَولِهِ ؛ سابِقِ كُلِّ غَنيمَةٍ وفَضلٍ ، وكاشِفِ كُلِّ عَظيمَةٍ وأَزلٍ (6) . أحمَدُهُ عَلى جودِ كَرَمِهِ ، وسُبوغِ نِعَمِهِ ؛ وأستَعينُهُ عَلى بُلوغِ رِضاهُ ، وَالرِّضى بِما قَضاهُ ؛ واُومِنُ بِهِ إيمانا ، وأتَوَكَّلُ عَلَيهِ إيقانا (7) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ غَيرَ مَقنوطٍ مِن رَحمَتِهِ ، ولا مَخلُوٍّ مِن نِعمَتِهِ ، ولا مَأيوسٍ مِن مَغفِرَتِهِ ، ولا مُستَنكَفٍ عَن عِبادَتِهِ ؛ الَّذي لا تَبرَحُ مِنهُ رَحمَةٌ ، ولا تُفقَدُ لَهُ نِعمَةٌ (8) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الَّذِي استَخلَصَ الحَمدَ لِنَفسِهِ ، وَاستَوجَبَهُ عَلى جَميعِ خَلقِهِ ؛ الَّذى ¨

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 100 .
2- .أي عَظَمَته وسُلطانه وجَلاله (اُنظر مجمع البحرين : ج1 ص273) .
3- .تُؤام : جمع تَوْأَم (لسان العرب : ج12 ص61) .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 191 .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 49 ، بحار الأنوار : ج4 ص308 ح36 و ج77 ص304 ح8 .
6- .الأزْل : الشِّدَّة والضِّيق (النهاية : ج1 ص46) .
7- .الأمالي للطوسي : ص684 ح1456 عن ابن عبّاس ، بحار الأنوار : ج77 ص373 ح36 .
8- .نهج البلاغة : الخطبة 45 ، بحار الأنوار : ج73 ص81 ح42 و ص134 ح139 .

ص: 306

3 / 3 _ 4 أدعيته في الصّلاة على رسول اللّه

ناصِيَةُ كُلِّ شَيءٍ بِيَدِهِ ، ومَصيرُ كُلِّ شَيءٍ إلَيهِ ؛ القَوِيُّ في سُلطانِهِ ، اللَّطيفُ في جَبَروتِهِ ؛ لا مانِعَ لِما أعطى ، ولا مُعطِيَ لِما مَنَعَ ؛ خالِقُ الخَلائِقِ بِقُدرَتِهِ ، ومُسَخِّرُهُم بِمَشيئَتِهِ ؛ وَفِيُّ العَهدِ ، صادِقُ الوَعدِ ، شَديدُ العِقابِ ، جَزيلُ الثَّوابِ . أحمَدُهُ وأستَعينُهُ عَلى ما أنعَمَ بِهِ مِمّا لا يَعرِفُ كُنهَهُ غَيرُهُ ، وأتَوَكَّلُ عَلَيهِ تَوَكُّلَ المُستَسلِمِ لِقُدرَتِهِ ، المُتَبَرّي مِنَ الحَولِ وَالقُوَّةِ إلّا إلَيهِ (1) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ الواصِلِ الحَمدَ بِالنِّعَمِ ، وَالنِّعَمَ بِالشُّكرِ . نَحمَدُهُ عَلى آلائِهِ كَما نَحمَدُهُ عَلى بَلائِهِ . ونَستَعينُهُ عَلى هذِهِ النُّفوسِ البِطاءِ عَمّا اُمِرَت بِهِ ، السِّراعِ إلى ما نُهِيَت عَنهُ . ونَستَغفِرُهُ مِمّا أحاطَ بِهِ عِلمُهُ ، وأحصاهُ كِتابُهُ (2) .

3 / 3 _ 4أدعِيَتُهُ فِي الصَّلاةِ عَلى رَسولِ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام_ فِي الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: اللّهُمَّ اقسِم لَهُ مَقسَما مِن عَدلِكَ ، وَاجزِهِ مُضَعَّفاتِ الخَيرِ مِن فَضلِكَ . اللّهُمَّ أعلِ عَلى بِناءِ البانينَ بِناءَهُ ، وأكرِم لَدَيكَ نُزُلَهُ ، وشَرِّف عِندَكَ مَنزِلَهُ ، وآتِهِ الوَسيلَةَ ، وأعطِهِ السَّناءَ وَالفَضيلَةَ ، وَاحشُرنا في زُمرَتِهِ غَيرَ خَزايا ، ولا نادِمينَ ، ولا ناكِبينَ ، ولا ناكِثينَ ، ولا ضالّينَ ، ولا مُضِلّينَ ، ولا مَفتونينَ (3) .

عنه عليه السلام :اللّهُمَّ داحِيَ المَدحُوّاتِ (4) ، وداعِمَ المَسموكاتِ (5) ، وجابِلَ القُلوبِ عَلى فِطرَتِها ؛

.


1- .العقد الفريد : ج3 ص120 ، جواهر المطالب : ج1 ص344 .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 114 .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 106 ، بحار الأنوار : ج16 ص381 ح93 .
4- .يعني باسِطَ الأرَضِين ومُوَسِّعَها (لسان العرب : ج14 ص251) .
5- .أي السَّماوات السَّبع . والسامِك : العالي المرتَفِع . وسَمَكَ الشيءَ : رَفَعَه (النهاية : ج2 ص403) .

ص: 307

شَقِيِّها وسَعيدِهَا ؛ اجعَل شَرائِفَ صَلَواتِكَ ونَوامِيَ بَرَكاتِكَ عَلى مُحَمَّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ ، الخاتِمِ لِما سَبَقَ ، وَالفاتِحِ لِمَا انغَلَقَ ، وَالمُعلِنِ الحَقَّ بِالحَقِّ ، وَالدّافِعِ جَيشاتِ (1) الأَباطيلِ ، وَالدّامِغِ صَولاتِ الأَضاليلِ ، كَما حُمِّلَ فَاضطَلَعَ ، قائِما بِأَمرِكَ ، مُستَوفِزا (2) في مَرضاتِكَ ؛ غَيرِ ناكِلٍ عَن قُدُمٍ (3) ، ولا واهٍ في عَزمٍ ، واعِيا لِوَحيِكَ ، حافِظا لِعَهدِكَ ، ماضِيا عَلى نَفاذِ أمرِكَ ؛ حَتّى أورى قَبَسَ القابِسِ (4) ، وأضاءَ الطَّريقَ لِلخابِطِ ، وهُدِيَت بِهِ القُلوبُ بَعدَ خَوضاتِ الفِتَنِ وَالآثامِ ، وأقامَ بِموضِحاتِ الأَعلامِ ونَيِّراتِ الأَحكامِ ؛ فَهُوَ أمينُكَ المَأمونُ ، وخازِنُ عِلمِكَ المَخزونُ ، وشَهيدُكَ يَومَ الدّينِ ، وبَعيثُكَ بِالحَقِّ ، ورَسولُكَ إلَى الخَلقِ . اللّهُمَّ افسَح لَهُ مَفسَحا في ظِلِّكَ ، وَاجزِهِ مُضاعَفاتِ الخَيرِ مِن فَضلِكَ . اللّهُمَّ وأَعلِ عَلى بِناءِ البانينَ بِناءَهُ ، وأكرِم لَدَيكَ مَنزِلَتَهُ ، وأتمِم لَهُ نورَهُ ، وَاجزِهِ مِنِ ابتِعاثِكَ لَهُ مَقبولَ الشَّهادَةِ ، مَرضِيَّ المَقالَةِ ، ذا مَنطِقٍ عَدلٍ ، وخُطبَةٍ فَصلٍ . اللّهُمَّ اجمَع بَينَنا وبَينَهُ في بَردِ العَيشِ ، وقَرارِ النِّعمَةِ ، ومُنَى الشَّهَواتِ ، وأهواءِ اللَّذّاتِ ، ورَخاءِ الدَّعَةِ (5) ، ومُنتَهَى الطُّمَأنينَةِ ، وتُحَفِ الكَرامَةِ (6) .

عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ ، وصَلَّى اللّهُ عَلى طَيِّبِ المُرسَلينَ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ ،

.


1- .هي جَمع جَيْشَة ؛ وهي المَرَّة من جاشَ إذا ارتَفَع (النهاية : ج1 ص324) .
2- .الوَفْز والوَفَز : العَجَلة (النهاية : ج5 ص210) .
3- .القُدُم : المُضيّ أمامَ أمامَ . وهو يَمشي القُدُمَ : إذا مَضَى في الحرب (لسان العرب : ج12 ص466) .
4- .حتى أوْرَى قبسا لقابِس ؛ أي أظهر نورا من الحقّ لطالبه . والقابس : طالب النار (النهاية : ج4 ص4) .
5- .الدَّعَة : الخَفْض ، والسُّكُون ، والراحة ، والسَّعَة في العَيْش (تاج العروس : ج11 ص499) .
6- .نهج البلاغة : الخطبة 72 ، الغارات : ج1 ص159 عن أبي السلام الكندي نحوه ، بحار الأنوار : ج94 ص83 ح43 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص83 ح3 عن عبد اللّه الأسدي عن رجل ، المعجم الأوسط : ج9 ص43 ح9089 ، غريب الحديث لابن قتيبة : ج1 ص373 ح37 كلاهما عن سلامة الكندي وزاد في صدرها «كان عليّ عليه السلام يعلِّم الناس الصلاة على نبيّ اللّه » والثلاثة الأخيرة نحوه ، كنز العمّال : ج2 ص270 ح3989 .

ص: 308

المُنتَجَبِ الفاتِقِ الرّاتِقِ . اللّهُمَّ فَخُصَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِالذِّكرِ المَحمودِ ، وَالحَوضِ المَورودِ . اللّهُمَّ آتِ مُحَمَّدا _ صَلَواتُكَ عَلَيهِ وآلِهِ _ الوَسيلَةَ وَالرِّفعَةَ وَالفَضيلَةَ ؛ وَاجعَل فِي المُصطَفَينَ مَحَبَّتَهُ ، وفِي العِلِّيّينَ دَرَجَتَهُ ، وفِي المُقَرَّبينَ كَرامَتَهُ . اللّهُمَّ أعطِ مُحَمَّدا _ صَلَواتُكَ عَلَيهِ وآلِهِ _ مِن كُلِّ كَرامَةٍ أفضَلَ تِلكَ الكَرامَةِ ، ومِن كُلِّ نَعيمٍ أوسَعَ ذلِكَ النَّعيمِ ، ومِن كُلِّ عَطاءٍ أجزَلَ ذلِكَ العَطاءِ ، ومِن كُلِّ يُسرٍ أنضَرَ ذلِكَ اليُسرِ ، ومِن كُلِّ قِسمٍ (1) أوفَرَ ذلِكَ القِسمِ ؛ حَتّى لا يَكونَ أحَدٌ مِن خَلقِكَ أقرَبَ مِنهُ مَجلِسا ، ولا أرفَعَ مِنهُ عِندَكَ ذِكرا ومَنزِلَةً ، ولا أعظَمَ عَلَيكَ حَقّا ، ولا أقرَبَ وَسيلَةً مِن مُحَمَّدٍ _ صَلَواتُكَ عَلَيهِ وآلِهِ _ إمامِ الخَيرِ وقائِدِهِ وَالدّاعي إلَيهِ ، وَالبَرَكَةِ عَلى جَميعِ العِبادِ وَالبِلادِ ، ورَحمَةٍ لِلعالَمينَ . اللّهُمَّ اجمَع بَينَنا وبَينَ مُحَمَّدٍ _ صَلواتُكَ عَلَيهِ وآلِهِ _ في بَردِ العَيشِ ، وتَرَوُّحِ الرَّوحِ ، وقَرارِ النِّعمَةِ ، وشَهوَةِ الأَنفُسِ ، ومُنَى الشَّهَواتِ ، ونِعَمِ اللَّذّاتِ ، ورَجاءِ الفَضيلَةِ ، وشُهودِ الطُمَأنينَةِ ، وسُودَدِ (2) الكَرامَةِ ، وقُرَّةِ العَينِ ، ونَضرَةِ النَّعيمِ ، وبَهجَةٍ لا تُشبِهُ بَهَجاتِ الدُّنيا . نَشهَدُ أنَّهُ قَد بَلَّغَ الرِّسالَةَ ، وأدَّى النَّصيحَةَ ، وَاجتَهَدَ لِلاُمَّةِ ، واُوذِيَ في جَنبِكَ ، وجاهَدَ في سَبيلِكَ ، وعَبَدَكَ حَتّى أتاهُ اليَقينُ ، فَصَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وآلِهِ الطَّيِّبينَ . اللّهُمَّ رَبَّ البَلَدِ الحَرامِ ، ورَبَّ الرُّكنِ وَالمَقامِ ، ورَبَّ المَشعَرِ الحَرامِ ، ورَبَّ الحِلِّ وَالحَرامِ ، بَلِّغ روحَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله عَنَّا السَّلامَ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ ، وعَلى أنبِيائِكَ ورُسُلِكَ أجمَعينَ ، وصَلِّ اللّهُمَّ عَلَى الحَفَظَةِ الكِرامِ الكاتِبينَ ، وعَلى أهلِ طاعَتِكَ مِن أهلِ السَّماواتِ السَّبعِ وأهل

.


1- .القِسْم : النَّصِيب والحَظّ . والقَسْم : العَطاء (لسان العرب : ج12 ص478 و ص480) .
2- .السُّودَد : الشَّرَف . وقد يُهمَز وتُضمّ الدال (لسان العرب : ج3 ص228) .

ص: 309

3 / 3 _ 5 أدعيته لِأولادِهِ وعمّالِهِ وأصحابِهِ

الأَرَضينَ السَّبعِ ؛ مِنَ المُؤمِنينَ أجمَعينَ (1) .

3 / 3 _ 5أدعِيَتُهُ لِأَولادِهِ وعُمّالِهِ وأصحابِهِالإمام عليّ عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِلحَسَنِ عليه السلام عِندَ انصِرافِهِ مِن صِفّينَ _: أستَودِعُ اللّهَ دينَكَ ودُنياكَ ، وأَسأَلُهُ خَيرَ القَضاءِ لَكَ فِي العاجِلَةِ وَالآجِلَةِ ، وَالدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَالسَّلامُ (2) .

عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: اللّهُمَّ احفَظ حَسَنا وحُسَينا ، ولا تُمَكِّن فَجَرَةَ قُرَيشٍ مِنهُما ما دُمتُ حَيّا ، فَإِذا تَوَفَّيتَني فَأَنتَ الرَّقيبُ عَلَيهِم ، وأنتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ (3) .

عنه عليه السلام_ لِمُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ _: أسأَلُ اللّهَ أن يُلهِمَكَ الشُّكرَ وَالرُّشدَ ، ويُقَوِّيَكَ عَلَى العَمَلِ بِكُلِّ خَيرٍ ، ويَصرِفَ عَنكَ كُلَّ مَحذورٍ بِرَحمَتِهِ ، وَالسَّلامُ عَلَيكَ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ (4) .

عنه عليه السلام_ بَعدَ شَهادَةِ مالِكٍ الأَشتَرِ _: إنّا لِلّهِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، وَالحَمدُ لِلّهِ رَبِّ العالَمينَ . اللّهُمَّ إنّي أحتَسِبُهُ عِندَكَ ؛ فَإِنَّ مَوتَهُ مِن مَصائِبِ الدَّهرِ . فَرَحِمَ اللّهُ مالِكا !فَلَقَد وَفى بِعَهدِهِ ، وقَضى نَحبَهُ ، ولَقِيَ رَبَّهُ . مَعَ أنّا قَد وَطَّنّا أنفُسَنا عَلى أن نَصبِرَ عَلى كُلِّ مُصيبَةٍ بَعدَ مُصابِنا بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِنَّها أعظَمُ المَصائِبِ (5) .

.


1- .تهذيب الأحكام : ج3 ص83 ح239 عن عليّ بن عبد اللّه عن أبيه عن جدّه عن الحسين بن عليّ عليهماالسلام ، مصباح المتهجّد : ص557 من دون إسنادٍ إلى المعصوم ، الإقبال : ج1 ص320 ، بحار الأنوار : ج98 ص127 ح3 .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 31 ، تحف العقول : ص88 ، أعلام الدين : ص289 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص298 ح413 .
4- .العقد الفريد : ج2 ص335 .
5- .الغارات : ج1 ص264 عن صعصعة بن صوحان ، الأمالي للمفيد : ص83 ح4 عن هشام بن محمّد ، بحار الأنوار : ج33 ص554 ح771 و 772 ؛ شرح نهج البلاغة : ج6 ص77 .

ص: 310

عنه عليه السلام_ بَعدَ شَهادَةِ مالِكٍ الأَشتَرِ _: رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ ! فَقَدِ استَكمَلَ أيّامَهُ ، ولاقى حِمامَهُ ، ونَحنُ عَنهُ راضونَ ؛ فَرَضِيَ اللّهُ عَنهُ ، وضاعَفَ لَهُ الثَّوابَ ، وأحسَنَ لَهُ المَآبَ (1) .

عنه عليه السلام_ في ذِكرِ خَبّابٍ _: يَرحَمُ اللّهُ خَبّابَ بنَ الأَرَتِّ ! فَلَقَد أسلَمَ راغِبا ، وهاجَرَ طائِعا ، وقَنِعَ بِالكَفافِ ، ورَضِيَ عَنِ اللّهِ ، وعاشَ مُجاهِدا (2) .

عنه عليه السلام_ لَمّا قُتِلَ عَمّارٌ _: رَحِمَ اللّهُ عَمّارا يَومَ أسلَمَ ، ورَحِمَ اللّهُ عَمّارا يَومَ قُتِلَ ، ورَحِمَ اللّهُ عَمّارا يَومَ يُبعَثُ حَيّا (3) .

عنه عليه السلام_ لِعَمرِو بنِ الحَمِقِ _: اللّهُمَّ نَوِّر قَلبَهُ بِالتُّقى ، وَاهدِهِ إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ (4) .

عنه عليه السلام_ لِهاشِمٍ المِرقالِ _: اللّهُمَّ ارزُقهُ الشَّهادَةَ في سَبيلِكَ ، وَالمُرافَقَةَ لِنَبِيِّكَ صلى الله عليه و آله (5) .

عنه عليه السلام_ لِأَهلِ الكوفَةِ بَعدَ فَتحِ البَصرَةِ _: وجَزاكُمُ اللّهُ مِن أهلِ مِصرَ عَن أهلِ بَيتِ نَبِيِّكُم أحسَنَ ما يَجزِي العامِلينَ بِطاعَتِهِ ، وَالشّاكِرينَ لِنِعمَتِهِ ؛ فَقَد سَمِعتُم وأطَعتُم ، ودُعيتُم فَأَجَبتُم (6) .

عنه عليه السلام_ لِأَهلِ مِصرَ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: عَصَمَكُمُ اللّهُ بِالهُدى ، وثَبَّتَكُم بِالتُّقى ، ووَفَّقَنا وإيّاكُم لِما يُحِبُّ ويَرضى . وَالسَّلامُ عَلَيكُم ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ (7) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج6 ص78 ؛ نهج البلاغة : الكتاب 34 نحوه . راجع : ج 7 ص 466 (مالك الأشتر) .
2- .نهج البلاغة : الحكمة 43 .
3- .أنساب الأشراف : ج1 ص197 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص262 ، كنز العمّال : ج13 ص539 ح37411 نقلاً عن ابن عساكر .
4- .وقعة صفّين : ص103 ، الاختصاص : ص15 وفيه «باليقين» بدل «بالتُّقى» ؛ شرح نهج البلاغة : ج3 ص181 .
5- .وقعة صفّين : ص112 ؛ شرح نهج البلاغة : ج3 ص184 .
6- .نهج البلاغة : الكتاب 2 ، بحار الأنوار : ج32 ص84 ح57 .
7- .الغارات : ج1 ص261 ؛ شرح نهج البلاغة : ج6 ص75 كلاهما عن صعصعة بن صوحان .

ص: 311

3 / 3 _ 6 أدعيته في الاستعانة في أمر الولاية

عنه عليه السلام_ لِأَهلِ مِصرَ في عَهدِهِ إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: جَعَلَ اللّهُ خُلَّتَنا ووُدَّنا خُلَّةَ المُتَّقينَ ووُدَّ المُخلَصينَ ، وجَمَعَ بَينَنا وبَينَكُم في دارِ الرِّضوانِ إخوانا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ (1) .

عنه عليه السلام_ لِأَصحابِهِ بَعدَ استَشهادِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: اللّهُمَّ اجمَعنا وإيّاهُم عَلَى الهُدى ، وزَهِّدنا وإيّاهُم فِي الدُّنيا ، وَاجعَلِ الآخِرَةَ خَيرا لَنا ولَهُم مِنَ الاُولى (2) .

3 / 3 _ 6أدعِيَتُهُ فِي الاِستِعانَةِ في أمرِ الوِلايَةِالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي عَبدُكَ ووَلِيُّكَ ، اختَرتَني وَارتَضَيتَني ، ورَفَعتَني وكَرَّمتَني بِما أورَثتَني مِن مَقامِ أصفِيائِكَ ، وخِلافَةِ أوليائِكَ ، وأغنَيتَني وأفقَرتَ النّاسَ في دينِهِم ودُنياهُم ، وأعزَزتَني وأذلَلتَ العِبادَ إلَيَّ ، وأسكَنتَ قَلبي نورَكَ ولَم تُحوِجني إلى غَيرِكَ ، وأنعَمتَ عَلَيَّ وأنعَمتَ بي ، ولَم تَجعَل مِنَّةً عَلَيَّ لِأَحَدٍ سِواكَ ، وأقَمتَني لِاءِحياءِ حَقِّكَ ، وَالشَّهادَةِ عَلى خَلقِكَ ، وأن لا أرضى ولا أسخَطَ إلّا لِرِضاكَ وسَخَطِكَ ، ولا أقولَ إلّا حَقّا ، ولا أنطِقَ إلّا صِدقا (3) .

عنه عليه السلام :عَلَّمَني رَسولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وعَلى أهلِ بَيتِهِ هذَا الدُّعاءَ ، وأمَرَني أن أحتَفِظَ بِهِ في كُلِّ ساعَةٍ لِكُلِّ شِدَّةٍ ورَخاءٍ ، وأن اُعَلِّمَهُ خَليفَتي مِن بَعدي ، وأمَرَني أن لا اُفارِقَهُ طولَ عُمُري حَتّى ألقَى اللّهَ عَزَّ وجَلَّ غَدا بِهذَا الدُّعاءِ ، وقالَ لي : قُل حين

.


1- .الغارات : ج1 ص250 عن عباية ، بحار الأنوار : ج33 ص550 ح720 ؛ شرح نهج البلاغة : ج6 ص72 عن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن .
2- .الغارات : ج1 ص322 عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه ، بحار الأنوار : ج33 ص573 ح722 ؛ شرح نهج البلاغة : ج6 ص100 عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه .
3- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص118 ، بحار الأنوار : ج41 ص6 ح5 .

ص: 312

تُصبِحُ وتُمسي هذَا الدُّعاءَ ؛ فَإِنَّهُ كَنزٌ مِن كُنوزِ العَرشِ . . . : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، الحَمدُ لِلّهِ الَّذي لا إلهِ إلّا هُوَ ، المَلِكُ المُبينُ ، المُدَبِّرُ بِلا وَزيرٍ ، ولا خَلقٍ مِن عِبادِهِ يَستَشيرُ ، الأَوَّلُ غَيرُ مَصروفٍ ، وَالباقي بَعدَ فَناءِ الخَلقِ ، العَظيمُ الرُّبوبِيَّةِ ، نورُ السَّماواتِ وَالأَرَضينَ ، وفاطِرُهُما ومُبدِعُهُما ، بِغَيرِ عَمَدٍ خَلَقَهُما وفَتَقَهُما فَتقا ، فَقامَتِ السَّماواتُ طائِعاتٍ بِأَمرِهِ ، وَاستَقَرَّتِ الأَرَضونَ بِأَوتادِها فَوقَ الماءِ ، ثُمَّ عَلا رَبُّنا فِي السَّماواِت العُلى ، «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَ مَا فِى الْأَرْضِ وَ مَا بَيْنَهُمَا وَ مَا تَحْتَ الثَّرَى » (1) . فَأَنَا أشهَدُ بِأَنَّكَ أنتَ اللّهُ لا رافِعَ لِما وَضَعتَ ، ولا مانِعَ لِما أعطَيتَ ، ولا مُعطِيَ لِما مَنَعتَ ، وأنتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنتَ ، كُنتَ إذ لَم تَكُن سَماءٌ مَبنِيَّةٌ ، ولا أرضٌ مَدحِيَّةٌ ، ولا شَمسٌ مُضيئَةٌ ، ولا لَيلٌ مُظلِمٌ ، ولا نَهارٌ مُضيءٌ ، ولا بَحرٌ لُجِّيٍّ ، ولا جَبَلٌ راسٍ ، ولا نَجمٌ سارٍ ، ولا قَمَرٌ مُنيرٌ ، ولا ريحٌ تَهُبُّ ، ولا سَحابٌ يَسكُبُ ، ولا بَرقٌ يَلمَعُ ، ولا رَعدٌ يُسَبِّحُ ، ولا روحٌ تُنَفِّسُ ، ولا طائِرٌ يَطيرُ ، ولا نارٌ تَتَوَقَّدُ ، ولا ماءٌ يَطَّرِدُ . كُنتَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وكَوَّنتَ كُلَّ شَيءٍ ، وقَدَرتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ ، وَابتَدَعتَ كُلَّ شَيءٍ ، وأغنَيتَ وأفقَرتَ ، وأمَتَّ وأحيَيتَ ، وأضحَكتَ وأبكَيتَ ، وعَلَى العَرشِ استَوَيتَ ، فَتَبارَكتَ يا اللّهُ وتَعالَيتَ . أنتَ اللّهُ الَّذي لا إلهَ إلّا أنتَ ، الخَلّاقُ المُعينُ ، أمرُكَ غالِبٌ ، وعِلمُكَ نافِذٌ ، وكَيدُكَ غَريبٌ ، ووَعدُكَ صادِقٌ ، وقَولُكَ حَقٌّ ، وحُكمُكَ عَدلٌ ، وكَلامُكَ هُدىً ، ووَحيُكَ نورٌ ، ورَحمَتُكَ واسِعَةٌ ، وعَفوُكَ عَظيمٌ ، وفَضلُكَ كَثيرٌ ، وعَطاؤُكَ جَزيلٌ ، وحَبلُكَ مَتينٌ ، وإمكانُكَ عَتيدٌ (2) ، وجارُكَ عَزيزٌ ، وبَأسُكَ شَديدٌ ، ومَكرُكَ مَكيدٌ .

.


1- .طه : 5 و 6 .
2- .شيء عتيد : معدّ حاضر (لسان العرب : ج3 ص279) .

ص: 313

أنتَ يا رَبِّ مَوضِعُ كُلِّ شَكوى ، حاضِرُ كُلَّ مَلَأٍ ، وشاهِدُ كُلِّ نَجوى ، مُنتَهى كُلِّ حاجَةٍ ، مُفَرِّجُ كُلِّ حُزنٍ ، غِنى كُلِّ مِسكينٍ ، حِصنُ كُلِّ هارِبٍ ، أمانُ كُلِّ خائِفٍ ، حِرزُ الضُّعَفاءِ ، كَنزُ الفُقَراءِ ، مُفَرِّجُ الغَمّاءِ ، مُعينُ الصّالِحينَ ، ذلِكَ اللّهُ رَبُّنا لا إلهَ إلّا هُوَ ، تَكفي مِن عِبادِكَ مَن تَوَكَّلَ عَلَيكَ ، وأنتَ جارُ مَن لاذَ بِكَ وتَضَرَّعَ إلَيكَ ، عِصمَةُ مَنِ اعتَصَمَ بِكَ ، ناصِرُ مَنِ انتَصَرَ بِكَ ، تَغفِرُ الذُّنوبَ لِمَنِ استَغفَرَكَ ، جَبّارُ الجَبابِرَةِ ، عَظيمُ العُظَماءِ ، كَبيرُ الكُبَراءِ ، سَيِّدُ السّاداتِ ، مَولَى المَوالي ، صَريخُ المُستَصرِخين ، مُنَفِّسٌ عَنِ المَكروبينَ ، مُجيبُ دَعوَةِ المُضطَرّينَ ، أسمَعُ السّامِعينَ ، أبصَرُ النّاظِرينَ ، أحكَمُ الحاكِمينَ ، أسرَعُ الحاسِبينَ ، أرحَمُ الرّاحِمينَ ، خَيرُ الغافِرينَ ، قاضي حَوائِجِ المُؤمِنينَ ، مُغيثُ الصّالِحينَ . أنتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنتَ رَبُّ العالَمينَ ، أنتَ الخالِقُ وأنَا المَخلوقُ ، وأنتَ المالِكُ وأنَا المَملوكُ ، وأنتَ الرَّبُّ وأنَا العَبدُ ، وأنتَ الرّازِقُ وأنَا المَرزوقُ ، وأنتَ المُعطي وأنَا السائِلُ ، وأنتَ الجَوادُ وأنَا البَخيلُ ، وأنتَ القَوِيُّ وأنَا الضَّعيفُ ، وأنتَ العَزيزُ وأنَا الذَّليلُ ، وأنتَ الغَنِيُّ وأنَا الفَقيرُ ، وأنتَ السَّيِّدُ وأنَا العَبدُ ، وأنتَ الغافِرُ وأنَا المُسيءُ ، وأنتَ العالِمُ وأنَا الجاهِلُ ، وأنتَ الحَليمُ وأنَا العَجولُ ، وأنتَ الرَّحمنُ وأنَا المَرحومُ ، وأنتَ المُعافي وأنَا المُبتَلى ، وأنتَ المُجيبُ وأنَا المُضطَرُّ . وأنَا أشهَدُ بِأَنَّكَ أنتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنتَ ، المُعطي عِبادَكَ بِلا سُؤالٍ ، وأشهَدُ بِأَنَّكَ أنتَ اللّهُ ، الواحِدُ الأَحَدُ ، المُتَفَرِّدُ الصَّمَدُ الفَردُ ، وإلَيكَ المَصيرُ ، وصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وأهلِ بَيتِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ ، وَاغفِر لي ذُنوبي ، وَاستُر عَلَيَّ عُيوبي ، وَافتَح لي مِن لَدُنكَ رَحمَةً ورِزقا واسِعا يا أرحَمَ الرّاحِمينَ ، وَالحَمدُ لِلّهِ رَبِّ العالَمينَ ، وحَسبُنَا اللّهُ ونِعمَ الوَكيلُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ (1) .

.


1- .مهج الدعوات : ص156 _ 159 عن الحرث بن عمير عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام .

ص: 314

3 / 3 _ 7 أدعيته في الاستعاذة من المساوئ
أ : غضب اللّه
ب : عداوة أولياء اللّه وولاية أعدائه

3 / 3 _ 7أدعِيَتُهُ فِي الاِستِعاذَةِ مِنَ المَساوِئِأ : غَضَبُ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ إلَيكَ أشكو ضَعفَ قُوَّتي ، وقِلَّةَ حيلَتي ، وهَواني عَلَى النّاسِ . يا أرحَمَ الرّاحِمينَ ! إلى مَن تَكِلُني ؟ إلى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُني (1) ، أم إلى قَريبٍ مَلَّكتَهُ أمري ؟ إن لَم تَكُن ساخِطا عَلَيَّ فَلا اُبالي ، غَيرَ أنَّ عافِيَتَكَ أوسَعُ عَلَيَّ . أعوذُ بِنورِ وَجهِكَ الكَريمِ ، الَّذي أضاءَت لَهُ السَّماواتُ ، وأشرَقَت لَهُ الظُّلُماتُ ، وصَلَحَ عَلَيهِ أمرُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، أن تَحُلَّ عَلَيَّ غَضَبُكَ ، أو تَنزِلَ عَلَيَّ سَخَطُكَ ، لَكَ العُتبى حَتّى تَرضى ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِكَ (2) .

ب : عَداوَةُ أولِياءِ اللّهِ ووِلايَةُ أعدائِهِالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ أن اُعادِيَ لَكَ وَلِيّا ، أو اُوالِيَ لَكَ عَدُوّا ، أو أرضى لَكَ سَخَطا أبَدا . اللّهُمَّ مَن صَلَّيتَ عَلَيهِ فَصَلَواتُنا عَلَيهِ ، ومَن لَعَنتَهُ فَلَعنَتُنا عَلَيهِ . اللّهُمَّ مَن كانَ في مَوتِهِ فَرَحٌ (3) لَنا ولِجَميعِ المُسلِمينَ فَأَرِحنا مِنهُ ، وأبدِل لَنا بِهِ مَن هُوَ خَيرٌ لَنا مِنهُ ، حَتّى تُرِيَنا مِن عِلمِ الإِجابَةِ ما نَتَعَرَّفُهُ في أديانِنا ومَعايِشنا يا أرحَمَ الرّاحِمينَ ، وصَلَّى اللّهُ عَلى سَيِّدنا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وآلِهِ وسَلَّمَ (4) .

.


1- .يتجهّمني : أي يلقاني بالغلظة والوجه الكريه (النهاية : ج1 ص323) .
2- .بحار الأنوار : ج94 ص225 ح1 نقلاً عن اختيار ابن الباقي و ج19 ص22 ح11 نقلاً عن المنتقى للكازروني وغيره عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله نحوه وفيه «بعيد» بدل «عدوّ» ؛ المعجم الكبير : ج25 ص346 عن عبد اللّه بن جعفر عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كنز العمّال : ج2 ص175 ح3613 و ص202 ح3756 و ص698 ح5119 .
3- .وفي نسخة : «فرج» .
4- .الأمالي للمفيد : ص166 ح6 ، المجتنى : ص58 ، بحار الأنوار : ج95 ص355 ح10 .

ص: 315

ج : الرّياء
د : أنواع الذّنوب
ه : أصناف المساوئ

ج : الرِّياءُالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن أن تُحَسِّنَ في لامِعَةِ العُيونِ عَلانِيَتي ، وتُقَبِّحَ فيما اُبطِنُ لَكَ سَريرَتي ، مُحافِظا عَلى رِئاءِ (1) النّاسِ مِن نَفسي بِجَميعِ ما أنتَ مُطَّلِعٌ عَلَيهِ مِنّي ، فَاُبدِيَ لِلنّاسِ حُسنَ ظاهِري ، واُفضِيَ إلَيكَ بِسوءِ عَمَلي ، تَقَرُّبا إلى عِبادِكَ ، وتَباعُدا مِن مَرضاتِكَ (2) .

د : أنواعُ الذُّنوبِالدعوات :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إذا أعطى ما في بَيتِ المالِ أمَرَ بِهِ فَكُنِسَ ، ثُمَّ صَلّى فيهِ ، ثُمَّ يَدعو فَيَقولُ في دُعائِهِ : اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يُحبِطَ العَمَلَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يُعَجِّلُ النِّقَمَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يُغَيِّر النِّعَمَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يَمنَعُ الرِّزقَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يَمنَعُ الدُّعاءَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يَمنَعُ التَّوبَةَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يَهتِكَ العِصمَةَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يورِثُ النَّدَمَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يَحبِسُ القِسَمَ (3) .

ه : أصنافُ المَساوِئِالغارات عن النعمان بن سعد عن الإمام عليّ عليه السلام :كانَ يَخرُجُ إلَى السُّوقِ ومَعَهُ الدِّرَّةُ ، فَيَقولُ : إنّي أعوذُ بِكَ مِنَ الفُسوقِ ، ومِن شَرِّ هذِهِ السّوقِ (4) .

الإمام عليّ عليه السلام :إذَا اشتَرَيتُم ما تَحتاجونَ إلَيهِ مِن السّوقِ فَقولوا حينَ تَدخُلونَ الأَسواقَ :

.


1- .في المصدر : «رثاء» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
2- .نهج البلاغة : الحكمة 276 ، بحار الأنوار : ج94 ص231 ح7 .
3- .الدعوات : ص60 ح150 ، بحار الأنوار : ج91 ص382 ح8 و ج94 ص93 ح9 .
4- .الغارات : ج1 ص114 ، بحار الأنوار : ج103 ص102 ح46 .

ص: 316

أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ صلى الله عليه و آله ، اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن صَفقَةٍ خاسِرَةٍ ، ويَمينٍ فاجِرَةٍ ، وأعوذُ بِكَ مِن بَوارِ الأَيِّمِ (1) . (2)

عنه عليه السلام :أعوذُ بِاللّهِ مِنَ الذُّنوبِ الَّتي تُعَجِّلُ الفَناءَ (3) .

عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: اللّهُمَّ إنّا نَعوذُ بِكَ مِن بَياتِ غَفلَةٍ ، وصَباحِ نَدامَةٍ (4) .

عنه عليه السلام_ أيضا _: اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ أن أقولَ حَقّا لَيسَ فيهِ رِضاكَ ألتَمِسُ بِهِ أحَدا سِواكَ ، وأعوذُ بِكَ أن أتَزَيَّنَ لِلنّاسِ بِشَيءٍ يَشينُني عِندَكَ ، وأعوذُ بِكَ أن أكونَ عِبرَةً لِأَحَدٍ مِن خَلقِكَ ، وأعوذُ بِكَ أن يَكونَ أحَدٌ مِن خَلقِكَ أسعَدَ بِما عَلَّمتَني مِنّي (5) .

عنه عليه السلام_ أيضا _: اللّهُمَّ لا تَجعَلِ الدُّنيا لي سِجنا ، ولا فِراقَها عَلَيَّ حُزنا . أعوذُ بِكَ مِن دُنيا تَحرِمُنِي الآخِرَةَ ، ومِن أمَلٍ يَحرِمُنِي العَمَلَ ، ومِن حَياةٍ تَحرِمُني خَيرَ المَماتِ (6) .

الإمام الصادق عليه السلام :سَمِعَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام رَجُلاً يَقولُ : اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِنَ الفِتنَةِ . قالَ : أراكَ تَتَعَوَّذُ مِن مالِكَ ووَلَدِكَ ؛ يَقولُ اللّهُ تَعالى : «إِنَّمَآ أَمْوَ لُكُمْ وَ أَوْلَ_دُكُمْ فِتْنَةٌ» (7) ! ولكِن قُل : اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن مُضِلّاتِ الفِتَنِ (8) .

.


1- .بَوار الأيِّم : أي كسادها ، والأيِّم التي لا زوج لها ، وهي مع ذلك لا يرغب فيها أحد (النهاية : ج1 ص161) . والمراد هنا كساد المتاع كنايةً وتشبيهاً .
2- .الخصال : ص634 ح10 عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، تحف العقول : ص122 وفي صدره «إذا دخلتم الأسواق لحاجةٍ فقولوا : أشهد . . . » ، بحار الأنوار : ج76 ص172 ح1 و ج103 ص96 ح22 .
3- .الكافي : ج2 ص347 ح7 عن أبي حمزة الثمالي ، الدعوات : ص61 ح151 عن ابن الكوّاء ، بحار الأنوار : ج73 ص376 ح14 .
4- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص348 ح991 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص348 ح993 .
6- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص281 ح224 .
7- .التغابن : 15 .
8- .الأمالي للطوسي : ص580 ح1201 عن عبد اللّه بن محمّد بن عبيد ، تنبيه الخواطر : ج2 ص72 ، أعلام الدين : ص210 كلاهما عن محمّد بن عجلان وكلّها عن الإمام الهادي عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج93 ص325 ح7 .

ص: 317

3 / 3 _ 8 أدعيته في ابتغاء الفضائل
أ : نور معرفة اللّه وأوليائه :

الإمام عليّ عليه السلام :لا يَقولَنَّ أحَدُكُم : اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِنَ الفِتنَةِ ؛ لِأَ نَّهُ لَيسَ أحَدٌ إلّا وهُوَ مُشتَمِلٌ عَلى فِتنَةٍ ، ولكِن مَنِ استَعاذَ فَليَستَعِذ مِن مُضِلّاتِ الفِتَنِ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ يَقولُ : « وَاعْلَمُواْ أَنَّمَآ أَمْوَ لُكُمْ وَأَوْلَ_دُكُمْ فِتْنَةٌ» (1) . (2)

3 / 3 _ 8أدعِيَتُهُ فِي ابتِغاءِ الفَضائِلِأ : نورُ مَعرِفَةِ اللّهِ وأولِيائِهِ:بحار الأنوار عن نوف البكالي :رَأَيتُ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام مُوَلِّيا مُبادِرا ، فَقُلتُ : أينَ تُريدُ يا مَولايَ ؟ فَقالَ : دَعني يا نَوفُ ، إنَّ آمالي تُقَدِّمُني فِي المَحبوبِ . فَقُلتُ : يا مَولايَ وما آمالُكَ ؟ قالَ : قَد عَلِمَهَا المَأمولُ ، وَاستَغنَيتُ عَن تَبيينِها لِغَيرِهِ ، وكَفى بِالعَبدِ أدَبا أن لا يُشرِكَ في نِعَمِهِ وإرَبِهِ غَيرَ رَبِّهِ . فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي خائِفٌ عَلى نَفسي مِنَ الشَّرَهِ ، وَالتَّطَلُّعِ إلى طَمَعٍ مِن أطماعِ الدُّنيا . فَقالَ لي : وأينَ أنتَ عَن عِصمَةِ الخائِفينَ وكَهفِ العارِفينَ ؟ فَقُلتُ : دُلَّني عَلَيهِ . قالَ : اللّهُ العَلِيُّ العَظيمُ ؛ تَصِلُ أمَلَكَ بِحُسنِ تَفَضُّلِهِ ، وتُقبِلُ عَلَيهِ بِهَمِّكَ ، وأَعرِض عَنِ النّازِلَةِ في قَلبِكَ ، فَإِن أجَّلَكَ بِها فَأَنَا الضّامِنُ مِن مَوردِها ، وَانقَطِع إلَى اللّه

.


1- .الأنفال : 28 .
2- .نهج البلاغة : الحكمة 93 ، بحار الأنوار : ج94 ص197 ح6 . قال السيّد الرضي رحمه الله في توضيح كلام الإمام عليه السلام : ومعنى ذلك أ نّه سبحانه يختبرهم بالأموال والأولاد ؛ ليتبيّن الساخط لرزقه والراضي بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحقّ الثواب والعقاب ؛ لأنّ بعضهم يحبّ الذكور ويكره الإناث ، وبعضهم يحبّ تثمير المال ويكره انثلام الحال ، وهذا من غريب ما سمع منه عليه السلام في التفسير .

ص: 318

سُبحانَهُ ، فَإِنَّهُ يَقولُ : وعِزَّتي وجَلالي لَاُقَطِّعَنَّ أمَلَ كُلِّ مَن يُؤَمِّلُ غَيري بِاليَأسِ ، ولَأَكسُوَنَّهُ ثَوبَ المَذَلَّةِ فِي النّاسِ ، ولَاُبَعِّدَنَّهُ مِن قُربي ، ولَاُقَطِّعَنَّهُ عَن وَصلي ، ولَاُخمِلَنَّ ذِكرَهُ حينَ يَرعى غَيري ، أ يُؤَمِّلُ وَيلَهُ لِشَدائِدِهِ غَيري ، وكَشفُ الشَّدائِدِ بِيَدي ؟ ! ويَرجو سِوايَ وأنَا الحَيُّ الباقي ؟ ويَطرُقُ أبوابَ عِبادي وهِيَ مُغلَقَةٌ ويَترُكُ بابي وهُوَ مَفتوحٌ ؟ فَمَن ذَا الَّذي رَجاني لِكَثيرِ جُرمِهِ فَخَيَّبتُ رَجاءَهُ ؟ جَعَلتُ آمالَ عِبادي مُتَّصِلَةً بي ، وجَعَلتُ رَجاءَهُم مَذخورا لَهُم عِندي ، ومَلَأتُ سَماواتي مِمَّن لا يَمَلُّ تَسبيحي ، وأمَرتُ مَلائِكَتي أن لا يُغلِقُوا الأَبوابَ بَيني وبَينَ عِبادي . أ لَم يَعلَم مَن فَدَحَتهُ (1) نائِبَةٌ مِن نَوائِبي أن لا يَملِكَ أحَدٌ كَشفَها إلّا بِإِذني ، فَلِمَ يُعرِضُ العَبدُ بِأَمَلِهِ عَنّي ، وقَد أعطَيتُهُ مالَم يَسأَلني فَلَم يَسأَلني وسَأَلَ غَيري ؟أفَتَراني أبتَدِئُ خَلقي مِن غَيرِ مَسأَلَةٍ ، ثُمَّ اُسأَلُ فَلا اُجيبُ سائِلي ؟ أبَخيلُ أنَا فَيُبَخِّلُني عَبدي ؟ ! أ وَلَيسَ الدُّنيا وَالآخِرَةُ لي ؟ أ وَلَيسَ الكَرَمُ وَالجودُ صِفَتي ؟أ وَلَيسَ الفَضلُ وَالرَّحمَةُ بِيَدي ؟ أ وَلَيسَ الآمالُ لا تَنتَهي إلّا إلَيَّ ؟ فَمَن يَقطَعُها دوني ؟ وما عَسى أن يُؤَمِّلَ المُؤَمِّلونَ مَن سِوايَ ؟ ! وعِزَّتي وجَلالي لَو جَمَعتُ آمالَ أهلِ الأَرضِ وَالسَّماءِ ثُمَّ أعطَيتُ كُلَّ واحِدٍ مِنهُم ، ما نَقَصَ مِن مُلكي بَعضُ عُضوِ الذَّرَّةِ ! وكَيفَ يَنقُصُ نائِلٌ أنَا أفَضتُهُ ؟ يا بُؤسا لِلقانِطينَ مِن رَحمَتي ! يا بُؤسا لِمَن عَصاني وتَوَثَّبَ عَلى مَحارمي ، ولَم يُراقِبني وَاجتَرَأَ عَلَيَّ ! ثُمَّ قالَ عليه السلام لي : يا نَوفُ ادعُ بِهذَا الدُّعاءِ :

.


1- .الفادِحة : النازِلة (لسان العرب : ج2 ص540) .

ص: 319

إلهي إن حَمِدتُكَ فَبِمَواهِبِكَ ، وإن مَجَّدتُكَ فَبِمُرادِكَ ، وإن قَدَّستُكَ فَبِقُوَّتِكَ ، وإن هَلَّلتُكَ فَبِقُدرَتِكَ ، وإن نَظَرتُ فَإِلى رَحمَتِكَ ، وإن عَضَضتُ فَعَلى نِعمَتِكَ . إلهي إنَّهُ مَن لَم يَشغَلهُ الوُلوعُ بِذِكرِكَ ، ولَم يَزوِهِ السَّفَرُ بِقُربِكَ ، كانَت حَياتُهُ عَلَيهِ ميتَةً ، وميتَتُهُ عَلَيهِ حَسرَةً . إلهي تَناهَت أبصارُ النّاظِرينَ إلَيكَ بِسَرائِرِ القُلوبِ ، وطالَعَت أصغَى السّامِعينَ لَكَ نَجِيّاتِ الصُّدورِ ، فَلَم يَلقَ أبصارَهُم رَدٌّ دونَ ما يُريدونَ ، هَتَكتَ بَينَكَ وبَينَهُم حُجُبَ الغَفلَةِ ، فَسَكَنوا في نورِكَ ، وتَنَفَّسوا بِروحِكَ ، فَصارَت قُلوبُهُم مَغارِسا لِهَيبَتِكَ ، وأبصارُهُم ماكِفا لِقُدرَتِكَ ، وقَرُبَت أرواحُهُم مِن قُدسِكَ ، فَجالَسوا اسمَكَ بِوَقارِ المُجالَسَةِ ، وخُضوعِ المُخاطَبَةِ ، فَأَقبَلتَ إلَيهِم إقبالَ الشَّفيقِ ، وأنصَتَّ لَهُم إنصاتَ الرَّفيقِ ، وأجَبتَهُم إجاباتِ الأَحِبّاءِ ، وناجَيتَهُم مُناجاةَ الأَخِلّاءِ ، فَبَلِّغ بِيَ المَحَلَّ الَّذي إلَيهِ وَصَلوا ، وَانقُلني مِن ذِكري إلى ذِكرِكَ ، ولا تَترُك بَيني وبَينَ مَلَكوتِ عِزِّكَ بابا إلّا فَتَحتَهُ ، ولا حِجابا مِن حُجُبِ الغَفلَةِ إلّا هَتَكتَهُ ، حَتّى تُقيمَ روحي بَينَ ضِياءِ عَرشِكَ ، وتَجعَلَ لَها مَقاما نُصبَ نورِكَ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . إلهي ما أوحَشَ طَريقا لا يَكونُ رَفيقي فيهِ أمَلي فيكَ ! وأبعَدَ سَفَرا لا يَكونُ رَجائي مِنهُ دَليلي مِنكَ ! خابَ مَنِ اعتَصَمَ بِحَبلِ غَيرِكَ ، وضَعُفَ رَكنُ مَنِ استَنَدَ إلى غَيرِ رُكنِكَ ، فَيا مُعَلِّمَ مُؤَمِّليهِ الأَمَلَ فَيُذهِبُ عَنهُم كَآبَةَ الوَجَلِ ، ولا تَحرِمني صالِحَ العَمَلِ ، وَاكلَأني كِلاءَةَ مَن فارَقَتهُ الحِيَلُ ، فَكَيفَ يَلحَقُ مُؤَمِّليكَ ذُلُّ الفَقرِ وأنتَ الغَنِيُّ عَن مَضارِّ المُذنِبينَ ؟ ! إلهي وإنَّ كُلَّ حَلاوَةٍ مُنقَطِعَةٌ ، وحَلاوَةُ الإِيمانِ تَزدادُ حَلاوَتُهَا اتِّصالاً بِكَ . إلهي وإنَّ قَلبي قَد بَسَطَ أمَلَهُ فيكَ ، فَأَذِقهُ مِن حَلاوَةِ بَسطِكَ إيّاهُ البُلوغَ لِما أمَّلَ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قدَيرٌ .

.

ص: 320

ب : الإرشاد إلى المصالح

إلهي أسأَلُكَ مَسأَلَةَ مَن يَعرِفُكَ كُنهَ مَعرِفَتِكَ مِن كُلِّ خَيرٍ يَنبَغي لِلمُؤمِنِ أن يَسلُكَهُ ، وأعوذُ بِكَ مِن كُلِّ شَرٍّ وفِتنَةٍ أعَذتَ بِها أحِبّاءَكَ مِن خَلقِكَ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . إلهي أسأَلُكَ مَسأَلَةَ المِسكينِ ، الَّذي قَد تَحَيَّرَ في رَجاهُ ، فَلا يَجِدُ مَلجَأً ولا مَسنَدا يَصِلُ بِهِ إلَيكَ ، ولا يُستَدَلُّ بِهِ عَلَيكَ إلّا بِكَ وبِأَركانِكَ ومَقاماتِكَ الَّتي لا تَعطيلَ لَها مِنكَ ، فَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذي ظَهَرتَ بِهِ لِخاصَّةِ أولِيائِكَ ، فَوَحَّدوكَ وعَرَفوكَ فَعَبَدوكَ بِحَقيقَتِكَ ، أن تُعَرِّفَني نَفسَكَ لاُقِرَّ لَكَ بِرُبوبِيَّتِكَ عَلى حَقيقَةِ الإِيمانِ بِكَ ، ولا تَجعَلني يا إلهي مِمَّن يَعبُدُ الاِسمَ دونَ المَعنى ، وَالحَظني بِلَحظَةٍ مِن لَحَظاتِكَ تُنَوِّر بِها قَلبي بِمَعرِفَتِكَ خاصَّةً ومَعرِفَةِ أولِيائِكَ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (1) .

ب : الإِرشادُ إلىَ المَصالِحِالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ إنَّكَ آنَسُ الآنِسينَ لِأَولِيائِكَ ، وأحضَرُهُم بِالكِفايَةِ لِلمُتَوَكِّلينَ عَلَيكَ ، تُشاهِدُهُم في سَرائِرِهِم ، وتَطَّلِعُ عَلَيهِم في ضَمائِرِهِم ، وتَعلَمُ مَبلَغَ بَصائِرِهِم . فَأَسرارُهُم لَكَ مَكشوفَةٌ ، وقُلوبُهُم إلَيكَ مَلهوفَةٌ . إن أوحَشَتهُمُ الغُربَةُ آنَسَهُم ذِكرُكَ ، وإن صُبَّت عَلَيهِمُ المَصائِبُ لَجَؤوا إلَى الاِستِجارَةِ بِكَ ، عِلما بِأَنَّ أزِمَّةَ الاُمورِ بِيَدِكَ ، ومَصادِرَها عَن قَضائِكَ . اللّهُمَّ إن فَهِهتُ عَن مَسأَلَتي أو عَميتُ عَن طِلبَتي فَدُلَّني عَلى مَصالِحي ، وخُذ بِقَلبي إلى مَراشِدي ، فَلَيسَ ذلِكَ بِنُكرٍ مِن هِداياتِكَ ، ولا بِبِدعٍ مِن كِفاياتِكَ . اللّهُمَّ احمِلني عَلى عَفوِكَ ولا تَحمِلني عَلى عَدلِكَ (2) .

عنه عليه السلام_ فِي الاِستِخارَةِ _: ما شاءَ اللّهُ كانَ ، اللّهُمَّ إنّي أستَخيرُكَ خِيارَ مَن فَوَّضَ إلَيك

.


1- .بحار الأنوار : ج94 ص94 ح12 نقلاً عن الكتاب العتيق الغروي .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 227 ، بحار الأنوار : ج69 ص329 ح40 و ج94 ص230 ح6 .

ص: 321

ج : مكارم الأخلاق

أمرَهُ ، وأسلَمَ إلَيكَ نَفسَهُ ، وَاستَسلَمَ إلَيكَ في أمرِهِ ، وخَلا لَكَ وَجهُهُ ، وتَوَكَّلَ عَلَيكَ فيما نَزَلَ بِهِ ، اللّهُمَّ خِر لي ولا تَخِر عَلَيَّ ، وكُن لي ولا تَكُن عَلَيَّ ، وَانصُرني ولا تَنصُر عَلَيَّ ، وأعِنّي ولا تُعِن عَلَيَّ ، وأمكِنّي ولا تُمَكِّن مِنّي (1) ، وَاهدِني إلَى الخَيرِ ، ولا تُضِلَّني ، وأرضِني بِقَضائِكَ ، وبارِك لي في قَدَرِكَ ، إنَّكَ تَفعَلُ ما تَشاءُ ، وتَحكُمُ ما تُريدُ ، وأنتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . اللّهُمَّ إن كانَ لِيَ الخِيَرَةُ في أمري هذا في ديني ودُنيايَ وعاقِبَةِ أمري ، فَسَهِّل لي ، وإن كانَ غَيرَ ذلِكَ فَاصرِفهُ عَنّي ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، وحَسبُنَا اللّهُ ونِعمَ الوَكيلُ (2) .

عنه عليه السلام_ فِي الاِستِخارَةِ بَعدَ صَلاةِ رَكعَتَينِ _: اللّهُمَّ إنّي قَد هَمَمتُ بِأَمرٍ قَد عَلِمتَهُ ، فَإِن كُنتَ تَعلَمُ أ نَّهُ خَيرٌ لي في ديني ودُنيايَ وآخِرَتي فَيَسِّرهُ لي ، وإن كُنتَ تَعلَمُ أ نَّهُ شَرٌّ لي في ديني ودُنيايَ وآخِرَتي فَاصرِفهُ عَنّي ، كَرِهَتْ نَفسي ذلِكَ أم أحَبَّت ، فَإِنَّكَ تَعلَمُ ولا أعلَمُ ، وأنتَ عَلّامُ الغُيوبِ (3) .

ج : مَكارِمُ الأَخلاقِالإمام زين العابدين عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ يَقولُ : اللّهُمَّ مُنَّ عَلَيَّ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيكَ ، وَالتَّفوِيضِ إلَيكَ ، وَالرِّضا بِقَدَرِكَ ، وَالتَّسليمِ لِأَمرِكَ ، حَتّى لا اُحِبَّ تَعجيلَ ما أخَّرتَ ، ولا تَأخيرَ ما عَجَّلتَ ، يا رَبَّ العالَمينَ (4) .

.


1- .في البلد الأمين : «عليَّ» .
2- .المصباح للكفعمي : ص520، البلد الأمين : ص162 وليس فيه «وحسبنا اللّه ونِعمَ الوكيل» ، فتح الأبواب : ص264 ، بحار الأنوار : ج91 ص284 ح39 نقلاً عن مصباح ابن الباقي و ص238 ح4 .
3- .مكارم الأخلاق : ج2 ص101 ح2291 ، بحار الأنوار : ج91 ص258 ح5 .
4- .الكافي : ج2 ص580 ح14 عن أبي حمزة ، مشكاة الأنوار : ص45 ح28 و ص521 ح1754 كلاهما عن الإمام الصادق عنه عليهماالسلام ، بحار الأنوار : ج95 ص292 ح6 .

ص: 322

د : العصمة من الذّنوب

الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: اللّهُمَّ إنّي أسأَ لُكَ إخباتَ المُخبِتينَ ، وإخلاصَ الموقِنينَ ، ومُرافَقَةَ الأَبرارِ ، وَالعَزيمَةَ في كُلِّ بِرٍّ ، وَالسَّلامَةَ مِن كُلِّ إثمٍ ، وَالفَوزَ بِالجَنَّةِ ، وَالنَّجاةَ مِنَ النّارِ (1) .

عنه عليه السلام_ أيضا _: اللّهُمَّ إنَّ الآمالَ مَنوطَةٌ بِكَرَمِكَ ، فَلا تَقطَع عَلائِقَها بِسَخَطِكَ . اللّهُمَّ إنّي أبرَأُ مِنَ الحَولِ وَالقُوَّةِ إلّا بِكَ ، وأدرَأُ بِنَفسي عَنِ التَّوَكُّلِ عَلى غَيرِكَ (2) .

عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: اللّهُمَّ إنّي أسأَ لُكَ يا رَبَّ الأَرواحِ الفانِيَةِ ، ورَبَّ الأَجسادِ البالِيَةِ ، أسأَ لُكَ بِطاعَةِ الأَرواحِ الرّاجِعَةِ إلى أجسادِها ، وبِطاعَةِ الأَجسادِ المُلتَئِمَةِ إلى أعضائِها ، وبِانشِقاقِ القُبورِ عَن أهلِها ، وبِدَعوَتِكَ الصّادِقَةِ فيهِم ، وأخذِكَ بِالحَقِّ بَينَهُم إذا بَرَزَ الخَلائِقُ يَنتَظِرونَ قَضاءَكَ ، ويَرَونَ سُلطانَكَ ، ويَخافونَ بَطشَكَ ، ويَرجونَ رَحمَتَكَ ، يَومَ لا يُغني مَولىً عَن مَولىً شَيئا ولا هُم يُنصَرونَ ، إلّا مَن رَحِمَ اللّهُ ، إنَّهُ هُوَ البَرُّ الرَّحيمُ . أسأَ لُكَ يا رَحمنُ أن تَجعَلَ النّورَ في بَصَري ، وَاليَقينَ في قَلبي ، وذِكرَكَ بِاللَّيلِ وَالنَّهارِ عَلى لِساني أبَدا ما أبقَيتَني ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قديرٌ (3) .

د : العِصمَةُ مِنَ الذُّنوبِالإمام عليّ عليه السلام_ في مُناجاتِهِ _: إلهي لا سَبيلَ إلَى الاِحتِراسِ مِنَ الذَّنبِ إلّا بِعِصمَتِكَ ، ولا وُصولَ إلى عَمَلِ الخَيراتِ إلّا بِمَشيئَتِكَ ، فَكَيفَ لي بِإِفادَةِ ما أسلَفَتني فيهِ مَشيئَتُكَ ؟ ! وكَيفَ لي بِالاِحتِراسِ مِنَ الذَّنبِ ما (4) لَم تُدرِكني فيهِ عِصمَتُكَ ؟ ! (5)

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص286 ح275 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص348 ح995 .
3- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص287 عن ضرير ، بحار الأنوار : ج95 ص88 ح7 .
4- .في البلد الأمين : «ما إن . . . » .
5- .المصباح للكفعمي : ص492 ، البلد الأمين : ص315 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، فبحار الأنوار : ج94 ص105 ح14 .

ص: 323

ه : الزّهد في الدّنيا

عنه عليه السلام_ أيضا _: إلهي خَلَقتَ لي جِسما ، وجَعَلتَ لي فيهِ آلاتٍ اُطيعُكَ بِها وأعصيكَ ، واُغضِبُكَ بِها واُرضيكَ ، وجَعَلتَ لي مِن نَفسي داعِيَةً إلَى الشَّهَواتِ ، وأسكَنتَني دارا قَد مُلِئَت مِنَ الآفاتِ ، ثُمَّ قُلتَ لي : اِنزَجِر ! فَبِكَ أنزَجِرُ ، وبِكَ أعتَصِمُ ، وبِكَ أستَجيرُ ، وبِكَ أحتَرِزُ ، وأستَوفِقُكَ (1) لِما يُرضيكَ ، وأسأَ لُكَ يا مَولاي ، فَإِنَّ سُؤالي لا يُحفيكَ (2)(3) .

ه : الزُّهدُ فِي الدُّنياالإمام عليّ عليه السلام_ كانَ يَقولُ في دُعائِهِ _: اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ سَلوا عَنِ الدُّنيا ومَقتا لَها ، فَإِنَّ خَيرَها زَهيدٌ ، وشَرَّها عَتيدٌ ، وصَفوَها يَتَكَدَّرُ ، وجَديدَها يَخلَقُ ، وما فاتَ فيها لَم يَرجِع ، وما نيلَ فيها فِتنَةٌ ، إلّا مَن أصابَتهُ مِنكَ عِصمَةٌ ، وشَمِلَتهُ مِنكَ رَحمَةٌ ، فَلا تَجعَلني مِمَّن رَضِيَ بِها وَاطمَأَنَّ إلَيها ، ووَثِقَ بِها ، فَإِنَّ مَنِ اطمَأَنَّ إلَيها خانَتهُ ، ومَن وَثِقَ بِها غَرَّتهُ (4) .

عنه عليه السلام_ في مُناجاتِهِ _: إلهي كَيفَ تَفرَحُ بِصُحبَةِ الدُّنيا صُدورُنا ، وكَيفَ تَلتَئِمُ في غَمَراتِها اُمورُنا ، وكَيفَ يَخلُصُ لَنا فيها سُرورُنا ، وكَيفَ يَملِكُنا بِاللَّهوِ وَاللَّعِبِ غُرورُنا ، وقَد دَعَتنا بِاقتِرابِ الآجالِ قُبورُنا ؟ ! إلهي كَيفَ نَبتَهِجُ في دارٍ قَد حُفِرَت لَنا فيها حَفائِرُ صَرعَتِها ، وفُتِلَت بِأَيدِي المَنايا

.


1- .استَوفَقْت اللّه : أي سألته التَّوفِيق (لسان العرب : ج10 ص383) .
2- .الحفْو : المنْع (النهاية : ج1 ص410) .
3- .المصباح للكفعمي : ص495 ، البلد الأمين : ص317 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص107 ح14 .
4- .إرشاد القلوب : ص26 .

ص: 324

و : الدّنيا عونا على الآخرة
ز : العزّ والاستغناء

حَبائِلُ غَدرَتِها ، وجَرَّعَتنا مُكرَهينَ جُرَعَ مَرارَتِها ، ودَلَّتنَا النَّفسُ (1) عَلَى انقِطاعِ عَيشِها ؟ ! لَولا ما أصغَت إلَيهِ هذِهِ النُّفوسُ مِن رَفائِعِ لَذَّتِها ، وَافتِتانِها بِالفانِياتِ مِن فَواحِشِ زينَتِها . إلهي فَإِلَيكَ نَلتَجِئُ مِن مَكائِدِ خُدعَتِها ، وبِكَ نَستَعينُ عَلى عُبورِ قَنطَرَتِها ، وبِكَ نَستَفطِمُ الجَوارِحَ عَن أخلافِ شَهوَتِها ، وبِكَ نَستَكشِفُ مِن جَلابيبِ حَيرَتِها ، وبِكَ نُقَوِّمُ مِنَ القُلوبِ استِصعابَ جَهالَتِها (2) .

و : الدُّنيا عَونا عَلَى الآخِرَةِالثقات عن حمّاد عن إبراهيم :جَمَعَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام الدُّنيا وَالآخِرَةَ بِخَمسِ كَلِماتٍ ، كانَ يَقولُ : اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ مِنَ الدُّنيا وما فيها ما أسُدُّ بِهِ لِساني ، واُحصِنُ بِهِ فَرجي ، واُؤَدّي بِهِ عَن أمانَتي ، وأصِلُ بِهِ رَحِمي ، وأتَّجِرُ فيهِ لِاخِرَتي (3) .

ز : العِزُّ وَالاِستِغناءُالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ صُن وَجهي بِاليَسارِ ، ولا تَبذُل جاهي بِالإِقتارِ ، فَأَستَرزِقَ طالِبي رِزقِكَ ، وأستَعطِفَ شِرارَ خَلقِكَ ، واُبتَلى بِحَمدِ مَن أعطاني ، واُفتَتَنَ بِذَمِّ مَن مَنَعَني ، وأنتَ مِن وَراءِ ذلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ الإِعطاءِ وَالمَنعِ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (4) .

عنه عليه السلام_ مِن دُعاءٍ كانَ يَدعو بِهِ كَثيرا _: الحَمدُ لِلّهِ الَّذي لَم يُصبِح بي مَيِّتا ولا سَقيما ، ولا مَضروبا عَلى عُروقي بِسوءٍ ، ولا مَأخوذا بِأَسوَإِ عَمَلي ، ولا مَقطوعا دابِري ، ولا

.


1- .في دستور معالم الحكم : «العِبَرُ» وهو الأنسب .
2- .المصباح للكفعمي : ص491 ، البلد الأمين : ص315 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص104 ح14 ؛ دستور معالم الحكم : ص129 عن عبد اللّه الأسدي نحوه .
3- .الثقات : ج8 ص175 ، المناقب للخوارزمي : ص365 ح382 .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 225 ، الدعوات : ص133 ح330 ، بحار الأنوار : ج95 ص297 ح11 .

ص: 325

مُرتَدّا عَن ديني ، ولا مُنكِرا لِرَبّي ، ولا مُستَوحِشا مِن إيماني ، ولا مُلتَبِسا عَقلي ، ولا مُعَذِّبا بِعَذابِ الاُمَمِ مِن قَبلِي . أصبَحتُ عَبدا مَملوكا ظالِما لِنَفسي ، لَكَ الحُجَّةُ عَلَيَّ ولا حُجَّةَ لي ، ولا أستَطيعُ أن آخُذَ إلّا ما أعطَيتَني ، ولا أتَّقِيَ إلّا ما وَقَيتَني . اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ أن أفتَقِرَ في غِناكَ ، أو أضِلَّ في هُداكَ ، أو اُضامَ في سُلطانِكَ ، أو اُضطَهَدَ وَالأَمرُ لَكَ ! اللّهُمَّ اجعَل نَفسي أوَّلَ كَريمَةٍ تَنتَزِعُها مِن كَرائِمي ، وأوَّلَ وَديعَةٍ تَرتَجِعُها مِن وَدائِعِ نِعَمِكَ عِندي ! اللّهُمَّ إنّا نَعوذُ بِكَ أن نَذهَبَ عَن قَولِكَ ، أو أن نُفتَتَنَ عَن دينِكَ ، أو تَتابَعَ بِنا أهواؤُنا دونَ الهُدَى الَّذي جاءَ مِن عِندِكَ ! (1)

الإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقولُ في دُعائِهِ وهُوَ ساجِدٌ : اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ أن تَبتَلِيَني بِبَلِيَّةٍ تَدعوني ضَرورَتُها عَلى أن أتَغَوَّثَ (2) بِشَيءٍ مِن مَعاصيكَ ، اللّهُمَّ ولا تَجعَل لي حاجَةً إلى أحَدٍ مِن شِرارِ خَلقِكَ ولِئامِهِم ، فَإِن جَعَلتَ لي حاجَةً إلى أحَدٍ مِن خَلقِكَ فَاجعَلها إلى أحسَنِهِم وَجها وخُلُقا وخَلْقا ، وأسخاهُم بِها نَفسا ، وأطلَقِهِم بِها لِسانا ، وأسمَحِهِم بِها كَفّا ، وأَقَلِّهِم بِها عَلَيَّ امتِنانا (3) .

الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ أنتَ أهلُ الوَصفِ الجَميلِ ، وَالتَّعدادِ الكَثيرِ . إن تُؤَمَّل فَخَيرُ مَأمولٍ ، وإن تُرجَ فَأَكرَمُ مَرجُوٍّ . اللّهُمَّ وقَد بَسَطتَ لي فيما لا أمدَحُ بِهِ غَيرَكَ ، ولا اُثني بِهِ عَلى أحَدٍ سِواكَ ،

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 215 ، بحار الأنوار : ج94 ص226 ح1 نقلاً عن اختيار ابن الباقي و ص230 ح4 .
2- .غوَّث الرجلُ واستغاثَ : صاح وا غوثاه ! هذا هو أصله ، ثمّ إنّهم استعملوه بمعنى صاح ونادى طلباً للغَوث (تاج العروس : ج3 ص242) . والمراد هنا : أستعين عليها بشيء من معاصيك .
3- .قرب الإسناد : ص1 ح1 عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام ، تحف العقول : ص217 نحوه من «اللهمّ ولا تجعل ... » ، بحار الأنوار : ج86 ص228 ح48 .

ص: 326

ح : العافية

ولا أُوَجِّهُهُ إلى مَعادِنِ الخَيبَةِ ومَواضِعِ الرِّيبَةِ . وعَدَلتَ بِلِساني عَن مَدائِحِ الآدَمِيّينَ ، وَالثَّناءِ عَلَى المَربوبينَ المَخلوقينَ . اللّهُمَّ ولِكُلِّ مُثنٍ عَلى مَن أثنى عَلَيهِ مَثوبَةٌ مِن جَزاءٍ ، أو عارِفَةٌ مِن عَطاءٍ ، وقَد رَجَوتُكَ دَليلاً عَلى ذَخائِرِ الرَّحمَةِ وكُنوزِ المَغفِرَةِ . اللّهُمَّ وهذا مَقامُ مَن أفرَدَكَ بِالتَّوحيدِ الَّذي هُوَ لَكَ ، ولَم يَرَ مُستَحِقّا لِهذِهِ المَحامِدِ وَالمَمادِحِ غَيرَكَ ، وبي فاقَةٌ إلَيكَ لا يَجبُرُ مَسكَنَتَها إلّا فَضلُكَ ، ولا يَنعَشُ مِن خَلَّتِها إلّا مَنُّكَ وجودُكَ ، فَهَب لَنا في هذَا المَقامِ رِضاكَ ، وأغنِنا عَن مَدِّ الأَيدي إلى سِواكَ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قدَيرٌ (1) .

عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: اللّهُمَّ كَما صُنتَ وَجهي عَنِ السُّجودِ لِغَيرِكَ فَصُن وَجهي عَن مَسأَلَةِ غَيرِكَ (2) .

ح : العافِيَةُمهج الدعوات عن ابن عبّاس :كُنتُ عِندَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام جالِسا ، فَدَخَلَ عَلَيهِ رَجُلٌ مُتَغَيِّرُ اللَّونَ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي رَجُلٌ مِسقامٌ كِثيرُ الأَوجاعِ ، فَعَلِّمني دُعاءً أستَعينُ بِهِ عَلى ذلِكَ . فَقالَ : اُعَلِّمُكَ دُعاءً عَلَّمَهُ جَبرائيلُ عليه السلام لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في مَرَضِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ ، وهُوَ هذَا الدُّعاءُ : إلهي كُلَّما أنعَمتَ عَلَيَّ بِنِعمَةٍ قَلَّ لَكَ عِندَها شُكري ، وكُلَّمَا ابتَلَيتَني ببَِلِيَّةٍ قَلَّ لَكَ عِندَها صَبري ، فَيا مَن قَلَّ شُكري عِندَ نِعَمِهِ فَلَم يَحرِمني ، ويا مَن قَلَّ صَبري عِندَ بَلائِهِ فَلَم يَخذُلني ، ويا مَن رَآني عَلَى المَعاصي فَلَم يَفضَحني ، ويا مَن رَآني عَلَى

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 91 ، بحار الأنوار : ج77 ص330 ح17 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص320 ح672 .

ص: 327

ط : الاستسقاء

الخَطايا فَلَم يُعاقِبني عَلَيها ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاغفِر لي ذَنبي ، وَاشفِني مِن مَرَضي ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (1) .

الإمام عليّ عليه السلام_ كانَ يَقولُ في دُعائِهِ _: اللّهُمَّ إنِ ابتَلَيتَني فَصَبِّرني ، وَالعافِيَةُ أحَبُّ إلَيَّ (2) .

الإمام الباقر عليه السلام :مَرِضَ عَلِيٌّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، فَأَتاهُ رَسول اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : قُل : اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ تَعجيلَ عافِيَتِكَ ، أو صَبرا عَلى بَلِيَّتِكَ ، أو (3) خُروجا إلى رَحمَتِكَ (4) .

ط : الاِستِسقاءُالإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ إذا استَسقى يَدعو بِهذَا الدُّعاءِ : اللّهُمَّ انشُر عَلَينا رَحمَتَكَ بِالغَيثِ العَميقِ (5) ، وَالسَّحابِ الفَتيقِ ، ومُنَّ عَلى عِبادِكَ بِبُلوغِ (6) الثَّمَرَةِ ، وأحيِ بِلادَكَ بِبُلوغِ الزَّهَرَةِ ، وأَشهِد مَلائِكَتَكَ الكِرامَ السَّفَرَةَ سَقيا مِنكَ نافِعا دائِما غَزرُهُ (7) ، واسِعا دَرُّهُ (8) ، وابِلاً سَريعا ، تُحيي بِهِ ما قَد ماتَ ، وتَرُدُّ بِهِ ما قَد فاتَ ، وتُخرِجُ بِهِ ما هُوَ آتٍ ، وتُوَسِّعُ لَنا بِهِ فِي الأَقواتِ ، سَحابا مُتَراكِما هَنيئا مَريئا طَبَقا مُجَلِّلاً غَيرَ مُضِرٍّ (9) وَدْقُهُ (10) ، ولا خُلَّبٍ بَرقُهُ .

.


1- .مهج الدعوات : ص20 ، المصباح للكفعمي : ص201 ، بحار الأنوار : ج95 ص63 ح39 .
2- .الإقبال : ج1 ص318 ، بحار الأنوار : ج98 ص126 .
3- .في الكافي : «و» بدل «أو» في كلا الموضعين ، والأنسب ما أثبتناه كما في المصادر الاُخرى .
4- .الكافي : ج2 ص567 ح16 عن أبي حمزة ، عدّة الداعي : ص258 ، الدعوات : ص192 ح531 من دون إسنادٍ إلى المعصوم ، بحار الأنوار : ج95 ص19 ح19 .
5- .في المصدر : «المعبوّ» ، والأصحّ ما أثبتناه كما في نسخة اُخرى .
6- .وفي نسخة اُخرى : «بينوع» بدل «ببلوغ» .
7- .الغَزِيرُ : الكثير من كلّ شيء (لسان العرب : ج5 ص22) .
8- .الدِّرَّة في الأمطار : أن يتبع بعضها بعضاً وجمعها دِرَرٌ (لسان العرب : ج4 ص280) .
9- .في المصدر : «ملط» ، وما أثبتناه من نسخة اُخرى .
10- .الوَدْقُ : المطر (لسان العرب : ج10 ص373) .

ص: 328

اللّهُمَّ اسقِنا غَيثا مَريعا مُمرِعا عَريضا (1) واسِعا غَزيرا ، تَرُدُّ بِهِ النَّهيضَ وتَجبُرُ بِهِ المَهيضَ (2) . [اللّهُمَّ] (3) اسقِنا سَقيا تُسيلُ مِنهُ الرُّضابَ ، وتَملَأُ بِهِ الحِبابَ (4) ، وتُفَجِّرُ مِنهُ الأَنهارَ ، وتُنبِتُ بِهِ الأَشجارَ ، وتُرخِصُ بِهِ الأَسعارَ في جَميعِ الأَمصارِ ، وتَنعَشُ بِهِ البَهائِمَ وَالخَلقَ ، وتُنبِتُ بِهِ الزَّرعَ ، وتُدِرُّ بِهِ الضَّرعَ ، وتَز[ي]دُنا بِهِ قُوَّةً إلى قُوَّتِنا (5) . اللّهُمَّ لا تَجعَل ظِلَّهُ عَلَينا سَموما ، ولا تَجعَل بَردَهُ عَلَينا حُسوما ، ولا تَجعَل ضَرَّهُ عَلَينا رُجوما ، ولا ماءَهُ عَلَينا اُجاجا . اللّهُمَّ ارزُقنا مِن بَرَكاتِ السَّماواتِ وَالأَرضِ (6) .

الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الاِستِسقاءِ _: اللّهُمَّ إنّا خَرَجنا إلَيكَ مِن تَحتِ الأَستارِ وَالأَكنانِ ، وبَعدَ عَجيجِ البَهائِمِ وَالوِلدانِ ، راغِبينَ في رَحمَتِكَ ، وراجينَ فَضلَ نِعمَتِكَ ، وخائِفينَ مِن عَذابِكَ ونِقمَتِكَ . اللّهُمَّ فَاسقِنا غَيثَكَ ، ولا تَجعَلنا مِنَ القانِطينَ ، ولا تُهلِكنا بِالسِّنينَ (7) ، ولا تُؤاخِذنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . اللّهُمَّ إنّا خَرَجنا إلَيكَ نَشكو إلَيكَ ما لا يَخفى عَلَيكَ حينَ ألجَأَتنَا المَضائِقُ الوَعرَةُ ، وأجاءَتنَا المَقاحِطُ المُجدِبَةُ ، وأعيَتنَا المَطالِبُ المُتَعَسِّرَةُ ، وتَلاحَمَت عَلَينَا الفِتَنُ المُستَصعِبَةُ .

.


