الدعاء إشراقاته و معطياته

اشارة

سرشناسه : حيدري ، سيدكمال ، ‫1338 -

عنوان و نام پديدآور : الدعاء اشراقاته و معطياته/ من ابحاث السيدكمال الحيدري؛ تاليف طلال الحسن.

مشخصات نشر : تهران: نشر مشعر ‫، 1391.

مشخصات ظاهري : ‫276 ص.

شابك : ‫ 978-964-540-409-1

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه: ص. [259] - 267؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : دعا

موضوع : دعا -- فلسفه

شناسه افزوده : حسن، طلال، ‫1318 - ، گردآورنده

رده بندي كنگره : ‫ BP266 ‫ /ح93د7 1391

رده بندي ديويي : ‫ 297/77

شماره كتابشناسي ملي : 2917243

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

إلماعة

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

يدخلُ الجنةَ رجلانِ، كانا يعملان عملاً واحداً، فيرى أحدُهما صاحبَهُ فوقَهُ، فيقول: يا ربِّ بما أعطيتَهُ وكان عملُنا واحداً؟

فيقول الله تبارك وتعالى: سألني ولم تسألني.

ثمَّ قال (صلّى الله عليه وآله) : اسألوا الله وأجزلوا، فإنّه لا يتعاظمه شيء (1).


1- عدّة الداعي ونجاح الساعي، أحمد بن فهد الحلّي: ص42، تحقيق أحمد الموحدي، نشر مكتبة الوجداني، قم المقدّسة.

ص: 6

الإهداء. . .

إلى كلِّ مَنْ أبصرَ المعنى قبلَ اللف-ظ وأبصرَ المنتهى قبلَ البدء وطهَّرَ الأَنَا بَأَنت إلى الماضين إلى الضفة الأُخرى وزادُهم لغةُ القلب المُقبِّل ترابَ مقدمكم

طلال الحسن

ص: 7

ص: 8

ص: 9

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين الذي ما كان ليعبأ بنا لولا دعاؤنا إيّاه، وصلّى الله على شَرَفِ الوجود وفخره، النبيّ الأمين، المبعوثِ رحمةً للعالمين محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

ممَّا شُرِّفْنا به أن منَحنا الإذنَ بدعائه، والتقرُّب إليه بمناجاته، وذلك من أعظم النعم، كما قال الإمام العابد الساجد عليّ بن الحسين (عليه السلام) : « ومن أعظم النعم جريان ذكرك على ألسنتنا، وإذنك لنا بدعائك » (1)، فكان الدعاءُ والقبولُ مصداقَ أقربيّته لنا من حبل الوريد، ورئةَ التنفسّ في عالم الملكوت، فله الحمد والمنّة علينا بذلك، ولنا الفخرُ بربوبيّته لنا، والعزُّ بعبوديّتنا له سبحانه.

ثمّ لا تخفى حاجتنا العظمى للدعاء ما دمنا طالبين الأمنَ والأمانَ، فالدعاءُ هو الذكرُ، والذكرُ بوّابة الطمأنينة؛ لقوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد: 2٨) ، ولا أمنَ ولا طمأنينةَ ولا أمانَ بدونَ نيل مراتب الكمال، ولا طريقَ لذلك بلا توفيقٍ، ولا ديمومة لذلك بلا دعاء. ف- أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ إنمّا


1- مقطع من مُناجاة الذاكرين، انظر: الصحيفة السجّادية للإمام زين العابدين، مؤسّسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، ط1، 1411ه-، قم: ص41٨ رقم 1٩4.

ص: 10

هو بكمالات الذكر والدعاء ودوام التوفيق لذلك.

من هُنا نلمحُ وجهَ الحاجةِ الأولى للدعاء، والتي لا تنتهي أبداً، ووجه فقرنا لذلك، فالدعاء حلقة الوصل التي لا انفصام لها بين العبد وربّه، وكلّما جنح بنا البُعدُ إلى ساحة القدس تأكَّدت الحاجةُ للدعاء، وكلَّما جنحَ بنا القربُ إلى ساحةِ القدسِ تأصّلت حاجت-ُنا لذلك.

إنّه الانفتاحُ على كمالنا المفقود، تُحرِّكنا باتّجاههِ فطرت-ُنا المجبولة على ترميم انكساراتنا الأُولى في عالم السجود، فهو الدرعُ الواقية من التشريق والتغريب، والضمانةُ للكينونة في ظلّ الزيتونة الإلهية التي لا يفتر نورُها ولا تخبو جذوت-ُها، . . . يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ. . . (النور: 35) ، إنه دُعاءُ الحقِّ، وحقٌّ لنا دُعاؤه.

طلال الحسن

قم المقدّسة/1431 ه-

ص: 11

الفصل الأوّل: معنى الدعاء وحقيقته

اشارة

معنى الدعاء

صفات الداعي

صفات المدعوّ

صفات الداعي له (موضوع الدعاء)

صفات المدعوّ له (مُتعلَّق الدعاء)

حقيقة الدعاء

أهمية الدعاء

القرآن الكريم والدعاء

السنّة الشريفة والدعاء

الدعاء والقرآن الكريم

شاهد وموعظة

أولوية الدعاء على السكوت والرضا

الإخلاص شرط في قبول الأعمال العبادية

ص: 12

ص: 13

معنى الدعاء

هنالك تصوّران للدعاء، الأوّل يُمكن تسميته بالمعنى اللغوي أو الأوّلي، والآخر هو المعنى الشرعي أو الثانوي.

ولكي يتّضح لنا معنى الدعاء لُغةً، لابدَّ لنا أن نتصوّر أطرافاً ثلاثة، وهي:

1. الداعي، وهو صاحبُ الطلب والحاجة.

2. المدعوّ، وهو المطلوبُ منه تحقيق الحاجة.

3. المدعوّ له، وهو نفسُ الحاجة أو المطلوب تحقيقه.

وعندئذٍ سوف يكون الدعاء هو نفس الطلب، أو هو طلب الحاجة ولكن من قِبَل الفاقد من الواجد.

فالفاقد إنّما يطلب من الواجد، وتارةً يكون الطلب لشيء هو مفقود بالأصل، كطلب الأعمى شفاءَ بصره، أو طلب الفقير تحصيلَ الغنى. وتارةً يكون الطلب لشيء هو مفقود بالعرض كطلب المريض استعادةَ صحّته، وتارة يكون الطلب لاستمرار شيء هو موجود بالأصل كطلب بقاء العافية.

ولكي يكون الدعاء صحيحاً وفق ما تقدّم، لابدّ من أن يكون المدعوّ مُتمكّناً غير عاجز، فلا يصحُّ طلبُ شيءٍ من الفاقد، فإنّ فاقد الشيء لا يُعطيه، هذا من حيث التصوّر اللغويّ أو الأوّلي للدعاء.

ص: 14

وأمّا التصوّر الشرعي أو الثانوي للدعاء، فهو بضميمة ما تقدّم من المعنى الأوّلي يُضاف له قيدٌ أساسي، وهو كون المطلوب منه - أعني: المدعوّ- هو الواجد لكلّ موجود والفاقد لكلّ مفقود، وهذا الإطلاق في الواجدية الإيجابية والفاقدية السلبية لا ينطبق إلّا على الله سبحانه وتعالى، الذي لا يعزبُ عنه شيء ولا يُعجزُه شيء البتّة، ومن هنا سوف ننفتح على حقيقة الدعاء.

صفات الداعي

للداعي صفات كثيرة ينبغي أن يكون مُتّصفاً بها حقيقةً لا ادّعاءً، منها:

الصفة الأُولى: خلوّ ساحة الداعي عند دعائه من مظالم الناس أجمعين، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنَّ الله تعالى أوحى إلى عيسى بن مريم (عليهما السلام) :

«

قل للملأ من بني إسرائيل: لا يدخلوا بيتاً من بيوتي إلّا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأكفٍّ نقية، وقل لهم: اعلموا أنّي غير مستجيب لِأَحدٍ منكم دعوةً ولِأَحدٍ من خلقي قِبَلَهُ مظلمة » (1).

إنَّ هذه الصفة تحمل في طيّاتها مضامين عظيمة، منها ضرورة إيفاء الداعي حقوقَ الآخرين وإنصافهم من نفسه، وضرورة التواضع لمَن أساء بحقِّهم ونيل رضاهم، فلا تحجبه عن ذلك السمعة الزائفة والمكانة الزائلة، فإذا ما أنجز ذلك وأخذ بتلابيب نفسه يكون قد وفّر أرضية خصبة لاستجابة الدعاء له.


1- الخصال، للشيخ الصدوق، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم المقدّسة: ص33٧، الحديث: 4٠.

ص: 15

الصفة الثانية: أن لا يطلب رفعَ مظلمةٍ عنه قد أوقع مثلَها أو تسبَّب في وقوعها على غيره، كالدعاء برفع عقوبة السجن عنه وقد كان هو السبب في إدخال غيره السجن معه أو في زمان سابق، وكالدعاء برفع تهمةٍ باطلةٍ عنه كان قد اتّهم بها غيره، فذلك مُوجب لتجريده من لباس الداعي الحقيقي المرجوّ استجابة دعائه، وفي ذلك ورد الحديث القدسي المرويّ عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: «

إنّ الله عز وجل يقول: وعزّتي وجلالي لا أُجيب دعوةَ مظلومٍ في مظلمةٍ ظلمها ولِأحدٍ عنده مثل تلك المظلمة » (1).

الصفة الثالثة: أن يخطوَ نحوَ التوبة النصوح، لا أن يُمنِّي نفسه ذلك، فإنَّ الله تعالى بصير بالباطن، و يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (غافر: 1٩) ، وهذا لا يمنع من الرضا بالقليل مع الصدق، فإنّه تعالى يرضى بالقليل إذا كان بطانته الصدق ويعفو عن الكثير.

وفي ذلك ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في جواب لرجل شكا له عدم استجابة دعائه، فقال (عليه السلام) : «

أَمَا إنّكم لو أطعتموه فيما أمر به ثمّ دعوتموه لأجابكم، ولكن تخالفونه وتعصونه فلا يجيبكم » (2).

الصفة الرابعة: أن يكون مُلتفتاً لما يقول، فلا يكون الداعي غافلاً حتّى في تلاوته للدعاء، ومعنى الالتفات هو التوجّه للمدعوّ وأنّه في مقام

التخاطب معه، وأن يكون مُلتفتاً إلى المقام الذي هو فيه، وإلّا كان


1- ثواب الأعمال، للشيخ الصدوق، منشورات الرضي، قم، ط2، 1٩٨٧م: ص2٧2.
2- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، للميرزا المحقّق النوري الطبرسي، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط2، 14٠٨ه-، قم: ج5، ص212، الحديث: 4.

ص: 16

مُستخفّاً بالدعاء والمدعوّ والمدعوّ له.

الصفة الخامسة : أن يكون متفقّهاً في دينه، يعرف ما له وما عليه من حقوق وواجبات، ومن تكاليف شرعية، ابتداءً من طعامه ولباسه، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «

إذا أراد أحدكم أن يستجاب له فليطيّب كسبه، وليخرج من مظالم الناس، وإنَّ الله لا يرفع إليه دعاء عبد وفي بطنه حرام » (1).

الصفة السادسة: أن يُقدِّم إرادة الله تعالى ومُراده على إرادته ومراده، بمعنى أن لا يُوجب على الله تعالى شيئاً، فإنّه في مقام الافتقار المطلق، وهو سبحانه في مقام الغنى المطلق، وليس للفقير ذاتاً مطلبٌ يفرضه على الغنيّ المطلق، فمَن قصد ذلك لجهل فهو ليس محلاً لاستجابة الدعاء؛ لأنه لم يعرف المدعوّ حقّاً، ومَن قصد ذلك عمداً فقد أساء الأدب، ومَن أساء الأدب في حضرته يكون مطروداً عن فيض رحمته، وقد ورد ما يُشير إلى ذلك في قول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : «

لا يصدق إيمان عبد حتّى يكون بما في يد الله سبحانه أوثق منه بما في يده » (2)، أي أن يكون بما يُريده الله تعالى أوثق ممَّا يُريده هو لنفسه.

صفات المدعوّ

المدعوّ هو الله سبحانه، ومن صفاته أنّه مُجيب الدعوات، بنصِّ القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ


1- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، للعلّامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي، مؤسسة الوفاء، ط2، 14٠3ه-، بيروت: ج٩٠، ص321.
2- المصدر السابق: ج(10)٠، ص3٧، الحديث: ٧٩.

ص: 17

يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (غافر: 6٠) . فالاستجابة منه فرع دُعائه، وقد جعل دُعاءه عبادة له، ودليلاً على تواضع العبد وعبوديّته، وفي ذلك يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام) : «

فسمَّيتَ دُعاءَك عبادة، وتَرْكَه استكباراً، وتوعَّدتَ على تركه دخول جهنّم داخرين » (1)، وما يهمُّنا في المقام أمران، وهما:

الأول: أنّه لا بُخل في ساحته المقدّسة جزماً، وأنّه لا تنفد خزائنه البتّة، وأنّى يكون له البخل وهو غنيٌّ عمَّا سواه، وأنّى تنفد خزائنه وهو المالك الأوحد؛ قال تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (البقرة: (10)٧) .

الثاني: أنّ الفيض الإلهي لا ينقطع أبداً، فمَن عرف السبيل نهل منه اختياراً بقدره، ومن لم يعرف لم ينقطع عنه ما يحفظه، والفرق هو أنّ الأوّل في سير تكامليّ يُتفاضل فيه، والآخر في سير اضطراريّ لا تفاضل فيه.

صفات الداعي له (موضوع الدعاء)

وهو المقصودُ بتحقيق المطلوب له، والمُسمَّى في علم أُصول الفقه بالموضوع، كقولهم: (أكرم العلماء) ، فهنا جملة (أكرم) جاءت على صيغة الأمر، فيقولون إنَّ مُتعلق الأمر هو نفس الإكرام، وموضوع الأمر هو العلماء، أي الذي ينصبُّ عليه الإكرام، ونحن في أدعيتنا عندما نقول على سبيل المثال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً (نوح: 2٨) ، فإنّ الداعي هو مُنشئ


1- الصحيفة السجّادية، مصدر سابق: ص2٩4.

ص: 18

هذه الجملة أو القائل بها، وإنَّ المدعوّ هو الربُّ والفاعل في صيغة (اغْفِرْ) ، وإنَّ طلب الغفران أو المغفرة هو متعلّق الدعاء، وإنّ كلاً من نفس الداعي الوارد بكلمة: لِي ، والمعطوف الأوّل: وَلِوَالِدَيَّ والمعطوف الثاني: وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْم-ُؤْمِنَاتِ هم موضوع الدعاء، أي المقصودين بتحقيق المطلوب له، والكلام هو الكلام في ذيل هذا الدعاء، وهو وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً ، فإنَّ الداعي هو المُنشئ، والمدعوّ هو الله جلَّ وعلا، وإنَّ موضوع الدعاء هم الظالمون، وإنَّ متعلّق الدعاء هو حصر الزيادة للظالمين بالتَّبار، أي: بالهلاك والخسران في الدنيا والآخرة.

إذن، فالداعي له هو المقصودُ بتحقيق المطلوب له، وهذا المقصود لابدَّ من توفّر صفات فيه ليكون مُستحقّاً لدعائنا له، فإنْ كان هو نفس الداعي- وهو الحاصل عادةً- فلا يُشترط فيه شيء سوى كونه مؤمناً بالله تعالى، وإلّا سوف يكون الدعاء سالباً بانتفاء الموضوع، فضلاً عن كون الدعاء عبادة كما تقدّم منا، وأنَّ العبادة تتوقّف على النيّة، والنيّة لا تتأتَّى من الكافر.

وإنْ كان الداعي له هو غير الداعي نفسه - وهو ما يحصل كثيراً ولو بالعطف والتبع، كما في المثال المتقدّم- فيُشترط فيه أمران، هما:

الأمر الأول: أن لا يكون كافراً، ومن باب أولى أن لا يكون ناصبياً، فالناصبي ألعن من الكافر نفسه، كما أنَّ المنافق ألعن من الكافر أيضاً، بل إنَّ الناصبي ألعن من المنافق والكافر معاً.

وقد ورد في عدم صحَّة الدعاء للكافر قرآنياً ما تقدّم في الآية

ص: 19

الكريمة، فإنّ الكفر أشدُّ أنواع الظلم، بل إنَّ الظلم إذا كان له مصداق واحد فإنّه لا يعدو الكفر البتّة، وأمّا روائياً فقد ورد عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل مسلم، وأبواه كافران، هل يصلح له أن يستغفر لهما في الصلاة؟ قال (عليه السلام) :

إن كان فارقهما صغيراً لا يدري أسلما أم لا فلا بأس، وإن عرف كفرهما فلا يستغفرْ لهما، وإن لم يعرفْ فليدعُ لهما » (1)، والظاهر من الرواية هو كونهما ماتا على كفرهما، وأمّا في صورة حياتهما فالأمر مختلف، كما سيتّضح.

الأمر الثاني: أن لا يكون من الظالمين مُطلقاً، لاسيَّما الذين يغلبون الناس على أمرهم ويسلبونهم حقوقهم، فيما إذا كان الدعاء بالنصرة وتحقيق الغلبة لهم، وبالعزّة والمنعة، فإنَّ الدعاء لهم بذلك - فضلاً عن عدم صحّته وأنّه غير مُستجاب- مُحرّم شرعاً، كما سيأتي.

وأمّا إذا كان الدعاء لهم بالهداية والصلاح فهو أمر ممدوح ومطلوب أيضاً، فقد ثبت عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه كان يدعو لقومه عموماً بالمغفرة والهداية والصلاح، حيث كان يقول (صلى الله عليه وآله) ممَّا كان يُلاقيه من عُتاة قريش وأعدائه: «

اللّهمّ اغفر لقومي، إنّهم لا يعلمون » (2)، وأمّا ما ورد في قوله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ (التوبة: 113) ، فإنّه ظاهر


1- وسائل الشيعة، للحر العاملي، تحقيق: الشيخ عبد الرحيم الرباني، دار التراث العربي، بيروت: ج٧، ص1٨2، الحديث 1.
2- إقبال الأعمال، للسيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، تحقيق جواد القيومي، مكتب الإعلام الإسلامي، ط1، 1414ه-، قم: ج1، ص3٨4.

ص: 20

بقرينة السياق في كون المشركين قد ماتوا على شركهم، حيث تقول الآية: مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ ، وهذا الأمر لا يكون إلّا في صورة موتهم على ملّة الكفر، لاسيَّما ونحن نعلم بأنَّ القضايا القرآنية حقيقية، فالمؤمنون الذين عاصروا الرسول (صلى الله عليه وآله) ربّما يتبيَّن لهم أنَّ المشركين المعيّنين سوف يموتون وهم كفّار، ولكن ماذا عن المتأخّرين من المؤمنين؟ ولذلك يترجّح المنع في صورة كونهم قد ماتوا وهم كفّار.

وقد رُوي في سُنن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه لمّا كُسرت رباعيته وشُجَّ وجهه في معركة أُحد شقَّ ذلك على أصحابه وقالوا: لو دعوت عليهم. فقال صلى الله عليه وآله: «

إنّي لم أُبعث لعّاناً، ولكنّي بُعثتُ داعياً ورحمةً، اللهمّ اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون » (1).

صفات المدعوّ له

اشارة

وهو نفسُ الحاجة أو المطلوب تحقيقه، ويجب أن لا يتّصف بأحد هذه الأمور، وهي:

الأوّل: الحرمة الشرعية

أي: ما هو مُحرَّم شرعاً، سواء كان ذلك بالعنوان الأوّلي أم الثانوي، كالدعاء على النفس بالهلاك، أو على مال بالزوال، أو الدعاء على الوالدين بالسوء، أو الدعاء للظلمة بالنصر والغلبة، أو الدعاء بقطع صلة الرحم، وغير ذلك ممّا هو داخل تحت عنوان الحرمة الشرعية، ولعلّ في جملة من ذلك ورد قوله تعالى: وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالخَيْرِ وَكَانَ


1- سنن النبي (صلّى الله عليه وآله) ، للسيد محمد حسين الطباطبائي، تحقيق: الشيخ محمد هادي الفقهي، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416ه-، قم المقدّسة: ص413، ص٧٩.

ص: 21

الإِنسَانُ عَجُولاً (الإسراء: 11) ، فيدعو الإنسان أحياناً بذلك، إمَّا لغضبٍ أو لجهلٍ منه مثل ما يدعو بالخير، إلّا أنَّ الله تعالى من رحمة الله به لا يستجيب له دعاءه بالشرِّ؛ لأنَّه يعلم عدم قصده إرادة ذلك؛ وما ذلك إلّا لطبع كان عليه الإنسان، وهو العجلة في أمره، وأمّا بالنسبة لمن دعا للظالمين عند قصد وعمد واختيار فذلك هو المحشور معهم، والشريك لهم في ما أوقعوه من ظلم؛ وذلك لرغبته ببقائهم.

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : « واعرف طرق نجاتك وهلاكك، كيلا تدعو الله بشيء فيه هلاكك وأنت تظنّ فيه نجاتك، قال الله عزَّ وجلَّ: وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالخَيْرِ. . . (1)» ، ولا يُعلم دُعاءٌ أسوأ من دُعاء الإنسان على نفسه، فالإنسان بداعي فطرته السليمة يتحرَّك تجاه كماله، وهذا الداعي سلباً يسير باتجاه تسفُّله!

الثاني: استحالة تحقُّقه عادةً

كالدعاء بعدم الإصابة بمرض أو التعرّض لوجعٍ، أو الدعاء بالخلود في الدنيا، وما شابه ذلك ممّا لم تجرِ العادة عليه.

الثالث: المرجوحية

إنَّ المقبول عقلائياً هو كون المدعوّ له راجحاً ومطلوباً، كالعزّة والمنعة والقوّة والصحّة وعدم العوز والفاقة، فمن غير المناسب للداعي أن يدعو على نفسه بالذلّ والهوان والضعف والمرض والفاقة، بل ينبغي أن يدعو الإنسان بما فيه كماله، فإن كان قويّاً سليماً فليدعُ بأن لا يُعمل ذلك في الحرام، وإن كان غنيّاً فليدعُ بعدم الوقوع في الفتنة وبالتوفيق للخيرات.


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج5، ص2٧2، الحديث: 1.

ص: 22

حقيقة الدعاء

إنّ حقيقة الدعاء تكمُن في الالتفات إلى حقيقية المقصود في تحقيق الطلب وليس الالتفات إلى نفس الطلب، بمعنى استحضار المدعوّ بكمالاته الواهبة، والتيقّن من واهبيَّتِهِ، فليس من الدعاء بشيء من دعا الله تعالى وقلبُه لاهٍ عن المقصود في تحقيق طلبه، وإلى هذا المعنى الشريف تُشير الآية الكريمة: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 1٨6) ، حيث قُيِّدت الإجابة بقوله تعالى: إِذَا دَعَانِ ، ومعنى ذلك حصول الالتفات القلبي، لا مُجرد لقلقة اللسان.

يقول الطباطبائي في ذلك: إنَّ هذا القيد - إِذَا دَعَانِ- غيرَ الزائد على نفس المقيد بشيء، يدلُّ على اشتراط الحقيقة دون التجوّز والشبّه، فإنّ قولنا: أكرم العالم، إذا كان عالماً يدلّ على لزوم اتّصافه بما يقتضيه حقيقةً، فالعالم إذا تحقّق بعلمه وعمِلَ بما عَلِم كان هو الذي يجب إكرامُه، فقولُه تعالى: اذا دَعَانِ يدلّ على أنّ وعد الإجابة المطلقة إنّما هو إذا كان الداعي داعياً بحسب الحقيقة، مريداً بحسب العلِم الفطري والغريزي، مواطئاً لسانُهُ قلبَهُ، فإنّ حقيقة الدعاء والسؤال هو الذي يحمله القلب ويدعو به لسان الفطرة، دون ما يأتي به اللسان الذي يدور كيفما أدير صدقاً أو كذباً، جدّاً أو هزلاً، حقيقةً أو مجازاً. فالسؤال الفطري من الله سبحانه لا يتخطَّى الإجابة، فما لا يُستجاب من الدعاء ولا يصادف الإجابة فقد فَقَدَ أحدَ أمرين، وهما اللذان ذكرهما بقوله:

1. حصول الدعوة من الداعي.

ص: 23

2. كون الداعي قصَدَ المدعوّ حقيقةً (1).

فمَن سأل اللهَ حاجةً من حوائجه وقلبُهُ متعلّقٌ بالأسباب العادية أو بأمورٍ وهميةٍ توهَّمها، فإنّه لم يخلص الدعاءَ لله سبحانه ولم يسأل اللهَ حقيقةً، ومن الواضح بأنَّ الله الذي يُجيب الدعوات هو الذي لا شريك له في أمره، فمَن استحضر الأسباب العادية والأوهام البالية يكون ممنوعاً من الاستجابة له. بمعنى: أنّه فَقَدَ حقيقة الدعاء.

وأمّا مَن وجد حقيقة الدعاء فلا ريب بحصول الاستجابة له، وهذا هو معنى كلمة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : «

ما كان اللهُ ليفتحَ بابَ الدعاءِ ويُغلقَ عليه بابَ الإجابة » (2)، بل إنّ لازم عدم الاستجابة هو نفي الغرض.

ولعلَّ كثيراً مِمَّن لم تتحقَّق مراداتهم لم يُخلصوا الدعاء بالقلب وإن

أخلصوه بلسانهم.

فالإخلاص له تعالى وعدم إشراك غيره في الاستجابة مُوجبٌ لاستجابة الدعاء، بل إنّ ذلك هو ملاك العناية الإلهية والاكتراث بعباده، وهو المُشار إليه بقوله تعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (الفرقان: ٧٧) ، فقوله تعالى: مَا يَعْبَأُ معناه: لا يكترث بكم لولا دعاؤكم. ولكن قد يحصل أنَّ الإنسان يدعو بحقيقة الدعاء ولكنّه لا يُستجاب له، فما هو السبب في ذلك؟

الواقع إنَّ مثل هذا الاحتمال ممكن، بل واقع، ولعلَّنا نحصل على


1- انظر: الميزان في تفسير القرآن، للسيد محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم: ج2، ص32.
2- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج٧، ص2٧، الحديث: 12.

ص: 24

إجابة إجمالية ومُوجزة (1)من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، حيث يقول في ذلك:

«. . . ما من مؤمن يدعو اللهَ إلّا استجابَ له، إمّا أن يُعجِّلَ له في الدنيا، أو يُؤجِّل له في الآخرة، وإمّا أن يُكفِّر عنه من ذنوبهُ بقدر ما دعا، ما لم يدعُ بمأثم » (2)، أي ما لم يدعُ بأمر حرام، وقد مرَّ بنا ذلك في صفات المدعوّ له.

إشراق

للدعاء ظاهر، وباطن ظلّي، وباطن حقّي.

فالظاهر: إرادة كمالٍ مفقود.

والباطن الظلّي: إرادة ما يُريده المُعطي بغير فرضٍ.

والباطن الحقّي: الكفُّ عن الإرادة والكينونة في أداء رسوم القُرب بالدعاء؛ لأنّه مُراده سبحانه.

أهمية الدعاء

هنالك عدّةُ نُكات يُمكنُ إثارَتها في هذا المجال، منها أو أهمُّها:

النكتةُ الأولى: إنّ حقيقة الإنسان هي الفَقر المُطلق، أي الفقر في كل شيء، فالفقر ليس صفةً عارضةً عليه، وإنّما هي حقيقتُهُ الوجودية، في قبال مَن حقيقته الغنى المطلق، الصادق على الله تعالى فقط.

ومن الواضح أنّ الفقيرَ المطلقَ حاجتُهُ للغنيّ المطلق غيرُ منقطعة، بل هي غير قابلة للانقطاع أبداً، وهنا يتحرّك الدعاء بالفقير المطلق تجاه


1- سيأتي في البيانات اللاحقة توضيحات جليّة لدعوى عدم استجابة الدعاء مع كون الداعي مُلتفتاً إلى حقيقة الدعاء.
2- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج٧، ص2٧، الحديث: ٩.

ص: 25

الغنيّ المطلق. بعبارة أُخرى: إنّ الدعاء هو أحدُ السُبل، بل هو أهمُّ السُبل لتحصيل الكمال، والإنسان - كما هو ثابت في محلِّه- يتحرَّك تجاه تحصيل كمالاته فطرياً، فهو طالب لها أبداً، ولكنَّه عادةً ما يُخطئ الطريقَ، أو لِنقُل بأنَّه يُخطئ في تحديد المصداق، وهنا الدعاء الحقيقي - وفقاً لما تقدّم- يُساعده في تحديد المصداق الحقيقي الواجد لكلّ كمال وجمال وجلال، وهو الله تعالى.

النكتةُ الثانية: إنَّ الدعاء - كما جاء في الراويات الصحيحة السند- يُمثّل مُخّ العبادة، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «

الدعاءُ مخُّ العبادة، ولا يَهلكُ مع الدعاءِ أحد » (1).

وهذا يعني أنّ الدعاء يُشكّل حلقةً أو مدرسةً تعليميةً تُعرّفنا بحقيقة العبادة، ولعلّ التعبير بالمخّ هو للكناية عن كون الدعاء يُشكّل حلقة السيطرة في السُلّم التكاملي، فكما أنّ الإنسان بلا مُخٍّ يفقد كلَّ شيء، فكذلك العبادة بلا دعاء لا تبقى لها قيمةٌ حقيقية، وهنا ينبغي التنبيه إلى أنّ العبادات هي بنفسها دعاء ولكنّها دعاء عامّ، وأَمَّا ما يُسمَّى بالقنوت فهو المقصود بالمقام أو الدعاء بمعناه الخاصّ، فذلك الدعاء العامّ لا قيمة له بدون الأمر الخاصّ.

ولو لاحظنا ذيل كلمة النبيّ (صلى الله عليه وآله) حيث يقول: «

ولا يَهلكُ مع الدعاءِ أحد » ، لتعلّمنا درساً آخر وهو كيفية تحصيل الوقاية من الهلاك الذي يُراد به في المقام الانحراف أو البعد عن الله تعالى أو الوقوع في الفتنة،


1- الدعوات، لقطب الدين الراوندي، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي، ط1، 14٠٧ه-، قم المقدّسة: ص1٨، الحديث: ٨.

ص: 26

وليس المراد الموت، فمن الواضح أنّه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْم-َوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (الأنبياء: 35) .

نعم، هي الفتنة والبلاء بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ، ومن هنا نفهم كلمةً أُخرى للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في المقام حيث يقول: «إذا قلَّ الدعاء، نزل البلاء » (1).

النكتة الثالثة: إنَّ الإنسان لا يُمكنه العيش بلا أمن وأمان واطمئنان، والدعاء وسيلة عملية لتحصيل ذلك، ولعلّ هذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد: 2٨) ، فالدعاء كما هو واضح هو عين الذكر، وبالتالي فهو مجال رحب لتحصيل الطمأنينة، ثمَّ إنَّ المضطرِّين لا ملجأ لهم بعد أن تضيق الأرض بهم بما رحبت سوى الدعاء والتماس حاجاتهم من قاضي الحاجات، فهو مُتنفَّس ذوي المآرب الذي تُحفظ بسؤاله الكرامات وماء الوجه، وأنَّى لنا ذلك في ساحة غيره؟ ولذلك ذمَّ الله سبحانه وتعالى قوماً تركوا الدعاء، فقال: . . . َيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا الله فَنَسِيَهُمْ. . . (التوبة: 6٧) ، أي: لا يمدُّونها إلينا بالسؤال (2).

النكتة الرابعة: هي الحاجة الماسّة التي عليها الإنسان إلى فتح قناة اتّصال مُباشرة، يُمكن اللجوء إليها في آنٍ ومكان، وليس هنالك أفضل من الدعاء، ولا ريب بأنَّ هذه الحاجة فطرية جِبلِّية، لا يُمكن الاستغناء عنها، وهذا الأمر ليس محصوراً بالمؤمنين، بل هو باب مفتوح للإنسان،


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج5 ص16٧.
2- الرسالة القشيرية، لأبي القاسم القُشيري النيسابوري، تحقيق عبدالحليم محمود ومحمد بن الشريف، طبع انتشارات بيدار، ط1، 1٩٩5م، قم: ص3٧٩، باب الخشوع.

ص: 27

أي-ّاً كانت عقيدته، وأي-ّاً كان سلوكه، فمن الواضح (أنَّ لكل امرئ طريقاً من قلبه إلى الله تعالى، فثمَّة باب في كلِّ القلوب، يُفتح عليه سبحانه، فحتّى أشقى الأشقياء نجده عند الابتلاء، وعندما تتقطَّع به الأسباب، تنتابه هزّة ويلجأ إلى الله، وهذا أمر أصيل في فطرة الإنسان وطبيعيّ في وجوده) (1)، فليس الباب مقصوراً على الصالحين المؤمنين، كما يتوهّم بعض السُّذج، بل هو باب مُشرع أمام الجميع، وإذا كانت الأُمّ الرؤوم يتعاظم حنانها على ولدها الضعيف المريض، فتعتني به بنحوٍ يفوق اعتناءَها به حال صحَّته وعافيته، فإنَّ الله تعالى كذلك، بل هو أعظم رأفة بنا من تلك الأُمّ الرؤوم، ومن الواضح بأنَّ العناية الفائقة بالمريض حاجة إنسانية وقاعدة عُقلائية وطريقة إلهية.

إشراق

الدعاء ماءُ حياة المُريدين، فلا حركة ولا سكون بدون صلته، وكفُّ الطلب طمرٌ للوصول، وهو خمرة العارفين ولذَّةُ الشاربين (2)، والعين الباقية المُسمّاة بالسلسبيل (3)، والعسل المُصفَّى من كلِّ شوب حتّى بريق الأنا، فيجوب به فضاءات القدس، وتُعقد فيه مجالس الأُنس.

القرآن الكريم والدعاء

بإطلالة سريعة على النصوص الدينية، يُمكن لنا استكشاف فضل


1- انظر: محاضرات في الدين والاجتماع، للشيخ الأُستاذ مرتضى مُطهري، طبع انتشارات مدين، ط2، 142٩ ه-، قم المقدّسة: ص11٩.
2- لقوله تعالى: بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ . الصافات: 46.
3- لقوله تعالى: عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً . الإنسان: 1٨.

ص: 28

الدعاء وفضيلته عند الشارع المقدَّس، قرآناً وسنةً، أما في القرآن الكريم فقد مرّ بنا مجموعة من الآيات ذات صلة بذلك، من قبيل قوله تعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ. . . (الفرقان: ٧٧) ، فهنا حثّ أكيد على الدعاء، ومن الثابت نحوياً أنَّ كلمة «لولا» هي حرف امتناع لوجود، وما بعدها مُبتدأٌ خبره محذوف وجوباً، وتقديره «موجود» ، كما لو قلت: لولا علي في الخندق لانهزم المسلمون، فيكون المراد: لولا علي موجود في الخندق لانهزم المسلمون.

بعبارة أوضح: لو لم يكن علي موجوداً في الخندق لانهزم المسلمون، فالخبر (موجود) محذوف وجوباً، والمفاد هو توقّف عدم الهزيمة على وجود علي (عليه السلام) ، وهكذا في المقام، فلولا دعاؤكم موجود لما عَبَأَ (اهتمَّ أو اكترث) بكم ربُّكم، فبوجود الدعاء تحقَّق الاهتمام والاكتراث بكم، وارتفع عدم ذلك.

ومعنى كونه سبحانه عابئاً بكم هو الارتقاء بكمالاتكم، وتحقيق القرب والدنوّ منه، فتكون المحصّلة في الدعاء هو أنَّه أشبه ما يكون بحجر الزاوية في الارتقاء بحركاتكم التكاملية نحو الحقّ، بل هو كذلك.

ومن آياته في ذلك قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 1٨6) ، حيث تقول الآية: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ، وهذه دعوة صريحة للدعاء، فالله تعالى صاحب الدعوة، وأنت المدعوّ لذلك، ومن معاني الاستجابة له اعتقادك بأنه قريب منك، بل لا يُوجد من هو أقرب منه، والقرب هذا ليس زمكانياً، وإنما هو القرب المعنوي، ونظراً لشدة أُنسنا بالماهيات

ص: 29

(الحقيقية والاعتبارية) (1)، نضطرُّ للتقريب لذلك بقرب النار من الحرارة التي هي علَّة فيها، وبقرب المعنى والتصاقه باللفظ الموضوع له.

ومن آياته في ذلك قوله تعالى: أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (النمل: 62) ، وهي من أعظم الآيات التي تصف لنا صورة الداعي الحقيقي، المضطرّ لشدَّة الضيق اللاحق به، والمعتقد بوحدانية جهة رفع السوء عنه، فيكشف عنه السوء، وتكون دعوته مُستجابة، فالمضطرُّ المُلتجئ إلى الله تعالى عادة ما تصدق دعوته، وهذا الصدق سيكون محطّ العناية به، ومكمن الاستجابة له، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «

فإنْ عَلِمَ الله عزَّ وجلَّ من قلبك صدق الالتجاء إليه، نظر إليك بعين الرأفة والرحمة واللطف، ووفقك لما يُحبُّ ويرضى، فإنه كريم، يُحبُّ الكرامة لعباده، المضطرّين إليه، المحترقين على بابه، لطلب مرضاته؛ قال تعالى: أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ » (2).

وهناك نصوص تُفصح عن نزول هذه الآية الكريمة بشأن الإمام المهديّ (عليه السلام) ؛ فعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنه قال: «

والله لكأنيّ أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر - الأسود - فينشد الله حقَّه، ثم يقول: يا أيها الناس من يحاجّني في الله فأنا أولى الناس بالله، . . . ، قال الباقر (عليه السلام) :

وهو


1- لا يخفى أنَّ الماهية أمر اعتباري وفق مباني الفلسفتين الحكميتين، المشائية والمتعالية، فلا يُتصوَّر كونها حقيقية، ولكن المراد في المقام هو أنَّ هنالك ماهيات تحكي وجودات حقيقية تكوينية، كماهية الإنسان، وهنالك ماهيات تحكي وجودات اعتبارية، كما هو الحال بالنسبة للألفاظ، فلها ماهيات اعتبارية تحكي وجودها الاعتباري.
2- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج3، ص43٧، الحديث: 4.

ص: 30

-والله - المضطرّ الذي يقول الله فيه: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ ، فيه نزلت، وله » (1).

ومن آياته في ذلك قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (غافر: 6٠) ، وهنا لا يتوقّف الأمر عند الدعوة لدُعائه، والوعد بالاستجابة، وإنّما يصل المطاف إلى أمر خطير جدّاً، وهو نعْت الذين لا يستجيبون لدعوته بأنهم سوف يدخلون جهنّم داخرين، أي: صاغرين مُحتقرين، وهذا ما يجعلنا نتأمَّل كثيراً في مُلازمات الدعاء، فإنَّ من لوازم الاستغناء عن الدعاء الاستغناء عن الله تعالى، إذ لا نافع ولا ضارّ إلا الله تعالى، فعدم اللجوء إليه والطلب منه كاشف إن-ِّيّ عن الاستغناء عنه، وهذا الأمر لازمه الأوّل الكفر، وثمرته دخول جهنّم، وللمبالغة وصَف دخولهم جهنَّم بالداخرين.

وفي الآية سرٌّ آخر، وهو أنَّها بنكتة بيان مصير الذين يستكبرون عن دُعائه، وهو دخولهم جهنم داخرين، وبنكتة المقابلة بين الصادِّين عن دُعائه وبين المُقبلين عليه، فإنه يُفهم منها أنَّ الذين يلجأون إليه، ويرفعون أياديهم بالدعاء، ويطلبون حاجاتهم منه تعالى، لهم أمران، هما:

الأوّل: يتمثّل باستجابة دُعائهم.

الثاني: بأنَّ مصيرهم الجنّة، أو أنَّ القدر المُتيقّن هو عدم دخولهم جهنَّم، فيشملهم عطفُه نتيجة إقبالهم عليه، وبكائهم على أعتاب بابه، وحاشاه أن يردَّ المُنقطعين عمَّا سواه، وهو القائل: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (الضحى: ٩) .


1- كتاب الغيبة، محمد بن إبراهيم النعماني، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق، طهران: ص1٨2، الحديث: 3٠.

ص: 31

ومن آياته في ذلك قوله تعالى: . . . وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ (الأعراف: 56) ، وهنا يُقدِّم لنا الأدب القرآني الدعوة الإلهية لدعائه سبحانه بصورة تُوجز لنا ما ينبغي أن يكون عليه الداعي، فإنَّ الداعي يجب عليه أن لا يتوجّه لغير الله تعالى بالدعاء، وهذا التوجّه له صفتان، هما:

الأُولى: الخوف من عدم نيل الفاقد لمراده، وهذا هو العقاب بنفسه.

الثانية: الطمع بالاستجابة ونيل المطلوب.

وهنا تكمن فلسفة عميقة في الدعاء، فإنَّ على الداعي أن يلتزم الأدب مع ربِّه، ومن تلك الآداب أن لا يفرض على ربّه شيئاً، فالداعي في الوقت الذي يُطلَب منه أن يفقد الأمل بغير الله تعالى، وأن لا يرجو غيره سبحانه، فإنه لزاماً عليه أن لا يفرض على الله تعالى الاستجابة لدعائه، فذلك مُخالف لمقتضى رسوم العبودية، فإنَّ العبد الحقيقي يرجو من سيّده ومولاه طمعاً بالإجابة، وخوفاً من عدم ذلك، فإن أجابه فذلك من فضله، وإن منع فذلك له، وأما إذا أوجب على الله تعالى الاستجابة لدعائه، فذلك يعني أن الداعي لا يرى في ربّه المولوية، ولا يجد في نفسه العبودية، ومقتضى ذلك انتفاء الدعاء من أصله، لانتفاء موضوعه.

ومن آياته في ذلك قوله تعالى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (آل عمران: 3٨) ، وهنا تُوجد نكتتان، هما:

النكتة الأُولى: تكمن في نفس دُعاء زكريا (عليه السلام) ، وفيه عدّة أُمور، منها:

الأمر الأوّل: يُعلِّمنا زكريا (عليه السلام) أنَّ على المؤمن أن يستفيد من

ص: 32

إخوته في الإيمان، إما بالتأسّي بهم، أو بالأخذ بنصحهم، وليس على المؤمن غضاضة أن يستفيد من أخيه، الأصغر منه سنّاً، أو الأقلّ منه معرفة، ما دام الآخر على الجادّة وناصحاً له، وهذا ما فعله زكريّا (عليه السلام) حيث إنه التفت إلى أمره بعد أن رأى مريم البتول تأكل فاكهة في غير موعدها، فأثاره الموقف، وهو المحكيّ بقوله تعالى: . . . كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَ-ذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله إنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (آل عمران: 3٧) ، فجاء قوله تعالى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ. . . .

الأمر الثاني: إنه (عليه السلام) قد دعاه على كِبَرٍ في سنّه، كما هو ثابت تأريخاً، وقد كان مطلبه فيه شيء من الإعجاز، فهو شيخ كبير، وزوجته كبيرة في السنّ، ممَّا يعني لنا أن المُراد حتّى وإن كان بعيد المنال فلك أن تطلبه من الله تعالى، ما لم يكن مُتعارضاً مع السنن الكونية والشرعية، ولذلك لم يكن طلب زكريا خارجاً عن السنن الإلهية، بدليل الاستجابة له، فدعاء زكريا يُعلّمنا عدم اليأس.

الأمر الثالث: إنّه (عليه السلام) لم يطلب الذرية بوجود مُطلق، وإنَّما حدّد ذلك بالذريّة الطيّبة، وهو دُعاء في غاية العقلانية، فإنَّ الهدف الحقيقي الذي ينبغي أن يسير باتّجاهه الإنسان، هو تحصيل المفقود من الكمال، والارتقاء بكماله الموجود، فإذا كانت الذريّة غير الصالحة تتقاطع مع هذا الهدف السامي فلا معنى لوجودها، ولذلك كان زكريا مُلتفتاً إلى هذه النكتة، فهو لم يطلب أيَّ ذرية، وإنما شخَّص مطلبه بما ينسجم مع هدفه السامي في الارتقاء بكماله، فوصف الذرية بالطيّبة، وهذه الكلمة لها دلالات كثيرة

ص: 33

وعظيمة، منها أن تكون عابدة مُطيعة لله تعالى، وهنالك شاهد قرآني يحكي لنا أهمّية حفظ إيمان المؤمنين من فتنة الذريّة الفاسدة، كما هو الحال في قصّة قتل الخضر (عليه السلام) لذلك الغلام؛ قال تعالى: فَانطَلَقَا حتّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً (الكهف: ٧4) ، فكان أن أجاب الخضرُ نبيَّ الله موسى (عليه السلام) ، بقوله المحكيّ في القرآن الكريم: وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً (الكهف: 80) ، وأيضاً في قصّة إبراهيم شاهد على كونه (عليه السلام) طلب من ربّه ذرّية صالحة، وهو قوله تعالى: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (الصافّات: (10)٠-(10)1) .

الأمر الرابع: إنّه (عليه السلام) يُؤدِّبُنا على أمر في غاية الأهميّة، وهو حصر الطلب به تعالى، وهو قوله تعالى: هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ، فلم يقل (عليه السلام) : هب لي، وإنما حدَّد ذلك بأنّي لا أطلب إلّا منك سبحانك، ولعلّ هذا الأدب الرفيع والشرط الأكيد في استجابة الدعاء كان هو الموجب لاستجابة دُعائه (عليه السلام) .

النكتة الثانية : تكمن في ذيل الآية الكريمة، التي وصفت المدعوّ (وهو الله تعالى) بأنه سَمِيعُ الدُّعَاء ، وكلمة «سَمِيعُ» على وزن «فعيل» ، وهو من الأوزان التي تفيد المبالغة، فالأصل هو سامع الدعاء، ولكن المقام احتاج المبالغة لوصف تحقّق الإجابة، بمعنى أنَّ المبالغة هنا لزرع الطمأنينة في قلب الداعي، فإنَّ الله تعالى لو وَصَفَ نفسه بأنه سامع الدعاء، فذلك كافٍ منه في استجابة الدعاء، ولكنّه تعالى أراد أن يلغي أيَّ احتمال بعدم الاستجابة، فجاء بوصف المبالغة، ومن الواضح بأنّ الوصف بالسميع لا يُراد منه مُجرد الاستماع، فذلك أمر مفروغ منه، فإنه

ص: 34

تعالى: . . . عَالِم الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (سبأ: 3) ، وإنما أراد بذلك التعبيرَ عن كونه تعالى مُجيبَ الدعوات، والله العالم بالأُمور.

ومن آياته في ذلك قوله تعالى: هُوَ الحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (غافر: 65) ، وهنا تُوجد عدّة نُكات مهمّة، سوف نقتصر على واحدة منها، وهي: أنّه سبحانه يُوجّه دعوته لدُعائه بقيد مهمٍ ّ، وهو كون الداعي مُخلصاً لله تعالى في دينه، والإخلاص ركن أساسيّ في تمام الاستجابة، وأما الإخلاص في الدين فهو الالتزام بأوامره ونواهيه، واجتناب البدع، وكلّ ما لا صلة له بالدين، وهذا الأمر له صلة بالعقيدة والشريعة والأخلاق، ومحوره التمسّك بالقرآن والسنّة الشريفة (1)، فمن التزم بهذين المحورين، لا يُشرك به شيئاً، ولا يرى غيره مُؤثّراً في الوجود، ثمّ دعا ربَّه، فهو أهلٌ لاستجابة دُعائه والعناية به والارتقاء بكماله.

وقيل بأنَّ المراد من الإخلاص في الدين هو خلوص العبادات - ومنها

الدعاء - من الشرك الخفيّ، فضلاً عن الشرك الجليّ، والشرك الخفيّ


1- المراد بالسنّة الشريفة تحديداً هو سنّة المعصوم (عليه السلام) ، وهي تشمل قول وفعل وتقرير النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) بمعيّة السيدة الزهراء (عليها السلام) . هذا في ضوء مدرسة أهل البيت، وأمّا في ضوء مدرسة الخلفاء فإنّها تقتصر عند البعض منهم على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وعند البعض الآخر تشمل الصحابة أيضاً، بل وأدخل البعض منهم التابعين وصفوة الملوك أيضاً بعناوين ومسمَّيات أُخرى جامعها تصحيح العمل بذلك.

ص: 35

صورته الرياء، فهنالك من يحرص على إظهار نفسه عبَّاداً دعّاءً، وقصده من ذلك جذب القلوب إليه، أو طلب المحبوبية في قلوب الناس، فذلك ما كان عابداً ليكون عبَّاداً، وما كان داعياً ليكون دعَّاءً، إنّما هي تصدية ومُكاء (1)، ولقلقة لسان لا يجني من ورائها الفاعل شيئاً، بل سيجني سوءاً نتيجة فعله المشين ذلك، والرياء مُصيبة عظمى تُفرغ العبادة من محتواها، ومُصيبته الأعظم هو أنه يتّخذ من الدين وقيمه النبيلة موئلاً للوصول إلى مآربه الدنيئة الفارغة.

وعلى أيّ حال، فإنَّ كلا المعنيين يعنيان أن َّ الإخلاص في الدين لابدَّ أن يُقصد ويقع من الداعي ابتداءً، ثمَّ يأتي مورد الدعاء، لتكون ثمرة الاستجابة مُبتنية على أمرين لابدَّ منهما، الأوّل: هو الإخلاص في الدين، والثاني: تحقيق نفس الدعاء.

ومن آياته في ذلك، أنّه سبحانه عندما أراد مدح إبراهيم الخليل (عليه السلام) مدحه بكونِهِ كثيرَ الدعاء، حيثُ عَبّرَ عنه بقوله تعالى: . . . إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ (التوبة: 114) ، وقد سُئِل الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن قول الله عزَّ وجلَّ: . . . إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ فقال: «

الأوَّاه الدَّعَّاء » (2).

وأخيراً: لا ريب بأنَّ الدعاء هو محطّة السلامة بعد رحلة عناء، والطريق الموصل للكمال المفقود الذي يرى فيه الداعي سبيل السلام له، وطلب

السلامة هو معقد إجماع العقلاء، والسلامة تعمّ أمر الدين والدنيا والآخرة، وليس هنالك بعد الأخذ بالعقيدة، والعمل بالشريعة، غير الدعاء، فهو


1- المُكاء هو الصفير، والتصدية هي التصفيق.
2- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج5، ص16٧، الحديث: 21.

ص: 36

نافذة الغيب علينا، ونافذتنا على الغيب، ولذلك حقّ أن يكون الدعاء هو مُخّ العبادة، وهو سرّ الاكتراث بنا، وهذا السبيل الحقّ هو دعوة الله تعالى لنا، فهو

العلاج الناجع، والدواء الشافي، الذي لا يملك الفاقدُ غيره، بل ولا يظفر بغيره، رؤوف رحيم، قريب الرضا، لا يُذَلُّ سائلُه، (يا سريع الرضا اغفر لمن لا يملك إلا الدعاء، فإنّك فعَّال لما تشاء، يا من اسمه دواء وذكره شفاء وطاعته غنىً، ارحم من رأس ماله الرجاء وسلاحه البكاء. . .) (1)، ومن آياته الحاثّة على ذلك، قوله تعالى: وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (يونس: 25) ، وصلَّى الله على النبيّ القائل: «

عليكم بذكر الله فإنّه شفاء، وإيّاكم وذكر الناس فإنّه داء » (2).

السنة الشريفة والدعاء

وأمَّا فضل الدعاء في السنّة الشريفة، فإنّه بالإضافة لما تقدَّم من روايات ذات صلة وثيقة بالموضوع، فإنَّ هنالك عشرات الروايات الأُخرى، الحاثّة والمُؤكّدة على أهمّية الدعاء، سنُحاول الوقوف عند جملة من الأهمّ ممَّا جاء فيه، وهي:

الرواية الأُولى: عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «

عليكم بالدعاء، فإنّكم لا تتقرَّبون بمثله » (3)، ومن المُتيقَّن أنَّ الإنسان المؤمن لا يدّخر جهداً


1- مقطع من «دُعاء كُميل» ، انظر: إقبال الأعمال، مصدر سابق: ج3، ص33٧.
2- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورَّام) ، لأبي الحسن ورَّام بن أبي فراس، دار التعارف، بيروت: ج1، ص٨.
3- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٩3، ص2٩3.

ص: 37

في سبيل الوصول إلى مقام القرب من الله تعالى، ومقام القرب يستلزم الاتّصاف في دوام الأوقات بعبادته سبحانه (1)، ومن صميم عبادته سبحانه: ديمومة دُعائه والاتّصال به. والرواية الشريفة تحسم لنا سُبل التقرُّب إليه سبحانه، فهي كثيرة، كالصلاة والصوم والحجّ والزكاة وغير ذلك من العبادات، إلا أنَّ الطريق الأمثل لنيل القرب هو دُعاؤه.

الرواية الثانية: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «

افزعوا إلى الله في حوائجكم، والجأوا إليه في مُلمّاتكم، وادعوه فإنّ الدعاء مُخّ العبادة » (2) مكارم الأخلاق، للشيخ رضي الدين الطبرسي، تحقيق: علاء آل جعفر، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، 1416 ه-، قم المقدّسة: ج1، ص٨، الحديث: 1.

(3)، وللتعبير بالفزعة دلالة على خطورة الموقف وشدَّته، وكأنّه (صلى الله عليه وآله) يُريد القول لنا بأنه ليس للمُلمّات غير الله تعالى، وأنّ سبيل الوصول إليه عند الضيق والشدَّة هو الدعاء.

الرواية الثالثة : عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «

ما من شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء » (4)، وهذا يعنى أنَّ أعظم الوسائط المُقدَّمة بين يديه سبحانه هو دُعاؤه، لأنَّ الدُعاء خاصّة نفسه تعالى، وأمّا الوسائط الأخرى فهي خاصّة أنفسها، وكلّ ما عداه ما هو إلا رشحة من فيضه، فكيف يُقاس به؟

ثمَّ إنّ الدُعاء وإن كان هو الواسطة بين العبد وربّه، إلا أنه بلحاظ الوسائط الأُخرى لا يكون واسطةً حقيقية، وإنّما هو بوّابة الاتّصال


1- انظر: الرسالة القُشيرية، مصدر سابق: ص156.
2- المصدر السابق: ج٩
3- ، ص3٠2.
4- مكارم الأخلاق، للشيخ رضي الدين الطبرسي، تحقيق: علاء آل جعفر، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، 1416 ه-، قم المقدّسة: ج1، ص٨، الحديث: 1.

ص: 38

والمناجاة المُباشرة بين العبد وربّه. وإذا ما صُنِّف الوحي بالمباشر وغير المباشر، فإنَّ قضاء الحوائج ونيل الكمالات المفقودة على قسمين أيضاً، إمّا أن يحصل بصورة مُباشرة، وهو ما كان بواسطة الدعاء، وإمّا أن يحصل بالواسطة، وهذه الواسطة مهما تعاظم أمرها وعلا شأنها فلا ترتقي في الاستجابة لما عليه واسطة الدعاء، وهذا لا يتنافى مع القول بصحّة الدُعاء بواسطة أُخرى، أعني بواسطة التوسّل بالنبيّ وآله (صلى الله عليهم وسلّم) ، فهذا التوسُّل له مقامه الشريف، وأنّهم (عليهم السلام) لهم كرامتهم العظمى التي لا يشكّ فيها مؤمن، ولكنّك عرفت أنّ مقتضى الحديث النبويّ هو أنّه لا يُوجد شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء، فافهم، ولا تغفل عن ذلك.

الرواية الرابعة: وأخيراً فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «

يدخلُ الجنةَ رجلانِ، كانا يعملان عملاً واحداً، فيرى أحدُهما صاحبَهُ فوقَهُ، فيقول: يا ربِّ بما أعطيته، وكان عملُنا واحداً؟ فيقول الله تبارك وتعالى: سألني ولم تسألني » . ثمَّ قال (صلى الله عليه وآله) : «

اسألوا الله وأجزلوا، فإنّه لا يتعاظمه شيء » (1).

