كتاب الحج (گلپايگاني)-المجلد 1

اشارة

نام كتاب: كتاب الحج( للگلبايگاني)

نويسنده: گلبايگاني، محمدرضا

تاريخ وفات مؤلف: 1414 ه. ق.

موضوع: منابع فقهى- حديثى

زبان: عربي

تعداد جلد: 2

ناشر: خيام

مكان چاپ: قم

سال چاپ: 1400 ه. ق.

نوبت چاپ: اول

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

ص: 8

ص: 9

ص: 10

ص: 11

ص: 12

ص: 13

ص: 14

ص: 15

ص: 16

ص: 17

ص: 18

ص: 19

ص: 20

ص: 21

ص: 22

ص: 23

ص: 24

ص: 25

ص: 26

ص: 27

ص: 28

ص: 29

ص: 30

ص: 31

ص: 32

ص: 33

ص: 34

ص: 35

ص: 36

ص: 37

ص: 38

ص: 39

ص: 40

ص: 41

ص: 42

ص: 43

ص: 44

ص: 45

ص: 46

ص: 47

ص: 48

ص: 49

ص: 50

ص: 51

ص: 52

ص: 53

ص: 54

ص: 55

ص: 56

ص: 57

ص: 58

ص: 59

ص: 60

ص: 61

ص: 62

ص: 63

ص: 64

ص: 65

ص: 66

ص: 67

ص: 68

ص: 69

ص: 70

ص: 71

ص: 72

اشارة

أفعال خارجية، من لبس الثوبين و التلبية و النية، فعند ذلك إذا شك في اعتبار شي ء زائد على ما علم ثبوته و اعتباره، ينفى بأصالة البراءة، لكونه شكا في التكليف الزائد كما بين في الأصول.

و أخرى يقال: ان الإحرام أمر إنشائي اعتباري مسبب عن أفعال خاصة من النية و لبس الثوبين و التلبية في محل معين، و وقت وقته الشارع، فهو متحصل من تلك الأفعال لأنفسها. فحينئذ لو شك في دخالة شي ء و اعتبار قيد في تحقق المسبب و تحصله، يرجع ذلك الى الشك في المحصل، فإن المأمور به الذي هو أحد من النسك عبارة عن الإحرام الاعتباري المتحصل من الأسباب المعينة، و الشك في الأقل و الأكثر من تلك الأفعال و الأسباب يرجع الى الشك في المحصل، و الأصل فيه الاحتياط، و ليس شكا في التكليف الزائد حتى ينفى بالبراءة. بل يمكن أن يقال: ان مقتضى الاستصحاب أيضا: عدم انعقاد الإحرام، و عدم حرمة المحرمات بالإحرام من غير بطن مكة.

في أفضل ميقات حج التمتع

ثم انه بناء على اعتبار بطن مكة في إحرام حج التمتع، يكفي كل موضع منها حتى السكك و الشوارع، لصحيحة عمرو بن حريث الصيرفي المتقدمة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: من أين أهل بالحج؟ فقال: ان شئت من رحلك، و ان شئت من الكعبة،

ص: 73

و ان شئت من الطريق (1).

و لكن أفضل الأماكن من مكة المسجد، و أفضل أماكن المسجد المقام أو حجر إسماعيل، للأمر بهما في الاخبار.

و صرح غير واحد من الأكابر بأفضلية تحت الميزاب، و لكن لم نعثر على رواية خاصة في ذلك. نعم انه من الحجر، و لعله هو الوجه عند من أفتى بالتخيير بينه و بين المقام و تساويهما في الفضل و أما القول بالتخيير بين تحت الميزاب و الحجر فلا محصل له، لكونه بعضا من الحجر (2).

فروع لا بد من التعرض لها

(الأول) لو أحرم المتمتع من غير بطن مكة لحج التمتع متعمدا

و ان كان من الميقات، بطل إحرامه و يفسد حجه، إذا لم يتدارك، و ان كان غير متمكن من العود إلى مكة أو معذورا منه، و يجب عليه العود إليها، و الإحرام منها في حال التمكن منه، و لا يكفي العود


1- الوسائل ج 8 الباب 21 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- نقل عن الصدوق التخيير بين المقام و الحجر، و عن الكافي و الغنية و الجامع و النافع و شرحه و التحرير و المنتهى و التذكرة و الدروس التخيير بينه و بين تحت الميزاب في الأفضلية، و أما التخيير بين الحجر و تحت الميزاب لم ينقل عن أحد لعدم المعنى له، و أما أفضلية تحت الميزاب فقد نقل عن محكي الإرشاد و التلخيص و التبصرة، و قال في الجواهر: لم نعثر على شاهد يقتضي فضله على المقام.

ص: 74

إليها من دون تجديد الإحرام، و لا المرور بها، و كذا لا يكفي تجديد الإحرام من غيرها. و يأتي حكم من أحرم من غير مكة جهلا أو نسيانا.

لا يخفى أن المتيقن من مكة الذي يصح الإحرام منها و يجب في التمتع، ما كان موجودا في زمان صدور تلك الاخبار من حيث السعة و الضيق و الطول و العرض، و أما ما زيد عليه بمرور الزمان في القرون المتمادية و الأزمنة المتتابعة، فهو غير داخل في بطن مكة و شمول الأدلة له غير معلوم، و ان كان شمولها قويا في النظر.

(الثاني) لو ترك المتمتع الإحرام بالحج من مكة جهلا أو نسيانا و مضى الى عرفات

، وجب العود إلى مكة و الإحرام منها، إذا تمكن منه و من الرجوع الى عرفات بعد الإحرام لدرك الوقوف.

و أما إذا لم يتمكن من العود أحرم من مكانه و لو كان بعرفات، و عليه تحمل رواية علي بن جعفر الدالة على وجوب الإحرام بعرفات.

محمد بن يعقوب بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه قال:

سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات فما حاله؟

قال: يقول «اللهم على كتابك و سنة نبيك» فقد تم إحرامه (1).

و عنه أيضا عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات و جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده. قال: إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه (2).


1- الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 3.
2- الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 2.

ص: 75

و المتيقن من مفاد الصحيحة صورة عدم التمكن من العود إلى مكة، كما في صورة الجهل، و الا لوجب عليه العود إلى مكة و الإحرام منها، بل الأحوط العود إليها مهما كان ميسورا و ان لم يبلغ مكة، ثم الإحرام من ذلك الموضع.

(الثالث) لو نسي الإحرام لحج التمتع أو جهل حتى أتى بجميع المناسك

، فقد تم حجه و لا شي ء عليه، كما صرح به في ذيل صحيحة علي بن جعفر، و يدل عليه موثقة ابن عمير الاتية.

محمد بن يعقوب بإسناده عن ابن ابى عمير عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى. قال: تجزيه نيته، إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه و ان لم يهل (1).

و ظاهر قوله «و قد شهد المناسك كلها» اما تمام الحج أو مع العمرة، كما أنه يظهر من ترك الاستفصال عدم الفرق بين أنواع الحج و العمرة في هذا الحكم. و كذا الظاهر من قوله «إذا كان قد نوى ذلك» هو نية الإتيان بما فرض اللّه تعالى عليه من النسك، حتى لا يكون متعمدا في ترك الإحرام، و ان لم ينشئ الإحرام ظاهرا.

