كتاب الحج (گلپايگاني)

اشارة

نام كتاب: كتاب الحج( للگلبايگاني)

نويسنده: گلبايگاني، محمدرضا

تاريخ وفات مؤلف: 1414 ه. ق.

موضوع: منابع فقهى- حديثى

زبان: عربي

تعداد جلد: 2

ناشر: خيام

مكان چاپ: قم

سال چاپ: 1400 ه. ق.

نوبت چاپ: اول

ص: 1

الجزء الاول

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

ص: 8

ص: 9

ص: 10

ص: 11

ص: 12

ص: 13

ص: 14

ص: 15

ص: 16

ص: 17

ص: 18

ص: 19

ص: 20

ص: 21

ص: 22

ص: 23

ص: 24

ص: 25

ص: 26

ص: 27

ص: 28

ص: 29

ص: 30

ص: 31

ص: 32

ص: 33

ص: 34

ص: 35

ص: 36

ص: 37

ص: 38

ص: 39

ص: 40

ص: 41

ص: 42

ص: 43

ص: 44

ص: 45

ص: 46

ص: 47

ص: 48

ص: 49

ص: 50

ص: 51

ص: 52

ص: 53

ص: 54

ص: 55

ص: 56

ص: 57

ص: 58

ص: 59

ص: 60

ص: 61

ص: 62

ص: 63

ص: 64

ص: 65

ص: 66

ص: 67

ص: 68

ص: 69

ص: 70

ص: 71

ص: 72

اشارة

أفعال خارجية، من لبس الثوبين و التلبية و النية، فعند ذلك إذا شك في اعتبار شي ء زائد على ما علم ثبوته و اعتباره، ينفى بأصالة البراءة، لكونه شكا في التكليف الزائد كما بين في الأصول.

و أخرى يقال: ان الإحرام أمر إنشائي اعتباري مسبب عن أفعال خاصة من النية و لبس الثوبين و التلبية في محل معين، و وقت وقته الشارع، فهو متحصل من تلك الأفعال لأنفسها. فحينئذ لو شك في دخالة شي ء و اعتبار قيد في تحقق المسبب و تحصله، يرجع ذلك الى الشك في المحصل، فإن المأمور به الذي هو أحد من النسك عبارة عن الإحرام الاعتباري المتحصل من الأسباب المعينة، و الشك في الأقل و الأكثر من تلك الأفعال و الأسباب يرجع الى الشك في المحصل، و الأصل فيه الاحتياط، و ليس شكا في التكليف الزائد حتى ينفى بالبراءة. بل يمكن أن يقال: ان مقتضى الاستصحاب أيضا: عدم انعقاد الإحرام، و عدم حرمة المحرمات بالإحرام من غير بطن مكة.

في أفضل ميقات حج التمتع

ثم انه بناء على اعتبار بطن مكة في إحرام حج التمتع، يكفي كل موضع منها حتى السكك و الشوارع، لصحيحة عمرو بن حريث الصيرفي المتقدمة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: من أين أهل بالحج؟ فقال: ان شئت من رحلك، و ان شئت من الكعبة،

ص: 73

و ان شئت من الطريق (1).

و لكن أفضل الأماكن من مكة المسجد، و أفضل أماكن المسجد المقام أو حجر إسماعيل، للأمر بهما في الاخبار.

و صرح غير واحد من الأكابر بأفضلية تحت الميزاب، و لكن لم نعثر على رواية خاصة في ذلك. نعم انه من الحجر، و لعله هو الوجه عند من أفتى بالتخيير بينه و بين المقام و تساويهما في الفضل و أما القول بالتخيير بين تحت الميزاب و الحجر فلا محصل له، لكونه بعضا من الحجر (2).

فروع لا بد من التعرض لها

(الأول) لو أحرم المتمتع من غير بطن مكة لحج التمتع متعمدا

و ان كان من الميقات، بطل إحرامه و يفسد حجه، إذا لم يتدارك، و ان كان غير متمكن من العود إلى مكة أو معذورا منه، و يجب عليه العود إليها، و الإحرام منها في حال التمكن منه، و لا يكفي العود


1- الوسائل ج 8 الباب 21 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- نقل عن الصدوق التخيير بين المقام و الحجر، و عن الكافي و الغنية و الجامع و النافع و شرحه و التحرير و المنتهى و التذكرة و الدروس التخيير بينه و بين تحت الميزاب في الأفضلية، و أما التخيير بين الحجر و تحت الميزاب لم ينقل عن أحد لعدم المعنى له، و أما أفضلية تحت الميزاب فقد نقل عن محكي الإرشاد و التلخيص و التبصرة، و قال في الجواهر: لم نعثر على شاهد يقتضي فضله على المقام.

ص: 74

إليها من دون تجديد الإحرام، و لا المرور بها، و كذا لا يكفي تجديد الإحرام من غيرها. و يأتي حكم من أحرم من غير مكة جهلا أو نسيانا.

لا يخفى أن المتيقن من مكة الذي يصح الإحرام منها و يجب في التمتع، ما كان موجودا في زمان صدور تلك الاخبار من حيث السعة و الضيق و الطول و العرض، و أما ما زيد عليه بمرور الزمان في القرون المتمادية و الأزمنة المتتابعة، فهو غير داخل في بطن مكة و شمول الأدلة له غير معلوم، و ان كان شمولها قويا في النظر.

(الثاني) لو ترك المتمتع الإحرام بالحج من مكة جهلا أو نسيانا و مضى الى عرفات

، وجب العود إلى مكة و الإحرام منها، إذا تمكن منه و من الرجوع الى عرفات بعد الإحرام لدرك الوقوف.

و أما إذا لم يتمكن من العود أحرم من مكانه و لو كان بعرفات، و عليه تحمل رواية علي بن جعفر الدالة على وجوب الإحرام بعرفات.

محمد بن يعقوب بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه قال:

سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات فما حاله؟

قال: يقول «اللهم على كتابك و سنة نبيك» فقد تم إحرامه (1).

و عنه أيضا عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات و جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده. قال: إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه (2).


1- الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 3.
2- الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 2.

ص: 75

و المتيقن من مفاد الصحيحة صورة عدم التمكن من العود إلى مكة، كما في صورة الجهل، و الا لوجب عليه العود إلى مكة و الإحرام منها، بل الأحوط العود إليها مهما كان ميسورا و ان لم يبلغ مكة، ثم الإحرام من ذلك الموضع.

(الثالث) لو نسي الإحرام لحج التمتع أو جهل حتى أتى بجميع المناسك

، فقد تم حجه و لا شي ء عليه، كما صرح به في ذيل صحيحة علي بن جعفر، و يدل عليه موثقة ابن عمير الاتية.

محمد بن يعقوب بإسناده عن ابن ابى عمير عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى. قال: تجزيه نيته، إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه و ان لم يهل (1).

و ظاهر قوله «و قد شهد المناسك كلها» اما تمام الحج أو مع العمرة، كما أنه يظهر من ترك الاستفصال عدم الفرق بين أنواع الحج و العمرة في هذا الحكم. و كذا الظاهر من قوله «إذا كان قد نوى ذلك» هو نية الإتيان بما فرض اللّه تعالى عليه من النسك، حتى لا يكون متعمدا في ترك الإحرام، و ان لم ينشئ الإحرام ظاهرا.

و حمله على نية الإحرام غير وجيه، لمنافاته للجهل به و نسيانه له. و كذا حمل الجهل و النسيان في الرواية على الجهل بلزوم التلبية و الإهلال و نسيانه مع العلم بوجوب أصل الإحرام و كونه


1- الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 76

قاصدا له، خلاف الظاهر، فان المنساق الى الذهن من الجهل بالإحرام أو نسيانه، الجهل بأصل الإحرام و وجوبه لا الجهل بالتلبية و غيرها، و كذا النسيان.

و يعلم مما ذكر أنه لو ترك الإحرام جهلا أو نسيانا و أتى ببعض المناسك لا كلها، فلا إشكال في صحة ما أتى به و صحة حجه، لوضوح أنه إذا كان جميع المناسك مع الجهل بالإحرام أو نسيانه صحيحا، فالبعض أيضا كذلك، فان الفرق في الصحة و الاجزاء بين الإتيان بالكل و بين البعض، مما لا يساعده نظر العرف بل ينكره.

نعم القدر المتيقن من صحة البعض ما لو تذكر وجوب الإحرام بعد فوت محل البعض المأتي به، فإنه يكتفى به و يجزى، و أما إذا تذكر قبل فوت المحل وجب عليه الرجوع الى مكة و الإحرام منها، ثم يأتي بما أتى به من قبل ان تمكن من العود إليها، و الا يحرم من مكانه و يأتي به، بل الأحوط أن يحرم بعد الالتفات و يأتي بما أتى به من البعض، و لو بالاضطراري منه، كالوقوفين إن أمكن ذلك.

و مثل ما تقدم من الحكم بالصحة لو أحرم بالحج من غير مكة جهلا أو نسيانا، ثم تذكر بعد الإتيان بالمناسك كلها أو بعضها، من غير فرق بين كون المحل الذي أحرم فيه ميقاتا أو غير ميقات، فيأتي هنا ما أشرنا إليه من وجوب العود إلى مكة ان تمكن و كفاية الإحرام من موضعه إذا لم يتمكن، و ان الإتيان ببعض المناسك انما يجزي

ص: 77

إذا فات محله، و أما لو تذكر قبل فوت المحل يجب تداركه كما تقدم.

(الرابع) من ترك الإحرام لحج التمتع من بطن مكة لعذر

من الاعذار غير الجهل و النسيان، كخوف من العدو أو مرض و غيرهما، ثم ارتفع العذر، فهل يجب عليه الرجوع الى مكة و الإحرام منها أو يجوز له الإحرام من مكان ارتفع فيه عذره؟ وجهان.

لم أجد من تعرض للمسألة بخصوصها. نعم يشملها إطلاق كلمات الفقهاء قدس سرهم في أن المعذور يحرم من مكان يرتفع عذره فيجب عليه الإحرام من ذلك المكان، و لكن المتيقن منه ما لم يتمكن من العود إلى مكة و الإحرام من بطنها، و لا يبعد استفادة هذا الحكم من موثقة ابن بكير التي سنذكرها في الفرع الاتي.

(الخامس) لو أغمي عليه و لم يحرم من مكة

، فإن أفاق قبل الأعمال و تمكن من العود، رجع و أحرم من بطن مكة، و ان ترك و لم يرجع و أحرم من غير مكة عمدا فحجة باطل لا يجزيه، لانه أحرم من غير الميقات عمدا، و قد تقدم أنه باطل.

و أما إذا أفاق و لكن لا يتمكن من العود إلى مكة و الإحرام منها و درك الوقوفين بعد، حتى الاضطراري منهما، رجع الى حيثما أمكن و أحرم منه، و ان لم يتمكن من العود أصلا أحرم من مكانه كما تدل عليه موثقة ابن بكير.

محمد بن يعقوب بإسناده عن ابن بكير عن زرارة: عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا الى الميقات و هي لا تصلي

ص: 78

فجهلوا أن مثلها ينبغي أن تحرم، فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة و هي طامث حلال، فسألوا الناس فقالوا: تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه، فكانت إذا فعلت، لم تدرك الحج، فسألوا أبا جعفر عليه السلام فقال: تحرم من مكانها قد علم اللّه نيتها (1).

و المراد من النية ليس نية الإحرام، لأنها كانت جاهلة بجواز الإحرام، و مع الجهل كيف يمكن أن تنوي الإحرام، بل المقصود انها لم تترك الإحرام عمدا و عن عصيان و علم اللّه نيتها، و كانت نيتها أن الإتيان بجميع ما أمر اللّه تعالى به، و حيث ان الامام عليه السلام علل جواز الإحرام من مكانه مع عدم التمكن من العود الى الميقات، بعدم تركها الإحرام عن علم و عمد، يستفاد منه أن كل من فاته الإحرام من الميقات عن غير عمد و لم يتمكن من العود إليها و الإحرام منها، أحرم من مكانه و يصح حجه.

(السادس) من كان متمتعا فأغمي عليه عند الخروج من مكة،

أحرم عنه غيره، بأن يلبسه الثوبين و يلبى عنه، فإن أفاق قبل حلول وقت الأعمال أتى بالمناسك و لا شي ء عليه و يصح حجه، لكونه محرما. و ان أفاق بعد مضي وقت الأعمال أو أثنائه بحيث لا يتمكن من درك ما فات من المناسك، كمن أفاق بعد الوقوفين حتى الاضطراري منهما، فحجة باطل، و يحل بعمرة مفردة كما تدل عليه روايات صحيحة:


1- الوسائل الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 6.

ص: 79

منها رواية جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام، في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الوقت.

فقال: يحرم عنه رجل (1).

(السابع) من نسي الإحرام لحج التمتع من مكة و تذكر في عرفات

أو في الطريق و لم يتمكن من العود إلى مكة لضيق الوقت أو غيره، أحرم من موضعه، فان قلنا بصحة حجه تمتعاكما تقدم- لا يسقط عنه الهدي، و ان أحرم من أحد المواقيت أو مر بعد الإحرام عليه، و لا يجب عليه دم آخر بترك الإحرام من بطن مكة، و كذا من أحرم لحج التمتع من مكة و مر على الميقات بعد الإحرام لا يسقط عنه الهدي بالمرور عليها.

(تتميم) قد يذكر شرط خامس لحج التمتع

، و هو أن يقع العمرة و الحج المأتي بهما في سنة واحدة من مكلف واحد لمكلف واحد


1- الوسائل الجزء 8 من أبواب الميقات الباب 20 الحديث 1. أقول: نقل صاحب الوسائل ثلاث روايات عن جميل بهذا المضمون، أحدها ما ذكر رواه عن ابن ابى عمير عن جميل، و الثاني رواه عن موسى بن القاسم عن جميل و هو الحديث الرابع من ذاك الباب، و الثالث رواه في الباب 55 من أبواب الإحرام الحديث الثاني مع اختلاف يسير فيه، و ظن بعض أنها ثلاث روايات، و الحال ليست إلا رواية واحدة سمعها بعض الأصحاب عن أحدهما مرة واحدة. و كان الأستاذ الأعظم الفقيه الفقيد الحاج آقا حسين البروجردي قدس سره يشير إلى أمثال هذا في مجلس درسه، و ينبه الفضلاء عليه.

ص: 80

فلو أتى بعمرة التمتع لنفسه و أتى بحجة لغيره أو العكس لا يصح أو اتى بالعمرة لشخص و أتى بالحج لشخص آخر لا يصح تمتعا، و كذا لا يصح التمتع لو أتى شخص بالعمرة تمتعا و أتى شخص آخر بحجه كذلك، لما يستفاد من النصوص أن العمرة المتمتع بها و الحج عمل واحد مركب من عملين، و قد دخلت العمرة في الحج، لا يجوز التفكيك بينهما سواء كان لنفسه أو لغيره.

و عموم أدلة النيابة لا يشرع التفكيك فيما لم يشرع لنفس المنوب عنه، نعم لو ورد دليل على جواز التفكيك بين العمرة و الحج في النيابة عن الغير، يكشف به عن إلقاء الارتباط بينهما و عدم دخله في عمل النائب.

قد يستدل على جواز التفكيك برواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل حج عن أبيه أ يتمتع؟ قال:

نعم المتعة له و الحج لأبيه (1).

و الاستدلال مبني على أن يكون المقصود من قوله «أ يتمتع» الإتيان بعمرة التمتع لنفسه و الحج لأبيه، فعلى هذا يكون صريحا في جواز التفكيك بين العمرة و الحج و عدم اعتبار كونهما لشخص واحد. و لكن الرواية لا ظهور لها في ذلك، و ان كان يحتمل بعيدا بل المتبادر الى الذهن و الظاهر من قول السائل «أ يتمتع» هو السؤال عن جواز إتيان حج التمتع عن أبيه، و أجابه الإمام عليه الجواز


1- الوسائل ج 8 الباب 27 من أبواب النيابة الحديث 1.

ص: 81

بقوله «نعم»، مع التشويق و الترغيب بأن المتعة له أي الالتذاذ من المحرمات بالإحرام بعد الإحلال له و الحج لأبيه، فلا ربط للرواية بالمسألة حتى يستدل لها.

و كذا دلالة ما رواه جابر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، غير تامة و لا يصح الاستدلال به.

محمد بن يعقوب بإسناده عن أبي جميلة عن جابر عن ابى جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه: من وصل قريبا بحجة أو عمرة كتب اللّه له حجتين و عمرتين، و كذلك من حمل عن حميم يضاعف اللّه له الأجر ضعفين (1).

فإن إطلاق النبوي لا يشمل ما ليس بمشروع لنفس النائب و لا يكون مشرعا حتى يصل قريبه بما لا يجوز لنفسه.


1- الوسائل ج 8 الباب 25 من أبواب النيابة الحديث 6.

ص: 82

أحكام التمتع

اشارة

(منها) عدم جواز الخروج من مكة للمعتمر بعمرة التمتع، قبل أن يأتي بالحج. و يقع الكلام فيه في طي مباحث:

(البحث الأول) من دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع

لا يجوز له الخروج من مكة بعد الإتيان بها قبل ان يحج، من غير اضطرار و حاجة لا محلا و لا محرما، لانه مرتهن بحجه، سواء علم أن الحج يفوت بالخروج أو احتمل ذلك أو علم أنه لا يفوته أصلا وفاقا للمشهور كما عن المدارك و الوسيلة و المهذب و الإصباح و موضع من المبسوط و النهاية.

و استدلوا بروايات: منها مرسلة موسى بن القاسم عن بعض أصحابنا انه سأل أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوال فقال: اني أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر. فقال: أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكة و احتاج الى الخروج إليها.

ص: 83

فقال عليه السلام: تخرج حلالا و ترجع حلالا الى الحج (1).

و رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السلام قال: قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبي بالحج، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت و صليت ركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة و قصرت و أحللت من كل شي ء، و ليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج (2).

و رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: تمتع فهو و اللّه أفضل. ثم قال: ان أهل مكة يقولون ان عمرته عراقية و حجه مكية، كذبوا أو ليس هو مرتبطا بالحج، لا يخرج حتى يقضيه (3).

و مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه، الا أن يعلم أنه لا يفوته الحج (4).

و صحيحة حماد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 22 من أبواب الإحرام الحديث 3.
3- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 2.
4- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 10.

ص: 84

خرج محرما و دخل ملبيا بالحج الخبر (1).

و غيرها من الروايات المصرحة فيها بعدم جواز الخروج من مكة للمتمتع حتى يقضي حجه، و لا مانع من العمل بها، و لا معارض لها. و ما يدل على جواز الخروج من مكة قبل الإتيان بالحج أو يستشعر منها ذلك، فهو محمول على صورة الحاجة و الاضطرار العرفي، كما صرح به في ذيل رواية حماد، و يأتي حكم الاضطرار إنشاء اللّه.

و أما لو احتاج المتمتع الى الخروج من مكة قبل الحج يحرم بالحج من مكة و يخرج لحاجته، إذا علم انه لا يفوته الحج، ثم يدخل مكة و يفيض الى عرفات بهذا الإحرام، و يجوز له أن يذهب الى عرفات من مكانه من غير أن يدخل مكة، كما يشهد له بعض الروايات:

منها رواية حفص البختري عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل قضى متعته و عرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها. قال: فقال فليغتسل للإحرام و ليهل بالحج و ليمض في حاجته، فان لم يقدر على الرجوع الى مكة مضى الى عرفات (2).

و رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطائف. قال: يهل


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
2- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 4.

ص: 85

بالحج من مكة، و ما أحب أن يخرج منها الا محرما و لا يتجاوز الطائف، انها قريبة من مكة (1).

و مثلها رواية حماد بن عيسى عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج، فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبيا بالحج فلا يزال على إحرامه الخبر و قد تقدم (2).

و رواية أبان بن عثمان عمن أخبره عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج الى الحج، الا أن يأبق غلامه أو تضل راحلته فيخرج محرما و لا يجاوز الا على قدر ما لا تفوته عرفة (3).

و رواية على بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن رجل قدم مكة متمتعا فأحل أ يرجع؟ قال: لا يرجع حتى يحرم بالحج، و لا يجاوز الطائف و شبهها مخافة أن لا يدرك الحج، فإن أحب أن يرجع الى مكة رجع، و ان خاف أن يفوته الحج مضى على وجهه الى عرفات (4).


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 7.
2- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
3- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 9.
4- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 12.

ص: 86

و المستفاد من تلك الروايات ان المتمتع إذا عرضت له الحاجة الى الخروج يخرج محرما للحج لا محلا، و لا يعارضها إلا مرسلة أرسلها الطوسي قدس سره عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوال فقال: انى أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر فقال: أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل: ان المدينة منزلي و مكة منزلي ولي بينهما أهل و بينهما أموال. فقال له: أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكة و احتاج الى الخروج إليها فقال: تخرج حلالا و ترجع حلالا الى الحج (1).

هذه المرسلة رواها الشيخ «قده» تارة مع الذيل الدال على جواز الخروج من مكة بدون الإحرام، و أخرى أرسلها بدون الذيل و على أي فهي ليست بحجة، و لا تعارض النصوص المعتبرة المتقدمة التي تدل على وجوب الإحرام عليه للحج إذا احتاج الى الخروج من مكة.

نعم قد يستظهر من صحيحة الحلبي المتقدمة كراهة الخروج من غير إحرام، حيث قال الصادق عليه السلام: و ما أحب أن يخرج منها الا محرما، و لا يتجاوز الطائف (2).

و لكن ظهور قوله عليه السلام «ما أحب» في الكراهة، ليس بحيث يكافؤ ظهور الروايات المتقدمة في الحرمة أو يعارضها. و بالجملة


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 3.
2- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 7.

ص: 87

العمل بالروايات السابقة و القول بحرمة خروج المتمتع من مكة بغير إحرام مما لا شبهة فيه.

هذا إذا علم بعدم فوت الحج إذا خرج من مكة، و أما لو علم انه إذا خرج منها يفوته الحج أو خاف ان يفوت، فلا يجوز له الخروج محرما كان أو محلا، لانه مرتهن بحجه، و لأن الأدلة الدالة على جواز الخروج عند الحاجة اليه انما قيدت بالعلم بعدم فوت الحج إذا خرج، كصحيحة أبان بن عثمان المتقدمة، ففيها: فيخرج محرما و لا يجاوز الا على قدر ما لا يفوته عرفة (1).

و في مرسلة الصدوق المذكورة قبل: فليس له ذلك لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه، الا ان يعلم انه لا يفوته الحج (2).

و في رواية قرب الاسناد: لا يجاوز الطائف و شبهها مخافة أن لا يدرك الحج (3).

(البحث الثاني) من دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع

و جهل أنه لا يجوز له الخروج من مكة قبل الحج، و خرج منها بغير إحرام و دخلها في الشهر الذي أحرم فيه، يجوز له أن يدخل مكة بغير إحرام بلا خلاف فيه. و يدل عليه رواية حماد عن ابى عبد اللّه عليه السلام حيث قال: ان رجع في شهره دخل بغير إحرام، و ان دخل في غير


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
2- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 10.
3- المصدر ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 12.

ص: 88

الشهر دخل محرما (1).

و قال في التهذيب في ضمن أحكام التمتع: من خرج عن مكة بغير إحرام و دخل في الشهر الذي خرج منه، فالأفضل أن يدخلها محرما، و يجوز له أن يدخلها بغير إحرام. و تبعه العلامة في التذكرة.

و استدل الشيخ «قده» برواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعة، ثم تبدو له فيخرج إلى المدينة و الى ذات عرق أو الى بعض المعادن.

قال: يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج. قلت: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه. قال: كان ابى مجاورا هيهنا فخرج يتلقى(ملتقيا) بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج (2).

و يشكل عليه بأنه لم يذكر في الرواية ان أباه عليه السلام كان متمتعا فأحرم بعمرة التمتع، بل ذكر أنه كان مجاورا، و لعل إحرامه كان لحج الافراد. و لا يتوهم أنه بناء على ذلك لا يبقى مناسبة بين السؤال و الجواب، إذ السائل إنما سأل عن التمتع فأجاب الإمام عليه السلام عن الإفراد. فإنه يدفع بأنه يمكن أن يكون السؤال عن مسألتين إحداهما جواز إبطال العمرة المأتي بها تمتعا و الثانية


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
2- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 8.

ص: 89

جواز دخول الحرم بغير إحرام. فأجاب عليه السلام عن الثانية بأن أباه كان مجاورا و دخل في الحرم، مع انه دخل في الشهر الذي خرج فيه.

و يمكن ان يحمل إحرامه على إحرام التمتع، و لكن دخوله بمكة انما كان بعد مضي شهر التمتع و قبل شهر الخروج، فيتوافق الصدر و الذيل، للحكم في الصدر بأن الملاك في عدم وجوب الإحرام عليه دخول مكة في شهر التمتع، ثم سأل السائل عن شهر الخروج و انه مثل شهر التمتع في عدم وجوب الإحرام عليه إذا دخل فيه، فأجاب الإمام عليه السلام بأن أباه إنما أحرم من ذات عرق و ظاهر السؤال و الجواب أن شهر الخروج إذا لم يتحد مع شهر التمتع يجب الإحرام للعمرة كما فعل أبوه عليه السلام.

و الإنصاف أن الرواية أظهر في ذلك من سائر المحامل، و لكنه لم يفت بمضمونها الا نادر. و يمكن أن يقال: ان ذيل الرواية معرض عنه.

و كيف كان لا يفهم من رواية إسحاق بن عمار جواز الإحرام لحج التمتع من غير مكة، لمن خرج منها بعد الإتيان بالعمرة التي تمتع بها الى الحج قبل إتيانه.

و أما الإحرام للعمرة إذا دخل في شهر التمتع، فلم أعثر على فتوى من الفقهاء على جوازه و لا على رواية تدل عليه.

فتحصل من جميع ما ذكرناه أن المتمتع إذا خرج من مكة

ص: 90

بعد العمرة قبل الحج، ان رجع إليها قبل شهر التمتع يدخل مكة بدون الإحرام، و أما لو رجع بعد مضي شهره فيأتي بحثه.

(البحث الثالث) من دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع

و خرج منها بعد العمرة حلالا ثم دخلها بعد مضي شهر من يوم خروجه، يجب عليه أن يدخلها محرما للعمرة التمتع بها الى الحج، و تكون هي العمرة المتصلة بحجه، و تصير الأولى عمرة مفردة مبتولة.

و حكي عن الشهيد رحمه اللّه في حاشية الدروس، ما يدل على أن العمرة الأولى هي المتمتع بها الى الحج لا الثانية، و لكنه مخالف لصريح حسنة حماد المتقدمة (1)، فإنه لما قال الامام عليه السلام «ان رجع في شهره دخل بغير إحرام و ان دخل في غير الشهر دخل محرما» سأل الراوي فأي الإحرامين و المتعتين متعة الأولى أو الأخيرة. قال: الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته.

و بالجملة يدل على أصل الحكم، مضافا الى عدم الخلاف فيه رواية إسحاق بن عمار المتقدمة و مرسلة الصدوق و رواية حماد بن عيسى المصرحة فيها، بأن من خرج من مكة بعد العمرة و دخلها قبل مضي شهر دخلها محلا، و من دخلها بعد مضي شهر دخلها محرما لعمرة التمتع.

و في مرسلة الصدوق: ان خرج و عاد في الشهر الذي خرج


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.

ص: 91

دخل مكة محلا، و ان دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما (1).

و في صحيحة حماد قال: ان رجع في شهره دخل بغير إحرام و ان دخل في غير الشهر دخل محرما (2).

و لكن المتيقن من الشهر شهر الخروج، الذي يجب الإحرام بعد مضيه، كما يأتي تفصيله.

(البحث الرابع) من اعتمر بعمرة التمتع و دخل مكة

و قضى أعمالها، ثم خرج من مكة محلا و رجع إليها و دخلها قبل مضي الشهر الذي خرج فيه و بعد الشهر الذي تمتع، فهل يدخل مكة بغير إحرام لعدم انقضاء الشهر الذي خرج فيه، أو يدخلها محرما لعمرة التمتع لانقضاء الشهر الذي أحرم فيه بالعمرة التمتع بها؟ فيه تردد.

و منشأ ذلك ما ذكر في مرسلة الصدوق و رواية أبان من التصريح بشهر الخروج، و استظهره بعض من حسنة حماد أيضا، فيدخل بغير إحرام، لعدم مضي شهر الخروج، و من ذكر شهر التمتع في رواية إسحاق بن عمار، فيدخلها محرما.

أما شهر الخروج و ان صرح به في مرسلة الصدوق، و لكن استظهاره من حسنة حماد مشكل، خصوصا مع التعليل الوارد في رواية إسحاق، بأن لكل شهر عمرة، بل يمكن استظهار شهر التمتع من الحسنة، بقرينة ما ذكر في صدرها من قوله عليه السلام «من


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 10.
2- المصدر ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.

ص: 92

دخل مكة في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج» و كذا قوله «ثم رجع في ابان الحج في أشهر الحج» لوضوح أن المراد من أشهر الحج هو شوال و ذو القعدة و عشرة أيام من ذي الحجة على ما تقدم.

فعلى هذا، اضافة الشهر الى المعتمر بمناسبة ما صدر منه من العمل في قوله «ان رجع في شهره دخل بغير إحرام، و ان دخل في غير الشهر دخل محرما» تكون ظاهرة في شهر التمتع.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في استظهار شهر التمتع من حسنة حماد، و لكن الإنصاف أنها غير ظاهرة فيه لو لم تكن ظاهرة في شهر الخروج، و لا أقل من الإجمال في الرواية المانع من الاستدلال بها.

و أما رواية أبان و حفص البختري فهي صريحة في شهر الخروج و لا شبهة فيه، لقوله عليه السلام «ان رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، فإن دخل في غيره دخل بإحرام» فتعارض رواية إسحاق بن عمار التي تدل على أن الاعتبار بشهر التمتع لا شهر الخروج، و لكن النسبة بينهما العام و الخاص.

و توضيح ذلك: ان كل من دخل في شهر التمتع دخل في شهر الخروج، و بعض من دخل في شهر الخروج لم يدخل في شهر التمتع، فيخصص عموم رواية أبان و حفص برواية إسحاق بن عمار فيكون المعنى كل من دخل في شهر الخروج دخل مكة بغير إحرام الا من دخل في غير شهر التمتع، فيجب عليه الإحرام، ان لم نقل

ص: 93

ان ذيل رواية إسحاق معارض لصحيحة أبان و حفص، فإن الراوي لرواية إسحاق سأل الإمام عن حكم شهر الخروج بعد بيان حكم شهر التمتع و قال «فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه» فأجابه الإمام عليه السلام بأن أباه كان مجاورا و دخل و هو محرم بالحج.

و الإنصاف أن ذيل رواية إسحاق ظاهرة في وجوب الإحرام للحج إذا دخل في الشهر الذي خرج فيه، و هو غير معارض لما يدل على عدم وجوب الإحرام للعمرة في شهر الخروج (1)، و لكن العمل برواية إسحاق و القول باعتبار شهر التمتع أوفق بالقواعد، خلافا لما اختاره في النهاية و المنتهى و التذكرة و وفاقا لما في المسالك و القواعد.

(البحث الخامس) من دخل مكة متمتعا و خرج منه حلالا

، ثم دخل بعد مضي شهر الإحرام و قبل مضي شهر الإحلال، فهل يجب عليه أن يدخل محرما بالعمرة أو يدخلها بغير إحرام؟ فيه تردد و اشكال.


1- تقدم البحث حول رواية إسحاق في مسألة الإحرام للحج، و ان لها محامل: الأول حمل الرواية على التقية، و أورد عليه الأستاذ. و الثاني حمل الحج على حج الافراد. و الثالث ما احتمله الأستاذ مد ظله من أن الإحرام في شهر الخروج انما كان من جهة ان شهر الخروج كان غير شهر التمتع و أحرم للعمرة المتمتع بها، و إطلاق الحج على العمرة شائع في الروايات. و على هذا لا يكون الذيل معارضا لرواية أبان و حفص، و يجمع بينها و بين رواية إسحاق بما ذكر في المتن من التخصيص، و لكن لا يبقى مورد لرواية أبان و حفص على هذا المبنى.

ص: 94

و منشأ الاشكال هنا أنه بعد الجمع بين الروايات و البناء على الاعتبار بشهر التمتع، كما في رواية إسحاق، يأتي البحث في أن مبدأ الشهر هو الإحرام و الإهلال بالعمرة، أي الشهر الذي أحرم فيه أو ان المبدأ الإحلال من العمرة و الفراغ منها، أو التمتع و الالتذاذ بعد الإحلال لا صرف الفراغ من العمل؟ وجوه، أوجهها الثاني، فإن صدور الفعل و نسبته الى المعتمر لا يصح الا بعد تمام العمل و الفراغ منه، و لا يحتاج إلى شي ء آخر بعده، و لا يكفي الشروع في صحة النسبة. فعلى هذا، يكون المراد من قوله عليه السلام «ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه» الشهر الذي فرغ من اعمال العمرة و أتمها، لا الذي أهل بها و شرع فيها، و لا الذي تمتع فيه و تلذذ بعد الإحلال و الفراغ.

و يظهر من بعض الروايات الواردة في أحكام العمرة، أن الملاك و الاعتبار في نسبة عمرة الى شهر من الشهور هو الشروع فيها و الإهلال بها لا الإحلال منها، لقوله عليه السلام: إذا أحرمت في رجب و ان كان في يوم واحد منه فقد أدركت عمرة رجب، و ان قدمت في شعبان فإنما عمرة رجب ان تحرم في رجب (1).


1- الوسائل ج 10 الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 14. أقول: يظهر من رواية أبي أيوب الخزاز أن الملاك و الاعتبار في نسبة العمرة إلى شهر، هو الإحرام فيه و الإهلال بها، لا الإحلال منها. عن أبي أيوب الخزاز عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: انى كنت أخرج ليلة أو ليلتين يبقيان من رجب فتقول أم فروة: إن عمرتنا شعبانية، فأقول لها أي بنية انها فيما أهللت و ليس فيما أحللت. الوسائل باب العمرة الحديث 10. و مثلها رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل أحرم في شهر و أحل في آخر. قال: يكتب له في الذي نوى. الوسائل ج 10 ص 240 الحديث 5. و يخالفها رواية عيسى الفراء عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أهل بالعمرة في رجب و أحل في غيره كانت عمرته لرجب، و إذا أهل في غير رجب و طاف في رجب فعمرته لرجب. الوسائل ج 10 ص 240.

ص: 95

و الإنصاف أن المتيقن من الرواية درك فضيلة عمرة رجب باعتبار وقوع الإحرام في يوم منه، و أما ترتب جميع الأحكام و الآثار حتى فيما نحن فيه، فمحل تأمل و خفاء. مضافا الى أنها من روايات قرب الاسناد، و ان في حسنة عبد الرحمن ما يوجب الترديد فيها.

عن عبد الرحمن عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل أحرم في شهر و أحل في آخر. قال: يكتب له في الذي نوى و قال يكتب له في أفضلهما (1).

و كيف كان الظاهر من رواية إسحاق المتقدمة في اعتبار شهر التمتع، هو الإحلال من العمرة لا الإهلال بها، لما تقدم في وجه تأييد هذا الاحتمال، كما هو مقتضى الاستصحاب الجاري في المقام أيضا، بعد تعارض الأدلة الواردة في المسألة لو قيل به.

توضيح ذلك: ان مقتضى العمومات المستفيضة الدالة على


1- الوسائل ج 10 الباب الثالث من أبواب العمرة الحديث 5.

ص: 96

عدم جواز العبور من الميقات الا محرما، ان لا يجاوزها أحد إلا بالإحرام، سواء كان قد خرج من مكة و رجع إليها قبل مضي شهر من خروجه أو بعده.

و مقتضى الروايات الدالة على أنه ان رجع الى مكة قبل مضي الشهر دخل بغير إحرام، جواز العبور من الميقات بغير إحرام.

و ما يدل على أن من أتى بالعمرة المتمتع بها الى الحج لا يجوز له إبطال العمرة، و قطعها عن الحج و جعلها مبتولة، فمقتضاه أيضا العبور من الميقات و دخول مكة بغير إحرام، و الإحرام للحج من بطن مكة.

و النسبة بين الطائفتين من الروايات هي العموم من وجه، فان قول ابى جعفر عليه السلام في جواب السائل، هل يدخل الرجل الحرم «لا، الا ان يكون مريضا أو مبطونا» و كذا قول الصادق عليه السلام «الا مريض أو مبطون» شامل بعمومه للمتمتع الخارج عن مكة، الراجع إليها بعد مضي شهر التمتع قبل مضي شهر الخروج.

و كذا قوله عليه السلام في جواب السائل اني أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر «أنت مرتهن بالحج» الظاهر في أنه كان اعتمر بعمرة التمتع ثم أراد أن يفردها، اما برجوعه الى بلده و ترك الحج أصلا و اما بالخروج من مكة و إتيانه بعمرة أخرى ليتمتع بها الى الحج و منعه عليه السلام عن ذلك بقوله «أنت مرتهن بالحج» شامل

ص: 97

بعمومه لما نحن فيه أيضا، فمقتضى عموم وجوب الإحرام من الميقات على كل من يمر بها أن يدخل مكة محرما، و مقتضى عموم الطائفة الثانية عدم وجوب الإحرام و جواز الدخول محلا، و الإحرام بالحج من مكة حتى لا تنقطع العمرة الأولى عن الحج، و لا يقع الفصل بينهما، كما هو مقتضى قوله صلى اللّه عليه و آله «دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة» و مفاد كل ما يدل على أن المعتمر بالعمرة المتمتع بها مرتهن به حتى يقضي الحج، فيقع التعارض بين تلك الأدلة فيما إذا خرج من مكة بعد العمرة محلا و رجع قبل مضي الشهر.

فبناء على عموم الأدلة الدالة على أنه لا يدخل الحرم أحد إلا محرما، يجب عليه الإحرام من الميقات و دخول مكة محرما، و بناء على ما يستفاد من الطائفة الثانية الدالة على أن العمرة دخلت في الحج الى يوم القيامة و ان المعتمر مرتهن بحجه، يجب عليه أن يدخلها بغير إحرام لكي لا يقع الفصل بين العمرة و الحج، و لا بد من رفع التعارض اما بالنصوص الواردة في المقام، و اما بالأصل الجاري فيه.

يمكن أن يقال: ان حسنة حماد الدالة على أنه ان رجع في شهره دخل مكة بغير إحرام، تخصص ما يدل على عدم جواز العبور من الميقات و دخول الحرم إلا بالإحرام، ان قلنا ان صدر الحسنة مجمل من جهة الشهر، و فسرناه بمعونة موثقة إسحاق بشهر التمتع

ص: 98

الذي هو أيضا مجمل من حيث الإهلال أو الإحلال، المقطوع منهما هو الأول. فالمتيقن من المستثنى شهر الإحرام، لأنه مقطوع خروجه عن عموم ما يدل على عدم جواز دخول مكة بغير إحرام، و أما من خرج من مكة و دخلها بعد شهر الإهلال و قبل شهر الإحلال، فيمكن القول ببقائه تحت ذلك العموم.

و أما النصوص الدالة على عدم جواز الفصل بين العمرة و الحج و أنه مرتهن به حتى يقضيه، فتخصص أيضا بديل حسنة حماد بقوله عليه السلام «و ان دخل في غير الشهر دخل محرما» (1). و لكن القدر المتيقن من المستثنى هنا شهر الإحلال دون الإهلال، فإن من دخل مكة بعد شهر من إحلاله من عمرة التمتع، خارج عن عموم «أنت مرتهن بالحج» أو «هو مرتبط بالحج و ليس لك ان تخرج من مكة حتى تحج» (2) فيدخل محرما بعمرة التمتع.

و أما من دخلها بعد شهر الإحرام و الإهلال و قبل مضي شهر الإحلال، فهو باق تحت العموم، فلا يجوز له الإحرام بها، لكونه مرتبطا بحجة بالعمرة الاولى و يبقى غير المتيقن تحت عامين متعارضين، و هو من خرج من مكة بعد العمرة و رجع إليها و دخلها بعد شهر الإهلال و قبل شهر الفراغ و الإحلال منها. و المرجع فيه


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
2- الوسائل ج 8 الباب 22 من أبواب وجوب الإتيان بعمرة التمتع و حجه عام واحد الحديث 1.

ص: 99

الأصل، و هو استصحاب جواز الدخول في الحرم بغير إحرام بل وجوبه.

و توضيح ذلك: انه كان قبل مضي شهر الإحرام مكلفا بدخول مكة محلا، كما تدل عليه حسنة حماد، فإذا دخلها بعد مضي شهر الإحرام و قبل مضي شهر الإحلال، يشك في أن تكليفه دخول مكة محرما أو محلا، لتردد الشهر في الرواية بين شهر الإحرام و الإحلال فيستصحب حكمه الأول، أي قبل مضي شهر الإحرام الذي كان له أن يدخل مكة من غير إحرام، فالآن أيضا كذلك.

نعم من خرج بعد شهر الإحرام من مكة و دخلها قبل شهر الإحلال لا يجري استصحاب الحكم المذكور، لعدم اليقين السابق، الا على القول بجواز الاستصحاب التعليقي.

و ما ذكرنا من الاستصحاب في مورد تعارض الدليلين جار فيمن خرج من مكة و رجع بعد شهر التمتع و قبل مضي الشهر الذي خرج فيه، ان قلنا بتعارض الدليلين و عدم تقدم أحدهما على الأخر. فعلى هذا من خرج من مكة بعد إتمام أعمال العمرة، و أراد الرجوع إليها بعد مضي شهر التمتع و قبل شهر الخروج، فبناء على اعتبار شهر التمتع يجب عليه الإحرام لدخول مكة، و بناء على اعتبار شهر الخروج يدخلها بدون إحرام، و حيث أنه لا دليل على ترجيح أحد الاحتمالين يتعارضان فيتساقطان، و يكون المرجع هو الاستصحاب على ما تقدم تفصيله.

ص: 100

هذا ما تقتضيه القواعد الفقهية من جهة وجوب الإحرام و عدمه تكليفا، للعبور من الميقات و دخول مكة بعد الخروج منها، و أما احتمال دخل عدم الخروج منها في المكلف به، و اعتباره فيه و لو بهذا المقدار فلا بد في نفيه من التمسك بالبراءة، و لا مجال للاستصحاب فيه (1).

(المسألة السادسة) من دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع و خرج منها بعد اعمال العمرة لحاجة

محلا عمدا لا جهلا و لا نسيانا، فهل الحكم فيه نظير المسألة السابقة، من التفصيل بين من دخل قبل الشهر فيدخل محلا، و من دخل بعد مضي الشهر فيدخل محرما. أو الحكم هنا مغاير لحكمها و أنه لا بد من التمسك فيها بغير الأخبار المتقدمة؟

وجهان. الظاهر الأول، فإن قول الراوي إسحاق بن عمار سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو الى ذات عرق أو الى بعض المعادن، بإطلاقه شامل للعامد و الجاهل، فلا يختص الحكم بالثاني دون الأول، إذ لا فرق في الأخذ بالإطلاق بين السؤال و الجواب، إذ


1- و احتمال دخل عدم الخروج من مكة في المكلف به، اما من جهة أن الخروج منها بعد اعمال العمرة مانع عن انطباق عنوان المأمور به على المأتي به، أو ان المكث بمكة بعد العمرة من شرائط المكلف به، كما يظهر من التعبير بأنه مرتهن بحجه. و على كل حال المعتبر في المقام الأحاديث الواردة في المسألة. راجع وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 22 من أقسام الحج.

ص: 101

إطلاق الأول مثل الثاني.

و لو فرضنا أن السؤال انما وقع في مورد خاص شخصي لم يعلم الوجه فيه، لأمكن القول بالإطلاق أيضا بترك الاستفصال من الامام عليه السلام و عدم سؤاله عن خصوصية السؤال. و يعلم من المسألة حكم من خرج من مكة عامدا بلا حاجة و ضرورة، إذ الخصوصية بين المتعمدين مفقودة أيضا.

(المسألة السابعة) من أحرم في محل لا يجوز الإحرام منه

فهو كالعدم لا تترتب عليه الأحكام أصلا، و لو تعمد ذلك كان تشريعا محرما.

(المسألة الثامنة) [العمرة الثانية التي أحرم بها حين الرجوع الى مكة بعد مضي الشهر]

قد تقدم أن العمرة الثانية التي أحرم بها حين الرجوع الى مكة بعد مضي الشهر، هي العمرة المتمتع بها الى الحج دون الأولى المبتولة فعلى هذا يترتب عليها جميع الأحكام المترتبة على تلك العمرة فهي المحتبس بها الى الحج و المرتبطة به و لا يجوز له الخروج من مكة حتى يقضي الحج و غير ذلك من الأحكام الا أن يدل دليل على خلافه.

و هل يشترط في العمرة الثانية الإحرام بها من ميقات أهله أو أحد المواقيت، أو يجوز له الإحرام بها من خارج الحرم؟ وجوه و أقوال.

الأقوى هو الأول، لأنه المتبادر من الاخبار، و قد يقال ان الأقوى هو الثاني نظرا الى اتحاد الحكم بينه و بين من جاور مكة من شهر

ص: 102

رمضان أو قبله، فقد ورد فيه جواز الإحرام بالعمرة من جعرانة، و ان كان القول الأول مقتضى الاحتياط.

هذا إذا لم يمر بأحد المواقيت و الا فلا يجوز له ترك الإحرام و العبور منه بدون إحرام لعدم استفادة ذلك من أخبار المجاورة.

و أما الأحكام الأخر فيترتب جميعها عليها كما أشير إليها، فلا يجوز له الخروج من مكة بعد دخولها اختيارا، بل هو مرتهن بالحج الى أن يقضيه. و أما الخروج لحاجة فقد تقدم، فان ضاق الوقت عن إتمامها(أي العمرة الثانية) يجب العدول منها الى الافراد، فإنها العمرة التي يتمتع بها الى الحج، فمتى كان العدول من التمتع الى الافراد جائزا عند ضيق الوقت كما تدل عليه الاخبار الاتية، فيجوز في المقام أيضا إذ لم يثبت من الشرع حكم خاص لتلك العمرة، غير ما ثبت لكل عمرة يتمتع بها الى الحج.

ثم انه هل يجب طواف النساء للعمرة الأولى بعد ما صارت مبتولة أم لا؟ الظاهر أن طواف النساء انما يجب في كل عمرة مفردة أتى بها من الأول بقصد العمرة المفردة و عليها تحمل الأخبار الدالة على وجوب طواف النساء في كل عمرة، و أما العمرة التي أتى بها بقصد التمتع و أحل منها و حلت له النساء فلا دليل على حرمتها عليه ثانيا و وجوب الطواف عليه لأجلها، و لكن الاحتياط حسن.

(المسألة التاسعة) لو خرج المعتمر بعمرة التمتع بعد إتمامها

من

ص: 103

مكة محلا و دخلها بعد مضي الشهر محلا عصيانا أو جهلا أو نسيانا فهل له أن يأتي بحج التمتع مع العمرة الأولى، أو يجب عليه الرجوع الى الميقات و الإحرام منها بقصد العمرة ثم الإتيان بالحج حتى يرتبط حجه بعمرته الثانية؟ فيه وجهان.

و المنشأ أن العمرة الأولى هل تصير مبتولة بالخروج من مكة و مضي الشهر، أو لا يتبتل إلا بإتيان العمرة الثانية، فيجب عليه تكليفا أن يأتي بعمرة ثانية بعد مضي الشهر، حتى تتبتل العمرة الاولى و تصير الثانية هي المتمتع بها الى الحج. فحينئذ لو عصى و لم يأت بعمرة ثانية، و أتى بالحج مرتبطا بالعمرة الاولى يصح حجه و يكون متمتعا و ان عصى تكليفا بعدم الإتيان بالعمرة الثانية؟

الظاهر من الوجهين هو الثاني، و لا يبعد كونه أوفق للقواعد أيضا، فإن المستفاد من حسنة حماد حيث قال عليه السلام «ان الأخيرة هي العمرة» أن انقطاع الاولى عن الحج انما يتحقق بإتيان العمرة الثانية، لا بمجرد الخروج من مكة و إطالته حتى يمضي عليه الشهر، و لو شك في ذلك فيدفع بالبراءة عن وجوب العمرة الثانية بعد الرجوع الى مكة محلا عصيانا.

اللهم الا أن يقال: ان وجوب الإحرام و الإتيان بالعمرة بعد الشهر إذا رجع الى مكة كان معلوما لا شبهة فيه من جهة التكليف و انما الشك في اشتراط الحج المأمور به بذلك، فلا تجري البراءة في نفي الشرطية، إذا العلم بأصل الوجوب كاف في تنجز الحكم

ص: 104

و استحقاق العقوبة على فرض الشرطية، فيجب الاحتياط بمقتضى الاشتغال اليقيني.

هذا بالنسبة إلى العامد، و أما الجاهل و الناسي إذا رجعا غير محرمين فلا يبعد دخولهما تحت العمومات الدالة على وجوب الرجوع الى الميقات جهلا أو نسيانا، أو الى ما يمكن على من مر بالميقات بغير إحرام جهلا أو نسيانا، فيجب عليهما أيضا الرجوع الى الميقات إذا أمكن، و الا فيحرمان من مكانهما.

لا يقال: ان الاخبار الدالة على وجوب الرجوع الى الميقات كما تشمل الجاهل و الناسي شاملة للعامد أيضا، إذ من المسلم أن من مر بالميقات عالما من دون إحرام يجب عليه الرجوع الى الميقات، و الا فيبطل حجه كما هو ثابت في محله، و ما نحن فيه يشمله أيضا حكم العامد و يجب عليه الرجوع الى ميقات أهله كما قويناه، إذا رجع الى مكة بعد شهر بغير إحرام عالما عامدا و ان لم يمكنه يبطل حجه.

فإنه يقال: ان الأصحاب قدس سرهم من فقهائنا المتقدمين قد أفتوا في تلك المسألة ببطلان حج من ترك الإحرام في موضعه عمدا و وجوب الرجوع الى الميقات بمقتضى القاعدة الأولية، و ليس في أيدينا ما يدل على خلافها. و ما نحن فيه ليس كذلك، فإنه إنما أحرم من الميقات و أتى بعمرة صحيحة ليتمتع بها الى الحج و لكنه بعد ما خرج من مكة و رجع بعد شهر يشك في اشتراط

ص: 105

المأمور به بعدم الفصل بهذا المقدار، و الأصل عدم اعتباره.

اللهم الا أن يقال: انه بعد العلم بوجوب الإحرام عليه تكليفا إذا رجع بعد مضي شهر، لا مورد لإجراء الأصل. نعم لو احتمل و قيل أن الأمر بالإحرام بعد مضي شهر انما هو في مورد توهم الحظر لاحتمال عدم جواز الإحرام بعد العمرة التي أتى بها، فلا مانع من إجراء الأصل و الحكم بالبراءة حينئذ.

عدم جواز العدول من التمتع الى غيره

اشارة

الظاهر أنه لا خلاف بين الفقهاء في أن من كانت فريضته التمتع لا يجوز له العدول الى غيره من الافراد و القران، اختيارا، كما في الذخيرة، و عن المعتبر و في جملة من مؤلفات العلامة إجماعا منا.

و يدل عليه كل ما يدل على أن فرض النائي التمتع، فلو فرض عليه التمتع و عدل الى غيره يكون تاركا للمأمور به عمدا فلا يجزيه فعدم الدليل على جواز العدول اختيارا كاف في عدم الجواز.

و أما في حال الاضطرار و الضرورة فيجوز العدول بلا خلاف و لا إشكال في الجملة، و انما المهم بيان الموارد التي يجوز فيها العدول:

(منها) ضيق الوقت عن الإتيان بأعمال العمرة التي يتمتع بها الى الحج، فمن أحرم بالعمرة زاعما التمكن من إتمامها، و لكن لم يتمكن من الإتمام و درك الحج بعده، يجوز له العدول الى حج

ص: 106

الإفراد، فيأتي بالحج ثم يأتي بالعمرة بعده. بلا خلاف فيه، كما ادعاه في الجواهر و قال: بل لعل الإجماع عليه، و تدل عليه أيضا أخبار كثيرة مستفيضة:

منها صحيحة أبان بن تغلب عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: أضمر في نفسك المتعة، فإن أدركت متمتعا و الا كنت حاجا (1).

و منها صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل و المرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج ثم يدخلان مكة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال: يجعلانها حجة مفردة و حد المتعة إلى يوم التروية (2).

و منها رواية عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا قدمت يوم التروية و قد غربت الشمس فليس لك متعة امض كما أنت بحجك (3).

و منها صحيحة الحلبي أو حسنته، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعا ثم قدم مكة و الناس بعرفات، فخشي ان هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف. فقال عليه السلام: يدع العمرة، فإذا أتم حجه صنع


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 1 من أقسام الحج الحديث 1.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 11.
3- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 12.

ص: 107

كما صنعت عائشة و لا هدي عليه (1).

و رواية زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون في يوم عرفة و بينه و بين مكة ثلاثة أميال و هو متمتع بالعمرة؟ فقال:

يقطع التلبية تلبية المتعة و يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر، و يمضي الى عرفات فيقف مع الناس و يقضي جميع المناسك و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شي ء عليه (2).

و منها رواية موسى بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المتمتع يقدم مكة ليلة عرفة. قال: لا متعة له، يجعلها حجة مفردة و يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة و يخرج إلى منى و لا هدي عليه، انما الهدي على المتمتع (3).

و ظاهر قوله «و يخرج إلى منى» هو الخروج إلى منى بعد طواف الزيارة و السعي ليتم سائر الأعمال بمنى، و لكن الفيض قدس سره ذكر له في الوافي معنيين آخرين فراجع.

و بالجملة المستفاد من تلك الأخبار المستفيضة المعتبرة المشتملة على الصحاح و الحسان تشريع العدول من التمتع الى الافراد لمن لم يتمكن لضيق الوقت من إتمام العمرة ثم الإتيان بالحج.

و لا معارض لتلك الاخبار الا رواية محمد بن سهل عن زكريا


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 6.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
3- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 10.

ص: 108

ابن عمران المروية في الاستبصار، أو زكريا بن آدم كما في غيره بإسناده عن موسى بن القاسم عن محمد بن سهل عن زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة؟ قال: لا متعة له، يجعلها عمرة مفردة (1).

لكنها غير صالحة للمعارضة، فان محمد بن سهل الواقع في السند مجهول الحال في كتب الرجال، و ان استظهر بعض كونه إماميا أو موثقا، لكنه يحتاج الى حدس قوي. و أما زكريا بن عمران المذكور في الاستبصار فهو أيضا مجهول لم يذكر في كتب الرجال، و انما نقل عنه الشيخ هذه الرواية فقط، و لذا قيل ان ثبوت نقل محمد بن سهل عن زكريا بن آدم و عدم معهودية روايته عن زكريا بن عمران، موجب لاحتمال أن يكون نقل الاستبصار اشتباها في النسخة، و ان كان ذلك أيضا يحتاج الى حدس قوي.

و مع ذلك الرواية قد أعرض عنها الأصحاب، إذ لم نجد من أفتى بمضمونها أو تعرض لحملها أوردها، مع كونها بمرأى منهم و مسمع، فعلى هذا لا تعارض الروايات المتقدمة.

و يمكن حملها على من دخل مكة يوم عرفة و لم يتمكن من ادراك الحج أصلا، فتحلل بالعمرة المفردة، إذ لا فرق بين المحرم بالحج إذا فاته و المحرم بعمرة التمتع إذا فاته الحج.

و يمكن أن يكون المراد من جعل العمرة مفردة تأخيرها عن


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 8.

ص: 109

الحج، بمعنى أنه يجب عليه أن يؤخر العمرة و يأتي بها مفردة بعد الحج، فيوافق حينئذ اخبار العدول، و ذلك غير بعيد عن الرواية.

هذا بالنسبة إلى أصل العدول من التمتع الى الافراد لمن لا يتمكن من درك الحج بعد العمرة المتمتع بها الى الحج، لضيق الوقت و فواته الذي تدل عليه الاخبار المتقدمة المشتملة على المستفيضة و الموثقة و الحسنة، و لا يعارضها ما يرى من الاختلاف في تحديد فوات وقت المتعة و مضيه، من التحديد بزوال يوم التروية أو قبله أو قبل زوال يوم عرفة كما يظهر وجهه بالتأمل، و لكن في المقام

مسائل لا بد من التعرض لها و الإشارة الى ما فيها:
(المسألة الاولى) [من وجب عليه التمتع فرضا أو نذرا و نحوهما]

قد تبين مما أسلفناه و حققناه، أن من وجب عليه التمتع فرضا أو نذرا و نحوهما، يتعين عليه أن يأتي بالتمتع ما لم يتضيق وقته و تمكن من الإتيان بمناسك العمرة و الحج جميعا الواجبة اختياراأي الواجبة عليه في حال الاختيار لا في حال الاضطرار.

فعلى هذا لو قام دليل تام بلا معارض على انقضاء الوقت و عدم صلاحيته لإتيان العمرة المتمتع بها الى الحج في زمان مخصوص مع سعة الوقت، مثل يوم التروية أو ليلة عرفة، فيجب العدول الى الافراد في ذلك الزمان و ان كان غير مضيق في الواقع، عملا بمقتضى الأخبار الظاهرة في وجوب العدول حين ذاك، و كذا لو دل دليل معتبر على جوازه في وقت مخصوص نلتزم به.

ص: 110

و أما لو كان الدليل قاصرا عن إثبات ذلك أو ساقطا عن الحجية بمعارضته لما هو أقوى منه، فالقاعدة تقتضي الإتيان بالعمرة المتمتع بها ثم الإحرام للحج و الإتيان بمناسكه ما لم يتضيق الوقت و تمكن من الإتيان بالحج، و لا يجوز له العدول الى الافراد قطعا.

و أما إذا لم يتمكن من درك أفعال الحج الاختيارية و لكن تمكن من درك الأفعال و المناسك الاضطرارية، فإن قلنا ان الظاهر من أدلة العدول جواز العدول أو وجوبه إذا ضاق الوقت الاختياري من الوقوفين، فيجوز العدول أو يجب إذا خاف فوت الاختياري من الوقوفين، سواء تمكن من الاضطراري منهما أم لا. و أما إذا منعنا ظهور أدلة العدول فيما ذكر و قلنا ان موردها خوف فوت الوقوفين حتى الاضطراري منهما فلا يجوز العدول إلا إذا لم يتمكن من درك الوقوفين حتى الاضطراري، و كذا الحال لو سلمنا ظهور أدلة العدول فيما تقدم، من دلالتها على خوف فوت الوقوفين الاختياريين و لكن منعنا حجية ذلك الظهور بمعارضته بما هو أقوى منه.

هذا إذا قلنا ان الدليل الدال على اجزاء الاضطراري من الوقوفين يشمل ما لو ترك الاختياري لو لا تمام العمرة، و الا فلا مناص من العدول الى الافراد إذا خاف فوت الاختياري من الوقوفين فقط، لو لإتمام عمرته. و الإنصاف أن المستفاد من الأدلة و الاخبار الواردة في المقام أن الوقوف بعرفة ما بين الزوال الى غروب الشمس مما يشترط في صحة حج التمتع، و إذا خاف المتمتع عدم درك هذا

ص: 111

المقدار من الوقوف يجب عليه العدول الى الافراد.

(الثانية) من أحرم بالعمرة المتمتع بها الى الحج تطوعا

، يجب عليه إتمام العمرة بلا اشكال، ما لم يمنع عنه مانع و يصد عنه صاد، أو يتضيق الوقت عن الإتيان بالحج بعد إتمام العمرة أو لم يفت وقتها بناء على التوقيت، و يأتي حكم كل ذلك إنشاء اللّه.

(الثالثة) من أتم العمرة المندوبة المتمتع بها و أحل منها،

فهل يجب عليه الحج بعد ذلك؟ قال في القواعد: فيه اشكال.

و منشأه كما في التوضيح و كشف اللثام و جامع المقاصد أن العمرة و الحج هل هما عملان مستقلان لا يرتبط أحدهما بالاخر، فالأصل حينئذ البراءة من وجوب الإتيان بالثاني بعد الفراغ عن الأول، أو هما عمل واحد بحيث يعدان واحدا من المناسك كما شبك رسول اللّه «ص» أصابعه و قال «دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة» فيجب الإتيان بالثاني بعد الفراغ من الأول، لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1).

الظاهر من الإتمام في الآية وجوب الإتيان بجميع الاجزاء و الشرائط المعتبرة في العمرة و الحج، بقرينة الذيل، فمن شرع فيه يجب عليه الإتمام إلا إذا أحصر فيكفيه الهدي. و لا ينافي ذلك ما ورد من أن معنى الإتمام في الحج أداؤه تاما، باتقاء ما يحرم و الاجتناب من الرفث و الفسوق و الجدال، مما يجب على المحرم


1- سورة البقرة الآية 196.

ص: 112

تركه و رفضه، فان كل ذلك يؤيد ما استظهرناه من معنى الإتمام، و حمله على وجوب الإتيان بجميع ما يعتبر في الحج و العمرة، حتى الشرائط المعتبرة في كمالهما.

لكن الإنصاف أن الآية ظاهرة في وجوب إتمام كل من العمرة و الحج بعد الشروع فيهما و عدم البقاء في الإحرام، فما في كشف اللثام، من أن من بقي على إحرامه الى أن يموت لا يعد عاصيا، استنادا الى الأصل و عدم الدليل على وجوب الإتمام، إلا الآية الكريمة التي لا تدل صريحا عليه. غير تام، لما تقدم من ظهور دلالة الآية على وجوب الإتمام بعد الشروع، و تماميته في المقام.

نعم إثبات أن العمرة و الحج عمل واحد بحيث يجب الإتيان بهما إذا شرع بالعمرة، مشكل جدا، فان الآية الشريفة ليست بصدد بيان ذلك بل في مقام وجوب إتمام كل واحد من الحج و العمرة على من شرع فيه، و كذا قوله صلى اللّه عليه و آله «دخلت العمرة في الحج» يكفي في صدق الدخول تشريعا وجوب إتيان حجة الإسلام بعد الإتيان بالعمرة في أشهر الحج متصلا بها، و لا يلزم من هذا كونهما عملا واحدا حتى يجب إتمامهما بالشروع في أحدهما.

هذا، و لكن النصوص الدالة على أن المعتمر مرتبط بالحج حتى يقضيه، و كذا الأخبار الناهية عن الخروج عن مكة بعد العمرة المتمتع بها، كلها ظاهرة في أن الإتيان بالحج لازم بعد العمرة المتمتع بها، و لا يجوز الاقتصار عليها مندوبة كانت أو واجبة، فالأقوى

ص: 113

وجوب الإتيان بالحج بعد العمرة المتمتع بها و ان كانت مندوبة، كما حكي عن المبسوط و النهاية و المهذب و الوسيلة و المختلف و الإيضاح.

(الرابعة) من دخل مكة متمتعا بالحج الواجب

، فان علم أنه يتمكن من إتيان جميع أفعال العمرة ثم اللحوق بالناس و الإتيان بمناسك الحج، يجب عليه إتمام التمتع و لا يجوز له العدول الى الافراد، كما عن الشيخ في النهاية و المبسوط و التهذيب، و حكي عن الإسكافي و القاضي في المهذب و ابن حمزة في الوسيلة، و اختاره في المدارك و الذخيرة.

و يدل عليه قوية أبي بصير المروية في الفقيه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة. فقال عليه السلام: ان كانت تعلم أنها تطهر و تطوف بالبيت و تحل من إحرامها و تلحق الناس بمنى فلتفعل.

و الرواية من جهة السند لا اشكال فيها، فإن أبا بصيرو ان كان مرددا بين ليث بن البختري و عبد اللّه بن محمد الأسدي الا أن كليهما ثقتان، و طريق الصدوق الى ابى بصير أيضا قوي (1).

و أما الدلالة فهي أيضا تامة، لان اللحوق بالناس في منى عبارة عن التمكن عن درك أفعال الحج و قضاء مناسكه تاما، و الا فالذهاب


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 3.

ص: 114

إلى منى قبل عرفات ليس من المناسك، بل الذهاب اليه ثم الإفاضة منه الى عرفات مستحب، و لو ترك الذهاب إلى منى و خرج الى عرفات مستقيما ليس عليه شي ء و لا ينقص حجه، فلو تمكن من إتمام العمرة ثم من درك أعمال الحج يجب عليه ذلك، كما هو مفاد قوله عليه السلام «فلتفعل»، لظهور الأمر في الوجوب.

و احتمال اختصاص الحكم بالمرأة عند طمثها فقط، يدفعه ما في صحيحة الحلبي الاتية، من قوله عليه السلام «يدع العمرة فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه» الظاهر في أن حكم الرجل و المرأة في ذلك واحد.

و ليس في الاخبار ما يعارض ما تقدم و يناقضه، فان ما يدل على وجوب العدول الى الافراد حتى في التمتع الواجب، محمول على من خاف عدم درك الحج، مثل حسنة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعا ثم قدم مكة و الناس بعرفات فخشي ان هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف. قال: يدع العمرة، فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه (1).

و صحيحته عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ما أدرك الناس بمنى (2).


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 6.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 8.

ص: 115

و مرسلة ابن بكير انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المتعة متى تكون؟ قال: يتمتع ما ظن أنه يدرك الناس بمنى (1).

و رواية جميل عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر (2).

و مكاتبة محمد بن مسرور قال: كتبت الى ابى الحسن الثالث عليه السلام، ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافى في غداة عرفة و خرج الناس من منى الى عرفات، أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه، الى أي وقت عمرته إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية و لا ليلة التروية، فكيف يصنع؟ فوقع عليه السلام: ساعة يدخل مكة إنشاء اللّه يطوف و يصلي ركعتين و يسعى و يقصر و يحرم بحجه و يمضي إلى الموقف و يفيض مع الامام (3).

و الظاهر من الإفاضة مع الإمام الإفاضة من عرفات الى المشعر إذ المفروض أنه قدم مكة بعد ما خرج الناس من منى الى عرفات فلا يمكن إرادة الإفاضة من منى الى عرفات. و يظهر من هذا و يعلم أنه يجب إتمام المتعة، إذا تمكن من درك الامام بعرفات قبل الإفاضة منها، الذي هو الركن من الوقوف بها.


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 6.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 15.
3- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 16.

ص: 116

و ظهور إنشاء الحكم بالجملة الخبرية في الوجوب ليس بأخفى من ظهور صيغة الأمر فيه، لما قيل في الأصول أن الأمر إذا رأى المأمور به جزما و لا يرضى بتركه يفرضه محققا في الخارج و يخبر عنه بالوقوع.

و منه يظهر عدم جواز العدول من التمتع الى الافراد لدرك الوقوف بعرفات من أول الزوال، إذ يكفي في وجوب الإتمام درك الوقوف بعرفة قبل الغروب و لو بقليل.

ثم ان المتمتع بالحج الواجب المتمكن من إتمام العمرة و إتيان الحج داخل في تلك الاخبار قطعا، فان احتمال وجوب الإتمام على المتمتع ندبا و حمل الاخبار عليه دون المتمتع واجبا، مشكل جدا، بل مقطوع عدمه، فان المتطوع إذا وجب عليه إتمام حجه و ان لا يجوز له العدول من التمتع الى الافراد، إذا تمكن من درك الوقوف، ففي الواجب يكون كذلك بالأولوية.

فتحصل من جميع ما ذكر أن المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا تمكن من إتمام عمرته و درك الوقوف بعرفات يجب عليه الإتمام ثم الإحرام بالحج إذا علم ذلك، و ما ورد في بعض النصوص من انقضاء مدة المتعة يوم التروية أو يوم عرفة محمول على غير العالم به، مثل صحيحة ابن بزيع قال:

سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل متى تذهب متعتها؟ قال عليه السلام

ص: 117

كان جعفر «ع» يقول: زوال الشمس من يوم التروية، و كان موسى عليه السلام يقول: صلاة الصبح من يوم التروية. فقلت: جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون ثم يحرمون بالحج. فقال: زوال الشمس، فذكرت له رواية عجلان أبى صالح فقال: لا، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة. فقلت: فهي على إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال: لا هي على إحرامها. قلت:

فعليها هدي. قال: لا، الا أن تحب أن تطوع. ثم قال: اما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فأتتنا المتعة (1).

هذه الرواية محمولة على من حاضت قبل أن تحل و لم تكن عالمة بأنها متى تطهر، فقال عليه السلام «ان متعتها قد ذهبت بزوال الشمس يوم التروية» و لا يجب عليها الصبر و الانتظار إلى غداة عرفة بل ينتقل متعتها الى الافراد عند الزوال و تذهب الى عرفات.

و لا تنافي بينها و بين ما ورد في رواية أبي بصير من أنها ان كانت تعلم انها تطهر و تطوف فلتفعل.

و المراد من ذهاب المتعة رفع الحكم بوجوب إتمامها و جواز تبديل التمتع بالإفراد أو وجوبه، إذا كان الحج في معرض الفوت يقينا لو لم تفعل ذلك على ما سيأتي.

و يشهد لما حملنا عليه الرواية ما في ذيلها من قوله عليه السلام «أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فأتتنا المتعة»


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.

ص: 118

إذ الظاهر أن أهل المدينة إذا رأوا هلال ذي الحجة فاتتهم المتعة على ما هو المتعارف، لاحتمال عدم الوصول إلى مكة و عدم التمكن من إتمام العمرة ثم الإتيان بالحج، لموانع يحتمل في السير و في العمل أحيانا، و ان كان الوصول و التمكن من الحج ممكنا بحسب الواقع، و لكن أهل المدينة كانوا إذا أرادوا التمتع يحرمون قبل هلال ذي الحجة بيوم أو يومين، و أما بعد الهلال ما كانوا يريدون التمتع بل يرونه في معرض الفوت على ما هو المتعارف بينهم حين ذاك.

و يعلم من هذا أن قول جعفر عليه السلام بفوات المتعة إذا زالت الشمس، و قول موسى عليه السلام بفواتها صلاة الصبح يوم التروية، انما كان كل منهما مبنيا على الاحتياط، و انها تقع معرضا للفوت.

و على هذا يحمل أيضا أكثر ما ورد في تحديد فوات المتعة بيوم التروية أو ليلة عرفة أو غداة عرفة، مثل صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج قال: أرسلت الى ابى عبد اللّه عليه السلام أن بعض من معنا من صرورة النساء قد اعتللن، فكيف تصنع؟ قال عليه السلام: تنتظر ما بينها و بين التروية، فإن طهرت فلتهل، و الا فلا يدخلن عليها التروية الا و هي محرمة (1).

و هذه الرواية تدل على أنها ان طهرت قبل التروية أحلت من


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 15.

ص: 119

العمرة ثم تهلل بالحج بعد الإحلال منها، و ان لم تطهر بقيت على إحرامها إلى يوم التروية لتحج مع الناس، و على هذا فهي اما منصرفة عمن تعلم أنها تطهر قبل التروية و تتمكن من أداء الوظيفة المقررة لها من العمرة و الحج، و اما محمولة على غير العالمة به.

و موثقة إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه السلام قال:

سألته عن المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج الى عرفات. قال: تصير حجة مفردة. قلت: عليها شي ء؟

قال: دم تهريقه و هي أضحيتها (1).

و مورد الموثقة أيضا غير مورد رواية أبي بصير المصرحة فيها بأنها ان كانت تعلم أنها تطهر و تطوف البيت فلتفعل.

و صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية. قال: تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة (2).

و ظاهر الصحيحة أيضا المرأة التي لم تكن عالمة بأنها تطهر و تتمكن من إتمام العمرة و درك الحج بعده.

تلك الطائفة من النصوص الواردة في توقيت متعة الحائض بأوقات مختلفة، كلها محمولة على مورد يكون حجها معرضا للفوت


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 13.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 2.

ص: 120

بإدامة طمثها، و انها لا تعلم متى تطهر، و أما إذا علمت بطهرها و تمكنها من إتمام العمرة قبل الوقوف بعرفات ثم الإحرام بالحج و درك عرفات، فوظيفتها و فرضها التمتع كما صرح به في رواية أبي بصير المتقدمة.

هذا كله في تحديد متعة المرأة، و أما الرجل ففي توقيت متعته روايات لا بد من نقلها و التأمل فيها و بيان مفادها و محاملها، منها:

رواية علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل و المرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج، يدخلان مكة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال عليه السلام: يجعلانها حجة مفردة، و حد المتعة إلى يوم التروية (1).

لا يبعد حمل هذه الرواية على من يخاف فوت حجه ان أتم اعمال العمرة ثم خرج الى عرفات، و لهذا أمره عليه السلام بالعدول الى الافراد، إذ الغالب أن من ورد مكة يوم عرفة لا يتمكن كثيرا ما من إتمام أعمال العمرة و درك الحج، سيما إذا ورد بعد الزوال، مع حاجة السير الى عرفات الى ساعات عديدة، الملازمة لخوف فوت الحج لكثير من الناس في ذلك العصر.

و أما الفقرة الأخيرة في الرواية من قوله عليه السلام «و حد المتعة إلى يوم التروية» محمولة على غروب يوم التروية، بناء على دخول الغاية في الحد، لما تعارف بين الناس من الحركة قبل


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 11.

ص: 121

الغروب إلى منى ليفيضوا منه الى عرفات. و على هذا المقصود من التحديد اما عدم جواز التأخير عمدا عن الغروب لكونه خلاف الاحتياط في الحركة مع الرفقة و يمكن أن ينجر الى عدم الوصول الى عرفات في الوقت المقرر، و اما تحديد لوجوب إتمام العمرة بمعنى أنه يجب إتمام العمرة و الإتيان بوظيفة المتمتع الى غروب يوم التروية، و أما ليلة عرفة فيجوز لمن دخل مكة فيها العدول من التمتع الى الافراد.

و حينئذ يدور الأمر في جواز العدول من التمتع الى الافراد بين القول بالجواز ليلة عرفة مطلقا سواء كان واجبا أو مندوبا، و بين حمل الرواية الدالة على جواز العدول على خصوص المندوب من التمتع فعلى الأول تكون الرواية مخصصة للاية و النصوص الدالة على أن النائي فرضه التمتع (1)، فيكون المستفاد من المجموع أن النائي فرضه التمتع الا من لم يتم عمرته الى غروب يوم التروية، فله أن يعدل الى الافراد، و ان كان متمكنا من التمتع في نفس الأمر و الواقع و لا يجب عليه إتمام التمتع واجبا كان أو مندوبا.

و على الثاني يخصص بها عموم الأدلة الدالة على وجوب إتمام العمرة المتمتع بها الى الحج و الحج بعدها، و يبقى العموم الدال على أن فرض النائي التمتع بحاله، و لا يلزم تخصيص فضلا عن


1- أضاف الأستاذ مد ظله في الحاشية ما هذا لفظه: و موجبا لتخصيص الأكثر للأدلة الدالة على وجوب تتميم ما شرع فيه من التمتع انتهى.

ص: 122

تخصيص الأكثر. نعم يخرج التمتع المندوب عن عموم وجوب الإتمام، و إذا دار الأمر بين الاحتمالين فالمتعين هو الثاني، لأنه المتيقن من التخصيص، إذ الأصل عدم التخصيص في الآية و الروايات الكثيرة الدالة على وجوب التمتع على النائي و عدم التخصيص الزائد في أدلة وجوب إتمام التمتع.

و بتعبير أوفى ان الأدلة الدالة على جواز العدول في مقام بيان عدم وجوب إتمام المتعة بما هي متعة، و لا تعرض فيها لتكليف النائي حتى يؤخذ بإطلاقها، و يخصص بها الآية و الرواية التي تدل على أن فرض النائي التمتع. فعلى هذا يبقى قوله تعالى ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1) سليما عن التخصيص و سالما عن المعارض.

و توضيح المقام: ان المستفاد من الآية الكريمة ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أن الواجب على النائي التمتع و انه فرضه، يجب عليه الإتيان به، و لازم ذلك عدم جواز العدول منه الى غيره مع التمكن من إتمامه، و عدم تبدل فرضه الى غيره الا بدليل شرعي تعبدي.

و كذا المستفاد من قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ (2) بمعونة الأخبار الدالة على أن العمرة دخلت في الحج الى يوم القيامة


1- سورة البقرة الآية 196.
2- سورة البقرة الآية 196.

ص: 123

أن من أحرم بعمرة التمتع يجب عليه إتمامها و الإتيان بالحج بعدها و لا يجوز له العدول الى غيره، سواء كان التمتع واجبا أو مندوبا.

و في قبال هذين الحكمين الأخبار الدالة على جواز العدول، و لكن ما يستفاد منها بادئ النظر هو تحديد وجوب إتمام العمرة و حرمة العدول الى الافراد الى غروب يوم التروية، لا تبدل الفرض من التمتع الى الافراد و فوات وقته.

و يشهد لما ذكرنا رواية أبي بصير المتقدمة، الدالة على أن المرأة إذا طهرت ليلة عرفة و تمكنت من إتيان التمتع فلتفعل (1) و غيرها من الروايات التي تدل على عدم فوت وقت التمتع يوم عرفة أو الى زوال الشمس من يوم عرفة كما في مكاتبة محمد بن مسرور المتقدمة (2).

و أما ما يتراءى منه من انقضاء وقت التمتع يوم التروية كصحيحة عمر بن يزيد و موسى بن عبد اللّه و إسحاق بن عبد اللّه و زكريا بن عمران(أو آدم) فكلها مأولة بما يأتي عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا قدمت مكة يوم التروية و قد غربت الشمس فليس لك متعة، امض كما أنت بحجك (3).

عن موسى بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 3.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 15.
3- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 12.

ص: 124

المتمتع يقدم مكة ليلة عرفة؟ قال عليه السلام: لا متعة له يجعلها حجة مفردة و يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة و يخرج إلى منى و لا هدي عليه، و انما الهدي على المتمتع (1).

و المراد من خروجه إلى منى الخروج اليه للبيتوتة، و من الطواف طواف الحج بعد الوقوفين و الرجوع الى مكة، و كذا السعي.

و رواية إسحاق بن عبد اللّه عن ابى الحسن عليه السلام قال:

المتمتع إذا قدم مكة ليلة عرفة فليس له متعة يجعلها حجة مفردة، إنما المتعة إلى يوم التروية (2).

و رواية زكريا بن آدم(أو عمران على اختلاف نسختي التهذيب و الاستبصار) قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة. قال: لا متعة له يجعلها عمرة مفردة (3).

و كل تلك الروايات اما محمولة على من لا يطمئن من إتمام العمرة ثم الإتيان بالحج من جهة الضعف أو الخوف، و اما تحمل على عدم وجوب إتمام العمرة بعد الشروع و جواز العدول الى الافراد. فحينئذ تحمل على المندوب من التمتع لا الواجب منه، و قد تقدم الكلام في رواية زكريا بن آدم و رواية موسى بن عبد اللّه


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 10.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 9.
3- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 8.

ص: 125

و لا نعيده.

(الخامسة) لو علم المحرم بالعمرة الواجبة المتمتع بها الى الحج

بأنه لو أتى بأفعال العمرة يفوته الحج، حتى الوقوف الاضطراري منه، سواء كان لضيق الوقت أو لعذر آخر، كالطمث و النفاس و عدم الرفيق في الطريق و الخوف وحده، يجب عليه العدول الى الافراد و الذهاب الى عرفات و إتمام مناسك الحج ثم الإتيان بعمرة مفردة بعده، و وقت العدول من زوال يوم التروية الى ما يتمكن من درك الوقوف الاختياري. و هذا ما لا كلام فيه، و تقدم ما دلت عليه من النصوص.

و انما الكلام فيما إذا علم انه لا يدرك الاختياري من حج الافراد بعد العدول اليه، و لكنه يتمكن من درك الاضطراري من مناسكه، فهل يجب عليه العدول أيضا أم لا؟

الظاهر أنه لا خلاف في وجوب العدول الى الافراد و ان لا يتمكن الا من الوقوف الاضطراري منه، و تدل جملة من الاخبار المتقدمة الدالة على وجوب العدول الى الافراد من يوم التروية الى ما يتمكن من درك حج الافراد، و حيث أنه لم يقيد جواز العدول فيها بدرك الاختياري منه، يشمل ما لو تمكن من درك الاضطراري من حج الافراد، بعد انقضاء وقت التمتع و انقلاب التكليف منه الى الافراد.

(السادسة) إذا علم المعتمر بعمرة التمتع، انه يتمكن من إتمام اعمال العمرة و الحج بإتيان جميع أعمالهما

، الا أنه لا يتمكن من

ص: 126

الوقوف بعرفات من أول زوال يوم عرفة، بل يتمكن منه بقدر ما يتحقق به الركن من الوقوف بها، فهل يجوز أو يجب العدول الى الافراد، لكي يقف بعرفات من الزوال الى الغروب مستوعبا لجميع الوقت، أو يجب عليه إتمام العمرة ثم إنشاء الإحرام للحج و الوقوف بعرفات قبل الغروب، بمقدار يتحقق به الركن و ان لم يحصل الاستيعاب؟ الظاهر هو الثاني. و تدل عليه صحيحة جميل عن ابى عبد اللّه عليه السلام: المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر (1).

لوضوح أن منتهى وقت العمرة إذا كان زوال الشمس من يوم عرفة، لا يتمكن أحد من الوقوف بها باستيعاب الوقت من الزوال الى الغروب، بل يتمكن مقدارا من الوقوف بها، سيما في تلك الأزمنة المعمول فيها السير بالقوافل و الإبل.

و مثلها مكاتبة محمد بن مسرور المتقدمة، قال: كتبت الى ابى الحسن الثالث عليه السلام: ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافى غداة عرفة و خرج الناس من منى الى عرفات، أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه، الى أي وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية و لا ليلة التروية، فكيف يصنع؟ فوقع عليه السلام: ساعة يدخل مكة إنشاء اللّه يطوف و يصلي ركعتين و يسعى و يقصر و يحرم بحجته و يمضي إلى الموقف


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 15.

ص: 127

و يفيض مع الامام (1).

و من الواضح أن كل من وافى مكة غداة عرفة، لا يتمكن من درك الوقوف جميع الوقت، فان الظاهر أنه ساعة دخوله مكة غداة عرفة يتم أعمال العمرة و يذهب الى عرفات حتى يفيض مع الامام منها، و ظاهر ذلك كفاية درك الامام قبل الإفاضة.

و رواية يعقوب بن شعيب الميثمي، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا بأس للمتمتع ان لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له، ما لم يخف فوت الموقفين (2).

و من البين أن فوت الموقف لا يصدق إذا أدرك ساعة من يوم عرفة أو أقل منها، بل إذا أدرك مقدارا يتحقق به الركن من الوقوف و قد أوضحنا فيما تقدم أن كل ما يدل على توقيت المتعة و انقضاء وقتها ليلة عرفة أو يومها أو يوم التروية محمول على من خاف فوت الحج، أو محمول على المندوب من التمتع، أو على جواز العدول الى الافراد، أو يحمل على جواز العدول الى الافراد في الحج المندوب، بمعنى أنه لا يجب عليه إتمام العمرة بل له العدول الى الافراد.

(السابعة) إذا علم المعتمر بعمرة التمتع أنه لا يقدر على إتمام أعمال العمرة

و درك الوقوف الاختياري بعرفة و المشعر، و لكنه يتمكن


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 16.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 5.

ص: 128

بعد العمرة من درك الوقوفين الاضطراريين، بأن يقف بعرفات ليلة النحر و بالمزدلفة قبل زوال الشمس من يوم النحر، فهل يجب عليه العدول من التمتع الى الافراد لكي يدرك الاختياري من الوقوفين أو يجب عليه إتمام العمرة المتمتع بها ثم الإحرام بحجه و لو أدرك الاضطراري من الموقفين؟ فيه وجهان.

و منشأ التردد أن قوله عليه السلام في رواية يعقوب بن شعيب «لا بأس للمتمتع ان لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له ما لم يخف فوت الموقفين» هل هو ظاهر في الوقوف الاختياري بعرفات و مزدلفة، أو أعم منه و من الاضطراري. الظاهر هو الثاني، لأن فوت الموقفين لا يصدق بفوت الاختياري منهما فقط، و يؤيده أن الوقوف الاختياري و الاضطراري حكمهما معا حكم السجدتين في الصلاة، فكما تبطل الصلاة بتركهما معا سهوا أو عمدا أو اضطرارا فكذلك الوقوفان، فان ترك الوقوف الاختياري و الاضطراري معا سهوا كان أو جهلا أو عمدا، موجب لبطلان الحج، و أما بفوت أحدهما فلا يفسد الحج إلا إذا كان عن عمد و اختيار كما في ترك السجدة الواحدة في الصلاة، و بذلك يدفع قول من ادعى أن الظاهر من فوت الموقفين فوت الوقوف الاختياري منهما.

و لعل ما ذكرناه يستظهر من صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعا ثم قدم مكة و الناس بعرفات فخشي ان هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته

ص: 129

الموقف. قال عليه السلام: يدع العمرة، فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه (1).

إذ يعلم منها أن المناط في وجوب إتمام التمتع درك الموقف و كان هذا مرتكزا في ذهن السائل أيضا، و لما خشي فوت الموقف تردد في حكمه، و الظاهر من خوف فوت الوقوف أعم من الاختياري و الاضطراري، كما استظهرناه من الرواية المتقدمة.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في المقام، و لكن الإنصاف انه لا صراحة في الاخبار لبقاء وجوب التمتع و إتمامه ما لم يخش فوت الموقفين، إلا في رواية يعقوب بن شعيب، و هي غير نقية السند.

و أما صحيحة الحلبي فليس فيها إلا اشعار بتقرير الامام عليه السلام ما كان مرتكزا في ذهن السائل، مضافا الى إمكان إرادة الاختياري من الموقفين، كما استظهره غير واحد من أصحابنا، فالحكم بوجوب إتمام العمرة المتمتع بها و إتمام الحج تمتعا و لو بدرك الاضطراري من الوقوفين، و عدم جواز العدول الى الافراد الذي يتمكن فيه من درك الوقوف الاختياري بعرفات و مزدلفة، خلاف ظواهر النصوص و الفتاوى، و كذا مخالف للاحتياط، لتظافر النصوص الظاهرة في جواز العدول الى الافراد حينئذ و إفتاء الفقهاء على طبقها، الا بعض منهم كابن إدريس و بعض المتأخرين.

اللهم أن يقال ان وظيفة النائي عن مكة هو حج التمتع، كما


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 6.

ص: 130

تدل عليه الآية و الروايات، حتى فيما إذا لم يتمكن من درك الوقوف الاختياري بل تمكن من الاضطراري، بضميمة النصوص التي تدل على كفاية الاضطراري من الوقوفين إذا لم يتمكن من الاختياري منهما، فالاضطراري من النسك يقوم مقام الاختياري، و لا يحتاج الى العدول و لا تصل النوبة اليه.

و من تلك النصوص ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه «ص» في سفر فإذا شيخ كبير فقال:

يا رسول اللّه ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له: ان ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و ان ظن انه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها فقد تم حجه (1).

و إطلاق الرواية شامل لكل من المتمتع و المفرد، فيجب على النائي إتمام عمرته و حجه إذا تمكن من الوقوف الاضطراري ما لم يقم دليل معتبر على جواز العدول الى الافراد، و القدر المتيقن من النصوص الدالة على جواز العدول الى الافراد من التمتع إذا خشي فوت الموقفين هو فوت الاختياري و الاضطراري معا، لا الاختياري فقط كما عليه البعض.

فعموم الدليل الدال على وجوب التمتع على النائي و إطلاقه سليم عن التخصيص و التقييد، و الحكم بعدم جواز العدول إلى


1- وسائل الشيعة ج 10 من أبواب الوقوف بالمشعر الباب 22 الحديث 4.

ص: 131

الافراد إذا تمكن من درك الوقوف الاضطراري من حج التمتع، مطابق للقواعد الأولية، كما أفتى به ابن إدريس و بعض المتأخرين.

و لقائل أن يقول: انه لو حملنا النصوص الدالة على وجوب العدول من التمتع الى الافراد إذا خشي فوت الموقفين على من لا يدركهما حتى الاضطراري منهما، لا يبقى لها الا موارد نادرة، فإن من لا يتمكن من درك الوقوف الاختياري و الاضطراري إذا أتم متعته، بأن لا يتمكن بعد إتمام العمرة من الوقوف بعرفات حتى ليلة النحر و لا يتمكن من درك المشعر حتى قبل الزوال من يوم النحر- أي الاضطراري من الموقفين لا يتمكن منهما أيضا إذا عدل الى الافراد أيضا، فما معنى وجوب العدول اليه و الحال أن النصوص انما توجب ذلك ليتمكن من درك الوقوفين الاختياريين بالعدول الى الافراد و ترك التمتع، كما قاله الشيخ قدس سره حيث أفتى بأن من لم يتم أعمال عمرته الى زوال يوم عرفة يجب عليه العدول الى الافراد.

(الثامنة) [الحج المندوب فحكمه أيضا مثل ما تقدم]

قد تقدم حكم العدول الى الافراد من التمتع إذا ضاق الوقت عن إتمام العمرة المتمتع بها الى الحج في الحج الواجب، و أما الحج المندوب فحكمه أيضا مثل ما تقدم، فمن دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع تطوعا و لا يتمكن من إتمام أفعال العمرة و درك الأفعال الاختيارية للحج معا وجب عليه العدول الى الافراد و الإتيان بعمرة مفردة بعد إتمام أفعال الحج، و كذا لو خاف

ص: 132

فوت الحج أصلا. و يدل عليه ما تقدم من النصوص الدالة على وجوب العدول الى الافراد إذا لم يتمكن من درك الحج لضيق الوقت أو خاف فوته.

و أما إذا ورد مكة زوال يوم التروية معتمرا بعمرة التمتع تطوعا و علم أنه يتمكن من إتمام أفعال العمرة و درك الحج بجميع أفعاله الاختيارية، فهل يجب عليه إتمام التمتع لقدرته عليه و تمكنه منه أو يجوز له العدول الى الافراد، لدلالة بعض الاخبار عليه، و انه جائز من زوال يوم التروية الى أن يخاف فوت الحج، فيجب حينئذ العدول؟ الظاهر هو الثاني، و الحكم بجواز العدول من زوال يوم التروية في الحج المندوب، لما تقدم من الجمع بين الروايات الدالة على ذهاب المتعة و انقضاء وقتها يوم التروية أو زواله أو غروبه كصحيحة ابن بزيع و ما يتحد مضمونه معها، و بين الاخبار الدالة على بقاء وقت التمتع الى زوال يوم عرفة كرواية جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر (1). أو إلى ليلة عرفة، كرواية محمد بن ميمون قال: قدم أبو الحسن عليه السلام متمتعا ليلة عرفة فطاف و أحل و اتى جواريه، ثم أحرم بالحج و خرج (2) أو ما يدل على بقاء وقتها ما أدرك الناس بمنى، كرواية


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 15.
2- الوسائل ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 2.

ص: 133

يعقوب بن شعيب و موثقة ابن بكير و مرفوعة سهل و رواية شعيب و صحيحة محمد بن مسلم (1) و غيرها من الروايات التي تدل على بقاء وقت المتعة بعد التروية أيضا.

و مقتضى الجمع بين تلك الاخباركما تقدم أن تحمل الطائفة الأولى الدالة على انتهاء وقت المتعة و انقضائه على ذهاب الأمر الوجوبي التعييني، المتعلق بإتمام التمتع في الحج المندوب من زوال يوم التروية، لا الأمر الجوازي بمعنى أنه لا يجب عليه إتمام العمرة و حج التمتع إذا ورد مكة يوم التروية، بل يجوز له أن يعدل الى الافراد كما أنه يجوز له أن يتم عمرته و أن يأتي بالتمتع الى أن يخاف فوت الحج، فيجب حينئذ العدول.

و تحمل الطائفة الثانية الدالة على بقاء وقت التمتع على جواز التمتع لا الوجوب و التعيين، ما يتمكن من أعمال الحج، بمعنى أنه يجوز له التمتع الى وقت يتمكن فيه من إتمام العمرة و الحج الى يوم عرفة أو ليلة عرفة أو بعد زوال عرفة و ان كان يجوز له العدول الى الافراد أيضا من يوم التروية.

و أما الحمل على المندوب من حج التمتع لا الواجب منه، فهو مقتضى عموم الآية الكريمة الدالة على أن فرض النائي التمتع و الروايات الصريحة في وجوب إتمام المتعة على من يتمكن منه


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 5 6، 7، 1، 4، 9.

ص: 134

و لو في يوم عرفة. و لا مجال لتخصيص الآية و تلك الروايات بما تقدم من النصوص الدالة على جواز العدول من يوم التروية، فإن المتيقن من التخصيص تخصيص ما يدل على أن المعتمر مرتهن بحجه الشامل للواجب و المندوب، فيخصص بالمندوب، و أما الفرض من حج التمتع المستفاد من الآية و الرواية فيبقى على عمومه و لا يخصص بما تقدم، للشك فيه، و الأصل بقاؤه على عمومه، و قد مر توضيحه، و لعل الشيخ «قده» جمع بين الاخبار بما ذكر لما أشير إليه في طي البحث.

ينبغي التنبيه على أمور
(الأمر الأول) قد تقدم أن مما يوجب العدول من التمتع الى الافراد عروض الطمث على المرأة المحرمة

، بحيث لا تتمكن من إتيان أعمال العمرة بعد حصول الطهر و الإتيان بالحج بعدها و الشك في التمكن من الإتيان بأفعال الحج بعد العمرة و خوف فوته.

و قد مر ما يمكن أن يستدل به لذلك من النصوص، و لكن في قبال تلك النصوص أخبار تدل على أنها تتم عمرتها و تسعى بين الصفا و المروة و تقصر و تقضي طوافها بعد الفراغ من مناسك الحج و أفعاله و لا تعدل الى الافراد.

و أصح ما في المقام سندا صحيحة رواها أربعة من أصحاب الصادق عليه السلام منهم علي بن رئاب عنه أنه قال: المرأة المتمتعة

ص: 135

إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا و المروة، و ان لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت و احتشت ثم سعت بين الصفا و المروة ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت بالبيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثم طافت طوافا للحج ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم الا فراش زوجها، فإذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها (1).

و نقل غير واحد عن عجلان ابى صالح قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة متمتعة قدمت مكة فرأت الدم. قال: تطوف بين الصفا و المروة ثم تجلس في بيتها، فان طهرت طافت بالبيت و ان لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلت بالحج من بيتها و خرجت إلى منى و قضت المناسك كلها، فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا و المروة (2).

و في رواية أخرى عنه: فإذا طهرت و انصرفت من الحج قضت طواف العمرة (3).

و قد أفتى بعض الأصحاب بالتخيير بين العدول الى الافراد و بين تتميم العمرة و قضاء الطواف بعد الحج، كما في رواية علي ابن رئاب المتقدمة.


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 1.
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 2.
3- وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 3.

ص: 136

و لكن التحقيق أن يقال: ان كان المراد من التخيير هو التخيير الواقعي المجعول لهابمقتضى الجمع بين طائفتين من الروايات- فلا شاهد له و ليس جمعا عرفيا و يأبى العرف عنه، لأن الأخبار الدالة على العدول ظاهرة في تعين العدول، و أن وظيفة الحائض ليس الا ذلك، و كذا الظاهر من أخبار الباب تعين إتمام العمرة عليها ثم قضاء طوافها بعد الحج ليكون حجها تمتعا، فالأمر الوارد في الطائفتين ظاهر في الوجوب التعييني، و لا شاهد لحمله على التخييري، بل لا يحتمله بعض العبارات أصلا، فإن قوله عليه السلام في رواية عجلان: «لا إذا زالت الشمس ذهبت المتعة» (1) و قوله «تمت عمرتها» كما في رواية أبي بصير (2) تعبيران مختلفان و متناقضان من جميع الوجوه لا يمكن حملهما على التخيير، و ارادة الأمر التخييري منها مما لا يساعده العرف بل يبعده و ينفيه.

و لا ينافي هذا ما تقدم منا من حمل قوله «ذهبت متعتها» على انقضاء التعيين، و ذهاب الأمر التعييني، جمعا بينه و بين قوله «و لها المتعة»، إذ لا اشكال و لا استبعاد في ذلك الجمع بخلاف النصوص المتعارضة في المقام، فان قوله «تصير حجها مفردة»، و قوله «متعتها تامة و تقضي طوافها» غير قابل لتحمل الجمع المذكور بإرادة التخيير منهما.


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 4.

ص: 137

هذا إذا كان المراد من التخيير هو الحكم الواقعي، و أما لو كان المقصود من التخيير، الحكم الظاهري، في التخيير في العمل بين المتعارضين من باب الأخذ بأحد الخبرين، فهذا انما يصح بعد ثبوت التكافؤ المفقود في المقام، لأن الأخبار التي تدل على العدول مطابقة لفتوى المشهور.

و أما رواية عجلان ابى صالح الدالة على بقاء التمتع و قضاء الطواف بعد الحج، ضعيفة. لاشتراك ابى صالح بين الثقة و الضعيف فلا يعتمد على روايته و لا يستدل بها.

و لا يثبت مضمون رواية أبي صالح بما روى عن درست بن ابى منصور عن عجلان في حديث قال: كنت أنا و عبد اللّه بن صالح سمعنا هذا الحديث في المسجد، فدخل عبد اللّه على ابى الحسن عليه السلام فخرج الي فقال: قد سألت أبا الحسن عليه السلام عن رواية عجلان فحدثني بنحو ما سمعناه من عجلان (1).

و ذلك لان عبد اللّه بن صالح أيضا مجهول، فكيف يوثق مجهول بمجهول آخر و ضعيف بضعيف، مضافا الى نفي ابى الحسن عليه السلام مضمون رواية عجلان، كما في صحيحة ابن بزيع المتقدمة بعد ما سأل الراوي عنه. فقال أبو الحسن: لا إذا زالت الشمس ذهبت المتعة (2).


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 6.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.

ص: 138

فان الظاهر من النفي نفي ما ذكر في رواية عجلان من الحكم ببقاء المتعة و تمامية العمرة و قضاء الطواف بعد الحج، لا نفي الوقت المذكور في صدر الرواية، بل لا وجه أصلا لرجوع النفي إليه، إذ لا تنافي بين صحيحة ابن بزيع و رواية عجلان من جهة التوقيت، بل التمانع و التنافي من جهة الحكم و انقضاء المتعة و ذهابها، و عدم الانقضاء زوال يوم التروية و قضاء الطواف، بل يمكن تصور اتحادهما في الوقت بخلاف الحكم، إذ المذكور في رواية ابن بزيع ان متعتها تذهب إذا زالت الشمس و تصير حجها مفردا، و أما ما ذكر في رواية عجلان «انها اغتسلت و احتشت وسعت بين الصفا و المروة و تقضى طوافها».

و لا يخفى أن المعمول و المتعارف بين الحجاج أنهم يشتغلون بمقدمات الحج من الغسل و غيره من أول الزوال غالبا، فتحمل الرواية عليه، فتكون متحدة مع رواية ابن بزيع من جهة الوقت و لكنها تخالفها من جهة الحكم بعدم ذهاب المتعة و عدم جواز العدول الى الافراد و وجوب قضاء الطواف بعد الحج، و حيث أن الصحيحة متعرضة لرواية عجلان و نافية لمضمونها، تكون حاكمة و مقدمة عليها.

و احتمال كون المنفي في رواية أبي الحسن عليه السلام غير رواية عجلان الموجودة بأيدينا بعيد جدا، و لو فرضنا ذلك لأمكن أن يقال: ان لعجلان رواية مخالفة لوجوب العدول الى الافراد،

ص: 139

و فوت المتعة زوال يوم التروية قد نفاها أبو الحسن وردها بقوله «لا»، فحينئذ يقال الرواية المردودة و المنفية اما هي الموجودة عندنا أو غيرها، و على كل حال يوجب ذلك و هنا و ضعفا في مفاد الرواية الموجودة، و لا ينبغي أن يجعل معارضا لغيره.

و كذا يوجب ذلك و هنا و ضعفا في رواية ابن رئاب التي تطابق مضمونها، فيحكم بتقدم الأخبار الدالة على العدول الى الافراد و ذهاب المتعة زوال يوم التروية.

و قد يجمع بينها بنحو آخر، و هو أن يقال: ان المرأة إذا كانت طاهرة حين الإحرام ثم طمثت قبل الإتيان بأفعال العمرة، فعمرتها تامة لكنها تقضي طوافها بعد الحج، و أما إذا كانت حين الإحرام طامثا فتعدل الى الافراد ان لم تطهر قبل أعمال الحج، بحيث تتمكن من إتيان أعمال العمرة، و قد تجعل رواية أبي بصير شاهدا لهذا الجمع قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في المرأة المتمتعة: إذا أحرمت و هي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت و لم تطف حتى تطهر ثم تقضي طوافها و قد قضت عمرتها، و ان هي أحرمت و هي حائض لم تسع و لم تطف حتى تطهر (1).

و يرد على هذا الجمع:

أولاأن نفس ما جعل شاهدا لرفع التعارض مبتلى بمعارض آخر، و هو صحيح ابن بزيع حيث قال: سئل عن المرأة تقدم مكة


1- الوسائل ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 5.

ص: 140

متمتعة ثم حاضت قبل أن تحل. الى ان قال عليه السلام: إذا زالت الشمس ذهبت المتعة (1).

و ثانياأن رواية أبي بصير قد أعرض عنها الفقهاء و لم يفت بمضمونها الا قليل منهم، كابن جنيد على ما نسب اليه، و لهذا حملها الشيخ على من حاضت أثناء الطواف، كما يأتي حكمه إنشاء اللّه تعالى. و لكنه أيضا خلاف الظاهر و السياق، و يصعب حملها عليه حتى في مقام الجمع لصراحتها في أنها حاضت قبل أن تحل، و هو ظاهر في عروض الطمث قبل الطواف لا في أثنائه. اللهم الا أن يقال ان حملها على ذلك أولى من الطرح.

(الأمر الثاني) لو حاضت امرأة أثناء الطواف

، ففيه ثلاثة أقوال:

الأول البطلان مطلقا، و الثاني الصحة مطلقا، و الثالث التفصيل بين عروض الحيض قبل النصف فيبطل أو بعده فيحكم بصحة الطواف و هو المشهور المنصور لعدة من الروايات:

منها مرسلة أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ قال: حدثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة. و زاد في التهذيب: و تقضي ما فاتها من الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة و تخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف الأخر (2).


1- الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 2.

ص: 141

أما الرواية فمخدوشة من جهة السند، لأن أبا الحسن بياع اللؤلؤ أو إسحاق صاحب اللؤلؤ كلاهما مجهولان، و قال الممقاني «ره» لم أر من ذكره الا الشيخ، حيث عده من أصحاب الصادق عليه السلام في رجاله. مضافا الى كونها مرسلة، الا أن نقل صفوان الذي هو من أصحاب الإجماع و كذا عبد اللّه بن مسكان على ما نقل من الكشي يجعلها كالصحيحة.

و أما من جهة الدلالة فهي تامة بناء على نقل الكافي، حيث تدل منطوقا على أن عروض الحيض لا يبطل الطواف إذا كان بعد أربعة أشواط و لا تبطل متعثها. و مفهومها أنه لو كان قبل إتمام أربعة أشواط فتبطل و متعتها غير تامة، الا أنها ساكتة عن وجوب قضاء الطواف عليها في الصورة الاولى.

و أما بناء على ما نقله التهذيب فتدل على وجوب قضاء ما بقي من الطواف، و لكنها ساكتة عن بيان وقت القضاء، و مقتضى القاعدة فيه أنها إذا طهرت قبل الخروج إلى منى تقضيها قبله، و الا تقضي بعد الرجوع من منى، و قد فسر بعض الشراح قوله «قبل أن تطوف الطواف الأخر بقضاء ما فاتها من الطواف»، بمعنى عدم الحاجة الى الزائد على أربعة أشواط، بل تخرج إلى منى و تكون متعتها تامة.

فيكون المحصل من الرواية أن المرأة المفروضة ممنوعة عن إتمام الطواف، بل تخرج إلى منى للذهاب الى عرفات و لا شي ء عليها الا قضاء ما فات من طوافها،(و هي ثلاثة أشواط) المصرح به في

ص: 142

صدر الرواية، و ان كان المراد من قوله «قبل أن يطوف الطواف الأخر» طواف الزيارة بعد مراجعتها من مني أو طواف النساء، بمعنى أنه يجب عليها بعد المراجعة من منى أن تقضي أولا ما فاتها من الأشواط قبل طواف الزيارة و طواف النساء. فالمعنى أيضا أنه لا يجب عليها إلا قضاء ما فات منها قبل الإتيان بطواف الزيارة، و ان كان ذلك خلاف الظاهر، لكن الرواية على كل حال تدل على تمامية المتعة إذا عرضها الحيض بعد أربعة أشواط.

و يدل عليه أيضا ما رواه الشيخ بسنده عن إبراهيم بن أبي إسحاق عن سعيد الأعرج قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تتم طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة، فلها أن تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك لأنها زادت على النصف، و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحج (1) و رواها الشيخ مرسلة عن إبراهيم بن إسحاق و زاد فيه: و ان هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج، فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو الى التنعيم فلتعتمر (2).

و ما رواه عن أحمد بن محمد عمن ذكره عن أحمد بن عمر الحلال عن ابى الحسن عليه السلام قال: سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت؟ قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف


1- الوسائل ج 9 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 4.

ص: 143

بالبيت أو بالصفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله (1).

و ما رواه الكافي عن أبى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة، فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته، فإن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله (2).

و هذه الروايات كما ترى تدل على تمامية المتعة إذا عرض الحيض أثناء الطواف بعد النصف، و على وجوب قضاء ما فات من الأشواط، و هي و ان كان أكثرها لا يخلو من الضعف في السند و اختلال و اضطراب في المضمون، الا أنها منجبرة بعمل الأصحاب بها و الإفتاء بمضمونها (3).

و احتمال كون مستند فتاواهم غير ما ذكر من الاخبار المودعة في كتب الأصحاب لا يضر بجبر الضعف فيها، مع تطابق عبارة الفتاوى و النصوص المتقدمة.


1- الوسائل ج 9 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1.
3- الرواية بالنسبة إلى وجوب إعادة السعي غير معمول بها و لكن تحمل على الأفضلية، فإن السعي بين الصفا و المروة و ان لم يكن مشروطا بالطهارة الا انه معها أفضل.

ص: 144

و لا يعارض تلك الأخبار المتقدمة مع تطابق الفتاوى عليها، ما روي عن ابن بزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة، ثم حاضت قبل أن تحل متى تذهب متعتهاالى ان قال: قال عليه السلام: إذا زالت الشمس ذهبت المتعة (1).

و هذه الرواية و نظائرها مستند صاحب المدارك تبعا لابن إدريس في الحكم ببطلان المتعة بعروض الحيض قبل الإحلال مطلقا، و لكنها قابلة للتقييد بما تقدم من النصوص و أن المتعة لا تبطل إذا طمثت بعد تجاوز النصف، و كذا يطرح أو يأول ما يدل على صحة الطواف و المتعة بعروض الحيض قبل تجاوز النصف، مثل ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما. قال: تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت و اعتدت بما مضى (2)، و رواه الصدوق بإسناده عنه عن أحدهما و قال: و بهذا أفتي لأنه رخصة و رحمة.

فإنه معرض عنه، و الصدوق منفرد في الإفتاء بمضمونه، و لذا حمله الشيخ على طواف النافلة و لم يعمل به في الفريضة.

بقي في المقام شي ء ينبغي التعرض له، و هو أنه قد جعل ملاك تمامية المتعة في الاخبار عروض الحيض بعد تجاوز النصف، و ملاك


1- الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.
2- الوسائل ج 9 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 3.

ص: 145

البطلان العروض قبله، و هي ساكتة عن حكم عروض الحيض في النصف من سبعة أشواط، إذ ما ذكر فيها هو أربعة أشواط في الحكم بالصحة و ثلاثة أشواط في الحكم بالبطلان، و لم يذكر ثلاثة أشواط و نصف لا في الرواية و لا في كلام العلماء، فان كلامهم أيضا مختلف، فجعل بعض ملاك التمامية التجاوز عن النصف و مناط البطلان قبل النصف، و ذكر بعض آخر أربعة أشواط و ثلاثة أشواط.

و حيث أنه قد علل تمامية المتعة في رواية سعيد، بأنها زادت على النصف، يمكن أن يجعل الميزان في الحكم بالصحة التجاوز عن النصف، و في البطلان عدم التجاوز عنه.

و أما ذكر الأربعة و الثلاثة في الروايات فإنما هو لبيان أحد المصاديق للقسمين لا لخصوصية فيها، فالحكم إذا زاد على النصف و لو يسيرا الصحة و التمامية و إذا قل عن النصف و لو يسيرا بطلان التمتع. و أما النصف الحقيقي لا أقل و لا أكثر منه فيتوجه البطلان فيه أيضا، لعدم صدق التجاوز عن النصف عليه.

و يمكن أن يقال أيضا: ان موضوع الحكم في التمامية انما هو أربعة أشواط بتمامها و كمالها، و التجاوز عن النصف انما يعتبر ان يتحقق في ضمن الأشواط التامة لا الناقصة منها، و هو لا يتحقق و لا يوجد إلا في ضمن أربعة أشواط تامة، و كذا يعتبر أن يتحقق الأقل من النصف الذي هو الملاك في الحكم بالبطلان في ضمن أشواط تامة كاملة، و هي الثلاثة المذكورة في الرواية، فحينئذ يكون

ص: 146

الميزان في تمامية المتعة تحقق أربعة أشواط، و مفهوم ذلك البطلان في الثلاثة. و أما الثلاثة و النصف فهو أيضا من مصاديق المفهوم المستفاد من قيد الأربعة.

هذا غاية ما يمكن أن يقال، و لكن النفس لا تطمئن به و لا تستريح، فلا بد في المقام من دليل قوي يعتمد عليه. و حيث أن مقتضى صحيحة ابن بزيع بطلان التمتع بعروض الحيض قبل الإحلال فيقال: ان الخروج من مقتضاها و تخصيصها يحتاج الى دليل معتبر، و ورود التخصيص عليها بعد أربعة أشواط قطعي لا شبهة فيه، و أما التخصيص في أقل من أربعةو لو كان الثلاثة و النصف فمشكوك فيه، و المخصص مجمل لا يصح التمسك به، و الشبهة أيضا مفهومية. و المرجع فيها عموم العام، فيبقى غير الأربعة باقيا تحت العام و يحكم بالبطلان في أقل من أربعة أشواط و كذا في النصف الحقيقي ثلاثة أشواط و نصف.

(الأمر الثالث): ان الحيض كما تقدم لا يمنع عن الإحرام و صحته

، فيجوز الإحرام حال الطمث. فلو ان امرأة حاضت عند الميقات فان علمت انها تطهر قبل أيام الحج و تتمكن من أعمال العمرة أحرمت من الميقات و نوت العمرة المتمتع بها الى الحج و تدخل مكة و لا تدخل المسجد حتى تطهر، فإذا تطهرت طافت وصلت ركعتين وسعت و قصرت، فان لم تطهر الى يوم التروية أولا تعلم أنها تطهر قبل يوم عرفة أو زوال يوم التروية يجوز لها

ص: 147

العدول من الافراد الى التمتع زوال يوم التروية، و يجوز لها أيضا الصبر الى أن يضيق الوقت، فان لم تطهر وجب عليها العدول.

أما عدم كون الحيض مانعا عن الإحرام فتدل عليه الروايات:

منها رواية منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام المرأة الحائض تحرم و هي لا تصلي؟ قال: نعم إذا بلغت الوقت فلتحرم (1).

و رواية يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض تريد الإحرام. قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة، و لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير الصلاة (2).

و رواية زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام فتطمث؟ قال: تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم، فإذا كان الليل خلعتها و لبست ثيابها الأخرى حتى تطهر (3).

و رواية معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض تحرم و هي حائض. قال: نعم تغتسل و تحتشي و تصنع كما تصنع المحرمة و لا تصلى (4).


1- الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 2.
3- الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 3.
4- الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 4.

ص: 148

و رواية عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام أ تحرم المرأة و هي طامث؟ قال: نعم تغتسل و تلبي (1).

و هذه الروايات المنقولة في كتب الأصحاب كما ترى ظاهرة في أن الحيض لا يمنع عن الإحرام، و أما الأحكام الأخرى من وجوب العدول و جوازه فقد علم مما تقدم من المسائل، و لا اشكال فيها، و انما الكلام في المقام أن إطلاق الاخبار الدالة على عدم منع الحيض عن الإحرام، هل هي شاملة للمرأة التي تعلم أنها لا تطهر الى انقضاء وقت العمرة فيجب عليها الإحرام بالعمرة المتمتع بها إذا كانت نائية، ثم العدول الى الافراد أولا تشملها فمشكل.

و وجه الإشكال أنها إذا كانت عالمة بعدم الطهر الى آخر وقت العمرة لا تتمكن من قصد التمتع حتى يجب عليها فتحرم بها. اللهم الا أن يقال: ان الاخبار الواردة في المقام لم تعين لها وظيفة خاصة من التمتع و الافراد، فلها أن تنوي الافراد إذا علمت أنها لا تطهر الى آخر الوقت.

و فيه: ان الحائض كغيرها من المكلفين ان لم تكن حاضرة المسجد الحرام فوظيفتها التمتع، و يشملها إطلاق الآية و الروايات، و لا يجزيها غير ما تكون مكلفة به الا بالدليل، كما أنها لو كانت حاضرة لم يكن فرضها إلا الافراد و لا يجزي غيره الا بالدليل الخاص، فان كان الدليل إطلاق عدم مانعية الحيض عن الإحرام


1- الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 5.

ص: 149

المستفاد من النصوص فهو غير تام، لان مفادها أن الخلو من الحيض ليس شرطا للإحرام، و أما أن الفرض في هذا الحال التمتع أو الافراد فهي ساكتة عنه و غير ناظرة إليه حتى يتمسك بالإطلاق في المقام.

اللهم الا أن يقال: ان المرأة المسئول عن حكمها في النصوص هي المرأة العالمة بعدم طهرها الى انقضاء وقت متعتها، فيكون الجواب بوجوب الإحرام عليها من الميقات ظاهرا في الإحرام بالإفراد، لعدم تمكنها من العمرة المتمتع بها الى الحج.

و يمكن أن يقال: ان السؤال انما وقع عن النسوة في الزمن السابق و كان ميقات أكثرهن ذا الحليفة أو الجحفة، و كان المتعارف في ذلك الزمان الخروج من المدينة و ما شابهها أواخر شهر ذي القعدة، و الحائض منهن في الأغلب انما تكون عالمة بأنها تطهر قبل انقضاء الوقت، أو محتملة له، و الروايات محمولة و منزلة على ما هو المتعارف في زمان صدورها، فلا تشمل الحائض التي تعلم بعدم الطهر الى انقضاء وقت التمتع.

لا يقال: ان لازم ما ذكر أن لا تكون المرأة العالمة بعدم طهرها الى آخر وقت عمرتها مكلفة بالحج أصلا، فإن النساء اللاتي عادتهن أن يحضن من خامس ذي الحجة مثلا إلى خمسة عشر يوما منها لا يستطعن من حج التمتع أبدا. و الحال انهن مكلفات به، كغيرهن ممن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.

ص: 150

فإنه يقال: ان المفروضة ان كانت متمكنة من الخروج الى عمرتها و ان تأتي بأفعالها قبل أيام العادة، يجب عليها الخروج، و أداء مناسك العمرة قبل ذلك ثم تحرم للحج و تأتي بجميع المناسك الا الطواف، فإذا طهرت أتت به مع ركعتي الطواف ان أمكنها التوقف بمكة بعد الطهر بذلك المقدار، و أما إذا لم تتمكن من التوقف بعد الطهر لان تأتي بطوافها، أو لم تمهلها السيارة و الرفقة أو الحكومة استنابت شخصا يطوف عنها، فيكون حجها تاما و متعتها كاملة.

مضافا الى أن استقرار العادة على رؤية الدم في خامس ذي الحجة مثلا انما هي أمارة غالبية اعتبرها الشارع، لا قطعية و يقينية بحيث لا يحتمل خلافها أصلا، بل يمكن التخلف. فعلى هذا لا يوجد العلم بعدم الطهر الى فوت زمان العمرة، بحيث يصح أن يقال ان الاخبار و الآيات منصرفة عن تلك النسوة، فكل حائض تحتمل الطهر قبل مضي وقت العمرة تحرم و تنوي التمتع، فان لم تطهر قبل ذلك تعدل الى الافراد.

نعم لو علمت و تيقنت امرأة انها لا تطهر الى آخر وقت العمرة، فأمرها دائر بين القول بوجوب الإحرام عليها بالتمتع و الاستنابة لطواف العمرة و ركعتيه، أو قضائهما بعد الطهر أو الإحرام لحج الافراد و حيث ان الأمر مردد و لم يعلم وظيفتها من أخبار الباب أيضا، فلا مناص من وجوب الاحتياط عليها حتى تحصل البراءة اليقينية عن

ص: 151

الاشتغال اليقيني (1).

قال المحقق القمي: يجب عليها العدول الى الافراد قبل الإحرام، بمعنى لزوم الإحرام للإفراد، كما يجب على كل من ضاق عليه وقت العمرة و لم يتمكن من التمتع، و استدل لذلك بالإجماع و نفي الحرج و الضرر و بأولوية المقام عن عروض الحيض بعد الإحرام، و مال اليه السيد في العروة مستدلا بعدم التمكن من قصد التمتع.

أما الإجماع المدعى في كلام المحقق فغير ثابت، نعم لا يخلو بعض الاخبار عن الظهور فيما ذكر، و لكنه أيضا ليس بحيث يعتمد الفقيه عليه في فتواه.

و أما الحرج و الضرر، فغاية ما يترتب عليه نفي التكليف الحرجي و الضرري، و أما تبدل التكليف و وجوب العدول الى الافراد من التمتع فيحتاج الى دليل آخر و لا يستفاد من رفع التكليف الحرجي و الضرري، نظير ما قيل في المسح على المرارة، فإن رفع وجوب المسح على البشرة بعدم الحرج و نفيه لا يثبت بدلية المسح على المرارة عن مسح البشرة بل يحتاج ذلك الى دليل آخر كما قال


1- أقول: يمكن لكل امرأة أن تؤخر عادتها بابتلاع الحب المعد لذلك الرائج في عصرنا، يستعمله كثير من النسوان في شهر رمضان و سائر الأيام و لا حظر فيه، كما يجوز لها ان تأكل طعاما أو تشرب شرابا يوجبه بل يستحب ذلك كما ورد في الحديث. راجع الوسائل ج 9 الباب 92 و 93 من أبواب الطواف.

ص: 152

«امسح على المرارة».

و أما الأولوية فادعاؤها و الجزم بها موقوف على العلم بالمصالح و الحكم الواقعية، المقتضية لجعل الأحكام الشرعية على الموضوعات الخارجية، و أنى لنا ذلك.

و أما ما استدل به صاحب العروة من عدم تمكنها من قصد التمتع، فهو مبني على القول بعدم جواز الاستنابة في الطواف أو عدم وجوب الإتمام بلا طواف و صلاة، ثم قضائهما حال الطهر، و الا فيتمشى منها قصد التمتع و القربة كغيرها.

هذا كله إذا قلنا بعدم سقوط التكليف عنها في هذه السنة، و أما إذا شككنا في أنها مكلفة بالحج في هذه السنة مع علمها بأنها لا تطهر الى آخر وقت العمرة فالمرجع البراءة من الوجوب.

و يمكن استفادة ما اختاره المحقق القمي من وجوب العدول الى الافراد قبل الإحرام من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال:

أرسلت الى ابى عبد اللّه عليه السلام أن بعض من معنا من صرورة النساء قد اعتللن فكيف تصنع؟ قال: تنتظر ما بينها و بين التروية، فإن طهرت فلتهل و الا فلا يدخلن عليها التروية الا و هي محرمة (1).

بناء على أن يكون المراد من الإهلال بعد الطهارة الإهلال بالعمرة، و من الإحرام الإحرام للحج، مع فرض أن المرأة كانت مكلفة بالتمتع لكونها مدنية، و مع العلم بعدم تمكنها من إتمام


1- الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 15.

ص: 153

العمرة أمرها الإمام عليه السلام بالإحرام للحج، و اما عدم أمرها بالخروج لإحرام العمرة المفردة بعد إتمام الحج، انما هو للتقية.

و فيه: أن الصحيحة لا ظهور لها فيما ذكر، و لا يصح الاستدلال بها اعتمادا على الاحتمالات التي لا شاهد لها.

فتحصل من جميع ما تقدم أن من أحرم لعمرة التمتع و لم يتمكن من إتمامها لضيق الوقت أو لمانع كعروض الحيض و النفاس يعدل الى الافراد، ثم يأتي بعد الحج بعمرة مفردة. و أما من علم قبل الإحرام بأنه لا يتمكن من أعمال العمرة قبل الحج الى انقضاء آخر وقت العمرة التي يتمتع بها الى الحج، فان كان في بلده و كان عدم التمكن من جهة ضيق الوقت، مسببا عن إهماله و تأخيره مع تمكنه من التعجيل و البدار إلى العمرة، فهو عاص بالتأخير، و عليه الحج في العام القابل.

و أما مع عدم التمكن من الخروج و التعجيل فهو غير مستطيع في عامه هذا، و ان تمكن من العدول الى الافراد، إذ لم يعهد من الفقهاء و الأصحاب الحكم بتبدل وظيفة النائي من التمتع الى الافراد، و كذلك المرأة إذا كانت في بلدها و علمت بعدم التمكن من العمرة قبل الحج، فإنها عاصية لو كان ذلك بإهمالها في وظيفتها و عليها الحج في القابل.

نعم لو علمت أنها لا تتمكن منها في جميع السنوات في أشهر الحج، فبعد عدم وجود الدليل على تبدل تكليفها الى الافراد،

ص: 154

فلا بد من القول بوجوب التمتع عليها و الاستنابة للطواف و صلاته أو قضائهما بعد الطهر، لصحة الإتيان بالعمرة و طواف الحج في تمام شهر ذي الحجة.

هذا ما يقتضيه الدليل في مفروض المقام من عدم التمكن من الإتيان بالعمرة، و لكن تحقق الفرض في الخارج بعيد جدا، لإمكان الإتيان بالعمرة المتمتع بها في جميع أشهر الحج، و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة إلى يوم عرفة، فيشمله الدليل العام الدال على وجوب التمتع على النائي المتمكن من الإتيان به و لو بهذه الكيفية أي في جميع أشهر الحج.

و لو فرضنا أن الدليل العام لا يشمله اما للإجمال فيه أو لاحتمال تبدل التكليف من التمتع بالإفراد في ذلك الموردفلا مناص من أن يقال: لو شك في أصل التكليف تمتعا كان أو غيره فالأصل عدمه و البراءة منه، كما أنه لو شك في تبدل التكليف من التمتع الى الافراد بعد العلم بثبوته، فالأصل عدم التبدل و بقاء وجوب التمتع، و لو فرض تحقق الإجماع على عدم سقوط التكليف في هذا الحال أو الضرورة القطعية، فيحصل العلم الإجمالي بوجوب الإحرام إما بالتمتع مع الاستنابة للطواف و الصلاة، و اما بالإفراد بمباشرة الإتيان لجميع المناسك، و مقتضاه الجمع بين الحجين في سنتين إذا تمكن من ذلك و الا تتخير بين أحدهما.

(الرابع) ان حكم النفساء حكم الحائض في جميع ما ذكر

ص: 155

للإجماع على اتحاد حكمهما، و لما رواه معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن ابى بكر بالبيداء لا ربع بقين من ذي القعدة في حجة الوداع، فأمرها رسول اللّه «ص» فاغتسلت و احتشت و أحرمت و لبت مع النبي و أصحابه، فلما قدموا مكة لم تطهر حتى نفروا من منى، و قد شهدت المواقف كلها عرفات و جمعا، و رمت الجمار و لكن لم تطف بالبيت و لم تسع بين الصفا و المروة، فلما نفروا من منى أمرها رسول اللّه فاغتسلت و طافت بالبيت و بالصفا و المروة (1).

و الرواية كما ترى تدل على وجوب الإحرام على النفساء، الا أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر.


1- الوسائل ج 9 الباب 49 من أبواب الإحرام الحديث 1. و في الرواية اضطراب، فان كل امرأة إذا رأت الدم إذا ابتلت بالنفاس في أربع بقين من ذي القعدة تطهر في اليوم السابع من ذي الحجة قطعا و تتمكن من الطواف و الصلاة، إذ لا تزيد أيام النفاس و الحيض على عشرة أيام، فلا بد من توجيه الرواية «المقرر».

ص: 156

شروط حج الافراد

اشارة

أما شروط حج الإفراد فهي ثلاثة:

(الأول) النية، و قد مر الكلام فيها تفصيلا في التمتع فلا نعيده.

(الثاني) وقوع الإحرام و جميع المناسك في أشهر الحج و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجةبلا خلاف بيننا كما في الجواهر، و عليه الاتفاق على ما في المعتبر، و يدل عليه قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (1) خلافا لبعض العامة حيث جوز الإحرام للافراد قبل أشهر الحج.

(الثالث) الإحرام من الميقات الذي يمر به ان كان منزله قبل الميقات و الا فمن دويرة أهله إذا كان منزله دون الميقات، كما تقدم في المواقيت. و لا خلاف في ذلك كما في الجواهر الا عن مجاهد


1- سورة البقرة الآية 196.

ص: 157

فإنه جوز الإحرام من مكة لحج الافراد، و أما المقيم بمكة فإنه يحرم له من مكة للحج، و للعمرة من أدنى الحل.

و ذكر الشيخ في المبسوط شرطا رابعا، و هو أن يقع الحج في سنة، و المراد من ذلك الشرط وقوع الحج في السنة التي وقع الإحرام في أشهر الحج من تلك السنة، فلو أحرم بالحج مفردا ثم لم يقف الوقوفين حتى ينقضي الوقت، لا يصح الحج في العام القابل بذلك الإحرام لو بقي عليه، بل يجب عليه الطواف و السعي و التحليل، فيصير عمرة مفردة كما في الدروس. و الظاهر أنه المقصود أيضا في كلمات العلماء قدس سرهم، و لا يبعد أن يقال ببطلان الحج بعدم الوقوف بعرفات، و التحلل بأعمال العمرة أيضا.

و أما حج القران فهو عين الافراد، و لا فرق بينهما إلا في سوق الهدي كما تقدم تفصيلا، و يشترط فيه ما يشترط في الافراد، و أما العدول منهما الى التمتع فيأتي تفصيله بعد هذا.

العدول من الافراد و القران الى التمتع

قد تقدم أن الافراد و القران فرض أهل مكة و من بحكمهم، و التمتع يختص بالنائي فقط، كما تدل عليه الآية و الرواية و عليه فتاوى العلماء، و قد أشبعنا الكلام في النائي و الحاضر في المسجد الحرام و أهل مكة و نواحيها و حكم التمتع و العدول منه الى الافراد و القران جوازا و عدما، و لنذكر هنا بعض ما يختص بالمفرد و القارن

ص: 158

و منه جواز العدول منهما الى التمتع.