والمهمّ في ذلك هو سلوك طريق الدعاء، فهو طريق الكمال والتكامل في مراحل السير والسلوك، والمراد من قوله (صلى الله عليه وآله) : (أجزلوا) : أن تكون مطالبكم عظيمة، لا ضئيلة تافهة (2)، ولذلك قال (صلى الله عليه وآله) : «

فإنّه


1- عدّة الداعي ونجاح الساعي، مصدر سابق: ص42.
2- روي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنه قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان نزل على رجل بالطائف قبل الإسلام فأكرمه، فلمّا أن بعث الله محمّداً صلّى الله عليه وآله إلى الناس قيل للرجل: أتدري من الذي أرسله الله عزّ وجلّ إلى الناس؟ قال: لا، قالوا له: هو محمّد بن عبد الله يتيم أبي طالب، وهو الذي كان نزل بك بالطائف يوم كذا وكذا فأكرمته، فقدم الرجل على رسول الله صلى الله عليه وآله فسلّم عليه وأسلم، ثم قال له: أتعرفني يا رسول الله؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا ربّ المنزل الذي نزلت به بالطائف في الجاهلية يوم كذا وكذا فأكرمتك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: مرحباً بك، سل حاجتك، فقال: أسألك مئتي شاة برعاتها، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وآله بما سأل، ثم قال لأصحابه: ما كان على هذا الرجل أن يسألني سؤال عجوز بني إسرائيل لموسى عليه السلام بما سأل، فقالوا: وما سألت عجوز بني إسرائيل لموسى؟ فقال: إنّ الله - عزّ ذكره - أوحى إلى موسى أن احمل عظام يوسف من مصر قبل أن تخرج منها إلى الأرض المقدّسة بالشام. فسأل موسى عن قبر يوسف عليه السلام، فجاءه شيخ فقال: إن كان أحد يعرف قبره ففلانة، فأرسل موسى عليه السلام إليها. فلمّا جاءته قال: تعلمين موضع قبر يوسف عليه السلام؟ قالت: نعم. قال: فدلّيني عليه، ولك ما سألت: قالت: لا أدلّك عليه إلا بحكمي، قال: فلك الجنة، قالت: لا إلّا بحكمي عليك. فأوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى لا يكبر عليك أن تجعل لها حكمها. فقال لها موسى: فلك حكمك، قالت: فإنّ حكمي أن أكون معك في درجتك التي تكون فيها يوم القيامة في الجنّة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما كان على هذا لو سألني ما سألت عجوز بني إسرائيل» . انظر: فروع الكافي، مصدر سابق: ج٨، ص155، الحديث: 144.

ص: 39

لا يتعاظمه شيء » ، فإذا لم نطلب منه عظائم الأُمور، وهو مالك كلّ شيء واليه ينتهي كلّ شيء، فممَّن نطلبها إذن؟ ! .

وهذا لا يعني اقتصار الدعاء على الأُمور العظيمة، فهذا أمر غير مُتصوَّر، لأنَّ لهدف من أصل الدعاء هو طلب الكمال والارتقاء، وقد تقدَّم منّا ذلك مراراً، ولكن على النفوس أن تكون سامية، وأن تهتمَّ بما هو الأهمّ ثمّ المهمّ، دون أن يكون ذلك مانعاً عن طلب اليسير والبسيط من المولى تعالى، ما دام أصل الطلب يصبّ باتجاه تحصيل الكمال المفقود، وقد ورد في الحديث القدسي: «

يا موسى سلني كلَّ ما تحتاج إليه، حتّى علف شاتك

ص: 40

وملح عجينك » (1)، وهذا التعبير كنائيّ أكثر ممَّا هو حقيقي، أُريد به الإشارة إلى توطيد الأواصر بين العبد وربّه، فلا يكفّ عن دُعائه ولو بملح طعامه، فإذا ما تعوَّدنا سؤاله في أبسط الأُمور فإننا سوف نتوجّه بقوّة إليه في الأُمور الأعظم.

فلا يقف شيءٌ حائلاً بينك وبين الدعاء، فبدونه يكون الحرمان والمنع، ولذلك نجد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يقول لميسر بن عبد العزيز: «

يا ميسر ادعُ، ولا تقل: إن الأمر قد فرغ منه، إنّ عند الله عزَّ وجلَّ منزلة لا تُنال إلا بمسألةٍ، ولو أن عبداً سدَّ فاه ولم يسأل لم يُعط شيئاً، فسل تُعطَ، يا ميسر إنّه ليس من باب يُقرع إلا يوشك أن يُفتح لصاحبه » (2).

ومن عظيم ألطافه وصنيعه تعالى بنا: أنه يشترط فينا لاستجابة دُعائه أن نطلب كمالاً لنا، لا أن نُحقِّق كمالاً له، فهو الغنيّ الحميد، بخلاف ما عليه الإنسان، فإنه يطلب لقضاء حاجتك كمالاً هو فاقده، إمّا خدمة تخدمها إيّاه، أو يطلب أجراً من الله تعالى أو أُجرة من العباد، وشتّان ما

بين المُعطي الأوّل والثاني، وقد مرَّ بنا قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : « . . . إيّاكم وذكر الناس فإنّه داء » (3).

الدعاء والقرآن

كنّا قد أوجزنا القول في علاقة القرآن الكريم بالدعاء، وقد اتّضح لنا الحثُّ الأكيد عليه، وأنه أشبه بحجر الزاوية في حركة الإنسان التكاملية،


1- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج4، ص(10)٩٠، الحديث: 3.
2- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص466، الحديث: 3.
3- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورَّام) ، مصدر سابق: ج1، ص٨.

ص: 41

وهنا ارتأينا الوقوف قليلاً عند علاقة الدعاء بالقرآن الكريم، أي البحث في أدبيّات التعاطي مع القرآن بلغة الدعاء، فللقرآن حرمة عظيمة، وينبغي أن تكون له أدبيّات تتناسب مع هذه الحرمة، ولذلك ورد في المقام مجموعة غير قليلة تُوجّهنا إلى سبل التعاطي معه بوسائط دُعائية، من قبيل أدبيّات الدعاء قبل تلاوته وبعد تلاوته، وما شابه ذلك.

الآداب الدعائية

يُمكننا تقسيم الآداب الدُعائية إلى ثلاثة أقسام، وهي:

الأوّل: الدعاء قبل تلاوة القرآن، أي عند أخذ القرآن الكريم، فقد ورد فيه أنَّ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) كان يدعو بهذا الدعاء قبل أن يقرأ: «

اللهم إني أشهد أنّ هذا كتابك المنزل، من عندك على رسولك محمّد بن عبد الله، وكلامك الناطق على لسان نبيّك، جعلته هادياً منك إلى خلقك، وحبلاً متّصلاً فيما بينك وبين عبادك، اللهمّ إني نشرتُ عهدك وكتابك، اللهم فاجعل نظري فيه عبادة، وقراءتي فيه فكراً، وفكري فيه اعتباراً. . . » (1).

الثاني: الدعاء أثناء تلاوة القرآن، وقد ورد فيه عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال: «

اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن: عند قراءة القرآن، وعند الأذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفّين للشهادة، وعند دعوة المظلوم، فإنّها ليس لها حجاب دون العرش » (2)، وهنا يُحتمل عود الضمير في (إنّها) إلى المواطن، لأنها هي المُتحدّث عنه، والمعنيّة في المقام، وبعد عدّها جميعاً جاء


1- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٨٩، ص2٠6، الحديث: 2.
2- المصدر السابق: ج٩٠، ص343، الحديث: 1.

ص: 42

الوصف لها جميعاً، فيكون الدعاء عند قراءة القرآن ليس لها حجاب دون العرش، وقد يكون عائداً إلى «دعوة المظلوم» ، والأوّل قريب، والثاني أقرب؛ لورود بعض الروايات الحاكية لهذا المعنى، ولكن يبقى مجال الشمول لجميع المواطن مفتوحاً، والقول به له وجهٌ وجيه.

وعلى أيّ حال، فالدعاء عند قراءة القرآن فرصة ثمينة ينبغي اغتنامها، ولكن كيف يتسنَّى لنا ذلك ونحن مشغولون بالتلاوة؟

والجواب: هو أننا إذا مررنا بآية فيها وَعْدٌ، طلبنا ذلك لنا وللمؤمنين، وإذا مررنا بآية فيها وعيد، استعذنا بالله تعالى لنا ولإخواننا المؤمنين من ذلك، وإذا مررنا بآية فها ذكر المُذنبين المُقصّرين اتّهمْنا أنفسنا وطلبنا منه تعالى العفو والمغفرة، وإذا مررنا بآية فيها ذكر التائبين الصالحين رجوناه

أن نكون كذلك، وهكذا. وإنّ الطلب والاستعاذة والرجاء لا يُشترط فيها أن تكون لفظيةً، حيث يكفي استحضار معانيها، وإن كان استحضارها بمعيّة اللفظ أفضل وأنفع.

جدير بالذكر أنَّ هذا السمت من القراءة يُعتبر نوعاً جليلاً من التدبّر في القرآن الكريم، حيث تعكس مضامين القرآن عليك، فتقرأه وكأنَّه نزل عليك.

الثالث: الدعاء بعد التلاوة، وقد ورد فيه عن عاصم عن زرّ بن حبيش قال: قرأت القرآن من أوّله إلى آخره في المسجد الجامع بالكوفة على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) . . . فلما بلغت رأس العشرين من حم عسق، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ (الشورى: 22) بكى أمير المؤمنين حتّى ارتفع نحيبه، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: «

يازرّ! أَم-ِّنْ على

ص: 43

دعائي » ، ثم قال: «

اللهم إني أسألك إخباتَ المخبتين » ، إلى آخر الدعاء. ثم قال: «

يا زرّ! إذا ختمت فادعُ بهذه، فإنّ حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني أن أدعو بهنَّ عند ختم القرآن » (1).

وقد كان الإمام الصادق (عليه السلام) يدعو عند الفراغ من قراءة القرآن بهذا الدعاء: «

اللهم إني قد قرأت ما قضيت من كتابك الذي أنزلت فيه على نبيّك الصادق صلى الله عليه وآله، فلك الحمد ربّنا. اللهم اجعلني ممَّن يُحلُّ حلاله ويُحرِّم حرامه، ويُؤْمن بمحكمه ومتشابهه، واجعله لي أُنساً في قبري وأُنساً في حشري. . . » (2).

شاهد وموعظة

كنّا قد أجبنا عن كيفية إمكان الدعاء عند تلاوة القرآن، وقد اعتبرنا ذلك ضرباً من التدبّر الحقيقي بمعاني القرآن الكريم، والآن نودُّ أن نسوق شاهداً على هذا التدبّر، وموعظة تتغنّى بها القلوب الطاهرة، إنّه شاهد يستبطن شواهد حيّةً على استجابة الدعاء، وسوف نحاول الوقوف عندهما بإيجاز، فعن شُقيق بن إبراهيم البلخي (3)أنه قال: «خرجت حاجّاً


1- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٨٩، ص2٠6، الحديث: 2.
2- المصدر السابق: ج٨٩، ص2٠6، الحديث: 2.
3- هو أبو علي شُقيق بن إبراهيم البلخي الزاهد، من مشاهير المشايخ في خراسان، ولعلَّه أول من تكلّم في علوم الأحوال (الصوفية) بكور خراسان، وكان من كبار المجاهدين، حيث استشهد في غزوة كولان (بما وراء النهر) سنة 153، صاحَبَ إبراهيم بن أدهم وأخذ عنه الطريقة، وقد كان أُستاذاً لحاتم الأصمّ الصوفي المشهور، الذي روى عنه قوله: عملتُ في القرآن عشرين سنة حتى ميّزت الدنيا من الآخرة، فأصبته في حرفين وهو قوله تعالى: فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ، وقوله: ميِّز بين ما تعطى وتعطي، إن كان ما يعطيك أحبَّ إليك فأنت محبُّ الدنيا، وإن كان ما تعطيه أحبَّ إليك فأنت محبُّ الآخرة. كان تاجراً كبيراً ومن أبناء الأغنياء، مُقبلاً على الدنيا، وقد كان سبب توبته أنه خرج للتجارة إلى أرض الترك وهو حدث، فدخل بيت الأصنام فرأى خادماً للأصنام فيه، فقال شقيق للخادم: إنّ لك صانعاً حيّاً عالماً فاعبده، ولا تعبد هذه الأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع! فقال: إن كان كما تقول فهو قادر على أن يرزقك ببلدك، فلم تعنّيت إلى ها هنا للتجارة؟ ! فانتبه شقيق، وأخذ في طريق الزهد، بعد أن تصدَّق بجميع ما يملكه، ثمَّ لازم العلماء والزهّاد إلى أن مات، وقد وُفّقَ للوقوف على دلائل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ما روته العامّة والخاصّة. انظر: (الكنى والألقاب) ، للشيخ عباس القمّي: ج2، ص41. و (المستفاد من ذيل تاريخ بغداد) ، لابن الدمياطي: ج1، ص٩6 رقم: ٨٨. و (الأنساب) ، للسمعاني: ج3، ص44٧، و (الأعلام) لخير الدين الزركلي: ج3، ص1٧1.

ص: 44

إلى بيت الله الحرام، فنظرت إلى الناس في زيّهم بالقباب. . . ، فقلت: اللهم إنهم قد خرجوا إليك فلا تردّهم خائبين. فبينما أنا قائم. . . ، إذ نظرت إلى فتى حدث السنّ، حسن الوجه، شديد السمرة، عليه سيماء العبادة وشواهدها. . . ، وهو منفرد في عزلة من الناس، فقلت في نفسي: هذا الفتى من هؤلاء الصوفية المتوكِّلة، يريد أن يكون كَلّا ً على الناس في هذا الطريق، والله لأمضينّ إليه، ولأوبّخنه، فلما رآني مقبلاً نحوه قال لي: يا شُقيق يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا (الحجرات: 12) ، ثم تركني ومضى، فقلت في نفسي: قد تكلَّم هذا الفتى على سرِّي، ونطق بما في نفسي، وسمّاني باسمي، وما فِعْلُ هذا

ص: 45

إلا وهو وليّ الله، أَلْحَقُهُ وأسألُه أن يجعلني في حلٍّ، فأسرعت وراءه. . . ، ونظرت فإذا صاحبي قائم يصلّي على كثيب رمل، وهو راكع وساجد، وأعضاؤه تضطرب، ودموعه تجري من خشية الله عزَّ وجل، فقلت: هذا صاحبي، لأمضينّ إليه، ثم لأسألنّه أن يجعلني في حلٍّ، فأقبلت نحوه، فلما نظر إليّ مقبلاً قال لي: يا شقيق وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (طه: ٨2) ، ثم غاب عن عيني فلم أره، فقلت: هذا رجل من الأبدال، وقد تكلَّم على سرِّي مرتين. . . ورحل الحاجّ وأنا معهم، حتّى نزلنا، فإذا أنا بالفتى قائم على البئر، وبيده ركوة يستقي بها ماء، فانقطعت الركوة في البئر، فقلت: صاحبي والله، فرأيته قد

رمق السماء بطرفه، وهو يقول

: أنت ربّي إذا ظمئتُ إلى الماء، وقوّتي إذا أردت الطعام، إلهي وسيدي ما لي سواها، فلا تعدمنيها.

قال شقيق: فوالله، لقد رأيت البئر وقد فاض ماؤها حتّى جرى على وجه الأرض، فمدَّ يده، فتناول الركوة، فملأها ماء، ثمّ توضّأ، فأسبغ الوضوء، وصلّى ركعات، ثُمَّ مال إلى كثيب رمل أبيض، فجعل يقبض بيده من الرمل ويطرحه في الركوة، ثُمَّ يحرِّكها ويشرب، فقلت في نفسي: أتراه قد حوَّل الرمل سويقاً؟ ! فدنوت منه فقلت له: أطعمني - رحمك الله - من فضل ما أنعم الله به عليك. فنظر وقال لي:

يا شقيق، لم تزل نعمة الله علينا أهل البيت سابغة، وأياديه لدينا جميلة، فأحسن ظنّك بربّك، فإنه لا يضيع من أحسن به ظنّاً. فأخذت الركوة من يده وشربت. . . ، ثم غاب عن عيني، فلم أره حتّى دخلت مكّة وقضيتُ حجَّي، فإذا أنا بالفتى في هدأة من الليل، وقد زهرت النجوم، وهو إلى جانب قُبَّة الشراب راكعا ساجداً،

ص: 46

لا يريد مع الله سواه، فجعلت أرعاه وأنظر إليه، وهو يصلّي بخشوع وأنين وبكاء، ويرتّل القرآن ترتيلاً، فكلَّما مرَّت آية فيها وعدٌ ووعيد ردَّدها على نفسه، ودموعه تجري على خدّه، حتّى إذا دنا الفجر جلس في مصلّاه، يُسبِّح ربَّه ويُقدِّسه، ثم قام فصلّى الغداة، وطاف بالبيت أُسبوعاً، وخرج من باب المسجد، فخرجت، فرأيت له حاشية وموالٍ، وإذا عليه لباس خلاف الذي شاهدت، وإذا الناس من حوله يسألونه عن مسائلهم، ويسلِّمون عليه، فقلت لبعض الناس، أحسبه من مواليه: من هذا الفتى؟ فقال لي: هذا أبو إبراهيم، عالم آل محمّد. قلت: ومن أبو إبراهيم؟ قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) . فقلت: لقد عجبت أن تُوجد هذه الشواهد إلّا في هذه الذرّية» (1).

أولوية الدعاء على السكوت والرضا

اشارة

من هنا يتَّضح لنا أولية سلوك طريق الدعاء على المكوث في دوائر الرضا، والسكوت عمّا وقع، فعلى أهمّية مقام الرضا وجلالته إلا أنَّه لا يكون بديلاً عن أصل الدعاء، فإنَّ الدعاء عبادة في نفسه، كما عرفت، وسلوكه مُحصِّل لكمالٍ فيه، بغضّ النظر عن تحقيق المدعوّ له، وهذا لا يُنافي موضوعة الرضا كما توهَّم البعض، فالرضا بالقضاء لا يمنع أسبقيّته وألحقيّته بالدعاء؛ لعدم العلم بكون القضاء الواقع من الحتم، فالقضاء منه المحتوم ومنه غير المحتوم، كما سيأتي (2).


1- دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة (قسم الدراسات الإسلامية) ، ط1، 1413ه-، قم المقدّسة: ص31٧، الحديث: 6.
2- سيأتي ذلك في موضوعة «علاقة الدعاء بالبداء» في الفصل السابع.

ص: 47

إشكالية أولوية الرضا بالقضاء

فإن قيل: ما قولكم في الروايات المُبيِّنة لأولوية الذكر على الدعاء، كما في الحديث القدسي المرويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «

قال الله تعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين » (1)؟

وما بال ثلّة من الأنبياء (عليهم السلام) رضوا بالقضاء ولم يسلكوا طريق الدعاء، كما في قصّة إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، يوم أَلقى به النمرود بالمنجنيق في النار، فتلقّاه جبرائيل في الهواء فقال: هل لك من حاجة؟ فقال:

أما إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل ، فاستقبله ميكائيل فقال: إن أردت أخمدتُ النار، فانَّ خزائن الأمطار والمياه بيدي، فقال:

لا أريد ، وأتاه ملك الريح، فقال: لو شئتَ طيَّرتُ النار، قال:

لا أُريد ، فقال جبرائيل: فاسأل الله. فقال (عليه السلام) :

حسبي من سؤالي علمُهُ بحالي (2)؟

وهذا الإمام الحسين (عليه السلام) بقي ثلاث ساعات من النهار مضرّجاً بدمه رامقاً بطرفه إلى السماء مُنادياً: «

إلهي صبراً على قضائك ولا معبود سواك. . .» (3)؟

وغير ذلك من الموارد التي قدّمت الرضا على الدعاء.

والجواب يُمكن تصويره على نحوين، وهما:

الأول: بلحاظ أصل الفكرة.

الثاني: بلحاظ المصداق.


1- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٩٠، ص323.
2- المصدر السابق: ج6٨، ص155، الحديث: ٧٠.
3- ينابيع المودّة لذوي القربى، للشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، دار الأُسوة، ط1، 1416 ه-، قم: ج3 ص٨2.

ص: 48

أما الأول: فإنَّ الدعاء باقٍ على أولويّته، ولكن ينبغي فيه مُراعاة الأحوال، ففي بعض الأحوال يجد العبد المُبتلى في قلبه إشارة ودافعية للدعاء فيكون الدعاء هو الأولى في حقّه، وتارة يجد في قلبه إشارة السكوت والرضا فيكون السكوت أولى له، فينبغي للعبد مُراعاة الحال الذي عليه (1).

وهذا لا يعني وجود التنافي بين الدعاء والرضا بالقضاء، بل يُمكن القول أيضاً أنَّ الرضا بالقضاء هو الآخر يحتاج إلى الثبات عليه فيكون مُحتاجاً للدعاء، فلا يُتصوَّر الانفكاك بين الأمرين.

وأما على صعيد المصداق ، فالحديث القدسيّ لا ينفي أصل الدعاء، وذلك لعدم انحصار الدعاء بطلب الحاجات الدنيوية، فالذكر مُفردة دُعائية، بل هي أشرف مراتب الدعاء، ومن شرافتها أنها تُفضي لقضاء الحاجات بصورة تلقائية، فلا معنى لورود الإشكال.

وأما في قصّة إبراهيم (عليه السلام) فإنه قد دعا ربه، ولكن بما يُناسب المقام الذي هو عليه، فهو لشدِّة توحيده وحضور الله تعالى لديه لم يجد مُسوّغاً لإظهار الطلب على يد الملائكة المُرسلين إليه، وهو يعلم بأنَّ مقامه التوحيدي الذي دعا الناس إليه يأبى عليه النظر إلى غير الله تعالى، ثم إنَّ قوله: حسبي من سؤالي علمه بحالي، حاكٍ عن توجُّهه بالدعاء بلسان حاله لا بلسان مقاله، ولسان الحال أبلغ من لسان المقال، مع الالتفات إلى مقام الداعي، فقد لا يفي الحال للداعي فيصير إلى الدعاء.

وأما في تجمُّل أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فهو الآخر مفردة دُعائية،


1- انظر: الرسالة القُشيرية، مصدر سابق: ص3٨٠.

ص: 49

كما هو واضح، فقوله: «

إلهي صبراً على قضائك » ، دعاء محض لكلِّ ذي عينين.

وأخيراً فقد ورد حديث في المقام، هو فصل الخصام، وتتميم الكلام، حيث لا يعدل بالدعاء شيئاً أبداً، فعن حنان بن سدير، عن أبيه قال:

«قلت لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) أي العبادة أفضل؟ فقال

: ما من شيء أفضل عند الله عز وجل من أن يُسأل ويُطلب ممَّا عنده، وما أَحَد أبغض إلى الله عزَّ وجلَّ ممَّن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده» (1).

الإخلاص في الدعاء

اشارة

الآن نحتاج أن نقف قليلاً عند أهمّ محطّة من محطّات الدعاء، وهي محطّة الإخلاص في الدعاء. إنّ الدعاء هو عبادة حقيقية، بل هو مخّ العبادة - كما مرّ بنا - والعبادات بشكل عام يُقصد فيها المعبودُ وحده لا غير، ولأجل ذلك يكون العبد مُستحقّاً للأجر، وأمّا من قصد جهةً أُخرى فإنّه لا يكون مُستحقّاً للثواب والأجر، بل هو مُستحقٌّ للعقوبة، لأنه بتلك الضميمة إما أن يكون قد وقع في براثن الشرك الأكبر، كما هو الحال بالنسبة لقريش التي كانت تسجد للأصنام بقصد أنها تُقرِّبهم لله تعالى، وإما أن يكون قد وقع في الشرك الأصغر، كما هو الحال بالنسبة للمُرائين في أعمالهم، فهؤلاء على أقلّ التقادير ستكون أعمالهم باطلة، ولعلّ هذا النوع من الشرك هو الأكثر انتشاراً بين الناس، ومن هنا نفهم سرّ تحذير النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لنا من ذلك، حيث كان يقول (صلى الله عليه وآله) : «إن أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغر، قالوا: وما الشركُ الأصغر؟ قال:

الرياء، يقول الله


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص466، الحديث: 2.

ص: 50

عزَّ وجلَّ يوم القيامة للمرائين إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تُراؤون لهم في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء» (1).

وقال (صلى الله عليه وآله) : «

استعيذوا بالله من جُبِ ّ الحَزَنِ ، قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال:

وادٍ في جهنَّم أُعدَّ للقرّاء المرائين » ، وقال (صلى الله عليه وآله) : «

يقول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ لي عملاً أشرك فيه غيري فهو له كلُّه، وأنا منه برئ، وأنا أغنى الأغنياء عن الشرك » ، وقال (صلى الله عليه وآله) : «

لا يقبل الله تعالى عملاً فيه مثقال ذرّة من رياء » ، وقال (صلى الله عليه وآله) : «

إن أدنى الرياء الشرك » . وقال (صلى الله عليه وآله) : «

إن المرائي ينادَى عليه يوم القيامة: يا فاجر! يا غادر! يا مرائي! ضلَّ عملك، وحبط أجرك، اذهب فخذ أجرك ممَّن كنت تعمل له » ، وقد كان (صلى الله عليه وآله) يبكي، فقيل له: ما يُبكيك؟ قال (صلى الله عليه وآله) : «

إني تخوَّفت على أمّتي الشرك، أَما إنّهم لا يعبدون صنماً، ولا شمساً ولا قمراً ولا حجراً، ولكنهم يُراؤون بأعمالهم» (2).

والإخلاص هو خُلوص العمل من الشوائب، ومعنى خلوص الدعاء من الشوائب هو عدمُ التفاتِ القلبِ أثناءَ الدعاء إلى غير المدعوّ، وهو الله تعالى. فإذا ما توفّر الإخلاصُ وطَهُرَ الدعاءُ من الشوائب فلأنه سوف يكون طيّباً، وخلواً من الخبائث المعنوية، وعندئذ سوف يكون مشمولاً لقوله تعالى: . . . إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ. . . (فاطر: (10)) ، وعندئذ سوف يكون الداعي داعياً حقّاً؛ تحقيقاً لقوله


1- جامع السعادات، محمد مهدي النراقي، تقديم: الشيخ محمد رضا المظفر، تعليق: السيد محمد كلانتر، مؤسسة الأعلمي، ط6، 14٠٨ ه-، بيروت: ج2، ص3٧6.
2- المصدر السابق: ج2، ص3٧٧.

ص: 51

تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 1٨6) ، وفي

غير صورة الإخلاص لا يصدق عنوان الدعاء إلا من باب المُسامحة، وإن كان للإخلاص مراتب، فإنَّ خلوّ الدعاء منها يُفرغه من عنوان الدُّعائية.

الذهب المُصفّى

وقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) كلمة في ذلك، جدير بأن تُكتب بماء الذهب، بل هي الذهب المُصفَّى كقائلها، وهي قوله: «

وخير الدعاء ما صدّر عن صدْرٍ نقيٍّ وقلبٍ تقيٍّ، وفي المناجاة سبب النجاة، وبالإخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتدَّ الفزع فإلى الله المفزع» (1)، والخيرية في كلمة الطُهر علي (عليه السلام) ، والتي جاءت على صيغة أفعل التفضيل، لا تعني وجود خير أوّلي في الدعاء الخالي من الإخلاص، لأنَّه كما قلنا ليس بدعاء، بل هو سالب بانتفاء موضوعه، وموضوع الدعاء في المقام هو التوجّه الخالص لله تعالى، وإنما أراد (عليه السلام) بالخيرية الإشارة إلى مراتب الإخلاص، وأنَّ خير هذه المراتب ما كان صدْر الداعي فيه نقيّاً، وقلبه تقيّاً، فافهم.

وينبغي أن يُعلم بأنّ الإخلاص وليد الحبّ، فلا إخلاص لمن لا حُبَّ له، وبذلك نفهم بأنّ مراتب الإخلاص هي الأُخرى عائدة لمراتب الحبّ، فالمراتب الدانية تُولّد حُباً دانياً، والعكس بالعكس، وأما الحبّ فهو الآخر وليد أمرٍ آخر أصلاً ومراتبَ، وهو المعرفة، فمن عرف الله تعالى أحبّ اللهَ ومن أحبَّهُ أخلص له.


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص46٨، الحديث: 2.

ص: 52

وعليه فمن كان فاقداً للإخلاص في عباداته فذلك كاشفٌ إنّيٌّ عن فَقْدِهِ الحبَّ لله تعالى، ومن فَقَدَ الحبّ لله تعالى فذلك كاشف إنّيّ عن فَقْدِه لمعرفة الله تعالى، ممَّا يعني أنّ الأُسَّ في كلّ هذه المعادلة هو معرفةُ الله تعالى، كما أنّ هذا الترتّب الطولي بين المعرفة والحبّ والإخلاص هو ترتّبٌ ذاتيّ، وسُنّةٌ إلهيّةٌ، ومسلك قرآنيّ مُنسجمٌ تمامَ الانسجام مع فطرة الإنسان، رزقنا الله تعالى معرفتَهُ وحبّهُ والإخلاصَ له.

ثمّ إنّ الإخلاصَ له حقيقةٌ كامنةٌ وهي نفس النيّة، فالنيّةُ هي الصورةُ الباطنيةُ للعمل، بل إن القيمة الحقيقية للعمل تكمنُ في النيّة، أما صورة العمل الظاهرية فقيمته مُستمدَّة من قيمة العمل وصورته الباطنية، وهي النيّة، وإلا فهو لا قيمة حقيقية له، ومن هنا نفهم كلمات رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المقام، حيث يقول: «

إنّما الأعمالُ بالنيّات، ولكلِّ امرئٍ ما نوى » (1)، و «

النيّةُ أساسُ العمل » (2)، و «

الأعمالُ ث-ِمارُ النيّات » (3)، بل إنّ «

نيّة المؤمن خيرٌ من عمله، ونيّة الفاجر شرٌّ من عمله» (4).

وعليه فخُلاصةُ كلّ عملٍ وذروتُهُ وثمرتُهُ تكمُنُ في إخلاص النيّة لله تعالى، بل في إخلاص النيّة تكمُنُ قيمةُ الإنسان وحقيقته، ودون ذلك


1- تهذيب الأحكام، لشيخ الطائفة الطوسي، تحقيق: السيد حسن الخرسان، دار الكتب الإسلامية، ط4: ج4، ص1٨6، باب نيّة الصيام، الحديث:2.
2- غرر الحكم ودرر الكلم: رقم (10)4٠.
3- المصدر السابق: 2٩2.
4- كنز العمال، للمتقي الهندي، تحقيق: بكري الحياني وصفوة السقا، مؤسّسة الرسالة، 14٠٩ه-: ج3، ص٧66، الحديث: ٧2٧1.

ص: 53

الإخلاص والقصد سيجد الإنسان عمله هباءً منثوراً، فإنّ كلَّ عملٍ فيه شِركةٌ فهو لذلك الشريك الضعيف (1)، قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثوراً (الفرقان: 23) . ذلك العمل الأجوفُ تماماً الخالي من قيمته الفعلية، قد أحيل إلى هباء منثور، لأنّه في حقيقته مجرّد قشور فارغة، فلم يكن شيئاً يُذكر سوى عند صاحبه الظامئ له والساعي خلفه فيحسبه ماءً وهو: كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حتّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (النور: 39) ، وأصحابه وُصفوا بقوله تعالى: وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (المجادلة: 1٩) .

ومن هنا يتّضح لنا الوجهُ الناصعُ لقوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (الطارق: ٩) ، حيث يكشف اللثام عن النوايا ويُبان كلّ إنسان على حقيقته، فلم تُعبِّر الآية الكريمة بالأعمال وإنّما عبّرت بالسرائر التي هي الداعي الحقيقيّ الكامن وراء الأعمال وما انطوت عليه الضمائر؛ ف- «

من حسُنت نيّته كَث-ُرت مثوبته » (2)، وعندئذ تتمايز السرائر بحسن النوايا وقُبحها، وهنا يُروى عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قوله: «

حُسن النيّة جمال السرائر » (3)، لأنَّ السرائر هي البطانة التي تُمثّل واقع والإنسان، والنيّة


1- إشارة إلى الحديث القدسيّ المرويّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «قال الله عزّ وجلّ أنا خيرُ شريك، مَن أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصاً» . انظر: أصول الكافي: ج2، ص2٩5، الحديث: ٩.
2- غرر الحكم، مصدر سابق: ٩٠٩4.
3- المصدر السابق: 4٨٠6.

ص: 54

أمر باطني، فجمال السريرة مقترن بجمال النية، والعكس بالعكس.

وهذا الجمال والحُسن كفيلان بحفظ العمل ومضاعفة الأجر عليه: إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (الكهف: 3٠) و إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ (التوبة: 12٠) فليكن ذلك الجمال الواقي والحُسن الساقي مطلباً ومقصداً، و لمِثلِ هَذا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ (الصافات: 61) .

وينبغي أن يُعلم بأنَّ الإخلاصَ في أحدِ وجوهِهِ يعني دفع الأغيار عمّن تُحبّ وتقصدُ، لأنّ الإخلاصَ يعني الطردَ التامَّ للشوب الذي هو مقابل له، كما نصّ على ذلك علماء اللغة (1)، وهو المرويّ عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حيث يقول في حديث طويل يُبيّن فيه جنود العقل والجهل: «

والإخلاص وضدّه الشوب » (2).

مراتب الإخلاص

وأخيراً فإنّ للإخلاص مراتبَ ثلاث، وهي:

المرتبة الأولى: إخلاص العوامّ، وهو ما يوافق المعنى اللغوي، أي تصفية العمل القلبيّ من كلّ شوب.

المرتبة الثانية: إخلاص الخواصّ، وهو إخراج رؤية العمل من العمل، بحيث لا تفتخر في نفسك بالعمل، ولا تعتقد أنّك تستحقّ عليه ثواباً.

المرتبة الثالثة: إخلاص خاصّة الخاصّة، وهو الخلاص من رؤية نفسِ


1- انظر: لسان العرب للعلامة ابن منظور، دار التراث العربي، ط1، 14٠5ه-، طبعة قم المقدّسة: ج٧، ص26؛ وأيضاً: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، مؤسسة نشر الكتاب، 1414ه-: ص2٩2.
2- أصول الكافي: ج3، ص16٩.

ص: 55

الإخلاص، وهو أشدّ المراتب وأعظمها.

فالأولى: هي تصفية الفعل من مُلاحظة المخلوقين، والثانية: هي تصفية النفس من طلب الأجر أو انتظار الثواب عليه، والثالثة: هي أن لا يرى ذلك الخلوص من الشوبِ، والخلوص من طلب الأجر، أي أن لا يرى إخلاصه. فيتَّهم نفسه، ويعتقد أنَّ كلَّ ما عندَه هو من الله تعالى. حتّى الإخلاصَ الذي وصل إليه فهو من عندِ الله.

الإخلاص شرط في قبول الأعمال العبادية

وفي ضوء ذلك يتبيَّن لنا بأنّ الإخلاص ليس أمراً مُكمِّلاً للدعاء، وإنّما هو شرطٌ أساسيٌ في صحّتِهِ وقبوله، بل لا يُتصوّرُ الدعاءُ بلا إخلاصٍ، لأنّ حقيقيةَ الدعاءِ تكمنُ في النيّةِ، وحقيقيةَ النيّة تكمنُ في الإخلاص.

نعم، هل يُشترط كمال النيةِ والإخلاص في العمل؟ فالجواب هو كفاية تحصيل المرتبةِ الأُولى من الإخلاص، وهي مرتبة العوامّ، أي خلوص العمل من الشوائب والأغيار، فهذه المرتبةُ شرط أساسي لابدّ منه؛ لِما تقدم من قوله (صلى الله عليه وآله) : «

يقول اللهُ تعالى: مَنْ عَمِلَ لي عملاً أشرك فيه غيري فهو له كلُّه، وأنا منه بريء، وأنا أغنى الأغنياء عن الشرك » ، وقولِهِ (صلى الله عليه وآله) : «

لا يقبل الله تعالى عملاً فيه مثقال ذرّة من رياء » (1)، وكما جاء في الحديث القدسي المرويّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث يقول: «

قال اللهُ عزّ وجلّ: أنا خيرُ شريك، مَن أشرك معي غيري في عملٍ عَمِلَهُ لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصاً » (2)، أي خالصاً من

الشوب والأغيار، وأما المرتبة الثانية


1- جامع السعادات، مصدر سابق: ج2، ص3٧6.
2- أصول الكافي: ج2، ص2٩5، الحديث: ٩.

ص: 56

والثالثة فهما كماليتان للدعاء والداعي، فالسالك لا تليق به المرتبة الأُولى، حيث ينبغي له الارتقاء إلى مرتبة عدم انتظار الثواب أو الاستجابة، كما أنَّ العارف الواصل لا تليق به المرتبة الثانية فضلاً عن الأُولى، حيث ينبغي له الارتقاء إلى المرتبة الثالثة وهي عدم الالتفات إلى نفسِ إخلاصِه.

والآن، وقبلَ الانتقال إلى شروط الدعاء وآدابهِ، أودُّ القولَ بأنَّه إذا كان الدعاءُ هو مُخّ العبادةِ كما جاء ذلك عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) حيث قال: «

الدعاءُ مخُّ العبادة، ولا يَهلكُ مع الدعاءِ أحد » ، أقول: فإنَّ الإخلاصَ هو مُخُّ الدعاء.

إشراق

مَ-ن تزيَّن بكمالات ربّه لم يجد بُدّاً من الإخلاص، فالغير ظلٌّ وشريك له في التزيُّن، فلا معنى للإخلاص له استقلالاً، وأما مَن زي-َّفه الشوب فذلك دليل الفق-د، وهو معذور حيث لم يشرق قلبه بالحقِّ بعدُ، فيخلص له.

ص: 57

الفصل الثاني: شروط الدعاء وآدابُه

اشارة

أُسلوب الدعاء

حقيقة الخشوع، صور الخشوع، التخشُّع النفاقي

علاقة البسملة بالدعاء

علاقة الصلاة على النبي وآله بالدعاء

أهمية التأمين على الدعاء

موعظة

إشراق

ص: 58

ص: 59

شروط الدعاء وآدابه

اشارة

سنحاول اختصار شروط قبول الدعاء بالأُمور الضرورية التي هي أركان استجابة الدعاء، بمعنى أنّ الدعاء الصحيح له قوامة، وهذه القوامة تكمن بعدّة أركان أساسية، وهي:

الركن الأول: معرفة الله تعالى

تُعتبر معرفة الله تعالى الحدّ الفاصل ومُفترق الطرق في تشخيص الحالة الدُّعائية الحقيقية عن الحالة الوهمية النفاقية، فالمدعوّ لابدّ من حضوره في وجدان وقلب السائل له، فإذا كان جاهلاً بالله تعالى فإنّ كلَّ مدعوٍٍّ سوف يكون غيرَه، وإذا دعا غيرَهُ سقط الدعاء من رأسِه، فإذا ما دعاه بمعرفةٍ ضمن الإجابة؛ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «

لو عرفتُم اللهَ حقَّ معرفتِهِ لزالت لدعائِكُم الجبال » (1)، وهذه المعرفة لا تعني معرفة الذات المقدّسة، فذلك أمر مُحالٌ لا يُمكن إدراكهُ أبداً، فالذات المقدّسة هي غيب الغيوب الذي تُحيَّر فيه العقول وتُصعق فيه القلوب، وإنما المراد هو معرفته بصفاته وأسمائه الحسنى؛ قال تعالى: وَللهِ الأَسْمَاء الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا. . . (الأعراف: 1٨٠) ، وبقدر المعرفة تكون مساحة


1- الدرّ المنثور، جلال الدين السيوطي، دار المعرفة، 1365 ه-، جدة: ج1، ص1٩6.

ص: 60

الدعاء وحقيقته، وهي معرفة قد يرتقي فيها العبد إلى مُحيط الذات، بشمّةٍ منها أو بصيص نور تُمسُّ به ذاته، وللداعي الخيار في ذلك، ولكن بحسب مقتضيات كماله؛ قال الحقُّ سبحانه: قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَ-نَ أَيّاً مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاء الحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (الإسراء: 1(10)) ، ولولا ضيق الخناق لأفصحنا عن مُراده سبحانه من الجهر والإخفات ومعنى ابتغاء السبيل في المقام، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.

ثمَّ الاعتقاد المحض بكونه تعالى هو المُعطي الآخذ، وهو الوهّاب المنَّاع، وأن لا مُؤثّر في الوجود غيره، ولا ريب بأن دون تحقّق كلّ ذلك تكون كلمات الداعي غير ربّه مُجرد تصدية ومُكاء، بل نسيجاً من ضلال؛ قال تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ (الرعد: 14) ، والكفر لا يقتصر على إنكار وجود الله، وإنما يشمل الجهل به وبقدرته الواسعة، وبوحدانية مؤثّريته في الوجود. فمن اعتقد بوجود مُؤثّر في الوجود استقلالاً غير الله تعالى يكون قد عرف غير الله تعالى ودعاه، وهو دُعاء الكافر، الذي مُحصّلته النهائية هو كونه في ضلال، ولعلّ هذا من أعظم أسباب عدم استجابة الدعاء للكثير من الناس، وسوف يأتينا في فصل لاحق (1)ضرورة عدم عقد أيِّ أمل بغيره أبداً، فإنّ الله تعالى غيورٌ ولا يُحبُّ أن تسألَ غيرَه، أو تعتقد بأنَّ غيره سيقضي حاجتك، فإذا انعقد في قلوبنا أملٌ بغيره فلا معنى للتوجّه إليه تعالى، وقد


1- الفصل الرابع من هذا الكتاب (أسباب استجابة الدعاء) .

ص: 61

قال الحقُّ سبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (الأحقاف: 5) .

الركن الثاني: الانقطاع عمّا سواه

فلا يصحّ الدعاء والقلب محلٌّ للأغيار ولو في لحظة الدعاء، ومن الواضح بأنَّ الإنسان قد لا يُمكنه الانقطاع بصورة كاملة، وفي جميع أوقاته، ولكنه قادر على ذلك للحظاتٍ يتوجّه فيها إلى بارئه في دعائه، وذلك هو مُقتضى الدعاء.

الركن الثالث: حسن الظنّ بالله تعالى والرضا بما يكون

أمّا حُسن الظن بالله تعالى والرضا بما هو كائنٌ وما سيكون، فهو بمعنى عدم الاشتراط على الله تعالى، فإنّ عليك الدعاء وهو عليه الاستجابة حين توفّر الشروط والمصلحة في ذلك، ولكن البعض قد يشترط على الله تعالى بأنه لن يفعل كذا أو سيفعل كذا إذا حقّق له كذا، وكأنّ أمامه صفقة بيع وشراء، إنّ هذا الأمر غير مقبول، فإنّ الشرط إذا كان ترك محرَّمٍ فهو واجب تركُهُ ابتداء، ولا يتوقّف على استجابة دعاء، وإذا كان واجباً فهو كذلك، وإن كان مندوباً أو مكروهاً فالكلام هو الكلام.

إنّ حُسنَ الظن بالله رُكن من أركان الاستجابة، بل هو الملاك في الاستجابة بعد معرفة الله تعالى، وقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: «

أحسن الظن بالله، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي، إن خيراً فخيراً وإن شرّاً فشرّاً » (1)، وفي رواية أُخرى أنه (عليه السلام) قال:


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص٧2، الحديث: 3.

ص: 62

«

أحسنِ الظنَّ بالله فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي فلا يظنّ بي إلا خيراً » (1)، وعن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: «

إذا دعوت فأَقبل بقلبك وظُنَّ حاجتَكَ بالباب» (2).

الركن الرابع: التذلُّل والخضوع لله تعالى

ولا بدَّ من تذلّل الداعي لله تعالى والخضوع له، بمعنى استحضار معنى العبودية المطلقة أمام السيّد المُطلق، فتُرقِّقْ صوتَك وتحضَرُ عبرتُك، ليكونَ قلبُك موضعاً ومحلّا ً لإفاضة الرحمة والفيض الإلهي، وقد ورد بأنَّ رفع اليدين إلى السماء من علامات الخضوع وضرب من ضروب العبادة.

الركن الخامس: اقتران الدعاء بالعمل

وأخيراً لابدَّ من اقتران الدعاء بالعمل، بمعنى أنَّ من يدعو لنفسه بالهداية والصلاح لابدّ أن يعمل لذلك، فيُباشر بنبذ السيئات، ويُداوم على مُزاولة الحسنات، فلا يبقى أسير الأماني الكاذبة والمعجزات الخارقة.

بعبارة أُخرى: لابدَّ أن يخرجَ من أحلام اليقظة ليعيشَ في واقع اليقظة، وكذلك من يدعو لنفسه بالعزّ والغنى والرخاء لابدَّ أن يعمل أيضاً، وقد ورد في ذلك: عن أبي ذر الغفاري عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في وصيّته له أنّه قال: «

يا أبا ذر، يكفي من الدعاء مع البرّ ما يكفي الطعام من

الملح. يا أبا ذر، مثلُ الذي يدعو بغيرِ عملٍ كمثلِ الذي يرمي بغير وتر» (3)،


1- وسائل الشيعة: ج15، ص231، الحديث: ٨.
2- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص4٧3، الحديث: 3.
3- وسائل الشيعة: ج٧، ص٨4، الحديث: 3.

ص: 63

فالعمل يجعل الداعي أهلاً لتوفيق الاستجابة، فإنّ الحياة لم تُبنَ على المُجازفات والتواكل والصدف، وإنّما على المُثابرة والرجاء بعد العمل، فخذ هذا واغتنم.

أُسلوب الدعاء

اشارة

لم يُترك أداء الدعاء كيفما اتّفق، وإن كان ذلك الأمر جائزاً في نفسه، وإنما وضع الشارع المقدس لمساته وأُسلوبه الخاص بغية ضمان أكبر قدر ممكن من حظوظ الاستجابة، فللدعاء مفاتيح وأسرار تُوجب قبوله وتُحقِّق مقاصده، فإذا ما أحرزنا القدر المتيقّن من ذلك نكون قد اقتربنا من الهدف.

ومن تلك المفاتيح المشتملة على أسرار خاصّة بقبول الدعاء أُسلوب الدعاء، وهذا الأُسلوب ينقسم إلى مستويين، هما:

المستوى الأوّل: أُسلوب البدء والعرض الصوري الشكلي

وهو يدور حول مجموعة ألفاظٍ وجُمَلٍ ينبغي البدء بها قبل الشروع بأصل الدعاء، فهي كلمات دُعائية أيضاً، ولكنها كلمات عامّة غير خاصّة بدعاءٍ مُعيَّن، فهي أشبه بالبسملة في فواتح الكلام، وسوف نستعرض أهمَّ نماذج أسلوب العرض الدعائي على المستوى الأوّل.

النموذج الأوّل: الشروع بالثناء والتعظيم لله سبحانه، ثم الصلاة على محمّد وآلِ محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وقد ورد هذا المعنى في روايات مُعتبرة،

فعن الإمام جعفر الصادق أنه قال: «

إذا طلب أحدكم الحاجة، فليُثنِ على ربّه وليمدحه، فإنَّ الرجل إذا طلب الحاجة من السلطان هي-َّأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة فمجِّدوا الله العزيز الجبار، وامدحوه،

ص: 64

وأثنوا عليه. . .» (1)، ولك أن تختار ما تشاء من الحمد والتمجيد والثناء، من قبيل: يا أجود من أعطى ويا خير من سئل، يا أرحم من استرحم، وغير ذلك من الألفاظ التي تُحقِّق الغرض.

النموذج الثاني : هو أن تُضيف للحمد والثناء الصلاةَ على محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) ، فقد روي عن أبي كهمس قال: «سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: دخل رجلٌ المسجدَ، فابتدأ قبل الثناء على الله والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

عاجل العبدُ ربَّهُ ، ثم دخل آخر فصلّى وأثنى على الله عز وجل وصلّى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

سل تُعطه. . .» (2).

النموذج الثالث: هو أن تُضيف لِما تقدّم الإقرارَ بالذنب، فتبدأ بالمدح والثناء، ثمّ الصلاة على محمّد وآل محمّد (صلى الله عليه وآله) ، ثم تقرّ بذنبك، ثم تبدأ مسألتك خاشعاً.

عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال في الدعاء: «

إنما هي المدحة، ثم الثناء، ثم الإقرار بالذنب ثم المسألة، إنه والله ما خرج عبد من ذنب إلا بالإقرار» (3).

أقول: إنّ هذه النماذج الثلاثة وإن أُوجزت في النموذج الثالث، ولكن للداعي أن يختار منها ما يشاء، فكلّ واحد منها يفي بالغرض، ويُوفّر المقدمة المطلوبة المحقّقة للأُسلوب الأمثل للشروع بالدعاء.


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص4٨5، الحديث: 6.
2- المصدر السابق: ج2، ص4٨5، الحديث: ٧.
3- المصدر السابق: ج2، ص4٨4، الحديث: 3.

ص: 65

المستوى الثاني: أُسلوب العرض التصديقي والمعنوي

هذا الأسلوب يُمكن أن نُعبر عنه بمناخات الخشوع، حيث ورد في ذلك مضامين قرآنية وروائية، أمّا القرآنية كقوله تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ (الأعراف: 55) ، وقوله تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (الأعراف: 2٠5) ، والتضرّع هو التذلّل والتواضع والخشوع (1).

وأمّا الروائية، فكما جاء ذلك في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) : «

وأَعِنِّي على التهجُّد - السهر في طاعة الله -

لك بحسن الخشوع في الظُّلَم» (2).

إنّ الدعاء والقنوت الحقيقي لا يُمكن تصوّره بمعزل عن الخشوع، فإذا كان الخشوع هو روح الصلاة فإنَّه هو الدعاء بنفسه، لأنَّ القنوت هو الخشوع والإقرار بالعبودية (3).

حقيقة الخشوع

ولكن لنا أن نسأل عن حقيقة هذا الخشوع المطلوب منّا في مُجمل العبادات وفي الصلاة والدعاء خاصّة، وهذا ما سنعرفه من خلال عرض بعض كلمات أهل البيت (عليهم السلام) والتأمُّل فيها، فقد قيل لرسول الله (صلى


1- انظر: الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حمّاد الجوهري، دار العلم للملايين، ط4، 14٠٧، بيروت: ج3، ص 12٠4.
2- الصحيفة السجّادية، مصدر سابق: ص٨3.
3- لسان العرب، مصدر سابق: ج2، ص٧3.

ص: 66

الله عليه وآله) ما الخشوع؟ فقال (صلى الله عليه وآله) : «

التواضع في الصلاة، وأن يُقْب-ِلَ العبدُ بقلبه كلِّه على ربِّه» (1)، ومعنى الإقبال بكلِّية قلبه هو عدم الالتفات إلى الأغيار وهو مشغول بمناجاته، ولذا لا يكون المُصلّي مصلِّياً، ولا الداعي داعياً، وقلبُهُ فريسةٌ لرغبات وشهوات وهموم وتمنّيات وأحلام يقظة.

وقد سُئل الجنيد عن الخشوع فقال: تذلّل القلوب لعلَّام الغيوب (2). أو: هو قيام القلب بين يدي الحقّ سبحانه بهمٍّ مجموع، أي: ب-ِهِمَّةٍ عظيمة (3)، وقد جاء في المنازل: «

هو خمود النفس وهمود الطباع لمُتعاظمٍ أو مُفزع، فهو خضوع ممزوج بخوفٍ أو محبّة، وهو انكسار في النفس، ومعنى الهمود هو السكون في قوى الطباع الطبعية، المانع من الانتشار هيبة لمحبوب مُتعالٍ» (4).

وللخشوع والخاشع علامات أربع تنمُّ عنه، وهي كما بيَّنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله: «

أما علامة الخاشع فأربعة: مراقبة الله في السرّ والعلانية، وركوب الجميل، والتفكّر ليوم القيامة، والمناجاة لله» (5)، فيكون الدعاء والمناجاة علامة تحكي لنا خشوع الخاشع.


1- دعائم الإسلام، القاضي نعمان بن محمد التميمي المغربي، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف، 1٩63 م، بيروت: ج1، ص15٨.
2- انظر: الرسالة القشيرية، مصدر سابق: ص2٩3، باب الخشوع.
3- المصدر السابق: ص2٩2.
4- منازل السائرين، لأبي إسماعيل عبد الله الأنصاري، شرح عبد الرزاق الكاشاني، تحقيق وتعليق محسن بيدارفر، طبع انتشارات بيدار، ط2، 2٠٠2م، قم: ص113، باب الخشوع.
5- تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله) ، للشيخ ابن شعبة الحرَّاني، تحقيق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، 14٠4ه-، قم المقدّسة: ص2٠.

ص: 67

صور الخشوع قرآنياً

اشارة

تعرّض القرآن الكريم إلى جملة من صور الخشوع، فلم يتوقَّف على الخشوع القلبي الذي هو موضع الخشوع الحقيقي، وإنما ذكر نماذج أُخرى نستعرضها إجمالاً، وهي:

الصورة الأولى: خشوع القلوب

كما في قوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (الحديد: 16) .

الصورة الثانية: خشوع الأبصار

كما في قوله تعالى: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (القلم: 43) ، وقوله تعالى: خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (القمر: 7) .

الصورة الثالثة: خشوع الأصوات

كما في قوله تعالى: . . . وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (طه: (10)٨) .

الصورة الرابعة: خشوع الوجوه

كما في قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (الغاشية: 2) .

ومن الواضح بأنَّ خشوع الأبصار والأصوات والوجوه في النماذج المتقدّمة إنّما هو خشوع اضطراريّ أو جِبلِّي لا خيار للعبد فيه، أي: إنه ذلٌّ اضطراريّ لا ينتفع به ولا يُؤجر عليه، يتلبَّس به بعد أن يُعاين هول ما

ص: 68

سيُلاقيه، ولعلَّ هذا ما كان يُشير إليه الإمام (عليه السلام) في دعاء السحر، حيث يقول: «

اللهم! إني أسألك خشوع الإيمان قبل خشوع الذلِّ في النار، يا واحد يا أحد يا صمد. . .» (1).

وعلى أيّ حال، فصور الخشوع الاضطراري لا تعنينا تحديداً، ولكنها تُنبّهنا على أهمّية الوصول إلى الخشوع الاختياري على مستوى هذه النماذج في الدنيا، سواء كنّا في حالات الدعاء أم في غيرها.

فالصحيح والمطلوب منّا ابتداءً هو الخشوع القلبي، فهو الخشوع الحقيقي، وقد ورد في ذلك عدّة مضامين تُؤكّد هذه الحقيقة، منها: الحديث القدسيّ المرويّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) من أن الله سبحانه ناجى نبيّه موسى (عليه السلام) قائلاً:

«يا بن عمران، هب لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع في ظُلَم الليل، وادعُني فإنّك تجدني قريباً مجيباً» (2)، وهذا الخشوع القلبي سوف يكون داعياً ومُوجباً لخشوع سائر الجوارح الأُخرى، كالبصر واللسان واليد وسائر الجسد. وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :

«ليخشع لله سبحانه قلبك، فمن خشع قلبه خشعت جميع جوارحه» (3)، وعنه (عليه السلام) أيضاً:

«من خشع قلبه خشعت جوارحه» (4)، وقد جاء في حديث المعراج عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)


1- مصباح المتهجّد، لشيخ الطائفة الطوسي، مؤسسة فقه الشيعة، ط1، 1411 ه-، بيروت: ص5٩٨، الحديث: 6٨.
2- الأمالي، للشيخ الصدوق، مصدر سابق: ص43٨، الحديث: 1.
3- عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، تحقيق حسين الحسيني البيرجندي، دار الحديث، ط1، 1٩٩٧م، قم: ص4٠4.
4- الخصال، مصدر سابق: ص36٨.

ص: 69

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «

إن الله تعالى قال له: يا أحمد، ما عرفني عبد إلا خشع لي، وما خشع لي عبد إلا خشع له كلّ شيء. . .» (1)، ولكنها المعرفة التحقّقية لا التحقيقية (2).

قال الفيض الكاشاني: «الخشوع في الصلاة خشوعان، خشوع يكون بالقلب، وهو أن يتفرَّغ لجمع الهمَّة لها، والإعراض عمَّا سواها، بحيث لا يكون فيه - أي: القلب - غير المعبود، وبالجوارح أن يغضَّ بصره ويقبل على العبادة ولا يلتفت ولا يعبث» (3)، ومن الواضح بأنَّ الخشوع الجوارحي حاصل اضطراراً أو اتّفاقاً إذا كان الخشوع القلبي مُتحقِّقاً، بمعنى أنه حالة تلقائية تفرض نفسها تبعاً لعلّتها وهي نفس الخشوع القلبي، ممَّا يعني أنَّ الخشوع الجسدي فيه نوع من التجوُّز، لأنه مُجرّد مرآة انعكست فيها تجلّيات الخشوع القلبي، وهذا الخشوع القلبي الأصالي تغيب عنه الغيريات والشوب والغطش، من رياء وعجب واستحسان.