و حمله على نية الإحرام غير وجيه، لمنافاته للجهل به و نسيانه له. و كذا حمل الجهل و النسيان في الرواية على الجهل بلزوم التلبية و الإهلال و نسيانه مع العلم بوجوب أصل الإحرام و كونه


1- الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 76

قاصدا له، خلاف الظاهر، فان المنساق الى الذهن من الجهل بالإحرام أو نسيانه، الجهل بأصل الإحرام و وجوبه لا الجهل بالتلبية و غيرها، و كذا النسيان.

و يعلم مما ذكر أنه لو ترك الإحرام جهلا أو نسيانا و أتى ببعض المناسك لا كلها، فلا إشكال في صحة ما أتى به و صحة حجه، لوضوح أنه إذا كان جميع المناسك مع الجهل بالإحرام أو نسيانه صحيحا، فالبعض أيضا كذلك، فان الفرق في الصحة و الاجزاء بين الإتيان بالكل و بين البعض، مما لا يساعده نظر العرف بل ينكره.

نعم القدر المتيقن من صحة البعض ما لو تذكر وجوب الإحرام بعد فوت محل البعض المأتي به، فإنه يكتفى به و يجزى، و أما إذا تذكر قبل فوت المحل وجب عليه الرجوع الى مكة و الإحرام منها، ثم يأتي بما أتى به من قبل ان تمكن من العود إليها، و الا يحرم من مكانه و يأتي به، بل الأحوط أن يحرم بعد الالتفات و يأتي بما أتى به من البعض، و لو بالاضطراري منه، كالوقوفين إن أمكن ذلك.

و مثل ما تقدم من الحكم بالصحة لو أحرم بالحج من غير مكة جهلا أو نسيانا، ثم تذكر بعد الإتيان بالمناسك كلها أو بعضها، من غير فرق بين كون المحل الذي أحرم فيه ميقاتا أو غير ميقات، فيأتي هنا ما أشرنا إليه من وجوب العود إلى مكة ان تمكن و كفاية الإحرام من موضعه إذا لم يتمكن، و ان الإتيان ببعض المناسك انما يجزي

ص: 77

إذا فات محله، و أما لو تذكر قبل فوت المحل يجب تداركه كما تقدم.

(الرابع) من ترك الإحرام لحج التمتع من بطن مكة لعذر

من الاعذار غير الجهل و النسيان، كخوف من العدو أو مرض و غيرهما، ثم ارتفع العذر، فهل يجب عليه الرجوع الى مكة و الإحرام منها أو يجوز له الإحرام من مكان ارتفع فيه عذره؟ وجهان.

لم أجد من تعرض للمسألة بخصوصها. نعم يشملها إطلاق كلمات الفقهاء قدس سرهم في أن المعذور يحرم من مكان يرتفع عذره فيجب عليه الإحرام من ذلك المكان، و لكن المتيقن منه ما لم يتمكن من العود إلى مكة و الإحرام من بطنها، و لا يبعد استفادة هذا الحكم من موثقة ابن بكير التي سنذكرها في الفرع الاتي.

(الخامس) لو أغمي عليه و لم يحرم من مكة

، فإن أفاق قبل الأعمال و تمكن من العود، رجع و أحرم من بطن مكة، و ان ترك و لم يرجع و أحرم من غير مكة عمدا فحجة باطل لا يجزيه، لانه أحرم من غير الميقات عمدا، و قد تقدم أنه باطل.

و أما إذا أفاق و لكن لا يتمكن من العود إلى مكة و الإحرام منها و درك الوقوفين بعد، حتى الاضطراري منهما، رجع الى حيثما أمكن و أحرم منه، و ان لم يتمكن من العود أصلا أحرم من مكانه كما تدل عليه موثقة ابن بكير.

محمد بن يعقوب بإسناده عن ابن بكير عن زرارة: عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا الى الميقات و هي لا تصلي

ص: 78

فجهلوا أن مثلها ينبغي أن تحرم، فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة و هي طامث حلال، فسألوا الناس فقالوا: تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه، فكانت إذا فعلت، لم تدرك الحج، فسألوا أبا جعفر عليه السلام فقال: تحرم من مكانها قد علم اللّه نيتها (1).

و المراد من النية ليس نية الإحرام، لأنها كانت جاهلة بجواز الإحرام، و مع الجهل كيف يمكن أن تنوي الإحرام، بل المقصود انها لم تترك الإحرام عمدا و عن عصيان و علم اللّه نيتها، و كانت نيتها أن الإتيان بجميع ما أمر اللّه تعالى به، و حيث ان الامام عليه السلام علل جواز الإحرام من مكانه مع عدم التمكن من العود الى الميقات، بعدم تركها الإحرام عن علم و عمد، يستفاد منه أن كل من فاته الإحرام من الميقات عن غير عمد و لم يتمكن من العود إليها و الإحرام منها، أحرم من مكانه و يصح حجه.

(السادس) من كان متمتعا فأغمي عليه عند الخروج من مكة،

أحرم عنه غيره، بأن يلبسه الثوبين و يلبى عنه، فإن أفاق قبل حلول وقت الأعمال أتى بالمناسك و لا شي ء عليه و يصح حجه، لكونه محرما. و ان أفاق بعد مضي وقت الأعمال أو أثنائه بحيث لا يتمكن من درك ما فات من المناسك، كمن أفاق بعد الوقوفين حتى الاضطراري منهما، فحجة باطل، و يحل بعمرة مفردة كما تدل عليه روايات صحيحة:


1- الوسائل الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 6.

ص: 79

منها رواية جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام، في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الوقت.

فقال: يحرم عنه رجل (1).

(السابع) من نسي الإحرام لحج التمتع من مكة و تذكر في عرفات

أو في الطريق و لم يتمكن من العود إلى مكة لضيق الوقت أو غيره، أحرم من موضعه، فان قلنا بصحة حجه تمتعاكما تقدم- لا يسقط عنه الهدي، و ان أحرم من أحد المواقيت أو مر بعد الإحرام عليه، و لا يجب عليه دم آخر بترك الإحرام من بطن مكة، و كذا من أحرم لحج التمتع من مكة و مر على الميقات بعد الإحرام لا يسقط عنه الهدي بالمرور عليها.

(تتميم) قد يذكر شرط خامس لحج التمتع

، و هو أن يقع العمرة و الحج المأتي بهما في سنة واحدة من مكلف واحد لمكلف واحد


1- الوسائل الجزء 8 من أبواب الميقات الباب 20 الحديث 1. أقول: نقل صاحب الوسائل ثلاث روايات عن جميل بهذا المضمون، أحدها ما ذكر رواه عن ابن ابى عمير عن جميل، و الثاني رواه عن موسى بن القاسم عن جميل و هو الحديث الرابع من ذاك الباب، و الثالث رواه في الباب 55 من أبواب الإحرام الحديث الثاني مع اختلاف يسير فيه، و ظن بعض أنها ثلاث روايات، و الحال ليست إلا رواية واحدة سمعها بعض الأصحاب عن أحدهما مرة واحدة. و كان الأستاذ الأعظم الفقيه الفقيد الحاج آقا حسين البروجردي قدس سره يشير إلى أمثال هذا في مجلس درسه، و ينبه الفضلاء عليه.

ص: 80

فلو أتى بعمرة التمتع لنفسه و أتى بحجة لغيره أو العكس لا يصح أو اتى بالعمرة لشخص و أتى بالحج لشخص آخر لا يصح تمتعا، و كذا لا يصح التمتع لو أتى شخص بالعمرة تمتعا و أتى شخص آخر بحجه كذلك، لما يستفاد من النصوص أن العمرة المتمتع بها و الحج عمل واحد مركب من عملين، و قد دخلت العمرة في الحج، لا يجوز التفكيك بينهما سواء كان لنفسه أو لغيره.