1- .في المصدر : «عديما» ، وما أثبتناه من النوادر للراوندي .
2- .في المصدر: «عزيزا يرويه البهم ويجبر به النهم» ، وما أثبتناه من بحار الأنوار والنوادر للراوندي.
3- .سقطت كلمة : «اللهمّ» من المصدر ، وأثبتناها من النوادر للراوندي .
4- .كذا في المصدر ، وفي النوادر للراوندي : «الجباب» .
5- .في المصدر : «قوّتك» ، وما أثبتناه من نسخة اُخرى .
6- .الجعفريّات : ص49 ، النوادر للراوندي : ص162 ح244 نحوه وفي صدره «قال عليّ عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دعا بهذا الدعاء في الاستسقاء . . . » ، بحار الأنوار : ج91 ص315 ح4 .
7- .السَّنةُ : الجدْبُ ، يقال : أخذتْهم السَّنة إذا أجدبوا واُقحطُوا (النهاية : ج2 ص413) .

ص: 329

اللّهُمَّ إنّا نَسأَلُكَ أن لا تَرُدَّنا خائِبينَ ولا تَقلِبَنا واجِمينَ ، ولا تُخاطِبَنا بِذُنوبِنا ، ولا تُقايِسَنا بِأَعمالِنا . اللّهُمَّ انشُر عَلَينا غَيثَكَ وبَرَكَتَكَ ، ورِزقَكَ ورَحمَتَكَ . وَاسقِنا سُقيا ناقِعَةً ، مُروِيَةً مُعشِبَةً ، تُنبِتُ بِها ما قَد فاتَ ، وتُحيي بِها ما قَد ماتَ . نافِعَةَ الحَيا ، كَثيرَةَ المُجتَنى ، تُروي بِهَا القيعانَ (1) ، وتُسيلُ البُطنانَ (2) ، وتَستَورِقُ الأَشجارَ ، وتُرخِصُ الأَسعارَ ، إنَّكَ عَلى ما تَشاءُ قَديرٌ (3) .

عنه عليه السلام_ كانَ يَدعو بِهِ عِندَ الاِستِسقاءِ _: يا مُغيثَنا ومُعينَنا عَلى دينِنا ودُنيانا ، بِالَّذي تَنشُرُ عَلَينا مِنَ الرِّزقِ ، نَزَلَ بِنا نَبَأٌ عَظيمٌ ، لا يَقدِرُ عَلى تَفريجِهِ غَيرُ مُنزِلِهِ ، عَجِّل عَلَى العِبادِ فَرَجَهُ ، فَقَد أشرَفَتِ الأَبدانُ عَلَى الهَلاكِ ، فَإِذا هَلَكَتِ الأَبدانُ هَلَكَ الدِّينُ ! يا دَيّانَ العِبادِ ، ومُقَدِّرَ اُمورِهِم بِمَقاديرِ أرزاقِهِم ، لا تَحُل بَينَنا وبَينَ رِزقِكَ ، وهَبنا ما أصبَحنا فيهِ مِن كَرامَتِكَ مُعتَرِفينَ ، قَد اُصيبَ مَن لا ذَنبَ لَهُ مِن خَلقِكَ بِذُنوبِنَا ، ارحَمنا بِمَن جَعَلتَهُ أهلاً بِاستِجابَةِ دُعائِهِ حينَ نَسأَلُكَ . يا رَحيمُ لا تَحبِس عَنّا ما فِي السَّماءِ ، وَانشُر عَلَينا كَنَفَكَ (4) ، وعُد عَلَينا رَحمَتَكَ ، وَابسُط عَلَينا كَنَفَكَ (5) ، وعُد عَلَينا بِقَبولِكَ ، وَاسقِنَا الغَيثَ ولا تَجعَلنا مِنَ القانِطينَ ، ولا تُهلِكنا بِالسِّنينَ ، ولا تُؤآخِذنا بِما فَعَلَ المُبطِلونَ ، وعافِنا يا رَبِّ مِنَ النَّقِمَةِ فِى ¨

.


1- .القاع : أرض واسعةٌ سَهْلة مطمئنّة مستوية حُرّة ، لا حُزونةَ فيها ولا ارتِفاعَ ولا انهِباط ، تَنفَرِجُ عنها الجبالُ والآكامُ (لسان العرب : ج8 ص304) .
2- .بُطنان الأرض : ما تَوَطَّأ في بطون الأرض سَهلِها وحَزنها ورياضها ، وهي قَرار الماء ومستَنقَعُه وهي البواطن والبُطون (لسان العرب : ج13 ص55) .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 143 ، بحار الأنوار : ج91 ص313 ح3 .
4- .في بحار الأنوار: «نعمك» بدل «كنفك».
5- .الكَنَف : الجانِب والناحِية ، هذا تمثيل لجعله تحت ظِلّ رحمته يوم القيامة (النهاية : ج4 ص205) .

ص: 330

الدِّينِ ، وشَماتَةِ القَومِ الكافِرينَ ، يا ذَا النَّفعِ وَالنَّصرِ (1) ، إنَّكَ إن أجَبتَنا فَبِجودِكَ وكَرَمِكَ ، ولِاءِتمامِ ما بِنا مِن نَعمائِكَ ، وإن رَدَدتَنا فَبِلا ذَنبٍ مِنكَ لَنا ، ولكِن بِجِنايَتِنا عَلى أنفُسِنا، فَاعفُ عَنّا قَبلَ أن تَصرِفَنا، وأقِلنا وَاقلِبنا (2) بِإِنجاحِ الحاجَةِ، يا اللّهُ (3) .

عنه عليه السلام_ في دُعاءٍ استَسقى بِهِ _: اللّهُمَّ اسقِنا ذُلُلَ السَّحابِ دونَ صِعابِها (4)(5) .

عنه عليه السلام_ فِي دُعاءٍ استَسقى بِهِ _: اللّهُمَّ قَدِ انصاحَت جِبالُنا ، وَاغبَرَّت أرضُنا ، وهامَت دَوابُّنا ، وتَحَيَّرت في مَرابِضِها ، وعَجَّت عَجيجَ الثكالى عَلى أولادِها ، ومَلَّتِ التَّرَدُّدَ في مَراتِعِها ، وَالحَنينَ إلى مَوارِدِها . اللّهُمَّ فَارحَم أنينَ الآ نَّةِ ، وحَنينَ الحانَّةِ . اللّهُمَّ فَارحَم حَيرَتَها في مَذاهِبِها ، وأنينَها في مَوالِجِها . اللّهُمَّ خَرَجنا إلَيكَ حينَ اعتَكَرَت عَلَينا حَدابيرُ (6) السِّنينَ ، وأخلَفَتنا مَخايِلُ (7) الجودِ . فَكُنتَ الرَّجاءَ لِلمُبتَئِسِ ، وَالبَلاغَ لِلمُلتَمِسِ . نَدعوكَ حينَ قَنَطَ الأَنامُ ، ومُنِعَ الغَمامُ ، وهَلَكَ السَّوامُ ، ألّا تُؤاخِذَنا بِأَعمالِنا ، ولا تَأخُذَنا بِذُنوبِنا . وَانشُر عَلَينا رَحمَتَكَ بِالسَّحابِ المُنبَعِقِ (8) ، وَالرَّبيعِ المُغدِقِ ، وَالنَّباتِ المونِقِ ، سَحّا وابِلاً تُحيي بِه

.


1- .كما في الأصل ، ولعلّ الصواب : «والضرّ» .
2- .وفي نسخة : «واقبلنا» .
3- .الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : ص154 ، بحار الأنوار : ج91 ص334 ح18 .
4- .قال السيّد الرضي رحمه الله بعد ذكره لكلام الإمام عليه السلام : وهذا من الكلام العجيب الفصاحة ، وذلك أ نّه عليه السلام شبّه السحاب ذوات الرعود والبوارق والرياح والصواعق بالإبل الصعاب ، التي تقمص برحالها وتقصّ بركبانها ، وشبّه السحاب خالية من تلك الروائع بالإبل الذلل ، التي تحتلب طيعة وتقتعد مسمحة .
5- .نهج البلاغة : الحكمة 472 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص125 ، بحار الأنوار : ج91 ص318 ح7 .
6- .الحدابير : جمع حِدبار ، وهي الناقة التي بَدَا عَظمُ ظَهرها ، ونَشزَت حراقِيفُها من الهُزال ، فَشبّه بها السِّنِين التي يَكثُر فيها الجَدْب والقَحط (النهاية : ج1 ص350) .
7- .المَخِيلَة : السحابة الخليقة بالمطر (النهاية : ج2 ص93) .
8- .البُعاق : المطر الكثير الغزير الواسِع (النهاية : ج1 ص141) .

ص: 331

ي : الاستغفار

ما قَد ماتَ ، وتَرُدُّ بِهِ ما قَد فاتَ . اللّهُمَّ سُقيا مِنكَ مُحيِيَةً مُرْوِيَةً ، تامَّةً عامَّةً ، طَيِّبَةً مُبارَكَةً ، هَنيئَةً مَريعَةً . زاكِيا نَبتُها ، ثامِرا فَرعُها ، ناضِرا وَرَقُها ، تُنعِشُ بِهَا الضَّعيفَ مِن عِبادِكَ ، وتُحيي بِهَا المَيِّتَ مِن بِلادِكَ . اللّهُمَّ سُقيا مِنكَ تُعشِبُ بِها نِجادُنا (1) ، وتَجري بِها وِهادُنا (2) ، ويُخصِبُ بِها جَنابُنا ، وتُقبِلُ بِها ثِمارُنا ، وتَعيشُ بِها مَواشينا ، وتَندى بِها أقاصينا ، وتَستَعينُ بِها ضَواحينا مِن بَرَكاتِكَ الواسِعَةِ ، وعَطاياكَ الجَزيلَةِ عَلى بَرِيَّتِكَ المُرمِلَةِ ، ووَحشِكَ المُهمَلَةِ . وأنزِل عَلَينا سَماءً مُخضِلَةً ، مِدرارا هاطِلَةً . يُدافِعُ الوَدقُ مِنهَا الوَدقَ ، ويَحفِزُ القَطرُ مِنهَا القَطرَ ، غَيرَ خُلَّبٍ بَرقُها ، ولا جَهامٍ عارِضُها ، ولا قَزَعٍ رَبابُها ، ولا شَفّانٍ ذِهابُها ، حَتّى يُخصِبَ لِاءِمراعِهَا المُجدِبونَ ، ويَحيى بِبَرَكَتِهَا المُسنِتونَ ، فَإِنَّكَ تُنزِلُ الغَيثَ مِن بَعدِما قَنَطوا ، وتَنشُرُ رَحمَتَكَ وأنتَ الوَلِيُّ الحَميدُ (3) .

ي : الاِستِغفارُالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلِماتٍ كانَ يَدعو بِها _: اللّهُمَّ اغفِر لي ما أنتَ أعلَمُ بِهِ مِنّي . فَإِن عُدتُ فَعُد عَلَيَّ بِالمَغفِرَةِ . اللّهُمَّ اغفِر لي ما وَأَيتُ (4) مِن نَفسي ولَم تَجِد لَهُ وَفاءً عِندي . اللّهُمَّ اغفِر لي ما تَقَرَّبتُ بِهِ إلَيكَ بِلِساني ثُمَّ خالَفَهُ قَلبي . اللّهُمَّ اغفِر لي رَمَزاتِ الأَلحاظِ وسَقَطاتِ الأَلفاظِ ، وشَهَواتِ الجَنانِ ، وهَفَواتِ اللِّسانِ (5) .

.


1- .النَّجد : ما ارتفع من الأرض (النهاية : ج5 ص19) .
2- .الوَهدُ : المطمئنُّ من الأرض والمكان المنخفض كأ نّه حفرة (لسان العرب : ج3 ص470) .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 115 ، بحار الأنوار : ج91 ص318 ح7 .
4- .الوَأْي : الوَعْد الذي يُوَثِّقُه الرجلُ على نفسِه ، ويَعزِم على الوفاء به (النهاية : ج5 ص144) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 78 ، المصباح للكفعمي : ص402 ، بحار الأنوار : ج94 ص229 ح3 .

ص: 332

عنه عليه السلام_ كانَ يَقولُ _: اللّهُمَّ إنَّ ذُنوبي لا تَضُرُّكَ ، وإنَّ رَحمَتَكَ إيّايَ لا تَنقُصُكَ ، فَاغفِر لي ما لا يَضُرُّكَ ، وأَعطِني ما لا يَنقُصُكَ (1) .

عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: إلهي ما قَدرُ ذُنوبٍ اُقابِلُ بِها كَرَمَكَ ؟ !وما قَدرُ عِبادَةٍ اُقابِلُ بِها نِعَمَكَ ؟ ! وإنّي لَأَرجو أن تَستَغرِقَ ذُنوبي في كَرَمِكَ كَمَا استَغرَقتَ أعمالي في نِعَمِكَ ! (2)

المصباح للكفعمي_ في ذِكرِ الاِستِغفارِ بِالأَسحارِ _: قُل ما كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقولُهُ في سَحَرِ كُلِّ لَيلَةٍ وبَعدَ رَكعَتَيِ الفَجرِ : اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ مِمّا تُبتُ إلَيكَ مِنهُ ثُمَّ عُدتُ فيهِ ، وأستَغفِرُكَ لِما أرَدتُ بِهِ وَجهَكَ فَخالَطَني فيهِ ما لَيسَ لَكَ ، وأستَغفِرُكَ لِلنِّعَمِ الَّتي مَنَنتَ بِها عَلَيَّ ، فَقَويتُ بِها عَلى مَعاصيكَ . أستَغفِرُ اللّهَ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ الحَيُّ القَيّومُ ، عالِمُ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ الرَّحمنُ الرَّحيمُ ، لِكُلِّ ذَنبٍ أذنَبتُهُ ، ولِكُلِّ مَعصِيَةٍ ارتَكَبتُها . اللّهُمَّ ارزُقني عَقلاً كامِلاً ، وعَزما ثاقِبا ، ولُبّا راجِحا ، وقَلبا ذَكِيّا ، وعِلما كَثيرا ، وأدَبا بارِعا ، وَاجعَل ذلِكَ كُلَّهُ لي ولا تَجعَلهُ عَلَيَّ ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . ثُمَّ قُل _ خَمسا _ : أستَغفِرُ اللّهَ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ الحَيُّ القَيّومُ وَأتوبُ إلَيهِ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام_ كانَ إذا حَزَبَهُ أمرٌ خَلا في بَيتٍ وقالَ _: يا كهيعص يا نورُ يا قُدّوسُ ، يا حَيُّ يا اللّهُ يا رَحمنُ _ يُرَدِّدُها ثَلاثا _ اغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَحِلُّ النِّقَمَ ، وَاغفِر لِى

.


1- .البيان والتبيين : ج3 ص274 ، كنز العمّال : ج2 ص683 ح5064 نقلاً عن الدينوري عن سفيان الثوري وفيه إلى «لا تنقصك» ؛ نثر الدرّ : ج1 ص274 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص284 ح253 .
3- .المصباح للكفعمي : ص92 .

ص: 333

الذُّنوبَ الَّتي تُغَيِّرُ النِّعَمَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تورِثُ النَّدَمَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَحبِسُ القِسَمَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَهتِكُ العِصَمَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُنزِلُ البَلاءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُعَجِّلُ الفَناءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَزيدُ الأَعداءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَقطَعُ الرَّجاءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَرُدُّ الدُّعاءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُمسِكُ غَيثَ السَّماءِ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُظلِمُ الهَواءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَكشِفُ الغِطاءَ (1) .

الفرج بعد الشدّة عن أيّوب بن العبّاس بن الحسن_ بِإِسنادٍ كَثيرٍ _: إنَّ أعرابِيّا شَكا إلى أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ رضى الله عنه شَكوى لَحِقَتهُ ، وضيقا فِي الحالِ ، وكَثرَةً مِنَ العِيالِ ، فَقالَ لَهُ : عَلَيكَ بِالاِستِغفارِ ! فَإِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ : «اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا» (2) الآياتِ . فَمَضَى الرَّجُلُ وعادَ إلَيهِ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي قَدِ استَغفَرتُ اللّهَ كَثيرا ، ولَم أرَ فَرَجا مِمّا أنَا فيهِ ؟ فَقالَ لَهُ : لَعَلَّكَ لا تُحسِنُ الاِستِغفارَ ؟ قالَ : عَلِّمني . فَقالَ : أخلِص نِيَّتَكَ ، وأطِع رَبَّكَ ، وقُل : اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ مِن كُلِّ ذَنبٍ قَوِيَ عَلَيهِ بَدَني بِعافِيَتِكَ ، أو نالَتهُ قُدرَتي بِفَضلِ نِعمَتِكَ ، أو بَسَطتُ إلَيهِ يَدي بِسابِغِ رِزقِكَ ، وَاتَّكَلتُ فيهِ عِندَ خَوفي مِنهُ عَلى أمانِكَ ، ووَثِقتُ فيهِ بِحِلمِكَ ، وعَوَّلتُ فيهِ عَلى كَريمِ عَفوِكَ .

.


1- .الفرج بعد الشدّة لابن أبي الدنيا : ص47 ح68 عن الحارث العُكلي ، كنز العمّال : ج2 ص656 ح4999 نقلاً عن ابن النجّار .
2- .نوح : 10 _ 12 .

ص: 334

اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ مِن كُلِّ ذَنبٍ خُنتُ فيهِ أمانَتي ، أو بَخَستُ فيهِ نَفسي ، أو قَدَّمتُ فيهِ لَذَّتي ، أو آثَرتُ فيهِ شَهوَتي ، أو سَعَيتُ فيهِ لِغَيري ، أوِ استَغوَيتُ إلَيهِ مَن تَبِعَني ، أو غَلَبتُ فيهِ بِفَضلِ حيلَتي ، أو أحَلتُ فيهِ عَلى مَولايَ فَلَم يُعاجِلني عَلى فِعلي ، إذ كُنتَ سُبحانَكَ كارِها لِمَعصِيَتي غَيرَ مُريدِها مِنّي ، لكِن سَبَقَ عِلمُكَ فِيَّ بِاختِياري ، وَاستِعمالِ مُرادي وإيثاري ، فَحَلُمتَ عَنّي ولَم تُدخِلني فيهِ جَبرا ، ولَم تَحمِلني عَلَيهِ قَهرا ، ولَم تَظلِمني عَلَيهِ شَيئا ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . يا صاحِبي في شِدَّتي ، يا مُؤنِسي في وَحدَتي ، يا حافِظي في غُربَتي ، يا وَلِيّي في نِعمَتي ، يا كاشِفَ كُربَتي ، يا مُستَمِعَ دَعوَتي ، يا راحِمَ عَبرَتي ، يا مُقيلَ عَثرَتي ، يا إلهي بِالتَّحقيقِ ، يا رُكنَيَ الوَثيقَ ، يا رَجائي لِلضّيقِ ، يا مَولاي الشّفيقَ ، يا رَبَّ البَيتِ العَتيقِ ، أخرِجني مِن حَلَقِ المَضيقِ إلى سَعَةَ الطَّريقِ ، بِفَرَجٍ مِن عِندِكَ قَريبٍ وَثيقٍ ، وَاكشِف عَنّي كُلَّ شِدَّةٍ وضيقٍ ، وَاكفِني ما اُطيقُ وما لا اُطيقُ . اللّهُمَّ فَرِّج عَنّي كُلَّ هَمٍّ وغَمٍّ ، وأخرِجني مِن كُلِّ حُزنٍ وكَربٍ ، يا فارِجَ الهَمِّ ، ويا كاشِفَ الغَمِّ ، ويا مُنزِلَ القَطرِ ، ويا مُجيبَ دَعوَةِ المُضطَرِّ ، يا رَحمنَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ورَحيمَهُما ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ خِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ ، وعَلى آلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ ، وفَرِّج عَنّي ما ضاقَ بِهِ صَدري ، وعِيلَ مَعَهُ صَبري ، وقَلَّت فيهِ حيلَتي ، وضَعُفَت لَهُ قُوَّتي ، يا كاشِفَ كُلِّ ضُرٍّ وبَلِيَّةٍ ، يا عالِمَ كُلِّ سِرٍّ وخَفِيَّةٍ ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ ، «وَ أُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِير بِالْعِبَادِ» (1) ، «وَ مَا تَوْفِيقِى إِلَا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ» (2) وهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ . قالَ الأَعرابِيُّ : فَاستَغفَرتُ بِذلِكَ مِرارا ، فَكَشَفَ اللّهُ عَنِّي الغَمَّ وَالضّيقَ ، ووَسَّع

.


1- .غافر : 44 .
2- .هود : 88 .

ص: 335

ك : حسن الضّيافة في القبر

عَلَيَّ فِي الرِّزقِ ، وأزالَ المِحنَةَ (1) .

ك : حُسنُ الضِّيافَةِ فِي القَبرِالإمام عليّ عليه السلام_ في مُناجاتِهِ _: إلهي كَأَ نّي بِنَفسي وقَد اُضجِعَت في حُفرَتِها ، وَانصَرَفَ عَنهَا المُشَيِّعونَ (2) مِن جيرَتِها ، وبَكَى الغَريبُ عَلَيها لِغُربَتِها ، وجادَ بِالدُّموعِ عَلَيهَا المُشفِقونَ مِن عَشيرَتِها ، وناداها مِن شَفيرِ القَبرِ ذَوو مَوَدَّتِها ، ورَحِمَهَا المُعادي لَها فِي الحَياةِ عِندَ صَرعَتِها ، ولَم يَخفَ عَلَى النّاظِرينَ إلَيها عِندَ ذلِكَ ضُرُّ فاقَتِها ، ولا عَلى مَن رَآها قَد تَوَسَّدَتِ الثَّرى عَجَزُ حِيلَتها . فَقُلتَ : مَلائِكَتي ، فَريدٌ نَأى عَنهُ الأَقرَبونَ ، ووَحيدٌ جَفاهُ الأَهلونَ ، نَزَلَ بي قَريبا ، وأصبَحَ فِي اللَّحدِ غَريبا ، وقَد كانَ لي في دارِ الدُّنيا داعِيا ، ولِنَظَري إلَيهِ في هذَا اليَومِ راجِيا ، فَتُحسِنُ عِندَ ذلِكَ ضِيافَتي ، وتَكونُ أرحَمَ بي مِن أهلي وقَرابَتي (3) .

عنه عليه السلام_ أيضا _: إلهي لَقَد رَجَوتُ مِمَّن ألبَسَني بَينَ الأَحياءِ ثَوبَ عافِيَتِهِ ، ألّا يُعرِيَني مِنهُ بَينَ الأَمواتِ بِجودِ رَأفَتِهِ ، ولَقَد رَجَوتُ مِمَّن تَوَلّاني في حَياتي بِإِحسانِهِ أن يَشفَعَهُ لي عِندَ وَفاتي بِغُفرانِهِ . يا أنيسَ كُلِّ غَريبٍ آنِس فِي القَبرِ غُربَتي ، ويا ثانِيَ كُلِّ وَحيدٍ ارحَم فِي القَبرِ وَحدَتي ، ويا عالِمَ السِّرِّ وَالنَّجوى ، ويا كاشِفَ الضُّرِّ وَالبَلوى ، كَيفَ نَظَرُكَ لي مِن بَينِ سُكّانِ الثَّرى ؟ ! وكَيفَ صَنيعُكَ إلَيَّ في دارِ الوَحشَةِ وَالبِلى ؟ ! (4) ، فَقَد كُنت

.


1- .الفرج بعد الشدّة للتنوخي : ج1 ص42 ، كنز العمّال : ج2 ص258 ح3966 نقلاً عن ابن النجّار .
2- .في البلد الأمين : «المتّبعون» .
3- .المصباح للكفعمي : ص496 ، البلد الأمين : ص317 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص107 ح14 .
4- .في المصباح للكفعمي : «والبلاء» ، وما أثبتناه من المصادر الاُخرى .

ص: 336

ل : أمان يوم القيامة

بي لَطيفا أيّامَ حَياةِ الدُّنيا (1) .

ل : أمانُ يَومِ القِيامَةِالإمام عليّ عليه السلام_ في مُناجاتِهِ _: اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ الأَمانَ يَومَ لا يَنفَعُ مالٌ ولا بَنونَ ، إلّا مَن أتَى اللّهَ بِقَلبٍ سَليمٍ . وأسأَلُكَ الأَمانَ يَومَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيهِ ، يَقولُ : يا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسولِ سَبيلاً ! وأسأَلُكَ الأَمانَ يَومَ يُعرَفُ المُجرِمونَ بِسيماهُم ، فَيُؤخَذُ بِالنَّواصي وَالأَقدامِ . وأسأَلُكَ الأَمانَ يَومَ لا يَجزي والِدٌ عَن وَلَدِهِ ، ولا مَولودٌ هُوَ جازٍ عَن والِدِهِ شَيئا ، إنَّ وَعدَ اللّهِ حَقٌّ . وأسأَلُكَ الأَمانَ يَومَ لا يَنفَعُ الظّالِمينَ مَعذِرَتُهُم ، ولَهُمُ اللَّعنَةُ ولَهُم سوءُ الدّارِ ، وأسأَلُكَ الأَمانَ يَومَ لا تَملِكُ نَفسٌ لِنَفسٍ شَيئا ، وَالأَمرُ يَومَئِذٍ لِلّهِ . وأسأَلُكَ الأَمانَ يَومَ يَفِرُّ المَرءُ مِن أخيهِ ، واُمِّهِ وأبيهِ ، وصاحِبَتِهِ وبَنيهِ ، لِكُلِّ امرِئٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنيهِ . وأسأَلُكَ الأَمانَ يَومَ يَوَدُّ المُجرِمُ لَو يَفتَدي مِن عَذابِ يَومَئِذٍ بِبَنيهِ ، وصاحِبَتِهِ وأخيهِ ، وفَصيلَتِهِ الَّتي تُؤويهِ ، ومَن فِي الأَرضِ جَميعا ثُمَّ يُنجيهِ ، كَلّا إنَّها لَظى نَزّاعَةً لِلشَّوى . مَولايَ يا مولايَ ، أنتَ المَولى وأنَا العَبدُ ، وهَل يَرحَمُ العَبدَ إلَا المَولى . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ المالِكُ وأنَا المَملوكُ، وهَل يَرحَمُ المَملوكَ إلَا المالِكُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ العَزيزُ وأنَا الذَّليلُ ، وهَل يَرحَمُ الذَّليلَ إلَا العَزيزُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الخالِقُ وأنَا المَخلوقُ، وهَل يَرحَمُ المَخلوقَ إلَا الخالِقُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ العَظيمُ وأنَا الحَقيرُ ، وهَل يَرحَمُ الحَقيرَ إلَا العَظيمُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ القَوِيُّ وأنَا الضَّعيفُ، وهَل يَرحَمُ الضَّعيفَ إلَا القَوِيُّ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الغَنِيُّ وأنَا الفَقيرُ ، وهَل يَرحَمُ الفَقيرَ إلَا الغَنِيُّ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ المُعطي وأنَا السّائِلُ، وهَل يَرحَم

.


1- .المصباح للكفعمي : ص497 ، البلد الأمين : ص318 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص108 ح14 .

ص: 337

م : رحمة يوم القيامة

السّائِلَ إلَا المُعطي . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الحَيُّ وأنَا المَيِّتُ ، وهَل يَرحَمُ المَيِّتَ إلَا الحَيُّ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الباقي وأنَا الفاني ، وهَل يَرحَمُ الفانِيَ إلَا الباقي . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الدّائِمُ وأنَا الزّائِلُ ، وهَل يَرحَمُ الزّائِلَ إلَا الدّائِمُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الرّازِقُ وأنَا المَرزوقَ، وهَل يَرحَمُ المَرزوقَ إلَا الرّازِقُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الجَوادُ وأنَا البَخيلُ ، وهَل يَرحَمُ البَخيلَ إلَا الجَوادُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ المُعافي وأنَا المُبتَلى ، وهَل يَرحَمُ المُبتَلى إلَا المُعافي . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الكَبيرُ وأنَا الصَّغيرُ ، وهَل يَرحَمُ الصَّغيرَ إلَا الكَبيرُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الهادي وأنَا الضّالُّ ، وهَل يَرحَمُ الضّالَّ إلَا الهادي . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الرَّحمنُ وأنَا المَرحومُ ، وهَل يَرحَمُ المَرحومَ إلَا الرَّحمنُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ السُّلطانُ وأنَا المُمتَحَنُ، وهَل يَرحَمُ المُمتَحَنَ إلَا السُّلطانُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الدَّليلُ وأنَا المُتَحَيِّرُ ، وهَل يَرحَمُ المُتَحَيِّرَ إلَا الدَّليلُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الغَفورُ وأنَا المُذنِبُ ، وهَل يَرحَمُ المُذنِبَ إلَا الغَفورُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الغالِبُ وأنَا المَغلوبُ ، وهَل يَرحَمُ المَغلوبَ إلَا الغالِبُ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ الرَّبُّ وأنَا المَربوبُ ، وهَل يَرحَمُ المَربوبَ إلَا الرَّبُّ . مَولايَ يا مَولايَ ، أنتَ المُتَكَبِّرُ وأنَا الخاشِعُ، وهَل يَرحَمُ الخاشِعَ إلَا المُتَكَبِّرُ؟! مَولايَ يا مَولايَ ، ارحَمني بِرَحمَتِكَ وَارضَ عَنّي بِجودِكَ وكَرَمِكَ ، يا ذَا الجودِ وَالإِحسانِ ، وَالطَّولِ وَالِامتِنانِ ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ (1) .

م : رَحمَةُ يَومِ القِيامَةِالإمام عليّ عليه السلام_ في مُناجاتِهِ _: إلهي إذا جِئناكَ عُراةً حُفاةً ، مُغبَرَّةً مِن ثَرَى الأَجداث

.


1- .المزار الكبير : ص173 ، المزار للشهيد الأوّل : ص248 ، مصباح الزائر : ص88 ، البلد الأمين : ص319 ، بحار الأنوار : ج94 ص109 ح15 و ج100 ص419 .

ص: 338

3 / 3 _ 9 أدعيته في الأحوال الخاصّة
أ : عند النّوم

رُؤوسُنا ، وشاحِبَةً مِن تُرابِ المَلاحيدِ وُجوهُنا ، وخاشِعَةً مِن أفزاعِ القِيامَةِ أبصارُنا ، وذابِلَةً مِن شَدَّةِ العَطَشِ شِفاهُنا ، وجائِعَةً لِطولِ المُقامِ بُطونُنا ، وبارِزَةً هُنالِكَ لِلعُيونِ سَوءاتُنا ، ومُوَقَّرَةً مِن ثِقلِ الأَوزارِ ظُهورُنا ، ومَشغولينَ بِما قَد دَهانا عَن أهالينا وأولادِنا ، فَلا تُضَعِّفِ المَصائِبَ عَلَينا بِإِعراضِ وَجهِكَ الكَريمِ عَنّا ، وسَلبِ عائِدَةِ ما مَثَّلَهُ الرَّجاءُ مِنّا (1) .

3 / 3 _ 9أدعِيَتُهُ فِي الأَحوالِ الخاصَّةِأ : عِندَ النَّومِالإمام عليّ عليه السلام_ كانَ إذا نامَ يَقولُ _: اللّهُمَّ أسلَمتُ نَفسي إلَيكَ ، ووَجَّهتُ وَجهي إلَيكَ ، وفَوَّضتُ أمري إلَيكَ ، وألجَأتُ ظَهري إلَيكَ ، آمَنتُ بِكِتابِكَ المُنزَلِ ، ونَبِيِّكَ المُرسَلِ (2) .

مسند ابن حنبل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الإمام عليّ عليه السلام :أتانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ذاتَ لَيلَةٍ حَتّى وَضَعَ قَدَمَهُ بَيني وبَينَ فاطِمَةَ ، فَعَلَّمَنا ما نَقولُ إذا أخَذنا مَضاجِعَنا : ثَلاثا وثَلاثينَ تَسبيحَةً ، وثَلاثا وثَلاثينَ تَحميدَةً ، وأربَعا وثَلاثينَ تَكبيرَةً . قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : فَما تَرَكتُها بَعدُ . فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ : ولا لَيلَةَ صِفّينَ ؟ قالَ : ولا لَيلَةَ صِفّينَ (3) .

.


1- .المصباح للكفعمي : ص490 ، البلد الأمين : ص314 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص103 ح14 .
2- .عمل اليوم والليلة للنسائي : ص454 ح768 عن عاصم .
3- .مسند ابن حنبل : ج1 ص305 ح1228 و ج2 ص567 ح6565 عن عبد اللّه بن عمرو ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص165 ح4724 كلاهما نحوه ، سنن الدارمي : ج2 ص745 ح2585 ، مسند أبي يعلى : ج1 ص174 ح269 و ص199 ح340 و ص281 ح548 ، عمل اليوم والليلة للنسائي : ص474 ح815 ، المنتخب من مسند عبد بن حميد : ص51 ح63 ، حلية الأولياء : ج1 ص70 .

ص: 339

ب : عندما بات على فراش رسول اللّه
ج : عند الاستيقاظ

ب : عِندَما باتَ عَلى فِراشِ رَسولِ اللّهِفلاح السائل عن معاوية بن وهب :دَخَلتُ عَلى أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام وَقتَ المَغرِبِ ، فَإِذا هُوَ قَد أذَّنَ وجَلَسَ ، فَسَمِعتُهُ يَدعو بِدُعاءٍ ما سَمِعتُ بِمِثلِهِ ، فَسَكَتُّ حَتّى فَرَغَ مِن صَلاتِهِ ، ثُمَّ قُلتُ : يا سَيِّدي ، لَقَد سَمِعتُ مِنكَ دُعاءً ما سَمِعتُ بِمِثلِهِ قَطُّ ، قالَ : هذا دُعاءُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام لَيلَةَ باتَ عَلى فِراشِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ هذا : يا مَن لَيسَ مَعَهُ رَبٌّ يُدعى، يا مَن لَيسَ فَوقَهُ خالِقٌ يُخشى، يا مَن لَيسَ دونَهُ إلهٌ يُتَّقى ، يا مَن لَيسَ لَهُ وَزيرٌ يُغشى ، يا مَن لَيسَ لَهُ بَوّابٌ يُنادى ، يا مَن لا يَزدادُ عَلى كَثرَةِ السُّؤالِ إلّا كَرَما وجودا ، يا مَن لا يَزدادُ عَلى عِظَمِ الجُرمِ إلّا رَحمَةً وعَفوا ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَافعَل بي ما أنتَ أهلُهُ ، فَإِنَّكَ أهلُ التَّقوى وأهلُ المَغفِرَةِ ، وأنتَ أهلُ الجودِ وَالخَيرِ وَالكَرَمِ (1) .

ج : عِندَ الاِستيقاظِالإمام عليّ عليه السلام :إذَا انتَبَهَ أحَدُكُم مِن نَومِهِ فَليَقُل : لا إلهِ إلَا اللّهُ الحَليمُ الكَريمُ الحَيُّ القَيّومُ ، وهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، سُبحانَ رَبِّ النَّبِيّينَ وإلهِ المُرسَلينَ ، وسُبحانَ رَبِّ السَّماواتِ السَّبعِ وما فيهِنَّ ، ورَبِّ الأَرَضينَ السَّبعِ وما فيهِنَّ ، ورَبِّ العَرشِ العَظيمِ ! وَالحَمدُ لِلّهِ رَبِّ العالَمينَ . فَإِذا جَلَسَ مِن نَومِهِ فَليَقُل قَبلَ أن يَقومَ : حَسبِيَ اللّهُ ، حَسبِيَ الرَّبُّ مِنَ العِبادِ ، حَسبِيَ الَّذي هُوَ حَسبي مُنذُ كُنتُ ، حَسبِيَ اللّهُ ونِعمَ الوَكيلُ (2) .

.


1- .فلاح السائل : ص405 ح274 ، بحار الأنوار : ج84 ص181 ح13 .
2- .الخصال : ص625 ح10 عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، مكارم الأخلاق : ج2 ص52 ح2127 عن الإمام الصادق عنه عليهماالسلام نحوه .

ص: 340

د : عند لبس الثّوب الجديد

د : عِندَ لُبسِ الثَّوبِ الجَديدِالإمام عليّ عليه السلام :إذا كَسَا اللّهُ تَعالَى المُؤمِنَ ثَوبا جَديدا فَليَتَوَضَّأ وَليُصَلِّ رَكعَتَينِ ، يَقرَأُ فيهِما اُمَّ الكِتابِ وآيَةَ الكُرسِيِّ وقُل هُوَ اللّهُ أحَدٌ وإنّا أنزَلناهُ ، ثُمَّ ليَحمَدِ اللّهَ الَّذي سَترَ عَورَتَهُ ، وزَيَّنَهُ فِي النّاسِ ، وَليُكثِر مِن قَولِ : لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ . فَإِنَّهُ لا يَعصِي اللّهَ فيهِ (1) .

عنه عليه السلام_ عِندَ لُبسِ الثَّوبِ الجَديدِ _: الحَمدُ لِلّهِ الَّذي كَساني ما اُواري بِهِ عَورَتي ، وأتَجَمَّلُ بِهِ فِي خَلقِهِ (2) .

عنه عليه السلام_ بَعدَمَا اشتَرى قَميصا ولَبِسَهُ _: الحَمدُ لِلّهِ الَّذي رَزَقَني مِنَ الرِّياشِ ما أتَجَمَّلُ بِهِ فِي النّاسِ ، ووارى سوَءَتي ، وسَتَرَ عَورَتي ، الحَمدُ لِلّهِ رَبِّ العالَمينَ (3) .

الإمام الحسين عليه السلام :أتى أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام أصحابَ القُمُصِ ، فَساوَمَ شَيخا مِنهُم . . . فَاشتَرى مِنهُ قَميصا بِثَلاثَةِ دَراهِمَ فَلَبِسَهُ . . . وأتَى المَسجِدَ فَصَلّى فيهِ رَكعَتَينِ ثُمَّ قالَ : الحَمدُ لِلّهِ الَّذي رَزَقَني مِنَ الرِّياشِ ما أتجَمَّلُ بِهِ فِي النّاسِ ، واُؤَدّي فيه فَريضَتي ، وأستُرُ بِهِ عَورَتي (4) .

الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام اشتَرى قَميصا . . . ثُمَّ لَبِسَهُ . . . ثُمَّ قالَ :

.


1- .الكافي : ج6 ص459 ح5 عن محمّد بن مسلم ، مكارم الأخلاق : ج1 ص226 ح666 كلاهما عن الإمام الصادق عليه السلام .
2- .مكارم الأخلاق : ج1 ص246 ح730 ، روضة الواعظين : ص121 وفيه «رزقني» بدل «كساني» وكلاهما عن الأصبغ بن نباتة ، بحار الأنوار : ج79 ص310 ح14 .
3- .دعائم الإسلام : ج2 ص157 ح556 .
4- .الأمالي للطوسي : ص365 ح771 عن أبي الحسن عليّ بن عليّ بن رزين أخي دعبل بن عليّ الخزاعي عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج41 ص108 ح14 .

ص: 341

الحَمدُ لِلّهِ الَّذي كَساني مِنَ الرِّياشِ ما أستُرُ بِهِ عَورَتي ، وأتَجَمَّلُ بِهِ فِي النّاسِ ، اللّهُمَّ اجعَلهُ ثَوبَ يُمنٍ وبَرَكَةٍ ، أسعى فيهِ لِمَرضاتِكَ عُمري ، واُعَمِّرُ فيهِ مَساجِدَكَ (1) .

الدعاء للطبراني عن أبي مطر :كُنتُ بِالكوفَةِ فَمَرَّ عَلِيٌّ عليه السلام فَتَبِعتُهُ حَتّى أتى عَلى أصحابِ الثِّيابِ ، فَنَظَرَ إلى قَميصٍ مَخيطٍ فَتَناوَلَهُ ، فَساوَمَ بِهِ صاحِبَهُ ، فَاشتَراهُ بِثَلاثَةِ دَراهِمَ ، فَلَبِسَهُ ثُمَّ قالَ : الحَمدُ لِلّهِ الَّذي سَتَرَ عَورَتي ، وألبَسَنِي الرِّياشَ . هكَذا سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ إذا لَبِسَ الثَّوبَ (2) .

الدعاء للطبراني عن أبي مطر البصري :كُنتُ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام وَاشتَرى قَميصا بِثَلاثَةِ دَراهِمَ ، ولَبِسَهُ ما بَينَ الرُّكبَتَينِ إلَى الكَعبَينِ ، وقالَ : الحَمدُ لِلّهِ الَّذي رَزَقَني مِنَ الرِّياشِ ما أتَجَمَّلُ بِهِ فِي النّاسِ ، واُواري بِهِ عَورَتي . فَقيلَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، شَيءٌ تَروِيهِ عَن نَفسِكَ ، أو شَيءٌ سَمِعتَهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : لا ، بَل سَمِعتُهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُهُ عِندَ الكِسوَةِ (3) .

.


1- .مكارم الأخلاق : ج1 ص225 ح660 عن أبي بصير ، الكافي : ج6 ص458 ح2 عن السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام ، الأمالي للصدوق : ص338 ح398 عن السكوني عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام وفي صدرهما «عن عليّ عليه السلام قال : علَّمني رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا لَبِستُ ثوبا جديدا أن أقول : الحمد للّه ... » .
2- .الدعاء للطبراني : ص142 ح394 ؛ الأمالي للطوسي : ص387 ح849 نحوه ، بحار الأنوار : ج41 ص107 ح13 و ج79 ص319 ح1 .
3- .الدعاء للطبراني : ص142 ح395 ، مسند ابن حنبل : ج1 ص331 ح1352 و ح1354 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص711 ح1215 كلّها نحوه ، مسند أبي يعلى : ج1 ص181 ح290 ، المناقب للخوارزمي : ص122 ح136 ؛ كشف الغمّة : ج1 ص164 ، بحار الأنوار : ج40 ص332 ح14 .

ص: 342

ه : عند الأكل والشّرب

ه : عِندَ الأَكلِ وَالشُّربِالإمام عليّ عليه السلام_ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: يا بُنَيَّ لا تطعَمَنَّ لُقمَةً مِن حارٍّ ولا بارِدٍ ، ولا تَشرَبَنَّ شَربَةً ولا جُرعَةً إلّا وأنتَ تَقولُ قَبلَ أن تَأكُلَهُ ، وقَبلَ أن تَشرَبَهُ : «اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ في أكلي وشُربِي السَّلامَةَ مِن وَعكِهِ (1) ، وَالقُوَّةَ بِهِ عَلى طاعَتِكَ ، وذِكرِكَ وشُكرِكَ فيما بَقَّيتَهُ في بَدني ، وأن تُشَجِّعَني بِقُوَّتِها عَلى عِبادَتِكَ ، وأن تُلهِمَني حُسنَ التَّحَرُّزِ مِن مَعصِيَتِكَ» ، فَإِنَّكَ إن فَعَلتَ ذلِكَ أمِنتُ وَعثَهُ (2) وغائِلَتَهُ (3) .

عنه عليه السلام_ عِندَ الأَكلِ وَالشُّربِ _: اللّهُمَّ إنَّ هذا مِن عَطائِكَ ، فَبارِك لَنا فيهِ ، وسَوِّغناهُ ، وَاخلُف لَنا خَلَفا لِما أكَلناهُ أو شَرِبناهُ ، مِن غَيرِ حَولٍ مِنّا ولا قُوَّةٍ ، رَزَقتَ فَأَحسَنتَ فَلَكَ الحَمدُ ، رَبِّ اجعَلنا مِنَ الشّاكِرينَ (4) .

عنه عليه السلام_ إذا فَرَغَ مِن أكلِ الطَّعامِ _: الحَمدُ لِلّهِ الَّذي كَفانا ، وأكرَمَنا ، وحَمَلَنا فِي البَرِّ وَالبَحرِ ، ورَزَقَنا مِنَ الطِّيِّباتِ ، وفَضَّلَنا عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقَ تَفضيلاً ، الحَمدُ لِلّهِ الَّذي كَفانَا المَؤونَةَ ، وأسبَغَ عَلَينا (5) .

الإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام إذا أفطَرَ جَثا عَلى رُكبَتَيهِ حَتّى يوضَعَ الخِوانُ (6) ، ويَقولُ : اللّهُمَّ لَكَ صُمنا ، وعَلى رِزقِكَ أفطَرنا ، فَتَقَبَّلهُ مِنّا ، إنَّكَ أنتَ السَّميعُ العَليمُ (7) .

.


1- .الوعْك : الألم يجده الإنسان من شدّة التعب (لسان العرب : ج15 ص346) .
2- .الوَعْث : فساد الأمر واختلاطه (تاج العروس : ج3 ص279) .
3- .مكارم الأخلاق : ج1 ص309 ح986 ، بحار الأنوار : ج66 ص380 ح47 .
4- .المحاسن : ج2 ص216 ح1648 عن عليّ بن أسباط عن عمّه يعقوب أو غيره رفعه ، بحار الأنوار : ج66 ص376 ح32 .
5- .المحاسن : ج2 ص216 ح1648 عن عليّ بن أسباط عن عمّه يعقوب أو غيره رفعه ، بحار الأنوار : ج66 ص376 ح32 .
6- .الخِوان : ما يوضع عليه الطعام عند الأكل (النهاية : ج2 ص89) .
7- .الإقبال : ج1 ص246 ، مصباح المتهجّد : ص626 ح704 .

ص: 343

و : عند دخول الخلاء
ز : عند الخروج من الخلاء

عنه عليه السلام :جاءَ قَنبَرٌ مَولى عَلِيٍّ عليه السلام بِفِطرِهِ إلَيهِ . . . فَأَخَذَ القَدَحَ ، فَلَمّا أرادَ أن يَشرَبَ قالَ : بِسمِ اللّهِ ، اللّهُمَّ لَكَ صُمنا ، وعَلى رِزقِكَ أفطَرنا ، فَتَقَبَّل مِنّا ، إنَّكَ أنتَ السَّميعُ العَليمُ (1) .

و : عِندَ دُخولِ الخَلاءِالإمام عليّ عليه السلام :عَلَّمَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذا دَخَلتُ الكَنيفَ أن أقولَ : اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِنَ الخَبيثِ المُخبِثِ ، النَّجِسِ الرِّجسِ ، الشَّيطانِ الرَّجيمِ (2) .

عنه عليه السلام_ عِندَ الاِستِنجاءِ _: اللّهُمَّ حَصِّن فَرجي وأعِفَّهُ ، وَاستُر عَورَتي ، وحَرِّمها عَلَى النّارِ (3) .

الشكر لابن أبي الدنيا عن الأصبغ بن نباتة :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام إذا دَخَلَ الخَلاءَ قالَ : بِسمِ اللّهِ الحافِظِ المُؤَدِّي (4) .

ز : عِندَ الخُروجِ مِنَ الخَلاءِالإمام عليّ عليه السلام :عَلَّمَني رَسولُ اللّهِ إذا قُمتُ عَنِ الغائِطِ أن أقولَ : الحَمدُ لِلّهِ الَّذي رَزَقَني لَذَّةَ طَعامي ومَنفَعَتَهُ ، وأماطَ عَنّي أذاهُ ، يا لَها مِن نِعمَةٍ ما أبيَنَ فَضلَها ! (5)

عنه عليه السلام_ أ نَّهُ كان إذا خَرَجَ مِنَ الخَلاءِ قالَ _: الحَمدُ لِلّهِ الَّذي رَزَقَني لَذَّتَهُ ، وأبقى قُوَّتَه

.


1- .تهذيب الأحكام : ج4 ص200 ح578 عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح عن الإمام الصادق عليه السلام .
2- .الجعفريّات : ص13 ، النوادر للراوندي : ص227 ح463 ، بحار الأنوار : ج80 ص188 ح44 .
3- .الكافي : ج3 ص70 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج1 ص53 ح153 ، ثواب الأعمال : ص31 ح1 ، الأمالي للصدوق : ص649 ح883 كلّها عن عبد الرحمن بن كثير ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص42 ح84 كلّها عن الإمام الصادق عليه السلام وفيها «حرّمني» بدل «حرّمها» ، بحار الأنوار : ج80 ص319 ح12 .
4- .الشكر لابن أبي الدنيا : ص19 ح13 ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص24 ح40 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص26 وفيهما «الحمد للّه » بدل «بسم اللّه » .
5- .الجعفريّات : ص29 ، النوادر للراوندي : ص233 ح480 .

ص: 344

ح : عند الوضوء

في جَسَدي ، وأخرَجَ عَنّي أذاهُ ، يا لَها مِن نِعمَةٍ ! ثَلاثا (1) .

عنه عليه السلام_ أ نَّهُ كان إذا خَرَجَ مِنَ الخَلاءِ قالَ _: الحَمدُ لِلّهِ الَّذي عافاني في جَسدي ، وَالحَمدُ لِلّهِ الَّذي أماطَ عَنِّي الأَذى (2) .

كتاب من لا يحضره الفقيه :كانَ عليه السلام . . . إذا خَرَجَ [مِنَ الخَلاءِ ]مَسَحَ بَطنَهُ ، وقالَ : الحَمدُ لِلّهِ الَّذي أخرَجَ عَنّي أذاهُ ، وأبقى فِيَّ قُوَّتَهُ ، فَيالَها مِن نِعمَةٍ لا يَقدِرُ القادِرونَ قَدرَها ! (3)

الشكر لابن أبي الدنيا عن الأصبغ بن نباتة :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام . . . إذا خَرَجَ [مِنَ الخَلاءِ ]مَسَحَ بِيَدِهِ بَطنَهُ ، ثُمَّ قالَ : يا لَها مِن نِعمَةٍ ، لَو يَعلَمُ العِبادُ شُكرَها ! (4) .

ح : عِندَ الوضُوءِكتاب من لا يحضره الفقيه :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إذا تَوَضَّأَ قالَ : بِسمِ اللّهِ وبِاللّهِ ، وخَيرُ الأَسماءِ لِلّهِ ، وأكبرُ الأَسماءِ لِلّهِ ، وقاهِرٌ لِمَن فِي السَّماءِ ، وقاهِرٌ لِمَن فِي الأَرضِ ، الحَمدُ لِلّهِ الَّذي جَعَلَ مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ ، وأحيا قَلبي بِالإِيمانِ ، اللّهُمَّ تُب عَلَيَّ وطَهِّرني ، وَاقضِ لي بِالحُسنى ، وأَرِني كُلَّ الَّذي اُحِبُّ ، وَافتَح لي بِالخَيراتِ مِن عِندِكَ ، يا سَميعَ الدُّعاءِ (5) .

الإمام عليّ عليه السلام :لا يَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ حَتّى يُسَمِّيَ ، يَقولُ قَبلَ أن يَمَسَّ الماءَ : بِسمِ اللّهِ وبِاللّهِ ، اللّهُمَّ اجعَلني مِنَ التَّوّابينَ ، وَاجعَلني مِنَ المُتَطَهِّرينَ .

.


1- .تهذيب الأحكام : ج1 ص29 ح77 و ص351 ح1039 كلاهما عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام .
2- .دعائم الإسلام : ج1 ص104 ، بحار الأنوار : ج80 ص193 ح51 .
3- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص24 ح40 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص26 .
4- .الشكر لابن أبي الدنيا : ص19 ح13 ، شعب الإيمان : ج4 ص113 ح4468 .
5- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص43 ح87 .

ص: 345

فَإِذا فَرَغَ مِن طَهورِهِ قالَ : أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ (1) .

عنه عليه السلام_ إذا فَرَغَ مِن وُضوئِهِ _: اللّهُمَّ اجعَلني مِنَ التَّوّابينَ ، وَاجعَلني مِنَ المُتَطَهِّرينَ (2) .

الإمام الصادق عليه السلام :بَينا أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قاعِدٌ ومَعَهُ ابنُهُ مُحَمَّدٌ ، إذ قالَ : يا مُحَمَّدُ ، ائتِني بِإِناءٍ مِن ماءٍ . فَأَتاهُ بِهِ فَصَبَّهُ بِيَدِهِ اليُمنى عَلى يَدِهِ اليُسرى ، ثُمَّ قالَ : الحَمدُ لِلّهِ الَّذي جَعَلَ الماءَ طَهورا ولَم يَجعَلهُ نَجِسا . ثُمَّ استَنجى فَقالَ : اللّهُمَّ حَصِّن فَرجي وأعِفَّهُ ، وَاستُر عَورَتي ، وحَرِّمها عَلَى النّارِ . ثُمَّ استَنشَقَ فَقالَ : اللّهُمَّ لا تُحَرِّم عَلَيَّ ريحَ الجَنَّةِ ، وَاجعَلني مِمَّن يَشُمُّ ريحَها وطيبَها ورَيحانَها . ثُمَّ تَمَضمَضَ فَقالَ : اللّهُمَّ أنطِق لِساني بِذِكرِكَ ، وَاجعَلني مِمَّن تَرضى عَنهُ . ثُمَّ غَسَلَ وَجهَهُ فَقالَ : اللّهُمَّ بَيِّض وَجهي يَومَ تَسوَدُّ فيهِ الوُجوهُ ، ولا تُسَوِّد وَجهي يَومَ تَبيَضُّ فيهِ الوُجوهُ . ثُمَّ غَسَلَ يَمينَهُ فَقالَ : اللّهُمَّ أعطِني كِتابي بِيَميني وَالخُلدَ بِيَساري . ثُمَّ غَسَلَ شِمالَهُ فَقالَ : اللّهُمَّ لا تُعطِني كِتابي بِشِمالي ولا تَجعَلها مَغلولَةً إلى عُنُقي ، وأعوذُ بِكَ مِن مُقَطَّعاتِ النِّيرانِ . ثُمَّ مَسَحَ رَأسَهُ فَقالَ : اللّهُمَّ غَشِّني بِرَحمَتِكَ وبَرَكاتِكَ وعَفوِكَ .

.


1- .الخصال : ص628 ح10 عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، المحاسن : ج1 ص118 ح120 عن محمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عنه عليهماالسلام نحوه ، بحار الأنوار : ج80 ص314 ح1 .
2- .الدعاء للطبراني : ص141 ح392 عن الحارث ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج1 ص186 ح731 عن سالم بن أبي الجعد عن الإمام عليّ عليه السلام قال «إذا توضّأ الرجل فليقل : أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، اللهمّ . . . » .

ص: 346

ط : عند دخول المسجد
ي : إذا برز للسّفر

ثُمَّ مَسَحَ عَلى رِجلَيهِ فَقالَ : اللّهُمَّ ثَبِّت قَدمي عَلَى الصِّراطِ يَومَ تَزِلُّ فيهِ الأَقدامُ ، وَاجعَل سَعيي فيما يُرضيكَ عَنّي . ثُمَّ التَفَتَ إلى مُحَمَّدٍ فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، مَن تَوَضَّأَ بِمِثلِ ما تَوَضَّأتُ وقالَ مِثلَ ما قُلتُ خَلَقَ اللّهُ لَهُ مِن كُلِّ قَطرَةٍ مَلَكا يُقَدِّسُهُ ويُسَبِّحُهُ ويُكَبِّرُهُ ويُهَلِّلُهُ ويُكتَبُ لَهُ ثَوابُ ذلِكَ (1) .

ط : عِندَ دُخولِ المَسجِدِالإمام عليّ عليه السلام_ إذا دَخَلَ المَسجِدَ _: بِسمِ اللّهِ وبِاللّهِ ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّهَا النَّبِى ¨ُّ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ، السَّلامُ عَلَينا وعَلى عِبادِ اللّهِ الصّالِحينَ (2) .

ي : إذا بَرَزَ لِلسَّفَرِالإمام عليّ عليه السلام_ إذا بَرَزَ لِلسَّفَرِ _: أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحدَهُ ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، الحَمدُ لِلّهِ الَّذي هَدانا لِلإِسلامِ ، وجَعَلَنا مِن خَيرِ اُمَّةٍ اُخرِجَت لِلنّاسِ ، «سُبْحَ_نَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَ_ذَا وَ مَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ» (3) ، اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن وَعثاءِ (4) السَّفَرِ ، وكَآبَةِ المُنقَلَبِ ، وسوءِ المَنظَرِ فِي الأَهلِ وَالمالِ وَالوَلَدِ ، اللّهُمَّ أنتَ الصّاحِبُ فِي السَّفَرِ ، وَالخَليفَةُ فِي الأَهلِ ، وَالمُستَعانُ عَلَى الأَمرِ ، اطوِ لَنَا البَعيدَ ، وسَهِّل لَنَا الحُزونَةَ ، وَاكفِنَا المُهِمَّ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (5) .

.


1- .الكافي : ج3 ص70 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج1 ص53 ح153 ، الأمالي للصدوق : ص649 ح883 ، المحاسن : ج1 ص116 ح118 كلّها عن عبد الرحمن بن كثير ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص41 ح84 ، بحار الأنوار : ج80 ص318 ح12 .
2- .دعائم الإسلام : ج1 ص150 ، بحار الأنوار : ج84 ص23 ح12 .
3- .الزخرف : 13 .
4- .الوعثاء في السفر : المشقّة والشدّة (تاج العروس : ج3 ص278) .
5- .دعائم الإسلام : ج1 ص347 .

ص: 347

ك : عند الرّكوب
ل : إذا عثرت به دابّته

ك : عِندَ الرُّكوبِعمل اليوم والليلة عن الحارث :أ نَّهُ [ عَلِيّا عليه السلام ] خَرَجَ مِن بابِ القَصرِ ، فَوَضَعَ رِجلَهُ فِي الغَرزِ (1) ، فَقالَ : بِسمِ اللّهِ . فَلَمَّا استَوى عَلَى الدّابَّةِ قالَ : الحَمدُ لِلّهِ الَّذي كَرَّمَنا ، وحَمَلَنا فِي البَرِّ وَالبَحرِ ، ورَزَقَنا مِنَ الطَّيِّباتِ ، وفَضَّلَنا عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقَ تَفضيلاً ، سُبحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنا هذا وما كُنّا لَهُ مُقرِنينَ ، وإنّا إلى رَبِّنا لَمُنقَلِبونَ . ثُمَّ قالَ : رَبِّ اغفِر لي إنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلّا أنتَ . ثُمَّ قالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ لَعَجِبَ مِن عَبدِهِ إذا قالَ : رَبِّ اغفِر لي إنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلّا أنتَ (2) .

الأمالي للطوسي عن عليّ بن ربيعة الأسدي :رَكِبَ عَلِيُّ بنُ أبيطالِبٍ عليه السلام ، فَلَمّا وَضَعَ رِجلَهُ فِي الرِّكابِ قالَ : بِسمِ اللّهِ . فَلَمَّا استَوى عَلَى الدّابَّةِ قالَ : الحَمدُ لِلّهِ الَّذي أكرَمَنا ، وحَمَلَنا فِي البَرِّ وَالبَحرِ ، ورَزَقَنا مِنَ الطَّيِّباتِ ، وفَضَّلَنا عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقَ تَفضيلاً ، «سُبْحَ_نَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَ_ذَا وَ مَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ» . ثُمَّ سَبَّحَ اللّهَ ثَلاثا ، وحَمِدَ اللّهَ ثَلاثا . وكَبَّرَ اللّهَ ثَلاثا ثُمَّ قالَ : رَبِّ اغفِر لي فَإِنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلّا أنتَ . ثُمَّ قالَ : كَذا فَعَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله هذا ، وأنَا رَديفُهُ (3) .

ل : إذا عَثَرَت بِهِ دابَّتُهُالإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام إذا عَثَرَت بِهِ دابَّتُهُ قالَ : اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن زَوالِ نِعمَتِكَ ، ومِن تَحويلِ عافِيَتِكَ ، ومِن فَجأَةِ نَقِمَتِكَ (4) .

.


1- .الغَرْز : رِكاب كُورِ الجمَل إذا كان من جِلدٍ أو خَشَبٍ ، وقيل : هو الكُور مُطلقا ، مِثل الركاب للسَّرج (النهاية : ج3 ص359) .
2- .عمل اليوم والليلة لابن السني : ص176 ح499 ؛ بحار الأنوار : ج76 ص294 ح20 .
3- .الأمالي للطوسي : ص515 ح1126 ، بحار الأنوار : ج76 ص295 ح23 و ص299 ح38 .
4- .قرب الإسناد : ص84 ح275 عن مسعدة بن زياد عن الإمام الصادق عليه السلام ، بحار الأنوار : ج76 ص296 ح24 .

ص: 348

م : إذا سمع نعي الرّجل
ن : إذا صعد على الصّفا
س : عند التّهنئة للقادم من مكّة

م : إذا سَمِعَ نَعيَ الرَّجُلِالإمام عليّ عليه السلام_ إذا جاءَهُ نَعيُ الرَّجُلِ الغائِبِ قالَ _: إنّا لِلّهِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، اللّهُمَّ ارفَع درَجَتَهُ فِي المُهتَدينَ ، وَاخلُفهُ في تَرِكَتِهِ فِي الغابِرينَ ، ونَحتَسِبُهُ عِندَكَ يا رَبَّ العالَمينَ ، اللّهُمَّ ولا تَحرِمنا أجرَهُ ، ولا تَفِتنّا بَعدَهُ (1) .

ن : إذا صَعِدَ عَلَى الصَّفاالكافي عن عليّ بن النعمان يرفعه :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إذا صَعِدَ الصَّفَا استَقبَلَ الكَعبَةَ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ ثُمَّ يَقولُ : اللّهُمَّ اغفِر لي كُلَّ ذَنبٍ أذنَبتُهُ قَطُّ ، فَإِن عُدتُ فَعُد عَلَيَّ بِالمَغفِرَةِ فَإِنَّكَ أنتَ الغَفورُ الرَّحيمُ . اللّهُمَّ افعَل بي ما أنتَ أهلُهُ ، فَإِنَّكَ إن تَفعَل بي ما أنتَ أهلُهُ تَرحَمني ، وإن تُعَذِّبني فَأَنتَ غَنِيٌّ عَن عَذابي وأنَا مُحتاجٌ إلى رَحمَتِكَ ، فَيا مَن أنَا مُحتاجٌ إلى رَحمَتِهِ ارحَمني . اللّهُمَّ فَلا تَفعَل بي ما أنَا أهلُهُ ، فَإِنَّكَ إن تَفعَل بي ما أنَا أهلُهُ تُعَذِّبني ولَم تَظلِمني ، أصبَحتُ أتَّقي عَدلَكَ ولا أخافُ جَورَكَ . فَيا مَن هُوَ عَدلٌ لا يَجورُ ، ارحَمني (2) .

س : عِندَ التَّهنِئَةِ لِلقادِمِ مِن مَكَّةَالإمام عليّ عليه السلام :إذا قَدِمَ أخوكَ مِن مَكَّةَ فَقَبِّل بَينَ عَينَيهِ . . . وإذا هَنَّأتُموهُ فَقولوا لَهُ : قَبِلَ اللّهُ نُسُكَكَ ، ورَحِمَ سَعيَكَ ، وأخلَفَ عَلَيكَ نَفَقَتَكَ ، ولا جَعَلَهُ آخِرَ عَهدِكَ بِبَيتِهِ الحَرامِ (3) .

.


1- .المصنّف لعبد الرزّاق : ج3 ص488 ح6422 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج3 ص243 ح1 نحوه وكلاهما عن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبزي .
2- .الكافي : ج4 ص432 ص5 ، تهذيب الأحكام : ج5 ص147 ح482 .
3- .الخصال : ص635 ح10 عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج99 ص385 ح9 و ج10 ص113 ح1 .

ص: 349

ع : عندما مدحه قوم في وجهه
ف : عند النّظر في المرآة
3 / 3 _ 10 أدعيته في الأوقات الخاصّة
أ : عند الصّباح

ع : عِندَما مَدَحَهُ قَومٌ في وَجهِهِالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا مَدَحَهُ قَومٌ في وَجهِهِ _: اللّهُمَّ إنَّكَ أعلَمُ بي مِن نَفسي ، وأنَا أعلَمُ بِنَفسي مِنهُم ، اللّهُمَّ اجعَلنا خَيرا مِمّا يَظُنُّونَ ، وَاغفِر لَنا ما لا يَعلَمونَ (1) .

ف : عِندَ النَّظَرِ فِي المِرآةِالإمام عليّ عليه السلام :إذا نَظَرَ أحَدُكُم فِي المِرآةِ فَليَقُل : الحَمدُ لِلّهِ الَّذي خَلَقَني فَأَحسَنَ خَلقي ، وصَوَّرَني فَأَحسَنَ صورَتي ، وزانَ مِنّي ما شانَ مِن غَيري ، وأكرَمَني بِالإِسلامِ (2) .

3 / 3 _ 10أدعِيَتُهُ فِي الأَوقاتِ الخاصَّةِأ : عِندَ الصَّباحِالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ عَلِيّا صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وَآلِهِ كانَ يَقولُ إذا أصبَحَ : سُبحانَ اللّهِ المَلِكِ القُدُّوسِ _ ثَلاثا _ اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن زَوالِ نِعمَتِكَ ، ومِن تَحويلِ عافِيَتِكَ ، ومِن فَجأَةِ نَقِمَتِكَ ، ومِن دَركِ الشَّقاءِ ، ومِن شَرِّ ما سَبَقَ فِي اللَّيلِ ، اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ بِعِزَّةِ مُلكِكَ ، وشِدَّةِ قُوَّتِكَ ، وبِعَظيمِ سُلطانِكَ ، وبِقُدرَتِكَ عَلى خَلقِكَ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام_ مَن دُعاءٍ لَهُ فِي الصَّباحِ _: اللّهُمَّ أحيِني وأمِتني عَلَى الكِتابِ وَالسُّنَّةِ ، وسَلِّمني مِنَ الأَهواءِ وَالبِدعَةِ ، وَالزَّيغِ وَالشُّبهَةِ ، وَاعصِمني مِنَ الحَيرَةِ وَالضَّلالَةِ ،

.


1- .نهج البلاغة : الحكمة 100 والخطبة 193 نحوه ، بحار الأنوار : ج34 ص343 ح1165 و ج41 ص59 ح12 .
2- .الخصال : ص612 ح10 عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، تحف العقول : ص102 ، بحار الأنوار : ج10 ص91 ح1 .
3- .الكافي : ج2 ص527 ح16 عن عبد اللّه بن ميمون ، عدّة الداعي : ص251 من دون إسنادٍ إلى المعصوم وفيه «الكتاب» بدل «الليل» وزاد فيه «ومن سوء القضاء» بعد «الشقاء» ، بحار الأنوار : ج86 ص283 ح46 نقلاً عن البلد الأمينولم نجده فيه .

ص: 350

ب : عند المساء
ج : في جوف اللّيل

وَالحُمقِ وَالجَهالَةِ ، ومِن سوءِ البَلاءِ وَالفِتنَةِ ، وقِلَّةِ الفَهمِ وَالمَعرِفَةِ ، وَاتِّصالِ الغَفلَةِ بِطولِ المُدَّةِ ، وغَلَبَةِ الشَّهوَةِ ، إنَّكَ لَطيفٌ لِما تَشاءُ ، يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ (1) .

عنه عليه السلام_ كانَ يَقولُ _: اللّهُمَّ إنّي وهذَا النَّهارَ خلَقانِ مِن خَلقِكَ ، اللّهُمَّ لا تَبتَلِني بِهِ ولا تَبتَلِهِ بي ، اللّهُمَّ ولا تُرِهِ مِنّي جُرأَةً عَلى مَعاصيكَ ، ولا رُكوبا لَِمحارِمِكَ ، اللّهُمَّ اصرِف عَنّي الأَزلَ وَاللَأواءَ (2) وَالبَلوى وسوءَ القَضاءَ وشَماتَةَ الأَعداءِ ومَنظَرَ السَّوءِ في نَفسي ومالي (3) .

عنه عليه السلام :مَن أصبَحَ ولَم يَقُل هذِهِ الكَلِماتِ خيفَ عَلَيهِ فَواتُ الرِّزقِ ؛ وهِيَ : الحَمدُ لِلّهِ الَّذي عَرَّفَني نَفسَهُ ، ولَم يَترُكني عُميانَ القَلبِ ، الحَمدُ لِلّهِ الَّذي جَعَلَني مِن اُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، الحَمدُ لِلّهِ الَّذي جَعَلَ رِزقي في يَدِهِ ولَم يَجعَلهُ في أيدِي النّاسِ ، الحَمدُ لِلّهِ الَّذي سَتَرَ عَورَتي ولَم يَفضَحني بَينَ النّاسِ (4) .

راجع : ص 383 (بعد صلاة الصبح).

ب : عِندَ المَساءِالإمام عليّ عليه السلام_ فِي المَساءِ _: أصبَحنا لِلّهِ شاكِرينَ ، وأمسَينا لِلّهِ حامِدينَ ، فَلَكَ الحَمدُ كَما أمسَينا لَكَ مُسلِمينَ سالِمينَ (5) .

ج : في جَوفِ اللَّيلِالإمام عليّ عليه السلام_ في جَوفِ اللَّيلِ _: إلهي كَم مِن موبِقَةٍ حَمَلتَ عَنّي فقَابَلتَها بِنِعمَتِكَ ، وكَم

.


1- .نهج السعادة : ج6 ص287 نقلاً عن الصحيفة العلويّة الثانية عن كنوز النجاح للطبرسي .
2- .اللأواء : الشدّة وضيق المعيشة (لسان العرب : ج15 ص238) .
3- .الكافي : ج2 ص525 ح12 عن محمّد بن عليّ رفعه ، بحار الأنوار : ج86 ص291 ح52 .
4- .المصباح للكفعمي : ص226 وراجع الدعوات : ص81 ح204 .
5- .الكافي : ج2 ص525 ح12 عن محمّد بن عليّ رفعه ، بحار الأنوار : ج86 ص291 ح52 .

ص: 351

د : ليلة الجمعة

مِن جَريرَةٍ تَكَرَّمتَ عَن كَشفِها بِكَرَمَِك ، إلهي إن طالَ في عِصيانِكَ عُمُري ، وعَظُمَ فِي الصُّحُفِ ذَنبي ، فَما أنَا مُؤَمِّلٌ غَيرَ غُفرانِكَ ، ولا أنَا بِراجٍ غَيرَ رِضوانِكَ . . . إلهي اُفَكِّرُ في عَفوِكَ فَتهونُ عَلَيَّ خَطيئَتي ، ثُمَّ أذكُرُ العَظيمَ مِن أخذِكَ فَتَعظُمُ عَلَيَّ بَلِيَّتي . . . آهِ إن أنَا قَرَأتُ فِي الصُّحُفِ سَيِّئَةً أنَا ناسيها وأنتَ مُحصيها !فَتَقولُ : خُذوهُ ، فَيالَهُ مِن مَأخوذٍ لا تُنجيهِ عَشيرَتُهُ ، ولا تَنفَعُهُ قَبيلَتُهُ !يَرحَمُهُ المَلَأُ إذا اُذِنَ فيهِ بِالنِّداءِ . . . آهِ مِن نارٍ تُنضِجُ الأَكبادَ وَالكُلى ! آهِ مِن نارٍ نَزّاعَةٍ لِلشَّوى ! آهِ مِن غَمرَةٍ مِن مُلهَباتٍ (1) لَظى ! (2) .

راجع : ص 291 (قصص من عبادته).

د : لَيلَةُ الجُمُعَةِالإقبال :ومِنَ الدَّعَواتِ في هذِهِ اللَّيلَةِ ما رَوَيناهُ بِإِسنادِنا إلى جَدّي أبي جَعفَرٍ الطّوسِيِّ قالَ : رُوِيَ أنَّ كُمَيلَ بنَ زِيادٍ النَّخَعِيَّ رَأى أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ساجِدا يَدعو بِهذَا الدُّعاءِ في لَيلَةِ النِّصفِ مِن شَعبانَ . أقولُ : ووَجَدتُ في رِوايَةٍ اُخرى ما هذا لَفظُها : قالَ كُمَيلُ بنُ زِيادٍ : كُنتُ جالِسا مَعَ مَولايَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام في مَسجِدِ البَصرَةِ ومَعَهُ جَماعَةٌ مِن أصحابِهِ ، فَقالَ بَعضُهُم : ما مَعنى قَولِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» (3) ؟ قالَ عليه السلام : لَيلَةُ النِّصفِ مِن شَعبانَ ، وَالَّذي نَفسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ ! إنَّهُ ما مِن عَبدٍ إلّا وجَميعُ ما يَجري عَلَيهِ مِن خَيرٍ وشَرٍّ مَقسومٌ لَهُ في لَيلَةِ النِّصفِ مِن شَعبانَ إلى آخِر

.


1- .وفي نسخة : «لهبات» .
2- .الأمالي للصدوق : ص137 ح136 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص157 ، روضة الواعظين : ص126 كلّها عن أبي الدرداء ، بحار الأنوار : ج41 ص11 ح1 و ج87 ص195 ح2 .
3- .الدخان : 4 .

ص: 352

السَّنَةِ في مِثلِ تِلكَ اللَّيلَةِ المُقبِلَةِ ، وما مِن عَبدٍ يُحييها ويَدعو بِدُعاءِ الخِضرِ عليه السلام إلّا اُجيبَ لَهُ . فَلَمَّا انصَرَفَ طَرَقتُهُ لَيلاً ، فَقالَ عليه السلام : ما جاءَ بِكَ يا كُمَيلُ ؟ قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ دُعاءُ الخِضرِ ! فَقالَ : اِجلِس يا كُمَيلُ ، إذا حَفِظتَ هذَا الدُّعاءَ فَادعُ بِهِ كُلَّ لَيلَةِ جُمُعَةٍ ، أو فِي الشَّهرِ مَرَّةً ، أو فِي السَّنَةِ مَرَّةً ، أو في عُمُرِكَ مَرَّةً ، تُكفَ وتُنصَر وتُرزَق ولَن تَعدَمَ المَغفِرَةَ . يا كُمَيلُ أوجَبَ لَكَ طولُ الصُّحبَةِ لَنا أن نَجودَ لَكَ بِما سَأَلتَ ، ثُمَّ قالَ : اُكتُب : اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ بِرَحمَتِكَ الَّتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ ، وبِقُوَّتِكَ الَّتي قَهرَتَ بِها كُلَّ شَيءٍ ، وخَضَعَ لَها كُلُّ شَيءٍ ، وذَلَّ لَها كُلُّ شَيءٍ ، وبِجَبَروتِكَ الَّتي غَلَبتَ بِها كُلَّ شَيءٍ ، وبِعِزَّتِكَ الَّتي لا يَقومُ لَها شَيءٌ ، وبِعَظَمَتِكَ الَّتي مَلَأَت أركانَ كُلِّ شَيءٍ ، وبِسُلطانِكَ الَّذي عَلا كُلَّ شَيءٍ ، وبِوَجهِكَ الباقي بَعدَ فَناءِ كُلِّ شَيءٍ ، وبِأَسمائِكَ الَّتي غَلَبَت (1) أركانَ كُلَّ شَيءٍ ، وبِعِلمِكَ الَّذي أحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ ، وبِنورِ وَجهِكَ الَّذي أضاءَ لَهُ كُلُّ شَيءٍ ، يا نورُ يا قُدّوسُ ، يا أوَّلَ الأَوَّلينَ ، ويا آخِرَ الآخِرينَ . اللّهُمَّ اغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَهتِكُ العِصَم ، اللّهُمَّ اغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُنزِلُ النِّقَمَ ، اللّهُمَّ اغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُغَيِّرُ النِّعَمَ ، اللّهُمَّ اغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَحبِسُ الدُّعاءَ ، اللّهُمَّ اغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُنزِلُ البَلاءَ [اللّهُمَّ اغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَقطَعُ الرَّجاءَ] (2) ، اللّهُمَّ اغفِر لي كُلَّ ذَنبٍ أذنَبتُهُ ، وكُلَّ خَطيئَةٍ أخطَأتُها . اللّهُمَّ إنّي أتَقَرَّبُ إلَيكَ بِذِكرِكَ ، وأستَشفِعُ بِكَ إلى نَفسِكَ ، وأسأَلُكَ بِجودِكَ أن

.


1- .وفي نسخة : «عَلَت».
2- .أثبتنا ما بين المعقوفين من مصباح الزائر .

ص: 353

تُدنِيَني مِن قُربِكَ ، وأن توزِعَني شُكرَكَ ، وأن تُلهِمَني ذِكرَكَ . اللّهُمَّ إنّي أسأَ لَُك سُؤالَ خاضِعٍ مُتَذَلِّلٍ خاشِعٍ ، أن تُسامِحَني وتَرحَمَني ، وتَجعَلَني بِقَسمِكَ راضِيا قانِعا ، وفي جِميعِ الأَحوالِ مُتَواضِعا . اللّهُمَّ وأسأَلُكَ سُؤالَ مَنِ اشتَدَّت فاقَتُهُ ، وأنزَلَ بِكَ عِندَ الشَّدائِدِ حاجَتَهُ ، وعَظُمَ فيما عِندَكَ رَغبَتُهُ . اللّهُمَّ عَظُمَ سُلطانُكَ ، وعَلا مَكانُكَ ، وخَفِيَ مَكرُكَ ، وظَهَرَ أمرُكَ ، وغَلَبَ جُندُكَ (1) ، وجَرَت قُدرَتُكَ ، ولا يُمكِنُ الفِرارُ مِن حُكومَتِكَ . اللّهُمَّ لا أجِدُ لِذُنوبي غافِرا ، ولا لِقَبائِحي ساتِرا ، ولا لِشَيءٍ مِن عَمَلِيَ القَبيحِ بِالحَسَنِ مُبَدِّلاً غَيرَكَ لا إلهَ إلّا أنتَ سُبحانَكَ وبِحَمدِكَ ، ظَلَمتُ نَفسي وتَجَرَّأتُ بِجَهلي ، وسَكَنتُ إلى قَديمِ ذِكرِكَ لي ، ومَنِّكَ عَلَيَّ . اللّهُمَّ مَولايَ كَم مِن قَبيحٍ سَتَرتَهُ ، وكَم مِن فادِحٍ مِنَ البَلاءِ أقَلتَهُ ، وكَم مِن عِثارٍ وَقَيتَهُ ، وكَم مِن مَكروهٍ دَفَعتَهُ ، وكَم مِن ثَناءٍ جَميلٍ لَستُ أهلاً لَهُ نَشَرتَهُ ! اللّهُمَّ عَظُمَ بَلائي ، وأفرَطَ بي سُوءُ حالي ، وقَصُرَت بي أعمالي ، وقَعَدَت بي أغلالي ، وحَبَسَني عَن نَفعي بُعدُ آمالي (2) ، وخَدَعَتِني الدُّنيا بِغُرورِها ، ونَفسي بِخِيانَتِها (3) ومِطالي يا سَيِّدي ، فَأَسأَلُكَ بِعِزَّتِكَ أن لا يَحجُبَ عَنكَ دُعائي سوءُ عَمَلي وفِعالي ، ولا تَفضَحني بِخَفِيِّ مَا اطَّلَعتَ عَلَيهِ مِن سَريرَتي ، ولا تُعاجِلني بِالعُقوبَةِ عَلى ما عَمِلتُهُ في خَلَواتي مِن سوءِ فِعلي وإساءَتي ، ودَوامِ تَفريطي وجَهالَتي ، وكَثرَةِ شَهَواتي وغَفلَتي . وكُنِ اللّهُمَّ بِعِزَّتِكَ لي في كُلِّ الأَحوالِ رَؤوفا ، وعَلَيَّ في جَميع

.