إذن، فالخشوع «ليس حالة جسدية، وإن كانت قد تدلّ حالة الجسد


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج11، ص233، الحديث:2٠.
2- إنَّ المعرفة التحقيقية هي المعرفة النظرية البرهانية التي لا تعدو عالم الذهن، ولذلك فهي محدودة بحدوده، وهي التي يُصطلح عليها قرآنياً بعلم اليقين، وأمّا المعرفة التحقّقية فهي المعرفة الشهودية الكشفية، والتي يُصطلح قرآنياً بعين اليقين وحقّ اليقين، وليس من ذاق الشهد كمن وُصِف له، فالأول تحقّقي، والثاني تحقيقي. ولمراجعة التفصيل في ذلك، انظر: معرفة الله، من أبحاث السيد كمال الحيدري، بقلم طلال الحسن، دار فراقد، ط1، 132٧ه-، قم المقدّسة.
3- انظر: المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء، للمحقّق والمحدّث الفيض الكاشاني، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط4، 141٧ه-، قم المقدّسة: ج1 ص353.

ص: 70

عليه، إلا أن حالة الجسد قد تخلو من الإخلاص، والعياذ بالله، وأما الحالة القلبية أو الخشوع حين يكون قلبياً فلا يكون إلا مُخلصاً لتعذّر اطلاع الآخرين عليه، فلا يُمكن أن يحمل الرياء مطلقاً، فإن خشعت معه الجوارح أو الجسد كان خشوعاً مخلصاً أيضاً» (1).

التخشع النفاقي

وبمناسبة المرور بخشوع الجوانح (القلوب) ، والجوارح (اليد واللسان والعين) ، نحتاج أن ننتبه كثيراً إلى خطر عظيم قد يُحيط

بالخاشعين، فإنَّ هنالك خشوعاً أو تخشُّعاً يُسقط الإنسان العابد من عين الله تعالى، ولا يُبقي لعمله عيناً ولا أثراً، وهو خشوع المنافقين، أو كما هو الصحيح التخشُّع النفاقي، فقد ورد التحذير منه في روايات عديدة، منها: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «

إيّاكم وتخشُّع النفاق، وهو أن يرى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع» ، وعنه (صلى الله عليه وآله) : «

تعوّذوا بالله من خشوع النفاق، خشوع البدن ونفاق القلب» ، وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً:

«من زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو خشوع نفاق» (2).

فلابدَّ من الموافقة بين الظاهر والباطن، فإنَّ الخشوع الظاهري إذا لم يكن منشؤه القلب فهو من الشيطان، وقد كان الأنبياء السابقون من أشدّ ابتلاءاتهم أنهم (عليهم السلام) قد اصطدموا بأُناس يتنسَّكون في الظاهر وقلوبهم فاسقة فاجرة، كما هو الحال بالنسبة للسيد المسيح (عليه السلام) حيث


1- انظر: فقه الأخلاق، للسيد الشهيد محمد الصدر، أنوار الهدى، 2٠٠2م، قم: ص5٨.
2- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٧٧، ص164، الحديث: 1٨٨.

ص: 71

كانت مواجهاته عنيفةً مع أصحاب التنسُّك الزائف والخشوع النفاقي، فقد كان يُواجه أدعياء التنسّك والخشوع منهم بقوله (عليه السلام) :

«يا أبناء الأفاعي، لستم أولاد أبيكم إبراهيم، وإنما أنتم أبناء الشيطان» .

وعلى أيّ حال، فما نُريد التنبيه إليه أكيداً هو خصوص الخشوع النفاقي في الدعاء، فإنَّه نقض للغرض، بل مُوجب للعقوبة واللعن، بل هو أسوأ أنواع النفاق، وأبشع صوره إطلاقاً.

إشراق

إذا القلوب قست استدعت غُسلها بماءٍ طهور، وهو عينه ماء الخشوع،

به تنبت بذور الوصل، وبه عن الأغيار يكون الفصل، هو أبجدية السماء. وترجمان سرادق النور، وهو الجلوة التي تُذيقك الشهد، فتُخرجك من المحدود، وتُريك الشاهد والمشهود، فيغيب الظلّ بالكلّ وتكون بالمكنون، هذا حتّى مطلع الفجر.

علاقة البسملة بالدعاء

للبسملة من الآثار ما لا يخفى على المطّلع، حتّى عُدَّ كلّ كلام أو أمر ذي بالٍ لم يُبتدأ بالبسملة فهو أبتر، أي لا أصل له، أو لا عقب له، فتكون قيمته ضئيلة محدودة، وقد ورد هذا المعنى في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «

كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر» (1)، بل إنَّ سور القرآن الكريم على ما لها من أُفق معرفي ومعنوي لا يطاوله شيء آخر فإننا نجدها


1- مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله، علي بن حسين علي الأحمدي الميانجي، دار الحديث، ط1، 141٩ ه-، قم: ج1، ص55.

ص: 72

قد ابتدأت بالبسملة، بغضّ النظر عن كونها جزءاً أو ليست بجزءٍ منها.

البسملة ثقافة قرآنية

إنَّ تلك الثقافة القرآنية النبوية بتقديم البسملة ليست مُجرّد تقليدٍ ومحاكاة لتشكيلات السور القرآنية، وإنما لها جذر قرآنيّ، وهو قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (العلق: 1) ، وهنا تُوجد نُكتتان، هما:

النكتة الأولى: إنَّ هذه الآية الكريمة هي أوّل آية قرآنية نزلت على قلب النبي (صلى الله عليه وآله) وفق مشهور المسلمين.

النكتة الثانية: إنَّ أشرف مصداق للقراءة باسم الربِّ هي نفس البسملة، فالله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نبتدئ بالبسملة، وأما كلمة (اقرأ) فإن أُريد بها معنى القراءة المُتبادرة فذلك يعني وجود مكتوب، والمكتوب قد ابتدأ بالبسملة، وإن أُريد بها معنى التكلُّم، فالمفاد مُنسجم مع ما نحن فيه، وإن أُريد بها معنى أصل الشروع، فهو شامل لمورد الدعاء، بل هو أولى بذلك، وإن أُريد بها معنى التفكّر والتدبّر، فذلك أبلغ لكينونة الدعاء، لأنَّ الدعاء رباط معنوي يُعمِّق الصلة بين العبد وربّه.

ثمَّ إنَّ الهدف من الدعاء - بغضِّ النظر عن نوع المدعوّ له - هو تحقيق الاستجابة، ولأجل تحقيق هذا الهدف ينبغي للداعي أن يسلك السبل القصيرة والصحيحة، اختصاراً للوقت والجهد، فهذا هو ديدن العقلاء، وقد ورد ما يضمن لنا ذلك بمعيّة البسملة، وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « لا يُردُّ دعاء أوّلُه بسم الله الرحمن الرحيم» (1).


1- الدعوات، مصدر سابق: ص52، الحديث: 131.

ص: 73

وأخيراً فإنَّ الدعاء عبادة محضة، بل هو مُخّ العبادة، ومن دواعي الدعاء فتح أبواب الطاعة، ونيل أرفع المراتب الكمالية، ولذلك مفتاح إلهي كامن في البسملة، وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «

أغلقوا أبواب المعصية بالاستعاذة، وافتحوا أبواب الطاعة بالتسمية» (1).

علاقة الصلاة على محمد وآله بالدعاء

مرَّ بنا في النموذج الثاني من المستوى الأوّل من أساليب عرض الدعاء: الشروع بالثناء، والتعظيم لله سبحانه، ثمّ الصلاة على محمّد وآلِ محمّد (صلى الله عليه وآله) ، ممَّا يدلّ على أهمّية هذه الصلاة، فهي الأُخرى مفتاح لفكّ أسرار استجابة الدعاء، كما هو الحال بالنسبة للبسملة، وهو قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) :

«صلاتكم عليّ إجابة لدعائكم، وزكاة لإعمالكم» (2).

بل هنالك من الأدعية ما تقع الصلاة فيها شرطاً أساسياً للاستجابة، ودونها يبقى الدعاء محجوباً، وهو قول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «

لا يزال الدعاء محجوباً حتّى يصلَّى على محمّد وآل محمّد» (3)، بل كلُّ دعاء هو كذلك، لا تُرفع الحجب عنه إلا بالصلاة على محمّد وآل محمّد، وهو قول الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً:

«كلّ دعاء يدعى الله عزَّ وجلَّ به محجوب عن السماء حتّى يصلَّى على محمّد وآل محمّد» (4)، ولعلّ أبلغ تصوير لعدم الرفع


1- المصدر السابق: ص52، الحديث: 13٠.
2- الأمالي، للشيخ الطوسي، مصدر سابق: ص215، الحديث: 26.
3- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص4٩2، الحديث: 5.
4- المصدر السابق: ج2، ص4٩1، الحديث: 2.

ص: 74

ذلك ومدخلية الصلاة على محمّد وآله في رفعه هو قول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أيضاً:

«من دعا ولم يذكر النبيَّ صلى الله عليه وآله رفرف الدعاء على رأسه، فإذا ذكر النبيَّ صلى الله عليه وآله رُفع الدعاء» (1).

ثم إنَّ علاقة الصلاة على محمّد وآله بالدعاء لا تنحصر في الابتداء بها، وإنّما تشمل الانتهاء بها أيضاً، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) :

«من كانت له إلى الله عزَّ وجلَّ حاجة فليبدأ بالصلاة على محمّد وآله، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمّد وآل محمّد، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط؛ إذ كانت الصلاة على محمّد وآل محمّد لا تحجب عنه» (2).

بل هي البدء والوسط والختم، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: «

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

لا تجعلوني كقدح الراكب؛ فإنَّ الراكب يملأُ قدحه فيشربه إذا شاء، اجعلوني في أوّل الدعاء وفي آخره وفي وسطه» (3).

إنها دعاء بنفسه، بل هي خير دُعاء يُدعى به لنيل المطالب، بل هي الدعاء بنفسه (4)، فعن عبد السلام بن نعيم قال: «قلت لأبي عبد الله


1- المصدر السابق: ج2، ص4٩2، الحديث: 5.
2- المصدر السابق: ج2، ص4٩4، الحديث: 1٧.
3- المصدر السابق: ج2، ص4٩4، الحديث: 5.
4- الفرق بين كون الصلاة على النبي وآله دُعاءً بنفسه، وبين كونها الدعاء بنفسه، هو أنَّ الأول يجعل منها فرداً من أفراد الدعاء، والثاني يجعلها الدعاء كلَّه، وهذا الأُسلوب قد يُؤتى به للمبالغة، فيكون مجازاً، وقد يُقصد به الحقيقة، والمراد في المقام هو الحقيقة، أو مرتبة من مراتب الحقيقة، فكلمة الإمام الصادق (عليه السلام) تُفيد بأنَّ الداعي جاء بالدعاء حقيقة.

ص: 75

الصادق (عليه السلام) : إني دخلت البيت ولم يحضرني شيء من الدعاء إلا الصلاة على محمّد وآل محمّد، فقال (عليه السلام) : أما إنه لم يخرج أحد بأفضل ممَّا خرجت به» (1).

وأخيراً، فإنَّ الدعاء بالصلاة على محمّد وآل محمّد (صلى الله عليه وآله) مُوجب لاستحقاق المُصلّي صلاةً ربّانيةً ملائكيةً عليه، بل ويُضاعف له ذلك عشراً، فعن إسحاق بن فروخ قال: «قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) : يا إسحاق بن فروخ، من صلّى على محمّد وآل محمّد عشراً صلَّى الله عليه وملائكته مائة مرة، ومن صلّى على محمّد وآل محمّد مائة مرة صلَّى الله عليه وملائكته ألفاً، أَمَا تسمع قول الله عزَّ وجلَّ : هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (الأحزاب: 43) . . . » (2). اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد، وبارك على محمّد وآل محمّد، وعجِّل فرجنا بمحمّد وآل محمّد.

أهمية التأمين على الدعاء

وردت عدَّة مضامين روائية تحثّ الداعين على التأمين على دعائهم، والتأمين هو أن يقول الداعي - أو من حضر معه - بعدَ دعائه مباشرة: آمين، وتعني: استجب.

عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: «

كان أبي إذا حزنه أمر، جمع النساء والصبيان، ثم دعا وأمَّنُوا » ، وللمُؤمِّن ما للداعي من أجر وثواب،


1- المصدر السابق: ج2، ص4٩4، الحديث: 16.
2- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص4٩3، الحديث: 14.

ص: 76

فعنه (عليه السلام) أنه قال: «

الداعي وال-مُؤمِّن شريكان » (1).

من هنا يتّضح لنا أهمّية الدعاء الجماعي، حيث تعجّ الأصوات بعد كلّ توسّل ودعاء بنبرة واحدة: (آمين آمين آمين) ، فربَّما لأجل تأمين واحد ونبرة واحدة يحصل مورد القبول واستجابة الدعاء، فإنّ للقبول أسراراً وأسراراً لا نعلم منها إلا اليسير.

عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: «

ما من رهط أربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا الله عزَّ وجلَّ في أمر إلا استجاب الله لهم، فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون الله عزَّ وجلَّ عشر مرّات إلا استجاب الله لهم، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو الله أربعين مرّة فيستجيب الله العزيز الجبار له » (2)، ومن الواضح بأنَّ العدد (الأربعين) الذي وردت فيه خصوصيات كثيرة، يصدق تحقّقه في صورة كون الداعي شخصاً واحداً بمعيّة التأمين من قبل البقية، فيكون التأمين دُعاءً على نحو الحقيقة لا المجاز، ولعلّ السرّ في جدوائية التأمين على الدعاء هو أنه تعبير آخر عن الالتزام بمضمون الدعاء، فالدعاء يُمثّل حالة التفصيل في الطلب، والتأمين يُمثّل حالة الإجمال، وعليه فالمؤمِّن داعٍ حقيقةً، ولكن بنحوٍ آخر، ولعلَّ هذا هو معنى كون الداعي وال-مُؤمِّن شريكين.

وهنا نودُّ التنبيه إلى نُكتة توافق روحية الجماعة، وهي أنَّ الدعاء بصفة العموم والجماعة أفضل وأقرب إلى الله تعالى، بل هو الأَولى بالاستجابة، كما أنه يُعبِّر عن التماسك وقوّة الأواصر التي تربط بين المؤمنين، وقد حثَّ


1- عدّة الداعي، مصدر سابق: ص146.
2- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص4٨٧، الحديث: 1.

ص: 77

الشارع المقدَّس على ذلك، كما حثَّ على الجماعة في الصلاة والدعاء، فقد ورد عن الرسول الأكرم أنه قال: «

إذا دعا أحدكم فليعمَّ، فإنه أوجب

للدعاء» (1)، أي: فليُعمِّم ويجمع في قصده، فذلك تأديب وتهذيب وتقريب للوحدة والجماعة، فقد ورد في بعض الأخبار أنَّ يد الله تعالى مع الجماعة (2).

م-وعظة

والآن لنقف عند موعظة أفاض بها أمير الكلام والموعظة، أمير المؤمنين (عليه السلام) ، حيث قام إليه رجل فقال: نسألك عن قول الله تعالى: . . . ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. . . (غافر: 6٠) ، فما بالنا ندعو فلا يُجاب؟ قال (عليه السلام) : «

إنَّ قلوبكم خانت بثمانِ خصالٍ: أوّلها: أنكم عرفتم الله، فلم تؤدُّوا حقَّه كما أوجب عليكم، فما أغنت عنكم معرفتكم شيئاً، والثانية: أنكم آمنتم برسوله، ثم خالفتم سُنتَهُ وأمت-ُّم شريعته، فأين ثمرةُ إيمانكم؟ والثالثة: أنكم قرأتم كتابه المُنزل عليكم، فلم تعملوا به، وقلتم: سمعنا وأطعنا، ثم خالفتم، والرابعة: أنكم قلتم إنكم تخافون من النار، وأنتم في كلِّ وقت تُقدِمون إليها بمعاصيكم، فأين خوفُكم؟ والخامسة: أنكم قلتم إنكم ترغبون في الجنة، وأنتم في كل وقت تفعلون ما يُباعدكم منها، فأين رغبتكم فيها؟ والسادسة: أنكم أكلتم نعمة المولى، ولم تشكروا عليها، والسابعة: أنَّ الله أمركم بعداوة الشيطان، وقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً. . . (فاطر: 6) ،

فعاديتموه بلا قول، وواليتموه بلا مخالفة، والثامنة: أنكم جعلتم عيوبَ الناس


1- المصدر سابق: ج2، ص4٨٧، الحديث: 1.
2- انظر: نهج البلاغة، تحقيق الشيخ محمد عبده، دار المعرفة، بيروت: ج2، ص٨.

ص: 78

نصبَ عيونِكم، وعيوبَكم وراءَ ظهورِكم، تلومون من أنتم أحقُّ باللوم منه، فأيُّ دعاء يُستجاب لكم مع هذا؟ وقد سددتم أبوابه وطرقه، فاتّقوا الله، وأصلحوا أعمالكم، واخلصوا سرائركم، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فيستجيبُ اللهُ لكم دعاءكم» (1).

إنّ السرّ في صدور العتب أو سوءِ الظنِّ أو الاعتراض الخفيّ الذي يُصيب الإنسان جرّاء عدم استجابة دعائه هو جَهلُهُ بالمصالح العليا، بل وجهلُهُ بمصلحة نفسه، فيصدر عنه كلُّ ذلك أو بعضٌ منه، وقد أشار إلى ذلك الإمام زين العابدين (عليه السلام) في دعاء الافتتاح الذي يُدعى به في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، حيث يقول فيه:

«. . . فإن أبطأ عني عتبتُ بجهلي عليك، ولعلّ الذي أبطأ عني هو خير لي؛ لعلمك بعاقبة الأُمور، فلم أرَ مولىً كريماً أصبر على عبد لئيمٍ منك عليَّ يا ربِّ. . .» (2).

إشراق

معرفةُ الله شجرة يانعة تُوجب الانقطاع عمَّن سواه، وتُثمر حُسن الظنّ بالله تعالى والرضا بما هو كائنٌ وما سيكون، تُزِّيي صاحبها بثوب العزِّ في الخلق وتكسوه برهبة التذللّ والخضوع لربِّ الخلق، ثمّ تجعل قوله عملاً.


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج5، ص26٨، الحديث: 3.
2- مصباح المتهجد، مصدر سابق: ص5٧٩.

ص: 79

الفصل الثالث: مكانة الدعاء عند أهل البيت

اشارة

إشراق.

حاجة أهل البيت (عليهم السلام) للدعاء

دعوى عدم لجوء أهل البيت (عليهم السلام) للدعاء في موضع الحاجة إليه

فائدة الدعاء لأهل البيت (عليهم السلام) عموماً

فائدة الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام) خصوصاً

إشراق

ص: 80

ص: 81

قيمة الدعاء ومكانته في حياة أهل البيت

إنَّ المنطلقات الرئيسية للدعاء في المنظومة الإسلامية كانت قرآنية بحتة، وبحسب فهمنا الصحيح للبناءات القرآنية لشخصية أهل البيت (عليهم السلام) فإنّه يتّضح لنا قيمة الدعاء ومكانته عندهم (عليهم السلام) ، وكيف أنَّهم ربَّوا أتباعهم على ركوب سفينة الدعاء باعتبارها سفينة هدى ونجاة.

وهذه العناية لها جذور عميقة في تأريخ الأنبياء (عليهم السلام) ، بصفتهم الأدلّاء الأوائل على الآخرة والسير على الصراط المستقيم، وهكذا كان السير نبوياً معصوماً، بمعنى أنَّ ثقافة الأنبياء قد تجلَّت في الدعاء، فلا نكاد نجد نبياً أو وصياً خلا سيرُه العملي من حلقات الدعاء، وكيف تخلو حياته من ذلك وهدفُهُ ينتهي عندما ينتهي إليه الدعاء.

ورغم أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) جميعاً كانوا من أهل الدعاء وروّاده، إلا أننا يُمكننا الإشارة إلى الإمام السجاد بأنَّه كان قطبَ الرحى بينهم (عليهم السلام) في العناية والرعاية للدعاء، حتّى أنه (عليه السلام) قد ترك لنا تُراثاً خالداً عُرف في الأوساط بالصحيفة السجّادية التي عُرفت أيضاً بزبور آل محمّد، ولكنهم (عليهم السلام) جميعاً كان الدعاء حاضراً عندهم، وبنحوٍ يعكس لنا أرفع درجات الانغماس والذوبان في حبِّ الله تعالى، وقد أفرز

ص: 82

لنا أعلام مدرسة أهل البيت من رواة ومُحدِّثين تلك العناية الاستثنائية بالدعاء، وهذا ما نلمحُهُ بوضوح في كُتبِنا الحديثية، حيث يُفردون تأليفاً خاصّاً للدعاء، من قبيل كتاب الدعاء للشيخ الكليني، وكتاب الدعاء والمزار للشيخ الصدوق، ومصباح المُتهجِّد للشيخ الطوسي، والإقبال للسيد ابن طاووس، وأخيراً الكتاب الخالد المُنتشر في الآفاق كتاب مفاتيح الجنان المملوء بأدعية أهل البيت (عليهم السلام) .

نعم، لقد تركوا (عليهم السلام) لنا مناهجَ ومسالكَ وآداباً للدعاء ينبغي لنا الاهتمام بها والتزوّد منها، لأنّ الدعاء - كما عرفنا - هو مُخُّ العبادة ولا يَهلِكُ مع الدعاءِ أحد، ولذلك فقيمة الدعاء ومكانته عند أهل البيت (عليهم السلام) واضحةٌ وجلية، وينبغي أن تكون قيمة الدعاء ومكانتُهُ واضحةً لدينا أيضاً ولكن بصورة عملية، فالدعاء هو رئةُ المؤمن وبوّابة التواصل مع الباري تعالى في كلِّ آنٍ ومكان.

إشراق

إن أهل البيت (عليهم السلام) كان شعارُهم الدعاء، ورأسُ مالِهم البكاء، لا انقطاع لهم عن المقصود، ولا سبيل لدوام الوصل سوى مُناجاته، اختصُّوا بذلك، فكان لهم ما لم يكن لسواهم، تمحَّضوا بالعبودية بعدما علموا بأنّ الدعاء لُبُّها ومُخُّها وأصلها وفرعها.

حاجة أهل البيت للدعاء

بعدما تبي-َّن لنا إجمالاً أهمّية الدعاء عند أهل البيت (عليهم السلام) ومكانته نحتاج أن نطرح سؤالاً مهماً يتعلَّق بوجه حاجة أهل البيت (عليهم السلام) للدعاء،

ص: 83

فهل هنالك حاجة حقيقية عندهم (عليهم السلام) للدعاء تدعوهم لذلك، أم أنّهم مارسوا عملاً تربوياً يهدف إلى جذب الناس لهذا العالم التهذيبي الذي يُعزِّز في الإنسان الرابطة المعنوية والعلاقة الروحية بالله تعالى؟

الصحيح في المقام هو أنّ هنالك حاجة حقيقية وماسَّة عندهم (عليهم السلام) للدعاء، وليس الأمر مُنحصراً بالجانب التربوي، وهذا الأمر يحتاج منّا إلى توضيح وبيان، وذلك من خلال أمرين، هما:

الأمر الأول: إنَّ الإنسان - كما تقدَّم منا ذلك - يتحرَّك فطرياً باتّجاه كماله، وما دام وجود الإنسان فقرياً ومُمكناً فإنَّ حاجته لا تنقضي أبداً، ولا ريب أنَّ هاتين القاعدتين لا يُستثنى منهما أحد البتّة. نعم، نوع الحاجة تختلف من فرد لآخر، وعليه فإنَّ أهل البيت (عليهم السلام) يتحرَّكون فطرياً باتّجاه كمالاتهم المناسبة لهم، ولكونهم فقراء إلى الله تعالى فإنهم في حاجة مُستمرّة لبارئهم سبحانه.

الأمر الثاني: إنَّ الحاجة للدعاء لا تنحصر بجلب نفعٍ أو بدفعِ ضررٍ أو بسدِّ نقصٍ، وإنَّما هنالك أمر في غاية الأهمية وهو أداء شكر المنعم، فإنَّ الله تعالى يستحقّ منّا الحمد والشكر على عطاياه غير المنتهية دائماً وأبداً، نفس الشكر يحتاج منّا أن نُحقِّقه من خلال الدعاء، كما أنَّ التوفيق للشكر هو الآخر يحتاج منّا الدعاء، ولا ريب بأنَّ أهل البيت (عليهم السلام) هم أولى الناس بذلك، أعني أداء شكر المنعم، لأنهم (عليهم السلام) هم أكثر الناس تلقّياً للنعم الإلهية، حتّى أنه قد فُسّر فيهم قوله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (الفاتحة: ٧) ، فهم الذين أنعم الله تعالى عليهم بالنبوّة في رسول الله، وبالإمامة الإلهية في الرجال

ص: 84

منهم جميعاً، وبالعصمة المطلقة فيهم جميعاً، وهذا الأمر يحتاج إلى شكر خاصّ يتناسب مع مقاماتهم الشريفة.

إذا اتّضح لنا هذان الأمران معاً، نكون قد اقتربنا من تصوير وجه حاجة أهل البيت (عليهم السلام) للدعاء، بل هم في أمسّ الناس حاجة لذلك، لأنَّ الحاجة للدعاء تتناسب طردياً مع حجم النعم المُسبغة على العبد، وقد عرفنا إجمالاً بعض ما أنعم الله تعالى عليهم، ثمَّ إنَّهم (عليهم السلام) كانوا أشدّ الناس ابتلاءً، ومن الواضح بأنَّ الحاجة للدعاء هي الأُخرى تتناسب طردياً مع شدَّة الابتلاء، ومعنى الطردية في المقام هو أنه كلّما ازدادت النعم ازدادت الحاجة للدعاء، وكلَّما اشتدَّ البلاء والابتلاء اشتدَّت الحاجة للدعاء، ونحن بحسب تتبّعنا وقراءَتِنا للتأريخ لم نجد من هم أكثرُ منهم نعمةً وابتلاءً، وهذا واضح، فإذا كانت هنالك حاجة للدعاء عظيمةً وماسةً فهي منهم أعظمُ وأمسُّ، وعليه فالإشكال الذي ينبغي أن يُورد في المقام هو دعوى عدم حاجتهم للدعاء، وقد اتّضح الجواب.

ولعلّ تأكيداتهم (عليهم السلام) وحثّهم على الشمولية والتعميم في الدعاء يستبطن طلباً منهم للدعاء لهم، حيث شمولهم بذلك من باب أولى، فهم (عليهم السلام) أولى الناس بأنفس المؤمنين، ولا يخفى بأنَّ طلبهم من الدعاء لهم أمر حسن ولا بأس فيه، بل هو الخير كلّه حيث فيه أداء الداعي لحقوقهم علينا، وتعبير عن خلوص المودّة لهم (عليهم السلام) ، وهذا الطلب من أتباعهم للدعاء لهم وقَعَ منهم مُباشرة، وهو المرويّ عن أبي هاشم الجعفري، قال: «بعث إليَّ أبو الحسن الهادي (عليه السلام) في مرضه وإلى محمّد بن حمزة،

ص: 85

فسبقني إليه محمّد بن حمزة فأخبرني أنه ما زال يقول (عليه السلام) :

ابعثوا إلى الحائر (1)، فقلت لمحمّد: ألا قلت له: أنا أذهب إلى الحائر. ثم دخلت عليه فقلت له: جُعلت فداك أنا أذهب إلى الحائر، فقال عليه السلام:

انظروا في ذلك (2). . . ، قال (أبو هاشم الجعفري) : فذكرت ذلك لعليّ بن بلال، فقال: ما كان يصنع بالحائر وهو الحائر؟ (3)فقدمتُ العسكر فدخلت عليه، فقال لي: اجلس حين أردت القيام، فلما رأيته أنس بي ذكرتُ قولَ عليّ بن بلال، فقال لي:

ألا قلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يطوف بالبيت ويقبّل الحجر (4)، وحرمة النبي صلى الله عليه وآله والمؤمن أعظم من حرمة البيت، وأمره الله أن يقف بعرفة. إنَّما هي مواطن يحبُّ الله أن يذكر فيها، فأنا أحبُّ أن يُدعى لي حيث يحبُّ الله أن يُدعى فيها، والحائر من تلك المواضع» (5).

دعوى عدم لجوء أهل البيت للدعاء في موضع الحاجة له

قد يرد سؤالٌ يُثير الانتباه: إذا كان أهل البيت أمسَّ حاجةً للدعاء


1- قوله (عليه السلام) : «ابعثوا إلى الحائر» ، يعني به: ابعثوا رجلاً إلى حائر الحسين (عليه السلام) يدعو لي ويسأل الله شفائي عنده، وهذا ما تدلّ عليه القرينة السياقية في ذيل الرواية، وهو قوله (عليه السلام) : «فأنا أحبّ أن يُدعى لي حيث يحبُّ الله أن يدعى فيها» .
2- إن قوله (عليه السلام) : (انظروا في ذلك) ، يعني به: تفكّروا وتدبّروا فيه بأن يقع على وجه لا يطَّلع عليه أحد؛ للتقية.
3- أي: ماذا يصنع بالحائر الحسيني وهو (عليه السلام) الحائر بنفسه، أي له المقام نفسه، فيدعو لنفسه بدلاً من إرسال رجل للحائر الحسيني ليدعو له.
4- أي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان كذلك وقد كان يطوف ويقبّل الحجر و. . . الخ.
5- كامل الزيارات، مصدر سابق: ص45٨، الحديث: 1.

ص: 86

منا، وأنهم (عليهم السلام) كانوا يحثّون الناس أجمعين على التمسّك بالدعاء، فلم لا نجدهم يُمارسون هذا الطقس الروحي عندما تلمّ بهم الشدائد، وتعصف بهم المُلمَّات؟

وهنا يُمكن أن نُقدِّم عدَّة إجابات، منها:

الجواب الأوّل: إنّ أصل الدع-وى ب-اطلة، بدليل أنّ الرسول الأكرم - وهو رئيسهم (عليهم السلام) - كان يلجأ للدعاء، حتّى أنّه (صلى الله عليه وآله) قد أُثر عنه قوله في الملمِّات:

«. . . إلى من تكِلُنِي يا ربَّ المستضعفين وأنت ربّي؟ إلى عدوٍّ مَلَّكتَهُ أمري، أم إلى بعيد فيتجهَّمُني؟ فإن لم تكن غضبتَ عليَّ يا ربِّ فلا أُبالي، غيرَ أنَّ عافيتك أوسعُ لي، وأحبُّ إليَّ. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقتْ له السمواتُ والأرض، وكُشفت به الظلمةُ، وصَلُحَ عليه أمرُ الأوّلين والآخرين من أن يحُلَّ عليَّ غضبُكَ أو ينزل بي سخط-ُك، لك الحمدُ حتّى ترضى وبعد الرضى، ولا حولَ ولا قوّةَ إلا بك» (1).

وهذا الأمر لم ينحصر به (صلى الله عليه وآله) حيث نجد العترة الطاهرة (عليهم السلام) بلا استثناء يتوجّهون إلى الله تعالى بالدعاء عندما يمسُّهم الضرُّ أو يلحق بهم الأذى، ولكنهم يختارون الزمان والمكان المناسب لذلك.

الجواب الثاني: لا ريب بأنَّ تفاصيل حياتهم الشريفة وخصوصياتِهم مع ربّهم جلّ وعلا غير بي-َّنة لنا، إمّا لعدم وصولها نتيجة ظروف التقية المكثّفة التي كانوا يعيشونها أو لأنَّها أُمور خاصّة بهم لم يروا مصلحة في نشرها، علماً بأنَّ جميع الأدعية المنسوبة لهم (عليهم السلام) هم ينظرون فيها إلى


1- مصباح المتهجّد، مصدر سابق: ص6٨.

ص: 87

أنفسهم ابتداءً، ولكن بما يُناسب أحوالهم وكمالاتهم، حتّى في الأدعية التي يصفون فيها أنفسهم بالتقصير، فإنَّهم لشدَّة عبوديّتهم لله وخشيتهم منه يرون أنفسهم مقصّرين، وهذا هو سمتُهم وقمّة تواضعهم لله تعالى.

الجواب الثالث: إنَّهم (عليهم السلام) كانوا حريصين جدّاً على نيل رضاه سبحانه وإتمام الأجر الأُخروي لهم، فكان الرضا بما يُصيبهم والتحمُّلُ والصبرُ على ذلك سجيةً منهم، وخُلُقاً عُرفوا به، وبه امتازوا عمَّن سواهم، وقد مرّ بنا دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث جاء في ذيله: «

لك الحمدُ حتّى ترضى وبعد الرضى، ولا حول ولا قوّة إلا بك » ، وهكذا نجد سبطَهُ وريحانتَهُ الإمام الحسين (عليه السلام) يُناجي ربّه في يوم عرفة: «

لك العتبى لك العتبى (1)حتّى ترضى » (2)، ليمضي إلى ربّه وهو مخضّب بدمه الزاكي «

هكذا أكون حتّى ألقى الله وجدّي رسول الله وأنا مخضّب بدمي» (3)ولسان حاله يقول: وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (طه: ٨4) ، فربحت تجارتُه وصف-ق-تُهُ في لوحة الطفّ الخالدة، لوحة الحبّ والتفاني والإيثار.

وقد كان الإمام عليّ السجّاد (عليه السلام) يُطأطئ رأسه ويخضع برقبته الشريفة ثمّ يقول: «

وها أنا ذا بين يديك، فخذ لنفسك من نفسي حتّى ترضى» (4).


1- العُتْبَى: المؤاخذة، والمعنى: أنت حقيق بأن تؤاخذني بسوء أعمالي.
2- من دعائه (عليه السلام) في يوم عرفة.
3- مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) للسيّد عبد الرزّاق المقرّم، دار الثقافة، ط2، 1411ه-، قم: ص2٧٩.
4- الصحيفة السجّادية، مصدر سابق: ص166.

ص: 88

فائدة الدعاء لأهل البيت عموماً

فائدة الدعاء لأهل البيت (1) عموماً

نخلص من جميع ما تقدَّم: أنَّ الدعاء الحقيقي الجامع للشروط هو بوّابة الانفتاح على الفيض الإلهي (2)، ومنهل التزوّد بالكمالات الإلهية، فهو السُّلَّم الإلهي الذي يحكي تدرّج العبد في المعارف الإلهية، وأمّا ما ينقدح في الذهن العرفي من ارتباط الدعاء بقضاء الحوائج المادّية فهو انعكاس لأدنى مراتب الدعاء.

إذا كان الأمر كذلك، فما هو وجه حاجة أهل البيت (عليهم السلام) للدعاء لهم؟ وما هو مردود ذلك علينا؟

هنا يُمكن أن نُجيب عن ذلك بستة وجوه، وهي:

الوجه الأول: يعتمد على مُقدّمتين، هما:

المقدّمة الأُولى: قد مرّ بنا (3)أنّ حقيقة الدعاء تكمُن في الالتفات إلى حقيقية المقصود في تحقيق الطلب وليس الالتفات إلى نفس الطلب، بمعنى استحضار المدعوّ بكمالاته الواهبة، والتيقُّن من واهبيَّتِهِ، ولا ريب بأنَّ هذا المعنى الرفيع يُحدِّد لنا المقصود الحقيقي في الدعاء، أعني: متعلَّق الدعاء الفعلي والجوهري، فهو المحور، وهو القصد والمقصود والمقصد، وبالتالي


1- المراد بأهل البيت خصوص النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) في مدرسة أهل البيت بمعيّة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
2- ستكون هنالك وقفة أُخرى في الفصل الثامن عند بوّابية الدعاء لمعطيات السماء، وأنه مفتاح مغاليق السموات والأرض، وأنَّ هذا المفتاح الإلهي يتوقّف على معرفة الله تعالى، وهذه المعرفة قد توفَّرت بأعلى وأشرف مراتبها عند أهل البيت (عليهم السلام) .
3- في الفصل الأوّل، تحت عنوان: (حقيقة الدعاء) .

ص: 89

فإنَّ السير باتجاه ذلك المقصد لن يحدَّه حدٌّ، ولا يُوقفه إلا مقدار الداعي الماضي في وجوده السعي (1)بفعل الكمالات المُزوَّد بها في السير الأسمائي.

المقدّمة الثانية: إنَّ القدر المُتيقَّن من هذا السير المعارفي الأسمائي هو وقوعه في عالم الظاهر والحسّ، وأما بقية العوالم الأُخرى، الملكوتية والجبروتية واللاهوتية (2)، فإنّ السير المعارفي فيها هو مُقتضى حكمته وعدله الإلهي.

توضيح ذلك: أمَّا بمقتضى حكمته فذلك لأنّ أصل الخلق إنَّما كان لأجل طلب معرفته سبحانه، حيث ورد ذلك في الحديث القدسي: «

كنت كنزاً مَخفيّاً، فأحببتُ أن أُعرف؛ فخلقت الخلق لأُعرف» (3)، وقد خرج الإمام الحسين (عليه السلام) يوماً إلى أصحابه فقال لهم: «

أيُّها الناس إنّ الله جلّ ذكره ما خلق الخلق إلاّ ليعرفوه. . .» (4)، وأما بمُقتضى عدله فإنّ التكليف بمعرفته


1- الوجود السِّعي اصطلاح يُراد به الوجود الحقيقي بلحاظ نفس الطبيعة، بقطع النظر عن خصوصيات الفرد، ولكنَّ المراد به في المقام الوجود المعرفي للإنسان القابل للسعة والضيق، فالإنسان العارف سعته الوجودية أعظم من المتعلّم العادي، وليس المراد هنا الوجود العنصري، وإنّما خصوص الرقعة المعرفية، فالإنسان بوجوده السعي المعرفي يُمكنه أن يستشرف عوالم جمّة، سواء كانت حسّية أم مجرّدة.
2- تعرّضت الفلسفة الإلهية إلى بيان عوالم أربعة في الوجود، وهي: عالم المادّة والملك، عالم المثال والملكوت، عالم العقل والجبروت، عالم الربوبية واللاهوت، والعوالم الثلاثة الأُولى تحكي العالم الرابع الذي يُسمّى بالعالم مُسامحة، وسوف تكون هنالك وقفة أُخرى عند العوالم الثلاثة الأُولى في الفصل السابع، فانتظر.
3- شرح أصول الكافي الجامع، للمولى محمد صالح المازندراني، تعليق: أبو الحسن الشعراني: ج1، ص22.
4- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج5، ص312.

ص: 90

لا يتحقَّق امتثاله في هذه الحدود الضيقة من الدنيا، فإنَّ غاية ما نحصل عليه في هذه الدنيا محطّات أوليّة من المعرفة الحقَّة، فمن تحقّق معرفيّاً بهذه المحطّات المعرفية واعتقد أنّه بلغ غاية المطاف فهو واقع في مرتبة من مراتب الشرك، بنحو من الأنحاء، ولذلك فإنَّ العارف الحقّ لا يدَّعي لنفسه ذلك، وكيف يكون ذلك وقد قال سيّد الأنبياء والمرسلين وسيّد العارفين بالله تعالى (صلى الله عليه وآله) :

«ما عرفناك حقّ معرفتك» (1)، ولذلك فمقتضى عدله إمهال خلقه إلى عالم آخر يُتمّمون فيه معارفهم الإلهية، وكلٌّ بحسبه، وذلك العالم المثالي الملكوتي يشرع فعلياً بوجهٍ عام (2)بعد انفصال الروح عن الجسد.

إذا اتّضح ذلك نكون قد وقفنا عند جدوائية الدعاء لأهل البيت (عليهم السلام) بوجهٍ عامّ، فإنهم (عليهم السلام) ماضون في سيرهم المعارفي في عوالمهم الأُخرى ليرتقوا أرفع المراتب، ونحن في دعائنا لهم (عليهم السلام) نكون قد أسهمنا بمقدار ما نحن عليه من الإعانة في نيل المراتب الجديدة.

الوجه الثاني: الوجه الآخر في جدوائية دعائنا لهم هو عائدية فيض الدعاء علينا، كما هو الحال في أصل عبادتنا لله تعالى، فإنَّ الله تعالى لا ينتفع بها البتّة، وإنَّما أُمرنا بعبادته لأنَّ في ذلك صلاحنا وكمالنا، وهكذا الحال بالنسبة لدعائنا لهم فإنَّه يُؤدّي إلى أمرين، هما: الأوّل هو تأدية ما لهم من حقٍّ علينا، وبذلك نكون مُستحقّين من الله تعالى الثواب والثناء،


1- المصدر السابق: ج66، ص2٩2.
2- هنالك من يبدأ سيره الملكوتي قبل انفصال الروح عن الجسد، ولكن لا يُتمّمه إلا بعد الانفصال، والله العالم.

ص: 91

والثاني هو تحصيل رضاهم والتفاتهم وشمولهم بالدعاء لنا؛ وفاءً منهم لنا بأصل الدعاء لهم، وقد ورد في ذلك إشارات في عدَّة روايات تقول بأنَّ زائرهم في قبورهم يستدعي منهم زيارتهم له في قبره، فيُستفاد من ذلك أنَّ الداعي لهم يستدعي منهم الدعاء له.

وعليه فالدعاء لهم منتهاه ومردُّه الكمالي إلينا، وهذا الأمر من حُسن عنايته تعالى بنا، إذ أمرنا بالدعاء لسائر المؤمنين، فكيف بنبيّه الأمين محمّد وآله الطاهرين.

الوجه الثالث: أنَّ الدعاء لهم هو عبادةٌ خاصة ندب لها الشارع المقدَّس، ونحن بدعائنا لهم (عليهم السلام) نكون قد امتثلنا لذلك، وحيث إنَّ هذه العبادة المُوجبة لتحصيل الأجر منه تعالى قد كانوا (عليهم السلام) طرفاً في تحقيقها للعباد، فإنّها ولا شكَّ سوف تكون نافعةً لهم بما يُناسب شأنهم (عليهم السلام) .

الوجه الرابع: هو أنَّ الله تعالى أراد الكرامة والتكريم لهم في الدنيا والآخرة، ومن صور كرامتهم على الله تعالى وتكريمهم: الأمر بالدعاء لهم على نحو خاصّ، وهذا الأمر نتعاطاه كثيراً، كما في الدعاء للوالدين ولسائر المؤمنين، وقد ورد عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قوله تبارك وتعالى: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ (الشورى: 26) ، قال: «

هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب فيقول له الملك: آمين، ويقول الله العزيز الجبار: ولك مثل ما سألت، وقد أعطيت ما سألت بحبّك إياه» (1)، كما أنَّ الدعاء لهم (عليهم السلام) عموماً قد ورد في مجمل


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص5٠٧، الحديث 3.

ص: 92

أعمال الشهور والأيّام، منها:

«اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، وعلى أئمَّة المسلمين الأوّلين منهم والآخرين» (1)، وقد ورد في تفسير المراد من أئمّة المسلمين قول الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) :

«نحن أئمّة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين» (2).

الوجه الخامس : أنَّ الدعاء لهم مُقدّمة لاستجابة الدعاء في حقِّ أنفسنا، بل وزكاة لأعمالنا من كلِّ غطش وشوب، وقد ورد ما يؤيّد هذا المعنى، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: « صلاتكم عليّ إجابة لدعائكم، وزكاة لإعمالكم » (3).

الوجه السادس: أنَّ الدعاء لهم (عليهم السلام) طاعة، خلاصتها الرحمة بنا والكفّارة عن ذنوبنا، وهو المرويّ عنهم (عليهم السلام) في تعليمنا كيفية

زيارتهم (عليهم السلام) :

«. . . وجعل صلواتنا عليكم رحمةً لنا، وكفّارةً لذنوبنا» (4)، وكفّارة الذنوب تعني محوها، فحسنة الصلوات عليهم عظيمة جدّاً، فتكون مصداقاً لقوله تعالى: . . . إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّ-يِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (هود: 114) ، بل لعلَّ سيئاتنا تكون بصلواتنا عليهم (عليهم السلام) حسنات، فتكون مصداقاً لقوله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً (الفرقان: ٧٠) ، ونحن الذين تُبنا على أياديهم الكريمة، وآمنّا بهم


1- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٨٧، ص٨6.
2- الأمالي، للشيخ الصدوق: ص252، الحديث: 15.
3- الأمالي، للشيخ الطوسي، مصدر سابق: ص215، الحديث: 26.
4- من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق: ج2، ص5٧6.

ص: 93

وصدّقناهم، فلم نُشكِّك بهم، ولم نُعرِّض بهم، ولم نسخر منهم، ولم نحمل الناس على أكتافهم (1)، فكنّا طوعاً لهم، آخذين عنهم (عليهم السلام) مناسكنا، ولم نجعل في قبالهم أحداً، كائناً من كان.

فائدة الدعاء للإمام الحجة بن الحسن (عليه السلام) خصوصاً

في ضوء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فإنّ الإمام المهدي (عليه السلام) حيٌّ يُرزق، وهذا يعني تحقُّق جدوائية الدعاء له (عليه السلام) من باب أَولى، بعدما ثبت لنا صحَّة ذلك وأهمّيته بالنسبة لبقيّة أهل البيت (عليهم السلام) ، والسؤال الذي نُريد طرحه والجواب عنه هو: هل في الدعاء له (عليه السلام) خصوصيّات

أُخرى ينبغي تحصيلها من قبل الداعي، ويُرجى حصولها للمدعوّ له؟

والجواب عن ذلك يُمكن تصويره بوجوه، وهي:

الوجه الأوّل: إنّنا بأمسِّ الحاجة للدعاء له، وذلك لأنّنا بحاجة إلى ترجمة كوننا من أعوانه وأتباعه وأنصاره، وهذه الترجمة من أجلى مصاديقها الدعاء له (عليه السلام) ، ولا ريب بأنّ هذه الترجمة تُمثّل انعكاساً واقعيّاً للسير العقلائي فيمن يعجز عن نصرة من يهمُّه أمرهم، فكيف بإمام زماننا وقائد مسيرتنا؟

الوجه الثاني: إنَّ الدعاء له من السبل التي تُؤهِّل الداعي له أن يكون


1- إشارة إلى ما جاء في زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) : «اللهم العن الذين بدّلوا نعمتك، واتّهموا نبيّك، وجحدوا بآياتك، وسخروا بإمامك، وحملوا الناس على أكتاف آل محمّد. . .» . انظر: كامل الزيارات، جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 141٧ه-، قم المقدّسة: ص513، الحديث: 2.

ص: 94

من أنصاره وأعوانه، فإنَّ الإمام (عليه السلام) إنما ينتخب أنصاره ممَّن يُؤمن بقضيّته وأهدافه الإلهية، ولا ريب بأنَّ الداعي له بالحفظ والفرج والنصرة يكون أولى بذلك، لاسيَّما من عاش لنيل شرف نصرته والذود عنه، فالوجه الأوّل ترجمة الولاء للواجد، وفي الثاني دعوى لتحصيل الولاء للفاقد.

الوجه الثالث: إنَّ الدعاء له يعني التعرّض للتزوُّد بكمال جديد يكون الإمام (عليه السلام) واسطةً في فيضه، وبالدعاء له يكون للداعي قصب السبق في تحصيل التكامل، فيكون المردود للداعي والكمال له.

الوجه الرابع: أنه (عليه السلام) بحاجة للدعاء، لأنَّ الدعاء عبادة وكمال، فيكون الداعي له (عليه السلام) مُشاركاً بنحوٍ ما في رفع مقاماته (عليه السلام) عند ربّه، ولعلَّ في قوله تعالى: . . . قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى. . . (الشورى: 23) ، إشارتين مهمَّتين، الأولى منهما: هو سؤال الأجر مع تعيين المصداق، وهو مودّة قُرباه، وهم أهل بيته (عليهم السلام) ، ولا ريب بأنَّ الدعاء لهم من أجلى مصاديق المودّة، والثانية منهما: هو أنَّ نفس السؤال بقطع النظر عن مصداقه كاشف إن-ِّيّ عن وجه الحاجة، وحيث إنّه (صلى الله عليه وآله) لم يطلب منّا صفراء ولا بيضاء وإنَّما طلب تحقيق المودّة التي عرفتَ أنَّ الدعاء من أجلى مصاديقها، فإنَّه يثبت وجه الحاجة المعنوية التي أُريد لها أن تكون درعاً واقياً، وحصناً منيعاً، فحفظها الشاكرون (1)، ونقضها الكارهون (2).


1- إشارة إلى قوله تعالى: . . . وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ . سبأ: 13.
2- إشارة إلى قوله تعالى: . . . وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ . المؤمنون: ٧٠.

ص: 95

الآن، وفي ضوء هاتين الإشارتين يتوجّه عندنا وجه الدعاء له على نحو الحقيقة لا المجاز. وقد في ورد في الدعاء له (عليه السلام) :

«اللهم وصلِّ على وليِّ أمرك، القائمِ المؤمّل، والعدلِ المنتظر، احفُفْه بملائكتك المقرَّبين، وأيّده بروح القدّس يا ربَّ العالمين، اللهم اجعله الداعيَ إلى كتابك، والقائمَ بدينك، استخلفه في الأرض كما استخلفتَ الذين من قَبله، مكِّنْ له دينَه الذي ارتضيتَه له، أبدلْه من بَعدِ خوفهِ أمناً، يعبدُك لا يشرِكُ بك شيئاً، اللهم أعزَّه واعزِز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً عظيماً» (1)، وفي مورد آخر:

«اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد، وعلى إمام المسلمين، اللهم واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته. . .» (2)، وقد عرفت من هم أئمّة المسلمين، فعليك الطاعة والأخذ بركابهم، والدعاء لهم، عسى أن تكون من الشاكرين.

إشراق

أَيُّ لطفٍ يُحيط بك وأنت تدنو من خُطى مولاك، وأَيَّ قُربٍ تحسُّه وهو ينظر لخطاك، لك الأرض بما رحبت، فخذْ من فيضه ما يُتمِّم مسعاك، وقبِّلْ عتبة بابهِ؛ فهو الحقُّ ما شخصت عيناك.


1- تهذيب الأحكام، مصدر سابق: ج3، ص1(10).
2- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٨٧، ص٨6.

ص: 96

ص: 97

الفصل الرابع: أسباب استجابة الدعاء

اشارة

التوجّه بالفقرية المطلقة للغنيّ المطلق

الاعتقادُ الراسخُ بأنَّ اللهَ تعالى لا يُخيِّب داعيه

عدم اليأس من رَوْحِ الله عند تأخير استجابة الدعاء

تذييل

المُعقِّبات

إشراق

ص: 98

ص: 99

أسباب استجابة الدعاء

اشارة

مرّ بنا جملة من شروط الدعاء التي هي تعبير آخر عن ملاكات استجابة الدعاء، وهي: (معرفة الله تعالى، والإخلاص له، والانقطاع عمَّن سواه، وحسن الظنّ بالله تعالى والرضا بما هو كائن وما سيكون، والتذلّل والخضوع لله تعالى، واقتران الدعاء بالعمل) ، فلا معنى لتكرارها، وعليه فما نُريد الوقوف عنده هنا هو بعض الحقائق التي تُشكّل الأساس في استجابة الدعاء في النظر العرفاني، التي منها:

الحقيقة الأولى: أنّ تتجسّد في صورة الداعي الباطنية حقيقةُ الطلب والحاجة والعوز ، فلا يقْدِم على ربِّه وهو في غنى عمّا في يديه، «بحيث تتحوّل جميع ذوات الوجود الإنساني إلى مظهر من مظاهر إرادة الطلب، وأن يبدو ما يُريده الإنسان في صورةٍ حقيقيةٍ من صور الاحتياج والدعاء، كما إذا احتاج جزء من الجسم إلى شيء تأخذ جميع أجزاء الجسم الأُخرى بالمشاركة» (1)، وهذه الحاجة وذلك الطلب لا ينحصران بالمقاصد المادية، كما قد يتوهّم الكثير، وإنما هو مُطلق الحاجة والطلب، وأُولى تلك الحاجات والمطالب هي طلب الارتقاء في سلَّم الكمالات الإلهية، لنيل القرب الإلهي، والتزوّد من ساحة القدس، فافهم.


1- انظر: محاضرات في الدين والاجتماع، مصدر سابق: ص122.

ص: 100

الحقيقة الثانية: ضرورة التوجّه بالفقرية المطلقة إلى الغنيّ المطلق ، أي أنَّ نسأل ربَّنا ونحن نعتقد بفقريتنا المطلقة إليه، فلا نعقد أملاً بغيره أبداً، فإنّ الله تعالى غيورٌ ولا يُحبُّ أن تسألَ غيرَه. ثمَّ إنّنا إذا انعقد في قلوبنا أملٌ بغيره، فلا معنى للتوجه إليه تعالى، ولذلك فإنَّ انعقادَ أيِّ أملٍ بغيره يعني غلق أبواب الاستجابة، بل يعني التعدِّي على حُرَم ِالله تعالى والغياب عن ساحة قُدسه، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال:

«وكن كأفقر عباده بين يديه، وأخلِ قلبك عن كلّ شاغل يحجبك عن ربّك، فإنّه لا يقبل إلا الأطهر والأخلص. . .» (1).

وهذا ما نُلاحظهُ بوضوحٍ في الحديث القدسيّ المرويّ عن الحسين بن علوان قال: «كنّا في مجلس نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعضُ أصحابنا: من تُؤمِّلُ لما قد نزل بك؟ فقلت: فلاناً، فقال: إذن والله لا تُسعفَ حاجتُك ولا يبلُ-غَكَ أملُ-كَ ولا تُنجحَ طَ-لِب-تُ-ك، قلت: وما علمُك رحمَكَ الله؟ قال: إنَّ أبا عبد الله (عليه السلام) حدّثني أنه قرأ في بعض الكتب: أنَّ الله تبارك وتعالى يقول:

وعزَّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي، لأقطعنَّ أملَ كلِّ مؤمِّلٍ غيري باليأسِ، ولأكسونَّه ثوبَ المذلَّة عند الناس، ولأنُحينَّهُ من قُربي ولأُبعدن-َّهُ من فضلي، أيؤمِّلُ غيري في الشدائد؟ ! والشدائدُ بيدي (أي تحت قدرتي) ،

ويرجو غيري ويقرعُ بالفكر بابَ غيري؟ ! - إلى أن يقول-:

أبخيل أنا فيُبخِّلُني عبدي؟ أو ليس الجود والكرم لي؟ ! أو ليس العفو والرحمة بيدي؟ ! . . . فيا بُؤساً للقانطين من رحمتي


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج3، ص43٧، الحديث: 4.

ص: 101

ويا بُؤساً لمن عصاني ولم يراقبني» (1).

وهنا أودُّ الوقوف عند جملتين من هذا الحديث القدسي، هما:

الأُولى: قوله جلَّ وعلا:

(لأقطعنَّ أملَ كلِّ مؤمّلٍ غيري باليأسِ) .

الثانية: قوله جلَّ وعلا:

(ويرجو غيري ويقرعُ بالفكر بابَ غيري) .

فقوله:

(لأقطعنَّ أملَ كلِّ مؤملٍ غيري باليأسِ) هو محلّ الشاهد في المقام، بأنّ صاحب الحاجة لابدَّ أن يقصد أوّلاً ربَّه فلا يتعلقُ بغيره، فإنَّ الأمور جميعاً هي بيد الله تعالى، وهذا هو مُقتضى التوحيد، بمعنى أنَّ الإنسان إذا مسّه الضُرُّ فتمثّل أحداً أو ندب أحداً غير الله تعالى، يكون قد أمّل أحداً غيرَ الله تعالى، وهنا سوف يكون قد قطع سبيلَ قضاءِ حاجتِه.