فهل يجوز لمن وظيفته و فرضه الافراد أو القران، العدول الى التمتع مطلقا أو لا يجوز كذلك، أو يفرق بين حال الاضطرار و الاختيار فيحكم بالجواز في الأول دون الثاني؟ أقوال.

قال المحقق قدس سره في الشرائع، بعد ذكر أن الافراد و القران فرض أهل مكة و من بحكمهم، أنه لو عدل هؤلاء إلى التمتع حال الاضطرار جاز، كخوف الحيض المتأخر عن النفر من منى مع عدم إمكان تأخير العمرة الى أن تطهر و أما حال الاختيار فقيل نعم، كما حكي عن الشيخ في أحد قوليه، و قيل لا، و هو الأكثر بل هو المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه، و لو قيل بالجواز لم يلزمهم هدي انتهى.

و تفصيل البحث أن التمتع كما هو المستفاد من الآية يختص بالنائي، و أنه ليس لأهل مكة تمتع ابتداء و لا عدولا كما هو المتبادر من النصوص المفسرة للاية الكريمة. فعلى هذا جواز العدول الى التمتع ابتداء أو بعد الشروع يحتاج الى الدليل المجوز لذلك حتى حال الاضطرار، فإذا اضطر المفرد أو القارن الى ترك العمرةبأن علم أنه لا يتمكن بعد الحج من الإتيان بالعمرة المفردة، بناء على اشتراط تأخرها عنه لحيض أو عدم توقف الرفقةيمكن أن يقال انه غير مستطيع بالنسبة إلى العمرة أصلا، و لا يجب عليه الا الحج

ص: 159

فان استطاع إلى العمرة بعد ذلك يأتي بها و الا فلا تجب عليه.

هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية المستفادة من الآية و الرواية، و قد يستدل لجواز العدول الى التمتع حال الاضطرار بالإجماع المدعى في كلام الأصحاب.

قال صاحب الجواهر بعد نقل كلام المحقق: لو عدل هؤلاء إلى التمتع اضطرارا جاز العدول و لو بعد الشروع فيه، لا أجد فيه خلافا حتى في القران، على ما اعترف به غير واحد، بل عن بعضهم دعوى الاتفاق عليه انتهى.

و فيه: ان الإجماع و الاتفاق غير ثابت، بل حكي عن التبيان و الاقتصاد و الغنية و السرائر عدم الجواز، بل هو ظاهر كل من قال ان القران و الافراد فرض أهل مكة و من بحكمهم، كما في الجواهر.

و قد يتمسك لجواز العدول الى التمتع بالروايات الواردة في حج النبي «ص» حجة الوداع. و يرد بأن النصوص الواردة فيه انما هي في بيان تبديل تكليف النائي و اختصاصه بالتمتع دون غيره، لا جواز العدول لمن فرضه الافراد أو القران الى التمتع ابتداء أو بعد الشروع فيهما.

و استدل له أيضا برواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل لبى بالحج مفردا ثم دخل مكة و طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة. قال: فليحل و ليجعلها متعة، الا أن يكون

ص: 160

ساق الهدي فلا يستطيع أن يحل حتى يبلغ الهدي محله (1).

و فيه: ان الرواية صريحة في عدم جواز العدول من القران الى التمتع، خلافا لمن يقول بالجواز، و أما بالنسبة الى الأفراد فهي أيضا غير صريحة في جواز العدول منه الى التمتع لمن فرضه الافراد تعينا، بل لا إطلاق فيها بالنسبة اليه، و المتيقن من مفادها و من نظائرها أن من كانت المتعة مشروعة له كمن أتى بالإفراد استحبابا أو من كانت وظيفته التمتع فأحرم بالإفراد جهلايجوز له أو يجب عليه العدول الى ما هو المفروض عليه أو المشروع له، فلا تنهض الرواية لمعارضة الأخبار الدالة على أن أهل مكة ليس لهم متعة.

نعم حيث أن تلك الأخبار الواردة في تفسير الآية في مقام بيان ما هو الواجب على المكلفين من حجة الإسلام لا يشمل غيره، و لا ينافي جواز الإتيان بالمتعة ندبا لأهل مكة أيضا.

و ملخص الكلام: ان العدول من الافراد و القران الى التمتع لا يجوز لمن فريضته و الواجب عليه أحدهما لا اختيارا و لا اضطرارا مضافا الى أن الاضطرار الى العدول من الافراد و القران الى التمتع لا يتحقق الا على القول بلزوم الإتيان بالعمرة المفردة بعد الحج، و علم المفرد أيضا بعدم القدرة على إتيانها بعد الحج، و اضطر الى العدول الى التمتع و الإتيان بالعمرة قبل الحج، سواء كان ذلك قبل


1- الوسائل ج 9 الباب 22 من أبواب الإحرام الحديث 5.

ص: 161

الشروع في الافراد أو بعده. و لكنه أيضا غير ثابت كما حققناه في محله، و اخترنا جواز الإتيان بالعمرة المفردة قبل الحج هناك.

و لو سلمنا ذلك لأمكن القول بأن من لا يقدر على الإتيان بالعمرة المفردة بعد حج الافراد، لا يكون مستطيعا بالنسبة إلى العمرة، كما أشير اليه، و لا تجب عليه.

قد يقال: ان العدول من الافراد و القران الى التمتع أولى من العدول من التمتع الى الافراد، فإذا صح العدول الى الافراد عند الضرورة جاز العكس أيضا.

و يدفع: بأن الأولوية في المقام ممنوعة، فإن المتمتع الذي لا يقدر على الإتيان بالعمرة قبل الحج، لو لم يعدل الى الافراد لزمته المشقة الشديدة و الضرر الكثير، لوجوب اعادة الحج في العام القابل من ميقات أهله بعد الرجوع الى وطنه، أو الإقامة في مكة إلى العام القابل، و الخروج الى أحد المواقيت ثم الإحرام منه ناويا للتمتع بخلاف المفرد المقيم بمكة أو حواليها، إذ لا حرج عليه و لا عسر في عدم جواز العدول من الافراد الى التمتع، و وجوب إعادة حجه مع العمرة المفردة في العام القابل.

و أما ما استدل به الشيخ «ره» لجواز العدول من أن المتمتع يأتي بأفعال الحج مع الزيادة، فلا ينقص من نسك الافراد شي ء لو عدل منه الى التمتع. ففيه أيضا أن ميقات حج الإفراد دويرة أهله إذا كان المفرد من غير أهل مكةأي المقيم بهاو أما ميقات حج

ص: 162

التمتع بطن مكة، فلا يشتمل التمتع على جميع ما اشتمل عليه الافراد. على أن الرواية و الآية إذا دلتا على أن أهل مكة لا متعة لهم، فلا يجوز رفع اليد عنهما الا بدليل خاص معتبر، لا بما ذكر من المناسبات و الاستحسانات.

ص: 163

العمرة المفردة

اشارة

(الأمر الخامس) العمرة واجبة على المستطيع لها، كما يجب الحج على من استطاع اليه، و يشترط فيها ما يشترط فيه، و هي على قسمين: عمرة مفردة، و عمرة متمتع بها الى الحج.

أما الثاني فيشترط فيه أن يؤتى بها في أشهر الحج قبل الإحرام لحج التمتع، و لا يجوز للمعتمر بتلك العمرة أن يخرج من مكة بعد الإتيان بها، حتى يأتي بالحج أيضا على ما مر تفصيله، و أما المفردة فيصح الإتيان بها في كل زمان، و لا يرتبط بالحج أصلا، بل هي واجبة مستقلة. نعم يكفي العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة، بل يمكن أن يقال: ان النائي لا يكلف إلا بالعمرة التي يتمتع بها الى حجه.

و تدل على اجزاء عمرة حج التمتع عن العمرة المفردةمضافا الى الإجماع المدعى في كلام غير واحد من الأصحاب روايات

ص: 164

منها ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة (1).

و عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث، قال: قلت فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أ يجزي عنه ذلك؟ قال:

نعم (2).

و عن أحمد بن محمد بن ابى نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن العمرة أ واجبة هي؟ قال: نعم. قلت: فمن تمتع يجزى عنه؟ قال: نعم (3).

و روى الشيخ في الموثق عن يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: قول اللّه عز و جل وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج فكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك أمر رسول اللّه أصحابه (4).

و روى الصدوق بإسناده عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: العمرة مفروضة مثل الحج، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة (5).


1- الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 1.
2- الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 2.
3- الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 3.
4- الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 4.
5- الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 6.

ص: 165

(تنبيه) [الواجب أولا و بالذات على الناس العمرة المفردة]

قد تكرر في الروايات السابقة سؤالا و جوابا أن العمرة المتمتع بها الى الحج تجزي عن العمرة المفردة، و هذا التعبير مشعر بأن الواجب أولا و بالذات على الناس العمرة المفردة، إلا ان العمرة المتمتع بها الى الحج مجزية عنها و مسقطة للتكليف بها. و هذا ينافي ما تقدم و تكرر أن تكليف النائي التمتع، الظاهر في أن الواجب عليه العمرة و الحج معا دون الحج فقط.

و لعل السر فيه: أن الواجب على الناس قبل تشريع التمتع العمرة المفردة و الحج افرادا و لما فرض التمتع على النائي بقوله تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1)، و علّم النبي «ص» كيفية حج التمتع و قال: دخلت العمرة إلى الحج الى يوم القيامة وقع الشك في أن العمرة الواجبة على الناس مرة واحدة في تمام العمر قبل ذلك، هل هي باقية على حالتها الاولى و لا يغيرها وجوب حج التمتع و دخول العمرة فيه، أو ليست كذلك بل رفع وجوبها بعد تشريع التمتع و زالت حالتها الاولى، و لهذا وقع السؤال عنها في الروايات، و أجيب بأن العمرة المتمتع بها الى الحج تجزي عن العمرة المفردة، و لا يجب على النائي عمرة غير ما تمتع به الى حجه.


1- سورة البقرة الآية 196.

ص: 166

(الأمر السادس) المفرد بالحج إذا كانت عليه عمرة مفردة يأتي بها بعد حجه

اشارة

، و أما إذا لم تكن واجبة عليه لعدم الاستطاعة أو لإتيانه بها قبل وجوب الحج عليه فلا يجب عليه الإتيان بها بعد الحج، لعدم التلازم بين حج الافراد و العمرة المفردة و وجوبها، كما هو ثابت بين حج التمتع و العمرة المتمتعة بها، فله أن يأتي بعمرة مفردة و أن لا يأتي بها.

و يظهر من عبارة بعض الأصحاب بل عن غير واحد منهم وجوب الإتيان بالعمرة المفردة بعد حج الافراد، و إطلاقها يشمل من أتى بعمرته المفردة الواجبة عليه قبل ذلك و من لم تجب عليه العمرة أصلا، لعدم استطاعته لها، أو من نذر حج الافراد فقط بدون عمرة مفردة. و لكن ما هو الظاهر من فتاوى الأصحاب أن العمرة المفردة لا تجب بالذات في الشرع الإمرة واحدة كالحج، فعلى هذا إرادة الإطلاق من عبائر القوم من الحكم بوجوب العمرة المفردة كما تقدم بعيد جدا، مع تصريح كثير منهم بأن من وجب عليه الإفراد بالاستطاعة إليه يجب عليه الحج دون العمرة، و عدم تعرض الأخبار التي وردت في كيفية حج الافراد لذكر العمرة بعده و بيان حكمها.

و يمكن أن يقال: ان مساق كلامهم و محط النظر في عباراتهم ان من وجب عليه الحج و العمرة مفردين يجب عليه ان يأتي بالعمرة بعد حجه، بمعنى أنه لا يجوز تقديمها عليه كما لا يجوز تقديم حج التمتع على عمرته.

ص: 167

و بعبارة أخرى: ان العمرة المفردة إذا كانت واجبة مع الحج يجب تأخيرها عنه، بخلاف العمرة المتمتع بها فإنها يجب تقديمها على الحج، و لا يجوز تأخيرها عنه كما أفتى به جماعة من الفقهاء بل ادعي عليه الإجماع.

قال في الجواهر بعد نقل فتوى الأصحاب: كما هو ظاهر بعض العبارات، بل في الرياض أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، و في المنتهى و غيره الإجماع عليه، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي التصريح بالإجماع عليه انتهى.

و الدليل المدعى في كلامهم ليس إلا الإجماع، فإن تم فهو و الا فإثبات الحكم أيضا مشكل، بل ظاهر بعض الاخبار جواز تقديم العمرة على حج الافراد، مثل ما عن الصدوق قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أمرتم بالحج و العمرة فلا تبالوا بأيهما بدئ (1).

و عنه أيضا بإسناده عن سماعة بن مهران عن ابى عبد اللّه عليه السلام انه قال: من حج معتمرا في شوال و من نيته أن يرجع الى بلاده فلا بأس بذلك، و ان هو أقام إلى الحج فهو متمتع لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن اعتمر فيهن و أقام إلى الحج فهي متعة، و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة، و ان اعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام إلى الحج فليس بمتمتع، و انما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج


1- الوسائل ج 10 من أبواب العمرة الحديث 6.

ص: 168

بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة(بعمرة) إلى الحج، فان هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها (1).

قوله في الفقرة الأخيرة «فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة» يشمل من كان منزله دون ثمانية و أربعين ميلا، الذي يجب عليه الافراد من الحج مع كون العمرة المأتي بها واجبة عليه و أما قوله «فمن اعتمر فيهن و أقام إلى الحج فهي متعة» فيحمل على من كانت المتعة له مشروعة، واجبة كانت أو مستحبة. و بالجملة التصريح بأن من أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة و يلبى منها، مع تقديم العمرة المأتي بها على حجة الذي يجب أن يفرده، تدل على جواز تقديم العمرة المفردة على حج الافراد.

و يمكن الاستدلال لعدم وجوب الإتيان بها بعد الحج على من لا يجب العمرة عليه، بفعل النبي «ص»، فإنه لم يأت بالعمرة بعد الحج، فيدل على عدم وجوبها بعد الحج على نحو الإطلاق.

نعم لا يدل فعله «ص» على نفي وجوب الإتيان بعده عمن وجبت عليه، لعدم وجوبها عليه «ص» (2).


1- الوسائل ج 8 الباب 10 من أقسام الحج الحديث 1.
2- روى عن ابن عباس أن النبي «ص» اعتمر أربع عمرالى أن قال- الرابعة التي مع حجه. فعلى هذا عدم إتيانه «ص» بالعمرة في حجه غير ثابت حتى يستدل به على عدم لزوم الإتيان بالعمرة كما استدل به الأستاذ مد ظله، و تأتي الرواية في ميقات العمرة إنشاء اللّه.

ص: 169

و أما التمسك بالسيرة في ذلك فلا يصح أيضا، لعدم وجود السيرة المستمرة الى زمان المعصوم عليه السلام على إتيان العمرة المفردة بعد الحج ملتزمين بذلك على نحو اللزوم الشرعي.

فعلى ما ذكر يمكن حمل كلام العلماء «و عليه عمرة مفردة بعد الحج» على من وجبت عليه العمرة المفردة و لم يأت بها. فعليه أن يأتي بعمرة مفردة بعد حجه، لا أن كل من كان مفردا للحج يجب عليه أن يأتي بالعمرة المفردة بعده مطلقا.

هذا ما يمكن أن يقال على حسب ما تقتضيه الأدلة مع قطع النظر عن الأصل الجاري في المقام. و اما إذا شك في وجوب العمرة زائدا على مرة واحدة في تمام العمرسواء كان بعد الحج أو قبله فالمرجع البراءة.

و كذا لو شك في أن من شروط حج الافراد أن يكون متعقبا بالعمرة المفردة أم لا، فتجري أصالة عدم الاشتراط. كما أنه لو شك في وجوب الترتيب بين الحج و العمرة اما تعبدا أو شرطا لصحة العمرة، بمعنى أن من شرائط صحة العمرة المفردة أن تقع بعد الافراد من الحج، فينفى بالأصل و يحكم بعدم الوجوب و الاشتراط مطلقا. و لكن الأحوط و مقتضى الورع أن من وجب عليه الحج و العمرة المفردتين، أن يأتي بالعمرة بعد الحج لا قبله.

ص: 170

(فروع)
(الأول) انه لو كان مستطيعا بالنسبة إلى العمرة فقط دون الحج

فيجب عليه الإتيان بالعمرة من دون ترقب حصول الاستطاعة للحج، فإنهما فريضتان مستقلتان. نعم حيث أن النائي مكلف بحج التمتع لا يستطيع للعمرة المكلفة بها إلا إذا استطاع لحج التمتع أيضا.

(الثاني) من استطاع للحج و العمرة المفردة كليهما قبل أشهر الحج

، فالأحوط أن يبادر بإتيان العمرة المفردة مع التمكن قبل موسم الحج، و لكن الاولى أن يأتي بها بعد الحج أيضا ان كان متمكنا من الإتيان بالعمرتين قبل الحج و بعده، و أما إذا لم يتمكن الا من إتيان عمرة واحدة اما قبل الحج أو بعده، فالأحوط كما تقدم أن يأتي بها بعد الحج.

(الثالث) أنه هل للعمرة المفردة وقت معين يؤتى بها فيه أم لا

و كذا هل يجب الإتيان بها فورا ففورا أم يجوز التأخير و التراخي؟

اما التوقيت فما هو الظاهر من الاخبار عدمه، روى الكليني في الموثق عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المعتمر بعمرة في أي شهور السنة شاء، و أفضل العمرة عمرة رجب (1).

علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن العمرة متى هي؟ قال: يعتمر فيما أحب من الشهور (2).


1- الوسائل ج 10 الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 13.
2- الوسائل ج 10 الباب 6 من أبواب العمرة الحديث.

ص: 171

و يظهر من بعض النصوص أفضلية تأخير العمرة و رجحانه بعد حج الافراد، و لكنه لا يدل على التوقيت، مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللّه عن المعتمر بعد الحج؟ قال: إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن (1).

و يقرب منه ما نقله الصدوق عن معاوية بن عمار (2) و روى الكليني عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام قال: قلت له: العمرة بعد الحج؟ قال: إذا أمكن الموسى من الرأس (3).

و المستفاد من هذه الروايات أن تأخير العمرة الى أن تمكن الموسى من رأسه حسن، و لا يستفاد منها وجوب التأخير و التوقيت.

نعم قد أمر النبي «ص» عائشة بإتيان العمرة بعد الحج من غير تأخير، روى الشيخ مرسلا أن المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة اعتمر بعد الحج، و هو الذي أمر به رسول اللّه «ص» عائشة. قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: قد جعل اللّه ذلك فرضا للناس (4).

عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون في يوم عرفة و بينه و بين مكة ثلاثة أميال و هو متمتع بالعمرة إلى الحج؟


1- الوسائل ج 10 الباب 8 من أبواب العمرة الحديث 2.
2- الوسائل ج 10 الباب 8 من أبواب العمرة الحديث 1.
3- الوسائل ج 10 الباب 8 من أبواب العمرة الحديث 3.
4- الوسائل ج 10 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 4.

ص: 172

فقال: يقطع التلبية تلبية المتعة و يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر و يمضي الى عرفات فيقف مع الناس و يقضي جميع المناسك، و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شي ء عليه (1).

و رووا مرسلا عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة أقام إلى هلال المحرم و اعتمر فأجزأت عنه مكان عمرة المتعة (2).

و المستفاد منها ان درك عمرة المحرم أرجح و لا يستفاد منها التوقيت، حتى لو قلنا بالمفهوم في المرسل، لا يستفاد منه الا عدم الاجزاء عن عمرة المتعة لو لم يقم الى هلال محرم، و لا ينافي ذلك صحة العمرة المفردة إذا أتى بها قبل شهر محرم.

و لعل وجه أرجحية التأخير إلى محرم انه إذا أتى بالعمرة المفردة في شهر محرم بعد حجه، فقد أدى وظيفة ذلك الشهر أيضا، فيزداد الأجر على أجر العمرة، فإن المستفاد من قولهم عليهم السلام «لكل شهر عمرة» (3) أنه ينبغي للمؤمن أن يأتي بعمرة في كل شهر، و أن لا يمضي عليه شهر الا و قد أتى بعمرة ذلك الشهر، و حيث أنه زار البيت في ذي الحجة فإن أتى بالعمرة في غيرها أدى وظيفة شهر محرم أيضا، ضمن الإتيان بما كان عليه واجبا أو مستحبا قبل ذلك.


1- الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 7.
2- الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 5.
3- الوسائل ج 10 الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 1- 2- 4- 5.

ص: 173

و أما الفورية فالمستفاد من تلك الروايات عدم الفورية، بحيث يجب عليه الإتيان بها أول أزمنة الإمكان بعد حصول الاستطاعة و تعلق الوجوب عليها. نعم لا تنافي بين عدم وجوب الفورية بهذا المعنى، و الفورية بمعنى لزوم الإتيان بالعمرة المفردة في سنة استطاعتها، إذ لا إشكال في وجوب الفورية بهذا المعنى، بل يدل عليه ما يدل على وجوب الحج فورا بالمعنى الذي أشير إليه، مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: قال اللّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا؟ قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة، و ان كان سوقه للتجارة فلا يسعه، و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا هو يجد ما يحج به (1).

العياشي في تفسيره عن إبراهيم بن علي عن عبد العظيم الحسني عن الحسن بن محبوب عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا مثل ما تقدم (2).

العياشي في تفسيره أيضا عن عمر بن أذينة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يعني به الحج دون العمرة؟ قال: لا، و لكنه


1- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب وجوب الحج الحديث 11.

ص: 174

الحج و العمرة جميعا لأنهما مفروضان (1).

و غيرها من الروايات الدالة على أن المراد من قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا هو الحج و العمرة معا، فحيث أن الثابت من الشرع أن أمر الحج فوري لا يجوز التسويف فيه لتجارة و غيرها و ان لم يكن موقتا، فتكون العمرة أيضا كذلك، و لا يجوز التسويف فيها. نعم المستفاد من أدلة فورية أمر الحج، انه لا يجوز تأخيره عن سنة الاستطاعة إلى سنة أخرى، و لا يبعد القول بجواز تأخير العمرة إلى أوان الحج.

فتحصل من جميع ما ذكرناه أن أمر العمرة كأمر الحج فوري، بمعنى أنه لا يجوز التسويف فيها بالتأخير من سنة الى سنة أخرى، لا بمعنى أنه لا يجوز تأخيرها و لو ساعة أو أيام. و علم أيضا أنها ليست موقتة مخصوصة بشهر دون شهر، بل يجوز الإتيان بها في كل شهر من الأشهر. نعم يشترط أن يكون الإحرام بعمرة في حال أحل من إحرامه للحج لعدم جواز إنشاء الإحرام في حال الإحرام.

(الرابع) أنه يجب الإحرام للعمرة المفردة من أدنى الحل أو أحد المواقيت

، و أما الإحرام بين أدنى الحل و أحد المواقيت فهو خلاف الاحتياط، كما أنه لو أحرم بها في الحرم لا يجزي، و ان خرج بعد الإحرام إلى أدنى الحل ما لم يجدد الإحرام منه، بل يجب عليه استيناف الإحرام من خارج الحرم.


1- الوسائل ج 10 الباب 1 من أبواب العمرة الحديث 7.

ص: 175

في المواقيت و أحكامها

اشارة

و هي جمع «ميقات» التي بمعنى مقدار من الزمان في اللغة، و في عرف المتشرعة عبارة عن أماكن مخصوصة معينة لإحرام الحج أو العمرة منها، و هي ستة أماكن: ذو الحليفة، و العقيق، و جحفة، و يلملم، و قرن المنازل، و مكة.

و قد يطلق على كل موضع يصح الإحرام منه و لو أحيانا و هو أربعة عشر موضعا: الستة المتقدمة و المحاذاة للميقات لمن لا يمر بها و ينزل من كان منزله أقرب الى مكة من الميقات، و الفخ للصبيان، و محل الإمكان لمن تعذر عليه الإحرام من الميقات، و المكان المنذور فيه الإحرام، و المكان الذي يخاف انقضاء عمرة شهر رجب لو لم يحرم فيه، و المكان الذي يساوي أقرب المواقيت و أدنى الحل كما تدل على ذلك روايات.

و يظهر من بعض الروايات أن الجعرانة هي أيضا من المواقيت

ص: 176

أحرم منها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حين رجع من غزوة حنين.

عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انى أريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة فأحرم منها بالحج- الحديث (1).

و عن صفوان عن ابى الفضل قال: كنت مجاورا بمكة، فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام: من أين أحرم بالحج؟ فقال: من حيث أحرم رسول اللّه «ص» من الجعرانة، أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف فتح الخيبر و الفتح (2).

و ما هو المهم في المقام نقل الأخبار الدالة على اختصاص بعض تلك المواقيت بقوم دون آخر، و بيان ما يظهر من كلمات الأصحاب و أرباب اللغة في ذلك، و تعيين ما هو الأفضل من المواقيت المذكورة:

(منها) ما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام: الإحرام من مواقيت خمسة، وقتها رسول اللّه «ص» لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر ان يحرم قبلها و لا بعدها، وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصلي فيه و يفرض الحج، و وقت لأهل الشام الجحفة، و وقت لأهل النجد العقيق، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل اليمن يلملم، و لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّه «ص» (3).


1- الوسائل ج 8 الباب 9 من أقسام الحج الحديث 5.
2- الوسائل ج 8 الباب 9 من أقسام الحج الحديث 6.
3- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 3.

ص: 177

و عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه، لا تجاوزها الا و أنت محرم، فإنه وقت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق، و وقت لأهل اليمن يلملم، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل المغرب الجحفة و هي مهيعة، و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله (1).

و منها ما رواه الكليني بإسناده عن أبي أيوب الخزاز قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: حدثني عن العقيق أ وقت وقته رسول اللّه أو شي ء صنعه الناس؟ فقال: ان رسول اللّه «ص» وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، و وقت لأهل المغرب الجحفة، و هي عندنا مكتوبة مهيعة و وقت لأهل اليمن يلملم، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل نجد العقيق و ما أنجدت (2).

و قد ذكر في رواية الحلبي المتقدمة بدل أهل «المغرب» أهل الشام.

و في رواية معاوية بن عمار ذكر بدل «لأهل نجد» لأهل العراق بطن العقيق.

و منها ما رواه الصدوق بإسناده عن العمركي عن علي بن


1- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 2.
2- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 178

جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن إحرام أهل الكوفة و أهل خراسان و ما يليهم و أهل الشام و مصر من أين هو؟

فقال: اما أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق، و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة، و أهل الشام و مصر من الجحفة، و أهل اليمن من يلملم، و أهل السند من البصرة يعني من ميقات أهل البصرة (1).

و منها ما رواه بإسناده عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: وقت رسول اللّه «ص» لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة، و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و لأهل نجد قرن المنازل، و لأهل الشام الجحفة، و لأهل اليمن يلملم (2).

و ذكر قرن المنازل لأهل نجد في هذه الرواية اما سهو من النساخ و اما محمول على القسمة و المنطقة التي تقع نحو المشرق من الحرم من ناحية نجد، لما تقدم في رواية أبي أيوب الخزاز و الحلبي:

أن العقيق ميقات لأهل نجد.

و منها رواية قرب الاسناد: عن محمد بن عيسى عن الحسن ابن محبوب عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأوقات التي وقتها رسول اللّه «ص» للناس؟ فقال: ان رسول اللّه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هي الشجرة، و وقت لأهل الشام


1- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 5.
2- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 6.

ص: 179

الجحفة، و وقت لأهل اليمن قرن المنازل، و لأهل نجد العقيق (1).

و تعيين قرن المنازل وقتا لأهل اليمن في هذه الرواية لا يلائم ما تقدم من الاخبار المصرحة فيها بأنه «ص» وقت لأهل يمن يلملم لان قرن المنازل وقع في شرق يمن و طريقهم إلى مكة يلملم.

و منها رواية أخرى في قرب الاسناد: عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن إحرام أهل الكوفة و خراسان و من يليهم و أهل مصر من أين هو؟ قال: إحرام أهل العراق من العقيق و من ذي الحليفة، و أهل الشام من الجحفة، و أهل اليمن من قرن المنازل، و أهل السند من البصرة أو مع أهل البصرة (2).

و هنا روايات أخرى لا يهمنا ذكرها، و انما المهم البحث عن حدود تلك المواقيت و بيان الأحكام المترتبة عليها:

(أما ذو الحليفة) و هو مسجد الشجرة، فقد وقع الخلاف في المسافة بينه و بين المدينة.

عن السمهودي في خلاصة الوفاء أنه قال: قد اختبرت ذلك فكان من عتبة باب المسجد النبوي المعروف بباب السلام الى عتبة مسجد الشجرة بذي الحليفة تسعة عشر ألف ذراع و اثنان و ثلاثون ذراعا و نصف ذراع.

و عن القاموس أنه موضع على ستة أميال من المدينة، و هو ماء


1- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 7.
2- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 8.

ص: 180

لبني جشم، و قيل سبعة، و قيل أربعة، و أما من مكة فالمسافة إلى ذي الحليفة عشر مراحل و قيل غير ذلك.

عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث:

و مسجد ذي الحليفة الذي كان خارجا من السقائف عن صحن المسجد ثم اليوم ليس شي ء من السقائف منه (1).

و بالجملة ان ذا الحليفة ميقات أهل المدينة و هو أفضل المواقيت و أحرم منها رسول اللّه «ص».

في العلل بإسناده عن الحسين بن الوليد عمن ذكره قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: لأي علة أحرم رسول اللّه «ص» من مسجد الشجرة و لم يحرم من موضع دونه؟ فقال عليه السلام: لانه لما اسري به الى السماء و صار بحذاء الشجرة نودي: يا محمد؟ قال:

لبيك. قال: أ لم أجدك يتيما فآويتك، و وجدتك ضالا فهديتك؟

فقال النبي: ان الحمد و النعمة لك و الملك لك لا شريك لك. فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلها (2).

و ما هو الجدير بالبحث في المقام أن «ذا الحليفة» الذي أحرم منه رسول اللّه أفضل المواقيت هل هو مسجد الشجرة بلا زيادة و نقيصة، أو هو أوسع من المسجد بل هو جزء منه. و على الثاني فهل مساحة ذي الحليفة معلومة تفصيلا أو هي مجهولة، و حينئذ لا


1- الوسائل ج 8 الباب 4 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 13.

ص: 181

مناص من الأخذ بالقدر المتيقن منها عند الشك فيها، ان ثبت أن ذا الحليفة أو الميقات منها هو المسجد فقط فلا يجوز الإحرام خارج المسجد حتى للجنب و الحائض، فيجب عليهما أن يؤخرا الإحرام إلى حصول الطهارة أو الإحرام حال العبور من المسجد، و ان لم يتمكنا يجب عليهما تأخير الإحرام إلى الجحفة للضرورة المسوغة لذلك كما يأتي.

أقول: الظاهر من الاخبار المصرحة فيها بأن ذا الحليفة هو مسجد الشجرة، ان خارج المسجد ليس منه و من الميقات، كرواية الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: الإحرام من مواقيت خمسة، وقتها رسول اللّه «ص» لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها، و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة (1).

و عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأوقات التي وقتها رسول اللّه «ص» للناس. فقال: ان رسول اللّه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، و هي الشجرة (2).

و عن الأمالي في حديث: ان رسول اللّه «ص» وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة (3).

بناء على أن يراد من المسجد نفس المسجد لا المحل الذي وقع المسجد فيه كما هو الظاهر من اللفظ أيضا، مع قطع النظر


1- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 3.
2- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 7.
3- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 12.

ص: 182

عن القرائن الخارجية الدالة على خلاف ذلك، و لكن الظاهر من رواية الحلبي أن الميقات أوسع من المسجد لما ذكر فيها: أن رسول اللّه حين حج حجة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى الشجرة فصلى بها، ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها و أهل بالحج و ساق مائة بدنة و أحرم الناس كلهم بالحج (1).

و يقرب منها رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام و فيها: فخرج رسول اللّه «ص» في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى الى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر و عزم(أحرم) بالحج مفردا، و خرج حتى انتهى الى البيداء عند الميل الأول فصف الناس له سماطين فلبى بالحج مفرداالخبر (2).

الظاهر منها أن ذا الحليفة كان أوسع من المسجد الواقع عند الشجرة، فإنه «ص» اغتسل في ناحية من ذي الحليفة و خرج من المغتسل و انتهى الى المسجد الذي كان بعيدا من المغتسل كما هو المتبادر من قوله «حتى أتى المسجد»، إذ لو كان متصلا بالمغتسل لما يصح هذا التعبير و الإطلاق، كما ان الظاهر من قوله «عزم بالحج» أنه «ص» نوى الحج مفردا و لبى به في البيداء عند الميل الأول


1- الوسائل ج 8 الباب 2 من أقسام الحج الحديث 14.
2- الوسائل ج 8 الباب 2 من أقسام الحج الحديث 4.

ص: 183

و ساق هديه هناك.

و المسافة بين الميل الأول و المسجدو ان كانت مجهولة عندناالا ان المسلم أنه خارج عن المسجد و أنه من الميقات الواقع في ذي الحليفة.

و يظهر من الرواية أيضا ان رسول اللّه «ص» لما انتهى الى ذي الحليفة زالت الشمس و اغتسل و أتى المسجد و صلى فيه، و خرج حتى أتى البيداء قبل صلاة العصر و لبى بالبيداء و كذا الذين صفوا سماطين لبوا بالبيداء، إذ لا يمكن لهم الإحرام في المسجد لعدم سعته لجماعة كثيرة بل لبوا خارج المسجد و أحرموا منه. و لا يستقيم هذا الا على القول بأن خارج المسجد من الميقات و ذي الحليفة. و يمكن استفادة ذلك من رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه، فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء (1).

لوضوح أن البيداء لو لم يكن من الميقات لكان الأنسب أن يقال حذاء الشجرة. فتحصل من جميع ما ذكر أن ذا الحليفة الذي هو ميقات لأهل المدينة أوسع من المسجد الذي وقع عند الشجرة، و تفسيره بالمسجد و إطلاق المسجد عليه كما في الروايات، ليس الا من باب تسمية الكل باسم الجزء، و ارادة الكل منه تعظيما للمسجد


1- الوسائل ج 8 الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 184

كما في قوله تعالى سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حيث أريد من المسجد مكة المكرمة، و كما في قوله تعالى ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ المفسر في الرواية بمن لم يكن حاضرا بمكة مطلقا.

مضافا الى أن من الممكن و المحتمل أن يغلب اسم المسجد على ذي الحليفة في عصر الأئمة عليهم السلام عند الناس لكثرة الاستعمال أو لاهمية المسجد الذي في ذي الحليفة، و لذا فسروه بالمسجد و قالوا في كلماتهم «و هو المسجد».

على أنه لا يبعد أن يقال: ان رسول اللّه «ص» انما وقّت المواقيت للإحرام منها لاعتبار مسافة بينها و بين مكة لئلا يجوزها الناس بلا إحرام، و ان يراعوا أدبا خاصا بالنسبة إلى حرم اللّه تعالى من تلك المسافة، لا من جهة وقوع المسجد في جانب منها.

و لذا جعل الدروس الإحرام من المسجد أفضل من غيره في ذي الحليفة، و في جامع المقاصد جواز الإحرام من جميع مواضع ذي الحليفة لا يكاد يدفع فالأقوى بحسب الأدلة جواز الإحرام من خارج المسجد اختيارا.

و لا يجب على الجنب و الحائض الإحرام من المسجد اجتيازا و ان كان ذلك جائزا لهما أيضا، و لا يجب الاحتياط عليهما إذا لم يمكن العبور من المسجد و الإحرام منه اجتيازا، بأن يحرما من خارج المسجد و يجددا الإحرام بالجحفة رجاء، و ان كان الاحتياط على

ص: 185

نحو ما ذكر حسنا.

ثم انه هل يجب على أهل المدينة أن يحرموا من مسجد الشجرة و لا يجاوزوا المسجد الا محرما، أم يجوز لهم تأخير الإحرام إلى الجحفة اختيارا أو اضطرارا؟ ففيه خلاف يأتي في ذكر الجحفة إنشاء اللّه تعالى.

و اما الجحفة التي هي وقت لأهل الشام، فهي موضع على سبع مراحل من المدينة و ثلاث عن مكة، و بينها و بين البحر ستة أميال، و قيل ميلان، و لعله لاختلاف البحر باختلاف الأزمنة، و كانت قرية جامعة على اثنين و ثلاثين ميلا من مكة، و سميت «جحفة» لإجحاف السيل بها و بأهلها، و عن المصباح المنير: منزل بين مكة و المدينة قريب من رابغ بين بدر و خليص.

لا اشكال و لا خلاف في أن الجحفة أحد المواقيت التي وقتها رسول اللّه «ص»، و هي وقت لأهل الشام و مصر و المغرب، ان لم يمروا بميقات غيرها قبل ذلك.

و يدل عليه ما تقدم من النصوص الصحيحة في أول البحث، و لا كلام فيه، و انما هو في أن الجحفة كما هي وقت لأهل المغرب، هل هي وقت لأهل المدينة مطلقا أو عند الاضطرار؟ ففيه خلاف بين الأصحاب.

نقل عن ظاهر الجعفي و ابن حمزة جواز الإحرام من جحفة لأهل المدينة مطلقا، و يظهر أيضا من رواية قرب الاسناد المتقدمة، و فيها

ص: 186

«أما أهل الكوفة و خراسان فمن العقيق، و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة» (1).

و كذا من رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

خصال عابها عليك أهل مكة. قال: و ما هي؟ قلت: قالوا أحرم من الجحفة و رسول اللّه «ص» أحرم من الشجرة، قال عليه السلام:

الجحفة أحد الوقتين، فأخذت بأدناهما و كنت عليلا (2).

و رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة، و لا يجاوز الجحفة إلا محرما (3).

و لكن ظاهر بعض الروايات اختصاص الجواز بالضرورة و أنه لا يجوز الإحرام من الجحفة لأهل المدينة في غير تلك الصورة.

(و منها) رواية أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: انى خرجت بأهلي ماشيا فلم أهل حتى أتيت الجحفة و قد كنت شاكيا، فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون: لقيناه و عليه ثيابه، و هم لا يعلمون، و قد رخص رسول اللّه «ص» لمن كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة (4).

و يظهر أيضا من رواية أبي بصير المتقدمة قال: قلت لأبي عبد


1- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 5.
2- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 4.
3- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 3.
4- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 5.

ص: 187

اللّه عليه السلام: خصال عابها عليك أهل مكة. قال: و ما هي؟ قلت:

قالوا أحرم من الجحفة و رسول اللّه «ص» أحرم من الشجرة. قال:

الجحفة أحد الوقتين و كنت عليلا (1).

و(منها) رواية معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان معي والدتي و هي وجعة. قال: قل لها فلتحرم من آخر الوقت، فان رسول اللّه «ص» وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و لأهل المعرب الجحفة، و لا تجاوز الجحفة إلا محرما (2).

بناء على أن المراد من آخر الوقت الميقات الأخر من المواقيت كما في الحدائق، أو الوقت الأخر و هي الجحفة في طريقهم إلى مكة.

و ليس فيما بأيدينا من الروايات ما يخالفها، مضافا الى أن معظم الأصحاب قد عملوا بها، فيقيد بها ما يدل على أن الجحفة أحد المواقيت لأهل المدينة مطلقا، و عمل الأصحاب بها يجبر ضعفها، و ان كان من الممكن أن يقال: ان فتوى الأصحاب بجواز الإحرام من الجحفة عند الضرورة ليس من باب العمل بالروايتين و الاستناد إليهما حتى يجبر ضعفهما، بل من جهة الأخذ بالقدر المتيقن من الأدلة الدالة على أن الجحفة أحد الميقاتين لأهل المدينة، و حينئذ يشكل تقييدها بها، و لكن ما ذهب اليه المعظم موافق لقاعدة الاحتياط، و هو الذي اختاره في الجواهر أيضا.


1- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 4.
2- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 3.

ص: 188

ثم انه بناء على وجوب الإحرام من مسجد الشجرة، لو عصى و جاوز بلا إحرام منه أو نسي أو جهل، فهل يصح له الإحرام من جحفة أو يجب عليه الرجوع الى ذي الحليفة و الإحرام منها؟ الظاهر هو الأول، لكفاية الإحرام من الجحفة لكل من يمر منها، و ان أثم بترك الإحرام قبل ذلك عند المرور من الميقات.

و يدل عليه أيضا رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلا محرما (1).

و رواية معاوية بن عمار أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة. فقال: لا بأس (2).

و لا يعارضهما ما تقدم من الاخبار المقيدة لجواز الإحرام من الجحفة بصورة الضرورة و الاضطرار، إذ لا مانع بين عدم جواز تأخير الإحرام من الشجرة إلا عند الضرورة و بين اجزاء الإحرام من الجحفة لو عصى و جاوز الشجرة من غير ضرورة، فإن الأول حكم تكليفي مقيد بما ذكر، و الثاني حكم وضعي لا قيد له، و نقل عن بعض انه قال: و ينبغي القطع بذلك.

لا يقال: ان الاخبار الدالة على وجوب الرجوع الى الميقات على من نسي و جاوز بغير إحرام عمدا أو جهلا إذا تمكن يشمل ما نحن فيه، فيجب الرجوع على من مر بالشجرة و لم يحرم منها من غير عذر.


1- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 3.
2- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 189

فإنه يقال: ان تلك الروايات واردة فيمن نسي الميقات و مر بها، من دون إحرام و لم يكن وقت بعدها حتى يحرم منها إذا مر بخلاف المقام، فإن الرواية التي تدل على ان الجحفة أحد الميقاتين تشمل بإطلاقها لمن جاوز الشجرة من دون إحرام، فتكون حاكمة عليها، لأنها وردت فيمن مر من المسجد بلا إحرام، و يصح إحرامه و لا يجب عليه الرجوع الى ذي الحليفة.

(مسألة) من دخل المدينة و أراد الحج منها فهل يجب عليه الإحرام من مسجد الشجرة كأهل المدينة أو يجوز له العدول الى طريق ينتهي إلى ميقات آخر من غير مرور بالمسجد فيحرم منه؟ الظاهر أن ذلك جائز، و لا إشكال في اجزاء الإحرام منه أيضا إذا كان المرور عن غير طريق المسجد، و لا ينافي ما ذكر ما روي عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبى الحسن موسى عليه السلام قال: سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرةو أرادوا أن يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها؟

فقال: لا و هو مغضب، من دخل المدينة فليس له الا أن يحرم من المدينة (1).

و وجه عدم التنافي: أن الرواية محمولة على من أراد العبور من مسجد الشجرة بدون الإحرام منه حتى يمروا بميقات آخر خوفا من البرد و كثرة الأيام، و يمكن حملها على الكراهة كما اختاره الجواهر.


1- الوسائل ج 8 الباب 8 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 190

(مسألة) ثم انه بناء على جواز تأخير الإحرام من الشجرة إلى الجحفة عند الضرورة للمريض و غيره، فهل هو أمر ترخيصي له أن يحرم من مسجد الشجرة أو يؤخر إلى الجحفة، أو يجب على المعذور التأخير؟ الظاهر هو الأول، إذ لا يستفاد من الأدلة إلا جواز التأخير لا تعينه و لزومه. فعلى هذا لو أحرم من المسجد في حال المرض و ارتكب في مسيره ما يوجب الكفارة أو الفدية يلزمه حكم ما ارتكب و إحرامه صحيح.

و اما يلملم فهو وقت لأهل اليمن، يقال له أيضا ألملم و يرمرم و هو جبل على مرحلتين من مكة، و قيل انه في زماننا محاط بالماء، و أهل اليمين يحرمون من محاذاته، و قيل انه جبل من جبال تهامة يبعد عن مكة أربعة و تسعون كيلو مترا.

و على كل حال لا خلاف في كونه وقتا لأهل اليمن.

و اما قرن المنازل فهو ميقات أهل الطائف، و هو بفتح القاف و سكون الراء، و عن الجوهري فتحهما جبل مشرف على عرفات على مرحلتين من مكة معروف في زماننا.

و في بعض الروايات انه ميقات لأهل نجد، و لعله وقت لمن يمر منهم من طريق الطائف.

و يدل على كونه وقتا لأهل الطائف رواية الحلبي المتقدمة و معاوية بن عمار، مضافا الى عدم نقل الخلاف فيه.

و اما وادي العقيق فهو ميقات من كان طريقه من العراق. عن

ص: 191

الوسيلة بطن العقيق و هو لأهل العراق و من حج على طريقهم، و عن المراسم ان ميقات أهل العراق بطن العقيق و اوله مسلخ و أوسطه غمرة و آخره ذات عرق، و لا يتجاوز ذات عرق الا لعذر.

قال المرتضى في المسائل الناصريات في مسألة(140):

ميقات أهل العراق العقيق، و اليه يذهب أصحابنا و يقولون: ان ميقات أهل العراق و كل من حج من المشرق على طريقهم بطن العقيق، و أوله المسلخ و وسطه الغمرة و آخره ذات عرق، و الأفضل الإحرام من المسلخ، و دليلنا على ذلك الإجماع.

و العقيق لغة كل واد عقه السيل أي نسقه فأنهره و وسعه، و سمي به أربعة أودية في بلاد العرب، أحدها الميقات و هو واد يندفق سيله في غوري تهامة، كما عن تهذيب اللغة.

و المشهور أن أفضل العقيق أوله، و يقال له المسلخ بالخاء أو المسلح بالحاء المهملة، بل نسب إلى الأصحاب و ادعي الإجماع، و أوسطه غمرة بالغين المعجمة و الراء المهملة و الميم الساكنة سميت بها لزحمة الناس فيها، نهل من مناهل مكة، و هو فصل ما بين نجد و تهامة، و آخره ذات عرق.

و المشهور كما تقدم أن الإحرام جائز في أول العقيق و وسطه و آخره ذات عرق، و الأفضل أوله.

و لكن ظاهر كلام الشيخ في النهاية و الصدوق في المقنع و ابن بابويه، يشعر بعدم جواز التأخير إلى ذات عرق الا لمرض و تقية،

ص: 192

و يدل على الجواز ما روى عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: حد العقيق أوله المسلخ و آخره ذات عرق (1) و مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: وقت رسول اللّه «ص» لأهل العراق العقيق، و أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق، و أوله أفضل (2).

و يدل بعض الاخبار على عدم جواز تأخر الإحرام إلى ذات عرق، بل يظهر من بعضها خروجها عن العقيق، و لعلها مستند الشيخ و الصدوقين في المنع عن التأخير إلى ذات عرق الا لعذر.

عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: وقت رسول اللّه «ص» لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة (3).

و عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال: حد العقيق ما بين المسلخ الى عقبة غمرة (4).

و روى الكليني بإسناده عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: آخر العقيق بريد أوطاس. و قال:

بريد البعث دون غمرة ببريدين (5).


1- الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 7.
2- الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 9.
3- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 6.
4- الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 5.
5- الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 193

و عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري أنه كتب الى صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متصلا بهم يحج و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق، فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز الا أن يحرم من المسلخ؟ فكتب إليه في الجواب: يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبي في نفسه، فإذا بلغ الى ميقاتهم أظهره (1).

فيستفاد منها عدم جواز تأخير الإحرام إلى ذات عرق، و ان كان الحمل على الأفضلية أيضا مما يساعده الدليل.

و اما ميقات من منزله أقرب الى مكة من الميقات، منزله.

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، و ادعي عدم الخلاف فيه، و كذا بين العامة إلا مجاهد، و لم ينقل الخلاف من الخاصة إلا عن المجلسي «قده»، و لا بد في هذه المسألة من بيان أمور:

(الأول) انه لا يخفى على المتتبع في الاخبار المأثورة أن للإحرام مواقيت خاصة يجب على من يريد دخول مكة أن يحرم منها، و لا يصح الإحرام من أي مكان شاء، و الى ذلك يشير قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه (2).


1- الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 10.
2- الوسائل ج 8 الباب 16 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 194

(الثاني) ان من كان منزله دون الميقات فوقته منزله، كما صرح به في الصحيحة المتقدمة حيث قال عليه السلام: «و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله» و كذا في الفقه الرضوي ففيه «و من كان منزله دون هذه المواقيت ما بينها و بين مكة فعليه أن يحرم من منزله» و في صحيح مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام: إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله (1).

و عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي سعيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة. قال: يحرم منه (2).

و غير ذلك من الروايات.

(الأمر الثالث) ان تلك الروايات شاملة لأهل مكة، و لا فرق بينهم و بين غيرهم ممن يعيشون دون الميقات و يكون منزلهم دون المواقيت إلى مكة.

فما عسى يتوهم من عدم شمول الأخبار لأهل مكة و اختصاصها بمن كان منزله دون الميقات خارج مكة، في غير محله و لا يعتنى به، ضرورة أنها ظاهرة في كل من كان منزله دون الميقات، و لا فرق في ذلك بين المكي و غيره.


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أبواب المواقيت الحديث 3.
2- الوسائل ج 8 الباب 17 من أبواب المواقيت الحديث 4.

ص: 195

و بالجملة كما أن غير أهل مكة مكلفون بالإحرام من المواقيت الخاصة المعينة و من كان منزله دون الميقات فمن منزله، فكذلك المكي يجب أن يحرم من الأمكنة الخاصة لا من أي مكان أراد، فإذا لم يجب عليه الإحرام من الميقات فيجب من منزله لا من الجعرانة أو التنعيم.

و أما الرواية الواردة في أن الامام عليه السلام إنما أمر أصحابه من أهل مكة بالإحرام من التنعيم، فإنما هي شاذة لم يعمل بها، أو هي مخصوصة بالمجاور بمكة، كما في الحدائق عن ابن مسكان عن إبراهيم بن ميمون قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان أصحابنا مجاورون بمكة و هم يسألوني لو قدمت عليهم كيف يصنعون؟ فقال قل لهم إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا الى التنعيم فليحرموا- الخبر (1).

(الأمر الرابع) ان الإحرام من المنزل لأهل مكة و من كان منزله دون الميقات ليس على نحو العزيمة و الوجوب بل على نحو التوسعة و الترخيص، فلو خرج مكي أو من كان منزله دون الميقات الى أحد المواقيت فأحرم منه يصح إحرامه، بل هو أفضل.


1- الوسائل ج 8 الباب 9 من أقسام الحج الحديث 4.

ص: 196

المحاذاة

اشارة

من حج على ميقات لزم الإحرام منه، و من حج على طريق لا يفضي و لا يمر بأحد المواقيت يحرم من محاذاة أقرب المواقيت التي تقع في طريقه.

قال المحقق في الشرائع: يحرم من أقرب المواقيت إلى مكة، و أطلق ابن إدريس و ابن سعيد محاذاة الميقات، و صرح في التصريح بأقرب المواقيت الى من يريد الإحرام، و اختاره الفاضل في المنتهى، و للمنتهى قول آخر و هو الإحرام من أبعد المواقيت.

و استجود صاحب المدارك ما اختاره صاحب الشرائع.

فعلى هذا المسألة ذات أقوال أربعة:

(الأول) الإحرام من محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة، و هو خيرة الشرائع.

(الثاني) محاذاة أبعد المواقيت إلى مكة، كما في المنتهى

ص: 197

في أحد قوليه.

(الثالث) محاذاة أقرب المواقيت الى من يريد الحج من ذلك الطريق.

(الرابع) جواز الإحرام من محاذاة أي ميقات من المواقيت و هو مقتضى إطلاق عبارة أبي حمزة و ابن سعيد.

و إذا عرفت ذلك فأقول: وجوب الإحرام من المحاذاة و جوازه قد يكون من جهة النصوص الواردة في المسألة، و أخرى من جهة مقتضى القواعد الفقهية.

أما الأولى فمقتضاها الإحرام من محاذاة أول ميقات يمر به في طريقه، سواء كان أقرب المواقيت الى من يريد الحج أو الى مكة أو أبعدها كذلك، لان المستفاد من الصحيح الوارد في المقام وجوب الإحرام متى تحققت المحاذاة.

عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه، فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء (1).

و في رواية أخرى رواها الصدوق عنه عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من أقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له ان يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة


1- الوسائل ج 8 الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 198

و البيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها (1).

الرواية من حيث السند صحيحة، عمل بها جمع من الأعاظم، بل ادعي عمل المشهور عليها. و أما من حيث الدلالة فبالنسبة إلى محاذاة مسجد الشجرة صريحة لا إجمال فيها، فإذا خرج أحد من المدينة و سار ستة أميال يكون محاذيا للمسجد، كما صرح به الامام عليه السلام في الرواية، و لا حاجة الى البحث في معنى المحاذاة هنا أو معنى الأقربية.

و أما محاذاة سائر المواقيت و جواز الإحرام منها فيمكن أن يقال:

ان رواية ابن سنان وردت في مورد خاص، و تسرية الحكم الى غيره يشبه القياس.

و أجاب عنه في المستند بالإجماع المركب، بمعنى أن الإجماع قائم على الملازمة بين جواز الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة و بين جوازه من محاذاة غيره، فإذا ثبت الحكم في أحد المتلازمين بصراحة الصحيحة يثبت في ملازم آخر ايضا، و هو جواز الإحرام من محاذاة سائر المواقيت.

و يمكن أن يجاب عنه بنحو آخر، و هو أن المناسبة بين الحكم و الموضوع يقتضي عدم دخالة شي ء من خصوصيات المورد في الحكم، عدي كونه محاذيا للميقات كما يشعر به قوله عليه السلام فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة، و واضح


1- الوسائل ج 8 الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 3.

ص: 199

ان الشجرة من حيث أنه ميقات يقتضي ذلك دون سائر الخصوصيات و لعل ما ذكرناه هو السر في كلام من افتى بجواز الإحرام من سائر المحاذاة أيضا.

و أما مقتضى القاعدة الموجودة في المسألة، فتارة يقال انه قد تحصل من النصوص الواردة و ثبت بها أن لكل من يريد الإحرام لدخول مكة وقتا خاصا يجب إحرامه منها، و أخرى انه لم يثبت من النصوص هذا الحكم على نحو العموم الشامل لكل من يريد الإحرام لدخول مكة.

فإن قلنا بالأول فيجب على من يسير في طريق لا يفضي الى ميقات، ان يذهب الى أحد المواقيت و أحرم منه، لان ذمته قد اشتغلت بوجوب الإحرام من المواقيت الخاصة، و الشغل اليقيني يقتضي البراءة كذلك، فإذا لم يحرم من أحد المواقيت و ان أحرم من المحاذاةحذاء الشجرة أو غيرهالا يحصل القطع بالبراءة و الفراغ من الذمة، لو لا الدليل الخاص على كفاية الإحرام من المحاذاة كما في محاذاة مسجد الشجرة.

و أما إذا قلنا بعدم ثبوت ميقات خاص لكل واحد من المحرمين بل قلنا ان المستفاد من الأدلة أن من مر في طريقه بأحد المواقيت الخمسة أو الستة يجب عليه ان لا يجاوزه الا محرما، فحينئذ لا يجب عليه العبور و المرور بأحد المواقيت، و لو شك في الوجوب فينفيه الأصل و البراءة.

ص: 200

نعم لا يجوز له الدخول في الحرم بغير إحرام، فيجب الإحرام لذلك. و حيث أن مقتضى النص الوارد في المسألة وجوب الإحرام عند تحقق المحاذاة فيحرم حذاء أول ميقات يمر بحذائه في طريقه، و أما ما اختاره المحقق في الشرائع من وجوب الإحرام بحذاء أقرب الميقات إلى مكة لا يمكن اقامة الدليل عليه.

ثم انه هل يعتبر العلم بالمحاذاة أو يكفي الظن به، صرح في الجواهر بالثاني، و استدل عليه بالأصل و الحرج و انسباق الذهن إلى إرادة الظن و كفايته في أمثال ذلك.

أما الحرج فيرد على الاستدلال به في المقام: أولا بعدم لزوم الحرج في تحصيل العلم بالمحاذاة، و ثانيا بأن دليل الحرج انما يرتفع به التكليف الذي يكون بنفسه حرجا على المكلف، و أما الحرج الاتي من الامتثال و القطع بالبراءة فلا يرفعه، إذ لا حرج في أصل التكليف لوجوب الإحرام من المحاذاة في حد نفسه، و انما الحرج في العلم بامتثال هذا التكليف، نظير الصلاة الى جوانب أربعة إذا اشتبهت عليه القبلة و جهل بها، فان الحرج في تلك المسألة لم يأت من جعل وجوب الصلاة و تشريعها على المكلف، بل هو أمر تعلق بوجوب صلاة واحدة إلى القبلة، و انما الحرج من ناحية الجهل بها.

و بالجملة المجعول شرعا صلاة واحدة إلى القبلة، لا الصلاة الى أربع جهات، و دليل الحرج انما يرفع و ينفي المجعول الحرجي

ص: 201

لا غيره. و ما نحن فيه أيضا كذلك، إذ لا حرج في وجوب الإحرام من المحاذاة حتى ينفى بدليل نفي الحرج.

و أما الاستدلال بالأصل، فالظاهر أنه لا مورد له في المقام، لثبوت التكليف بالإحرام من المحاذاة. نعم لو كان تحصيل العلم بالمحاذاة تكليفا شرعيا مستقلا مشكوكا قبال وجوب الإحرام من المحاذاة لأمكن إجراء البراءة منه عند الشك في وجوب تحصيل العلم، و يقال الأصل عدم وجوب تحصيل العلم به، و ان المتيقن من التكليف وجوب تحصيل الظن، و الزائد مشكوك فينفى بالأصل، و لكنه أول الكلام و إثباته مشكل.

و أما دعوى انسباق الذهن إلى كفاية الظن في أمثال المورد- و ان كان لا يبعد في مثل الموارد التي يكون باب العلم فيها مسدودا غالباالا أنه ليس بحيث يوجب الاطمئنان بحصول البراءة من التكليف الثابت القطعي.

نعم لو سأل أهل الخبرة عن ذلك و أخبروه بالمحاذاة لا يبعد كونه حجة مطلقا حتى فيما إذا لم يحصل منه العلم أو الظن، كما في رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يجزيك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس و الاعراب عن ذلك (1).

لوضوح أن الأخذ بقول أهل الخبرة و الاطلاع في مثل تلك الموارد كان معمولا بين الناس و عليه السيرة المستمرة، كما في


1- الوسائل ج 8 الباب 5 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 202

الأخذ بالأمارات و قول ذي اليد.

لكن الاحتياط مع هذا كله تحصيل العلم بالحذاء إن أمكن أو الأخذ بقولهم فيما إذا أفاد الظن و ان كان الظاهر من الرواية كفاية قولهم مطلقا.

ثم أنه لا فرق في كفاية الإحرام من حذاء أحد المواقيت بين كون السير على الأرض أو على طريق الجو أو البحر لشمول الأدلة للجميع و لا وجه لانصراف الأدلة إلى طريق الأرض، و ذكر طريق الأرض انما هو من باب المثال لا الخصوصية، فلو وصل في الجو الى موضع علم بحذائه لأحد المواقيت أو ظن ذلك بناء على كفايته يحرم منه، بل يكفي الإحرام فوق الميقات أيضا إذا علم به.

(تنبيه) [الظاهر أنه لا يتصور طريق إلى مكة لا يعبر بأحد المواقيت أو بمحاذاتها]

قال صاحب العروة قدس سره: الظاهر أنه لا يتصور طريق إلى مكة لا يعبر بأحد المواقيت أو بمحاذاتها، فان المواقيت محيطة بالحرم، فعلى هذا لا يتصور خط من الخطوط المتصلة إلى الحرم الا و هو اما محاذ لميقات من المواقيت أو نفسها و لا يكون خارجا عنها.

و قد أورد عليه الفقيه الفقيد البروجردي قدس سره في الحاشية على العروة بما لا يخلو من الاشكال، قال «قده»: ليس الأمر كما ذكره صاحب العروة من إحاطة المواقيت بالحرم، فان ذا الحليفة و الجحفة كليهما في شمال الحرم على خط واحد تقريبا، و قرن المنازل

ص: 203

في شرقه، و العقيق بين الشمال و المشرق، فيبقى يلملم وحده لثلاثة أرباع الدائرة المحيطة بالحرم، و بينهما و بين قرن المنازل أكثر من ثلاثة أثمان الدائرةانتهى.

و قد كتبنا في الحاشية على العروة مطابقا للخريطة الجغرافيائية الحديثة: ان يلملم يقع في جنوب مكة، و قرن المنازل في مشرقها و مسجد الشجرة في الشمال، و الجحفة في الشمال الغربي، و وادي العقيق في الشمال الشرقي، و لا يضر كون يلملم في ثلاثة أرباع الدائرة، فان ميقات تلك الناحية بأجمعها يلملم، فالمواقيت في شتى مواردها محيطة بالحرم، و ان كانت المسافة بينها مختلفة و الجهات متباينة، فما اختاره السيد في العروة من إحاطة المواقيت بالحرم من جميع الجوانب يكون صحيحا، و لا يرد الاشكال عليه.

و لو سلمنا اشكال سيدنا الفقيه البروجردي قدس سره من أن يلملم يبقى وحده لثلاثة أرباع الدائرة لا يضر بما ذكرناه لتحقق المحاذاة عرفا أيضا.

(في معنى المحاذاة)

ثم ان المحاذاة تتحقق بأن يصل المسافر في طريقه الى مكة إلى موضع يكون الميقات على يمينه أو شماله بالخط المستقيم، و لكن عبارة العروة في المسألة مضطربة أو محرفة غير وافية بالمقصود، و الظاهر تحقق المحاذاة بوقوع الميقات على يمين المسافر أو شماله،

ص: 204

و لا يعتبر كون المسافة بينه و بين مكة كما بين ذلك الميقات و بين مكة و على هذا ينزل ما عن ابن إدريس من أن ميقات أهل مصر و من صعد البحر جدة، بناء على أن الجدة محاذية لأحد المواقيت لا أنها ميقات بنفسها، و ان كان ذلك غير محرز لنا.

(فرع) لو أحرم في موضع ظن انه محاذ لأحد المواقيت و لم يتبين الخلاف، فلا إشكال في صحة إحرامه و حجه، و اما لو تبين بعد الإحرام انه كان قبل المحاذاة و لم يتجاوزها، أعاد الإحرام و ان جاوزها أو تبين كون الإحرام بعد المحاذاة يجب عليه العود إلى المحاذاة إن أمكن و تجديد الإحرام منها، و الا يجدد الإحرام من مكانه، إلا إذا علم أنه حين الإحرام بعد المحاذاة لم يكن متمكنا في نفس الأمر من العود إليها، فيكفي حينئذ الإحرام السابق بعد المحاذاة و ان كان تجديد الإحرام في هذا الفرض أيضا أولى.

ص: 205

ميقات العمرة المفردة

اشارة

و أما العمرة المفردة للقارن و المفرد إذا كانا في مكةسواء كانا مكيين أو مجاورين أو قادمين بمكةفميقاتها أدنى الحل بلا خلاف في ذلك، و يستحب أن يحرم بها من الجعرانة أو من الحديبية أو من التنعيم، للتصريح بها في الروايات.

و عن التذكرة ينبغي الإحرام من الجعرانة، فإن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم اعتمر منها، فمن فاتته فمن التنعيم، و قد أمر رسول اللّه «ص» عائشة بالإحرام منه، فمن فاته فمن الحديبية.

قال في الجواهر: استفادة الترتيب في الفضل من النصوص مشكل انتهى.

و أما النصوص فمنها ما عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: اعتمر رسول اللّه «ص» ثلاث عمر متفرقات: عمرة ذي القعدة أهل من عسفان و هي عمرة الحديبية، و عمرة أهل من الجحفة

ص: 206

و هي عمرة القضاء، و عمرة من الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين. و رواه الصدوق مرسلا، الا أنه قال: ثلاث عمر متفرقات كلهن في ذي القعدة (1).

هذا ما عثرت عليه في كتب الخاصة، و أما العامة فقد روى عن ابن عباس ان النبي «ص» اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبية، و عمرة القضاء من قابل، و الثالثة من الجعرانة، و الرابعة التي مع حجه (2).

و عن سماعة في حديث عن ابى عبد اللّه عليه السلام: من دخلها لعمرة في غير أشهر الحج ثم أراد ان يحرم فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها (3).

و عن جميل ابن دراج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية. قال: تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر، فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة (4)

(فخ)

و هو موضع معروف على فرسخ من مكة يجرد الصبيان منه.


1- الوسائل ج 10 الباب 2 من أبواب العمرة الحديث 2.
2- الوسائل ج 10 الباب 2 من أبواب العمرة الحديث 6.
3- الوسائل ج 8 الباب 8 من أقسام الحج الحديث 1.
4- الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 2.

ص: 207

لا إشكال في أصل المسألة حكما، و يدل عليه رواية أيوب أخي أديم قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام من أين تجرد الصبيان. قال: كان ابى يجردهم من فخ. و روى مثله علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام (1).

انما الكلام في أن تجريد الصبيان من فخ كناية عن إحرامهم منه، أو المراد أن الصبيان بعد ما أحرموا كغيرهم من المواقيت يجوز لهم لبس المخيط حال إحرامهم، الى أن يصلوا الى فخ فيجردوا منها؟ قولان، ذهب الى كل منهما جماعة.

و المهم في المقام نقل الأخبار الواردة في المسألة و التأمل في مقتضاها، و هي على طوائف ثلاث:

(منها) ما أمر فيها بتجريد الصبيان من فخ، كصحيحة علي بن جعفر و أيوب.

و(منها) ما تدل على إحرامهم من مكان أبعد من فخ، كبطن مرو و الجحفة، كرواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

أنظروا من كان معكم من الصبيان فقدموا إلى الجحفة أو الى بطن مرو و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه (2).

و(منها) ما تدل على وجوب إحرامهم من العرج، روى يونس


1- الوسائل ج 8 الباب 18 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 3.

ص: 208

ابن يعقوب عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ان معي صبية صغارا و أنا أخاف عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال:

ائت بهم العرج فليحرموا منها، فإنك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة. ثم قال: فان خفت عليهم فأت بهم الجحفة (1).

قال في المدارك: المراد من التجريد هو الإحرام بهم من فخ كما صرح به المصنف في المعتبر و العلامة في جملة من كتبه، بل ربما نسب إلى الأكثر، و عن الرياض يظهر من آخر عدم الخلاف فيه، و قد نص الشيخ قدس سره و غيره كما في المدارك. على ان الأفضل الإحرام بالصبيان من الميقات، لكن رخص في تأخير الإحرام بهم حتى يصيروا الى فخ، و جواز التأخير إلى فخ ليس على نحو العزيمة، بل هو رخصة لهم، هذا هو القول الأول.

و القول الثاني أن إحرام الصبيان من الميقات كغيرهم من المكلفين، الا أنه رخص لهم لبس المخيط الى فخ فيجردون منه كما عن السرائر و المقداد و الكركي و قواه في الجواهر.

و استدلوا بعموم نص المواقيت و النهي عن تأخير الإحرام عنها و هو يشمل الصبي، سواء قلنا بأن عبادته شرعية أو تمرينية، فميقاته مثل ميقات المكلفين، الا أنه رخص له في لبس المخيط الى أن يتمكن من التجريد، و هو يختلف بحسب اختلاف الأزمنة و الأمكنة.

و لعل القول الثاني هو الأقوى، لما يوجد في الروايات من


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 7.

ص: 209

التلويح و الإشارة الى أن الشارع لم يجعل حج الصبيان خارجا عن حكم حج سائر المكلفين من جهة الميقات و غيره، فيشملهم ما يشمل الكبير من العمومات الدالة على وجوب الإحرام من المواقيت التي وقتها رسول اللّه «ص» و عدم جوازه قبلها، و غيرها من الأحكام الا في لبس المخيط و تجريدهم من فخ، لخوف الضعف و العسر على الصبيان.

و أشكل صاحب المدارك بأن شمول العام و تناوله غير البالغين المكلفين ممنوع، مضافا الى ظهور التجريد فيما اخترناه من الإحرام بهم من فخ انتهى.

و فيه: ان العمومات التي تدل على عدم جواز المرور و العبور من الميقات إلا بالإحرام لا قيد فيها و لا خصوصية بالنسبة الى من يمر بها، من ذكر و أنثى و صغير و كبير و قريب و غريب، بل انما هي في مقام بيان أصل الحكم، و ان للحرم و الكعبة حرمة خاصة يجب رعايتها من المسافة المعينة من جوانبها، و لا يجاوز تلك الأمكنة أحد إلا محرما مؤديا لحق الحرم و مكة و المسجد و الكعبة. و هذا حكم عام شامل لكل صغير و كبير، يشمل الصغار و غير البالغين كما يشمل الكبار و البالغين، كما يستفاد من بعض النصوص أن من تمام الحج الإحرام من المواقيت. فعلى هذا يبقى العموم بحاله و لا يرد عليه التخصيص أصلا.

و أما جواز تأخير التجريد الى فخ، انما هو لضعف الصبيان

ص: 210

و عدم تحملهم المشاق، فيكون مخصصا لأدلة حرمة لبس المخيط فقط.

و أما النصوص التي يمكن استفادة العموم منها بالنسبة إلى الصبيان:

(فمنها) ما تقدم كرواية علي بن جعفر و ابن حر و معاوية بن عمار و يونس بن يعقوب.

و(منها) ما عن عبد الرحمن بن حجاج عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قلت له: ان معنا صبيا مولودا فكيف نصنع به؟ فقال: مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها. فأتتها و سألتها كيف تصنع فقالت: إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و جردوه و غسلوه كما يجرد المحرم وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه، ثم زوروا به البيت، و مري الجارية أن تطوف به بالبيت و بين الصفا و المروة (1).

و رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: أنظروا من كان معكم من الصبيان فقدموهم إلى الجحفة أو الى بطن مرو، يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه (2).

و الظاهر أن تخصيص أدلة حرمة لبس المخيط على المحرم،


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 3.

ص: 211

أولى من تخصيص أدلة وجوب الإحرام من الميقات على من يمر به، لإباء بعضها عن التخصيص.

و بتقريب أوضح: ان الرواية ظاهرة في جواز تأخير الإحرام إلى فخ و صريحة في جواز لبس المخيط و تأخير التجريد إليه، فالأمر يدور بين القول بجواز تأخير الإحرام إلى فخ، و القول بجواز لبس المخيط اليه مع إنشاء الإحرام من الميقات، و الثاني هو المتيقن، و الأول محتمل، و ليس ظهوره بحيث يكافؤ عمومات وجوب الإحرام من الميقات.

ثم ان ترخيص تجريد الصبيان الى فخ انما هو بلحاظ ضعف الصبيان و رعاية حالهم، و الا فيجوز الإحرام من الميقات كما عليه صريح بعض الأعاظم، فالأحوط إحرامهم من الميقات و تجريدهم في فخ مع الحاجة.

ص: 212

في أحكام المواقيت

اشارة

قال المحقق في الشرائع: و فيها مسائل:

(الاولى) انه لا يصح الإحرام قبل الميقات الا لناذر، أما عدم صحة الإحرام قبل الميقات لغير الناذر فلا خلاف فيه بين الأصحاب، بل ادعي الإجماع عليه بقسميه.

و تدل عليه أيضا أخبار مستفيضة كثيرة، و في المدارك استفاضت الاخبار على عدم صحة الإحرام قبلها، و المحكي عن المنتهى أن بطلان الإحرام قبل الميقات قول علمائنا أجمع، و في الجواهر لا خلاف بيننا بل الإجماع عليه بقسميه، فما عن العامة من جواز ذلك فواضح البطلان، فعن الشافعي و الحنفي ان الإحرام من الميقات انما هو من باب الترخيص، بمعنى أن الشارع لم يوجب الإحرام بالحج و العمرة قبل تلك المواقيت و من المنزل بل رخص تأخيره إلى المواقيت، و نقل عن بعض أن هذا قول ابن الخطاب أيضا.

ص: 213

و لكن الأخبار المروية عن الأئمة عليهم السلام من طرق أصحابنا تدل على أن الإحرام قبل الميقات بدعة و تشريع الا لناذر كما يأتي.

(منها) ما رواه الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللّه «ص»، و لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها. و ذكر المواقيت ثم قال: و لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّه «ص» (1).

و عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلام في حديث: و ليس لأحد ان يحرم دون المواقيت التي وقتها رسول اللّه «ص»، فإنما مثل ذلك مثل من صلى في السفر أربعا و ترك الثنتين (2).

و عن ميسر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل أحرم من العقيق و آخر من الكوفة أيهما أفضل؟ فقال: يا ميسر، أ تصلي العصر أربعا أفضل أم تصليها ستا. فقلت: أصليها أربعا أفضل. قال «ع»:

فكذلك سنة رسول اللّه «ص» أفضل من غيرها (3).

و عنه أيضا قال: دخلت على ابى عبد اللّه عليه السلام و أنا متغير اللون فقال لي: من أين أحرمت؟ قلت: من موضع كذا و كذا.

فقال: رب طالب خير تزل قدمه. ثم قال: يسرك ان صليت الظهر أربعا في السفر. قلت: لا. قال: فهو و اللّه ذاك (4).


1- الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 3.
3- الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 6.
4- الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 5.

ص: 214

و في رواية حنان بن سدير قال: كنت أنا و أبى و أبو حمزة الثمالي و عبد الرحيم القصير و زياد الأحلام حجاجا، فدخلنا على ابى جعفر عليه السلام فرأى زيادا فقد تسلخ جسده فقال له: من أين أحرمت؟ قال: من الكوفة. قال: و لم أحرمت من الكوفة. فقال:

بلغني عن بعضكم أنه قال: ما بعد من الإحرام فهو أفضل و أعظم للأجر. فقال: و ما بلغك هذا الا كذاب الخبر (1).

و غيرها من الاخبار الصريحة في أن الإحرام قبل الميقات باطل و ان من أحرم قبلها كمن صلى الظهر ست ركعات.

ثم انه قد استثني من هذا الحكم(عدم جواز الإحرام قبل الميقات) موردان: الأول من نذر أن يحرم قبل الميقات، و الثاني الإحرام لدرك عمرة شهر رجب قبلها.

أما المورد الأول فلا بد من البحث فيه من جهتين: الاولى في الدليل الدال على ذلك، و الثانية من جهة الأدلة الدالة على أنه يعتبر في متعلق النذر أن يكون راجحا حتى ينعقد النذر.

(اما الجهة الأولى) فقد روى الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة.

قال: فليحرم من الكوفة و ليف للّه بما قال (2).

و عن علي بن أبي حمزة قال: كتبت الى ابى عبد اللّه عليه السلام


1- الوسائل ج 8 الباب 9 من أبواب المواقيت الحديث 7.
2- الوسائل ج 8 الباب 13 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 215

أسأله عن رجل جعل للّه أن يحرم من الكوفة. قال: يحرم من الكوفة (1).

و عن ابي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول:

لو أن عبدا أنعم اللّه عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم (2).

و ظاهر تلك الاخبار أن النذر إذا تعلق بالإحرام قبل الميقات ينعقد و يجب الوفاء به، حتى إذا كان من بلاد بعيدة كخراسان، المشهد الذي دفن فيه الامام علي الرضا عليه السلام(أو بلدة من نواحي بغداد) و على كل حال إذا نذر الإحرام قبل الميقات كما لو نذر أن يحرم من خراسان أو المدينةقبل الوصول الى مسجد الشجرة يجب الوفاء بالنذر، كما هو مدلول الروايات التي لا اشكال فيها من جهة الدلالة و الصراحة.

و أما السند فقد قال في الجواهر: المناقشة في السند لو سلمت في الجميع، مدفوعة بالشهرة، و في الدلالة باحتمال ارادة الذهاب الى أحد المواقيت ليحرم منه كما ترى. و لا ينافي الظهور الذي هو المدار في الأحكام، خصوصا مع عدم المعارض سوى قاعدة اعتبار مشروعية متعلق النذر و رجحانه في نفسه، التي يجب الخروج عنها بما عرفت، خصوصا مع وجود النظير له في الفقه كما في نذر


1- الوسائل ج 8 الباب 13 من أبواب المواقيت الحديث 2.
2- الوسائل ج 8 الباب 13 من أبواب المواقيت الحديث 3.

ص: 216

الصوم في السفر.

و قد يدعى الوهن في رواية الحلبي التي عليها الاعتماد في المسألة و في رواية البطائني، أما في رواية البطائني بأنها قد نقلت تارة بنحو المكاتبة مع الامام الصادق عليه السلام و أخرى على نحو المشافهة مع ابى الحسن الامام موسى بن جعفر عليه السلام كما في الوافي الباب(41) في أخبار الإحرام قبل الميقات عن التهذيب عن الحلبي، و في أبواب النذر و الايمان من التهذيب.

و أما الوهن المدعى في رواية الحلبي فخلاصة ما أفاده الأستاد في ذلك: ان صاحب المنتقى قد أورد على الرواية بما حاصله:

ان كلمة المتعرضين لتصحيح الاخبار اتفقت على صحة هذا الخبر، أو لهم العلامة في المنتهى، و لا شك عند الممارس أنه غير صحيح فان حمادا المذكور في سند الرواية ان كان ابن عثمان فلم يثبت رواية الحسين بن سعيد عنه بغير واسطة، و ان كان حماد بن عيسى فروايته عن الحلبي غير معهودة في الروايات انتهى.

و فيه: ان حماد بن عثمان يروي عنه الحسين بن سعيد كثيرا ما كما في جامع الرواة و التهذيب، و أما حماد بن عيسى فهو أيضا يروي عن الحلبي كثيرا ما كما قاله المجلسي، فيثبت أنه لا يحتمل في الرواية سهو و لا نسيان، فالرواية صحيحة من جهة السند و عمل بها جمع من العلماء (1).


1- يقول المقرر: ان دليل صحة النذر قبل الميقات لا ينحصر برواية الحلبي حتى يورد عليه بما نقل من صاحب المنتقى و يجاب عنه بما ذكره الأستاذ مد ظله من تحقيقاته، بل هذا المضمون نقل من طرق عديدة لا تنتهي إلى الحلبي كما في كتاب ترتيب التهذيب المطبوع جديدا. مضافا الى ما يمكن أن يقال: لا يبعد دعوى أن الإحرام و التلبس بلباس الخضوع و الخشوع لزيارة بيت اللّه، و التعري عن لباس أهل الدنيا، و الخروج عن زي الجبابرة و الفراعنة و عامة الناس انما هو أمر راجح في حد نفسه يعده العرف نوعا من الأدب و الحرمة، و لكن الشرع رخص للناس ترك هذا الإحرام قبل الميقات هدية منه إليهم و أوجبه من الميقات، الا من جعل للّه على نفسه أن يحرم قبل الميقات شكرا له تعالى. فعلى هذا لا يرد تخصيص على قاعدة اعتبار الرجحان في متعلق النذر، و لا يرد إشكال أصلا. هذا ما يمكن أن يقال في جواب اشكال ابن إدريس و غيره. نعم لو أحرم قبل الميقات مع العلم بأن الشارع لا يريد ذلك منه تسهيلا للمكلفين و رحمة بهم يكون محرما و بدعة، كما لو صلى أربعا في السفر مع العلم بأن الشارع وضع عنهم الركعتين هدية منه إليهم، تكون باطلا وردا للهدية فكذلك في الإحرام قبل الميقات.

ص: 217

(و أما الجهة الثانية) و هي أنه يعتبر في متعلق النذر أن يكون راجحا في حد نفسه، و الإحرام قبل الميقات ليس كذلك. بل هو كما في الروايات نظير من صلى الظهر ست ركعات. هذا ما يمكن ان يقال في الاشكال.

لكنه بعد دلالة الروايات على صحة النذر المتعلق بالإحرام قبل الميقات، و وجوب الوفاء به و لو كان من مسافة بعيدة، يكشف به رجحانه الذاتي، و مطلوبيته في نفسه، و يستفاد أيضا ان اللّه رخص

ص: 218

لغير الناذر ترك الإحرام قبل الميقات، هدية منه تعالى لعباده، و يجب أن يؤخذ برخصه كما يجب أن يؤخذ بعزائمه، كما في نذر الصوم في السفر. فعلى هذا لا داعي للالتزام بالخروج عن قاعدة اعتبار رجحان متعلق النذر بالنصوص الخاصة الواردة في المقام.

هذا إذا كان النذر للحج و عمرة التمتع له و وقع الحج في أشهره و أما إذا بعدت المسافة بحيث لا يمكن من إتمام النسك لو أحرم في أشهر الحج فلا ينعقد النذر بالنسبة الى هذه السنة، فان صحة وقوع الإحرام قبل الوقت المكاني لا يقتضي صحته قبل الوقت الزماني.

و أما العمرة المفردة، فيصح النذر للإحرام بها قبل الميقات في كل وقت و يشمله الأدلة.

((فرع)) فهل العهد و اليمين كالنذر إذا تعلقا بالإحرام قبل الميقات فيجب الوفاء به، أو يختص ذلك بالنذر فقط و لا يتعدى منه الى غيره. وجهان لا يبعد دعوى شمول قوله «جعل للّه عليه شكرا» لمن حلف للّه أو تعاهد له الإحرام قبل الميقات شكرا على نعمة أو دفع بلية، كما استظهره بعض، و لكن الحكم لما كان مخالفا للقاعدة فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن من مفاد الأدلة، و هو النذر.

فعلى هذا إلحاق العهد و اليمين بالنذر مشكل، مضافا الى أن معقد فتاوى العلماء هو النذر، لكن الأحوط إذا حلف على الإحرام قبل الميقات أو تعاهد عليه، الإحرام من المكان المعهود فيه أو المقسم

ص: 219

فيه، رجاء ثم تجديد الإحرام من ميقات أهله، و أحوط منه ترك العهد و الحلف على ذلك.

(المورد الثاني) عمرة شهر رجب، فقد صرح جماعة بأن الإحرام قبل الميقات لدرك عمرة شهر رجب إذا خشي فوتها لو لم يحرم قبلها، فيجوز له الإحرام قبل الوقت و يحسب له عمرة رجب و ان وقع بقية النسك في شهر شعبان، أو وصل الى الميقات بعد انقضاء شهر رجب، و يكفي ذلك في درك فضيلة عمرة رجب، نظير من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت.

و ادعي عدم الخلاف فيه، و عن المعتبر عليه اتفاق علمائنا، و عن المسالك موضع نص و وفاق، و يدل عليه رواية معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول اللّه «ص» الا أن يخاف فوت الشهر في العمرة (1).

و هي تدل على أن الإحرام قبل الميقات جائز ان خاف فوت العمرة في شهر، و لا وجه لاختصاصه بشهر رجب، بل هو مطلق بالنسبة الى كل شهر يخاف فوت عمرته إذا لم يحرم قبل الميقات، و لا دليل للقول بأن الألف و اللام للعهد، لعدم ذكر «الرجب» في الرواية قبله أو بعده، و لكن الأصحاب لم يعملوا بهذا الإطلاق و لم يفتوا على طبقه، فعلى هذا يشكل الفتوى به في غير شهر رجب.


1- الوسائل ج 8 الباب 12 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 220

و رواية إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال هلال شعبان قبل أن يبلغ العقيق، فيحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أم يؤخر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان؟ قال: يحرم لرجب قبل الوقت، فان لرجب فضلا و هو الذي نوى (1).

و ظاهرها أن المحرم ان نوى الأفضل إذا خاف فوته و أحرم قبل الميقات يحسب ذلك له و يكتب أفضلهما، و هذا الأمر لا يختص بعمرة رجب بل كل عمرة تكون له فضيلة على غيره فهي أيضا كذلك الا أن الفتوى استقر على عمرة رجب، و الاحتياط في المقام أيضا يقتضي ذلك.

و من أحكام المواقيت انه لا يجوز تأخير الإحرام من الميقات

عمدا و اختيارا، إجماعا بقسميه، كما في الجواهر و نصا.

و أما التأخير لمانع و عذر من مرض و غيره، فعن الشيخ قدس سره جوازه، قال في النهاية: من عرض له مانع جاز له أن يؤخر الإحرام عن الميقات، فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى اليه و زال عذره فيه.

فهل مراد الشيخ ترك الإحرام حتى النية و التلبية، أو المراد ترك التعري و كشف الرأس و لبس الثوبين لا النية و التلبية، فان المرض لا يمنع عنهما.


1- الوسائل ج 8 الباب 12 من أبواب المواقيت الحديث 2.

ص: 221

و في السرائر بعد نقل قول الشيخ «جاز له أن يؤخر» قال:

مقصوده ترك كيفية الإحرام الظاهرة، و هو التعري و كشف الرأس و الارتداء و الاتزار و التوشح، و أما النية و التلبية فلا يجوز له ترك ذلك لعدم المانع عنها و لا ضرورة و لا تقية فيها. و عن الحدائق مثل ذلك. و اختاره العلامة في جملة من كتبه التحرير و المختلف و المنتهى، و أما المحقق في الشرائع فظاهر كلامه تأخير الإحرام حتى النية و التلبية لتقية أو مرض، و لكن نقل عنه في المعتبر ما يوافق أول كلامه ما اختاره ابن إدريس و يخالفه آخره، قال في المدارك بعد نقل كلام الشيخ و الحلي: و فصل المصنف في المعتبر تفصيلا حسنا فقال: من منعه مانع عند الميقات فان كان عقله ثابتا عقد الإحرام بقلبه، و لو زال عنه عقله بإغماء و شبهه سقط عنه الحج، و لو أخر و زال المانع عاد الى الميقات ان يمكن، و الا أحرم من موضعه.

و المنقول من المعتبر كما ترى يوافق أوله كلام ابن إدريس و يخالفه آخره.

و استدل لمختار الشيخ بعدة من الاخبار:

فمنها ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن صفوان ابن يحيى عن ابى الحسن الرضا عليه السلام قال: كتبت اليه أن بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق، و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل، و عليهم في ذلك مؤنة شديدة و يعجلهم أصحابهم و جمالهم، و من وراء بطن عقيق بخمسة عشر ميلا منزل فيه ماء،

ص: 222

و هو منزلهم الذي ينزلون فيه، فترى أن يحرموا من موضع الماء لرفقه بهم و خفته عليهم. فكتب عليه السلام: ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وقت المواقيت لأهلها، و من أتى عليها من غير أهلها و فيها رحمة لمن كانت به علة، فلا تجاوز الميقات الا من علة (1).

و عن شعيب المحاملي عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا خاف الرجل على نفسه أخر الإحرام إلى الحرم (2).

و قد عمل بهما عدة من الأصحاب وفاقا للشيخ «قده» و قالوا:

إذا زال المانع يحرم، و يجوز التأخير إلى الحرم إذا خاف على نفسه كما في الخبر الثاني.

و أما ابن إدريس فقد خالف الشيخ و لم يعمل بالروايتين بناء على مذهبه من عدم حجية الخبر الواحد.

و استدل صاحب الجواهر لما اختاره ابن إدريس بقاعدة الميسور و خبر الحميري الاتي في التقية.

و لقائل أن يقول: ان مقتضى القاعدة أن الإحرام عبارة عن أمور متعددة من النية و التلبية و لبس الثوبين، و له شرائط و أجزاء و أحكام يجب على كل من مر بالميقات أن يحرم و يلتزم بالأحكام المقررة له، فإذا تعذر جزء أو شرط مما يعتبر في الإحرام يرتفع هذا الجزء و الشرط، و لا دليل على ارتفاع شرطية غيره أو جزئيته،


1- الوسائل ج 8 الباب 15 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 16 من أبواب المواقيت الحديث 3.

ص: 223

بل يبقى على حاله، و التقية و المرض لا يمنعان عن النية و التلبية، فما اختاره ابن إدريس موافق للقاعدة و مطابق لرواية الحميري.

و أما خبر الحميري ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد ابن عبد اللّه بن جعفر الحميري أنه كتب الى صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متصلا بهم يحج و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق، فيحرم معهم لما يخاف الشهرة، أم لا يجوز الا أن يحرم من المسلخ؟ فكتب «ع» إليه في الجواب: يحرم من ميقاته، ثم يلبس الثياب و يلبي في نفسه، فإذا بلغ الى ميقاتهم أظهره (1).

و الاشكال بأن مورد المكاتبة التقية و إلحاق المرض و الخوف بها قياس ممنوع في الشرع. غير وارد، فان مضمون المكاتبة موافق لقاعدة الميسور، و كأنه إمضاء لها، لا يختص بالتقية حتى يشكل في المرض و الخوف بأن إلحاقهما بها في الحكم قياس، فلا اشكال من تلك الجهة. مضافا الى إطلاق الخوف في رواية شعيب المتقدمة الشامل للتقية و غيرها.

نعم ما يمكن أن يقال في المكاتبة: ان الاستدلال بها في التقية فقط المتحققة في إظهار الإحرام، إذ المورد ان الامام عليه السلام فرض السائل ممن يتمكن من النية و التلبية في نفسه و لكنه لا يظهر


1- الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 10.

ص: 224

التلبية إلا في المسلخ.

و الحاصل ان التقية التي هي موجبة لتأخير الإحرام من الميقات لم تكن في نفس عقد الإحرام حتى النية و التلبية عند نفسه خفاء، بل كانت في إظهار التلبية و الجهر بها و التجريد و التعري من المخيط فلا تكون مجوزة لتأخير النية و التلبية إلا إذا تحققت فيهما أيضا، و هو فرض نادر.

فعلى هذا لا تكون المكاتبة ردا على الشيخ و معارضا لروايتي صفوان و المحاملي، مع فتوى الأصحاب على مضمونهما و دلالتهما على جواز تأخير أصل الإحرام من الميقات إذا منع منه خوف أو مرض الى أن يزول المانع عنه. نعم لو فرضنا أن الخوف و المرض لا يتحققان في أصل الإحرام من عقد القلب و التلبية عند نفسه بل في إظهار التلبية و التعري، ينوي الإحرام و يؤخر الجهر بالتلبية و التجريد عن المخيط.

و أما قاعدة الميسور فهي مخصوصة بما إذا تمكن من أصل الإحرام و لم يتمكن من بعض الاجزاء و الشرائط، و أما إذا كان أصل الإحرام ممنوعا و غير ميسور فلا تجري فيه القاعدة.

و بعبارة أخرى: ان في المقام فرعين: فرع تعرض له الشيخ و هو ما إذا عرض له مانع عن أصل الإحرام، و فرع تعرض له ابن إدريس، و هو ما إذا عرض له مانع عن إظهار الإحرام و التعري و التجريد.

ص: 225

اما الفرع الأول فيجوز تأخير الإحرام من الميقات كما اختاره الشيخ، و دليله رواية صفوان و مرسلة المحاملي المتقدمان. و أما الفرع الثاني فلا يجوز فيه ترك النية و التلبية، بل ينوي الإحرام و يلبى، و لكن يؤخر إظهار التلبية و التجريد الى زوال المانع، كما اختاره ابن إدريس. فعلى هذا لا يبقى لابن إدريس اعتراض على ما ذكره الشيخ، لاختلاف الموردين في كلامهما.

في حكم الإغماء و المغمى عليه

(فرع) لو كان ترك الإحرام من الميقات لإغماء و نحوه مما لا يمكن معه من النية و التلبية، فقد ورد أنه يحرم عنه رجل و يلبى عنه.

عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الوقت. فقال عليه السلام:

يحرم عنه رجل (1).

و تفصيل المقام: ان الإغماء قد يكون من الميقات و يستمر الى بعد الأضحى، و قد يحصل في برهة من الزمان عند العبور من الميقات ثم يفيق بعد ذلك قبل الإتيان بأعمال الحج و انقضاء الوقت.

أما الأول فيكشف أنه لم يكن مكلفا بالحج و لا بأمر واجب أصلا، سواء أحرم عنه رجل آخر أم لا، أو لم يحرم عنه، حتى أنه لو أحرم عنه آخر لا يجزي عنه، لأن النيابة عن الحي تحتاج الى


1- الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 4.

ص: 226

الاذن، و التبرع عن الميت انما خرج بالدليل، كما أن إحرام الصبي لدليل خاص، و لا يستفاد من مرسلة جميل الا مشروعية ذلك الإحرام و أما الاجزاء و النيابة فلا، فان قوله «يحرم عنه»، أما يراد منه الإحرام عن المغمى عليه بالنيابة عنه في النية و التلبية، أو الإحرام به بمباشرته، لأمر الإمام بذلك من باب الولاية كما في إحرام الصبي.

و على كل حال لا يدل الا على مشروعية ذلك الإحرام، و اما إجزاؤه عن حجه الواجب عليه فلا يستفاد منه، مضافا الى أنه من الممكن أن يكون الأمر بالإحرام به أو الإحرام عنه من جهة الاحتياط في أمره، و لاحتمال إفاقته قبل الأعمال فيحرم به أو عنه، لكي يأتي بالأعمال مباشرة إذا أفاق، فان لم يفق حتى انقضى الوقت وفاته الحج يكشف عن عدم كونه مكلفا به و مأمورا بذلك. فعلى هذا لا يبقى مجال للقول بالاحتياط و الجمع بين الحج في هذه السنة بإحرام الغير عنه، و الإتيان بالمناسك و بين حج نفسه في القابل إذا برء و أفاق.

هذا إذا لم يفق قبل مضي الوقت، و أما لو أفاق قبل فوت الوقوفين فان تمكن من الرجوع الى الميقات فيجب عليه العود اليه و الإحرام منه، و الا فيحرم من موضعه و يتم حجه.

و لو أحرم به رجل أو أحرم عنه ثم أفاق و لم يكن عليه حج واجب فهل يجب عليه إتمام الحج و إتمام المناسك كلها للدخول في الحج و الشروع فيه، مندوبا كان أو غيره، أم لا يجب عليه ذلك؟ الظاهر

ص: 227

عدمه لعدم الدليل على وجوب الإتمام على من شرع فيه، و لكن الاحتياط بالإتمام حسن، بل وجوبه لا يخلو عن وجه، لأن مرسلة جميل تدل على مشروعية الإحرام، بمعنى أنه بعد الإفاقة يكون محرما بتنزيل إحرام الغير منزلة إحرامه، و شروعه بمنزلة شروعه، فيشمله دليل وجوب إتمام ما شرع.

و الانصراف في وجوب الإتمام الى ما شرع بنفسه لا ينافي تنزيل إحرام غيره بمنزلة إحرامه حتى في وجوب الإتمام عليه.

نعم لو تمكن من الرجوع الى الميقات و الإحرام منه يجب عليه الرجوع.

(فرع) لو جاوز الميقات بلا إحرام و لم يكن يريد النسك

- كالحطاب و غيره ممن لا يجب عليهم الإحرام لدخول الحرم ثم أراد النسك فحكمه حكم الناسي، فإن أمكن له الرجوع الى الميقات يرجع و الا فيحرم من موضعه، و ليس كالعامد للترك لعدم وجوب الإحرام عليه. و قيل انه لا خلاف في مساواته للناسي، بل هو أعذر من الناسي و أنسب بالتخفيف.

و نقل عن بعض العامة أنه يحرم من موضعه مطلقا أمكن الرجوع أم لا. لكنه واضح الضعف، لوجوب العود عليه مع التمكن منه و شمول إطلاق ما دل على اعتبار الإحرام من الميقات في صحة المأمور به له أيضا.

(مسألة) إذا زال المانع عن الإحرام من الميقات

فهل يجب

ص: 228

الإحرام من محل زوال العذر أو يجب الرجوع الى الميقات؟ وجهان.

قال المحقق في الشرائع: إذا زال المانع عاد الى الميقات، فان تعذر جدد الإحرام حيث زال، و لو دخل مكة خرج الى الميقات و لو تعذر أحرم من مكة.

و عن المدارك أما وجوب العود الى الميقات مع المكنة، فلا ريب فيه، لتوقف الواجب عليه، و أما الاكتفاء بتجديد الإحرام من محل زوال العذر مع تعذر العود الى الميقات، فلان تأخيره لم يكن محرما، فكان كالناسي، و هو كما سيأتي يحرم من موضع الذكر.

و قال صاحب الجواهر: بل ذكر ذلك غير واحد أيضا مرسلين له إرسال المسلمات.

قال الأستاذ مد ظله: ان كلام الأصحاب قدس سرهم موجه إذا لم نعمل بالروايتين المتقدمتين و لم نعتمد عليهما في حكم المسألة، و الا فكلامهم رضوان اللّه عليهم لا يكون صحيحا لدلالة الروايتين على جواز تأخير الإحرام إلى زوال المانع و لا دليل على وجوب العود الى الميقات، و كذا بناء على ما اختاره ابن إدريس في توجيه كلام الشيخ، و ذلك لما عرفت و تقدم أن المراد من تأخير الإحرام عند الخوف و التقية، و هو ترك التعري و تأخير التجريد عن المخيط لا تأخير النية و التلبية، فان المرض و الخوف و التقية لا يمنع عن عقد القلب و التلبية سرا، فلا حاجة الى العود الى الميقات

ص: 229

و الإحرام منها، بل يظهر صورة الإحرام من موضع زوال العذر، و ليس مقتضى المكاتبة و قاعدة الميسور الا ذلك، أي تأخير صورة الإحرام و التعري و التجريد في الميقات لا العبور منها بدون الإحرام نعم الاحتياط أن يرجع الى الميقات إذا زال المانع ان أمكن، و تجديد الإحرام منه رجاء، و الا فمن موضعه.

و أما قياس المقام بالناسي في جواز الإحرام من محل الذكر، فهو قياس مع الفارق لوجود النص في الناسي دون ما نحن فيه.

هذا حكم المعذور في تأخير الإحرام، و أما الناسي فسيأتي حكمه.

(مسألة): لو نسي الإحرام من الميقات و ذكر بعد ذلك

، يجب عليه الرجوع الى الميقات و الإحرام منه ان أمكن ذلك، و لم ينقل خلاف من أحد، و ان لا يتمكن من العود يحرم من محله.

هذا لا اشكال فيه و لا خلاف، و انما الكلام في أنه إذا لم يتمكن من العود الى الميقات و لكن يتمكن من الرجوع الى مسافة محدودة فهل يجب العود بقدر ما أمكن أو لا يجب؟ فيه وجهان، بل قولان و ذلك لاختلاف فقه الحديث و الفهم من الاخبار، فالمهم نقلها أولا و التأمل التام فيها ثانيا.

عن حماد عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم. قال: قال ابى يخرج الى ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، فان

ص: 230

استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم (1).

و عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى اتى مكة، فخاف ان رجع الى الوقت ان يفوته الحج. فقال: يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك (2).

و عن ابي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه السلام عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال: يخرج من الحرم ثم يهل بالحج (3).

و عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال عليه السلام: ان كان عليها مهلة فترجع الى الوقت فلتحرم منه و ان لم يكن عليها وقت و مهلة فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها (4).

و الرواية و ان وردت في الطمث الا أنه يعلم من مناسبة الحكم و الموضوع أن المناط في وجوب الرجوع الى الميقات أو الخروج


1- الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 2.
3- الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 3.
4- الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 4.

ص: 231

من الحرم بقدر ما لا يفوت الحج ثم الإحرام منه هو الجهل بالحكم أو نسيانه للإحرام من الميقات، و لا خصوصية في الطمث بل الملاك ترك الإحرام لعذر من جهل و نسيان.

و غيرها من الروايات الدالة على وجوب العود الى الميقات ان تمكن منه أو الخروج من الحرم و الإحرام منه.

و أما وجوب الرجوع بقدر ما يتمكن من العود و ان لم يصل الى الميقات، فان استظهرناه من الروايات فهو و الا فإثباته بقاعدة الميسور مشكل.

و قد يستدل لعدم وجوب الرجوع بقدر ما أمكن بالأصل و ظاهر بعض الروايات كما عن المدارك، حيث اقتصر بالإحرام في محل زوال العذر، كما أنه قد يستشهد لوجوب الرجوع بقدر ما أمكن برواية معاوية بن عمار المتقدمة، فإن الظاهر منها كما تقدم عدم الخصوصية للطمث و الجهل و النسيان في ترك الإحرام من الميقات و وجوب الرجوع الى الميقات عند ارتفاع العذر إذا تمكن منه، و الا فيرجع بقدر ما يقدر عليه. و مع عدم التمكن من الرجوع يحرم في محله، فلا بد من الجمع بينهما و بين ما تدل على وجوب الإحرام خارج الحرم ان لم يقدر على الرجوع الى الميقات، بحمل الطائفة الثانية على ما لا يقدر على الرجوع مطلقا، و حمل رواية معاوية بن عمار على من يقدر عليه، أو حملها على الاستحباب. و الأول أولى من الثاني، فلا يترك الرجوع بقدر ما يقدر عليه في جميع فروض

ص: 232

المسألة.

(مسألة): لو ترك الإحرام و أخره من الميقات عمدا

لا يصح إحرامه من غيرها حتى يرجع إليها و يحرم منها، فان رجع و أحرم من الوقت صح حجه، و ان تعذر عليه العود و لم يتمكن من الرجوع فهل حكمه حكم الناسي حتى يجوز الإحرام من محله أو ليس كذلك فوجهان. الظاهر انه ليس له الإحرام من محله إذا لم يتمكن من الرجوع الى الوقت، بل حجه باطل وفاقا للأكثر، بل ربما يظهر عدم الخلاف فيه.

مقتضى القاعدة الأولية بطلان الحج بالإحرام بعد الميقات و لو تعذر الرجوع إليها إذا ترك الإحرام منها عمدا، ضرورة أن الحج مركب من الاجزاء و الشرائط التي يوجب تركها عمدا بطلان المأمور به، و منها الإحرام من المواقيت التي وقتها رسول اللّه «ص» و لا يجزي البدل الاضطراري في المقام، كما يجزى فيمن نسي الإحرام من الوقت، إلا إذا كان في دليل البدل الاضطراري إطلاق يشمل المقام، و يدل على صحة الحج بالإحرام بعد الميقات إذا تعذر الرجوع إليها حتى لمن تركه عمدا فيها.

و بالجملة إطلاق دليل الشرطية و الجزئية يوجب بطلان المأمور به بترك الشرط أو الجزء، الا أن يدل دليل على اجزاء البدل الاضطراري حتى في العامد لترك الجزء أو الشرط، كما ورد في التيمم، فإن الطهارة الترابية تكفي عن الطهارة المائية حتى فيما

ص: 233

إذا ترك الوضوء عمدا و لم يبق من الوقت الا مقدار التيمم و أداء الفريضة.

و أما في المقام فيدل الدليل على اجزاء الإحرام بعد الميقات لمن نسيه في الميقات و تعذر الرجوع إليها أو جهل ذلك، و أما التارك للإحرام عمدا من الميقات إذا لم يتمكن من العود إليها، فلا يدل دليل على اجزاء إحرامه من محله، الا أن يدعى إطلاق في أدلة اجزاء البدل الاضطراري.

قد يستظهر ذلك من رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم. فقال: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذين يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه، فان استطاع أن يخرج من الحرم فليرجع (1). بدعوى الإطلاق في سؤال السائل عن رجل ترك الإحرام الشامل للترك عمدا و نسيانا و جهلا، و جواب الامام «ع» عنه و ترك الاستفصال.

و التحقيق أن دعوى الإطلاق في الصحيحة حتى بالنسبة الى من ترك الإحرام من الميقات عمدا و بلا عذر، ليست بصحيحة، مضافا الى انه قول نادر و غير معمول به عند الأصحاب.

و توضيح ذلك: ان ظهور إطلاق صحيحة الحلبي في تقييد الأدلة العامة الدالة على اشتراط الحج بالإحرام من الميقات بغير


1- الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 234

صورة تعذر الرجوع الى الميقات، و لو كان بسوء اختياره و تركه الإحرام منها عمدا ليس بحيث يقاوم ظهور الأدلة العامة في اشتراط الحج بالإحرام من الميقات، و عدم كفاية الإحرام بعدها، و ان من تمام الحج و العمرة الإحرام من مواقيت وقتها رسول اللّه «ص» المقطوع شمولها لتارك الإحرام منها عمدا، خصوصا بعد تقييدها في الأدلة لغير الجاهل بالحكم و الناسي، ضرورة أن لازم دعوى الإطلاق في الصحيحة و القول بكفاية الإحرام بعد الميقات مطلقا، إذا تعذر الرجوع إليها حتى بالنسبة الى من تركها عمدا، ثم تعذر الرجوع إليه، لغوية شرطية الإحرام للحج من الميقات و عدم بقاء المورد للأدلة العامة.

فعلى هذا لا مناص من حمل الصحيحة على غير التارك للإحرام عمدا، و الحكم بأن من ترك الإحرام عمدا في الميقات يبطل حجه و لو تعذر الرجوع إليها لضيق الوقت أو لغيره، فما عن بعض و عن إطلاق عبارة المبسوط من القول بصحة الإحرام من محله مما لا يساعده الدليل بل يعارضه و يعانده.

و بالجملة ان في المقام إطلاقين: إطلاق الدليل العام الدال على أن من تمام الحج و العمرة الإحرام من المواقيت الشامل لتاركه عمدا و سهوا و جهلا، و إطلاق المخصص الدال على كفاية الإحرام بعد الميقات إذا تعذر الرجوع إليها سواء تركه منها عمدا أو سهوا أو جهلا، فيدور الأمر بين تقييد إطلاق الدليل العام في وجوب

ص: 235

الإحرام، بما إذا لم يكن ترك الإحرام من الميقات جهلا و سهوا، و الا فيكفي من مكانه إذا تعذر عليه الرجوع و الحكم ببطلان حج من ترك الإحرام عمدا ثم تعذر عليه الرجوع الى الميقات، و بين ان يقيد إطلاق المخصص الدال على كفاية الإحرام من مكانه إذا تعذر الرجوع، سواء ترك الإحرام عمدا أو سهوا أو جهلا بما إذا لم يكن تاركا للإحرام من الميقات عن عمد.

و القاعدة و ان كانت تقتضي تقديم إطلاق المخصص و رفع اليد عن إطلاق العام و تقييده به، الا أن لإطلاق الأدلة العامة في المقام خصوصية لا يمكن تقييدها، و هي الإباء عن التخصيص و التقييد، فان قوله عليه السلام «ان من تمام الحج و العمرة الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللّه و لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها» (1) آب عن التخصيص، سيما بعد تخصيصه بما ورد في الناسي و الجاهل، فيشكل دعوى الإطلاق في صحيحة الحلبي و الحكم بوجوب الإحرام و صحته من مكانه إذا تعذر الرجوع حتى فيمن ترك الإحرام من الميقات عمدا و هو يريد النسك، خلافا لجماعة من المتأخرين، و يحتمله إطلاق عبارة المبسوط و المصباح أيضا.

لكن مقتضى الاحتياط في المقام أن يجمع بين الحج في هذه السنةبأن يحرم من خارج الحرم أو مما يمكن الإحرام منه و يأتي


1- الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 236

بالمناسك كلهاو الحج في السنة القابلة بالإحرام من الميقات و أداء جميع النسك.

و كذا الحكم فيما إذا ترك الإحرام من الميقات لعذر و مانع، و ارتفع العذر و تمكن من الرجوع الى الميقات و لكنه ترك الرجوع اليه و الإحرام منه، فأحرم من محل زوال العذر حتى ضاق الوقت و تعذر الرجوع، فإنه يجب الاحتياط عليه بالجمع بين حج هذه السنة و الحج من قابل كما تقدم.

هذا إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر، و أما لو كان ميقات فهل يجب عليه الرجوع الى ميقات أهله أيضا، أو يكفي الإحرام من الميقات الذي على طريقه، أو غيره من المواقيت؟

ذهب جمع إلى الأول، مستدلين بأن لكل بلد ميقات، و بالروايات الواردة في الناسي الدالة على وجوب عوده الى ميقات أهله.

و أجيب عنه بأن ذلك انما يصح لو قلنا ان ميقات أهل كل بلد مختص بهم، و هم يختصون به، و ليس كذلك بل المواقيت كلها ميقات لأهل أرضه و كل من يمر به، و أما الروايات الدالة على وجوب الرجوع الى ميقات أهله فهي منصرفة إلى مورد لم يكن في طريقه ميقات آخر.

و قد يستدل له بالروايات الواردة في جواز الإحرام من الجحفة فيمن لم يحرم من الشجرة و كان به علة أو عذر، فعن الحلبي قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟

ص: 237

فقال: من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلا محرما (1).

فان الظاهر من تلك الروايات أن من جاوز ميقاتا من المواقيت و لم يحرم منه لعذر، يصح له الإحرام من ميقات آخر يقع في طريقه و لا يجب عليه الرجوع الى ميقات أهله إذا كان التأخير رخصة لا عزيمة.

ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من الأحكام المترتبة على ترك الإحرام من الميقات بين الحج و العمرة و التمتع و الافراد و القران، غاية الأمران ميقات حج التمتع بطن مكة.

قد يقال: ان بطلان العمرة بترك الإحرام من الميقات عمدا انما هو إذا كانت متعة للحج، و أما إذا كانت مفردة فلا تبطل بترك الإحرام لها من ميقات مر بها، بل يكفي الإحرام لها من أدنى الحل و ان أمكن الرجوع الى ميقات أهله فإنه ميقات اختياري للعمرة المفردة على الأصح.

و ظاهر عبارة الشرائع بطلان الإحرام من غير الميقات و لو للعمرة المفردة إذا تركه من الميقات عمدا، و صرح به بعض الأصحاب، و قيل يحرم تأخير الإحرام عن الميقات عمدا و يأثم به إذا كانت العمرة مفردة، و أما بطلانها و عدم جواز الإحرام لها من غيرها فلا يستفاد من الأدلة.

و قال في الجواهر: يمكن صرف ظاهر عبارة الشرائع و غيره


1- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 3.

ص: 238

إليه أيضا.

(فروع)

(الأول) لو كان شاكا في وجوب الإحرام من الميقات و عدمه

و ترك الإحرام منها ثم علم به فحكمه حكم الناسي و الجاهل لا العامد، فإن أمكنه الرجوع الى ميقات أهل أرضه يرجع و يحرم منها، و الا فيرجع بما يقدر عليه، و ان لم يتمكن من الرجوع أصلا فيحرم من مكانه.

لصحيحة معاوية بن عمار الواردة في امرأة طمثت و كانت مع قوم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا، فتركوها حتى دخلت الحرم. قد تقدمت الرواية بطولها فليراجع (1).

(الثاني) لو أخر الإحرام من الميقات عمدا و كان مستطيعا للحج

و لم يتمكن من العود الى الميقات و الإحرام منها فحجة باطل، و يجب عليه أن يأتي بحجة في القابل، و أما إذا لم يكن مستطيعا للحج أو أتى بحجة الواجب من قبل، فهل يجب عليه في العام القابل الحج أم لا بل اثم بترك الإحرام فقط؟ وجهان، فعن الشهيد في المسالك ان من دخل الحرم وجب أن يحرم إلا في موارد، فلو ترك عمدا يجب عليه أن يقضى، و خالفه جماعة من العلماء بعدم الدليل على ذلك، و هو المطابق للقواعد و المساعد للدليل.


1- الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 4.

ص: 239

(الثالث) لو نسي الإحرام و لم يذكره حتى أكمل المناسك كلها

و طاف و سعى، قيل يقضي حجه، و هو المحكي عن ابن إدريس و قيل يجزيه، و هو المنسوب إلى الأصحاب و ادعي عليه الشهرة العظيمة و المروي أيضا.

عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل، و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى. قال: تجزيه نيته، إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه و ان لم يهل (1).

فهل مورد السؤال في الرواية نسيان التلبية أو لبس الثوبين بقرينة قوله «لم يهل» بناء على أن الإهلال انما هو بالتلبية، أو نسيان أصل الإحرام كما هو الظاهر من نسيان الإحرام.

و الظاهر أن ظهور قوله «نسي أن يحرم» في نسيان أصل الإحرام ليس بأقوى من ظهور قوله «ان كان قد نوى ذلك» في نسيان التلبية و لبس الثوبين، خصوصا بعد إلحاق الجهل بالنسيان في الحكم، لعدم تمشي النية مع الجهل، فعلى هذا فالمراد من النية أما العزم السابق على الإحرام كما عن الشيخ في النهاية، أو نية جميع اجزاء الحج كما عن بعض الأصحاب لئلا يكون عامدا للترك.

و عن ابن إدريس ما ملخصه: ان الأعمال بالنيات، و هذا عمل بلا نية، فيبطل لعدم القصد حين العمل، و ليس من دأبه العمل


1- الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 240

بخبر الواحد.

أما قول الشيخ فهو صحيح على مبناه من كفاية الداعي أو العزم السابق و لا يصدق الترك عمدا، و لكن لا يناسبه عطف الجهل على النسيان، لعدم تحقق العزم و الداعي من الجاهل بالحكم، و لعل الشيخ فرض المسألة في الناسي بناء على أن المراد من قوله «نوى ذلك» نية جميع أجزائه الحج كما في الجواهر، فتحقق حينئذ العزم السابق و الداعي في الجاهل أيضا.

و أما حمل النية في قوله «نوى ذلك» على النية الفعلية عند الميقات قبل الإحرام فلا يناسب النسيان، إذ لا يتحقق النسيان مع النية فعلا في الميقات قبل الإحرام.

(الرابع) لو ترك الإحرام و نسي و لم يتذكر إلا في أثناء الأعمال

فهل حكمه حكم من تذكر بعد الفراغ عنها أم لا. يمكن الفرق بينهما بما ورد في المرسلة من التقييد بقوله عليه السلام «و قد شهد المناسك كلها» و قوله «و قد تم حجة»، إذ الظاهر أن الحكم متوجه الى من فرغ عن الأعمال كلها.

(الخامس) بناء على اعتبار تمامية الحج و الفراغ عن المناسك كلها في الحكم بالصحة إذا ترك الإحرام نسيانا

، فلو تذكر بعد إتمام مناسك الحج و قبل طواف النساء فهل يحكم بالصحة لتمامية المناسك و أعمال الحج و ان لم تحل له النساء، أو يحكم بالبطلان لعدم الفراغ عن جميع الأعمال التي يؤتى بها في الحج و طواف النساء أيضا

ص: 241

من جملتها؟ وجهان، بل قولان.

يمكن الاستدلال للأول بقوله عليه السلام «فقد تم حجة»، إذ لا دخل لطواف النساء في تمامية الحج، بل هو واجب مستقل آخر لحلية النساء.

و لكنه أيضا مشكل، و مقتضى القاعدة البطلان، فان الحج بجميع أجزائه و شرائطه من الإحرام و غيره الى أن يحل للمحرم جميع ما حرمه على نفسه بالإحرام له، عمل واحد.

ص: 242

المقصد الثالث (في أفعال الحج و مناسكه)

(منها) الإحرام.

اشارة

و لا بد قبل البحث في الأحكام المتعلقة به من بيان حقيقة الإحرام و هو لغة جعل الشي ء حراما على النفس، و أما اصطلاحا فالظاهر أن المقصود منه تحريم المحرمات على النفس بمعنى جعلها حراما على نفسه، بتوطين النفس و الالتزام على تركها، أو تشريع التحريم على نفسه، كما في قوله تعالى إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ، فيتعلق عليه الحرمة حينئذ شرعا. نظير النذر لترك الشي ء الذي يجب على الناذر تركه بالتزامه له بالنذر، فيكون تحريمه على نفسه التزاما موضوعا للتحريم شرعا، كما هو الظاهر من قول الصادق عليه السلام فيما رواه معاوية بن عمار عنه في كيفية الإحرام حيث قال «ع»:

و تقول «أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخي

ص: 243

و عصبي من النساء و الثياب و الطيب» (1).

و مثله ما رواه ابن سنان و أبو بصير عن الصادق عليه السلام (2).

و الحاصل ان التأمل في الروايات المتعرضة لكيفية الإحرام، يوجب ظنا قويا بأن حقيقة الإحرام هو تحريم المحرمات على النفس بناء، أي اعتبار تحريم المحرمات عليها.

و لعل هذا هو المراد من قول السيد في العروة في المسألة(26) من أحكام المواقيت: بل هو البناء على تحريمها على نفسه انتهى.

فان البناء على تحريم شي ء على النفس ليس الا التحريم البنائي الاعتباري.

و ما ذكرناه هو الظاهر من الصدوق في المقنع و المفيد في المقنعة و الشيخ في النهاية و المراسم، حيث ذكروا في بيان التلفظ بالنية ما ذكر في تلك الروايات «أحرم لك شعري» إلخ، و الظاهر أنه يعتبر عندهم التلفظ بما ذكر في نية الإحرام.

و أوضح العبارات في المقام فيما اخترناه من معنى الإحرام عبارة الغنية حيث تعدى فيها عما ذكر في الروايات إلى سائر المحرمات و قال بعد ما اعتبر تعيين نوع الحج و العمرة: يقول المحرم «أحرم لك لحمي و دمي و شعري و بشري عن النساء و الطيب و الصيد و كل محرم على المحرمين، ابتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة» انتهى.


1- الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 52 من أبواب الإحرام الحديث 2.

ص: 244

إذ الظاهر من ذكر هذا الدعاء أن الإحرام عنده عبارة عن تحريم المحرمات على نفسه قربة الى اللّه تعالى، تلفظ به أو نوى ذلك من دون التلفظ.

و في كشف الغطاء: ان حقيقة الإحرام عبارة عن حالة تمنع عن فعل شي ء من المحرمات المعلومة، و لعل حقيقة الصوم أيضا كذلك فهما عبارة عن المحبوسية عن الأمور المعلومة، فيكونان غير القصد و الكف و الترك و التوطين، فلا يدخلان في الأفعال و لا الاعدام، بل هما حالتان متفرعتان عليهما، و لا يجب على المكلفين من العلماء فضلا عن العوام الاهتداء إلى معرفة الحقيقة، و إلا لزم بطلان عبادة أكثر العلماء و جميع العوام انتهى.

و الظاهر أن مقصوده من الحالة التي تمنع عن المحرمات، الحالة النفسانية التي تتولد منها التروك المذكورة، نظير ملكة العدالة، و تلك الحالة تحدث في النفس بعد العزم و التوطين على ترك المحرمات، و كذا تحدث بعد البناء على تحريم المحرمات على النفس أحيانا.

و لكن ما هو الظاهر من كلمات العلماء و كذا من الاخبار أن الإحرام فعل من أفعال الحج، و يجب على المكلف إيجاده في الخارج، لا أنه حالة نفسانية يجب عليه الاتصاف بها. و أما ما ذكره من أنه لا يجب على المكلفين الاهتداء إلى معرفة الحقيقة، ففيه أيضا انه كيف يجب على المكلف ما لا يتصوره و لا يعلمه و لو إجمالا

ص: 245

و كيف يقصده و يأتي به.

و في المستند: لا نسلم أن الإحرام غير التلبس بأحد النسكين و الشروع فيه مطلقا أو بما يحرم محظورات الحج و العمرة من اجزائهما، فهو لفظ معناه أحد الأمرين، لا انه أمر آخر و جزء مأمور به بنفسه من حيث هوانتهى.

و مراده بما تحرم محظورات الحج و العمرة من أجزائهما، اما خصوص التلبية أو مع لبس الثوبين، أو هما مع نية الحج أو العمرة و لكنه خلاف ما يترائى و يستظهر من قوله عليه السلام فيما رواه أبو المعزا عن ابى عبد اللّه عليه السلام: ان اللّه جعل الإحرام مكان القربان (1). و ما رواه الصدوق مرسلا عن النبي «ص» و الأئمة عليهم السلام: انه وجب الإحرام لعلة الحرم (2).

و عن ابى عبد اللّه عليه السلام على ما في العلل: حرم المسجد لعلة الكعبة و حرم الحرم لعلة المسجد و وجب الإحرام لعلة الحرم (3).

فان الظاهر منها أن الإحرام غير مجرد الدخول و الشروع في الحج، و ان كان جزأ منه و انه عنوان إنشائي يتحقق بالمجموع من لبس الثوبين و النية و التلبية، أو يتحقق بالتلبية بعدهما، و يساعده العرف أيضا، فإن المحرمية عند الناس شي ء يعتبره العقلاء، و قد خاطبهم اللّه بقوله «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» و قوله «غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» و قوله «حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً».


1- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 3.
3- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 5.

ص: 246

فيعلم من مخاطبتهم أن عنوان المحرم عندهم انما كان معلوما بينهم و مرتكزا في أذهانهم، و أما كونه حالة نفسانية أو عبارة عن نفس التروك أو العزم عليها أو التوطين للترك، خلاف ما هو الظاهر عندهم و المعروف بينهم.

و بالجملة الأظهر أن الإحرام أمر إنشائي يوجده المحرم بتحريم المحرمات على نفسه و ان كان لا يؤثر في التحريم قبل التلبية، كما هو المستفاد من المحقق في الشرائع حيث قال في بيان كيفية الحج:

فصورته أن يحرم من الميقات للعمرةالى ان قال ثم ينشئ إحراما آخر للحج من مكة. الظاهر في أن الإحرام أمر إنشائي، و قد عبر بمثل ذلك في التحرير و السرائر.

و قال بعض الأعاظم في تعليقته على العروة: ان الإحرام من العناوين القصدية لا يمكن تحققه بدون القصد اليه.

و لا ينافي ما ذكرناه قولهم في كيفية الإحرام: ان واجباته ثلاثة النية و لبس الثوبين و التلبية، و كذا قولهم: ان الإحرام مركب من النية و لبس الثوبين و التلبية أو الاشعار و التقليد، فان وجوب تلك الأمور في الإحرام لا يلازم كونه عبارة عن تلك الأمور لا غيرها بل يدل على أن الإحرام بأي معنى كان لا يصح بدونها.

و أما كونه مركبا من الأمور المتقدمة فمعناه أنه لا يحكم شرعا بتحريم المحرمات الا بعد الأمور المذكورة من النية و لبس الثوبين و التلبية أو الاشعار و التقليد، و لا يكفي مجرد إنشاء التحريم من

ص: 247

المحرم، بل يحتاج في ترتب الأثر على إنشائه شرعا إلى التلبية أو الإشعار.

هذا ما هو المحقق في معنى الإحرام، و أما ما هو الواجب فيه و المندوب و المكروه فيأتي في ضمن

مسائل
(المسألة الأولى): يستحب الغسل قبل الإحرام

كما هو المشهور بل ادعي الإجماع عليه، بل لم يعرف الخلاف الا من ابن عقيل الذي قال بوجوبه، و لكن لا يعتنى بخلافه.

و تدل عليه النصوص الكثيرة المتواترة، و أصل الحكم مما لا كلام فيه و انما هو فيما إذا لم يجد الماء فهل يجوز التيمم أم لا، قد يقال بالجواز كما عن الشيخ في محكي المبسوط و ابن البراج و لعل نظره الى ما ورد من أن رب الماء و رب التراب واحد يكفيك عشر سنين، إذ يقتضي إطلاقه أن التراب يقوم مقام الماء في كل ما يشترط فيه الطهارة.

لكن الظاهر من الأدلة الواردة في المقام أن الغسل قبل الإحرام انما هو للنظافة و ازالة الخبث و الدرن من الجسد و تحصيل النشاط و لو لم يكن المحرم محدثا بحدث أصغر أو أكبر بل كان متطهرا فتشريع التيمم عند عدم وجدان الماء لا يشمل المورد، بل هو مخالف للنظافة أيضا، بل شرع الغسل أيضا للحائض التي لا مورد للتيمم فيها.

مضافا الى أن الآية الكريمة الدالة على تشريع التيمم، انما

ص: 248

وردت فيما يكون المكلف محدثا بأحد الحدثين و لم يجد ماء لرفع الحدث، فحينئذ يشرع له التيمم بدلا عن الطهارة المائية لأداء ما عليه من التكليف المشروط فيه الطهارة، و اما كونه بدلا عن كل غسل مشروع و لو لم يكن واجبا بل كان لإيجاد النظافة كما في المقام فلا يستفاد من الآيةكما هو واضح لمن تأمل في قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً 4: 43 (1) و كذا في الاخبار الواردة في المقام (2).

و بالجملة أدلة تشريع التيمم بدلا عن الطهارة المائية عند عدم وجدان الماء يشكل شمولها للمورد، خصوصا مع العلم بحكمة تشريع الغسل قبل الإحرام. نعم لا مانع من التيمم رجاء أو تقديم الغسل على الميقات إذا خاف عدم وجدان الماء فيها كما يأتي.

(المسألة الثانية) يجوز تقديم الغسل على الميقات إذا خاف عدم وجدان الماء فيها

، و ادعي عليه الإجماع و عدم الخلاف كما عن المدارك و الذخيرة.

و يدل عليه صحيح هشام بن سالم قال: أرسلنا الى ابى عبد اللّه عليه السلام و نحن جماعة و نحن بالمدينة انا نريد أن نودعك. فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف ان يعز الماء عليكم بذي الحليفة


1- سورة النساء الآية 43.
2- و عن التذكرة ان هذا الغسل غسل مشروع ينوب عنه التيمم كالواجب.

ص: 249

فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى أو مثاني (1).

(المسألة الثالثة) لو أكل المحرم ما لا يجوز أكله أو لبس ما لا يجوز لبسه بعد الغسل قبل الإحرام

أعاده استحبابا، كما في رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اغتسل للإحرام، ثم لبس قميصا قبل أن يحرم. قال: قد انتقض غسله (2).

و رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا لبست ثوبا لا ينبغي لك لبسه أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل (3).

(المسألة الرابعة): يجزي غسل أول الليل لليلته و أول النهار ليومه

، كما في رواية هشام بن الحكم عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: غسل يومك ليومك و غسل ليلتك ليلتك (4).

و عن سماعة بن مهران عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من اغتسل قبل طلوع الفجر و قد استحم قبل ذلك ثم أحرم من يومه اجزاؤه غسله (5).


1- الوسائل ج 9 الباب 8 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 11 من أبواب الإحرام الحديث 1.
3- الوسائل ج 9 الباب 12 من أبواب الإحرام الحديث 1.
4- الوسائل ج 9 الباب 9 من أبواب الإحرام الحديث 2.
5- المصدر الباب 9 من أبواب الإحرام الحديث 5.

ص: 250

(المسألة الخامسة): لو أحرم قبل الغسل أو الصلاة ثم ذكره

يتدارك ما تركه من الغسل و الصلاة و يعيد الإحرام استحبابا كما في الصلاة المعادة، و كما فيمن نسي الأذان و الإقامة و دخل في الصلاة، فإنه يستحب له قطع الصلاة ما لم يركع و إعادتها بالأذان و مثله الوضوء بعد الوضوء.