1- .وفي نسخة : «قهرك» .
2- .وفي نسخة : «أملي» .
3- .وفي نسخة : «بجنايتها» .

ص: 354

الاُمورِ عَطوفا . إلهي ورَبّي مَن لي غَيرُكَ أسأَلُهُ كَشفَ ضُرّي ، وَالنَّظَرَ في أمري . إلهي ومَولايَ أجرَيتَ عَلَيَّ حُكما اتَّبَعتُ فيهِ هَوى نَفسي ، ولَم أحتَرِس مِن تَزيينِ عَدُوّي ، فَغَرَّني بِما أهوى ، وأسعَدَهُ عَلى ذلِكَ القَضاءُ ، فَتَجاوزَتُ بِما جَرى عَلَيَّ مِن ذلِكَ مِن نَقضِ (1) حُدودِكَ ، وخالَفتُ بَعضَ أوامِرِكَ ، فَلَكَ الحَمدُ عَلَيَّ في جَميعِ ذلِكَ ، ولا حُجَّةَ لي فيما جَرى عَلَيَّ فيهِ قَضاؤُكَ ، وألزَمَني حُكمُكَ وبَلاؤُكَ . وقَد أتَيتُكَ يا إلهي بَعدَ تَقصيري وإسرافي عَلى نَفسي ، مُعتَذِرا نادِما مُنكَسِرا ، مُستَقيلاً مُستَغفِرا مُنيبا ، مُقِرّا مُذعِنا مُعتَرِفا ، لا أجِدُ مَفَرّا مِمّا كانَ مِنّي ، ولا مَفزَعا أتَوَجَّهُ إلَيهِ في أمري ، غَيرَ قَبولِكَ عُذري ، وإدخالِكَ إيّايَ في سَعَةٍ مِن رَحمَتِكَ . إلهي فَاقبَل عُذري ، وَارحَم شِدَّةَ ضُرّي ، وفُكَّني مِن شَدِّ وَثاقي . يا رَبِّ ارحَم ضَعفَ بَدَني ، ورِقَّةَ جِلدي ، ودِقَّةَ عَظمي ، يا مَن بَدَأَ خَلقي وذِكري وتَربِيَتي وبِرّي وتَغذِيَتي ، هَبني لِابتِداءِ كَرَمِكَ ، وسالِفِ بِرِّكَ بي . إلهي وسَيِّدي ورَبّي ، أ تُراكَ مُعَذِّبي بِالنّارِ بَعدَ تَوحيدِكَ ، وبَعدَمَا انطَوى عَلَيهِ قَلبي مِن مَعرِفَتِكَ ، ولَهِجَ بِهِ لِساني مِن ذِكرِكَ ، وَاعتَقَدَهُ ضَميري مِن حُبِّكَ ، وبَعدَ صِدقِ اعتِرافي ودُعائي خاضِعا لِرُبوبِيَّتِكَ ، هَيهاتَ أنتَ أكرَمُ مِن أن تُضَيِّعَ مَن رَبَّيتَهُ ، أو تُبَعِّدَ مَن أدنَيتَهُ ، أو تُشَرِّدَ مَن آوَيتَهُ ، أو تُسَلِّمَ إلَى البَلاءِ مَن كَفَيتَهُ ورَحِمتَهُ ! ولَيتَ شِعري يا سَيِّدي وإلهي ومَولايَ ! أ تُسَلِّطُ النّارَ عَلى وُجوهٍ خَرَّت لِعَظَمَتِكَ ساجِدَةً ، وعَلى ألسُنٍ نَطَقَت بِتَوحيدِكَ صادِقَةً ، وبِشُكرِكَ مادِحَةً ، وعَلى قُلوبٍ اعتَرَفَت بِإِلهِيَّتِكَ مُحَقِّقَةً ، وعَلى ضَمائِرَ حَوَت مِنَ العِلمِ بِكَ حَتّى صارَت خاشِعَةً ، وعَلى جَوارِحَ سَعَت إلى أوطانِ تَعَبُّدِكَ طائِعَةً ، وأشارَت بِاستِغفارِكَ مُذعِنَةً ؟ ! ما

.


1- .وفي نسخة : «بعض» .

ص: 355

هكَذَا الظَّنُّ بِكَ ، ولا اُخبِرنا بِفَضلِكَ عَنكَ ، يا كَريمُ ، يا رَبِّ وأنتَ تَعلَمُ ضَعفي عَن قَليلٍ مِن بَلاءِ الدُّنيا وعُقوباتِها ، وما يَجري فيها مِنَ المَكارِهِ عَلى أهلِها ، عَلى أنَّ ذلِكَ بَلاءٌ ومَكروهٌ قَليلٌ مَكثُهُ ، يَسيرٌ بَقاؤُهُ ، قَصيرٌ مُدَّتُهُ ، فَكَيفَ احتِمالي لِبَلاءِ الآخِرَةِ ، وجَليلِ وُقوعِ المَكارِهِ فيها ؟ ! وهُوَ بَلاءٌ تَطولُ مُدَّتُهُ ، ويَدومُ مَقامُهُ ، ولا يُخَفَّفُ عَن أهلِهِ ، لِأَ نَّهُ لا يَكونُ إلّا عَن غَضَبِكَ وَانتِقامِكَ وسَخَطِكَ ، وهذا ما لا تَقومُ لَهُ السَّماواتُ وَالأَرضُ ، يا سَيِّدي فَكَيفَ بي وأنَا عَبدُكَ الضَّعيفُ ، الذَّليلُ الحَقيرُ ، المِسكينُ المُستَكينُ ؟ ! يا إلهي ورَبّي وسَيِّدي ومَولايَ ، لِأَيِّ الاُمورِ إلَيكَ أشكو ، ولِما مِنها أضِجُّ وأبكي ؟ ! لِأَليمِ العَذابِ وشِدَّتِهِ ، أم لِطولِ البَلاءِ ومُدَّتِهِ ، فَلَئِن صَيَّرتَني فِي العُقوباتِ (1) مَعَ أعدائِكَ ، وجَمَعتَ بَيني وبَينَ أهلِ بَلائِكَ ، وفَرَّقتَ بَيني وبَينَ أحِبّائِكَ وأولِيائِكَ ، فَهَبني _ يا إلهي وسَيِّدي ومَولايَ ورَبّي _ صَبَرتُ عَلى عَذابِكَ ، فَكَيفَ أصبِرُ عَلى فِراقِكَ ؟ وَهبني صَبَرتُ عَلى حَرِّ نارِكَ ، فَكَيفَ أصبِرُ عَنِ النَّظَرِ إلى كَرامَتِكَ ؟ أم كَيفَ أسكُنُ فِي النّارِ ورَجائي عَفوُكَ ؟ ! فَبِعِزَّتِكَ _ يا سيِّدي ومَولايَ _ اُقسِمُ صادِقا ، لَئِن تَرَكتَني ناطِقا لَأَضِجَّنَّ إلَيكَ بَينَ أهلِها ضَجيجَ الآمِلينَ ، ولَأَصرُخَنَّ إلَيكَ صُراخَ المُستَصرِخينَ ، ولَأَبكِيَنَّ عَلَيكَ بُكاءَ الفاقِدينَ ، ولَاُنادِيَنَّكَ أينَ كُنتَ يا وَلِيَّ المُؤمِنينَ ؟ ! يا غايَةَ آمالِ العارِفينَ ، يا غِياثَ المُستَغيثينَ ، يا حَبيبَ قُلوبِ الصّادِقينَ ، ويا إلهَ العالَمينَ ! أفَتُراكَ _ سُبحانَكَ يا إلهي وبِحَمدِكَ _ تَسمَعُ فيها صَوتَ عَبدٍ مُسلِمٍ سُجِنَ فيها بِمُخالَفَتِهِ ، وذاقَ طَعمَ عَذابِها بِمَعصِيَتِهِ ، وحُبِسَ بَينَ أطباقِها بِجُرمِهِ وجَريرَتِهِ ، وهُوَ يَضِجُّ إلَيكَ ضَجيحَ مُؤَمِّلٍ لِرَحمَتِكَ ، ويُناديكَ بِلِسانِ أهلِ تَوحيدِكَ ، ويَتَوَسَّلُ إلَيك

.


1- .وفي نسخة : «للعقوبات».

ص: 356

بِرُبوبِيَّتِكَ ؟ ! يا مَولايَ فَكَيفَ يَبقى فِي العَذابِ وهُوَ يَرجو ما سَلَفَ مِن حِلمِكَ ؟ ! أم كَيفَ تُؤلِمُهُ النّارُ وهُوَ يَأمُلُ فَضلَكَ ورَحمَتَكَ ؟ ! أم كَيفَ تُحرِقُهُ لَهبُها (1) وأنتَ تَسمَعُ صَوتَهُ وتَرى مَكانَهُ ؟ أم كَيفَ يَشتَمِلُ عَلَيهِ زَفيرُها وأنتَ تَعلَمُ ضَعفَهُ ؟ أم كَيفَ يَتَقَلقَلُ (2) بَينَ أطباقِها وأنتَ تَعلَمُ صِدقَهُ ؟ أم كَيفَ تَزجُرُهُ زَبانِيَتُها وهُوَ يُناديكَ يا رَبَّهُ ؟ أم كَيفَ يَرجو فَضلَكَ في عِتقِهِ مِنها فَتَترُكُهُ فيها (3) ؟ هَيهاتَ ما ذلِكَ الظَنُّ بِكَ ، ولَا المَعروفُ مِن فَضلِكَ ، ولا مُشبِهٌ لِما عامَلتَ بِهِ المُوَحِّدينَ مِن بِرِّكَ وإحسانِكَ ! فَبِاليَقينِ أقطَعُ لَولا ما حَكَمتَ بِهِ مِن تَعذيبِ جاحِديكَ ، وقَضَيتَ بِهِ مِن إخلادِ مُعانِديكَ ، لَجَعَلتَ النّارَ كُلَّها بَردا وسَلاما ، وما كانَ لِأَحَدٍ فيها مَقَرّا ولا مُقاما ، لكِنَّكَ تَقَدَّسَت أسماؤُكَ أقسَمتَ أن تَملَأَها مَِن الكافِرينَ ، مِنَ الجِنَّةِ وَالنّاسِ أجمَعينَ ، وأن تُخَلِّدَ فيهَا المُعانِدينَ ، وأنتَ جَلَّ ثَناؤُكَ قُلتَ مُبتَدِئا وتَطَوَّلتَ بِالإِنعامِ مُتَكَرِّما «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ» (4) . إلهي وسَيِّدي فَأَسأَلُكَ بِالقُدرَةِ الَّتي قَدَّرتَها ، وبِالقَضِيَّةِ الَّتي حَتَمتَها وحَكَمتَها ، وغَلَبتَ مَن عَلَيهِ أجرَيتَها ، أن تَهَبَ لي في هذِهِ اللَّيلَةِ ، وفي هذِهِ السّاعَةِ كُلَّ جُرمٍ أجرَمتُهُ ، وكُلَّ ذَنبٍ أذنَبتُهُ ، وكُلَّ قَبيحٍ أسرَرتُهُ ، وكُلَّ جَهلٍ عَمِلتُهُ ، كَتَمتُهُ أو أعلَنتُهُ ، أخفَيتُهُ أو أظهَرتُهُ ، وكُلَّ سَيِّئَةٍ أمَرتَ بِإِثباتِهَا الكِرامَ الكاتِبينَ ، الَّذينَ وَكَّلتَهُم بِحِفظِ ما يَكونُ مِنّي ، وجَعَلتَهُم شُهودا عَلَيَّ مَعَ جَوارِحي ، وكُنتَ أنتَ الرَّقيبَ عَلَيَّ مِن

.


1- .وفي نسخة : «لَهيبُها» .
2- .وفي نسخة : «يَتَغَلغَل» .
3- .وفي نسخة : «أم كيف تنزله فيها وهو يرجو فضلك في عتقه منها فتتركه» .
4- .السجدة : 18 .

ص: 357

وَرائِهِم ، وَالشّاهِدَ لِما خَفِيَ عَنهُم ، وبِرَحمَتِكَ أخفَيتَهُ ، وبِفَضلِكَ سَتَرتَهُ . وأن تُوَفِّرَ حَظّي مِن كُلِّ خَيرٍ تُنزِلُهُ (1) ، أو إحسانٍ تُفَضِّلُهُ (2) ، أو بِرٍّ تَنشُرُهُ (3) أو رِزقٍ تبَسُطُهُ (4) ، أو ذَنبٍ تَغفِرُهُ ، أو خَطَاً تَستُرُهُ . يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ ، يا إلهي وسَيِّدي ومَولايَ ومالِكَ رِقّي ، يا مَن بِيَدِهِ ناصِيَتي ، يا عَليما بِضُرِّي (5) ومَسكَنَتي ، يا خَبيرا بِفَقري وفاقَتي . يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ ، أسأَلُكَ بِحَقِّكَ وقُدسِكَ وأعظَمِ صِفاتِكَ ، وأسمائِكَ ، أن تَجعَلَ أوقاتي فِي اللَّيلِ وَالنَّهارِ بِذِكرِكَ مَعمورَةً ، وبِخِدمَتِكَ مَوصولَةً ، وأعمالي عِندَكَ مَقبولَةً ، حَتّى تَكونَ أعمالي وأورادي (6) كُلُّها وِردا واحِدا ، وحالي في خِدمَتِكَ سَرمَدا . يا سَيِّدي يا مَن عَلَيهِ مُعَوَّلي ، يا مَن إلَيهِ شَكَوتُ أحوالي . يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ ، قَوِّ عَلى خِدمَتِكَ جَوارِحي ، وَاشدُد عَلَى العَزيمَةِ جَوانِحي ، وهَب لِيَ الجِدَّ في خَشيَتِكَ وَالدَّوامِ فِي الاِتِّصالِ بِخِدمَتِكَ ، حَتّى أسرَحَ إلَيكَ في مَيادينِ السّابِقينَ ، واُسرِعَ إلَيكَ فِي المُبادِرينَ (7) ، وأشتاقَ إلى قُربِكَ فِي المُشتاقينَ ، وأدنُوَ مِنكَ دُنُوَّ المُخلِصينَ ، وأخافَكَ مَخافَةَ الموقِنينَ ، وأجتَمِعَ في جِوارِكَ مَعَ المُؤمِنينَ . اللّهُمَّ ومَن أرادَني بِسوءٍ فَأَرِدهُ ، ومَن كادَني فَكِدهُ ، وَاجعَلني مِن أحسَنِ عِبادِكَ نَصيبا عِندَكَ ، وأقرَبِهِم مَنزِلَةً مِنكَ ، وأخَصِّهِم زُلفَةً لَدَيكَ ، فَإِنَّهُ لا يُنالُ ذلِكَ إلّا بِفَضلِكَ ، وجُد لي بِجودِكَ ، وَاعطِف عَلَيَّ بِمَجدِكَ ، وَاحفَظني بِرَحمَتِكَ ، وَاجعَل

.


1- .وفي نسخة : «أنزلته» .
2- .وفي نسخة : «فضّلته» .
3- .وفي نسخة : «نشرته» .
4- .وفي نسخة : «بسطته» .
5- .وفي نسخة : «بفقري» .
6- .وفي نسخة : «إرادتي» .
7- .وفي نسخة : «البارزين» .

ص: 358

ه : يوم الجمعة

لِساني بِذِكرِكَ لَهِجا ، وقَلبي بِحُبِّكَ مُتَيَّما ، ومُنَّ عَلَيَّ بِحُسنِ إجابَتِكَ ، وأقِلني عَثرَتي ، وَاغفِر زَلَّتي ، فَإِنَّكَ قَضَيتَ عَلى عِبادِكَ بِعِبادَتِكَ ، وأمَرتَهُم بِدُعائِكَ ، وضَمِنتَ لَهُمُ الإِجابَةَ . فَإِلَيكَ يا رَبِّ نَصَبتُ وَجهي ، وإلَيكَ يا رَبِّ مَدَدتُ يَدي ، فَبِعِزَّتِكَ استَجِب لي دُعائي ، وبَلِّغني مُنايَ ، ولا تَقطَع مِن فَضلِكَ رَجائي ، وَاكفِني شَرَّ الجِنِّ وَالإِنسِ مِن أعدائي ، يا سَريعَ الرِّضَا اغفِر لِمَن لا يَملِكُ إلَا (1) الدُّعاءَ فَإِنَّكَ فَعّالٌ لِما تَشاءُ . يا مَنِ اسمُهُ دَواءٌ ، وذِكرُهُ شِفاءٌ ، وطاعَتُهُ غِنىً ، ارحَم مَن رَأسُ مالِهِ الرَّجاءُ ، وسِلاحُهُ البُكاءُ . يا سابِغَ النِّعَمِ يا دافِعَ النِّقَمِ ، يا نورَ المُستَوحِشينَ فِي الظُلَمِ ، يا عالِما لا يُعلَّمُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وَافعَل بي ما أنتَ أهلُهُ ، وصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ (2) وَالأَئِمَّةِ المَيامينَ مِن آلِهِ وسَلَّمَ تَسليما (3) .

ه : يَومُ الجُمُعَةِالإمام عليّ عليه السلام_ مِن دُعاءٍ لَهُ في يَومِ الجُمُعَةِ وهُوَ دُعاءٌ عَظيمٌ _: الحَمدُ لِلّهِ الَّذي لا مِن شَيءٍ كانَ ، ولا مِن شَيءٍ كَوَّنَ ما قَد كانَ ، مُستَشهَدٌ بِحُدوثِ الأَشياءِ عَلى أزَلِيَّتِهِ ، وبِما وَسَمَها بِهِ مِنَ العَجزِ عَلى قُدرَتِهِ ، وبِمَا اضطَرَّها إلَيهِ مِنَ الفَناءِ عَلى دَوامِهِ . لَم يَخلُ مِنهُ مَكانٌ فَيُدرَكَ بِأَينِيَّتِهِ ، ولا لَهُ شَبَحُ مِثالٍ فَيوصَفَ بِكَيفِيَّتِهِ ، ولَم يَغِب عَن شَيءٍ فيُعلَمَ بِحَيثِيَّتِهِ ، مُبائِنٌ لِجَميعِ ما أحدَثَ فِي الصِّفاتِ ، ومُمتَنِعٌ عَنِ الإِدراكِ بِمَا ابتَدَعَ مِن تَصَرُّفِ الذَّواتِ ، وخارِجٌ بِالكِبرِياءِ وَالعَظَمَةِ مِن جَميعِ تَصَرُّف

.


1- .وفي نسخة : «غير» .
2- .في مصباح المتهجّد : «رسوله» بدل «محمّد» .
3- .الإقبال : ج3 ص331 ، مصباح المتهجّد : ص844 ح910 ، مصباح الزائر : ص317 ، المصباح للكفعمي : ص737 ، البلد الأمين : ص188 .

ص: 359

الحالاتِ . مُحَرَّمٌ عَلى بَوارِعِ ثاقِباتِ الفِطَنِ تَجديدُهُ ، وعَلى عَوامِقِ ثاقِباتِ الفِكرِ تَكييفُهُ ، وعَلى غَوائِصِ سابِحاتِ النَّظَرِ تَصويرُهُ ، ولا تَحويهِ الأَماكِنُ لِعَظَمَتِهِ ، ولا تَذرَعُهُ المَقاديرُ لِجَلالِهِ ، ولا تَقطَعُهُ المَقاييسُ لِكِبرِيائِهِ . مُمتَنِعٌ عَنِ الأَوهامِ أن تَكتَنِهَهُ ، وعَنِ الأَفهامِ أن تَستَغرِقَهُ ، وعَنِ الأَذهانِ أن تُمَثِّلَهُ . قَد يَئِسَت عَنِ استِنباطِ (1) الإِحاطَةِ بِهِ طَوامِحُ العُقولِ ، ونَضَبَت عَنِ الإِشارَةِ إلَيهِ بِالاِكتِناهِ بِحارُ العُلومِ ، ورَجَعَت بِالصِّغَرِ مِنَ السُّمُوِّ إلى وَصفِ قُدرَتِهِ لَطائِفُ الخُصومِ . واحِدٌ لا مِن عَدَدٍ ، ودائِمٌ لا بِأَمَدٍ ، وقائِمٌ لا بِعَمَدٍ . لَيسَ بِجِنسٍ فَتُعادِلَهُ الأَجناسُ ، ولا بِشَبَحٍ فَتُضارِعَهُ الأَشباحُ ، ولا كَالأَشياءِ فَتَقَعَ عَلَيهِ الصِّفاتُ . قَد ضَلَّتِ العُقولُ في أمواجِ تَيّارِ إدراكِهِ ، وتَحَيَّرَتِ الأَوهامُ عَن إحاطَةِ ذِكرِ أزَلِيَّتِهِ ، وحَصِرَتِ الأَفهامُ عَنِ استِشعارِ وَصفِ قُدرَتِهِ ، وغَرِقَتِ الأَذهانُ في لُجَجِ أفلاكِ مَلَكوتِهِ . مُقتَدِرٌ بِالآلاءِ ، مُمتَنِعٌ بِالكِبرِياءِ ، ومُتَمَلِّكٌ عَلَى الأَشياءِ ، فَلا دَهرٌ يُخلِقُهُ ، ولا وَصفٌ يُحيطُ بِهِ . قَد خَضَعَت لَهُ رِقابُ الصِّعابِ في مَحَلِّ تُخومِ قَرارِها ، وأذعَنَت لَهُ رَواصِنُ الأَسبابِ في مُنتَهى شَواهِقِ أقطارِها . مُستَشهَدٌ بِكُلِّيَّةِ الأَجناسِ عَلى رُبوبِيَّتِهِ ، وبِعَجزِها عَن قُدرَتِهِ ، وبِفُطورِها عَلى قِدمَتِهِ ، وبِزَوالِها عَلى بَقائِهِ ، فَلا لَها مَحيصٌ عَن إدراكِهِ إيّاها ، ولا خُروجٌ عَن إحاطَتِهِ بِها ، ولَا احتِجابٌ عَن إحصائِهِ لَها ، ولَا امتِناعٌ مِن قُدرَتِهِ عَلَيها .

.


1- .في المصدر : «الاستنباط» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .

ص: 360

كَفى بِإِتقانِ الصُّنعِ لَهُ آيَةً ، وبِتَركيبِ الطَّبعِ عَلَيهِ دَلالَةً ، وبِحُدوثِ الفَطرِ عَلَيهِ قِدمَةً ، وبِإِحكامِ الصَّنعَةِ عَلَيهِ عِبرَةً ، فَلا إلَيهِ حَدٌّ مَنسوبٌ ، ولا لَهُ مَثَلٌ مَضروبٌ ، ولا شَيءٌ عَنهُ بِمَحجوبٍ ، تَعالى عَن ضَربِ الأَمثالِ لَهُ وَالصِّفاتِ المَخلوقَةِ عُلُوّا كَبيرا . وسُبحانَ اللّهِ الَّذي خَلَقَ الدُّنيا لِلفَناءِ وَالبُيودِ ، وَالآخِرَةِ لِلبَقاءِ وَالخُلودِ ! وسُبحانَ اللّهِ الَّذي لا يَنقُصُهُ ما أعطى فَأَسنى ، وإن جازَ المَدى فِي المُنى ، وبَلَغَ الغايَةَ القُصوى ، ولا يَجورُ في حُكمِهِ إذا قَضى ! وسُبحانَ اللّهِ الَّذي لا يُرَدُّ ما قَضى ، ولا يُصرَفُ ما أمضى ، ولا يُمنَعُ ما أعطى ، ولا يَهفو ولا يَنسى ، ولا يَعجَلُ بَل يُمهِلُ ويَعفو ، ويَغفِرُ ويَرحَمُ ويَصبِرُ ، ولا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ وهُم يُسأَلونَ ! ولا إلهَ إلَا اللّهُ الشّاكِرُ لِلمُطيعِ لَهُ ، المُملي لِلمُشرِكِ بِهِ ، القَريبُ مِمَّن دَعاهُ عَلى حالِ بُعدِهِ ، وَالبَرُّ الرَّحيمُ بِمَن لَجَأَ إلى ظِلِّهِ وَاعتَصَمَ بِحَبلِهِ . ولا إلهَ إلَا اللّهُ المُجيبُ لِمَن ناداهُ بِأَخفَضِ صَوتِهِ ، السَّميعُ لِمَن ناجاهُ لِأَغمَضِ سِرِّهِ ، الرَّؤوفُ بِمَن رَجاهُ لِتَفريجِ هَمِّه ، القَريبُ مِمَّن دَعاهُ لِتَنفيسِ كَربِهِ وغَمِّهِ . ولا إلهَ إلَا اللّهُ الحَليمُ عَمَّن ألحَدَ في آياتِهِ ، وَانحَرَفَ عَن بَيِّناتِهِ ، ودانَ بِالجُحودِ في كُلِّ حالاتِهِ . وَاللّهُ أكبَرُ القاهِرُ لِلأَضدادِ ، المُتعالي عَنِ الأَندادِ ، المُتَفَرِّدُ بِالمِنَّةِ عَلى جِميعِ العِبادِ . وَاللّهُ أكبَرُ المُحتَجِبُ بِالمَلَكوتِ وَالعِزَّةِ ، المُتَوَحِّدُ بِالجَبَروتِ وَالقُدرَةِ ، المُتَرَدِّي بِالكِبرِياءِ وَالعَظَمَةِ . وَاللّهُ أكبَرُ المُتَقَدِّسُ بِدَوامِ السُّلطانِ وَالغالِبُ بِالحُجَّةِ وَالبُرهانِ ، ونَفاذِ المَشِيَّةِ في كُلِّ حينٍ وأوانٍ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ ، وأعطِهِ اليَومَ أفضَلَ الوَسائِلِ وأشرَفَ العَطاءِ ، وأعظَمَ الحِباءِ وَالمَنازِلِ ، وأسعَدَ الجَدودِ (1) ، وأقَرَّ الأَعيُنِ (2) .

.


1- .الجَدُّ : الحظُّ والسعادة والغِنَى (النهاية : ج1 ص244) .
2- .زاد في بحار الأنوار : «اللَّهُمَّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واعطه الوسيلة ، والفضيلة ، والمكان الرفيع ، والغبطة ، وشرف المنتهى ، والنصيب الأوفى ، والغاية القصوى ، والرفيع الأعلى حتّى يرضى ، وزده بعد الرضا» .

ص: 361

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، الَّذين أمَرتَ بِطاعَتِهِم ، وأذهَبتَ عَنهُمُ الرِّجسَ وطَهَّرتَهُم تَطهيرا . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، الَّذينَ ألهَمتَهُم عِلمَكَ ، وَاستَحفَظتَهُم كُتُبَكَ (1) وَاستَرعَيتَهُم عِبادَكَ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ وحَبيبِكَ وخَليلِكَ ، وسَيِّدِ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، مِنَ الأَنبِياءِ وَالمُرسَلينَ ، وَالخَلقِ أجمَعينَ ، وعَلى آلِهِ الطَّيِّبينَ ، الَّذينَ أمَرتَ بِطاعَتِهِم ، وأوجَبتَ عَلَينا حَقَّهُم ومَوَدَّتَهُم (2) . اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ سُؤالَ وَجِلٍ مِنَ انتِقامِكَ ، حاذِرٍ مِن نَقِمَتِكَ ، فَزِعٍ إلَيكَ مِنكَ ، لَم يَجِد لِفاقَتِهِ مُجيرا غَيرَكَ ، ولا آمِنا [لِخَوفِهِ] (3) غَيرَ فِنائِكَ ، وتَطَوُّلُكَ سَيِّدي ومَولايَ عَلى طولِ (4) مَعصِيَتي لَكَ ، أقصَدَني إلَيكَ ، وإن كانَت سَبَقَتِني الذُّنوبُ وحالَت بَيني وبَينَكَ ؛ لِأَ نَّكَ عِمادُ المُعتَمِدِ ، ورَصَدُ المُرتَصِدِ ، لا تَنقُصُكَ المَواهِبُ ، ولا تَغيضُكَ المَطالِبُ ، فَلَكَ المِنَنُ العِظامُ ، وَالنِّعَمُ الجِسامُ (5) . يا مَن لا تَنقُصُ خَزائِنُهُ ، ولا يَبيدُ مُلكُهُ ، ولا تَراهُ العُيونُ ، ولا تَعزُبُ مِنهُ حَرَكَةٌ ولا سُكونٌ . لَم تَزَل ولا تَزالُ ، لا يَتوارى عَنكَ مُتَوارٍ في كَنينِ (6) أرضٍ ولا سَماءٍ ولا تُخومٍ ، تَكَفَّلتَ بِالأَرزاقِ يا رَزّاقُ ، وتَقَدَّستَ عَن أن تَتَناوَلَكَ الصِّفاتُ ، وتَعَزَّزت

.


1- .في بحار الأنوار : «كتابك».
2- .زاد في بحار الأنوار : «اللَّهمّ إنّي اُقدّمهم بين يدي مسألتي وحاجتي ، وأستشفع بهم عندك أمام طلبتي» .
3- .أثبتنا ما بين المعقوفين من بحار الأنوار .
4- .في بحار الأنوار : «عليَّ مع طول . . .» .
5- .زاد في بحار الأنوار : «يا كثير الخير ، يا دائم المعروف» .
6- .الكِنُّ : ما يَرُدُّ الحَرَّ والبَرْدَ من الأبنِيَة والمساكن (النهاية : ج4 ص206) .

ص: 362

عَن أن تُحيطَ بِكَ تَصاريفُ اللُّغاتِ ، ولَم تَكُن مُستَحدَثا فَتوجَدَ مُتَنَقِّلاً عَن حالَةٍ إلى حالَةٍ ، بَل أنتَ الفَردُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ ذُو العِزِّ القاهِرُ ، جَزيلُ العَطاءِ ، سابِغُ النَّعماءِ ، أحَقُّ مَن تَجاوَزَ وعَفا عَمَّن ظَلَمَ وأساءَ . بِكُلِّ لِسانٍ إلهي تُمَجَّدُ ، وفِي الشَّدائِدِ عَلَيكَ يُعتَمَدُ ، فَلَكَ الحَمدُ وَالمَجدُ ؛ لِأَ نَّكَ المالِكُ الأَبَدُ ، وَالرَّبُّ السَّرمَدُ . أتقَنتَ إنشاءَ البَرايا ، فَأَحكَمتَها بِلُطفِ التَّقديرِ ، وتَعالَيتَ فِي ارتفاعِ شَأنِكَ عَن أن يَنفُذَ فيكَ حُكمُ التَّغييرِ ، أو يُحتالَ مِنكَ بِحالٍ يَصفِكُ بِهِ المُلحِدُ إلى تَبديلٍ ، أو يوجَدَ فِي الزِّيادَةِ وَالنُّقصانِ مَساغٌ فِي اختِلافِ التَّحويلِ ، أو تَلتَثِقَ (1) سَحائِبُ الإِحاطَةِ بِكَ في بُحورِ هِمَمِ الأَحلامِ ، أو تَمتَثِلَ لَكَ مِنها جِبِلَّةٌ تَضِلُّ فيها رَوِيّاتُ الأَوهامِ . فَلَكَ مَولايَ ، انقادَ الخَلقُ مُستَخذِئينَ بِإِقرارِ الرُّبوبِيَّةِ ، ومُعتَرِفينَ خاضِعينَ بِالعُبودِيَّةِ . سُبحانَكَ ما أعظَمَ شَأنَكَ ، وأعلى مَكانَكَ ، وأنطَقَ بِالصِّدقِ بُرهانَكَ ، وأنفَذَ أمرَكَ ، وأحسَنَ تَقديرَكَ ! سَمَكتَ السَّماءَ فَرَفَعتَها ، ومَهَّدتَ الأَرضَ فَفَرَشتَها ، وأخرَجتَ مِنها ماءا ثَجّاجا (2) ، ونَباتا رَجراجا (3) ، فَسَبَّحَكَ نَباتُها ، وجَرَت بِأَمرِكَ مِياهُها وقاما عَلى مُستَقَرِّ المَشِيَّةِ كَما أمَرتَهُما . فَيامَن تَعَزَّزَ بِالبَقاءِ ، وقَهَرَ عِبادَهُ بِالفَناءِ ، أكرِم مَثوايَ ، فَإِنَّكَ خَيرُ مُنتَجِعٍ (4) لِكَشفِ الضُّرِّ . يا مَن هُوَ مَأمولٌ في كُلِّ عُسرٍ ، ومُرتَجىً لِكُلِّ يُسرٍ ، بِكَ أنزَلتُ اليَومَ حاجَتي ،

.


1- .اللَّثَقُ : البَلَل (النهاية : ج4 ص231) .
2- .الثَّجُّ : الصبُّ الكثيرُ(لسان العرب : ج2 ص221) .
3- .رَجراجَة : تموج من كثرتها (لسان العرب : ج2 ص282) .
4- .المنتَجع : المَنزِلُ والمَرجِعُ (لسان العرب : ج8 ص347) .

ص: 363

و : إذا نظر إلى الهلال

وإلَيكَ أبتَهِلُ فَلا تَرُدَّني خائِبا مِمّا رَجَوتُ ، ولا تَحجُب دُعائي عَنكَ إذ فَتَحتَهُ لي فَدَعَوتُ ، وصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَارزُقني مِن فَضلِكَ الواسِعِ رِزقا واسِعا سائِغا حَلالاً طَيِّبا هَنيئا مَريئا لَذيذا في عافِيَةٍ . اللّهُمَّ اجعَل خَيرَ أيّامي يَومَ ألقاكَ ، وَاغفِر لي خَطايايَ فَقَد أوحَشَتني ، وتَجاوَز عَن ذُنوبي فَقَد أوبَقَتني (1) ، فَإِنَّكَ مُجيبٌ مُثيبٌ رَقيبٌ قَريبٌ قادِرٌ غافِرٌ قاهِرٌ رَحيمٌ كَريمٌ قَيّومٌ ، وذلِكَ عَلَيكَ يَسيرٌ وأنتَ أحسَنُ الخالِقينَ . اللّهُمَّ افتَرَضتَ عَلَيَّ لِلآباءِ وَالاُمَّهاتِ حُقوقا فَعَظَّمتَهُنَّ ، وأنتَ أولى مَن حَطَّ الأَوزارَ وخَفَّفَها وأدَّى الحُقوقَ عَن عَبيدِهِ ، فَاحتَمِلهُنَّ عَنّي إلَيهِما وَاغفِر لَهُما كَما رَجاكَ كُلُّ مُوَحِّدٍ مَعَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتَ وَالإِخوَةِ وَالأَخَواتِ ، وألحِقنا وإيّاهُم بِالأَبرارِ ، وأبِح لَنا ولَهُم جَنّاتِكَ مَعَ النُّجَباءِ الأَخيارِ ، إنَّكَ سَميعُ الدُّعاءِ ، وصَلَّى اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وعِترَتِهِ الطَّيِّبينَ وسَلَّمَ تَسليما (2) .

و : إذا نَظَرَ إلَى الهِلالِالإمام عليّ عليه السلام_ إذا نَظَرَ إلَى الهِلالِ _: اللّهُمَّ اجعَلنا أهدى مَن نَظَرَ إلَيهِ ، وأزكى مَن طَلَعَ عَلَيهِ (3) .

عنه عليه السلام_ أيضا _: اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ خَيرَ هذَا الشَّهرِ ، فَتحَهُ ونَصرَهُ وبَرَكَتَهُ وطَهورَهُ ورِزقَهُ ونورَهُ (4) .

.


1- .أوبَقه : أهلكه (لسان العرب : ج10 ص370) .
2- .البلد الأمين : ص92 ، بحار الأنوار : ج90 ص138 ح7 وراجع التوحيد : ص69 ح26 وعيون أخبار الرضا : ج1 ص121 ح15 .
3- .نثر الدرّ : ج1 ص284 .
4- .الدعاء للطبراني : ص284 ح910 عن الحارث الأعور ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص121 ح4 عن أبي عبيدة نحوه .

ص: 364

الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ إذا أهَلَّ هِلالَ شَهرِ رَمَضانَ أقبَلَ إلَى القِبلَةِ ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَينا بِالأَمنِ وَالإِيمانِ ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسلامِ ، وَالعافِيَةِ المُجَلِّلَةِ ، اللّهُمَّ ارزُقنا صِيامَهُ وقِيامَهُ ، وتِلاوَةَ القُرآنِ فيهِ ، اللّهُمَّ سَلِّمهُ لَنا وتَسَلَّمهُ مِنّا وسَلِّمنا فيهِ (1) .

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن قَولِهِ عِندَ رُؤيَةِ الهِلالِ _: أيُّهَا الخَلقُ المُطيعُ ، الدّائِبُ السَّريعُ ، المُتَرَدِّدُ في فَلَكِ التَّدبيرِ ، المُتَصَرِّفُ في مَنازِلِ التَّقديرِ ، آمَنتُ بِمَن نَوَّرَ بِكَ الظُّلَمَ ، وأضاءَ بِكَ البُهَمَ ، وجَعَلَكَ آيَةً مِن آياتِ سُلطانِهِ ، وَامتَهَنَكَ بِالزِّيادَةِ وَالنُّقصانِ ، وَالطُّلوعِ وَالاُفولِ ، وَالإِنارَةِ وَالكُسوفِ ، في كُلِّ ذلِكَ أنتَ لَهُ مُطيعٌ ، وإلى إرادَتِهِ سَريعٌ . سُبحانَهُ ما أحسَنَ ما دَبَّرَ ، وأتقَنَ ما صَنَعَ في مُلكِهِ ! وجَعَلَكَ اللّهُ هِلالَ شَهرٍ حادِثٍ لِأَمرٍ حادِثٍ ، جَعَلَكَ اللّهُ هِلالَ أمنٍ وإيمانٍ ، وسَلامَةٍ وإِسلامٍ ، هِلالَ أمنَةٍ مِنَ العاهاتِ ، وسَلامَةٍ مِنَ السَّيِّئاتِ ، اللّهُمَّ اجعَلنا أهدى مَن طَلَعَ عَلَيهِ ، وأزكى مَن نَظَرَ إلَيهِ ، وصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، اللّهُمَّ افعَل بي كَذا وكَذا ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ (2) .

عنه عليه السلام_ مِن قَولِهِ عِندَ رُؤيَةِ الهِلالِ _: أيُّهَا الخَلقُ المُطيعُ لِلّهِ ، الدّائِرُ السَّريعُ ، المُتَرَدِّدُ في مَنازِلِ التَّقديرِ ، المُتَصَرِّفُ في فَلَكِ التَّدبيرِ ، آمَنتُ بِمَن نَوَّرَ بِكَ الظُّلَمَ ، وأوضَحَ بِكَ البُهَمَ ، وجَعَلَكَ آيَةً مِن آياتِ مُلكِهِ ، وعَلامَةً مِن عَلاماتِ سُلطانِهِ . فَامتَهَنَكَ بِالزِّيادَةِ وَالنُّقصانِ ، وَالطُّلوعِ وَالاُفولِ ، وَالإِنارَةِ وَالكُسوفِ ، في كُلِّ ذلِكَ أنتَ لَهُ مُطيعٌ ، وإلى إرادَتِهِ سَريعٌ .

.


1- .الكافي : ج4 ص73 ح4 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص197 ح563 كلاهما عن عمرو بن شمر ، مصباح المتهجّد : ص541 ح626 من دون إسنادٍ إلى المعصوم .
2- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص101 ح1847 .

ص: 365

ز : إذا نظر إلى الشّمس

سُبحانَهُ فَما أعجَبَ ما دَبَّرَ في أمرِكَ ، وألطَفَ ما صَنَعَ في شَأنِكَ ! جَعَلَكَ مِفتاحَ شَهرٍ لِأَمرٍ حادِثٍ ، جَعَلَكَ اللّهُ هِلالَ بَرَكَةٍ لا تَمحَقُهُ الأَيّامُ ، وطَهارَةٍ لا تُدَلِّسُهُ الأَعوامُ ، هِلالَ أمنَةٍ مِنَ الآفاتِ ، وسَلامَةٍ مِنَ السَّيِّئاتِ ، هِلالَ سَعدٍ لا نَحسَ فيهِ ، ويُمنٍ لا نَكدَ فيهِ ، ويُسرٍ لا يُمازِجُهُ عُسرٌ ، وخَيرٍ لا يَشوبُهُ شَرٌّ ، هَلالَ أمنٍ وإيمانٍ ونِعمَةٍ وإحسانٍ ، وسَلامَةٍ وإسلامٍ . اللّهُمَّ اجعَلنا مِن أرضى مَن طَلَعَ عَلَيهِ ، وأزكى مَن نَظَرَ إلَيهِ ، وأسعَدَ مَن تَعَبَّدَ لَكَ فيهِ ! اللّهُمَّ وَفِّقنا لِلتَّوبَةِ ، وَاعصِمنا مِنَ الحَوبَةِ (1) ، وأوزِعنا شُكرَ النِّعمَةِ ، وأَلبِسنا خَيرَ العافِيَةِ ، وأتمِم عَلَينا بِاستِكمالِ طاعَتِكَ فيهِ المِنَّةَ لَكَ إنَّكَ المَنّانُ الحَميدُ (2) .

ز : إذا نَظَرَ إلَى الشَّمسِالإمام عليّ عليه السلام_ إذا نَظَرَ إلَى الشَّمسِ _: أيَّتُهَا الشَّمسُ البَديعَةُ التَّصويرِ ، المُعجِزَةُ التَّقديرِ ، الَّتي جُعِلَتِ سِراجا لِلأَبصارِ نَفعا بِسُكّانِ الأَمصارِ ، شُروقُكِ حَياةٌ وغُروبُكِ وَفاةٌ ، إن طَلَعتِ بِأَمرٍ عَزيزٍ ، وإن رَجَعتِ إلى مُستَقَرٍّ حَريزٍ ، أسأَلُ الَّذي زَيَّنَ بِكِ السَّماءَ ، وألبَسَكِ الضِّياءَ ، وصَدَّعَ لَكِ أركانَ المَطالِعِ ، وحَجَبَكِ بِالشُّعاعِ اللّامِعِ ، فَلا يُشرِفُ بِكِ شَيءٌ إلَا امتَحَقَ (3) ، ولا يُواجِهُكِ بَشَرٌ إلَا احتَرَقَ ، أن يَهَبَ لَنا بِكِ مِنَ الصِّحَّةِ ودَفعِ العِلَّةِ ، ورَدِّ الغُربَةِ وكَشفِ الكُربَةِ ، وأن يَقِيَنا مِنَ الزَّلَلِ ، ومُتابَعَةِ الهَوى ، ومُصاحَبَةِ الرَّدى ، وأن يَمُنَّ عَلَينا مِنَ العُمُرِ بِأَطوَلِهِ ، ومِنَ العَمَلِ بِأَفضَلِهِ ، وأن يَجعَلَكِ لِقَضاءٍ جَديدٍ سَعيدٍ ، يُؤذِنُ بِلِباسِ الصِّحَّةِ ، ويَضمَنُ دِفاعَ النَّقِمَةِ .

.


1- .الحَوبة : الحاجَة (النهاية : ج1 ص455) .
2- .دستور معالم الحكم : ص106 .
3- .المَحقُ : النقصُ والمَحو والإبطال (النهاية : ج4 ص303) .

ص: 366

ح : كلّ يوم من رجب

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأتمِم عَلَينا آلآءَكَ الَّتي أولَيتَنيها ، وَاحرُس عَلَينا عَوارِفَكَ الَّتي أسدَيتَنيها ، إنَّكَ وَلِيُّ الإِحسانِ ، وواهِبُ الاِمتِنانِ ، ذُو الطَّولِ الشَّديدِ ، فَعّالٌ لِما يُريدُ ، وَالحَمدُ لِلّهِ رَبِّ العالَمينَ ، وهُوَ حَسبُنا ونِعمَ الوَكيلُ 1 .

ح : كُلُّ يَومٍ مِن رَجَبٍالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ يا ذَا المِنَنِ السَّابِغَةِ ، وَالآلاءِ الوازِعَةِ ، وَالرَّحمَةِ الواسِعَةِ ، وَالقُدرَةِ الجامِعَةِ ، وَالنِّعَمِ الجَسيمَةِ ، وَالمَواهِبِ العَظيمَةِ ، وَالأَيادِي الجَميلَةِ ، وَالعَطايَا الجَزيلَةِ ، يا مَن لا يُنعَتُ بِتَمثيلٍ ، ولا يُمَثَّلُ بِنَظيرٍ ، ولا يُغلَبُ بِظَهيرٍ ، يا مَن خَلَقَ فَرَزَقَ ، وألهَمَ فَأَنطَقَ ، وَابتَدَعَ فَشَرَعَ ، وعَلا فَارتَفَعَ ، وقَدَّرَ فَأَحسَنَ، وصَوَّرَ فَأَتقَنَ ، وَاحتَجَّ فَأَبلَغَ ، وأنعَمَ فَأَسبَغَ ، وأعطى فَأَجزَلَ ، ومَنَحَ فَأَفضَلَ ، يا مَن سَما فِي العِزِّ فَفاتَ خَواطِرَ الأَبصارِ ، ودَنا فِي اللُّطفِ فَجازَ هَواجِسَ الأَفكارِ ، يا مَن تَوَحَّدَ بِالمُلكِ فَلا نِدَّ لَهُ في مَلَكوتِ سُلطانِهِ ، وتَفَرَّدَ بِالكِبرِياءِ وَالآلاءِ ، فَلا ضِدَّ لَهُ في جَبَروتِ شَأنِهِ ، يا مَن حارَت في كِبرِياءِ هَيبَتِهِ دَقائِقُ لَطائِفِ الأَوهامِ ، وَانحَسَرَت دونَ إدراكِ عَظَمَتِهِ خَطائِفُ أبصارِ الأَنامِ ، يا مَن عَنَتِ الوُجوهُ لِهَيبَتِهِ ، وخَضَعَتِ الرِّقابُ لِعَظَمَتِهِ ، ووَجِلَتِ القُلوبُ مِن خيفَتِهِ . أسأَلُكَ بِهذِهِ المِدحَةِ الَّتي لا تَنبَغي إلّا لَكَ ، وبِما وَأَيتَ بِهِ عَلى نَفسِكَ لِداعيكَ مِنَ المُؤمِنينَ ، وبِما ضَمِنتَ الإِجابَةَ فيهِ عَلى نَفسِكَ لِلدّاعينَ ، يا أسمَعَ السّامِعينَ ، ويا أبصَرَ المُبصِرينَ ، ويا أنظَرَ النّاظِرينَ ، ويا أسرَعَ الحاسِبينَ ، ويا أحكَمَ الحاكِمينَ ،

.

ص: 367

ط : يوم النّصف من رجب

ويا أرحَمَ الرّاحِمينَ ! صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيّينَ ، وعَلى أهلِ بَيتِهِ الطّاهِرينَ الأَخيارِ ، وأن تَقسِمَ لي في شَهرِنا هذا خَيرَ ما قَسَمتَ ، وأن تَحتِمَ لي في قَضائِكَ خَيرَ ما حَتَمتَ وتَختِمَ لي بِالسَّعادَةِ فيمَن خَتَمتَ ، وأحيِني ما أحيَيتَني مَوفورا ، وأمِتني مسَرورا ومَغفورا ، وتَوَلَّ أنتَ نَجاتي مِن مَسأَلَةِ البَرزَخِ ، وَادرَأ عَنّي مُنكَرا ونَكيرا ، وأرِعَيني مُبَشِّرا وبَشيرا ، وَاجعَل لي إلى رِضوانِكَ وجِنانِكَ مَصيرا ، وعَيشا قَريرا ، ومُلكا كَبيرا ، وصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ بُكرَةً وأصيلاً ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . ثُمَّ تَقولُ : مِن غَيرِ تِلكَ الرِّوايَةِ : اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ بِعَقدِ عِزِّكَ عَلى أركانِ عَرشِكَ ، ومُنتَهى رَحمَتِكَ مِن كِتابِكَ ، وَاسمِكَ الأَعظَمِ ، وذِكرِكَ الأَعلَى الأَعلى ، وكَلِماتِكَ التّامّاتِ كُلِّها أن تُصَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وأسأَلُكَ ما كانَ أوفى بِعَهدِكَ ، وأقضى لِحَقِّكَ ، وأرضى لِنَفسِكَ ، وخَيرا لي فِي المَعادِ عِندَكَ ، وَالمَعادِ إلَيكَ ، أن تُعطِيَني جَميعَ ما اُحِبُّ ، وتَصرِفَ عَنّي جَميعَ ما أكرَهُ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ (1) .

ط : يَومُ النِّصفِ مِن رَجَبٍالإمام الصادق عليه السلام :دَخَلَ عَدِيُّ بنُ ثابِتٍ الأَنصارِيُّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام في يَومِ النِّصفِ مِن رَجَبٍ ، وهُوَ يُصَلّي ، فَلَمّا أسمَعَ حِسَّهُ أومَأَ بِيَدِهِ إلى خَلفِهِ أن قِف . قالَ عَدِيٌّ : فَوَقَفتُ فَصَلّى أربَعَ رَكَعاتٍ ، لَم نَرَ أحَدا صَلّاها قَبلَهُ ولا بَعدَهُ ، فَلَمّا سَلَّمَ بَسَطَ يَدَهُ وقالَ :

.


1- .الإقبال : ج3 ص212 عن محمّد بن أبي الرواد الرواسي عن الإمام المهدي عليه السلام ، مصباح المتهجّد : ص802 ح865 ، المصباح للكفعمي : ص699 كلاهما من دون إسنادٍ إلى المعصوم ، وإنّما قال في الإقبال في نهاية الدعاء : «وجدنا هذا الدعاء وهذه الزيادات فيه مرويّا عن مولانا أمير المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه» ، بحار الأنوار : ج98 ص391 ح1 .

ص: 368

ي : شهر شعبان
المناجاة الشّعبانيّة

اللّهُمَّ يا مُذِلَّ كُلِّ جَبّارٍ ، ويا مُعِزَّ المُؤمِنينَ ، أنتَ كَهفي حينَ تُعيِينِي المَذاهِبُ ، وأنتَ بارِئُ خَلقي رَحمَةً بي ، وقَد كُنتَ عَن خَلقي غَنِيّا ، ولَولا رَحمَتُكَ لَكُنتُ مِنَ الهالِكينَ ، وأنتَ مُؤَيِّدي بِالنَّصرِ عَلى أعدائي ، ولَولا نَصرُكَ إيّايَ لَكُنتُ مِنَ المَفضوحينَ . يا مُرسِلَ الرَّحمَةِ مِن مَعادِنِها ، ومُنشِئَ البَرَكَةِ مِن مَواضِعِها ، يا مَن خَصَّ نَفسَهُ بِالشُّموخِ وَالرِّفعَةِ ، فَأَولِياؤُهُ بِعِزِّهِ يَتَعَزَّزونَ ، يا مَن وَضَعَت لَهُ المُلوكُ نيرَ المَذَلَّةِ عَلى أعناقِهِم ، فَهُم مِن سَطَواتِهِ خائِفونَ . أسأَلُكَ بِكَينُونِيَّتِكَ الَّتي اشتَقَقتَها مِن كِبرِيائِكَ ، وأسأَلُكَ بِكِبرِيائِكَ الَّتي اشتَقَقتَها مِن عِزَّتِكَ ، وأسأَلُكَ بِعِزَّتِكَ الَّتي استَوَيتَ بِها عَلى عَرشِكَ فَخَلَقتَ بِها جَميعَ خَلقِكَ فَهُم لَكَ مُذعِنونَ ، أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وأهلِ بَيتِهِ . قالَ : ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيءٍ خَفِيَ عَنّي ، ثُمَّ التَفَتَ إلَيَّ فَقالَ : يا عَدِيُّ أ سَمِعتَ ؟ قُلتُ : نَعَم . قالَ : أ حَفِظتَ ؟ قُلتُ : نَعَم . قالَ : وَيحَكَ احفَظهُ وَاعرِبهُ ! فَوَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ ونَصَبَ الكَعبَةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ! ما هُوَ عِندَ أحَدٍ مِن أهلِ الأَرضِ ، ولا دَعا بِهِ مَكروبٌ إلّا نَفَّسَ اللّهُ كُربَتَهُ (1) .

ي : شَهرُ شَعبانَالمُناجاةُ الشَّعبانِيَّةُالإقبال عن ابن خالويه :إنَّها [أيِ المُناجاةَ الشَّعبانِيَّةَ ]مُناجاةُ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وَالأَئِمَّةِ مِن وُلدِهِ عليهم السلام ، كانوا يَدعونَ بِها في شَهرِ شَعبانَ : اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاسمَع دُعائي إذا دَعَوتُكَ ، وَاسمَع نِدائي إذا

.


1- .الإقبال : ج3 ص237 ، مصباح الزائر : ص310 وراجع بحار الأنوار : ج86 ص225 ح45 .

ص: 369

نادَيتُكَ ، وَأَقبِل عَلَيَّ إذا ناجَيتُكَ ، فَقَد هَرَبتُ إلَيكَ ، ووَقَفتُ بَينَ يَدَيكُ مُستَكينا لَكَ مُتَضَرِّعا إلَيكَ ، راجِيا لِما لَدَيكَ ، تَراني وتَعلَمُ ما في نَفسي ، وتُخبِرُ حاجَتي وتَعرِفُ ضَميري ، ولا يَخفى عَلَيكَ أمرُ مُنقَلَبي ومَثوايَ ، وما اُريدُ أن اُبدِئَ بِهِ مِن مَنطِقي ، وأتَفَوَّهُ بِهِ مِن طَلِبَتي ، وأرجوهُ لِعافِيَتي ، وقَد جَرَت مَقاديرُكَ عَلَيَّ يا سَيِّدي فيما يَكونُ مِنّي إلى آخِرِ عُمُري ، مِن سَريرَتي وعَلانِيَتي ، وبِيَدِكَ لا بِيَدِ غَيرِكَ زِيادَتي ونَقصي ، ونَفعي وضَرّي . إلهي إن حَرَمتَني فَمَن ذَا الَّذي يَرزُقُني ؟ ! وإن خَذَلتَني فَمَن ذَا الَّذي يَنصُرُني ؟ ! إلهي أعوذُ بِكَ مِن غَضَبِكَ وحُلولِ سَخَطِكَ . إلهي إن كُنتُ غَيرَ مُستَأهِلٍ لِرَحمَتِكَ فَأَنتَ أهلٌ أن تَجودَ عَلَيَّ بِفَضلِ سَعَتِكَ . إلهي كَأَ نّي بِنَفسي واقِفَةٌ بَينَ يَدَيكَ ، وقَد أظَلَّها حُسنُ تَوَكُّلي عَلَيكَ ، فَفَعَلتَ ما أنتَ أهلُهُ ، وتَغَمَّدتَني بِعَفوِكَ . إلهي إن عَفَوتَ فَمَن أولى مِنكَ بِذلِكَ ؟ ! وإن كانَ قَد دَنا أجَلي ولَم يُدنِني مِنكَ عَمَلي ، فَقَد جَعَلتُ الإِقرارَ بِالذَّنبِ إلَيكَ وَسيلَتي . إلهي قَد جُرتُ عَلى نَفسي فِي النَّظَرِ لَها ، فَلَهَا الوَيلُ إن لَم تَغفِر لَها ! إلهي لَم يَزَل بِرُّكَ عَلَيَّ أيّامَ حَياتي ، فَلا تَقطَع بِرَّكَ عَنّي في مَماتي . إلهي كَيفَ آيَسُ مِن حُسنِ نَظَرِكَ لي بَعدَ مَماتي ، وأنتَ لَم تُوَلِّني إلَا الجَميلَ في حَياتي ؟ ! إلهي تَوَلَّ مِن أمري ما أنتَ أهلُهُ ، وعُد عَلَيَّ بِفَضلِكَ عَلى مُذنِبٍ قَد غَمَرَهُ جَهلُهُ . إلهي قَد سَتَرتَ عَلَيَّ ذُنوبا فِي الدُّنيا ، وأنَا أحوَجُ إلى سَترِها عَلَيَّ مِنكَ فِي الاُخرى . إلهي قَد أحسَنتَ إلَيَّ إذ لَم تُظهِرها لِأَحَدٍ مِن عِبادِكَ الصّالِحينَ ، فَلا تَفضَحني يَومَ القِيامَةِ عَلى رُؤوسِ الأَشهادِ . إلهي جودُكَ بَسَطَ أمَلي ، وعَفوُكَ أفضَلُ مِن عَمَلي . إلهي فَسُرَّني بِلِقائِكَ يَومَ تَقضي فيهِ بَينَ عِبادِكَ . إلهِي اعتِذاري إلَيكَ اعتِذارُ مَن لَم يَستَغنِ عَن قَبولِ عُذرِهِ ، فَاقبَل عُذري يا أكرَمَ مَنِ اعتَذَرَ إلَيه

.

ص: 370

المُسيؤونَ . إلهي لا تَرُدَّ حاجَتي ، ولا تُخَيِّب طَمَعي ، ولا تَقطَعَ مِنكَ رَجائي وأمَلي . إلهي لَو أرَدتَ هَواني لَم تَهدِني ، ولَو أرَدتَ فَضيحَتي لَم تُعافِني . إلهي ما أظُنُّكَ تَرُدُّني في حاجَةٍ قَد أفنَيتُ عُمُري في طَلَبِها مِنكَ . إلهي فَلَكَ الحَمدُ أبَدا أبَدا دائِما سَرمَدا ، يَزيدُ ولا يَبيدُ كَما تُحِبُّ وتَرضى . إلهي إن أخَذتَني بِجُرمي أخَذتُكَ بِعَفوِكَ ، وإن أخَذتَني بِذُنوبي أخَذتُكَ بِمَغفِرَتِكَ ، وإن أدخَلتَنِي النّارَ أعلَمتُ أهلَها أ نّي اُحِبُّكَ . إلهي إن كانَ صَغُرَ في جَنبِ طاعَتِكَ عَمَلي فَقَد كَبُرَ في جَنبِ رَجائِكَ أمَلي . إلهي كَيفَ أنقَلِبُ مِن عِندِكَ بِالخَيبَةِ مَحروما ، وقَد كانَ حُسنُ ظَنّي بِجودِكَ أن تَقلِبَني بِالنَّجاةِ مَرحوما ؟ ! إلهي وقَد أفنَيتُ عُمُري في شِرَّةِ السَّهوِ عَنكَ ، وأبلَيتُ شَبابي في سَكرَةِ التَّباعُدِ مِنكَ . إلهي فَلَم أستَيقِظ أيّامَ اغتِراري بِكَ ، ورُكوني إلى سَبيلِ سَخَطِكَ . إلهي وأنَا عَبدُكَ وَابنُ عَبدِكَ ، قائِمٌ بَينَ يَدَيكَ ، مُتَوَسِّلٌ بِكَرَمِكَ إلَيكَ . إلهي أنَا عَبدٌ أتَنَصَّلُ إلَيكَ مِمّا كُنتُ اُواجِهُكَ بِهِ مِن قِلَّةِ استِحيائي مِن نَظَرِكَ ، وأطلُبُ العَفوَ مِنكَ إذِ العَفوُ نَعتٌ لِكَرَمِكَ . إلهي لَم يَكُن لي حَولٌ فَأَنتَقِلَ بِهِ عَن مَعصِيَتِكَ إلّا في وَقتٍ أيقَظتَني لِمَحَبَّتِكَ ، وكَما أرَدتَ أن أكونَ كُنتُ ، فَشَكَرتُكَ بِإِدخالي في كَرَمِكَ ، ولِتَطهيرِ قَلبي مِن أوساخِ الغَفلَةِ عَنكَ . إلهِي انظُر إلَيَّ نَظَرَ مَن نادَيتَهُ فَأَجابَكَ ، وَاستَعمَلتَهُ بِمَعونَتِكَ فَأَطاعَكَ ، يا قَريبا لا يَبعُدُ عَنِ المُغتَرِّ بِهِ ، ويا جَوادا لا يَبخَلُ عَمَّن رَجا ثَوابَهُ . إلهي هَب لي قَلبا يُدنيهِ مِنكَ شَوقُهُ ، ولِسانا يَرفَعُهُ إلَيكَ صِدقُهُ ، ونَظَرا يُقَرِّبُهُ مِنكَ حَقُّهُ . إلهي إنَّ مَن تَعَرَّفَ بِكَ غَيرُ مَجهولٍ ، ومَن لاذَ بِكَ غَيرُ مَخذولٍ ، ومَن أقبَلتَ عَلَيهِ غَيرُ مَملوكٍ (1) . إلهي إنَّ مَنِ انتَهَجَ بِكَ لَمُستَنيرٌ ، وإنَّ مَنِ اعتَصَمَ بِكَ لَمُستَجيرٌ ، وقَد لُذتُ بِكَ

.


1- .وفي نسخة : «مملول» .

ص: 371

يا إلهي فَلا تُخَيِّب ظَنّي مِن رَحمَتِكَ ، ولا تَحجُبني عَن رَأفَتِكَ . إلهي أقِمني في أهلِ وِلايَتِكَ مُقامَ رَجاءِ الزِّيادَةِ مِن مَحَبَّتِكَ . إلهي وألهِمني وَلَها بِذِكرِكَ إلى ذِكرِكَ ، وَاجعَل هَمّي في رَوحِ نَجاحِ أسمائِكَ ومَحَلِّ قُدسِكَ . إلهي بِكَ عَلَيكَ إلّا ألحَقتَني بِمَحَلِّ أهلِ طاعَتِكَ ، وَالمَثوىَ الصّالِحِ مِن مَرضاتِكَ ، فَإِنّي لا أقدِرُ لِنَفسي دَفعا ، ولا أملِكُ لَها نَفعا . إلهي أنَا عَبدُكَ الضَّعيفُ المُذنِبُ ، ومَملوكُكَ المَعيبُ ، فَلا تَجعَلني مِمَّن صَرَفتَ عَنهُ وَجهَكَ ، وحَجَبَهُ سَهوُهُ عَن عَفوِكَ . إلهي هَب لي كَمالَ الاِنقِطاعِ إلَيكَ ، وأنِر أبصارَ قُلوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها إلَيكَ ، حَتّى تَخرِقَ أبصارُ القُلوبِ حُجُبَ النّورِ ، فَتَصِلَ إلى مَعدِنِ العَظَمَةِ ، وتَصيرَ أرواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدسِكَ . إلهي وَاجعَلني مِمَّن نادَيتَهُ فَأَجابَكَ ، ولاحَظتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ ، فَناجَيتَهُ سِرّا وعَمِلَ لَكَ جَهرا . إلهي لَم اُسَلِّط عَلى حُسنِ ظَنّي قُنوطَ الإِياسِ ، ولَا انقَطَعَ رَجائي مِن جَميلِ كَرَمِكَ . الهي إن كانَتِ الخَطايا قَد أسقَطَتني لَدَيكَ فَاصفَح عَنّي بِحُسنِ تَوَكُّلي عَلَيكَ . إلهي إن حَطَّتنِي الذُّنوبُ مِن مَكارِمِ لُطفِكَ ، فَقَد نَبَّهَنِي اليَقينُ إلى كَرَمِ عَطفِكَ . إلهي إن أنامَتنِي الغَفلَةُ عَنِ الاِستِعدادِ لِلِقائِكَ ، فَقَد نَبَّهَتنِي المَعرِفَةُ بِكَرَمِ آلائِكَ . إلهي إن دَعاني إلَى النّارِ عَظيمُ عِقابِكَ ، فَقَد دَعاني إلَى الجَنَّةِ جَزيلُ ثَوابِكَ . إلهي فَلَكَ أسأَلُ ، وإلَيكَ أبتَهِلُ وأرغَبُ ، أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأن تَجعَلَني مِمَّن يُديمُ ذِكرَكَ ، ولا يَنقُضُ عَهدَكَ ، ولا يَغفُلُ عَن شُكرِكَ ، ولا يَستَخِفُّ بِأَمرِكَ . إلهي وأَلحِقني بِنورِ عِزِّكَ الأَبهَجِ ، فَأَكونَ لَكَ عارِفا ، وعَن سِواكَ مُنحَرِفا ، ومِنكَ خائِفا مُراقِبا ، يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ . وصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ رَسولِهِ وآلِهِ الطّاهِرينَ وسَلَّمَ تَسليما كَثيرا (1) .

.


1- .الإقبال : ج3 ص295 ، بحار الأنوار : ج94 ص96 ح13 نقلاً عن الكتاب العتيق الغروي .

ص: 372

3 / 3 _ 11 أدعيته إذا قام إلى الصّلاة
أ : بين الأذان والإقامة
ب : قبل أن يستفتح

3 / 3 _ 11أدعِيَتُهُ إذا قامَ إلَى الصَّلاةِأ : بَينَ الأَذانِ وَالإِقامَةِالإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام يَقولُ لِأَصحابِهِ : مَن سَجَدَ بَينَ الأَذانِ وَالإِقامَةِ فَقالَ في سُجودِهِ : «رَبِّ لَكَ سَجَدتُ خاضِعا خاشِعا ذَليلاً» ، يَقولُ اللّهُ تَعالى : مَلائِكَتي وعِزَّتي وجَلالي ! لَأَجعَلَنَّ مَحَبَّتَهُ في قُلوبِ عِبادِيَ المُؤمِنينَ ، وهَيبَتَهُ في قُلوبِ المُنافِقينَ (1) .

ب : قَبلَ أن يَستَفتِحَالإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : مَن قالَ هذَا القَولَ كانَ مَعَ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ إذا قامَ قَبلَ أن يَستَفتِحَ الصَّلاةَ : اللّهُمَّ إنّي أتَوَجَّهُ إلَيكَ بِمُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، واُقَدِّمُهُم بَينَ يَدَي صَلاتي ، وأتَقَرَّبُ بِهِم إلَيكَ ، فَاجعَلني بِهِم وَجيها فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ومِنَ المُقَرَّبينَ ، مَنَنتَ عَلَيَّ بِمَعرِفَتِهِم فَاختِم لي بطِاعَتِهِم ومَعرِفَتِهِم ووِلايَتِهِم ، فَإِنَّهَا السَّعادَةُ وَاختِم لي بِها ، فَإِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . ثُمَّ تُصَلّي ، فَإِذَا انصَرَفتَ قُلتَ : اللّهُمَّ اجعَلني مَعَ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ في كُلِّ عافِيَةٍ وبَلاءٍ ، وَاجعَلني مَعَ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ في كُلِّ مَثوىً ومُنقَلَبٍ ، اللّهُمَّ اجعَل مَحيايَ مَحياهُم ، ومَماتي مَماتَهُم ، وَاجعَلني مَعَهُم فِي المَواطِنِ كُلِّها ، ولا تُفَرِّق بَيني وبَينَهُم ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء

.


1- .فلاح السائل : ص272 ح163 عن بكر بن محمّد الأزدي ، بحار الأنوار : ج84 ص152 ح48 .

ص: 373

ج : إذا رفع رأسه من الرّكوع

قَديرٌ (1) .

عنه عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ لِأَصحابِهِ : مَن أقامَ الصَّلاةَ وقالَ قَبلَ أن يُحرِمَ ويُكَبِّرَ : يا مُحسِنُ قَد أتاكَ المُسيءُ ، وقَد أمَرتَ المُحسِنَ أن يَتَجاوَزَ عَنِ المُسيءِ ، وأنتَ المُحسِنُ وأنَا المُسيءُ ، فَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وتَجاوَز عَن قَبيحِ ما تَعلَمُ مِنّي . فَيَقولُ اللّهُ تَعالى : مَلائِكَتِي اشهَدوا أ نّي قَد عَفَوتُ عَنهُ ، وأرضَيتُ عَنهُ أهلَ تَبِعاتِهِ (2) .

الإمام عليّ عليه السلام :إذَا استَفتَحتَ الصَّلاةَ فَقُل : اللّهُ أكبَرُ ، وَجَّهتُ وَجهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرضَ ، حَنيفا مُسلِما وما أنَا مِنَ المُشرِكينَ . إنَّ صَلاتي ونُسُكي ومَحيايَ ومَماتي لِلّهِ رَبِّ العالَمينَ ، وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وبِذلِكَ اُمِرتُ وأنَا مِنَ المُسلِمينَ (3) .

ج : إذا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكوعِالمصنّف عن الحارث :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام إذا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكوعِ قالَ : سَمِعَ اللّهُ لِمَن حَمِدَهُ ، اللّهُمَّ رَبَّنا لَكَ الحَمدُ ، بِحَولِكَ وقُوَّتِكَ أقومُ وأقعُدُ (4) .

.


1- .الكافي : ج2 ص544 ح1 عن عليّ بن النعمان عن بعض أصحابه ، بحار الأنوار : ج84 ص370 ح22 وليس فيه من «ثمّ تصلّي . . . » و ص371 نقلاً عن اختيار ابن الباقي و ج86 ص43 ح52 وفيه ذيله .
2- .فلاح السائل : ص277 ح169 عن بكر بن محمّد الأزدي ، بحار الأنوار : ج84 ص375 ح29 .
3- .دعائم الإسلام : ج1 ص157 ، بحار الأنوار : ج84 ص377 ح30 .
4- .المصنّف لابن أبي شيبة : ج1 ص278 ح4 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج2 ص166 ح2914 نحوه ، الدعاء للطبراني : ص189 ح576 وليس فيه «سمع اللّه لمن حمده» ، كنز العمّال : ج8 ص228 ح22677 .

ص: 374

د : في السّجود
ه : بين السّجدتين :
و : في سجدة الشّكر

د : فِي السُّجودِالأمالي للصدوق عن الأصبغ بن نباتة :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ في سُجودِهِ : اُناجيكَ يا سَيِّدي كَما يُناجِي العَبدُ الذَّليلُ مَولاهُ ، وأطلُبُ إلَيكَ طَلَبَ مَن يَعلَمُ أَ نَّكَ تُعطي ولا يَنقُصُ مِمّا عِندَكَ شَيءٌ ، وأستَغفِرُكَ استِغفارَ مَن يَعلَمُ أ نَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلّا أنتَ ، وأتَوَكَّلُ عَلَيكَ تَوَكُّلَ مَن يَعلَمُ أ نَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (1) .

الإمام عليّ عليه السلام_ فِي السُّجودِ _: اللّهُمَّ لَكَ سَجَدتُ ، ولَكَ أسلَمتُ ، وبِكَ آمَنتُ ، وعَلَيكَ تَوَكَّلتُ وأنتَ رَبّي ، سَجَدَ لَكَ سَمعي وبَصَري ولَحمي ودَمي وعِظامي وعَصَبي وشَعري وبَشَري ، سُبحانَ اللّهِ ، سُبحانَ اللّهِ ، سُبحانَ اللّهِ (2) .

ه : بَينَ السَّجدَتَينِالإمام عليّ عليه السلام_ كانَ يَقولُ بَينَ السَّجدَتَينِ _: اللّهُمَّ اغفِر لي وَارحَمني ، وَاجبُرني وَارفَعني (3) .

و : في سَجدَةِ الشُّكرِالإمام عليّ عليه السلام_ في سَجدَةِ الشُّكرِ _: وَعَظتَني فَلَم أتَّعِظ ! وزَجَرتَني عَن مَحارِمِكَ فَلَم أنزَجِر ! وعَمَرتَني أيادِيَكَ فَما شَكَرتُ ! عَفوَكَ عَفوَكَ يا كَريمُ ، أسأَلُكَ الرّاحَةَ عِندَ المَوتِ ، وأسأَلُكَ العَفوَ عِندَ الحِسابِ (4) .

.


1- .الأمالي للصدوق : ص327 ح385 ، روضة الواعظين : ص358 ، المزار الكبير : ص260 ح10 ، بحار الأنوار : ج86 ص227 ح47 و ج100 ص304 .
2- .المصنّف لعبد الرزّاق : ج2 ص163 ح2902 عن عاصم بن ضمرة ، كنز العمّال : ج8 ص224 ح22662 .
3- .الدعاء للطبراني : ص197 ح615 عن الحارث .
4- .الكافي : ج3 ص327 ح21 عن سعدان عن رجل عن الإمام الصادق عليه السلام ، البلد الأمين : ص17 ، المصباح للكفعمي : ص43 وفي صدره «كان يقول في سجدة الشكر بعد الفريضة» ، عوالي اللآلي : ج1 ص334 ح96 وليس فيها «أسألك الراحة . . . » ، بحار الأنوار : ج86 ص215 ح29 .

ص: 375

ز : في ركوع صلاة الخوف وفي سجدتها

عنه عليه السلام_ أيضاِ _: يا مَن (1) لايَزيدُهُ كَثرَةُ الدُّعاءِ (2) إلّا سَعَةً وعَطاءً ، يا مَن لا تَنفَدُ خَزائِنُهُ ، يا مَن لَهُ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ، يا مَن لَهُ خَزائِنُ ما دَقَّ وجَلَّ ، لا تَمنَعُكَ إساءَتي مِن إحسانِكَ ، أنتَ (3) تَفعَلُ بِيَ الَّذي أنتَ أهلُهُ ، فَأَنتَ أهلُ الكَرَمِ وَالجودِ وَالعَفوِ وَالتَّجاوُزِ ، يا رَبِّ يا اللّهُ ، لا تَفعَل بِيَ الَّذي أنَا أهلُهُ ، فَإِنّي أهلُ العُقوبَةِ وقَدِ استَحقَقتُها ، لا حُجَّةَ لي ولا عُذرَ لي عِندَكَ ، أبوءُ لَكَ بِذُنوبي كُلِّها ، وأعتَرِفُ بِها كَي تَعفُوَ عَنّي ، وأنتَ أعلَمُ بِها مِنّي ، أبوءُ لَكَ بِكُلِّ ذَنبٍ أذنَبتُهُ ، وكُلِّ خَطيئَةٍ احتَمَلتُها (4) ، وكُلِّ سَيِّئَةٍ عَمِلتُها ، رَبِّ اغفِر وَارحَم وتَجاوَز عَمّا تَعلَمُ ، إنَّكَ أنتَ الأَعَزُّ الأَكرَمُ (5) .

ز : في رُكوعِ صَلاةِ الخَوفِ وفي سَجدَتِهاالإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يُصَلّي صَلاةَ الخَوفِ عَلَى الدّابَّةِ مُستَقبِلَ القِبلَةِ ، ثُمَّ يَركَعُ ويَقولُ : لَكَ خَشَعتُ وبِكَ آمَنتُ وأنتَ رَبّي . ثُمَّ يَخفِضُ رَأسَهُ مِنَ الرُّكوعِ مِن غَيرِ أن يَمَسَّ جَبهَتَهُ شَيءٌ ، ثُمَّ يَقولُ : لَكَ سَجَدتُ وبِكَ آمَنت وأنتَ رَبّي (6) .

.


1- .زاد في نزهة الناظر ودلائل الإمامة في أوّل الدعاء : «يا من لا يزيده إلحاح الملحّين إلّا جودا وكرما» وأورد هذه الجملة في كمال الدين بدل الجملة الاُولى في المتن .
2- .في فلاح السائل : «العطاء» .
3- .وفي نسخة : «أن» .
4- .في كمال الدين ونزهة الناظر : «أخطأتها» .
5- .الغيبة للطوسي : ص261 ح227 ، دلائل الإمامة : ص544 ح523 ، نزهة الناظر : ص149 ، كمال الدين : ص471 ح24 نحوه ، فلاح السائل : ص324 ح216 كلّها عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري عن الإمام المهدي عليه السلام ، بحار الأنوار : ج52 ص7 ح5 .
6- .النوادر للراوندي : ص198 ح371 ، الجعفريّات : ص47 نحوه وكلاهما عن الإمام الكاظم عن آبائه عليهم السلام .

ص: 376

ح : في سجود العزائم
ط : إذا نهض من الرّكعتين الاوليين
ي : في القنوت

ح : في سُجودِ العَزائِمِكتاب من لا يحضره الفقيه :رُوِيَ أ نَّهُ [ عَلِيّا عليه السلام ]يَقولُ في سَجدَةِ العَزائِمِ : لا إلهَ إلَا اللّهُ حَقّا حَقّا ، لا إله إلَا اللّهُ إيمانا وتَصديقا ، لا إلهَ إلَا اللّهُ عُبودِيَّةً ورِقّا ، سَجَدتُ لَكَ يا رَبِّ تَعَبُّدا ورِقّا ، لا مُستَنكِفا ولا مُستَكبِرا ، بَل أنَا عَبدٌ ذَليلٌ خائِفٌ مُستَجيرٌ . ثُمَّ يَرفَعُ رَأسَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ (1) .

ط : إذا نَهَضَ مِنَ الرَّكعَتَينِ الاُولَيَينِالإمام الصادق عليه السلام :كانَ عَلِيٌ عليه السلام إذا نَهَضَ مِنَ الرَّكعَتَينِ الاُولَيَينِ قالَ : بِحَولِكَ وقُوَّتِكَ أقومُ وأقعُدُ (2) .

ي : فِي القُنوتِالإمام عليّ عليه السلام_ في قُنوتِهِ في مَسجِدِ بَني كاهِلٍ _: اللّهُمَّ إنّا نَستَعينُكَ ونَستَغفِرُكَ ونَستَهديكَ ، ونُؤمِنُ بِكَ ونَتَوَكَّلُ عَلَيكَ ، ونُثني عَلَيكَ الخَيرَ ولا نَكفُرُكَ ، ونَخلَعُ ونَترُكُ مَن يُنكِرُكَ . اللّهُمَّ إيّاكَ نَعبُدُ ولَكَ نُصَلّي ونَسجُدُ ، وإلَيكَ نَسعى ونَحفِدُ ، ونَرجو رَحمَتَكَ ونَخشى عَذابَكَ ، إنَّ عَذابَكَ لِلكافِرينَ مُخلِقٌ (3) . اللّهُمَّ اهدِنا فيمَن هَدَيتَ ، وعافِنا فيمَن عافَيتَ ، وتَوَلَّنا فيمَن تَوَلَّيتَ ، وبارِك لَنا فيما أعطَيتَ ، وقِنا شَرَّ ما قَضَيتَ إنَّكَ تَقضي ولا يُقضى عَلَيكَ ، إنَّهُ لا يَذِلُّ مَن والَيتَ ،

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص306 ح922 .
2- .تهذيب الأحكام : ج2 ص88 ح327 ، الاستبصار : ج1 ص338 ح1268 كلاهما عن رفاعة بن موسى ، دعائم الإسلام : ج1 ص164 وفيه «عن عليّ عليه السلام أ نّه كان يقول إذا نهض من السجود للقيام . . .» .
3- .في بحار الأنوار: «بالكفّار مُلحَقٌ» ، وفي المزار للشهيد : «كان بالكافرين محيطا» ، وهما أنسب ممّا في المتن.