وأما الجملة الثانية:

(ويرجو غيري ويقرعُ بالفكر بابَ غيري) ، فهي الأهمّ والأخطر في المقام، فإنَّ الله تعالى ينهانا عن التفكُّر بغيره في قضاء الحوائج، لأنه وحده يملك الأشياء حقيقة لأنه مُوجدُها، وأما الغير فتملُّكُهُ للأشياءَ عرضيٌّ ومجازيٌّ، فكيف للعاقل أن يُفكِّر بما هو مجازيّ الوجود ويترك ما هو حقيقي؟

الحقيقة إنَّ هذا الأمر ليس يسيرَ الفَهم والتقب-ُّل، فالإنسان اعتاد على الأُمور الحسِّية، وهو يجد أنَّ الآخرين يقضون له حوائجَهُ بصورةٍ مُباشرةٍ، والإنسان مجبول على التصديق بما هو حسّي ومرئي، وأما ما يتعلَّق بالله تعالى فهو لا يُنكر وجودَهُ، ولكن هذا الوجود يُؤتى به للبركة لا لأصل الفعل، كما هو الحال بالنسبة للقرآن الكريم في نظر الكثير من عامّة الناس، فإنَّهم يتذكّرونه في


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص66، الحديث: ٧.

ص: 102

المآتم وأيّام شهر رمضان، وتلاوة القرآن في المآتم (مجالس الفاتحة على الأموات) من باب إعلام الناس بوجود مأتمٍ أو مجلسٍ ليس إلّا.

إنَّ هذه الثقافةَ السائدةَ في مجتمعاتنا الإسلامية تعكس لنا بوضوح الخلل الكبير في التعاطي مع الدين، وفي فَهم حقيقة التوحيد، وفي أهداف نزول القرآن الكريم، وفي علاقة كلِّ ذلك بحياة الإنسان الدنيوية والأُخروية، وما ينبغي عملُه وما لا ينبغي، ممَّا يُحتِّم علينا جميعاً مواجهة ذلك بشجاعة وموضوعية، فإنَّ القرآن الكريم والسنّة الشريفة قد جاءا لِيُخرجا الإنسان من الظلمات إلى النور، وأيّ ظلمات أكثر من إفراغ القيم العُليا من مضامينها، وإبدالها بتُرّهات أوجدها الجهل والتخلّف، ونشرها انعدام الشعور بالمسؤولية.

وعلى أيِّ حال، فإنَّ تلك الجملة القدسية تُريد أن تُنبِّهنا للخطأ الفاحش ولسلبيات الثقافة السائدة في كون الله تعالى له دور ثانوي في التأثير، أو أنَّ دورَهُ دورٌ المتفرِّج والعياذ بالله تعالى. ولذلك ينبغي الانتباه والالتفات إلى هذه الحقيقة البائسة التي يعيشُها كثير من الناس، فإنّ الصحيحَ والحقَّ الصراحَ الذي ما عداه هو الضلال المبين، هو أنَّه لا مُؤث-ِّرَ في الوجود غير الله سبحانه وتعالى، وما عدا ذلك فهو اعتقاد مُفضٍ للشرك، والعياذ بالله تعالى.

إلى هنا نكون قد أوضحنا السبب الأوّل والرئيسي في استجابة الدعاء، وهو باختصار شديد كفُّ النفسِ والقلبِ والعقلِ عن التعلّقِ والتودّدِ والتفكّرِ بغير الله تعالى في قضاء حوائجِنا في الدنيا والآخرة.

الحقيقة الثالثة: وهي ضرورة الاعتقاد الراسخ بأن اللهَ تعالى لا يُخيِّب

ص: 103

داعيه والساعي إليه، وهذا السبب مُكمِّل للسبب الأوّل، ففي السبب الأوّل قلنا يجب أن لا نتوجّه لغير الله تعالى، وأمّا السبب الثاني فهو الاعتقاد الراسخ بأن الله تعالى سوف يستجيب لنا، وأنه لا بُخل في ساحته المقدّسة، وهذا ما مرّ علينا في ذيل الحديث القدسي الآنفِ الذكر، حيث جاء فيه:

«أبخيل أنا ف-يُ-بخِّلُني عبدي؟ أَوَ ليس الجودُ والكرمُ لي؟» ، ولا ريب بأنَّ الاعتقاد بعدم استجابة الله تعالى لدعائنا إما لاعتقاد بأنَّه لا يملك، وعندئذٍ لا معنى لدُعائه ابتداءً، وإمّا لاعتقاد وجود بخلٍ وحرص في ساحته كما هو حال اعتقاد اليهود الذين كشف القرآن الكريمُ حقيقةَ اعتقادِهم وسرائرِهم في قولِه تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ. . . فأجابَهُم اللهُ تعالى: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ. . . (المائدة: 64) ، وأمَّا اعتقادُ العبدِ بأنه غيرُ مُستحقٍ ّ لاستجابةِ دعائِهِ فهذا أمر حسنٌ يُعجّل في الاستجابة لا في عدمِ الاستجابة أو تأخيرِه.

الحقيقة الرابعة: وأمّا السبب الأخير الذي نودُّ الوقوف عنده يسيراً فهو ضرورةُ عدمِ اليأس من رَوْحِ الله تعالى عند تأخير استجابة الدعاء، وقد عبَّرنا بالتأخير ولم نُعبّر بعدم الاستجابة؛ لعدم تصوّره في صورة تحقُّق شروطه، وذلك لقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 1٨6) .

إنَّ اليأس من الاستجابة دليل على قصور في فَهم الفيض الإلهي الذي لا انقطاع له أبداً، وقد مرّ بنا في الحديث القدسي الآنفِ الذكر إشارة

ص: 104

لذلك، حيث يقول:

(فيا بُؤساً للقانطين من رحمتي) ، والبؤس الافتقار الشديد المُثير للشفقة، وقيل هو الضرر والشدّة، وأما القنوط فهو اليأس، بل هو أشدُّ مُبالغةً من اليأس (1)، فالذي ييأس من استجابة الله تعالى لدعائه يكون قد يئس من رحمته تعالى، والعياذ بالله.

ولعلَّ من أسرار تفشِّي اليأس إلى قلوب بعض الناس استعجالُهم في طلب قضاء حوائِجِهم، وهذا ما نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيثُ يقول:

«لا يزال الناس بخير ما لم يستعجلوا، قيل: يا رسول الله صلى الله عليك وكيف يستعجلون؟ قال:

يقولون: دعونا فلم يستجب لنا» (2)، وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال:

«لا يزال المؤمن بخير ورجاء، رحمةً من الله عزَّ وجلَّ ما لم يستعجلْ، فيقنطَ ويترُكَ الدعاء ، قلت له: كيف يستعجل؟ قال: يقول:

قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة» (3).

وبذلك نخلُص إلى أنَّ من أهمّ وأعظم أسباب استجابة الدعاء التوجّه بالفقرية المطلقة إلى الغني المطلق، والاعتقاد الراسخ بأن اللهَ تعالى لا يُخيِّب داعيه والساعي إليه، ثم عدم اليأسِ من رَوْحِ الله تعالى عند تأخير استجابة الدعاء.

وأخيراً أودُّ التذكير بأهمية استحضارِ كونِ النافع والضار هو اللهَ تعالى


1- انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، مؤسسة النشر الإسلامي (جامعة المدرسين) ، ط1، 1412ه-، قم المقدّسة: ص435، رقم: 1٧4٩.
2- ميزان الحكمة، للشيخ محمد الريشهري، دار الحديث، ط1، 1416 ه-، إيران: ج2، ص٨٨1، الحديث: 56٧٧.
3- أُصول الكافي، للشيخ الكليني: ج2، ص4٩٠، الحديث: ٨.

ص: 105

وحدَهُ، فذلك أشبه ما يكون بحجر الزاوية في تحقيقنا لاستجابة الدعاء، وقد جاء في حديث قدسيّ مرويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى، أنه قال:

«من سألني وهو يعلم أني أضرُّ وأنفعُ أستجيبُ له» (1).

تذييل

ممَّا تقدَّم في عرض شروط وأسباب استجابة الدعاء يكون قد اتّضح لنا بالضمن أسباب عدم استجابة الدعاء، فإنَّ الإخلال بأيِّ شرط من الشروط المتقدّمة قد يكون مُوجباً لمنع الاستجابة، أو أنه مُوجب - على أقلّ التقادير - لتأخيره، ولا يُعلم بالضبط أيّ الشروط أعلاه هو الأكثر تأثيراً في الجذب والطرد، ولذلك ينبغي مُراعاتها جميعاً، ولكن المقطوع به هو أنَّها جميعاً مُوجبةٌ لكمال ما، كما هو الحال في الطاعات، فنحن لا نعلم في أيِّها وضع الله تعالى رضاه، وهكذا في المعاصي، فنحن لا نعلم أيُّها مُوجبٌ لغضبه، ولذلك يجب علينا اجتناب معاصيه قاطبة، كما ينبغي تحقيق طاعاته.

المعقِّبات

المعقِّبات مفردة قرآنية، فقد جاءت في قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ. . . (الرعد: 11) ، وقد اختلف في تفسير هذه المعقِّبات، فقيل: إنها ملائكة الليل والنهار، فإذا حلَّ الليل حلَّت معه ملائكته، وإذا حلَّ النهار حلَّت معه ملائكته، ووظيفتهما حفظ العباد، فكلُّ إنسان له حفظة يتعاقبون عليه تعاقب الليل والنهار (2)، وقد


1- عدّة الداعي، مصدر سابق: ص131.
2- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج56، ص15٠.

ص: 106

روي في ذلك عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :

«أنَّهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتّى ينتهوا به إلى المقادير، فيحولون بينه وبين المقادير» (1).

وروى الرازي في تفسيره أنه قيل: يا رسول الله! أخبرني عن العبد كم معه من مَلَكٍ؟ فقال (صلى الله عليه وآله) :

«ملك عن يمينك للحسنات هو أمين على الذي على الشمال، فإذا عملت حسنة كتب عشراً، وإذا عملت سيّئة قال الذي على الشمال لصاحب اليمين: أَكتب؟ قال: لا، لعلَّه يتوب، فإذا قال ثلاثاً قال: نعم، أُكتب أراحنا الله منه، فبئس القرين، ما أقلَّ مراقبته لله واستحياءه منا! فهو قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ . . .» (2).

والظاهر أنَّ ذلك من باب الجري والتطبيق، بمعنى عدم حصر المعقِّبات بالملائكة الحفظة، وهو ما يهمُّنا في المقام، فإنَّ المعقبات من أبلغ معانيها وأقربها للوجدان وإمكان العمل هي أنَّها كلمات خاصّة يدعو بها العبد ربَّه، وفي ذلك ورد حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، حيث إنه

قال لأصحابه ذات يوم:

«أفلا أدلُّكم على شيءٍ أصله في الأرض وفرعه في السماء؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال:

يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته الفريضة: سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله أكبر، ثلاثين مرة، فإنَّ أصلهنَّ في الأرض، وفرعهنَّ في السماء، وهنَّ يدفعنَ الحرق، والغرق، والتردّي في


1- تفسير نور الثقلين، للشيخ عبد علي العروسي الحويزي، تحقيق السيد هاشم المحلاتي، مؤسسة إسماعليان، ط4، 1412 ه-، قم: ج2، ص4٨٧، الحديث: 44.
2- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج56، ص15٠. نقلاً عن: التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) ، لأبي عبد الله محمد الرازي الملقّب بفخر الدين الرازي، دار الفكر، ط1، 1426ه-، بيروت: ج٧، ص21.

ص: 107

البئر، وأكل السبع، وميتة السوء، والبليّة التي تنزل من السماء على العبد، في ذلك اليوم، وهنَّ المعقّبات» (1)، وسوف تكون لنا وقفة أُخرى عند هذه المعقِّبات في خواتيم هذا الكتاب (2).

إشراق

الطاعةُ كلُّ الطاعة تكمُنُ في طلب رضاه، وهي العلم؛ والمعصيةُ كلُّ المعصية في قصْدِ سواه، وهي الجهل؛ وهل في البينِ مقصودٌ آخر يستحقّ الطلب؟ !


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج5، ص53، الحديث: 1.
2- سيأتي في الفصل الثامن، تحت عنوان: (هويّة التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير) .

ص: 108

ص: 109

الفصل الخامس: صور استجابة الدعاء

اشارة

تحق-ُّق المطلوب كما هو

تحق-ُّق المطلوب بصورة أُخرى

تحق-ُّق أمرٍ لم يكن مقصوداً للداعي

تحقُّق أمرٌ معنوي

تحقُّق أمرٌ أُخروي

تتحقَّق الاستجابة بتعاظم الابتلاء

تحقُّق الاستجابة بعدم وقوع المحذور في القابل

نماذج لاستجابة الدعاء

نماذج أُخرى للاستجابة

الدعوات الضالّة التي لا يُستجاب لها

إشراق

ص: 110

ص: 111

صور استجابة الدعاء

اشارة

للاستجابة صور مختلفة تُحدّدها المصلحة والمسار الذي عليه الداعي، منها:

الصورة الأُولى: تحقُّق المطلوب كما هو، كمن أراد الزواج بامرأة معيّنة، فيُستجاب له بذلك، وهذا هو المعنى المركوز في ذهن الداعي عادة، وهو المعنى الذي يتوهّم الداعي من خلاله أنَّ المدعوّ بدون تحقّق هذا الأمر لم يستجب له، وهذا وهم كبير، كما سيتّضح.

الصورة الثانية: تحقّق المطلوب ولكن بصورة أُخرى غير متوقّعة من الداعي، من قبيل من أراد الزواج ابتداءً وقد وضع في ذهنه مصداقاً معيّناً، فيُستجاب له بأصل الزواج ولكن بواسطة مصداقٍ آخر، أو طلب وظيفةً معيّنةً، فاستُجيب له بأصل الوظيفة، ولكن في مورد آخر هو الأنسب له بالمقاييس الإلهية.

الصورة الثالثة: تحق-ُّق أمرٍ آخر لم يكن مقصوداً للداعي أصلاً، وذلك لمصلحة كان الداعي غافلاً عنها، كمن قصد الحجَّ في دعائه وكان موفور الحال، فوُفِّق للزواج بامرأة صالحة، فيكون قد استُجيب له بما هو أصلح له، وإن كان غير مُلتفت لذلك.

الصورة الرابعة: تحق-ُّق أمرٍ آخر لم يكن مقصوداً أيضاً، ولكنه يخصّ أُموراً معنويةً يتوقّف عليها مستقبله، من قبيل غفران الذنوب،

حيث إنّه

ص: 112

يدعو لأمر لا يُمكن تحقيقه البتّة بدون تجاوز الأثر الوضعي للذنب الذي اقترفه سلفاً، من قبيل الداعي للتوفيق لعبادة أو لعمل صالح وهو عاقٌّ لوالديه، وكان هذا الأمر موقوفاً في الرؤية الإلهية على عدم كون الداعي عاقّاً لوالديه، فيُوفَّق بواسطة دعائه المتقدِّم لبرّ والديه، ولعلَّ هذا المورد كثير الوقوع، فهنالك من يدعو للتوفيق للحجّ أو للعمرة أو للزواج من امرأة صالحة، وهو لا يعلم بأنَّ هذه الأُمور وغيرها موقوفة - على سبيل الفرض - على برّ الوالدين، فيتبيَّن له فيما بعد أنّ رضا الوالدين مفتاح استجابة كلّ دعاء.

وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

«رضا الله مع رضا الوالدين وسخط الله مع سخط الوالدين» (1)، وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً:

«ما من ولد بارّ ينظر إلى والديه نظر رحمة إلا كان له بكل نظرة حجّة مبرورة. قالوا: يا رسول الله، وإن نظر كلَّ يوم مئة مرّة؟ قال: نعم، الله أكبر وأطيب» (2) .

الصورة الخامسة: تحقُّق أمر أُخروي، كمن كان يدعو بدعاءٍ عامٍّ فيقول: اللهمَّ وفقني لما فيه خير وصلاح لي، وكان يستحضر عملاً ما، يظنُّ فيه الخير والصلاح له، فيختار الله تعالى ما هو أصلح له، لا ما في ذهنه، فيُكفَّر له عن كبيرة، أو تُرفع له درجة، وما شابه ذلك، وهنا يظنُّ الداعي بأنَّ الله تعالى لم يستجب له، إذا لم يكن له إشراق، فيظنُّ بالله تعالى السوء، وهذا من آثار قلِّة المعرفة بالله تعالى.

الصورة السادسة: تتحقَّق الاستجابة بتعاظم الابتلاء، فذلك هو


1- روضة الواعظين، محمّد بن الفتال النيسابوري، تحقيق: محمد مهدي الخرسان، طبع منشورات الرضي، قم المقدّسة: ص36٨.

ص: 113

الأرجى والأوفى له في نيل مطالبه ومآربه، فيشتدّ فقره على سبيل الفرض، أو تُزاحمه الأمراض، أو يكثر فقده للأولاد والأحبّة، وغير ذلك من سوء الحال في البعد الظاهري، وهنا م-َنْ كان قاصداً وجه ربه يستقبل فقره ومرضه بهتاف: (مرحباً بشعار الصالحين) ، وأما م-ن كان قاصداً وجهاً غيره فسوف يُعاني الأمرَّين، مرار الفقر والمرض ومرار عدم رضا الله تعالى، والتالي أدهى وأعظم، لو كان يعلم.

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) :

«إن الله تبارك وتعالى إذا أحبَّ عبداً غتَّه بالبلاء غتَّاً وثجَّه بالبلاء ثجّاً (1)، فإذا دعاه قال: لبّيك عبدي لئن عجّلت لك ما سألت إنّي على ذلك لقادر، ولئن ادّخرت لك فما ادّخرت لك فهو خير لك» (2)، فتأخير استجابة ما أراده العبد هو عين الاستجابة، فضلاً عن المدَّخر له، فيكون جامعاً للأمرين معاً.

الصورة السابعة: تحقُّق الاستجابة بعدم وقوع المحذور في القابل، بعد وقوع الخوف منه في الحاضر، فهو دعاء لأجل الدفع لا الرفع، فليس هنالك ابتلاء واقع، وإنما ابتلاء مُتوقَّع، فالواقع يحتاج رفعاً، والمُتوقَّع يحتاج دفعاً.

وقد ورد في الحديث عن رسول لله (صلى الله عليه وآله) :

«إنَّ الحذر لا ينجِّي من القدر، ولكن ينجِّي من القدر الدعاء، فتقدَّموا في الدعاء قبل أن ينزل بكم


1- غتَّه أي غمسه. والباء بمعنى (في) ، والثجّ: سيلان دماء الهدي والأضاحي. وثجَّه: أَسَالَهُ.
2- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص253، الحديث: ٧.

ص: 114

البلاء، إنَّ الله يدفع بالدعاء ما نزل من البلاء وما لم ينزل» (1)، فيكون الدعاء وسيلةً وقائيةً تحفظ الإنسان من بلاء قد يعسر رفعه، ومن الواضح بأن وسيلية الدعاء في دفع المكاره مُنسجم تماماً مع المقولة العقلائية القائلة: «الوقاية خير من العلاج» (2).

ولا ريب أنّ عدم توخّي سبيل الوقاية مُوجب للوقوع في المحذور، وهذا ما أشار إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله:

«إذا قلَّ الدعاء نزل البلاء» (3)، بل إنَّ الدعاء أمر لابدَّ منه مادام البلاء قائماً لا ينقطع أبداً، ولذلك فالدعاء قوّة فاعلة ومُؤثّرة في حفظ الإنسان وديمومته على الأرض، وقد رُوي في ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) :

«إنَّ الله عزَّ وجل ليدفع بالدعاء الأمر الذي عَلِمَهُ أن يُدعى له فيستجيب، ولولا ما وُفِّقَ العبدُ من ذلك الدعاء لأصابه منه ما يجتثّه (4)من جديد الأرض» (5)، ومن لطف الحقِّ سبحانه بنا أن جعلنا مفطورين على حبِّ كمالنا، ومُتحرِّكين ذاتياً باتجاه الدعاء، بل جعلنا مجبولين على حبِّ الخير لأنفسنا، ولا نكفّ عن طلب الخير لها؛ قال تعالى: لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الخَيْرِ. . . ، بل . . . وَإِذَا مَسَّهُ الش-َّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ (فصّلت: 4٩، 51) .


1- الدعوات، مصدر سابق: ص2٨4، الحديث: 4.
2- هذه القاعدة العقلائية لم يرد فيها أثر شرعيّ وإنّما هي مقولة أطلقها أهل الطبّ فوقعت موقع قبول العقلاء.
3- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج5، ص16٧، الحديث: 1٨.
4- (يجتثّه) تعني: يقتلعه. و (جديد الأرض) تعني: وجه الأرض.
5- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج٧، ص3٧، الحديث: ٧.

ص: 115

وهنالك صور أُخرى للاستجابة، منها معلوم غضضنا الطرف عنه، ومنها مجهول يقصر الباع عن نيله، ولكنا نُسلِّم بوقوعه، وينبغي أن يُعلم بأنَّ هذه الصور المعلومة وغيرها مقرونة بكمال الداعي ابتداءً، وبفضل المدعوّ انتهاءً، وذلك من عدله ولطفه بنا جلَّت قدرته.

جدير بالذكر أنَّ كمال الداعي بصفته غير موقوف على حدٍّ مُعيّن، إما ارتقاءً أو تسفّلاً، وسوف يتَّضح لنا ذلك جلياً في بيانات موضوعة فلسفة الكمالات الإلهية (1)، فإنَّ صور استجابة الدعاء سوف تتفاوت بحسب ذلك الارتقاء والتسفّل المُحتمل، ممَّا يعني أنَّ الداعي قد يُستجاب له في آنٍ دون آخر، وفقاً لما انتهى إليه كماله، ولعلنا نُوفَّق في مناسبة أُخرى لتسليط الضوء على هذه الحقيقة القرآنية.

نماذج لاستجابة الدعاء

اشارة

سوف نقف عند ثلاثة نماذج تطبيقية لاستجابة الدعاء، وهي:

1. دعاء الوالد لولده إذا برَّه، ودعوته عليه إذا عقَّه.

2. دعاء المظلوم على ظالمه، ودعاؤه لمن انتصر له منه.

3. دعاء رجل مؤمن لأخ له مؤمن واساه فينا، ودعاؤه عليه إذا لم يواسه مع القدرة عليه، واضطرار أخيه إليه.

إنَّ هذه الثلاثية المركّبة قد استفدناها من مقولة صادق أهل البيت جعفر بن محمّد (عليهما السلام) حيث يقول: «

ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله تعالى: دعاء الوالد لولده إذا بَرَّه، ودعوته عليه إذا عقَّه، ودعاء المظلوم على ظالمه،


1- سيأتي ذلك في الفصل السادس، في موضوعة: (الذنب في فلسفة الكمالات الإلهية) .

ص: 116

ودعاؤه لمن انتصر له منه، ورجل مؤمن دعا لأخ له مؤمن واساه فينا، ودعاؤه عليه إذا لم يواسه مع القدرة عليه واضطرار أخيه إليه» (1).

وأمّا تطبيقاتها فسوف نُحاول أن نختار لها نماذج من الأنبياء ومن الأئمّة (عليهم السلام) ، ومن صالح المؤمنين.

النموذج الأوّل: دعاء الوالد لولده إذا برَّه، ودعوته عليه إذا عقَّه

لم تخلُ سيرة الأنبياء (عليهم السلام) من خصوصية الدعاء للولد والذرّية، فهذا شيخ الأنبياء إبراهيم الخليل (عليه السلام) يُربِّينا على ذلك، لِيُسجِّل لنا الإشراقة الأُولى في هذا المجال، حيث يقول في حكاية القرآن عنه: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء (إبراهيم: 4٠) ، فهو يدعو لولده وعموم ذرّيته بإقامة الصلاة، أي بالحصن الذي يقيهم من الفحشاء والمنكر، حيث ورد: . . . وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ. . . (العنكبوت: 45) ، فكرَّمه الله تعالى بأن جعل من ذرّيته أنبياء وأئمّة وأولياء وصالحين، بل وجعله أباً لكلّ المسلمين، واستجاب الله تعالى له دعوته في النبيّ الخاتم، حيث كان يقول (صلى الله عليه وآله) : « أنا دعوة إبراهيم، قال وهو يرفع القواعد من البيت : رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ . . . (البقرة: 12٩) ، حتّى أتمَّ الآية» (2).

وهكذا تعيش الرسالة النبوية هذه الثقافة الإلهية لتملأنا رحمة ورأفة، حيث يقف زكريا (عليه السلام) ليسأل ربَّه غلاماً يرث كمالات النبوّة، ويكون راضياً مرضيّاً، فيقول: . . . فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ


1- الأمالي، للشيخ الطوسي، مصدر سابق: ص2٨٠، الحديث: ٧٩.
2- كنز العمّال، مصدر سابق: ج11، ص3٨4، الحديث: 31٨33.

ص: 117

يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (مريم: 5- 6) ، فاستجاب الله له دُعاءه ورزقه ما تقرُّ به عينه: فَنَادَتْهُ المَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَ-ى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ (آل عمران: 3٩) ، فكان يحيى (عليه السلام) وليد دعوة أبيه، فما كان لولاه، على حدِّ تعبير الإمام زين العابدين (عليه السلام) وهو يُقرِّر حقَّ الوالد على ولده في رسالة الحقوق، حيث يقول

: «وأما حقُّ أبيك فأن تعلم أنه أصلك، وأنه لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ممَّا يعجبك فاعلم أنَّ أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك، ولا قوّة إلا بالله» (1)، فأيّ حقٍّ عظيم للوالد على ولده، وأيّ برٍّ سَيَفِي بذلك؟ وأيّ بُخلٍ أشدّ من الكفّ عن الدعاء لهم؟

إنَّ دعاء الوالد لولده الذي هو كدعاء النبي لأمّته - على حد ِّ تعبير الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) (2)- ضمانة التوفيق، وكنز الحفظ من الابتلاء، يتّقي به الولد مصائب الأيّام ودواهي الدهر ونوائبه، ولا أحسب ذاكرةً تخلو من قصّةٍ واقعيةٍ تنطق بما تقدَّم، حيث استجابة الدعاء وقبوله بحقِّ الولد.

نعم، هنالك مواقف كثيرة وجليلة سجَّلت لنا هذه الاستجابات، لتكون لنا درساً عملياً يُضيء لنا الطريق، وهنا نودُّ الاستفادة من قصّة واقعية وقعت لعالم ثقة، وهو السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي (رحمه الله) فقد نقل عنه أنه يوم كان طفلاً، كانت والدته تطلب منه أن يوقظ أباه،


1- الخصال، مصدر سابق: ص56٨.
2- انظر: مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، أبو الفضل علي الطبرسي، قدّم له صالح جعفر، المكتبة الحيدرية، ط2، 1٩65م، النجف الأشرف: ص2٨2.

ص: 118

كان السيّد الصغير يمتلك درجة عالية من الأدب في تعامله مع والده، فكان لاحترامه الشديد لا ينادي أباه، بل كان يضع خدَّه على وجه والده وعلى باطن قدم والده بهدف إيقاظه، وأمام هذه المداعبة الخفيفة اللطيفة يستيقظ الأب، فتدمع عيناه، ويرفع يديه إلى السماء يطلب فيها التوفيق لابنه السيّد المرعشي النجفي، وقد أحدث هذا العمل تأثيره في حياة السيّد المرعشي النجفي الذي أصبح فيما بعد من كبار المراجع لدى الشيعة الإمامية، وهنا يُنقل عن السيّد المرعشي قوله: إنما نلت هذا المقام، وزاد الله في توفيقي، ببركات دعاء والديَّ عليهما الرحمة (1).

إنَّ في هذه القصّة درسين تربويّين غير أصل استجابة الدعاء، الأوّل هو مُجازاة الوالد لولده على خلقه الرفيع، وهنا ينبغي للآباء أن لا يبخسوا أولادهم حقوقهم المعنوية، فإذا قام الولد بعمل حسنٍ فعلى الوالد أن يُظهر هذا العمل ويُبرزه ويُؤكّده بالثناء والتكريم، فيلتفت الولد إلى جودة عمله، ويُثب-ِّت في نفسه حُسن هذا الصنيع، وأن يتجاوز عن هفوته، فإنَّ الكلمة الطيبة هي غرس طيّب، لا تجد أرضاً أصلح لها من قلب الولد، وذلك أجدى وأنفع في دفع الولد لبرِّ أبيه، وكما جاء في كلمة المبعوث رحمةً للعالمين حيث يقول:

«رحم الله من أعان ولده على برِّه، وهو أن يعفو عن سيّئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله» (2)، وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله) :

«يَقْبَلُ ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يُرهقه، ولا يخرق


1- منقول من كُتيِّب تناول حياة السيد المرعشي (رحمه الله) .
2- بحار الأنوار، مصدر سابق: (10)1، ص٩٨، الحديث: ٧٠.

ص: 119

به» (1)، والخرق بالضم: هو الحُمق والجهل، أي لا ينسب إليه الحمق، ولا يُسفّهه، ولا يظلمه، أو يحمل عليه ما لا يطيقه.

وأمّا الدرس الثاني فهو حُسن خُلق الولد، ومُراعاته لحقوق الوالدين، حيث يجب على أولادنا المؤمنين أن يكونوا على هذه الشاكلة، وهذا الخلق الرفيع، ولا ريب بأنَّ هذه الأخلاق النبوية لا تنزل على رؤوس الأولاد كما ينزل المطر، وإنما تحتاج إلى حرثٍ وغرسٍ وسقيٍ، ورعاية وصبر ودعاء.

من هنا ينبغي التنبيه إلى أهمّية الدعاء للولد والذرّية بالصلاح والنجاح والفلاح، فليس من المناسب من الآباء أن يَدْعُوا على أبنائهم بعدم التوفيق، لمجرّد موقف سلبيّ صدر من الأبناء تجاههم، فذلك من سوء الخُلق، وقلَّة التوفيق، ث-ُمَّ إنّه يُوجِد في قلب الولد دواعي البغض لأبيه، ويُسقط في نفسه قدوتَه الأُولى ومَثَلَه الأعلى، ومن ث-َمَّ ينتهي الولد إلى أسوأ حالات السقوط، وهي العقوق، وقد جاء في وصيّة للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) :

«. . . لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما» (2).

هذا ما حاولنا أن نستفيده من هذه القصّة التربوية النافعة، وكم لها من مثيل في متون الكتب، وفي سِيَر الناس، وفي ذاكرة الزمان (3).


1- فروع الكافي، للشيخ المحدّث الثقة الكليني، تحقيق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، ط4، 1٩٩6م، قم المقدّسة: ج6، ص5٠، الحديث: 6.
2- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج15، ص123، الحديث: 4.
3- من القصص الجميلة والمؤثّرة التي طالعتها في هذا المجال قصّة تدور حول فتى صغير كان في غاية الضعف والبؤس وضيق الحال، كان يذهب ويسعي لِيُساعد والده، فإذا جاء بأجرة يومه وضعها على المنضدة وذلك استحياء من أن يمدَّها بيده لأبيه فتكون من-َّة على أبيه. يقول الفتى: فكنت كلّما أضع المال بين يديه يدعو الله ويقول: اللهم ارزق ابني القرآن واجعله من أهله، ثم مضى أكثر من عشرين عاماً وأنا تائه في الأعمال، حتى شاء الله يوماً من الأيّام، وأنا راجع من عملي، إذا بي ألتقي بعالم جليل، فقال لي: ما الذي أنت فيه؟ فقلت: ما ترى أسعى بالرزق. فقال لي: هل لك أن تجعل لي يوماً من أُسبوعك؟ فأجبته: نعم، ونعمت عيني، فما زال يتردَّد عليَّ حتى جاء اليوم الذي ناقشت فيه رسالة الدكتوراه في تفسير القرآن الكريم، فلما دعيتُ للمناقشة وجلستُ إذا بشيخي وأستاذي يقوم مهابة لي وإجلالاً لما كان لي من العلم. فقلتُ: تفضّل يا شيخي وأُستاذي، وإذا به يقف أمام الجمع ويقول: هالني ما رأيت فيك من العلم والمعرفة بكتاب الله فعظّمتك وأجللتك، وعندئذ جلست وبكيتُ، فقال الشيخ: تبكي ونحن نريد أن نجلّك؟ فقلتُ: تذكّرتُ دعوة أبي رحمه الله، حيث كان يقول: اللهم ارزق ابني القرآن واجعله من أهله. فبلّغني الله هذه المنزلة.

ص: 120

وقد ترك لنا أهل البيت (عليهم السلام) نماذج عظيمة من الأدعية في مثل هذا المورد، ولعلَّ من أروع وأبلغ ما وقفنا عليه دُعاء للإمام علي زين

العابدين (عليه السلام) في حقِّ أولاده، يقول فيه:

«اللهمّ ومُ-نَّ عليَّ ببقاء وِلْدِي، وبإصلاحهم لي، وبإمتاعي بهم، إلهي امدد لي في أعمارهم، وزد لي في آجالهم، وربِّ لي صغيرهم، وقوِّ لِي ضعيفهم، وأصحّ لي أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم، وعافهم في أنفسهم وفي جوارحهم، وفي كلِّ ما عنيت به من أمرهم» (1).

وأمّا دعوة الوالد على ولده التي قال فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) :


1- الصحيفة السجادية، مصدر سابق: ص133 رقم: (25) .

ص: 121

«اتّقوا دعوة الوالد فإنها ترفع فوق السحاب، واتّقوا دعوة الوالد فإنها أحدُّ من السيف» (1)، فإنَّ أغلب مواردها تنشأ من حالة العقوق التي تُلازم بعض الأولاد، وهو من الكبائر العظام، بل هو من الكبائر التي على حدِّ الشرك وإدمان شرب الخمر، فقد ورد عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

«إنّ الله يرحم عصاة أمّتي في الليلة المباركة - ليلة القدر-. . . إلا ثمانية نفر: المشرك، والكاهن، والساحر، والعاقّ، وآكل الربا، ومدمن الخمر، والزاني، والماجن» (2).

وأمّا بخصوص العاقّ نفسه فقد ورد فيه قول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام

) : «ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله تعالى: دعاء الوالد لولده إذا برَّه، ودعوته عليه إذا عقَّه» (3)، وأمّا من النماذج والشواهد على ذلك، فقد ارتأينا نقلَ قصّةٍ مُؤثّرةٍ مرويّة عن الإمام الحسين (عليه السلام) حيث قال: «كنت مع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في الطواف في ليلة ديجوجة - مظلمة - قليلة النور وقد خلا الطواف، ونام الزوّار، وهدأت العيون، إذ سمعنا مُستغيثاً مُستجيراً مُترحِّماً بصوت حزين من قلب موجع، وهو يقول:

يا من يجيب دعا المضطرّ في الظُّلَم


1- عدّة الداعي، مصدر سابق: ص122.
2- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج13، ص(10)٩، الحديث: 11.
3- الأمالي، الشيخ الطوسي، مصدر سابق: ص2٨٠، الحديث: ٧٩.

ص: 122

قال الحسين بن عليّ (عليهما السلام) : فقال لي أبي: يا أبا عبد الله أسمعت المنادي لذنبه المستغيث ربَّه؟ فقلت: نعم، قد سمعته، فقال: اعتبره عسى أن تراه. . . ، فلمّا صرت بين الركن والمقام بدا لي شخص منتصب، فتأمّلته فإذا هو قائم، فقلت: السلام عليك أيها العبد المقرُّ المستقيل المستغفر المستجير، أجب بالله ابن عمِّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فأسرع في سجوده وقعوده وسلَّم، فلم يتكلَّم حتّى أشار بيده بأن: تقدَّمني، فتقدّمته فأتيت به أمير المؤمنين، فقلت: دونك ها هو، فنظر إليه فإذا هو شابّ حسن الوجه نقيّ الثياب. فقال له: ممَّن الرجل؟ فقال له: من بعض العرب. فقال له: ما حالك ومِمَّ بكاؤك واستغاثتك؟ فقال: ما حال من أُخذ بالعقوق، فهو في ضيقٍ ارتهنه المصاب وغمره الاكتئاب، فإن تاب فدعاؤه لا يستجاب، فقال له علي (عليه السلام) : ولِ-مَ ذاك؟ فقال: إنّي كنت ملتهياً في العرب باللعب والطرب، أديم العصيان في رجب وشعبان، وما أراقب الرحمن، وكان لي والد شفيق رفيق، يُحذّرني مصارع الحدثان، ويُخوِّفني العقاب بالنيران، ويقول: كم ضجَّ منك النهار والظلام والليالي والأيّام والشهور والأعوام والملائكة الكرام، وكان إذا ألحَّ عليَّ بالوعظ زجرته وانتهرته ووثبت عليه وضربته، فعمدت يوماً إلى شيء من الورق - الدراهم المضروبة - وكانت في الخباء، فذهبت لآخذها وأصرفها فيما كنت عليه، فما نعني عن أخذها، فأوجعته ضرباً ولويت يده، وأخذتها ومضيت، فأومأ بيده إلى ركبته يريد النهوض من مكانه ذلك، فلم يطق يُحرِّكها من شدَّة الوجع والألم، فأنشأ يقول:

ص: 123

جرت رحمٌ بيني وبين منازل ()

ثمَّ حلف بالله ليقدمنّ إلى بيت الله الحرام فيستعدي الله عليَّ، فصام أسابيع وصلّى ركعات، ودعا وخرج مُتوجِّها على عيرانة - نوع من الإبل - يقطع بالسير عرض الفلاة، ويطوي الأودية، ويعلو الجبال، حتّى قدم مكّة يومّ الحج الأكبر، فنزل عن راحلته وأقبل إلى بيت الله الحرام، فسعى وطاف به وتعلّق بأستاره وابتهل بدعائه وأنشأ يقول:

يا من إليه أتى الحجّاجُ بالجهد

قال: فو الذي سمك السماء وأنبع الماء ما استتمّ دعاءه حتّى نزل بي ما ترى، ثم كشف عن يمينه فإذا بجانبه قد شُلَّ، فأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو لي في الموضع الذي دعا به عليّ، فلم يجبني، حتّى إذا كان العام أنعم عليَّ، فخرجت به على ناقة عشراء - التي مضى لحملها عشرة أشهر- أَجِدُّ السير حثيثاً رجاء العافية، حتّى إذا كنّا على الأراك وحطمة

ص: 124

وادي السياك - يُتّخذ عوده للسواك- نَفَرَ طائرٌ في الليل فنفرت منه الناقةُ التي كان عليها، فألقته إلى قرار الوادي، فارفض بين الحجرين فقبرته هناك، وأعظم من ذلك أني لا أُعرف إلا المأخوذ بدعوة أبيه. . .» ، ثمَّ علَّمه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) دُعاء ليخرج من غائلة ما هو فيه، قال فيه الإمام الحسين (عليه السلام) : «

فكان سروري بفائدة الدعاء أشدَّ من سرور الرجل بعافيته» (1).

إشراق

اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف، وأبرّهما برَّ الأمّ الرؤوف، واجعل طاعتي لوالديَّ وبرّي بهما أقرَّ لعيني من رقدة الوسنان،

وأثلجَ لصدري من شربة الظمآن، حتّى أُوثر على هواي هواهما (2).

النموذج الثاني: دعاء المظلوم على ظالمه، ودعاؤه لمن انتصر له منه

وهنا سوف نعرض صورتين، الأولى تتعلَّق بدعاء لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والأُخرى تتعلَّق بدعاء لحفيده وسبطه الإمام الحسين (عليه السلام) .

الصورة الأُولى: بعد أن قصَّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) على قريش ما جرى عليه في الإسراء والمعراج، جاءه عتبة بن أبي لهب وقال: كفرت بالذي "دنا فتدلّى"، ثمَّ تفل في وجه النبيّ، فقال (صلى الله عليه وآله) : «

اللهم سلّط عليه كلباً من كلابك » ، فخرجوا إلى الشام فنزلوا منزلاً، فقال لهم راهب من الدير: هذه أرض مسبعة، فقال أبو لهب: يا معشر قريش أعينونا هذه


1- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج41، ص224، الحديث: 3٧.
2- من دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) لأبويه.

ص: 125

الليلة إني أخاف عليه دعوة محمد، فجمعوا جمالهم وفرشوا لعتبة في أعلاها، وناموا حوله، فجاء الأسد يتشمَّم وجوههم، ثم ثنى ذنبه فوثب، فضربه بيده ضربة واحدة، فخدشه، قال: قتلني، ومات مكانه» (1).

الصورة الثانية: ورد عن سيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه قد دعا الطاغية عمر بن سعد الذي قاد البغاة من بني أُميّة في كربلاء. فلما عزم ابن سعد على قتل الإمام الحسين (عليه السلام) وحرق خيامه وسبي نسائه، ولما رأى الإمام الحسين (عليه السلام) اشتداد الأمر عليه، وكثرة

العساكر عاكفة عليه كلّ منهم يريد قتله، أرسل إلى عمر بن سعد يطلب لقاءه، فخرج عمر بن سعد من الخيمة، وجلس مع الحسين (عليه السلام) ناحية من الناس، فتناجيا طويلاً.

فقال له الإمام الحسين (عليه السلام) :

ويحك يابن سعد! أما تتّقي الله الذي إليه معادك، أراك تقاتلني وتريد قتلي، وأنا ابنُ مَنْ قد علمتَ دون هؤلاء القوم، واتركهم وكن معي، فإنّه أقرب لك إلى الله تعالى.

فقال له: يا حسين إنّي أخاف أن تُهدم داري بالكوفة، وتُنهب أموالي.

فقال له الإمام الحسين (عليه السلام) :

أنا أبني لك خيراً من دارك.

فقال: أخشى أن تؤخذ ضياعي بالسواد.

فقال له الإمام الحسين (عليه السلام) :

أنا أعطيك من مالي البغيبغة وهي عين عظيمة بأرض الحجاز، وكان معاوية أعطاني في ثمنها ألف ألف دينار من الذهب فلم أبعه إيّاها. فلم يقبل عمر بن سعد شيئاً من ذلك.


1- الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، قم المقدّسة: ج1، ص56، الحديث: ٩3.

ص: 126

فانصرف عنه الإمام الحسين (عليه السلام) غضباناً عليه، وهو يقول:

ذبحك الله يا بن سعد على فراشك عاجلاً، ولا غفر لك يوم حشرك ونشرك، فو الله إني لأرجو أن لا تأكل من بُرِّ العراق إلا يسيراً.

فقال له عمر بن سعد مستهزئاً: يا حسين إنَّ في الشعير عوضاً عن البرّ، ث-ُمَّ رجع إلى عسكره (1)، فكان كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) ، حيث لم يصل إلى الريّ، وقتله المختار، بعد أن غفا ابن سعد وهو على

جواده، فحمله جواده إلى الكوفة، ليقف به أمام بيت المختار، وهكذا جاء المطلوب بدم الحسين (عليه السلام) ذليلاً مقرّناً بأصفاد دعاء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) عليه (2)، . . . ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (الأنعام: ٩6) ، نعم، . . . وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (البقرة: 74) .


1- انظر: مدينة المعاجز، للسيد هاشم البحراني، تحقيق: عزّة الله الهمداني، مؤسسة المعارف الإسلامية، ط1، 1413ه-، قم: ج3، ص4٨1، الحديث: 51.
2- ورد في بعض المقاتل أنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد دعا على عمر بن سعد بأن يُساق إلى حتفه رغم أنفه، وقد كان الأمر كذلك؛ حيث كان قد نام وهو على جواده فساقه جواده إلى المختار الثقفي فقتله، وقد ذكر ابن نما في رسالة شرح الثأر: «وقد كان الحسين (عليه السلام) قد دعا عليه أن يذبح على فراشه عاجلاً، ولا يغفر الله له يوم الحشر، وقال (عليه السلام) له في احتجاجه عليه: أنت تقتلني، تزع-م أن يولّيك الدعيّ ابن الدعيّ - يقصد عبيد الله بن زياد- بلاد الريّ وجرجان، والله لا تهنأ بذلك أبداً؛ عهداً معهوداً، فاصنع ما أنت صانع، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، كأنّي برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة يتراماه الصبيان ويتّخذونه غرضاً بينهم. فصار كما قال (عليه السلام)» . انظر: الكنى والألقاب، للشيخ عباس القمّي، مكتبة ا لصدر، ط5، 136٨ه-، طهران: ج1، ص3٠6.

ص: 127

هذا ابنُ سعدٍ لم يطع لإمامه

النموذج الثالث: دعاءُ رجلٍ مؤمنٍ لأخٍ لهُ مؤمنٍ واساهُ فينا، ودعاؤه عليه إذا لم يواسه مع القدرة عليه واضطرار أخيه إليه

يحتاج هذا العنوان إلى قليل من التوضيح، ث-ُمَّ نُعرِّج على عدّة أُمور تنبيهية ارتأينا أن تكون عوضاً عن عرض صور. أما التوضيح: فإنَّ المراد

من المقطع الأوّل: (

دعاءُ رجلٍ مؤمنٍ لأخٍ لهُ مؤمنٍ واساهُ فينا) ، هو أنَّ صاحب الحاجة إذا كان مؤمناً مُتمسِّكاً بالنبي (صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام) وطلب حاجته من أخيه المؤمن، فاستجاب له أخوه المؤمن، حب-ّاً بالنبيّ وآله (عليهم السلام) ، فإنَّ دُعاء صاحب الحاجة في حقِّ من قضاها له مُستجابة.

وأمّا المقطع الثاني:

(ودعاؤه عليه إذا لم يواسه مع القدرة عليه واضطرار أخيه إليه) ، فإنَّه يتحدّث عن صورة عدم استجابة ذلك المؤمن لأخيه المضطرّ إليه، مع إمكان قضائها إليه، فهنا إذا دعا عليه صاحب الحاجة التي لم تُقضَ له فإنَّ دُعاءه يكون مُستجاباً أيضاً.

ممَّا يعني أنَّ المقصود في قضاء حاجة الإخوان على خطر عظيم، ولذلك ينبغي الحذر الشديد من غلق الأبواب في وجوه المؤمنين، ولذلك ورد التحذير الشديد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث يقول: «

لو صدق السائل لما أفلح من ردّه » (1)، وحيث إنَّ كذب السائل غير معلوم فإنَّ على


1- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، ط2، 13٨٧ه-: ج1٩، ص2(10).

ص: 128

المسؤول المبادرة مع الإمكان أو الاعتذار له بما يُطيّب خاطره، ولو بكلمة طيبة فإنها صدقة على حدِّ تعبير النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) (1).

ونظراً لتحق-ّق الاستجابة فإنه يُفضَّل للمسؤول بعد قضاء حاجة إخوانه أن يطلب الدعاء ممَّن قصده، فقد ورد عنهم (عليهم السلام) :

«إذا أعطيتموهم فلقّنوهم الدعاء، فإنه يُستجاب الدعاءُ لهم فيكم. . .» (2).

أمّا الأُمور التي ينبغي التنبيه إليها، فهي:

الأمر الأول: الاجتناب قدر الإمكان عن السؤال. فكرامة المؤمن وحرمته أعزّ على الله تعالى من حرمة الكعبة، وليس للمؤمن أن يذلَّ نفسه، والصبر الجميل أولى من إهراق ماء الوجه، وما عند الله خير وأبقى، وما أعظمها من كلمة لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو يعظ ولده الإمام الحسن (عليه السلام) ، إذ يقول فيها: «

وأكرم نفسك عن كلّ دنيّة وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً » (3)، فإنَّ جمع المال إنما لحفظ كرامة النفس، فمهما بُذل للسائل فإنه يكون قد ضيَّع الهدف من جمع المال.

الأمر الثاني: ينبغي أن لا يطلب المؤمن حاجته عند الاضطرار من أيِّ أحد، فأصل السؤال ذلٌّ، وطلب الحاجة من غير أهلها ذلٌّ آخر، لعلّه هو


1- انظر: وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج5، ص233، الحديث: 3، في وصيّة الرسول (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر الغفاري (رحمه الله) .
2- فروع الكافي، مصدر سابق: ج4، ص1٧، الحديث: 1.
3- نهج البلاغة، مصدر سابق: ج3، ص51، رقم: 31.

ص: 129

الأدهى والأعظم والأمرّ (1)، بل دون ذلك الموت، فعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : «

أشدُّ من الموت طلب الحاجة من غير أهلها » (2)، ولذلك فإنَّ فوت الحاجة في مثل هذا المورد أولى من طلبها، كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : «

فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها » (3).

فإذا كان ولا بدَّ من السؤال فلا بدَّ أن تُضيَّق دائرته، وإن يُشخَّص مصداقه بدقّة، كيلا يحصل حرمان آخر. حرمان الفقد الأوّل، وحرمان الكرامة. وتشخيص دائرة الاضطرار أمر أهمّ من نفس الحاجة والسؤال، ولذلك ينبغي الالتفات إلى ما يُمكن أن يقع فيه السائل من خسارة معنوية كبيرة، قد يكون ثمنها الندامة الطويلة، التي لا يجبرها شيء على الإطلاق.

نعم، «إن اضطررتم - وليس الاضطرار إلا لقلّة البصيرة، وضعف اليقين بالله، لأنَّ من توكَّل على الله فهو حسبه- فاطلبوها من أهلها لأنّه إن قضاها قضاها بلا منّة ولا استهانة، وعلى وجه جزيل، وإن ردَّها ردَّها بوجه حسن، وعلى وجه جميل، ولا تطلبوها من غير أهلها، لأن تلك دنيّة حاضرة ومذلّة ظاهرة، وفوت الحوائج أحسن وأهون منها» (4).


1- سئل أحد الحكماء: أيّ الأشياء أمرّ مرارة؟ قال: الحاجة إلى الناس إذا طلبت من غير أهلها. وقال أكثم بن صيفي: كلّ سؤال وإنْ قلّ، أكثر من كلِّ نوال وإنْ جلّ. انظر: نهج السعادة، للشيخ محمد باقر المحمودي، مطبعة النعمان، ط1، 13٨5ه-، النجف الأشرف: ج٨، ص2٩5.
2- غرر الحكم، مصدر سابق: رقم (3213) .
3- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٧5، ص241، الحديث: 26.
4- شرح أصول الكافي، للمولى محمد صالح المازندراني، تعليق الميرزا أبو الحسن الشعراني: ج1، ص1٩1.

ص: 130

الأمر الثالث: ينبغي للسائل أن لا يسأل الناس فوق حاجته، أو فوق قدره، فذلك مُوجب للحرمان، كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :

«من سأل فوق قدره، استحقّ الحرمان» (1).

الأمر الرابع: ينبغي للسائل عند الاستجابة له أن يُعجِّل في الدعاء لقاضي حاجته، وأن يُسمعه ذلك، كما عليه عند المنع أن لا يتعجَّل بالدعاء على مانعه، فلعلَّ المانع كان له عذر، وإذا ما أراد أن يدعو على مانعه فليكن ذلك في السرّ، فإسماع المانع مُوجب لأذاه، وهو بحسب الفرض مؤمن، ولا يجوز إيذاء المؤمن.

الأمر الخامس: ينبغي أن لا يذهب الواهب بماء وجه السائل، فيكون قد أساء أكثر ممَّا أحسن، كما على السائل أن لا ينسى جميل الواهب، فيكون ناكراً للجميل، ومُستحقّاً للحرمان بدلاً من البذل.

الأمر السادس: على السائل والمسؤول أن يتفقَّها في دينهما، ومن جملة ذلك: التفقّه فيما نحن فيه، لكي يعرف السائل أثر السؤال، ويعرف المعطي قيمة العطاء، فالأمر ليس مُجرد قضاء حاجة عابرة، وليس مُجرد استجابة عاطفية، وإنما هو أبعد من ذلك بكثير، ولذلك لابدَّ من التفقّه في فقه المسألة وفقه العطيّة، فذلك أنجع مما يُمكن أن يُقال في هذا المجال، وقد ورد عن محمّد بن مسلم قال: قال: أبو جعفر الباقر (عليه السلام) :

«يا محمّد لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحداً، ولو يعلم المعطي ما في العطية


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج5، ص215، الحديث: ٨.

ص: 131

ما ردَّ أحد أحداً» (1)، ولولا ضيق المجال لبسطنا القول في ذلك، والحمد لله.

إشراق

كم من توفيق منعه إذلالُ النفس؟ وكم من فتحٍ أغلق بابه ذُلُّ السؤال؟ وكم من توقّعٍ جلب الخيبة والانكسار؟ وما كلُّ ذلك إلا لإبدال الباب باليباب (2)، وإبدال الفيَّاض بالمنَّاع.

أدعية أُخرى م-ستجابة

اشارة

لا يسعنا الوقوف عند جميع الأدعية المُستجابة، لعدم إمكان إحصائها أوّلاً، ولعدم وجود مساحة مناسبة لها في المقام، ولذلك ارتأينا التذكير بالبعض الآخر منها لِيُعلم بأنَّ الاستجابة لا تدور رحاها حول ما تقدَّم.

أمَّا الأدعية الأُخرى، فهي:

الأوّل: دعاء الإمام العادل لرعيته

وهو قول الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) : «

خمس دعوات لا يحجبن عن الربّ تبارك وتعالى: دعوة الإمام المقسط . . . » (3)، والمُقسط هو العادل في رعيّته.

الثاني: دعاء المريض عموماً، ولعائده خصوصاً

ففي استجابة دُعائه عموماً ورد قول الإمام الصادق (عليه السلام) : «

ثلاثة دعوتهم مستجابة: . . . ، والمريض فلا تغيظوه ولا تضجروه » (4).


1- فروع الكافي، مصدر سابق: ج4، ص2٠، الحديث: 2.
2- اليباب هو: الخراب والضياع.
3- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص36٩، الحديث: 2.
4- المصدر السابق: ج2، ص5٠٩، الحديث:1، باب (من تُستجاب دعوته) .

ص: 132

وأما استجابة دعائه في حقِّ عائديه، فقد ورد فيه عنه (عليه السلام) : «

إذا دخل أحدكم على أخيه عائداً له، فليسأله يدعو له، فإنَّ دعاءه مثل دعاء

الملائكة» (1)، وفي رواية أُخرى عنه (عليه السلام) يحثّ على زيارة المريض طلباً لدعائه: «

عودوا مرضاكم وسلوهم الدعاء، فإنه يعدل دعاء الملائكة» (2).

الثالث: دعاء الغازي في سبيل الله تعالى

وفيه قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «

ثلاثة دعوتهم مستجابة: . . . ، والغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه، . . .» (3)، والغازي الإلهي إنما دأبُه جعل كلمة الله تعالى هي العليا، وكلمة الباطل هي السفلى.

الرابع: دعاء الحاجّ أو المعتمر حتّى يرجع

وهو قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) :

«أربعة لا تُرَدّ لهم دعوة حتّى تفتح لهم أبواب السماء أو تصير إلى العرش: الوالد لولده، والمظلوم على من ظلمه، والمعتمر حتّى يرجع، والصائم حتّى يفطر» (4).

الخامس: ودعاء الصائم حتّى يفطر

وقد عرفت الحال ممَّا تقدَّم، ولعلَّ ذلك من مقتضيات قوله سبحانه في حديث قدسيّ مرويّ عن الإمام الصادق (عليه السلام

) : «الصوم لي وأنا

أجزي عليه» (5).


1- فروع الكافي، مصدر سابق: ج3، ص11٧، الحديث: 3.
2- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج2، ص421، الحديث: 5.
3- أصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص5٠٩، الحديث: 1، باب (من تُستجاب دعوته) .
4- المصدر السابق: ج2 ص3٧٠، الحديث: 6.
5- فروع الكافي، مصدر سابق: ج4، ص63، الحديث: 6.

ص: 133

السادس: دعاء الأطفال ما لم يقارفوا الذنوب

وهو قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : «

دعاء أطفال أُمّتي مستجاب ما لم يقارفوا الذنوب » (1)، وفي ذلك إشارة لطيفة إلى أهمّية الاهتمام بالأطفال، والعمل على تجنيبهم للموبقات، وحفظ فطرتهم من الخُلُق السيِّئ، فإنَّما الاستجابة لهم لطهارة قلوبهم، وحيث إنَّ الذنب له أثر وضعي كالخمر، يُؤثّر في المكلَّف وغير المكلَّف، ومن هنا نفهم قضية حرص الشارع المقدَّس على ضربهم على الصلاة وأخذهم للمساجد، فما ذلك إلا عملية وقائية لهم.