و أجاب في المختلف عن ذلك بالفرق بين الموضعين بقبول الصلاة الإبطال، دون الإحرام فلا يمكن إعادته. و يمكن أن يقال:

انه إذا كان الإحرام عبارة عن حالة مخصوصة و أمر معنوي يحصل بالافعال المأتي بها حين الإحرام من لبس الثوبين و التلبية فلا يمكن إعادته و لا إبطاله، فإنه لا يبطل و لا يزول الا بما جعله الشارع موجبا للإحلال و مزيلا لذلك الأمر المعنوي الحاصل بالأفعال المخصوصة في وقت معين، فلا معنى لاستحباب الإعادة، بل لا يتصور أصلا. الا أن يقال: ان الإحرام عبارة عن نفس تلك الأفعال من لبس الثوبين و التلبية و الغسل و الصلاة، فعلى هذا لا مانع من إعادة الإحرام بتكرار الأعمال السابقة، و يصح قياسه بالصلاة المعادة أيضا و يصح إعادته، و يكون تبديل الامتثال بامتثال آخر، بل يمكن القول بصحة إعادة الإحرام بناء على كونه أمرا معنويا حاصلا من الأفعال أيضا بعد دلالة الدليل عليه، كما في إعادة الوضوء بعد الوضوء، إذ لا إشكال في أن الوضوء أمر معنوي يحصل من الأفعال الخارجية من المسحتين و الغسلتين يعبر عنه بالطهارة، و هي باقية

ص: 251

بعد تحققها الى أن يزيلها مزيل و يبطلها مبطل، و لا يمكن إعادتها لكونه تحصيل الحاصل.

و مع ذلك وردت روايات في استحباب إعادته و أن الوضوء على الوضوء نور على نور، فكذلك الإحرام بعد الإحرام، فإنه بعد دلالة الدليل على استحباب إعادته بالغسل و الصلاة، يستكشف اشتداد الأمر المعنوي الحاصل بالإحرام السابق، بإعادته ثانيا، و يكون نورا على نور و ضياء فوق ضياء.

عن الحسن بن سعيد قال: كتبت الى العبد الصالح ابى الحسن عليه السلام: رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما، ما عليه في ذلك و كيف ينبغي له ان يصنع؟ فكتب: يعيده (1).

و حمل الرواية على الندب بقرينة قوله «كيف ينبغي له أن يصنع»، هو المفروغ عنه بين الأصحاب أيضا.

و من مندوبات الإحرام أن يقع بعد الصلاة فريضة كانت أو نافلة.

قال المحقق في الشرائع يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها، و ان لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات، و أوسطه أربع ركعات، و أقله ركعتان انتهى.

يظهر من النصوص الواردة في الباب أن وقوع الإحرام بعد الصلاة واجب لا انه ندب، و اختاره الإسكافي.


1- الوسائل ج 9 الباب 20 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 252

و استشكل بأن الأصل يقتضي البراءة من الوجوب، و لكنه غير وارد، إذا لا مورد للأصل بعد ظهور الاخبار في الوجوب لانه دليل حيث لا دليل، و كذا لو قلنا ان الإحرام أمر معنوي و حالة خاصة متحصلة للمحرم بإتيان الأفعال المحصلة له، فإذا شك في اعتبار شي ء و اشتراطه في الإحرام و حصول هذا الأمر المعنوي، يكون شكا في المحصل، و القاعدة في ذلك المورد و أشباهه تقتضي الاشتغال و الإتيان بالمشكوك لا البراءة منه، فالتمسك بالبراءة في المقام غير تام.

و ما هو المهم في الجواب عن القائل بوجوب إيقاع الإحرام بعد الصلاة كالاسكافي و غيره، ان النصوص الواردة في المسألة- و ان كانت ظاهرة في الوجوب و انه يشترط ان يقع الإحرام بعد الصلاةالا أن الأصحاب عدا من عرف حسبه و نسبه أجمعوا على أنه غير واجب، بل هو مستحب و مندوب. و هذا الاتفاق مع كون تلك الأخبار بمرأى و مسمع منهم و بين أيديهم تراها أعينهم و تسمعها آذانهم، يوجب الضعف فيها و ان كانت صحيحة، بل كلما ازدادت صحة و قوة ازدادت ضعفا، لإعراض الجهابذة من الفقهاء عنها، و عدم الإفتاء بظاهرها. و على كل حال ينبغي التعرض لذكر الاخبار و التفقه فيها:

عن الصادق عليه السلام: خمس صلوات لا تترك على حال

ص: 253

إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم الخبر (1).

و في صحيحته الأخر عنه عليه السلام: لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و ان كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرهما (2).

و في رواية أخرى له أيضا عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة (3).

و رواية أبي الصباح الكناني قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أ رأيت لو أن رجلا أحرم في دبر صلاة مكتوبة أ كان يجزيه ذلك. قال: نعم (4).

و رواية عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

و اعلم أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار (5).

و رواية إدريس بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال:

يقيم الى المغرب. قلت: فان ابى جماله أن يقم عليه. قال: ليس له أن يخالف السنة. قلت: إله أن يتطوع؟ قال: لا بأس به و لكني أكرهه للشهرة و تأخير ذلك أحب الي. قلت: كم أصلي إذا تطوعت؟


1- الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الإحرام الحديث 1- 5.
3- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 1.
4- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 2.
5- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 3.

ص: 254

قال: أربع ركعات (1).

و رواية ابن فضال عن ابى الحسن عليه السلام في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة.

قال: لا ينتظر حتى تكون الساعة التي يصلي فيها، و انما قال ذلك مخافة الشهرة (2).

و الجملة الأخيرة يمكن أن تكون كلام ابن فضال و يمكن كونها من الصدوق، و دلالة هذه الرواية على عدم الوجوب أظهر كما لا يخفى.

و عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: تصلى للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها (3).

و عن صفوان عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرها (4).

فهذه جملة من الاخبار الواردة في المقام، و تجد غيرها في أبواب متفرقة. و هي كما ترى تدل على وجوب إيقاع الإحرام بعد الصلاة فريضة كانت أو نافلة.


1- الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الإحرام الحديث 4.
3- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 4.
4- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 5.

ص: 255

قد يقال: انها لا تدل على الوجوب لاختلاف المضامين فيها ففي بعضها «يصلي ست ركعات» و في أخرى «ركعتين» و في ثالثة «بعد الفريضة»، و هذه الاختلافات شاهدة على عدم اعتبار الصلاة في الإحرام. لكن الاشكال غير وارد، فإنها و ان كانت مختلفة المضامين من جهة الفريضة و النافلة و عدد الركعات، الا أن الجميع متفق في اعتبار وقوع الإحرام بعد الصلاة و لا اختلاف فيه، و انما الاختلاف في كيفية هذه الصلاة و كميتها، فأصل الصلاة معتبر في الإحرام و لا شبهة فيه و لا اشكال، و لا يضره الاختلاف في الكمية و الكيفية فريضة كانت أو نافلة ست ركعات أو أقل منها.

إنما الإشكال في أن العلماء و الفقهاء لم يفتوا بالوجوب عدا الإسكافي المعلوم حاله، فعلى هذا تكون تلك الاخبار معرضا عنها من جهة الدلالة على الوجوب أو جهة الصدور.

و قد يقال: انه كيف يتصور أن تكون النافلة شرطا لواجب.

و فيه: انه لا مانع من أن يكون الأمر المندوب شرطا لواجب لو لا كونه شرطا لكان نفلا و ندبا، و أما نظرا الى كونه شرطا يكون واجبا من جهة الشرطية للغير، كما إذا قيل الوضوء بالماء البارد أفضل، فإن هذا الفرد من الماء مع كونه أفضل الافراد و مندوبا يقع شرطا لواجب و لا حذر في ذلك.

ثم ان المقصود من كلام المحقق «يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها و ان لم يتفق يصلي للإحرام ست ركعات» أن يقع

ص: 256

الإحرام بعد الفريضة من دون أن يأتي بنافلة الإحرام، أو أن المراد أن يأتي المحرم بست ركعات أو أربع أو ركعتين للإحرام ثم يصلي الفريضة و يحرم بعدها. وجهان.

و قد اتفق أكثر عبارات الأصحاب أن كلامه قاصر عن افادة المراد، قال في المسالك: المقصود انه يصلي ست ركعات للإحرام ثم يصلي الظهر و يحرم في دبرها. و أورد عليه في المدارك و قال:

لا وجه لحمل كلام المصنف على ذلك. و شدد على من قال بقصور العبارة عن تأدية المراد، و اختار نفسه سقوط نافلة الإحرام إذا اتفق وقت الفريضة و حمل عبارة المحقق أيضا على ذلك و نقل الجواهر عن محكي المبسوط و النهاية عدم سقوط النافلة للإحرام، بل يقدمها على الفريضة ثم يصلي الفريضة و يحرم دبرها. و هو أيضا مختاره، بل ادعى صراحة العبارة في ذلك.

و ذيل عبارة المحقق يدل على أن نافلة الإحرام لا يسقط إذا اتفق وقت الفريضة بل يقدم على الفريضة ست ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين ثم يأتي بالفريضة و يحرم دبرها، لا أن النافلة تسقط.

و يدل على ما ذكرناه قول الصادق عليه السلام في حديث معاوية بن عمار: خمس صلوات لا تترك على حال إذا طفت بالبيت و إذا أردت أن تحرم الخبر (1).


1- الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 257

و الحاصل انه وقع الخلاف بين الاعلام في أن نافلة الإحرام إذا اتفق وقت الفريضة هل يسقط أم لا؟ قيل يسقط كما اختاره المسالك و اختار جماعة عدم السقوط كما هو المحكي عن المبسوط و المقنعة و التذكرة و النهاية، و اختاره صاحب المدارك و الجواهر.

وفد يستدل للقول الثاني بالروايات الخاصة و أخرى بالعمومات:

أما الأولى مثل ما في الفقه المنسوب الى ابى الحسن الرضا عليه السلام قال: فان كان وقت صلاة فريضة فصل هذه الركعات قبل الفريضة ثم صل الفريضة. و روي أن أفضل ما يحرم الإنسان في دبر صلاة الفريضة ثم أحرم في دبرها ليكون أفضل (1).

و هذا كما ترى صريح في لزوم الإتيان بالنوافل قبل الفريضة، و ان نافلة الإحرام لا تسقط إذا اتفقت وقت الفريضة، بل يأتي بها قبلها ثم يأتي بالفريضة و يحرم دبرها ليكون أفضل. و لكن الإشكال في أن فقه الرضا وحده لا يكون دليلا و حجة، و ان قال صاحب الحدائق كثيرا ما يعتمد العلماء عند ما لم يجدوا نصا على فقه الرضا عليه السلام.

و أما الثانية فمنها صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام: خمس صلوات لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم (2).


1- المستدرك الباب 13 من أبواب الإحرام الحديث 2.
2- الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 258

و هي بإطلاقها تدل على مشروعية نافلة الإحرام، سواء وافقت وقت الفريضة أو لم تكن في وقتها.

و منها صحيحة أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام: خمس صلوات تصليها في كل حال، منها صلاة الإحرام (1).

و منها صحيح عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و اعلم أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار (2).

و منها ما تقدم من رواية محمد بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و ان كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرهما (3).

الظاهر من الرواية أنه لو اتفق الإحرام وقت الفريضة يحرم عقيبها، و تدل بضميمة الأخبار المتقدمة الدالة على أن نافلة الإحرام لا تسقط على حال، على أن النافلة التي شرعت للإحرام يؤتى بها قبل الفريضة ثم يصلى المكتوبة و يحرم دبرها.

و يشعر بما ذكرناه قول الصادق عليه السلام في رواية معاوية ابن عمار: إذا أردت الإحرام في غير وقت الفريضة فصل ركعتين


1- المصدر ج 9 الباب 19 من أبواب الإحرام الحديث 2.
2- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 3.
3- الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 259

ثم أحرم في دبرها (1).

و المفهوم من الرواية أن الإحرام بعد الركعتين انما هو إذا وقع في غير وقت الفريضة، و أما إذا اتفق وقت الفريضة فيأتي بالركعتين ثم بالفريضة و يوقع الإحرام بعدها.

و لا يعارض ما اخترناه صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و ان كانت نافلة صليت ركعتين (2).

بدعوى أن الظاهر منها أن الإحرام لا بد أن يقع بعد المكتوبة أو النافلة، و أما الجمع بينهما خلاف ما هو الظاهر منهما.

و ذلك لان المترائى و المتبادر من الرواية أن الإحرام لا بد من وقوعه بعد الصلاة اما المكتوبة أو النافلة على طريق منع الخلو، و أما الجمع بينهمابأن يصلي النافلة ثم المكتوبة و يوقع الإحرام- فلا يستفاد منها منعه و عدم جوازه إذا اتفق وقت الفريضة، و لا تعارض الأخبار المتقدمة الدالة على أن نافلة الإحرام لا تسقط على حال.

فتحصل من جميع ما ذكرناه أن الإحرام شرع قبله ست ركعات أو أربع أو ركعتان، و لا يسقط على كل حال، غاية الأمر أنه إذا لم يتفق وقت الفريضة يأتي بالنافلة و يحرم دبرها، و أما إذا


1- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 5.
2- الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 260

صادف وقت الفريضة فالأفضل أن يأتي بالنافلة أو لإثم يصلي الفريضة و يقع الإحرام دبرها ليكون تبعا لها و متصلا بها، فان ذلك أفضل أفراد الإحرام على ما في الروايات.

و استدل صاحب المستند على عدم سقوط النافلة برواية معاوية ابن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا كان يوم التروية إنشاء اللّه تعالى فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك- الخبر (1).

بناء على أن المراد من الركعتين ركعتا الإحرام لا التحية للمسجد، و انه لا فرق بين إحرام العمرة و بين إحرام الحج و لكنه لا يخلو من وجه.

ثم انه لا فرق في وقت الإحرام من جهة الوقت ليلا كان أو نهارا قبل الظهر أو بعده، و ان كان الجميع مشتركا في أن يوقع الإحرام دبر الصلاة الا أنه من جهة الوقت في فسحة و سعة كما في رواية معاوية بن عمار «لا يضرك ليلا أحرمت أو نهارا» (2).

و رواية عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام: و اعلم أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار (3).


1- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 15 من أبواب الإحرام الحديث 4.
3- الوسائل ج 9 الباب 15 من أبواب الإحرام الحديث 2.

ص: 261

و لكن أفضل أوقاته كما قيل الظهر، لان رسول اللّه «ص» إنما أحرم في ذلك الوقت، و التأسي به في كل أمر حسن.

و لكنه كما يظهر من بعض الاخبار أن إحرام الرسول «ص» في ساعة الظهر انما كان لعدم وجدان الماء في غير تلك الساعة و كان هو السبب في التأخير لا غير، فلا يستفاد منه أفضلية وقت الظهر، لأن تأخيره «ص» الإحرام إلى الظهر انما كان لأمر طبيعي عرفي لا لأمر شرعي معنوي عبادي.

عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: سألته أ ليلا أحرم رسول اللّه «ص» أم نهارا؟ قال: نهارا. فقلت: أي ساعة. قال:

صلاة الظهر. فسألته: متى ترى أن نحرم؟ قال: سواء عليكم، إنما أحرم رسول اللّه صلاة الظهر لان الماء كان قليلا كان في رؤوس الجبال فيهجر الرجل الى مثل ذلك من الغد، و لا يكاد يقدرون على الماء، و انما أحدثت هذه المياه حديثا (1).

اللهم أن يقال: ان التأسي بالرسول في كل أمر و لو كان طبيعيا عاديا حسن يحبه أهل بيته و ورثة علمه و حفظة دينه، كما ورد فيما رواه معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في حديث، بين فيه شطرا من آداب الإحرام الى أن قال: و ليكن فراغك من ذلك إنشاء اللّه عند زوال الشمس، و ان لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرك ذلك غير انى أحب أن يكون ذلك عند زوال الشمس (2).


1- الوسائل ج 9 الباب 15 من أبواب الإحرام الحديث 5.
2- الوسائل ج 9 الباب 15 من أبواب الإحرام الحديث 6.

ص: 262

هذا كله في الإحرام من الميقات للعمرة أو الحج، و أما الإحرام للحج من مكة فيظهر من الروايات أن له أن يحرم في كل وقت حتى قبل صلاة الظهر، بل يظهر من بعض النصوص أن الفضل له أن يحرم قبل الظهر و يصلي الفريضة في منى، كما في مرسلة الكليني و رواها الصدوق عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام، و يأتي أيضا في أحكام الحج إنشاء اللّه.

(كيفية نافلة الإحرام)

ثم ان نافلة الإحرام ست ركعات أو أربع، و أقلها ركعتان.

قال المحقق: يقرأ في الأولى الحمد و قل يا ايها الكافرون، و في الثانية الحمد و قل هو اللّه أحد. و فيه رواية أخرى تدل على العكس.

و قال صاحب الجواهر و الحدائق المتبحران في الاخبار: لم نقف فيها الا على خبر معاذ بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: لا يدع أن يقرأ قل هو اللّه أحد و قل يا أيها الكافرون في سبعة مواطن: في الركعتين قبل الفجر، و ركعتي الزوال، و الركعتين بعد المغرب، و ركعتين في أول صلاة الليل، و ركعتي الإحرام و الفجر إذا أصبحت بها، و ركعتي الطواف (1).

و هذه الرواية لا تدل على الترتيب، بل تدل على أن سورتي التوحيد و الجحد ينبغي أن لا يتركا في تلك الصلوات التي فيها ركعتا


1- الوسائل ج 4 الباب 15 من أبواب القراءة الحديث 1.

ص: 263

الإحرام و لا يستفاد الترتيب من ذلك. اللهم الا أن يقال: ان ذكر التوحيد أولا و الجحد ثانيا يشير الى الترتيب بينهما، و هو غير واضح.

و لكن التهذيب بعد ذكر الرواية قال: و في رواية أخرى: يبدأ في كل منها بقل هو اللّه أحد إلا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو اللّه أحد. و أشار إليها أيضا في الجواهر، و ذكرها صاحب الوسائل بعد رواية معاذ بقوله: و في رواية أخرى.

(مسألة) هل الفريضة التي ينبغي أن يوقع الإحرام بعدها يشمل القضاء أو يختص بالأداء. وجهان، الظاهر الثاني، فإن المتبادر من الاخبار أن الإحرام إذا اتفق وقت الفريضة يصليها، و يحرم دبرها، و هذا ظاهر في وقت الأداء و لا يشمل القضاء.

(في مكروهات الإحرام)

و يكره الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد أو بالعصفر و في الثياب الوسخة و في الثياب المعلمة.

و يكره الخضاب للمرأة إذا بقي أثره بعد الإحرام، و نسب ذلك الى ظاهر الأكثر، و قيل انه حرام، و الرواية الواردة في المقام و ان كانت في المرأة الا أن الحكم شامل للرجل أيضا، فيكره الخضاب له قبل الإحرام ان بقي أثره بعده.

ص: 264

عن ابى الصباح الكناني عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم، هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال: ما يعجبني أن تفعل.

و دلالة الرواية على الكراهة واضحة.

ص: 265

في واجبات الإحرام
اشارة

الواجبات في الإحرام ثلاثة:

(الأول) النية
اشارة

، و هي أن يقصد أمورا أربعة: ما يحرم به من حج أو عمرة متقربا الى اللّه تعالى، و نوعه من تمتع و قران و افراد و صفته من وجوب و ندب، و ما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها.

لا اشكال و لا خلاف في وجوب النية، بل الإجماع عليه بقسميه و لا فرق في ذلك بين أن يكون الإحرام إنشاء التحريم على نفسه كما في إيجاب البيع، أو التصميم و العزم على ترك المحرمات، أو يكون أمرا معنويا متحصلا من الأفعال المعتبرة عند الإحرام من لبس الثوبين و التلبية.

فعلى جميع التقادير يحتاج إلى النية عند الإحرام. و لا ينعقد بدونها، خلافا لصاحب المستند حيث قال: ان التروك لا تحتاج إلى النية. و فيه: ان الإحرام أمر عبادي يحتاج الى القصد و التقرب

ص: 266

و ليس أمرا توصليا كتطهير الثوب و غسل اليد الذي لا يحتاج في امتثاله إلى النية و قصد التقرب.

و أما التعيين الذي اعتبرناه في الإحرام من كونه لحج أو عمرة فقد يقال انه لا يحتاج الى التعيين. و لا يشترط ذلك في انعقاد الإحرام بوجوه:

(الأول) ان رسول اللّه «ص» أهل بالحج و لم يعين شيئا، و كان ينتظر الوحي في ذلك و فيه: ان رسول اللّه «ص» أحرم و ساق معه الهدي، و ظاهر ذلك أن إحرامه كان للقران و كان قارنا، و بقي في إحرامه حتى يبلغ الهدي محله.

(الثاني) ان عليا عليه السلام كان في حجة الوداع باليمن و أهل بالحج منه و لم يعين شيئا من العمرة و نوع الحج، و قال: إهلالا كإهلال رسول اللّه «ص».

و فيه: انه لم يثبت أنه عليه السلام لم يكن عالما بإحرام النبي صلى اللّه عليه و آله، بل كان عالما بإحرامه و أهل كاهلا له فالاستدلال به عين المدعى و مصادرة بالمطلوب.

(الثالث) من الوجوه: أن تعيين الحج أو العمرة ليس مما يعتبر بعد نية أصل الإحرام و القصد اليه و ليس شرطا فيه، و لهذا لا يبطل الحج إذا تركه، بل له تجديد نية الحج أو العمرة قبل مضي الوقت و انقضائه، و ليس هو الأمثل الطهارة المعتبرة في الصلاة في القصد

ص: 267

إلى أصل الطهارة و نفسها، و لا يعتبر أن ينوي المشروط بها، بل يكفي القصد إلى أصل الطهارة، و كذا الإحرام يكفي القصد الى نفسه. و لا يشترط في الطهارة أن ينوي الصلاة المشروط بها من صلاة واجب و ندب.

و فيه: ان عدم بطلان الحج بترك التعيين، و جواز تجديده لو فرض صحته، و ان لم نعثر على دليل هذا الدعوى، انما هو لدليل خاص، كما ورد في العدول في موارد خاصة و لا يلزم منه عدم الاحتياج الى التعيين، و أما التنظير بالطهارة المشروطة بها الصلاة فهو في غير محله.

(الرابع) انه يعلم من أخبار العدول من التمتع الى الافراد، أن التعيين ليس شرطا، بل الإحرام أمر مستقل غير مرتبط بالحج أو العمرة، كما في الطهارة المشروطة بها الصلاة التي لا يعتبر فيها بعد نية أصل الطهارة تعيين الظهر أو العصر المشروط بها لانه واجب مستقل في القصد، فكذا الإحرام.

و فيه: ان دليل جواز العدول من نوع الى نوع آخر لا يكون دليلا على عدم اشتراط التعيين، و لا يجعل الإحرام شيئا مستقلا كما ادعاه المستدل، بل هو دليل خاص في مورد خاص، و لا يكون دليلا و حجة لأحد الخصمين.

و قد يتمسك لعدم اشتراط التعيين للحج و العمرة و عدم لزوم ذلك في انعقاد الإحرام و صحته، بإطلاقات الأدلة الدالة على وجوب

ص: 268

الإحرام و لزومه، من دون تقييد بتعيين ما يحرم به، و لو كان التعيين معتبرا و شرطا في صحة الإحرام و انعقاده، لكان المناسب ذكره و الإشارة إليه أيضا.

و فيه: ان الأدلة الواردة في المقام لو لم تدل على جزئيته، و ارتباطه بالحج و العمرة، فلا تدل على كونه مستقلا و واجبا نفسيا لوضوح أنه بعد ما ثبت وجوبه و اشتراط الحج به في ضمن وجوب سائر الأجزاء التي تدل عليه الاخبار يكون كسائر الأجزاء مربوطا بالحج و مرتبطا به و لا يعلم استقلاله لو لم يعلم خلافه، فإطلاق الأدلة لو لم تدل على الجزئية و الارتباط لا تدل على استقلاله.

و استدل أيضا على عدم وجوب التعيين بأصالة البراءة من الوجوب، بدعوى أن وجوب أصل الإحرام معلوم و ثابت، و أما تقييده بالتعيين لما يحرم به فغير ثابت بل مشكوك، فالأصل يقتضي عدمه.

و فيه: ان الأصل لا مورد له في المقام، فان وجوب الإحرام معلوم لا شك فيه حتى يتمسك فيه بالأصل، و ينفى بالبراءة، و انما المشكوك وجوب ارتباطه بما يحرم به، بأن ينوي الحج أو العمرة عند الإحرام. و هذا ليس تكليفا زائدا تعبدا، بل التعيين لو كان واجبا انما يجب بحكم العقل بلزوم ارتباط الاجزاء بالمأمور به بالقصد اليه و تعيينه، إذا أراد الإتيان به، كما في سائر العناوين القصدية.

ص: 269

مثلا: لو أراد تعظيم رجل و قام لا يكون هذا القيام تعظيما له و لا يعنون بعنوان الاحترام الا بالقصد و ربط القيام له. مضافا الى انه بعد تعلق الأمر بالمأمور به المشتمل على أجزاء متعددة مختلفة إذا شك في أن الإتيان بالجزء المعلوم، من دون أن يربطه بالمأمور به و يقيده به، هل يجزي في إسقاط التكليف أم لا؟ تقتضي القاعدة الاشتغال لا البراءة.

و بعبارة أخرى و أوفى: ان الشك في المقام شك في الامتثال و المحصل بعد العلم بتعلق الأمر بالمركب، و الأصل حينئذ الاشتغال لا البراءة، إذ لا مجرى لأصل البراءة في هذا المورد، لعدم تمامية قبح العقاب بلا بيان، فان ما هو الواجب بيانه على الشارع أصل التكليف، و أما كيفية الامتثال للتكليف فليس وظيفته، و انما هو وظيفة حكم العقل.

و لا فرق في ذلك بين القول بكون الإحرام أمرا معنويا متحصلا من الأفعال، و بين كونه إنشاء التحريم أو توطين النفس على ترك المحرمات، لوضوح أنه على كل تقدير يشك في أن المأمور به هل يتحقق و يمتثل أمره إذا لم يعين ما يحرم به أولا يمتثل، بعد العلم بوجوب الإحرام و الشك في لزوم تقييده بما يحرم به، و القاعدة تقتضي الاشتغال، إذ الشك في المقام ليس في أنه نفسي أو غيري، كما لو أمر بنصب السلم و شك في أنه للصعود الى السطح أم لا حتى يقال ان الأمر بالنصب معلوم و أما نصبه للصعود مشكوك و الأصل

ص: 270

عدمه، فكذلك الإحرام معلوم وجوبه، و اما تقييده بما يحرم به و تعيينه مشكوك و الأصل عدمه.

و وجهه: ان وجوب التعيين في المقام من القيود العقلية التي يحكم العقل باعتباره، و لا يمكن نفيه بالبراءة أو إطلاق الأدلة، كما في أخذ قصد القربة في متعلق الأمر، ان قلنا انه بحكم العقل لا بالجعل الثاني، كما ذكر مفصلا في دوران الأمر بين التعبدي و التوصلي.

و بالجملة وجوب تعيين ما يحرم به عند الإحرام لازم، و تدل عليه أيضا الأخبار التي تدل على اعتبار نية التمتع و العمرة، كما في صحيح حماد بن عثمان تقول «اللهم اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج» (1).

و في صحيح عبد اللّه بن سنان: إذا أردت الإحرام و التمتع فقل «اللهم اني أريد ما أمرت من التمتع بالعمرة إلى الحج» (2).

و في رواية أبي الصلاح قال: أردت الإحرام بالمتعة فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام كيف أقول؟ قال: تقول «اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج» (3).

و يظهر من تلك الروايات أن لزوم تعيين ما يحرم به من حج أو عمرة انما كان مفروغا عنه عند العرف، بمعنى انهم لا يرون الحج


1- الوسائل ج 9 الباب 17 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الإحرام الحديث 2.
3- الوسائل ج 9 الباب 17 من أبواب الإحرام الحديث 2.

ص: 271

الا مركبا من إحرام و سائر الأفعال الواجبة فيه، لا بمعنى التعبد بوجوب الإحرام مستقلا، من غير ربط له بما يحرم به.

(في كفاية التعيين الإجمالي)
اشارة

ثم انه بناء على اعتبار التعيين لما يحرم به، لا يجب أن يعين مفصلا بل يكفي التعيين الإجمالي، إما بحصر المأمور به في فرد معين، فيقصد ما هو الواجب عليه، كما لو علم بترك احدى الصلاتين الظهر أو العصر، فيأتي بأربع ركعات ناويا لما في ذمته.

هذا إذا كانت الفريضة مشتركة بين فردين متحدين في جميع العنوان، و أما لو كانت متفاوتة و مختلفةكما في القران و الافراد- فيجب التعيين بالتفصيل، فلو أحرم و لم يعين أحدهما بطل.

هذا، و أما قصد الوجوب و الندب فليس معتبرا، بل يكفي قصد الأمر و انقداح الداعي في النفس، و تحرك العضلات به، و بعث الأمر إلى العمل. فان قصد الوجوب و الندب، فهو مما ذكره المتكلمون في ابحاثهم الكلامية، و أما الفقهاء فلا يعتبرونه بل يقولون بكفاية قصد الأمر، إلا إذا توقف التعيين على قصد الوجوب أو الندب، كما إذا نوى الإتيان بركعتين من دون قصد لفريضة الصبح أو نافلته، فإنهما لا تكونان فريضة الصبح الا بالقصد لها، و كذا لا ينطبق عنوان النافلة عليهما الا بالقصد إياها.

نعم لا يشترط في النية و القصد الاخطار بالبال حين الشروع

ص: 272

و التلفظ به، بل يكفي الداعي المستمر الى حين العمل إذا لم يكن غافلا عنه، بحيث لو سئل عنه يبقى متحيرا و لا يدري ما يصنع، و الا يجب عليه تجديد النية.

ثم انه لا يعتبر في الإحرام استدامة نية ترك المحرمات و عدم الإتيان بها بعد انعقاد الإحرام، كما يعتبر في الصوم بالنسبة إلى المفطرات، بل لا يضر نية قطع الإحرام و إبطاله، كما يضر نية الإفطار في الصوم، إذ ليس الإحرام كالصوم، حتى انه لو ارتكب محرما من تروك الإحرام يبقى الإحرام على حاله إلا في بعض المحرمات كما سيأتي تفصيله.

(فروع)
اشارة

و هنا فروع ينبغي الإشارة إليها:

(الأول) لو نوى العمرة و الحج معا بإحرام واحد

، فان قصدهما بوصف الاجتماع و الانضمام و الإتيان بهما و امتثال أمرهما المتعلق لكل واحد منهما، بحيث يكون كل واحد منهما جزأ للنية من دون أن يأتي بإحرام آخر بينهما، فالإحرام باطل لعدم مشروعيته بهذا النحو و عدم مشروعية العمرة و الحج كذلك.

و ان قصد امتثال الأمر المتعلق بكل واحد من الحج و العمرة على نحو الاستقلال لا الاجتماع و الانضمام، بحيث يكون كل واحد من الأمرين مؤثرا تاما لقصده و امتثاله، فان كان ذلك في غير أشهر

ص: 273

الحج، يصح إحرامه للعمرة فيأتي بها و يلغو نية الحج، لعدم صحته كذلك، لاشتراط الصحة بوقوع عمرته في أشهر الحج، و لا يضر ضم نية الحج بالعمرة و صحتها. و كذلك لو كان في أشهر الحج و تعين عليه أحدهما المعين في الواقع، بأن لا يصح منه الا العمرة المفردة أو الحج فيصح الإحرام فيأتي بما هو المتعين عليه، و يلغو نية غيره و لا يضره ضمه اليه.

و أما إذا صح كل واحد من العمرة و الحج منه بأن لم يتعين و لم يجب عليه واحد منهمافالأقوى بطلان الإحرام، لعدم صحتهما بإحرام واحد و عدم الترجيح في البين. نعم لا بأس بنية العمرة و الحج معا في الإحرام بالعمرة المتمتع بها الى الحج، بأن ينوي العمرة مريدا بها الى حج التمتع الذي دخلت العمرة فيه، بل هو مستحب كما في بعض الروايات.

فتحصل من جميع ما ذكر أن الجمع في النية بين العمرة و الحج- بحيث يكون كل منهما علة تامة مستقلة مؤثرة في العمل غير صحيح لعدم تعين المنوي، و يكون الإحرام باطلا، و لا يكون مخيرا في تعيين أحد الفردين بعده، كتزويج الأختين معا من دون تعيين أحدهما حين العقد في البطلان و عدم جواز التعيين بعده و عدم التخيير بينهما.

و قد يستدل لصحة الجمع بين العمرة و الحج في النية، بما روى عن علي عليه السلام في قضية عثمان، عن الحلبي عن ابى

ص: 274

عبد اللّه عليه السلام قال: ان عثمان خرج حاجا فلما خرج الى الأبواء أمر مناديا ينادي في الناس اجعلوها حجة و لا تمتعوا، فنادى المنادي فمر المنادي بالمقداد بن الأسود فقال: أما لتجدن عند الغلائص رجلا ينكر ما تقول، فلما انتهى المنادي الى على «ع» و كان عند ركائبه يلقمها خبطا و دقيقا، فلما سمع النداء تركها و مضى الى عثمان و قال: ما هذا الذي أمرت به. فقال: رأي رأيته. فقال:

و اللّه لقد أمرت بخلاف رسول اللّه، ثم أدبر موليا رافعا صوته: لبيك بحجة و عمرة لبيك معا (1).

و ظاهر الرواية أنه عليه السلام نوى الحج و العمرة معا و فيه:

ان عليا عليه السلام كان بذلك رادا على عثمان و منكرا لعمله المخالف لسنة رسول اللّه «ص» و معلنا بأن الواجب على النائي حج التمتع لا القران، كما نطق به القرآن الكريم و أمر به النبي «ص»، و كان علي عليه السلام بذلك ناويا للعمرة إلى الحج، و الا كان هو أيضا مخالفا لعمل الرسول و الكتاب الكريم.

(الفرع الثاني) لو أحرم و نوى و قال «أحرم كإحرام فلان»،

فتارة يعلم أنه أحرم كذا، فلا اشكال فيه لانه تعيين تفصيلي، و أخرى لا يعلم نوع إحرامه أصلا بل يعلم انه أحرم إجمالا، فلا يبعد القول ببطلانه لعدم التعيين أصلا.

قد يقال: انه صحيح، مستدلا بما روي عن علي عليه السلام


1- الوسائل ج 9 الباب 21 من أبواب الإحرام الحديث 7.

ص: 275

انه أحرم و أهل كإهلال رسول اللّه «ص» في حجة الوداع، و كان وقتئذ باليمن.

و فيه: انه كما تقدم لم يثبت عدم كونه عالما بإحرام النبي «ص» حينما أحرم، و لعله كان يعلمه من قبل بإخبار النبي أو من طريق آخر فالاستدلال به مع عدم ثبوت جهله بإحرام الرسول غير صحيح.

(الفرع الثالث) لو نسي ما أحرم به و لم يعلم أنه أحرم بالحج أو بالتمتع

، قال المحقق: كان مخيرا بين الحج و العمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما المعين، و الا صرف اليه. و نقل ذلك عن الفاضل و الشهيدين و غيرهم.

و استدل له: بأنه كان له الإحرام بأيهما شاء فله صرف إحرامه إلى أيهما شاء، و الوجه في ذلك استصحاب حال المكلف قبل الإحرام، إذ المحرم قبل الإحرام كان له أن يصرف إحرامه الى أي من النسكين، و يختار أيا منهما شاء و الان كذلك، فله التخيير كما كان له ابتداء بناء على اتحاد الموضوع و ان نسيانه لما أحرم به لا يوجب تعدد الموضوع. بدعوى أن الموضوع هو الشخص، و هو في الحالتين متحد.

و لكن التحقيق أن الاستصحاب في المقام لا يجري للتعارض.

كما في الإنائين المشتبهين، فان المكلف قبل العلم بوقوع الدم في أحدهما كان مخيرا أن يتوضأ من أي من الإنائين، و لكن بعد العلم بالنجاسة يتعارض الاستصحاب في كل منهما مع الأخر. و في

ص: 276

المقام أيضا كذلك، فان المحرم قبل إحرامه و ان لم يتعين عليه العمرة أو الحج، و كان له التخيير في صرف الإحرام الى أي منهما شاء، و لكنه بعد الإحرام لأحدهما و نسيانه ذلك يعلم وجوب إتمام ما أحرم له و عين عليه و عدم جواز صرفه الى غيره، فيتعارض استصحاب جواز التعيين في كل واحد منهما مع الأخر و لا يجري الاستصحاب.

ثم ان صاحب الجواهر نقل عن المستدل تعليله للحكم بعدم الرجحان في أحدهما، و عدم جواز الإحلال له بدون النسك، إلا إذا صد أو أحصر، و عدم إمكان الجمع بين النسكين فيتخير بين الفردين.

فهل عدم الرجحان المذكور في دليل المستدل دليل مستقل قبال الاستصحاب، أو هو من تتمة الدليل الأول فيتخير بين النسكين و الظاهر أن عدم الرجحان لأحدهما بنفسه لا يوجب التخيير بينهما في الحكم، كما أن التخيير بين النسكين إذا عرض عارض لا يوجب التخيير هنا، فان عدم القدرة على الجمع انما هو من جهة أمر خارجي و منع و صد، فيصح القول بالتخيير بعد الإحرام لأحدهما.

و أما عدم القدرة على الجمع في المقام انما هو من جهة أن المحرم لا يدري ما نوى و لا يعلم ما قصده، و هذا لا يوجب التخيير بل يمكن أن يحكم بالبطلان رأسا، و عدم توجه التكليف إليه أصلا و ان لا يكون مسقطا للتكليف الواجب لو اختار أحدهما.

ص: 277

و أما عدم جواز الإحلال له، فهو أمر آخر، و تكليف مستقل لا يلزم منه التخيير شرعا. فان من أحرم و نسي ما أحرم به، يجب عليه أن يحل بأي وجه يمكن له، و لكن مع ذلك كله، التكليف الثابت عليه في الواقع باق على عهدته و لا يبرء ذمته عنه. هذا إذا لم يمكن الاحتياط، و هو في المقام ممكن بالعدول إلى العمرة.

و بالجملة التخيير هنا ليس حكما شرعيا، بل طريق الى التخلص من تعهدات الإحرام و التحليل مما كان ممنوعا منه، كما لو عقد إحدى الأختين و نسي المعقودة، إذ لا يمكن القول بالتخيير بينهما و انه يمسك أيتهما شاء، بل لا بد له من الاحتياط أما بالنسبة إلى النفقة و حق السكنى فيعطى كل واحدة منهما نفقتها و سكناها، و أما التماس الجنسي فلا يقرب آية منهما و لا يجامعها، و لكن يمكن له ان يحتاط و يطلق كل واحدة منهما. و في المقام أيضا كذلك ان أمكن له الاحتياط كما تقدم اختياره يحتاط بالعدول إلى العمرة و الا فلا تخيير له شرعا.

هذا كله إذا لم يلزمه أحد النسكين، و أما إذا لزمه فيأتي حكمه في الفرع الاتي.

(فرع) لو أحرم و نسي ما أحرم به و كان أحد النسكين فرضا عليه في الواقع

، صرف اليه كما في الشرائع. و لعله لظاهر الأمر، و ان المكلف لا يقدم الا على ما هو الواجب عليه، و انه حين العمل أذكر. و هو الذي يقتضيه أصالة الصحة في العمل أيضا، فإنه يشك

ص: 278

في أن إحرامه صحيح، بأن كان لما يجب عليه و لزمه، أو باطل لكونه لغير الواجب عليه، كما في صوم شهر رمضان إذا شك في أنه نوى صوم شهر رمضان أو غيره من الواجب و المندوب، فيحكم بصحة صومه، و انه نوى صوم شهر رمضان، فكذلك في المقام يحكم بأن إحرامه انما كان لما كان واجبا و لازما عليه دون غيره. هذا غاية تقريب أصالة الصحة.

و فيه: ان الحكم بصحة صوم رمضان إذا شك أنه نواه أم نوى غيره، انما هو لدليل خاص شرعي غير ثابت في المقام، و أما أصالة الصحة فهي تجري فيما إذا أحرز عنوان العمل و فرغ عن وجوده، ثم شك في انه أتى به صحيحا أم باطلا، كما إذا فرغ عن صلاة الظهر أو العصر، و شك في أنه أتى بها صحيحا أو باطلا، يحكم بالصحة بحكم الأصل.

و أما لو شك في أنه نوى الظهر أو العصر، فلا يمكن الحكم بأن المنوي هو الظهر بأصالة الصحة، بخلاف ما لو نوى الظهر تعيينا و فرغ منه، ثم شك في أنه صحيح أم باطل. فعلى هذا لو شك في أنه أحرم لما لزمه حتى يكون إحرامه صحيحا، أو أحرم لغيره فيقع باطلا، لا يمكن إثباته لما يجب عليه بأصالة الصحة في العمل، كما في إثبات عنوان الظهر بها. نعم لو أحرم بالحج أو بالعمرة و فرغ من الإحرام ثم شك في أنه كان صحيحا أو باطلا، فيحكم بالصحة بحكم الأصل، بخلاف الأول فإن أمكن فيه الاحتياط و الا فيحكم

ص: 279

بالبطلان.

و عن الشيخ في الخلاف يجعله عمرة، لأنه ان كان متمتعا فقد وافق و ان كان غيره فالعدول منه الى غيره جائز. و قال: و إذا أحرم بالعمرة(في الواقع) لا يمكنه أن يجعلها حجة مع القدرة على أفعال العمرة، فلهذا قلنا يجعلها عمرة على كل حال انتهى.

و حسنه في التحرير و المنتهى، و لعل الوجه أن الموافقة الاحتمالية مرجح على المخالفة القطعية إذا لم يمكن الامتثال القطعي. لكن لا وجه لهذا الاحتمال، لأن الموافقة الاحتمالية حاصلة على التخيير ايضا. هذا إذا كان العدول جائزا، و أما إذا لم يمكن العدول كما لو نسي أنه أحرم لحج الافراد أو العمرة المفردةفيأتي بأيهما شاء.

و في الجواهر قوى البطلان و سقوط الخطاب أصلا، و قد تقدم منا في الفروع السابقة، أنه ان أمكن الاحتياط في الموارد المشتبهة يعمل به.

فهل الاحتياط هنا ممكن أم لا؟ لا يبعد أن يقال لو نسي أنه أحرم لحج الافراد أو العمرة المفردة يمكن الاحتياط، بأن يأتي بالطواف و السعي و يقف بالعرفات و المشعر رجاء، إذ لا مانع من تقديم الطواف و السعي في حج الافراد، ثم يرمي الجمرة يوم العيد رجاء و يحلق أو يقصر بقصد ما في الذمة من الحج أو العمرة، و يأتي بسائر أعمال الحج رجاء، ثم يطوف طواف النساء ناويا لما في الذمة

ص: 280

في التلبية
اشارة

(الثاني) من واجبات الإحرام التلبية، و الكلام فيها في مواقع:

الأول في وجوبها، و الثاني في أن الإحرام لا ينعقد الا بها بمعنى أنه يجوز ارتكاب ما يحرم على المحرم قبل التلبية، و الثالث في كيفيتها و عددها.

(اما الأول) فلا إشكال في وجوبها و لا خلاف، بل ادعي الإجماع و عدم الخلاف فيه في الجملة. و تدل عليه أخبار معتبرة كثيرة:

(منها) رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث: و اعلم انه لا بد من التلبيات الأربع في أول الكلام، و هي الفريضة و هي التوحيد و بها لبى المرسلون (1).

و عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:


1- الوسائل ج 9 الباب 36 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 281

سألته عن التلبية لم جعلت؟ قال: ان إبراهيم «ع» حين قال اللّه عز و جل له وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا نادى و أسمع فأقبل الناس من كل وجه يلبون، فلذلك جعلت التلبية (1).

و عن الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: جاء جبرئيل إلى النبي «ص» و قال له: ان التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية (2).

(و أما الثاني) مضافا الى الإجماع بقسميه كما عن الانتصار و الغنية و الخلاف و التذكرة، تدل عليه أخبار كثيرة متظافرة:

منها صحيح معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال: لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة و يقول الذي يريد أن يقوله و لا يلبى، ثم يخرج فيصيب من الصيد و غيره فليس عليه فيه شي ء (3).

و في صحيح ابن الحجاج في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلب. قال: ليس عليه شي ء (4).

و في رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد اللّه عليه السلام: صلى ركعتين في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثم خرج


1- الوسائل ج 9 الباب 36 من أبواب الإحرام الحديث 8.
2- الوسائل ج 9 الباب 37 من أبواب الإحرام الحديث 3.
3- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 1.
4- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 2.

ص: 282

فأتي بخميص فيه زعفران فأكل قبل أن يلبى منه (1).

و في مرسلة جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السلام أنه قال في رجل صلى في مسجد الشجرة و عقد الإحرام و أهل بالحج ثم مس الطيب و أصاب طيرا أو وقع على اهله. قال: ليس بشي ء حتى يلبى (2).

و منها صحيح حريز عن ابى عبد اللّه عليه السلام في الرجل إذا تهيأ للإحرام فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلب (3).

(و منها) رواية زياد بن مروان قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: ما تقول في رجل تهيأ للإحرام و فرغ من كل شي ء إلا الصلاة و جميع الشروط الا أنه لم يلب، إله أن ينقض ذلك و يواقع النساء؟ فقال: نعم (4).

و في رواية الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن بعض أصحابه قال: كتبت الى ابى إبراهيم عليه السلام رجل دخل مسجد الشجرة فصلى و أحرم و خرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبى أن ينقض ذلك بمواقعة النساء إله ذلك؟ فكتب: نعم أولا بأس به (5).


1- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 6.
3- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 8.
4- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 10.
5- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 12.

ص: 283

و في رواية حفص بن البختري عن ابى عبد اللّه عليه السلام فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبى.

قال: ليس عليه شي ء (1).

و في رواية أبان عن ابى عبد اللّه عليه السلام يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: الاشعار و التلبية و التقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم (2).

و عن محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب قال: قال ابن سنان: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الإهلال بالحج و عقدته. قال: هو التلبية إذا لبى و هو متوجه فقد وجب عليه ما يجب على المحرم (3).

و المستفاد من تلك النصوص التي ادعي استفاضتها، أن من نوى الحج أو العمرة و عقد الإحرام إما بإنشاء التحريم أو توطين النفس على ترك المحرمات، و لم يلب فله أن ينقض إحرامه، بمعنى ان له ارتكاب ما يحرم على المحرم الى أن يلبى لا بمعنى إبطال الإحرام و نقضه. و المراد من النقض الوارد في الروايات، هو عدم وجوب الوفاء بما التزم من ترك المحرم، و لو ارتكب شيئا من المحرمات قبل التلبية فليس عليه شي ء، و إذا لبى يجب الوفاء


1- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 13.
2- المصدر الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 5.
3- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 15.

ص: 284

بما التزم بالإحرام.

و يعلم من هذا كما قيل ان التلبية في الإحرام بمنزلة القبض في السلف في وجوب الوفاء بما أنشأ، فإن العقد السلفي و ان كان تاما من جهة الإنشاء و القصد و سائر الشروط المعتبرة فيه، الا أنه لا يجب الوفاء به الا بعد القبض في المجلس، فكذلك الإحرام لا يجب الوفاء به الا بعد التلبية.

لكنه مشكل، بل لا يبعد استفادة كون التلبية جزءا أخيرا للإحرام و لا يحرم المحرمات الا بعد تمامية الإحرام، كما يشير اليه قوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ.

و لا يعارض تلك الروايات المتقدمة إلا خبر احمد بن محمد قال: سمعت ابى يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيأ للإحرام ثم يواقع اهله قبل أن يهل بالإحرام. قال: عليه دم (1).

لكنه محمول على الاستحباب أو متروك، و نقل عن الشيخ أنه حمله على من لبى سرا و لم يجهر بالتلبية، و احتمل الحمل على من عقد الإحرام بالإشعار أو التقليد أيضا، و لكنه بعيد (2).


1- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 14.
2- أقول: ان الرواية من جهة الاعتبار ساقطة عن الحجية رأسا، لعدم اتصالها بالإمام، فان احمد بن محمد نقل عن أبيه يقول كذا و لم يروه عن المعصوم.

ص: 285

(في جواز تأخير التلبية عن الميقات)

ثم انه يظهر من النصوص جواز تأخير التلبية إلى البيداء و عدم وجوب المقارنة زمانا و لا مكانا بينها و بين عقد الإحرام و نيته، و من الغريب أن بعض المحدثين مال الى وجوب تأخير التلبية إلى البيداء في هذا الميقات عملا بالأوامر الواردة فيها، و لكن لم يعرف القول به من أحد من الفقهاء.

و قد يقال: انه بناء على كون النية هو الداعي لا يتصور انفكاك الداعي عن التلبية، فإن الداعي مستمر الى أن يلبي فلا ثمرة غالبا في ذلك.

و فيه: ان القول في المقام في أن التلبية، هل يجوز تأخيرها مكانا و زمانا عن عقد الإحرام و نيته و ان كانت النية هي الداعي لا غير و بعبارة أوفى: ان البحث في أن الحاج إذا عقد الإحرام و نوى الحج في مسجد الشجرة مثلا هل يجب عليه أن يلبى في ذلك المكان و الزمان حتى تحرم عليه المحرمات و يتم الأمر و لا يجوز له ارتكاب المحرمات، أم يجوز له تأخير التلبية زمانا و مكانا؟ فلا ملازمة بينه و بين القول بكون الداعي هو النية و القول بالمقارنة و وجوبها.

قد يستدل على عدم وجوب المقارنة بأصل البراءة عن الوجوب إذا شك فيه، و لكنه غير تام، فان الشك في المقام شك في المحصل بعد العلم باشتغال الذمة بالإحرام الذي يوجب العلم بالفراغ،

ص: 286

فالأصل الجاري في المقام الاشتغال لا البراءة.

فالعمدة في المقام هي الأخبار الواردة في المسألة، و لا بد من ذكرها و التأمل في مفادها و كيفية دلالتها، ثم الجمع بينها بما يقتضيه النظر الدقيق، فإنها مختلفة الدلالة و المضامين جدا:

فمنها صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل الى يسارك فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلب (1).

و صحيح عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان رسول اللّه «ص» لم يكن يلبى حتى يأتي البيداء (2).

و صحيح الفضلاء حفص بن البختري و عبد الرحمن بن الحجاج و حماد بن عثمان عن الحلبي جميعا عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا صليت في مسجد الشجرة فقل و أنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلب (3).

و صحيح منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس


1- الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الإحرام الحديث 6.
2- الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الإحرام الحديث 5.
3- الوسائل ج 9 الباب 35 من أبواب الإحرام الحديث 3.

ص: 287

يخسف بالجيش (1).

و صحيح معاوية بن عمار أو حسنته عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيئة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب (2).

و صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التهيؤ للإحرام فقال في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول اللّه «ص» و قد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول: لبيك اللهم لبيك الحديث (3).

و صحيح عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: ان كنت ماشيا فاجهر باهلا لك و تلبيتك من المسجد، و ان كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء (4).

و رواية عبد اللّه بن سنان انه سأل أبا عبد اللّه هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: نعم انما لبى النبي «ص» في البيداء لان الناس لم يعرفوا التلبية فأحب


1- الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الإحرام الحديث 4.
2- الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الإحرام الحديث 2.
3- الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الإحرام الحديث 3.
4- الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 288

ان يعلمهم كيف التلبية (1).

و أما التلبية

فكيفيتها على ما في الشرائع و نقل عن التحرير و المنتهى «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك» و هي خيرة الكركي و كذا في الفقه الرضوي، و اختلف في إضافة «ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك».

و منشأ الخلاف ما نقل في رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام: و التلبية ان تقول «لبيك، اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك داعيا الى دار السلام لبيك» الى أن قال عليه السلام: و اعلم انه لا بد من التلبيات الأربع التي كن في أول الكلام، و هي الفريضة، و هي التوحيد و بها لبى المرسلون الخبر.

فهل التلبيات الأربع عبارة عن أربع تلبيات مذكورة في أول الكلام وحدها، أو هي مع ما يليها من الدعاء بحيث يعد كل تلبية مع ما بعدها من الدعاء واحدة من التلبيات الأربع المفروضة.

فعلى الأول تتم أربع تلبيات بالتلبية الرابعة قبل «أن الحمد»


1- الوسائل ج 9 الباب 35 من أبواب الإحرام الحديث 2. يقول المقرر: هذه جملة من الاخبار التي أشار إليها الأستاذ مد ظله في أثناء بحثه ثم تعرض للجمع بينها و الرد على بعض الأقوال فيها.

ص: 289

و يكون الباقي مستحبا كسائر الجملات الواقعة في الرواية، و أما بناء على الثاني يلزم و يجب إضافة «ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك» حتى تتم التلبيات الأربع، كما عن ظاهر المختلف و عن رسالة ابن بابويه و المقنع و الفقيه.

و قيل صورة التلبية «لبيك اللهم لبيك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك» كما عن جمل السيد و المبسوط و السرائر و الغنية.

و لكن ما هو الأظهر الأقوى القول الأول، و ينطبق عليه ايضا صحيح معاوية بن عمار أيضا، لصدق التلبيات الأربع بإتمام التلبية الرابعة نفسها، و لا يحتاج في صدق تمامية الأربع الى ما بعدها من الجملات، و ان كان الأحوط إضافتها أيضا.

الثالث من واجبات الإحرام لبس الثوبين
اشارة

كما في كثير من متون الفقه، و ما يصلح أن يكون دليلا عليه أمور:

(الأول) الأمر الوارد بلبسهما في المعتبرة المستفيضة المروية عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا كان يوم التروية إنشاء اللّه تعالى فاغتسل ثم البس ثوبيك، و ادخل المسجد بالسكينة و الوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر- الخبر (1).


1- الوسائل ج 9 الباب 52 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 290

و حيث أن المعتبرة مشتملة على الواجب و المندوب لا تكون ظاهرة في وجوب لبس الثوبين و اشتراط الإحرام به. اللهم أن يقال: ان ظهور الأمر في الوجوب بحسب الوضع الاولي، لا يرفع اليد عنه الا بالقرينة الصارفة، و مجرد الاشتمال على الأمور المندوبة و وقوع لبس الثوبين في سياق المستحبات الواقعة تحت الأمر، لا يمنع عن الظهور في الوجوب بالنسبة اليه، و لا يصرفه عن ذلك فتأمل.

(الثاني) فعل النبي «ص»، إذ المسلم أنه لبس الثوبين عند الإحرام. و يتم الاستدلال به إذا علم أن لبسه الثوبين انما كان من باب الوجوب، لان فعله «ص» لا يختص بالواجب بل يعمه و الندب.

و لكن إثبات ذلك مشكل، و لو بالسيرة المستمرة بين المسلمين، فان الظاهر من العامة عدم وجوبه.

نعم غاية ما يمكن إثباته تحقق السيرة من زمان الأئمة عليهم السلام الى زماننا، على أصل لبس الثوبين فقط، و هي أيضا لا تفيد الوجوب.

(الثالث) الإجماع المدعى على وجوب لبس الثوبين في كلمات الأصحاب، كما في التحرير و ان وقع الترديد في عبائر بعضهم و صرح غير واحد منهم أيضا بعدم الخلاف فيه. و ظاهر ذلك الإجماع المصطلح بين العلماء.

و يرد عليه أولا: ان عدة من أعاظم الفقهاء لم يصرحوا بالوجوب

ص: 291

كالشيخ المفيد و الصدوق و الشيخ و غيرهم. بل كلماتهم مطابقة لما ورد في النصوص من الأمر بلبس الثوبين و غيره من الواجب و المستحب، و هذا لا يزيد على ما في الاخبار من الإجمال و عدم الظهور في الوجوب، و لذا أشكل عليه كاشف اللثام.

نعم صرح الشهيدان و كذا المقنعة و المراسم و الشرائع و القواعد بالوجوب، و القول بذلك احتياط في الدين فلا يترك اقتداء بأئمة المسلمين.

هذا من جهة الوجوب التكليفي و عدمه، و أما الحكم الوضعي و اشتراط صحة الإحرام به، فوجوب لبس الثوبين و عدم انعقاده بدونه لو أحرم عاريا أو بغيرهما، فهو أيضا مما اضطربت فيه كلمات القوم، و لم أجد من صرح بذلك. نعم قد ينسب الى ابن الجنيد حيث قال على ما في المختلف: ثم اغتسل و يلبس ثوبي إحرامه و يصلي لإحرامه و لا يجزيه غير ذلك إلا الحائض فإنها تحرم بغير صلاة. ثم قال بعد كلام طويل: و لا ينعقد الإحرام الا من الميقات بعد الغسل و التجردانتهى.

و الظاهر من صدر كلامه وجوب لبس الثوبين و الغسل و الصلاة أيضا، و أما ما يعطي الذيل أن الإحرام لا ينعقد الا من الميقات، و لم يذكر لبس الثوبين و لا غيرها شرطا لانعقاد الإحرام، و ظاهره شرطية الميقات و التجرد له فقط دون غيرهما، و في الدروس: أن ظاهر الأصحاب انعقاد الإحرام بدون لبس الثوبين لما قالوا لو أحرم

ص: 292

و عليه قميص نزعه و لا يشقه و لو لبسه بعد الإحرام شقه و أخرجه من تحته كما هو مروي انتهى.

و ظاهر كلام الدروس و نقله كلمات الأصحاب انه فتوى منه بعدم شرطية الثوبين في انعقاد الإحرام كما هو المترائى من النصوص أيضا:

منها ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام: إذا لبست قميصا و أنت محرم فشقه و أخرجه من تحت قدميك (1).

و في صحيح آخر عنه و عن غير واحد عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل أحرم و عليه قميصه. قال: ينزعه و لا يشقه، و ان كان لبسه بعد ما أحرم شقه و أخرجه مما يلي رجليه (2).

و عن عبد الصمد بن بشير عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث:

ان رجلا أعجميا دخل المسجد يلبى و عليه قميصه، فقال: انى كنت رجلا أعمل بيدي و اجتمعت لي نفقة فحيث أحج لم أسأل أحدا عن شي ء، و أفتوني هؤلاء أن أشق قميصي و أنزعه من قبل رجلي و ان حجي فاسد و ان علي بدنة. فقال له: متى لبست قميصيك، أبعد ما لبيت أم قبل؟ قال: قبل أن ألبي. قال: فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه طف بالبيت سبعا و صل ركعتين عند مقام


1- الوسائل ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
2- المصدر ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ص: 293

إبراهيم واسع بين الصفا و المروة و قصر من شعرك، فإذا كان يوم التروية فاغتسل و أهل بالحج و اصنع كما يصنع الناس (1).

و هذه الروايات كلها تدل على صحة الإحرام من دون لبس الثوبين، حتى رواية عبد الصمد، فإنها و ان كانت تدل بمفهوم المخالفة على أن من أحرم في قميصه عن علم، يجب عليه شق الثوب و إخراجه من قبل رجليه، و يبطل حجه و عليه البدنة و الحج من قابل، كما أفتوا هؤلاء، الا أن دلالتها على اعتبار الثوبين في انعقاد الإحرام غير واضحة، بل ثابت عدمها، فان وجوب شق الثوب و إخراجه عن قبل الرجل في هذا الحال لا وجه له ان قلنا ببطلان الإحرام، بترك لبس الثوبين، و كونه غير محرم في الواقع، لان وجوب شق الثوب على غير المحرم و إخراجه من تحت قدميه خلاف ما ارتكز عند المسلمين و لم يعهد ذلك منهم.

مضافا الى أن جميع ما في هذه الرواية غير معمول به عند الأصحاب على ما هو الظاهر منهم، كما نسب الدروس ذلك إليهم، فإنهم قالوا بعدم وجوب الشق و عدم فساد الحج و عدم وجوب البدنة عليه إذا أحرم في قميصه، و لم يفرقوا بين العالم و الجاهل في ذلك الحكم.

و مثلها رواية خالد بن محمد الأصم (2)، في إعراض الأصحاب


1- الوسائل ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

ص: 294

عن العمل بمضمونها، حيث علل وجوب شق الثوب و إخراجه من قبل الرجل بالجهل، فان الظاهر من كلماتهم انعقاد الإحرام مطلقا.

و الفرق بين قبل الإحرام و بعده في وجوب الشق و عدمه انما هو للاستناد بصحيح معاوية بن عمار و غيره عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل أحرم و عليه قميصه. فقال: ينزعه و لا يشقه، و ان كان لبسه بعد ما أحرم شقه و أخرجه مما يلي رجليه (1).

و ما قاله كاشف اللثام من أن كلامهم هذا و الفرق في شق الثوب و عدمه بين اللبس قبل الإحرام و بعده، يدل على عدم انعقاد الإحرام فإن وجوب الشق انما هو للتحرز عن ستر الرأس المحرم على من أحرم، و عدم وجوبه يكشف عن عدم انعقاد الإحرام إذا أحرم و عليه قميصه، خلاف ظاهر النص و الفتوى، إذ المتبادر منهما انعقاد الإحرام في قميص لبسه، الا أنه يجب عليه نزعه و لا يشقه، و لا يترتب على ذلك كفارة أيضا و لا عقوبة، بخلاف ما إذا لبسه بعد ما أحرم، فيجب عليه الشق و يأثم به، بل كاد أن يكون ذلك مقطوعا به في كلامهم.

و مما يدل على عدم اشتراط انعقاد الإحرام بلبس الثوبين، ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الاشعار و التقليد، فإذا فعل شيئا


1- الوسائل ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ص: 295

من هذه الثلاثة فقد أحرم (1).

إذ يستفاد منها أن ما يعتبر في انعقاد الإحرام، هي الأمور الثلاثة و تدل بإطلاقها على عدم اشتراط شي ء فيه غيرها. و لكن ذلك الإطلاق و نظائره ليس بحيث يعارض و يقاوم ما يدل على الاشتراط و الاعتبار لو ثبت، كالأوامر الواردة في لبس الثوبين، بناء على تمامية الدلالة، و النواهي التي تدل على عدم لبس المخيط، فيقيد بها المطلقات.

و ان كان من الممكن القول بأن تلك الأوامر و النواهي تحمل على الأحكام التكليفية لا الوضعية، بقرينة ما تدل على صحة الإحرام في القميص.

و لكن ما هو الظاهر من الأوامر الواردة في العبادات المركبة الدالة على اعتبار شي ء فيها هو الجزئية أو الشرطية، دون التكليفية المحضة. اللهم الا أن يحمل عليها بمعونة الأخبار الدالة على عدم شرطيته فيها و صحة الإحرام و عليه قميصه المعمول بها عند الأصحاب أيضا.

في كيفية لبس الثوبين
اشارة

ثم انه بعد اعتبار لبس الثوبين في انعقاد الإحرام بأي معنى كان فهل يعتبر الكيفية الخاصة فيه، بأن يرتدي بأحدهما و يتزر بالاخر،


1- الوسائل ج 8 الباب 12 من أقسام الحج الحديث 2.

ص: 296

كما هو المتعارف و المعمول به في عصرنا، أم لا؟ الظاهر اتفاق الأصحاب و إجماعهم على ذلك، مضافا الى أنه الموافق للاحتياط.

و تدل عليه أيضا بعض الروايات الواردة في كيفية حج النبي صلى اللّه عليه و آله، و فيه: فلما نزل «ص» الشجرة أمر الناس بنتف الإبط و حلق العانة و الغسل و التجرد في إزار و رداء أو إزار و عمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء (1).

(مسألة) هل يجوز عقد الإزار و شده بشي ء آخر مثل الإبرة و غيرها، أم لا يجوز بل يعتبر لبسه، و كذا الرداء على النحو المتعارف.

قد عقد صاحب الوسائل بابا لهذه المسألة و قال «باب عدم جواز عقد المحرم ثوبه إلا إذا اضطر الى ذلك لقصره»، فيعلم من العنوان انه رحمه اللّه لا يجوز ذلك حال الاختيار، و روى فيه اخبارا منها:

عن سعيد الأعرج انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال: لا (2).

و النهي في الرواية انما تعلق بعقد الإزار و شده، و احتمال كون المراد من العقد جمعه و وضعه على عنقه، خلاف الظاهر، و ان كان محتملا في رواية الاحتجاج كما سيأتي.

عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السلام انه كتب إليه يسأله عن المحرم يجوز أن يشد المئزر من


1- الوسائل ج 8 الباب 2 من أقسام الحج الحديث 15.
2- الوسائل ج 9 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

ص: 297

خلفه على عنقه(عقبه خ ل) بالطول و يرفع طرفيه الى حقويه و يجمعهما في خاصرته و يعقدهما و يخرج الطرفين الأخيرين من بين رجليه و يرفعهما الى خاصرته و يشد طرفيه الى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك، فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك و هذا أستر. فأجاب «ع»: جائز ان يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض و لا ابرة تخرجه به عن حد المئزر و غرزه غرزا و لم يعقده و لم يشد بعضه ببعض، و إذا غطى سرته و ركبته كلاهما فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة و الركبتين، و الأحب إلينا و الأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة و المعروفة للناس جميعا إنشاء اللّه (1).

و عنه أيضا انه سأله: هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة؟

فأجاب: لا يجوز شد المئزر بشي ء سواه من تكة أو غيرها (2).

و في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته، و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده (3).

فهل المراد من جواب الامام عليه السلام في رواية الاحتجاج:

«جائز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا


1- الوسائل ج 9 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
2- المصدر الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
3- الوسائل ج 9 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

ص: 298

بمقراض و لا ابرة تخرجه به عن حد المئزر و غرزه غرزا و لم يعقده» ان المانع نفس قرضه أو إدخال الإبرة فيه، أو المنهي احداث أي عمل يخرج الإزار عن كونه مئزرا و يجعله شبيها بالسراويل، أو المراد النهي عن المخيط و كونه مخيطا، و ان لم يكن شبيها بالسراويل ثم ان قوله «غرزه غرزا» هل هو جملة مستقلة أو مربوطة و معطوفة بما تقدم؟ و الثاني خلاف الظاهر (1).

و على كل حال تدل الرواية على عدم جواز العقد و الشد بشي ء إذا أخرجه عن كونه مئزرا بأي نحو كان و أي عمل حدث، و أما غيره من العقد و الشد فيحتاج الى الدليل.

و كيف كان ان الإزار و الرداء المذكور في رواية ابن سنان المعتبر عند الإحرام، معروف عند العرف يفهمه العرب و العجم، كما يعلم مفهوم الماء و غيره من الأشياء، و يصدق المفهوم و يتحقق إذا كان مطلقا و غير مشدود و لا معقود، و أما مع الشد و العقد فان خرج بهما عن انطباق العنوان عليه فلا يجوز قطعا و لا اشكال، و الا فعدم الجواز يحتاج الى دليل يثبته. و الاخبار المذكورة غير منقحة من جهة السند، بل روي عن على عليه السلام انه كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلى فيه و ان كان محرما (2).


1- غرز الإبرة في الشي ء أدخلها فيه، و على هذا تكون الجملة عطفا على ما سبق.
2- الوسائل ج 9 الباب 53 من أبواب التروك الحديث 2.

ص: 299

نعم بناء على التسامح في أدلة السنن، حتى في الكراهة لا مانع من القول بكراهة العقد، بل هو حسن، و ان كان الاحتياط يقتضي ترك العقد مطلقا سيما في العقد في العنق.

و أما الرداء فهو أن يتردى به، أى يلقيه على عاتقيه جميعا و يسترهما به كما هو المعمول و المتعارف، و لعل رعاية تلك الهيئة أولى و أنسب.

و أما التوشح بأن يدخل طرفه تحت إبطه الأيمن و يلقيه على عاتقه الأيسر كالتوشح بالسيف فان صدق التردي به فلا إشكال في جوازه و عدم وجوب هيئة خاصة فيه، سواء كان التوشح من طرف الأيمن أو الأيسر. نعم يشترط في الرداء من جهة الطول و العرض أن يكون مقدارا يستر المنكبين، كما يشترط في الإزار أن يستر السرة و الركبتين.

و قد يقال: ان الميزان فيها الصدق العرفي، فإن صدق كفى و ان كان أقل مما ذكر و الا فلا يكفي.

(فرع): لو شك في اعتبار ذلك المقدار و عدمه بعد صدق المفهوم العرفي

، فهل الأصل يقتضي الاشتغال أو البراءة من وجوب الزائد المشكوك؟ الظاهر هو الثاني، لأن الشك انما تعلق بوجوب الأكثر بعد العلم بوجوب الأقل، و المرجع في المقام البراءة من وجوب الزائد، نعم لو احتمل دخالة ذلك المقدار في تحقق الإحرام و انعقاده فالأصل هو الاشتغال كما مر.

ثم هل يكفي ثوب واحد طويل يستر المنكبين و السرة و الركبتين

ص: 300

أم يعتبر التعدد و ان حصل الستر بواحد منه؟ قولان، ظاهر النص و الفتوى اعتبار التعدد و عدم كفاية ثوب واحد، و نقل عن كاشف اللثام أن الميزان في لباس الإحرام، رعاية الستر و لو حصل من واحد، و عن الشهيد رحمه اللّه بعد ما أوجب لبس الثوبين انه قال: لو كان الثوب طويلا فاتزر ببعضه و ارتدى بالباقي أو توشح به أجزأه.

و لكنه مشكل، فان حمل ما تدل على لبس الثوبين على ما يحصل به الستر، و جعل ذلك هو الملاك و الميزان في ثوبي الإحرام اجتهاد في مقابل النص، مضافا الى أن المتعارف في ستر المنكبين و السرة إلى الركبتين أيضا هو التعدد لا الواحد، و لا دليل على كونه في الأزمنة السابقة واحدا.

فيما يشترط في ثوبي الإحرام
اشارة

قال المحقق رحمه اللّه: و لا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبسه في الصلاة، أما عدم الجواز في بعض ما لا يجوز الصلاة فيه فمما لا اشكال و لا خلاف فيه و لا يحتاج الى دليل خاص، بل يكفي الدليل العام فيه، كعدم جواز الإحرام في المغصوب و اجزاء الميتة، و الذهب و الحرير الخالص للرجال. فإن الإحرام أمر عبادي يشترط فيه القربة و لا يتمشى التقرب بما يكون لبسه و التقلب فيه حراما، سواء قلنا باجتماع الأمر و النهي أم لم نقل، لعدم حصول القربة بما ذكر، ففي مثل هذه لا يحتاج الى دليل خاص.

ص: 301

و أما غيرهاكاشتراط الطهارة و عدم كونه نجسافيحتاج الى الدليل و لا يكفي دليل عدم جواز الصلاة فيه، في إثبات الحكم، و القول بعدم جواز الإحرام فيه أيضا، كأجزاء غير المأكول، فلا بد من التأمل في الأخبار المروية لكي يتضح الحال:

منها ما عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: كل ثوب تصلي فيه فلا بأس أن تحرم فيه (1).

و مفهومه أن كل مالا تصح الصلاة فيه، ففي الإحرام فيه بأس و منع، فيستفاد من الرواية أن كل ما لا تجوز الصلاة فيه كالميتة و أجزاء ما لا يؤكل لحمه و الذهب و الحرير الخالص للرجال لا يصح الإحرام فيه، و ان كان دعوى الكلية في المفهوم لا يخلو من بحث.

و أما شرطية الطهارةمضافا الى شمول عموم المفهوم له- يؤيدها رواية معاوية بن عمار قال: سألته(أبا عبد اللّه) عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة. قال: لا يلبسه حتى يغسله و إحرامه تام (2).

و صحيحة الأخر عن ابى عبد اللّه عليه السلام أيضا قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها و بين غيرها. قال: نعم إذا كانت طاهرة (3).

يعلم من الروايتين أن المحرم لا يجوز له لبس الثوب النجس سواء كان ثوبا أحرم فيه أو غيره. و لا فرق في ذلك بين الابتداء


1- الوسائل ج 9 الباب 27 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 37 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- الوسائل ج 9 الباب 37 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ص: 302

و الاستدامة، بل يستأنس منهما شرطية طهارة البدن أيضا و ان لم يتعرض له الأصحاب إلا بعض المتأخرين، و كذا يستأنس أن لبس كل ثوب نجس سواء كان معفوا في الصلاة أم لا، لا يجوز للمحرم و لكن يقيد هذا الإطلاق بما تقدم عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السلام من قوله «كل ثوب يصلى فيه فلا بأس أن تحرم فيه»، فيستفاد ان ما كان معفوا في الصلاة فهو معفو أيضا في ثوبي الإحرام.

و أما الحرير الخالص فلا يجوز لبسه للرجال و لا الإحرام فيه، و يدل عليه ما تقدم في رواية حريز من المفهوم العام.

مضافا الى أن الإحرام لما كان امرا عباديا يشترط فيه قصد التقرب، فحيث أن لبس الحرير حرام على الرجال لا يتمشى منه قصد التقرب لكونه مبغوضا عند الشارع، فلا يكون مطلوبا عنده.

عن ابى بصير قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الخميصة سداها إبريسم و لحمتها من غزل. قال: لا بأس بأن يحرم فيها، انما يكره الخالص (1).

و مثله رواية سعيد الأعرج عن ابى الحسن النهدي قال: سأل سعيد الأعرج و أنا عنده عن الخميصة سداها إبريسم و لحمتها من غزل(مرغزي). فقال: لا بأس بأن يحرم فيها، انما يكره الخالص منها (2).

و الظاهر أن المسئول عنه هو الامام عليه السلام، و كذا المراد


1- الوسائل ج 9 الباب 29 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 29 من أبواب الإحرام الحديث 3.

ص: 303

من الكراهة هو النهي، لمعروفية حرمة الخالص من الحرير.

و أما المخلوط من الحرير فلا إشكال في جواز الإحرام فيه، و يدل عليه ما روى حنان بن سدير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

كنت جالسا عنده فسئل عن رجل يحرم في ثوب فيه حرير، فدعا بإزار قرقبي فقال: فأنا أحرم في هذا و فيه حرير (1).

هذا بالنسبة إلى الرجال، و أما النساء فلبس الحرير الخالص و الإحرام فيه لا يبعد القول بجوازه لهن، و لكن الأحوط تركه.

قال المحقق: و هل يجوز الإحرام في الحرير للنساء؟ قيل نعم لجواز لبسهن في الصلاةانتهى. و اختاره المفيد و ابن إدريس و نسب الى أكثر المتأخرين أيضا و لا يبعد القول به.

و قيل لا يجوز كما عن الشيخ و الصدوق و ظاهر عبارتي السيد و المفيد، و هو المطابق للاحتياط، لاختلاف الاخبار في المسألة، و ان نفينا البعد عن القول بالجواز نظرا إلى رواية حريز المتقدمة عن ابى عبد اللّه عليه السلام «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه» و صلاة المرأة في الحرير الخالص لا اشكال فيها، فيكون إحرامها فيه أيضا كذلك، و لكن الاخبار كما أشير مختلفة الدلالة، و الأولى الإشارة إليها أيضا:

عن يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

المرأة تلبس القميص تزره عليها، و تلبس الحرير و الخز و الديباج


1- الوسائل ج 9 الباب 29 من أبواب الإحرام الحديث 2.

ص: 304

فقال: نعم لا بأس به و تلبس الخلخالين و المسك (1) و دلالتها على الجواز صريحة.

و عن النضر بن سويد عن ابى الحسن عليه السلام سألته عن المرأة المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس، و لا تلبس القفازين، و لا حليا تتزين بها لزوجها، و لا تكتحل الا من علة، و لا تمس طيبا، و لا تلبس حليا و لا فرندا، و لا بأس بالعلم في الثوب (2).

و هي تدل على جواز الإحرام في الحرير الخالص و لبسه بقوله «تلبس الثياب كلها» الشامل بإطلاقه الحرير.

و يظهر من بعض الروايات أيضا عدم الجواز في الحرير الخالص للنساء، فمنها ما روي عن أبي عيينة عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته ما يحل للمرأة ان تلبس و هي محرمة. فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير. قلت: أ تلبس الخز؟ قال: نعم.

قلت: فان سداه إبريسم و هو حرير. قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس (3).

و هذه الرواية كما ترى تدل على عدم جواز الإحرام في الحرير المحض للنساء، و مثلها ما روي عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه


1- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 49 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
3- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 3.

ص: 305

السلام قال: لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب و الخز و ليس يكره الا الحرير المحض (1).

و عن ابى بصير المرادي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن القز تلبسه المرأة في الإحرام. قال: لا بأس، إنما يكره الحرير المبهم (2).

و عن سماعة انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرمة تلبس الحرير. فقال: لا يصلح أن تلبس حريرا محضا لا خلط فيه (3).

و عن عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين (4).

و عن إسماعيل بن الفضيل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة هل يصلح لها أن تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة. قال:

لا و لها أن تلبس في غير إحرامها (5).

و عن ابى الحسن الاخمسي عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن العمامة السابرية فيها علم حرير تحرم فيها المرأة. قال:

نعم انما يكره ذلك إذا كان سداه و لحمته جميعا حريرا.

و تلك الرواية تدل على عدم جواز الإحرام في الحرير الخالص


1- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 4.
2- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 5.
3- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 7.
4- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 9.
5- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 11.

ص: 306

للنساء و الكراهة في المبهم.

و الروايتان المتقدمتان عن يعقوب بن شعيب و نضر بن سويد تدلان بالصراحة أو بالإطلاق على الجواز.

و قد جمع الشيخ رحمه اللّه في التهذيب بحمل الطائفة الثانية على الممزوج و الاولى على الخالص، و قال صاحب الجواهر:

و لا ريب ان الاجتناب هو الأحوط، و ان كان التدبر في النصوص و لو بملاحظة «لا ينبغي» و «لا يصلح» و لفظ «الكراهة» و نحو ذلك يقتضي الحمل على الكراهة جمعا بين النصوص، و هو أولى من الجمع بينها بحمل نصوص الجواز على الممتزج و نصوص المنع على الخالص، من وجوه. و ما اختاره الجواهر هو المختار كما تقدم.

(فرع) ثم انه بناء على جواز الإحرام في الحرير للنساء، فهل يلحق الخنثى بالأنثى

أو الرجل؟ فيه وجهان بل قولان، أقواهما وجوب الاحتياط عليه كما يأتي وجهه.

و اما إذا قلنا بعدم الجواز لهن مثل الرجال، فلا يأتي البحث في الخنثى لعدم الجواز على كل حال، و قال صاحب الجواهر: في إلحاق الخنثى في ذلك بالرجل أو بالمرأة، نظر كما في المسالك من تعارض الأصل و الاحتياط، بل الإشكال في أصل جواز لبسه لها

ص: 307

و ان كان قد يقوى الأول، لأن الاحتياط ما لم يكن واجبا للمقدمة لا يعارض الأصل.

و الحق أن الاحتياط في المقام واجب، للعلم إجمالا إما بوجوب ستر البدن من الرجال أو حرمة لبس الحرير في ثوبي الإحرام، فيجب الاجتناب عن كليهما، و أما في غير ثوبي الإحرام من سائر الألبسة و الثياب فيجوز لها لبسه كما للنساء (1).

(فرع) كما أن لبس ثوبي الإحرام واجب على الرجل، فهل يجب على المرأة المحرمة

، أم لا يجب عليها؟ قال صاحب الجواهر:

الظاهر عدم وجوب لبس ثوبين لخصوص الإحرام للمرأة تحت ثيابها و ان احتمله بعض، بل جعله أحوط، و لكن الأقوى ما عرفت خصوصا بعد عدم شمول النصوص السابقة للإناث الا بقاعدة الاشتراك التي يخرج منها هنا بظاهر النص و الفتوى انتهى.

و التحقيق أن اعتبار لبس الثوبين على النساء ان لم يكن أقوى فهو الأحوط، فإن ظاهر القول بوجوب لبس ثوبي الإحرام على الحاج، عام شامل للرجل و المرأة، و قد تقدم في صحيحة عبد اللّه ابن سنان الواردة في حج النبي «ص» أنه أمر الناس بأشياء منها لبس


1- هكذا أفاد الأستاذ مد ظله، الا أن الفرق بين ثوبي الإحرام و غيره غير واضح لتحقق العلم الإجمالي فيه أيضا.

ص: 308

الثوبين، و ظاهرها أن جميع الناس من الرجال و النساء كانوا مأمورين به، مضافا الى أن قاعدة الاشتراك تقتضي ذلك و لا دليل على الخروج منها.

و قد نقل عن الشيخ في النهاية أن ما يحرم على الرجال يحرم على النساء المحرمات أيضا، و يجب عليهن ما يجب عليهم، الا ما أخرجه الدليل كجواز لبس المخيط و الحرير، و لم أجد في كتب أصحابنا بابا خاصا لإحرام النساء. نعم روى في الجعفريات بسنده عن علي بن الحسين عليه السلام ان أزواج رسول اللّه «ص» كن إذا خرجن حاجات خرجن بعبيدهن معهن عليهن الثيابين و السراويلات (1).

و في الدعائم و نجاة العباد: تتجرد المحرمة في ثوبين أبيضين ثم قال: و هو محمول على الندب. و مع ذلك كله الاحتياط عدم تركهن لبس الثوبين، بل الاولى الجمع بين الثوبين و لباس آخر.

(فرع) يجوز للمحرم أن يلبس أكثر من ثوبين

، و لا يحتاج ذلك الى دليل خاص إذا لم يكن ممنوعا لبسه كالمغصوب و نحوه للأصل، و لان ما يدل على وجوب لبس الثوبين لم يقيد بعدم الزيادة عليهما بل هو حكم لا بشرط، مع دلالة بعض النصوص عليه أيضا، و لا يختص بصورة الاضطرار و الضرورة.


1- الجعفريات المطبوعة مع قرب الاسناد ص 64.

ص: 309

عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرم يتردى بالثوبين. قال: نعم و الثلاثة ان شاء يتقى بها البرد و الحر (1).

و شرط الاتقاء من البرد ليس قيدا للجواز، بل هو بيان الداعي من هذا الأمر، فلا يختص بصورة الحاجة و لا يقيد بها، و ان كان العلامة في المنتهى عبر بمضمون الرواية، و لكن كلامه يدل على عدم تقيد الحكم بالضرورة حيث قال: انه حكم موافق للأصل.

نعم يشترط في الزائد أن لا يكون متنجسا و لا مغصوبا و لا حريرا و لا مخيطا و غيرها مما يكون ممنوعا في ثوبي الإحرام و لا يجوز الصلاة فيه، لرواية حريز «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه» (2).

ثم انه هل يشترط أن يكون الزائد رداء أو إزارا على هيئة تكون في الثوبين أو لا يعتبر ذلك؟ الظاهر عدم اعتباره، للأصل و عدم الدليل على لزوم هيئة خاصة في غيرهما.

(مسألة) يجوز للمحرم أن يبدل و يحول ثياب إحرامه

، و المراد منه التبديل بثوب غير ما أحرم فيه لا القلب و النقل.

و قال صاحب الجواهر: لا يجب استدامة اللبس ما دام محرما


1- الوسائل ج 9 الباب 30 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 27 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 310

كما قطع به في المدارك، للأصل بعد صدق الامتثال.

عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث: و لا بأس أن يحول المحرم ثيابه. قلت: إذا أصابها شي ء يغسلها. قال: نعم ان احتلم فيها (1).

و عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو عبد اللّه: لا بأس بأن يغير المحرم ثيابه، و لكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيها و كره أن يبيعها (2).

قال الصدوق: و قد روى رخصة في بيعها مع الكراهة (3).

و عن الحلبي في حديث سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرم يحول ثيابه. فقال: نعم. و سألته: يغسلها إذا أصابها شي ء. قال:

نعم (4).

و عنه أيضا عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: لا بأس أن يحول المحرم ثيابه (5).

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ. قال: لا و لا أقول انه حرام و لكن


1- الوسائل ج 9 الباب 38 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الإحرام الحديث 1.
3- الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الإحرام الحديث 3.
4- الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الإحرام الحديث 4.
5- الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الإحرام الحديث 3.

ص: 311

تطهيره أحب الي و طهوره غسله، و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل و ان توسخ الا أن تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله (1).

و هي تدل على وجوب استدامة اللبس، و أنه لا يجوز التبديل إلا إذا أصابه شي ء، فما عن المدارك من أنه لا يجب الاستدامة بعد صدق الامتثال للأصل، لا يخلو من شي ء، فان الامتثال في لبس الثوب ظاهره الاستدامة فيه، و ليس نظير التلبية و صلاة الإحرام التي يتحقق الامتثال فيهما بوجود الطبيعة و حدوثها، و لا يحتاج إلى الاستدامة.

مضافا الى ان السيرة قبل البعثة و كذا بعدها، على استدامة اللبس، بل يكره بيع ثوب الإحرام و يستحب الكفن به و الطواف معه (2).

فعلى هذا، الأحوط لو لم يكن أقوى ان لا يبدل ثوب الإحرام إلا إذا اقتضت الضرورة من اصابة شي ء و جنابة، راعيا في ذلك أيضا الهيئة في الرداء و الإزار، بل يستحب الطواف في الثوب الذي أحرم فيه كما في صحيح معاوية بن عمار المتقدمة. فعلى هذا ان كان مراد المدارك تبديل ثوبي الإحرام بثوب آخر مثلهما مع حفظ هيئة الإحرام و عدم وجوب استدامة عين ثوب الإحرام، فلا مانع منه، و تدل عليه الروايات، و أما لو كان المراد تبديل ثوبي الإحرام


1- الوسائل ج 9 الباب 38 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 312

بغيرهما و تغيير هيئة الإحرام و الخروج عن زي المحرم، فهو مشكل.

(مسألة) إذا لم يكن معه ثوبا الإحرام و كان له قباء جاز لبسه مقلوبا
اشارة

، بأن يجعل ذيله على كتفه أو يجعل باطنه ظاهرا، و لا يدخل يديه في كميه، أو لبسه مقلوبا منكوسا، بأن يجعل أسفله أعلاه و ظاهره باطنا كما يجوز له لبسه كذلك إذا اضطر اليه لبرد أو مرض و ان كان له ثوبا الإحرام.

و ادعي عدم الخلاف في أصل الحكم، و عن التذكرة انه موضع وفاق، و تدل عليه النصوص:

منها ما عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا اضطر المحرم الى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء (1).

و عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين، و ان لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه(عاتقه) أو قباء بعد أن ينكسه (2).

و عن مثنى الحناط عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من اضطر الى ثوب و هو محرم و ليس معه الا قباء فلينكسه و ليجعل أعلاه أسفله


1- الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ص: 313

و يلبسه (1).

و عن علي بن أبي حمزة عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و ان اضطر الى قباء من برد و لا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء (2).

و عن جميل عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من اضطر الى ثوب و هو محرم و ليس له الا قباء فلينكسه و ليجعل أعلاه أسفله و ليلبسه (3).

و عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام في حديث قال:

و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء و يقلب ظهره لباطنه (4).

فهذه ستة روايات في المسألة و يوجد أكثر منها لا حاجة لذكرها فهل مفاد الجميع أن من يريد الإحرام و أداء هذا التكليف و ليس له رداء و معه قباء فليحرم في قبائه مقلوبا أو منكوسا عوضا عن الرداء أو المفاد أن المحرم بعد تحقق إحرامه و انعقاده إذا اضطر الى لبس القباء لبرد أو مرض فليلبسه مقلوبا أو منكوسا.

الظاهر من جملة «إذا اضطر المحرم» كما في الرواية الاولى و الثالثة و الرابعة و الخامسة الاضطرار الى لبس القباء في قضاء حوائجه


1- الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
3- الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8.
4- الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7.

ص: 314

الشخصية الطبيعية لا لأداء التكليف الثابت عليه من لزوم الإحرام لحج أو عمرة.

و هذا لا اشكال فيه و لا كلام، فان المحرم يحل له عند الاضطرار ما كان حرم عليه بالإحرام، سواء كان لبس المخيط أو غيره من تروك الإحرام.

و أما الظاهر من الرواية الثانية و السادسة وجوب لبس القباء مقلوبا أو منكوسا عند الإحرام إذا لم يكن له رداء بدلا عنه، و هذا محط البحث في المسألة.

ثم انه بناء على وجوب الإحرام في القباء مقلوبا إذا لم يجد رداء، لا يشترط فيه عدم وجدان الإزار، بل يجوز لبس البقاء و ان كان الإزار موجودا، كما هو كذلك عند الاضطرار لبرد و غيره.

و أما كيفية اللبس مقلوبابأن يجعل و يقلب ظهره بطنه و لا يدخل يديه في يدي القباءو لا يشترط النكس بأن يجعل أعلاه أسفله لعدم تصور إدخال اليدين في يدي القباء حينئذ حتى ينهى عنه، كما صرح به في الروايات المتقدمة، و هو المتبادر من لبس القباء مقلوبا و ان دخل كتفاه فيه و تسترا به.

و لكن يمكن أن يقال: انه كما يصدق لبس القباء على ما هو المتعارف المتداول لبسه بإدخال اليدين في يديه، فكذلك يصدق على لبسه بإدخال الكتفين فيه و ان قلب ظهره بطنه، فيكون لبسا منهيا عنه، و يصح أن يقال: انه لبس قباءه مثل الرداء حقيقة.

ص: 315

و على هذا فالقدر المتيقن من لبس القباء مقلوبا أن لا يدخل فيه كتفيه أيضا، و لذا أفتى الشيخ بلزوم الكفارة إذا أدخل كتفيه فيه أو لبسه نكسا، كما في رواية جميل و مثنى الحناط.

و لا تنافي بين الروايات في ذلك، إذ المستفاد من جميع النصوص ترخيص اللبس بكلتي الكيفيتين، بل لا يبعد الجمع بين الكيفيتين، بأن يلبسه مقلوبا مع جعل أسفله أعلاه، لشمول إطلاق قوله «و لينكسه و ليجعل أعلاه أسفله» لصورة القلب. و ان كان لا يشمل إطلاق القلب لصورة النكس.

(نكتة): و هي أن جواز لبس القباء منكوسا أو مقلوبا و خروجه عن عموم المخيط المنهي لبسه، هل من باب التخصيص أو التخصص

بمعنى أن لبس القباء مقلوبا أو منكوسا، هل كان داخلا في عموم النهي عن لبس المخيط و مشمولا لذلك العام، فيكون الترخيص في لبسه عند عدم وجدان الرداء أو الاضطرار تخصيصا له أو النهي عن لبس المخيط متعلق باللبس المتعارف المعمول بين الناس.

فعلى هذا لبس القباء منكوسا أو مقلوبا لم يكن منهيا من الأول لانطباق النهي على المصاديق العرفية المعمولة، و انصرافه عن غير المتعارف و الفرد النادر، فلم يكن في حال الاختيار موردا للنهي فضلا عن الاضطرار.

و الظاهر هو الأول، لشمول العموم للكيفيتين من اللبس، و كون الانصراف الى المتعارف المعمول بدويا يزول بأدنى توجه و تأمل.

ص: 316

فإن قيل: بناء على ذلك يلزم جواز اللبس سواء كان مقلوبا أو غيره.

قلت: ان ترخيص اللبس مقلوبا أو منكوسا انما لرعاية الشباهة بالرداء و حفظ الهيئة المختصة بالمحرم، بل يؤيد حصر الترخيص بتلك الحالة و الكيفية كونها محرمة في حال الاختيار.

(مسألة) يجوز لبس السراويل لمن ليس له إزار بدلا عنه
اشارة

، و ان كان له رداء يستر عورتيه، بل الأحوط أن لا يترك ذلك. و يدل عليه ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و لا تلبس سراويل الا أن لا يكون لك إزار (1).

و عن حمران عن ابى جعفر عليه السلام قال: المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار، و يلبس الخفين إذا لم يكن معه نعل (2).

(تذييل) هل يكفي الإحرام في الجلود أم لا

؟ أما المصنوع مما لا يؤكل لحمه فلا إشكال في عدم جواز الإحرام فيه، لمفهوم رواية حريز «كل ثوب تصلى فيه فلا بأس أن تحرم فيه».

و قد تقدم أن مفهوم رواية حريز انما يدل على ثبوت البأس


1- الوسائل ج 9 الباب 50 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 50 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

ص: 317

و المنع فيما لا تصح الصلاة فيه و أما ما يتخذ من الجلود مما يؤكل لحمه، أو من غير الحيوان من المصنوعات البدلية، أو من جنس النايلون فقيل لا، لما ادعي من عدم صدق الثوب عليها و لا أقل من الشك في صدقه على ذلك. و هو بإطلاقه مشكل، لما نرى في زماننا من إطلاق الثوب على أمثال ذلك، و مع ذلك الأحوط ترك الإحرام في الجلود و أمثالها من المصنوعات البدلية و النايلون و البلاستيك.

ص: 318

في أحكام الإحرام
اشارة

و هي في ضمن مسائل:

(الاولى) لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراما آخر حتى يكمل أفعال ما أحرم له، كذا قاله المحقق في الشرائع. و المقصود ان من أحرم لنسك من المناسك لا يجوز له أن يحرم ثانيا لمثل ما أحرم له أو لغيره حتى يكمل مناسك ما أحرم له أولا، إذ يجب عليه الإتمام بلا خلاف، بل ادعي الإجماع عليه بقسميه. و يدل عليه الكتاب و النصوص المشتملة على كيفية الحج.

و ظاهر كلام المحقق عدم الفرق بين العامد و الناسي و الجاهل و العالم. نعم لو كان ذلك عن عمد يبطل الإحرام و يعصى به و يعاقب عليه، بخلاف ما إذا نسي لعدم العصيان فيه أيضا، و ان كان إحرامه الثاني باطلا إلا إذا كان بعد السعي كما يأتي.

(الثانية) لو أحرم متمتعا و دخل مكة و أحرم بالحج قبل التقصير

ص: 319

ناسيا، لم يكن عليه شي ء من دم و قضاء التقصير، و كانت عمرته صحيحة، و إحرامه للحج أيضا صحيحا.

نظير من نسي السلام و شرع في صلاة أخرى. و يدل عليه أيضا رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل تمتع و نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج. قال: يستغفر اللّه (1).

و الأمر بالاستغفار و ان لم يكن صريحا في الحكم، و لكنه بمناسبة الحكم و الموضوع يعلم منه أن ذلك نظير من نسي و تكلم في الصلاة و أمر بالسجدة للسهو بعدها، في أن صلاته صحيحة الا أن السجدة وجبت عليه لتدارك المصلحة الفائتة أو لرفع النقص الحاصل بالتكلم نسيانا. و الاستغفار في المقام أيضا كذلك لكونه أمرا مندوبا على كل حال و قد أمر به في المقام لتدارك ما فات من الثواب و الكمال في حجه، لا لصدور الذنب و تحقق المعصية بترك التقصير نسيانا و بطلان عمله، إذ لو كان العمل باطلا من الأصل لكان اللازم بيانه.

و عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فدخل مكة فطاف و سعى و لبس ثيابه و أحل، و نسي أن يقصر حتى خرج الى عرفات. قال:

لا بأس به، يبنى على العمرة و طوافها و طواف الحج على أثره (2) و هي صريحة في صحة العمرة و الحج إذا نسي التقصير و أحرم للحج.


1- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 2.

ص: 320

و عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل أهل بالعمرة و نسي أن يقصر حتى دخل في الحج. قال:

يستغفر اللّه و لا شي ء عليه و قد تمت عمرته (1).

و يعارض ما تقدم من الروايات، رواية العلاء بن الفضيل قال:

سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر. قال:

بطلت متعته هي حجة مبتولة (2).

و عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبى بالحج قبل أن يقصر فليس له أن يقصر و ليس عليه متعة (3).

و حيث أن الروايتين لم يذكر فيهما النسيان و الجهل و العمد، لا يمكن معارضتهما لما تقدم من النصوص الدالة على تمامية العمرة و الحج إذا نسي التقصير، و لهذا حملهما الشيخ و غيره على العامد و بهذا يرتفع التعارض بين الطائفتين.

و بالجملة المستفاد من النصوص أن من أحرم بالحج قبل أن يقصر من العمرة نسيانا ليس عليه شي ء، و ان عمرته تامة، و كذلك حجه، بل ادعي عليه الإجماع، و ان كانت القاعدة الأولية تقتضي وجوب إتمام النسك الاولى و تكميلها ثم الشروع في النسك الثانية


1- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 4.
3- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 5.

ص: 321

الا أن الاخبار و إجماع العلماء قيدها بغير صورة النسيان.

فهذا مما لا كلام فيه، و انما الكلام في أنه هل يجب عليه دم أم لا؟ فيه وجهان، بل قولان، و منشأهما الروايات المأثورة الدالة بعضها على عدم شي ء عليه كما تقدم. و يظهر من رواية إسحاق بن عمار أن عليه دما يهريقه، قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام:

الرجل متمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج. فقال: عليه دم يهريقه (1).

و قد جمع بينهما بحمل رواية إسحاق على الندب و لا حظر فيه و لان غير الناسي في الصيد ليس عليه كفارة و ان كان ذلك في المحرمات دون ترك الواجبات.

(فرع) لو أحرم متمتعا و دخل مكة و أحرم بالحج قبل التقصير عامدا

بطلت عمرته و صارت حجته مبتولة، كذا ذكره المحقق في الشرائع، و نسبه في الدروس و المسالك إلى الشهرة، و قيل يبقى على إحرامه الأول و كان الثاني باطلا، و الأول هو المروي.

و مقتضى القاعدة في المسألة وجوب تتميم العمرة بالتقصير، و عدم جواز الشروع في الإحرام الثاني الا بعد إتمام الأول بجميع مناسكه، فلو شرع في الثاني قبل إكمال الأول، اما يكون الثاني باطلا فقط، و اما يكون مبطلا للأول أيضا.

و لكن ورد في روايتين موثقتين بل في المنتهى و المختلف


1- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 6.

ص: 322

و المسالك و الروضة تصحيح إحداهماان ترك التقصير عمدا لا يوجب بطلان إحرام العمرة، بل ينقلب الى الحج كما في ذوي الأعذار.

عن العلاء بن الفضيل قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر. قال: بطلت متعته، هي حجة مبتولة (1).

و عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبى بالحج قبل أن يقصر فليس له ان يقصر و ليس عليه متعة.

و المستفاد منها أن الإحرام الأول للعمرة المتمتع بها الى الحج لا يبطل بترك التقصير عمدا و الإهلال بالحج، بل يصير حجا مبتولا لا تمتعا، و هذا يخالف ما نقل عن ابن إدريس في السرائر حيث قال: لا يجوز إدخال العمرة في الحج و لا إدخال الحج في العمرة بمعنى أنه إذا أحرم بالعمرة لا يجوز له أن يحرم بالحج حتى يفرغ من جميع مناسكه، و كذا إذا أحرم بالحج.

و اليه أشار المحقق في كلامه حيث قال: و قيل يبقى على إحرامه الأول و كان الثاني باطلا.

قال في السرائر: و الذي تقتضيه الأدلة و أصول المذهب، انه لا ينعقد إحرامه بحج بعد ما أحرم بالعمرة حتى يتحلل منها، و قد أجمعنا على أنه لا يجوز إدخال الحج على العمرة و لا إدخال العمرة على


1- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 4.

ص: 323

الحج، قبل الفراغ من مناسكهاانتهى.

و تبعه بعض الأصحاب في ذلك، و استدل له بأمور:

منها: ان الشروع في الثاني يوجب إبطال الإحرام الأول للنقص الحاصل فيه بترك التقصير.

و فيه: انه مدفوع بالروايتين المتقدمتين، إذ المستفاد منها أن الإحرام الأول لا يبطل بل ينقلب الى الحج المبتول، و أما الإحرام الثاني فلا يصح.

و منها: انه نوى التمتع بإحرامه الأول الذي لا يتحقق إلا بإتمام العمرة ثم الشروع في الحج بعدها، و أما صيرورتها الى الحج من دون قصد له من الأول لم يكن منويا، فما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع.

هذا صحيح على مبناه من عدم حجية اخبار الآحاد، و أما بناء على العمل بالروايتين يكون المقام كذوي الاعذار و شبيه الحائض في انقلاب العمرة الى الافراد من الحج، و لا مانع منه بعد الدليل.

و منها: انه ان نوى التمتع من الحج الذي هو فرض للبعيد، فيجب عليه إتمام ذلك حتى يكون آتيا بما هو فرضه، و لا يجوز تبديل الفريضة بفريضة أخرى و عمل آخر.

و فيه: انه بعد فتوى المشهور و دلالة الروايتين لا مانع من الالتزام بصيرورة عمرته حجة مبتولة، اما من حين الإحرام الأول أو من حين الإحرام الثاني، غاية الأمر أنه لا يجزي عن فريضة إذا

ص: 324

كان الواجب عليه التمتع (1).

هذا حكم الناسي و العامد، و أما الجاهل بالحكم فهل هو كالناسي حتى تكون عمرته تامة أو كالعامد فتكون حجته مبتولة؟ فيه وجهان، القدر المتيقن من الرواية الدالة على صحة الإحرام الأول و صيرورة العمرة حجة مبتولة، هو الجاهل بالحكم لخروج الناسي عنه قطعا كما تقدم، و العامد إذا كان عالما بالحكم، لعدم تمشي القربة منه، فيكون إحرامه كالعدم، فالرواية شاملة للجاهل سواء ادعى شمولها للعامد أيضا أولا.

(فرع): لو أحرم لحج الافراد و دخل مكة جاز له أن يطوف و يسعى و يقصر و يجعلها عمرة يتمتع بها ما لم يلب

، فان لبى انعقد إحرامه. و قيل لا اعتبار بالتلبية و انما هو بالقصد.

و قد قلنا فيما تقدم في مكلف يصح منه التمتع و الافراد معا، انه يجوز له العدول الى التمتع إذا أحرم للإفراد و دخل مكة، و يصح إحرامه قبل التلبية، لدلالة الأخبار عليه، و لكنها حملت على من لم يتعين عليه الافراد أو التمتع و الا فلا يجوز. و هكذا من أحرم للعمرة المفردة في أشهر الحج و دخل مكة يصح له أن يجعلها عمرة يتمتع بها الى الحج، للنصوص الدالة عليه.


1- لا مانع من القول بالاجزاء بعد التسليم لدلالة الروايتين كغيره من ذوي الأعذار.

ص: 325

في أحكام إحرام الصبي

قد تقدم أن الصبيان يجردون من فخ، و الإجماع قائم على جواز تأخير إحرام الصبيان الى فخ، و قلنا ان المراد منه هل هو ترك الإحرام من الميقات الى فخ أو المراد ترك التجريد من المخيط المحرم على المحرم.

ثم انه بناء على كون المراد ترك التجريد و جواز لبس المخيط الى فخ، فهل الجواز مختص بالمخيط أو يعم كل ما يحرم على المكلفين ممن أحرموا من الميقات، كالنظر إلى المرأة و الطيب و الصيد و غيرها من المحرمات على المحرم.

كل ذلك يحتاج الى دليل، و المهم نقل الأخبار الواردة في المقام. لا يخفى أن الظاهر من النصوص المميزون من الصبيان لا جميعهم، ضرورة أن رفع التكليف عن الصبي انما يختص بالذين يصح منهم العبادة، الا أن الشارع رفع الإلزام عنهم رحمة لهم

ص: 326

و رفقا بهم، و أما أصل المحبوبية و الرجحان في أعمالهم، فهو باق على حاله.

و أما غير المميز منهم، فان دل الدليل على محبوبية إحرامهم و مطلوبيته، أحرم بهم وليهم ان أراد و الا فلا وجه لشمول الإطلاقات لهم.

و من النصوص ما روي عن أيوب أخي أديم قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام من أين يجرد الصبيان؟ فقال: كان ابى يجردهم من فخ (1).

فهل المراد من التجريد إحرامهم أو تجريدهم عن المخيط كما هو الظاهر من اللفظ، ثم انه بناء على الثاني هل الجواز مختص بالمخيط أو يعم جميع التروك، و كذلك هل يختص بصورة الضرورة و العذر أو شرع لتسهيل الأمر على الصبيان، و ان لم يكن الصبي مضطرا الى لبس المخيط الى فخ؟ فكل محتمل.

و عن يونس بن يعقوب عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان معي صبية صغارا و أنا أخاف عليهم البرد فمن اين يحرمون؟ قال: ائت بهم العرج فليحرموا منها، فإنك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة، ثم قال: فان خفت عليهم فائت بهم الجحفة.

و هذه الرواية يحتمل التعميم فيها و جواز تأخير الإحرام من


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 6.

ص: 327

الأصل، و لكن القدر المتيقن منها جواز تأخير التجريد لا الإحرام، و ان كان الظاهر من سؤال الراوي «فمن أين يحرمون» و جواب الإمام «ائت بهم العرج فليحرموا منها» الرخصة في تأخير الإحرام إلى الجحفة، و لكن لا يستفاد منه تخصيص أدلة وجوب الإحرام من الميقات لأجل أن الجحفة ميقات اضطراري لمن لا يتمكن من الإحرام من مسجد الشجرة أو يشق عليه.

و عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو الى بطن مرو، يصنع بهم ما يصنع بالمحرم يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه (1).

و هذه الرواية أيضا ليست صريحة في تأخير الإحرام، بل يمكن ان يكون المراد من قوله عليه السلام «يصنع بهم ما يصنع بالمحرم» تجريدهم عن المخيط كما يجرد المحرم، فلا يخصص به عموم عدم جواز تأخير الإحرام من الميقات، و لا أدلة سائر المحرمات غير التجريد الذي صرح في الاخبار بجوازه، و يبقى عموم سائر المحرمات بحاله.

ثم ان الهدي هل هو من مال الصبي أو الولي، قال المحقق:

و يجب على الولي الهدي من ماله أيضا، لأنه كالنفقة الزائدة أو الصوم عنه إذا لم يجده.


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 3.

ص: 328

و يظهر من رواية أنه من مال الصبي، و لكنه يمكن حملها على أنه عن الصبي لا من الصبي. و قال في الجواهر: مقتضى القاعدة أن يكون من مال الولي لأنه السبب في صرف المال كما سيأتي إنشاء اللّه تعالى.

عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا الى عرفات بغير إحرام. قال: قل لهم يغتسلون ثم يحرمون، و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم (1).

و هي ظاهره في كون الذبح من مال الولي كما أن ذبحهم عن أنفسهم من مالهم.

و عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو الى بطن مرو، يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه (2).

و هذه الرواية تدل على أن الصبي إذا لم يجد هديا يصوم عنه وليه بدلا عن الهدي الذي لم يجده الصبي، و ظاهرها أنه كان من مال الصبي إذا وجده لا الولي، و ان كان الصوم من الولي عوضا عن الصبي إذا لم يجد الهدي.


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 2.
2- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 3.

ص: 329

و في الجواهر: و أما ما يظهر من صحيح معاوية بن عمار من اعتبار عدم وجدان الصبي الهدي في وجوب الصوم على الولي فلم نجد به قائلا، بل ظاهر الأصحاب خلافه، فيجب حمله على ارادة معنى «عنهم» من قوله «منهم».

و حاصله ان قوله «من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه» بمعنى أن الولي الذي لا يجد الهدى عن الصبيان يصوم عنه.

و عن زرارة عن أحدهما قال: إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره أن يلبى و يفرض الحج، فان لم يحسن أن يلبى لبوا عنه و يطاف و يصلى عنه. قلت: ليس لهم ما يذبحون. قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب، و ان قتل صيدا فعلى أبيه (1).

و المفروض في الرواية أن الصبي إذا لم يجد ما يذبح عنه يذبح ما وجد عن الصغار و يصوم الكبار عوضا عن الهدي، و ليس المراد التفصيل بين الصغار، بأن الكبار من الصبيان أي المميزين منهم يصومون و يذبح عن غيرهم، لعدم مطابقة الجواب للسؤال حينئذ، بل المراد بحسب الظاهر أن الولي يصوم عن نفسه و يذبح الهدي عن الصبي كما في رواية ابن أعين.

عن عبد الرحمن بن أعين قال: حججنا سنة و معنا صبيان فعزت الأضاحي، فأصبنا شاة بعد شاة فذبحنا لأنفسنا و تركنا صبياننا،


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 5.

ص: 330

فأتى بكير أبا عبد اللّه عليه السلام فسأله فقال: انما كان ينبغي أن تذبحوا عن الصبيان و تصوموا أنتم عن أنفسكم، فإذا لم تفعلوا فليصم عن كل صبي منكم وليه (1).

و الرواية صريحة في أن الهدي انما يكون من مال الولي، فان لم يذبح عن الصبي يجب عليه أن يصوم بدله، و مثلها رواية أخرى ذكرها في الوسائل.

ثم انه هل يجب الصوم على الولي بدلا عن الهدي إذا لم يجده مطلقا أو لا يجب عليه الا إذا لم يتمكن الصبي عن الصوم، و الا فيصوم الصبي لا الولي؟ وجهان. قال المحقق: و روي أنه إذا كان الصبي مميزا جاز أمره بالصيام عن الهدي، و لو لم يقدر على الصيام صام عنه وليه مع العجز عن الهدي.

و أورد عليه صاحب الجواهر بعدم العثور على خبر بهذا المضمون.

و لكن يمكن أن يستدل له بما روي عن زرارة عن أحدهما قال: إذا حج الرجل بابنه و هو صغير، فإنه يأمره أن يلبى و يفرض الحج، فان لم يحسن أن يلبى لبوا عنه و يطاف به و يصلى عنه.

قلت: ليس لهم ما يذبحون. قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار- الخبر.

بناء على أن المراد من الكبار المميزون من الصغار، و أما الصغار الذين يذبح عنهم فالمراد منهم غير المميزين على ما صرح


1- الوسائل ج 10 الباب 3 من أبواب الذبح الحديث 3.

ص: 331

به غير واحد من الأصحاب، و لكن قد مر أن المراد غيره و ان هذا الاحتمال مخالف للظاهر.

و ما روي عن سماعة في موثقة سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا. قال: عليه أن يضحي عنهم. قلت:

فإنه أعطاهم دراهم بعضهم ضحى و بعضهم أمسك الدراهم و صام.

قال: قد أجزأ عنهم و هو بالخيار ان شاء تركها. قال: و لو أنه أمرهم فصاموا أجزأ عنهم.

بناء على أن المراد من الغلمان الصبيان، و لكن قد يقال: ان الظاهر ارادة المماليك من الغلمان كما قد يقال ان القاعدة تقتضي أن يصوم الصبي فإنه من النسك، فإذا قدر يجب عليه أن يأتي به بنفسه و لا ينوب عنه غيره كما في التلبية و غيرها من النسك التي يأتي بها الصبي إذا قدر عليها.

و يدفع بأن الهدي انما وجب على الولي لأنه السبب لمؤنة زائدة على الصبي، فإذا لم يتمكن من الهدي عنه يجب عليه الصوم دونه، حتى لو صام الصبي يقتضي الاحتياط أن يصوم الولي عنه أيضا، و لا معنى للقول بأن وجوب الهدي انما هو بملاحظة ملازمة الصبي للولي، فلا يجب الصوم على الولي إذا لم يجد هديا، و ذلك لان ملازمة الصبي لا يلازم إحرامه، فإن الأمر و ان توجه إلى الصبي إلا أن الولي لما كان بإحرامه للصبي سببا لوجوب الهدي عليه يجب عليه أن يذبح عنه، و إذا لم يتمكن يصوم عنه، عوضا

ص: 332

عن الهدي الذي كان سببا لوجوبه عليه.

(فرع): لو لم يجد الا هديا واحدا فهل يذبحه لنفسه أو عن الصبي

أو يتخير بين جعله لنفسه أو للصبي و يصوم عن آخر. وجوه.

و القاعدة تقتضي التخيير، و لكن مقتضى الروايات أن يذبحه عن الصبي و يصوم لنفسه، و هو الأفضل كما تقدم في رواية عبد الرحمن ابن أعين (1).

(فرع): لو أتى الصبي المحرم بما يجب الكفارة به لزم ذلك الولي في ماله

كما قاله المحقق في الشرائع، و نقل عن القواعد و النهاية و الكافي، و تقدم أيضا ما يدل على ذلك فيما رواه زرارة عن أحدهما في رجل حج بابنه الى أن قال و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب، و ان قتل صيدا فعلى أبيه (2).

و هذا لا بحث فيه، و انما ينبغي التأمل في أن المراد من الولي في الروايات هل هو الولي المصطلح عليه في الفقه حتى يشمل الحاكم و لا يشمل غير الولي الشرعي أو المراد من يتولى أمر الصبي في إحرامه، و إتيان النسك و النظارة في أعماله، و انما ذكر الأب من باب المثال لغلبة مباشرته أمر ابنه؟ الظاهر هو الثاني، و وجوب الكفارة عليه انما هو من جهة كونه السبب في ذلك، لأنه أحرم به و فرض الحج عليه لا من جهة الولاية الشرعية.


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 5.
2- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 5.

ص: 333

ثم ان وجوب الكفارة على الولي هل يختص بما إذا قتل الصبي المحرم صيدا أو يعم جميع المحرمات التي يوجب الكفارة عمدا و سهوا مثل الصيد؟

مقتضى القاعدة الأولية ان عمد الصبي خطأ، لا شي ء عليه أصلا لا عمدا و لا سهوا، لكن المشهور ثبوت الكفارة على الصبي إذا قتل الصيد عمدا للصحيحة المتقدمة، بل ثبوتها عليه في كل فعل محرم يوجب الكفارة على البالغ، و عدم تخصيص الحكم بقتل الصيد فقط، فان ذكر الصيد في الصحيحة انما هو من باب أنه أحد المصاديق من المحرمات، غاية الأمران ما يجب على الصبي من الكفارات انما يدفع من مال الولي لأنه السبب في ذلك، و لا يبقى وجه لما استدل به لنفي الكفارة من الوجوه الثلاثة بعد دلالة الصحيحة على ثبوتها فيما ارتكبه الصبي: منها ان أدلة الكفارة منصرفة عن الصبي، و منها ان عمد الصبي خطأ، فلا كفارة عليه في العمد فضلا عن النسيان. و القول بأن عمده خطأ في الديات لا في غيرها، مدفوع بعموم التنزيل و نفي الحكم و عدم الخطاب إليه أصلا. اللهم أن يقال: ان حكم المحرمات في المقام كالأحكام الوضعية المترتبة على أفعال الصبي أيضا، و ان لم يتوجه اليه خطاب تكليفي، و منها ان الكفارة إنما جعلت عقوبة على ما ارتكبه المحرم من العصيان و الخروج عن الوظيفة الشرعية، و لا عقوبة على الصبي الذي رفع القلم عنه حتى يحتلم، لكي يترتب عليها كفارة ليتدارك

ص: 334

بها ما فاته من المصلحة الأخروية، أو يمنع بها عن العقوبة الأخروية.

فإن الاستدلال بهذه الوجوه في مقابل الصحيحة و عمل المشهور اجتهاد في مقابل النص أو قياس منهي في الشرع.

ثم ان حكم الفداء كحكم الكفارة لا فرق بينهما، و ان فصل بعض بأن الفداء من مال الصبي دون الكفارة، لكن الحق أن حكمهما واحد و كليهما من مال الولي. نعم يجب عليه أن ينهى الصبي عما يوجب الكفارة و الفداء أو لا، و أما لو ارتكب و لم ينته عنه يجب على الولي الفداء من ماله و أما غير الكفارة و الفداء فيترتب على أفعال الصبي كما يترتب على الكبير المحرم، فيكون الجماع قبل السعي مفسدا للعمرة و الحج قبل الوقوفين، و كذا حال الإحرام.

نعم وقع النزاع و الخلاف فيما إذا عقد الولي لصبيه حال إحرام الصبي، فهل يحرم عليه إلى الأبد أو يبطل النكاح فقط، أو لا يؤثر عقد الولي شيئا؟ فقد مال بعض الى البطلان و الحرمة الأبدية لكن الحق أن ولاية الأب على الابن فيما هو مشروع له و جائز، و لا ولاية له عليه فيما لا يجوز له شرعا، فعقده كلا عقد في عدم التأثير.

(مسألة) قال المحقق: إذا اشترط في إحرامه أن يحل حيث حبس

ثم أحصر تحلل فهل يسقط الهدي؟ قيل نعم.

لا إشكال في استحباب هذا الشرط شرعا، و كذا في جواز الإحلال من حيث حبس و أحصر إذا اشترط ذلك، كما يجوز له

ص: 335

الإحلال و ان لم يشترط، و انما الإشكال في أن الاشتراط هل يوجب سقوط الهدي أم لا كما إذا لم يشترط ذلك. وجهان، بل قولان، قيل نعم، و نقل عن المرتضى و الحلي و يحيى بن سعيد و عن التذكرة فعلى هذا لو أحرم و اشترط في إحرامه ان يحله اللّه حيث حبسه ثم أحصر يحل بمجرد الإحصار، من غير أن يحتاج إلى الهدي.

و قال صاحب الجواهر في شرح قول المحقق «قيل نعم»:

بل الإجماع عليه، بل لا فائدة لهذا الشرط الا ذلك، و هو الحجة بعد صحيح ذريح المحاربي. و إطلاق الآية الكريمة الدالة على عدم الإحلال حتى يبلغ الهدي محله، محمول على من لم يشترط التحلل في إحرامه، قال عز و جل فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (1).

و المراد من الإجماع المكرر في كلمات الأصحاب الإجماع الدخولي، بمعنى العلم بقول الإمام في المسألة، فيصح دعواه لرواية معتبرة مقطوع بها، فلا يكون دليلا مستقلا.

و أما الصحيح فعن ذريح المحاربي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل متمتع بالعمرة إلى الحج و أحصر بعد ما أحرم كيف يصنع؟ قال: فقال أو ما اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر اللّه؟ فقلت: بلى قد


1- سورة البقرة الآية 192.

ص: 336

اشترط ذلك. قال: فليرجع إلى أهله حلا لا إحرام عليه، ان اللّه أحق من وفى بما اشترط عليه. قال: فقلت أ فعليه الحج من قابل؟

قال: لا (1).

و حيث أن من أحرم لحجة الواجب المستقر عليه إذا أحصر و لم يأت بالفريضة يجب عليه الحج من قابل، فلا بد من حمل الرواية على من حج تطوعا أو إحرام بغير المستقر، و على أي حال لا يجب عليه الهدي و يحل من الإحرام و لا شي ء عليه.

و روى احمد بن ابى نصر البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن محرم انكسرت ساقه أي شي ء يكون حاله و أي شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كل شي ء. فقلت: من النساء و الثياب و الطيب. فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم. ثم قال:

أما بلغك قول ابى عبد اللّه عليه السلام حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت. قلت: أصلحك اللّه ما تقول في الحج؟ قال: لا بد من أن يحج من قابل. فقلت: أخبرني عن المحصور و المصدود هما سواء. فقال: لا. قلت: فأخبرني عن النبي «ص» حين صده المشركون قضى عمرته. قال: لا و لكنه اعتمر بعد ذلك (2).

و ظاهر الرواية أن الامام عليه السلام فرض مورد السؤال صورة اشتراط المحرم الحل من حيث حبسه اللّه، ثم أجابه بأنه حلال من


1- الوسائل ج 9 الباب 24 من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 8 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 337

كل شي ء، فلما تعجب الراوي فسأل من النساء و الطيب قال «ع»:

أما بلغك قول ابى عبد اللّه عليه السلام «حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ذلك» ثم أجاب عن وجوب الحج عليه من قابل لاستقرار وجوب الحج عليه.

و كيف كان دلالتها على الإحلال بمجرد عروض العارض من غير حاجة الى هدي و حلق و قصد الإحلال تامة لا خفاء فيها الا انها غير معمول بها عند الأصحاب، و لذا قال المحقق بعد نقل القول بسقوط الهدى: و قيل لا يسقط، و هو الأشبه.

و قال صاحب الجواهر في شرح كلام المحقق «و هو الأشبه» بأصول المذهب و قواعده التي منها الأصل و عموم الآية و غيرها، و الاحتياط و قول الصادق عليه السلام في خبر عامر بن عبد اللّه بن جذاعة المروي عن الجامع من كتاب المشيخة لابن محبوب: في رجل خرج معتمرا فاعتل في بعض الطرق و هو محرم. قال «ع»:

ينحر بدنة و يحلق رأسه و يرجع الى رحله و لا يقرب النساء، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما فإن برأ من مرضه اعتمر ان كان لم يشترط على ربه في إحرامه، و ان كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر الا أن يشاء فيعتمرالخبر.

الظاهر أن الاستدلال بالأصل مع وجود الاخبار و دلالتها على عدم سقوط الهدي مضافا الى صراحة الآية غير وجيه. و رواية ذريح المحاربي المتقدمة الدالة على الإحلال بمجرد الحصر لا تدل على

ص: 338

سقوط الهدي، و كذا صحيحة البزنطي، إذ يمكن حملهما على صورة إرسال الهدي و حصول الإحلال بعده، لعدم العمل من الأصحاب على ظاهرهما، و مع الإجمال فيهما يبقى إطلاق الآية على حاله، و يلزم الهدي و لا يحل حتى يبلغ الهدي محله.

و تدل عليه أيضا أخبار:

(منها) ما عن معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: ان الحسين بن علي عليه السلام خرج معتمرا فعرض في الطريق فبلغ عليا ذلك و هو بالمدينة، فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا و هو مريض بها فقال: يا بني ما تشتكي. فقال: اشتكي رأسي فدعا علي ببدنة فنحرها و حلق رأسه ورده إلى المدينة، فلما برأ اعتمر. فقلت: أ رأيت حين برأ أحل له النساء. فقال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة. فقلت:

فما بال النبي «ص» حين رجع الى المدينة حل له النساء و لم يطف بالبيت. فقال: ليس هذا مثل هذا، النبي كان مصدودا و الحسين محصورا (1).

و يظهر من الرواية أن فائدة الاشتراط مع الإجماع على جواز الإحلال إذا أحصرسواء شرط أم لاليس الإحلال قهرا، بل فائدته ترتب الثواب عليه لا سقوط الهدي.

(فرع) إذا تحلل المحصور لا يسقط عنه الحج في القابل

ان


1- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحصار الحديث 3.

ص: 339

كان واجبا، نعم يسقط ان كان مندوباكذا قاله المحقق. و المقصود أنه إذا اشترط في إحرامه التحلل حيث أحصر ثم أحصر فتحلل مع الشرائط المعتبرة فيه، فهل يجب عليه العمرة أو الحج في القابل أم لا؟ وجهان بل قولان، و الاخبار في المقام مختلفة الدلالة، فيدل بعضها على أن عليه الحج من قابل، و بعضها على أنه ليس عليه شي ء.

ففي رواية ذريح المحاربي قال: فقلت أ فعليه الحج من قابل؟

قال: لا.

و روى عن ابى الصباح الكناني فيمن يشترط في إحرامه الإحلال قال: فقلت له فعليه الحج من قابل. قال: نعم (1).

و مقتضى الجمع بين الطائفتين أن يقال: ان من استقر عليه الحج و العمرة سابقا فعليه الإعادة في القابل، و أما إذا كان مندوبا و اشترط الإحلال و أحصر فتحلل لا يجب عليه الإعادة، و الشاهد على هذا الجمع ما تقدم من رواية عامر عن مشيخة ابن محبوب، و فيها «و يجب أن يعود للحج الواجب المستقر و للأداء إن استمرت الاستطاعة في قابل و العمرة الواجبة كذلك في أشهر الداخل و ان كانا متطوعين فهما بالخيار» (2).

(فرع) فهل تحل له النساء إذا أحصر و أحل من موضع الحصر

1- الوسائل ج 9 الباب 24 من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- الجواهر كتاب الحج ص 261.

ص: 340

أو لا يحل الا بعد طواف النساء؟ و المشهور انه لا تحل النساء له الا بعد الطواف في الحج و العمرة إذا كان واجبا، فيجب عليه أن يطوف طواف النساء بنفسه. نعم يجوز في المندوب نيابة الغير عنه و تدل عليه روايات:

(منها) عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: المصدود تحل له النساء و المحصور لا تحل له النساء (1).

و عنه أيضا عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث: ان الحسين ابن علي «ع» خرج معتمرا فمرض في الطريق الى أن قال فدعا علي ببدنة فنحرها و حلق رأسه ورده إلى المدينة، فلما برأ من وجعه اعتمر. فقلت: أ رأيت حين برأ من وجعه أحل له النساء. فقال:

لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة- الخبر.

و في مقابل القول المشهور روايات أخرى تدل على أن النساء تحل له و لا يحتاج الى الطواف (2).

(منها) ما عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلام قال: المصدود يذبح حيث صد و يرجع صاحبه فيأتي النساء، و المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه. قلت: أ رأيت ان ردوا عليه دراهم و لم يذبحوا عنه و قد أحل فأتى النساء. قال:


1- الوسائل ج 9 الباب 6 من أبواب الإحصار الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحصار الحديث 2.

ص: 341

فليعد و ليس عليه شي ء و ليمسك الان من النساء إذا بعث (1).

و يجمع بين الطائفتين بحمل الطائفة الثانية على الواجب من العمرة أو الحج و الطائفة الأولى على المندوب، فيجب عليه الإتمام في القابل إذا كان إحرامه لحج واجب أو عمرة كذلك، و لكن العمدة في المقام الأخبار الواردة في من نسي الطواف و أحل، فتدل تلك الاخبار على وجوب الإتيان بالطواف و لو بالاستنابة و لا يجب المباشرة فإذا أجزأت النيابة في من نسي الطواف ففي المقام بطريق أولى.

نعم يبقى الاشكال فيما رواه البزنطي عن ابى الحسن عليه السلام في محرم انكسرت ساقه الى أن قال هو حلال من كل شي ء. فقلت: من النساء و الثياب و الطيب. فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم الخبر (2).

و هي صريحة في أن النساء تحل له كما يحل الطيب و غيره، فلا بد من رفع التعارض بينهما و بين ما تقدم و لو كان بالجمع التبرعي و يمكن حملها على من كان محرما بالعمرة المتمتع بها الى الحج، فإذا اشترط في إحرامه بتلك العمرة و أحصر أحل حيث أحصر و يحل له جميع ما حرم على المحرم حتى النساء، و اما الاخبار المتقدمة فتحمل على العمرة المفردة أو الحج.

هذا ان لم يكن له شاهد من الخارج، الا أنه لا مانع منه في


1- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحصار الحديث 5.
2- الوسائل ج 9 الباب 8 من أبواب الإحصار الحديث 1.

ص: 342

مقام الجمع كما قيل فيما روي «لا بأس ببيع العذرة» و ما روى «بيع العذرة سحت» فيحمل الأول على بيع العذرة الطاهرة و الثاني على غير الطاهرة.

و لا وجه للحمل على التقية. نعم لو شك في حلية النساء و عدمها لإجمال الأدلة يجري الاستصحاب و يحكم بالحرمة الى أن يطوف بنفسه أو ينوب عنه غيره.