و عموم أدلة النيابة لا يشرع التفكيك فيما لم يشرع لنفس المنوب عنه، نعم لو ورد دليل على جواز التفكيك بين العمرة و الحج في النيابة عن الغير، يكشف به عن إلقاء الارتباط بينهما و عدم دخله في عمل النائب.

قد يستدل على جواز التفكيك برواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل حج عن أبيه أ يتمتع؟ قال:

نعم المتعة له و الحج لأبيه (1).

و الاستدلال مبني على أن يكون المقصود من قوله «أ يتمتع» الإتيان بعمرة التمتع لنفسه و الحج لأبيه، فعلى هذا يكون صريحا في جواز التفكيك بين العمرة و الحج و عدم اعتبار كونهما لشخص واحد. و لكن الرواية لا ظهور لها في ذلك، و ان كان يحتمل بعيدا بل المتبادر الى الذهن و الظاهر من قول السائل «أ يتمتع» هو السؤال عن جواز إتيان حج التمتع عن أبيه، و أجابه الإمام عليه الجواز


1- الوسائل ج 8 الباب 27 من أبواب النيابة الحديث 1.

ص: 81

بقوله «نعم»، مع التشويق و الترغيب بأن المتعة له أي الالتذاذ من المحرمات بالإحرام بعد الإحلال له و الحج لأبيه، فلا ربط للرواية بالمسألة حتى يستدل لها.

و كذا دلالة ما رواه جابر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، غير تامة و لا يصح الاستدلال به.

محمد بن يعقوب بإسناده عن أبي جميلة عن جابر عن ابى جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه: من وصل قريبا بحجة أو عمرة كتب اللّه له حجتين و عمرتين، و كذلك من حمل عن حميم يضاعف اللّه له الأجر ضعفين (1).

فإن إطلاق النبوي لا يشمل ما ليس بمشروع لنفس النائب و لا يكون مشرعا حتى يصل قريبه بما لا يجوز لنفسه.


1- الوسائل ج 8 الباب 25 من أبواب النيابة الحديث 6.

ص: 82

أحكام التمتع

اشارة

(منها) عدم جواز الخروج من مكة للمعتمر بعمرة التمتع، قبل أن يأتي بالحج. و يقع الكلام فيه في طي مباحث:

(البحث الأول) من دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع

لا يجوز له الخروج من مكة بعد الإتيان بها قبل ان يحج، من غير اضطرار و حاجة لا محلا و لا محرما، لانه مرتهن بحجه، سواء علم أن الحج يفوت بالخروج أو احتمل ذلك أو علم أنه لا يفوته أصلا وفاقا للمشهور كما عن المدارك و الوسيلة و المهذب و الإصباح و موضع من المبسوط و النهاية.

و استدلوا بروايات: منها مرسلة موسى بن القاسم عن بعض أصحابنا انه سأل أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوال فقال: اني أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر. فقال: أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكة و احتاج الى الخروج إليها.

ص: 83

فقال عليه السلام: تخرج حلالا و ترجع حلالا الى الحج (1).

و رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السلام قال: قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبي بالحج، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت و صليت ركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة و قصرت و أحللت من كل شي ء، و ليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج (2).

و رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: تمتع فهو و اللّه أفضل. ثم قال: ان أهل مكة يقولون ان عمرته عراقية و حجه مكية، كذبوا أو ليس هو مرتبطا بالحج، لا يخرج حتى يقضيه (3).

و مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه، الا أن يعلم أنه لا يفوته الحج (4).

و صحيحة حماد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 22 من أبواب الإحرام الحديث 3.
3- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 2.
4- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 10.

ص: 84

خرج محرما و دخل ملبيا بالحج الخبر (1).

و غيرها من الروايات المصرحة فيها بعدم جواز الخروج من مكة للمتمتع حتى يقضي حجه، و لا مانع من العمل بها، و لا معارض لها. و ما يدل على جواز الخروج من مكة قبل الإتيان بالحج أو يستشعر منها ذلك، فهو محمول على صورة الحاجة و الاضطرار العرفي، كما صرح به في ذيل رواية حماد، و يأتي حكم الاضطرار إنشاء اللّه.

و أما لو احتاج المتمتع الى الخروج من مكة قبل الحج يحرم بالحج من مكة و يخرج لحاجته، إذا علم انه لا يفوته الحج، ثم يدخل مكة و يفيض الى عرفات بهذا الإحرام، و يجوز له أن يذهب الى عرفات من مكانه من غير أن يدخل مكة، كما يشهد له بعض الروايات:

منها رواية حفص البختري عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل قضى متعته و عرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها. قال: فقال فليغتسل للإحرام و ليهل بالحج و ليمض في حاجته، فان لم يقدر على الرجوع الى مكة مضى الى عرفات (2).

و رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطائف. قال: يهل


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
2- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 4.

ص: 85

بالحج من مكة، و ما أحب أن يخرج منها الا محرما و لا يتجاوز الطائف، انها قريبة من مكة (1).

و مثلها رواية حماد بن عيسى عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج، فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبيا بالحج فلا يزال على إحرامه الخبر و قد تقدم (2).

و رواية أبان بن عثمان عمن أخبره عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج الى الحج، الا أن يأبق غلامه أو تضل راحلته فيخرج محرما و لا يجاوز الا على قدر ما لا تفوته عرفة (3).

و رواية على بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن رجل قدم مكة متمتعا فأحل أ يرجع؟ قال: لا يرجع حتى يحرم بالحج، و لا يجاوز الطائف و شبهها مخافة أن لا يدرك الحج، فإن أحب أن يرجع الى مكة رجع، و ان خاف أن يفوته الحج مضى على وجهه الى عرفات (4).


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 7.
2- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
3- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 9.
4- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 12.

ص: 86

و المستفاد من تلك الروايات ان المتمتع إذا عرضت له الحاجة الى الخروج يخرج محرما للحج لا محلا، و لا يعارضها إلا مرسلة أرسلها الطوسي قدس سره عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوال فقال: انى أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر فقال: أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل: ان المدينة منزلي و مكة منزلي ولي بينهما أهل و بينهما أموال. فقال له: أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكة و احتاج الى الخروج إليها فقال: تخرج حلالا و ترجع حلالا الى الحج (1).

هذه المرسلة رواها الشيخ «قده» تارة مع الذيل الدال على جواز الخروج من مكة بدون الإحرام، و أخرى أرسلها بدون الذيل و على أي فهي ليست بحجة، و لا تعارض النصوص المعتبرة المتقدمة التي تدل على وجوب الإحرام عليه للحج إذا احتاج الى الخروج من مكة.

نعم قد يستظهر من صحيحة الحلبي المتقدمة كراهة الخروج من غير إحرام، حيث قال الصادق عليه السلام: و ما أحب أن يخرج منها الا محرما، و لا يتجاوز الطائف (2).

و لكن ظهور قوله عليه السلام «ما أحب» في الكراهة، ليس بحيث يكافؤ ظهور الروايات المتقدمة في الحرمة أو يعارضها. و بالجملة


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 3.
2- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 7.

ص: 87

العمل بالروايات السابقة و القول بحرمة خروج المتمتع من مكة بغير إحرام مما لا شبهة فيه.