الدعوات الضالة التي لا يستجاب لها

اشارة

قبال الدعوات المُستجابة، هنالك دعوات ضالّة لا يُستجاب لها، والسرُّ في ذلك هو تقاطعها مع السنن الكونية والتشريعية الإلهية، فتكون هذه الأدعية مُجرّد لغوٍ، فهي: كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حتّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً. . . (النور: 3٩) ، بل هي أشبه ما تكون بالمُكاء والتصدية، فلا تعدل شيئاً في الميزان الإلهي، وسنحاول الوقوف إجمالاً عند أهمِّ تلك الدعوات الضالّة، والتي سيكتشف منها بعض الناس سرَّ عدم استجابة دُعائه، رُغم دأبه وتواصله وتوفير جملة من مقدّمات الدعاء الظاهرية، أما أهمّ هذه الدعوات الباطلة فهي:

الأُولى: الدعوة بما لا يكون

حيث يدعو الإنسان بما هو خارج عن السنن الكونية أو الشرعية،


1- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٩3، ص35٧، الحديث: 14.

ص: 134

غفلة منه أو تغافلاً، فيكون دعاؤه مُخالفاً لمقتضى الحكمة الإلهية في التكوين والتشريع، وقد ورد في ذلك عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) : « أنّ زيد بن صوحان قال لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) : أي دعوة أضلّ؟ قال (عليه السلام ) : الداعي بما لا يكون » (1)، أي: الداعي بما لا يستقيم مع السنن الكونية، أو بما لا ينسجم مع مقتضيات الشريعة، كما لو دعا لنفسه أو لغيره بالتمكين من اقتراف المعصية.

إنَّ سؤال الداعي بما يُناسبه يكون مُؤهِّلاً لقبول دعوته، بخلاف ما لو طلب شيئاً فوق مكنته، وقد ورد فيه عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال:

«من سأل فوق قدره استحقَّ الحرمان» (2)، كما لو طلب لنفسه الوجاهة والرئاسة وهو إنسان جاهل ووضيع، أو كمن طلب لنفسه مالاً وداراً ومركبةً وهو باقٍ على محدودية دخله، وهنا ينبغي التنبيه إلى أنَّ عدم استجابة هذه الدعوة ليس لبخل في ساحة الله تعالى، وإنَّما لأنَّ الدعاء لا يخرج عن دائرة الحكمة، ولو تمَّت الاستجابة لكلّ داعٍ فاقد بلا أن يُمهِّد لذلك فإنه لا يبقى فرق بين الداعي العامل وغيره، وهو قبيح في نفسه، - إنّما: مَثلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (هود: 24) - والداعي العامل على بيِّنة من ربّه، فهل يُقاس

بمن زيَّن له الشيطان بالكفّ عن العمل تواكلاً على الدعاء؟ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ (محمد: 14) ،


1- من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق، تحقيق: علي أكبر الغفاري، جامعة المدرسين، ط2، 14٠4ه-، قم المقدّسة: ج4، ص2٧4، الحديث: ٧2٩.
2- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج5، ص215، الحديث: 1.

ص: 135

تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (النجم: 22) .

الثانية: الدعوة لمظلمة وقعت عليه قد أوقع مثلها على غيره

ففي الحديث القدسي: «

يقول الله: وعزَّتي وجلالي، لا أجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة، ولأحَدٍ من خلقي عنده مظلمة مثلها» (1).

الثالثة: الدعوة بقطع رحم

إنَّ الرحم - كما ورد في الأخبار- مُعلَّقة بالعرش، فعن الفضيل بن يسار قال: قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) : «

الرحم معلَّقة يوم القيامة بالعرش تقول: اللهمّ صلْ من وصلني واقطع من قطعني» (2)، فكيف يُتصوَّر قبول الدعاء بقطعها؟ !

ولذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «

إنّ أصنافاً من أُمّتي لا يستجاب لهم. . . ورجل يدعو في قطيعة رحم» (3)، فهو داعٍ إلى إطفاء سُنّةٍ شرعية، ويُريد بجهله أن يُستجاب له!

الرابعة: الدعوة المجرّدة من العمل

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «

أربعة لا تستجاب لهم دعوة: رجل جالس في بيته يقول: اللهمّ ارزقني، فيُقال له: ألم آمرك بالطلب؟ . . .» (4)، وقد عرفت بأنَّ الاستجابة للعاطل الكسول المجافي للعمل يلزم منها رفع الفروقات بين العامل وغير العامل، وهو ممنوع، كما هو واضح.


1- الدعوات، مصدر سابق: ص25، الحديث: 3٩. والحديث مرويّ عن الإمام الصادق.
2- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص151، الحديث: (10).
3- فروع الكافي، مصدر سابق: ج5، ص6٨.
4- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص3٧٠، الحديث: 2.

ص: 136

فما مثل الداعي بلا عمل . . . إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ. . . (الرعد: 14) ، وقد ورد عن عمر بن يزيد أنه قال: «قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) : رجل قال: لأقعدنّ في بيتي، ولأصلينّ ولأصومنّ، ولأعبدنّ ربي، فأمّا رزقي فسيأتيني، فقال (عليه السلام

) : هذا أحد الثلاثة الذين لا يُستجابُ لهم» (1).

ولا تغفل عمّا تقدَّم في وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرّ الغفاري (رحمه الله) إذ قال له:

«. . . يا أبا ذرّ، مثلُ الذي يدعو بغيرِ عملٍ، كمثلِ الذي يرمي بغير وتر» (2).

إشراق

ما دُمتَ لي فالف-َق-ْدُ مفقود، وما دمت عازفاً عنّي فلا معنى للوجود، فخذني قرباناً ما دُمت رضيتَ منّي بمناجاتك.


1- فروع الكافي، مصدر سابق: ج5، ص٧٧، الحديث: 1.
2- وسائل الشيعة: ج٧، ص٨4، الحديث: 3.

ص: 137

الفصل السادس: الذنوب التي تحجُب الدعاء

اشارة

معنى الذنب

الذنب في فلسفة الكمالات الإلهية

سوءُ النيّة

خُبثُ السريرة

النفاقُ مع الإخوان

تركُ التصديق بالإجابة

الفائدة من نكتة الإلحاح

تأخير الصلوات المفروضات حتّى تذهبَ أوقاتُها

تركُ التقرب إلى الله عزَّ وجلَّ بالبرّ والصدقة

استعمالُ البَذاء والفُحْش في القول

ص: 138

ص: 139

الذنوب التي تحجب الدعاء

اشارة

بعد هذه الجولة اليسيرة في أسباب استجابة الدعاء، ينبغي لنا أن نقف قليلاً عند أهمّ الذنوب التي تحجب الدعاء، فإنَّ الوقوف عليها مُوجب لاختصار الطريق، وقد ورد في دعاء كميل المرويّ عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : «

وأعوذ بك من الذنوب التي تحبس الدعاء » (1)، وقد جاء ذكر هذه الذنوب في رواية عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) حيث يقول: «

والذنوب التي ترُدُّ الدعاء: سوءُ النيّة، وخبثُ السريرة، والنفاقُ مع الإخوان، وتركُ التصديق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتّى تذهبَ أوقاتُها، وتركُ التقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ بالبرِّ والصدقة، واستعمالُ البَذاء والفُحْش في القول» (2).

إنَّ كل واحد من هذه الذنوب السبعة يُمكن أن يكون سبباً مُباشراً لحجب الدعاء عن الوصول ومنع الاستجابة له، وهنا سوف نُحاول الوقوف عند ما يُقرِّبُنا ممَّا نتعاطاه في حياتنا اليومية. ولأجل فهمٍ أفضل، احتجنا إلى مقدّمة نُبيِّن فيها معنى الذنب، وبيان وجه اللبس في تضييق دائرته في النظر الاصطلاحي.


1- مصباح المتهجّد، مصدر سابق: ص5٧2.
2- معاني الأخبار، للشيخ الصدوق، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، ط4، 141٨ه-، قم المقدّسة: ص2٧1، الحديث: 2.

ص: 140

معنى الذنب

الذنب: هو الإثم والمعصية، فتُستعمل هذه الألفاظ بمعنى واحد، مع وجود فروقات مُحدودة ودقيقة رعايةً لأصل الوضع، عادة ما تغيب عند الاستعمال (1)، والجمع لمفردة الذنب هو: الذنوب (2).

في المفردات: «الذنب هو ذنَب الدابّة وغيرها معروف، ويعبَّر به عن المتأخّر والرذل، يُقال: هم أذناب القوم، والذنوب: الفرس الطويل الذَنب والدلو التي لها ذنب، والذنب في الأصل الأخذ بذنب الشيء، يقال ذنبته أصبت ذنبه؛ قال تعالى: فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ. . . (العنكبوت: 4٠) ، ويستعمل في كلّ فعل يُستَوخَم عقباه اعتباراً بذنب الشيء، ولهذا يُسمَّى الذنب تبعة؛ اعتباراً لما يحصل من عاقبته، وجمع الذنب ذنوب» (3).

وأمّا في الاصطلاح فيُراد بالذنب التجاوز على حدود الله تعالى،


1- هنالك مجموعة من المفردات قريبة المعنى في الاستعمال، ولكنها تشتمل على فروق لغوية، منها: الذنب والإثم والمعصية والخطية، فقد ورد أنَّ الفرق بين الإثم والذنب هو أنَّ الإثم في أصل اللغة التقصير، أثم يأثم إذا قصَّر، وأنَّ الفرق بين الخطأ والذنب هو أن الذنب يطلق على ما يقصد بالذات، وكذا السيئة والخطيئة تغلب على ما يقصد بالعرض، وقيل: الخطيئة هي السيئة الكبيرة، لأن الخطأ بالصغيرة أنسب والسوء بالكبيرة ألصق، وقيل: الخطيئة ما كان بين الإنسان وبين الله تعالى، والسيّئة ما كان بينه وبين العباد. انظر: الفروق اللغوية، مصدر سابق: ص15، ص221.
2- كتاب العين، للخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، مؤسسة دار الهجرة، ط2، 14٠٩ ه-، إيران: ج٨، ص1٩٠.
3- مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق: ص1٨1.

ص: 141

الثابتة شرعاً وعقلاً، قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ. . . (النساء: 13) ، أي: تلك أحكام الله تعالى، فمن أطاع الله سبحانه فيها يدخله جنّات.

وعادة ما ينحصر الذنب بترك الواجب وفعل المحرَّم، ولكنَّه تضييق لا مُوجب له، فإنَّ ترك الأمر الندبي ذنب، وفعل المكروه ذنب أيضاً، ويُوجبان العقوبة أيضاً، ولكنها عذابٌ في البرزخ أو عقوبة دخول النار في الآخرة، وإنما يُوجبان العتب، وعند الإصرار عليهما قد يُوجبان النفرة الإلهية عنه، بل لا يُستبعد صيرورة ذلك ذنباً اصطلاحياً، سواء بالعنوان الأوّلي أم الثانوي، فإنَّ رسوم العبودية تستدعي موافقتها، وأيّ خروج عنها يستوجب قدحاً في امتثال تلك الرسوم.

إنَّ الفهم الفقاهتي - والعرفي بالتبع- أعطى للذنب حدوداً ضيّقة، دون أن يُ-برِّز للمكلِّفين فلسفةَ لزوم رسوم العبودية، ولم يُؤسِّس لهم رُقيّاً في الفهم، فإنَّ العتب المُلاصق لترك الأمر الندبي وفعل المكروه أشدّ على النفس من العقوبة، فإنَّ العقوبة تكون بعيداً عن المولى والمثول أمامه، وأمَّا العتب، لاسيَّما الشديد منه، فإنه يكون من قبل المولى وأمامه، ولذلك يرى أرباب المعارف الإلهية أنَّ العقوبة أهون عليهم من العتب المولوي.

فإقصار النظر على جواز الترك، وجواز الفعل، وغضّ الطرف عن تبعات ذلك، إنَّما هو إغراء بالانطفاء، وتفريط بالكمالات، بل وتعويد

مُقدَّماتي لفعل المعصية، والاستخفاف بمولوية المولى.

الذنب في فلسفة الكمالات الإلهية

إنَّ الملمح الأول في فلسفة الكمالات الإلهية هو عدم الثبات،

ص: 142

فالإنسان مطلقاً إما في ارتفاع أو في انحدار، فلسفة خلت أبجديّتها من التوقُّف على كمال ما، فالمُقيم للصلاة في حالة ارتقاء دائمة، والتارك لها في حالة انحدار دائمة، وإن كان معذوراً في الترك، وهذه الصفة لا تقتصر على الأمر الواجب فعلاً والمحرَّم تركاً في صورة الإيجاب، ولا في العكس سلباً، وإنّما تشمل كلَّ تفصيلات الشريعة، فتدخل المستحبّات والمكروهات معاً، بل لا يبعد دخول المباحات أيضاً، فإنَّ المباحات لا تُمثّل صورة عبثية، وإنما هي حلقة في سلَّم التكامل.

وبذلك نخلص إلى أنَّ الذنب في فلسفة الكمالات الإلهية يعني ترك الارتقاء في السلّم الكمالي والانحدار والتسف-ُّل بلا توقُّف، وبذلك يكون تارك المندوب وفاعل المكروه مُنحدراً مُتسفِّ-لاً بلا توقُّف، وهذا الانحدار والتسف-ُّل حاصل حتماً، سواء كان المُذنب متعمداً أم مجبوراً، فالمريض إذا ترك الدواء عمداً أو سهواً أو اضطراراً فالنتيجة واحدة، وهي عدم التماثل للشفاء.

إذا كان الأمر كذلك، فإنَّ نظرة العبد للطاعة والمعصية سوف تختلف تماماً، بل سوف يحصل انقلاب في حركته التكاملية، وعنذئذٍ سوف نفهم بعمق معنى ندم الإنسان في الدار الآخرة على كلّ نَفَسٍ تنفَّسه بغير ذكر الله تعالى.

سوء النية

أمّا سوءُ النية فهي الداء الدفين على حدّ تعبير أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (1)، ويُراد به عدم استقامة نية الداعي، فهو أشبه ما يكون بمن يعبد


1- انظر: عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق: ص2٨4.

ص: 143

الله على حرفٍ، حيث يشترط الشروط ويُسيء الظنَّ بالله تعالى، يدعو وهو لا يجدُ ربَّه أهلاً لقضاءِ حاجته، فهو ممَّن يُبخِّلُ اللهَ سبحانه، وقد مرّ بنا في الحديث القدسي:

«أبخيلٌ أنا فيُبخّلني عبدي؟ أو ليس الجود والكرم لي؟» ، وهذا التبخيلُ وسوءُ الظنّ بالله تعالى إمّا أن يكون من باب اليأسِ من رَوحِ الله تعالى، أو لأنه يرى أنّ حاجته لا يقضيها إِلا فلان وفلان من دونِ اللهِ تعالى، ولذلك صحّ لنا أن نقولَ بأنَّ كلَّ من اعتقد أن حاجتَهُ سوف يقضيها فلانٌ من الناس من دونِ الله تعالى فهو سيّئُ النيّة، وسيّئ السريرة أيضاً.

وهنالك مصداقٌ آخر لسوء النيّة، وهو أنّ الداعي يرى نفسه غير مشمول برحمة الله تعالى، ليس لاتّهامه لنفسه بالتقصير، وإنما لأجل أنه لا يرى في الله تعالى صفةَ العفو، أي أنه يعتقد أنّ الله تعالى لن يغفرَ له، وهذا أمر في غاية السوء، ولا ريب بأنّ مرجعَ ذلك إلى سوء الظنّ بالله تعالى، وقد مرَّ بنا أنّ حُسنَ الظنّ بالله تعالى رُكنٌ من أركان الاستجابة، بل هو الملاك في الاستجابة بعد معرفة الله تعالى، وقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال:

«أحسنِ الظنَّ بالله فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي، إن خيراً فخيراً وإن شراً فشرّاً» (1).

خبثُ السريرة

السريرة مفرد جمعه السرائر، وهي باطن الإنسان أو بِطانته (2)، وهي


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص٧2، الحديث: 3.
2- انظر: لسان العرب، مصدر سابق: ج13، ص55.

ص: 144

المرادة بقوله تعالى: بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (القيامة: 14) ، وحيث إنَّها تعني بطانة الإنسان فذلك يعني أنها تعبير آخر عن نفس النيّة، فالنيّة هي باطن كلّ عمل وقول، وقد ورد في دعاءٍ للإمام علي السجاد (عليه السلام) : «

ونعوذ بك من سوء السريرة. . .» (1)، أي: من سوء النيّة.

وقد ترد السريرة بمعنى الضمير والضمائر، وهو قوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (الطارق: ٩) ، والضمير والضمائر من الإضمار، أي الشيء المخفيّ، فيكون المعنى موافقاً للبطانة وللنيّة.

وقد تُوافق بطانة الإنسان علانيته، وهو غير المنافق حتماً، سواء كان مفاد الظاهر والباطن حسناً، وهو حال المؤمن الحقيقي، أم سيّئاً، وهو حال الشقيّ الحقيقي، وقد يحصل عدم التوافق. فإن كان الظاهر حسناً والباطن سيّئاً فذلك هو النفاق بعينه، وإن كان الظاهر سيّئاً والباطن حسناً فهو مُسيءٌ أو فاسق أو بذيءٌ أو فحّاش، أو غير ذلك من الأوصاف التي مهما كانت فهي ليست الأسوأ من الصورة النفاقية الواقعية.

والذي نميل إليه هو أنّ هذه الحالة التي يحسن فيها الباطن دون الظاهر، تندرج ضمن المعنى العامّ للنفاق إلّا أنّه نفاق ظاهري وليس واقعيّاً، ولذلك فإنَّ صاحبها مُطالب بالتغيير، كما هو الحال بالنسبة لصاحب الصورة النفاقية، والتغيير في النفاق الظاهري أولى وأسهل على صاحبه، كما هو واضح.


1- الصحيفة السجّادية، مصدر سابق: ص6٩.

ص: 145

ثمَّ إنَّ لهذا الحسن الظاهري والخبث السرائري الباطني أسبابه، وهي موجبة لمنع استجابة الدعاء، وقد تعرّض لذلك الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بقوله:

«سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم، طمعاً في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربّهم، يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف، يعمُّهم الله بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم» (1).

وإذا اجتمع الظاهر والباطن على السوء والخبث فلا ريب بمنع استجابة الدعاء له، فهو الشقيّ حقيقة، وإن كان بحسب الظاهر هو أفضل حالاً من المنافق حقيقة.

وبذلك نخلص إلى أنَّ خبث السريرة والبطانة والضمير مانع تكويني من تحقّق استجابة الدعاء، سواء كان ذلك الباطن مُوافقاً للظاهر أم مخالفاً.

النفاق مع الإخوان

أمّا النفاق فهو مذموم على إطلاقه، وأشدّ موارده ذمّاً ما يقع بين الإخوان الذين تآخوا بالإسلام والإيمان؛ قال تعالى: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ. . . (الحجرات: (10)) ، والنفاق أسوأ مقاماً من الكفر، والشاهد على ذلك هو قوله تعالى: إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (النساء: 145) ، وليس دون الدرك الأسفل شيءٌ، وهذا واضح.

والمراد من النفاق بين الإخوان في المقام هو إظهار الحبِّ لهم وإضمار البغض، وإظهار النصح لهم وإضمار السوء، فيُم-ن-يهم بقضاء حاجاتهم


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص2٩6، الحديث: 14.

ص: 146

وهو يتحيَّن فرص الإيقاع بهم، يُواعدهم في الرخاء ويخذلهم في المُلمَّات، يُريهم لباس المُشفقين وهو من الشامتين، يُبدي لهم حزناً كاذباً وتأثّراً خادعاً بما ألمَّ بهم وهو أشدّ الفرحين باطناً بذلك، يتباكى في الظاهر فَرَقاً على ما أصابهم وهو نشوانٌ بما كاد الزمان لهم.

إنّها الشخصية الازدواجية حمَّالة الوجوه، لا همّ لها سوى رؤية الآخرين في عوزٍ وحاجةٍ وإذلال، مع أنه لا يقبض من ذلك شيئاً، ولكنّها النفس المريضة التي لا تُريد أن تُغادر ظلماتها، ولا تُريد أن تبرح شقوتها.

وعلى أيّ حال، فإنَّ النفاق وإن كان خُلقاً سيّئاً بنفسه، بل هو أسوأ خُلقٍ على الإطلاق، وإنه مُوجب لإيقاع صاحبه في الدرك الأسفل من النار، إلا أنه يشتمل على مراتب في تسفّله، وإنَّ أسوأ مرتبة منه هي مُمارسة النفاق بين صفوف المؤمنين، فإنَّ الدوائر الأُخرى يُتوقَّع منها ذلك، ولكنَّ ساحة المؤمنين الذين تجمعهم أواصر الأُخوّة الحقيقية يجب أن تكون خالية وطاهرة من براثن النفاق، من هنا فإنَّ أوّل أثر وضعيّ يجلبه النفاق بين الإخوان المؤمنين هو سلب توفيق استجابة الدعاء لهم.

ولرحمة الله الواسعة بخلقه فإنه لم يترك داءً بلا علاج، ومنها الأمراض المعنوية، ولا ريب بأنَّ النفاق من أسوأ الأمراض المعنوية، وقد شاء الله تعالى أن يكون الرافع له أمراً يتضمّن الإقرار بالنبوّة وتوابعها، وقد جعله سهلاً على اللسان ثقيلاً في الميزان، وهو الصلاة على محمّد وآل محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

الصلاة عليَّ وعلى أهل بيتي تذهب

ص: 147

بالنفاق» (1)، وعنهما أيضاً، قال: «سمعته يقول (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليَّ فإنها تذهب بالنفاق» (2)، فيا له من كنز، ويا له من دواء ناجع، يستلُّ الداء من جذوره، ومن استُلَّ منه داء النفاق هان عليه كلُّ شيء، وصلح عليه الأمر وصار موضعاً لقبول الحقِّ.

ولكن ما تقول لمن غلبت عليه شقوته، فينحبس لسانه، أو يحبسه عن ذكر أهل البيت (عليهم السلام) ، وينقبض قلبه، وتشمئزُّ نفسه، ووالله لو كان مأموراً ببغضهم لما فعل أكثر من ذلك!

وينبغي أن يُعلم بأنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) هو من حصر هذا العلاج بالصلاة عليه وعلى آله (عليهم السلام) ، فمن حذف من ذلك شيئاً، أو أضاف شيئاً يكون قد خالف النبي (صلى الله عليه وآله) وعانده في تشخيصه، فمن فعل ذلك سهواً أو غفلة منه لم تجلب له صلاته شيئاً، ومن فعل ذلك عمداً فعليه دائرة السوء، فافهم وتدبّر.

ترك التصديق بالإجابة

مرَّ بنا في أسباب استجابة الدعاء أمران، الأوّل هو الاعتقاد الراسخ بأنَّ الله تعالى سوف يستجيب دعاءك، والثاني هو عدم اليأس من روح الله تعالى حتّى وإن تأخّر الدعاء عن زمان حاجتك الظاهري، وهنا يتأكّد لنا أنَّ ترك التصديق باستجابة الدعاء ذنب حقيقيّ مُوجب لمنع استجابة الدعاء، ولا ريب بأنَّ التصديق في المقام يُقابل التكذيبَ والشكَّ معاً، فمن جرى على


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص4٩1، الحديث: 1.
2- المصدر السابق: ج2، ص4٩3، الحديث: 13.

ص: 148

قلبه شكّ في تحقّق المطلوب يكون قد أغلق على نفسه باب الاستجابة.

ومن الواضح بأنَّ عدم التصديق هذا، أو الشكّ في الإجابة، مُؤشِّر خطير جدّاً يتعلّق بعقيدة الداعي، فالمسألة لا تتوقَّف عند الشكِّ نفسه وإنما تقودنا إلى أنَّ الداعي كان ضعيف الإيمان بقدرة الله تعالى، وظانّاً أنه سبحانه ليس هو المتصرّف في الكون، وأنَّ هنالك فقراً في ساحته المقدّسة، وغير ذلك من الأمراض الوبيلة والتوهّمات القاتلة. لذلك على الداعي أن يتحقَّق من نكتة التصديق بالإجابة لما لها من توابع ونتائج خطيرة جداً، منها ما يتعلَّق بالحالة النفاقية، فإنَّ الداعي ربَّه وهو يظنُّ بعدم قضاء حاجته، يكون قد مارس النفاق عملياً، لأنه يقول لله سبحانه: اقض لي حاجتي، وهو يضمر في قلبه عدم إمكان قضائها له، ففي مثل هذه الحالة كفّ الدعاء أولى من التعاطي معه، ولعلّ هنالك إشارة لهذا المعنى في قوله تعالى: وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً (الفتح: 6) ، فإنَّ الصورة النفاقية يُرافقها سوء الظنِّ عادة، بل هما وجهان لعملة واحدة، وهي الشكّ بالله تعالى وبوحدانيته وسلطانه الأعظم في سير العالم بأسره.

من هنا نجد الشارع المقدَّس قد نبَّه كثيراً إلى أهمّية التصديق بالإجابة في موارد عديدة، لدفع غائلة سوء الظن والانخراط في دوائر الشكِّ التي لا تنتهي عند حدٍّ معين، ومن جملة تلك النصوص ما جاء عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه: « إذا دعوت فظنَّ أنّ حاجتك بالباب » (1)، وعنه


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص4٧3، الحديث: 1، باب اليقين في الدعاء.

ص: 149

(عليه السلام) أيضاً: « إنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساهٍ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك، ثم استيقن بالإجابة » (1).

الفائدة من نكتة الإلحاح

في ضوء ما تقدَّم في ضرورة التصديق بالإجابة، نَودُّ التنبيه إلى أنَّ الداعي عليه أن يُكرِّر طرق الباب بكثرة الدعاء، فلا يلهج بطلب حاجته في الدعاء مرَّة أو مرَّتين، ث-ُمَّ يتقاعس عن التواصل ظنّاً منه بعدم الاستجابة، أو ظنّاً منه بكفاية ذلك، فإنَّ من الحاجات ما لا تُقضى إلا

بواسطة الإلحاح في الطلب، وهذا الإلحاح ندب إليه الشارع المقدَّس، لأنه شعار يحكي عبودية العبد، وهو داعٍ للكمال، بغضِّ النظر عن تحقُّق المطلوب الأوّل في الدعاء؛ فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «

والله لا يلحُّ عبدٌ مؤمنٌ على الله عزَّ وجلَّ في حاجته إلّا قضاها له» (2)، وعنه (عليه السلام) أيضاً:

«إنَّ الله عزَّ وجلَّ كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة، وأحبَّ ذلك لنفسه، إنَّ الله عزَّ وجلَّ يُحبُّ أن يُسأل ويُطلب ما عنده» (3).

وينبغي أن لا يكون أكبر همّ الداعي هو قضاء حاجته، فذلك قد يعميه عن حقيقة الدعاء، ويُوقعه في المحذور، وهو سوء الظنّ بالله تعالى - والعياذ بالله تعالى - ولذلك كان الرسول الأكرم (عليه السلام) يُربّي الأُمّة على حسن الظنّ بالله تعالى، وعلى كون الدعاء عالماً كمالياً يقود الإنسان


1- المصدر السابق: ج2، ص4٧3، الحديث: 1، باب الإقبال في الدعاء.
2- المصدر السابق: ج2، ص4٧5، الحديث: 3.
3- المصدر السابق: ج2، ص4٧5، الحديث: 4.

ص: 150

المؤمن إلى السعادة والنجاة، فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله) :

«رحم الله عبداً طلب من الله عزَّ وجلّ حاجةً فألحّ في الدعاء، استجيب له أو لم يستجب له، وتلا (1)هذه الآية: وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً (مريم: 4٨)» (2).

تأخير الصلوات المفروضات

وأما تأخير الصلوات المفروضات حتّى تذهبَ أوقاتُها فهو أمر واضح وبيِّن، وما نُريد إلفات النظر إليه هو أنَّ تأخير الصلاة له مصداقان، الأوّل يعني ذهاب فضيلتها، وهو الوقتُ الأوّل، وهذا أمر مُوجب لذهاب البركة عن الرزق، فمن أراد التوسعة في الرزق فعليه الإتيان بالصلاة في أوّل وقتها، وأما المصداق الآخر فهو ذهابُ تمامِ وقتها وصيرورتُها قضاءً، وهذا هو الوقت الثاني، وهو أمر مُوجب لسدّ أبواب استجابة الدعاء، بل هو يمنع من أصل ارتفاع الدعاء فضلاً عن عدم الاستجابة له.

تركُ التقرّب إلى الله عزَّ وجلّ بالبرّ والصدقة

إنَّ الصدقات المُستحبّة توطِّد العلاقة بين العبد وربِّه، وهذا ما يجعله قريباً من مولاه، ومن ثمَّ يكون مُؤهَّلاً لاستجابة دعائه وقبول تضرُّعه، علماً بأنَّ مطلق الصدقات بل مُطلق العبادات لا ينتفع بها الله تعالى، ولا يتضرّر بتركها، لأنه الغنيّ الحميد، وهو مع ذلك اعتبر الصدقات قرضاً


1- أي: وتلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الآية بعد أن قدَّم ذلك الدرس التربوي.
2- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص4٧5، الحديث: 6.

ص: 151

حسناً يُقدّمه العبد لله تعالى، إما لكي يطمئنّ العبد بأصل تحقّق الجزاء، أو ليطمع العبد بالجزاء الوفير، ومن الواضح بأنه لا توجد مؤسّسة أو جهة في العالم بأسره تدفع أرباحاً عشرة أضعافٍ وزيادة وهي لا تنتفع بأصل المال غير الله تعالى، وهذا ما يُقوِّي الداعي في العبد للتصدُّق، فالمطلوب هو تقوية الأواصر لتحصيل الكمالات الإلهية.

وعليه فترك التصدُّق المندوب، فضلاً عن الواجب منه، يُوجب البُعد عنه سبحانه، وعنينا بالتصدُّق المندوب قصد وجه القربى، فلعلَّ هنالك من يتصدَّق على الفقراء والمحتاجين بداعٍ إنساني، أو لمصلحة خاصّة به، دون أن يكون قاصداً وجه الله تعالى، فعمله هذا لا يُؤجَر عليه، لأنَّ الأجر والثواب يترتَّبان على قصد القُربة، ولكنه لعدله تعالى ولطفه به يُجري عليه جميع الآثار الوضعية المترتّبة على تصدّقه، كالإطالة في العمر والزيادة في الرزق و. . . ، وأمّا أصل القرب ونيل القبول والاستجابة للدعاء فذلك أمر آخر، فالمراد في المقام هو طلب القرب من الله تعالى بواسطة الصدقات، فهذا العمل المندوب إليه مُوجب لتحقيق مقدَّمةٍ مُهمّةٍ تُسهم في استجابة الدعاء، وبذلك يكون التارك لهذا العمل قد ارتكب ذنباً، وهذا الذنب لا يترتّب عليه عقوبة لأنَّ ترك التصدّق المندوب لا يُوجب العقوبة الأُخروية، ولكنه ذنب لأصل ترك الندب الشرعي، فترك المستحبّات ذنب بلا إشكال، ولكنه لا يترتّب عليه عقوبة أُخروية، كما عرفت، وأمّا ما يترتّب على ذنب ترك المُستحبّات فهو قلَّة التوفيق وإيقاع النفس في مطبَّات الآثار الوضعية لأصل الترك الندبي، ومن جملة الآثار الوضعية وقلَّة التوفيق لترك التصدّق المندوب: حجب

ص: 152

الدعاء، وهذه خسارة عظيمة لا تُعوَّض بمال الدنيا بأسره.

وبذلك نخلص إلى نتيجة في غاية الخطورة، وهي أنَّ ترك العمل الندبي ذنب وعقوبته تضييق دائرة التوفيق والوقوع في جميع مطبّات الآثار الوضعية لأصل الترك، فالعمل الندبي له آثار وضعية عند الفعل، وله آثار وضعية عند الترك، فيكون امتثال العمل الندبي مُوجباً لجلب الآثار الوضعية الإيجابية للعمل ومُوجباً لدفع الآثار الوضعية السلبية، ممَّا يعني

أنَّ فاعل جميع الواجبات دون المستحبّات، وتارك جميع المحرَّمات دون المكروهات، يكون مُذنباً لا محالة وعلى مُستويين، على مستوى ترك المستحبّ والمندوب، وعلى مستوى فعل المكروه، وهذان المستويان يُوجبان تضييق دائرة التوفيق، والمنع من تلقّي الآثار الإيجابية لفعل المندوب وترك المكروه، وجلب الآثار السلبية لترك المندوب وفعل المكروه.

إنَّها فلسفة تلقِّي الكمالات الإلهية، فالفعل رافع والترك خافض، فلا يُتصوّر بأنَّ الترك يعني الوقوف على نفس المرتبة التي كان عليها الإنسان قبل الترك، وهذه الفلسفة الكمالية والتكاملية جارية في جميع أقسام التكاليف الشرعية، ومن هنا سوف نفهم بوضوح مراد صادق أهل البيت جعفر بن محمّد (عليه السلام) حيث يقول: «

من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرّهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة» (1).


1- معاني الأخبار، مصدر سابق: ص342، الحديث: 3.

ص: 153

انظر وتأمّل في قوله (عليه السلام) : «

ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة» ، إنها فلسفة الكمالات التي خلت أبجديّتها من التوقُّف على كمال ما، كما تقدَّم، فإما إلى ارتفاع أو إلى انخفاض، فلسفة مليئة بالحياة والحركة، فلسفة نستجلي من خلالها معنى الخلود وعظمته، وهذا ما نأمل الوقوف عنده في مناسبات أُخرى.

البذاء والفحش في القول

وأما البَذاء والفُحْش في القول، فالبَذاء - بالفتح والمدّ - والبذاءةُ اصطلاحًا هي التعبيرُ عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة، والبذاءُ هو نفسه قول الفُحش، نقل المناوي عن الراغب قوله: «البَذاء: الكلام القبيح يكون من القوة الشهوية طوراً ومن القوة الغضبية طوراً، فمتى كان معه استعانة بالقوة المفكّرة كان منه السباب، ومتى كان من مجرّد الغضب كان صوتاً مجرداً لا يفيد نطقاً كما يرى ممَّن فار غضبُهُ وهاج هائجُهُ» (1)، وفي الفحّاش والبذَّاء قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «

إنَّ الله حرَّم الجنّة على كل فحّاشٍ بذئٍ قليلِ الحياء، لا يُبالي بما قال ولا ما قيل فيه» (2).

وأمّا علاج من ابتلي بالبذاءة والفُحش فهو تعويدُ لسانِهِ القولَ


1- فيض القدير شرح الجامع الصغير، محمد عبد الرؤوف المناوي، تحقيق أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية، ط1، 1415ه-، بيروت: ج3، ص2٨3.
2- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج11، ص32٩، الحديث: 2، الباب ٧2 من أبواب جهاد النفس.

ص: 154

الجميلَ ولزومَ الصمتِ أو الذكرِ فإنَّ الإكثارَ منه يُزيلُ هذا الداء (1)، وهو ما يُسمّى بالتطبيع ابتداءً، حتّى يصير ذلك فيه ملكة، ويتحوَّل التطبيع إلى طبع، وهو أمر ليس باليسير، ولكنه ليس بالمستحيل.

إشراق

إنما البذاءة والفُحش في جريان الغير على لسان الفطرة، وسوءُ النية في إضمار سواه، وخبثُ السريرة يكمن في تعلُّقات القلب في طلب ما هو زائل، وكلُّ من أخّر حضور الحقِّ للغير عند الفقد برهةً يكون ممَّن أذهب أوقات الصلوات المفروضة، هل علمتَ؟ فاعمل.


1- المصدر السابق: ج3، ص2٨3.

ص: 155

الفصل السابع: علاقة قانون العلية بالدعاء

اشارة

إشكالية الصراع بين الإرادة الإلهية وقانون العلية

الوجه الأوّل

الوجه الثاني

الوجه الثالث

الوجه الرابع

علاقة الدعاء بالبداء

إشراق

ص: 156

ص: 157

العلاقة بين قانون العلية الحتمي

والدعاء المُفضي للتغيير

نحتاج الآن أن نقف عندَ إشكاليةٍ مُهمّةٍ ودقيقة تتعلّق بإمكان نفوذ الدعاء، ومفاد هذه الإشكالية هو أننا عادة ما ندعو اللهَ تعالى لأجل تغييرِ أحوالِنا من حالٍ إلى أفضلِ حال، فإذا كان ذلك التغيير جارياً وفقَ قانون العلية والمعلولية فلا معنى لأصل الدعاء ما دام الحاكم هو نفس القانون الحتمي، أي مع الحتمية لا مجالَ للتغيير، وإذا كان التغيير غير جارٍ وفق قانون العلية والمعلولية فذلك إسقاطٌ واضح لذلك القانون المُحكم، وهو باطل بالوجدان، فكيف يتمُّ التوفيق بين جدوائية الدعاء مع عدم إبطال قانون العلية؟

فالإشكالية تدور حول ما يُتوهّم حصولُهُ من صراع بين الإرادة الإلهية القاضية بالتغيير الحقيقي عند الدعاء وبين قانون العلية المُحكم.

والجواب عن ذلك نُحرِّرُه بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ التغييرَ التابعَ للدعاء هو مفردة من مفردات قانون العلّية، بمعنى أنَّ الله تعالى قد جعل لكلّ مُسبَّبٍ سبباً فعلياً، ولكلّ معلول علّة حقيقية، والدعاء سبب وعلّة في التغيير، والتغيير مُسبَّبٌ ومعلولٌ للدعاء، فلا معنى لتصوِّر الإشكال لأنه ساقط من رأس.

ص: 158

وعليه فقانون العلّية هو الحاكم في عالم الحسّ بأسره، ومفاد الدعاء مُندرج ضمن ذلك النظام، حيث جُعلت من فقراته توقُّف تغيير الحال على الدعاء، وهذا المعنى مُنسجم تماماً مع قوله تعالى: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (البقرة: 1٨6) ، فالقضية هنا شرطية محضة، فإجابةُ الدعوة مُسبَّبةٌ لسبب حقيقي وهو تحقق التوجُّهِ بالدعاء له تعالى بلا شوبٍ ولا غطش.

الوجه الثاني: وهو وجه يعتمد على إبقاء نظام العلّية والمعلولية على مجراه أيضاً ودون أن يخرمَه شيء، مع جريان التغيير بواسطة الدعاء.

تقريبه : إنَّ نظام العلّية نظام كلّي لا يختلف ولا يتخلَّف أبداً، وإنَّ الدعاء طريق معرفي يُبصِّر الداعي بموارد تطبيق ذلك النظام، فمن الواضح جداً أن لا يُوجد مدّعٍ في العالم القديم والحديث يدَّعي الوقوف على التفصيلات التطبيقية لنظام العلّية والمعلولية، فنحن لا نُعدم بين الفينةِ والأُخرى اكتشاف سرٍّ جديدٍ يندرج ضمنَ نظام العلية والمعلولية، ولا ريب بأنّ الأسرار غير المُكتشفة لها النصيب الأعظم، عملاً بالقاعدة القرآنية القائلة: . . . وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (الإسراء: ٨5) ، وهنا تدور رحى العوامل المعرفية للدعاء، حيث الاستجابة تكون بواسطة التعريف بموارد التغيير التي لم تكن معلومة للداعي، ولعلَّ من شواهد هذا الأمر الوجدان، حيث يُلاحظ كلّ واحد منا في آنٍ ما أمراً في غاية الأهمية، لم يتدبَّر فيه من قبل، ولم يخطر على باله أبداً، ولكنَّه كان كثير السؤال بالتوفيق، وهذه الالتفاتة للأمر الخفي وكشف السرّ له، استجابةٌ لذلك الدعاء، فيكون مفاد الدعاء هو التوفيق لتحقيق المقاصد بأقصر الطرق.

ص: 159

الوجه الثالث: م-َنْ قال إنَّ النظام الحاكم في هذا العالم مقتصرٌ على نظام العلية والمعلولية؟ فإنَّ الاعتقاد بذلك موافقٌ تماماً لمقولةِ اليهود التي قرَّرها القرآنُ في قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ (المائدة: 64) ، حيث كانوا يرون أن الله تعالى غير قادر على إجراء تغيير في العالم بعد خلقِه إياه، فالعالم يقودُ نفسَه، ومن هذا القبيل مقولة المعتزلة حيث يرون أن الإنسانَ خارجٌ في أفعاله عن سلطان الله تعالى، أي أن اللهَ تعالى فوَّض للعبد أن يفعل ما يشاء دون أن تكون هنالك قوّةٌ مانعة، وبذلك أثبتوا المشيئة المطلقة للإنسان وأبطلوا المشيئة الإلهية في ذلك.

وقد ردّ القرآنُ الكريمُ على هذه العقيدة الفاسدة في الآية أعلاه، بقوله: . . . غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم. . . (المائدة: 64) ، ومن لطائفِ الجواب في هذه الآية الكريمة التعبير بأُسلوب التثنية، فقال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ بعدما عبّر اليهود المعروفون بحبِّ المال والبخلِ الشديد بأُسلوب المفرد، فقالوا: يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ، فالله تعالى من كرمه ولكرمه عبَّر بالتثنية، وأُولئك من بخلهم ولبخلهم عبَّروا بالمفرد.

وأقول: كيف تكون يده مغلولة وبيدهِ كلّ شيء؟ وكيف يعجز عن شيء وهو القائل: إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (الحجّ: 14) ؟ وهو القائل أيضاً: مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ (فاطر: 2) ؟ وسوف تكون لنا وقفة أُخرى عند الآية السالفة في موضع آخر من هذا الفصل.

والخلاصة في هذا الوجه الثالث كلِّه هو توقُّف قانون العلّية والمعلولية

ص: 160

على عدم إرادة شيء آخر، فالحاكم المطلق هو إرادة الله تعالى ومشيئته، ومن جملة تلك الإرادة والمشيئة تعليقيةُ قانون العلّية على عدم إرادة الخلاف تبعاً للمصالح والمفاسد، وهذا لا يعني تعطيل قانون العلّية، وإنّما تحديد دوائر جريانه، كما هو الحال تماماً بالنسبة للأحكام الشرعية الاختيارية المنفيّة بالأحكام الاضطرارية عند وقوع الضرورة. فأكل الميتة محرّمٌ قطعاً، ولكنّ هذه الحرمة تعليقية، بمعنى أنها مقيّدة بالاختيار، فإذا اضطرّ العبدُ لأكل الميتة حفاظاً على نفسه المحترمة فإنّ الحرمة سوف تكون مرفوعة في حقِّهِ.

في ضوء هذا الوجه الوجيه، لك أن تفهم فلسفة الإعجاز بعدما وقع تخبّط كبير في تبريره، حيث برّره المشهور بأنَّه كشف سرٍّ من أسرار الطبيعة، خارجٍ عن قدرة إدراك البشر، غيرِ خارق لنظام الطبيعة، وقانون العلية، فمعنى قولهم بأنَّ المعجزة أمر خارق هو أنَّها جاءت بسرٍّ وحقيقة بعيدة عن تناول عقول البشر، ولكن دون أن تخرج عن نظام العلية؛ فعلّة المعجزة هي كشف السرّ، ممَّا يعني أنَّهم جعلوا نظام العلّية هو الحاكم الأوّل والأخير في الوجود، فسلبوا الله تعالى سلطانه، كما فعل المعتزلة أيضاً.

إنَّ الاعتقاد بالحاكمية المطلقة لقانون العلّية لا يُبقي للإعجاز الحقيقي مجالاً، ولا للدعاء معنى، كما أنَّه يُغلق الباب تماماً بوجه البداء، كما سيأتي.

بل إنَّه تصريح بمقولة اليهود المُتقدِّمة، وتلويح بالجبر.

الوجه الرابع: ذُكر في البحوث الفلسفية أن عالم الإمكان له مراتبُ ثلاثة بينها علاقة وشيجة، وهي علاقة العلّية والمعلولية، وهذه العوالم هي: عالم العقل (الجبروت) وعالم المثال (الملكوت) وعالم المادّة (المُلك) ،

ص: 161

وعالم العقل علَّة لعالم المثال، وعالم المثال علَّة لعالم المادّة، ومعنى العلّية هو الابتداء والبقاء، أي أنَّ عالم العقل هو علَّة في إيجاد عالم الملكوت وعلّة في بقائه، وهكذا في عالم المثال قياساً لعالم المُلك.

وعليه فعالم المادّة والمُلك هو عالم مُفاض من عالم المثال والملكوت، وعالم المثال والملكوت عالم مُفاض من عالم العقل والجبروت، وهذه الإفاضة مذ كانت لم تنقطع أبداً، وبالتالي فإنّ المؤث-ِّر في عالم المادّة والملك هو عالم المثال والمُلكوت، ونحن بقليل من التأمّل سوف نجد أنَّ الدعاء وإن كان أثره مُلكياً في حياة الإنسان، إلّا أنَّ تأثيرَهُ ومؤثّرَهُ ملكوتيّ. ومن الواضح جدّاً بأنَّ نظام العلَّة والمعلول المنظور في المقام (في أصل الإشكالية) مجاله عالم المادّة والمُلك المُفاض والمحكوم من قبل عالم المثال والملكوت، ومن ثم فإنّ الدعاء سوف يكون حاكماً على نظام العلّية المادّية المُلكية؛ لأنّ الدعاء عالمه الفعلي هو المثال والملكوت.

بعبارة أُخرى: إنَّ الدعاء مفردة ملكوتية، ونظام العلّية مفردة مُلكية. وتبعاً لمحكومية عالم المُلك لعالم الملكوت، يكون نظام العلِّية محكوماً للدعاء.

إلى هنا نكتفي بهذه الأجوبة الأربعة لننتقل إلى بحث آخر يتعلَّق بأهمِّية الدعاء بالمأثور، وأثره الواضح في تحقّق الاستجابة.

علاقة الدعاء بالبداء

يُعتبر البداء من المسائل العقائدية المهمَّة التي اختصَّت بها مدرسة أهل البيت (1)، حتّى لاقوا من قبل خصومهم على مرّ العصور من الطعن


1- ولأهمية هذا البحث نُلاحظ أنَّ أعلام مُحدّثينا قد أفردوا له باباً مستقلاً، كما هو الحال بالنسبة للكليني في الكافي، انظر: أُصول الكافي: ج2، ص146، باب البداء.

ص: 162

والتشنيع في ذلك ما يكشف للعيان عن سوء فَهم واضح لدى الخصوم، إما لشبهة اعترضتهم، كما اعترضت اليهود في ذلك، حتّى بلغ بهم الأمر أن يصفوا الله - جلَّت قدرته- بأنّ يده مغلولة، وذلك في قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ. . . ، فأجابهم سبحانه: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم. . . (المائدة: 64) ، وإما لسوء قصد بعدما أدركوا ضرورته، فمنعهم العود ولم يتقوا الله في أنفسهم، فَهُم كما قال سبحانه: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِث-ْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (البقرة: 206) ، ونِعْمَ ما أوجزه فيهم السيّد المحقِّق الخوئي حيث يقول: «وأنهم لم يُحسنوا في الفَهم، ولم يُحسنوا في النقد، وليتهم إذ لم يعرفوا تثب-َّتوا أو توقَّفوا كما تفرضه الأمانة في النقل، وكما تقتضيه الحيطة في الحكم، والورع في الدين» (1).

وعلى أيّ حال، فإنّ أعظم نقض يرد على النافين لمقولة البداء هو الدعاء نفسه، فمن فَهم حقيقة الدعاء يكون مُلتزماً بالبداء، ومن لم يلتزم بالبداء فإنه لم يفهم الأمرين معاً، فالذي تعترضه شبهة في تصوير البداء فإنَّها ستعترضه شكلاً ومضموناً في تصوير حقيقة الدعاء، وقوله تعالى: يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (الرعد: 3٩) جارٍ في الأمرين معاً بلا فاصلة ولا تفصيل.

وهل البداء إلا وجه من وجوه النسخ، غاية الأمر أنه نسخ في عالم التكوين، والنسخ الاصطلاحي يقع في عالم التشريع، فمن تصوَّر إزالة


1- البيان في تفسير القرآن، للسيد أبي القاسم الخوئي، نشر مؤسسة إحياء تراث الإمام الخوئي (قدّس سرّه) ، ط1، 1413ه-، قم المقدّسة: ص3٨3.

ص: 163

حكم ثابت بحكم لاحق لانتهاء أمد السابق سَهُل عليه تصوُّر فذلكة البداء، فالكلام هو الكلام، فذلك إزالة لحكم في عالم التشريع، وهذا إزالة لحكم في عالم التكوين.

ومع ذلك كله فإنَّ لموضوعة البداء تفصيلات قد لا تُذكر في موضوعة الدعاء، لا للفصل وإنما لتوهّم الشبهات في البداء دون النسخ والدعاء، مع أنَّ الدعاء والنسخ والبداء عناوين قرآنية روائية عقلائية، ولكن حيث إنَّ موضوعة البحث تنحصر بأصل العلاقة بينهما فإن-َّنا لا نجد ضرورة لبحث تفصيلات موضوعة البداء، ولكن هذا لا يمنع من تقريب صورته ومعناه بإيجاز يسير ليكون ذلك مقدّمة جيّدة لفهم وجه العلاقة بينهما.

البداء

إنَّ لله تعالى علماً مخزوناً اختصَّ به نفسه، ومعنى اختصاصه بذلك هو قصور الممكن على تلقّيه، فهو خاصّية الواجب، وإلا للزم الإحاطة به تبعاً للإحاطة بعلمه، وهو ممنوع عقلاً ونقلاً.

وهنالك علم آخر أمكن لبعض الممكنات الاطّلاعُ عليه بإذن منه سبحانه، فعرَّفه ملائكته ورسله، وهذا العلم ينقسم إلى قسمين بحسب معلومه، فإن قضى الله تعالى وقوعه حتماً فلا مناص من وقوعه، وهذا هو العلم الأوّل من العلم الممكن، وإن أوقف تحقَّق معلومه على عدم تعلّق إرادته ومشيئته على خلافه فللوقوع وعدمه مجال، غايته أنَّ الصورة العلمية المأخوذة بشرط لا ثابتة إلى حين تحقّق معلومها، فإن كان مُوافقاً وقع التطابق،

وإن كان مخالفاً وقع التنافي، وهذا هو القسم الثاني من العلم الممكن.

ص: 164

إذا اتضح ذلك فاعلم بأن العلم المخزون لا يقع فيه التغيير والبداء قطعاً وبتّاً وجزماً، وإنما ينشأ منه البداء، بمعنى أنَّ القسم الثاني من العلم الممكن للملائكة والرسل (الموقوف على مشيئته سبحانه) والذي يقع فيه البداء إنما يتغيَّر بحسب ما يُقدِّمه الله سبحانه أو يؤخّره في علمه المخزون. فالعلم المخزون هو العلم الحاكم الذي لا يتغيَّر البتّة، وفي ضوئه تُحدَّد خواتيم العلم الثاني من العلم الممكن، فالمشيئة تنطلق من العلم المخزون لتحلَّ في القسم الثاني من العلم الممكن، وهذا معنى قولنا بأنَّ البداء ينشأ من العلم المخزون ويكون في العلم الممكن بقسمه الثاني، وهو معنى قوله تعالى: يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (الرعد: 3٩) ، أي: يمحو ما أظهره للملائكة والرسل في العلم الممكن بقسمه الثاني، أو يُثبته بحسب ما هو عليه وكائن في العلم المخزون المُشار إليه ب-(أُمّ الْكِتَابِ) ، فهنالك كتاب محوٍ وإثبات قابل لتغيير معلوماته بحسب ما هو موجود وثابت في «أُمّ الْكِتَابِ» .

وأما بالنسبة للعلم الأوّل من العلم الممكن فإنه لا ينشأ منه البداء ولا يحلّ فيه أيضاً، فهو قضاء محتوم لا مناص من تحقُّقه ووقوعه، كما تقدَّم.

وقد ورد في تصوير هذين العلمين (العلم المخزون، والعلم الأوّل من العلم الممكن) روايات عديدة، منها: عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: «

العلم علمان: فعلم عند الله مخزون لم يُطلع عليه أحداً من خلقه، وعلمٌ علَّمه ملائكته ورسله، فما علَّمه

ملائكته ورسله فإنه سيكون، لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله، وعلم

ص: 165

عنده مخزون يقدِّم منه ما يشاء، ويؤخِّر منه ما يشاء، ويثبت ما يشاء» (1).

فقوله (عليه السلام) : «

وعلمٌ علَّمه ملائكته ورسله» ، يُريد به العلم الممكن، وقوله: «

فما علَّمه ملائكته ورسله فإنه سيكون» ، يُريد به القسم الأوّل من العلم الممكن تحديداً، وهو المحتوم الذي لابدَّ منه، وقوله (عليه السلام) : «

وعلم عنده مخزون » ، هو العلم الأوّل الذي لا يقع فيه البداء، ولكنه ينشأ منه، أي إنه علَّة للبداء لا معلول له، ولذا قال (عليه السلام) : «

يقدِّم منه ما يشاء، ويؤخِّر منه ما يشاء، ويثبت ما يشاء » ، ولم يقل: ويمحو منه ما يشاء، فيكون العلم المخزون بلا تغيير، ولكن فيه تقديم وتأخير، إي: فيه إعلام وإخفاء، وعليه فلابدَّ من علم آخر يقع فيه التغيير، وهو ما نصطلح عليه بالقسم الثاني من العلم الممكن، الذي يمحو الله تعالى منه ما يشاء إذا تعلَّقت مشيئته بخلاف المعلوم لنا ظاهراً، أو بخلاف ما وصلنا علمه؛ أو يُثبت ما وصلنا علمه فيما إذا لم تتعلَّق مشيئته بخلافه؛ علماً بأنَّ هذا العلم الثاني قد يقع للأنبياء والرسل (عليهم السلام) أيضاً (2)، ولا يلزم منه تكذيبهم،

فالتكذيب


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج1، ص14٧، الحديث: 6.
2- يُروى أنَّ السيد المسيح (عليه السلام) مرَّ هو وأتباعه يوماً بقرية كانت تُقيم عُرساً، فقال (عليه السلام) : غداً سوف تموت هذه العروس، فبقي أتباعه يُتابعون الأمر ليروا ما سيجري على تلك العروس، فلما أصبح الصباح ذهبوا لذلك المنزل وطرقوا الباب فخرجت لهم العروس نفسها، دون أن يُصيبها مكروه، فتعجَّب الأتباع وعادوا للسيد المسيح (عليه السلام) مُستفسرين عن ذلك، فقال لهم تقصّوا الخبر، فاسألوها عمَّا فعلته يوم أمس، فإن أجابتكم فاكشفوا لها عمَّا هو موجود تحت سريرها، فسألوها، فقالت لهم بأنَّها ليلة أمس قد طرق منزلهم فقير فلم تجد غير ثوب عرسها لتُقدّمه له، فقالوا لها: انظري ماذا يُوجد تحت سريرك، فكشفت عنه، فوجدوا أفعى ميتة، ثمَّ أخبرهم عيسى (عليه السلام) بأنَّ الله تعالى صرف عنها السوء جزاءً لمّا تصدَّقت به، وهذا مورد من موارد البداء، وقيل بأنه (عليه السلام) ذهب بنفسه وكشف عن الأمر وأخبرهم بوقوع البداء. وقد كان هذا الأمر ضرباً من الإعجاز للسيّد المسيح، وضربة قاصمة لليهود الذين منعوا وقوع البداء.

ص: 166

إنَّما يلزم من القول بالحتم فيقع الخلاف، وأما إذا قالوا: « إن شاء الله تعالى » فاعلم أنَّ في الأمر نوع توقُّف، وعليه فكلُّ ما نُطالعه في النصوص من قولهم عليهم السلام: « إن شاء الله » ، فإنَّه يحكي معلوماً قد يقع فيه البداء.

جدوائية وقوع البداء

هذا ما يُمكن إجماله في المقام، ولك أن تسأل عن جدوائية وقوع البداء، فإنه وبحسب الظاهر أقرب للّغو منه للحكمة، فهل هو كذلك والعياذ بالله تعالى بعدما صوَّرنا وقوعه؟

الجواب بنحو الفتوى هو: أننا أذا التزمنا بأنَّ الدعاء يُناسب الحكمة لا اللغو والعبث، فالكلام هو الكلام. فإذا كانت الأُمور محتومة ولا بدَّ منها، كالعمر والرزق والصحّة والعافية. . . إلخ، فلا معنى للدعاء، بل هو لغو محض، وإن كانت جملة منها ليست كذلك، فهي قابلة للتغيير والتبدّل من حال إلى حال بفضل الدعاء، فذلك هو البداء، وكلُّ ما يُمكن به على البداء فهو نقض على الدعاء لا محالة، وبذلك ينحصر الخلاف

والنزاع بحسب الواقع في دائرة اللفظ، والنزاع اللفظي لا يعود على المستشكل بثمرة، كما هو واضح.