الجزء الثاني

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

المقصد الخامس في تروك الإحرام و هي محرمات و مكروهات

امّا المحرمات،

اشارة

فهي كما قال صاحب الشرائع عشرون شيئا، و عن الدروس ثلاثة و عشرون، و عن بعض ثمانية عشر، و عن التبصرة و النافع أربعة عشر شيئا و يعلم التفصيل في طي البحث إنشاء اللّه

منهاصيد البر
اشارة

، اصطيادا قتلا ذبحا رميا و أكلا و اشارة و دلالة و إغلاقا و بيعا و شراء و إمساكا، فإن كل ذلك محرم على المحرم، فلو صاده المحل و ذبحه المحرم أو ذبحه المحل و اكله المحرم حرم عليه ايضا و عن كنز العرفان، ان حرمة جميع ذلك تستفاد من الآيات الكريمة قال الأستاذ مدّ ظلّه: ان استفادة حرمة جميع ما ذكر من الآيات، و ان كانت محتملة الا انها ليست ظاهرة فيه، حتى يكون دليلا مستقلا، نعم يستفاد حرمة بعضها منها، و الباقي من النصوص الواردة في المقام، و الإجماع المدعى في كلام الأصحاب

ص: 6

أما الآيات(فمنها) قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) و هي كما ترى تدل على حرمة تناول الصيد و أخذه و انه حرام على المحرم، و اما حرمة أكل لحمه إذا ذبحه بعد الأخذ، أو ذبحه المحل و اكله المحرم فلا تستفاد منها و لو فرض دلالتها عليها، لأمكن القول أيضا بان له ان يأكله بعد الإحلال، فالمتيقن من الآية حرمة التناول و أخذ الصيد حال الإحرام لا جميع ما أشير اليه على أنها بسياقها لا تشمل المحرم خاصة بخلاف الآيات التي بعدها و(منها) قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (2) و هذه الآية تدل على حرمة قتل الصيد حال الإحرام كما ان الآية الاولى تدل على حرمة أخذه و يمكن ان يكون القيد المذكور في الآية الثانية قيد الآية الأولى أيضا فتختص حرمة الأخذ بما يؤكل لحمه و توضيح ذلك ان الآية الاولى تدل على حرمة أخذ الصيد و قتله سواء كان مأكول اللحم أو غيره، و الآية الثانية حيث ان النهى فيها مخصوص بحال الإحرام، و يرتفع بالإحلال و يحل جميع ما يتعلق بالصيد حال الإحلال يعلم ان هذا الحكم مخصوص بما يؤكل لحمه من الصيد و تتقيد الآية الاولى به ايضا و يمكن ان يقال ايضا ان المراد من الآيتين ان حرمة ما كان حلالا من الصيد قبل الإحرام من الأخذ و القتل و الإشارة بالنسبة إلى مطلق الصيد و من الأكل في صيد المأكول لحمه، جميع ذلك مختص بحال الإحرام فعلى هذا يبقى إطلاق الآية الاولى بحالها ايضا و لا يختص بما يؤكل لحمه و سيأتي التعرض لذلك إنشاء اللّه تعالى


1- سورة المائدة(5) الاية 94
2- سورة المائدة(5) الاية 95

ص: 7

و اما النهي عن القتل حال الإحرام فيوجب كون المصيد ميتة فلا يجوز اكله مطلقا و لو للمحل، بناء على تمامية الدلالة كما يأتي و(منها) قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (1) و المراد من الصيد في هذه الآية المصيد و من الحرام حرمة أكله كما هو الظاهر فعلى هذا دلالة الآيات على حرمة قتل الصيد حال الإحرام صريحة، و أما حرمة الأكل و الاصطياد فهي ظاهرة فيها و لكن حرمة الزائد على تلك الثلاثة من إمساك الصيد و الدلالة عليه و الإشارة اليه و بيعه و شرائه فلا تستفاد من الآيات نعم يظهر من الروايات حرمة أكثر ما ذكره الفقهاء من تروك الإحرام فالمهم في المقام نقل الروايات و التأمل في مفادها إنشاء اللّه تعالى(منها) ما رواه الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام و لا و أنت حلال في الحرم، و لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطاده و لا تشر اليه فيستحل من أجلك فإن فيه فداء لمن تعمده» (2) و يأتي الكلام في ثبوت الفداء في قتل الصيد على من نسي أو جهل و كذا الفرق بين الإشارات في الحرمة و عدمها و(منها) رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ. الاية) قال: «حشرت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمرة الحديبية الوحوش حتى نالتها أيديهم و رماحهم» (3) و في رواية أحمد بن محمّد في قوله تعالى تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ قال:


1- سورة المائدة(5) الاية 96
2- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 8

«ما تناله الأيدي البيض و الفراخ، و ما تناله الرماح فهو ما لا تصل إليه الأيدي» (1) و منها رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السّلام قال قال: «المحرم لا يدل على الصيد فان دل عليه فقتل فعليه الفداء» (2) و منها رواية عمر بن يزيد عن ابى عبد الله عليه السّلام قال: «و اجتنب في إحرامك صيد البر كله و لا تأكل ممّا صاده غيرك و لا تشر اليه فيصيده» (3) و هذه الرواية صريحة في حرمة الإشارة إلى الصيد ليصيده الصياد و حرمة أكله على المحرم و لو صاده غيره محلا كان أو محرما(و منها) رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه قال: «إذا فرض على نفسه الحج ثم أتم بالتلبية فقد حرم عليه الصيد و غيره و وجب عليه في فعله ما يجب على المحرم» (4) العياشي في تفسيره عن سماعة عن أبي عبد اللّه في قوله تعالى لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ قال: «ابتلاهم اللّه بالوحش فركبتهم من كل مكان» (5) و عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تأكل شيئا من الصيد و أنت محرم و ان صاده حلال» (6) هذه الطائفة من الروايات المروية في كتب الأصحاب تدل على حرمة الصيد و اكله و الإشارة اليه و الدلالة عليه على المحرم ما دام محرما و يعلم من قوله عليه السّلام في رواية الحلبي:(و لا تشر اليه فيستحل من أجلك) أن كل ما يوجب استحلال الصيد


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5
4- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 7
5- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 9
6- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 2- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 9

الغير فهو حرام على المحرم، و يشمل ذلك الأغلال و نظائره، بل يعلم ان كل ماله تأثير جزئي في استحلال الصيد و ان لم يكن مؤثرا تاما فهو ايضا حرام، إذ الإشارة كما هو واضح ليست مؤثرا تاما في استحلال الصيد و قتله و أخذه و سببا أقوى من المباشر، كما لو أشير الى مال شخص فأخذه شخص أخر لا يكون المشير ضامنا له و لا يكون في نظر العرف سببا أقوى من المباشر، و لكن الإشارة إلى الصيد في المقام محرمة بما هي اشارة، لا بما انها سبب أقوى من المباشر، نعم لو أشار الى الصيد للتوجه اليه و النظر الى حسنه و لطفه و شدة عدوه لا لاستحلاله و أخذه لا يكون حراما و لا كفارة عليه.

و الحاصل أن المستفاد من الآيات و الروايات و إجماع العلماء حرمة الصيد على المحرم قتله و ذبحه و اكله و إمساكه و اغلاقه و الدلالة عليه و الإشارة اليه، و كل ما يؤثر في اصطياده و ان لم يكن مؤثرا تاما و سببا أقوى و لا يهمنا البحث في ذلك، و انما المهم بيان مصاديق الصيد و موارد الشبهة، و ان الصيد إذا قتله المحرم فهل هو ميتة أو بحكم الميتة لا ينتفع منه أصلا، أو ليس كذلك و نشرح كل هذا في طي أمور إنشاء اللّه.

ص: 10

الأمر الأول (اختصاص الحرمة بصيد البرّ)
اشارة

ان ما تقدم من حرمة الصيد حال الإحرام و قتله و اكله و كل ما يؤثر في اصطياده انما هو يختص بصيد البر و اما الصيد البحري فهو حلال على المحرم كما تدل عليه الآية و الروايات و الإجماع و لا خلاف بين المسلمين في ذلك اما الآية الكريمة فهي قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيَّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (1) و أما الروايات فهي كثيرة نذكرها عند التعرض لبيان الضابطة في الصيد البري و البحري و تشخيص مصاديقه

الأمر الثاني لو صاد محرم صيدا و ذبحه حال الإحرام فالمشهور ان ذبيحته ميتة حرام على المحرم و المحل

سواء ذبحه في الحرم أم في الحل و نقل عن الصدوق أنه يحل على المحل ان لم يذبحه في الحرم و عن المفيد و ابن الجنيد و المرتضى ايضا كذلك و منشأ الخلاف الروايات الواردة في المقام و كيفية الجمع بينها فلا بد من نقلها و التأمل فيها و ما يستفاد منها فإنّ طائفة منها تدلّ على ان ما ذبحه


1- سورة المائدة(5) الاية «98».

ص: 11

المحرم ميتة و حرام، و قد عقد صاحب الوسائل بابا لذلك و خص به الباب العاشر من أبواب تروك الإحرام و قال: باب ان ما ذبحه المحرم من الصيد فهو ميتة حرام على المحل و المحرم و كذا ما ذبح منه في الحرم انتهى.

و تدل طائفة أخرى على جواز أكل المحل من صيد المحرم و هذه الطائفة تعارض الطائفة الاولى و هي مستند فتوى المرتضى و ابن الجنيد و الصدوق(قدس سرهم).

و نقل صاحب الوسائل هذه الطائفة من الروايات في الباب الثالث من تروك الإحرام و قال: باب جواز أكل المحل مما صاده المحرم في الحل إذا ذبحه محل فيه و يلزم الفداء المحرم انتهى و كأنه قدس سره لم ير تعارضا و تمانعا بين الطائفتين و حمل الطائفة الاولى من الروايات على ما ذبحه المحرم من الصيد سواء ذبحه في الحل أم في الحرم و الطائفة الثانية على ما صاده المحرم في الحل و ذبحه محل فيه فالمهم ذكر النصوص في المقامين اما الطائفة الأولى(فمنها) ما رواه خلاد السري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل ذبح حمامة من حمام الحرم، قال: عليه الفداء قلت: فيأكله؟ قال: لا، قلت: فيطرحه قال: إذا طرحه فعليه فداء آخر، قلت فما يصنع به؟ قال: يدفنه» (1) 2- محمد بن ابى عمير عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: المحرم يصيب الصيد فيفديه أ يطعمه أو يطرحه؟ قال إذا يكون عليه فداء آخر، قلت: فما يصنع به؟ قال: يدفنه» (2) 3- عن وهب عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال: «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة، حلال


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث(2)
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 12

ذبحه أو حرام» (1) محمّد بن الحسن الصفار بإسناده عن إسحاق عن جعفر ان عليا عليه السّلام كان يقول: «إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم و إذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم» (2) و المستفاد من هذه الطائفة صريحا ان ما ذبحه المحرم من الصيد فهو ميتة و حرام لا يجوز الانتفاع منه و لا طرحه بل يجب عليه دفنه لكي لا يأخذه غيره و أما الطائفة الثانية التي يحتمل ان تكون معارضة للطائفة الأولى.

(فمنها) ما رواه منصور بن حازم، «قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أصاب من صيد أصابه محرم و هو حلال؟ قال: فليأكل منه الحلال و ليس عليه شي ء أنما الفداء على المحرم» (3) و الإصابة في الرواية يحتمل ان تكون بمعنى أخذ الصيد أو ذبحه و احتمل الشيخ كونه بمعنى اصابة الرمي، و على كل حال الرواية صريحة في ان ما اصابه المحرم من الصيد يجوز للحلال اكله، و لكن الفداء على المحرم الذي أصابه 2-(منها) رواية معاوية بن عمار قال «قال أبو عبد اللّه: إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم و هو محرم فإنه ينبغي له أن يدفنه، و لا يأكله أحد، و إذا أصاب في الحل فان الحلال يأكله و عليه الفداء» (4) و الظاهر من الإصابة في الحرم الذبح أو ما يشمل الذبح و غيره و قوله عليه السّلام ينبغي له أن يدفنه و ان كان يشعر بالاستحباب، الا أن الدفن حيث انه ليس مستحبا إذا كان الصيد حلالا كما هو المقطوع يعلم انه حرام و يجب دفنه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 3 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 3 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 13

و أما الإصابة في الحل المذكور في الرواية فهو ايضا ظاهر في الذبح بقرينة جواز اكله للحلال. و يمكن ان يراد منه الاصطياد، و اكله بعد الذبح و الطبخ.

3- و منها رواية منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه: رجل أصاب صيدا و هو محرم آكل منه و أنا حلال؟ قال عليه السّلام: أنا كنت فاعلا، قلت له فرجل أصاب مالا حراما، فقال: ليس هذا مثل هذا يرحمك اللّه» ان ذلك عليه (1) 4- و رواية حريز قال: «قال: «سألت أبا عبد اللّه(ع) عن محرم أصاب صيدا أ يأكل منه المحل؟ فقال: ليس على المحل شي ء، إنما الفداء على المحرم» (2) و هذه الرواية ليست صريحة في جواز الأكل للمحل و المصرح به عدم الفداء عليه(3) 5- و مثلها رواية عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أصاب صيدا و هو محرم أ يأكل منه الحلال؟ فقال: لا بأس، إنما الفداء على المحرم». (4)


1- وسائل الشيعة(الجزء 9) الباب 3 من تروك الإحرام الحديث 3- 4
2- وسائل الشيعة(الجزء 9) الباب 3 من تروك الإحرام الحديث 3- 4
3- لا يخفى ظهور الرواية بل صراحتها في جواز أكل ما اصابه المحرم من الصيد للمحل و انما وقع السؤال عنه ايضا بقوله أ يأكل المحل و لم يسئل عن الفداء و جوابه(ع) عنه بقوله ليس على المحل شي ء و انما الفداء على المحرم تأكيد أو تقريب لجواز اكله و انه ليس عليه شي ء، و ان المؤاخذ في ذلك هو المحرم فقط لا المحل
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 3 من أبواب تروك الإحرام الحديث(5)

ص: 14

و هذه الطائفة من الاخبار تدل على جواز أكل صيد المحرم للحلال و هي- كما ترى أظهر دلالة من الطائفة الاولى، و بعضها أصح سندا، و لا يمكن الخدشة فيها من جهة السند و الدلالة و رفع اليد عنها في مقام التعارض بين الطائفتين من النصوص.

و أما الجمع بينها بحمل قوله عليه السّلام أصاب صيدا على مجرد الاصطياد و الأخذ دون الذبح و وقوع الذبح على يد المحل أو على اصابة رمى المحرم الى الصيد ثم يأخذه المحل و يذبحه كما احتمله الشيخ(قدس سره) خلاف الظاهر، بل قول ثالث فان الفقهاء بين قولين، أحدهما ان ما ذبحه المحرم ميتة حرام مطلقا و الثاني انه حلال للمحل مطلقا كما نقل عن الصدوقين، أو التفصيل بين التذكية بالرمي و التذكية بالذبح بأن الثاني ميتة بخلاف الأول إذا أخذه المحل و ذبحه قول ثالث.

و الذي يسهّل الخطب و الأمر، أن تلك الاخبار مع صحة سندها و ظهور دلالتها قد اعرض عنها المشهور، و لم يفت بمضمونها الا المفيد و المرتضى و ابن الجنيد(قدس سرهم) حتى ان صاحب الجواهر، مع انه قال: ما ذهب اليه المفيد و المرتضى لا يخلو من قوة، رجح القول المشهور، و وجّه و أوّل الطائفة الثانية و حملها على غير الذبح و القتل مع تصريحه بصحتها، و كذا صاحب المدارك مع ميله الى ما اختاره الصدوق و التصريح بصحة سند تلك الاخبار، و جرح رواة الطائفة الاولى و تضعيف بعضهم، قال: فكيف كان الاقتصار على اباحة غير المذبوح من الصيد كما ذكره الشيخان اولى، و الأحوط الاجتناب عن الجميع انتهى مضافا الى ان بعض تلك الاخبار غير صريح في خلاف ما اختاره المشهور كما احتمله في الجواهر ايضا لاحتمال ارادة غير القتل من الإصابة، و ان المحل

ص: 15

ذبح ما رماه المحرم.

و لكن المهم و المعتمد عليه في المقام و لا يمكن الغمض عنه هو أن الروايتين المرويتين عن على عليه السّلام، الدالتين على أن ما ذبحه المحرم فهو ميتةقد افتى المشهور بمضمونها مع ضعف السند فيهما، فان وهب الواقع في سند الرواية مشترك بين الضعيف و غيره و كذا الحسن بن موسى الخشاب غير موثق.

و مع ذلك كله فقد افتى المشهور بمضمونهما و عمل بهما الأصحاب و أعرضوا عما يدل على حليّة صيد المحرم مع قوة السند و صراحة الدلالة و هذا الأمر مما يوجب و هنا في تلك الطائفة من الروايات من جهة الصدور.

ص: 16

الأمر الثاني (في ترتب جميع الآثار على صيد المحرم)

ثم انه بناء على ان ما ذبحه المحرم من الصيد ميتة فهل يترتب عليه جميع الآثار المترتبة على الميتة، من عدم جواز الانتفاع بجلده و انه لا يقبل الدبغ و عدم جواز الصلاة فيه و بيعه و شرائه، أو لا يترتب عليه الا حرمة اكله و اما غيره فلا يترتب عليه، بل هو مذكى طاهر كما هو كذلك بناء على ما ذهب اليه الصدوق و المرتضى و ابن الجنيد من جواز الأكل للمحل مما ذبحه المحرم، و كما لو صاده المحل و ذبحه فإنه حرام على المحرم اكله، و لكنه ليس ميتة و نجسا، وجهان.

و منشأهما كيفية الاستفادة من لسان التنزيل، فان استفدنا منه التنزيل في الحكم و الآثار لا ان التذكية الواقعة على الصيد غير مؤثرة، فيؤخذ بالقدر المتيقن من الحكم و الأثر الظاهر، و هو في المقام عدم جواز الأكل و اما غيره من الآثار المترتبة على الميتة كالنجاسة و عدم جواز الصلاة في جلده و غير ذلك فمشكوك فيه و الأصل عدم ترتب تلك الآثار على ذبيحة المحرم.

و اما لو قلنا ان المستفاد من لسان التنزيل في الرواية، ان تذكية المحرم

ص: 17

كالعدم، فالمعنى أن ذبيحة المحرم ميتة حقيقة فحينئذ يترتب عليه جميع الآثار المترتبة على الميتة لكونه ميته واقعا لا تنزيلا في الحكم و الآثار و يشعر بذلك ما ورد أن الشخص لو اضطر إلى أكل الميتة أو الصيد فهل يقدم الميتة أو الصيد الذي ذبحه المحرم، انه يقدم الميتة و يترك الصيد، فيعلم ان الصيد الذي ذبحه المحرم ميتة بل أشد حكما منها، لتضمنه المخالفة للشعائر العظيمة الإسلامية أيضا.

عن عبد الغفار الجازي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها و وجد صيدا فقال: يأكل الميتة و يترك الصيد» (1).

عن إسحاق عن جعفر عن أبيه ان عليا عليه السّلام كان يقول إذا اضطر المحرم الى الصيد و الى الميتة فليأكل الميتة التي أحل اللّه له. (2) و يعارضهما عدة روايات تدل على ان المحرم المضطر إلى أكل الميتة لو وجد صيدا يأكل منه، و لا يجوز له أكل الميتة، فلو عملنا بها، و حكمنا بأن الميتة حرام على المحرم المضطر إذا وجد صيدا و قدمنا تلك النصوص على ما تقدم مما تدل على كون صيد المحرم ميتة، للزم القول بان صيد المحرم مذكى، و ليس بميتة، غاية الأمر يحرم اكله عند الاختيار دون الاضطرار، اعتمادا على تلك النصوص.

و لكن هذا الكلام ايضا غير تام، لان تقديم الصيد على الميتة لا يستلزم كونه مذكى و غير ميتة إذ من المحتمل ان يكون الصيد أيضا ميتة لا مذكى الا انه أقل ضرر و مفسدة و منقصة بخلاف الميتة التي ماتت حتف أنفها فيقدم الصيد عليها لوقوع فرى الأوداج عليه، و ان لم يكن مؤثرا في التذكية المعتبرة شرعا، فيدفع المضطر اضطراره و يسد جوعه بما هو أخف خطرا و أقل ضررا،


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 12
2- وسائل الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 11

ص: 18

و يمكن ان يكون التقديم لما ذكر من التعليل فيما يأتي.

و على كل حال فالروايات الدالة على تقديم الصيد على الميتة كما يلي:

1-(منها) صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يضطر فيجد الميتة و الصيد أيهما يأكل؟ قال: يأكل من الصيد، ا ليس هو بالخيار، أما يحب ان يأكل؟ قلت: بلى، قال: انما عليه الفداء، فليأكل و ليفده». (1) 2- و رواية يونس بن يعقوب، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن المضطر إلى الميتة و هو يجد الصيد؟ قال يأكل الصيد، قلت: ان اللّه عز و جل قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها، و لم يحل له الصيد، قال: تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت من مالي، قال: هو مالك، لان عليك فداؤه، قلت لم يكن عندي مال، قال: تقضيه إذا رجعت الى مالك». (2) 3- عن ابن بكير و زرارة جميعا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «في رجل اضطر إلى ميتة و صيد و هو محرم؟ قال: يأكل الصيد و يفدى». (3) 4- عن منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: محرم اضطر الى صيد و الى ميتة من أيهما يأكل؟ قال: يأكل من الصيد، قلت: أ ليس قد أحل اللّه الميتة لمن اضطر إليها؟ قال: بلى، و لكن يفدى، ألا ترى انه انما يأكل من ماله فيأكل الصيد، و عليه فداؤه»- (4) 5- عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(ع) قال: «سالته عن المحرم إذا اضطر إلى أكل صيد و ميتة؟ و قلت: ان اللّه عز و جل حرم الصيد و


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد، الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 3
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 7

ص: 19

أحل الميتة، قال: يأكل و يفديه فإنما يأكل ماله». (1) و غيرها من الروايات التي نقلها صاحب الوسائل في كفارات الصيد في الباب الثالث و الأربعين من كتاب الوسائل كلها بهذا المضمون و ذلك التعليل.

و على هذا، القدر المتيقن من التنزيل و الآثار المترتبة عليه، بعد ملاحظة الأخبار المتقدمة الواردة في المحرم المضطر إلى الميتة، المتحدة مضمونا، الحكم بان ما ذبحه المحرم من الصيد انما هو بمنزلة الميتة في عدم جواز اكله فقط، لا أنه ميتة و غير مذكى، بحيث لا ينتفع بجلده و يكون نجسا و لا تصح الصلاة فيه، و لا بيعه و لا شرائه، و لكن الأحوط الوجه الثاني، و الحكم بترتب جميع آثار الميتة عليه لما تقدم عن على عليه السّلام من تقدم الميتة على الصيد(2) و قد يؤيد ذلك بل يستدل له، بأن التذكية شرعا انما يتحقق بذكر اسم اللّه حصين الذبح، و لا معنى لذكره تعالى على ما حرّمه اللّه و يبغضه فلا يكون مؤثرا في التذكية بل يكون لغوا.

و لكن ينتقض بالحيوان المغصوب الذي يذبحه الغاصب مسمّيا لذكره تعالى عليه، مع ان فعله و التصرف في مال الغير بغير اذنه حرام و مبغوض لديه تعالى، فلا تنافي بين التسمية و ذكر اللّه تعالى الذي هر شرط في التذكية و تأثيره في المشروط من جهة، و بين كون الفعل حراما و مبغوضا من جهة أخرى، فيؤثر الذكر أثره في التذكية و يترتب على الفعل أثره الأخر من القبح و العقوبة،


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد، الحديث 5
2- لا وجه لهذا الاحتياط المستلزم لتضييع المال بعد تحقق التذكية بالشرائط المعتبرة، و بعد العلم بملاك الحكم الثابت على المحرم بالنسبة إلى صيده، و هو حفظ الصيد من الآفات في موسم الحج و حفظ حرمة اللّه و جواره، الذي يحصل بعدم جواز الأكل و لا يستفاد من الرواية أكثر من هذا و لا يشترط القربة في التسمية أيضا.

ص: 20

و لا يشمله قوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ (1) و بالجملة فإن استفدنا من دليل التزيل و سائر الروايات ان صيد المحرم في جميع الآثار كالميتة، أو في عدم جواز الأكل فقط نعمل به، و ان وقع الشك و الإجمال في الدليل فالمرجع في المقام الأصل الجاري فيه و هو عدم تحقق التذكية شرعا التي تترتب عليها جواز الأكل و طهارة الجلد و غيره من الآثار المترتبة على المذكى شرعا(2) هذا فيما إذا صاده المحرم و ذبحه في الحرم أو في الحل و اما لو ذبحه


1- سورة الانعام الآية 120
2- هذا مخالف لما تقدم من الأستاد في ص 19 من ان الأصل عند الشك عدم ترتب آثار الميتة على ما ذبحه المحرم و لعلّ نظر الأستاد مدّ ظلّه هنا الى انّ التذكية أمر معنوي يتحصل من فرى الأوداج الأربعة و غيره من الشرائط فإذا شك في تحقق التذكية شرعا لاحتمال حصول هذه الأمور بيد غير المحرم، يكون الشك في المحصل و الأصل عدم تحقق المحصل بفتح الصاد) و لكنه غير تام فان المستفاد من أدلة التذكية اعتبار فرى الأوداج الأربعة مع الشرائط الأخرى و لا شك في تحقق تلك الشرائط و حصول التذكية شرعا إلا أدلة حرمة صيد المحرم و انه بمنزلة الميتة، بعد شمول دليل التذكية له، و لا يرفع اليد عن دليل التذكية و ترتيب الآثار، الا بمخصص معتبر و دليل شرعي، و بعد إجمال المخصص و تردده بين كون صيد المحرم ميتة في جميع الآثار، أو في عدم جواز الأكل فقط، نأخذ بالقدر المتيقن و هو عدم جواز الأكل فقط لاجتمع آثار الميتة، و لا دليل على رفع اليد عن عموم دليل التذكية بعد تحقق جميع ما يشترط فيها من الاستقبال و التسمية و فرى الأوداج الأربعة، إذ لو لا أدلة حرمة الصيد لحكمنا بكونه مذكى و لا نرفع اليد عنه الا بما يسعه الدليل المقرر

ص: 21

المحل فيأتي حكمه

(الأمر الثالث)- لو ذبح المحل صيدا في الحرم

، سواء صاده في الحل أو في الحرم، فهل هو مثل ما ذبحه المحرم، في كونه ميتة في عدم جواز الأكل، أو في جميع الآثار على ما تقدم، فيحرم على المحرم و المحل أكله، أو ليس كذلك، فقد ادعى الاتفاق على حرمته و صرّح به غير واحد، و تدل عليه ايضا روايات مروية في كتب الأصحاب.

1-(منها)- صحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «في حمام ذبح في الحل، قال: لا يأكله محرم، و إذا ادخل مكة أكله المحل بمكة، و إذا ادخل الحرم حيا ثم ذبح في الحرم، فلا يأكله، لأنه ذبح بعد ما دخل مأمنه» (1) 2- عن حماد عن الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عن صيد رمى في الحل ثم ادخل الحرم و هو حي فقد حرم لحمه و إمساكه، و قال: لا تشتره في الحرم الا مذبوحا قد ذبح في الحل، ثم دخل الحرم فلا بأس به» و رواه الكليني الا انه زاد فلا بأس به للحلال (2) و رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال: «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أو حرام (3) و يشمل إطلاق الرواية ما أخذ من الحرم أو خارجه، و هي و ان كانت ضعيفة السند كما تقدم، الا أنه مجبور بعمل الأصحاب و الفتوى على مضمونها، و أشير في المسئلة السابقة ايضا ان التنزيل بمنزلة الميتة يمكن ان يكون في جميع الآثار كما يحتمل ان يكون مثلها في الأثر الظاهر، و عدم جواز الأكل، و لا فرق في ذلك


1- وسائل الشيعة الجزء(9) الباب(5) من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء(9) الباب(5) من أبواب تروك الإحرام، الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 10 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 22

بين التعبير بأنه ميتة أو كالميتة، فإنه تفنن في العبارة و التعبير، و المعنى واحد.

(الأمر الرابع)- لو صاد المحل و ذبحه في الحل ثم ادخله الحرم يجوز للمحل اكله

، و ادعى عدم الخلاف و الاشكال فيه و تدل عليه الروايات السابقة كصيحة الحلبي و اما المحرم فلا يجوز له اكله.

و يستفاد من بعض الأدلة عدم جواز اكله للمحل ايضا و انه إذا أكله يجب عليه ثمنه عن صفوان عن منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اهدى لنا طير مذبوح فأكله أهلنا؟ فقال لا يرى به أهل مكة بأسا، قلت فأي شي ء تقول أنت؟

قال: عليهم ثمنه (1) و يظهر من التعبير بأن أهل مكة لا يرى به بأسا حليته للمحلين و انهم لا يرون بذلك بأسا حيث انهم كانوا محلين غالبا، بخلاف المحرم، فان عدم جواز الأكل له كان ايضا معلوما عندهم، الا أن الظاهر من إيجاب الثمن عليهم عدم جواز الأخذ المرادف لحرمة الأكل للمحلين من أهل مكة أيضا.

هذا و لكن الرواية حملت على ما ذبح الصيد في الحرم و ان أهل الحرم لم يكونوا عالمين به و على أى حال فقد تقدم ما يدل صريحا على حليته، كما في صحيحة الحلبي في قوله: «لا تشتره الا مذبوحا ذبح بالحل فلا بأس به».

فتحصل من جميع ما تقدم من الروايات ان ما أخذ من الحرم و ذبح فهو حرام اكله للمحل و المحرم. و أما ما أخذ من خارج الحرم و ذبح فيه ايضا و ادخل الحرم بعده فهو حلال للمحل دون المحرم و اما لو شك في انه ذبح في الحرم أو في خارجه سيأتي حكمه في المسئلة الاتية


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 5 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

ص: 23

(الأمر الخامس)- لو وجد مذبوح يباع بسوق مكة

و شك في انه أخذ من الحرم و ذبح فيه حتى يكون حراما على المحل، أو أخذ من الحل و ذبح فيه فيكون حلالا عليه، كما فصلناه في المسئلة السابقة فيه وجهان فان قلنا: ان المستفاد من الأدلة المتقدمة، من النصوص و الفتاوى الدالة على حرمة صيد المحرم و الحرم انه ميتة و غير مذكى فمع قطع النظر عن يد المسلم و سوق المسلمين، الأصل عدم تحقق التذكية شرعا إذا شك في انه ذبح في الحرم، أو خارجه، فان الشرع كما جعل فرى الأوداج الأربعة، و القبلة شرطا لحصول التذكية، فكذلك جعل في الصيد عدم ذبحه في الحرم أو ذبحه في خارجه شرطا لحلية أكل لحمه للمحل، فإذا شك في تحقق هذا الشرط، أو شرط آخر، فالأصل عدم تحقق التذكية عند الشرع، و الحكم بحرمة المشكوك ذبحه كما في سائر الموارد(1).

هذا مع قطع النظر عن يد المسلم و حمل فعله على الصحيح في البيع و غيره، و الا فيمكن أن يقال أنه إذا باعه مسلم و عامل معاملة المذكى و احتملنا إحرازه الطهارة و الحلية، فيده حجة، و قوله دليل على التذكية، و يقبل في ذلك و فعله محمول على الصحة.

و اما لو قلنا ان الصيد المذبوح في الحرم ليس ميتة و غير مذكى، بل يحرم اكله تعبدا على المحرم كما اختاره عدة و يدل عليه بعض الروايات المتقدمة، فلو شك في ان ما يباع من الطيور الوحشي في سوق مكة أو المدينة، أو أثناء الطريق، هل ذبح في الحرم أو في خارجه، أو ذبحه المحرم حتى يحرم اكله لا تكون يد المسلم امارة للحلية، و طريقا لجواز الأكل، إذ ليس الشك في التذكية


1- قد تقدم الإشكال في استفادة هذا الشرط بعد تحقق شرائط التذكية لو لا حرمة الصيد على المحرم بالنسبة الى غير الأكل

ص: 24

و عدمها، للعلم بوقوع التذكية عليه، و انما الشك في انّ هذا المذكى حرام على المحل؟ لاحتمال وقوع الذبح في الحرم، أو حلال عليه لوقوعه في الحلّ، و يد المسلم في هذا المورد ليست حجة و امارة على جواز الأكل و حليته، نعم يقبل قول ذي اليد في المورد، إذا أخبر بأنه لم يذبح في الحرم، أو لم يذبحه المحرم، و لكن الكلام فيما إذا لم يخبر به و لم يعترف عليه، فحينئذ هل يمكن و يصح أن يقال: ان اليد وحدها حجة و امارة على عدم وقوع الذبح في الحرم، أم لا؟ الظاهر انه مشكل، و حمل فعل المسلم على الصحة، لا يلازم ذلك ايضا، كما لو تكلم رجل بكلام لم يعلم انه كان سلاما يجب رده، أو فحشا و سبا، يحمل فعله على الصحة، و لا يصح مؤاخذته، و لكن لا ينثبت به كونه سلاما ليجب رده، و كذا بمعونة اليد و حمل فعل المسلم البالغ على الصحة يحكم بأنه لم يرتكب الحرام في بيعه و شرائه و أما إثبات أن هذا الطير المذبوح الذي يباع في السوق لم يذبح في الحرم، أو ذبح في خارجه، خارج عن دائرة قدرتها و سلطنتها، فان كان في المقام أصل موضوعي، أو حكمي، أو حكم كلى عام شامل للمورد يؤخذ به، فعلى هذا لو قيل ان هذا اللحم كان اكله حراما في حال حياة الصيد الذي وقع عليه الذبح و يشك في كيفيته، فيستصحب الحرمة و يحكم ببقائها. إذا شك في وقوع الذبح في الحرم و خارجه.

و القول بأن الحرمة الثابتة في حال الحياة نوع خاص، و هي بعد وقوع الذبح نوع آخر، لا يضر بالاستصحاب، و يمكن أن يدعى و يقال أن الحرمة السابقة الثابتة حال حياة الصيد، قد ارتفعت و زالت بوقوع الذبح و التذكية قطعا فهي مرتفعة بالوجدان، و الحرمة العارضة عليه بعد الذبح مشكوك فيها و لا يمكن استصحابها لعدم الحالة السابقة لها، كما لو علمنا بوجود انسان متحقق في ضمن وجود زيد في الدار، و قطعنا بخروجه منها و لكن يحتمل أن يدخل عمرو الدار

ص: 25

مقارنا لخروج زيد منها، فإن أمكن لنا الاستصحاب الكلى و الحكم بوجود انسان كلي في الدار، ففي المقام ايضايستصحب الحرمة الكلية المتحققة حال حياة الصيد المحتمل بقاؤها بنحو الكلي في ضمن حرمة تعبدية أخرى مقارنة لزوال الحرمة الأولى لكن الالتزام به مشكل نعم يمكن ان يتمسك بقاعدة الحلية في المقام لقوله عليه السّلام:

«كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه».

و أحسن من الجميع أن يحتاط المسلم في دينه، و لا يأكل مما يشك في حليته و حرمته، و يستريح من عتاب الشك و الشبهة.

بقي هنا شي ء لا بأس بالإشارة اليه، و هو أنه إذا قلنا ان ما ذبحه المحرم من الصيد بحكم الميتة تعبدا في عدم جواز الأكل، فالحكم ما تقدم من حجية اليد و الاستصحاب و غيره عند الشك، و أما بناء على انه ميتة في جميع الآثار، فان اخترنا أن الميتة أمر عدمي عبارة عن عدم تحقق التذكية شرعا فالأصل الجاري في المقام و هو استصحاب عدم التذكية، أو أصالة عدمها يكفي في إثبات كونه ميتة، و يترتب عليه جميع الآثار، و أما إذا اخترنا أن الميتة أمر وجودي متأصل، فيشكل إثباته بالأصل و الاستصحاب، و ان حكمنا بحرمة الأكل:

(الأمر السادس)- لو علم أنه صاد صيدا و ذبحه

، و لكن لا يعلم أنه صاده حال الإحرام و ذبحه فيه فيحرم أكله، أو صاده حلالا و ذبحه محلا فيجوز أكله، فإن علم تاريخ الذبح بان تيقن انه ذبحه يوم الجمعة مثلا، و شك في انه أحرم قبل هذا التاريخ أو بعده، فيستصحب عدم الإحرام إلى حين الذبح و يحكم بحلّيته و جواز الأكل، و ان علم تاريخ الإحرام فقط دون الصيد و الذبح، فيستصحب عدم الصيد و الذبح الى زمان الإحرام، و يحكم بعدم وقوع الذبح قبله، و يكفى دليلا لحرمة الأكل، أصالة عدم التذكية و لكن لا يثبت وقوع الذبح بعد الإحرام الا على القول بحجية الأصول المثبتة

ص: 26

و اما إذا جهل تاريخهما أي الإحرام و الذبح معا، فالحكم ما تقدم في الأمر الخامس، من التمسك بالاستصحاب أو قاعدة الحلية.

قد يقال ان هذا اللحم قبل الذبح كان محكوما بالحرمة، و نشك في تأثير الذبح الواقع عليه في حليّته، فتستصحب الحرمة السابقة.

و يجاب عنه بأنه يشترط ان كان يكون المتيقن و المشكوك متحدا في إجراء الاستصحاب و ان يراهما العرف شيئا واحدا و حكما فاردا، و ليس المقام كذلك، فإن الحرمة الثابتة قبل الذبح نوع خاص، و هي بعده لأجل الشك في وقوع الذبح في الحرم أو خارجه نوع أخر.

و دعوى ان هذا المقدار من الاختلاف لا يضر بإجراء الاستصحاب غير مسموعة، للعلم بارتفاع الحكم السابق المتحقق حال حياة الحيوان، و لا شك فيه و انما الشك في الحرمة المجعولة بسبب الإحرام و وقوع الذبح في الحرم و عدمه، و الحكم بها لا يعد إبقاء للحكم السابق و لا عدمه نقضا له، الا ان يلتزم بصحة الاستصحاب الكلى و جريانه في المقام، كما لو علم بوجود انسان متحقق في وجود زيد في الدار، و علم بخروج زيد منها، و لكن يحتمل دخول عمرو الدار مقارنا لخروج زيد، فيستصحب الإنسان الكلى و يحكم ببقائه، فيقال في المسئلة ببقاء الحرمة الكلّية في البين و لكنه مشكل نعم يمكن ان يتمسك بقاعدة الحلية(كل شيى فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه) و يحكم بحلية أكل ما شك في حليته و أشير إليه فيما سبق و انما أعدناه توضيحا للمسئلة.

ص: 27

(الأمر السابع)- في مفهوم الصيد

، و هو بحسب المفهوم العام عند العرف يشمل ما يؤكل لحمه و ما لا يؤكل لحمه منه. فقوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (1) و لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ (2) يشمل السباع و الوحوش و الغزلان و الطيور مما يؤكل لحمه و ما لا يؤكل، يقال لمن صاد غزالا أو حمامة صاد، و لمن صاد أسدا أو ثعلبا أو خنزيرا صاد، إذا كان وحشيا بالذات، و ان صار أهليا بالعرض، و أما لو كان أهليا بالذات ثم صار وحشيا بالعرض فلا يصدق عليه الصيد، هذا هو المفهوم المتبادر من الصيد عند العرف، و اما الآية الكريمة المذكور فيها الصيد، فيمكن ان يقال انه منصرف الى ما يؤكل لحمه، بمناسبة الحكم و الموضوع، إذ المستفاد منها ان الإحرام مانع عن الصيد و ذبحه و اكله، بحيث أنه لو لا الإحرام لم يكن مانع من اكله و كذا التقييد في قوله تعالى(ما دُمْتُمْ حُرُماً) فان اختصاص الحرمة بحال الإحرام، يدل على انتهاء الحكم و ارتفاع النهي بالإحلال فيجوز الصيد و أخذه و ذبحه و اكله بعده، الذي كان محرما عليه قبله، و لا يستفاد الدوام و التأبيد، من الآية كما في قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ (3) فسياق الآية في حكم الصيد يدل على أنه لو لم يكن الإحرام موجبا لحرمته و النهى عن الاستفادة منه كان اكله حلالا، و جائزا بالحكم الاولى المجعول من الشرع، و الصيد الذي لا يؤكل لحمه في الشرع بل هو حرام بالجعل الاولى ليس كذلك إذ لو لم يأخذه المحرم حال إحرامه لكان حراما ايضا و ان صاده في الحل، فالاية الكريمة منصرفة إلى مأكول اللحم من الصيد البري، و لا تشمل


1- سورة المائدةالاية 96
2- سورة المائدةالاية 95
3- سورة المائدةالاية 5

ص: 28

غير المأكول، و لو شك في الانصراف، لكان القدر المتيقن من مفادها هو الأول، فعلى هذا إثبات حرمة صيد ما لا يؤكل لحمه و أخذه و قتله، و الحكم بالكفارة على من صاده و قتله، يحتاج الى دليل أخر غير الآية، و ان كان في الاخبار غنى و كفاية، الا ان الآية مع قطع النظر عن الرواية لا يشمل عمومها له نعم قد تفسر الروايات الآية، في سعة الشمول و عدمها، الا أنه لا تنافي بينه و بين ما ذكرناه من انصراف طبع الآية و سياقها الى ما يؤكل لحمه، و يؤيد ما ادعيناه أن جميع الأسئلة الواردة في النصوص انما وقعت عن الغزال و الحمام و النعامة و غيرها مما يؤكل لحمه، فالاية اما منصرفة اليه أو هو القدر المتيقن منها بشهادة السياق و الحرمة المجعولة حال الإحرام، المرتفعة بالإحلال.(1)

(الأمر الثامن) أنه بعد ما فرغ صاحب الشرائع عن بيان حرمة الصيد أكلا و اصطيادا و اشارة و ذبحا قال: و كذا يحرم فرخه و بيضه.

لو قيل ان الامتناع و الفرار يعتبر في مفهوم الصيد فلا تشمل الآية الفرخ لعدم قدرته عليهما.


1- التحقيق في المقام ان يقال ان ما يستفاد من قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً حرمة ما يوكل لحمه من الصيد بالقتل و الأخذ و الرمي، اما بالانصراف اليه كما جاء في كلام الأستاد مدّ ظلّه، أو بدعوى انه المتقين من الآية، و اما قوله تبارك و تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ فلا يبعد دعوى شموله للصنفين من الصيد، المأكول لحمه و غيره بل من المحتمل القريب أن الآية الثانية أظهر في العموم من دعوى الانصراف في الاية الاولى الى ما يوكل لحمه و مثلها في الظهور في العموم قوله تعالى لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ.

ص: 29

يقال: ان المعتبر القدرة على الفرار و الامتناع بالذات لا بالفعل، إذ لو كسر رجل صيد، أو مرض بحيث لا يتمكن من الفرار لا يخرج عن كونه صيدا، و كذا لو لم يتمكن منه لصغر السن و ضعف القوة و العدو، فلا قصور في شمول الاية للفرخ، مضافا الى النصوص الواردة في المقام.

1-(منها) ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام «في قيمة الحمامة درهم، و في الفرخ نصف درهم و في البيض ربع درهم» (1) و يعلم من تعيين القيمة ان أخذ الفرخ و البيض حرام على المحرم.

2- و عن الحرث بن المغيرة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل عن رجل أكل من بيض حمام الحرم و هو محرم، قال عليه لكل بيضة دم و عليه ثمنها سدس أو ربع درهم(الوهم من صالح الراوي عن الحرث) ثم قال ان الدماء لزمته لأكله و هو محرم، و ان الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم». (2) 3- عن حفص البختري عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «في الحمام درهم و في الفرخ نصف درهم و في البيضة ربع درهم». (3) 4- عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فرخين مسرولين ذبحتهما و انا بمكة محل، فقال لي: لم ذبحتهما؟ فقتل جائتني بهما جارية قوم من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما فظننت أني بالكوفة و لم اذكر الحرم فذبحتهما، فقال: تصدق بثمنهما، فقلت فكم ثمنهما؟ فقال درهم خير من ثمنها» (4)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيدالحديث 1.
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيدالحديث 4.
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيدالحديث 5.
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيدالحديث 7.

ص: 30

5- عن حريز عن محمد قال «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اهدى إليه حمام أهلي جي ء به و هو في الحرم محل، قال ان أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه». (1) 6- عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة و ان قتل فراخه ففيه حمل و ان وطئ البيض فعليه درهم». (2) في الرواية الأولى لحريز وقع السؤال عن رجل و هو في الحرم، و الظاهر انه كان محلا أصاب شيئا من الحمام في الحرم، و اما روايته الثانية فقد وردت في حق المحرم كما في روايته الثالثة.

7- عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال «و ان وطئ المحرم بيضة كسرها فعليه درهم و كل هذا يتصدق به بمكة و منى و هو قول اللّه تعالى تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ». (3) 8- عن على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال «سالته عن رجل كسر بيض حمام و في البيض فراخ قد تحرك، قال: عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك بشاة، و يتصدق بلحومها ان كان محرما و ان كان الفرخ لم يتحرك تصدق بقيمته و رقا يشترى به علفا يطرح لحمام الحرم». (4) يستفاد من مجموع هذه الروايات ان الفرخ و البيض ايضا حرام على المحرم كما أن الصيد حرام عليه و أما ترتب الكفارة و تفصيلها و انها لأي قسم من الصيد فسيأتي إنشاء اللّه في الكفارات


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 9 من أبواب كفارات الصيدالحديث 7
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 9 من أبواب كفارات الصيدالحديث 8

ص: 31

الأمر التاسع في الجراد وقع الخلاف بين الاعلام من الشيعة و السنة في أن الجراد من صيد البر أو البحر، اوله صنفان صنف بري و صنف بحري

، و كان المناسب ان نتعرض لهذا البحث بعد توضيح الكلام في مفهوم صيد البحر و نقل الأقوال فيه، و لكن الأستاذ مدّ ظلّه العالي تعرض لذلك في المقام تبعا للمحقق قدس سره.

قال المحقق في الشرائع بعد الحكم بحرمة البيض و الفرخ: «ان الجراد في معنى الصيد البري، عندنا كما في الجواهر.

و عن المنتهى و التذكرة أنه قول علمائنا و أكثر العامة، و ادعى عدم الخلاف فيه، كما عن المسالك، خلافا لأبي سعيد الخدري و الشافعي و احمد، فذهبا الى كونه بحريا زعما بأنه متولد من مدفوع السمك.

و أما علماؤنا كما أشير إليه فلا خلاف بينهم في ذلك، الا أنهم قالوا: «الجراد على صنفين، صنف منه بحري، و صنف بري» و لعل تعرض المحقق لبيان حكم الجراد في ضمن حكم الصيد البري انما هو لذلك، و لعل الروايات المتفرقة الدالة على أن الجراد كله بري، وردت في بيان حكم ما كان يبتلى به الحاج في أثناء السير، لاجتماع الجراد في الطريق الذي يكون غالبا من الصنف البري، لا البحري، فعلى هذا، الصنف البري حرام أخذه و قتله و أكله على المحرم، و أما البحري فهو حلال، يشمله قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ، فالمهم في المقام نقل النصوص الواردة في المسئلة، و التأمل في مضامينها لكي يتضح الحال و يكمل المقال، و يعلم ان الجراد كله بري، أو بحري، أو مختلف.

1-(منها) ما رواه محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: مرّ على عليه السّلام على قوم يأكلون جرادا، فقال سبحان اللّه و أنتم محرمون؟ فقالوا انما هو من صيد البحر، فقال لهم ارمسوه في الماء إذا (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 32

إذ المستفاد من الرواية، من قوله عليه السّلام ارمسوه في الماء أن الجراد لو كان يعيش في الماء كان بحريا و حيث أنه لا يعيش إلا في البر فهو بري.

2- عن حريز عن زرارة عن أحدهما قال: المحرم يتنكب الجراد إذا كان على الطريق فان لم يجد بدّا فقتل فلا شي ء عليه. (1) 3- عن ابى بصير قال سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدوسونه من غير تعمد لقتله أو يمرون به في الطريق فيطأونه قال: ان وجدت معدلا فاعدل عنه فان قتلته غير متعمد فلا بأس. (2) 4- معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ليس للمحرم ان يأكل جرادا و لا يقتله. (3) 5- عن يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجراد أ يأكله المحرم، قال: لا (4).

6- عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: المحرم لا يأكل الجراد (5) 7- عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه: الجراد من البحر، و قال كل شي ء أصله في البحر، و يكون في البرّ و البحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله فان قتله فعليه الجزاء كما قال اللّه تعالى (6) هذه الروايات تدلّ على ان الجراد على نحو العموم من صيد البر و ان كان أصله و تكوّنه من البحر، و لم تذكر فيها نوع آخر بحري من الجراد، و قد صرّح


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من تروك الإحرام الحديث 4
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من تروك الإحرام الحديث 5
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من تروك الإحرام الحديث 6
6- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 6 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 33

في رواية محمد بن مسلم بأنه لو كان من صيد البحر لعاش في الماء فما لم يتمكن من ان يعيش فيه فهو بري كما ان ما لا يتمكن من ان يعيش في البر فهو بحري و اما إذا تمكن من ان يعيش في البر و البحر معا فهو أيضا بري و ان كان أصله من الماء، و هذا هو المراد من كلام الشيخ(قدس سرّه) حيث قال: و اما لو كان في البر و البحر و ان كان أصله من الماء فهو البري كما في رواية عمار المتقدمة فمثل بعض السلحفاة التي تعيش في البر و البحر بحيث تتمكن من الحياة في البرّ من دون حاجة ملزمة الى العيش في الماء، كما في السمك فهو ايضا من الصيد البري الذي يحرم على المحرم قتله، و اما التي لا تعيش من السلحفاة إلا في الماء فهي بحرية.

و بالجملة المستفاد من الروايات ان الجراد على نحو العموم من صيد البر يحرم قتله و اكله لقوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ نعم لو اجتمع الجراد في طريق المحرم و تجمع فيه و سدّ الطريق بحيث لا يمكن السير بدون قتله و لا التوقف حتى ينتشر و يطير، فإن أمكن الطرد فيطرد و يبعد من الطريق، و الا فلا إشكال في إتلافه بالراكب و المركب، كما في صورة الاضطرار و اما في غير تلك الصور فلا يجوز قتل الجراد و طرده كما أشير إليه.

ص: 34

الأمر العاشر (في صيد البحر)

لا يحرم على المحرم صيد البحر مطلقا و هو كما في الشرائع ما يبيض و يفرخ في الماء.

اما أصل الحكم فلا اشكال فيه و لا خلاف، بل ادعى إجماع المسلمين عليه و يدل عليه قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيَّارَةِ. (1) و اما تعريف صيد البحر بأنه ما يبيض و يفرخ في الماء فلا بدّ من بسط الكلام فيه، فأقول: البيض و الفرخ، و ان كانا بحسب الظهور العرفي مختصين بما يطير، و يستعمل فيه من دون تمهل و مؤنة، و لكن قد يراد منه الأعم، كما قد يعبر عن الأولاد بالفرخ، فبناء على إرادة الأعم، كل ما يتولد و يتكون في البحر فهو بحري، و ما يتكون و يتولد في البرّ فهو برّي، سواء كان بالبيض أو بالولادة، و لعل هذا مراد المحقق ايضا و اما لو كان مراده ما هو الظاهر من البيض و الفرخ من اختصاصهما بما يطير دون الأعم، فلا مناص من التأمل في اخبار الباب في ان المستفاد منها، ان المراد مما


1- المائدة 96

ص: 35

يبيض و يفرخ ما هو الظاهر عند العرف، و هو المعيار و الملاك في كون الصيد بحريا أو بريا، أو المراد منه الأعم كما اخترتاه حتى يعد كلّ ما يتكون و يتولد في البحر بحريا و ما يتكون في البرّ بريا، إذ لولاه لا شكل عد الكلب البحري و الفرس البحري بحريا لعدم تكونهما من البيضة و لا يطلق عليها الفرخ، و على كل حال، المتبع في المقام الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام، و فقه مضامينها بالتأمل التام.

1- منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:(و السمك لا بأس بأكله طرية و مالحة و يتزود، قال اللّه تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيَّارَةِ، قال: فليتخير الذين يأكلون و قال: فصل ما بينها كل طير يكون في الآجام يبيض في البر و يفرخ في البر فهو من صيد البر و ما كان من صيد البر يكون في البر و يبيض في البحر فهو من صيد البحر) (1).

المستفاد من هذه الرواية، ان كل ما يبيض في البحر فهو بحري، و ان كان يعيش في البر ايضا فالطير الذي يبيض في البحر و لكنه يعيش في البر فهو بحري، و هي نظير ما تقدم من معاوية بن عمار ايضا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال عليه السّلام(كل شيى أصله في البحر و يكون في البر و البحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله فان:

قتله فعليه الجزاء) (2) الا انها جعل الميزان فيها كون الأصل في البحر و هذه الرواية جعل الملاك فيها ان يبيض و يفرخ في البحر و يمكن حمل هذه على الطير و ما تقدم على الأعم منه و من غيره.

2- و عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:(لا بأس بأن يصيد المحرم السمك و يأكل مالحه و طريه و يتزود، قال اللّه: أحل لكم صيد البحر و طعامه متاعا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 6 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 6 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 36

لكم، قال: مالحه الذي تأكلون، و فصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض في البر و يفرخ في البر فهو من صيد البر و ما كان من صيد البرّ يكون في البر و يبيض في البحر فهو من صيد البحر) (1).

هذه الرواية تدل على ان كل ما يبيض في البحر فهو بحري فيقيد به ما يدل على ان كل شي ء أصله في البحر فهو بحري هذا في الطير، و اما غيره فكل ما لا يعيش في الماء فهو بري كما هو مقتضى قوله عليه السّلام ارمسوه في الماء.

الأمر الحادي عشر لو كان حيوان يراه العرف بريا و يعده منه، و لكنه يبيض في البحر

، فهل المتبع هنا نظر العرف أو الميزان الذي استفيد من الاخبار لتشخيص صيد البحر فيحكم بجواز صيده و اكله اعتمادا على الميزان؟.

يمكن ان يقال بل يستدل بان الروايات انما وردت لتشخيص موارد الشك و الاشتباه عند العرف، دون المعلوم عنده فإذا رأى العرف حيوانا من صيد البر يلزمه حكمه و يحكم بحرمة صيده و قتله و أكله إذ الروايات ناظرة إلى الفرد المشكوك و تشخيصه بالميزان المذكور فيها، و يشهد لذلك ان قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ خطاب عرفي عام وجه الى المكلفين فإذا رأى العرف حيوانا برّيا يتحتم عليه التكليف و لا يبقى له شك حتى يتوسل بالميزان الشرعي المذكور و تخطئة العرف و القول بان الروايات انما وردت في مقام التخطئة للعرف في بعض مصاديق الصيد و إبطال حكمهم فيه مشكل جدا و كلام على عليه السّلام مع قوم كانوا يأكلون الجراد و هم محرمون مستدلين بأنه من صيد البحر، لم يكن تخطئة لهم في المصداق بل كان رد استدلالهم و استنباطهم، و لذا قال عليه السّلام ارمسوه في الماء إذا، لا انهم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 6 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 37

أخطأ وافى تشخيصهم، و الحاصل ان ما جعل ميزانا لتشخيص صيد البحر و امتيازه و فصله عن صيد البر انما هو فيما لا يكون مشخصا و مميزا عند العرف، و انه داخل في أي صنف من الصيد البري أو البحري، فعند ذا يقال: ان كان يبيض في البحر فهو من مصاديق صيد البحر و ان كان يبيض في البر فهو من مصاديق صيد البر، و اما إذا كان معلوما عندهم من جهة المصداق و يراه العرف مثلا داخلا في صيد البر أو البحر فلا حاجة الى إعمال الميزان المجعول للتشخيص في صورة الشك و الشبهة.

بقي هنا فرعان ينبغي الإشارة إليهما لتكميل البحث في المقام.

الأول لو كان حيوان له صنفان، صنف يعيش في الماء، و صنف يعيش في البرّ كالسلحفاة فلكل صنف حكمه الخاص به، فما يعيش في البرّ برّي يحرم صيده و قتله و ما في البحر فبحرى يجوز صيده كالكلب البري و البحري.

الثاني لو شك في فرد من الحيوان انه من صيد البحر أو من صيد البرّ، و لم يعلم دخوله في أيّ صنف من الصيد لشبهة في المصداق لا الحكم و العنوان، كما إذا راى صيدا من بعيد و لم يعلم أنه بحري أو برّي، فإن قلنا: بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، يتمسك بعموم حرم عليكم صيد البر و يشمله ايضا عموم أحل لكم صيد البحر، فيتصادقان في مورد واحد و يغلب جانب الحرمة فيحكم بحرمة قتله و اكله، و لكن المتأخرين لا يجوّزون التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، كما هو الأقوى، و عليه فيحكم بعدم حرمته للأصل، لأنه شك في التكليف، و لقوله عليه السّلام كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه هذا فيما إذا كان الشك من جهة المصداق و الموضوع، مع العلم بأنه إما مصداق لصيد البر، أو مصداق للصيد البحري، المعلوم حكمهما، لا انه مصداق لثالث مغاير حكمه لحكمها.

و اما لو كان الشك من جهة صدق عنوان البرّي و البحري مع صدق الصيد عليه، بمعنى انه يشمله الصيد و لكن لا يصدق و لا يطلق عليه البحري فقط، و لا البري

ص: 38

كذلك لوجود الآثار المختلفة و المتضادة فيه، بأنه يبيض في البحر تارة، و في البرّ أخرى، أو يتمكن من ان يعيش في الماء دائما، كما انه يتمكن من ادامة الحياة في البرّ كذلك، أو للشك في مفهوم البحر من جهة السعة و الضيق(1) فهل يتمسك في مثل المورد بعموم حرم عليكم صيد البر فيحكم بالحرمة، أو بعموم أحل لكم صيد البحر فيجوز قتله و اكله، فيه تردد.

و منشأه انه ان قيل ان العام في حرمة الصيد انما قيد بكونه غير بحري لقوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ، فكان الحرام من الصيد متقيد بكونه غير بحري، و لا علم لهذا القيد الا بعد إحراز كونه بريا، فإذا شك في وجود القيد و تقيد الصيد به يشمله العموم لعدم انعقاد الظهور للعام الا فيما هو برّي قطعا، فلا يكون حراما على المحرم.

و ان قلنا ان الصيد حرام على المحرم قتله و اكله على نحو العموم الساري في جميع مصاديق الصيد، لقوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ، الظاهر في حرمة كل من الصنفين، و لكن المخصص المنفصل الأخر، اخرج صيد البحر عن تحت حكم العام، و حكم بحليته، و خصص الحرمة بالبري من الصيد و قد تقرر في الأصول ان المخصص إذا كان مجملا بحسب المفهوم، لا يجوز تخصيص العام الا بما هو المتيقن دخوله تحت عموم المخصص، و يبقى غيره سليما عن التخصيص و المعارض، و لا يسري الإجمال في دليل المخصص الى العام، لانفصاله عنه، و عدم اتصاله به، و انعقاد الظهور فيه، كما لو قال أكرم العلماء ثم ورود دليل أخر، لا تكرم الفساق منهم، و تردد الفسق بين مرتكب الكبيرة و الصغيرة، يؤخذ بالقدر المتيقن من المخصص و هو مرتكب الكبيرة، و يبقى مرتكب الصغيرة تحت عموم العام و يتبع ظهوره فيه، و ما نحن فيه ايضا كذلك


1- لا وجه للشك في مفهوم البحر و لا اثر له أصلا إذ الملاك، الحياة و العيشة في الماء سواء كان بحرا أو نهرا أو شطا أو غديرا كما قال(ع) ارمسوه في الماء.

ص: 39

فيحكم بحلية ما هو المتيقن دخوله تحت صيد البحر، عند الشك في صدق العنوان، و يبقى غيره تحت عموم قوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ.

هذا إذا كانت الشبهة حكمية كما أشير اليه، و اما لو كانت مصداقية بأن اشتبه عليه ان ما يراه بعيدا من الصيد، بحري أو برّي، يجوز قتله بناء على الأول و يحرم على الثاني، و لا يصح التمسك بعموم المخصص بالكسر و لا المخصص بالفتح الأبناء على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص، و اما بناء على عدم الجواز كما هو الحق، فالمرجع عند الشك، الأصل الجاري في المورد و قد مرّ انه عدم الحرمة على احتمال.

ص: 40

حرمة النساء على المحرم
اشارة

الثاني مما يحرم على المحرم النساء وطيا و لمسا، و عقدا، و شهادة و تقبيلا و نظرا إذا كانا بشهوة. أما حرمة الجماع قبلا و دبرا فهو إجماعي لا خلاف فيه، و ادعى الإجماع بقسميه عليه، نعم قد وقع الخلاف في بعض الموارد من جهة إفساد الحج و عدمه و لكن أصل الحرمة في الوطي لم يخالف فيه أحد، و تدل عليه الآية و الرواية بتعابير مختلفة كحرمة الوقاع، و الجماع، و الغشيان، و إتيان الأهل، و الرفث بالصراحة و الكناية.

اما الآية، فقوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ. (1) و الرفث هو الجماع كما في قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ (2)


1- سورة البقرةالاية 194
2- سورة البقرة- 184

ص: 41

و من النصوص المفسرة للرفث بالجماع.

1- ما رواه معاوية بن عمار قال: قال لي أبو عبد اللّه(ع):(إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه و ذكر اللّه و قلة الكلام الا بالخير، فان تمام الحج و العمرة ان يحفظ المرء لسانه الا من خير، كما قال اللّه عز و جل، فان اللّه يقول فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ، فالرفث الجماع، و الفسوق الكذب و السباب، و الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه). (1) و نفى تلك الأمور، و عدم وجوده في الحج، يدل على انها منتفية شرعا، و محرمة شديدة، لبيان الحكم بنفي ما هو الحرام في الخارج، و هو آكد في الحرمة.

2- عن على بن جعفر قال:(سألت أخي موسى عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو، و ما على من فعله، فقال: الرفث جماع النساء و الفسوق الكذب، و المفاخرة، و الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه.) الحديث. (2) 3- عن زيد الشحام، قال:(سألت أبا عبد اللّه عن الرفث و الفسوق و الجدال، قال: اما الرفث فالجماع، و اما الفسوق فهو الكذب الا تسمع لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ، و الجدال هو قول الرجل: لا و اللّه، و بلى و اللّه، و سباب الرجل الرجل). (3) 4- عن العياشي في تفسيره عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه في تفسير الآية قال:(فالرفث الجماع، و الفسوق الكذب، و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه). (4)


1- وسائل الشيعة ج 9- الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة ج 9- الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة ج 9- الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8
4- وسائل الشيعة ج 9- الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

ص: 42

فهذه روايات وردت في تفسير الآية ذكرناها بتمامها ليعلم الاختلاف في مضامينها بالزيادة و النقيصة و يتبين ان الأمور المذكورة فيها محرمة و لا يمكن القول بكراهتها.

و اما ترتب الكفارة على من ارتكبها فتدل عليه روايات.

منهاما عن على بن جعفر عن أخيه في حديث، قال:(فمن رفث فعليه بدنة ينحرها و ان لم يجد فشاة و كفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله و هو محرم). (1) يستفاد من الرواية حرمة الرفث و ترتب الكفارة عليه و سنتعرض له و لحكم الكفارة مفصلا إنشاء اللّه تعالى.

مسائل
الاولى

- انه لا فرق بين أقسام الجماع في الحرمة، و قد وردت في الروايات المفسرة للرفث المذكور في الآية تعبيرات مختلفة كالجماع، و إتيان الأهل، و الغشيان، و الوقاع، و مباشرة النساء.

اما الجماع فهو و ان كان ظاهرا في الوطي في القبل، و منصرفا عن الوطي في الدبر، الا ان الإجماع على عدم الفرق بينهما في الحرمة و ترتب الكفارة و نظر الإجماع، اما الى ان الجماع وضع بحسب الوضع الأولي للأعم من الوطي في القبل و الدبر، أو المراد منه في الروايات هو الأعم، و ان كان موضوعا للقسم الخاص منه فقط، لما ورد في الروايات ان الدبر أحد المأتيّين يجب فيه الغسل و المهر و العدة، فعلى هذا إرادة الأعم من الجماع حكم تعبدي.

و يظهر من بعض الروايات عدم الفرق بين المأتيّين و شمول الحكم لكل واحد منهما، و ترتب الكفارة عليهما كرواية معاوية بن عمار.


1- وسائل الشيعة ج 9- الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4

ص: 43

قال:(سألت أبا عبد اللّه(ع) عن رجل محرم وقع على اهله فيما دون الفرج، قال: عليه بدنة، و ليس عليه الحج من قابل، و ان كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، و ان كان استكرهها فعليه بدنتان و عليه الحج من قابل). (1) أطلق الجماع في هذه الرواية على المواقعة فيما دون الفرج، و حكم بحرمتها و ترتب الكفارة عليها.

لو فرض ان إطلاق الجماع على الوطي في الدبر غير قطعي، و شك في شموله له، فلا ينبغي ان يشك في شمول الوقاع له و إطلاقه عليه كما يطلق على الوطي في القبل.(2) هذا تمام الكلام في الحرمة التكليفية و اما الوضعية بمعنى فساد الحج و بطلانه بالوطي في القبل و الدبر حال الإحرام و ترتب الكفارة على كل منهما فالرواية صريحة في الفساد و ترتب الكفارة على الوطي في كلّ من المأتيين أيضا نعم لو ادعى ان المتيقن من الأدلة على حرمة الجماع على المحرم و ترتب الكفارة عليه هو الوطي في القبل، و اما الدبر فمشكوك فيه، و لا نعمل بخبر الواحد و لا يعتنى بالإجماع المدعى في المقام و بفتاوى الفقهاء، لأمكن القول بان المرجع عند ذاك هو البراءة و كذا لو شك في فساد الحج بالوطي في الدبر و عدمه فالأصل عدمه.

و لكن الحكم واضح لا شبهة فيه، لفتاوى الفقهاء، و الإجماع المدعى. هذا حكم الوقاع و الجماع، و اما اللمس و النظر و التقبيل فسيأتي حكم كل منها في المسئلة الاتية ان شاء اللّه تعالى.

الثانية

افتى المحقق قدس سره بحرمة لمس النساء على المحرم و كذا النظر


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1
2- الظاهر ان الجماع و الوقاع و غشيان النساء و إتيان الأهل كلها في الانصراف إلى الوطي في القبل أو شموله للأعم سواء في الجميع و لا خصوصية في كلمة الوقاع.

ص: 44

و التقبيل بشهوة و لكن لم يقيد اللمس بشهوة.

و نقل صاحب الجواهر كلام المحقق في اللمس و قيده بشهوة و لعله استفاد اعتبار الشهوة في حرمة اللمس من الاخبار الواردة في المقام كما سيأتي.

و اما النظر فقد اعتبر المحقق في حرمته على المحرم كونه بشهوة لا مطلقا، و اختاره صاحب الحدائق و المستند.

و حكى عن الصدوق جواز النظر إلى امرأته بشهوة، و مال إليه في كشف اللثام مستدلا بالأصل.

و منشأ الاختلاف النصوص الواردة في المقام، فالمهم نقلها و فقهها بالتأمل التام فمنها:

1- ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:(سالته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى، أو أمذى، و هو محرم قال: لا شي ء عليه، و لكن ليغتسل و يستغفر ربه، و ان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى و هو محرم فلا شي ء عليه، و ان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم، و قال: في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى ينزل، قال عليه بدنة. (1) قد ذكر في الرواية النظر و اللمس و الحمل و قيّد الثاني و الثالث بكونهما عن شهوة، و اما النظر فقد يستظهر من قوله(ع): نظر الى امرأته فأمنى، ان النظر انما كان عن شهوة حيث تعقب بالإنزال، و صار سببا له، و هو مشكل فلا بد من ان يحمل على النظر بغير شهوة و لو بمعونة رواية أخرى وردت في المسئلة، و بقرينة الفقرة الأخيرة في ذيل الرواية و هي قوله فان حملها من غيره شهوة فأمنى أو أمذى و هو محرم فلا شي ء عليه، إذ من المحتمل ان الفقرة الأولى أيضا في مقام بيان حكم من نظر الى امرأته بغير شهوة كما يقتضيه السياق و يأتي البحث في


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

ص: 45

النظر مفصلا إنشاء اللّه تعالى.

و اما لمس المرية فقد قيد الحرمة فيه بكونه عن شهوة كما هو المصرح به في رواية عمار المتقدمة، و بها يقيد ما تدل على حرمته مطلقا و لعلها مستند صاحب الحدائق و المستند و الجواهر ايضا حيث اشترطوا الشهوة في حرمة مس المرية و لمسها، فكل مس و لمس لا يكون بشهوة فلا شي ء عليه و ان أمنى أو أمذى، و تدل على ذلك روايات اخرى.

1- منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:(سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال نعم يصلح عليها خمارها و يصلح عليها ثوبها و محملها قلت: أ فيمسها و هي محرمة، قال: نعم) (1) و هذه الرواية صريحة في جواز مس المرية حال الإحرام إذا لم يكن بشهوة و تدل على بطلان القول بحرمته مطلقا كما هو ظاهر عبارة المحقق في الشرائع، و لذلك قيّدها الشارح بكونه عن شهوة.

2- و رواية أبي سيار، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:(و من مس امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور و من مس امرأته أو لازمها عن غير شهوة فلا شي ء عليه). (2) 3- و رواية أخرى للحلبي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:(المحرم يضع يده على امرأته قال لا بأس، قلت: فيتنزلها من المحمل و يضمها اليه، قال: لا بأس، قلت:

فإنه ان أراد ان ينزلها من المحل فلما ضمها إليه أدركته الشهوة، قال: ليس عليه شي ء الا ان يكون طلب ذلك). (3)


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5

ص: 46

4- و رواية حريز عن محمد قال:(سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى، قال: ان كان حملها أو مسها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه، فان حملها أو مسها لغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي ء). (1) و المستفاد من الرواية ان المحرم إذا مس امرأته أو حملها و ضمها اليه بغير شهوة ليس عليه شي ء سواء امنى بذلك أو لم يمن، و اما إذا مسها أو حملها بشهوة فهو حرام مطلقا سواء أمنى أو أمذى، أو لم يمن و لم يمذ، إذ الظاهر ان ملاك الحرمة و الجواز، المس بشهوة، و غير شهوة و هو الموضوع للحكم، و لا أثر للإمناء و عدمه في ذلك، و منه يعلم ان الإمناء المذكور في رواية عمار المتقدمة بقوله(ان مسها بشهوة فأمنى) ليس قيدا للحكم و شرطا فيه بل هو الأثر الطبيعي الذي قد يترتب على المس قهرا، و ما هو الشرط و القيد كون المس عن شهوة.


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6

ص: 47

حكم التقبيل و اما التقبيل فهو ايضا حرام على المحرم كالنظر و مس المرية و لكنه وقع الخلاف في اعتبار الشهوة فيه و عدمه، و نقل عن بعض القول بالحرمة مطلقا و عدم اشتراط الشهوة فيه، و لعله ظاهر كلام المحقق قدس سره في الشرائع، و لكن صاحب الجواهر جعل قوله بشهوة: قيدا للنظر و التقبيل معا، و المهم في هذه المسئلة الأخبار الواردة و نقلها.

1- منها ما روى عن الحلبي عن أبي عبد اللّه في رواية قلت:(المحرم يضع يده بشهوة قال يهريق دم شاة، قلت فان قبّل، قال: هذا أشد ينحر بدنة). (1) 2- عن على بن أبي حمزة عن ابى الحسن عليه السّلام قال:(سألته عن رجل قبّل امرأته و هو محرم، قال عليه بدنة و ان لم ينزل و ليس ان يأكل منها). (2)


1- وسائل الشيعة ج 9- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1
2- وسائل الشيعة ج 9- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4

ص: 48

3- عن العلاء بن فضيل قال سألت:(أبا عبد اللّه عن رجل و امرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته و لم يقصر فقبّلها، قال: يهريق دما و ان كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما). (1) 4- عن مسمع ابى سيار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:(يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة فمن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة و من قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر ربه). (2) و المستفاد من مجموع روايات الباب ان تقبيل المحرم امرأته حرام عليه مطلقا، بشهوة كان أو بغيرها و ان كان يمكن ان يقال ان تقبيل الرجل امرأته لا ينفك غالبا عن الشهوة.

الثالثة

ان الروايات الدالة على أن النظر إلى المرأة و مسها و حملها حرام على المحرم، انما وردت في محرم نظر الى امرأته و زوجته، و في مسها و حملها، و اما النظر إلى الأجنبيّة و مسّها فلا إشارة إليها في النصوص، فهل الأجنبية، مثل الزوجة في الحرمة و ترتب الكفارة، إذا نظر إليها بشهوة أو مسها أو حملها كذلك أو يمكن ان يختلف حكمها و لا يتحد مع حكم الزوجة، وجهان.

أما الحرمة التكليفية فلا يمكن القول بالتفكيك بينهما فيها بداهة انه إذا كان النظر إلى الزوجة حراما حال الإحرام، فغيرها أولى بالحرمة و المبغوضية، و ذكر المرية و الزوجة في الروايات انما هو من جهة كثرة الابتلاء بها، لمرافقتها و ملازمتها لزوجها غالبا، لا لدخالتها في الحكم و موضوعيتها فيه.

و اما الكفارة فهي أيضا كذلك، لاستبعاد القول بان المحرم إذا نظر الى امرأته أو مسها بشهوة يجب عليه الكفارة دون الأجنبية لو نظر إليها كذلك،


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 18- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6.
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 18- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3

ص: 49

لاستيحاش العرف منه، و إنكار الذوق السليم له، و عدم التزام الفقيه به، و لذا أفتى فقهاؤنا بتعميم الحكم، و عدم الفرق بين الزوجة و الأجنبية في حرمة النظر و المسّ بشهوة، و ترتب الكفارة على ذلك و هذا لا اشكال فيه.

و انما الكلام فيما إذا مس محرم أجنبيّة بغير شهوة و صافحها كما هو الشائع المعروف بين الغربيين و بعض المتجددين و وجه الاشكال انه إذا مس المحرم زوجته بغير شهوة لا بأس عليه و لا كفارة فيه فهل الأجنبية أيضا كذلك، في عدم البأس و الكفارة إذا مسّها بغير شهوة لعدم شمول دليل الحرمة لها، و عدم الأولوية التي أشير إليها، أو يمكن ان يقال، ان مسّ الأجنبية لأجل كونه حراما الأجنبي يوجب الكفارة إذا مسّها المحرم.

اللهم الا ان يقال ان البحث في المقام انما هو في بيان ما يحرم على المحرم بهذا العنوان حال الإحرام بحيث يصح عدّه من تروك الإحرام، و اما الحرام الذي لم يؤخذ الإحرام موضوعا له فهو خارج عن البحث و مغاير له، كالسرقة، و الغيبة حال الإحرام، فإن حرمتها و وجوب قطع يد السارق، لا يلازم كونهما من تروك الإحرام كما ان قطع اليد لم يترتب على الحرمة بهذه الجهة، نعم قد تشتد العقوبة لخصوصية في الزمان و المكان على حسب نظر الحاكم الإسلامي، كما انه قد يكون الشي ء المحرم على جميع المكلفين حراما على المحرم بهذا العنوان و يصير موضوعا لآثار خاصّة و يعدّ من تروك الإحرام أيضا كما في الرفث الشامل للجماع مع الأجنبية، و الفسوق و الجدال، التي أخذت موضوعات لاحكام خاصة ثابتة بعنوان المحرم لقوله تعالى فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ. (1) و الحاصل انه لا مانع من القول بعدم ثبوت الكفارة على المحرم إذا مس


1- سورة البقرة الآية- 197

ص: 50

أجنبية بغير شهوة، لعدم الدليل عليه كما في مسّ امرأته لو مسّها بغير شهوة، إذ المذكور في الأدلة، ان ما يوجب الكفارة هو المس بشهوة، حلالا كان عليه أو حراما كما في الأجنبية، و لا تنافي بين الحرمة الأولية المجعولة للمس الأجنبية على المحرم و غيره، و بين ما اخترناه من عدم ثبوت الكفارة لو مسّها محرم لعدم شمول دليل الكفارة للمورد.

المسئلة الرابعة

ان مس المحارم كالأخت و الخالة و العمة كمس الزوجة فيحرم مسّهن إذا كان بشهوة و الا فلا.

اما المس بشهوة فيمكن استفادة حرمته من حكم مسّ الزوجة بالأولوية، فإنه إذا كان مسّ المحرم امرأته بشهوة حراما عليه، و موجبا للكفارة و هي زوجته و حليلته، فغيرها أولى بالحرمة و ان كانت من المحارم كما قلنا في الأجنبية.

و اما المس من غير شهوة، فلا يستفاد حكمه من الروايات الواردة في مس المحرم امرأته، لا بالفحوى و الأولوية، و لا بإلغاء الخصوصية، فلا بد من استفادة حكمه من روايات اخرى و لم نجد رواية خاصة في ذلك.(1) و اما حمل المرية و ضمها و ملازمتها إذا كان بشهوة فقد ذكرت في الروايات و لكن لم أجد في عبارة الفقهاء فتوى منهم في ذلك، فان كان مرادهم من المس ما يشمل الضم و الحمل و الملازمة، يشكل ارادة ذلك منه لظهوره في مس الجسد و البدن، لا مس الثياب و اما الروايات فقد تقدمت الإشارة إليها منها رواية عمار و فيها و ان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم. (2)


1- يمكن استفادة حكم مس المحارم من رواية الحسين بن حماد. قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم بقبل امه قال(ع) لا بأس به هذه قبلة رحمة إنما تكره قبلة الشهوة(الوسائل).وجه الدلالة أن التقبيل أحد مصاديق المس فشمله الدليل.
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

ص: 51

و في رواية حريز في رجل محرم حمل امرأته الى ان قال ان كان حملها أو مسها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم. (1) و في رواية أبي سيار المتقدمة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام من مس امرأته أو لازمها عن غير شهوة فلا شي ء عليه. (2)


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1- 6- 3
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1- 6- 3

ص: 52

حرمة النظر و اما النظر و حرمته على المحرم فقد وعدنا ان نتعرض له تفصيلا و أشير إليه في المسئلة الثانية.

قال الأستاذ الفقيه الكبير مدّ ظلّه: قد اعتبر المحقق في حرمة نظر المحرم إلى امرأته، كونه بشهوة، و اختاره صاحب الحدائق و المستند قدس سرهما.

و نقل عن بعض عدم الحرمة في امرأته و غيرها، الا انه يحرم النظر الى غير اهله من جهة النظر إلى الأجنبية لا بعنوان المحرم.

و نقل عن ظاهر عبارات بعض الفقهاء حرمة النظر مطلقا بشهوة كان أو بغيرها.

و عن الصدوق جواز نظر المحرم إلى امرأته، و لو بشهوة و عن كشف اللثام الميل إليه أيضا.

ص: 53

و منشأ الخلاف كما تقدم، كيفية الجمع بين النصوص الواردة في المسئلة، بالمضامين المختلفة، و مداليل متعددة، التي ينبغي ان يتأمل فيها و في الجمع بينها.

منها، رواية معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم قال لا شي ء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربه يحتمل ان يكون السؤال عن حكم النظر بلا قصد للإمناء، و لكن أدركه الأمناء من دون ارادة منه، و لا طلب له، فالمعنى ان المحرم إذا نظر الى امرأته، فأمنى من دون قصد و ارادة لذلك، لا يكون عليه شي ء، لا حرمة و لا كفارة.

لو قيل: ان الرواية مطلقة تشمل بإطلاقها ما لو قصد الأمناء فتكون معارضة لما تدل على حرمة الأمناء و قصده و الاستمناء بالنظر، فيقال، بناء على ثبوت الإطلاق فيها، و شموله النظر بقصد الأمناء، لا بد أن يؤخذ بالقدر المتيقن من مفادها، و هو ما لم يكن النظر بذاك القصد، و طلبا له، حتى ترتفع المعارضة بينها و بين ما تدل على حرمة النظر للإمناء، و الاستمناء.

ثم انه بناء على عدم شمول الرواية بإطلاقها لمن قصد الأمناء بالنظر الى امرأته، و الاستمناء به، فهل يستفاد منها جواز النظر بشهوة، أو بغيرها، إذا لم يقصد الأمناء به أولا، فكل منهما محتمل.

اما النظر بغير شهوة فيستفاد جوازه من الرواية و ان أمنى قهرا، فان المسلم من مورد الرواية و مدلولها بعد إخراج صورة قصد الأمناء، هو هذا المورد و الحكم بجواز النظر بغير شهوة إذ لولاه لا يبقى مورد لها.

و اما النظر بشهوة فلا يستفاد منها جوازه، و يشهد له ذيل الرواية على احتمال ايضا حيث قال عليه السّلام في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزّلها بشهوة حتى ينزل، قال:

عليه بدنة. (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

ص: 54

و قوله بشهوة يمكن و يحتمل ان يكون قيد الإنزال، فالمعنى أن إنزال المرية عن محملها بشهوة حتى يمني يوجب الكفارة، كما يحتمل كونه قيدا للنظر، فحينئذ، يكون مفاد الرواية ان النظر بشهوة إذا صار سببا للإنزال فيه بدنة و يحتمل كونه قيد الكل منهما.

ثم ان ثبوت الكفارة على الاحتمال الثاني، يمكن ان يكون للنظر بشهوة فقط، و يترتب عليه من دون دخل للإمناء، كما يحتمل ان تكون الكفارة مترتبة على الأمناء فقط من دون دخل للنظر، و لكن القدر المتيقن من الاحتمالين ان الكفارة إنما تترتب على النظر بشهوة مع تعقبه بالأمناء لا على مجرد النظر بشهوة، و لا على الأمناء فقط، فمعنى الرواية حرمة الأمناء و ثبوت الكفارة على من نظر الى امرأته بشهوة فأمنى إذا طلب ذلك.

منها رواية أبي سيار المتقدمة قال: قال لي أبو عبد اللّه:(يا أبا سيار: ان حال المحرم ضيقة الى ان قال: من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور) الخبر (1).

و المتيقن من هذه الرواية و المصرح بها حرمة النظر بشهوة حتى يمني لا النظر الخالي من الشهوة، و لا النظر بشهوة من غير أمناء، فلا تكون دليلا على حرمة النظر بغير شهوة، و لا على حرمته بشهوة من دون أمناء.

و رواية على بن يقطين عن ابى الحسن عليه السّلام قال:(سألته عن رجل قال لامرأته أو لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصفا و المروة: اطرحي ثوبك، فنظر الى فرجها، قال لا شي ء عليه، إذا لم يكن غير النظر). (2) و هذه الرواية بظاهرها تدل على جواز النظر بغير شهوة بل على جوازه بشهوة مع عدم الأمناء، فان النظر الى الفرج لا ينفك عن شهوة.


1- وسائل الشيعة ج 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3
2- وسائل الشيعة ج 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4.

ص: 55

قد يقال: ان المنفي في الرواية هو الكفارة لا الحرمة التكليفية و المعنى ان من نظر الى فرج امرأته من دون أمناء لا كفارة عليه و لا ينافي ذلك حرمة النظر تكليفا إذا كان بشهوة و لكن الظاهر المتبادر منها هو عدم حرمة النظر مطلقا و لو عن شهوة لما أشير إليه من ان النظر الى الفرج لا ينفك عنها، و عن التلذذ غالبا.

و منها رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى، قال ليس عليه شي ء. (1) و مفاد هذه الرواية نفى الحرمة و الكفارة، حتى مع الأمناء على ما هو الظاهر، و لكن لم يعمل به، حملها الشيخ قدس سره على صورة السهو و النسيان دون العمد، كما في الصوم، أو على غير الاختيار و الإرادة، كمن كان من عادته ان لا يمني بالنظر الى امرأته بشهوة، فنظر اعتمادا على تلك العادة، فأمنى من غير توقع و انتظار، و طلب و اختيار، فلا يصح الاستدلال بها لجواز النظر بشهوة إذا لم يكن مأمونا من الأمناء.

هذا تمام الكلام في المحرم إذا نظر الى اهله و امرأته، و اما لو نظر الى غير أهله فسيأتي حكمه.

مسألةلو نظر محرم الى غير اهله من:(النساء اللاتي يحرم النظر إليهن، و يجب غض البصر عنهن، فقد ورد فيه روايات، و هي العمدة في المسئلة.

منها ما رواه حريز عن زرارة قال:(سألت أبا جعفر عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل، قال: عليه جزور، أو بقرة، فان لم يجد فشاة). (2) الظاهر من هذه الرواية حرمة النظر الى غير الأهل بشهوة مع الانزال و هذا هو القدر المتيقن منها، و اما النظر بشهوة لا عن أمناء فلا تدل على حرمته كما هو مورد البحث.

و رواية أبي بصير قال:(قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل محرم نظر الى ساق امرأة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

ص: 56

فأمنى فقال ان كان موسرا فعليه بدنة، و ان كان وسطا فعليه بقرة، و ان كان فقيرا فعليه شاة، ثم قال: اما انى لم اجعل عليه هذا لأنه أمنى، إنما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحل له و رواها الصدوق أيضا بإسناده عن ابى بصير الا انّ فيها نظر الى ساق امرأة أو فرجها (1) و الرواية هي المستند لمن أفتى بحرمة النظر بشهوة، لظهور التعليل في ان الكفارة لم تجعل من جهة الإنزال، بل انما جعلت لأجل النظر الى ما كان حراما على المحرم نظره.

لكن التحقيق ان يقال ان حرمة النظر المعلل بها ثبوت الكفارة في الرواية، هل هي الحرمة الثابتة بعنوان الإحرام، أي الحرام الذي يعدّ من محرماته و تروكه، الذي نحن بصدده و نبحث عنه في المقام، أو الحرمة المجعولة لا بذاك العنوان، بل مع قطع النظر عن الإحرام و عنوان المحرم، فإن حرمة النظر الى الأجنبية و ساقها ثابتة على المحرم و غيره و ليس مما يختص بحال الإحرام و عنوان المحرم، بان يعد من تروكه.

فان كان المقصود هو الأول، فلا يناسبه التعليل بقوله لانه نظر الى ما لا يحل له، إذ البحث في المقام إثبات حرمة النظر و الأمناء حتى إلى اهله و امرأته التي تحل له، و قد تقدم ما يدل على حرمة النظر إلى امرأته و زوجته مع الأمناء، فكيف يصح القول بعدم حرمة الأمناء، و قد عرفت صراحة رواية أبي سيار المتقدمة فيها.

و اما لو كان المقصود هو الثاني، أي الحرمة الثابتة مع قطع النظر عن الإحرام و عنوان المحرم، بل لانه نظر الى ما لا يحل له فأمنى، فلازمه القول بعدم شي ء


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 16 من كفارات الاستمتاع الحديث 2

ص: 57

عليه إذا نظر الى ما يحل له فأمنى كما في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة التي حملها الشيخ على صورة السهو و النسيان، دون العمد.

و بالجملة الأخذ بظاهر التعليل المذكور في رواية أبي بصير المتقدمة لا يناسب ما سلف من صراحة بعض الروايات بوجوب الكفارة على المحرم إذا نظر الى امرأته فأمنى، و قد بينا فيما تقدم ايضا ان الأمناء إذا حصل من النظر بشهوة، يوجب الكفارة قطعا، و النظر الى ساق المرأة كما في هذه الرواية لأبي بصير، أو الى فرجها بناء على نقل الصدوق، لا ينفك عن الشهوة، فعلى هذا، التعليل المذكور في الرواية، غير معمول به، بل معرض عنه.

لا يبعد ان يقال: ان المستفاد من التعليل حرمة النظر و عدم جوازه إذا كان بشهوة، و هذا لا شبهة في استفادته من التعليل في الرواية، و ان لم تكن معمولا بها في نفى الكفارة على الأمناء، فلا مانع من التمسك بها لحرمة النظر بشهوة، ان لم يكن لها معارض أقوى، و الا فيشكل التمسك بها فيما ذكر ايضا بل لا يبعد ان يستفاد منها ان النظر بشهوة إلى الأجنبية حتى ينزل من محرمات الإحرام و تروكه زائدا على الحرمة الأصلية.

و مثلها رواية أخرى لأبي بصير رواها خالد بن إسماعيل عمن ذكره عن ابى بصير(1).

و منها ما رواه ابن عمير عن معاوية بن عمار في محرم نظر الى غير أهله فأنزل، قال(ع): عليه دم لانه نظر الى غير ما يحل له و ان لم يكن انزل فليتق اللّه و لا يعد و ليس عليه شيى (2)


1- كان أستادنا الأعظم الفقيه الفقيد البروجردي رضوان اللّه عليه، يعد أمثال هذه الرواية التي نقلت بطرق مختلفة رواية واحدة نقلها الراوي الأول عن المعصوم و سأل المسئلة منه عليه السّلام مرة واحدة ثم ذكرها لافراد عديدة لا انه سئل الإمام عنها مرارا و كرارا
2- وسائل الشيعة ج 9- الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.

ص: 58

و قد رتب الكفارة في هذه الرواية على النظر مع الانزال و اما بدونه فليس عليه شي ء، و لا يبعد ان تكون هذه الرواية مفسرة لرواية حريز و ابى بصير المتقدمتين و شارحة لهما، بتقريب ان النظر إذا كان سببا للإنزال و متعقبا به يحرم على المحرم بما انه محرم و معنون به، و يعدّ من تروكه و عليه دم و الا فلا شي ء عليه، و حيث ان الرواية صريحة في ان الكفارة إنما جعلت للإنزال و الأمناء لا للنظر فقط، تكون مبيّنة ايضا انها جعلت للإمناء كما في رواية أبي بصير، لكن باعتبار السبب الموجد له و الموجب إياه و هو النظر الى ما يحل له، سواء كان هذا السبب حراما على المحرم قبل إحرامه و تعنونه بهذا العنوان، أو محرما عليه بهذا العنوان.

فتحصل من جميع ما يستفاد من الروايات بمعونة ضم بعضها الى بعض، و تفسير البعض للبعض انّ كل مورد يكون النظر فيه حراما بأي عنوان كان إذا نظر محرم إليه فأمنى فعليه الكفارة، لارتكابه حراما من تروك الإحرام، و لا يستفاد منها أكثر من ذلك، و لا الحرمة التكليفية إذا لم ينزل، إذ لم نجد في الأجنبية و غيرها ما دل صريحا على حرمة النظر على المحرم بما هو محرم ما لم يكن موجبا للإنزال و الأمناء، و لا على ترتب الكفارة عليه، نعم الحرمة التكليفية السابقة على الإحرام المحمولة على شي ء بعنوانه الاوّلى و الأصلي، باقية على حالتها الاولى، و لكنها ليست من تروك الإحرام، و مع ذلك كله فالأحوط ثبوت الكفارة إذا نظر بشهوة و ان لم يمن، بل الأقوى ذلك على ما استظهرناه من بعض الروايات السابقة (1).

تذييل

صرّح بعض الفقهاءكما في المستندانّ من محرمات الإحرام النساء و الاستمتاع بهن على الرجال، و كذا الاستمتاع بالرجال على النساء المحرمات حال الإحرام.

لا اشكال و لا شبهة في هذا الحكم، إذ كما يحرم على الرجال حال الإحرام الاستمتاع بالنساء و إتيانهن، فكذا يحرم على النساء الاستمتاع بالرجال، و اعمال


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2

ص: 59

الغريزة الجنسية حال الإحرام مع بعولتهن، و كذا يحرم على المحرمة عقد النكاح و الشهادة عليه حال الإحرام و يشهد لما ذكر، التفصيل الواقع في الروايات الواردة في مباشرة المحرم امرأته.

في رواية سليمان بن خالد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سالته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟ فقال ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا الى ان قال و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء. (1) عن على بن أبي حمزة قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن محرم واقع أهله الى ان قال: ان كان استكرهها فعليه بدنتان، و ان لم يكن استكرهها فعليه بدنة و عليها بدنه (2).

و في رواية أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّه(ع) رجل أحل من إحرامه، و لم تحل امرأته فوقع عليها، قال: عليها بدنة يغرمها زوجها (3) و غيرها من الروايات الدالة على التفصيل كرواية معاوية بن عمار و غيرها هذا حكم المواقعة.

و اما المس فلو مسّت امراة زوجها و هي محرمة، فهل يجرى التفصيل المتقدّم في مس المحرم امرأته هنا أيضا، بأن يقال المحرمة إذا مست زوجها بشهوة فهو حرام و إذا مسته بغير شهوة فلا شي ء عليها أو لا يأتي التفصيل هنا، بل يقال ان النصوص انّما وردت لبيان حكم المحرم إذا مس امرأته، و لم تتعرض لحكم المرأة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

ص: 60

المحرمة، لو مست زوجها أو نظرت اليه، أو قبلته، فيختص الحكم بالمحرم و لا يشمل المحرمة، وجهان.

و الذي يقتضيه التحقيق في المقام ان يقال ان الحكم المجعول على المحرم ان علم انه جعل بلحاظ الإحرام من حيث هو، فلا يفرق فيه بين المحرم و المحرمة، فيحرم على المحرمة ما يحرم على المحرم، لتحقق الملاك فيها ايضا و اما إذا لم يعلم ذلك، فإن أمكن إلغاء الخصوصية عن مورد السؤال و الجواب، و تسرية الحكم الى غيره، كما لو قيل: رجل شك بين الثلاث و الأربع أو محرم في ثوبه دم، يشمل الحكم، المحرم و المحرمة و لكن السؤال و كيفيته و الجواب في النصوص الواردة في المقام ليس كذلك لوضوح الفرق بين قول الراوي: رجل شك بين الثلاث و الأربع، أو محرم في ثوبه دم، و بين قوله محرم نظر الى امرأته بشهوة أو نظر الى ساق امرأة بشهوة فأمنى، إذ العرف لا يرى خصوصية في السؤال الأول بين المرء و المرأة في حكم الشك و نجاسة الدم، بخلاف الثاني لاحتمال دخالة خصوصية الرجل في الحكم المجعول حال الإحرام، فلا يمكن إلغاء الخصوصية، و لا يعلم من قول الامام: المحرم إذا قبل امرأته فعليه كذا، تسرية الحكم إلى المرأة، بإلغاء الخصوصية، و انها إذا قبلت زوجها بشهوة أو نظرت اليه كذلك فعليها ايضا ما على زوجها لو نظر إليها فبناء على عدم إمكان إلغاء الخصوصية من الروايات، فهل يحكم باشتراك المحرم و المحرمة في الحرمة التكليفية، كما هو كذلك في ترتب الكفارة إذا طاوعت زوجها على المواقعة، أو لا يمكن، وجهان.

و لكن الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم استفادوا الاشتراك بينهما و كأنهم رجحوا إلغاء الخصوصية و تسرية الحكم من المحرم إلى المحرمة قال النراقي قدس سره في المستند: تحرم النساء على الرجال و الرجال على النساء حال الإحرام، فكأنهم يتسلمون ذلك

ص: 61

و لا يرونه محتاجا الى التعرض و التصريح كما في تفصيل الكفّارة و لعلهم فهموا من الأدلة ان الحكم انما جعل على المحرم من جهة الإحرام و عقده له، فان حصل الاطمئنان بذلك و انّ الحكم في المحرم و المحرمة متحد، و الا فالأصل البراءة، و عدم فساد الحج، في الثاني.

ص: 62

حرمة التزويج و العقد على المحرم
اشارة

و من المحرمات على المحرم العقد لنفسه و لغيره، مباشرة أو تسبيبا اما العقد لنفسه مباشرة فلا خلاف في حرمته و ادعى الإجماع بقسميه عليه و تدل النصوص ايضا على ذلك و ان عقده باطل لا يؤثر في حقه و كذا في حق غيره إذا عقد له.

و كذا يحرم عليه توكيله للغير، إذا عقد الغير حال إحرام الموكل، سواء و كله قبل الإحرام أو حاله، و سواء كان الوكيل محلّا أو محرما.

و يحرم أيضا إجازة العقد الفضولي له، سواء كان العقد واقعا حال إحرامه أو قبله، و قلنا ان الإجازة كاشفة أو ناقلة، نعم لو قيل ان الإجازة كاشفة حقيقة لا حكما يمكن ان يقال انها حينئذ بمنزلة الاخبار عن وقوع العقد سابقا، و لا تأثير لها أصلا في إيجاد العلقة الزوجية، فلا يكون العقد حراما، و ان كان ذلك ايضا لا يخلو من اشكال، لإمكان القول بأن الإجازة بناء على الكشف الحقيقي انما تكون

ص: 63

بمنزلة الاخبار عن وقوع العقد قبلا، إذا صدرت عمن يصح منه العقد في ذلك الحال دون غيره.

و كذا يحرم على المحرم و المحرمة إيقاع العقد لغيرهما، وكالة عنه أو فضولة، سواء كان ذلك الغير محلا أو محرما.

و يحرم على الغير أيضا إيقاع العقد للمحرم و المحرمة وكالة، أو فضولة، و كذا يحرم على الولي إيقاع العقد للمولى عليه، إذا كان المولى عليه محرما، بالمباشرة، أو بالتوكيل، و كذا اجازة العقد الفضولي للمولى عليه، أو للموكل حال الإحرام إذا وكله الموكل على نحو الإطلاق، حتى لإجازة العقد الفضولي للموكل و ان كان من وقع العقد له محلا حال وقوع العقد، و يستفاد ذلك من النصوص المعتبرة المستفيضة.

منها المروي عن ابن سنان عن ابى عبد اللّه قال: «ليس للمحرم ان يتزوج و لا يزوّج، و ان تزوّج أو زوّج محلا فتزويجه باطل» (1) و رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّه بن سنان مثله و زاد «و ان رجلا من الأنصار تزوج و هو محرم فأبطل رسول اللّه نكاحه» (2) و عن ابى الصباح الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم يتزوّج قال نكاحه باطل». (3) عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول ليس ينبغي للمحرم ان يتزوج و لا يزوج محلّا». (4)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

ص: 64

و عن الحسن بن على عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه قال: «المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد فان نكح فنكاحه باطل» و زاد الكليني و لا يخطب. (1) و عن معاوية بن عمار قال: «المحرم لا يتزوج و لا يزوج فان فعل فنكاحه باطل» (2).

و عن سماعة بن مهران عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا ينبغي للرجل الحلال ان يزوج محرما و هو يعلم انه لا يحل له: قلت، فان فعل فدخل بها المحرم؟ فقال ان كانا عالمين فان على كل واحد منهما بدنة و على المرأة ان كانت محرمة بدنة و ان لم تكن محرمة فلا شي ء عليها الا ان تكون هي قد علمت ان الذي تزوجها محرم فان كانت علمت ثم تزوجت فعليها بدنة». (3) ثم انه كما تقدم لا فرق في حرمة العقد على المحرم بين كونه بالمباشرة أو بالتسبيب و التوكيل كما صرح به غير واحد، لكن العلامة في القواعد قرّب توكيل الجد المحرم محلا في تزويج المولى عليه المحل، و لم يعلم وجه اختصاص الجد بذلك.

و اما تقريب أصل الجواز فلعله لان التوكيل في حد نفسه ليس نكاحا، فإذا كان الوكيل و المولى عليه محلين لا يكون العقد تزويجا منهيا عنه، و لا يشمله النص و الإجماع و أورد عليه في الجواهر بقوله و فيه ما لا يخفى عليك فيما أوقعه الوكيل حال الإحرام(أي حال إحرام الجد) إذ الوكيل نائب عن الموكل و لا نيابة فيما ليس له فعله، من التزويج المنهي عنه في النصوص، الذي يشمل التوكيل حال الإحرام.

و الظاهر ان الإيراد في محله فإن الإجازة للعقد الفضولي حتى بناء على


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9
3- وسائل الشيعة ج 9- الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 10

ص: 65

الكشف الحقيقي لا يصح من المحرم، فكيف بالتوكيل، و بعبارة اوفى، ان توكيل المحرم للعقد لا يقل عن أجازته لما وقع فضوليا، و عن شهادته للعقد، التي لا تجوز بلا خلاف كما ادعى بل نسبته الى قطع الأصحاب.

مضافا الى ما افاده من ان ظاهر جعل الولاية و الوكالة لشخص، انه بمنزلته و نائب عنه فيما له ان يفعله، و ليس مثل الوصي الذي هو مستقل في امره، فإذا لم يكن التزويج الصادر من الجد الموكل المحرم صحيحا، لو باشره بنفسه فكيف يصح من وكيله الذي لا يقوم بذلك إلّا باذنه و لا يصح عقده إلّا لاستناده الى الموكل، و كون عقده عقدا له.

و بالجملة لا إشكال في ان العقد في حال الإحرام لا يصح من المحرم، و ادعى عليه الإجماع من الخاصة، و نقل عن أبي حنيفة و الثوري جواز النكاح لنفسه فضلا عن غيره، و لا يعبأ و لا يعتنى به.

انما الكلام و الاشكال في ان العقد الصادر من المحرم هل يوجب الحرمة الأبدية أيضا، أو لا يوجب الا بطلان العقد، و عدم تأثيره لنفسه و لغيره، و هل يشترط في ذلك العلم، و الدخول، أم لا يشترط.

عقد صاحب الوسائل، بابا لذلك، و قال: باب ان من تزوج محرما عامدا عالما بالتحريم، وجب عليه مفارقتها، و لم تحل له ابدا، و عليه المهر ان كان دخل، و ان كان جاهلا حل له تزويجها بعد الإحلال.

و يعلم من عنوان الباب اشتراط العمد و العلم في نشر الحرمة الأبدية، و روى في ذاك الباب نصوصا منها ما روى عن إبراهيم بن الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان المحرم إذا تزوج و هو محرم فرق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا». (1) و عن أديم بن الحر الخزاعي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان المحرم إذا تزوج


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 66

و هو محرم فرق بينهما و لا يتعاودان ابدا و الذي يتزوج المرآة و لها زوج يفرق بينهما و لا يتعاودان ابدا» (1).

و عن محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم، قبل ان يحل، فقضى ان يخلى سبيلها، و لم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل فإذا أحل خطبها ان شاء و ان شاء أهلها زوّجوه و ان شاؤا لم يزوجوه». (2) و مضمون الرواية الأخيرة عدم الحرمة الأبدية الا انها حملت على الجاهل بالحكم جمعا بينها و بين غيرها من النصوص الآتية.

عن الصدوق قال قال عليه السّلام: «من تزوج امرأة في إحرامه فرق بينهما و لم تحل له». (3) و بإسناده عن سماعة عنه عليه السلام قال: «لها المهر ان كان دخل بها» عن زرارة و داود بن سرحان عنه عليه السّلام في حديث: «و المحرم إذا تزوّج و هو يعلم انه حرام لم تحل له ابدا (4) و المستفاد من الروايات المتقدمة كرواية ابن سنان و ابى الصباح الكناني و مرسلة الحسن بن على و صحيحة معاوية بن عمار و سماعة بن مهران ان نكاح المحرم باطل، و لكن لا يستفاد منها الحرمة الأبدية، فتلك الطائفة من النصوص ساكتة عن الدلالة عليها، بل يدل بعضها على العدم، كرواية محمد بن قيس في قضاء على عليه السّلام. (5)


1- وسائل الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4- 5
4- وسائل الشيعة الجزء 14 الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 67

و اما ما يستفاد من الطائفة الثانية، هي الحرمة الأبدية و انها لا تحل له ابدا، و يفرق بينهما، و لا يتعاودان.

قد يجمع بين تلك النصوص، بجمل الطائفة الأولى على الجاهل بالحكم و الثانية على من كان يعلم ذلك و دخل بها، و يجعل الشاهد على هذا لجمع، رواية سماعة عنه عليه السّلام لها المهران كان دخل بها.

و في الجواهر بعد نقل رواية محمد بن قيس في قضاء علىّ الدالة على بطلان نكاح المحرم و انه إذا أحل خطبها ان شاء، قال و هو محمول على الجاهل به، جمعا بينه و بين قول الصادق في خبري الخزاعي و إبراهيم بن الحسن المتقدمين ان المحرم إذا تزوج و هو محرم فرق بينهما و لا يتعاودان أبدا، بشهادة خبر داود بن سرحان و زرارة المحرم إذا تزوج و هو يعلم انه حرام لم يحل له ابدا المعتضد بالنسبة إلى علمائنا بل هو مفروغ عنه في كتاب النكاح كما تعرفه إنشاء اللّه فوسوسة بعض الناس في غير محلها، كما ان ما عن أبي حنيفة و الثوري و الحكم، من جواز نكاحه لنفسه فضلا عن غيره من جملة إحداثهم في الدين.

و التحقيق ان يقال ان مقتضى الجمع و التوفيق بين النصوص، القول بالحرمة الأبدية مع الدخول إذ المراد من التفريق في قوله فرق بينهما، ليس الانفصال و التفريق الاعتباري، بمعنى الحكم بفساد العقد و العلقة الزوجية بينهما

ص: 68

فإنه حاصل بنفس بطلان العقد، و عدم انعقاد العلقة الزوجية، بل المراد منه التفريق الخارجي العملي، و الارتباط كذلك و هذا لا ينفك غالبا عن الدخول و اعمال الغريزة الجنسية، و على هذا يكون مفاد تلك الاخبار خاصا، بالنسبة الى ما تدل على بطلان العقد فقط حال الإحرام، و جواز التزويج بعد الإحلال مطلقا، دخل بها أو لم يدخل، فيقدم الخاص، و يحكم بالحرمة الأبدية، إذا دخل بها و يبقى التزويج قبل الدخول باقيا تحت عموم العام فلا تعارض بين الطائفتين من النصوص التي مفادها ما ذكرناه و اما غيرها مما يستفاد منها اعتبار العلم بالحرمة مع الدخول في الحرمة الأبدية و بين ما تدل على الحرمة الأبدية بالدخول فقط المستفاد من التفريق من غير دخالة للعلم فيه، فلا بد من رفع هذا التعارض أيضا.

أقول النسبة بين ما يدل على عدم الحرمة الأبدية إذا كان التزويج حال الإحرام عن جهل المستفاد من مفهوم اعتبار العلم في الحرمة الأبدية و بين ما يدل على الحرمة الأبدية مع الدخول عالما كان أو جاهلا عام و خاص من وجه مورد الافتراق هو العقد حال الإحرام مع الجهل و الدخول و حيث ان المفهوم الدال على اعتبار العلم في الحرمة الأبدية ضعيف بالنسبة إلى المنطوق الصريح في عدة من النصوص الدالة على وجوب التفريق بينهما و انهما لا يتعاودان أبدا إذا أدخل بها مطلقا فيرفع اليد عن المفهوم تقديما لظهور المنطوق عليه و يحكم بالحرمة الأبدية إذا تزوج حال الإحرام و دخل بها و ان كان جاهلا بذلك الحكم.

و على هذا، اللازم من التوافق بين النصوص بما تقدم من كيفية الجمع بينها على نحوين، الحكم بالحرمة الأبدية إذا كان عالما بالحكم سواء دخل بها أم لا، كما هو صريح بعض النصوص، و كذا الحكم بها ان دخل سواء علم به أم جهل كما هو المستفاد من عموم قوله فرق بينهما فتكون المسئلة نظير النكاح في العدة.

نعم يبقى في المورد اشكال، و هو ان قضاء على عليه السّلام في رجل ملك بضع

ص: 69

أمرية و هو محرم، بتخلية سبيلها حتى يحل فإذا أحل ان شاءه خطبها، مطلق شامل لصورة العلم و الجهل و الدخول و عدم الدخول، و لكنه يدفع بان القدر المتيقن من مورد القضاء ايضا هو صورة الجهل بالحكم و عدم الدخول، و لم يثبت كونه عالما به، أو دخل بها، حتى يكون معارضا لما اخترناه من الجمع، بمنطوقه مع احتمال ان يكون عدم ذكر العلم أو الدخول انما هو من جهة التقية(1)

فروع
اشارة

ذكرها في العروة لا بأس بالإشارة إلى بعضها لعدم خلوها عن الفائدة،

الأول

قال السيد لا يجوز للمحرم ان يتزوج محرمة سواء كان بالمباشرة أو بالتوكيل الى ان قال لو كان الزوج محلا و كانت الزوجة محرمة فلا إشكال في بطلان العقد، لكن هل يوجب الحرمة الأبدية فيه قولان، الأحوط الحرمة الأبدية بل لا يخلو عن قوة.

الظاهر ان ملاك الحكم في المسئلتين واحد و هو انه ان قلنا ان المحرم المذكور في الروايات انما كان من باب المثال نظير إذا شك الرجل بين الثلاث و الأربع، فلا إشكال في الحرمة الأبديّة إذا كانت الزوجة محرمة و ان كان الزوج محلا، و اما إذا قلنا ان ذكر المحرم انما هو من جهة الخصوصية و القيدية، أو قلنا ان القدر المتقين من مضمون الروايات هو المحرم فاللازم بطلان عقد المحرم دون المحرمة و لكن الأقوى ما قوّاه من الحكم بالحرمة الأبدية فيما إذا كانت الزوجة


1- هذا ما أفاده الأستاد مد ظله في الجمع بين النصوص و رفع التنافي بين ما ذهب اليه و بين رواية محمد بن قيس في قضاء علىّ(ع). و لكن الإنصاف ان قوله(ع) ملك بضع أمرية ظاهر في الدخول مضافا الى ان الحمل على التقية بعيد فإن العامة يجوزون النكاح في حال الإحرام كما تقدم عن أبي حنيفة، مع ان التقية في زمان حكومة علىّ و بسط يده كانت قليلة بالنسبة إلى الفروع الا انّ هذا الجمع حسن نظرا الى ما ورد في المسئلة من الروايات كرواية زرارة و داود بن سرحان و غيرها و اما قضاء على(ع) فلا مناص من القول بأن خصوصية المورد غير واضحة.

ص: 70

محرمة كما صرح به في الخلاف مستدلا بالاخبار و الإجماع، على عدم الفرق بين المحرم و المحرمة.

ثم انه بناء على اعتبار العلم في الحكم بالحرمة الأبدية هل هو العلم بالحكم فقط، أو العلم بالموضوع و هو كونه محرما أو كون المرية محرمة، أو يعتبر العلم بكليهما، فان جهل أحدهما لا يصدق انه كان عالما بحرمة العقد الصادر منه فكل منهما محتمل.

فلو كان الزوج جاهلا و العاقد عالما بالحرمة فالظاهر ان الدليل لا يشمله إذا الاعتبار على علم الزوج و الزوجة لا الغير، و يشترط ان يكون الإمضاء للعقد الفضولي الواقع للمحرم أيضا في حال العلم بالحكم إذا قلنا ان الإجازة للعقد كنفس العقد و الا لا يكفى كما في غيره.

فلو كان الولي جاهلا بالحكم فهل جهله مثل جهل من له العقد، أم لا، الظاهر ان إطلاق الأدلة لا يشمله، اللهم ان يقال بعدم الفرق بينهما، و ان الولي الذي له الولاية على العقد كالمولى عليه في المقام.

الثاني لو تزوج حال الإحرام فبان بطلان العقد من غير جهة الإحرام كتزويج أخت الزوجة أو الخامسة فهل يوجب التحريم الأبدي أيضا مع فساد العقد من جهة أخرى، الظاهر ذلك لصدق التزويج المنهي في حال الإحرام، و تبين البطلان لفقد شرطه أو غيره لا يضر و لا يمنع عن شمول الأدلة له.(1)


1- الظاهر من الأدلة بطلان العقد بالتزويج حال الإحرام و الذي لو لا النهى عن ذلك كان العقد مؤثرا و صحيحا فلا يشمل ما كان باطلا حتى في غير حال الإحرام لدليل أخر كما في الصيد لما يوكل لحمه و ما لا يوكل فان أدلة حرمة الأكل بالإحرام منصرفة عن الثاني.

ص: 71

حكم التوكيل في العقد

اما التوكيل في العقد فعلى صور، منها ان يوكل محرم محرما آخر في التزويج له من دون تقييد بزمان الإحرام فأوقع الوكيل العقد بعد احلالهما، فالظاهر انه لا إشكال في صحة الوكالة و العقد له لعدم شمول الأدلة الناهية عن التزويج حال الإحرام، للمقام، و عدم المانع عن شمول الأدلة العامة للوكالة.

قد يشكل بأن الوكالة في حال الإحرام في التزويج الذي لا يصح صدوره من الموكل غير صحيحة، و ان وقع العقد بعد الإحلال، نعم لو قيد الوكالة المطلقة بالتزويج له بعد الإحلال، فلا مانع منه لتقييد العمل بزمان يصح صدور الفعل من الموكل ايضا و لا حظر في إنشاء الوكالة لعمل، يتأخر زمانه عن زمان إنشاء الوكالة من دون تعليق فيه.

و يجاب عن أصل الإشكال بأن الوكالة على نحو الإطلاق في حال الإحرام ينحل إلى وكالة متعددة في أزمنة عديدة و حيث ان التزويج و العقد في حال الإحرام

ص: 72

منهي شرعا، يبطل الوكالة فيه فقط و لا تمنع ذلك عن صحتها في زمان يصح فيه التزويج و يجوز فيه العقد، نظير الوكالة في بيع الخمر و الخل أو ما يملك و مالا يملك، فيبطل في الخمر و بيع ما لا يملك، و يصح في غيرهما و لا حاجة للتقيد.

و منها ان يوكل محل محرما في العقد له من دون تقييد بزمان الإحرام فأوقع الوكيل العقد له بعد إحلاله، الظاهر عدم الاشكال فيه، و صحة الوكالة و العقد كليهما نعم لو عقد له حال إحرامه يبطل العقد، و لكن لا يوجب الحرمة الأبدية على الموكل(1) قد يشكل في صحة التوكيل في المقام على نحو الإطلاق، لعدم صحة صدور العقد من الوكيل حال إحرامه، و يجاب عنه بما تقدم في الفرض السابق بل الأمر هنا أهون لعدم المنع من ناحية الموكل شرعا.

و منها ان يوكل محرم محلا في العقد له من دون تقييد بزمان الإحرام فأوقع الوكيل العقد بعد الإحلال، فالظاهر عدم الإشكال في ذلك، لان التوكيل ليس عقدا منهيا عنه، و الفرض ان العقد انما وقع بعد الإحلال نعم قد يشكل فيه ايضا بما تقدم و يجاب عنه بما سبق.

و منها ان يوكل محل محلا ثم أحرما أو أحرم أحدهما و أوقع الوكيل العقد بعد الإحلال فلا إشكال في صحة الوكالة و العقد و لا يأتي الإشكال المتقدم فيه.


1- يمكن ان يقال ان القول بصحة الوكالة مطلقا من دون تقييد بحال الإحلال يوجب الحرمة الأبدية إذا عقد الوكيل لموكله حال الإحرام لصحة الوكالة

ص: 73

(في الشهادة على العقد)
اشارة

كما يحرم على المحرم العقد حال الإحرام يحرم عليه أيضا الشهادة عليه، سواء كان الزوجان محلين، أو محرمين أو مختلفين، بلا خلاف أجده بل في المدارك انه مقطوع بين الأصحاب، و ادعى الإجماع عليه في الخلاف، و محتمل الغنية، و ان لم يتعرض له بعض الأصحاب في كتبهم، لكن المسئلة مما لا خلاف فيها و تدل على الحكم روايات منها.

مرسلة ابن شجرة(أبي شجرة) عمن ذكر عن ابى عبد اللّه عليه السّلام(في المحرم، يشهد على نكاح محلين، قال: لا يشهد: ثم قال يجوز للمحرم ان يشير بصيد على محل. (1) نقل الشيخ الحر العاملي ان الشيخ و الصدوق قالا ان هذا إنكار و تنبيه على انه لا يجوز.


1- الوسائل ج 9 الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

ص: 74

و في مرسلة الحسن بن على عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام(قال المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد فان نكح فنكاحه باطل (1) قد يخدش في الاستدلال بالروايتين بكونهما مرسلتين، و عدم دلالتهما على عدم جواز الشهادة على العقد و ذلك لان لفظة على في الرواية لم يذكر في بعض النسخ فيمكن زيادتها في رواية أبي شجرة.

و لكن الخدشة غير واردة أما الإرسال فيهما فبان في الرواية الأولى عثمان بن عيسى الذي لا يروى إلا عن ثقة و في الرواية الثانية الحسن بن على بن فضال و هو ثقة في روايته مضافا الى انجبار الروايتين بعمل الأصحاب و فتاويهم حتى انه عمل بها من ليس من مذهبه العمل باخبار الآحاد كابن إدريس و الشيخ رحمهما اللّه.

و اما الخدشة من جهة احتمال زيادة لفظة على في النسخة فهي أيضا غير واردة، فإنّ الزيادة و أصالتها ليست امرا غالبيا يعتنى به عند العقلاء، لدقة الناس و مراقبتهم نعم الاسقاط و النقصان يمكن ادعاء الغلبة فيهما، في كثير من الناس كما نشاهده في كثير من النسخ، و كذا الإيراد بأن قوله يشهد يمكن ان يكون بناء للمفعول لا الفاعل و لا ترجيح في البين حتى يكون دليلا للمسئلة، غير وارد، لكونه خلاف الظاهر أولا، و عدم الفرق بينهما ثانيا، فان المناط عدم الحضور في مجلس العقد سواء حضره بقصد الشهادة أو اتفاقا.

مسئلة:

لا يجوز أداء الشهادة على النكاح حال الإحرام و ان تحملها قبل إحرامه، كما عن المبسوط و السرائر و الرياض و نسب الى المشهور بل ظاهر الحدائق اتفاق الأصحاب عليه، و لم أجد مدركا لهم الا ما في رواية أبي شجرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المحرم يشهد على نكاح محلين قال لا يشهد و رواية الحسن بن على عن أبي عبد اللّه(ع) قال المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد بناء على ان يكون المراد


1- الوسائل ج 9 الباب 14 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 75

من الشهادة على النكاح أداء الشهادة لا شهادة أصل النكاح و الحضور فيه، أو للتعليل الوارد في رواية أبي شجرة بقوله يجوز للمحرم ان يشير بصيد في مقام الإنكار المستفاد منه ان كل ماله دخل في أمر النكاح و التزويج للمحرم فهو غير جائز، و لكن الأول خلاف الظاهر، و الثاني كذلك إذ لا يستفاد من التعليل، عدم جواز أداء الشهادة فإن أداء الشهادة ما يثبت به العقد الواقع سابقا، لا انه يتحقق به و يرتبط عليه الحضور و الشهادة في مجلس العقد هذا إذا لم توجب ترك أداء الشهادة تضييع حق و فوت واجب و الا فالأحوط أداء الشهادة أيضا.

فرع:

لو تزوج المحرم غافلا عن إحرامه، أو ناسيا له فنكاحه باطل و في كونه موجبا للحرمة الأبدية إشكال و الأحوط ذلك.

فرع

، لو شك في ان العقد وقع حال الإحرام أو قبله بنى على عدم وقوعه في حال الإحرام، و كذا لو شك في وقوعه قبل الإحلال، أو بعده، لأصالة الصحة في العمل بعد الفراغ عنه، و كذا لو اختلف الزوجان في وقوع العقد حال الإحرام و عدمه يقدم قول مدعى الصحة من غير فرق بين العلم بتاريخي الإحرام و العقد و الجهل بهما.

فرع

، لو شك في الإحلال و عدمه بعد ما كان محرما لا يجوز له التزويج لاستصحاب بقاء الإحرام، فلو تزوج مع الشك في الإحلال، يبطل النكاح و يوجب الحرمة الأبدية أيضا.

فرع

، بعد القول ببطلان النكاح و العقد الواقع حال الإحرام، يسقط ما اقتضاه من المهر قبل الدخول، مع اتفاقهما على وقوع العقد حال الإحرام، سواء كانا عالمين أو جاهلين أو مختلفين، و اما مع الدخول فلها مهر المثل إذا كانت جاهلة بالحكم، و الا فلا مهر لها، لكونها بغية حينئذ.

فرع

، لو اختلف الزوجان و ادعى أحدهما وقوع العقد حال الإحرام حتى يكون باطلا و أنكره الأخر، فالقول قول من يدعى وقوعه حال الإحلال

ص: 76

ترجيحا لجانب الصحة كما في الشرائع.

و زاد الجواهر، المحمول عليها فعل المسلم، في صورة النزاع و غيره، من أحوال الشك، في العقد المفروض اتفاقهما على وقوعه، كما في غير المقام من صور مدعى الصحة و الفساد، التي من الواضح كون مدعيها موافقا لأصلها على ان مدعى الفساد يدعى وصفا زائدا يقتضي الفساد و هو وقوع العقد حال الإحرام فالقول قول المنكر بيمينه لانه منكر للمفسد(انتهى) أقول: ان من يوافق قوله الأصل، يكون مدعيا، و المخالف يكون منكرا كغيره من موارد النزاع، هذا إذا كان في البين تنازع و تخاصم، و اما لو كان الادعاء من المدعى و المنكر، لتشخيص الوظيفة الشرعية و بيان الحكم التكليفي بالعقد الواقع بينهما فلا يبعد التمسك بالاستصحاب الجاري في المقام فيما لا تجري فيه أصالة الصحة.

و توضيح ذلك انه قد يكون تاريخ الإحرام و مدته معلوما، مثلا يعلم انه أحرم من يوم السبت الى يوم الخميس و يشك في ان العقد وقع في تلك الأيام أو بعدها فيستصحب عدم تحقق العقد الى انقضاء الأيام فيحكم بصحة العقد.

و قد يقال انه لا حاجة الى الاستصحاب أصلا، فإن أصالة الصحة بعد الفراغ عن العمل كافية في الحكم بالصحة، هذا و ان كان في محله، الا انه قد يدعى ان التمسك بأصل الصحة و قاعدة الفراغ بعد العمل، انما يجرى إذا كان حين العمل اذكر و متوجها الى كيفية العمل، حتى يأتي به على وجه صحيح، لا فيما كان غافلا عنه، كما قيل في الفروع المشابهة للمقام مثل ما إذا شك في وصول الماء إلى البشرة و عدمه لوجود الحاجب و عدمه.

قال السيد في العروة في مسئلة الشك في وجود الحاجب من وصول الماء:

ان شك بعد الفراغ في انه كان موجودا أم لا، بنى على عدمه و يصح وضوئه، و كذا إذا تيقن انه كان موجودا و شك في انه ازاله أو أوصل الماء تحته أم لا، نعم في الحاجب الذي قد يصل الماء تحته و قد لا يصل، إذا علم انه لم يكن ملتفتا اليه حين

ص: 77

الغسل و لكن شك في انه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، يشكل جريان قاعدة الفراغ فيه.

و نظيره فرع آخر ذكره أيضا في العروة قال: إذا علم بوجود مانع و علم زمان حدوثه، و شك في ان الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده، يبنى على الصحة لقاعدة الفراغ إلا إذا علم عدم الالتفات اليه حين الوضوء، و اختاره صاحب المدارك ايضا و اشترط احتمال التوجه و الالتفات في جريان القاعدة.

لكن التحقيق ان قاعدة الفراغ و أصالة الصحة بعد الفراغ انما هي حجة من باب الامارة و الكاشفية و لا يحتاج الى تذكر و التفات شخصي حين العمل، بل يكفي في حجيتها الغلبة النوعية، لكن هذا صحيح إذا احتمل الالتفات الى المشكوك، إذ تلك الغلبة فيما التفت الى العمل، و اما مع القطع بعدم الالتفات أصلا لا تكون حجة و لا أمارية لها.

نعم لو قلنا: ان المستفاد من الاخبار، هو البناء على الصحة تعبدا في المورد لا من باب الأمارية و الكاشفية و الغلبة النوعية، كما لا يبعد ظهور بعض الاخبار في ذلك، تجري القاعدة حتى مع القطع بعدم الالتفات، و بالغفلة عنه.

و ناقش صاحب المدارك في المسئلة، بان الحمل على الصحة انما إذا كان المدعى لوقوع الفعل في حال الإحرام عالما بفساد ذلك العقد، اما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة، و بان كلّا من المدعى و المنكر يدعى وصفا زائدا ينكره الأخر، فتقديم أحدهما يحتاج الى دليل.

و أجاب عنه في الجواهر بأن أصل الصحة في العقد و نحوه لا يعتبر فيه العلم، لإطلاق دليله، نعم أصل عدم وقوع المعصية من المسلم يعتبر فيه العلم، و هو غير أصل الصحة التي هي بمعنى ترتب الأثر كما هو واضح.

و بان مدعى الفساد المعترف بحصول جميع أركان العقد المحمول إقراره على الصحة، يدعي وقوع العقد حال الإحرام و الأخر ينكره، و ان كان يلزمه كونه

ص: 78

واقعا حال الإحلال و لا ريب في ان الأصل عدم مقارنة العقد لحال الإحرام و ذلك كاف في إثبات صحته من غير حاجة الى إثبات كونه حال الإحلال انتهى.

قال الأستاد مد ظله: ان ما ذكره صاحب الجواهر قدس سره غير كاف في إثبات الصحة لأن مجرد عدم مقارنة العقد لحال الإحرام بحكم الأصل، لا يجعله من المصاديق الصحيحة، إذ العقد الصحيح المترتب عليه الأثر الشرعي انما هو العقد الواقع في حال الإحلال كما ان العقد الباطل ما وقع في حال الإحرام، فالعقد في الحالتين انما يتعنون بعنوان خاص، لا بد من إثباته و اما عدم تعنونه بأحد العنوانين تمسكا بالأصل، لا يجعله معنونا بغيره و لا يثبته، هذا إذا كان تاريخ الإحرام معلوما و معينا.

و اما لو جهل، فقد قال في المدارك يحتمل تقديم قول من يدعى الفساد، لأصالة عدم تحقق الزوجية، الى ان تثبت شرعا.

و يحتمل ايضا تقديم قول من يدعى تأخير العقد مطلقا، لاعتضاد دعواه بأصالة عدم التقدم و المسئلة محل تردد.

و أورد عليه في الجواهر بأنه خلاف مفروض المسئلة الذي هو مجرد دعوى الفساد بوقوعه في الإحرام و دعوى الصحة بعدم كونه كذلك، من غير تعرض للتقديم و التأخير، و بأنه لا وجه لاحتمال تقديم مدعى الفساد فيما فرضه، مع فرض كون مدعى الصحة يدعى تأخره عن حال الإحرام الذي هو مقتضى الأصل اللهم ان يكون ذلك من الأصول المثبتة، ضرورة عدم اقتضائه التأخر عنه.

و الحق ان يقال ان أصالة العدم ان كان من الأصول العقلائية المعتبرة في أمورهم، و أصلا مستقلا على حده، لا استصحابا للعدم الأزلي، فالمرجع في المقام هو الأصل و يترتب عليه آثاره من الصحة، و الا يعتبر في جريان الاستصحاب ان يكون للمستصحب أثر شرعي حتى يستصحب من دون فرق بين المقام و ما ذكره سابقا من ان كلا من المدعى و المنكر يدعي صفة زائدة ينكرها الأخر.

ص: 79

فرع

، قال المحقق ان كان المنكر المرية، كان لها نصف المهر قبل الدخول، لاعترافها بما يمنع من الوطؤ، و لو قيل لها المهر كله كان حسنا.

و توضيحه انه هل تملك المرية جميع المهر بالعقد، و يرد النصف بالطلاق قبل الدخول، أو لا تملك بالعقد الا نصف المهر، و اما النصف الثاني فتملكه بالدخول وجهان.

و الظاهر من الأدلة الأول، فعلى هذا يكون القول بان لها المهر كله حسنا.

و في كشف اللثام بعد ان حكم بان لها المهر كاملا دخل بها أم لا، قال: الا ان يطلقها قبل الدخول باستدعائها فإنه يلزم به حينئذ، و ان كان الطلاق بزعمه في الظاهر لغوا، و يكون طلاقا صحيحا شرعيا بزعمها فإذا بعدم الدخول ينتصف المهر و اما إذا لم تستدع الطلاق و صبرت، فلها المهر كاملا، و ان طلقها قبل الدخول، فإنه بزعمه لغو، و العقد الصحيح مملك لها المهر كاملا.

