كتاب الحج (للگلبايگاني)-المجلد 2

اشارة

نام كتاب: كتاب الحج( للگلبايگاني)

نويسنده: گلبايگاني، محمدرضا

تاريخ وفات مؤلف: 1414 ه. ق.

موضوع: منابع فقهى- حديثى

زبان: عربي

تعداد جلد: 2

ناشر: خيام

مكان چاپ: قم

سال چاپ: 1400 ه. ق.

نوبت چاپ: اول

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

المقصد الخامس في تروك الإحرام و هي محرمات و مكروهات

امّا المحرمات،

اشارة

فهي كما قال صاحب الشرائع عشرون شيئا، و عن الدروس ثلاثة و عشرون، و عن بعض ثمانية عشر، و عن التبصرة و النافع أربعة عشر شيئا و يعلم التفصيل في طي البحث إنشاء اللّه

منهاصيد البر

اشارة

، اصطيادا قتلا ذبحا رميا و أكلا و اشارة و دلالة و إغلاقا و بيعا و شراء و إمساكا، فإن كل ذلك محرم على المحرم، فلو صاده المحل و ذبحه المحرم أو ذبحه المحل و اكله المحرم حرم عليه ايضا و عن كنز العرفان، ان حرمة جميع ذلك تستفاد من الآيات الكريمة قال الأستاذ مدّ ظلّه: ان استفادة حرمة جميع ما ذكر من الآيات، و ان كانت محتملة الا انها ليست ظاهرة فيه، حتى يكون دليلا مستقلا، نعم يستفاد حرمة بعضها منها، و الباقي من النصوص الواردة في المقام، و الإجماع المدعى في كلام الأصحاب

ص: 6

أما الآيات(فمنها) قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) و هي كما ترى تدل على حرمة تناول الصيد و أخذه و انه حرام على المحرم، و اما حرمة أكل لحمه إذا ذبحه بعد الأخذ، أو ذبحه المحل و اكله المحرم فلا تستفاد منها و لو فرض دلالتها عليها، لأمكن القول أيضا بان له ان يأكله بعد الإحلال، فالمتيقن من الآية حرمة التناول و أخذ الصيد حال الإحرام لا جميع ما أشير اليه على أنها بسياقها لا تشمل المحرم خاصة بخلاف الآيات التي بعدها و(منها) قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (2) و هذه الآية تدل على حرمة قتل الصيد حال الإحرام كما ان الآية الاولى تدل على حرمة أخذه و يمكن ان يكون القيد المذكور في الآية الثانية قيد الآية الأولى أيضا فتختص حرمة الأخذ بما يؤكل لحمه و توضيح ذلك ان الآية الاولى تدل على حرمة أخذ الصيد و قتله سواء كان مأكول اللحم أو غيره، و الآية الثانية حيث ان النهى فيها مخصوص بحال الإحرام، و يرتفع بالإحلال و يحل جميع ما يتعلق بالصيد حال الإحلال يعلم ان هذا الحكم مخصوص بما يؤكل لحمه من الصيد و تتقيد الآية الاولى به ايضا و يمكن ان يقال ايضا ان المراد من الآيتين ان حرمة ما كان حلالا من الصيد قبل الإحرام من الأخذ و القتل و الإشارة بالنسبة إلى مطلق الصيد و من الأكل في صيد المأكول لحمه، جميع ذلك مختص بحال الإحرام فعلى هذا يبقى إطلاق الآية الاولى بحالها ايضا و لا يختص بما يؤكل لحمه و سيأتي التعرض لذلك إنشاء اللّه تعالى


1- سورة المائدة(5) الاية 94
2- سورة المائدة(5) الاية 95

ص: 7

و اما النهي عن القتل حال الإحرام فيوجب كون المصيد ميتة فلا يجوز اكله مطلقا و لو للمحل، بناء على تمامية الدلالة كما يأتي و(منها) قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (1) و المراد من الصيد في هذه الآية المصيد و من الحرام حرمة أكله كما هو الظاهر فعلى هذا دلالة الآيات على حرمة قتل الصيد حال الإحرام صريحة، و أما حرمة الأكل و الاصطياد فهي ظاهرة فيها و لكن حرمة الزائد على تلك الثلاثة من إمساك الصيد و الدلالة عليه و الإشارة اليه و بيعه و شرائه فلا تستفاد من الآيات نعم يظهر من الروايات حرمة أكثر ما ذكره الفقهاء من تروك الإحرام فالمهم في المقام نقل الروايات و التأمل في مفادها إنشاء اللّه تعالى(منها) ما رواه الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام و لا و أنت حلال في الحرم، و لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطاده و لا تشر اليه فيستحل من أجلك فإن فيه فداء لمن تعمده» (2) و يأتي الكلام في ثبوت الفداء في قتل الصيد على من نسي أو جهل و كذا الفرق بين الإشارات في الحرمة و عدمها و(منها) رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ. الاية) قال: «حشرت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمرة الحديبية الوحوش حتى نالتها أيديهم و رماحهم» (3) و في رواية أحمد بن محمّد في قوله تعالى تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ قال:


1- سورة المائدة(5) الاية 96
2- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 8

«ما تناله الأيدي البيض و الفراخ، و ما تناله الرماح فهو ما لا تصل إليه الأيدي» (1) و منها رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السّلام قال قال: «المحرم لا يدل على الصيد فان دل عليه فقتل فعليه الفداء» (2) و منها رواية عمر بن يزيد عن ابى عبد الله عليه السّلام قال: «و اجتنب في إحرامك صيد البر كله و لا تأكل ممّا صاده غيرك و لا تشر اليه فيصيده» (3) و هذه الرواية صريحة في حرمة الإشارة إلى الصيد ليصيده الصياد و حرمة أكله على المحرم و لو صاده غيره محلا كان أو محرما(و منها) رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه قال: «إذا فرض على نفسه الحج ثم أتم بالتلبية فقد حرم عليه الصيد و غيره و وجب عليه في فعله ما يجب على المحرم» (4) العياشي في تفسيره عن سماعة عن أبي عبد اللّه في قوله تعالى لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ قال: «ابتلاهم اللّه بالوحش فركبتهم من كل مكان» (5) و عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تأكل شيئا من الصيد و أنت محرم و ان صاده حلال» (6) هذه الطائفة من الروايات المروية في كتب الأصحاب تدل على حرمة الصيد و اكله و الإشارة اليه و الدلالة عليه على المحرم ما دام محرما و يعلم من قوله عليه السّلام في رواية الحلبي:(و لا تشر اليه فيستحل من أجلك) أن كل ما يوجب استحلال الصيد


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5
4- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 7
5- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 9
6- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 2- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 9

الغير فهو حرام على المحرم، و يشمل ذلك الأغلال و نظائره، بل يعلم ان كل ماله تأثير جزئي في استحلال الصيد و ان لم يكن مؤثرا تاما فهو ايضا حرام، إذ الإشارة كما هو واضح ليست مؤثرا تاما في استحلال الصيد و قتله و أخذه و سببا أقوى من المباشر، كما لو أشير الى مال شخص فأخذه شخص أخر لا يكون المشير ضامنا له و لا يكون في نظر العرف سببا أقوى من المباشر، و لكن الإشارة إلى الصيد في المقام محرمة بما هي اشارة، لا بما انها سبب أقوى من المباشر، نعم لو أشار الى الصيد للتوجه اليه و النظر الى حسنه و لطفه و شدة عدوه لا لاستحلاله و أخذه لا يكون حراما و لا كفارة عليه.

و الحاصل أن المستفاد من الآيات و الروايات و إجماع العلماء حرمة الصيد على المحرم قتله و ذبحه و اكله و إمساكه و اغلاقه و الدلالة عليه و الإشارة اليه، و كل ما يؤثر في اصطياده و ان لم يكن مؤثرا تاما و سببا أقوى و لا يهمنا البحث في ذلك، و انما المهم بيان مصاديق الصيد و موارد الشبهة، و ان الصيد إذا قتله المحرم فهل هو ميتة أو بحكم الميتة لا ينتفع منه أصلا، أو ليس كذلك و نشرح كل هذا في طي أمور إنشاء اللّه.

ص: 10

الأمر الأول (اختصاص الحرمة بصيد البرّ)
اشارة

ان ما تقدم من حرمة الصيد حال الإحرام و قتله و اكله و كل ما يؤثر في اصطياده انما هو يختص بصيد البر و اما الصيد البحري فهو حلال على المحرم كما تدل عليه الآية و الروايات و الإجماع و لا خلاف بين المسلمين في ذلك اما الآية الكريمة فهي قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيَّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (1) و أما الروايات فهي كثيرة نذكرها عند التعرض لبيان الضابطة في الصيد البري و البحري و تشخيص مصاديقه

الأمر الثاني لو صاد محرم صيدا و ذبحه حال الإحرام فالمشهور ان ذبيحته ميتة حرام على المحرم و المحل

سواء ذبحه في الحرم أم في الحل و نقل عن الصدوق أنه يحل على المحل ان لم يذبحه في الحرم و عن المفيد و ابن الجنيد و المرتضى ايضا كذلك و منشأ الخلاف الروايات الواردة في المقام و كيفية الجمع بينها فلا بد من نقلها و التأمل فيها و ما يستفاد منها فإنّ طائفة منها تدلّ على ان ما ذبحه


1- سورة المائدة(5) الاية «98».

ص: 11

المحرم ميتة و حرام، و قد عقد صاحب الوسائل بابا لذلك و خص به الباب العاشر من أبواب تروك الإحرام و قال: باب ان ما ذبحه المحرم من الصيد فهو ميتة حرام على المحل و المحرم و كذا ما ذبح منه في الحرم انتهى.

و تدل طائفة أخرى على جواز أكل المحل من صيد المحرم و هذه الطائفة تعارض الطائفة الاولى و هي مستند فتوى المرتضى و ابن الجنيد و الصدوق(قدس سرهم).

و نقل صاحب الوسائل هذه الطائفة من الروايات في الباب الثالث من تروك الإحرام و قال: باب جواز أكل المحل مما صاده المحرم في الحل إذا ذبحه محل فيه و يلزم الفداء المحرم انتهى و كأنه قدس سره لم ير تعارضا و تمانعا بين الطائفتين و حمل الطائفة الاولى من الروايات على ما ذبحه المحرم من الصيد سواء ذبحه في الحل أم في الحرم و الطائفة الثانية على ما صاده المحرم في الحل و ذبحه محل فيه فالمهم ذكر النصوص في المقامين اما الطائفة الأولى(فمنها) ما رواه خلاد السري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل ذبح حمامة من حمام الحرم، قال: عليه الفداء قلت: فيأكله؟ قال: لا، قلت: فيطرحه قال: إذا طرحه فعليه فداء آخر، قلت فما يصنع به؟ قال: يدفنه» (1) 2- محمد بن ابى عمير عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: المحرم يصيب الصيد فيفديه أ يطعمه أو يطرحه؟ قال إذا يكون عليه فداء آخر، قلت: فما يصنع به؟ قال: يدفنه» (2) 3- عن وهب عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال: «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة، حلال


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث(2)
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 12

ذبحه أو حرام» (1) محمّد بن الحسن الصفار بإسناده عن إسحاق عن جعفر ان عليا عليه السّلام كان يقول: «إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم و إذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم» (2) و المستفاد من هذه الطائفة صريحا ان ما ذبحه المحرم من الصيد فهو ميتة و حرام لا يجوز الانتفاع منه و لا طرحه بل يجب عليه دفنه لكي لا يأخذه غيره و أما الطائفة الثانية التي يحتمل ان تكون معارضة للطائفة الأولى.

(فمنها) ما رواه منصور بن حازم، «قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أصاب من صيد أصابه محرم و هو حلال؟ قال: فليأكل منه الحلال و ليس عليه شي ء أنما الفداء على المحرم» (3) و الإصابة في الرواية يحتمل ان تكون بمعنى أخذ الصيد أو ذبحه و احتمل الشيخ كونه بمعنى اصابة الرمي، و على كل حال الرواية صريحة في ان ما اصابه المحرم من الصيد يجوز للحلال اكله، و لكن الفداء على المحرم الذي أصابه 2-(منها) رواية معاوية بن عمار قال «قال أبو عبد اللّه: إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم و هو محرم فإنه ينبغي له أن يدفنه، و لا يأكله أحد، و إذا أصاب في الحل فان الحلال يأكله و عليه الفداء» (4) و الظاهر من الإصابة في الحرم الذبح أو ما يشمل الذبح و غيره و قوله عليه السّلام ينبغي له أن يدفنه و ان كان يشعر بالاستحباب، الا أن الدفن حيث انه ليس مستحبا إذا كان الصيد حلالا كما هو المقطوع يعلم انه حرام و يجب دفنه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 3 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 3 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 13

و أما الإصابة في الحل المذكور في الرواية فهو ايضا ظاهر في الذبح بقرينة جواز اكله للحلال. و يمكن ان يراد منه الاصطياد، و اكله بعد الذبح و الطبخ.

3- و منها رواية منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه: رجل أصاب صيدا و هو محرم آكل منه و أنا حلال؟ قال عليه السّلام: أنا كنت فاعلا، قلت له فرجل أصاب مالا حراما، فقال: ليس هذا مثل هذا يرحمك اللّه» ان ذلك عليه (1) 4- و رواية حريز قال: «قال: «سألت أبا عبد اللّه(ع) عن محرم أصاب صيدا أ يأكل منه المحل؟ فقال: ليس على المحل شي ء، إنما الفداء على المحرم» (2) و هذه الرواية ليست صريحة في جواز الأكل للمحل و المصرح به عدم الفداء عليه(3) 5- و مثلها رواية عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أصاب صيدا و هو محرم أ يأكل منه الحلال؟ فقال: لا بأس، إنما الفداء على المحرم». (4)


1- وسائل الشيعة(الجزء 9) الباب 3 من تروك الإحرام الحديث 3- 4
2- وسائل الشيعة(الجزء 9) الباب 3 من تروك الإحرام الحديث 3- 4
3- لا يخفى ظهور الرواية بل صراحتها في جواز أكل ما اصابه المحرم من الصيد للمحل و انما وقع السؤال عنه ايضا بقوله أ يأكل المحل و لم يسئل عن الفداء و جوابه(ع) عنه بقوله ليس على المحل شي ء و انما الفداء على المحرم تأكيد أو تقريب لجواز اكله و انه ليس عليه شي ء، و ان المؤاخذ في ذلك هو المحرم فقط لا المحل
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 3 من أبواب تروك الإحرام الحديث(5)

ص: 14

و هذه الطائفة من الاخبار تدل على جواز أكل صيد المحرم للحلال و هي- كما ترى أظهر دلالة من الطائفة الاولى، و بعضها أصح سندا، و لا يمكن الخدشة فيها من جهة السند و الدلالة و رفع اليد عنها في مقام التعارض بين الطائفتين من النصوص.

و أما الجمع بينها بحمل قوله عليه السّلام أصاب صيدا على مجرد الاصطياد و الأخذ دون الذبح و وقوع الذبح على يد المحل أو على اصابة رمى المحرم الى الصيد ثم يأخذه المحل و يذبحه كما احتمله الشيخ(قدس سره) خلاف الظاهر، بل قول ثالث فان الفقهاء بين قولين، أحدهما ان ما ذبحه المحرم ميتة حرام مطلقا و الثاني انه حلال للمحل مطلقا كما نقل عن الصدوقين، أو التفصيل بين التذكية بالرمي و التذكية بالذبح بأن الثاني ميتة بخلاف الأول إذا أخذه المحل و ذبحه قول ثالث.

و الذي يسهّل الخطب و الأمر، أن تلك الاخبار مع صحة سندها و ظهور دلالتها قد اعرض عنها المشهور، و لم يفت بمضمونها الا المفيد و المرتضى و ابن الجنيد(قدس سرهم) حتى ان صاحب الجواهر، مع انه قال: ما ذهب اليه المفيد و المرتضى لا يخلو من قوة، رجح القول المشهور، و وجّه و أوّل الطائفة الثانية و حملها على غير الذبح و القتل مع تصريحه بصحتها، و كذا صاحب المدارك مع ميله الى ما اختاره الصدوق و التصريح بصحة سند تلك الاخبار، و جرح رواة الطائفة الاولى و تضعيف بعضهم، قال: فكيف كان الاقتصار على اباحة غير المذبوح من الصيد كما ذكره الشيخان اولى، و الأحوط الاجتناب عن الجميع انتهى مضافا الى ان بعض تلك الاخبار غير صريح في خلاف ما اختاره المشهور كما احتمله في الجواهر ايضا لاحتمال ارادة غير القتل من الإصابة، و ان المحل

ص: 15

ذبح ما رماه المحرم.

و لكن المهم و المعتمد عليه في المقام و لا يمكن الغمض عنه هو أن الروايتين المرويتين عن على عليه السّلام، الدالتين على أن ما ذبحه المحرم فهو ميتةقد افتى المشهور بمضمونها مع ضعف السند فيهما، فان وهب الواقع في سند الرواية مشترك بين الضعيف و غيره و كذا الحسن بن موسى الخشاب غير موثق.

و مع ذلك كله فقد افتى المشهور بمضمونهما و عمل بهما الأصحاب و أعرضوا عما يدل على حليّة صيد المحرم مع قوة السند و صراحة الدلالة و هذا الأمر مما يوجب و هنا في تلك الطائفة من الروايات من جهة الصدور.

ص: 16

الأمر الثاني (في ترتب جميع الآثار على صيد المحرم)

ثم انه بناء على ان ما ذبحه المحرم من الصيد ميتة فهل يترتب عليه جميع الآثار المترتبة على الميتة، من عدم جواز الانتفاع بجلده و انه لا يقبل الدبغ و عدم جواز الصلاة فيه و بيعه و شرائه، أو لا يترتب عليه الا حرمة اكله و اما غيره فلا يترتب عليه، بل هو مذكى طاهر كما هو كذلك بناء على ما ذهب اليه الصدوق و المرتضى و ابن الجنيد من جواز الأكل للمحل مما ذبحه المحرم، و كما لو صاده المحل و ذبحه فإنه حرام على المحرم اكله، و لكنه ليس ميتة و نجسا، وجهان.

و منشأهما كيفية الاستفادة من لسان التنزيل، فان استفدنا منه التنزيل في الحكم و الآثار لا ان التذكية الواقعة على الصيد غير مؤثرة، فيؤخذ بالقدر المتيقن من الحكم و الأثر الظاهر، و هو في المقام عدم جواز الأكل و اما غيره من الآثار المترتبة على الميتة كالنجاسة و عدم جواز الصلاة في جلده و غير ذلك فمشكوك فيه و الأصل عدم ترتب تلك الآثار على ذبيحة المحرم.

و اما لو قلنا ان المستفاد من لسان التنزيل في الرواية، ان تذكية المحرم

ص: 17

كالعدم، فالمعنى أن ذبيحة المحرم ميتة حقيقة فحينئذ يترتب عليه جميع الآثار المترتبة على الميتة لكونه ميته واقعا لا تنزيلا في الحكم و الآثار و يشعر بذلك ما ورد أن الشخص لو اضطر إلى أكل الميتة أو الصيد فهل يقدم الميتة أو الصيد الذي ذبحه المحرم، انه يقدم الميتة و يترك الصيد، فيعلم ان الصيد الذي ذبحه المحرم ميتة بل أشد حكما منها، لتضمنه المخالفة للشعائر العظيمة الإسلامية أيضا.

عن عبد الغفار الجازي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها و وجد صيدا فقال: يأكل الميتة و يترك الصيد» (1).

عن إسحاق عن جعفر عن أبيه ان عليا عليه السّلام كان يقول إذا اضطر المحرم الى الصيد و الى الميتة فليأكل الميتة التي أحل اللّه له. (2) و يعارضهما عدة روايات تدل على ان المحرم المضطر إلى أكل الميتة لو وجد صيدا يأكل منه، و لا يجوز له أكل الميتة، فلو عملنا بها، و حكمنا بأن الميتة حرام على المحرم المضطر إذا وجد صيدا و قدمنا تلك النصوص على ما تقدم مما تدل على كون صيد المحرم ميتة، للزم القول بان صيد المحرم مذكى، و ليس بميتة، غاية الأمر يحرم اكله عند الاختيار دون الاضطرار، اعتمادا على تلك النصوص.

و لكن هذا الكلام ايضا غير تام، لان تقديم الصيد على الميتة لا يستلزم كونه مذكى و غير ميتة إذ من المحتمل ان يكون الصيد أيضا ميتة لا مذكى الا انه أقل ضرر و مفسدة و منقصة بخلاف الميتة التي ماتت حتف أنفها فيقدم الصيد عليها لوقوع فرى الأوداج عليه، و ان لم يكن مؤثرا في التذكية المعتبرة شرعا، فيدفع المضطر اضطراره و يسد جوعه بما هو أخف خطرا و أقل ضررا،


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 12
2- وسائل الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 11

ص: 18

و يمكن ان يكون التقديم لما ذكر من التعليل فيما يأتي.

و على كل حال فالروايات الدالة على تقديم الصيد على الميتة كما يلي:

1-(منها) صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يضطر فيجد الميتة و الصيد أيهما يأكل؟ قال: يأكل من الصيد، ا ليس هو بالخيار، أما يحب ان يأكل؟ قلت: بلى، قال: انما عليه الفداء، فليأكل و ليفده». (1) 2- و رواية يونس بن يعقوب، قال: «سألت أبا عبد اللّه عن المضطر إلى الميتة و هو يجد الصيد؟ قال يأكل الصيد، قلت: ان اللّه عز و جل قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها، و لم يحل له الصيد، قال: تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت من مالي، قال: هو مالك، لان عليك فداؤه، قلت لم يكن عندي مال، قال: تقضيه إذا رجعت الى مالك». (2) 3- عن ابن بكير و زرارة جميعا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «في رجل اضطر إلى ميتة و صيد و هو محرم؟ قال: يأكل الصيد و يفدى». (3) 4- عن منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: محرم اضطر الى صيد و الى ميتة من أيهما يأكل؟ قال: يأكل من الصيد، قلت: أ ليس قد أحل اللّه الميتة لمن اضطر إليها؟ قال: بلى، و لكن يفدى، ألا ترى انه انما يأكل من ماله فيأكل الصيد، و عليه فداؤه»- (4) 5- عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(ع) قال: «سالته عن المحرم إذا اضطر إلى أكل صيد و ميتة؟ و قلت: ان اللّه عز و جل حرم الصيد و


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد، الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 3
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد الحديث 7

ص: 19

أحل الميتة، قال: يأكل و يفديه فإنما يأكل ماله». (1) و غيرها من الروايات التي نقلها صاحب الوسائل في كفارات الصيد في الباب الثالث و الأربعين من كتاب الوسائل كلها بهذا المضمون و ذلك التعليل.

و على هذا، القدر المتيقن من التنزيل و الآثار المترتبة عليه، بعد ملاحظة الأخبار المتقدمة الواردة في المحرم المضطر إلى الميتة، المتحدة مضمونا، الحكم بان ما ذبحه المحرم من الصيد انما هو بمنزلة الميتة في عدم جواز اكله فقط، لا أنه ميتة و غير مذكى، بحيث لا ينتفع بجلده و يكون نجسا و لا تصح الصلاة فيه، و لا بيعه و لا شرائه، و لكن الأحوط الوجه الثاني، و الحكم بترتب جميع آثار الميتة عليه لما تقدم عن على عليه السّلام من تقدم الميتة على الصيد(2) و قد يؤيد ذلك بل يستدل له، بأن التذكية شرعا انما يتحقق بذكر اسم اللّه حصين الذبح، و لا معنى لذكره تعالى على ما حرّمه اللّه و يبغضه فلا يكون مؤثرا في التذكية بل يكون لغوا.

و لكن ينتقض بالحيوان المغصوب الذي يذبحه الغاصب مسمّيا لذكره تعالى عليه، مع ان فعله و التصرف في مال الغير بغير اذنه حرام و مبغوض لديه تعالى، فلا تنافي بين التسمية و ذكر اللّه تعالى الذي هر شرط في التذكية و تأثيره في المشروط من جهة، و بين كون الفعل حراما و مبغوضا من جهة أخرى، فيؤثر الذكر أثره في التذكية و يترتب على الفعل أثره الأخر من القبح و العقوبة،


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من كفارات الصيد، الحديث 5
2- لا وجه لهذا الاحتياط المستلزم لتضييع المال بعد تحقق التذكية بالشرائط المعتبرة، و بعد العلم بملاك الحكم الثابت على المحرم بالنسبة إلى صيده، و هو حفظ الصيد من الآفات في موسم الحج و حفظ حرمة اللّه و جواره، الذي يحصل بعدم جواز الأكل و لا يستفاد من الرواية أكثر من هذا و لا يشترط القربة في التسمية أيضا.

ص: 20

و لا يشمله قوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ (1) و بالجملة فإن استفدنا من دليل التزيل و سائر الروايات ان صيد المحرم في جميع الآثار كالميتة، أو في عدم جواز الأكل فقط نعمل به، و ان وقع الشك و الإجمال في الدليل فالمرجع في المقام الأصل الجاري فيه و هو عدم تحقق التذكية شرعا التي تترتب عليها جواز الأكل و طهارة الجلد و غيره من الآثار المترتبة على المذكى شرعا(2) هذا فيما إذا صاده المحرم و ذبحه في الحرم أو في الحل و اما لو ذبحه


1- سورة الانعام الآية 120
2- هذا مخالف لما تقدم من الأستاد في ص 19 من ان الأصل عند الشك عدم ترتب آثار الميتة على ما ذبحه المحرم و لعلّ نظر الأستاد مدّ ظلّه هنا الى انّ التذكية أمر معنوي يتحصل من فرى الأوداج الأربعة و غيره من الشرائط فإذا شك في تحقق التذكية شرعا لاحتمال حصول هذه الأمور بيد غير المحرم، يكون الشك في المحصل و الأصل عدم تحقق المحصل بفتح الصاد) و لكنه غير تام فان المستفاد من أدلة التذكية اعتبار فرى الأوداج الأربعة مع الشرائط الأخرى و لا شك في تحقق تلك الشرائط و حصول التذكية شرعا إلا أدلة حرمة صيد المحرم و انه بمنزلة الميتة، بعد شمول دليل التذكية له، و لا يرفع اليد عن دليل التذكية و ترتيب الآثار، الا بمخصص معتبر و دليل شرعي، و بعد إجمال المخصص و تردده بين كون صيد المحرم ميتة في جميع الآثار، أو في عدم جواز الأكل فقط، نأخذ بالقدر المتيقن و هو عدم جواز الأكل فقط لاجتمع آثار الميتة، و لا دليل على رفع اليد عن عموم دليل التذكية بعد تحقق جميع ما يشترط فيها من الاستقبال و التسمية و فرى الأوداج الأربعة، إذ لو لا أدلة حرمة الصيد لحكمنا بكونه مذكى و لا نرفع اليد عنه الا بما يسعه الدليل المقرر

ص: 21

المحل فيأتي حكمه

(الأمر الثالث)- لو ذبح المحل صيدا في الحرم

، سواء صاده في الحل أو في الحرم، فهل هو مثل ما ذبحه المحرم، في كونه ميتة في عدم جواز الأكل، أو في جميع الآثار على ما تقدم، فيحرم على المحرم و المحل أكله، أو ليس كذلك، فقد ادعى الاتفاق على حرمته و صرّح به غير واحد، و تدل عليه ايضا روايات مروية في كتب الأصحاب.

1-(منها)- صحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «في حمام ذبح في الحل، قال: لا يأكله محرم، و إذا ادخل مكة أكله المحل بمكة، و إذا ادخل الحرم حيا ثم ذبح في الحرم، فلا يأكله، لأنه ذبح بعد ما دخل مأمنه» (1) 2- عن حماد عن الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عن صيد رمى في الحل ثم ادخل الحرم و هو حي فقد حرم لحمه و إمساكه، و قال: لا تشتره في الحرم الا مذبوحا قد ذبح في الحل، ثم دخل الحرم فلا بأس به» و رواه الكليني الا انه زاد فلا بأس به للحلال (2) و رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال: «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أو حرام (3) و يشمل إطلاق الرواية ما أخذ من الحرم أو خارجه، و هي و ان كانت ضعيفة السند كما تقدم، الا أنه مجبور بعمل الأصحاب و الفتوى على مضمونها، و أشير في المسئلة السابقة ايضا ان التنزيل بمنزلة الميتة يمكن ان يكون في جميع الآثار كما يحتمل ان يكون مثلها في الأثر الظاهر، و عدم جواز الأكل، و لا فرق في ذلك


1- وسائل الشيعة الجزء(9) الباب(5) من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء(9) الباب(5) من أبواب تروك الإحرام، الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 10 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 22

بين التعبير بأنه ميتة أو كالميتة، فإنه تفنن في العبارة و التعبير، و المعنى واحد.

(الأمر الرابع)- لو صاد المحل و ذبحه في الحل ثم ادخله الحرم يجوز للمحل اكله

، و ادعى عدم الخلاف و الاشكال فيه و تدل عليه الروايات السابقة كصيحة الحلبي و اما المحرم فلا يجوز له اكله.

و يستفاد من بعض الأدلة عدم جواز اكله للمحل ايضا و انه إذا أكله يجب عليه ثمنه عن صفوان عن منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اهدى لنا طير مذبوح فأكله أهلنا؟ فقال لا يرى به أهل مكة بأسا، قلت فأي شي ء تقول أنت؟

قال: عليهم ثمنه (1) و يظهر من التعبير بأن أهل مكة لا يرى به بأسا حليته للمحلين و انهم لا يرون بذلك بأسا حيث انهم كانوا محلين غالبا، بخلاف المحرم، فان عدم جواز الأكل له كان ايضا معلوما عندهم، الا أن الظاهر من إيجاب الثمن عليهم عدم جواز الأخذ المرادف لحرمة الأكل للمحلين من أهل مكة أيضا.

هذا و لكن الرواية حملت على ما ذبح الصيد في الحرم و ان أهل الحرم لم يكونوا عالمين به و على أى حال فقد تقدم ما يدل صريحا على حليته، كما في صحيحة الحلبي في قوله: «لا تشتره الا مذبوحا ذبح بالحل فلا بأس به».

فتحصل من جميع ما تقدم من الروايات ان ما أخذ من الحرم و ذبح فهو حرام اكله للمحل و المحرم. و أما ما أخذ من خارج الحرم و ذبح فيه ايضا و ادخل الحرم بعده فهو حلال للمحل دون المحرم و اما لو شك في انه ذبح في الحرم أو في خارجه سيأتي حكمه في المسئلة الاتية


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 5 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

ص: 23

(الأمر الخامس)- لو وجد مذبوح يباع بسوق مكة

و شك في انه أخذ من الحرم و ذبح فيه حتى يكون حراما على المحل، أو أخذ من الحل و ذبح فيه فيكون حلالا عليه، كما فصلناه في المسئلة السابقة فيه وجهان فان قلنا: ان المستفاد من الأدلة المتقدمة، من النصوص و الفتاوى الدالة على حرمة صيد المحرم و الحرم انه ميتة و غير مذكى فمع قطع النظر عن يد المسلم و سوق المسلمين، الأصل عدم تحقق التذكية شرعا إذا شك في انه ذبح في الحرم، أو خارجه، فان الشرع كما جعل فرى الأوداج الأربعة، و القبلة شرطا لحصول التذكية، فكذلك جعل في الصيد عدم ذبحه في الحرم أو ذبحه في خارجه شرطا لحلية أكل لحمه للمحل، فإذا شك في تحقق هذا الشرط، أو شرط آخر، فالأصل عدم تحقق التذكية عند الشرع، و الحكم بحرمة المشكوك ذبحه كما في سائر الموارد(1).

هذا مع قطع النظر عن يد المسلم و حمل فعله على الصحيح في البيع و غيره، و الا فيمكن أن يقال أنه إذا باعه مسلم و عامل معاملة المذكى و احتملنا إحرازه الطهارة و الحلية، فيده حجة، و قوله دليل على التذكية، و يقبل في ذلك و فعله محمول على الصحة.

و اما لو قلنا ان الصيد المذبوح في الحرم ليس ميتة و غير مذكى، بل يحرم اكله تعبدا على المحرم كما اختاره عدة و يدل عليه بعض الروايات المتقدمة، فلو شك في ان ما يباع من الطيور الوحشي في سوق مكة أو المدينة، أو أثناء الطريق، هل ذبح في الحرم أو في خارجه، أو ذبحه المحرم حتى يحرم اكله لا تكون يد المسلم امارة للحلية، و طريقا لجواز الأكل، إذ ليس الشك في التذكية


1- قد تقدم الإشكال في استفادة هذا الشرط بعد تحقق شرائط التذكية لو لا حرمة الصيد على المحرم بالنسبة الى غير الأكل

ص: 24

و عدمها، للعلم بوقوع التذكية عليه، و انما الشك في انّ هذا المذكى حرام على المحل؟ لاحتمال وقوع الذبح في الحرم، أو حلال عليه لوقوعه في الحلّ، و يد المسلم في هذا المورد ليست حجة و امارة على جواز الأكل و حليته، نعم يقبل قول ذي اليد في المورد، إذا أخبر بأنه لم يذبح في الحرم، أو لم يذبحه المحرم، و لكن الكلام فيما إذا لم يخبر به و لم يعترف عليه، فحينئذ هل يمكن و يصح أن يقال: ان اليد وحدها حجة و امارة على عدم وقوع الذبح في الحرم، أم لا؟ الظاهر انه مشكل، و حمل فعل المسلم على الصحة، لا يلازم ذلك ايضا، كما لو تكلم رجل بكلام لم يعلم انه كان سلاما يجب رده، أو فحشا و سبا، يحمل فعله على الصحة، و لا يصح مؤاخذته، و لكن لا ينثبت به كونه سلاما ليجب رده، و كذا بمعونة اليد و حمل فعل المسلم البالغ على الصحة يحكم بأنه لم يرتكب الحرام في بيعه و شرائه و أما إثبات أن هذا الطير المذبوح الذي يباع في السوق لم يذبح في الحرم، أو ذبح في خارجه، خارج عن دائرة قدرتها و سلطنتها، فان كان في المقام أصل موضوعي، أو حكمي، أو حكم كلى عام شامل للمورد يؤخذ به، فعلى هذا لو قيل ان هذا اللحم كان اكله حراما في حال حياة الصيد الذي وقع عليه الذبح و يشك في كيفيته، فيستصحب الحرمة و يحكم ببقائها. إذا شك في وقوع الذبح في الحرم و خارجه.

و القول بأن الحرمة الثابتة في حال الحياة نوع خاص، و هي بعد وقوع الذبح نوع آخر، لا يضر بالاستصحاب، و يمكن أن يدعى و يقال أن الحرمة السابقة الثابتة حال حياة الصيد، قد ارتفعت و زالت بوقوع الذبح و التذكية قطعا فهي مرتفعة بالوجدان، و الحرمة العارضة عليه بعد الذبح مشكوك فيها و لا يمكن استصحابها لعدم الحالة السابقة لها، كما لو علمنا بوجود انسان متحقق في ضمن وجود زيد في الدار، و قطعنا بخروجه منها و لكن يحتمل أن يدخل عمرو الدار

ص: 25

مقارنا لخروج زيد منها، فإن أمكن لنا الاستصحاب الكلى و الحكم بوجود انسان كلي في الدار، ففي المقام ايضايستصحب الحرمة الكلية المتحققة حال حياة الصيد المحتمل بقاؤها بنحو الكلي في ضمن حرمة تعبدية أخرى مقارنة لزوال الحرمة الأولى لكن الالتزام به مشكل نعم يمكن ان يتمسك بقاعدة الحلية في المقام لقوله عليه السّلام:

«كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه».

و أحسن من الجميع أن يحتاط المسلم في دينه، و لا يأكل مما يشك في حليته و حرمته، و يستريح من عتاب الشك و الشبهة.

بقي هنا شي ء لا بأس بالإشارة اليه، و هو أنه إذا قلنا ان ما ذبحه المحرم من الصيد بحكم الميتة تعبدا في عدم جواز الأكل، فالحكم ما تقدم من حجية اليد و الاستصحاب و غيره عند الشك، و أما بناء على انه ميتة في جميع الآثار، فان اخترنا أن الميتة أمر عدمي عبارة عن عدم تحقق التذكية شرعا فالأصل الجاري في المقام و هو استصحاب عدم التذكية، أو أصالة عدمها يكفي في إثبات كونه ميتة، و يترتب عليه جميع الآثار، و أما إذا اخترنا أن الميتة أمر وجودي متأصل، فيشكل إثباته بالأصل و الاستصحاب، و ان حكمنا بحرمة الأكل:

(الأمر السادس)- لو علم أنه صاد صيدا و ذبحه

، و لكن لا يعلم أنه صاده حال الإحرام و ذبحه فيه فيحرم أكله، أو صاده حلالا و ذبحه محلا فيجوز أكله، فإن علم تاريخ الذبح بان تيقن انه ذبحه يوم الجمعة مثلا، و شك في انه أحرم قبل هذا التاريخ أو بعده، فيستصحب عدم الإحرام إلى حين الذبح و يحكم بحلّيته و جواز الأكل، و ان علم تاريخ الإحرام فقط دون الصيد و الذبح، فيستصحب عدم الصيد و الذبح الى زمان الإحرام، و يحكم بعدم وقوع الذبح قبله، و يكفى دليلا لحرمة الأكل، أصالة عدم التذكية و لكن لا يثبت وقوع الذبح بعد الإحرام الا على القول بحجية الأصول المثبتة

ص: 26

و اما إذا جهل تاريخهما أي الإحرام و الذبح معا، فالحكم ما تقدم في الأمر الخامس، من التمسك بالاستصحاب أو قاعدة الحلية.

قد يقال ان هذا اللحم قبل الذبح كان محكوما بالحرمة، و نشك في تأثير الذبح الواقع عليه في حليّته، فتستصحب الحرمة السابقة.

و يجاب عنه بأنه يشترط ان كان يكون المتيقن و المشكوك متحدا في إجراء الاستصحاب و ان يراهما العرف شيئا واحدا و حكما فاردا، و ليس المقام كذلك، فإن الحرمة الثابتة قبل الذبح نوع خاص، و هي بعده لأجل الشك في وقوع الذبح في الحرم أو خارجه نوع أخر.

و دعوى ان هذا المقدار من الاختلاف لا يضر بإجراء الاستصحاب غير مسموعة، للعلم بارتفاع الحكم السابق المتحقق حال حياة الحيوان، و لا شك فيه و انما الشك في الحرمة المجعولة بسبب الإحرام و وقوع الذبح في الحرم و عدمه، و الحكم بها لا يعد إبقاء للحكم السابق و لا عدمه نقضا له، الا ان يلتزم بصحة الاستصحاب الكلى و جريانه في المقام، كما لو علم بوجود انسان متحقق في وجود زيد في الدار، و علم بخروج زيد منها، و لكن يحتمل دخول عمرو الدار مقارنا لخروج زيد، فيستصحب الإنسان الكلى و يحكم ببقائه، فيقال في المسئلة ببقاء الحرمة الكلّية في البين و لكنه مشكل نعم يمكن ان يتمسك بقاعدة الحلية(كل شيى فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه) و يحكم بحلية أكل ما شك في حليته و أشير إليه فيما سبق و انما أعدناه توضيحا للمسئلة.

ص: 27

(الأمر السابع)- في مفهوم الصيد

، و هو بحسب المفهوم العام عند العرف يشمل ما يؤكل لحمه و ما لا يؤكل لحمه منه. فقوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (1) و لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ (2) يشمل السباع و الوحوش و الغزلان و الطيور مما يؤكل لحمه و ما لا يؤكل، يقال لمن صاد غزالا أو حمامة صاد، و لمن صاد أسدا أو ثعلبا أو خنزيرا صاد، إذا كان وحشيا بالذات، و ان صار أهليا بالعرض، و أما لو كان أهليا بالذات ثم صار وحشيا بالعرض فلا يصدق عليه الصيد، هذا هو المفهوم المتبادر من الصيد عند العرف، و اما الآية الكريمة المذكور فيها الصيد، فيمكن ان يقال انه منصرف الى ما يؤكل لحمه، بمناسبة الحكم و الموضوع، إذ المستفاد منها ان الإحرام مانع عن الصيد و ذبحه و اكله، بحيث أنه لو لا الإحرام لم يكن مانع من اكله و كذا التقييد في قوله تعالى(ما دُمْتُمْ حُرُماً) فان اختصاص الحرمة بحال الإحرام، يدل على انتهاء الحكم و ارتفاع النهي بالإحلال فيجوز الصيد و أخذه و ذبحه و اكله بعده، الذي كان محرما عليه قبله، و لا يستفاد الدوام و التأبيد، من الآية كما في قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ (3) فسياق الآية في حكم الصيد يدل على أنه لو لم يكن الإحرام موجبا لحرمته و النهى عن الاستفادة منه كان اكله حلالا، و جائزا بالحكم الاولى المجعول من الشرع، و الصيد الذي لا يؤكل لحمه في الشرع بل هو حرام بالجعل الاولى ليس كذلك إذ لو لم يأخذه المحرم حال إحرامه لكان حراما ايضا و ان صاده في الحل، فالاية الكريمة منصرفة إلى مأكول اللحم من الصيد البري، و لا تشمل


1- سورة المائدةالاية 96
2- سورة المائدةالاية 95
3- سورة المائدةالاية 5

ص: 28

غير المأكول، و لو شك في الانصراف، لكان القدر المتيقن من مفادها هو الأول، فعلى هذا إثبات حرمة صيد ما لا يؤكل لحمه و أخذه و قتله، و الحكم بالكفارة على من صاده و قتله، يحتاج الى دليل أخر غير الآية، و ان كان في الاخبار غنى و كفاية، الا ان الآية مع قطع النظر عن الرواية لا يشمل عمومها له نعم قد تفسر الروايات الآية، في سعة الشمول و عدمها، الا أنه لا تنافي بينه و بين ما ذكرناه من انصراف طبع الآية و سياقها الى ما يؤكل لحمه، و يؤيد ما ادعيناه أن جميع الأسئلة الواردة في النصوص انما وقعت عن الغزال و الحمام و النعامة و غيرها مما يؤكل لحمه، فالاية اما منصرفة اليه أو هو القدر المتيقن منها بشهادة السياق و الحرمة المجعولة حال الإحرام، المرتفعة بالإحلال.(1)

(الأمر الثامن) أنه بعد ما فرغ صاحب الشرائع عن بيان حرمة الصيد أكلا و اصطيادا و اشارة و ذبحا قال: و كذا يحرم فرخه و بيضه.

لو قيل ان الامتناع و الفرار يعتبر في مفهوم الصيد فلا تشمل الآية الفرخ لعدم قدرته عليهما.


1- التحقيق في المقام ان يقال ان ما يستفاد من قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً حرمة ما يوكل لحمه من الصيد بالقتل و الأخذ و الرمي، اما بالانصراف اليه كما جاء في كلام الأستاد مدّ ظلّه، أو بدعوى انه المتقين من الآية، و اما قوله تبارك و تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ فلا يبعد دعوى شموله للصنفين من الصيد، المأكول لحمه و غيره بل من المحتمل القريب أن الآية الثانية أظهر في العموم من دعوى الانصراف في الاية الاولى الى ما يوكل لحمه و مثلها في الظهور في العموم قوله تعالى لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ.

ص: 29

يقال: ان المعتبر القدرة على الفرار و الامتناع بالذات لا بالفعل، إذ لو كسر رجل صيد، أو مرض بحيث لا يتمكن من الفرار لا يخرج عن كونه صيدا، و كذا لو لم يتمكن منه لصغر السن و ضعف القوة و العدو، فلا قصور في شمول الاية للفرخ، مضافا الى النصوص الواردة في المقام.

1-(منها) ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام «في قيمة الحمامة درهم، و في الفرخ نصف درهم و في البيض ربع درهم» (1) و يعلم من تعيين القيمة ان أخذ الفرخ و البيض حرام على المحرم.

2- و عن الحرث بن المغيرة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل عن رجل أكل من بيض حمام الحرم و هو محرم، قال عليه لكل بيضة دم و عليه ثمنها سدس أو ربع درهم(الوهم من صالح الراوي عن الحرث) ثم قال ان الدماء لزمته لأكله و هو محرم، و ان الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم». (2) 3- عن حفص البختري عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «في الحمام درهم و في الفرخ نصف درهم و في البيضة ربع درهم». (3) 4- عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فرخين مسرولين ذبحتهما و انا بمكة محل، فقال لي: لم ذبحتهما؟ فقتل جائتني بهما جارية قوم من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما فظننت أني بالكوفة و لم اذكر الحرم فذبحتهما، فقال: تصدق بثمنهما، فقلت فكم ثمنهما؟ فقال درهم خير من ثمنها» (4)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيدالحديث 1.
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيدالحديث 4.
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيدالحديث 5.
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيدالحديث 7.

ص: 30

5- عن حريز عن محمد قال «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اهدى إليه حمام أهلي جي ء به و هو في الحرم محل، قال ان أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه». (1) 6- عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة و ان قتل فراخه ففيه حمل و ان وطئ البيض فعليه درهم». (2) في الرواية الأولى لحريز وقع السؤال عن رجل و هو في الحرم، و الظاهر انه كان محلا أصاب شيئا من الحمام في الحرم، و اما روايته الثانية فقد وردت في حق المحرم كما في روايته الثالثة.

7- عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال «و ان وطئ المحرم بيضة كسرها فعليه درهم و كل هذا يتصدق به بمكة و منى و هو قول اللّه تعالى تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ». (3) 8- عن على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال «سالته عن رجل كسر بيض حمام و في البيض فراخ قد تحرك، قال: عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك بشاة، و يتصدق بلحومها ان كان محرما و ان كان الفرخ لم يتحرك تصدق بقيمته و رقا يشترى به علفا يطرح لحمام الحرم». (4) يستفاد من مجموع هذه الروايات ان الفرخ و البيض ايضا حرام على المحرم كما أن الصيد حرام عليه و أما ترتب الكفارة و تفصيلها و انها لأي قسم من الصيد فسيأتي إنشاء اللّه في الكفارات


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 9 من أبواب كفارات الصيدالحديث 7
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 9 من أبواب كفارات الصيدالحديث 8

ص: 31

الأمر التاسع في الجراد وقع الخلاف بين الاعلام من الشيعة و السنة في أن الجراد من صيد البر أو البحر، اوله صنفان صنف بري و صنف بحري

، و كان المناسب ان نتعرض لهذا البحث بعد توضيح الكلام في مفهوم صيد البحر و نقل الأقوال فيه، و لكن الأستاذ مدّ ظلّه العالي تعرض لذلك في المقام تبعا للمحقق قدس سره.

قال المحقق في الشرائع بعد الحكم بحرمة البيض و الفرخ: «ان الجراد في معنى الصيد البري، عندنا كما في الجواهر.

و عن المنتهى و التذكرة أنه قول علمائنا و أكثر العامة، و ادعى عدم الخلاف فيه، كما عن المسالك، خلافا لأبي سعيد الخدري و الشافعي و احمد، فذهبا الى كونه بحريا زعما بأنه متولد من مدفوع السمك.

و أما علماؤنا كما أشير إليه فلا خلاف بينهم في ذلك، الا أنهم قالوا: «الجراد على صنفين، صنف منه بحري، و صنف بري» و لعل تعرض المحقق لبيان حكم الجراد في ضمن حكم الصيد البري انما هو لذلك، و لعل الروايات المتفرقة الدالة على أن الجراد كله بري، وردت في بيان حكم ما كان يبتلى به الحاج في أثناء السير، لاجتماع الجراد في الطريق الذي يكون غالبا من الصنف البري، لا البحري، فعلى هذا، الصنف البري حرام أخذه و قتله و أكله على المحرم، و أما البحري فهو حلال، يشمله قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ، فالمهم في المقام نقل النصوص الواردة في المسئلة، و التأمل في مضامينها لكي يتضح الحال و يكمل المقال، و يعلم ان الجراد كله بري، أو بحري، أو مختلف.

1-(منها) ما رواه محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: مرّ على عليه السّلام على قوم يأكلون جرادا، فقال سبحان اللّه و أنتم محرمون؟ فقالوا انما هو من صيد البحر، فقال لهم ارمسوه في الماء إذا (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 32

إذ المستفاد من الرواية، من قوله عليه السّلام ارمسوه في الماء أن الجراد لو كان يعيش في الماء كان بحريا و حيث أنه لا يعيش إلا في البر فهو بري.

2- عن حريز عن زرارة عن أحدهما قال: المحرم يتنكب الجراد إذا كان على الطريق فان لم يجد بدّا فقتل فلا شي ء عليه. (1) 3- عن ابى بصير قال سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدوسونه من غير تعمد لقتله أو يمرون به في الطريق فيطأونه قال: ان وجدت معدلا فاعدل عنه فان قتلته غير متعمد فلا بأس. (2) 4- معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ليس للمحرم ان يأكل جرادا و لا يقتله. (3) 5- عن يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجراد أ يأكله المحرم، قال: لا (4).

6- عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: المحرم لا يأكل الجراد (5) 7- عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه: الجراد من البحر، و قال كل شي ء أصله في البحر، و يكون في البرّ و البحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله فان قتله فعليه الجزاء كما قال اللّه تعالى (6) هذه الروايات تدلّ على ان الجراد على نحو العموم من صيد البر و ان كان أصله و تكوّنه من البحر، و لم تذكر فيها نوع آخر بحري من الجراد، و قد صرّح


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من تروك الإحرام الحديث 4
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من تروك الإحرام الحديث 5
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 7 من تروك الإحرام الحديث 6
6- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 6 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 33

في رواية محمد بن مسلم بأنه لو كان من صيد البحر لعاش في الماء فما لم يتمكن من ان يعيش فيه فهو بري كما ان ما لا يتمكن من ان يعيش في البر فهو بحري و اما إذا تمكن من ان يعيش في البر و البحر معا فهو أيضا بري و ان كان أصله من الماء، و هذا هو المراد من كلام الشيخ(قدس سرّه) حيث قال: و اما لو كان في البر و البحر و ان كان أصله من الماء فهو البري كما في رواية عمار المتقدمة فمثل بعض السلحفاة التي تعيش في البر و البحر بحيث تتمكن من الحياة في البرّ من دون حاجة ملزمة الى العيش في الماء، كما في السمك فهو ايضا من الصيد البري الذي يحرم على المحرم قتله، و اما التي لا تعيش من السلحفاة إلا في الماء فهي بحرية.

و بالجملة المستفاد من الروايات ان الجراد على نحو العموم من صيد البر يحرم قتله و اكله لقوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ نعم لو اجتمع الجراد في طريق المحرم و تجمع فيه و سدّ الطريق بحيث لا يمكن السير بدون قتله و لا التوقف حتى ينتشر و يطير، فإن أمكن الطرد فيطرد و يبعد من الطريق، و الا فلا إشكال في إتلافه بالراكب و المركب، كما في صورة الاضطرار و اما في غير تلك الصور فلا يجوز قتل الجراد و طرده كما أشير إليه.

ص: 34

الأمر العاشر (في صيد البحر)

لا يحرم على المحرم صيد البحر مطلقا و هو كما في الشرائع ما يبيض و يفرخ في الماء.

اما أصل الحكم فلا اشكال فيه و لا خلاف، بل ادعى إجماع المسلمين عليه و يدل عليه قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيَّارَةِ. (1) و اما تعريف صيد البحر بأنه ما يبيض و يفرخ في الماء فلا بدّ من بسط الكلام فيه، فأقول: البيض و الفرخ، و ان كانا بحسب الظهور العرفي مختصين بما يطير، و يستعمل فيه من دون تمهل و مؤنة، و لكن قد يراد منه الأعم، كما قد يعبر عن الأولاد بالفرخ، فبناء على إرادة الأعم، كل ما يتولد و يتكون في البحر فهو بحري، و ما يتكون و يتولد في البرّ فهو برّي، سواء كان بالبيض أو بالولادة، و لعل هذا مراد المحقق ايضا و اما لو كان مراده ما هو الظاهر من البيض و الفرخ من اختصاصهما بما يطير دون الأعم، فلا مناص من التأمل في اخبار الباب في ان المستفاد منها، ان المراد مما


1- المائدة 96

ص: 35

يبيض و يفرخ ما هو الظاهر عند العرف، و هو المعيار و الملاك في كون الصيد بحريا أو بريا، أو المراد منه الأعم كما اخترتاه حتى يعد كلّ ما يتكون و يتولد في البحر بحريا و ما يتكون في البرّ بريا، إذ لولاه لا شكل عد الكلب البحري و الفرس البحري بحريا لعدم تكونهما من البيضة و لا يطلق عليها الفرخ، و على كل حال، المتبع في المقام الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام، و فقه مضامينها بالتأمل التام.

1- منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:(و السمك لا بأس بأكله طرية و مالحة و يتزود، قال اللّه تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيَّارَةِ، قال: فليتخير الذين يأكلون و قال: فصل ما بينها كل طير يكون في الآجام يبيض في البر و يفرخ في البر فهو من صيد البر و ما كان من صيد البر يكون في البر و يبيض في البحر فهو من صيد البحر) (1).

المستفاد من هذه الرواية، ان كل ما يبيض في البحر فهو بحري، و ان كان يعيش في البر ايضا فالطير الذي يبيض في البحر و لكنه يعيش في البر فهو بحري، و هي نظير ما تقدم من معاوية بن عمار ايضا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال عليه السّلام(كل شيى أصله في البحر و يكون في البر و البحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله فان:

قتله فعليه الجزاء) (2) الا انها جعل الميزان فيها كون الأصل في البحر و هذه الرواية جعل الملاك فيها ان يبيض و يفرخ في البحر و يمكن حمل هذه على الطير و ما تقدم على الأعم منه و من غيره.

2- و عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:(لا بأس بأن يصيد المحرم السمك و يأكل مالحه و طريه و يتزود، قال اللّه: أحل لكم صيد البحر و طعامه متاعا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 6 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 6 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 36

لكم، قال: مالحه الذي تأكلون، و فصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض في البر و يفرخ في البر فهو من صيد البر و ما كان من صيد البرّ يكون في البر و يبيض في البحر فهو من صيد البحر) (1).

هذه الرواية تدل على ان كل ما يبيض في البحر فهو بحري فيقيد به ما يدل على ان كل شي ء أصله في البحر فهو بحري هذا في الطير، و اما غيره فكل ما لا يعيش في الماء فهو بري كما هو مقتضى قوله عليه السّلام ارمسوه في الماء.

الأمر الحادي عشر لو كان حيوان يراه العرف بريا و يعده منه، و لكنه يبيض في البحر

، فهل المتبع هنا نظر العرف أو الميزان الذي استفيد من الاخبار لتشخيص صيد البحر فيحكم بجواز صيده و اكله اعتمادا على الميزان؟.

يمكن ان يقال بل يستدل بان الروايات انما وردت لتشخيص موارد الشك و الاشتباه عند العرف، دون المعلوم عنده فإذا رأى العرف حيوانا من صيد البر يلزمه حكمه و يحكم بحرمة صيده و قتله و أكله إذ الروايات ناظرة إلى الفرد المشكوك و تشخيصه بالميزان المذكور فيها، و يشهد لذلك ان قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ خطاب عرفي عام وجه الى المكلفين فإذا رأى العرف حيوانا برّيا يتحتم عليه التكليف و لا يبقى له شك حتى يتوسل بالميزان الشرعي المذكور و تخطئة العرف و القول بان الروايات انما وردت في مقام التخطئة للعرف في بعض مصاديق الصيد و إبطال حكمهم فيه مشكل جدا و كلام على عليه السّلام مع قوم كانوا يأكلون الجراد و هم محرمون مستدلين بأنه من صيد البحر، لم يكن تخطئة لهم في المصداق بل كان رد استدلالهم و استنباطهم، و لذا قال عليه السّلام ارمسوه في الماء إذا، لا انهم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 6 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 37

أخطأ وافى تشخيصهم، و الحاصل ان ما جعل ميزانا لتشخيص صيد البحر و امتيازه و فصله عن صيد البر انما هو فيما لا يكون مشخصا و مميزا عند العرف، و انه داخل في أي صنف من الصيد البري أو البحري، فعند ذا يقال: ان كان يبيض في البحر فهو من مصاديق صيد البحر و ان كان يبيض في البر فهو من مصاديق صيد البر، و اما إذا كان معلوما عندهم من جهة المصداق و يراه العرف مثلا داخلا في صيد البر أو البحر فلا حاجة الى إعمال الميزان المجعول للتشخيص في صورة الشك و الشبهة.

بقي هنا فرعان ينبغي الإشارة إليهما لتكميل البحث في المقام.

الأول لو كان حيوان له صنفان، صنف يعيش في الماء، و صنف يعيش في البرّ كالسلحفاة فلكل صنف حكمه الخاص به، فما يعيش في البرّ برّي يحرم صيده و قتله و ما في البحر فبحرى يجوز صيده كالكلب البري و البحري.

الثاني لو شك في فرد من الحيوان انه من صيد البحر أو من صيد البرّ، و لم يعلم دخوله في أيّ صنف من الصيد لشبهة في المصداق لا الحكم و العنوان، كما إذا راى صيدا من بعيد و لم يعلم أنه بحري أو برّي، فإن قلنا: بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، يتمسك بعموم حرم عليكم صيد البر و يشمله ايضا عموم أحل لكم صيد البحر، فيتصادقان في مورد واحد و يغلب جانب الحرمة فيحكم بحرمة قتله و اكله، و لكن المتأخرين لا يجوّزون التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، كما هو الأقوى، و عليه فيحكم بعدم حرمته للأصل، لأنه شك في التكليف، و لقوله عليه السّلام كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه هذا فيما إذا كان الشك من جهة المصداق و الموضوع، مع العلم بأنه إما مصداق لصيد البر، أو مصداق للصيد البحري، المعلوم حكمهما، لا انه مصداق لثالث مغاير حكمه لحكمها.

و اما لو كان الشك من جهة صدق عنوان البرّي و البحري مع صدق الصيد عليه، بمعنى انه يشمله الصيد و لكن لا يصدق و لا يطلق عليه البحري فقط، و لا البري

ص: 38

كذلك لوجود الآثار المختلفة و المتضادة فيه، بأنه يبيض في البحر تارة، و في البرّ أخرى، أو يتمكن من ان يعيش في الماء دائما، كما انه يتمكن من ادامة الحياة في البرّ كذلك، أو للشك في مفهوم البحر من جهة السعة و الضيق(1) فهل يتمسك في مثل المورد بعموم حرم عليكم صيد البر فيحكم بالحرمة، أو بعموم أحل لكم صيد البحر فيجوز قتله و اكله، فيه تردد.

و منشأه انه ان قيل ان العام في حرمة الصيد انما قيد بكونه غير بحري لقوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ، فكان الحرام من الصيد متقيد بكونه غير بحري، و لا علم لهذا القيد الا بعد إحراز كونه بريا، فإذا شك في وجود القيد و تقيد الصيد به يشمله العموم لعدم انعقاد الظهور للعام الا فيما هو برّي قطعا، فلا يكون حراما على المحرم.

و ان قلنا ان الصيد حرام على المحرم قتله و اكله على نحو العموم الساري في جميع مصاديق الصيد، لقوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ، الظاهر في حرمة كل من الصنفين، و لكن المخصص المنفصل الأخر، اخرج صيد البحر عن تحت حكم العام، و حكم بحليته، و خصص الحرمة بالبري من الصيد و قد تقرر في الأصول ان المخصص إذا كان مجملا بحسب المفهوم، لا يجوز تخصيص العام الا بما هو المتيقن دخوله تحت عموم المخصص، و يبقى غيره سليما عن التخصيص و المعارض، و لا يسري الإجمال في دليل المخصص الى العام، لانفصاله عنه، و عدم اتصاله به، و انعقاد الظهور فيه، كما لو قال أكرم العلماء ثم ورود دليل أخر، لا تكرم الفساق منهم، و تردد الفسق بين مرتكب الكبيرة و الصغيرة، يؤخذ بالقدر المتيقن من المخصص و هو مرتكب الكبيرة، و يبقى مرتكب الصغيرة تحت عموم العام و يتبع ظهوره فيه، و ما نحن فيه ايضا كذلك


1- لا وجه للشك في مفهوم البحر و لا اثر له أصلا إذ الملاك، الحياة و العيشة في الماء سواء كان بحرا أو نهرا أو شطا أو غديرا كما قال(ع) ارمسوه في الماء.

ص: 39

فيحكم بحلية ما هو المتيقن دخوله تحت صيد البحر، عند الشك في صدق العنوان، و يبقى غيره تحت عموم قوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ.

هذا إذا كانت الشبهة حكمية كما أشير اليه، و اما لو كانت مصداقية بأن اشتبه عليه ان ما يراه بعيدا من الصيد، بحري أو برّي، يجوز قتله بناء على الأول و يحرم على الثاني، و لا يصح التمسك بعموم المخصص بالكسر و لا المخصص بالفتح الأبناء على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص، و اما بناء على عدم الجواز كما هو الحق، فالمرجع عند الشك، الأصل الجاري في المورد و قد مرّ انه عدم الحرمة على احتمال.

ص: 40

حرمة النساء على المحرم

اشارة

الثاني مما يحرم على المحرم النساء وطيا و لمسا، و عقدا، و شهادة و تقبيلا و نظرا إذا كانا بشهوة. أما حرمة الجماع قبلا و دبرا فهو إجماعي لا خلاف فيه، و ادعى الإجماع بقسميه عليه، نعم قد وقع الخلاف في بعض الموارد من جهة إفساد الحج و عدمه و لكن أصل الحرمة في الوطي لم يخالف فيه أحد، و تدل عليه الآية و الرواية بتعابير مختلفة كحرمة الوقاع، و الجماع، و الغشيان، و إتيان الأهل، و الرفث بالصراحة و الكناية.

اما الآية، فقوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ. (1) و الرفث هو الجماع كما في قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ (2)


1- سورة البقرةالاية 194
2- سورة البقرة- 184

ص: 41

و من النصوص المفسرة للرفث بالجماع.

1- ما رواه معاوية بن عمار قال: قال لي أبو عبد اللّه(ع):(إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه و ذكر اللّه و قلة الكلام الا بالخير، فان تمام الحج و العمرة ان يحفظ المرء لسانه الا من خير، كما قال اللّه عز و جل، فان اللّه يقول فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ، فالرفث الجماع، و الفسوق الكذب و السباب، و الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه). (1) و نفى تلك الأمور، و عدم وجوده في الحج، يدل على انها منتفية شرعا، و محرمة شديدة، لبيان الحكم بنفي ما هو الحرام في الخارج، و هو آكد في الحرمة.

2- عن على بن جعفر قال:(سألت أخي موسى عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو، و ما على من فعله، فقال: الرفث جماع النساء و الفسوق الكذب، و المفاخرة، و الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه.) الحديث. (2) 3- عن زيد الشحام، قال:(سألت أبا عبد اللّه عن الرفث و الفسوق و الجدال، قال: اما الرفث فالجماع، و اما الفسوق فهو الكذب الا تسمع لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ، و الجدال هو قول الرجل: لا و اللّه، و بلى و اللّه، و سباب الرجل الرجل). (3) 4- عن العياشي في تفسيره عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه في تفسير الآية قال:(فالرفث الجماع، و الفسوق الكذب، و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه). (4)


1- وسائل الشيعة ج 9- الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة ج 9- الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة ج 9- الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8
4- وسائل الشيعة ج 9- الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

ص: 42

فهذه روايات وردت في تفسير الآية ذكرناها بتمامها ليعلم الاختلاف في مضامينها بالزيادة و النقيصة و يتبين ان الأمور المذكورة فيها محرمة و لا يمكن القول بكراهتها.

و اما ترتب الكفارة على من ارتكبها فتدل عليه روايات.

منهاما عن على بن جعفر عن أخيه في حديث، قال:(فمن رفث فعليه بدنة ينحرها و ان لم يجد فشاة و كفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله و هو محرم). (1) يستفاد من الرواية حرمة الرفث و ترتب الكفارة عليه و سنتعرض له و لحكم الكفارة مفصلا إنشاء اللّه تعالى.

مسائل
الاولى

- انه لا فرق بين أقسام الجماع في الحرمة، و قد وردت في الروايات المفسرة للرفث المذكور في الآية تعبيرات مختلفة كالجماع، و إتيان الأهل، و الغشيان، و الوقاع، و مباشرة النساء.

اما الجماع فهو و ان كان ظاهرا في الوطي في القبل، و منصرفا عن الوطي في الدبر، الا ان الإجماع على عدم الفرق بينهما في الحرمة و ترتب الكفارة و نظر الإجماع، اما الى ان الجماع وضع بحسب الوضع الأولي للأعم من الوطي في القبل و الدبر، أو المراد منه في الروايات هو الأعم، و ان كان موضوعا للقسم الخاص منه فقط، لما ورد في الروايات ان الدبر أحد المأتيّين يجب فيه الغسل و المهر و العدة، فعلى هذا إرادة الأعم من الجماع حكم تعبدي.

و يظهر من بعض الروايات عدم الفرق بين المأتيّين و شمول الحكم لكل واحد منهما، و ترتب الكفارة عليهما كرواية معاوية بن عمار.


1- وسائل الشيعة ج 9- الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4

ص: 43

قال:(سألت أبا عبد اللّه(ع) عن رجل محرم وقع على اهله فيما دون الفرج، قال: عليه بدنة، و ليس عليه الحج من قابل، و ان كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، و ان كان استكرهها فعليه بدنتان و عليه الحج من قابل). (1) أطلق الجماع في هذه الرواية على المواقعة فيما دون الفرج، و حكم بحرمتها و ترتب الكفارة عليها.

لو فرض ان إطلاق الجماع على الوطي في الدبر غير قطعي، و شك في شموله له، فلا ينبغي ان يشك في شمول الوقاع له و إطلاقه عليه كما يطلق على الوطي في القبل.(2) هذا تمام الكلام في الحرمة التكليفية و اما الوضعية بمعنى فساد الحج و بطلانه بالوطي في القبل و الدبر حال الإحرام و ترتب الكفارة على كل منهما فالرواية صريحة في الفساد و ترتب الكفارة على الوطي في كلّ من المأتيين أيضا نعم لو ادعى ان المتيقن من الأدلة على حرمة الجماع على المحرم و ترتب الكفارة عليه هو الوطي في القبل، و اما الدبر فمشكوك فيه، و لا نعمل بخبر الواحد و لا يعتنى بالإجماع المدعى في المقام و بفتاوى الفقهاء، لأمكن القول بان المرجع عند ذاك هو البراءة و كذا لو شك في فساد الحج بالوطي في الدبر و عدمه فالأصل عدمه.

و لكن الحكم واضح لا شبهة فيه، لفتاوى الفقهاء، و الإجماع المدعى. هذا حكم الوقاع و الجماع، و اما اللمس و النظر و التقبيل فسيأتي حكم كل منها في المسئلة الاتية ان شاء اللّه تعالى.

الثانية

افتى المحقق قدس سره بحرمة لمس النساء على المحرم و كذا النظر


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1
2- الظاهر ان الجماع و الوقاع و غشيان النساء و إتيان الأهل كلها في الانصراف إلى الوطي في القبل أو شموله للأعم سواء في الجميع و لا خصوصية في كلمة الوقاع.

ص: 44

و التقبيل بشهوة و لكن لم يقيد اللمس بشهوة.

و نقل صاحب الجواهر كلام المحقق في اللمس و قيده بشهوة و لعله استفاد اعتبار الشهوة في حرمة اللمس من الاخبار الواردة في المقام كما سيأتي.

و اما النظر فقد اعتبر المحقق في حرمته على المحرم كونه بشهوة لا مطلقا، و اختاره صاحب الحدائق و المستند.

و حكى عن الصدوق جواز النظر إلى امرأته بشهوة، و مال إليه في كشف اللثام مستدلا بالأصل.

و منشأ الاختلاف النصوص الواردة في المقام، فالمهم نقلها و فقهها بالتأمل التام فمنها:

1- ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:(سالته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى، أو أمذى، و هو محرم قال: لا شي ء عليه، و لكن ليغتسل و يستغفر ربه، و ان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى و هو محرم فلا شي ء عليه، و ان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم، و قال: في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى ينزل، قال عليه بدنة. (1) قد ذكر في الرواية النظر و اللمس و الحمل و قيّد الثاني و الثالث بكونهما عن شهوة، و اما النظر فقد يستظهر من قوله(ع): نظر الى امرأته فأمنى، ان النظر انما كان عن شهوة حيث تعقب بالإنزال، و صار سببا له، و هو مشكل فلا بد من ان يحمل على النظر بغير شهوة و لو بمعونة رواية أخرى وردت في المسئلة، و بقرينة الفقرة الأخيرة في ذيل الرواية و هي قوله فان حملها من غيره شهوة فأمنى أو أمذى و هو محرم فلا شي ء عليه، إذ من المحتمل ان الفقرة الأولى أيضا في مقام بيان حكم من نظر الى امرأته بغير شهوة كما يقتضيه السياق و يأتي البحث في


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

ص: 45

النظر مفصلا إنشاء اللّه تعالى.

و اما لمس المرية فقد قيد الحرمة فيه بكونه عن شهوة كما هو المصرح به في رواية عمار المتقدمة، و بها يقيد ما تدل على حرمته مطلقا و لعلها مستند صاحب الحدائق و المستند و الجواهر ايضا حيث اشترطوا الشهوة في حرمة مس المرية و لمسها، فكل مس و لمس لا يكون بشهوة فلا شي ء عليه و ان أمنى أو أمذى، و تدل على ذلك روايات اخرى.

1- منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:(سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال نعم يصلح عليها خمارها و يصلح عليها ثوبها و محملها قلت: أ فيمسها و هي محرمة، قال: نعم) (1) و هذه الرواية صريحة في جواز مس المرية حال الإحرام إذا لم يكن بشهوة و تدل على بطلان القول بحرمته مطلقا كما هو ظاهر عبارة المحقق في الشرائع، و لذلك قيّدها الشارح بكونه عن شهوة.

2- و رواية أبي سيار، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:(و من مس امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور و من مس امرأته أو لازمها عن غير شهوة فلا شي ء عليه). (2) 3- و رواية أخرى للحلبي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:(المحرم يضع يده على امرأته قال لا بأس، قلت: فيتنزلها من المحمل و يضمها اليه، قال: لا بأس، قلت:

فإنه ان أراد ان ينزلها من المحل فلما ضمها إليه أدركته الشهوة، قال: ليس عليه شي ء الا ان يكون طلب ذلك). (3)


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5

ص: 46

4- و رواية حريز عن محمد قال:(سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى، قال: ان كان حملها أو مسها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه، فان حملها أو مسها لغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي ء). (1) و المستفاد من الرواية ان المحرم إذا مس امرأته أو حملها و ضمها اليه بغير شهوة ليس عليه شي ء سواء امنى بذلك أو لم يمن، و اما إذا مسها أو حملها بشهوة فهو حرام مطلقا سواء أمنى أو أمذى، أو لم يمن و لم يمذ، إذ الظاهر ان ملاك الحرمة و الجواز، المس بشهوة، و غير شهوة و هو الموضوع للحكم، و لا أثر للإمناء و عدمه في ذلك، و منه يعلم ان الإمناء المذكور في رواية عمار المتقدمة بقوله(ان مسها بشهوة فأمنى) ليس قيدا للحكم و شرطا فيه بل هو الأثر الطبيعي الذي قد يترتب على المس قهرا، و ما هو الشرط و القيد كون المس عن شهوة.


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6

ص: 47

حكم التقبيل و اما التقبيل فهو ايضا حرام على المحرم كالنظر و مس المرية و لكنه وقع الخلاف في اعتبار الشهوة فيه و عدمه، و نقل عن بعض القول بالحرمة مطلقا و عدم اشتراط الشهوة فيه، و لعله ظاهر كلام المحقق قدس سره في الشرائع، و لكن صاحب الجواهر جعل قوله بشهوة: قيدا للنظر و التقبيل معا، و المهم في هذه المسئلة الأخبار الواردة و نقلها.

1- منها ما روى عن الحلبي عن أبي عبد اللّه في رواية قلت:(المحرم يضع يده بشهوة قال يهريق دم شاة، قلت فان قبّل، قال: هذا أشد ينحر بدنة). (1) 2- عن على بن أبي حمزة عن ابى الحسن عليه السّلام قال:(سألته عن رجل قبّل امرأته و هو محرم، قال عليه بدنة و ان لم ينزل و ليس ان يأكل منها). (2)


1- وسائل الشيعة ج 9- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1
2- وسائل الشيعة ج 9- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4

ص: 48

3- عن العلاء بن فضيل قال سألت:(أبا عبد اللّه عن رجل و امرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته و لم يقصر فقبّلها، قال: يهريق دما و ان كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما). (1) 4- عن مسمع ابى سيار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:(يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة فمن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة و من قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر ربه). (2) و المستفاد من مجموع روايات الباب ان تقبيل المحرم امرأته حرام عليه مطلقا، بشهوة كان أو بغيرها و ان كان يمكن ان يقال ان تقبيل الرجل امرأته لا ينفك غالبا عن الشهوة.

الثالثة

ان الروايات الدالة على أن النظر إلى المرأة و مسها و حملها حرام على المحرم، انما وردت في محرم نظر الى امرأته و زوجته، و في مسها و حملها، و اما النظر إلى الأجنبيّة و مسّها فلا إشارة إليها في النصوص، فهل الأجنبية، مثل الزوجة في الحرمة و ترتب الكفارة، إذا نظر إليها بشهوة أو مسها أو حملها كذلك أو يمكن ان يختلف حكمها و لا يتحد مع حكم الزوجة، وجهان.

أما الحرمة التكليفية فلا يمكن القول بالتفكيك بينهما فيها بداهة انه إذا كان النظر إلى الزوجة حراما حال الإحرام، فغيرها أولى بالحرمة و المبغوضية، و ذكر المرية و الزوجة في الروايات انما هو من جهة كثرة الابتلاء بها، لمرافقتها و ملازمتها لزوجها غالبا، لا لدخالتها في الحكم و موضوعيتها فيه.

و اما الكفارة فهي أيضا كذلك، لاستبعاد القول بان المحرم إذا نظر الى امرأته أو مسها بشهوة يجب عليه الكفارة دون الأجنبية لو نظر إليها كذلك،


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 18- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6.
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 18- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3

ص: 49

لاستيحاش العرف منه، و إنكار الذوق السليم له، و عدم التزام الفقيه به، و لذا أفتى فقهاؤنا بتعميم الحكم، و عدم الفرق بين الزوجة و الأجنبية في حرمة النظر و المسّ بشهوة، و ترتب الكفارة على ذلك و هذا لا اشكال فيه.

و انما الكلام فيما إذا مس محرم أجنبيّة بغير شهوة و صافحها كما هو الشائع المعروف بين الغربيين و بعض المتجددين و وجه الاشكال انه إذا مس المحرم زوجته بغير شهوة لا بأس عليه و لا كفارة فيه فهل الأجنبية أيضا كذلك، في عدم البأس و الكفارة إذا مسّها بغير شهوة لعدم شمول دليل الحرمة لها، و عدم الأولوية التي أشير إليها، أو يمكن ان يقال، ان مسّ الأجنبية لأجل كونه حراما الأجنبي يوجب الكفارة إذا مسّها المحرم.

اللهم الا ان يقال ان البحث في المقام انما هو في بيان ما يحرم على المحرم بهذا العنوان حال الإحرام بحيث يصح عدّه من تروك الإحرام، و اما الحرام الذي لم يؤخذ الإحرام موضوعا له فهو خارج عن البحث و مغاير له، كالسرقة، و الغيبة حال الإحرام، فإن حرمتها و وجوب قطع يد السارق، لا يلازم كونهما من تروك الإحرام كما ان قطع اليد لم يترتب على الحرمة بهذه الجهة، نعم قد تشتد العقوبة لخصوصية في الزمان و المكان على حسب نظر الحاكم الإسلامي، كما انه قد يكون الشي ء المحرم على جميع المكلفين حراما على المحرم بهذا العنوان و يصير موضوعا لآثار خاصّة و يعدّ من تروك الإحرام أيضا كما في الرفث الشامل للجماع مع الأجنبية، و الفسوق و الجدال، التي أخذت موضوعات لاحكام خاصة ثابتة بعنوان المحرم لقوله تعالى فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ. (1) و الحاصل انه لا مانع من القول بعدم ثبوت الكفارة على المحرم إذا مس


1- سورة البقرة الآية- 197

ص: 50

أجنبية بغير شهوة، لعدم الدليل عليه كما في مسّ امرأته لو مسّها بغير شهوة، إذ المذكور في الأدلة، ان ما يوجب الكفارة هو المس بشهوة، حلالا كان عليه أو حراما كما في الأجنبية، و لا تنافي بين الحرمة الأولية المجعولة للمس الأجنبية على المحرم و غيره، و بين ما اخترناه من عدم ثبوت الكفارة لو مسّها محرم لعدم شمول دليل الكفارة للمورد.

المسئلة الرابعة

ان مس المحارم كالأخت و الخالة و العمة كمس الزوجة فيحرم مسّهن إذا كان بشهوة و الا فلا.

اما المس بشهوة فيمكن استفادة حرمته من حكم مسّ الزوجة بالأولوية، فإنه إذا كان مسّ المحرم امرأته بشهوة حراما عليه، و موجبا للكفارة و هي زوجته و حليلته، فغيرها أولى بالحرمة و ان كانت من المحارم كما قلنا في الأجنبية.

و اما المس من غير شهوة، فلا يستفاد حكمه من الروايات الواردة في مس المحرم امرأته، لا بالفحوى و الأولوية، و لا بإلغاء الخصوصية، فلا بد من استفادة حكمه من روايات اخرى و لم نجد رواية خاصة في ذلك.(1) و اما حمل المرية و ضمها و ملازمتها إذا كان بشهوة فقد ذكرت في الروايات و لكن لم أجد في عبارة الفقهاء فتوى منهم في ذلك، فان كان مرادهم من المس ما يشمل الضم و الحمل و الملازمة، يشكل ارادة ذلك منه لظهوره في مس الجسد و البدن، لا مس الثياب و اما الروايات فقد تقدمت الإشارة إليها منها رواية عمار و فيها و ان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم. (2)


1- يمكن استفادة حكم مس المحارم من رواية الحسين بن حماد. قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم بقبل امه قال(ع) لا بأس به هذه قبلة رحمة إنما تكره قبلة الشهوة(الوسائل).وجه الدلالة أن التقبيل أحد مصاديق المس فشمله الدليل.
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

ص: 51

و في رواية حريز في رجل محرم حمل امرأته الى ان قال ان كان حملها أو مسها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم. (1) و في رواية أبي سيار المتقدمة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام من مس امرأته أو لازمها عن غير شهوة فلا شي ء عليه. (2)


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1- 6- 3
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1- 6- 3

ص: 52

حرمة النظر و اما النظر و حرمته على المحرم فقد وعدنا ان نتعرض له تفصيلا و أشير إليه في المسئلة الثانية.

قال الأستاذ الفقيه الكبير مدّ ظلّه: قد اعتبر المحقق في حرمة نظر المحرم إلى امرأته، كونه بشهوة، و اختاره صاحب الحدائق و المستند قدس سرهما.

و نقل عن بعض عدم الحرمة في امرأته و غيرها، الا انه يحرم النظر الى غير اهله من جهة النظر إلى الأجنبية لا بعنوان المحرم.

و نقل عن ظاهر عبارات بعض الفقهاء حرمة النظر مطلقا بشهوة كان أو بغيرها.

و عن الصدوق جواز نظر المحرم إلى امرأته، و لو بشهوة و عن كشف اللثام الميل إليه أيضا.

ص: 53

و منشأ الخلاف كما تقدم، كيفية الجمع بين النصوص الواردة في المسئلة، بالمضامين المختلفة، و مداليل متعددة، التي ينبغي ان يتأمل فيها و في الجمع بينها.