هذا إذا علم بعدم فوت الحج إذا خرج من مكة، و أما لو علم انه إذا خرج منها يفوته الحج أو خاف ان يفوت، فلا يجوز له الخروج محرما كان أو محلا، لانه مرتهن بحجه، و لأن الأدلة الدالة على جواز الخروج عند الحاجة اليه انما قيدت بالعلم بعدم فوت الحج إذا خرج، كصحيحة أبان بن عثمان المتقدمة، ففيها: فيخرج محرما و لا يجاوز الا على قدر ما لا يفوته عرفة (1).

و في مرسلة الصدوق المذكورة قبل: فليس له ذلك لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه، الا ان يعلم انه لا يفوته الحج (2).

و في رواية قرب الاسناد: لا يجاوز الطائف و شبهها مخافة أن لا يدرك الحج (3).

(البحث الثاني) من دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع

و جهل أنه لا يجوز له الخروج من مكة قبل الحج، و خرج منها بغير إحرام و دخلها في الشهر الذي أحرم فيه، يجوز له أن يدخل مكة بغير إحرام بلا خلاف فيه. و يدل عليه رواية حماد عن ابى عبد اللّه عليه السلام حيث قال: ان رجع في شهره دخل بغير إحرام، و ان دخل في غير


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
2- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 10.
3- المصدر ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 12.

ص: 88

الشهر دخل محرما (1).

و قال في التهذيب في ضمن أحكام التمتع: من خرج عن مكة بغير إحرام و دخل في الشهر الذي خرج منه، فالأفضل أن يدخلها محرما، و يجوز له أن يدخلها بغير إحرام. و تبعه العلامة في التذكرة.

و استدل الشيخ «قده» برواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعة، ثم تبدو له فيخرج إلى المدينة و الى ذات عرق أو الى بعض المعادن.

قال: يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج. قلت: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه. قال: كان ابى مجاورا هيهنا فخرج يتلقى(ملتقيا) بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج (2).

و يشكل عليه بأنه لم يذكر في الرواية ان أباه عليه السلام كان متمتعا فأحرم بعمرة التمتع، بل ذكر أنه كان مجاورا، و لعل إحرامه كان لحج الافراد. و لا يتوهم أنه بناء على ذلك لا يبقى مناسبة بين السؤال و الجواب، إذ السائل إنما سأل عن التمتع فأجاب الإمام عليه السلام عن الإفراد. فإنه يدفع بأنه يمكن أن يكون السؤال عن مسألتين إحداهما جواز إبطال العمرة المأتي بها تمتعا و الثانية


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
2- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 8.

ص: 89

جواز دخول الحرم بغير إحرام. فأجاب عليه السلام عن الثانية بأن أباه كان مجاورا و دخل في الحرم، مع انه دخل في الشهر الذي خرج فيه.

و يمكن ان يحمل إحرامه على إحرام التمتع، و لكن دخوله بمكة انما كان بعد مضي شهر التمتع و قبل شهر الخروج، فيتوافق الصدر و الذيل، للحكم في الصدر بأن الملاك في عدم وجوب الإحرام عليه دخول مكة في شهر التمتع، ثم سأل السائل عن شهر الخروج و انه مثل شهر التمتع في عدم وجوب الإحرام عليه إذا دخل فيه، فأجاب الإمام عليه السلام بأن أباه إنما أحرم من ذات عرق و ظاهر السؤال و الجواب أن شهر الخروج إذا لم يتحد مع شهر التمتع يجب الإحرام للعمرة كما فعل أبوه عليه السلام.

و الإنصاف أن الرواية أظهر في ذلك من سائر المحامل، و لكنه لم يفت بمضمونها الا نادر. و يمكن أن يقال: ان ذيل الرواية معرض عنه.

و كيف كان لا يفهم من رواية إسحاق بن عمار جواز الإحرام لحج التمتع من غير مكة، لمن خرج منها بعد الإتيان بالعمرة التي تمتع بها الى الحج قبل إتيانه.

و أما الإحرام للعمرة إذا دخل في شهر التمتع، فلم أعثر على فتوى من الفقهاء على جوازه و لا على رواية تدل عليه.

فتحصل من جميع ما ذكرناه أن المتمتع إذا خرج من مكة

ص: 90

بعد العمرة قبل الحج، ان رجع إليها قبل شهر التمتع يدخل مكة بدون الإحرام، و أما لو رجع بعد مضي شهره فيأتي بحثه.

(البحث الثالث) من دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع

و خرج منها بعد العمرة حلالا ثم دخلها بعد مضي شهر من يوم خروجه، يجب عليه أن يدخلها محرما للعمرة التمتع بها الى الحج، و تكون هي العمرة المتصلة بحجه، و تصير الأولى عمرة مفردة مبتولة.

و حكي عن الشهيد رحمه اللّه في حاشية الدروس، ما يدل على أن العمرة الأولى هي المتمتع بها الى الحج لا الثانية، و لكنه مخالف لصريح حسنة حماد المتقدمة (1)، فإنه لما قال الامام عليه السلام «ان رجع في شهره دخل بغير إحرام و ان دخل في غير الشهر دخل محرما» سأل الراوي فأي الإحرامين و المتعتين متعة الأولى أو الأخيرة. قال: الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته.

و بالجملة يدل على أصل الحكم، مضافا الى عدم الخلاف فيه رواية إسحاق بن عمار المتقدمة و مرسلة الصدوق و رواية حماد بن عيسى المصرحة فيها، بأن من خرج من مكة بعد العمرة و دخلها قبل مضي شهر دخلها محلا، و من دخلها بعد مضي شهر دخلها محرما لعمرة التمتع.

و في مرسلة الصدوق: ان خرج و عاد في الشهر الذي خرج


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.

ص: 91

دخل مكة محلا، و ان دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما (1).

و في صحيحة حماد قال: ان رجع في شهره دخل بغير إحرام و ان دخل في غير الشهر دخل محرما (2).

و لكن المتيقن من الشهر شهر الخروج، الذي يجب الإحرام بعد مضيه، كما يأتي تفصيله.

(البحث الرابع) من اعتمر بعمرة التمتع و دخل مكة

و قضى أعمالها، ثم خرج من مكة محلا و رجع إليها و دخلها قبل مضي الشهر الذي خرج فيه و بعد الشهر الذي تمتع، فهل يدخل مكة بغير إحرام لعدم انقضاء الشهر الذي خرج فيه، أو يدخلها محرما لعمرة التمتع لانقضاء الشهر الذي أحرم فيه بالعمرة التمتع بها؟ فيه تردد.

و منشأ ذلك ما ذكر في مرسلة الصدوق و رواية أبان من التصريح بشهر الخروج، و استظهره بعض من حسنة حماد أيضا، فيدخل بغير إحرام، لعدم مضي شهر الخروج، و من ذكر شهر التمتع في رواية إسحاق بن عمار، فيدخلها محرما.

أما شهر الخروج و ان صرح به في مرسلة الصدوق، و لكن استظهاره من حسنة حماد مشكل، خصوصا مع التعليل الوارد في رواية إسحاق، بأن لكل شهر عمرة، بل يمكن استظهار شهر التمتع من الحسنة، بقرينة ما ذكر في صدرها من قوله عليه السلام «من


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 10.
2- المصدر ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.

ص: 92

دخل مكة في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج» و كذا قوله «ثم رجع في ابان الحج في أشهر الحج» لوضوح أن المراد من أشهر الحج هو شوال و ذو القعدة و عشرة أيام من ذي الحجة على ما تقدم.