و أورد عليه بان استدعاء المرية الطلاق و عدمه، لا مدخلية في ذلك إذ الطلاق ان كان صحيحا ممن يدعى الفساد في حق مدعى الصحة، يترتب حكمه، و الا فلا كما هو واضح، هذا إذا كانت المرية هي المنكرة للفساد و اما إذا كان الرجل هو المنكر له فليس لها المطالبة بشي ء من المهر قبل الدخول مع عدم قبضه، كما انه ليس له المطالبة برد شيى منه مع قبضه أخذا لهما بإقرارهما، نعم لو دخل بها أو أكرهها على ذلك أو جهلت بالفساد أو الإحرام فلها المطالبة بأقل من المهر المسمّى، أو مهر المثل و الاحتياط بالمصالحة في الزائد منه حسن و قد تقدم في رواية سماعة ان لها المهر ان دخل بها، المنزلة على صورة الجهل أو الإكراه.

فرع

لا فرق في حرمة العقد على المحرم بين الدائم و المنقطع و كذا بين إحرام الحج، و العمرة لنفسه، أو لغيره، نيابة أو تبرعا، و كذا بين العمرة المتمتع بها الى الحج، و العمرة المفردة لشمول الدليل لجميع ذلك.

فرع

حكى عن المبسوط و الوسيلة الحكم بكراهة الخطبة على المحرم

ص: 80

لنفسه، أو لغيره، محلا كان الغير، أم محرما، و به افتى في القواعد و التذكرة، و استدل له برواية الحسن المتقدمة، و فيها المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد و زاد الكليني و لا يخطب. (1) و لا يخفى ان ظاهر الرواية بقرينة السياق حرمة الخطبة كالشهادة التي أفتوا بحرمتها، و لعل كانت بأيديهم قرائن تدل على إرادة الكراهة في الخطبة دون الشهادة، و الا الظاهر من وحدة السياق الحرمة في الجميع و حكى عن ابى على القول بالحرمة في الخطبة أيضا و هو الأحوط، و اما ما ذكره في التذكرة من الفرق بين الخطبة، في العدة، و في المقام استحسان عقلي، لا يثبت به حكم شرعي، من الكراهة أو الحرمة(2)

فرع:

لا يحرم الطلاق على المحرم بلا خلاف في المسئلة للأصل و لما رواه أبو بصير قال سمعت أبا عبد اللّه يقول المحرم يطلق و لا يتزوج (3) و رواه الشيخ عن عاصم بن حميد الا انه قال للمحرم ان يطلق و لا يتزوج.

و رواية حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه(ع) قال سألته عن المحرم يطلق قال نعم. (4)

فرع

و يجوز للمحرم حال إحرامه مراجعة المطلقة الرجعية، و لو كانت محرمة لعدم كون الرجوع تزويجا، حتى يكون منهيا، فالأصل يقتضي جواز الرجوع، مضافا الى شمول قوله تعالى وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ.

(في شراء الأمة حال الإحرام)

يجوز للمحرم شراء الأمة حال إحرامه و بيعها للأصل، بعد عدم شمول


1- وسائل الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7
2- لم يكن التذكرة عندي فأراجع و اذكر الفرق الذي ذكره
3- الوسائل ج 9 الباب 17 من أبواب تروك الإحرام الحديث(1)
4- الوسائل ج 9 الباب 17 من أبواب تروك الإحرام الحديث(2)

ص: 81

الأخبار الناهية عن التزويج للشراء، و ان كان لقصد التسري. و ان حرم عليه المباشرة لهن حال الإحرام و لصحيح سعد بن سعد عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام قال المحرم يشري الجواري و يبيعها قال نعم (1) و ما روى محمد بن قيس في قضاء على في رجل ملك بضع أمرية و هو محرم قبل ان يحل فقضى ان يخلى سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئا، (2) لا يدل على بطلان الشراء لكونه واردا في التزويج بالنكاح و ما نحن فيه، ملك خاص لا يشمله اخبار التزويج


1- الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب تروك الإحرام الحديث(1)
2- الوسائل الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث(3)

ص: 82

في حكم القبلة و الاستمتاع من النساء

يحرم على المحرم تقبيل النساء بشهوة كان أو بدونها، لصراحة النصوص في ذلك و ما نقل عن الذخيرة من تقييد الحرمة بالشهوة و تبعه في الرياض، فهو غير وجيه، لما تسمع من دلالة الاخبار و صراحتها فيما تقدم.

فمنها، عن ابى سيار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا سيّار ان حال المحرم ضيّقة ان قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم، فعليه دم شاة و ان قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر ربه (1) عن الحلبي انه قال سألت عن متمتع طاف بالبيت و بين الصفا و المروة و قبّل امرأته قبل ان يقصر من رأسه قال عليه دم يهريقه و ان كان الجماع فعليه جزور أو بقرة (2) و عن عمران الحلبي انه سأل أبا عبد اللّه، عن رجل طاف بالبيت و بالصفا و المروة و قد تمتع، ثم عجّل فقبّل امرأته، قبل ان يقصر من رأسه قال عليه دم يهريقه


1- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3
2- الوسائل الباب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

ص: 83

و ان جامع فعليه جزور أو بقرة (1) عن العلاء بن فضيل قال سألت أبا عبد اللّه عن رجل و امرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته و لم يقصر فقبلها قال يهريق دما و ان كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما. (2) و تدل على الحكم ايضا روايات اخرى لم نذكرها و كيف كان فان قبل امرأته بشهوة، ففيه اشكال قطعا و لا يجوز كما هو صريح الأخبار المتقدمة، و اما إذا قبلها لا عن شهوة فظاهر رواية حماد المتقدمة جوازه و لكن يجمع بينها و بين غيرها بحملها على تقبيل غير المرية التي يمكن ان يخلو من الشهوة كالأم و الخالة و اما امرأته فتقبيلها لا يخلو عن شهوة غالبا فيحرم مطلقا قصد الشهوة أم لا،


1- الوسائل الجزء 9 الباب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.
2- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6

ص: 84

في حرمة الطيب على المحرم
اشارة

و مما يحرم على المحرم الطيب إجماعا بين المسلمين و هذا مما لا يحتاج الى البحث و تجشم الاستدلال و انما المهم بيان مصاديق الطيب و انه هل يختص بالأربعة أو الخمسة المذكورة في الاخبار، أو يعم كل طيب يشم رائحته، و يستعمل في التعطير و التطيب.

و قد عقد في الوسائل بابا لذلك و قال باب تحريم الطيب على المحرم و المحرمة، و هو المسك و العنبر و الزعفران و الورس و الكافور، و يكره له بقيّة الطيب، و يجوز له النظر اليه، فالمهم ان نتعرض لذكر الأخبار المأثورة عن الأئمة عليهم السّلام.

منها ما رواه الكليني بسنده عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال رأيت أبا الحسن عليه السّلام كشف بين يديه طيب لينظر اليه، و هو محرم فأمسك بيده على انفه بثوبه من رائحته(ريحه خ د) (1)


1- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 85

و عن حنان بن سدير عن أبيه قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام ما تقول في الملح فيه، زعفران للمحرم، قال عليه السّلام لا ينبغي للمحرم ان يأكل شيئا فيه زعفران و لا يطعم شيئا من الطيب. (1) و عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا تمس ريحانا و أنت محرم و لا شيئا فيه زعفران و لا تطعم طعاما فيه زعفران (2) و النهى عن مس الريحان في هذه الرواية حمل على الكراهة و ان كان ظاهرا في الحرمة الا ان يكون عطره شديدا بحيث يصعد الى المحرم بالمس و عن حماد بن عثمان قال قلت لأبي عبد اللّه انى جعلت ثوبي إحرامي مع أثواب قد جمرت فأخذ من ريحها قال عليه السّلام فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها (3) فهل المراد من الرواية كل طيب و ان لم يكن من الأربعة أو الخمسة أو الطيب المخصوص الذي كان جعله في ثوبه، و الظاهر انه كان طيبا مخصوصا و و لا يعم جميع الطيب.

و عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه قال لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك و اتق الطيب في طعامك و أمسك على انفك من الرائحة الطيبة و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة فإنه لا ينبغي لك ان يتلذذ بريح طيبة (4) و دلالة الرواية على حرمة مطلق الطيب بجميع اقسامه و أنواعه تامة لا خفاء فيها، و مثله رواية حريز في الدلالة على حرمة الطيب على نحو العموم من غير اختصاص بالزعفران و الكافور و نحوه (5) روى حماد عن حريز عمن أخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يمس المحرم شيئا


1- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث(2)
2- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث(3)
3- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث 4
4- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5
5- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

ص: 86

من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به، و لا بريح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته و في رواية أخرى لحريز بقدر شبعه يعنى من الطعام (1) و تلك الأخبار دالة على حرمة الطيب على المحرم و وجوب إمساك انفه عنه و حرمة أكل الطعام الذي فيه طيب مطلقا من اى قسم كان و في قبالها أخبار أخر تدل على اختصاص الحرمة بأربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران و اما غيرها فيكره مسّه و الالتذاذ به.

منها ما روى عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن و أمسك على انفك من الريح الطيّبة و لا يمسك عليها من الريح المنتنة فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة و اتق الطيب في زادك فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليعد غسله و ليتصدق بقدر ما صنع و انما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة إلا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به. (2) و الصدر في الرواية و ان كان عاما شاملا لجميع أنواع الطيب الا ان الذيل يخصصه بالأربعة.

و في رواية ابن يعفور عن أبي عبد اللّه قال الطيب المسك و العنبر و الزعفران و العود (3) و عن عبد الغفار قال سمعت أبا عبد اللّه، يقول الطيب المسك و العنبر و الزعفران و الورس (4) و في مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السّلام يكره من الطيب أربعة أشياء للمحرم المسك و العنبر و الزعفران و الورس و يكره من الأدهان الطيبة الريح (5)


1- الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6- 11
2- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8- 14
3- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث 15
4- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 16
5- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث 19

ص: 87

و التحقيق في الجمع بين الطائفتين من النصوص ان يقال ان الحصر بالأربعة في الاخبار انما هو من جهة الغلبة لكثرة استعمالها في التطييب و التلذذ بها، أو لوجوب الكفارة فيها دون غيرها، و اما القول باختصاص الحرمة بالأربعة كما عن الصدوق، أو الخمسة كما عن الجمل و المهذب و الإصباح و الإشارة، و الكراهة في غيرها، تحكيما لأدلة الأربعة على العمومات الدالة على حرمة مطلق الطيب، غير سديد، بل لا يبعد دعوى الإجماع على حرمة الطيب على العموم، وفاقا للمقنعة و كما عن السرائر و المبسوط و الكافي و به ينجبر ضعف بعض الاخبار الناهية عن مسّ الطيب مطلقا، و لا يضر بما ذكرنا التعبير بلفظة لا ينبغي في بعضها لظهورها أولا في الحرمة، و لا أقل من التساوي مع الكراهة، مضافا الى استفادة الحرمة من النهى الوارد في بعضها.

و تدل على عموم الحرمة أخبار أخرى متفرقة في أبواب الفقه، مثل ما نص على ان الميت المحرم لا يمس شيئا من الطيب و لا يحنط كرواية ابن أبي حمزة عن ابى الحسن عليه السّلام في المحرم يموت قال: يغسل و يكفن و يغطى وجهه و لا يحنط و لا يمس شيئا من الطيب (1) و مثل ما روى عن النضر بن سويد عن الكاظم عليه السّلام ان المرية المحرمة لا تمس طيبا. (2) و تعليل عدم البأس، بالفواكه الطيبة، بأنها ليست بطيب كما في رواية عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سالته عن المحرم يأكل الأترج قال عليه السّلام نعم، قلت: له رائحة طيبة، قال: الأترج طعام ليس هو من الطيب. (3)


1- الوسائل الجزء 2 الباب 13- من أبواب غسل الميت الحديث 7
2- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7
3- الوسائل الجزء 9 الباب 26 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 88

في معنى الطيب

ثم ان المراد من الطيب هل هو كل جسم فيه رائحة طيبة، أو ما يتخذ للشم لا للأكل و غيره و بناء على الثاني هل المعتبر ان يكون في زمان صدور الروايات كذلك، أو يكفي اتخاذه للشم و لو في عصرنا، و ان لم يكن في عصر صدور النص موجودا أو مخصوصا للشم، فلكل وجه، الظاهر هو الثاني.

قال الشهيد في الدروس الطيب جسم ذو رائحة طيبة يتخذ للشم غالبا، غير الرياحين كالمسك و العنبر و الزعفران و ماء الورد و الكافور فيخرج به ما كان الغرض منه الأكل و التداوي لا التطيب به كالدارصين و المصطكى و القرنفل فلا يحرم شمه و مسه و قال العلامة في التذكرة: الطيب ما يطيب رائحته و يتخذ للشم كالمسك، و الزعفران، و الكافور و ماء الورد و الأدهان الطيبة، كدهن البنفسج و الورس، و يعلم منه ان الاعتبار في الطيب ان يكون معظم الغرض و القصد من

ص: 89

الطيب شمه، و التطييب به، لا الأكل و التداوي.

ثم ان الزعفران المذكور في الروايات، فهل حرمته من جهة الطيب و شمّه، بحيث لو زالت رائحته لا يحرم اكله، و لا شمّه أو هو حرام بنفسه لا من جهة الطيب فلا يجوز اكله و ان زالت رائحته وجهان.

الظاهر ان ذكر المسك و الزعفران و غيره، في الروايات كما أشرنا إليه من باب المثال، و انه من مصاديق الطيب، لا لخصوصية فيهما، كما، عن الشهيد حيث مثل لما يتخذ للطيب، بالمسك، و الزعفران و العنبر و الورس، و هو الظاهر من رواية حماد أيضا، الدالة على حرمة مس كل شي ء من الطيب، و لكن استعمال كل شي ء بحسبه، فان كان الطيب للأكل، فاستعماله أكله، أو للشم فشمه، و التطييب به، و على كل حال لو زالت رائحة الزعفران بحيث لم يبق منها شي ء و لا اثر لا يصدق استعمال الطيب على شمّه و كذا لو استهلك في الطعام بحيث لم ير منه شي ء لا يصدق عليه أكل الزعفران فحينئذ يجوز اكله.

و اما الفواكه الطيبة، فقد ورد النهى عن اكله على المحرم في بعض الاخبار و عدم البأس في بعض آخر، حتى انه علل بأنه ليس من الطيب، و يقتضي الجمع بينهما حمل النهى على الكراهة، و نفى البأس على الجواز بالمعنى الأعم.

فتحصل من جميع ما قدمناه، ان ذكر الأربعة أو الخمسة في الروايات انما هو من باب المثال، و لا يختص الحرمة بها، بل يعم كل طيب من أنواع الطيب، و الأجسام الطيبة الريح عدي ما استثنى كخلوق الكعبة، أو ما ليس داخلا في الطيب كالريحان على احتمال، و الفواكه الطيبة، فعلى هذا ما ذكره في كشف اللثام من التفصيل بين الأجسام الطيبة الريح، على ما نقله في الجواهر فليس تفصيلا شائعا و لا جامعا و لم يعرف القائل به و لا مأخذ لبعض الوجوه من الوجوه التسعة الاتية.

الأول حرمتها اى الأجسام الطيبة الريح مطلقا، و الثاني حرمتها الا الفواكه،

ص: 90

الثالث حرمتها الا الرياحين الرابع حرمتها الا الفواكه و الرياحين، و الخامس حرمتها الا الفواكه و الرياحين و مالا ينبت للطيب و لا يتخذ منها الطيب، و هي نبات الصحراء و لا ذخر و الأبازير خلا الزعفران، و السادس حرمتها الا الفواكه و الأبازير غير الزعفران، و ما لا يقصد به، الطيب و لا يتخذ منه، و السادس إباحتها إلا ستة، و الثامن إباحتها إلا أربعة، و التاسع إباحتها الا خمسة، و نقل عن العلامة تفصيل آخر، و كذا في محكي المبسوط، نقله في الجواهر من أراد التفصيل فليراجع.

ص: 91

(فيما استثنى من الطيب)
اشارة

استثنى من حرمة استعمال الطيب خلوق الكعبة سواء كان فيه الزعفران أو المسك و غيرهما أم لا، و هو ضرب من الطيب مائع فيه صفرة، استثناه المحقق و غير واحد و نقل عليه الإجماع و تدل النصوص عليه ايضا.

منها ما عن عبد اللّه بن سنان، قال سألت أبا عبد اللّه عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم قال لا بأس و لا يغسله فإنه طهور. (1) و عن يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة قال لا يضرّه و لا يغسله (2) عن حماد بن عثمان قال سئلت أبا عبد اللّه عن خلوق الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام فقال لا بأس بهما هما طهوران (3)


1- الوسائل الجزء 9 الباب 21 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- الوسائل الجزء 9 الباب 21 من تروك الإحرام الحديث 2
3- الوسائل الجزء 9 الباب 21 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 92

و عن سماعة انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة و هو محرم فقال لا بأس به، هو طهور فلا تتقه ان تصيبك. (1) و عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه قال سئل عن خلوق الكعبة للمحرم أ يغسل منه الثوب قال لا هو طهور ثم قال ان بثوبي منه لطخا (2) و الظاهر من تلك الروايات انه لا مانع من اصابة الخلوق ثوب المحرم و يده و لا يجب غسله ايضا لكونه خارجا عن حكم الطيب المحرّم استعماله، و شمه، على المحرم، و هذا هو الظاهر من الأدلة و لكن الكلام في ان المراد من الخلوق المركب من الزعفران و غيره ما كان متصلا بالكعبة و أصاب ثوب المحرم من غير تعمد في ذلك، لا ما كان خارجا عنها، أو المراد ان كل طيب متصل بالكعبة و ان لم يكن خلوقا لا مانع منه و انما ذكر الخلوق من باب المثال و لتعارف استعماله فيها لا لخصوصية فيه.

و الظاهر و كذا القدر المتيقّن من الأدلّة المخصّصة لحكم العموم الدال على حرمة مس الطيب، ما كان متصلا بالكعبة و لم يكن مسه عن عمد بل لاقاه قهرا أو نسيانا و لكن الظاهر من قوله: طهور جواز مسه عمدا و الأصل موافق له.

فرع

لو اضطر إلى أكل ما فيه طيب و لمسه يجب عليه ان يقبض على أنفه فإن الضرورة تتقدر بقدرها و لا اضطرار الى الشم، و يدل على ذلك روايات، منها ما عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ان الطبيب الذي يعالجني وصف لي سعوطا فيه مسك فقال اسعط به (3) و الرواية صريحة في جواز السعوط بما فيه مسك عند الاضطرار و لم يفصل فيها بين ما كان العلاج و التداوي منحصرا به أم لا و لإسماعيل رواية أخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ايضا تدل على جواز السعوط للمحرم


1- الوسائل الجزء 9 الباب 21 من تروك الإحرام الحديث 4
2- الوسائل الجزء 9- الباب 21 من تروك الإحرام الحديث 5
3- الوسائل الجزء 9 الباب 19 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 93

و فيه طيب من دون تقييد، بالاضطرار، و لكن الشيخ حملها على الاضطرار(1) و الحاصل ان مس الطيب و شمّه و اكله عند الاضطرار اليه، لا مانع منه و لا اشكال فيه، إذا انحصر الاضطرار بذلك، أو لم ينحصر، على ما استظهرناه فلو ارتفع الاضطرار يجب عليه ازالة الطيب و غسله فورا، لحرمة الاستدامة كالابتداء كما صرح به بعض و لظاهر قوله صلّى اللّه عليه و آله لمن رأى عليه طيبا اغسل عنك الطيب. (2) ثم انه هل يجب عليه ان يزيله بآلة أو بيد غيره، أو يجوز له إزالته بنفسه، وجهان، فعن الدروس انه يزيله بآلة، أوامر المحل بغسله، و عن المنتهى و التحرير التصريح بجواز إزالته بنفسه و لعله لكونه مقدمة للغسل و الإزالة، لا انه متطيب به، و لما روى في مرسل ابن ابى عمير عن أحدهما عليه السّلام في محرم اصابه طيب فقال لا بأس ان يمسحه بيده أو يغسله (3)

فرع

لو لم يمكن ازالة الطيب إلا بغسله، و لم يكن عنده من الماء ما يكفى للغسل و للطهارة، فهل يصرف الماء في إزالة الطيب و غسله، أو يصرفه في الطهارة، وجهان، ففي المدارك يصرفه لغسله، و يتيمم للطهارة و قال: لأن للطهارة المائية بدلا و لا بدل للغسل الواجب و عن الدروس ان صرف الماء في غسل الطيب، اولى من صرفه في الطهارة و ازالة النجاسة، و هو صريح في عدم الفرق بين الحدث و الخبث الذي لا بدل له ايضا، و احتمل صاحب المدارك وجوب الطهارة المائية و صرف الماء فيها، لان وجوبها قطعي، و وجوب الإزالة و الحال هذه مشكوك فيه، لاحتمال استثنائه للضرورة


1- يقول المقرر أن لإسماعيل ثلث روايات نقلها الوسائل و لكن التأمل يشهد على اتحادها و انها رواية واحدة نقلت متعددة و متكررة لا ان إسماعيل سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام ثلث مرات عن حكم مسئلة واحدة
2- صحيح مسلم الجزء 4 ص 4
3- الوسائل الجزء 9 الباب 22 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 94

كما في الكعبة و المسعى.

و أورد الجواهر بقوله لا يخفى عليك ما في ذلك كله و المتجه التخيير، و لكن الحق ما ذهب اليه الدروس ضرورة ان الوضوء انما يجب إذا كان الماء موجودا فإذا وجب غسل الطيب لا يبقى ماء حتى يجب الوضوء و لو وقع التزاحم بينهما تعين الغسل و يتيمم، و لا يحتاج إلى إحراز الأهمية فيه بل يكشف من الإثبات ان مقام الثبوت ايضا كذلك و لا وجه لما اختاره صاحب الجواهر من القول بالتخيير، و لما احتمله المدارك، من وجوب صرف الماء في الطهارة.

ثم انه لا فرق في حرمة استعمال الطيب و مسّه بين الظاهر و الباطن كالاكتحال بما فيه طيب، و كالاحتقان به.

و اما الجلوس في حانوت فيه طيبه فالظاهر انصراف الأدلة منه، و ان كان الاحتياط الاجتناب عنه، نعم لو كان الريح الطيب شديدا بحيث يشمه كل من يجلس فيه، فلا إشكال في عدم جوازه و اما الاجتياز من سوق العطارين فلا إشكال في جوازه و لا اختصاص بالسوق السابق بين الصفا و المروة بل يعم كل سوق يباع فيه الطيب لعدم شمول الأدلة لذلك كلّه.

ص: 95

(في الرائحة الكريهة)

قد افتى المشهور بحرمة إمساك الأنف عن شمها بل نفى الخلاف فيه، و قال بعض الأحوط عدم الإمساك عنها و نقل صاحب المدارك عن الدروس الحكم بالتحريم.

و منشأ الاختلاف، ما يستفاد من الاخبار من جهة كيفية الدلالة فإنها تدل على ان المحرم لا يمسك انفه عن الرائحة الكريهة و تعرضت لخصوص الجيفة و الرائحة المنتنة و لأجل انها من الصحاح لا يمكن الخدشة في سندها، و لكن قد يخدش من جهة كيفية الدلالة، فتارة يحمل النهى على الحرمة كما هو الظاهر منه في غير المورد و اخرى يقال ان النهى في المقام وارد مورد توهم الوجوب فكما ان الأمر في مقام توهم الحظر لا يكون ظاهرا في الوجوب فكذلك النهي في مقام توهم الوجوب و الإلزام لا يكون ظاهرا في الحرمة فإن الأخبار بعد ما دلت على وجوب الإمساك عن الرائحة الطيبة و ان يمسك المحرم انفه عنها، و ان لا يمس شيئا منها، فقد وردت عدة اخبار تدل على ان المحرم لا يمسك انفه عن الرائحة الكريهة و المنتنة و سيأتي

ص: 96

بعضها، فيمكن حمل تلك الأخبار الدالة على عدم وجوب الإمساك عن الرائحة المنتنة قبال ما تدل على وجوب الإمساك عن الرائحة الطيبة فلا يكون النهى الوارد مورد توهم الأمر ظاهرا في الحرمة، بل يكون ظاهرا في رفع الإلزام و الوجوب.

و لكن التحقيق ان قياس المقام و تنظيره بمورد توهم الحظر في مقام الأمر، قياس مع الفارق، فإن الأمر الوارد في مقام توهم الحظر انما يكون إذا نهى عن شي ء يمكن ان يكون شي ء آخر منهيا عنه ايضا لتساويهما في الجهة المقتضية للنهى، فإذا ورد أمر متعلق بذلك الشي ء الأخر لا يكون ظاهرا في الوجوب، بل يكون ظاهرا في عدم شمول النهى الوارد له، إذا توهم و احتمل شموله له، فحينئذ يقال الأمر وارد في مقام توهم الحظر و كذا النهى الوارد مورد توهم الأمر ضرورة انه انما يصح إذا أمر بوجوب شي ء أو أشياء و احتمل ان يكون شي ء آخر واجبا ايضا لتساويهما في الجهة المقتضية للأمر، فإذا ورد نهى في مثل المورد لا يكون ظاهرا في الحرمة، بل المتبادر منه، عدم شمول الأمر و الإلزام له، و يقال ان النهى وارد مورد توهم الأمر، و ما نحن فيه ليس كذلك فإن الأخبار الدالة على وجوب الإمساك عن الرائحة الطيبة و عن كل طيب التذاذ فيه أو بهجة له، لا يحتمل شموله للرائحة الكريهة و الجيفة المنتنة أصلا، لعدم الالتذاذ بها و النشاط فيها، فإذا ورد نهى يدل على ان المحرم لا يمسك انفه عن الجيفة، لا يصح ان يقال ان النهى هنا وارد مورد توهم الأمر و الإلزام إذ لا توهم لشمول الأمر للمقام للفرق بين المقامين، فالخدشة من تلك الجهة مخدوشة، فلا بد من نقل الاخبار ثم التأمل فيها و قد عقد صاحب الوسائل بابا لذلك و قال باب انه يجب على المحرم ان يمسك على انفه من الرائحة الطيبة، و لا يجوز له ان يمسك على انفه من الرائحة الكريهة و يعلم من عنوان الباب ان صاحب الوسائل إنما استفاد من النصوص عدم جواز الإمساك من الرائحة الكريهة.

1-(منها) صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم يمسك على

ص: 97

انفه من الريح الطيبة و لا يمسك من الريح الخبيثة» (1) 2- و صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تمس شيئا من الطيب إحرامك، و أمسك على انفك من الرائحة الطيبة، و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة» (2) 3- و عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم إذا مرّ على جيفة فلا يمسك على انفه» (3) و هذه الاخبار كما ترى ظاهرة في النهى و لا مجال لما ادعى من انها في مقام توهم الأمر، أو ان الجملة الخبرية لا تدل على الوجوب و الإلزام كما هو مذاق صاحب المستند، و هو و ان كان بعيدا عن التحقيق لما قيل ان الجملة الخبرية آكد في الوجوب من الصيغ الإنشائية و لكنه يلتزم به، و يوجه بالنسبة إلى الوجوب و الإلزام كوجوب الإمساك عن الرائحة الطيبة، إذا أدى بالجملة الخبرية كما في بعض النصوص و اما الرائحة الكريهة فلا وجه لهذا الكلام فيها لورود النهى الصريح عن الإمساك عنها.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 24 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 24 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 24 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 98

لبس المخيط للرجال
اشارة

و منها لبس المخيط للرجال لا خلاف في حرمته على الرجال بل ادعى الإجماع عليه في الجواهر، و عن المنتهى إجماع العلماء كافة عليه، و عن عبد البر أنه لا يجوز لبس شي ء من المخيط عند جميع أهل العلم، و لكنه كما قال عدة من العلماء لم نقف على خبر دال على حرمد لبس المخيط بهذا العنوان على المحرم، و انما نهى عن لبس الثوب و القميص و السراويل و نحوها و في التذكرة يحرم على المحرم لبس الثياب المخيطة عند علماء الأمصار، قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على ان المحرم ممنوع من لبس القميص و العمامة و السراويل و الخف و البرنس لما روى العامة ان رجلا سأل رسول اللّه ما يلبس المحرم من الثياب فقال رسول اللّه لا يلبس القميص و لا العمائم و لا السراويلات و لا البرانس و لا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين و ليقطعهما أسفل من الكعبين (1)


1- سنن البيهقي الجزء 5 ص 49

ص: 99

و يظهر من استشهاد العلامة بقول ابن المنذر متعقبا بالنبوي أنه استفاد حرمة لبس المخيط من المصاديق المنهية من الثياب مثل القميص و السراويل، و لم يستند الى خبر دال على حرمة المخيط بهذا العنوان، إذ لم نجد فيما بأيدينا من النصوص ما ينهى عن لبس المخيط بما هو مخيط، الا ما نقله صاحب المستدرك عن دعائم الإسلام قال روينا عن على بن أبي طالب و محمد بن على بن الحسين و جعفر بن محمد عليهم السّلام: «ان المحرم ممنوع من الصيد و الجماع و الطيب و الثياب المخيطة، و عن جعفر ابن محمد عليهم السّلام انه نهى المحرم عن تغطية من أراد الإحرام الى ان قال و ان يمس طيبا أو يلبس قميصا أو سراويل أو عمامة أو قلنسوة أو خفا أو جوربا أو قفازا أو برقعا أو ثوبا مخيطا ما كان» (1) و لكن رواية دعائم الإسلام لا يعتمد عليها إذا كانت متفردة نعم قد يذكر تأييدا لغيرها. و اما الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة انما نهى فيها عن أثواب مخصوصة مثل السراويل و القميص من دون ذكر المخيط كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم، و لا ثوبا تدرعه، و لا سراويل الا ان لا يكون لك إزار و لا خفين الا ان لا يكون لك نعلين» (2) و في صحيحة الأخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم الّا ان تنكسه» (3) و رواية يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور فقال نعم و في كتاب على(ع) لا تلبس طيلسانا حتى ينتزع أزراره فحدثني أبي أنه، كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل» (4)


1- مستدرك الوسائل ج 2 ص 122
2- الوسائل الباب 35 من أبواب تروك الإحرام الحديث(1)
3- الوسائل الجزء 9 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
4- الوسائل الجزء 9 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 100

و مثلها رواية حماد عن الحلبي عنه عليه السّلام و زاد فيها(فاما الفقيه فلا بأس ان يلبسه) (1) فهل متعلق النهي في الروايات و موضوع الحكم، المخيط بما هو مخيط أو الثوب المخيط بحيث إذا صدق الثوب و لم يكن مخيطا أو كان مخيطا و لم يصدق عليه الثوب لا يكون حراما، أو الموضوع هو كل واحد من عنوان الثوب و المخيط كالثوب و المخيط كل واحد منهما بنفسه متعلق للنهى فكل محتمل.

و الظاهر انه يعتبر ان يكون لباس المحرم ممتازا عن لباس غيره، و ان لا يلبس ما يلبسه المحل، فعلى هذا ان أمكن القول بان عنوان المخيط في كلمات الفقهاء انما هو إشارة إلى الثياب المتعارفة فيكون الملاك في الحكم بالحرمة لبس الثياب المعمولة، المتعارفة بين الناس، و ان قلنا ان المخيط بما هو مخيط المخيط بما هو مخيط هو المناط و الملاك للحكم، فيحرم كل مخيط و ان لم يصدق عليه، الثوب و لم يكن من الثياب المتعارفة، و في صورة الشك و الإجمال و عدم التشخيص فالقدر المتيقن اعتبار تحقق العنوانين في متعلق الحكم، و الحرمة، بأن يكون ثوبا مخيطا متعارفا بينهم، فإن الأدلة العامة و الصحاح، لا تشمل ما كان خارجا عن المتعارف و ان كان مخيطا، الا ان يتمسك بما رواه الدعائم مدعيا انجباره بالإجماع و عمل الأصحاب بحرمة المخيط مطلقا، أو يقال ان في مثل السراويل و القباء يمكن التمسك بإطلاق الدليل، و دعوى شموله لما لا يكون مخيطا بعد صدق الثوب، و اما في ثوبي الإحرام فحيث ان السيرة مستمرة على كونهما غير مخيطين فيحرم لبس ما كان مخيطا، و ان قلت خياطته، و لم يصدق عليه الثوب عند العرف، من دون حاجة الى دليل آخر و بالجملة إذا كان إطلاق في البين بالنسبة الى ما يلبسه المحرم يؤخذ به، و الا فالقدر المتيقن ان يجتمع فيه عنوان الثوب و المخيط، بل الظاهر من رواية الدعائم أيضا ذلك حيث عبر فيها بالثياب المخيطة.

و اما الطيلسان الذي لا خياطة فيه و لكنه مزرور فهل يصدق عليه المخيط أم لا


1- الوسائل الجزء 9 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 101

، يمكن القول بان مورد الإجماع الثوب المخيط و لا يصدق المخيط على ماله أزرار فقط كما عن المراسم حيث قال ان المنصرف من الدليل الثوب المخيط.

روى يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور فقال نعم، و في كتاب على لا يلبس طيلسانا حتى ينزع أزراره فحدثني أبي انه انما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه، فاما الفقيه فلا بأس عليه» (1) يستفاد من قوله عليه السّلام انما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل، ان المنع التنزيهي انما هو من جهة شدة على جسده لا من جهة اللبس لعدم كونه من الثياب المتعارفة و عدم صدق المخيط على ماله أزرار فقط، و ملخص ما تقدم من البحث انّه من الممكن ان يكون المنهي عنه هو الثوب المخيط لا نفس المخيط و بذلك يظهر لك وجه إلحاق الأصحاب بالمخيط من الثوب ما يشبهه كالدرع المنسوج و الملصق بعضه على بعض و اللبد.

و اما الهميان فيجوز شده على الوسط و ان كان مخيطا لعدم كونه من الثياب المتعارفة و انصراف كلمات الأصحاب عنه، و عدم شمول الأدلة له مضافا الى الاخبار المأثورة في المقام.

1- منها: ما عن يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يصير الدراهم في ثوبه قال نعم و يلبس المنطقة و الهميان» (2) 2- و رواية يعقوب بن سالم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يكون معى الدراهم فيها تماثيل و انا محرم فاجعلها في هميان و أشده في وسطى فقال لا بأس أو ليس هي نفقتك و عليها اعتمادك بعد اللّه، عز و جل» (3) و اما العمامة فليس من الثياب المتعارفة و لا من المخيط المحرم إذا شده على


1- الوسائل الجزء 9 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3
2- الوسائل الجزء 9 الباب 47 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
3- الوسائل الجزء 9 الباب 47 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 102

وسطه أو على كتفه و ليس في الاخبار ما يدل على حرمته بل يظهر من بعضها جوازه كما عن عمران الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم يشد على بطنه العمامة و ان شاء يعصبها على موضع الإزار و لا يرفعها الى صدره» (1) و ما روى عن ابى بصير المرادي من عدم الجواز فهو محمول على الكراهة أو على رفع العمامة إلى الصدر، أو على كونها حريرا قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم سيشد على بطنه العمامة قال لا» (2) و قد حمل على ما ذكر فلا تعارض ما تقدم عن عمران الحلبي مضافا الى عدم شمول الأدلة العامة لها فإن العمامة إذا شدت على البطن و لم ترفع الى الصدر لا تشبه، بالثياب المتعارفة و اما التوشح و التدثر فالظاهر صدق الثياب عليه فيكون حراما بخلاف الافراش بالمخيط و ما يشبه الرداء و غيره من البطانية و نحوها هذا تمام الكلام في لبس المخيط بالنسبة إلى الرجال و اما حكم المخيط بالنسبة الى النساء فسيأتي إنشاء اللّه تعالى.


1- الوسائل الجزء 9 الباب 72 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- الوسائل الجزء 9 الباب 72 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 103

حكم المخيط بالنسبة إلى المحرمة
اشارة

(هل يحرم على النساء المحرمات لبس المخيط كما يحرم على الرجال) ففيه خلاف قال المحقق الأظهر الجواز اضطرار أو اختيارا، و في الجواهر بل هو المشهور شهرة عظيمة و لا يبعد دعوى الإجماع في المسئلة لندرة المخالف و معروفية نسبه كالشيخ في النهاية، التي بناؤه فيها ذكر متون الاخبار لا اجتهاداته، مضافا الى انه قد رجع عنه في ظاهر المبسوط في القميص بل عن موضع آخر منه في مطلق المخيط، على ان عبارة النهاية غير صريحة فيما نقل عنه.

قد يستدل للجواز باختصاص المنع بالرجال و عدم ذكر المرأة في النصوص و لكنه مدفوع بان المذكور في الاخبار هو عنوان المحرم، و هو عام شامل للرجال و النساء الا ان يقال ان مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي الفرق بينهما، فلا يشمل المحرم للنساء المحرمات و لا أقل من الإجمال في الأدلة لذلك الاحتمال، كما ان الاستدلال بقاعدة الاشتراك مع احتمال الفرق كذلك، و لو سلمنا القاعدة أو

ص: 104

دعوى ارادة الجنس من المحرم يكون المتبع الأخبار الدالة على جواز لبس المخيط للنساء.

و منها رواية يعقوب بن شعيب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، المرية تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخزّ و الديباج فقال نعم لا بأس به و تلبس الخلخالين، و المسك» (1) و رواية النضر بن سويد عن ابى الحسن عليه السّلام قال: «سالته عن المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب، قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران، و الورس و لا تلبس القفازين» (2) و رواية أبي عيينة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سالته ما يحل للمرأة ان تلبس و هي محرمة، فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير، قلت: أ تلبس الخز قال: نعم» (3) و عن عيص بن القاسم قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة المحرمة تلبس ما شائت من الثياب غير الحرير و القفازين» (4) فهذه الاخبار تدل على جواز لبس المخيط للنساء و اما الجورب فهل هو من الثياب أم لا فان كان من الثياب تشمله الأدلة الدالة على جواز لبس الثياب كلها للنساء، و ان كان المنع من جهة ستره ظهر القدم شاملا له أيضا، إذ يخصص ذلك بما تقدم من الاخبار(5)


1- الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2
3- الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3
4- الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9
5- لو كان الجورب من الثياب المعمولة تدل على جواز لبسه الأخبار الدالة على ان النساء يلبسن الثياب كلها و اما لو شككنا في ذلك فلا يجوز لبسه لشمول الدليل المانع عن لبس ما يستر ظهر القدم

ص: 105

و يستفاد من تلك الاخبار حكمان آخران، أحدهما جواز لبس الحرير للنساء، و قد تقدم الكلام فيه، و الثاني حرمة لبس القفازين لهن، كما هو ظاهر النهى.

و المراد بالقفازين ما يعمل لليدين يحشى بقطن، و يكون له أزرار تزر على الساعدين حفظا من البرد تلبسه المرية في يديها.

و عن الأزهري القفازان شي ء تلبسه نساء الاعراب في أيديهن يغطى اصابعهن و أيديهن مع الكف، و الظاهر من التعاريف ان القفازين ما يسمى بالفارسية به دستكش، تلبسه المرية حفظا عن البرد.

و قد يقال ان معنى القفازين غير واضح لاختلاف معناه عند أهل اللغة، و قد قيل ان القفازين من جنس الزينة يعمل لليدين و لذا نقل عن المستند انه مع الشك في حقيقة معنى القفازين لا يكون الخبر دليلا على النهى و الحرمة.

و لكنه غير وجيه لانه بعد العلم إجمالا بحرمة أحد المصداقين تقتضي القاعدة الاحتياط، بالاجتناب عن كليهما مضافا الى انه قد تسالم الفقهاء على انهما مثل ما يقال له بالفارسية دستكش يلبسه الناس غالبا في أيديهم فلا إجمال في معناه فيكون حراما لبسه كما ادعى الإجماع عليه في صريح الخلاف و الغنية و لا يمنع عن الحكم بالحرمة التعبير بالكراهة في بعض الروايات لإرادة الحرمة منها ايضا.

ثم انه قد ردف القفازين بالبرقع في الحكم بالحرمة في الروايات كرواية أبي عيينة عن الصادق عليه السّلام كما تقدم و في رواية يحيى بن ابى العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه كره للمرئة المحرمة البرقع و القفازين (1) و عن العلامة في التذكرة انه يحرم عليها البرقع فيعلم انه استفاد الحرمة من الكراهة أيضا في أحد الخبرين و لكن في الجواهر انه لم يحضرني إلى الان موافق له، على التحريم، بل لعل ظاهر اقتصار غيره على القفازين خلافه، مع ضعف الخبرين و عدم اجتماع شرائط الحجية فيهما


1- الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

ص: 106

يمكن ان يقال ان التسامح في أدلة السنن إذا كان جاريا في الكراهة أيضا يصح القول بكراهة البرقع للنساء، و الا فمقتضى السياق حرمته كما في القفارين الا ان يتمسك بالإجماع على الكراهة، هذا إذا لم يكن البرقع لحفظ نظر الأجنبي، و الا فلا اشكال فيه.

فرع:

يجوز لبس الغلالة للحائض و هو ثوب رقيق يلبس تحت الثياب صونا لاصابة دم الحيض الثياب، بلا خلاف بل ادعى الإجماع حتى ممن منع المخيط لهن كالرجال، و استدل له بالأصل، و تدل الرواية ايضا على جواز لبسها.

عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «تلبس المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة». (1)

و اما السراويل فيجوز لهن لبسه و لا خلاف فيه.

و اما الرجل فيجوز، له لبسه إذا لم يجد إزارا و ذلك ايضا لا خلاف فيه بل إجماع العلماء عليه، و تدل الاخبار عليه ايضا.

و هذا لا كلام فيه و انما البحث في انه هل يجب عليه، شق السراويل ثم لبسه إذا لم يجد إزارا كالخف إذا اضطر الى لبسه يشق ظهر القدمين أم لا الظاهر هو الثاني، لعمومية الدليل، ثم انه إذا كان له رداء طويل يستر ظهر القدمين فهل يجوز ايضا لبس السراويل عوضا عن الإزار أم لا، الظاهر الأول لشمول إطلاق الأدلة فعلى هذا يكون كمن ليس له إزار أصلا فيلبس السراويل بدلا عن الإزار بناء على وجوب لبس الثوبين فيكون من باب العزيمة لا الرخصة و قد تقدم في الجزء الأول ما ينفع في المقام فراجع


1- الوسائل الجزء 9 الباب 52 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 107

حكم الخنثى المحرم في لبس المخيط

و اما الخنثى فقيل كما عن جماعة يجوز له لبس المخيط للشك في كونه مصداقا للرجل لكن الظاهر انه يجب عليه ترك كل ما يختص حرمته بالمحرم و كذا ما يختص بالمحرمة و ما يشترك بينهما للعلم الإجمالي الموجب لذلك و توضيحه ان الخنثى المحرم يعلم اما بحرمة لبس المخيط عليه أو ستر الوجه فيجب عليه ان يترك المخيط و ان لا يستر وجهه لأن إحرام المرأة في وجهها و يحتمل كونه امرأة فيجمع بين تكليف المرأة و الرجل.

و اما ستر الرأس الذي يجب على المرأة و يحرم على الرجل حال الإحرام فيتخير بين الوظيفتين الا ان يوجد ما يوجب تقديم أحدهما كما لو كان ناظر أجنبي ينظر اليه فيقدم جانب الحرمة و يستر رأسه و اما القول بوجوب ستر الرأس دائما و إعطاء الكفارة فغير صحيح فان ستر الرأس حرام على المحرم ذاتا كما في حنث النذر مع ترتب الكفارة عليه و لا يجوز

ص: 108

ارتكابه من دون مجوز و أمر أهم و قد يقال ان محرمات الإحرام ثابتة على المحرم على نحو العموم خرجت منه المرأة فيتمسك بعموم الحرمة في الخنثى للشك في كونه امرأة و هذا الاستدلال انما يتم إذا كان الشك في مفهوم المخصص كما إذا شك في ان مفهوم الفاسق هو المرتكب للكبيرة فقط أو يشمل مرتكب الصغيرة أيضا فعند ذا يتمسك بعموم أكرم العلماء و لا تكرم الفساق منهم في ما إذا شك انه فاسق أم لا للإجمال في معناه.

و اما إذا علمنا المفهوم من المخصص و شككنا في مصداقه كما لو علمنا في المثال المذكور ان زيدا عادل و ان عمرا فاسق و لكن لم يتبين ان هذا عمرو أو زيد فحينئذ لا يمكن ان يتمسك بالعام و ليس هذا الا تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية الذي لا يرتضيه المحققون و لا يقبلونه الا بعض منهم.

و الشك في حكم الخنثى في المقام من مصاديق الشبهة المصداقية إذ الإجمال في مفهوم الرجل و المرأة، و الخنثى ليس طبيعة ثالثة بل هو اما من جنس المرأة أو من جنس الرجل و لذا كان الإمام أمير المؤمنين يرجع في تشخيص المصداق الى العلائم و لا يصح التمسك بالعام لتعيين المصداق إذ كل عام بعد ورود التخصيص عليه ينحل الى خاصين يحتاج كل واحد منها في العمل بهما الى صدق الموضوع و تعيينه كما في أقيموا الصلاة بعد تقسيمه الى الحاضر و المسافر فان كان في المقام قدر متيقن من المخصص يؤخذ به و يبقى الزائد تحت العام و اما في الشبهة الابتدائية فيرجع الى الأصل و اما في مثل المورد و تعلق العلم الإجمالي بأن الخنثى اما رجل أو امرأة فيجب العمل بمقتضاه و هو الجمع بين الوظيفتين و العمل بهما مع التمكن منهما و الا فيتخير أو يقدم الأهم منهما كما أشير إليه هذا حكم المختار و اما المضطر الى لبس المخيط فسيأتي حكمه

ص: 109

(حكم الاضطرار الى لبس المخيط)

يجوز للمضطر ان يلبس المخيط كما إذا لم يكن له إزار يتزر به فإنه يجوز له ان يلبس السراويل عوضا عن الإزار كما تدل عليه النصوص:

1- ففي صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزره و تدرعه و لا تلبس سراويل الا ان لا يكون لك أزرار و لا خفين الا ان لا يكون لك نعلان» (1) 2- و خبر حمران عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار و يلبس الخفين إذا لم يكن معه نعل» (2) و يبحث حول الروايتين من جهتين الاولى انه هل يجب عليه ان يشق السراويل بحيث يخرجه عن صدق عنوان الثوب عليه و يكون مثل الإزار كما يجب


1- الوسائل الجزء 9 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2
2- الوسائل الجزء 9 الباب 50 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 110

شق الخفين أو لا يجب ذلك؟ الظاهر ان الروايتين مطلقتان في الدلالة على جواز لبس السراويل و لا ذكر فيهما من شقها نعم نقل عن بعض وجوب شقها عليه بحيث تخرج عن هيئة السراويل و يكون كالإزار الجهة الثانية ان إطلاق الروايتين هل يشمل من كان له رداء طويل يستر الركبتين بحيث لا يحتاج في ستر العورتين إلى شي ء آخر و لكن من جهة اعتبار الثوبين في الإحرام يحتاج إلى إزار أو لا يشمل هذا المورد؟ الظاهر ان إطلاقهما يشمل المقام ثم ان جواز لبس السراويل إذا لم يكن معه إزار هل هو من باب الترخيص و التخصيص للروايات الدالة على حرمة لبس الثياب أو الظاهر من الروايتين إيجاب اللبس و إلزامه عليه بدلا عن الإزار بعد ما يجب لبس الثوبين في الإحرام؟

الظاهر هو الثاني لأن فتاوى العلماء ليست صريحة في جواز اللبس فقط بل هم يقولون بلبس السراويل عوضا عن الإزار المعتبر في الإحرام و الثوبين الواجبين فيه و ليس كالخف الذي يشق و يلبس عند عدم النعل لعدم كونه من ثياب الإحرام بخلاف المقام فان الرداء و الإزار من ثيابه و مما لا بد منه فيه و اما الخف يمكن ان يلبسه و له ان يمشى حافيا و لا يلبسه

(في حكم عقد الرداء و الإزار)

هل يجوز عقد الرداء و الإزار من ثياب الإحرام أم لا و قد تعرضنا للمسألة في الشرائط المعتبرة في ثوبي الإحرام في الجزء الأول الا ان بعض المريدين لزيارة بيت اللّه الحرام طلب ان يبحث حولها في المقام لكي يتضح الحال على حسب ما يساعده المجال فأقول:

اما العقد فقد اختلف فيه فقال بعض بالجواز مطلقا و آخر بعدمه كذلك و لكن كثيرا من الأصحاب اختاروا عدم الجواز في الرداء و اما الإزار فذهبوا الى جواز عقده و منشأ الخلاف الأخبار الواردة في المقام و لا بد من التأمل فيها دلالة و سندا

ص: 111

و قد عقد صاحب الوسائل بابا للمسألة و قال باب عدم جواز عقد المحرم ثوبه إلا إذا اضطر الى ذلك لقصره و يعلم من كلامه ان عقد المحرم ثوبه لا يجوز الا للمضطر و لم يفرق بين الرداء و الإزار و كيفية العقد و محله و المهم نقل الاخبار:

1- منها: رواية سعيد الأعرج انه سأل أبا عبد اللّه عليه عن المحرم يعقد إزاره في عنقه قال لا (1) و في الرواية احتمالان أحدهما ان المراد من الإزار هو الرداء بقرينة ان عقد الإزار في العنق مما لا يتعارف و لا ربط له بالعنق و لا يناسبه بل هو يشد في الوسط و الاحتمال الثاني ان المقصود من الإزار ما هو المعمول و المتعارف و يمكن عقده في العنق إذا كان طويلا و عريضا.

ثم ان عقد ثوب الإحرام سواء كان رداء أو إزارا قد يكون بعد العقد كالقميص و يشبه الثوب المتعارف غير حال الإحرام كما يتحقق في الرداء فحكمه حكم الثوب الممنوع لبسه حال الإحرام و لا يكون العقد بما هو عقد حراما نعم يبعد تحقق ذلك في الإزار إلا إذا كان طويلا و لفه على عنقه و القى بعض أطرافه على كتفه و ستر ذيله الركبتين أيضا فحينئذ: يشبه بالرداء و يخرج عن كونه إزارا و اما لو عقد الإزار في الوسط و القى طرفيه أو طرفا منه على عنقه لا يعد رداء و لكن يجي ء الكلام في انه هل يخرج بذلك عن شكل الإزار و هيئته و يكون كالاثواب المتعارفة أو يبقى على حاله فبناء على الأول يكون النهى متعلقا بالعقد لأجل تغييره شكل الإزار و هيئته لا لنفسه و اما بناء على الثاني يكون العقد بما هو عقد حراما و متعلقا للنهى و لا يبعد دعوى الثاني و ان الظاهر كون العقد منهيا عنه بنفسه و ذاته ثم انه بناء على حرمة العقد بنفسه هل يختص بالعقد في العنق كما ذكر في رواية سعيد الأعرج أو المراد حرمة العقد في ثوب الإحرام سواء عقده في العنق


1- الوسائل الجزء 9 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 112

أو غيره؟ الظاهر انه بعد ما اخترناه من ان العقد في العنق لا يخرج الإزار عن هيئته و لا يجعله و لا الرداء كالثوب المتعارف و ان الحرمة لأجل نفس العقد لا يبعد القول بحرمته في ثوبي الإحرام سواء عقده في العنق أو في غيره و ذكر العنق في الرواية انما هو لكونه انسب لهذا الأمر و أسهل له لا لخصوصية فيه موجبة للحرمة.

و رواية عبد اللّه بن ميمون القداح عن جعفر عليه السّلام ان عليا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلى فيه و ان كان محرما (1) المستفاد من المفهوم في الرواية ان ثوب الإحرام إذا لم يكن قصيرا لا يجوز عقده فان تمت دلالة المفهوم يكشف عن ان عقد ثوب الإحرام إنما يجوز إذا اضطر إليه لأجل ستر العورة و غيره لا حال الاختيار و اما قصر الثوب من جهة الطول لعله لا يحتاج الى العقد بل انما يحتاج و يضطر إليه إذا كان العرض قليلا و لا يلتقي الطرفان على قدر ما يستر العورة في جميع الحالات في السجدة و غيرها من عقد فيعقد في الوسط بين الرجلين حتى يستر ما هناك كما في رواية الاحتجاج الاتية فعلى هذا تحمل الرواية على صورة الاضطرار و عدم التمكن من الصلاة و ستر العورة بدون عقد الإزار.

و رواية الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام انه كتب إليه يسأله عن المحرم يجوز ان يشد المئزر من خلفه على عنقه(عقبه) بالطول و يرفع طرفيه الى حقويه و يجمعهما في خاصرته و يعقدهما و يخرج الطرفين الأخيرين من بين رجليه و يرفعهما الى خاصرته و يشد طرفيه الى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك و هذا أستر فأجاب عليه السّلام جائز. ان يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض و لا ابرة تخرجه به عن حد المئزر و غرزه غرزا و لم يعقده و لم يشد بعضه ببعض و إذا غطى سرته و ركبته كلاهما فإن السنة


1- الوسائل الجزء 9 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 113

المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة و الركبتين و الأحب إلينا و الأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا ان شاء اللّه تعالى (1) و يعلم من الرواية أمران أحدهما أن إخراج الإزار عن حد المئزر لا يجوز بأي نحو كان و لا دخل بالإبرة و المقراض في ذلك و لا خصوصية لهما إلا انهما من الآلات المعمولة في هذا الطريق و كذا يعلم ان العقد لا يجوز في غير الضرورة لقوله عليه السّلام و لم يعقده و لم يشد بعضه ببعض و في رواية أخرى عنه عليه السّلام انه سأله هل يجوز ان يشد عليه مكان العقد تكة فأجاب عليه السّلام لا يجوز شد المئزر بشي ء سواه من تكة أو غيرها (2) و رواية قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال:

المحرم لا يصلح له ان يعقد إزاره على رقبته و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده (3) اما التكة المذكورة في رواية الحميري التي لا يجوز شد الإزار بها فهل كانت متصلة بالإزار كما هو المعمول عند العجم و كانت مشدودة عليه فغير معلوم و اما إلقاء الإزار على الرقبة و الكتف الذي تدل على عدم جوازه رواية على بن جعفر لا بد من حمله على ما يخرج الإزار عن شكله به كما هو كذلك إذا كان الإزار طويلا و اما عقده فرواية سعيد المتقدمة صريحة في عدم جوازه و اما ما يستفاد من رواية ابن ميمون القداح من ان عليا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بعقد التوب إذا قصر فان كان مطلقا فيعارض ما يدل على عدم جواز العقد و يحمل على الكراهة بناء على تكافؤ السند في الروايات المانعة و اما إذا كان مقيدا بصورة الاضطرار كما أشير إليه فلا تعارض في البين و يقال بحرمة العقد حال الاختيار و بالجواز عند الاضطرار و على كل حال ترك العقدان لم يكن أقوى فهو أحوط و لا


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 53 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 53 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 53 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 114

فرق بين الإزار و الرداء في ذلك ثم انه لو قلنا بإجمال الأدلة أو تعارضها في المقام أو عدم ظهورها في الحرمة و شك في حرمة العقد و عدمه فهل الأصل يقتضي البراءة أو الاحتياط وجوه فان كان الشك في ان العقد حرام أم لا بمعنى ان لبس الإزار المعقود حال الإحرام حرام تكليفا أم ليس كذلك فالأصل الجاري في المقام البراءة من التكليف للشك فيه و عدم الدليل عليه و هذا يتحقق بعد الإحرام و اما إذا كان الشك في ان الثوب الواجب لبسه في الإحرام هل يشترط فيه ان يكون غير معقود أو لا يشترط فيه ذلك فعلى قسمين تارة يشك حين ما يريد الإحرام في ان الثوب المعقود إزارا كان أو رداء هل يصح الإحرام فيه أم لا لاشتراط كونه غير معقود احتمالا و اخرى يشك بعد القطع بانعقاد الإحرام في ان ثوب الإحرام يشترط بكونه غير معقود زائدا على ما يشترط و يعتبر في انعقاد الإحرام فعلى الثاني يكون الشك في الأقل و الأكثر الارتباطي يأتي فيه ما يجرى هناك و اما على الأول فالأصل الاحتياط بناء على ان الإحرام مسبب عن أمور عديدة وجودية و عدمية و الشك في احديها يستلزم الشك في حصول المسبب.

ص: 115

في الاكتحال
اشارة

و مما يحرم حال الإحرام الاكتحال و به قال جمع من الفقهاء و منهم المفيد و الشيخ و ابن إدريس و ابن حمزة و غيرهم و عن بعض القول بالكراهة و في المسئلة تفصيل آخر يأتي أثناء البحث ان شاء اللّه.

لا بد قبل الورود لنقل الاخبار و الأقوال من تقديم بيان و هو ان الاكتحال على ثلاثة أقسام فإنه قد يكون بالسواد الذي يعد زينة عرفا و قد يكون بما فيه طيب و رائحة طيبة و ثالثا يكون بما لا يعد زينة عند العرف و ليس فيه طيب و هل الخلاف في حكم جميع الأقسام الثلاثة أو في بعضها و ما يمكن ان يقال بجوازه قطعا هو القسم الثالث إذ لم يقل أحد بحرمته و اما القسم الأول أي الأكحال بالذي يعد زينة فقال بعض انه حرام مطلقا قصد الزينة به أم لا و فصل بعض بين ما قصد به التزين و ما لم يقصده به فحكم بالحرمة في الأول دون الثاني و نقل عن الاقتصاد و الجمل و العقود و الخلاف و الغنية و النافع انه مكروه للأصل بعد حمل النهى عنه في الروايات على الكراهة بل نقل عن الشيخ دعوى

ص: 116

الإجماع عليه.

و فصل بعض بين الاختيار و الاضطرار و الحاجة إليه فجوز في الثاني دون الأول.

و اما القسم الثاني أي الاكتحال بما فيه طيب فالمشهور انه حرام و عن التذكرة و المنتهى الإجماع عليه بل قيل قد تعطي النهاية و المبسوط الحرمة و ان اضطر اليه.

و نقل عن الإسكافي و الشيخ و القاضي القول بالكراهة مستدلين له بالأصل بعد زعم خروجه عن استعمال الطيب عرفا لاختصاصه بالظواهر و في الجواهر بعد نقله ذلك منهم قال و هو واضح الضعف للإجماع بقسميه على حرمة مسه و لو بالباطن و الكفاية النص الخاص في المقام ثم انه هل يختص الحرمة في الاكتحال بما فيه طيب بالأربعة المذكورة في الروايات المسك و العنبر و الزعفران و الورس أو يجري البحث في كل طيب و ان زال ريحه وجوه بل أقوال و مستند الجميع الأخبار الواردة في المقام و كيفية الاستفادة منها فلا بد من ذكرها لكي يتضح الحكم بالحرمة أو الكراهة و اختصاصهما بالاختيار و غيره و لا يخفى ان البحث في المقام من جهة الاكتحال فقط لا من جهة التزين فإنه بحث أخر سيجي ء إنشاء اللّه يمكن الاستدلال لحرمة الاكتحال بما فيه طيب بالعمومات الدالة على حرمة مس الطيب على المحرم سواء كان عاما أو منحصرا بالأربعة أو الخمسة بإضافة الكافور على ما ذكر مضافا الى النصوص الخاصة.

و دعوى انصراف العمومات عن استعمال الطيب في الباطن مثل العين ضعيفة جدا لا سيما إذا كانت الرائحة بارزة يشمها الغير و لم نجد من ادعى ذلك صريحا.

نعم استعماله في الباطن بحيث لا يظهر و لا يوجد منه أثر في الخارج كالاحتقان بما فيه طيب كما في الجواهر و التزريق بالإبرة المعمولة في التداوي و المعالجات

ص: 117

الطبّية يمكن دعوى الانصراف عن مثلهما و اما عن مثل العين فهي بعيدة و اما النصوص الخاصة فقد عقد في الوسائل بابا لذلك و قال باب تحريم اكتحال المحرم و المحرمة بما فيه طيب و بالكحل الأسود للزينة و جواز اكتحالهما بما سواهما و بهما للضرورة.

و منها صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يكتحل و هو محرم ما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأما للزينة فلا (1) الرواية ظاهرة في ان الاكتحال بما فيه طيب يوجد ريحه لا يجوز للمحرم على ما يستفاد من المفهوم، و عدم وجود الرائحة مطلق يشمل مالا رائحة له طبيعتا أو زالت لعارض و اما للزينة و بقصد التزين فصريح المنطوق النهى عنه و اما إذا لم يكن لزينة فالظاهر ان ما يكتحل به عادة للزينة و يعد في العرف تزينا فهو حرام و لا اثر للقصد و عدمه فيه كما يظهر من الروايات الاتية أيضا.

في صحيحة زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال تكتحل المرأة بالكحل كله الا الكحل الأسود للزبنة (2).

و ظاهر الصحيحة حرمة الاكتحال بالأسود إذا كان بقصد التزين به لا بدونه فان دل دليل على حرمة الاكتحال بالأسود مطلقا و لو لم يقصد التزين به يرفع اليد عن ظاهرها.

ثم ان الصحيحة هل تشمل كل الكحل حتى ما كان فيه طيب أم لا الظاهر ان قوله عليه السّلام بالكحل كله عام شامل لجميع أقسام أنواع الطيب حتى ما يوجد ريحه فيقيد بما تقدم في رواية معاوية بن عمار من قوله ما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 118

و رواية عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول يكتحل المحرم ان هو رمد يكحل ليس فيه زعفران (1) و رواية هارون بن حمزة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران و ليكحل بكحل فارسي (2).

و رواية أبان عمن أخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا طيب (3) و رواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر قال يكتحل المحرم عينه ان شاء بصبر ليس فيه زعفران و لا ورس (4) و كل هذه الروايات تدل على منع الاكتحال و حرمته على المحرم و المحرمة و انه لا فرق بين الرجل و المرأة، و ذكر المحرم في بعض الروايات إنما أريد به الجنس الشامل للرجل و المرأة لا خصوص الرجل نعم يظهر من رواية أبي بصير الفرق بين المحرم و المحرمة و لكنها لا تقاوم ما تقدم من الاخبار العامة و الخاصة المصرحة فيها بعدم الفرق بينهما.

روى أبو بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس للمحرم ان يكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا كافور إذا اشتكى عينيه و تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كله الأكحل أسود لزينة (5).

ثم ان تلك الروايات جلها انما تدل على حرمة الاكتحال بما فيه طيب و هنا روايات اخرى يظهر منها ان ملاك الحرمة في الاكتحال هو الزينة و التزين به فمنها


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 9
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 12
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 13

ص: 119

رواية حريز عن ابى عبد اللّه قال لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ان السواد زينته (1) و قد تقدم في صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قوله فاما للزينة فلا و في صحيحة زرارة المتقدمة و تكتحل المرأة بالكحل كله الا كحل أسود لزينة و في رواية الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سالته عن الكحل للمحرم فقال اما بالسواد فلا و لكن بالصبر و الحضض (2)

تحقيق المقام

ثم انه بعد الإشارة الى ما تقدم من النصوص الواردة في الاكتحال بالطيب الذي يوجد ريحه و بالسواد للزينة لا بد ان يبحث في ان الاكتحال بما فيه طيب هل هو حرام لأجل الاكتحال بما هو اكتحال أو لأجل أنه استعمال للطيب الذي لا يجوز للمحرم ان يستعمله على ما تدل عليه الروايات العامة مثل رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن و أمسك على انفك من الريح الطيبة (3) و انما ذكر الكحل بالخصوص في كثير من الروايات لئلا يتوهم ان استعمال الطيب في الباطن كالعينين لا تشمله الأدلة العامة فبناء على هذا الاحتمال يكون الحكم في الاكتحال هو الحكم في الطيب الذي مضى البحث فيه مفصلا من اختصاصه بالأربعة المذكورة في الروايات أو الخمسة أو الأعم منها كالمسك و الزعفران و العنبر و الورس أو هي بإضافة الكافور أو الجميع بإضافة العود أو كل ما يعد طيبا و ان لم يكن مما ذكر فان قلنا ان الأربعة الاولى من مصاديق الطيب لها موضوعية في الحكم و الحرمة


1- وسائل الشيعة 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 7
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 120

تدور مدارها فيجب الالتزام به في الاكتحال ايضا سواء كان بالسواد أو بغيره و لا يفرق فيه بين الرجل و المرأة و تخصيص المحرمة بالذكر في رواية أبي بصير و النهى عن كحل أسود انما لغلبة ان الاكتحال به كثيرا ما يختص بالنساء لا الرجال كما ان غير الأسود يستعمل في التداوي و العلاج لا للزينة.

و لكن حققنا في مسئلة الطيب ان الحكم لا يختص بما ذكر في الروايات بل يعم كل طيب و الأربعة المذكورة في الروايات من مصاديقه لا لخصوصية فيها بل يمكن يقال ان العرف في ذلك الزمان كانوا يتطيبون به ففيما نحن فيه ايضا كذلك فالاكتحال بما فيه طيب يوجد ريحه لا يجوز للمحرم سواء كان وردا أو ورسا أو مسكا أو غيرها ممّا ذكر في النصوص نعم الأحوط ترك الأربعة أو الخمسة المذكورة و ان لم يوجد ريحها للتصريح بها و يظهر من بعض الروايات ان الاكتحال انما يحرم لأجل انه من الزينة كما تقدم و اما الزينة بما هي لم تذكر في عداد محرمات الإحرام سواء كانت اربع و عشرين أو أقل و انما ذكرت مصاديق منها كالحناء إذا بقي أثره بعد الإحرام أو الحلي إذا كانت خارجة عن المعتاد و النظر إلى المرآة و التختم لا بقصد السنة و التدهين بما فيه طيب و التطيب بما يوجد ريحه و لعل ذكر هذه الأمور لأجل ان المرء لا يمكن له التزين أو الاكتحال الا بها و في المرأة يتحقق بها و بالخلخال و غيرها و اما المنظار فقد ذكروه في المسئلة و عده بعض من الزينة و بناء على هذا الاحتمال هل يمكن ان يقال ان ما هو المحرم حال الإحرام بالأصالة هي الزينة نظرا الى التعليل المذكور بعد النهى عن بعض تلك الأمور في الروايات من قوله ان السواد زينة أو الأكحل أسود لزينة أو ان السواد من الزينة أو لا يمكن القول به و التعدي من الموارد المنصوصة الى كل ما يعد زينة فان الفقهاء رضوان اللّه عليهم لم يذكروا الزينة بما هي هي من محرمات الإحرام

ص: 121

بل ذكروا المصاديق نعم قيدوها بالزينة فقالوا مثلا لبس الخاتم للزينة أو لبس المرأة الحلي للزينة و هنا احتمال ثالث و هو ان يقال ان الزينة الحاصلة من تلك الأمور حرام على المحرم لا غيرها(1)

في الاضطرار الى الاكتحال

يجوز الاكتحال عند الضرورة و الحاجة اليه و ما يظهر عن بعض من الحرمة هو واضح الضعف و يدل عليه رواية أبان المتقدمة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا طيب (2) و رواية عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سأله رجل ضرير و انا حاضر فقال اكتحل إذا أحرمت قال: لا و لم تكتحل قال: انى ضرير البصر و إذا أنا اكتحلت نفعني، و ان لم اكتحل ضرني قال: فاكتحل، قال فإني أجعل مع الكحل غيره، قال و ما هو، قال أخذ خرقتين فأربعهما فاجعل على كل عين خرقة و أعصبهما بعصابة إلى قفاي فإذا فعلت ذلك نفعني و إذا تركته ضرني قال فاصنعه (3)


1- و يظهر من الروايات الواردة في النظر الى المرآت و التعليل المذكور في بعضها ان الزينة علة الحرمة كما سيأتي إنشاء اللّه
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 9
3- وسائل الشيعة ج 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 10

ص: 122

في النظر الى المرات

لا يجوز للمحرم و المحرمة النظر الى المرآت على الأشهر كما عن الصدوق و الشيخ و ابن إدريس و غيرهم بل نسبه غير واحد من الأصحاب إلى الأكثر و قال بعض انه مكروه و اختلف أيضا في ان النظر إلى المرآة حرام مطلقا أو إذا كان للزينة و حيث ان المسئلة مبتلى بها في عصرنا لوجود المرآة في السيارات و الطائرة و وقوع نظر المسافرين عليها ينبغي البحث حولها بالتفصيل و المستند للجميع النصوص الموجودة في المقام منها.

رواية حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تنظر في المرآة و أنت محرم فإنه من الزينة (1) و رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تنظر المرأة المحرمة في


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 34 من تروك الإحرام الحديث

ص: 123

المرآة للزينة (1) و في رواية حريز عن ابى عبد اللّه لا تنظر في المرآة و أنت محرم لانه من الزينة (2) و رواية معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه لا ينظر المحرم في المرآة لزينة فإن نظر فليلب (3) فهل المراد من مدلول الروايات ان المرآة زينة أو النظر إليها بنفسها زينة أما المرآة فليست بزينة بل هي مقدمة لها باعتبار ان من يريد الزينة في العرف ينظر إليها ليرى ما فيه من الغبار و الدرن.

و اما النظر بما هو نظر لا يحسب زينة ايضا بل هو مقدمة لها فلا يتعلق النهي التكليفي به كما لا يتعلق بنفس المرآة بما هي آلة شفافة حاكية نعم غاية ما يمكن ان يقال ان الزينة المطلوبة لا تتحقق الا بالنظر الى المرآة و لتكميل ما هو المطلوب و رفع النقص الموجود نهى الشارع عن المقدمات ايضا لئلا يقع المكلف في الحرمة، و هي الزينة و التزين حال الإحرام، كما نهى عن شرب الخمر و نهى ايضا عن بيع العنب و غرسه و ساقيه و غيره من المقدمات، و كذا في النهي عن الربا و حرمته حرم الكتابة و الشهادة، و في المقام حرم الزينة و لأجل ان لا يقع المحرم في الحرام نهى تكليفا عن النظر إلى المرآة للزينة، لا للتداوي أو رفع ما يوجب الزحمة و النفرة في الوجه و العين و غيره، كما انه في المقدمات العقلية إلى الحرام لا يكون النهى متعلقا بها إلا إذا قصد التوصل، و لهذا قيد و النظر إلى المرآة بالزينة و قصد التزين لأجل ان لا يتحقق في الخارج ما هو المبغوض عند المولى، و اما وجوب التلبية بعد النظر إلى المرآة كما ورد في رواية معاوية بن عمار من قوله فان نظر


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 34 من تروك الإحرام الحديث
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 34 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 34 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 124

فليلب كما تقدم فهو الظاهر من الأمر بها و لكن الإجماع على عدم الوجوب فيحمل على الندب.

و بالجملة المعمول و المتعارف من النظر إلى المرآة انما هو للزينة كما ان المرآة يستعمل غالبا في إيجادها مثل ما ينصب في الدكاكين و غيرها نعم النظر إليها لغسل الوجه أو التداوي لا يعد زينة كما أشير اليه و اما النصوص التي تقدمت ففي بعضها لا تنظر في المرآة و أنت محرم لانه من الزينة و في آخر للزينة.

قد يقال انها مطلق و مقيد فان المستفاد من قوله انه من الزينة حرمة النظر و لو لم يقصدها و اما مفاد قوله للزينة حرمة النظر إلى المرأة قاصدا به الزينة فهل يقيد الإطلاق في الأول بالثاني أم لا قال صاحب الذخيرة بعد ذكر أصل المسئلة: و لا يبعد اختصاص الحرمة بالنظر للزينة جمعا بين الروايات و حمل المطلق على المقيد، و يظهر من بعض الاعلام القول بحرمة مطلق النظر كما يظهر من عدة القول بالكراهة.

و حيث انا أخذنا بظاهر النهي في الحرمة و حملناها عليها فهل يصح تقييد إطلاق العلة كسائر الإطلاق أم لا مثلا إذا ورد ان ظاهرت أعتق رقبة ثم قال ان ظاهرت أعتق رقبة مؤمنة يقيد الرقبة بالإيمان بعد العلم بوحدة المطلوب، و اما لو قيل ان ظاهرت أعتق رقبة لأنه مطلوب للّه ثم ورد أعتق رقبة مؤمنة فهل يصح تقييد الإطلاق في العلة فيكون المعنى ان عتق الرقبة المؤمنة مطلوب للّه أم لا فعلى الصحة لا يبقى إطلاق في العلة و يناسب هذا الاعتبار في المقام ايضا بعد رجوع الضمير في(انه من الزينة) إلى النظر لوضوح أن الزينة في الرواية إنما استعملت في المعنى المصدري لا اسم المصدر، بمعنى ان النظر إلى المرأة تزيين لا زينة حاصلة من أمور أخرى و بناء عليه لا يكون النظر تزينيا بالمعنى المصدري بالشروع فيه الا إذا قصد به التزيين و الا لو نظر لأخذ الشعر من عينه أو لرفع الأذى لا يصدق عليه التزيين أصلا فالإطلاق في كلام الامام لعله باعتبار ان النظر إلى المرآة إذا لم يكن للتداوي و غيره انما هو للزينة

ص: 125

فالرواية لا تشمل غير ما قصد به الزينة.

و بتعبير آخر ان الرواية منصرفة عن النظر لغير الزينة فلا إطلاق لها و لو سلمنا الإطلاق ليقيّد بما ذكر في رواية معاوية بن عمار من قوله للزينة و ليس ظهور رواية حريز في الإطلاق أقوى من ظهور رواية عمّار في التقييد، ثم انه لا فرق في النظر للزينة بين ما صنع للنظر كالمرآة و بين غيرها حتى ان النظر الى الماء الصافي و كل جسم صيقلي كالنظر إلى المرآة في الحكم، كما ان النظر من وراء المنظار إليها كذلك كما في النظر إلى الأجنبية حيث لا يفرق في الحرمة بين النظر إليها بالمنظار أو غيره

ص: 126

في لبس الخفين
اشارة

و يحرم لبس الخفين و الجوربين و كل ما يستر ظهر القدمين على الرجال على المشهور بل عن الذخيرة نسبته الى قطع المتأخرين و عن المدارك إلى الأصحاب و ادعى عدم الخلاف فيه بين الأصحاب كما عن الغنية بل ظاهره نفى الخلاف بين المسلمين فضلا عن إرادة الإجماع منه و هذا مما لا بحث فيه و انما الكلام في ان لبس الخف حرام بما هو خف أو لكونه مخيطا أو لأجل أنه لباس متعارف معمول كما عبر باللبس أو لكونه مما يستر ظهر القدمين.

فان قلنا انه حرام لكونه مخيطا يمكن ان يقال بجواز لبس ما يصنع بالصياغة و القوالب في الفابريكات و اما لو قلنا بحرمته من جهة كونه لباسا متعارفا يحرم مطلقا و لو لم يكن مخيطا بل لو كان من لبد كما اخترناه في اللباس المتعارف و اما إذا كان حراما بما هو خف فلا يفرق فيه ايضا بين المخيط و غيره و هو بالنسبة إلى الرجال كالقفازين بالنسبة الى النساء في حرمة لبسهما فيحرم لبس

ص: 127

الخفين على المحرم كما يحرم لبس القفازين على المحرمة.

و يمكن ان يكون حرمة لبسهما من جهة ان الخف يستر ظهر القدمين ففي الحقيقة تعلق النهى بلبس كل ما يستر ظهرهما سواء كان مخيطا و متعارفا أم لا، و لعله يستظهر من بعض الروايات الدالة على جواز لبس الخفين عند الاضطرار و وجوب شق ظهر القدمين فعلى هذا لو كان خف لا يستر ظهرهما لا يكون لبسه حراما و قد اختار بعض الفقهاء الأخير من الاحتمالات و افتى بحرمة لبس كل ما يستر ظهر القدمين و المهم نقل الاخبار و التأمل في ان الخفين و الجوربين انما ذكرا من باب المثال أو لهما خصوصية في الحكم.

و قد عقد صاحب الوسائل بابا في المسئلة و قال: باب تحريم لبس الخفين و الجوربين على المحرم إلا في الضرورة فيشق عن ظهر القدم ثم نقل اخبارا و منها.

رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال و لا تلبس سراويل الا ان لا يكون لك إزار و لا خفين الا ان لا يكون لك نعلان (1) و صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال و اىّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله ان يلبس الخفين إذا اضطر الى ذلك و الجوربين يلبسهما إذا اضطر الى لبسهما (2).

و ظاهر النهي في الرواية الأولى حرمة لبس الخفين كما في لبس السراويل إلا إذا لم يجد نعلا و اضطر الى لبسهما و مفاد الرواية الثانية جواز لبسهما إذا هلكت نعلاه و الظاهر من هلاك النعل عدمه و احتياجه الى اللبس لا العدم بعد الوجود فيكون مقيد الإطلاق الرواية الأولى إذ يبعد القول بان من كان له نعل ثم هلك يجوز له لبس الخفين دون من لم يكن له


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 128

نعل من الأول.

و كذا الظاهر من صحيحة الحلبي بل الصريح جواز لبس الجوربين إذا اضطر اليه و مفاد ذلك عدم جواز اللبس عند الاختيار و ظاهره الحرمة لا الكراهة و يدل بعض الروايات على ان المحرم إذا اضطر الى لبس الخفين يجب عليه ان يشق ظهر القدم.

روى الكليني بسنده عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل هلكت نعلاه و لم يقدر على نعلين قال له ان يلبس الخفين ان اضطر الى ذلك فيشق عن ظهر القدم (1).

روى الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل قال نعم لكن يشق ظهر القدم (2) و المراد من الشق عن ظهر القدم قطع الخفين عن الساق طويلا كان أو قصيرا لا شق الظهر كما يفصح عنه لفظة عن اى حرف الذي هو للمجاوزة (3).

و لكن الرواية الثانية تدل على وجوب شق ظهر القدم فهل المستفاد من مجموع الروايات المتقدمة ان حرمة لبس الخفين لأجل انهما لباسان متعارفان يلبسهما الناس قبل الإحرام أو لأجل كون الخفين مخيطة أو لسترهما ظهر القدمين وجوه بل أقوال و لكن السياق في الروايات كقوله لا يلبس السراويل و لا الخفين يشهد للقول الأول و ان الخفين كالسراويل و ان كان القدر المتيقن منها الخف و الجوربين الا ان تناسب الحكم و الموضوع يؤيد القول الأول و ان اقتصر بعض العلماء بالخفين و اما الجوربان فلا يستفاد من جواز لبسهما في الضرورة الحرمة حال الاختيار مع إمكان الخدشة في روايته ايضا.

و قال بعض ان رواية الخفين و الجوربين معتبرة سندا و دلالة فأفتى بحرمة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 129

لبسهما فقط و لم يتعد الى غيرهما مما يشابههما في ستر ظهر القدمين و ذهب بعض الى القول الثالث و التعدي من الخفين و الجوربين الى كل ما يستر ظهر القدمين كما يظهر من صاحب الجواهر قدس سره و نقله عن جمع من القدماء ايضا كما أشير إليه ثم قال نعم الظاهر اختصاص الحرمة بما كان لباسا ساتر الظهر القدم بتمامه فلا يحرم الساتر لبعضه و الا لم يجز النعل.

لا يخفى ان استفادة حرمة لبس الخفين على المحرم من الرواية و التعدّي منه الى كل ما يستر ظهر القدمين مشكل حتى مع القول بوجوب شق الظهر لاحتمال ان يكون شق الظهر لتغيير هيئة الخفين و إخراجها عن اللباس المتعارف كما في لبس القباء منكوسا أو مقلوبا حتى يعلم ان لابسها محرم و يكون شعارا كما في تقليد الهدى و شق اذنه و يحتمل ان يكون الشق للستر فيشق ظهر القدمين لئلا يستر الجميع بناء على عدم حرمة ستر البعض و لكنه لا ترجيح للاحتمال الثاني على الأول بل العكس اولى فلا يقطع بحرمة لبس كل ما يستر ظهر القدمين.

ثم انه لو قلنا بحرمة لبس كل ما يستر ظهر القدمين فلا إشكال في إلقاء ثوب الإحرام على رجله و ظهر قدميه أو إلقاء ملحفة أو ستر ظهر القدم باليد و الرجل و اما ستر بعض القدم فأفتى صاحب الجواهر قدس سره بعدم حرمته و قال لا يحرم الساتر لبعضه و الا لم يجز النعل، و دعوى ان حرمة الجميع تقتضي حرمة البعض ممنوعة بعد ان كان العنوان في الحرمة المجموع الذي لا يصدق على البعض انتهى و لا يخفى ما في استدلاله قدس سره اما الأول فلا مانع من القول باستثناء لبس النعل كما يظهر من بعض الروايات ان هذا المقدار من النعل كان لبسه جائزا كما يشعر به قوله رواية الحلبي هلكت نعلاه و في رواية أبي بصير و لم يقدر على نعلين، و اما الدليل الثاني فاستفادة ستر مجموع ظهر القدمين على وصف المجموع بعيد عن الرواية نعم القدر المتيقن في الخفين و الجوربين ستر مجموع ظهر القدم

ص: 130

و اما استظهار ذلك في غيرهما بناء على التعدي منهما فلا يستفاد.

في وجوب شق الخفين و عدمه إذا اضطر الى لبسهما

قيل يجب شق ظهر القدم من الخفين و كل ما يستره كما عن محكي المبسوط و الوسيلة و المختلف و عن الشهيدين و الكركي خلافا للمحقق في الشرائع بل عن ابن إدريس الإجماع عليه و يظهر من بعض الاخبار كروايتي عمار المتقدمة و الحلبي و رفاعة بن موسى جواز اللبس مطلقا من دون وجوب الشق قد يقال ان الإطلاق في هذه الروايات يقيد بروايتي أبي بصير و محمد بن مسلم الدالتين على وجوب الشق فيقدم التقييد على الإطلاق و لكنهما ضعيفان لعدم عمل الأصحاب بهما و عدم التزامهم بوجوب الشق الا ما نقل عن الشيخ و ابني حمزة و غيرهما و ان كان قد يعبر عن رواية الحلبي بالصحيحة مضافا الى الإجماع على عدم وجوب الشق كما ادعاه صاحب الجواهر قدس سره في كتابه و الى ان وجوب الشق موافق للعامة و منهم أبو حنيفة و روى الجمهور عن على عليه السّلام عدم وجوب الشق بل رووا انه عليه السّلام قال: قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما و روى عن عائشة ان النبي رخص للمحرم ان يلبس الخفين و لا يقطعهما (1) و عن صفية كان ابن عمر يفتي بقطعهما فلما أخبرته بحديث عائشة رجع (2) و قد يقال ان حديث القطع منسوخ فإنه كان بالمدينة و ما روته عائشة كان بالعرفات.

تلك الأمور من الموجبات لتضعيف التقيد و وهنه فان كان ذلك قابلا للاعتماد و الا فلا وجه لرفع اليد عن المقيدات و عدم تقييد الإطلاقات بها و لذا قال صاحب


1- سنن ابى داود ج 1 ص 425 المطبوعة عام 1371 الا ان فيه رخص للنساء في الخفين
2- سنن الدارقطني ج 2 ص 272 الرقم 170

ص: 131

الحدائق أيّ قاعدة تقتضي رفع اليد عن قواعد الفقه و هي تقتضي تقييد الإطلاق بالمقيد الى ان تقوم حجة في المقام نعم لو ثبت إجماع على العدم كما ادعاه صاحب الجواهر عليه الرحمة نعمل به و الا فمقتضى الاخبار و الاحتياط الشق و لزومه.

في كيفية الشق
اشارة

ثم ان الشق واجبا كان أو ندبا على نحوين أحدهما قطع الخفين من ظهر القدمين اى من القبة بحيث لا يبقى لهما ساقان و الثاني شقهما من الظهر الى ما دون قبة القدم و لو جمع بينهما بان قطعهما من الساق ثم شق ظهر القدم الى ما دون القدم لكان اولى.

و ليعلم ان لبس الخفين و ما يستر ظهر القدمين مع الشق انما في حال الاضطرار كما إذا لم يجد نعلا و اما في حال الاختيار فلا يجوز لبسهما و ان شق ظهرهما كما هو الظاهر بل الصريح من كلامهم.

و يمكن ان يشكل عليهم بأنه إذا كان الحرام لبس ما يستر جميع القدم فلم لا يجوز لبسه مع شق الظهر بحيث لا يستر الجميع و أجيب عنه بان الحرام ما من شأنه ان يستر جميع القدم من غير علاج و تصرف، فلا يجوز لبسه حال الاختيار و لو شق ظهره كما يورد على هذا المبنى ان لازم ذلك ان يجوز لبس النعال المتعارف لبسهما في الصيف التي لا يستر جميع القدم بل يستر الأنامل و هو مشكل لما أشير الى ان الممنوع من لبسه هو اللباس المتعارف الذي كان الناس يلبسونه قبل الإحرام و هذا النوع من النعال لباس متعارف بين الناس نعم بناء على ما استظهرناه من ان حرمة لبس الخفين من أجل كونهما لباسا متعارفا لا يرد الإشكال فإن بشق الظهر لا يخرج عن كونه لباسا متعارفا لكنه إذا اضطر الى لبسه يشقه اشعارا بأنه محرم كما في قلب القباء و لبسه منكوسا إذا لم

ص: 132

يجد رداء و اما ما يتعارف لبسه في الصيف فهو حرام و ان لم يستر جميع القدم.

(في تعميم الحكم للرجال و النساء)

ان حرمة لبس الخفين اختيارا و جوازه مع الشق عند الاضطرار هل يختص بالمحرم أو يعم المحرمة الظاهر هو الثاني فإن ما ذكر في الرواية بلفظة المحرم أو الرجل جنس شامل لكليهما كما لو سئل عن رجل اصابه بول أو محرم اصابه دم فأجيب بحكم خاص يعلم منه شموله للرجل و المرأة نعم لو سئل الراوي عن الرجل المحرم هل يلبس مثلا الحرير أو القميص فأجاب الإمام عليه السّلام المحرم لا يلبس كذا يمكن تقييده بالرجل و اختصاص الحكم به بخلاف ما لو سئل عن المحرم فقط إذ يعلم منه انه حكم تكليفي شامل للكل كما إذا قيل لو ترك المصلى كذا فعليه كذا إذا لم يكن في البين ما يمنع عن الشمول و الاشتراك و لا يبعد ادعاء وجوده في المقام فان البحث فيه حكم لبس الثياب و قد تقدم الفرق بين المحرم و المحرمة فيما روى المرأة تلبس الثياب كلها و استثنى منها المصبوغ بالزعفران و القفازان و البرقع و لم يستثني الخفان و لعل هذا يقطع الشركة بينها و بين الرجل مع احتمال ان يقال ان الخفين انما يختص لبسهما بالرجال و النساء لا يلبسنهما إلا إذا كان من المجاهدات و الغازيات.

و الحرمة المجعولة على المحرم في لبس الخفين ليست كالأحكام المجعولة للمصلي من وجوب القراءة و الطمأنينة و القيلة و الطهارة المشتركة بين الرجل و المرأة بل الحكم في المقام من جهة الستر و اللباس الذي فرق الشرع في حكمه بينهما كما أشير إليه فلا يشمل قوله عليه السّلام المحرم لا يلبس الخفين المرأة المحرمة لاحتمال اختصاص الحكم بالرجل و لو سلم إطلاق يمكن تقييده بما روى ان المرأة

ص: 133

تلبس الثياب كلها الا ما استثنى بناء على صدق الثياب على الخفين و اما الجوربان فلا إشكال في صدق اللباس عليهما و تستثنى المحرمة عن حرمة اللبس.

و لو أشكل في جميع ما ذكر لأمكن القول بان دليل الاشتراك في الحكم بين الرجل و المرأة لا يشمل حرمة لبس الخفين على المحرمة من الأصل و لو شك في الشمول يكفى الشك في الحرمة في إجراء الأصل الموجود في المقام و هو عدم التكليف و البراءة منه و عدم الحرمة

ص: 134

في الفسوق و حكمه حال الإحرام
اشارة

لا إشكال في حرمة الفسوق على المحرم و ان وقع الخلاف في معناه كما يأتي و يدل عليه قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ. (1) و ظاهر الآية الكريمة نفى وجود الفسوق خارجا و انه يجب ان يكون الحج و اعماله خاليا عنه و ان الفسوق مانع عن عنوان الحج المطلوب و لازمه بطلانه به و كونه حكما وضعيا لا تكليفيا فقط.

و لكن المستفاد من المضامين المختلفة في الروايات من ترتب الكفارة على الفسوق في بعض الموارد و عدم اعادة الحج أو اعادة التلبية انه غير مفسد للحج مضافا الى الإجماع على عدم البطلان و انه حرام تكليفي فقط فما نقل عن المفيد قدس سره من فساد الحج به واضح الضعف.


1- سورة البقرة الآية 197

ص: 135

و الأمور المذكورة في الآية بعضها و منه الفسوق و ان كان حراما في غير حال الحج ايضا و لا يختص حرمته بالمحرم الا ان ذكره في عداد محرمات الإحرام اما لأجل أن وجوده يؤثر في إيجاد النقص في الحج المطلوب عند المولى أو ان تركه موجب لكمال فيه مطلوب بالنص إذ الحج مع ترك الفسوق مطلوب أوّلا و بالذات و مع الإتيان بالفسق مطلوب على نحو تعدد المطلوب فلا منافاة بين كونه حراما في غير حال الإحرام عموما و في حال الإحرام خصوصا بخلاف بعض المحرمات و الموانع الموجب لبطلان الحج إذا وجد.

في معنى الفسوق

وقع الخلاف في معنى الفسوق و قيل هو الكذب كما في الشرائع و نقل ذلك عن المقنع و النهاية و المبسوط و الاقتصاد و السرائر و الجامع و النافع و عن ظاهر المقنعة و الكافي و يظهر من بعض الروايات ايضا.

و عن الدروس و المختلف و جمل العلم و العمل انه الكذب و السباب و قيل هو الكذب و المفاخرة و عن أخر هو مطلق المنهيات و المحرمات و قد يدعى ان الفسوق هو الذي حرم بالإحرام فقط كالصيد و الطيب و نظائرهما كما ادعى انه الكذب على اللّه و رسوله أو أحد الأئمة عليهم السّلام و استظهر بعض هذه المعاني أو استأنس له من النصوص الواردة في المقام فالمهم نقلها و التأمل في جمعها فمنها.

رواية معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه: إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه و ذكر اللّه و قلّة الكلام الا بخير فان تمام الحج و العمرة ان يحفظ المرء لسانه الا من خير كما قال اللّه عز و جل فان اللّه يقول فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و السباب و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 136

و السب و الكذب و ان كان حراما في جميع الحالات الا ان ظاهر قوله عليه السّلام إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه الى أخر الرواية ان جميع ما ذكر و منه السب و الكذب من محرمات الإحرام أيضا و لا فرق في ذلك بين إحرام الحج أو العمرة متمتعة بها الى الحج أو مفردة كما لا فرق بين التمتع و القران و الافراد من أنواع الحج و تخصيص بعض العلماء حرمة تلك الأمور بالحج دون العمرة في غير محله و يدل عليه رواية عبد اللّه بن سنان في قول اللّه تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ قال إتمامها ان لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج. (1) و في رواية على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام الفسوق الكذب و المفاخرة (2) و في رواية زيد الشحام قال سألت أبا عبد اللّه عن الرفث و الفسوق و الجدال قال اما الرفث فالجماع و اما الفسوق فهو الكذب الا تسمع لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ الخبر. (3) و عن تفسير العياشي الفسوق هو الكذب و اما استشهاد الامام عليه السّلام بالآية في معنى الفسوق نظير الاستدلال بقوله تعالى لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ، لبيان معنى الكثير و الا فقد صرح في الرواية بأنه الكذب و اما السباب و المفاخرة من معنى الفسوق فقد ذكر في رواية معاوية بن عمار و على بن جعفر. و قال صاحب الجواهر بعد ذكر الروايات المتقدمة في معنى الفسوق: و ما أدرى ما السبب الداعي إلى الاعراض عن النصوص التي يمكن الجمع بينها بأنه عبارة عن جميع ما ذكر فيها من الكذب و السباب و المفاخرة على الوجه المحرم.

ثم قال و من الغريب ما في المدارك من ان الجمع بين الصحيحتين(اى


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 6
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 137

صحيحة معاوية بن عمار و صحيحة على بن جعفر) يقتضي المصير الى ان الفسوق هو الكذب خاصة لاقتضاء الاولى نفى المفاخرة و الثانية نفى السباب فالمتفق عليه هو الكذب.

و أورد عليه في الجواهر بعدم كونه جمعا بل هو طرح لكل منهما مضافا الى ان نفى غير الكذب في الصحيحتين ليس الا بالمفهوم الضعيف و هو مفهوم اللقب لا بمثل مفهوم الشرط أو الوصف و هو لا يعارض المنطوق الصريح في الصحيحتين الدال على ان السباب و المفاخرة من مصاديق الفسوق و السكوت عن شيى في دليل ليس نفيا له و لا يصح التعارض بين المنطوق و السكوت فاللازم الأخذ بمنطوق الصحيحتين و طرح المفهوم لكونه أظهر و أصرح فلو فرض التعارض بين الروايات و نكافؤ السند فيها فالقاعدة التساقط و عند عدم التكافؤ يرجع الى المرجح.

(إيراد أخر على المدارك)
اشارة

ثم ان صاحب المدارك قدس سره بعد ان حكى الإجماع على تحريم الفسوق و ان الأصل فيه الآية الكريمة قال: و يتحقق الحج بالتلبس بإحرامه بل بالتلبس بإحرام عمرة التمتع لدخولها في الحج انتهى.

و أورد عليه صاحب الجواهر رحمه اللّه بان المستفاد من الفتاوى و معاقد الا جماعات بل و بعض النصوص كونه من محرمات الإحرام و لو للعمرة المفردة (1) و يمكن ان يجاب عن إيراد الجواهر و دفعه عن المدارك بأن الأصل في حرمة الفسوق إذا كان هو الآية الكريمة لا يشمل غير الحج للتصريح فيها بالحج لقوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ. (2) نعم و عمرة التمتع شروع في الحج لا المفردة الا ان يستدل بما


1- و بعض النصوص رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه(ع) إذا أحرمت الخبر
2- البقرة الآية 197

ص: 138

روى عن ابن سنان عن الامام عليه السّلام في تفسير قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لا قال:

إتمامها ان لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج (1) و الحج يطلق على العمرة كما يستفاد من الرواية أيضا بقي الكلام في ان الكذب و السباب و المفاخرة انما يحرم في الحج مطلقا أو إذا كان حراما و توضيح ذلك ان الكذب و السباب و المفاخرة لها موضوعية في الحكم بالحرمة في الحج و ان لم تكن حراما في نفسها كالكذب النافع الواجب أو المندوب أو السباب للنهى عن المنكر إذا توقف عليه أو المفاخرة المطلوبة في الحرب أو ليست كذلك بل انما تحرم إذا وقعت حراما الظاهر ان مصاديق الفسوق سواء كانت كذبا أو سبابا أو مفاخرة انما تحرم إذا كانت محرمة قبل التلبس بالحج و الكذب النافع المندوب أو الواجب و كذا السباب و المفاخرة فيما ذكر لبست مما تعلق النهى بها فلا تكون داخلة في الآية.

قد يتوهم ان ما ذكره صاحب الجواهر من القيد المتعلق بالمفاخرة من قوله و المفاخرة على الوجه المحرم انما يفيد ذلك و يدل على ما اخترناه لكنه ليس بصحيح ما يكون حراما فان مراده من ذكر القيد بيان المصداق المحرم لأن المفاخرة لها مصداقان أحدهما قبل الحج ايضا و الأخر ما ليس بحرام أصلا بل هو حلال دائما من دون حاجة الى مجوز آخر.

و الحاصل ان المفاخرة ان كانت مصداقا للكذب فهو حرام و إن كانت صادقة فإن كانت مستلزمة لتوهين مؤمن أو نقيصة عليه فهو حرام في الحج و غيره و ان لم يثبت كونها من مصاديق الفسوق المحرم حال الإحرام.

و اما السباب اى سب المؤمن فهو حرام دائما سواء كان منهيا عنه في الحج بما هو حج أو لم يكن كذلك كما عليه المدارك حيث خص النهى بالكذب و انه معنى الفسوق المنهي عنه في الآية و على كل حال لا يترتب الكفارة على واحدة منها و لا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 139

تظهر التمرة في البحث عن ذلك إلا في النذر و العهد كما اختاره صاحب الجواهر و لا يخفى ما فيه.

يمكن ان يقال تظهر التمرة في النيابة للحج و الاستيجار مثلا لو استاجر شخصا لإعمال الحج و شرط عليه ان يأتي بالواجبات كلها و ان يترك كل ما هو حرام فيه فان كانت المفاخرة من المنهيات فيه يجب عليه تركها و كذا السباب و ان لم يترك لا يستحق الأجرة.

مسئلة

هل يجوز ان يستناب العاجز عن القادر أم لا مثلا من لم يقدر على الصلاة إلا قاعدا أهل يجوز له ان ينوب عن الصحيح و كذا من لم يتمكن عن ترك بعض المحرمات في الحج كالاستظلال هل يصح له النيابة أم لا وجهان مبنيان على ان تروك المحرمات من اجزاء الحج كالواجبات أو من وظائف المحرم الظاهر هو الثاني فيستحق الأجرة و لو ارتكب حراما الا ان يشترط عليه فلا يستحق الأجرة و لكن ذمة الميت يبرأ على كل حال

(في عدم فساد الحج بالفسوق)

لا يفسد الحج بارتكاب الفسوق بأي معنى كان خلافا للمفيد قدس سره حيث قال ان الرفث و الفسوق و الجدال مفسد للحج و لعل نظره الى ان تلك الأمور كانت حراما قبل الحج و لا معنى لحرمتها في الحج إلا إفسادها له.

و أجاب عنه الجواهر بأنه لا تنافي بين الحرمة قبل الحج و عدم إفسادها له مع كونها منهيات فيه بدعوى ان عدم هذه الأمور مؤثرة في كمال الحج و تمامه أو ان وجودها مزاحمة للكمال المطلوب على نحو التعدد لا مبطل لأصل الحج مضافا الى الإجماع القائم على عدم البطلان و الى انّ من ارتكبها في الحج فليس عليه الا الاستغفار أو الكلام الطيب.

ص: 140

في حكم الجدال في الحج
اشارة

و يحرم الجدال على المحرم و يدل عليه الكتاب و السنة و الإجماع بقسميه كما في الجواهر و هذا ما لا كلام فيه و انما المهم بيان أمور.

[الأمر] الأوّل

: في ماهية الجدال و ما يتحقق به و هو لغة الخصومة أو التشديد فيها و اما الجدال المحرم في الحج المذكور في الآية فقد فسر في كلمات الفقهاء و في أكثر كتب الأصحاب و في الاخبار بقول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه و قال بعض بشرط ان يكون تأكيد الخصومة المسبوقة و ذهب أخر الى ان ذاك القول انما هو مثال للقسم و الحلف فلو حلف بغير لا و اللّه و بلى و اللّه لكان جدالا محرما و لا يعتبر في تحققه لفظ الجلالة بل يكفى القسم بالرحمن و الرحيم.

[الأمر] الثاني

هل يعتبر ان يكون الجدال و لا و اللّه و بلى و اللّه معصية للّه حتى يكون حراما في الحج أو يعم كل جدال و لو كان الحلف صادقا و الجدال حلالا

ص: 141

[الأمر] الثالث

ان المناط في حرمة الجدال هل هي الخصومة التي بلغت حد التأكيد و ان لم يكن فيه قسم و حلف فملاك الحرمة التنازع و الجدال الشديد لا القسم و الحلف بلفظ الجلالة و غيره.

اما الأمر الأول فقد ادعى الإجماع على ان الجدال المذكور في الآية المحرّم حال الإحرام قول الرجل لا و الله و بلى و الله كما حكى عن السيد و عن كشف اللثام لا خلاف عندنا في اختصاص الحرمة بهما و عن الغنية و الجدال و هو قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه بدليل إجماع الطائفة و طريقة الاحتياط.

و أورد على ما ذكر بأنه ليس في لغة العرب ان الجدال هو اليمين المذكور فقط و أجاب بعض العلماء عن الإيراد المذكور بأنه لا مانع من ان يكون للجدال عند الشرع معنى يغايره ما في اللغة كما في بعض الكلمات مثل الغائط فإنه موضوع لغة للأرض المنحدر الا انه عند العرف اسم لشي ء خاص يغاير الوضع اللغوي.

و فيه ان استعمال لفظ عند الشرع في معنى مغاير للمعنى اللغوي و ان كان صحيحا و واردا في استعمالات الشرع كما أشار إليه المجيب الا ان المورد ليس مثل ما ذكر فان الروايات انما وردت في بيان معنى الجدال و انه ذو مراتب ضعيفة و شديدة و ما هو الحرام في الحج ما بلغ حد لا و الله و بلى و الله و اما أصل معنى الجدال و هي الخصومة فمحفوط فيه دائما و لا يرفع اليد عنه بل و لا يصح ذلك و نشير إليه في الأمر الثالث.

مضافا الى ما ورد في النصوص من التصريح بان القسم في بعض الموارد لا يكون جدالا و لو ادى بلفظ لا و الله و بلى و الله بل يكون إكراما و محبة لمؤمن كما في رواية أبي بصير قال سالته عن المحرم يريد ان يعمل العمل فيقول له صاحبه:

و اللّه لا تعمله فيقول: و اللّه لأعلمنه فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال قال: لا انما

ص: 142

أراد بهذا إكرام أخيه انما كان ذلك ما كان للّه عز و جل فيه معصية (1) و يمكن ان يستدل بما روى عن زيد الشحام في معنى الجدال عن ابى عبد اللّه في حديث قال: و الجدال هو قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه و سباب الرجل (2) إذ يعلم منه ان الحلف و القسم في الجدال ما يقع في الخصومة كما هو المرتكز في ذهن الناس و يستأنس له من قوله عليه السّلام سباب الرجل لان ذكر هذه الجملة بعد لا و اللّه و بلى و اللّه انما هو لبيان ان الخصومة ما يوجب الجدال و السب و القسم و التأكيد لا ان نفس القسم جدال و خرج منه ما كان في إكرام الأخ بل مفهوم الخصومة مما يوجد في جميع موارد الجدال و يعتبر فيه كما ان نفس الخصومة بدون لا و اللّه و بلى و اللّه لا يكفي في تحقق الجدال قد يقال ان الروايات الدالة على ان الجدال هو قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه مطلقة لا قيد فيها من الخصومة أو غيرها الا انه خرج من عموم القسم ما يقال في إكرام المؤمن و المحبة له كما نقل عن صاحب المستند.

و فيه ان جميع الروايات واردة في تفسير الآية المباركة و الجدال المذكور فيها و ان الجدال ما كان مقرونا بالقسم لا ان القسم وحده هو المراد من الجدال من غير دخل للخصومة فيه التي يتبادر الى الذهن منه و ان أنكرت الظهور في الخصومة فلا أقل من احتفافها بما يصلح للقرينية الذي يشترط القطع بعدم وجوده في الأخذ بالإطلاق في كل مقام فان السؤال عن الجدال المذكور في الآية و جوابه عليه السّلام:

قول الرجل لا و إله و بلى و اللّه صالح لان يكون قرينة لإرادة القسم الخاص و النوع المخصوص من الجدال بعد ما يعرف الناس و يفهم منه مطلق الخصومة فلا يصح التمسك بالإطلاق لعدم تمامية مقدمات التمسك به و يستظهر ذلك من رواية أبي بصير


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 143

المتقدمة الواردة في محرم يحلف لصاحبه ان يعمل عملا له (1)

الأمر الرابع

هل يعتبر ان يكون الجدال مع الحلف معصية في نفسه أم لا يعتبر ذلك بل يكفى و لو كان لأمر حق في كونه حراما على المحرم و ان لم يكن الحلف كاذبا بل كان صادقا لإثبات أمر شرعي.

ذهب بعض إلى الإطلاق و ان الجدال مع الحلف حرام و ان كان صادقا و حقا فعلى هذا يقع البحث في ارتفاع الحرمة عند الاضطرار اليه ثم في ثبوت الكفارة و عدمه.

و استظهر صاحب الجواهر قدس سره من روايتي يونس بن يعقوب و ابى بصير المتقدمتين اشتراط الجدال بكونه معصية و ان يكون الحلف كاذبا و عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يقول: لا و اللّه و بلى و اللّه و هو صادق عليه شي ء قال: لا (2) و لكن الشيخ رحمه إله حمل الرواية على نفى الكفارة فيما دون الثالث فعلى هذا لا يدل على اشتراط المعصية إذ يمكن ان يكون الجدال حراما مطلقا و لكن الكفارة لا يترتب على ما دون الثلث كما ورد في التفصيل بين اليمين الصادقة و اليمين الكاذبة عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال إذا حلف الرجل ثلاثة ايمان و هو محرم فعليه دم يهريقه و إذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل فعليه دم يهريقه (3) و اما الرواية الثانية التي استظهر منها صاحب الجواهر اشتراط المعصية


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1 من بقية كفارات الإحرام الحديث 8
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1- من بقية كفارات الإحرام الحديث 7

ص: 144

في الجدال رواية أبي بصير المتقدمة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يريدان ان يعمل العمل فيقول له صاحبه و اللّه لا تعمله فيقول و اللّه لا عملنه فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال قال: لا انما أراد بهذا إكرام أخيه انما كان ذلك ما كان للّه عز و جل فيه معصية. (1) و ظاهر الرواية ان الجدال الذي ليس فيه معصية لا يكون مما يحرم على المحرم كما استظهره قدس سره و لكن الكلام في ان النفي هل يرجع الى الكفارة و انه لا يلزمه ما يلزم الجدال من ترتب الكفارة أو يرجع الى ان هذا النوع من الجدال لا بأس به من جهة الحرمة.

ثم ان صاحب الجواهر أيّد ما استظهره بأصل البراءة و بنفي الضرر و الحرج في الدين و بأنه ربما وجب عقلا و شرعا فلا يصح القول بحرمة الجدال مطلقا و لذا نقل عن الجعفي ان الجدال فاحشة إذا كان كاذبا أو في معصية لكنه اختار في آخر كلامه غير ما استظهره و قال بعد ما ذكر: الا ان عموم النص و الفتوى و خصوص نص الكفارة على الصادق بخلافه.

و معنى كلامه ان العمومات أظهر في التعميم و عدم اعتبار قيد المعصية من الروايتين المتقدمتين الظاهر منهما اعتباره كما اختار ذلك صاحب المستند و حكم بحرمة الجدال مطلقا استنادا بالعمومات الدالة على ذلك كما أشير اليه و استثنى من العموم ما كان في طاعة اللّه كإكرام الأخ المؤمن و أورد على الاستدلال بآخر رواية أبي بصير انما ذلك ما كان للّه عز و جل فيه معصية) بأنه لا يدل على اعتبار كون الجدال في معصية بل يدل على اعتبار ان يكون فيه معصية و الفرق بينهما واضح و توضيحه ان المقسم له قد يكون منهيا عنه و فعله إثما و حراما فالجدال في مثل ذلك يكون في معصية كما لو قال و الله لا شرب الخمر أو أشتمك و أضربك أو أو قيل بلى و الله لا سبك و أشتمك.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 145

و اخرى لا يكون المقسم له معصية في نفسه بل قد يكون طاعة أو مباحا كما لو قال و اللّه لأصلي الصلاة و اقرء القرآن و بلى و اللّه لا فعلهما و هذا النوع من الجدال انما يكون في طاعة و لا يكون فيه معصية و اثم إلا إذا لم يكن في طاعة فمثل إكرام الأخ و نحوه الذي ليس فيه معصية خارج عن الجدال المحرم و الرواية تدل على ان الجدال المنهي في الحج ما كان معصية بتعلق النهى عليه و لو بنفس هذا النهى كما يظهر من صاحب المستند قدس سره. الظاهر ان ما استظهره صاحب الجواهر من اعتبار كون القسم في المعصية أقرب الى التحقيق إذا لظاهر من قوله عليه السّلام انما ذلك ما كان للّه فيه معصية ان يكون كذلك قبل تعلق النهى عليه بسبب الإحرام و قطع النظر عن قوله تعالى و لا جدال و لا فسوق نعم بناء على القول بان كل قسم حرام صادقا كان أو كاذبا لقوله تعالى وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ لا يحتاج الى هذا الشرط بل يكون كل قسم حراما و منهيا عنه في الحج الا ما كان في طاعة كإكرام الأخ.

و هنا احتمال ثالث و هو ان الجدال المحرم في المقام ليس النزاع و الجدال في الحرب بل لإظهار التفوق على الغير في إثبات المطلب و فهمه و تصغير الغير و تحقيره و اما لو أكّد ما يريد إظهاره بالقسم من دون ان يحاول ما تقدم من التحقير و و التصغير فلا يعد جدالا كما في الآيات الكريمة التي أقسم اللّه تعالى تأكيدا للمطلب و رفعا للشبهات المحتملة ان تعتري على قلوب الضعفاء من المخاطبين.

ثم انه بناء على ما استظهره صاحب الجواهر من اعتبار المعصية في الجدال قبل تعلق النهى به لا يرفع اليد عن عموم النهي إلا بأدلة حاكمة عليه مثل الضرر و الحرج و الاضطرار لو كان و الا فلا بد من رعاية الأهم في المقام من تقديم الواجب على الحرام أو العكس كما في غير المورد من التزاحم بين الواجبين أو بين الحرامين أو الواجب و الحرام.

و اما بناء على ما اختاره المستند من حرمة كل جدال الا ما كان في طاعة اللّه فلا يحتاج الى دليل حاكم فلو توقف إثبات حق أو إبطال بدعة على الجدال و

ص: 146

القسم و التأكيد يجوز له الجدال من دون حاجة الى لا ضرر و لا حرج أو الاضطرار و لكن صاحب المستند قدس سره استدل في بعض الموارد بنفي الحرج و الضرر فلا بد من فرضه موردا لا يكون ندبا و طاعة حتى يرفع الحكم عن الجدال بما ذكر من العناوين الثانوية.

الأمر الخامس

ان المعتبر في الجدال تحقق لفظين لا و اللّه و بلى و اللّه و لو من شخص واحد أو يشترط صدورهما من شخصين بان يقول أحدهما لا و اللّه و الأخر بلى و الله الظاهر عدم صدق الجدال على ما يصدر من شخص واحد لو قال شخص لا و الله و بلى و الله لا فعل كذا أو لا افعل كذا و لا يقال انه مجادل و لو فرضنا صدقه عليه يمكن ان يقال ان الأدلة منصرفة عنه.

الأمر السادس

هل يشترط حضور الخصمين في صدق الجدال أو يكفي أداء اللفظين(لا و إله و بلى و الله) في غياب الخصم مثلا لو قال شخص لا و الله و قال الأخر بلى و الله مع عدم حضور هما هل كان جدالا محرما فيه تردد و لا يبعد دعوى انصراف الأدلة عنه.

الأمر السابع

هل يعتبر ان يقول أحد المتخاصمين لا و الله و الأخر بلى و الله أو يكفي أحد اللفظين من أحدهما الظاهر ان الكلمتين عبارة عن الرد و النقد و الاعتراض لا انه يجب ان يقولهما المتخاصمان بدعوى عدم صحة النفي و الإثبات من واحد فيكفي الجدال بلا و الله من واحد و ان أنكر الأخر بقسم أخر و لم يقل بلى و الله.

الأمر الثامن

هل يشترط في تحقق الجدال ان يكون القسم كذبا أو اليمين الصادق و الكاذب متحدان في الحكم يظهر من بعض الأول و لكن المستفاد من الروايات الإطلاق كما عليه العامة أيضا.

و اما الرواية المفصلة بين اليمين الصادقة و الكاذبة كرواية أبي بصير المتقدمة فإنما هي في التفصيل بين ترتب الكفارة و عدمه لا في أصل الجدال كما ان ما ورد في

ص: 147

التفصيل بين المرة و المرتين هو ايضا كذلك فإنه ناظر الى ثبوت الكفارة و عدمه إذ لا مانع من صدق الجدال على اليمين الصادق و على المرة و عدم ترتب الكفارة الا على اليمين الكاذب و على المرتين.

الأمر التاسع

لا فرق في حرمة الجدال بين المحرم و المحرمة و ان ورد في الرواية ان الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه أو وقع السؤال عن المحرم إلا انهما من باب المثال لا القيد و الخصوصية و الآية الكريمة شاملة لكل منها قال تبارك و تعالى فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ.

ص: 148

في حكم قتل الهوام و طردها عن الجسد
اشارة

و يحرم على المحرم قتل هوام الجسد حتى القمل كما في الشرائع و الهوام جمع هامة و في المسالك لا يطلق الا على المخوف من ذلك النوع الظاهر عدم الفرق بين كونه في الثوب أو في الجسد بل في جسد الغير كما هو المحتمل في عبارة الشرائع و يمكن شمول الحكم لما لم يكن في الثوب أو الجسد أصلا بل كان على الأرض و لا فرق في القتل بين المباشرة و التسبيب أو استعمال دواء سمى لافناء الهوام و اما لو استعمل دواء قبل الإحرام حتى يقتل ما يوجد من بعد ففيه وجهان.

اما استعمال الدواء قبل الإحرام بحيث لا تتكون و لا توجد هامة في ثوبه أو جسده فالظاهر عدم شمول الروايات له أو انصرافها منه. ثم المشهور في المسئلة هو الحكم بالحرمة كما نقل عن المدارك و الذخيرة و نقل عن أبي حمزة و الشيخ في المبسوط الحكم بالكراهة و منشأ الخلاف الجمع بين النصوص الدالة على الجواز

ص: 149

و بين ما تدل على النهى و الحرمة فحمل المشهور الطائفة الأولى على صورة الأذى و الضرر كما ان غير المشهور حملوا الطائفة الثانية على الكراهة بقرينة الطائفة الأولى فالمهم نقل الاخبار و التأمل فيها و منها ما عن ابى الجارود قال سأل رجل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل قملة و هو محرم قال بئس ما صنع قال: فما فدائها قال: لا فداء لها (1) فهل قوله بئس ما صنع ظاهر في الحرمة أو الكراهة، لا يبعد دعوى ظهوره في الأول و ان ورد ما يخالفه فلا بد من الجمع بينهما و على كل حال الرواية مطلقة و لا يختص بصورة الاضطرار و الأذى و لعل السؤال انما وقع عن أمر كلي فرضه السائل كما في كثير من سئوالات زرارة لا انه سئل عن أمر وقع في الخارج و منها رواية زرارة قال سألت أبا عبد اللّه هل يحك المحرم رأسه قال يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة (2) و رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده و ان أراد ان يحول قملة من مكان الى مكان فلا يضره (3) و التعليل بقوله عليه السّلام فإنها من جسده يفيد ان كل دابة يتكون من جسد المحرم لا يجوز طرده و إلقائه و اما نقله من مكان آخر لا مانع منه سواء كان المكان الثاني مساويا للمكان الأول أو مرجوحا أو راجحا.

و استفادة حرمة القتل من الرواية لا بد ان يكون بالأولوية و الا فهي واردة في الطرح و الإلقاء.

و مثلها رواية الحسين بن ابى العلاء عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يرم المحرم القملة من ثوبه و لا من جسده متعمدا فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما،


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 150

قلت كم قال كفا واحدا (1) فان ثبت الأولوية في المقام صح الاستدلال بها على الحرمة في القتل و الا فلا و لا يبعد الالتزام بها فإنه إذا لم يكن الطرد جائزا لكونه أذى للدابة و خلافا للأمن العام حال الإحرام فالقتل اولى بذلك كما في قوله و لا تقل لهما أف.

و رواية معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في محرم قتل قملة قال لا شي ء عليه في القمل و لا ينبغي ان يتعمد قتلها (2) و استدل القائلون بالكراهة بقوله عليه السّلام لا ينبغي ان يتعمد قتلها لظهوره فيها و اما القائلون بالحرمة يدعون ان الجملة تستعمل في الحرمة أيضا فتحمل عليها بقرينة روايات تدل على الحرمة.

و يقابلها روايات يظهر منها جواز قتل القملة و طردها منها رواية صفوان بن يحيى عن مرة مولى خالد قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يلقى القملة فقال:

ألقوها أبعدها اللّه غير محمودة و لا مفقودة (3) و رواية زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم (4) ان كان المورد في رواية صفوان متحدا لما تقدم من الروايات الناهية يمكن ان يقال انها تحمل على الكراهة بقرينة هذه الرواية فيجمع بينهما بذلك و لكن يمكن ان يقال ايضا ان موردها صورة الأذى و الضرر كما حملها الشيخ على مورد الأذى و الضرر و اما رواية زرارة الدالة على جواز قتل القملة في الحرم فدلالتها على جواز القتل و صحة الاستدلال بها له اما بدعوى الانصراف الى المحرم أو الإطلاق و


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 6
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 151

الشمول للمحرم و المحل و اما دعوى الانصراف فهو مشكل إذ من الممكن و المحتمل ان تكون الرواية ناظرة الى ان الروايات الدالة على ان الحرم محل أمن للحيوانات و انه لا يصح صيدها و طردها لا يشمل مثل القملة و البراغيث و البقة و اما الإطلاق فلو ثبت فيقيد بما يدل على عدم جواز قتل القملة للمحرم خارج الحرم فضلا عن داخله فلا يشمل الا المحل و يختص به.

و المحصل مما قدمناه ان خبر ابى الجارود ظاهر في حرمة قتل الدابة و كذا صحيحة زرارة لقوله عليه السلام يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة.

و القدر المتيقن من الدابة هنا القمل و يمكن شمولها للبرغوث و البق و ان كان المسلم هو الأول و صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: ثم اتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفارة (1) و الظاهر ان الدواب في الرواية يشمل كل ما يكون في الجسد و غيره و دعوى ان المراد منها ما هو خارج الجسد بقرينة الاستثناء غير صحيحة بعد شمولها للجميع كما هو الظاهر في صحيحة زرارة أيضا بل يمكن ان يقال ان الاستثناء يؤيد إرادة العموم من لفظة الدابة بدعوى ان الدابة ان كانت موجبة للأذى الخارج عن التعارف يجوز قتلها و الا فلا فيشمل جميع الدواب في الجسد و خارجه(2) و يدل على عدم جواز القتل ايضا ما ورد في النهي عن طرح القملة كما في رواية الحسين بن ابى العلاء فإنه يدل على عدم جواز القتل بالمفهوم الموافقة و لا يقال ان عدم جواز الطرح لعله من جهة إيذاء الغير و نقل الجراثيم كما احتمله


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 81 من تروك الإحرام الحديث 2
2- الظاهر ان التأييد أخص من المدعى إذ الكلام في جواز القتل و عدمه مطلقا فان كان المراد ان الدابة إذا كانت مثل العقرب في إيجاد الزحمة و الأذى الخارج من المتعارف فلا يشمل القمل و البرغوث ايضا لعدم كونهما من ذلك النوع

ص: 152

بعض فلا يتحد المناط في القتل، فإنه يقال ان حرمة القتل المستفادة من النهى عن الطرد ليست لأجل اتحاد المناط و إحراز وحدة الملاك في الحكم و أولويته في القتل بل الظاهر و المتبادر الى الذهن من نفس الأدلة ذلك كما ان المفهوم في الشرط ظهور اللفظ فيه و الأخذ به فان قول القائل ان جائك زيد فأكرمه ظاهر في عدم وجوب الإكرام عند عدم المجي ء و لا يحتاج إلى إحراز الملاك و وحدته و تعارض الأخبار الدالة على حرمة قتل القمل و هوام الجسد روايات يظهر منها جوازه التي يعتمد على بعضها غاية الاعتماد و منها رواية زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم (1) و رواية أخرى لزرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عن المحرم يقتل البقة و البرغوث إذا رآه قال: نعم (2) و رواية معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في محرم قتل قملة قال لا شيى عليه في القمل و لا ينبغي ان يتعمد قتلها (3) الرواية الأولى تدل على جواز القتل للمحرم و غيره و نسبتها مع صحيحة عمار الدالة على اتقاء قتل الدواب كلها التي تشمل بعمومها القمل و غيره العام و الخاص من وجه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 153

في حكم سائر الدواب

وقع الخلاف في حكم البرغوث فألحقه بعض بالقملة في عدم جواز قتله و عدم جواز إلقائه عن الجسد حال الإحرام و عن القاضي حرمة قتله و البق و ما أشبه ذلك إذا كان في الحرم و جوزه في غيره و نقل عن ابني سعيد و زهرة مثل ذلك و قوى بعض أخر عدم كون البرغوث من القملة و لعل مستند القول الأول رواية زرارة المتقدمة قال سالته عن المحرم هل يحك رأسه أو يغتسل بالماء قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة (1) و اما عدم جواز إلقاء البرغوث لعله يستفاد من التعليل الوارد في صحيحة ابن سنان في جواز طرح القراد و الحلمة في قوله انهما رقيا في غير مرقاهما و البرغوث في جسد الإنسان ليس إلا في مرقاة و التعليل يشعر بأنّ كل ما يكون جسد الإنسان مأوى له و مرقاة لا يجوز إلقائه و طرحه و يمكن ان يقال ان المراد من المرقى محل الذي تتكون فيه الدابة و البرغوث


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 154

لا يتكون في بدن الإنسان بل مما ينشأ و يتكون من الحيوان و بدنه فإذا وجد في بدن الإنسان فقد رقى غير مرقاة فيجوز طرحه و إلقائه و لو سلم انه يتكون من جسد الإنسان يمكن الاستدلال لجواز إلقاء البرغوث برواية عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده (1) و ظاهر الرواية ان البرغوث داخل في المستثنى منه مضافا الى ان الأصل الجاري في المقام هي البراءة عن الحرمة و التكليف إذا لم يمكن الحاقه بالقملة

في حكم القراد و الحلم

و اما القراد على وزن غراب ما يتعلق بالبعير و نحوه و هو كالقمل للإنسان و الحلم بالتحريك القراد الضخم و الواحدة حملة على التشبيه برأس الثدي و عن الأصمعي أول ما يكون القراد يكون قمقاما ثم حمنانا ثم قرادا ثم حلما و يظهر من الاخبار ما ينافي ذلك و على كل حال يجوز طرح القراد عن البدن و البعير اما عن البدن فلما تقدم من ان كل ما يرقى غير مرقاة يجوز طرحه كما في رواية ابن سنان (2) و اما الطرح عن البعير ففي رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه قال عليه السّلام ان القى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس و لا يلقى الحلمة (3) و يعلم من الرواية ان القراد ليس من البعير و مما يعيش في جسده بخلاف الحلمة فإنها من جسد البعير فلا يجوز إلقائها و طرحها و هذا ينافي ما تقدم من المعنى اللغوي للحلمة و يظهر من بعض الروايات ايضا ان الحلمة في البعير بمنزلة القملة من جسد الإنسان كما في رواية حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال ان القراد ليس من


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 80 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 155

البعير و الحلمة من البعير بمنزلة القملة من جسدك فلا تلقها و الق القراد (1) و ظاهر الرواية ان الحلمة إذا وجدت في جسد البعير فهي بمنزلة القملة في جسد الإنسان و لا يجوز إلقائها و طردها من بعيره فهل يستفاد منه عدم جواز إلقائها من بعير غيره و لو لم يكن ذلك الغير محرما، أو لا يستفاد وجهان فان قلنا ان ما يتبادر الى الذهن من أحكام الإحرام و يستفاد منها ان يكون كل شي ء في الحرم من الشجر و الدواب مأمونا من الأذى و التلف الا ما كان مؤذيا و متعديا عن مرقاة فلا يجوز إلقاء الحلمة من جسد كل حيوان سواء كان مركبا للمحرم أو غيره.

و يعارض ما تقدم خبر ابى عبد الرحمن سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعالج دبر الجمل قال، فقال عليه السّلام: يلقى عنه الدواب و لا يدميه (2) و ظاهره جواز إلقاء كل دابة من البعير و هو معارض لما تدل على المنع الا ان يحمل على الضرورة كما هو المتبادر و ان كان من الممكن ان يقال ان معالجة الحيوانات و إصلاحها أمر متعارف عادى لا يبلغ كثيرا ما الى حد الاضطرار و الإضرار و اما الصئبان و هو ما يطلق عليه بالفارسية رشك فهو من الجسد و ان لم يكن دابة فلا يجوز إلقائه لشمول التعليل له في قوله فإنه من جسده و ان كان بيض القمل.

و اما القتل فالرواية كلها في مورد القمل و استفادة العموم مشكل كما عن صاحب الحدائق و استشكل صاحب الجواهر قدس سره بان نصوص الحرمة موافقة للعامة بخلاف نصوص الجواز و فيه ان صرف الموافقة للعامة لا يوجب الصدور تقيه مضافا الى عمل الأصحاب في الجملة على الروايات و على كل حال الحكم بجواز قتل البرغوث و إلقائه غير مشكل و اما البق و الجراد و الزنبور و ما يتولد من الحيوانات فلا إشكال في جواز قتلها و إلقائها و إجراء الأصل عند الشك


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 80 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 80 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 156

في لبس الخاتم
اشارة

و من المحرمات حال الإحرام لبس الخاتم للزينة لا للسنة قال المحقق قدس سره في الشرائع يحرم لبس الخاتم للزينة و عن الإرشاد للزينة لا للسنة و قال لا اعرف خلافا بين الأصحاب في الحكمين و في الجواهر قطع به الأكثر على ما كشف اللثام.

لا خلاف و لا كلام في أصل الحكم و انما هو في تشخيص اللبس للزينة و ما هو للسنة و المعروف ان الفارق هو النية فإن لبس الخاتم قاصدا للزينة فهو غير جائز و ان نوى السنة به فلا اشكال فيه.

قد يشكل بأن السنة قد تكون هي الزينة كما في قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (1) و مع قطع النظر عن الآية الكريمة لبس الخاتم عند العرف انما هو للزينة إذ ليس هو امرا عباديا في حد نفسه بل زينة بطبعه كغيره مما يسر الناظرين إذا نظر


1- سورة أعراف آية 31

ص: 157

اليه و يرى المتلبس به متزنيا الا ان الشرع نهى عن لبس الخاتم من الذهب الذي هو ابرز مصاديق الزينة و ترك غيره على حاله و لكن يمكن ان يقال ان لبس الخاتم الذي يعد زينة عند العرف. قد يكون لاراءة الغير و إظهار الزينة للناس و قد يكون لا لذلك كمن يلبس الخاتم في حال الصلاة و بالليل للتهجد مترقبا للثواب و الأجر به من دون ان يراه أحد و لا ناويا له كما يمكن ان يجعل الأمر المباح عبادة بالنية و القصد فكذلك في لبس الخاتم و النظافة و لا يبعد حمل كلمات القوم على ما ذكر.

ثم ان الحكم في المسئلة و ان ادعى فيه عدم الخلاف فيه و انه مقطوع بين الأصحاب الا ان المستند و المعتمد هي الأخبار الواصلة إلينا عن أهل بيت النبي عليهم السّلام فاللازم ذكرها و التأمل فيها و منها.

رواية مسمع عن ابى عبد اللّه في حديث قال و سألته أ يلبس المحرم الخاتم قال: لا يلبسه للزينة (1) و مثلها رواية أخرى و قد تقدم ان لبس الخاتم انما هو زينة بالطبع الاولى و بالذات فيشمله ما تدل على حرمة الزينة على المحرم كرواية حريز و حماد.