منها، رواية معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم قال لا شي ء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربه يحتمل ان يكون السؤال عن حكم النظر بلا قصد للإمناء، و لكن أدركه الأمناء من دون ارادة منه، و لا طلب له، فالمعنى ان المحرم إذا نظر الى امرأته، فأمنى من دون قصد و ارادة لذلك، لا يكون عليه شي ء، لا حرمة و لا كفارة.

لو قيل: ان الرواية مطلقة تشمل بإطلاقها ما لو قصد الأمناء فتكون معارضة لما تدل على حرمة الأمناء و قصده و الاستمناء بالنظر، فيقال، بناء على ثبوت الإطلاق فيها، و شموله النظر بقصد الأمناء، لا بد أن يؤخذ بالقدر المتيقن من مفادها، و هو ما لم يكن النظر بذاك القصد، و طلبا له، حتى ترتفع المعارضة بينها و بين ما تدل على حرمة النظر للإمناء، و الاستمناء.

ثم انه بناء على عدم شمول الرواية بإطلاقها لمن قصد الأمناء بالنظر الى امرأته، و الاستمناء به، فهل يستفاد منها جواز النظر بشهوة، أو بغيرها، إذا لم يقصد الأمناء به أولا، فكل منهما محتمل.

اما النظر بغير شهوة فيستفاد جوازه من الرواية و ان أمنى قهرا، فان المسلم من مورد الرواية و مدلولها بعد إخراج صورة قصد الأمناء، هو هذا المورد و الحكم بجواز النظر بغير شهوة إذ لولاه لا يبقى مورد لها.

و اما النظر بشهوة فلا يستفاد منها جوازه، و يشهد له ذيل الرواية على احتمال ايضا حيث قال عليه السّلام في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزّلها بشهوة حتى ينزل، قال:

عليه بدنة. (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

ص: 54

و قوله بشهوة يمكن و يحتمل ان يكون قيد الإنزال، فالمعنى أن إنزال المرية عن محملها بشهوة حتى يمني يوجب الكفارة، كما يحتمل كونه قيدا للنظر، فحينئذ، يكون مفاد الرواية ان النظر بشهوة إذا صار سببا للإنزال فيه بدنة و يحتمل كونه قيد الكل منهما.

ثم ان ثبوت الكفارة على الاحتمال الثاني، يمكن ان يكون للنظر بشهوة فقط، و يترتب عليه من دون دخل للإمناء، كما يحتمل ان تكون الكفارة مترتبة على الأمناء فقط من دون دخل للنظر، و لكن القدر المتيقن من الاحتمالين ان الكفارة إنما تترتب على النظر بشهوة مع تعقبه بالأمناء لا على مجرد النظر بشهوة، و لا على الأمناء فقط، فمعنى الرواية حرمة الأمناء و ثبوت الكفارة على من نظر الى امرأته بشهوة فأمنى إذا طلب ذلك.

منها رواية أبي سيار المتقدمة قال: قال لي أبو عبد اللّه:(يا أبا سيار: ان حال المحرم ضيقة الى ان قال: من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور) الخبر (1).

و المتيقن من هذه الرواية و المصرح بها حرمة النظر بشهوة حتى يمني لا النظر الخالي من الشهوة، و لا النظر بشهوة من غير أمناء، فلا تكون دليلا على حرمة النظر بغير شهوة، و لا على حرمته بشهوة من دون أمناء.

و رواية على بن يقطين عن ابى الحسن عليه السّلام قال:(سألته عن رجل قال لامرأته أو لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصفا و المروة: اطرحي ثوبك، فنظر الى فرجها، قال لا شي ء عليه، إذا لم يكن غير النظر). (2) و هذه الرواية بظاهرها تدل على جواز النظر بغير شهوة بل على جوازه بشهوة مع عدم الأمناء، فان النظر الى الفرج لا ينفك عن شهوة.


1- وسائل الشيعة ج 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3
2- وسائل الشيعة ج 9- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4.

ص: 55

قد يقال: ان المنفي في الرواية هو الكفارة لا الحرمة التكليفية و المعنى ان من نظر الى فرج امرأته من دون أمناء لا كفارة عليه و لا ينافي ذلك حرمة النظر تكليفا إذا كان بشهوة و لكن الظاهر المتبادر منها هو عدم حرمة النظر مطلقا و لو عن شهوة لما أشير إليه من ان النظر الى الفرج لا ينفك عنها، و عن التلذذ غالبا.

و منها رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى، قال ليس عليه شي ء. (1) و مفاد هذه الرواية نفى الحرمة و الكفارة، حتى مع الأمناء على ما هو الظاهر، و لكن لم يعمل به، حملها الشيخ قدس سره على صورة السهو و النسيان دون العمد، كما في الصوم، أو على غير الاختيار و الإرادة، كمن كان من عادته ان لا يمني بالنظر الى امرأته بشهوة، فنظر اعتمادا على تلك العادة، فأمنى من غير توقع و انتظار، و طلب و اختيار، فلا يصح الاستدلال بها لجواز النظر بشهوة إذا لم يكن مأمونا من الأمناء.

هذا تمام الكلام في المحرم إذا نظر الى اهله و امرأته، و اما لو نظر الى غير أهله فسيأتي حكمه.

مسألةلو نظر محرم الى غير اهله من:(النساء اللاتي يحرم النظر إليهن، و يجب غض البصر عنهن، فقد ورد فيه روايات، و هي العمدة في المسئلة.

منها ما رواه حريز عن زرارة قال:(سألت أبا جعفر عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل، قال: عليه جزور، أو بقرة، فان لم يجد فشاة). (2) الظاهر من هذه الرواية حرمة النظر الى غير الأهل بشهوة مع الانزال و هذا هو القدر المتيقن منها، و اما النظر بشهوة لا عن أمناء فلا تدل على حرمته كما هو مورد البحث.

و رواية أبي بصير قال:(قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل محرم نظر الى ساق امرأة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

ص: 56

فأمنى فقال ان كان موسرا فعليه بدنة، و ان كان وسطا فعليه بقرة، و ان كان فقيرا فعليه شاة، ثم قال: اما انى لم اجعل عليه هذا لأنه أمنى، إنما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحل له و رواها الصدوق أيضا بإسناده عن ابى بصير الا انّ فيها نظر الى ساق امرأة أو فرجها (1) و الرواية هي المستند لمن أفتى بحرمة النظر بشهوة، لظهور التعليل في ان الكفارة لم تجعل من جهة الإنزال، بل انما جعلت لأجل النظر الى ما كان حراما على المحرم نظره.

لكن التحقيق ان يقال ان حرمة النظر المعلل بها ثبوت الكفارة في الرواية، هل هي الحرمة الثابتة بعنوان الإحرام، أي الحرام الذي يعدّ من محرماته و تروكه، الذي نحن بصدده و نبحث عنه في المقام، أو الحرمة المجعولة لا بذاك العنوان، بل مع قطع النظر عن الإحرام و عنوان المحرم، فإن حرمة النظر الى الأجنبية و ساقها ثابتة على المحرم و غيره و ليس مما يختص بحال الإحرام و عنوان المحرم، بان يعد من تروكه.

فان كان المقصود هو الأول، فلا يناسبه التعليل بقوله لانه نظر الى ما لا يحل له، إذ البحث في المقام إثبات حرمة النظر و الأمناء حتى إلى اهله و امرأته التي تحل له، و قد تقدم ما يدل على حرمة النظر إلى امرأته و زوجته مع الأمناء، فكيف يصح القول بعدم حرمة الأمناء، و قد عرفت صراحة رواية أبي سيار المتقدمة فيها.

و اما لو كان المقصود هو الثاني، أي الحرمة الثابتة مع قطع النظر عن الإحرام و عنوان المحرم، بل لانه نظر الى ما لا يحل له فأمنى، فلازمه القول بعدم شي ء


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 16 من كفارات الاستمتاع الحديث 2

ص: 57

عليه إذا نظر الى ما يحل له فأمنى كما في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة التي حملها الشيخ على صورة السهو و النسيان، دون العمد.

و بالجملة الأخذ بظاهر التعليل المذكور في رواية أبي بصير المتقدمة لا يناسب ما سلف من صراحة بعض الروايات بوجوب الكفارة على المحرم إذا نظر الى امرأته فأمنى، و قد بينا فيما تقدم ايضا ان الأمناء إذا حصل من النظر بشهوة، يوجب الكفارة قطعا، و النظر الى ساق المرأة كما في هذه الرواية لأبي بصير، أو الى فرجها بناء على نقل الصدوق، لا ينفك عن الشهوة، فعلى هذا، التعليل المذكور في الرواية، غير معمول به، بل معرض عنه.

لا يبعد ان يقال: ان المستفاد من التعليل حرمة النظر و عدم جوازه إذا كان بشهوة، و هذا لا شبهة في استفادته من التعليل في الرواية، و ان لم تكن معمولا بها في نفى الكفارة على الأمناء، فلا مانع من التمسك بها لحرمة النظر بشهوة، ان لم يكن لها معارض أقوى، و الا فيشكل التمسك بها فيما ذكر ايضا بل لا يبعد ان يستفاد منها ان النظر بشهوة إلى الأجنبية حتى ينزل من محرمات الإحرام و تروكه زائدا على الحرمة الأصلية.

و مثلها رواية أخرى لأبي بصير رواها خالد بن إسماعيل عمن ذكره عن ابى بصير(1).

و منها ما رواه ابن عمير عن معاوية بن عمار في محرم نظر الى غير أهله فأنزل، قال(ع): عليه دم لانه نظر الى غير ما يحل له و ان لم يكن انزل فليتق اللّه و لا يعد و ليس عليه شيى (2)


1- كان أستادنا الأعظم الفقيه الفقيد البروجردي رضوان اللّه عليه، يعد أمثال هذه الرواية التي نقلت بطرق مختلفة رواية واحدة نقلها الراوي الأول عن المعصوم و سأل المسئلة منه عليه السّلام مرة واحدة ثم ذكرها لافراد عديدة لا انه سئل الإمام عنها مرارا و كرارا
2- وسائل الشيعة ج 9- الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.

ص: 58

و قد رتب الكفارة في هذه الرواية على النظر مع الانزال و اما بدونه فليس عليه شي ء، و لا يبعد ان تكون هذه الرواية مفسرة لرواية حريز و ابى بصير المتقدمتين و شارحة لهما، بتقريب ان النظر إذا كان سببا للإنزال و متعقبا به يحرم على المحرم بما انه محرم و معنون به، و يعدّ من تروكه و عليه دم و الا فلا شي ء عليه، و حيث ان الرواية صريحة في ان الكفارة إنما جعلت للإنزال و الأمناء لا للنظر فقط، تكون مبيّنة ايضا انها جعلت للإمناء كما في رواية أبي بصير، لكن باعتبار السبب الموجد له و الموجب إياه و هو النظر الى ما يحل له، سواء كان هذا السبب حراما على المحرم قبل إحرامه و تعنونه بهذا العنوان، أو محرما عليه بهذا العنوان.

فتحصل من جميع ما يستفاد من الروايات بمعونة ضم بعضها الى بعض، و تفسير البعض للبعض انّ كل مورد يكون النظر فيه حراما بأي عنوان كان إذا نظر محرم إليه فأمنى فعليه الكفارة، لارتكابه حراما من تروك الإحرام، و لا يستفاد منها أكثر من ذلك، و لا الحرمة التكليفية إذا لم ينزل، إذ لم نجد في الأجنبية و غيرها ما دل صريحا على حرمة النظر على المحرم بما هو محرم ما لم يكن موجبا للإنزال و الأمناء، و لا على ترتب الكفارة عليه، نعم الحرمة التكليفية السابقة على الإحرام المحمولة على شي ء بعنوانه الاوّلى و الأصلي، باقية على حالتها الاولى، و لكنها ليست من تروك الإحرام، و مع ذلك كله فالأحوط ثبوت الكفارة إذا نظر بشهوة و ان لم يمن، بل الأقوى ذلك على ما استظهرناه من بعض الروايات السابقة (1).

تذييل

صرّح بعض الفقهاءكما في المستندانّ من محرمات الإحرام النساء و الاستمتاع بهن على الرجال، و كذا الاستمتاع بالرجال على النساء المحرمات حال الإحرام.

لا اشكال و لا شبهة في هذا الحكم، إذ كما يحرم على الرجال حال الإحرام الاستمتاع بالنساء و إتيانهن، فكذا يحرم على النساء الاستمتاع بالرجال، و اعمال


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2

ص: 59

الغريزة الجنسية حال الإحرام مع بعولتهن، و كذا يحرم على المحرمة عقد النكاح و الشهادة عليه حال الإحرام و يشهد لما ذكر، التفصيل الواقع في الروايات الواردة في مباشرة المحرم امرأته.

في رواية سليمان بن خالد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سالته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟ فقال ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا الى ان قال و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء. (1) عن على بن أبي حمزة قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن محرم واقع أهله الى ان قال: ان كان استكرهها فعليه بدنتان، و ان لم يكن استكرهها فعليه بدنة و عليها بدنه (2).

و في رواية أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّه(ع) رجل أحل من إحرامه، و لم تحل امرأته فوقع عليها، قال: عليها بدنة يغرمها زوجها (3) و غيرها من الروايات الدالة على التفصيل كرواية معاوية بن عمار و غيرها هذا حكم المواقعة.

و اما المس فلو مسّت امراة زوجها و هي محرمة، فهل يجرى التفصيل المتقدّم في مس المحرم امرأته هنا أيضا، بأن يقال المحرمة إذا مست زوجها بشهوة فهو حرام و إذا مسته بغير شهوة فلا شي ء عليها أو لا يأتي التفصيل هنا، بل يقال ان النصوص انّما وردت لبيان حكم المحرم إذا مس امرأته، و لم تتعرض لحكم المرأة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

ص: 60

المحرمة، لو مست زوجها أو نظرت اليه، أو قبلته، فيختص الحكم بالمحرم و لا يشمل المحرمة، وجهان.

و الذي يقتضيه التحقيق في المقام ان يقال ان الحكم المجعول على المحرم ان علم انه جعل بلحاظ الإحرام من حيث هو، فلا يفرق فيه بين المحرم و المحرمة، فيحرم على المحرمة ما يحرم على المحرم، لتحقق الملاك فيها ايضا و اما إذا لم يعلم ذلك، فإن أمكن إلغاء الخصوصية عن مورد السؤال و الجواب، و تسرية الحكم الى غيره، كما لو قيل: رجل شك بين الثلاث و الأربع أو محرم في ثوبه دم، يشمل الحكم، المحرم و المحرمة و لكن السؤال و كيفيته و الجواب في النصوص الواردة في المقام ليس كذلك لوضوح الفرق بين قول الراوي: رجل شك بين الثلاث و الأربع، أو محرم في ثوبه دم، و بين قوله محرم نظر الى امرأته بشهوة أو نظر الى ساق امرأة بشهوة فأمنى، إذ العرف لا يرى خصوصية في السؤال الأول بين المرء و المرأة في حكم الشك و نجاسة الدم، بخلاف الثاني لاحتمال دخالة خصوصية الرجل في الحكم المجعول حال الإحرام، فلا يمكن إلغاء الخصوصية، و لا يعلم من قول الامام: المحرم إذا قبل امرأته فعليه كذا، تسرية الحكم إلى المرأة، بإلغاء الخصوصية، و انها إذا قبلت زوجها بشهوة أو نظرت اليه كذلك فعليها ايضا ما على زوجها لو نظر إليها فبناء على عدم إمكان إلغاء الخصوصية من الروايات، فهل يحكم باشتراك المحرم و المحرمة في الحرمة التكليفية، كما هو كذلك في ترتب الكفارة إذا طاوعت زوجها على المواقعة، أو لا يمكن، وجهان.

و لكن الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم استفادوا الاشتراك بينهما و كأنهم رجحوا إلغاء الخصوصية و تسرية الحكم من المحرم إلى المحرمة قال النراقي قدس سره في المستند: تحرم النساء على الرجال و الرجال على النساء حال الإحرام، فكأنهم يتسلمون ذلك

ص: 61

و لا يرونه محتاجا الى التعرض و التصريح كما في تفصيل الكفّارة و لعلهم فهموا من الأدلة ان الحكم انما جعل على المحرم من جهة الإحرام و عقده له، فان حصل الاطمئنان بذلك و انّ الحكم في المحرم و المحرمة متحد، و الا فالأصل البراءة، و عدم فساد الحج، في الثاني.

ص: 62

حرمة التزويج و العقد على المحرم

اشارة

و من المحرمات على المحرم العقد لنفسه و لغيره، مباشرة أو تسبيبا اما العقد لنفسه مباشرة فلا خلاف في حرمته و ادعى الإجماع بقسميه عليه و تدل النصوص ايضا على ذلك و ان عقده باطل لا يؤثر في حقه و كذا في حق غيره إذا عقد له.

و كذا يحرم عليه توكيله للغير، إذا عقد الغير حال إحرام الموكل، سواء و كله قبل الإحرام أو حاله، و سواء كان الوكيل محلّا أو محرما.

و يحرم أيضا إجازة العقد الفضولي له، سواء كان العقد واقعا حال إحرامه أو قبله، و قلنا ان الإجازة كاشفة أو ناقلة، نعم لو قيل ان الإجازة كاشفة حقيقة لا حكما يمكن ان يقال انها حينئذ بمنزلة الاخبار عن وقوع العقد سابقا، و لا تأثير لها أصلا في إيجاد العلقة الزوجية، فلا يكون العقد حراما، و ان كان ذلك ايضا لا يخلو من اشكال، لإمكان القول بأن الإجازة بناء على الكشف الحقيقي انما تكون

ص: 63

بمنزلة الاخبار عن وقوع العقد قبلا، إذا صدرت عمن يصح منه العقد في ذلك الحال دون غيره.

و كذا يحرم على المحرم و المحرمة إيقاع العقد لغيرهما، وكالة عنه أو فضولة، سواء كان ذلك الغير محلا أو محرما.

و يحرم على الغير أيضا إيقاع العقد للمحرم و المحرمة وكالة، أو فضولة، و كذا يحرم على الولي إيقاع العقد للمولى عليه، إذا كان المولى عليه محرما، بالمباشرة، أو بالتوكيل، و كذا اجازة العقد الفضولي للمولى عليه، أو للموكل حال الإحرام إذا وكله الموكل على نحو الإطلاق، حتى لإجازة العقد الفضولي للموكل و ان كان من وقع العقد له محلا حال وقوع العقد، و يستفاد ذلك من النصوص المعتبرة المستفيضة.

منها المروي عن ابن سنان عن ابى عبد اللّه قال: «ليس للمحرم ان يتزوج و لا يزوّج، و ان تزوّج أو زوّج محلا فتزويجه باطل» (1) و رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّه بن سنان مثله و زاد «و ان رجلا من الأنصار تزوج و هو محرم فأبطل رسول اللّه نكاحه» (2) و عن ابى الصباح الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم يتزوّج قال نكاحه باطل». (3) عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول ليس ينبغي للمحرم ان يتزوج و لا يزوج محلّا». (4)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

ص: 64

و عن الحسن بن على عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه قال: «المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد فان نكح فنكاحه باطل» و زاد الكليني و لا يخطب. (1) و عن معاوية بن عمار قال: «المحرم لا يتزوج و لا يزوج فان فعل فنكاحه باطل» (2).

و عن سماعة بن مهران عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا ينبغي للرجل الحلال ان يزوج محرما و هو يعلم انه لا يحل له: قلت، فان فعل فدخل بها المحرم؟ فقال ان كانا عالمين فان على كل واحد منهما بدنة و على المرأة ان كانت محرمة بدنة و ان لم تكن محرمة فلا شي ء عليها الا ان تكون هي قد علمت ان الذي تزوجها محرم فان كانت علمت ثم تزوجت فعليها بدنة». (3) ثم انه كما تقدم لا فرق في حرمة العقد على المحرم بين كونه بالمباشرة أو بالتسبيب و التوكيل كما صرح به غير واحد، لكن العلامة في القواعد قرّب توكيل الجد المحرم محلا في تزويج المولى عليه المحل، و لم يعلم وجه اختصاص الجد بذلك.

و اما تقريب أصل الجواز فلعله لان التوكيل في حد نفسه ليس نكاحا، فإذا كان الوكيل و المولى عليه محلين لا يكون العقد تزويجا منهيا عنه، و لا يشمله النص و الإجماع و أورد عليه في الجواهر بقوله و فيه ما لا يخفى عليك فيما أوقعه الوكيل حال الإحرام(أي حال إحرام الجد) إذ الوكيل نائب عن الموكل و لا نيابة فيما ليس له فعله، من التزويج المنهي عنه في النصوص، الذي يشمل التوكيل حال الإحرام.

و الظاهر ان الإيراد في محله فإن الإجازة للعقد الفضولي حتى بناء على


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9
3- وسائل الشيعة ج 9- الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 10

ص: 65

الكشف الحقيقي لا يصح من المحرم، فكيف بالتوكيل، و بعبارة اوفى، ان توكيل المحرم للعقد لا يقل عن أجازته لما وقع فضوليا، و عن شهادته للعقد، التي لا تجوز بلا خلاف كما ادعى بل نسبته الى قطع الأصحاب.

مضافا الى ما افاده من ان ظاهر جعل الولاية و الوكالة لشخص، انه بمنزلته و نائب عنه فيما له ان يفعله، و ليس مثل الوصي الذي هو مستقل في امره، فإذا لم يكن التزويج الصادر من الجد الموكل المحرم صحيحا، لو باشره بنفسه فكيف يصح من وكيله الذي لا يقوم بذلك إلّا باذنه و لا يصح عقده إلّا لاستناده الى الموكل، و كون عقده عقدا له.

و بالجملة لا إشكال في ان العقد في حال الإحرام لا يصح من المحرم، و ادعى عليه الإجماع من الخاصة، و نقل عن أبي حنيفة و الثوري جواز النكاح لنفسه فضلا عن غيره، و لا يعبأ و لا يعتنى به.

انما الكلام و الاشكال في ان العقد الصادر من المحرم هل يوجب الحرمة الأبدية أيضا، أو لا يوجب الا بطلان العقد، و عدم تأثيره لنفسه و لغيره، و هل يشترط في ذلك العلم، و الدخول، أم لا يشترط.

عقد صاحب الوسائل، بابا لذلك، و قال: باب ان من تزوج محرما عامدا عالما بالتحريم، وجب عليه مفارقتها، و لم تحل له ابدا، و عليه المهر ان كان دخل، و ان كان جاهلا حل له تزويجها بعد الإحلال.

و يعلم من عنوان الباب اشتراط العمد و العلم في نشر الحرمة الأبدية، و روى في ذاك الباب نصوصا منها ما روى عن إبراهيم بن الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان المحرم إذا تزوج و هو محرم فرق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا». (1) و عن أديم بن الحر الخزاعي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان المحرم إذا تزوج


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 66

و هو محرم فرق بينهما و لا يتعاودان ابدا و الذي يتزوج المرآة و لها زوج يفرق بينهما و لا يتعاودان ابدا» (1).

و عن محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم، قبل ان يحل، فقضى ان يخلى سبيلها، و لم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل فإذا أحل خطبها ان شاء و ان شاء أهلها زوّجوه و ان شاؤا لم يزوجوه». (2) و مضمون الرواية الأخيرة عدم الحرمة الأبدية الا انها حملت على الجاهل بالحكم جمعا بينها و بين غيرها من النصوص الآتية.

عن الصدوق قال قال عليه السّلام: «من تزوج امرأة في إحرامه فرق بينهما و لم تحل له». (3) و بإسناده عن سماعة عنه عليه السلام قال: «لها المهر ان كان دخل بها» عن زرارة و داود بن سرحان عنه عليه السّلام في حديث: «و المحرم إذا تزوّج و هو يعلم انه حرام لم تحل له ابدا (4) و المستفاد من الروايات المتقدمة كرواية ابن سنان و ابى الصباح الكناني و مرسلة الحسن بن على و صحيحة معاوية بن عمار و سماعة بن مهران ان نكاح المحرم باطل، و لكن لا يستفاد منها الحرمة الأبدية، فتلك الطائفة من النصوص ساكتة عن الدلالة عليها، بل يدل بعضها على العدم، كرواية محمد بن قيس في قضاء على عليه السّلام. (5)


1- وسائل الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4- 5
4- وسائل الشيعة الجزء 14 الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 67

و اما ما يستفاد من الطائفة الثانية، هي الحرمة الأبدية و انها لا تحل له ابدا، و يفرق بينهما، و لا يتعاودان.

قد يجمع بين تلك النصوص، بجمل الطائفة الأولى على الجاهل بالحكم و الثانية على من كان يعلم ذلك و دخل بها، و يجعل الشاهد على هذا لجمع، رواية سماعة عنه عليه السّلام لها المهران كان دخل بها.

و في الجواهر بعد نقل رواية محمد بن قيس في قضاء علىّ الدالة على بطلان نكاح المحرم و انه إذا أحل خطبها ان شاء، قال و هو محمول على الجاهل به، جمعا بينه و بين قول الصادق في خبري الخزاعي و إبراهيم بن الحسن المتقدمين ان المحرم إذا تزوج و هو محرم فرق بينهما و لا يتعاودان أبدا، بشهادة خبر داود بن سرحان و زرارة المحرم إذا تزوج و هو يعلم انه حرام لم يحل له ابدا المعتضد بالنسبة إلى علمائنا بل هو مفروغ عنه في كتاب النكاح كما تعرفه إنشاء اللّه فوسوسة بعض الناس في غير محلها، كما ان ما عن أبي حنيفة و الثوري و الحكم، من جواز نكاحه لنفسه فضلا عن غيره من جملة إحداثهم في الدين.

و التحقيق ان يقال ان مقتضى الجمع و التوفيق بين النصوص، القول بالحرمة الأبدية مع الدخول إذ المراد من التفريق في قوله فرق بينهما، ليس الانفصال و التفريق الاعتباري، بمعنى الحكم بفساد العقد و العلقة الزوجية بينهما

ص: 68

فإنه حاصل بنفس بطلان العقد، و عدم انعقاد العلقة الزوجية، بل المراد منه التفريق الخارجي العملي، و الارتباط كذلك و هذا لا ينفك غالبا عن الدخول و اعمال الغريزة الجنسية، و على هذا يكون مفاد تلك الاخبار خاصا، بالنسبة الى ما تدل على بطلان العقد فقط حال الإحرام، و جواز التزويج بعد الإحلال مطلقا، دخل بها أو لم يدخل، فيقدم الخاص، و يحكم بالحرمة الأبدية، إذا دخل بها و يبقى التزويج قبل الدخول باقيا تحت عموم العام فلا تعارض بين الطائفتين من النصوص التي مفادها ما ذكرناه و اما غيرها مما يستفاد منها اعتبار العلم بالحرمة مع الدخول في الحرمة الأبدية و بين ما تدل على الحرمة الأبدية بالدخول فقط المستفاد من التفريق من غير دخالة للعلم فيه، فلا بد من رفع هذا التعارض أيضا.

أقول النسبة بين ما يدل على عدم الحرمة الأبدية إذا كان التزويج حال الإحرام عن جهل المستفاد من مفهوم اعتبار العلم في الحرمة الأبدية و بين ما يدل على الحرمة الأبدية مع الدخول عالما كان أو جاهلا عام و خاص من وجه مورد الافتراق هو العقد حال الإحرام مع الجهل و الدخول و حيث ان المفهوم الدال على اعتبار العلم في الحرمة الأبدية ضعيف بالنسبة إلى المنطوق الصريح في عدة من النصوص الدالة على وجوب التفريق بينهما و انهما لا يتعاودان أبدا إذا أدخل بها مطلقا فيرفع اليد عن المفهوم تقديما لظهور المنطوق عليه و يحكم بالحرمة الأبدية إذا تزوج حال الإحرام و دخل بها و ان كان جاهلا بذلك الحكم.

و على هذا، اللازم من التوافق بين النصوص بما تقدم من كيفية الجمع بينها على نحوين، الحكم بالحرمة الأبدية إذا كان عالما بالحكم سواء دخل بها أم لا، كما هو صريح بعض النصوص، و كذا الحكم بها ان دخل سواء علم به أم جهل كما هو المستفاد من عموم قوله فرق بينهما فتكون المسئلة نظير النكاح في العدة.

نعم يبقى في المورد اشكال، و هو ان قضاء على عليه السّلام في رجل ملك بضع

ص: 69

أمرية و هو محرم، بتخلية سبيلها حتى يحل فإذا أحل ان شاءه خطبها، مطلق شامل لصورة العلم و الجهل و الدخول و عدم الدخول، و لكنه يدفع بان القدر المتيقن من مورد القضاء ايضا هو صورة الجهل بالحكم و عدم الدخول، و لم يثبت كونه عالما به، أو دخل بها، حتى يكون معارضا لما اخترناه من الجمع، بمنطوقه مع احتمال ان يكون عدم ذكر العلم أو الدخول انما هو من جهة التقية(1)

فروع
اشارة

ذكرها في العروة لا بأس بالإشارة إلى بعضها لعدم خلوها عن الفائدة،

الأول

قال السيد لا يجوز للمحرم ان يتزوج محرمة سواء كان بالمباشرة أو بالتوكيل الى ان قال لو كان الزوج محلا و كانت الزوجة محرمة فلا إشكال في بطلان العقد، لكن هل يوجب الحرمة الأبدية فيه قولان، الأحوط الحرمة الأبدية بل لا يخلو عن قوة.

الظاهر ان ملاك الحكم في المسئلتين واحد و هو انه ان قلنا ان المحرم المذكور في الروايات انما كان من باب المثال نظير إذا شك الرجل بين الثلاث و الأربع، فلا إشكال في الحرمة الأبديّة إذا كانت الزوجة محرمة و ان كان الزوج محلا، و اما إذا قلنا ان ذكر المحرم انما هو من جهة الخصوصية و القيدية، أو قلنا ان القدر المتقين من مضمون الروايات هو المحرم فاللازم بطلان عقد المحرم دون المحرمة و لكن الأقوى ما قوّاه من الحكم بالحرمة الأبدية فيما إذا كانت الزوجة


1- هذا ما أفاده الأستاد مد ظله في الجمع بين النصوص و رفع التنافي بين ما ذهب اليه و بين رواية محمد بن قيس في قضاء علىّ(ع). و لكن الإنصاف ان قوله(ع) ملك بضع أمرية ظاهر في الدخول مضافا الى ان الحمل على التقية بعيد فإن العامة يجوزون النكاح في حال الإحرام كما تقدم عن أبي حنيفة، مع ان التقية في زمان حكومة علىّ و بسط يده كانت قليلة بالنسبة إلى الفروع الا انّ هذا الجمع حسن نظرا الى ما ورد في المسئلة من الروايات كرواية زرارة و داود بن سرحان و غيرها و اما قضاء على(ع) فلا مناص من القول بأن خصوصية المورد غير واضحة.

ص: 70

محرمة كما صرح به في الخلاف مستدلا بالاخبار و الإجماع، على عدم الفرق بين المحرم و المحرمة.

ثم انه بناء على اعتبار العلم في الحكم بالحرمة الأبدية هل هو العلم بالحكم فقط، أو العلم بالموضوع و هو كونه محرما أو كون المرية محرمة، أو يعتبر العلم بكليهما، فان جهل أحدهما لا يصدق انه كان عالما بحرمة العقد الصادر منه فكل منهما محتمل.

فلو كان الزوج جاهلا و العاقد عالما بالحرمة فالظاهر ان الدليل لا يشمله إذا الاعتبار على علم الزوج و الزوجة لا الغير، و يشترط ان يكون الإمضاء للعقد الفضولي الواقع للمحرم أيضا في حال العلم بالحكم إذا قلنا ان الإجازة للعقد كنفس العقد و الا لا يكفى كما في غيره.

فلو كان الولي جاهلا بالحكم فهل جهله مثل جهل من له العقد، أم لا، الظاهر ان إطلاق الأدلة لا يشمله، اللهم ان يقال بعدم الفرق بينهما، و ان الولي الذي له الولاية على العقد كالمولى عليه في المقام.

الثاني لو تزوج حال الإحرام فبان بطلان العقد من غير جهة الإحرام كتزويج أخت الزوجة أو الخامسة فهل يوجب التحريم الأبدي أيضا مع فساد العقد من جهة أخرى، الظاهر ذلك لصدق التزويج المنهي في حال الإحرام، و تبين البطلان لفقد شرطه أو غيره لا يضر و لا يمنع عن شمول الأدلة له.(1)


1- الظاهر من الأدلة بطلان العقد بالتزويج حال الإحرام و الذي لو لا النهى عن ذلك كان العقد مؤثرا و صحيحا فلا يشمل ما كان باطلا حتى في غير حال الإحرام لدليل أخر كما في الصيد لما يوكل لحمه و ما لا يوكل فان أدلة حرمة الأكل بالإحرام منصرفة عن الثاني.

ص: 71

حكم التوكيل في العقد

اما التوكيل في العقد فعلى صور، منها ان يوكل محرم محرما آخر في التزويج له من دون تقييد بزمان الإحرام فأوقع الوكيل العقد بعد احلالهما، فالظاهر انه لا إشكال في صحة الوكالة و العقد له لعدم شمول الأدلة الناهية عن التزويج حال الإحرام، للمقام، و عدم المانع عن شمول الأدلة العامة للوكالة.

قد يشكل بأن الوكالة في حال الإحرام في التزويج الذي لا يصح صدوره من الموكل غير صحيحة، و ان وقع العقد بعد الإحلال، نعم لو قيد الوكالة المطلقة بالتزويج له بعد الإحلال، فلا مانع منه لتقييد العمل بزمان يصح صدور الفعل من الموكل ايضا و لا حظر في إنشاء الوكالة لعمل، يتأخر زمانه عن زمان إنشاء الوكالة من دون تعليق فيه.

و يجاب عن أصل الإشكال بأن الوكالة على نحو الإطلاق في حال الإحرام ينحل إلى وكالة متعددة في أزمنة عديدة و حيث ان التزويج و العقد في حال الإحرام

ص: 72

منهي شرعا، يبطل الوكالة فيه فقط و لا تمنع ذلك عن صحتها في زمان يصح فيه التزويج و يجوز فيه العقد، نظير الوكالة في بيع الخمر و الخل أو ما يملك و مالا يملك، فيبطل في الخمر و بيع ما لا يملك، و يصح في غيرهما و لا حاجة للتقيد.

و منها ان يوكل محل محرما في العقد له من دون تقييد بزمان الإحرام فأوقع الوكيل العقد له بعد إحلاله، الظاهر عدم الاشكال فيه، و صحة الوكالة و العقد كليهما نعم لو عقد له حال إحرامه يبطل العقد، و لكن لا يوجب الحرمة الأبدية على الموكل(1) قد يشكل في صحة التوكيل في المقام على نحو الإطلاق، لعدم صحة صدور العقد من الوكيل حال إحرامه، و يجاب عنه بما تقدم في الفرض السابق بل الأمر هنا أهون لعدم المنع من ناحية الموكل شرعا.

و منها ان يوكل محرم محلا في العقد له من دون تقييد بزمان الإحرام فأوقع الوكيل العقد بعد الإحلال، فالظاهر عدم الإشكال في ذلك، لان التوكيل ليس عقدا منهيا عنه، و الفرض ان العقد انما وقع بعد الإحلال نعم قد يشكل فيه ايضا بما تقدم و يجاب عنه بما سبق.

و منها ان يوكل محل محلا ثم أحرما أو أحرم أحدهما و أوقع الوكيل العقد بعد الإحلال فلا إشكال في صحة الوكالة و العقد و لا يأتي الإشكال المتقدم فيه.


1- يمكن ان يقال ان القول بصحة الوكالة مطلقا من دون تقييد بحال الإحلال يوجب الحرمة الأبدية إذا عقد الوكيل لموكله حال الإحرام لصحة الوكالة

ص: 73

(في الشهادة على العقد)
اشارة

كما يحرم على المحرم العقد حال الإحرام يحرم عليه أيضا الشهادة عليه، سواء كان الزوجان محلين، أو محرمين أو مختلفين، بلا خلاف أجده بل في المدارك انه مقطوع بين الأصحاب، و ادعى الإجماع عليه في الخلاف، و محتمل الغنية، و ان لم يتعرض له بعض الأصحاب في كتبهم، لكن المسئلة مما لا خلاف فيها و تدل على الحكم روايات منها.

مرسلة ابن شجرة(أبي شجرة) عمن ذكر عن ابى عبد اللّه عليه السّلام(في المحرم، يشهد على نكاح محلين، قال: لا يشهد: ثم قال يجوز للمحرم ان يشير بصيد على محل. (1) نقل الشيخ الحر العاملي ان الشيخ و الصدوق قالا ان هذا إنكار و تنبيه على انه لا يجوز.


1- الوسائل ج 9 الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

ص: 74

و في مرسلة الحسن بن على عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام(قال المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد فان نكح فنكاحه باطل (1) قد يخدش في الاستدلال بالروايتين بكونهما مرسلتين، و عدم دلالتهما على عدم جواز الشهادة على العقد و ذلك لان لفظة على في الرواية لم يذكر في بعض النسخ فيمكن زيادتها في رواية أبي شجرة.

و لكن الخدشة غير واردة أما الإرسال فيهما فبان في الرواية الأولى عثمان بن عيسى الذي لا يروى إلا عن ثقة و في الرواية الثانية الحسن بن على بن فضال و هو ثقة في روايته مضافا الى انجبار الروايتين بعمل الأصحاب و فتاويهم حتى انه عمل بها من ليس من مذهبه العمل باخبار الآحاد كابن إدريس و الشيخ رحمهما اللّه.

و اما الخدشة من جهة احتمال زيادة لفظة على في النسخة فهي أيضا غير واردة، فإنّ الزيادة و أصالتها ليست امرا غالبيا يعتنى به عند العقلاء، لدقة الناس و مراقبتهم نعم الاسقاط و النقصان يمكن ادعاء الغلبة فيهما، في كثير من الناس كما نشاهده في كثير من النسخ، و كذا الإيراد بأن قوله يشهد يمكن ان يكون بناء للمفعول لا الفاعل و لا ترجيح في البين حتى يكون دليلا للمسئلة، غير وارد، لكونه خلاف الظاهر أولا، و عدم الفرق بينهما ثانيا، فان المناط عدم الحضور في مجلس العقد سواء حضره بقصد الشهادة أو اتفاقا.

مسئلة:

لا يجوز أداء الشهادة على النكاح حال الإحرام و ان تحملها قبل إحرامه، كما عن المبسوط و السرائر و الرياض و نسب الى المشهور بل ظاهر الحدائق اتفاق الأصحاب عليه، و لم أجد مدركا لهم الا ما في رواية أبي شجرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المحرم يشهد على نكاح محلين قال لا يشهد و رواية الحسن بن على عن أبي عبد اللّه(ع) قال المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد بناء على ان يكون المراد


1- الوسائل ج 9 الباب 14 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 75

من الشهادة على النكاح أداء الشهادة لا شهادة أصل النكاح و الحضور فيه، أو للتعليل الوارد في رواية أبي شجرة بقوله يجوز للمحرم ان يشير بصيد في مقام الإنكار المستفاد منه ان كل ماله دخل في أمر النكاح و التزويج للمحرم فهو غير جائز، و لكن الأول خلاف الظاهر، و الثاني كذلك إذ لا يستفاد من التعليل، عدم جواز أداء الشهادة فإن أداء الشهادة ما يثبت به العقد الواقع سابقا، لا انه يتحقق به و يرتبط عليه الحضور و الشهادة في مجلس العقد هذا إذا لم توجب ترك أداء الشهادة تضييع حق و فوت واجب و الا فالأحوط أداء الشهادة أيضا.

فرع:

لو تزوج المحرم غافلا عن إحرامه، أو ناسيا له فنكاحه باطل و في كونه موجبا للحرمة الأبدية إشكال و الأحوط ذلك.

فرع

، لو شك في ان العقد وقع حال الإحرام أو قبله بنى على عدم وقوعه في حال الإحرام، و كذا لو شك في وقوعه قبل الإحلال، أو بعده، لأصالة الصحة في العمل بعد الفراغ عنه، و كذا لو اختلف الزوجان في وقوع العقد حال الإحرام و عدمه يقدم قول مدعى الصحة من غير فرق بين العلم بتاريخي الإحرام و العقد و الجهل بهما.

فرع

، لو شك في الإحلال و عدمه بعد ما كان محرما لا يجوز له التزويج لاستصحاب بقاء الإحرام، فلو تزوج مع الشك في الإحلال، يبطل النكاح و يوجب الحرمة الأبدية أيضا.

فرع

، بعد القول ببطلان النكاح و العقد الواقع حال الإحرام، يسقط ما اقتضاه من المهر قبل الدخول، مع اتفاقهما على وقوع العقد حال الإحرام، سواء كانا عالمين أو جاهلين أو مختلفين، و اما مع الدخول فلها مهر المثل إذا كانت جاهلة بالحكم، و الا فلا مهر لها، لكونها بغية حينئذ.

فرع

، لو اختلف الزوجان و ادعى أحدهما وقوع العقد حال الإحرام حتى يكون باطلا و أنكره الأخر، فالقول قول من يدعى وقوعه حال الإحلال

ص: 76

ترجيحا لجانب الصحة كما في الشرائع.

و زاد الجواهر، المحمول عليها فعل المسلم، في صورة النزاع و غيره، من أحوال الشك، في العقد المفروض اتفاقهما على وقوعه، كما في غير المقام من صور مدعى الصحة و الفساد، التي من الواضح كون مدعيها موافقا لأصلها على ان مدعى الفساد يدعى وصفا زائدا يقتضي الفساد و هو وقوع العقد حال الإحرام فالقول قول المنكر بيمينه لانه منكر للمفسد(انتهى) أقول: ان من يوافق قوله الأصل، يكون مدعيا، و المخالف يكون منكرا كغيره من موارد النزاع، هذا إذا كان في البين تنازع و تخاصم، و اما لو كان الادعاء من المدعى و المنكر، لتشخيص الوظيفة الشرعية و بيان الحكم التكليفي بالعقد الواقع بينهما فلا يبعد التمسك بالاستصحاب الجاري في المقام فيما لا تجري فيه أصالة الصحة.

و توضيح ذلك انه قد يكون تاريخ الإحرام و مدته معلوما، مثلا يعلم انه أحرم من يوم السبت الى يوم الخميس و يشك في ان العقد وقع في تلك الأيام أو بعدها فيستصحب عدم تحقق العقد الى انقضاء الأيام فيحكم بصحة العقد.

و قد يقال انه لا حاجة الى الاستصحاب أصلا، فإن أصالة الصحة بعد الفراغ عن العمل كافية في الحكم بالصحة، هذا و ان كان في محله، الا انه قد يدعى ان التمسك بأصل الصحة و قاعدة الفراغ بعد العمل، انما يجرى إذا كان حين العمل اذكر و متوجها الى كيفية العمل، حتى يأتي به على وجه صحيح، لا فيما كان غافلا عنه، كما قيل في الفروع المشابهة للمقام مثل ما إذا شك في وصول الماء إلى البشرة و عدمه لوجود الحاجب و عدمه.

قال السيد في العروة في مسئلة الشك في وجود الحاجب من وصول الماء:

ان شك بعد الفراغ في انه كان موجودا أم لا، بنى على عدمه و يصح وضوئه، و كذا إذا تيقن انه كان موجودا و شك في انه ازاله أو أوصل الماء تحته أم لا، نعم في الحاجب الذي قد يصل الماء تحته و قد لا يصل، إذا علم انه لم يكن ملتفتا اليه حين

ص: 77

الغسل و لكن شك في انه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، يشكل جريان قاعدة الفراغ فيه.

و نظيره فرع آخر ذكره أيضا في العروة قال: إذا علم بوجود مانع و علم زمان حدوثه، و شك في ان الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده، يبنى على الصحة لقاعدة الفراغ إلا إذا علم عدم الالتفات اليه حين الوضوء، و اختاره صاحب المدارك ايضا و اشترط احتمال التوجه و الالتفات في جريان القاعدة.

لكن التحقيق ان قاعدة الفراغ و أصالة الصحة بعد الفراغ انما هي حجة من باب الامارة و الكاشفية و لا يحتاج الى تذكر و التفات شخصي حين العمل، بل يكفي في حجيتها الغلبة النوعية، لكن هذا صحيح إذا احتمل الالتفات الى المشكوك، إذ تلك الغلبة فيما التفت الى العمل، و اما مع القطع بعدم الالتفات أصلا لا تكون حجة و لا أمارية لها.

نعم لو قلنا: ان المستفاد من الاخبار، هو البناء على الصحة تعبدا في المورد لا من باب الأمارية و الكاشفية و الغلبة النوعية، كما لا يبعد ظهور بعض الاخبار في ذلك، تجري القاعدة حتى مع القطع بعدم الالتفات، و بالغفلة عنه.

و ناقش صاحب المدارك في المسئلة، بان الحمل على الصحة انما إذا كان المدعى لوقوع الفعل في حال الإحرام عالما بفساد ذلك العقد، اما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة، و بان كلّا من المدعى و المنكر يدعى وصفا زائدا ينكره الأخر، فتقديم أحدهما يحتاج الى دليل.

و أجاب عنه في الجواهر بأن أصل الصحة في العقد و نحوه لا يعتبر فيه العلم، لإطلاق دليله، نعم أصل عدم وقوع المعصية من المسلم يعتبر فيه العلم، و هو غير أصل الصحة التي هي بمعنى ترتب الأثر كما هو واضح.

و بان مدعى الفساد المعترف بحصول جميع أركان العقد المحمول إقراره على الصحة، يدعي وقوع العقد حال الإحرام و الأخر ينكره، و ان كان يلزمه كونه

ص: 78

واقعا حال الإحلال و لا ريب في ان الأصل عدم مقارنة العقد لحال الإحرام و ذلك كاف في إثبات صحته من غير حاجة الى إثبات كونه حال الإحلال انتهى.

قال الأستاد مد ظله: ان ما ذكره صاحب الجواهر قدس سره غير كاف في إثبات الصحة لأن مجرد عدم مقارنة العقد لحال الإحرام بحكم الأصل، لا يجعله من المصاديق الصحيحة، إذ العقد الصحيح المترتب عليه الأثر الشرعي انما هو العقد الواقع في حال الإحلال كما ان العقد الباطل ما وقع في حال الإحرام، فالعقد في الحالتين انما يتعنون بعنوان خاص، لا بد من إثباته و اما عدم تعنونه بأحد العنوانين تمسكا بالأصل، لا يجعله معنونا بغيره و لا يثبته، هذا إذا كان تاريخ الإحرام معلوما و معينا.

و اما لو جهل، فقد قال في المدارك يحتمل تقديم قول من يدعى الفساد، لأصالة عدم تحقق الزوجية، الى ان تثبت شرعا.

و يحتمل ايضا تقديم قول من يدعى تأخير العقد مطلقا، لاعتضاد دعواه بأصالة عدم التقدم و المسئلة محل تردد.

و أورد عليه في الجواهر بأنه خلاف مفروض المسئلة الذي هو مجرد دعوى الفساد بوقوعه في الإحرام و دعوى الصحة بعدم كونه كذلك، من غير تعرض للتقديم و التأخير، و بأنه لا وجه لاحتمال تقديم مدعى الفساد فيما فرضه، مع فرض كون مدعى الصحة يدعى تأخره عن حال الإحرام الذي هو مقتضى الأصل اللهم ان يكون ذلك من الأصول المثبتة، ضرورة عدم اقتضائه التأخر عنه.

و الحق ان يقال ان أصالة العدم ان كان من الأصول العقلائية المعتبرة في أمورهم، و أصلا مستقلا على حده، لا استصحابا للعدم الأزلي، فالمرجع في المقام هو الأصل و يترتب عليه آثاره من الصحة، و الا يعتبر في جريان الاستصحاب ان يكون للمستصحب أثر شرعي حتى يستصحب من دون فرق بين المقام و ما ذكره سابقا من ان كلا من المدعى و المنكر يدعي صفة زائدة ينكرها الأخر.

ص: 79

فرع

، قال المحقق ان كان المنكر المرية، كان لها نصف المهر قبل الدخول، لاعترافها بما يمنع من الوطؤ، و لو قيل لها المهر كله كان حسنا.

و توضيحه انه هل تملك المرية جميع المهر بالعقد، و يرد النصف بالطلاق قبل الدخول، أو لا تملك بالعقد الا نصف المهر، و اما النصف الثاني فتملكه بالدخول وجهان.

و الظاهر من الأدلة الأول، فعلى هذا يكون القول بان لها المهر كله حسنا.

و في كشف اللثام بعد ان حكم بان لها المهر كاملا دخل بها أم لا، قال: الا ان يطلقها قبل الدخول باستدعائها فإنه يلزم به حينئذ، و ان كان الطلاق بزعمه في الظاهر لغوا، و يكون طلاقا صحيحا شرعيا بزعمها فإذا بعدم الدخول ينتصف المهر و اما إذا لم تستدع الطلاق و صبرت، فلها المهر كاملا، و ان طلقها قبل الدخول، فإنه بزعمه لغو، و العقد الصحيح مملك لها المهر كاملا.

و أورد عليه بان استدعاء المرية الطلاق و عدمه، لا مدخلية في ذلك إذ الطلاق ان كان صحيحا ممن يدعى الفساد في حق مدعى الصحة، يترتب حكمه، و الا فلا كما هو واضح، هذا إذا كانت المرية هي المنكرة للفساد و اما إذا كان الرجل هو المنكر له فليس لها المطالبة بشي ء من المهر قبل الدخول مع عدم قبضه، كما انه ليس له المطالبة برد شيى منه مع قبضه أخذا لهما بإقرارهما، نعم لو دخل بها أو أكرهها على ذلك أو جهلت بالفساد أو الإحرام فلها المطالبة بأقل من المهر المسمّى، أو مهر المثل و الاحتياط بالمصالحة في الزائد منه حسن و قد تقدم في رواية سماعة ان لها المهر ان دخل بها، المنزلة على صورة الجهل أو الإكراه.

فرع

لا فرق في حرمة العقد على المحرم بين الدائم و المنقطع و كذا بين إحرام الحج، و العمرة لنفسه، أو لغيره، نيابة أو تبرعا، و كذا بين العمرة المتمتع بها الى الحج، و العمرة المفردة لشمول الدليل لجميع ذلك.

فرع

حكى عن المبسوط و الوسيلة الحكم بكراهة الخطبة على المحرم

ص: 80

لنفسه، أو لغيره، محلا كان الغير، أم محرما، و به افتى في القواعد و التذكرة، و استدل له برواية الحسن المتقدمة، و فيها المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد و زاد الكليني و لا يخطب. (1) و لا يخفى ان ظاهر الرواية بقرينة السياق حرمة الخطبة كالشهادة التي أفتوا بحرمتها، و لعل كانت بأيديهم قرائن تدل على إرادة الكراهة في الخطبة دون الشهادة، و الا الظاهر من وحدة السياق الحرمة في الجميع و حكى عن ابى على القول بالحرمة في الخطبة أيضا و هو الأحوط، و اما ما ذكره في التذكرة من الفرق بين الخطبة، في العدة، و في المقام استحسان عقلي، لا يثبت به حكم شرعي، من الكراهة أو الحرمة(2)

فرع:

لا يحرم الطلاق على المحرم بلا خلاف في المسئلة للأصل و لما رواه أبو بصير قال سمعت أبا عبد اللّه يقول المحرم يطلق و لا يتزوج (3) و رواه الشيخ عن عاصم بن حميد الا انه قال للمحرم ان يطلق و لا يتزوج.

و رواية حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه(ع) قال سألته عن المحرم يطلق قال نعم. (4)

فرع

و يجوز للمحرم حال إحرامه مراجعة المطلقة الرجعية، و لو كانت محرمة لعدم كون الرجوع تزويجا، حتى يكون منهيا، فالأصل يقتضي جواز الرجوع، مضافا الى شمول قوله تعالى وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ.

(في شراء الأمة حال الإحرام)

يجوز للمحرم شراء الأمة حال إحرامه و بيعها للأصل، بعد عدم شمول


1- وسائل الجزء 9 الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7
2- لم يكن التذكرة عندي فأراجع و اذكر الفرق الذي ذكره
3- الوسائل ج 9 الباب 17 من أبواب تروك الإحرام الحديث(1)
4- الوسائل ج 9 الباب 17 من أبواب تروك الإحرام الحديث(2)

ص: 81

الأخبار الناهية عن التزويج للشراء، و ان كان لقصد التسري. و ان حرم عليه المباشرة لهن حال الإحرام و لصحيح سعد بن سعد عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام قال المحرم يشري الجواري و يبيعها قال نعم (1) و ما روى محمد بن قيس في قضاء على في رجل ملك بضع أمرية و هو محرم قبل ان يحل فقضى ان يخلى سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئا، (2) لا يدل على بطلان الشراء لكونه واردا في التزويج بالنكاح و ما نحن فيه، ملك خاص لا يشمله اخبار التزويج


1- الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب تروك الإحرام الحديث(1)
2- الوسائل الجزء 9 الباب 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث(3)

ص: 82

في حكم القبلة و الاستمتاع من النساء

يحرم على المحرم تقبيل النساء بشهوة كان أو بدونها، لصراحة النصوص في ذلك و ما نقل عن الذخيرة من تقييد الحرمة بالشهوة و تبعه في الرياض، فهو غير وجيه، لما تسمع من دلالة الاخبار و صراحتها فيما تقدم.

فمنها، عن ابى سيار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا سيّار ان حال المحرم ضيّقة ان قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم، فعليه دم شاة و ان قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر ربه (1) عن الحلبي انه قال سألت عن متمتع طاف بالبيت و بين الصفا و المروة و قبّل امرأته قبل ان يقصر من رأسه قال عليه دم يهريقه و ان كان الجماع فعليه جزور أو بقرة (2) و عن عمران الحلبي انه سأل أبا عبد اللّه، عن رجل طاف بالبيت و بالصفا و المروة و قد تمتع، ثم عجّل فقبّل امرأته، قبل ان يقصر من رأسه قال عليه دم يهريقه


1- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3
2- الوسائل الباب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

ص: 83

و ان جامع فعليه جزور أو بقرة (1) عن العلاء بن فضيل قال سألت أبا عبد اللّه عن رجل و امرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته و لم يقصر فقبلها قال يهريق دما و ان كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما. (2) و تدل على الحكم ايضا روايات اخرى لم نذكرها و كيف كان فان قبل امرأته بشهوة، ففيه اشكال قطعا و لا يجوز كما هو صريح الأخبار المتقدمة، و اما إذا قبلها لا عن شهوة فظاهر رواية حماد المتقدمة جوازه و لكن يجمع بينها و بين غيرها بحملها على تقبيل غير المرية التي يمكن ان يخلو من الشهوة كالأم و الخالة و اما امرأته فتقبيلها لا يخلو عن شهوة غالبا فيحرم مطلقا قصد الشهوة أم لا،


1- الوسائل الجزء 9 الباب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.
2- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6

ص: 84

في حرمة الطيب على المحرم

اشارة

و مما يحرم على المحرم الطيب إجماعا بين المسلمين و هذا مما لا يحتاج الى البحث و تجشم الاستدلال و انما المهم بيان مصاديق الطيب و انه هل يختص بالأربعة أو الخمسة المذكورة في الاخبار، أو يعم كل طيب يشم رائحته، و يستعمل في التعطير و التطيب.

و قد عقد في الوسائل بابا لذلك و قال باب تحريم الطيب على المحرم و المحرمة، و هو المسك و العنبر و الزعفران و الورس و الكافور، و يكره له بقيّة الطيب، و يجوز له النظر اليه، فالمهم ان نتعرض لذكر الأخبار المأثورة عن الأئمة عليهم السّلام.

منها ما رواه الكليني بسنده عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال رأيت أبا الحسن عليه السّلام كشف بين يديه طيب لينظر اليه، و هو محرم فأمسك بيده على انفه بثوبه من رائحته(ريحه خ د) (1)


1- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 85

و عن حنان بن سدير عن أبيه قال قلت لأبي جعفر عليه السّلام ما تقول في الملح فيه، زعفران للمحرم، قال عليه السّلام لا ينبغي للمحرم ان يأكل شيئا فيه زعفران و لا يطعم شيئا من الطيب. (1) و عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا تمس ريحانا و أنت محرم و لا شيئا فيه زعفران و لا تطعم طعاما فيه زعفران (2) و النهى عن مس الريحان في هذه الرواية حمل على الكراهة و ان كان ظاهرا في الحرمة الا ان يكون عطره شديدا بحيث يصعد الى المحرم بالمس و عن حماد بن عثمان قال قلت لأبي عبد اللّه انى جعلت ثوبي إحرامي مع أثواب قد جمرت فأخذ من ريحها قال عليه السّلام فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها (3) فهل المراد من الرواية كل طيب و ان لم يكن من الأربعة أو الخمسة أو الطيب المخصوص الذي كان جعله في ثوبه، و الظاهر انه كان طيبا مخصوصا و و لا يعم جميع الطيب.

و عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه قال لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك و اتق الطيب في طعامك و أمسك على انفك من الرائحة الطيبة و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة فإنه لا ينبغي لك ان يتلذذ بريح طيبة (4) و دلالة الرواية على حرمة مطلق الطيب بجميع اقسامه و أنواعه تامة لا خفاء فيها، و مثله رواية حريز في الدلالة على حرمة الطيب على نحو العموم من غير اختصاص بالزعفران و الكافور و نحوه (5) روى حماد عن حريز عمن أخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يمس المحرم شيئا


1- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث(2)
2- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث(3)
3- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث 4
4- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5
5- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

ص: 86

من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به، و لا بريح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته و في رواية أخرى لحريز بقدر شبعه يعنى من الطعام (1) و تلك الأخبار دالة على حرمة الطيب على المحرم و وجوب إمساك انفه عنه و حرمة أكل الطعام الذي فيه طيب مطلقا من اى قسم كان و في قبالها أخبار أخر تدل على اختصاص الحرمة بأربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران و اما غيرها فيكره مسّه و الالتذاذ به.

منها ما روى عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن و أمسك على انفك من الريح الطيّبة و لا يمسك عليها من الريح المنتنة فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة و اتق الطيب في زادك فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليعد غسله و ليتصدق بقدر ما صنع و انما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة إلا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به. (2) و الصدر في الرواية و ان كان عاما شاملا لجميع أنواع الطيب الا ان الذيل يخصصه بالأربعة.

و في رواية ابن يعفور عن أبي عبد اللّه قال الطيب المسك و العنبر و الزعفران و العود (3) و عن عبد الغفار قال سمعت أبا عبد اللّه، يقول الطيب المسك و العنبر و الزعفران و الورس (4) و في مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السّلام يكره من الطيب أربعة أشياء للمحرم المسك و العنبر و الزعفران و الورس و يكره من الأدهان الطيبة الريح (5)


1- الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6- 11
2- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8- 14
3- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث 15
4- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 16
5- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث 19

ص: 87

و التحقيق في الجمع بين الطائفتين من النصوص ان يقال ان الحصر بالأربعة في الاخبار انما هو من جهة الغلبة لكثرة استعمالها في التطييب و التلذذ بها، أو لوجوب الكفارة فيها دون غيرها، و اما القول باختصاص الحرمة بالأربعة كما عن الصدوق، أو الخمسة كما عن الجمل و المهذب و الإصباح و الإشارة، و الكراهة في غيرها، تحكيما لأدلة الأربعة على العمومات الدالة على حرمة مطلق الطيب، غير سديد، بل لا يبعد دعوى الإجماع على حرمة الطيب على العموم، وفاقا للمقنعة و كما عن السرائر و المبسوط و الكافي و به ينجبر ضعف بعض الاخبار الناهية عن مسّ الطيب مطلقا، و لا يضر بما ذكرنا التعبير بلفظة لا ينبغي في بعضها لظهورها أولا في الحرمة، و لا أقل من التساوي مع الكراهة، مضافا الى استفادة الحرمة من النهى الوارد في بعضها.

و تدل على عموم الحرمة أخبار أخرى متفرقة في أبواب الفقه، مثل ما نص على ان الميت المحرم لا يمس شيئا من الطيب و لا يحنط كرواية ابن أبي حمزة عن ابى الحسن عليه السّلام في المحرم يموت قال: يغسل و يكفن و يغطى وجهه و لا يحنط و لا يمس شيئا من الطيب (1) و مثل ما روى عن النضر بن سويد عن الكاظم عليه السّلام ان المرية المحرمة لا تمس طيبا. (2) و تعليل عدم البأس، بالفواكه الطيبة، بأنها ليست بطيب كما في رواية عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سالته عن المحرم يأكل الأترج قال عليه السّلام نعم، قلت: له رائحة طيبة، قال: الأترج طعام ليس هو من الطيب. (3)


1- الوسائل الجزء 2 الباب 13- من أبواب غسل الميت الحديث 7
2- الوسائل الجزء 9 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7
3- الوسائل الجزء 9 الباب 26 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 88

في معنى الطيب

ثم ان المراد من الطيب هل هو كل جسم فيه رائحة طيبة، أو ما يتخذ للشم لا للأكل و غيره و بناء على الثاني هل المعتبر ان يكون في زمان صدور الروايات كذلك، أو يكفي اتخاذه للشم و لو في عصرنا، و ان لم يكن في عصر صدور النص موجودا أو مخصوصا للشم، فلكل وجه، الظاهر هو الثاني.

قال الشهيد في الدروس الطيب جسم ذو رائحة طيبة يتخذ للشم غالبا، غير الرياحين كالمسك و العنبر و الزعفران و ماء الورد و الكافور فيخرج به ما كان الغرض منه الأكل و التداوي لا التطيب به كالدارصين و المصطكى و القرنفل فلا يحرم شمه و مسه و قال العلامة في التذكرة: الطيب ما يطيب رائحته و يتخذ للشم كالمسك، و الزعفران، و الكافور و ماء الورد و الأدهان الطيبة، كدهن البنفسج و الورس، و يعلم منه ان الاعتبار في الطيب ان يكون معظم الغرض و القصد من

ص: 89

الطيب شمه، و التطييب به، لا الأكل و التداوي.

ثم ان الزعفران المذكور في الروايات، فهل حرمته من جهة الطيب و شمّه، بحيث لو زالت رائحته لا يحرم اكله، و لا شمّه أو هو حرام بنفسه لا من جهة الطيب فلا يجوز اكله و ان زالت رائحته وجهان.

الظاهر ان ذكر المسك و الزعفران و غيره، في الروايات كما أشرنا إليه من باب المثال، و انه من مصاديق الطيب، لا لخصوصية فيهما، كما، عن الشهيد حيث مثل لما يتخذ للطيب، بالمسك، و الزعفران و العنبر و الورس، و هو الظاهر من رواية حماد أيضا، الدالة على حرمة مس كل شي ء من الطيب، و لكن استعمال كل شي ء بحسبه، فان كان الطيب للأكل، فاستعماله أكله، أو للشم فشمه، و التطييب به، و على كل حال لو زالت رائحة الزعفران بحيث لم يبق منها شي ء و لا اثر لا يصدق استعمال الطيب على شمّه و كذا لو استهلك في الطعام بحيث لم ير منه شي ء لا يصدق عليه أكل الزعفران فحينئذ يجوز اكله.

و اما الفواكه الطيبة، فقد ورد النهى عن اكله على المحرم في بعض الاخبار و عدم البأس في بعض آخر، حتى انه علل بأنه ليس من الطيب، و يقتضي الجمع بينهما حمل النهى على الكراهة، و نفى البأس على الجواز بالمعنى الأعم.

فتحصل من جميع ما قدمناه، ان ذكر الأربعة أو الخمسة في الروايات انما هو من باب المثال، و لا يختص الحرمة بها، بل يعم كل طيب من أنواع الطيب، و الأجسام الطيبة الريح عدي ما استثنى كخلوق الكعبة، أو ما ليس داخلا في الطيب كالريحان على احتمال، و الفواكه الطيبة، فعلى هذا ما ذكره في كشف اللثام من التفصيل بين الأجسام الطيبة الريح، على ما نقله في الجواهر فليس تفصيلا شائعا و لا جامعا و لم يعرف القائل به و لا مأخذ لبعض الوجوه من الوجوه التسعة الاتية.

الأول حرمتها اى الأجسام الطيبة الريح مطلقا، و الثاني حرمتها الا الفواكه،

ص: 90

الثالث حرمتها الا الرياحين الرابع حرمتها الا الفواكه و الرياحين، و الخامس حرمتها الا الفواكه و الرياحين و مالا ينبت للطيب و لا يتخذ منها الطيب، و هي نبات الصحراء و لا ذخر و الأبازير خلا الزعفران، و السادس حرمتها الا الفواكه و الأبازير غير الزعفران، و ما لا يقصد به، الطيب و لا يتخذ منه، و السادس إباحتها إلا ستة، و الثامن إباحتها إلا أربعة، و التاسع إباحتها الا خمسة، و نقل عن العلامة تفصيل آخر، و كذا في محكي المبسوط، نقله في الجواهر من أراد التفصيل فليراجع.

ص: 91

(فيما استثنى من الطيب)
اشارة

استثنى من حرمة استعمال الطيب خلوق الكعبة سواء كان فيه الزعفران أو المسك و غيرهما أم لا، و هو ضرب من الطيب مائع فيه صفرة، استثناه المحقق و غير واحد و نقل عليه الإجماع و تدل النصوص عليه ايضا.

منها ما عن عبد اللّه بن سنان، قال سألت أبا عبد اللّه عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم قال لا بأس و لا يغسله فإنه طهور. (1) و عن يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة قال لا يضرّه و لا يغسله (2) عن حماد بن عثمان قال سئلت أبا عبد اللّه عن خلوق الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام فقال لا بأس بهما هما طهوران (3)


1- الوسائل الجزء 9 الباب 21 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- الوسائل الجزء 9 الباب 21 من تروك الإحرام الحديث 2
3- الوسائل الجزء 9 الباب 21 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 92

و عن سماعة انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة و هو محرم فقال لا بأس به، هو طهور فلا تتقه ان تصيبك. (1) و عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه قال سئل عن خلوق الكعبة للمحرم أ يغسل منه الثوب قال لا هو طهور ثم قال ان بثوبي منه لطخا (2) و الظاهر من تلك الروايات انه لا مانع من اصابة الخلوق ثوب المحرم و يده و لا يجب غسله ايضا لكونه خارجا عن حكم الطيب المحرّم استعماله، و شمه، على المحرم، و هذا هو الظاهر من الأدلة و لكن الكلام في ان المراد من الخلوق المركب من الزعفران و غيره ما كان متصلا بالكعبة و أصاب ثوب المحرم من غير تعمد في ذلك، لا ما كان خارجا عنها، أو المراد ان كل طيب متصل بالكعبة و ان لم يكن خلوقا لا مانع منه و انما ذكر الخلوق من باب المثال و لتعارف استعماله فيها لا لخصوصية فيه.

و الظاهر و كذا القدر المتيقّن من الأدلّة المخصّصة لحكم العموم الدال على حرمة مس الطيب، ما كان متصلا بالكعبة و لم يكن مسه عن عمد بل لاقاه قهرا أو نسيانا و لكن الظاهر من قوله: طهور جواز مسه عمدا و الأصل موافق له.

فرع

لو اضطر إلى أكل ما فيه طيب و لمسه يجب عليه ان يقبض على أنفه فإن الضرورة تتقدر بقدرها و لا اضطرار الى الشم، و يدل على ذلك روايات، منها ما عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ان الطبيب الذي يعالجني وصف لي سعوطا فيه مسك فقال اسعط به (3) و الرواية صريحة في جواز السعوط بما فيه مسك عند الاضطرار و لم يفصل فيها بين ما كان العلاج و التداوي منحصرا به أم لا و لإسماعيل رواية أخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ايضا تدل على جواز السعوط للمحرم


1- الوسائل الجزء 9 الباب 21 من تروك الإحرام الحديث 4
2- الوسائل الجزء 9- الباب 21 من تروك الإحرام الحديث 5
3- الوسائل الجزء 9 الباب 19 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 93

و فيه طيب من دون تقييد، بالاضطرار، و لكن الشيخ حملها على الاضطرار(1) و الحاصل ان مس الطيب و شمّه و اكله عند الاضطرار اليه، لا مانع منه و لا اشكال فيه، إذا انحصر الاضطرار بذلك، أو لم ينحصر، على ما استظهرناه فلو ارتفع الاضطرار يجب عليه ازالة الطيب و غسله فورا، لحرمة الاستدامة كالابتداء كما صرح به بعض و لظاهر قوله صلّى اللّه عليه و آله لمن رأى عليه طيبا اغسل عنك الطيب. (2) ثم انه هل يجب عليه ان يزيله بآلة أو بيد غيره، أو يجوز له إزالته بنفسه، وجهان، فعن الدروس انه يزيله بآلة، أوامر المحل بغسله، و عن المنتهى و التحرير التصريح بجواز إزالته بنفسه و لعله لكونه مقدمة للغسل و الإزالة، لا انه متطيب به، و لما روى في مرسل ابن ابى عمير عن أحدهما عليه السّلام في محرم اصابه طيب فقال لا بأس ان يمسحه بيده أو يغسله (3)

فرع

لو لم يمكن ازالة الطيب إلا بغسله، و لم يكن عنده من الماء ما يكفى للغسل و للطهارة، فهل يصرف الماء في إزالة الطيب و غسله، أو يصرفه في الطهارة، وجهان، ففي المدارك يصرفه لغسله، و يتيمم للطهارة و قال: لأن للطهارة المائية بدلا و لا بدل للغسل الواجب و عن الدروس ان صرف الماء في غسل الطيب، اولى من صرفه في الطهارة و ازالة النجاسة، و هو صريح في عدم الفرق بين الحدث و الخبث الذي لا بدل له ايضا، و احتمل صاحب المدارك وجوب الطهارة المائية و صرف الماء فيها، لان وجوبها قطعي، و وجوب الإزالة و الحال هذه مشكوك فيه، لاحتمال استثنائه للضرورة


1- يقول المقرر أن لإسماعيل ثلث روايات نقلها الوسائل و لكن التأمل يشهد على اتحادها و انها رواية واحدة نقلت متعددة و متكررة لا ان إسماعيل سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام ثلث مرات عن حكم مسئلة واحدة
2- صحيح مسلم الجزء 4 ص 4
3- الوسائل الجزء 9 الباب 22 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 94

كما في الكعبة و المسعى.

و أورد الجواهر بقوله لا يخفى عليك ما في ذلك كله و المتجه التخيير، و لكن الحق ما ذهب اليه الدروس ضرورة ان الوضوء انما يجب إذا كان الماء موجودا فإذا وجب غسل الطيب لا يبقى ماء حتى يجب الوضوء و لو وقع التزاحم بينهما تعين الغسل و يتيمم، و لا يحتاج إلى إحراز الأهمية فيه بل يكشف من الإثبات ان مقام الثبوت ايضا كذلك و لا وجه لما اختاره صاحب الجواهر من القول بالتخيير، و لما احتمله المدارك، من وجوب صرف الماء في الطهارة.

ثم انه لا فرق في حرمة استعمال الطيب و مسّه بين الظاهر و الباطن كالاكتحال بما فيه طيب، و كالاحتقان به.

و اما الجلوس في حانوت فيه طيبه فالظاهر انصراف الأدلة منه، و ان كان الاحتياط الاجتناب عنه، نعم لو كان الريح الطيب شديدا بحيث يشمه كل من يجلس فيه، فلا إشكال في عدم جوازه و اما الاجتياز من سوق العطارين فلا إشكال في جوازه و لا اختصاص بالسوق السابق بين الصفا و المروة بل يعم كل سوق يباع فيه الطيب لعدم شمول الأدلة لذلك كلّه.

ص: 95

(في الرائحة الكريهة)

قد افتى المشهور بحرمة إمساك الأنف عن شمها بل نفى الخلاف فيه، و قال بعض الأحوط عدم الإمساك عنها و نقل صاحب المدارك عن الدروس الحكم بالتحريم.

و منشأ الاختلاف، ما يستفاد من الاخبار من جهة كيفية الدلالة فإنها تدل على ان المحرم لا يمسك انفه عن الرائحة الكريهة و تعرضت لخصوص الجيفة و الرائحة المنتنة و لأجل انها من الصحاح لا يمكن الخدشة في سندها، و لكن قد يخدش من جهة كيفية الدلالة، فتارة يحمل النهى على الحرمة كما هو الظاهر منه في غير المورد و اخرى يقال ان النهى في المقام وارد مورد توهم الوجوب فكما ان الأمر في مقام توهم الحظر لا يكون ظاهرا في الوجوب فكذلك النهي في مقام توهم الوجوب و الإلزام لا يكون ظاهرا في الحرمة فإن الأخبار بعد ما دلت على وجوب الإمساك عن الرائحة الطيبة و ان يمسك المحرم انفه عنها، و ان لا يمس شيئا منها، فقد وردت عدة اخبار تدل على ان المحرم لا يمسك انفه عن الرائحة الكريهة و المنتنة و سيأتي

ص: 96

بعضها، فيمكن حمل تلك الأخبار الدالة على عدم وجوب الإمساك عن الرائحة المنتنة قبال ما تدل على وجوب الإمساك عن الرائحة الطيبة فلا يكون النهى الوارد مورد توهم الأمر ظاهرا في الحرمة، بل يكون ظاهرا في رفع الإلزام و الوجوب.

و لكن التحقيق ان قياس المقام و تنظيره بمورد توهم الحظر في مقام الأمر، قياس مع الفارق، فإن الأمر الوارد في مقام توهم الحظر انما يكون إذا نهى عن شي ء يمكن ان يكون شي ء آخر منهيا عنه ايضا لتساويهما في الجهة المقتضية للنهى، فإذا ورد أمر متعلق بذلك الشي ء الأخر لا يكون ظاهرا في الوجوب، بل يكون ظاهرا في عدم شمول النهى الوارد له، إذا توهم و احتمل شموله له، فحينئذ يقال الأمر وارد في مقام توهم الحظر و كذا النهى الوارد مورد توهم الأمر ضرورة انه انما يصح إذا أمر بوجوب شي ء أو أشياء و احتمل ان يكون شي ء آخر واجبا ايضا لتساويهما في الجهة المقتضية للأمر، فإذا ورد نهى في مثل المورد لا يكون ظاهرا في الحرمة، بل المتبادر منه، عدم شمول الأمر و الإلزام له، و يقال ان النهى وارد مورد توهم الأمر، و ما نحن فيه ليس كذلك فإن الأخبار الدالة على وجوب الإمساك عن الرائحة الطيبة و عن كل طيب التذاذ فيه أو بهجة له، لا يحتمل شموله للرائحة الكريهة و الجيفة المنتنة أصلا، لعدم الالتذاذ بها و النشاط فيها، فإذا ورد نهى يدل على ان المحرم لا يمسك انفه عن الجيفة، لا يصح ان يقال ان النهى هنا وارد مورد توهم الأمر و الإلزام إذ لا توهم لشمول الأمر للمقام للفرق بين المقامين، فالخدشة من تلك الجهة مخدوشة، فلا بد من نقل الاخبار ثم التأمل فيها و قد عقد صاحب الوسائل بابا لذلك و قال باب انه يجب على المحرم ان يمسك على انفه من الرائحة الطيبة، و لا يجوز له ان يمسك على انفه من الرائحة الكريهة و يعلم من عنوان الباب ان صاحب الوسائل إنما استفاد من النصوص عدم جواز الإمساك من الرائحة الكريهة.

1-(منها) صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم يمسك على

ص: 97

انفه من الريح الطيبة و لا يمسك من الريح الخبيثة» (1) 2- و صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تمس شيئا من الطيب إحرامك، و أمسك على انفك من الرائحة الطيبة، و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة» (2) 3- و عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم إذا مرّ على جيفة فلا يمسك على انفه» (3) و هذه الاخبار كما ترى ظاهرة في النهى و لا مجال لما ادعى من انها في مقام توهم الأمر، أو ان الجملة الخبرية لا تدل على الوجوب و الإلزام كما هو مذاق صاحب المستند، و هو و ان كان بعيدا عن التحقيق لما قيل ان الجملة الخبرية آكد في الوجوب من الصيغ الإنشائية و لكنه يلتزم به، و يوجه بالنسبة إلى الوجوب و الإلزام كوجوب الإمساك عن الرائحة الطيبة، إذا أدى بالجملة الخبرية كما في بعض النصوص و اما الرائحة الكريهة فلا وجه لهذا الكلام فيها لورود النهى الصريح عن الإمساك عنها.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 24 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 24 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 24 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 98

لبس المخيط للرجال

اشارة

و منها لبس المخيط للرجال لا خلاف في حرمته على الرجال بل ادعى الإجماع عليه في الجواهر، و عن المنتهى إجماع العلماء كافة عليه، و عن عبد البر أنه لا يجوز لبس شي ء من المخيط عند جميع أهل العلم، و لكنه كما قال عدة من العلماء لم نقف على خبر دال على حرمد لبس المخيط بهذا العنوان على المحرم، و انما نهى عن لبس الثوب و القميص و السراويل و نحوها و في التذكرة يحرم على المحرم لبس الثياب المخيطة عند علماء الأمصار، قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على ان المحرم ممنوع من لبس القميص و العمامة و السراويل و الخف و البرنس لما روى العامة ان رجلا سأل رسول اللّه ما يلبس المحرم من الثياب فقال رسول اللّه لا يلبس القميص و لا العمائم و لا السراويلات و لا البرانس و لا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين و ليقطعهما أسفل من الكعبين (1)


1- سنن البيهقي الجزء 5 ص 49

ص: 99

و يظهر من استشهاد العلامة بقول ابن المنذر متعقبا بالنبوي أنه استفاد حرمة لبس المخيط من المصاديق المنهية من الثياب مثل القميص و السراويل، و لم يستند الى خبر دال على حرمة المخيط بهذا العنوان، إذ لم نجد فيما بأيدينا من النصوص ما ينهى عن لبس المخيط بما هو مخيط، الا ما نقله صاحب المستدرك عن دعائم الإسلام قال روينا عن على بن أبي طالب و محمد بن على بن الحسين و جعفر بن محمد عليهم السّلام: «ان المحرم ممنوع من الصيد و الجماع و الطيب و الثياب المخيطة، و عن جعفر ابن محمد عليهم السّلام انه نهى المحرم عن تغطية من أراد الإحرام الى ان قال و ان يمس طيبا أو يلبس قميصا أو سراويل أو عمامة أو قلنسوة أو خفا أو جوربا أو قفازا أو برقعا أو ثوبا مخيطا ما كان» (1) و لكن رواية دعائم الإسلام لا يعتمد عليها إذا كانت متفردة نعم قد يذكر تأييدا لغيرها. و اما الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة انما نهى فيها عن أثواب مخصوصة مثل السراويل و القميص من دون ذكر المخيط كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم، و لا ثوبا تدرعه، و لا سراويل الا ان لا يكون لك إزار و لا خفين الا ان لا يكون لك نعلين» (2) و في صحيحة الأخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم الّا ان تنكسه» (3) و رواية يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور فقال نعم و في كتاب على(ع) لا تلبس طيلسانا حتى ينتزع أزراره فحدثني أبي أنه، كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل» (4)


1- مستدرك الوسائل ج 2 ص 122
2- الوسائل الباب 35 من أبواب تروك الإحرام الحديث(1)
3- الوسائل الجزء 9 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
4- الوسائل الجزء 9 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 100

و مثلها رواية حماد عن الحلبي عنه عليه السّلام و زاد فيها(فاما الفقيه فلا بأس ان يلبسه) (1) فهل متعلق النهي في الروايات و موضوع الحكم، المخيط بما هو مخيط أو الثوب المخيط بحيث إذا صدق الثوب و لم يكن مخيطا أو كان مخيطا و لم يصدق عليه الثوب لا يكون حراما، أو الموضوع هو كل واحد من عنوان الثوب و المخيط كالثوب و المخيط كل واحد منهما بنفسه متعلق للنهى فكل محتمل.