فعلى هذا، اضافة الشهر الى المعتمر بمناسبة ما صدر منه من العمل في قوله «ان رجع في شهره دخل بغير إحرام، و ان دخل في غير الشهر دخل محرما» تكون ظاهرة في شهر التمتع.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في استظهار شهر التمتع من حسنة حماد، و لكن الإنصاف أنها غير ظاهرة فيه لو لم تكن ظاهرة في شهر الخروج، و لا أقل من الإجمال في الرواية المانع من الاستدلال بها.

و أما رواية أبان و حفص البختري فهي صريحة في شهر الخروج و لا شبهة فيه، لقوله عليه السلام «ان رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، فإن دخل في غيره دخل بإحرام» فتعارض رواية إسحاق بن عمار التي تدل على أن الاعتبار بشهر التمتع لا شهر الخروج، و لكن النسبة بينهما العام و الخاص.

و توضيح ذلك: ان كل من دخل في شهر التمتع دخل في شهر الخروج، و بعض من دخل في شهر الخروج لم يدخل في شهر التمتع، فيخصص عموم رواية أبان و حفص برواية إسحاق بن عمار فيكون المعنى كل من دخل في شهر الخروج دخل مكة بغير إحرام الا من دخل في غير شهر التمتع، فيجب عليه الإحرام، ان لم نقل

ص: 93

ان ذيل رواية إسحاق معارض لصحيحة أبان و حفص، فإن الراوي لرواية إسحاق سأل الإمام عن حكم شهر الخروج بعد بيان حكم شهر التمتع و قال «فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه» فأجابه الإمام عليه السلام بأن أباه كان مجاورا و دخل و هو محرم بالحج.

و الإنصاف أن ذيل رواية إسحاق ظاهرة في وجوب الإحرام للحج إذا دخل في الشهر الذي خرج فيه، و هو غير معارض لما يدل على عدم وجوب الإحرام للعمرة في شهر الخروج (1)، و لكن العمل برواية إسحاق و القول باعتبار شهر التمتع أوفق بالقواعد، خلافا لما اختاره في النهاية و المنتهى و التذكرة و وفاقا لما في المسالك و القواعد.

(البحث الخامس) من دخل مكة متمتعا و خرج منه حلالا

، ثم دخل بعد مضي شهر الإحرام و قبل مضي شهر الإحلال، فهل يجب عليه أن يدخل محرما بالعمرة أو يدخلها بغير إحرام؟ فيه تردد و اشكال.


1- تقدم البحث حول رواية إسحاق في مسألة الإحرام للحج، و ان لها محامل: الأول حمل الرواية على التقية، و أورد عليه الأستاذ. و الثاني حمل الحج على حج الافراد. و الثالث ما احتمله الأستاذ مد ظله من أن الإحرام في شهر الخروج انما كان من جهة ان شهر الخروج كان غير شهر التمتع و أحرم للعمرة المتمتع بها، و إطلاق الحج على العمرة شائع في الروايات. و على هذا لا يكون الذيل معارضا لرواية أبان و حفص، و يجمع بينها و بين رواية إسحاق بما ذكر في المتن من التخصيص، و لكن لا يبقى مورد لرواية أبان و حفص على هذا المبنى.

ص: 94

و منشأ الاشكال هنا أنه بعد الجمع بين الروايات و البناء على الاعتبار بشهر التمتع، كما في رواية إسحاق، يأتي البحث في أن مبدأ الشهر هو الإحرام و الإهلال بالعمرة، أي الشهر الذي أحرم فيه أو ان المبدأ الإحلال من العمرة و الفراغ منها، أو التمتع و الالتذاذ بعد الإحلال لا صرف الفراغ من العمل؟ وجوه، أوجهها الثاني، فإن صدور الفعل و نسبته الى المعتمر لا يصح الا بعد تمام العمل و الفراغ منه، و لا يحتاج إلى شي ء آخر بعده، و لا يكفي الشروع في صحة النسبة. فعلى هذا، يكون المراد من قوله عليه السلام «ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه» الشهر الذي فرغ من اعمال العمرة و أتمها، لا الذي أهل بها و شرع فيها، و لا الذي تمتع فيه و تلذذ بعد الإحلال و الفراغ.

و يظهر من بعض الروايات الواردة في أحكام العمرة، أن الملاك و الاعتبار في نسبة عمرة الى شهر من الشهور هو الشروع فيها و الإهلال بها لا الإحلال منها، لقوله عليه السلام: إذا أحرمت في رجب و ان كان في يوم واحد منه فقد أدركت عمرة رجب، و ان قدمت في شعبان فإنما عمرة رجب ان تحرم في رجب (1).


1- الوسائل ج 10 الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 14. أقول: يظهر من رواية أبي أيوب الخزاز أن الملاك و الاعتبار في نسبة العمرة إلى شهر، هو الإحرام فيه و الإهلال بها، لا الإحلال منها. عن أبي أيوب الخزاز عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: انى كنت أخرج ليلة أو ليلتين يبقيان من رجب فتقول أم فروة: إن عمرتنا شعبانية، فأقول لها أي بنية انها فيما أهللت و ليس فيما أحللت. الوسائل باب العمرة الحديث 10. و مثلها رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل أحرم في شهر و أحل في آخر. قال: يكتب له في الذي نوى. الوسائل ج 10 ص 240 الحديث 5. و يخالفها رواية عيسى الفراء عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أهل بالعمرة في رجب و أحل في غيره كانت عمرته لرجب، و إذا أهل في غير رجب و طاف في رجب فعمرته لرجب. الوسائل ج 10 ص 240.

ص: 95

و الإنصاف أن المتيقن من الرواية درك فضيلة عمرة رجب باعتبار وقوع الإحرام في يوم منه، و أما ترتب جميع الأحكام و الآثار حتى فيما نحن فيه، فمحل تأمل و خفاء. مضافا الى أنها من روايات قرب الاسناد، و ان في حسنة عبد الرحمن ما يوجب الترديد فيها.

عن عبد الرحمن عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل أحرم في شهر و أحل في آخر. قال: يكتب له في الذي نوى و قال يكتب له في أفضلهما (1).

و كيف كان الظاهر من رواية إسحاق المتقدمة في اعتبار شهر التمتع، هو الإحلال من العمرة لا الإهلال بها، لما تقدم في وجه تأييد هذا الاحتمال، كما هو مقتضى الاستصحاب الجاري في المقام أيضا، بعد تعارض الأدلة الواردة في المسألة لو قيل به.

توضيح ذلك: ان مقتضى العمومات المستفيضة الدالة على


1- الوسائل ج 10 الباب الثالث من أبواب العمرة الحديث 5.

ص: 96

عدم جواز العبور من الميقات الا محرما، ان لا يجاوزها أحد إلا بالإحرام، سواء كان قد خرج من مكة و رجع إليها قبل مضي شهر من خروجه أو بعده.

و مقتضى الروايات الدالة على أنه ان رجع الى مكة قبل مضي الشهر دخل بغير إحرام، جواز العبور من الميقات بغير إحرام.

و ما يدل على أن من أتى بالعمرة المتمتع بها الى الحج لا يجوز له إبطال العمرة، و قطعها عن الحج و جعلها مبتولة، فمقتضاه أيضا العبور من الميقات و دخول مكة بغير إحرام، و الإحرام للحج من بطن مكة.

و النسبة بين الطائفتين من الروايات هي العموم من وجه، فان قول ابى جعفر عليه السلام في جواب السائل، هل يدخل الرجل الحرم «لا، الا ان يكون مريضا أو مبطونا» و كذا قول الصادق عليه السلام «الا مريض أو مبطون» شامل بعمومه للمتمتع الخارج عن مكة، الراجع إليها بعد مضي شهر التمتع قبل مضي شهر الخروج.