عن حريز عن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال تكتحل المرأة بالكحل كله الا الكحل الأسود للزينة (2) عن حماد عن حريز عن ابى عبد اللّه قال لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ان السواد زينة (3) و عن حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا تنظر في المرآة و أنت محرم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 46 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 158

فإنه من الزينة (1) و يستفاد من تلك الروايات ان الزينة حرام على المحرم على نحو العموم و الإطلاق و منها لبس الخاتم إذ لا شبهة في انه من مصاديق الزينة عند العرف لكن النصوص الخاصة قيد حرمة لبسه بكونه لاراءة الغير و إظهار الزينة لا للسنة و تحصيل الثواب و الأجر.

و منها: رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع قال رأيت على ابى الحسن الرضا عليه السّلام و هو محرم خاتما (2) و رواية عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال تلبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب (3) و الجمع بين الروايتين الدالتين على جواز لبس الخاتم للمحرم و بين ما يدل على الحرمة مؤيدا بما أشير إليه من العمومات الدالة على حرمة مطلق الزينة على المحرم يقتضي ان تحمل الطائفة الأولى على ما لبس لغير الزينة بل للسنة و عليه يحمل فعل ابى الحسن الرضا عليه السّلام و كذا لبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب إذ يجوز لها لبس الذهب في غير حال الإحرام و اما في حال الإحرام لا بد ان يكون للسنة لا للزينة عملا بالطائفة الاولى من النصوص لما تقدم من ان لبس الخاتم زينة دائما و ليس مما يمكن ان يكون تارة زينة و اخرى غيرها كما قد يقال في الأسنان من الذهب من الفرق بين ما إذا كان في الطاحنة و ما يكون في الثغر فإذا صنع ذلك بقصد الزينة يكون حراما دون ما إذا أراد استحكام السن و حفظه من الفساد على ما قيل و قال هناك بعض بحرمة الزينة مطلقا قصدها أو لم يقصدها و القاعدة في المقام بعد كون لبس الخاتم زينة مطلقا يقتضي حرمته مطلقا للعمومات الدالة عليه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 34 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 46 من تروك الإحرام الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 46 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 159

الا ان النصوص الخاصة كما أشير إليها قد الحرمة بكونه للزينة لا للسنة.

هنا فرع أشار إليه صاحب الجواهر قدس سره بعد ما اختار ان ملاك الحرمة في لبس الخاتم القصد و ينبغي التعرض له و هو ذا.

لو لبس الخاتم و قصد الزينة و السنة معا فهل يغلب جانب الحرمة أو الحليّة ففي الجواهر يمكن دعوى الحرمة في المشترك مع قصد الزينة و ان قصد معها غيرها على وجه الضم. بل و على وجه الاستقلالية ايضا اما إذا كانا معا العلة فقد يقال بالجواز للأصل بعد عدم صدق اللبس للزينة و اللّه العالم انتهى.

و حكم المسئلة موقوف على كيفية الاستفادة من نصوص الباب فان استفيد ان لبس الخاتم للزينة فقط لا لشي ء آخر و ان لم يكن الغير علة تامة حرام فلا يشمل الدليل ما إذا قصد الزينة و السنة معا لعدم تحقق موضوع الحرمة و هو قصد الزينة لا غير فلا يكون حراما.

و اما لو قلنا المستفاد من روايات الباب ان قصد الزينة موجب للحرمة مطلقا سواء قصد معها السنة أم لا و سواء كان كل واحد منها علة تامة أم جزءا لها فحينئذ يحكم بحرمة اللبس و يشمله ايضا دليل الجواز و يقع التعارض بين الدليلين إذا قلنا ان مقتضى دليل الجواز عند قصد السنة هو الاستحباب عن اقتضاء و مصلحة موجبة للاستحباب بخلاف ما لو قيل ان مورد الجواز عبارة عن اللااقتضاء و عدم وجود ما يوجب حكما من الأحكام و في الصورة الأولى أيضا لا يقع التزاحم بين الحرمة و الندب بل يسقط دليل الندب نعم عند تزاحم الوجوب و الحرام يقع التعارض و لا يمكن الجمع بينهما بناء على عدم اجتماع الأمر و النهى و يقدم الأهم على المهم.

ص: 160

في لبس الحلي
اشارة

و الحلّي أعم من الخاتم و القرط و السوار و المسك التي تتزين به و الأثواب المصبوغة و كل ما هو مخصوص للزينة و لو لم يكن لباسا إذا كان ظاهرا بخلاف ما لو كان خفيا كما لو وضع الساعة من الذهب في جيبه دون ما ألقيه على عنقه إذ لا يصدق عليه التزيين.

و الحلي على أقسام ثلاثة منها ما هو المشهور للزينة و الظاهر فيها و منها ما يعتاد لبسه للنساء و منها ما ليس مشهورا و ظاهرا للزينة و لا معتادألبسه لهن و قد تشتت كلمات القوم في حكم المسئلة و أطال الأستاد طال بقاه البحث فيه ايضا و انا أشير الى ما هو المحصل منه و الملخص له.

قال المحقق قدس سره في الشرائع و يحرم لبس المرأة الحلي للزينة و ما لم يعتد لبسه منه على الاولى و لا بأس بما كان معتادا لها لكن يحرم عليه إظهاره

ص: 161

لزوجها انتهى و اختار بعض الفقهاء التحريم و قال آخر بالكراهة مطلقا.

التحقيق في المقام ان المستفاد من النصوص الواردة في موارد متفرّقة أن الزينة حرام مطلقا على المحرم و المحرمة الا انه خرج من تلك العموم بعض مصاديقها كلبس الخاتم إذا كان للسنة و تشمل الأدلة للمحرمة لإطلاق المحرم المذكور في الرواية و شموله لها فما لم يثبت خروج فرد من المصاديق من العموم يحكم بحرمة اللبس.

اما المشهور من الحلّي أي الذي هو ظاهر في الزينة في العرف فيدل على حرمته رواية حريز و معاوية بن عمار الواردتين في الاكتحال و النظر إلى المرآة و المعلل بان السواد زينته و بان النظر إلى المرآة من الزينة (1) و اما ما يعتاد لبسه من الحلي فيستدل لجواز لبسه و خروجه عن تحت العموم بعدة روايات.

منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها انتزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله قال: تحرم فيه و تلبسه من غير ان تظهره للرجال في مركبها و مسيرها. (2) و المستفاد من الصحيحة ان كل زينة كانت تتلبس بها المرأة في بيتها عادة يجوز لها ان تلبسها حال الإحرام و لا يجب عليها ان تنزعها بشرط ان لا تظهرها للرجال.

و يمكن ان يقال انها إذا لم تظهرها للرجال لا تعد زينة و ان كانت مصنوعة لها و معمولة لأجلها في العرف و تكون تلك الأشياء محمولة و لا بأس بحملها حال الإحرام بخلاف ما لو أظهرها للرجال أو النساء و قيد الرجال في الرواية و اختصاصهم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 و 34 من تروك الإحرام الحديث 4- 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 162

بالذكر لغلبة الدواعي و كثرتها فيهم دون النساء فلا فرق في إظهار الزينة للغير بين المرأة و المرء كما لا فرق في الرجال بين الأجانب و زوجها و غيره من المحارم و يمكن ان يستدل لجواز لبس الحلّي المعتاد برواية محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه قال: المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة (1) و القدر المتيقن من المستثنى منه الحلي المعتاد لبسه الذي لا يعد التلبس به تزينا و تجملا.

و مثلها رواية نضر بن سويد عن ابى الحسن عليه السّلام قال سألته عن المرأة المحرمة أيّ شيى تلبس من الثياب قال تلبس الثياب كلّها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين و لا حليا تتزين به لزوجها (2) و اما غير المعتاد من الحليّ يمكن ان يستدل لعدم جواز لبسه برواية الجلي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: المحرمة لا تلبس الحلي و لا المصبغات الا صبغا لا يردع (3) و هذه الرواية تحمل على غير المعتاد لبسه جمعا بينها و بين صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة الصريحة في جواز لبس المحرمة ما كانت تلبسه في بيتها نعم لو قلنا ان مفاد الصحيحة ان المعتاد لبسه لا يعد زينة فلا بد من حمل رواية الحلبي على التزين بعد الإحرام أو إظهارها للغير المنهي عنه في ذيل الصحيحة و بالجملة المستفاد من مجموع الروايات الواردة في الباب أمور لا بد من التوجه إليها في استنباط حكم المسئلة و الأقسام الثلاثة التي أشير إليها من أقسام الحلي

الأمر الأول

أن الأدلة العامة الصادرة عن الأئمة المعصومين عليهم السّلام ان الزينة محرمة على المحرم سواء كان بالنظر الى المرآة أو الاكتحال بالسواد و لعله يتحد مع الأمر الثاني.

الأمر الثاني

ان الحلّي المشهور للزينة لا يجوز لبسه كما في رواية محمد بن مسلم المتقدمة و هي مطلقة سواء قصد التزين به أم لا

الأمر الثالث

ان الحلي الذي كانت المرأة المحرمة تلبسه في بيتها يجوز لها


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 163

لبسه إذا لم تظهره للرجال في مركبها و مسيرها و لعله المراد من رواية حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم تنزع حليتها (1)

الأمر الرابع

ان المحرمة لا يجوز لها ان تلبس حليا تتزين به لزوجها كما في رواية النضر بن سويد و الرواية مطلقة تشمل المعتاد لبسه و غيره و لعله يتحد مع الأمر الثالث لعدم الفرق بين الزوج و غيره في حرمة إظهار الزينة له بل للنساء و قال صاحب الجواهر قدس سره بعد شرح كلام المحقق و نقل الروايات:

و على كل حال يكون الحاصل حرمة احداث الزينة لها حال الإحرام و حرمة إظهار ما كانت متزينة به قبل الإحرام للرجال في مركبها و مسيرها ثم قال و ربما يرجع الى ذلك ما في اللمعة قال و التختم للزينة و لبس المرأة ما لم تعتاده من الحلي و إظهار المعتاد منه للزوج فتأمل جيدا فإن المسألة في غاية التشويش في كلامهم و اللّه العالم انتهى.

و تقدم كلام المحقق في الشرائع حيث قال و لبس المرأة الحلي للزينة و ما لم يعتاد لبسه منه على الاولى و لا بأس بما كان معتادا لها لكن يحرم عليها إظهاره لزوجها انتهى.

و لفظة الاولى في كلام المحقق راجعة إلى الجملة الثانية و المعنى ان ما لم يعتاد لبسه من الحلّي يحرم عليها على الاولى و ان لم يكن للزينة إذ لا يصح ان يقال ان لبس الحلي للزينة حرام على الاولى لعدم الشبهة في حرمته و حمل ما ورد في الرواية من حرمة ما تحدثه المحرمة من الحلي للإحرام على قصد الزينة إذ قلّ ما يوجد الداعي لإحداث الحلي لغير الزينة و اما لبس ما لم يعتاد لبسه لغير الزينة لا تشمله الرواية بالصراحة و لأجل ذا قال المحقق قدس سره الاولى ان يكون هو حراما لانه لم يفهم حرمته من الرواية جزما مع احتمال دخوله في عموم ما يستفاد من قوله عليه السّلام في رواية محمد بن مسلم المتقدمة، المحرمة تلبس الحلي كله الّا حليّا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الإحرام الحديث 9

ص: 164

مشهورا للزينة و اما قوله و لا بأس بما كان معتادا لها فهل المراد استثناء المعتاد و إخراجه عن الحلي المحرم قبل ذلك حتى مع قصد الزينة، الظاهر ان ارادة ذلك مشكل للتصريح أولا بحرمة الحلي للزينة فلا بد من حمل كلامه على ما يعتاد لبسه من غير قصد الزينة و إظهارها للغير و لا أولوية في هذا الفرع كما في ما لم يعتد لبسه و المعتمد عليه في كلام الجواهر و ما اختاره ثلاثة طوائف من الاخبار.

الطائفة الأولى ما تدل على حرمة الزينة و لبس الحلي لها و المشهور للزينة مطلقا معتادا كان لبسه أم لا سوا كان بقصد الزينة أم لا.

و الطائفة الثانية تدل على جواز لبس ما كانت المحرمة تلبسها في بيتها مطلقا سواء كان للزينة أم لا بشرط ان لا تظهره لغيرها.

و الطائفة الثالثة تدل على حرمة ما أحدثته المحرمة من الحلي و هذه الطائفة مطلقة تشمل ما كان بقصد الزينة و ما كان لغيرها.

و النسبة بين الطائفة الاولى و الثانية عام و خاص من وجه و مادة الاتفاق ما لبست المحرمة الحلي المعتاد لبسه في بيتها بقصد الزينة فهل يحكم بالحرمة عملا بالعموم الدال عليها و تقديما للطائفة الاولى و ترجيحا لها على الطائفة الثانية أو يحكم بالجواز عملا بالطائفة الثانية التي تدل على جواز لبس المعتاد من الحلي.

يمكن ان يقال ان إطلاق الطائفة الأولى يقيد بما ورد في جواز لبس المعتاد فالمشهور للزينة انما يحرم إذا كان غير معتاد لا معتادا كما يمكن ان يقال ان إطلاق الطائفة الثانية يقيد بما ذكر في الطائفة الاولى من قوله عليه السّلام الا حليا مشهورا للزينة أو يقال يتعارض الدليلان فيسقطان فيرجع الى الأصل الجاري في المورد و اما ترجيح إحدى الطائفتين من جهة السند و الشهرة فلا مجال له لتحقيق الشهرة في كلتيهما و على كل حال كل محتمل.

و اما غير المعتاد لبسه فقد نقل صاحب الجواهر القول بالكراهة فيه من محكي

ص: 165

الاقتصاد و الاستبصار و التهذيب و الجمل و العقود و الجامع ثم قال: و لعل الكراهة مع فرض عدم قصد الزينة للأصل و إطلاق ما دل على جواز لبسها الحلي و خصوص خبر مصدق بن صدقة عن عمار عن ابى عبد اللّه قال تلبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب. (1) و قال في آخر كلامه و لعل التحقيق حرمته عليها إذا كان زينة عرفا و ان لم تقصده لما سمعته من مفهوم تعليل الكحل و المرآة و لا ينافيه قوله عليه السّلام تتزين به لزوجها بناء على ظهوره في القصد، إذ هو بعد تسليمه يكون أحد المصاديق و لا مفهوم له معتد به يصلح للمعارضة و حينئذ يكون المحرم عليها كلما قصدت به الزينة حال الإحرام و لو المعتاد و كلما كان زينة في نفسه و ان لم تقصده انتهى كلامه رفع مقامه.

و لكن الإنصاف ان لبس غير المعتاد إذا لم يقصد به الزينة يدل على جوازه مفهوم قوله عليه السّلام في رواية محمد بن مسلم إلا حليا مشهورا للزينة و اما إذا كان بنفسه زينة يقع التعارض بين ما يدل على حرمة مطلق الزينة و بين ما يدل على جواز لبس غير المعتاد فان لم يكن في البين ترجيح سندي أو شهرة فتوائية لأحد المتعارضين أو ظهور قوى له. يتساقطان و يكون المرجع الأصل هذا غاية ما تحرينا في تنقيح حكم المسئلة و قد عرفت كلام صاحب الجواهر من ان المسألة في غاية التشويش و لم يكن بحث الأستاد مد ظله خاليا عنه ايضا و قد بذلت الجهد في المسئلة و ترتيبها و الإشارة الى ما هو المؤثر في تقليل التشويش و لكني أرجو اللّه تبارك و تعالى ان لا أكون مخالفا للفقهاء الصلحاء من السلف في الموضع أيضا.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 46 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 166

في استعمال الدهن الذي فيه طيب
اشارة

و مما يحرم على المحرم بعد الإحرام استعمال دهن فيه طيب و قال المحقق في الشرائع: و استعمال دهن فيه طيب محرم بعد الإحرام.

و شرح صاحب الجواهر عبارة الشرائع و جعل قول الماتن: محرم، خبرا للاستعمال فالمعنى الدهن الذي فيه طيب، يحرم استعماله بعد الإحرام، و احتمل بعض ان كلمة محرم صفة للطيب، يعنى الطيب المحرم إذا كان في دهن يحرم استعمال ذاك الدهن بعد الإحرام على المحرم.

و على كل حال الاستعمال في المقام كما احتمله صاحب الجواهر هو الادهان، لا الأكل و الإسراج، و لا الاستعمال في اللباس أو حمله لكي تفوح رائحته، و لا شمه، فعلى هذا يكون الشم داخلا تحت عموم حرمة الطيب التي أشير إليها في المسائل المتقدمة، و ليس داخلا في مصاديق ما نحن فيه، و هو الادهان، و يمكن ان يكون الادهان خارجا من مفهوم الاستعمال و الأول أولى و يحتمل ان يكون الاستعمال و الدهن كلاهما موضوعا للحكم و لكن المنصرف من الاستعمال و المتبادر

ص: 167

منه هنا هو الادهان فقط كما في بعض الروايات كما يأتي و على كل استعمال الدهن إذا كان فيه طيب حرام على المحرم و لا يجوز الادهان به و ادعى الإجماع عليه و انه قول عامة أهل العلم و تدل عليه الروايات منها ما رواه الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم و ادهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل (1) و ما ورد في رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه انه كان يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح، محمول على الحرمة بعد النهى الصريح (2) و اما الادهان قبل الإحرام بما فيه طيب إذا بقي أثره إلى الإحرام فهو ايضا حرام و تدل عليه الصحيحة المتقدمة للحلبي و عن المدارك نسبته إلى الأكثر فإن الطيب كما يحرم على المحرم ابتداء، يحرم عليه استدامته، بل يجب إزالته.

و تدل عليه ايضا خبر على بن أبي حمزة قال سألته عن الرجل يدهن بدهن فيه طيب و هو يريد ان يحرم فقال لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر يبقى ريحه في رأسك (3) و هذا لا كلام فيه و انما هو في ان الادهان الذي يحرم قبل الإحرام كيف يتحقق و بأي نحو يتصور.

قال سيد المدارك: لا يخفى ان حرمة الادهان بما فيه طيب قبل الإحرام، انما يتحقق إذا وجب الإحرام و ضاق الوقت، و الا لا يكون الادهان حراما و ان بقي أثره الى حين الإحرام، نعم يحرم عليه إنشاء الإحرام قبل زوال الأثر، بل يجب عليه ازالة الأثر أو يصبر حتى يزول بنفسه و اما الادهان لم يكن محرما، بخلاف


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 168

ما إذا ضاق وقت الإحرام و وجب عليه فحينئذ يحرم عليه الادهان بالطيب الذي يبقى أثره و تبعه صاحب الجواهر و قال كما هو واضح.

فهل المقصود من حرمة الادهان قبل الإحرام إذا بقي ريحه، ان الادهان بما يبقى أثره الى حال الإحرام، حرام تكليفا، و تعلق النهى به مستقلا، فهذا لا فرق فيه بين ان يكون الإحرام واجبا مضيقا وقته أم لا، فإنه بعد الادهان اما يصبر حتى يزول الأثر، أو يزيله، فلو ادهن فعل حراما و ان كانت الحكمة فيه بقاء الأثر و لو ازاله يكون بمنزلة التوبة فعلى هذا الادهان حرام مستقلا و ازالة الأثر الباقي واجب عليه.

و اما لو كان المقصود ان الادهان قبل الإحرام بما يبقى ريحه ليس حراما مستقلا نفسيا ذاتيا، بل انما تعلق النهى به بلحاظ النظر الى حرام آخر، و استلزامه له، و هو حرمة ادامة الطيب حال الإحرام، لو بقي الريح، كما تدل عليه الرواية بقوله عليه السّلام: من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم (1) فعلى هذا ليس الادهان بما هو حراما، بل بقاء الأثر بعد الإحرام حرام و منهي عنه فلو لم يتمكن بعد الادهان من إزالة الأثر لضيق الوقت أو غيره، يكون الادهان مستلزما للحرام، لا حراما بنفسه، و متعلقا للنهى مستقلا.

و ما يقال ان في سعة الوقت لا يكون الادهان حراما، و لكنه يحرم إنشاء الإحرام قبل زوال الأثر، فهو ايضا غير سديد، فإنه ان كان المراد من حرمة الإحرام الحرمة التكليفية، فاللازم بطلان الإحرام، و عدم صحته، لكونه امرا عباديا لا يتحقق مع النهى، و لم أر من صرح بذلك، على ما لاحظت الجواهر و المدارك و غيرها.

و ان كان المقصود ان الإحرام حال بقاء اثر الطيب حرام من جهة الابتلاء باستدامة الطيب و كونه علة لذلك، فيكون ايضا حراما و باطلا لكونه منهيا عنه و لا يصح التقرب به، فان قصد التشريع بالإحرام يقع باطلا و فاسدا للتشريع


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 169

المحرم، و ان لم يقصد التشريع فهو لغو و باطل.

و بالجملة القول بحرمة الإحرام تكليفا و صحته وضعا، يوجب تخصيص قاعدة ان النهى في العبادات يوجب للبطلان.

فلا بد من توجيه الكلمات بان يقال ان الادهان كما انه حرام و غير موجب للبطلان و فساد الإحرام، لكونه تكليفا مستقلا منهيا عنه، و الإحرام واجبا مستقلا و تكليفا أخر و لا يؤثر الادهان بالتطيب فيه، فكذلك إبقاء أثر الطيب في البدن و استدامته حال الإحرام، لا يؤثر في بطلان عمل أخر واجب مستقل، فان استدامة أثر الطيب الذي تعلق به النهى عمل مستقل معنون بعنوان، و إنشاء الإحرام واجب مستقل تعلق به الأمر، و لا يوجب حرمة فعل بطلان عمل أخر واجب مستقل، كما لو أحرم للصلاة و عمل حراما، و ارتكب منهيا غير متحد مع الصلاة، بأن نظر الى الأجنبية، لوضوح ان النظر إلى الأجنبية حال تكبيرة الإحرام لا يوجب فساده فكذلك في المقام.

إشكال أخر

بقي في المقام اشكال، و هو انه كيف يتمشى النّية للإحرام ممن يعلم انه يرتكب تروك الإحرام أو واحدة منها فمن أحرم بعد الادهان بما فيه طيب و الأثر باق كيف يمكن ان ينوي ترك محرمات الإحرام كما قاله في المدارك و تعرضنا له في من أراد الإحرام في القميص و المخيط، و قلنا: كيف يتصور القصد لترك المحرمات مع لبس القميص عند إنشاء الإحرام الذي ليس هو الا القصد و العزم على تركها.

و قد أجبنا عن الإشكال في ذلك المقام، بأن الإحرام عبارة عن إنشاء الالتزام بترك المحرمات، مثل إنشاء البيع و النكاح الذي يمكن إيجادهما اعتبارا مع القصد و العزم على غصب المبيع و عدم العمل في الخارج بالمنشإ و المحرم الذي يعلم انه يرتكب بعضا من المحرمات، لا مانع من إنشائه الإحرام أي الالتزام بالترك اعتبارا

ص: 170

مع ارتكابه لبعض التروك، إذ هو أمر اعتباري إنشائي.

و ما قاله صاحب المدارك و تبعه في الجواهر، لم يقبل منهما(1) و لا يمكن حمل الروايات الواردة في تلك المسئلة على عدم تحقق الإحرام أيضا فتحصل من جميع ما ذكر ان الادهان بما فيه طيب حرام بعد الإحرام و كذا قبله لو بقي ريحه الى حال الإحرام.

و اما الادهان قبل الإحرام بما ليس فيه طيب لا اشكال فيه قبل الغسل و بعده، و كذا لو زال اثر الطيب قبل الإحرام لو ادهن بما فيه طيب و قد يقال ان الادهان بما ليس فيه طيب نظير الادهان بالمتطيب في حصول البشاشة و الطلاقة و التلألؤ بعد الإحرام إذا بقي عليه و الحال ان اللّه تبارك يحب الحاج ان يكون أغبر و أشعث و فيه انه اجتهاد في مقابل النص و واضح الضعف كما اعترف به صاحب الجواهر بل عن التذكرة الإجماع عليه مضافا الى تصريح الاخبار بعدم البأس به و كذلك الادهان بالمتطيب لو زال أثره و ريحه قبل الإحرام و لو بقي تلولوه و البشاشة فيه.


1- بعد ما راجعت المدارك و الجواهر لم أجد كلامهما مخالفا لما أفاده الأستاد مد ظله بل ما اختاره المدارك و قواه صاحب الجواهر موافق له و هذا نصهما قال صاحب المدارك في مسئلة من أحرم في قميصه: لو أخل باللبس ابتداء فقد ذكر جمع من الأصحاب انه لا يبطل إحرامه و ان اثم و هو حسن و في الجواهر بعد نقل كلامه: و نحوه عن الكركي و ثاني الشهيدين و لعله الأقوى وفاقا لمن عرفت بل لا أجد فيه خلافا صريحا الا ما سمعته من الإسكافي و لا ريب في ضعفه انتهى و هذا كما ترى موافق لما اختاره الأستاد مد ظله و لم أجد في مسئلة النية أيضا ما يخالفه و لم أدر من اين نقل عن المدارك

ص: 171

ففي صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم و ادهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل. (1) عن الحسين بن ابى العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عن الرجل المحرم يدهن بعد الغسل قال نعم فادهنا عنده بسليخة بان و ذكر ان أباه كان يدهن بعد ما يغتسل للإحرام و انه يدهن بالدهن ما لم يكن غالية أو دهنا فيه مسك أو عنبر (2) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه قال: الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك و لا عنبر و لا زعفران و لا ورس قبل ان يغتسل للإحرام (3) عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه كان لا يرى بأسا بأن تكتحل المرأة و تدهن و تغتسل بعد هذا كله للإحرام. (4) عن محمد بن مسلم قال أبو عبد اللّه لا بأس بأن يدهن الرجل قبل ان يغتسل للإحرام و بعده و كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى (5) و اما الادهان بعد الإحرام بما لا طيب فيه فهو حرام لا يجوز للمحرم ان يدهن به و نقل عن ظاهر بعض الإجماع عليه و تدل عليه بعض النصوص المتقدمة المفصلة بين ما فيه طيب و غيره.

ففي صحيحة الحلبي فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل (6) معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا تمس شيئا من الطيب و لا من


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الإحرام الحديث 1
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الإحرام الحديث 2
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الإحرام الحديث 3
6- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 172

الدهن في إحرامك (1) و في رواية أخرى عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن (2) و ذهب جمع من العلماء الى ان الادهان بعد الإحرام بما لا طيب فيه ليس بحرام، بل هو مكروه و مستند هؤلاء ظواهر اخبار يمكن حملها على صورة الاضطرار منها.

رواية ابن ابى عمير عن هشام بن سالم قال قال له ابن ابى يعفور ما تقول في دهنة بعد الغسل للإحرام فقال قبل و بعد و مع ليس به بأس قال ثم دعا بقارورة بان سليخة ليس فيها شيى فأمرنا فادهنا منها. (3) عن الحلبي انه سال عن دهن الحناء و البنفسج اندهن به إذا أردنا أن نحرم فقال نعم (4) و قد حمل القائلون بالحرمة، تلك الاخبار على الضرورة و الحاجة الى الادهان كما ان جمعا من العلماء أخذوا بظواهرها و أفتوا بالجواز مع الكراهة هذا تمام الكلام في الادهان بعد الإحرام اختيارا و اما الاضطرار فسيأتي.

(في جواز الادهان عند الضرورة)

لو اضطر المحرم إلى الادهان بما فيه طيب يجوز له ذلك للضرورة مع الكفارة و ادعى الإجماع عليه و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج قال: ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين و ان كان


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الإحرام الحديث 6
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 173

تعمد فعليه دم شاة يهريقه (1) عن هشام بن سالم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمل فليبطه و ليداوه بسمن أو زيت (2) عن محمد بن مسلم عن أحدهما سالته عن محرم تشققت يداه قال: فقال يدهنها بزيت أو بسمن أو إهالة (3) و ظاهر الروايتين صورة الاضطرار و الحاجة الى التداوي بدهن فيه طيب.

و رواية سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمل فقال اجعل عليه بنفسج و أشباهه مما ليس فيه الريح الطيبة (4) في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الجعفري عن صاحب الزمان عليه السّلام انه كتب إليه يسأله عن المحرم هل يجوز له ان يصير إلى إبطيه المرتك أو التوتياء لريح العرق أم لا يجوز فأجاب عليه السّلام يجوز ذلك و باللّه التوفيق (5) و بمعونة هذه الاخبار الواردة في صورة الاضطرار يحمل ما دل على جواز الادهان للمحرم مطلقا على الاضطرار و لا يصح الأخذ بإطلاقها بل تتقيد بصورة الاضطرار و الحاجة، أو يحمل على الادهان قبل الغسل أو بعد الغسل للإحرام كما ان كلمة يكره تحمل على الحرمة في قوله عليه السّلام و كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى، أو يكره للمحرم الأدهان الطيبة. (6) بعد ورود النهى عن الادهان بما يبقى أثره إلى الإحرام، و بعد دلالة الروايات على حرمة الادهان بعد الإحرام مطلقا.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 4 من بقية كفارات إحرام الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 31 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 31 من تروك الإحرام الحديث 2
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 31 من تروك الإحرام الحديث 3
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 31 من تروك الإحرام الحديث 4
6- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 174

في حكم ازالة الشعر
اشارة

و مما يحرم على المحرم ازالة الشعر و قال في الشرائع قليله و كثيره و مع الضرورة لا اثم انتهى و لكنه لم يصرح بالرأس و غيره فيمكن ان يكون ازالة الشعر عن جميع البدن كما يحتمل ان يكون من بدن المحرم و من بدن الغير، سواء كان ذلك الغير محرما أو محلا كما يشمل القليل و الكثير و صرح في الجواهر و لو بشعرة و نصفه.

ازالة الشعر كما هو المتبادر الظاهر، عبارة عن ازالة الشعر عن الأصل و اما قطعه من النصف و تنصيفه بالتقصير فيبعد استفادته من لفظة الإزالة و ان يكون المراد من عبارة الشرائع ذلك، بل هو فتوى صاحب الجواهر و اجتهاده نعم لو وجد في الاخبار ما يشمل القطع يشمل قطع النصف كما لو قطع نصف الشجرة يقال قطعها و كذلك لو قطعها من الأصل ثم ان الإزالة لا فرق بين أنحائها من النتف و القطع بالدواء و الحلق و الإحراق

ص: 175

و القص و غيرها.

و تدل على الحرمة الآيات و الروايات مضافا الى ما ادعاه في الجواهر من عدم الخلاف فيه بل الإجماع عليه بقسميه فإن أمكن تحصيل الإجماع لأحد، فيها، و الا ففي الآية و الرواية كفاية و غنى.

اما الآية قوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ الاية (1) و هي تدل على حرمة حلق الرأس الى ان يبلغ الهدى محله ثم يجب الحلق على الحاج في ذاك المحل و هو منى.

و يستفاد من قوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ان حلق الشعر لا يجوز الا للمضطر اليه و من لا يتمكن من الصبر الى ان يبلغ الهدى محله فيحلق و يفدى و الا يجب عليه الصبر، و لا يختص وجوب الحق بالمحصور، فان رسول اللّه مع عدم كونه محصورا لم يقصر، بل حلق لانه كان ساق الهدى، فالحكم المستفاد من الآية عام شامل للمحصور و غير المحصور و اما إزالة الشعر من البدن، أو بدن غيره، بحلق كان أو بغيره، و كذا ازالة المحرم الشعر من بدن غيره سواء كان محلا ذلك الغير أو محرما، فلا بد من بيان الأخبار الواردة في تفسير الآية في حكم جميع ذلك.

منها صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم، قال:

لا الا ان لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم (2) كان المعمول بينهم ان يحلقوا مكان المحاجم إذا كثر الشعر و مع ضرورة الحجامة و جوازها لم يجوز الامام عليه السّلام ازالة الشعر عن مكانها.

عن الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عن المحرم يحتجم قال: لا الا ان يخاف


1- البقرة الآية 196
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 176

التلف و لا يستطيع الصلاة و قال: إذا آذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و لا يحلق الشعر. (1) و المراد من حلق الشعر في الرواية إزالة الشعر عن مكان المحاجم كما في الرواية السابقة لكنه لا خصوصية له بل هو لازالة الشعر و حلقه مطلقا.

عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر (2) في صحيح معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المحرم يحك رأسه فتسقط منه القملة و الثنتان، قال: لا شيى عليه و لا يعود، قلت: كيف يحك رأسه، قال: بأظافيره ما لم يدم و لا يقطع الشعر (3) فهل يمكن الاستفادة من لفظة يقطع الشعر قطع النصف منه أم لا لأجل أن الحك بالأظافير انما يقطع من الأصل لا من النصف، و لكن القطع في حده يشمله، و يمكن ان يتجه كلام الجواهر بما ذكر إذ المقصود ان لا يزاحم المحرم الشعر و يقطعه و يزيله و لو لا ذلك لما يستفاد من تعبير الفقهاء بإزالة الشعر حرمة قطعه نصفا و رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و يحك الجسد ما لم يدمه (4) و إلقاء الشعر المذكور في الرواية شامل لقطع الشعر نصفا و إزالته من الأصل و رواية على بن رئاب عن زرارة عن ابى جعفر قال: من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شيى عليه و من فعله متعمدا فعليه دم (5) و الظاهر من ترتب الكفارة على شيى، حرمته، و انه منهي عنه و في خبر أخر


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 15 من كفارات الإحرام الحديث 2
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الإحرام الحديث 2
5- وسائل الشيعة الجزء 10 من كفارات الإحرام الحديث 1

ص: 177

من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شيى عليه (1) و المفهوم من الرواية ان من فعل ذلك لا عن سهو و نسيان فعليه شيى.

عن زرارة قال سمعت أبا جعفر يقول من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمدا فعليه دم شاة (2) حريز عن أبي عبد اللّه(خ ل) جعفر عليه السّلام قال: إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم (3) و رواية عبد اللّه بن جبلة عن أبي عبد اللّه في محرم نتف إبطه قال يطعم ثلاثة مساكين (4) و المذكور في تلك الروايات ازالة الشعر عن الرأس و الإبط و محل الحجامة و لا يبعد التعدي منها الى كل مورد من البدن و الحكم بحرمة إزالة الشعر عنه كما يستفاد من روايات اخرى، منها رواية منصور عن أبي عبد اللّه في المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة، قال يطعم كفّا من طعام أو كفين (5) معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة و الثنتان قال يطعم شيئا (6) عن الحسن بن هارون قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انى أولع بلحيتي و انا محرم فتسقط الشعرات قال إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرا و تصدق به فإن تمرة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من بقية كفارات الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من بقية كفارات الإحرام الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 11 من بقية كفارات الإحرام الحديث 1
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 11 من بقية كفارات الإحرام الحديث 2
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الإحرام الحديث 1
6- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الإحرام الحديث 2

ص: 178

خير من شعرة. (1) عن هشام بن سالم قال: قال أبو عبد اللّه: إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته و هو محرم فسقط شيى من الشعر فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق. (2) هذا حكم ازالة الشعر و قطعه من الرأس و الإبط و سائر البدن و اما سقوط الشعر من دون نتف و عمد فلا اشكال فيه كما في عدة روايات منها.

ما رواه المفضل بن عمر قال دخل الساجبى على أبي عبد اللّه فقال ما تقول في محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان فقال أبو عبد اللّه لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان على شيى. (3) عن الهيثم بن عروة التميمي قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال ليس بشي ء ما جعل عليكم في الدين من حرج. (4)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الإحرام الحديث 7
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الإحرام الحديث 6

ص: 179

في حكم ازالة الشعر عند الضرورة

قد تقدم ان ازالة الشعر و قطعه حرام على المحرم اختيارا و اما عند الضرورة و الحاجة فلا اشكال فيه و لا اثم عليه كما في الشرائع، و فسر صاحب الجواهر الضرورة بقوله من أذية قمل أو قروح أو صداع أو حرّ أو غير ذلك مدعيا عدم وجدان الخلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى الأصل و عموم أدلتها و الى نفى العسر و الحرج و الضرر و الضرار و الآية و صحيح حريز انتهى و الضرورة شاملة للمريض و غيره ممن يحتاج إلى إزالة شعره لدفع الضرورة من الأذى و غيره كما في الآية الكريمة.

اما الآية فقوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ الاية. (1) و المراد من المريض في الآية الكريمة، من يتضرر بعدم حلق الرأس، و الا لو كان مريضا و لكن لا يتضرر من وجود الشعر و عدمه على رأسه أصلا، لا تشمله


1- البقرة الآية- 196

ص: 180

الاية و لا الأدلة الأخرى كما يشهد لذلك مناسبة الحكم للموضوع لوضوح ان المريض المحرم الذي يجوز له ازالة الشعر عن رأسه و حلقه، هو الذي يرتبط مرضه بوجود الشعر أو يتوقف علاجه بإزالته بحيث ان للشعر و عدمه دخالة و تأثيرا في برئه و عدمه كما لو قيل، يجوز للمريض ان يفطر، إذ يعلم منه ان المرض الذي يضر بالصائم و ان الإمساك الذي يوجب ذلك مجوز للإفطار و الا لو كان المرض بحيث لا يضر الصائم أصلا أو كان علاجه بالإمساك عن الطعام و الشراب و مفيدا فيه، لا يجوز له الإفطار، و في المقام ايضا كذلك، فالمرض الذي يقتضي كشف الرأس و ازالة الشعر أو قطعه يجوّز إزالته للمحرم عن رأسه أو سائر بدنه إذا تضرر به، و الا فلا و اما الأذى في الرأس يمكن ان يكون من جهة المرض فحكمه ما تقدم أو غيره كما في قضية الأنصاري فيجوز ازالة الشعر لدفع القمل و الأذى نعم لو تولد القمل من البدن كما في بعض الأمراض فهو داخل في المرض و كذا البراغيث و الحاصل ان الأذى في مقابل المرض و الجامع بينهما هو الموجب لجواز ازالة الشعر عن الرأس أو جميع البدن و تدل عليه الآية المتقدمة و الروايات و الأصل و الإجماع و ادعى عدم الخلاف فيه اما الآية قوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ البقرة الآية 196.

و اما الرواية فمنها ما رواه حريز عن أبي عبد اللّه قال مرّ رسول اللّه على كعب بن عجرة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه و هو محرم، فقال أ يؤذيك هوامك فقال: نعم، قال: فأنزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه الاية.

فأمره رسول اللّه بحلق رأسه و جعل عليه الصيام ثلاثة أيام و الصدقة على سنين مساكين لكل مسكين مدان و النسك شاة (1) و في رواية أخرى مرّ النبي صلّى اللّه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و هو محرم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من كفارات الإحرام الحديث 1

ص: 181

و قد أكل القمل رأسه و حاجبه و عينيه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما كنت ارى ان الأمر يبلغ ما أرى فأمره فنسك نسكا لحلق رأسه لقول اللّه عز و جل فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً الاية (1) و اما الإجماع فقد ادعى بقسميه، و في الجواهر بلا خلاف أجده فيه، و عن المنتهى لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعا و اما الأصل فتوضيحه انه يمكن ان يقال: ان القدر المتيقن من أدلة حرمة إزالة الشعر على المحرم هو المختار و غير المتأذّي من الشعر، و اما المضطر لو شككنا فيه فيجري الأصل فيه و يحكم بعدم الحرمة مضافا الى عموم أدلة الاضطرار و رفع ما اضطروا اليه و عموم رفع العسر و الحرج.

و يمكن ان يقال في الفرق بين المرض و العسر و الحرج ان الحرج انما يرفع الحكم إذا كان التكليف و تحمله حرجا ذا مشقة، بخلاف المرض إذ قد يوجد مورد يقتضي المرض رفع الحكم و يشمله دليله و لكنه قابل للتحمل و لا يكون حرجيا و لا يشمله دليل العسر و الحرج، فالتمسك بدليل الحرج انما يتبع المشقة و الحرج، بخلاف المرض فإنه تابع للضرر و عدمه و ان لم يكن حرجيّا.

ثم انه هل يقتصر في الحكم بجواز ازالة الشعر عن الرأس و ثبوت الفدية، بما ذكر في الآية من المرض و الأذى في الرأس بكثرة القمل أو يتعدى الى كل مرض و أذية و اضطرار و حاجة، اما جواز ازالة الشعر بالمرض و الأذى لا يختص بالرأس بل يشمل جميع موارد الضرورة و الحاجة و لا يختص بمورد الآية و اما الفدية فنقتصر في إثباتها بما ذكر في الآية من المرض و الأذى و قيل لا تنحصر الفدية أيضا بما ذكر بل هي ثابتة في كل مورد مثله فعلى كل حال ان اقتصرنا في الفدية و ثبوتها على مورد الآية تحكم بها فيه كما هو مختار صاحب


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من كفارات الإحرام الحديث 4

ص: 182

المدارك، و لا يثبت في غيره.

و قد فصل بعض بين ثبوت الفدية في مورد الآية و عدم ثبوتها في غيره كما عن المنتهى و التذكرة و الدروس و كشف اللثام بنحو أخر حيث قالوا: ان كان الأذى في الرأس مستندا إلى كثرة الشعر أو وجوده لا فدية و ان كان بأمر خارج لا يزول إلا بإزالة الشعر تجب الفدية كما لو نبتت شعرة في العين أو سقط شعر من الحاجب على العين كما لو كان الأذى من جهة القمل الذي لا يندفع الا بحلق الشعر و إزالته فيجوز له الحلق و تجب الفدية و شبهوا ذلك و نظروه بالصيد في انه تارة يصول و يحمل على المحرم و يريد الإضرار به و هلاكه، فيدفع عن نفسه و يهلكه و يقتله و حينئذ لا يجب الفدية، و اخرى يقتله لدفع اضطرار آخر، و ضرورة أخرى كما لو اضطر إلى أكل صيد لحفظ نفسه و سد جوعه لا لدفع الضرر الناشي من الصيد فيقتله و يأكله و لكن تجب الفدية عليه، إذا الصيد لم يكن مزاحما له بنفسه و معاندا و مضرا به، بل ما كان يؤذيه و يضره هو الجوع الذي لا يمكن دفعه الا بقتل الصيد و أكل لحمه.

لكن كلامهم قدس اللّه أسرارهم لا يصح دليلا لما ذكر ان لم يوجد في المقام دليل آخر، و لا يقاس المقام بالصيد و لا تعليل في البين حتى يسرى الحكم الى غيره، فلا بد من ملاحظة دليل نفس الحكم فان قلنا ان الظاهر من الآية و الرواية حصر الأذى بالرأس من جهة الصداع و كثرة الشعر فيها و الا فلا يختص الحكم بما ذكر في الآية.

و الحاصل انه تارة يستفاد من الآية ان الحكم يختص بالرأس و لا يشمل العين و غيره من سائر البدن كما عليه السيد في المدارك و اخرى يقال انه لا يختص بالرأس بل يشمل العين و سائر البدن إذا تأذّى من وجود الشعر و كثرته فعلى هذا ما الوجه في التفصيل في ثبوت الفدية بان الأذى ان كان من جهة الشعر فقط فلا فدية كما لو نيت في عينه شعر، و ان كان الأذى من غير الشعر و لكن لا يتمكن من إزالة الأذى

ص: 183

إلا بحلق الشعر وجبت الفدية، فهل استفيد ذاك التفصيل من الآية أو من غيرها الظاهر انه ليس في الآية ما يدل على التفصيل، و ما يوجبه، و لا نفهم ذلك منها.

اللهم الا ان يوجه كلامهم في التفصيل بما يأتي.

بأن يقال ان الموضوع و المورد في جعل الحكم الشرعي و وضعه فيه قد يكون بحيث يقتضي أن يتعلق به حكم تحريمي أو وجوبي بمعنى ان الموضوع يقتضي ذلك و يوجبه و لكنّ مانعا يمنع عنه و يزاحمه فحينئذ يرفع اليد عن فعلية الحكم و يتدارك بالفدية أو بغيرها كما لو زاحم و منع الضر الخارجي العارض، الحكم المجعول للشعر النابت في الرأس، فعند ذا يرفع اليد عن حرمة إزالة الشعر و يحكم بجواز الحلق و يتدارك المصلحة الفائتة أو المنقصة الحاصلة بالفدية و الكفارة كما لو كانت الصلاة في وقت معين ذا مصلحة موجبة لوجوبها و لكن الموانع من الإغماء و غيره صدت عن الإتيان بها فيرفع اليد عن الوجوب في الوقت و يتدارك بالقضاء خارجه.

و قد يكون المورد غير صالح لوضع الحكم و جعله فيه حتى يرتفع بالضرر و غيره و يتدارك بالفدية و الكفّارة كالشعر النابت في العين المانع عن الأبصار إذ لا يصلح وضع الحكم و جعل الحرمة على إزالته حتى يقال يجوز للمحرم إزالته و يجب عليه الفدية و الكفارة عند الأذى و الضرر كالصلاة التي لا مصلحة في جعل الوجوب فيها حتى يرتفع الإلزام عند الضرر و يتدارك ما فات من المصلحة بالقضاء بعده كما في صلاة الحائض إذ ليس فيها مصلحة كسائر الصلاة حتى يجب القضاء بعد الطهر و حصول النقاء.

و على اى حال ان صلح هذا التوجيه فيها، و الا فما ذكره بعض من إطلاق دليل الكفارة وجيه، و ان كان كلامه ايضا لا يخلو من اشكال لتخصيصه الحكم و الكفارة بالرأس و صورة المرض، لعموميّة الحكم لجميع البدن و شموله له، هذا تمام الكلام في حكم الاضطرار إلى إزالة الشعر من الرأس أو سائر البدن و اما إزالة الشعر عن بدن الغير فسيأتي حكمه.

ص: 184

في حكم ازالة الشعر عن بدن الغير

هل يجوز للمحرم ان يزيل الشعر من بدن غيره أو يحرم عليه كازالته عن نفسه.

قد يقال إذا كان الغير محرما لا يجوز للمحرم ازالة شعره و عن المدارك الإجماع عليه، و في الجواهر لعله كذلك مضافا الى ما يفهم من الأدلة من عدم جواز وقوع ذلك من اى مباشر كان انتهى.

اما الإجماع فإن كان المراد منه الاستناد الى كلام المعصوم، و ان الحكم مستند الى الامام و ان لم يوجد له مدرك من الأدلة الموجودة فنعم و الا فتحصيل الإجماع مشكل.

ثم ان المقصود من كلام الجواهر في قوله من عدم جواز ذلك من اى مباشر كان، انه لا يجوز للمحرم ان يزيل شعره بأي سبب كان بمباشرة نفسه أو بسبب غيره سواء كان ذلك الغير محلا أو محرما، فان كان المراد ذلك فالمعنى ان المحرم يجب عليه ان يترك شعره و يخليه في بدنه، و لا يزيله و لو بمباشرة غيره و هذا غير ما نحن بصدده.

ص: 185

أو المراد ان ازالة شعر المحرم حرام فالمعنى ان ازالة شعره حرام على المزيل محرما كان أو محلا، فهذه الحرمة لا يختص بالمحرم بل يشمل المحل، و اما حرمة إزالة الشعر عن الغير المحل على المحرم الذي يزيل الشعر فلا يستفاد مما ذكر نعم يستفاد حرمة ازالة الشعر عن الغير المحرم لكنه لا يختص به بل يحرم على المحل بدليل المباشرة الذي ذكره صاحب الجواهر و لا يمكن عدّ هذا من محرمات الإحرام و تروكه، التي نحن بصدد بيانها من حرمة إزالة الشعر عن بدن الغير على المحرم سواء كان الغير محلا أو محرما و اما إيقاع المحرم في الحرام و ان كان حراما على المحرم و المحل الا انه مطلب أخر الا ان يقال ان التسبيب حرام كما لو قلنا ان الارتماس حرام على المحرم فلو رمسه الغير في الماء لكان حراما ايضا و لكن هذا فيما إذا كان الغير لم يسلب عنه القدرة و لم نقل بعدم الحرمة في صورة الإكراه و ان كان من الممكن ان يقال بعدم الفرق كما في الصائم المكره على الإفطار الذي يحرم على المكره بالكسر لكونه سببا لتحقق المبغوض عند الشارع في الخارج(1) هذا و لكن المهم في المقام و عمدة الأدلة في المسئلة الروايات المصرحة فيها بان المحرم لا يجوز له ان يأخذ من شعر الحلال فيعلم حرمة أخذ الشعر من بدن الغير المحرم بالأولوية.

منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه قال: لا يأخذ المحرم من شعر الحلال (2)


1- لم يتضح لي مراد الأستاد مد ظله من الاستثناء فإن حرمة التسبيب ليست من محرمات الإحرام بما هو إحرام على كل حال
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 63 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 186

و مرسلة الصدوق قال: قال عليه السّلام لا يأخذ الحرام من شعر الحلال (1) و الروايتان تدلان على حرمة أخذ الشعر من الحلال بالقطع أو الجز أو النتف على المحرم و يعلم حرمة أخذه من المحرم بطريق اولى، و يكفى هذا في المقام دليلا.

و هنا فروع ينبغي الإشارة إليها

الأول

- بعد ما تبين ان المحرم المضطر إلى أخذ الشعر من رأسه أو بدنه يجوز له إزالته، فهل يجوز للغير محرما كان أو محلا ان يتصدى ذلك و يزيل الشعر عن بدن المضطر، أو لا يجوز الا للمحل دون المحرم، لعدم كونه مضطرا اليه، و اما اضطرار صاحب الشعر الذي جوز له ذلك، لا يقتضيه لغيره و لا يوجب جوازه له ايضا، فلو لم يوجد المحل فهل يتحمل و يصبر أم لا.

الثاني:

لو لم يوجد المحل بناء على عدم جواز الأخذ للمحرم فهل يصبر المحرم المضطر و يتحمل المشقة و الأذى، و التعب و الشدة الى ان يوجد المحل، و ليس للمحرم الحاضر ان يدفع عن أخيه المحرم الضرر و الألم الا ان يقع في خطر عظيم و تهلكة نفس فيجب ازالة شعره حفظا لنفسه، و اما لو لم يكن في خطر التهلكة فيصبر المضطر و يتحمل الأذى حتى يجد محلا يأخذ شعره، فكل محتمل.

و اما أمر الرسول صلّى اللّه عليه و آله بإزالة الشعر و حلق الرأس في قضيّة الأنصاري لو علمنا انه صلّى اللّه عليه و آله أمر محرما ليزيل الشعر عنه لقلنا به و لكنه غير معلوم، بل أمر صلّى اللّه عليه و آله الأنصاري بحلق رأسه و ازالة شعره و ان يتداركه بالفدية، و كان جائزا له، و مباحا في حقه، و لم يثبت انه أمر محرما ليزيل الشعر عن الرجل الأنصاري المتساقط عن رأسه القمل.

اللهم ان يقال بعد جواز ازالة الشعر للمحرم عن رأسه للضرورة يجوز للغير ايضا ذلك بالملازمة كما لو قيل لامرأة يجب عليها ستر البدن و الرأس عن الأجنبي،


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 63 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 187

انه يجوز كشف الرأس عند الضرورة و الحاجة، يعلم منه ان عدم وجوب الستر و جواز كشف البدن عند الاضطرار ملازم لجواز نظر الغير و مسه له كما في الاضطرار الى الطبيب، إذ لو لم يجز للطبيب النظر و المس، لزم نقض الغرض نعم يصح هذا لو كان الطبيب منحصرا بالأجنبي، و الا يرفع الاضطرار بالطبيب الذي هو من محارم المريض، و يداوي هو و يعالج و لا يحتاج إلى الأجنبي.

و في المقام ايضا يقال بعد ما ثبت جواز حلق الشعر للمحرم عند الاضطرار اليه، يعلم منه جواز إزالته للغير ايضا محرما كان الغير أو محلا، و لكن هذا فيما انحصر الحلاق بالمحرم، و لا يوجد المحل، كما إذا اضطر في بادية إلى حلق رأسه و الناس كلهم محرمون مثله و لم يتمكن من الصبر إلى الإحلال أو وجدان المحل، فيحلق المحرم رأس المضطر و اما إذا وجد المحل لا يجوز للمحرم ان يزيل الشعر من المضطر.

و من هذا يعلم ايضا ان أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بحلق رأس الرجل الأنصاري لا يكون دليلا لجواز ازالة المحرم الشعر عن بدن الغير الأبعد إحراز وجود المحل حينذاك و عدم الانحصار بالمحرم و لو شككنا في ذلك، و لم نعلم ان المحل كان موجودا حين ما تصدى المحرم حلق شعر الأنصاري بأمر الرسول أم لا، لا يكون دليلا لنا.

ثم ان صاحب الجواهر قدس سره بعد ما ذكر عدم جواز ازالة المحرم شعر محرم غيره قال: و الظاهر ان مثله قتل الهوام، و مراده ان قتل الهوام كما يحرم و لا يفرق بين ان يقتله المحرم من بدنه أو بدن غيره، فكذلك ازالة الشعر لا يفرق بين إزالته من نفسه أو من غيره المحرم و المحل:

و استدل بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه قال: لا يأخذ المحرم من شعر الحلال (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 63 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 188

و نقل عن التهذيب عدم الجواز مستدلا بالصحيحة و قواه و قال نعم قد يشك في الفدية التي مقتضى الأصل عدمها، بعد ظهور الأدلة في غير ذلك انتهى.

(تحقيق من الأستاد مدّ ظلّه)

قال الأستاد مدّ ظلّه: الروايات الواردة في المقام، كلها ظاهرة في حرمة إزالة الشعر على المحرم من نفسه و بدنه لعود الضمير الى شخص المحرم في الآية و الرواية، و ليس فيها إطلاق شامل له و لغيره، و لو كان فهو ايضا منصرف الى المحرم كما في قوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ، مخصوص برءوس المحرمين، و لا نظر فيها الى غيرهم أصلا حتى يكون المعنى لا تحلقوا رؤس غيركم و لا تزيلوا الشعر عنهم، و لا أقل من الانصراف الى المحرمين، و ما قيل: ان الانصراف بدوي غير وجيه، إذ لو لم تكن صحيحة عمار «يأخذ المحرم من شعر الحلال» لما توجهنا إلى حرمة إزالة الشعر من الغير أصلا من الآية و الرواية بل لم نفهم منهما الّا اختصاص الحرمة بالمحرمين و ازالة الشعر عن رؤسهم و أبدانهم.

و لو كان الحكم في المقام، مثل قتل الهوام، كما في جواهر الكلام لكان اللازم ان يفتوا بحرمة ازالة الشعر على المحرم حتى عن بدن الحيوانات، كما أفتوا في قتل الهوام حتى في إلقائه من بدن الحيوانات، و لم أر من افتى بعدم جواز إلقاء الشعر من بدن الحيوان، فما ذهب اليه صاحب الجواهر قدس سره من التنظير غير وجيه، الا ان يكون المراد ان الشعر في بدن المحرم مثل الهوام يتبع حكمه و لكنه ايضا يحتاج الى دليل عام مفقود في المقام و ما هو المعتمد في المسئلة صحيحة عمار المتقدمة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لا يأخذ المحرم من شعر الحلال (1) و مرسلة الصدوق، المستفاد منهما حرمة شعر الحرام بالأولوية.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 63 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 189

الفرع الثالث في وضع اليد على اللحية و تسريحها الملازم لسقوط الشعر غالبا

، هذا الفرع مورد للابتلاء، لو أيقن المحرم انه يسقط الشعر بالتسريح و وضع اليد لا يجوز له ذلك و كذا لو شك في السقوط كما في الصوم الضروري إذ لو جاز ذلك ليتحقق و يوجد المنهي عنه و في مثل المورد يجب الاحتياط و لا يصح اجراء البراءة أو القول بأنه إذا اطمئن بالسقوط و زوال الشعر لا يفعل و لا يضع يده على اللحية بل المورد يقتضي عكس ذلك بان يقال لا يمس لحيته الا مع الاطمئنان بعدم السقوط، و الا يكون كمن رمى سهما ليختبر انه يقتل شخصا أو حيوانا، أو كمن يلاعب امرأته في شهر الصيام ليختبر انه ينزل أم لا و معلوم ان في مثل الموارد لا يجري أصل البراءة و لو فعل من دون اطمينان على عدم تحقق الفعل المنهي عنه يكون كمن تعمد ذلك.

فما اختاره صاحب الجواهر من إجراء أصالة البراءة و القول بأنه لا بأس بالتسريح الذي لا طمأنينة بحصول القطع معه و ان اتفق، لا يخلو من اشكال، و لذا قال بعد ما ذكر: الاولى و الأحوط اجتنابه(1) و قد ورد في الوضوء و غيره ايضا روايات تؤيد ما ذكرناه منها:

رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة قال يطعم كفّا من طعام أو كفين. (2) عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة و الثنتان قال يطعم شيئا (3).

عن هشام بن سالم قال قال أبو عبد اللّه إذا وضع أحدكم يده على رأسه


1- هذا ما استفدناه من الأستاذ مدّ ظلّه بناء على ما ضبطناه من ابحاثه و لكن صاحب الجواهر اجرى البراءة بالنسبة إلى الفدية و الكفارة لا الحرمة التكليفية
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2

ص: 190

أو لحيته و هو محرم فسقط شي ء من الشعر فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق (1).

نعم ورد في الوضوء ما يدل على عدم البأس للزوم الحرج مثل رواية الهيثم بن عروة قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال ليس بشي ء ما جعل عليكم في الدين من حرج (2).

و اما ما تدل على عدم البأس مطلقا فقد حمل على عدم التعمد أو على نفى العقاب بعد الكفارة.

الفرع الرابع

لو علم و أيقن ان الشعر لا يسقط بالمس فمسح لحيته فسقط الشعر أو سقط بغير العمد، فان علم انه نتف الشعر يجب عليه الكفارة، و ان علم ان الشعر كان ساقطا من الأصل و لكنه القى بالمس فلا شي ء عليه لعدم كونه نتفا بل هو إلقاء و هو ليس بحرام.

و اما لو شك في ان الشعرة الملقاة كانت نابتة فسقط بالمس أو كانت منسلة و منقطعة من الأصل فعن الدروس الا قرب الفدية، و في الجواهر، و فيه نظر للأصل، و لعل الدليل على قول الشهيد بعد عدم صدق النتف في مورد الشك.

هو الاستصحاب بتقريب ان الشعر كان متصلا و نابتا فيستصحب الى حين الإلقاء بالمس فيصدق الإزالة و النتف إذ لو حكم شرعا باتصال الشعر على الوجه عند الشك فيه بالاستصحاب يترتب عليه الأثر شرعا و لا يجوز إلقائه و إزالته فإذا سقط بمس اللحية تترتب عليه الكفارة.

يمكن ان يقال ان موضوع الحرمة و الكفارة نتف الشعر و استصحاب الاتصال الى حين السقوط انما يثبت عقلا تحقق الموضوع بمعنى ان الشعر إذا كان متصلا الى حين السقوط و لم يكن منسلا من قبل بحكم العقل بأنه نتف و سقط، و هذا مثبت، فعلى هذا، ما اختاره الجواهر هو الأقوى.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من أبواب بقية تروك الإحرام الحديث 6

ص: 191

الفرع الخامس

هل يصدق ازالة الشعر بقطع العضو كما إذا قطع إصبعا فيه شعر الظاهر انه لا يصدق عليه النتف كما عن التذكرة و المنتهى، و لا كفارة فيه و ما ورد في القصاص من صدق قطع الإصبع بقطع الكف انما هو تعبد خاص في محله، و لا تعبد في المقام و لا دليل على صدق الإزالة نقطع العضو الذي فيه الشعر، فتردد الشهيد قدس في المسئلة في غير محله لوضوح ان النتف و الجز لا يصدق على العضو المقطوع الذي فيه الشعر كما لا يطلق الحلق على الرأس المقطوع و كذا لو نزع و قلع جلده فيه شعر.

ص: 192

في تغطية الرأس
اشارة

يحرم على المحرم تغطية الرأس للرجال و تخميره بناء على التعابير المختلفة في كلمات الأصحاب و الروايات و

تفصيل الكلام في المقام في ضمن أمور
الأمر الأول

، انه لا إشكال في حرمة أصل التغطية و تخمير الرأس إجماعا و ادعى عدم الخلاف فيه و تدل عليه الروايات المستفيضة ان لم تكن متواترة و هذا مما لا كلام فيه، و انما هو فيما يتحقق به التغطية و التخمير و اصابة الرأس، و في مصداق الرأس و مقداره، و انه جميع الرأس من الرقبة، كما يطلق عليه في ذبح رأس الحيوان، أو منابت الشعر فقط، و ان الاذن من الرأس أم لا، فلا بد في تبين جميع ذلك و تفصيله من التأمل في النصوص الواردة في الباب.

الأمر الثاني

انه قد يطلق الرأس و يراد منه ما فوق الرقبة و يشمل الوجه و الاذن كما في ذبح الرأس، و قد يراد منه منابت الشعر فقط كما يقال حلق رأسه أي منابت الشعر فقط و لا يشمل الوجه، و قد ورد في بعض الروايات كما يأتي، ان

ص: 193

المحرم لا يخمر رأسه، فهل المراد منه ما فوق الرقبة، الظاهر لا، لما ورد في بعض النصوص الصحيحة، ان السائل سئل، هل المحرم يغطى وجهه، فأجيب لا بأس و لكن لا يخمر رأسه، لوضوح انه لم يرد من الرأس ما فوق الرقبة بحيث يشمل الوجه و ورد ايضا ان إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه كخبر القداح (1) إذ بمقابلة الوجه و الرأس يعلم ان المراد من الرأس ليس ما فوق الرقبة بل أريد منه منابت الشعر كما ورد التحديد بها في بعض الروايات كرواية على بن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال المحرم يغطى وجهه عند النوم و الغبار الى طرار شعره (2) فبناء على هذا التحديد لا حرمة لتغطية غير منابت الشعر سواء كان أذنين أو الجبهة، و لكن ورد في الروايات حرمة تغطية الأذنين و سترهما ايضا، فهل هذا من باب التعبد و ان الرأس هو منابت الشعر لغة، أو لأجل ان الرأس يطلق على ما اشتمل على الأذنين فيحرم تغطيتها ايضا، و بناء على الأول كان المناسب ان يقال ان من المحرمات تغطية الرأس و الأذنين، و لكن بمناسبة أن الأذنين ملازمان للرأس لم يفردهما بالذكر و ان كان الرأس منابت الشعر و على كل حال ورد في حكم الأذنين رواية خاصة.

عن عبد الرحمن قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المحرم يجد البرد في أذينة يغطيهما، قال: لا (3) و يعلم منها ان الأذنين لا يجوز تغطيتهما حتى حال البرد و الحاجة و ان تغطية الرأس عبارة عن ستره و الأذنين.

ثم ان الرأس و منابت الشعر بحسب المتعارف دون النادر على حد الإفراط


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 194

و التفريط، نعم خلف الرقبة المشتملة على الشعر النابت فيها عادتا يجب ان لا يستر و لا يغطى، فلا بد ان يلقى ثوب الإحرام على المنكبين و لا يلقى على فوق الرقبة و أعلاها لكي لا يغطى بعض الرقبة المشتملة على الشعر، هذا هو البحث في معنى الرأس، و اما ما يتحقق به الستر فيأتي تفصيلا.

الأمر الثالث:

لا فرق في حرمة التغطية بين ستر جميع الرأس كلّه و بين ستر بعضه كما يظهر من النصوص و صرح به الفاضل و الشهيد نعم لا بأس بعصام القربة اختيارا.

و نقل عن المنتهى انه استدل على حرمة تغطية بعض الرأس بأنه إذا نهى عن وجود شي ء و تحققه في الخارج يستلزم حرمة البعض و إيجاده فيه و النهى عن تخمير الرأس و تغطيته ملازم لحرمة تخمير البعض و ستره.

و فيه ان النهى عن الشي ء و تحققه في الخارج لا يستلزم النهى عن بعضه في جميع الموارد، اما ترى لو نهى عن صنع مجسمة الإنسان لا يستلزم حرمة صنع بعض أعضائه كاليد و الرجل و العين، و ليس المراد ان الشي ء قد يكون منهيا عنه على نحو المجموع من حيث هو كما في ارتماس الرأس في الماء، و ان المقام كذلك بل الإشكال في ان النهى عن شي ء لا يلازم النهى عن بعضه مضافا الى لزوم استعمال اللفظ في أكثر من معنى، بان يراد من الرأس تارة مجموعه، و اخرى بعضه، و بالجملة استدلال صاحب المنتهى قدس سره غير صحيح، و ان كان استحسنه صاحب المدارك، و لكن في الروايات ما يغني عن ذلك و لا يحتاج الى مثل هذا لاستدلال أصلا.

منها رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال: المحرم يغطى وجهه عند النوم و الغبار الى طرار شعره (1).

و رواية عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكى إليه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

ص: 195

حر الشمس و هو محرم يتأذى به، فقال: ترى ان استتر بطرف ثوبي قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك (1).

يستفاد منها و من التحديد الى طرار الشعر في الرواية الاولى ان ستر بعض شعر الرأس كتغطية الرأس في الحرمة و النهى.

و بالجملة الدليل على حرمة تغطية بعض الرأس هو النص و لولاه ليشكل ارادة البعض من إطلاق الرأس تارة، و المجموع أخرى، إذ ليس هذا الاستعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد، و لو قيل: لا يقطع الرأس، لما يشمل قطع الاذن و كذا لو قيل لا يقطع رأس الحيوان قبل زهاق الروح، لا يشمل قطع الاذن، أو بعض الأعضاء، فلا بد من ارادة المجموع فقط أو البعض فقط إذا كان هناك قرينة على إرادته من إطلاق الرأس، و ليس هو اسم الجنس، كالماء حتى يشمل المجموع من الماء و البعض منه على حد سواء، بل الظاهر المتبادر هو المجموع كما في قوله تعالى لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.

إذ المستفاد من الآية ان الهدى إذا بلغ محله و هو منى فاحلقوا رؤسكم و ظاهر ذلك حلق جميع الرأس لا البعض منه و قال بعض على ما سمعناه بكفاية حلق بعض الرأس و لكن لم أر من افتى به في الرسالة العملية و هذا بعيد جدا الا ان يدل دليل خارجي على ارادة البعض من الكل كما في إرادة الكف من اليد، أو على ارادة الكل من البعض كقوله أعتق رقبة مؤمنة، اما ارادة المعنيين، اى الكل و البعض في استعمال واحد فغير صحيح، و الدليل الذي اقامه العلامة قدس سره لصحة ذلك فهو غير وجيه و غير سديد.

ثم انه بناء على صحة إرادة البعض و الجزء من إطلاق الرأس و حرمة تغطيته، أو لدلالة النصوص الخاصة خرج منه عصام القربة التي توضع على الرأس و يغطى بعضه بدليل خاص وارد في المقام و الا لما يجوز.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

ص: 196

عن محمد بن مسلم انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى، فقال نعم (1).

و قد استثنى عن حكم تغطية الرأس و حرمته عصابة الرأس للصداع عن معاوية بن وهب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام لا بأس بأن يعصب المحرم رأسه من الصداع (2).

فمن ابتلى بالصداع و احتاج الى عصابة الرأس، يدع وسط الرأس مكشوفا و يشد على أطرافه.

قال ابن حمزة: التغطية منصرف عن ذلك، و لا يشمله، قوله عليه السّلام لا يخمر رأسه، و لكنه مشكل.

و قال آخرون ان تغطية بعض الرأس حرام و الخارج عنه يحتاج الى دليل خاص، و هو موجود حال الضرورة و الصداع.

الأمر الرابع
اشارة

- ان المراد من التغطية التي تحرم على المحرم هل التغطية للرأس و ستره بما هو متعارف و معمول الستر به، أو بكل ما يحصل به التغطية و ان كان غير متعارف و خارجا عن المعمول العرفي، و عن المعتاد عند الناس.

فعلى الأول يحرم التغطية بالخمار و العمامة و المقنعة و العباء و غيرها مما يتعارف ستر الرأس به، و على الثاني يحرم الستر باليد و الحناء و الطين و ورق الشجر و وضع الزنبيل و الظرف على الرأس و الطست و القدح و يكون كلّ ذلك منهيا عنه.

و لكن ما ورد في الروايات هو النهى عن التغطية بما هو معتاد و متعارف، مثل قوله لا يخمر رأسه (3)، و ان كان معنى التخمير في اللغة الستر و لكنه بلحاظ الخمار المعمول بين الناس كما في قوله تعالى وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 57 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 56 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

ص: 197

يشمل المتعارف لا غيره.

و في رواية رجل نسي و غطى رأسه قال يلقى القناع (1).

و عن الحلبي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يغطى رأسه ناسيا أو نائما فقال يلبي إذا ذكر (2).

و في رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكى اليه حر الشمس و هو محرم يتأذى به فقال: ترى ان استتر بطرف ثوبي، قال لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك (3) و بالجملة المذكور في تلك الروايات و غيرها تغطية الرأس بما هو معتاد لذلك و معد له، و لم يذكر غير المعتاد و المتعارف، و لذا أفتى العلامة صريحا بان الحرام من التغطية هو الستر بالمعتاد و المتعارف، و لو لم يكن المذكور في الروايات المتعارف مما يغطى به الرأس من القناع و الخمار، لكانت منصرفة إليه أيضا.

تفصيل الكلام في المقام
اشارة

وقع الخلاف في حرمة تغطية الرأس بغير المعتاد على المحرم و عدمها، و ذهب الأكثر من العلماء إلى الحرمة، و عن التذكرة نسبته إلى علمائنا، و في الجواهر بل لا أجد فيه خلافا، و لكن صاحب المدارك بعد نقل الحرمة عن المنتهى و التحرير قال: و هو غير واضح. لأن المنهي عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس و وضع القناع عليه و الستر بالثوب و نحوه لا مطلق الستر مع ان النهى لو تعلق به لوجب حمله على المتعارف منه فلا إطلاق في الروايات حتى تشمل التغطية بالحناء و الطين.

و تبعه في ذلك صاحب الذخيرة و هو لا يبعد عن الصحة لعدم الإطلاق في


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

ص: 198

الروايات، و ان كان يظهر من بعضها ذلك مثل قوله المحرم لا يغطى رأسه الا ان هذا الإطلاق ورد في سؤال السائلين و ذكر في قسم من الروايات لفظ الخمار و العمامة و الثوب، ففي المقام بحثان.

البحث الأول في ثبوت الإطلاق في الروايات فبناء عليه الحكم واضح و يحرم التغطية و لو بغير المعتاد و المتعارف و قد يتمسك للإطلاق بقوله عليه السّلام المحرمة لا تتنقب لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام المرء في رأسه (1) إذ المستفاد من الرواية انه كما يجب ان يكون وجه المحرمة مكشوفا كذلك يجب ان يكون الرأس في المحرم مكشوفا و غير مستور بشي ء.

التحقيق ان يقال ان كان المراد من قوله إحرام المرأة في وجهها، انه يجب عليها ان لا تستر الوجه بشي ء من الثياب و غيره من المتعارف و غيره، كان الاستدلال صحيحا و في مورده.

و اما لو قيل ان المراد من الرواية إلغاء ما هو المتعارف مما يستر به الوجه في المرأة المحرمة، ففي المحرم و تغطية الرأس أيضا كذلك يعنى يجب على المحرم ان يلغى عن رأسه ما هو المتعارف مما يستر به الرأس، فحيث ان كلّا من المعنيين محتمل في الرواية لا يصح ان يستدل بها للمدعى، اللهم الا ان يدعى ان الظاهر منها، انه يجب ان يكون الوجه في المحرمة و الرأس في المحرم مكشوفا و ظاهرا، و ان كان من الممكن ايضا ان يقال ان التستر بمثل الحناء و الطين لا ينافي الظهور و الكشف، بمعنى ان المرأة إذا سترت وجهها بمثل الحناء يصدق عليه الكشف و الظهور، فكذلك الرأس الا ان يدعى ان المراد من الرواية عدم تستر الوجه و الرأس بشي ء أصلا و لو كان غير متعارف.

و يشهد لذلك ما ورد ان التغطية بالمروحة لا يجوز للمرأة و الحال انها ليست


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 199

مما يتعارف الستر به، و تعبير صاحب الجواهر، بناء على انها من غير المتعارف يشعر بأنه من الممكن ان تعد المروحة أيضا من المتعارف، إذ كثيرا ما يسترن النساء وجوههن بها عند نظر الأجنبي إليهن، و على اى حال لو كانت المروحة و التستر بها من غير المتعارف يعلم منه ان وجه المرأة لا بد ان لا يستر و لا يغطى و لو بشي ء غير متعارف.

قد يستدل للإطلاق باستثناء حبل القراب و وضعه على الرأس لان حبل القراب ليس مما يستر به الرأس متعارفا فباستثنائه عن عموم حرمة التغطية يعلم ان الحكم عام شامل للمتعارف و غيره، و الا لا يصح الاستثناء.

و فيه ان العموم لم يذكر في رواية حتى يكون حبل القرب مستثنى منه، بل ورد الحبل في سؤال السائل، و أجاب الإمام بعدم البأس فيه، فهو حكم خاص سئله السائل، و اجابه القائل. و لم يكن داخلا في العموم على نحو الجزم و القطع، إذ كما يمكن ان يقال و يحتمل ان بكون التستر بالمتعارف و غيره حراما، و يكون حبل القرب مستثنى منه، فكذلك يحتمل ان يكون غير المتعارف جائزا من الأصل و غير داخل في العموم، و يكون حبل القرب أحد مصاديق غير المتعارف الذي جاء في كلام الراوي، و الاستثناء انما يدل على العموم و الشمول إذا كان الكلام مثل جائني القوم الا زيد، و اما إذا سئل شخص عن مجي ء زيد، و قال: لا، لا يستفاد منه العام، و لا يدل على الشمول.

نعم يمكن ان يقال: ان الراوي إنما فهم شمول الحكم للمتعارف و غيره و دخول حبل القرب فيه، و لو لا ذلك لما سئل عن حكمه، هذا و ان كان صحيحا، الا انه استدلال بفهم الراوي و حدسه، كما انه لو كان شاكا في شمول الحكم للمتعارف و غيره و سئل عن حكم مورد خاص، و أجيب بعدم البأس فيه، لما كان يفهم منه العموم، و ان المسئول عنه كان داخلا فيه، بل إنما سئل عن حكم خاص للابتلاء به كما في الارتماس في الماء أو لاحتمال كونه تغطية.

ص: 200

و اما المروحة فبناء على كونها غير المتعارف يشكل الفرق بينها و بين غيرها بان يجوز وضع حبل القراب على الرأس جائزا دون المروحة، الا ان يقال انه يحتمل كونها مما يتعارف به الستر، كما احتمله صاحب الجواهر، و هو ايضا مشكل، نعم المروحة تكون مانعة عن النظر إلى المرأة، كما لو وضعت رأسها على الجدار و وجهها عليه عند نظر الأجنبي إليها. و على كل حال يعلم من النهى عن تستر الوجه بالمروحة للنساء و من الأمر بالإسدال عند وجود الناظر، بان يكون الوجه مكشوفا و غير مستور، و يكون الإسدال مانعا عن النظر، ان التستر بالمروحة غير جائز و انه تغطية أيضا.

و قد يستدل للإطلاق بحرمة الارتماس في الماء على المحرم و واضح ان الماء ليس مما يتعارف به التغطية و ستر الرأس.

و في صحيح حريز عن الصادق عليه السّلام لا يرتمس المحرم في الماء (1) عن يعقوب بن شعيب عن ابى عبد اللّه قال: لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم (2).

عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد اللّه هل يدخل الرجل الصائم رأسه في الماء قال: لا و لا المحرم (3).

و فيه، ان عطف المحرم على الصائم في حكم الارتماس يقتضي الاتحاد بينهما، و الحال ان الفرق واضح و التفاوت فاحش لوضوح ان الحرام على الصائم ارتماس جميع الرأس في الماء و إدخاله فيه و اما ارتماس بعض الرأس لا اشكال و لا حرمة فيه، حتى انه لو لم يبق من الرأس خارج الماء الا قمّته لما كان حراما، بخلاف التغطية إذ بناء على ان ستر الرأس و لو بالماء حرام يلزم ان يكون ارتماس


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 201

بعض الرأس في الماء ايضا حراما، إذا صدق عليه التغطية كما في الستر بالمتعارف و بالجملة لو كان الارتماس حراما على المحرم، لحرمة ستر الرأس و لو بغير المتعارف، كان اللازم القول بحرمة ارتماس بعضه في الماء، و الحال ان المنهي عنه هو الارتماس، و هو ظاهر في ارتماس الجميع، فالاستدلال للإطلاق بحرمة الارتماس غير تام نعم يمكن ان يقال ان الارتماس في الماء حرام على المحرم لا من جهة ستر لرأس و تغطيته، الا ان يدعى عمومية الحكم للمتعارف و غيره عن طريق أخر و القول بان الارتماس في الماء أحد مصاديق غير المتعارف.

في معنى التغطية

ثم ان التغطية كما في كلمات الفقهاء إلصاق الشي ء بالشي ء و لذا حكموا بوجوب الإسدال على المحرمة، إذا كان ناظر ينظر إليها، و لا يجوزون الإلصاق بالوجه، و مثله الرأس في المحرم، فلو لم يلصق شي ء بالرأس لا يكون تغطية، فلو أمسك فوق رأسه شمسية، أو مروحة و لم يلصقها برأسه لا يصدق عليه التغطية و ان كان حراما من جهة التظليل.

الأمر الخامس

ان الستر باليد بوضعها على الرأس أو على الوجه في المحرمة و مسح الرأس في الوضوء و صب الماء عليه فهو جائز كما عن المبسوط و المنتهى و التذكرة.

عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض. (1) و قد يستدل بذلك لجواز التغطية بغير المتعارف و لكنه غير تام لاحتمال عدم صدق التغطية بما ذكر، و لذا لو وضع يديه على فرجه لم يجزه في الصلاة مضافا الى دوران الأمر في المقام بين التخصيص و التخصص و الثاني هو الأولى.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 202

و توضيحه انا نعلم جواز مسح الرأس و وضع اليد على الوجه حال الإحرام، و لكن نشك في ان هذا تغطية خرج عن حكم العموم الدال على حرمة الستر، أو ليس تغطية أصلا، و خروجه من باب التخصص لا التخصيص، فإذا دار الأمر بين التخصيص و التخصص، الثاني أولى مثلا لو ورد أكرم العلماء و نعلم عدم وجوب إكرام العالم بالعروض بقوله لا تكرم عالما عروضيا. و شككنا في ان خروج العالم بالعروض من باب التخصيص بعد شمول العام له، أو لم يكن العام شاملا له من الأصل، بل كان خروجه من جهة التخصص، و واضح ان الثاني أولى حفظا للمفهوم العام للعلماء و في المقام ايضا كذالك، لما ورد ان المحرم لا يغطى رأسه و ورد ايضا جواز حك الرأس بالأصابع أو ستر البدن بعضه ببعض، أو غيره من موارد الجواز، لكن الشك في ان تلك الموارد تغطية خرجت عن تحت الحكم العام فيكون تخصيصا أو ليست تغطيتا لاختصاص العموم بالتغطية بالمتعارف لا غيره، و ان كان مانعا عن الرؤية و على هذا خروجها انما هو من جهة التخصص، و لا خفاء في ان الثاني أولى بالقواعد و انسب بها.

الأمر السادس

ان التلبيد بان يطّلى رأسه بعسل أو صمغ ليجتمع الشعر و يتلبد هل هو مثل التغطية، فلا يجوز أو ليس كذلك، فعن التحرير و المنتهى جواز التلبيد و حكاه الدروس عن الحنابلة.

و في الجواهر: لا ريب ان الأحوط ان لم يكن أقوى اجتنابه إذا كان بحيث بستر بعض الرأس انتهى.

و التلبيد ان كان بحيث يستر الرأس، أو مقدارا منه بجمع الشعرات و ضم بعضها على بعض، و خارجا عن التعارف كما في المسح على الشعرات المجتمعة في الرأس فيمكن ان يقال انه تغطية و تستر لكنه بغير المتعارف مما يتحقق به الستر فيشمله حكمه، و لكنه خرج عنه بالدليل.

ص: 203

روى ابن عمر قال رأيت رسول اللّه يهل ملبدا. (1) و قد يشعر صحيح زرارة بمعروفية ذلك سابقا قال سألت أبا عبد اللّه هل يغتسل المحرم بالماء، قال: لا بأس ان يغتسل بالماء و يصب على رأسه ما لم يكن ملبدا فان كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء الا من الاحتلام. (2) و لعل منع الملبد عن الصب للاحتراز عن سقوط الشعر كما احتمله في الجواهر.

الأمر السابع

قد أشير إلى الارتماس إجمالا، و التفصيل فيه انه هل هو حرام على المحرم لأجل انه من مصاديق التغطية المحرمة عليه، أو انه حرام بنفسه لا من جهة التغطية.

قال المحقق في الشرائع بعد ذكر التغطية: و في معناه الارتماس، و الظاهر انه عدّه من مصاديق التغطية و لعل نظر الأكثر ايضا على ذلك، إذ لم أر من صرح بحرمته مستقلا، و لكنّ المستفاد من الروايات حرمة الارتماس على المحرم بنفسه و مستقلا لا من جهة كونه تغطية.

منها رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول لا تمس الريحان و أنت محرم الى ان قال و لا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك (3) عن حريز عن ابى عبد اللّه في حديث قال: و لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم (4) عبد اللّه بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن محمد بن خالد عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد اللّه هل يدخل الرجل الصائم رأسه في الماء قال:

لا، و لا المحرم و قال و مررت ببركة بنى فلان و فيها قوم محرمون يترامسون


1- صحيح مسلم الجزء 4 ص 8
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الإحرام الحديث 1
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 204

فوقفت عليهم فقلت لهم انكم تصنعون ما لا يحل لكم. (1) و هذه الروايات تدل على ان الارتماس منهي عنه حال الإحرام، و عطف الصائم على المحرم بشعر بأنه حرام عليه بما هو ارتماس و في حد ذاته، لا انه يغطى الرأس و يستره و على ذا لا يتحقق الحرمة إلا بغمس جميع الرأس في الماء كما في الصائم، و اما بناء على انه من مصاديق التغطية و أحد أفراده، يكفى غمس البعض في الماء و يحرم إذا ستر بعض الرأس، فلو فرض ان للارتماس كفارة، و للتغطية كفارة، يجب عليه كفارتان، و لكن ظاهر الروايات حرمته في حد نفسه بما هو هو، لا بما هو تغطية.

و تظهر الثمرة أيضا فيها لو ارتمس في غير الماء فبناء على الأول لا مانع في الارتماس فيه كما لو ارتمس في ماء الورد و ماء الليمون كما في الصوم، و ان احتاطوا في الصائم إذا ارتمس في ماء الورد و الماء المضاف، و اما غيرهما من المائعات فلا إشكال في الارتماس فيها في الصوم، فكذلك في المقام، لعدم صدق الارتماس في الماء، و اما بناء على الثاني يجي ء البحث في حكم التغطية بالمتعارف و غيره.

و اما صب الماء على الرأس لا يصدق عليه الارتماس و لا التغطية أصلا، و لو صدق عليه الستر و التغطية دل الدليل على جوازه، و استثنى عن الحكم العام الدال على حرمتهما.

عن زرارة عن أبي عبد اللّه في حديث قال سألته هل يغتسل المحرم بالماء قال لا بأس ان يغتسل بالماء و يصب على رأسه ما لم يكن ملبدا فان كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء الا من الاحتلام (2) عن يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يغتسل فقال نعم يفيض


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الإحرام الحديث 6
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 205

الماء على رأسه و لا يدلكه. (1) و اما الماء المصبوب شديدا لو كان كثيرا و ضخيما يستر الرأس جميعا يصدق الارتماس و التغطية.

الأمر الثامن

قد تقدمت الإشارة في الأمر الخامس الى الستر باليد و وضعها على الرأس و حكمه إجمالا و ملخص الكلام فيه ان الستر ببعض البدن فقد تدل الروايات على جواز حك الرأس و صبّ الماء في الغسل بضم الغين و فتحه الملازم لوضع اليد على الرأس و يستفاد منه جواز الستر ببعض البدن و لعله لاحتياج التغطية إلى الاستقرار و حتى لو حك الرأس بالكف ليقال بجوازه أيضا.

فإن كان وضع اليد على الرأس تغطية و استثنى من الحكم بأدلة خاصة فالقدر المتيقن من الأدلة الغسل بضم الغين مستحبا كان أو واجبا، الا ان يقال ان الغسل بفتح الغين لا يصدق عليه التغطية أصلا و ان كان مكروها لما ورد ان اللّه يجب ان يرى الحاج أشعث و أغبر.

الأمر التاسع

لا إشكال في جواز تغطية الوجه للمحرم دون المحرمة، و في الجواهر المشهور جوازه، بل عن الخلاف و التذكرة و المنتهى الإجماع عليه.

عن ابن ابى عقيل انه حرام و عليه كفارة.

و القول الثالث انه جائز اختيارا و لكن عليه كفارة و نقل هذا عن الشيخ في التهذيب و هو تفصيل في المسئلة فإنه قدس سره أجاز ستر الوجه إذا نوى تأدية الكفارة و لم يجزه إذا نوى عدم التأدية و منشأ الخلاف النصوص الواردة بمضامين مختلفة و كيفية الجمع بينها، من حمل بعضها على الكراهة أو الضرورة منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه قال: المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا في يده (2)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 206

هذه الرواية مستند ابن ابى عقيل و مثله، في الحكم بحرمة تغطية الوجه لملازمة الكفارة لها.

و نقل شيخنا الحر العاملي الرواية في الوسائل و حمل الكفارة على الاستحباب كما انه نقل بدل وجهه رأسه و لكن الموجود في التهذيب إذا غطى وجهه(1) و افتى الشيخ بمضمونها و قال يجوز تغطية الوجه للمحرم إذا أطعم مسكينا استنادا الى الروايات الأخرى الدالة على الجواز و استدل انتصارا لابن ابى عقيل في القول بالحرمة بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه قال يكره للمحرم ان يجوز بثوبه فوق انفه و لا بأس ان يمدّ المحرم ثوبه حتى يبلغ انفه. (2) و صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال انه يكره للمحرم ان يجوز ثوبه انفه من أسفل و قال اضح لمن أحرمت له. (3) و قد حمل المستدل الكراهة في الرواية على التحريم كما انه استفاد من الأمر وجوب الاضحاء، و عدم جواز ستر الوجه.

و اما جواز تغطية الوجه للمحرم و هو القول المشهور، كما تقدم قال صاحب الجواهر قدس سره: المشهور جوازه بل عن الخلاف و التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، للأصل و النصوص السابقة.

أقول اما الأصل فهو دليل حيث لا دليل، فالمهم التأمل التام، في النصوص الواردة في المقام.

منها ما رواه عبد اللّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه قال المحرمة لا تتنقب،


1- الموجود في الوسائل المطبوع جديدا إذا غطى وجهه كما في التهذيب
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 61 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 61 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 207

لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه. (1) و ظاهر الرواية من التقابل في الحكم بين الرجل و المرية، و قطع الشركة بينهما، ان ستر الوجه جائز للمحرم دون المحرمة كما ان التغطية للرأس حرام عليه، دونها، فلو كان ستر الوجه حراما على المحرم ايضا لما كان فرق بينه و بين المرأة المحرمة، فلقطع الاشتراك بينهما في الإحرام و نفيه يستفاد ان تغطية الوجه للمحرم ليست بحرام مضافا الى ان حصر الحرمة بالرأس في المحرم يكفي في عدم حرمة ستر الوجه، لانه مقتضى الأصل و الشك في الحرمة كاف في جريان الأصل.

و منها رواية منصور بن حازم قال رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و قد توضأ و هو محرم ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه (2) و وجه الاستدلال انه لو كانت التغطية للوجه حراما لما مسح أبو عبد اللّه وجهه بالمنديل، الذي يغطيه و يستره.

و أوضح من هذه الرواية، و أظهر منها، ما رواه عبد الملك القمي قال: قلت لأبي عبد اللّه(ع). الرجل يتوضأ ثم يخلل وجهه بالمنديل يخمره كله، قال:

لا بأس (3) و صحيحة على بن جعفر عن أخيه قال سالته عن المحرم هل يصلح له ان يطرح الثوب على وجهه من الذباب و ينام قال: لا بأس (4) و رواية زرارة عن ابى جعفر(ع) قال قلت المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطى وجهه، قال: نعم و لا يخمر رأسه و المرأة المحرمة لا بأس بأن يغطى


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك إحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 61 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 59 من تروك الإحرام الحديث 2
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 59 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 208

وجهها كله عند النوم (1) و هذه الاخبار كما ترى صريحة في جواز تغطية الوجه للمحرم عند النوم و غيره فلا بد من حمل الأخبار الدالة على عدم جواز التغطية كصحيحة معاوية بن عمار و هشام بن الحكيم و الحلبي المتقدمة في صدر المسئلة على الكراهة لا الحرمة كما اختاره ابن ابى عقيل، فان استعمال الكراهة في الحرمة و ان كان كثيرا، بمعنى ان الكراهة قد يكون في مقابل الجواز و الإباحة الا ان استعمالها في قبال المستحب ايضا ليس بحيث لا يمكن حملها على التنزيه سيما بعد دلالة الاخبار على الجواز.

مضافا الى ما في صحيحة الحلبي من نقل غطى رأسه، بدل غطّى وجهه، و ان كان الموجود في التهذيب هو الثاني، و الى ان ثبوت الكفارة لا يلازم الحرمة، إذ لا تنافي بين ثبوتها في مورد و عدم الحرمة، لإمكان ترتب الكفارة على المكروهات و التنزيهيات، لرفع الخصاصة و النقيصة غير الملزمة للترك، إذ المستفاد من النصوص ان اللّه تعالى يحبّ ان يرى الحاج أشعث و أغبر و ضاحيا و ان إشراق الشمس عليه محبوب عند اللّه، فمن ستر وجهه و منع عن إشراق الشمس عليه، فقد منع عن تلك الفضيلة و المحبوبية و لأجل ذلك جعل عليه الكفارة و ليس هذا من جهة التظليل إذ لا يصدق التظليل على من نام مقابل الشمس مع اللباس و ستر الوجه بل انما هو للمنع عن إشراق الشمس للوجه و الاضحاء، فالجمع بين الطائفتين من النصوص ان التغطية المحرمة على المحرم هو الرأس و اما الوجه فستره ليس بحرام بل هو مكروه، و لا وجه لحمل الكراهة على الحرمة بعد دلالة الصحاح الثلاثة المتقدمة على الجواز، و لذا يحمل الكفارة على الاستحباب.

و اما ما ورد في النصوص من جواز الستر عند النوم أو من الذباب، فإنما وقع السؤال عنه من جهة الابتلاء به و الحاجة إليه، إذ لا حاجة لستر الوجه في غير حال النوم، فالفرق بين الرأس و الوجه في التغطية عند النوم، للفرق بينهما في الحكم، لا لأجل النوم، كما ان ذكر الذباب و منعه بستر الوجه ايضا لبيان الحاجة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 59 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 209

و الابتلاء بالستر، لا لأجل الضرورة، و الا لا يفرق بين الستر للرأس و ستر الوجه لاشتراك الأذية فيهما.

و اما المحرمة فتغطية رأسها واجبة عليها و اما الوجه فيجب ان يكون بارزا لأن إحرام المرأة في وجهها كما ان إحرام الرجل في رأسه.

عن المنتهى انه قول علماء الأمصار و في الجواهر بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و هذا الحكم مخصوص بحال الإحرام و مختص به بما هو حال الإحرام مع قطع النظر عما يوجب وجوب الستر عن الأجنبي أو الإسدال، فلو كان أجنبي ناظر إليها يجب عليها الإسدال حتى تكون محفوظة عن النظر أو تجلس تحت خيمة و يكون الوجه مكشوفا و عن نظر الأجنبي محفوظة فإن الستر و التغطية لا يتحقق بالجلوس في مكان و لو كان تحت خباء أو في محمل، أو وراء جدار لاشتراط الملاصقة في صدق التغطية، و بهذا يكشف أهمية الحجاب للمرأة و التحفظ عن الأجانب، و لا يصح الاستدلال بعدم جواز ستر الوجه للمحرمة، و ان إحرامها في وجهها حال الإحرام، لاستثناء الوجه و الكفين عن حكم العام الدال على ان المرأة عورة كلها، إذ لو كان الوجه مستثنى عنه، لما حكموا بوجوب الإسدال عليها بان تجعل حائلا بين الغير و بين نفسها بإلقاء الستر أو بالمروحة بحيث لا يلتصق بالوجه و يبقى بارزا و لقد قوينا في تعليقنا على العروة في تلك المسئلة وجوب ستر الوجه على المرأة، و تعرضت هنا للتذكار على الذين يحتملون استثناء الوجه لكي يراجعوا و يتأمّلوا فيه.(1)


1- أقول ينبغي ان يحرر الكلام في مقامين، الأول وجوب ستر الوجه و الكفين على المرأة، و الثاني عدم اعانتها على الحرمة إذا كان الناظر إليها موجودا، و إثبات وجوب الإسدال للحفظ عن النظر لا يلازم إثبات الوجوب في المقام الأول، و أدلة الإحرام لا يبدل واجبا شرعيا ثابتا قبل الإحرام نعم يؤكد حراما أو يحرم مباحا و كذا حرمة النظر مع الريب الى الوجه أمر آخر، و بالجملة حرمة الإعانة على الأيم و وجوب الإسدال و حرمة النظر إلى الأجنبية مع الريب، غير ملازم لوجوب ستر الوجه على المرأة بالعنوان الأولي الذاتي، فلا بد في إثباته من دليل آخر غير الإعانة على الأيم

ص: 210

ثم ان المراد من الكشف الواجب للرأس على المحرم و للوجه على المحرمة، كالستر الواجب على المصلى و المصلية حال الصلاة الذي تبطل الصلاة بالكشف و لو آنا ما، أو المراد منه ان لا يتخذ المحرم لباسا لرأسه و المحرمة لباسا لوجهها، وجهان.

فعلى الأول يجب ان يكون الرأس و الوجه في المحرم و المحرمة مكشوفا و لا يجوز سترهما بجميع أقسام التغطية و لو بحك الرأس و الوجه و مسحهما بالمنديل و غيره، و لو آنا ما كما في الكشف المبطل للصلاة و الستر الواجب فيها إذا كان عن عمد.

و على الثاني يكون المعنى ان المحرم يجب عليه ان لا يتخذ لرأسه لباسا و كذا المحرمة يجب عليها ان لا يتخذ لوجهها لباسا كما في غير حال الإحرام فلا بد من التأمل في الروايات الواردة في المسئلة و في كلمات القوم.

اما الفقهاء رضوان اللّه عليهم فلم يثبت عنهم انهم يرون المقام مثل الستر حال الصلاة، حتى تحرم تغطية الوجه و الرأس و لو آنا ما بالحك و المسح بالمنديل و غيره، على نحو العموم، الا ان يدل دليل على جواز فرد من الستر، كما في النوم على الوجه، أو المسح بالمنديل بحيث لو لم يكن دليل خاص لقلنا بحرمتها ايضا، كما انه لم يثبت و لم يتحقق عنهم الاختيار للثاني في كشف الرأس و الوجه، بعدم اتخاذ الستر لهما، فالمهم نقل الاخبار في المقام.

و قبل نقل الاخبار لا بد من الإشارة الى ان ما يدل على جواز المسح للوجه بالمنديل أو النوم على الوجه أو حك الرأس و الوجه يمكن ان يكون المفاد ان تلك الموارد انما استثنيت من العام الدال على حرمة التغطية و لو بمثل هذه الأمور،

ص: 211

كما يحتمل ان تكون تلك الأمور و ذكرها لأجل التنبيه إلى انها لم تكن داخلة في العام، في مثل قوله عليه السّلام لا تخمر رأسك و لا تغطية، لانصراف التخمير و التغطية الى ما هو المتعارف من الخمار و القناع، لا ما هو خارج عن التعارف، كما في البحث في الستر و الساتر من أنه يتحقق بالطين و الحناء أو لا بد ان يكون الساتر مما هو متعارف الستر به و بما هو معد له.

و من النصوص ما رواه حماد عن حريز قال سألت أبا عبد اللّه عن محرم غطّى رأسه ناسيا، قال: يلقى القناع عن رأسه و يلبى و لا شي ء عليه. (1) ظاهر الرواية ان الامام عليه السّلام استفاد من التغطية في كلام السائل التغطية بالقناع، و لذا قال يلقى القناع عن رأسه و يعبّر عن كل ما يستر الرأس بالقناع و المقنع.

و رواية الحلبي قال: المحرم إذا غطى رأسه فليطعم مسكينا في يده. (2) و هذه الرواية لا تشمل التغطية للوجه بوضع اليد عليه أو تجفيفه و رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال قلت: المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطى وجهه، قال: نعم، و لا يخمر رأسه، و المرأة المحرمة لا بأس بأن يغطى كله وجهها عند النوم. (3) و هذه الرواية تدل على ان تخمير الرأس بإلقاء القناع عليه، أو اللحاف حين النوم لا يجوز و ان كان لدفع الذباب و اما عدم جواز تجفيف الرأس بالمنديل و غيره فلا يستفاد منها.

اما جواز تغطية المرأة وجهها كما أشير إليه في ذيل الرواية يمكن حمله على ما لا ينافي قوله عليه السّلام: إحرام المرأة في وجهها و رواية حريز قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم غطى رأسه ناسيا قال


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من بقية كفارات الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من بقية كفارات الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 59 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 212

يلقى القناع عن رأسه و يلبّى و لا شيى عليه. (1) و ظاهر التغطية بالنسيان ان الستر كان بما هو المتعارف، و يبعد شمولها لما نحن بصدده من اعتبار الكشف الذي يقابل الستر في تغطية العورتين و سترهما في باب الصلاة حتى يحرم التغطية بوضع اليد على الرأس في المحرم و مسح الوجه بالدلك و المنديل في المحرمة.

و فرّق بين الدلك و التغطية بما يقال في ضرب الجبهة على الأرض في السجدة و ارتفاعها قهرا، من انه لو تمكن من إمساك الرأس بعد الرفع يعد سجدة واحدة، و قد اشكلنا هناك بان الضرب لا يصدق عليه مفهوم السجدة فإنها عبارة عن وضع الجبهة على الأرض، و في المقام ايضا كذلك إذ المفهوم من الدلك غير الستر و التغطية، و لا يطلقان عليه.

و رواية الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه عن المحرم يغطى رأسه ناسيا أو نائما فقال يلبي إذا ذكر. (2) و يظهر من الرواية ايضا ان التغطية و الستر انما كان بما هو المتعارف.

و رواية زرارة أنه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن المحرم يقع الذباب على وجهه حين يريد النوم فيمنعه من النوم أ يغطى وجهه إذا أراد أن ينام قال: نعم. (3) عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال: المحرم يغطى وجهه عند النوم و الغبار الى طراز شعره. (4) و المستفاد من الروايتين ان تغطية الوجه لا حرمة فيها، و لكن الكلام في ان الجواز يختص بحال الاضطرار و الضرورة كما عليه ابن ابى عقيل، و اما


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من كفارات الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 7
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 213

في غيرها فتحرم تغطية الوجه بدليل ثبوت الكفارة عليها كما في بعض الروايات المتقدمة، أو لا يختص به لكن الظاهر من عدم ذكر الرأس عند النوم و الغبار ان تغطية الوجه لا تحرم أصلا لا من جهة إيذاء الذباب و الغبار عند النوم و غيره، إذ لا فرق في الاضطرار و الحاجة الشديدة إلى التغطية، بين الرأس و الوجه، فيجوز تغطية الرأس كما يجوز تغطية الوجه في ذلك الحال و مقابلة الوجه للرأس في الرواية و عدم ذكر الرأس فيها انما لبيان الداعي إلى العمل، و ان ستر الوجه انما يحتاج اليه المرء عادة حين ما يريد النوم، لا لبيان الشرطية و القيديّة مضافا الى ان تحقق الاضطرار بمثل الغبار و إيذاء الذباب مشكل، إلا إذا كان الذباب كبيرا كما شاهدناه.

و اما الشيخ فالتزامه بالكفارة عند تغطية الوجه كما في رواية الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا فقد (1) حمل على الاستحباب و لم يعملوا بظاهر الرواية مع احتمال ان تكون النسخة غطى رأسه كما في نقل آخر رواه صاحب الوسائل في باب الكفارات (2) و الحاصل ان تغطية الوجه جائز للمحرم دون الرأس و اما إعادة التلبية إذا غطاه ناسيا و ان كان الظاهر من قوله عليه السّلام يلبى هو الوجوب كما هو ظاهر الشيخ في التهذيب و لكن غيره من الفقهاء أجمعوا على استحباب التلبية بعد التغطية، كما في الكفارة.

تذييل

بقي مطلب لم يتعرض له في الروايات، و انما ذكر الفقهاء في كتبهم، و هو وضع الرأس على الوسادة فهل تصدق عليه التغطية بستر بعض الرأس بذلك


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من بقية كفارات الإحرام الحديث 1

ص: 214

أم لا، ذهب العلماء بأجمعهم إلى الجواز لعدم صدق التغطية عرفا، كما أوضحناه من ان الظاهر من التغطية ان لا يتخذ ثوبا لرأسه بمثل القناع و التخمير، لا مثل الستر الواجب في الصلاة بحيث يحصل بجميع أقسام الستر بالورق و اليد و الطين و يقابله الكشف بهذا المعنى و لو لحظة و يؤيّد ما ذكر جواز وضع الرأس على العمامة إذا كانت ملفوفة، و يصدق عليه ان الرأس مكشوف لا مستور، فكذلك الوسادة و وضع الرأس عليها، مضافا الى السيرة المستمرة التي يمكن ان تعد دليلا مستقلا، فإنها جرت بذلك، فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه كانوا يضعون رؤسهم على الوسادة و الأرض، و لا أقل على الأرض، لضرورة طبيعية يقتضي ذلك بل توجبه إذ لا يمكن إمساك الرأس في الهواء في مدة الإحرام، و عدم وضعه على الأرض و غيرها و هذه الضرورة الطبيعية ليست كسائر الضرورات حتى تتقدر بقدرها، و يكتفى بأقلها و اما تغطية المحرمة وجهها عند النوم يدل على جوازها بعض الروايات كرواية زرارة المتقدمة قال قلت لأبي جعفر الرجل المحرم يريد ان ينام يغطى وجهه من الذباب: قال نعم. و لا يخمر رأسه و المرأة لا بأس ان تغطى وجهها كله (1) و قد تقدم تفصيلا أن إحرام المرأة في وجهها، و يجب عليها ان تسفر عن وجهها بلا خلاف، بل الإجماع عليه بقسميه كما في الجواهر و عن المنتهى انه قول علماء الأمصار و في حسنة الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام مرّ أبو جعفر بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: أحرمي و أسفري الخبر (2) و في رواية مرّ أبو جعفر بامرأة محرمه و قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها (3)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 215

فعلى هذا لا يجوز للمحرمة تغطية وجهها إلا إذا كانت لضرورة كما إذا كان ناظر أجنبي ينظر إليها فيجوز أو يجب الإسدال عليها لأنها عورة يلزمها الستر من الرجال الأجانب و اما تغطية الوجه حال النوم فقد سمعت ما في صحيح زرارة من جواز تغطية المحرمة وجهها كله و نفى البأس عنه قال صاحب الجواهر قدس سره و لم أقف على راد له كما انى لم أقف على من استثناه من حكم التغطية انتهى و في حاشية التهذيب المطبوع قديما بعد نقل الرواية قال اجمع العلماء على ان إحرام المرأة في وجهها فلا بد من حمل الرواية على الضرورة، و احتمل انّ رمز الحاشية للمجلسي عليه الرحمة و قال صاحب الجواهر بعد نقل الرواية و يمكن إرادة التغطية بما يرجع الى السدل أو ما يقرب منه فتدبر هذا الظاهر ان الحمل على السدل بعيد سيما في حال النوم، و اما الاضطرار يحتمل ان يتحقق فيه لأجل ان المرأة إذا كانت في غير حال النوم تستر وجهها باليد و المروحة أو الإسدال عن ناظر أجنبي إليها و اما حالة النوم حيث انها في معرض النظر فلا يبعد ان تكون التغطية لوجهها جائزة لها حفظا عن الرجال الأجانب نعم لو كانت في بيت لا يقع النظر إليها أصلا، لا يجوز تغطية الوجه و ستره هذا تمام الكلام في التغطية اما التظليل فسيأتي إنشاء اللّه حكمه

ص: 216

في حكم التظليل
اشارة

و يحرم على الرجل المحرم التظليل عليه حال السير و الحركة إلى مكة و الى عرفات بان يجلس في محمل أو قبة أو عمارية، و اما السير في ظل الحمل أو الجدار فليس من التظليل المحرم لا خلاف في الحرمة إجمالا، بل ادعى الإجماع عليها، و لم يحك الخلاف الا عن الإسكافي حيث قال: يستحب للمحرم ان لا يظلل على نفسه لأن السنة بذلك جرت، و لكن العبارة ليست صريحة في ذلك إذ قد يعبر بالجواز عند الضرورة المحتمل لحرمة التظليل في غيرها، أو عدم الاستحباب عندها، و العمدة في المقام الأخبار المروية في المسئلة و ان كان أصل الحكم ثابتا لا شبهة فيه، الا ان الخلاف انما وقع في كيفية التظليل، كظل المحمل و الجدار، و ان المراد وقوع الظل على الرأس أو جعل شي ء فوقه و ان لم يوجد ظل كما في الليل و حال الغيم و ان الظل ما هو الحاصل من الشمس، أو يعم ظل القمر و النجوم، أو ان المراد من السير هو السير في الطريق، و يقابله التوقف، أو المشي و الحركة، و لو كان في المنزل و الدار

ص: 217

أو السوق كما لو أراد المحرم ان يشترى شيئا من السوق أو من الحانوت حين ما يتوقف عن السير و ان التظليل يصدق في الليل و في السيارة المسقفة أو الطائرة كما هو المبتلى به في عصرنا أو لا يصدق، فعلى كل حال لا بد من التأمل في مفاد الأخبار المروية في المسئلة و قد عقد شيخنا الحر العاملي في الوسائل بابا في المسئلة و قال باب تحريم تظليل الرجل المحرم على نفسه سائرا و نقل أخبارا كثيرة حول المسئلة منها رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عن المحرم يركب القبّة فقال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة قال: نعم (1) و القبة كانت مرسومة و معدة لإيجاد الظل على الراكب السائر، و كلمة لا ظاهرة في عدم جواز ركوب القبة بل صريحة فيه عن الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يركب في القبة، قال ما يعجبني الا ان يكون مريضا، قلت: فالنساء قال: نعم (2) و هذه الرواية و كلمة ما يعجبني ليست صريحة في التحريم بحيث لا يحتمله الشك، و يمكن حملها على التقية عن عبد اللّه بن المغيرة قال قلت لأبي الحسن الأول أظلل و انا محرم قال:

لا، قلت: أ فأظلل و أكفّر، قال: لا: قلت: فان مرضت، قال: ظلل و كفّر، ثم قال اما علمت ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس الا غابت عنه ذنوبه معها (3) هذه الرواية في مقام بيان ترتب الثواب على عمل الحاج إذا كان يضحى ملبيا و لا تستفاد منه الحرمة التكليفية و عدم جواز التظليل


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 218

و يمكن ان يقال انها في مقام الجواب عن السؤال من التظليل و ترتب الكفارة عليه، و قوله عليه السّلام بعد كلام السائل أظلل و انا محرم: لا: ظاهر في الحرمة، و اشتمال الرواية على ترتب الثواب على الاضحاء لا يمنع عن الظهور فيها نعم يستفاد من الرواية ان ما هو الواجب على المحرم الاضحاء، و ان يكون معرضا لشعاع الشمس و حرها و لا يستر نفسه عنها حتى تغيب الشمس، فعلى هذا فهل يستفاد منها جواز التظليل و ركوب القبة أو ركوب السيارات المسقفة بالليل، لعدم صدق الاضحاء إذا لم يركبها، أو لا يستفاد ذلك، فيحتاج إلى التأمل في الروايات للابتلاء به في عصرنا و كثرة السؤال عنه، حتى يعلم ان فيها تعرض بالليل أم لا.

عن هشام بن سالم قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يركب في الكنيسة، قال: لا، و هو في النساء جائزة (1) و عن الحلبي أيضا قال سألت أبا عبد اللّه على عن المحرم يركب في القبة، فقال ما يعجبني ذلك الا أن يكون مريضا (2) و التعبير بعدم الإعجاب يمكن ان يكون للتقية لا للّه دلالة على الجواز و كراهة التظليل، فإن العامة يرونه جائزا.

عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شق عليه و صدع فيستتر منها فقال: هو اعلم بنفسه إذا علم انه لا يستطيع ان تصيبه الشمس فليستظل منها (3).

و هذه الرواية تدل على جواز التظليل عند الاضطرار و الحاجة الشديدة إليه.

عن محمد بن منصور عن ابى الحسن عليه السّلام قال سألته عن الظلال للمحرم فقال:


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 219

لا يضلل الا من علّة أو مرض (1).

عن إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه السّلام قال سالته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم قال: لا: الا مريض أو من به علة و الذي لا يطيق حرّ الشمس (2).

عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد اللّه هل يستتر المحرم من الشمس فقال: لا. الا ان يكون شيخا كبيرا أو قال ذا علة (3).

و روى الحميري في قرب الاسناد مثله الا انه قال شيخا فانيا.

عن جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس بالظلال للنساء و قد رخص فيه للرجال (4).

و هذه الرواية حملها الشيخ الطوسي قدس سره على الضرورة و احتمل صدورها للتقية.

عن عبد اللّه بن مغيرة قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الظلال للمحرم فقال:

اضح لمن أحرمت له قلت: انى محرور و ان الحرّ يشتد علىّ فقال: اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المجرمين (5) عن قاسم بن الصيقل قال ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظلال عن ابى جعفر عليه السّلام كان يأمر بقلع القبّة و الحاجبين إذا أحرم (6) و لا يستفاد من فعل الامام عليه السّلام حرمة الاستظلال و ان كان الحكم إجماعيا نعم يستفاد منه أهمية الموضوع و مطلوبية ترك الاستظلال و ترتب الثواب عليه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 8
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 7
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 9
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 10
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 11
6- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 12

ص: 220

عن عثمان بن عيسى الكلابي قال قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام ان على بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد ان يحرم، فقال: ان كان كما زعم فليظلل و اما أنت فاضح لمن أحرمت له (1) عن زرارة قال سألته عن المحرم أ يتغطى قال: اما من الحر و البرد فلا (2) هذه الرواية المذكورة في باب التظليل في الوسائل مربوطة بالتغطية لا التظليل.

فهذه عدة روايات وردت في حكم التظليل و انه حرام على المحرم حال السير.

هل المقصود منها ان التظليل بالمعنى الحقيقي اللغوي حرام بان يمنع عن إشراق الشمس عليه بالجلوس تحت القبة في المحمل أو بإيجاد مظلة اخرى كالشمسية و غيرها فلو لم يكن شمس تشرق عليه كما في الليل أو الغيم فلا بأس بالجلوس تحت القبة و نحوها.

أو المراد ان إيجاد الشي ء فوق الرأس سواء كان قبة أو مظلة أخرى بنفسه حرام سواء كان هنا تظليل بالمعنى الحقيقي أم لا فعلى هذا جعل الشمسية فوق الرأس بالليل، أو النهار حال الغيم، أو الجلوس في المحمل المسقف بالليل أو السيارة كذلك يحرم على المحرم حال السير، وجهان.

قال في الدروس: فرع هل التحريم في الظل لقوات الضحى أو لمكان الستر فيه نظر، لقوله عليه السّلام اضح لمن أحرمت له و الفائدة فيمن جلس في المحمل بارزا الشمس، و فيمن تظلل به و ليس فيه و في كشف اللثام يغبى يجوز الأول على الثاني دون الأول و الثاني بالعكس.

و قال صاحب الجواهر قدس سره يمكن كون التظليل محرما لنفسه و ان لم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 13
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 14

ص: 221

يفت صحة الضحى للشمس، اى البروز بما أحرم به لها و لذا حرم حيث لا تكون شمس و ان أبيت ذلك فليس الا الاحتمال الأول ضرورة أن الستر لا اثر له في النصوص سوى بعض المطلقات في النهي عن الاستتار المحمولة على الستر المخصوص و اما الأول أي الاضحاء فقد عرفت تكرار الأمر به في النصوص المزبورة على وجه يظهر منه كون العلة في حرمة التظليل فوات الاضحاء انتهى موضع الحاجة.

فعلى ما استفاده صاحب الجواهر لكان ما ذهب اليه الدروس أقوى من انه لو جلس تحت القبة و اخرج رأسه الى الشمس لا اشكال فيه، و كذا لو جلس تحت الخيمة و اخرج رأسه لا يصدق عليه التظليل إذ لم يتحقق التظليل خارجا كما إذا لم تكن شمس كما في الغيم أو الليل، لوضوح الفرق بين ما لو قيل لا:

تجعل على رأسك شمسية أو شيئا آخرا، و بين ما إذا قيل لا تظلل على رأسك، إذ لا يتحقق التظليل الا مع وجود الشمس و جعل المانع عن إشراقها لكي يوجد الظل.

نعم هنا روايتان تدلان على حرمة التظليل من المطر و البرد ايضا و ظاهرهما النهى عن الجلوس تحت القبة و جعل المانع عن اصابة المطر و تأثير البرودة و ان لم يكن تظليلا بالمعنى الحقيقي.

و لكنهما ايضا تدلان على حرمة التظليل عن المطر و البرودة بجعل المانع عنهما و لا تدلان على حرمة جعل شي ء فوق الرأس بالليل أو حين الغيم و ان يكن اضحاء و لا حرّ من الشمس لو لم يفعل ذلك.

عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري انه كتب الى صاحب الزمان و سئل عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتل، فهل يجوز ذلك، الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم (1) عن زرارة قال سألته عن المحرم أ يتغطى قال اما من الحر و البرد فلا. (2)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 13 و لا يبعد ظهورها في تعطيه الرأس لا التظليل الذي نحن فيه.

ص: 222

و الحاصل انه لم نجد في الروايات و الاخبار و كذا في فتاوى العلماء اسم الليل مع التظليل، مع انهم يذكرون المصاديق النادرة في المسائل التي يبحث عنها كما في الدخول الموجب للغسل يصرّحون، حيّا كان أو ميّتا، و كان المناسب في المقام ايضا ان يقال: التظليل حرام ليلا كان أو نهارا و الحال انهم لم يتعرضوا له أصلا.

ثم انّ عدم تعرض القوم لما ذكر و سكوتهم عنه، فهل كان من جهة الاعتماد و الاتكال على ظهور كلمة التظليل الذي يتحقق مع وجود الشمس و بروزها لا عند غروبها أو غيابها تحت غيم، لوضوح انه لو قيل لا تسر تحت الشمس، فلا يستفاد منه الا اختصاص الحكم بالنهار و وجود الشمس، و لا يناسب ان يقال ليلا كان أو نهارا، و لفظة التظليل ايضا كذلك.

نعم لو كان المراد من التظليل المذكور في الروايات إيجاد شي ء يمنع عن إشراق الشمس إذا تحققت و طلعت لأمكن ان يقال ان التظليل على النهج المذكور غير جائز سواء كان ليلا أو نهارا و بعبارة اخرى ان كان المراد من التظليل انه لا يجوز للمحرم ان يصنع شيئا يكون مانعا عن إشراق الشمس عليه حينما طلعت فحينئذ يحرم الجلوس تحت القبّة و الخباء و الكنيسة و السيارة المسقفة بالليل سائرا أو حال الغيم مطلقا، و اما إذا كان المراد ان المحرم لا يجوز له ان يمنع عن إشراق الشمس عليه و عن الاضحاء، فلا يصح الإطلاق إذ لا يتحقق هذا المعنى إلا في النهار و وجود الشمس من دون غيم لا مطلقا و لم أجد من أطلق من العلماء حرمة التظليل ليلا كان أو نهارا غيما كان أو غير غيم نعم قال صاحب الجواهر عند ذكر كلام الدروس كما تقدم: يمكن ان يكون التظليل في حد نفسه حراما و ان لم يفت منه الضحى للشمس، و يكون الاضحاء واجبا آخر مستقلا، و يتفرع عليه انه، لو جلس تحت الخيمة بالليل أو النهار حين ما كانت الشمس مستورة بالسحاب و غير ظاهرة بسبب الغيم يكون حراما من جهة

ص: 223

التظليل لا من جهة فوت الاضحاء و كذا لو أخرج رأسه من الخيمة بالنهار حين ظهور الشمس.

و هذا الاحتمال صحيح لو كان ما ذكر في الروايات من لفظة الخيمة و الخباء و الكنيسة على نحو الموضوعية لا الطريقية، حتى يكون الجلوس في القبة حراما، و ان اخرج رأسه منها و أشرق عليه الشمس، و لو كان كذلك لاقتضت القاعدة و العادة في بيان المسائل و شقوقها ان يصرحوا به و يقولوا ليلا كان أو نهارا غيما كان أو غيره، أو يذكروا من محرمات الإحرام شيئين، التظليل و ترك الاضحاء و بالجملة المقصود من بيان الاحتمالات و ذكرها ان المسئلة ليست اجماعية و خالية عن النقض و الإبرام حتى يعد القائل بعدم حرمة التظليل بالليل أو حال الغيم، مخالفا له، إذ الفقهاء رضوان اللّه عليهم عبّروا في المقام بالتظليل و لم يذكروا التفصيل، و لا القمر و الليل مضافا الى ما في الروايات من قوله صلّى اللّه عليه و آله ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس الا غابت عنه ذنوبه معها و قوله عليه السّلام اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المجرمين (1) و ذكر المحمل و القبّة و الخباء في الروايات ليس من باب الموضوعية و الخصوصيّة. بل هو للمنع عن الشمس و الاضحاء، و لإيجاد الظل على المحرم فالجزم بشمول الحكم للتظليل بالليل و حال الغيم مشكل و ان قوينا في السابق ان الاحتياط ان لا يظلل بالليل و لم نجرأ ان نقول بجواز الاستظلال و ركوب السيارة بالليل سائرا و لكن لو استظل بالليل لا تجب عليه الكفارة و لو شك الأصل فالبراءة و الاحتياط حسن هذا تمام الكلام فيما لو جعل الظل فوق الرأس سائرا و اما غيره فيأتي حكمه في ضمن مسائل إنشاء اللّه.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 65 من تروك الإحرام الحديث 3- و 11

ص: 224

مسائل
المسئلة الاولى

قد اختلفت كلمات الفقهاء من أصحابنا فيمن نزل عن القبة و مشى في ظل المحمل سائرا أو مشى في ظل جدار أثناء السير أو القى ثوبا على جانب المحمل حتى يوجد الظل و يمشى فيه، أو يستر بعض جسده ببعض و أكثرهم على الجواز في جميع ذلك و يستفاد من بعض الاخبار ايضا و ينبغي ذكرها عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت الى الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم ان يمشى تحت ظل المحمل فكتب نعم (1) و قوله يمشى تحت الظل ظاهر في انه لم يكن على رأسه بحيث يمشى تحت المحمل و يكون هو فوق رأسه عن المعلّى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا يستتر المحرم عن الشمس بثوب و لا بأس ان يستر بعضه ببعض (2)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 225

معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض (1) عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكا اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به فقال: ترى ان استتر بطرف ثوبي، قال: لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك (2) عن الاحتجاج للطبرسي عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري انه كتب الى صاحب الزمان عليه السّلام يسأله عن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية أو الكنيسة و يرفع الجناحين أم لا فكتب إليه في الجواب: لا شي ء عليه في تركه رفع الخشب (3) مفاد الرواية ان المحرم كان رفع الظل الحاصل من الفوق برفع المظلة و ترك الخشب الواقع في الفوق و الجناحين فكتب عليه السّلام لا شي ء عليه في تركه رفع الخشب و لم يبين حكم الخشب الواقع في الجناحين فان كل محمل يتركب من ثلاثة أقسام الفوق و الجناحان و قد يحتاج إلى أربعة قطعات أو خمسة بإضافة المقدم و المؤخّر و نفى البأس عن رفع الخشب و تركه يمكن ان يكون مع الظلال و يحتمل ان يكون مختصا بالخشب لا الظلال فانّ رفع الظلال انّما كان واضحا فاحيل في الجواب الى الوضوح و اما الجناحان فلم يعلم الوجه في السكوت عنهما و يصير مجملا من هذه الجهة و لكنّ الظاهر ان الراوي سئل عن الظلال الحاصل من المظلة المصنوعة للمحامل و الخشب المركب في صنعها، و أجيب بأنه لا مانع في ترك الخشب الموجود في العمارية و الكنيسة إذا رفع الظلال و الثياب منها و بقي الهيكل مجردا عن الستارة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من كفارات الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 226

و في رواية أخرى عن الحميري انه سئل عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتل فهل يجوز ذلك، الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم (1) و مورد الرواية صورة الغيم و عدم بروز الشمس و صرح فيها ان التظليل في المحمل غير جائز و اما في غير المحمل بأن يمشي في جانب المحمل و استظل به فلا بأس به، هذا هو الظاهر من الرواية و لكنها تحتاج الى تصحيح السند و تقوية الدلالة و لا أقل من اعتماد العلماء عليها و ان كان المشي في ظل المحمل قد صرح في الرواية بجوازه و اما الجلوس في المحمل الذي يقع الظل من خشب الجناح على المحرم فهو مجمل لا يستفاد حكمه من الرواية فإن استفدنا من جواز المشي في ظل المحل ان الظل الواقع على المحرم إذا لم يكن فوق الرأس لا مانع منه فيجوز ان يجلس في المحمل مع وقوع الظل عليه من الجناحين لا من فوق الرأس و اما إذا قلنا انه فرق بين الجلوس في المحمل و بين المشي في ظل المحمل كما فرق الامام عليه السّلام بينهما في رواية الحميري فيصح ان يقال ان الموافق للاحتياط رفع الحاجبين و الجناحين إذا كان جالسا في المحمل و وقع الظل عليه منهما لإجمال الرواية و عدم الصراحة فيها بالنسبة الى غير المشي و كان صاحب الوسائل قدس سرّه استفاد جواز ذلك فقط و قال: باب جواز مشى المحرم تحت ظل المحمل و لم يتعرض للجلوس فيه و قد تقدم ان جعل النطع على رأسه في المحمل خوفا من المطر عليه دم كما في رواية الحميري و قد تعرضنا للرواية فيما سبق إجمالا و نذكرها هنا و نبحث حولها تفصيلا.

عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري انه سئل صاحب الزمان عليه السّلام عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتل


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 77 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 227

فهل يجوز ذلك، الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم (1) و الظاهر من الرواية ان جعل المظلة على الرأس لدفع الضرورة و المشقّة جائز فانّ تحملها و قبولها ليس بواجب شرعا، مثل الحرارة الشديدة الحاصلة من الشمس إذا أضرّت بالمحرم، و اما لغير الضرورة فليس بجائز، و عدم الجواز و ان لم يصرّح به في الرواية، بل قال لو فعل ذلك في طريقه فعليه دم لكنه بناء على ملازمة الكفارة للحرمة يعلم عدم جواز الاستظلال حال الاختيار، و يعلم ايضا ان جعل النطع و غيره فوق الرأس غير جائز و لو في حال الغيم و عدم ظهور الشمس، و لازم ذلك حرمة الاستظلال في الليل ايضا و لكن في الرواية احتمالين أحدهما ان يكون الحكم بالحرمة من جهة التظليل و إيجاد المظلة فوق الرأس حتى حال الغيم و عدم وجود الشمس و ثانيهما ان المنع عن المطر موجب للدّم، بمعنى انه يجب عليه تحمل المطر كما ورد في زيارة سيد الشهداء عليه السّلام من استحباب تحمل المشقة، إلا عند الضرورة فيمنع عن المطر و لكن يجب عليه الكفارة و الحاصل انه يحتمل ان يطلق على جعل النطع فوق الرأس التظليل و الاستظلال حتى حال المطر و الغيم كما يقال الشمسية إذا جعلها على رأسه بالليل مع عدم وجود الشمس فكذلك التظليل بالليل أو في الخباء بالنطع و غيره مع عدم الشمس أصلا.

و يحتمل ان يكون المراد من الاستظلال ما هو التظليل الحالي و الحقيقي.

فعلى الأول دلالة رواية الحميري على حرمة الاستظلال بالليل و حال الغيم بالتقريب الذي تقدم و على الثاني لزوم الدم في الرواية انما هو من جهة وجوب تحمل المطر و عدم المنع عنه الا عند الضرورة فلو لم يكن بالليل أو حال الغيم مطر لا مانع من جعل الشي ء من النطع و غيره فوق الرأس كما احتمله بعض المتأخرين


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 228

المسئلة الثانية

القدر المتيقن من النصوص ان الجلوس في المحمل المستور أعلاه لا يجوز للمحرم إذا كان الستر مانعا عن شعاع الشمس فهل يشمل ما لو كان المحمل أو السيارة مستورا أو مسقفا بالزجاج بحيث لا يمنع عن الشعاع و الحرارة، أو لا يشمل وجهان.

و منشأ الترديد ان الزجاج لا يمنع عن شعاع الشمس و الحرارة بل قد يكون الحرارة أشد، فإن كان المقصود من عدم التظليل و وجوب الاضحاء، إشراق الشمس و التأذي به فهو حاصل و يصدقان عليه و اما لو كان المراد الإشراق بلا واسطة و عدم حيلولة شي ء فلا يصدق الاضحاء، و لا أقل من الشك في المورد كما ان الشك حاصل في مطهرية الشمس إذا أشرقت من وراء الزجاج على المتنجس، و الاحتياط و كذا الاستصحاب يقتضي النجاسة إذا لم يعلم الحكم و مثله كراهة المقابلة و المواجهة للسراج فقد صرحوا بعدم البأس إذا كان بينه و بين المصلى مانع، لما قد يشك في ان الزجاج و غيره من الأجسام الشفافة التي لا تمنع من الضوء و الحرارة هل يعدّ مانعا أم لا و كذا في الحيلولة بين الصفين في الجماعة إذا كان الحائل مما ذكر و يختلف الحكم باختلاف الموارد، و فيما نحن فيه لا يبعد ان يكون الأصل البراءة من التكليف فان القدر المتيقن من الاستظلال المحرم، ان يمنع عن الشمس و شعاعها و الحرارة الحاصلة منها و الزجاج ليس كذلك إذا لم يعلم وجوب إشراقها عليه بلا واسطة شي ء، و ان لم يكن مانعا عنه

المسئلة الثالثة

يجوز للمحرم حال السير ان يستر بعض جسده ببعضه كما ورد ان رسول اللّه كان لا يركب المحمل و لكن يستر بعض جسده ببعضه.