ص: 377

ك : في قنوت الوتر

ولا يَعِزُّ مَن عادَيتَ ، تَبارَكتَ رَبَّنا وتَعالَيتَ ، أستَغفِرُكَ وأتوبُ إلَيكَ «رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَ_فِرِينَ» (1)(2) .

ك : في قُنوتِ الوَترِتاريخ دمشق عن محمّد ابن الحنفيّة :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إذا فَرَغَ مِن وَترِهِ رَفَعَ يَدَيهِ إلَى السَّماءِ وقالَ : اللّهُمَّ حاجَتِيَ العُظمَى الَّتي إن قَضَيتَها لَم يَضُرَّني ما مَنَعتَني ، وإن مَنَعتَني لَم يَنفَعني ما أعطَيتَني ، فَكاكَ الرِّقابِ فُكَّ رَقَبَتي مِنَ النّارِ . رَبِّ ما أنَا إن تَقصِد قَصدي بِغَضَبٍ مِنكَ يَدومُ عَلَيَّ ، فَوَعِزَّتِكَ ما يُحَسِّنُ مُلكَكَ إحساني ، ولا تُقَبِّحُهُ إساءَتي ، ولا يَنقُصُ مِن خَزائِنِكَ غَنائي ، ولا يَزيدُ فيها فَقري . يا مَن هُوَ هكَذَا ، اسمَع دُعائي ، وأجِب نِدائي ، وأقِلني عَثرَتي ، وَارحَم غُربَتي ووَحشَتي ، ووَحدَتي في قَبري ، ها أنَا ذا يا رَبِّ بِرُمَّتي . ويَأخُذُ بِتَلابيبِهِ ، ثُمَّ يَركَعُ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ خَلَقتَني بِتَقديرٍ وتَدبيرٍ وتَبصيرٍ بِغَيرِ تَقصيرٍ ، وأخرَجتَني مِن ظُلُماتٍ ثَلاثٍ بِحَولِكَ وقُوَّتِكَ ، اُحاوِلُ الدُّنيا ثُمَّ اُزاوِلُها ، ثُمَّ اُزايِلُها ، وآتَيتَني فيهَا الكَلَأَ وَالمَرعى ، وبَصَّرتَني فيهَا الهُدى ، فَنِعمَ الرَّبُّ أنتَ ونِعمَ المَولى ، فَيا مَن كَرَّمَني وشَرَّفَني ونَعَّمَني أعوذُ بِكَ مِنَ الزَّقُّومِ ، وأعوذُ بِكَ مِنَ الحَميمِ ، وأعوذُ بِكَ مِن مَقيلٍ (4) فِي النّارِ بَينَ أطباقِ النّارِ في ظِلالِ النّارِ يَومَ النّارِ يا رَبِّ النّارِ . اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ مَقيلاً فِي الجَنَّةِ بَينَ أنهارِها وأشجارِها وثِمارِها ورَيحانِها

.


1- .البقرة : 286 .
2- .مصباح الزائر : ص116 ، المزار للشهيد الأوّل : ص276 ، بحار الأنوار : ج100 ص452 ح27 .
3- .تاريخ دمشق : ج54 ص353 .
4- .المَقيلُ : الموضعُ (لسان العرب : ج11 ص577) .

ص: 378

ل : في صلاة العيدين

وخَدَمِها وأزواجِها . اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ خَيرَ الخَيرِ : رِضوانَكَ وَالجَنَّةَ ، وأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ الشَّرِّ : سَخَطِكَ وَالنّارِ . هذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ النّارِ _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ . اللّهُمَّ اجعَل خَوفَكَ في جَسَدي كُلِّهِ ، وَاجعَل قَلبي أشَدَّ مَخافَةً لَكَ مِمّا هُوَ ، وَاجعَل لي في كُلِّ يَومٍ ولَيلَةٍ حَظّا ونَصيبا مِن عَمَلٍ بِطاعَتِكَ وِاتِّباعِ مَرضاتِكَ . اللّهُمَّ أنتَ مُنتَهى غايَتي ، ورَجائي ومَسأَلَتي وطَلِبَتي . أسأَلُكَ يا إلهي كَمالَ الإِيمانِ ، وتَمامَ اليَقينِ ، وصِدقَ التَّوَكُّلِ عَلَيكَ ، وحُسنَ الظَّنِّ بِكَ . يا سَيِّدي ، اجعَل إحساني مُضاعَفا ، وصَلاتي تَضَرُّعا ، ودُعائي مُستَجابا ، وعَمَلي مَقبولاً ، وسَعيي مَشكورا ، وذَنبي مَغفورا ، ولَقِّني مِنكَ نَضرَةً وسُرورا ، وصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ (1) .

ل : في صَلاةِ العيدَينِالإمام الباقر عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إذا كَبَّرَ فِي العيدَينِ قالَ بَينَ كُلِّ تَكبيرَتَينِ : أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ صلى الله عليه و آله ، اللّهُمَّ أهلَ الكِبرِياءِ وَالعَظَمَةِ ، وأهلَ الجودِ وَالجَبَروتِ ، وأهلَ العَفوِ وَالرَّحمَةِ ، وأهلَ التَّقوى وَالمَغفِرَةِ ، أسأَلُكَ في هذَا اليَومِ الَّذي جَعَلتَهُ لِلمُسلِمينَ عيدا ، ولِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ذُخرا ومَزيدا ، أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ كَأَفضَلِ ما صَلَّيتَ عَلى عَبدٍ مِن عِبادِكَ ، وصَلِّ عَلى مَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ ورُسُلِكَ ، وَاغفِر لِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ وَالمُسلِمينَ وَالمُسلِماتِ الأَحياءِ مِنهُم وَالأَمواتِ ، اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ مِن خَيرِ ما سَأَلَكَ عِبادُكَ المُرسَلونَ ، وأعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما عاذَ بِكَ مِنهُ عِبادُكَ المُرسَلونَ (2) .

.


1- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص491 ح1412 ، بحار الأنوار : ج87 ص269 ح67 .
2- .تهذيب الأحكام : ج3 ص140 ح315 عن جابر .

ص: 379

م : إذا ختم القرآن

الإمام عليّ عليه السلام_ خَطَبَ يَومَ الأَضحى ، فَكَبَّرَ وقالَ _: اللّهُ أكبَرُ ، اللّهُ أكبَرُ ، لا إلهَ إلَا اللّهُ وَاللّهُ أكبَرُ ، اللّهُ أكبَرُ ، ولِلّهِ الحَمدُ ، اللّهُ أكبَرُ عَلى ما هَدانا ، ولَهُ الشُّكرُ عَلى ما أبلانا ، وَالحَمدُ لِلّهِ عَلى ما رَزَقَنا مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ ، اللّهُ أكبَرُ زِنَةَ عَرشِهِ ، ورِضا نَفسِهِ ، ومِدادَ كَلِماتِهِ ، وعَدَدَ قَطرِ سَماواتِهِ ، ونُطَفِ بُحورِهِ ، لَهُ الأَسماءُ الحُسنى ، ولَهُ الحَمدُ فِي الآخِرَةِ وَالاُولى حَتّى يَرضى وبَعدَ الرِّضى ، إنَّهُ هُوَ العَلِيُّ الكَبيرُ ، اللّهُ أكبَرُ كَبيرا مُتَكَبِّرا ، وإلها عَزيزا مُتَعَزِّزا ، ورَحيما عَطوفا مُتَحَنِّنا ، يَقبَلُ التَّوبَةَ ويُقيلُ العَثرَةَ ، ويَعفو بَعدَ القُدرَةِ ، ولا يَقنَطُ مِن رَحمَةِ اللّهِ إلَا القَومُ الضّالّونَ ، اللّهُ أكبَرُ كَبيرا ، ولا إلهَ إلَا اللّهُ مُخلِصا ، وسُبحانَ اللّهِ بُكرَةً وأصيلاً ، وَالحَمدُ لِلّهِ نَحمَدُهُ ونَستَعينُهُ ونَستَغفِرُهُ ونَستَهديهِ ، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، مَن يُطِعِ اللّهَ ورَسولَهُ فَقَدِ اهتَدى وفازَ فَوزا عَظيما ، ومَن يَعصِهِما فَقَد ضَلَّ ضَلالاً بَعيدا (1) .

م : إذا خَتَمَ القُرآنَالإمام زين العابدين عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إذا خَتَمَ القُرآنَ قالَ : اللّهُمَّ اشرَح بِالقُرآنِ صَدري ، وَاستَعمِل بِالقُرآنِ بَدَني ، ونَوِّر بِالقُرآنِ بَصَري ، وأطلِق بِالقُرآنِ لِساني ، وأَعِنّي عَلَيهِ ما أبقَيتَني فَإِنَّهُ لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِكَ (2) .

كنز العمّال عن زِرِّ بن حبيش :قَرَأتُ القُرآنَ مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَلَمّا بَلَغتُ الحَواميمَ قالَ : لَقَد بَلَغتَ عَرائِسَ القُرآنِ . فَلَمّا بَلَغتُ رَأسَ ثنَتَينِ وعِشرينَ آيَةً مِن حمعسق «وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ فِى رَوْضَ_اتِ الْجَنَّ_اتِ» (3) الآيَةَ ،

.


1- .مصباح المتهجّد : ص662 ح730 عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص518 ح1484 نحوه ، بحار الأنوار : ج91 ص99 ح4 .
2- .مصباح المتهجّد : ص323 ح431 ، بحار الأنوار : ج92 ص209 ح6 .
3- .الشورى : 22 .

ص: 380

3 / 3 _ 12 أدعيته في تعقيب الصّلوات
اشارة

بَكى حَتَّى ارتَفَعَ نحَيبُهُ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ إلَى السَّماءِ وقالَ : يا زِرُّ أمِّن عَلى دُعائي ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ إنّي أسأَ لُكَ إخباتَ المُخبِتينَ ، وإخلاصَ المُوقِنينَ ، ومُرافَقَةَ الأَبرارِ ، وَاستِحقاقَ حَقائِقِ الإِيمانِ ، وَالغَنيمَةَ مِن كُلِّ بِرٍّ ، وَالسَّلامَةَ مِن كُلِّ إثمٍ ، ووُجوبَ رَحمَتِكَ ، وعَزائِمَ مَغفِرَتِكَ ، وَالفَوزَ بِالجَنَّةِ ، وَالنَّجاةَ مِنَ النّارِ . يا زِرُّ إذا خَتَمتَ فَادعُ بِهذِهِ ، فَإِنَّ حَبيبي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَني أن أدعُوَ بِهِنَّ عِندَ خَتمِ القُرآنِ (1) .

3 / 3 _ 12أدعِيَتُهُ في تَعقيبِ الصَّلَواتِأ : بَعدَ كُلِّ صَلاةٍ مَكتوبَةٍالإمام عليّ عليه السلام_ كانَ يَقولُ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكتوبَةٍ _: تَمَّ نورُكَ فَهَدَيتَ فَلَكَ الحَمدُ . وعَظُمَ حِلمُكَ فَعَفَوتَ فَلَكَ الحَمدُ ، وبَسَطتَ يَدَكَ فَأَعطَيتَ فَلَكَ الحَمدُ . رَبَّنا وَجهُكَ أكرَمُ الوُجوهِ ، وجاهُكَ خَيرُ الجاهِ ، وعَطِيَّتُكَ أنفَعُ العَطِيّاتِ وأهنَؤُها ، تُطاعُ رَبَّنا فَتَشكُرُ ، وتُعصى ربَّنا فَتَغفِرُ ، تُجيبُ دُعاءَ المُضطَرِّ ، وتَشفِي السَّقيمَ ، وتُنجي مِنَ الكَربِ ، وتَقبَلُ التَّوبَةَ ، وتَغفِرُ الذُّنوبَ ، لا يَجزي بِآلائِكَ أحَدٌ ، ولا يُحصي نِعمَتَكَ قَولُ قائِلٍ (2) .

.


1- .كنز العمّال : ج2 ص351 ح4221 نقلاً عن ابن النجّار ، المناقب للخوارزمي : ص86 ح76 ، كفاية الطالب : ص333 ؛ مكارم الأخلاق : ج2 ص139 ح2349 وفيه من «اللّهُمَّ . . . » ، بحار الأنوار : ج92 ص206 ح1 و 2 نقلاً عن مصباح الأنوار .
2- .دعائم الإسلام : ج1 ص169 ، بحار الأنوار : ج86 ص35 ح41 ؛ كنز العمّال : ج2 ص640 ح4963 نقلاً عن جعفر في الذكر وأبي القاسم إسماعيل بن محمّد بن فضل في أماليه عن عاصم بن ضمرة نحوه .

ص: 381

عنه عليه السلام_ في تَعقيبِ كُلِّ صَلاةٍ _: إلهي هذِهِ صَلاتي صَلَّيتُها لا لِحاجَةٍ مِنكَ إلَيها ، ولا رَغبَةٍ مِنكَ فيها ، إلّا تَعظيما وطاعَةً وإجابَةً لَكَ إلى ما أمَرتَني بِهِ ، إلهي إن كانَ فيها خَلَلٌ أو نَقصٌ مِن نِيَّتِها أو قِيامِها أو قِراءَتِها أو رُكوعِها أو سُجودِها ، فَلا تُؤاخِذني وتَفَضَّل عَلَيَّ بِالقَبولِ وَالغُفرانِ ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ (1) .

الأمالي للمفيد عن محمّد ابن الحنفيّة :بَينا أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام يَطوفُ بِالبَيتِ ، إذا رَجُلٌ مُتَعَلِّقٌ بِالأَستارِ ، وهُوَ يَقولُ : «يا مَن لا يَشغَلُهُ سَمعٌ عَن سَمعٍ ، يا مَن لا يُغَلِّطُهُ السّائِلونَ ، يا مَن لا يُبرِمُهُ إلحاحُ المُلِحّينَ ، أذِقني بَردَ عَفوِكَ ، وحَلاوَةَ رَحمَتِكَ» . فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : هذا دُعاؤُكَ ؟ قالَ لَهُ الرَّجُلُ (2) : وقَد سَمِعتَهُ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَادعُ بِهِ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ، فَوَاللّهِ ما يَدعو بِهِ أحَدٌ مِنَ المُؤمِنينَ في أدبارِ الصَّلاةِ إلّا غَفَرَ اللّهُ لَهُ ذُنوبَهُ ، ولَو كانَت عَدَدَ نُجومِ السَّماءِ وقَطرِها ، وحَصباءِ الأَرضِ وثَراها (3) .

الإمام عليّ عليه السلام_ في تَعقيبِ كُلِّ صَلاةٍ _: اللّهُمَّ اغفِر لي ما قَدَّمتُ وما أخَّرتُ ، وما

.


1- .المصباح للكفعمي : ص30 ، بحار الأنوار : ج86 ص38 ح45 نقلاً عن البلد الأمين وليس فيه «نيّتها أو قيامها أو قراءتها» .
2- .الرجل هو الخضر عليه السلام ، وقد صُرّح بذلك في ذيل الرواية .
3- .الأمالي للمفيد : ص92 ح8 ، فلاح السائل : ص302 ح204 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص247 عن محمّد بن يحيى نحوه ، بحار الأنوار : ج39 ص133 ح5 ؛ عيون الأخبار لابن قتيبة : ج2 ص285 عن محمّد بن بشر العبدي عن بعض أشياخه ، أخبار مكّة للفاكهي : ج2 ص279 ح1524 عن محمّد بن يحيى وكلاهما نحوه ، كنز العمّال : ج2 ص640 ح4964 نقلاً عن الدينوري وابن عساكر نحوه .

ص: 382

أسرَرتُ وما أعلَنتُ ، وما أنتَ أعلَمُ بِهِ مِنّي ، أنتَ المُقَدِّمُ وأنتَ المُؤَخِّرُ ، لا إلهَ إلّا أنتَ (1) .

عنه عليه السلام :مَن أرادَ أن يُكتالَ لَهُ بِالمِكيالِ الأَوفى فَليَقُل في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ : «سُبْحَ_نَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلَ_مٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» (2) . (3)

عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ بَعدَ الصَّلاةِ المَكتوبَةِ _: اللّهُمَّ لَكَ صَلَّيتُ ، وفي صَلاتي ما قَد عَلِمتَ مِنَ النُّقصانِ وَالعَجَلَةِ وَالسَّهوِ وَالغَفلَةِ وَالكَسَلِ وَالفَترَةِ وَالنِّسيانِ وَالرِّياءِ والسُّمعَةِ وَالشَّكِّ وَالمُدافَعَةِ وَالرَّيبِ وَالعُجبِ وَالفِكرِ وَالتَّلَبُّثِ (4) عَن إقامَةِ كَمالِ فَرضِكَ ، فَأَسأَلُكَ يا إلهي أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وأن تُحَوِّلَ نُقصانَها تَماما ، وعَجَلَتي فيها تَثَبُّتا وتَمَكُّنا ، وسَهوي تَيَقُّظا ، وغَفلَتي مُواظَبَةً ، وكَسَلي نَشاطا ، وفَترَتي قُوَّةً (5) ، ونِسياني مُحافَظَةً ، ومُدافَعَتي مُرابَطَةً ، ورِيائي إخلاصا ، وسُمعَتي تَسَتُّرا ، وشَكّي يَقينا ، ورَيبي بَيانا ، وفِكري خُشوعا ، وتَحَيُّري خُضوعا ، فَإِنّي لَكَ صَلَّيتُ ، وإلَيكَ تَوَجَّهتُ ، وبِكَ آمَنتُ ، وإيّاكَ قَصَدتُ ، فَاجعَل لي في صَلاتي ودُعائي رَحمَةً وبَرَكَةً تُكَفِّرُ بِها سَيِّئاتي ، وتُكرِمُ بِها مَقامي ، وتُبَيِّضُ بِها وَجهي ، وتُزَكِّي بِها عَمَلي ، وتَحُطُّ بِها وِزري ، اللّهُمَّ احطُط بِها عَنّي ثِقلي ، وَاجعَل ما عِندَكَ خَيرا لي مِمّا تَقطَعُ عَنّي . الحَمدُ للّهِ الَّذي قَضى عَنّي فَريضَةً مِنَ الصَّلَواتِ الَّتي كانَت عَلَى المُؤمِنينَ كِتابا

.


1- .دعائم الإسلام : ج1 ص170 ، بحار الأنوار : ج86 ص36 ح41 .
2- .الصافّات : 180 _ 182 .
3- .قرب الإسناد : ص33 ح107 عن بكر بن محمّد عن الإمام الصادق عليه السلام ، دعائم الإسلام : ج1 ص167 ، مكارم الأخلاق : ج2 ص73 ح2176 ، بحار الأنوار : ج86 ص23 ح23 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق : ج2 ص237 ح3196 عن الأصبغ بن نباتة ، كنز العمّال : ج2 ص639 ح4962 .
4- .اللَّبْث : الإبطاء والتأخّر (النهاية : ج4 ص224) .
5- .في المصدر: «قرّة»، والصحيح ما أثبتناه كما في فلاح السائل.

ص: 383

أ : بعد كلّ صلاة مكتوبة
ب : بعد صلاة الصّبح

مَوقوتا ، يا اللّهُ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ (1) .

ب : بَعدَ صَلاةِ الصُّبحِبحار الأنوار عن الاختيار :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَدعو بَعدَ رَكعَتَيِ الفَجرِ بِهذَا الدُّعاءِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . اللّهُمَّ يا مَن دَلَعَ لِسانَ الصَّباحِ بِنُطقِ تَبَلُّجِهِ ، وسَرَّحَ قِطَعَ اللَّيلِ المُظلِمِ بِغَياهِبِ تَلَجلُجِهِ ، وأتقَنَ صُنعَ الفَلَكِ الدَّوّارِ في مَقاديرِ تَبَرُّجِهِ ، وشَعشَعَ ضِياءَ الشَّمسِ بِنورِ تَأَجُّجِهِ ، يا مَن دَلَّ عَلى ذاتِهِ بِذاتِهِ ، وتَنَزَّهَ عَن مُجانَسَةِ مَخلوقاتِهِ ، وجَلَّ عَن مُلائَمَةِ كَيفِيّاتِهِ ، يا مَن قَرُبَ مِن خَطَراتِ الظُّنونِ ، وبَعُدَ عَن لَحَظاتِ العُيونِ ، وعَلِمَ بِما كانَ قَبلَ أن يَكونَ ، يا مَن أرقَدَني في مِهادِ أمنِهِ وأمانِهِ ، وأيقَظَني إلى ما مَنَحَني بِهِ مِن مِنَنِهِ وإحسانِهِ ، وكَفَّ أكُفَّ السّوءِ عَنّي بِيَدِهِ وسُلطانِهِ . صَلِّ اللّهُمَّ عَلَى الدَّليلِ إلَيكَ فِي اللَّيلِ الأَلْيَلِ ، وَالماسِكِ مِن أسبابِكَ بِحَبلِ الشَّرَفِ الأَطوَلِ ، وَالنّاصِعِ الحَسَبِ في ذِروَةِ (2) الكاهِلِ الأَعْبَلِ (3) ، وَالثّابِتِ القَدَمِ عَلى زَحاليفِها (4) فِي الزَّمَنِ الأَوَّلِ ، وعَلى آلِهِ الأَخيارِ المُصطَفَينَ الأَبرارِ . وَافتَحِ اللّهُمَّ لَنا مَصاريعَ الصَّباحِ بِمَفاتيحِ الرَّحمَةِ وَالفَلاحِ ، وألبِسنِي اللّهُمَّ مِن أفضَلِ خِلَعِ الهِدايَةِ وَالصَّلاحِ ، وَاغرِس اللّهُمَّ بِعَظَمَتِكَ في شِربِ جَناني يَنابيعَ الخُشوعِ ، وأَجرِ اللّهُمَّ لِهَيبَتِكَ مِن آماقي زَفَراتِ الدُّموعِ ، وأدِّبِ اللّهُمَّ نَزَقَ (5) الخُرق

.


1- .بحار الأنوار : ج86 ص54 ح60 نقلاً عن الكتاب العتيق الغروي ، فلاح السائل : ص327 ح217 عن أحمد بن عبد اللّه بن خانبة في كتابه الذي صحّحه الإمام العسكري عليه السلام نحوه .
2- .ذِروَة كلّ شيء : أعلاه (لسان العرب : ج14 ص284) .
3- .الكاهل : مقدّم أعلى الظهر (النهاية : ج4 ص214). والأعْبَل : الجبل الأبيض الحجارة (تاج العروس : ج15 ص460) .
4- .الزُّحلوفةُ : المكانُ الزَّلِقُ (لسان العرب : ج9 ص131) .
5- .النَّزَقُ : خفّة في كلّ أمر وعجلة في جهل وحُمق (لسان العرب : ج10 ص352) .

ص: 384

مِنّي بِأَزِمَّةِ القُنوعِ . إلهي إن لَم تَبتَدِئنِي الرَّحمَةُ مِنكَ بِحُسنِ التَّوفيقِ ، فَمَنِ السّالِكُ بي إلَيكَ في واضِحِ الطَّريقِ ! وإن أسلَمَتني أناتُكَ لِقائِدِ الأَمَلِ وَالمُنى ، فَمَنِ المُقيلُ عَثَراتي مِن كَبَواتِ الهَوى ! وإن خَذَلَني نَصرُكَ عِندَ مُحارَبَةِ النَّفسِ وَالشَّيطانِ ، فَقَد وَكَلَني خِذلانُكَ إلى حَيثُ النَّصَبِ وَالحِرمانِ . إلهي أ تَراني ما أتَيتُكَ إلّا مِن حَيثُ الآمالِ ؟ ! أم عَلِقتُ بِأَطرافِ حِبالِكَ إلّا حينَ باعَدَتني ذُنوبي عَن دارِ الوِصالِ ، فَبِئسَ المَطِيَّةُ الَّتِي امتَطَت نَفسي مِن هَواها ! فَواها لَها لِما سَوَّلَت لَها ظُنونُها ومُناها ! وتَبّا لَها لِجُرأَتِها عَلى سَيِّدِها ومَولاها ! إلهي قَرَعتُ بابَ رَحمَتِكَ بِيَدِ رَجائي ، وهَرَبتُ إلَيكَ لاجِئا مِن فَرطِ أهوائي ، وعَلَّقتُ بِأَطرافِ حِبالِكَ أنامِلَ وَلائي ، فَاصفَحِ اللّهُمَّ عَمّا كُنتُ أجرَمتُهُ مِن زَلَلي وخَطَئي ، وأقِلني مِن صَرعَةِ دائي ، فَإِنَّكَ سَيِّدي ومَولايَ ومُعتَمَدي ورَجائي ، وأنتَ غايَةُ مَطلوبي ومُنايَ في مُنقَلَبي ومَثوايَ . إلهي كَيفَ تَطرُدُ مِسكينا التَجَأَ إلَيكَ مِنَ الذُّنوبِ هارِبا ؟ ! أم كَيفَ تُخَيِّبُ مُستَرشِدا قَصَدَ إلى جَنابِكَ صاقِباً (1) ؟ ! أم كَيفَ تَرُدُّ ظَمآنا وَرَدَ إلى حِياضِكَ شارِبا ؟ ! كَلّا وحِياضُكَ مُترَعَةٌ في ضَنكِ المَحولِ ، وبابُكُ مَفتوحٌ لِلطَّلَبِ وَالوُغولِ ، وأنتَ غايَةُ المَسؤولِ ، ونِهايَةُ المَأمولِ . إلهي هذِهِ أزِمَّةُ نَفسي عَقَلتُها بِعِقالِ مَشِيَّتِكَ ، وهذِهِ أعباءُ ذُنوبي دَرَأتُها بِعَفوِكَ ورَحمَتِكَ ، وهذِهِ أهوائِيَ المُضِلَّةُ وَكَلتُها إلى جَنابِ لُطفِكَ ورَأفَتِكَ ، فَاجعَلِ اللّهُمَّ صَباحي هذا نازِلاً عَلَيَّ بِضِياءِ الهُدى ، وَالسَّلامَةِ فِي الدّينِ وَالدُّنيا ، ومَسائي جُنَّةً مِن

.


1- .الصَّقَبُ : القُربُ والمُلاصَقَة (النهاية : ج3 ص41) .

ص: 385

كَيدِ العِدى ، ووِقايَةً مِن مُردِياتِ الهَوى ، إنَّكَ قادِرٌ عَلى ما تَشاءُ ، تُؤتِي المُلكَ مَن تَشاءُ ، وتَنزِعُ المُلكَ مِمَّن تَشاءُ ، وتُعِزُّ مَن تَشاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشاءُ ، بِيَدِكَ الخَيرُ إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، تولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهارِ وتولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيلِ ، وتُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وتُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ ، وتَرزُقُ مَن تَشاءُ بِغَيرِ حِسابٍ . سُبحانَكَ اللّهُمَّ وبِحَمدِكَ ! مَن ذا يَعرِفُ قَدرَكَ فَلا يَخافُكَ ؟ ! ومَن ذا يَعلَمُ ما أنتَ فَلا يَهابُكَ ؟ ! ألَّفتَ بِمَشِيَّتِكَ الفِرَقَ ، وفَلَقتَ بِقُدرَتِكَ الفَلَقَ ، وأنَرتَ بِكَرَمِكَ دَياجِيَ الغَسَقِ ، وأنهَرتَ المِياهَ مِنَ الصُّمِّ الصَّياخيدِ (1) عَذبا واُجاجا ، وأنزَلتَ مِنَ المُعصِراتِ ماءً ثَجّاجا ، وجَعَلتَ الشَّمسَ وَالقَمَرَ لِلبَرِيَّةِ سِراجا وَهّاجا ، مِن غَيرِ أن تُمارِسَ فيمَا ابتَدَأتَ بِهِ لُغوبا ولا عِلاجا . فَيا مَن تَوَحَّدَ بِالعِزِّ وَالبَقاءِ ، وقَهَرَ عِبادَهُ بِالمَوتِ وَالفَناءِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ الأَتقِياءِ ، وَاسمَع نِدائي ، وَاستَجِب دُعائي ، وحَقِّق بِفَضلِكَ أمَلي ورَجائي ، يا خَيرَ مَن دُعِيَ لِكَشفِ الضُّرِّ ، وَالمَأمولِ لِكُلِّ يُسرٍ وعُسرٍ ، بِكَ أنزَلتُ حاجَتي ، فَلا تَرُدَّني مِن سَنِيِّ مَواهِبِكَ خائِبا ، يا كَريمُ يا كَريمُ يا كَريمُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ . ثُمَّ يَسجُدُ ويَقولُ : إلهي قَلبي مَحجوبٌ ، ونَفسي مَعيوبٌ ، وعَقلي مَغلوبٌ ، وهَوائي غالِبٌ ، وطاعَتي قَليلَةٌ ، ومَعصِيَتي كَثيرَةٌ ، ولِساني مُقِرٌّ بِالذُّنوبِ ، فَكَيفَ حيلَتي يا سَتّارَ العُيوبِ ، ويا عَلّامَ الغُيوبِ ، وياكاشِفَ الكُروبِ ؟ ! اغفِر ذُنوبي كُلَّها بِحُرمَةِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، يا غَفّارُ يا غَفّارُ يا غَفّارُ ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ (2) .

.


1- .الصَّيخود : الصخرةُ الشديدة (النهاية : ج3 ص14) .
2- .بحار الأنوار : ج87 ص339 ح19 و ج94 ص243 ح11 كلاهما نقلاً عن اختيار ابن الباقي .

ص: 386

ج : بعد صلاة الظّهر

ج : بَعدَ صَلاةِ الظُّهرِالإمام عليّ عليه السلام_ في تَعقيبِ فَريضَةِ الظُّهرِ _: اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ كُلُّهُ ، ولَكَ المُلكُ كُلُّهُ ، وبِيَدِكَ الخَيرُ كُلُّهُ ، وإلَيكَ يَرجِعُ الأَمرُ كُلُّهُ عَلانِيَتُهُ وسِرُّهُ ، وأنتَ مُنتَهَى الشَّأنِ كُلِّهِ ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلى عَفوِكَ بَعدَ قُدرَتِكَ ، ولَكَ الحَمدُ عَلى غُفرانِكَ بَعدَ غَضَبِكَ ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ رَفيعَ الدَّرَجاتِ ، مُجيبَ الدَّعَواتِ ، مُنَزِّلَ البَرَكاتِ مِن فَوقِ سَبعِ سَماواتٍ ، مُعطِيَ السُّؤالاتِ ، ومُبَدِّلَ السَّيِّئاتِ بِالحَسَناتِ ، وجاعِلَ الحَسَناتِ دَرَجاتٍ ، وَالمُخرِجَ إلَى النّورِ مِنَ الظُّلُماتِ . اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ، غافِرَ الذَّنبِ ، وقابِلَ التَّوبِ ، شَديدَ العِقابِ ، ذَا الطَّولِ ، لا إلهَ إلّا أنتَ وإلَيكَ المَصيرُ . اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ فِي اللَّيلِ إذا يَغشى ، ولَكَ الحَمدُ فِي النَّهارِ إذا تَجَلّى ، ولَكَ الحَمدُ فِي الآخِرَةِ وَالاُولى ، اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ فِي اللَّيلِ إذا عَسعَسَ ، ولَكَ الحَمدُ فِي الصُّبحِ إذا تَنَفَّسَ ، ولَكَ الحَمدُ عِندَ طُلوعِ الشَّمسِ وغُروبِها ، ولَكَ الحَمدُ عَلى نِعَمِكَ الَّتي لا تُحصى عَدَدا ، ولا تَنقَضي مَدَدا سَرمَدا . اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ فيما مَضى ، ولَكَ الحَمدُ فيما بَقِيَ ، اللّهُمَّ أنتَ ثِقَتي في كُلِّ أمرٍ ، وعُدَّتي في كُلِّ حاجَةٍ ، وصاحِبي في كُلِّ طَلِبَةٍ ، واُنسي في كُلِّ وَحشَةٍ ، وعِصمَتي عِندَ كُلِّ هَلَكَةٍ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، ووَسِّع لي في رِزقي ، وبارِك لي فيما آتَيتَني ، وَاقضِ عَنّي دَيني ، وأصلِح لي شَأني ، إنَّكَ رَؤوفٌ رَحيمٌ . لا إلهَ إلَا اللّهُ الحَليمُ الكَريمُ ، لا إلهَ إلَا اللّهُ رَبُّ العالَمينَ ، لا إلهَ إلَا اللّهُ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ ، اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ موجِباتِ رَحمَتِكَ ، وعَزائِمَ مَغفِرَتِكَ ، وَالغَنيمَةَ مِن كُلِّ خَيرٍ ، وَالسَّلامَةَ مِن كُلِّ إثمٍ ، وَالفَوزَ بِالجَنَّةِ وَالنَّجاةَ مِنَ النّارِ . اللّهُمَّ لا تَدَع لي ذَنبا إلّا غَفَرتَهُ ، ولا هَمّا إلّا فَرَّجتَهُ ، ولا غَمّا إلّا كَشَفتَهُ ،

.

ص: 387

د : بعد صلاة العصر

ولا سُقما إلّا شَفَيتَهُ ، ولا دَينا إلّا قَضَيتَهُ ، ولا خَوفا إلّا آمَنتَهُ ، ولا حاجَةً إلّا قَضَيتَها بِمَنِّكَ ولُطفِكَ ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ (1) .

د : بَعدَ صَلاةِ العَصرِالإمام عليّ عليه السلام_ في تَعقيبِ صَلاةِ العَصرِ _: سُبحانَ ذِي الطَّولِ وَالنِّعَمِ ، سُبحانَ ذِي القُدرَةِ وَالإِفضالِ ، أسأَلُ اللّهَ الرِّضا بِقَضائِهِ ، وَالعَمَلَ بِطاعَتِهِ ، وَالإِنابَةَ إلى أمرِهِ ، فَإِنَّهُ سَميعُ الدُّعاءِ (2) .

عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ عَقيبَ صَلاةِ العَصرِ _: سُبحانَ اللّهِ وَالحَمدُ للّهِ ولا إلهَ إلَا اللّهُ وَاللّهُ أكبَرُ ، ولا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ ، سُبحانَ اللّهِ بِالغُدُوِّ وَالآصالِ ، سُبحانَ اللّهِ بِالعَشِيِّ وَالإِبكارِ ! فَسُبحانَ اللّهِ حينَ تُمسونَ وحينَ تُصبِحونَ ! ولَهَ الحَمدُ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ ، وعَشِيّا وحينَ تُظهِرونَ ، سُبحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمّا يَصِفونَ ! وسَلامٌ عَلَى المُرسَلينَ ، وَالحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ . سُبحانَ ذِي المُلكِ وَالمَلَكوتِ ، سُبحانَ ذِي العِزَّةِ وَالجَبَروتِ ، سُبحانَ الحَيِّ الَّذي لا يَموتُ ، سُبحانَ اللّهِ القائِمِ الدّائِمِ ، سُبحانَ الحَيِّ القَيّومِ ، سُبحانَ العَلِيِّ الأَعلى سُبحانَهُ وتَعالى ، سُبّوحٌ قُدّوسٌ رَبُّ المَلائِكَةِ وَالرّوحِ ! اللّهُمَّ إن ذَنبي أمسى مُستَجيرا بِعَفوِكَ ، وخَوفي أمسى مُستَجيرا بِأَمنِكَ ، وفَقري أمسى مُستَجيرا بِغِناكَ ، وذُلّي أمسى مُستَجيرا بِعِزِّكَ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاغفِر لي وَارحَمني ، إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ . اللّهُمَّ تَمَّ نُورُكَ فَهَدَيتَ فَلَكَ الحَمدُ ، وعَظُمَ حِلمُكَ فَعَفَوتَ فَلَكَ الحَمدُ ، وَجهُك

.


1- .فلاح السائل : ص310 ح211 ، بحار الأنوار : ج86 ص64 ح3 .
2- .وقعة صفّين : ص134 ، بحار الأنوار : ج86 ص93 ح14 ؛ شرح نهج البلاغة : ج3 ص167 وفيهما «سبحان اللّه » بدل «سبحان» في كلا الموضعين .

ص: 388

ه : بعد صلاة المغرب

رَبَّنا أكرَمُ الوُجوهِ ، وجاهُكَ أعظَمُ الجاهِ ، وعَطِيَّتُكَ أفضَلُ العَطاءِ ، تُطاعُ رَبَّنا فَتَشكُرُ ، وتُعصى فَتَغفِرُ ، وتُجيبُ المُضطَرَّ وتَكشِفُ الضُرَّ ، وتُنجي مِنَ الكَربِ ، وتُغنِي الفَقيرَ ، وتَشفِي السَّقيمَ ، ولا يُجازي آلاءَكَ أحَدٌ ، وأنتَ أرحَمُ الرّاحِمينَ (1) .

ه : بَعدَ صَلاةِ المَغرِبِالإمام عليّ عليه السلام_ مِن دُعائِهِ بَعدَ صَلاةِ المَغرِبِ _: الحَمدُ للّهِ الَّذي يُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهارِ ، ويولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيلِ . وَالحَمدُ للّهِ كُلَّما وَقَبَ لَيلٌ وغَسَقَ . وَالحَمدُ للّهِ كُلَّما لاحَ نَجمٌ وخَفَقَ (2) .

عنه عليه السلام_ أيضا _: اللّهُمَّ تَقَبَّل مِنّي ما كانَ صالِحا ، وأصلِح مِنّي ما كانَ فاسِدا . اللّهُمَّ لا تُسَلِّطني عَلى فَسادِ ما أصلَحتَ مِنّي ، وأصلِح لي ما أفسَدتُهُ مِن نَفسي . اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ مُن كُلِّ ذَنبٍ قَوِيَ عَلَيهِ بَدَني بِعافِيَتِكَ ، ونالَتهُ يَدي بِفَضلِ نِعمَتِكَ ، وبَسَطتُ إلَيهِ يَدي بِسَعَةِ رِزقِكَ ، وَاحتَجَبتُ فيهِ عَنِ النّاسِ بِسَترِكَ ، وَاتَّكَلتُ فيهِ عَلى كَريمِ عَفوِكَ . اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ مِن كُلِّ ذَنبٍ تُبتُ إلَيكَ مِنهُ ونَدِمتُ عَلى فِعلِهِ ، وَاستَحيَيتُ مِنكَ وأنَا عَلَيهِ ، ورَهِبتُكَ وأنَا فيهِ ، ثُمَّ راجَعتُهُ وعُدتُ إلَيهِ . اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ مِن كُلِّ ذَنبٍ عَلِمتُهُ أو جَهِلتُهُ ، ذَكَرتُهُ أو نَسيتُهُ ، أخطَأتُهُ أو تَعَمَّدتُهُ ، هُوَ مِمّا لا أشُكُّ أنَّ نَفسي مُرتَهَنَةٌ بِهِ وإن كُنتُ نَسيتُهُ وغَفَلتُ عَنهُ . اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ مِن كُلِّ ذَنبٍ جَنَيتُهُ عَلَيَّ بِيَدي ، وآثَرتُ فيهِ شَهوَتي ، أو

.


1- .فلاح السائل : ص356 ح240 ، بحار الأنوار : ج86 ص84 ح10 .
2- .وقعة صفّين : ص134 ، بحار الأنوار : ج86 ص112 ح10 ؛ شرح نهج البلاغة : ج3 ص167 .

ص: 389

و : بعد صلاة العشاء

سَعَيتُ فيهِ لِغَيري ، أوِ استَغوَيتُ فيهِ مَن تابَعَني ، أو كابَرتُ فيهِ مَن مَنَعَني ، أو قَهَرتُهُ بِجَهلي ، أو لَطُفتُ فيهِ بِحيلَةِ غَيري ، أوِ استَزَلَّني إلَيهِ مَيلي وهَوايَ . اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ مِن كُلِّ شَيءٍ أرَدتُ بِهِ وَجهَكَ ، فَخالَطَني فيهِ ما لَيسَ لَكَ ، وشارَكَني فيهِ ما لَم يَخلُص لَكَ ، وأستَغفِرُكَ مِمّا عَقَدتُهُ عَلى نَفسي ثُمَّ خالَفَهُ هَوايَ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأعتِقني مِنَ النّارِ ، وجُد عَلَيَّ بِفَضلِكَ ، اللّهُمَّ إنّي أسأَّ لُكَ بِوَجهِكَ الكَريمِ الباقي الدّائِمِ ، الَّذي أشرَقَت بِنورِهِ السَّماواتُ وَالأَرضُ ، وكُشِفَت به ظُلُماتُ البَرِّ وَالبَحرِ ، ودُبِّرَت بِهِ اُمورُ الجِنِّ وَالإِنسِ ، أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأن تُصلِحَ شَأني بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ (1) .

و : بَعدَ صَلاةِ العِشاءِالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاحرُسني بِعَينِكَ الَّتي لا تَنامُ ، وَاكنُفني بِرُكنِكَ الَّذي لا يُرامُ ، وَاغفِر لي بِقُدرَتِكَ عَلَيَّ ، يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ . اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن طَوارِقِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ ، ومِن جَورِ كُلِّ جائِرٍ ، وحَسَدِ كُلِّ حاسِدٍ ، وبَغيِ كُلِّ باغٍ . اللّهُمَّ احفَظني في نَفسي وأهلي ومالي وجَميعِ ما خَوَّلتَني مِن نِعَمِكَ ، اللّهُمَّ تَوَلَّني فيما عِندَكَ مِمّا غِبتُ عَنهُ ، ولا تَكِلني إلى نَفسي فيما حَضَرتُهُ ، يا مَن لا تَضُرُّهُ الذُّنوبُ ، ولا تَنقُصُهُ المَغفِرَةُ ، اغفِر لي ما لا يَضُرُّكَ ، وأعطِني ما لا يَنقُصُكَ إنَّكَ أنتَ الوَهّابُ . اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ فَرَجا قَريبا ، وصَبرا جَميلاً ، ورِزقا واسِعا ، وَالعَفوَ وَالعافِيَةَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَاغفِر لي ولِوالِدَيَّ ، ولِلمُؤمِنين

.


1- .فلاح السائل : ص419 ح289 ، بحار الأنوار : ج86 ص101 ح7 .

ص: 390

ز : قبل صلاة اللّيل

وَالمُؤمِناتِ الأَحياءِ مِنهُم وَالأَمواتِ . اللّهُمَّ اجعَلني مِمَّن يُكثِرُ ذِكرَكَ ، ويُتابِعُ شُكرَكَ ، ويَلزَمُ عِبادَتَكَ ، ويُؤَدّي أمانَتَكَ . اللّهُمَّ طَهِّر لِساني مِنَ الكَذِبِ ، وقَلبي مِنَ النِّفاقِ ، وعَمَلي مِنَ الرِّياءِ ، وبَصَري مِنَ الخِيانَةِ ، إنَّكَ تَعلَمُ خائِنَةَ الأَعيُنِ وما تُخفِي الصُّدورُ . اللّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبعِ وما أظَلَّت ، ورَبَّ الأَرَضينَ السَّبعِ وما أقَلَّت ، ورَبَّ الرِّياحِ وما ذَرَت ، ورَبَّ كُلِّ شَيءٍ ، وإلهَ كُلِّ شَيءٍ ، وأوَّلَ كُلِّ شَيءٍ ، وآخِرَ كُلِّ شَيءٍ ، ورَبَّ جَبرَئيلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ ، وإلهَ إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويَعقوبَ ، أسأَلُكَ أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأن تَتَوَلّاني بِرَحمَتِكَ ، وتَشمَلَني بِعافِيَتِكَ ، وتُسعِدَني بِمَغفِرَتِكَ ، ولا تُسَلِّط عَلَيَّ أحَدا مِن خَلقِكَ . اللّهُمَّ إلَيكَ فَقَرِّبني ، وعَلى حُسنِ الخُلُقِ فَقَوِّمني ، ومِن شَرِّ شَياطينِ الجِنِّ وَالإِنسِ فَسَلِّمني ، وفي آناءِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ فَاحرُسني ، وفي أهلي ومالي ووُلدي وإخواني وجَميعِ ما أنعَمتَ بِهِ عَلَيَّ فَاحفَظني ، وَاغفِر لي ولِوالِدَيَّ ولِسائِرِ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتَ ، يا وَلِيَّ (1) الباقِياتِ الصّالِحاتِ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، يا نِعمَ المَولى ونِعمَ النَّصيرُ ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . الحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ ، وصَلَواتُهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وآلِهِ وعِترَتِهِ الطّاهِرينَ (2) .

ز : قَبلَ صَلاةِ اللَّيلِ (3)بحار الأنوار عن مصباح السيّد ابن الباقي :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَدعو بَعدَ رَكعَتَيِ الوِرد

.


1- .في الطبعة المعتمدة : «ربّ» بدل «وليّ» ، وما أثبتناه من طبعة مكتب الإعلام الإسلامي وبحار الأنوار .
2- .فلاح السائل : ص438 ح302 ، بحار الأنوار : ج86 ص113 ح1 .
3- .يستحبُّ أن يُصلّى قبل صلاة الليل ركعتان خفيفتان ، وأن يُدعى بعدها بالدعاء المأثور كما ورد في بعض الأخبار . راجع بحار الأنوار : ج87 ص239 ح50 ومستدرك الوسائل : ج6 ص341 باب استحباب صلاة ركعتين قبل صلاة الليل .

ص: 391

ح : بعد صلاة اللّيل

قَبلَ صَلاةِ اللَّيلِ بِهذَا الدُّعاءِ : اللّهُمَّ إلَيكَ حَنَّت قُلوبُ المُخبِتينَ ، وبِكَ أنَسَت عُقولُ العاقِلينَ ، وعَلَيكَ عَكَفَت رَهبَةُ العالِمينَ ، وبِكَ استَجارَت أفئِدَةُ المُقَصِّرينَ ، فَيا أمَلَ العارِفينَ ، ورَجاءَ الآمِلينَ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطّاهِرينَ ، وأجِرني مِن فَضائِحِ يَومِ الدّينِ عِندَ هَتكِ السُّتورِ ، وتَحصيلِ ما فِي الصُّدورِ ، وآنِسني عِندَ خَوفِ المُذنِبينَ ، ودَهشَةِ المُفرِطينَ ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . فَوَعِزَّتِكَ وجَلالِكَ ما أرَدتُ بِمَعصِيَتي إيّاكَ مُخالَفَتَكَ ، ولا عَصَيتُكَ إذ عَصَيتُكَ وأنَا بِمَكانِكَ جاهِلٌ ، ولا لِعُقوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ ، ولا بِنَظَرِكَ مُستَخِفٌّ ، ولكِن سَوَّلَت لي نَفسي ، وأعانَتني عَلى ذلِكَ شِقوَتي ، وغَرَّني سِترُكَ المُرخى عَلَيَّ ، فَعَصَيتُكَ بِجَهلي ، وخالَفتُكَ بِجُهدي ، فَمِنَ الآنَ مِن عَذابِكَ مَن يَستَنقِذُني ؟ وبِحَبلِ مَن أعتَصِمُ إذا قَطَعتَ حَبلَكَ عَنّي ؟ ! واسَوأَتاه مِنَ الوُقوفِ بَينَ يَدَيكَ غَدا ! إذا قيلَ لِلمُخِفّينَ : جوزوا ، ولِلمُثقِلينَ : حُطُّوا ، أمَعَ المُخِفّينَ أجوزُ ، أم مَعَ المُثقِلين أحُطُّ ؟ يا وَيلَتا ! كُلَّما كَبِرت سِنّي كَثُرَت مَعاصِيَّ ، فَكَم ذا أتوبُ ، فَكَم ذا أعوذُ ، ما آنَ لي أن أستَحيِيَ مِن رَبّي ؟ ! ثُمَّ يَسجُدُ ، ويَقولُ _ ثَلاثَمِئَةِ مَرَّةٍ _ : أستَغفِرُ اللّهَ رَبّي وأتوبُ إلَيهِ (1) .

ح : بَعدَ صَلاةِ اللَّيلِالإمام عليّ عليه السلام_ كانَ كَثيرا ما يَقولُ إذا فَرَغَ مِن صَلاةِ اللَّيلِ _: أشهَدُ أنَّ السَّماوات

.


1- .بحار الأنوار : ج87 ص242 ح51 ، مستدرك الوسائل : ج6 ص341 ح2 .

ص: 392

3 / 3 _ 13 أدعية الإمام للقتال
أ : إذا أراد المسير

وَالأَرضَ وما بَينَهُما آياتٌ تَدُلُّ عَلَيكَ ، وشَواهِدُ تَشهَدُ بِما إلَيهِ دَعَوتَ ، كُلُّ ما يُؤَدّي عَنكَ الحُجَّةَ ، ويَشهَدُ لَكَ بِالرُّبوبِيَّةِ ، مَوسومٌ بِآثارِ نِعمَتِكَ ، ومَعالِمِ تَدبيرِكَ ، عَلَوتَ بِها عَن خَلقِكَ فَأَوصَلتَ إلَى القُلوبِ مِن مَعرِفَتِكَ ما آنَسَها مِن وَحشَةِ الفِكرِ ، و كَفاها رَجمَ الاِحتِجاجِ ، فَهِيَ مَعَ مَعرِفَتِها بِكَ ووَلَهِها إلَيكَ ، شاهِدَةٌ بِأَ نَّكَ لا تَأخُذُكَ الأَوهامُ ، ولا تُدرِكُكَ العُقولُ ولَا الأَبصارُ ، أعوذُ بِكَ أن اُشيرَ بِقَلبٍ أو لِسانٍ أو يَدٍ إلى غَيرِكَ ، لا إلهَ إلّا أنتَ ، واحِداً أحَداً ، فَرداً صَمَداً ونَحنُ لَكَ مُسلِمونَ (1) .

3 / 3 _ 13أدعِيَةُ الإِمامِ لِلقِتالِأ : إذا أرادَ المَسيرَوقعة صفّين عن سلام بن سويد :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام إذا أرادَ أن يَسيرَ إلَى الحَربِ ، قَعَدَ عَلى دابَّتِهِ وقالَ : الحَمدُ للّهِ عَلى نِعَمِهِ عَلَينا ، وفَضلِهِ العَظيمِ . «سُبْحَ_نَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَ_ذَا وَ مَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَ إِنَّ_آ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ» (2) . ثُمَّ يُوَجِّهُ دابَّتَهُ إلَى القِبلَةِ (3) ، ثُمَّ يَرفَعُ يَدَيهِ إلَى السَّماءِ ، ثُمَّ يَقولُ : «اللّهُمَّ إلَيكَ نُقِلَتِ الأَقدامُ ، وأفضَتِ القُلوبُ ، ورُفِعَتِ الأَيدي ، وشَخَصَتِ الأَبصارُ ، نَشكو إلَيكَ غَيبَةَ نَبِيِّنا ، وكَثرَةَ عَدُوِّنا ، وتَشَتُّتَ أهوائِنا ، رَبَّنَا افتَح بَينَنا وبَينَ قَومِنا بِالحَقِّ وأنتَ خَيرُ الفاتِحينَ» سيروا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ (4) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص255 ح1 .
2- .الزخرف : 13 و 14 .
3- .في المصدر : «القبيلة» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
4- .وقعة صفّين : ص231 ، بحار الأنوار : ج100 ص37 ح34 .

ص: 393

ب : إذا أراد القتال
ج : عند لقاء العدوّ محاربا

ب : إذا أرادَ القِتالَالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام كانَ إذا أرادَ القِتالَ قالَ هذِهِ الدَّعَواتِ : اللّهُمَّ إنَّكَ أعلَمتَ سَبيلاً مِن سُبُلِكَ ، جَعَلتَ فيهِ رِضاكَ ، ونَدَبتَ إلَيهِ أولِياءَكَ ، وجَعَلتَهُ أشرَفَ سُبُلِكَ عِندَكَ ثَواباً ، وأكرَمَها لَدَيكَ مَآباً ، وأحَبَّها إلَيكَ مَسلَكاً ، ثُمَّ اشتَرَيتَ فيهِ مِنَ المُؤمِنينَ أنفُسَهُم وأموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ ، يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللّهِ فَيَقتُلونَ ويُقتَلونَ ، وَعداً عَلَيكَ حَقّاً ، فَاجعَلني مِمَّنِ اشتَرى فيهِ مِنكَ نَفسَهُ ، ثُمَّ وَفى لَكَ بِبَيعِهِ الَّذي بايَعَكَ عَلَيهِ ، غَيرَ ناكِثٍ ولا ناقِضٍ عَهداً ، ولا مُبَدِّلاً تَبديلاً ، بَلِ استيجاباً لِمَحَبَّتِكَ ، وتَقَرُّباً بِهِ إلَيكَ ، فَاجعَلهُ خاتِمَةَ عَمَلي ، وصَيِّر فيهِ فَناءَ عُمُري ، وَارزُقني فيهِ لَكَ وبِهِ مَشهَداً تُوجِبُ لي بِهِ مِنكَ الرِّضا ، وتَحُطُّ بِهِ عَنِّي الخَطايا ، وتَجعَلُني فِي الأَحياءِ المَرزوقينَ بِأَيدِي العُداةِ وَالعُصاةِ ، تَحتَ لَواءِ الحَقِّ ورايَةِ الهُدى ، ماضِياً عَلى نُصرَتِهِم قُدُماً ، غَيرَ مُوَلٍّ دُبُراً ، ولا مُحدِثٍ شَكّاً . اللّهُمَّ وأعوذُ بِكَ عِندَ ذلِكَ مِنَ الجُبنِ عِندَ مَوارِدِ الأَهوالِ ، ومِنَ الضَّعفِ عِندَ مُساوَرَةِ الأَبطالِ ، ومِنَ الذَّنبِ المُحبِطِ لِلأَعمالِ ، فَأُحجِمَ مِن شَكٍّ ، أو أمضِيَ (1) بِغَيرِ يَقينٍ ، فَيَكونَ سَعيي في تَبابٍ ، وعَملي غَيرَ مَقبولٍ (2) .

ج : عِندَ لِقاءِ العَدُوِّ مُحارِباًالإمام عليّ عليه السلام_ كانَ يَقولُ إذا لَقِيَ العَدُوَّ مُحارِباً _: اللّهُمَّ إلَيكَ أفضَتِ القُلوبُ ، ومُدَّت

.


1- .في المصدر: «مضى»، والتصويب من تهذيب الأحكام.
2- .الكافي : ج5 ص46 ح1 عن ميمون القدّاح ، تهذيب الأحكام : ج3 ص81 ح237 عن عبد اللّه بن ميمون ، الإقبال : ج1 ص318 كلاهما عن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه عن الإمام عليّ عليهم السلام نحوه وفيهما من «اللّهمّ إنّك أعلمت . . . » ، تفسير العيّاشي : ج2 ص113 ح143 عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح وفيه صدره إلى «تبديلاً» ، بحار الأنوار : ج98 ص126 ح3 .

ص: 394

د : في التّحريض على القتال

الأَعناقُ ، وشَخَصَتِ الأَبصارُ ، ونُقِلَتِ الأَقدامُ ، واُنضِيَتِ (1) الأَبدانُ . اللّهُمَّ قَد صَرَّحَ مَكنونُ الشَّنَآنِ ، وجاشَت مَراجِلُ الأَضغانِ . اللّهُمَّ إنّا نَشكو إلَيكَ غَيبَةَ نَبِيِّنا ، وكَثرَةَ عَدُوِّنا ، وتَشَتَّتَ أهوائِنا ، رَبَّنَا افتَح بَينَنا وبَينَ قَومِنا بِالحَقِّ وأنتَ خَيرُ الفاتِحينَ (2) .

عنه عليه السلام_ إذا لَقِيَ العَدُوَّ _: اللّهُمَّ إنَّكَ أنتَ عِصمَتي ، وناصِري ومُعيني ، اللّهُمَّ بِكَ أصولُ ، وبِكَ اُقاتِلُ (3) .

د : فِي التَّحريضِ عَلَى القِتالِوقعة صفّين عن الحضرمي :سَمِعتُ عَلِيّاً يُحَرِّضُ فِي النّاسِ في ثَلاثَةِ مَواطِنَ : يُحَرِّضُ النّاسَ في يَومِ صِفّينَ ويَومِ الجَمَلِ ، ويَومِ النَّهرِ يَقولُ : عِبادَ اللّهِ ! اتَّقُوا اللّهَ ، وغُضُّوا الأَبصارَ ، وَاخفِضُوا الأَصواتَ ، وأقِلُّوا الكَلامَ ، ووَطِّنوا أنفُسَكُم عَلَى المُنازَلَةِ وَالمُجاوَلَةِ ، وَالمُبارَزَةِ وَالمُناضَلَةِ وَالمُجالَدَةِ وَالمُعانَقَةِ (4) وَالمُكادَمَةِ (5) وَالمُلازَمَةِ ، «فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» ، «وَلَا تَنَ_زَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّ_بِرِينَ» (6) اللّهُمَّ ألهِمهُمُ الصَّبرَ ، وأنزِل عَلَيهِمُ النَّصرَ ، وأعظِم لَهُمُ الأَجرَ (7) .

.


1- .أي اُهزلت (النهاية: ج5 ص72).
2- .نهج البلاغة : الكتاب 15 ، بحار الأنوار : ج33 ص463 ح679 .
3- .دعائم الإسلام : ج1 ص371 .
4- .عانقه : التزمه فأدنى عُنُقَه من عُنُقِه وهي في المودّة وفي الحرب (لسان العرب : ج10 ص272) .
5- .المِكدَم : الشديد القِتال (لسان العرب : ج12 ص510) .
6- .الأنفال : 45 و46 .
7- .تاريخ الطبري : ج5 ص11 ، شرح نهج البلاغة : ج4 ص26 ؛ الكافي : ج5 ص38 ح2 ، الإرشاد : ج1 ص265 ، وقعة صفّين : ص204 .

ص: 395

ه : دعاء الإمام للضّالّين

ه : دُعاءُ الإِمامِ لِلضّالّينَالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سَمِعَ قَوماً يَسبّونَ أهلَ الشّامِ أيّامَ حَربِهِم بِصِفّينَ _: إنّي أكرَهُ لَكُم أن تَكونوا سَبّابينَ ، ولكِنَّكُم لَو وَصَفتُم أعمالَهُم ، وذَكَرتُم حالَهُم ، كانَ أصوَبَ فِي القَولِ ، وأبلَغَ فِي العُذرِ ، وقُلتُم مَكانَ سَبِّكُم إيّاهُم : اللّهُمَّ احقِن دِماءَنا ودِماءَهُم ، وأصلِح ذاتَ بَينِنا وبَينِهِم ، وَاهدِهِم مِن ضَلالَتِهِم ، حَتّى يَعرِفَ الحَقَّ مِن جَهِلَهُ ، ويَرعَوِيَ عَنِ الغَيِّ وَالعُدوانِ مَن لَهِجَ بِهِ (1) .

وقعة صفّين عن عبد اللّه بن شريك :خَرَجَ حِجرُ بنُ عَدِيٍّ وعَمرُو بنُ الحَمِقِ يُظهِرانِ البَراءَةَ وَاللَّعنَ مِن أهلِ الشّامِ ، فَأَرسَلَ إلَيهِما عَلِيٌّ عليه السلام أن كُفّا عَمّا يَبلُغُني عَنكُما ، فَأَتَياهُ فَقالا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أ لَسنا مُحَقّينَ ؟ قالَ : بَلى . قالا : أ وَلَيسوا مُبطِلينَ ؟ قالَ : بَلى . قالا : فَلِمَ مَنَعتَنا مِن شَتمِهِم ؟ قالَ : كَرِهتُ لَكُم أن تَكونوا لَعّانينَ شَتّامينَ ، تَشتُمونَ وتَتَبَرَّؤونَ ، ولكِن لَو وَصَفتُم مَساوِئَ أعمالِهِم فَقُلتُم : مِن سيرَتِهِم كَذا وكَذا ومِن عَمَلِهِم كَذا وكَذا ، كانَ أصوَبَ فِي القَولِ ، وأبلَغَ فِي العُذرِ . ولَو قُلتُم مَكانَ لَعنِكُم إيّاهُم وبَراءَتِكُم مِنهُم : «اللّهُمَّ احقِن دِماءَنا ودِماءَهُم ، وأصلِح ذاتَ بَينَنا وبَينِهِم ، وَاهدِهِم مِن ضَلالَتِهِم ، حَتّى يَعرِفَ الحَقَّ مِنهُم مَن جَهِلَهُ ، ويَرعَوِيَ عَنِ الغَيِّ وَالعُدوانِ مَن لَهِجَ بِهِ» كانَ هذا

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 206 ، بحار الأنوار : ج32 ص561 ح466 .

ص: 396

و : على من تخلّف عن الجهاد
ز : على النّاكثين والقاسطين والمارقين

أحَبَّ إلَيَّ وخَيراً لَكُم . فَقالا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، نَقبَلُ عِظَتَكَ ، ونَتَأَدَّبُ بِأَدَبِكَ (1) .

و : عَلى مَن تَخَلَّفَ عَنِ الجِهادِالإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ أيُّما عَبدٍ مِن عِبادِكَ سَمِعَ مَقالَتَنا العادِلَةَ غَيرَ الجائِرَةِ ، وَالمُصلِحَةَ غَيرَ المُفسِدَةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنيا ، فَأَبى بَعدَ سَمعِهِ لَها إلَا النُّكوصَ عَن نُصرَتِكَ ، وَالإِبطاءَ عَن إعزازِ دينِكَ ، فَإِنّا نَستَشهِدُكَ عَلَيهِ يا أكبَرَ الشّاهِدينَ شَهادَةً ، ونَستَشهِدُ عَلَيهِ جَميعَ ما أسكَنتَهُ أرضَكَ وسَماواتِكَ ، ثُمَّ أنتَ بَعدُ المُغني عَن نَصرِهِ وَالآخِذُ لَهُ بِذَنبِهِ (2) .

ز : عَلَى النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَالإمام عليّ عليه السلام_ رَفَعَ يَدَهُ إلَى السَّماءِ في حَربِ الجَمَلِ وهُوَ يَقولُ _: اللّهُمَّ إنَّ طَلحَةَ بنَ عُبَيدِ اللّهِ أعطاني صَفقَةً بِيَمينِهِ (3) طائِعاً ، ثُمَّ نَكَثَ بَيعَتَهُ ، اللّهُمَّ فَعاجِلهُ ولا تُمهِلهُ (4) ، اللّهُمَّ إنَّ الزُّبَيرَ بنَ العَوّامِ قَطَعَ قَرابَتي ، ونَكَثَ عَهدي ، وظاهَرَ عَدُوّي ، ونَصَبَ الحَربَ لي ، وهُوَ يَعلَمُ أ نَّهُ ظالِمٌ ، فَاكفِنيهِ كَيفَ شِئتَ وأ نّى شِئتَ (5) .

عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ لَمّا مَرَّ عَلى جَماعَةٍ مِن أهلِ الشّامِ بِصِفّينَ _: اللّهُمَّ فَإِنَّهُم قَد رَدُّوا الحَقَّ فَافضُض جَمعَهُم ، وشَتِّت كَلِمَتَهُم ، وأبسِلهُم (6) بِخَطاياهُم ؛ فَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَن

.


1- .وقعة صفّين : ص103 وراجع الأخبار الطوال : ص165 .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 212 .
3- .في المصادر الاُخرى : «يمينه» .
4- .في المصدر : «لا تميّطه» ولم نجد لها معنىً مناسبا ، وما أثبتناه من المصادر الاُخرى .
5- .الفتوح : ج2 ص468 ، المناقب للخوارزمي : ص185 ح223 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص279 ، كشف الغمّة : ج1 ص240 ، بحار الأنوار : ج41 ص206 ح23 و ج32 ص189 ح140 .
6- .أبسَلتَ فلاناً : إذا أسلمتَه للهَلَكة (لسان العرب : ج11 ص54) .

ص: 397

3 / 3 _ 14 أدعية الإمام نظما

وَاليتَ ، ولا يَعِزُّ مَن عادَيتَ (1) .

الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عَلِيّاً عليه السلام كان يَدعو عَلَى الخَوارِجِ ، فَيَقولُ في دُعائِهِ : اللّهُمَّ رَبَّ البَيتِ المَعمورِ ، وَالسَّقفِ المَرفوعِ ، وَالبَحرِ المَسجورِ ، وَالكِتابِ المَسطورِ ، أسأَلُكَ الظَّفَرَ عَلى هؤُلاءِ الَّذينَ نَبَذوا كِتابَكَ وَراءَ ظُهورِهِم ، وفارَقوا اُمَّةَ أحمَدَ عليه السلام عُتُوّا عَلَيكَ (2) .

3 / 3 _ 14أدعِيَةُ الإِمامِ نَظماالإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: لَكَ الحَمدُ يا ذَا الجودِ وَالمَجدِ وَالعُلى تَبارَكتَ تُعطي مَن تَشاءُ وتَمنَعُ إلهي وخَلّاقي وحِرزي ومَوئِلي إلَيكَ لَدَى الإِعسارِ وَاليُسرِ أفزَعُ إلهي لَئِن جَلَّت وجَمَّت خَطيئَتي فَعَفوُكَ عَن ذَنبي أجَلُّ وأوسَعُ إلهي لَئِن أعطَيتُ نَفسِيَ سُؤلَها فَها أنَا في رَوضِ النَّدامَةِ أرتَعُ إلهي تَرى حالي وفَقري وفاقَتي وأنتَ مُناجاتِي الخَفِيَّةَ تَسمَعُ إلهي فَلا تَقطَع رَجائي ولا تُزِغْ فُؤادي فَلي في سَيبِ جودِكَ مَطمَعُ إلهي أجِرني مِن عَذابِكَ إنَّني أسيرٌ ذَليلٌ خائِفٌ لَكَ أخضَعُ إلهي فَآنِسني بِتَلقينِ حُجَّتي إذا كانَ لي فِي القَبرِ مَثوىً ومَضجَعُ إلهي لَئِن عَذَّبتَني ألفَ حِجَّةٍ فَحَبلُ رَجائي مِنكَ لا يَتَقَطَّعُ إلهي أذِقني طَعمَ عَفوِكَ يَومَ لا بَنونَ ولا مالٌ هُنالِكَ يَنفَعُ إلهي لَئِن لَم تَرعَني كُنتُ ضائِعاً وإن كُنتَ تَرعاني فَلَستُ اُضَيَّعُ إلهي إذا لَم تَعفُ عَن غَيرِ مُحسِنٍ فَمَن لِمُسيءٍ بِالهَوى يَتَمَتَّعُ إلهي لَئِن فَرَّطتُ في طَلَبِ التُّقى فَها أنَا إثرَ العَفوِ أقفو وأتبَعُ إلهي ذُنوبي بَزَّتِ الطّودَ وَاعتَلَتْ وصَفحُكَ عَن ذَنبي أجَلُّ وأرفَعُ إلهي لَئِن أخطَأتُ جَهلاً فَطالَما رَجَوتُكَ حَتّى قيلَ ما هُوَ يَجزَعُ إلهي يُنَحّي ذِكرُ طَولِكَ لَوعَتي وذِكرُ الخَطايَا العَينَ مِنّي يُدَمِّعُ إلهي أقِلني عَثرَتي وَامحُ حَوبَتي فَإِنّي مُقِرٌّ خائِفٌ مُتَضَرِّعُ إلهي أنِلني مِنكَ رَوحاً ورَحمَةً فَلَستُ سِوى أبوابِ فَضلِكَ أقرَعُ إلهي لَئِن أقصَيتَني أو أهَنْتَني فَما حيلَتي يا رَبِّ أم كَيفَ أصنَعُ إلهي لَئِن خَيَّبتَني أو طَرَدتَني فَمَن ذَا الَّذي أرجو ومَن ذا اُشَفِّعُ (3) إلهي حَليفُ الحُبِّ بِاللَّيلِ ساهِرٌ يُناجى ويَدعو وَالمُغَفَّلُ يَهجَعُ إلهي وهذَا الخَلقُ ما بَينَ نائِمٍ ومُنتَبِهٍ في لَيلِهِ يَتَضَرَّعُ (4) وكُلُّهُمُ يَرجو نَوالَكَ راجِياً بِرَحمَتِكَ العُظمى وفِي الخُلدِ يَطمَعُ إلهي يُمَنّيني رَجائي سَلامَةً وقُبحُ خَطيئاتي عَلَيَّ يُشَنِّعُ إلهي فَإِن تَعفو فَعَفوُكَ مُنقِذي وإلّا فَبِالذَّنبِ المُدَمِّرِ اُصرَعُ إلهي بِحَقِّ الهاشِمِيِّ وآلِهِ وحُرمَةِ أبرارٍ هُمُ لَكَ خُشَّعُ إلهي فَأَنشِرني عَلى دينِ أحمَدٍ مُنيباً تَقِيّاً قانِتاً لَكَ أخضَعُ ولا تَحرِمَنّي يا إلهي وسَيِّدي شَفاعَتَهُ الكُبرى فَذاكَ المُشَفَّعُ وصَلِّ عَلَيهِ ما دَعاكَ مُوَحِّدٌ وناجاكَ أخيارٌ بِبابِكَ رُكَّعُ (5)

.


1- .وقعة صفّين : ص391 عن زيد بن وهب ، نهج البلاغة : الخطبة 124 نحوه ، بحار الأنوار : ج32 ص506 ح435 .
2- .قرب الإسناد : ص12 ح37 عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام ، بحار الأنوار : ج33 ص382 ح611 .
3- .جاء هذا المصراع في الطبعة المعتمدة قبل هذا البيت والصحيح ما أثبتناه كما في الطبعات الاُخرى.
4- .ليس هذا البيت في المصدر ، ولكنّ السياق يقتضيه ، وأثبتناه من طبعة ترجمة مصطفى زماني .
5- .الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ عليه السلام : ص346 الرقم272 .

ص: 398

. .

ص: 399

عنه عليه السلام_ أيضا _: ذُنوبي إن فَكَّرتُ فيها كَثيرَةٌ ورَحمَةُ رَبّي مِن ذُنوبِيَ أوسَعُ فَما طَمَعي في صالِحٍ قَد عَمِلتُهُ ولكِنَّني في رَحمَةِ اللّهِ أطمَعُ فَإِن يَكُ غُفرانٌ فَذاكَ بِرَحمَةٍ وإن تَكُنِ الاُخرى فَما كُنتُ أصنَعُ ؟ ! مَليكي ومَعبودي ورَبّي وحافِظي وإنّي لَهُ عَبدٌ اُقِرُّ وأخضَعُ (1)

عنه عليه السلام_ أيضا _: إلهي أنتَ ذو فَضلٍ ومَنٍّ وإنّي ذو خَطايا فَاعفُ عَنّي وظَنّي فيكَ يا رَبّي جَميلٌ فَحَقِّق يا إلهي حُسنَ ظَنّي (2)

عنه عليه السلام_ أيضا _: لَبَّيكَ لَبَّيكَ أنتَ مَولاهُ فَارحَم عُبَيْداً إلَيكَ مَلجاهُ يا ذَا المَعالي عَلَيكَ مُعتَمَدي طوبى لِمَن كُنتَ أنتَ مَولاهُ ! طوبى لِمَن كانَ نادِماً أرِقاً يَشكو إلى ذِي الجَلالِ بَلواهُ ! وما بِهِ عِلَّةٌ ولا سَقَمٌ أكثَرُ مِن حُبِّهِ لِمَولاهُ إذا خَل_'c7 فِي الظَّلامِ مُبتَهِلاً أجابَهُ اللّهُ ثُمَّ لَبّاهُ (3)

عنه عليه السلام_ أيضا _: إلهي لا تُعَذِّبني فَإِنّي مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّي وما لي حيلَةٌ إلّا رَجائي بِعَفوِكَ إن عَفَوتَ وحُسنُ ظَنّي فَكَم مِن زَلَّةٍ لي فِي الخَطايا عَضَضتُ أناملي وقَرَعتُ سِنّي ! يَظُنُّ النّاسُ بي خَيراً وإنّي لَشَرُّ النّاسِ إن لَم تَعفُ عَنّي وبَينَ يَدَيَّ مُحتَبسٌ طَويلٌ كَأَ نّي قَد دُعيتُ لَهُ كَأَ نّي اُجَنُّ بِزَهوَةِ الدُّنيا جُنوناً ويَفِني العُمُرَ مِنها بِالتَّمَنّي فَلَو أ نّي صَدَقتُ الزُّهدَ فيها قَلَبتُ لِأَهلِها ظَهرَ المِجَنِّ (4)

.


1- .الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ عليه السلام : ص344 الرقم270 ، بحار الأنوار : ج34 ص423 ح53 .
2- .الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ عليه السلام : ص582 الرقم440 .
3- .الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ عليه السلام : ص42 الرقم14 .
4- .الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ عليه السلام : ص584 الرقم441 .

ص: 400

3 / 3 _ 15 النّوادر

بحار الأنوار :قالَ المُبَرَّدُ : ومِن شِعرِ أميرِ المُؤمِنينَ الَّذي لَا اختِلافَ فيهِ أ نَّهُ قالَهُ ، وكان يُرَدِّدُهُ ، إنَّهُم لَمّا ساموهُ أن يُقِرَّ بِالكُفرِ ويَتوبَ حَتّى يَسيروا مَعَهُ إلَى الشّامِ ، فَقالَ : أبَعدَ صُحبَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالتَّفَقُّهِ في دينِ اللّهِ أرجِعُ كافِراً ؟ ! ثُمَّ قالَ : يا شاهِدَ اللّهِ عَلَيَّ فَاشهَدِ إنّي عَلى دينِ النَّبِيِّ أحمَدِ مَن شَكَّ فِي اللّهِ فَإِنّي مُهتَدي يا رَبِّ فَاجعَلْ فِي الجِنانِ مَورِدي (1)

3 / 3 _ 15النَّوادِرُالخصال عن عامر الشعبي :تَكَلَّمَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بِتِسعِ كَلِماتٍ ارتَجَلَهُنَّ ارتِجالاً ، فَقَأنَ عُيونَ البَلاغَةِ ، وأيتَمنَ جَواهِرَ الحِكمَةِ ، وقَطَعنَ جَميعَ الأَنامِ عَنِ اللِّحاقِ بِواحِدَةٍ مِنهُنَّ ؛ ثَلاثٌ مِنها فِي المُناجاةِ ، وثَلاثٌ مِنها فِي الحِكمَةِ ، وثَلاثٌ مِنها فِي الأَدَبِ . فَأَمَّا اللّاتي فِي المُناجاةِ ، فَقالَ : إلهي كَفى لي عِزّاً أن أكونَ لَكَ عَبداً . وكَفى بى ¨

.


1- .بحار الأنوار : ج33 ص352 ح587 و ج34 ص409 ح22 و ج35 ص165 وراجع الكامل للمبرّد : ج3 ص1107 وشرح نهج البلاغة : ج2 ص278 .

ص: 401

فَخراً أن تَكونَ لي رَبّاً . أنتَ كَما اُحِبُّ فَاجعَلني كَما تُحِبُّ . وأمَّا اللّاتي فِي الحِكمَةِ ، فَقالَ : قيمَةُ كُلِّ امرِئٍ ما يُحسِنُهُ . وما هَلَكَ امرُؤٌ عَرَفَ قَدرَهُ . وَالمَرءُ مَخبُوٌّ تَحتَ لِسانِهِ . وأمَّا اللّاتي فِي الأَدَبِ ، فَقالَ : اُمنُن عَلى مَن شِئتَ تَكُن أميرَهُ . وَاحتَج إلى مَن شِئتَ تَكُن أسيرَهُ . وَاستَغنِ عَمَّن شِئتَ تَكُن نَظيرَهُ (1) .

الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرَ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ يَقولُ إذا فَرَغَ مِنَ الزَّوالِ (2) : اللّهُمَّ إنّي أتَقَرَّبُ إلَيكَ بِجودِكَ وكَرَمِكَ ، وأتَقَرَّبُ إلَيكَ بِمُحَمَّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ ، وأتَقَرَّبُ إلَيكَ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ وأنبِيائِكَ المُرسَلينَ وبِكَ ، اللّهُمَّ أنتَ الغَنِيُّ عَنّي وبِيَ الفاقَةُ إلَيكَ ، أنتَ الغَنِيُّ وأنَا الفَقيرُ إلَيكَ ، أقَلتَني عَثرَتي ، وسَتَرتَ عَلَيَّ ذُنوبي ، فَاقضِ لِيَ اليَومَ حاجَتي ، ولا تُعَذِّبني بِقَبيحِ ما تَعلَمُ مِنّي ، بَل عَفوُكَ وجودُكَ يَسَعُني . قالَ : ثُمَّ يَخِرُّ ساجِداً ويَقولُ : يا أهلَ التَّقوى ويا أهلَ المَغفِرَةِ ، يا بَرُّ يا رَحيمُ ، أنتَ أبَرُّ بي مِن أبي واُمّي ومِن جَميعِ الخَلائِقِ ، اقبَلني (3) بِقَضاءِ حاجَتي مُجاباً دُعائي ، مَرحوماً صَوتي ، قَد كَشَفتَ أنواعَ البَلايا عَنّي (4) .

الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: اللّهُمَّ إن كُنّا قَد قَصَّرنا عَن بُلوغِ طاعَتِكَ فَقَد

.


1- .الخصال : ص420 ح14 ، روضة الواعظين : ص123 ، بحار الأنوار : ج77 ص400 ح23 .
2- .قوله عليه السلام : «إذا فرغ من الزوال» تحتمل الفريضة والنافلة ، لكنّ الشيخ [الطوسي ]وغيره ذكروهما في تعقيب نوافل الزوال بأدنى تغيير ، وإطلاق صلاة الزوال على النافلة في عرف الأخبار أكثر (مرآة العقول : ج12 ص335) .
3- .في بعض النسخ : «اقلبني» .
4- .الكافي : ج2 ص545 ح1 عن عيسى بن عبد اللّه القمّي ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص325 ح956 ، دعائم الإسلام : ج1 ص209 نحوه ، بحار الأنوار : ج87 ص71 ح20 .

ص: 402

تَمَسَّكنا مِن طاعَتِكَ بِأَحِبِّها إلَيكَ ، لا إلهَ إلّا أنتَ جاءَت بِالحَقِّ مِن عِندِكَ (1) .

عنه عليه السلام_ حينَ الذَّبحِ _: وَجَّهتُ وَجهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرضَ ، حَنيفاً مُسلِماً ، وما أنَا مِنَ المُشرِكينَ ، إنَّ صَلاتي ونُسُكي ومَحيايَ ومَماتي لِلّهِ رَبِّ العالَمينَ ، لا شريكَ لَهُ ، وبِذلِكَ اُمِرتُ وأنَا مِنَ المُسلِمينَ (2) .