و كذا قوله عليه السلام في جواب السائل اني أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر «أنت مرتهن بالحج» الظاهر في أنه كان اعتمر بعمرة التمتع ثم أراد أن يفردها، اما برجوعه الى بلده و ترك الحج أصلا و اما بالخروج من مكة و إتيانه بعمرة أخرى ليتمتع بها الى الحج و منعه عليه السلام عن ذلك بقوله «أنت مرتهن بالحج» شامل

ص: 97

بعمومه لما نحن فيه أيضا، فمقتضى عموم وجوب الإحرام من الميقات على كل من يمر بها أن يدخل مكة محرما، و مقتضى عموم الطائفة الثانية عدم وجوب الإحرام و جواز الدخول محلا، و الإحرام بالحج من مكة حتى لا تنقطع العمرة الأولى عن الحج، و لا يقع الفصل بينهما، كما هو مقتضى قوله صلى اللّه عليه و آله «دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة» و مفاد كل ما يدل على أن المعتمر بالعمرة المتمتع بها مرتهن به حتى يقضي الحج، فيقع التعارض بين تلك الأدلة فيما إذا خرج من مكة بعد العمرة محلا و رجع قبل مضي الشهر.

فبناء على عموم الأدلة الدالة على أنه لا يدخل الحرم أحد إلا محرما، يجب عليه الإحرام من الميقات و دخول مكة محرما، و بناء على ما يستفاد من الطائفة الثانية الدالة على أن العمرة دخلت في الحج الى يوم القيامة و ان المعتمر مرتهن بحجه، يجب عليه أن يدخلها بغير إحرام لكي لا يقع الفصل بين العمرة و الحج، و لا بد من رفع التعارض اما بالنصوص الواردة في المقام، و اما بالأصل الجاري فيه.

يمكن أن يقال: ان حسنة حماد الدالة على أنه ان رجع في شهره دخل مكة بغير إحرام، تخصص ما يدل على عدم جواز العبور من الميقات و دخول الحرم إلا بالإحرام، ان قلنا ان صدر الحسنة مجمل من جهة الشهر، و فسرناه بمعونة موثقة إسحاق بشهر التمتع

ص: 98

الذي هو أيضا مجمل من حيث الإهلال أو الإحلال، المقطوع منهما هو الأول. فالمتيقن من المستثنى شهر الإحرام، لأنه مقطوع خروجه عن عموم ما يدل على عدم جواز دخول مكة بغير إحرام، و أما من خرج من مكة و دخلها بعد شهر الإهلال و قبل شهر الإحلال، فيمكن القول ببقائه تحت ذلك العموم.

و أما النصوص الدالة على عدم جواز الفصل بين العمرة و الحج و أنه مرتهن به حتى يقضيه، فتخصص أيضا بديل حسنة حماد بقوله عليه السلام «و ان دخل في غير الشهر دخل محرما» (1). و لكن القدر المتيقن من المستثنى هنا شهر الإحلال دون الإهلال، فإن من دخل مكة بعد شهر من إحلاله من عمرة التمتع، خارج عن عموم «أنت مرتهن بالحج» أو «هو مرتبط بالحج و ليس لك ان تخرج من مكة حتى تحج» (2) فيدخل محرما بعمرة التمتع.

و أما من دخلها بعد شهر الإحرام و الإهلال و قبل مضي شهر الإحلال، فهو باق تحت العموم، فلا يجوز له الإحرام بها، لكونه مرتبطا بحجة بالعمرة الاولى و يبقى غير المتيقن تحت عامين متعارضين، و هو من خرج من مكة بعد العمرة و رجع إليها و دخلها بعد شهر الإهلال و قبل شهر الفراغ و الإحلال منها. و المرجع فيه


1- الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
2- الوسائل ج 8 الباب 22 من أبواب وجوب الإتيان بعمرة التمتع و حجه عام واحد الحديث 1.

ص: 99

الأصل، و هو استصحاب جواز الدخول في الحرم بغير إحرام بل وجوبه.

و توضيح ذلك: انه كان قبل مضي شهر الإحرام مكلفا بدخول مكة محلا، كما تدل عليه حسنة حماد، فإذا دخلها بعد مضي شهر الإحرام و قبل مضي شهر الإحلال، يشك في أن تكليفه دخول مكة محرما أو محلا، لتردد الشهر في الرواية بين شهر الإحرام و الإحلال فيستصحب حكمه الأول، أي قبل مضي شهر الإحرام الذي كان له أن يدخل مكة من غير إحرام، فالآن أيضا كذلك.

نعم من خرج بعد شهر الإحرام من مكة و دخلها قبل شهر الإحلال لا يجري استصحاب الحكم المذكور، لعدم اليقين السابق، الا على القول بجواز الاستصحاب التعليقي.

و ما ذكرنا من الاستصحاب في مورد تعارض الدليلين جار فيمن خرج من مكة و رجع بعد شهر التمتع و قبل مضي الشهر الذي خرج فيه، ان قلنا بتعارض الدليلين و عدم تقدم أحدهما على الأخر. فعلى هذا من خرج من مكة بعد إتمام أعمال العمرة، و أراد الرجوع إليها بعد مضي شهر التمتع و قبل شهر الخروج، فبناء على اعتبار شهر التمتع يجب عليه الإحرام لدخول مكة، و بناء على اعتبار شهر الخروج يدخلها بدون إحرام، و حيث أنه لا دليل على ترجيح أحد الاحتمالين يتعارضان فيتساقطان، و يكون المرجع هو الاستصحاب على ما تقدم تفصيله.

ص: 100

هذا ما تقتضيه القواعد الفقهية من جهة وجوب الإحرام و عدمه تكليفا، للعبور من الميقات و دخول مكة بعد الخروج منها، و أما احتمال دخل عدم الخروج منها في المكلف به، و اعتباره فيه و لو بهذا المقدار فلا بد في نفيه من التمسك بالبراءة، و لا مجال للاستصحاب فيه (1).

(المسألة السادسة) من دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع و خرج منها بعد اعمال العمرة لحاجة

محلا عمدا لا جهلا و لا نسيانا، فهل الحكم فيه نظير المسألة السابقة، من التفصيل بين من دخل قبل الشهر فيدخل محلا، و من دخل بعد مضي الشهر فيدخل محرما. أو الحكم هنا مغاير لحكمها و أنه لا بد من التمسك فيها بغير الأخبار المتقدمة؟

وجهان. الظاهر الأول، فإن قول الراوي إسحاق بن عمار سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو الى ذات عرق أو الى بعض المعادن، بإطلاقه شامل للعامد و الجاهل، فلا يختص الحكم بالثاني دون الأول، إذ لا فرق في الأخذ بالإطلاق بين السؤال و الجواب، إذ


1- و احتمال دخل عدم الخروج من مكة في المكلف به، اما من جهة أن الخروج منها بعد اعمال العمرة مانع عن انطباق عنوان المأمور به على المأتي به، أو ان المكث بمكة بعد العمرة من شرائط المكلف به، كما يظهر من التعبير بأنه مرتهن بحجه. و على كل حال المعتبر في المقام الأحاديث الواردة في المسألة. راجع وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 22 من أقسام الحج.

ص: 101

إطلاق الأول مثل الثاني.