وأما الجواب التحليلي، فيمكن إيجازه بعدّة أُمور تُقرِّب لنا جدوائية

ص: 167

وقوع البداء، وهي كالتالي:

الأوّل: إنَّ القول بالبداء هو تعبير صريح وصحيح عن سلطان الله تعالى في خلقه، فالالتزام بعدم المكنة هو عود لإشكالية اليهود التي سبق أن تعرّضنا لها في أكثر من مورد.

الثاني: إنَّ القول بالبداء هو إقرار عملي بعلم الله المختصّ الذي عبّرت عنه الروايات بالعلم المخزون، وعبَّرت عنه الآيات ب-(أُمّ الْكِتَابِ) ، في قبال العلم الأخر المُشار إليه بكتاب المحو والإثبات، أو لوحهما.

الثالث: إنّ البداء طريق لتوطيد العلاقة بالله تعالى والانقطاع له، وهذا هو مؤدَّى الدعاء، كما هو واضح.

الرابع: إنَّ القول بالبداء يكون حصناً منيعاً من الوقوع والانزلاق في الانحرافات الخطيرة، فما دام هنالك أمر، لفعلي وقولي صلة به، فإنَّه داعٍ كبير لمتابعة الإجمال العقلي القطعي في وجوب الطاعة، والتفصيل النقلي بنحوٍ لا نرجو فيه غير تحقُّق العبودية ونيل الرضا.

الخامس: إنَّ من لوازم عدم القول بالبداء نزوح العبد إلى دهاليز اليأس والقنوط من حلول الرحمة به وتبدُّل الأحوال، ويكون يأسه من ذلك . . . كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (الممتحنة: 13) ، وهذا يُناقض الوجدان والفطرة الحاكمين بتعلِّق القلب بأمل العفو والمغفرة وحلول الرحمة.

وبذلك نخلص إلى عمق العلاقة بين البداء والدعاء، فهما وجهان لعملة واحدة، وطريقان لإثبات شيء واحد، وهو مشيئته سبحانه وقدرته وسلطانه وحاكميته في التصرّف في الأُمور بحسب ما تقتضيه حكمته،

ص: 168

وعندئذ سوف تفهم قول الصادقَين (عليهما السلام) : «

ما عُبد الله عزَّ وجلَّ بشيء مثل البداء » (1)، و «

ما عُظِّمَ الله عزَّ وجلَّ بمثل البداء» (2)، وللملازمة والصنوية نقول: ما عُبد الله عزّ وجلَّ بشيء مثل الدعاء، وما عُظِّمَ الله عزَّ وجل بمثل الدعاء.

إشراق

إنَّما العوالم تجلِّيات لقدرته، مُشيرة كالمرآة لحضرته، فالصورة صورة مُلكٍ وملكوتٍ وجبروتٍ، ولا حاضرَ إلا اللاهوت، تفيضُ من قُدسه الآيات، لتحكي قبساً ممَّا تنطوي عليه الذات، هذا، ثمَّ هذا.


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج1، ص146، الحديث: 1.
2- المصدر سابق: ج1، ص146، في ذيل الحديث الأول.

ص: 169

الفصل الثامن: أهمية الدعاء بالمأثور

اشارة

الدعاء مفتاح مغاليق العالم بأسره

أهمِّية الدعاء في الرخاء

إش-راق

مناسبة المضامين لكمالات الداعي

إش-راق

أفضل أوقات الدعاء

أفضل أمكنة الدعاء

هوية التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

إشراق مسك الختام

الختام: أدعية تفيض بالرحمة

ص: 170

ص: 171

أهمية الدعاء بالمأثور

اشارة

نعني بالدعاء المأثور الدعاء المأخوذ من القرآن الكريم، من قبيل قوله تعالى: وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (البقرة: 2٠1) ، وقوله تعالى: . . . رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (الفرقان: 74) ، وقوله تعال: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (إبراهيم: 41) ، أو المنتهي لأهل العصمة (عليهم السلام) ، أي يكون الدعاء من آثارهم (عليهم السلام) ، وهو ما لا حصر له، فلا تُطالع كتاباً حديثياً أو تفسيرياً إلا وتجد فيه الأدعية حاضرة بقوّة، فضلاً عن المصنّفات الخاصّة بذلك.

وتتأكّد أهمّية الدعاء بالمأثور من خلال بيان عدّة أُمور، منها:

الأوّل: كون الدعاء عادةً ما يتعرّضُ لبيان صفات الله تعالى، وهذا الأمر لا تتأكّد لنا صحتُه إلا من خلال وصف المعصوم (عليه السلام) لله تعالى، فإنَّ الوصف فرع المعرفة، ومن الواضح بأنَّ المعصوم (عليه السلام) هو الأعظم معرفةً منّا بالله تعالى.

الثاني: من شروط الدعاء أن يكون مُوافقاً للعقيدة والشريعة، فلا يتضمّن حراماً أو شبهةً وإن كانت غير مقصودة، وهذا الأمر لا ضمانة فيه في أدعية غير المعصوم (عليه السلام) ، كما هو واضح.

ص: 172

الثالث: إنَّ الهدفَ من الدعاء هو تحقيقُ أهدافه بأقصر الطرق، وذلك من خلال الألفاظ المؤث-ِّرة المشحونة بالتواضع والعاطفة، التي تُثير شفقة ورحمة الباري سبحانه، ولتحقيق هذا الهدف لابدَّ من الأخذ بأدعية المعصوم (عليه السلام) ، فهي الأوفر حظّاً فيما ذكرنا.

الرابع: إنّنا بمطالعة يسيرة ومقايسة سريعة بين الأدعية المأثورة وغير المأثورة سنلمح فرقاً عظيماً، بل لا مجال للمقايسة أبداً، فهل للأدعية القرآنية والقدسية (1)وأدعية المعصومين (عليهم السلام) ، كدعاء كميل وعرفة والنُدبة والجوشن وأبي حمزة الثمالي والمناجاة الخمسة عشرة وغيرها، من مثيل؟

كلا، ث-ُمَّ كلا، فإنَّ المُتأمِّل المنصف يرى أنَّ أدعية المعصومين (عليهم السلام) والأدعية القدسية والقرآنية تُشكِّل نوراً واحداً ينبع من سراج واحد.

الخامس: الأمر الأخير هو نفس بيانات المعصوم وتأكيداته (عليه السلام) على التمسّك بالمأثور عنهم، فقد روي عن عبد الرحيم القصير قال: «دخلت على الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فقلت: جُعلت فداك إني اخترعت دعاءً، قال

: دعني من اختراعك، إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصلِّ ركعتين تهديهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله - أي ثوابهما- قلت: كيف أصنع؟ قال

: تغتسل وتصلَّي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة وتشهد تشهُّد الفريضة، فإذا فرغت من التشهُّد وسلَّمت قلت:


1- نسبة إلى الحديث القدسي، الذي هو كلام الله تعالى معنى، وأما لفظه فقد يكون منه تعالى وقد يكون من المُوحى إليه، وأمّا القرآن الكريم فهو كلامه سبحانه لفظاً ومعنى.

ص: 173

اللهمّ أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام، اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمد. . .» (1).

فقوله (عليه السلام) : «

دعني من اختراعك » ، لا يُستفاد منه المنع، فالإمام (عليه السلام) كان بصدد التنبيه إلى ما هو مُجرَّب ومأمون في قضاء الحوائج، فعرَّفه بما هو أنفع له، ولذلك لم ينهه عن اختراعه، ولم يطلب منه أن لا يعود إلى ذلك، ممَّا يدلّ على جواز الدعاء بغير المأثور، ولكن ينبغي أن يكون ذلك خارج الصلاة، وأمّا الدعاء بغير المأثور في نفس الصلاة، فهو خلاف الاحتياط بالأولوية.

الدعاء مفتاح مغاليق العالم بأسره

اتّضح لنا من جميع ما تقدَّم بأنَّ الدعاء مفتاح الحاجة، ومعنى ذلك أنَّ الحاجة لم تكن في مُتناول أيدي الفاقد ث-ُمَّ توفَّر عليها بعد الاستجابة لدعائه، ممَّا يعني أنَّ هنالك دوائر كمالية مُغلقة لا ينفذ إليها الفاقد إلّا بوسيلة استثنائية، وهي الدعاء، فيكون الدعاء مفتاح مغاليق تلك الدوائر المغلقة، وقد ورد في ذلك عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) «

الدعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح » (2)، فهو وسيلة النجاح لفتح مغاليق الكمالات التي يصبو إليها الفاقد.

وحيث إنَّ هذه الدوائر تضمُّ كلَّ كمال مادّي ومعنوي لم يطله العبد

الفاقد، فإنَّ الدعاء سوف يكون مفتاح مغاليق العالم بأسره، أو هو على أقلّ


1- فروع الكافي، مصدر سابق: ج3، ص4٧6، الحديث: 1.
2- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص46٨، الحديث: 2.

ص: 174

التقادير طريق واضح للوصول إلى تلك الدوائر المغلقة، من هنا يتأكَّد لنا المعنى الجليّ في الحديث المرويّ عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حيث يقول: «

الدعاء هو العبادة التي قال الله عزَّ وجلَّ: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي (غافر: 6٠)

. . . ، ادعُ اللهّ عزَّ وجلَّ ولا تقل: إن الأمر قد فرغ منه » (1)، وقد تقدَّم منّا (2)الإشارة إلى ذلك في دُعاء للإمام زين العبدين (عليه السلام) .

بل إنه يدفع القضاء المبرم، وهذا من أنصع الصور على كونه السرَّ في فتح تلك المغاليق، فإنَّ القضاء المبرم يعني غلق السبل أمام الفاقد، وما من شيء ينفذ به تجاه تلك الدوائر ليغيِّر مجرى الفقدان إلى الوجدان، غير الدعاء.

عن عبد الله بن سنان قال: «سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول:

الدعاء يردّ القضاء بعد ما أُبرم إبراماً، فأكثِر من الدعاء فإنَّه مفتاح كلِّ رحمة، ونجاح كل حاجة، ولا يُنال ما عند الله عزَّ وجلَّ إلا بالدعاء، وإنه ليس باب يكثر قرعه إلا يُوشك أن يفتح لصاحبه » (3)، فهو يردّ القضاء المبرم، وهو مفتاح كلّ رحمة، ونجاح كلّ حاجة، وهذا هو معنى كونه مفتاح مغاليق العالم بأسره.

وقد كان الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: «

الدعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل » (4)، وقد أوضح لنا الإمام الرضا (عليه السلام) المراد من


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص46٧، الحديث: ٧.
2- راجع عنوان: (صفات الداعي) ، في الفصل الأوّل.
3- المصدر السابق: ج2، ص4٧٠، الحديث: ٧.
4- المصدر السابق: ج2، ص46٩، الحديث: 5.

ص: 175

البلاء الذي لم ينزل، فعن عمر بن يزيد قال: «سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: «

إنَّ الدعاء يردُّ ما قد قُ-دِّر وما لم يُقدَّر ، قلت وما قد قُ-دِّر عرفته، فما لم يُق-دَّر؟ قال :

حتّى لا يكون » (1).

أهمية الدعاء في الرخاء

ممَّا حثّ عليه أهل العصمة (عليهم السلام) في مجال الدعاء: التواصل في الدعاء، فيكون العبد داعياً راجياً لربّه تعالى في السرَّاء والضرَّاء، في الشدّة والرخاء، لأنَّ الهدف الأعظم من وراء التزوُّد بثقافة الدعاء ليس قضاءَ الحوائج، فذلك أمر عرضيٌّ عند العارفين بالله تعالى، وإنَّما الهدف الأعظم والحقيقي هو نيل القرب من الله تعالى، ونيل القرب ليس مقروناً بالضرَّاء أو الشدّة ليتوقّف الدعاء عند ذلك، ولو أردنا أن نُحقِّق في الموضوع سوف نجد أنَّ العبدَ هو أحوجُ للدعاء في السرَّاء والرخاء منه في الشدّة والضرَّاء، كما أنَّ الرخاء أوجب للدعاء منه في الرخاء، وقد ورد هذا المعنى عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إذ كان يقول: «

ما من أحد ابتلي، وإن عظمت بلواه، بأحقِّ بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء » (2)، ومن الواضح بأنَّه لا يوجد عاقل يأمن البلاء في حلِّه وترحاله، فما دامت الحركة والتحوّل والتبدّل قوام وجود الإنسان، فلا يبقى حال على حال.

ثمَّ إنَّ السرَّاء والرخاء غير معلوم لنا أنهما كاشفان عن رضا الله تعالى، فلعلَّهما من باب الاستدراج، وهذا أخطر ما يكون عليه العبد، ث-ُمَّ إنَّ


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص46٩، الحديث: 4.
2- الأمالي، للشيخ الصدوق، مصدر سابق: ص33٧، الحديث: 5.

ص: 176

السرّاء والرخاء يعنيان تنعُّ-مَ العبدِ، وهذا يعني أنَّ العبد قد استُجيب له أو أنه لقي عنايةً خاصّةً، وهذا ما يُعمّق في نفسه الحاجة للدعاء، فإنَّ الدعاء لا يعني بالضرورة طلب الحوائج، فالشكر باب من أبواب الدعاء، ث-ُمَّ إنه لا يُعلم أين مكامن استجابة الدعاء عند الشدائد، فلعلَّ ذلك يكمُن في الدعاء عند الرخاء، وهذا ما ورد فيه روايات عديدة، منها: عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: «

إنَّ الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء » (1)، وعن سُماعة قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) : «

من سرَّه أن يُستجابَ له في الشدّة فلْيُكثرِ الدعاءَ في الرخاء » (2)، وأيضاً: «

تعرَّف إلى الله عزّ وجلّ في الرخاء يعرفك في الشدّة » (3)، وهنا قد أُريد بتعرُّفِهِ إلى الله سبحانَه ذكرُهُ إيّاه ومسألتُهُ كَرَّةً بعدَ كَرَّة، وأُريد بمعرفةِ اللهِ إيّاه استجابة الله تعالى له.

ثمَّ إنَّ الدعاء في الرخاء كاشف إنِّي عن الكمال الإنساني الذي عليه الداعي، بخلاف الدعاء في الضرَّاء فإنّه لا يكشف عن ذلك سلباً وإيجاباً، لأنَّ الدعاء هو تعبير آخر عن الانقطاع إلى الله تعالى، وهنالك فرق عظيم بين الانقطاع الاضطراري الذي يُلازم الدعاء في الضرَّاء، وبين الانقطاع

الاختياري الذي يُلازم الدعاء في السرَّاء.

إذن، «فهنالك حالتان يدعو الإنسانُ اللهَ فيهما، الأُولى: عندما يُبتلى بالمصائب والمحن وتُوصد في وجهه الأبواب، وتنقطع به العلل والأسباب،


1- المصدر السابق: ج2، ص4٧2، الحديث: 3.
2- المصدر السابق: ج2، ص4٧2، الحديث: 4.
3- من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق: ج4، ص413.

ص: 177

نراه يتوجَّه تلقائياً وغريزياً إلى الله تعالى، يتوسّل به ليرفع عنه محنه ومصائبه، وهذا النوع من التوجّه نحو الله لا يُعتبر كمالاً إنسانياً. والثانية: عندما يكون في حالة رخاء، واطمئنان بالٍ، ولكنه يعلم بأنَّ ما هو فيه من نعمة مُزجاة فمن الله، وأنه تعالى هو القادر على أن يسلبه إيّاها، كما هو القادر على أن يزيده منها. . . ، ولذا نجد هذا المخلوق الواعي حتّى وهو في رخائه وبحبوحة عيشه يتوجّه إلى ربّه بنفس مُتسامية مُشرقة، داعياً إيّاه، مُتوسّلاً به ليديم عليه نعمته ويزيده من فضله، ويُبعده عن معصيته ليبعد غضبه سبحانه عنه، ويُقرِّبه من طاعته ليؤدّي حقَّ شكره، ولا إشكال في أنَّ هذا النوع من التسامي لمثل هذا المخلوق ينظر إليه بعين رحمته» (1).

ولأجل ذلك كلِّه لا ينبغي ترك الدعاء في السرَّاء والرخاء، بل إنَّ تركه في حالة السرَّاء قد يكون مُؤشِّراً إلى حالة خطيرة جداً، وهي الحالة الوصولية والنفاقية معاً، وربَّما يكون ذلك مُؤشِّراً أيضاً على بروز حالات الرياء والعجب والتكبُّر؛ قال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (هود: (10)) ، وقال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ

السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (فصلت: 5٠) ، وفي ضوء ذلك يتبيّن لنا أنّ التواصل في الدعاء في السرّاء والضراء كاشف عن درجات إيمان العبد بربِّه سبحانه وتعالى، فلا يأخذنا العجز عن ذلك، لا سيَّما في السرَّاء


1- انظر: محاضرات في الدين والاجتماع، مصدر سابق: ص121.

ص: 178

حيث الميل للراحة والدعة، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: «

إن أعجز الناس من عجز عن الدعاء. . .» (1).

إشراق

ما دُمتَ وحدك القصدَ والمقصودَ والمقصد، فلا الحالُ يهنأ، ولا النار تُطفأ، إلا بنظرة تستلّني، لأملأَ المشرق والمغرب بنداء الحقِّ: (أنت، أنت) ، فذاك الرخاء وذاك البلاء، بالفقد والوجد، هكذا نكون في لغة الغياب والحضور، أعني: غياب الكائن في المكنون.

مناسبة المضامين لكمالات الداعي

ينبغي للداعي أن يُراعي كمالاته المعرفية والمعنوية في انتقاء الأدعية، فالدعاء الذي يقرأُهُ ولا يُضفي له شيئاً لا يُواكب على قراءتِهِ، وهذا لا يعني الانقطاع التامّ عن ذلك الدعاء، وإنّما المراد هو عدم جعلِهِ ورداً يومياً وهو لا يفهم منه شيئاً ولا يرفع من كمالاته مرتبةً، بل إن بعض الأدعية لها أثر وضعي يتناسب مع المستوى الكمالي للداعي، فما لم يكن الداعي مؤهّلاً لذلك قد يكون مردودُهُ سلبياً عليه. ولذا فمن لم يعرف حدود معرفته ومرتبة كماله، عليه أن يلتزم بالدعاء الذي تميل إليه نفسه ويمتلئُ به وجدانُهُ، فلا يُكلِّف نفسه فوقَ طاقتِها، وكما قيل: قليلٌ يَق-رُّ خيرٌ من كثيرٍ يفرُّ، أي القليل الذي تطيب به نفسه، ويعلو به كماله، خير من الكثير الذي لا يُضيف له شيئاً، ث-ُمَّ إنَّ ذلك القليل لعلَّ من آثاره المعنوية هو الوصول بالداعي لمراتبَ سامية تجعله يفهم ويتكامل بذلك الكثير فيما بعد.


1- الأمالي، للشيخ المفيد، مصدر سابق: ص31٧، الحديث: 2.

ص: 179

وهنا أودُّ أن أذكر نُكتةً مهمَّةً وشاهداً على صحة ما نقول ، أما النُكتةُ فهي: أنَّ غياب حالة الخشوع وإن كان ينشأُ عادةً من عدم التوجّهِ لمضامين الدعاء ومن عدم حضور القلب، ولكن ذلك ليس سبباً دائمياً، فهنالك حالات يكون سبب عدم الخشوع فيها هو عدم فهم مضامين الدعاء، أو أنه يفهم معاني ألفاظه ولكنه لا يرتقي إلى كمالات الدعاء ومعطياته، فينطفئُ حضورُهُ القلبي، وربَّما تحصل له نفرةٌ من نفس الدعاء.

وفي ضوء ذلك يمكننا أن نفهم فلسفة تنوّع خطابات المعصومين (عليهم السلام) تبعاً لقدرات المُخاطب، وهو ما أكّده النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بلسان جميع الأنبياء (عليهم السلام) ، حيث يقول (صلى الله عليه وآله) : «

إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم » (1)، وهذا ما كشف عنه بخصوص النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) حفيدُه الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: «

ما كلَّم رسول الله صلى الله عليه وآله العباد بكُنه عقله قطّ » (2)، أي بتمام عقله، لعدم وجود مُخاطب يسع عقلُه وقلبُه ما وسعه عقلُ وقلبُ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، وإنّما كان (صلى الله عليه وآله) يترشّح منه على مُخاطبيه بقدر مقدور،

ولقد كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يُنادي في مُخاطبيه: «

إنَّ ها هنا لعلماً جمَّاً - وأشار إلى صدره-

لو أصبتُ له حملة » (3)، هذه النكتة، فاحفظها جيداً.

وأما الشاهد فهو من حاضرة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، روايةً عن كميل بن زياد (رحمه الله) ، فقد سأله كميل:


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج1، ص23، الحديث: 15.
2- مصدر سابق: ج1، ص23، الحديث: 15.
3- نهج البلاغة، مصدر سابق: ج4، ص36.

ص: 180

(يا أمير المؤمنين! ما الحقيقة؟

فقال (عليه السلام) :

ما لك والحقيقة ؟

فقال كميل: أو لستُ صاحب سرّك؟

قال (عليه السلام) :

بلى، ولكن يرْشَحُ عليك ما يطفح منّي.

فقال كميل: أَوَ مثلك يُخيّب سائلاً؟

قال أمير المؤمنين (عليه السلام

) : الحقيقة، كشف سبحات الجلال من غير إشارة.

فقال كميل: زدني بياناً.

قال (عليه السلام) :

محو الموهوم مع صحو المعلوم.

فقال كميل: زدني بياناً.

قال (عليه السلام) :

هتك الستر لغلبة السرّ.

قال: زدني بياناً.

قال (عليه السلام) :

نور يشرق من صبح الأزل، يلوح على هياكل التوحيد.

قال: زدني بياناً.

فقال (عليه السلام) :

أطفئ السراج فقد طلع الصبح» (1).

وقد لاحظت معَنا الأجوبةَ الأربعة الممكنة، ث-ُمَّ تنغلق الدائرة بطلوع الصبح، وبزوغ فجر الحقيقة العظمى، ولا ريب بأنّ كميلاً لم ينل بُغيته كاملة في الجواب الأوّل، لقصور فيه كان لابدَّ أن يقف عليه بنفسه، بعد أن ألحَّ في السؤال، ولم يستقرّ أنينه ويرضى بما يرشح عليه، وهو الموافق لكماله وسعة


1- انظر: محبوب القلوب، المقالة الثانية، لقطب الدين محمد بن الشيخ الأشكوري اللاهيجي، تحقيق: الدكتور حامد صدقي والدكتور إبراهيم الدياجي، التراث المكتوب، ط1، 1424ه-، إيران: ص4٩٧.

ص: 181

عقله وقلبه، فاستمرَّ به الحال بلا استقرارٍ حتّى الجواب الرابع، وعندئذ حسم له (عليه السلام) الموقف بأنَّ ما تطلبه عسير فهمه بالعقل، فيحتاج صبح تغيب فيه شُعلة العقل (السراج) ، فإنَّ أسئلتك لن تنتهي واضطرابك لن يزول بذلك، إِلا مع معاينة الحقيقة بصبح اليقين، والطمأنينة الإبراهيمية، وإشراق القلب على الحقّ وفيض الحقّ على القلب.

فالأجوبة الأربعة تُقدّم لنا كمالات ومستويات معرفية أربعةً تُركت لأصحابها، ولذلك صلة فيما نحن فيه، ولأمرين:

الأول: هو أنَّ عدم الفهم، أو الفهم المحدود، أو المكوث على الظاهر مُوجب للقصور في التلقّي والاستجابة، وهذا ما يُفضي بنا إلى انتخاب ما تسعه عقولنا وقلوبنا.

الثاني: أنَّ الحقيقة التي كان يسأل عنها كميل (رحمه الله) هي حقيقة الحقّ سبحانه، وهو المدعوّ في المقام، فتكون كلماته (عليه السلام) نداءات ينطلق بها الداعي لمناجاة ربّه، ولكن عليه أن ينتخب منها ما وسعه عقله وقلبه.

وصبح الحقيقة يحتاج إلى قلوب واعية، كما أنَّ صورته تحتاج إلى عقل واعٍ مُتدبّر، فلا نُجازف في نداءاتنا للحقِّ، كيلا يكون ذلك قشراً ومُكاءً وتصدية، وهذا لا يعني الكفّ عن الدعاء بمطلق الكلمات، وإنَّما هي دعوة للتدبُّر فيما نقول وفيما ندعو به. وبتلك النكتة، وهذا الشاهد، نكون قد قرّبنا فكرة ضرورة وقوع المناسبة بين مضامين الدعاء وكمالات الداعي (1).


1- لا يخفى ما في الشاهد من رفعةٍ في المعاني، وعلوٍّ في التصوير، وسموٍّ في الفهم، ولذلك ارتأيت أن أُقرّب الفكرة بشاهد أيسر لتعمَّ الفائدة للجميع، وهو موقف مرّ به أحد مُريدي الشيخ علي رَجَب الخيّاط، حيث يقول ذلك المُريد: قد مرَّت عليَّ أيام عسيرة جعلتني في حالة من الضجر والاستياء، وفي أحد الأيام سألني الشيخ: ما سبب ضجرك؟ فحدّثته بأمري. فقال لي: ألا تقرأ التعقيبات؟ قلت: بلى. قال: وماذا تقرأ؟ قلت: أقرأ دعاء الصباح لأمير المؤمنين (عليه السلام) . قال: أقرأ بدل دعاء الصباح سورة الحشر ودعاء العديلة في التعقيبات كي تُحلَّ مشكلتك. فقلت له: ولماذا لا أقرأ دعاء الصباح؟ قال: في هذا الدعاء فقرات ونقاط يجب أن يكون للمرء مقدرة واستعداد لتحمّلها، فهذا الدعاء يستلزم توفّر الاستعداد الخاصّ به، وأنت بمستواك هذا ليس لديك الاستعداد الكافي له، ولهذا حَدَثَتْ لك بعض المشاكل، فلابدّ أن تقرأ بدل دعاء الصباح سورة الحشر ودعاء العديلة وستحلّ مشاكلك بإذن الله تعالى. وهكذا كان الأمر. انظر: كيمياء المحبّة، للشيخ محمّد الريشهري، تعريب خليل العصامي، نشر دار الحديث، ط3، 1424ه-، قم المقدّسة: ص225.

ص: 182

إشراق

لستُ لي، فكيف أنظر كمالي، ما كان لي فهو كونُك، فارفق بكونِك،

علّه يكون، واسلبه ما عداك، فما رضاي إلا بك، هكذا أكون، وينجلي المكنون، فأراني حيث الكاف والنون.

أفضل أوقات الدعاء

اشارة

سجَّلت لنا الروايات أنَّ هنالك أوقاتاً شريفةً بما هي هي، وقد جاء التركيز عليها لتكون وعاءً للدعاء، وحيث إنَّ مصاديقها كثيرة فقد ارتأينا الوقوف عند الأهمّ منها، والأكثر حضوراً عندنا، والأنسب للالتزام منّا بها، وهي:

الأول: الدعاء عند سماع الأذان

للأذان وقع عظيم في قلب المؤمن، بل وفي قلب كلِّ ذي بصيرة وفطرة

ص: 183

سليمة، بل في قلب كلِّ إنسان له توجّه سليم، ففيه فصول التوحيد والنبوّة والولاية والعبادة الحقّة (1)، فعند سماعه تحضر كلّ تلك المعاني التي تملأ الوجدانَ معرفةً (2)، والقلبَ حضوراً، فمن توجّه إلى الفصول أرجعته للأُصول، حيث المبدأ الحقُّ والمنتهى المُتحقّق ضرورة.

ولذا فإنَّ الدعاء عند سماع الأذان يعني عند حضور تلك المعاني بمعيّة فصول الأذان، هذا سرٌّ، وأمّا الحكمة في اقتران استجابة الدعاء به

فذلك لتوجيه الناس إلى مضامين تلك الفصول، وتهيئة النفس بعد الدعاء للتوجّه للصلاة، فيكون الدعاء بمعيّة الأذان نافذة للخشوع الذي هو شرط أساسي في قبول الصلاة لا في صحّتها (3).


1- من هنا يتأكَّد لنا إلهيّة ومعصومية الأذان، فهو حديث قدسي إلهي، أُوحي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وليس كما يظنّ البعض فيه ظنّاً ساذجاً.
2- ممَّا يُذكر أنَّ أحد المُفكّرين العرب يرفض العيش في الغرب، رغم أنه يحمل فكراً علمانياً ليبرالياً، وذلك لأنه لا يستطيع أن يعيش في بلد ليس فيه أذان، وأقول: أَوَليس هذا هو داعي الفطرة؟
3- هنالك فرق بين شروط الصحّة وشروط القبول، فشروط الصحّة في الصلاة - مثلاً - هو تحصيل الطهارة (كالوضوء) والطهارة المادّية (الجسد واللباس) ، واستقبال القبلة، وطهارة موضع الصلاة وإباحته، وحفظ الصورة الصلاتية بالأركان المعلومة، وأمّا شروط القبول فأهمّها الخشوع، فالإخلال بالشروط المتقدّمة كلاً أو بعضاً موجب لبطلانها وعدم قبولها أيضاً، وأمّا الالتزام بها فهو موجب لصحّتها فقط، بمعنى أنها مُجزية ولا قضاء بعدها، وأمّا الخشوع فوجوده شرط القبول لا الصحّة، فمع عدمه لا تبطل الصلاة، وهنالك من يشترط وجود القدر المتيقّن من الخشوع للقول بالصحّة، من قبيل اشتراطه حضور القلب في تكبيرة الإحرام.

ص: 184

وقد وردت أدعية خاصّة عند سماع الأذان تُؤكّد ما صوّرناه آنفاً، حيث ورد في كلِّ فصل دعاءٌ قصير خاصّ به، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: «

إنَّه إذا قال المؤذّن: أشهد أن لا إله إلا الله، يقول الحاكي: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، رضيت بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد رسولاً، وبالأئمَّة الطاهرين (عليهم السلام) أئمَّة، ثم يقول: اللهمّ ربَّ هذه الدعوة التامّة، والصلاة القائمة، آتِ محمّداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، وارزقني شفاعته يوم القيامة» (1).

وقد روي أيضاً: «

إنَّ المؤذّن إذا قال: أشهد أن محمّداً رسول الله، فقل: صلَّى الله عليه وآله الطيّبين الطاهرين، اللهم اجعل عملي برّاً، ومودّة آل محمّد في قلبي مستقرّاً، وأَدِر عليَّ الرزق درّاً. . .» (2).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «

فإذا قال - المؤذّن -: قد قامت الصلاة، فقل: اللهم أقِمها وأدِمها، واجعلنا من خير صالحي أهلها عملاً» (3).

إن ساعة الأذان مُلئت بالبركة والفتح الكمالي، لينهل منها الذائبون في حقائق فصوله ما تقرُّ به العيون، فهي ساعة الدعاء والاستجابة، وهي الساعة التي قال فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «

ساعتان يفتح فيهما أبواب السماء وقلَّما تُردُّ فيهما دعوة: عند الأذان بالصلاة والصفّ في سبيل الله» (4).

فاستحباب الدعاء عند سماع الأذان له وجه عامّ يتحقَّق بالدعاء مطلقاً،


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج4، ص61، الحديث: 12.
2- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٨1، ص1٧4، الحديث: 3.
3- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج4، ص5٩، الحديث: 6.
4- مكارم الأخلاق، مصدر سابق: ج2، ص64، الحديث: 2.

ص: 185

وله وجه خاصّ يتحقَّق بهذه الأدعية الخاصّة بكلِّ فصل، فلا ينبغي العدول عنها مع المكنة، فالدعاء بالمأثور - كما تقدَّم- هو الأوفق لشرائط استجابة الدعاء، وهو الأقرب لإصابة الكمال المنشود من وراء الدعاء.

الثاني: الدعاء بين الأذان والإقامة

ورد الاستحباب المؤكَّد على الدعاء بين الأذان والإقامة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: «

الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُردُّ » (1)، هذا سرٌّ أباح به المبعوث رحمة للعالمين. وأمّا الحكمة في ذلك، فلعلَّها تدور حول ما يعتمل في قلب الداعي عند سماع فصول الأذان، فقد جاء في أكثر المأثور فيه، وفي أكثر فصوله، دعوة الإقرار والدعاء لأهل العصمة، وبذلك تصل النوبة للداعي نفسه، ليدعو لنفسه بأمرٍ يجمع فيه خير الدنيا والآخرة، وهذا ما روي عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بقولهم: «

يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس: اللهم اجعل قلبي بارّاً، وعيشي قارّاً، ورزقي دارّاً، واجعل لي عند قبر نبيّك صلّى الله عليه وآله قراراً ومستقرّاً » (2).

وهنا ينبغي التنبيه إلى أهمّية دور المؤذّن في إلفات النظر إلى أهمّية الدعاء ومكانته بعد الأذان مُباشرة بصورة عملية، فلا يترك هذا الوقت بلا ذكر أو دُعاء، كما يفعل العامّة من الناس، كما أنَّ عليه أن يلتزم بالمأثور بغية تربية الأُمّة على ذلك، فقد ورد في حقِّ المؤذِّن أمر عظيم يُشير إلى مكانته، منه ما جاء عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: «

المؤذِّنون


1- الدعوات، مصدر سابق: ص36، الحديث: ٨٧.
2- فروع الكافي، مصدر سابق: ج3، ص3٠٨، الحديث: 32.

ص: 186

أطول الناس أعناقاً يوم القيامة » (1)، أي نتيجة استشرافهم وتطاولهم إلى رحمة الله تعالى، وكأنه (صلى الله عليه وآله) يُريد أن يقول إنَّهم الأقرب لنيل ذلك، لأنَّهم وسائط صوت التوحيد والنبوّة، فهم الطرف الأبرز في

الرفعة والتطاول بالأعناق، وهذا حاكٍ عن حسنِ حالهم، في قبال سوء الحال الذي عليه المجرمون؛ قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ. . . (السجدة: 12) ، وقد جاء ما يُفسِّر لنا هذا الاستشراف بنيل قصب السبق في الدخول إلى الجنّة، فقد روي «أنَّ رجلاً من أهل الشام دخل على الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) فقال له

: إنَّ أول من سبق إلى الجنّة بلال . قال: ول-ِمَ؟ قال:

لأنَّه أوّل من أذَّن» (2).

من هنا نُجدّد تأكيداتنا الرامية إلى ضرورة أن تهتمَّ هذه الطبقة الموصلة لصوت التوحيد والنبوّة بفصول الأذان بممارسة ذلك الدور التربوي الذي أشرنا إليه، وأن يؤدُّوه بما ينسجم مع المدح والثناء الوارد في حقِّهم.

ث-ُمَّ على المؤمنين أن يلتفتوا إلى هذا الوقت الثمين ليملأوه بالذكر والدعاء، فقد ورد في ذلك أمر عظيم تتطاول له أعناق الصالحين، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «

من جلس بين الأذان والإقامة في المغرب كان كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله» (3).


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ، للشيخ الصدوق، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط1، 14٠4ه-، بيروت: ج1، ص6٧، الحديث 24٩.
2- تهذيب الأحكام، مصدر سابق: ج2، ص2٨4، الحديث: 35.
3- المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلامية، قم المقدّسة: ج1، ص5٠، الحديث:٧٠.

ص: 187

وهنا توجد عدَّة نكات نودُّ الإشارة لها.

النكتة الأُولى: قوله (عليه السلام) :

(من جلس بين الأذان والإقامة) فيه إشارة إلى من كان واقفاً، وهو دور المؤذِّن، الذي يُستحب أن يُؤذِّن وقوفاً، فيكون ذلك وصفاً جديداً ورصيداً آخر لهم، وقد يكون ذلك

وصفاً للمصلّي مُنفرداً.

النكتة الثانية: قوله (عليه السلام

) : (كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله) فيه إشارة أُخرى إلى كون المقصود هو المؤذِّن الذي قُرن في بعض الأحاديث بالمجاهد، من قبيل ما ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

المؤذّنون يخرجون من قبورهم يوم القيامة يؤذِّنون، ويغفر للمؤذِّن مدّ صوته، . . . وله ما بين الأذان والإقامة من الأجر كالمتشحِّط في دمه في سبيل الله» (1)، فهو كالمجاهد المتشحّط بدمه في سبيل الله تعالى. إنَّ هذه الرواية تُفسّر لنا مصداق الجالس بين الأذان والإقامة الذي وُصِف بأنَّه كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله تعالى.

النكتة الثالثة: قوله (عليه السلام) :

(من جلس بين الأذان والإقامة) فيه إشارة إلى أهمّية الالتفات والانتباه إلى نفس الأذان لمن حضر الجماعة، بل ولمن صلّى مُنفرداً أيضاً.

النكتة الرابعة: قوله (عليه السلام) :

(من جلس بين الأذان والإقامة) فيه إشارة أيضاً إلى أهمّية وصل الإقامة بالأذان، لا أن يفصل بينهما بعمل آخر غير الدعاء، كمن اشتغل بكلام أو عمل لا صلة له بالشأن العبادي، وإلا سوف يكون هنالك فاصل يقع بين الأذان والجلوس، أو بين الجلوس


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج4، ص3٧، الحديث: 6.

ص: 188

والإقامة، فلا يتحقَّق الغرض.

النكتة الخامسة : قوله (عليه السلام) :

(في المغرب) ، فيه حكاية عن سهولة نيل هذا الوقت بخلاف صلاة الفجر الذي لا يتيَّسر للكثير نيل أوّل وقتها، ليقع الجلوس بين أذانها وإقامتها، وهكذا في وقت الظهرين

حيث ارتباط الكثير بالعمل، بخلاف وقت المغرب، وكأنّه يقول لنا أدركوا ما فاتكم، وإلّا فإن ذلك الجلوس مطلوب بين كلِّ أذان وإقامة، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «

من السنّة الجلسة بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة وصلاة المغرب وصلاة العشاء، ليس بين الأذان والإقامة سبحة (1)» (2).

النكتة السادسة: قوله (عليه السلام) :

(بين الأذان والإقامة) ، فيه حكاية عن أهمّية إيقاع الأذان في وقته، أي وقت حلول الصلاة، فمن المعلوم لنا جميعاً هو عدم إيقاع الأذان الإعلامي خارج أوّل الوقت، وفي ذلك نوع من الداعوية إلى أداء الصلوات في أوقاتها.

النكتة السابعة: قوله (عليه السلام) :

(كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله) فيه إشارة أُخرى دقيقة إلى ما يُعانيه المصلّي وهو يتوجَّه للصلاة، حيث محاولات الشيطان الكثيرة بتأخير الصلاة، وذلك بإشغاله بأُمور ثانوية، وهنا يُحاول المُصلّي الوقوف بوجه تلك الإغراءات والأوهام التي ينفثها الشيطان في روع المصلّي، فمن كان مُلتفتاً ومقاوماً لفحيح الشيطان يكون


1- المراد من السبحة: النافلة، فلا نافلة بين الأذان والإقامة، فذلك غير مسنون. وقد سمِّيت النافلة بذلك لأنَّ المُصلّي يسبح فيها، أي السباحة في بحر المعنويات.
2- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج5، ص4٠٠، الحديث: 13.

ص: 189

قد نجح في هذه المعركة من جهاده الأكبر، ولذا فهو كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله تعالى، ولعلَّه أفضل من ذلك.

الثالث: الدعاء عند القنوت في الصلاة

القنوت في الأصل هو الطاعة، ومنه قوله تعالى: وَقُومُوا لِله قَانِتِينَ (البقرة: 23٨) ، ثمَّ سُمِّى القيام في الصلاة قنوتاً (1)، وقيل هو الإمساك عن الكلام، والخشوع والإقرار بالعبودية (2).

والتعبير بالقنوت في الدعاء للتوكيد والزيادة في البيان، فالدعاء والقنوت في المقام في معنى واحد، ولكن في الإشارات القرآنية هنالك دلالة للقنوت تفتقر إليها مفردة الدعاء، وهي أنّ القنوت يُشير إلى حالة من الخشوع، فقوله تعالى: . . . وَقُومُوا لِلهِ قَانِتِينَ حاكٍ عن ذلك، لأنَّ القيام هنا هو نفس الصلاة، والصلاة عبادة خالصة، بل هي أهمُّ العبادات، وأما تقييده بالقنوت فللإشارة إلى عدم صدق القيام الحقيقي إلّا بالخشوع، أي قوموا خاشعين، كما أنَّ عنوان القنوت مُشير بالاستعمال إلى الدعاء المأتيّ به في الصلاة، فيقال عادة مثلاً: (يُستحبّ القنوت في الصلاة) ، ولا يُقال عادة: (يستحبّ الدعاء في الصلاة) ، وإن كان مضمونهما - بحسب الظاهر - واحداً.

إذا اتّضح ذلك، فاعلم بأنَّ هذه المرتبة (الدعاء في القنوت) هي الثالثة في طول المرتبتين السابقتين، أعني الدعاء عند سماع الأذان، والدعاء بين


1- انظر: الصحاح للجوهري، مصدر سابق: ج1، ص261.
2- انظر: لسان العرب، مصدر سابق: ج2، ص٧3.

ص: 190

الأذان والإقامة، وكأنها سلسلة من التواصل في عالم الدعاء والوصل الإلهي، ولكنَّ هذا الوصل آكد وأهمُّ، لأنَّ المُصلّي لا ينبغي له أن ينقطع

عن صلاته، صورةً ومضموناً، وهنا يكون الدعاء الحلقة الأقوى في الشدّ وحفظ صورة الصلاة ومضمونها، بل هو المعيار في تفاضل الصلوات، وهو قول الرسول (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر الغفاري - وكان قد سأل الرسولَ (صلى الله عليه وآله) : أيّ الصلاة أفضل؟ - قال (صلى الله عليه وآله) : «

طول القنوت » (1).

الرابع: الدعاء بعد الصلوات الخمس

وتتميماً لحلقات الوصل المقرونة بالصلوات المفروضة في الذكر والدعاء، ننتهي إلى حلقة الدعاء بعد الصلاة المفروضة، وهنا نودُّ الالتفات إلى عدّة نكات تُثيرها هذه الحلقة الأخيرة فيما يتعلّق بالصلوات، وهي:

النكتة الأُولى: إنَّها محاولة أخيرة لتدارك ما فاتنا من الدعاء في المواطن السابقة، أو تتميم ما تقدَّم، لاسيَّما لمن اعتاد الدعاء بأدعية خاصّة لم تُمكّنه صلاة الجماعة من تتميمها، أو لم يسعه الوقت لذلك.

النكتة الثانية: إنَّها وسيلة حيوية وفاعلة لتربية الداعي على الإلحاح بالدعاء، وأنَّ الملل والكلل إنما يقع في ساحة الداعي لا المدعوّ، فهو جلَّ وعلا كما وُصف في تعقيبات الصلوات المفروضة المروية عن محمّد ابن الحنفية (رحمه الله) قال: «بينما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يطوف بالبيت إذا رجل متعلِّق بالأستار وهو يقول:

يا من لا يشغله سمع عن سمع، يا من لا يغلِّطه السائلون، يا من لا يبرمه إلحاح الملحّين، أذقني برد عفوك، وحلاوة رحمتك.


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج4، ص413، الحديث: 1.

ص: 191

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : هذا دعاؤك؟

قال له الرجل: وقد سمعته؟

قال (عليه السلام) : نعم.

قال الرجل:

فادعُ به في دبر كل صلاة، فوالله ما يدعو به أحد من المؤمنين في أدبار الصلاة إلا غفر الله له ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء وقطرها، وحصباء الأرض وثراها.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن علم ذلك عندي، والله واسع كريم.

فقال له الرجل - وهو الخضر عليه السلام -: صدقت والله يا أمير المؤمنين، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (يوسف: ٧6) . . .» (1).

فهو جلَّت قدرته على كثرة المخاطبين له، لا يشغله أحدهم عن الآخر، وعلى كثرة إلحاحهم لا يتبرَّم بذلك، بل ذلك مطلوب له.

النكتة الثالثة: إنَّها وسيلة تنبيه للداعي بأنَّ الله تعالى لا ينحصر دُعاؤه في أوّل وقت الصلاة، وفي أثنائها، وإنَّما يمتدّ ذلك لما بعدها أيضاً، وبذلك يتربَّى العبد على مزاولة المناجاة وتحصيل الكمالات.

النكتة الرابعة: إنَّها وسيلة لأداء شكر المنعم على ما أنعم علينا بأداء الصلوات المفروضة، ومن هنا يتَّضح للداعي أنَّ الدعاء لا ينبغي حصره بالحاجات الشخصية، وإنَّما هنالك أُمور ترتبط بالجانب المعنوي، وأنَّ هنالك خصوصيات تتعلَّق بنفس الصلوات ينبغي مُراعاتها.

النكتة الخامسة: لعلّ ممَّا يكمُن في هذه التعقيبات ما يُرمّم ما انكسر في


1- الأمالي للشيخ المفيد، مصدر سابق: ص٩1، الحديث: ٨.

ص: 192

كينونة الصلاة التي صلّاها العبد، فإنّ الكسر والشوب واقعان في

الأكثر منها نتيجة التفات القلب لغير الله سبحانه، ولو لآنٍ ما، فيتدارك ذلك بالدعاء الخاصّ الوارد استحباب قراءته في عقب الصلوات المفروضة، وهو المرويّ عن الإمام علي (عليه السلام) : «

إلهي هذه صلاتي صلّيتها لا لحاجة منك إليها، ولا رغبة منك فيها إلا تعظيماً وطاعة وإجابة لك إلى ما أمرتني، إلهي إن كان فيها خلل أو نقص من ركوعها أو سجودها فلا تؤاخذني، وتفضَّل عليَّ بالقبول والغفران، برحمتك يا أرحم الراحمين» (1).

النكتة السادسة: إنَّها وسيلة ناجعة لطمر ما قد يعتمل في قلب البعض من أنَّه قدَّم شيئاً لله تعالى، في حين إنَّ مقتضى الحقّ والموضوعية هو أنَّ العبد بصلاته هذه، على فرض توفّرها على شروط الصحَّة والقبول، إنَّما يكون أكثر مديونية لله تعالى، وبالتالي يحتاج أن يُعبِّر عن ذلك بشيء يفي له بشيء ما، وليس أمامه سوى الدعاء.

ممًّا علَّمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

وأخيراً فقد روي عن الأصبغ بن نباتة (2)عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)


1- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٨3، ص3٨.
2- الأصبغ بن نباتة التميمي السلمي المجاشعي، من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين والحسن المجتبى والحسين الشهيد (عليهم السلام) . روى عنه عهد الأشتر ووصيّته إلى ابنه محمّد بن الحنفية، وهو من شرطة الخميس الذين ضمنوا له (عليه السلام) الذبح وضمن لهم الفتح، وعدَّه أمير المؤمنين (عليه السلام) من ثقاته العشرة. انظر: مستدرك سفينة البحار، للشيخ علي النمازي، تحقيق: الشيخ حسن النمازي، مؤسّسة النشر الإسلامي، طبعة 141٩ ه-، قم: ج6، ص165.

ص: 193

أنَّه قال: «

من أحبَّ أن يخرج من الدنيا وقد خَلُصَ من الذنوب كما يخلص الذهب لا كدر فيه وليس أحد يطلبه بمظلمة، فليقرأ في دبر الصلوات الخمس نسبة الرب تبارك وتعالى قل هو الله أحد ويبسط يديه ويقول:

اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون، الطاهر الطهر المبارك، وأسألك باسمك العظيم، وسلطانك القديم، يا واهب العطايا، يا مطلق الأسارى، يا فكَّاك الرقاب من النار، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تعتق رقبتي من النار، وأخرجني من الدنيا سالماً، وأدخلني الجنّة آمناً، واجعل يومي أوَّلَه فلاحاً، وأوسطه نجاحاً، وآخره صلاحاً، إنّك أنت علام الغيوب . ث-ُمَّ قال أمير المؤمنين عليه السلام:

هذا من المستجاب ممّا علَّمني رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمرني أن أُعلّمه الحسن والحسين عليهما السلام» (1).

إنَّها فرصة نقف عندها كلَّ يوم خمس مرّات، ولعلَّ في جعل هذه الخصوصية للدعاء في عقب الصلاة توفيراً للفرص أمام الناس، فلا ينحصر بوقت واحد منها، فتكون كلُّ فريضة فرصة تطلب صاحبها، وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال:

«ثلاثة أوقات لا يحجب فيها الدعاء عن الله تعالى، في أثر المكتوبة، و. . .» (2)، أي: في أثر وعقب الصلاة الواجبة.


1- فلاح السائل، للسيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني، تحقيق: غلام حسين المجيدي، بوستان كتاب (مركز الطباعة والنشر الإسلامي) ، ط2، 141٩ ه-، قم المقدّسة: ص3٠٠، الحديث32.
2- الأمالي، للشيخ الطوسي، مصدر سابق: ص2٨٠، الحديث: ٨٠.

ص: 194

الخامس: الدعاء عند غروب الشمس

وهو الدعاء عند ختام اليوم، لاستقبال يوم جديد، وهنا قد يُشير الغروب إلى غربة الروح، بمعنى إشراقها على الضفة الأُخرى من الوجود، فمن كان من سُكَّان الأرض وعُمَّارها ملأه الغروب حزناً بعد إشراقة النهار، ومن كان من ضيوف الأرض وعُمَّار الآخرة ملأه الغروب سروراً، لاسيَّما وهو إيذان جديد للّقاء بالحبيب ومُناجاته.

وقد ورد في استحباب الدعاء عند الغروب عدَّة روايات، وقد أدَّبتنا بعضها على كيفية الدعاء في هذا الوقت المُبارك، أما أصل الاستحباب، فقد ورد في مصباح المُتهجّد استحباب الدعاء عند غروب الشمس بالمرويّ عنهم (عليهم السلام) : «

يا من ختم النبوّة بمحمّد صلى الله عليه وآله، اختم لي في يومي هذا بخير، وشهري بخير، وسنتي بخير، وعمري بخير» (1)، وعن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «إذا غربت الشمس فقل:

اللهمّ لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه من قابل، أبداً ما أبقيتني، واقلبني اليوم مفلحاً منجحاً، مستجاباً لي، مرحوماً مغفوراً لي، بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من وفدك عليك، وأعطني أفضل ما أعطيت أحداً منهم من الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة، وبارك لي فيما أرجع إليه من أهل أو مال أو قليل أو كثير وبارك لهم. . .» (2).

السادس: الدعاء في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة

بعد تلك الرحلة المتواصلة في محطّات الدعاء، عند سماع الأذان


1- مصباح المتهجّد، مصدر سابق: ص٨3، الحديث: (10)٨.
2- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج13، ص55٩، الحديث: 2.

ص: 195

وبعده، وفي الصلاة وبعدها، وعند غروب الشمس، تأتي مرحلة جديدة تتحدَّث عن أوقات مُتفرّقة، منها الدعاء في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، وقد ورد ذلك في خصوص دعاء السمات، قال ابن طاووس (رحمه الله) : «روى ذلك محمّد بن عثمان بن سعيد العمري (1)، قال: حدَّثني محمّد بن أسلم قال: حدثني محمّد بن سنان قال: حدثني المفضل بن عمر الجعفي، وروى الدعاء عن مولانا جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) ، وقال في هذه الرواية: ويستحبّ أن يدعى به آخر نهار يوم الجمعة، وهذا لفظ الدعاء بالرواية الأولى - فكأنَّها أتمّ إن شاء الله تعالى-:

اللهمّ إن-ِّي أسألك باسمك العظيم الأعظم، الأعزِّ الأجلّ الأكرم، الذي إذا دُعيت به على مغالق أبواب السماء للفتح بالرحمة انفتحت، وإذا دُعيت به على مضايق أبواب الأرض للفرج انفرجت، وإذا دعيت به على العسر لليسر تيسَّرت، وإذا دُعيت به على الأموات للنشور انتشرت، وإذا دُعيت به على كشف البأساء والضرّاء انكشفت. . .» (2).

ولكن هذا التخصيص بدعاء السمات لا يقصر الدعاء به، فهذا الوقت مُبارك في نفسه، ولم يكتسب كماله من هذا الدعاء، فهو أشبه ما يكون باليوم الخامس عشر من شعبان، فهو يوم مُبارك في نفسه، وقد


1- هو أبو جعفر محمد بن عثمان العمري، السفير الثاني من سفراء الإمام المهدي (عليه السلام) في عصر الغيبة الصغرى، بعد أبيه عثمان العمري السمّان (رحمه الله) ، وقد بقي حوالي خمسين سنة في هذا المنصب إلى أن توفّي عام 3٠4 أو 3٠5 ه.
2- جمال الأسبوع، للسيد ابن طاووس الحسني، تحقيق: جواد القيوّمي، أختر شمال، ط1، 1٩٩2م، إيران: ص321.

ص: 196

وقعت فيه ولادة الإمام الحجة بن الحسن (عليه السلام) فازداد ذلك اليوم شرفاً آخر فوق شرفه الأوّل، والشاهد على ذلك هو قول ابن فهد الحلّي (رحمه الله) ، عندما مرَّ بهذه الساعة المباركة من آخر نهار يوم الجمعة: «

وأفضل ما دُعي به آخر ساعة من نهار الجمعة دعاء السمات. . .» (1).

أقول: لعلَّ خاتمية هذه الساعة للأُسبوع لا لنهار الجمعة فحسب، جعلتها ذات أهمّية، حيث يُودِّع الداعي فيها أُسبوعه وهو على صلة ووصل بربِّه، كما أنَّها ساعة الاتّصال بالأُسبوع الجديد، فيستقبله وهو على صلة ووصل بربِّه أيضاً، والله أعلم بحقائق الأُمور.

السابع: الدعاء من السحر إلى طلوع الشمس

وهنا يمتدُّ الوقت ليشغل مساحة أكبر من ساعة من نهار، وهو الوقت الجامع بين آخر ساعة من الليل السابق وأوّل ساعة من النهار اللاحق، وفيه يكون العبد متّصلاً بربّه، وكأنَّه يُريد أن يقول لربِّه: إلهي أنا بين أياديك، أُناجيك في ليلي ونهاري وأتوسّل إليك.

وقد ورد في هذا الوقت المبارك روايات كثيرة تُدلّل على أهمِّيته، منها: عن الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) أنه قال: «

إن الله عزَّ وجلَّ يُحبُّ من عباده المؤمنين كلَّ دعاء، فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس، فإنَّها ساعة تُفتح فيها أبواب السماء، وتُقسم فيها الأرزاق، وتُقضى فيها الحوائج العظام» (2).

ولا يخفى أنَّ ساعة السحر تُشير إلى صلاة الليل المُعبَّر عنها قرآنياً


1- عدّة الداعي، مصدر سابق: ص253.
2- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص4٧٨، الحديث: ٩.

ص: 197

بناشئة الليل، وذلك في قوله تعالى: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً (المزمل: 6) ، وهذه الصلاة تكمن ذروتها بركعة الوتر، وهذه الركعة ظاهرها صلاة، وباطنها دُعاء، فتكون الناشئة هي شخص الدعاء، فهي حقيقة المقصد، ولا يخفى أنّ العبادة الواقعة في جوف الليل لهي أشدُّ تأثيراً في القلب، لأنَّ القلب بعد أن نفر من ضوضاء النهار وعرج إلى سكون الليل، ثمَّ أخذ قسطاً من الراحة يكون قلبه أكثر انفتاحاً على عالم المعنى والحقيقة، وأكثر قبولاً لذلك من أيِّ وقت آخر، وهي ساعة الإحياء.

وأما الساعة الثانية، وهي ما بين الطلوعين، فإنَّها إشارة إلى عدم الركون إلى النوم والراحة الموجبين لدفع الرزق عن العبد، ولا ينحصر الرزق بالقوت المطلوب تحصيله، وإنما هنالك رزق أعظم، قد يكون هو العطاء المُفاض من تلك الساعة السابقة، أعني: ساعة السحر، فالأسرار أسرار لا تُحلُّ بالتمنِّي، وإنَّما بالدأب في التهجّد ليلاً، وفي السبح الطويل نهاراً (1)، وإذا كانت ساعة السحر هي ساعة الإحياء، فالساعة ما بين الطلوعين هي ساعة الحياة الحقيقية التي ينعم بها العبد بمناجاة ربّه، وتلاوة كتابه.