عنه عليه السلام :لَمّا كانَ يَومُ خَيبَرَ بارَزتُ مَرحَباً فَقُلتُ ما كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَّمَني أن أقولَهُ : «اللّهُمَّ انصُرني ولا تَنصُر عَلَيَّ ، اللّهُمَّ اغلِب لي ولا تَغلِب عَلَيَّ ، اللّهُمَّ تَوَلَّني ولا تَوَلِّ عَلَيَّ ، اللّهُمَّ اجعَلني ذاكِراً لَكَ ، شاكِراً لَكَ ، راهِباً لَكَ ، مُنيباً مُطيعاً ، اقتُل أعداءَكَ» ، فَقَتَلتُ مَرحَباً يَومَئِذٍ ، وتَرَكتُ سَلَبَهُ ، وكُنتُ أقتُلُ ولا آخُذُ السَّلَبَ (3) .

عنه عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ألا اُعَلِّمُكَ دُعاءً لا تَنسَى القُرآنَ : اللّهُمَّ ارحَمني بِتَركِ مَعاصيكَ أبَداً ما أبقَيتَني ، وَارحَمني مِن تَكَلُّفِ ما لا يَعنيني ، وَارزُقني حُسنَ النَّظَرِ (4) فيما يُرضيكَ عَنّي ، وألزِم قَلبي حِفظَ كِتابِكَ كَما عَلَّمتَني ، وَارزُقني أن أتلُوَهُ عَلَى النَّحوِ الَّذي يُرضيكَ عَنّي ، اللّهُمَّ نَوِّر بِكِتابِكَ بَصَري ، وَاشرَح بِهِ صَدري ، وفَرِّح بِهِ قَلبي ، وأطِلق بِهِ لِساني ، وَاستَعمِل بِهِ بَدَني ، وقَوِّني عَلى ذلِكَ وأعِنّي عَلَيهِ ، إنَّهُ لا مُعينَ عَلَيهِ إلّا أنتَ ، لا إلهَ إلّا أنتَ (5) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص275 ح174 .
2- .شعب الإيمان : ج5 ص484 ح7339 عن جيش ، الدرّ المنثور : ج6 ص48 .
3- .الجعفريّات : ص217 .
4- .في المصدر : «المنظر» ، وما أثبتناه من المصادر الاُخرى .
5- .الكافي : ج2 ص577 ح2 ، عدّة الداعي : ص2 كلاهما عن حمّاد بن عيسى رفعه ، قرب الإسناد : ص5 ح16 عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلامنحوه وفيه «إنّ هذا من دعاء النبيّ صلى الله عليه و آله » ، دعائم الإسلام : ج2 ص137 عن الإمام عليّ عليه السلام قال : «شكوت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله تفلّت القرآن منّي ، فقال : يا عليّ ، ساُعلّمك كلمات يثبتن القرآن في قلبك قل . . .» وليس فيه «لا إله إلّا أنت» ، بحار الأنوار : ج92 ص208 ح5 و ج95 ص341 ح1 .

ص: 403

عنه عليه السلام :إلهِي ارحَمنا غُرَباءَ إذا تَضَمَّنَتنا بُطونُ لُحودِنا ، وغُمَّت بِاللِّبنِ سُقوفُ بُيوتِنا ، واُضجِعنا مَساكينَ عَلَى الأَيمانِ في قُبورِنا ، وخُلِّفنا فُرادى في أضيَقِ المَضاجِعِ ، وصَرَعَتنَا (1) المَنايا في أعجَبِ المَصارِعِ ، وصِرنا في دارِ قَومٍ كَأَ نَّها مَأهولَةٌ ، وهِيَ مِنهُم بَلاقِعُ (2) . (3)

عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: أسأَلُكَ بِعِزَّةِ الوَحدانِيَّةِ ، وكَرَمِ الإِلهِيَّةِ ، أن لا تَقطَعَ عَنّي بِرَّكَ بَعدَ مَماتي ، كَما لَم تَزَل تَراني أيّامَ حَياتي ، أنتَ الَّذي تُجيبُ مَن دَعاكَ ، ولا تُخَيِّبُ مَن رَجاكَ ، ضَلَّ مَن يَدعو إلّا إيّاكَ ، فَإِنَّكَ لا تَحجُبُ مَن أتاكَ ، وتُفضِلُ عَلى مَن عَصاكَ ، ولا يَفوتُكَ مَن ناواكَ ، ولا يُعجِزُكَ مَن عاداكَ ، كُلٌّ في قُدرَتِكَ ، وكُلٌّ يَأكُلُ رِزقَكَ (4) .

عنه عليه السلام_ أيضاً _: اللّهُمَّ إن فَهِهتُ (5) عَن مَسأَلَتي أو عَمِهتُ (6) عَن طِلبَتي ، فَدُلَّني عَلى مَصالِحي ، وخُذ بِناصِيَتي إلى مَراشِدي ، اللّهُمَّ احمِلني عَلى عَفوِكَ ، ولا تَحمِلني عَلى عَدلِكَ (7) .

عنه عليه السلام :يا أفضَلَ المُنعِمينَ في آلائِهِ ، وأنعَمَ المُفضِلينَ في نَعمائِهِ ، كَثُرَت أياديكَ عِندي فَعَجَزتُ عَن إحصائِها ، وضِقتُ ذَرعاً في شُكري لَكَ بِجَزائِها ، فَلَكَ الحَمدُ عَلى ما أولَيتَ ، ولَكَ الشُّكرُ عَلى ما أبلَيتَ ، يا خَيرَ مَن دَعاهُ داعٍ ، وأفضَلَ مَن رَجاهُ راجٍ ،

.


1- .في نسخة : «صيّدتنا» .
2- .البلاقع : جمع بلقع ؛ وهي الأرض القفر التي لا شيء فيها (النهاية : ج1 ص153) .
3- .المصباح للكفعمي : ص490 ، البلد الأمين : ص314 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص103 ح14 .
4- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص319 ح667 .
5- .فههت : أي عَييْت (مجمع البحرين : ج3 ص1420) .
6- .العَمَهُ : التحيّر والتردّد (لسان العرب : ج13 ص519) .
7- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص347 ح987 .

ص: 404

بِذِمَّةِ الإِسلامِ أتَوَسَّلُ إلَيكَ ، وبِحُرمَةِ القُرآنِ أعتَمِدُ عَلَيكَ ، وبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ أتَقَرَّبُ إلَيكَ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاعرِف ذِمَّتِيَ الَّتي رَجَوتُ بِها قَضاءَ حاجَتي ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ (1) .

عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: إلهي كَيفَ لا يُحسِنُ مِنِّي الظَّنُّ وقَد حَسُنَ مِنكَ المَنُّ ؟ ! إلهي إن عامَلتَنا بِعَدلِكَ لَم يَبقَ لَنا حَسَنَةٌ ، وإن أنَلتَنا فَضلَكَ لَم يَبقَ لَنا سَيِّئَةٌ (2) .

عنه عليه السلام_ أيضاً _: اللّهُمَّ فَرِّغني لِما خَلَقتَني لَهُ ، ولا تَشغَلني بِما تَكَفَّلتَ لي بِهِ ، ولا تَحرِمني وأنَا أسأَلُكَ ، ولا تُعَذِّبني وأنَا أستَغفِرُكَ (3) .

عنه عليه السلام :إلهي لَو لَم تَهدِني إلَى الإِسلامِ مَا اهتَدَيتُ ، ولَو لَم تَرزُقنِي الإِيمانَ بِكَ ما آمَنتُ ، ولَو لَم تُطلِق لِساني بِدُعائِكَ ما دَعَوتُ ، ولَو لَم تُعَرِّفني حَلاوَةَ مَعرِفَتِكَ ما عَرَفتُ ، ولَو لَم تُبَيِّن لي شَديدَ عِقابِكَ ما استَجَرتُ (4) .

عنه عليه السلام :إلهي ، وعِزَّتِكَ وجَلالِكَ ! لَقَد أحبَبتُكَ مَحَبَّةً استَقَرَّت حَلاوَتُها في قَلبي ، وما تَنعَقِدُ ضَمائِرُ مُوَحِّديكَ عَلى أ نَّكَ تُبغِضُ مُحِبّيكَ (5) .

عنه عليه السلام :إلهي لَو طَبَّقَت ذُنوبي ما بَينَ السَّماءِ إلَى الأَرضِ ، وخَرَقتِ النُّجومَ ، وبَلَغَت أسفَلَ الثَّرى ، ما رَدَّنِي اليَأسُ عَن تَوَقُّعِ غُفرانِكَ ، ولا صَرَفَنِي القُنوطُ عَنِ ابتِغاءِ (6)

.


1- .المصباح للكفعمي : ص497 ، البلد الأمين : ص318 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص108 ح14 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص319 ح659 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص348 ح989 .
4- .المصباح للكفعمي : ص486 ، البلد الأمين : ص312 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص101 ح14 .
5- .المصباح للكفعمي : ص496 ، البلد الأمين : ص318 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص108 ح14 .
6- .في البلد الأمين : «انتظار» .

ص: 405

رِضوانِكَ . إلهي دَعَوتُكَ بِالدُّعاءِ الَّذي عَلَّمتَنِيهِ ، فَلا تَحرِمني جَزاءَكَ الَّذي وَعَدتَنِيهِ ، فَمِنَ النِّعمَةِ أن هَدَيتَني لِحُسنِ دُعائِكَ ، ومِن تَمامِها أن توجِبَ لي مَحمودَ جَزائِكَ (1) .

عنه عليه السلام :إلهي جودُكَ بَسَطَ أمَلي ، وشُكرُكَ قَبِلَ عَمَلي ، فَسُرَّني بِلِقائِكَ عِندَ اقتِرابِ أجَلي . إلهي لَيسَ اعتِذاري إلَيكَ اعتِذارَ مَن يَستَغني عَن قَبولِ عُذرِهِ ، فَاقبَل عُذري ، يا خَيرَ مَنِ اعتَذَرَ إلَيهِ المُسيؤونَ . إلهي لا تَرُدَّني في حاجَةٍ قَد أفنَيتُ عُمُري في طَلَبِها مِنكَ ، وهِيَ المَغفِرَةُ . إلهي لَو أرَدتَ إهانَتي لَم تَهدِني ، ولَو أرَدتَ فَضيحَتي لَم تَستُرني ، فَمَتِّعني بِما لَهُ قَد هَدَيتَني ، وأدِم لي ما بِهِ سَتَرتَني . إلهي ما وَصَفتُ مِن بَلاءٍ ابتَلَيتَنِيهِ ، أو إحسانٍ أولَيتَنِيهِ ، فَكُلُّ ذلِكَ بِمَنِّكَ فَعَلتَهُ ، وعَفوُكَ تَمامُ ذلِكَ إن أتمَمتَهُ . إلهي لَولا ما قَرَفتُ مِنَ الذُّنوبِ ، ما فَرِقتُ (2) عِقابَكَ ، ولَولا ما عَرَفتُ مِن كَرَمِكَ ، ما رَجَوتُ ثَوابَكَ ، وأنتَ أولَى الأَكرَمينَ بِتَحقيقِ أمَلِ الآمِلينَ ، وأرحَمُ مَنِ استُرحِمَ في تَجاوُزِهِ عَنِ المُذنِبينَ . إلهي نَفسي تُمَنّيني بِأَ نَّكَ تَغفِرُ لي ، فَأَكرِم بِها اُمنِيَّةً بَشَّرَت بِعَفوِكَ ! وصَدِّق بِكَرَمِكَ مُبَشِّراتِ تَمَنّيها ، وهَب لي بِجودِكَ مُدَمِّراتِ تَجَنّيها . إلهي ألقَتنِي الحَسَناتُ بَينَ جودِكَ وكَرَمِكَ ، وألقَتنِي السَّيِّئاتُ بَينَ عَفوِك

.


1- .المصباح للكفعمي : ص496 ، البلد الأمين : ص317 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص108 ح14 .
2- .الفَرَق بالتحريك : الخَوْف والفَزَع (النهاية : ج3 ص438) .

ص: 406

ومَغفِرَتِكَ ، وقَد رَجَوتُ أن لا يَضيعَ بَينَ ذَينِ وذَينِ مُسيءٌ ومُحسِنٌ . إلهي إذا شَهِدَ لِيَ الإِيمانُ بِتَوحيدِكَ ، وَانطَلَقَ لِساني بِتَمجيدِكَ ، ودَلَّنِي القُرآنُ عَلى فَواضِلِ جودِكَ ، فَكَيفَ لايَبتَهِجُ رَجائي بِحُسنِ مَوعودِكَ ؟ ! إلهي تَتابُعُ إحسانِكَ إلَيَّ يَدُلُّني عَلى حُسنِ نَظَرِكَ لي ، فَكَيفَ يَشقَى امرُؤٌ حَسُنَ لَهُ مِنكَ النَّظَرُ ؟ ! إلهي إن نَظَرَت إلَيَّ بِالهَلكَةِ عُيونُ سَخطَتِكَ ، فَما نامَت عَنِ استِنقاذي مِنها عُيونُ رَحمَتِكَ . إلهي إن عَرَّضَني ذَنبي لِعِقابِكَ ، فَقَد أدناني رَجائي مِن ثَوابِكَ . إلهي إن عَفَوتَ فَبِفَضلِكَ ، وإن عَذَّبتَ فَبِعَدلِكَ ، فَيا مَن لا يُرجى إلّا فَضلُهُ ، ولا يُخافُ إلّا عَدلُهُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَامنُن عَلَينا بِفَضلِكَ ، ولا تَستَقصِ عَلَينا في عَدلِكَ (1) .

عنه عليه السلام :إلهي إن كانَ قَد دَنا أجَلي ، ولَم يُقَرِّبني مِنكَ عَمَلي ، فَقَد جَعَلتُ الاِعتِرافَ بِالذَّنبِ إلَيكَ وَسائِلَ عِلَلي (2) ، فَإِن عَفَوتَ فَمَن أولى مِنكَ بِذلِكَ ؟ ! وإن عَذَّبتَ فَمَن أعدَلُ مِنكَ فِي الحُكمِ هُنالِكَ ؟ ! إلهي إن جُرتُ (3) عَلى نَفسي فِي النَّظَرِ لَها ، وبَقِيَ نَظَرُكَ لَها ، فَالوَيلُ لَها إن لَم تَسلَم بِهِ . إلهي إنَّكَ لَم تَزَل بي بارّا أيّامَ حَياتي ، فَلا تَقطَع بِرَّكَ عَنّي بَعدَ وَفاتي . إلهي كَيفَ أيأَسُ مِن حُسنِ نَظَرِكَ لي بَعدَ مَماتي ، وأنتَ لَم تُوَلِّني إلَا الجَميل

.


1- .المصباح للكفعمي : ص494 ، البلد الأمين : ص316 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص106 ح14 .
2- .في المصدر : «عملي» ، وما في المتن من المصادر الاُخرى .
3- .في البلد الأمين : «إنّي جرت» وفي بحار الأنوار : «إنّي إن جرت» .

ص: 407

في أيّامِ حَياتي ؟ ! إلهي إنَّ ذُنوبي قَد أخافَتني ، ومَحَبَّتي لَكَ قَد أجارَتني ، فَتَوَلَّ مِن أمري ما أنتَ أهلُهُ ، وعُد بِفَضلِكَ عَلى مَن غَمَرَهُ جَهلُهُ ، يا مَن لا تَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاغفِر لي ما قَد خَفِيَ عَلَى النّاسِ مِن أمري . إلهي سَتَرتَ عَلَيَّ فِي الدُّنيا ذُنوبا ، ولَم تُظهِرها ، وأنَا إلى سَترِها يَومَ القِيامَةِ أحوَجُ ، وقَد أحسَنتَ بي إذ لَم تُظهِرها لِلعِصابَةِ مِنَ المُسلِمينَ ، فَلا تَفضَحني بِها يَومَ القِيامَةِ عَلى رُؤوسِ العالَمينَ (1) .

عنه عليه السلام :إلهي أنتَ دَلَلتَني عَلى سُؤالِ الجَنَّةِ قَبلَ مَعرِفَتِها ، فَأَقبَلَتِ النَّفسُ بَعدَ العِرفانِ عَلى مَسأَلَتِها ، أ فَتَدُلُّ عَلى خَيرِكَ السُّؤّالَ ، ثمَّ تَمنَعُهُمُ النَّوالَ ، وأنتَ الكَريمُ المَحمودُ في كُلِّ ما تَصنَعُهُ يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ ؟ ! إلهي إن كُنتُ غَيرَ مُستَوجِبٍ لِما أرجو مِن رَحمَتِكَ فَأَنتَ أهلُ التَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِكَرَمِكَ ، فَالكَريمُ لَيسَ يَصنَعُ كُلَّ مَعروفٍ عِندَ مَن يَستَوجِبُهُ (2) .

عنه عليه السلام :إلهي إن كُنتُ غَيرَ مُستَأهِلٍ لِما أرجو مِن رَحمَتِكَ ، فَأَنتَ أهلٌ أن تَجودَ عَلَى المُذنِبينَ بِسَعَةِ رَحمَتِكَ . إلهي إن كانَ ذَنبي قَد أخافَني ، فَإِنَّ حُسنَ ظَنّي بِكَ قَد أجارَني . إلهي لَيسَ تُشبِهُ مَسأَلَتي مَسأَلَةَ السّائِلينَ ؛ لِأَنَّ السّائِلَ إذا مُنِعَ امتَنَعَ عَنِ السُّؤالِ ، وأنَا لا غِنى بي عَمّا سَأَلتُكَ عَلى كُلِّ حالٍ .

.


1- .المصباح للكفعمي : ص493 ، البلد الأمين : ص316 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص105 ح14 .
2- .المصباح للكفعمي : ص492 ، البلد الأمين : ص315 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص105 ح14 .

ص: 408

إلهِي ارضَ عنّي فَإِن لَم تَرضَ عَنّي فَاعفُ عَنّي ، فَقَد يَعفُو السَّيِّدُ عَن عَبدِهِ وهُوَ عَنهُ غَيرُ راضٍ . إلهي كَيفَ أدعوكَ وأنَا أنَا ؟ ! أم كَيفَ أيأَسُ مِنكَ وأنتَ أنتَ ؟ ! إلهي إنَّ نَفسي قائِمَةٌ بَينَ يَدَيكَ وقَد أظَلَّها حُسنُ تَوَكُّلي عَلَيكَ ، فَصَنَعتَ بِها ما يُشبِهُكَ ، وتَغَمَّدتَني بِعَفوِكَ (1) .

الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ رَجُلاً أتى أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، كان لي مالٌ وَرِثتُهُ ولَم اُنفِق مِنهُ دِرهَما في طاعَةِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، ثُمَّ اكتَسَبتُ (2) مِنهُ مالاً فَلَم اُنفِق مِنهُ دِرهَما في طاعَةِ اللّهِ ، فَعَلِّمني دُعاءً يَخلُفُ عَلَيَّ ما مَضى ويَغفِرُ لي ما عَمِلتُ ، أو عَمَلاً أعمَلُهُ . قالَ : قُل . قالَ : وأيَّ شَيءٍ أقولُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : قُل كَما أقولُ : يا نوري في كُلِّ ظُلمَةٍ ، ويا اُنسي في كُلِّ وَحشَةٍ ، ويا رَجائي في كُلِّ كُربَةٍ ، ويا ثِقَتي في كُلِّ شَدَّةٍ ، ويا دَليلي فِي الضَّلالَةِ ، أنتَ دَليلي إذَا انقَطَعَت دَلالَةُ الأَدِلّاءِ فَإِنَّ دَلالَتَكَ لا تَنقَطِعُ ولا يَضِلُّ مَن هَدَيتَ ، أنعَمتَ عَلَيَّ فَأَسبَغتَ ، ورَزَقتَني فَوَفَّرتَ ، وغَذَّيتَني فَأَحسَنتَ غِذائي ، وأعطَيتَني فَأَجزَلتَ بِلَا استِحقاقٍ لِذلِكَ بِفِعلٍ مِنّي ولكِنِ ابتدِاءً مِنكَ لِكَرَمِكَ وجودِكَ ، فَتَقَوَّيتُ بِكَرَمِكَ عَلى مَعاصيكَ ، وتَقَوَّيتُ بِرِزقِكَ عَلى سَخَطِكَ ، وأفنَيتُ عُمُري فيما لا تُحِبُّ ، فَلَم يَمنَعكَ جُرأَتي عَلَيكَ ورُكوبي لِما نَهَيتَني عَنهُ ودُخولي فيما حَرَّمتَ عَلَيَّ أن عُدتَ عَلَيَّ بِفَضلِكَ ،

.


1- .المصباح للكفعمي : ص492 ، البلد الأمين : ص316 كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج94 ص105 ح14 .
2- .في المصدر: «أكتسب» ، والتصويب من طبعة «دفتر نشر فرهنگ اهل البيت عليهم السلام»: ج4 ص392 ح35.

ص: 409

ولَم يَمنَعني حِلمُكَ عَنّي وعَودُكَ عَلَيَّ بِفَضلِكَ أن عُدتُ في مَعاصيكَ . فَأَنتَ العَوّادُ بِالفَضلِ وأنَا العَوّادُ بِالمَعاصي ، فَيا أكرَمَ مَن اُقِرَّ لَهُ بِذَنبٍ ، وأعَزَّ مَن خُضِعَ لَهُ بِذُلٍّ ، لِكَرَمِكَ أقرَرتُ بِذَنبي ، ولِعِزِّكَ خَضَعتُ بِذُلّي ، فَما أنتَ صانِعٌ بي في كَرَمِكَ ، وإقراري بِذَنبي . وعِزِّكَ وخُضوعي بِذُلّي ، افعَل بي ما أنتَ أهلُهُ ، ولا تَفعَل بي ما أنَا أهلُهُ (1) .

المزار الكبير عن أبي الحسن عليّ بن ميثم :حَدَّثَني مَيثَمٌ قالَ : أصحَرَ بي مَولايَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام لَيلَةً مِنَ اللَّيالي حَتّى خَرَجَ مِنَ الكوفَةِ وَانتَهى إلى مَسجِدٍ جُعفِيٍّ ، تَوَجَّهَ إلَى القِبلَةِ وصَلّى أربَعَ رَكَعاتٍ فَلَمّا سَلَّمَ وسَبَّحَ بَسَطَ كَفَّيهِ وقالَ : إلهي كَيفَ أدعوكَ وقَد عَصَيتُكَ ؟ ! وكَيفَ لا أدعوكَ وقَد عَرَفتُكَ ؟ ! وحُبُّكَ في قَلبي مَكينٌ ، مَدَدتُ إلَيكَ يَداً بِالذُّنوبِ مَملوءَةً ، وعَيناً بِالرَّجاءِ مَمدودَةً . إلهي أنتَ مالِكُ العَطايا وأنَا أسيرُ الخَطايا ، ومِن كَرَمِ العُظَماءِ الرِّفقُ بِالاُسَراءِ ، وأنَا أسيرٌ بِجُرمي مُرتَهَنٌ بِعَمَلي . إلهي ما أضيَقَ الطَّريقَ عَلى مَن لَم تَكُن دَليلَهُ ! وأوحَشَ المَسلَكَ عَلى مَن لَم تَكُن أنيسَهُ ! إلهي لَئِن طالَبَتني بِذُنوبي لَاُطالِبَنَّكَ بِعَفوِكَ ، وإن طالَبتَني بِسَريرَتي لَاُطالِبَنَّكَ بِكَرَمِكَ ، وإن طالَبتَني بِشَرّي لَاُطالِبَنَّكَ بِخَيرِكَ ، وإن جَمَعتَ بَيني وبَينَ أعدائِكَ فِي النّارِ لَاُخبِرَنَّهُم أنّي كُنتُ لَكَ مُحِبّا ، وأنَّني كُنتُ أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ . إلهي هذا سُروري بِكَ خائِفاً فَكَيفَ سُروري بِكَ آمِناً ؟ !

.


1- .الكافي : ج2 ص595 ح35 عن عليّ بن أبي حمزة عن بعض أصحابه .

ص: 410

إلهِي الطّاعَةُ تَسُرُّكَ وَالمَعصِيَةُ لا تُضُرُّكَ ، فَهَب لي ما يَسُرُّكَ وَاغفِر لي ما لا يَضُرُّكَ ، وتُب عَلَيَّ إنَّكَ أنتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وَارحَمني إذَا انقَطَعَ مِنَ الدُّنيا أثَري ، وَامتَحى مِنَ المَخلوقينَ ذِكري ، وصِرتُ مِنَ المَنسِيّينَ كَمَن قَد نُسِيَ . إلهي كَبِرَ سِنّي ودَقَّ عَظمي ، ونالَ الدَّهرُ مِنّي ، وَاقتَرَبَ أجَلي ، ونَفِدَت أيّامي ، وذَهَبَت مَحاسني ، ومَضَت شَهوَتي ، وبَقِيَت تَبِعَتي ، وبَلِيَ جِسمي ، وتَقَطَّعَت أوصالي ، وتَفَرَّقَت أعضائي ، وبَقيتُ مُرتَهَنا بِعَمَلي . إلهي أفحَمَتني ذُنوبي وَانقَطَعَت مَقالتي ولا حُجَّةَ لي . إلهي أنَا المُقِرُّ بِذَنبي ، المُعتَرِفُ بِجُرمي ، الأَسيرُ بِإِساءَتي ، المُرتَهَنُ بِعَمَلي ، المُتَهَوِّرُ في خَطيئَتي ، المُتَحَيِّرُ عَن قَصدي ، المُنقَطِعُ بي فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وتَفَضَّل عَلَيَّ وتَجاوَز عَنّي . إلهي إن كانَ صَغُرَ في جَنبِ طاعَتِكَ عَمَلي فَقَد كَبُرَ في جَنبِ رَجائِكَ أمَلي ، إلهي كَيفَ أنقَلِبُ بِالخَيبَةِ مِن عِندَكَ مَحروماً وكُلُّ ظَنّي بِجودِكَ أن تَقلِبَني بِالنَّجاةِ مَرحوماً ؟ ! إلهي لم اُسَلِّط عَلى حُسنِ ظَنّي بِكَ قُنوطَ الآيِسينَ ، فَلا تُبطِل صِدقَ رَجائي مِن بَينِ الآمِلينَ . إلهي عَظُمَ جُرمي إذ كُنتَ المُطالِبَ بِهِ ، وكَبُرَ ذَنبي إذ كُنتَ المُبارَزَ بِهِ ، إلّا أنّي إذا ذكرتُ كِبَرَ ذَنبي وعِظَمَ عَفوِكَ وغُفرانِكَ ، وَجَدتُ الحاصِلَ بَينَهُما لي أقرَبَهُما إلى رَحمَتِكَ ورِضوانِكَ . إلهي إن دَعاني إلَى النّارِ مَخشِيُّ عِقابِكَ فَقَد ناداني إلَى الجَنَّةِ بِالرَّجاءِ حُسنُ ثَوابِكَ . إلهي إن أوحَشَتنِي الخَطايا عَن مَحاسِنِ لُطفِكَ فَقَد آنَسَتني بِاليَقينِ مَكارِمُ عَفوِكَ ، إلهي إن أنامَتنِي الغَفلَةُ عَنِ الاِستِعدادِ لِلِقائِكَ فَقَد أنبَهَتنِي المَعرِفَةُ يا سَيِّدي بِكَرَمِ آلائِكَ . إلهي إن عَزَبَ لُبّي عَن تَقويمِ ما يُصلِحُني فَما عَزَبَ إيقانى ¨

.

ص: 411

بِنَظَرِكَ إلَيَّ فيما يَنفَعُني . إلهي إنِ انقَرَضَت بِغَيرِ ما أحبَبتَ مِنَ السَّعيِ أيّامي فَبِالإِيمانِ أمضَيتُ السّالِفاتِ مِن أعوامي ، إلهي جِئتُكَ مَلهوفاً وقَد اُلبِستُ عَدَمَ فاقَتي ، وأقامَني مَعَ الأَذِلّاءِ بَينَ يَدَيكَ ضُرُّ حاجَتي ، إلهي كَرُمتَ فَأَكرِمني إذ كُنتُ مِن سُؤّالِكَ ، وجُدتَ بِالمَعروفِ فَاخِلطني بِأَهلِ نَوالِكَ ، إلهي أصبَحتُ عَلى بابٍ مِن أبوابِ مِنَحِكَ سائِلاً ، وعَنِ التَّعَرُّضِ لِسِواكَ بِالمَسأَلَةِ عادِلاً ، ولَيسَ مِن شَأنِكَ رَدُّ سائِلٍ مَلهوفٍ ومُضطَرٍّ لِانتِظارِ خَيرٍ مِنكَ مَألوفٍ . إلهي أقَمتُ عَلى قَنطَرَةِ الأَخطارِ مَبلُوّا بِالأَعمالِ وَالاِختِبارِ إن لَم تُعِن عَلَيها بِتَخفيفِ الأَثقالِ وَالآصارِ ، إلهي أمِن أهلِ الشَّقاءِ خَلَقتَني فَاُطيلُ بُكائي ، أم مِن أهلِ السَّعادَةِ خَلقتَني فَاُبَشِّرَ رَجائي ؟ ! إلهي إن حَرَمتَني رُؤيَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وصَرَفتَ وَجهَ تَأميلي بِالخَيبَةِ في ذلِكَ المَقامِ فَغَيرُ ذلِكَ مَنَّتني نَفسي يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ وَالطَّولِ وَالإِنعامِ . إلهي لَو لَم تَهدِني إلَى الإِسلامِ مَا اهتَدَيتُ ، ولَو لَم تَرزُقنِي الإِيمانَ بِكَ ما آمَنتُ ، ولَو لَم تُطلِق لِساني بِدُعائِكَ ما دَعَوتُ ، ولَو لَم تُعرِّفني حَلاوَةَ مَعرِفَتِكَ ما عَرَفتُ ، إلهي إن أقعَدَنِي التَّخَلُّفُ عَنِ السَّبقِ مَعَ الأَبرارِ فَقَد أقامَتنِي الثِّقَةُ بِكَ عَلى مَدارِجِ الأَخيارِ . إلهي قَلبٌ حَشَوتُهُ مِن مَحَبَّتِكَ في دارِ الدُّنيا ، كَيفَ تُسلِّطُ عَلَيهِ ناراً تُحرِقُهُ في لظى ؟ ! إلهي كُلُّ مَكروبٍ إلَيكَ يَلتَجِئُ ، وكُلُّ مَحرومٍ لَكَ يَرتَجي . إلهي سَمِعَ العابِدونَ بِجَزيلِ ثَوابِكَ فَخَشَعوا ، وسَمِعَ المُزِلّونَ عَنِ القَصدِ بِجودِكَ فَرَجَعوا ، وسَمِعَ المُذنِبونَ بِسَعَةِ رَحمَتِكَ فَتَمَتَّعوا ، وسَمِعَ المُجرِمونَ بِكَرَمِ عَفوِكَ فَطَمِعوا ، حَتَّى ازدَحَمَت عَصائِبُ العُصاةِ مِن عِبادِكَ ، وعَجَّ إلَيكَ كُلٌّ مِنهُمُ عَجيج

.

ص: 412

الضَّجيجِ بِالدُّعاءِ في بِلادِكَ ولِكُلٍّ أمَلٌ ساقَ صاحِبَهُ إلَيكَ وحاجَةٌ ، وأنتَ المَسؤولُ الَّذي لا تَسوَدُّ عِندَهُ وُجوهُ المَطالِبِ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وآلِهِ ، وَافعَل بي ما أنتَ أهلُهُ إنَّكَ سَميعُ الدُّعاءِ . وأخفَتَ دُعاءَهُ وسَجَدَ وعَفَّرَ وقالَ : العَفوَ العَفوَ مِئَةَ مَرَّةٍ (1) .

الإمام عليّ عليه السلام_ عِندَ وَضعِ المَيِّتِ فِي القَبرِ_: بِسمِ اللّهِ وعَلى مِلَّةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، اللّهُمَّ افسَح لَهُ في قَبرِهِ ، ونَوِّرهُ لَهُ ، وألحِقهُ بِنَبِيِّهِ ، وأنتَ عَنهُ راضٍ غَيرُ غَضبانَ (2) .

عنه عليه السلام_ كانَ يَقولُ عَلَى المَيِّتِ _: اللّهُمَّ اغفِر لِأَحياِئنا وأمواتِنا ، وألِّف بَينَ قُلوبِنا ، وأصلِح ذاتَ بَينِنا ، وَاجعَل قُلوبَنا عَلى قُلوبِ أخيارِنا ، اللّهُمَّ اغفِر لَهُ ، اللّهُمَّ ارحَمهُ ، اللّهُمَّ أرجِعهُ إلى خَيرٍ مِمّا كانَ فيهِ ، اللّهُمَّ عَفوَكَ ، اللّهُمَّ عَفوَكَ (3) .

عنه عليه السلام_ عِندَ وَضعِ ابنِ المُكَفَّفِ فِي القَبرِ _: اللّهُمَّ عَبدُكَ ووَلَدُ عَبدِكَ ، نَزَلَ بِكَ وأنتَ خَيرُ مَنزولٍ بِهِ ، اللّهُمَّ وَسِّع لَهُ مَدخَلَهُ ، وَاغفِر لَهُ ذَنبَهُ ، فَإِنّا لا نَعلَمُ بِهِ (4) إلّا خَيراً ، وأنتَ أعلَمُ بِهِ (5) .

عنه عليه السلام_ لِأَهلِ القُبورِ _: عَلَيكُمُ السَّلامُ يا أهلَ الدِّيارِ الموحِشَةِ وَالمَحالِّ المُقفِرَةِ ، مِنَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ ، وَالمُسلِمينَ وَالمُسلِماتِ ؛ وأنتُم لَنا سَلَفٌ وفَرَطٌ (6) ، ونَحنُ لَكُم تَبَعٌ ، وبِكُم عَمّا قَليلٍ لاحِقونَ . اللّهُمَّ اغفِر لَنا ولَهُم ، وتَجاوَز عَنّا وعَنهُم .

.


1- .المزار الكبير : ص149 ، المزار للشهيد الأوّل : ص270 ، بحار الأنوار : ج100 ص449 ح26 .
2- .الجعفريّات : ص202 .
3- .الدعاء للطبراني : ص360 ح1197 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج3 ص487 ح6422 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج3 ص177 ح7 كلّها عن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبزي وفيهما «اللَّهمّ عفوك» مرّة .
4- .كذا في المصدر ، وفي بعض المصادر : «منه» .
5- .السنن الكبرى : ج4 ص61 ح6950 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج3 ص212 ح2 و ح5 كلاهما نحوه وكلّها عن عمير بن سعيد ، كنز العمّال : ج15 ص733 ح42914 ؛ الدعوات : ص267 ح762 نحوه .
6- .فَرَطٌ : إذا تقدَّم وسَبَق القوم (النهاية : ج3 ص434) .

ص: 413

3 / 4 إمام المجاهدين

ثُمَّ قالَ : الحَمدُ لِلّهِ الَّذي جَعَلَ الأَرضَ كِفاتاً (1) ، أحياءً وأمواتاً ؛ الحَمدُ لِلّهِ الَّذي جَعَلَ مِنها خَلقَنا ، وفيها يُعيدُنا ، وعَلَيها يَحشُرُنا . طوبى لِمَن ذَكَرَ المَعادَ ، وعَمِلَ لِلحِسابِ ، وقَنِعَ بِالكَفافِ ، ورَضِيَ عَنِ اللّهِ بِذلِكَ ! (2)

3 / 4إمامُ المُجاهِدينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ . . . أشجَعُهُم قَلبا فِي لِقاءِ الحَربِ ، وأجوَدُهُم كَفّا ، وأزهَدُهُم فِي الدُّنيا ، وأشَدُّهُم جِهادا (3) .

عنه صلى الله عليه و آله :أفضَلُكُم عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، أقدَمُكُم إسلاما ، وأوفَرُكُم إيمانا ، وأكثَرُكُم عِلما ، وأرجَحُكُم حِلما ، وأشَدُّكُم لِلّهِ غَضَبا ، وأشَدُّكُم نِكايَةً فِي الغَزوِ وَالجِهادِ (4) .

شرح نهج البلاغة :وأمَّا الجِهادُ في سَبيلِ اللّهِ فَمَعلومٌ عِندَ صَديقِهِ وعَدُوِّهِ أنَّهُ سَيِّدُ المُجاهِدينَ ، وهَلِ الجِهادُ لِأَحَدٍ مِنَ النّاسِ إلّا لَهُ ! وقَد عَرَفتَ أنَّ أعظَمَ غَزاةٍ غَزاها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأشَدَّها نِكايَةً فِي المُشرِكينَ بَدرٌ الكُبرى ، قُتِلَ فيها سَبعونَ مِنَ المُشرِكينَ ، قَتَلَ عَلِيٌّ نِصفَهُم ، وقَتَلَ المُسلِمونَ وَالمَلائِكَةُ النِّصفَ الآخَرَ . وإذا رَجَعتَ إلى مَغازي مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الواقِدِيِّ وتاريخِ الأَشرافِ لِأَحمَدَ بنِ يَحيَى بنِ جابِرٍ البَلاذُرِيِّ وغَيرِهِما عَلِمتَ صِحَّةَ ذلِكَ ، دَع مَن قَتَلَهُ في غَيرِها كَاُحُدٍ وَالخَندَقِ وغَيرِهِما .

.


1- .الكِفات : الموضع الذي يضمّ فيه الشيء ويقبض ، وفي التنزيل العزيز : «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَآءً وَ أَمْوَ تًا» (المرسلات : 25 و 26) (لسان العرب : ج2 ص79) .
2- .وقعة صفّين : ص531 ، بحار الأنوار : ج32 ص553 ح462 و ج82 ص179 ح24 .
3- .الفضائل لإبن شاذان : ص123 عن سلمان والمقداد وأبي ذرّ .
4- .تفسير فرات : ص496 ح651 ؛ شواهد التنزيل : ج2 ص357 ح1003 وفيه «العدو» بدل «الغزو» وليس فيه «الجهاد» كلاهما عن ابن مسعود .

ص: 414

وهذَا الفَصلُ لا مَعنى لِلإِطنابِ فيهِ ؛ لِأَ نَّهُ مِنَ المَعلوماتِ الضَّرورِيَّةِ ، كَالعِلمِ بِوُجودِ مَكَّةَ ومِصرَ ونَحوِهِما (1) .

المناقب لابن شهر آشوب_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: أنَّهُ قَتَلَ في يَومِ بَدرٍ خَمسَةً وثَلاثينَ مُبارِزا _ دونَ الجَرحى _ عَلى قَولِ العامَّةِ ، وهُمُ : الوَليدُ بنُ عُتبَةَ ، وَالعاصُ بنُ سَعيدِ بنِ العاصِ ، ومُطعِمُ بنُ عَدِيِّ بنِ نَوفَلٍ ، وحَنظَلَةُ بنُ أبي سُفيانَ ، ونَوفَلُ بنُ خُوَيلِدٍ ، وزَمعَةُ بنُ الأَسوَدِ ، وَالحارِثُ بنُ زَمعَةَ ، وَالنَّضرُ بنُ الحارِثِ بنِ عَبدِ الدّارِ ، وعُمَيرُ بنُ عُثمانَ بنِ كَعبٍ _ عَمُّ طَلحَةَ _ ، وعُثمانُ ومالِكٌ أخَوا طَلحَةَ ، ومَسعودُ بنُ أبي اُمَيَّةَ بنِ المُغيرَةِ ، وقَيسُ بنُ الفاكِهَةِ بنِ المُغَيرَةِ ، وأبُو القِيسِ بنُ الوَليدِ بنِ المُغيرَةِ ، وعَمرُو بنُ مَخزومٍ ، وَالمُنذِرُ بنُ أبي رِفاعَةَ ، ومُنَبِّهُ بنُ الحَجّاجِ السَّهمِيُّ ، وَالعاصُ بنُ مُنَبِّهٍ ، وعَلقَمَةُ بنُ كَلَدَةَ ، وأبُو العاصِ بنُ قَيسِ بنِ عَدِيٍّ ، ومُعاوِيَةُ بنُ المُغيرَةِ بنِ أبِي العاصِ ، ولَوذانُ بنُ رَبيعَةَ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ المُنذِرِ بنِ أبي رِفاعَةَ ، ومَسعودُ بنُ اُمَيَّةَ بنِ المُغَيرَةِ ، وَالحاجِبُ بنُ السّائِبِ بنِ عُوَيمِرٍ ، وأوسُ بنُ المُغَيرَةِ بنِ لَوذانَ ، وزَيدُ بنُ مُلَيصٍ ، وعاصِمُ بنُ أبي عَوفٍ ، وسَعيدُ بنُ وَهبٍ ، ومُعاوِيَةُ بنُ عامِرِ بنِ عَبدِ القَيسِ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ جَميلِ بنِ زُهَيرٍ ، وَالسّائِبُ بنُ سَعيدِ بنِ مالِكٍ ، وأبُو الحَكَمِ بنُ الأَخنَسِ ، وهِشامُ بنُ أبي اُمَيَّةَ . ويُقالُ : قَتَلَ بِضعَةً وأربَعينَ رَجُلاً . وقَتَلَ عليه السلام في يَومِ اُحُدٍ : كَبشَ الكَتيبَةِ طَلحَةَ بنَ أبي طَلحَةَ ، وَابنَهُ أبا سَعيدٍ ، وإخوَتَهُ خالِدا ومُخَلَّدا وكَلَدَةَ وَالمَحالِسَ ، وعَبدَ الرَّحمنِ بنَ حُمَيدِ بنِ زُهرَةَ ، وَالحَكَمَ بنَ الأَخنَسِ بنِ شَريقٍ الثَّقَفِيَّ ، وَالوَليدَ بنَ أرطاةَ ، واُمَيَّةَ بنَ أبي حُذَيفَةَ ، وأرطاةَ بنَ شُرَحبيلَ (2) ، وهِشامَ بنَ اُمَيَّةَ ، ومُسافِعَ ، وعَمرَو بنَ عَبدِ اللّهِ الجُمَحِيَّ ، وبِشرَ بنَ مالِك

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص24 .
2- .في المصدر : «شرجيل» وهو تصحيف .

ص: 415

المَغافِرِيَّ ، وصُوابا مَولى عَبدِ الدّارِ ، وأبا حُذَيفَةَ بنَ المُغيرَةِ ، وقاسِطَ بنَ شُرَيحٍ العَبدِيَّ ، وَالمُغَيرَةَ بنَ المُغَيرَةِ ، سِوى مَن قَتَلَهُم بَعدَما هَزَمَهُم . ولا إشكالَ في هَزيمَةِ عُمَرَ وعُثمانَ ، وإنَّما الإِشكالُ في أبي بَكرٍ ، هَل ثَبَتَ إلى وَقتِ الفَرَجِ أوِ انهَزَمَ ؟ وقَتَلَ عليه السلام في يَومِ الأَحزابِ : عَمرَو بنَ عَبدِ وُدٍّ ووَلَدَهُ ، ونَوفَلَ بنَ عَبدِ اللّهِ بنِ المُغيرَةِ ، ومُنَبِّهَ بنَ عُثمانَ العَبدَرِيَّ ، وهُبَيرَةَ بنَ أبي هُبَيرَةِ المَخزومِيَّ . وهاجَتِ الرِّياحُ ، وَانهَزَمَ الكُفّارُ . وقَتَلَ عليه السلام يوَمَ حُنَينٍ أربَعينَ رَجُلاً وفارِسُهُم أبو جَروَلٍ ، وأنَّهُ قَدَّهُ عَظيما بِنِصفَينِ بِضَربَةٍ فِي الخوذَةِ وَالعِمامَةِ وَالجَوشَنِ وَالبَدَنِ إلَى القَرَبوسِ ، وقَدِ اختَلَفوا فِي اسمِهِ . ووَقَفَ عليه السلام يَومَ حُنَينٍ في وَسَطِ أربَعَةٍ وعِشرينَ ألفَ ضارِبِ سَيفٍ إلى أن ظَهَرَ المَدَدُ مِنَ السَّماءِ . وفي غَزاةِ السِّلسِلَةِ قَتَلَ السَّبعَةَ الأَشِدّاءَ ، وكانَ أشَدُّهُم آخِرَهُم ؛ وهُوَ سَعيدُ بنُ مالِكٍ العِجلِيُّ . وفي بَني نَضيرٍ قَتَلَ أحَدَ عَشَرَ ، مِنهُم غُرورا . وفي بَني قُرَيظَةَ ضَرَبَ أعناقَ رُؤَساءِ اليَهودِ مِثلَ حَيِّ بنِ أخطَبَ وكَعبِ بنِ الأَشرَفِ . وفي غَزوَةِ بَنِي المُصطَلِقِ قَتَلَ مالِكا وَابنَهُ . . . . وفي يَومِ الفَتحِ قَتَلَ فاتِكَ العَرَبِ أسَدَ بنَ غُوَيلِمٍ . وفي غَزوَةِ وادِي الرَّملِ قَتَلَ مُبارِزيهِم . وبِخَيبَرَ قَتَلَ : مَرحَبا ، وذَا الخِمارِ ، وعَنكَبوتا . وبِالطّائِفِ هَزَمَ خَيلَ ضَيغَمٍ ، وقَتَلَ شِهابَ بنَ عَيسٍ ، ونافِعَ بنَ غَيلانَ .

.

ص: 416

3 / 5 إمام المستضعفين

3 / 5 _ 1 تقدير نفسه بضعفة النّاس

وقَتَلَ مَهلَعا وجَناحا وَقتَ الهِجرَةِ . وقِتالُهُ لِأَحداثِ مَكَّةَ عِندَ خُروجِ النَّبِيِّ مِن دارِهِ إلَى المَسجِدِ ، ومَبيتُهُ عَلى فِراشِهِ لَيلَةَ الهِجرَةِ . ولَهُ المَقامُ المَشهورُ فِي الجَمَلِ ؛ حَتّى قَطَعَ يَدَ الجَمَلِ ، ثُمَّ قَطَعَ رِجلَيهِ حَتّى سَقَطَ . ولَهُ لَيلَةَ الهَريرِ ثَلاثُمِئَةِ تَكبيرَةٍ ، أسقَطَ بِكُلِّ تَكبيرَةٍ عَدُوّا . وفي رِوايَةٍ خَمسُمِئَةٍ وثَلاثَةٌ وعِشرونَ ، رَواهُ الأَعثَمُ . وفي رِوايَةٍ سَبعُمِئَةٍ . ولَم يَكُن لِدِرعِهِ ظَهرٌ ، ولا لِمَركوبِهِ كَرٌّ وفَرٌّ (1) .

راجع : ص 489 (الخصائص الحربيّة) و ج 1 ص 127 (الإمام عليّ مع النبيّ) و ج 3 ص 7 (حروب الإمام عليّ) .

3 / 5إمامُ المُستَضعَفينَ3 / 5 _ 1تَقديرُ نَفسِهِ بِضَعَفَةِ النّاسِالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ اللّهَ جَعَلَني إماما لِخَلقِهِ ؛ فَفَرَضَ عَلَيَّ التَّقديرَ في نَفسي ومَطعَمي ومَشرَبي ومَلبَسي كَضُعَفاءِ النّاسِ ؛ كَي يَقتَدِيَ الفَقيرُ بِفَقري ، ولا يُطغِيَ الغَنِيَّ غِناهُ (2) .

الكافي عن صالح بن أبي حمّاد وأحمد بن محمّد وغيرهما عن الإمام عليّ عليه السلام_ فِي احتِجاجِهِ عليه السلام عَلى عاصِمِ بنِ زيادٍ حينَ لَبِسَ العَباءَ وتَرَكَ المُلاءَ ، وشَكاهُ أخوهُ الرَّبيعُ بنُ زِياد

.


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص82، بحار الأنوار : ج41 ص65 ح2 .
2- .الكافي : ج1 ص410 ح1 عن حميد وجابر العبدي ، بحار الأنوار : ج40 ص336 ح17 .

ص: 417

أنَّهُ قَد غَمَّ أهلَهُ ، وأحزَنَ وُلدَهُ بِذلِكَ ، فَقالَ عليه السلام _: عَلَيَّ بِعاصِمِ بنِ زيادٍ . فَجيءَ بِهِ ، فَلَمّا رَآهُ عَبَسَ في وَجهِهِ ، فَقالَ لَهُ : أ مَا استَحيَيتَ مِن أهلِكَ ؟ أ ما رَحِمتَ وُلدَكَ ؟ أ تَرَى اللّهَ أحَلَّ لَكَ الطَّيِّباتِ وهُوَ يَكرَهُ أخذَكَ مِنها ؟ أنتَ أهوَنُ عَلَى اللّهِ مِن ذلِكَ ! أ وَلَيسَ اللّهُ يَقولُ : «وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ * فِيْهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ» (1) أ وَلَيسَ اللّهُ يَقولُ : «مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» (2) إلى قَولِهِ : « يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللؤلُؤُ وَالمَرْجَانُ» (3) ؟ فَبِاللّهِ لَابتِذالُ نِعَمِ اللّهِ بِالفَعالِ أحَبُّ إلَيهِ مِنِ ابتِذالِها بِالمَقالِ ، وقَد قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ : «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث» (4) . فَقالَ عَاصِمٌ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَعَلامَ اقتَصَرتَ في مَطعَمِكَ عَلَى الجُشوبَةِ ، وفي مَلبَسِكَ عَلَى الخُشونَةِ ؟ فَقالَ : وَيحَكَ ! إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ عَلى أئِمَّةِ العَدلِ أن يُقَدِّروا أنفُسَهُم بِضَعَفَةِ النّاسِ ؛ كَي لا يَتَبَيَّغَ (5) بِالفَقيرِ فَقرُهُ (6) .

تذكرة الخواصّ عن الأحنف بن قيس :دَخَلتُ علَى مُعاوِيَةَ فَقَدَّمَ إلَيَّ مِنَ الحُلوِ وَالحامِضِ ما كَثُرَ تُعَجُّبي مِنهُ ، ثُمَّ قالَ : قَدِّموا ذاكَ اللَّونِ . فَقَدَّموا لَونا ما أدري ما هُوَ ، فَقُلتُ : ما هذا ؟ فَقالَ : مَصارينُ البَطِّ مَحشُوَّةٌ بِالمُخِّ ودُهنِ الفُستُقِ ، قَد ذُرَّ عَلَيهِ السُّكَّرُ .

.


1- .الرحمن : 10 و 11 .
2- .الرحمن : 19 و 20 .
3- .الرحمن : 22 .
4- .الضحى : 11 .
5- .تَبيَّغَ به : هاجَ به (لسان العرب : ج8 ص422) .
6- .الكافي : ج1 ص410 ح3 ، نهج البلاغة : الخطبة 209 ؛ ربيع الأبرار : ج4 ص86 وليس فيه «كي لا . . .» ، المعيار والموازنة : ص243 كلّها نحوه وراجع الاختصاص : ص152 وتذكرة الخواصّ : ص111 و 112 .

ص: 418

قالَ : فَبَكيتُ . فَقالَ : ما يُبكيكَ ؟ فَقُلتُ : لِلّهِ دَرُّ ابنِ أبي طالِبٍ ! لَقَد جادَ مِن نَفسِهِ بِما لَم تَسمَح بِهِ أنتَ ولا غَيرُكَ . فَقالَ : وكَيفَ ؟ قُلتُ : دَخَلتُ عَلَيهِ لَيلَةً عِندَ إفطارِهِ ، فَقالَ لي : قُم فَتَعَشَّ مَعَ الحَسَنِ وَالحُسَينِ . ثُمَّ قامَ إلَى الصَّلاةِ ، فَلَمّا فَرَغَ دَعى بِجِرابٍ مَختومٍ بِخاتَمِهِ ، فَأَخرَجَ مِنهُ شَعيرا مَطحونا ، ثُمَّ خَتَمَهُ ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَم أعهَدكَ بَخيلاً ! فَكَيفَ خَتَمتَ عَلى هذَا الشَّعيرِ ؟ فَقالَ : لَم أختِمهُ بُخلاً ، ولكِن خِفتُ أن يَبُسَّهُ (1) الحَسَنُ وَالحُسَينُ بِسَمنٍ أو إهالَةٍ (2) . فَقُلتُ : أحرامٌ هُوَ ؟ قالَ : لا ، ولكِن عَلى أئِمَّةِ الحَقِّ أن يَتَأَسَّوا بِأَضعَفِ رَعِيَّتِهِم حالاً فِي الأَكلِ وَاللِّباسِ ، ولا يَتَمَيَّزونَ عَلَيهِم بِشَيءٍ لا يَقدِرونَ عَلَيهِ ؛ لِيَراهُمُ الفَقيرُ فَيَرضى عَنِ اللّهِ تَعالى بِما هُوَ فيهِ ، ويَراهُمُ الغَنِيُّ فَيَزدادُ شُكرا وتَواضُعا (3) .

نثر الدرّ :قالَ الأَحنَفُ : دَخَلتُ عَلى مُعاوِيَةَ ، فَقَدَّمَ لي مِنَ الحارِّ وَالبارِدِ وَالحُلوِ وَالحامِضِ ما كَثُرَ تَعَجُّبي مِنهُ ، ثُمَّ قَدَّمَ لي لَونا لَم أدرِ ما هُوَ ، فَقُلتُ : ما هذا ؟قالَ :

.


1- .بَسّ السَّويقَ : خلطه بسمن أو زيت (لسان العرب : ج6 ص26) .
2- .الإهالة : كلّ شيء من الأدهان ممّا يُؤتدم به ، وقيل : هو ما اُذيب من الإلية والشحم ، وقيل : الدَّسَم الجامد (النهاية : ج1 ص84) .
3- .تذكرة الخواصّ : ص110 .

ص: 419

مَصارينُ البَطِّ مَحشُوَّةٌ بِالمُخِّ قَد قُلِيَ بِدُهنِ الفُستُقِ وذُرَّ عَليَهِ الطَّبَرْزَدُ (1) . فَبَكَيتُ ، فَقالَ : ما يُبكيكَ ؟ قُلتُ : ذَكَرتُ عَلِيّا رضى الله عنه ، بَينا أنَا عِندَهُ وحَضَرَ وَقتُ إفطارِهِ فَسَأَلَنِي المُقامَ ، إذ دَعا بِجِرابٍ مَختومٍ ، قُلتُ : ما فِي الجِرابِ ؟ قالَ : سَويقُ شَعيرٍ . قُلتُ : خَتَمتَ عَلَيهِ أن يُؤخَذَ ، أو بَخِلتَ بِهِ ؟ قال : لا ، ولا أحَدَهُما ، ولكِنّي خِفتُ أن يَلُتَّهُ (2) الحَسَنُ أوِ الحُسَينُ بِسَمنٍ أو زَيتٍ . قُلتُ : مُحَرَّمٌ هُوَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ ! قالَ : لا ، ولكِن يَجِبُ عَلى أئِمَّةِ الحَقِّ أن يَعتَدّوا أنفُسَهُم مِن ضَعَفَةِ النّاسِ ؛ لِئَلّا يُطغِيَ الفَقيرَ فَقرُهُ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : ذَكَرتَ مَن لا يُنكَرُ فَضلُهُ (3) .

تذكرة الخواصّ عن سويد بن غفلة :دَخَلتُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام يَوما ولَيسَ في دارِهِ سِوى حَصيرٍ رَثٍّ وهُوَ جالِسُ عَلَيهِ ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أنتَ مَلِكُ المُسلِمينَ ، وَالحاكِمُ عَلَيهِم وعَلى بَيتِ المالِ ، وتَأتيكَ الوُفودُ ، ولَيسَ في بَيتِكَ سِوى هذَا الحَصيرِ شَيءٌ ؟ فَقالَ : يا سُوَيدُ ، إنَّ اللَّبيبَ لا يَتَأَثَّثُ في دارِ النُّقلَةِ وأمامَنا دارُ المُقامَةِ ، قَد نَقَلنا إلَيها مَتاعَنا ، ونَحنُ مُنقَلِبونَ إلَيها عَن قَريبٍ .

.


1- .الطَّبَرْزَذُ : السُّكَّر ، فارسيّ معرّب (لسان العرب : ج3 ص497) .
2- .يَلُتّ السَّويق : أي يَخلِطُه (النهاية : ج4 ص 230) .
3- .نثر الدرّ : ج1 ص304 ، حلية الأبرار : ج2 ص233 ح20 وراجع ينابيع المودّة : ج1 ص447 ح16 .

ص: 420

قالَ : فَأَبكاني وَاللّهِ كَلامُهُ (1) .

الإمام الباقر عليه السلام :وَاللّهِ ، إن كانَ عَلِيٌّ عليه السلام لَيَأكُلُ أكلَ العَبدِ ، ويَجلِسُ جِلسَةَ العَبدِ ، وإن كانَ لَيَشتَرِي القَميصَينِ السُّنُبلانِيَّينِ فَيُخَيِّرُ غُلامَهُ خَيرَهُما ، ثُمَّ يَلبَسُ الآخَرَ ، فَإِذا جاز أصابِعَهُ قَطَعَهُ ، وإذا جازَ كَعبَهُ حَذَفَهُ . ولَقَد وَلِيَ خَمسَ سِنينَ ما وَضَعَ آجُرَّةً عَلى آجُرَّةٍ ، ولا لَبِنَةً عَلى لَبِنَةٍ ، ولا أقطَعَ قَطيعا ، ولا أورَثَ بَيضاءَ ولا حَمراءَ ، وإن كانَ لَيُطعِمُ النّاسَ خُبزَ البُرِّ وَاللَّحمِ ، ويَنصَرِفُ إلى مَنزِلِهِ ويَأكُلُ خُبزَ الشَّعيرِ وَالزَّيتِ وَالخَلِّ ، وما وَرَدَ عَلَيهِ أمرانِ كِلاهُما لِلّهِ رِضىً إلّا أخَذَ بِأَشَدِّهِما عَلى بَدَنِهِ (2) .

أخلاق محتشمي :قَدِمَ عامِلُ آذَربيجانَ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام بِأَموالِها في شَهرِ رَمَضانَ وهُوَ بِالكوفَةِ . فَلَمّا صَلّى بِالنّاسِ صَلاةَ المَغرِبِ تَوَلّى بِنَفسِهِ قِسمَةَ اللَّحمِ وَالثَّريدِ عَلَى الفُقَراءِ وسائِرِ أهلِ المَسجِدِ . وكانَ يَأمُرُ كُلَّ يَومٍ بِنَحرِ جَزورٍ لِذلِكَ ، ولا يَرجِعُ إلى مَنزِلِهِ إلّا بَعدَ الفَراغِ مِنَ الصَّلاتَينِ وقِسمَةِ جَميعِ ذلِكَ بِيَدِهِ عليه السلام عَلَيهِم . قالَ : فَقالَ لِلعامِلِ : خُذ نَصيبا مِن هذَا اللَّحمِ وَالثَّريدِ وَأفطِر عَلَيهِ ! فَقالَ العامِلُ : أنَا اُفطِرُ عِندَ أميرِ المُؤمِنينَ ، وكان في نَفسِهِ أنَّه يُصيبُ طَعاما خَيرا مِن ذلِكَ . فَلَمّا فَرَغَ ورَجَعَ إلَى المَنزِلِ ومَعَهُ العامِلُ ، اُتِيَ بِقُرصٍ مِنَ الخُشكارِ (3) وشَيءٍ مِنَ السَّويقِ ووُزِّعَ ، فَقالَ عليه السلام لِلعامِلِ : كُل ! وأخَذَ هُوَ يَأكُلُ . فَقالَ العامِلُ : إنّي تَرَكتُ لَحمَ الجَزورِ وَالثَّريدَ طَمَعا في شَيءٍ أجوَدَ مِنهُ ! فَقالَ عليه السلام : أ ما تَعلَمُ أنَّ المُتَوَلِّيَ لِاُمورِ النّاسِ لا يَنبَغي أن يَكونَ طَعامُهُ خَيرا مِن

.


1- .تذكرة الخواصّ : ص115 ؛ عدّة الداعي : ص109 ، إرشاد القلوب : ص157 كلاهما نحوه .
2- .الأمالي للصدوق : ص356 ح437 عن محمّد بن قيس ، روضة الواعظين : ص131 .
3- .قال المجلسي قدس سره : في كتب الطبّ وبعض كتب اللغة : أنّه الخبز المأخوذ من الدقيق غير المنخول (بحار الأنوار : ج14 ص70) .

ص: 421

3 / 5 _ 2 طعامه

طَعامِهِم . ثُمَّ قالَ لِقَنبَرٍ : اِذهَب إلَى الحَسَنِ ، وَانظُر هَل تَجِدُ عِندَهُ طَعاما لِضَيفِنا هذا ! قالَ : فَذَهَبَ وأتى بِرَغيفَينِ وشَيءٍ مِنَ الثَّريدِ ، وقالَ : قالَ الحَسَنُ : ما بَقِيَ عِندَنا غَيرُ هذا . فَوَضَعَ وأكَلَ العامِلُ (1) .

راجع : ص 251 (زينة الزهد) ، و ص 270 (التواضع عن رفعة) و ص 421 (طعامه) .

3 / 5 _ 2طَعامُهُالإمام عليّ عليه السلام :أكتَفي مِن دُنياكُم بِمِلحي وأقراصي ، فَبِتَقوَى اللّهِ أرجو خَلاصي ، ما لِعَلِيٍّ ونعيمٍ يَفنى ، ولَذَّةٍ تَنتِجُهَا المَعاصي ! (2)

تنبيه الخواطر :رُوِيَ أنَّهُ كَتَبَ إلى بَعضِ عُمّالِهِ يَقولُ لَهُ : إنَّ إمامَكَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ قَدِ اقتَنَعَ مِن دُنياه بِطِمرَيهِ (3) ، ويَسُدُّ فَورَةَ جوعِهِ بِقُرصَيهِ ، ولا يَطعَمُ الفِلذَةَ (4) إلّا في سَنَةِ اُضحِيَّةٍ ، ولَن تَقدِروا عَلى ذلِكَ ، فَأَعينوني بِوَرَعٍ وَاجتِهادٍ (5) .

الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى عُثمانَ بنِ حُنَيفٍ _: ألا وإنَّ لِكُلِّ مَأمومٍ إماما يَقتَدي بِهِ ، ويَستَضيءُ بِنورِ عِلمِهِ ، ألا وإنَّ إمامَكُم قَدِ اكتَفى مِن دُنياهُ بِطِمرَيهِ ، ومِن طُعمِهِ بِقُرصَيهِ . . . ولَو شِئتُ لَاهتَدَيتُ الطَّريقَ إلى مُصَفّى هذَا العَسَلِ ، ولُبابِ هذَا القَمحِ ،

.


1- .أخلاق محتشمي : ص445 ح10 .
2- .الأمالي للصدوق : ص722 ح988 عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج40 ص348 ح29 .
3- .الطِّمْرُ : الثوب الخَلَقُ (لسان العرب : ج4 ص503) .
4- .الفِلذَةُ : القطعة من الكبد واللحم (لسان العرب : ج3 ص502) .
5- .تنبيه الخواطر : ج1 ص154 ، الخرائج والجرائح : ج2 ص542 ح2 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص101 كلاهما نحوه .

ص: 422

ونَسائِجِ هذَا القَزِّ ، ولكِن هَيهاتَ أن يَغلِبَني هَوايَ ، ويَقودَني جَشَعي إلى تَخَيِّرُ الأَطعِمَةِ ، ولَعَلَّ بِالحِجازِ أوِ اليَمامَةِ (1) مَن لا طَمَعَ لَهُ فِي القُرص ، ولا عَهدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ، أو أبيتَ مِبطانا وحَولي بُطونٌ غَرثى (2) ، وأكبادٌ حَرّى ، أو أكونَ كَما قالَ القائِلُ : وحَسبُكَ داءً أن تَبيتَ بِبِطنَةٍ وحَولَكَ أكبادٌ تَحِنُّ إلَى القِدِّ أ أَقنَعُ مِن نَفسي بِأَن يُقالَ : هذا أميرُ المُؤمِنينَ ، ولا اُشارِكَهُم في مَكارِهِ الدَّهرِ ، أو أكونَ اُسوَةً لَهُم في جُشوبَةِ العَيشِ ! . . . وَايمُ اللّهِ _ يَمينا أستَثني فيها بِمَشيئَةِ اللّهِ _ لَأَروضَنَّ نَفسي رِياضَةً تَهِشُّ مَعَها إلَى القُرصِ إذا قَدَرَت عَلَيهِ مَطعوما ، وتَقنَعُ بِالمِلحِ مَأدوما ، ولَأَدَعَنَّ مُقلَتي كَعَينِ ماءٍ نَضَبَ مَعينُها ، مُستَفرَغَةً دُموعُها ، أ تَمتَلِئُ السّائِمَةُ مِن رِعيِها فَتَبرُكَ ، وتَشبَعُ الرَّبيضَةُ مِن عُشبِها فَتَربِضَ ، ويَأكُلُ عَلِيٌّ مِن زادِهِ فَيَهجَعَ ؟ ! قَرَّت إذا عَينُهُ إذَا اقتَدى بَعدَ السِّنينَ المُتَطاوِلَةِ بِالبَهيمَةِ الهامِلَةِ ، وَالسّائِمَةِ المَرعِيَّةِ (3) .

تنبيه الخواطر :أكَلَ عَلِيٌّ عليه السلام تَمرَ دَقَلٍ (4) ، وشَرِبَ عَلَيهِ الماءَ ، وضَرَبَ عَلى بَطنِهِ وقالَ : مَن أدخَلَ بَطنَهُ النّارَ فَأَبعَدَهُ اللّهُ 5 .

تنبيه الخواطر :رُوِيَ أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام كانَ أكلُهُ قُرصَ الشَّعيرِ وَالمِلحَ الجَريشَ (5) .

الكامل في التاريخ_ في ذِكرِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: كانَ يَختِمُ عَلَى الجِرابِ الَّذي فيهِ دَقيقُ

.


1- .اليَمَامَة : من بلاد نجد والحجاز ، بينها وبين البحرين عشرة أيّام (راجع معجم البلدان : ج5 ص442) .
2- .الغَرَثُ : أيسَرُ الجوع ، غرِث فهو غَرِثٌ والاُنثى غَرثى (لسان العرب : ج2 ص172) .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 45 ، بحار الأنوار : ج40 ص340 ح27 . راجع : ص 251 (زينة الزهد) .
4- .الدَّقل : ضَربٌ من النخل ، وتمر الدَّقَل رديء (لسان العرب : ج11 ص246) .
5- .تنبيه الخواطر : ج1 ص154 .

ص: 423

الشَّعيرِ الَّذي يَأكُلُ مِنهُ ، ويَقولُ : لا اُحِبُّ أن يَدخُلَ بَطني إلّا ما أعلَمُ (1) .

الإمام الباقر عليه السلام :كانَ صاحِبُكُم [يَعني أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ]لِيَجلِسُ جِلسَةَ العَبدِ ، ويَأكُلُ اٌكلَةَ العَبدِ ، ويُطعِمُ النّاسَ خُبزَ البُرِّ وَاللَّحمَ ، ويَرجِعُ إلى أهلِهِ فَيَأكُلُ الخُبزَ وَالزَّيتَ (2) .

عنه عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يُطعِمُ النّاسَ بِالكوفَةِ الخُبزَ وَاللَّحمَ ، وكانَ لَهُ طَعامٌ عَلى حِدَةٍ ، فَقالَ قائِلٌ مِنَ النّاسِ : لَونَظَرنا إلى طَعامِ أميرِ المُؤمِنينَ ما هُوَ . فَأَشرَفوا عَلَيهِ وإذا طَعامُهُ ثَريدَةٌ بِزَيتٍ ، مُكَلَّلَةٌ (3) بِالعَجوَةِ (4) ، وكانَ ذلِكَ طعامُهُ ، وكانَتِ العَجوَةُ تُحمَلُ إلَيهِ مِنَ المَدينَةِ (5) .

الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام أشبَهَ النّاسِ طِعمَةً بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ كانَ يِأكُلُ الخُبزَ وَالخَلَّ وَالزَّيتَ ، ويُطعِمُ النّاسَ الخُبزَ وَاللَّحمَ (6) .

عنه عليه السلام_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: ما كانَ قوتُهُ إلَا الخَلَّ وَالزَّيتَ ، وحَلواهُ التَّمرُ إذا وَجَدَهُ ، ومَلبوسُهُ الكَرابيسُ (7) ، فَإِذا فَضَلَ عَن ثِيابِهِ شَيءٌ دَعا بِالجَلَمِ (8) فَجَزَّهُ (9) .

.


1- .الكامل في التاريخ : ج2 ص443 .
2- .الكافي : ج8 ص130 ح100 ، الأمالي للطوسي : ص692 ح1470 كلاهما عن محمّد بن مسلم ، الأمالي للصدوق : ص356 ح437 عن محمّد بن قيس ، تنبيه الخواطر : ج2 ص84 عن عمر بن سعيد بن هلال عن الإمام الصادق عليه السلام ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص99 والثلاثة الأخيرة نحوه .
3- .مكلّلة : محفوفة (لسان العرب : ج11 ص596) .
4- .العجوة : نوع من تمر المدينة أكبر من الصيحاني يضرب إلى السواد ، من غرس النبيّ صلى الله عليه و آله (النهاية : ج3 ص188) .
5- .الغارات : ج1 ص85 عن بكر بن عيسى عن الإمام الصادق عليه السلام وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص99 .
6- .الكافي : ج6 ص328 ح3 و ج8 ص165 ح176 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص148 وفيهما «طعمة وسيرة» وليس فيهما «الخلّ» ، المحاسن : ج2 ص279 ح1901 كلّها عن زيد بن الحسن .
7- .الكِرباس : القُطن ، فارسيّ معرّب (لسان العرب : ج6 ص195) .
8- .الجَلَمْ : الذي يُجزّ به الشعر والصوف كالمقصّ (مجمع البحرين : ج1 ص307) .
9- .الكافي : ج8 ص163 ح173 عن الحسن الصيقل ، بحار الأنوار : ج41 ص130 ح40 .

ص: 424

عنه عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَأكُلُ الخَلَّ وَالزَّيتَ ، ويَجعَلُ نَفَقَتَهُ تحتَ طِنفِسَتِهِ (1)(2) .

عنه عن آبائه عليهم السلام: إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ لا يُنخَلُ لَهُ الدَّقيقُ (3) .

الكافي عن محمّد بن عليّ الحلبي :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الطَّعامِ ، فَقالَ : عَلَيكَ بِالخَلِّ وَالزَّيتِ فَإِنَّهُ مَريءٌ ، فَإِنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يُكثِرُ أكلَهُ ، وإنّي اُكثِرُ أكلَهُ ، وإنَّهُ مَريءٌ (4) .

الكافي عن اُمامة بنت أبي العاص بن الربيع :أتاني أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ عليه السلام في شَهرِ رَمَضانَ ، فَاُتِيَ بِعَشاءٍ وتَمرٍ وكَمأَةٍ ، فَأَكَلَ عليه السلام ، وكانَ يُحِبُّ الكَمأَةَ (5) .

الغارات عن بكر بن عيسى_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: كانَ يُطعِمُ النّاسَ الخُبزَ وَاللَّحمَ ، ويَأكُلُ مِنَ الثَّريدِ بِالزَّيتِ ويُكَلِّلُها بِالتَّمرِ مِنَ العَجوَةِ ، وكانَ ذلِكَ طَعامُهُ (6) .

المناقب لابن شهر آشوب_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: رَآهُ عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ وبَينَ يَدَيهِ شَنَّةٌ (7) فيها قَراحُ ماءٍ وكَسَراتٌ مِن خُبزِ شَعيرٍ ومِلحٌ ، فَقالَ : إنّي لا أرى لَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ لَتَظَلُّ نَهارَكَ طاوِيا مُجاهِدا وبِاللَّيلِ ساهِرا مُكابِدا ثُمَّ يَكونُ هذا فَطورَكَ ؟ ! فَقالَ عليه السلام : عَلِّلِ النَّفسَ بِالقُنوعِ وإلّا طَلَبَت مِنكَ فَوقَ ما يَكفيها (8)

ربيع الأبرار عن الأسود وعلقمة :دَخَلنا عَلى عَلِيٍّ رضى الله عنهوبَينَ يَدَيهِ طَبَقٌ مِن خوصٍ عَلَيهِ قُرصٌ أو قُرصانِ مِن شَعيرٍ ، وأنَّ أسطارَ النُّخالَةِ لَتَبينُ فِي الخُبزِ ، وهُوَ يَكسِرُهُ عَلى

.


1- .الطِّنْفِسَة : البساط الذي له خمل رقيق (النهاية : ج3 ص140) .
2- .الكافي : ج6 ص328 ح9 عن يعقوب بن سالم .
3- .المحاسن : ج2 ص222 ح1669 عن طلحة بن زيد ، بحار الأنوار : ج66 ص324 ح7 .
4- .الكافي : ج6 ص328 ح8 .
5- .الكافي : ج6 ص369 ح1 .
6- .الغارات : ج1 ص68 ؛ شرح نهج البلاغة : ج2 ص200 وفيه إلى «بالزيت» .
7- .الشَّنّةُ : الخَلَقُ من كلّ آنية صُنِعَت من جلد (لسان العرب : ج13 ص241) .
8- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص98 ؛ ينابيع المودّة : ج1 ص447 ح15 نحوه .

ص: 425

رُكبَتِهِ ، ويَأكُلُهُ بِمِلحٍ جَريشٍ . فَقُلنا لِجارِيَةٍ سَوداءَ اسمُها فِضَّةٌ : أ لا نَخَلتِ هذَا الدَّقيقَ لِأَميرِ المُؤمِنينَ ؟ ! فَقالَت : أ يَأكُلُ هُوَ المَهنَأَ ويَكونُ الوِزرُ في عُنُقي ؟ فَتَبَسَّمَ وقالَ : أنَا أمَرتُها أن لا تَنخُلَهُ . قُلنا : ولِمَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ ! قالَ : ذلِكَ أجدَرُ أن يُذِلَّّ النَّفسَ ، ويَقتَدِيَ بِيَ المُؤمِنُ ، وألحَقَ بِأَصحابي (1) .

الغارات عن عقبة بن علقمة :دَخَلتُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فَإِذا بَينَ يَدَيهِ لَبَنٌ حامِضٌ _ آذَتني حُموضَتُهُ _ وكِسَرٌ يابِسَةٌ ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أ تَأكُلُ مِثلَ هذا ؟ ! فَقالَ لي : يا أبَا الجَنوبِ ، رَأَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَأكُلُ أيبَسَ مِن هذا ، ويَلبَسُ أخشَنَ مِن هذا _ وأشارَ إلى ثِيابِهِ _ فَإِن أنَا لَم آخُذ بِما أخَذَ بِهِ خِفتُ ألّا ألحَقَ بِهِ (2) .

مسند ابن حنبل عن عبد اللّه بن زرير :دَخَلتُ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه يَومَ الأَضحى ، فَقَرَّبَ إلَينا خَزيرَةً (3) ، فَقُلتُ : أصلَحَكَ اللّهُ ، لَو قَرَّبتَ إلَينا هذَا البَطَّ _ يَعنِي الوَزَّ _ ؛ فَإِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ قَد أكثَرَ الخَيرَ . فَقالَ : يَابنَ زَريرٍ ، إنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : لا يَحِلُّ لِلخَليفَةِ مِن مالِ اللّهِ إلّا قَصعَتانِ ؛ قَصعَةٌ يَأكُلُها هُوَ وأهلُهُ ، وقَصعَةٌ يَضَعُها بَينَ يَدَيِ النّاسِ (4) .

.


1- .ربيع الأبرار : ج2 ص693 ؛ تنبيه الخواطر : ج1 ص48 .
2- .الغارات : ج1 ص84 ، مكارم الأخلاق : ج1 ص345 ح1115 وفيه «يا أبا الجنود» بدل «يا أبا الجنوب» ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص98 وفيه من «يا أبا الجنوب . . .» ؛ شرح نهج البلاغة : ج2 ص201 .
3- .الخزيرة : لحم يُقطّع صغارا ويُصبّ عليه ماء كثير ، فإذا نضج ذُرّ عليه الدقيق (النهاية : ج2 ص28) .
4- .مسند ابن حنبل : ج1 ص169 ح578 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص724 ح1241 ، تاريخ دمشق : ج42 ص481 ح9045 وفيه «الخبز» بدل «الخير» ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص644 ، الرياض النضرة : ج3 ص219 ، البداية والنهاية : ج8 ص3 عن عبد اللّه بن رزين و ص2 عن عبد اللّه بن أبي رزين وفيه «يطعمها» بدل «يضعها» .

ص: 426

المناقب للخوارزمي عن سويد بن غفلة :دَخَلتُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام القَصرَ (1) فَوَجَدتُهُ جالِسا ، وبَينَ يَدَيهِ صَحفَةٌ (2) فيها لَبَنٌ حازِرٌ أجِدُ ريحَهُ مِن شِدَّةِ حُموضَتِهِ ، وفي يَدَيهِ رَغيفٌ أرى قُشارَ الشَّعيرِ في وَجهِهِ ... فَقالَ عليه السلام : اُدنُ فَأَصِب مِن طَعامِنا هذا . قُلتُ : إنّي صائِمٌ . فَقالَ عليه السلام : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن مَنَعَهُ الصِّيامُ مِن طَعامٍ يَشتَهيهِ كانَ حَقّا عَلَى اللّهِ أن يُطعِمَهُ مِن طَعامِ الجَنَّةِ ، ويُسقِيَهُ مِن شَرابِها . قالَ : فَقُلتُ لِجارِيَتِهِ _ وهِيَ قائِمَةٌ بِقُربٌ مِنهُ _ : وَيحَكَ يا فِضَّةُ ، أ لا تَتَّقينَ اللّهَ في هذَا الشَّيخِ ! أ لا تَنخُلونَ لَهُ طَعاما مِمّا أرى فيهِ مِنَ النُّخالَةِ ! فَقالَت : لَقَد تَقَدَّمَ إلَينا أن لا نَنخُلَ لَهُ طَعاما . قالَ : ما قُلتَ لَها ؟ فَأَخبَرتُهُ . قالَ : بِأَبي واُمّي مَن لَم يُنخَل لَهُ طَعامٌ ، ولَم يَشبَع مِن خُبزِ البُرِّ ثَلاثَةَ أيّامٍ حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ (3) .