و لو فرضنا أن السؤال انما وقع في مورد خاص شخصي لم يعلم الوجه فيه، لأمكن القول بالإطلاق أيضا بترك الاستفصال من الامام عليه السلام و عدم سؤاله عن خصوصية السؤال. و يعلم من المسألة حكم من خرج من مكة عامدا بلا حاجة و ضرورة، إذ الخصوصية بين المتعمدين مفقودة أيضا.

(المسألة السابعة) من أحرم في محل لا يجوز الإحرام منه

فهو كالعدم لا تترتب عليه الأحكام أصلا، و لو تعمد ذلك كان تشريعا محرما.

(المسألة الثامنة) [العمرة الثانية التي أحرم بها حين الرجوع الى مكة بعد مضي الشهر]

قد تقدم أن العمرة الثانية التي أحرم بها حين الرجوع الى مكة بعد مضي الشهر، هي العمرة المتمتع بها الى الحج دون الأولى المبتولة فعلى هذا يترتب عليها جميع الأحكام المترتبة على تلك العمرة فهي المحتبس بها الى الحج و المرتبطة به و لا يجوز له الخروج من مكة حتى يقضي الحج و غير ذلك من الأحكام الا أن يدل دليل على خلافه.

و هل يشترط في العمرة الثانية الإحرام بها من ميقات أهله أو أحد المواقيت، أو يجوز له الإحرام بها من خارج الحرم؟ وجوه و أقوال.

الأقوى هو الأول، لأنه المتبادر من الاخبار، و قد يقال ان الأقوى هو الثاني نظرا الى اتحاد الحكم بينه و بين من جاور مكة من شهر

ص: 102

رمضان أو قبله، فقد ورد فيه جواز الإحرام بالعمرة من جعرانة، و ان كان القول الأول مقتضى الاحتياط.

هذا إذا لم يمر بأحد المواقيت و الا فلا يجوز له ترك الإحرام و العبور منه بدون إحرام لعدم استفادة ذلك من أخبار المجاورة.

و أما الأحكام الأخر فيترتب جميعها عليها كما أشير إليها، فلا يجوز له الخروج من مكة بعد دخولها اختيارا، بل هو مرتهن بالحج الى أن يقضيه. و أما الخروج لحاجة فقد تقدم، فان ضاق الوقت عن إتمامها(أي العمرة الثانية) يجب العدول منها الى الافراد، فإنها العمرة التي يتمتع بها الى الحج، فمتى كان العدول من التمتع الى الافراد جائزا عند ضيق الوقت كما تدل عليه الاخبار الاتية، فيجوز في المقام أيضا إذ لم يثبت من الشرع حكم خاص لتلك العمرة، غير ما ثبت لكل عمرة يتمتع بها الى الحج.

ثم انه هل يجب طواف النساء للعمرة الأولى بعد ما صارت مبتولة أم لا؟ الظاهر أن طواف النساء انما يجب في كل عمرة مفردة أتى بها من الأول بقصد العمرة المفردة و عليها تحمل الأخبار الدالة على وجوب طواف النساء في كل عمرة، و أما العمرة التي أتى بها بقصد التمتع و أحل منها و حلت له النساء فلا دليل على حرمتها عليه ثانيا و وجوب الطواف عليه لأجلها، و لكن الاحتياط حسن.

(المسألة التاسعة) لو خرج المعتمر بعمرة التمتع بعد إتمامها

من

ص: 103

مكة محلا و دخلها بعد مضي الشهر محلا عصيانا أو جهلا أو نسيانا فهل له أن يأتي بحج التمتع مع العمرة الأولى، أو يجب عليه الرجوع الى الميقات و الإحرام منها بقصد العمرة ثم الإتيان بالحج حتى يرتبط حجه بعمرته الثانية؟ فيه وجهان.

و المنشأ أن العمرة الأولى هل تصير مبتولة بالخروج من مكة و مضي الشهر، أو لا يتبتل إلا بإتيان العمرة الثانية، فيجب عليه تكليفا أن يأتي بعمرة ثانية بعد مضي الشهر، حتى تتبتل العمرة الاولى و تصير الثانية هي المتمتع بها الى الحج. فحينئذ لو عصى و لم يأت بعمرة ثانية، و أتى بالحج مرتبطا بالعمرة الاولى يصح حجه و يكون متمتعا و ان عصى تكليفا بعدم الإتيان بالعمرة الثانية؟

الظاهر من الوجهين هو الثاني، و لا يبعد كونه أوفق للقواعد أيضا، فإن المستفاد من حسنة حماد حيث قال عليه السلام «ان الأخيرة هي العمرة» أن انقطاع الاولى عن الحج انما يتحقق بإتيان العمرة الثانية، لا بمجرد الخروج من مكة و إطالته حتى يمضي عليه الشهر، و لو شك في ذلك فيدفع بالبراءة عن وجوب العمرة الثانية بعد الرجوع الى مكة محلا عصيانا.

اللهم الا أن يقال: ان وجوب الإحرام و الإتيان بالعمرة بعد الشهر إذا رجع الى مكة كان معلوما لا شبهة فيه من جهة التكليف و انما الشك في اشتراط الحج المأمور به بذلك، فلا تجري البراءة في نفي الشرطية، إذا العلم بأصل الوجوب كاف في تنجز الحكم

ص: 104

و استحقاق العقوبة على فرض الشرطية، فيجب الاحتياط بمقتضى الاشتغال اليقيني.

هذا بالنسبة إلى العامد، و أما الجاهل و الناسي إذا رجعا غير محرمين فلا يبعد دخولهما تحت العمومات الدالة على وجوب الرجوع الى الميقات جهلا أو نسيانا، أو الى ما يمكن على من مر بالميقات بغير إحرام جهلا أو نسيانا، فيجب عليهما أيضا الرجوع الى الميقات إذا أمكن، و الا فيحرمان من مكانهما.

لا يقال: ان الاخبار الدالة على وجوب الرجوع الى الميقات كما تشمل الجاهل و الناسي شاملة للعامد أيضا، إذ من المسلم أن من مر بالميقات عالما من دون إحرام يجب عليه الرجوع الى الميقات، و الا فيبطل حجه كما هو ثابت في محله، و ما نحن فيه يشمله أيضا حكم العامد و يجب عليه الرجوع الى ميقات أهله كما قويناه، إذا رجع الى مكة بعد شهر بغير إحرام عالما عامدا و ان لم يمكنه يبطل حجه.

فإنه يقال: ان الأصحاب قدس سرهم من فقهائنا المتقدمين قد أفتوا في تلك المسألة ببطلان حج من ترك الإحرام في موضعه عمدا و وجوب الرجوع الى الميقات بمقتضى القاعدة الأولية، و ليس في أيدينا ما يدل على خلافها. و ما نحن فيه ليس كذلك، فإنه إنما أحرم من الميقات و أتى بعمرة صحيحة ليتمتع بها الى الحج و لكنه بعد ما خرج من مكة و رجع بعد شهر يشك في اشتراط

ص: 105

المأمور به بعدم الفصل بهذا المقدار، و الأصل عدم اعتباره.

اللهم الا أن يقال: انه بعد العلم بوجوب الإحرام عليه تكليفا إذا رجع بعد مضي شهر، لا مورد لإجراء الأصل. نعم لو احتمل و قيل أن الأمر بالإحرام بعد مضي شهر انما هو في مورد توهم الحظر لاحتمال عدم جواز الإحرام بعد العمرة التي أتى بها، فلا مانع من إجراء الأصل و الحكم بالبراءة حينئذ.