و الظاهر انه يعتبر ان يكون لباس المحرم ممتازا عن لباس غيره، و ان لا يلبس ما يلبسه المحل، فعلى هذا ان أمكن القول بان عنوان المخيط في كلمات الفقهاء انما هو إشارة إلى الثياب المتعارفة فيكون الملاك في الحكم بالحرمة لبس الثياب المعمولة، المتعارفة بين الناس، و ان قلنا ان المخيط بما هو مخيط المخيط بما هو مخيط هو المناط و الملاك للحكم، فيحرم كل مخيط و ان لم يصدق عليه، الثوب و لم يكن من الثياب المتعارفة، و في صورة الشك و الإجمال و عدم التشخيص فالقدر المتيقن اعتبار تحقق العنوانين في متعلق الحكم، و الحرمة، بأن يكون ثوبا مخيطا متعارفا بينهم، فإن الأدلة العامة و الصحاح، لا تشمل ما كان خارجا عن المتعارف و ان كان مخيطا، الا ان يتمسك بما رواه الدعائم مدعيا انجباره بالإجماع و عمل الأصحاب بحرمة المخيط مطلقا، أو يقال ان في مثل السراويل و القباء يمكن التمسك بإطلاق الدليل، و دعوى شموله لما لا يكون مخيطا بعد صدق الثوب، و اما في ثوبي الإحرام فحيث ان السيرة مستمرة على كونهما غير مخيطين فيحرم لبس ما كان مخيطا، و ان قلت خياطته، و لم يصدق عليه الثوب عند العرف، من دون حاجة الى دليل آخر و بالجملة إذا كان إطلاق في البين بالنسبة الى ما يلبسه المحرم يؤخذ به، و الا فالقدر المتيقن ان يجتمع فيه عنوان الثوب و المخيط، بل الظاهر من رواية الدعائم أيضا ذلك حيث عبر فيها بالثياب المخيطة.

و اما الطيلسان الذي لا خياطة فيه و لكنه مزرور فهل يصدق عليه المخيط أم لا


1- الوسائل الجزء 9 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 101

، يمكن القول بان مورد الإجماع الثوب المخيط و لا يصدق المخيط على ماله أزرار فقط كما عن المراسم حيث قال ان المنصرف من الدليل الثوب المخيط.

روى يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور فقال نعم، و في كتاب على لا يلبس طيلسانا حتى ينزع أزراره فحدثني أبي انه انما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه، فاما الفقيه فلا بأس عليه» (1) يستفاد من قوله عليه السّلام انما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل، ان المنع التنزيهي انما هو من جهة شدة على جسده لا من جهة اللبس لعدم كونه من الثياب المتعارفة و عدم صدق المخيط على ماله أزرار فقط، و ملخص ما تقدم من البحث انّه من الممكن ان يكون المنهي عنه هو الثوب المخيط لا نفس المخيط و بذلك يظهر لك وجه إلحاق الأصحاب بالمخيط من الثوب ما يشبهه كالدرع المنسوج و الملصق بعضه على بعض و اللبد.

و اما الهميان فيجوز شده على الوسط و ان كان مخيطا لعدم كونه من الثياب المتعارفة و انصراف كلمات الأصحاب عنه، و عدم شمول الأدلة له مضافا الى الاخبار المأثورة في المقام.

1- منها: ما عن يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يصير الدراهم في ثوبه قال نعم و يلبس المنطقة و الهميان» (2) 2- و رواية يعقوب بن سالم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يكون معى الدراهم فيها تماثيل و انا محرم فاجعلها في هميان و أشده في وسطى فقال لا بأس أو ليس هي نفقتك و عليها اعتمادك بعد اللّه، عز و جل» (3) و اما العمامة فليس من الثياب المتعارفة و لا من المخيط المحرم إذا شده على


1- الوسائل الجزء 9 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3
2- الوسائل الجزء 9 الباب 47 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
3- الوسائل الجزء 9 الباب 47 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 102

وسطه أو على كتفه و ليس في الاخبار ما يدل على حرمته بل يظهر من بعضها جوازه كما عن عمران الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم يشد على بطنه العمامة و ان شاء يعصبها على موضع الإزار و لا يرفعها الى صدره» (1) و ما روى عن ابى بصير المرادي من عدم الجواز فهو محمول على الكراهة أو على رفع العمامة إلى الصدر، أو على كونها حريرا قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم سيشد على بطنه العمامة قال لا» (2) و قد حمل على ما ذكر فلا تعارض ما تقدم عن عمران الحلبي مضافا الى عدم شمول الأدلة العامة لها فإن العمامة إذا شدت على البطن و لم ترفع الى الصدر لا تشبه، بالثياب المتعارفة و اما التوشح و التدثر فالظاهر صدق الثياب عليه فيكون حراما بخلاف الافراش بالمخيط و ما يشبه الرداء و غيره من البطانية و نحوها هذا تمام الكلام في لبس المخيط بالنسبة إلى الرجال و اما حكم المخيط بالنسبة الى النساء فسيأتي إنشاء اللّه تعالى.


1- الوسائل الجزء 9 الباب 72 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- الوسائل الجزء 9 الباب 72 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 103

حكم المخيط بالنسبة إلى المحرمة
اشارة

(هل يحرم على النساء المحرمات لبس المخيط كما يحرم على الرجال) ففيه خلاف قال المحقق الأظهر الجواز اضطرار أو اختيارا، و في الجواهر بل هو المشهور شهرة عظيمة و لا يبعد دعوى الإجماع في المسئلة لندرة المخالف و معروفية نسبه كالشيخ في النهاية، التي بناؤه فيها ذكر متون الاخبار لا اجتهاداته، مضافا الى انه قد رجع عنه في ظاهر المبسوط في القميص بل عن موضع آخر منه في مطلق المخيط، على ان عبارة النهاية غير صريحة فيما نقل عنه.

قد يستدل للجواز باختصاص المنع بالرجال و عدم ذكر المرأة في النصوص و لكنه مدفوع بان المذكور في الاخبار هو عنوان المحرم، و هو عام شامل للرجال و النساء الا ان يقال ان مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي الفرق بينهما، فلا يشمل المحرم للنساء المحرمات و لا أقل من الإجمال في الأدلة لذلك الاحتمال، كما ان الاستدلال بقاعدة الاشتراك مع احتمال الفرق كذلك، و لو سلمنا القاعدة أو

ص: 104

دعوى ارادة الجنس من المحرم يكون المتبع الأخبار الدالة على جواز لبس المخيط للنساء.

و منها رواية يعقوب بن شعيب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، المرية تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخزّ و الديباج فقال نعم لا بأس به و تلبس الخلخالين، و المسك» (1) و رواية النضر بن سويد عن ابى الحسن عليه السّلام قال: «سالته عن المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب، قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران، و الورس و لا تلبس القفازين» (2) و رواية أبي عيينة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سالته ما يحل للمرأة ان تلبس و هي محرمة، فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير، قلت: أ تلبس الخز قال: نعم» (3) و عن عيص بن القاسم قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة المحرمة تلبس ما شائت من الثياب غير الحرير و القفازين» (4) فهذه الاخبار تدل على جواز لبس المخيط للنساء و اما الجورب فهل هو من الثياب أم لا فان كان من الثياب تشمله الأدلة الدالة على جواز لبس الثياب كلها للنساء، و ان كان المنع من جهة ستره ظهر القدم شاملا له أيضا، إذ يخصص ذلك بما تقدم من الاخبار(5)


1- الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2
3- الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3
4- الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9
5- لو كان الجورب من الثياب المعمولة تدل على جواز لبسه الأخبار الدالة على ان النساء يلبسن الثياب كلها و اما لو شككنا في ذلك فلا يجوز لبسه لشمول الدليل المانع عن لبس ما يستر ظهر القدم

ص: 105

و يستفاد من تلك الاخبار حكمان آخران، أحدهما جواز لبس الحرير للنساء، و قد تقدم الكلام فيه، و الثاني حرمة لبس القفازين لهن، كما هو ظاهر النهى.

و المراد بالقفازين ما يعمل لليدين يحشى بقطن، و يكون له أزرار تزر على الساعدين حفظا من البرد تلبسه المرية في يديها.

و عن الأزهري القفازان شي ء تلبسه نساء الاعراب في أيديهن يغطى اصابعهن و أيديهن مع الكف، و الظاهر من التعاريف ان القفازين ما يسمى بالفارسية به دستكش، تلبسه المرية حفظا عن البرد.

و قد يقال ان معنى القفازين غير واضح لاختلاف معناه عند أهل اللغة، و قد قيل ان القفازين من جنس الزينة يعمل لليدين و لذا نقل عن المستند انه مع الشك في حقيقة معنى القفازين لا يكون الخبر دليلا على النهى و الحرمة.

و لكنه غير وجيه لانه بعد العلم إجمالا بحرمة أحد المصداقين تقتضي القاعدة الاحتياط، بالاجتناب عن كليهما مضافا الى انه قد تسالم الفقهاء على انهما مثل ما يقال له بالفارسية دستكش يلبسه الناس غالبا في أيديهم فلا إجمال في معناه فيكون حراما لبسه كما ادعى الإجماع عليه في صريح الخلاف و الغنية و لا يمنع عن الحكم بالحرمة التعبير بالكراهة في بعض الروايات لإرادة الحرمة منها ايضا.

ثم انه قد ردف القفازين بالبرقع في الحكم بالحرمة في الروايات كرواية أبي عيينة عن الصادق عليه السّلام كما تقدم و في رواية يحيى بن ابى العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه كره للمرئة المحرمة البرقع و القفازين (1) و عن العلامة في التذكرة انه يحرم عليها البرقع فيعلم انه استفاد الحرمة من الكراهة أيضا في أحد الخبرين و لكن في الجواهر انه لم يحضرني إلى الان موافق له، على التحريم، بل لعل ظاهر اقتصار غيره على القفازين خلافه، مع ضعف الخبرين و عدم اجتماع شرائط الحجية فيهما


1- الوسائل الجزء 9 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

ص: 106

يمكن ان يقال ان التسامح في أدلة السنن إذا كان جاريا في الكراهة أيضا يصح القول بكراهة البرقع للنساء، و الا فمقتضى السياق حرمته كما في القفارين الا ان يتمسك بالإجماع على الكراهة، هذا إذا لم يكن البرقع لحفظ نظر الأجنبي، و الا فلا اشكال فيه.

فرع:

يجوز لبس الغلالة للحائض و هو ثوب رقيق يلبس تحت الثياب صونا لاصابة دم الحيض الثياب، بلا خلاف بل ادعى الإجماع حتى ممن منع المخيط لهن كالرجال، و استدل له بالأصل، و تدل الرواية ايضا على جواز لبسها.

عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «تلبس المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة». (1)

و اما السراويل فيجوز لهن لبسه و لا خلاف فيه.

و اما الرجل فيجوز، له لبسه إذا لم يجد إزارا و ذلك ايضا لا خلاف فيه بل إجماع العلماء عليه، و تدل الاخبار عليه ايضا.

و هذا لا كلام فيه و انما البحث في انه هل يجب عليه، شق السراويل ثم لبسه إذا لم يجد إزارا كالخف إذا اضطر الى لبسه يشق ظهر القدمين أم لا الظاهر هو الثاني، لعمومية الدليل، ثم انه إذا كان له رداء طويل يستر ظهر القدمين فهل يجوز ايضا لبس السراويل عوضا عن الإزار أم لا، الظاهر الأول لشمول إطلاق الأدلة فعلى هذا يكون كمن ليس له إزار أصلا فيلبس السراويل بدلا عن الإزار بناء على وجوب لبس الثوبين فيكون من باب العزيمة لا الرخصة و قد تقدم في الجزء الأول ما ينفع في المقام فراجع


1- الوسائل الجزء 9 الباب 52 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 107

حكم الخنثى المحرم في لبس المخيط

و اما الخنثى فقيل كما عن جماعة يجوز له لبس المخيط للشك في كونه مصداقا للرجل لكن الظاهر انه يجب عليه ترك كل ما يختص حرمته بالمحرم و كذا ما يختص بالمحرمة و ما يشترك بينهما للعلم الإجمالي الموجب لذلك و توضيحه ان الخنثى المحرم يعلم اما بحرمة لبس المخيط عليه أو ستر الوجه فيجب عليه ان يترك المخيط و ان لا يستر وجهه لأن إحرام المرأة في وجهها و يحتمل كونه امرأة فيجمع بين تكليف المرأة و الرجل.

و اما ستر الرأس الذي يجب على المرأة و يحرم على الرجل حال الإحرام فيتخير بين الوظيفتين الا ان يوجد ما يوجب تقديم أحدهما كما لو كان ناظر أجنبي ينظر اليه فيقدم جانب الحرمة و يستر رأسه و اما القول بوجوب ستر الرأس دائما و إعطاء الكفارة فغير صحيح فان ستر الرأس حرام على المحرم ذاتا كما في حنث النذر مع ترتب الكفارة عليه و لا يجوز

ص: 108

ارتكابه من دون مجوز و أمر أهم و قد يقال ان محرمات الإحرام ثابتة على المحرم على نحو العموم خرجت منه المرأة فيتمسك بعموم الحرمة في الخنثى للشك في كونه امرأة و هذا الاستدلال انما يتم إذا كان الشك في مفهوم المخصص كما إذا شك في ان مفهوم الفاسق هو المرتكب للكبيرة فقط أو يشمل مرتكب الصغيرة أيضا فعند ذا يتمسك بعموم أكرم العلماء و لا تكرم الفساق منهم في ما إذا شك انه فاسق أم لا للإجمال في معناه.

و اما إذا علمنا المفهوم من المخصص و شككنا في مصداقه كما لو علمنا في المثال المذكور ان زيدا عادل و ان عمرا فاسق و لكن لم يتبين ان هذا عمرو أو زيد فحينئذ لا يمكن ان يتمسك بالعام و ليس هذا الا تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية الذي لا يرتضيه المحققون و لا يقبلونه الا بعض منهم.

و الشك في حكم الخنثى في المقام من مصاديق الشبهة المصداقية إذ الإجمال في مفهوم الرجل و المرأة، و الخنثى ليس طبيعة ثالثة بل هو اما من جنس المرأة أو من جنس الرجل و لذا كان الإمام أمير المؤمنين يرجع في تشخيص المصداق الى العلائم و لا يصح التمسك بالعام لتعيين المصداق إذ كل عام بعد ورود التخصيص عليه ينحل الى خاصين يحتاج كل واحد منها في العمل بهما الى صدق الموضوع و تعيينه كما في أقيموا الصلاة بعد تقسيمه الى الحاضر و المسافر فان كان في المقام قدر متيقن من المخصص يؤخذ به و يبقى الزائد تحت العام و اما في الشبهة الابتدائية فيرجع الى الأصل و اما في مثل المورد و تعلق العلم الإجمالي بأن الخنثى اما رجل أو امرأة فيجب العمل بمقتضاه و هو الجمع بين الوظيفتين و العمل بهما مع التمكن منهما و الا فيتخير أو يقدم الأهم منهما كما أشير إليه هذا حكم المختار و اما المضطر الى لبس المخيط فسيأتي حكمه

ص: 109

(حكم الاضطرار الى لبس المخيط)

يجوز للمضطر ان يلبس المخيط كما إذا لم يكن له إزار يتزر به فإنه يجوز له ان يلبس السراويل عوضا عن الإزار كما تدل عليه النصوص:

1- ففي صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزره و تدرعه و لا تلبس سراويل الا ان لا يكون لك أزرار و لا خفين الا ان لا يكون لك نعلان» (1) 2- و خبر حمران عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار و يلبس الخفين إذا لم يكن معه نعل» (2) و يبحث حول الروايتين من جهتين الاولى انه هل يجب عليه ان يشق السراويل بحيث يخرجه عن صدق عنوان الثوب عليه و يكون مثل الإزار كما يجب


1- الوسائل الجزء 9 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2
2- الوسائل الجزء 9 الباب 50 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 110

شق الخفين أو لا يجب ذلك؟ الظاهر ان الروايتين مطلقتان في الدلالة على جواز لبس السراويل و لا ذكر فيهما من شقها نعم نقل عن بعض وجوب شقها عليه بحيث تخرج عن هيئة السراويل و يكون كالإزار الجهة الثانية ان إطلاق الروايتين هل يشمل من كان له رداء طويل يستر الركبتين بحيث لا يحتاج في ستر العورتين إلى شي ء آخر و لكن من جهة اعتبار الثوبين في الإحرام يحتاج إلى إزار أو لا يشمل هذا المورد؟ الظاهر ان إطلاقهما يشمل المقام ثم ان جواز لبس السراويل إذا لم يكن معه إزار هل هو من باب الترخيص و التخصيص للروايات الدالة على حرمة لبس الثياب أو الظاهر من الروايتين إيجاب اللبس و إلزامه عليه بدلا عن الإزار بعد ما يجب لبس الثوبين في الإحرام؟

الظاهر هو الثاني لأن فتاوى العلماء ليست صريحة في جواز اللبس فقط بل هم يقولون بلبس السراويل عوضا عن الإزار المعتبر في الإحرام و الثوبين الواجبين فيه و ليس كالخف الذي يشق و يلبس عند عدم النعل لعدم كونه من ثياب الإحرام بخلاف المقام فان الرداء و الإزار من ثيابه و مما لا بد منه فيه و اما الخف يمكن ان يلبسه و له ان يمشى حافيا و لا يلبسه

(في حكم عقد الرداء و الإزار)

هل يجوز عقد الرداء و الإزار من ثياب الإحرام أم لا و قد تعرضنا للمسألة في الشرائط المعتبرة في ثوبي الإحرام في الجزء الأول الا ان بعض المريدين لزيارة بيت اللّه الحرام طلب ان يبحث حولها في المقام لكي يتضح الحال على حسب ما يساعده المجال فأقول:

اما العقد فقد اختلف فيه فقال بعض بالجواز مطلقا و آخر بعدمه كذلك و لكن كثيرا من الأصحاب اختاروا عدم الجواز في الرداء و اما الإزار فذهبوا الى جواز عقده و منشأ الخلاف الأخبار الواردة في المقام و لا بد من التأمل فيها دلالة و سندا

ص: 111

و قد عقد صاحب الوسائل بابا للمسألة و قال باب عدم جواز عقد المحرم ثوبه إلا إذا اضطر الى ذلك لقصره و يعلم من كلامه ان عقد المحرم ثوبه لا يجوز الا للمضطر و لم يفرق بين الرداء و الإزار و كيفية العقد و محله و المهم نقل الاخبار:

1- منها: رواية سعيد الأعرج انه سأل أبا عبد اللّه عليه عن المحرم يعقد إزاره في عنقه قال لا (1) و في الرواية احتمالان أحدهما ان المراد من الإزار هو الرداء بقرينة ان عقد الإزار في العنق مما لا يتعارف و لا ربط له بالعنق و لا يناسبه بل هو يشد في الوسط و الاحتمال الثاني ان المقصود من الإزار ما هو المعمول و المتعارف و يمكن عقده في العنق إذا كان طويلا و عريضا.

ثم ان عقد ثوب الإحرام سواء كان رداء أو إزارا قد يكون بعد العقد كالقميص و يشبه الثوب المتعارف غير حال الإحرام كما يتحقق في الرداء فحكمه حكم الثوب الممنوع لبسه حال الإحرام و لا يكون العقد بما هو عقد حراما نعم يبعد تحقق ذلك في الإزار إلا إذا كان طويلا و لفه على عنقه و القى بعض أطرافه على كتفه و ستر ذيله الركبتين أيضا فحينئذ: يشبه بالرداء و يخرج عن كونه إزارا و اما لو عقد الإزار في الوسط و القى طرفيه أو طرفا منه على عنقه لا يعد رداء و لكن يجي ء الكلام في انه هل يخرج بذلك عن شكل الإزار و هيئته و يكون كالاثواب المتعارفة أو يبقى على حاله فبناء على الأول يكون النهى متعلقا بالعقد لأجل تغييره شكل الإزار و هيئته لا لنفسه و اما بناء على الثاني يكون العقد بما هو عقد حراما و متعلقا للنهى و لا يبعد دعوى الثاني و ان الظاهر كون العقد منهيا عنه بنفسه و ذاته ثم انه بناء على حرمة العقد بنفسه هل يختص بالعقد في العنق كما ذكر في رواية سعيد الأعرج أو المراد حرمة العقد في ثوب الإحرام سواء عقده في العنق


1- الوسائل الجزء 9 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 112

أو غيره؟ الظاهر انه بعد ما اخترناه من ان العقد في العنق لا يخرج الإزار عن هيئته و لا يجعله و لا الرداء كالثوب المتعارف و ان الحرمة لأجل نفس العقد لا يبعد القول بحرمته في ثوبي الإحرام سواء عقده في العنق أو في غيره و ذكر العنق في الرواية انما هو لكونه انسب لهذا الأمر و أسهل له لا لخصوصية فيه موجبة للحرمة.

و رواية عبد اللّه بن ميمون القداح عن جعفر عليه السّلام ان عليا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلى فيه و ان كان محرما (1) المستفاد من المفهوم في الرواية ان ثوب الإحرام إذا لم يكن قصيرا لا يجوز عقده فان تمت دلالة المفهوم يكشف عن ان عقد ثوب الإحرام إنما يجوز إذا اضطر إليه لأجل ستر العورة و غيره لا حال الاختيار و اما قصر الثوب من جهة الطول لعله لا يحتاج الى العقد بل انما يحتاج و يضطر إليه إذا كان العرض قليلا و لا يلتقي الطرفان على قدر ما يستر العورة في جميع الحالات في السجدة و غيرها من عقد فيعقد في الوسط بين الرجلين حتى يستر ما هناك كما في رواية الاحتجاج الاتية فعلى هذا تحمل الرواية على صورة الاضطرار و عدم التمكن من الصلاة و ستر العورة بدون عقد الإزار.

و رواية الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام انه كتب إليه يسأله عن المحرم يجوز ان يشد المئزر من خلفه على عنقه(عقبه) بالطول و يرفع طرفيه الى حقويه و يجمعهما في خاصرته و يعقدهما و يخرج الطرفين الأخيرين من بين رجليه و يرفعهما الى خاصرته و يشد طرفيه الى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك و هذا أستر فأجاب عليه السّلام جائز. ان يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض و لا ابرة تخرجه به عن حد المئزر و غرزه غرزا و لم يعقده و لم يشد بعضه ببعض و إذا غطى سرته و ركبته كلاهما فإن السنة


1- الوسائل الجزء 9 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 113

المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة و الركبتين و الأحب إلينا و الأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا ان شاء اللّه تعالى (1) و يعلم من الرواية أمران أحدهما أن إخراج الإزار عن حد المئزر لا يجوز بأي نحو كان و لا دخل بالإبرة و المقراض في ذلك و لا خصوصية لهما إلا انهما من الآلات المعمولة في هذا الطريق و كذا يعلم ان العقد لا يجوز في غير الضرورة لقوله عليه السّلام و لم يعقده و لم يشد بعضه ببعض و في رواية أخرى عنه عليه السّلام انه سأله هل يجوز ان يشد عليه مكان العقد تكة فأجاب عليه السّلام لا يجوز شد المئزر بشي ء سواه من تكة أو غيرها (2) و رواية قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال:

المحرم لا يصلح له ان يعقد إزاره على رقبته و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده (3) اما التكة المذكورة في رواية الحميري التي لا يجوز شد الإزار بها فهل كانت متصلة بالإزار كما هو المعمول عند العجم و كانت مشدودة عليه فغير معلوم و اما إلقاء الإزار على الرقبة و الكتف الذي تدل على عدم جوازه رواية على بن جعفر لا بد من حمله على ما يخرج الإزار عن شكله به كما هو كذلك إذا كان الإزار طويلا و اما عقده فرواية سعيد المتقدمة صريحة في عدم جوازه و اما ما يستفاد من رواية ابن ميمون القداح من ان عليا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بعقد التوب إذا قصر فان كان مطلقا فيعارض ما يدل على عدم جواز العقد و يحمل على الكراهة بناء على تكافؤ السند في الروايات المانعة و اما إذا كان مقيدا بصورة الاضطرار كما أشير إليه فلا تعارض في البين و يقال بحرمة العقد حال الاختيار و بالجواز عند الاضطرار و على كل حال ترك العقدان لم يكن أقوى فهو أحوط و لا


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 53 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 53 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 53 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 114

فرق بين الإزار و الرداء في ذلك ثم انه لو قلنا بإجمال الأدلة أو تعارضها في المقام أو عدم ظهورها في الحرمة و شك في حرمة العقد و عدمه فهل الأصل يقتضي البراءة أو الاحتياط وجوه فان كان الشك في ان العقد حرام أم لا بمعنى ان لبس الإزار المعقود حال الإحرام حرام تكليفا أم ليس كذلك فالأصل الجاري في المقام البراءة من التكليف للشك فيه و عدم الدليل عليه و هذا يتحقق بعد الإحرام و اما إذا كان الشك في ان الثوب الواجب لبسه في الإحرام هل يشترط فيه ان يكون غير معقود أو لا يشترط فيه ذلك فعلى قسمين تارة يشك حين ما يريد الإحرام في ان الثوب المعقود إزارا كان أو رداء هل يصح الإحرام فيه أم لا لاشتراط كونه غير معقود احتمالا و اخرى يشك بعد القطع بانعقاد الإحرام في ان ثوب الإحرام يشترط بكونه غير معقود زائدا على ما يشترط و يعتبر في انعقاد الإحرام فعلى الثاني يكون الشك في الأقل و الأكثر الارتباطي يأتي فيه ما يجرى هناك و اما على الأول فالأصل الاحتياط بناء على ان الإحرام مسبب عن أمور عديدة وجودية و عدمية و الشك في احديها يستلزم الشك في حصول المسبب.

ص: 115

في الاكتحال

اشارة

و مما يحرم حال الإحرام الاكتحال و به قال جمع من الفقهاء و منهم المفيد و الشيخ و ابن إدريس و ابن حمزة و غيرهم و عن بعض القول بالكراهة و في المسئلة تفصيل آخر يأتي أثناء البحث ان شاء اللّه.

لا بد قبل الورود لنقل الاخبار و الأقوال من تقديم بيان و هو ان الاكتحال على ثلاثة أقسام فإنه قد يكون بالسواد الذي يعد زينة عرفا و قد يكون بما فيه طيب و رائحة طيبة و ثالثا يكون بما لا يعد زينة عند العرف و ليس فيه طيب و هل الخلاف في حكم جميع الأقسام الثلاثة أو في بعضها و ما يمكن ان يقال بجوازه قطعا هو القسم الثالث إذ لم يقل أحد بحرمته و اما القسم الأول أي الأكحال بالذي يعد زينة فقال بعض انه حرام مطلقا قصد الزينة به أم لا و فصل بعض بين ما قصد به التزين و ما لم يقصده به فحكم بالحرمة في الأول دون الثاني و نقل عن الاقتصاد و الجمل و العقود و الخلاف و الغنية و النافع انه مكروه للأصل بعد حمل النهى عنه في الروايات على الكراهة بل نقل عن الشيخ دعوى

ص: 116

الإجماع عليه.

و فصل بعض بين الاختيار و الاضطرار و الحاجة إليه فجوز في الثاني دون الأول.

و اما القسم الثاني أي الاكتحال بما فيه طيب فالمشهور انه حرام و عن التذكرة و المنتهى الإجماع عليه بل قيل قد تعطي النهاية و المبسوط الحرمة و ان اضطر اليه.

و نقل عن الإسكافي و الشيخ و القاضي القول بالكراهة مستدلين له بالأصل بعد زعم خروجه عن استعمال الطيب عرفا لاختصاصه بالظواهر و في الجواهر بعد نقله ذلك منهم قال و هو واضح الضعف للإجماع بقسميه على حرمة مسه و لو بالباطن و الكفاية النص الخاص في المقام ثم انه هل يختص الحرمة في الاكتحال بما فيه طيب بالأربعة المذكورة في الروايات المسك و العنبر و الزعفران و الورس أو يجري البحث في كل طيب و ان زال ريحه وجوه بل أقوال و مستند الجميع الأخبار الواردة في المقام و كيفية الاستفادة منها فلا بد من ذكرها لكي يتضح الحكم بالحرمة أو الكراهة و اختصاصهما بالاختيار و غيره و لا يخفى ان البحث في المقام من جهة الاكتحال فقط لا من جهة التزين فإنه بحث أخر سيجي ء إنشاء اللّه يمكن الاستدلال لحرمة الاكتحال بما فيه طيب بالعمومات الدالة على حرمة مس الطيب على المحرم سواء كان عاما أو منحصرا بالأربعة أو الخمسة بإضافة الكافور على ما ذكر مضافا الى النصوص الخاصة.

و دعوى انصراف العمومات عن استعمال الطيب في الباطن مثل العين ضعيفة جدا لا سيما إذا كانت الرائحة بارزة يشمها الغير و لم نجد من ادعى ذلك صريحا.

نعم استعماله في الباطن بحيث لا يظهر و لا يوجد منه أثر في الخارج كالاحتقان بما فيه طيب كما في الجواهر و التزريق بالإبرة المعمولة في التداوي و المعالجات

ص: 117

الطبّية يمكن دعوى الانصراف عن مثلهما و اما عن مثل العين فهي بعيدة و اما النصوص الخاصة فقد عقد في الوسائل بابا لذلك و قال باب تحريم اكتحال المحرم و المحرمة بما فيه طيب و بالكحل الأسود للزينة و جواز اكتحالهما بما سواهما و بهما للضرورة.

و منها صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يكتحل و هو محرم ما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأما للزينة فلا (1) الرواية ظاهرة في ان الاكتحال بما فيه طيب يوجد ريحه لا يجوز للمحرم على ما يستفاد من المفهوم، و عدم وجود الرائحة مطلق يشمل مالا رائحة له طبيعتا أو زالت لعارض و اما للزينة و بقصد التزين فصريح المنطوق النهى عنه و اما إذا لم يكن لزينة فالظاهر ان ما يكتحل به عادة للزينة و يعد في العرف تزينا فهو حرام و لا اثر للقصد و عدمه فيه كما يظهر من الروايات الاتية أيضا.

في صحيحة زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال تكتحل المرأة بالكحل كله الا الكحل الأسود للزبنة (2).

و ظاهر الصحيحة حرمة الاكتحال بالأسود إذا كان بقصد التزين به لا بدونه فان دل دليل على حرمة الاكتحال بالأسود مطلقا و لو لم يقصد التزين به يرفع اليد عن ظاهرها.

ثم ان الصحيحة هل تشمل كل الكحل حتى ما كان فيه طيب أم لا الظاهر ان قوله عليه السّلام بالكحل كله عام شامل لجميع أقسام أنواع الطيب حتى ما يوجد ريحه فيقيد بما تقدم في رواية معاوية بن عمار من قوله ما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 118

و رواية عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول يكتحل المحرم ان هو رمد يكحل ليس فيه زعفران (1) و رواية هارون بن حمزة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران و ليكحل بكحل فارسي (2).

و رواية أبان عمن أخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا طيب (3) و رواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر قال يكتحل المحرم عينه ان شاء بصبر ليس فيه زعفران و لا ورس (4) و كل هذه الروايات تدل على منع الاكتحال و حرمته على المحرم و المحرمة و انه لا فرق بين الرجل و المرأة، و ذكر المحرم في بعض الروايات إنما أريد به الجنس الشامل للرجل و المرأة لا خصوص الرجل نعم يظهر من رواية أبي بصير الفرق بين المحرم و المحرمة و لكنها لا تقاوم ما تقدم من الاخبار العامة و الخاصة المصرحة فيها بعدم الفرق بينهما.

روى أبو بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس للمحرم ان يكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا كافور إذا اشتكى عينيه و تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كله الأكحل أسود لزينة (5).

ثم ان تلك الروايات جلها انما تدل على حرمة الاكتحال بما فيه طيب و هنا روايات اخرى يظهر منها ان ملاك الحرمة في الاكتحال هو الزينة و التزين به فمنها


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 9
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 12
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 13

ص: 119

رواية حريز عن ابى عبد اللّه قال لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ان السواد زينته (1) و قد تقدم في صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قوله فاما للزينة فلا و في صحيحة زرارة المتقدمة و تكتحل المرأة بالكحل كله الا كحل أسود لزينة و في رواية الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سالته عن الكحل للمحرم فقال اما بالسواد فلا و لكن بالصبر و الحضض (2)

تحقيق المقام

ثم انه بعد الإشارة الى ما تقدم من النصوص الواردة في الاكتحال بالطيب الذي يوجد ريحه و بالسواد للزينة لا بد ان يبحث في ان الاكتحال بما فيه طيب هل هو حرام لأجل الاكتحال بما هو اكتحال أو لأجل أنه استعمال للطيب الذي لا يجوز للمحرم ان يستعمله على ما تدل عليه الروايات العامة مثل رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن و أمسك على انفك من الريح الطيبة (3) و انما ذكر الكحل بالخصوص في كثير من الروايات لئلا يتوهم ان استعمال الطيب في الباطن كالعينين لا تشمله الأدلة العامة فبناء على هذا الاحتمال يكون الحكم في الاكتحال هو الحكم في الطيب الذي مضى البحث فيه مفصلا من اختصاصه بالأربعة المذكورة في الروايات أو الخمسة أو الأعم منها كالمسك و الزعفران و العنبر و الورس أو هي بإضافة الكافور أو الجميع بإضافة العود أو كل ما يعد طيبا و ان لم يكن مما ذكر فان قلنا ان الأربعة الاولى من مصاديق الطيب لها موضوعية في الحكم و الحرمة


1- وسائل الشيعة 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 7
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 120

تدور مدارها فيجب الالتزام به في الاكتحال ايضا سواء كان بالسواد أو بغيره و لا يفرق فيه بين الرجل و المرأة و تخصيص المحرمة بالذكر في رواية أبي بصير و النهى عن كحل أسود انما لغلبة ان الاكتحال به كثيرا ما يختص بالنساء لا الرجال كما ان غير الأسود يستعمل في التداوي و العلاج لا للزينة.

و لكن حققنا في مسئلة الطيب ان الحكم لا يختص بما ذكر في الروايات بل يعم كل طيب و الأربعة المذكورة في الروايات من مصاديقه لا لخصوصية فيها بل يمكن يقال ان العرف في ذلك الزمان كانوا يتطيبون به ففيما نحن فيه ايضا كذلك فالاكتحال بما فيه طيب يوجد ريحه لا يجوز للمحرم سواء كان وردا أو ورسا أو مسكا أو غيرها ممّا ذكر في النصوص نعم الأحوط ترك الأربعة أو الخمسة المذكورة و ان لم يوجد ريحها للتصريح بها و يظهر من بعض الروايات ان الاكتحال انما يحرم لأجل انه من الزينة كما تقدم و اما الزينة بما هي لم تذكر في عداد محرمات الإحرام سواء كانت اربع و عشرين أو أقل و انما ذكرت مصاديق منها كالحناء إذا بقي أثره بعد الإحرام أو الحلي إذا كانت خارجة عن المعتاد و النظر إلى المرآة و التختم لا بقصد السنة و التدهين بما فيه طيب و التطيب بما يوجد ريحه و لعل ذكر هذه الأمور لأجل ان المرء لا يمكن له التزين أو الاكتحال الا بها و في المرأة يتحقق بها و بالخلخال و غيرها و اما المنظار فقد ذكروه في المسئلة و عده بعض من الزينة و بناء على هذا الاحتمال هل يمكن ان يقال ان ما هو المحرم حال الإحرام بالأصالة هي الزينة نظرا الى التعليل المذكور بعد النهى عن بعض تلك الأمور في الروايات من قوله ان السواد زينة أو الأكحل أسود لزينة أو ان السواد من الزينة أو لا يمكن القول به و التعدي من الموارد المنصوصة الى كل ما يعد زينة فان الفقهاء رضوان اللّه عليهم لم يذكروا الزينة بما هي هي من محرمات الإحرام

ص: 121

بل ذكروا المصاديق نعم قيدوها بالزينة فقالوا مثلا لبس الخاتم للزينة أو لبس المرأة الحلي للزينة و هنا احتمال ثالث و هو ان يقال ان الزينة الحاصلة من تلك الأمور حرام على المحرم لا غيرها(1)

في الاضطرار الى الاكتحال

يجوز الاكتحال عند الضرورة و الحاجة اليه و ما يظهر عن بعض من الحرمة هو واضح الضعف و يدل عليه رواية أبان المتقدمة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا طيب (2) و رواية عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سأله رجل ضرير و انا حاضر فقال اكتحل إذا أحرمت قال: لا و لم تكتحل قال: انى ضرير البصر و إذا أنا اكتحلت نفعني، و ان لم اكتحل ضرني قال: فاكتحل، قال فإني أجعل مع الكحل غيره، قال و ما هو، قال أخذ خرقتين فأربعهما فاجعل على كل عين خرقة و أعصبهما بعصابة إلى قفاي فإذا فعلت ذلك نفعني و إذا تركته ضرني قال فاصنعه (3)


1- و يظهر من الروايات الواردة في النظر الى المرآت و التعليل المذكور في بعضها ان الزينة علة الحرمة كما سيأتي إنشاء اللّه
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 9
3- وسائل الشيعة ج 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 10

ص: 122

في النظر الى المرات

لا يجوز للمحرم و المحرمة النظر الى المرآت على الأشهر كما عن الصدوق و الشيخ و ابن إدريس و غيرهم بل نسبه غير واحد من الأصحاب إلى الأكثر و قال بعض انه مكروه و اختلف أيضا في ان النظر إلى المرآة حرام مطلقا أو إذا كان للزينة و حيث ان المسئلة مبتلى بها في عصرنا لوجود المرآة في السيارات و الطائرة و وقوع نظر المسافرين عليها ينبغي البحث حولها بالتفصيل و المستند للجميع النصوص الموجودة في المقام منها.

رواية حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تنظر في المرآة و أنت محرم فإنه من الزينة (1) و رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تنظر المرأة المحرمة في


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 34 من تروك الإحرام الحديث

ص: 123

المرآة للزينة (1) و في رواية حريز عن ابى عبد اللّه لا تنظر في المرآة و أنت محرم لانه من الزينة (2) و رواية معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه لا ينظر المحرم في المرآة لزينة فإن نظر فليلب (3) فهل المراد من مدلول الروايات ان المرآة زينة أو النظر إليها بنفسها زينة أما المرآة فليست بزينة بل هي مقدمة لها باعتبار ان من يريد الزينة في العرف ينظر إليها ليرى ما فيه من الغبار و الدرن.

و اما النظر بما هو نظر لا يحسب زينة ايضا بل هو مقدمة لها فلا يتعلق النهي التكليفي به كما لا يتعلق بنفس المرآة بما هي آلة شفافة حاكية نعم غاية ما يمكن ان يقال ان الزينة المطلوبة لا تتحقق الا بالنظر الى المرآة و لتكميل ما هو المطلوب و رفع النقص الموجود نهى الشارع عن المقدمات ايضا لئلا يقع المكلف في الحرمة، و هي الزينة و التزين حال الإحرام، كما نهى عن شرب الخمر و نهى ايضا عن بيع العنب و غرسه و ساقيه و غيره من المقدمات، و كذا في النهي عن الربا و حرمته حرم الكتابة و الشهادة، و في المقام حرم الزينة و لأجل ان لا يقع المحرم في الحرام نهى تكليفا عن النظر إلى المرآة للزينة، لا للتداوي أو رفع ما يوجب الزحمة و النفرة في الوجه و العين و غيره، كما انه في المقدمات العقلية إلى الحرام لا يكون النهى متعلقا بها إلا إذا قصد التوصل، و لهذا قيد و النظر إلى المرآة بالزينة و قصد التزين لأجل ان لا يتحقق في الخارج ما هو المبغوض عند المولى، و اما وجوب التلبية بعد النظر إلى المرآة كما ورد في رواية معاوية بن عمار من قوله فان نظر


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 34 من تروك الإحرام الحديث
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 34 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 34 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 124

فليلب كما تقدم فهو الظاهر من الأمر بها و لكن الإجماع على عدم الوجوب فيحمل على الندب.

و بالجملة المعمول و المتعارف من النظر إلى المرآة انما هو للزينة كما ان المرآة يستعمل غالبا في إيجادها مثل ما ينصب في الدكاكين و غيرها نعم النظر إليها لغسل الوجه أو التداوي لا يعد زينة كما أشير اليه و اما النصوص التي تقدمت ففي بعضها لا تنظر في المرآة و أنت محرم لانه من الزينة و في آخر للزينة.

قد يقال انها مطلق و مقيد فان المستفاد من قوله انه من الزينة حرمة النظر و لو لم يقصدها و اما مفاد قوله للزينة حرمة النظر إلى المرأة قاصدا به الزينة فهل يقيد الإطلاق في الأول بالثاني أم لا قال صاحب الذخيرة بعد ذكر أصل المسئلة: و لا يبعد اختصاص الحرمة بالنظر للزينة جمعا بين الروايات و حمل المطلق على المقيد، و يظهر من بعض الاعلام القول بحرمة مطلق النظر كما يظهر من عدة القول بالكراهة.

و حيث انا أخذنا بظاهر النهي في الحرمة و حملناها عليها فهل يصح تقييد إطلاق العلة كسائر الإطلاق أم لا مثلا إذا ورد ان ظاهرت أعتق رقبة ثم قال ان ظاهرت أعتق رقبة مؤمنة يقيد الرقبة بالإيمان بعد العلم بوحدة المطلوب، و اما لو قيل ان ظاهرت أعتق رقبة لأنه مطلوب للّه ثم ورد أعتق رقبة مؤمنة فهل يصح تقييد الإطلاق في العلة فيكون المعنى ان عتق الرقبة المؤمنة مطلوب للّه أم لا فعلى الصحة لا يبقى إطلاق في العلة و يناسب هذا الاعتبار في المقام ايضا بعد رجوع الضمير في(انه من الزينة) إلى النظر لوضوح أن الزينة في الرواية إنما استعملت في المعنى المصدري لا اسم المصدر، بمعنى ان النظر إلى المرأة تزيين لا زينة حاصلة من أمور أخرى و بناء عليه لا يكون النظر تزينيا بالمعنى المصدري بالشروع فيه الا إذا قصد به التزيين و الا لو نظر لأخذ الشعر من عينه أو لرفع الأذى لا يصدق عليه التزيين أصلا فالإطلاق في كلام الامام لعله باعتبار ان النظر إلى المرآة إذا لم يكن للتداوي و غيره انما هو للزينة

ص: 125

فالرواية لا تشمل غير ما قصد به الزينة.

و بتعبير آخر ان الرواية منصرفة عن النظر لغير الزينة فلا إطلاق لها و لو سلمنا الإطلاق ليقيّد بما ذكر في رواية معاوية بن عمار من قوله للزينة و ليس ظهور رواية حريز في الإطلاق أقوى من ظهور رواية عمّار في التقييد، ثم انه لا فرق في النظر للزينة بين ما صنع للنظر كالمرآة و بين غيرها حتى ان النظر الى الماء الصافي و كل جسم صيقلي كالنظر إلى المرآة في الحكم، كما ان النظر من وراء المنظار إليها كذلك كما في النظر إلى الأجنبية حيث لا يفرق في الحرمة بين النظر إليها بالمنظار أو غيره

ص: 126

في لبس الخفين

اشارة

و يحرم لبس الخفين و الجوربين و كل ما يستر ظهر القدمين على الرجال على المشهور بل عن الذخيرة نسبته الى قطع المتأخرين و عن المدارك إلى الأصحاب و ادعى عدم الخلاف فيه بين الأصحاب كما عن الغنية بل ظاهره نفى الخلاف بين المسلمين فضلا عن إرادة الإجماع منه و هذا مما لا بحث فيه و انما الكلام في ان لبس الخف حرام بما هو خف أو لكونه مخيطا أو لأجل أنه لباس متعارف معمول كما عبر باللبس أو لكونه مما يستر ظهر القدمين.

فان قلنا انه حرام لكونه مخيطا يمكن ان يقال بجواز لبس ما يصنع بالصياغة و القوالب في الفابريكات و اما لو قلنا بحرمته من جهة كونه لباسا متعارفا يحرم مطلقا و لو لم يكن مخيطا بل لو كان من لبد كما اخترناه في اللباس المتعارف و اما إذا كان حراما بما هو خف فلا يفرق فيه ايضا بين المخيط و غيره و هو بالنسبة إلى الرجال كالقفازين بالنسبة الى النساء في حرمة لبسهما فيحرم لبس

ص: 127

الخفين على المحرم كما يحرم لبس القفازين على المحرمة.

و يمكن ان يكون حرمة لبسهما من جهة ان الخف يستر ظهر القدمين ففي الحقيقة تعلق النهى بلبس كل ما يستر ظهرهما سواء كان مخيطا و متعارفا أم لا، و لعله يستظهر من بعض الروايات الدالة على جواز لبس الخفين عند الاضطرار و وجوب شق ظهر القدمين فعلى هذا لو كان خف لا يستر ظهرهما لا يكون لبسه حراما و قد اختار بعض الفقهاء الأخير من الاحتمالات و افتى بحرمة لبس كل ما يستر ظهر القدمين و المهم نقل الاخبار و التأمل في ان الخفين و الجوربين انما ذكرا من باب المثال أو لهما خصوصية في الحكم.

و قد عقد صاحب الوسائل بابا في المسئلة و قال: باب تحريم لبس الخفين و الجوربين على المحرم إلا في الضرورة فيشق عن ظهر القدم ثم نقل اخبارا و منها.

رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال و لا تلبس سراويل الا ان لا يكون لك إزار و لا خفين الا ان لا يكون لك نعلان (1) و صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال و اىّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله ان يلبس الخفين إذا اضطر الى ذلك و الجوربين يلبسهما إذا اضطر الى لبسهما (2).

و ظاهر النهي في الرواية الأولى حرمة لبس الخفين كما في لبس السراويل إلا إذا لم يجد نعلا و اضطر الى لبسهما و مفاد الرواية الثانية جواز لبسهما إذا هلكت نعلاه و الظاهر من هلاك النعل عدمه و احتياجه الى اللبس لا العدم بعد الوجود فيكون مقيد الإطلاق الرواية الأولى إذ يبعد القول بان من كان له نعل ثم هلك يجوز له لبس الخفين دون من لم يكن له


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 128

نعل من الأول.

و كذا الظاهر من صحيحة الحلبي بل الصريح جواز لبس الجوربين إذا اضطر اليه و مفاد ذلك عدم جواز اللبس عند الاختيار و ظاهره الحرمة لا الكراهة و يدل بعض الروايات على ان المحرم إذا اضطر الى لبس الخفين يجب عليه ان يشق ظهر القدم.

روى الكليني بسنده عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل هلكت نعلاه و لم يقدر على نعلين قال له ان يلبس الخفين ان اضطر الى ذلك فيشق عن ظهر القدم (1).

روى الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل قال نعم لكن يشق ظهر القدم (2) و المراد من الشق عن ظهر القدم قطع الخفين عن الساق طويلا كان أو قصيرا لا شق الظهر كما يفصح عنه لفظة عن اى حرف الذي هو للمجاوزة (3).

و لكن الرواية الثانية تدل على وجوب شق ظهر القدم فهل المستفاد من مجموع الروايات المتقدمة ان حرمة لبس الخفين لأجل انهما لباسان متعارفان يلبسهما الناس قبل الإحرام أو لأجل كون الخفين مخيطة أو لسترهما ظهر القدمين وجوه بل أقوال و لكن السياق في الروايات كقوله لا يلبس السراويل و لا الخفين يشهد للقول الأول و ان الخفين كالسراويل و ان كان القدر المتيقن منها الخف و الجوربين الا ان تناسب الحكم و الموضوع يؤيد القول الأول و ان اقتصر بعض العلماء بالخفين و اما الجوربان فلا يستفاد من جواز لبسهما في الضرورة الحرمة حال الاختيار مع إمكان الخدشة في روايته ايضا.

و قال بعض ان رواية الخفين و الجوربين معتبرة سندا و دلالة فأفتى بحرمة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 129

لبسهما فقط و لم يتعد الى غيرهما مما يشابههما في ستر ظهر القدمين و ذهب بعض الى القول الثالث و التعدي من الخفين و الجوربين الى كل ما يستر ظهر القدمين كما يظهر من صاحب الجواهر قدس سره و نقله عن جمع من القدماء ايضا كما أشير إليه ثم قال نعم الظاهر اختصاص الحرمة بما كان لباسا ساتر الظهر القدم بتمامه فلا يحرم الساتر لبعضه و الا لم يجز النعل.

لا يخفى ان استفادة حرمة لبس الخفين على المحرم من الرواية و التعدّي منه الى كل ما يستر ظهر القدمين مشكل حتى مع القول بوجوب شق الظهر لاحتمال ان يكون شق الظهر لتغيير هيئة الخفين و إخراجها عن اللباس المتعارف كما في لبس القباء منكوسا أو مقلوبا حتى يعلم ان لابسها محرم و يكون شعارا كما في تقليد الهدى و شق اذنه و يحتمل ان يكون الشق للستر فيشق ظهر القدمين لئلا يستر الجميع بناء على عدم حرمة ستر البعض و لكنه لا ترجيح للاحتمال الثاني على الأول بل العكس اولى فلا يقطع بحرمة لبس كل ما يستر ظهر القدمين.

ثم انه لو قلنا بحرمة لبس كل ما يستر ظهر القدمين فلا إشكال في إلقاء ثوب الإحرام على رجله و ظهر قدميه أو إلقاء ملحفة أو ستر ظهر القدم باليد و الرجل و اما ستر بعض القدم فأفتى صاحب الجواهر قدس سره بعدم حرمته و قال لا يحرم الساتر لبعضه و الا لم يجز النعل، و دعوى ان حرمة الجميع تقتضي حرمة البعض ممنوعة بعد ان كان العنوان في الحرمة المجموع الذي لا يصدق على البعض انتهى و لا يخفى ما في استدلاله قدس سره اما الأول فلا مانع من القول باستثناء لبس النعل كما يظهر من بعض الروايات ان هذا المقدار من النعل كان لبسه جائزا كما يشعر به قوله رواية الحلبي هلكت نعلاه و في رواية أبي بصير و لم يقدر على نعلين، و اما الدليل الثاني فاستفادة ستر مجموع ظهر القدمين على وصف المجموع بعيد عن الرواية نعم القدر المتيقن في الخفين و الجوربين ستر مجموع ظهر القدم

ص: 130

و اما استظهار ذلك في غيرهما بناء على التعدي منهما فلا يستفاد.

في وجوب شق الخفين و عدمه إذا اضطر الى لبسهما

قيل يجب شق ظهر القدم من الخفين و كل ما يستره كما عن محكي المبسوط و الوسيلة و المختلف و عن الشهيدين و الكركي خلافا للمحقق في الشرائع بل عن ابن إدريس الإجماع عليه و يظهر من بعض الاخبار كروايتي عمار المتقدمة و الحلبي و رفاعة بن موسى جواز اللبس مطلقا من دون وجوب الشق قد يقال ان الإطلاق في هذه الروايات يقيد بروايتي أبي بصير و محمد بن مسلم الدالتين على وجوب الشق فيقدم التقييد على الإطلاق و لكنهما ضعيفان لعدم عمل الأصحاب بهما و عدم التزامهم بوجوب الشق الا ما نقل عن الشيخ و ابني حمزة و غيرهما و ان كان قد يعبر عن رواية الحلبي بالصحيحة مضافا الى الإجماع على عدم وجوب الشق كما ادعاه صاحب الجواهر قدس سره في كتابه و الى ان وجوب الشق موافق للعامة و منهم أبو حنيفة و روى الجمهور عن على عليه السّلام عدم وجوب الشق بل رووا انه عليه السّلام قال: قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما و روى عن عائشة ان النبي رخص للمحرم ان يلبس الخفين و لا يقطعهما (1) و عن صفية كان ابن عمر يفتي بقطعهما فلما أخبرته بحديث عائشة رجع (2) و قد يقال ان حديث القطع منسوخ فإنه كان بالمدينة و ما روته عائشة كان بالعرفات.

تلك الأمور من الموجبات لتضعيف التقيد و وهنه فان كان ذلك قابلا للاعتماد و الا فلا وجه لرفع اليد عن المقيدات و عدم تقييد الإطلاقات بها و لذا قال صاحب


1- سنن ابى داود ج 1 ص 425 المطبوعة عام 1371 الا ان فيه رخص للنساء في الخفين
2- سنن الدارقطني ج 2 ص 272 الرقم 170

ص: 131

الحدائق أيّ قاعدة تقتضي رفع اليد عن قواعد الفقه و هي تقتضي تقييد الإطلاق بالمقيد الى ان تقوم حجة في المقام نعم لو ثبت إجماع على العدم كما ادعاه صاحب الجواهر عليه الرحمة نعمل به و الا فمقتضى الاخبار و الاحتياط الشق و لزومه.

في كيفية الشق
اشارة

ثم ان الشق واجبا كان أو ندبا على نحوين أحدهما قطع الخفين من ظهر القدمين اى من القبة بحيث لا يبقى لهما ساقان و الثاني شقهما من الظهر الى ما دون قبة القدم و لو جمع بينهما بان قطعهما من الساق ثم شق ظهر القدم الى ما دون القدم لكان اولى.

و ليعلم ان لبس الخفين و ما يستر ظهر القدمين مع الشق انما في حال الاضطرار كما إذا لم يجد نعلا و اما في حال الاختيار فلا يجوز لبسهما و ان شق ظهرهما كما هو الظاهر بل الصريح من كلامهم.

و يمكن ان يشكل عليهم بأنه إذا كان الحرام لبس ما يستر جميع القدم فلم لا يجوز لبسه مع شق الظهر بحيث لا يستر الجميع و أجيب عنه بان الحرام ما من شأنه ان يستر جميع القدم من غير علاج و تصرف، فلا يجوز لبسه حال الاختيار و لو شق ظهره كما يورد على هذا المبنى ان لازم ذلك ان يجوز لبس النعال المتعارف لبسهما في الصيف التي لا يستر جميع القدم بل يستر الأنامل و هو مشكل لما أشير الى ان الممنوع من لبسه هو اللباس المتعارف الذي كان الناس يلبسونه قبل الإحرام و هذا النوع من النعال لباس متعارف بين الناس نعم بناء على ما استظهرناه من ان حرمة لبس الخفين من أجل كونهما لباسا متعارفا لا يرد الإشكال فإن بشق الظهر لا يخرج عن كونه لباسا متعارفا لكنه إذا اضطر الى لبسه يشقه اشعارا بأنه محرم كما في قلب القباء و لبسه منكوسا إذا لم

ص: 132

يجد رداء و اما ما يتعارف لبسه في الصيف فهو حرام و ان لم يستر جميع القدم.

(في تعميم الحكم للرجال و النساء)

ان حرمة لبس الخفين اختيارا و جوازه مع الشق عند الاضطرار هل يختص بالمحرم أو يعم المحرمة الظاهر هو الثاني فإن ما ذكر في الرواية بلفظة المحرم أو الرجل جنس شامل لكليهما كما لو سئل عن رجل اصابه بول أو محرم اصابه دم فأجيب بحكم خاص يعلم منه شموله للرجل و المرأة نعم لو سئل الراوي عن الرجل المحرم هل يلبس مثلا الحرير أو القميص فأجاب الإمام عليه السّلام المحرم لا يلبس كذا يمكن تقييده بالرجل و اختصاص الحكم به بخلاف ما لو سئل عن المحرم فقط إذ يعلم منه انه حكم تكليفي شامل للكل كما إذا قيل لو ترك المصلى كذا فعليه كذا إذا لم يكن في البين ما يمنع عن الشمول و الاشتراك و لا يبعد ادعاء وجوده في المقام فان البحث فيه حكم لبس الثياب و قد تقدم الفرق بين المحرم و المحرمة فيما روى المرأة تلبس الثياب كلها و استثنى منها المصبوغ بالزعفران و القفازان و البرقع و لم يستثني الخفان و لعل هذا يقطع الشركة بينها و بين الرجل مع احتمال ان يقال ان الخفين انما يختص لبسهما بالرجال و النساء لا يلبسنهما إلا إذا كان من المجاهدات و الغازيات.

و الحرمة المجعولة على المحرم في لبس الخفين ليست كالأحكام المجعولة للمصلي من وجوب القراءة و الطمأنينة و القيلة و الطهارة المشتركة بين الرجل و المرأة بل الحكم في المقام من جهة الستر و اللباس الذي فرق الشرع في حكمه بينهما كما أشير إليه فلا يشمل قوله عليه السّلام المحرم لا يلبس الخفين المرأة المحرمة لاحتمال اختصاص الحكم بالرجل و لو سلم إطلاق يمكن تقييده بما روى ان المرأة

ص: 133

تلبس الثياب كلها الا ما استثنى بناء على صدق الثياب على الخفين و اما الجوربان فلا إشكال في صدق اللباس عليهما و تستثنى المحرمة عن حرمة اللبس.

و لو أشكل في جميع ما ذكر لأمكن القول بان دليل الاشتراك في الحكم بين الرجل و المرأة لا يشمل حرمة لبس الخفين على المحرمة من الأصل و لو شك في الشمول يكفى الشك في الحرمة في إجراء الأصل الموجود في المقام و هو عدم التكليف و البراءة منه و عدم الحرمة

ص: 134

في الفسوق و حكمه حال الإحرام

اشارة

لا إشكال في حرمة الفسوق على المحرم و ان وقع الخلاف في معناه كما يأتي و يدل عليه قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ. (1) و ظاهر الآية الكريمة نفى وجود الفسوق خارجا و انه يجب ان يكون الحج و اعماله خاليا عنه و ان الفسوق مانع عن عنوان الحج المطلوب و لازمه بطلانه به و كونه حكما وضعيا لا تكليفيا فقط.

و لكن المستفاد من المضامين المختلفة في الروايات من ترتب الكفارة على الفسوق في بعض الموارد و عدم اعادة الحج أو اعادة التلبية انه غير مفسد للحج مضافا الى الإجماع على عدم البطلان و انه حرام تكليفي فقط فما نقل عن المفيد قدس سره من فساد الحج به واضح الضعف.


1- سورة البقرة الآية 197

ص: 135

و الأمور المذكورة في الآية بعضها و منه الفسوق و ان كان حراما في غير حال الحج ايضا و لا يختص حرمته بالمحرم الا ان ذكره في عداد محرمات الإحرام اما لأجل أن وجوده يؤثر في إيجاد النقص في الحج المطلوب عند المولى أو ان تركه موجب لكمال فيه مطلوب بالنص إذ الحج مع ترك الفسوق مطلوب أوّلا و بالذات و مع الإتيان بالفسق مطلوب على نحو تعدد المطلوب فلا منافاة بين كونه حراما في غير حال الإحرام عموما و في حال الإحرام خصوصا بخلاف بعض المحرمات و الموانع الموجب لبطلان الحج إذا وجد.

في معنى الفسوق

وقع الخلاف في معنى الفسوق و قيل هو الكذب كما في الشرائع و نقل ذلك عن المقنع و النهاية و المبسوط و الاقتصاد و السرائر و الجامع و النافع و عن ظاهر المقنعة و الكافي و يظهر من بعض الروايات ايضا.

و عن الدروس و المختلف و جمل العلم و العمل انه الكذب و السباب و قيل هو الكذب و المفاخرة و عن أخر هو مطلق المنهيات و المحرمات و قد يدعى ان الفسوق هو الذي حرم بالإحرام فقط كالصيد و الطيب و نظائرهما كما ادعى انه الكذب على اللّه و رسوله أو أحد الأئمة عليهم السّلام و استظهر بعض هذه المعاني أو استأنس له من النصوص الواردة في المقام فالمهم نقلها و التأمل في جمعها فمنها.

رواية معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه: إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه و ذكر اللّه و قلّة الكلام الا بخير فان تمام الحج و العمرة ان يحفظ المرء لسانه الا من خير كما قال اللّه عز و جل فان اللّه يقول فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و السباب و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 136

و السب و الكذب و ان كان حراما في جميع الحالات الا ان ظاهر قوله عليه السّلام إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه الى أخر الرواية ان جميع ما ذكر و منه السب و الكذب من محرمات الإحرام أيضا و لا فرق في ذلك بين إحرام الحج أو العمرة متمتعة بها الى الحج أو مفردة كما لا فرق بين التمتع و القران و الافراد من أنواع الحج و تخصيص بعض العلماء حرمة تلك الأمور بالحج دون العمرة في غير محله و يدل عليه رواية عبد اللّه بن سنان في قول اللّه تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ قال إتمامها ان لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج. (1) و في رواية على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام الفسوق الكذب و المفاخرة (2) و في رواية زيد الشحام قال سألت أبا عبد اللّه عن الرفث و الفسوق و الجدال قال اما الرفث فالجماع و اما الفسوق فهو الكذب الا تسمع لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ الخبر. (3) و عن تفسير العياشي الفسوق هو الكذب و اما استشهاد الامام عليه السّلام بالآية في معنى الفسوق نظير الاستدلال بقوله تعالى لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ، لبيان معنى الكثير و الا فقد صرح في الرواية بأنه الكذب و اما السباب و المفاخرة من معنى الفسوق فقد ذكر في رواية معاوية بن عمار و على بن جعفر. و قال صاحب الجواهر بعد ذكر الروايات المتقدمة في معنى الفسوق: و ما أدرى ما السبب الداعي إلى الاعراض عن النصوص التي يمكن الجمع بينها بأنه عبارة عن جميع ما ذكر فيها من الكذب و السباب و المفاخرة على الوجه المحرم.

ثم قال و من الغريب ما في المدارك من ان الجمع بين الصحيحتين(اى


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 6
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 137

صحيحة معاوية بن عمار و صحيحة على بن جعفر) يقتضي المصير الى ان الفسوق هو الكذب خاصة لاقتضاء الاولى نفى المفاخرة و الثانية نفى السباب فالمتفق عليه هو الكذب.

و أورد عليه في الجواهر بعدم كونه جمعا بل هو طرح لكل منهما مضافا الى ان نفى غير الكذب في الصحيحتين ليس الا بالمفهوم الضعيف و هو مفهوم اللقب لا بمثل مفهوم الشرط أو الوصف و هو لا يعارض المنطوق الصريح في الصحيحتين الدال على ان السباب و المفاخرة من مصاديق الفسوق و السكوت عن شيى في دليل ليس نفيا له و لا يصح التعارض بين المنطوق و السكوت فاللازم الأخذ بمنطوق الصحيحتين و طرح المفهوم لكونه أظهر و أصرح فلو فرض التعارض بين الروايات و نكافؤ السند فيها فالقاعدة التساقط و عند عدم التكافؤ يرجع الى المرجح.

(إيراد أخر على المدارك)
اشارة

ثم ان صاحب المدارك قدس سره بعد ان حكى الإجماع على تحريم الفسوق و ان الأصل فيه الآية الكريمة قال: و يتحقق الحج بالتلبس بإحرامه بل بالتلبس بإحرام عمرة التمتع لدخولها في الحج انتهى.

و أورد عليه صاحب الجواهر رحمه اللّه بان المستفاد من الفتاوى و معاقد الا جماعات بل و بعض النصوص كونه من محرمات الإحرام و لو للعمرة المفردة (1) و يمكن ان يجاب عن إيراد الجواهر و دفعه عن المدارك بأن الأصل في حرمة الفسوق إذا كان هو الآية الكريمة لا يشمل غير الحج للتصريح فيها بالحج لقوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ. (2) نعم و عمرة التمتع شروع في الحج لا المفردة الا ان يستدل بما


1- و بعض النصوص رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه(ع) إذا أحرمت الخبر
2- البقرة الآية 197

ص: 138

روى عن ابن سنان عن الامام عليه السّلام في تفسير قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لا قال:

إتمامها ان لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج (1) و الحج يطلق على العمرة كما يستفاد من الرواية أيضا بقي الكلام في ان الكذب و السباب و المفاخرة انما يحرم في الحج مطلقا أو إذا كان حراما و توضيح ذلك ان الكذب و السباب و المفاخرة لها موضوعية في الحكم بالحرمة في الحج و ان لم تكن حراما في نفسها كالكذب النافع الواجب أو المندوب أو السباب للنهى عن المنكر إذا توقف عليه أو المفاخرة المطلوبة في الحرب أو ليست كذلك بل انما تحرم إذا وقعت حراما الظاهر ان مصاديق الفسوق سواء كانت كذبا أو سبابا أو مفاخرة انما تحرم إذا كانت محرمة قبل التلبس بالحج و الكذب النافع المندوب أو الواجب و كذا السباب و المفاخرة فيما ذكر لبست مما تعلق النهى بها فلا تكون داخلة في الآية.

قد يتوهم ان ما ذكره صاحب الجواهر من القيد المتعلق بالمفاخرة من قوله و المفاخرة على الوجه المحرم انما يفيد ذلك و يدل على ما اخترناه لكنه ليس بصحيح ما يكون حراما فان مراده من ذكر القيد بيان المصداق المحرم لأن المفاخرة لها مصداقان أحدهما قبل الحج ايضا و الأخر ما ليس بحرام أصلا بل هو حلال دائما من دون حاجة الى مجوز آخر.

و الحاصل ان المفاخرة ان كانت مصداقا للكذب فهو حرام و إن كانت صادقة فإن كانت مستلزمة لتوهين مؤمن أو نقيصة عليه فهو حرام في الحج و غيره و ان لم يثبت كونها من مصاديق الفسوق المحرم حال الإحرام.

و اما السباب اى سب المؤمن فهو حرام دائما سواء كان منهيا عنه في الحج بما هو حج أو لم يكن كذلك كما عليه المدارك حيث خص النهى بالكذب و انه معنى الفسوق المنهي عنه في الآية و على كل حال لا يترتب الكفارة على واحدة منها و لا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 139

تظهر التمرة في البحث عن ذلك إلا في النذر و العهد كما اختاره صاحب الجواهر و لا يخفى ما فيه.

يمكن ان يقال تظهر التمرة في النيابة للحج و الاستيجار مثلا لو استاجر شخصا لإعمال الحج و شرط عليه ان يأتي بالواجبات كلها و ان يترك كل ما هو حرام فيه فان كانت المفاخرة من المنهيات فيه يجب عليه تركها و كذا السباب و ان لم يترك لا يستحق الأجرة.

مسئلة

هل يجوز ان يستناب العاجز عن القادر أم لا مثلا من لم يقدر على الصلاة إلا قاعدا أهل يجوز له ان ينوب عن الصحيح و كذا من لم يتمكن عن ترك بعض المحرمات في الحج كالاستظلال هل يصح له النيابة أم لا وجهان مبنيان على ان تروك المحرمات من اجزاء الحج كالواجبات أو من وظائف المحرم الظاهر هو الثاني فيستحق الأجرة و لو ارتكب حراما الا ان يشترط عليه فلا يستحق الأجرة و لكن ذمة الميت يبرأ على كل حال

(في عدم فساد الحج بالفسوق)

لا يفسد الحج بارتكاب الفسوق بأي معنى كان خلافا للمفيد قدس سره حيث قال ان الرفث و الفسوق و الجدال مفسد للحج و لعل نظره الى ان تلك الأمور كانت حراما قبل الحج و لا معنى لحرمتها في الحج إلا إفسادها له.

و أجاب عنه الجواهر بأنه لا تنافي بين الحرمة قبل الحج و عدم إفسادها له مع كونها منهيات فيه بدعوى ان عدم هذه الأمور مؤثرة في كمال الحج و تمامه أو ان وجودها مزاحمة للكمال المطلوب على نحو التعدد لا مبطل لأصل الحج مضافا الى الإجماع القائم على عدم البطلان و الى انّ من ارتكبها في الحج فليس عليه الا الاستغفار أو الكلام الطيب.

ص: 140

في حكم الجدال في الحج

اشارة

و يحرم الجدال على المحرم و يدل عليه الكتاب و السنة و الإجماع بقسميه كما في الجواهر و هذا ما لا كلام فيه و انما المهم بيان أمور.

[الأمر] الأوّل

: في ماهية الجدال و ما يتحقق به و هو لغة الخصومة أو التشديد فيها و اما الجدال المحرم في الحج المذكور في الآية فقد فسر في كلمات الفقهاء و في أكثر كتب الأصحاب و في الاخبار بقول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه و قال بعض بشرط ان يكون تأكيد الخصومة المسبوقة و ذهب أخر الى ان ذاك القول انما هو مثال للقسم و الحلف فلو حلف بغير لا و اللّه و بلى و اللّه لكان جدالا محرما و لا يعتبر في تحققه لفظ الجلالة بل يكفى القسم بالرحمن و الرحيم.

[الأمر] الثاني

هل يعتبر ان يكون الجدال و لا و اللّه و بلى و اللّه معصية للّه حتى يكون حراما في الحج أو يعم كل جدال و لو كان الحلف صادقا و الجدال حلالا

ص: 141

[الأمر] الثالث

ان المناط في حرمة الجدال هل هي الخصومة التي بلغت حد التأكيد و ان لم يكن فيه قسم و حلف فملاك الحرمة التنازع و الجدال الشديد لا القسم و الحلف بلفظ الجلالة و غيره.

اما الأمر الأول فقد ادعى الإجماع على ان الجدال المذكور في الآية المحرّم حال الإحرام قول الرجل لا و الله و بلى و الله كما حكى عن السيد و عن كشف اللثام لا خلاف عندنا في اختصاص الحرمة بهما و عن الغنية و الجدال و هو قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه بدليل إجماع الطائفة و طريقة الاحتياط.

و أورد على ما ذكر بأنه ليس في لغة العرب ان الجدال هو اليمين المذكور فقط و أجاب بعض العلماء عن الإيراد المذكور بأنه لا مانع من ان يكون للجدال عند الشرع معنى يغايره ما في اللغة كما في بعض الكلمات مثل الغائط فإنه موضوع لغة للأرض المنحدر الا انه عند العرف اسم لشي ء خاص يغاير الوضع اللغوي.

و فيه ان استعمال لفظ عند الشرع في معنى مغاير للمعنى اللغوي و ان كان صحيحا و واردا في استعمالات الشرع كما أشار إليه المجيب الا ان المورد ليس مثل ما ذكر فان الروايات انما وردت في بيان معنى الجدال و انه ذو مراتب ضعيفة و شديدة و ما هو الحرام في الحج ما بلغ حد لا و الله و بلى و الله و اما أصل معنى الجدال و هي الخصومة فمحفوط فيه دائما و لا يرفع اليد عنه بل و لا يصح ذلك و نشير إليه في الأمر الثالث.

مضافا الى ما ورد في النصوص من التصريح بان القسم في بعض الموارد لا يكون جدالا و لو ادى بلفظ لا و الله و بلى و الله بل يكون إكراما و محبة لمؤمن كما في رواية أبي بصير قال سالته عن المحرم يريد ان يعمل العمل فيقول له صاحبه:

و اللّه لا تعمله فيقول: و اللّه لأعلمنه فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال قال: لا انما

ص: 142

أراد بهذا إكرام أخيه انما كان ذلك ما كان للّه عز و جل فيه معصية (1) و يمكن ان يستدل بما روى عن زيد الشحام في معنى الجدال عن ابى عبد اللّه في حديث قال: و الجدال هو قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه و سباب الرجل (2) إذ يعلم منه ان الحلف و القسم في الجدال ما يقع في الخصومة كما هو المرتكز في ذهن الناس و يستأنس له من قوله عليه السّلام سباب الرجل لان ذكر هذه الجملة بعد لا و اللّه و بلى و اللّه انما هو لبيان ان الخصومة ما يوجب الجدال و السب و القسم و التأكيد لا ان نفس القسم جدال و خرج منه ما كان في إكرام الأخ بل مفهوم الخصومة مما يوجد في جميع موارد الجدال و يعتبر فيه كما ان نفس الخصومة بدون لا و اللّه و بلى و اللّه لا يكفي في تحقق الجدال قد يقال ان الروايات الدالة على ان الجدال هو قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه مطلقة لا قيد فيها من الخصومة أو غيرها الا انه خرج من عموم القسم ما يقال في إكرام المؤمن و المحبة له كما نقل عن صاحب المستند.

و فيه ان جميع الروايات واردة في تفسير الآية المباركة و الجدال المذكور فيها و ان الجدال ما كان مقرونا بالقسم لا ان القسم وحده هو المراد من الجدال من غير دخل للخصومة فيه التي يتبادر الى الذهن منه و ان أنكرت الظهور في الخصومة فلا أقل من احتفافها بما يصلح للقرينية الذي يشترط القطع بعدم وجوده في الأخذ بالإطلاق في كل مقام فان السؤال عن الجدال المذكور في الآية و جوابه عليه السّلام:

قول الرجل لا و إله و بلى و اللّه صالح لان يكون قرينة لإرادة القسم الخاص و النوع المخصوص من الجدال بعد ما يعرف الناس و يفهم منه مطلق الخصومة فلا يصح التمسك بالإطلاق لعدم تمامية مقدمات التمسك به و يستظهر ذلك من رواية أبي بصير


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 143

المتقدمة الواردة في محرم يحلف لصاحبه ان يعمل عملا له (1)

الأمر الرابع

هل يعتبر ان يكون الجدال مع الحلف معصية في نفسه أم لا يعتبر ذلك بل يكفى و لو كان لأمر حق في كونه حراما على المحرم و ان لم يكن الحلف كاذبا بل كان صادقا لإثبات أمر شرعي.

ذهب بعض إلى الإطلاق و ان الجدال مع الحلف حرام و ان كان صادقا و حقا فعلى هذا يقع البحث في ارتفاع الحرمة عند الاضطرار اليه ثم في ثبوت الكفارة و عدمه.

و استظهر صاحب الجواهر قدس سره من روايتي يونس بن يعقوب و ابى بصير المتقدمتين اشتراط الجدال بكونه معصية و ان يكون الحلف كاذبا و عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يقول: لا و اللّه و بلى و اللّه و هو صادق عليه شي ء قال: لا (2) و لكن الشيخ رحمه إله حمل الرواية على نفى الكفارة فيما دون الثالث فعلى هذا لا يدل على اشتراط المعصية إذ يمكن ان يكون الجدال حراما مطلقا و لكن الكفارة لا يترتب على ما دون الثلث كما ورد في التفصيل بين اليمين الصادقة و اليمين الكاذبة عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال إذا حلف الرجل ثلاثة ايمان و هو محرم فعليه دم يهريقه و إذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل فعليه دم يهريقه (3) و اما الرواية الثانية التي استظهر منها صاحب الجواهر اشتراط المعصية


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 1 من بقية كفارات الإحرام الحديث 8
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1- من بقية كفارات الإحرام الحديث 7

ص: 144

في الجدال رواية أبي بصير المتقدمة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يريدان ان يعمل العمل فيقول له صاحبه و اللّه لا تعمله فيقول و اللّه لا عملنه فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال قال: لا انما أراد بهذا إكرام أخيه انما كان ذلك ما كان للّه عز و جل فيه معصية. (1) و ظاهر الرواية ان الجدال الذي ليس فيه معصية لا يكون مما يحرم على المحرم كما استظهره قدس سره و لكن الكلام في ان النفي هل يرجع الى الكفارة و انه لا يلزمه ما يلزم الجدال من ترتب الكفارة أو يرجع الى ان هذا النوع من الجدال لا بأس به من جهة الحرمة.

ثم ان صاحب الجواهر أيّد ما استظهره بأصل البراءة و بنفي الضرر و الحرج في الدين و بأنه ربما وجب عقلا و شرعا فلا يصح القول بحرمة الجدال مطلقا و لذا نقل عن الجعفي ان الجدال فاحشة إذا كان كاذبا أو في معصية لكنه اختار في آخر كلامه غير ما استظهره و قال بعد ما ذكر: الا ان عموم النص و الفتوى و خصوص نص الكفارة على الصادق بخلافه.

و معنى كلامه ان العمومات أظهر في التعميم و عدم اعتبار قيد المعصية من الروايتين المتقدمتين الظاهر منهما اعتباره كما اختار ذلك صاحب المستند و حكم بحرمة الجدال مطلقا استنادا بالعمومات الدالة على ذلك كما أشير اليه و استثنى من العموم ما كان في طاعة اللّه كإكرام الأخ المؤمن و أورد على الاستدلال بآخر رواية أبي بصير انما ذلك ما كان للّه عز و جل فيه معصية) بأنه لا يدل على اعتبار كون الجدال في معصية بل يدل على اعتبار ان يكون فيه معصية و الفرق بينهما واضح و توضيحه ان المقسم له قد يكون منهيا عنه و فعله إثما و حراما فالجدال في مثل ذلك يكون في معصية كما لو قال و الله لا شرب الخمر أو أشتمك و أضربك أو أو قيل بلى و الله لا سبك و أشتمك.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 32 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 145

و اخرى لا يكون المقسم له معصية في نفسه بل قد يكون طاعة أو مباحا كما لو قال و اللّه لأصلي الصلاة و اقرء القرآن و بلى و اللّه لا فعلهما و هذا النوع من الجدال انما يكون في طاعة و لا يكون فيه معصية و اثم إلا إذا لم يكن في طاعة فمثل إكرام الأخ و نحوه الذي ليس فيه معصية خارج عن الجدال المحرم و الرواية تدل على ان الجدال المنهي في الحج ما كان معصية بتعلق النهى عليه و لو بنفس هذا النهى كما يظهر من صاحب المستند قدس سره. الظاهر ان ما استظهره صاحب الجواهر من اعتبار كون القسم في المعصية أقرب الى التحقيق إذا لظاهر من قوله عليه السّلام انما ذلك ما كان للّه فيه معصية ان يكون كذلك قبل تعلق النهى عليه بسبب الإحرام و قطع النظر عن قوله تعالى و لا جدال و لا فسوق نعم بناء على القول بان كل قسم حرام صادقا كان أو كاذبا لقوله تعالى وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ لا يحتاج الى هذا الشرط بل يكون كل قسم حراما و منهيا عنه في الحج الا ما كان في طاعة كإكرام الأخ.

و هنا احتمال ثالث و هو ان الجدال المحرم في المقام ليس النزاع و الجدال في الحرب بل لإظهار التفوق على الغير في إثبات المطلب و فهمه و تصغير الغير و تحقيره و اما لو أكّد ما يريد إظهاره بالقسم من دون ان يحاول ما تقدم من التحقير و و التصغير فلا يعد جدالا كما في الآيات الكريمة التي أقسم اللّه تعالى تأكيدا للمطلب و رفعا للشبهات المحتملة ان تعتري على قلوب الضعفاء من المخاطبين.

ثم انه بناء على ما استظهره صاحب الجواهر من اعتبار المعصية في الجدال قبل تعلق النهى به لا يرفع اليد عن عموم النهي إلا بأدلة حاكمة عليه مثل الضرر و الحرج و الاضطرار لو كان و الا فلا بد من رعاية الأهم في المقام من تقديم الواجب على الحرام أو العكس كما في غير المورد من التزاحم بين الواجبين أو بين الحرامين أو الواجب و الحرام.

و اما بناء على ما اختاره المستند من حرمة كل جدال الا ما كان في طاعة اللّه فلا يحتاج الى دليل حاكم فلو توقف إثبات حق أو إبطال بدعة على الجدال و

ص: 146

القسم و التأكيد يجوز له الجدال من دون حاجة الى لا ضرر و لا حرج أو الاضطرار و لكن صاحب المستند قدس سره استدل في بعض الموارد بنفي الحرج و الضرر فلا بد من فرضه موردا لا يكون ندبا و طاعة حتى يرفع الحكم عن الجدال بما ذكر من العناوين الثانوية.

الأمر الخامس

ان المعتبر في الجدال تحقق لفظين لا و اللّه و بلى و اللّه و لو من شخص واحد أو يشترط صدورهما من شخصين بان يقول أحدهما لا و اللّه و الأخر بلى و الله الظاهر عدم صدق الجدال على ما يصدر من شخص واحد لو قال شخص لا و الله و بلى و الله لا فعل كذا أو لا افعل كذا و لا يقال انه مجادل و لو فرضنا صدقه عليه يمكن ان يقال ان الأدلة منصرفة عنه.