حلية الأولياء عن عبد الملك بن عمير :حَدَّثَني رَجُلٌ مِن ثَقيفٍ أنَّ عَلِيّا استَعمَلَهُ عَلى عَكبَرا (4) . قالَ : ولَم يَكُنِ السَّوادُ يَسكُنُهُ المُصَلّونَ . وقالَ لي : إذا كانَ عِندَ الظُّهرِ فَرُح إلَيَّ ، فَرُحتُ إلَيهِ فَلَم أجِد عِندَهُ حاجِبا يَحبِسُني عَنهُ دونَهُ ، فَوَجَدتُهُ جالِسا وعِندَهُ قَدَحٌ وكوزٌ مِن ماءٍ ، فَدَعا بِظَبيَةٍ (5) ، فَقُلتُ في نَفسي : لَقَد أمِنَني حَتّى يُخرِجَ إلَى

.


1- .القَصْر من البناء : معروف ، وقال اللحياني : هو المنزل ، وقيل : كلّ بيت من حَجَر ، قُرشِيّةٌ (لسان العرب : ج5 ص100) .
2- .الصحفة : إناء كالقصعة المبسوطة ونحوها (النهاية : ج3 ص13) .
3- .المناقب للخوارزمي : ص118 ح130 ، شرح نهج البلاغة : ج2 ص201 نحوه ، فرائد السمطين : ج1 ص352 ح277 ؛ إرشاد القلوب : ص215 ، الغارات : ج1 ص86 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص98 كلاهما نحوه ، كشف الغمّة : ج1 ص163 .
4- .عَكْبَرا : بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ بينها وبين بعقوبة ، وقد بناها شابور ذو الأكتاف ، ويطلقون عليها أيضا «بزرج شابور» (راجع تقويم البلدان : ص301) .
5- .في المصدر : «بطينة» ، والصحيح ما أثبتناه كما في نسخة ذكرت في هامش المصدر وكما في فصفة الصفوة والرياض النضرة . والظَّبْية : الجراب (لسان العرب : ج15 ص22) .

ص: 427

جَوهَرا _ ولا أدري ما فيها _ فَإِذا عَلَيها خاتَمٌ ، فَكَسَرَ الخاتَمَ ، فَإِذا فيها سَويقٌ ، فَأَخرَجَ مِنها فَصَبَّ فِي القَدَحِ ، فَصَبَّ عَلَيهِ ماءً ، فَشَرِبَ وسَقاني ، فَلَم أصبِر فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أ تَصنَعُ هذا بِالعِراقِ وطَعامُ العِراقِ أكثَرُ مِن ذلِكَ ؟ ! قالَ : أما وَاللّهِ ، ما أختِمُ عَلَيهِ بُخلاً عَلَيهِ ، ولكِنّي أبتاعُ قَدرَ ما يَكفيني ، فَأَخافُ أن يَفنى فَيُصنَعَ مِن غَيرِهِ ، وإنَّما حِفظي لِذلِكَ ، وأكرَهُ أن اُدخِلَ بَطني إلّا طَيِّبا (1) .

فضائل الصحابة عن عديّ بن ثابت :إنّ عليّا اُتِيَ بِفالوذَجٍ فَلَم يَأكُلهُ (2) .

المناقب للخوارزمي عن عديّ بن ثابت :اُتِيَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام بِفالوذَجٍ فَأَبى أن يَأكُلَ مِنهُ ، وقالَ : شَيءٌ لَم يَأكُل مِنهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لا اُحِبُّ أن آكُلَ مِنهُ (3) .

فضائل الصحابة عن حبّة العرني_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّهُ اُتِيَ بِفالوذَجٍ فَوُضِعَ قُدّامَهُ ، فَقالَ : إنَّكَ لَطَيِّبُ الرّيحِ حَسَنُ اللَّونِ طَيِّبُ الطَّعمِ ، ولكِنّي أكرَهُ أن اُعَوِّدَ نَفسي ما لَم تَعتَد (4) . (5)

الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام اُتِيَ بِخَبيصٍ (6) ، فَأَبى أن يَأكُلَهُ .

.


1- .حلية الأولياء : ج1 ص82 ، تاريخ دمشق : ج42 ص487 ، صفة الصفوة : ج1 ص135 ، الرياض النضرة : ج3 ص219 عن ابن عمر وفيهما «بظبية» بدل «مَطيبه» وفيها «يفنى» بدل «نمى» ؛ كشف الغمّة : ج1 ص175 ، شرح الأخبار : ج2 ص364 ح726 كلاهما نحوه وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص98 .
2- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص536 ح894 ، الزهد لابن حنبل : ص164 ، حلية الأولياء : ج1 ص81 ، الرياض النضرة : ج3 ص213 .
3- .المناقب للخوارزمي : ص119 ح131 ؛ الغارات : ج1 ص88 وفيه صدره ، إرشاد القلوب : ص215 ، كشف الغمّة : ج1 ص163 وراجع المحاسن : ج2 ص178 ح1503 .
4- .في المصدر : «لم تعتاد»، والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر الاُخرى.
5- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص543 ح910 ، الزهد لابن حنبل : ص165 ، حلية الأولياء : ج1 ص81 عن عبد اللّه بن شريك عن جدّه ، الرياض النضرة : ج3 ص213 وراجع المحاسن : ج2 ص178 ح1502 والمناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص99 .
6- .الخَبِيصُ : حلواء معروف معمول من التمر والسمن يخبص بعضه في بعض (تاج العروس : ج9 ص265) .

ص: 428

3 / 5 _ 3 لباسه

فَقالوا لَهُ : أ تُحَرِّمُهُ ؟ قالَ : لا ، ولكِنّي أخشى أن تَتوقَ (1) إلَيهِ نَفسي فَأَطلُبَهُ ، ثُمَّ تَلا هذِهِ الآيَةَ : «أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَ_تِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَ اسْتَمْتَعْتُم بِهَا» (2) . (3)

الغارات عن بكر بن عيسى_ في ذِكرِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّهُ كانَ يَقولُ _ ويَضَعُ يَدَهُ عَلى بَطنِهِ _ : وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لا تَنطَوي ثَميلَتي (4) عَلى قِلَّةٍ مِن خِيانَةٍ ، ولَأَخرُجَنَّ مِنها خَميصا (5) . (6)

راجع : ص 50 (أبو جعفر الحسني) و ص 251 (زينة الزهد) .

3 / 5 _ 3لِباسُهُالإمام عليّ عليه السلام :وَاللّهِ ، لَقَد رَقَّعتُ مِدرَعَتي هذِهِ حَتَّى استَحيَيتُ مِن راقِعِها ، ولَقَد قالَ لي قائِلٌ : أ لا تَنبِذُها عَنكَ ؟ ! فَقُلتُ : اغرُب عَنّي ، فَعِندَ الصَّباحِ يَحمَدُ القَومُ السُّرى (7) . (8)

الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ لا يَلبَسُ إلَا البَياضَ أكثَرَ ما يَلبَسُ ، ويَقولُ : فيه

.


1- .تاقَت نفسي إلى الشيء تَتوق تَوقا : نزَعَت واشتاقت (لسان العرب : ج10 ص33) .
2- .الأحقاف : 20 .
3- .الأمالي للمفيد : ص134 ح2 عن عبد اللّه بن ميمون عن الإمام الصادق عليه السلام ، الغارات : ج1 ص90 عن الإمام الصادق عليه السلام وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص99 .
4- .الثَّمِيلَة : أصلها ما يَبقى في بطن الدابّة من العَلف والماء ، وما يَدّخِره الإنسان من طَعام أو غيره ، وكل بقيّة ثميلةٌ (النهاية : ج1 ص223) .
5- .الخُمصانُ : الجائعُ الضامرُ البطن (لسان العرب : ج7 ص29) .
6- .الغارات : ج1 ص69 .
7- .عِندَ الصَّبَاحِ يَحمدُ القَومُ السُّرَى : مثل يضرب للرجل يحتمل المشقّة رجاء الراحة (مجمع الأمثال : ج2 ص318 ح2382) .
8- .نهج البلاغة : الخطبة 160 ، إرشاد القلوب : ص19 ، غرر الحكم : ح7345 وفيهما «اعزب» بدل «اغرب» .

ص: 429

تَكفينُ المَوتى (1) .

الكافي عن معلّى بن خنيس عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ عِندَكُم ، فَأَتى بَني ديوانٍ وَاشتَرى ثَلاثَةَ أثوابٍ بِدينارٍ ؛ القَميصُ إلى فَوقِ الكَعبِ ، وَالإِزارُ إلى نِصفِ السّاقِ ، وَالرِّداءُ مِن بَينِ يَدَيهِ إلى ثَديَيهِ ومِن خَلفِهِ إلى أليَتَيهِ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ إلَى السَّماءِ فَلَم يَزَل يَحمَدُ اللّهَ عَلى ما كَساهُ حَتّى دَخَلَ مَنزِلَهُ ، ثُمَّ قالَ : هذَا اللِّباسُ الَّذي يَنبَغي لِلمُسلِمينَ أن يَلبَسوهُ . قالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : ولكِن لا يَقدِرون أن يَلبَسوا هذَا اليَومَ ، ولَو فَعَلناهُ لَقالوا : مَجنونٌ ، ولَقالوا : مُرائِيٌّ (2) ، وَاللّهُ تَعالى يَقولُ : «وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ» (3) ، قالَ : وثِيابَكَ ارفَعها ولا تَجُرَّها . وإذا قامَ قائِمُنا كانَ هذَا اللِّباسَ (4) .

فضائل الصحابة عن حرّ بن جرموز المرادي عن أبيه :رَأَيتُ عَلِيّا وهُوَ يَخرُجُ مِنَ القَصرِ وعَلَيهِ قِطرِيَّتانِ (5) ؛ إزارُهُ إلى نِصفِ السّاقِ ، ورِداؤُهُ مُشَمَّرٌ قَريبا مِنهُ ، ومَعَهُ الدِّرَّةُ ، يَمشي فِي الأَسواقِ ويَأمُرُهُم بِتَقوَى اللّهِ وحُسنِ البَيعِ ، ويَقولُ : أوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ ، ولا تَنفُخُوا (6) اللَّحمَ (7) .

.


1- .قرب الإسناد : ص152 ح552 عن أبي البختري عن الإمام الصادق عليه السلام ، بحار الأنوار : ج81 ص311 ح2 .
2- .في مكارم الأخلاق: «مراءٍ» وهو الأنسب.
3- .المدّثّر : 4 .
4- .الكافي : ج6 ص455 ح2 ، مكارم الأخلاق : ج1 ص247 ح736 عن سالم بن مكرم نحوه .
5- .القِطرِيَّة : ضرب من البُرود (لسان العرب : ج5 ص105) .
6- .في المصدر : «تنقحوا» ، والتصحيح من الطبقات الكبرى .
7- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص557 ح938 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص28 ، أنساب الأشراف : ج2 ص369 ، تاريخ دمشق : ج42 ص484 ، الاستيعاب : ج3 ص211 الرقم 1875 عن أبجد بن جرموز عن أبيه ، الرياض النضرة : ج3 ص211 كلاهما نحوه ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص645 ، البداية والنهاية : ج8 ص3 وفيه «قبطيّتان» بدل «قِطريّتان» وراجع مكارم الأخلاق : ج1 ص247 ح732 .

ص: 430

مسند ابن حنبل عن زيد بن وهب :قَدِمَ عَلِيٌّ رضى الله عنه عَلى قَومٍ مِن أهلِ البَصرَةِ مِنَ الخَوارِجِ ، فيهِم رَجُلٌ يُقالُ لَهُ : الجَعدُ بنُ بَعجَةَ ، فَقالَ لَهُ : اِتَّقِ اللّهَ يا عَلِيُّ ؛ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ . فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : بَل مَقتولٌ ، ضَربَةٌ عَلى هذا تَخضِبُ هذِهِ _ يَعني لِحَيتَهُ مِن رَأسِهِ _ عَهدٌ مَعهودٌ ، وقَضاءٌ مَقضِيٌّ ، وقَد خابَ مَنِ افتَرى . وعاتَبَهُ في لِباسِهِ ، فَقالَ : ما لَكُم ولِلِّباسِ ؟ ! هُوَ أبعَدُ مِنَ الكِبرِ ، وأجدَرُ أن يَقتَدِيَ بِيَ المُسلِمُ (1) .

تاريخ دمشق عن زيد بن وهب الجهني :خَرَجَ عَلَينا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ذاتَ يَومٍ وعَلَيهِ بُردانِ ، مُتَّزِرٌ بِأَحَدِهِما مُرتَدٍ بِالآخَرِ ، قَد أرخى جانِبَ إزارِهِ ورَفَعَ جانِبا ، قَد رَفَعَ إزارَهُ بِخِرقَةٍ ، فَمَرَّ بِهِ أعرابِيٌّ فَقالَ : أيُّهَا الإِنسانُ ، البَس مِن هذِهِ (2) الثِّيابِ ؛ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ أو مَقتولٌ . فَقالَ : أيُّهَا الأَعرابِيُّ ، إنَّما ألبَسُ هذَينِ الثَّوبَينِ لِيَكونا أبعَدَ لي مِنَ الزَّهوِ ، وخَيرا لي في صَلاتي ، وسُنَّةً لِلمُؤمِنِ (3) .

الطبقات الكبرى عن عبد اللّه بن أبي الهذيل :رَأَيتُ عَلِيّا وعَلَيهِ قَميصٌ رازِيٌّ ، إذا مَدَّ كُمَّهُ بَلَغَ الظُّفُرَ ، وإذا أرخاهُ بَلَغَ نِصفَ الذِّراعِ (4) .

.


1- .مسند ابن حنبل : ج1 ص197 ح703 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص154 ح4687 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص543 ح908 كلاهما نحوه و ح909 ، الزهد لابن حنبل : ص165 ، حلية الأولياء : ج1 ص82 كلاهما نحوه ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص647 ، تاريخ دمشق : ج42 ص544 و ص485 ، صفة الصفوة : ج1 ص140 ؛ الغارات : ج1 ص107 نحوه ، العدد القويّة : ص237 ح11 عن الزهري وفيه «من الكفر» بدل «من الكبر» .
2- .في المصدر : «هذا» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بقيّة المصادر .
3- .تاريخ دمشق : ج42 ص485 ، الزهد لابن المبارك : ص261 ح756 ، البداية والنهاية : ج8 ص3 .
4- .الطبقات الكبرى : ج3 ص27 ، أنساب الأشراف : ج2 ص368 ، تاريخ دمشق : ج42 ص483 نحوه ، الاستيعاب : ج3 ص211 ح187 وفيه «غليظ دارس» بدل «رازي» ، المناقب للخوارزمي : ص117 ح127 ، الرياض النضرة : ج3 ص211 ؛ مكارم الأخلاق : ج1 ص247 ح734 وفيه «زابيّا» بدل «رازي» ، الغارات : ج1 ص96 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص96 كلاهما نحوه ، كشف الغمّة : ج1 ص162 وفيه «زريّا» بدل «رازي» .

ص: 431

فضائل الصحابة عن مالك بن دينار :حَدَّثَتني عَجوزٌ مِنَ الحَيِّ : زَوَّجَ أبو موسَى الأَشعَرِيُّ بَعضَ بَنيهِ ، فَأَولَمَ عَلَيهِ ، فَدَعَا النّاسَ ، قالَت : فَأَتى عَلِيٌّ . قيلَ : جاءَ أميرُ المُؤمِنينَ ، فَفَتَحتُ بابَ الدّارِ _ قالَت : _ فَدَخَلَ عَلِيٌّ وفي يَدِهِ دِرَّةٌ وعَلَيهِ قَميصٌ لَيسَ لَهُ جُرُبّانٌ (1)(2) .

الغارات عن أبي الأشعث العنزي عن أبيه :رَأَيتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام وقَدِ اغتَسَلَ فِي الفُراتِ يَومَ الجُمُعَةِ ، ثُمَّ ابتاعَ قَميصَ كَرابيسَ بِثَلاثَةِ دَراهِمَ ، فَصَلّى بِالنّاسِ فيهِ الجُمُعَةَ وما خِيطَ جُرُبّانُهُ بَعدُ (3) .

الإمام الصادق عليه السلام :اِبتاعَ عَلِيٌّ عليه السلام في خِلافَتِهِ قَميصا سَمَلاً (4) بِأَربَعَةِ دَراهِمَ ، ثُمَّ دَعَا الخَيّاطَ فَمَدَّ كُمَّ القَميصَ ، وأمَرَهُ بِقَطعِ ما جاوَزَ الأَصابِعَ (5) .

الطبقات الكبرى عن عطاء أبي محمّد :رَأَيتُ عَلِيّا خَرَجَ مِنَ البابِ الصَّغيرِ فَصَلّى رَكَعَتينِ حينَ ارتَفَعَتِ الشَّمسُ وعَلَيهِ قَميصُ كَرابيسَ كَسكَرِيٌّ فَوقَ الكَعبَينِ ، وكُمّاهُ إلَى الأَصابِعِ ، وأصلُ الأَصابِعِ غَيرُ مَغسولٍ (6) .

فضائل الصحابة عن إسماعيل عن اُمّ موسى خادم كانت لعليّ عليه السلام :. . . قُلتُ : يا اُمَّ موسى فَما

.


1- .الجُرُبّان : جيب القميص ، والألف والنون زائدتان (النهاية : ج1 ص253) .
2- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص533 ح887 ، التواضع والخمول لابن أبي الدنيا : ص178 ح136 وفيه «عن الحسن» بدل «من الحيّ» .
3- .الغارات : ج1 ص97 ، مكارم الأخلاق : ج1 ص247 ح735 عن أبي الأشعث العبري عن أبيه ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص96 عن الأشعث العبدي .
4- .سَمَلَ الثوبُ : أخلقَ فهو سَمَلٌ (لسان العرب : ج11 ص345) .
5- .شرح نهج البلاغة : ج2 ص202 عن حاتم بن إسماعيل المدني ؛ بحار الأنوار : ج41 ص139 .
6- .الطبقات الكبرى : ج3 ص29 و ص28 نحوه ، أنساب الأشراف : ج2 ص368 وليس فيه صدره .

ص: 432

كانَ لِباسُهُ _ يَعني عَلِيّا _ ؟ قالَت : الكَرابيسُ السُّنبُلانِيَّةُ (1) . (2)

فضائل الصحابة عن الضحّاك بن عمير :رَأَيتُ قَميصَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ الَّذي اُصيبَ فيهِ كرابيسَ سُنبُلانِيَّةً ، ورَأيتُ أثَرَ دَمِهِ عَلَيهِ كَهَيئَةِ الدُّردِيِّ (3) . (4)

الكافي عن زرارة بن أعين :رَأَيتُ قَميصَ عَلِيٍّ عليه السلام الَّذي قُتِلَ فيهِ عِندَ أبي جَعفَرٍ عليه السلام ، فَإِذا أسفَلُهُ اثنا عَشَرَ شِبرا وبَدَنُهُ ثَلاثَةُ أشبارٍ ، ورَأَيتُ فيهِ نَضحَ دَمٍ (5) .

الكافي عن الحسن الصيقل :قالَ لي أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : تُريدُ اُريكَ قَميصَ عَلِيٍّ عليه السلام الَّذي ضُرِبَ فيهِ واُريكَ دَمَهُ ؟ قالَ : قُلتُ : نَعَم . فَدَعا بِهِ وهُوَ في سَفَطٍ ، فَأَخرَجَهُ ونَشَرَهُ فَإِذا هُوَ قَميصُ كَرابيسَ يُشبِهُ السُّنبُلانِيَّ ، فَإِذا مَوضِعُ الجَيبِ إلَى الأَرضِ ، وإذَا الدَّمُ أبيضُ شِبهُ اللَّبَنِ شِبهُ شُطَبِ السَّيفِ ، قالَ : هذا قَميصُ عَلِيٍّ عليه السلام الَّذي ضُرِبَ فيهِ ، وهذا أثَرُ دَمِهِ . فَشَبَرتُ بَدَنَهُ فَإِذا هُوَ ثَلاثَةُ أشبارٍ ، وشَبَرتُ أسفَلَهُ فَإِذا هُوَ اثنا عَشَرَ شِبرا (6) .

دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد عليه السلام :أنَّهُ أخرَجَ يَوما إلى أصحابِهِ قَميصَ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام الَّذي اُصيبَ فيهِ ، وفيهِ دَمُهُ ، فَنَشَرَهُ ، فَشَبَروهُ ، فَأَصابوا دَورَ أسفَلِهِ اثنا عَشَرَ شِبرا ، وعَرضَ بَدَنِهِ ثَلاثَةَ أشبارٍ ، وطولَ كُمَّيهِ ثَلاثَةَ أشبارٍ (7) .

.


1- .قميصٌ سُنبُلاني : سابغ الطول ، أو منسوب إلى بلد بالروم (القاموس المحيط : ج3 ص398) .
2- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص546 ح917 ، الرياض النضرة : ج3 ص213 عن اُمّ سليم .
3- .دُردِيٌّ الزيت وغيره : ما يبقى في أسفله (لسان العرب : ج3 ص166) .
4- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص547 ح918 ، الرياض النضرة : ج3 ص213 وفيه «كأنّه رديء» بدل «كهيئة الدرديّ» ، شرح نهج البلاغة : ج9 ص236 عن الصمال بن عمير .
5- .الكافي : ج6 ص457 ح9 .
6- .الكافي : ج6 ص457 ح8 ، بحار الأنوار : ج41 ص159 ح54 .
7- .دعائم الإسلام : ج2 ص157 ح558 .

ص: 433

المناقب لابن شهر آشوب عن شبيكة :رَأَيتُ عَلِيّا يَأتَزِرُ فَوقَ سُرَّتِهِ ، ويَرفَعُ إزارَهُ إلى أنصافِ ساقَيهِ (1) .

الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إذا لَبِسَ القَميصَ مَدَّ يَدَهُ ، فَإِذا طَلَعَ عَلى أطرافِ الأَصابِعِ قَطَعَهُ (2) .

الإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ يَطوفُ فِي السّوقِ بِيَدِهِ دِرَّةٌ ، فَاُتِيَ بِقَميصٍ لَهُ سُنبُلانِيٍّ فَلَبِسَهُ ، فَخَرَجَ كُمّاهُ عَلى يَدَيهِ ، فَأَمَرَ بِهِما فَقُطِعا حَتَّى استَوَيا بِيَدَيهِ ، ثُمَّ أخَذَ دِرَّتَهُ فَذَهَبَ يَطوفُ (3) .

الإمام الصادق عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَلبَسُ القَميصَ الزّابِيَّ ، ثُمَّ يَمُدُّ يَدَهُ فَيَقطَعُ مَعَ أطرافِ أصابِعِهِ (4) .

المناقب للخوارزمي عن أبي رزين :إنَّ أفضَلَ ثَوبٍ رَأَيتُهُ عَلى عَلِيٍّ القَميصُ مِن قِهزٍ (5) ، وبُردَينِ قِطرِيَّينِ (6) .

المناقب للخوارزمي عن معاوية عن رجل من بني كاهل :رَأَيتُ عَلى عَلِيٍّ تُبّانا (7) وقالَ : نِعم

.


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص96 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص368 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص28 عن أبي العلاء مولى الأسلميّين وفيهما صدره وراجع ص29 والبداية والنهاية : ج8 ص3 .
2- .الكافي : ج6 ص457 ح7 عن ابن القدّاح ؛ تاريخ دمشق : ج42 ص483 ، البداية والنهاية : ج8 ص3 نحوه وكلاهما عن سفيان .
3- .الطبقات الكبرى : ج3 ص29 عن سليمان بن بلال عن الإمام الصادق عليه السلام .
4- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص96 وراجع صفة الصفوة : ج1 ص134 والرياض النضرة : ج3 ص212 .
5- .القِهز : ثياب بيض ، يخالطها حرير . وقال الزمخشري : ضرب من الثياب يتّخذ من صوف كالمرعزّى ، وربّما خالطه الحرير (النهاية : ج4 ص129) .
6- .المناقب للخوارزمي : ص120 ح134 وراجع الطبقات الكبرى : ج3 ص26 و ص28 وأنساب الأشراف : ج2 ص365 .
7- .التُبّان : سراويل صغير مقدار شبر ، يستر العورة المغلّظة فقط ، يكون للملّاحين (تاج العروس : ج18 ص86) .

ص: 434

الثَّوبُ ؛ ما أستَرَهُ لِلعَورَةِ ، وأكَفَّهُ لِلأَذى (1) .

الزهد عن عمر بن قيس :قيلَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : لِمَ تَرقَعُ قَميصَكَ ؟ قالَ : يُخشِعُ القَلبَ ، ويَقتَدي بِهِ المُؤمِنُ (2) .

فضائل الصحابة عن زيد بن وهب :إنَّ بَعجَةَ عاتَبَ عَلِيّا في لِباسِهِ ، فَقالَ : يَقتَدِي المُؤمِنُ ، ويُخشِعُ القَلبَ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام_ وقَد رُئِيَ عَلَيهِ إزارٌ خَلَقٌ مَرقوعٌ فَقيلَ لَهُ في ذلِكَ _: يَخشَعُ لَهُ القَلبُ ، وتَذِلُّ بِهِ النَّفسُ ، ويَقتَدي بِهِ المُؤمِنونَ . إنَّ الدُّنيا وَالآخِرَةَ عَدُوّانِ مُتَفاوِتانِ ، وسَبيلانِ مُختَلِفانِ ، فَمَن أحَبَّ الدُّنيا وتَوَلّاها أبغَضَ الآخِرَةَ وعاداها ، وهُما بِمَنزِلَةِ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ؛ وماشٍ بَينَهُما كُلَّما قَرُبَ مِن واحدٍ بَعُدَ مِنَ الآخِرِ ، وهُما بَعدُ ضَرَّتانِ (4) .

المناقب لابن شهر آشوب :رُئِيَ [ عَلى ] عَلِيٍّ عليه السلام إزارٌ غَليظٌ اشتَراهُ بِخَمسَةِ دَراهِمَ ، ورُئِيَ عَلَيهِ إزارٌ مَرقوعٌ ، فَقيلَ لَهُ في ذلِكَ ، فَقالَ عليه السلام : يَقتدي بِهِ المُؤمِنونَ ، ويَخشَعُ لَهُ القَلبُ ، وتَذِلُّ بِهِ النَّفسُ ، ويَقصِدُ بِهِ المُبالِغُ . وفي رِوايَةٍ : أشبَهُ بِشِعارِ الصّالِحينَ . وفي رِوايَةٍ : أحصَنُ لِفَرجي . وفي رِوايَةٍ :

.


1- .المناقب للخوارزمي : ص120 ح133 ، فرائد السمطين : ج1 ص353 ح279 وراجع مكارم الأخلاق : ج1 ص223 ح656 والمناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص96 .
2- .الزهد لابن حنبل : ص163 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص536 ح893 وفيه «ترفع» بدل «ترقع» و ص549 ح923 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص28 ، أنساب الأشراف : ج2 ص369 ، تذكرة الخواصّ : ص113 ، صفة الصفوة : ج1 ص134 والخمسة الأخيرة نحوه وكلّها عن عمرو بن قيس ، حلية الأولياء : ج1 ص83 ، شرح نهج البلاغة : ج9 ص235 ؛ مكارم الأخلاق : ج1 ص249 ح739 عن طلحة بن زيد عن الإمام الصادق عليه السلام نحوه وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص96 .
3- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص549 ح924 .
4- .نهج البلاغة : الحكمة103 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص96 ، مكارم الأخلاق : ج1 ص250 ح743 ، نزهة الناظر : ص53 ح30 وفيها إلى «المؤمنون» .

ص: 435

3 / 5 _ 4 بيته

هذا أبعَدُ لي مِنَ الكِبرِ ، وأجدَرُ أن يَقتَدِيَ بِهِ المُسلِمُ (1) .

الطبقات الكبرى عن أبي ظبيان :خَرَجَ عَلَينا عَلِيٌّ في إزارٍ أصفَرَ وخَميصَةٍ (2) سَوداءَ (3) .

نهج البلاغة عن نوف البكالي :خَطَبَنا . . . أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ عليه السلام بِالكوفَةِ وهُوَ قائِمٌ عَلى حِجارَةٍ نَصَبَها لَهُ جَعدَةُ بنُ هُبَيرَةَ المَخزومِيُّ ، وعَلَيهِ مِدرَعَةٌ مِن صوفٍ وحَمائِلُ سَيفِهِ ليفٌ ، وفي رِجلَيهِ نَعلانِ مِن ليفٍ ، وكَأَنَّ جَبينَهُ ثَفِنَةُ بَعيرٍ (4) .

فضائل الصحابة عن ابن أبي مليكة :لَمّا أرسَلَ عُثمانُ إلى عَلِيٍّ فِي اليَعاقيبِ وَجَدَهُ مُتَّزِرا بِعَباءَةٍ ، مُحتَجِزا العِقالَ ، وهُوَ يَهنَأُ (5) بَعيرا لَهُ (6) .

3 / 5 _ 4بَيتُهُالإمام الباقر عليه السلام_ في صِفَةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: لَقَد وَلِيَ النّاسَ خَمسَ سِنينَ ، فَما وَضَعَ آجُرَّةً عَلى آجُرَّةٍ ، ولا لَبِنَةً عَلى لَبِنَةٍ (7) .

وقعة صفّين عن الأصبغ بن نباتة :إنَّ عَلِيّا لَمّا دَخَلَ الكوفَةَ ، قيلَ لَهُ : أيَّ القَصرَينِ نُنزِلُكَ ؟

.


1- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص96 وراجع فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص542 ح908 و 909 .
2- .الخميصة : ثوب خزّ أو صوف مُعلَم. وقيل: لا تسمّى خميصة إلّا أن تكون سوداء مُعلَمة (النهاية : ج2 ص81) .
3- .الطبقات الكبرى : ج3 ص31 ، أنساب الأشراف : ج2 ص408 .
4- .نهج البلاغة : صدر الخطبة 182 ؛ ينابيع المودّة : ج3 ص443 ح12 .
5- .هَنَأت البعير : إذا طليته بالهناء وهو القَطِران (النهاية : ج5 ص277) .
6- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص536 ح891 ، الزهد لابن حنبل : ص163 عن أبي مليكة وفيه «التعاقب» بدل «اليعاقيب» ، الرياض النضرة : ج3 ص213 ، شرح نهج البلاغة : ج9 ص236 ؛ عوالي اللآلي : ج1 ص278 ح110 وليس فيه «في اليعاقيب» .
7- .الكافي : ج8 ص130 ح100 ، الأمالي للطوسي : ص693 ح1470 كلاهما عن محمّد بن مسلم ، الأمالي للصدوق : ص356 ح437 ، مجمع البيان : ج9 ص133 كلاهما عن محمّد بن قيس ، تنبيه الخواطر : ج2 ص84 عن عمر بن سعيد بن هلال عن الإمام الصادق عليه السلام ، روضة الواعظين : ص131 .

ص: 436

3 / 5 _ 5 شراؤه

قالَ : قَصرُ الخَبالِ لا تُنزِلونيهِ ، فَنَزَلَ عَلى جَعدَةَ بنِ هُبَيرَةَ المَخزومِيِّ (1) .

الكامل في التاريخ عن سفيان :إنَّ عَلِيّا لَم يَبنِ آجُرَّةً عَلى آجُرَّةٍ ، ولا لَبِنَةً عَلى لَبِنَةٍ ، ولا قَصَبَةً عَلى قَصَبَةٍ ، وإن كانَ لَيُؤتى بِحُبوبِهِ مِنَ المَدينَةِ في جِرابٍ (2) .

3 / 5 _ 5شِراؤُهُالطبقات الكبرى عن فرّوخ :رَأَيتُ عَلِيّا في بَني ديوارٍ وأنَا غُلامٌ ، فَقالَ : أ تَعرِفُني ؟ فَقُلتُ : نَعَم ، أنتَ أميرُ المُؤمِنينَ . ثُمَّ أتى آخَرَ فَقالَ : أ تَعرِفُني ؟ فَقالَ : لا ، فَاشتَرى مِنهُ قَميصا زابِيّا ، فَلَبِسَهُ ، فَمَدَّ كُمَّ القَميصِ فَإِذا هُوَ مَعَ أصابِعِهِ ، فَقالَ : لَهُ كُفَّهُ . فَلَمّا كَفَّهُ قالَ : الحَمدُ للّهِ الَّذي كَسا عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ (3) .

خصائص الأئمّة عليهم السلام: رُوِيَ عَن مَولىً لِبَنِي الأَشتَرِ النَّخَعِيِّ قالَ : رَأَيتُ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيّا عليه السلام وأنَا غُلامٌ وقد أتَى السّوقَ بِالكوفَةِ ، فَقالَ لِبَعضِ باعَةِ الثِّيابِ : أ تَعرِفُني ؟ قالَ : نَعَم ، أنتَ أميرُ المُؤمِنينَ ، فَتَجاوَزَهُ . وسَأَلَ آخَرَ ، فَأَجابَ بِمِثلِ ذلِكَ ، إلى أن سَأَلَ واحِدا فَقالَ : ما أعرِفُكَ ، فَاشتَرى مِنهُ قَميصا ، فَلَبِسَهُ ، ثُمَّ قالَ : الحَمدُ للّهِ الَّذي كَسا عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ . وإنَّمَا ابتاعَ عليه السلام ممّن لا يَعرِفُهُ خَوفا مِنَ المُحاباةِ في إرخاصِ مَا ابتاعَهُ (4) .

فضائل الصحابة عن أبي مطر :رَأَيتُ عَلِيّا مُؤتَزِرا بِإزارٍ ، مُرتَدِيا بِرِداءٍ ، مَعَهُ الدِّرَّةُ ، كَأَنَّه

.


1- .وقعة صفّين : ص5 .
2- .الكامل في التاريخ : ج2 ص443 ، تاريخ دمشق : ج42 ص482 وفيه «بجبوبه» بدل «بحبوبه» ، اُسد الغابة : ج4 ص97 ح3789 وفيه «بجبوته» ، المناقب للخوارزمي : ص118 ح129 وفيه «بحبويه» وكلاهما نحوه .
3- .الطبقات الكبرى : ج3 ص28 ، التاريخ الكبير : ج7 ص132 الرقم 600 نحوه ، أنساب الأشراف : ج2 ص369 ، تاريخ دمشق : ج42 ص484 .
4- .خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص80 ، حلية الأبرار : ج2 ص236 .

ص: 437

أعرابِيُّ يَدورُ بَدَوِيٌّ حَتّى بَلَغَ أسواقَ الكَرابيسِ ، فَقالَ : يا شَيخُ ، أحسِن بَيعي في قَميصٍ بِثَلاثَةِ دَراهِمَ . فَلَمّا عَرَفَهُ لَم يَشتَرِ مِنهُ شَيئا . ثُمَّ أتى آخَرَ ، فَلَمّا عَرَفَهُ لَم يَشتَرِ مِنهُ شَيئا . فَأَتى غُلاما حَدَثا ، فَاشتَرى مِنهُ قَميصا بِثَلاثَةِ دَراهِمَ ، ثُمَّ جاءَ أبُو الغُلامِ فَأَخبَرَهُ ، فَأَخَذَ أبوهُ دِرهَما ثُمَّ جاءَ بِهِ ، فَقالَ : هذَا الدِّرهَمُ يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ : ما شَأنُ هذَا الدِّرهَمِ ؟ قالَ : كانَ ثَمَنُ القَميصِ دِرهَمَينِ (1) . قالَ : باعَني رِضايَ ، وأخَذَ رِضاهُ (2) .

روضة الواعظين عن الأصبغ بن نباتة :أتى أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام _ ومَعَهُ قَنبَرٌ _ البَزّازينَ ، فَساوَمَ رَجُلاً بِثَوبَينِ ، فَقالَ : بِعني ثَوبَينِ . فَقالَ الرَّجُلُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، عِندي حاجَتُكَ . فَلَمّا عَرَفَهُ انصَرَفَ ، حَتّى أتى غُلاما ، فَقالَ : بِعني ثَوبَينِ ، فَماكَسَهُ (3) الغُلامُ ، حَتَّى اتَّفَقا عَلى سَبعَةِ دَراهِمَ ؛ ثَوبا بِأَربَعَةِ دَراهِمَ ، وثَوبا بِثَلاثَةِ دَراهِمَ ، وقالَ لِغُلامِهِ قَنبَرٍ : اِختَرِ الثَّوبَينِ . فَاختارَ الَّذي بِأَربَعَةٍ ، ولَبِسَ هُوَ الَّذي بِثَلاثَةٍ ، وقالَ : الحَمدُ للّهِ الَّذي رَزَقَني ما اُواري بِهِ عَورَتي ، وأتَجَمَّلُ بِهِ في خَلقِهِ . ثُمَّ أتَى المَسجِدَ فَكَوَّمَ كومَةً مِن حَصىً ، فَاستَلقى عَلَيها ، فَجاءَ أبُو الغُلامِ فَقالَ : إنَّ ابني لَم يَعرِفكَ ، وهذانِ الدِّرهَمانِ رَبِحَهُما ، فَخُذهُما . فَقالَ عليه السلام : ما كُنتُ لِأَفعَلَ ، فَقَد ماكَستُهُ وماكَسَني ، وَاتَّفَقنا عَلى رِضىً (4) .

دعائم الإسلام_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: خَرَجَ مِنَ المَسجِدِ فَأَتى دارَ فُراتٍ وبِها يَومَئِذ

.


1- .في المصدر: «كان قميصاً ثمن درهمين»، وما أثبتناه من الزهد لابن حنبل والرياض النضرة.
2- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص528 ح878 ، الزهد لابن حنبل : ص162 ، صفة الصفوة : ج1 ص134 عن أبي مطرف ، الرياض النضرة : ج3 ص220 عن ابن مطرف ، شرح نهج البلاغة : ج9 ص235 وراجع المناقب للخوارزمي : ص121 ح136 .
3- .المماكسة في البيع : انتقاص الثمن واستحطاطه ، والمنابذة بين المتبايعين (النهاية : ج4 ص349) .
4- .روضة الواعظين : ص121 ، مكارم الأخلاق : ج1 ص246 ح730 ، بحار الأنوار : ج79 ص309 ح14 .

ص: 438

يُباعُ الكَرابيسُ ، فَرَأى شَيخا يَبيعُ ، فَقالَ : يا شَيخُ ، بِعني قَميصا بِثَلاثَةِ دَراهِمَ . فَقالَ : نَعَم يا أميرَ المُؤمِنينَ _ وقامَ قائِما _ فَلَمّا عَلِمَ عليه السلام أنَّهُ قَد عَرَفَهُ قالَ : اِجلِس . ثُمَّ أتى آخَرَ ، فَكانَ مِثلَ ذلِكَ ، فَقالَ : اِجلِس . ثُمَّ أتى غُلاما ، فَأَعرَض عَنهُ ولَم يَلتَفِت إلَيهِ ، فَاشتَرى مِنهُ قَميصا بِثَلاثَةِ دَراهِمَ ، فَلَبِسَهُ ، فَبَلَغَ مِنهُ ما بَينَ الرُّسغَينِ (1) إلَى الكَعبَينِ (2) ، ثُمَّ نَظَرَ إلى كُمَّيهِ فَرآهُما قَد خَرَجا عَلى يَدَيهِ ، فَقَطَعَ ما فَضَلَ عَن أطرافِ أصابِعِهِ ، ثُمَّ قالَ : الحَمدُ للّهِ الَّذي رَزَقَني مِنَ الرِّياشِ ما أتَجَمَّلُ بِهِ فِي النّاسِ ، ووارى سَوءَتي ، وسَتَرَ عَورَتي ، الحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ . فَقالَ لَهُ رَجُلٌ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هذا قَولٌ قُلتَهُ عَن نَفسِكَ ، أو شَيءٌ سَمِعتَهُ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : كانَ رَسولُ اللّهِ إذا لَبِسَ ثَوبا قالَ مِثلَ هذَا القَولِ (3) .

فضائل الصحابة عن أبي بحر عن شيخ لهم :رَأَيتُ عَلى عَلِيٍّ إزارا غَليظا ، قالَ : اِشتَرَيتُهُ بِخَمسَةِ دَراهِمَ ، فَمَن أربَحَني فيهِ دِرهَما بِعتُهُ . ورَأَيتُ مَعَهُ دَراهِمَ مَصرورةً ، فَقالَ : هذِهِ بَقِيَّةُ نَفَقَتِنا مِن يَنبُعَ (4)(5) .

إرشاد القلوب :رُوِيَ أنَّ عَلِيّا عليه السلام اجتازَ بِقَصّابٍ وعِندَهُ لَحمٌ سَمينٌ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هذَا اللَّحمُ سَمينٌ ، اشتَرِ مِنهُ ! فَقالَ لَهُ : لَيسَ الثَّمَنُ حاضِرا . فَقالَ : أنَا

.


1- .الرُّسغُ : مجتَمَعُ الساقين والقدمين (لسان العرب : ج8 ص428) .
2- .كَعبُ الإنسان : ما أَشرَفَ فوق رُسغِه عند قَدَمِه، وقيل : هو العظمُ الناشزُ فوق قدمِه (لسان العرب : ج1 ص718).
3- .دعائم الإسلام : ج2 ص156 ح556 وراجع مسند ابن حنبل : ج1 ص331 ح1352 و ح1354 ومسند أبي يعلى : ج1 ص181 ح290 وتاريخ دمشق : ج42 ص486 والبداية والنهاية : ج8 ص4 والمناقب للخوارزمي : ص121 ح136 .
4- .يَنْبُع : بليدة بالقرب من المدينة ، وبها عيون وحضر وحصن (تقويم البلدان : ص89) .
5- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص532 ح885 ، الزهد لابن حنبل : ص163 ، السنن الكبرى : ج5 ص538 ح10794 وليس فيه ذيله ، اُسد الغابة : ج4 ص97 ح3789 ، الرياض النضرة : ج3 ص212 نحوه .

ص: 439

3 / 5 _ 6 مواساته

أصبِرُ يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ لَهُ : أنا أصبِرُ عَنِ اللَّحمِ (1) .

3 / 5 _ 6مُواساتُهُالإمام الباقر عليه السلام_ في صِفَةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: إن كانَ لَيَشتَرِي القَميصَ السُّنبُلانِيَّ (2) ، ثُمَّ يُخَيِّرُ غُلامَهُ خَيرَهُما ثُمَّ يَلبَسُ الباقِيَ (3) .

فضائل الصحابة عن أبي النوار :أتاني عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ومَعَهُ غُلامٌ لَهُ ، فَاشتَرى مِنّي قَميصَ كَرابيسَ ، قالَ لِغُلامِهِ : اِختَر أيَّهُما شِئتَ . فَأَخَذَ أحَدَهُما ، وأخَذَ عَلِيٌّ الآخَرَ فَلَبِسَهُ ، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ ، فَقالَ : اِقطَعِ الَّذي يَفضُلُ مِن قَدرِ يَدي . فَقَطَعَهُ وكَفَّهُ ، فَلَبِسَهُ وذَهَبَ (4) .

الغارات عن أبي مطر_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: أتى سوقَ الكَرابيسِ ، فَإِذا هُوَ بِرَجُلٍ وسيمٍ ، فَقالَ : يا هذا ، عِندَكَ ثَوبانِ بِخَمسَةِ دَراهِمَ ؟ فَوَثَبَ الرَّجُلُ فَقالَ : نَعَم ، يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَلَمّا عَرَفَهُ مَضى عَنهُ وتَرَكَهُ ، فَوَقَفَ عَلى غُلامٍ فَقالَ لَهُ : يا غُلامُ ، عِندَكَ ثَوبانِ بِخَمسَةِ دَراهِمَ ؟ قالَ : نَعَم ، عِندي ثَوبانِ ، أحَدُهُما أخيَرُ مِنَ الآخَرِ ؛ واحِدٌ بِثَلاثَةٍ ، وَالآخَرُ بِدِرهَمَينِ . قالَ : هَلُمَّهُما .

.


1- .إرشاد القلوب : ص119 .
2- .كذا في المصدر ، وفي بقيّة المصادر : «القميصين السنبلانيّين» .
3- .الكافي : ج8 ص30 ح100 ، الأمالي للطوسي : ص692 ح1470 كلاهما عن محمّد بن مسلم ، الأمالي للصدوق : ص356 ح437 عن محمّد بن قيس ، مكارم الأخلاق : ج1 ص245 ح728 ، دعائم الإسلام : ج2 ص157 ح559 كلاهما نحوه وراجع صفة الصفوة : ج1 ص134 والرياض النضرة : ج3 ص211 .
4- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص544 ح911 ، الزهد لابن حنبل : ص165 ، اُسد الغابة : ج4 ص97 الرقم 3789 وفيهما «قميصَي» بدل «قميص» ، شرح نهج البلاغة : ج9 ص235 ؛ عوالي اللآلي : ج1 ص278 ح109 وزاد فيها «وهو خليفة» بعد «غلام له» .

ص: 440

3 / 5 _ 7 الجمع بين العبادة والعمل

فَقالَ : يا قَنبَرُ ، خُذِ الَّذي بِثَلاثَةٍ . قالَ : أنتَ أولى بِهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؛ تَصعَدُ المِنبَرَ ، وتَخطُبُ النّاسَ . فَقالَ : يا قَنبَرُ ، أنتَ شابٌّ ، ولَكَ شِرَّةُ الشَّبابِ ، وأنَا أستَحيي مِن رَبّي أن أتَفَضَّلَ عَلَيكَ ؛ لِأَ نّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : ألبِسوهُم مِمّا تَلبَسونَ ، وأطعِموهُم مِمّا تَأكُلونَ . ثُمَّ لَبِسَ القَميصَ ومُدَّ يَدَهُ في رُدنِهِ فَإِذا هُوَ يَفضُلُ عَن أصابِعِهِ ، فَقالَ : يا غُلامُ ، اِقطَع هذَا الفَضلَ . فَقَطَعَهُ ، فَقالَ الغُلامُ : هَلُمَّهُ أكُفَّهُ يا شَيخُ . فَقالَ : دَعهُ كَما هُوَ ؛ فَإِنَّ الأَمرَ أسرَعُ مِن ذلِكَ (1) .

3 / 5 _ 7الجَمعُ بَينَ العِبادَةِ وَالعَمَلِالإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام إذا صَلَّى الفَجرَ لَم يَزَل مُعقِّبا إلى أن تَطلُعَ الشَّمسُ ، فَإِذا طَلَعَتِ اجتَمَعَ إلَيهِ الفُقَراءُ وَالمَساكينُ وغَيرُهُم مِنَ النّاسِ فَيُعَلِّمُهُمُ الفِقهَ وَالقُرآنَ ، وكانَ لَهُ وَقتٌ يَقومُ فيهِ مِن مَجلِسِهِ ذلِكَ (2) .

عدّة الداعي :يُروى عَن سَيِّدِنا أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أنَّهُ لَمّا كانَ يفرُغُ مِنَ الجِهادِ يَتَفَرَّغُ لِتَعليمِ النّاسِ وَالقَضاءِ بَينَهُم ، فَإِذا يَفرُغُ مِن ذلِكَ اشتَغَلَ في حائِطٍ لَهُ يَعمَلُ فيهِ بِيَدِهِ ، وهُوَ مَعَ ذلِكَ ذاكِرٌ لِلّهِ جَلَّ جَلالُهُ (3) .

حلية الأولياء_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: كانَ عليه السلام إذا لَزِمَهُ فِي العَيشِ الضّيقُ وَالجَهدُ أعرَضَ عَنِ الخَلقِ ، فَأَقبَلَ عَلَى الكَسبِ وَالكَدِّ (4) .

.


1- .الغارات : ج1 ص106 ، روضة الواعظين : ص121 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص109 عن أعين ؛ بحار الأنوار : ج41 ص132 .
3- .عدّة الداعي : ص101 ، إرشاد القلوب : ص218 ، بحار الأنوار : ج103 ص16 ح70 .
4- .حلية الأولياء : ج1 ص70 .

ص: 441

كتاب من لايحضره الفقيه :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَخرُجُ فِي الهاجِرَةِ (1) فِي الحاجَةِ قَد كُفِيَها ؛ يُريدُ أن يَراهُ اللّهُ تَعالى ، يُتعِبُ نَفسَهُ في طَلَبِ الحَلالِ (2) .

الإمام الباقر عليه السلام :لَقِيَ رَجُلٌ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام وتَحتَهُ وَسَقٌ مِن نَوىً ، فَقالَ لَهُ : ما هذا يا أبَا الحَسَنِ تَحتَكَ ؟ فَقالَ : مِئَةُ ألفِ عَذقٍ إن شاءَ اللّهُ ، قالَ : فَغَرَسَهُ ، فَلَم يُغادِر مِنهُ نَواةٌ وَاحِدَةٌ (3) .

علل الشرائع عن ابن عمر :بَينا أنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في نَخيلِ المَدينَةِ وهُوَ يَطلُبُ عَلِيّا عليه السلام إذَا انتَهى إلى حائِطٍ ، فَأَطلَعَ فيهِ ، فَنَظَرَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام وهُوَ يَعمَلُ فِي الأَرضِ وقَدِ اغبارَّ ، فَقالَ : ما ألومُ النّاسَ أن يُكَنّوكَ أبا تُرابٍ (4) .

المستدرك على الصحيحين عن ابن عبّاس_ في عَلِيٍّ عليه السلام يَومَ غَزوَةِ خَيبَرَ _: قالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لَأَبعَثَنَّ رَجُلاً لا يُخزيهِ اللّهُ أبَدا ، يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ . قالَ : فَاستَشرَفَ لَها مُستَشرِفٌ ، فَقالَ : أينَ عَلِيٌّ ؟ فَقالوا : إنَّهُ فِي الرَّحى يَطحَنُ . قالَ : وما كانَ أحَدُهُم لِيَطحَنَ (5) ! قالَ : فَجاءَ وهُوَ أرمَدُ لا يَكادُ أن يُبصِرُ ، قالَ : فَنَفَثَ في عَينَيهِ ، ثُمَّ هَزَّ الرّايَةَ ثَلاثا فَأَعطاها إيّاهُ ، فَجاءَ عَلِيٌّ بِصَفِيَّةَ بِنتِ حُيَيٍّ (6) .

.


1- .الهاجِرَة : إنّما تكون في القيظ ، وهي قبل الظهر بقليل وبعدها بقليل (لسان العرب : ج5 ص255) .
2- .كتاب من لايحضره الفقيه : ج3 ص163 ح3596 ، عوالي اللآلي : ج3 ص200 ح24 .
3- .الكافي : ج5 ص75 ح6 عن زرارة و ح9 عن عبد اللّه بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام ، دعائم الإسلام : ج2 ص302 ح1133 كلاهما نحوه من دون إسنادٍ إلى المعصوم .
4- .علل الشرائع : ص157 ح4 ، المناقب للكوفي : ج1 ص320 ح242 ، بحار الأنوار : ج35 ص50 ح2 .
5- .جديرٌ بالذكر أنّ الإمام عليه السلام حين كان أرمد العين ولم يستطِع أداء عمل ، لم يترك العمل رأسا بل اشتغل بعمل لا يحتاج إلى البصر كالطحن لدعم جيش المسلمين ، ولم يمنعه من ذلك سابقته في الإسلام ، وقيادته لجيش المسلمين ، وكونه صهرا للنبيّ صلى الله عليه و آله و . . . .
6- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص143 ح4652 ، مسند ابن حنبل : ج1 ص708 ح3062 وفيه «الرحل» بدل «الرحى» ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص683 ح1168 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص71 ح23 ، المعجم الكبير : ج12 ص77 ح12593 نحوه ، تاريخ دمشق : ج42 ص99 ، كفاية الطالب : ص241 ، ذخائر العقبى : ص156 ، المناقب للخوارزمي : ص125 ح140 ، البداية والنهاية : ج7 ص338 ؛ تفسير فرات : ص341 ح466 و ص420 ح558 ، شرح الأخبار : ج2 ص299 ح618 ، العمدة : ص85 ح102 وص238 ح366 .

ص: 442

الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ يَحتَطِبُ ويَستَقي ويَكنُسُ ، وكانَت فاطِمَةُ سَلامُ اللّهِ عَلَيها تَطحَنُ وتَعجِنُ وتَخبِزُ (1) .

عنه عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَستَقي ويَحتَطِبُ ، وكانَت فاطِمَةُ عليهاالسلامتَطحَنُ وتَعجِنُ وتَخبِزُ وتَرقَعُ (2) .

الإمام الباقر عليه السلام :تَقاضى عَلِيٌّ وفاطِمَةُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الخِدمَةِ ، فَقَضى عَلى فاطِمَةَ بِخِدمَةِ ما دونَ البابِ ، وقَضى عَلى عَلِيٍّ ما خَلفَهُ . فَقالَت فاطِمَةُ : فَلا يَعلَمُ ما داخَلَني مِنَ السُّرورِ إلَا اللّهُ بِإِكفائي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله تَحَمُّلَ رِقابِ الرِّجالِ (3) .

تنبيه الخواطر :دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلى فاطِمَةَ وهِيَ تَطحَنُ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لِأَيِّكُما أعقُبُ ؟ فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : لِفاطِمَةَ ؛ فَإِنَّها قَد أعيَت . فَقامَت فاطِمَةُ ، فَطَحَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله مَعَ عَلِيٍّ لِفاطِمَةَ (4) .

الإمام عليّ عليه السلام :دَخَلَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وفاطِمَةُ جالِسَةٌ عِندَ القِدرِ ، وأنَا اُنقِي العَدَسَ ، قالَ : يا أبَا الحَسَنِ ! قُلتُ : لَبَّيكَ يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : اِسمَع مِنّي _ وما أقولُ إلّا مِن أمرِ رَبّي _ ما مِن رَجُلٍ يُعينُ امرَأَتَهُ في بَيتِها إلّا كانَ لَهُ بِكُلِّ شَعرَةٍ عَلى بَدَنِهِ عِبادَةُ سَنَةٍ ؛

.


1- .الكافي : ج5 ص86 ح1 ، كتاب من لايحضره الفقيه : ج3 ص169 ح3640 ، الأمالي للطوسي : ص661 ح1369 كلّها عن هشام بن سالم ، تنبيه الخواطر : ج2 ص79 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص104 وفيه «يستسقي» بدل «يستقي» .
2- .الكافي : ج8 ص165 ح176 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص148 وفيه «ترقع الثوب» وكلاهما عن زيد بن الحسن .
3- .قرب الإسناد : ص52 ح170 عن أبي البختري عن الإمام الصادق عليه السلام ، بحار الأنوار : ج43 ص81 ح1 .
4- .تنبيه الخواطر : ج2 ص230 .

ص: 443

3 / 6 إمام المتصدّقين

3 / 6 _ 1 آية ما عمل بها غير الإمام

صِيامٌ نَهارُها ، وقِيامٌ لَيلُها (1) .

راجع : ص 446 (صدقاته).

3 / 6إمامُ المُتَصَدِّقينَ3 / 6 _ 1آيَةٌ ما عَمِلَ بِها غَيرُ الإِمامِ«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نَ_جَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَ لِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَ أَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَ_تٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَ ءَاتُواْ الزَّكَوةَ وَ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَ اللَّهُ خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ» (2) . 3

.


1- .جامع الأخبار : ص275 ح751 ، بحار الأنوار : ج104 ص132 ح1 .
2- .المجادلة : 12 و 13 .

ص: 444

الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ في كِتابِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ لَايَةً ما عَمِلَ بِها أحَدٌ قَبلي ، ولا يَعمَلُ بِها أحَدٌ بَعدي ؛ «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نَ_جَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً» ، قالَ : فُرِضَت ثُمَّ نُسِخَت (1) .

عنه عليه السلام :آيَةٌ مِن كِتابِ اللّهِ لَم يَعمَل بِها أحَدٌ قَبلي ، ولا يَعمَل بِها أحَدٌ بَعدي ، كانَ عِندي دينارٌ فَصَرَفتُهُ بِعَشَرَةِ دَراهِمَ ، فَكُنتُ إذا جِئتُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله تَصَدَّقتُ بِدِرهَمٍ ، فَنُسِخَت ، فَلَم يَعمَل بِها أحَدٌ قَبلي ؛ «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نَ_جَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً» (2) .

عنه عليه السلام :إنَّ في كِتابِ اللّهِ لَايَةً ما عَمِلَ بِها أحَدٌ ، ولا يَعمَلُ بِها أحَدٌ بَعدي ؛ آيَةَ النَّجوى : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نَ_جَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً» الآيَةَ ؛ قالَ : كانَ عِندي دِينارٌ فَبِعتُهُ بِعَشَرَةِ دَراهِمَ ، فَناجَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَكُنتُ كُلَّما ناجَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قَدَّمتُ بَينَ يَدَي نَجوايَ دِرهَما ، ثُمَّ نُسِخَت فَلَم يَعمَل بِها أحَدٌ ، فَنَزَلَت : «ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَ_تٍ» الآيَةَ (3) .

.


1- .تفسير الطبري : ج14 الجزء 28 ص20 عن مجاهد ، المناقب للخوارزمي : ص277 ح262 .
2- .تفسير الطبري : ج14 الجزء 28 ص20 ، تفسير ابن كثير : ج8 ص75 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص505 ح62 ، المناقب لابن المغازلي : ص326 ح373 كلّها عن مجاهد ، تفسير الفخر الرازي : ج29 ص272 ؛ تفسير القمّي : ج2 ص357 ، المناقب للكوفي : ج1 ص191 ح113 كلاهما عن مجاهد ، تأويل الآيات الظاهرة : ج2 ص673 ح4 عن ابن عبّاس من دون إسنادٍ إلى المعصوم وكلّها نحوه .
3- .المستدرك على الصحيحين : ج2 ص524 ح3794 عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، أسباب نزول القرآن : ص432 ح797 ، الدرّ المنثور : ج8 ص84 ؛ الخصال : ص574 ح1 عن مكحول ، مجمع البيان : ج9 ص379 ، تفسير فرات : ص470 ح615 عن مجاهد وكلّها نحوه وراجع المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص505 ح63 والبرهان في تفسير القرآن : ج5 ص323 ح326 .

ص: 445

تفسير ابن كثير عن مجاهد :نُهوا عَن مُناجاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله حَتّى يَتَصَدَّقوا ، فَلَم يُناجِهِ إلّا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ قَدَّمَ دِينارا صَدَقَةً تَصَدَّقَ بِهِ ، ثُمَّ ناجَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَسَأَلَهُ عَن عَشرِ خِصالٍ ، ثُمَّ اُنزِلَتِ الرُّخصَةُ (1) .

فرائد السمطين :رُوِيَ عَن عَلِيٍّ رضى الله عنه أنَّهُ ناجى رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَشرَ مَرّاتٍ بِعَشرِ كَلِماتٍ قَدَّمَها عَشرَ صَدَقاتٍ ، فَسَأَلَ فِي الاُولى : مَا الوَفاءُ ؟ قالَ : التَّوحِيدُ ، وشَهادَةُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ . ثُمَّ قالَ : ومَا الفَسادُ ؟ قالَ : الكُفرُ ، وَالشِّركُ بِاللّهِ عَزَّ وجَلَّ . قالَ : ومَا الحَقُّ ؟ قالَ : الإِسلامُ ، وَالقُرآنُ ، وَالوِلايَةُ إذَا انتَهَت إلَيكَ . قالَ : ومَا الحيلَةُ ؟ قالَ : تَركُ الحيلَةِ . قالَ : وما عَلَيَّ ؟ قالَ : طاعَةُ اللّهِ وطاعَةُ رَسولِهِ . قالَ : وكَيفَ أدعُو اللّهَ تَعالى ؟ قالَ : بِالصِّدقِ وَاليَقينِ . قالَ : وماذا أسأَلُ اللّهَ تَعالى ؟

.


1- .تفسير ابن كثير : ج8 ص75 ، تفسير الطبري : ج14 الجزء 28 ص20 ، تفسير الفخر الرازي : ج29 ص272 عن ابن عبّاس ، الدرّ المنثور : ج8 ص84 نقلاً عن عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ؛ مجمع البيان : ج9 ص379 عن مجاهد وقتادة ، العمدة : ص185 ح282 كلّها نحوه وراجع شواهد التنزيل : ج2 ص311 _ 328 .

ص: 446

3 / 6 _ 2 صدقاته

قالَ : العافِيَةَ . قالَ : وماذا أصنَعُ لِنَجاةِ نَفسي ؟ قالَ : كُل حَلالاً ، وقُل صِدقا . قالَ : ومَا السُّرورُ ؟ قالَ : الجَنَّةُ . قالَ : ومَا الرّاحَةُ ؟ قالَ : لِقاءُ اللّهِ تَعالى . فَلَمّا فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله مِن جَوابِ أسئِلَةٍ عَلِيٍّ نُسِخَ حُكمُ وُجوبِ الصَّدَقَةِ (1) .

3 / 6 _ 2صَدَقاتُهُالإمام عليّ عليه السلام :لَقَد رَأَيتُني مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وإنّي لَأَربُطُ الحَجَرَ عَلى بَطني مِنَ الجوعِ ، وإنَّ صَدَقَتِي اليَومَ لَأَربَعونَ ألفا (2) .

الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهماالسلام :قَد أعتَقَ عَلِيٌّ عليه السلام وِلدانا كَثيرَةً (3) .

الإمام الصادق عليه السلام_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: وَاللّهِ ، لَقَد أعتَقَ ألفَ مَملوكٍ لِوَجهِ اللّه

.


1- .فرائد السمطين : ج1 ص359 ح285 .
2- .مسند ابن حنبل : ج1 ص334 ح1367 و 1368 وفيه «وإنّ صدقة مالي لتبلغ أربعين ألف دينار» بدل «وإنّ صدقتي . . .» ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص712 ح1217 و 1218 نحوه و ج1 ص539 ح899 و ص550 ح927 ، الزهد لابن حنبل : ص166 ، حلية الأولياء : ج1 ص85 ، اُسد الغابة : ج4 ص97 ح3789 كلاهما نحوه ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص636 كلّها عن محمّد بن كعب القرظي ، الرياض النضرة : ج3 ص207 ؛ الصراط المستقيم : ج3 ص95 نحوه .
3- .الكافي : ج6 ص181 ح2 عن محمّد بن مسلم ، دعائم الإسلام : ج2 ص302 ح1136 وفيه «ولدا» بدل «ولدانا» .

ص: 447

عَزَّ وجَلَّ ، دَبِرَت (1) فيهِم يَداهُ (2) .

عنه عليه السلام :أعتَقَ عَلِيٌّ عليه السلام ألفَ مَملوكٍ مِمّا عَمِلَت يَداهُ وإن كانَ عِندَكُم ، إنَّما حَلواهُ التَّمرُ وَاللَّبَنُ ، وثِيابُهُ الكَرابيسُ (3) .

عنه عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ يَضرِبُ بِالمَرِّ (4) ويَستَخرِجُ الأَرَضينَ ، وكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَمَصُّ النَّوى بِفيهِ ويَغرِسُهُ فَيَطلُعُ مِن ساعَتِهِ ، وإنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام أعتَقَ ألفَ مَملوكٍ مِن مالِهِ وكَدِّ يَدِهِ (5) .

الغارات عن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّبن أبي طالب عليهماالسلام :أعتَقَ عَلِيٌّ عليه السلام ألفَ أهلِ بَيتٍ بِما مَجَلَت (6) يَداهُ وعَرِقَ جَبينُهُ (7) .

دعائم الإسلام_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّهُ أعتَقَ عَبداً لَهُ نَصرانِيّاً ، فَأَسلَمَ حينَ أعتَقَهُ (8) .

شرح نهج البلاغة_ في ذِكرِ صَدَقاتِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: كانَ يَعمَلُ بِيَدِهِ ، ويَحرُث

.


1- .الدَّبَر : الجُرح الذي يكون في ظهر البعير ، وقيل : هو أن يقرَح خُفّ البعير (النهاية : ج2 ص97) . والمراد هنا : قرحَت يداه .
2- .الكافي : ج8 ص165 ح175 عن معاوية بن وهب ، الأمالي للصدوق : ص356 ح437 عن محمّد بن قيس عن الإمام الباقر عليه السلام وفيه «لقد أعتق ألف مملوك من كدّ يده ؛ تربت فيه يداه وعرق فيه وجهه» ، تنبيه الخواطر : ج2 ص148 وفيه «لقد أعتق من صلب ماله ألف مملوك كلّ ذلك تحفّى فيه يداه ويعرق فيه جبينه التماس ما عند اللّه والخلاص من النار» ، دعائم الإسلام : ج2 ص302 ح1133 من دون إسنادٍ إلى المعصوم وفيه «أعتق ألف مملوك كلّهم من كسب يده عليه السلام » .
3- .الغارات : ج1 ص92 ، بحار الأنوار : ج70 ص119 ح9 .
4- .المَرّ : المِسحاة (لسان العرب : ج5 ص170) .
5- .الكافي : ج5 ص74 ح2 عن الفضل بن أبي قرّة .
6- .مَجَلت يدُه ومَجِلت : ثَخُن جِلدُها وتَعَجَّر ، وظَهر فيها ما يُشبه البَثر من العمل بالأشياء الصُّلبَة الخَشِنة (النهاية : ج4 ص300) .
7- .الغارات : ج1 ص91 ، بحار الأنوار : ج104 ص195 ح15 ؛ شرح نهج البلاغة : ج2 ص202 وفيه «أعتق عليّ عليه السلام في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ألف مملوك . . .» .
8- .دعائم الإسلام : ج2 ص303 ح1137 .

ص: 448

الأَرضَ ؛ ويَستَقِي الماءَ ، ويَغرِسُ النَّخلَ ، كُلُّ ذلِكَ يُباشِرُهُ بِنَفسِهِ الشَّريفَةِ ، ولَم يَستَبقِ مِنهُ لِوَقتِهِ ولا لِعَقِبِهِ قَليلاً ولا كَثيرا ، وإنَّما كانَ صَدَقَةً (1) .

الإمام الصادق عليه السلام :تَصَدَّقَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بِدارٍ لَهُ بِالمَدينَةِ في بَني زُرَيقٍ فَكَتَبَ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . هذا ما تَصَدَّقَ بِهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ وهُوَ حَيٌّ سَوِيٌّ ، تَصَدَّقَ بِدارِهِ الَّتي في بَني زُرَيقٍ ، صَدَقَةً لا تُباعُ ولا توهَبُ حَتّى يَرِثَهَا اللّهُ الَّذي يَرِثُ السَّماواتِ وَالأَرضَ ، وأسكَنَ هذِهِ الصَّدَقَةَ خالاتِهِ ما عِشنَ وعاشَ عَقِبَهُنَّ ، فَإِذَا انقَرَضوا فَهِيَ لِذَوِي الحاجَةِ مِنَ المُسلِمينَ (2) .

عنه عليه السلام :قَسَّمَ نَبِيُّ اللّهِ صلى الله عليه و آله الفَيءَ ، فَأَصابَ عَلِيّا عليه السلام أرضا ، فَاحتَفَرَ فيها عَينا ، فَخَرَجَ ماءٌ يَنبُعُ فِي السَّماءِ كَهَيئَةِ عُنُقِ البَعيرِ فَسَمّاها يَنبُعَ ، فَجاءَ البَشيرُ يُبَشِّرُ ، فَقالَ عليه السلام : بَشِّرِ الوارِثَ ؛ هِيَ صَدَقَةٌ بَتَّةٌ بَتلاً في حَجيجِ بَيتِ اللّهِ وعابِري سَبيلِ اللّهِ ، لاتُباعُ ولا توهَبُ ولا تورَثُ ، فَمَن باعَها أو وَهَبَها فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أجمَعينَ ، لا يَقبَلُ اللّهُ مِنهُ صَرفا ولا عَدلاً (3) .

الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عُمَرَ أقطَعَ (4) لِعَلِيٍّ رضى الله عنه يَنبُعَ ، ثُمَّ اشتَرى عَلِيٌّ رضى الله عنه إلى قَطيعَةِ عُمَرَ أشياءَ فَحَفَرَ فيها عَينا ، فَبَينَما هُم يَعمَلونَ فيها إذِ انفَجَرَ عَلَيهِم مِثلُ عُنُقِ الجَزورِ مِنَ الماءِ ، فَاُتِيَ عَلِيٌّ رضى الله عنه فَبُشِّرَ بِذلِكَ ، فَقالَ : يَسُرُّ (5) الوارِثَ . ثُمَّ تَصَدَّقَ بِها عَلَى الفُقَراءِ وَالمَساكينِ وفي سَبيلِ اللّهِ وأبناءِ السَّبيلِ ، القَريبِ وَالبَعيدِ ، فِي السِّلمِ وَالحَربِ ، لِيَوم

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج15 ص147 .
2- .تهذيب الأحكام : ج9 ص131 ح560 ، كتاب من لايحضره الفقيه : ج4 ص248 ح5588 وزاد فيه «ولا تورث» بعد «ولا توهب» وكلاهما عن ربعي بن عبد اللّه .
3- .الكافي : ج7 ص54 ح9 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص148 ح609 كلاهما عن أيّوب بن عطيّة الحذّاء .
4- .في المصدر: «قطع» ، والصواب ما أثبتناه كما في المصادر الاُخرى .
5- .كذا في المصدر ، وفي ذخائر العقبى : «بشّروا» .

ص: 449

تَبيَضُّ فيهِ وُجوهٌ وتَسوَدُّ وُجوهٌ ، لِيَصرِفَ اللّهُ بِها وَجهي عَنِ النّارِ ، ويَصرِفَ النّارَ عَن وَجهي (1) .

الكامل للمبرّد عن أبي نيزر :جاءَني عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أميرُ المُؤمِنينَ وأنَا أقومُ بِالضَّيعَتَينِ ؛ عَينِ أبي نَيزَرَ وَالبُغَيبِغَةِ ، فَقالَ لي : هَل عِندَكَ مِن طَعامٍ ؟ فَقُلتُ : طَعامٌ لا أرضاهُ لِأَميرِ المُؤمِنينَ ؛ قَرعٌ من قَرعِ الضَّيعَةِ ، صَنَعتُهُ بِإِهالَةٍ سَنِخَةٍ (2) . فَقالَ : عَلَيَّ بِهِ ، فَقامَ إلَى الرَّبيعِ _ وهُوَ جَدوَلٌ _ فَغَسَلَ يَدَيهِ ، ثُمَّ أصابَ مِن ذلِكَ شَيئا ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرَّبيعِ ، فَغَسَلَ يَدَيهِ بِالرَّملِ حَتّى أنقاهُما ، ثُمَّ ضَمَّ يَدَيهِ كُلَّ واحِدَةٍ مِنهُما إلى اُختِها وشَرِبَ بِهِما حُسىً (3) مِنَ الرَّبيعِ ، ثُمَّ قالَ : يا أبا نَيزَرَ ، إنَّ الأَكُفَّ أنظَفُ الآنِيَةِ . ثُمَّ مَسَحَ نَدى ذلِكَ الماءِ عَلى بَطنِهِ ، وقالَ : مَن أدخَلَهُ بَطنُهُ النّارَ فَأَبعَدَهُ اللّهُ ! ثُمَّ أخَذَ المِعوَلَ وَانحَدَرَ فِي العَينِ ، فَجَعَلَ يَضرِبُ ، وأبطَأَ عَلَيهِ الماءُ ، فَخَرَجَ وقَد تَفَضَّجَ (4) جَبينُهُ عَرَقا ، فَانتَكَفَ العَرَقَ عَن جَبينِهِ (5) ، ثُمَّ أخَذَ المِعوَلَ وعادَ إلَى العَينِ ، فَأَقبَلَ يَضرِبُ فيها ، وجَعَلَ يُهَمهِمُ ، فَانثالَت كَأَنَّها عُنقُ جَزورٍ ، فَخَرَجَ مُسرِعا ، فَقالَ : اُشهِدُ اللّهَ أنَّها صَدَقَةٌ ، عَلَيَّ بِدَواةٍ وصَحيفَةٍ . قالَ : فَعَجَّلتُ بِهِما إلَيهِ ، فَكَتَبَ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . هذا ماتَصَدَّقَ بِهِ عَبدُ اللّهِ عَلِيٌّ أميرُ المُؤمِنينَ ، تَصَدَّقَ بِالضَّيعَتَينِ المَعروفَتَينِ بِعَينِ أبي نَيزَرَ وَالبُغَيبِغَةِ عَلى فُقَراءِ أهلِ المَدينَةِ وَابنِ السَّبيلِ ؛ لِيَقِيَ اللّهُ بِهِما وَجهَهُ حَرَّ النّارِ يَومَ القِيامَةِ ، لا تُباعا ولا توهَبا حَتّى يَرِثَهُمَا اللّهُ وهُو

.


1- .تاريخ المدينة : ج1 ص220 عن سليمان بن بلال عن الإمام الصادق عليه السلام ، ذخائر العقبى : ص183 ، الرياض النضرة : ج3 ص209 .
2- .الإهالة : كلّ شيء من الأدهان ممّا يؤتدم به إهالة. والسَّنخَة : المتغيّرة الريح (لسان العرب : ج11 ص32) .
3- .الحُسوة : مل ء الفم ممّا يحسى ، والجمع : حسىً وحُسوات (المصباح المنير : ص136) .
4- .تَفَضّجَ عَرَقا : سال (لسان العرب : ج2 ص345) .
5- .انتكف العرَقَ عن جبينه : أي مسحه ونحّاه (لسان العرب : ج9 ص340) .

ص: 450

خَيرُ الوارِثينَ ، إلّا أن يَحتاجَ إلَيهِمَا الحَسَنُ أو الحُسَينُ فَهُما طِلقٌ (1) لَهُما ، ولَيسَ لِأَحَدٍ غَيرِهِما (2) .

تاريخ المدينة عن أبي غسّان :كانَت أموالُ عَلِيٍّ رضى الله عنهعُيونا مُتَفَرِّقَةً بِيَنبُعَ ، مِنها عَينٌ يُقالُ لَها : عَينُ البُحَيرِ ، وعَينٌ يُقالُ لَها : عَينُ أبي نَيزَرَ ، وعَينٌ يُقالُ لَها : عَينُ نولا ، وهِيَ اليَومَ تُدعَى: العدرُ ، وهِيَ الَّتي يُقالُ (3) إنَّ عَلِيّا رضى الله عنه عَمِلَ فيها بِيَدِهِ . . . وعَمِلَ عَلِيٌّ رضى الله عنه أيضا بِيَنبُعَ : البُغَيبِغاتِ ؛ وهِيَ عُيونٌ ، مِنها عَينٌ يُقالُ لَها: خَيفُ الأَراكِ ، ومِنها عَينٌ يُقالُ لَها : خَيفُ لَيلى ، ومِنها عَينٌ يُقالُ لَها : خَيفُ بسطاس ، فيها خَليجٌ مِن النَّخلِ مَعَ العَينِ . وكانَتِ البُغَيبِغاتُ مِمّا عَمِلَ عَلِيٌّ رضى الله عنه وتَصَدَّقَ بِهِ ، فَلَم تَزَل في صَدَقاتِهِ حَتّى أعطاها حُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرِ بنِ أبي طالِبٍ ؛ يَأكُلُ ثَمَرَها ، ويَستَعينُ بِها عَلى دَينِهِ ومَؤونَتِهِ ، عَلى أن لا يُزَوِّجَ ابنَتَهُ يَزيدَ بنَ مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ . فَباعَ عَبدُ اللّهِ تِلكَ العُيونَ مِن مُعاوِيَةَ ، ثُمَّ قُبِضَت حَتّى مَلِكَ بَنو هاشِمٍ الصَّوافِيَ ، فَكَلَّمَ فيها عَبدُ اللّهِ بنُ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ أبَا العَبّاسِ _ وهُوَ خَليفَةٌ _ فَرَدَّها في صَدَقَةِ عَلِيٍّ رضى الله عنه ، فَأَقامَت في صَدَقَتِهِ حَتّى قَبَضَها أبو جَعفَرٍ في خِلافَتِهِ . وكَلَّمَ فيهَا الحَسَنُ بنُ زَيدٍ المَهدِيَّ حينَ استُخلِفَ وأخبَرَهُ خَبَرَها ، فَكَتَبَ إلى زُفَرَ بنِ عاصِمٍ الهِلالِيِّ _ وهُوَ والِي المَدينَةِ _ فَرَدَّها مَعَ صَدَقاتِ عَلِيٍّ رضى الله عنه . ولِعَلِيٍّ رضى الله عنه أيضا ساقِيٌّ عَلى عَينٍ يُقالُ لَها : عَينُ الحدثِ بِيَنبُعَ ، وأشرَكَ عَلى عَينٍ يُقالُ لَهَا : العصيبَةُ ، مَواتٌ بِيَنبُعَ .

.


1- .الطِلق : المطلق الذي يتمكّن صاحبه فيه من جميع التصرّفات (المصباح المنير : ص377) .
2- .الكامل للمبرّد : ج3 ص1127 ، ربيع الأبرار : ج4 ص388 .
3- .في المصدر : «يقال لها إنّ» وهو تصحيف .

ص: 451

وكانَ لَهُ أيضا صَدَقاتٌ بِالمَدينَةِ : الفَقيرَينِ بِالعالِيَةِ (1) ، وبِئرُ المَلِكِ بِقَناةَ (2) ، والأدبيّة بِالإِضَمِّ (3) ، فَسَمِعتُ أنَّ حَسَنا أو حُسَينا ابنَ عَلِيٍّ باعَ ذلِكَ كُلَّهُ فيما كانَ مِن حَربِهِم ، فَتِلكَ الأَموالُ اليَومَ مُتَفَرِّقَةٌ في أيدي ناسٍ شَتّى . ولِعَلِيٍّ رضى الله عنه في صَدَقاتِهِ عَينُ ناقَةٍ بِوادِي القُرى (4) يُقالُ لَها : عَينُ حسن ، بِالبيرَةِ مِنَ العلا ، كانَت حَديثا مِنَ الدَّهرِ بِيَدِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعقوبَ بنِ إبراهيمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ طَلحَةَ التَّيمِيِّ ، فَخاصَمَهُ فيها حَمزَةُ بنُ حَسَنِ بنِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ بنِ عَلِيٍّ _ بِوِلايَةِ أخيهِ العَبّاسِ بنِ حَسَنٍ _ الصَّدَقَةَ حَتّى قُضِيَ لِحَمزَةَ بِها ، وصارَت فِي الصَّدَقَةِ . ولَهُ بِوادِي القُرى أيضا عَينٌ مَواتٌ خاصَمَ فيها أيضا حَمزَةُ بنُ حَسَنٍ _ بِوِلايَةِ أخيهِ العَبّاسِ _ رَجُلَينِ مِن أهلِ وادِي القُرى كانَت بِأَيديهِما ، يُقالُ لَهما : مصدر كبير مَولى حَسَنِ بنِ حَسَنٍ ، ومَروانُ بنُ عَبدِ المَلِكِ بنِ خارست ، حَتّى قُضِيَ [لِ ]حَمزَةَ بِها ، فَصارَت فِي الصَّدَقَةِ . ولِعَلِيٍّ رضى الله عنه أيضا حَقٌّ عَلى عَينِ سكر . ولَهُ أيضا ساقِيٌّ عَلى عَينٍ بِالبيرَةِ ، وهُوَ فِي الصَّدَقَةِ . ولَهُ بِحَرَّهِ الرَّجلاءِ (5) مِن ناحِيَةِ شِعبِ زَيدٍ وادٍ يُدعى: الأَحمَرُ ، شَطرُهُ فِي الصَّدَقَةِ ، وشَطرُهُ بِأَيدي آلِ مَنّاع مِن بَني عَدِيٍّ ، مِنحَةً مِن عَلِيٍّ ، وكانَ كُلُّهُ بِأَيدِيهِم حَتّى

.