ث-ُمَّ يُفضَّل في الساعة الأُولى أن يُقرأ دعاء الحزين المرويّ عن الإمام علي زين العابدين (عليه السلام) ، الذي أوله: «

أناجيك يا موجود في كلّ مكان! لعلَّك تسمع ندائي، فقد عظُم جرمي وقلَّ حيائي! مولاي يا مولاي! أيّ الأهوال


1- إشارة إلى قوله تعالى: إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً . المزمل: ٧.

ص: 198

أتذكّر وأيها أنسى! ولو لم يكن إلا الموت لكفى. . .» (1).

كما يُفضَّل في الساعة الثانية قراءة القرآن وشيءٍ من الأدعية المهمَّة، ولعلَّ أهمّها هو دُعاء العهد المرويّ عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، وذلك بعد التعقيبات المعتادة، والذي أوّلُه: «

اللهمّ ربَّ النور العظيم، وربَّ الكرسيّ الرفيع، وربَّ البحر المسجور، ومُنزل التوراة والإنجيل والزبور، وربَّ الظلِّ والحرور، ومُنزل الفرقان العظيم، وربّ الملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين. . .» (2)، وقد قال فيه الإمام الصادق (عليه السلام) : «

من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا (عليه السلام) ، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره، وأعطاه الله بكلّ كلمة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيّئة» (3).

الثامن: في ليلة القدر

ث-ُمَّ ترتقي بنا عوالم الدعاء من الأوقات المحدودة إلى ساعات مقصودة، ث-ُمَّ إلى ليالٍ محمودة، أعظمها طُ-رّاً ليلة القدر، فهي الليلة

المباركة التي حلَّ فيها القرآن بكماله وجماله وجلاله، وصارت مُستودع أسرار البشر، في حياتهم وأرزاقهم ومقاصدهم.

ولذا استحقَّت أن تُحيى بالعبادة عموماً وبالدعاء خصوصاً، وقد ورد من الأدعية الخاصّة بها ما يصعب حصره، فلم تحظَ ليلة أُخرى بهذا الشرف من العناية والرعاية من قبل الله تعالى وأهل العصمة (عليهم السلام) ،


1- مصباح المتهجّد، مصدر سابق: ص163، الحديث: 4٩.
2- المزار الكبير، للشيخ محمد بن المشهدي، تحقيق جواد القيومي، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط1، 141٩ ه-، قم المقدّسة: ص663.
3- المصدر السابق: ص663.

ص: 199

ونحن لا يسعنا الوقوف عند اليسير من تلك المتون الدُّعائية فضلاً عن الكثير، ولذلك سوف نقصر الإشارة على دعاءٍ ينبغي الوقوف عنده، وهو دعاء قصير جداً ورد فيه الاستحباب المؤكَّد، وهو طلب العافية، فهي اللباس الأجمل على حدِّ تعبير أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (1)، وهي النعمة، التي عادة ما يغفل الناس عنها، فهي: «

نعمة خفية، إذا وُجدت نسيت، وإذا فُقدت ذكرت » (2)، على حدِّ تعبير الإمام الصادق (عليه السلام) ، وهي المقصد الأوّل في أدعية ليلة القدر، فقد روي «أنَّ رجلاً جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: ماذا أسأل الله تعالى إذا أدركتُ ليلة القدر؟ قال (صلى الله عليه وآله) :

العافية » (3)، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في دُعاءٍ له: «

اللهمّ إنِّي أسألك العافية، وتمام العافية » (4).

ما هي العافية؟

إنَّ العافية تعني الخلوّ من العلل والأمراض، وأمّا العافية التي نسألها في ليلة القدر فهي عافية الأديان ابتداءً، ث-ُمَّ تليها عافية الأبدان، فإنَّ علَّة الأديان موجبة لدخول النار، وأما علَّة الأبدان فإنَّها للمؤمن زكاة ورفع منزلة، وقد ورد في خطبة لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنَّه قال:

«. . . ونسأله المعافاة في الأديان كما نسأله المعافاة في الأبدان» (5).


1- انظر: من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق: ج4، ص4٠6، الحديث: 5٨٨٠.
2- المصدر السابق: ج4، ص4٠6، الحديث: 5٨٧٨.
3- انظر: مفاتيح الجنان، للشيخ المحدث الثقة عباس القمي، دار الثقلين، ط3، 142٠ه-، بيروت: ص2٨٨.
4- مصباح المتهجّد، مصدر سابق: ص65، الحديث: ٧4.
5- نهج البلاغة، مصدر سابق: ج1، ص1٩1، خطبة (٩٩) .

ص: 200

من هنا ينبغي لنا جميعاً أن نسأل - بشجاعة ووضوح- عن الدين الذي به تكون العافية، فما هو ذلك الدين؟

إننا وبحسب تتبّعنا ومُلازمة الحجّة والدليل، لم نجد غير ما عليه آل محمّد (عليهم السلام) ديناً تتحقّق فيه العافية، فإذا ما سألنا الله تعالى العافية في ليلة القدر وفي كلّ ليلة، فإنَّما نسأله أوّلاً وابتداءً المكوث في سفينة الله المُنجية من الغرق في بحور الوهم والانحراف والضلال، وهي سفينة آل محمّد (عليهم السلام) ، السفينة الأوحدية في التوحيد والنبوّة والإمامة، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق، هذه هي العافية.

ولكنْ للعافية تمام وإتمام، فما هو تمامها؟

من الواضح بأنَّ التمسُّكَ بركاب سفينة آل محمّد (عليهم السلام) يحتاج منّا الثبات على ذلك، والثبات ليس بأيسر من أصل الركوب، فإنَّ الحياة مليئة بالفتن، ولذلك فإنَّ تمام العافية هو دخول الجنّة والنجاة من النار، الذي يعني بالضمن الممات على تلك العافية.

«مرَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً برجل وهو يقول: اللهمَّ إنِّي أسألك

تمام النعمة، فقال (صلى الله عليه وآله) :

ابنَ آدم! وهل تدري ما تمام النعمة؟ الخلاصُ من النار، ودخول الجنّة » (1).

ذلك سؤال العافية في الأديان وتمامها، فما هي عافية الأبدان؟

إنَّ سؤال عافية الأبدان له شقَّان، الأوّل: صحّة الأبدان من العلل المادّية، والثاني: حفظ الأبدان من استعمالها في المحرَّم، والأوّل هو المقصود للناس أجمعين، أو الحاضر في


1- معاني الأخبار، مصدر سابق: ص23٠، باب معنى تمام العافية.

ص: 201

أذهانهم عادة، وأما الثاني فهو الحاضر في أذهان المتّقين، فعن الإمام زين العابدين في دعاء مكارم الأخلاق يقول (عليه السلام) : «

اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، ومتّعني بهدىً صالح لا أستبدل به، وطريقة حقٍّ لا أزيغ عنها، ونيّة رشدٍ لا أشكّ فيها، وعمِّرْنِي ما كان عُمْرِي ب-ذْلَةً في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعاً للشيطان فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إليَّ، أو يستحكم غضبك عليَّ » (1).

ولكن مع ذلك، لا ينبغي إغفال نعمة العافية في الأبدان في المعنى العرفي لها، أعني: الصحّة البدنية، فبواسطتها يُمكن للعبد أن يُمارس حياته وعباداته بشكل أفضل، ولذا ليس من الصحيح أن تسأل لنفسك ما يضرُّ ببدنك وصحَّتك، فطلب العافية أولى من ذلك، وهذا واضح.

عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنَّه ذكر نبيَّ الله يوسفَ (عليه السلام) حيث كان قد أصابه الأذى في السجن، فقال: «

شكا في السجن إلى الله فقال: يا ربّ بما استحققتُ السجن؟ فأوحى الله إليه: أنت اخترته حين قلت: ربِّ السجن أحبُّ إليَّ ممَّا يدعونني إليه، هلّا قلت: العافية أحبُّ إليَّ ممَّا يدعونني إليه؟ !» (2).

وهذا الأمر مطلوب دائماً، فالعافية بجميع أقسامها مطلب عُقلائي، ولكن هنالك مشكلة تكمن في تحديد مصاديق العافية، بمعنى أنَّ الداعي قد يُريد بدعائه العافية، وهو لا يعلم بأنَّ ما يدعو به لا يُوجب له ذلك، بل ربما يُوجب العكس تماماً، ولنا شاهد على ذلك، فعن معاذ بن جبل، قال: «كنت مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) فمرَّ برجل يدعو وهو يقول: اللّهم إنّي


1- الصحيفة السجّادية، مصدر سابق: ص٩٩، رقم: 2٠.
2- نور الثقلين، مصدر سابق: ج2، ص424، الحديث: 5٩.

ص: 202

أسالك الصبر، فقال له النبي (عليه السلام) :

سألت البلاء، فاسأل الله العافية » (1).

ولذلك طالما أكّدنا ضرورة الالتزام بالأدعية المأثورة، لأنَّها تقي الداعي من إشكاليات كثيرة، كتلك التي كاد أن يقع فيها ذلك الرجل، فعلَّمه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ماذا يسأل.

هل الدعاء في كلِّ وقت، أو كلُّ الوقت دُعاء؟

ولك أن تسأل: إذا كان الهدف من الدعاء هو التوجّه لله تعالى، ومنع التفات القلب إلى ساحات غيره، وأنَّ هذه الصلة والوصل لا انقطاع لها، فلِ-مَ التقييد بالوقت وعدم الركون إلى إطلاقه؟

بعبارة أُخرى: ل-ِمَ لا نترك للداعي اختيار الوقت المناسب له، ليلاً كان أم نهاراً، سحراً أم فجراً، وهكذا؟

والجواب: هو كذلك، فله أن يختار الوقت المناسب له، ولكنَّ ذلك لا يحلّ له المشكلة، فإنَّ الداعي يقصد تحقَّق حاجاته، ولا بدَّ له أن يختار ما هو مناسب، فالعاقل عادة يسلك الطرق القصيرة التي تختصر عليه الوقت والجهد، وحيث لا ضمانة بانتخاب الوقت عشوائياً في تحقيق هدفه؛ فإنَّ عليه انتخاب الأفضل الذي فيه ضمانة بحسب متابعة أهل البيت (عليهم السلام) في ذلك، فإنَّ الصلوات المفروضة لها أوقات مُحدَّدة، ومن الواضح بأنَّها هي لم تُحدَّد في أوقاتها المخصوصة إلا لأجل مصلحة عظيمة، ولذلك فإنَّ الذي يأتي بصلواته المفروضة قضاءً يكون قد فاته الكثير، فهو لم يفعل غير إسقاط الواجب عنه بصفة القضاء، وأما نيل


1- معاني الأخبار، مصدر سابق: ص23٠، باب معنى تمام العافية.

ص: 203

كمالات الصلاة فذلك مخدوش بلا ريب، بل هو مُعاتب في قضائه للحاضرة، فكيف تُرجى له كمالاتها؟

وهكذا الحال في المقام، مع اختلاف في المرتبة، كما هو واضح، ولذلك على الداعي مُراعاة ذلك. وهنالك نكتة أُخرى، وهي أنَّ الداعي عادة تزدحم أوقاته بالعمل والمشاغل الدنيوية، فهل إذا مرض، ولم يكن طبيباً، له أن يضع لنفسه الدواء؟ وهل يُحدِّد لنفسه أوقات شرب الدواء؟

فإذا لم يفعل ذلك، وهو كذلك بصفته عاقلاً، فإنَّ عليه مُتابعة هذه السيرة العقلائية، وذلك بالأخذ من أهل العصمة (عليهم السلام) ، المطّلعين على كمالات الأدعية، في مضامنيها وأوقاتها وأماكنها.

وعلى أيّ حال، فإنَّ لتوقيتية الدعاء سرّاً، لعلَّه هو نافذة الأخذ بكمال الدعاء نفسه، وقد قيل بأنَّ المراد من الوقت: «ما يُصادفهم من تصريف

الحقِّ لهم، دون ما يختارونه لأنفسهم» (1)، ولا ينبغي الإغفال عن ذلك.

وأمّا النكتة الأخيرة التي نودُّ إبرازها في توقيتية الأدعية، فهي أنَّ التوقيتية في الأدعية محاولة ربّانية لتنظيم أوقاتنا اليومية، وحفظها من البعثرة، وأيضاً لكي يعلم الإنسان العابد العاقل بأنَّ العبادة الاصطلاحية لا تُمثّل كلّ تفاصيل الحياة، فإنَّ الدين الإسلامي لا رهبانية فيه، ولذلك ليس الدعاء في كلِّ وقت، ولا كلُّ الوقت دُعاء، فإنَّ العمل هو الآخر عبادة، وطلب العلم عبادة، وخدمة الإخوان عبادة، وتربية العيال والكدّ عليهم عبادة، ولعلّ الكثير من هذه التفصيلات تعدل عند الله تعالى عشرات الساعات المنفقة في قراءة الأدعية، فلا قيمة للداعي وهو كَلٌّ على


1- الرسالة القشيرية، مصدر سابق: ص122.

ص: 204

مولاه؛ قال تعالى: وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (النحل: ٧6) ، فإنَّ الصراط المستقيم في المقام هو أن تكون مُتّزناً في عبادتك وفي عملك، فلا يحجب عملُك عبادتك عند حلول وقتها، ولا تحجب عبادتُك عملك حين حلول وقته، واعلم بأنَّ مُراعاة الأمرين معاً هو العبادة بعينها، فليس الهدف جمع المال، ولا يصحُّ للمؤمن الإذلال، كما لا يصحُّ للمؤمن أن يهجر الدعاء، في أيِّ حالٍ من الأحوال، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: «

أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام: يا موسى لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كلّ حال، فإنَّ كثرة المال تنسي الذنوب، وإنَّ ترك

ذكري يُقسِّي القلوب» (1).

أفضل أماكن الدعاء

اشارة

لا ريب بأنَّ كلَّ صلاة تستبطن دعاء، بل أدعية كثيرة، فسورة الحمد صريحة في الدعاء، اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (الفاتحة: 6) ، وأذكار الركوع والسجود هي الأُخرى صريحة بذلك، وأمّا القنوت فذلك مصداقه الأبرز جزماً، فالصلاة هي أقرب للدعاء منها لشيء آخر، وكيف لا تكون كذلك والصلاة عبادة محضة، والدعاء مُخُّ العبادة، علماً بأنَّ الصلاة في معناها اللغوي هو الدعاء، ثم استُعمل اللفظ في الأركان المخصوصة، والاستعمال في معنى آخر يُشترط فيه أن يكون مُناسباً للمعنى اللغوي، أي تُوجد مناسبة وربط بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص4٩٧، الحديث: ٧.

ص: 205

الشرعي، هذا أولاً.

وثانياً: لابدَّ أن تكون هنالك مجموعة أماكن لها مكانة خاصة يُستحبُّ فيها الدعاء، كما هو الحال بالنسبة لبعض الأوقات، وهنالك شاهد يُؤكِّد هذه الدعوة، وهو ما روي عن الإمام أبي الحسن الثالث، الجواد (عليه السلام) أنه قال: «

إنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل من أرضه بقاعاً تُسمى المرحومات، أحبَّ أن يُدعى فيها فيجيب. . .» (1).

إذا كان الأمر كذلك، فيُمكن القول بأنَّ كلَّ مكان يُستحبّ أو تُفضّل فيه الصلاة أو العبادة، فإنَّه يُستحبّ فيه الدعاء، ولنا شاهد على ذلك،

فقد روي عن الإمام محمّد الجواد (عليه السلام) أنَّه قال:

«. . . إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يطوف بالبيت، ويقبّل الحجر، وحرمة النبيّ والمؤمن أعظم من حرمة البيت، وأَمَرَهُ الله عزَّ وجلَّ أن يقف بعرفة، وإنَّما هذه مواضع يُحبُّ الله أن يُتعبَّدَ له فيها، فأنا أُحبُّ أن يُدعي لي حيث يُحبُّ الله أن يُعبد» (2).

وأماكن استحباب إيقاع الصلاة فيها كثيرة، سنذكر جملة منها، ثم نقف عند بعض العيّنات الأهمّ فيها، ويُمكن تقسيم هذه الأماكن إلى قسمين من حيث الأهمّية والمكانة، وهي:

القسم الأوّل: الأماكن الرئيسية، وهي:

1. المسجد الحرام.

2. المسجد النبوي، وعند الروضة خصوصاً.

3. مسجد الكوفة.


1- فروع الكافي، مصدر سابق: ج6، ص532، الحديث: 15.
2- المصدر السابق: ج4، ص56٧، الحديث: 3.

ص: 206

4. المسجد الأقصى.

القسم الثاني: الأماكن الثانوية، وهي:

1. المساجد عموماً، فهي بيوت الله تعالى في الأرض.

2. مسجد السهلة.

3. الحائر الحسيني، تحت القبّة تحديداً.

4. جميع المشاهد والمراقد المُشرَّفة للمعصومين (عليهم السلام) .

5. عرصات عرفة.

6. المشعر الحرام.

٧. مسجد الخيف.

٨. مسجد براثا.

٩. مسجد قبا.

(10). مسجد الغدير.

وسوف نقف بشيءٍ من التفصيل عند ثلاث عيّنات منها، وهي: (المسجد الحرام، الحائر الحسيني، عرصات عرفة) ، بعد أن نمرَّ سريعاً على الأماكن الأُخرى.

إجمال الحديث عن أماكن رئيسية وثانوية

الأوّل: المسجد النبويّ عموماً، وعند الروضة خصوصاً

لا ريب في استحباب الصلاة والدعاء في المساجد عموماً، ولكن هنالك مساجد مُعيّنة اختصَّت بفضل آخر أعطاها الأولوية بالقصد والصلاة والدعاء فيها، منها المسجد النبوي، فقد ورد في فضله روايات كثيرة، وعيّنت فيه مواضع خاصّة، مثل الروضة الكائنة بين قبر الرسول

ص: 207

(صلى الله عليه وآله) ومنبره، فإنَّها روضة من رياض الجنّة، على حدِّ تعبير النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) (1)، واسطوانة أبي لُبابة (اسطوانة التوبة) ، حيث

يُستحبُّ عندها إعلان التوبة والاستغفار، وبيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، الذي ورد فيه أنّه أفضل من الروضة نفسها، ثم إنَّ المسجد النبوي من الأماكن التي يُستحبّ فيها الاعتكاف، وفيه يُخيَّر المُسافر بين القصر والتمام لشدِّة فضله، وقد ورد أنَّ الصلاة فيه تعدل عشرة آلاف صلاة (2).

الثاني: مسجد الكوفة

وهو رابع المساجد التي للمسافر أن يختار فيها في صلاته بين القصر والتمام، وهو من أقدم مساجد الأرض عموماً، وقيل بأنَّ أوَّل من بناه هو نبيّ الله آدم (عليه السلام) (3)، فعن الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «

مسجد كوفان روضة من رياض الجنّة صلّى فيه ألف نبيّ وسبعون نبيّاً. . . ومنه فار التنور ونجرت السفينة، وهي صرّة بابل، ومجمع الأنبياء عليهم السلام. . .» (4)، وهو أفضل المساجد على الإطلاق بعد الحرمين الشريفين، كما في الخبر (5).


1- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة، وإنّ منبري على ترعة من ترع الجنّة» . انظر: من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق: ج2، ص56٨، الحديث: 315٨. وقد جاء في البخاري والموطأ ومسند أحمد: «بين بيتي ومنبري» .
2- انظر: المصدر السابق: ج4، ص556، الحديث: 11.
3- انظر: تاريخ الكوفة، للسيد حسين بن السيد أحمد البراقي، تحقيق: ماجد بن أحمد العطية، مكتبة الحيدري، ط1، 1424 ه-، قم المقدّسة: ص33.
4- فروع الكافي، مصدر سابق: ج3، ص4٩3، الحديث: ٩.
5- روى سلام الحناط عن رجل عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «سألته عن المساجد التي لها الفضل، فقال: المسجد الحرام ومسجد الرسول، قلت: والمسجد الأقصى جُعلت فداك؟ فقال: ذاك في السماء، إليه أُسري رسول الله صلى الله عليه وآله، فقلت: إنّ الناس يقولون: إنَّه بيت المقدس؟ . فقال: مسجد الكوفة أفضل منه» . انظر: تفسير العياشي، النضر محمد بن مسعود العياشي، تحقيق السيد هاشم المحلاتي، نشر المكتبة العلمية الإسلامية، طهران: ج2، ص2٧٩، الحديث: 13.

ص: 208

وقد عبَّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الكوفة بأنها جمجمة العرب، ورمح الله تبارك وتعالى، وكنز الإيمان (1)، وهو الموضع الذي تُقضى فيه الحوائج، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «

من كانت له إلى الله حاجة فليقصد إلى مسجد الكوفة ويسبغ وضوءه ويُصلِّ في المسجد ركعتين. . . فإذا فرغ من الركعتين وتشهَّد وسلَّم وسأل الله حاجته فإنّها تُقضى بعون الله إن شاء الله» (2).

وأخيراً فهو الربوة ذات قرار ومعين، المذكورة في قوله تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (المؤمنون: 5٠) ، كما هو المرويّ عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (3)، وقيل: بأنَّ المراد بالربوة هو المسجد الأقصى (4).

الثالث: المسجد الأقصى

وهو بيت المقدس، وإنَّما سُمِّي بالمسجد الأقصى لأنَّه أبعد مسجد كان


1- انظر: علل الشرائع، للشيخ الصدوق، المطبعة الحيدرية، طبعة 1٩66م، النجف الأشرف: ج2، ص46٠، الحديث: 1.
2- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج٨، ص134، الحديث: 12.
3- معاني الأخبار، مصدر سابق: ص2٧3، الحديث: 1.
4- انظر: روضة الواعظين، مصدر سابق: ص4٠٨.

ص: 209

في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) ، فالمسيرة بينه وبين مكّة المكرّمة قرابة شهر، وهو أُولى القبلتين، وثالث المسجدين بعد المسجد الحرام والمسجد

النبوي، أو رابعها، بعد الحرمين ومسجد الكوفة، كما تقدَّم ذلك.

وقد أحلّ الله تعالى فيه بركته، وهو محلّ إسراء الرسول (عليه السلام) ، وفيه قال سبحانه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الإسراء: 1) ، وهو من المساجد التي تُشدّ إليه الرحال، تُستحبّ زيارته والصلاة والدعاء فيه.

الرابع: المساجد عموماً، فهي بيوت الله تعالى في الأرض

وفي حديث قُدسيّ مرويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: «قال الله تبارك وتعالى:

إنَّ بيوتي في الأرض المساجد تُضيءُ لأهل السماء كما تضيءُ النجوم لأهل الأرض، ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته، ألا طوبى لعبد توضّأ في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر، ألا بشِّر المشَّائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة» (1).

وينبغي التعاطي مع المساجد بُخلق الإسلام الذي علَّمنا إيّاه أهل العصمة (عليهم السلام) ، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «

إذا بلغت باب المسجد، فاعلم أنّك قد قصدت باب ملك عظيم، لما يطأ بساطه إلا المطهّرون، ولا يؤذن لمجالسته إلا الصدّيقون. . . ، فإن ذقت حلاوة مناجاته، ولذيذ مخاطباته، وشربت بكأس رحمته وكراماته، من حسن إقباله عليك وإجابته، فقد


1- المحاسن، مصدر سابق: ج1، ص4٧، الحديث: 65.

ص: 210

صلحت لخدمته. . .» (1).

الخامس: مسجد السهلة

«السهلة والسهل: تراب كالرمل يجيء به الماء، وأرض سهلة: كثيرة السهلة، فإذا قلت سهلة فهي نقيض حزنة» (2)، ولذلك سُمِّي مسجد السهلة بذلك، لسهولة أرضه، ووفرة الماء فيه، ومسجد السهلة هو المكان الذي سوف يتّخذه الإمام المهدي (عليه السلام) منزلاً له، كما اتّخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسجده منزلاً له، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه ذكر مسجد السهلة، فقال: «

أما إنَّه منزل صاحبنا إذا قام بأهله » (3)، مُشيراً إلى حفيده الحجّة بن الحسن (عليه السلام) .

وفي رواية أُخرى عن أبي بصير عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: «قال لي:

يا أبا محمّد كأنّي أرى نزول القائم (عليه السلام) في مسجد السهلة بأهله وعياله، قلت: يكون منزله جعلت فداك؟ قال:

نعم، كان فيه منزل إدريس، وكان منزل إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، وما بعث الله نبيّاً إلا وقد صلّى فيه، وفيه مسكن الخضر عليه السلام، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله صلّى الله عليه وآله، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحنُّ إليه، وفيه صخرة فيها صورة كلّ نبي، وما صلّى فيه أحد فدعا الله بنيّة صادقة، إلّا صرفه الله بقضاء حاجته، وما من أحد استجاره، إلا أجاره الله ممَّا يخاف، قلت: هذا لهو الفضل. قال

: نزيدك؟ قلت : نعم. قال:

هو من البقاع


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج3، ص43٧، الحديث: 4.
2- لسان العرب، مصدر سابق: ج11، ص34٩.
3- فروع الكافي، مصدر سابق: ج3، ص4٩5، الحديث: 2.

ص: 211

التي أحبَّ الله أن يُدعى فيها. . .» (1)، فهو

إذن من المواضع التي يُحبّ (عليه السلام) أن يدعو فيها ربّه، لأنه موضع استجابة الدعاء.

السادس: جميع المشاهد والمراقد المُشرّفة للمعصومين (عليهم السلام)

إنَّ المراقد المشرَّفة للمعصومين - من النبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله الطاهرين (عليهم السلام) - من البيوت المعنيّة بقوله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (النور: 36) ، بل جاء في سبب نزولها في حقِّهم عليهم السلام، عن حمران بن أعين قال: «زرت الحسين عليه السلام، فلما قَدِمْتُ، قال لي أبو جعفر - الباقر - عليه السلام:

يا حمران فمن زار قبور شهداء آل محمّد عليهم السلام يريد بذلك صلةّ نبيّه، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه. . .» (2).

السابع: المشعر الحرام

وهو مورد الإفاضة من عرفة، قال تعالى: . . . فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ. . . (البقرة: 1٩٨) ، والذكر هو أبرز موارد الدعاء، بل هو الدعاء بعينه، وللمشعر عنوان آخر أقرب لمعنى الدعاء، وهو (مزدلفة) ، والازدلاف هو التقرّب، وسّميت مُزدلفة بذلك لأنَّ الله تعالى أمرنا بأن نتقرَّب إليه في هذا الموضع، وهذا واضح في لحن خطاب الآية، وقد جاء في الخبر: «

وسُمِّي المشعر مزدلفة لأنَّ جبرائيل عليه السلام قال لإبراهيم عليه السلام بعرفات: يا إبراهيم ازدلف إلى المشعر


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج3، ص41٧، الحديث: ٩.
2- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج(10)، ص33٠، الحديث: 35.

ص: 212

الحرام فسمّيت المزدلفة لذلك» (1).

الثامن: مسجد الخيف

الخيف في اللغة: المكان المُطلّ على الوادي، ومسجد الخيف مطلٌّ على وادي منى، وفي المجمع: (الخيف ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، ومنه سُمِّي مسجد الخيف بمنى لأنَّه بُني في خيف الجبل) (2)، ولعلَّ هنالك معنى آخر هو الأقرب لمضامين الحثّ الأكيد على زيارته والصلاة والدعاء فيه، وهو كونه مأخوذاً من الخوف، ففي اللسان: (الخيف: جمع خيفة من الخوف) (3)، ولسان حال الحجيج بعد نزولهم منى هو الخوف والخشية من التقصير، فيطمعون بتمام المغفرة، وعند هذا المسجد الشريف ينالون مُرادهم، والله العالم.

التاسع: مسجد براثا

التاسع: مسجد براثا (4)

وهو مسجد قديم، يقع في الجانب الغربي من مدينة بغداد، بل هو


1- من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق: ج2، ص1٩6، الحديث: 2125.
2- مجمع البحرين، للشيخ فخر الدين الطريحي، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، مكتبة الثقافة الإسلامية، ط2، 14٠٨ه-: ج1، ص٧2٠.
3- لسان العرب، مصدر سابق: ج٩ ص(10)3.
4- يُقال بأنَّ اسم «براثا» سرياني، ويعني: بالسريانية القديمة (ابن العجائب) ، وقيل يعني: «بيت مريم» ، أو «أرض عيسى» ، وظاهر بعض المصادر أنه سُمِّي بذلك على اسم بانيه، فقد أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) ذلك الراهبَ الذي التقاه هناك بأن يبني في هذا الموضع مسجداً، ويُسمّيه على اسم بانيه، وكان اسمه براثا، وكان ذلك في عام 2٧ه- أي قبل بناء بغداد بأكثر من قرن.

ص: 213

أوّل مسجد بُني فيها قبل تأسيسها، وقد صلَّى فيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لما رجع من قتال أهل النهروان في عام (3٧) هجرية. وقد روي فيه عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال:

«. . . وأما مسجد براثا ببغداد فصلّى فيه أمير المؤمنين عليه السلام لما رجع من قتال أهل النهروان» (1).

وقد روى لنا تفصيل هذه الحادثة الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) (2).

وقد كان للإمام المهدي (عليه السلام) عناية خاصّة بهذا المسجد، فقد كان الحسين بن روح (3)(رحمه الله) يرتاده كثيراً، وقد كان هذا المسجد مهوى أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في عصر الغيبة الصغرى ومكان اجتماعهم، يتعبَّدون ويدرسون فيه، حتّى عبّر بعضٌ عنه بأنَّه كان عُشّاً لهم (4)، وقد


1- من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق: ج1، ص232، الحديث: 6٩٧.
2- رُوي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: صلّى بنا عليّ (عليه السلام) ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراة (الخوارج) ونحن زهاء مائة ألف رجل، فنزل نصراني - اسمه الحبَّاب- من صومعته فقال: من عميد هذا الجيش؟ فقلنا: هذا، فأقبل إليه فسلَّم عليه فقال: يا سيدي أنت نبيّ؟ فقال: لا، النبيّ سيدي قد مات، قال: فأنت وصيّ نبي؟ قال: نعم، ثم قال له: اجلس، كيف سألت عن هذا؟ قال: أنا بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع وهو براثا، وقرأت في الكتب المنزلة أنه لا يُصلِّي في هذا الموضع بهذا الجمع إلا نبيّ أو وصيّ نبيّ وقد جئت أُسلم، فأسلم، وخرج معنا إلى الكوفة. . . ، فقال له علي (عليه السلام) : أفأخبرك من صلَّى ههنا؟ قال: نعم، قال: الخليل عليه السلام» . المصدر السابق: ج1، ص232، الحديث: 6٩٨.
3- هو السفير الثالث من السفراء الأربعة للإمام المهدي عليه السلام، في عصر الغيبة الصغرى.
4- انظر: البداية النهاية، للحافظ إسماعيل بن كثير الدمشقي، دار إحياء التراث العربي، ط1، 14٠٨ه-، بيروت: ج11، ص2٨٨.

ص: 214

ذكر العلامة المجلسي استحباب الصلاة فيه وطلب الحوائج 1، وهو مسجد قائم إلى يومنا هذا، وقد أُجري عليه عمران كبير في السنوات الأخيرة، مع بقاء شيء من آثاره القديمة.

العاشر: مسجد قبا

وهو المسجد الذي وصفه الله تعالى بأنه أُسِّس على التقوى، وذلك في قوله تعالى: لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ. . . (التوبة: (10)٨) ، فعن الحلبي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: «

سألته عن المسجد الذي أُسِّس على التقوى قال: مسجد قبا » (1)، ولا ريب بأنَّ المسجد الذي مدحه القرآن الكريم بذلك لهو جدير بارتياده والدعاء فيه.

الحادي عشر: مسجد الغدير

وهو المسجد الذي بُني على أثر وقوف الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) فيه بعد الرجوع من حجّة الوداع، وأعلن فيه الإمامة والخلافة والولاية لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، ث-ُمَّ طلب من الصحابة، وكان عددهم أكثر من مائة وعشرين ألفاً، أن يُبايعوا عليّاً على الخلافة، فبايعوه جميعاً، حتّى قال

بعضهم: بخٍ بخٍ لك يا علي، أصبحت مولى كلّ مسلم ومسلمة (2)، وعن


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج3، ص2٩6، الحديث: 2.
2- قال ابن كثير: (وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست وليّ المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: . . . الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. . . ، البداية والنهاية، مصدر سابق: ج٧، ص3٨6.

ص: 215

حسان الجمال قال: «حملت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) من المدينة إلى مكّة، فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر إلى ميسرة المسجد فقال: ذلك موضع قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله حيث قال:

من كنت مولاه فعليّ مولاه. . .» (1)، وأما اليوم فلا يُوجد للمسجد عين ولا أثر، حيث طمره النواصب على مرّ العصور، مُحاولة منهم لإطفاء جميع شواهد التأريخية الناطقة بإمامة أهل البيت (عليهم السلام) ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.

خصوصيات أماكن رئيسية وثانوية

اشارة

أمّا الأماكن الثلاثة الأُخرى التي ارتأينا الوقوف عندها لخصوصيات سوف تتّضح من خلال البحث، فهي:

الأوّل: المسجد الحرام

لا يخفى ما للمسجد الحرام من مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، فهو المسجد الأوّل في الأرض - قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (آل عمران: ٩6) - وأعظمها فضلاً وشرفاً ورفعةً وحرمة، لا يُضاهيه أيّ مسجد آخر مُطلقاً، وهو بيت الله العتيق من الطوفان الذي أغرق كلَّ شيء، وهو قبلة المسلمين التي


1- فروع الكافي، مصدر سابق: ج4، ص566، الحديث: 2.

ص: 216

ارتضاها الله تعالى للنبيّ بعد طول تقلّب وللمسلمين، قال تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ. . . (البقرة: 144) ، وهو البيت الذي تهوي إليه قلوب المؤمنين، وحباه بالخيرات الكثيرة بدعاء من إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، وهو قوله تعالى: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (إبراهيم: 37) ، وهو البلد الآمن من دون أصقاع الأرض، وبدعاء من الخليل (عليه السلام) أيضاً، وهو قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَ-َذَا بَلَداً آمِناً. . . (البقرة: 126) ، وهو محلُّ بدء إسراء النبيّ الأمين (صلى الله عليه وآله) ، وهو قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى. . . (الإسراء: 1) ، وهو مُلتقى الأنبياء (عليهم السلام) ، ومحطّ الرسالات، ونزول الوحي، منذ أبينا آدم (عليه السلام) الذي هو أوّل بانٍ وحاجٍّ له وإلى النبيِّ الخاتم، وهو محلّ انطلاقة الإمام المهدي (عليه السلام) ومُلتقاه بأنصاره، وهو المكان الأوحد الذي يقصده المسلمون على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، دون جميع أصقاع الأرض، ويجب على كلّ مُسلم ومسلمة مُستطيعين زيارته والطواف حوله.

هذا، وقد ورد في شأن الصلاة فيه والدعاء عنده الشيء الكثير، ويكفينا في ذلك مُراجعة كتب أعمال الحرمين، لنقف على الأدعية الواردة في كلّ

مورد منه، بل في شبر منه، فهنالك أدعية خاصّة عند الدخول إلى الحرم، وعند رؤية الكعبة المشرّفة، وعند الطواف، وعند الركن اليماني، وعند المُلتزم

ص: 217

والحجر الأسود، وتحت ميزاب الرحمة، وعند المستجار والباب والحطيم، وعند مقام إبراهيم، بل هنالك أدعية حتّى في شرب ماء زمزم.

وقد شرَّف الله تعالى بيته بأن جعل الصلاة فيه تعدل مائة صلاة في غيره، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «

الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة» (1)، ومن هنا تفهم قيمة الدعاء ومكانته فيه.

الثاني: الحائر الحسيني

يُطلق عنوان الحائر الحسيني على مرقد الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) ، الكائن في مدينة كربلاء، وقد ورد في استحباب الدعاء عنده جملة من الروايات، منها المروي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «

إنَّ الحائر من المواضع التي يحبّ الله أن يُدعى فيها» (2).

وقد كان الأئمة (عليهم السلام) يحرصون كثيراً على حثّ الناس على زيارته والدعاء عنده، فعن أبي هاشم الجعفري، قال: «بعث إليَّ أبو الحسن - الإمام الجواد (عليه السلام) - في مرضه وإلى محمّد بن حمزة، فسبقني إليه محمّد بن حمزة، فأخبرني أنَّه ما زال يقول:

ابعثوا إلى الحائر، فقلت لمحمد: ألا قلت له: أنا أذهب إلى الحائر، ث-ُمَّ دخلت عليه فقلت له: جُعلت فداك أنا أذهب إلى الحائر، فقال:

انظروا في ذلك. . . إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يطوف بالبيت ويقبّل الحجر، وحرمة النبي صلى الله عليه وآله والمؤمن أعظم من حرمة البيت، وأمره الله أن يقف بعرفة، إنَّما هي مواطن يُحبُّ الله أن يُذكر فيها،


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج4 ص526، الحديث: 5.
2- كامل الزيارات، مصدر سابق: ص45٨، الحديث: 6.

ص: 218

فأنا أحبُّ أن يُدعى لي حيث يُحبُّ الله أن يُدعى فيها، والحائر من تلك المواضع» (1).

وقد أنفذ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) زائراً عنه إلى مشهد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وقال: «

إنَّ لله تعالى مواطن يُحبُّ أن يُدعى فيها فيُجيب، وإنَّ حائر الحسين عليه السلام من تلك المواطن» (2).

وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: «قال الحسين بن علي (عليهما السلام) :

أنا قتيل العبرة، قُ-تلت مكروباً، وحقيقٌ على الله أن لا يأتيني مكروب إلا ردَّه الله وقَ-لَبَهُ إلى أهله مسروراً» (3).

وأما في مسألة استجابة الدعاء، فلم يرد مثل ما ورد في حقِّه (عليه السلام) ، فقد روي عن محمّد بن مسلم قال: «سمعت أبا جعفر (الإمام الباقر) وجعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقولان:

إنَّ الله عوَّض الحسين عليه السلام مِ-نْ قتْلِهِ أنَّ الإمامة من ذرّيته، والشفاء في ترتبه، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تُعدُّ أيّام زائريه جائياً وراجعاً من عمره» (4)، وفي رواية أُخرى: «

وإجابة الدعاء تحت قبّته» (5).

ثم إنَّ زيارته وحدها تُوجب ذلك، فكيف بالدعاء عنده؟ عن حمران


1- المصدر السابق: ص45٨، الحديث: 1.
2- المزار (مناسك المزار) ، للشيخ المفيد، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، ط1، قم المقدّسة: ص2٠٩، الحديث: 2.
3- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج(10) ص32٨، الحديث: 31.
4- المصدر السابق: ج(10)، ص32٩، الحديث: 34.
5- عدّة الداعي، مصدر سابق: ص4٨.

ص: 219

بن أعين قال: «زرت الحسين (عليه السلام) ، فلما قَدِمْتُ، قال لي أبو جعفر الباقر (عليه السلام) : يا

حمران، فمن زار قبور شهداء آل محمّد عليهم السلام يُريد بذلك صلة نبيّه، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه» (1).

الثالث: عرصات عرفة

عرصات عرفة موضع يبعد عن مكّة أكثر من عشرين كيلو متراً، وهي ميدان فسيح يلتقي فيه الحجيج كلَّ عام في اليوم التاسع من ذي الحجّة، وحضور الحاجّ فيه واجب، بل هو ركن أساسي من أركان الحجّ، بل يبطل الحجّ بدونه، ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «

الحجُّ عرفة » (2).

وعرفات اسم في لفظ الجمع، فلا يُجمع (3)، وقد اختلف في سبب تسميتها بذلك، فقيل إنَّها مأخوذة من الاعتراف بالذنب، وقد ورد ذلك عن معاوية بن عمّار قال: «سألت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن عرفات لِمَ سُمِّيت عرفات؟ فقال (عليه السلام) :

إنَّ جبرائيل عليه السلام خرج بإبراهيم صلوات الله عليه يوم عرفة، فلمّا زالت الشمس قال له جبرائيل: يا إبراهيم اعترف بذنبك، واعرف مناسكك، فسُمِّيت عرفات لقول جبرئيل عليه السلام اعترف فاعترف» (4)، وقيل إنَّها مأخوذة من المعرفة، ففي هذا اليوم يتعرَّف العبد على ربّه، وقيل من التعارف، فإنَّ الحجيج جميعاً يلتقون في ذلك الموقف، وقيل هي محلُّ التعارف بين آدم وحوَّاء بعد هبوطهما من الجنّة.


1- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج(10)، ص33٠، الحديث 35.
2- مُستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج(10)، ص34، الحديث 3.
3- انظر: الصحاح تاج اللغة، مصدر سابق: ج4، ص14٠1.
4- علل الشرائع، مصدر سابق: ج2 ص436، الحديث 1.

ص: 220

والظاهر من جميع ما تقدَّم هو أنَّها ألصق بالاعتراف بالذنوب، لاسيَّما وأنَّ يوم عرفة هو يوم الدعاء، ومحلُّ التوبة والاعتراف بالذنب، وأما لقاء آدم وحوَّاء فهو لقاء الاعتراف بالذنب، وأما المعرفة فذلك بعد اعتراف العبد بذنبه وتقصيره عن الوصول إلى معرفته، وأما التعارف فالأولى هو التعارف بين العبد وربِّه، وهذا لا يكون بدون الإقرار بالتقصير والذنب.

وعلى أيّ حالٍ، فعرفة كمكان قد اقترنت بعالم الدعاء، وهذا الاقتران أُسِّس له قرآنياً، وهو قوله تعالى: . . . فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا الله عِندَ الْمَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ (البقرة: 1٩٨) ، فعرفة انطلاقة الدُعاء والذكر، لتكتمل حلقات الدعاء والذكر في مُزدلفة المسمّاة بالمشعر الحرام.

وينبغي أن يُعلم بأنَّ أعمال عرفة إنَّما أُريد بها مَ-نْ حضر عرفة نفسها، أيّ كان حاجّاً، حيث يُستحبّ له عدَّة أُمور غير الأُمور الواجبة، وهذا لا يعني عدم استحباب الدعاء في يوم عرفة لمن لم يحضر عرفة، فعن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) أنّه قال: «

لا عرفة إلا بمكّة، ولا بأس أن يجتمعوا في الأمصار يوم عرفة يدعون الله» (1)، فقوله (عليه السلام) : «

لا عرفة إلا بمكّة» ، إشارة منه إلى المكان المأخوذ قيداً في الأعمال، ولذلك عبَّر عن الدعاء في الأمصار في يوم عرفة بقوله: (لا بأس) ، أيّ أنَّهم لهم الدعاء، ولكنَّهم ليسوا ممَّن يُعرِّفون، لأنَّه لا عرفة إلا بمكّة.

بل ورد هناك نوع من التعويض لمن لم يشهد عرفة، ومع ذلك يُكتب له أجر الوقوف بعرفة، وذلك لمن عرَّف بكربلاء عند قبر الإمام الحسين


1- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج(10)، ص32، الحديث: 2.

ص: 221

(عليه السلام) ، فعن معاوية بن وهب البجلي قال: «قال لي أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) :

من عرَّف عند قبر الحسين عليه السلام فقد شهد عرفة » (1)، وكما هو الحال في قصّة بشير الدهان الذي يُبلِغُ الإمام َ الصادقَ (عليه السلام) بأنَّه ربَّما يفوته الوقوف بعرفه فيذهب لِيُعرِّفَ عند قبر الإمام الحسين (عليه السلام) ، فاستحسن الإمام الصادق (عليه السلام) عمله وأخبره بأجر عمله (2).

ومن أهمِّ أعمال عرفة الدُعائية، قراءة دُعاء الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة، الذي أوّله: «

الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع. . . » (3)، والذي لو لم يكن فيه إلا قوله (عليه السلام) : «

ماذا وجد من فقدك، وما الذي فقد من وجدك. . .» (4)لكفى وزيادة، وأيضاً دُعاء الإمام عليّ السجّاد (عليه السلام) ، الذي أوَّله: «

الحمد لله ربّ العالمين، اللهم لك الحمد بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام، ربَّ الأرباب، وإله كلّ مألوه، وخالق كلّ مخلوق، ووارث كلّ شيء، ليس كمثله شيء. . .» (5)، مع أدعية وأعمال أُخرى ذُكرت في مظانّها، وقد مرَّ بنا وصيّة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عند الغروب في يوم عرفة، حيث قال: «

إذا غربت الشمس يوم عرفة، فقل اللهمّ لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف. . .» (6).


1- تهذيب الأحكام، مصدر سابق: ج6، ص51، الحديث: 33.
2- انظر: الأمالي للشيخ الصدوق، مصدر سابق: ص2٠6، الحديث: 11.
3- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٩5، ص216.
4- المصدر السابق: ج٩5، ص226.
5- الصحيفة السجّادية، مصدر سابق: ص316، رقم: 14٧.
6- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج(10)، ص31، الحديث: 2.

ص: 222

هوية التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

مرَّ بنا في بحث المُعقِّبات (1)قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي يُفيد بأنَّ (التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير) هنَّ المعقِّبات، وقد وعدْنا بالوقوف عند ذلك في خواتيم هذا الفصل، وحان وقت الوفاء بذلك، وبقدر وفائنا بالوعد سنُحاول أن نستوفي الموعود به، وذلك من خلال إبراز هوية هذه المُعقِّبات التي كانت أحبَّ إلى رسول الله ممَّا طلعت عليه الشمس، وذلك لقوله (صلى الله عليه وآله) : «

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحبُّ إليَّ ممَّا طلعت عليه الشمس» (2)، والتي سمَّاها (صلى الله عليه وآله) في حديث آخر بالجُنن، أي: الواقيات، وذلك عندما التفت إلى أصحابه فقال لهم: «

اتخذوا جُنَناً، فقالوا: يا رسول الله من عدوّ قد أظلَّنا؟ قال:

لا، ولكن من النار، قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» (3).

فما هي هويّة هذه المُعقِّبات؟

إنَّ الهويّة العامّة أو الجامع المشترك لهذه المُعقِّبات الرباعية هو أنَّها بوجودها المجموعي ترسم لوحة الإقرار والإذعان التامّ بتوحُّد الإبداع (سبحان الله) ، والإفاضة (الحمد لله) ، وجهة الصدور (لا إله إلا الله) ، والعجز عن الوصف (الله أكبر) ، وهذه الجدلية تختصر لنا كلَّ ما هو كائن ومكنون، وهي بمجموعها تُشكِّل وِرْداً قائماً بنفسه، له كمالاته الخاصّة به، والتي لا يُمكن تحصيلها بالإتيان بتلك المفردات الرباعية مُنفردة،


1- في الفصل الرابع، فراجع.
2- وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج2، ص٧٧، الحديث: ٧.
3- مكارم الأخلاق، مصدر سابق: ج2، ص٧5، الحديث: 1.

ص: 223

وهذا من أبلغ أسرار مُفردات الشارع المقدَّس، كما هو الحال تماماً بالنسبة للنصوص القرآنية، التي تُعطيك مضامين مُختلفة ومُنوَّعة بوجودها المفرداتي وبوجودها الجُملي، وبوجودها الموضوعي، ممَّا يدلُّ على أنَّ يد الإفاضة واحدة، فتأمّل.

وأما الهويّة الخاصّة لهذه المفردات الرباعية، فإنَّ لها بُعدين، وهما:

البعد الأوّل: تدويني، يدور في عالم الظاهر (اللفظ والمعنى) .

البعد الثاني: تكويني، يدور في عالم الباطن (الحقِّ والحقيقة) .

ونحن بقدر ما يسمح لنا به أُفق الكتاب نُدلي بدلونا في الأوّل تصريحاً، وفي التالي تلميحاً.

أما التسبيح (سبحان الله) ، فهويّته التدوينة (تصريحاً) ، هي: التنزيه من الشرك والعجز والنقص، ومصدره (سبحاناً وتسبيحاً) ، منصوب على الإطلاق دائماً، يُستعمل في صيغة التعجُّب السُّماعي، فيكون المفاد هو إظهار التعجُّب ممَّا تراه العين أو يتصوَّره العقل، وعادة ما يُلازم الصورة الإبداعية، ولذلك أشرنا إلى التوحُّد الإبداعي بمفردة «سبحان الله» .

وأمَّا هويّته التكوينية (تلميحاً) ، فهي: معاينة (1)الغاية في جمال المكنون، فلا يُتعقَّل بعده أُفق آخر، والمعاينة إنما تكون بقدر الرائي لا المرئي، وبنحوٍ لم يخطر على باله ابتداءً، ولم يطرق سمعه تبعاً، فالمعاينة هي الأشبه بنعيم الآخرة، الذي جاء التعبير عنه بذلك في كلمات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، حيث يقول: «

يقول الله تعالى: يا عبادي سلوا


1- المراد بالمعاينة: «مُعاينة عين القلب، وهي: معرفة الشيء على نعته علماً يقطع الريبة، ولا تشوبه حيرة» . انظر: منازل السائرين، مصدر سابق: ص524.

ص: 224

حوائجكم، فيقولون: إلهنا نطلب رضاك، فيقول الله تعالى: رضيت عنكم سلوا حاجة أخرى. فيسأله كلَّ ما يتمنّاه، فيعطيهم الله ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولم يخطر على قلب بشر، ثم يقول الله تعالى: رضيت عنكم » (1)، فالمُسبِّح إذا أدرك هويّة تسبيحه التكوينية امتلأ أُنساً وجمالاً، ولذلك نجد أنَّ هذه المفردة تقترن عادة بالسعادة والسرور.

ث-ُمّ إنَّ الوحدة الإبداعية حاكمة على جميع مُفردات الوجود، فيكون التسبيح تصريحاً وتلميحاً لسان حال الكون الممكن، وبكل مُفرداته الموجودة أو التي شمَّت رائحة الوجود، ولذلك جاء التعبير القرآني عن ذلك بوضوح، وهو قوله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَ-كِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (الإسراء: 44) ، فيكون التسبيح الجِبلِّي واقعاً منّا لا مُحالة، ويقصر البيان عن الإفصاح عن كينونة هذا التسبيح الج-ِب-ِلِّي، الذي ما انفككنا عنه طرفة عينٍ أبداً، من قبلُ ومن بعدُ، فتدبّر.

وأما التحميد (الحمد لله) ، فهويته التدوينية (تصريحاً) ، هي: شُكر المنعم على ما أبدعه فينا، ولذا قيل: «الشكر اسم لمعرفة النعمة، لأنَّها السبيل إلى معرفة المنعم. . .» (2)، وحيث إنَّ ما أبدعه فينا هو بالغ الكمال، فليس في الإمكان أبدع مما كان، فإنَّ الشكر منّا خلاصته العجز عن الشكر.

وكلمة (الحمد لله) هي خلاصة شُكر النعم، وقد ورد في ذلك عن


1- مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج6، ص62، الحديث: 12.
2- انظر: منازل السائرين، مصدر سابق: ص2(10).

ص: 225

الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «

شكرُ كلِّ نعمة وإن عظمت أن يحمد الله » (1)، بل الحمد أعظم من النعمة نفسها، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «

ما أنعم الله على عبد مؤمن نعمةً، بلغت ما بلغت، فحمد الله عليها، إلا كان حمد الله أفضل وأوزن وأعظم من تلك النعمة» (2).

وأفضل صيغ الحمد أن تحمده سبحانه كما هو أهله، فذلك هو الحمد الذي صار مورداً لاشتغال كُت-َّاب السماء، كما هو المروي، عن زيد الشحّام، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «

من قال: (الحمد لله كما هو أهله) ، شغل كُتَّابَ السماء، قلت: وكيف يشغل كتاب السماء؟ قال:

يقولون: اللهمّ إنا لا نعلم الغيب، فقال: اكتبوها كما قالها عبدي وعليَّ ثوابها» (3).

وأخيراً قد جاء رجل إلى الإمام الصادق (عليه السلام) ، فقال: «جعلت فداك إنِّي شيخ كبير فعلِّمني دُعاءً جامعاً؟ فقال (عليه السلام) :

احمد الله، فإنك

إذا حمدت الله لم يبق مصلٍ ّ إلا دعا لك، يعني قولهم: سمع الله لمن حمده» (4).

وأما هويته التكوينية (تلميحاً) ، فهي: معاينة ما أُعطيتَ بعين الحقِّ، فيكون الشكر منك واقع حالٍ، لا إيقاع حال، فإنَّ إيقاع الحال بعد المعاينة إساءة أدبٍ بحقِّ المولى، ولذلك قيل: بأنَّ الخاصّة يشغلهم الشهودُ عن الشكر (5)، ونقول بأنَّ الشكر عين شهودهم.


1- الخصال، مصدر سابق: ص21، الحديث: ٧3.
2- ثواب الأعمال، مصدر سابق: ص216، الحديث: 1.
3- المصدر السباق: ص2٨، الحديث: 1.
4- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج2، ص364، الحديث: 1.
5- انظر: منازل السائرين، مصدر سابق: ص213.

ص: 226

وأما التهليل (لا إله إلا الله) ، فهويّته التدوينية (تصريحاً) ، هي: الشهادة تباعاً لشهادة المولى وملائكته وأُولي العلم بوحدانيته حقّاً، وفاقاً لقوله تعالى: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَ-هَ إِلاَّ هُوَ وَالمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَ-هَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ (آل عمران: 1٨) ، وهي شهادة التنزيه من وهم الشركة والغيرية مُطلقاً، فمن هلَّله نزَّهه، وهو تنزيه تقتضيه الفطرة والبرهان، بإثبات الواجب وسلب الإمكان عنه، وجعل الآخر شاهداً في إمكانه على وحدانية الحقِّ سبحانه، واعلم بأنّه ما من كلمة أعظم من كلمة التوحيد هذه، كما هو المروي عن الرسول الأكرم (عليه السلام) أنّه قال:

«ما قلتُ، ولا قال القائلون قبلي مثل: لا إله إلا الله» (1).

وأما هويته التكوينية (تلميحاً) ، فهي: قَصْرُ النظر إليه، لا بالكفّ عمّا

سواه؛ لعدم سوائية الآخر، وإنّما برؤية الوجود فيه، وهو معنى بالغ في الدِّقَّة، يقصر عنه ما عداه سبحانه، فهو توحيد الحقِّ لنفسه أزلاً وأبداً (2)، وللعبد الموحِّد شمَّة من ذلك، إذ لا يعرف قدره سواه سبحانه: مَا قَدَرُوا اللَه حَقَّ قَدْرِهِ. . . (الحج: ٧4) ، فشهادة الحقِّ ما شهد به الحقُّ لنفسه، وشهادة المُتحقِّق ما انطبعت فيه شهادة الحقِّ نفسها، فلا تغفل عن ذلك.

هذا، وأمّا التكبير (الله أكبر) ، فهويته التدوينية (تصريحاً) ، هي: إنكار ما يصفه به الواصفون، فهو سبحانه المُوحِّدُ لنفسه، كما تقدَّم، فإن توهَّم الغادي لكمالات التوحيد بوصف دون ذلك، خُوطب بقوله تعالى: وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ


1- ثواب الأعمال، مصدر سابق: ص1٧، الحديث: ٩.
2- انظر: منازل السائرين، مصدر سابق: ص611.

ص: 227

وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (يوسف: 1٨) ، وما أبلغه من وصف لكلِّ ذي عينين، و إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق: 37) .

وإن تعمَّد وصفَه سبحانه بغير ذلك، خُوطب بقوله تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (الأنبياء: 1٨) ، أبهذا الحكم على الله تفترون؟ . . . فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (يونس: 35) ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (الشعراء: (10)٨) ، . . . وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى الله المَصِيرُ. . . (آل عمران: 28) ، . . . فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ. . . (التوبة: 3) ، و . . . لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (يوسف: 92) ، . . . وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً (الإسراء: ٨) ، هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (الجاثية: 2٩) ، وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الأعراف: 2٠4) .

هذه كلماته سبحانه، تصدح فينا بالحقِّ، و . . . إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (يس: 6٩) ، . . . فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (الأعراف: 144) ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الصافات: 182) .

وأما هويته التكوينية (تلميحاً) ، فهو لزوم الاعتقاد بالكفِّ حتّى عن وصفه بعدم الوصف، فهو التنزيه المطلق، أعمّ من كونه وصفاً عدمياً كما في التسبيح، أو وجودياً كما في المقام، وقد ورد أنَّ رجلاً دخل يوماً على الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) .