الأمر السادس

هل يشترط حضور الخصمين في صدق الجدال أو يكفي أداء اللفظين(لا و إله و بلى و الله) في غياب الخصم مثلا لو قال شخص لا و الله و قال الأخر بلى و الله مع عدم حضور هما هل كان جدالا محرما فيه تردد و لا يبعد دعوى انصراف الأدلة عنه.

الأمر السابع

هل يعتبر ان يقول أحد المتخاصمين لا و الله و الأخر بلى و الله أو يكفي أحد اللفظين من أحدهما الظاهر ان الكلمتين عبارة عن الرد و النقد و الاعتراض لا انه يجب ان يقولهما المتخاصمان بدعوى عدم صحة النفي و الإثبات من واحد فيكفي الجدال بلا و الله من واحد و ان أنكر الأخر بقسم أخر و لم يقل بلى و الله.

الأمر الثامن

هل يشترط في تحقق الجدال ان يكون القسم كذبا أو اليمين الصادق و الكاذب متحدان في الحكم يظهر من بعض الأول و لكن المستفاد من الروايات الإطلاق كما عليه العامة أيضا.

و اما الرواية المفصلة بين اليمين الصادقة و الكاذبة كرواية أبي بصير المتقدمة فإنما هي في التفصيل بين ترتب الكفارة و عدمه لا في أصل الجدال كما ان ما ورد في

ص: 147

التفصيل بين المرة و المرتين هو ايضا كذلك فإنه ناظر الى ثبوت الكفارة و عدمه إذ لا مانع من صدق الجدال على اليمين الصادق و على المرة و عدم ترتب الكفارة الا على اليمين الكاذب و على المرتين.

الأمر التاسع

لا فرق في حرمة الجدال بين المحرم و المحرمة و ان ورد في الرواية ان الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه أو وقع السؤال عن المحرم إلا انهما من باب المثال لا القيد و الخصوصية و الآية الكريمة شاملة لكل منها قال تبارك و تعالى فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ.

ص: 148

في حكم قتل الهوام و طردها عن الجسد

اشارة

و يحرم على المحرم قتل هوام الجسد حتى القمل كما في الشرائع و الهوام جمع هامة و في المسالك لا يطلق الا على المخوف من ذلك النوع الظاهر عدم الفرق بين كونه في الثوب أو في الجسد بل في جسد الغير كما هو المحتمل في عبارة الشرائع و يمكن شمول الحكم لما لم يكن في الثوب أو الجسد أصلا بل كان على الأرض و لا فرق في القتل بين المباشرة و التسبيب أو استعمال دواء سمى لافناء الهوام و اما لو استعمل دواء قبل الإحرام حتى يقتل ما يوجد من بعد ففيه وجهان.

اما استعمال الدواء قبل الإحرام بحيث لا تتكون و لا توجد هامة في ثوبه أو جسده فالظاهر عدم شمول الروايات له أو انصرافها منه. ثم المشهور في المسئلة هو الحكم بالحرمة كما نقل عن المدارك و الذخيرة و نقل عن أبي حمزة و الشيخ في المبسوط الحكم بالكراهة و منشأ الخلاف الجمع بين النصوص الدالة على الجواز

ص: 149

و بين ما تدل على النهى و الحرمة فحمل المشهور الطائفة الأولى على صورة الأذى و الضرر كما ان غير المشهور حملوا الطائفة الثانية على الكراهة بقرينة الطائفة الأولى فالمهم نقل الاخبار و التأمل فيها و منها ما عن ابى الجارود قال سأل رجل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل قملة و هو محرم قال بئس ما صنع قال: فما فدائها قال: لا فداء لها (1) فهل قوله بئس ما صنع ظاهر في الحرمة أو الكراهة، لا يبعد دعوى ظهوره في الأول و ان ورد ما يخالفه فلا بد من الجمع بينهما و على كل حال الرواية مطلقة و لا يختص بصورة الاضطرار و الأذى و لعل السؤال انما وقع عن أمر كلي فرضه السائل كما في كثير من سئوالات زرارة لا انه سئل عن أمر وقع في الخارج و منها رواية زرارة قال سألت أبا عبد اللّه هل يحك المحرم رأسه قال يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة (2) و رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده و ان أراد ان يحول قملة من مكان الى مكان فلا يضره (3) و التعليل بقوله عليه السّلام فإنها من جسده يفيد ان كل دابة يتكون من جسد المحرم لا يجوز طرده و إلقائه و اما نقله من مكان آخر لا مانع منه سواء كان المكان الثاني مساويا للمكان الأول أو مرجوحا أو راجحا.

و استفادة حرمة القتل من الرواية لا بد ان يكون بالأولوية و الا فهي واردة في الطرح و الإلقاء.

و مثلها رواية الحسين بن ابى العلاء عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يرم المحرم القملة من ثوبه و لا من جسده متعمدا فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما،


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 150

قلت كم قال كفا واحدا (1) فان ثبت الأولوية في المقام صح الاستدلال بها على الحرمة في القتل و الا فلا و لا يبعد الالتزام بها فإنه إذا لم يكن الطرد جائزا لكونه أذى للدابة و خلافا للأمن العام حال الإحرام فالقتل اولى بذلك كما في قوله و لا تقل لهما أف.

و رواية معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في محرم قتل قملة قال لا شي ء عليه في القمل و لا ينبغي ان يتعمد قتلها (2) و استدل القائلون بالكراهة بقوله عليه السّلام لا ينبغي ان يتعمد قتلها لظهوره فيها و اما القائلون بالحرمة يدعون ان الجملة تستعمل في الحرمة أيضا فتحمل عليها بقرينة روايات تدل على الحرمة.

و يقابلها روايات يظهر منها جواز قتل القملة و طردها منها رواية صفوان بن يحيى عن مرة مولى خالد قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يلقى القملة فقال:

ألقوها أبعدها اللّه غير محمودة و لا مفقودة (3) و رواية زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم (4) ان كان المورد في رواية صفوان متحدا لما تقدم من الروايات الناهية يمكن ان يقال انها تحمل على الكراهة بقرينة هذه الرواية فيجمع بينهما بذلك و لكن يمكن ان يقال ايضا ان موردها صورة الأذى و الضرر كما حملها الشيخ على مورد الأذى و الضرر و اما رواية زرارة الدالة على جواز قتل القملة في الحرم فدلالتها على جواز القتل و صحة الاستدلال بها له اما بدعوى الانصراف الى المحرم أو الإطلاق و


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 6
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 151

الشمول للمحرم و المحل و اما دعوى الانصراف فهو مشكل إذ من الممكن و المحتمل ان تكون الرواية ناظرة الى ان الروايات الدالة على ان الحرم محل أمن للحيوانات و انه لا يصح صيدها و طردها لا يشمل مثل القملة و البراغيث و البقة و اما الإطلاق فلو ثبت فيقيد بما يدل على عدم جواز قتل القملة للمحرم خارج الحرم فضلا عن داخله فلا يشمل الا المحل و يختص به.

و المحصل مما قدمناه ان خبر ابى الجارود ظاهر في حرمة قتل الدابة و كذا صحيحة زرارة لقوله عليه السلام يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة.

و القدر المتيقن من الدابة هنا القمل و يمكن شمولها للبرغوث و البق و ان كان المسلم هو الأول و صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: ثم اتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفارة (1) و الظاهر ان الدواب في الرواية يشمل كل ما يكون في الجسد و غيره و دعوى ان المراد منها ما هو خارج الجسد بقرينة الاستثناء غير صحيحة بعد شمولها للجميع كما هو الظاهر في صحيحة زرارة أيضا بل يمكن ان يقال ان الاستثناء يؤيد إرادة العموم من لفظة الدابة بدعوى ان الدابة ان كانت موجبة للأذى الخارج عن التعارف يجوز قتلها و الا فلا فيشمل جميع الدواب في الجسد و خارجه(2) و يدل على عدم جواز القتل ايضا ما ورد في النهي عن طرح القملة كما في رواية الحسين بن ابى العلاء فإنه يدل على عدم جواز القتل بالمفهوم الموافقة و لا يقال ان عدم جواز الطرح لعله من جهة إيذاء الغير و نقل الجراثيم كما احتمله


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 81 من تروك الإحرام الحديث 2
2- الظاهر ان التأييد أخص من المدعى إذ الكلام في جواز القتل و عدمه مطلقا فان كان المراد ان الدابة إذا كانت مثل العقرب في إيجاد الزحمة و الأذى الخارج من المتعارف فلا يشمل القمل و البرغوث ايضا لعدم كونهما من ذلك النوع

ص: 152

بعض فلا يتحد المناط في القتل، فإنه يقال ان حرمة القتل المستفادة من النهى عن الطرد ليست لأجل اتحاد المناط و إحراز وحدة الملاك في الحكم و أولويته في القتل بل الظاهر و المتبادر الى الذهن من نفس الأدلة ذلك كما ان المفهوم في الشرط ظهور اللفظ فيه و الأخذ به فان قول القائل ان جائك زيد فأكرمه ظاهر في عدم وجوب الإكرام عند عدم المجي ء و لا يحتاج إلى إحراز الملاك و وحدته و تعارض الأخبار الدالة على حرمة قتل القمل و هوام الجسد روايات يظهر منها جوازه التي يعتمد على بعضها غاية الاعتماد و منها رواية زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم (1) و رواية أخرى لزرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عن المحرم يقتل البقة و البرغوث إذا رآه قال: نعم (2) و رواية معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في محرم قتل قملة قال لا شيى عليه في القمل و لا ينبغي ان يتعمد قتلها (3) الرواية الأولى تدل على جواز القتل للمحرم و غيره و نسبتها مع صحيحة عمار الدالة على اتقاء قتل الدواب كلها التي تشمل بعمومها القمل و غيره العام و الخاص من وجه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 153

في حكم سائر الدواب

وقع الخلاف في حكم البرغوث فألحقه بعض بالقملة في عدم جواز قتله و عدم جواز إلقائه عن الجسد حال الإحرام و عن القاضي حرمة قتله و البق و ما أشبه ذلك إذا كان في الحرم و جوزه في غيره و نقل عن ابني سعيد و زهرة مثل ذلك و قوى بعض أخر عدم كون البرغوث من القملة و لعل مستند القول الأول رواية زرارة المتقدمة قال سالته عن المحرم هل يحك رأسه أو يغتسل بالماء قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة (1) و اما عدم جواز إلقاء البرغوث لعله يستفاد من التعليل الوارد في صحيحة ابن سنان في جواز طرح القراد و الحلمة في قوله انهما رقيا في غير مرقاهما و البرغوث في جسد الإنسان ليس إلا في مرقاة و التعليل يشعر بأنّ كل ما يكون جسد الإنسان مأوى له و مرقاة لا يجوز إلقائه و طرحه و يمكن ان يقال ان المراد من المرقى محل الذي تتكون فيه الدابة و البرغوث


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 154

لا يتكون في بدن الإنسان بل مما ينشأ و يتكون من الحيوان و بدنه فإذا وجد في بدن الإنسان فقد رقى غير مرقاة فيجوز طرحه و إلقائه و لو سلم انه يتكون من جسد الإنسان يمكن الاستدلال لجواز إلقاء البرغوث برواية عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده (1) و ظاهر الرواية ان البرغوث داخل في المستثنى منه مضافا الى ان الأصل الجاري في المقام هي البراءة عن الحرمة و التكليف إذا لم يمكن الحاقه بالقملة

في حكم القراد و الحلم

و اما القراد على وزن غراب ما يتعلق بالبعير و نحوه و هو كالقمل للإنسان و الحلم بالتحريك القراد الضخم و الواحدة حملة على التشبيه برأس الثدي و عن الأصمعي أول ما يكون القراد يكون قمقاما ثم حمنانا ثم قرادا ثم حلما و يظهر من الاخبار ما ينافي ذلك و على كل حال يجوز طرح القراد عن البدن و البعير اما عن البدن فلما تقدم من ان كل ما يرقى غير مرقاة يجوز طرحه كما في رواية ابن سنان (2) و اما الطرح عن البعير ففي رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه قال عليه السّلام ان القى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس و لا يلقى الحلمة (3) و يعلم من الرواية ان القراد ليس من البعير و مما يعيش في جسده بخلاف الحلمة فإنها من جسد البعير فلا يجوز إلقائها و طرحها و هذا ينافي ما تقدم من المعنى اللغوي للحلمة و يظهر من بعض الروايات ايضا ان الحلمة في البعير بمنزلة القملة من جسد الإنسان كما في رواية حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال ان القراد ليس من


1- وسائل الشيعة الجزء 9- الباب 78 من تروك الإحرام الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 79 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 80 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 155

البعير و الحلمة من البعير بمنزلة القملة من جسدك فلا تلقها و الق القراد (1) و ظاهر الرواية ان الحلمة إذا وجدت في جسد البعير فهي بمنزلة القملة في جسد الإنسان و لا يجوز إلقائها و طردها من بعيره فهل يستفاد منه عدم جواز إلقائها من بعير غيره و لو لم يكن ذلك الغير محرما، أو لا يستفاد وجهان فان قلنا ان ما يتبادر الى الذهن من أحكام الإحرام و يستفاد منها ان يكون كل شي ء في الحرم من الشجر و الدواب مأمونا من الأذى و التلف الا ما كان مؤذيا و متعديا عن مرقاة فلا يجوز إلقاء الحلمة من جسد كل حيوان سواء كان مركبا للمحرم أو غيره.

و يعارض ما تقدم خبر ابى عبد الرحمن سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعالج دبر الجمل قال، فقال عليه السّلام: يلقى عنه الدواب و لا يدميه (2) و ظاهره جواز إلقاء كل دابة من البعير و هو معارض لما تدل على المنع الا ان يحمل على الضرورة كما هو المتبادر و ان كان من الممكن ان يقال ان معالجة الحيوانات و إصلاحها أمر متعارف عادى لا يبلغ كثيرا ما الى حد الاضطرار و الإضرار و اما الصئبان و هو ما يطلق عليه بالفارسية رشك فهو من الجسد و ان لم يكن دابة فلا يجوز إلقائه لشمول التعليل له في قوله فإنه من جسده و ان كان بيض القمل.

و اما القتل فالرواية كلها في مورد القمل و استفادة العموم مشكل كما عن صاحب الحدائق و استشكل صاحب الجواهر قدس سره بان نصوص الحرمة موافقة للعامة بخلاف نصوص الجواز و فيه ان صرف الموافقة للعامة لا يوجب الصدور تقيه مضافا الى عمل الأصحاب في الجملة على الروايات و على كل حال الحكم بجواز قتل البرغوث و إلقائه غير مشكل و اما البق و الجراد و الزنبور و ما يتولد من الحيوانات فلا إشكال في جواز قتلها و إلقائها و إجراء الأصل عند الشك


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 80 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 80 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 156

في لبس الخاتم

اشارة

و من المحرمات حال الإحرام لبس الخاتم للزينة لا للسنة قال المحقق قدس سره في الشرائع يحرم لبس الخاتم للزينة و عن الإرشاد للزينة لا للسنة و قال لا اعرف خلافا بين الأصحاب في الحكمين و في الجواهر قطع به الأكثر على ما كشف اللثام.

لا خلاف و لا كلام في أصل الحكم و انما هو في تشخيص اللبس للزينة و ما هو للسنة و المعروف ان الفارق هو النية فإن لبس الخاتم قاصدا للزينة فهو غير جائز و ان نوى السنة به فلا اشكال فيه.

قد يشكل بأن السنة قد تكون هي الزينة كما في قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (1) و مع قطع النظر عن الآية الكريمة لبس الخاتم عند العرف انما هو للزينة إذ ليس هو امرا عباديا في حد نفسه بل زينة بطبعه كغيره مما يسر الناظرين إذا نظر


1- سورة أعراف آية 31

ص: 157

اليه و يرى المتلبس به متزنيا الا ان الشرع نهى عن لبس الخاتم من الذهب الذي هو ابرز مصاديق الزينة و ترك غيره على حاله و لكن يمكن ان يقال ان لبس الخاتم الذي يعد زينة عند العرف. قد يكون لاراءة الغير و إظهار الزينة للناس و قد يكون لا لذلك كمن يلبس الخاتم في حال الصلاة و بالليل للتهجد مترقبا للثواب و الأجر به من دون ان يراه أحد و لا ناويا له كما يمكن ان يجعل الأمر المباح عبادة بالنية و القصد فكذلك في لبس الخاتم و النظافة و لا يبعد حمل كلمات القوم على ما ذكر.

ثم ان الحكم في المسئلة و ان ادعى فيه عدم الخلاف فيه و انه مقطوع بين الأصحاب الا ان المستند و المعتمد هي الأخبار الواصلة إلينا عن أهل بيت النبي عليهم السّلام فاللازم ذكرها و التأمل فيها و منها.

رواية مسمع عن ابى عبد اللّه في حديث قال و سألته أ يلبس المحرم الخاتم قال: لا يلبسه للزينة (1) و مثلها رواية أخرى و قد تقدم ان لبس الخاتم انما هو زينة بالطبع الاولى و بالذات فيشمله ما تدل على حرمة الزينة على المحرم كرواية حريز و حماد.

عن حريز عن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال تكتحل المرأة بالكحل كله الا الكحل الأسود للزينة (2) عن حماد عن حريز عن ابى عبد اللّه قال لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ان السواد زينة (3) و عن حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا تنظر في المرآة و أنت محرم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 46 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 158

فإنه من الزينة (1) و يستفاد من تلك الروايات ان الزينة حرام على المحرم على نحو العموم و الإطلاق و منها لبس الخاتم إذ لا شبهة في انه من مصاديق الزينة عند العرف لكن النصوص الخاصة قيد حرمة لبسه بكونه لاراءة الغير و إظهار الزينة لا للسنة و تحصيل الثواب و الأجر.

و منها: رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع قال رأيت على ابى الحسن الرضا عليه السّلام و هو محرم خاتما (2) و رواية عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال تلبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب (3) و الجمع بين الروايتين الدالتين على جواز لبس الخاتم للمحرم و بين ما يدل على الحرمة مؤيدا بما أشير إليه من العمومات الدالة على حرمة مطلق الزينة على المحرم يقتضي ان تحمل الطائفة الأولى على ما لبس لغير الزينة بل للسنة و عليه يحمل فعل ابى الحسن الرضا عليه السّلام و كذا لبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب إذ يجوز لها لبس الذهب في غير حال الإحرام و اما في حال الإحرام لا بد ان يكون للسنة لا للزينة عملا بالطائفة الاولى من النصوص لما تقدم من ان لبس الخاتم زينة دائما و ليس مما يمكن ان يكون تارة زينة و اخرى غيرها كما قد يقال في الأسنان من الذهب من الفرق بين ما إذا كان في الطاحنة و ما يكون في الثغر فإذا صنع ذلك بقصد الزينة يكون حراما دون ما إذا أراد استحكام السن و حفظه من الفساد على ما قيل و قال هناك بعض بحرمة الزينة مطلقا قصدها أو لم يقصدها و القاعدة في المقام بعد كون لبس الخاتم زينة مطلقا يقتضي حرمته مطلقا للعمومات الدالة عليه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 34 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 46 من تروك الإحرام الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 46 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 159

الا ان النصوص الخاصة كما أشير إليها قد الحرمة بكونه للزينة لا للسنة.

هنا فرع أشار إليه صاحب الجواهر قدس سره بعد ما اختار ان ملاك الحرمة في لبس الخاتم القصد و ينبغي التعرض له و هو ذا.

لو لبس الخاتم و قصد الزينة و السنة معا فهل يغلب جانب الحرمة أو الحليّة ففي الجواهر يمكن دعوى الحرمة في المشترك مع قصد الزينة و ان قصد معها غيرها على وجه الضم. بل و على وجه الاستقلالية ايضا اما إذا كانا معا العلة فقد يقال بالجواز للأصل بعد عدم صدق اللبس للزينة و اللّه العالم انتهى.

و حكم المسئلة موقوف على كيفية الاستفادة من نصوص الباب فان استفيد ان لبس الخاتم للزينة فقط لا لشي ء آخر و ان لم يكن الغير علة تامة حرام فلا يشمل الدليل ما إذا قصد الزينة و السنة معا لعدم تحقق موضوع الحرمة و هو قصد الزينة لا غير فلا يكون حراما.

و اما لو قلنا المستفاد من روايات الباب ان قصد الزينة موجب للحرمة مطلقا سواء قصد معها السنة أم لا و سواء كان كل واحد منها علة تامة أم جزءا لها فحينئذ يحكم بحرمة اللبس و يشمله ايضا دليل الجواز و يقع التعارض بين الدليلين إذا قلنا ان مقتضى دليل الجواز عند قصد السنة هو الاستحباب عن اقتضاء و مصلحة موجبة للاستحباب بخلاف ما لو قيل ان مورد الجواز عبارة عن اللااقتضاء و عدم وجود ما يوجب حكما من الأحكام و في الصورة الأولى أيضا لا يقع التزاحم بين الحرمة و الندب بل يسقط دليل الندب نعم عند تزاحم الوجوب و الحرام يقع التعارض و لا يمكن الجمع بينهما بناء على عدم اجتماع الأمر و النهى و يقدم الأهم على المهم.

ص: 160

في لبس الحلي
اشارة

و الحلّي أعم من الخاتم و القرط و السوار و المسك التي تتزين به و الأثواب المصبوغة و كل ما هو مخصوص للزينة و لو لم يكن لباسا إذا كان ظاهرا بخلاف ما لو كان خفيا كما لو وضع الساعة من الذهب في جيبه دون ما ألقيه على عنقه إذ لا يصدق عليه التزيين.

و الحلي على أقسام ثلاثة منها ما هو المشهور للزينة و الظاهر فيها و منها ما يعتاد لبسه للنساء و منها ما ليس مشهورا و ظاهرا للزينة و لا معتادألبسه لهن و قد تشتت كلمات القوم في حكم المسئلة و أطال الأستاد طال بقاه البحث فيه ايضا و انا أشير الى ما هو المحصل منه و الملخص له.

قال المحقق قدس سره في الشرائع و يحرم لبس المرأة الحلي للزينة و ما لم يعتد لبسه منه على الاولى و لا بأس بما كان معتادا لها لكن يحرم عليه إظهاره

ص: 161

لزوجها انتهى و اختار بعض الفقهاء التحريم و قال آخر بالكراهة مطلقا.

التحقيق في المقام ان المستفاد من النصوص الواردة في موارد متفرّقة أن الزينة حرام مطلقا على المحرم و المحرمة الا انه خرج من تلك العموم بعض مصاديقها كلبس الخاتم إذا كان للسنة و تشمل الأدلة للمحرمة لإطلاق المحرم المذكور في الرواية و شموله لها فما لم يثبت خروج فرد من المصاديق من العموم يحكم بحرمة اللبس.

اما المشهور من الحلّي أي الذي هو ظاهر في الزينة في العرف فيدل على حرمته رواية حريز و معاوية بن عمار الواردتين في الاكتحال و النظر إلى المرآة و المعلل بان السواد زينته و بان النظر إلى المرآة من الزينة (1) و اما ما يعتاد لبسه من الحلي فيستدل لجواز لبسه و خروجه عن تحت العموم بعدة روايات.

منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها انتزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله قال: تحرم فيه و تلبسه من غير ان تظهره للرجال في مركبها و مسيرها. (2) و المستفاد من الصحيحة ان كل زينة كانت تتلبس بها المرأة في بيتها عادة يجوز لها ان تلبسها حال الإحرام و لا يجب عليها ان تنزعها بشرط ان لا تظهرها للرجال.

و يمكن ان يقال انها إذا لم تظهرها للرجال لا تعد زينة و ان كانت مصنوعة لها و معمولة لأجلها في العرف و تكون تلك الأشياء محمولة و لا بأس بحملها حال الإحرام بخلاف ما لو أظهرها للرجال أو النساء و قيد الرجال في الرواية و اختصاصهم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 و 34 من تروك الإحرام الحديث 4- 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 162

بالذكر لغلبة الدواعي و كثرتها فيهم دون النساء فلا فرق في إظهار الزينة للغير بين المرأة و المرء كما لا فرق في الرجال بين الأجانب و زوجها و غيره من المحارم و يمكن ان يستدل لجواز لبس الحلّي المعتاد برواية محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه قال: المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة (1) و القدر المتيقن من المستثنى منه الحلي المعتاد لبسه الذي لا يعد التلبس به تزينا و تجملا.

و مثلها رواية نضر بن سويد عن ابى الحسن عليه السّلام قال سألته عن المرأة المحرمة أيّ شيى تلبس من الثياب قال تلبس الثياب كلّها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين و لا حليا تتزين به لزوجها (2) و اما غير المعتاد من الحليّ يمكن ان يستدل لعدم جواز لبسه برواية الجلي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: المحرمة لا تلبس الحلي و لا المصبغات الا صبغا لا يردع (3) و هذه الرواية تحمل على غير المعتاد لبسه جمعا بينها و بين صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة الصريحة في جواز لبس المحرمة ما كانت تلبسه في بيتها نعم لو قلنا ان مفاد الصحيحة ان المعتاد لبسه لا يعد زينة فلا بد من حمل رواية الحلبي على التزين بعد الإحرام أو إظهارها للغير المنهي عنه في ذيل الصحيحة و بالجملة المستفاد من مجموع الروايات الواردة في الباب أمور لا بد من التوجه إليها في استنباط حكم المسئلة و الأقسام الثلاثة التي أشير إليها من أقسام الحلي

الأمر الأول

أن الأدلة العامة الصادرة عن الأئمة المعصومين عليهم السّلام ان الزينة محرمة على المحرم سواء كان بالنظر الى المرآة أو الاكتحال بالسواد و لعله يتحد مع الأمر الثاني.

الأمر الثاني

ان الحلّي المشهور للزينة لا يجوز لبسه كما في رواية محمد بن مسلم المتقدمة و هي مطلقة سواء قصد التزين به أم لا

الأمر الثالث

ان الحلي الذي كانت المرأة المحرمة تلبسه في بيتها يجوز لها


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 163

لبسه إذا لم تظهره للرجال في مركبها و مسيرها و لعله المراد من رواية حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم تنزع حليتها (1)

الأمر الرابع

ان المحرمة لا يجوز لها ان تلبس حليا تتزين به لزوجها كما في رواية النضر بن سويد و الرواية مطلقة تشمل المعتاد لبسه و غيره و لعله يتحد مع الأمر الثالث لعدم الفرق بين الزوج و غيره في حرمة إظهار الزينة له بل للنساء و قال صاحب الجواهر قدس سره بعد شرح كلام المحقق و نقل الروايات:

و على كل حال يكون الحاصل حرمة احداث الزينة لها حال الإحرام و حرمة إظهار ما كانت متزينة به قبل الإحرام للرجال في مركبها و مسيرها ثم قال و ربما يرجع الى ذلك ما في اللمعة قال و التختم للزينة و لبس المرأة ما لم تعتاده من الحلي و إظهار المعتاد منه للزوج فتأمل جيدا فإن المسألة في غاية التشويش في كلامهم و اللّه العالم انتهى.

و تقدم كلام المحقق في الشرائع حيث قال و لبس المرأة الحلي للزينة و ما لم يعتاد لبسه منه على الاولى و لا بأس بما كان معتادا لها لكن يحرم عليها إظهاره لزوجها انتهى.

و لفظة الاولى في كلام المحقق راجعة إلى الجملة الثانية و المعنى ان ما لم يعتاد لبسه من الحلّي يحرم عليها على الاولى و ان لم يكن للزينة إذ لا يصح ان يقال ان لبس الحلي للزينة حرام على الاولى لعدم الشبهة في حرمته و حمل ما ورد في الرواية من حرمة ما تحدثه المحرمة من الحلي للإحرام على قصد الزينة إذ قلّ ما يوجد الداعي لإحداث الحلي لغير الزينة و اما لبس ما لم يعتاد لبسه لغير الزينة لا تشمله الرواية بالصراحة و لأجل ذا قال المحقق قدس سره الاولى ان يكون هو حراما لانه لم يفهم حرمته من الرواية جزما مع احتمال دخوله في عموم ما يستفاد من قوله عليه السّلام في رواية محمد بن مسلم المتقدمة، المحرمة تلبس الحلي كله الّا حليّا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الإحرام الحديث 9

ص: 164

مشهورا للزينة و اما قوله و لا بأس بما كان معتادا لها فهل المراد استثناء المعتاد و إخراجه عن الحلي المحرم قبل ذلك حتى مع قصد الزينة، الظاهر ان ارادة ذلك مشكل للتصريح أولا بحرمة الحلي للزينة فلا بد من حمل كلامه على ما يعتاد لبسه من غير قصد الزينة و إظهارها للغير و لا أولوية في هذا الفرع كما في ما لم يعتد لبسه و المعتمد عليه في كلام الجواهر و ما اختاره ثلاثة طوائف من الاخبار.

الطائفة الأولى ما تدل على حرمة الزينة و لبس الحلي لها و المشهور للزينة مطلقا معتادا كان لبسه أم لا سوا كان بقصد الزينة أم لا.

و الطائفة الثانية تدل على جواز لبس ما كانت المحرمة تلبسها في بيتها مطلقا سواء كان للزينة أم لا بشرط ان لا تظهره لغيرها.

و الطائفة الثالثة تدل على حرمة ما أحدثته المحرمة من الحلي و هذه الطائفة مطلقة تشمل ما كان بقصد الزينة و ما كان لغيرها.

و النسبة بين الطائفة الاولى و الثانية عام و خاص من وجه و مادة الاتفاق ما لبست المحرمة الحلي المعتاد لبسه في بيتها بقصد الزينة فهل يحكم بالحرمة عملا بالعموم الدال عليها و تقديما للطائفة الاولى و ترجيحا لها على الطائفة الثانية أو يحكم بالجواز عملا بالطائفة الثانية التي تدل على جواز لبس المعتاد من الحلي.

يمكن ان يقال ان إطلاق الطائفة الأولى يقيد بما ورد في جواز لبس المعتاد فالمشهور للزينة انما يحرم إذا كان غير معتاد لا معتادا كما يمكن ان يقال ان إطلاق الطائفة الثانية يقيد بما ذكر في الطائفة الاولى من قوله عليه السّلام الا حليا مشهورا للزينة أو يقال يتعارض الدليلان فيسقطان فيرجع الى الأصل الجاري في المورد و اما ترجيح إحدى الطائفتين من جهة السند و الشهرة فلا مجال له لتحقيق الشهرة في كلتيهما و على كل حال كل محتمل.

و اما غير المعتاد لبسه فقد نقل صاحب الجواهر القول بالكراهة فيه من محكي

ص: 165

الاقتصاد و الاستبصار و التهذيب و الجمل و العقود و الجامع ثم قال: و لعل الكراهة مع فرض عدم قصد الزينة للأصل و إطلاق ما دل على جواز لبسها الحلي و خصوص خبر مصدق بن صدقة عن عمار عن ابى عبد اللّه قال تلبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب. (1) و قال في آخر كلامه و لعل التحقيق حرمته عليها إذا كان زينة عرفا و ان لم تقصده لما سمعته من مفهوم تعليل الكحل و المرآة و لا ينافيه قوله عليه السّلام تتزين به لزوجها بناء على ظهوره في القصد، إذ هو بعد تسليمه يكون أحد المصاديق و لا مفهوم له معتد به يصلح للمعارضة و حينئذ يكون المحرم عليها كلما قصدت به الزينة حال الإحرام و لو المعتاد و كلما كان زينة في نفسه و ان لم تقصده انتهى كلامه رفع مقامه.

و لكن الإنصاف ان لبس غير المعتاد إذا لم يقصد به الزينة يدل على جوازه مفهوم قوله عليه السّلام في رواية محمد بن مسلم إلا حليا مشهورا للزينة و اما إذا كان بنفسه زينة يقع التعارض بين ما يدل على حرمة مطلق الزينة و بين ما يدل على جواز لبس غير المعتاد فان لم يكن في البين ترجيح سندي أو شهرة فتوائية لأحد المتعارضين أو ظهور قوى له. يتساقطان و يكون المرجع الأصل هذا غاية ما تحرينا في تنقيح حكم المسئلة و قد عرفت كلام صاحب الجواهر من ان المسألة في غاية التشويش و لم يكن بحث الأستاد مد ظله خاليا عنه ايضا و قد بذلت الجهد في المسئلة و ترتيبها و الإشارة الى ما هو المؤثر في تقليل التشويش و لكني أرجو اللّه تبارك و تعالى ان لا أكون مخالفا للفقهاء الصلحاء من السلف في الموضع أيضا.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 46 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 166

في استعمال الدهن الذي فيه طيب

اشارة

و مما يحرم على المحرم بعد الإحرام استعمال دهن فيه طيب و قال المحقق في الشرائع: و استعمال دهن فيه طيب محرم بعد الإحرام.

و شرح صاحب الجواهر عبارة الشرائع و جعل قول الماتن: محرم، خبرا للاستعمال فالمعنى الدهن الذي فيه طيب، يحرم استعماله بعد الإحرام، و احتمل بعض ان كلمة محرم صفة للطيب، يعنى الطيب المحرم إذا كان في دهن يحرم استعمال ذاك الدهن بعد الإحرام على المحرم.

و على كل حال الاستعمال في المقام كما احتمله صاحب الجواهر هو الادهان، لا الأكل و الإسراج، و لا الاستعمال في اللباس أو حمله لكي تفوح رائحته، و لا شمه، فعلى هذا يكون الشم داخلا تحت عموم حرمة الطيب التي أشير إليها في المسائل المتقدمة، و ليس داخلا في مصاديق ما نحن فيه، و هو الادهان، و يمكن ان يكون الادهان خارجا من مفهوم الاستعمال و الأول أولى و يحتمل ان يكون الاستعمال و الدهن كلاهما موضوعا للحكم و لكن المنصرف من الاستعمال و المتبادر

ص: 167

منه هنا هو الادهان فقط كما في بعض الروايات كما يأتي و على كل استعمال الدهن إذا كان فيه طيب حرام على المحرم و لا يجوز الادهان به و ادعى الإجماع عليه و انه قول عامة أهل العلم و تدل عليه الروايات منها ما رواه الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم و ادهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل (1) و ما ورد في رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه انه كان يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح، محمول على الحرمة بعد النهى الصريح (2) و اما الادهان قبل الإحرام بما فيه طيب إذا بقي أثره إلى الإحرام فهو ايضا حرام و تدل عليه الصحيحة المتقدمة للحلبي و عن المدارك نسبته إلى الأكثر فإن الطيب كما يحرم على المحرم ابتداء، يحرم عليه استدامته، بل يجب إزالته.

و تدل عليه ايضا خبر على بن أبي حمزة قال سألته عن الرجل يدهن بدهن فيه طيب و هو يريد ان يحرم فقال لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر يبقى ريحه في رأسك (3) و هذا لا كلام فيه و انما هو في ان الادهان الذي يحرم قبل الإحرام كيف يتحقق و بأي نحو يتصور.

قال سيد المدارك: لا يخفى ان حرمة الادهان بما فيه طيب قبل الإحرام، انما يتحقق إذا وجب الإحرام و ضاق الوقت، و الا لا يكون الادهان حراما و ان بقي أثره الى حين الإحرام، نعم يحرم عليه إنشاء الإحرام قبل زوال الأثر، بل يجب عليه ازالة الأثر أو يصبر حتى يزول بنفسه و اما الادهان لم يكن محرما، بخلاف


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 168

ما إذا ضاق وقت الإحرام و وجب عليه فحينئذ يحرم عليه الادهان بالطيب الذي يبقى أثره و تبعه صاحب الجواهر و قال كما هو واضح.

فهل المقصود من حرمة الادهان قبل الإحرام إذا بقي ريحه، ان الادهان بما يبقى أثره الى حال الإحرام، حرام تكليفا، و تعلق النهى به مستقلا، فهذا لا فرق فيه بين ان يكون الإحرام واجبا مضيقا وقته أم لا، فإنه بعد الادهان اما يصبر حتى يزول الأثر، أو يزيله، فلو ادهن فعل حراما و ان كانت الحكمة فيه بقاء الأثر و لو ازاله يكون بمنزلة التوبة فعلى هذا الادهان حرام مستقلا و ازالة الأثر الباقي واجب عليه.

و اما لو كان المقصود ان الادهان قبل الإحرام بما يبقى ريحه ليس حراما مستقلا نفسيا ذاتيا، بل انما تعلق النهى به بلحاظ النظر الى حرام آخر، و استلزامه له، و هو حرمة ادامة الطيب حال الإحرام، لو بقي الريح، كما تدل عليه الرواية بقوله عليه السّلام: من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم (1) فعلى هذا ليس الادهان بما هو حراما، بل بقاء الأثر بعد الإحرام حرام و منهي عنه فلو لم يتمكن بعد الادهان من إزالة الأثر لضيق الوقت أو غيره، يكون الادهان مستلزما للحرام، لا حراما بنفسه، و متعلقا للنهى مستقلا.

و ما يقال ان في سعة الوقت لا يكون الادهان حراما، و لكنه يحرم إنشاء الإحرام قبل زوال الأثر، فهو ايضا غير سديد، فإنه ان كان المراد من حرمة الإحرام الحرمة التكليفية، فاللازم بطلان الإحرام، و عدم صحته، لكونه امرا عباديا لا يتحقق مع النهى، و لم أر من صرح بذلك، على ما لاحظت الجواهر و المدارك و غيرها.

و ان كان المقصود ان الإحرام حال بقاء اثر الطيب حرام من جهة الابتلاء باستدامة الطيب و كونه علة لذلك، فيكون ايضا حراما و باطلا لكونه منهيا عنه و لا يصح التقرب به، فان قصد التشريع بالإحرام يقع باطلا و فاسدا للتشريع


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 169

المحرم، و ان لم يقصد التشريع فهو لغو و باطل.

و بالجملة القول بحرمة الإحرام تكليفا و صحته وضعا، يوجب تخصيص قاعدة ان النهى في العبادات يوجب للبطلان.

فلا بد من توجيه الكلمات بان يقال ان الادهان كما انه حرام و غير موجب للبطلان و فساد الإحرام، لكونه تكليفا مستقلا منهيا عنه، و الإحرام واجبا مستقلا و تكليفا أخر و لا يؤثر الادهان بالتطيب فيه، فكذلك إبقاء أثر الطيب في البدن و استدامته حال الإحرام، لا يؤثر في بطلان عمل أخر واجب مستقل، فان استدامة أثر الطيب الذي تعلق به النهى عمل مستقل معنون بعنوان، و إنشاء الإحرام واجب مستقل تعلق به الأمر، و لا يوجب حرمة فعل بطلان عمل أخر واجب مستقل، كما لو أحرم للصلاة و عمل حراما، و ارتكب منهيا غير متحد مع الصلاة، بأن نظر الى الأجنبية، لوضوح ان النظر إلى الأجنبية حال تكبيرة الإحرام لا يوجب فساده فكذلك في المقام.

إشكال أخر

بقي في المقام اشكال، و هو انه كيف يتمشى النّية للإحرام ممن يعلم انه يرتكب تروك الإحرام أو واحدة منها فمن أحرم بعد الادهان بما فيه طيب و الأثر باق كيف يمكن ان ينوي ترك محرمات الإحرام كما قاله في المدارك و تعرضنا له في من أراد الإحرام في القميص و المخيط، و قلنا: كيف يتصور القصد لترك المحرمات مع لبس القميص عند إنشاء الإحرام الذي ليس هو الا القصد و العزم على تركها.

و قد أجبنا عن الإشكال في ذلك المقام، بأن الإحرام عبارة عن إنشاء الالتزام بترك المحرمات، مثل إنشاء البيع و النكاح الذي يمكن إيجادهما اعتبارا مع القصد و العزم على غصب المبيع و عدم العمل في الخارج بالمنشإ و المحرم الذي يعلم انه يرتكب بعضا من المحرمات، لا مانع من إنشائه الإحرام أي الالتزام بالترك اعتبارا

ص: 170

مع ارتكابه لبعض التروك، إذ هو أمر اعتباري إنشائي.

و ما قاله صاحب المدارك و تبعه في الجواهر، لم يقبل منهما(1) و لا يمكن حمل الروايات الواردة في تلك المسئلة على عدم تحقق الإحرام أيضا فتحصل من جميع ما ذكر ان الادهان بما فيه طيب حرام بعد الإحرام و كذا قبله لو بقي ريحه الى حال الإحرام.

و اما الادهان قبل الإحرام بما ليس فيه طيب لا اشكال فيه قبل الغسل و بعده، و كذا لو زال اثر الطيب قبل الإحرام لو ادهن بما فيه طيب و قد يقال ان الادهان بما ليس فيه طيب نظير الادهان بالمتطيب في حصول البشاشة و الطلاقة و التلألؤ بعد الإحرام إذا بقي عليه و الحال ان اللّه تبارك يحب الحاج ان يكون أغبر و أشعث و فيه انه اجتهاد في مقابل النص و واضح الضعف كما اعترف به صاحب الجواهر بل عن التذكرة الإجماع عليه مضافا الى تصريح الاخبار بعدم البأس به و كذلك الادهان بالمتطيب لو زال أثره و ريحه قبل الإحرام و لو بقي تلولوه و البشاشة فيه.


1- بعد ما راجعت المدارك و الجواهر لم أجد كلامهما مخالفا لما أفاده الأستاد مد ظله بل ما اختاره المدارك و قواه صاحب الجواهر موافق له و هذا نصهما قال صاحب المدارك في مسئلة من أحرم في قميصه: لو أخل باللبس ابتداء فقد ذكر جمع من الأصحاب انه لا يبطل إحرامه و ان اثم و هو حسن و في الجواهر بعد نقل كلامه: و نحوه عن الكركي و ثاني الشهيدين و لعله الأقوى وفاقا لمن عرفت بل لا أجد فيه خلافا صريحا الا ما سمعته من الإسكافي و لا ريب في ضعفه انتهى و هذا كما ترى موافق لما اختاره الأستاد مد ظله و لم أجد في مسئلة النية أيضا ما يخالفه و لم أدر من اين نقل عن المدارك

ص: 171

ففي صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم و ادهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل. (1) عن الحسين بن ابى العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عن الرجل المحرم يدهن بعد الغسل قال نعم فادهنا عنده بسليخة بان و ذكر ان أباه كان يدهن بعد ما يغتسل للإحرام و انه يدهن بالدهن ما لم يكن غالية أو دهنا فيه مسك أو عنبر (2) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه قال: الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك و لا عنبر و لا زعفران و لا ورس قبل ان يغتسل للإحرام (3) عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه كان لا يرى بأسا بأن تكتحل المرأة و تدهن و تغتسل بعد هذا كله للإحرام. (4) عن محمد بن مسلم قال أبو عبد اللّه لا بأس بأن يدهن الرجل قبل ان يغتسل للإحرام و بعده و كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى (5) و اما الادهان بعد الإحرام بما لا طيب فيه فهو حرام لا يجوز للمحرم ان يدهن به و نقل عن ظاهر بعض الإجماع عليه و تدل عليه بعض النصوص المتقدمة المفصلة بين ما فيه طيب و غيره.

ففي صحيحة الحلبي فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل (6) معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا تمس شيئا من الطيب و لا من


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الإحرام الحديث 1
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الإحرام الحديث 2
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الإحرام الحديث 3
6- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 172

الدهن في إحرامك (1) و في رواية أخرى عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن (2) و ذهب جمع من العلماء الى ان الادهان بعد الإحرام بما لا طيب فيه ليس بحرام، بل هو مكروه و مستند هؤلاء ظواهر اخبار يمكن حملها على صورة الاضطرار منها.

رواية ابن ابى عمير عن هشام بن سالم قال قال له ابن ابى يعفور ما تقول في دهنة بعد الغسل للإحرام فقال قبل و بعد و مع ليس به بأس قال ثم دعا بقارورة بان سليخة ليس فيها شيى فأمرنا فادهنا منها. (3) عن الحلبي انه سال عن دهن الحناء و البنفسج اندهن به إذا أردنا أن نحرم فقال نعم (4) و قد حمل القائلون بالحرمة، تلك الاخبار على الضرورة و الحاجة الى الادهان كما ان جمعا من العلماء أخذوا بظواهرها و أفتوا بالجواز مع الكراهة هذا تمام الكلام في الادهان بعد الإحرام اختيارا و اما الاضطرار فسيأتي.

(في جواز الادهان عند الضرورة)

لو اضطر المحرم إلى الادهان بما فيه طيب يجوز له ذلك للضرورة مع الكفارة و ادعى الإجماع عليه و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج قال: ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين و ان كان


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الإحرام الحديث 6
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 30 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 173

تعمد فعليه دم شاة يهريقه (1) عن هشام بن سالم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمل فليبطه و ليداوه بسمن أو زيت (2) عن محمد بن مسلم عن أحدهما سالته عن محرم تشققت يداه قال: فقال يدهنها بزيت أو بسمن أو إهالة (3) و ظاهر الروايتين صورة الاضطرار و الحاجة الى التداوي بدهن فيه طيب.

و رواية سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمل فقال اجعل عليه بنفسج و أشباهه مما ليس فيه الريح الطيبة (4) في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الجعفري عن صاحب الزمان عليه السّلام انه كتب إليه يسأله عن المحرم هل يجوز له ان يصير إلى إبطيه المرتك أو التوتياء لريح العرق أم لا يجوز فأجاب عليه السّلام يجوز ذلك و باللّه التوفيق (5) و بمعونة هذه الاخبار الواردة في صورة الاضطرار يحمل ما دل على جواز الادهان للمحرم مطلقا على الاضطرار و لا يصح الأخذ بإطلاقها بل تتقيد بصورة الاضطرار و الحاجة، أو يحمل على الادهان قبل الغسل أو بعد الغسل للإحرام كما ان كلمة يكره تحمل على الحرمة في قوله عليه السّلام و كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى، أو يكره للمحرم الأدهان الطيبة. (6) بعد ورود النهى عن الادهان بما يبقى أثره إلى الإحرام، و بعد دلالة الروايات على حرمة الادهان بعد الإحرام مطلقا.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 4 من بقية كفارات إحرام الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 31 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 31 من تروك الإحرام الحديث 2
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 31 من تروك الإحرام الحديث 3
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 31 من تروك الإحرام الحديث 4
6- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 29 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 174

في حكم ازالة الشعر

اشارة

و مما يحرم على المحرم ازالة الشعر و قال في الشرائع قليله و كثيره و مع الضرورة لا اثم انتهى و لكنه لم يصرح بالرأس و غيره فيمكن ان يكون ازالة الشعر عن جميع البدن كما يحتمل ان يكون من بدن المحرم و من بدن الغير، سواء كان ذلك الغير محرما أو محلا كما يشمل القليل و الكثير و صرح في الجواهر و لو بشعرة و نصفه.

ازالة الشعر كما هو المتبادر الظاهر، عبارة عن ازالة الشعر عن الأصل و اما قطعه من النصف و تنصيفه بالتقصير فيبعد استفادته من لفظة الإزالة و ان يكون المراد من عبارة الشرائع ذلك، بل هو فتوى صاحب الجواهر و اجتهاده نعم لو وجد في الاخبار ما يشمل القطع يشمل قطع النصف كما لو قطع نصف الشجرة يقال قطعها و كذلك لو قطعها من الأصل ثم ان الإزالة لا فرق بين أنحائها من النتف و القطع بالدواء و الحلق و الإحراق

ص: 175

و القص و غيرها.

و تدل على الحرمة الآيات و الروايات مضافا الى ما ادعاه في الجواهر من عدم الخلاف فيه بل الإجماع عليه بقسميه فإن أمكن تحصيل الإجماع لأحد، فيها، و الا ففي الآية و الرواية كفاية و غنى.

اما الآية قوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ الاية (1) و هي تدل على حرمة حلق الرأس الى ان يبلغ الهدى محله ثم يجب الحلق على الحاج في ذاك المحل و هو منى.

و يستفاد من قوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ان حلق الشعر لا يجوز الا للمضطر اليه و من لا يتمكن من الصبر الى ان يبلغ الهدى محله فيحلق و يفدى و الا يجب عليه الصبر، و لا يختص وجوب الحق بالمحصور، فان رسول اللّه مع عدم كونه محصورا لم يقصر، بل حلق لانه كان ساق الهدى، فالحكم المستفاد من الآية عام شامل للمحصور و غير المحصور و اما إزالة الشعر من البدن، أو بدن غيره، بحلق كان أو بغيره، و كذا ازالة المحرم الشعر من بدن غيره سواء كان محلا ذلك الغير أو محرما، فلا بد من بيان الأخبار الواردة في تفسير الآية في حكم جميع ذلك.

منها صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم، قال:

لا الا ان لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم (2) كان المعمول بينهم ان يحلقوا مكان المحاجم إذا كثر الشعر و مع ضرورة الحجامة و جوازها لم يجوز الامام عليه السّلام ازالة الشعر عن مكانها.

عن الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عن المحرم يحتجم قال: لا الا ان يخاف


1- البقرة الآية 196
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 176

التلف و لا يستطيع الصلاة و قال: إذا آذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و لا يحلق الشعر. (1) و المراد من حلق الشعر في الرواية إزالة الشعر عن مكان المحاجم كما في الرواية السابقة لكنه لا خصوصية له بل هو لازالة الشعر و حلقه مطلقا.

عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر (2) في صحيح معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المحرم يحك رأسه فتسقط منه القملة و الثنتان، قال: لا شيى عليه و لا يعود، قلت: كيف يحك رأسه، قال: بأظافيره ما لم يدم و لا يقطع الشعر (3) فهل يمكن الاستفادة من لفظة يقطع الشعر قطع النصف منه أم لا لأجل أن الحك بالأظافير انما يقطع من الأصل لا من النصف، و لكن القطع في حده يشمله، و يمكن ان يتجه كلام الجواهر بما ذكر إذ المقصود ان لا يزاحم المحرم الشعر و يقطعه و يزيله و لو لا ذلك لما يستفاد من تعبير الفقهاء بإزالة الشعر حرمة قطعه نصفا و رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و يحك الجسد ما لم يدمه (4) و إلقاء الشعر المذكور في الرواية شامل لقطع الشعر نصفا و إزالته من الأصل و رواية على بن رئاب عن زرارة عن ابى جعفر قال: من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شيى عليه و من فعله متعمدا فعليه دم (5) و الظاهر من ترتب الكفارة على شيى، حرمته، و انه منهي عنه و في خبر أخر


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 15 من كفارات الإحرام الحديث 2
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الإحرام الحديث 2
5- وسائل الشيعة الجزء 10 من كفارات الإحرام الحديث 1

ص: 177

من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شيى عليه (1) و المفهوم من الرواية ان من فعل ذلك لا عن سهو و نسيان فعليه شيى.

عن زرارة قال سمعت أبا جعفر يقول من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمدا فعليه دم شاة (2) حريز عن أبي عبد اللّه(خ ل) جعفر عليه السّلام قال: إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم (3) و رواية عبد اللّه بن جبلة عن أبي عبد اللّه في محرم نتف إبطه قال يطعم ثلاثة مساكين (4) و المذكور في تلك الروايات ازالة الشعر عن الرأس و الإبط و محل الحجامة و لا يبعد التعدي منها الى كل مورد من البدن و الحكم بحرمة إزالة الشعر عنه كما يستفاد من روايات اخرى، منها رواية منصور عن أبي عبد اللّه في المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة، قال يطعم كفّا من طعام أو كفين (5) معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة و الثنتان قال يطعم شيئا (6) عن الحسن بن هارون قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انى أولع بلحيتي و انا محرم فتسقط الشعرات قال إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرا و تصدق به فإن تمرة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من بقية كفارات الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من بقية كفارات الإحرام الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 11 من بقية كفارات الإحرام الحديث 1
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 11 من بقية كفارات الإحرام الحديث 2
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الإحرام الحديث 1
6- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الإحرام الحديث 2

ص: 178

خير من شعرة. (1) عن هشام بن سالم قال: قال أبو عبد اللّه: إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته و هو محرم فسقط شيى من الشعر فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق. (2) هذا حكم ازالة الشعر و قطعه من الرأس و الإبط و سائر البدن و اما سقوط الشعر من دون نتف و عمد فلا اشكال فيه كما في عدة روايات منها.

ما رواه المفضل بن عمر قال دخل الساجبى على أبي عبد اللّه فقال ما تقول في محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان فقال أبو عبد اللّه لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان على شيى. (3) عن الهيثم بن عروة التميمي قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال ليس بشي ء ما جعل عليكم في الدين من حرج. (4)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الإحرام الحديث 7
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من بقية كفارات الإحرام الحديث 6

ص: 179

في حكم ازالة الشعر عند الضرورة

قد تقدم ان ازالة الشعر و قطعه حرام على المحرم اختيارا و اما عند الضرورة و الحاجة فلا اشكال فيه و لا اثم عليه كما في الشرائع، و فسر صاحب الجواهر الضرورة بقوله من أذية قمل أو قروح أو صداع أو حرّ أو غير ذلك مدعيا عدم وجدان الخلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى الأصل و عموم أدلتها و الى نفى العسر و الحرج و الضرر و الضرار و الآية و صحيح حريز انتهى و الضرورة شاملة للمريض و غيره ممن يحتاج إلى إزالة شعره لدفع الضرورة من الأذى و غيره كما في الآية الكريمة.

اما الآية فقوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ الاية. (1) و المراد من المريض في الآية الكريمة، من يتضرر بعدم حلق الرأس، و الا لو كان مريضا و لكن لا يتضرر من وجود الشعر و عدمه على رأسه أصلا، لا تشمله


1- البقرة الآية- 196

ص: 180

الاية و لا الأدلة الأخرى كما يشهد لذلك مناسبة الحكم للموضوع لوضوح ان المريض المحرم الذي يجوز له ازالة الشعر عن رأسه و حلقه، هو الذي يرتبط مرضه بوجود الشعر أو يتوقف علاجه بإزالته بحيث ان للشعر و عدمه دخالة و تأثيرا في برئه و عدمه كما لو قيل، يجوز للمريض ان يفطر، إذ يعلم منه ان المرض الذي يضر بالصائم و ان الإمساك الذي يوجب ذلك مجوز للإفطار و الا لو كان المرض بحيث لا يضر الصائم أصلا أو كان علاجه بالإمساك عن الطعام و الشراب و مفيدا فيه، لا يجوز له الإفطار، و في المقام ايضا كذلك، فالمرض الذي يقتضي كشف الرأس و ازالة الشعر أو قطعه يجوّز إزالته للمحرم عن رأسه أو سائر بدنه إذا تضرر به، و الا فلا و اما الأذى في الرأس يمكن ان يكون من جهة المرض فحكمه ما تقدم أو غيره كما في قضية الأنصاري فيجوز ازالة الشعر لدفع القمل و الأذى نعم لو تولد القمل من البدن كما في بعض الأمراض فهو داخل في المرض و كذا البراغيث و الحاصل ان الأذى في مقابل المرض و الجامع بينهما هو الموجب لجواز ازالة الشعر عن الرأس أو جميع البدن و تدل عليه الآية المتقدمة و الروايات و الأصل و الإجماع و ادعى عدم الخلاف فيه اما الآية قوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ البقرة الآية 196.

و اما الرواية فمنها ما رواه حريز عن أبي عبد اللّه قال مرّ رسول اللّه على كعب بن عجرة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه و هو محرم، فقال أ يؤذيك هوامك فقال: نعم، قال: فأنزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه الاية.

فأمره رسول اللّه بحلق رأسه و جعل عليه الصيام ثلاثة أيام و الصدقة على سنين مساكين لكل مسكين مدان و النسك شاة (1) و في رواية أخرى مرّ النبي صلّى اللّه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و هو محرم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من كفارات الإحرام الحديث 1

ص: 181

و قد أكل القمل رأسه و حاجبه و عينيه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما كنت ارى ان الأمر يبلغ ما أرى فأمره فنسك نسكا لحلق رأسه لقول اللّه عز و جل فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً الاية (1) و اما الإجماع فقد ادعى بقسميه، و في الجواهر بلا خلاف أجده فيه، و عن المنتهى لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعا و اما الأصل فتوضيحه انه يمكن ان يقال: ان القدر المتيقن من أدلة حرمة إزالة الشعر على المحرم هو المختار و غير المتأذّي من الشعر، و اما المضطر لو شككنا فيه فيجري الأصل فيه و يحكم بعدم الحرمة مضافا الى عموم أدلة الاضطرار و رفع ما اضطروا اليه و عموم رفع العسر و الحرج.

و يمكن ان يقال في الفرق بين المرض و العسر و الحرج ان الحرج انما يرفع الحكم إذا كان التكليف و تحمله حرجا ذا مشقة، بخلاف المرض إذ قد يوجد مورد يقتضي المرض رفع الحكم و يشمله دليله و لكنه قابل للتحمل و لا يكون حرجيا و لا يشمله دليل العسر و الحرج، فالتمسك بدليل الحرج انما يتبع المشقة و الحرج، بخلاف المرض فإنه تابع للضرر و عدمه و ان لم يكن حرجيّا.

ثم انه هل يقتصر في الحكم بجواز ازالة الشعر عن الرأس و ثبوت الفدية، بما ذكر في الآية من المرض و الأذى في الرأس بكثرة القمل أو يتعدى الى كل مرض و أذية و اضطرار و حاجة، اما جواز ازالة الشعر بالمرض و الأذى لا يختص بالرأس بل يشمل جميع موارد الضرورة و الحاجة و لا يختص بمورد الآية و اما الفدية فنقتصر في إثباتها بما ذكر في الآية من المرض و الأذى و قيل لا تنحصر الفدية أيضا بما ذكر بل هي ثابتة في كل مورد مثله فعلى كل حال ان اقتصرنا في الفدية و ثبوتها على مورد الآية تحكم بها فيه كما هو مختار صاحب


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من كفارات الإحرام الحديث 4

ص: 182

المدارك، و لا يثبت في غيره.

و قد فصل بعض بين ثبوت الفدية في مورد الآية و عدم ثبوتها في غيره كما عن المنتهى و التذكرة و الدروس و كشف اللثام بنحو أخر حيث قالوا: ان كان الأذى في الرأس مستندا إلى كثرة الشعر أو وجوده لا فدية و ان كان بأمر خارج لا يزول إلا بإزالة الشعر تجب الفدية كما لو نبتت شعرة في العين أو سقط شعر من الحاجب على العين كما لو كان الأذى من جهة القمل الذي لا يندفع الا بحلق الشعر و إزالته فيجوز له الحلق و تجب الفدية و شبهوا ذلك و نظروه بالصيد في انه تارة يصول و يحمل على المحرم و يريد الإضرار به و هلاكه، فيدفع عن نفسه و يهلكه و يقتله و حينئذ لا يجب الفدية، و اخرى يقتله لدفع اضطرار آخر، و ضرورة أخرى كما لو اضطر إلى أكل صيد لحفظ نفسه و سد جوعه لا لدفع الضرر الناشي من الصيد فيقتله و يأكله و لكن تجب الفدية عليه، إذا الصيد لم يكن مزاحما له بنفسه و معاندا و مضرا به، بل ما كان يؤذيه و يضره هو الجوع الذي لا يمكن دفعه الا بقتل الصيد و أكل لحمه.

لكن كلامهم قدس اللّه أسرارهم لا يصح دليلا لما ذكر ان لم يوجد في المقام دليل آخر، و لا يقاس المقام بالصيد و لا تعليل في البين حتى يسرى الحكم الى غيره، فلا بد من ملاحظة دليل نفس الحكم فان قلنا ان الظاهر من الآية و الرواية حصر الأذى بالرأس من جهة الصداع و كثرة الشعر فيها و الا فلا يختص الحكم بما ذكر في الآية.

و الحاصل انه تارة يستفاد من الآية ان الحكم يختص بالرأس و لا يشمل العين و غيره من سائر البدن كما عليه السيد في المدارك و اخرى يقال انه لا يختص بالرأس بل يشمل العين و سائر البدن إذا تأذّى من وجود الشعر و كثرته فعلى هذا ما الوجه في التفصيل في ثبوت الفدية بان الأذى ان كان من جهة الشعر فقط فلا فدية كما لو نيت في عينه شعر، و ان كان الأذى من غير الشعر و لكن لا يتمكن من إزالة الأذى

ص: 183

إلا بحلق الشعر وجبت الفدية، فهل استفيد ذاك التفصيل من الآية أو من غيرها الظاهر انه ليس في الآية ما يدل على التفصيل، و ما يوجبه، و لا نفهم ذلك منها.

اللهم الا ان يوجه كلامهم في التفصيل بما يأتي.

بأن يقال ان الموضوع و المورد في جعل الحكم الشرعي و وضعه فيه قد يكون بحيث يقتضي أن يتعلق به حكم تحريمي أو وجوبي بمعنى ان الموضوع يقتضي ذلك و يوجبه و لكنّ مانعا يمنع عنه و يزاحمه فحينئذ يرفع اليد عن فعلية الحكم و يتدارك بالفدية أو بغيرها كما لو زاحم و منع الضر الخارجي العارض، الحكم المجعول للشعر النابت في الرأس، فعند ذا يرفع اليد عن حرمة إزالة الشعر و يحكم بجواز الحلق و يتدارك المصلحة الفائتة أو المنقصة الحاصلة بالفدية و الكفارة كما لو كانت الصلاة في وقت معين ذا مصلحة موجبة لوجوبها و لكن الموانع من الإغماء و غيره صدت عن الإتيان بها فيرفع اليد عن الوجوب في الوقت و يتدارك بالقضاء خارجه.

و قد يكون المورد غير صالح لوضع الحكم و جعله فيه حتى يرتفع بالضرر و غيره و يتدارك بالفدية و الكفّارة كالشعر النابت في العين المانع عن الأبصار إذ لا يصلح وضع الحكم و جعل الحرمة على إزالته حتى يقال يجوز للمحرم إزالته و يجب عليه الفدية و الكفارة عند الأذى و الضرر كالصلاة التي لا مصلحة في جعل الوجوب فيها حتى يرتفع الإلزام عند الضرر و يتدارك ما فات من المصلحة بالقضاء بعده كما في صلاة الحائض إذ ليس فيها مصلحة كسائر الصلاة حتى يجب القضاء بعد الطهر و حصول النقاء.

و على اى حال ان صلح هذا التوجيه فيها، و الا فما ذكره بعض من إطلاق دليل الكفارة وجيه، و ان كان كلامه ايضا لا يخلو من اشكال لتخصيصه الحكم و الكفارة بالرأس و صورة المرض، لعموميّة الحكم لجميع البدن و شموله له، هذا تمام الكلام في حكم الاضطرار إلى إزالة الشعر من الرأس أو سائر البدن و اما إزالة الشعر عن بدن الغير فسيأتي حكمه.

ص: 184

في حكم ازالة الشعر عن بدن الغير

هل يجوز للمحرم ان يزيل الشعر من بدن غيره أو يحرم عليه كازالته عن نفسه.

قد يقال إذا كان الغير محرما لا يجوز للمحرم ازالة شعره و عن المدارك الإجماع عليه، و في الجواهر لعله كذلك مضافا الى ما يفهم من الأدلة من عدم جواز وقوع ذلك من اى مباشر كان انتهى.

اما الإجماع فإن كان المراد منه الاستناد الى كلام المعصوم، و ان الحكم مستند الى الامام و ان لم يوجد له مدرك من الأدلة الموجودة فنعم و الا فتحصيل الإجماع مشكل.

ثم ان المقصود من كلام الجواهر في قوله من عدم جواز ذلك من اى مباشر كان، انه لا يجوز للمحرم ان يزيل شعره بأي سبب كان بمباشرة نفسه أو بسبب غيره سواء كان ذلك الغير محلا أو محرما، فان كان المراد ذلك فالمعنى ان المحرم يجب عليه ان يترك شعره و يخليه في بدنه، و لا يزيله و لو بمباشرة غيره و هذا غير ما نحن بصدده.

ص: 185

أو المراد ان ازالة شعر المحرم حرام فالمعنى ان ازالة شعره حرام على المزيل محرما كان أو محلا، فهذه الحرمة لا يختص بالمحرم بل يشمل المحل، و اما حرمة إزالة الشعر عن الغير المحل على المحرم الذي يزيل الشعر فلا يستفاد مما ذكر نعم يستفاد حرمة ازالة الشعر عن الغير المحرم لكنه لا يختص به بل يحرم على المحل بدليل المباشرة الذي ذكره صاحب الجواهر و لا يمكن عدّ هذا من محرمات الإحرام و تروكه، التي نحن بصدد بيانها من حرمة إزالة الشعر عن بدن الغير على المحرم سواء كان الغير محلا أو محرما و اما إيقاع المحرم في الحرام و ان كان حراما على المحرم و المحل الا انه مطلب أخر الا ان يقال ان التسبيب حرام كما لو قلنا ان الارتماس حرام على المحرم فلو رمسه الغير في الماء لكان حراما ايضا و لكن هذا فيما إذا كان الغير لم يسلب عنه القدرة و لم نقل بعدم الحرمة في صورة الإكراه و ان كان من الممكن ان يقال بعدم الفرق كما في الصائم المكره على الإفطار الذي يحرم على المكره بالكسر لكونه سببا لتحقق المبغوض عند الشارع في الخارج(1) هذا و لكن المهم في المقام و عمدة الأدلة في المسئلة الروايات المصرحة فيها بان المحرم لا يجوز له ان يأخذ من شعر الحلال فيعلم حرمة أخذ الشعر من بدن الغير المحرم بالأولوية.

منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه قال: لا يأخذ المحرم من شعر الحلال (2)


1- لم يتضح لي مراد الأستاد مد ظله من الاستثناء فإن حرمة التسبيب ليست من محرمات الإحرام بما هو إحرام على كل حال
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 63 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 186

و مرسلة الصدوق قال: قال عليه السّلام لا يأخذ الحرام من شعر الحلال (1) و الروايتان تدلان على حرمة أخذ الشعر من الحلال بالقطع أو الجز أو النتف على المحرم و يعلم حرمة أخذه من المحرم بطريق اولى، و يكفى هذا في المقام دليلا.

و هنا فروع ينبغي الإشارة إليها

الأول

- بعد ما تبين ان المحرم المضطر إلى أخذ الشعر من رأسه أو بدنه يجوز له إزالته، فهل يجوز للغير محرما كان أو محلا ان يتصدى ذلك و يزيل الشعر عن بدن المضطر، أو لا يجوز الا للمحل دون المحرم، لعدم كونه مضطرا اليه، و اما اضطرار صاحب الشعر الذي جوز له ذلك، لا يقتضيه لغيره و لا يوجب جوازه له ايضا، فلو لم يوجد المحل فهل يتحمل و يصبر أم لا.

الثاني:

لو لم يوجد المحل بناء على عدم جواز الأخذ للمحرم فهل يصبر المحرم المضطر و يتحمل المشقة و الأذى، و التعب و الشدة الى ان يوجد المحل، و ليس للمحرم الحاضر ان يدفع عن أخيه المحرم الضرر و الألم الا ان يقع في خطر عظيم و تهلكة نفس فيجب ازالة شعره حفظا لنفسه، و اما لو لم يكن في خطر التهلكة فيصبر المضطر و يتحمل الأذى حتى يجد محلا يأخذ شعره، فكل محتمل.

و اما أمر الرسول صلّى اللّه عليه و آله بإزالة الشعر و حلق الرأس في قضيّة الأنصاري لو علمنا انه صلّى اللّه عليه و آله أمر محرما ليزيل الشعر عنه لقلنا به و لكنه غير معلوم، بل أمر صلّى اللّه عليه و آله الأنصاري بحلق رأسه و ازالة شعره و ان يتداركه بالفدية، و كان جائزا له، و مباحا في حقه، و لم يثبت انه أمر محرما ليزيل الشعر عن الرجل الأنصاري المتساقط عن رأسه القمل.

اللهم ان يقال بعد جواز ازالة الشعر للمحرم عن رأسه للضرورة يجوز للغير ايضا ذلك بالملازمة كما لو قيل لامرأة يجب عليها ستر البدن و الرأس عن الأجنبي،


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 63 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 187

انه يجوز كشف الرأس عند الضرورة و الحاجة، يعلم منه ان عدم وجوب الستر و جواز كشف البدن عند الاضطرار ملازم لجواز نظر الغير و مسه له كما في الاضطرار الى الطبيب، إذ لو لم يجز للطبيب النظر و المس، لزم نقض الغرض نعم يصح هذا لو كان الطبيب منحصرا بالأجنبي، و الا يرفع الاضطرار بالطبيب الذي هو من محارم المريض، و يداوي هو و يعالج و لا يحتاج إلى الأجنبي.

و في المقام ايضا يقال بعد ما ثبت جواز حلق الشعر للمحرم عند الاضطرار اليه، يعلم منه جواز إزالته للغير ايضا محرما كان الغير أو محلا، و لكن هذا فيما انحصر الحلاق بالمحرم، و لا يوجد المحل، كما إذا اضطر في بادية إلى حلق رأسه و الناس كلهم محرمون مثله و لم يتمكن من الصبر إلى الإحلال أو وجدان المحل، فيحلق المحرم رأس المضطر و اما إذا وجد المحل لا يجوز للمحرم ان يزيل الشعر من المضطر.

و من هذا يعلم ايضا ان أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بحلق رأس الرجل الأنصاري لا يكون دليلا لجواز ازالة المحرم الشعر عن بدن الغير الأبعد إحراز وجود المحل حينذاك و عدم الانحصار بالمحرم و لو شككنا في ذلك، و لم نعلم ان المحل كان موجودا حين ما تصدى المحرم حلق شعر الأنصاري بأمر الرسول أم لا، لا يكون دليلا لنا.

ثم ان صاحب الجواهر قدس سره بعد ما ذكر عدم جواز ازالة المحرم شعر محرم غيره قال: و الظاهر ان مثله قتل الهوام، و مراده ان قتل الهوام كما يحرم و لا يفرق بين ان يقتله المحرم من بدنه أو بدن غيره، فكذلك ازالة الشعر لا يفرق بين إزالته من نفسه أو من غيره المحرم و المحل:

و استدل بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه قال: لا يأخذ المحرم من شعر الحلال (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 63 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 188

و نقل عن التهذيب عدم الجواز مستدلا بالصحيحة و قواه و قال نعم قد يشك في الفدية التي مقتضى الأصل عدمها، بعد ظهور الأدلة في غير ذلك انتهى.

(تحقيق من الأستاد مدّ ظلّه)

قال الأستاد مدّ ظلّه: الروايات الواردة في المقام، كلها ظاهرة في حرمة إزالة الشعر على المحرم من نفسه و بدنه لعود الضمير الى شخص المحرم في الآية و الرواية، و ليس فيها إطلاق شامل له و لغيره، و لو كان فهو ايضا منصرف الى المحرم كما في قوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ، مخصوص برءوس المحرمين، و لا نظر فيها الى غيرهم أصلا حتى يكون المعنى لا تحلقوا رؤس غيركم و لا تزيلوا الشعر عنهم، و لا أقل من الانصراف الى المحرمين، و ما قيل: ان الانصراف بدوي غير وجيه، إذ لو لم تكن صحيحة عمار «يأخذ المحرم من شعر الحلال» لما توجهنا إلى حرمة إزالة الشعر من الغير أصلا من الآية و الرواية بل لم نفهم منهما الّا اختصاص الحرمة بالمحرمين و ازالة الشعر عن رؤسهم و أبدانهم.

و لو كان الحكم في المقام، مثل قتل الهوام، كما في جواهر الكلام لكان اللازم ان يفتوا بحرمة ازالة الشعر على المحرم حتى عن بدن الحيوانات، كما أفتوا في قتل الهوام حتى في إلقائه من بدن الحيوانات، و لم أر من افتى بعدم جواز إلقاء الشعر من بدن الحيوان، فما ذهب اليه صاحب الجواهر قدس سره من التنظير غير وجيه، الا ان يكون المراد ان الشعر في بدن المحرم مثل الهوام يتبع حكمه و لكنه ايضا يحتاج الى دليل عام مفقود في المقام و ما هو المعتمد في المسئلة صحيحة عمار المتقدمة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لا يأخذ المحرم من شعر الحلال (1) و مرسلة الصدوق، المستفاد منهما حرمة شعر الحرام بالأولوية.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 63 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 189

الفرع الثالث في وضع اليد على اللحية و تسريحها الملازم لسقوط الشعر غالبا

، هذا الفرع مورد للابتلاء، لو أيقن المحرم انه يسقط الشعر بالتسريح و وضع اليد لا يجوز له ذلك و كذا لو شك في السقوط كما في الصوم الضروري إذ لو جاز ذلك ليتحقق و يوجد المنهي عنه و في مثل المورد يجب الاحتياط و لا يصح اجراء البراءة أو القول بأنه إذا اطمئن بالسقوط و زوال الشعر لا يفعل و لا يضع يده على اللحية بل المورد يقتضي عكس ذلك بان يقال لا يمس لحيته الا مع الاطمئنان بعدم السقوط، و الا يكون كمن رمى سهما ليختبر انه يقتل شخصا أو حيوانا، أو كمن يلاعب امرأته في شهر الصيام ليختبر انه ينزل أم لا و معلوم ان في مثل الموارد لا يجري أصل البراءة و لو فعل من دون اطمينان على عدم تحقق الفعل المنهي عنه يكون كمن تعمد ذلك.

فما اختاره صاحب الجواهر من إجراء أصالة البراءة و القول بأنه لا بأس بالتسريح الذي لا طمأنينة بحصول القطع معه و ان اتفق، لا يخلو من اشكال، و لذا قال بعد ما ذكر: الاولى و الأحوط اجتنابه(1) و قد ورد في الوضوء و غيره ايضا روايات تؤيد ما ذكرناه منها:

رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة قال يطعم كفّا من طعام أو كفين. (2) عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة و الثنتان قال يطعم شيئا (3).

عن هشام بن سالم قال قال أبو عبد اللّه إذا وضع أحدكم يده على رأسه


1- هذا ما استفدناه من الأستاذ مدّ ظلّه بناء على ما ضبطناه من ابحاثه و لكن صاحب الجواهر اجرى البراءة بالنسبة إلى الفدية و الكفارة لا الحرمة التكليفية
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2

ص: 190

أو لحيته و هو محرم فسقط شي ء من الشعر فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق (1).

نعم ورد في الوضوء ما يدل على عدم البأس للزوم الحرج مثل رواية الهيثم بن عروة قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال ليس بشي ء ما جعل عليكم في الدين من حرج (2).

و اما ما تدل على عدم البأس مطلقا فقد حمل على عدم التعمد أو على نفى العقاب بعد الكفارة.

الفرع الرابع

لو علم و أيقن ان الشعر لا يسقط بالمس فمسح لحيته فسقط الشعر أو سقط بغير العمد، فان علم انه نتف الشعر يجب عليه الكفارة، و ان علم ان الشعر كان ساقطا من الأصل و لكنه القى بالمس فلا شي ء عليه لعدم كونه نتفا بل هو إلقاء و هو ليس بحرام.

و اما لو شك في ان الشعرة الملقاة كانت نابتة فسقط بالمس أو كانت منسلة و منقطعة من الأصل فعن الدروس الا قرب الفدية، و في الجواهر، و فيه نظر للأصل، و لعل الدليل على قول الشهيد بعد عدم صدق النتف في مورد الشك.

هو الاستصحاب بتقريب ان الشعر كان متصلا و نابتا فيستصحب الى حين الإلقاء بالمس فيصدق الإزالة و النتف إذ لو حكم شرعا باتصال الشعر على الوجه عند الشك فيه بالاستصحاب يترتب عليه الأثر شرعا و لا يجوز إلقائه و إزالته فإذا سقط بمس اللحية تترتب عليه الكفارة.

يمكن ان يقال ان موضوع الحرمة و الكفارة نتف الشعر و استصحاب الاتصال الى حين السقوط انما يثبت عقلا تحقق الموضوع بمعنى ان الشعر إذا كان متصلا الى حين السقوط و لم يكن منسلا من قبل بحكم العقل بأنه نتف و سقط، و هذا مثبت، فعلى هذا، ما اختاره الجواهر هو الأقوى.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 16 من أبواب بقية تروك الإحرام الحديث 6

ص: 191

الفرع الخامس

هل يصدق ازالة الشعر بقطع العضو كما إذا قطع إصبعا فيه شعر الظاهر انه لا يصدق عليه النتف كما عن التذكرة و المنتهى، و لا كفارة فيه و ما ورد في القصاص من صدق قطع الإصبع بقطع الكف انما هو تعبد خاص في محله، و لا تعبد في المقام و لا دليل على صدق الإزالة نقطع العضو الذي فيه الشعر، فتردد الشهيد قدس في المسئلة في غير محله لوضوح ان النتف و الجز لا يصدق على العضو المقطوع الذي فيه الشعر كما لا يطلق الحلق على الرأس المقطوع و كذا لو نزع و قلع جلده فيه شعر.

ص: 192

في تغطية الرأس

اشارة

يحرم على المحرم تغطية الرأس للرجال و تخميره بناء على التعابير المختلفة في كلمات الأصحاب و الروايات و

تفصيل الكلام في المقام في ضمن أمور
الأمر الأول

، انه لا إشكال في حرمة أصل التغطية و تخمير الرأس إجماعا و ادعى عدم الخلاف فيه و تدل عليه الروايات المستفيضة ان لم تكن متواترة و هذا مما لا كلام فيه، و انما هو فيما يتحقق به التغطية و التخمير و اصابة الرأس، و في مصداق الرأس و مقداره، و انه جميع الرأس من الرقبة، كما يطلق عليه في ذبح رأس الحيوان، أو منابت الشعر فقط، و ان الاذن من الرأس أم لا، فلا بد في تبين جميع ذلك و تفصيله من التأمل في النصوص الواردة في الباب.

الأمر الثاني

انه قد يطلق الرأس و يراد منه ما فوق الرقبة و يشمل الوجه و الاذن كما في ذبح الرأس، و قد يراد منه منابت الشعر فقط كما يقال حلق رأسه أي منابت الشعر فقط و لا يشمل الوجه، و قد ورد في بعض الروايات كما يأتي، ان

ص: 193

المحرم لا يخمر رأسه، فهل المراد منه ما فوق الرقبة، الظاهر لا، لما ورد في بعض النصوص الصحيحة، ان السائل سئل، هل المحرم يغطى وجهه، فأجيب لا بأس و لكن لا يخمر رأسه، لوضوح انه لم يرد من الرأس ما فوق الرقبة بحيث يشمل الوجه و ورد ايضا ان إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه كخبر القداح (1) إذ بمقابلة الوجه و الرأس يعلم ان المراد من الرأس ليس ما فوق الرقبة بل أريد منه منابت الشعر كما ورد التحديد بها في بعض الروايات كرواية على بن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال المحرم يغطى وجهه عند النوم و الغبار الى طرار شعره (2) فبناء على هذا التحديد لا حرمة لتغطية غير منابت الشعر سواء كان أذنين أو الجبهة، و لكن ورد في الروايات حرمة تغطية الأذنين و سترهما ايضا، فهل هذا من باب التعبد و ان الرأس هو منابت الشعر لغة، أو لأجل ان الرأس يطلق على ما اشتمل على الأذنين فيحرم تغطيتها ايضا، و بناء على الأول كان المناسب ان يقال ان من المحرمات تغطية الرأس و الأذنين، و لكن بمناسبة أن الأذنين ملازمان للرأس لم يفردهما بالذكر و ان كان الرأس منابت الشعر و على كل حال ورد في حكم الأذنين رواية خاصة.

عن عبد الرحمن قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المحرم يجد البرد في أذينة يغطيهما، قال: لا (3) و يعلم منها ان الأذنين لا يجوز تغطيتهما حتى حال البرد و الحاجة و ان تغطية الرأس عبارة عن ستره و الأذنين.

ثم ان الرأس و منابت الشعر بحسب المتعارف دون النادر على حد الإفراط


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

ص: 194

و التفريط، نعم خلف الرقبة المشتملة على الشعر النابت فيها عادتا يجب ان لا يستر و لا يغطى، فلا بد ان يلقى ثوب الإحرام على المنكبين و لا يلقى على فوق الرقبة و أعلاها لكي لا يغطى بعض الرقبة المشتملة على الشعر، هذا هو البحث في معنى الرأس، و اما ما يتحقق به الستر فيأتي تفصيلا.