روى جعفر بن محمد المثنى في رواية عن ابى الحسن عليه السّلام كان رسول اللّه يركب راحلته فلا يستظل عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض و ربما

ص: 229

يستر وجهه بيده و إذا نزل استظل بالخباء و في البيت و بالجدار (1) يستفاد منها ان وضع اليد على الرأس للمنع عن إشراق الشمس لا بأس به لصدق البعض على ذلك عن المعلى بن خنيس عن ابى عبد اللّه قال لا يستتر المحرم من الشمس بثوب و لا بأس ان يستر بعضه ببعض (2) عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض (3) و إطلاق الرواية يشمل حال كونه راكبا أو راجلا و ان وضع اليد على الوجه لستر الشمس عنه لا اشكال فيه و كذا لو وضع يده على رأسه من جهة الاستظلال و اما من جهة تغطية الرأس فلا يجوز لو قلنا بشمول الروايات الدالة على حرمة التغطية للرأس بمثل اليد و يخالف ما تقدم، و يعارضه ما روى عن سعيد الأعرج انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود و بيده قال: لا الا من علة (4) و مفاد الرواية ان ستر البدن من الشمس باليد أو العود لا يجوز للمحرم فلا بد من حملها على الكراهة في الستر باليد لما تقدم ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يستر بعض جسده ببعضه و لأجل ان تحمل المشقة و الزحمة و حر الشمس مندوب و ان اللّه يحب الحاج الأغبر و الاضحاء يوجب المغفرة و اما العود فتارة يكون صغيرا فهو مثل اليد في الحكم و اخرى يكون كبيرا و عريضا بحيث يوجب الظل و يكون كالاستظلال فلا يجوز كما إذا جعل على رأسه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 3
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 69 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 230

عودا عريضا و اما الستر بالثوب فالروايات فيه أيضا مختلفة عن المعلى بن خنيس عن ابى عبد اللّه عليهما السّلام قال لا يستتر المحرم من الشمس بثوب و لا مانع ان يستر بعضه ببعض (1).

عن عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه يقول لأبي و شكا اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به فقال ترى ان استتر بطرف ثوبي قال لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك (2).

و يجمع بين الروايتين بحمل ما تدل على الجواز على الضرورة و لعل اختصاص الوجه بذلك انما لدفع الضرر به و عدم الحاجة الى الزائد مع حفظ الرأس عن التغطية التي تحرم حال الإحرام أو عدم كون الظل على فوق الرأس بل على اليمين و اليسار كما نشير اليه

المسئلة الرابعة

قد تقدّم ان المشي تحت ظلّ المحمل لا اشكال فيه كما في رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة قال كتبت الى الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم ان يمشى تحت ظل المحمل فكتب عليه السّلام نعم الحديث (3) الرواية صريحة في جواز المشي تحت ظل المحمل و الاستفادة منه بهذا النحو، فهل يمكن شمول إطلاقها للمشي تحت المحمل بحيث يقع فوق رأسه، إذا لم يكن للجناح ظل مثلا، أو هي مخصوصة بالمشي في الظل الحادث من المحمل في جوانبه من دون ان يكون المحمل فوق رأسه و لكلّ وجه فقد جدّ و اجتهد بعض العلماء في ان التظليل المحرّم على المحرم هو


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 231

احداث الظل و إيجاده، لا الاستفادة من الظل الموجود فلو مرّ من تحت السقف أو الشجرة لا يصدق عليه التظليل و اما المحمل و الكنيسة انما صنعا للجلوس فيه لا للاستظلال.

لكن تصديق هذا الاجتهاد مشكل، إذ الظاهر من التظليل المحرّم على المحرم حال السير ان لا يسير تحت الظل، سواء أحدثه نفسه أو غيره كما لو أراد ان يسير بالسيّارة المسقفة فإنّه يصدق عليه التظليل و ان كان لم يوجده بل استفاد من ظل موجود.

و على كل حال لو استفدنا من رواية ابن بزيع المتقدمة الإطلاق و قلنا بجواز الاستظلال بالمشي تحت المحمل يكون الاستظلال المحرم في الرواية مختصا بالراكب لا الراجل كما ذكره بعض الأعاظم من العلماء و في رواية المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه قال عليه السّلام لا يستتر المحرم من الشمس بثوب و لا بأس ان يستر بعضه ببعض (1) و هذه الرواية شاملة بإطلاقها الراكب و الراجل و كذا ما لو جعل الثوب فوق الرأس حتى يقع الظل عليه و ما جعل و القى في جانب المحمل حتى يقع الظل من الجناح فعلى هذا مفاد الرواية الأولى جواز المشي في ظل المحمل و مفاد الثانية عدم جواز التظليل في المحمل بمثل الثوب يمكن الجمع بينهما بحمل الاولى على الظل الحادث من المحمل فيجوز و الثانية على الظل الذي يوجد باعمال سبب آخر مثل الثوب كما يمكن ان يقال ان الجواز يختص بما إذا كان الظل حادثا من الجناح و عدم الجواز بما إذا وقع الظل من فوق الرأس فلو القى الثوب على الجناح و حدث الظل من اليمين أو اليسار فلا حرمة في الاستظلال به أو يقال ان جواز الاستظلال انما هو للماشي و اما الراكب فلا يجوز له الاستظلال بالثوب و غيره كما هو الظاهر من رواية الحميري


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 232

المتقدمة (1)

المسئلة الخامسة
اشارة

ان حرمة التظليل على المحرم انما يختص بحال السير و الحركة و لا يحرم في المنزل حال التوقف أثناء السير و هذا الحكم متفق عليه عند علمائنا و الفارق النصّ من المعصومين عليهم السّلام و عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الإيراد و النقض فيه انما هو اجتهاد في مقابل النص و اعمال القياس في الدين و قد وقع البحث فيه بين أئمتنا عليهم السّلام و بين المخالفين عن الاحتجاج قال سأل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى بن جعفر بمحضر من الرشيد و هم بمكة فقال له: أ يجوز للمحرم ان يظل عليه محمله، فقال له موسى عليه السّلام: لا يجوز له ذلك مع الاختيار فقال له محمد بن الحسن: أ فيجوز ان يمشى تحت الظلال مختارا فقال له: نعم، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك فقال له أبو الحسن عليه السّلام أ تعجب من سنة النبي صلّى اللّه عليه و آله و تستهزئ بها، ان رسول اللّه كشف ظلاله في إحرامه و مشى تحت الظلال و هو محرم ان أحكام اللّه يا محمد لا تقاس فمن قاس بعضها على بعض فقد ظل سواء السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع (2) و رواه المفيد في الإرشاد عن ابى زيد عبد الحميد عن عيون الأخبار بإسناده عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال: قال أبو يوسف للمهدي و عنده موسى بن جعفر عليه السّلام: اتأذن لي ان أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شي ء فقال له: نعم فقال لموسى بن جعفر عليه السّلام أسألك و قال: نعم، قال:

ما تقول في التظليل للمحرم قال: لا يصلح قال: فيضرب الخباء في الأرض و يدخل البيت، قال: نعم قال فما الفرق بين هذين قال أبو الحسن: ما تقول في الطامث أ تقضي الصلاة قال: لا قال فتقضي الصوم قال: نعم. قال: و لم، قال: هكذا جاء فقال أبو الحسن: و هكذا جاء هذا، فقال المهدي لأبي يوسف ما أراك صنعت شيئا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 233

قال رماني بحجر دامغ (1) و عن محمد بن الفضيل قال كنا في دهليز يحيى بن خالد بمكة و كان هناك أبو الحسن موسى عليه السّلام و أبو يوسف. فقام إليه أبو يوسف و تربع بين يديه، فقال يا أبا الحسن: جعلت فداك المحرم يظلل، قال: لا، قال: فيستظل بالجدار و المحمل و يدخل البيت و الخباء قال نعم، قال: فضحك أبو يوسف شبه المستهزئ، فقال له أبو الحسن يا أبا يوسف: ان الدين ليس بقياس كقياسك و قياس أصحابك ان اللّه عز و جل أمر في كتابه بالطلاق و أكد فيه شاهدين و لم يرض بهما الاعدلين و أمر في كتابه بالتزويج و أهمله بلا شهوة فأتيتم بشاهدين فيما أبطل اللّه و أبطلتم شاهدين فيما أكد اللّه عز و جلّ و أجزتم طلاق المجنون و السكران حج رسول اللّه فأحرم و لم يظلل و دخل البيت و الخباء و استظل بالمحمل و الجدار فعلنا(فقلنا) كما فعل رسول- اللّه فسكت (2) عن جعفر بن محمد المثنى الخطيب عن محمد بن الفضيل و بشير بن- إسماعيل قال: قال لي محمد: الا أبشرك(أسرك) يا ابن مثنى، فقلت: بلى، فقمت اليه فقال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن عليه السّلام، ثم اقبل عليه فقال يا أبا الحسن ما تقول في المحرم يستظل على المحمل فقال له: لا، قال فيستظل في الخباء فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك يا أبا الحسن فما فرق بين هذا، فقال يا أبا يوسف ان الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون انا صنعنا كما صنع رسول اللّه و قلنا كما قال رسول اللّه، كان رسول اللّه يركب راحلته فلا يستظل عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض و ربما يستر وجهه بيده و إذا نزل استظل بالخباء و في البيت و بالجدار (3)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 234

و المستفاد من الروايات المتقدمة كما ترى ان الامام عليه السّلام استدل على الخصم بفعل الرسول و عمله، و انه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا نزل يستظل بالخباء و الجدار و لا يستظل حين ما يركب و يستفاد منه جواز الاستظلال بمثل الخباء و الجدار في المنزل و لا كلام في ذلك و انما الكلام في انه هل يقتصر في الحكم بالجواز على ما ذكر في الروايات و لا يتعدى منه الى غيره كما هو مقتضى الفعل بدعوى الخصوصية فيه، الموجبة للحصر و الاقتصار أو ليس الأمر كما ذكر بل يستفاد من الروايات ان الاستظلال المنهي عنه، و المحرّم على المحرم، انما هو حال السير فقط دون المنزل، و ان الحرمة مختصة بالأول دون الثاني، فعلى هذا ذكر الخباء و الجدار انما هو من باب المثال، و انهما مما يتعارف الاستظلال بها في المنازل فلا يبعد استفادة التعميم و تسرية جواز الاستظلال في المنزل بكل ما يمكن الاستظلال به بالشمسية و الثوب و غيرهما و الاستيحاش من الفرق بين السير و المنزل و استبعاده انما هو من اعمال القياس و ليس هو من مذهبنا و السنة إذا قيست ضيعت، كما في رواية البزنطي عن الرضا قال:

قال أبو حنيفة، أيش فرق بين ظلال المحرم و الخباء، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام ان السنة لا تقاس (1) و الظاهر المتبادر من جواب الامام عليه السّلام في رواية أبي يوسف بقوله عليه السّلام حج رسول اللّه فأحرم و لم يظلل و دخل البيت و الخباء و استظل بالمحمل و الجدار و كذا الظاهر من قول ابى الحسن عليه السّلام بمحضر من الرشيد: ان رسول اللّه كشف ظلاله في إحرامه و مشى تحت الظلال، ان هذا حكم جعله اللّه لحكمة و شرعه لمصلحة و لا يصح القياس فيه هذا ما هو الظاهر و يحتمل ان تكون الروايات واردة في مقام الفرق بين الراكب و الماشي لا بين السير و المنزل بمعنى انه صلّى اللّه عليه و آله يكشف ظلاله حين ما كان راكبا و يستظل حين


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 235

ما يمشى، و لكن الظاهر هو الأول، و ان كان المستفاد من رواية ابن بزيع المتقدمة جواز الاستظلال ماشيا ايضا كما في رواية الحميري و بالجملة لو استفدنا من روايات الباب عموم النهى و إطلاقه فلا بد من الاكتفاء بالقدر المتيقن من المخرج و الحكم بحرمة الاستظلال في غيره دون ما إذا لم يكن لأدلة النهي عن التظليل عموم أو إطلاق فيكتفى في شمول النهى بما هو الثابت دخوله تحت العام و هو الاستظلال بالخيمة و لو لكنيسة و المشي تحت ظلال الجدار و لكن يعلم من استدلال الامام عليه السّلام مع المخالفين ان الحكم مختص بحال السير و لا يشمل المنزل و هذا هو الوجه في اتفاق الأصحاب على جواز الاستظلال للمحرم إذا نزل و توقف عن السير كما صرح به صاحب الجواهر في نجاة العباد بأنه لا مانع من استظلال المحرم في المنزل هذا بالنسبة الى حال السير في قبال العامة الذين لا يقولون بحرمة الاستظلال أصلا و اما بناء على ما اختاره أصحابنا من حرمة الاستظلال حال السير فهل يمكن استفادة الخصوصية من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و انه مختص بالخيمة و الكنيسة و الخباء فمشكل إذا الظاهر من النصوص ان ذكر تلك الأمور انما هو من باب مصاديق الاستظلال لا لأجل خصوصية فيها فعلى هذا يشمل النهى جميع أنحاء الاستظلال بأي وجه اتفق الا ان يدل دليل خاص على الجواز

(تفصيل الكلام في المقام و تتميمه)

قد وقع الحكم بحرمة الاستظلال في النصوص بتعابير مختلفة يختلف بعضها عن بعض من جهة الدلالة سعة و ضيقا و ينبغي الإشارة إليها و ان قدمنا الروايات و تكلمنا حولها و قلنا ان المشهور حرمة الاستظلال على المحرم خلافا للعامة حيث أفتوا بجوازه و تمسكوا في ذلك بالقياس و عدم الفرق بين السير و المنزل في الجواز و عدم الجواز فيجوز الاستظلال حال السير كما يجوز في المنزل و قد رد الأئمة عليهم السّلام

ص: 236

ذلك و قالوا ان الدين لا يقاس فان رسول اللّه كشف الظلال حال السير و الركوب و دخل الخباء و الخيمة في المنزل و نحن نعمل كما عمل رسول اللّه و نصنع كما صنع و تدل النصوص على ذلك بتعابير مختلفة كما أشير اليه و نقل عن بعض أصحابنا جواز الاستظلال كالاسكافى و لكن كلامه ليس صريحا فيما ذكر و لا يضرنا ذلك فان لنا في النصوص غنى و كفاية و ان كانت التعابير مختلفة.

ففي رواية محمد بن مسلم المتقدمة عن أحدهما قال سألته عن المحرم يركب القبة فقال: لا، قلت فالمرأة قال نعم، و في رواية يركب الكنيسة فهل المراد ان الركوب في القبة بما هي قبة حرام أو لأجل أنها مصداق للاستظلال فلكل وجه و كذا الاحتمال في الكنيسة و ورد في بعض الروايات كلمة التظليل و الظلال و الاستظلال كما في رواية عبد اللّه بن المغيرة قال قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام أظلل و انا محرم قال: لا قلت أ فأظلل و أكفر قال: لا قلت فان مرضت قال ظلّل و كفّر ثم قال اما علمت ان رسول- اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس الا غابت ذنوبه معها (1) و في رواية أخرى له قال: سألت أبا الحسن عن الظلال للمحرم فقال: اضح لمن أحرمت و في رواية محمد بن الفضيل في مناظرة أبي يوسف مع ابى الحسن قال أبو يوسف يا أبا الحسن ما تقول في المحرم يستظل على المحمل، فقال: لا، قال فيستظل في الخباء قال نعم، الخبر و في ذيل الرواية كان رسول اللّه يركب راحلته فلا يستظل عليها و في رواية قاسم بن الصيقل قال ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظل من ابى جعفر عليه السّلام كان يأمر بقلع القبّة و الحاجبين إذا أحرم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 237

و في رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل يستتر المحرم من الشمس فقال لا الا ان يكون شيخا كبيرا (1) فهذه تعابير مختلفة واردة في الروايات التي منها القبة و الخباء و الكنيسة و الخيمة و الظلال و التظليل و الاضحاء و عدم الاستتار من الشمس و الاستظلال و الظل فهل الأربعة الأولى محرمة على المحرم بما هي أو بما انها مصاديق للتظليل فالمحرم عليه هو التظليل و لا خصوصية للخيمة و نظائرها و الظاهر كما تقدم ان الالتزام بالخصوصية فيما ذكر مشكل ثم ان المراد من التظليل هو ان يجعل على رأسه مظلة من قبة و شمسية أو المراد كونه في الظل مطلقا أو المقصود ان لا يستر نفسه عن الشمس بأي سبب كان فعلى هذا يجب عليه الاضحاء إذا كانت الشمس ظاهرة فلا يصدق التظليل في الليل و في حالة الغيم نعم لو قلنا ان المراد ان لا يجعل على رأسه مظلة أي ما يمنع به عن الشمس يشمل الليل و حال الغيم و لكن استفادة العموم من هذه الجهة مشكل فيشكل الجزم بالحكم في ركوب السيارات المسقفة بالليل أو حال الغيم نعم ورد في رواية الحميري انه سئل عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتل فهل يجوز ذلك، الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم (2) و ظاهرها ان صنع المظلة حين ما لا تكون الشمس ظاهرة و في حال المطر غير جائز للمحرم بل هو حرام و موجب للكفارة و لكنه يمكن ان يقال ان إيجاد المانع عن المطر بنفسه ممنوع لا من جهة الاستظلال كما ورد في زيارة سيد الشهداء عليه السّلام من اصابه المطر فله كذا و التعبير بالاستظلال انما وقع مجازا و المحذور في الواقع هو المنع عن المطر فتأمل و على كل حال لو استفدنا من


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 9
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 238

الأدلة عموم النهى و شموله لمطلق التظليل راكبا و ماشيا يمينا و يسارا لنحكما به الا ما قطع بخروجه من العموم كما في النساء و في المنزل و اما لو كان الدليل مجملا فيؤخذ بالقدر المتيقن دخوله تحت العام و الرجوع الى البراءة في غيره و لكن المستفاد منها العموم فيرجع في المشكوك الى العام، نعم لم يعلم ان المراد من النهى هو جعل المظلة فوق الرأس و لو لم تكن الشمس ظاهرة أو بالليل أو الاضحاء كما ورد اضح لمن أحرمت له فلا يستفاد العموم من هذه الجهة و ان كان الظاهر من الكل أو المتيقن منه الاستظلال من الشمس و المنع عن شعاعها

ص: 239

فيما خرج عن العموم و حكم بجواز الاستظلال
اشارة

ثم انه بناء على استفادة عموم النهى عن التظليل و الاستظلال خرج منه موارد لا بد من الإشارة إليها منها المحرمة يجوز للنساء الاستظلال حال الإحرام بلا خلاف و تدل عليه الروايات و ادعى الإجماع أيضا و لكن قال بعض العلماء: الا فضل ان لا تجلس المحرمة تحت القبة و لكن الرواية لم تشر الى تلك الأفضلية قد يوجه كلام هذا البعض بان الدليل العام الذي يدل على حرمة التظليل على المحرم يشمل المرء و المرأة الا ان الترخيص ورد بالنسبة إلى المحرمة فرفع الإلزام بترك التظليل و بقي أصله كما لو ورد أمر إلزامي بوجوب شي ء ثم رفع الإلزام فيقال ببقاء الاستحباب و ما نحن فيه ايضا كذلك إذ بعد رفع الحرمة عن التظليل للمحرمة يبقى التظليل مكروها و تركه مستحب و فيه ان هذا البيان يدل على كراهية الاستظلال على المرأة لا على أفضلية ترك التظليل لها مضافا الى ان الوجه المذكور انما يتم لو قلنا ان المحرم يشمل المرء و المرأة

ص: 240

و هو أعم منهما و اما لو قلنا انه يعلم من الاستثناءات انّ المراد من لفظة المحرم في الروايات هو المرء فقط فلا دليل على الكراهة في المحرمة نعم يمكن استفادة أفضليّة ترك الاستظلال بالنسبة إلى المحرمة من الأمر بالإضحاء في عدة من الروايات و انه ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس الا غابت ذنوبه معها و هذا يشمل كلّا من المرء و المرأة و ان ترك الاستظلال مطلوب من كل منهما لكن المرأة لأجل ضعفها و الإرفاق بها رخّص الشارع لها ان تستظل و رفع الحرمة عنها و بقيت المطلوبية على حالها كما في صلوتها في المسجد فإن الصلاة في المسجد مستحب لكل من المرء و المرأة و لكن ورد ان مسجد المرأة بيتها حيث رخص الشارع لربة البيت ان تصلى في بيتها و تكتسب ثواب المسجد و الأجر الحاصل من الصلاة فيه و هذا لا ينافي مطلوبية الصلاة في المسجد ايضا هذا هو الوجه في توجيه كلام البعض القائل بأفضلية ترك الاستظلال بالنسبة إلى المحرم و الا فلا يستفاد من أدلة الاستثناء الا جواز التظليل و اما الروايات فمنها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما قال سألته عن المحرم يركب القبة قال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة، قال: نعم (1) و رواية هشام بن سالم قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يركب في الكنيسة قال: لا، و هو في النساء جائزة (2) و رواية جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه قال: لا بأس بالظلال للنساء (3) و عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس بالقبة على النساء و الصبيان و هم محرمون (4)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 10
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 65 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 241

عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال و هي محرمة قال: نعم (1) و المستفاد من مجموع الروايات جواز التظليل للنساء و اما أفضلية ترك التظليل لها كما ذهب اليه بعض فلا يستفاد الا بالتقريب المتقدم.

و منها المنزل، يجوز للمحرم التظليل في المنزل إذا وقف عن السير و ادعى الإجماع عليه بقسميه و تدل عليه الروايات و هذا لا اشكال فيه و لا كلام إذا وقف الحاج عن السير و نزل و جلس تحت خيمة أو مظلة و اما التظليل حال التردد في المنزل أو حال التوقف في أثناء الطريق لانتظار الرفيق أو للتفتيش أو لإصلاح السيارة فيه توقف قال صاحب الجواهر لا خلاف في جوازه(اى التظليل) للرجل حال النزول بل الإجماع عليه بقسميه مضافا الى النصوص السابقة و بذلك يقيد إطلاق غيرها، نعم قد يتوقف في تظليل يسير معه راكبا أو ماشيا للتردد في المنزل و نحوه فالأحوط ان لم يكن أقوى اجتنابه انتهى و عن كشف اللثام بعد الجزم بجواز التظليل جالسا في المنزل، قال: و هل الجلوس في الطريق لقضاء حاجة أو إصلاح شي ء أو انتظار رفيق أو نحوها كذلك، احتمال و في الجواهر بعد نقل كلام كشف اللثام و مقتضاه احتمال عدم الجواز ايضا فيه و ان كان التحقيق خلافه الا انه أحوط لا يبعد دعوى شمول إطلاق أدلة التحريم للموارد فان القدر المتيقن من الخارج ما إذا كان النزول و التوقف لأجل الاستراحة كما هو المعمول، بخلاف ما لو توقف المحرم لأمر آخر مثل التفتيش عن اسمه و وطنه و استظل حينئذ نعم لو نزل و توقف عن السير و مشى الى قضاء حوائجه أو وقف على الركب كالسيارة و غيرها و لم ينزل على الأرض أصلا و أكل الغذاء فيه فالظاهر انه كالمنزل و توقف عن الحركة و اما إذا لم يتوقف


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 65 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 242

للاستراحة و التغدّى أو التعشي و لو على المركب فيشكل القول بجواز التظليل و ان الحرمة يختص بحال السير و المشي في الطريق فقط لا غيره و ان لم يكن نازلا للاستراحة.

ثم انه لو تزل خارج مكة و تردد الى المسجد الحرام قبل ان يأتي بأعمال العمرة فهل له ان يستظل في طريقه الى المسجد و هو محرم أم لا هذه المسئلة مبتلى بها في زماننا فان كثيرا من الحجاج قد ينزلون خارج مكة و يذهبون الى المسجد بالسيارة فهل يجب ان لا يستظلوا في الذهاب الى المسجد الحرام بان يسيروا بالسيارات التي لا سقف لها أو الحكم في المقام حكم المنزل لانتهاء السفر بالوصول إلى مكة بهذا الحد، كل محتمل و لا يبعد القول بحرمة التظليل في السير الى المسجد إلا إذا كان محل النزول قريبا منه بحيث يعد المسجد من توابع المنزل أو هو من توابعه.

و منهاالمشي في ظل المحمل تقدم الكلام فيه و لكنه اختلفت كلمات الفقهاء في المراد منه قد يقال ان المراد هو المشي في الظلال حال السير إذا نزل عن المركب و مشى راجلا فإنه يجوز له الاستظلال بظل المحمل أو غيره بخلاف ما إذا كان راكبا فعلى هذا وقع تخصيص آخر على عموم أدلة التحريم الدالة على حرمة التظليل حال السير.

و قد يقال ان المقصود من المسئلة ان المحرم إذا نزل اى توقف عن الحركة و السير و نزل في المنزل لأجل الاستراحة يجوز له المشي تحت ظلال المحمل و غيره من الظلال و هذا هو البحث الواقع بين الخاصة و العامة حيث أنكر علما و هم على الأئمة الطاهرين عليهم السّلام ذلك و قاسوا الاستظلال حال السير بالجلوس في الخيمة و الخباء في المنزل و المشي في الظلال و حكموا بجواز الاستظلال مطلقا ورد ائمة الدين كلامهم بانا صنعنا كما صنع الرسول صلّى اللّه عليه و آله و ان الدين لا يقاس كما تقدمت الإشارة اليه و الرواية فيه.

ص: 243

فعلى هذا ليس هذا استثناء آخر و تخصيصا أكثر من التخصيص و الاستثناء في المنزل فيكون المورد متحدا مع المنزل و المهم التأمل في اخبار الباب ليعلم ما في كلمات الاعلام فان الموضوع غير منقح في كتب الأصحاب عن المسالك يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظل فوق رأسه كالمحمل فلا يقدح فيه المشي في ظل المحمل و نحوه عند ميل الشمس الى أحد جانبيه و ان كان قد يطلق عليه التظليل لغة و انما يحرم حالة الركوب فلو مشى تحت الحمل و المحمل جاز انتهى عن الروضة في شرح قول الشهيد:(و التظليل للرجل الصحيح سائرا) انه قال: فلا يحرم نازلا إجماعا و لا ماشيا إذا مر تحت المحمل و نحوه، و المعتبر منه ما كان فوق رأسه فلا يحرم الكون في ظل المحمل عند ميل الشمس الى أحد جانبيه.

و عن كشف اللثام بعد ان حكى جواز المشي تحت الظلال عن بعض قال و هل معنى ذلك انه إذا نزل المنزل جاز له ذلك كما جاز جلوسه في الخيمة و البيت و غيرهما لا في سيره، أو جوازه في السير ايضا حتى ان حرمة الاستظلال يكون مخصوصا بالراكب كما يظهر من المسالك، أو المعنى المشي أن في الظل سائرا لا بحيث يكون ذو الظل فوق رأسه أوجه ثم وجه الأول و قال و هو أحوط لإطلاق كثير من الاخبار النهي عن التظليل ثم الأحوط هو الأخير انتهى و المستند في ذلك رواية إسماعيل بن بزيع قال كتبت الى الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم ان يمشى تحت ظل المحمل فكتب نعم (1) ظاهر الرواية المشي تحت الظل حال السير لا في المنزل الا ان الظل له احتمالان أحدهما ان يمشي في أحد جانبي المحمل و يقع الظل الحادث منه عليه و ثانيهما ان يكون مرتفعا و يمشى تحت المحمل و يقع ظله عليه و يكون المحمل فوق


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 244

رأسه و لكن القدر المتيقن من التخصيص ان لا يكون المحمل فوقه و ان يمشى في ظل المحمل الحادث في أحد الجانبين فعلى هذا تخصص أدلة النهي بالمشي في ظل المحمل سائرا كما هي مخصوصة بالاستظلال حين كان في المنزل و منها الاضطرار لا إشكال في جواز الاستظلال إذا كان المحرم مضطرا اليه لمرض أو شدة الحر و غيره و ادعى الإجماع عليه و تدل النصوص عليه بتعابير مختلفة نقدم بعضها ففي صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يركب في القبة فقال ما يعجبني ذلك الا ان يكون مريضا (1) و في رواية عبد اللّه بن المغيرة المتقدمة عن ابى الحسن الأول الى ان قال قلت فان مرضت قال ظلل و كفر و في رواية محمد بن منصور عنه عليه السّلام لا يظلل الا من علة أو مرض و في رواية إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الى ان قال: الا ان يكون شيخا كبيرا و في نسخة شيخا فانيا و في أخرى ذا علة عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شق عليه و صدع فيستتر منها فقال عليه السّلام: هو اعلم بنفسه إذا علم انه لا يستطيع ان تصيبه الشمس فليستظل منها (2) و في رواية إسحاق بن عمار عن ابى الحسن قال سألته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم قال لا الا مريض أو من به علة و الذي لا يطيق حر الشمس (3) فهل المراد من التعابير المذكورة الحرج الشديد و الاضطرار الأكيد الذي يصح التمسك في رفع حرمة الاستظلال بأدلة الاضطرار و لا حرج و لا يحتاج إلى


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 2 و 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 245

أدلة خاصة أو الأعم منه و أوسع من ذلك بحيث يمكن ان لا يشمله دليل الحرج و قوله عليه السّلام و ما اضطروا اليه و لكن يرفع الحكم بالحرمة بالأدلة الخاصّة فعلى الأول لا بد من الاكتفاء بالقدر المتيقن خروجه عن حرمة التظليل في المرض و العلّة و حرّ الشمس و عدم الطاقة و لا يصح الاستدلال بعموم الأدلة الخاصة و إطلاقها في رفع الحكم بل المرفوع في الواقع ليس الا ما رفع بالحرج و الاضطرار، و لا تفيد تلك العمومات شيئا زائدا عليه فالأمر يدور مدار الحرج و الحكم ايضا يتبعه و اما بناء على الثاني و ان المرض و العلة و عدم الطاقة لحرارة الشمس المذكور في الرواية منزل على العرف لا على الحرج الشديد الموضوع في قاعدة لا حرج فيرفع الحكم بالحرمة بما يكون خارجا عن الحد المتعارف الذي يتحمله كثير من الناس في شئونهم و ان لم يصل الى حدّ الحرج الذي لا يتحمله كثير من الناس و ان تحمله قليل منهم و الظاهر من التعابير الاحتمال الثاني كما يلوح من قوله عليه السّلام الّا ان يكون شيخا فانيا أو لا يطيق حر الشمس أو إذا علم انه لا يستطيع ان تصيبه الشمس إذ تلك الأمور و الموارد ليست بحيث يوجب حرجا شديدا خارجا عن القدرة و لا يستطيع ان يتحمله الشخص بل نظير احتمال الضرر في الصوم زائدا على ما يوجبه أصل الصوم من التعب و الألم قد يشاهد في الحجاج ان بعضا منهم أثرت الشمس في رأسهم حتى جرح و لكن ليس امرا حرجيا لا يطيقه، نعم هو خارج عن التعارف و منها الاستظلال و الاستتار بالثوب إذا لم يكن فوق الرأس بل يقع الظل من الجانبين على المحرم و هذه المسئلة ايضا غير منقحة في كلمات الأصحاب قال صاحب الجواهر اما الاستتار بالثوب و نحوه عن الشمس سائرا على وجه لا يكون على رأسه، فعن الخلاف و المنتهى جوازه بلا خلاف، بل في الأخير

ص: 246

نسبته الى جميع أهل العلم حيث قال جاز ان يستظل بثوب ينصبه إذا كان سائرا و نازلا، لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة لضرورة أو غير ضرورة عند جميع أهل العلم انتهى كلامه روى معلى بن خنيس عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يستتر المحرم من الشمس بثوب و لا بأس ان يستر بعضه ببعض (1) عن عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه يقول لأبي و شكا اليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذى به فقال ترى ان استتر بطرف قال لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك (2) هنا روايتان تدل إحداهما على عدم جواز التستر و الأخرى على الجواز إذا لم يصب الثوب الرأس فهل مراد العلماء جواز التستر في حال الضرورة أو مطلقا كما نقل عن المنتهى فغير منقح الا ان رواية ابن سنان تدل على الجواز عند الضرورة و التأذي من الشمس و لكنها أيضا مجملة من أجل انّ المقصود من قوله عليه السّلام ما لم يصبك رأسك هو ان لا تحصل التغطية للرأس التي هي محرمة أيضا فحينئذ لا فرق بين فوق الرأس و غيره أو المراد ما لم يكن الثوب فوق الرأس بل يكون من الجانبين كما صرح به في كلام الجواهر و غيره فكل محتمل و لم يعلم ان مستند العلماء في الفرق بين ما كان الثوب فوق الرأس أو اليمين و اليسار رواية عبد اللّه بن سنان أو غيرها و لكن استفادة الفرق المذكور من الرواية مشكل، و بناء على الاستفادة يكون تخصيصا آخرا للأدلة العامة الدالة على تحريم الاستظلال على المحرم، و مع ذلك القدر المتيقن من التخصيص الاختصاص


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 247

بالضرورة، و ان لا يكون الظل فوق الرأس إذا لم يكن مضطرا الى ذلك(1)

مسئلة

لو زامل المحرم الصحيح شخصا يجوز له التظليل لعذر من الأعذار أو لكونه امرأة فهل يجوز للمحرم الصحيح ان يستظل هو ايضا كما يستظل زميله أو لا يجوز له ففيه روايتان قال المحقق قدس سره لو زامل الصحيح عليلا أو امرأة اختص العليل و المرأة بجواز التظليل و قال في الجواهر بلا خلاف أجده فيه لإطلاق الأدلة و خصوص خبر بكر بن صالح أو صحيحة.

قال كتبت الى ابى جعفر الثاني ان عمتي معي و هي زميلتي و يشتد عليها الحرّ إذا أحرمت افترى أن أظلل علىّ و عليها فكتب عليه السّلام ظلل عليها وحدها (2) هذه الرواية صريحة في اختصاص التظليل بمن كان الاستظلال له جائزا و لا يجوز للزميل الصحيح و يعارضها رواية عباس بن معروف عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه(الرضاخ) قال سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه إله أن يستظل فقال نعم (3) وقع الخبر موردا للنقاش و الخلاف في ان الضمير(في إله أن يستظل) يرجع الى المحرم، أو الى الزميل العليل فعلى الأول تعارض الرواية الأولى الدالة على عدم جواز استظلال المحرم الصحيح و اما على الثاني فالمعنى للزميل العليل ان


1- يمكن ان يقال ان اختصاص جواز التستر من الشمس من اليمين أو اليسار دون فوق كما في كلمات بعض الفقهاء انما هو لعدم صدق التظليل إذا لم يكن فوق الرأس كما هو المتبادر
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 68 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 68 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 248

يستظل فلا تعارض في البين كما استظهره صاحب الوسائل قدس سره حيث قال بعد نقل الرواية المراد ان للعليل ان يستظل، لا للصحيح إذ ليس بصريح في غير ذلك قاله الشيخ و غيره و يحتمل التقية و الضرورة انتهى أما الضرورة فاحتمالها بعيد للتصريح بان الزميل هو الذي يشتد عليه الحرّ و يضطر الى التظليل و لكن في الرواية احتمالين آخرين أحدهما ان يكون صنع المحمل بحيث لا ينفك عن الظل على المحرم الصحيح و لا يخلو عنه فعند ذلك له ان يستظل و ان كان فوق رأسه.

و ثانيهما ان السائل سئل عن الظل الحادث على المحرم من زميله العليل و محمله و مكانه، فأجاب الإمام بعدم المنع عنه و على هذا يوافق ما ورد من جواز المشي تحت ظل المحمل و في جانب اليمين و اليسار و على الاحتمالين لا ينفك المورد عن الضرورة لصعوبة الاجتناب عن الظل الحادث و عدم الإمكان للمحرم ان يترك المحمل.

و الحاصل ان الرواية ليست صريحة في جواز استظلال الزميل الصحيح مطلقا فالقدر المتيقن من الرواية اما صورة الاضطرار و عدم إمكان الاجتناب من الاستظلال أو فرض المسئلة في الظل الحاصل من اليمين أو اليسار و القول بعدم حرمته كما نقل عن بعض فيما تقدم و لكن استفادة ذلك من الرواية مشكلة.

و من المستثنيات عن عموم أدلة تحريم الاستظلال على المحرم الصبيان فإنه يجوز لهم الاستظلال مطلقا بلا خلاف كما في الجواهر و تدل عليه صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بالقبة على النساء و الصبيان و هم محرمون (1) هذا آخر ما أردناه في حكم التظليل و غاية ما رمناه و لكن بعض الموارد ما


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 65 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 249

أشرنا اليه لم يكن منقحا في كتب الفقه كالاستظلال من الجانبين و المشي تحت المحمل أو الحمل أو وقف المحرم عن السير لإصلاح أمر أو للتفتيش و القرانطينة أو لمنع البليس و نحو ذلك فلا بد في جميع تلك الموارد من الأخذ بالقدر المتيقن الخارج عن عموم أدلة حرمة التظليل، و الحكم بالحرمة في غيره لعمومية أدلة النهي كما نقله الجواهر عن المنتهى ففي كل مورد يقطع بخروجه عن عموم الأدلة يحكم بجواز الاستظلال و في غيره بالحرمة

ص: 250

في حكم الإدماء و إخراج الدم
اشارة

و ممّا يحرم على المحرم و المحرمة الإدماء و إخراج الدم بأي سبب كان بالحجامة و قلع الضرس و حكّ الجسد و المسواك و غير ذلك الا عند الضرورة كما عليه كثير من الفقهاء و عن المقنعة و جمل العلم و العمل و النهاية و المبسوط و غيرها لم نجد رواية تدل على حرمة الإدماء و إخراج الدم على نحو العموم نعم وردت نصوص خاصة في الحجامة و حك الجسد و السواك و النهى عنهما إذا كانا ملازمين للادماء و لعله لهذا ذكر بعض الحجامة أو لا ثم عطف عليها إخراج الدم و لو بالسواك و في الجواهر قد يقال ان مقتضى الأصل جواز إخراج الدم بغير ما عرفت(اى المنصوص في الرواية) كعصر الدمل و قلع الضرس و غير ذلك مما لا يدخل في النصوص مضافا الى خبر الصيقل انه سأل أبا عبد اللّه عن المحرم يؤذيه ضرسه أ يقلعه قال نعم لا بأس (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 95 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 251

و ان كان يمكن حمله على الضرورة الا أنه يكفى في الجواز الأصل بعد عدم ما يدل على حرمة مطلق الإدماء إلا ما تسمعه ان شاء اللّه و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط انتهى لا بد من ذكر النصوص أولا و التأمل فيما يستفاد منها من اختصاص الحرمة بالنصوص فيها أو شمولها لمطلق الإدماء و إخراج الدم عقد صاحب الوسائل بابا لحكم الحجامة و قال في الباب الثاني و الستين من تروك الإحرام: باب تحريم الحجامة على المحرم إلا للضرورة فيحتجم بغير حلق و لا جزّ.

و قال في الباب الحادي و السبعين من هذه المسئلة باب تحريم مطلق إخراج الدم و ازالة الشعر للمحرم إلا في الضرورة و نقل في باب الحجامة إحدى عشر رواية على حسب ترتيبه و في الباب الثاني ثلاث روايات.

امّا الحجامة فمن النصوص الواردة فيها رواية الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم قال: لا، الا ان لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم (1) عن زرارة عن ابى جعفر(ع) قال لا يحتجم المحرم الا ان يخاف على نفسه ان لا يستطيع الصلاة (2) عن الحسن الصيقل عن ابى عبد اللّه عن المحرم يحتجم قال: لا الا ان يخاف التلف و لا يستطيع الصلاة و قال إذا أذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و لا يحلق الشعر (3) و الروايات الثلاث ظاهرة بل صريحة في حرمة الاحتجام على المحرم الا عند الضرورة و الحاجة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 252

و تقابلها روايات أخر تستظهر منها الكراهة أو تدل على الجواز منها رواية يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يحتجم قال لا أحبه (1) رواية حريز عن ابى عبد اللّه قال لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر (2) و مرسلة الصدوق قال احتجم الحسن(الحسين) بن على و هو محرم (3) عن مقاتل بن مقاتل قال رأيت أبا الحسن عليه السّلام في يوم الجمعة في وقت الزوال على ظهر الطريق يحتجم و هو محرم (4) عن الفضل بن شاذان قال سمعت الرضا عليه السّلام يحدث عن أبيه عن آبائه عن على عليه السّلام قال: ان رسول اللّه احتجم و هو صائم محرم (5) و الظاهر من الرواية الاولى من كلمة(لا أحب) هو الكراهة التي يمكن اجتماعها مع الحرمة الثابتة بالأدلة المعتبرة فلا يقع التعارض بين الطائفتين، و اما لو قلنا ان كلمة لا أحب صريح في الكراهة مقابل الحرمة فلا بد من حمل الرواية على صورة الاضطرار و لكن سند الرواية ضعيف و اما رواية حريز الدالة على نفى البأس عن الاحتجام ما لم يقطع الشعر و ان كانت مطلقة تشمل صورتي الاضطرار و الاختيار الا انها تقيد بما ورد من تقييد الجواز بصورة الحاجة و الاضطرار فتحمل عليها و يشهد بذلك الجمع خبر إسماعيل بن عمار عن ابى الحسن و فيه و ان كان أحدكم يحتاج إلى الحجامة فلا بأس به (6)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 7
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 9
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 10
6- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 253

و مثله رواية ذريح انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم فقال: نعم إذا خشي الدم (1).

فالأخبار التي تدل على عدم البأس بالاحتجام للمحرم مطلقا لا بد ان تحمل على صورة الاضطرار و الحاجة اليه، و الخوف من التلف، ان لم يحتجم.

و اما الجمع بين الطائفتين بحمل الطائفة الأولى على الكراهة و الثانية على أصل الجواز فقد اختاره الشيخ في محكي الخلاف و عن المحقق في النافع و عن المصباح ايضا و قال صاحب الجواهر و هو لا يخلو عن وجه لو لا الشهرة التي ترجح الجمع الأول بالتقييد بالضرورة مع عدم اجتماع شرائط الحجية فيما يدل على الجواز مطلقا، و عدم ظهور لا أحب المذكور في صحيح حريز في الكراهة، نحو لا ينبغي المستعمل في الحرمة و الكراهة معا.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 254

في حكم إخراج الدم و الدماء
اشارة

و اما إخراج الدم و الدماء على النحو الكلى فكلمات القوم فيه مختلفة بل مضطربة لم يتعرض لها الأستاد مدّ ظلّه الا إجمالا و لكني انقل ما ظفرت عليه ليكون القارئ على زيادة بصيرة و اطلاع قال المحقق قدس سره في الشرائع فالمحرمات عشرون شيئا الى ان قال و إخراج الدم الا عند الضرورة و قيل يكره و كذا قيل في حك الجلد المفضي إلى إدمائه، و كذا السواك و الكراهة أظهر انتهى موضع الحاجة و قال صاحب الجواهر في شرح كلام المحقق قدس سره: و يحرم على المحرم(إخراج الدم) في الجملة «إلا عند الضرورة» كما في المقنعة و جمل العلم و العمل و النهاية و المبسوط و الاستبصار و التهذيب و الاقتصار و الكافي و الغنية و المراسم و السرائر و المهذب و الجامع انتهى و لم يذكر الشرائع الاحتجام خاصة بل درجة في إخراج الدم و استدل

ص: 255

صاحب الجواهر له برواية الصيقل الواردة في الاحتجام (1) و اما قول المصنف: «و قيل يكره» فقد شرحه الجواهر هكذا و قيل و القائل الشيخ في محكيّ الخلاف «يكره» الاحتجام و تبعه المصنف في النافع و عن المصباح و مختصره كراهيته و القصد، و لعله للجمع بين ما سمعت و بين صحيح حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام لا بأس بأن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر، و خبر يونس بن يعقوب ثم قال: و هو لا يخلو من وجه لو لا الشهرة المزبورة التي ترجح الجمع بين النصوص بالتقييد بالضرورة انتهى و اما حك الجلد فقد شرح قول المصنف بما يأتي(و كذا) الكلام على ما(قيل في حك الجلد المفضي إلى إدمائه) الذي اقتصر عليه في محكي الاقتصار و الكافي ثم استدل للحرمة بخبر عمر بن يزيد و يحك الجسد ما لم يدمه و صحيح معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم كيف يحك رأسه قال بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر (2)

(في حكم السواك)

و اما السواك فقد شرح قول المصنف(و كذا السواك) بما يأتي و كذا الكلام في السواك المفضي إلى الإدماء الذي عن القاضي الاقتصار عليه و على الحك، كما عن النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع ذكرها مع الاحتجام خاصة و عن المقنعة معه و الاقتصار و عن جمل العلم و العمل ذكر الاحتجام و الاقتصار و حك الجلد حتى يدمي و حمل قوله(الكراهة أظهر) على حك الجلد و السواك و استدل له مضافا الى الأصل برواية معاوية بن عمار. قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المحرم يستاك


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 71 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 256

قال: نعم، قلت: فإن أدمى يستاك قال: نعم هو من السنة (1) و التحقيق ان استفادة الحرمة لإخراج الدم و الإدماء على النحو الكلى و كذا الكراهة كذلك من النصوص مشكلة فان استفدنا ذلك فلا بد من حمل ما تدل على الجواز على الاضطرار بناء على الأول أو على التقية و الضرورة أيضا بناء على الثاني و كذا بناء على عدم استفادة الكلية حرمة كانت أو الكراهة نأخذ بالمصاديق المذكورة في الرواية و نحمل ما تدل على عدم البأس فيها على الاضطرار أو التقية فأما ما تدل على الجواز مطلقا فمنها:

رواية معاوية بن عمار المتقدمة قال قلت لأبي عبد اللّه المحرم يستاك قال نعم، قلت فإن أدمى يستاك، قال نعم هو من السنة (2) و رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال سالته عن المحرم هل يصلح له ان يستاك قال لا بأس و لا ينبغي ان يدمي فيه (3) اما الرواية التي استدل بها للكراهة لا بد من حملها على الضرورة فإن السواك مع الإدماء ليس من السنة إجماعا إذا قصد الإدماء فهي متروك الظاهر الا ان يقال انه استاك ناويا للسنة فأدمى من غير اختيار فحينئذ لا بأس به و اما رواية على بن جعفر انما تدل على الكراهة إذا كان كلمة لا ينبغي ان يدمي فيه ظاهرة في الكراهة و مستعملة فيها فتقدم على ما تدل على الحرمة بحمل النهى فيها ايضا على الكراهة الا انها تستعمل في المعنيين الحرمة و الكراهة و لا رجحان لإرادة الثاني منها بل يمكن ان يراد منها الحرمة فتكون موافقة للروايات الدالة على الحرمة لا معارضة لها و اما الروايات الواردة في الدمل و الجرب و جواز قطع رأسها الملازم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 71 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 71 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 257

لإخراج الدم فهي أيضا محمولة على الضرورة روى على بن جعفر عن أخيه قال سألته عن المحرم تكون به البثرة تؤذيه هل يصلح له ان يقطع رأسها قال لا بأس (1) عن عمار بن موسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه قال يحكه فان سال الدم فلا بأس (2) عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن المحرم يعصر الدمل و يربط على القرحة قال لا بأس (3) و رواية حسن الصيقل انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم تؤذيه ضرسه أ يقلعه فقال: نعم لا بأس به (4) و هذه الروايات و نظائرها كلها قابلة للحمل على الضرورة و الحاجة لا الاختيار فلا يكون دليلا على الجواز مطلقا و اما القائلون بكراهة إخراج الدم مطلقا انما يقولون ان تلك الاخبار لا ذكر فيها من الضرورة و الاضطرار بل شاملة للاختيار و غيره فيحكم بجواز إخراج الدم للمحرم مطلقا و يحمل كل ما يدل على المنع و عدم الجواز على الكراهة فيجمع بذلك بين النصوص و يرتفع التعارض و لكن كما أشير إليه استفادة الكلية و العموم بالنسبة إلى الكراهة أو الحرمة مشكل و ان نفى صاحب الجواهر العموم في الحرمة و قال يكفى في الجواز الأصل بعد عدم ما يدل على حرمة مطلق الإدماء إلا ما تسمعه و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط انتهى كلامه قدس سره و الإنصاف أن اختصاص الحرمة بما ذكر في النصوص في الحجامة و السواك


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 70 من تروك الإحرام الحديث 9
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 71 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 70 من تروك الإحرام الحديث 5
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 95 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 258

و غيره مشكل فلا يبعد استفادة حرمة إخراج الدم مطلقا الا ما خرج بالدليل و يشهد لما ذكرنا ما ورد في حك الرأس و غيره إذ يبعد الالتزام بالخصوصية في مثل المورد عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم كيف يحك رأسه قال:

بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر (1) و عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و يحك الجسد ما لم يدمه (2) الظاهر من الروايتين ان مطلق الإدماء و إخراج الدم من جميع الجسد مبغوض لا انّ الإدماء بخصوص الأظافر من خصوص الرأس أو الوجه مبغوض و عنه منهي، إذ يبعد جدا ان يعلم السائل ان الإدماء مثلا بالسكين و غيره جائز، و لم يعلم حكم الإدماء بالأظافير و سئل عنه، بل المقطوع انه سئل عن إخراج الدم و حكمه، بأي وجه اتفق و في أي عضو من البدن وقع، لا خصوص الرأس و اللحية، فعلى هذا لا يبعد القول بعدم جواز إخراج الدم مطلقا، الا في الاضطرار، هذا فيما اخرج المحرم الدم من بدنه و اما من بدن غيره فسيأتي إنشاء اللّه حكمه ثم انه بناء على القول بالحرمة أو الكراهة فهل يحرم على المحرم إخراج الدم من بدن غيره إنسانا كان أو حيوانا كما يحرم من بدنه أو يختص الحكم ببدنه لم أعثر على رواية خاصة في ذلك الا ما ورد في علاج دبر الجمل روى الكليني قدس سره عن ابى على الأشعري عن الحسن بن على الكوفي عن العباس بن عامر عن عبد اللّه بن جبلة عن عبد اللّه بن سعيد قال سأل أبو عبد الرحمن أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعالج دبر الجمل قال: فقال: يلقى عنه الدوابّ و لا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الإحرام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 259

يدميه (1) فهل المستفاد ان الحكم من جهة الإيذاء أو لأجل الإدماء فعلى كل حال يكون الإدماء من الإنسان أيضا كذلك بطريق أولى فإن كان لأجل الإيذاء فلو رضي انسان بإخراج الدم من بدنه هل يجوز أم لا فالرواية ساكتة عن جميع ذلك و الأصل البراءة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 80 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 260

في بيان حد الاضطرار الموجب لجواز إخراج الدم

قد تقدم ان النهى عن إخراج الدم و الاحتجام تحريما كان أو تنزيها يرفع عند الضرورة و الحاجة و قد بين حدّ الاضطرار الموجب لجواز الإدماء و إخراج الدم بثلاثة تعابير أو أربعة أحدها الخوف من التلف و الثاني إذا خشي الدم و لعله يتحد مع الأول الثالث إذا لم يستطع الصلاة و الرابع إذا أذاه الدم عن الحسن الصيقل عن ابى عبد اللّه عن المحرم يحتجم قال: لا، الا ان يخاف التلف و لا يستطيع الصلاة و قال إذا أذاه الدم فلا بأس به و في رواية ذريح إذا خشي الدم (1) و (2) و قد عبر عن هذه الثلاثة بالحاجة إلى إخراج الدم كما في رواية إسماعيل بن عمار عن ابى الحسن عليه السّلام قال سألناه الى ان قال و ان كان أحدكم يحتاج إلى الحجامة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 261

فلا بأس به الخبر (1) فهل العناوين المذكورة يكفي وجود كل واحد منها في تحقق الاضطرار أو يشترط في ذلك اجتماع جميع العناوين في مورد واحد.

اما الخوف من التلف فظاهره الخوف على النفس من الموت و هو أشد من الحرج و عدم الاستطاعة للصلاة و من التأذي و هل تعقب العناوين الثلاثة في رواية الصيقل بقوله عليه السّلام إذا أذاه الدم تنزل عن الأشد بالأدون أو المراد منه بقرينة الصدر الخوف من التلف كما ان قوله إذا خشي الدم نزل عليه إذ قد يتحقق التأذي من غير خوف التلف و كذا العكس كما يمكن ان يصل الأذى إلى حدّ يخاف على نفسه و خشي الدم و لا يستطيع الصلاة.

و بالجملة هل المعيار في رفع الحكم المتعلق بإخراج الدم تحقق العناوين الثلاثة المذكورة أو يكفي الأذى بقرينة المقابلة و تحقق كل واحد من العناوين كما في تقصير الصلاة إذا خفي الأذان فقصر و إذا خفي الجدران فقصر فقد وقع البحث هناك ايضا ان الشرط في جواز تقصير الصلاة تحقق خفاء الأذان و الجدران معا، أو المعتبر تحقق واحد منهما.

ثم انه بناء على كفاية التأذي فهل يشترط ان يبلغ الأذى إلى حد يخاف التلف و لا يستطيع الصلاة أو يكفي أقل مرتبة الأذى و ان لم يصل الى ذاك الحد فكل محتمل و لكن لا يبعد ان يقال ان المستفاد من قوله عليه السّلام إذا خاف التلف لا بأس به، انه يكفى في رفع الحكم سواء تأذى أو لم يتأذ و استطاع الصلاة أو لم يستطع.

و كذا الظاهر من لا يستطيع الصلاة الاكتفاء به سواء خاف التلف أو لم يخف و تأذّى أو لم يتأذ فكل واحد من العناوين علة مستقلة للحكم بالجواز و لا يتقيد بوجود غيره أو الجامع بينها لو فرض لا ما يكون خارجا عنها فعلى هذا لا مانع من ان يقال ان التأذي الذي يوجب رفع الحكم هو المرادف لخوف التلف و عديله لا نفسه فلا يعتبر ان يصل الى حد خوف التلف أو عدم الاستطاعة للصلاة.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 262

في قص الأظفار

و مما يحرم على المحرم قص الأظفار و قطعها، و عبر المحقق بقص الأظفار و ادعى عدم الخلاف فيه بل الإجماع بقسميه و عن المنتهى و التذكرة نسبته الى علماء الأمصار و المراد من القص كما صرح به بعض العلماء الإزالة مطلقا و لا يشترط ان يكون بالمقراض و المذكور في الروايات القص و القلم عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه قال سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره قال لا يقصّ شيئا منها ان استطاع فان كانت تؤذيه فليقصّها و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام (1) عن إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه السّلام قال سألته عن رجل نسي ان يقلم أظفاره قال، فقال: يدعها، قال قلت انها طوال قال: و ان كانت، قلت: فانّ رجلا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 77 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 263

أفتاه أن يقلّمها و يغتسل و يعيد إحرامه ففعل قال: عليه دم (1) يظهر من الرواية ان من قلم أظفاره جاهلا بالحكم عليه دم و هو مشكل لعدم وجوب الكفارة على الجاهل و يمكن إرجاع الضمير في عليه الى من افتى و لو لا ذلك يعارضها ما تدل على عدم وجوب الكفارة على الناسي و الساهي و الجاهل كما في رواية زرارة عن ابى جعفر قال من قلّم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمدا فعليه دم (2) و يرفع التعارض بما تقدم من إمكان إرجاع الضمير في عليه دم الى من افتى كما ورد في رواية أخرى عن إسحاق الصيرفي قال قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام ان رجلا أحرم فقلم أظفاره و كانت له إصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصه فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصّه فأدماه فقال على الذي افتى شاة(3) (4) هذا حكم المختار و اما المضطر فيجوز له قص الظفر و قطعه و ان كان عليه الكفارة.

عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه قال سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره قال لا يقص شيئا منها ان استطاع فان كان تؤذيه فليقصّها و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام (5)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 77 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من بقية الكفارة الإحرام الحديث 2- 5
3- يمكن ان يكون الخبر ناظرا إلى الإدماء لا القص فقط الا ان الكفارة يجب على الذي افتى
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 13 من كفارات الإحرام الحديث 1
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 77 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 264

و المستفاد من قوله ان استطاع انه يجب عليه ان لا يقصّ الظفر و انه حرام عليه ما دام له استطاعة عرفية و قدرة عادية نعم إذا لم يستطع كذلك و كانت له مشقة و زحمة و حرجا عليه يرفع التكليف كما في الحرج و اما المستفاد من قوله ان كانت تؤذيه فهو أخف و أدون من الحرج إذ الظاهر من التأذي انه قابل للتحمل عرفا و ليس فيه مشقة كثيرة بالغة حد الحرج الموجب لرفع التكليف فهنا جملتان متفاوتتان من حيث المضمون فهل المدار في جواز قصّ الأظفار و عدمه على الاستطاعة و عدمها فيحمل التأذي و الأذى عليها ايضا فالمعنى إذا تأذى بحيث لا يستطيع الصبر يجوز له القص أو يقال إذا استطاع بحيث لا يتأذى لا يجوز القص و اما إذا استطاع مع التأذي يجوز قلم الأظفار هذا إذا أمكن الجمع بينهما و اما إذا لم يمكن الجمع بين الجملتين و لا الترجيح فيهما فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن من المخصص، لاتصاله بالعام قد يقال ان اللازم فيما إذا لم يمكن الترجيح الأخذ بالقدر المتيقن من العام الذي تدل على حرمة قص الأظفار و هو ما لم يكن المحرم متأذيا عن ترك الأظفار فإن إجمال المخصص يسرى الى العام إذا كان متصلا فلا ينعقد للعام ظهور في جميع الافراد، و الداخل فيه يقينا ما كان خاليا عن التأذي و يكون حراما اللهم الا ان يقال ان الرواية المخصصة لعموم النهي مجملة و مرددة بين الأقل و الأكثر و منفصلة عمّا تدل على حرمة قص الأظفار من الروايات فيؤخذ بالقدر المتيقن من الاستثناء و يدخل الفرد المشكوك في عموم العام ان كان ثم انه يستفاد من الروايات الواردة في باب الكفارات انه لا فرق في الحرمة و ترتب الكفارة على قص الظفر بين إصبع واحد و الأصابع و ان اختلفت الكفارة باتحاد المجلس و اختلافه

ص: 265

عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه قال إذا قلّم المحرم أظفار يديه و رجليه في مكان واحد فعليه دم واحد و ان كانتا متفرقتين فعليه دمان (1) عن حريز عمن أخبره عن ابى جعفر عليه السّلام في محرم قلم ظفرا قال: يتصدق بكف من طعام قلت ظفرين قال كفين قلت ثلاثة قال ثلاثة أكف قلت أربعة قال أربعة أكف قلت خمسة قال: عليه دم يهريقه فان قص عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه الا دم يهريقه (2) و آخر الرواية محمول على اتحاد المجلس لما مر


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 12 من كفارة الإحرام الحديث 6
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 12 من كفارة الإحرام الحديث 5

ص: 266

في حكم قطع الشجر و الحشيش في الحرم و خارجه
اشارة

و يحرم على المحرم و غيره قطع الشجر و الحشيش من الحرم عطفه الشرائع على قصّ الأظفار و أضاف الجواهر يحرم على المحرم و غيره قطع الشجر و الحشيش من الحرم الذي هو بريد في بريد.

و لعل عدم جواز قطع الشجر لغير المحرم ايضا لحفظ حرمة الحرم و هو أربعة فراسخ في أربعة فراسخ و لا فرق في حرمة القطع بين قطع أصل الشجر أو فرعه و ورقه و كذا لا فرق بين القلع و النزع و بين الرطب و اليابس و ان وقع الخلاف في بعض ما ذكر كما يأتي و ادعى الإجماع و عدم الخلاف فيه و لكن دليلهم ايضا الروايات الواردة في المقام و عقد صاحب الوسائل في المسئلة خمسة أبواب في تروك الإحرام و بابا واحدا في الكفارات قال في الباب السادس و الثمانين من أبواب تروك الإحرام باب تحريم قطع الحشيش

ص: 267

و الشجر من الحرم للمحل و المحرم و قلعه فان فعل وجب إعادتها و جوازه في غير الحرم لهما اما جواز قطع الشجر في الحل فتدل عليه روايات منها رواية عبد اللّه بن سنان قال قلت لأبي عبد اللّه المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته قال: نعم، قلت له ان يحتش لدابته و بعيره، قال نعم و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فإذا دخل الحرم فلا (1) و رواية محمد بن مسلم عن أحدهما قال: قلت المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم قال نعم قلت فمن الحرم قال لا (2) و اما عدم جواز قطع الشجر من الحرم للمحرم فتدل عليه مضافا الى الإجماع المدّعى و الروايتين المتقدمتين نصوص اخرى منها:

عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين الا ما أنبتته أنت و غرسته (3) عن جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال رآني على بن الحسين و انا أقلع الحشيش من حول الفساطيط، فقال يا بنى ان هذا لا يقلع (4) يعلم من إرشاد الامام على بن الحسين عليه السّلام للإمام الصادق عليه السّلام ان قلع الحشيش ما كان مطلقا للمحرم قال صاحب الوسائل قدس سره بعد نقل الرواية هذا محمول على كون القطع قبل التكليف و النهى للتنزيه بالنسبة اليه و لم يعلم وجه ما حمله على ذلك فان توجيه الحكم بالنسبة إلى الصغير و الكبير متساو و اختصاص النهي التنزيهي بالنسبة الى الامام عليه السّلام مشكل و كذا الحمل


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 85 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 85 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 86 من تروك الإحرام الحديث 4
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 86 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 268

على ما قبل التكليف فإن الأئمة المعصومين عليهم السّلام عالمون بالأحكام الدينية في الصغر كما بعد التكليف عن هارون بن حمزة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال ان على بن الحسين عليه السّلام كان يتقى الطاقة من العشب ينتفها من الحرم قال: و رأيته و قد نتف طاقة و هو يطلب ان يعيدها مكانها (1) فهذه روايات تدل على حرمة قطع الشجر و الحشيش على المحرم في الحرم فهل هي ناظرة إلى الخضر منهما أو يشمل اليابس ايضا و كذا يشمل الأخذ من الشجر الذي قطعه غيره أو قلع بأمر طبيعي، أو يختص الحكم بما يكون نابتا و ثابتا على الأرض لا مقطوعا، و كذا الكلام في قطع الفرع الذي أصله في الحرم و هو خارجه، أو العكس اى الفرع الذي في الحرم و أصل الشجر خارج عنه، فلا بد من التأمل في جميع ذلك و في حكم الثمر فهنا مسائل لا بد من الإشارة إليها و التأمل فيها و قد يستدل لحرمة قطع الشجر و الحشيش بجميع الأنحاء و الأقسام برواية حريز المتقدمة و هي أشمل الروايات و أعمها و فيها قال: أبو عبد اللّه كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين الا ما أنبتته أنت و غرسته (2) تدل الرواية على انّ كل نبات في الحرم يحرم قطعه و هو مطلق شامل للرطب و اليابس و الورق و الثمر و اللحاء على الناس أجمعين، محلّين كانوا، أو محرمين، و كذا يشمل القطع و النزع و الكسر، لعدم ذكر متعلق الحرمة فيها، كما انه يشمل الأصل و الفرع مطلقا إذا كان الأصل نابتا في الحرم و ان كان الفرع خارجا عنه، و اما لمس اليد و مسه فلا يستفاد من الرواية كالاعتماد على الشجر و الجلوس تحته في المنزل


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 86 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 86 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 269

مسئلة

الظاهر انه لا فرق بين الرطب و اليابس من الغصن و الورق ما دام متصلا بالشجرة و الحشيش و عن الدروس و التذكرة و التحرير الإشكال في قطع اليابس بل نقل جواز قطعه و عن المسالك جواز القطع و ان كان متصلا بالأخضر لانه كقطع أعضاء الميتة من الصيد و عن التذكرة نعم لا يجوز قلعه فان قلعه فعليه الضمان لانه لو لم يقلع لنبت ثانيا و لكن عن المنتهى لا بأس بقلع اليابس من الشجر و الحشيش لانه ميّت فلم تبق له حرمة و هذا مناف لما نقل عن التذكرة الا ان يحمل على يابس لا ينبت و أورد الجواهر على التعليل المذكور في المنتهى بأنه لا يوافق أصولنا و لا يصح الفرق بين الرطب و اليابس إذ لا دليل عدا ما يتوهم من لفظ الخلاء في رواية زرارة على اختصاص الحكم بالرطب و هو غير تام كما يأتي عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول حرم اللّه حرمه بريدا في بريد ان يختلى خلاه أو يعضد شجره الا الإذخر أو يصاد طيره (1) و هذه الرواية بناء على ان الخلاء الرطب لا يعارض غيره لعدم الصراحة بجواز قطع اليابس مضافا الى ان بعض أهل اللغة ذكر ان معنى الخلاء هو الحشيش اليابس.

قال الجوهري الخلا مقصورا الحشيش اليابس هذا ملخص كلام الجوهري و لكنه خلاف الظاهر إذ لو كان كل من الرطب و اليابس حراما على المحرم فذكر البعض دون الأخر خلاف التعارف و ظهور المقام مثلا لو كان اللوز قسمين الحلو و المرّ و كان كل نوع منه حلالا فأراد المتكلم بيان ذلك و قال الحلو حلال يفهم منه ان غير الحلو ليس بحلال نعم المانع عن المعارضة إجمال كلمة الخلاء و تردده بين معنيين أحدهما الحشيش اليابس كما عن الجوهري و الثاني الرطب


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 270

فعن النهاية الخلا مقصورا النبات الرقيق ما دام رطبا و في مجمع البحرين في حديث لا يختلى خلاه اى لا يجتز نبتها الرقيق ما دام رطبا و إذا يبس سمى حشيشا فعلى هذا لو ثبت كون الخلاء هو الرطب يقيد به العموم الدال على حرمة كل ما نبت في الحرم مطلقا و اما إذا لم يثبت انه النبات الرطب بل يطلق على كل نبات، فيكون خبر الخلا أيضا أحد أفراد العموم الدال على الحرمة مطلقا لا مقيدا له.

و اما التعليل المنقول عن المنتهى لجواز قطع اليابس، بأنه لقطع أعضاء الميتة من الصيد فالمقصود ان قطع عضو ميت ليس صيدا كما إذا راى صيدا مغلولا على شجر فأخذه ففكه أو رأى عضوا منه عليلا فقطعه ليريحه فكذلك المقام، لكنه غير وجيه، بل ليس الا قياسا لا نقبله، و لا يكون دليلا مع انه قياس فارق و قد يوجّه جواز قطع اليابس في الحرم، بان الظاهر من قوله عليه السّلام كل شي ء ينبت في الحرم، ماله روح نباتي و قوة نامية لا ما سلبت منه ذلك كالغصن المنكسر الملقى على الأرض الذي تسالم القوم على الانتفاع منه و قد فصّل بعض في الغصن المنكسر بأنه لو قطعه آدمي لا يجوز الانتفاع منه و أخذه، و اما لو انكسر بغيره فيجوز و وجهه بأنه لو قطعه آدمي محلا كان أو محرما يكون كصيد اصطاده محرم فلا يجوز اكله و لو لغير المحرم بخلاف ما لو انقطع و كسر بنفسه لكن الوجه غير وجيه، فان الدليل الخاص الوارد في الصيد ألزمنا بما ذكر و لا يكون دليلا للمقام، و القياس ليس مما يرام و لكن المتراءى و المتبادر من النصوص ان كل شجر و حشيش في الحرم قائم و ثابت على الأرض فهو محرم على الناس لا ما قطع و القى عليها تهب عليه الرياح و لا دليل على حرمته و يلزم ايضا بناء على العموم ان يكون كل حطب و شجر

ص: 271

في المكة حراما الا ما علم انه من الخارج نعم لو علمنا بالسيرة المستمرة و الإجماع المدعى ان المقطوع من نبات الحرم غير حرام فينصرف العموم الى ما كان متصلا بالشجر و اما إذا لم نعلم ذلك و استفدنا العموم من الأدلة و شموله للمقطوع و غيره فلا يفرق بين ما قطعه آدمي أو غير آدمي.

مسئلة

ثم انه بناء على جواز قطع اليابس فهل يفرق بينه و بين القلع أو الحكم متحد فيهما نقل عن بعض الشافعية اختصاص الجواز بالقطع دون القلع و نقل عن العلامة قدس سره في التذكرة عدم جواز القلع فان قلعه فعليه الضمان، و علله بأنه لو لم يقلع لنبت ثانيا و قال في الجواهر لا بأس به و نقل عن العلامة في المنتهى ما يخالف قوله في التذكرة حيث قال لا بأس بقلع اليابس من الشجر و الحشيش لانه ميت فلم تبق له حرمة و يمكن ان يحمل كلامه الأول على ما لم ييبس الأصل بحيث لو لم يقلع لنبت ثانيا و كلامه الثاني الى ما سلبت منه الروح النباتية و النمو بحيث لا ينبت و لو لم يقلع و لكن الحق ما تقدم منا في الفرق بين اليابس و الرطب من انه العموم لو شمل المورد لا يفرق بينهما و في المقام ايضا كذلك فان قلنا ان المراد من قوله كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين الشي ء الخارجي و المصداق المتحقق في الحرم على نحو الإشارة و المرآتية فيحرم كل شي ء من أشجار الحرم و نباته رطبها و يابسها قلعها و قطعها و أخذها فلو قطع شي ء منها و القى على الأرض أو يبس يجب تركه حتى تذروه الرياح و يصير هباء منثورا و رميما و ترابا و لا فرق في ذلك بين القلع و القطع و اما لو قيل ان المتبادر منه كما أشير إليه في المسئلة السابقة ان كل ما في الحرم، مما فيه القوة النامية و النباتية من النباتات و الأشجار

ص: 272

فهو حرام فحينئذ يجوز قطع كل يابس و قلعه و نزعه حتى لو يبس غصن على شجرة أو يبس من الأصل إذ لا دليل على حرمة القلع أو القطع بعد عدم شمول العام نعم لو قيل انّ كل شي ء من أشجار الحرم و نباته ما دام قائما على الأصل فهو حرام على الناس لا يجوز قطع الغصن اليابس إلا إذا القى على الأرض فيجوز أخذه كما تسالم الفقهاء على الانتفاع منه و لا فرق بين ما قطعه آدمي أو قطع بأمر طبيعي كالرياح الشديدة و غيرها كما أشير إليه في المسئلة السابقة

مسئلة

هل الثمر إذا انيعت مثل الورق و الشجر يحرم قطعه و اكله على المحرم أم ليس كذلك لانصراف الأدلة عنه الظاهر انه لو لا الإجماع على عدم الفرق بين الثمر و غيره يشكل استفادة العموم من الأدلة بالنسبة إليه نعم لو القى الثمر على الأرض و سقط من الشجر لا إشكال في جواز أخذه و اكله

ص: 273

فيما خرج عن العموم
اشارة

بناء على استفادة عموم الحرمة لكل ما نبت في الحرم لا بد من التخصيص فيه لما ورد من النصوص الدالة على جواز قطع بعض الأشجار في الحرم و ينبغي الإشارة إلى الخلاف أيضا في بعض النباتات منها الكمأة و الفقع نقل عن التذكرة و غيرها جواز أخذ الكمأة و الفقع من الحرم و قال صاحب الجواهر هو في الأول في محله للأصل بعد عدم تناول النصوص المزبورة له بخلاف الثاني لأنه شي ء ينبت في الأرض و يكون له ساق فيشمله الدليل و منشأ الخلاف ان الكمأة و الفقع هل هما من نبات الأرض يتكونان من باطن الأرض أو هما شي ء يوجد فوق الأرض بضم المواد بعضها الى بعض و التراكم في محل واحد قال الطريحي قدس سره في مجمع البحرين الكمأة بفتح الكاف و سكون الميم و فتح الهمزة و العامة لا تهمز شي ء أبيض مثل الشحم ينبت من الأرض يقال له شحم الأرض ليس هو المنزل على بني إسرائيل فإنه شي ء كان يسقط عليهم و أحدها كم ء

ص: 274

و الجمع اكموء انتهى و اما الفقع ففي كتب اللغة انه نوع من الكمأة و في المجمع ضرب من الكمأة و هي البيضاء الرخوة و في لسان العرب الفقع، و الفقع بالفتح و الكسر الأبيض الرخو من الكمأة و هو اردأها قال ابن الأثير الفقع ضرب من اردأ الكمأة قال أبو حنيفة الفقع يطلع من الأرض فيظهر أبيض و هو ردى و الجيد ما حفر عنه و يستخرج فالمستفاد من كلمات القوم ان الفقع نوع من الكمأة و هو رديه لا غيره فما في الجواهر من الفرق بينهما و ان الفقع شي ء ينبت في الأرض و يكون له ساق و انّ الكمأة تخلق في الأرض كالثمرة الملقاة عليها في غير محله فمرجع الكلام الى انّ الكمأ و الفقع من النبات أم لا فان قيل و ادعى ان النبات ظاهر فيما كان له أصل و ساق فالكمأ العبر عنه في الفارسية بالقارچ ليس له ساق و أصل فلا يكون نباتا و ان تتكون من الأرض كالعقيق و الذهب و اما لو قيل ان هذا التكوّن انما هو بقوة داخلية في الأرض و حركة باطنية فيها، فلا يبعد إطلاق النبات عليه و انه نوع منها فعلى هذا يحتاج خروجه عن العموم الى مخصص و مخرج خاص و لولاه يكون قطع الكمأ و الفقع من الحرم حراما كغيرهما و بالجملة الحكم بحرمة قطع الكمأ و الفقع يدور مدار صدق النبات عليهما و عدمه نعم فرق صاحب الجواهر بينهما و قال اما الفقع شي ء ينبت في الأرض و له ساق فيندرج في صحيحة حريز بخلاف الكمأ و قد عرفت الكلام فيه

مسئلة

لو كان شجر أصله في الحرم و فرعه خارجه فهل يجوز قطع الفرع أم لا الظاهر انه لا يجوز قطعه لانه من نبات الحرم يشمله العموم مضافا الى رواية خاصة تدل عليه

ص: 275

عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه من شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحل فقال عليه السّلام: حرم فرعها لمكان أصلها قال قلت فإن أصلها في الحل و فرعها في الحرم فقال حرم أصلها لمكان فرعها (1) و يستفاد من ذيل الرواية ان الفرع إذا كان في الحرم و الأصل في الحل يحرم قطع الفرع و الأصل و ان لم يصدق عليه انه من نبات الحرم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 90 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 276

في استثناءات على العموم الدال على حرمة قطع نبات الحرم
اشارة

ثم انه قد ورد استثناءات على العموم الدال على حرمة قطع نبات الحرم منها: ما إذا كان الشجر في منزله في الحرم و لكن الشرائع قال الا ان ينبت في ملكه و في الوسائل أيضا ما يوافقه و في الحدائق بعد نقل الأخبار الواردة في المسئلة، المستفاد منها انه ان سبق الملك على نبت الشجرة يجوز قلعها و الا فلا و هذا التعبير موافق لتعبير المحقق قدس سره و لكنه ليس في الروايات عنوان الملك و ما فيها انما هو الدار أو المنزل و المضرب فالمهم نقل النصوص و منها عن حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم فقال: ان كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبنى الدار أو يتخذ المضرب فليس له ان يقلعها و ان كانت طرية عليه فله قلعها (1) و المستفاد من هذه الرواية ان ما هو المعتبر في جواز قطع الشجرة تقدم الدار و المنزل و المضرب عليها، و هو أعم من ملكية الدار و المضرب و كذا ملكية


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 277

الشجرة إذ من المتعارف ان تكون السكنى بالإجارة أو الوقف حتى الغصب أو التبرع و يؤيده أن المضرب و هو محل الخيام كثيرا ما لا يكون ملكا لصاحب الخيمة و ساكنيها كما في عرفات و منى و المشعر، مضافا الى ان مكة و اراضيها مفتوحة بالعنوة و لا يملكها أحد إلا بتبع الآثار، و الخيمة و المضرب ليس مما يوجب الملكية بل الانتفاع فقط، اللّهم الا ان يقال ان نظر المحقق و مراده من الملكية للدار جواز التصرف فيها و إباحتها له و هذا ايضا لا دليل له كما ان القول بأن الرواية ناظرة إلى مكان كان معمورا سابقا و كان ملكا لشخص ثم انتقل الى آخر تخصيص بلا دليل و ترجيح بلا مرجح و رواية أخرى لحماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال عليه السّلام ان بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له ان يقلعها و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها (1) و نقلت هذه الرواية بألفاظها بسند آخر عن حماد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام و هي أقوى ما تدل على اعتبار الملكية بناء على ان ضمير هو راجع الى المنزل و ان اللام يفيد الملكية لا الاختصاص الا ان الظاهر و الغالب فيمن نزل مكة المعنى الثاني لا الأول كما في الخيمة و المضرب فلا تدل الرواية على انه بنى المنزل أو اشتراه حتى تكون دليلا على اعتبار الملكية مضافا الى ان بعض النسخة و هي له و بناء على تلك النسخة يجب ان يأول بأن المراد من المنزل عبارة عن الدار أو يرجع ضمير هي إلى الشجرة فالمعنى ان كانت الشجرة هي له فليقلعها فعلى النسخة الثانية يشترط ان تكون الشجرة ملكا له لا المنزل فالقدر المتيقن من المخصص بناء على الملكية ان يكون المنزل و الشجرة ملكا للمحرم أو غيره و إذا لم يثبت احدى النسختين، و ملك الدار فقط أو الشجرة يشك في دخوله في المخصص فيمسك بعموم كل ما ينبت في الحرم فهو محرم على الناس و ان قيل ان الإجمال في المخصص يسرى الى العام فيكون مجملا، و لا يصح


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 278

التمسك به عند الشك إذ نعلم بخروج أحد الفردين عن العموم اما في صورة كونه مالكا للدار و اما حال كونه مالكا للشجرة فيجب الاحتياط حينئذ كما لو علم بنجاسة أحد الإنائين و طهارة الأخر إلا إذا خرج أحد الطرفين عن مورد الابتلاء فيجري الأصل في الطرف الباقي لكن كل هذا إذا قلنا باعتبار الملكية و تردد الأمر بين مالكية الدار أو الشجرة على اختلاف النسختين و قد قلنا ان الرواية ليست ظاهرة في اعتبار الملك أصلا بل يمكن و لا يبعد ان تكون اللام للاختصاص فقط كما يؤيده ذكر المضرب بعد المنزل و لعل نظر المحقق في اعتبار الملك ايضا الى القدر المتيقن الذي أشير إليه الا ان يقال ان نظره الى مالكية الدار أو المنزل، اما الشجرة تابعة لهما فتكون هي أيضا ملكا لصاحب المنزل و الدار هذا كله فيما إذا نبتت الشجرة و اما الإنبات فيأتي حكمه ثم انه بناء على اعتبار الملكية فهل الموضوع في الحكم الملك و ان لم يكن له دار، أو منزل، بل انما ذكر المنزل و المضرب و الدار مشيرا اليه، أو الموضوع الدار المقيد بكونها ملكا له و قد تقدم ان استفادة ملكية الدار و المنزل و المضرب مشكل، و اما كفاية الملك وحده فهو الظاهر من الشرائع و الجواهر فعليه لو كان له ملك في مورد من الحرم و نزل فيه و ان لم يكن له دار و مضرب يكفي في جواز قطع الشجر و النبات، و لكنه كما أشير إليه مشكل جدا إذ المستفاد من النصوص صدق الدار و المنزل لا الملك وحده،

و هنا فروع ينبغي الإشارة إليها
الفرع الأول

ان ما هو المذكور في النصوص جواز قطع الشجرة في المنزل فهل لها خصوصية و دخل في الحكم، أو المراد كل نبات نبتت في المنزل، و و ذكر الشجرة انما هو من باب المثال كما اختاره الشرائع الراجح هو الثاني، فإن الظاهر كما قدمنا ان كل نبات في الحرم هو حرام على الناس على ما صرحت

ص: 279

به رواية حريز و لا يصح رفع اليد عن هذا العموم الا بدليل خاص صريح في رفع الحكم، و ما هو إلا في الشجرة فقط التي يحتمل قويا الخصوصية فيها، و لا يمكن ان يقال جزما كل نبات في المنزل و الدار فهو مثلها، هذا ما يقتضيه ظاهر الأدلة و قال صاحب الجواهر قدس سره الخبران(رواية حماد و إسحاق) و ان كانا مشتملين على الشجرة خصوصها، الا انه لا قائل بالفرق بينه و بين غيره بل لعل ظاهر النصوص كون المدار على النبات سابقا و لا حقا انتهى موضع الحاجة يستفاد من كلامه ان التفصيل بين الشجر و غيره من النبات الداخل على المنزل في جواز القطع قول ثالث لم يقله أحد فإنّ الأمر بين قولين جواز القطع مطلقا و عدمه بذلك، بعبارة أخرى ورود التخصيص على العموم و عدمه، فيكون التفصيل قولا ثالثا.

و التحقيق في المقام ان يقال ان مستند الفقهاء في عدم التفصيل و عدم قول ثالث هو الإجماع و التسالم من الجميع على ذلك، يمكن أو يجب الالتزام به، لكنه من المحتمل قريبا انهم رضوان اللّه عليهم استفادوا ذلك من الروايات الواردة في المسئلة و كيفية دلالتها و فقهها، فلا يكون الإجماع على القولين دليلا على نفى قول ثالث، فالمستند في المقام هو النصوص.

فان الشيخ قدس سره بعد ما نقل رواية حريز مع ذيلها(الا ما أنبتته أنت و غرسته) قال متصلا به: و كل ما دخل على الإنسان فلا بأس بقلعه فان بنى هو في موضع يكون فيه نبت لا يجوز قلعه احتمل صاحب الجواهر ان يكون قوله في التهذيب(كل ما دخل) من تتمة الحديث، و ان يكون فتواه التي استفاده من الخبرين و استظهره منها و يؤيد الاحتمال الثاني ان الشيخ بعد ما ذكره قال روى سعد بن عبد اللّه عن زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في قطع عودي المحالة(و هي البكرة التي يستقى بها) من شجر الحرم و الإذخر كما هو دأبه في الكتاب يذكر

ص: 280

فتواه أو لا ثم يقول روى فلان فيعلم انه عليه الرحمة استفاد من الروايات عدم الخصوصية للشجر و ان الحرمة للسابق على الدار و المنزل، دون اللاحق و انّ ما يدخل على الدار يجوز قطعه دون ما يدخل عليه المحرم و من الممكن القريب ان يكون هذا مستند الإجماع على عدم قول ثالث و ان لم نجزم به.

الفرع الثاني

بعد الحكم بجواز قطع الشجر إذا دخل الدار فهل يعتبر ان يكون ملكا لصاحب المنزل أم لا.

فمن ذهب الى اشتراط ذلك لعله استفاده من قوله عليه السّلام في رواية حماد(و هي له) المحتمل رجوع ضمير هي إلى الشجرة المذكورة في الرواية على بناء النسخة المقروة، على المجلسي عليه الرحمة و لكن في النسخة الأخرى كما في الوسائل و التهذيب المطبوع جديدا و هو له الظاهر رجوعه الى المنزل.

الثالث

بناء على جواز قطع الشجرة التي نبت في الدار أو المضرب تحت اى شرط كان فهل يختص الجواز لصاحب الدار بالمباشرة فقط أو يعمه و التسبيب فلو أمر غيره بقلعها يجوز له ذلك أيضا أم لا.

لا يبعد ان يقال ان الظاهر من قوله عليه السّلام فله قلعها، أو فليقلعها أعم من المباشرة و التسبيب الا ان الكلام في انه إذا قلنا بشمول الدليل للغير، فهل، يتبدل حكم الغير الذي كان عليه حراما ايضا ان يقلعه، بحيث لو امره من كان له ان يقطع الشجر الداخل عليه يجوز للمأمور قلعه و قطعه أو لا يتغير الحكم الثابت على الغير بل هو باق عليه الظاهر هو الثاني.

إذ غاية ما يستفاد من الدليل ان الشجر الوارد على المنزل ليس له حرمة بالنسبة إلى المورود و اما عدم الحرمة مطلقا حتى بالنسبة الى من يعيش بعيدا عنه و لم يرد عليه فلا يستفاد منه حتى يتغير الحكم و لو بالتسبيب، نعم لو علم ان كل شجرة أو نبات إذا نبتت بعد بناء المنزل لا حرمة لها بالنسبة الى من يسكن البيت و غيره فينقلب الحكم و يجوز القطع للغير.

ص: 281

و من المستثنيات عن حكم العموم ما أنبته و غرسه الإنسان كما قواه صاحب الجواهر قدس سره و الدليل على ذلك رواية حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام الا ما أنبتته أنت و غرسته على ما رواه الشيخ في التهذيب و الصدوق و اما الكليني قدس سره فقد رواه بدون الذيل و اما المحقق في الشرائع فقد قال الا ما ينبت في ملكه الظاهر انه لم يجعل ما أنبته و غرسه الإنسان خارجا عن العموم بعنوان الإنبات مستقلا بل الملاك ان يكون النبات في ملكه سواء غرسه و أنبته أو نبت في ملكه بأمر غير اختياري.

و يمكن ان يقال ان من اشترط الملكية فقط و لم يذكر الإنبات لعله لأجل الملازمة بين الملك و إنبات المالك غالبا فاكتفى بذكر أحد المتلازمين و لم يعتبر و لم يشترط القيد الوارد مورد الغالب و اما غيره كالشيخ في التهذيب و النهاية و المبسوط و السرائر جعلوا ما أنبته و غرسه عنوانا خاصا و خصوصا به العام الدال على حرمة قطع نبات الحرم و لا فرق في ذلك بين ما أنبته في ملكه أو غيره كما نقله الجواهر عن الكتب المتقدمة ثم قال فما عن ابني زهرة و البراج و الكيدري من التقييد بملكه في غير محله، و قال المدارك بعد نقل رواية حريز لا إشكال في جواز قلع ما أنبته الإنسان على كل حال

تحقيق روانى
اشارة

إذا حملنا القيد الوارد في إحدى روايتي حريز(الا ما أنبتته و غرسته) على الغالب كما فعله المحقق في الشرائع فلا اشكال و لا بحث، و الا فيدور الأمر بين الزيادة و النقص في نقل الرواية إذ الظاهر ان ما روى عن حريز بسندين رواية واحدة و هما متحدتان نقلت مرة بدون الذيل و اخرى معه فهل وقع النقص على نسخة الكافي أو الزيادة على التهذيب و نقل الصدوق و إذا دار الأمر بين الزيادة و النقيصة في حديث أو غيره يقولون الاولى الالتزام بالنقيصة كما هو دأب الاعلام و المتعارف بينهم لوقوع النقص في النقل كثيرا لسهو أو غيره مما يوجب ذلك، و اما الزيادة

ص: 282

فهي خلاف العادة سيما مثل تلك الجملة الطويلة التي لا تقلّ عن ثلث الخبر، مضافا الى ان الفحول من العلماء الذين لا يفتون الا بما هو حجة بينهم و بين اللّه، أفتوا بمضمون الذيل و نقوله في كتبهم المعدة لنقل الأحاديث، و بالجملة تمسك القائلين باستثناء ما أنبته الإنسان و غرسه برواية حريز يدل على انّ الرواية صدرت مع الذيل و لو بالالتزام بان حريز رواها عن الإمام تارة مع الذيل و اخرى بدونه و احتمال اتحادهما و استبعاد كونها روايتين ليس الا استبعادا محضا و احتمالا أو ظنا، و ان الظنّ لا يغني من الحق شيئا، فعلى هذا يكون كل ما زرعه الإنسان و غرسه و أنبته مستثنى من العموم و يجوز قطعه و قلعه.

ثم ان الاستثناء في قوله عليه السّلام الا ما أنبتته أنت، بناء على ثبوت الزيادة متصل أو منقطع فكل محتمل.

ان قلنا ان الظاهر من قوله عليه السّلام(كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام) ما ينبت بنفسه طبيعيا من دون ان يغرسه آدمي أو يزرعه، فالاستثناء منقطع و لا يشمل العموم ما أنبته آدمي و غرسه و لو لم تثبت الزيادة أصلا.

و اما لو قلنا ان كل شي ء ينبت في الحرم ليس ظاهرا فيما نبت بنفسه طبيعيا و لا يختص به بل يشمله و ما أنبته الإنسان فالاستثناء متصل و لا بدّ من إثبات الزيادة في الرواية و الا يحرم كل نبات سواء غرسه آدمي أولا.

فرع

بعد البناء على ثبوت الزيادة في الرواية و ان الاستثناء ايضا متصل، يقع البحث في ان جواز القطع هل يختص بالغارس و المنبت فقط، أو يجوز لغيره ايضا ان يقطع و يقلع ما أنبته إنسان آخر غاية الأمر انه ان كان ذلك باذنه لا ضمان عليه و لا حرمة و لا كفارة و الا فعليه الضمان فقط.

الظاهر ان شمول الدليل لغير من أنبت و غرس مشكل بل يختص الجواز بالذي أنبت كما في قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ إذ لا يفهم منه الا حلية الأكل للمتراضيين و بعبارة أخرى حلية الأكل

ص: 283

الذي يفهم من هذا الدليل تختص بالمتراضيين الذين اتجرا و لا يتعدى منهما الى غيرهما كما لو قيل اقطع ما في منزلك إذ لا يفهم منه الا جواز القطع لصاحب المنزل لا غيره إذا ورد منزله و عند الشك يؤخذ بالقدر المتيقن خروجه من عموم العام و هو الغارس و شخص المنبت لا غيرهما، و لا فرق فيما أنبت بين ما من شأنه أن ينبته الأدمي و غيره بل يشمل ما يخرج مع ذرعه الذي أنبته. فرع قد ورد في النصوص جواز قطع الشجر إذا كان داخلا على البيت فهل المراد من دخول الشجر و وروده كون الأصل في البيت أو يكفي دخول الغصن في جواز قطعه أو لا يكفى ذلك لان الأصل كان خارج البيت ثم دخل البيت غصن منه المتبع في المقام النصوص الواردة في المسئلة.

فمنها رواية حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد اللّه(ع) عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم فقال ان كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبنى الدار أو يتخذ المضرب فليس له ان يقلعها و ان كانت طرية عليه فله قلعها (1) ظاهر هذه الرواية ان أصل الشجرة إذا كانت قبل بناء الدار لا يجوز قلعها و اما إذا طرأت عليه و وجدت بعده فلا و اما النص و دخوله بعده فلا يستفاد من الرواية و لا يكفي في رفع اليد عن العموم الدال على حرمة قطع نبات الحرم و أصرح من هذه روايته الأخرى و فيها ان بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له ان يقلعها و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها (2) و في رواية إسحاق بن يزيد المتقدمة عن ابى جعفر عليه السّلام سأله عن الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها قال: اقطع ما كان داخلا عليك و لا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك (3) هل المراد من الشجرة الداخل أصله و تمامه بان يكون في الدار قبل ان يسكنها المحرم أو يبنيها، أو أعم منه و من الأغصان الداخلة عليه في البيت فكل واحد


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 284

منهما محتمل.

فان كان المفاد هو الثاني فيجوز قطع ما دخل البيت و يراد من الدخول معنى جامع شامل لكليهما بخلاف الأول.

و من المستثنيات قلع شجر الفواكه و الإذخر و النخل و عودي المحالة كما في الشرائع و ادعى في الجواهر عدم الخلاف في الثلاثة الأول و في عودي المحالة على رواية على ما في كلام المحقق.

و عن التهذيب و الجامع الفتوى بها بل تبعها غير واحد من المتأخرين و لكن الرواية فيها جهل و إرسال و لا جابر لها على وجه يعتد أو يخص بها ما سمعت من العموم و اما الإذخر و شجر الفواكه ففيها روايات:

منها رواية عبد الكريم عمن ذكره عن ابى عبد اللّه قال لا ينزع من شجر مكة إلا النخل و شجر الفاكهة (1) و رواية سليمان بن خالد عن ابى عبد اللّه ايضا انه قال لا ينزع من شجر مكة شي ء الا النخل و شجر الفاكهة (2) و في حديث فتح مكة قال رسول اللّه ان اللّه عز و جلّ حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض و لا يختلى خلاها و لا يعضد شجرها و لا ينفر صيدها و لا يلتقط لقطتها الا لمنشد فقام اليه العباس بن عبد المطلب فقال يا رسول اللّه الا إلا ذخر فإنه للقبر و لسقوف بيوتنا فسكت رسول اللّه ساعة و ندم العباس على ما قال ثم قال رسول- اللّه الا الإذخر (3) ثم انه استثنى في كلام الفقهاء من عموم الحرمة رعى الإبل من نبات الحرم، و هو مردد بين التخصيص و التخصص من أجل ان دليل حرمة قطع الشجران شمل


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 9.
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 88 من تروك الإحرام الحديث 4.

ص: 285

القطع بالرعي و التسبيب فجواز رعى الإبل تخصيص من العموم و اما لو كان مفاد رواية حريز المتقدمة حرمة القطع على المحرم نفسه لا القطع برعي الإبل فهي في مقام بيان ان هذا الفرد ليس من مصاديق العام و لا يشمله الحكم.

قال صاحب الجواهر قدس سره لا بأس ان يترك المحرم فضلا عن غيره ابله ترعى الإبل في الحشيش مثلا و ان حرم عليه قطعه للأصل، بعد عدم تناول النصوص لذلك و السيرة القطعية التي هي فوق الإجماع، و صحيح حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: تخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء (1) عن محمد بن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه عن النبت الذي في أرض الحرم ا ينزع فقال: اما شي ء تأكله الإبل فليس به بأس ان تنزعه (2) اما الاستدلال بالأصل فإنما يصح إذا لم يشمل الدليل الأوّل للمورد إذ بعد شمول عموم رواية حريز(كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس) لرعي الإبل يعلم ان تخلية الإبل لقطع نبات الحرم خلاف الاحترام و مناف لحرمة الحرم و عمدة الأدلة في المقام هي السيرة المستمرة كما عبر صاحب الجواهر لوضوح ان عمل المسلمين من زماننا الى زمان الرسول صلّى اللّه عليه و آله على عدم منع الناس دوابهم من الإبل و غيره عن أكل نبات الحرم و لأجل ذا لم يتعرض صاحب الشرائع للمسئلة أصلا و لعل نظره الى ما أشار إليه في الجواهر من عدم تناول الحكم له من الأصل لما ذكر.

فرع

بعد الفراغ عن جواز ترك الإبل و تخليته للرعي فهل يجوز للمحرم ان يقطع النبات و الشجر له، أم اللازم ان لا يتصدى ذلك بنفسه بل يخلى الإبل فقط و يتركه للرعي فيقطع و يأكل وجهان و في المدارك لو قيل بجواز نزع الحشيش للإبل لم يكن بعيدا للأصل و


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 89 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 89 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 286

صحيح جميل و محمد بن حمران.

و عن الإسكافي لا اختار الرعي لان البعير ربما جذب النبت من أصله فأما ما حصده الإنسان و بقي أصله فلا بأس.

و عقد صاحب الوسائل قدس سره بابا في المسئلة و لم يذكر فيه الا روايتين أحدهما ما رواه حريز بن عبد اللّه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال تخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء (1) و محمد بن حمران قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النبت الذي في أرض الحرم أ ينزع قال اما شي ء تأكله الإبل فليس به بأس ان تنزعه (2) و اما الرواية فتدل على جواز ترك الإبل صريحا و بها يرد قول الإسكافي بعدم اختيار الرعي.

و اما الرواية الثانية فإن كان الضمير في قوله ان تنزعه راجعا إلى السائل و يكون هو المخاطب، على ان يكون الفعل فعل خطاب مذكر، فتدل الرواية ايضا على جواز قطع النبات و نزعه لتعليف الإبل و غيره و اما إذا كان تنزعه فعلا غائبا مؤنثا يرجع الضمير فيه الى الإبل فلا تدل الا على جواز نزع الإبل نبات الحرم إذا خلى و ترك، و لا يستفاد منه جواز القطع بالنسبة إلى الإنسان و صاحب الإبل.

و بعبارة اخرى انه لو استفيد من الرواية انه لا حرمة لذاك النبات فلا يفرق في جواز القطع بين الإنسان و غيره و اما لو قلنا ان حرمة نبات الحرم لم يثبت بالنسبة إلى الحيوان فلا يستفاد منه رفع الحرمة مطلقا حتى من الإنسان.

تحقيق أصولي
اشارة

لو ورد عام يدل على حكم تحريمي أو غيره ثم وردت مخصصات عديدة أو تقييدات فان كان كل واحد من المخصصات مباينا لغيره يرد جميع التخصيصات


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 89 من كفارات الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 89 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 287

على العام في عرض واحد كما في التخصيص بشجر الفواكه و النخل و اما لو كان كل واحد من المخصص عاما و أمكن تقييد بعض ببعض آخر فهل يرد التخصيص هنا ايضا على العام في عرض واحد أو يقيد بعض المخصصات ببعضها الأخر ثم يرد التخصيص على العموم مثلا لو دل دليل على حرمة نبات الحرم بقوله عليه السّلام كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين ثم ورد التخصيص بما ينبت في منزله بقوله عليه السّلام و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها و كذا ورد التخصيص بشجر الفواكه و النخل و الإذخر و بما أنبته المحرم و غرسه، فحينئذ هل يخصص قوله عليه السّلام فهو حرام على الناس أجمعين بكل واحد من مضامين المخصصات و يخرج كل واحد منها عن العموم سواء كان شجر الفواكه أو الإذخر في المنزل أم لا و سواء كان مما أنبته و غرسه أم لا.

أو يمكن ان يقال ان جميع المخصصات المطلقة يتقيد بالأخص مضمونا منها فيتقيد شجر الفواكه و الإذخر و ما أنبته بكونها في المنزل إذا كان أخص من الجميع أو يتقيد الجميع بكونه مما أنبت.

و الظاهر ان شمول الخاص و ظهور إطلاق المخصص في جميع المصاديق مطلقا أقوى من ظهور العام الدال على الحرمة، مثلا لو قال أكرم العلماء ثم قال لا تكرم زيدا يكون إطلاق المخصص و شموله لزيد حال القيام و القعود أقوى من ظهور العام فيه فلا يتقيد المخصص بحال دون حال و فيما نحن فيه ايضا كذلك فلا يتقيد إطلاق الفواكه و الإذخر بكونه في المنزل أو غير ذلك.

نعم قد يقال ان الاستثناء بإلا يفيد الحصر و يؤكد ظهور العام في غير الخارج لكنه انما يصح لو قال مثلا أكرم العلماء الا زيدا ثم قال الا عمرا بخلاف ما لو ورد مخصص مطلق و آخر مقيد يمكن تقييد الأول بالثاني و يمكن تخصيص كل واحد منهما العام الأول كما في المقام.(1)


1- لا يخفى ان المخصص في المقام ايضا مثل الأول أي مثل أكرم العلماء الا زيدا و الا عمر و كقوله إلا الإذخر و في رواية إلا النخل و شجر الفاكهة و في أخرى إلا ما أنبتته أنت نعم بعض المخصص ورد بغير الاستثناء بإلا و لعل نظر الأستاذ مد ظله العالي ذاك البعض

ص: 288

و استثنى من عموم الحرمة الإذخر و عودي المحالة و عودي الناضح كما أشير اليه.

اما الإذخر بكسر الهمزة و الخاء نبات معروف عريض الأوراق طيب الرائحة يسقف به البيوت يحرقه الحداد بدل الحطب و الفحم قاله الطريحي.

و المحالة بفتح الميم هي البكرة العظيمة التي يستقى بها و في المجمع قال الأصمعي: ان كانت البكرة على ركيّة متوح فهي بكرة و ان كانت على ركيّة حرور فهي محالة يقال متح الدلو يمتحها متحا إذا جذبها مستسقيا لها الماتح المستسقى من البئر من أعلاها و بالياء الذي يكون في أسفل البئر يملأ الدلو.

قال صاحب الجواهر يجوز قطع الإذخر و النخل بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد بل عن المنتهى و التذكرة الإجماع عليه و هو الحجة انتهى.

و تدل على جواز قطع الإذخر صحيحة زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول حرم اللّه حرمه بريدا في بريد ان يختلى خلاه أو يعضد شجره الا الإذخر أو يصاد طيره و حرّم رسول اللّه المدينة ما بين لابتيها صيدها و حرم ما حولها بريدا في بريد ان يختلى خلاها و يعضد شجرها إلا عودي الناضح. (1) عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال قال رسول اللّه الا ان اللّه عز و جل قد حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض و هي حرام بحرام اللّه الى يوم القيامة لا ينفر صيدها و لا يعضد شجرها و لا يختلا خلاها و لا تحل لقطتها الا لمنشد فقال العباس:

يا رسول اللّه الا الإذخر فإنه للقبر و البيوت فقال رسول اللّه الا الإذخر (2) و في حديث آخر فإنه للقبر و لسقوف بيوتنا و في ثالث لصاغتنا و قبورنا و في


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 88 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 289

رابع لقينهم و لبيوتهم فقال رسول اللّه الا الإذخر (1) و اما عودي المحالة و الناضح ان كان متحدا فيدل على جواز قطعه رواية زرارة عن ابى جعفر قال رخص رسول اللّه قطع عودي المحالة و هي البكرة التي يستقى بها من شجر الحرم و الإذخر (2) و يمكن ان يستدل على جواز قطع عودي الناضح بناء على عدم اتحاده مع المحالة بما روى عن زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام في حديث حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها و حرّم ما حولها بريدا في بريد ان يختلى خلاها و يعضد شجرها إلا عودي الناضح (3) الرواية و إن كانت في نبات حرم المدينة الا انه بعدم القول بالفصل بين حرم المدينة و مكة بالنسبة الى ذلك تدل على جواز القطع في نبات حرم مكة و اما استثناء عصا الراعي فقد ورد في رواية دعائم الإسلام التي لا يصح الاعتماد عليها إذا كان متفردا في نقلها و ان كان الاحتياط تركها كما ان الاحتياط في قطع عودي المحالة الاقتصار على خصوص البكرة العظيمة

فرع

هل المستفاد من أدلة حرمة قطع نبات الحرم انه حرام مطلقا حتى بعد القطع و الكسر و اليبس فلازم ذلك ان لا يجوز لأحد ان يتملكه و اما لو قيل ان نبات الحرم حرام قطعه ما دام قائما على الأصل و متصلا به و اما بعد القطع و الكسر فلا يشمله دليل الحرمة فيأتي البحث في انه هل يجوز تملكه أم لا و الظاهر عدم المنع منه بل هو كسائر المباحات الأولية


1- مسند احمد الجزء 4 ص 75- و 321
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 290

في حكم لبس السلاح حال الإحرام

المشهور ان المحرم يحرم عليه لبس السلاح من دون ضرورة و قيل بالكراهة و هو مختار المحقق في الشرائع.

و قال صاحب الجواهر لم تعرف القائل قبل المصنف انه يكره نعم هو خيرة الفاضل عن جملة من كتبه و تبعهما غيرهما.

و البحث في المقام تارة في لبس السلاح و اخرى في حمله و الإشهار به اما الأول فلبس كل شي ء بحسبه مثلا الدرع يلبس كالقميص و السيف يعلق و يقال لبس السيف كما يقال لبس الخاتم و مثله الإشهار للسيف و حمله و لو كان مستورا و خفيا اما الحمل للسيف ظاهرا كان أو مخفيا فالقول بالحرمة فيه نادر و المشهور فيه الكراهة و قال بعض بالحرمة إذا كان السلاح ظاهرا و منشأ الخلاف النصوص الواردة في المسئلة في حمل السلاح و لبسه و إشهاره.

منها رواية عبيد اللّه بن على الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: ان المحرم إذا خاف

ص: 291

العدو و يلبس السلاح فلا كفارة عليه (1) و المستفاد من المفهوم في الرواية ان المحرم إذا لم يخف العدو و لبس السلاح فعليه الكفارة الملازمة للحرمة.

و أورد على الاستدلال بان القول بوجوب الكفارة في لبس السلاح نادر حتى ان القائلين بحرمته لم يقولوا بوجوب الكفارة و صرحوا بعدمها و لأجل ذا حملوا الرواية على ما يوجب لبسه تغطية الرأس كالمغفر أو على لبس الدرع الذي يشبه بالقميص المحرم لبسه و قد سمعت ان بعض الحجاج من المسلمين يشقون ثوب الإحرام من الوسط و يلقونه على أعناقهم زعما بأنه ليس بمخيط و غفلوا عن انه يشبه بالقميص المحرم لبسه و عليه يجب على العلماء و الطلاب الذين يحجون ان يرشدوا هؤلاء الجهال ان ساعدت الحكومة و لم يأتوا بدين جديد و نبىّ جديد.

و رواية عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ يحمل السلاح المحرم فقال إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح. (2) و الرواية لا يورد عليها ما أورد على الرواية الاولى من ثبوت الكفارة و لكن الكلام في ان السائل سئل الإمام عليه السّلام عن حمل السلاح مطلقا و أجاب الإمام بجواز اللبس إذا خاف عدوا أو سرقا فهل لهذا الشرط مفهوم معتبر يدل على نفى الحكم عند انتفاء القيد أم لا.

نقل صاحب المدارك عن المنتهى انه لو كان هناك مفهوم فهو مفهوم الخطاب الذي هو ضعيف في دلالته و لهذا حملها بعض على الكراهة.

قد يقال في حجية المفهوم ان القيد المذكور في كلام الحكيم المتكلم المريد للتفهيم إذا لم يكن له فائدة إلا انتفاء الحكم المجعول في كلامه عند انتفاء القيد يكون مفهومه حجة و دليلا كمنطوقه فلا بد في المقام من التأمل في ان القيد المذكور


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 54 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 54 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 292

(إذا خاف المحرم عدوا) هل له فائدة غير انتفاء الحكم عند انتفائه أم لا و على الأول لا يتحقق المفهوم بل انما ذكر القيد لأمر آخر قال العلامة في المنتهى ان فائدة القيد في رواية ابن سنان بيان الحاجة الى لبس السلاح و الداعي إليه نظير ما لو قيل إذا رزقت ولدا فاختنه إذ لو لم يرزق ولدا لا يتحقق موضوع الختان و ينتفي الحكم بانتفاء موضوعه فان لبس السلاح و حمله انما يكون فيما إذا خاف من عدو أو سرق إذ لو لا الخوف و الوحشة من أمر لا يحتاج الشخص الى لبس السلاح و حمله، و لا داعي له اليه و ان كان الموضوع ممكنا عقلا و طبعا و يفارق قول القائل إذا رزقت ولدا فاختنه لانتفاء الموضوع هناك حقيقة عند عدم الولد، و انتفائه هنا عادة لا عقلا، فالتقييد في المقام انما ذكر لبيان الحاجة الى لبس السلاح و حمله و الداعي إليه غالبا نظير القيد الوارد مورد الغالب فلا تدل الرواية على حرمة لبس السلاح عند عدم الخوف.(1) و لكن المشهور حملوا الرواية على الكراهة و الخوف على الخوف النوعي فإن حمل السلاح في الأزمنة السالفة كان من المتعارف بين الناس و الخوف النوعي أيضا محققا.

ثم ان السائل سئل عن حكم حمل السلاح كما أشير اليه و أجاب الإمام عليه السّلام عن اللبس و لم يجب عن حكم الحمل أصلا و يعلم من ذلك ان حمله لم يكن به بأس و لا اشكال فيه كما في رواية أخرى.

و مثلها رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال لا بأس بأن يحرم الرجل و عليه سلاحه إذا خاف العدو. (2)


1- خلافا لصاحب الجواهر حيث قال ان هذه الدعوى كما ترى لا تستاهل جوابا ضرورة عدم اندفاع الظهور بمثل هذا الاحتمال خصوصا بعد فهم المشهور فالأصح حينئذ الحرمة.
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 12 من كفارات الإحرام الحديث 5

ص: 293

و لا يخفى ظهور كلمة و عليه سلاحه في اللبس اما بعد الإحرام، أو يحرم و عليه السلاح فكل منهما محتمل، و اما المفهوم المستفاد منها فهو مثل ما تقدم في الرواية السابقة، من ان القيد انما هو لبيان الحاجة و الداعي، و لكن الإنصاف أن التعابير الواردة في النصوص و التقييد بالخوف ظاهرة في دخالة القيد في الحكم، و انه إذا لم يخف العدو لا يجوز له لبس السلاح.

و اما حمل السلاح على وجه لا يعد متسلحا به فالقول بحرمته نادر كما ادعاه صاحب الجواهر و وردت روايات يمكن حملها على الكراهة بل لا يختص بالمحرم و الحرم.

و اما الاشتهار بالسلاح فان ثبت انه حرام فيعم المحرم و غيره و كذا الكراهة.

عن أمير المؤمنين عليه السّلام في خبر الاربعمأة المروي في الخصال: لا تخرجوا بالسيوف الى الحرم (1) عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام لا ينبغي ان يدخل الحرم بسلاح الا ان يدخله في جوالق أو يغيبه يعنى يلف على الحديد شيئا (2) عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يريد مكة أو المدينة يكره ان يخرج معه بالسلاح فقال: لا بأس بأن يخرج بالسلاح من بلده و لكن إذا دخل مكة لم يظهره (3) و ظاهر الرواية الأخيرة حرمة اشتهار السيف و إظهاره كما عن الحلبيين و لكن لا يختص بالمحرم بل يعمه و غيره و لكن النصوص حملت على الكراهة بقرينة لا ينبغي المذكور في خبر حريز و أعراض المشهور عن الإفتاء بالحرمة و الاحتياط الترك في الجميع.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 25 من مقدمات الطواف الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 25 من مقدمات الطواف الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 25 من مقدمات الطواف الحديث 2

ص: 294

في تغسيل المحرم بالكافور
اشارة

يحرم تغسيل المحرم بالكافور لو مات قبل الطواف هذا الحكم من خصائص المحرم بالنسبة إلى حكم الإحياء إذ يحرم عليهم تغسيله بالكافور و اما الميت فلا تكليف عليه محرما كان أو غير محرم.

لا خلاف في أصل الحكم و ادعى عليه الإجماع مضافا الى النصوص المستفيضة الواردة في كتاب الطهارة في تغسيل الميت و في المقام.

منها رواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام عن المحرم إذا مات كيف يصنع به قال يغطى وجهه و يصنع به كما يصنع بالحلال غير انه لا يقربه طيبا (1) و عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن المرأة المحرمة تموت و هي طامث، قال لا تمس الطيب و ان كن معها نسوة حلال. (2) و عن سماعة قال سألته عن المحرم يموت فقال يغسل و يكفن بالثياب كلها


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 83 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 13 من غسل الميت الحديث 9

ص: 295

و يغطى وجهه و يصنع به كما يصنع بالمحل غير انه لا يمس الطيب. (1) و عن ابن أبي حمزة عن ابى الحسن في المحرم يموت قال يغسل و يكفن و يغطى وجهه و لا يحنط و لا يمس شيئا من الطيب. (2) و رواية عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يموت كيف يصنع به فحدثني ان عبد الرحمن بن الحسن بن على مات بالأبواء مع الحسين ابن على عليهما السّلام و هو محرم و مع الحسين عبد اللّه بن العباس و عبد اللّه بن جعفر فصنع به كما صنع بالميت و غطّى وجهه و لم يمسه طيبا قال و ذلك في كتاب على. (3) و المذكور في النصوص كما ترى عدم جواز مس الطيب للمحرم الذي مات مطلقا لكن العلماء تعرضوا للكافور و الحنوط فقط مع ان في الكافور بحث في انه من الطيب أم لا لعدم ذكره في الرواية التي تدل على حصر الطيب في أربع، و لكن تقدم هناك ان الظاهر من الاخبار ان الكافور في الأزمنة السابقة كان بعد من الطيب المتعارف المعمول بين الناس و انه كان منهيا عنه حال الإحرام فعلى هذا تشمله تلك النصوص الدالة على عدم جواز مس الطيب من المحرم الذي يموت.

هذا بالنسبة إلى الكافور الذي تسالم عليه الفقهاء و لكن لم يذكروا غيره من الطيب و لعل الوجه في اختصاصهم الكافور بالذكر دون غيره ان ما هو المبتلى به في تغسيل الميت و أحكامه الكافور و تحنيط الميت به، و اما غيره من أنواع الطيب فلم يكن موردا للابتلاء حين التغسيل، فالتصريح بان المحرم الذي يموت لا يغسل بالكافور انما هو لبيان تخصيص الأدلة الدالة على وجوب تغسيل الميت بالكافور، و الإشارة الى ذلك، و اما غير التغسيل بالكافور فهو كغير المحرم


1- وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 13 من غسل الميت الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 13 من غسل الميت الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 13 من غسل الميت الحديث 3

ص: 296

في جميع الأحكام مثل التغطية للوجه و التكفين بالأثواب و لو لا ذلك الوجه كان الأنسب كما في النصوص ذكر الطيب مطلقا لا الكافور فقط.

و على كل حال الطيب الذي كان حراما على المحرم لا يقرب اليه بعد الموت و اما الطيب الذي كان مباحا له كخلوق الكعبة فهل يجوز مسه من المحرم بعد موته أم لا، الظاهر ان الالتزام بجواز تقريبه منه مشكل، فان الاحتراز عن خلوق الكعبة حين الطواف لما كان متعسرا على المحرم أجاز الشرع مسه، و لم يوجب التحرز عنه، و هذا غير متحقق في الميّت، إذ لا عسر و لا مشقة في عدم تقريبه منه نعم لا يبعد ان يقال إذا تطيب ثوب الإحرام بخلوق الكعبة حين الطواف يجوز كفن المحرم به إذا مات و لكنه ايضا مشكل لما أشير اليه.

و يمكن ان يقال ان التطيب بخلوق الكعبة كان مباحا للمحرم و لم يكن ممنوعا عنه بل كان مستثنى من العموم الدال على حرمة الطيب الا ان هذا الحكم كان حال حياته و كونه مكلفا، و المحرم بعد الموت لا تكليف له، و لكن الأحياء يعلمون ان تقريب الطيب الى المحرم بعد الموت غير جائز، و يشكون في خلوق الكعبة و مسه للميت هل هو حرام أم لا؟ فالأصل البراءة.

فرع:

الظاهر انه بعد عدم جواز التغسيل للمحرم بالكافور شرعا فهل هو بمنزلة التعذر العقلي و عدم وجدان الكافور في انه يجب تغسيله بالماء القراح ثلثا لتعذر الامتثال في أحد الأغسال الثّلاثة و لا يكون رافعا للحدث و لا يمنع عن وجوب غسل مس الميت إذا مسه الحي، أو ليس الأمر كذلك بل الغسل تام و رافع للحدث و لا يوجب المس الغسل بعد التغسيل من دون كافور، لان الشرع إذا أمر بعدم تقريب الكافور منه و وجوب التغسيل بالسّدر و الماء القراح يعلم ان التكليف الشرعي في حق المحرم إذا مات قبل الفراغ عن العمل ليس الا ذاك، و لا يصح غيره كالحاضر و المسافر فكأنّ المعنى يجب تغسيل كل ميت بالكافور و السدر و الماء القراح الا المحرم فيكفي التغسيل بالسدر و الماء القراح عن ثلاثة أغسال.

الظاهر ان التغسيل من غير كافور في المقام نظير الأغسال ثلاثة التامة عند

ص: 297

التمكن في حصول الطهارة و عدم إيجاب الغسل للمس بعده فان التزاحم و التعذر من امتثال التكليفين قد يكون من جهة التزاحم الطبيعي و العقلي فيرفع اليد عن أحد المتزاحمين و يقدم الأهم منهما و ان كانت المصلحة الملزمة في غيره أيضا موجودة الا ان عدم القدرة على الامتثال صار سببا لتفويت مصلحة غير الأهم من دون جعل حكم ظاهري فيهما، و يأتي بحث الترتب هنا إذا ترك الأهم و اتى بالمهم، بخلاف ما لو كان التعذر شرعيا، و جعل الشرع في صورد التزاحم حكما مستقلا آخر كما في المقام فإنه اكتفى في تغسيل المحرم بغير الكافور و لم ير له مصلحة في حق المحرم، و لا مجال لبحث الترتب حينئذ و لا يصح التغسيل بالكافور لو خالف و عصى لانحصار الحكم هنا في الماء القراح بل يجب إزالته ثم التغسيل بالماء إذ كما يحرم الطيب إحداثا يحرم ادامة كما في المحرم الحيّ، نعم لو غسل بالكافور و كفن و دفن فهل يجب نبش القبر ثم التغسيل بالماء فمورد للإشكال.

ص: 298

في مكروهات الإحرام

اشارة

و هي عشرة على ما ذكره في الشرائع و قد تقدمت الإشارة إليه في الجزء الأول إجمالا و نتعرض لها هنا تفصيلا إنشاء اللّه.

أولهاالإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد

كما في الكتب الفقهية، فهل المراد ان الإحرام بالثوب المصبوغ بالسواد مكروه أو الكراهة تختص بالسواد و ان لم يكن بالصبغ بان كان الثوب اسود من الأصل كما إذا نسج من الصوف السواد و الوبر كذلك.

قال بعض ان المكروه هو الأسود و ان لم يكن بالصبغ و لكن المحقق قدس سره عبر في الشرائع بالثياب المصبوغة و لعل نظره الى ان السواد بالصبغ أحد مصاديق السواد لا انه موضوع للحكم فقط دون غيره.

و نقل عن المبسوط و النهاية و الخلاف و الوسيلة عدم جواز الإحرام فيه و لكن صاحب الجواهر أورد عليه و قال فيه واضح الضعف أو محمول على الكراهة كما عن ابن إدريس حمله على ذلك و مستند القول بالحرمة رواية الحسين بن المختار

ص: 299

المعبر عنها بالموثقة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يحرم الرجل بالثوب الأسود قال:

لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفن به الميت (1) تمسك الشيخ بظاهر الرواية و حمل لا على النهى الدال على الحرمة كما هو الظاهر من النهى و حمل صاحب الجواهر النهى على الكراهة بقرينة التكفين المجمع على جوازه في الثوب الأسود و قال هو في نفسه غير صالح لإثبات الحرمة فضلا عن ان يخصص به ما دل على جواز الإحرام في كل ثوب يصلى فيه مع الإجماع بقسميه على جواز الصلاة في الثياب السود انتهى.

و أيد الجواهر نظره في ظهور النهى الوارد في الموثق في الكراهة، بالنهي عن لبس السواد و انه لباس فرعون و بما روى عن الصادق عليه السّلام قال يكره السواد إلا في ثلاثة الخف و العمامة و الكساء (2) و التحقيق في المقام كما هو مقتضى الصناعة العلمية انه لا يصح رفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة بما ذكره في الجواهر لان مجرد المقابلة بين الإحرام و التكفين لا يوجب صرف النهى عن ظهوره في الحرمة فيها نعم لو ورد دليل على كراهة أحد المتقابلين يرفع اليد عن ظهوره فيه فقط كما لو قيل اغتسل للجمعة و الجنابة إذ لا ينكر ظهور الأمر في الوجوب و لكن نرفع اليد عن وجوب الغسل يوم الجمعة بدليل آخر يدل على استحبابه و اما تخصيص العام الدال على جواز الإحرام في كل ما يجوز الصلاة فيه و الثّوب الأسود مما يجوز الصلاة فيه و يصح فلا اشكال و لا مانع من التخصيص له إذا ثبت ان النهى الوارد في الخبر ظاهر في تحريم الإحرام بالثياب المصبوغة بالسواد كغيره من العمومات التي يرد عليها التخصيص.

و اما الإجماع على جواز الصلاة في الثياب السود و انّ كل ثوب تصلى فيه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 26 من أبواب الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 19 من أبواب لباس المصلى الحديث 1

ص: 300

فلا بأس ان تحرم فيه كما ورد في الرواية فيقبل في الصلاة فقط و لا اشكال فيه بقسميه أي الإجماع و لكن لم يتحقق ذلك الإجماع في الإحرام بل هو أول الكلام فإذا لا مانع من حمل النهى الوارد في موثق الحسين بن المختار على ما هو الظاهر فيه و هو التحريم لا الكراهة.

و سلك صاحب المستند في حمل النهى على الكراهة طريقا غير ما اختاره صاحب الجواهر فإنه بعد ما ذكر انه يكره الإحرام في الثياب الوسخة قال و في الثياب السود لرواية الحسين القاصرة عن إفادة الحرمة للجملة الخبرية.

و لعل نظره قدس سره الى ان قوله لا يحرم في الثوب الأسود جملة نافية لا ناهية و الجملة النافية الخبرية لا تفيد الحرمة كالنهي و لا الوجوب كالأمر إذا كانت موجبة قد يقال ان الجملة الخبرية آكد في الوجوب و الحرمة من صيغة الأمر و النهى خلافا لصاحب المستند فان المتكلم يبعث المأمور بصيغة الأمر إلى إيجاد الفعل في الخارج و يزجره عن الفعل بالنهي عنه و اما الجملة الخبرية المستعملة في مقام الأمر فكأنّ المتكلم يرى المأمور به متحققا في الخارج و الامتثال واقعا و في النهي أيضا كذلك بمعنى انه في مقام النهى عن شي ء يخبر بعدم وقوعه في الخارج بالتزام العبد ترك المنهي عنه و انه لا يخالف مولاه فيما نهاه عنه و لذا عبر عن النهي بالجملة الخبرية اشعارا بما ذكر و قوله لا يحرم في الثوب الأسود من هذا القبيل لو كان نفيا مع احتمال كونه نهيا ظاهرا في الحرمة، مضافا الى ان أصل البحث انما يجرى في افعل بصيغة الأمر و يفعل على نحو الاخبار و لا يجري في النهي بصيغته و الجملة الخبرية النافية، على ان الظاهر من سؤال السائل في الرواية أ يحرم الرجل بالثوب الأسود و جواب الامام عليه السّلام لا يحرم في الثوب الأسود هو النهى الدال على الحرمة صريحا، و لا ظهور في كون الجملة خبرية حتى يشكل فيه بما ذكر في المستند اللهم الّا ان يقال انها مرددة بين النهى و الخبر فلا يدل على الحرمة جزما لعدم الدلالة على الحرمة بناء على الخبرية على مذاق صاحب المستند و لكن

ص: 301

يدل على أصل المرجوحية و ان كان المتراءى من كلامه غير ما ذكرناه، فإنه يستفيد النفي بقرينة السؤال هذا غاية تقريب كلامه في عدم دلالة الرواية على التحريم و هو غير تام.

نعم يمكن ان يقال ان ما يضعف دلالتها على الحرمة ان المشهور ما أفتوا بها فهي معرض عنها بحسب الفتوى، و اما ما يظهر من الشيخ و صاحب الوسيلة من القول بالحرمة فلا يجبر الضعف و لا يزيد قوة فيها مضافا الى ما في الجواهر من احتمال حمل عبارتهما على الكراهة و إمكان ذلك في كلامهما حيث عبّرا بعدم الجواز القابل للحمل عليها.

و يرد عليه ان المشهور من الفقهاء لم يعرضوا عن الرواية لضعف في سندها حتى يوجب و هنا فيها، بل أفتوا على طبقها بما استفادوا منها من الكراهة بقرينة المقابلة للتكفين بالثياب السود، على ما ادى اليه نظرهم و ساق اليه فهمهم و ألزمهم عليه رأيهم، و لا يضر ذلك و لا يمنع عن العمل بها و الفتوى بالحرمة لو تمت الدلالة في نظر غيرهم و رأيهم و فهمهم.

اللهم ان يقال ان السلف من فقهائنا و المشهور منهم قدس اللّه أسرارهم كانوا ذوي علم و دراية و دقة بل كانوا أكثر دقة و جودة منا مع تبحرهم في العربية و الأدبية، فإذا لم يفهموا من الرواية إلا الكراهة يكشف به انها كانت محفوفة بقرينة أو ملفوفة بضميمة تفيد الكراهة و تمنع النهى عن ظاهره و صرفه عما يتبادر منه، لأن خطأ الجميع في فهم الرواية بعيد و عدم التوجه الى ما هو الظاهر من النهي أبعد، و يوجد نظير ذلك في فقهنا كثيرا كما في الإرغام في السجدة.

فقد روى عن على عليه السّلام لا تجزى صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين (1) و عن ابى عبد اللّه عليه السّلام لا صلاة لمن لم يصب انفه ما يصيب جبينه (2)


1- وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 4 من أبواب السجود الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 4 من أبواب السجود الحديث 4

ص: 302

و غيرهما من الروايات الظاهرة أو الصريحة في وجوب الإرغام لو لا أعراض المشهور عنها و إفتاء الفقهاء بالاستحباب و كلما قويت تلك الروايات ازدادت ضعفا لإعراض الأصحاب عنها بحيث لا يتمكن أحد من الإفتاء على ظاهرها، الا من كان جسورا في الفتوى، فان تخطئتهم في فهم ظاهر تلك الروايات بعيد غايته، مع كونهم أقرب الى زمان صدورها و اعرف بالأدبيات و غيرها و اتقى في التعبد بالشرع ثم انه لا مجال للتمسك بقاعدة التسامح في أدلة السنن في إثبات الكراهة في الإحرام بالثوب الأسود، لاختصاصها بالمستحبات و لا يمكن و لا يصح تسريتها الى المكروهات كما يشهد عليه قوله عليه السّلام من بلغه شي ء من الثواب.

نعم العلماء في طريقتهم في استنباط الأحكام الشرعية لشدة الاعتناء بالحرمة و الوجوب يلتزمون بوجود دليل معتبر قطعي يدل عليهما و لا يتسامحون في ذلك و لكنهم بالنسبة إلى الندب و الكراهة لا يتعبدون بهذه الدقة بل قد يتسامحون فيما يدل عليهما، حتى لو ثبت الاعراض عن الرواية من جهة السند، إذا لحكم بالمرجوحية و الكراهة في شي ء حيث انه لا إلزام فيه بل يجوز الارتكاب و الترك لا يحتاج الى الاهتمام التام، و الدقة الكاملة في المقام، فعلى هذا طرح شرط في رواية من شرائط الحجية، أولى من طرحها رأسا و كلا، مضافا الى ان القول بالكراهة في رواية الحسين بن مختار يوجب الجمع بين الروايات و لا يلزم التخصيص في العمومات أيضا، فإن رواية حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام تدل على جواز الإحرام في كل ما يجوز الصلاة فيه قال عليه السّلام كل ثوب تصلى فيه فلا بأس ان تحرم فيه (1) فهذه الرواية تدل على عدم البأس بالإحرام في كل ثوب أبيض أو أسود أو غيره و عدم البأس يجتمع مع الكراهة و الإباحة و الندب فلو حملت رواية الحسين بن مختار على الكراهة و لم تطرح من الأصل لحصل الجمع بينهما و يرتفع التعارض


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 27 من أبواب الإحرام الحديث 1

ص: 303

و لا يلزم التخصيص في عموم رواية حريز أيضا.

الثاني الثياب المصبوغة بالعصفر

اى شديد الحمرة أو الصفرة و قال في الجواهر هو شي ء معروف و شبهه مما يفيد الشهرة و لو زعفرانا أو ورسا بعد زوال ريحهما.

هل البحث في المقام و نظر العلماء فيه في نفس اللون المعصفر، أو من جهة بقاء اثر الطيب في الثوب بعد الصبغ، أو لأجل ان هذا اللون كان سببا للشهرة بين الحجاج لقلة لابسيه أو لأمر آخر، فعلى هذا هل يكره كل لون معصفرا و يكره كل لون يوجب الشهرة و ان لم يكن معصفرا فكل هذه توجد في كلمات القوم و النصوص، فالمهم نقل الأخبار المروية في المسئلة.