1- .العَالية: اسم لكلّ ماكان من جهة نجد من المدينة ، من قراها وعمايرها إلى تهامة (معجم البلدان : ج4 ص71).
2- .قَنَاة : وادٍ بالمدينة ، وهي أحد أوديتها الثلاثة (معجم البلدان : ج4 ص401) .
3- .الإضَم : وادٍ بجبال تهامة ، وهو الوادي الذي فيه المدينة ، ويسمّى من عند المدينة القناة ، ومن أعلى منها عند السدّ يسمّى الشظاة، ومن عند الشظاة إلى أسفل يسمّى إضَما إلى البحر (معجم البلدان: ج1 ص214).
4- .وَادي القُرى : وادٍ بين المدينة والشام من أعمال المدينة ، كثير القرى (معجم البلدان : ج5 ص345) .
5- .حَرَّة الرَّجْلاء : في ديار بني القين بين المدينة والشام (معجم البلدان : ج2 ص246) .

ص: 452

خاصَمَهُم فيهِ حَمزَةُ بنُ حَسَنٍ فَأَخَذَ مِنهُم نِصفَهُ . ولَهُ أيضا بِحَرَّةِ الرَّجلاءِ وادٍ يُقالُ لَهُ : البَيضاءُ ، فيهِ مَزارِعُ ، وعَفا ، وهُوَ في صَدَقَتِهِ . ولَهُ أيضا بِحَرَّةِ الرَّجلاءِ أربَعُ (1) آبُرٍ يُقالُ لَها : ذاتَ كمات ، وذَوات العشراء ، وقعين ، ومعيد ، ورعوان ، فَهذِهِ الآبُرُ في صَدَقَتِهِ . ولَهُ بِناحِيَةِ فَدَكَ (2) وادٍ بَينَ لابِتَي حَرَّةَ يُدعى : رعيّة ، فيه نَخلٌ ووَشَلٌ مِن ماءٍ ، يَجري عَلى سقا بِزُرنوقَ (3) ، فَذلِكَ في صَدَقَتِهِ . ولَهُ أيضا بِناحِيَةِ فَدَكَ وادٍ يُقالُ لَهُ : الأسحنُ ، وبَنو فَزارَةَ تَدَّعي فيهِ مِلكا ومُقاما ، وهُوَ اليَومَ في أيدي وُلاةِ الصَّدَقَةِ فِي الصَّدَقَةِ . ولَهُ أيضا [بِ] ناحِيَةِ فَدَكَ مالٌ بِأَعلى حَرَّةِ الرَّجلاءِ يُقالُ لَهُ : القُصَيبَةُ ، كانَ عَبدُ اللّهِ بنُ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ عامَلَ عَلَيهِ بَني عُمَيرٍ مَولى عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرِ بنِ أبي طالِبٍ عَلى أنَّهُ إذا بَلَغَ ثَمَرُهُ ثَلاثينَ صاعا بِالصّاعِ الأَوَّلِ فَالصَّدَقَةُ عَلَى الثُّلُثِ ، فَإِذَا انقَرَضَ بَنو عُمَيرٍ فَمَرجِعُهُ إلَى الصَّدَقَةِ . فَذلِكَ اليَومَ عَلى هذِهِ الحالِ بِأَيدي وُلاةِ الصَّدَقَةِ (4) .

الكافي عن عبد الرحمن بن الحجّاج :بَعَثَ إلَيَّ أبُو الحَسَنِ موسى عليه السلام بِوَصِيَّةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وهِيَ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . هذا ما أوصى بِهِ وقَضى بِهِ في مالِهِ عَبدُ اللّهِ عَلِيٌّ ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ ؛ لِيولِجَني بِهِ الجَنَّةَ ، ويَصرِفَني بِهِ عَنِ النّارِ ، ويَصرِفَ النّارَ عَنّي يَومَ تَبيَض

.


1- .كذا في المصدر ، والمذكور خمسة أسماء .
2- .فَدَك : قرية بالحجاز ، بينها وبين المدينة يومان ، وقيل : ثلاثة . أفاءها اللّه على رسوله صلى الله عليه و آله في سنة سبع صلحا (معجم البلدان : ج4 ص238) .
3- .زُرْنُوق : اسم بلد وموضع باليمامة ، فيه المياه والزروع (راجع معجم البلدان : ج3 ص139) .
4- .تاريخ المدينة : ج1 ص221 .

ص: 453

وُجوهٌ وتَسوَدٌّ وُجوهٌ ، أنَّ ما كان لي مِن مالٍ بِيَنبُعَ يُعرَفُ لي فيها وما حَولَها صَدَقَةٌ ، ورَقيقَها ، غَيرَ أنَّ رَباحا وأبا نَيزَرَ وجُبَيرا عُتَقاءُ لَيس لِأَحَدٍ عَلَيهِم سَبيلٌ ، فَهُم مَوالِيَّ يَعمَلونَ فِي المالِ خَمسَ حِجَجٍ وفيهِ نَفَقَتُهُم ورِزقُهُم وأرزاقُ أهاليهِم ، ومَعَ ذلِكَ ما كانَ لي بِوادِي القُرى كُلُّهُ مِن مالٍ لِبَني فاطِمَةَ ورَقيقُها صَدَقَةٌ ، وما كانَ لي بِدَيمَةَ وأهلُها صَدَقَةٌ ، غَيرَ أنَّ زُرَيقا لَهُ مِثلُ ما كَتَبتُ لِأَصحابِهِ ، وما كانَ لي بِاُذَينَةَ (1) وأهلُها صَدَقَةٌ ، وَالفَقيرَينِ 2 _ كَما قَد عَلِمتُم _ صَدَقَةٌ في سَبيلِ اللّهِ . وإنَّ الَّذي كَتَبتُ مِن أموالي هذِهِ صَدَقَةٌ واجِبَةٌ بَتلَةٌ ، حَيّا أنَا أو مَيِّتا ، يُنفَقُ في كُلِّ نَفَقَةٍ يُبتَغى بِها وَجهُ اللّهِ في سَبيلِ اللّهِ ووَجهِهِ وذَوِي الرَّحِمِ مِن بَني هاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ وَالقريبِ وَالبَعيدِ ، فَإِنَّهُ يَقومُ عَلى ذلِكَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ ، يَأكُلُ مِنهُ بِالمَعروفِ ، ويُنفِقُهُ حَيثُ يَراهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ في حِلٍّ مُحَلَّلٍ لا حَرَجَ عَلَيهِ فيهِ ، فَإِن أرادَ أن يَبيعَ نَصيبا مِنَ المالِ فَيَقضِيَ بِهِ الدَّينَ فَليَفعَل إن شاءَ ولا حَرَجَ عَلَيهِ فيهِ ، وإن شاءَ جَعَلَهُ سَرِيَّ (2) المِلكِ . وإنَّ وُلدَ عَلِيٍّ ومَوالِيَهُم وأموالَهُم إلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ . وإن كانَت دارُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ غَيرَ دارِ الصَّدَقَةِ فَبَدا لَهُ أن يَبيعَها فَليَبِع إن شاءَ لا حَرَجَ عَلَيهِ فيهِ ، وإن باعَ فَإِنَّهُ يُقَسِّمُ ثَمَنَها ثَلاثَةَ أثلاثٍ ؛ فَيَجعَلُ ثُلُثا في سَبيلِ اللّهِ ،

.


1- .اُذَيْنة : اسم وادٍ من أودية القَبَليّة ، بين المدينة وينبع (معجم البلدان : ج1 ص133) .
2- .السَّرِيُّ : المُختار (لسان العرب : ج14 ص379) .

ص: 454

وثُلُثا في بَني هاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ ، ويَجعَلُ الثُّلُثَ في آلِ أبي طالِبٍ ، وإنَّهُ يَضَعُهُ فيهِم حَيثُ يَراهُ اللّهُ . وإن حَدَثَ بِحَسَنٍ حَدَثٌ وحُسَينٌ حَيٌّ فَإِنَّهُ إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ ، وإنَّ حُسَينا يَفعَلُ فيهِ مِثلَ الَّذي أمَرتُ بِهِ حَسَنا ؛ لَهُ مِثلُ الَّذي كَتَبتُ لِلحَسَنِ ، وعَلَيهِ مِثلُ الَّذي عَلَى الحَسَنِ . وإنَّ لِبَنِي ابنَي فاطِمَةَ مِن صَدَقَةِ عَلِيٍّ مِثلَ الَّذي لِبَني عَلِيٍّ . وإنّي إنَّما جَعَلتُ الَّذي جَعَلتُ لِابنَي فاطِمَةَ ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، وتَكريمَ حُرمَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وتَعظيمَهُما ، وتَشريفَهُما ، ورِضاهُما . وإن حَدَثَ بِحَسَنٍ وحُسَينٍ حَدَثٌ فَإِنَّ الآخِرَ مِنهُما يَنظُرُ في بَني عَلِيٍّ ؛ فَإِن وَجَدَ فيهِم مَن يَرضى بِهُداهُ وإسلامِهِ وأمانَتِهِ فَإِنَّهُ يَجعَلُهُ إلَيهِ إن شاءَ ، وإن لَم يَرَ فيهِم بَعضَ الَّذي يُريدُهُ فَإِنَّهُ يَجعَلُهُ إلى رَجُلٍ مِن آلِ أبي طالِبٍ يَرضى بِهِ ، فَإِن وَجَدَ آلَ أبي طالِبٍ قَد ذَهَبَ كُبَراؤُهُم وذَووا آرائِهِم فَإِنَّهُ يَجعَلُهُ إلى رَجُلٍ يَرضاهُ مِن بَني هاشِمٍ ، وأنَّهُ يَشتَرِطُ عَلَى الَّذي يَجعَلُهُ إلَيهِ أن يَترُكَ المالَ عَلى اُصولِهِ ويُنفِقَ ثَمَرَهُ حَيثُ أمَرتُهُ بِهِ ؛ مِن سَبيلِ اللّهِ ووَجهِهِ ، وذَوِي الرَّحِمِ مِن بَني هاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ ، وَالقَريبِ وَالبَعيدِ ، لايُباعُ مِنهُ شَيءٌ ، ولا يوهَبُ ، ولا يورَثُ . وإنَّ مالَ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ عَلى ناحِيَتِهِ ، وهُوَ إلَى ابنَي فاطِمَةَ . وإنَّ رَقيقِيَ _ الَّذينَ في صَحيفَةٍ صَغيرَةٍ الَّتي كُتِبَت لي _ عُتَقاءُ . هذا ما قَضى بِهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ في أموالِهِ هذِهِ ، الغَدَ مِن يَومَ قَدِمَ مَسكِنَ (1) ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ وَالدّارَ الآخِرَةِ ، وَاللّهُ المُستَعانُ عَلى كُلِّ حالٍ ، ولا يَحِلُّ لِامرِئٍ مُسلِم

.


1- .مَسْكِن : موضع بالكوفة قريب من أوانا ؛ على نهر دُجيل عند دير الجاثليق ، به كانت الوقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير ، فقُتل مصعب ، وقبره هناك معروف (معجم البلدان : ج5 ص127) .

ص: 455

يُؤمِنُ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ أن يَقولَ في شَيءٍ قَضَيتُهُ مِن مالي ، ولا يُخالِفَ فيهِ أمري ، مِن قَريبٍ أو بَعيدٍ . أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ وَلائِدي اللّائي أطوفُ عَلَيهِنَّ السَّبعَةَ عَشَرَ _ مِنهُنَّ اُمَّهاتُ أولادٍ مَعَهُنَّ أولادُهُنَّ ، ومِنهُنَّ حَبالى ، ومِنهُنَّ مَن لا وَلَدَ لَهُ _ فَقَضايَ فيهِنَّ إن حَدَثَ بي حَدَثٌ أنَّهُ مَن كانَ مِنهُنَّ لَيسَ لَها وَلَدٌ ولَيسَت بِحُبلى فَهِيَ عَتيقٌ لِوَجهِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، لَيسَ لِأَحَدٍ عَلَيهِنَّ سَبيلٌ ، ومَن كانَ مِنهُنَّ لَها وَلَدٌ أو حُبلى فَتُمسَكُ عَلى وَلَدِها وهِيَ مِن حَظِّهِ ؛ فَإِن ماتَ وَلَدُها وهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ عَتيقٌ لَيسَ لِأَحَدٍ عَلَيها سَبيلٌ . هذا ما قَضى بِهِ عَلِيٌّ في مالِهِ ، الغَدَ مِن يَومَ قَدِمَ مَسكِنَ . شَهِدَ أبو شِمرِ بنُ أبرَهَةَ ، وصَعصَعَةُ بنُ صوحانَ ، ويَزيدُ بنُ قَيسٍ ، وهَيّاجُ بنُ أبي هَيّاجٍ . وكَتَبَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ بِيَدِهِ لِعشَرٍ خَلَونَ مِن جُمادَى الاُولى سَنَةَ سَبعٍ وثَلاثينَ (1) .

راجع : ص 248 (كمال الإيثار) ، و ص 262 (سماحة الكفّ) و ج 4 ص 381 (الوليّ المتصدّق في الركوع) و ص 384 (الذي ينفق ماله بالليل والنهار سرّا وعلانية).

.


1- .الكافي : ج7 ص49 ح7 ، دعائم الاسلام : ج2 ص341 ح1284 ، شرح الأخبار : ج2 ص453 ح813 عن بشير بن الوليد عن الإمام عليّ عليه السلام ، بحار الأنوار : ج41 ص40 ح19 ؛ تاريخ المدينة : ج1 ص225 عن حسن بن زيد من دون إسنادٍ إلى المعصوم وكلّها نحوه .

ص: 456

. .

ص: 457

الفصل الرابع : الخصائص السياسيّة والاجتماعيّة

4 / 1 الإخاء مع النّبيّ
4 / 1 _ 1 مؤاخاة النّبيّ بين أصحابه قبل الهجرة

الفصل الرابع : الخصائص السياسيّةُ والاجتماعيّةُ4 / 1الإِخاءُ مَعَ النَّبِيِّ4 / 1 _ 1مُؤاخاةُ النَّبِيِّ بَينَ أصحابِهِ قَبلَ الهِجرَةِالمحبّر_ في ذِكرِ مُؤاخاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بَينَ أصحابِهِ المُهاجِرينَ قَبلَ الهِجرَةِ _: وكانَ آخى بَينَهُم عَلَى الحَقِّ وَالمُواساةِ ، وذلِكَ بِمَكَّةَ ؛ فَآخى صلى الله عليه و آله بَينَ نَفسِهِ وبَينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه (1) .

السيرة الحلبيّة :وقَبلَ الهِجرَةِ آخى صلى الله عليه و آله بَينَ المُسلِمينَ ؛ أيِ المُهاجِرينَ ، عَلَى الحَقِّ وَالمُواساةِ ، فَآخى بَينَ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ، وآخى بَينَ حَمزَةَ وزَيدِ بنِ حارِثَةَ ، وبَينَ عُثمانَ وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ ، وبَينَ الزُّبَيرِ وَابنِ مَسعودٍ ، وبَينَ عُبادَةَ بنِ الحارِثَةِ وبِلالٍ ، وبَينَ مُصعَبِ بنِ عُمَيرٍ وسَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ ، وبَينَ أبي عُبَيدَةَ بنِ الجَرّاحِ وسالِمٍ مَولى أبي حُذَيفَةَ ، وبَينَ سَعيدِ بنِ زَيدٍ وطَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللّهِ ، وبَينَ عَلِى

.


1- .المحبّر : ص70 .

ص: 458

ونَفسِهِ صلى الله عليه و آله وقالَ : أ ما تَرضى أن أكونَ أخاكَ ؟ قالَ : بَلى يا رَسولَ اللّهِ رَضيتُ . قالَ : فَأَنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ 1(1) .

المعيار والموازنة :ثُمَّ فَكِّروا في حَديثِ المُؤاخاةِ وما فيهِ مِنَ الدَّلالَةِ الواضِحَةِ ؛ إذ مَيَّزَهُم عَلى قَدرِ مَنازِلِهِم ، ثُمَّ آخى بَينَهُم عَلى حَسَبِ مُفاضَلَتِهِم ؛ فَلَم يَكُن أحَدٌ أقرَبَ مِن فَضلِ أبي بَكرٍ مِن عُمَرَ ، فَلِذلِكَ آخى بَينَهُما ، وأشبَهَ طَلحَةُ الزُّبَيرَ وقَرُبَت مَنازِلُهُما لِذلِكَ فَآخى بَينَهُما ، وكَذلِكَ فَعَلَ بِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ آخى بَينَهُ وبَينَ عُثمانَ . ثُمَّ قالَ لِعَلِيٍّ : إنَّما أخَّرتُكَ لِنَفسي ، أنتَ أخي وصاحِبي ، فَلَم يَكُن فيهِم أحَدٌ أشبَهَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مِن عَلِيِّ ، ولا أولى بِمُؤاخاةِ النَّبِيِّ مِنهُ ، فَاستَحَقَّ بِمُؤاخاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ؛ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى القَومِ . وكانَت مُؤاخاةُ عَلِيٍّ أفضَلَ مِن مُؤاخاةِ غَيرِهِ ؛ لِفَضلِهِ عَلى غَيرِهِ (2) .

الاستيعاب :آخى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ المُهاجِرينَ بِمَكَّةَ ، ثُمَّ آخى بَينَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ بِالمَدينَةِ ، وقالَ في كُلِّ واحِدَةٍ مِنهُما لِعَلِيٍّ : أنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وآخى بَينَهُ وبَينَ نَفسِهِ (3) .

.


1- .السيرة الحلبيّة : ج2 ص20 ، عيون الأثر : ج1 ص264 .
2- .المعيار والموازنة : ص208 .
3- .الاستيعاب : ج3 ص202 ح1875 .

ص: 459

4 / 1 _ 2 مؤاخاة النّبيّ بين أصحابه بعد الهجرة

4 / 1 _ 2مُؤاخاةُ النَّبِيِّ بَينَ أصحابِهِ بَعدَ الهِجرَةِالمناقب لابن المغازلي عن حذيفة بن اليمان :آخى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ أصحابِهِ الأَنصارِ وَالمُهاجِرِ ، فَكانَ يُؤاخي بَينَ الرَّجُلِ ونَظيرِهِ . ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَقالَ : هذا أخي . قالَ حُذَيفَةُ : رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله سَيِّدُ المُسلِمينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، ورَسولُ رَبِّ العالَمينَ ، الَّذي لَيسَ لَهُ فِي الأَنامِ شَبيهٌ ولا نَظيرٌ ، وعَلِيُّ بنُ أبيطالِبٍ أخَوانِ (1) .

السيرة النبويّة عن ابن إسحاق :آخى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ أصحابِهِ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، فَقالَ _ فيما بَلَغَنا ، ونَعوذُ بِاللّهِ أن نَقولَ عَلَيهِ ما لَم يَقُل _ : تَآخَوا فِي اللّهِ ؛ أخَوَينِ ، أخَوَينِ . ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَقالَ : هذا أخي . فَكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله سَيِّدُ المُرسَلينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، ورَسولُ رَبِّ العالَمينَ ، الَّذي لَيسَ لَهُ خَطيرٌ ولا نَظيرٌ مِنَ العِبادِ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه أخَوَينِ ، وكانَ حَمزَةُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ _ أسَدُ اللّهِ وأسَدُ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وعَمُّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ وزَيدُ بنَ حارِثَةَ _ مَولى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ أخَوَينِ ، وإلَيهِ أوصى حَمزَةُ يَومَ اُحُدٍ حينَ حَضَرَهُ القِتالُ إن حَدَثَ بِهِ حادِثُ المَوتِ وجَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ ذُو الجَناحَينِ _ الطَّيّارُ فِي الجَنَّةِ _ ومُعاذُ بنُ جَبَلٍ _ أخو بَني سَلَمَةَ _ أخَوَينِ . قالَ ابنُ هِشامٍ : وكانَ جَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ يَومَئِذٍ غالِبا بِأَرضِ الحَبَشَةِ (2) .

الطبقات الكبرى عن محمّد بن عمر بن عليّ :لَمّا قَدِمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله آخى بَينَ المُهاجِرين

.


1- .المناقب لابن المغازلي : ص38 ح60 ؛ الأمالي للطوسي : ص587 ح1415 ، كشف الغمّة : ج1 ص329 .
2- .السيرة النبويّة لابن هشام : ج2 ص150 ، البداية والنهاية : ج3 ص226 .

ص: 460

4 / 1 _ 3 نصوص مؤاخاة النّبيّ والوصيّ

بَعضِهِم فَبَعضٍ (1) ، وآخى بَينَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ . فَلَم تَكُن مُؤاخاةٌ إلّا قَبلَ بَدرٍ ، آخى بَينَهُم عَلَى الحَقِّ وَالمُؤاساةِ ؛ فَآخى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَهُ وبَينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (2) .

4 / 1 _ 3نُصوصُ مُؤاخاةِ النَّبِيِّ وَالوَصِيِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ اللّهَ أمَرَني أن اُؤاخِيَكَ ، فَأَنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (3) .

عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ أخي وصاحِبي (4) .

عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (5) .

عنه صلى الله عليه و آله :رَأَيتُ عَلى بابِ الجَنَّةِ مَكتوبا : لا إلهَ إلَا اللّهُ ، مُحَمَّدٌ رسَولُ اللّهِ ، عَلِيٌّ أخو رَسولِ اللّهِ (6) .

.


1- .كذا في المصدر ، ولعلّ الصحيح : «ببعض» .
2- .الطبقات الكبرى : ج3 ص22 .
3- .المناقب للكوفي : ج1 ص220 ح139 عن خالد عن الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلام .
4- .مسند ابن حنبل : ج1 ص496 ح2040 ، تاريخ دمشق : ج42 ص53 ح8388 ، الاستيعاب : ج3 ص202 ح1875 كلّها عن ابن عبّاس ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص134 ح66 عن ربيعة بن ناجد عن الإمام عليّ عليه السلام عنه صلى الله عليه و آله ، تاريخ بغداد : ج12 ص268 ح6712 عن عثمان بن عبد الرحمن عن الإمام الباقر عن أبيه عن الإمام عليّ عليهم السلامعنه صلى الله عليه و آله ، كنز العمّال : ج13 ص109 ح36356 نقلاً عن ابن النجّار ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص314 ح233 عن ابن عبّاس .
5- .تاريخ دمشق : ج42 ص52 ح8385 عن أنس و ص51 ح8383 و ح8384 ، كنز العمّال : ج11 ص602 ح32907 نقلاً عن المعجم الكبير وفيه «عليّ» بدل «أنت» وكلّها عن ابن عمر ؛ الأمالي للمفيد : ص174 ح4 عن عمرو بن ميمون عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام عنه صلى الله عليه و آله ، الخصال : ص429 ح6 و 7 ، الأمالي للطوسي : ص573 ح1186 ، بشارة المصطفى : ص77 ، المناقب للكوفي : ج1 ص383 ح300 كلّها عن زيد بن عليّ عن آبائه وعنه صلى الله عليه و آله و ص354 ح281 عن اُمّ سلمة .
6- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص665 ح1134 ، تاريخ دمشق : ج42 ص62 ح8403 ، الفردوس : فج2 ص257 ح3195 كلّها عن جابر .

ص: 461

عنه صلى الله عليه و آله :مَكتوبٌ عَلى بابِ الجَنَّةِ : مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ عَلِيٌّ أخو رَسولِ اللّهِ ، قَبلَ أن تُخلَقَ السَّماواتُ بِأَلفَي سَنَةٍ (1) .

عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ نوديتُ مِن بُطنانِ العَرشِ : نِعمَ الأَبُ أبوكَ إبراهيمُ الخَليلُ ، ونِعمَ الأَخُ أخوكَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (2) .

عنه صلى الله عليه و آله :خَيرُ إخوَتي عَلِيٌّ ، وخَيرُ أعمامي حَمزَةُ (3) .

عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ أخي وأنَا أخوكَ ، يَدُكَ في يَدي حَتّى تَدخُلَ الجَنَّةَ (4) .

.


1- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص669 ح1140 ، المعجم الأوسط : ج5 ص343 ح5498 ، تاريخ بغداد : ج7 ص387 ح3919 ، تاريخ دمشق : ج42 ص59 ح8399 ، حلية الأولياء : ج7 ص256 ، المناقب لابن المغازلي : ص91 ح134 ، الفردوس : ج4 ص123 ح6380 ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص357 ح282 وفيهما «بألفي ألف»بدل «بألفي» ، الخصال : ص638 ح11 كلّها عن جابر وزاد فيها «والأرض» بعد «السماوات» .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص58 ح8397 عن عليّ بن أحمد بن عامر ، المناقب لابن المغازلي : ص67 ح96 عن أحمد بن عامر وكلاهما عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام ، كنز العمّال : ج11 ص487 ح32297 نقلاً عن الرافعي عن الإمام عليّ عليه السلام عنه صلى الله عليه و آله ؛ عيون أخبار الرضا : ج2 ص30 ح39 عن أحمد بن عامر وأحمد بن عبد اللّه وداود بن سليمان عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام عنه صلى الله عليه و آله ، المحاسن : ج1 ص287 ح566 عن عليّ بن أبي عليّ اللهبي رفعه نحوه ، صحيفة الإمام الرضا عليه السلام : ص133 ح83 ، علل الشرائع : ص184 ح2 ، عيون المعجزات : ص57 وزاد فيه «ووزيرك» بعد «أخوك» وكلاهما نحوه ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص186 والثلاثة الأخيرة عن ابن عبّاس .
3- .تاريخ دمشق : ج42 ص62 ح8404 ، اُسد الغابة : ج3 ص105 ح2659 ، المناقب لابن المغازلي : ص38 ح58 وفيه «خير إخواني عليّ» وكلّها عن عابس ، الصواعق المحرقة : ص124 ح28 ، كنز العمّال : ج11 ص600 ح32893 كلاهما نقلاً عن الديلمي عن عائشة ؛ عيون أخبار الرضا : ج2 ص61 ح247 عن الحسن بن عبد اللّه بن محمّد بن العبّاس الرازي عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلامعنه صلى الله عليه و آله ، المناقب للكوفي : ج1 ص340 ح266 عن عبد الرحمن بن عابس عن عمّه .
4- .الخصال : ص573 ح1 عن مكحول عن الإمام عليّ عليه السلام ، الأمالي للصدوق : ص442 ح588 عن سليمان بن مهران عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلامعنه صلى الله عليه و آله و ص434 ح573 عن ابن عبّاس ، بشارة المصطفى : ص55 عن أبي سعيد عقيصا عنالحسين بن عليّ عن الإمام عليّ عليهماالسلامعنه صلى الله عليه و آله ، تفسير فرات : ص567 ح726 عن موسى بن عيسى ، المناقب للكوفي : ج1 ص319 ح240 عن عبد اللّه بن الحارث ، عوالي اللآلي : ج4 ص89 ح116 وفيها صدره .

ص: 462

فضائل الصحابة عن سعيد بن المسيّب :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله آخى بَينَ أصحابِهِ ، فَبَقِيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأبو بَكرٍ وعُمَرُ وعَلِيٌّ ، فَآخى بَينَ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ، وقالَ لِعَلِيٍّ : أنتَ أخي وأنَا أخوكَ (1) .

المستدرك على الصحيحين عن جميع بن عمير التيمي عن ابن عمر :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله آخى بَينَ أصحابِهِ ؛ فَآخى بَينَ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ، وبَينَ طَلحَةَ وَالزُّبَيرِ ، وبَينَ عُثمانَ بنِ عَفّانَ وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ . فَقالَ عَلِيٌّ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ قَد آخَيتَ بَينَ أصحابِكَ ، فَمَن أخي ؟ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أ ما تَرضى يا عَلِيُّ أن أكونَ أخاكَ ؟ قالَ ابنُ عُمَرَ : وكانَ عَلِيٌّ رضى الله عنهجَلدا شُجاعا . فَقالَ عَلِيٌّ : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (2) .

سنن الترمذي عن ابن عمر :آخى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ أصحابِهِ ، فَجاءَ عَلِيٌّ تَدمَعُ عَيناهُ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، آخَيتَ بَينَ أصحابِكَ ولَم تُؤاخِ بَيني وبَينَ أحَدٍ ؟ فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (3) .

.


1- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص597 ح1019 .
2- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص16 ح4289، تاريخ دمشق : ج42 ص96 ؛ شرح الأخبار : ج2 ص178 ح518 كلاهما نحوه، المناقب للكوفي: ج1 ص306 ح225 وص319 ح241 وص325 ح246 و ص346 ح272 .
3- .سنن الترمذي : ج5 ص636 ح3720 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص15 ح4288 وفي صدره «لمّا ورد رسول اللّه صلى الله عليه و آله المدينة . . .» ، تاريخ دمشق : ج42 ص51 ح8383 ، تذكرة الخواصّ : ص24 ، المناقب لابن المغازلي : ص37 ح57 ؛ بشارة المصطفى : ص204 ، المناقب للكوفي : ج1 ص343 ح269 و ص357 ح284 ، شرح الأخبار : ج1 ص191 ح150 نحوه .

ص: 463

فضائل الصحابة عن عمر بن عبد اللّه عن أبيه عن جدّه :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله آخى بَينَ النّاسِ وتَرَكَ عَلِيّا حَتّى بَقِيَ آخِرَهُم لا يَرى لَهُ أخا ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، آخَيتَ بَينَ النّاسِ وتَرَكتَني ؟ قالَ : ولِمَ تَراني تَرَكتُكَ ؟ إنَّما تَرَكتُكَ لِنَفسي ! أنتَ أخي ، وأنَا أخوكَ ، فَإِن ذاكَرَكَ أحَدٌ فَقُل : أنَا عَبدُ اللّهِ وأخو رَسولِهِ ، لا يَدَّعيها بَعدُ إلّا كَذّابٌ (1) .

فضائل الصحابة عن زيد بن أبي أوفى :دَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَسجِدَهُ ، فَذَكَرَ قِصَّةَ مُؤاخاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ أصحابِهِ ، فَقالَ عَلِيٌّ _ يَعني لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _ : لَقَد ذَهَبَت روحي وَانقَطَعَت ظَهري حينَ رَأَيتُكَ فَعَلتَ بِأَصحابِكَ ما فَعَلتَ غَيري ، فَإِن كانَ هذا مِن سَخَطٍ عَلَيَّ فَلَكَ العُتبى وَالكَرامَةُ ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ ما أخَّرتُكَ إلّا لِنَفسي ، فَأَنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ، وأنتَ أخي ، ووارِثي _ قالَ وما أرِثُ مِنكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : ما وَرَّثَ الأَنبِياءُ قَبلي . قالَ : وما وَرَّثَ الأَنبِياءُ قَبلَكَ ؟ قالَ : كِتابَ اللّهِ وسُنَّةَ نَبِيِّهِم _ وأنتَ مَعي في قَصرٍ فِي الجَنَّةِ مَعَ فاطِمَةَ ابنَتي ، وأنتَ أخي ورَفيقي . ثُمَّ تَلا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إِخْوَ نًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَ_بِلِينَ» (2) ؛ المُتَحابّونَ فِي اللّهِ يَنظُرُ بَعضُهُم إلى بَعضٍ (3) .

.


1- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص617 ح1055 ، تاريخ دمشق : ج42 ص61 ح8400 عن يعلى بن مرّة وفيه «حاجّك» بدل «ذاكرك» ، كنز العمّال : ج13 ص140 ح36440 نقلاً عن مسند أبي يعلى عن الإمام عليّ عليه السلام ؛ كشف الغمّة : ج1 ص326 وراجع شرح الأخبار : ج2 ص477 ح838 .
2- .الحِجر : 47 .
3- .فضائل الصحابة لابن حنبل: ج2 ص638 ح1085 و ص666 ح1137 ، المعجم الكبير : ج5 ص221 ح5146 نحوه ، تاريخ دمشق : ج42 ص53 ح8387 ، المناقب للخوارزمي : ص152 ح178 ، الدرّ المنثور : ج6 ص77 ، تذكرة الخواصّ : ص23 ؛ تفسير فرات : ص227 ح304 كلاهما عن عبد اللّه بن أبي أوفى ، كشف الغمّة : ج1 ص326 عن زيد بن آدمي وراجع الأمالي للصدوق : ص427 ح563 .

ص: 464

الإمام عليّ عليه السلام :آخى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ أصحابِهِ ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، آخَيتَ بَينَ أصحابِكَ وتَرَكتَني فَردا لا أخَ لي ؟ فَقالَ : إنَّما أخَّرتُكَ لِنَفسي ، أنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وأنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى . فَقُمتُ وأنَا أبكي مِنَ الجَذَلِ (1) وَالسُّرورِ ، فَأَنشَأتُ أقولُ : أقِيكَ بِنَفسي أيُّهَا المُصطَفَى الَّذي هَدانا بِهِ الرَّحمنُ مِن عَمَهِ الجَهلِ وأفديكَ حَوبائي وما قَدرُ مُهجَتي لِمَن أنتَمي مَعَهُ إلَى الفَرعِ وَالأَصلِ ومَن جَدُّهُ جَدّي ومَن عَمُّهُ أبي ومَن أهلُهُ ابني ومَن بِنتُهُ أهلي ومَن ضَمَّني إذ كُنتُ طِفلاً ويافِعا وأنعَشَني بِالبِرِّ وَالعَلِّ وَالنَّهلِ ومَن حينَ آخى بَينَ مَن كانَ حاضِرا دَعاني فَآخاني وبَيَّنَ مِن فَضلي لَكَ الخَيرُ إنّي ما حَييتُ لَشاكِرٌ لِاءِحسانِ ما أولَيتَ يا خاتَمَ الرُّسلِ (2)

فضائل الصحابة عن محدوج بن زيد :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله آخى بَينَ المُسلِمينَ ، ثُمَّ قالَ : يا عَلِيُّ ، أنتَ أخي ، وأنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى غَيرَ أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي . أ ما عَلِمتَ يا عَلِيٌّ أنَّهُ أوَّلُ مَن يُدعى بِهِ يَومَ القِيامَةِ يُدعى بي ، فَأَقومُ عَن يَمينِ العَرشِ في ظِلِّهِ فَاُكسى حُلَّةً خَضراءَ مِن حُلَلِ الجَنَّةِ ، ثُمَّ يُدعى بِالنَّبِيّينَ بَعضُهُم عَلى أثَرِ بَعضٍ . . . ثُمَّ يُنادي مُنادٍ مِن تَحتِ العَرشِ : نِعمَ الأَبُ أبوكَ إبراهيمُ ، ونِعمَ الأَخُ أخوكَ عَلِيٌّ . أبشِر يا عَلِيُّ ، إنَّكَ تُكسى إذا كُسيتُ ، وتُدعى إذا دُعيتَ ، وتُحيا إذا حُييتُ (3) .

.


1- .الجَذَل : الفَرَح (مجمع البحرين : ج1 ص280) .
2- .كنز الفوائد : ج2 ص180 عن سليمان بن جعفر الهاشمي عن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه عليهم السلام ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص186 عن الإمام الصادق عليه السلام نحوه .
3- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص663 ح1131 ، تاريخ دمشق : ج42 ص53 ح8389 وزاد فيه «أخذ بيد عليّ فوضعها على صدره» بعد «آخى بين المسلمين» ، المناقب لابن المغازلي : ص42 ح65 عن أبي زيد الباهلي ، المناقب للخوارزمي : ص140 ح159 ؛ الأمالي للصدوق : ص402 ح520 عن مخدوج بن زيد .

ص: 465

العمدة عن زيد بن أرقم :دَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : إنّي مُؤاخٍ بَينَكُم كَما آخَى اللّهُ بَينَ المَلائِكَةِ . ثُمَّ قالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : أنتَ أخي ورَفيقي ، ثُمَّ تَلا هذِهِ الآيَةَ : «إِخْوَ نًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَ_بِلِينَ» ، الأَخِلّاءُ فِي اللّهِ يَنظُرُ بَعضُهُم إلى بَعضٍ (1) .

الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا خَطَبَ أبو بَكرٍ قامَ إلَيهِ اُبَيُّ بنُ كَعبٍ _ وكانَ يَومَ الجُمُعَةِ أوَّلَ يَومٍ مِن شَهرِ رَمَضانَ _ فَقالَ : يا مَعشَرَ المُهاجِرينَ ... أ لَستُم تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبلَ مَوتِهِ قَد جَمَعَنا في بَيتِ ابنَتِهِ فاطِمَةَ عليهاالسلام ، فَقالَ لَنا : إنَّ اللّهَ تَعالى أوحى إلى موسَى بنِ عِمرانَ أنِ اتَّخِذ أخا مِن أهلِكَ فَاجعَلهُ نَبِيّا ، وَاجعَل أهلَهُ لَكَ وُلدا ، اُطَهِّرُهُم مِنَ الآفاتِ ، واُخَلِّصُهُم مِنَ الرَّيبِ . فَاتَّخَذَ موسى هارونَ أخا ، ووُلدَهُ أئِمَّةً لِبَني إسرائيلَ مِن بَعدِهِ ، الَّذينَ يَحِلُّ لَهُم في مَساجِدِهِم ما يَحِلُّ لِموسى عليه السلام . وإنَّ اللّهَ تَعالى أوحى إلَيَّ أنِ اتَّخِذ عَلِيّا أخا ، كَما إنَّ موسَى اتَّخَذَ هارونَ أخا ، وَاتَّخِذ وُلدَهُ وُلدا ، فَقَد طَهَّرتُهُم كَما طَهَّرتُ وُلدَ هارونَ ، ألا وإنّي قَد خَتَمتُ بِكَ النَّبِيّينَ ، فَلا نَبِيَّ بَعدَكَ ؛ فَهُمُ الأَئِمَّةُ الهادِيَةُ (2) .

راجع : ج 1 ص 403 (أحاديث الوراثة) و ج 4 ص 420 (المنزلة عند النبيّ / هو منّي وأنا منه) و ص 427 (قاضي دَيني) و ص 443 (وزيري) ، و ص 448 (وصيّي)، و ص 450 (صفيّي) و ص 482 (صاحب لوائي) ، و ص 491 (رفيقي في الجنّة).

.


1- .العمدة : ص170 ح263 ، كشف الغمّة : ج1 ص328 .
2- .الاحتجاج : ج1 ص297 ح52 ، المناقب للكوفي : ج1 ص225 ح142 و ص417 ح330 كلّها عن عبد اللّه بن الحسن عن أبيه عليه السلام ، اليقين : ص449 ح170 عن يحيى بن عبد اللّه بن الحسن عن جدّه عليه السلام عنه عليه السلام .

ص: 466

4 / 1 _ 4 احتجاج الإمام بالإخاء بينه وبين النّبيّ

4 / 1 _ 4اِحتِجاجُ الإِمامِ بِالإِخاءِ بَينَهُ وبَينَ النَّبِيِّالاستيعاب عن أبي الطفيل :لَمَّا احتَضَرَ عُمَرُ جَعَلَها [الخِلافَةَ] شورى بَينَ عَلِيٍّ وعُثمانَ وطَلحَةَ وَالزُّبَيرِ وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ وسَعدٍ ، فَقالَ لَهُم عَلِيٌّ : أنشُدُكُمُ اللّهَ ، هَل فيكُم أحَدٌ آخى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَهُ وبَينَهُ _ إذ آخى بَينَ المُسلِمينَ _ غَيري ؟قالوا : اللّهُمَّ لا (1) .

الإمام عليّ عليه السلام :أنَا عَبدُ اللّهِ ، وأخو رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وأنَا الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، لا يَقولها بَعدي إلّا كَذّابٌ (2) .

عنه عليه السلام :أنَا عَبدُ اللّهِ ، وأخو رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، لَم يَقُلها أحَدٌ قَبلي ولا يَقولُها أحَدٌ بَعدي إلّا كَذّابٌ مُفتَرٍ (3) .

تاريخ دمشق عن زيد بن وهب :كُنّا ذاتَ يَومٍ عِندَ عَلِيٍّ ، فَقالَ : أنَا عَبدُ اللّهِ ، وأخو رَسولِهِ ، لا يَقولُها بَعدي إلّا كَذّابٌ . فَقالَ رَجُلٌ مِن غَطَفانَ : وَاللّهِ لَأَقولَنَّ كَما قالَ هذَا الكَذّابُ ؛ أنَا عَبدُ اللّهِ وأخو

.


1- .الاستيعاب : ج3 ص202 ح1875 .
2- .سنن ابن ماجة : ج1 ص44 ح120 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص121 ح4584 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص58 ح993 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص498 ح21 ، السنّة لابن أبي عاصم : ص584 ح1324 ، تاريخ الطبري : ج2 ص310 ؛ الخصال : ص402 ح110 كلّها عن عبّاد بن عبد اللّه .
3- .المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص497 ح16 عن زيد بن وهب ، تاريخ دمشق : ج42 ص60 عن عبد اللّه بن ثمامة ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص135 ح67 عن أبي سليمان الجهني ، الاستيعاب : ج3 ص202 ح1875 وفيه «روينا من وجوه عن عليّ أنّه كان يقول . . .» ؛ عيون أخبار الرضا : ج2 ص63 ح262 عن الحسن ابن عبد اللّه بن محمّد بن العبّاس الرازي عن الإمام الرضا عن آبائه عنه عليهم السلاموليس في الثلاثة الأخيرة «لم يقُلها أحد قبلي» ، الأمالي للطوسي : ص85 ح129 عن عُقبة الهَجَري عن عمّه نحوه ، شرح الأخبار : ج1 ص191 ح149 عن حبّة العرني .

ص: 467

4 / 2 مماثلة حقوقه حقوق النّبيّ في مسجده
4 / 2 _ 1 سدّت الأبواب غير باب عليّ

رَسولِهِ . قالَ : فَصُرِعَ ، فَجَعَلَ يَضطَرِبُ ، فَحَمَلَهُ أصحابُهُ ، فَأَتبَعتُهُم حَتَّى انتَهَينا إلى دارِ عُمارَةَ . فَقُلتُ لِرَجُلٍ مِنهُم : أخبِرني عَن صاحِبِكُم ؟ فَقالَ : ماذا عَلَيكَ مِن أمرِهِ ؟ فَسَأَلتُهُم بِاللّهِ ، فَقالَ بَعضُهُم : لا وَاللّهِ ما كُنّا نَعلَمُ بِهِ بَأسا حَتّى قالَ تِلكَ الكَلِمَةَ ، فَأَصابَهُ ما تَرى . فَلَم يَزَل كَذلِكَ حَتّى ماتَ (1) .

تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن البهيّ :قالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه _ يَومَ بارَزَ المُشرِكينَ وقالوا : مَن أنتَ ؟ قالَ _ : أنَا عَبدُ اللّهِ ، وأخو رَسولِهِ (2) .

راجع : كتاب «الغدير» : ج3 ص111 _ 125.

4 / 2مُماثَلَةُ حُقوقِهِ حُقوقَ النَّبِيِّ في مَسجِدِهِ4 / 2 _ 1سُدَّتِ الأَبوابُ غَيرَ بابِ عَلِيٍّسنن الترمذي عن ابن عبّاس :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَ بِسَدِّ الأَبوابِ إلّا بابَ عَلِيٍّ (3) .

مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : سُدّوا أبوابَ المَسجِدِ غَيرَ بابِ عَلِيٍّ . فَيَدخُلُ المَسجِدَ جُنُبا وهُوَ طَريقُهُ لَيسَ لَهُ طريقٌ غَيرُهُ (4) .

.


1- .تاريخ دمشق : ج42 ص61 ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص329 ح254 و ص347 ح273 وراجع ص314 ح234 ومسند زيد : ص408 .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص60 .
3- .سنن الترمذي : ج5 ص641 ح3732 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص105 ح43 ، حلية الأولياء : ج4 ص153 ، تاريخ دمشق : ج42 ص138 ، المناقب لابن المغازلي : ص260 ح308 ؛ الأمالي للصدوق : ص414 ح540 ، المناقب للكوفي : ج2 ص464 ح959 وزاد فيها «فسدّت» قبل «إلّا» .
4- .مسند ابن حنبل : ج1 ص709 ح3062 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص684 ح1168 ، المستدرك فعلى الصحيحين : ج3 ص144 ح4652 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص73 ح23 و ص105 ح44 ، الإصابة : ج4 ص467 ح5704 ، البداية والنهاية : ج7 ص339 ، المناقب للخوارزمي : ص127 ح140 ؛ شرح الأخبار : ج2 ص210 ح541 عن عمرو بن ميمون وفيها «سدّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله » بدل «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : سدّوا» .

ص: 468

مسند ابن حنبل عن عبد اللّه بن الرقيم الكناني :خَرَجنا إلَى المَدينَةِ زَمَنَ الجَمَلِ ، فَلَقينا سَعدَ بنَ مالِكٍ بِها ، فَقالَ : أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِسَدِّ الأَبوابِ الشّارِعَةِ فِي المَسجِدِ ، وتَرَكَ بابَ عَلِيٍّ رضى الله عنه (1) .

تاريخ بغداد عن جابر بن عبد اللّه :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : سُدُّوا الأَبوابَ كُلَّها إلّا بابَ عَلِيٍّ _ وأومَأَ بِيَدِهِ إلى بابِ عَلِيٍّ _ (2) .

المعجم الأوسط عن العلاء بن عرار :سُئِلَ ابنُ عُمَرَ عَن عَلِيٍّ وعُثمانَ . فَقالَ : أمّا عَلِيٌّ فَلا تَسأَلوا عَنهُ ؛ اُنظُروا إلى مَنزِلَتِهِ مِن رَسولِ اللّهِ ، فَإِنَّهُ سَدَّ أبوابَنا فِي المَسجِدِ ، وأقَرَّ بابَهُ (3) .

مسند البزّار عن مصعب بن سعد عن أبيه :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : سُدّوا عَنّي كُلَّ خَوخَةٍ (4) فِي المَسجِدِ إلّا خَوخَةَ عَلِيٍّ (5) .

مسند ابن حنبل عن زيد بن أرقم :كانَ لِنَفَرٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أبوابٌ شارِعَةٌ فِي المَسجِدِ ، قالَ : فَقالَ يَوما : سُدّوا هذِهِ الأَبوابَ إلّا بابَ عَلِيٍّ . قالَ : فَتَكَلَّمَ في ذلِكَ النّاسُ ، قالَ : فَقامَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَحَمِدَ اللّهَ تَعالى وأثنى

.


1- .مسند ابن حنبل : ج1 ص371 ح1511 .
2- .تاريخ بغداد : ج7 ص205 ح3669 ، حلية الأولياء : ج4 ص153 عن ابن عبّاس ؛ عيون أخبار الرضا : ج2 ص67 ح302 عن عبد اللّه التميمي عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام وزاد فيه «الشارعة في المسجد» قبل «إلّا» وليس فيهما ذيله ، الأمالي للصدوق : ص414 ح541 عن ابن عمرو .
3- .المعجم الأوسط : ج2 ص38 ح1166 .
4- .الخَوخَةُ : بابٌ صغِيرٌ كالنّافِذَة الكَبِيرَة ، وتكُون بَين بَيتَين يُنصَبُ عليها بابٌ (النهاية : ج2 ص86) .
5- .مسند البزّار : ج3 ص368 ح1169 .

ص: 469

عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنّي أمَرتُ بِسَدِّ هذِهِ الأَبوابِ إلّا بابَ عَلِيٍّ ، وقالَ فيهِ قائِلُكُم ، وإنّي وَاللّهِ ما سَدَدتُ شَيئا ولا فَتَحتُهُ ! ولكِنّي اُمِرتُ بِشَيءٍ فَاتَّبَعتُهُ (1) .

المعجم الكبير عن ابن عبّاس :لَمّا اُخرِجَ أهلُ المَسجِدِ وتُرِكَ عَلِيٌّ قالَ النّاسُ في ذلِكَ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : ما أنَا أخرَجتُكُم مِن قِبَلِ نَفسي ، ولا أنَا تَرَكتُهُ ، ولكِنَّ اللّهَ أخرَجَكُم وتَرَكَهُ ؛ إنَّما أنَا عَبدٌ مَأمورٌ ، ما اُمِرتُ بِهِ فَعَلتُ ؛ «إِنْ أَتَّبِعُ إِلَا مَا يُوحَى إِلَىَّ» (2) . (3)

خصائص أمير المؤمنين عن الحارث بن مالك :أتَيتُ مَكَّةَ فَلَقيتُ سَعدَ بنَ أبي وَقّاصٍ ، فَقُلتُ لَهُ : هَل سَمِعتَ لِعَلِيٍّ مَنقَبَةً ؟ قالَ : كُنّا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي المَسجِدِ فَنودِيَ فينا لَيلاً : لِيَخرُج مَن فِي المَسجِدِ إلّا آلَ رَسولِ اللّهِ وآلَ عَلِيٍّ . قالَ : فَخَرَجنا . فَلَمّا أصبَحَ أتاهُ عَمُّهُ العَبّاسُ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أخرَجتَ أصحابَكَ وأعمامَكَ وأسكَنتَ هذَا الغُلامَ ؟ ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما أنَا أمَرتُ بِإِخراجِكُم ، ولا بِإِسكانِ هذَا الغُلامِ ، إنَّ اللّهَ هُوَ أمَرَ بِهِ (4) .

خصائص أمير المؤمنين عن سعد :إنَّ العَبّاسَ أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : سَدَدتَ أبوابَنا إلّا باب

.


1- .مسند ابن حنبل : ج7 ص79 ح19307 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص581 ح985 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص135 ح4631 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص98 ح38 ، تاريخ دمشق : ج42 ص138 ح8522 و 8523 ، المناقب لابن المغازلي : ص257 ح305 كلاهما عن البراء بن عازب ، الصواعق المحرقة : ص124 ح24 وفيه من «إنّي أمرت» ، المناقب للخوارزمي : ص327 ح338 ؛ الأمالي للصدوق : ص413 ح537 ، روضة الواعظين : ص132 وراجع المعجم الأوسط : ج4 ص186 ح3930 ومسند أبي يعلى : ج1 ص335 ح699 وفرائد السمطين : ج1 ص205 ح160 وتهذيب الأحكام : ج6 ص15 ح34 والخصال : ص311 ح87 وعلل الشرائع : ص201 ح1 .
2- .الأنعام : 50 .
3- .المعجم الكبير : ج12 ص114 ح12722 .
4- .خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص101 ح40 ، تاريخ دمشق : ج42 ص116 ح8483 .

ص: 470

عَلِيٍّ ؟ ! فَقالَ : ما أنَا فَتَحتُها ، ولا أنَا سَدَدتُها (1) .

المستدرك على الصحيحين عن سعد بن مالك :أخرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَمَّهَ العَبّاسَ وغَيرَهُ مِنَ المَسجِدِ ، فَقالَ لَهُ العَبّاسُ : تُخرِجُنا ونَحنُ عُصبَتُكَ وعُمومَتُكَ ، وتُسكِنُ عَلِيّا ؟ ! فَقالَ : ما أنَا أخرَجتُكُم وأسكَنتُهُ ، ولكِنَّ اللّهَ أخرَجَكُم وأسكَنَهُ (2) .

المعجم الكبير عن جابر بن سمرة :أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِسَدِّ أبوابِ المَسجِدِ كُلِّها غَيرَ بابِ عَلِيٍّ عليه السلام . فَقالَ العَبّاسُ : يا رَسولَ اللّهِ ، قَدرَ ما أدخُلُ أنَا وَحدي وأخرُجُ ؟قالَ : ما اُمِرتُ بِشَيءٍ مِن ذلِكَ . فَسَدَّها كُلَّها غَيرَ بابِ عَلِيٍّ ، ورُبَّما مَرَّ وهُوَ جُنُبٌ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام :أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدي فَقالَ : إنَّ موسى سَأَلَ رَبَّهُ أن يُطَهِّرَ مَسجِدَهُ بِهارونَ ، وإنّي سَأَلتُ رَبّي أن يُطَهِّرَ مَسجِدي بِكَ وبِذُرِّيَّتِكَ . ثُمَّ أرسَلَ إلى أبي بَكرٍ أن سُدَّ بابَكَ ، فَاستَرجَعَ ، ثُمَّ قالَ : سَمعٌ وطاعَةٌ ، فَسَدَّ بابَهُ . ثُمَّ أرسَلَ إلى عُمَرَ ، ثُمَّ أرسَلَ إلَى العَبّاسِ بِمِثلِ ذلِكَ ، ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما أنَا سَدَدتُ أبوابَكُم وفَتَحتُ بابَ عَلِيٍّ ، ولكِنَّ اللّهَ فَتَحَ بابَ عَلِيٍّ وسَدَّ أبوابَكُم ! (4)

الإمام الحسن عليه السلام :أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِسَدِّ الأَبوابِ الشّارِعَةِ في مَسجِدِهِ غَيرَ بابِنا ، فَكَلَّموهُ في ذلِكَ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : إنّي لَم أسُدَّ أبوابَكُم وأفتَح بابَ عَلِيٍّ مِن تِلقاءِ نَفسي ، ولكِنّي أتَّبِعُ ما يوحى إلَيَّ ، وإنَّ اللّهَ أمَرَ بِسَدِّها وفَتحِ بابِهِ .

.


1- .خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص103 ح41 ، المناقب لابن المغازلي : ص258 ح306 .
2- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص126 ح4601 وراجع المناقب للكوفي : ج2 ص459 ح954 و ص463 ح958 .
3- .المعجم الكبير : ج2 ص246 ح2031 ؛ المناقب للكوفي : ج2 ص459 ح955 وفيه «دع لي ما اُخرج نفسي» بدل «يا رسول اللّه ، قدر ما أدخل أنا وحدي وأخرج» .
4- .مسند البزّار : ج2 ص144 ح506 عن عيسى المدني عن الإمام زين العابدين عن أبيه عليهماالسلام ، مجمع الزوائد : ج9 ص149 ح14673 وفيه «يظهر» بدل «يطهّر» في كلا الموضعين وراجع المناقب للكوفي : ج2 ص460 ح956 .

ص: 471

فَلَم يَكُن مِن بَعدِ (1) ذلِكَ أحَدٌ تُصيبُهُ جَنابَةٌ في مَسجِدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ويُوَلِّدُ فيهِ الأَولادَ غَيرُ رَسولِ اللّهِ وأبي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ تَكرِمَةً مِنَ اللّهِ تَعالى لَنا ، وفَضلاً اختَصَّنا بِهِ عَلى جَميعِ النّاسِ (2) .

الإمام الباقر عليه السلام :كَثُرَ الغُرَباءُ مِمَّن يَدخُلُ فِي الإِسلامِ من أهلِ الحاجَةِ بِالمَدينَةِ ، وضاقَ بِهِمُ المَسجِدُ ، فَأَوحَى اللّهُ عَزَّ وجَلَّ إلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله أن طَهِّر مَسجِدَكَ ، وأخرِج مِنَ المَسجِدِ مَن يَرقُدُ فيهِ بِاللَّيلِ ، ومُر بِسَدِّ أبوابِ مَن كانَ لَهُ في مَسجِدِكَ بابٌ إلّا بابَ عَلِيٍّ عليه السلام ومَسكَنَ فاطِمَةَ عليهاالسلام ، ولا يَمُرَّنَّ فيهِ جُنُبٌ ولا يَرقُد فيهِ غَريبٌ . قالَ : فَأَمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِسَدِّ أبوابِهِم إلّا بابَ عَلِيٍّ عليه السلام ، وأقَرَّ مَسكَنَ فاطِمَةَ عليهاالسلامعَلى حالِهِ . قالَ : ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَ أن يُتَّخَذَ لِلمُسلِمينَ سَقيفَةٌ ، فَعُمِلَت لَهُم وهِيَ الصُّفَّةُ ، ثُمَّ أمَرَ الغُرَباءَ وَالمساكينَ أن يَظَلّوا فيها نَهارَهُم ولَيلَهُم ، فَنَزَلوها وَاجتَمَعوا فيها (3) .

المناقب لابن المغازلي عن حذيفة بن أسيد الغفاري :لَمّا قَدِمَ أصحابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله المَدينَةَ لَم يَكُن لَهُم بُيوتٌ يَبيتونَ فيها ، فَكانوا يَبيتونَ فِي المَسجِدِ ، فَقالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لا تَبيتوا فِي المَسجِدِ فَتَحتَلِموا . ثُمَّ إنَّ القَومَ بَنَوا بُيوتا حَولَ المَسجِدِ ، وجَعَلوا أبوابَها إلَى المَسجِدِ . وإنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله بَعَثَ إلَيهِم مُعاذَ بنَ جَبَلٍ ، فَنادى أبا بَكرٍ فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ يَأمُرُكَ أن تَخرُجَ مِنَ المَسجِدِ . فَقالَ : سَمعا وطاعَةً . فَسَدَّ بابَهُ ، وخَرَجَ مِنَ المَسجِدِ .

.


1- .في المصدر : «بعده» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار نقلاً عن المصدر .
2- .الأمالي للطوسي : ص565 ح1174 عن عبد الرحمن بن كثير عن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج10 ص142 ح5 .
3- .الكافي : ج5 ص340 ح1 عن أبي حمزة الثمالي .

ص: 472

ثُمَّ أرسَلَ إلى عُمَرَ فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَأمُرُكَ أن تَسُدَّ بابَكَ الَّذي فِي المَسجِدِ ، وتَخرُجَ مِنهُ . فَقالَ : سَمعا وطاعَةً لِلّهِ ولِرَسولِهِ ، غَيرَ أنّي أرغَبُ إلَى اللّهِ في خَوخَةٍ في المَسجِدِ . فَأَبلَغَهُ مُعاذٌ ما قالَ عُمَرُ . ثُمَّ أرسَلَ إلى عُثمانَ _ وعِندَهُ رُقَيَّةُ _ فَقالَ : سَمعا وطاعَةً . فَسَدَّ بابَهُ ، وخَرَجَ مِن المَسجِدِ . ثُمَّ أرسَلَ إلى حَمزَةَ فَسَدَّ بابَهُ وقالَ : سَمعا وطاعَةً لِلّهِ ولِرَسولِهِ . وعَلِيٌّ عَلى ذلِكَ يَتَرَدَّدُ ؛ لا يَدري أهُوَ فيمَن يُقيمُ ، أو فيمَن يَخرُجُ . وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله قَد بَنى لَه بَيتا فِي المَسجِدِ بَينَ أبياتِهِ ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : اُسكُن طاهِرا مُطَهَّرا ! فَبَلَغَ حَمزَةَ قَولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ ، فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، تُخرِجُنا وتُمسِكُ غِلمانَ بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ؟ ! فَقالَ لَهُ نَبِيُّ اللّهِ : لا ، لَو كانَ الأَمرُ لي ما جَعَلتُ مِن دونِكُم مِن أحَدٍ ، وَاللّهِ ما أعطاهُ إيّاهُ إلَا اللّهُ ، وإنَّكَ لَعَلى خَيرٍ مِنَ اللّهِ ورَسولِهِ ، أبشِر . فَبَشَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، فَقُتِلَ يَومَ اُحُدٍ شَهيدا . ونَفَسَ (1) ذلِكَ رِجالٌ عَلى عَلِيٍّ ، فَوَجَدوا في أنفُسِهِم ، وتَبَيَّنَ فَضلُهُ عَلَيهِم وعَلى غَيرِهِم مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقامَ خَطيبا فَقالَ : إنَّ رِجالاً يَجِدونَ في أنفُسِهِم في أنّي أسكَنتُ عَلِيّا فِي المَسجِدِ ! وَاللّهِ ما أخرَجتُهُم ،ولا أسكَنتُهُ ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أوحى إلى موسى وأخيهِ : «أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَ اجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ» (2) ، وأمَرَ موسى أن لا يَسكُنَ مَسجِدَهُ ، ولا يَنكِحَ فيهِ ، ولا يَدخُلَهُ إلّا هارونُ وذُرِّيَّتُهُ ، وإنَّ عَلِيّا مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، وهُوَ أخي دونَ أهلي ، ولا يَحِلُّ مَسجدي لِأَحَدٍ يَنكِحَ فيهِ النِّساءَ إلّا عَلِيٌّ وذُرِّيَّتُهُ ،

.


1- .النّفْس : العَين ، يقال : نَفَسْتُك بنَفْس ؛ إذا أصَبتَه بعين (لسان العرب : ج6 ص236) .
2- .يونس : 87 .

ص: 473

إشارة

فَمَن ساءَهُ فَهاهُنا _ وأومَأَ بِيَدِهِ نَحوَ الشّامِ _ (1) .

أقولُ : قالَ السُّيوطِيُّ في كِتابِ شَدِّ الأَثوابِ في سَدِّ الأَبوابِ : قَد ثَبَتَ بِهذِهِ الأَحاديثِ الصَّحيحَةِ بَلِ المُتَواتِرَةِ أنَّهُ صلى الله عليه و آله مَنَعَ مِن فَتحِ بابٍ شارِعٍ إلَى [ ال_ ] _مَسجِدِ ، ولَم يَأذَن في ذلِكَ لِأَحَدٍ . . . إلّا لِعَلِيٍّ (2) .

إشارةورد في بعض روايات سدّ الأبواب اسم «العبّاس» (3) وفي بعضها «حمزة» (4) وفي بعضها اُطلق لفظ «عمّه» (5) . ومن الجدير بالذكر هو أنّ العبّاس وحمزة لم يعيشا في المدينة في زمان واحد ؛ إذ استُشهد حمزة في السنة الثالثة للهجرة في معركة اُحد ، ولم يأتِ العبّاس إلى المدينة بعدُ ، بل أتاها في السنين الأخيرة من عمر النبيّ صلى الله عليه و آله . ولعلّ منشأ ذلك هو اشتباه أحدهما بالآخر ؛ فكلاهما عمّ النبيّ صلى الله عليه و آله . ولكن أيّهما الصحيح ؟ الراجح في نظرنا هو «حمزة» ، ويؤيّد ذلك اُمور ، منها : الحديث السابق الذى ¨

.


1- .المناقب لابن المغازلي : ص254 ح303 وراجع علل الشرائع : ص202 ح3 وشرح الأخبار : ج2 ص203 ح533 ودعائم الإسلام : ج1 ص17 والطرائف : ص61 ح60 .
2- .الحاوي للفتاوي : ج2 ص158 .
3- .تقدّم بعضٌ منها .
4- .الإصابة : ج2 ص141 الرقم 1951 ، مسند البزّار : ج2 ص319 ح750 ، المناقب لابن المغازلي : ص254 ح303 ، فرائد السمطين : ج1 ص206 ح161 ؛ كشف اليقين : ص251 ح279 ، الطرائف : ص62 ح61 ، إعلام الورى : ج1 ص160 ، شرح الأخبار : ج2 ص196 ح530 .
5- .السنن الكبرى للنسائي : ج5 ص118 ح8425 .

ص: 474

4 / 2 _ 2 اُحلّ لعليّ ما اُحلّ للنّبيّ

ذكرت فيه حادثة سدّ الأبواب في زمان السيّدة رقيّة ابنة النبيّ صلى الله عليه و آله ، والتي توفّيت في السنة الثانية للهجرة ، مقارنا لمعركة بدر . والقرينة الثانية : هي أنّ العبّاس ذو عهد قريب بالإسلام ، ولم يكن اتّخذ المدينة مسكنا إلّا حديثا ، فمن البعيد حصوله على محلّ ملاصق لمسجد النبيّ صلى الله عليه و آله ثُمَّ يأمل مساواته بأمير المؤمنين عليّ عليه السلام .

4 / 2 _ 2اُحِلَّ لِعَلِيٍّ ما اُحِلَّ لِلنَّبِيِّتاريخ المدينة عن جابر بن عبد اللّه :أخرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله اُناسا مِنَ المَسجِدِ ، وقالَ : لا تَرقُدوا في مَسجدي هذا . قالَ : فَخَرَجَ النّاسُ وخَرَجَ عَلِيٌّ رضى الله عنه ، فَقالَ لِعَلِيٍّ رضى الله عنه : اِرجِع ؛ فَقَد اُحِلَّ لَكَ فيهِ ما اُحِلَّ لي ، كَأَنّي بِكَ تَذودُهُم عَلَى (1) الحَوضِ ، وفي يَدِكَ عَصا عَوسَجٍ (2) .

تاريخ دمشق عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :جاءَنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ونَحنُ مُضطَجِعونَ فِي المَسجِدِ وفي يَدِهِ عسيبٌ (3) رَطبٌ ، فَضَرَبَنا وقالَ : أ تَرقُدونَ فِي المَسجِدِ ؟ ! إنَّهُ لا يَرقُدُ فيهِ أحَدٌ . فَأَجفَلنا (4) وأجفَلَ مَعَنا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : تَعالَ يا عَلِيُّ ، إنَّهُ يَحِلُّ لَكَ فِي المَسجِدِ ما يَحِلُّ لي . يا عَلِيُّ ، أ لا تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلَا النُّبُوَّةَ . وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ إنَّكَ لَتَذودَنَّ عَن حَوضي يَومَ القِيامَةِ رِجالاً _ كَما يُذادُ البَعيرُ الضّالُّ عَنِ الماءِ _ بِعَصا

.


1- .كذا في المصدر ، وفي المناقب للكوفي : «من حوضي» .
2- .تاريخ المدينة : ج1 ص38 ؛ المناقب للكوفي : ج2 ص462 ح957 وفيه «أحلّ اللّه » بدل «اُحلّ» .
3- .العَسِيب : جريدَة من النّخلِ ؛ وهي السّعفة ممّا لا يَنبُتُ عليه الخُوصُ (النهاية : ج3 ص234) .
4- .أجفل : ذهب مسرعا (اُنظر النهاية : ج1 ص279) .

ص: 475

مَعَكَ مِن عَوسَجٍ ، كَأَنّي أنظُرُ إلى مُقامِكَ مِن حَوضي (1) .

رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، لا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَجنَبُ في هذَا المَسجِدِ غَيري وغَيرُكَ (2) .

عنه صلى الله عليه و آله :لا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أن يَجنَبَ في هذَا المَسجِدِ إلّا أنَا وعَلِيٌّ وفاطِمَةُ وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ ؛ ومَن كانَ مِن أهلي فَإِنَّهُ مِنّي (3) .

عنه صلى الله عليه و آله :ألا لا يَحِلُّ هذَا المَسجِدُ لِجُنُبٍ ولا لِحائِضٍ إلّا لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وعَلِيٍّ وفاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ ، ألا قَد بَيَّنتُ لَكُمُ الأَسماءَ ألّا تَضِلّوا (4) .

عنه صلى الله عليه و آله :ألا إنَّ مَسجدي حَرامٌ عَلى كُلِّ حائِضٍ مِنَ النِّساءِ ، وكُلِّ جُنُبٍ مِنَ الرِّجالِ ، إلّا عَلى مُحَمَّدٍ وأهلِ بَيتِهِ ؛ عَلِيٍّ وفاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ (5) .

تاريخ المدينة عن اُمّ سلمة :خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله مِن عِندي حَتّى دَخَلَ المَسجِدَ ، فَقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ، حَرُمَ هذَا المَسجِدُ عَلى كُلِّ جُنُبٍ مِنَ الرِّجالِ ، أو حائِضٍ مِنَ النِّساءِ ، إلا

.


1- .تاريخ دمشق : ج42 ص139 ح8524 و ص140 ح8525 ، المناقب للخوارزمي : ص109 ح116 .
2- .سنن الترمذي : ج5 ص640 ح3727 ، السنن الكبرى : ج7 ص105 ح13403 ، تاريخ دمشق : ج42 ص140 ح8526 و 8527 ، البداية والنهاية : ج7 ص343 وليس فيهما «هذا» وكلّها عن أبي سعيد ، مسند البزّار : ج4 ص36 ح1197 ، الصواعق المحرقة : ص123 كلاهما عن سعد ؛ المناقب للكوفي : ج2 ص20 ح509 ، الرواشح السماويّة : ص131 ، مستدرك الوسائل : ج14 ص301 ح16775 نقلاً عن السيّد المرتضى في شرح القصيدة الذهبيّة والثلاثة الأخيرة عن أبي سعيد .
3- .كتاب من لايحضره الفقيه : ج3 ص557 ح4915 ، عيون أخبار الرضا : ج2 ص60 ح236 عن الحسن بن عبد اللّه بن محمّد بن العبّاس الرازي ، الأمالي للصدوق : ص413 ح538 عن عبد اللّه بن محمّد بن عليّ التميمي وكلاهما عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام عنه صلى الله عليه و آله وراجع تهذيب الأحكام : ج6 ص15 ح34 .
4- .السنن الكبرى : ج7 ص104 ح13400 ، تاريخ أصبهان : ج1 ص344 ح625 كلاهما عن اُمّ سلمة ، كنز العمّال : ج12 ص101 ح34183 .
5- .السنن الكبرى : ج7 ص104 ح13402 عن اُمّ سلمة ؛ مستدرك الوسائل : ج1 ص462 ح1164 نقلاً عن السيّد المرتضى في شرح القصيدة الذهبيّة نحوه .

ص: 476

4 / 3 المظلوميّة بعد النّبيّ
4 / 3 _ 1 إنّ الاُمّة ستغدر بك

النَّبِيَّ وأزواجَهُ وعَلِيّا وفاطِمَة بِنتَ رَسولِ اللّهِ ، ألا بَيَّنتُ الأَسماءَ أن تَضِلّوا (1) .

المناقب لابن المغازليعن عديّ بن ثابت :خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَى المَسجِدِ ، فَقالَ : إنَّ اللّهَ أوحى إلى نَبِيِّهِ موسى أنِ ابنِ لي مَسجِدا طاهِرا لا يَسكُنُهُ إلّا موسى وهارونَ وَابنا هارونَ . وإنَّ اللّهَ أوحى إلَيَّ أن أبنِيَ مَسجِدا طاهِرا لا يَسكُنُهُ إلّا أنَا وعَلِيٌّ وَابنا عَلِيٍّ (2) .

4 / 3المَظلومِيَّةُ بَعدَ النَّبِيِّ4 / 3 _ 1إنَّ الاُمَّةَ سَتَغدِرُ بِكَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ الاُمَّةَ سَتَغدِرُ بِكَ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام :وَاللّهِ ، لَعَهِدَ النَّبِيُّ الاُمِّيُّ إلَيَّ أنَّ الاُمَّةَ سَتَغدِرُ بي ! (4)

عنه عليه السلام :مِمّا عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أنَّ الاُمَّةَ سَتَغدِرُ بِكَ مِن بَعدي (5) .

.


1- .تاريخ المدينة : ج1 ص38 ، تاريخ دمشق : ج42 ص141 ح8528 و 8529 ؛ شرح الأخبار : ج2 ص181 ح521 كلّها نحوه .
2- .المناقب لابن المغازلي : ص252 ح301 و ص299 ح343 عن إسماعيل عن أبيه عن جدّه جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السلام ؛ إعلام الورى : ج1 ص320 عن أبي رافع ، الجعفريّات : ص199 كلّها نحوه وراجع تاريخ دمشق : ج42 ص141 ح8530 والخصال : ص559 ح31 .
3- .التاريخ الكبير : ج2 ص174 ح2103 عن حبيب بن أبي ثابت ؛ الخصال : ص462 ح4 عن زيد بن وهب وزاد في آخره «بعدي» ، شرح الأخبار : ج2 ص446 ح801 كلاهما عن الإمام عليّ عليه السلام عنه صلى الله عليه و آله .
4- .مسند البزّار : ج3 ص92 ح869 عن ثعلبة بن يزيد عن أبيه ، تاريخ دمشق : ج42 ص447 ؛ الغارات : ج2 ص486 كلاهما عن ثعلبة بن يزيد .
5- .تاريخ بغداد : ج11 ص216 ح5928 عن أبي إدريس ، تاريخ دمشق : ج42 ص447 عن علقمة وثعلبة و ص 448 عن أبي إدريس الأزدي ، دلائل النبوّة للبيهقي : ج6 ص440 ، البداية والنهاية : ج6 ص218 كلاهما عن أبي إدريس الأزدي وثعلبة بن يزيد الحمامي ، شرح نهج البلاغة : ج20 ص326 ح734 ؛ الإرشاد : ج1 ص284 عن حكيم بن جبير عمّن حدّثه و ص285 عن أبي إدريس الأودي ، الأمالي للطوسي : ص476 ح1040 عن ثعلبة بن مرثد الحماني ، الشافي : ج3 ص225 عن ثعلبة بن يزيد الحماني ، المناقب للكوفي : ج2 ص533 ح1033 عن أبي إدريس الأودي و ص545 ح1053 ، الإيضاح : ص452 كلاهما عن أبي إدريس .

ص: 477

عنه عليه السلام :إنَّ مِمّا عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أنَّ الاُمَّةَ سَتَغدِرُ بي بَعدَهُ (1) .

الإرشاد عن حكيم بن جبير عمّن حدّثه :إنَّ عَلِيّا عليه السلام خَطَبَ بِالرَّحَبَةِ ، فَقالَ أيُّهَا النّاسُ ، إنَّكُم قَد أبَيتُم إلّا أن أقولَ ، أما ورَبِّ السَّماواتِ وَالأَرضِ لَقَد عَهِدَ إلَيَّ خَليلي أنَّ الاُمَّةَ سَتَغدِرُ بِكَ بَعدي ! (2)

رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا أبَا الحَسَنِ ، إنَّ الاُمَّةَ سَتَغدِرُ بِكَ مِن بَعدي ، وتَنقُضُ فيكَ عَهدي ، وإنَّكَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى (3) .

عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ اُمَّتي سَتَغدِرُ بِكَ بَعدي ، ويَتبَعُ ذلِكَ بَرُّها وفاجِرُها (4) .

المستدرك على الصحيحين عن حيّان الأسدي :سَمِعتُ عَلِيّا يَقولُ : قالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ الاُمَّةَ سَتَغدِرُ بِكَ بعدي ، وأنتَ تَعيشُ عَلى مِلَّتي ، وتَقتُلُ عَلى سُنَّتي . مَن أحَبَّكَ أحَبَّني ، ومَن أبغَضَكَ أبغَضَني . وإنَّ هذِهِ سَتُخضَبُ مِن هذا _ يَعني لِحيَتَهُ مِن رَأسِهِ _ (5) .

الإمام الباقر عليه السلام :اِشتَكى عَلِيٌّ عليه السلام شَكاةً ، فَعادَهُ أبو بَكرٍ وعُمَرُ وخَرَجا مِن عِندِهِ فَأَتَيَا

.


1- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص150 ح4676 عن أبي إدريس الأودي .
2- .الإرشاد : ج1 ص284 ؛ شرح نهج البلاغة : ج4 ص107 عن عبد اللّه بن الغنوي .
3- .الاحتجاج : ج1 ص187 ح37 عن أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عن الإمام عليّ عليهماالسلامو ص450 ح104 عن إسحاق بن موسى الكاظم عن أبيه عن آبائه عن الإمام عليّ عليهم السلام عنه صلى الله عليه و آله .
4- .عيون أخبار الرضا : ج2 ص67 ح307 عن عبد اللّه التميمي عن الإمام الرضا عن آبائه عن الإمام عليّ عليهم السلام .
5- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص153 ح4686 ، كنز العمّال : ج11 ص617 ح32997 .

ص: 478

النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَسَأَلَهُما مِن أينَ جِئتُما ؟ قالا : عُدْنا عَلِيّا . قالَ : كَيفَ رَأَيتُماهُ ؟ قالَ (1) : رَأَيناهُ يُخافُ عَلَيهِ مِمّا بِهِ . فَقالَ : كَلّا ؛ إنَّهُ لَن يَموتَ حَتّى يوسَعَ غَدرا وبَغيا ، ولَيَكونَنَّ في هذِهِ الاُمَّةِ عِبرَةً يَعتَبِرُ بِهِ النّاسُ مِن بَعدِهِ (2) .

المستدرك على الصحيحين عن أنس بن مالك :دَخَلتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله عَلى عَلِيِّ ابنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنهيَعودُهُ وهُوَ مَريضٌ وعِندَهُ أبو بَكرٍ وعُمَرُ ، فَتَحَوَّلا حَتّى جَلَسَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ : ما أراهُ إلّا هالِكٌ ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّهُ لَن يَموتَ إلّا مَقتولاً ، ولَن يَموتَ حَتّى يُملَأَ غَيظا (3) .

المعجم الكبير عن ابن عبّاس :خَرَجتُ أنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وعَلِيٌّ في حُشّانِ (4) المَدينَةِ ، فَمَرَرنا بِحَديقَةٍ ، فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : ما أحسَنَ هذِهِ الحَديقَةَ يا رَسولَ اللّهِ ! فَقالَ : حَديقَتُكَ فِي الجَنَّةِ أحسَنُ مِنها . ثُمَّ أومَأَ بِيَدِهِ إلى رَأسِهِ ولِحيَتِهِ ، ثُمَّ بَكى حَتّى عَلا بُكاؤُهُ . قيلَ : ما يُبكيكَ ؟ قالَ : ضَغائِنُ في صُدورِ قَومٍ ، لا يُبدونَها لَكَ حَتّى يَفقِدوني (5) .

الإمام عليّ عليه السلام :بَينَما رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله آخِذٌ بِيَدي ونَحنُ نَمشي في بَعضِ سِكَكِ المَدينَةِ إذ أتَينا عَلى حَديقَةٍ ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما أحسَنَها مِن حَديقَةٍ ! قالَ : لَكَ فِي الجَنَّةِ أحسَنُ مِنها . ثُمَّ مَرَرنا بِاُخرى ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما أحسَنَها مِن حَديقَةٍ ! قالَ :

.


1- .كذا في المصدر ، والظاهر أنّها : «قالا» .
2- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص 106 عن سدير الصيرفي .
3- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص150 ح4673 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص433 ، تاريخ أصبهان : ج2 ص113 ح1250 ، تاريخ دمشق : ج42 ص536 ح9050 و 9051 و ص422 ح9017 عن عمران بن حصين و ح9018 ، الفصول المهمّة : ص129 والخمسة الأخيرة نحوه .
4- .الحَشّ : البُستان ، ويجمع على حُشّان (النهاية : ج1 ص390) .
5- .المعجم الكبير : ج11 ص61 ح11084 ؛ الإيضاح : ص454 عن أنس نحوه .