الأمر الثالث:

لا فرق في حرمة التغطية بين ستر جميع الرأس كلّه و بين ستر بعضه كما يظهر من النصوص و صرح به الفاضل و الشهيد نعم لا بأس بعصام القربة اختيارا.

و نقل عن المنتهى انه استدل على حرمة تغطية بعض الرأس بأنه إذا نهى عن وجود شي ء و تحققه في الخارج يستلزم حرمة البعض و إيجاده فيه و النهى عن تخمير الرأس و تغطيته ملازم لحرمة تخمير البعض و ستره.

و فيه ان النهى عن الشي ء و تحققه في الخارج لا يستلزم النهى عن بعضه في جميع الموارد، اما ترى لو نهى عن صنع مجسمة الإنسان لا يستلزم حرمة صنع بعض أعضائه كاليد و الرجل و العين، و ليس المراد ان الشي ء قد يكون منهيا عنه على نحو المجموع من حيث هو كما في ارتماس الرأس في الماء، و ان المقام كذلك بل الإشكال في ان النهى عن شي ء لا يلازم النهى عن بعضه مضافا الى لزوم استعمال اللفظ في أكثر من معنى، بان يراد من الرأس تارة مجموعه، و اخرى بعضه، و بالجملة استدلال صاحب المنتهى قدس سره غير صحيح، و ان كان استحسنه صاحب المدارك، و لكن في الروايات ما يغني عن ذلك و لا يحتاج الى مثل هذا لاستدلال أصلا.

منها رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال: المحرم يغطى وجهه عند النوم و الغبار الى طرار شعره (1).

و رواية عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكى إليه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

ص: 195

حر الشمس و هو محرم يتأذى به، فقال: ترى ان استتر بطرف ثوبي قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك (1).

يستفاد منها و من التحديد الى طرار الشعر في الرواية الاولى ان ستر بعض شعر الرأس كتغطية الرأس في الحرمة و النهى.

و بالجملة الدليل على حرمة تغطية بعض الرأس هو النص و لولاه ليشكل ارادة البعض من إطلاق الرأس تارة، و المجموع أخرى، إذ ليس هذا الاستعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد، و لو قيل: لا يقطع الرأس، لما يشمل قطع الاذن و كذا لو قيل لا يقطع رأس الحيوان قبل زهاق الروح، لا يشمل قطع الاذن، أو بعض الأعضاء، فلا بد من ارادة المجموع فقط أو البعض فقط إذا كان هناك قرينة على إرادته من إطلاق الرأس، و ليس هو اسم الجنس، كالماء حتى يشمل المجموع من الماء و البعض منه على حد سواء، بل الظاهر المتبادر هو المجموع كما في قوله تعالى لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.

إذ المستفاد من الآية ان الهدى إذا بلغ محله و هو منى فاحلقوا رؤسكم و ظاهر ذلك حلق جميع الرأس لا البعض منه و قال بعض على ما سمعناه بكفاية حلق بعض الرأس و لكن لم أر من افتى به في الرسالة العملية و هذا بعيد جدا الا ان يدل دليل خارجي على ارادة البعض من الكل كما في إرادة الكف من اليد، أو على ارادة الكل من البعض كقوله أعتق رقبة مؤمنة، اما ارادة المعنيين، اى الكل و البعض في استعمال واحد فغير صحيح، و الدليل الذي اقامه العلامة قدس سره لصحة ذلك فهو غير وجيه و غير سديد.

ثم انه بناء على صحة إرادة البعض و الجزء من إطلاق الرأس و حرمة تغطيته، أو لدلالة النصوص الخاصة خرج منه عصام القربة التي توضع على الرأس و يغطى بعضه بدليل خاص وارد في المقام و الا لما يجوز.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

ص: 196

عن محمد بن مسلم انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى، فقال نعم (1).

و قد استثنى عن حكم تغطية الرأس و حرمته عصابة الرأس للصداع عن معاوية بن وهب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام لا بأس بأن يعصب المحرم رأسه من الصداع (2).

فمن ابتلى بالصداع و احتاج الى عصابة الرأس، يدع وسط الرأس مكشوفا و يشد على أطرافه.

قال ابن حمزة: التغطية منصرف عن ذلك، و لا يشمله، قوله عليه السّلام لا يخمر رأسه، و لكنه مشكل.

و قال آخرون ان تغطية بعض الرأس حرام و الخارج عنه يحتاج الى دليل خاص، و هو موجود حال الضرورة و الصداع.

الأمر الرابع
اشارة

- ان المراد من التغطية التي تحرم على المحرم هل التغطية للرأس و ستره بما هو متعارف و معمول الستر به، أو بكل ما يحصل به التغطية و ان كان غير متعارف و خارجا عن المعمول العرفي، و عن المعتاد عند الناس.

فعلى الأول يحرم التغطية بالخمار و العمامة و المقنعة و العباء و غيرها مما يتعارف ستر الرأس به، و على الثاني يحرم الستر باليد و الحناء و الطين و ورق الشجر و وضع الزنبيل و الظرف على الرأس و الطست و القدح و يكون كلّ ذلك منهيا عنه.

و لكن ما ورد في الروايات هو النهى عن التغطية بما هو معتاد و متعارف، مثل قوله لا يخمر رأسه (3)، و ان كان معنى التخمير في اللغة الستر و لكنه بلحاظ الخمار المعمول بين الناس كما في قوله تعالى وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 57 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 56 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

ص: 197

يشمل المتعارف لا غيره.

و في رواية رجل نسي و غطى رأسه قال يلقى القناع (1).

و عن الحلبي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يغطى رأسه ناسيا أو نائما فقال يلبي إذا ذكر (2).

و في رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكى اليه حر الشمس و هو محرم يتأذى به فقال: ترى ان استتر بطرف ثوبي، قال لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك (3) و بالجملة المذكور في تلك الروايات و غيرها تغطية الرأس بما هو معتاد لذلك و معد له، و لم يذكر غير المعتاد و المتعارف، و لذا أفتى العلامة صريحا بان الحرام من التغطية هو الستر بالمعتاد و المتعارف، و لو لم يكن المذكور في الروايات المتعارف مما يغطى به الرأس من القناع و الخمار، لكانت منصرفة إليه أيضا.

تفصيل الكلام في المقام
اشارة

وقع الخلاف في حرمة تغطية الرأس بغير المعتاد على المحرم و عدمها، و ذهب الأكثر من العلماء إلى الحرمة، و عن التذكرة نسبته إلى علمائنا، و في الجواهر بل لا أجد فيه خلافا، و لكن صاحب المدارك بعد نقل الحرمة عن المنتهى و التحرير قال: و هو غير واضح. لأن المنهي عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس و وضع القناع عليه و الستر بالثوب و نحوه لا مطلق الستر مع ان النهى لو تعلق به لوجب حمله على المتعارف منه فلا إطلاق في الروايات حتى تشمل التغطية بالحناء و الطين.

و تبعه في ذلك صاحب الذخيرة و هو لا يبعد عن الصحة لعدم الإطلاق في


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

ص: 198

الروايات، و ان كان يظهر من بعضها ذلك مثل قوله المحرم لا يغطى رأسه الا ان هذا الإطلاق ورد في سؤال السائلين و ذكر في قسم من الروايات لفظ الخمار و العمامة و الثوب، ففي المقام بحثان.

البحث الأول في ثبوت الإطلاق في الروايات فبناء عليه الحكم واضح و يحرم التغطية و لو بغير المعتاد و المتعارف و قد يتمسك للإطلاق بقوله عليه السّلام المحرمة لا تتنقب لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام المرء في رأسه (1) إذ المستفاد من الرواية انه كما يجب ان يكون وجه المحرمة مكشوفا كذلك يجب ان يكون الرأس في المحرم مكشوفا و غير مستور بشي ء.

التحقيق ان يقال ان كان المراد من قوله إحرام المرأة في وجهها، انه يجب عليها ان لا تستر الوجه بشي ء من الثياب و غيره من المتعارف و غيره، كان الاستدلال صحيحا و في مورده.

و اما لو قيل ان المراد من الرواية إلغاء ما هو المتعارف مما يستر به الوجه في المرأة المحرمة، ففي المحرم و تغطية الرأس أيضا كذلك يعنى يجب على المحرم ان يلغى عن رأسه ما هو المتعارف مما يستر به الرأس، فحيث ان كلّا من المعنيين محتمل في الرواية لا يصح ان يستدل بها للمدعى، اللهم الا ان يدعى ان الظاهر منها، انه يجب ان يكون الوجه في المحرمة و الرأس في المحرم مكشوفا و ظاهرا، و ان كان من الممكن ايضا ان يقال ان التستر بمثل الحناء و الطين لا ينافي الظهور و الكشف، بمعنى ان المرأة إذا سترت وجهها بمثل الحناء يصدق عليه الكشف و الظهور، فكذلك الرأس الا ان يدعى ان المراد من الرواية عدم تستر الوجه و الرأس بشي ء أصلا و لو كان غير متعارف.

و يشهد لذلك ما ورد ان التغطية بالمروحة لا يجوز للمرأة و الحال انها ليست


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

ص: 199

مما يتعارف الستر به، و تعبير صاحب الجواهر، بناء على انها من غير المتعارف يشعر بأنه من الممكن ان تعد المروحة أيضا من المتعارف، إذ كثيرا ما يسترن النساء وجوههن بها عند نظر الأجنبي إليهن، و على اى حال لو كانت المروحة و التستر بها من غير المتعارف يعلم منه ان وجه المرأة لا بد ان لا يستر و لا يغطى و لو بشي ء غير متعارف.

قد يستدل للإطلاق باستثناء حبل القراب و وضعه على الرأس لان حبل القراب ليس مما يستر به الرأس متعارفا فباستثنائه عن عموم حرمة التغطية يعلم ان الحكم عام شامل للمتعارف و غيره، و الا لا يصح الاستثناء.

و فيه ان العموم لم يذكر في رواية حتى يكون حبل القرب مستثنى منه، بل ورد الحبل في سؤال السائل، و أجاب الإمام بعدم البأس فيه، فهو حكم خاص سئله السائل، و اجابه القائل. و لم يكن داخلا في العموم على نحو الجزم و القطع، إذ كما يمكن ان يقال و يحتمل ان بكون التستر بالمتعارف و غيره حراما، و يكون حبل القرب مستثنى منه، فكذلك يحتمل ان يكون غير المتعارف جائزا من الأصل و غير داخل في العموم، و يكون حبل القرب أحد مصاديق غير المتعارف الذي جاء في كلام الراوي، و الاستثناء انما يدل على العموم و الشمول إذا كان الكلام مثل جائني القوم الا زيد، و اما إذا سئل شخص عن مجي ء زيد، و قال: لا، لا يستفاد منه العام، و لا يدل على الشمول.

نعم يمكن ان يقال: ان الراوي إنما فهم شمول الحكم للمتعارف و غيره و دخول حبل القرب فيه، و لو لا ذلك لما سئل عن حكمه، هذا و ان كان صحيحا، الا انه استدلال بفهم الراوي و حدسه، كما انه لو كان شاكا في شمول الحكم للمتعارف و غيره و سئل عن حكم مورد خاص، و أجيب بعدم البأس فيه، لما كان يفهم منه العموم، و ان المسئول عنه كان داخلا فيه، بل إنما سئل عن حكم خاص للابتلاء به كما في الارتماس في الماء أو لاحتمال كونه تغطية.

ص: 200

و اما المروحة فبناء على كونها غير المتعارف يشكل الفرق بينها و بين غيرها بان يجوز وضع حبل القراب على الرأس جائزا دون المروحة، الا ان يقال انه يحتمل كونها مما يتعارف به الستر، كما احتمله صاحب الجواهر، و هو ايضا مشكل، نعم المروحة تكون مانعة عن النظر إلى المرأة، كما لو وضعت رأسها على الجدار و وجهها عليه عند نظر الأجنبي إليها. و على كل حال يعلم من النهى عن تستر الوجه بالمروحة للنساء و من الأمر بالإسدال عند وجود الناظر، بان يكون الوجه مكشوفا و غير مستور، و يكون الإسدال مانعا عن النظر، ان التستر بالمروحة غير جائز و انه تغطية أيضا.

و قد يستدل للإطلاق بحرمة الارتماس في الماء على المحرم و واضح ان الماء ليس مما يتعارف به التغطية و ستر الرأس.

و في صحيح حريز عن الصادق عليه السّلام لا يرتمس المحرم في الماء (1) عن يعقوب بن شعيب عن ابى عبد اللّه قال: لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم (2).

عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد اللّه هل يدخل الرجل الصائم رأسه في الماء قال: لا و لا المحرم (3).

و فيه، ان عطف المحرم على الصائم في حكم الارتماس يقتضي الاتحاد بينهما، و الحال ان الفرق واضح و التفاوت فاحش لوضوح ان الحرام على الصائم ارتماس جميع الرأس في الماء و إدخاله فيه و اما ارتماس بعض الرأس لا اشكال و لا حرمة فيه، حتى انه لو لم يبق من الرأس خارج الماء الا قمّته لما كان حراما، بخلاف التغطية إذ بناء على ان ستر الرأس و لو بالماء حرام يلزم ان يكون ارتماس


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 201

بعض الرأس في الماء ايضا حراما، إذا صدق عليه التغطية كما في الستر بالمتعارف و بالجملة لو كان الارتماس حراما على المحرم، لحرمة ستر الرأس و لو بغير المتعارف، كان اللازم القول بحرمة ارتماس بعضه في الماء، و الحال ان المنهي عنه هو الارتماس، و هو ظاهر في ارتماس الجميع، فالاستدلال للإطلاق بحرمة الارتماس غير تام نعم يمكن ان يقال ان الارتماس في الماء حرام على المحرم لا من جهة ستر لرأس و تغطيته، الا ان يدعى عمومية الحكم للمتعارف و غيره عن طريق أخر و القول بان الارتماس في الماء أحد مصاديق غير المتعارف.

في معنى التغطية

ثم ان التغطية كما في كلمات الفقهاء إلصاق الشي ء بالشي ء و لذا حكموا بوجوب الإسدال على المحرمة، إذا كان ناظر ينظر إليها، و لا يجوزون الإلصاق بالوجه، و مثله الرأس في المحرم، فلو لم يلصق شي ء بالرأس لا يكون تغطية، فلو أمسك فوق رأسه شمسية، أو مروحة و لم يلصقها برأسه لا يصدق عليه التغطية و ان كان حراما من جهة التظليل.

الأمر الخامس

ان الستر باليد بوضعها على الرأس أو على الوجه في المحرمة و مسح الرأس في الوضوء و صب الماء عليه فهو جائز كما عن المبسوط و المنتهى و التذكرة.

عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض. (1) و قد يستدل بذلك لجواز التغطية بغير المتعارف و لكنه غير تام لاحتمال عدم صدق التغطية بما ذكر، و لذا لو وضع يديه على فرجه لم يجزه في الصلاة مضافا الى دوران الأمر في المقام بين التخصيص و التخصص و الثاني هو الأولى.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

ص: 202

و توضيحه انا نعلم جواز مسح الرأس و وضع اليد على الوجه حال الإحرام، و لكن نشك في ان هذا تغطية خرج عن حكم العموم الدال على حرمة الستر، أو ليس تغطية أصلا، و خروجه من باب التخصص لا التخصيص، فإذا دار الأمر بين التخصيص و التخصص، الثاني أولى مثلا لو ورد أكرم العلماء و نعلم عدم وجوب إكرام العالم بالعروض بقوله لا تكرم عالما عروضيا. و شككنا في ان خروج العالم بالعروض من باب التخصيص بعد شمول العام له، أو لم يكن العام شاملا له من الأصل، بل كان خروجه من جهة التخصص، و واضح ان الثاني أولى حفظا للمفهوم العام للعلماء و في المقام ايضا كذالك، لما ورد ان المحرم لا يغطى رأسه و ورد ايضا جواز حك الرأس بالأصابع أو ستر البدن بعضه ببعض، أو غيره من موارد الجواز، لكن الشك في ان تلك الموارد تغطية خرجت عن تحت الحكم العام فيكون تخصيصا أو ليست تغطيتا لاختصاص العموم بالتغطية بالمتعارف لا غيره، و ان كان مانعا عن الرؤية و على هذا خروجها انما هو من جهة التخصص، و لا خفاء في ان الثاني أولى بالقواعد و انسب بها.

الأمر السادس

ان التلبيد بان يطّلى رأسه بعسل أو صمغ ليجتمع الشعر و يتلبد هل هو مثل التغطية، فلا يجوز أو ليس كذلك، فعن التحرير و المنتهى جواز التلبيد و حكاه الدروس عن الحنابلة.

و في الجواهر: لا ريب ان الأحوط ان لم يكن أقوى اجتنابه إذا كان بحيث بستر بعض الرأس انتهى.

و التلبيد ان كان بحيث يستر الرأس، أو مقدارا منه بجمع الشعرات و ضم بعضها على بعض، و خارجا عن التعارف كما في المسح على الشعرات المجتمعة في الرأس فيمكن ان يقال انه تغطية و تستر لكنه بغير المتعارف مما يتحقق به الستر فيشمله حكمه، و لكنه خرج عنه بالدليل.

ص: 203

روى ابن عمر قال رأيت رسول اللّه يهل ملبدا. (1) و قد يشعر صحيح زرارة بمعروفية ذلك سابقا قال سألت أبا عبد اللّه هل يغتسل المحرم بالماء، قال: لا بأس ان يغتسل بالماء و يصب على رأسه ما لم يكن ملبدا فان كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء الا من الاحتلام. (2) و لعل منع الملبد عن الصب للاحتراز عن سقوط الشعر كما احتمله في الجواهر.

الأمر السابع

قد أشير إلى الارتماس إجمالا، و التفصيل فيه انه هل هو حرام على المحرم لأجل انه من مصاديق التغطية المحرمة عليه، أو انه حرام بنفسه لا من جهة التغطية.

قال المحقق في الشرائع بعد ذكر التغطية: و في معناه الارتماس، و الظاهر انه عدّه من مصاديق التغطية و لعل نظر الأكثر ايضا على ذلك، إذ لم أر من صرح بحرمته مستقلا، و لكنّ المستفاد من الروايات حرمة الارتماس على المحرم بنفسه و مستقلا لا من جهة كونه تغطية.

منها رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول لا تمس الريحان و أنت محرم الى ان قال و لا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك (3) عن حريز عن ابى عبد اللّه في حديث قال: و لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم (4) عبد اللّه بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن محمد بن خالد عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد اللّه هل يدخل الرجل الصائم رأسه في الماء قال:

لا، و لا المحرم و قال و مررت ببركة بنى فلان و فيها قوم محرمون يترامسون


1- صحيح مسلم الجزء 4 ص 8
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الإحرام الحديث 1
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 58 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 204

فوقفت عليهم فقلت لهم انكم تصنعون ما لا يحل لكم. (1) و هذه الروايات تدل على ان الارتماس منهي عنه حال الإحرام، و عطف الصائم على المحرم بشعر بأنه حرام عليه بما هو ارتماس و في حد ذاته، لا انه يغطى الرأس و يستره و على ذا لا يتحقق الحرمة إلا بغمس جميع الرأس في الماء كما في الصائم، و اما بناء على انه من مصاديق التغطية و أحد أفراده، يكفى غمس البعض في الماء و يحرم إذا ستر بعض الرأس، فلو فرض ان للارتماس كفارة، و للتغطية كفارة، يجب عليه كفارتان، و لكن ظاهر الروايات حرمته في حد نفسه بما هو هو، لا بما هو تغطية.

و تظهر الثمرة أيضا فيها لو ارتمس في غير الماء فبناء على الأول لا مانع في الارتماس فيه كما لو ارتمس في ماء الورد و ماء الليمون كما في الصوم، و ان احتاطوا في الصائم إذا ارتمس في ماء الورد و الماء المضاف، و اما غيرهما من المائعات فلا إشكال في الارتماس فيها في الصوم، فكذلك في المقام، لعدم صدق الارتماس في الماء، و اما بناء على الثاني يجي ء البحث في حكم التغطية بالمتعارف و غيره.

و اما صب الماء على الرأس لا يصدق عليه الارتماس و لا التغطية أصلا، و لو صدق عليه الستر و التغطية دل الدليل على جوازه، و استثنى عن الحكم العام الدال على حرمتهما.

عن زرارة عن أبي عبد اللّه في حديث قال سألته هل يغتسل المحرم بالماء قال لا بأس ان يغتسل بالماء و يصب على رأسه ما لم يكن ملبدا فان كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء الا من الاحتلام (2) عن يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يغتسل فقال نعم يفيض


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الإحرام الحديث 6
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 205

الماء على رأسه و لا يدلكه. (1) و اما الماء المصبوب شديدا لو كان كثيرا و ضخيما يستر الرأس جميعا يصدق الارتماس و التغطية.

الأمر الثامن

قد تقدمت الإشارة في الأمر الخامس الى الستر باليد و وضعها على الرأس و حكمه إجمالا و ملخص الكلام فيه ان الستر ببعض البدن فقد تدل الروايات على جواز حك الرأس و صبّ الماء في الغسل بضم الغين و فتحه الملازم لوضع اليد على الرأس و يستفاد منه جواز الستر ببعض البدن و لعله لاحتياج التغطية إلى الاستقرار و حتى لو حك الرأس بالكف ليقال بجوازه أيضا.

فإن كان وضع اليد على الرأس تغطية و استثنى من الحكم بأدلة خاصة فالقدر المتيقن من الأدلة الغسل بضم الغين مستحبا كان أو واجبا، الا ان يقال ان الغسل بفتح الغين لا يصدق عليه التغطية أصلا و ان كان مكروها لما ورد ان اللّه يجب ان يرى الحاج أشعث و أغبر.

الأمر التاسع

لا إشكال في جواز تغطية الوجه للمحرم دون المحرمة، و في الجواهر المشهور جوازه، بل عن الخلاف و التذكرة و المنتهى الإجماع عليه.

عن ابن ابى عقيل انه حرام و عليه كفارة.

و القول الثالث انه جائز اختيارا و لكن عليه كفارة و نقل هذا عن الشيخ في التهذيب و هو تفصيل في المسئلة فإنه قدس سره أجاز ستر الوجه إذا نوى تأدية الكفارة و لم يجزه إذا نوى عدم التأدية و منشأ الخلاف النصوص الواردة بمضامين مختلفة و كيفية الجمع بينها، من حمل بعضها على الكراهة أو الضرورة منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه قال: المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا في يده (2)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 206

هذه الرواية مستند ابن ابى عقيل و مثله، في الحكم بحرمة تغطية الوجه لملازمة الكفارة لها.

و نقل شيخنا الحر العاملي الرواية في الوسائل و حمل الكفارة على الاستحباب كما انه نقل بدل وجهه رأسه و لكن الموجود في التهذيب إذا غطى وجهه(1) و افتى الشيخ بمضمونها و قال يجوز تغطية الوجه للمحرم إذا أطعم مسكينا استنادا الى الروايات الأخرى الدالة على الجواز و استدل انتصارا لابن ابى عقيل في القول بالحرمة بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه قال يكره للمحرم ان يجوز بثوبه فوق انفه و لا بأس ان يمدّ المحرم ثوبه حتى يبلغ انفه. (2) و صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال انه يكره للمحرم ان يجوز ثوبه انفه من أسفل و قال اضح لمن أحرمت له. (3) و قد حمل المستدل الكراهة في الرواية على التحريم كما انه استفاد من الأمر وجوب الاضحاء، و عدم جواز ستر الوجه.

و اما جواز تغطية الوجه للمحرم و هو القول المشهور، كما تقدم قال صاحب الجواهر قدس سره: المشهور جوازه بل عن الخلاف و التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، للأصل و النصوص السابقة.

أقول اما الأصل فهو دليل حيث لا دليل، فالمهم التأمل التام، في النصوص الواردة في المقام.

منها ما رواه عبد اللّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه قال المحرمة لا تتنقب،


1- الموجود في الوسائل المطبوع جديدا إذا غطى وجهه كما في التهذيب
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 61 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 61 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 207

لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه. (1) و ظاهر الرواية من التقابل في الحكم بين الرجل و المرية، و قطع الشركة بينهما، ان ستر الوجه جائز للمحرم دون المحرمة كما ان التغطية للرأس حرام عليه، دونها، فلو كان ستر الوجه حراما على المحرم ايضا لما كان فرق بينه و بين المرأة المحرمة، فلقطع الاشتراك بينهما في الإحرام و نفيه يستفاد ان تغطية الوجه للمحرم ليست بحرام مضافا الى ان حصر الحرمة بالرأس في المحرم يكفي في عدم حرمة ستر الوجه، لانه مقتضى الأصل و الشك في الحرمة كاف في جريان الأصل.

و منها رواية منصور بن حازم قال رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و قد توضأ و هو محرم ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه (2) و وجه الاستدلال انه لو كانت التغطية للوجه حراما لما مسح أبو عبد اللّه وجهه بالمنديل، الذي يغطيه و يستره.

و أوضح من هذه الرواية، و أظهر منها، ما رواه عبد الملك القمي قال: قلت لأبي عبد اللّه(ع). الرجل يتوضأ ثم يخلل وجهه بالمنديل يخمره كله، قال:

لا بأس (3) و صحيحة على بن جعفر عن أخيه قال سالته عن المحرم هل يصلح له ان يطرح الثوب على وجهه من الذباب و ينام قال: لا بأس (4) و رواية زرارة عن ابى جعفر(ع) قال قلت المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطى وجهه، قال: نعم و لا يخمر رأسه و المرأة المحرمة لا بأس بأن يغطى


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك إحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 61 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 59 من تروك الإحرام الحديث 2
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 59 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 208

وجهها كله عند النوم (1) و هذه الاخبار كما ترى صريحة في جواز تغطية الوجه للمحرم عند النوم و غيره فلا بد من حمل الأخبار الدالة على عدم جواز التغطية كصحيحة معاوية بن عمار و هشام بن الحكيم و الحلبي المتقدمة في صدر المسئلة على الكراهة لا الحرمة كما اختاره ابن ابى عقيل، فان استعمال الكراهة في الحرمة و ان كان كثيرا، بمعنى ان الكراهة قد يكون في مقابل الجواز و الإباحة الا ان استعمالها في قبال المستحب ايضا ليس بحيث لا يمكن حملها على التنزيه سيما بعد دلالة الاخبار على الجواز.

مضافا الى ما في صحيحة الحلبي من نقل غطى رأسه، بدل غطّى وجهه، و ان كان الموجود في التهذيب هو الثاني، و الى ان ثبوت الكفارة لا يلازم الحرمة، إذ لا تنافي بين ثبوتها في مورد و عدم الحرمة، لإمكان ترتب الكفارة على المكروهات و التنزيهيات، لرفع الخصاصة و النقيصة غير الملزمة للترك، إذ المستفاد من النصوص ان اللّه تعالى يحبّ ان يرى الحاج أشعث و أغبر و ضاحيا و ان إشراق الشمس عليه محبوب عند اللّه، فمن ستر وجهه و منع عن إشراق الشمس عليه، فقد منع عن تلك الفضيلة و المحبوبية و لأجل ذلك جعل عليه الكفارة و ليس هذا من جهة التظليل إذ لا يصدق التظليل على من نام مقابل الشمس مع اللباس و ستر الوجه بل انما هو للمنع عن إشراق الشمس للوجه و الاضحاء، فالجمع بين الطائفتين من النصوص ان التغطية المحرمة على المحرم هو الرأس و اما الوجه فستره ليس بحرام بل هو مكروه، و لا وجه لحمل الكراهة على الحرمة بعد دلالة الصحاح الثلاثة المتقدمة على الجواز، و لذا يحمل الكفارة على الاستحباب.

و اما ما ورد في النصوص من جواز الستر عند النوم أو من الذباب، فإنما وقع السؤال عنه من جهة الابتلاء به و الحاجة إليه، إذ لا حاجة لستر الوجه في غير حال النوم، فالفرق بين الرأس و الوجه في التغطية عند النوم، للفرق بينهما في الحكم، لا لأجل النوم، كما ان ذكر الذباب و منعه بستر الوجه ايضا لبيان الحاجة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 59 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 209

و الابتلاء بالستر، لا لأجل الضرورة، و الا لا يفرق بين الستر للرأس و ستر الوجه لاشتراك الأذية فيهما.

و اما المحرمة فتغطية رأسها واجبة عليها و اما الوجه فيجب ان يكون بارزا لأن إحرام المرأة في وجهها كما ان إحرام الرجل في رأسه.

عن المنتهى انه قول علماء الأمصار و في الجواهر بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و هذا الحكم مخصوص بحال الإحرام و مختص به بما هو حال الإحرام مع قطع النظر عما يوجب وجوب الستر عن الأجنبي أو الإسدال، فلو كان أجنبي ناظر إليها يجب عليها الإسدال حتى تكون محفوظة عن النظر أو تجلس تحت خيمة و يكون الوجه مكشوفا و عن نظر الأجنبي محفوظة فإن الستر و التغطية لا يتحقق بالجلوس في مكان و لو كان تحت خباء أو في محمل، أو وراء جدار لاشتراط الملاصقة في صدق التغطية، و بهذا يكشف أهمية الحجاب للمرأة و التحفظ عن الأجانب، و لا يصح الاستدلال بعدم جواز ستر الوجه للمحرمة، و ان إحرامها في وجهها حال الإحرام، لاستثناء الوجه و الكفين عن حكم العام الدال على ان المرأة عورة كلها، إذ لو كان الوجه مستثنى عنه، لما حكموا بوجوب الإسدال عليها بان تجعل حائلا بين الغير و بين نفسها بإلقاء الستر أو بالمروحة بحيث لا يلتصق بالوجه و يبقى بارزا و لقد قوينا في تعليقنا على العروة في تلك المسئلة وجوب ستر الوجه على المرأة، و تعرضت هنا للتذكار على الذين يحتملون استثناء الوجه لكي يراجعوا و يتأمّلوا فيه.(1)


1- أقول ينبغي ان يحرر الكلام في مقامين، الأول وجوب ستر الوجه و الكفين على المرأة، و الثاني عدم اعانتها على الحرمة إذا كان الناظر إليها موجودا، و إثبات وجوب الإسدال للحفظ عن النظر لا يلازم إثبات الوجوب في المقام الأول، و أدلة الإحرام لا يبدل واجبا شرعيا ثابتا قبل الإحرام نعم يؤكد حراما أو يحرم مباحا و كذا حرمة النظر مع الريب الى الوجه أمر آخر، و بالجملة حرمة الإعانة على الأيم و وجوب الإسدال و حرمة النظر إلى الأجنبية مع الريب، غير ملازم لوجوب ستر الوجه على المرأة بالعنوان الأولي الذاتي، فلا بد في إثباته من دليل آخر غير الإعانة على الأيم

ص: 210

ثم ان المراد من الكشف الواجب للرأس على المحرم و للوجه على المحرمة، كالستر الواجب على المصلى و المصلية حال الصلاة الذي تبطل الصلاة بالكشف و لو آنا ما، أو المراد منه ان لا يتخذ المحرم لباسا لرأسه و المحرمة لباسا لوجهها، وجهان.

فعلى الأول يجب ان يكون الرأس و الوجه في المحرم و المحرمة مكشوفا و لا يجوز سترهما بجميع أقسام التغطية و لو بحك الرأس و الوجه و مسحهما بالمنديل و غيره، و لو آنا ما كما في الكشف المبطل للصلاة و الستر الواجب فيها إذا كان عن عمد.

و على الثاني يكون المعنى ان المحرم يجب عليه ان لا يتخذ لرأسه لباسا و كذا المحرمة يجب عليها ان لا يتخذ لوجهها لباسا كما في غير حال الإحرام فلا بد من التأمل في الروايات الواردة في المسئلة و في كلمات القوم.

اما الفقهاء رضوان اللّه عليهم فلم يثبت عنهم انهم يرون المقام مثل الستر حال الصلاة، حتى تحرم تغطية الوجه و الرأس و لو آنا ما بالحك و المسح بالمنديل و غيره، على نحو العموم، الا ان يدل دليل على جواز فرد من الستر، كما في النوم على الوجه، أو المسح بالمنديل بحيث لو لم يكن دليل خاص لقلنا بحرمتها ايضا، كما انه لم يثبت و لم يتحقق عنهم الاختيار للثاني في كشف الرأس و الوجه، بعدم اتخاذ الستر لهما، فالمهم نقل الاخبار في المقام.

و قبل نقل الاخبار لا بد من الإشارة الى ان ما يدل على جواز المسح للوجه بالمنديل أو النوم على الوجه أو حك الرأس و الوجه يمكن ان يكون المفاد ان تلك الموارد انما استثنيت من العام الدال على حرمة التغطية و لو بمثل هذه الأمور،

ص: 211

كما يحتمل ان تكون تلك الأمور و ذكرها لأجل التنبيه إلى انها لم تكن داخلة في العام، في مثل قوله عليه السّلام لا تخمر رأسك و لا تغطية، لانصراف التخمير و التغطية الى ما هو المتعارف من الخمار و القناع، لا ما هو خارج عن التعارف، كما في البحث في الستر و الساتر من أنه يتحقق بالطين و الحناء أو لا بد ان يكون الساتر مما هو متعارف الستر به و بما هو معد له.

و من النصوص ما رواه حماد عن حريز قال سألت أبا عبد اللّه عن محرم غطّى رأسه ناسيا، قال: يلقى القناع عن رأسه و يلبى و لا شي ء عليه. (1) ظاهر الرواية ان الامام عليه السّلام استفاد من التغطية في كلام السائل التغطية بالقناع، و لذا قال يلقى القناع عن رأسه و يعبّر عن كل ما يستر الرأس بالقناع و المقنع.

و رواية الحلبي قال: المحرم إذا غطى رأسه فليطعم مسكينا في يده. (2) و هذه الرواية لا تشمل التغطية للوجه بوضع اليد عليه أو تجفيفه و رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال قلت: المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطى وجهه، قال: نعم، و لا يخمر رأسه، و المرأة المحرمة لا بأس بأن يغطى كله وجهها عند النوم. (3) و هذه الرواية تدل على ان تخمير الرأس بإلقاء القناع عليه، أو اللحاف حين النوم لا يجوز و ان كان لدفع الذباب و اما عدم جواز تجفيف الرأس بالمنديل و غيره فلا يستفاد منها.

اما جواز تغطية المرأة وجهها كما أشير إليه في ذيل الرواية يمكن حمله على ما لا ينافي قوله عليه السّلام: إحرام المرأة في وجهها و رواية حريز قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم غطى رأسه ناسيا قال


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من بقية كفارات الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من بقية كفارات الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 59 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 212

يلقى القناع عن رأسه و يلبّى و لا شيى عليه. (1) و ظاهر التغطية بالنسيان ان الستر كان بما هو المتعارف، و يبعد شمولها لما نحن بصدده من اعتبار الكشف الذي يقابل الستر في تغطية العورتين و سترهما في باب الصلاة حتى يحرم التغطية بوضع اليد على الرأس في المحرم و مسح الوجه بالدلك و المنديل في المحرمة.

و فرّق بين الدلك و التغطية بما يقال في ضرب الجبهة على الأرض في السجدة و ارتفاعها قهرا، من انه لو تمكن من إمساك الرأس بعد الرفع يعد سجدة واحدة، و قد اشكلنا هناك بان الضرب لا يصدق عليه مفهوم السجدة فإنها عبارة عن وضع الجبهة على الأرض، و في المقام ايضا كذلك إذ المفهوم من الدلك غير الستر و التغطية، و لا يطلقان عليه.

و رواية الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه عن المحرم يغطى رأسه ناسيا أو نائما فقال يلبي إذا ذكر. (2) و يظهر من الرواية ايضا ان التغطية و الستر انما كان بما هو المتعارف.

و رواية زرارة أنه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن المحرم يقع الذباب على وجهه حين يريد النوم فيمنعه من النوم أ يغطى وجهه إذا أراد أن ينام قال: نعم. (3) عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال: المحرم يغطى وجهه عند النوم و الغبار الى طراز شعره. (4) و المستفاد من الروايتين ان تغطية الوجه لا حرمة فيها، و لكن الكلام في ان الجواز يختص بحال الاضطرار و الضرورة كما عليه ابن ابى عقيل، و اما


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من كفارات الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 7
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 213

في غيرها فتحرم تغطية الوجه بدليل ثبوت الكفارة عليها كما في بعض الروايات المتقدمة، أو لا يختص به لكن الظاهر من عدم ذكر الرأس عند النوم و الغبار ان تغطية الوجه لا تحرم أصلا لا من جهة إيذاء الذباب و الغبار عند النوم و غيره، إذ لا فرق في الاضطرار و الحاجة الشديدة إلى التغطية، بين الرأس و الوجه، فيجوز تغطية الرأس كما يجوز تغطية الوجه في ذلك الحال و مقابلة الوجه للرأس في الرواية و عدم ذكر الرأس فيها انما لبيان الداعي إلى العمل، و ان ستر الوجه انما يحتاج اليه المرء عادة حين ما يريد النوم، لا لبيان الشرطية و القيديّة مضافا الى ان تحقق الاضطرار بمثل الغبار و إيذاء الذباب مشكل، إلا إذا كان الذباب كبيرا كما شاهدناه.

و اما الشيخ فالتزامه بالكفارة عند تغطية الوجه كما في رواية الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا فقد (1) حمل على الاستحباب و لم يعملوا بظاهر الرواية مع احتمال ان تكون النسخة غطى رأسه كما في نقل آخر رواه صاحب الوسائل في باب الكفارات (2) و الحاصل ان تغطية الوجه جائز للمحرم دون الرأس و اما إعادة التلبية إذا غطاه ناسيا و ان كان الظاهر من قوله عليه السّلام يلبى هو الوجوب كما هو ظاهر الشيخ في التهذيب و لكن غيره من الفقهاء أجمعوا على استحباب التلبية بعد التغطية، كما في الكفارة.

تذييل

بقي مطلب لم يتعرض له في الروايات، و انما ذكر الفقهاء في كتبهم، و هو وضع الرأس على الوسادة فهل تصدق عليه التغطية بستر بعض الرأس بذلك


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 5 من بقية كفارات الإحرام الحديث 1

ص: 214

أم لا، ذهب العلماء بأجمعهم إلى الجواز لعدم صدق التغطية عرفا، كما أوضحناه من ان الظاهر من التغطية ان لا يتخذ ثوبا لرأسه بمثل القناع و التخمير، لا مثل الستر الواجب في الصلاة بحيث يحصل بجميع أقسام الستر بالورق و اليد و الطين و يقابله الكشف بهذا المعنى و لو لحظة و يؤيّد ما ذكر جواز وضع الرأس على العمامة إذا كانت ملفوفة، و يصدق عليه ان الرأس مكشوف لا مستور، فكذلك الوسادة و وضع الرأس عليها، مضافا الى السيرة المستمرة التي يمكن ان تعد دليلا مستقلا، فإنها جرت بذلك، فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه كانوا يضعون رؤسهم على الوسادة و الأرض، و لا أقل على الأرض، لضرورة طبيعية يقتضي ذلك بل توجبه إذ لا يمكن إمساك الرأس في الهواء في مدة الإحرام، و عدم وضعه على الأرض و غيرها و هذه الضرورة الطبيعية ليست كسائر الضرورات حتى تتقدر بقدرها، و يكتفى بأقلها و اما تغطية المحرمة وجهها عند النوم يدل على جوازها بعض الروايات كرواية زرارة المتقدمة قال قلت لأبي جعفر الرجل المحرم يريد ان ينام يغطى وجهه من الذباب: قال نعم. و لا يخمر رأسه و المرأة لا بأس ان تغطى وجهها كله (1) و قد تقدم تفصيلا أن إحرام المرأة في وجهها، و يجب عليها ان تسفر عن وجهها بلا خلاف، بل الإجماع عليه بقسميه كما في الجواهر و عن المنتهى انه قول علماء الأمصار و في حسنة الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام مرّ أبو جعفر بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: أحرمي و أسفري الخبر (2) و في رواية مرّ أبو جعفر بامرأة محرمه و قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها (3)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 215

فعلى هذا لا يجوز للمحرمة تغطية وجهها إلا إذا كانت لضرورة كما إذا كان ناظر أجنبي ينظر إليها فيجوز أو يجب الإسدال عليها لأنها عورة يلزمها الستر من الرجال الأجانب و اما تغطية الوجه حال النوم فقد سمعت ما في صحيح زرارة من جواز تغطية المحرمة وجهها كله و نفى البأس عنه قال صاحب الجواهر قدس سره و لم أقف على راد له كما انى لم أقف على من استثناه من حكم التغطية انتهى و في حاشية التهذيب المطبوع قديما بعد نقل الرواية قال اجمع العلماء على ان إحرام المرأة في وجهها فلا بد من حمل الرواية على الضرورة، و احتمل انّ رمز الحاشية للمجلسي عليه الرحمة و قال صاحب الجواهر بعد نقل الرواية و يمكن إرادة التغطية بما يرجع الى السدل أو ما يقرب منه فتدبر هذا الظاهر ان الحمل على السدل بعيد سيما في حال النوم، و اما الاضطرار يحتمل ان يتحقق فيه لأجل ان المرأة إذا كانت في غير حال النوم تستر وجهها باليد و المروحة أو الإسدال عن ناظر أجنبي إليها و اما حالة النوم حيث انها في معرض النظر فلا يبعد ان تكون التغطية لوجهها جائزة لها حفظا عن الرجال الأجانب نعم لو كانت في بيت لا يقع النظر إليها أصلا، لا يجوز تغطية الوجه و ستره هذا تمام الكلام في التغطية اما التظليل فسيأتي إنشاء اللّه حكمه

ص: 216

في حكم التظليل

اشارة

و يحرم على الرجل المحرم التظليل عليه حال السير و الحركة إلى مكة و الى عرفات بان يجلس في محمل أو قبة أو عمارية، و اما السير في ظل الحمل أو الجدار فليس من التظليل المحرم لا خلاف في الحرمة إجمالا، بل ادعى الإجماع عليها، و لم يحك الخلاف الا عن الإسكافي حيث قال: يستحب للمحرم ان لا يظلل على نفسه لأن السنة بذلك جرت، و لكن العبارة ليست صريحة في ذلك إذ قد يعبر بالجواز عند الضرورة المحتمل لحرمة التظليل في غيرها، أو عدم الاستحباب عندها، و العمدة في المقام الأخبار المروية في المسئلة و ان كان أصل الحكم ثابتا لا شبهة فيه، الا ان الخلاف انما وقع في كيفية التظليل، كظل المحمل و الجدار، و ان المراد وقوع الظل على الرأس أو جعل شي ء فوقه و ان لم يوجد ظل كما في الليل و حال الغيم و ان الظل ما هو الحاصل من الشمس، أو يعم ظل القمر و النجوم، أو ان المراد من السير هو السير في الطريق، و يقابله التوقف، أو المشي و الحركة، و لو كان في المنزل و الدار

ص: 217

أو السوق كما لو أراد المحرم ان يشترى شيئا من السوق أو من الحانوت حين ما يتوقف عن السير و ان التظليل يصدق في الليل و في السيارة المسقفة أو الطائرة كما هو المبتلى به في عصرنا أو لا يصدق، فعلى كل حال لا بد من التأمل في مفاد الأخبار المروية في المسئلة و قد عقد شيخنا الحر العاملي في الوسائل بابا في المسئلة و قال باب تحريم تظليل الرجل المحرم على نفسه سائرا و نقل أخبارا كثيرة حول المسئلة منها رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عن المحرم يركب القبّة فقال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة قال: نعم (1) و القبة كانت مرسومة و معدة لإيجاد الظل على الراكب السائر، و كلمة لا ظاهرة في عدم جواز ركوب القبة بل صريحة فيه عن الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يركب في القبة، قال ما يعجبني الا ان يكون مريضا، قلت: فالنساء قال: نعم (2) و هذه الرواية و كلمة ما يعجبني ليست صريحة في التحريم بحيث لا يحتمله الشك، و يمكن حملها على التقية عن عبد اللّه بن المغيرة قال قلت لأبي الحسن الأول أظلل و انا محرم قال:

لا، قلت: أ فأظلل و أكفّر، قال: لا: قلت: فان مرضت، قال: ظلل و كفّر، ثم قال اما علمت ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس الا غابت عنه ذنوبه معها (3) هذه الرواية في مقام بيان ترتب الثواب على عمل الحاج إذا كان يضحى ملبيا و لا تستفاد منه الحرمة التكليفية و عدم جواز التظليل


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 218

و يمكن ان يقال انها في مقام الجواب عن السؤال من التظليل و ترتب الكفارة عليه، و قوله عليه السّلام بعد كلام السائل أظلل و انا محرم: لا: ظاهر في الحرمة، و اشتمال الرواية على ترتب الثواب على الاضحاء لا يمنع عن الظهور فيها نعم يستفاد من الرواية ان ما هو الواجب على المحرم الاضحاء، و ان يكون معرضا لشعاع الشمس و حرها و لا يستر نفسه عنها حتى تغيب الشمس، فعلى هذا فهل يستفاد منها جواز التظليل و ركوب القبة أو ركوب السيارات المسقفة بالليل، لعدم صدق الاضحاء إذا لم يركبها، أو لا يستفاد ذلك، فيحتاج إلى التأمل في الروايات للابتلاء به في عصرنا و كثرة السؤال عنه، حتى يعلم ان فيها تعرض بالليل أم لا.

عن هشام بن سالم قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يركب في الكنيسة، قال: لا، و هو في النساء جائزة (1) و عن الحلبي أيضا قال سألت أبا عبد اللّه على عن المحرم يركب في القبة، فقال ما يعجبني ذلك الا أن يكون مريضا (2) و التعبير بعدم الإعجاب يمكن ان يكون للتقية لا للّه دلالة على الجواز و كراهة التظليل، فإن العامة يرونه جائزا.

عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شق عليه و صدع فيستتر منها فقال: هو اعلم بنفسه إذا علم انه لا يستطيع ان تصيبه الشمس فليستظل منها (3).

و هذه الرواية تدل على جواز التظليل عند الاضطرار و الحاجة الشديدة إليه.

عن محمد بن منصور عن ابى الحسن عليه السّلام قال سألته عن الظلال للمحرم فقال:


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 219

لا يضلل الا من علّة أو مرض (1).

عن إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه السّلام قال سالته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم قال: لا: الا مريض أو من به علة و الذي لا يطيق حرّ الشمس (2).

عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد اللّه هل يستتر المحرم من الشمس فقال: لا. الا ان يكون شيخا كبيرا أو قال ذا علة (3).

و روى الحميري في قرب الاسناد مثله الا انه قال شيخا فانيا.

عن جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس بالظلال للنساء و قد رخص فيه للرجال (4).

و هذه الرواية حملها الشيخ الطوسي قدس سره على الضرورة و احتمل صدورها للتقية.

عن عبد اللّه بن مغيرة قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الظلال للمحرم فقال:

اضح لمن أحرمت له قلت: انى محرور و ان الحرّ يشتد علىّ فقال: اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المجرمين (5) عن قاسم بن الصيقل قال ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظلال عن ابى جعفر عليه السّلام كان يأمر بقلع القبّة و الحاجبين إذا أحرم (6) و لا يستفاد من فعل الامام عليه السّلام حرمة الاستظلال و ان كان الحكم إجماعيا نعم يستفاد منه أهمية الموضوع و مطلوبية ترك الاستظلال و ترتب الثواب عليه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 8
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 7
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 9
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 10
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 11
6- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 12

ص: 220

عن عثمان بن عيسى الكلابي قال قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام ان على بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد ان يحرم، فقال: ان كان كما زعم فليظلل و اما أنت فاضح لمن أحرمت له (1) عن زرارة قال سألته عن المحرم أ يتغطى قال: اما من الحر و البرد فلا (2) هذه الرواية المذكورة في باب التظليل في الوسائل مربوطة بالتغطية لا التظليل.

فهذه عدة روايات وردت في حكم التظليل و انه حرام على المحرم حال السير.

هل المقصود منها ان التظليل بالمعنى الحقيقي اللغوي حرام بان يمنع عن إشراق الشمس عليه بالجلوس تحت القبة في المحمل أو بإيجاد مظلة اخرى كالشمسية و غيرها فلو لم يكن شمس تشرق عليه كما في الليل أو الغيم فلا بأس بالجلوس تحت القبة و نحوها.

أو المراد ان إيجاد الشي ء فوق الرأس سواء كان قبة أو مظلة أخرى بنفسه حرام سواء كان هنا تظليل بالمعنى الحقيقي أم لا فعلى هذا جعل الشمسية فوق الرأس بالليل، أو النهار حال الغيم، أو الجلوس في المحمل المسقف بالليل أو السيارة كذلك يحرم على المحرم حال السير، وجهان.

قال في الدروس: فرع هل التحريم في الظل لقوات الضحى أو لمكان الستر فيه نظر، لقوله عليه السّلام اضح لمن أحرمت له و الفائدة فيمن جلس في المحمل بارزا الشمس، و فيمن تظلل به و ليس فيه و في كشف اللثام يغبى يجوز الأول على الثاني دون الأول و الثاني بالعكس.

و قال صاحب الجواهر قدس سره يمكن كون التظليل محرما لنفسه و ان لم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 13
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 14

ص: 221

يفت صحة الضحى للشمس، اى البروز بما أحرم به لها و لذا حرم حيث لا تكون شمس و ان أبيت ذلك فليس الا الاحتمال الأول ضرورة أن الستر لا اثر له في النصوص سوى بعض المطلقات في النهي عن الاستتار المحمولة على الستر المخصوص و اما الأول أي الاضحاء فقد عرفت تكرار الأمر به في النصوص المزبورة على وجه يظهر منه كون العلة في حرمة التظليل فوات الاضحاء انتهى موضع الحاجة.

فعلى ما استفاده صاحب الجواهر لكان ما ذهب اليه الدروس أقوى من انه لو جلس تحت القبة و اخرج رأسه الى الشمس لا اشكال فيه، و كذا لو جلس تحت الخيمة و اخرج رأسه لا يصدق عليه التظليل إذ لم يتحقق التظليل خارجا كما إذا لم تكن شمس كما في الغيم أو الليل، لوضوح الفرق بين ما لو قيل لا:

تجعل على رأسك شمسية أو شيئا آخرا، و بين ما إذا قيل لا تظلل على رأسك، إذ لا يتحقق التظليل الا مع وجود الشمس و جعل المانع عن إشراقها لكي يوجد الظل.

نعم هنا روايتان تدلان على حرمة التظليل من المطر و البرد ايضا و ظاهرهما النهى عن الجلوس تحت القبة و جعل المانع عن اصابة المطر و تأثير البرودة و ان لم يكن تظليلا بالمعنى الحقيقي.

و لكنهما ايضا تدلان على حرمة التظليل عن المطر و البرودة بجعل المانع عنهما و لا تدلان على حرمة جعل شي ء فوق الرأس بالليل أو حين الغيم و ان يكن اضحاء و لا حرّ من الشمس لو لم يفعل ذلك.

عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري انه كتب الى صاحب الزمان و سئل عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتل، فهل يجوز ذلك، الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم (1) عن زرارة قال سألته عن المحرم أ يتغطى قال اما من الحر و البرد فلا. (2)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 13 و لا يبعد ظهورها في تعطيه الرأس لا التظليل الذي نحن فيه.

ص: 222

و الحاصل انه لم نجد في الروايات و الاخبار و كذا في فتاوى العلماء اسم الليل مع التظليل، مع انهم يذكرون المصاديق النادرة في المسائل التي يبحث عنها كما في الدخول الموجب للغسل يصرّحون، حيّا كان أو ميّتا، و كان المناسب في المقام ايضا ان يقال: التظليل حرام ليلا كان أو نهارا و الحال انهم لم يتعرضوا له أصلا.

ثم انّ عدم تعرض القوم لما ذكر و سكوتهم عنه، فهل كان من جهة الاعتماد و الاتكال على ظهور كلمة التظليل الذي يتحقق مع وجود الشمس و بروزها لا عند غروبها أو غيابها تحت غيم، لوضوح انه لو قيل لا تسر تحت الشمس، فلا يستفاد منه الا اختصاص الحكم بالنهار و وجود الشمس، و لا يناسب ان يقال ليلا كان أو نهارا، و لفظة التظليل ايضا كذلك.

نعم لو كان المراد من التظليل المذكور في الروايات إيجاد شي ء يمنع عن إشراق الشمس إذا تحققت و طلعت لأمكن ان يقال ان التظليل على النهج المذكور غير جائز سواء كان ليلا أو نهارا و بعبارة اخرى ان كان المراد من التظليل انه لا يجوز للمحرم ان يصنع شيئا يكون مانعا عن إشراق الشمس عليه حينما طلعت فحينئذ يحرم الجلوس تحت القبّة و الخباء و الكنيسة و السيارة المسقفة بالليل سائرا أو حال الغيم مطلقا، و اما إذا كان المراد ان المحرم لا يجوز له ان يمنع عن إشراق الشمس عليه و عن الاضحاء، فلا يصح الإطلاق إذ لا يتحقق هذا المعنى إلا في النهار و وجود الشمس من دون غيم لا مطلقا و لم أجد من أطلق من العلماء حرمة التظليل ليلا كان أو نهارا غيما كان أو غير غيم نعم قال صاحب الجواهر عند ذكر كلام الدروس كما تقدم: يمكن ان يكون التظليل في حد نفسه حراما و ان لم يفت منه الضحى للشمس، و يكون الاضحاء واجبا آخر مستقلا، و يتفرع عليه انه، لو جلس تحت الخيمة بالليل أو النهار حين ما كانت الشمس مستورة بالسحاب و غير ظاهرة بسبب الغيم يكون حراما من جهة

ص: 223

التظليل لا من جهة فوت الاضحاء و كذا لو أخرج رأسه من الخيمة بالنهار حين ظهور الشمس.

و هذا الاحتمال صحيح لو كان ما ذكر في الروايات من لفظة الخيمة و الخباء و الكنيسة على نحو الموضوعية لا الطريقية، حتى يكون الجلوس في القبة حراما، و ان اخرج رأسه منها و أشرق عليه الشمس، و لو كان كذلك لاقتضت القاعدة و العادة في بيان المسائل و شقوقها ان يصرحوا به و يقولوا ليلا كان أو نهارا غيما كان أو غيره، أو يذكروا من محرمات الإحرام شيئين، التظليل و ترك الاضحاء و بالجملة المقصود من بيان الاحتمالات و ذكرها ان المسئلة ليست اجماعية و خالية عن النقض و الإبرام حتى يعد القائل بعدم حرمة التظليل بالليل أو حال الغيم، مخالفا له، إذ الفقهاء رضوان اللّه عليهم عبّروا في المقام بالتظليل و لم يذكروا التفصيل، و لا القمر و الليل مضافا الى ما في الروايات من قوله صلّى اللّه عليه و آله ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس الا غابت عنه ذنوبه معها و قوله عليه السّلام اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المجرمين (1) و ذكر المحمل و القبّة و الخباء في الروايات ليس من باب الموضوعية و الخصوصيّة. بل هو للمنع عن الشمس و الاضحاء، و لإيجاد الظل على المحرم فالجزم بشمول الحكم للتظليل بالليل و حال الغيم مشكل و ان قوينا في السابق ان الاحتياط ان لا يظلل بالليل و لم نجرأ ان نقول بجواز الاستظلال و ركوب السيارة بالليل سائرا و لكن لو استظل بالليل لا تجب عليه الكفارة و لو شك الأصل فالبراءة و الاحتياط حسن هذا تمام الكلام فيما لو جعل الظل فوق الرأس سائرا و اما غيره فيأتي حكمه في ضمن مسائل إنشاء اللّه.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 65 من تروك الإحرام الحديث 3- و 11

ص: 224

مسائل
المسئلة الاولى

قد اختلفت كلمات الفقهاء من أصحابنا فيمن نزل عن القبة و مشى في ظل المحمل سائرا أو مشى في ظل جدار أثناء السير أو القى ثوبا على جانب المحمل حتى يوجد الظل و يمشى فيه، أو يستر بعض جسده ببعض و أكثرهم على الجواز في جميع ذلك و يستفاد من بعض الاخبار ايضا و ينبغي ذكرها عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت الى الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم ان يمشى تحت ظل المحمل فكتب نعم (1) و قوله يمشى تحت الظل ظاهر في انه لم يكن على رأسه بحيث يمشى تحت المحمل و يكون هو فوق رأسه عن المعلّى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا يستتر المحرم عن الشمس بثوب و لا بأس ان يستر بعضه ببعض (2)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 225

معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض (1) عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكا اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به فقال: ترى ان استتر بطرف ثوبي، قال: لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك (2) عن الاحتجاج للطبرسي عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري انه كتب الى صاحب الزمان عليه السّلام يسأله عن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية أو الكنيسة و يرفع الجناحين أم لا فكتب إليه في الجواب: لا شي ء عليه في تركه رفع الخشب (3) مفاد الرواية ان المحرم كان رفع الظل الحاصل من الفوق برفع المظلة و ترك الخشب الواقع في الفوق و الجناحين فكتب عليه السّلام لا شي ء عليه في تركه رفع الخشب و لم يبين حكم الخشب الواقع في الجناحين فان كل محمل يتركب من ثلاثة أقسام الفوق و الجناحان و قد يحتاج إلى أربعة قطعات أو خمسة بإضافة المقدم و المؤخّر و نفى البأس عن رفع الخشب و تركه يمكن ان يكون مع الظلال و يحتمل ان يكون مختصا بالخشب لا الظلال فانّ رفع الظلال انّما كان واضحا فاحيل في الجواب الى الوضوح و اما الجناحان فلم يعلم الوجه في السكوت عنهما و يصير مجملا من هذه الجهة و لكنّ الظاهر ان الراوي سئل عن الظلال الحاصل من المظلة المصنوعة للمحامل و الخشب المركب في صنعها، و أجيب بأنه لا مانع في ترك الخشب الموجود في العمارية و الكنيسة إذا رفع الظلال و الثياب منها و بقي الهيكل مجردا عن الستارة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من كفارات الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 226

و في رواية أخرى عن الحميري انه سئل عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتل فهل يجوز ذلك، الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم (1) و مورد الرواية صورة الغيم و عدم بروز الشمس و صرح فيها ان التظليل في المحمل غير جائز و اما في غير المحمل بأن يمشي في جانب المحمل و استظل به فلا بأس به، هذا هو الظاهر من الرواية و لكنها تحتاج الى تصحيح السند و تقوية الدلالة و لا أقل من اعتماد العلماء عليها و ان كان المشي في ظل المحمل قد صرح في الرواية بجوازه و اما الجلوس في المحمل الذي يقع الظل من خشب الجناح على المحرم فهو مجمل لا يستفاد حكمه من الرواية فإن استفدنا من جواز المشي في ظل المحل ان الظل الواقع على المحرم إذا لم يكن فوق الرأس لا مانع منه فيجوز ان يجلس في المحمل مع وقوع الظل عليه من الجناحين لا من فوق الرأس و اما إذا قلنا انه فرق بين الجلوس في المحمل و بين المشي في ظل المحمل كما فرق الامام عليه السّلام بينهما في رواية الحميري فيصح ان يقال ان الموافق للاحتياط رفع الحاجبين و الجناحين إذا كان جالسا في المحمل و وقع الظل عليه منهما لإجمال الرواية و عدم الصراحة فيها بالنسبة الى غير المشي و كان صاحب الوسائل قدس سرّه استفاد جواز ذلك فقط و قال: باب جواز مشى المحرم تحت ظل المحمل و لم يتعرض للجلوس فيه و قد تقدم ان جعل النطع على رأسه في المحمل خوفا من المطر عليه دم كما في رواية الحميري و قد تعرضنا للرواية فيما سبق إجمالا و نذكرها هنا و نبحث حولها تفصيلا.

عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري انه سئل صاحب الزمان عليه السّلام عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتل


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 77 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 227

فهل يجوز ذلك، الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم (1) و الظاهر من الرواية ان جعل المظلة على الرأس لدفع الضرورة و المشقّة جائز فانّ تحملها و قبولها ليس بواجب شرعا، مثل الحرارة الشديدة الحاصلة من الشمس إذا أضرّت بالمحرم، و اما لغير الضرورة فليس بجائز، و عدم الجواز و ان لم يصرّح به في الرواية، بل قال لو فعل ذلك في طريقه فعليه دم لكنه بناء على ملازمة الكفارة للحرمة يعلم عدم جواز الاستظلال حال الاختيار، و يعلم ايضا ان جعل النطع و غيره فوق الرأس غير جائز و لو في حال الغيم و عدم ظهور الشمس، و لازم ذلك حرمة الاستظلال في الليل ايضا و لكن في الرواية احتمالين أحدهما ان يكون الحكم بالحرمة من جهة التظليل و إيجاد المظلة فوق الرأس حتى حال الغيم و عدم وجود الشمس و ثانيهما ان المنع عن المطر موجب للدّم، بمعنى انه يجب عليه تحمل المطر كما ورد في زيارة سيد الشهداء عليه السّلام من استحباب تحمل المشقة، إلا عند الضرورة فيمنع عن المطر و لكن يجب عليه الكفارة و الحاصل انه يحتمل ان يطلق على جعل النطع فوق الرأس التظليل و الاستظلال حتى حال المطر و الغيم كما يقال الشمسية إذا جعلها على رأسه بالليل مع عدم وجود الشمس فكذلك التظليل بالليل أو في الخباء بالنطع و غيره مع عدم الشمس أصلا.

و يحتمل ان يكون المراد من الاستظلال ما هو التظليل الحالي و الحقيقي.

فعلى الأول دلالة رواية الحميري على حرمة الاستظلال بالليل و حال الغيم بالتقريب الذي تقدم و على الثاني لزوم الدم في الرواية انما هو من جهة وجوب تحمل المطر و عدم المنع عنه الا عند الضرورة فلو لم يكن بالليل أو حال الغيم مطر لا مانع من جعل الشي ء من النطع و غيره فوق الرأس كما احتمله بعض المتأخرين


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 228

المسئلة الثانية

القدر المتيقن من النصوص ان الجلوس في المحمل المستور أعلاه لا يجوز للمحرم إذا كان الستر مانعا عن شعاع الشمس فهل يشمل ما لو كان المحمل أو السيارة مستورا أو مسقفا بالزجاج بحيث لا يمنع عن الشعاع و الحرارة، أو لا يشمل وجهان.

و منشأ الترديد ان الزجاج لا يمنع عن شعاع الشمس و الحرارة بل قد يكون الحرارة أشد، فإن كان المقصود من عدم التظليل و وجوب الاضحاء، إشراق الشمس و التأذي به فهو حاصل و يصدقان عليه و اما لو كان المراد الإشراق بلا واسطة و عدم حيلولة شي ء فلا يصدق الاضحاء، و لا أقل من الشك في المورد كما ان الشك حاصل في مطهرية الشمس إذا أشرقت من وراء الزجاج على المتنجس، و الاحتياط و كذا الاستصحاب يقتضي النجاسة إذا لم يعلم الحكم و مثله كراهة المقابلة و المواجهة للسراج فقد صرحوا بعدم البأس إذا كان بينه و بين المصلى مانع، لما قد يشك في ان الزجاج و غيره من الأجسام الشفافة التي لا تمنع من الضوء و الحرارة هل يعدّ مانعا أم لا و كذا في الحيلولة بين الصفين في الجماعة إذا كان الحائل مما ذكر و يختلف الحكم باختلاف الموارد، و فيما نحن فيه لا يبعد ان يكون الأصل البراءة من التكليف فان القدر المتيقن من الاستظلال المحرم، ان يمنع عن الشمس و شعاعها و الحرارة الحاصلة منها و الزجاج ليس كذلك إذا لم يعلم وجوب إشراقها عليه بلا واسطة شي ء، و ان لم يكن مانعا عنه

المسئلة الثالثة

يجوز للمحرم حال السير ان يستر بعض جسده ببعضه كما ورد ان رسول اللّه كان لا يركب المحمل و لكن يستر بعض جسده ببعضه.

روى جعفر بن محمد المثنى في رواية عن ابى الحسن عليه السّلام كان رسول اللّه يركب راحلته فلا يستظل عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض و ربما

ص: 229

يستر وجهه بيده و إذا نزل استظل بالخباء و في البيت و بالجدار (1) يستفاد منها ان وضع اليد على الرأس للمنع عن إشراق الشمس لا بأس به لصدق البعض على ذلك عن المعلى بن خنيس عن ابى عبد اللّه قال لا يستتر المحرم من الشمس بثوب و لا بأس ان يستر بعضه ببعض (2) عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض (3) و إطلاق الرواية يشمل حال كونه راكبا أو راجلا و ان وضع اليد على الوجه لستر الشمس عنه لا اشكال فيه و كذا لو وضع يده على رأسه من جهة الاستظلال و اما من جهة تغطية الرأس فلا يجوز لو قلنا بشمول الروايات الدالة على حرمة التغطية للرأس بمثل اليد و يخالف ما تقدم، و يعارضه ما روى عن سعيد الأعرج انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود و بيده قال: لا الا من علة (4) و مفاد الرواية ان ستر البدن من الشمس باليد أو العود لا يجوز للمحرم فلا بد من حملها على الكراهة في الستر باليد لما تقدم ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يستر بعض جسده ببعضه و لأجل ان تحمل المشقة و الزحمة و حر الشمس مندوب و ان اللّه يحب الحاج الأغبر و الاضحاء يوجب المغفرة و اما العود فتارة يكون صغيرا فهو مثل اليد في الحكم و اخرى يكون كبيرا و عريضا بحيث يوجب الظل و يكون كالاستظلال فلا يجوز كما إذا جعل على رأسه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 55 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 3
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 69 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 230

عودا عريضا و اما الستر بالثوب فالروايات فيه أيضا مختلفة عن المعلى بن خنيس عن ابى عبد اللّه عليهما السّلام قال لا يستتر المحرم من الشمس بثوب و لا مانع ان يستر بعضه ببعض (1).

عن عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه يقول لأبي و شكا اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به فقال ترى ان استتر بطرف ثوبي قال لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك (2).

و يجمع بين الروايتين بحمل ما تدل على الجواز على الضرورة و لعل اختصاص الوجه بذلك انما لدفع الضرر به و عدم الحاجة الى الزائد مع حفظ الرأس عن التغطية التي تحرم حال الإحرام أو عدم كون الظل على فوق الرأس بل على اليمين و اليسار كما نشير اليه

المسئلة الرابعة

قد تقدّم ان المشي تحت ظلّ المحمل لا اشكال فيه كما في رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة قال كتبت الى الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم ان يمشى تحت ظل المحمل فكتب عليه السّلام نعم الحديث (3) الرواية صريحة في جواز المشي تحت ظل المحمل و الاستفادة منه بهذا النحو، فهل يمكن شمول إطلاقها للمشي تحت المحمل بحيث يقع فوق رأسه، إذا لم يكن للجناح ظل مثلا، أو هي مخصوصة بالمشي في الظل الحادث من المحمل في جوانبه من دون ان يكون المحمل فوق رأسه و لكلّ وجه فقد جدّ و اجتهد بعض العلماء في ان التظليل المحرّم على المحرم هو


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 231

احداث الظل و إيجاده، لا الاستفادة من الظل الموجود فلو مرّ من تحت السقف أو الشجرة لا يصدق عليه التظليل و اما المحمل و الكنيسة انما صنعا للجلوس فيه لا للاستظلال.

لكن تصديق هذا الاجتهاد مشكل، إذ الظاهر من التظليل المحرّم على المحرم حال السير ان لا يسير تحت الظل، سواء أحدثه نفسه أو غيره كما لو أراد ان يسير بالسيّارة المسقفة فإنّه يصدق عليه التظليل و ان كان لم يوجده بل استفاد من ظل موجود.

و على كل حال لو استفدنا من رواية ابن بزيع المتقدمة الإطلاق و قلنا بجواز الاستظلال بالمشي تحت المحمل يكون الاستظلال المحرم في الرواية مختصا بالراكب لا الراجل كما ذكره بعض الأعاظم من العلماء و في رواية المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه قال عليه السّلام لا يستتر المحرم من الشمس بثوب و لا بأس ان يستر بعضه ببعض (1) و هذه الرواية شاملة بإطلاقها الراكب و الراجل و كذا ما لو جعل الثوب فوق الرأس حتى يقع الظل عليه و ما جعل و القى في جانب المحمل حتى يقع الظل من الجناح فعلى هذا مفاد الرواية الأولى جواز المشي في ظل المحمل و مفاد الثانية عدم جواز التظليل في المحمل بمثل الثوب يمكن الجمع بينهما بحمل الاولى على الظل الحادث من المحمل فيجوز و الثانية على الظل الذي يوجد باعمال سبب آخر مثل الثوب كما يمكن ان يقال ان الجواز يختص بما إذا كان الظل حادثا من الجناح و عدم الجواز بما إذا وقع الظل من فوق الرأس فلو القى الثوب على الجناح و حدث الظل من اليمين أو اليسار فلا حرمة في الاستظلال به أو يقال ان جواز الاستظلال انما هو للماشي و اما الراكب فلا يجوز له الاستظلال بالثوب و غيره كما هو الظاهر من رواية الحميري


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 232

المتقدمة (1)

المسئلة الخامسة
اشارة

ان حرمة التظليل على المحرم انما يختص بحال السير و الحركة و لا يحرم في المنزل حال التوقف أثناء السير و هذا الحكم متفق عليه عند علمائنا و الفارق النصّ من المعصومين عليهم السّلام و عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الإيراد و النقض فيه انما هو اجتهاد في مقابل النص و اعمال القياس في الدين و قد وقع البحث فيه بين أئمتنا عليهم السّلام و بين المخالفين عن الاحتجاج قال سأل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى بن جعفر بمحضر من الرشيد و هم بمكة فقال له: أ يجوز للمحرم ان يظل عليه محمله، فقال له موسى عليه السّلام: لا يجوز له ذلك مع الاختيار فقال له محمد بن الحسن: أ فيجوز ان يمشى تحت الظلال مختارا فقال له: نعم، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك فقال له أبو الحسن عليه السّلام أ تعجب من سنة النبي صلّى اللّه عليه و آله و تستهزئ بها، ان رسول اللّه كشف ظلاله في إحرامه و مشى تحت الظلال و هو محرم ان أحكام اللّه يا محمد لا تقاس فمن قاس بعضها على بعض فقد ظل سواء السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع (2) و رواه المفيد في الإرشاد عن ابى زيد عبد الحميد عن عيون الأخبار بإسناده عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال: قال أبو يوسف للمهدي و عنده موسى بن جعفر عليه السّلام: اتأذن لي ان أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شي ء فقال له: نعم فقال لموسى بن جعفر عليه السّلام أسألك و قال: نعم، قال:

ما تقول في التظليل للمحرم قال: لا يصلح قال: فيضرب الخباء في الأرض و يدخل البيت، قال: نعم قال فما الفرق بين هذين قال أبو الحسن: ما تقول في الطامث أ تقضي الصلاة قال: لا قال فتقضي الصوم قال: نعم. قال: و لم، قال: هكذا جاء فقال أبو الحسن: و هكذا جاء هذا، فقال المهدي لأبي يوسف ما أراك صنعت شيئا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 233

قال رماني بحجر دامغ (1) و عن محمد بن الفضيل قال كنا في دهليز يحيى بن خالد بمكة و كان هناك أبو الحسن موسى عليه السّلام و أبو يوسف. فقام إليه أبو يوسف و تربع بين يديه، فقال يا أبا الحسن: جعلت فداك المحرم يظلل، قال: لا، قال: فيستظل بالجدار و المحمل و يدخل البيت و الخباء قال نعم، قال: فضحك أبو يوسف شبه المستهزئ، فقال له أبو الحسن يا أبا يوسف: ان الدين ليس بقياس كقياسك و قياس أصحابك ان اللّه عز و جل أمر في كتابه بالطلاق و أكد فيه شاهدين و لم يرض بهما الاعدلين و أمر في كتابه بالتزويج و أهمله بلا شهوة فأتيتم بشاهدين فيما أبطل اللّه و أبطلتم شاهدين فيما أكد اللّه عز و جلّ و أجزتم طلاق المجنون و السكران حج رسول اللّه فأحرم و لم يظلل و دخل البيت و الخباء و استظل بالمحمل و الجدار فعلنا(فقلنا) كما فعل رسول- اللّه فسكت (2) عن جعفر بن محمد المثنى الخطيب عن محمد بن الفضيل و بشير بن- إسماعيل قال: قال لي محمد: الا أبشرك(أسرك) يا ابن مثنى، فقلت: بلى، فقمت اليه فقال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن عليه السّلام، ثم اقبل عليه فقال يا أبا الحسن ما تقول في المحرم يستظل على المحمل فقال له: لا، قال فيستظل في الخباء فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك يا أبا الحسن فما فرق بين هذا، فقال يا أبا يوسف ان الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون انا صنعنا كما صنع رسول اللّه و قلنا كما قال رسول اللّه، كان رسول اللّه يركب راحلته فلا يستظل عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض و ربما يستر وجهه بيده و إذا نزل استظل بالخباء و في البيت و بالجدار (3)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 234

و المستفاد من الروايات المتقدمة كما ترى ان الامام عليه السّلام استدل على الخصم بفعل الرسول و عمله، و انه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا نزل يستظل بالخباء و الجدار و لا يستظل حين ما يركب و يستفاد منه جواز الاستظلال بمثل الخباء و الجدار في المنزل و لا كلام في ذلك و انما الكلام في انه هل يقتصر في الحكم بالجواز على ما ذكر في الروايات و لا يتعدى منه الى غيره كما هو مقتضى الفعل بدعوى الخصوصية فيه، الموجبة للحصر و الاقتصار أو ليس الأمر كما ذكر بل يستفاد من الروايات ان الاستظلال المنهي عنه، و المحرّم على المحرم، انما هو حال السير فقط دون المنزل، و ان الحرمة مختصة بالأول دون الثاني، فعلى هذا ذكر الخباء و الجدار انما هو من باب المثال، و انهما مما يتعارف الاستظلال بها في المنازل فلا يبعد استفادة التعميم و تسرية جواز الاستظلال في المنزل بكل ما يمكن الاستظلال به بالشمسية و الثوب و غيرهما و الاستيحاش من الفرق بين السير و المنزل و استبعاده انما هو من اعمال القياس و ليس هو من مذهبنا و السنة إذا قيست ضيعت، كما في رواية البزنطي عن الرضا قال:

قال أبو حنيفة، أيش فرق بين ظلال المحرم و الخباء، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام ان السنة لا تقاس (1) و الظاهر المتبادر من جواب الامام عليه السّلام في رواية أبي يوسف بقوله عليه السّلام حج رسول اللّه فأحرم و لم يظلل و دخل البيت و الخباء و استظل بالمحمل و الجدار و كذا الظاهر من قول ابى الحسن عليه السّلام بمحضر من الرشيد: ان رسول اللّه كشف ظلاله في إحرامه و مشى تحت الظلال، ان هذا حكم جعله اللّه لحكمة و شرعه لمصلحة و لا يصح القياس فيه هذا ما هو الظاهر و يحتمل ان تكون الروايات واردة في مقام الفرق بين الراكب و الماشي لا بين السير و المنزل بمعنى انه صلّى اللّه عليه و آله يكشف ظلاله حين ما كان راكبا و يستظل حين


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 66 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 235

ما يمشى، و لكن الظاهر هو الأول، و ان كان المستفاد من رواية ابن بزيع المتقدمة جواز الاستظلال ماشيا ايضا كما في رواية الحميري و بالجملة لو استفدنا من روايات الباب عموم النهى و إطلاقه فلا بد من الاكتفاء بالقدر المتيقن من المخرج و الحكم بحرمة الاستظلال في غيره دون ما إذا لم يكن لأدلة النهي عن التظليل عموم أو إطلاق فيكتفى في شمول النهى بما هو الثابت دخوله تحت العام و هو الاستظلال بالخيمة و لو لكنيسة و المشي تحت ظلال الجدار و لكن يعلم من استدلال الامام عليه السّلام مع المخالفين ان الحكم مختص بحال السير و لا يشمل المنزل و هذا هو الوجه في اتفاق الأصحاب على جواز الاستظلال للمحرم إذا نزل و توقف عن السير كما صرح به صاحب الجواهر في نجاة العباد بأنه لا مانع من استظلال المحرم في المنزل هذا بالنسبة الى حال السير في قبال العامة الذين لا يقولون بحرمة الاستظلال أصلا و اما بناء على ما اختاره أصحابنا من حرمة الاستظلال حال السير فهل يمكن استفادة الخصوصية من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و انه مختص بالخيمة و الكنيسة و الخباء فمشكل إذا الظاهر من النصوص ان ذكر تلك الأمور انما هو من باب مصاديق الاستظلال لا لأجل خصوصية فيها فعلى هذا يشمل النهى جميع أنحاء الاستظلال بأي وجه اتفق الا ان يدل دليل خاص على الجواز

(تفصيل الكلام في المقام و تتميمه)

قد وقع الحكم بحرمة الاستظلال في النصوص بتعابير مختلفة يختلف بعضها عن بعض من جهة الدلالة سعة و ضيقا و ينبغي الإشارة إليها و ان قدمنا الروايات و تكلمنا حولها و قلنا ان المشهور حرمة الاستظلال على المحرم خلافا للعامة حيث أفتوا بجوازه و تمسكوا في ذلك بالقياس و عدم الفرق بين السير و المنزل في الجواز و عدم الجواز فيجوز الاستظلال حال السير كما يجوز في المنزل و قد رد الأئمة عليهم السّلام

ص: 236

ذلك و قالوا ان الدين لا يقاس فان رسول اللّه كشف الظلال حال السير و الركوب و دخل الخباء و الخيمة في المنزل و نحن نعمل كما عمل رسول اللّه و نصنع كما صنع و تدل النصوص على ذلك بتعابير مختلفة كما أشير اليه و نقل عن بعض أصحابنا جواز الاستظلال كالاسكافى و لكن كلامه ليس صريحا فيما ذكر و لا يضرنا ذلك فان لنا في النصوص غنى و كفاية و ان كانت التعابير مختلفة.