و منها خبر ابان بن تغلب قال سأل أخي أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل، ألبسه و انا محرم، قال: نعم، ليس العصفر من الطيب، و لكن أكره ان تلبس ما يشهرك بين الناس (1).

يعلم من هذه الرواية ان المصبوغ بالعصفر من جهة أصل اللون لا اشكال فيه و لكن لأجل كونه سببا للاشتهار بين الناس يكره لبسه، و لازم ذلك كراهة كل لون يكون سببا لذلك.

و رواية عامر بن جذاعة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام مصبغات الثياب يلبسها المحرم فقال لا بأس به، الا المفدم المشهور و القلادة المشهورة (2) و رواية عبد اللّه بن هلال قال سئل أبو عبد اللّه عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ألبسه و انا محرم قال: نعم، ليس العصفر من الطيب و لكن أكره ان تلبس ما يشهرك به الناس (3)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 304

و رواية على بن جعفر قال سألت أخي موسى بن جعفر عليه السّلام يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر فقال إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس (1).

المستفاد من رواية عبد اللّه بن هلال كرواية ابان ان الكراهة فيما يوجب لبسه شهرة بين الناس و اما رواية على بن جعفر تدل على عدم البأس إذا لم يكن فيه طيب و لكنه لا ينافي الكراهة لو دل دليل عليها لاجتماع نفى البأس مع الكراهة و لكن المستفاد من الروايات السابقة ان البأس في الثياب المعصفر من أجل الشهرة بين الناس لا لأجل اللون الخاص فان كان الثوب المصبوغ بالعصفر ملازما للشهرة دائما فلا مانع من القول بالكراهة فيه و ان كانت الشهرة حكمة للحكم لا علة له و اما إذا لم يكن ملازما لها بان كان لبس هذا النوع من الثياب غير شاذ بل متعارفا و معمولا بين الناس لا منكر أو لا مستهجنا فلا كراهة فيه و ان كان مشبعا بالعصفر هذا ما هو الظاهر من النصوص.

و اما كلمات الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم فقد عبروا بالعصفر فهل المراد مطلق العصفر أو المشبع منه.

ففي الجواهر بعد نقل خبري أبان و عبد اللّه بن هلال المتقدمتين انهما لا يدلان على مطلق الصبغ به بناء على عدم الشهرة إلا بالمشبع منه و نقل عن محكي المنتهى انه لا بأس بالمعصفر من الثياب و يكره إذا كان مشبعا ما عليه علمائنا و عن التذكرة و لا يكره إذا لم يكن مشبعا عند علمائنا.

و لكن التحقيق في المقام ان ما يستفاد من النصوص كراهة مطلق الثياب الملونة بالعصفر و لكنها تختلف شدة و ضعفا بسبب شدة اللون و ضعفه فبعضه مكروه شديدا كما إذا كان مشبعا و بعضه مكروه لا على هذا الحد و لعله يشير اليه ما في رواية أبان المتقدمة في قوله العصفر ليس من الطيب و لكن أكره ان تلبس ما يشهرك بين الناس و اما الشهرة التي جعلت حكمة لتشريع الكراهة في لبس الثياب المصبوغة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 305

بالعصفر، اما من جهة عدم كونه من اللباس المعمول بين الحجاج إذ المتعارف فيما بينهم عدم لبس المعصفر إلا شاذا و نادرا و لشذوذ هذا العمل لا ينفك اللابس به عن الشهرة بين الناس، و جلب التوجه عنهم اليه، أو من جهة العقيدة و التشيع، لاختصاص جواز لبس العصفر بالذين هم يعتقدون بمذهب أهل البيت، و يأخذون سنة الرسول عن اهله و أولاده عليهم السّلام، و اما غيرهم كأبي حنيفة و اتباعه و بعض الصحابة كانوا يرون الإحرام في الثوب الملون بدعة كما يظهر ذلك مما جرى بين أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السّلام و عمر بن الخطاب(1).

عن ابى بصير المرادي عن ابى جعفر عليه السّلام قال سمعته و هو يقول كان على عليه السّلام محرما و معه بعض صبيانه و عليه ثوبان مصبوغان فمرّ به عمر بن الخطاب، فقال يا أبا الحسن: ما هذان الثوبان المصبوغان، فقال عليه السّلام: ما نريد أحدا يعلّمنا السنة انما هما ثوبان صبغا بالمشق يعنى الطين. (2) عن العياشي في تفسيره عن ابى جعفر و ابى عبد اللّه عليهما السّلام قالا: حج عمر أول سنة حج و هو خليفة و كان على عليه السّلام قد حج تلك السنة بالحسن و الحسين و عبد اللّه بن


1- الحنفية قالوا يحرم لبس المصبوغ بالعصفر و الورس و الزعفران و نحو ذلك من أنواع الطيب إلا إذا غسل بحيث لا تظهر له رائحة فيجوز لبسه حال الإحرام المالكية قالوا المصبوغ بما له رائحة يحرم على المحرم و ذلك كالمصبوغ بالورس و الزعفران و اما المصبوغ بالعصفر فان كان صبغه قويا بان صبغ مرة بعد اخرى حرم لبسه ما لم يغسل و ان كان صبغه ضعيفا أو كان قويا و غسل فلا يحرم لبسه و انما يكره لبسه لمن كان له قدوة لغيره لئلا يكون وسيلة لان يلبس العوام ما يحرم و هو الطيب قالت الشافعية اما المصبوغ بما يقصد اللون دون الرائحة كالعصفر و الحناء فلبسه لا يحرم الحنابلة قالوا يحرم على المحرم لبس المصبوغ بالورس أو الزعفران و اما المصبوغ بالعصفر فيباح لبسه سواء كان الصبغ قويا أو ضعيفا.
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 42 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 306

جعفر قال فلمّا أحرم عبد اللّه لبس إزارا و رداء ممشقين مصبوغين بطين المشق ثم اتى فنظر اليه عمر و هو يلبى و عليه الإزار و الرداء و هو يسير الى جنب على، فقال عمر من خلفهم ما هذه البدعة التي في الحرم فالتفت اليه على عليه السّلام فقال يا عمر:

لا ينبغي لأحد ان يعلمنا السنة فقال عمر صدقت و اليه يا أبا الحسن لا و اللّه ما علمت انكم هم الحديث (1).

و الذي يستفاد من المحاورة بين الامام على عليه السّلام و عمر بن الخطاب ان عمر كان يرى لبس الملون بدعة في حال الإحرام و ان المصبوغ لا يجوز لبسه فلما ردّ على عليه السّلام على عمر و قال انه ممشوق اى مصبوغ بالطين سكت عمر و لم يقل شيئا و ظاهر القضية ان عليا عليه السّلام إنما خطّأه في الموضوع لا في الحكم بمعنى انه عليه السّلام لم يقل انّ لبس المصبوغ ليس ببدعة بل قال ان ما لبسه عبد اللّه بن جعفر مصبوغ بالطين لا بالعصفر و الورس و غيره فيعلم ان الإحرام بالثوب المصبوغ ليس بجائز اللهم ان يقال ان اعتراض ابن الخطاب على عبد اللّه انما كان لارتكابه المكروه إذ المتعارف عند الحجاج و المعمول بينهم ان الوافدين الى اللّه ما كانوا يرتكبون مكروها بل كانوا مراقبين و مواظبين على تركه فلما راى عمران رجلا ارتكب المكروه بلبس الثوب المصبوغ رآه بدعة و امرا مستهجنا و مخالفا للسنة فاعترض عليه عمر و رده على بن أبي طالب بان ما لبسه عبد اللّه ممشوق اى مصبوغ بالطين لا بشي ء من الألوان.

فهل معنى ذلك ان لبس الممشوق بالطين ليس بمكروه أصلا و لو كان الارتكاب لبيان الجواز كما في جواب على عليه السّلام لعثمان في التلبية و الإحرام بالحج و العمرة معا كما تقدم في ج 1 ص 274 مع ان عبد الله ايضا لم يكن مكلفا(2)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 42 من تروك الإحرام الحديث 4
2- كون الصبيان الذين كانوا مع على بن أبي طالب عليه السلام غير مكلفين لا يفيد شيئا فإن الولي إذا أحرم بالصبيان يجب ان يراعى في الإحرام بهم ما يراعى في إحرام نفسه و الحسن و الحسين عليهما السلام و كذا عبد اللّه كانوا في ملازمة على و رعايته و لا يحرم بهم بما يخالف السنة

ص: 307

و رواية أبي العلاء الخفاف قال رأيت أبا جعفر عليه السّلام و عليه برد أخضر و هو محرم (1).

فهل المستفاد منها ان الإحرام في برد أخضر لا كراهة فيه كما يظهر من الجواهر ان المصبوغ باللون و مطلق الصبغ لا دليل على كراهته الا ثوبا يؤثر في البدن من جهة الطيب أو اللون و انما المكروه ما كان لا يردع أو كان شديد اللون و اما ما لبسه أبو جعفر عليه السّلام لم يكن منه كما يظهر ذلك من الروايات منها ما روى عامر بن جذاعة قال سألت أبا عبد اللّه عن مصبغات الثياب يلبسها المحرم قال لا بأس به الا المفدمة المشهورة (2).

عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام لا تلبس المحرمة الحلي و لا الثياب المصبغات الا ثوبا لا يردع (3).

أو تحمل الرواية و فعل الامام على بيان الجواز ردا على ابى حنيفة كما في تلبية على عليه السّلام بالحج و العمرة معا ردا على عثمان حين منع عنها و لكن لو ثبت هذا لا ينفى الكراهة و لا يخالفها فعلى هذا يحمل على الجواز كل ما ورد في النصوص بلفظة لا بأس أو نعم كرواية سعيد بن يسار قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الثوب المصبوغ بالزعفران اغسله و أحرم فيه، قال: لا بأس به (4).

و رواية على بن جعفر قال سألت أخي موسى بن جعفر يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر فقال إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به. (5) و رواية عبد اللّه بن هلال المتقدمة عن الصادق عليه السّلام لما سئل عن ليس الثوب


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 28 من أبواب الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من تروك الإحرام الحديث 3
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من تروك الإحرام الحديث 6
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 308

المصبوغ بالعصفر في الإحرام قال: نعم ليس العصفر من الطيب (1).

فهذه الروايات الثلاثة و نظائرها لا تنفى الكراهة لا الشديدة و لا غيرها بل يحمل نفى البأس على أصل الجواز و كذا قوله عليه السّلام نعم، فلا تعارض ما تدل أو يمكن ان يستدل به على الكراهة كالروايات الاتية و منها.

رواية الحسين بن ابى العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب أ يحرم فيه فقال: لا بأس إذا ذهب ريحه و لو كان مصبوغا كله إذا ضرب الى البياض و غسل فلا بأس به (2).

و رواية مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يلبس لحافا الى ان قال عليه السّلام كل ثوب يصبغ و يغسل يجوز الإحرام فيه و ان لم يغسل فلا. (3) و حمل النهى الوارد في الرواية الثانية على الكراهة يحتاج إلى التأييد بفتاوى العلماء و الا فهو ظاهر في الحرمة و انه لا يجوز الإحرام في الثوب المصبوغ قبل الغسل.

و الفرق بين الغسل و عدمه، ان الصبغ قبل الغسل يسرى الى البدن و يؤثر فيه، و لا يسرى فيه بعده و لا يردع، كما في رواية الحلبي المتقدمة عن الصادق عليه السّلام قال: المحرمة لا تلبس الحلي و لا الثياب المصبغات الا ثوبا لا يرفع(لا يردع) (4) و عن الوافي لا يردع اى لا ينفض أثره على ما يجاوره و يقال به ردع من زعفران أو دم اى لطخ و اثر.

و اما التفصيل الواقع في رواية الحسين بن ابى العلاء لا يبعد حملها على


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من تروك الإحرام الحديث 4
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 309

مراتب الكراهة شدة و ضعفا ايضا بدلالة الروايات الأخرى المتقدمة بمعنى ان المصبوغ بالزعفران و غيره إذا غسل و مال الى البياض الكراهة فيه ضعيفة و اما إذا لم يغسل أو لم يضرب الى البياض فالكراهة فيه شديدة و كذا إذا كان مشبوعا هذا من جهة الصبغ و اللون و اما من جهة الطيب فلا بأس فيه إذا غسل و ذهب ريحه في الطيب المحرم ثم ان صاحب الشرائع بعد ما قال المكروهات عشرة أولها الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد أو العصفر و شبهه عقب ذلك بقوله و تتأكد في السواد.

و لعل مراده ان المصبوغ بالسواد الذي يعبر عنه في الفارسية ب(رنگين)، مكروه و لكن تشتد الكراهة فيما كان أسود بالأصل و الطبيعة اى أصليا لا عرضيا.

و أورد صاحب الجواهر عليه و قال لم نقف على ما يدل عليه إذ لم يحضرنا الا ما سمعته من الخبر المزبور الدال على أصل الكراهة الزائدة على أصل اللبس و مراد الجواهر من الخبر رواية الحسين بن مختار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفن به الميت.

و يمكن ان يقال انه استظهر شدة الكراهة نظرا الى ان بعض العلماء اختار الحرمة كما تقدم(1).


1- هذا الاحتمال لا يدفع الإشكال إذ لو كان السبب ذلك لكان في المصبوغ بالسواد ايضا كذلك و لم يفرق بين المصبوغ بالسواد و بين السواد من الأصل و ذكر في الرواية الثوب الأسود.

ص: 310

الثالث في حكم النوم على المصبوغة

و يكره على المحرم النوم على الثياب المزبورة كما في الشرائع اى السواد و المصبوغ به و المعصفر و عبر بعض الفقهاء بكراهة النوم في الفراش المصبوغة، كما عن النهاية و المبسوط و التهذيب و الجامع و التذكرة و التحرير و المنتهى، و لكن ليس في الرواية إلا الأصفر و النوم عليه، على ما روى عن ابى بصير و المعلى.

فعن المعلى بن خنيس عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال كره ان ينام المحرم على فراش اصفر أو على مرفقة صفراء. (1) و عن ابى بصير عن ابى جعفر قال يكره(اكره خ ل) للمحرم ان ينام على الفراش الأصفر و المرفقة الصفراء. (2) فهل استفادوا الإطلاق و تسرية الحكم الى كل مصبوغ، من الرواية باعتبار


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 28 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 28 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 311

ان ذكر الأصفر من باب المثال لا للتقييد و الخصوصية.

و قد يقال ان النوم على الفرش الأصفر إذا كان مكروها ففي غيره أولى لشدة الكراهة في السواد في الإحرام.

و قال بعض ان الحاج ينبغي ان يكون أشعث و أغبر و ان اللّه يحب ذلك كما في الرواية و بسط الفرش ينافي ذلك، و يرد عليه ان مقتضى البيان ان يكره النوم على كل فرش يوجب ترفها، اسود كان أو اصفر أو أحمر، حتى لو كان بياضا بل يلزم ان يكون البياض أشد كراهة لكونه أقرب الى النظافة و الترفه و التنزه.

و استدل ثالث، بان كل ما كان الإحرام به مكروها فالنوم عليه ايضا مكروه، بجعله فرشا ينام عليه، و لكنه ايضا لا يساعده الخبر المزبور.

الرابع من مكروهات الإحرام ان يحرم في ثوب وسخ و ان كانت طاهرة شرعا

، بلا خلاف فيه، و تدل عليه بعض الروايات.

منها صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام قال سالته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ قال: لا: و لا أقول انه حرام و لكن تطهيره أحب الى و طهوره غسله، و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم حتى يحل و ان توسخ الا ان تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله (1).

ظاهر الرواية ان الإحرام في ثوب وسخ ليس بحرام و لكن التطهير مستحب كما هو صريحها.

و قد يقال انها لا تدل على الكراهة بل يستفاد منها ان عدم التطهير ايضا فيه رجحان و ان كان التطهير أحب و أرجح، لمكان افعل التفضيل و ذكر لفظة لا، و النهى في صدر الرواية، انما هو لبيان الأحسن من الفعلين، و الإرشاد الى ذلك، كما لو قيل لا تصل في الدار، و الصلاة في المسجد أحب الى.

يمكن ان يقال: ان كلمة أحب، ليس لبيان التفضيل بل للتعين كما في قوله


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 38 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 312

تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ 8: 75، فعلى هذا يكون الغير مكروها و غير محبوب.(1) و المهم في المسئلة البحث في ان ثوبي الإحرام إذا توسخ، هل يجوز غسله أم لا، ذهب بعض إلى الحرمة، كما عن الدروس في ظاهر كلامه، و استدل له بصحيح مسلم المتقدم.

و أورد عليه بان القول بعدم جواز غسل الثوب الوسخ بعد الإحرام، مناف للنظافة التي هي من الايمان المأمور بها في الشرع.

و يدفع بأنه لا مانع من تركها هذا المقدار، الى ان يحل إذا كان ذلك لترك الزينة و التجمل و الرفاه في سبيل اللّه و طريق الوفد اليه تبارك و تعالى في السير إلى زيارة بيته، و الخلع عن زيّ المترفين و المرفهين، فإنه نوع من الحرمة و الاحترام نعم لو اصابه شي ء أو احتلم يجب غسله كما تدل عليه الروايات منها.

رواية الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يحوّل ثيابه، قال، نعم، و سألته يغسلها إن أصابها شي ء، قال: نعم، إذا احتلم فيها فليغسلها (2) و يدل عليه ايضا ذيل رواية محمد بن مسلم المتقدمة و فيها و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل و ان توسخ، الا ان تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله (3) فالنهي عن غسل الثوب بعد الإحرام تحريميا كان أو تنزيهيا انما هو إذا لم تصبه نجاسة.


1- و هذه الرواية تدل على ان التطهير مستحب و محبوب عنده و اما غيره فليس مما يحبه و هذا غير ملازم للنقص و المفسدة غير الملزمة فيه، و التصريح بان التطهير أحب الى، يدل على تعين هذا المصداق للندب و اما الدلالة على كراهة غيره فلا، الا ان يستفاد من قوله لا، فإن النهي إذا لم يكن تحريميا فهو تنزيهي.
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 38 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 38 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 313

الخامس الإحرام في الثياب المعلّمة

على بناء المفعول اى المخطّطة بلونين مختلفين أو الألوان كذلك، فإنه يكره على المحرم لا المحرمة، و المدرك في المقام هو النص الخاص، و منه.

ما رواه ليث المرادي قال سألت أبا عبد اللّه عن الثوب المعلّم هل يحرم فيه الرجل، قال: نعم، انما يحرم الملحم (1).

هذه الرواية انما تدل على عدم الحرمة في الثوب المعلم اما الكراهة فهي ساكتة عنها.

و عن الحلبي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحرم في ثوب له علم فقال لا بأس. (2) عن النضر بن سويد عن ابى الحسن في حديث المرأة المحرمة قال: و لا بأس بالعلم في الثوب (3).

و الروايتان كسابقتهما تدلان على نفى البأس في الإحرام بالثوب المعلم بمعنى عدم الحرمة فيه و اما الكراهة فلا يستفاد منهما، و لعلها تستفاد من رواية معاوية بن عمار الاتية.

عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللّه لا بأس ان يحرم الرجل في الثوب المعلم و تركه أحب الىّ إذا قدر على غيره. (4) و اما النساء فلا كراهة لهن في الإحرام بالثوب المعلم، و تدل عليه الروايات ايضا لا حاجة لذكرها بقي الكلام في الثياب الملحمة.

اما الثياب الملحمة أي التي فيه إبريسم فقد تقدم ان الإحرام في الحرير المحض لا يجوز حتى للنساء، و تدل عليه رواية عيص بن القاسم قال قال أبو عبد اللّه المرأة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 39 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 39 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 39 من تروك الإحرام الحديث 2
4- الحديث 3

ص: 314

المحرمة تلبس ما شائت من الثياب غير الحرير و القفازين. (1) و رواية سماعة أنه سأل أبا عبد اللّه عن المحرمة تلبس الحرير فقال: لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه. (2) و اما غير الخالص من إبريسم و الحرير فيجوز الإحرام فيه و لكنه يكره و لا يكون حراما و ما يدل على الحرمة غير ثابت مضافا الى عدم الخلاف في المسئلة لحكم المشهور بالكراهة فيه.

السادس من مكروهات الإحرام الحناء

وقع الخلاف في ان استعمال الحناء حرام أو مكروه، المشهور هو الثاني، و عن المدارك و كشف اللثام و غيرهما عند الأكثر، و حكم الشيخ بالحرمة في بعض كتبه و بالكراهة في بعض آخر و منشأ الخلاف ان استعمال الحناء زينة أم لا، فان كان يعد زينة فهو حرام، لما تقدم في الاكتحال بالسواد من عدم الجواز معللا بأنه الزينة، و تردد الأمر أيضا بين كون الاكتحال زينة بنفسه و طبعه و ان لم يقصد التزين به، و بين كونه امرا قصديا بمعنى انه حرام إذا قصد التزين به، يظهر من بعض الاخبار الأول، و من بعضها الثاني، و قيد الشرائع كونه اى استعمال الحناء للزينة، كما ان المسالك و الروضة قيد الحرمة فيه بقصده للزينة، و قال فان كان للسنة فلا اشكال فيه، و اما للزينة فهو حرام، فالفارق القصد دون العمل.

و لكن الرواية خالية عن هذا القيد نعم ورد في الاكتحال ان السواد من الزينة، و في رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس ان يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأما للزينة فلا. (3) و اما النصوص في المقام فهي خالية عن هذا القيد، و منها.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 9
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 7
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 315

رواية أبي الصباح الكناني عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك قال: ما يعجبني ان تفعل. (1) و عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه قال سألته عن الحناء فقال ان المحرم ليمسه و يداوي به بعيره و ما هو بطيب و ما به بأس (2) الرواية الثانية في قبال من يدعى ان الحناء من الطيب و تدل على عدم كونه منه و لكنها لا تنفى كراهة استعماله مضافا الى ان مس اليد بالحناء لتداوى البعير لا يطلق عليه الخضاب و الجواب انما هو من جهة الطيب، و انه ليس بطيب و ما به بأس، و لم يذكر اسم الخضاب أصلا.

و اما رواية أبي الصباح استفادوا الكراهة منها من قوله عليه السّلام ما يعجبني ان تفعل و لكنها في مورد الحاجة الى استعمال الحناء و الاضطرار اليه للخوف من الشقاق لو لا الحناء.

و يحتمل ان يكون المورد خضابا و زينة كما يشعر قوله ان تخضب يدها بالحناء، و الا لكان المناسب ان يعبر بإصلاح اليد، و تداوى الشقاق، و المنع عنه، و على كل حال تستفاد الكراهة من قوله عليه السّلام ما يعجبني ان تفعل فان التعبير بهذه العبارة تعبير ضعيف و غير مناسب.

نعم يستفاد الحرمة من روايات اخرى بناء على ان استعمال الحناء زينة و هذه الرواية الدالة على الكراهة تحمل على الخضاب قبل الإحرام الذي يبقى أثره بعده.

و أورد عليه بان الزينة إذا كانت محرمة، تكون حراما حدوثا و بقاء مضافا الى أنها خضبت يدها حين ما أرادت الإحرام فكيف يمكن حمل الرواية على الكراهة(3)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 23 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 23 من تروك الإحرام الحديث 1
3- لا فرق في الحمل على الكراهة بينما إذا بقي الأثر بعد الإحرام و بين ان تخضب حين ما أرادت الإحرام قبل ان تحرم، و بين ان تخضب قبل ذلك بيوم أو أيام لوحدة الملاك و الاعتبار و هو بقاء الأثر

ص: 316

و اما الذين قيدوا الحرمة أو الكراهة بقصد الزينة، يدعون انها لا تصدق بدون القصد و النية فلا تصدق الزينة لو لا النية.

و هو ايضا مشكل فإن الشي ء إذا كان عند العرف زينة و يراه الناس كذلك لا يفرق بين ما نوى الزينة و قصدها أو لم يقصدها، كما في شد الأسنان بالذهب للرجال إذ لو قلنا بحرمة الزينة بالذهب على الرجال يشكل الحكم بجوازه و ان لم يقصد ذلك بعد صدق الزينة عرفا، الا ان يستدل بإطلاق أدلة جواز شد الأسنان بالذهب و يحكم به، فكلام الشهيد قدس سره في المسالك حيث قيد الحرمة بالقصد لا يخلو من اشكال.

السابع النقاب للمرأة

على تردد كما في الشرائع، فهل المراد من النقاب ما لا يوجب التغطية لما تقدم من ان ستر الوجه حرام، أو مطلقا و ان لم يوجب التغطية، فيشكل الحكم بالكراهة هنا و الحرمة في مسئلة ستر الرأس فبناء على هذا لا بد من اختيار الشق الأول و ان المراد من النقاب كالاسدال الذي لا إشكال في جوازه كما أشير إليه في المسئلة السابقة.

و اما تردد صاحب الشرائع في الكراهة لاحتماله ان يكون النقاب حراما فعلى هذا يلزم التخصيص في الأدلة الدالة على حرمة ستر الوجه على المحرمة و وجوب كشف الوجه عليها.

و اما المشهور فقالوا بالحرمة في النقاب، و منشأ الخلاف الأخبار المختلفة- الدلالة و المضامين، فان منها ما تنهى عن تغطية الوجه حتى بالنقاب، و منها ما ورد فيه ما يدل على الكراهة، فلا بد من نقلها، منها:

رواية أبي عيينة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته ما يحل للمرأة ان تلبس و هي محرمة فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير، قلت: أ تلبس الخز، قال: نعم، قلت فان سداه أبريشم و هو حرير، قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 3

ص: 317

استثناء القفازين و البرقع يدل على عدم جواز لبس النقاب بناء على اتحاد البرقع معه سواء حصلت التغطية به أم لا، و اما بناء على عدم اتحادهما فالحرمة في النقاب انما هو من جهة ستر الوجه و التغطية و لا خصوصية فيه بل يحرم كل، ما يستر الوجه و لو بغير النقاب.

و رواية عبد اللّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه قال: المحرمة لا تتنقب لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه (1) و معنى إحرامها في وجهها ان علامة كون الرجل محرما كشف رأسه، و كون المرأة محرمة، عدم ستر وجهها، للاضحاء المطلوب في الشرع، و وصول حر الشمس الى رأس المرء و وجه المرأة، و هذا القيد انما ذكر لأهميته في الإحرام و الا فهو أمر آخر كما تقدم في المجلد الأول.

و رواية عيص بن القاسم قال أبو عبد اللّه المرأة المحرمة تلبس ما شائت من الثياب غير الحرير و القفازين و كره النقاب و قال تسدل الثوب على وجهها قلت حد ذلك الى أين قال الى طرف الأنف قدر ما تبصر. (2) و كلمة الكراهة المذكورة في الرواية يمكن ان يكون معناها الحرمة و التحريم كما اختاره في الوسائل و يمكن ان يكون بمعنى الكراهة المصطلحة، فإن استظهرنا المعنى الثاني فلا بد ان يحمل ما يدل على وجوب كشف الوجه و عدم جواز التنقب على الأفضلية و الأكملية، الا ان تقابل إحرام المرأة في وجهها بقوله إحرام الرجل في رأسه يبعد هذا الحمل و يضعفه، لوجوب كشف الرأس في المحرمة و حرمة تغطية، و السياق يقتضي أن تكون المحرمة كذلك اى يحرم عليها تغطية الوجه الا ان ظهور الكراهة في غير التحريم ليس بحيث يعارض الرواية الدالة على التحريم و يخصصها لكثرة استعمال الكراهة في التحريم على حد لا تعد نادرا أو خارجا عن


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 318

التعارف، و ذكر الإسدال ذيل الرواية يؤيد ما ذكر، لما تقدم من ان الإسدال انما يصح إذا لم تصدق عليه التغطية و لم يكن ملاصقا للوجه.

و رواية حماد عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال مرّ أبو جعفر بامرأة متنقبة و هي محرمة، فقال: أحرمي و أسفري و ارخى ثوبك من فوق رأسك، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك، قال رجل الى أين ترخيه، قال: تغطى عينها قال، قلت: تبلغ فمها قال: نعم. (1) و الإرخاء إلى الذقن و الفم ان كان بحيث يغطى الوجه، يخالف ما تقدم من الأدلة الدالة على حرمة التغطية فلا بد من حمله على الإسدال الذي لا يلاصق الوجه و لا يطلق عليه التغطية.

و رواية أحمد بن محمد(بن ابى نصر) عن ابى الحسن عليه السّلام قال مرّ أبو جعفر بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها. (2) و يعلم من التعبير باسفري، و كذا من قوله استترت ان النقاب و المروحة كان بحيث تغطى الوجه، و لذلك قال أسفري إذ الاسفار هو الكشف فيعلم انها غطت وجهها بالنقاب و المروحة.

و رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لا تطوف المرأة بالبيت و هي متنقبة. (3) و الرواية تدل على ان الطواف يلزم ان يكون من غير نقاب و ان لم تكن محرمة و هذا غير مرتبط بالإحرام و ما يكره فيه أو يحرم، الا انى لا اعلم هل افتى أحد بحرمة الطواف و بطلانه بالنقاب في غير حال الإحرام و لأجل عدم الإفتاء بالحرمة يحمل على الكراهة.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 319

و رواية زرارة عن ابى عبد اللّه ان المحرمة تسدل ثوبها الى نحرها. (1) و في رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة. (2) هذه الرواية تدل على جواز الإسدال إذا كانت المحرمة راكبة لأجل انها حينئذ في معرض النظر و الرواية فأجيز الإسدال بالثوب و هو غير النقاب المبحوث عنه.

و يمكن ان يقال ان صاحب الجواهر قدس سره حمل النهى عن التنقب على الكراهة بقرينة روايتي زرارة و معاوية بن عمار و التي ذكر فيها لفظ الكراهة كما في رواية عيص المتقدمة.

و اما غير صاحب الجواهر القائل بحرمة النقاب فقد قدم ظهور النهى عن التنقب في الحرمة و حمل لفظ الكراهة على الحرمة أيضا لاستعمالها فيها إذ لم يوجد ما يدل بالصراحة على عدم البأس في النقاب فالقول بالكراهة غير مقطوع به عنده و يظهر من الشرائع ايضا انه على تردد فيها و الجمع بين كلامه هنا و قوله عليها ان تسفر وجهها فيما تقدم بان ما اختاره هنا من جهة ورود التخصيص بوجود الروايتين المتقدمتين.

الثامن دخول الحمام

- لا خلاف في كراهته على المحرم و يدل عليه خبر عقبة بن خالد عن ابى عبد اللّه عليهما السّلام قال سألته عن المحرم يدخل الحمام قال:

لا يدخل. (3) و ظاهر الرواية حرمة الدخول في الحمام و لكنها حملت على الكراهة للإجماع بقسميه على عدم الحرمة، كما اختاره الشيخ و صرح به صاحب الجواهر و تشهد له روايات منها.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 8
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 76 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 320

رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يدخل المحرم الحمام و لكن لا يتدلك. (1) و رواية ابن فضال عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه قال لا بأس بأن يدخل المحرم الحمام و لكن لا يتدلك. (2) و رواية يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّه عليهما السّلام عن المحرم يغتسل فقال:

يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه. (3) و رواية حريز عن ابى عبد اللّه قال إذا اغتسل المحرم من الجنابة صبّ على رأسه الماء يميز الشعر بأنامله بعضه ببعض. (4) و تميز الشعر بالأنامل إشارة إلى انه لا يدلك الشعر لئلا يسقط.

و عن زرارة في حديث عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته هل يغتسل المحرم بالماء قال لا بأس ان يغتسل بالماء و يصبّ على رأسه ما لم يكن ملبدا فان كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء الا من الاحتلام. (5) و الظاهر من الرواية ان الدلك حرام كما هو الظاهر من النهى الوارد فيها و لكن العلماء حملوا النهى على الكراهة.

التاسع تلبية من يناديه

اى جواب المحرم غيره بالتلبية إذا خاطبه، و استدل له بالاستحسان العقلي بأنه في مقام التلبية للّه تعالى شأنه الذي لا ينبغي ان يشرك غيره معه فيها، و لكن المعتمد في المقام الرواية المروية عن المعصومين عليهم السلام.

عن حماد بن عيسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال ليس للمحرم ان يلبى من دعاه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 76 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 76 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الإحرام الحديث 1
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الإحرام الحديث 2
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من أبواب الإحرام الحديث 3

ص: 321

حتى يقضى إحرامه قلت: كيف يقول، قال: يقول يا سعد. (1) و في مرسلة الصدوق قال الصادق يكره للرجل ان يجيب بالتلبية إذا نودي و هو محرم. (2)

العاشراستعمال الرياحين

، و هو أعم من الأكل و الشم و الحمل لطيبة و الأخذ باليد و المضغ فيشمل جميع الأقسام، و اما المس و النظر الى الرياحين لا يعد استعمالا له كما في الطيب و كل ذلك كما في الشرائع مكروه و عليه جمع من الأصحاب بل هو المشهور، و عن العلامة في المنتهى و التذكرة و التحرير و المختلف و عن المفيد الحكم بالحرمة و قواه في المدارك و نقله صاحب الحدائق عن الشيخ في بعض كتبه.

و المراد من الرياحين ما هو المعروف عند العجم ايضا بالريحان و هو النبت الذي له طيب سواء كان في ورده أو ساقه أو ورقه، و الخضروات التي لها طيب و عطر، يطلق عليها الريحان ايضا، و المراد هنا كل نبت فيه طيب.

عن كتاب العين الريحان اسم جامع للرياحين الطيبة الريح، و عن ابن الأثير هو كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم، و عن المطرزي عند الفقهاء الريحان ما لساقه رائحة طيبة كما لورده و الورد ما لورقه رائحة طيبة كالياسمين.

و عن القاموس نبت معروف طيب الرائحة أو كل نبت كذلك أو أطرافه أو ورقه و أصله ذو الرائحة، و خص بذي الرائحة الطيبة ثم بالنبت الطيب الرائحة ثم بما عدا الفواكه و الأبازير، و عن التذكرة ان النبات الطيب ثلاثة أقسام و ملخص كلامه هذا.

الأول ما لا ينبت للطيب و لا يتخذ منه كنبات الصحراء من الإذخر و الزنجبيل و المصطكى و الفواكه كالتفاح و النارنج و الأترج و هذا كله ليس بحرام.

الثاني ما ينبته الّا دميون للطيب و لا يتخذ منه كالريحان الفارسي و يكره استعماله


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 91 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 91 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 322

كما عن الشيخ.

و الثالث ما يقصد شمه و يتخذ منه الطيب كالياسمين و الورد، الظاهر ان هذا يحرم شمه و يجب فيه الفدية.

و منشأ القولين من الحرمة أو الكراهة، الروايات الواردة فمن الطائفة الأولى.

رواية حريز عمن أخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به و لا بريح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته. (1) و الالتذاذ من الريحان: أعم من الشم و حمله ليتلذذ به نفسه أو غيره ممن يصاحبه.

عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال عليه السّلام: لا تمس ريحانا و أنت محرم و لا شيئا فيه زعفران و لا تطعم طعاما فيه زعفران. (2) و الرواية ظاهرة في الحرمة لتقابل الريحان مع غيره من أنواع الطيب المحرم على الذي أحرم كالزعفران، و الطيب بمعناه الأعم و ان كان يشمل الريحان الا ان المراد منه هنا ما يتخذ منه الطيب و لا يراد منه الا ذلك كما ان المراد من الريحان كل الرياحين و لا يختص بما يسمى بالريحان فقط بالفارسية بل يشمل كل خضروى له طيب و عطر كما تقدم.

و دلالة تلك الروايات على الحرمة تامة و يؤكدها قول ابى عبد اللّه عليه السّلام في رواية حريز فمن ابتلى بذلك فليتصدق بشي ء من الطعام، لعدم وجوب الكفّارة الأعلى ما هو محرم.(3)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث 6
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث 3
3- و يظهر من رواية معاوية بن عمار، استعمال تلك الجملة في المكروهات ايضا و لا تختص الكفارة بالحرام راجع الوسائل ج 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 323

و اما القائلون بالكراهة فقد استدلوا بروايات يظهر منها ذلك و منها.

رواية معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لا بأس ان تشم الإذخر و القيصوم و الخزامى و الشيح و أشباهه و أنت محرم. (1) الإذخر نبات معروف بمكة يستحب مضغه عند الطواف و تقبيل الحجر و الخزامى بضم الخاء نبت زهره من أطيب الأزهار و الشيح نبات أنواعه كثيرة كله طيب الرائحة.

و استدل بالرواية لجواز استعمال الرياحين و عدم حرمته، و استفادوا من عطف الأشباه على ما ذكر من الإذخر و الخزامى في الرواية ان جميع أقسام الرياحين مما يشبه الإذخر لا بأس فيه على المحرم.

و أورد على الاستدلال بان وجه الشبه في قوله و أشباهه غير معلوم، إذ يمكن ان يكون الوجه البرية و غير الأهلية أي ما ينبت طبعا لا بعمل الإنسان لا الخضروية و الطيب فعلى هذا لا يشمل الرياحين التي ينبتها الإنسان و تبقى تحت العموم الناهية عن استعمال الريحان، فان علمنا ان وجه الشباهة كون الريحان من الطيب و انه كالاذخر و الخزامى تحمل العمومات الدالة على التحريم على الكراهة و يجمع بين الطائفتين من الروايات.

و اما إذا لم نعلم ذلك أو علمنا ان وجه الشبه كون النبات بريّة يبقى ظهور العمومات الناهية في الحرمة و كذا لو دار الاستثناء و المخصص بين القليل و الكثير يؤخذ بالقدر المتيقن منه و يبقى غيره تحت العام الدال على الحرمة، لاستقرار ظهور العام فيها و انفصال المخصص عنه قد يقال وجه الشباهة في كلمة المعطوف على الإذخر و غيره كونه نابتا في الحرم فالمعنى لا بأس بالإذخر و أشباهه من نبات الحرم التي ينبت بنفسه و اما ما ينبته الإنسان في الحرم أو كان نابتا في خارجه فتشمله العمومات و يبقى تحتها الدالة على حرمة استعمال الطيب.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 25 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 324

و أورد عليه بان استعمال الريحان الذي نبت في الحرم إذا كان جائزا فيجوز غيره بالأولوية لشدة حرمة الحرم و كرامة نباتة.

و يدفع بأن الحكمة في ذلك يمكن ان تكون كثرة الابتلاء و عسرة التحرز عما ينبت في الحرم بخلاف ما ليس كذلك فلا يصح دعوى الأولوية.

و منها رواية على بن مهزيار قال سألت ابن ابى عمير عن التفاح و الأترج و النبق و ما طاب ريحه قال تمسك عن شمه و تأكله. (1) و يظهر من الرواية ان أكل التفاح و الأترج لا مانع منه إذا أمسك عن شمه فان قلنا ان استعمال الطيب عبارة عن التطيب و التعطر منه فلا يعد الأكل استعمالا له سيما إذا لم يبق اثر من الطيب بعد الأكل و لا يكون داخلا في العموم.

و اما إذا قلنا ان استعمال الطيب و الريحان أعم من الأكل و التطيب به و يشمله العموم، فيخصص الأكل بهذه الرواية و يخرج عنه و اما قوله عليه السّلام و ما طاب ريحه فان كان المراد منه ان كل شي ء مما طاب ريحه من المأكول و غيره لا بأس به أكلا و غيره من سائر الاستعمالات فيكون مخصصا للعموم الدال على حرمة استعمال الرياحين نعم لو قلنا ان المراد مما طاب ريحه، ما يؤكل منه بقرينة التفاح و الأترج المذكوران في الرواية يقع التخصيص على الأكل فقط و لا يصح حمله على الأعم لاشتمال الرواية على القرينة الصالحة للمنع عن الإطلاق و صرفه الى ما يؤكل منه.

و الحاصل ان العمومات الناهية عن استعمال الرياحين ظاهرة في الحرمة بل صريحة فيها، فهل يمكن تخصيصها بما ذكر من الروايات أو حملها على الكراهة، مع احتمال اختصاصها بما يوكل، و اشتمال المخصص بما يصلح للقرينية و صرفه عن غيره من الاستعمالات، الظاهر ان الالتزام بذلك مشكل، إذ لا يوجد ما يدل صريحا على الكراهة، سوى كلمة أشباهه المعطوف على الإذخر المحتمل ان يكون وجه الشبه كون ماله صنفان من الرياحين التي يوكل قسم منه دون قسم أخر إذ لا يشمل


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 26 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 325

المخصص بناء على وجوده لما لا يؤكل منه هذا غاية الكلام في المقام.

و هذه العشرة من المكروهات في الإحرام ما ذكره المحقق في الشرائع

و

نقل عن الدروس أمور اخرى يكره حال الإحرام.

الأول غسل الرأس بالسدر و الخطمي الثاني خطبة النساء الثالث المبالغة في السواك و دلك الوجه و الرأس في الطهارة الرابع الهذر من الكلام و الخامس الاغتسال للتبرد و عن الحلبي تحريمه السادس الاحتباء في المسجد- الحرام السابع المصارعة و يظهر من النصوص كراهة غيرها كرواية الشعر كما يظهر منها الحكمة في كراهة بعضها.

عن على بن جعفر عن أخيه سألته عن المحرم يصارع هل يصلح له قال لا تصلح له مخافة ان يصيبه جراح أو يقع بعض شعره (1) عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول يكره رواية الشعر للصائم و المحرم و في الحرم و في يوم الجمعة و ان يروى بالليل قال: قلت: و ان كان شعر حق، قال: و ان كان شعر حق. (2) و المهم في المقام الذي هو مورد للابتلاء ان نتعرض لحكم من يريد ان يدخل مكة و انه هل يجب عليه الإحرام من احدى المواقيت و ان لم يرد عمرة أو لا يجب إلا لإتيان العمرة و كذا البحث حول نذر الإحرام قبل الميقات.

و قد تعرض الأستاذ مد ظله العالي لحكم المسئلتين في المجلد الأول إجمالا و أشار إليه هنا ايضا و ستقف عليه إنشاء اللّه.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 94 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 96 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 326

(في حكم دخول الحرم و مكة)

اشارة

هل يجب الإحرام على كل من يريد دخول الحرم أو مكة، أو لا يجب الا على من يريد النسك، أو يجب على غير من خرج من مكة و رجع إليها، أو على غير من كان منزله في الحرم، و أراد دخول مكة.

ثم ان الإحرام بناء على وجوبه فهل لأداء النسك، أو هو واجب مستقل نفسي، غاية الأمر لا يحل منه الا باعمال العمرة و الإتيان بها فهنا فروع.

الفرع الأول لا يجوز الإحرام قبل الميقات بلا خلاف فيه، و النصوص المتظافرة تدل على ذلك الا لناذر، و كذا لا يجوز تأخيره عنها الا لمرض أو مانع إجماعا و نصوصا و يظهر من النصوص الكثيرة ان الإحرام قبل الميقات من دون نذر لا رجحان فيه و انه كمن يصلى الظهر أربعا في السفر.

عن ميسرة قال دخلت على ابى عبد اللّه عليه السّلام و أنا متغير اللون فقال لي: من

ص: 327

أين أحرمت بالحج، فقلت: من موضع كذا و كذا فقال: رب طالب خير يزل قدمه، ثم قال: أ يسرك ان صليت الظهر في السفر أربعا، قلت لا، قال: فهو و اللّه ذاك. (1) و اما الناذر للإحرام قبل الميقات فيصح إحرامه و تدل عليه ايضا نصوص كثيرة منها.

صحيح الحلبي المروي عن الاستبصار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جعل للّه عليه شكرا ان يحرم من الكوفة قال فليحرم من الكوفة و ليف للّه تعالى بما قال. (2) و خبر على بن أبي حمزة قال: كتبت الى ابى عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جعل للّه عليه شكرا ان يحرم من الكوفة، قال: يحرم من الكوفة. (3) و قد تقدم الكلام في اشتراط انعقاد النذر على ان يكون متعلقة راجحا و الاشكال في المسئلة و الجواب عنه و المهم ان نبين حكم من يعلم انه يضطر الى الاستظلال لو نذر الإحرام قبل الميقات.

مسئلة

لو علم انه لا يضطر الى التظليل لو نذر الإحرام قبل الميقات فلا إشكال في صحة النذر و اما إذا علم انه لو أحرم قبل الميقات يضطر الى الاستظلال فهل يصح النذر حينئذ أم لا، الظاهر هو الأول، فإن الدليل الدال على مشروعية النذر قبل الإحرام لم يفصل بين ما يضطر المحرم الى الاستظلال أم لا، بل صرح الامام عليه السّلام بصحة النذر للإحرام من الكوفة إلى مكة المكرمة و المتعارف ابتلاء المحرم بالتظليل في تلك المسافة بل المقطوع ذلك. فدليل صحة النذر يوجب


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 11 من المواقيت الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 7 الباب 13 من المواقيت الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 13 من المواقيت الحديث 2

ص: 328

الإلزام بما لا يضطر اليه من محرمات الإحرام فيجب الوفاء به فيه و اما إذا اضطر الى التظليل و غيره، فهو تابع لأدلة الاضطرار تكليفا و وضعا، و في لزوم الكفارة و عدمه، فالقول بعدم شمول دليل النذر لما يعلم الاضطرار الى التظليل بعد الإحرام مشكل جدا، بعد شمول إطلاقه له و بهذا يمكن تقريب حكم العبور بالطائرة من المواقيت و صحة الإحرام قبلها بالنذر.

ص: 329

(في حكم دخول مكة المكرمة و الحرم) كل من دخل مكة وجب ان يكون محرما كما في الشرائع و في الجواهر بلا خلاف أجده بل عن المدارك و محكي الخلاف الإجماع عليه.

هل المراد انه يجب الإحرام لدخول مكة فقط أو لدخول الحرم، و ان لم يدخل مكة كمن يريد ان يبيع شيئا في الحرم و يرجع، و على الأول فهل يجب الإحرام على من كان خارج مكة أو الحرم دون من كان ساكنا بمكة و خرج منها و رجع إليها.

ثم ان هذا الإحرام على من يريد النسك و العمرة، أو يجب على كل من يدخل مكة أو الحرم، غاية الأمر لا يحل منه الا باعمال العمرة فعلى هذا يكون الإحرام واجبا مستقلا نفسيا لا شرطا لغيره، و لكل وجه و في بعض الوجوه خلاف و لا يتضح الحال الا بنقل الأخبار الواردة في الباب.

عقد صاحب الوسائل قدس سره بابا للمسئلة و قال: باب انه لا يجوز دخول

ص: 330

مكة و لا الحرام بغير إحرام و لو دخل لقتال الا ان يكون مريضا فلا يجب بل يستحب أو دخل قبل شهر من إحرامه ثم ذكر روايات فمنها.

رواية عاصم بن حميد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أ يدخل الحرم أحد إلا محرما قال: لا، الّا مريض أو مبطون. (1) و مفاد الرواية ان الحرم لا يجوز لأحد ان يدخله بغير إحرام إلا إذا كان مريضا أو مبطونا، و يجب ان يحمل المرض على ما لا يقدر على الإحرام و على إتيان الأعمال بعد الإحرام، و ان تمكن من النائب كالزائل عقله، و اما المبطون فهو يقدر على الإحرام و يتمكن من لبس الثوبين و التلبية و لكن لا يتمكن من الإتيان بالأعمال مع الطهارة، و عدم تنجيس المسجد، فالعلة الموجبة لعدم وجوب الإحرام عدم القدرة و التمكن من جميع ذلك و ان تمكن من البعض كالإحرام فقط و ان ورد في بعض الروايات انه يحرم عنه غيره و ينوب عنه النائب.

و عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام قال: لا، الا ان يكون مريضا أو به بطن (2) و يعارض الروايتين ما روى عن رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل به بطن و وجع شديد يدخل مكة حلالا قال لا يدخلها الا محرما. (3) و يجمع بين الطائفتين بحمل رواية رفاعة على الاستحباب و يمكن حملها على المرض و الوجع الذي لم تكن شدته بحيث يمنع عن إتيان الأعمال في تمام الأوقات بل و من المحتمل انه كان متمكنا منه في بعض الأيام، و على كل حال المستفاد مما ذكر ان غير المريض و ذوي الأعذار يجب عليه الإحرام إذا دخل الحرم مطلقا سواء كان من أهل مكة و ساكني الحرم أم لا، و سواء كان مريدا للنسك أم لا.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 3

ص: 331

عن بشير النبّال عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث فتح مكة ان النبي قال: الا ان مكة محرمة بتحريم اللّه لم تحل لأحد كان قبلي و لم تحل لي إلا ساعة من نهار، الى ان تقوم الساعة لا يختلى خلاها و لا يقطع شجرها و لا ينفر صيدها و لا تحل لقطتها الا لمنشد، قال و دخل مكة بغير إحرام و عليهم السلاح و دخل البيت لم يدخله في حج و لا عمرة و دخل وقت الصلاة فأمر بلالا فصعد على الكعبة فأذّن. (1) و هذه الرواية تدل على عدم جواز دخول مكة بغير إحرام و اما الحرم فلا يستفاد منها.

و يظهر من بعض الروايات ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استاذن ربه في ذلك ثلاث مرات و كان موقتا و مخصوصا به صلّى اللّه عليه و آله.

عن كليب الأسدي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال ان رسول اللّه استاذن اللّه عز و جل في مكة ثلاث مرات من الدهر فاذن له فيها ساعة من النهار ثم جعلها حراما ما دامت السماوات و الأرض. (2) و الظاهر من الرواية الأخيرة ان دخوله صلّى اللّه عليه و آله مكة بغير إحرام انما كان لأجل الحرب و الفتح و لعله لو دخلها محرما لم يتمكن من ذلك.

و يظهر من بعض الروايات ان الإحرام انما يجب على من كان على عشرة أميال من مكة دون غيره.

عن الكافي بإسناده عن عبد اللّه بن مغيرة عن احمد بن عمر بن سعيد عن وردان عن ابى الحسن الأول عليه السّلام قال: من كان من مكة على مسيرة عشرة أميال لم يدخلها الا محرما. (3) يمكن ان يقال ان التقييد بعشرة أميال لأجل تحقق الخروج عن الحرم فلا يعارض


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 12
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 9
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 5

ص: 332

ما تقدم.

عن على بن أبي حمزة قال سألت أبا إبراهيم عن رجل يدخل مكة في السنة المرة و المرتين و الثلاث كيف يصنع قال: إذا دخل فليدخل ملبيا و إذا خرج فليخرج محلا. (1) و عن السرائر نقلا عن كتاب جميل بن دراج عن بعض أصحابه عن أحدهما في الرجل يخرج من الحرم الى بعض حاجته ثم يرجع من يومه قال لا بأس بأن يدخل مكة بغير إحرام. (2) و يمكن ان تحمل الرواية على من خرج مكة قبل مضى شهر واحد من إحرامه فلا ينافي ما تقدم من الروايات الدالة على وجوب الإحرام على من يدخل مكة على نحو العام لما سيأتي من الروايات الخاصة الدالة على عدم الوجوب على من خرج من مكة قبل مضى شهر من إحرامه و رجع.

يعلم من جميع ما تقدم من النصوص وجوب الإحرام على من يدخل مكة و انه لا يحل إلا باعمال العمرة و الإتيان بها و هذا مما لا اشكال فيه و لا كلام و انما هو في ما استثنى من العام، و ان هذا الإحرام هل يجب ان يكون من المواقيت أم لا، و انه لدخول الحرم أو مكة، و غيره مما ستقف عليه في ضمن أمور.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 10
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 11

ص: 333

في التنبيه على أمور

الأول

يظهر من رواية محمد بن مسلم و عاصم بن حميد المتقدمتين ان الإحرام انما يجب لدخول الحرم سواء دخل مكة أم لا و يظهر من بعض آخر انه لا يجوز دخول مكة بغير إحرام، و النسبة بينهما عام و خاص من وجه إذ قد يدخل الحرم و مكة معا و قد يدخل الحرم دون مكة و قد يدخل مكة دون الحرم كان خرج من مكة ثم دخلها من دون ان يخرج من الحرم، فلو لا الدليل الدال على وجوب الإحرام لدخول مكة، لما استفيد مما يدل على وجوبه لدخول الحرم و لا يصح ادعاء الأولوية.

الأمر الثاني

، لا إشكال في حرمة الدخول بغير إحرام إذا اجتمع العنوانان كمن يريد دخول الحرم و مكة معا فيجب عليه الإحرام لشمول الدليلين له و اما إذا أراد دخول الحرم و لا يريد دخول مكة بل يريد الرجوع منه، فهل يجب عليه الإحرام أم لا، قد يقال بعدم وجوبه لأجل ان الحرمة انما هي لمكة المكرمة باعتبار الكعبة، و فيه انه لا مانع من ان يلاحظ للحرم ايضا باعتبار المسجد

ص: 334

و الكعبة حرمة خاصة، فإن كان إجماع على عدم وجوب الإحرام على من يريد ان يدخل الحرم فقط و لا يدخل مكة، نعمل به و الا يشمله إطلاق الدليل الدال على حرمة دخول الحرم بغير إحرام.

و قد يدعى انصراف الدليل الوارد في الحرم الى من يريد دخول مكة لكنه غير وجيه بعد شمول إطلاق الأدلة لكل من يدخل الحرم و قد صرح في الروايات ان للحرم شأنا خاصا و في مرسل الفقيه عن النبي و الأئمة عليهم السّلام انه وجب الإحرام لعلة الحرم (1) عن العلل بإسناده عن العباس بن معروف عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: حرم المسجد لعلة الكعبة، و حرّم الحرم لعلة المسجد و وجب الإحرام لعلة الحرم (2).

فلا تنافي بين ثبوت الحرمة لمكة باعتبار المسجد و الكعبة و ثبوتها للحرم باعتبار المسجد فلا وجه لدعوى الانصراف المذكور، فعلى هذا يجب الإحرام لدخول الحرم كما نص عليه في رواية محمد بن مسلم المتقدمة و لا يحل منه الا بعد الإتيان باعمال العمرة.

و بالجملة إذا لم يكن إجماع على عدم وجوب الإحرام على من يدخل الحرم يؤخذ بإطلاق الأدلة العامة و الخاصة الناهية عن دخول الحرم بغير إحرام، سواء قصد مكة أم لا، هذا فيما إذا دخل الحرم و كان خارجا عنه.

الثالث

لو دخل مكة من خارج الحرم يجب الإحرام لدخولها و اما إذا خرج أحد من مكة و لم يصل الى خارج الحرم ثم عاد إليها هل يدخل بإحرام أم لا.

عن المدارك يدخل بغير إحرام، و في الجواهر و ظاهره المفروغية من ذلك


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 5

ص: 335

و هذه المسئلة مورد للابتلاء في عصرنا فان كثيرا من المسئولين لأمور الحجاج يخرجون من مكة بعد اعمال العمرة الى جده أو الى النواحي، قد يخرجون من الحرم و قد لا يخرجون، فهل عليهم ان لا يخرجوا أصلا أو يرجعوا إلى مكة بإحرام إذا خرجوا منها أو إذا خرجوا من الحرم بعد مضى شهر.

قال بعض العلماء لا يجوز لهم الخروج من مكة، و قال أخر: لا يجوز لهم الخروج من الحرم و اما لو خرج منه و رجع بعد مضى شهر يجب الإحرام لا قبله و قد تقدم عن المدارك انه إذا خرج من مكة و لم يخرج من الحرم لا يجب عليه الإحرام.

و أشكل عليه بان إطلاق الدليل الدال على وجوب الإحرام على من يريد دخول مكة يشمل المورد فان كان هنا إجماع على عدم الإحرام أو سيرة يعمل به و الا فمقتضى الدليل وجوبه.

قد يقال ان المراد من مكة في النصوص الدالة على حرمتها ما يشمل الحرم و لذا ذكر فيها عدم تنفير الصيد و غيره مما هو من أحكام الحرم فمع فرض عدم الخروج من الحرم لا يجب الإحرام كما لو أراد من يسكن في أخر محلة من محلات مكة ان يدخل المسجد، إذ لا يجب عليه الإحرام إذا أراد الطواف.

و قد يدعى ان العمرة ليست له ميقات في الحرم فلا يجب على من يعيش في داخل الحرم أو يسكن في مكة الإحرام إذا لم يخرج عن الحرم لانصراف الدليل الدال على وجوب الإحرام الى من يدخل مكة من المواقيت و لا أقل من ادنى الحل الخارج عن الحرم فالأدلة منصرفة عن الذي لم يخرج من الحرم.

و فيه ان هذا ليس مما يوجب الانصراف فان من يجب عليه الإحرام يجب عليه ان يخرج إلى أدنى الحل مع التمكن و الا أحرم من مكانه كغيره ممن يجب عليه الإحرام، فما نحن فيه ايضا كذلك فإنه بعد وجوب الإحرام و شمول الدليل يخرج اليه و يحرم منه ثم يدخل مكة مع التمكن، ان لم يكن إجماع في البين على

ص: 336

عدم الوجوب، و ان كان الإجماع بناء على تحققه ايضا ليس بحيث يقطع على اشتماله على قول المعصوم، و انه وصل إلينا صدرا عن صدر و سلفا عن سلف.

غاية ما يمكن ان يقال في المقام دعوى الانصراف بان يقال ان النصوص الدالة على وجوب الإحرام على من يدخل مكة منصرف الى من يدخل مكة من خارج الحرم، فلا يشمل الذي في الحرم، و من هو يسكن بمكة فخرج منها و لم يخرج من الحرم ثم رجع إليها، فإن قطعنا بهذه الدعوى و الانصراف نعمل به أو كان في المقام إجماع، و الا فالمقام احتياط كما احتطنا في بعض تعليقا تنافي وجوب الإحرام على من يدخل مكة من الحرم و لم يخرج منه و كذا فيمن يخرج من مكة بعد اعمال العمرة.

الرابع

ان وجوب الإحرام في دخول الحرم و مكة بناء عليه، هل هو واجب مستقل نفسي، و لا ربط له بالعمرة و لا الحج، أو هو مقدمة لإعمال العمرة، فالواجب الأصلي على من يدخل مكة هو الإتيان باعمال العمرة و نسكها التي يشترط فيها الإحرام من خارج الحرم، وجهان، بل قولان.

عن المدارك يجب على الداخل فيها أي مكة، ان ينوي بإحرامه الحج أو العمرة، لأن الإحرام عبادة و لا يستقل بنفسه بل اما ان يكون بحج أو عمرة، و يجب إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام.

و أورد عليه صاحب الجواهر بأنه ان كان إجماعا فذاك و الا أمكن الاستناد في مشروعيته نفسه إلى إطلاق الأدلة في المقام و غيرها، و كونه جزء من الحج أو العمرة لا ينافي مشروعيته في نفسه، روى عن النبي و الأئمة عليهم السّلام انه وجب الإحرام لعلة الحرم انتهى. (1) ثم أورد على ذلك بان ما دل على عدم حصول الإحلال له الا بعد الايتان بالنسك كاف في عدم ثبوت استقلاله و عدم كونه واجبا نفسيا إذ دعوى انه يحل بالوصول إلى مكة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 3

ص: 337

أو بالتقصير باطلة لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، بل التأمل في النصوص يفيد القطع بتوقف الا حلال من الإحرام في غير المصدود و نحوه على إتمام النسك و ليس إلا أفعال عمرة أو حجة.

الخامس

، ثم انه بناء على وجوب الإحرام مقدمة للإتيان بالنسك، فهل يجب عليه القضاء إذا أخل به الداخل، أو ليس عليه الا الإثم فيه قولان.

فعن التذكرة و حاشية الكركي و المسالك و المدارك عدم الوجوب و حكى عن الشافعي أيضا، للأصل.

و عن أبي حنيفة، عليه ان يأتي بحج أو عمرة، فان اتى في سنته بحج الإسلام أو منذورة أجزأه ذلك عن عمرة الدخول استحسانا و ان لم يحج من سنته استقر القضاء.

و يمكن ان يورد على ما ادعاه أبو حنيفة، بأن القضاء تابع لأمر جديد و دليل آخر و انما سقط الأمر الأول بالعصيان، و لا دليل غيره و نحن نتبع الدليل، و الاستحسان لا يحسب دليلا عندنا و القضاء فرض مستأنف يتوقف على الدليل كما في المدارك ايضا.

و عن التذكرة الإجماع على وجوب القضاء إذا أخل بالإحرام عمدا و لم يرجع الى الميقات لإنشاء الإحرام، و عن المسالك الجزم بذلك على ما نقله صاحب الجواهر قدس سره. (1) و في الجواهر في مسئلة تارك الإحرام عمدا من الميقات، و الأصح سقوط القضاء كما اختاره في المنتهى مستدلا عليه بالأصل و ان الإحرام مشروع لتحية البقعة فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد و هو حسن.

و استدل في المقام ردا على ما اختاره أبو حنيفة من وجوب القضاء بأنه لا دليل عليه مع فرض عدم وجوبها(أي العمرة) عليه و لا إبطال، كي يتجه الوجوب


1- الجواهر الجزء 18 ص 441

ص: 338

عليه فإنه انما يتحقق بفعل المنافي لما تلبس به، بخلاف الفرض الذي اثم بعدم الايتان به لإبطاله انتهى و يمكن ان يقال ان الواجب من الحج و العمرة سواء كان الوجوب بالأصل أو بالنذر أو لدخول مكة، كالدين الثابت على المكلف، كما يستفاد من الاية الكريمة، و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا، و كما في المروي عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله أ رأيت لو كان عليه دين فيودى عنه غيره أو أنت.

و لا يسقط هذا الدين إلا بأدائه و إذا أفسد العمل أو تركه يجب عليه قضائه كما جزم به صاحب المسالك و غيره فعلى هذا يكون وجوب القضاء بحسب الدليل لا بالإجماع المدعى في كلمات الفقهاء.

السادس
اشارة

إطلاق الدليل في وجوب الإحرام على كل من يدخل الحرم أو مكة، يشمل الحر و العبد من غير فرق بينهما، و لكن أصحابنا من الفقهاء أفتوا بعدم وجوب الإحرام على العبد.

و استدل له في المنتهى بان العبد و أوقاته ملك لمولاه و التصرف في أوقاته المملوكة له موكول الى اذنه، و لا يصح صرفها في غير مصالح مولاه، مضافا الى ان العبد إذا ارتفع عنه الوجوب في حجة الإسلام مع كونه مستطيعا، و بقائه مندوبا محتاج إلى اذن المولى، ففي غيره يرفع الوجوب بالأولوية إذا دخل مكة أو الحرم.

و هذا الاستدلال يحتاج إلى استفادة الأولوية من الأدلة كما في قوله تعالى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ حيث انه يستفاد منه حرمة الضرب و الشتم بالأولوية القطعية و اما المقام فهل يستفاد من الدليل الدال على اشتراط الحرية في وجوب الحج بالاستطاعة ان كل إحرام واجب كذلك بالأولوية، و هل يفهم العرف ذلك منه كما يفهم حرمة الضرب و الشتم من قوله و لا تقل لهما من أف، الظاهر انه مشكل.

و وجه الاشكال ان وجوب الإحرام لدخول الحرم أو مكة انما هو لرعاية حرمة البيت و الحرم، و ما وجب الا تعظيما لحقه و إجلالا لشأنه و تفخيما لأمره، و لا فرق بين الحر و العبد و المالك و المملوك عند العقل، و لا يستفاد ايضا من اللفظ و

ص: 339

النقل، فلا مانع من شمول الإطلاق لها بالسوية.

نعم قد يمكن ان يقال بعد شمول الإطلاق للعبد، هل يشترط اذن المولى في وجوب الإحرام عليه أو لا يشترط.

لكن الظاهر و مقتضى التحقيق ان حق المولى لا يمنع من الوجوب بأي وجه بعد شمول الدليل، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

و اما اشتراط الحرية في وجوب حجة الإسلام عند الاستطاعة ليس من جهة حق المولى و لزوم رعايته عند التعارض و التزاحم، بل الاخبار تدل على ذلك و ان الحرية كالاستطاعة شرط في وجوب الحج عليه و لا ربط له بالمولى و حقه، حتى لو امره مولاه بالحج بعد الاستطاعة لا يجزى عن حجة الإسلام إذا أعتق بل يجب عليه الحج بعد العتق و حصول الحرية إذا بقيت استطاعته أو صار مستطيعا فالحرية شرط للمشروعية لا الوجوب فقط.(1) فعلى ما ذكر لو أمر المولى عبده بدخول الحرم يجب عليه الإحرام و لا يزاحم امره ذلك، كما لو امره بالعمل من طلوع الشمس الى غروبها فإنه لا يمنع عن أداء الصلاة و لا يزاحمه أصلا و لا كلام فيه انما الكلام فيما إذا نهى عنه و سيأتي إنشاء اللّه.

فرع

لو منع المولى عبده عن دخول الحرم فعصى و دخله، فهل يجب عليه الإحرام مع كونه عاصيا في عمله أو لا يجب بل يبطل عمله، كما إذا نهاه عن الحج و العمرة إذا كان داخلا الحرم أو مكة فوجهان، ان قلنا ان النهى الصادر من المولى بالنسبة إلى الإحرام ملازم لنهى اللّه تعالى عنه و تعلقه به فلا يجوز الإحرام و يبطل و اما إذا قلنا انه غير ملازم له فلا إشكال في وجوب الإحرام عليه.

الظاهر انه إذا لم يشترط الحرية في إحرام العبد في غير حجة الإسلام لا يكون


1- و فيه، لا يخفى إذ الاستطاعة شرط للوجوب لا المشروعية

ص: 340

الإحرام منهيّا عنه عند الشرع بالنهي الصادر من مولاه، بعد شمول إطلاق الأدلة و عمومها في وجوب الإحرام على كل من يدخل مكة، و لا يؤثر نهى المولى في الحكم المتوجه الى عبده، و ان كان عاصيا بمخالفته، كما لو نذر ان لا يدخل الحرم إلا بإذن والده فدخل بدون الاذن أو آجر نفسه لعمل الى الغروب ثم دخل الحرم فيجب عليه الإحرام في المقامين كليهما.

ص: 341

في من يجوز له دخول الحرم و مكة بغير إحرام

اشارة

قد خرج عن عموم كل من دخل مكة أو الحرم يجب ان يكون محرما، كما في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة موارد نشير إليها إنشاء اللّه تعالى.

الأول المريض

كما في رواية عاصم بن حميد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يدخل أحد الحرم الا محرما قال لا الا مريض أو مبطون. (1) و عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام قال: لا، الا ان يكون مريضا أو به بطن. (2) و الرواية المخالفة للروايتين الدالة على وجوب الإحرام على المريض محمولة على الاستحباب، أو على من يقدر على الإتيان باعمال العمرة كما أشير اليه.

الثاني من مضى عليه أقل من شهر واحد من إحرامه
اشارة

سواء كان إحرامه للحج


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 2

ص: 342

أو العمرة، فمن دخل مكة محرما بإحرام الحج أو العمرة، و بعد إتمام النسك خرج منها و رجع قبل مضى الشهر يدخل بغير إحرام بلا خلاف فيه.

قد تعرض الأستاذ مد ظله للمسئلة في الجزء الأول إجمالا و بيّن حكم المسئلة هناك بالتفصيل و حيث ان مورد البحث مبتلى به كثيرا في عصرنا لخروج كثير من المسئولين لأمور الحجاج بعد اعمال العمرة من مكة و رجوعهم إليها بعد قضاء الوطر و قبل مضى الشهر، ينبغي ان نبحث حول المسئلة مشروحا و قبل نقل الاخبار نتعرض لنقل الفتاوى حتى يتضح و يتبين موضوعها من ان المراد من الشهر شهر الإهلال، أو الإحلال، أو الخروج.

عن النافع و لو خرج بعد إحرامه ثم عاد في شهر خروجه أجزأ عنه و ان عاد في غيره أحرم ثانيا.

و عن النهاية في المتمتع، فان خرج من مكة بغير إحرام ثم عاد فان كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لم يضره ان يدخل مكة بغير إحرام، و ان دخل في غير الشهر الذي خرج فيه دخلها محرما بالعمرة إلى الحج و تكون عمرته الأخيرة.

و ظاهر العبارات المتقدمة ان المراد من الشهر شهر الخروج لا شهر التمتع أو الإحلال ثم ان هذا الحكم هل هو ثابت لكل من خرج من مكة بعد اعمال العمرة ثم رجع، أو يختص بمن له شغل و حاجة خارج مكة، و كذا هل يختص بعمرة التمتع و حجه أو يعم الافراد و العمرة المفردة، فلبيان جميع ذلك و وضوحه، لا بد أولا من نقل الأخبار الواردة في المقام و منها.

رواية ميمون قال خرجنا مع ابى جعفر عليه السّلام الى أرض بطيبة و معه عمر بن دينار و أناس من أصحابه فأقمنا بطيبة ما شاء اللّه الى ان قال ثم دخل مكة و دخلنا معه بغير إحرام. (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 1

ص: 343

عن جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه في الرجل يخرج الى جدة في الحاجة قال يدخل مكة بغير إحرام. (1) الروايتان و ان كانتا مطلقتين الا ان في المقام ما يقيدهما بالرجوع قبل مضى شهر كرواية أبان و غيرها.

عن ابان بن عثمان عن رجل عن ابى عبد اللّه في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم قال: ان رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام فإن دخل في غيره دخل بإحرام. (2) و الرواية صريحة في ان المراد من الشهر هو الشهر الذي خرج فيه من مكة لا شهر الإحرام أو الإحلال.

و في مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السّلام: إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه الا ان يعلم انه لا يفوته الحج و ان علم و خرج و عاد في الشهر الذي خرج دخل مكة محلا و ان دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما. (3) و عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن عن المتمتع يجي ء فيقضى متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و الى ذات عرق أو الى بعض المعادن قال:

يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لان لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج، قلت فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه، قال كان ابى مجاورا هنا فخرج يتلقى(ملتقيا) بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج. (4)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 22 من أبواب الإحرام الحديث 10
4- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 22 من أبواب الإحرام الحديث 8

ص: 344

لا شبهة في ان المصرح به في صدر الرواية شهر التمتع، و لكن الكلام في ان المراد من شهر التمتع هل هو شهر شوال و ذي القعدة و ذي الحجة التي يشترط وقوع العمرة المتمتع بها الى الحج فيها، أو الشهر الهلالي أو الشهر الذي خرج فيه من الإحرام و تمتع و التذّ فيه و أطلق عليه شهر التمتع بتلك المناسبة، فعلى هذا يكون الاعتبار بشهر الإحلال، و يظهر من التعليل المذكور في الرواية بقوله لان لكل شهر عمرة، ان المراد من الشهر هو الشهر الهلالي الذي يستحب فيه عمرة واحدة، و لكنه يخالف ما قيل انه يجب الفصل بين العمرتين بثلاثين يوما أو عشرة أيام أو ثلاثة أيام، نعم قال بعض لا يشترط الفصل بينهما أصلا.

فبناء على ما هو الظاهر من التعليل لو أحرم في آخر شهر شوال و خرج من مكة و رجع في أول ذي القعدة يجب عليه الإحرام فإنه رجع في غير الشهر الذي تمتع فيه.

و لكن الراوي بعد ما أجاب الإمام عليه السّلام بأنه يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه غير سئواله الأوّل و قال انه دخل في الشهر الذي خرج فيه، فهل كان مقصوده ان مورد سئواله لم يكن شهر التمتع الذي أجاب عنه الامام عليه السّلام بل كان غير الشهر الذي تمتع، أو المقصود انه بعد ما علم حكم الرجوع في الشهر الذي تمتع فيه و انه لا يرجع محرما بعمرة بل يدخل مكة محلا، سأل الإمام عليه السّلام عن فرع آخر و هو ما إذا دخل في الشهر الذي خرج و ان لم يكن في الشهر الذي تمتع فيه فأجاب الإمام عليه السّلام عن هذا السؤال و قال: كان ابى مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج.

و يشكل هذا أيضا بأن السائل سأل عن حكم المتمتع و انه إذا خرج من مكة و رجع إليها ما يصنع و ما يعمل و لكن الامام عليه السّلام اجابه عن حكم المجاور الذي يغاير حكمه حكم المتمتع.

ص: 345

و يمكن ان يقال ان السؤال الثاني انما كان من جهة حكم دخول مكة بعد الخروج عنها سواء كان ساكنا و مجاورا أو متمتعا و الرجوع إليها قبل مضى شهر من الخروج، فأجاب عليه السّلام بأن أباه كان مجاورا و خرج و لما رجع و بلغ ذات عرق أحرم بالحج و دخل و هو محرم به و على هذا يكون المراد من الحج العمرة.

و يمكن ايضا ان أباه عليه السّلام كان متمتعا و خرج من مكة و لما رجع إليها أحرم بالحج خارج مكة، و على هذا يكون المقام مستثنى عن وجوب الإحرام بالحج من بطن مكة تعبدا، و ان كان عليه التجديد بمكة كما نقل عن الدروس أو يستحب على ما نقل عن التذكرة لو خرج من مكة بغير إحرام و عاد في الشهر الذي خرج فيه استحب له ان يدخلها محرما بالحج، و لكنه خلاف الظاهر من الرواية.

و يحتمل ايضا ان يكون المراد من الحج العمرة و الرجوع الى مكة في الشهر الذي تمتع و الإحرام في مثل المورد و ان لم يكن واجبا عليه لدخوله في شهر التمتع الا انه جائز و مستحب فاحرامه كان مستحبا.

لكن هذا المعنى ايضا لا يناسب صدر الرواية و ذيلها، اما الصدر فلما صرح فيه بعدم الإحرام إذا دخل في شهر التمتع و بلزوم الإحرام إذا كان في غيره كما هو الظاهر من المنطوق و المستفاد من المفهوم، و اما الذيل فإن الراوي إنما سأل عن حكم من دخل في شهر الخروج فلو كان غير شهر التمتع و ان كان الإحرام حينئذ واجبا، الا ان حمل الحج على العمرة مشكل لا دليل عليه نعم لو قلنا ان السؤال في الذيل و ملاكه كان دخول الحرم فقط للقاطن و المجاور، فأجاب عليه السّلام بوجوب الإحرام و ان أباه كان مجاورا و لما رجع دخل بإحرام، الا ان يرجع في شهر التمتع كما هو مقتضى المفهوم و لكن الإحرام كان لحج الافراد.

هذا غاية ما يمكن في توجيه الرواية و ما يمكن ان يقال فيها و يأتي التفصيل

ص: 346

في رواية حماد ايضا.

عن الكافي بإسناده عن حماد بن عيسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج، لم يكن له ان يخرج حتى يقضى الحج، فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبّيا بالحج، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع الى مكة رجع محرما، و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى على إحرامه، و ان شاء وجهه ذلك الى منى قلت:

فان جهل فخرج الى المدينة أو الى نحوها بغير إحرام ثم رجع في ابان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير إحرام، قال ان رجع في شهره دخل بغير إحرام، و ان دخل في غير الشهر دخل محرما، قلت فأيّ الإحرامين و المتعتين متعة، الأولى أو الأخيرة، قال الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجه، قلت فما فرق بين المفردة و بين عمرة المتعة إذا دخل في أشهر الحج، قال: أحرم بالعمرة(بالحج) و هو ينوي العمرة، ثم أحلّ منها و لم يكن عليه دم، و لم يكن محتبسا لانه لا يكون ينوي الحج. (1) فهل الضمير في قوله ان رجع في شهره دخل بغير إحرام راجع الى الخروج أو الى التمتع فكلاهما محتمل و قد يستظهر كونه راجعا الى الخروج لقربه إلى قوله فان جهل و خرج الى المدينة و اما ارادة شهر التمتع فهو خلاف الظاهر الا ان الظهور الأول أيضا ليس قويا بحيث يمنع عن الاحتمال الثاني فهو مردد بين شهر الخروج و التمتع و لا مرجع لأحدهما.

تحقيق في المقام

قد وردت في روايات الباب كما تقدمت تعابير مختلفة بالنسبة إلى الشهر ففي بعضها ان رجع في الشهر الذي خرج فيه كرواية أبان بن عثمان المتقدمة و في


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 22 من أبواب الإحرام الحديث 6

ص: 347

أخر يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه كرواية إسحاق ابن عمار المتقدمة.

فالاعتبار في عدم وجوب الإحرام الرجوع في شهر التمتع كما في رواية إسحاق و الرجوع في شهر الخروج على ما في رواية أبان و لكن في رواية حماد بن عيسى ان رجع شهره المحتمل كونه شهر التمتع أو شهر الخروج و كونه مطلقا قابلا للتقييد ثم ان شهر التمتع يحتمل كونه شهر الإحرام كما يحتمل كونه شهر الإحلال باعتبار الالتذاذ و حصول التمتع كما تقدم، و كذا يحتمل في شهر الخروج كونه شهرا هلاليا أو ثلاثين يوما و على كل حال يتبادر الى الذهن التعارض و التمانع بين الروايتين فهل يمكن الجمع بينهما بان يقيد أحدهما بالاخر لنسبة موجودة بينهما تقتضي ذلك، أو لا يمكن بل لا بد من طرح أحدهما و العمل بالاخر.

و توضيح ذلك ان الرواية المذكورة فيها شهر الخروج واردة في بيان كيفية عمرة التمتع و ان من اتى بعمرته فهو محتبس بها الى ان يحج، و لا يجوز له ان يخرج من مكة، و إذا خرج يجب عليه ان يرجع الى مكة من غير إحرام قبل مضى شهر و اما بعد مضى شهر واحد من خروجه، يجب عليه ان يدخل بإحرام، و تكون عمرته الثانية هي التي يتمتع بها الى حجه، و تكون العمرة الأولى مبتولة.

و لكن شهر الخروج له فردان و مصداقان إذ قد يتحد مع شهر التمتع، كما إذا أحرم في شوال و اتى باعمال العمرة و خرج فيه من مكة و رجع في شهر ذي القعدة، فإنه يدخل محرما لمضي شهر واحد من التمتع و الخروج معا و اما لو رجع قبل شهر ذي القعدة يدخل محلا لعدم مضى شهر واحد لا من تمتعه و لا من خروجه، فلا تعارض بين شهر التمتع و شهر الخروج هنا لاتحادهما في مصداق واحد.

و قد يختلف المصداقان كما لو تمتع في أول شوال و خرج من مكة بعد اعمال العمرة في ذي القعدة و رجع إليها قبل مضى الشهر، فان قلنا ان الاعتبار في وجوب الإحرام على الداخل، هو شهر التمتع يجب عليه الإحرام لمضي شهر من

ص: 348

تمتعه، و اما إذا كان المعتبر في الحكم شهر الخروج يجب عليه ان يدخل محلا لا محرما، و في هذا المورد يقع التعارض و التمانع بين روايتي أبان و إسحاق فإن الأولى منها تدل على اعتبار شهر الخروج و الثانية على اعتبار شهر التمتع في الحكم فهل يحمل شهر التمتع على الذي يتحد مع شهر الخروج أو يحمل شهر الخروج على ما يتحد مع شهر التمتع، إذ لا يمكن الجمع بين الدليلين فيما إذا تمتع في شوال و خرج في ذي القعدة و رجع فيه، أو يقع التعارض بينهما فيتساقطان مع عدم التّرجيح في البين، و يكون المرجع هو العمومات الأخرى.

الظاهر ان حمل شهر الخروج على ما يتحد مع شهر التمتع اولى من حمل شهر التمتع على ما يتحد مع شهر الخروج، بل أظهر، لان مقتضى العادة ان من يدخل مكة محرما يخرج بعد اعمال العمرة و يرجع إليها في الشهر الذي تمتع فيه مضافا الى ظهور التعليل الوارد بان لكل شهر عمرة في ذلك.(1) و يظهر من كلام صاحب الجواهر قدس سره ان المناط و الملاك شهر الخروج لا شهر التمتع، و لعل وجه ذلك تضعيف رواية إسحاق الدالة على اعتبار شهر التمتع مع تصريحه بأنها موثقة فعلى هذا لا دليل على ترجيح شهر الخروج بل اللازم ان يقيد بما أشرنا إليه من اشتراط اتحاده مع شهر التمتع.(2) ثم انه بتلك الأخبار الواردة في عدم وجوب الإحرام قبل مضى شهر واحد يخصص عموم ما يدل على وجوبه على كل من يدخل مكة كما في رواية رفاعة


1- لا يخفى ان حمل شهر الخروج على ما يتحد مع شهر التمتع ملازم لترك الروايات الدالة على اعتبار شهر الخروج إذا الملاك دائما يكون شهر التمتع و لا اثر لشهر الخروج و لا فائدة لذكره أصلا.
2- لا يخفى على المتأمل في كلام صاحب الجواهر ان نظره قدس سره إلى إجمال رواية إسحاق و ظهور حسن حماد فيما ذكره، لا ضعف رواية إسحاق حتى يورد عليه بما ذكره الأستاذ مد ظله العالي فراجع.

ص: 349

ابن موسى المتقدمة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يدخلها الا محرما.

و كذا يخصص بها عموم ما يدل على ان المعتمر محتبس بحجه مرتهن به حتى يقضى حجه كما في رواية أبان بن عثمان و زرارة و حريز، إذا لم يكن المخصص مجملا و علمنا ان المراد من الشهر المذكور في الرواية الذي لا يجب الإحرام لدخول مكة إذا رجع إليها قبل مضيه، هو شهر الخروج أو شهر التمتع على ما تقدم و أشير اليه.

و اما إذا لم نعلم ذلك و كان المخصص مجملا يؤخذ بالقدر المتقين من التخصيص و يرجع في الزائد عليه الى العام الموجود في المقام أو يرجع الأصل الجاري في المسئلة إذا لم يمكن الأخذ به، مثلا لو فرضا انه خرج من مكة و رجع إليها قبل مضى شهر الخروج بعد مضى شهر التمتع و لم نتمكن من تقييد أحد الدليلين بالاخر يقع التعارض بينهما و يسقط كل واحد منهما في مورد التعارض و يرجع في حكم المسئلة الى العموم الذي يختلف بحسب المورد أو الى الأصل الجاري في المسئلة إذا وقع بين العمومات تعارض و تمانع.

و توضيح ذلك ان المفهوم من قوله عليه السّلام يرجع بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه وجوب الإحرام عليه و الإتيان بعمرة ثانية جديدة و به يخصص ما يدل على ان المعتمر بعمرة التمتع مرتهن بحجه، و محتبس به حتى يقضى حجه، و كذا ما يدل على انه لو رجع في شهر الخروج يدخل محلا يخصص به عموم ما يدل على وجوب الإحرام على كل من يدخل مكة، و هذا في القدر المتيقن في المخصص في كل من العامين بان رجع بعد شهر التمتع و بعد شهر الخروج إذ لا شبهة حينئذ في وجوب الإحرام و تخصيص العموم و هو قوله المعتمر مرتهن بحجه، و كذا رجع قبل شهر الخروج و شهر التمتع فإنه يدخل محلا بلا اشكال و يخصص العموم به ايضا و هو قوله لا يدخل مكة إلا محرما و اما في الزائد على القدر المتيقن بان رجع بعد شهر التمتع و قبل شهر الخروج يقع التعارض بين العمومين أحدهما عموم

ص: 350

ما يدل على ان المعتمر مرتهن به و لازمه عدم وجوب الإحرام على من يدخل مكة و ثانيهما عموم لا يدخل مكة إلا محرما و لازمه وجوب الإحرام عليه و يتساقط كل منهما فهل الأصل الجاري في المقام البراءة من وجوب الإحرام حين ما يدخل مكة فعليه يدخل مكة محلا و يحرم للحج من بطن مكة و يتم حجه التمتع بناء على ان العمرة الاولى لا تصير مبتولة إلا بإنشاء الإحرام الثاني لا بالخروج من مكة.

لو قلنا ان الأمر في المقام دائر بين المحذورين وجوب الإحرام لدخول مكة و حرمته لكونه مرتبطا بحجه، فيتخير بين الإحرام و تركه، و نتيجة ذلك عدم إلزام الإحرام عليه فيدخل محلا ان شاء و يقضى حجه بإنشاء الإحرام له من مكة، و تكون عمرته هي التي يتمتع بها، و لو شك في بقاء أثرها يستصحب و يحكم بالبقاء و عدم وجوب الإحرام عليه ثانيا.

هنا مسئلتان
الاولى

لو استظهرنا ان الملاك في وجوب الإحرام و عدمه و مضى الشهر و عدمه هو شهر التمتع لأشهر الخروج يأتي البحث في ان المراد من شهر التمتع هو الإهلال أو الإحلال منه، و لا يأتي هذا البحث بناء على كونه شهر الخروج، كما استظهره صاحب الجواهر و قد تقدم منا ان الظاهر من التعليل المذكور في الرواية بأن لكل شهر عمرة هو الإحرام لا الإحلال منه.

الثانية

ان البحث في المقام هل يختص بعمرة التمتع و انه يشترط ان لا يكون الفصل بين عمرة التمتع و حجه، أكثر من شهر واحد، أو يعم كل من اعتمر و خرج من مكة و رجع إليها قبل شهر و ان كانت مفردة أو لم يكن معتمرا أصلا أو كان مفردا للحج فعلى ذا من خرج من مكة و رجع إليها قبل مضى شهر يدخل محلا و اما جواز إحرامه و دخوله محرما حينئذ فمربوط بمسئلة اخرى، و هي ان الفصل بين العمرتين شهرا واحدا أو عشرة أيام أو ثلاثة أيام معتبر أم لا.

ص: 351

لا يخفى ان المذكور في بعض الاخبار هو التمتع و العمرة التي يتمتع بها الى الحج، لا مطلق الإحرام و لأكل من يخرج من مكة و يرجع إليها، بل المتمتع هو الذي استثنى عن وجوب الإحرام لدخول مكة، إذا خرج من مكة و رجع إليها قبل شهر، بل يجب عليه ان يدخل محلا، لكونه مرتهنا بحجه، و لكن الكلام في ان ذكر التمتع انما هو من باب انه أحد المصاديق أو لخصوصية فيه، و اختصاص الحكم به، فلا بد من التأمل في اخبار الباب من جهتين.

الجهة الاولى في اختصاص الحكم بالمتمتع، أو شموله لكلّ عمرة.

و الثانية انه بعد عدم الاختصاص بالمتمتع و الشمول لغيره هل يعم كل من خرج من مكة و رجع إليها قبل مضى الشهر و ان لم يكن أحرم قبل شهر بل كان قاطنا في مكة و لم يحرم أصلا.

قال بعض أصحابنا كل من دخول مكة معتمرا ثم خرج منها و رجع قبل الشهر يدخل محلا و لا يجب عليه الإحرام سواء كان معتمرا بعمرة التمتع أو غيره و اما جواز الإحرام فموكول الى حكم الفصل بين العمرتين و مقداره.

و يظهر من الحدائق أيضا اعتبار تقدم الإحرام كما هو ظاهر كلام المحقق في الشرائع و حينئذ فقاطنوا مكة مثلا لو خرج منهم أحد إلى خارج الحرم وجب عليه الإحرام للدخول و ان عاد قبل مضى شهر بل في يومه، كما صرح بذلك في الحدائق على ما نقله صاحب الجواهر.

و عن المدارك ان الحكم لا يختص بالمعتمر و لا يعتبر تقدم الإحرام بل يشمل كل من خرج من مكة و رجع إليها قبل الشهر فإنه يدخل محلا و ان لم يعتمر و لم يحرم قبله.

و اما الروايات المذكورة فيها التمتع فحملها على مطلق الإحرام مشكل، فإنها تدل على ان العمرة المتمتع بها الى الحج يجب ان لا يقع الفصل بينها و بين الحج أكثر من شهر واحد و ان المعتمر يرتهن بحجة إلى شهر و إذا زاد عليه يدخل

ص: 352

مكة بعمرة ثانية تكون هي المرتبطة بحجه و تصير العمرة الأولى مبتولة و منقطعة عن الحج لانه لكل شهر عمرة و كذا تدل النصوص على جواز دخول الحرم محلا قبل مضى شهر من الخروج للمتمتع و اما استفادة غير هذا منها فمشكل هذا ما يستفاد من تلك الطائفة من النصوص و اما غيرها فلا بد من نقلها و التأمل فيها.

عقد شيخنا الحر العاملي قدس سره بابا في السوائل و قال باب جواز دخول مكة بغير إحرام لمن دخلها قبل مضى شهر كالحطاب و الحشاش.

يظهر من كلامه قدس سره انه لا يشترط الإحرام أصلا ثم ذكر قدس سره روايات منها.

رواية ابن القداح عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال خرجنا مع أبي جعفر عليه السّلام الى أرض بطيبة و معه عمر بن دينار و أناس من أصحابه فأقمنا بطيبة ما شاء اللّه الى ان قال ثم دخل مكة و دخلنا معه بغير إحرام. (1) مفاد الرواية ان أبا جعفر عليه السّلام خرج من مكة و لما رجع إليها دخلها بغير إحرام، و لكن وجه عمله عليه السّلام غير معلوم، مضافا الى ان الإقامة بطيبة ما شاء اللّه مجمل و غير معين و لا يصح الاستدلال به، نعم يعلم منها دخول مكة بغير إحرام يجوز أحيانا، الا انه لا يفيد شيئا في المقام، و لا يعارض عموم قوله عليه السّلام لا يدخل مكة إلا محرما، إذ المتقين من الخارج عن العموم، من اعتمر و دخل مكة ثم خرج و رجع قبل شهر، و اما خروج غير المحرم بعمرة التمتع أو غير المحرم أصلا فغير معلوم، و يمكن ان يقال ايضا ان أبا جعفر عليه السّلام كان محرما بعمرة التمتع و خرج من مكة إلى أرض طيبة ثم رجع إليها و هو القدر المتقين من عمله عليه السّلام و لا يستفاد أزيد من ذلك.

و رواية رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل به بطن و وجع شديد يدخل مكة حلالا، قال: لا يدخلها الا محرما، و قال أبو عبد اللّه ان الحطابة و المجتلبة(و المختلبة) أتوا النبي صلّى اللّه عليه و آله فسألوه فأذن لهم ان يدخلوا حلالا. (2)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 2

ص: 353

و المقطوع من الرواية ان النبي صلّى اللّه عليه و آله اذن لجماعة ان يدخلوا مكة بغير إحرام و اما وضعهم من جهة الإحرام فغير معلوم، هل كانوا قبل هذا محرمين، أو لم يكونوا كذلك، مضافا الى ما يأتي من ان الحكم هل يختص بالطائفتين أو يعم كل خارج من مكة و راجع إليها.

و رواية جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يخرج الى جدة في الحاجة قال: يدخل مكة بغير إحرام. (1) قد يستدل بالرواية لجواز دخول مكة بغير إحرام لغير المحرم من قبل، بدعوى ان الراوي لم يسئل عن(كونه اى الداخل مكة)، محرما فيكون عاما يشمل المحرم من قبل و غيره، و المتمتع و غيره فيوافق قول صاحب المدارك حيث اختار العموم، و لا يخفى كونها مطلقة بالنسبة إلى الرجوع قبل شهر أو بعده.

يمكن ان يقال انها منصرفة الى من دخل مكة معتمرا بالعمرة إلى الحج و لا يشمل غيره و لكن الظاهر انها غير منصرفة إليه بل تشمل كل من خرج من مكة و رجع إليها الا انه لم يعمل بها بهذا لعموم.

و رواية ابن ابى عمير عن حفص بن البختري عن رجل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم قال ان رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام فإن دخل في غيره دخل بإحرام. (2) و هذه الرواية قيد فيها عدم وجوب الإحرام بالرجوع في الشهر الذي خرج فيه، و لكن الرواية السابقة خالية عن هذا القيد و لعل الظاهر من السؤال فيها ايضا الرجوع قبل الشهر الا انه لم يصرح فيها بكونه اى الخارج من مكة محرما من قبل، فيكون مفادهما ان كل من خرج من مكة و رجع قبل شهر يدخل محلا و يخصص به العام الذي تدل على وجوب الإحرام، و اما من رجع بعد الشهر أو دخل مكة من الخارج يدخل محرما إذا لم يكن العام معرضا عنه كما أشير إليه.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 4

ص: 354

و رواية ابن بكير عن غير واحد من أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه خرج الى الربذة يشيع أبا جعفر عليه السّلام ثم دخل مكة حلالا. (1) و الرواية أيضا مطلقة إذ لم يصرح فيها بكونه عليه السّلام محرما بإحرام التمتع أو غيره أو لم يكن محرما أصلا الا انه لا يصح الاستدلال بإطلاقها لعدم العلم بجهة فعل الامام و وضعه عليه السّلام.

يظهر من مجموع تلك الاخبار، ان وجوب الإحرام لدخول مكة انما هو على من يدخلها من الخارج من مكة، و اما الذي خرج منها و رجع إليها قبل شهر لا يجب عليه الإحرام لدخولها، و كذا المستفاد من النصوص الواردة في العمرة المتمتع بها، ان تلك العمرة تكفي في الإتيان بالحج إذا لم يفصل بينهما شهر واحد، و لازم ذلك كفاية إحرام واحد في تلك المدة لدخول مكة.

و لكن الفقهاء لم يعملوا بإطلاق الطائفة الاولى من الاخبار و لم يفتوا بكفاية الخروج من مكة و الرجوع إليها مطلقا و لو لم يكن إحرام من قبل أصلا في عدم وجوب الإحرام، بل المصرح في فتاويهم ان من كان محرما و دخل مكة و خرج منها ثم رجع إليها قبل مضى شهر يدخل محلا، و لا يجب عليه الإحرام.

قد يورد على فتاويهم قدس اللّه أسرارهم بان مستندهم ان كان ما ورد في العمرة المتمتع بها الى الحج و انها تكفي و تجزى إلى شهر واحد فهو مختص بها و لا يتعدى الى محرم لغيرها كما لا تشمل غير محرم و ان كان المستند الأخبار المطلقة الدالة على كفاية نفس الخروج و الرجوع قبل شهر يجب الحكم على عدم وجوب الإحرام على كل من خرج من مكة و رجع إليها قبل الشهر سواء كان أحرم قبل ذا أولا.

اللهم ان يقال ان المستند في فتاويهم الأخبار الواردة في التمتع مع إلغاء الخصوصية عن المورد و الالتزام بان الملاك في المسئلة هو الإحرام من قبل بما هو إحرام، لكنه مشكل إذا لمتبادر منها ان الملاك ارتباط العمرة بالحج و ان المحرم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من المواقيت الحديث 5

ص: 355

المتمتع مرتهن بحجه و محتبس به و هذه الخصوصية لا توجد في غيره نعم تجشم صاحب الجواهر قدس سره لإلغاء الخصوصية عن المتمتع و لكنه مشكل كما تقدم.

و يمكن ان يقال ان مستند فتاوى الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم الإجماع و النقل معا، بتقريب ان الاخبار المطلقة الدالة على عدم وجوب الإحرام على من خرج من مكة و رجع إليها قبل شهر أحرم من قبل أم لا، لم يعمل على عمومها بل لا بد من حملها على من أحرم قبل شهر، لإجماع العلماء على عدم كفاية نفس الخروج و الرجوع من غير إحرام، كما يستفاد من إطلاق الرواية، و لا يبقى في المقام الا النصوص الواردة في العمرة المتمتع بها الى الحج و ان المعتمر إذا خرج من مكة و رجع إليها قبل شهر يدخل محلا، و لكنهم لم يخصوا هذا الحكم بالمتمتع فقط و لم يقتصروا على مورد الروايات و عمّموه الى كل محرم، و يعلم من ذلك ان تلك الأخبار الظاهرة بل الصريحة في المتمتع كانت محفوفة بقرائن لم تصل إلينا، و وصلت إليهم و لأجلها الغوا الخصوصية من المورد، و جعلوا المناط و الملاك في فتاويهم الإحرام بما هو إحرام، لا الإحرام للعمرة المتمتع بها الى الحج، فأفتوا بوجوب الإحرام بعد شهر و عدم وجوبه إذا رجع قبل مضى شهر لكونه مرتهنا بحجه ما لم يمض شهر واحد.

ص: 356

[الثالث] في حكم الحطاب

استثنى عن وجوب الإحرام لدخول الحرم و مكة، الحطاب و الحشاش فان لهما الدخول حلالا، و لا إشكال في أصل الحكم و تدل عليه رواية رفاعة المتقدمة و فيها قال: أبو عبد اللّه ان الحطابة و المجتلبة،(و المختلبة) أتوا النبي صلّى اللّه عليه و آله فسألوه فأذن لهم ان يدخلوا حلالا. (1) انما الكلام في ان الاذن يختص بالحطاب أو يعم كل من يتردد بين مكة و غيرها، و يحمل أشياء أخر مثل الحجر و الحديد و غيرهما و مثله الراعي، يمكن استظهار التعميم لجميع من ذكر و شمول الاذن لهم ايضا.

[الرابع] في حكم دخول مكة عند القتال

يجوز لمن يدخل مكة لقتال مباح ان يدخلها محلا كما حكى عن الشيخ و ابن إدريس بل عن المدارك انه المشهور بين الأصحاب.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من باب الإحرام الحديث 2

ص: 357

و استدل له بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله فإنه دخلها محلا عام الفتح.

و أورد عليه بان المصرح في الرواية انه كان مختصا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله ساعة و لا يحل لغيره صلّى اللّه عليه و آله.

عن معاوية بن عمار قال رسول اللّه يوم فتح مكة ان اللّه حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض و هي حرام الى ان تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي و لم تحل لي إلا ساعة من نهار. (1) عن كليب الأسدي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال ان رسول اللّه استاذن اللّه عز و جل في مكة ثلاث مرات من الدهر فاذن له فيها ساعة من النهار ثم جعلها حراما ما دامت السماوات و الأرض. (2) و ظاهر الروايتين حرمة دخول مكة بغير إحرام في جميع الحالات لغيره صلّى اللّه عليه و آله نعم خرج منه المريض كما في الروايات ايضا مضافا الى ما قيل ان النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل مكة مصالحا لا لقتال الا انه لما كان الصلح مع ابى سفيان و لم يثق بهم و خاف غدرهم حل له ذلك اللهم ان يقال انه إذا جاز لخوف القتال فله اولى.

و في الجواهر بعد نقل ما ذكر، و فيه انه على كل حال لا يستفاد منه الجواز لمطلق القتال ضرورة احتمال خصوصية فيما وقع من النبي لا توجد في غيره ثم انه قدس سره قال نعم قد يقال بالجواز إذا وصل الأمر إلى حد الضرورة لعموم أدلتها و على هذا يكون الدليل في مسئلة الضرورة و الحرج المرفوعين في الإسلام حكمهما تكليفا عند التحقق لكنه لم يثبت ان عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله كان للضرورة و الحرج.

نعم لو اضطر الى دخول مكة محلا يرفع وجوب الإحرام لأجله تكليفا فلا يحرم عليه دخولها محلا و اما شرطية الإحرام فلا يرفع مثلا لو قلنا ان العمرة التمتع


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 9

ص: 358

بها الى الحج مشروطة بالإحرام لها من محل خاص، و لم يتمكن منه لا يحكم بصحة العمرة و الحج، بل تبطل لفقدان الشرط، كما إذا رفع وجوب الوضوء أو التيمم بالاضطرار و لم يتمكن منهما لا يحكم بصحة الصلاة بدون الطهارة إذا لم يكن دليل آخر.

اللهم ان يستدل في المقام لصحة العمرة و الحج بالأخبار الخاصة الواردة في الناسي للإحرام أو الجاهل لوجوبه فإنه إذا تذكر يرجع الى الميقات إن أمكن و الا يحرم من محله و في غير هذه الصورة تبطل عمله هذا تمام الكلام في وجوب الإحرام لدخول مكة و ما خرج من العموم.

ثم ان الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم بعد الفراغ عن المسئلة المتقدمة تعرضوا لإحرام المرية فإن كان المقصود منه بيان كيفية إحرامها كان المناسب التعرض له في كيفية إحرام المرية و الرجل في باب الإحرام و اما إذا كان مرادهم من التعرض له ان المرأة يجب عليها الإحرام لدخول مكة و لا يجوز لها ان تدخلها حلالا كما في الرجل فالمناسب لذكر ذلك هذا المقام.

ص: 359

في إحرام المرأة

اشارة

قال المحقق في الشرائع: و إحرام المرأة كإحرام الرجل الا فيما استثنى من جواز لبس المخيط و الحرير و التظليل انتهى.

و يعلم من كلامه قدس سره في هذا الفرع ان كيفية إحرام المرأة مثل كيفية إحرام الرجل الا انه لا يجوز ستر الوجه لها كما يجوز للرجل و يجوز لها لبس الحرير و المخيط و ستر الرأس عند عدم الناظر، و الا يجب عليها الستر، بخلاف الرجل حيث لا يجوز له لبس المخيط و ستر الرأس و لبس الحرير و يمكن ان ينسب الى صاحب الشرائع انه يعتبر في إحرام المرأة ليس ثوبين كما يعتبر التلبية و غيرها الا ما علم استثنائه.

فهل الدليل على اعتبار الثوبين في إحرام المرأة هو الدليل الدال على اعتبارهما في الرجل بإرادة الجنس من لفظ المحرم المذكور في الروايات كما في سائر الواجبات و الشرائط، و لا يحتاج ذلك الى دليل آخر نعم خروج بعضها

ص: 360

يحتاج الى دليل خاص و مخرج.

و كذا يستفاد من كلامه انه يجب الإحرام على المرأة لدخول مكة أو الحرم كما يجب على الرجل و لا يجوز ان تدخلهما بغير إحرام حفظا لحرمة المسجد و صونا لشئون الحرم و تعظيما لحق الكعبة كما ورد في الرواية أيضا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال حرم المسجد لعلة الكعبة و حرم الحرم لعلة المسجد و وجب الإحرام لعلة الحرم. (1) و العلة المذكورة في الرواية شاملة للرجل و المرأة في دخول مكة أو الحرم مضافا الى بعض الروايات الصريح أو الظاهر فيه كرواية عاصم بن حميد قال قلت لأبي عبد اللّه أ يدخل الحرم أحد إلا محرما قال: لا الا مريض أو مبطون. (2) و لفظة أحد عام شامل للرجل و المرأة و الاستثناء يؤكّد ذلك و هنا اخبار تدل على وجوب الإحرام على المرأة و لو كانت لا تصلى لا بد من التأمل فيها هل يستفاد منها وجوب الإحرام على المرأة لدخول الحرم و مكة كالرجل أم لا و كذا وجوب لبس الثوبين أم لا و منها.

صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صفوان عن منصور بن حازم قال:

قلت لأبي عبد اللّه المرأة الحائض تحرم و هي لا تصلى قال: نعم إذا بلغت الوقت فلتحرم. (3) و رواية يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّه عن الحائض تريد الإحرام قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير الصلاة.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 2

ص: 361

و ظاهر قوله تلبس ثيابا ان هذا اللباس غير لباس الإحرام.

و صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عن الحائض تحرم و هي حائض قال: نعم تغتسل و تحتشي و تصنع كما تصنع المحرمة و لا تصلى. (1) و رواية عيص بن قاسم قال سألت أبا عبد اللّه أ تحرم المرأة و هي طامث قال نعم تغتسل و تلبي. (2) و رواية زيد الشحام عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام فتطمث قال تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم فإذا كان الليل خلعتها و لبست ثيابها حتى تطهر. (3) يستفاد من مجموع الأخبار المتقدمة ان المرأة يجب عليها لبس ثياب الإحرام إذ لا معنى لنزع ثياب الإحرام بالليل أو لبس ثوب دونها لو لا وجوب لبسها عليها و حفظها من التنجيس.

ثم انه يجب على الحائض ان تحرم و لا تصلى صلاة الإحرام و لا تدخل المسجد و المراد من الدخول الممنوع التوقف و المكث فيه و لا إشكال في الاجتياز عنه و العبور منه مثلا لو أحرمت خارج مسجد الشجرة و دخلت من باب و خرجت من باب آخر لا اشكال فيه إذا لم تتوقف فيه و كذا لا مانع إذا أحرمت حال العبور و الاجتياز فالأخبار الناهية عن دخول المسجد محمولة على التوقف و المكث لا العبور و الاجتياز كما اختاره صاحب الوسائل قدس سره.

لكن ما هو المذكور في الروايات النهى عن الدخول لا التوقف و المكث في المسجد و الا لكان المناسب ان يقول لا تتوقف و لا تمكث نعم نظرا الى ما هو المتسالم فيه من جواز العبور من المساجد للجنب و الحائض حملت تلك الأخبار


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 3

ص: 362

على النهى عن التوقف أو على الكراهة بمعنى ان العبور من غير المسجدين جائز و لكنه في حال الإحرام مكروه، و يمكن ان يراد من المسجد مسجد الحرام و كما يمكن ان يكون النهى لخوف تعدى النجاسة الى المسجد و سرايته اليه و الإنصاف ان جميع ذلك خلاف الظاهر الا ان العلماء رضوان اللّه عليهم أفتوا بعدم البأس للإحرام على الحائض مجتازة عن المسجد، و إذا لم تتمكن من الإحرام حال العبور تحرم خارج المسجد و لا تدخله و عليه حمل بعض تلك الأخبار الناهية عن الدخول.

هذه محامل في الروايات و أقربها، الحمل على الكراهة لأن العبور من المسجد و ان كان جائزا للجنب و الحائض الا انه مكروه و ارادة مسجد الحرام من لفظ المسجد خلاف الظاهر فإن السائل سأل عن كيفية إحرامها و بيان حالها حال الإحرام.(1) و كذا حمل الدخول المنهي على التوقف و المكث لاستلزام ذلك فيكون الدخول منهيا عنه و حراما من باب المقدمة فهو ايضا خلاف الظاهر فان الدخول في المسجد لا يلازم التوقف و المكث فيه، فان من الممكن عادة ان تلبس الحائض ثياب الإحرام خارج المسجد و تلبي حال الاجتياز منه مضافا الى ان مقدمة الحرام ليس بحرام كما قرر في محله، هذا حكم إحرام الحائض و اما الغسل للإحرام فسيأتي حكمه.

في غسل الإحرام للحائض

ثم انه بعد ما ثبت وجوب الإحرام على الحائض إذا بلغت الوقت فهل الغسل


1- ارادة المسجد الحرام من المسجد المذكور في رواية يونس بن يعقوب محتملة جدا بقرينة ذيل الرواية للتصريح فيه بأنها لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير الصلاة إذ كثيرا ما يحرمون بالحج من مسجد الحرام لا غيره و اما غير رواية يونس لم يذكر فيه المسجد.

ص: 363

للإحرام مشروع لها أم لا.

نقل صاحب المدارك عن جده ان الاولى عدم الغسل لها و أورد عليه في الجواهر بقوله لا ريب في ضعفه و انه خلاف ما هو المصرح به في الرواية، فإن الظاهر من قوله عليه السّلام نعم تغتسل و تلبي مشروعية الغسل له، مضافا الى ان هذا الغسل ليس طهارة ينافيها وجود الحيض بل هو مستحب تعبدا.

و مراده قدس سره انه كما يستحب الوضوء للحائض وقت الصلاة من دون تأثير في حصول الطهارة فكذلك الاغتسال لها حال إحرامها فلا تنافي بينه و بين الطمث.

في حكم ترك الحائض الإحرام من الميقات

ثم انه لو تركت الحائض الإحرام من الميقات ظنا انه لا يجوز هل يجب عليها ان ترجع الى الميقات و تنشئ الإحرام منها إذا تذكرت و علمت أم تحرم من مكانها.

قال المحقق في الشرائع بوجوب الرجوع اليه و إنشاء الإحرام منه، و أضاف في الجواهر بلا خلاف و اشكال لتوقف صحة الإحرام عليه.

و هذا الاستدلال انما يتم إذا كان الحج واجبا عليها و الإحرام فرضا، و اما إذا لم يكن العمل واجبا لا يجب عليها الرجوع الى الميقات و الإحرام منه.

و تفصيل الكلام انه قد يجب عليها الحج أو العمرة أصالة أو نيابة، فيجب عليها الإحرام، لإتيان هذا العمل الواجب، و اخرى ليس عليها عمل مفروض و حج واجب مشروط بالإحرام، بل انما وجب لدخول الحرم و مكة، رعاية لشأن البيت و تعظيما لأمره فإذا تركت الإحرام من الميقات و دخلت من غير إحرام لا يجب عليها الرجوع اليه و لكنها أثمت بذلك، و لا يجب عليها القضاء على ما اخترناه، و وجوب الرجوع الى الميقات و الإحرام منه انما كان لوجوب العمل، و إذا انتفى ينتفي.

نعم بناء على ما اختاره بعض علمائنا من وجوب القضاء عند ترك الإحرام

ص: 364

لدخول مكة يجب عليها ان ترجع الى الميقات و تنشئ الإحرام منه للإتيان بالعمل الواجب عليها المشروط به الذي هو كالدين اللازم أدائه مع التمكن، هذا إذا تمكنت من الرجوع و اما إذا لم تتمكن من الرجوع لمانع من خوف أو لضيق الوقت فالإحرام من مكانها يحتاج الى دليل خاص.

ثم انه بناء على وجوب الرجوع الى الميقات إذا تمكنت هل يجب عليها ان ترجع الى ميقات أهلها أو يكفي الرجوع الى بعض هذه المواقيت و سيجي ء البحث في ان بعض الروايات في من ترك الإحرام من الميقات يدل على وجوب الرجوع الى ميقات اهله و بعضها الأخر إلى مطلق المواقيت و يظهر من ثالث جواز الإحرام من مكانه و من رابع الرجوع بقدر الإمكان فالمهم نقلها و التأمل في فقهها و الجمع بينها بعد التعرض لما استدل به الأصحاب في المسئلة.

قد يستدل لعدم صحة الإحرام من غير الميقات حتى عند عدم التمكن من الرجوع بعدم تحقق الامتثال و انه لا يصح الإحرام من غير الميقات إذا تركه عمدا و قد يستدل لكفاية الإحرام من مكانه إذا تعذر الرجوع الى الميقات بأن الضرورة تقتضي ذلك كما في دخول مكة بغير إحرام حال القتال إذ الحائض التي تركت الإحرام من الميقات جهلا بالحكم و لا تتمكن من الرجوع إليه إذا حكم ببطلان حجها و وجوب القضاء عليها يكون حرجا عليها، و مشقة لها.

و فيه ان نفى الحرج إذا لم تقدر على الرجوع انما يرفع وجوب الحج أو التوقف في مكة إلى السنة القابلة لأداء حجها و لا يرفع شرطية الإحرام أو كفايته من غير الوقت الذي وقتها رسول اللّه لمن يريد الحج فإن كفاية الإحرام من مكان التذكر أو من مكة يحتاج الى دليل خاص حتى لو قلنا برفع وجوب الرجوع الى الميقات للحرج كما في المسح على المرارة.

و توضيح ذلك ان الامام عليه السّلام استدل في رفع وجوب المسح على البشرة بقوله تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، و علم بذلك ان الحرج يرفع

ص: 365

وجوب المسح عليها و اما كفاية المسح على المرارة بدلا عن المسح بالبشرة لم يفهم منه نعم بعد التصريح بذلك بقوله امسح على المرارة ما جعل اللّه عليكم في الدين من حرج علمنا ان هذا الوضوء يكفى عن الوضوء الواجب عليه مع المسح بالبشرة و لو لا تصريح الامام به لقلنا بعدم وجوب الوضوء عليه أصلا.

و اما الاتفاق الذي ادعى في كلمات الأصحاب على صحة الإحرام من مكانها إذا لم تتمكن من الرجوع الى الميقات فليس دليلا مستقلا بل منشأه الأخبار الواردة و سنتعرض لها إنشاء اللّه منها.

صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم قال: قال ابى يخرج الى ميقات أهل أرضه فإن خشي ان يفوته الحج أحرم من مكانه فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم. (1) و هي تدل على وجوب الرجوع الى ميقات أهل أرضه(أي الذي نسي أن يحرم) لا ميقات اخرى، و ان خشي فوت الحج يجب عليه ان يحرم من مكانه و ان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم و اما الزيادة على الخروج من الحرم فلا يستفاد و لكن مورد الرواية صورة النسيان و ما نحن فيه الجهل بالحكم، و عدم علم الطامث بصحة الإحرام و تركها له ظنا منها بعدم الجواز، فإن أمكن و صح التعدي و تسرية الحكم من مورد النسيان الى الجهل بالحكم، و ان كل واحد من الناسي و الجاهل يكون معذورا في ترك الإحرام من الميقات كما ادعاه صاحب المدارك، فيتحد الحكم في الموردين و اما إذا اقتصرنا في العمل بالصحيحة على موردها، و قلنا ان النسيان عذر مخصوص كما في سائر الموارد، لا تشمل الرواية لما نحن فيه، إذ يمكن ان يكون النسيان عذرا في مورد، و لا يكون الجهل فيه مثله و رواية عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى اتى مكة، فخاف ان رجع الى


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 1

ص: 366

الوقت ان يفوته الحج فقال يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك. (1) و الخروج من الحرم انما يجب إذا كان ممكنا و يعلم من الرواية انه كان متمكنا من ذلك و لا يفوته الحج بالخروج منه و لم يصرح فيها بالرجوع الى قدر ما أمكن.

و رواية أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد اللّه عن رجل جهل ان يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع قال يخرج من الحرم ثم يهل بالحج. (2) و رواية معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم فقال عليه السّلام ان كان عليها وقت(مهلة) فترجع الى الوقت فلتحرم منه، فان لم يكن عليها وقت(مهلة) فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها. (3) و تدل هذه الرواية على وجوب الرجوع بقدر ما لا يفوتها الحج بعد الخروج من الحرم، و استنادا بها افتى بعض بوجوب الرجوع بمقدار المكنة و ان لم تصل الى الميقات، و اما صاحب الجواهر حملها على الاستحباب مستندا بان الروايتين المتقدمتين أي رواية ابن سنان و ابى الصباح انما تدلان على وجوب الخروج من الحرم فقط و اما الرجوع الى جانب الميقات بقدر ما لا يفوته الحج لم يذكر فيهما مع انهما كانتا في مقام البيان فيحمل ما يدل على وجوب الرجوع كما في رواية عمار على الندب و بهذا يجمع بين الروايات و يرفع التعارض.

و قد يجمع بينها بحمل الروايتين على عدم القدرة على الرجوع الى قدر ما يتمكن فيكفي الخروج من الحرم و اما رواية عمار فهي واردة في مورد القدرة على ذلك.


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 4

ص: 367

(في التمسك بقاعدة الميسور)

قد يتمسك لوجوب الرجوع الى جانب الميقات بقدر ما يتمكن بقاعدة الميسور، فان الرجوع الى الميقات و ان لم يكن مقدورا الا ان البعض من الطريق ميسور لها(للطامث) ان تسلكه و ترجع بقدر ما لا يفوتها الحج إذ لا يسقط الميسور بالمعسور، و تقرير الاستدلال يمكن ان يكون على وجهين، الأول ان يقال ان الإحرام من الطريق يعد عند العرف ميسورا لوجوب الإحرام من الميقات هذا يحتاج إلى مساعدة العرف و ان ما يرجع الى جانب الميقات ميسور الإحرام من الميقات.

الثاني ان ما هو الواجب على من يمرّ بالميقات ان يحرم منها ثم يمر بإحرامه على الطريق حتى يصل الى مكة و يقضى مناسكه فمتعلق الوجوب الإحرام و المرور بالطريق فإذا لم يتمكن من الجميع و تيسر له ان يمرّ ببعض الطريق بإحرامه يجب عليه ذلك لصدق ان البعض المقدور ميسور لما هو الواجب عليه، كما لو أمر المولى عبده بزيارة شخص و أوجب عليه لبس العباء و الرداء من داره الى بيته، فإذا لم يتمكن من لبسه من الدار و تمكن منه من وسط الطريق يصدق على ما هو المقدور انه هو الميسور من الواجب، و على هذا تكون الأخبار الدالة على وجوب الرجوع بقدر ما يمكن موافقة للقاعدة أيضا، و لو لا ذلك لما أمكن القول بأن الإحرام من الطريق ميسور الإحرام من الميقات، إذ المستفاد من الروايات انه إذا تعذر الإحرام من الميقات يجب الإحرام من خارج الحرم و محله ادنى الحل و اما الإحرام من غيره ربما يكون إحراما قبل الميقات، لو لا دليل يدل على جوازه، نعم قد دل الدليل على وجوب الرجوع بقدر ما لا يفوت الحج كما في رواية عمار المتقدمة.

(في ان الرجوع الى مطلق الميقات أو ميقات الأهل)

ثم انه بناء على وجوب الرجوع الى الميقات عند التمكن و زوال العذر،

ص: 368

هل هو ميقات أهل أرضه(اى التارك للإحرام) أو يرجع الى اى ميقات من المواقيت، الاخبار في المقام متفاوتة الدلالة، ففي بعضها يرجع الى ميقات أهل بلاده، كما في رواية الحلبي و على بن جعفر، و في بعضها الأخر يرجع الى بعض المواقيت، كما في رواية زرارة الاتية.

عن زرارة عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا الى الميقات و هي لا تصلى، فجهلوا ان مثلها ينبغي ان تحرم، فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة، و هي طامث حلال فسألوا الناس فقالوا تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه، فكانت إذا فعلت لم تدرك الحج فسألوا أبا جعفر عليه السّلام فقال تحرم من مكانها قد علم اللّه نيتها. (1) و المستفاد من الرواية ان أبا جعفر عليه السّلام أمر بالإحرام من مكانها حين ما لم تكن المرأة متمكنة من الرجوع الى بعض المواقيت خوفا من ان لا تدرك الحج، و لكنه عليه السّلام لم يردع الناس عن قولهم: تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه، فهل كلامهم في الرجوع اليه كان من جهة أنه إحدى مصاديق المواقيت التي يجب ان تحرم منها، أو كان لأجل عدم قدرتها على الرجوع الى ميقات أهلها الذي مرت عليه و جهلت ان تحرم منها، أو يقال انه لا يستفاد من الرواية كيفيته الرجوع الى الميقات فإنها ليست بصدد بيانها، بل في مقام أصل الرجوع و كفاية الإحرام من مكانها إذا خافت فوت الحج، و الظاهر ان الرواية واردة في مورد عدم القدرة على الرجوع الى ميقات أهلها، إذ يبعد ان يكون الناس الذين كانوا معها جاهلين بالمسئلة فلا يستفاد من الرواية عدم وجوب الرجوع الى ميقات أهلها مع التمكن و القدرة عليه، و كفاية الإحرام من سائر المواقيت، و ان قلنا في مسئلة من عصى و لم يحرم من الميقات حتى دخل مكة انه يجب عليه الرجوع و انه ان رجع الى غير ميقات اهله يصح إحرامه منه أيضا الا انّ المقصود في المقام ان رواية زرارة لا تدل على


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 6

ص: 369

ذلك بل يحتاج الى دليل أخر يدل على كفاية الإحرام من بعض هذه المواقيت و ان كانت متمكنة من الرجوع الى ميقات أهلها.

و رواية الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال يرجع الى ميقات أهل بلاده الذين يحرمون منه فيحرم فإن خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج. (1) هذه الرواية مطلقة لم يقيد بقيد من الجهل و العمد و النسيان فهل يشمل الجميع في وجوب الرجوع الى ميقات أهل بلاده و الإحرام منه، و ان خشي الفوت فمن مكانه، لترك الامام عليه السّلام التفصيل في الجواب، أو لا تشمل الا بعضه.

قال صاحب الحدائق في مسئلة من ترك الإحرام من الميقات عمدا قطع الأصحاب بوجوب رجوعه اليه لتركه الإحرام الواجب عليه من الميقات الذي لا يصح من غيره، و ان لم يقدر عليه يبطل حجه و افتى قدس سره بذلك ايضا.

ثم نقل قدس سره عن بعض، الحكم بلحوق العامة بالجاهل و الناسي في جواز الإحرام من مكانه إذا لم يتمكن من الرجوع الى ميقات اهله و تمسك لهذا القول برواية الحلبي المتقدمة لترك الاستفصال في جواب الامام عليه السّلام إذ لم يسئل من السائل انه ترك الإحرام عمدا أو جهلا أو نسيانا، فيعم الجميع، كما يعم من ترك الإحرام من الميقات عمدا لعدم كونه عازما على دخول مكة، ثم بدا له العزم عليه بعد دخوله الحرم، و كذا يشمل من ترك الإحرام منه لجوازه عليه كالحطاب و الحشاش ثم بدا له العزم على الحج.

و رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: سالته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله قال: يقول اللهم على كتابك و سنة نبيّك فقد تم إحرامه، فإن جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 7

ص: 370

ان كان قضى مناسكه كلّها فقد تم حجه. (1) و ظاهر الرواية تمامية الحج و النسك كلها، مع ترك الإحرام عن غير عمد، و هو الظاهر ايضا من رواية زرارة المتقدمة إذ في ذيلها بعد ما قال أبو جعفر عليه السّلام تحرم من مكانها، قد علم اللّه نيتها، و المستفاد من هذه الجملة انها كانت عازمة أن تأتي بما أمرها اللّه تعالى به، الا انها لم تعلمه و لم يعلمها الناس لها حتى قدموا مكة، و حيث ان نيتها كانت على ذاك لم تترك الإحرام من الميقات عمدا، و يعلم منه ان ما يوجب بطلان الحج هو ترك الإحرام عمدا لا غيره، فان بعضا من الاجزاء و الشرائط في نسك الحج ما يوجب تركه البطلان و الفساد مطلقا عمدا و سهوا و جهلا كالوقوفين، و منه ما لا يوجبه مطلقا كالهدي، و منه ما يوجبه إذا كان عن عمد لا عن سهو كما في الطواف، و مثله الإحرام و كيفيته، فيستفاد ان الحج يبطل بترك الإحرام في صورة العمد فقط، لا في صورة النسيان و الجهل، و لا يبعد ان يكون التعليل المذكور في ذيل الرواية بمنزلة القيد فيقيد به ما يدل على وجوب الرجوع مطلقا، الذي لازمه بطلان الحج عند عدم التمكن منه، و لو كان ترك الإحرام عن جهل أو نسيان.

و رواية قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم كيف يصنع قال يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون به فيحرم. (2) تدل هذه الرواية على وجوب الرجوع الى ميقات أهل البلد فلا بد اما من حملها على صورة العمد و اختصاصها به و اما بناء على تعميمها لصورة النسيان و الجهل فلا بد من الحمل على صورة القدرة على الرجوع الى ميقات أهل بلاده و الا يكفيه الإحرام من بعض المواقيت أو من مكة كما يظهر من الرواية الاتية إجمالا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 8
2- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 9

ص: 371

و رواية أخرى من على بن جعفر قال سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم فأحرم قبل ان يدخله قال: ان كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي فإن ذلك يجزيه ان شاء اللّه و ان رجع الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل. (1) و فرق بين الجاهل و العامد في الرواية في وجوب الرجوع الى الميقات و عدمه و أجيز للجاهل ان يحرم من مكانه دون العامد كما هو مقتضى المفهوم و لكنه يعارضها ما يدل على وجوب الرجوع الى الميقات على الناسي و الجاهل إذا كان متمكنا منه كما في روايتي زرارة و معاوية بن عمار المتقدمتين و غيرهما.

فهل تحمل تلك الروايات على الأفضلية بشهادة ما ورد في ذيل رواية قرب الاسناد من قوله و ان رجع الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل، أو تقدم هذه الروايات على رواية قرب الاسناد من جهة السند و الصدور مضافا الى ان المرجع في المسئلة بعد تعارض الروايات هي الأخبار الدالة على وجوب الإحرام من الميقات، تأسّيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله، مع إمكان ان يقال: ان رواية قرب الاسناد معرض عنها، و انما فتاوى الأصحاب مطابقة للأخبار الدالة على وجوب الرجوع الى الميقات مع التمكن، اما ميقات الأهل أو غيرها من سائر المواقيت، على ما يظهر من بعض الروايات، هذا تمام الكلام في الناسي و الجاهل، و اما العامد لترك الإحرام من الميقات فقد تقدم حكمه إجمالا و نشير إليه أيضا.

(في حكم العامد لترك الإحرام من الميقات)

و اما من ترك الإحرام من الميقات عمدا فلم توجد فيه رواية تدل على كفاية الإحرام من غيرها صراحة، نعم قد يستظهر ذلك من إطلاق رواية الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه الخبر (2)


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 10
2- المصدر الحديث 7

ص: 372

بدعوى شمول إطلاق من ترك، للعامد و الجاهل، و لكنه ليس بحيث يقاوم و يعارض ما يستفاد من الروايات الواردة في الجهل بالإحرام أو نسيانه و يظهر من قوله عليه السّلام قد علم اللّه نيتها، و غيرها في موارد شتى، من ان تارك الحرام عمدا لا يصلح له الإحرام من غير الميقات حتى يرجع اليه و يحرم منه و الا يبطل حجه و ما يدل على ذلك على النحو الكلى رواية ابن عمير.

روى الكافي بسنده عن ابن ابى عمير عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام، في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى قال تجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه، و ان لم يهل و قال في مريض أغمي عليه حتى اتى الوقت فقال يحرم عنه. (1) إذ الظاهر منها ان الشخص إذا كان عازما على الإحرام من الوقت و لكنه نسي تجزي نيته و ان كان شهد المناسك و اما إذا كان من الأول عازما على ترك الإحرام فلا يصح له العمل، و كذا معنى الإحرام عن المغمى عليه هو التلبية عنه كما يلبى عن الصبي بعد ما يلبسه ثوبي الإحرام ثم يأتي المغمى عليه بالمناسك إذا أفاق لا ان غيره يكون نائبا عنه في الإحرام و يلبس الثوبين ثم يأتي المريض بالنسك بإحرام نائبه فيكون كمن يصلى بوضوء صاحبه أو نائبه.

و مثلها في استظهار ما ذكر رواية على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال سالته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات و جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده قال: إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه. (2) و روايته الأخرى عن أخيه عليه السّلام قال: سالته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات فما حاله قال: يقول اللهم على كتابك و سنة نبيك فقد تم إحرامه. (3)


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 20 من المواقيت الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 20 من المواقيت الحديث 3

ص: 373

و بالجملة المتراءى و المتبادر الى الذهن من سنخ تلك الروايات ان الإحرام من الميقات ليس مما يبطل الحج بتركه مطلقا، بل إذا كان عن عمد سواء ترك أصل الإحرام أو الكيفية المعتبرة فيه و اما غيره فلا فتلخص من مجموع ما تقدم في هذا البحث ان من ترك الإحرام من الميقات عمدا يبطل حجه و لا يصح الإحرام من غيرها بل لا بد ان يرجع الى ميقات أهل بلده أو الى ميقات اخرى كما في الروايات و منها.

رواية معاوية بن عمار انه سأل أبا عبد اللّه عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة فقال لا بأس. (1) و رواية حماد عن الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة فقال من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلا محرما. (2) و اما الجاهل و الناسي يرجع الى الميقات إذا تمكن و ان خشي فوت الحج يحرم من مكانه.

هذا آخر ما أردنا ضبطه في الجزء الثاني من كتاب الحج و يتلوه الجزء الثالث إنشاء اللّه و اوله الوقوف بعرفات حصل الفراغ من تقريره في الثالث عشر من شهر ربيع الأول 1393 و من تبيضه في الثالث و العشرين من شهر جمادى الثاني 1403 الحمد للّه أولا و آخرا.

احمد صابرى الهمداني


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 6 من المواقيت الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 6 من المواقيت الحديث 3

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.