«فقال الرجل: الله أكبر.

ص: 228

فقال (عليه السلام) :

الله أكبر من أيّ شيء؟

فقال: من كلِّ شيء.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام) :

حدَّدته.

فقال الرجل: كيف أقول؟

قال (عليه السلام) : قل:

الله أكبر من أن يوصف» (1).

وفي ذلك يقول الطباطبائي (رحمه الله) : «إنَّ معنى التكبير: الله أكبر من أن يوصف، فهو تعالى أكبر من كلِّ وصف نصفه به حتّى من هذا الوصف، وهذا هو المناسب للتوحيد الإسلامي، الذي يفوق ما نجده من معنى

التوحيد في سائر الشرائع السماوية.

وهذا الذي ذكرناه هو الفرق بين كلمتي التكبير والتسبيح (الله أكبر، وسبحان الله) فسبحان الله تنزيه له تعالى عن كلِّ وصف عدمي مبنيّ على النقص كالموت والعجز والجهل وغير ذلك، والله أكبر تنزيه مطلق له تعالى عن كل وصف نصفه به، أعمُّ من أن يكون عدمياً أو وجودياً، حتّى من نفس هذا الوصف، لما أنّ كلّ مفهوم محدود في نفسه لا يتعدّى إلى غيره من المفاهيم، وهو تعالى لا يحيط به حدٌّ، فافهم ذلك» (2).

إشراق مسك الختام

بعد تلك الرحلة التعريفية التقريبية بمُجمل موضوعات الدعاء نكون قد وصلنا إلى نهاية المطاف وإشراقِ مسكِ الختام، حيث يطيب لي


1- أُصول الكافي، مصدر سابق: ج1، ص11٧، الحديث: ٨.
2- الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق: ج2٠، ص٨٠.

ص: 229

في ذلك أن أقف عند أمرين مهمين، هما:

الأول: عبادية الدعاء.

الثاني: الدعاء للغير.

أما عبادية الدعاء، فقد تقدّم منّا بيان كون الدعاء هو مُخّ العبادة، وهذا الأمر يدعونا إلى ضرورة فَهْم حقيقة العبادة لنعرفَ مكانةَ الدعاء من ذلك.

أمَّا حقيقة العبادة فهي بعبارة مُوجزة: الطاعةُ التامّةُ لله تعالى وفق رسوم العبودية التي ألزمَنا بها العقلُ ورسم ملامحَها الشارعُ المقدَّس، ومقتضى الطاعة التامّة هو عدم التفات القلب إلى غير الله تعالى البتّة، وإلا

سوف تُخدش تمامية الطاعة، وبمقتضى ذلك لابدّ للداعي أن يفهم هذه الحقيقة الناصعة التي هي مفاد العبادة التامّة، وحيث إنّ العبد خطّاءٌ ومُقترفٌ للذنوب فإنه لابدّ له إذا ما أراد أن يدعوَ ربه أن يتوب ويستغفرَ ربّه بخلوص، فما لم يفعل ذلك فإنه يكون قد سُلبَ موضوعَ الاستجابة، بل سوف يكون دعاؤه بلا موضوعٍ، وعندئذٍ سوف يكون مُجردَ مُكاءٍ وتصديةٍ ولقلقة لسان.

وعليه فلابدَّ أن تكون قلوبُنا تائبةً طاهرةً، وألسنتُنا زكيةً عند التوجّهِ بالدعاء للباري تباركت أسماؤه، وقد ورد في الأخبار: «أنَّ الله عزَّ وجلَّ أوحى إلى موسى (عليه السلام) :

ادعُني بلسانٍ لم تعصني به، فقال: أنَّى لي بذلك؟ فقال:

ادعني بلسانِ غيرك» (1).

وأمّا الدعاء للغير، فهو أمرٌ في غاية الأهمية، فإنّنا نعلمُ جميعاً بأنّ


1- بحار الأنوار، مصدر سابق: ج٩٠ ص3٩٠.

ص: 230

السعادةَ الحقيقيةَ إنَّما تكمنُ في إسعادِ الآخر، وبناءً على ذلك فإنَّ الدعاء للمؤمنين وعامّة المسلمين سوف يكون مكمناً للسعادة الحقيقية، بل إنّه مكمنُ استجابة الدعاء في حقِّ أنفسنا، وهنالك روايات كثيرةٌ تحثّ على الدعاء للمؤمنين بظهر الغيب وتُعرّفُنا بثمرات ذلك، منها:

عن الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) أنه قال: «

أوشكُ دعوةٍ وأسرعُ إجابةٍ دعوةُ المؤمنِ لأخيهِ بظهر الغيب» (1).

وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «

دعاءُ الرجل لأخيه بظهر الغيب يدرُّ الرزقَ ويدفعُ المكروهَ» (2).

وأخيراً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «

ما مِن مؤمنٍ دعا للمؤمنين إلا وَرَدَّ اللهُ عليه مثلَ الذي دعا لهم به من كلِّ مؤمن ومؤمنة مضى، من أوّلِ الدهر أو هو آتٍ إلى يوم القيامة، وإن العبدَ ليؤمرُ به إلى النارِ يوم القيامة فيقولُ المؤمنون والمؤمنات: يا ربْ هذا الذي كان يدعو لنا فيُشفِّ-عُهم اللهُ عزَّ وجل فيهِ، فينجو» (3).

الختام: أدعية تفيض بالرحمة

اشارة

وأخيراً نرسو بمركبنا عند ضفاف الرحمة، لتنغمس الروح بعبق كلمات أهل العصمة (عليهم السلام) ، وبعد جولة وجدنا أنفسنا أمام نماذج جمّة، كروض تملأه الزهور والرياحين، تحار العين إلى أيِّها تُشير، واليد أيَّها تقطف، فإذا كان ولابدّ، فقد ارتأينا انتخاب ثلاثة نماذج تفيض بالرحمة،


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق.

ص: 231

الأوّل يتعلَّق بالصلوات المفروضة، والثاني يتعلَّق بأحد الشهور، والثالث يتعلَّق بإمامنا الحجة بن الحسن (عليه السلام) .

الدعاء الأوّل: خاص بالصلوات المفروضة

وهو دُعاء منسوب للخضر (عليه السلام) ، حيث أوصى بأن يُدعى به في دبر كلِّ صلاة، ث-ُمَّ قال (عليه السلام) : «

فوالله ما يدعو به أحد من المؤمنين في أدبار الصلاة إلا غفر الله له ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء وقطرها، وحصباء الأرض وثراها» (1)، وقد ارتأينا عرض الدعاء ومُلحقه، كما جاء ذلك في بعض كتب الأدعية، وهو قوله (عليه السلام) :

«يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا يُغلِّطُه السائلون، ويا من لا يُبرمه إلحاحُ المُلحيّن، أذقني بردَ عفوك، وحلاوةَ رحمتك ومغفرتك، إلهي هذه صلاتي صلّيتها لا لحاجةٍ منك إليها، ولا رغبةٍ منك فيها، إلا تعظيماً وطاعةً وإجابةً لك لما أمرتني به، إلهي إن كان فيها خللٌ أو نقصٌ من ركوعها أو سجودها فلا تُؤاخذني، وتفضَّل عليَّ بالقبول والغفران» (2).

وهو دُعاء مرَّت بنا بعض مقاطعه، حيث تجلِّي القدرة الإلهية بالسماع للكلِّ في نفس الآن، دون أن يأخذه أحد دون الآخر، لأنّه مع الجميع، وأقرب لكلِّ واحد منا من حبل وريده.

ولا يخفى على القارئ اللبيب ما في هذا الدعاء من تعابير لطيفة رقيقة، تملأ الوجدان والنفس بهجة، كما في قوله (عليه السلام) : «

أذقني برد عفوك،


1- الأمالي للشيخ المفيد، مصدر سابق: ص٩1، الحديث: ٨.
2- مفاتيح الجنان، مصدر سابق: ص63.

ص: 232

وحلاوة رحمتك ومغفرتك » ، وقد عبّرنا في عنونة الدعاء باختصاصه بالصلوات المفروضة لوجود قرينة سياقية قادتنا إلى ذلك، وهو قوله (عليه السلام) : «

وإجابةً لك لما أمرتني به » ، فإنَّ المُتبادر منه هو خصوص الصلوات الواجبة، والله العالم.

الدعاء الثاني: لشهر رجب وسائر الصلوات

ورد في حديث طويل عن محمّد السجّاد أنَّه قال: «قلت لأبي عبد الله

الصادق (عليه السلام) : جُعلت فداك! هذا رجب علّمني فيه دعاء ينفعني الله به، قال: فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام) :

اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، وقل في كلِّ يوم من رجب صباحاً ومساءً، وفي أعقاب صلواتك في يومك وليلتك:

يا من أرجوه لكل خير، وآمن سخطه عند كلِّ شرِّ، يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله، يا من يُعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه ت-حَنُّناً منه ورحمة، أعطني بمسألتي إيّاك جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، واصرف عني بمسألتي إيّاك جميع شرِّ الدنيا وشرِّ الآخرة، فإنَّه غير منقوص ما أعطيت، وزدني من فضلك يا كريم.

قال: ث-ُمَّ مدَّ أبو عبد الله (عليه السلام) يده اليسرى فقبض على لحيته ودعا بهذا الدعاء وهو يلوذ بسبّابته اليمنى، ثم قال - بعد ذلك-:

«

يا ذا الجلال والإكرام يا ذا النعماء والجود، يا ذا المنّ والطول، حرِّمْ شيبتي على النار» (1).

والظاهر من قول محمّد السجاد: (ثمَّ مدَّ أبو عبد الله يده اليسرى


1- إقبال الأعمال، مصدر سابق: ج3، ص211.

ص: 233

فقبض على لحيته ودعا بهذا الدعاء وهو يلوذ بسبّابته اليمنى) هو أنه (عليه السلام) كان في المرحلة الأولى يُملي على السائل نفس الدعاء، ثم لما انتهى من ذلك انتقل (عليه السلام) إلى مرحلة الدعاء به بصورة عملية، لِيُرِيَ السائل كيفية الدعاء به، فمدَّ يده اليسرى فقبض على لحيته ودعا بهذا الدعاء وهو يلوذ بسبّابته اليمنى، ولمّا انتهى من ذلك أتمَّ (عليه السلام) الدعاء بخاتمة،

وهي:

(يا ذا الجلال والإكرام يا ذا النعماء والجود. . .) ، مما يعنى أن المشهور لدى عامّة الناس من وضع اليد اليسرى على اللحية، واللوذ بالسبابة اليمنى، ليس وفق ما هو عليه الدعاء، فإنَّ هذا الفعل (وضع اليد اليسرى واللوذ باليمنى) هو من بداية الدعاء.

وأما المقطع الأخير المُتعارف فيه قبض اللحية باليد اليسرى، واللوذ بسبابة اليمنى، فذلك مسكوت عنه، ولكن هنالك قرينة سياقية تدلّ على استمرار وضع اليد والإشارة بالأُخرى، وهي قوله (عليه السلام) :

(حرّم شيبتي على النار) ، فناسب هذا القول وضع اليد على اللحية، والله العالم.

الدعاء الثالث: لمطالب الدنيا والآخرة

وهو دُعاء مروي عن الإمام الحجة بن الحسن (عليه السلام) ، يفيض بالرحمة، ويُعلِّم الناس كيف يتف-قَّ-د بعضهم بعضاً بالدعاء في ظهر الغيب، ونحن لم نجد دُعاءً كهذا يُؤدِّب الأُمّة على الدعاء لجميع عيِّنات الأُمّة، ويأمل لها الخير، فيه يكون الفرد أُمة، والأُمة فرداً، إنَّه دُعاء جدير بالحفظ والتدبّر فيه، وجدير بأن يُتلى في عقب كلّ صلاة، وجدير بأن يُكتب بماء الذهب. وهو قوله عليه السلام: «

اللهم ارزقنا توفيق الطاعة، وبُعْدَ المعصية، وصِدْقَ النيّة، وعرفان الحرمة، وأكرِمنا بالهدى والاستقامة، وسدِّدْ

ص: 234

ألسنتنا بالصواب والحكمة، وأملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة، وطهِّرْ بطوننا من الحرام والشبهة، واكفف أيدينا عن الظلم والسرقة، واغضض أبصارنا عن الفجور والخيانة، واسدُدْ أسماعنا عن اللغو والغيبة، وتفضَّلْ على علمائنا بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلِّمين بالجهد والرغبة، وعلى المستمعين بالاتّباع والموعظة، وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة، وعلى موتاهم بالرأفة والرحمة، وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة، وعلى الشباب بالإنابة والتوبة، وعلى النساء بالحياء والعفّة، وعلى الأغنياء بالتواضع والسعة، وعلى الفقراء بالصبر والقناعة، وعلى الغزاة بالنصر والغلبة، وعلى الأُسراء بالخلاص والراحة، وعلى الأمراء بالعدل والشفقة، وعلى الرعية بالإنصاف وحسن السيرة، وبارك للحجاج والزوّار في الزاد والنفقة، واقض ما أوجبتَ عليهم من الحجّ والعمرة، بفضلك ورحمتك، يا أرحم الراحمين» (1).

وختاماً، أللهمَّ تقبَّل منّا ذلك إنَّك مُجيب الدعوات، وأقلْ عثرتنا فإنَّك مُقيل العثرات، وأجزل لنا العطاء فإنَّك أنت الوهَّاب.

والحمد لله ربِّ العالمين من قبلُ ومن بعد، وصلَّى الله على سيّدنا ونبيّنا وشفيعنا الخاتم محمّد الأمين وآله الطيّبين الطاهرين.

كان الفراغ منه في عصر يوم الجمعة

الموافق للأوّل من جمادى الأُولى من عام 1431 ه-جرية

في مدينة قم المقدّسة

فهرس الآيات


1- صحيفة المهدي (عليه السلام) ، للشيخ جواد القيومي، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، 1٩٩6م، قم المقدّسة: ص1٨.

ص: 235

1. أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ 156

2. ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ 63

3. ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ٧5

4. أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ 132

5. اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ٧٠

6. إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ 134

٧. إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ ٩٠

٨. الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله ٧،24

٩. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ الله 15

(10). أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله 65

11. إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ 4٨

12. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ 213

13. أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ 2٧

14. إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ 33

15. إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّ-يِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ٩٠

16. إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي 1٧2

ص: 236

1٧. إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ٧5

1٨. إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ 52

1٩. إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ 15٧

2٠. إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً 143

21. إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ 213

22. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ 225

23. إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً 1٩5

24. إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً 1٩5

25. إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ 225

26. إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً 52

2٧. إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ 143

2٨. اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ 2٠2

2٩. بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ 142

3٠. بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ 225

31. بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ 25

32. تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ 222

33. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى 133

34. تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ 13٩

35. خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ t 65

36. خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ 65

3٧. ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 124

ص: 237

3٨. رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء 114

3٩. رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً 15

4٠. رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ 31

41. رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ 16٩

42. رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ 214

43. رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ 16٩

44. رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ 114

45. سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ 2٠٧، 214

46. شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَ-هَ إِلاَّ هُوَ 224

4٧. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ٨1

4٨. عَالِم الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ 32

4٩. عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً 25

5٠. غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ (10)1، 16٠ ,15٧

51. فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ 225

52. فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ 2٠٩، 21٨

53. فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ 2٨

54. فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ 225

55. فَانطَلَقَا حتّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً 31

56. فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ 225

5٧. فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ 13٨

5٨. فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى 42

ص: 238

5٩. فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ 225

6٠. فَنَادَتْهُ المَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ 115

61. فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقوبَ 114

62. فِي بُيوتٍ أَذِنَ اللَهُ أَن تُرْفَعَ وَيذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ 2٠٩

63. قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ 214

64. قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَ-نَ أَيّاً مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاء 5٨

65. قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ٩2

66. قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ 21، 26

6٧. كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حتّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً 51، 31 1

6٨. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْم-َوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ 24

6٩. كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً 3٠

٧٠. كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ 165

٧1. لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 225

٧2. لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ 212

٧3. لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الخَيْرِ 112

٧4. لمِثلِ هَذا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ 52

٧5. لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم 5٨

٧6. لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ (10)3

٧٧. مَا قَدَرُوا اللَه حَقَّ قَدْرِهِ 224

٧٨. مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ 1٧

ص: 239

٧٩. مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ 15٧

٨٠. مَثلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ 132

٨1. هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 225

٨2. هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً 2٩

٨3. هُوَ الحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ 32

٨4. هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ ٧3

٨5. وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً 14٨

٨6. وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ 2٩

٨٧. وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَ-َذَا بَلَداً آمِناً 214

٨٨. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ (10)1 ,4٩ ,26 ,2٠

٨٩. وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 225

٩٠. وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِث-ْمِ 16٠

٩1. وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ 112

٩2. وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً 63

٩3. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمنكَرِ 114

٩4. وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ٩2

٩5. وَالحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ 225

٩6. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ 4٠

٩٧. وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 34

٩٨. وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً 31

٩٩. وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً 225

ص: 240

(10)٠. وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى 43

(10)1. وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ 224

(10)2. وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ 2٠6

(10)3. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ 65

(10)4. وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً 65

(10)5. وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ 2٠2

(10)6. وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ٨5

(10)٧. وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ 1٨٩

(10)٨. وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ 2٨ ,14

(10)٩. وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ 16٠ ,15٧

1(10). وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثوراً 51

111. وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ٩2

112. وَقُومُوا لِله قَانِتِينَ 1٨٧

113. وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي 1٧5

114. وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ 1٧5

115. وَلِله الأَسْمَاء الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا 5٧

116. وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ 1٨4

11٧. وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ 124

11٨. وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً 156

11٩. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ 5٩

12٠. وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً 16٩

ص: 241

121. وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى الله المَصِيرُ 225

122. وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ 51

123. وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً 1٩

124. وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ٨٩

125. وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكَاتِ 146

126. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ 42

12٧. يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ 13

12٨. يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا الله فَنَسِيَهُمْ 24

12٩. يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ ٨

13٠. يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ 162 ,16٠

131. يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ 142 ,51

ص: 242

فهرس الروايات

ص: 243

1. أبخيلٌ أنا فيُبخّلني عبدي؟ ٩٨، 141

2. أو ليس الجود والكرم لي؟ ٩٨، 141

3. ابعثوا إلى الحائر ٨3

4. وهل تدري ما تمام النعمة؟ 1٩٨

5. اتِّخذوا جُنَناً. قولوا: سبحان الله 22٠

6. اتقوا دعوة الوالد فإنها ترفع فوق السحاب 11٩

٧. إجابة الدعاء عند قبره 216

٨. اجعلوني في أول الدعاء وفي آخره وفي وسطه ٧2

٩. أحسن الظنّ بالله 5٩، 6٠، 141

(10). احمد الله، فإنك إذا حمدت الله لم يبق مصلٍ ّ إلا دعا لك 223

11. ادعُني بلسانٍ لم تعصني به 22٧

12. إذا أحبَّ عبداً غتَّه بالبلاء غتَّاً وثجَّه بالبلاء ثجّاً 111

13. إذا أراد أحدكم أن يستجاب له فليطيّب كسبه 14

14. إذا أعطيتموهم فلقّنوهم الدعاء، فإنه يُستجاب الدعاءُ لهم 126

15. إذا بلغت باب المسجد، فاعلم أنك قد قصدت باب ملك 2٠٧

ص: 244

16. إذا دخل أحدكم على أخيه عائداً له، فليسأله يدعو له 13٠

1٧. إذا دعا أحدكم فليعمَّ، فإنه أوجب للدعاء ٧5

1٨. إذا دعوت فأَقبل بقلبك وظُنَّ حاجتَكَ بالباب 6٠

1٩. إذا دعوت فظنَّ أن حاجتك بالباب 146

2٠. إذا طلب أحدكم الحاجة، فليُثنِ على ربّه وليمدحه 61

21. إذا غربت الشمس يوم عرفة، فقل اللهمَّ لا تجعله آخر العهد 21٩

22. إذا فرغ من صلاته الفريضة: سبحان الله، والحمد لله (10)4

23. إذا قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله 1٨2

24. إذا قلَّ الدعاء، نزل البلاء 24

25. إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله 1٧٠

26. أذقني برد عفوك، وحلاوة رحمتك ومغفرتك 22٩

2٧. اذهبوا إلى الذين كنتم تُراؤون لهم في الدنيا 4٨

2٨. أربعة لا تُرَدّ لهم دعوة حتّى تفتح لهم أبواب السماء 13٠

2٩. أربعة لا تستجاب لهم دعوة: 133

3٠. اسألوا الله وأجزلوا، فإنّه لا يتعاظمه شيء 36

31. استعيذوا بالله من جُبِ ّ الحَزَنِ 4٨

32. أشدُّ من الموت طلب الحاجة من غير أهلها 12٧

33. أطفئ السراج فقد طلع الصبح 1٧٨

34. اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن 3٩

35. أغلقوا أبواب المعصية بالاستعاذة، وافتحوا أبواب الطاعة ٧1

36. أفأخبرك من صلَّى ههنا؟ 211

ص: 245

3٧. افزعوا إلى الله في حوائجكم، والجأوا إليه في مُلمّاتكم 35

3٨. أفلا أدلُّكم على شيء، أصله في الأرض وفرعه في السماء؟ (10)4

3٩. اكتب: بسم الله الرحمن الرح٠يم 23٠

4٠. الأعمالُ ث-ِمارُ النيّات 5٠

41. التواضع في الصلاة، وأن يُقْب-ِلَ العبدُ بقلبه كلِّه على ربِّه 64

42. الحجُّ عرفة 21٧

43. الحقيقة، كشف سبحات الجلال من غير إشارة 1٧٨

44. الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع 21٩

45. الحمد لله ربّ العالمين، اللهم لك الحمد بديع السماوات 21٩

46. الداعي بما لا يكون 132

4٧. الداعي وال-مُؤمِّن شريكان ٧4

4٨. الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُردُّ 1٨3

4٩. الدعاءُ مخُّ العبادة، ولا يَهلكُ مع الدعاءِ أحد 54

5٠. الدعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح 1٧1

51. الدعاء هو العبادة 1٧2

52. الدعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل 1٧2

53. الدعاء يردّ القضاء 1٧2

54. ادعُ به في دبر كل صلاة t 1٨٩

55. الرحم معلَّقة يوم القيامة بالعرش تقول: اللهمَّ صلْ 133

56. ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليَّ t 145

5٧. الشفاء في ترتبه 216

ص: 246

5٨. الصلاة عليَّ وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق 144

5٩. الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة 215

6٠. الصوم لي وأنا أجزي عليه 13٠

61. العلم علمان: فعلم عند الله مخزون 162

62. الله أكبر من أن يوصف 226

63. اللهم! إني أسألك خشوع الإيمان قبل خشوع الذلِّ في النار 66

64. اللهم ارزقنا توفيق الطاعة 231

65. اللّهمّ اغفر لقومي، إنّهم لا يعلمون 1٧

66. اللهم العن الذين بدّلوا نعمتك، واتّهموا نبيك، وجحدوا بآياتك ٩1

6٧. اللهم إني أسألك إخباتَ المخبتين 41

6٨. اللهمَّ إنِّي أسألك العافية، وتمام العافية 1٩٧

6٩. اللهمَّ إن-ِّي أسألك باسمك العظيم الأعظم، الأعزِّ 1٩3

٧٠. اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون 1٩1

٧1. اللهم إني أشهد أن هذا كتابك المنزل، من عندك على رسولك 3٩

٧2. اللهم إني قد قرأت ما قضيت من كتابك 41

٧3. اللهمَّ ربَّ النور العظيم، وربَّ الكرسي الرفيع 1٩6

٧4. اللهمَّ سلّط عليه كلباً من كلابك 122

٧5. اللهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمد، وعلى أئمَّة المسلمين ٩٠

٧6. اللهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمد، وعلى إمام المسلمين ٩3

٧٧. اللهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمد، ومتّعني بهدىً صالح 1٩٩

٧٨. اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه من قابل 1٩2

ص: 247

٧٩. اللهمَّ وصلِّ على وليِّ أمرك، القائم المؤمّل، والعدل المنتظر ٩3

٨٠. اللهمَّ ومُ-نَّ عليَّ ببقاء وِلْدِي، وبإصلاحهم لي، وبإمتاعي بهم 11٨

٨1. المؤذن إذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله 1٨2

٨2. المؤذِّنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة 1٨3

٨3. المؤذنون يخرجون من قبورهم يوم القيامة 1٨5

٨4. المسجد الحرام ومسجد الرسول 2٠6

٨5. النيّةُ أساسُ العمل 5٠

٨6. إلهي صبراً على قضائك 4٧

٨٧. إلهي صبراً على قضائك ولا معبود سواك 45

٨٨. إلهي هذه صلاتي صليتها لا لحاجة منك إليها 1٩٠

٨٩. إلى من تكِلُنِي يا ربَّ المستضعفين وأنت ربي؟ ٨4

٩٠. أما علامة الخاشع فأربعة t 64

٩1. أما إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل 45

٩2. أَمَا إنّكم لو أطعتموه فيما أمر به 13

٩3. أما إنه لم يخرج أحد بأفضل ممَّا خرجت به ٧3

٩4. أما إنَّه منزل صاحبنا إذا قام بأهله 2٠٨

٩5. أَما إنهم لا يعبدون صنماً 4٨

٩6. أما تتقي الله الذي إليه معادك، أراك تقاتلني وتريد قتلي 123

٩٧. أمرني أن أدعو بهنَّ عند ختم القرآن 41

٩٨. إن أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغر 4٧

٩٩. إن أدنى الرياء الشرك 4٨

ص: 248

(10)٠. إنّ أصنافاً من أُمّتي لا يستجاب لهم 133

(10)1. إنَّ الحائر من المواضع التي يحبّ الله أن يُدعى فيها 215

(10)2. إنَّ الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء 1٧4

(10)3. إنَّ الدعاء يردُّ ما قد قُ-دِّر وما لم يُقدَّر 1٧3

(10)4. إنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل من أرضه بقاعاً تُسمى المرحومات 2٠3

(10)5. إنَّ الله عوَّض الحسين عليه السلام مِ-نْ قتْلِهِ أنَّ الإمامة 216

(10)6. إن الله يرحم عصاة أمتي في الليلة المباركة - ليلة القدر- 11٩

(10)٧. إن المرائي ينادي عليه يوم القيامة يا فاجر! 4٨

(10)٨. إنَّ بيوتي في الأرض المساجد تُضيءُ لأهل السماء 2٠٧

(10)٩. إنَّ جبرائيل خرج بإبراهيم صلوات الله عليه يوم عرفة 21٧

1(10). إنَّ حائر الحسين عليه السلام من تلك المواطن 216

111. إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يطوف بالبيت ٨3، 2٠3

112. إن علم ذلك عندي، والله واسع كريم 1٨٩

113. إنَّ قلوبكم خانت بثمانِ خصالٍ ٧5

114. إن كان فارقهما صغيراً لا يدري أسلما 1٧

115. إنَّ لله تعالى مواطن يُحبُّ أن يُدعى فيها فيُجيب 216

116. إنَّ ها هنا لعلماً جمَّاً 1٧٧

11٧. أنا أبني لك خيراً من دارك 123

11٨. أنا أعطيك من مالي البغيبغة وهي عين عظيمة بأرض الحجاز 123

11٩. أنا خيرُ شريك 51،53

12٠. أنا عند ظن عبدي المؤمن بي 5٩، 141

ص: 249

121. أنا عندَ ظنِّ عبدي بي فلا يظن بي إلا خيراً 6٠

122. أنا قتيل العبرة، قُ-تلت مكروباً 216

123. إنا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم 1٧٧

124. أناجيك يا موجود في كل مكان! 1٩5

125. أنت ربي إذا ظمئت إلى الماء، وقوتي إذا أردت الطعام 43

126. انظروا في ذلك ٨3

12٧. إنّما الأعمالُ بالنيّات، ولكلِّ امرئٍ ما نوى 5٠

12٨. إنما هي المدحة، ثم الثناء، ثم الإقرار بالذنب ثم المسألة 62

12٩. أنَّهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتّى ينتهوا به إلى المقادير (10)4

13٠. إني تخوَّفت على أمّتي الشرك 4٨

131. إنّي لم أُبعث لعّاناً، ولكنّي بُعثتُ داعياً ورحمةً 1٨

132. أوشكُ دعوةٍ وأسرعُ إجابةٍ دعوةُ المؤمنِ لأخيهِ بظهر الغيب 22٨

133. أي دعوة أضلّ؟ 132

134. أي الصلاة أفضل؟ طول القنوت 1٨٨

135. إياكم وتخشُّع النفاق 6٨

136. إيّاكم وذكر الناس فإنه داء 3٨

13٧. أيُّها الناس إنّ الله جلّ ذكره ما خلق الخلق إلاّ ليعرفوه ٨٧

13٨. تعرَّف إلى الله عز وجل في الرخاء يعرفك في الشدّة 1٧4

13٩. تعوذوا بالله من خشوع النفاق، خشوع البدن ونفاق القلب 6٨

14٠. ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله 113، 11٩

141. ثلاثة أوقات لا يحجب فيها الدعاء عن الله تعالى 1٩1

ص: 250

142. ثلاثة دعوتهم مستجابة 12٩، 13٠

143. حرَّم الجنّة على كل فحّاشٍ بذئٍ قليلِ الحياء 151

144. حسبي من سؤالي علمُهُ بحالي 45

145. خمس دعوات لا يحجبن عن الربّ تبارك وتعالى 12٩

146. دعاء أطفال أُمتي مستجاب ما لم يقارفوا الذنوب 131

14٧. دعاءُ الرجل لأخيه بظهر الغيب يدرُّ الرزقَ ويدفعُ المكروهَ 22٨

14٨. دعني من اختراعك 1٧٠

14٨. ذبحك الله يا بن سعد على فراشك عاجلاً 124

15٠. رحم الله عبداً طلب من الله عزَّ وجلّ حاجةً فألحّ في الدعاء 14٨

151. رحم الله من أعان ولده على برِّه 116

152. رضا الله مع رضا الوالدين وسخط الله مع سخط الوالدين 1(10)

153. ساعتان يفتح فيهما أبواب السماء 1٨2

154. سألت البلاء، فاسأل الله العافية 2٠٠

155. سألته عن المسجد الذي أُسِّس على التقوى قال: مسجد قبا 212

156. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحبُّ إليَّ 22٠

15٧. سل تُعطه 62

15٨. سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن 143

15٩. شكا في السجن إلى الله فقال: يا رب بما استحققتُ السجن؟ 1٩٩

16٠. شكرُ كلِّ نعمة وإن عظمت أن يحمد الله 223

161. صلاتكم عليّ إجابة لدعائكم، وزكاة لإعمالكم ٧1

162. عليكم بالدعاء، فإنكم لا تتقرَّبون بمثله 34

ص: 251

163. عليكم بذكر الله فإنه شفاء، وإيّاكم وذكر الناس فإنه داء 34

164. عودوا مرضاكم وسلوهم الدعاء، فإنه يعدل دعاء الملائكة 13٠

165. فابتدأ قبل الثناء على الله والصلاة على النبي 62

166. فإذا قال - المؤذن -: قد قامت الصلاة 1٨2

16٧. فأربعة يدعون الله عزَّ وجلَّ عشر مرات إلا استجاب الله لهم ٧4

16٨. فأكثِر من الدعاء فإنَّه مفتاح كلِّ رحمة ونجاح كل حاجة 1٧2

16٩. فإن أبطأ عني عتبتُ بجهلي عليك ٧6

1٧٠. فإنْ عَلِمَ الله عزَّ وجلَّ من قلبك صدق الالتجاء إليه 2٧

1٧1. فأنا أحبّ أن يُدعى لي حيث يحبُّ الله أن يدعى فيها ٨3

1٧2. فإنّه لا يتعاظمه شيء 36

1٧3. فسمَّيتَ دُعاءَك عبادة، وتَرْكَه استكباراً 15

1٧4. فما علَّمه ملائكته ورسله فإنه سيكون 163

1٧5. فمن زار قبور شهداء آل محمّد يريد بذلك صلةّ نبيه 2٠٩

1٧6. فواحد يدعو الله أربعين مرة فيستجيب الله العزيز الجبار له ٧4

1٧٧. فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها 12٧

1٧٨. فيا بُؤساً للقانطين من رحمتي ويا بُؤساً لمن عصاني ولم يراقبني ٩٩

1٧٩. قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة (10)2

1٨٠. قول الله عزَّ وجلَّ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ : الأوَّاه الدَّعَّاء 33

1٨1. كان أبي إذا حزنه أمر جمع النساء والصبيان ٧3

1٨2. كان نزل على رجل بالطائف قبل الإسلام فأكرمه 36

1٨3. كان يطوف بالبيت ويقبّل الحجر 215

ص: 252

1٨4. كأني أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله وعياله 2٠٨

1٨5. كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة 14٧

1٨6. كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر 6٩

1٨٧. كلّ دعاء يدعى الله به محجوب عن السماء حتّى يصلَّى على محمد ٧1

1٨٨. كنت كنزاً مَخفيّاً، فأحببتُ أن أُعرف؛ فخلقت الخلق لأُعرف ٨٧

1٨٩. لا أجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة 133

1٩٠. لا أُجيب دعوةَ مظلومٍ في مظلمةٍ ظلمها ولِأحدٍ عنده 13

1٩1. لا تجعلوني كقدح الراكب فإنَّ الراكب يملأُ قدحه ٧2

1٩2. لا تُعدُّ أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره 216

1٩3. لا عرفة إلا بمكة 21٨

1٩4. لا يدخلوا بيتاً من بيوتي إلّا بقلوب طاهرة 12

1٩5. لا يُردُّ دعاء أوّلُه بسم الله الرحمن الرحيم ٧٠

1٩6. لا يزال الدعاء محجوباً حتّى يصلَّى على محمّد وآل محمد ٧1

1٩٧. لا يزال المؤمن بخير ورجاء، رحمةً من الله ما لم يستعجلْ (10)2

1٩٨. لا يزال الناس بخير ما لم يستعجلوا (10)2

1٩٩. لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساهٍ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك 14٧

2٠٠. لا يصدق إيمان عبد حتّى يكون بما في يد الله سبحانه أوثق منه 14

2٠1. لا يقبل الله تعالى عملاً فيه مثقال ذرة من رياء 4٨، 53

2٠2. لا يلحُّ عبد مؤمن على الله عزَّ وجلَّ في حاجته إلا قضاها له 14٧

2٠3. لا، النبيّ سيدي قد مات 211

2٠4. لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما 11٧

ص: 253

2٠5. لك الحمدُ حتّى ترضى وبعد الرضى، ولا حول ولا قوة إلا بك ٨5

2٠6. لك العتبى لك العتبى حتّى ترضى ٨5

2٠٧. لو أصبتُ له حملة 1٧٧

2٠٨. لو عرفتُم اللهَ حقَّ معرفتِهِ لزالت لدعائِكُم الجبال 5٧

2٠٩. ليخشع لله قلبك، فمن خشع قلبه خشعت جميع جوارحه 66

2(10). ليدفع بالدعاء الأمر الذي عَلِمَهُ أن يُدعى له فيستجيب 112

211. ليس من باب يقرع إلا يوشك أن يفتح لصاحبه 3٨

212. ما أقلَّ مراقبته لله واستحياءه منا! (10)4

213. ما أنعم الله على عبد مؤمن نعمةً 223

214. ما عُبد الله عزَّ وجلَّ بشيء مثل البداء 166

215. ما عرفناك حقّ معرفتك ٨٨

216. ما عرفني عبد إلا خشع لي، وما خشع لي عبد إلا خشع له 6٧

21٧. ما عُظِّمَ الله عزَّ وجلَّ بمثل البداء 166

21٨. ما قلتُ، ولا قال القائلون قبلي مثل: لا إله إلا الله 224

21٩. ما كان اللهُ ليفتحَ بابَ الدعاءِ ويُغلقَ عليه بابَ الإجابة 21

22٠. ما كان على هذا الرجل أن يسألني سؤال عجوز بني إسرائيل 3٧

221. ما كلَّم رسول الله صلى الله عليه وآله العباد بكُنه عقله قط 1٧٧

222. ما لك والحقيقة 1٧٨

223. ما من أحد ابتلي 1٧3

224. ما من رهط أربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا الله في أمر إلا ٧4

225. ما من شيء أفضل عند الله من أن يُسأل ويُطلب ممَّا عنده 4٧.14٠

ص: 254

226. ما من شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء 35

22٧. ما مِن مؤمنٍ دعا للمؤمنين إلا وَرَدَّ اللهُ عليه مثلَ 22٨

22٨. ما من مؤمن يدعو اللهَ إلّا استجابَ له، إمّا أن يُعجَّلَ له في الدنيا 22

22٩. ما من ولد بارّ ينظر إلى والديه نظر رحمة إلا كان له 1(10)

23٠. ما يدعو به أحد من المؤمنين في أدبار الصلاة إلا غفر الله له 22٩

231. ماذا وجد من فقدك، وما الذي فقد من وجدك 21٩

232. مثلُ الذي يدعو بغيرِ عملٍ كمثلِ الذي يرمي بغير وتر 134 ,6٠

233. مسجد كوفان روضة من رياض الجنّة صلّى فيه ألف نبي 2٠5

234. ملك عن يمينك للحسنات هو أمين على الذي على الشمال (10)4

235. من أحبَّ أن يخرج من الدنيا وقد خَلُصَ من الذنوب t 1٩1

236. من استوى يوماه فهو مغبون 15٠

23٧. مَن أشرك معي غيري في عملٍ عَمِلَهُ لم أقبله 53

23٨. من السنّة الجلسة بين الأذان والإقامة 1٨6

23٩. من جلس بين الأذان والإقامة في المغرب 1٨4

24٠. من حسُنت نيّته كَث-ُرت مثوبته 51

241. من خشع قلبه خشعت 66

242. من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا 1٩6

243. من دعا ولم يذكر النبي رفرف الدعاء على رأسه ٧2

244. من زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو خشوع نفاق 6٨

245. من زار قبور شهداء آل محمّد يُريد بذلك صلة نبيّه 21٧

246. من سأل فوق قدره استحقَّ الحرمان 132

ص: 255

24٧. من سألني وهو يعلم أني أضرُّ وأنفعُ أستجيبُ له (10)3

24٨. من سرَّه أن يُستجابَ له في الشدة فلْيُكثرِ الدعاءَ في الرخاء 1٧4

24٩. من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين 45

25٠. من صلّى على محمّد وآل محمّد عشراً صلَّى الله عليه وملائكته ٧3

251. من عرَّف عند قبر الحسين عليه السلام فقد شهد عرفة 21٩

252. مَنْ عَمِلَ لي عملاً أشرك فيه غيري فهو له كلُّه 4٨، 53

253. من قال: (الحمد لله كما هو أهله) 223

254. من كانت له إلى الله حاجة فليقصد إلى مسجد الكوفة 2٠6

255. من كانت له إلى الله حاجة، فليبدأ بالصلاة على محمّد وآله ٧2

256. من كنت مولاه فعلي مولاه 213

25٧. نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين ٩٠

25٨. نعمة خفية، إذا وُجدت نسيت، وإذا فُقدت ذكرت 1٩٧

25٩. نيّة المؤمن خيرٌ من عمله، ونيّة الفاجر شرٌّ من عمله 5٠

26٠. هب لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع 66

261. هذا من المستجاب ممّا علَّمني رسول الله 1٩1

262. هكذا أكون حتّى ألقى الله وجدّي رسول الله وأنا مخضّب بدمي ٨5

263. هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب ٨٩

264. هو خمود النفس وهمود الطباع لمُتعاظمٍ أو مُفزع 64

265. هو من البقاع التي أحبُّ الله أن يُدعى فيها 2٠٨

266. إجابة الدعاء تحت قبّته 216

26٧. وادٍ في جهنَّم أُعدَّ للقرّاء المرائين 4٨

ص: 256

26٨. ادعوه فإنّ الدعاء مُخّ العبادة 35

26٩. اعرف طرق نجاتك وهلاكك، كيلا تدعو الله بشيء فيه هلاكك 1٩

2٧٠. أَعِنِّي على التهجُّد لك بحسن الخشوع في الظلم 63

2٧1. أعوذ بك من الذنوب التي تحبس الدعاء 13٧

2٧2. أفضل ما دُعي به آخر ساعة من نهار الجمعة دعاء السمات 1٩4

2٧3. أكرم نفسك عن كلّ دنية وإن ساقتك إلى الرغائب 126

2٧4. الذنوب التي ترُدُّ الدعاء 13٧

2٧5. الغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه 13٠

2٧6. والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر - الأسود 2٧

2٧٧. أما حقُّ أبيك فأن تعلم أنه أصلك 115

2٧٨. أما مسجد براثا ببغداد فصلى فيه أمير المؤمنين 211

2٧٩. أمره الله أن يقف بعرفة. إنَّما هي مواطن يحبُّ الله أن يذكر فيها ٨3

2٨٠. حرمة النبي صلى الله عليه وآله والمؤمن أعظم من حرمة البيت ٨3

2٨1. خير الدعاء ما صدر عن صدرٍ نقيٍّ وقلبٍ تقيٍّ 4٩

2٨2. سُمِّي المشعر مزدلفة لأنَّ جبرائيل 2٠٩

2٨3. وعزَّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي ٩٨

2٨4. علمٌ علَّمه ملائكته ورسله 162، 163

2٨5. علم عنده مخزون 162

2٨6. كن كأفقر عباده بين يديه ٩٨

2٨٧. لك مثلَ ما سألت وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه ٨٩

2٨٨. من أعظم النعم جريان ذكرك على ألسنتنا ٧

ص: 257

2٨٩. من صلّى على محمّد وآل محمّد مائة مرة صلَّى الله عليه ٧3

2٩٠. من لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان 151

2٩1. نسأله المعافاة في الأديان كما نسأله المعافاة في الأبدان 1٩٧

2٩2. نعوذ بك من سوء السريرة 142

2٩3. ها أنا ذا بين يديك، فخذ لنفسك من نفسي حتّى ترضى ٨5

2٩4. هو والله المضطر الذي يقول الله فيه 2٨

2٩5. يرجو غيري ويقرعُ بالفكر بابَ غيري ٩٨

2٩6. يا أبناء الأفاعي، لستم أولاد أبيكم إبراهيم 6٩

2٩٧. يا أيها الناس من يحاجّني في الله فأنا أولى الناس بالله 2٧

2٩٨. يا ذا الجلال والإكرام يا ذا النعماء والجود 23٠

2٩٩. يا زر! إذا ختمت فادعُ بهذه 41

3٠٠. يا سريع الرضا اغفر لمن لا يملك إلا الدعاء 34

3٠1. يا شقيق، لم تزل نعمة الله علينا أهل البيت سابغة 43

3٠2. يا عبادي سلوا حوائجكم 221

3٠3. يا من ختم النبوّة بمحمد صلى الله عليه وآله 1٩2

3٠4. يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا يُغلِّطُه السائلون 22٩

3٠5. يا موسى سلني كلَّ ما تحتاج إليه، حتّى علف شاتك 3٧

3٠6. يا موسى لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كل حال 2٠2

3٠٧. يا ميسر ادعُ، ولا تقل: إن الأمر قد فرغ منه 3٨

3٠٨. يازر! أَم-ِّنْ على دعائي 4٠

3٠٩. يُحبُّ من عباده المؤمنين كلَّ دعاء 1٩4

ص: 258

3(10). يدخلُ الجنّة رجلانِ، كانا يعملان عملاً واحداً 36

311. يَقْبَلُ ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يُرهقه، ولا 116

312. يقدِّم منه ما يشاء، ويؤخِّر منه ما يشاء، ويثبت ما يشاء 163

313. يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس: 1٨3

314. يقولون: دعونا فلم يستجب لنا (10)2

315. يكفي من الدعاء مع البرّ ما يكفي الطعام من الملح 6٠

ص: 259

فهرس المصادر

1. الأعلام ، قاموس تراجم، لخير الدين الزركلي، نشر دار الملايين، الطبعة الخامسة، 1٩٨٠م، بيروت.

2. إقبال الأعمال ، للسيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر ابن طاووس، تحقيق جواد القيومي، نشر مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأُولى،1414 ه-، قم.

3. الأنساب ، لأبي سعد عبد الكريم السمعاني، تقديم وتعليق عبد الله البارودي، نشر دار الجنان، الطبعة الأُولى، 14٠٨ ه-، بيروت.

4. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، للعلامة المولى الشيخ محمّد باقر المجلسي، نشر مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية، 14٠3ه-، بيروت.

5. البداية والنهاية ، للحافظ إسماعيل بن كثير الدمشقي، نشر دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأُولى، 14٠٨ ه-، بيروت.

6. البيان في تفسير القرآن ، للسيد أبي القاسم الخوئي، نشر مؤسسة إحياء تراث الإمام الخوئي، الطبعة الأولى، 1413 ه-، قم المقدسة.

٧. تاريخ الكوفة ، للسيد حسين بن السيّد أحمد البراقي، نشر مكتبة الحيدري، الطبعة الأُولى، 1424 ه-، قم المقدسة.

٨.

ص: 260

تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله) ، للشيخ ابن شعبة الحرَّاني، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، الطبعة الثانية، 14٠4ه-، قم المقدسة.

٩. تفسير العياشي ، النضر محمّد بن مسعود العياشي، تحقيق السيّد هاشم المحلاتي، نشر المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.

(10). التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) ، لأبي عبد الله محمّد الرازي الملقب بفخر الدين الرازي، نشر دار الفكر، الطبعة الأُولى، 1426ه-، بيروت.

11. تفسير نور الثقلين ، للشيخ عبد علي العروسي الحويزي، تحقيق السيّد هاشم المحلاتي، نشر مؤسسة إسماعليان، الطبعة الرابعة، 1412ه-، قم.

12. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورَّام) ، لأبي الحسن ورَّام بن أبي فراس، نشر دار التعارف، بيروت.

13. تهذيب الأحكام ، لشيخ الطائفة الطوسي، تحقيق السيّد حسن الخرسان، نشر دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة.

14. ثواب الأعمال ، للشيخ الصدوق، نشر منشورات الرضي، الطبعة الثانية، 1٩٨٧م، قم.

15. جامع السعادات ، محمّد مهدي النراقي، تقديم الشيخ محمّد رضا المظفر، تعليق السيّد محمّد كلانتر، نشر مؤسسة الأعلمي، الطبعة السادسة، 14٠٨ه-، بيروت.

16.

ص: 261

جمال الأسبوع ، للسيد ابن طاووس الحسني، تحقيق جواد القيومي، نشر أختر شمال، الطبعة الأولى، 1٩٩2م، إيران.

1٧. الخرائج والجرائح ، قطب الدين الراوندي، تحقيق مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، قم المقدّسة.

1٨. الخصال ، للشيخ الصدوق، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية.

1٩. الدرّ المنثور ، جلال الدين السيوطي، نشر دار المعرفة، الطبعة الأُولى، 1365 ه-، جدة.

2٠. دعائم الإسلام ، القاضي نعمان بن محمّد التميمي المغربي، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، نشر دار المعارف، 1٩63 م، بيروت.

21. الدعوات ، لقطب الدين الراوندي، تحقيق مدرسة الإمام المهدي، الطبعة الأولى، 14٠٧ه-، قم المقدّسة.

22. دلائل الإمامة ، محمّد بن جرير الطبري، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة (قسم الدراسات الإسلامية) ، الطبعة الأُولى، 1413ه-، قم المقدّسة.

23. الرسالة القشيرية ، لأبي القاسم القُشيري النيسابوري، تحقيق عبد الحليم محمود ومحمد بن الشريف، طبع انتشارات بيدار، الطبعة الأُولى، 1٩٩5م، قم.

24. روضة الواعظين ، محمّد بن الفتّال النيسابوري، تحقيق محمّد مهدي الخرسان، طبع منشورات الرضي، قم المقدّسة.

25.

ص: 262

سنن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، للسيد محمّد حسين الطباطبائي، تحقيق الشيخ محمّد هادي الفقهي، نشر مؤسسة النشر الإسلامي، 1416ه-، قم المقدّسة.

26. شرح أصول الكافي الجامع ، للمولى محمّد صالح المازندراني، تعليق أبو الحسن الشعراني.

2٧. شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الثانية، 13٨٧ه-.

2٨. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ، إسماعيل بن حماد الجوهري، نشر دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة، 14٠٧، بيروت.

2٩. الصحيفة السجّادية ، للإمام زين العابدين (عليه السلام) ، نشر مؤسّسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، بإشراف محمّد علي أبطحي، الطبعة الأُولى،1411 ه-، قم.

3٠. صحيفة المهدي (عليه السلام) ، للشيخ جواد القيّومي، تحقيق ونشر مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1٩٩6م، قم المقدّسة.

31. عدّة الداعي ونجاح الساعي ، أحمد بن فهد الحلّي، تحقيق أحمد الموحدي، نشر مكتبة الوجداني، قم المقدّسة.

32. علل الشرائع ، للشيخ الصدوق، نشر المطبعة الحيدرية، طبعة 1٩66م، النجف الأشرف.

33. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ، للشيخ الصدوق، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي، نشر مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة

ص: 263

الأولى، 14٠4ه-، بيروت.

34. عيون الحكم والمواعظ ، علي بن محمّد الليثي الواسطي، تحقيق حسين الحسيني البيرجندي، نشر دار الحديث، الطبعة الأُولى، 1٩٩٧م، قم.

35. غرر الحكم ودرر الكلم ، للشيخ عبد الواحد الآمدي، طبعة قم المقدّسة.

36. فروع الكافي ، للشيخ المحدث الثقة الكليني، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة، 1٩٩6م، قم المقدّسة.

3٧. الفروق اللغوية ، لأبي هلال العسكري، تحقيق ونشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرّسين، الطبعة الأُولى، قم المقدّسة.

3٨. فقه الأخلاق ، للسيد الشهيد المرجع محمّد الصدر، نشر أنوار الهدى، الطبعة الأُولى، 2٠٠2 م، قم المقدّسة.

3٩. فلاح السائل ، للسيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر ابن طاووس الحسني، تحقيق غلام حسين المجيدي، نشر بوستان كتاب (مركز الطباعة والنشر الإسلامي) ، الطبعة الثانية، 141٩ه-، قم المقدّسة.

4٠. فيض القدير شرح الجامع الصغير ، محمّد عبد الرؤوف المناوي، تحقيق أحمد عبد السلام، نشر دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415 ه-، بيروت.

41.

ص: 264

كامل الزيارات ، جعفر بن محمّد بن قولويه القمي، تحقيق الشيخ جواد القيّومي، نشر مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى، 141٧ ه-، قم المقدّسة.

42. كتاب العين ، للخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي، نشر مؤسّسة دار الهجرة، الطبعة الثانية، 14٠٩ه-، إيران.

43. كتاب الغيبة ، محمّد بن إبراهيم النعماني، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر مكتبة الصدوق، طهران.

44. كنز العمّال ، للمتقي الهندي، تحقيق بكري الحياني وصفوة السقا، نشر مؤسّسة الرسالة، 14٠٩ه-.

45. الكنى والألقاب ، للشيخ عباس القمّي، نشر مكتبة الصدر، طهران.

46. كيمياء المحبة ، للشيخ محمّد الريشهري، تعريب خليل العصامي، نشر دار الحديث، الطبعة الثالثة، 1424 ه-، قم المقدّسة.

4٧. لسان العرب ، للعلامة ابن منظر الأفريقي، نشر دار التراث العربي، الطبعة الأُولى، 14٠5ه-.

4٨. مجمع البحرين ، للشيخ فخر الدين الطريحي، تحقيق السيّد أحمد الحسيني، نشر مكتبة الثقافة الإسلامية، الطبعة الثانية، 14٠٨ه-.

4٩. المحاسن ، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، تحقيق السيّد جلال الدين الحسيني، نشر دار الكتب الإسلامية، قم المقدّسة.

5٠. محاضرات في الدين والاجتماع ، للشيخ الأُستاذ مرتضى مُطهري، طبع انتشارات مدين، الطبعة الثانية، 142٩ ه-، قم المقدّسة.

51.

ص: 265

محبوب القلوب ، المقالة الثانية، لقطب الدين محمّد بن الشيخ الأشكوري اللاهيجي، تحقيق الدكتور حامد صدقي والدكتور إبراهيم الدياجي، نشر التراث المكتوب، الطبعة الأُولى، 1424ه-، إيران.

52. المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء ، للمحقّق والمحدث الفيض الكاشاني، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الرابعة، 141٧ه-، قم المقدّسة.

53. مدينة المعاجز ، للسيد هاشم البحراني، تحقيق عزة الله الهمداني، نشر مؤسّسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأُولى، 1413 ه-، قم.

54. المزار (مناسك المزار) ، للشيخ المفيد، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، الطبعة الأُولى، قم المقدّسة.

55. المزار الكبير ، للشيخ محمّد بن المشهدي، تحقيق جواد القيّومي، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى، 141٩ه-، قم المقدّسة.

56. مستدرك الوسائل مستنبط المسائل ، للميرزا المحقّق النوري الطبرسي، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 14٠٨ ه-، قم المقدّسة.

5٧. مستدرك سفينة البحار ، للشيخ علي النمازي، تحقيق الشيخ حسن النمازي، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، طبعة 141٩ه-، قم.

5٨. المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ، للحافظ أبي الحسين أحمد بن أيبك المعروف بابن الدمياطي، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الأُولى،141٧ه-، بيروت.

5٩.

ص: 266

مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ، أبو الفضل علي الطبرسي، قدّم له صالح جعفر، نشر المكتبة الحيدرية، الطبعة الثانية، 1٩65م، النجف الأشرف.

6٠. مصباح المتهجّد ، للشيخ الطائفة الطوسي، نشر مؤسّسة فقه الشيعة، الطبعة الأُولى،1411 ه-، بيروت.

61. معاني الأخبار ، للشيخ الصدوق، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الرابعة، 141٨ه-، قم المقدّسة.

62. معرفة الله ، من أبحاث السيّد العلامة كمال الحيدري، بقلم طلال الحسن، نشر دار فراقد، الطبعة الأولى، 132٧ ه-، قم المقدّسة.

63. مفاتيح الجنان ، للشيخ المحدث الثقة عباس القمّي، نشر دار الثقلين، الطبعة الثالثة، 142٠ه-، بيروت.

64. مفردات ألفاظ القرآن ، للراغب الأصفهاني، نشر مؤسّسة نشر الكتاب، الطبعة الأُولى، 1414 ه-.

65. مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ، للسيّد عبد الرزّاق المقرّم، نشر دار الثقافة، الطبعة الثانية، 1411ه-، قم.

66. مكاتيب الرسول ، علي بن حسين علي الأحمدي الميانجي، نشر دار الحديث، الطبعة الأُولى، 141٩ ه-، قم.

6٧. مكارم الأخلاق ، للشيخ رضي الدين الطبرسي، تحقيق علاء آل جعفر، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1416ه-، قم المقدّسة.

6٨.

ص: 267

من لا يحضره الفقيه ، للشيخ الصدوق، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر جامعة المدرّسين، الطبعة الثانية، 14٠4 ه-، قم المقدّسة.

6٩. منازل السائرين ، لأبي إسماعيل عبد الله الأنصاري، شرح عبد الرزاق الكاشاني، تحقيق وتعليق محسن بيدارفر، طبع انتشارات بيدار، الطبعة الثانية، 2٠٠2م، قم.

٧٠. ميزان الحكمة ، للشيخ محمدي الريشهري، نشر دار الحديث، الطبعة الأُولى، 1416 ه-، إيران.

٧1. الميزان في تفسير القرآن ، للسيد محمّد حسين الطباطبائي، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم المقدّسة.

٧2. نهج البلاغة ، وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام

٧3. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب *، تحقيق الشيخ محمّد عبده، نشر دار المعرفة، بيروت.

٧4. نهج السعادة ، للشيخ محمّد باقر المحمودي، نشر مطبعة النعمان، الطبعة الأُولى، 13٨5 ه-، النجف الأشرف.

٧5. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، للحر العاملي، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الرباني، نشر دار التراث العربي، بيروت.

٧6. ينابيع المودّة لذوي القربى ، للشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني، نشر دار الأُسوة، الطبعة الأُولى، 1416ه-، قم.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.