ففي رواية محمد بن مسلم المتقدمة عن أحدهما قال سألته عن المحرم يركب القبة فقال: لا، قلت فالمرأة قال نعم، و في رواية يركب الكنيسة فهل المراد ان الركوب في القبة بما هي قبة حرام أو لأجل أنها مصداق للاستظلال فلكل وجه و كذا الاحتمال في الكنيسة و ورد في بعض الروايات كلمة التظليل و الظلال و الاستظلال كما في رواية عبد اللّه بن المغيرة قال قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام أظلل و انا محرم قال: لا قلت أ فأظلل و أكفر قال: لا قلت فان مرضت قال ظلّل و كفّر ثم قال اما علمت ان رسول- اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس الا غابت ذنوبه معها (1) و في رواية أخرى له قال: سألت أبا الحسن عن الظلال للمحرم فقال: اضح لمن أحرمت و في رواية محمد بن الفضيل في مناظرة أبي يوسف مع ابى الحسن قال أبو يوسف يا أبا الحسن ما تقول في المحرم يستظل على المحمل، فقال: لا، قال فيستظل في الخباء قال نعم، الخبر و في ذيل الرواية كان رسول اللّه يركب راحلته فلا يستظل عليها و في رواية قاسم بن الصيقل قال ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظل من ابى جعفر عليه السّلام كان يأمر بقلع القبّة و الحاجبين إذا أحرم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 237

و في رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل يستتر المحرم من الشمس فقال لا الا ان يكون شيخا كبيرا (1) فهذه تعابير مختلفة واردة في الروايات التي منها القبة و الخباء و الكنيسة و الخيمة و الظلال و التظليل و الاضحاء و عدم الاستتار من الشمس و الاستظلال و الظل فهل الأربعة الأولى محرمة على المحرم بما هي أو بما انها مصاديق للتظليل فالمحرم عليه هو التظليل و لا خصوصية للخيمة و نظائرها و الظاهر كما تقدم ان الالتزام بالخصوصية فيما ذكر مشكل ثم ان المراد من التظليل هو ان يجعل على رأسه مظلة من قبة و شمسية أو المراد كونه في الظل مطلقا أو المقصود ان لا يستر نفسه عن الشمس بأي سبب كان فعلى هذا يجب عليه الاضحاء إذا كانت الشمس ظاهرة فلا يصدق التظليل في الليل و في حالة الغيم نعم لو قلنا ان المراد ان لا يجعل على رأسه مظلة أي ما يمنع به عن الشمس يشمل الليل و حال الغيم و لكن استفادة العموم من هذه الجهة مشكل فيشكل الجزم بالحكم في ركوب السيارات المسقفة بالليل أو حال الغيم نعم ورد في رواية الحميري انه سئل عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتل فهل يجوز ذلك، الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم (2) و ظاهرها ان صنع المظلة حين ما لا تكون الشمس ظاهرة و في حال المطر غير جائز للمحرم بل هو حرام و موجب للكفارة و لكنه يمكن ان يقال ان إيجاد المانع عن المطر بنفسه ممنوع لا من جهة الاستظلال كما ورد في زيارة سيد الشهداء عليه السّلام من اصابه المطر فله كذا و التعبير بالاستظلال انما وقع مجازا و المحذور في الواقع هو المنع عن المطر فتأمل و على كل حال لو استفدنا من


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 9
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 238

الأدلة عموم النهى و شموله لمطلق التظليل راكبا و ماشيا يمينا و يسارا لنحكما به الا ما قطع بخروجه من العموم كما في النساء و في المنزل و اما لو كان الدليل مجملا فيؤخذ بالقدر المتيقن دخوله تحت العام و الرجوع الى البراءة في غيره و لكن المستفاد منها العموم فيرجع في المشكوك الى العام، نعم لم يعلم ان المراد من النهى هو جعل المظلة فوق الرأس و لو لم تكن الشمس ظاهرة أو بالليل أو الاضحاء كما ورد اضح لمن أحرمت له فلا يستفاد العموم من هذه الجهة و ان كان الظاهر من الكل أو المتيقن منه الاستظلال من الشمس و المنع عن شعاعها

ص: 239

فيما خرج عن العموم و حكم بجواز الاستظلال
اشارة

ثم انه بناء على استفادة عموم النهى عن التظليل و الاستظلال خرج منه موارد لا بد من الإشارة إليها منها المحرمة يجوز للنساء الاستظلال حال الإحرام بلا خلاف و تدل عليه الروايات و ادعى الإجماع أيضا و لكن قال بعض العلماء: الا فضل ان لا تجلس المحرمة تحت القبة و لكن الرواية لم تشر الى تلك الأفضلية قد يوجه كلام هذا البعض بان الدليل العام الذي يدل على حرمة التظليل على المحرم يشمل المرء و المرأة الا ان الترخيص ورد بالنسبة إلى المحرمة فرفع الإلزام بترك التظليل و بقي أصله كما لو ورد أمر إلزامي بوجوب شي ء ثم رفع الإلزام فيقال ببقاء الاستحباب و ما نحن فيه ايضا كذلك إذ بعد رفع الحرمة عن التظليل للمحرمة يبقى التظليل مكروها و تركه مستحب و فيه ان هذا البيان يدل على كراهية الاستظلال على المرأة لا على أفضلية ترك التظليل لها مضافا الى ان الوجه المذكور انما يتم لو قلنا ان المحرم يشمل المرء و المرأة

ص: 240

و هو أعم منهما و اما لو قلنا انه يعلم من الاستثناءات انّ المراد من لفظة المحرم في الروايات هو المرء فقط فلا دليل على الكراهة في المحرمة نعم يمكن استفادة أفضليّة ترك الاستظلال بالنسبة إلى المحرمة من الأمر بالإضحاء في عدة من الروايات و انه ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس الا غابت ذنوبه معها و هذا يشمل كلّا من المرء و المرأة و ان ترك الاستظلال مطلوب من كل منهما لكن المرأة لأجل ضعفها و الإرفاق بها رخّص الشارع لها ان تستظل و رفع الحرمة عنها و بقيت المطلوبية على حالها كما في صلوتها في المسجد فإن الصلاة في المسجد مستحب لكل من المرء و المرأة و لكن ورد ان مسجد المرأة بيتها حيث رخص الشارع لربة البيت ان تصلى في بيتها و تكتسب ثواب المسجد و الأجر الحاصل من الصلاة فيه و هذا لا ينافي مطلوبية الصلاة في المسجد ايضا هذا هو الوجه في توجيه كلام البعض القائل بأفضلية ترك الاستظلال بالنسبة إلى المحرم و الا فلا يستفاد من أدلة الاستثناء الا جواز التظليل و اما الروايات فمنها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما قال سألته عن المحرم يركب القبة قال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة، قال: نعم (1) و رواية هشام بن سالم قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يركب في الكنيسة قال: لا، و هو في النساء جائزة (2) و رواية جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه قال: لا بأس بالظلال للنساء (3) و عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس بالقبة على النساء و الصبيان و هم محرمون (4)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 10
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 65 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 241

عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال و هي محرمة قال: نعم (1) و المستفاد من مجموع الروايات جواز التظليل للنساء و اما أفضلية ترك التظليل لها كما ذهب اليه بعض فلا يستفاد الا بالتقريب المتقدم.

و منها المنزل، يجوز للمحرم التظليل في المنزل إذا وقف عن السير و ادعى الإجماع عليه بقسميه و تدل عليه الروايات و هذا لا اشكال فيه و لا كلام إذا وقف الحاج عن السير و نزل و جلس تحت خيمة أو مظلة و اما التظليل حال التردد في المنزل أو حال التوقف في أثناء الطريق لانتظار الرفيق أو للتفتيش أو لإصلاح السيارة فيه توقف قال صاحب الجواهر لا خلاف في جوازه(اى التظليل) للرجل حال النزول بل الإجماع عليه بقسميه مضافا الى النصوص السابقة و بذلك يقيد إطلاق غيرها، نعم قد يتوقف في تظليل يسير معه راكبا أو ماشيا للتردد في المنزل و نحوه فالأحوط ان لم يكن أقوى اجتنابه انتهى و عن كشف اللثام بعد الجزم بجواز التظليل جالسا في المنزل، قال: و هل الجلوس في الطريق لقضاء حاجة أو إصلاح شي ء أو انتظار رفيق أو نحوها كذلك، احتمال و في الجواهر بعد نقل كلام كشف اللثام و مقتضاه احتمال عدم الجواز ايضا فيه و ان كان التحقيق خلافه الا انه أحوط لا يبعد دعوى شمول إطلاق أدلة التحريم للموارد فان القدر المتيقن من الخارج ما إذا كان النزول و التوقف لأجل الاستراحة كما هو المعمول، بخلاف ما لو توقف المحرم لأمر آخر مثل التفتيش عن اسمه و وطنه و استظل حينئذ نعم لو نزل و توقف عن السير و مشى الى قضاء حوائجه أو وقف على الركب كالسيارة و غيرها و لم ينزل على الأرض أصلا و أكل الغذاء فيه فالظاهر انه كالمنزل و توقف عن الحركة و اما إذا لم يتوقف


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 65 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 242

للاستراحة و التغدّى أو التعشي و لو على المركب فيشكل القول بجواز التظليل و ان الحرمة يختص بحال السير و المشي في الطريق فقط لا غيره و ان لم يكن نازلا للاستراحة.

ثم انه لو تزل خارج مكة و تردد الى المسجد الحرام قبل ان يأتي بأعمال العمرة فهل له ان يستظل في طريقه الى المسجد و هو محرم أم لا هذه المسئلة مبتلى بها في زماننا فان كثيرا من الحجاج قد ينزلون خارج مكة و يذهبون الى المسجد بالسيارة فهل يجب ان لا يستظلوا في الذهاب الى المسجد الحرام بان يسيروا بالسيارات التي لا سقف لها أو الحكم في المقام حكم المنزل لانتهاء السفر بالوصول إلى مكة بهذا الحد، كل محتمل و لا يبعد القول بحرمة التظليل في السير الى المسجد إلا إذا كان محل النزول قريبا منه بحيث يعد المسجد من توابع المنزل أو هو من توابعه.

و منهاالمشي في ظل المحمل تقدم الكلام فيه و لكنه اختلفت كلمات الفقهاء في المراد منه قد يقال ان المراد هو المشي في الظلال حال السير إذا نزل عن المركب و مشى راجلا فإنه يجوز له الاستظلال بظل المحمل أو غيره بخلاف ما إذا كان راكبا فعلى هذا وقع تخصيص آخر على عموم أدلة التحريم الدالة على حرمة التظليل حال السير.

و قد يقال ان المقصود من المسئلة ان المحرم إذا نزل اى توقف عن الحركة و السير و نزل في المنزل لأجل الاستراحة يجوز له المشي تحت ظلال المحمل و غيره من الظلال و هذا هو البحث الواقع بين الخاصة و العامة حيث أنكر علما و هم على الأئمة الطاهرين عليهم السّلام ذلك و قاسوا الاستظلال حال السير بالجلوس في الخيمة و الخباء في المنزل و المشي في الظلال و حكموا بجواز الاستظلال مطلقا ورد ائمة الدين كلامهم بانا صنعنا كما صنع الرسول صلّى اللّه عليه و آله و ان الدين لا يقاس كما تقدمت الإشارة اليه و الرواية فيه.

ص: 243

فعلى هذا ليس هذا استثناء آخر و تخصيصا أكثر من التخصيص و الاستثناء في المنزل فيكون المورد متحدا مع المنزل و المهم التأمل في اخبار الباب ليعلم ما في كلمات الاعلام فان الموضوع غير منقح في كتب الأصحاب عن المسالك يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظل فوق رأسه كالمحمل فلا يقدح فيه المشي في ظل المحمل و نحوه عند ميل الشمس الى أحد جانبيه و ان كان قد يطلق عليه التظليل لغة و انما يحرم حالة الركوب فلو مشى تحت الحمل و المحمل جاز انتهى عن الروضة في شرح قول الشهيد:(و التظليل للرجل الصحيح سائرا) انه قال: فلا يحرم نازلا إجماعا و لا ماشيا إذا مر تحت المحمل و نحوه، و المعتبر منه ما كان فوق رأسه فلا يحرم الكون في ظل المحمل عند ميل الشمس الى أحد جانبيه.

و عن كشف اللثام بعد ان حكى جواز المشي تحت الظلال عن بعض قال و هل معنى ذلك انه إذا نزل المنزل جاز له ذلك كما جاز جلوسه في الخيمة و البيت و غيرهما لا في سيره، أو جوازه في السير ايضا حتى ان حرمة الاستظلال يكون مخصوصا بالراكب كما يظهر من المسالك، أو المعنى المشي أن في الظل سائرا لا بحيث يكون ذو الظل فوق رأسه أوجه ثم وجه الأول و قال و هو أحوط لإطلاق كثير من الاخبار النهي عن التظليل ثم الأحوط هو الأخير انتهى و المستند في ذلك رواية إسماعيل بن بزيع قال كتبت الى الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم ان يمشى تحت ظل المحمل فكتب نعم (1) ظاهر الرواية المشي تحت الظل حال السير لا في المنزل الا ان الظل له احتمالان أحدهما ان يمشي في أحد جانبي المحمل و يقع الظل الحادث منه عليه و ثانيهما ان يكون مرتفعا و يمشى تحت المحمل و يقع ظله عليه و يكون المحمل فوق


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 244

رأسه و لكن القدر المتيقن من التخصيص ان لا يكون المحمل فوقه و ان يمشى في ظل المحمل الحادث في أحد الجانبين فعلى هذا تخصص أدلة النهي بالمشي في ظل المحمل سائرا كما هي مخصوصة بالاستظلال حين كان في المنزل و منها الاضطرار لا إشكال في جواز الاستظلال إذا كان المحرم مضطرا اليه لمرض أو شدة الحر و غيره و ادعى الإجماع عليه و تدل النصوص عليه بتعابير مختلفة نقدم بعضها ففي صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يركب في القبة فقال ما يعجبني ذلك الا ان يكون مريضا (1) و في رواية عبد اللّه بن المغيرة المتقدمة عن ابى الحسن الأول الى ان قال قلت فان مرضت قال ظلل و كفر و في رواية محمد بن منصور عنه عليه السّلام لا يظلل الا من علة أو مرض و في رواية إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الى ان قال: الا ان يكون شيخا كبيرا و في نسخة شيخا فانيا و في أخرى ذا علة عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شق عليه و صدع فيستتر منها فقال عليه السّلام: هو اعلم بنفسه إذا علم انه لا يستطيع ان تصيبه الشمس فليستظل منها (2) و في رواية إسحاق بن عمار عن ابى الحسن قال سألته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم قال لا الا مريض أو من به علة و الذي لا يطيق حر الشمس (3) فهل المراد من التعابير المذكورة الحرج الشديد و الاضطرار الأكيد الذي يصح التمسك في رفع حرمة الاستظلال بأدلة الاضطرار و لا حرج و لا يحتاج إلى


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 2 و 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 64 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 245

أدلة خاصة أو الأعم منه و أوسع من ذلك بحيث يمكن ان لا يشمله دليل الحرج و قوله عليه السّلام و ما اضطروا اليه و لكن يرفع الحكم بالحرمة بالأدلة الخاصّة فعلى الأول لا بد من الاكتفاء بالقدر المتيقن خروجه عن حرمة التظليل في المرض و العلّة و حرّ الشمس و عدم الطاقة و لا يصح الاستدلال بعموم الأدلة الخاصة و إطلاقها في رفع الحكم بل المرفوع في الواقع ليس الا ما رفع بالحرج و الاضطرار، و لا تفيد تلك العمومات شيئا زائدا عليه فالأمر يدور مدار الحرج و الحكم ايضا يتبعه و اما بناء على الثاني و ان المرض و العلة و عدم الطاقة لحرارة الشمس المذكور في الرواية منزل على العرف لا على الحرج الشديد الموضوع في قاعدة لا حرج فيرفع الحكم بالحرمة بما يكون خارجا عن الحد المتعارف الذي يتحمله كثير من الناس في شئونهم و ان لم يصل الى حدّ الحرج الذي لا يتحمله كثير من الناس و ان تحمله قليل منهم و الظاهر من التعابير الاحتمال الثاني كما يلوح من قوله عليه السّلام الّا ان يكون شيخا فانيا أو لا يطيق حر الشمس أو إذا علم انه لا يستطيع ان تصيبه الشمس إذ تلك الأمور و الموارد ليست بحيث يوجب حرجا شديدا خارجا عن القدرة و لا يستطيع ان يتحمله الشخص بل نظير احتمال الضرر في الصوم زائدا على ما يوجبه أصل الصوم من التعب و الألم قد يشاهد في الحجاج ان بعضا منهم أثرت الشمس في رأسهم حتى جرح و لكن ليس امرا حرجيا لا يطيقه، نعم هو خارج عن التعارف و منها الاستظلال و الاستتار بالثوب إذا لم يكن فوق الرأس بل يقع الظل من الجانبين على المحرم و هذه المسئلة ايضا غير منقحة في كلمات الأصحاب قال صاحب الجواهر اما الاستتار بالثوب و نحوه عن الشمس سائرا على وجه لا يكون على رأسه، فعن الخلاف و المنتهى جوازه بلا خلاف، بل في الأخير

ص: 246

نسبته الى جميع أهل العلم حيث قال جاز ان يستظل بثوب ينصبه إذا كان سائرا و نازلا، لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة لضرورة أو غير ضرورة عند جميع أهل العلم انتهى كلامه روى معلى بن خنيس عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يستتر المحرم من الشمس بثوب و لا بأس ان يستر بعضه ببعض (1) عن عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه يقول لأبي و شكا اليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذى به فقال ترى ان استتر بطرف قال لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك (2) هنا روايتان تدل إحداهما على عدم جواز التستر و الأخرى على الجواز إذا لم يصب الثوب الرأس فهل مراد العلماء جواز التستر في حال الضرورة أو مطلقا كما نقل عن المنتهى فغير منقح الا ان رواية ابن سنان تدل على الجواز عند الضرورة و التأذي من الشمس و لكنها أيضا مجملة من أجل انّ المقصود من قوله عليه السّلام ما لم يصبك رأسك هو ان لا تحصل التغطية للرأس التي هي محرمة أيضا فحينئذ لا فرق بين فوق الرأس و غيره أو المراد ما لم يكن الثوب فوق الرأس بل يكون من الجانبين كما صرح به في كلام الجواهر و غيره فكل محتمل و لم يعلم ان مستند العلماء في الفرق بين ما كان الثوب فوق الرأس أو اليمين و اليسار رواية عبد اللّه بن سنان أو غيرها و لكن استفادة الفرق المذكور من الرواية مشكل، و بناء على الاستفادة يكون تخصيصا آخرا للأدلة العامة الدالة على تحريم الاستظلال على المحرم، و مع ذلك القدر المتيقن من التخصيص الاختصاص


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 67 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 247

بالضرورة، و ان لا يكون الظل فوق الرأس إذا لم يكن مضطرا الى ذلك(1)

مسئلة

لو زامل المحرم الصحيح شخصا يجوز له التظليل لعذر من الأعذار أو لكونه امرأة فهل يجوز للمحرم الصحيح ان يستظل هو ايضا كما يستظل زميله أو لا يجوز له ففيه روايتان قال المحقق قدس سره لو زامل الصحيح عليلا أو امرأة اختص العليل و المرأة بجواز التظليل و قال في الجواهر بلا خلاف أجده فيه لإطلاق الأدلة و خصوص خبر بكر بن صالح أو صحيحة.

قال كتبت الى ابى جعفر الثاني ان عمتي معي و هي زميلتي و يشتد عليها الحرّ إذا أحرمت افترى أن أظلل علىّ و عليها فكتب عليه السّلام ظلل عليها وحدها (2) هذه الرواية صريحة في اختصاص التظليل بمن كان الاستظلال له جائزا و لا يجوز للزميل الصحيح و يعارضها رواية عباس بن معروف عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه(الرضاخ) قال سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه إله أن يستظل فقال نعم (3) وقع الخبر موردا للنقاش و الخلاف في ان الضمير(في إله أن يستظل) يرجع الى المحرم، أو الى الزميل العليل فعلى الأول تعارض الرواية الأولى الدالة على عدم جواز استظلال المحرم الصحيح و اما على الثاني فالمعنى للزميل العليل ان


1- يمكن ان يقال ان اختصاص جواز التستر من الشمس من اليمين أو اليسار دون فوق كما في كلمات بعض الفقهاء انما هو لعدم صدق التظليل إذا لم يكن فوق الرأس كما هو المتبادر
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 68 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 68 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 248

يستظل فلا تعارض في البين كما استظهره صاحب الوسائل قدس سره حيث قال بعد نقل الرواية المراد ان للعليل ان يستظل، لا للصحيح إذ ليس بصريح في غير ذلك قاله الشيخ و غيره و يحتمل التقية و الضرورة انتهى أما الضرورة فاحتمالها بعيد للتصريح بان الزميل هو الذي يشتد عليه الحرّ و يضطر الى التظليل و لكن في الرواية احتمالين آخرين أحدهما ان يكون صنع المحمل بحيث لا ينفك عن الظل على المحرم الصحيح و لا يخلو عنه فعند ذلك له ان يستظل و ان كان فوق رأسه.

و ثانيهما ان السائل سئل عن الظل الحادث على المحرم من زميله العليل و محمله و مكانه، فأجاب الإمام بعدم المنع عنه و على هذا يوافق ما ورد من جواز المشي تحت ظل المحمل و في جانب اليمين و اليسار و على الاحتمالين لا ينفك المورد عن الضرورة لصعوبة الاجتناب عن الظل الحادث و عدم الإمكان للمحرم ان يترك المحمل.

و الحاصل ان الرواية ليست صريحة في جواز استظلال الزميل الصحيح مطلقا فالقدر المتيقن من الرواية اما صورة الاضطرار و عدم إمكان الاجتناب من الاستظلال أو فرض المسئلة في الظل الحاصل من اليمين أو اليسار و القول بعدم حرمته كما نقل عن بعض فيما تقدم و لكن استفادة ذلك من الرواية مشكلة.

و من المستثنيات عن عموم أدلة تحريم الاستظلال على المحرم الصبيان فإنه يجوز لهم الاستظلال مطلقا بلا خلاف كما في الجواهر و تدل عليه صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بالقبة على النساء و الصبيان و هم محرمون (1) هذا آخر ما أردناه في حكم التظليل و غاية ما رمناه و لكن بعض الموارد ما


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 65 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 249

أشرنا اليه لم يكن منقحا في كتب الفقه كالاستظلال من الجانبين و المشي تحت المحمل أو الحمل أو وقف المحرم عن السير لإصلاح أمر أو للتفتيش و القرانطينة أو لمنع البليس و نحو ذلك فلا بد في جميع تلك الموارد من الأخذ بالقدر المتيقن الخارج عن عموم أدلة حرمة التظليل، و الحكم بالحرمة في غيره لعمومية أدلة النهي كما نقله الجواهر عن المنتهى ففي كل مورد يقطع بخروجه عن عموم الأدلة يحكم بجواز الاستظلال و في غيره بالحرمة

ص: 250

في حكم الإدماء و إخراج الدم

اشارة

و ممّا يحرم على المحرم و المحرمة الإدماء و إخراج الدم بأي سبب كان بالحجامة و قلع الضرس و حكّ الجسد و المسواك و غير ذلك الا عند الضرورة كما عليه كثير من الفقهاء و عن المقنعة و جمل العلم و العمل و النهاية و المبسوط و غيرها لم نجد رواية تدل على حرمة الإدماء و إخراج الدم على نحو العموم نعم وردت نصوص خاصة في الحجامة و حك الجسد و السواك و النهى عنهما إذا كانا ملازمين للادماء و لعله لهذا ذكر بعض الحجامة أو لا ثم عطف عليها إخراج الدم و لو بالسواك و في الجواهر قد يقال ان مقتضى الأصل جواز إخراج الدم بغير ما عرفت(اى المنصوص في الرواية) كعصر الدمل و قلع الضرس و غير ذلك مما لا يدخل في النصوص مضافا الى خبر الصيقل انه سأل أبا عبد اللّه عن المحرم يؤذيه ضرسه أ يقلعه قال نعم لا بأس (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 95 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 251

و ان كان يمكن حمله على الضرورة الا أنه يكفى في الجواز الأصل بعد عدم ما يدل على حرمة مطلق الإدماء إلا ما تسمعه ان شاء اللّه و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط انتهى لا بد من ذكر النصوص أولا و التأمل فيما يستفاد منها من اختصاص الحرمة بالنصوص فيها أو شمولها لمطلق الإدماء و إخراج الدم عقد صاحب الوسائل بابا لحكم الحجامة و قال في الباب الثاني و الستين من تروك الإحرام: باب تحريم الحجامة على المحرم إلا للضرورة فيحتجم بغير حلق و لا جزّ.

و قال في الباب الحادي و السبعين من هذه المسئلة باب تحريم مطلق إخراج الدم و ازالة الشعر للمحرم إلا في الضرورة و نقل في باب الحجامة إحدى عشر رواية على حسب ترتيبه و في الباب الثاني ثلاث روايات.

امّا الحجامة فمن النصوص الواردة فيها رواية الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم قال: لا، الا ان لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم (1) عن زرارة عن ابى جعفر(ع) قال لا يحتجم المحرم الا ان يخاف على نفسه ان لا يستطيع الصلاة (2) عن الحسن الصيقل عن ابى عبد اللّه عن المحرم يحتجم قال: لا الا ان يخاف التلف و لا يستطيع الصلاة و قال إذا أذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و لا يحلق الشعر (3) و الروايات الثلاث ظاهرة بل صريحة في حرمة الاحتجام على المحرم الا عند الضرورة و الحاجة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 252

و تقابلها روايات أخر تستظهر منها الكراهة أو تدل على الجواز منها رواية يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يحتجم قال لا أحبه (1) رواية حريز عن ابى عبد اللّه قال لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر (2) و مرسلة الصدوق قال احتجم الحسن(الحسين) بن على و هو محرم (3) عن مقاتل بن مقاتل قال رأيت أبا الحسن عليه السّلام في يوم الجمعة في وقت الزوال على ظهر الطريق يحتجم و هو محرم (4) عن الفضل بن شاذان قال سمعت الرضا عليه السّلام يحدث عن أبيه عن آبائه عن على عليه السّلام قال: ان رسول اللّه احتجم و هو صائم محرم (5) و الظاهر من الرواية الاولى من كلمة(لا أحب) هو الكراهة التي يمكن اجتماعها مع الحرمة الثابتة بالأدلة المعتبرة فلا يقع التعارض بين الطائفتين، و اما لو قلنا ان كلمة لا أحب صريح في الكراهة مقابل الحرمة فلا بد من حمل الرواية على صورة الاضطرار و لكن سند الرواية ضعيف و اما رواية حريز الدالة على نفى البأس عن الاحتجام ما لم يقطع الشعر و ان كانت مطلقة تشمل صورتي الاضطرار و الاختيار الا انها تقيد بما ورد من تقييد الجواز بصورة الحاجة و الاضطرار فتحمل عليها و يشهد بذلك الجمع خبر إسماعيل بن عمار عن ابى الحسن و فيه و ان كان أحدكم يحتاج إلى الحجامة فلا بأس به (6)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 7
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 9
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 10
6- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 253

و مثله رواية ذريح انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم فقال: نعم إذا خشي الدم (1).

فالأخبار التي تدل على عدم البأس بالاحتجام للمحرم مطلقا لا بد ان تحمل على صورة الاضطرار و الحاجة اليه، و الخوف من التلف، ان لم يحتجم.

و اما الجمع بين الطائفتين بحمل الطائفة الأولى على الكراهة و الثانية على أصل الجواز فقد اختاره الشيخ في محكي الخلاف و عن المحقق في النافع و عن المصباح ايضا و قال صاحب الجواهر و هو لا يخلو عن وجه لو لا الشهرة التي ترجح الجمع الأول بالتقييد بالضرورة مع عدم اجتماع شرائط الحجية فيما يدل على الجواز مطلقا، و عدم ظهور لا أحب المذكور في صحيح حريز في الكراهة، نحو لا ينبغي المستعمل في الحرمة و الكراهة معا.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 254

في حكم إخراج الدم و الدماء
اشارة

و اما إخراج الدم و الدماء على النحو الكلى فكلمات القوم فيه مختلفة بل مضطربة لم يتعرض لها الأستاد مدّ ظلّه الا إجمالا و لكني انقل ما ظفرت عليه ليكون القارئ على زيادة بصيرة و اطلاع قال المحقق قدس سره في الشرائع فالمحرمات عشرون شيئا الى ان قال و إخراج الدم الا عند الضرورة و قيل يكره و كذا قيل في حك الجلد المفضي إلى إدمائه، و كذا السواك و الكراهة أظهر انتهى موضع الحاجة و قال صاحب الجواهر في شرح كلام المحقق قدس سره: و يحرم على المحرم(إخراج الدم) في الجملة «إلا عند الضرورة» كما في المقنعة و جمل العلم و العمل و النهاية و المبسوط و الاستبصار و التهذيب و الاقتصار و الكافي و الغنية و المراسم و السرائر و المهذب و الجامع انتهى و لم يذكر الشرائع الاحتجام خاصة بل درجة في إخراج الدم و استدل

ص: 255

صاحب الجواهر له برواية الصيقل الواردة في الاحتجام (1) و اما قول المصنف: «و قيل يكره» فقد شرحه الجواهر هكذا و قيل و القائل الشيخ في محكيّ الخلاف «يكره» الاحتجام و تبعه المصنف في النافع و عن المصباح و مختصره كراهيته و القصد، و لعله للجمع بين ما سمعت و بين صحيح حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام لا بأس بأن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر، و خبر يونس بن يعقوب ثم قال: و هو لا يخلو من وجه لو لا الشهرة المزبورة التي ترجح الجمع بين النصوص بالتقييد بالضرورة انتهى و اما حك الجلد فقد شرح قول المصنف بما يأتي(و كذا) الكلام على ما(قيل في حك الجلد المفضي إلى إدمائه) الذي اقتصر عليه في محكي الاقتصار و الكافي ثم استدل للحرمة بخبر عمر بن يزيد و يحك الجسد ما لم يدمه و صحيح معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم كيف يحك رأسه قال بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر (2)

(في حكم السواك)

و اما السواك فقد شرح قول المصنف(و كذا السواك) بما يأتي و كذا الكلام في السواك المفضي إلى الإدماء الذي عن القاضي الاقتصار عليه و على الحك، كما عن النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع ذكرها مع الاحتجام خاصة و عن المقنعة معه و الاقتصار و عن جمل العلم و العمل ذكر الاحتجام و الاقتصار و حك الجلد حتى يدمي و حمل قوله(الكراهة أظهر) على حك الجلد و السواك و استدل له مضافا الى الأصل برواية معاوية بن عمار. قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المحرم يستاك


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 71 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 256

قال: نعم، قلت: فإن أدمى يستاك قال: نعم هو من السنة (1) و التحقيق ان استفادة الحرمة لإخراج الدم و الإدماء على النحو الكلى و كذا الكراهة كذلك من النصوص مشكلة فان استفدنا ذلك فلا بد من حمل ما تدل على الجواز على الاضطرار بناء على الأول أو على التقية و الضرورة أيضا بناء على الثاني و كذا بناء على عدم استفادة الكلية حرمة كانت أو الكراهة نأخذ بالمصاديق المذكورة في الرواية و نحمل ما تدل على عدم البأس فيها على الاضطرار أو التقية فأما ما تدل على الجواز مطلقا فمنها:

رواية معاوية بن عمار المتقدمة قال قلت لأبي عبد اللّه المحرم يستاك قال نعم، قلت فإن أدمى يستاك، قال نعم هو من السنة (2) و رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال سالته عن المحرم هل يصلح له ان يستاك قال لا بأس و لا ينبغي ان يدمي فيه (3) اما الرواية التي استدل بها للكراهة لا بد من حملها على الضرورة فإن السواك مع الإدماء ليس من السنة إجماعا إذا قصد الإدماء فهي متروك الظاهر الا ان يقال انه استاك ناويا للسنة فأدمى من غير اختيار فحينئذ لا بأس به و اما رواية على بن جعفر انما تدل على الكراهة إذا كان كلمة لا ينبغي ان يدمي فيه ظاهرة في الكراهة و مستعملة فيها فتقدم على ما تدل على الحرمة بحمل النهى فيها ايضا على الكراهة الا انها تستعمل في المعنيين الحرمة و الكراهة و لا رجحان لإرادة الثاني منها بل يمكن ان يراد منها الحرمة فتكون موافقة للروايات الدالة على الحرمة لا معارضة لها و اما الروايات الواردة في الدمل و الجرب و جواز قطع رأسها الملازم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 71 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 71 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 257

لإخراج الدم فهي أيضا محمولة على الضرورة روى على بن جعفر عن أخيه قال سألته عن المحرم تكون به البثرة تؤذيه هل يصلح له ان يقطع رأسها قال لا بأس (1) عن عمار بن موسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه قال يحكه فان سال الدم فلا بأس (2) عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن المحرم يعصر الدمل و يربط على القرحة قال لا بأس (3) و رواية حسن الصيقل انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم تؤذيه ضرسه أ يقلعه فقال: نعم لا بأس به (4) و هذه الروايات و نظائرها كلها قابلة للحمل على الضرورة و الحاجة لا الاختيار فلا يكون دليلا على الجواز مطلقا و اما القائلون بكراهة إخراج الدم مطلقا انما يقولون ان تلك الاخبار لا ذكر فيها من الضرورة و الاضطرار بل شاملة للاختيار و غيره فيحكم بجواز إخراج الدم للمحرم مطلقا و يحمل كل ما يدل على المنع و عدم الجواز على الكراهة فيجمع بذلك بين النصوص و يرتفع التعارض و لكن كما أشير إليه استفادة الكلية و العموم بالنسبة إلى الكراهة أو الحرمة مشكل و ان نفى صاحب الجواهر العموم في الحرمة و قال يكفى في الجواز الأصل بعد عدم ما يدل على حرمة مطلق الإدماء إلا ما تسمعه و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط انتهى كلامه قدس سره و الإنصاف أن اختصاص الحرمة بما ذكر في النصوص في الحجامة و السواك


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 70 من تروك الإحرام الحديث 9
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 71 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 70 من تروك الإحرام الحديث 5
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 95 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 258

و غيره مشكل فلا يبعد استفادة حرمة إخراج الدم مطلقا الا ما خرج بالدليل و يشهد لما ذكرنا ما ورد في حك الرأس و غيره إذ يبعد الالتزام بالخصوصية في مثل المورد عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم كيف يحك رأسه قال:

بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر (1) و عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و يحك الجسد ما لم يدمه (2) الظاهر من الروايتين ان مطلق الإدماء و إخراج الدم من جميع الجسد مبغوض لا انّ الإدماء بخصوص الأظافر من خصوص الرأس أو الوجه مبغوض و عنه منهي، إذ يبعد جدا ان يعلم السائل ان الإدماء مثلا بالسكين و غيره جائز، و لم يعلم حكم الإدماء بالأظافير و سئل عنه، بل المقطوع انه سئل عن إخراج الدم و حكمه، بأي وجه اتفق و في أي عضو من البدن وقع، لا خصوص الرأس و اللحية، فعلى هذا لا يبعد القول بعدم جواز إخراج الدم مطلقا، الا في الاضطرار، هذا فيما اخرج المحرم الدم من بدنه و اما من بدن غيره فسيأتي إنشاء اللّه حكمه ثم انه بناء على القول بالحرمة أو الكراهة فهل يحرم على المحرم إخراج الدم من بدن غيره إنسانا كان أو حيوانا كما يحرم من بدنه أو يختص الحكم ببدنه لم أعثر على رواية خاصة في ذلك الا ما ورد في علاج دبر الجمل روى الكليني قدس سره عن ابى على الأشعري عن الحسن بن على الكوفي عن العباس بن عامر عن عبد اللّه بن جبلة عن عبد اللّه بن سعيد قال سأل أبو عبد الرحمن أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعالج دبر الجمل قال: فقال: يلقى عنه الدوابّ و لا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الإحرام الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 73 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 259

يدميه (1) فهل المستفاد ان الحكم من جهة الإيذاء أو لأجل الإدماء فعلى كل حال يكون الإدماء من الإنسان أيضا كذلك بطريق أولى فإن كان لأجل الإيذاء فلو رضي انسان بإخراج الدم من بدنه هل يجوز أم لا فالرواية ساكتة عن جميع ذلك و الأصل البراءة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 80 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 260

في بيان حد الاضطرار الموجب لجواز إخراج الدم

قد تقدم ان النهى عن إخراج الدم و الاحتجام تحريما كان أو تنزيها يرفع عند الضرورة و الحاجة و قد بين حدّ الاضطرار الموجب لجواز الإدماء و إخراج الدم بثلاثة تعابير أو أربعة أحدها الخوف من التلف و الثاني إذا خشي الدم و لعله يتحد مع الأول الثالث إذا لم يستطع الصلاة و الرابع إذا أذاه الدم عن الحسن الصيقل عن ابى عبد اللّه عن المحرم يحتجم قال: لا، الا ان يخاف التلف و لا يستطيع الصلاة و قال إذا أذاه الدم فلا بأس به و في رواية ذريح إذا خشي الدم (1) و (2) و قد عبر عن هذه الثلاثة بالحاجة إلى إخراج الدم كما في رواية إسماعيل بن عمار عن ابى الحسن عليه السّلام قال سألناه الى ان قال و ان كان أحدكم يحتاج إلى الحجامة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 261

فلا بأس به الخبر (1) فهل العناوين المذكورة يكفي وجود كل واحد منها في تحقق الاضطرار أو يشترط في ذلك اجتماع جميع العناوين في مورد واحد.

اما الخوف من التلف فظاهره الخوف على النفس من الموت و هو أشد من الحرج و عدم الاستطاعة للصلاة و من التأذي و هل تعقب العناوين الثلاثة في رواية الصيقل بقوله عليه السّلام إذا أذاه الدم تنزل عن الأشد بالأدون أو المراد منه بقرينة الصدر الخوف من التلف كما ان قوله إذا خشي الدم نزل عليه إذ قد يتحقق التأذي من غير خوف التلف و كذا العكس كما يمكن ان يصل الأذى إلى حدّ يخاف على نفسه و خشي الدم و لا يستطيع الصلاة.

و بالجملة هل المعيار في رفع الحكم المتعلق بإخراج الدم تحقق العناوين الثلاثة المذكورة أو يكفي الأذى بقرينة المقابلة و تحقق كل واحد من العناوين كما في تقصير الصلاة إذا خفي الأذان فقصر و إذا خفي الجدران فقصر فقد وقع البحث هناك ايضا ان الشرط في جواز تقصير الصلاة تحقق خفاء الأذان و الجدران معا، أو المعتبر تحقق واحد منهما.

ثم انه بناء على كفاية التأذي فهل يشترط ان يبلغ الأذى إلى حد يخاف التلف و لا يستطيع الصلاة أو يكفي أقل مرتبة الأذى و ان لم يصل الى ذاك الحد فكل محتمل و لكن لا يبعد ان يقال ان المستفاد من قوله عليه السّلام إذا خاف التلف لا بأس به، انه يكفى في رفع الحكم سواء تأذى أو لم يتأذ و استطاع الصلاة أو لم يستطع.

و كذا الظاهر من لا يستطيع الصلاة الاكتفاء به سواء خاف التلف أو لم يخف و تأذّى أو لم يتأذ فكل واحد من العناوين علة مستقلة للحكم بالجواز و لا يتقيد بوجود غيره أو الجامع بينها لو فرض لا ما يكون خارجا عنها فعلى هذا لا مانع من ان يقال ان التأذي الذي يوجب رفع الحكم هو المرادف لخوف التلف و عديله لا نفسه فلا يعتبر ان يصل الى حد خوف التلف أو عدم الاستطاعة للصلاة.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 62 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 262

في قص الأظفار

و مما يحرم على المحرم قص الأظفار و قطعها، و عبر المحقق بقص الأظفار و ادعى عدم الخلاف فيه بل الإجماع بقسميه و عن المنتهى و التذكرة نسبته الى علماء الأمصار و المراد من القص كما صرح به بعض العلماء الإزالة مطلقا و لا يشترط ان يكون بالمقراض و المذكور في الروايات القص و القلم عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه قال سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره قال لا يقصّ شيئا منها ان استطاع فان كانت تؤذيه فليقصّها و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام (1) عن إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه السّلام قال سألته عن رجل نسي ان يقلم أظفاره قال، فقال: يدعها، قال قلت انها طوال قال: و ان كانت، قلت: فانّ رجلا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 77 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 263

أفتاه أن يقلّمها و يغتسل و يعيد إحرامه ففعل قال: عليه دم (1) يظهر من الرواية ان من قلم أظفاره جاهلا بالحكم عليه دم و هو مشكل لعدم وجوب الكفارة على الجاهل و يمكن إرجاع الضمير في عليه الى من افتى و لو لا ذلك يعارضها ما تدل على عدم وجوب الكفارة على الناسي و الساهي و الجاهل كما في رواية زرارة عن ابى جعفر قال من قلّم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمدا فعليه دم (2) و يرفع التعارض بما تقدم من إمكان إرجاع الضمير في عليه دم الى من افتى كما ورد في رواية أخرى عن إسحاق الصيرفي قال قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام ان رجلا أحرم فقلم أظفاره و كانت له إصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصه فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصّه فأدماه فقال على الذي افتى شاة(3) (4) هذا حكم المختار و اما المضطر فيجوز له قص الظفر و قطعه و ان كان عليه الكفارة.

عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه قال سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره قال لا يقص شيئا منها ان استطاع فان كان تؤذيه فليقصّها و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام (5)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 77 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 10 من بقية الكفارة الإحرام الحديث 2- 5
3- يمكن ان يكون الخبر ناظرا إلى الإدماء لا القص فقط الا ان الكفارة يجب على الذي افتى
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 13 من كفارات الإحرام الحديث 1
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 77 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 264

و المستفاد من قوله ان استطاع انه يجب عليه ان لا يقصّ الظفر و انه حرام عليه ما دام له استطاعة عرفية و قدرة عادية نعم إذا لم يستطع كذلك و كانت له مشقة و زحمة و حرجا عليه يرفع التكليف كما في الحرج و اما المستفاد من قوله ان كانت تؤذيه فهو أخف و أدون من الحرج إذ الظاهر من التأذي انه قابل للتحمل عرفا و ليس فيه مشقة كثيرة بالغة حد الحرج الموجب لرفع التكليف فهنا جملتان متفاوتتان من حيث المضمون فهل المدار في جواز قصّ الأظفار و عدمه على الاستطاعة و عدمها فيحمل التأذي و الأذى عليها ايضا فالمعنى إذا تأذى بحيث لا يستطيع الصبر يجوز له القص أو يقال إذا استطاع بحيث لا يتأذى لا يجوز القص و اما إذا استطاع مع التأذي يجوز قلم الأظفار هذا إذا أمكن الجمع بينهما و اما إذا لم يمكن الجمع بين الجملتين و لا الترجيح فيهما فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن من المخصص، لاتصاله بالعام قد يقال ان اللازم فيما إذا لم يمكن الترجيح الأخذ بالقدر المتيقن من العام الذي تدل على حرمة قص الأظفار و هو ما لم يكن المحرم متأذيا عن ترك الأظفار فإن إجمال المخصص يسرى الى العام إذا كان متصلا فلا ينعقد للعام ظهور في جميع الافراد، و الداخل فيه يقينا ما كان خاليا عن التأذي و يكون حراما اللهم الا ان يقال ان الرواية المخصصة لعموم النهي مجملة و مرددة بين الأقل و الأكثر و منفصلة عمّا تدل على حرمة قص الأظفار من الروايات فيؤخذ بالقدر المتيقن من الاستثناء و يدخل الفرد المشكوك في عموم العام ان كان ثم انه يستفاد من الروايات الواردة في باب الكفارات انه لا فرق في الحرمة و ترتب الكفارة على قص الظفر بين إصبع واحد و الأصابع و ان اختلفت الكفارة باتحاد المجلس و اختلافه

ص: 265

عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه قال إذا قلّم المحرم أظفار يديه و رجليه في مكان واحد فعليه دم واحد و ان كانتا متفرقتين فعليه دمان (1) عن حريز عمن أخبره عن ابى جعفر عليه السّلام في محرم قلم ظفرا قال: يتصدق بكف من طعام قلت ظفرين قال كفين قلت ثلاثة قال ثلاثة أكف قلت أربعة قال أربعة أكف قلت خمسة قال: عليه دم يهريقه فان قص عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه الا دم يهريقه (2) و آخر الرواية محمول على اتحاد المجلس لما مر


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 12 من كفارة الإحرام الحديث 6
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 12 من كفارة الإحرام الحديث 5

ص: 266

في حكم قطع الشجر و الحشيش في الحرم و خارجه

اشارة

و يحرم على المحرم و غيره قطع الشجر و الحشيش من الحرم عطفه الشرائع على قصّ الأظفار و أضاف الجواهر يحرم على المحرم و غيره قطع الشجر و الحشيش من الحرم الذي هو بريد في بريد.

و لعل عدم جواز قطع الشجر لغير المحرم ايضا لحفظ حرمة الحرم و هو أربعة فراسخ في أربعة فراسخ و لا فرق في حرمة القطع بين قطع أصل الشجر أو فرعه و ورقه و كذا لا فرق بين القلع و النزع و بين الرطب و اليابس و ان وقع الخلاف في بعض ما ذكر كما يأتي و ادعى الإجماع و عدم الخلاف فيه و لكن دليلهم ايضا الروايات الواردة في المقام و عقد صاحب الوسائل في المسئلة خمسة أبواب في تروك الإحرام و بابا واحدا في الكفارات قال في الباب السادس و الثمانين من أبواب تروك الإحرام باب تحريم قطع الحشيش

ص: 267

و الشجر من الحرم للمحل و المحرم و قلعه فان فعل وجب إعادتها و جوازه في غير الحرم لهما اما جواز قطع الشجر في الحل فتدل عليه روايات منها رواية عبد اللّه بن سنان قال قلت لأبي عبد اللّه المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته قال: نعم، قلت له ان يحتش لدابته و بعيره، قال نعم و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فإذا دخل الحرم فلا (1) و رواية محمد بن مسلم عن أحدهما قال: قلت المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم قال نعم قلت فمن الحرم قال لا (2) و اما عدم جواز قطع الشجر من الحرم للمحرم فتدل عليه مضافا الى الإجماع المدّعى و الروايتين المتقدمتين نصوص اخرى منها:

عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين الا ما أنبتته أنت و غرسته (3) عن جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال رآني على بن الحسين و انا أقلع الحشيش من حول الفساطيط، فقال يا بنى ان هذا لا يقلع (4) يعلم من إرشاد الامام على بن الحسين عليه السّلام للإمام الصادق عليه السّلام ان قلع الحشيش ما كان مطلقا للمحرم قال صاحب الوسائل قدس سره بعد نقل الرواية هذا محمول على كون القطع قبل التكليف و النهى للتنزيه بالنسبة اليه و لم يعلم وجه ما حمله على ذلك فان توجيه الحكم بالنسبة إلى الصغير و الكبير متساو و اختصاص النهي التنزيهي بالنسبة الى الامام عليه السّلام مشكل و كذا الحمل


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 85 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 85 من تروك الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 86 من تروك الإحرام الحديث 4
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 86 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 268

على ما قبل التكليف فإن الأئمة المعصومين عليهم السّلام عالمون بالأحكام الدينية في الصغر كما بعد التكليف عن هارون بن حمزة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال ان على بن الحسين عليه السّلام كان يتقى الطاقة من العشب ينتفها من الحرم قال: و رأيته و قد نتف طاقة و هو يطلب ان يعيدها مكانها (1) فهذه روايات تدل على حرمة قطع الشجر و الحشيش على المحرم في الحرم فهل هي ناظرة إلى الخضر منهما أو يشمل اليابس ايضا و كذا يشمل الأخذ من الشجر الذي قطعه غيره أو قلع بأمر طبيعي، أو يختص الحكم بما يكون نابتا و ثابتا على الأرض لا مقطوعا، و كذا الكلام في قطع الفرع الذي أصله في الحرم و هو خارجه، أو العكس اى الفرع الذي في الحرم و أصل الشجر خارج عنه، فلا بد من التأمل في جميع ذلك و في حكم الثمر فهنا مسائل لا بد من الإشارة إليها و التأمل فيها و قد يستدل لحرمة قطع الشجر و الحشيش بجميع الأنحاء و الأقسام برواية حريز المتقدمة و هي أشمل الروايات و أعمها و فيها قال: أبو عبد اللّه كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين الا ما أنبتته أنت و غرسته (2) تدل الرواية على انّ كل نبات في الحرم يحرم قطعه و هو مطلق شامل للرطب و اليابس و الورق و الثمر و اللحاء على الناس أجمعين، محلّين كانوا، أو محرمين، و كذا يشمل القطع و النزع و الكسر، لعدم ذكر متعلق الحرمة فيها، كما انه يشمل الأصل و الفرع مطلقا إذا كان الأصل نابتا في الحرم و ان كان الفرع خارجا عنه، و اما لمس اليد و مسه فلا يستفاد من الرواية كالاعتماد على الشجر و الجلوس تحته في المنزل


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 86 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 86 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 269

مسئلة

الظاهر انه لا فرق بين الرطب و اليابس من الغصن و الورق ما دام متصلا بالشجرة و الحشيش و عن الدروس و التذكرة و التحرير الإشكال في قطع اليابس بل نقل جواز قطعه و عن المسالك جواز القطع و ان كان متصلا بالأخضر لانه كقطع أعضاء الميتة من الصيد و عن التذكرة نعم لا يجوز قلعه فان قلعه فعليه الضمان لانه لو لم يقلع لنبت ثانيا و لكن عن المنتهى لا بأس بقلع اليابس من الشجر و الحشيش لانه ميّت فلم تبق له حرمة و هذا مناف لما نقل عن التذكرة الا ان يحمل على يابس لا ينبت و أورد الجواهر على التعليل المذكور في المنتهى بأنه لا يوافق أصولنا و لا يصح الفرق بين الرطب و اليابس إذ لا دليل عدا ما يتوهم من لفظ الخلاء في رواية زرارة على اختصاص الحكم بالرطب و هو غير تام كما يأتي عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول حرم اللّه حرمه بريدا في بريد ان يختلى خلاه أو يعضد شجره الا الإذخر أو يصاد طيره (1) و هذه الرواية بناء على ان الخلاء الرطب لا يعارض غيره لعدم الصراحة بجواز قطع اليابس مضافا الى ان بعض أهل اللغة ذكر ان معنى الخلاء هو الحشيش اليابس.

قال الجوهري الخلا مقصورا الحشيش اليابس هذا ملخص كلام الجوهري و لكنه خلاف الظاهر إذ لو كان كل من الرطب و اليابس حراما على المحرم فذكر البعض دون الأخر خلاف التعارف و ظهور المقام مثلا لو كان اللوز قسمين الحلو و المرّ و كان كل نوع منه حلالا فأراد المتكلم بيان ذلك و قال الحلو حلال يفهم منه ان غير الحلو ليس بحلال نعم المانع عن المعارضة إجمال كلمة الخلاء و تردده بين معنيين أحدهما الحشيش اليابس كما عن الجوهري و الثاني الرطب


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 7

ص: 270

فعن النهاية الخلا مقصورا النبات الرقيق ما دام رطبا و في مجمع البحرين في حديث لا يختلى خلاه اى لا يجتز نبتها الرقيق ما دام رطبا و إذا يبس سمى حشيشا فعلى هذا لو ثبت كون الخلاء هو الرطب يقيد به العموم الدال على حرمة كل ما نبت في الحرم مطلقا و اما إذا لم يثبت انه النبات الرطب بل يطلق على كل نبات، فيكون خبر الخلا أيضا أحد أفراد العموم الدال على الحرمة مطلقا لا مقيدا له.

و اما التعليل المنقول عن المنتهى لجواز قطع اليابس، بأنه لقطع أعضاء الميتة من الصيد فالمقصود ان قطع عضو ميت ليس صيدا كما إذا راى صيدا مغلولا على شجر فأخذه ففكه أو رأى عضوا منه عليلا فقطعه ليريحه فكذلك المقام، لكنه غير وجيه، بل ليس الا قياسا لا نقبله، و لا يكون دليلا مع انه قياس فارق و قد يوجّه جواز قطع اليابس في الحرم، بان الظاهر من قوله عليه السّلام كل شي ء ينبت في الحرم، ماله روح نباتي و قوة نامية لا ما سلبت منه ذلك كالغصن المنكسر الملقى على الأرض الذي تسالم القوم على الانتفاع منه و قد فصّل بعض في الغصن المنكسر بأنه لو قطعه آدمي لا يجوز الانتفاع منه و أخذه، و اما لو انكسر بغيره فيجوز و وجهه بأنه لو قطعه آدمي محلا كان أو محرما يكون كصيد اصطاده محرم فلا يجوز اكله و لو لغير المحرم بخلاف ما لو انقطع و كسر بنفسه لكن الوجه غير وجيه، فان الدليل الخاص الوارد في الصيد ألزمنا بما ذكر و لا يكون دليلا للمقام، و القياس ليس مما يرام و لكن المتراءى و المتبادر من النصوص ان كل شجر و حشيش في الحرم قائم و ثابت على الأرض فهو محرم على الناس لا ما قطع و القى عليها تهب عليه الرياح و لا دليل على حرمته و يلزم ايضا بناء على العموم ان يكون كل حطب و شجر

ص: 271

في المكة حراما الا ما علم انه من الخارج نعم لو علمنا بالسيرة المستمرة و الإجماع المدعى ان المقطوع من نبات الحرم غير حرام فينصرف العموم الى ما كان متصلا بالشجر و اما إذا لم نعلم ذلك و استفدنا العموم من الأدلة و شموله للمقطوع و غيره فلا يفرق بين ما قطعه آدمي أو غير آدمي.

مسئلة

ثم انه بناء على جواز قطع اليابس فهل يفرق بينه و بين القلع أو الحكم متحد فيهما نقل عن بعض الشافعية اختصاص الجواز بالقطع دون القلع و نقل عن العلامة قدس سره في التذكرة عدم جواز القلع فان قلعه فعليه الضمان، و علله بأنه لو لم يقلع لنبت ثانيا و قال في الجواهر لا بأس به و نقل عن العلامة في المنتهى ما يخالف قوله في التذكرة حيث قال لا بأس بقلع اليابس من الشجر و الحشيش لانه ميت فلم تبق له حرمة و يمكن ان يحمل كلامه الأول على ما لم ييبس الأصل بحيث لو لم يقلع لنبت ثانيا و كلامه الثاني الى ما سلبت منه الروح النباتية و النمو بحيث لا ينبت و لو لم يقلع و لكن الحق ما تقدم منا في الفرق بين اليابس و الرطب من انه العموم لو شمل المورد لا يفرق بينهما و في المقام ايضا كذلك فان قلنا ان المراد من قوله كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين الشي ء الخارجي و المصداق المتحقق في الحرم على نحو الإشارة و المرآتية فيحرم كل شي ء من أشجار الحرم و نباته رطبها و يابسها قلعها و قطعها و أخذها فلو قطع شي ء منها و القى على الأرض أو يبس يجب تركه حتى تذروه الرياح و يصير هباء منثورا و رميما و ترابا و لا فرق في ذلك بين القلع و القطع و اما لو قيل ان المتبادر منه كما أشير إليه في المسئلة السابقة ان كل ما في الحرم، مما فيه القوة النامية و النباتية من النباتات و الأشجار

ص: 272

فهو حرام فحينئذ يجوز قطع كل يابس و قلعه و نزعه حتى لو يبس غصن على شجرة أو يبس من الأصل إذ لا دليل على حرمة القلع أو القطع بعد عدم شمول العام نعم لو قيل انّ كل شي ء من أشجار الحرم و نباته ما دام قائما على الأصل فهو حرام على الناس لا يجوز قطع الغصن اليابس إلا إذا القى على الأرض فيجوز أخذه كما تسالم الفقهاء على الانتفاع منه و لا فرق بين ما قطعه آدمي أو قطع بأمر طبيعي كالرياح الشديدة و غيرها كما أشير إليه في المسئلة السابقة

مسئلة

هل الثمر إذا انيعت مثل الورق و الشجر يحرم قطعه و اكله على المحرم أم ليس كذلك لانصراف الأدلة عنه الظاهر انه لو لا الإجماع على عدم الفرق بين الثمر و غيره يشكل استفادة العموم من الأدلة بالنسبة إليه نعم لو القى الثمر على الأرض و سقط من الشجر لا إشكال في جواز أخذه و اكله

ص: 273

فيما خرج عن العموم
اشارة

بناء على استفادة عموم الحرمة لكل ما نبت في الحرم لا بد من التخصيص فيه لما ورد من النصوص الدالة على جواز قطع بعض الأشجار في الحرم و ينبغي الإشارة إلى الخلاف أيضا في بعض النباتات منها الكمأة و الفقع نقل عن التذكرة و غيرها جواز أخذ الكمأة و الفقع من الحرم و قال صاحب الجواهر هو في الأول في محله للأصل بعد عدم تناول النصوص المزبورة له بخلاف الثاني لأنه شي ء ينبت في الأرض و يكون له ساق فيشمله الدليل و منشأ الخلاف ان الكمأة و الفقع هل هما من نبات الأرض يتكونان من باطن الأرض أو هما شي ء يوجد فوق الأرض بضم المواد بعضها الى بعض و التراكم في محل واحد قال الطريحي قدس سره في مجمع البحرين الكمأة بفتح الكاف و سكون الميم و فتح الهمزة و العامة لا تهمز شي ء أبيض مثل الشحم ينبت من الأرض يقال له شحم الأرض ليس هو المنزل على بني إسرائيل فإنه شي ء كان يسقط عليهم و أحدها كم ء

ص: 274

و الجمع اكموء انتهى و اما الفقع ففي كتب اللغة انه نوع من الكمأة و في المجمع ضرب من الكمأة و هي البيضاء الرخوة و في لسان العرب الفقع، و الفقع بالفتح و الكسر الأبيض الرخو من الكمأة و هو اردأها قال ابن الأثير الفقع ضرب من اردأ الكمأة قال أبو حنيفة الفقع يطلع من الأرض فيظهر أبيض و هو ردى و الجيد ما حفر عنه و يستخرج فالمستفاد من كلمات القوم ان الفقع نوع من الكمأة و هو رديه لا غيره فما في الجواهر من الفرق بينهما و ان الفقع شي ء ينبت في الأرض و يكون له ساق و انّ الكمأة تخلق في الأرض كالثمرة الملقاة عليها في غير محله فمرجع الكلام الى انّ الكمأ و الفقع من النبات أم لا فان قيل و ادعى ان النبات ظاهر فيما كان له أصل و ساق فالكمأ العبر عنه في الفارسية بالقارچ ليس له ساق و أصل فلا يكون نباتا و ان تتكون من الأرض كالعقيق و الذهب و اما لو قيل ان هذا التكوّن انما هو بقوة داخلية في الأرض و حركة باطنية فيها، فلا يبعد إطلاق النبات عليه و انه نوع منها فعلى هذا يحتاج خروجه عن العموم الى مخصص و مخرج خاص و لولاه يكون قطع الكمأ و الفقع من الحرم حراما كغيرهما و بالجملة الحكم بحرمة قطع الكمأ و الفقع يدور مدار صدق النبات عليهما و عدمه نعم فرق صاحب الجواهر بينهما و قال اما الفقع شي ء ينبت في الأرض و له ساق فيندرج في صحيحة حريز بخلاف الكمأ و قد عرفت الكلام فيه

مسئلة

لو كان شجر أصله في الحرم و فرعه خارجه فهل يجوز قطع الفرع أم لا الظاهر انه لا يجوز قطعه لانه من نبات الحرم يشمله العموم مضافا الى رواية خاصة تدل عليه

ص: 275

عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه من شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحل فقال عليه السّلام: حرم فرعها لمكان أصلها قال قلت فإن أصلها في الحل و فرعها في الحرم فقال حرم أصلها لمكان فرعها (1) و يستفاد من ذيل الرواية ان الفرع إذا كان في الحرم و الأصل في الحل يحرم قطع الفرع و الأصل و ان لم يصدق عليه انه من نبات الحرم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 90 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 276

في استثناءات على العموم الدال على حرمة قطع نبات الحرم
اشارة

ثم انه قد ورد استثناءات على العموم الدال على حرمة قطع نبات الحرم منها: ما إذا كان الشجر في منزله في الحرم و لكن الشرائع قال الا ان ينبت في ملكه و في الوسائل أيضا ما يوافقه و في الحدائق بعد نقل الأخبار الواردة في المسئلة، المستفاد منها انه ان سبق الملك على نبت الشجرة يجوز قلعها و الا فلا و هذا التعبير موافق لتعبير المحقق قدس سره و لكنه ليس في الروايات عنوان الملك و ما فيها انما هو الدار أو المنزل و المضرب فالمهم نقل النصوص و منها عن حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم فقال: ان كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبنى الدار أو يتخذ المضرب فليس له ان يقلعها و ان كانت طرية عليه فله قلعها (1) و المستفاد من هذه الرواية ان ما هو المعتبر في جواز قطع الشجرة تقدم الدار و المنزل و المضرب عليها، و هو أعم من ملكية الدار و المضرب و كذا ملكية


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 277

الشجرة إذ من المتعارف ان تكون السكنى بالإجارة أو الوقف حتى الغصب أو التبرع و يؤيده أن المضرب و هو محل الخيام كثيرا ما لا يكون ملكا لصاحب الخيمة و ساكنيها كما في عرفات و منى و المشعر، مضافا الى ان مكة و اراضيها مفتوحة بالعنوة و لا يملكها أحد إلا بتبع الآثار، و الخيمة و المضرب ليس مما يوجب الملكية بل الانتفاع فقط، اللّهم الا ان يقال ان نظر المحقق و مراده من الملكية للدار جواز التصرف فيها و إباحتها له و هذا ايضا لا دليل له كما ان القول بأن الرواية ناظرة إلى مكان كان معمورا سابقا و كان ملكا لشخص ثم انتقل الى آخر تخصيص بلا دليل و ترجيح بلا مرجح و رواية أخرى لحماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال عليه السّلام ان بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له ان يقلعها و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها (1) و نقلت هذه الرواية بألفاظها بسند آخر عن حماد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام و هي أقوى ما تدل على اعتبار الملكية بناء على ان ضمير هو راجع الى المنزل و ان اللام يفيد الملكية لا الاختصاص الا ان الظاهر و الغالب فيمن نزل مكة المعنى الثاني لا الأول كما في الخيمة و المضرب فلا تدل الرواية على انه بنى المنزل أو اشتراه حتى تكون دليلا على اعتبار الملكية مضافا الى ان بعض النسخة و هي له و بناء على تلك النسخة يجب ان يأول بأن المراد من المنزل عبارة عن الدار أو يرجع ضمير هي إلى الشجرة فالمعنى ان كانت الشجرة هي له فليقلعها فعلى النسخة الثانية يشترط ان تكون الشجرة ملكا له لا المنزل فالقدر المتيقن من المخصص بناء على الملكية ان يكون المنزل و الشجرة ملكا للمحرم أو غيره و إذا لم يثبت احدى النسختين، و ملك الدار فقط أو الشجرة يشك في دخوله في المخصص فيمسك بعموم كل ما ينبت في الحرم فهو محرم على الناس و ان قيل ان الإجمال في المخصص يسرى الى العام فيكون مجملا، و لا يصح


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 3

ص: 278

التمسك به عند الشك إذ نعلم بخروج أحد الفردين عن العموم اما في صورة كونه مالكا للدار و اما حال كونه مالكا للشجرة فيجب الاحتياط حينئذ كما لو علم بنجاسة أحد الإنائين و طهارة الأخر إلا إذا خرج أحد الطرفين عن مورد الابتلاء فيجري الأصل في الطرف الباقي لكن كل هذا إذا قلنا باعتبار الملكية و تردد الأمر بين مالكية الدار أو الشجرة على اختلاف النسختين و قد قلنا ان الرواية ليست ظاهرة في اعتبار الملك أصلا بل يمكن و لا يبعد ان تكون اللام للاختصاص فقط كما يؤيده ذكر المضرب بعد المنزل و لعل نظر المحقق في اعتبار الملك ايضا الى القدر المتيقن الذي أشير إليه الا ان يقال ان نظره الى مالكية الدار أو المنزل، اما الشجرة تابعة لهما فتكون هي أيضا ملكا لصاحب المنزل و الدار هذا كله فيما إذا نبتت الشجرة و اما الإنبات فيأتي حكمه ثم انه بناء على اعتبار الملكية فهل الموضوع في الحكم الملك و ان لم يكن له دار، أو منزل، بل انما ذكر المنزل و المضرب و الدار مشيرا اليه، أو الموضوع الدار المقيد بكونها ملكا له و قد تقدم ان استفادة ملكية الدار و المنزل و المضرب مشكل، و اما كفاية الملك وحده فهو الظاهر من الشرائع و الجواهر فعليه لو كان له ملك في مورد من الحرم و نزل فيه و ان لم يكن له دار و مضرب يكفي في جواز قطع الشجر و النبات، و لكنه كما أشير إليه مشكل جدا إذ المستفاد من النصوص صدق الدار و المنزل لا الملك وحده،

و هنا فروع ينبغي الإشارة إليها
الفرع الأول

ان ما هو المذكور في النصوص جواز قطع الشجرة في المنزل فهل لها خصوصية و دخل في الحكم، أو المراد كل نبات نبتت في المنزل، و و ذكر الشجرة انما هو من باب المثال كما اختاره الشرائع الراجح هو الثاني، فإن الظاهر كما قدمنا ان كل نبات في الحرم هو حرام على الناس على ما صرحت

ص: 279

به رواية حريز و لا يصح رفع اليد عن هذا العموم الا بدليل خاص صريح في رفع الحكم، و ما هو إلا في الشجرة فقط التي يحتمل قويا الخصوصية فيها، و لا يمكن ان يقال جزما كل نبات في المنزل و الدار فهو مثلها، هذا ما يقتضيه ظاهر الأدلة و قال صاحب الجواهر قدس سره الخبران(رواية حماد و إسحاق) و ان كانا مشتملين على الشجرة خصوصها، الا انه لا قائل بالفرق بينه و بين غيره بل لعل ظاهر النصوص كون المدار على النبات سابقا و لا حقا انتهى موضع الحاجة يستفاد من كلامه ان التفصيل بين الشجر و غيره من النبات الداخل على المنزل في جواز القطع قول ثالث لم يقله أحد فإنّ الأمر بين قولين جواز القطع مطلقا و عدمه بذلك، بعبارة أخرى ورود التخصيص على العموم و عدمه، فيكون التفصيل قولا ثالثا.

و التحقيق في المقام ان يقال ان مستند الفقهاء في عدم التفصيل و عدم قول ثالث هو الإجماع و التسالم من الجميع على ذلك، يمكن أو يجب الالتزام به، لكنه من المحتمل قريبا انهم رضوان اللّه عليهم استفادوا ذلك من الروايات الواردة في المسئلة و كيفية دلالتها و فقهها، فلا يكون الإجماع على القولين دليلا على نفى قول ثالث، فالمستند في المقام هو النصوص.

فان الشيخ قدس سره بعد ما نقل رواية حريز مع ذيلها(الا ما أنبتته أنت و غرسته) قال متصلا به: و كل ما دخل على الإنسان فلا بأس بقلعه فان بنى هو في موضع يكون فيه نبت لا يجوز قلعه احتمل صاحب الجواهر ان يكون قوله في التهذيب(كل ما دخل) من تتمة الحديث، و ان يكون فتواه التي استفاده من الخبرين و استظهره منها و يؤيد الاحتمال الثاني ان الشيخ بعد ما ذكره قال روى سعد بن عبد اللّه عن زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في قطع عودي المحالة(و هي البكرة التي يستقى بها) من شجر الحرم و الإذخر كما هو دأبه في الكتاب يذكر

ص: 280

فتواه أو لا ثم يقول روى فلان فيعلم انه عليه الرحمة استفاد من الروايات عدم الخصوصية للشجر و ان الحرمة للسابق على الدار و المنزل، دون اللاحق و انّ ما يدخل على الدار يجوز قطعه دون ما يدخل عليه المحرم و من الممكن القريب ان يكون هذا مستند الإجماع على عدم قول ثالث و ان لم نجزم به.

الفرع الثاني

بعد الحكم بجواز قطع الشجر إذا دخل الدار فهل يعتبر ان يكون ملكا لصاحب المنزل أم لا.

فمن ذهب الى اشتراط ذلك لعله استفاده من قوله عليه السّلام في رواية حماد(و هي له) المحتمل رجوع ضمير هي إلى الشجرة المذكورة في الرواية على بناء النسخة المقروة، على المجلسي عليه الرحمة و لكن في النسخة الأخرى كما في الوسائل و التهذيب المطبوع جديدا و هو له الظاهر رجوعه الى المنزل.

الثالث

بناء على جواز قطع الشجرة التي نبت في الدار أو المضرب تحت اى شرط كان فهل يختص الجواز لصاحب الدار بالمباشرة فقط أو يعمه و التسبيب فلو أمر غيره بقلعها يجوز له ذلك أيضا أم لا.

لا يبعد ان يقال ان الظاهر من قوله عليه السّلام فله قلعها، أو فليقلعها أعم من المباشرة و التسبيب الا ان الكلام في انه إذا قلنا بشمول الدليل للغير، فهل، يتبدل حكم الغير الذي كان عليه حراما ايضا ان يقلعه، بحيث لو امره من كان له ان يقطع الشجر الداخل عليه يجوز للمأمور قلعه و قطعه أو لا يتغير الحكم الثابت على الغير بل هو باق عليه الظاهر هو الثاني.

إذ غاية ما يستفاد من الدليل ان الشجر الوارد على المنزل ليس له حرمة بالنسبة إلى المورود و اما عدم الحرمة مطلقا حتى بالنسبة الى من يعيش بعيدا عنه و لم يرد عليه فلا يستفاد منه حتى يتغير الحكم و لو بالتسبيب، نعم لو علم ان كل شجرة أو نبات إذا نبتت بعد بناء المنزل لا حرمة لها بالنسبة الى من يسكن البيت و غيره فينقلب الحكم و يجوز القطع للغير.

ص: 281

و من المستثنيات عن حكم العموم ما أنبته و غرسه الإنسان كما قواه صاحب الجواهر قدس سره و الدليل على ذلك رواية حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام الا ما أنبتته أنت و غرسته على ما رواه الشيخ في التهذيب و الصدوق و اما الكليني قدس سره فقد رواه بدون الذيل و اما المحقق في الشرائع فقد قال الا ما ينبت في ملكه الظاهر انه لم يجعل ما أنبته و غرسه الإنسان خارجا عن العموم بعنوان الإنبات مستقلا بل الملاك ان يكون النبات في ملكه سواء غرسه و أنبته أو نبت في ملكه بأمر غير اختياري.

و يمكن ان يقال ان من اشترط الملكية فقط و لم يذكر الإنبات لعله لأجل الملازمة بين الملك و إنبات المالك غالبا فاكتفى بذكر أحد المتلازمين و لم يعتبر و لم يشترط القيد الوارد مورد الغالب و اما غيره كالشيخ في التهذيب و النهاية و المبسوط و السرائر جعلوا ما أنبته و غرسه عنوانا خاصا و خصوصا به العام الدال على حرمة قطع نبات الحرم و لا فرق في ذلك بين ما أنبته في ملكه أو غيره كما نقله الجواهر عن الكتب المتقدمة ثم قال فما عن ابني زهرة و البراج و الكيدري من التقييد بملكه في غير محله، و قال المدارك بعد نقل رواية حريز لا إشكال في جواز قلع ما أنبته الإنسان على كل حال

تحقيق روانى
اشارة

إذا حملنا القيد الوارد في إحدى روايتي حريز(الا ما أنبتته و غرسته) على الغالب كما فعله المحقق في الشرائع فلا اشكال و لا بحث، و الا فيدور الأمر بين الزيادة و النقص في نقل الرواية إذ الظاهر ان ما روى عن حريز بسندين رواية واحدة و هما متحدتان نقلت مرة بدون الذيل و اخرى معه فهل وقع النقص على نسخة الكافي أو الزيادة على التهذيب و نقل الصدوق و إذا دار الأمر بين الزيادة و النقيصة في حديث أو غيره يقولون الاولى الالتزام بالنقيصة كما هو دأب الاعلام و المتعارف بينهم لوقوع النقص في النقل كثيرا لسهو أو غيره مما يوجب ذلك، و اما الزيادة

ص: 282

فهي خلاف العادة سيما مثل تلك الجملة الطويلة التي لا تقلّ عن ثلث الخبر، مضافا الى ان الفحول من العلماء الذين لا يفتون الا بما هو حجة بينهم و بين اللّه، أفتوا بمضمون الذيل و نقوله في كتبهم المعدة لنقل الأحاديث، و بالجملة تمسك القائلين باستثناء ما أنبته الإنسان و غرسه برواية حريز يدل على انّ الرواية صدرت مع الذيل و لو بالالتزام بان حريز رواها عن الإمام تارة مع الذيل و اخرى بدونه و احتمال اتحادهما و استبعاد كونها روايتين ليس الا استبعادا محضا و احتمالا أو ظنا، و ان الظنّ لا يغني من الحق شيئا، فعلى هذا يكون كل ما زرعه الإنسان و غرسه و أنبته مستثنى من العموم و يجوز قطعه و قلعه.

ثم ان الاستثناء في قوله عليه السّلام الا ما أنبتته أنت، بناء على ثبوت الزيادة متصل أو منقطع فكل محتمل.

ان قلنا ان الظاهر من قوله عليه السّلام(كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام) ما ينبت بنفسه طبيعيا من دون ان يغرسه آدمي أو يزرعه، فالاستثناء منقطع و لا يشمل العموم ما أنبته آدمي و غرسه و لو لم تثبت الزيادة أصلا.

و اما لو قلنا ان كل شي ء ينبت في الحرم ليس ظاهرا فيما نبت بنفسه طبيعيا و لا يختص به بل يشمله و ما أنبته الإنسان فالاستثناء متصل و لا بدّ من إثبات الزيادة في الرواية و الا يحرم كل نبات سواء غرسه آدمي أولا.

فرع

بعد البناء على ثبوت الزيادة في الرواية و ان الاستثناء ايضا متصل، يقع البحث في ان جواز القطع هل يختص بالغارس و المنبت فقط، أو يجوز لغيره ايضا ان يقطع و يقلع ما أنبته إنسان آخر غاية الأمر انه ان كان ذلك باذنه لا ضمان عليه و لا حرمة و لا كفارة و الا فعليه الضمان فقط.

الظاهر ان شمول الدليل لغير من أنبت و غرس مشكل بل يختص الجواز بالذي أنبت كما في قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ إذ لا يفهم منه الا حلية الأكل للمتراضيين و بعبارة أخرى حلية الأكل

ص: 283

الذي يفهم من هذا الدليل تختص بالمتراضيين الذين اتجرا و لا يتعدى منهما الى غيرهما كما لو قيل اقطع ما في منزلك إذ لا يفهم منه الا جواز القطع لصاحب المنزل لا غيره إذا ورد منزله و عند الشك يؤخذ بالقدر المتيقن خروجه من عموم العام و هو الغارس و شخص المنبت لا غيرهما، و لا فرق فيما أنبت بين ما من شأنه أن ينبته الأدمي و غيره بل يشمل ما يخرج مع ذرعه الذي أنبته. فرع قد ورد في النصوص جواز قطع الشجر إذا كان داخلا على البيت فهل المراد من دخول الشجر و وروده كون الأصل في البيت أو يكفي دخول الغصن في جواز قطعه أو لا يكفى ذلك لان الأصل كان خارج البيت ثم دخل البيت غصن منه المتبع في المقام النصوص الواردة في المسئلة.

فمنها رواية حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد اللّه(ع) عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم فقال ان كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبنى الدار أو يتخذ المضرب فليس له ان يقلعها و ان كانت طرية عليه فله قلعها (1) ظاهر هذه الرواية ان أصل الشجرة إذا كانت قبل بناء الدار لا يجوز قلعها و اما إذا طرأت عليه و وجدت بعده فلا و اما النص و دخوله بعده فلا يستفاد من الرواية و لا يكفي في رفع اليد عن العموم الدال على حرمة قطع نبات الحرم و أصرح من هذه روايته الأخرى و فيها ان بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له ان يقلعها و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها (2) و في رواية إسحاق بن يزيد المتقدمة عن ابى جعفر عليه السّلام سأله عن الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها قال: اقطع ما كان داخلا عليك و لا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك (3) هل المراد من الشجرة الداخل أصله و تمامه بان يكون في الدار قبل ان يسكنها المحرم أو يبنيها، أو أعم منه و من الأغصان الداخلة عليه في البيت فكل واحد


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 6

ص: 284

منهما محتمل.

فان كان المفاد هو الثاني فيجوز قطع ما دخل البيت و يراد من الدخول معنى جامع شامل لكليهما بخلاف الأول.

و من المستثنيات قلع شجر الفواكه و الإذخر و النخل و عودي المحالة كما في الشرائع و ادعى في الجواهر عدم الخلاف في الثلاثة الأول و في عودي المحالة على رواية على ما في كلام المحقق.

و عن التهذيب و الجامع الفتوى بها بل تبعها غير واحد من المتأخرين و لكن الرواية فيها جهل و إرسال و لا جابر لها على وجه يعتد أو يخص بها ما سمعت من العموم و اما الإذخر و شجر الفواكه ففيها روايات:

منها رواية عبد الكريم عمن ذكره عن ابى عبد اللّه قال لا ينزع من شجر مكة إلا النخل و شجر الفاكهة (1) و رواية سليمان بن خالد عن ابى عبد اللّه ايضا انه قال لا ينزع من شجر مكة شي ء الا النخل و شجر الفاكهة (2) و في حديث فتح مكة قال رسول اللّه ان اللّه عز و جلّ حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض و لا يختلى خلاها و لا يعضد شجرها و لا ينفر صيدها و لا يلتقط لقطتها الا لمنشد فقام اليه العباس بن عبد المطلب فقال يا رسول اللّه الا إلا ذخر فإنه للقبر و لسقوف بيوتنا فسكت رسول اللّه ساعة و ندم العباس على ما قال ثم قال رسول- اللّه الا الإذخر (3) ثم انه استثنى في كلام الفقهاء من عموم الحرمة رعى الإبل من نبات الحرم، و هو مردد بين التخصيص و التخصص من أجل ان دليل حرمة قطع الشجران شمل


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 9.
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 1.
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 88 من تروك الإحرام الحديث 4.

ص: 285

القطع بالرعي و التسبيب فجواز رعى الإبل تخصيص من العموم و اما لو كان مفاد رواية حريز المتقدمة حرمة القطع على المحرم نفسه لا القطع برعي الإبل فهي في مقام بيان ان هذا الفرد ليس من مصاديق العام و لا يشمله الحكم.

قال صاحب الجواهر قدس سره لا بأس ان يترك المحرم فضلا عن غيره ابله ترعى الإبل في الحشيش مثلا و ان حرم عليه قطعه للأصل، بعد عدم تناول النصوص لذلك و السيرة القطعية التي هي فوق الإجماع، و صحيح حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: تخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء (1) عن محمد بن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه عن النبت الذي في أرض الحرم ا ينزع فقال: اما شي ء تأكله الإبل فليس به بأس ان تنزعه (2) اما الاستدلال بالأصل فإنما يصح إذا لم يشمل الدليل الأوّل للمورد إذ بعد شمول عموم رواية حريز(كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس) لرعي الإبل يعلم ان تخلية الإبل لقطع نبات الحرم خلاف الاحترام و مناف لحرمة الحرم و عمدة الأدلة في المقام هي السيرة المستمرة كما عبر صاحب الجواهر لوضوح ان عمل المسلمين من زماننا الى زمان الرسول صلّى اللّه عليه و آله على عدم منع الناس دوابهم من الإبل و غيره عن أكل نبات الحرم و لأجل ذا لم يتعرض صاحب الشرائع للمسئلة أصلا و لعل نظره الى ما أشار إليه في الجواهر من عدم تناول الحكم له من الأصل لما ذكر.

فرع

بعد الفراغ عن جواز ترك الإبل و تخليته للرعي فهل يجوز للمحرم ان يقطع النبات و الشجر له، أم اللازم ان لا يتصدى ذلك بنفسه بل يخلى الإبل فقط و يتركه للرعي فيقطع و يأكل وجهان و في المدارك لو قيل بجواز نزع الحشيش للإبل لم يكن بعيدا للأصل و


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 89 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 89 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 286

صحيح جميل و محمد بن حمران.

و عن الإسكافي لا اختار الرعي لان البعير ربما جذب النبت من أصله فأما ما حصده الإنسان و بقي أصله فلا بأس.

و عقد صاحب الوسائل قدس سره بابا في المسئلة و لم يذكر فيه الا روايتين أحدهما ما رواه حريز بن عبد اللّه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال تخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء (1) و محمد بن حمران قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النبت الذي في أرض الحرم أ ينزع قال اما شي ء تأكله الإبل فليس به بأس ان تنزعه (2) و اما الرواية فتدل على جواز ترك الإبل صريحا و بها يرد قول الإسكافي بعدم اختيار الرعي.

و اما الرواية الثانية فإن كان الضمير في قوله ان تنزعه راجعا إلى السائل و يكون هو المخاطب، على ان يكون الفعل فعل خطاب مذكر، فتدل الرواية ايضا على جواز قطع النبات و نزعه لتعليف الإبل و غيره و اما إذا كان تنزعه فعلا غائبا مؤنثا يرجع الضمير فيه الى الإبل فلا تدل الا على جواز نزع الإبل نبات الحرم إذا خلى و ترك، و لا يستفاد منه جواز القطع بالنسبة إلى الإنسان و صاحب الإبل.