ص: 479

لَكَ فِي الجَنَّةِ أحسَنُ مِنها . حَتّى مَرَرنا بِسَبعِ حَدائِقَ ، كُلُّ ذلِكَ أقولُ : ما أحَسَنَها ! ويَقولُ : لَكَ فِي الجَنَّةِ أحسَنُ مِنها . فَلَمّا خَلا لَهُ الطَّريقُ اعتَنَقَني ، ثُمَّ أجهَشَ باكِيا . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما يُبكيكَ ؟قالَ : ضَغائِنُ في صُدورِ أقوامٍ لا يُبدونَها لَكَ إلّا مِن بَعدي . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، في سَلامَةٍ مِن ديني ؟ قالَ : في سَلامَةٍ مِن دينِكَ (1) .

تاريخ دمشق عن أنس بن مالك :خَرَجنا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَمَرَّ بِحَديقَةٍ ، فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : ما أحسَنَ هذِهِ الحَديقَةَ ! قالَ : حَديقَتُكَ فِي الجَنَّةِ أحسَنُ مِنها . حَتّى مَرَّ بِسَبعِ حَدائِقَ ، كُلُّ ذلِكَ يَقولُ عَلِيٌّ : يا رَسولَ اللّهِ ما أحسَنَ هذِهِ الحَديقَةَ ، فَيَرُدُّ عَلَيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : حَديقَتُكَ فِي الجَنَّةِ أحسَنُ مِنها . ثُمَّ وَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله رَأسَهُ عَلى إحدى مَنكِبَي عَلِيٍّ فَبَكى ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : ما يُبكيكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : ضَغائِنُ في صدورِ أقوامٍ لا يُبدونَها لَكَ حَتّى اُفارِقَ الدُّنيا . قالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : فَما أصنَعُ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : تَصبِرُ . قالَ : فَإِن لَم أستَطِع ؟ قالَ : تَلقى جَميلاً . قالَ : ويَسلَمُ لي ديني ؟ قالَ : ويَسلَمُ لَكَ دينُكَ (2) .

الإمام عليّ عليه السلام :كُنتُ أمشي مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في بَعضِ طُرُقِ المَدينَةِ ، فَأَتَينا عَلى حَديقَةٍ ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما أحسَنَها مِن حَديقَةٍ ! قالَ : ما أحسَنَها ، ولَك

.


1- .مسند أبي يعلى : ج1 ص285 ح561 ، تاريخ بغداد : ج12 ص398 ح6859 نحوه ، تاريخ دمشق : ج42 ص323 ح8880 و 8881 و ص322 ح8879 ، المناقب للخوارزمي : ص65 ح35 ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص243 ح158 كلّها عن أبي عثمان النهدي ، شرح الأخبار : ج2 ص464 ح815 عن أنس بن مالك نحوه وراجع نثر الدرّ : ج1 ص241 .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص323 ح8882 ، كفاية الطالب : ص273 وفيه «جهدا» بدل «جميلاً» ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص236 ح150 عن أبي رافع نحوه وراجع شرح نهج البلاغة : ج4 ص107 .

ص: 480

فِي الجَنَّةِ أحسَنُ مِنها . ثُمَّ أتَينا عَلى حَديقَةٍ اُخرى ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما أحسَنَها مِن حَديقَةٍ ! قالَ : ما أحسَنَها ، ولَكَ فِي الجَنَّةِ أحسَنُ مِنها . حَتّى أتَينا عَلى سَبعِ حَدائِقَ ، أقولُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما أحسَنَها ، ويَقولُ : لَكَ فِي الجَنَّةِ أحسَنُ مِنها . فَلَمّا خَلا لَهُ الطَّريقُ اعتَنَقَني ، ثُمَّ أجهَشَ باكِيا ، فَقالَ : بِأَبِي الوَحيدُ الشَّهيدُ !فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما يُبكيكَ ؟ فَقالَ : ضَغائِنُ في صُدورِ أقوامٍ لا يُبدونَها لَكَ إلّا مِن بَعدي ؛ أحقادُ بَدرٍ ، وتِراتُ (1) اُحُدٍ . قُلتُ : في سَلامَةٍ مِن ديني ؟ قالَ : في سَلامَةٍ مِن دينِكَ . فَأَبشِر يا عَلِيُّ ؛ فَإِنَّ حَياتَكَ ومَوتَكَ مَعي ، وأنتَ أخي ، وأنتَ وَصِيّي ، وأنتَ صَفِيّي ، ووَزيري ، ووارِثي ، وَالمُؤَدّي عَنّي ، وأنتَ تَقضي دَيني ، وتُنجِزُ عِداتي عَنّي ، وأنتَ تُبرِئُ ذِمَّتي ، وتُؤَدّي أمانَتي ، وتُقاتِلُ عَلى سُنَّتِي النّاكِثينَ مِن اُمَّتي ، وَالقاسِطينَ ، وَالمارِقينَ ، وأنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، ولَكَ بِهارونَ اُسوَةٌ حَسَنَةٌ ؛ إذِ استَضعَفَهُ قَومُهُ وكادوا يَقتُلونَهُ ، فَاصبِر لِظُلمِ قُرَيشٍ إيّاكَ وتَظاهُرِهِم عَلَيكَ ؛ فَإِنَّكَ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى (2) .

رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي ، ووارِثي ، قد أعطاكَ اللّهُ عِلمي وفَهمي ، فَإِذا مِتُّ ظَهَرَت لَكَ ضَغائِنُ في صُدورِ قَومٍ ، وغَصبٌ (3) عَلى حِقدٍ (4) .

.


1- .التِّرَة : الثأر (مجمع البحرين : ج3 ص1903) .
2- .كتاب سليم بن قيس : ج2 ص569 ح2 .
3- .وفي نسخة وبحار الأنوار : «وغُصِبتَ عَلى حَقِّكَ» .
4- .كفاية الأثر : ص124 عن عمّار، بحار الأنوار: ج22 ص536 ح38 .

ص: 481

المستدرك على الصحيحين عن ابن عبّاس :قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : أما أنَّكَ سَتَلقى بَعدي جُهدا . قالَ : في سَلامَةٍ مِن ديني ؟ قالَ : في سَلامَةٍ مِن دينِكَ (1) .

رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: لَتَكفُرَنَّ بِكَ الاُمَّةُ وَلَتَختَلِفَنَّ عَلَيكَ اختِلافا شَديدا ، الثّابِتُ عَلَيكَ كَالمُقيمِ مَعي ، وَالشّاذُّ عَنكَ فِي النّارِ ، وَالنّارُ مَثوَى الكافِرينَ (2) .

عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّكَ باقٍ بَعدي ، ومُبتَلىً بِاُمَّتي ، ومُخاصِمٌ يَومَ القِيامَةِ بَينَ يَدَيِ اللّهِ تَعالى (3) .

الإمام الهادي عليه السلام_ فيما يُقالُ عِندَ قَبرِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: السَّلامُ عَلَيكَ يا وَلِيَّ اللّهِ ، أنتَ أوَّلُ مَظلومٍ ، وأوَّلُ مَن غُصِبَ حَقُّهُ ، صَبَرتَ وَاحتَسَبتَ حَتّى أتاكَ اليَقينُ ، فَأَشهَدُ أنَّكَ لَقيتَ اللّهَ وأنتَ شَهيدٌ ، عَذَّبَ اللّهُ قاتِلَكَ بِأَنواعِ العَذابِ ، وجَدَّدَ عَلَيهِ العَذابَ ، جِئتُكَ عارِفا بِحَقِّكَ ، مُستَبصِرا بِشَأنِكَ ، مُعادِيا لِأَعدائِكَ ومَن ظَلَمَكَ ، ألقى عَلى ذلِكَ رَبّي إنَ شاءَ اللّهُ ، يا وَلِيَّ اللّهِ إنَّ لي ذُنوباً كَثيرَةً ، فَاشفَع لي إلى رَبِّكَ ؛ فَإِنَّ لَكَ عِندَ اللّهِ مَقاما مَحمودا مَعلوماً ، وإنَّ لَكَ عِندَ اللّهِ جاها وشَفاعَةً . وقَد قالَ تَعالى : «وَ لَا يَشْفَعُونَ إِلَا لِمَنِ ارْتَضَى» (4) . (5)

راجع : ج 4 ص 347 ح 3050 .

.


1- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص151 ح4677 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص503 ح54 عن أبي عبيدة بن الحكم الأزدي يرفعه .
2- .كتاب من لايحضره الفقيه : ج4 ص177 ح5402 ، كمال الدين : ص213 ح1 ، الأمالي للصدوق : ص488 ح661 ، الأمالي للطوسي : ص443 ح991 ، الإمامة والتبصرة : ص155 ح1 ، بشارة المصطفى : ص83 كلّها عن مقاتل بن سليمان عن الإمام الصادق عليه السلام عنه صلى الله عليه و آله .
3- .كنز العمّال : ج16 ص194 ح44216 عن عبد اللّه بن الحسن ؛ الاحتجاج : ج1 ص463 ح107 كلاهما عن الإمام عليّ عليه السلام .
4- .الأنبياء : 28 .
5- .الكافي : ج4 ص569 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص28 ح54 ، فرحة الغري : ص111 ، كامل الزيارات : ص103 ح96 كلّها عن محمّد بن أورمة عمّن حدّثه وص95 ح94 عن محمّد بن الحسن بن الوليد عن أبي الحسن عليه السلام .

ص: 482

4 / 3 _ 2 أنت المظلوم بعدي

4 / 3 _ 2أنتَ المَظلومُ بَعديرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ المَظلومُ بَعدي ، مَن ظَلَمَكَ فَقَد ظَلَمَني (1) .

عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ المَظلومُ مِن بَعدي ، فَوَيلٌ لِمَن ظَلَمَكَ وَاعتَدى عَلَيكَ ، وطوبى لِمَن تَبِعَكَ ولَم يَختَر عَلَيكَ . يا عَلِيُّ ، أنتَ المُقاتَلُ بَعدي ، فَوَيلٌ لِمَن قاتَلَكَ ، وطوبى لِمَن قاتَلَ مَعَكَ (2) .

عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي مِن بَعدي ، وأنتَ المَظلومُ المُضطَهَدُ بَعدي (3) .

المناقب للخوارزمي عن أبي ليلى :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : اِتَّقِ الضَّغائِنَ الَّتي لَكَ في صُدورِ مَن لا يُظهِرُها إلّا بَعدَ مَوتي ، اُولئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ ، ويَلعَنُهُمُ اللّاعِنونَ . ثُمَّ بَكى صلى الله عليه و آله ، فَقيلَ : مِمَّ بُكاؤُكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَقالَ : أخبَرَني جَبرَئيلُ عليه السلام أنَّهُم يَظلِمونَهُ ، ويَمنَعونَهُ حَقَّهُ ، ويُقاتِلونَهُ ، ويَقتُلونَ وُلدَهُ ، ويَظلِمونَهُم بَعدَهُ . وأخبَرَني جَبرَئيلُ عَنِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ أنَّ ذلِكَ الظُّلمَ يَزولُ إذا قامَ قائِمُهُم ، وعَلَت كَلِمَتُهُم ، وَاجتَمَعَتِ الاُمَّةُ عَلى مَحَبَّتِهِم ، وكانَ الشّانِئُ لَهُم قَليلاً ، وَالكارِهُ لَهُم ذَليلاً ، وكَثُرَ المادِحُ لَهُم ، وذلِكَ حينَ تَغَيُّرِ البِلادِ ، وضَعفِ العِبادِ ، وَاليَأسِ مِنَ الفَرَجِ ، فَعِند

.


1- .الاعتقادات : ص104 .
2- .عيون أخبار الرضا : ج1 ص303 ح63 ، بشارة المصطفى : ص220 كلاهما عن إبراهيم بن أبي محمود عن الإمام الرضا عن آبائه عن الإمام الحسين عليهم السلام وراجع ص125 .
3- .كنز الفوائد : ج2 ص56 ، مائة منقبة : ص84 ح33 كلاهما عن زيد بن عليّ عن أبيه عن جدّه الحسين بن عليّ عن الإمام عليّ عليهم السلام .

ص: 483

ذلِكَ يَظهَرُ القائِمُ فيهِم (1) .

دلائل النبوّة عن محمّد بن كعب_ في صُلحِ الحُدَيبِيَّةِ _: إنَّ كاتِبَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِهذَا الصُّلحِ كانَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اكتُب : هذا ما صالَحَ عَلَيهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ سُهَيلَ بنَ عَمرٍو . فَجَعَلَ عَلِيٌّ يَتَلَكَّأُ ويَأبى أن يَكتُبَ إلّا «مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ» ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اُكتُب ! إنَّ لَكَ مِثلَها ، تُعطيها وأنتَ مُضطَهَدٌ (2) .

شرح نهج البلاغة عن أبي سعيد الخدري :ذَكَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَوما لِعَلِيٍّ ما يَلقى بَعدَهُ مِنَ العَنَتِ (3) ، فَأَطالَ ، فَقالَ لَهُ عليه السلام : أنشُدُكَ اللّهَ وَالرَّحِمَ يا رَسولَ اللّهِ لَمّا دَعَوتَ اللّهَ أن يَقبِضَني إلَيهِ قَبلَكَ . قالَ : كَيفَ أسأَلُهُ في أجَلٍ مُؤَجَّلٍ ؟ قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، فَعلامَ اُقاتِلُ مَن أمَرتَني بِقِتالِهِ ؟ قالَ : عَلَى الحَدَثِ فِي الدّينِ (4) .

شرح نهج البلاغة :رَوى أبو جَعفَرٍ الإِسكافِيُّ _ أيضا _ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله دَخَلَ عَلى فاطِمَةَ عليهاالسلامفَوَجَدَ عَلِيّا نائِما ، فَذَهَبَت تُنَبِّهُهُ ، فَقالَ : دَعيهِ ؛ فَرُبَّ سَهَرٍ لَهُ بَعدي طَويلٌ ، ورُبَّ جَفوَةٍ لِأَهلِ بَيتي مِن أجلِهِ شَديدَةٌ . فَبَكَت ، فَقالَ : لا تَبكي ؛ فَإِنَّكُما مَعي ، وفي مَوقِفِ الكَرامَةِ عِندي (5) .

.


1- .المناقب للخوارزمي : ص62 ح31 ؛ الأمالي للطوسي : ص351 ح726 .
2- .دلائل النبوّة للبيهقي : ج4 ص147 ، المناقب للخوارزمي : ص193 ح231 وراجع شرح نهج البلاغة : ج2 ص232 والأمالي للطوسي : ص187 ح315 والإرشاد : ج1 ص121 ووقعة صفّين : ص509 .
3- .العَنَتُ : المشقّة (النهاية : ج3 ص306) .
4- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص108 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص107 .

ص: 484

4 / 3 _ 3 ما زلت مظلوما

4 / 3 _ 3ما زِلتُ مَظلوماالإمام عليّ عليه السلام :ما زِلتُ مَظلوما مُذ كُنتُ (1) .

عنه عليه السلام :ما زِلتُ مَظلوما مُنذُ قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله (2) .

عنه عليه السلام :ما زِلتُ مَظلوما مُنذُ قَبَضَ اللّهُ نَبِيَّهُ حَتّى يَومِ النّاسِ هذا ، ولَقَد كُنتُ اُظلَمُ قَبلَ ظُهورِ الإِسلامِ ، ولَقَد كانَ أخي عَقيلٌ يُذنِبُ أخي جَعفَرٌ ؛ فَيَضرِبُني (3) .

عنه عليه السلام :فَوَاللّهِ ما زِلتُ مَدفوعا عَن حَقّي مُستَأثَرا عَلَيَّ مُنذُ قَبَضَ اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله حَتّى يَومِ النّاسِ هذا (4) .

المناقب لابن شهر آشوب عن حريث :إنَّ عَلِيّا لَم يَقُم مَرَّةً عَلَى المِنبَرِ إلّا قالَ في آخِرِ كَلامِهِ قَبلَ أن يَنزِلَ : ما زِلتُ مَظلوما مُنذُ قَبَضَ اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله (5) .

.


1- .الأمالي للطوسي : ص350 ح724 عن زيد بن عليّ بن أبيه عن جدّه عليهماالسلام ، علل الشرائع : ص45 ح3 عن عبد اللّه بن الحسن عن الإمام زين العابدين عن أبيه عنه عليهم السلام ، الاعتقادات : ص105 ، الفضائل لابن شاذان : ص111 وفيها «مُذ ولدتني اُمّي» بدل «كنت» .
2- .الأمالي للطوسي : ص726 ح1526 عن شريك ، الجمل : ص123 ، الاحتجاج : ج1 ص449 ح104 عن إسحاق بن موسى عن أبيه الإمام الكاظم عن آبائه عنه عليهم السلام ، الصراط المستقيم : ج3 ص42 عن حريث وزاد في آخره «إلى يوم الناس» .
3- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص283 ح241 و ج9 ص306 ؛ الشافي : ج3 ص223 عن عمرو بن حريث وفيهما إلى «هذا» .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 6 ، الاحتجاج : ج1 ص447 ح103 وفيه «إنّي كنت لم أزل مظلوما مستأثرا على حقّي» ، المسترشد : ص403 ح135 وزاد في آخره «وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون» .
5- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص115 ، كتاب سليم بن قيس : ج2 ص750 ح25 وفيه «قال معاوية له عليه السلام : بلغني عنك إنّك لا تخطب الناس خطبة إلّا قلت قبل أن تنزل عن منبرك : واللّه إنّي لأولى الناس بالناس وما زلت . . .» و ص663 ح12 عن الأشعث بن قيس .

ص: 485

4 / 3 _ 4 لقد ظلمت عدد المدر والوبر !
4 / 3 _ 5 النّوادر

4 / 3 _ 4لَقَد ظُلِمتُ عَدَدَ المَدَرِ والوَبَرِ !الإمام عليّ عليه السلام :لَقَد ظُلِمتُ عَدَدَ الحَجَرِ وَالمَدَرِ (1) .

شرح نهج البلاغة عن المسيّب بن نجبة :بَينا عَلِيٌّ يَخطُبُ إذ قامَ أعرابِيٌّ فَصاحَ : وَا مَظلِمَتاه ! فَاستَدناهُ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَلَمّا دَنا قالَ لَهُ : إنَّما لَكَ مَظلِمَةٌ واحِدَةٌ ، وأنَا قَد ظُلِمتُ عَدَدَ المَدَرِ وَالوَبَرِ . وفي رِوايَةِ عَبّادِ بنِ يَعقوبَ : إنَّهُ دَعاهُ فَقالَ لَهُ : وَيحَكَ ، وأنَا وَاللّهِ مَظلومٌ أيضا ، هاتِ فَلنَدعُ عَلى مَن ظَلَمَنا (2) .

الخرائج والجرائح :إنَّ أعرابِيّا أتى أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام وهُوَ فِي المَسجِدِ ، فَقالَ : مَظلومٌ ! قالَ : اُدنُ مِنّي . فَدَنا ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ مَظلومٌ ! قالَ : اُدنُ . فَدَنا حَتّى وَضَعَ يَدَيهِ عَلى رُكبَتَيهِ ، قالَ : ما ظُلامَتُكَ ؟ فَشَكا ظُلامَتَهُ . فَقالَ : يا أعرابِيُّ أنَا أعظَمُ ظُلامَةً مِنكَ ؛ ظَلَمَنِي المَدَرُ وَالوَبَرُ ، ولَم يَبقَ بَيتٌ مِنَ العَرَبِ إلّا وقَد دَخَلَت مَظلِمَتي عَلَيهِم ، وما زِلتُ مَظلوما حَتّى قَعَدتُ مَقعَدي هذا (3) .

4 / 3 _ 5النَّوادِرُالغارات عن عبد الرحمن بن أبي بكرة :سَمِعتُ عَلِيّا عليه السلام وهُوَ يَقولُ : ما لَقِيَ أحَدٌ مِنَ النّاسِ ما

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج10 ص286 ؛ الجمل : ص124 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص106 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص115 نحوه إلى «الوبر» وراجع الشافي : ج3 ص223 .
3- .الخرائج والجرائح : ج1 ص180 ح13 ، الصراط المستقيم : ج3 ص41 نحوه .

ص: 486

لَقيتُ ! ثُمَّ بَكى (1) .

الإمام عليّ عليه السلام :لَقَد أصبَحَتِ الاُمَمُ تَخافُ ظُلمَ رُعاتِها ، وأصبَحتُ أخافُ ظُلمَ رَعِيَّتي (2) .

عنه عليه السلام :إن كانَتِ الرَّعايا قَبلي لَتَشكو حَيفَ رُعاتِها ، وإنَّنِي اليَومَ لَأَشكو حَيفَ رَعِيَّتي ، كَأَنَّنِي المَقودُ وهُمُ القادَةُ ، أوِ المَوزوعُ وهُمُ الوَزَعَةُ (3) . (4)

عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى مُعاوِيَةَ _: قُلتَ : إنّي كُنتُ اُقادُ كَما يُقادُ الجَمَلُ المَخشوشُ حَتّى اُبايِعَ . ولَعَمرُ اللّهِ ! لَقَد أرَدتَ أن تَذُمَّ فَمَدَحتَ ، وأن تَفضَحَ فَافتَضَحتَ ، وما عَلَى المُسلِمِ مِن غَضاضَةٍ في أن يَكونَ مَظلوما ما لَم يَكُن شاكّا في دينِهِ ، ولا مُرتابا بِيَقينِهِ (5) .

شرح نهج البلاغة_ بَعدَ ذِكرِ تَظَلُّمِهِ مِنَ الشّورى وتَظَلُّمِهِ مِن قُرَيشٍ _: وَاعلَم أنَّهُ قَد تَواتَرَتِ الأَخبارُ عَنهُ عليه السلام بِنَحوٍ مِن هذَا القَولِ ، نَحوُ قَولِهِ : ما زِلتُ مَظلوما مُنذُ قَبَضَ اللّهُ رَسولَهُ حَتّى يَومِ النّاسِ هذا . وقَولِهِ : اللّهُمَّ اخزِ قُرَيشا ؛ فَإِنَّها مَنَعَتني حَقّي ، وغَصَبَتني أمري . وقولِهِ : فَجَزى قُرَيشا عَنِّي الجَوازِيَ ؛ فَإِنَّهُم ظَلَموني حَقّي ، وَاغتَصَبوني سُلطانَ ابنِ اُمّي . وقولِهِ : وقَد سَمِعَ صارِخا يُنادي : أنَا مَظلومٌ ! فَقالَ : هَلُمَّ فَلنَصرُخ مَعا ، فَإِنّي ما زِلتُ مَظلوما .

.


1- .الغارات : ج2 ص583 ؛ شرح نهج البلاغة : ج4 ص103 .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 97 ، الإرشاد : ج1 ص277 .
3- .الوازِع : السلطان ، والجمع وَزَعة (لسان العرب : ج8 ص390) .
4- .نهج البلاغة : الحكمة 261 .
5- .نهج البلاغة : الكتاب 28 ، الاحتجاج : ج1 ص423 ح90 .

ص: 487

وقولِهِ : وإنَّهُ لَيَعلَمُ أنَّ مَحَلّي مِنها مَحَلُّ القُطبِ مِنَ الرَّحى . وقولِهِ : أرى تُراثي نَهبا . وقولِهِ : أصغَيا بِإِنائِنا ، وحَمَلَا النّاسَ عَلى رِقابِنا . وقولِهِ : إنَّ لَنا حَقّا ؛ إن نُعطَهُ نَأخُذهُ ، وإن نُمنَعهُ نَركَب أعجازَ الإِبلِ وإن طالَ السُّرى . وقولِهِ : ما زِلتُ مُستَأثَرا عَلَيَّ ، مَدفوعا عَمّا أستَحِقُّهُ وأستَوجِبُهُ (1) .

راجع : ص 235 (الصبر وفي العين قذى) و ج 4 ص 69 (الفصل الثالث : شكوى الإمام من عصيان أصحابه) و ص 183 (تمنّي الاستشهاد) و ص 227 (الفصل الأوّل : إخبار النبي باستشهاده) و ص 237 (ما ينتظر أشقاها) و ج 7 ص 163 (الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره).

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج9 ص306 .

ص: 488

. .

ص: 489

الفصل الخامس : الخصائص الحربيّة
5 / 1 أشجع النّاس قلبا

الفصل الخامس : الخصائص الحربيّةُما ذكرناه في هذا الفصل إنّما هو غيض من فيض من خصائص هذا الشجاع الذي لا شبيه له والبطل الذي لا نظير له ، الغالب غير المغلوب عليّ بن أبي طالب عليه السلام . نعم ذكرنا في فصول الكتاب المختلفة لمحات من شجاعته في الحروب ، وقتاله الأعداء بنفسه في أشدّ الحروب وأعسر الساعات ، ومبارزته للأبطال ومقارعته للشجعان و . . . ، هذا من جانب . وسعيه من جانب آخر في إخماد نار الحرب ، ومواعظه المفعمة بالعطف والحنان ، وإتمام الحجج على الأعداء ، وعدم شروعه بالحرب ، وشهامته مع الأعداء ، ومراعاة حال الهاربين والمجروحين ، إلى غير ذلك من خصائصه عليه السلام في الحروب .

راجع : ج 1 ص 127 (القسم الثاني : الإمام عليّ مع النبيّ) و ج 3 ص 7 (القسم السادس : حروب الإمام عليّ).

5 / 1أشجَعُ النّاسِ قَلبارسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ أشجَعُ النّاسِ قَلبا (1) .

.


1- .المناقب لابن المغازلي : ص151 ح188 ، المناقب للخوارزمي : ص290 ح279 ؛ الأمالي للصدوق : فص524 ح709 ، بشارة المصطفى : ص116 و ص174 ، الفضائل لابن شاذان : ص102 ، روضة الواعظين : ص138 كلّها عن ابن عبّاس .

ص: 490

اُسد الغابة عن سعد :لَقَد رَأَيتُهُ _ يَعني عَلِيّا _ يَخطِرُ (1) بِالسَّيفِ هامَ المُشرِكينَ ، يَقولُ : سَنَحنَحُ اللَّيلِ كَأَنّي جِنِّيٌّ (2)(3)

الإمام عليّ عليه السلام :كَأَنّي بِقائِلِكُم يَقولُ : إذا كان هذا قوتَ ابنِ أبي طالِبٍ فَقَد قَعَدَ بِهِ الضَّعفُ عَن قِتالِ الأَقرانِ ، ومُنازَلَةِ الشُّجعانِ ؛ ألا وإنَّ الشَّجَرَةَ البَرِّيَّةَ أصلَبُ عودا ، وَالرَّواتِعَ الخَضِرَةَ أرَقُّ جُلودا ، وَالنابِتاتِ العِذْيَةَ (4) أقوى وُقودا وأبطَأُ خُمودا . وأنَا مِن رَسولِ اللّهِ كَالضَّوءِ مِنَ الضَّوءِ وَالذِّراعِ مِنَ العَضُدِ . وَاللّهِ ، لَو تَظاهَرَتِ العَرَبُ عَلى قِتالي لَما وَلَّيتُ عَنها ، ولَو أمكَنَتِ الفُرَصُ مِن رِقابِها لَسارَعتُ إلَيها ، وسَأَجهَدُ في أن اُطَهِّرَ الأَرضَ مِن هذَا الشَّخصِ المَعكوسِ ، وَالجِسمِ المَركوسِ ، حَتّى تَخرُجَ المَدَرَةُ (5) مِن بَينِ حَبِّ الحَصيدِ (6) .

عنه عليه السلام :إنّي وَاللّهِ لَو لَقيتُهُم واحِدا وهُم طِلاعُ (7) الأَرضِ كُلِّها ما بالَيتُ ، ولَا استَوحَشتُ (8) .

.


1- .خَطَرَ بسيفه يَخطِرُ : رفَعه مرّة بعد مرّة وضرب به ، وقيل : ضرب به يمينا وشمالاً (اُنظر لسان العرب : ج4 ص249) .
2- .أي لا أنام الليل ، فأنا متيقّظ أبدا (النهاية : ج2 ص407) .
3- .اُسد الغابة : ج4 ص92 ح3789 ، تاريخ دمشق : ج42 ص161 وراجع ص162 والمناقب لابن المغازلي : ص32 ح48 و ص183 ح219 والمناقب للخوارزمي : ص158 ح187 والفائق : ج1 ص105 و 106 والمناقب للكوفي : ج2 ص569 ح1080 .
4- .وفي بعض النسخ : «النباتات البدويّة» . والعِذْيُ : الزرع الذي لا يُسقى إلّا من ماء المطر لبعده من المياه (لسان العرب : ج15 ص44) .
5- .المَدَرُ : قِطع الطين اليابس ، واحدته : مَدَرَة (لسان العرب : ج5 ص162) .
6- .نهج البلاغة : الكتاب 45 .
7- .طِلاعُ الأرض : مِلؤها (لسان العرب : ج8 ص235) .
8- .نهج البلاغة : الكتاب 62 ، الغارات : ج1 ص319 عن جندب نحوه .

ص: 491

عنه عليه السلام_ حينَ بَلَغَهُ خَبَرُ النّاكِثينَ بِبَيعَتِهِ _: مِنَ العَجَبِ بَعثُهُم إلَيَّ أن أبرُزَ لِلطِّعانِ ، وأن أصبِرَ لِلجِلادِ ! هَبِلَتهُمُ الهَبُولُ ! لَقَد كُنتُ وما اُهَدَّدُ بِالحَربِ ، ولا اُرهَبُ بِالضَّربِ (1) .

الإمام الصادق عليه السلام :حَدَّثَتني امرَأَةٌ مِنّا قالَت : رَأَيتُ الأَشعَثَ بنَ قَيسٍ دَخَلَ على عَلِيٍّ عليه السلام ، فَأَغلَظَ لَهُ عَلِيٌّ ، فَعَرَضَ لَهُ الأَشعَثُ بِأَن يَفتُكَ بِهِ ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : أبِالمَوتِ تُهَدِّدُني ! ! فَوَاللّهِ ما اُبالي وَقَعتُ عَلَى المَوتِ أو وَقَعَ المَوتُ عَلَيَّ (2) .

الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ المُسَمّاةِ بِالقاصِعَةِ _: أنَا وَضَعتُ فِي الصِّغَرِ بِكَلاكِلِ (3) العَرَبِ ، وكَسَرتُ نَواجِمَ قُرونِ رَبيعَةَ ومُضَرَ (4) .

التوحيد :قيلَ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام لَمّا أرادَ قِتالَ الخَوارِجِ : لَوِ احتَرَزتَ يا أميرَالمُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : أيَّ يَومَيَّ مِنَ المَوتِ أفِرُّ أيَومَ لَم يُقدَر أم يَومَ قُدِر يَومَ ما قُدِّرَ لا أخشَى الرَّدى وإذا قُدِّرَ لَم يُغنِ الحَذَر (5)

الكافي عن سعيد بن قيس الهمداني :نَظَرتُ يَوما فِي الحَربِ إلى رَجُلٍ عَلَيهِ ثَوبانِ ، فَحَرَّكتُ فَرَسي فَإِذا هُوَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، في مِثلِ هذَا

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 22 ، الكافي : ج5 ص53 ح4 عن ابن محبوب رفعه ، الأمالي للطوسي : ص169 ح284 عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي وكلاهما نحوه وراجع كشف الغمّة : ج1 ص240 والمناقب للخوارزمي : ص184 ح223 .
2- .مقاتل الطالبيّين : ص47 عن سفيان بن عيينة ، شرح نهج البلاغة : ج6 ص117 .
3- .الكَلكَل : الصدر من كلّ شيء (لسان العرب : ج11 ص596) . وهو هنا كناية عن الأكابر .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 192 ، غرر الحكم : ح3765 وليس فيه «في الصِّغَر» و«قرون» .
5- .التوحيد : ص375 ح19 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص298 وفي صدره «وكان مكتوبا على درعه» الأبيات ، بحار الأنوار : ج42 ص58 ؛ شرح نهج البلاغة : ج5 ص132 نحوه .

ص: 492

المُوضِعِ ؟ فَقالَ : نَعَم يا سَعيدَ بنَ قَيسٍ ، إنَّهُ لَيسَ مِن عَبدٍ إلّا ولَهُ مِنَ اللّهِ حافِظٌ وواقِيَةٌ ؛ مَعَهُ مَلَكانِ يَحفَظانِهِ مِن أن يَسقُطَ مِن رَأسِ جَبَلٍ أو يَقَعَ في بِئرٍ ، فَإِذا نَزَلَ القَضاءُ خَلَّيا بَينَهُ وبَينَ كُلِّ شَيءٍ (1) .

الإرشاد_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: ومِن آياتِ اللّهِ تَعالى فيهِ أيضا أنَّهُ مَعَ طولِ مُلاقاتِهِ لِلحُروبِ ، ومُلابَسَتِهِ إيّاها ، وكَثرَةِ مَن مُنِيَ بِهِ فيها مِن شُجعانِ الأَعداءِ وصَناديدِهِم ، وتَجَمُّعِهِم عَلَيهِ ، وَاحتيالِهِم فِي الفَتكِ بِهِ وبَذلِ الجُهدِ في ذلِكَ ، ما وَلّى قَطُّ عَن أحَدٍ مِنهُم ظَهرَهُ ، ولَا انهَزَمَ عَن أحَدٍ مِنهُم ، ولا تَزَحزَحَ عَن مَكانِهِ ، ولا هابَ أحَدا مِن أقرانِهِ ، ولَم يَلقَ أحَدٌ سِواهُ خَصما في حَربٍ إلّا وثَبَتَ لَهُ حينا وَانحَرَفَ عَنهُ حينا ، وأقدَمَ عَلَيهِ وَقتا وأحجَمَ عَنهُ زَمانا (2) .

شرح نهج البلاغة :أمَّا الشَّجاعَةُ فَإِنَّهُ أنسَى النّاسَ فيها ذِكرَ مَن كانَ قَبلَهُ ، ومَحَا اسمَ مَن يَأتي بَعدَهُ . ومَقاماتُهُ فِي الحَربِ مَشهورَةٌ ، يُضرَبُ بِهَا الأَمثالُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، وهُوَ الشُّجاعُ الَّذي ما فَرَّ قَطُّ ، ولَا ارتاعَ مِن كَتيبَةٍ ، ولا بارَزَ أحَدا إلّا قَتَلَهُ ، ولا ضَرَبَ ضَربَةً قَطُّ فَاحتاجَتِ الاُولى إلى ثانِيَةٍ . وفِي الحَديثِ : كانَت ضَرَباتُهُ وَترا . ولَمّا دَعا مُعاوِيَةَ إلَى المُبارَزَةِ _ لِيَستَريحَ النّاسُ مِنَ الحَربِ بِقَتلِ أحَدِهِما _ قالَ لَهُ عَمرٌو : لَقَد أنصَفَكَ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : ما غَشَشتَني مُنذُ نَصَحتَني إلَا اليَومَ ، أ تَأمُرُني بِمُبارَزَةِ أبِي الحَسَنِ وأنتَ تَعلَمُ أنَّهُ الشُّجاعُ المُطرِقُ ! أراكَ طَمِعتَ في إمارَةِ الشّامِ بَعدي . وكانَتِ العَرَبُ تَفتَخِرُ بِوُقوفِها فِي الحَربِ في مُقابَلَتِهِ . فَأَمّا قَتلاهُ فَافتِخار

.


1- .الكافي : ج2 ص59 ح8 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص297 عن قيس بن سعيد ، بحار الأنوار : ج42 ص58 ح1 .
2- .الإرشاد : ج1 ص308 .

ص: 493

5 / 2 سيف اللّه الّذي لا يخطئ

رَهطِهِم بِأَنَّهُ عليه السلام قَتَلَهُم أظهَرُ وأكثَرُ ، قالَت اُختُ عَمرِو بنِ عَبدِ وَدٍّ تَرثيهِ : لَو كانَ قاتِلَ عَمرٍو غَيرُ قاتِلِهِ بَكَيتُهُ أبَدا ما دُمتُ فِي الأَبَدِ (1)

الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: أنَا الصَّقرُ الَّذي حُدِّثتُ عَنهُ عِتاقُ الطَّيرِ تَنجَدِلُ انجِدالا وقاسَيتُ الحُروبَ أنَا ابنُ سَبعٍ فَلَمّا شِبتُ أفنَيتُ الرِّجالا وأيضا عَنهُ عليه السلام : صَيدُ المُلوكِ أرانِبٌ وثَعالِبُ وإذا رَكِبتُ فَصَيدِيَ الأَبطالُ صَيدِيالفَوارِسُ فِياللِّقاءِ وإنَّني عِندَ الوَغا لَغَضَنفَرٌ قَتّالُ (2)

راجع : ج 3 ص 464 (قتال الإمام بنفسه) وج 4 ص 370 (المؤمن المجاهد) وص 378 (خصم الكفّار) ، و ص 382 (الذي يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه ).

5 / 2سَيفُ اللّهِ الَّذي لا يُخطِئُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيٌّ ، أنتَ فارِسُ العَرَبِ ، وقاتِلُ النّاكِثينَ وَالمارِقينَ وَالقاسِطينَ ، وأنتَ أخي ، ومَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ، وسَيفُ اللّهِ الَّذي لا يُخطِئُ (3) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص20 .
2- .الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ عليه السلام : ص464 الرقم357 و 358 .
3- .صحيفة الإمام الرضا عليه السلام : ص275 ح14 .

ص: 494

5 / 3 كرّار غير فرّار

5 / 3كَرّارٌ غَيرُ فَرّارٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ يَومَ فَتحِ خَيبَرَ _: لَأَبعَثَنَّ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، لَيسَ بِفَرّارٍ . _ فَتَشَرَّفَ لَهُ النّاسُ ، فَبَعَثَ إلى عَلِيٍّ فَأَعطاها إيّاهُ _ (1) .

الإمام عليّ عليه السلام :إنّي لَم أفِرَّ مِنَ الزَّحفِ قَطُّ ، ولَم يُبارِزني أحَدٌ إلّا سَقَيتُ الأَرضَ مِن دَمِهِ ! (2)

الإمام الصادق عليه السلام :قيلَ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام : لِمَ لا تَشتَري فَرَسا عَتيقا ؟ قالَ : لا حاجَةَ لي فيهِ ؛ فَأَنَا لا أفِرُّ مِمَّن كَرَّ عَلَيَّ ، ولا أكِرُّ عَلى مَن فَرَّ مِنّي (3) .

المناقب لابن شهر آشوب_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: قيلَ لَهُ عليه السلام : أ لا تَركَبُ الخَيلَ وطُلّابُكَ كَثيرٌ ؟ فَقالَ : الخَيلُ لِلطَّلَبِ وَالهَرَبِ ، ولَستُ أطلُبُ مُدبِرا ، ولا أنصَرِفُ عَن مُقبِلٍ . وفي رِوايَةٍ : لا أكِرُّ عَلى مَن فَرَّ ، ولا أفِرُّ مِمَّن كَرَّ (4) .

نثر الدرّ_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: قيلَ لَهُ : أنتَ مُحَرِّبٌ مَطلوبٌ ، فَلَوِ اتَّخَذتَ طِرفا ؟ قالَ : أنَا لا أفِرُّ عَمَّن كَرَّ ، ولا أكِرُّ عَلى مَن فَرَّ ، فَالبَغلَةُ تَكفيني (5) .

.


1- .سنن ابن ماجة : ج1 ص43 ح117 ، مسند ابن حنبل : ج1 ص214 ح778 كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الإمام عليّ عليه السلام ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ص234 ح126 عن سعد بن أبي وقّاص ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص497 ح17 عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الإمام عليّ عليه السلام وزاد فيه «يفتح اللّه له» قبل «ليس بفرّار» ، المناقب لابن المغازلي : ص185 ح220 عن أبي سعيد الخدري ، البداية والنهاية : ج7 ص337 وفيه «وقد ثبت في الصحاح وغيرها» ؛ الكافي : ج1 ص294 ح3 عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن الإمام الصادق عليه السلام ، الاختصاص : ص150 وفي الخمسة الأخيرة إلى «بفرّار» .
2- .الخصال : ص580 ح1 عن مكحول .
3- .الأمالي للصدوق : ص234 ح249 عن مالك بن أنس ، بحار الأنوار : ج41 ص75 ح5 .
4- .المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص298 .
5- .نثر الدرّ : ج1 ص294 .

ص: 495

5 / 4 كان يباشر القتال بنفسه

نثر الدرّ_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: قيلَ لَهُ في بَعضِ حُروبِهِ : إن جالَتِ الخَيلُ فَأَينَ نَطلُبُكَ ؟ قالَ : حَيثُ تَرَكتُموني (1) .

المناقب لابن شهر آشوب :قَدِ اجتَمَعَتِ الاُمَّةُ عَلى أنَّ عَلِيّا كانَ المُجاهِدَ في سَبيلِ اللّهِ ، وَالكاشِفَ الكُروبِ عَن وَجهِ رَسولِ اللّهِ ، المُقَدِّمَ في سائِرِ الغَزَواتِ إذا لَم يَحضُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وإذا حَضَرَ فَهُوَ تاليهِ ، وصاحِبَ الرّايَةِ وَاللِّواءِ مَعا ، وما كانَ قَطُّ تَحتَ لِواءِ جَماعَةِ أحَدٍ ، ولا فَرَّ مِن زَحفٍ (2) .

راجع : ج 1 ص 176 (غزوة اُحد) و ص 209 (الفصل الثامن: الدور المصيري في فتح خيبر) و ص 231 (الفصل العاشر: المقاومة الرائعة في غزوة حنين).

5 / 4كانَ يُباشِرُ القِتالَ بِنَفسِهِالإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عَلِيّا كانَ يُباشِرُ القِتالَ بِنَفسِهِ (3) .

عنه عليه السلام :إنَّ عَلِيّا رضى الله عنه كانَ لا يَأخُذُ سَلَبا ، وإنَّهُ كانَ يُباشِرُ القِتالَ بِنَفسِهِ (4) .

تاريخ الطبري عن أبي بكر الهذلي :أنَّ عَلِيّا لَمَّا استَخلَفَ عَبدَ اللّهِ بنَ عَبّاسٍ عَلَى البَصرَةِ سارَ مِنها إلَى الكوفَةِ ، فَتَهَيَّأَ فيها إلى صِفّينَ ، فَاستَشارَ النّاسَ في ذلِكَ ، فَأَشارَ عَلَيهِ قَومٌ أن يَبعَثَ الجُنودَ ويُقيمَ ، وأشارَ آخَرونَ بِالمَسيرِ ، فَأَبى إلَا المُباشَرَةَ (5) .

.


1- .نثر الدرّ : ج1 ص294 ؛ شرح نهج البلاغة : ج20 ص283 ح246 .
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص66 .
3- .قرب الإسناد : ص27 ح91 عن عبد اللّه بن ميمون عن الإمام الصادق عليه السلام .
4- .السنن الكبرى : ج8 ص314 ح16746 عن الدراوردي عن الإمام الصادق عليه السلام ، الجعفريّات : ص77 ، النوادر للراوندي : ص138 ح184 كلاهما عن الإمام الحسين عليه السلام ، بحار الأنوار : ج33 ص454 ح669 و ج100 ص34 ح17 .
5- .تاريخ الطبري : ج4 ص563 .

ص: 496

5 / 5 كانت درعه بلا ظهر

ذخائر العقبى عن ابن عبّاس_ وقَد سَأَلَهُ رَجُلٌ _: أكانَ عَلِيٌّ رضى الله عنه يُباشِرُ القِتالَ يَومَ صِفّينَ ؟ فَقالَ : وَاللّهِ ، ما رَأَيتُ رَجُلاً أطرَحَ لِنَفسِهِ في مَتلَفٍ مِن عَلِيٍّ ، ولَقَد رَأَيتُهُ يَخرُجُ حاسِرَ الرَّأسِ بِيَدِهِ السَّيفُ إلَى الرَّجُلِ الدّارِعِ فَيَقتُلُهُ (1) .

راجع : ج3 ص464 (قتال الإمام بنفسه) .

5 / 5كانَت دِرعُهُ بِلا ظَهرٍعيون الأخبار :كانَت دِرعُ عَلِيٍّ رضى الله عنه صَدرا لا ظَهرَ لَها ، فَقيلَ لَهُ في ذلِكَ ، فَقالَ : إذَا استَمكَنَ عَدُوّي مِن ظَهري فَلا يُبقِ (2) .

شرح نهج البلاغة_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: قيلَ لَهُ : إنَّ دِرعَكَ صَدرٌ لا ظَهرَ لَها ، إنّا نَخافُ أن تُؤتى مِن قِبَلِ ظَهِركَ ؟ فَقالَ : إذا وَلَّيتُ فَلا واءَلتُ (3) . (4)

المناقب لابن شهر آشوب :رُوِيَ أنَّ دِرعَهُ عليه السلام كانَت لا قَبَّ لَها ؛ أي لا ظَهرَ ، فَقيلَ لَهُ في ذلِكَ ، فَقالَ : إن وَلَّيتُ فَلا وَأَلتُ (5) ؛ أي نَجَوتُ (6) .

الأخبار الموفّقيّات عن مصعب بن عبد اللّه :كانَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ حَذِرا فِي الحُروبِ ، شَديدَ الرَّوَغانِ مِن قِرنِهِ ، لا يَكادُ أحَدٌ يَتَمَكَّنُ مِنهُ . وكانَت دِرعُهُ صَدرا لا ظَهرَ لَها ، فَقيلَ لَهُ : أ لا تَخافُ أن تُؤتى مِن قِبَلِ ظَهرِكَ ؟ فَيَقولُ : إذا أمكَنتُ عَدُوّي مِن ظَهرى ¨

.


1- .ذخائر العقبى : ص176 .
2- .عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص131 وراجع شرح الأخبار : ج1 ص112 ح34 .
3- .واءَلَ منه : أي طلب النجاة (لسان العرب : ج11 ص715) .
4- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص280 ح221 وراجع تاج العروس : ج15 ص765 .
5- .في المصدر : «واليت» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
6- .المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص298 ، بحار الأنوار : ج42 ص58 .

ص: 497

5 / 6 كانت ضرباته أبكارا

فَلا أبقَى اللّهُ عَلَيهِ إن أبقى عَلَيَّ (1) .

الجمل عن محمّد ابن الحنفيّة_ في وَقعَةِ الجَمَلِ _: ودَعا [ عَلِيٌ عليه السلام ]بِدِرعِهِ البَتراءِ _ ولَم يَلبَسها بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إلّا يَومَئِذٍ _ فَكانَ بَينَ كَتِفَيهِ مِنها وَهنٌ ، فَجاءَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام وفي يَدِهِ شِسعُ نَعلٍ ، فَقالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ : ما تُريدُ بِهذَا الشِّسعِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ فَقالَ : أربُطُ بِها ما قَد تَهي (2) مِن هذَا الدِّرعِ مِن خَلفي . فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : أفي مِثلِ هذَا اليَومِ تَلبَسُ مِثلَ هذا ! فَقالَ عليه السلام : ولِمَ ؟ قالَ : أخافُ عَلَيكَ . فَقالَ : لا تَخَف أن اُوتى مِن وَرائي ، وَاللّهِ يَابنَ عَبّاسٍ ما وَلَّيتُ في زَحفٍ قَطُّ (3) .

5 / 6كانَت ضَرَباتُهُ أبكاراالأمالي للطوسي عن نوفل :أنَّهُ كانَ يُحَدِّثُ عَن يَومِ حُنَينٍ ، قالَ : فَرَّ النّاسُ جَميعا وأعرَوا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَم يَبقَ مَعَهُ إلّا سَبعَةُ نَفَرٍ مِن بَني عَبدِالمُطَّلِبِ: العَبّاسُ، وَابنُهُ الفَضلُ، وعَليٌِّ، وأخوهُ عَقيلٌ، وأبو سُفيانَ، ورَبيعَةُ، ونَوفَلٌ بَنُو الحارِثِ بنِ عَبدِالمُطَّلِبِ، ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُصِلتٌ سَيفَهُ فِي المُجتَلَدِ، وهُوَ عَلى بَغلَتِهِ الدُّلدُلِ، وهُوَ يَقولُ: أنَا النّبِيُّ لا كَذِبَ أنَا ابنُ عَبدِالمُطَّلِبِ قالَ الحارِثُ بنُ نَوفَلٍ: فَحَدَّثَنِي الفَضلُ بنُ العَبّاسِ، قالَ: اِلتَفَتَ العَبّاسُ يَومَئِذٍ وقَد أقشَعَ النّاسُ عَن بَكرَةِ أبيهِم، فَلَم يَرَ عَلِيّا عليه السلام في مَن ثَبَتَ، فَقالَ: شوهَةٌ بوهَةٌ، أفي مِثلِ هذَا الحالِ يَرغَبُ ابنُ أبي طالِبٍ بِنَفسِهِ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ صاحِبُ ما هُوَ صاحِبُهُ! _ يَعنِي المَواطِنَ المَشهورَةَ لَهُ _ فَقُلتُ: نَقِّص قَولَكَ لِابنِ أخيكَ يا أبَه. قالَ:

.


1- .الأخبار الموفّقيّات : ص343 ح194 ، المستطرف : ج1 ص221 عن مصعب بن الزبير ؛ نثر الدرّ : ج1 ص280 .
2- .كلّ ما استرخى رباطه فقد وَهَى ، وقد وَهَى الثوبُ يَهي وَهْيا : إذا بليَ وتخرّق (لسان العرب : ج15 ص417) .
3- .الجمل : ص355 .

ص: 498

ما ذاكَ، يا فَضلُ؟ قُلتُ: أما تَراهُ فِي الرَّعيلِ الأَوَّلِ، أما تَراهُ فِي الرَّهِجِ، قالَ: أشعِرهُ لي يا بُنَيَّ. قُلتُ: ذو كَذا ذو كَذا ذُو البُردَةِ. قالَ: فَما تِلكَ البَرقَةُ؟ قُلتُ: سَيفُهُ يُزَيِّلُ بِهِ بَينَ الأَقرانِ. فَقالَ: بَرُّ بنُ بَرٍّ، فِداهُ عَمٌّ وخالٍ. قالَ: فَضَرَبَ عَلِيٌّ عليه السلام يَومَئِذٍ أربَعينَ مُبارِزا، كُلُّهُم يَقُدُّهُ حَتّى أنفِهِ وذَكَرِهِ، قالَ: وكانَت ضَرَباتُهُ مُبتَكِرَةً (1) .

المناقب لابن شهر آشوب :كانَت لِعَلِيٍّ عليه السلام ضَربَتانِ ؛ إذا تَطاوَلَ قَدٌّ ، وإذا تَقاصَرَ قَطٌّ . وقالوا : كانَت ضَرَباتُهُ أبكارا ؛ إذَا اعتَلى قَدٌّ ، وإذَا اعتَرَضَ قَطٌّ ، وإذا أتى حِصنا هَدٌّ . وقالوا : كانَت ضَرَباتُهُ مُبتكَراتٍ لا عُونا ، يُقالُ : ضَربَةٌ بِكر ، أي قاطِعَةٌ لا تُثنى . وَالعُونُ : الَّتي وَقَعَت مُختَلِسَةً فَأَحوَجَت إلَى المُعاوَدَةِ . ويُقالُ : إنَّهُ كانَ يوقِعُها عَلى شِدَّةٍ فِي الشِّدَّةِ ، لَم يَسبِقهُ إلى مِثلِها بَطَلٌ (2) .

حياة الحيوان الكبرى :في دُرَّةِ الغَوّاصِ : ومِمّا يُؤثَرُ مِن شُجاعَةِ عَلِيٍّ رضى الله عنه أنَّهُ كانَ إذَا اعتَلى قَدٌّ ، وإذَا اعتَرَضَ قَطٌّ . فَالقَدُّ : قَطعُ الشَّيءِ طولاً . وَالقَطُّ : قَطعُهُ عَرضا (3) .

نثر الدرّ عن محمّد ابن الحنفيّة_ فِي وَصفِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: كانَ إذا تَكَلَّمَ بَذَّ (4) ، وإذا كَلَم (5) حَذَّ (6)(7) .

.


1- .الأمالي للطوسي : ص574 ح1187، بحار الأنوار: ج21 ص178 ح14؛ النهاية في غريب الحديث : ج1 ص149 وفيه «كانت ضربات عليّ مُبتَكرات لا عُونا ، أي إنّ ضربته كانت بِكرا ؛ يقتل بواحدة منها ، لا يحتاج أن يعيد الضربة ثانيا . يقال : ضربةٌ بِكر ؛ إذا كانت قاطعةً لا تُثنى».
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص83 .
3- .حياة الحيوان الكبرى : ج1 ص53 ، لسان العرب : ج3 ص344 ؛ نثر الدرّ : ج1 ص408 نحوه .
4- .بَذّ القائلين : أي سبَقهم وغَلبَهم (النهاية : ج1 ص110) .
5- .الكَلْم : الجُرح (لسان العرب : ج12 ص524) .
6- .الحَذّ : القطع المستأصل (لسان العرب : ج3 ص482) .
7- .نثر الدرّ : ج1 ص407 .

ص: 499

5 / 7 ما رئي محراب مثله

5 / 7ما رُئي مِحرابٌ مِثلُهُالنهاية عن ابن عبّاس_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: «ما رَأَيتُ مِحرابا مِثلَهُ مِحرابا» ؛ أي مَعروفا بِالحَربِ عارِفا بِها (1) .

وقعة صفّين عن معاوية :وَاللّهِ، ما بارَزَ ابنُ أبي طالِبٍ رَجُلاً قَطُّ إلّا سَقَى الأَرضَ مِن دَمِهِ (2) .

المناقب للخوارزمي :اِجتَمَعَ عِندَ مُعاوِيَةَ المَلَأُ مِن قَومِهِ ، فَذَكَروا شَجاعَةَ عَلِيٍّ وشَجاعَةَ الأَشتَرِ ، فَقالَ عُتبَةُ بنُ أبي سُفيانَ : إن كانَ الأَشتَرُ شُجاعا ، لكِنَّ عَلِيّا لا نَظيرَ لَهُ في شَجاعَتِهِ ، وصَولَتِهِ ، وقُوَّتِهِ ! (3)

شرح نهج البلاغة :اِنتَبَهَ يَوما مُعاوِيَةُ فَرَأى عَبدَ اللّهِ بنَ الزُّبَيرِ جالِسا تَحتَ رِجلَيهِ عَلى سَريرِهِ ، فَقَعَدَ ، فَقالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ _ يُداعِبُهُ _ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَو شِئتُ أن أفتِكَ بِكَ لَفَعَلتُ . فَقالَ : لَقَد شَجَعتَ بَعدَنا يا أبا بَكرٍ ! قالَ : وَما الَّذي تُنكِرُهُ مِن شَجاعَتي وقَد وَقَفتُ فِي الصَّفِّ إزاءَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ! قالَ : لا جَرَمَ ، إنَّهُ قَتَلَكَ وأباكَ بِيُسرى يَدَيهِ ، وبَقِيَتِ اليُمنى فارِغَةً يَطلُبُ مَن يَقتُلُهُ بِها (4) .

رسائل الجاحظ :قالوا : لا نَعلَمُ مَوضِعَ رَجُلٍ مِن شُجعانِ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ لَهُ مِن عَدَدِ القَتلى ما كانَ لِعَلِيٍّ رضى الله عنه ، ولا كانَ لِأَحَدٍ مَعَ ذلِكَ مِن قَتلِ الرُّؤَساءِ وَالسّادَةِ وَالمَتبوعينَ وَالقادَةِ ما كانَ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ . وقَتلُ رَئيسٍ واحِدٍ وإن كانَ دونَ بَعضِ الفُرسانِ فِي الشِّدَّةِ أشَدُّ ؛ فَإِنَّ قَتلَ الرَّئيسِ أرَدُّ عَلَى المُسلِمينَ وأقوى لَهُم مِن

.


1- .النهاية فى غريب الحديث : ج1 ص359 ؛ تفسير فرات : ص431 ح569 عن ضرار بن الأزور وفيه «لا رأيت إنسانا محاربا مثله» .
2- .وقعة صفّين : ص275 .
3- .المناقب للخوارزمي : ص235 .
4- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص21 .

ص: 500

5 / 8 شدّة خوف الأعداء منه

قَتلِ الفارِسِ الَّذي هُوَ أشَدُّ مِن ذلِكَ السَّيِّدِ . وأيضا : إنَّهُ قَد جَمَعَ بَينَ قَتلِ الرُّؤَساءِ وبَينَ قَتلِ الشُّجعانِ . ولَهُ اُعجوبَةٌ اُخرى ؛ وذلِكَ أنَّهُ مَعَ كَثرَةِ ما قَتَلَ وما بارَزَ وما مَشى بِالسَّيفِ إلَى السَّيفِ ، لَم يَجرَح قَطُّ ، ولا جَرَحَ إنسانا إلّا قَتَلَهُ (1) .

5 / 8شِدَّةُ خَوفِ الأَعداءِ مِنهُالمناقب لابن شهر آشوب_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ الكُفّارَ كانوا يُسَمّونَهُ المَوتَ الأَحمَرَ ، سَمَّوهُ يَومَ بَدرٍ ؛ لِعِظَمِ بَلائِهِ ونِكايَتِهِ (2) .

محاضرات الاُدباء :كانَت قُرَيشٌ إذا رَأَت أميرَ المُؤمِنينَ في كَتيبَةٍ تَواصَت ؛ خَوفا مِنهُ . ونَظَرَ إلَيهِ رَجُلٌ _ وقَد شَقَّ العَسكَرَ _ فَقالَ : قَد عَلِمتُ أنَّ مَلَكَ المَوتِ فِي الجانِبِ الَّذي فيهِ عَلِيٌّ (3) .

شرح نهج البلاغة :إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَت هَيبَتُهُ قَد تَمَكَّنَت في صُدورِ النّاسِ ، فَلَم يَكُن يُظَنُّ أنَّ أحَدا يَقدَمُ عَلَيهِ غيلَةً أو مُبارَزَةً في حَربٍ ، فَقَد كانَ بَلَغَ مِنَ الذِّكرِ بِالشَّجاعَةِ مَبلَغا عَظيما لَم يَبلُغهُ أحَدٌ مِنَ النّاسِ ؛ لا مَن تَقَدَّمَ ، ولا مَن تَأَخَّرَ ، حَتّى كانَت أبطالُ العَرَبِ تَفزَعُ بِاسمِهِ ؛ أ لا تَرى إلى عَمرِو بنِ مَعديكَرِبَ _ وهُوَ شُجاعُ العَرَبِ ، الَّذي تُضرَبُ بِهِ الأَمثالُ _ كَتَبَ إلَيهِ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ في أمرٍ أنكَرَهُ عَلَيهِ وغَدَرَ تَخَوُّفَهَ مِنهُ : أما وَاللّهِ لَئِن أقَمتَ عَلى ما أنتَ عَلَيهِ لَأَبعَثَنَّ إلَيكَ رَجُلاً تَستَصغِرُ مَعَهُ نَفسَكَ ، يَضَع

.


1- .رسائل الجاحظ : ج4 ص124 .
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص68 .
3- .محاضرات الاُدباء : ج3 ص138 ، المستطرف : ج1 ص221 وفيه «قال بعض العرب : ما لقينا كتيبة فيها عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه إلّا أوصى بعضنا على بعض» ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص84 .

ص: 501

5 / 9 إرهاب النّبيّ الأعداء به

سَيفَهُ عَلى هامَتِكَ فَيُخرِجُهُ مِن بَينِ فَخِذَيكَ ! فَقالَ عَمرٌو _ لَمّا وَقَفَ عَلَى الكِتابِ _ : هَدَّدَني بِعَلِيٍّ وَاللّهِ (1) .

5 / 9إرهابُ النَّبِيِّ الأَعداءَ بِهِفضائل الصحابة عن عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد :قَدِمَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن أهلِ اليَمَنِ وَفدٌ لِيَشرَحَ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لِتُقيمُنَّ الصَّلاةَ أو لَأَبعَثَنَّ إلَيكُم رَجُلاً (2) يَقتُلُ المُقاتَلَةَ ، ويُسبِي الذُّرِّيَّةَ ! ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُمَّ أنَا أو هذا _ وَانتَشَلَ بِيَدِ عَلِيٍّ _ (3) .

المصنّف لابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن عوف :لَمَّا افتَتَحَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَكَّةَ انصَرَفَ إلَى الطّائِفِ ، فَحاصَرَها سَبعَ عَشرَةَ أو ثَماني عَشرَةَ ، فَلَمّا يَفتَحها . ثُمَّ ارتَحَلَ رَوحَةً أو غُدوَةً فَنَزَلَ ، ثُمَّ هَجَرَ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنّي فَرَطٌ (4) لَكُم ، واُوصيكُم بِعِترَتي خَيرا ، وإنَّ مَوعِدَكُمُ الحَوضُ ، وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ! لَتُقيُمنَّ الصَّلاةَ ولَتُؤتُنَّ الزَّكاةَ أو لَأَبعَثَنَّ إلَيكُم رَجُلاً مِنّي _ أو لِنَفسي _ فَلَيَضرِبَنَّ أعناقَ مُقاتِلَتَهُم ، ولَيَسبِيَنَّ ذَرارِيَّهُم . قالَ : فَرَأَى النّاسُ أنَّهُ أبو بَكرٍ أو عُمَرُ ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقالَ : هذا (5) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج10 ص259 .
2- .في المصدر: «رجل» .
3- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص600 ح1024 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص499 ح30 ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص468 ح370 كلاهما نحوه ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص85 عن شدّاد بن الهاد وراجع المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص506 ح74 .
4- .فَرَط : تقدّم وسبق القوم (النهاية : ج3 ص434) .
5- .المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص498 ح23 ، المستدرك على الصحيحين : ج2 ص131 ح2559 ؛ الأمالي للطوسي : ص504 ح1104 ، المناقب للكوفي : ج1 ص488 ح395 .

ص: 502

5 / 10 مع النّبيّ في جميع حروبه
5 / 11 صاحب راية النّبيّ

5 / 10مَعَ النَّبِيِّ في جَميعِ حُروبِهِالإمام عليّ عليه السلام :إنّي كُنتُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في جمَيعِ المَواطِنِ وَالحُروبِ ، وكانَت راَيتُهُ مَعي (1) .

الاستيعاب_ فِي الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: أجمَعوا عَلى أنَّهُ صَلَّى القِبلَتَينِ ، وهاجَرَ ، وشَهِدَ بَدرا وَالحُدَيبِيَّةَ وسائِرَ المَشاهِدِ ، وأنَّهُ أبلى بِبَدرٍ وبِاُحُدٍ وبِالخَندَقِ وبِخَيبَر بَلاءً عَظيما ، وأنَّهُ أغنى في تِلكَ المَشاهِدِ ، وقامَ فيهَا المَقامَ الكَريمَ . وكانَ لِواءُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِهِ في مَواطِنَ كَثيرَةٍ . . . ولَم يَتَخَلَّف عَن مَشهَدٍ شَهِدَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُذ قَدِمَ المَدينَةَ ، إلّا تَبوكَ ؛ فَإِنَّهُ خَلَّفَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى المَدينَةِ وعَلى عِيالِهِ بَعدَهُ في غَزوَةِ تَبوكَ ، وقالَ لَهُ : أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (2) .

اُسد الغابة_ فِي الإِمام عَلِيٍّ عليه السلام _: أجمَعَ أهلُ التّاريخِ وَالسَّنَدِ عَلى أنَّهُ شَهِدَ بَدرا وغَيرَها مِنَ المَشاهِدِ ، وأنَّهُ لَم يَشهَد غَزوَةَ تَبوكَ لا غَيرَ ؛ لِأَنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله خَلَّفَهُ عَلى أهلِهِ (3) .

5 / 11صاحِبُ رايَةِ النَّبِيِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّهُ صاحِبُ لِوائي عِندَ كُلِّ شَديدَةٍ وكَريهَةٍ (4) .

.


1- .الخصال : ص580 ح1 عن مكحول .
2- .الاستيعاب : ج3 ص201 الرقم 1875 ، تهذيب التهذيب : ج4 ص203 الرقم 5561 نحوه .
3- .اُسد الغابة : ج4 ص92 الرقم 3789 .
4- .تاريخ دمشق : ج42 ص331 ح8893 عن ابن عبّاس .

ص: 503

المعجم الكبير عن جابر بن سمرة :قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، مَن يَحمِلُ رايَتَكَ يَومَ القِيامَةِ ؟ قالَ : مَن يُحسِنُ أن يَحمِلَها إلّا مَن حَمَلَها فِي الدُّنيا ؛ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (1) .

المناقب لابن شهر آشوب عن زيد بن عليّ عن آبائه عليهم السلام: كُسِرَت زَندُ عَلِيٍّ يَومَ اُحُدٍ وفي يَدِهِ لِواءُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَسَقَطَ اللِّواءُ مِن يَدِهِ ، فَتَحاماهُ المُسلِمونَ أن يَأخُذوهُ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَضَعوهُ فِي يَدِهِ الشِّمالِ ؛ فَإِنَّهُ صاحِبُ لِوائي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وفي رِوايَةِ غَيرِهِ : فَرَفَعَهُ المِقدادُ وأعطاهُ عَلِيّا ، وقالَ صلى الله عليه و آله : أنتَ صاحِبُ رايَتي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (2) .

الإمام عليّ عليه السلام_ بَعدَ انصِرافِهِ مِنَ النَّهرَوانِ _: أنَا صاحِبُ لِواءِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (3) .

الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهماالسلام :كانَ [عَلِيٌّ عليه السلام ]صاحِبُ رايَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي المَواطِنِ كُلِّها (4) .

الإرشاد عن أبي البختري القرشي :كانَت رايَةُ قُرَيشٍ ولِواؤُها جَميعا بِيَدِ قُصَيِّ بنِ كِلابٍ ، ثُمَّ لَم تَزَلِ الرّايَةُ في يَدِ وُلدِ عَبدِ المُطَّلِبِ يَحمِلُها مِنهُم مَن حَضَرَ الحَربَ حَتّى بَعَثَ اللّهُ رَسولَهُ صلى الله عليه و آله ، فَصارَت رايَةُ قُرَيشٍ وغَيرُ ذلِكَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَأَقَرَّها في بَني هاشِمٍ ، وأعطاها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام في غَزاة وَدّانَ (5) ، وهِيَ أوَّلُ غَزاةٍ حُمِل

.


1- .المعجم الكبير : ج2 ص247 ح2036 ، تاريخ دمشق : ج42 ص74 ح8418 و ص75 ح8419 ، البداية والنهاية : ج7 ص336 ، المناقب للخوارزمي : ص358 ح369 ؛ المناقب للكوفي : ج1 ص515 ح440 و ج2 ص498 ح1000 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص228 وفيها «عسى» بدل «يحسن» .
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص299 ؛ ذخائر العقبى : ص137 عن الإمام عليّ عليه السلام نحوه .
3- .معاني الأخبار : ص60 ح9 ، بشارة المصطفى : ص13 كلاهما عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام .
4- .تفسير العيّاشي : ج2 ص307 ح134 .
5- .ودّان : موضع بين مكّة والمدينة (معجم البلدان : ج5 ص365) .

ص: 504

فيها رايَةٌ فِي الإِسلامِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ لَم تَزَل مَعَهُ فِي المَشاهِدِ ؛ بِبَدرٍ وهِيَ البَطشَةُ الكُبرى ، وفي يَومِ اُحُدٍ وكانَ اللِّواءُ يَومَئِذٍ في بَني عَبدِ الدّارِ ، فَأَعطاهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُصعَبَ بنَ عُمَيرٍ ، فَاستُشهِدَ ووَقَعَ اللِّواءُ مِن يَدِهِ ، فَتَشَوَّفَتهُ (1) القَبائِلُ ، فَأَخَذَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَدَفَعَهُ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَجُمِعَ لَهُ يَومَئِذٍ الرّايَةُ وَاللِّواءُ ، فَهُما إلَى اليَومِ في بَني هاشِمٍ (2) .

الطبقات الكبرى عن مالك بن دينار :قُلتُ لِسَعيدِ بنِ جُبَيرٍ : مَن كانَ صاحِبُ رايَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : إنَّكَ لَرِخوُ اللَّبَبِ . فَقالَ لي مَعبَدٌ الجُهَنِّيُ : أنَا اُخبِرُكَ ؛ كانَ يَحمِلُها فِي المَسيرِ ابنُ مَيسَرَةَ العَبَسِيُّ ، فَإِذا كانَ القِتالُ أخَذَها عَلِيُّ ابنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه (3) .

المستدرك على الصحيحين عن ابن عبّاس :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله دَفَعَ الرّايَةَ إلى عَلِيٍّ رضى الله عنهيَومَ بَدرٍ (4) .

الاستيعاب عن ابن عبّاس :لِعَلِيٍّ أربَعُ خِصالٍ لَيسَت لِأَحَدٍ غَيرِهِ : هُوَ أوَّلُ عَرَبِيٍّ وعَجَمِيٍّ صَلّى مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وهُوَ الَّذي كانَ لِواؤُهُ مَعَهُ في كُلِّ زَحفٍ ، وهُوَ الَّذي صَبَرَ مَعَهُ يَومَ فَرَّ عَنهُ غَيرُهُ ، وهُوَ الَّذي غَسَّلَهُ وأدخَلَهُ قَبرَهُ (5) .

.


1- .تشوّفتُ إلى الشيء : تطلّعتُ (لسان العرب : ج9 ص185) .
2- .الإرشاد : ج1 ص79 .
3- .الطبقات الكبرى : ج3 ص25 .
4- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص120 ح4583 ، السنن الكبرى : ج6 ص340 ح12165 ، الاستيعاب : ج3 ص201 ح1875 ، تاريخ دمشق : ج42 ص71 و 72 ، المعجم الكبير : ج1 ص106 ح174 وليس فيهما «يوم بدر» ، البداية والنهاية : ج7 ص224 ، المناقب لابن المغازلي : ص366 ح413 ، المناقب للخوارزمي : ص167 ح199 .
5- .الاستيعاب: ج3 ص197 الرقم1875، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص120 ح4582، تاريخ دمشق : ج42 ص72 ، المناقب للخوارزمي : ص58 ح26 ، شرح نهج البلاغة : ج4 ص116 ؛ الخصال : ص210 ح33 كلّها نحوه .

ص: 505

المعجم الكبير عن ابن عبّاس :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ كانَ صاحِبَ رايَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ بَدرٍ ، وصاحِبُ رايَةِ المُهاجِرينَ عَلِيٌّ فِي (1) المَواطِنِ كُلِّها ، وقَيسُ بنُ سَعدِ بنِ عُبادَةَ صاحِبُ رايَةِ عَلِيٍّ (2) .

الطبقات الكبرى عن قتادة :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ كانَ صاحِبَ لِواءِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ بَدرٍ ، وفي كُلِّ مَشهَدٍ (3) .

تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :إنَّ رايَةَ المُهاجِرينَ كانَت مَعَ عَلِيٍّ فِي المَواقِفِ كُلِّها ؛ يَومَ بَدرٍ ، ويَومَ اُحُدٍ ، ويَومَ خَيبَرَ ، ويَومَ الأَحزابِ ، ويَومَ فَتحِ مَكَّةَ ، ولَم تَزَل (4) مَعَهُ فِي المَواقِفِ كُلِّها (5) .

شرح الأخبار عن أبي رافع :كانَ عَلِيٌّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ صاحِبَ رايَةِ النَّبِيِّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وآلِهِ وحامِلَها في كُلِّ غَزوَةٍ غَزاها ، وكانَت رايَةُ النَّبِيِّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وآلِهِ مَعَهُ يَومَ بَدرٍ ، ويَومَ اُحُدٍ ، ويَومَ الأَحزابِ ، ويَومَ بَنِي النَّضيرِ ، ويَومَ بَني قُرَيظَةَ ، ويَومَ بَنِي المُصطَلِق مِن خُزاعَةَ ، ويَومَ بَني لِحيانَ مِن هُذَيلٍ ، ويَومَ خَيبَرَ ، ويَومَ الفَتحِ ، ويَومَ حُنَينٍ ، ويَومَ الطّائِفِ (6) .

.


1- .في المصدر : «وفي» ، والتصحيح من بقيّة المصادر .
2- .المعجم الكبير : ج11 ص311 ح12101 و ج6 ص15 ح5356 ، المعجم الأوسط : ج5 ص241 ح5202 كلاهما نحوه وراجع مجمع البيان : ج2 ص709 .
3- .الطبقات الكبرى : ج3 ص23 ، تاريخ دمشق : ج42 ص74 و ص72 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص650 ح1106 كلاهما عن ابن عبّاس نحوه .
4- .في المصدر : «يزَل» ، والتصحيح من كفاية الطالب .
5- .تاريخ دمشق : ج42 ص72 ، كفاية الطالب : ص335 ؛ إعلام الورى : ج1 ص374 كلاهما نحوه .
6- .شرح الأخبار : ج1 ص321 ح289 .

ص: 506

5 / 12 جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره

فضائل الصحابة عن ابن عبّاس :كانَ المُهاجِرونَ يَومَ بَدرٍ سَبعَةً وسَبعينَ رَجُلاً _ وذَكَرَ الحَديثَ وقالَ في آخِرِهِ _ : وكانَ صاحِبُ رايَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ ابنَ أبي طالِبٍ (1) .

راجع : ج 4 ص 482 (صاحب لوائي).

5 / 12جَبرَئيلُ عَن يَمينِهِ وميكائيلُ عَن يَسارِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ما بَعَثتُهُ في سَرِيَّةٍ ولا أبرَزتُهُ لِمُبارَزَةٍ إلّا رَأَيتُ جَبرائيلَ عَن يَمينِهِ ، وميكائيلَ عَن يَسارِهِ ، ومَلَكَ المَوتِ أمامَهُ ، وسَحابَةً تُظِلُّهُ ، حَتّى يُعطِيَهُ اللّهُ خَيرَ النَّصرِ وَالظَّفَرِ (2) .

السيرة الحلبيّة عن حذيفة :لَمّا تَهَيَّأَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ يَومَ خَيبَرَ لِلحَملَةِ قالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ إنَّ مَعَكَ مَن لا يَخذُلُكَ ؛ هذا جَبرَئيلُ عليه السلام عَن يَمينِكَ ، بِيَدِهِ سَيفٌ لَو ضَرَبَ بِهِ الجِبالَ لَقَطَعَها ، فَاستَبشِرِ بِالرِّضوانِ وَالجَنَّةِ . (3)

الإمام الحسن عليه السلام_ حينَ قُتِلَ عَلِيٌّ عليه السلام _: كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَبعَثُهُ بِالرّايَةِ ، جَبرَئيلُ عَن يَمينِهِ ، وميكائيلُ عَن شِمالِهِ ، لا يَنصَرِفُ حَتّى يُفتَحَ لَهُ (4) .

.


1- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص678 ح1159 ، تاريخ الطبري : ج2 ص431 ، الأغاني : ج4 ص180 ، البداية والنهاية : ج3 ص326 ، كنز العمّال : ج10 ص405 ح29972 نقلاً عن ابن عساكر وفيه «راية المهاجرين» بدل «راية رسول اللّه صلى الله عليه و آله » وراجع مسند ابن حنبل : ج1 ص788 ح3486 والمعجم الكبير : ج6 ص15 ح5355 .
2- .شرح الأخبار : ج2 ص414 ح760 ، الأمالي للطوسي : ص505 ح1106 ، المناقب للكوفي : ج1 ص359 ح289 كلاهما عن عبّاد بن صهيب عن الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلام عن جابر ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص239 ؛ فرائد السمطين : ج1 ص222 ح173 كلاهما عن جابر ، كفاية الطالب : ص135 عن عبد اللّه بن مسعود وكلّها نحوه وراجع الخصال : ص217 ح42 .
3- .السيرة الحلبيّة : ج3 ص37 .
4- .مسند ابن حنبل : ج1 ص425 ح1719 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص189 ح4802 عن عمر بن عليّ عن أبيه الإمام زين العابدين عليه السلام ، الطبقات الكبرى : ج3 ص38 ، المعجم الكبير : ج3 ص79 ح2719 و ص80 ح2724 و 2725 ، تاريخ أصبهان : ج1 ص71 ح1 و ص427 ح821 ، حلية الأولياء : ج1 ص65 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص502 ح42 كلّها عن هبيرة و ص499 ح31 عن عاصم بن ضمرة ، مروج الذهب : ج2 ص426 ، مسند البزّار : ج4 ص180 ح1341 عن أبي رزين ، شرح نهج البلاغة : ج7 ص219 ، المستطرف : ج1 ص222 ؛ الكافي : ج1 ص457 ح8 عن أبي حمزة عن الإمام الباقر عنه عليهماالسلام ، الإرشاد : ج2 ص8 عن أبي إسحاق السبيعي وغيره ، الأمالي للطوسي : ص270 ح501 عن أبي الطفيل وكلّها نحوه .

ص: 507

عنه عليه السلام :ما قَدَّمَت رايَةٌ قوتِلَ تَحتَها أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلّا نَكَّسَهَا اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى ، وغُلِبَ أصحابُها ، وَانقَلَبوا صاغِرينَ . وما ضَرَبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بِسَيفِهِ ذِي الفَقارِ أحَدا فَنَجا ، وكانَ إذا قاتَلَ قاتَلَ جَبرَئيلُ عَن يَمينِهِ ، وميكائيلُ عَن يَسارِهِ ، ومَلَكُ المَوتِ بَينَ يَدَيهِ (1) .

اُسد الغابة عن سعيد بن المسيّب :لَقَد أصابَت عَلِيّا يَومَ اُحُدٍ سِتَّ عَشرَةَ ضَربَةً ، كُلُّ ضَربَةٍ تُلزِمُهُ الأَرضَ ، فَما كانَ يَرفَعُهُ إلّا جَبرَئيلُ عليه السلام (2) .

.


1- .الأمالي للصدوق : ص603 ح838 عن عمرو بن حبشي .
2- .اُسد الغابة : ج4 ص93 الرقم3789 ؛ شرح الأخبار : ج2 ص415 ح762 عن سعد بن المسيّب نحوه .

ص: 508

. .

ص: 509

الفهرس التفصيلي .

ص: 510

. .

ص: 511

. .

ص: 512

. .

ص: 513

. .

ص: 514

. .

ص: 515

. .

ص: 516

. .

ص: 517

. .

ص: 518

. .

ص: 519

. .

ص: 520

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.