و بعبارة اخرى انه لو استفيد من الرواية انه لا حرمة لذاك النبات فلا يفرق في جواز القطع بين الإنسان و غيره و اما لو قلنا ان حرمة نبات الحرم لم يثبت بالنسبة إلى الحيوان فلا يستفاد منه رفع الحرمة مطلقا حتى من الإنسان.

تحقيق أصولي
اشارة

لو ورد عام يدل على حكم تحريمي أو غيره ثم وردت مخصصات عديدة أو تقييدات فان كان كل واحد من المخصصات مباينا لغيره يرد جميع التخصيصات


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 89 من كفارات الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 89 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 287

على العام في عرض واحد كما في التخصيص بشجر الفواكه و النخل و اما لو كان كل واحد من المخصص عاما و أمكن تقييد بعض ببعض آخر فهل يرد التخصيص هنا ايضا على العام في عرض واحد أو يقيد بعض المخصصات ببعضها الأخر ثم يرد التخصيص على العموم مثلا لو دل دليل على حرمة نبات الحرم بقوله عليه السّلام كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين ثم ورد التخصيص بما ينبت في منزله بقوله عليه السّلام و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها و كذا ورد التخصيص بشجر الفواكه و النخل و الإذخر و بما أنبته المحرم و غرسه، فحينئذ هل يخصص قوله عليه السّلام فهو حرام على الناس أجمعين بكل واحد من مضامين المخصصات و يخرج كل واحد منها عن العموم سواء كان شجر الفواكه أو الإذخر في المنزل أم لا و سواء كان مما أنبته و غرسه أم لا.

أو يمكن ان يقال ان جميع المخصصات المطلقة يتقيد بالأخص مضمونا منها فيتقيد شجر الفواكه و الإذخر و ما أنبته بكونها في المنزل إذا كان أخص من الجميع أو يتقيد الجميع بكونه مما أنبت.

و الظاهر ان شمول الخاص و ظهور إطلاق المخصص في جميع المصاديق مطلقا أقوى من ظهور العام الدال على الحرمة، مثلا لو قال أكرم العلماء ثم قال لا تكرم زيدا يكون إطلاق المخصص و شموله لزيد حال القيام و القعود أقوى من ظهور العام فيه فلا يتقيد المخصص بحال دون حال و فيما نحن فيه ايضا كذلك فلا يتقيد إطلاق الفواكه و الإذخر بكونه في المنزل أو غير ذلك.

نعم قد يقال ان الاستثناء بإلا يفيد الحصر و يؤكد ظهور العام في غير الخارج لكنه انما يصح لو قال مثلا أكرم العلماء الا زيدا ثم قال الا عمرا بخلاف ما لو ورد مخصص مطلق و آخر مقيد يمكن تقييد الأول بالثاني و يمكن تخصيص كل واحد منهما العام الأول كما في المقام.(1)


1- لا يخفى ان المخصص في المقام ايضا مثل الأول أي مثل أكرم العلماء الا زيدا و الا عمر و كقوله إلا الإذخر و في رواية إلا النخل و شجر الفاكهة و في أخرى إلا ما أنبتته أنت نعم بعض المخصص ورد بغير الاستثناء بإلا و لعل نظر الأستاذ مد ظله العالي ذاك البعض

ص: 288

و استثنى من عموم الحرمة الإذخر و عودي المحالة و عودي الناضح كما أشير اليه.

اما الإذخر بكسر الهمزة و الخاء نبات معروف عريض الأوراق طيب الرائحة يسقف به البيوت يحرقه الحداد بدل الحطب و الفحم قاله الطريحي.

و المحالة بفتح الميم هي البكرة العظيمة التي يستقى بها و في المجمع قال الأصمعي: ان كانت البكرة على ركيّة متوح فهي بكرة و ان كانت على ركيّة حرور فهي محالة يقال متح الدلو يمتحها متحا إذا جذبها مستسقيا لها الماتح المستسقى من البئر من أعلاها و بالياء الذي يكون في أسفل البئر يملأ الدلو.

قال صاحب الجواهر يجوز قطع الإذخر و النخل بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد بل عن المنتهى و التذكرة الإجماع عليه و هو الحجة انتهى.

و تدل على جواز قطع الإذخر صحيحة زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول حرم اللّه حرمه بريدا في بريد ان يختلى خلاه أو يعضد شجره الا الإذخر أو يصاد طيره و حرّم رسول اللّه المدينة ما بين لابتيها صيدها و حرم ما حولها بريدا في بريد ان يختلى خلاها و يعضد شجرها إلا عودي الناضح. (1) عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال قال رسول اللّه الا ان اللّه عز و جل قد حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض و هي حرام بحرام اللّه الى يوم القيامة لا ينفر صيدها و لا يعضد شجرها و لا يختلا خلاها و لا تحل لقطتها الا لمنشد فقال العباس:

يا رسول اللّه الا الإذخر فإنه للقبر و البيوت فقال رسول اللّه الا الإذخر (2) و في حديث آخر فإنه للقبر و لسقوف بيوتنا و في ثالث لصاغتنا و قبورنا و في


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 88 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 289

رابع لقينهم و لبيوتهم فقال رسول اللّه الا الإذخر (1) و اما عودي المحالة و الناضح ان كان متحدا فيدل على جواز قطعه رواية زرارة عن ابى جعفر قال رخص رسول اللّه قطع عودي المحالة و هي البكرة التي يستقى بها من شجر الحرم و الإذخر (2) و يمكن ان يستدل على جواز قطع عودي الناضح بناء على عدم اتحاده مع المحالة بما روى عن زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام في حديث حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها و حرّم ما حولها بريدا في بريد ان يختلى خلاها و يعضد شجرها إلا عودي الناضح (3) الرواية و إن كانت في نبات حرم المدينة الا انه بعدم القول بالفصل بين حرم المدينة و مكة بالنسبة الى ذلك تدل على جواز القطع في نبات حرم مكة و اما استثناء عصا الراعي فقد ورد في رواية دعائم الإسلام التي لا يصح الاعتماد عليها إذا كان متفردا في نقلها و ان كان الاحتياط تركها كما ان الاحتياط في قطع عودي المحالة الاقتصار على خصوص البكرة العظيمة

فرع

هل المستفاد من أدلة حرمة قطع نبات الحرم انه حرام مطلقا حتى بعد القطع و الكسر و اليبس فلازم ذلك ان لا يجوز لأحد ان يتملكه و اما لو قيل ان نبات الحرم حرام قطعه ما دام قائما على الأصل و متصلا به و اما بعد القطع و الكسر فلا يشمله دليل الحرمة فيأتي البحث في انه هل يجوز تملكه أم لا و الظاهر عدم المنع منه بل هو كسائر المباحات الأولية


1- مسند احمد الجزء 4 ص 75- و 321
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 87 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 290

في حكم لبس السلاح حال الإحرام

المشهور ان المحرم يحرم عليه لبس السلاح من دون ضرورة و قيل بالكراهة و هو مختار المحقق في الشرائع.

و قال صاحب الجواهر لم تعرف القائل قبل المصنف انه يكره نعم هو خيرة الفاضل عن جملة من كتبه و تبعهما غيرهما.

و البحث في المقام تارة في لبس السلاح و اخرى في حمله و الإشهار به اما الأول فلبس كل شي ء بحسبه مثلا الدرع يلبس كالقميص و السيف يعلق و يقال لبس السيف كما يقال لبس الخاتم و مثله الإشهار للسيف و حمله و لو كان مستورا و خفيا اما الحمل للسيف ظاهرا كان أو مخفيا فالقول بالحرمة فيه نادر و المشهور فيه الكراهة و قال بعض بالحرمة إذا كان السلاح ظاهرا و منشأ الخلاف النصوص الواردة في المسئلة في حمل السلاح و لبسه و إشهاره.

منها رواية عبيد اللّه بن على الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: ان المحرم إذا خاف

ص: 291

العدو و يلبس السلاح فلا كفارة عليه (1) و المستفاد من المفهوم في الرواية ان المحرم إذا لم يخف العدو و لبس السلاح فعليه الكفارة الملازمة للحرمة.

و أورد على الاستدلال بان القول بوجوب الكفارة في لبس السلاح نادر حتى ان القائلين بحرمته لم يقولوا بوجوب الكفارة و صرحوا بعدمها و لأجل ذا حملوا الرواية على ما يوجب لبسه تغطية الرأس كالمغفر أو على لبس الدرع الذي يشبه بالقميص المحرم لبسه و قد سمعت ان بعض الحجاج من المسلمين يشقون ثوب الإحرام من الوسط و يلقونه على أعناقهم زعما بأنه ليس بمخيط و غفلوا عن انه يشبه بالقميص المحرم لبسه و عليه يجب على العلماء و الطلاب الذين يحجون ان يرشدوا هؤلاء الجهال ان ساعدت الحكومة و لم يأتوا بدين جديد و نبىّ جديد.

و رواية عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ يحمل السلاح المحرم فقال إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح. (2) و الرواية لا يورد عليها ما أورد على الرواية الاولى من ثبوت الكفارة و لكن الكلام في ان السائل سئل الإمام عليه السّلام عن حمل السلاح مطلقا و أجاب الإمام بجواز اللبس إذا خاف عدوا أو سرقا فهل لهذا الشرط مفهوم معتبر يدل على نفى الحكم عند انتفاء القيد أم لا.

نقل صاحب المدارك عن المنتهى انه لو كان هناك مفهوم فهو مفهوم الخطاب الذي هو ضعيف في دلالته و لهذا حملها بعض على الكراهة.

قد يقال في حجية المفهوم ان القيد المذكور في كلام الحكيم المتكلم المريد للتفهيم إذا لم يكن له فائدة إلا انتفاء الحكم المجعول في كلامه عند انتفاء القيد يكون مفهومه حجة و دليلا كمنطوقه فلا بد في المقام من التأمل في ان القيد المذكور


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 54 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 54 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 292

(إذا خاف المحرم عدوا) هل له فائدة غير انتفاء الحكم عند انتفائه أم لا و على الأول لا يتحقق المفهوم بل انما ذكر القيد لأمر آخر قال العلامة في المنتهى ان فائدة القيد في رواية ابن سنان بيان الحاجة الى لبس السلاح و الداعي إليه نظير ما لو قيل إذا رزقت ولدا فاختنه إذ لو لم يرزق ولدا لا يتحقق موضوع الختان و ينتفي الحكم بانتفاء موضوعه فان لبس السلاح و حمله انما يكون فيما إذا خاف من عدو أو سرق إذ لو لا الخوف و الوحشة من أمر لا يحتاج الشخص الى لبس السلاح و حمله، و لا داعي له اليه و ان كان الموضوع ممكنا عقلا و طبعا و يفارق قول القائل إذا رزقت ولدا فاختنه لانتفاء الموضوع هناك حقيقة عند عدم الولد، و انتفائه هنا عادة لا عقلا، فالتقييد في المقام انما ذكر لبيان الحاجة الى لبس السلاح و حمله و الداعي إليه غالبا نظير القيد الوارد مورد الغالب فلا تدل الرواية على حرمة لبس السلاح عند عدم الخوف.(1) و لكن المشهور حملوا الرواية على الكراهة و الخوف على الخوف النوعي فإن حمل السلاح في الأزمنة السالفة كان من المتعارف بين الناس و الخوف النوعي أيضا محققا.

ثم ان السائل سئل عن حكم حمل السلاح كما أشير اليه و أجاب الإمام عليه السّلام عن اللبس و لم يجب عن حكم الحمل أصلا و يعلم من ذلك ان حمله لم يكن به بأس و لا اشكال فيه كما في رواية أخرى.

و مثلها رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال لا بأس بأن يحرم الرجل و عليه سلاحه إذا خاف العدو. (2)


1- خلافا لصاحب الجواهر حيث قال ان هذه الدعوى كما ترى لا تستاهل جوابا ضرورة عدم اندفاع الظهور بمثل هذا الاحتمال خصوصا بعد فهم المشهور فالأصح حينئذ الحرمة.
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 12 من كفارات الإحرام الحديث 5

ص: 293

و لا يخفى ظهور كلمة و عليه سلاحه في اللبس اما بعد الإحرام، أو يحرم و عليه السلاح فكل منهما محتمل، و اما المفهوم المستفاد منها فهو مثل ما تقدم في الرواية السابقة، من ان القيد انما هو لبيان الحاجة و الداعي، و لكن الإنصاف أن التعابير الواردة في النصوص و التقييد بالخوف ظاهرة في دخالة القيد في الحكم، و انه إذا لم يخف العدو لا يجوز له لبس السلاح.

و اما حمل السلاح على وجه لا يعد متسلحا به فالقول بحرمته نادر كما ادعاه صاحب الجواهر و وردت روايات يمكن حملها على الكراهة بل لا يختص بالمحرم و الحرم.

و اما الاشتهار بالسلاح فان ثبت انه حرام فيعم المحرم و غيره و كذا الكراهة.

عن أمير المؤمنين عليه السّلام في خبر الاربعمأة المروي في الخصال: لا تخرجوا بالسيوف الى الحرم (1) عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام لا ينبغي ان يدخل الحرم بسلاح الا ان يدخله في جوالق أو يغيبه يعنى يلف على الحديد شيئا (2) عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يريد مكة أو المدينة يكره ان يخرج معه بالسلاح فقال: لا بأس بأن يخرج بالسلاح من بلده و لكن إذا دخل مكة لم يظهره (3) و ظاهر الرواية الأخيرة حرمة اشتهار السيف و إظهاره كما عن الحلبيين و لكن لا يختص بالمحرم بل يعمه و غيره و لكن النصوص حملت على الكراهة بقرينة لا ينبغي المذكور في خبر حريز و أعراض المشهور عن الإفتاء بالحرمة و الاحتياط الترك في الجميع.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 25 من مقدمات الطواف الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 25 من مقدمات الطواف الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 25 من مقدمات الطواف الحديث 2

ص: 294

في تغسيل المحرم بالكافور

اشارة

يحرم تغسيل المحرم بالكافور لو مات قبل الطواف هذا الحكم من خصائص المحرم بالنسبة إلى حكم الإحياء إذ يحرم عليهم تغسيله بالكافور و اما الميت فلا تكليف عليه محرما كان أو غير محرم.

لا خلاف في أصل الحكم و ادعى عليه الإجماع مضافا الى النصوص المستفيضة الواردة في كتاب الطهارة في تغسيل الميت و في المقام.

منها رواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام عن المحرم إذا مات كيف يصنع به قال يغطى وجهه و يصنع به كما يصنع بالحلال غير انه لا يقربه طيبا (1) و عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن المرأة المحرمة تموت و هي طامث، قال لا تمس الطيب و ان كن معها نسوة حلال. (2) و عن سماعة قال سألته عن المحرم يموت فقال يغسل و يكفن بالثياب كلها


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 83 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 13 من غسل الميت الحديث 9

ص: 295

و يغطى وجهه و يصنع به كما يصنع بالمحل غير انه لا يمس الطيب. (1) و عن ابن أبي حمزة عن ابى الحسن في المحرم يموت قال يغسل و يكفن و يغطى وجهه و لا يحنط و لا يمس شيئا من الطيب. (2) و رواية عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يموت كيف يصنع به فحدثني ان عبد الرحمن بن الحسن بن على مات بالأبواء مع الحسين ابن على عليهما السّلام و هو محرم و مع الحسين عبد اللّه بن العباس و عبد اللّه بن جعفر فصنع به كما صنع بالميت و غطّى وجهه و لم يمسه طيبا قال و ذلك في كتاب على. (3) و المذكور في النصوص كما ترى عدم جواز مس الطيب للمحرم الذي مات مطلقا لكن العلماء تعرضوا للكافور و الحنوط فقط مع ان في الكافور بحث في انه من الطيب أم لا لعدم ذكره في الرواية التي تدل على حصر الطيب في أربع، و لكن تقدم هناك ان الظاهر من الاخبار ان الكافور في الأزمنة السابقة كان بعد من الطيب المتعارف المعمول بين الناس و انه كان منهيا عنه حال الإحرام فعلى هذا تشمله تلك النصوص الدالة على عدم جواز مس الطيب من المحرم الذي يموت.

هذا بالنسبة إلى الكافور الذي تسالم عليه الفقهاء و لكن لم يذكروا غيره من الطيب و لعل الوجه في اختصاصهم الكافور بالذكر دون غيره ان ما هو المبتلى به في تغسيل الميت و أحكامه الكافور و تحنيط الميت به، و اما غيره من أنواع الطيب فلم يكن موردا للابتلاء حين التغسيل، فالتصريح بان المحرم الذي يموت لا يغسل بالكافور انما هو لبيان تخصيص الأدلة الدالة على وجوب تغسيل الميت بالكافور، و الإشارة الى ذلك، و اما غير التغسيل بالكافور فهو كغير المحرم


1- وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 13 من غسل الميت الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 13 من غسل الميت الحديث 6
3- وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 13 من غسل الميت الحديث 3

ص: 296

في جميع الأحكام مثل التغطية للوجه و التكفين بالأثواب و لو لا ذلك الوجه كان الأنسب كما في النصوص ذكر الطيب مطلقا لا الكافور فقط.

و على كل حال الطيب الذي كان حراما على المحرم لا يقرب اليه بعد الموت و اما الطيب الذي كان مباحا له كخلوق الكعبة فهل يجوز مسه من المحرم بعد موته أم لا، الظاهر ان الالتزام بجواز تقريبه منه مشكل، فان الاحتراز عن خلوق الكعبة حين الطواف لما كان متعسرا على المحرم أجاز الشرع مسه، و لم يوجب التحرز عنه، و هذا غير متحقق في الميّت، إذ لا عسر و لا مشقة في عدم تقريبه منه نعم لا يبعد ان يقال إذا تطيب ثوب الإحرام بخلوق الكعبة حين الطواف يجوز كفن المحرم به إذا مات و لكنه ايضا مشكل لما أشير اليه.

و يمكن ان يقال ان التطيب بخلوق الكعبة كان مباحا للمحرم و لم يكن ممنوعا عنه بل كان مستثنى من العموم الدال على حرمة الطيب الا ان هذا الحكم كان حال حياته و كونه مكلفا، و المحرم بعد الموت لا تكليف له، و لكن الأحياء يعلمون ان تقريب الطيب الى المحرم بعد الموت غير جائز، و يشكون في خلوق الكعبة و مسه للميت هل هو حرام أم لا؟ فالأصل البراءة.

فرع:

الظاهر انه بعد عدم جواز التغسيل للمحرم بالكافور شرعا فهل هو بمنزلة التعذر العقلي و عدم وجدان الكافور في انه يجب تغسيله بالماء القراح ثلثا لتعذر الامتثال في أحد الأغسال الثّلاثة و لا يكون رافعا للحدث و لا يمنع عن وجوب غسل مس الميت إذا مسه الحي، أو ليس الأمر كذلك بل الغسل تام و رافع للحدث و لا يوجب المس الغسل بعد التغسيل من دون كافور، لان الشرع إذا أمر بعدم تقريب الكافور منه و وجوب التغسيل بالسّدر و الماء القراح يعلم ان التكليف الشرعي في حق المحرم إذا مات قبل الفراغ عن العمل ليس الا ذاك، و لا يصح غيره كالحاضر و المسافر فكأنّ المعنى يجب تغسيل كل ميت بالكافور و السدر و الماء القراح الا المحرم فيكفي التغسيل بالسدر و الماء القراح عن ثلاثة أغسال.

الظاهر ان التغسيل من غير كافور في المقام نظير الأغسال ثلاثة التامة عند

ص: 297

التمكن في حصول الطهارة و عدم إيجاب الغسل للمس بعده فان التزاحم و التعذر من امتثال التكليفين قد يكون من جهة التزاحم الطبيعي و العقلي فيرفع اليد عن أحد المتزاحمين و يقدم الأهم منهما و ان كانت المصلحة الملزمة في غيره أيضا موجودة الا ان عدم القدرة على الامتثال صار سببا لتفويت مصلحة غير الأهم من دون جعل حكم ظاهري فيهما، و يأتي بحث الترتب هنا إذا ترك الأهم و اتى بالمهم، بخلاف ما لو كان التعذر شرعيا، و جعل الشرع في صورد التزاحم حكما مستقلا آخر كما في المقام فإنه اكتفى في تغسيل المحرم بغير الكافور و لم ير له مصلحة في حق المحرم، و لا مجال لبحث الترتب حينئذ و لا يصح التغسيل بالكافور لو خالف و عصى لانحصار الحكم هنا في الماء القراح بل يجب إزالته ثم التغسيل بالماء إذ كما يحرم الطيب إحداثا يحرم ادامة كما في المحرم الحيّ، نعم لو غسل بالكافور و كفن و دفن فهل يجب نبش القبر ثم التغسيل بالماء فمورد للإشكال.

ص: 298

في مكروهات الإحرام

اشارة

و هي عشرة على ما ذكره في الشرائع و قد تقدمت الإشارة إليه في الجزء الأول إجمالا و نتعرض لها هنا تفصيلا إنشاء اللّه.

أولهاالإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد

كما في الكتب الفقهية، فهل المراد ان الإحرام بالثوب المصبوغ بالسواد مكروه أو الكراهة تختص بالسواد و ان لم يكن بالصبغ بان كان الثوب اسود من الأصل كما إذا نسج من الصوف السواد و الوبر كذلك.

قال بعض ان المكروه هو الأسود و ان لم يكن بالصبغ و لكن المحقق قدس سره عبر في الشرائع بالثياب المصبوغة و لعل نظره الى ان السواد بالصبغ أحد مصاديق السواد لا انه موضوع للحكم فقط دون غيره.

و نقل عن المبسوط و النهاية و الخلاف و الوسيلة عدم جواز الإحرام فيه و لكن صاحب الجواهر أورد عليه و قال فيه واضح الضعف أو محمول على الكراهة كما عن ابن إدريس حمله على ذلك و مستند القول بالحرمة رواية الحسين بن المختار

ص: 299

المعبر عنها بالموثقة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يحرم الرجل بالثوب الأسود قال:

لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفن به الميت (1) تمسك الشيخ بظاهر الرواية و حمل لا على النهى الدال على الحرمة كما هو الظاهر من النهى و حمل صاحب الجواهر النهى على الكراهة بقرينة التكفين المجمع على جوازه في الثوب الأسود و قال هو في نفسه غير صالح لإثبات الحرمة فضلا عن ان يخصص به ما دل على جواز الإحرام في كل ثوب يصلى فيه مع الإجماع بقسميه على جواز الصلاة في الثياب السود انتهى.

و أيد الجواهر نظره في ظهور النهى الوارد في الموثق في الكراهة، بالنهي عن لبس السواد و انه لباس فرعون و بما روى عن الصادق عليه السّلام قال يكره السواد إلا في ثلاثة الخف و العمامة و الكساء (2) و التحقيق في المقام كما هو مقتضى الصناعة العلمية انه لا يصح رفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة بما ذكره في الجواهر لان مجرد المقابلة بين الإحرام و التكفين لا يوجب صرف النهى عن ظهوره في الحرمة فيها نعم لو ورد دليل على كراهة أحد المتقابلين يرفع اليد عن ظهوره فيه فقط كما لو قيل اغتسل للجمعة و الجنابة إذ لا ينكر ظهور الأمر في الوجوب و لكن نرفع اليد عن وجوب الغسل يوم الجمعة بدليل آخر يدل على استحبابه و اما تخصيص العام الدال على جواز الإحرام في كل ما يجوز الصلاة فيه و الثّوب الأسود مما يجوز الصلاة فيه و يصح فلا اشكال و لا مانع من التخصيص له إذا ثبت ان النهى الوارد في الخبر ظاهر في تحريم الإحرام بالثياب المصبوغة بالسواد كغيره من العمومات التي يرد عليها التخصيص.

و اما الإجماع على جواز الصلاة في الثياب السود و انّ كل ثوب تصلى فيه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 26 من أبواب الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 19 من أبواب لباس المصلى الحديث 1

ص: 300

فلا بأس ان تحرم فيه كما ورد في الرواية فيقبل في الصلاة فقط و لا اشكال فيه بقسميه أي الإجماع و لكن لم يتحقق ذلك الإجماع في الإحرام بل هو أول الكلام فإذا لا مانع من حمل النهى الوارد في موثق الحسين بن المختار على ما هو الظاهر فيه و هو التحريم لا الكراهة.

و سلك صاحب المستند في حمل النهى على الكراهة طريقا غير ما اختاره صاحب الجواهر فإنه بعد ما ذكر انه يكره الإحرام في الثياب الوسخة قال و في الثياب السود لرواية الحسين القاصرة عن إفادة الحرمة للجملة الخبرية.

و لعل نظره قدس سره الى ان قوله لا يحرم في الثوب الأسود جملة نافية لا ناهية و الجملة النافية الخبرية لا تفيد الحرمة كالنهي و لا الوجوب كالأمر إذا كانت موجبة قد يقال ان الجملة الخبرية آكد في الوجوب و الحرمة من صيغة الأمر و النهى خلافا لصاحب المستند فان المتكلم يبعث المأمور بصيغة الأمر إلى إيجاد الفعل في الخارج و يزجره عن الفعل بالنهي عنه و اما الجملة الخبرية المستعملة في مقام الأمر فكأنّ المتكلم يرى المأمور به متحققا في الخارج و الامتثال واقعا و في النهي أيضا كذلك بمعنى انه في مقام النهى عن شي ء يخبر بعدم وقوعه في الخارج بالتزام العبد ترك المنهي عنه و انه لا يخالف مولاه فيما نهاه عنه و لذا عبر عن النهي بالجملة الخبرية اشعارا بما ذكر و قوله لا يحرم في الثوب الأسود من هذا القبيل لو كان نفيا مع احتمال كونه نهيا ظاهرا في الحرمة، مضافا الى ان أصل البحث انما يجرى في افعل بصيغة الأمر و يفعل على نحو الاخبار و لا يجري في النهي بصيغته و الجملة الخبرية النافية، على ان الظاهر من سؤال السائل في الرواية أ يحرم الرجل بالثوب الأسود و جواب الامام عليه السّلام لا يحرم في الثوب الأسود هو النهى الدال على الحرمة صريحا، و لا ظهور في كون الجملة خبرية حتى يشكل فيه بما ذكر في المستند اللهم الّا ان يقال انها مرددة بين النهى و الخبر فلا يدل على الحرمة جزما لعدم الدلالة على الحرمة بناء على الخبرية على مذاق صاحب المستند و لكن

ص: 301

يدل على أصل المرجوحية و ان كان المتراءى من كلامه غير ما ذكرناه، فإنه يستفيد النفي بقرينة السؤال هذا غاية تقريب كلامه في عدم دلالة الرواية على التحريم و هو غير تام.

نعم يمكن ان يقال ان ما يضعف دلالتها على الحرمة ان المشهور ما أفتوا بها فهي معرض عنها بحسب الفتوى، و اما ما يظهر من الشيخ و صاحب الوسيلة من القول بالحرمة فلا يجبر الضعف و لا يزيد قوة فيها مضافا الى ما في الجواهر من احتمال حمل عبارتهما على الكراهة و إمكان ذلك في كلامهما حيث عبّرا بعدم الجواز القابل للحمل عليها.

و يرد عليه ان المشهور من الفقهاء لم يعرضوا عن الرواية لضعف في سندها حتى يوجب و هنا فيها، بل أفتوا على طبقها بما استفادوا منها من الكراهة بقرينة المقابلة للتكفين بالثياب السود، على ما ادى اليه نظرهم و ساق اليه فهمهم و ألزمهم عليه رأيهم، و لا يضر ذلك و لا يمنع عن العمل بها و الفتوى بالحرمة لو تمت الدلالة في نظر غيرهم و رأيهم و فهمهم.

اللهم ان يقال ان السلف من فقهائنا و المشهور منهم قدس اللّه أسرارهم كانوا ذوي علم و دراية و دقة بل كانوا أكثر دقة و جودة منا مع تبحرهم في العربية و الأدبية، فإذا لم يفهموا من الرواية إلا الكراهة يكشف به انها كانت محفوفة بقرينة أو ملفوفة بضميمة تفيد الكراهة و تمنع النهى عن ظاهره و صرفه عما يتبادر منه، لأن خطأ الجميع في فهم الرواية بعيد و عدم التوجه الى ما هو الظاهر من النهي أبعد، و يوجد نظير ذلك في فقهنا كثيرا كما في الإرغام في السجدة.

فقد روى عن على عليه السّلام لا تجزى صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين (1) و عن ابى عبد اللّه عليه السّلام لا صلاة لمن لم يصب انفه ما يصيب جبينه (2)


1- وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 4 من أبواب السجود الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 2 الباب 4 من أبواب السجود الحديث 4

ص: 302

و غيرهما من الروايات الظاهرة أو الصريحة في وجوب الإرغام لو لا أعراض المشهور عنها و إفتاء الفقهاء بالاستحباب و كلما قويت تلك الروايات ازدادت ضعفا لإعراض الأصحاب عنها بحيث لا يتمكن أحد من الإفتاء على ظاهرها، الا من كان جسورا في الفتوى، فان تخطئتهم في فهم ظاهر تلك الروايات بعيد غايته، مع كونهم أقرب الى زمان صدورها و اعرف بالأدبيات و غيرها و اتقى في التعبد بالشرع ثم انه لا مجال للتمسك بقاعدة التسامح في أدلة السنن في إثبات الكراهة في الإحرام بالثوب الأسود، لاختصاصها بالمستحبات و لا يمكن و لا يصح تسريتها الى المكروهات كما يشهد عليه قوله عليه السّلام من بلغه شي ء من الثواب.

نعم العلماء في طريقتهم في استنباط الأحكام الشرعية لشدة الاعتناء بالحرمة و الوجوب يلتزمون بوجود دليل معتبر قطعي يدل عليهما و لا يتسامحون في ذلك و لكنهم بالنسبة إلى الندب و الكراهة لا يتعبدون بهذه الدقة بل قد يتسامحون فيما يدل عليهما، حتى لو ثبت الاعراض عن الرواية من جهة السند، إذا لحكم بالمرجوحية و الكراهة في شي ء حيث انه لا إلزام فيه بل يجوز الارتكاب و الترك لا يحتاج الى الاهتمام التام، و الدقة الكاملة في المقام، فعلى هذا طرح شرط في رواية من شرائط الحجية، أولى من طرحها رأسا و كلا، مضافا الى ان القول بالكراهة في رواية الحسين بن مختار يوجب الجمع بين الروايات و لا يلزم التخصيص في العمومات أيضا، فإن رواية حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام تدل على جواز الإحرام في كل ما يجوز الصلاة فيه قال عليه السّلام كل ثوب تصلى فيه فلا بأس ان تحرم فيه (1) فهذه الرواية تدل على عدم البأس بالإحرام في كل ثوب أبيض أو أسود أو غيره و عدم البأس يجتمع مع الكراهة و الإباحة و الندب فلو حملت رواية الحسين بن مختار على الكراهة و لم تطرح من الأصل لحصل الجمع بينهما و يرتفع التعارض


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 27 من أبواب الإحرام الحديث 1

ص: 303

و لا يلزم التخصيص في عموم رواية حريز أيضا.

الثاني الثياب المصبوغة بالعصفر

اى شديد الحمرة أو الصفرة و قال في الجواهر هو شي ء معروف و شبهه مما يفيد الشهرة و لو زعفرانا أو ورسا بعد زوال ريحهما.

هل البحث في المقام و نظر العلماء فيه في نفس اللون المعصفر، أو من جهة بقاء اثر الطيب في الثوب بعد الصبغ، أو لأجل ان هذا اللون كان سببا للشهرة بين الحجاج لقلة لابسيه أو لأمر آخر، فعلى هذا هل يكره كل لون معصفرا و يكره كل لون يوجب الشهرة و ان لم يكن معصفرا فكل هذه توجد في كلمات القوم و النصوص، فالمهم نقل الأخبار المروية في المسئلة.

و منها خبر ابان بن تغلب قال سأل أخي أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل، ألبسه و انا محرم، قال: نعم، ليس العصفر من الطيب، و لكن أكره ان تلبس ما يشهرك بين الناس (1).

يعلم من هذه الرواية ان المصبوغ بالعصفر من جهة أصل اللون لا اشكال فيه و لكن لأجل كونه سببا للاشتهار بين الناس يكره لبسه، و لازم ذلك كراهة كل لون يكون سببا لذلك.

و رواية عامر بن جذاعة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام مصبغات الثياب يلبسها المحرم فقال لا بأس به، الا المفدم المشهور و القلادة المشهورة (2) و رواية عبد اللّه بن هلال قال سئل أبو عبد اللّه عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ألبسه و انا محرم قال: نعم، ليس العصفر من الطيب و لكن أكره ان تلبس ما يشهرك به الناس (3)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 304

و رواية على بن جعفر قال سألت أخي موسى بن جعفر عليه السّلام يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر فقال إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس (1).

المستفاد من رواية عبد اللّه بن هلال كرواية ابان ان الكراهة فيما يوجب لبسه شهرة بين الناس و اما رواية على بن جعفر تدل على عدم البأس إذا لم يكن فيه طيب و لكنه لا ينافي الكراهة لو دل دليل عليها لاجتماع نفى البأس مع الكراهة و لكن المستفاد من الروايات السابقة ان البأس في الثياب المعصفر من أجل الشهرة بين الناس لا لأجل اللون الخاص فان كان الثوب المصبوغ بالعصفر ملازما للشهرة دائما فلا مانع من القول بالكراهة فيه و ان كانت الشهرة حكمة للحكم لا علة له و اما إذا لم يكن ملازما لها بان كان لبس هذا النوع من الثياب غير شاذ بل متعارفا و معمولا بين الناس لا منكر أو لا مستهجنا فلا كراهة فيه و ان كان مشبعا بالعصفر هذا ما هو الظاهر من النصوص.

و اما كلمات الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم فقد عبروا بالعصفر فهل المراد مطلق العصفر أو المشبع منه.

ففي الجواهر بعد نقل خبري أبان و عبد اللّه بن هلال المتقدمتين انهما لا يدلان على مطلق الصبغ به بناء على عدم الشهرة إلا بالمشبع منه و نقل عن محكي المنتهى انه لا بأس بالمعصفر من الثياب و يكره إذا كان مشبعا ما عليه علمائنا و عن التذكرة و لا يكره إذا لم يكن مشبعا عند علمائنا.

و لكن التحقيق في المقام ان ما يستفاد من النصوص كراهة مطلق الثياب الملونة بالعصفر و لكنها تختلف شدة و ضعفا بسبب شدة اللون و ضعفه فبعضه مكروه شديدا كما إذا كان مشبعا و بعضه مكروه لا على هذا الحد و لعله يشير اليه ما في رواية أبان المتقدمة في قوله العصفر ليس من الطيب و لكن أكره ان تلبس ما يشهرك بين الناس و اما الشهرة التي جعلت حكمة لتشريع الكراهة في لبس الثياب المصبوغة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 305

بالعصفر، اما من جهة عدم كونه من اللباس المعمول بين الحجاج إذ المتعارف فيما بينهم عدم لبس المعصفر إلا شاذا و نادرا و لشذوذ هذا العمل لا ينفك اللابس به عن الشهرة بين الناس، و جلب التوجه عنهم اليه، أو من جهة العقيدة و التشيع، لاختصاص جواز لبس العصفر بالذين هم يعتقدون بمذهب أهل البيت، و يأخذون سنة الرسول عن اهله و أولاده عليهم السّلام، و اما غيرهم كأبي حنيفة و اتباعه و بعض الصحابة كانوا يرون الإحرام في الثوب الملون بدعة كما يظهر ذلك مما جرى بين أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السّلام و عمر بن الخطاب(1).

عن ابى بصير المرادي عن ابى جعفر عليه السّلام قال سمعته و هو يقول كان على عليه السّلام محرما و معه بعض صبيانه و عليه ثوبان مصبوغان فمرّ به عمر بن الخطاب، فقال يا أبا الحسن: ما هذان الثوبان المصبوغان، فقال عليه السّلام: ما نريد أحدا يعلّمنا السنة انما هما ثوبان صبغا بالمشق يعنى الطين. (2) عن العياشي في تفسيره عن ابى جعفر و ابى عبد اللّه عليهما السّلام قالا: حج عمر أول سنة حج و هو خليفة و كان على عليه السّلام قد حج تلك السنة بالحسن و الحسين و عبد اللّه بن


1- الحنفية قالوا يحرم لبس المصبوغ بالعصفر و الورس و الزعفران و نحو ذلك من أنواع الطيب إلا إذا غسل بحيث لا تظهر له رائحة فيجوز لبسه حال الإحرام المالكية قالوا المصبوغ بما له رائحة يحرم على المحرم و ذلك كالمصبوغ بالورس و الزعفران و اما المصبوغ بالعصفر فان كان صبغه قويا بان صبغ مرة بعد اخرى حرم لبسه ما لم يغسل و ان كان صبغه ضعيفا أو كان قويا و غسل فلا يحرم لبسه و انما يكره لبسه لمن كان له قدوة لغيره لئلا يكون وسيلة لان يلبس العوام ما يحرم و هو الطيب قالت الشافعية اما المصبوغ بما يقصد اللون دون الرائحة كالعصفر و الحناء فلبسه لا يحرم الحنابلة قالوا يحرم على المحرم لبس المصبوغ بالورس أو الزعفران و اما المصبوغ بالعصفر فيباح لبسه سواء كان الصبغ قويا أو ضعيفا.
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 42 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 306

جعفر قال فلمّا أحرم عبد اللّه لبس إزارا و رداء ممشقين مصبوغين بطين المشق ثم اتى فنظر اليه عمر و هو يلبى و عليه الإزار و الرداء و هو يسير الى جنب على، فقال عمر من خلفهم ما هذه البدعة التي في الحرم فالتفت اليه على عليه السّلام فقال يا عمر:

لا ينبغي لأحد ان يعلمنا السنة فقال عمر صدقت و اليه يا أبا الحسن لا و اللّه ما علمت انكم هم الحديث (1).

و الذي يستفاد من المحاورة بين الامام على عليه السّلام و عمر بن الخطاب ان عمر كان يرى لبس الملون بدعة في حال الإحرام و ان المصبوغ لا يجوز لبسه فلما ردّ على عليه السّلام على عمر و قال انه ممشوق اى مصبوغ بالطين سكت عمر و لم يقل شيئا و ظاهر القضية ان عليا عليه السّلام إنما خطّأه في الموضوع لا في الحكم بمعنى انه عليه السّلام لم يقل انّ لبس المصبوغ ليس ببدعة بل قال ان ما لبسه عبد اللّه بن جعفر مصبوغ بالطين لا بالعصفر و الورس و غيره فيعلم ان الإحرام بالثوب المصبوغ ليس بجائز اللهم ان يقال ان اعتراض ابن الخطاب على عبد اللّه انما كان لارتكابه المكروه إذ المتعارف عند الحجاج و المعمول بينهم ان الوافدين الى اللّه ما كانوا يرتكبون مكروها بل كانوا مراقبين و مواظبين على تركه فلما راى عمران رجلا ارتكب المكروه بلبس الثوب المصبوغ رآه بدعة و امرا مستهجنا و مخالفا للسنة فاعترض عليه عمر و رده على بن أبي طالب بان ما لبسه عبد اللّه ممشوق اى مصبوغ بالطين لا بشي ء من الألوان.

فهل معنى ذلك ان لبس الممشوق بالطين ليس بمكروه أصلا و لو كان الارتكاب لبيان الجواز كما في جواب على عليه السّلام لعثمان في التلبية و الإحرام بالحج و العمرة معا كما تقدم في ج 1 ص 274 مع ان عبد الله ايضا لم يكن مكلفا(2)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 42 من تروك الإحرام الحديث 4
2- كون الصبيان الذين كانوا مع على بن أبي طالب عليه السلام غير مكلفين لا يفيد شيئا فإن الولي إذا أحرم بالصبيان يجب ان يراعى في الإحرام بهم ما يراعى في إحرام نفسه و الحسن و الحسين عليهما السلام و كذا عبد اللّه كانوا في ملازمة على و رعايته و لا يحرم بهم بما يخالف السنة

ص: 307

و رواية أبي العلاء الخفاف قال رأيت أبا جعفر عليه السّلام و عليه برد أخضر و هو محرم (1).

فهل المستفاد منها ان الإحرام في برد أخضر لا كراهة فيه كما يظهر من الجواهر ان المصبوغ باللون و مطلق الصبغ لا دليل على كراهته الا ثوبا يؤثر في البدن من جهة الطيب أو اللون و انما المكروه ما كان لا يردع أو كان شديد اللون و اما ما لبسه أبو جعفر عليه السّلام لم يكن منه كما يظهر ذلك من الروايات منها ما روى عامر بن جذاعة قال سألت أبا عبد اللّه عن مصبغات الثياب يلبسها المحرم قال لا بأس به الا المفدمة المشهورة (2).

عن الحلبي عن الصادق عليه السّلام لا تلبس المحرمة الحلي و لا الثياب المصبغات الا ثوبا لا يردع (3).

أو تحمل الرواية و فعل الامام على بيان الجواز ردا على ابى حنيفة كما في تلبية على عليه السّلام بالحج و العمرة معا ردا على عثمان حين منع عنها و لكن لو ثبت هذا لا ينفى الكراهة و لا يخالفها فعلى هذا يحمل على الجواز كل ما ورد في النصوص بلفظة لا بأس أو نعم كرواية سعيد بن يسار قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الثوب المصبوغ بالزعفران اغسله و أحرم فيه، قال: لا بأس به (4).

و رواية على بن جعفر قال سألت أخي موسى بن جعفر يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر فقال إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به. (5) و رواية عبد اللّه بن هلال المتقدمة عن الصادق عليه السّلام لما سئل عن ليس الثوب


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 28 من أبواب الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من تروك الإحرام الحديث 3
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من تروك الإحرام الحديث 6
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 4

ص: 308

المصبوغ بالعصفر في الإحرام قال: نعم ليس العصفر من الطيب (1).

فهذه الروايات الثلاثة و نظائرها لا تنفى الكراهة لا الشديدة و لا غيرها بل يحمل نفى البأس على أصل الجواز و كذا قوله عليه السّلام نعم، فلا تعارض ما تدل أو يمكن ان يستدل به على الكراهة كالروايات الاتية و منها.

رواية الحسين بن ابى العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب أ يحرم فيه فقال: لا بأس إذا ذهب ريحه و لو كان مصبوغا كله إذا ضرب الى البياض و غسل فلا بأس به (2).

و رواية مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يلبس لحافا الى ان قال عليه السّلام كل ثوب يصبغ و يغسل يجوز الإحرام فيه و ان لم يغسل فلا. (3) و حمل النهى الوارد في الرواية الثانية على الكراهة يحتاج إلى التأييد بفتاوى العلماء و الا فهو ظاهر في الحرمة و انه لا يجوز الإحرام في الثوب المصبوغ قبل الغسل.

و الفرق بين الغسل و عدمه، ان الصبغ قبل الغسل يسرى الى البدن و يؤثر فيه، و لا يسرى فيه بعده و لا يردع، كما في رواية الحلبي المتقدمة عن الصادق عليه السّلام قال: المحرمة لا تلبس الحلي و لا الثياب المصبغات الا ثوبا لا يرفع(لا يردع) (4) و عن الوافي لا يردع اى لا ينفض أثره على ما يجاوره و يقال به ردع من زعفران أو دم اى لطخ و اثر.

و اما التفصيل الواقع في رواية الحسين بن ابى العلاء لا يبعد حملها على


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 40 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من تروك الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 43 من تروك الإحرام الحديث 4
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 49 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 309

مراتب الكراهة شدة و ضعفا ايضا بدلالة الروايات الأخرى المتقدمة بمعنى ان المصبوغ بالزعفران و غيره إذا غسل و مال الى البياض الكراهة فيه ضعيفة و اما إذا لم يغسل أو لم يضرب الى البياض فالكراهة فيه شديدة و كذا إذا كان مشبوعا هذا من جهة الصبغ و اللون و اما من جهة الطيب فلا بأس فيه إذا غسل و ذهب ريحه في الطيب المحرم ثم ان صاحب الشرائع بعد ما قال المكروهات عشرة أولها الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد أو العصفر و شبهه عقب ذلك بقوله و تتأكد في السواد.

و لعل مراده ان المصبوغ بالسواد الذي يعبر عنه في الفارسية ب(رنگين)، مكروه و لكن تشتد الكراهة فيما كان أسود بالأصل و الطبيعة اى أصليا لا عرضيا.

و أورد صاحب الجواهر عليه و قال لم نقف على ما يدل عليه إذ لم يحضرنا الا ما سمعته من الخبر المزبور الدال على أصل الكراهة الزائدة على أصل اللبس و مراد الجواهر من الخبر رواية الحسين بن مختار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفن به الميت.

و يمكن ان يقال انه استظهر شدة الكراهة نظرا الى ان بعض العلماء اختار الحرمة كما تقدم(1).


1- هذا الاحتمال لا يدفع الإشكال إذ لو كان السبب ذلك لكان في المصبوغ بالسواد ايضا كذلك و لم يفرق بين المصبوغ بالسواد و بين السواد من الأصل و ذكر في الرواية الثوب الأسود.

ص: 310

الثالث في حكم النوم على المصبوغة

و يكره على المحرم النوم على الثياب المزبورة كما في الشرائع اى السواد و المصبوغ به و المعصفر و عبر بعض الفقهاء بكراهة النوم في الفراش المصبوغة، كما عن النهاية و المبسوط و التهذيب و الجامع و التذكرة و التحرير و المنتهى، و لكن ليس في الرواية إلا الأصفر و النوم عليه، على ما روى عن ابى بصير و المعلى.

فعن المعلى بن خنيس عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال كره ان ينام المحرم على فراش اصفر أو على مرفقة صفراء. (1) و عن ابى بصير عن ابى جعفر قال يكره(اكره خ ل) للمحرم ان ينام على الفراش الأصفر و المرفقة الصفراء. (2) فهل استفادوا الإطلاق و تسرية الحكم الى كل مصبوغ، من الرواية باعتبار


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 28 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 28 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 311

ان ذكر الأصفر من باب المثال لا للتقييد و الخصوصية.

و قد يقال ان النوم على الفرش الأصفر إذا كان مكروها ففي غيره أولى لشدة الكراهة في السواد في الإحرام.

و قال بعض ان الحاج ينبغي ان يكون أشعث و أغبر و ان اللّه يحب ذلك كما في الرواية و بسط الفرش ينافي ذلك، و يرد عليه ان مقتضى البيان ان يكره النوم على كل فرش يوجب ترفها، اسود كان أو اصفر أو أحمر، حتى لو كان بياضا بل يلزم ان يكون البياض أشد كراهة لكونه أقرب الى النظافة و الترفه و التنزه.

و استدل ثالث، بان كل ما كان الإحرام به مكروها فالنوم عليه ايضا مكروه، بجعله فرشا ينام عليه، و لكنه ايضا لا يساعده الخبر المزبور.

الرابع من مكروهات الإحرام ان يحرم في ثوب وسخ و ان كانت طاهرة شرعا

، بلا خلاف فيه، و تدل عليه بعض الروايات.

منها صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام قال سالته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ قال: لا: و لا أقول انه حرام و لكن تطهيره أحب الى و طهوره غسله، و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم حتى يحل و ان توسخ الا ان تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله (1).

ظاهر الرواية ان الإحرام في ثوب وسخ ليس بحرام و لكن التطهير مستحب كما هو صريحها.

و قد يقال انها لا تدل على الكراهة بل يستفاد منها ان عدم التطهير ايضا فيه رجحان و ان كان التطهير أحب و أرجح، لمكان افعل التفضيل و ذكر لفظة لا، و النهى في صدر الرواية، انما هو لبيان الأحسن من الفعلين، و الإرشاد الى ذلك، كما لو قيل لا تصل في الدار، و الصلاة في المسجد أحب الى.

يمكن ان يقال: ان كلمة أحب، ليس لبيان التفضيل بل للتعين كما في قوله


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 38 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 312

تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ 8: 75، فعلى هذا يكون الغير مكروها و غير محبوب.(1) و المهم في المسئلة البحث في ان ثوبي الإحرام إذا توسخ، هل يجوز غسله أم لا، ذهب بعض إلى الحرمة، كما عن الدروس في ظاهر كلامه، و استدل له بصحيح مسلم المتقدم.

و أورد عليه بان القول بعدم جواز غسل الثوب الوسخ بعد الإحرام، مناف للنظافة التي هي من الايمان المأمور بها في الشرع.

و يدفع بأنه لا مانع من تركها هذا المقدار، الى ان يحل إذا كان ذلك لترك الزينة و التجمل و الرفاه في سبيل اللّه و طريق الوفد اليه تبارك و تعالى في السير إلى زيارة بيته، و الخلع عن زيّ المترفين و المرفهين، فإنه نوع من الحرمة و الاحترام نعم لو اصابه شي ء أو احتلم يجب غسله كما تدل عليه الروايات منها.

رواية الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عن المحرم يحوّل ثيابه، قال، نعم، و سألته يغسلها إن أصابها شي ء، قال: نعم، إذا احتلم فيها فليغسلها (2) و يدل عليه ايضا ذيل رواية محمد بن مسلم المتقدمة و فيها و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل و ان توسخ، الا ان تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله (3) فالنهي عن غسل الثوب بعد الإحرام تحريميا كان أو تنزيهيا انما هو إذا لم تصبه نجاسة.


1- و هذه الرواية تدل على ان التطهير مستحب و محبوب عنده و اما غيره فليس مما يحبه و هذا غير ملازم للنقص و المفسدة غير الملزمة فيه، و التصريح بان التطهير أحب الى، يدل على تعين هذا المصداق للندب و اما الدلالة على كراهة غيره فلا، الا ان يستفاد من قوله لا، فإن النهي إذا لم يكن تحريميا فهو تنزيهي.
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 38 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 38 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 313

الخامس الإحرام في الثياب المعلّمة

على بناء المفعول اى المخطّطة بلونين مختلفين أو الألوان كذلك، فإنه يكره على المحرم لا المحرمة، و المدرك في المقام هو النص الخاص، و منه.

ما رواه ليث المرادي قال سألت أبا عبد اللّه عن الثوب المعلّم هل يحرم فيه الرجل، قال: نعم، انما يحرم الملحم (1).

هذه الرواية انما تدل على عدم الحرمة في الثوب المعلم اما الكراهة فهي ساكتة عنها.

و عن الحلبي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحرم في ثوب له علم فقال لا بأس. (2) عن النضر بن سويد عن ابى الحسن في حديث المرأة المحرمة قال: و لا بأس بالعلم في الثوب (3).

و الروايتان كسابقتهما تدلان على نفى البأس في الإحرام بالثوب المعلم بمعنى عدم الحرمة فيه و اما الكراهة فلا يستفاد منهما، و لعلها تستفاد من رواية معاوية بن عمار الاتية.

عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللّه لا بأس ان يحرم الرجل في الثوب المعلم و تركه أحب الىّ إذا قدر على غيره. (4) و اما النساء فلا كراهة لهن في الإحرام بالثوب المعلم، و تدل عليه الروايات ايضا لا حاجة لذكرها بقي الكلام في الثياب الملحمة.

اما الثياب الملحمة أي التي فيه إبريسم فقد تقدم ان الإحرام في الحرير المحض لا يجوز حتى للنساء، و تدل عليه رواية عيص بن القاسم قال قال أبو عبد اللّه المرأة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 39 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 39 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 39 من تروك الإحرام الحديث 2
4- الحديث 3

ص: 314

المحرمة تلبس ما شائت من الثياب غير الحرير و القفازين. (1) و رواية سماعة أنه سأل أبا عبد اللّه عن المحرمة تلبس الحرير فقال: لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه. (2) و اما غير الخالص من إبريسم و الحرير فيجوز الإحرام فيه و لكنه يكره و لا يكون حراما و ما يدل على الحرمة غير ثابت مضافا الى عدم الخلاف في المسئلة لحكم المشهور بالكراهة فيه.

السادس من مكروهات الإحرام الحناء

وقع الخلاف في ان استعمال الحناء حرام أو مكروه، المشهور هو الثاني، و عن المدارك و كشف اللثام و غيرهما عند الأكثر، و حكم الشيخ بالحرمة في بعض كتبه و بالكراهة في بعض آخر و منشأ الخلاف ان استعمال الحناء زينة أم لا، فان كان يعد زينة فهو حرام، لما تقدم في الاكتحال بالسواد من عدم الجواز معللا بأنه الزينة، و تردد الأمر أيضا بين كون الاكتحال زينة بنفسه و طبعه و ان لم يقصد التزين به، و بين كونه امرا قصديا بمعنى انه حرام إذا قصد التزين به، يظهر من بعض الاخبار الأول، و من بعضها الثاني، و قيد الشرائع كونه اى استعمال الحناء للزينة، كما ان المسالك و الروضة قيد الحرمة فيه بقصده للزينة، و قال فان كان للسنة فلا اشكال فيه، و اما للزينة فهو حرام، فالفارق القصد دون العمل.

و لكن الرواية خالية عن هذا القيد نعم ورد في الاكتحال ان السواد من الزينة، و في رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس ان يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأما للزينة فلا. (3) و اما النصوص في المقام فهي خالية عن هذا القيد، و منها.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 9
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 7
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 315

رواية أبي الصباح الكناني عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك قال: ما يعجبني ان تفعل. (1) و عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه قال سألته عن الحناء فقال ان المحرم ليمسه و يداوي به بعيره و ما هو بطيب و ما به بأس (2) الرواية الثانية في قبال من يدعى ان الحناء من الطيب و تدل على عدم كونه منه و لكنها لا تنفى كراهة استعماله مضافا الى ان مس اليد بالحناء لتداوى البعير لا يطلق عليه الخضاب و الجواب انما هو من جهة الطيب، و انه ليس بطيب و ما به بأس، و لم يذكر اسم الخضاب أصلا.

و اما رواية أبي الصباح استفادوا الكراهة منها من قوله عليه السّلام ما يعجبني ان تفعل و لكنها في مورد الحاجة الى استعمال الحناء و الاضطرار اليه للخوف من الشقاق لو لا الحناء.

و يحتمل ان يكون المورد خضابا و زينة كما يشعر قوله ان تخضب يدها بالحناء، و الا لكان المناسب ان يعبر بإصلاح اليد، و تداوى الشقاق، و المنع عنه، و على كل حال تستفاد الكراهة من قوله عليه السّلام ما يعجبني ان تفعل فان التعبير بهذه العبارة تعبير ضعيف و غير مناسب.

نعم يستفاد الحرمة من روايات اخرى بناء على ان استعمال الحناء زينة و هذه الرواية الدالة على الكراهة تحمل على الخضاب قبل الإحرام الذي يبقى أثره بعده.

و أورد عليه بان الزينة إذا كانت محرمة، تكون حراما حدوثا و بقاء مضافا الى أنها خضبت يدها حين ما أرادت الإحرام فكيف يمكن حمل الرواية على الكراهة(3)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 23 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 23 من تروك الإحرام الحديث 1
3- لا فرق في الحمل على الكراهة بينما إذا بقي الأثر بعد الإحرام و بين ان تخضب حين ما أرادت الإحرام قبل ان تحرم، و بين ان تخضب قبل ذلك بيوم أو أيام لوحدة الملاك و الاعتبار و هو بقاء الأثر

ص: 316

و اما الذين قيدوا الحرمة أو الكراهة بقصد الزينة، يدعون انها لا تصدق بدون القصد و النية فلا تصدق الزينة لو لا النية.

و هو ايضا مشكل فإن الشي ء إذا كان عند العرف زينة و يراه الناس كذلك لا يفرق بين ما نوى الزينة و قصدها أو لم يقصدها، كما في شد الأسنان بالذهب للرجال إذ لو قلنا بحرمة الزينة بالذهب على الرجال يشكل الحكم بجوازه و ان لم يقصد ذلك بعد صدق الزينة عرفا، الا ان يستدل بإطلاق أدلة جواز شد الأسنان بالذهب و يحكم به، فكلام الشهيد قدس سره في المسالك حيث قيد الحرمة بالقصد لا يخلو من اشكال.

السابع النقاب للمرأة

على تردد كما في الشرائع، فهل المراد من النقاب ما لا يوجب التغطية لما تقدم من ان ستر الوجه حرام، أو مطلقا و ان لم يوجب التغطية، فيشكل الحكم بالكراهة هنا و الحرمة في مسئلة ستر الرأس فبناء على هذا لا بد من اختيار الشق الأول و ان المراد من النقاب كالاسدال الذي لا إشكال في جوازه كما أشير إليه في المسئلة السابقة.

و اما تردد صاحب الشرائع في الكراهة لاحتماله ان يكون النقاب حراما فعلى هذا يلزم التخصيص في الأدلة الدالة على حرمة ستر الوجه على المحرمة و وجوب كشف الوجه عليها.

و اما المشهور فقالوا بالحرمة في النقاب، و منشأ الخلاف الأخبار المختلفة- الدلالة و المضامين، فان منها ما تنهى عن تغطية الوجه حتى بالنقاب، و منها ما ورد فيه ما يدل على الكراهة، فلا بد من نقلها، منها:

رواية أبي عيينة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته ما يحل للمرأة ان تلبس و هي محرمة فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير، قلت: أ تلبس الخز، قال: نعم، قلت فان سداه أبريشم و هو حرير، قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 3

ص: 317

استثناء القفازين و البرقع يدل على عدم جواز لبس النقاب بناء على اتحاد البرقع معه سواء حصلت التغطية به أم لا، و اما بناء على عدم اتحادهما فالحرمة في النقاب انما هو من جهة ستر الوجه و التغطية و لا خصوصية فيه بل يحرم كل، ما يستر الوجه و لو بغير النقاب.

و رواية عبد اللّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه قال: المحرمة لا تتنقب لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه (1) و معنى إحرامها في وجهها ان علامة كون الرجل محرما كشف رأسه، و كون المرأة محرمة، عدم ستر وجهها، للاضحاء المطلوب في الشرع، و وصول حر الشمس الى رأس المرء و وجه المرأة، و هذا القيد انما ذكر لأهميته في الإحرام و الا فهو أمر آخر كما تقدم في المجلد الأول.

و رواية عيص بن القاسم قال أبو عبد اللّه المرأة المحرمة تلبس ما شائت من الثياب غير الحرير و القفازين و كره النقاب و قال تسدل الثوب على وجهها قلت حد ذلك الى أين قال الى طرف الأنف قدر ما تبصر. (2) و كلمة الكراهة المذكورة في الرواية يمكن ان يكون معناها الحرمة و التحريم كما اختاره في الوسائل و يمكن ان يكون بمعنى الكراهة المصطلحة، فإن استظهرنا المعنى الثاني فلا بد ان يحمل ما يدل على وجوب كشف الوجه و عدم جواز التنقب على الأفضلية و الأكملية، الا ان تقابل إحرام المرأة في وجهها بقوله إحرام الرجل في رأسه يبعد هذا الحمل و يضعفه، لوجوب كشف الرأس في المحرمة و حرمة تغطية، و السياق يقتضي أن تكون المحرمة كذلك اى يحرم عليها تغطية الوجه الا ان ظهور الكراهة في غير التحريم ليس بحيث يعارض الرواية الدالة على التحريم و يخصصها لكثرة استعمال الكراهة في التحريم على حد لا تعد نادرا أو خارجا عن


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 318

التعارف، و ذكر الإسدال ذيل الرواية يؤيد ما ذكر، لما تقدم من ان الإسدال انما يصح إذا لم تصدق عليه التغطية و لم يكن ملاصقا للوجه.

و رواية حماد عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال مرّ أبو جعفر بامرأة متنقبة و هي محرمة، فقال: أحرمي و أسفري و ارخى ثوبك من فوق رأسك، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك، قال رجل الى أين ترخيه، قال: تغطى عينها قال، قلت: تبلغ فمها قال: نعم. (1) و الإرخاء إلى الذقن و الفم ان كان بحيث يغطى الوجه، يخالف ما تقدم من الأدلة الدالة على حرمة التغطية فلا بد من حمله على الإسدال الذي لا يلاصق الوجه و لا يطلق عليه التغطية.

و رواية أحمد بن محمد(بن ابى نصر) عن ابى الحسن عليه السّلام قال مرّ أبو جعفر بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها. (2) و يعلم من التعبير باسفري، و كذا من قوله استترت ان النقاب و المروحة كان بحيث تغطى الوجه، و لذلك قال أسفري إذ الاسفار هو الكشف فيعلم انها غطت وجهها بالنقاب و المروحة.

و رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لا تطوف المرأة بالبيت و هي متنقبة. (3) و الرواية تدل على ان الطواف يلزم ان يكون من غير نقاب و ان لم تكن محرمة و هذا غير مرتبط بالإحرام و ما يكره فيه أو يحرم، الا انى لا اعلم هل افتى أحد بحرمة الطواف و بطلانه بالنقاب في غير حال الإحرام و لأجل عدم الإفتاء بالحرمة يحمل على الكراهة.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 5

ص: 319

و رواية زرارة عن ابى عبد اللّه ان المحرمة تسدل ثوبها الى نحرها. (1) و في رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة. (2) هذه الرواية تدل على جواز الإسدال إذا كانت المحرمة راكبة لأجل انها حينئذ في معرض النظر و الرواية فأجيز الإسدال بالثوب و هو غير النقاب المبحوث عنه.

و يمكن ان يقال ان صاحب الجواهر قدس سره حمل النهى عن التنقب على الكراهة بقرينة روايتي زرارة و معاوية بن عمار و التي ذكر فيها لفظ الكراهة كما في رواية عيص المتقدمة.

و اما غير صاحب الجواهر القائل بحرمة النقاب فقد قدم ظهور النهى عن التنقب في الحرمة و حمل لفظ الكراهة على الحرمة أيضا لاستعمالها فيها إذ لم يوجد ما يدل بالصراحة على عدم البأس في النقاب فالقول بالكراهة غير مقطوع به عنده و يظهر من الشرائع ايضا انه على تردد فيها و الجمع بين كلامه هنا و قوله عليها ان تسفر وجهها فيما تقدم بان ما اختاره هنا من جهة ورود التخصيص بوجود الروايتين المتقدمتين.

الثامن دخول الحمام

- لا خلاف في كراهته على المحرم و يدل عليه خبر عقبة بن خالد عن ابى عبد اللّه عليهما السّلام قال سألته عن المحرم يدخل الحمام قال:

لا يدخل. (3) و ظاهر الرواية حرمة الدخول في الحمام و لكنها حملت على الكراهة للإجماع بقسميه على عدم الحرمة، كما اختاره الشيخ و صرح به صاحب الجواهر و تشهد له روايات منها.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من تروك الإحرام الحديث 8
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 76 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 320

رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يدخل المحرم الحمام و لكن لا يتدلك. (1) و رواية ابن فضال عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه قال لا بأس بأن يدخل المحرم الحمام و لكن لا يتدلك. (2) و رواية يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّه عليهما السّلام عن المحرم يغتسل فقال:

يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه. (3) و رواية حريز عن ابى عبد اللّه قال إذا اغتسل المحرم من الجنابة صبّ على رأسه الماء يميز الشعر بأنامله بعضه ببعض. (4) و تميز الشعر بالأنامل إشارة إلى انه لا يدلك الشعر لئلا يسقط.

و عن زرارة في حديث عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته هل يغتسل المحرم بالماء قال لا بأس ان يغتسل بالماء و يصبّ على رأسه ما لم يكن ملبدا فان كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء الا من الاحتلام. (5) و الظاهر من الرواية ان الدلك حرام كما هو الظاهر من النهى الوارد فيها و لكن العلماء حملوا النهى على الكراهة.

التاسع تلبية من يناديه

اى جواب المحرم غيره بالتلبية إذا خاطبه، و استدل له بالاستحسان العقلي بأنه في مقام التلبية للّه تعالى شأنه الذي لا ينبغي ان يشرك غيره معه فيها، و لكن المعتمد في المقام الرواية المروية عن المعصومين عليهم السلام.

عن حماد بن عيسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال ليس للمحرم ان يلبى من دعاه


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 76 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 76 من تروك الإحرام الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الإحرام الحديث 1
4- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من تروك الإحرام الحديث 2
5- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 75 من أبواب الإحرام الحديث 3

ص: 321

حتى يقضى إحرامه قلت: كيف يقول، قال: يقول يا سعد. (1) و في مرسلة الصدوق قال الصادق يكره للرجل ان يجيب بالتلبية إذا نودي و هو محرم. (2)

العاشراستعمال الرياحين

، و هو أعم من الأكل و الشم و الحمل لطيبة و الأخذ باليد و المضغ فيشمل جميع الأقسام، و اما المس و النظر الى الرياحين لا يعد استعمالا له كما في الطيب و كل ذلك كما في الشرائع مكروه و عليه جمع من الأصحاب بل هو المشهور، و عن العلامة في المنتهى و التذكرة و التحرير و المختلف و عن المفيد الحكم بالحرمة و قواه في المدارك و نقله صاحب الحدائق عن الشيخ في بعض كتبه.

و المراد من الرياحين ما هو المعروف عند العجم ايضا بالريحان و هو النبت الذي له طيب سواء كان في ورده أو ساقه أو ورقه، و الخضروات التي لها طيب و عطر، يطلق عليها الريحان ايضا، و المراد هنا كل نبت فيه طيب.

عن كتاب العين الريحان اسم جامع للرياحين الطيبة الريح، و عن ابن الأثير هو كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم، و عن المطرزي عند الفقهاء الريحان ما لساقه رائحة طيبة كما لورده و الورد ما لورقه رائحة طيبة كالياسمين.

و عن القاموس نبت معروف طيب الرائحة أو كل نبت كذلك أو أطرافه أو ورقه و أصله ذو الرائحة، و خص بذي الرائحة الطيبة ثم بالنبت الطيب الرائحة ثم بما عدا الفواكه و الأبازير، و عن التذكرة ان النبات الطيب ثلاثة أقسام و ملخص كلامه هذا.

الأول ما لا ينبت للطيب و لا يتخذ منه كنبات الصحراء من الإذخر و الزنجبيل و المصطكى و الفواكه كالتفاح و النارنج و الأترج و هذا كله ليس بحرام.

الثاني ما ينبته الّا دميون للطيب و لا يتخذ منه كالريحان الفارسي و يكره استعماله


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 91 من تروك الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 91 من تروك الإحرام الحديث 2

ص: 322

كما عن الشيخ.

و الثالث ما يقصد شمه و يتخذ منه الطيب كالياسمين و الورد، الظاهر ان هذا يحرم شمه و يجب فيه الفدية.

و منشأ القولين من الحرمة أو الكراهة، الروايات الواردة فمن الطائفة الأولى.

رواية حريز عمن أخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به و لا بريح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته. (1) و الالتذاذ من الريحان: أعم من الشم و حمله ليتلذذ به نفسه أو غيره ممن يصاحبه.

عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال عليه السّلام: لا تمس ريحانا و أنت محرم و لا شيئا فيه زعفران و لا تطعم طعاما فيه زعفران. (2) و الرواية ظاهرة في الحرمة لتقابل الريحان مع غيره من أنواع الطيب المحرم على الذي أحرم كالزعفران، و الطيب بمعناه الأعم و ان كان يشمل الريحان الا ان المراد منه هنا ما يتخذ منه الطيب و لا يراد منه الا ذلك كما ان المراد من الريحان كل الرياحين و لا يختص بما يسمى بالريحان فقط بالفارسية بل يشمل كل خضروى له طيب و عطر كما تقدم.

و دلالة تلك الروايات على الحرمة تامة و يؤكدها قول ابى عبد اللّه عليه السّلام في رواية حريز فمن ابتلى بذلك فليتصدق بشي ء من الطعام، لعدم وجوب الكفّارة الأعلى ما هو محرم.(3)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث 6
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث 3
3- و يظهر من رواية معاوية بن عمار، استعمال تلك الجملة في المكروهات ايضا و لا تختص الكفارة بالحرام راجع الوسائل ج 9 الباب 18 من تروك الإحرام الحديث 8

ص: 323

و اما القائلون بالكراهة فقد استدلوا بروايات يظهر منها ذلك و منها.

رواية معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لا بأس ان تشم الإذخر و القيصوم و الخزامى و الشيح و أشباهه و أنت محرم. (1) الإذخر نبات معروف بمكة يستحب مضغه عند الطواف و تقبيل الحجر و الخزامى بضم الخاء نبت زهره من أطيب الأزهار و الشيح نبات أنواعه كثيرة كله طيب الرائحة.

و استدل بالرواية لجواز استعمال الرياحين و عدم حرمته، و استفادوا من عطف الأشباه على ما ذكر من الإذخر و الخزامى في الرواية ان جميع أقسام الرياحين مما يشبه الإذخر لا بأس فيه على المحرم.

و أورد على الاستدلال بان وجه الشبه في قوله و أشباهه غير معلوم، إذ يمكن ان يكون الوجه البرية و غير الأهلية أي ما ينبت طبعا لا بعمل الإنسان لا الخضروية و الطيب فعلى هذا لا يشمل الرياحين التي ينبتها الإنسان و تبقى تحت العموم الناهية عن استعمال الريحان، فان علمنا ان وجه الشباهة كون الريحان من الطيب و انه كالاذخر و الخزامى تحمل العمومات الدالة على التحريم على الكراهة و يجمع بين الطائفتين من الروايات.

و اما إذا لم نعلم ذلك أو علمنا ان وجه الشبه كون النبات بريّة يبقى ظهور العمومات الناهية في الحرمة و كذا لو دار الاستثناء و المخصص بين القليل و الكثير يؤخذ بالقدر المتيقن منه و يبقى غيره تحت العام الدال على الحرمة، لاستقرار ظهور العام فيها و انفصال المخصص عنه قد يقال وجه الشباهة في كلمة المعطوف على الإذخر و غيره كونه نابتا في الحرم فالمعنى لا بأس بالإذخر و أشباهه من نبات الحرم التي ينبت بنفسه و اما ما ينبته الإنسان في الحرم أو كان نابتا في خارجه فتشمله العمومات و يبقى تحتها الدالة على حرمة استعمال الطيب.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 25 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 324

و أورد عليه بان استعمال الريحان الذي نبت في الحرم إذا كان جائزا فيجوز غيره بالأولوية لشدة حرمة الحرم و كرامة نباتة.

و يدفع بأن الحكمة في ذلك يمكن ان تكون كثرة الابتلاء و عسرة التحرز عما ينبت في الحرم بخلاف ما ليس كذلك فلا يصح دعوى الأولوية.

و منها رواية على بن مهزيار قال سألت ابن ابى عمير عن التفاح و الأترج و النبق و ما طاب ريحه قال تمسك عن شمه و تأكله. (1) و يظهر من الرواية ان أكل التفاح و الأترج لا مانع منه إذا أمسك عن شمه فان قلنا ان استعمال الطيب عبارة عن التطيب و التعطر منه فلا يعد الأكل استعمالا له سيما إذا لم يبق اثر من الطيب بعد الأكل و لا يكون داخلا في العموم.

و اما إذا قلنا ان استعمال الطيب و الريحان أعم من الأكل و التطيب به و يشمله العموم، فيخصص الأكل بهذه الرواية و يخرج عنه و اما قوله عليه السّلام و ما طاب ريحه فان كان المراد منه ان كل شي ء مما طاب ريحه من المأكول و غيره لا بأس به أكلا و غيره من سائر الاستعمالات فيكون مخصصا للعموم الدال على حرمة استعمال الرياحين نعم لو قلنا ان المراد مما طاب ريحه، ما يؤكل منه بقرينة التفاح و الأترج المذكوران في الرواية يقع التخصيص على الأكل فقط و لا يصح حمله على الأعم لاشتمال الرواية على القرينة الصالحة للمنع عن الإطلاق و صرفه الى ما يؤكل منه.

و الحاصل ان العمومات الناهية عن استعمال الرياحين ظاهرة في الحرمة بل صريحة فيها، فهل يمكن تخصيصها بما ذكر من الروايات أو حملها على الكراهة، مع احتمال اختصاصها بما يوكل، و اشتمال المخصص بما يصلح للقرينية و صرفه عن غيره من الاستعمالات، الظاهر ان الالتزام بذلك مشكل، إذ لا يوجد ما يدل صريحا على الكراهة، سوى كلمة أشباهه المعطوف على الإذخر المحتمل ان يكون وجه الشبه كون ماله صنفان من الرياحين التي يوكل قسم منه دون قسم أخر إذ لا يشمل


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 26 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 325

المخصص بناء على وجوده لما لا يؤكل منه هذا غاية الكلام في المقام.

و هذه العشرة من المكروهات في الإحرام ما ذكره المحقق في الشرائع

و

نقل عن الدروس أمور اخرى يكره حال الإحرام.

الأول غسل الرأس بالسدر و الخطمي الثاني خطبة النساء الثالث المبالغة في السواك و دلك الوجه و الرأس في الطهارة الرابع الهذر من الكلام و الخامس الاغتسال للتبرد و عن الحلبي تحريمه السادس الاحتباء في المسجد- الحرام السابع المصارعة و يظهر من النصوص كراهة غيرها كرواية الشعر كما يظهر منها الحكمة في كراهة بعضها.

عن على بن جعفر عن أخيه سألته عن المحرم يصارع هل يصلح له قال لا تصلح له مخافة ان يصيبه جراح أو يقع بعض شعره (1) عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول يكره رواية الشعر للصائم و المحرم و في الحرم و في يوم الجمعة و ان يروى بالليل قال: قلت: و ان كان شعر حق، قال: و ان كان شعر حق. (2) و المهم في المقام الذي هو مورد للابتلاء ان نتعرض لحكم من يريد ان يدخل مكة و انه هل يجب عليه الإحرام من احدى المواقيت و ان لم يرد عمرة أو لا يجب إلا لإتيان العمرة و كذا البحث حول نذر الإحرام قبل الميقات.

و قد تعرض الأستاذ مد ظله العالي لحكم المسئلتين في المجلد الأول إجمالا و أشار إليه هنا ايضا و ستقف عليه إنشاء اللّه.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 94 من تروك الإحرام الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 96 من تروك الإحرام الحديث 1

ص: 326

(في حكم دخول الحرم و مكة)

اشارة

هل يجب الإحرام على كل من يريد دخول الحرم أو مكة، أو لا يجب الا على من يريد النسك، أو يجب على غير من خرج من مكة و رجع إليها، أو على غير من كان منزله في الحرم، و أراد دخول مكة.

ثم ان الإحرام بناء على وجوبه فهل لأداء النسك، أو هو واجب مستقل نفسي، غاية الأمر لا يحل منه الا باعمال العمرة و الإتيان بها فهنا فروع.

الفرع الأول لا يجوز الإحرام قبل الميقات بلا خلاف فيه، و النصوص المتظافرة تدل على ذلك الا لناذر، و كذا لا يجوز تأخيره عنها الا لمرض أو مانع إجماعا و نصوصا و يظهر من النصوص الكثيرة ان الإحرام قبل الميقات من دون نذر لا رجحان فيه و انه كمن يصلى الظهر أربعا في السفر.

عن ميسرة قال دخلت على ابى عبد اللّه عليه السّلام و أنا متغير اللون فقال لي: من

ص: 327

أين أحرمت بالحج، فقلت: من موضع كذا و كذا فقال: رب طالب خير يزل قدمه، ثم قال: أ يسرك ان صليت الظهر في السفر أربعا، قلت لا، قال: فهو و اللّه ذاك. (1) و اما الناذر للإحرام قبل الميقات فيصح إحرامه و تدل عليه ايضا نصوص كثيرة منها.

صحيح الحلبي المروي عن الاستبصار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جعل للّه عليه شكرا ان يحرم من الكوفة قال فليحرم من الكوفة و ليف للّه تعالى بما قال. (2) و خبر على بن أبي حمزة قال: كتبت الى ابى عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جعل للّه عليه شكرا ان يحرم من الكوفة، قال: يحرم من الكوفة. (3) و قد تقدم الكلام في اشتراط انعقاد النذر على ان يكون متعلقة راجحا و الاشكال في المسئلة و الجواب عنه و المهم ان نبين حكم من يعلم انه يضطر الى الاستظلال لو نذر الإحرام قبل الميقات.

مسئلة

لو علم انه لا يضطر الى التظليل لو نذر الإحرام قبل الميقات فلا إشكال في صحة النذر و اما إذا علم انه لو أحرم قبل الميقات يضطر الى الاستظلال فهل يصح النذر حينئذ أم لا، الظاهر هو الأول، فإن الدليل الدال على مشروعية النذر قبل الإحرام لم يفصل بين ما يضطر المحرم الى الاستظلال أم لا، بل صرح الامام عليه السّلام بصحة النذر للإحرام من الكوفة إلى مكة المكرمة و المتعارف ابتلاء المحرم بالتظليل في تلك المسافة بل المقطوع ذلك. فدليل صحة النذر يوجب


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 11 من المواقيت الحديث 5
2- وسائل الشيعة الجزء 7 الباب 13 من المواقيت الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 13 من المواقيت الحديث 2

ص: 328

الإلزام بما لا يضطر اليه من محرمات الإحرام فيجب الوفاء به فيه و اما إذا اضطر الى التظليل و غيره، فهو تابع لأدلة الاضطرار تكليفا و وضعا، و في لزوم الكفارة و عدمه، فالقول بعدم شمول دليل النذر لما يعلم الاضطرار الى التظليل بعد الإحرام مشكل جدا، بعد شمول إطلاقه له و بهذا يمكن تقريب حكم العبور بالطائرة من المواقيت و صحة الإحرام قبلها بالنذر.

ص: 329

(في حكم دخول مكة المكرمة و الحرم) كل من دخل مكة وجب ان يكون محرما كما في الشرائع و في الجواهر بلا خلاف أجده بل عن المدارك و محكي الخلاف الإجماع عليه.

هل المراد انه يجب الإحرام لدخول مكة فقط أو لدخول الحرم، و ان لم يدخل مكة كمن يريد ان يبيع شيئا في الحرم و يرجع، و على الأول فهل يجب الإحرام على من كان خارج مكة أو الحرم دون من كان ساكنا بمكة و خرج منها و رجع إليها.

ثم ان هذا الإحرام على من يريد النسك و العمرة، أو يجب على كل من يدخل مكة أو الحرم، غاية الأمر لا يحل منه الا باعمال العمرة فعلى هذا يكون الإحرام واجبا مستقلا نفسيا لا شرطا لغيره، و لكل وجه و في بعض الوجوه خلاف و لا يتضح الحال الا بنقل الأخبار الواردة في الباب.

عقد صاحب الوسائل قدس سره بابا للمسئلة و قال: باب انه لا يجوز دخول

ص: 330

مكة و لا الحرام بغير إحرام و لو دخل لقتال الا ان يكون مريضا فلا يجب بل يستحب أو دخل قبل شهر من إحرامه ثم ذكر روايات فمنها.

رواية عاصم بن حميد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أ يدخل الحرم أحد إلا محرما قال: لا، الّا مريض أو مبطون. (1) و مفاد الرواية ان الحرم لا يجوز لأحد ان يدخله بغير إحرام إلا إذا كان مريضا أو مبطونا، و يجب ان يحمل المرض على ما لا يقدر على الإحرام و على إتيان الأعمال بعد الإحرام، و ان تمكن من النائب كالزائل عقله، و اما المبطون فهو يقدر على الإحرام و يتمكن من لبس الثوبين و التلبية و لكن لا يتمكن من الإتيان بالأعمال مع الطهارة، و عدم تنجيس المسجد، فالعلة الموجبة لعدم وجوب الإحرام عدم القدرة و التمكن من جميع ذلك و ان تمكن من البعض كالإحرام فقط و ان ورد في بعض الروايات انه يحرم عنه غيره و ينوب عنه النائب.

و عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام قال: لا، الا ان يكون مريضا أو به بطن (2) و يعارض الروايتين ما روى عن رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل به بطن و وجع شديد يدخل مكة حلالا قال لا يدخلها الا محرما. (3) و يجمع بين الطائفتين بحمل رواية رفاعة على الاستحباب و يمكن حملها على المرض و الوجع الذي لم تكن شدته بحيث يمنع عن إتيان الأعمال في تمام الأوقات بل و من المحتمل انه كان متمكنا منه في بعض الأيام، و على كل حال المستفاد مما ذكر ان غير المريض و ذوي الأعذار يجب عليه الإحرام إذا دخل الحرم مطلقا سواء كان من أهل مكة و ساكني الحرم أم لا، و سواء كان مريدا للنسك أم لا.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 3

ص: 331

عن بشير النبّال عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث فتح مكة ان النبي قال: الا ان مكة محرمة بتحريم اللّه لم تحل لأحد كان قبلي و لم تحل لي إلا ساعة من نهار، الى ان تقوم الساعة لا يختلى خلاها و لا يقطع شجرها و لا ينفر صيدها و لا تحل لقطتها الا لمنشد، قال و دخل مكة بغير إحرام و عليهم السلاح و دخل البيت لم يدخله في حج و لا عمرة و دخل وقت الصلاة فأمر بلالا فصعد على الكعبة فأذّن. (1) و هذه الرواية تدل على عدم جواز دخول مكة بغير إحرام و اما الحرم فلا يستفاد منها.

و يظهر من بعض الروايات ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استاذن ربه في ذلك ثلاث مرات و كان موقتا و مخصوصا به صلّى اللّه عليه و آله.

عن كليب الأسدي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال ان رسول اللّه استاذن اللّه عز و جل في مكة ثلاث مرات من الدهر فاذن له فيها ساعة من النهار ثم جعلها حراما ما دامت السماوات و الأرض. (2) و الظاهر من الرواية الأخيرة ان دخوله صلّى اللّه عليه و آله مكة بغير إحرام انما كان لأجل الحرب و الفتح و لعله لو دخلها محرما لم يتمكن من ذلك.

و يظهر من بعض الروايات ان الإحرام انما يجب على من كان على عشرة أميال من مكة دون غيره.

عن الكافي بإسناده عن عبد اللّه بن مغيرة عن احمد بن عمر بن سعيد عن وردان عن ابى الحسن الأول عليه السّلام قال: من كان من مكة على مسيرة عشرة أميال لم يدخلها الا محرما. (3) يمكن ان يقال ان التقييد بعشرة أميال لأجل تحقق الخروج عن الحرم فلا يعارض


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 12
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 9
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 5

ص: 332

ما تقدم.

عن على بن أبي حمزة قال سألت أبا إبراهيم عن رجل يدخل مكة في السنة المرة و المرتين و الثلاث كيف يصنع قال: إذا دخل فليدخل ملبيا و إذا خرج فليخرج محلا. (1) و عن السرائر نقلا عن كتاب جميل بن دراج عن بعض أصحابه عن أحدهما في الرجل يخرج من الحرم الى بعض حاجته ثم يرجع من يومه قال لا بأس بأن يدخل مكة بغير إحرام. (2) و يمكن ان تحمل الرواية على من خرج مكة قبل مضى شهر واحد من إحرامه فلا ينافي ما تقدم من الروايات الدالة على وجوب الإحرام على من يدخل مكة على نحو العام لما سيأتي من الروايات الخاصة الدالة على عدم الوجوب على من خرج من مكة قبل مضى شهر من إحرامه و رجع.

يعلم من جميع ما تقدم من النصوص وجوب الإحرام على من يدخل مكة و انه لا يحل إلا باعمال العمرة و الإتيان بها و هذا مما لا اشكال فيه و لا كلام و انما هو في ما استثنى من العام، و ان هذا الإحرام هل يجب ان يكون من المواقيت أم لا، و انه لدخول الحرم أو مكة، و غيره مما ستقف عليه في ضمن أمور.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 10
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 11

ص: 333

في التنبيه على أمور

الأول

يظهر من رواية محمد بن مسلم و عاصم بن حميد المتقدمتين ان الإحرام انما يجب لدخول الحرم سواء دخل مكة أم لا و يظهر من بعض آخر انه لا يجوز دخول مكة بغير إحرام، و النسبة بينهما عام و خاص من وجه إذ قد يدخل الحرم و مكة معا و قد يدخل الحرم دون مكة و قد يدخل مكة دون الحرم كان خرج من مكة ثم دخلها من دون ان يخرج من الحرم، فلو لا الدليل الدال على وجوب الإحرام لدخول مكة، لما استفيد مما يدل على وجوبه لدخول الحرم و لا يصح ادعاء الأولوية.

الأمر الثاني

، لا إشكال في حرمة الدخول بغير إحرام إذا اجتمع العنوانان كمن يريد دخول الحرم و مكة معا فيجب عليه الإحرام لشمول الدليلين له و اما إذا أراد دخول الحرم و لا يريد دخول مكة بل يريد الرجوع منه، فهل يجب عليه الإحرام أم لا، قد يقال بعدم وجوبه لأجل ان الحرمة انما هي لمكة المكرمة باعتبار الكعبة، و فيه انه لا مانع من ان يلاحظ للحرم ايضا باعتبار المسجد

ص: 334

و الكعبة حرمة خاصة، فإن كان إجماع على عدم وجوب الإحرام على من يريد ان يدخل الحرم فقط و لا يدخل مكة، نعمل به و الا يشمله إطلاق الدليل الدال على حرمة دخول الحرم بغير إحرام.

و قد يدعى انصراف الدليل الوارد في الحرم الى من يريد دخول مكة لكنه غير وجيه بعد شمول إطلاق الأدلة لكل من يدخل الحرم و قد صرح في الروايات ان للحرم شأنا خاصا و في مرسل الفقيه عن النبي و الأئمة عليهم السّلام انه وجب الإحرام لعلة الحرم (1) عن العلل بإسناده عن العباس بن معروف عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: حرم المسجد لعلة الكعبة، و حرّم الحرم لعلة المسجد و وجب الإحرام لعلة الحرم (2).

فلا تنافي بين ثبوت الحرمة لمكة باعتبار المسجد و الكعبة و ثبوتها للحرم باعتبار المسجد فلا وجه لدعوى الانصراف المذكور، فعلى هذا يجب الإحرام لدخول الحرم كما نص عليه في رواية محمد بن مسلم المتقدمة و لا يحل منه الا بعد الإتيان باعمال العمرة.

و بالجملة إذا لم يكن إجماع على عدم وجوب الإحرام على من يدخل الحرم يؤخذ بإطلاق الأدلة العامة و الخاصة الناهية عن دخول الحرم بغير إحرام، سواء قصد مكة أم لا، هذا فيما إذا دخل الحرم و كان خارجا عنه.

الثالث

لو دخل مكة من خارج الحرم يجب الإحرام لدخولها و اما إذا خرج أحد من مكة و لم يصل الى خارج الحرم ثم عاد إليها هل يدخل بإحرام أم لا.

عن المدارك يدخل بغير إحرام، و في الجواهر و ظاهره المفروغية من ذلك


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 5

ص: 335

و هذه المسئلة مورد للابتلاء في عصرنا فان كثيرا من المسئولين لأمور الحجاج يخرجون من مكة بعد اعمال العمرة الى جده أو الى النواحي، قد يخرجون من الحرم و قد لا يخرجون، فهل عليهم ان لا يخرجوا أصلا أو يرجعوا إلى مكة بإحرام إذا خرجوا منها أو إذا خرجوا من الحرم بعد مضى شهر.

قال بعض العلماء لا يجوز لهم الخروج من مكة، و قال أخر: لا يجوز لهم الخروج من الحرم و اما لو خرج منه و رجع بعد مضى شهر يجب الإحرام لا قبله و قد تقدم عن المدارك انه إذا خرج من مكة و لم يخرج من الحرم لا يجب عليه الإحرام.

و أشكل عليه بان إطلاق الدليل الدال على وجوب الإحرام على من يريد دخول مكة يشمل المورد فان كان هنا إجماع على عدم الإحرام أو سيرة يعمل به و الا فمقتضى الدليل وجوبه.

قد يقال ان المراد من مكة في النصوص الدالة على حرمتها ما يشمل الحرم و لذا ذكر فيها عدم تنفير الصيد و غيره مما هو من أحكام الحرم فمع فرض عدم الخروج من الحرم لا يجب الإحرام كما لو أراد من يسكن في أخر محلة من محلات مكة ان يدخل المسجد، إذ لا يجب عليه الإحرام إذا أراد الطواف.

و قد يدعى ان العمرة ليست له ميقات في الحرم فلا يجب على من يعيش في داخل الحرم أو يسكن في مكة الإحرام إذا لم يخرج عن الحرم لانصراف الدليل الدال على وجوب الإحرام الى من يدخل مكة من المواقيت و لا أقل من ادنى الحل الخارج عن الحرم فالأدلة منصرفة عن الذي لم يخرج من الحرم.

و فيه ان هذا ليس مما يوجب الانصراف فان من يجب عليه الإحرام يجب عليه ان يخرج إلى أدنى الحل مع التمكن و الا أحرم من مكانه كغيره ممن يجب عليه الإحرام، فما نحن فيه ايضا كذلك فإنه بعد وجوب الإحرام و شمول الدليل يخرج اليه و يحرم منه ثم يدخل مكة مع التمكن، ان لم يكن إجماع في البين على

ص: 336

عدم الوجوب، و ان كان الإجماع بناء على تحققه ايضا ليس بحيث يقطع على اشتماله على قول المعصوم، و انه وصل إلينا صدرا عن صدر و سلفا عن سلف.

غاية ما يمكن ان يقال في المقام دعوى الانصراف بان يقال ان النصوص الدالة على وجوب الإحرام على من يدخل مكة منصرف الى من يدخل مكة من خارج الحرم، فلا يشمل الذي في الحرم، و من هو يسكن بمكة فخرج منها و لم يخرج من الحرم ثم رجع إليها، فإن قطعنا بهذه الدعوى و الانصراف نعمل به أو كان في المقام إجماع، و الا فالمقام احتياط كما احتطنا في بعض تعليقا تنافي وجوب الإحرام على من يدخل مكة من الحرم و لم يخرج منه و كذا فيمن يخرج من مكة بعد اعمال العمرة.

الرابع

ان وجوب الإحرام في دخول الحرم و مكة بناء عليه، هل هو واجب مستقل نفسي، و لا ربط له بالعمرة و لا الحج، أو هو مقدمة لإعمال العمرة، فالواجب الأصلي على من يدخل مكة هو الإتيان باعمال العمرة و نسكها التي يشترط فيها الإحرام من خارج الحرم، وجهان، بل قولان.

عن المدارك يجب على الداخل فيها أي مكة، ان ينوي بإحرامه الحج أو العمرة، لأن الإحرام عبادة و لا يستقل بنفسه بل اما ان يكون بحج أو عمرة، و يجب إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام.

و أورد عليه صاحب الجواهر بأنه ان كان إجماعا فذاك و الا أمكن الاستناد في مشروعيته نفسه إلى إطلاق الأدلة في المقام و غيرها، و كونه جزء من الحج أو العمرة لا ينافي مشروعيته في نفسه، روى عن النبي و الأئمة عليهم السّلام انه وجب الإحرام لعلة الحرم انتهى. (1) ثم أورد على ذلك بان ما دل على عدم حصول الإحلال له الا بعد الايتان بالنسك كاف في عدم ثبوت استقلاله و عدم كونه واجبا نفسيا إذ دعوى انه يحل بالوصول إلى مكة


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 3

ص: 337

أو بالتقصير باطلة لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، بل التأمل في النصوص يفيد القطع بتوقف الا حلال من الإحرام في غير المصدود و نحوه على إتمام النسك و ليس إلا أفعال عمرة أو حجة.

الخامس

، ثم انه بناء على وجوب الإحرام مقدمة للإتيان بالنسك، فهل يجب عليه القضاء إذا أخل به الداخل، أو ليس عليه الا الإثم فيه قولان.

فعن التذكرة و حاشية الكركي و المسالك و المدارك عدم الوجوب و حكى عن الشافعي أيضا، للأصل.

و عن أبي حنيفة، عليه ان يأتي بحج أو عمرة، فان اتى في سنته بحج الإسلام أو منذورة أجزأه ذلك عن عمرة الدخول استحسانا و ان لم يحج من سنته استقر القضاء.

و يمكن ان يورد على ما ادعاه أبو حنيفة، بأن القضاء تابع لأمر جديد و دليل آخر و انما سقط الأمر الأول بالعصيان، و لا دليل غيره و نحن نتبع الدليل، و الاستحسان لا يحسب دليلا عندنا و القضاء فرض مستأنف يتوقف على الدليل كما في المدارك ايضا.

و عن التذكرة الإجماع على وجوب القضاء إذا أخل بالإحرام عمدا و لم يرجع الى الميقات لإنشاء الإحرام، و عن المسالك الجزم بذلك على ما نقله صاحب الجواهر قدس سره. (1) و في الجواهر في مسئلة تارك الإحرام عمدا من الميقات، و الأصح سقوط القضاء كما اختاره في المنتهى مستدلا عليه بالأصل و ان الإحرام مشروع لتحية البقعة فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد و هو حسن.

و استدل في المقام ردا على ما اختاره أبو حنيفة من وجوب القضاء بأنه لا دليل عليه مع فرض عدم وجوبها(أي العمرة) عليه و لا إبطال، كي يتجه الوجوب


1- الجواهر الجزء 18 ص 441

ص: 338

عليه فإنه انما يتحقق بفعل المنافي لما تلبس به، بخلاف الفرض الذي اثم بعدم الايتان به لإبطاله انتهى و يمكن ان يقال ان الواجب من الحج و العمرة سواء كان الوجوب بالأصل أو بالنذر أو لدخول مكة، كالدين الثابت على المكلف، كما يستفاد من الاية الكريمة، و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا، و كما في المروي عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله أ رأيت لو كان عليه دين فيودى عنه غيره أو أنت.

و لا يسقط هذا الدين إلا بأدائه و إذا أفسد العمل أو تركه يجب عليه قضائه كما جزم به صاحب المسالك و غيره فعلى هذا يكون وجوب القضاء بحسب الدليل لا بالإجماع المدعى في كلمات الفقهاء.

السادس

اشارة

إطلاق الدليل في وجوب الإحرام على كل من يدخل الحرم أو مكة، يشمل الحر و العبد من غير فرق بينهما، و لكن أصحابنا من الفقهاء أفتوا بعدم وجوب الإحرام على العبد.

و استدل له في المنتهى بان العبد و أوقاته ملك لمولاه و التصرف في أوقاته المملوكة له موكول الى اذنه، و لا يصح صرفها في غير مصالح مولاه، مضافا الى ان العبد إذا ارتفع عنه الوجوب في حجة الإسلام مع كونه مستطيعا، و بقائه مندوبا محتاج إلى اذن المولى، ففي غيره يرفع الوجوب بالأولوية إذا دخل مكة أو الحرم.

و هذا الاستدلال يحتاج إلى استفادة الأولوية من الأدلة كما في قوله تعالى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ حيث انه يستفاد منه حرمة الضرب و الشتم بالأولوية القطعية و اما المقام فهل يستفاد من الدليل الدال على اشتراط الحرية في وجوب الحج بالاستطاعة ان كل إحرام واجب كذلك بالأولوية، و هل يفهم العرف ذلك منه كما يفهم حرمة الضرب و الشتم من قوله و لا تقل لهما من أف، الظاهر انه مشكل.

و وجه الاشكال ان وجوب الإحرام لدخول الحرم أو مكة انما هو لرعاية حرمة البيت و الحرم، و ما وجب الا تعظيما لحقه و إجلالا لشأنه و تفخيما لأمره، و لا فرق بين الحر و العبد و المالك و المملوك عند العقل، و لا يستفاد ايضا من اللفظ و

ص: 339

النقل، فلا مانع من شمول الإطلاق لها بالسوية.

نعم قد يمكن ان يقال بعد شمول الإطلاق للعبد، هل يشترط اذن المولى في وجوب الإحرام عليه أو لا يشترط.

لكن الظاهر و مقتضى التحقيق ان حق المولى لا يمنع من الوجوب بأي وجه بعد شمول الدليل، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

و اما اشتراط الحرية في وجوب حجة الإسلام عند الاستطاعة ليس من جهة حق المولى و لزوم رعايته عند التعارض و التزاحم، بل الاخبار تدل على ذلك و ان الحرية كالاستطاعة شرط في وجوب الحج عليه و لا ربط له بالمولى و حقه، حتى لو امره مولاه بالحج بعد الاستطاعة لا يجزى عن حجة الإسلام إذا أعتق بل يجب عليه الحج بعد العتق و حصول الحرية إذا بقيت استطاعته أو صار مستطيعا فالحرية شرط للمشروعية لا الوجوب فقط.(1) فعلى ما ذكر لو أمر المولى عبده بدخول الحرم يجب عليه الإحرام و لا يزاحم امره ذلك، كما لو امره بالعمل من طلوع الشمس الى غروبها فإنه لا يمنع عن أداء الصلاة و لا يزاحمه أصلا و لا كلام فيه انما الكلام فيما إذا نهى عنه و سيأتي إنشاء اللّه.

فرع

لو منع المولى عبده عن دخول الحرم فعصى و دخله، فهل يجب عليه الإحرام مع كونه عاصيا في عمله أو لا يجب بل يبطل عمله، كما إذا نهاه عن الحج و العمرة إذا كان داخلا الحرم أو مكة فوجهان، ان قلنا ان النهى الصادر من المولى بالنسبة إلى الإحرام ملازم لنهى اللّه تعالى عنه و تعلقه به فلا يجوز الإحرام و يبطل و اما إذا قلنا انه غير ملازم له فلا إشكال في وجوب الإحرام عليه.

الظاهر انه إذا لم يشترط الحرية في إحرام العبد في غير حجة الإسلام لا يكون


1- و فيه، لا يخفى إذ الاستطاعة شرط للوجوب لا المشروعية

ص: 340

الإحرام منهيّا عنه عند الشرع بالنهي الصادر من مولاه، بعد شمول إطلاق الأدلة و عمومها في وجوب الإحرام على كل من يدخل مكة، و لا يؤثر نهى المولى في الحكم المتوجه الى عبده، و ان كان عاصيا بمخالفته، كما لو نذر ان لا يدخل الحرم إلا بإذن والده فدخل بدون الاذن أو آجر نفسه لعمل الى الغروب ثم دخل الحرم فيجب عليه الإحرام في المقامين كليهما.

ص: 341

في من يجوز له دخول الحرم و مكة بغير إحرام

اشارة

قد خرج عن عموم كل من دخل مكة أو الحرم يجب ان يكون محرما، كما في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة موارد نشير إليها إنشاء اللّه تعالى.

الأول المريض

كما في رواية عاصم بن حميد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يدخل أحد الحرم الا محرما قال لا الا مريض أو مبطون. (1) و عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام قال: لا، الا ان يكون مريضا أو به بطن. (2) و الرواية المخالفة للروايتين الدالة على وجوب الإحرام على المريض محمولة على الاستحباب، أو على من يقدر على الإتيان باعمال العمرة كما أشير اليه.

الثاني من مضى عليه أقل من شهر واحد من إحرامه

اشارة

سواء كان إحرامه للحج


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 2

ص: 342

أو العمرة، فمن دخل مكة محرما بإحرام الحج أو العمرة، و بعد إتمام النسك خرج منها و رجع قبل مضى الشهر يدخل بغير إحرام بلا خلاف فيه.

قد تعرض الأستاذ مد ظله للمسئلة في الجزء الأول إجمالا و بيّن حكم المسئلة هناك بالتفصيل و حيث ان مورد البحث مبتلى به كثيرا في عصرنا لخروج كثير من المسئولين لأمور الحجاج بعد اعمال العمرة من مكة و رجوعهم إليها بعد قضاء الوطر و قبل مضى الشهر، ينبغي ان نبحث حول المسئلة مشروحا و قبل نقل الاخبار نتعرض لنقل الفتاوى حتى يتضح و يتبين موضوعها من ان المراد من الشهر شهر الإهلال، أو الإحلال، أو الخروج.

عن النافع و لو خرج بعد إحرامه ثم عاد في شهر خروجه أجزأ عنه و ان عاد في غيره أحرم ثانيا.

و عن النهاية في المتمتع، فان خرج من مكة بغير إحرام ثم عاد فان كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لم يضره ان يدخل مكة بغير إحرام، و ان دخل في غير الشهر الذي خرج فيه دخلها محرما بالعمرة إلى الحج و تكون عمرته الأخيرة.

و ظاهر العبارات المتقدمة ان المراد من الشهر شهر الخروج لا شهر التمتع أو الإحلال ثم ان هذا الحكم هل هو ثابت لكل من خرج من مكة بعد اعمال العمرة ثم رجع، أو يختص بمن له شغل و حاجة خارج مكة، و كذا هل يختص بعمرة التمتع و حجه أو يعم الافراد و العمرة المفردة، فلبيان جميع ذلك و وضوحه، لا بد أولا من نقل الأخبار الواردة في المقام و منها.

رواية ميمون قال خرجنا مع ابى جعفر عليه السّلام الى أرض بطيبة و معه عمر بن دينار و أناس من أصحابه فأقمنا بطيبة ما شاء اللّه الى ان قال ثم دخل مكة و دخلنا معه بغير إحرام. (1)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 1

ص: 343

عن جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه في الرجل يخرج الى جدة في الحاجة قال يدخل مكة بغير إحرام. (1) الروايتان و ان كانتا مطلقتين الا ان في المقام ما يقيدهما بالرجوع قبل مضى شهر كرواية أبان و غيرها.

عن ابان بن عثمان عن رجل عن ابى عبد اللّه في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم قال: ان رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام فإن دخل في غيره دخل بإحرام. (2) و الرواية صريحة في ان المراد من الشهر هو الشهر الذي خرج فيه من مكة لا شهر الإحرام أو الإحلال.

و في مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السّلام: إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه الا ان يعلم انه لا يفوته الحج و ان علم و خرج و عاد في الشهر الذي خرج دخل مكة محلا و ان دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما. (3) و عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن عن المتمتع يجي ء فيقضى متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و الى ذات عرق أو الى بعض المعادن قال:

يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لان لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج، قلت فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه، قال كان ابى مجاورا هنا فخرج يتلقى(ملتقيا) بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج. (4)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 4
3- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 22 من أبواب الإحرام الحديث 10
4- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 22 من أبواب الإحرام الحديث 8

ص: 344

لا شبهة في ان المصرح به في صدر الرواية شهر التمتع، و لكن الكلام في ان المراد من شهر التمتع هل هو شهر شوال و ذي القعدة و ذي الحجة التي يشترط وقوع العمرة المتمتع بها الى الحج فيها، أو الشهر الهلالي أو الشهر الذي خرج فيه من الإحرام و تمتع و التذّ فيه و أطلق عليه شهر التمتع بتلك المناسبة، فعلى هذا يكون الاعتبار بشهر الإحلال، و يظهر من التعليل المذكور في الرواية بقوله لان لكل شهر عمرة، ان المراد من الشهر هو الشهر الهلالي الذي يستحب فيه عمرة واحدة، و لكنه يخالف ما قيل انه يجب الفصل بين العمرتين بثلاثين يوما أو عشرة أيام أو ثلاثة أيام، نعم قال بعض لا يشترط الفصل بينهما أصلا.

فبناء على ما هو الظاهر من التعليل لو أحرم في آخر شهر شوال و خرج من مكة و رجع في أول ذي القعدة يجب عليه الإحرام فإنه رجع في غير الشهر الذي تمتع فيه.

و لكن الراوي بعد ما أجاب الإمام عليه السّلام بأنه يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه غير سئواله الأوّل و قال انه دخل في الشهر الذي خرج فيه، فهل كان مقصوده ان مورد سئواله لم يكن شهر التمتع الذي أجاب عنه الامام عليه السّلام بل كان غير الشهر الذي تمتع، أو المقصود انه بعد ما علم حكم الرجوع في الشهر الذي تمتع فيه و انه لا يرجع محرما بعمرة بل يدخل مكة محلا، سأل الإمام عليه السّلام عن فرع آخر و هو ما إذا دخل في الشهر الذي خرج و ان لم يكن في الشهر الذي تمتع فيه فأجاب الإمام عليه السّلام عن هذا السؤال و قال: كان ابى مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج.

و يشكل هذا أيضا بأن السائل سأل عن حكم المتمتع و انه إذا خرج من مكة و رجع إليها ما يصنع و ما يعمل و لكن الامام عليه السّلام اجابه عن حكم المجاور الذي يغاير حكمه حكم المتمتع.

ص: 345

و يمكن ان يقال ان السؤال الثاني انما كان من جهة حكم دخول مكة بعد الخروج عنها سواء كان ساكنا و مجاورا أو متمتعا و الرجوع إليها قبل مضى شهر من الخروج، فأجاب عليه السّلام بأن أباه كان مجاورا و خرج و لما رجع و بلغ ذات عرق أحرم بالحج و دخل و هو محرم به و على هذا يكون المراد من الحج العمرة.

و يمكن ايضا ان أباه عليه السّلام كان متمتعا و خرج من مكة و لما رجع إليها أحرم بالحج خارج مكة، و على هذا يكون المقام مستثنى عن وجوب الإحرام بالحج من بطن مكة تعبدا، و ان كان عليه التجديد بمكة كما نقل عن الدروس أو يستحب على ما نقل عن التذكرة لو خرج من مكة بغير إحرام و عاد في الشهر الذي خرج فيه استحب له ان يدخلها محرما بالحج، و لكنه خلاف الظاهر من الرواية.

و يحتمل ايضا ان يكون المراد من الحج العمرة و الرجوع الى مكة في الشهر الذي تمتع و الإحرام في مثل المورد و ان لم يكن واجبا عليه لدخوله في شهر التمتع الا انه جائز و مستحب فاحرامه كان مستحبا.

لكن هذا المعنى ايضا لا يناسب صدر الرواية و ذيلها، اما الصدر فلما صرح فيه بعدم الإحرام إذا دخل في شهر التمتع و بلزوم الإحرام إذا كان في غيره كما هو الظاهر من المنطوق و المستفاد من المفهوم، و اما الذيل فإن الراوي إنما سأل عن حكم من دخل في شهر الخروج فلو كان غير شهر التمتع و ان كان الإحرام حينئذ واجبا، الا ان حمل الحج على العمرة مشكل لا دليل عليه نعم لو قلنا ان السؤال في الذيل و ملاكه كان دخول الحرم فقط للقاطن و المجاور، فأجاب عليه السّلام بوجوب الإحرام و ان أباه كان مجاورا و لما رجع دخل بإحرام، الا ان يرجع في شهر التمتع كما هو مقتضى المفهوم و لكن الإحرام كان لحج الافراد.

هذا غاية ما يمكن في توجيه الرواية و ما يمكن ان يقال فيها و يأتي التفصيل

ص: 346

في رواية حماد ايضا.

عن الكافي بإسناده عن حماد بن عيسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج، لم يكن له ان يخرج حتى يقضى الحج، فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبّيا بالحج، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع الى مكة رجع محرما، و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى على إحرامه، و ان شاء وجهه ذلك الى منى قلت:

فان جهل فخرج الى المدينة أو الى نحوها بغير إحرام ثم رجع في ابان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير إحرام، قال ان رجع في شهره دخل بغير إحرام، و ان دخل في غير الشهر دخل محرما، قلت فأيّ الإحرامين و المتعتين متعة، الأولى أو الأخيرة، قال الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجه، قلت فما فرق بين المفردة و بين عمرة المتعة إذا دخل في أشهر الحج، قال: أحرم بالعمرة(بالحج) و هو ينوي العمرة، ثم أحلّ منها و لم يكن عليه دم، و لم يكن محتبسا لانه لا يكون ينوي الحج. (1) فهل الضمير في قوله ان رجع في شهره دخل بغير إحرام راجع الى الخروج أو الى التمتع فكلاهما محتمل و قد يستظهر كونه راجعا الى الخروج لقربه إلى قوله فان جهل و خرج الى المدينة و اما ارادة شهر التمتع فهو خلاف الظاهر الا ان الظهور الأول أيضا ليس قويا بحيث يمنع عن الاحتمال الثاني فهو مردد بين شهر الخروج و التمتع و لا مرجع لأحدهما.

تحقيق في المقام

قد وردت في روايات الباب كما تقدمت تعابير مختلفة بالنسبة إلى الشهر ففي بعضها ان رجع في الشهر الذي خرج فيه كرواية أبان بن عثمان المتقدمة و في


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 22 من أبواب الإحرام الحديث 6

ص: 347

أخر يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه كرواية إسحاق ابن عمار المتقدمة.

فالاعتبار في عدم وجوب الإحرام الرجوع في شهر التمتع كما في رواية إسحاق و الرجوع في شهر الخروج على ما في رواية أبان و لكن في رواية حماد بن عيسى ان رجع شهره المحتمل كونه شهر التمتع أو شهر الخروج و كونه مطلقا قابلا للتقييد ثم ان شهر التمتع يحتمل كونه شهر الإحرام كما يحتمل كونه شهر الإحلال باعتبار الالتذاذ و حصول التمتع كما تقدم، و كذا يحتمل في شهر الخروج كونه شهرا هلاليا أو ثلاثين يوما و على كل حال يتبادر الى الذهن التعارض و التمانع بين الروايتين فهل يمكن الجمع بينهما بان يقيد أحدهما بالاخر لنسبة موجودة بينهما تقتضي ذلك، أو لا يمكن بل لا بد من طرح أحدهما و العمل بالاخر.

و توضيح ذلك ان الرواية المذكورة فيها شهر الخروج واردة في بيان كيفية عمرة التمتع و ان من اتى بعمرته فهو محتبس بها الى ان يحج، و لا يجوز له ان يخرج من مكة، و إذا خرج يجب عليه ان يرجع الى مكة من غير إحرام قبل مضى شهر و اما بعد مضى شهر واحد من خروجه، يجب عليه ان يدخل بإحرام، و تكون عمرته الثانية هي التي يتمتع بها الى حجه، و تكون العمرة الأولى مبتولة.

و لكن شهر الخروج له فردان و مصداقان إذ قد يتحد مع شهر التمتع، كما إذا أحرم في شوال و اتى باعمال العمرة و خرج فيه من مكة و رجع في شهر ذي القعدة، فإنه يدخل محرما لمضي شهر واحد من التمتع و الخروج معا و اما لو رجع قبل شهر ذي القعدة يدخل محلا لعدم مضى شهر واحد لا من تمتعه و لا من خروجه، فلا تعارض بين شهر التمتع و شهر الخروج هنا لاتحادهما في مصداق واحد.

و قد يختلف المصداقان كما لو تمتع في أول شوال و خرج من مكة بعد اعمال العمرة في ذي القعدة و رجع إليها قبل مضى الشهر، فان قلنا ان الاعتبار في وجوب الإحرام على الداخل، هو شهر التمتع يجب عليه الإحرام لمضي شهر من

ص: 348

تمتعه، و اما إذا كان المعتبر في الحكم شهر الخروج يجب عليه ان يدخل محلا لا محرما، و في هذا المورد يقع التعارض و التمانع بين روايتي أبان و إسحاق فإن الأولى منها تدل على اعتبار شهر الخروج و الثانية على اعتبار شهر التمتع في الحكم فهل يحمل شهر التمتع على الذي يتحد مع شهر الخروج أو يحمل شهر الخروج على ما يتحد مع شهر التمتع، إذ لا يمكن الجمع بين الدليلين فيما إذا تمتع في شوال و خرج في ذي القعدة و رجع فيه، أو يقع التعارض بينهما فيتساقطان مع عدم التّرجيح في البين، و يكون المرجع هو العمومات الأخرى.

الظاهر ان حمل شهر الخروج على ما يتحد مع شهر التمتع اولى من حمل شهر التمتع على ما يتحد مع شهر الخروج، بل أظهر، لان مقتضى العادة ان من يدخل مكة محرما يخرج بعد اعمال العمرة و يرجع إليها في الشهر الذي تمتع فيه مضافا الى ظهور التعليل الوارد بان لكل شهر عمرة في ذلك.(1) و يظهر من كلام صاحب الجواهر قدس سره ان المناط و الملاك شهر الخروج لا شهر التمتع، و لعل وجه ذلك تضعيف رواية إسحاق الدالة على اعتبار شهر التمتع مع تصريحه بأنها موثقة فعلى هذا لا دليل على ترجيح شهر الخروج بل اللازم ان يقيد بما أشرنا إليه من اشتراط اتحاده مع شهر التمتع.(2) ثم انه بتلك الأخبار الواردة في عدم وجوب الإحرام قبل مضى شهر واحد يخصص عموم ما يدل على وجوبه على كل من يدخل مكة كما في رواية رفاعة


1- لا يخفى ان حمل شهر الخروج على ما يتحد مع شهر التمتع ملازم لترك الروايات الدالة على اعتبار شهر الخروج إذا الملاك دائما يكون شهر التمتع و لا اثر لشهر الخروج و لا فائدة لذكره أصلا.
2- لا يخفى على المتأمل في كلام صاحب الجواهر ان نظره قدس سره إلى إجمال رواية إسحاق و ظهور حسن حماد فيما ذكره، لا ضعف رواية إسحاق حتى يورد عليه بما ذكره الأستاذ مد ظله العالي فراجع.

ص: 349

ابن موسى المتقدمة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يدخلها الا محرما.

و كذا يخصص بها عموم ما يدل على ان المعتمر محتبس بحجه مرتهن به حتى يقضى حجه كما في رواية أبان بن عثمان و زرارة و حريز، إذا لم يكن المخصص مجملا و علمنا ان المراد من الشهر المذكور في الرواية الذي لا يجب الإحرام لدخول مكة إذا رجع إليها قبل مضيه، هو شهر الخروج أو شهر التمتع على ما تقدم و أشير اليه.

و اما إذا لم نعلم ذلك و كان المخصص مجملا يؤخذ بالقدر المتقين من التخصيص و يرجع في الزائد عليه الى العام الموجود في المقام أو يرجع الأصل الجاري في المسئلة إذا لم يمكن الأخذ به، مثلا لو فرضا انه خرج من مكة و رجع إليها قبل مضى شهر الخروج بعد مضى شهر التمتع و لم نتمكن من تقييد أحد الدليلين بالاخر يقع التعارض بينهما و يسقط كل واحد منهما في مورد التعارض و يرجع في حكم المسئلة الى العموم الذي يختلف بحسب المورد أو الى الأصل الجاري في المسئلة إذا وقع بين العمومات تعارض و تمانع.

و توضيح ذلك ان المفهوم من قوله عليه السّلام يرجع بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه وجوب الإحرام عليه و الإتيان بعمرة ثانية جديدة و به يخصص ما يدل على ان المعتمر بعمرة التمتع مرتهن بحجه، و محتبس به حتى يقضى حجه، و كذا ما يدل على انه لو رجع في شهر الخروج يدخل محلا يخصص به عموم ما يدل على وجوب الإحرام على كل من يدخل مكة، و هذا في القدر المتيقن في المخصص في كل من العامين بان رجع بعد شهر التمتع و بعد شهر الخروج إذ لا شبهة حينئذ في وجوب الإحرام و تخصيص العموم و هو قوله المعتمر مرتهن بحجه، و كذا رجع قبل شهر الخروج و شهر التمتع فإنه يدخل محلا بلا اشكال و يخصص العموم به ايضا و هو قوله لا يدخل مكة إلا محرما و اما في الزائد على القدر المتيقن بان رجع بعد شهر التمتع و قبل شهر الخروج يقع التعارض بين العمومين أحدهما عموم

ص: 350

ما يدل على ان المعتمر مرتهن به و لازمه عدم وجوب الإحرام على من يدخل مكة و ثانيهما عموم لا يدخل مكة إلا محرما و لازمه وجوب الإحرام عليه و يتساقط كل منهما فهل الأصل الجاري في المقام البراءة من وجوب الإحرام حين ما يدخل مكة فعليه يدخل مكة محلا و يحرم للحج من بطن مكة و يتم حجه التمتع بناء على ان العمرة الاولى لا تصير مبتولة إلا بإنشاء الإحرام الثاني لا بالخروج من مكة.

لو قلنا ان الأمر في المقام دائر بين المحذورين وجوب الإحرام لدخول مكة و حرمته لكونه مرتبطا بحجه، فيتخير بين الإحرام و تركه، و نتيجة ذلك عدم إلزام الإحرام عليه فيدخل محلا ان شاء و يقضى حجه بإنشاء الإحرام له من مكة، و تكون عمرته هي التي يتمتع بها، و لو شك في بقاء أثرها يستصحب و يحكم بالبقاء و عدم وجوب الإحرام عليه ثانيا.

هنا مسئلتان
الاولى

لو استظهرنا ان الملاك في وجوب الإحرام و عدمه و مضى الشهر و عدمه هو شهر التمتع لأشهر الخروج يأتي البحث في ان المراد من شهر التمتع هو الإهلال أو الإحلال منه، و لا يأتي هذا البحث بناء على كونه شهر الخروج، كما استظهره صاحب الجواهر و قد تقدم منا ان الظاهر من التعليل المذكور في الرواية بأن لكل شهر عمرة هو الإحرام لا الإحلال منه.

الثانية

ان البحث في المقام هل يختص بعمرة التمتع و انه يشترط ان لا يكون الفصل بين عمرة التمتع و حجه، أكثر من شهر واحد، أو يعم كل من اعتمر و خرج من مكة و رجع إليها قبل شهر و ان كانت مفردة أو لم يكن معتمرا أصلا أو كان مفردا للحج فعلى ذا من خرج من مكة و رجع إليها قبل مضى شهر يدخل محلا و اما جواز إحرامه و دخوله محرما حينئذ فمربوط بمسئلة اخرى، و هي ان الفصل بين العمرتين شهرا واحدا أو عشرة أيام أو ثلاثة أيام معتبر أم لا.

ص: 351

لا يخفى ان المذكور في بعض الاخبار هو التمتع و العمرة التي يتمتع بها الى الحج، لا مطلق الإحرام و لأكل من يخرج من مكة و يرجع إليها، بل المتمتع هو الذي استثنى عن وجوب الإحرام لدخول مكة، إذا خرج من مكة و رجع إليها قبل شهر، بل يجب عليه ان يدخل محلا، لكونه مرتهنا بحجه، و لكن الكلام في ان ذكر التمتع انما هو من باب انه أحد المصاديق أو لخصوصية فيه، و اختصاص الحكم به، فلا بد من التأمل في اخبار الباب من جهتين.

الجهة الاولى في اختصاص الحكم بالمتمتع، أو شموله لكلّ عمرة.

و الثانية انه بعد عدم الاختصاص بالمتمتع و الشمول لغيره هل يعم كل من خرج من مكة و رجع إليها قبل مضى الشهر و ان لم يكن أحرم قبل شهر بل كان قاطنا في مكة و لم يحرم أصلا.

قال بعض أصحابنا كل من دخول مكة معتمرا ثم خرج منها و رجع قبل الشهر يدخل محلا و لا يجب عليه الإحرام سواء كان معتمرا بعمرة التمتع أو غيره و اما جواز الإحرام فموكول الى حكم الفصل بين العمرتين و مقداره.

و يظهر من الحدائق أيضا اعتبار تقدم الإحرام كما هو ظاهر كلام المحقق في الشرائع و حينئذ فقاطنوا مكة مثلا لو خرج منهم أحد إلى خارج الحرم وجب عليه الإحرام للدخول و ان عاد قبل مضى شهر بل في يومه، كما صرح بذلك في الحدائق على ما نقله صاحب الجواهر.

و عن المدارك ان الحكم لا يختص بالمعتمر و لا يعتبر تقدم الإحرام بل يشمل كل من خرج من مكة و رجع إليها قبل الشهر فإنه يدخل محلا و ان لم يعتمر و لم يحرم قبله.

و اما الروايات المذكورة فيها التمتع فحملها على مطلق الإحرام مشكل، فإنها تدل على ان العمرة المتمتع بها الى الحج يجب ان لا يقع الفصل بينها و بين الحج أكثر من شهر واحد و ان المعتمر يرتهن بحجة إلى شهر و إذا زاد عليه يدخل

ص: 352

مكة بعمرة ثانية تكون هي المرتبطة بحجه و تصير العمرة الأولى مبتولة و منقطعة عن الحج لانه لكل شهر عمرة و كذا تدل النصوص على جواز دخول الحرم محلا قبل مضى شهر من الخروج للمتمتع و اما استفادة غير هذا منها فمشكل هذا ما يستفاد من تلك الطائفة من النصوص و اما غيرها فلا بد من نقلها و التأمل فيها.

عقد شيخنا الحر العاملي قدس سره بابا في السوائل و قال باب جواز دخول مكة بغير إحرام لمن دخلها قبل مضى شهر كالحطاب و الحشاش.

يظهر من كلامه قدس سره انه لا يشترط الإحرام أصلا ثم ذكر قدس سره روايات منها.

رواية ابن القداح عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال خرجنا مع أبي جعفر عليه السّلام الى أرض بطيبة و معه عمر بن دينار و أناس من أصحابه فأقمنا بطيبة ما شاء اللّه الى ان قال ثم دخل مكة و دخلنا معه بغير إحرام. (1) مفاد الرواية ان أبا جعفر عليه السّلام خرج من مكة و لما رجع إليها دخلها بغير إحرام، و لكن وجه عمله عليه السّلام غير معلوم، مضافا الى ان الإقامة بطيبة ما شاء اللّه مجمل و غير معين و لا يصح الاستدلال به، نعم يعلم منها دخول مكة بغير إحرام يجوز أحيانا، الا انه لا يفيد شيئا في المقام، و لا يعارض عموم قوله عليه السّلام لا يدخل مكة إلا محرما، إذ المتقين من الخارج عن العموم، من اعتمر و دخل مكة ثم خرج و رجع قبل شهر، و اما خروج غير المحرم بعمرة التمتع أو غير المحرم أصلا فغير معلوم، و يمكن ان يقال ايضا ان أبا جعفر عليه السّلام كان محرما بعمرة التمتع و خرج من مكة إلى أرض طيبة ثم رجع إليها و هو القدر المتقين من عمله عليه السّلام و لا يستفاد أزيد من ذلك.

و رواية رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل به بطن و وجع شديد يدخل مكة حلالا، قال: لا يدخلها الا محرما، و قال أبو عبد اللّه ان الحطابة و المجتلبة(و المختلبة) أتوا النبي صلّى اللّه عليه و آله فسألوه فأذن لهم ان يدخلوا حلالا. (2)


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 2

ص: 353

و المقطوع من الرواية ان النبي صلّى اللّه عليه و آله اذن لجماعة ان يدخلوا مكة بغير إحرام و اما وضعهم من جهة الإحرام فغير معلوم، هل كانوا قبل هذا محرمين، أو لم يكونوا كذلك، مضافا الى ما يأتي من ان الحكم هل يختص بالطائفتين أو يعم كل خارج من مكة و راجع إليها.

و رواية جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يخرج الى جدة في الحاجة قال: يدخل مكة بغير إحرام. (1) قد يستدل بالرواية لجواز دخول مكة بغير إحرام لغير المحرم من قبل، بدعوى ان الراوي لم يسئل عن(كونه اى الداخل مكة)، محرما فيكون عاما يشمل المحرم من قبل و غيره، و المتمتع و غيره فيوافق قول صاحب المدارك حيث اختار العموم، و لا يخفى كونها مطلقة بالنسبة إلى الرجوع قبل شهر أو بعده.

يمكن ان يقال انها منصرفة الى من دخل مكة معتمرا بالعمرة إلى الحج و لا يشمل غيره و لكن الظاهر انها غير منصرفة إليه بل تشمل كل من خرج من مكة و رجع إليها الا انه لم يعمل بها بهذا لعموم.

و رواية ابن ابى عمير عن حفص بن البختري عن رجل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم قال ان رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام فإن دخل في غيره دخل بإحرام. (2) و هذه الرواية قيد فيها عدم وجوب الإحرام بالرجوع في الشهر الذي خرج فيه، و لكن الرواية السابقة خالية عن هذا القيد و لعل الظاهر من السؤال فيها ايضا الرجوع قبل الشهر الا انه لم يصرح فيها بكونه اى الخارج من مكة محرما من قبل، فيكون مفادهما ان كل من خرج من مكة و رجع قبل شهر يدخل محلا و يخصص به العام الذي تدل على وجوب الإحرام، و اما من رجع بعد الشهر أو دخل مكة من الخارج يدخل محرما إذا لم يكن العام معرضا عنه كما أشير إليه.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 3
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 4

ص: 354

و رواية ابن بكير عن غير واحد من أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه خرج الى الربذة يشيع أبا جعفر عليه السّلام ثم دخل مكة حلالا. (1) و الرواية أيضا مطلقة إذ لم يصرح فيها بكونه عليه السّلام محرما بإحرام التمتع أو غيره أو لم يكن محرما أصلا الا انه لا يصح الاستدلال بإطلاقها لعدم العلم بجهة فعل الامام و وضعه عليه السّلام.

يظهر من مجموع تلك الاخبار، ان وجوب الإحرام لدخول مكة انما هو على من يدخلها من الخارج من مكة، و اما الذي خرج منها و رجع إليها قبل شهر لا يجب عليه الإحرام لدخولها، و كذا المستفاد من النصوص الواردة في العمرة المتمتع بها، ان تلك العمرة تكفي في الإتيان بالحج إذا لم يفصل بينهما شهر واحد، و لازم ذلك كفاية إحرام واحد في تلك المدة لدخول مكة.

و لكن الفقهاء لم يعملوا بإطلاق الطائفة الاولى من الاخبار و لم يفتوا بكفاية الخروج من مكة و الرجوع إليها مطلقا و لو لم يكن إحرام من قبل أصلا في عدم وجوب الإحرام، بل المصرح في فتاويهم ان من كان محرما و دخل مكة و خرج منها ثم رجع إليها قبل مضى شهر يدخل محلا، و لا يجب عليه الإحرام.

قد يورد على فتاويهم قدس اللّه أسرارهم بان مستندهم ان كان ما ورد في العمرة المتمتع بها الى الحج و انها تكفي و تجزى إلى شهر واحد فهو مختص بها و لا يتعدى الى محرم لغيرها كما لا تشمل غير محرم و ان كان المستند الأخبار المطلقة الدالة على كفاية نفس الخروج و الرجوع قبل شهر يجب الحكم على عدم وجوب الإحرام على كل من خرج من مكة و رجع إليها قبل الشهر سواء كان أحرم قبل ذا أولا.

اللهم ان يقال ان المستند في فتاويهم الأخبار الواردة في التمتع مع إلغاء الخصوصية عن المورد و الالتزام بان الملاك في المسئلة هو الإحرام من قبل بما هو إحرام، لكنه مشكل إذا لمتبادر منها ان الملاك ارتباط العمرة بالحج و ان المحرم


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من المواقيت الحديث 5

ص: 355

المتمتع مرتهن بحجه و محتبس به و هذه الخصوصية لا توجد في غيره نعم تجشم صاحب الجواهر قدس سره لإلغاء الخصوصية عن المتمتع و لكنه مشكل كما تقدم.

و يمكن ان يقال ان مستند فتاوى الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم الإجماع و النقل معا، بتقريب ان الاخبار المطلقة الدالة على عدم وجوب الإحرام على من خرج من مكة و رجع إليها قبل شهر أحرم من قبل أم لا، لم يعمل على عمومها بل لا بد من حملها على من أحرم قبل شهر، لإجماع العلماء على عدم كفاية نفس الخروج و الرجوع من غير إحرام، كما يستفاد من إطلاق الرواية، و لا يبقى في المقام الا النصوص الواردة في العمرة المتمتع بها الى الحج و ان المعتمر إذا خرج من مكة و رجع إليها قبل شهر يدخل محلا، و لكنهم لم يخصوا هذا الحكم بالمتمتع فقط و لم يقتصروا على مورد الروايات و عمّموه الى كل محرم، و يعلم من ذلك ان تلك الأخبار الظاهرة بل الصريحة في المتمتع كانت محفوفة بقرائن لم تصل إلينا، و وصلت إليهم و لأجلها الغوا الخصوصية من المورد، و جعلوا المناط و الملاك في فتاويهم الإحرام بما هو إحرام، لا الإحرام للعمرة المتمتع بها الى الحج، فأفتوا بوجوب الإحرام بعد شهر و عدم وجوبه إذا رجع قبل مضى شهر لكونه مرتهنا بحجه ما لم يمض شهر واحد.

ص: 356

[الثالث] في حكم الحطاب

استثنى عن وجوب الإحرام لدخول الحرم و مكة، الحطاب و الحشاش فان لهما الدخول حلالا، و لا إشكال في أصل الحكم و تدل عليه رواية رفاعة المتقدمة و فيها قال: أبو عبد اللّه ان الحطابة و المجتلبة،(و المختلبة) أتوا النبي صلّى اللّه عليه و آله فسألوه فأذن لهم ان يدخلوا حلالا. (1) انما الكلام في ان الاذن يختص بالحطاب أو يعم كل من يتردد بين مكة و غيرها، و يحمل أشياء أخر مثل الحجر و الحديد و غيرهما و مثله الراعي، يمكن استظهار التعميم لجميع من ذكر و شمول الاذن لهم ايضا.

[الرابع] في حكم دخول مكة عند القتال

يجوز لمن يدخل مكة لقتال مباح ان يدخلها محلا كما حكى عن الشيخ و ابن إدريس بل عن المدارك انه المشهور بين الأصحاب.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 51 من باب الإحرام الحديث 2

ص: 357

و استدل له بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله فإنه دخلها محلا عام الفتح.

و أورد عليه بان المصرح في الرواية انه كان مختصا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله ساعة و لا يحل لغيره صلّى اللّه عليه و آله.

عن معاوية بن عمار قال رسول اللّه يوم فتح مكة ان اللّه حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض و هي حرام الى ان تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي و لم تحل لي إلا ساعة من نهار. (1) عن كليب الأسدي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال ان رسول اللّه استاذن اللّه عز و جل في مكة ثلاث مرات من الدهر فاذن له فيها ساعة من النهار ثم جعلها حراما ما دامت السماوات و الأرض. (2) و ظاهر الروايتين حرمة دخول مكة بغير إحرام في جميع الحالات لغيره صلّى اللّه عليه و آله نعم خرج منه المريض كما في الروايات ايضا مضافا الى ما قيل ان النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل مكة مصالحا لا لقتال الا انه لما كان الصلح مع ابى سفيان و لم يثق بهم و خاف غدرهم حل له ذلك اللهم ان يقال انه إذا جاز لخوف القتال فله اولى.

و في الجواهر بعد نقل ما ذكر، و فيه انه على كل حال لا يستفاد منه الجواز لمطلق القتال ضرورة احتمال خصوصية فيما وقع من النبي لا توجد في غيره ثم انه قدس سره قال نعم قد يقال بالجواز إذا وصل الأمر إلى حد الضرورة لعموم أدلتها و على هذا يكون الدليل في مسئلة الضرورة و الحرج المرفوعين في الإسلام حكمهما تكليفا عند التحقق لكنه لم يثبت ان عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله كان للضرورة و الحرج.

نعم لو اضطر الى دخول مكة محلا يرفع وجوب الإحرام لأجله تكليفا فلا يحرم عليه دخولها محلا و اما شرطية الإحرام فلا يرفع مثلا لو قلنا ان العمرة التمتع


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 7
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 9

ص: 358

بها الى الحج مشروطة بالإحرام لها من محل خاص، و لم يتمكن منه لا يحكم بصحة العمرة و الحج، بل تبطل لفقدان الشرط، كما إذا رفع وجوب الوضوء أو التيمم بالاضطرار و لم يتمكن منهما لا يحكم بصحة الصلاة بدون الطهارة إذا لم يكن دليل آخر.

اللهم ان يستدل في المقام لصحة العمرة و الحج بالأخبار الخاصة الواردة في الناسي للإحرام أو الجاهل لوجوبه فإنه إذا تذكر يرجع الى الميقات إن أمكن و الا يحرم من محله و في غير هذه الصورة تبطل عمله هذا تمام الكلام في وجوب الإحرام لدخول مكة و ما خرج من العموم.

ثم ان الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم بعد الفراغ عن المسئلة المتقدمة تعرضوا لإحرام المرية فإن كان المقصود منه بيان كيفية إحرامها كان المناسب التعرض له في كيفية إحرام المرية و الرجل في باب الإحرام و اما إذا كان مرادهم من التعرض له ان المرأة يجب عليها الإحرام لدخول مكة و لا يجوز لها ان تدخلها حلالا كما في الرجل فالمناسب لذكر ذلك هذا المقام.

ص: 359

في إحرام المرأة

اشارة

قال المحقق في الشرائع: و إحرام المرأة كإحرام الرجل الا فيما استثنى من جواز لبس المخيط و الحرير و التظليل انتهى.

و يعلم من كلامه قدس سره في هذا الفرع ان كيفية إحرام المرأة مثل كيفية إحرام الرجل الا انه لا يجوز ستر الوجه لها كما يجوز للرجل و يجوز لها لبس الحرير و المخيط و ستر الرأس عند عدم الناظر، و الا يجب عليها الستر، بخلاف الرجل حيث لا يجوز له لبس المخيط و ستر الرأس و لبس الحرير و يمكن ان ينسب الى صاحب الشرائع انه يعتبر في إحرام المرأة ليس ثوبين كما يعتبر التلبية و غيرها الا ما علم استثنائه.

فهل الدليل على اعتبار الثوبين في إحرام المرأة هو الدليل الدال على اعتبارهما في الرجل بإرادة الجنس من لفظ المحرم المذكور في الروايات كما في سائر الواجبات و الشرائط، و لا يحتاج ذلك الى دليل آخر نعم خروج بعضها

ص: 360

يحتاج الى دليل خاص و مخرج.

و كذا يستفاد من كلامه انه يجب الإحرام على المرأة لدخول مكة أو الحرم كما يجب على الرجل و لا يجوز ان تدخلهما بغير إحرام حفظا لحرمة المسجد و صونا لشئون الحرم و تعظيما لحق الكعبة كما ورد في الرواية أيضا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال حرم المسجد لعلة الكعبة و حرم الحرم لعلة المسجد و وجب الإحرام لعلة الحرم. (1) و العلة المذكورة في الرواية شاملة للرجل و المرأة في دخول مكة أو الحرم مضافا الى بعض الروايات الصريح أو الظاهر فيه كرواية عاصم بن حميد قال قلت لأبي عبد اللّه أ يدخل الحرم أحد إلا محرما قال: لا الا مريض أو مبطون. (2) و لفظة أحد عام شامل للرجل و المرأة و الاستثناء يؤكّد ذلك و هنا اخبار تدل على وجوب الإحرام على المرأة و لو كانت لا تصلى لا بد من التأمل فيها هل يستفاد منها وجوب الإحرام على المرأة لدخول الحرم و مكة كالرجل أم لا و كذا وجوب لبس الثوبين أم لا و منها.

صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صفوان عن منصور بن حازم قال:

قلت لأبي عبد اللّه المرأة الحائض تحرم و هي لا تصلى قال: نعم إذا بلغت الوقت فلتحرم. (3) و رواية يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّه عن الحائض تريد الإحرام قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير الصلاة.


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 1
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 2

ص: 361

و ظاهر قوله تلبس ثيابا ان هذا اللباس غير لباس الإحرام.

و صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عن الحائض تحرم و هي حائض قال: نعم تغتسل و تحتشي و تصنع كما تصنع المحرمة و لا تصلى. (1) و رواية عيص بن قاسم قال سألت أبا عبد اللّه أ تحرم المرأة و هي طامث قال نعم تغتسل و تلبي. (2) و رواية زيد الشحام عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام فتطمث قال تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم فإذا كان الليل خلعتها و لبست ثيابها حتى تطهر. (3) يستفاد من مجموع الأخبار المتقدمة ان المرأة يجب عليها لبس ثياب الإحرام إذ لا معنى لنزع ثياب الإحرام بالليل أو لبس ثوب دونها لو لا وجوب لبسها عليها و حفظها من التنجيس.

ثم انه يجب على الحائض ان تحرم و لا تصلى صلاة الإحرام و لا تدخل المسجد و المراد من الدخول الممنوع التوقف و المكث فيه و لا إشكال في الاجتياز عنه و العبور منه مثلا لو أحرمت خارج مسجد الشجرة و دخلت من باب و خرجت من باب آخر لا اشكال فيه إذا لم تتوقف فيه و كذا لا مانع إذا أحرمت حال العبور و الاجتياز فالأخبار الناهية عن دخول المسجد محمولة على التوقف و المكث لا العبور و الاجتياز كما اختاره صاحب الوسائل قدس سره.

لكن ما هو المذكور في الروايات النهى عن الدخول لا التوقف و المكث في المسجد و الا لكان المناسب ان يقول لا تتوقف و لا تمكث نعم نظرا الى ما هو المتسالم فيه من جواز العبور من المساجد للجنب و الحائض حملت تلك الأخبار


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 4
2- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 5
3- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 3

ص: 362

على النهى عن التوقف أو على الكراهة بمعنى ان العبور من غير المسجدين جائز و لكنه في حال الإحرام مكروه، و يمكن ان يراد من المسجد مسجد الحرام و كما يمكن ان يكون النهى لخوف تعدى النجاسة الى المسجد و سرايته اليه و الإنصاف ان جميع ذلك خلاف الظاهر الا ان العلماء رضوان اللّه عليهم أفتوا بعدم البأس للإحرام على الحائض مجتازة عن المسجد، و إذا لم تتمكن من الإحرام حال العبور تحرم خارج المسجد و لا تدخله و عليه حمل بعض تلك الأخبار الناهية عن الدخول.

هذه محامل في الروايات و أقربها، الحمل على الكراهة لأن العبور من المسجد و ان كان جائزا للجنب و الحائض الا انه مكروه و ارادة مسجد الحرام من لفظ المسجد خلاف الظاهر فإن السائل سأل عن كيفية إحرامها و بيان حالها حال الإحرام.(1) و كذا حمل الدخول المنهي على التوقف و المكث لاستلزام ذلك فيكون الدخول منهيا عنه و حراما من باب المقدمة فهو ايضا خلاف الظاهر فان الدخول في المسجد لا يلازم التوقف و المكث فيه، فان من الممكن عادة ان تلبس الحائض ثياب الإحرام خارج المسجد و تلبي حال الاجتياز منه مضافا الى ان مقدمة الحرام ليس بحرام كما قرر في محله، هذا حكم إحرام الحائض و اما الغسل للإحرام فسيأتي حكمه.

في غسل الإحرام للحائض

ثم انه بعد ما ثبت وجوب الإحرام على الحائض إذا بلغت الوقت فهل الغسل


1- ارادة المسجد الحرام من المسجد المذكور في رواية يونس بن يعقوب محتملة جدا بقرينة ذيل الرواية للتصريح فيه بأنها لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير الصلاة إذ كثيرا ما يحرمون بالحج من مسجد الحرام لا غيره و اما غير رواية يونس لم يذكر فيه المسجد.

ص: 363

للإحرام مشروع لها أم لا.

نقل صاحب المدارك عن جده ان الاولى عدم الغسل لها و أورد عليه في الجواهر بقوله لا ريب في ضعفه و انه خلاف ما هو المصرح به في الرواية، فإن الظاهر من قوله عليه السّلام نعم تغتسل و تلبي مشروعية الغسل له، مضافا الى ان هذا الغسل ليس طهارة ينافيها وجود الحيض بل هو مستحب تعبدا.

و مراده قدس سره انه كما يستحب الوضوء للحائض وقت الصلاة من دون تأثير في حصول الطهارة فكذلك الاغتسال لها حال إحرامها فلا تنافي بينه و بين الطمث.

في حكم ترك الحائض الإحرام من الميقات

ثم انه لو تركت الحائض الإحرام من الميقات ظنا انه لا يجوز هل يجب عليها ان ترجع الى الميقات و تنشئ الإحرام منها إذا تذكرت و علمت أم تحرم من مكانها.

قال المحقق في الشرائع بوجوب الرجوع اليه و إنشاء الإحرام منه، و أضاف في الجواهر بلا خلاف و اشكال لتوقف صحة الإحرام عليه.

و هذا الاستدلال انما يتم إذا كان الحج واجبا عليها و الإحرام فرضا، و اما إذا لم يكن العمل واجبا لا يجب عليها الرجوع الى الميقات و الإحرام منه.

و تفصيل الكلام انه قد يجب عليها الحج أو العمرة أصالة أو نيابة، فيجب عليها الإحرام، لإتيان هذا العمل الواجب، و اخرى ليس عليها عمل مفروض و حج واجب مشروط بالإحرام، بل انما وجب لدخول الحرم و مكة، رعاية لشأن البيت و تعظيما لأمره فإذا تركت الإحرام من الميقات و دخلت من غير إحرام لا يجب عليها الرجوع اليه و لكنها أثمت بذلك، و لا يجب عليها القضاء على ما اخترناه، و وجوب الرجوع الى الميقات و الإحرام منه انما كان لوجوب العمل، و إذا انتفى ينتفي.

نعم بناء على ما اختاره بعض علمائنا من وجوب القضاء عند ترك الإحرام

ص: 364

لدخول مكة يجب عليها ان ترجع الى الميقات و تنشئ الإحرام منه للإتيان بالعمل الواجب عليها المشروط به الذي هو كالدين اللازم أدائه مع التمكن، هذا إذا تمكنت من الرجوع و اما إذا لم تتمكن من الرجوع لمانع من خوف أو لضيق الوقت فالإحرام من مكانها يحتاج الى دليل خاص.

ثم انه بناء على وجوب الرجوع الى الميقات إذا تمكنت هل يجب عليها ان ترجع الى ميقات أهلها أو يكفي الرجوع الى بعض هذه المواقيت و سيجي ء البحث في ان بعض الروايات في من ترك الإحرام من الميقات يدل على وجوب الرجوع الى ميقات اهله و بعضها الأخر إلى مطلق المواقيت و يظهر من ثالث جواز الإحرام من مكانه و من رابع الرجوع بقدر الإمكان فالمهم نقلها و التأمل في فقهها و الجمع بينها بعد التعرض لما استدل به الأصحاب في المسئلة.

قد يستدل لعدم صحة الإحرام من غير الميقات حتى عند عدم التمكن من الرجوع بعدم تحقق الامتثال و انه لا يصح الإحرام من غير الميقات إذا تركه عمدا و قد يستدل لكفاية الإحرام من مكانه إذا تعذر الرجوع الى الميقات بأن الضرورة تقتضي ذلك كما في دخول مكة بغير إحرام حال القتال إذ الحائض التي تركت الإحرام من الميقات جهلا بالحكم و لا تتمكن من الرجوع إليه إذا حكم ببطلان حجها و وجوب القضاء عليها يكون حرجا عليها، و مشقة لها.

و فيه ان نفى الحرج إذا لم تقدر على الرجوع انما يرفع وجوب الحج أو التوقف في مكة إلى السنة القابلة لأداء حجها و لا يرفع شرطية الإحرام أو كفايته من غير الوقت الذي وقتها رسول اللّه لمن يريد الحج فإن كفاية الإحرام من مكان التذكر أو من مكة يحتاج الى دليل خاص حتى لو قلنا برفع وجوب الرجوع الى الميقات للحرج كما في المسح على المرارة.

و توضيح ذلك ان الامام عليه السّلام استدل في رفع وجوب المسح على البشرة بقوله تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، و علم بذلك ان الحرج يرفع

ص: 365

وجوب المسح عليها و اما كفاية المسح على المرارة بدلا عن المسح بالبشرة لم يفهم منه نعم بعد التصريح بذلك بقوله امسح على المرارة ما جعل اللّه عليكم في الدين من حرج علمنا ان هذا الوضوء يكفى عن الوضوء الواجب عليه مع المسح بالبشرة و لو لا تصريح الامام به لقلنا بعدم وجوب الوضوء عليه أصلا.

و اما الاتفاق الذي ادعى في كلمات الأصحاب على صحة الإحرام من مكانها إذا لم تتمكن من الرجوع الى الميقات فليس دليلا مستقلا بل منشأه الأخبار الواردة و سنتعرض لها إنشاء اللّه منها.

صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم قال: قال ابى يخرج الى ميقات أهل أرضه فإن خشي ان يفوته الحج أحرم من مكانه فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم. (1) و هي تدل على وجوب الرجوع الى ميقات أهل أرضه(أي الذي نسي أن يحرم) لا ميقات اخرى، و ان خشي فوت الحج يجب عليه ان يحرم من مكانه و ان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم و اما الزيادة على الخروج من الحرم فلا يستفاد و لكن مورد الرواية صورة النسيان و ما نحن فيه الجهل بالحكم، و عدم علم الطامث بصحة الإحرام و تركها له ظنا منها بعدم الجواز، فإن أمكن و صح التعدي و تسرية الحكم من مورد النسيان الى الجهل بالحكم، و ان كل واحد من الناسي و الجاهل يكون معذورا في ترك الإحرام من الميقات كما ادعاه صاحب المدارك، فيتحد الحكم في الموردين و اما إذا اقتصرنا في العمل بالصحيحة على موردها، و قلنا ان النسيان عذر مخصوص كما في سائر الموارد، لا تشمل الرواية لما نحن فيه، إذ يمكن ان يكون النسيان عذرا في مورد، و لا يكون الجهل فيه مثله و رواية عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى اتى مكة، فخاف ان رجع الى


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 1

ص: 366

الوقت ان يفوته الحج فقال يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك. (1) و الخروج من الحرم انما يجب إذا كان ممكنا و يعلم من الرواية انه كان متمكنا من ذلك و لا يفوته الحج بالخروج منه و لم يصرح فيها بالرجوع الى قدر ما أمكن.

و رواية أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد اللّه عن رجل جهل ان يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع قال يخرج من الحرم ثم يهل بالحج. (2) و رواية معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم فقال عليه السّلام ان كان عليها وقت(مهلة) فترجع الى الوقت فلتحرم منه، فان لم يكن عليها وقت(مهلة) فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها. (3) و تدل هذه الرواية على وجوب الرجوع بقدر ما لا يفوتها الحج بعد الخروج من الحرم، و استنادا بها افتى بعض بوجوب الرجوع بمقدار المكنة و ان لم تصل الى الميقات، و اما صاحب الجواهر حملها على الاستحباب مستندا بان الروايتين المتقدمتين أي رواية ابن سنان و ابى الصباح انما تدلان على وجوب الخروج من الحرم فقط و اما الرجوع الى جانب الميقات بقدر ما لا يفوته الحج لم يذكر فيهما مع انهما كانتا في مقام البيان فيحمل ما يدل على وجوب الرجوع كما في رواية عمار على الندب و بهذا يجمع بين الروايات و يرفع التعارض.

و قد يجمع بينها بحمل الروايتين على عدم القدرة على الرجوع الى قدر ما يتمكن فيكفي الخروج من الحرم و اما رواية عمار فهي واردة في مورد القدرة على ذلك.


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 2
2- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 3
3- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 4

ص: 367

(في التمسك بقاعدة الميسور)

قد يتمسك لوجوب الرجوع الى جانب الميقات بقدر ما يتمكن بقاعدة الميسور، فان الرجوع الى الميقات و ان لم يكن مقدورا الا ان البعض من الطريق ميسور لها(للطامث) ان تسلكه و ترجع بقدر ما لا يفوتها الحج إذ لا يسقط الميسور بالمعسور، و تقرير الاستدلال يمكن ان يكون على وجهين، الأول ان يقال ان الإحرام من الطريق يعد عند العرف ميسورا لوجوب الإحرام من الميقات هذا يحتاج إلى مساعدة العرف و ان ما يرجع الى جانب الميقات ميسور الإحرام من الميقات.

الثاني ان ما هو الواجب على من يمرّ بالميقات ان يحرم منها ثم يمر بإحرامه على الطريق حتى يصل الى مكة و يقضى مناسكه فمتعلق الوجوب الإحرام و المرور بالطريق فإذا لم يتمكن من الجميع و تيسر له ان يمرّ ببعض الطريق بإحرامه يجب عليه ذلك لصدق ان البعض المقدور ميسور لما هو الواجب عليه، كما لو أمر المولى عبده بزيارة شخص و أوجب عليه لبس العباء و الرداء من داره الى بيته، فإذا لم يتمكن من لبسه من الدار و تمكن منه من وسط الطريق يصدق على ما هو المقدور انه هو الميسور من الواجب، و على هذا تكون الأخبار الدالة على وجوب الرجوع بقدر ما يمكن موافقة للقاعدة أيضا، و لو لا ذلك لما أمكن القول بأن الإحرام من الطريق ميسور الإحرام من الميقات، إذ المستفاد من الروايات انه إذا تعذر الإحرام من الميقات يجب الإحرام من خارج الحرم و محله ادنى الحل و اما الإحرام من غيره ربما يكون إحراما قبل الميقات، لو لا دليل يدل على جوازه، نعم قد دل الدليل على وجوب الرجوع بقدر ما لا يفوت الحج كما في رواية عمار المتقدمة.

(في ان الرجوع الى مطلق الميقات أو ميقات الأهل)

ثم انه بناء على وجوب الرجوع الى الميقات عند التمكن و زوال العذر،

ص: 368

هل هو ميقات أهل أرضه(اى التارك للإحرام) أو يرجع الى اى ميقات من المواقيت، الاخبار في المقام متفاوتة الدلالة، ففي بعضها يرجع الى ميقات أهل بلاده، كما في رواية الحلبي و على بن جعفر، و في بعضها الأخر يرجع الى بعض المواقيت، كما في رواية زرارة الاتية.

عن زرارة عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا الى الميقات و هي لا تصلى، فجهلوا ان مثلها ينبغي ان تحرم، فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة، و هي طامث حلال فسألوا الناس فقالوا تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه، فكانت إذا فعلت لم تدرك الحج فسألوا أبا جعفر عليه السّلام فقال تحرم من مكانها قد علم اللّه نيتها. (1) و المستفاد من الرواية ان أبا جعفر عليه السّلام أمر بالإحرام من مكانها حين ما لم تكن المرأة متمكنة من الرجوع الى بعض المواقيت خوفا من ان لا تدرك الحج، و لكنه عليه السّلام لم يردع الناس عن قولهم: تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه، فهل كلامهم في الرجوع اليه كان من جهة أنه إحدى مصاديق المواقيت التي يجب ان تحرم منها، أو كان لأجل عدم قدرتها على الرجوع الى ميقات أهلها الذي مرت عليه و جهلت ان تحرم منها، أو يقال انه لا يستفاد من الرواية كيفيته الرجوع الى الميقات فإنها ليست بصدد بيانها، بل في مقام أصل الرجوع و كفاية الإحرام من مكانها إذا خافت فوت الحج، و الظاهر ان الرواية واردة في مورد عدم القدرة على الرجوع الى ميقات أهلها، إذ يبعد ان يكون الناس الذين كانوا معها جاهلين بالمسئلة فلا يستفاد من الرواية عدم وجوب الرجوع الى ميقات أهلها مع التمكن و القدرة عليه، و كفاية الإحرام من سائر المواقيت، و ان قلنا في مسئلة من عصى و لم يحرم من الميقات حتى دخل مكة انه يجب عليه الرجوع و انه ان رجع الى غير ميقات اهله يصح إحرامه منه أيضا الا انّ المقصود في المقام ان رواية زرارة لا تدل على


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 6

ص: 369

ذلك بل يحتاج الى دليل أخر يدل على كفاية الإحرام من بعض هذه المواقيت و ان كانت متمكنة من الرجوع الى ميقات أهلها.

و رواية الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال يرجع الى ميقات أهل بلاده الذين يحرمون منه فيحرم فإن خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج. (1) هذه الرواية مطلقة لم يقيد بقيد من الجهل و العمد و النسيان فهل يشمل الجميع في وجوب الرجوع الى ميقات أهل بلاده و الإحرام منه، و ان خشي الفوت فمن مكانه، لترك الامام عليه السّلام التفصيل في الجواب، أو لا تشمل الا بعضه.

قال صاحب الحدائق في مسئلة من ترك الإحرام من الميقات عمدا قطع الأصحاب بوجوب رجوعه اليه لتركه الإحرام الواجب عليه من الميقات الذي لا يصح من غيره، و ان لم يقدر عليه يبطل حجه و افتى قدس سره بذلك ايضا.

ثم نقل قدس سره عن بعض، الحكم بلحوق العامة بالجاهل و الناسي في جواز الإحرام من مكانه إذا لم يتمكن من الرجوع الى ميقات اهله و تمسك لهذا القول برواية الحلبي المتقدمة لترك الاستفصال في جواب الامام عليه السّلام إذ لم يسئل من السائل انه ترك الإحرام عمدا أو جهلا أو نسيانا، فيعم الجميع، كما يعم من ترك الإحرام من الميقات عمدا لعدم كونه عازما على دخول مكة، ثم بدا له العزم عليه بعد دخوله الحرم، و كذا يشمل من ترك الإحرام منه لجوازه عليه كالحطاب و الحشاش ثم بدا له العزم على الحج.

و رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: سالته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله قال: يقول اللهم على كتابك و سنة نبيّك فقد تم إحرامه، فإن جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 7

ص: 370

ان كان قضى مناسكه كلّها فقد تم حجه. (1) و ظاهر الرواية تمامية الحج و النسك كلها، مع ترك الإحرام عن غير عمد، و هو الظاهر ايضا من رواية زرارة المتقدمة إذ في ذيلها بعد ما قال أبو جعفر عليه السّلام تحرم من مكانها، قد علم اللّه نيتها، و المستفاد من هذه الجملة انها كانت عازمة أن تأتي بما أمرها اللّه تعالى به، الا انها لم تعلمه و لم يعلمها الناس لها حتى قدموا مكة، و حيث ان نيتها كانت على ذاك لم تترك الإحرام من الميقات عمدا، و يعلم منه ان ما يوجب بطلان الحج هو ترك الإحرام عمدا لا غيره، فان بعضا من الاجزاء و الشرائط في نسك الحج ما يوجب تركه البطلان و الفساد مطلقا عمدا و سهوا و جهلا كالوقوفين، و منه ما لا يوجبه مطلقا كالهدي، و منه ما يوجبه إذا كان عن عمد لا عن سهو كما في الطواف، و مثله الإحرام و كيفيته، فيستفاد ان الحج يبطل بترك الإحرام في صورة العمد فقط، لا في صورة النسيان و الجهل، و لا يبعد ان يكون التعليل المذكور في ذيل الرواية بمنزلة القيد فيقيد به ما يدل على وجوب الرجوع مطلقا، الذي لازمه بطلان الحج عند عدم التمكن منه، و لو كان ترك الإحرام عن جهل أو نسيان.

و رواية قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم كيف يصنع قال يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون به فيحرم. (2) تدل هذه الرواية على وجوب الرجوع الى ميقات أهل البلد فلا بد اما من حملها على صورة العمد و اختصاصها به و اما بناء على تعميمها لصورة النسيان و الجهل فلا بد من الحمل على صورة القدرة على الرجوع الى ميقات أهل بلاده و الا يكفيه الإحرام من بعض المواقيت أو من مكة كما يظهر من الرواية الاتية إجمالا


1- وسائل الشيعة الجزء 9 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 8
2- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 9

ص: 371

و رواية أخرى من على بن جعفر قال سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم فأحرم قبل ان يدخله قال: ان كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي فإن ذلك يجزيه ان شاء اللّه و ان رجع الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل. (1) و فرق بين الجاهل و العامد في الرواية في وجوب الرجوع الى الميقات و عدمه و أجيز للجاهل ان يحرم من مكانه دون العامد كما هو مقتضى المفهوم و لكنه يعارضها ما يدل على وجوب الرجوع الى الميقات على الناسي و الجاهل إذا كان متمكنا منه كما في روايتي زرارة و معاوية بن عمار المتقدمتين و غيرهما.

فهل تحمل تلك الروايات على الأفضلية بشهادة ما ورد في ذيل رواية قرب الاسناد من قوله و ان رجع الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل، أو تقدم هذه الروايات على رواية قرب الاسناد من جهة السند و الصدور مضافا الى ان المرجع في المسئلة بعد تعارض الروايات هي الأخبار الدالة على وجوب الإحرام من الميقات، تأسّيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله، مع إمكان ان يقال: ان رواية قرب الاسناد معرض عنها، و انما فتاوى الأصحاب مطابقة للأخبار الدالة على وجوب الرجوع الى الميقات مع التمكن، اما ميقات الأهل أو غيرها من سائر المواقيت، على ما يظهر من بعض الروايات، هذا تمام الكلام في الناسي و الجاهل، و اما العامد لترك الإحرام من الميقات فقد تقدم حكمه إجمالا و نشير إليه أيضا.

(في حكم العامد لترك الإحرام من الميقات)

و اما من ترك الإحرام من الميقات عمدا فلم توجد فيه رواية تدل على كفاية الإحرام من غيرها صراحة، نعم قد يستظهر ذلك من إطلاق رواية الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه الخبر (2)


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 10
2- المصدر الحديث 7

ص: 372

بدعوى شمول إطلاق من ترك، للعامد و الجاهل، و لكنه ليس بحيث يقاوم و يعارض ما يستفاد من الروايات الواردة في الجهل بالإحرام أو نسيانه و يظهر من قوله عليه السّلام قد علم اللّه نيتها، و غيرها في موارد شتى، من ان تارك الحرام عمدا لا يصلح له الإحرام من غير الميقات حتى يرجع اليه و يحرم منه و الا يبطل حجه و ما يدل على ذلك على النحو الكلى رواية ابن عمير.

روى الكافي بسنده عن ابن ابى عمير عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام، في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى قال تجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه، و ان لم يهل و قال في مريض أغمي عليه حتى اتى الوقت فقال يحرم عنه. (1) إذ الظاهر منها ان الشخص إذا كان عازما على الإحرام من الوقت و لكنه نسي تجزي نيته و ان كان شهد المناسك و اما إذا كان من الأول عازما على ترك الإحرام فلا يصح له العمل، و كذا معنى الإحرام عن المغمى عليه هو التلبية عنه كما يلبى عن الصبي بعد ما يلبسه ثوبي الإحرام ثم يأتي المغمى عليه بالمناسك إذا أفاق لا ان غيره يكون نائبا عنه في الإحرام و يلبس الثوبين ثم يأتي المريض بالنسك بإحرام نائبه فيكون كمن يصلى بوضوء صاحبه أو نائبه.

و مثلها في استظهار ما ذكر رواية على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال سالته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات و جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده قال: إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه. (2) و روايته الأخرى عن أخيه عليه السّلام قال: سالته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات فما حاله قال: يقول اللهم على كتابك و سنة نبيك فقد تم إحرامه. (3)


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 20 من المواقيت الحديث 2
3- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 20 من المواقيت الحديث 3

ص: 373

و بالجملة المتراءى و المتبادر الى الذهن من سنخ تلك الروايات ان الإحرام من الميقات ليس مما يبطل الحج بتركه مطلقا، بل إذا كان عن عمد سواء ترك أصل الإحرام أو الكيفية المعتبرة فيه و اما غيره فلا فتلخص من مجموع ما تقدم في هذا البحث ان من ترك الإحرام من الميقات عمدا يبطل حجه و لا يصح الإحرام من غيرها بل لا بد ان يرجع الى ميقات أهل بلده أو الى ميقات اخرى كما في الروايات و منها.

رواية معاوية بن عمار انه سأل أبا عبد اللّه عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة فقال لا بأس. (1) و رواية حماد عن الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة فقال من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلا محرما. (2) و اما الجاهل و الناسي يرجع الى الميقات إذا تمكن و ان خشي فوت الحج يحرم من مكانه.

هذا آخر ما أردنا ضبطه في الجزء الثاني من كتاب الحج و يتلوه الجزء الثالث إنشاء اللّه و اوله الوقوف بعرفات حصل الفراغ من تقريره في الثالث عشر من شهر ربيع الأول 1393 و من تبيضه في الثالث و العشرين من شهر جمادى الثاني 1403 الحمد للّه أولا و آخرا.

احمد صابرى الهمداني


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 6 من المواقيت الحديث 1
2- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 6 من المواقيت الحديث 3

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.