عدم جواز العدول من التمتع الى غيره

اشارة

الظاهر أنه لا خلاف بين الفقهاء في أن من كانت فريضته التمتع لا يجوز له العدول الى غيره من الافراد و القران، اختيارا، كما في الذخيرة، و عن المعتبر و في جملة من مؤلفات العلامة إجماعا منا.

و يدل عليه كل ما يدل على أن فرض النائي التمتع، فلو فرض عليه التمتع و عدل الى غيره يكون تاركا للمأمور به عمدا فلا يجزيه فعدم الدليل على جواز العدول اختيارا كاف في عدم الجواز.

و أما في حال الاضطرار و الضرورة فيجوز العدول بلا خلاف و لا إشكال في الجملة، و انما المهم بيان الموارد التي يجوز فيها العدول:

(منها) ضيق الوقت عن الإتيان بأعمال العمرة التي يتمتع بها الى الحج، فمن أحرم بالعمرة زاعما التمكن من إتمامها، و لكن لم يتمكن من الإتمام و درك الحج بعده، يجوز له العدول الى حج

ص: 106

الإفراد، فيأتي بالحج ثم يأتي بالعمرة بعده. بلا خلاف فيه، كما ادعاه في الجواهر و قال: بل لعل الإجماع عليه، و تدل عليه أيضا أخبار كثيرة مستفيضة:

منها صحيحة أبان بن تغلب عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: أضمر في نفسك المتعة، فإن أدركت متمتعا و الا كنت حاجا (1).

و منها صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل و المرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج ثم يدخلان مكة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال: يجعلانها حجة مفردة و حد المتعة إلى يوم التروية (2).

و منها رواية عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا قدمت يوم التروية و قد غربت الشمس فليس لك متعة امض كما أنت بحجك (3).

و منها صحيحة الحلبي أو حسنته، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعا ثم قدم مكة و الناس بعرفات، فخشي ان هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف. فقال عليه السلام: يدع العمرة، فإذا أتم حجه صنع


1- وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 1 من أقسام الحج الحديث 1.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 11.
3- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 12.

ص: 107

كما صنعت عائشة و لا هدي عليه (1).

و رواية زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون في يوم عرفة و بينه و بين مكة ثلاثة أميال و هو متمتع بالعمرة؟ فقال:

يقطع التلبية تلبية المتعة و يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر، و يمضي الى عرفات فيقف مع الناس و يقضي جميع المناسك و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شي ء عليه (2).

و منها رواية موسى بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المتمتع يقدم مكة ليلة عرفة. قال: لا متعة له، يجعلها حجة مفردة و يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة و يخرج إلى منى و لا هدي عليه، انما الهدي على المتمتع (3).

و ظاهر قوله «و يخرج إلى منى» هو الخروج إلى منى بعد طواف الزيارة و السعي ليتم سائر الأعمال بمنى، و لكن الفيض قدس سره ذكر له في الوافي معنيين آخرين فراجع.

و بالجملة المستفاد من تلك الأخبار المستفيضة المعتبرة المشتملة على الصحاح و الحسان تشريع العدول من التمتع الى الافراد لمن لم يتمكن لضيق الوقت من إتمام العمرة ثم الإتيان بالحج.

و لا معارض لتلك الاخبار الا رواية محمد بن سهل عن زكريا


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 6.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
3- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 10.

ص: 108

ابن عمران المروية في الاستبصار، أو زكريا بن آدم كما في غيره بإسناده عن موسى بن القاسم عن محمد بن سهل عن زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة؟ قال: لا متعة له، يجعلها عمرة مفردة (1).

لكنها غير صالحة للمعارضة، فان محمد بن سهل الواقع في السند مجهول الحال في كتب الرجال، و ان استظهر بعض كونه إماميا أو موثقا، لكنه يحتاج الى حدس قوي. و أما زكريا بن عمران المذكور في الاستبصار فهو أيضا مجهول لم يذكر في كتب الرجال، و انما نقل عنه الشيخ هذه الرواية فقط، و لذا قيل ان ثبوت نقل محمد بن سهل عن زكريا بن آدم و عدم معهودية روايته عن زكريا بن عمران، موجب لاحتمال أن يكون نقل الاستبصار اشتباها في النسخة، و ان كان ذلك أيضا يحتاج الى حدس قوي.

و مع ذلك الرواية قد أعرض عنها الأصحاب، إذ لم نجد من أفتى بمضمونها أو تعرض لحملها أوردها، مع كونها بمرأى منهم و مسمع، فعلى هذا لا تعارض الروايات المتقدمة.

و يمكن حملها على من دخل مكة يوم عرفة و لم يتمكن من ادراك الحج أصلا، فتحلل بالعمرة المفردة، إذ لا فرق بين المحرم بالحج إذا فاته و المحرم بعمرة التمتع إذا فاته الحج.

و يمكن أن يكون المراد من جعل العمرة مفردة تأخيرها عن


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 8.

ص: 109

الحج، بمعنى أنه يجب عليه أن يؤخر العمرة و يأتي بها مفردة بعد الحج، فيوافق حينئذ اخبار العدول، و ذلك غير بعيد عن الرواية.

هذا بالنسبة إلى أصل العدول من التمتع الى الافراد لمن لا يتمكن من درك الحج بعد العمرة المتمتع بها الى الحج، لضيق الوقت و فواته الذي تدل عليه الاخبار المتقدمة المشتملة على المستفيضة و الموثقة و الحسنة، و لا يعارضها ما يرى من الاختلاف في تحديد فوات وقت المتعة و مضيه، من التحديد بزوال يوم التروية أو قبله أو قبل زوال يوم عرفة كما يظهر وجهه بالتأمل، و لكن في المقام

مسائل لا بد من التعرض لها و الإشارة الى ما فيها:

(المسألة الاولى) [من وجب عليه التمتع فرضا أو نذرا و نحوهما]

قد تبين مما أسلفناه و حققناه، أن من وجب عليه التمتع فرضا أو نذرا و نحوهما، يتعين عليه أن يأتي بالتمتع ما لم يتضيق وقته و تمكن من الإتيان بمناسك العمرة و الحج جميعا الواجبة اختياراأي الواجبة عليه في حال الاختيار لا في حال الاضطرار.

فعلى هذا لو قام دليل تام بلا معارض على انقضاء الوقت و عدم صلاحيته لإتيان العمرة المتمتع بها الى الحج في زمان مخصوص مع سعة الوقت، مثل يوم التروية أو ليلة عرفة، فيجب العدول الى الافراد في ذلك الزمان و ان كان غير مضيق في الواقع، عملا بمقتضى الأخبار الظاهرة في وجوب العدول حين ذاك، و كذا لو دل دليل معتبر على جوازه في وقت مخصوص نلتزم به.

ص: 110

و أما لو كان الدليل قاصرا عن إثبات ذلك أو ساقطا عن الحجية بمعارضته لما هو أقوى منه، فالقاعدة تقتضي الإتيان بالعمرة المتمتع بها ثم الإحرام للحج و الإتيان بمناسكه ما لم يتضيق الوقت و تمكن من الإتيان بالحج، و لا يجوز له العدول الى الافراد قطعا.

و أما إذا لم يتمكن من درك أفعال الحج الاختيارية و لكن تمكن من درك الأفعال و المناسك الاضطرارية، فإن قلنا ان الظاهر من أدلة العدول جواز العدول أو وجوبه إذا ضاق الوقت الاختياري من الوقوفين، فيجوز العدول أو يجب إذا خاف فوت الاختياري من الوقوفين، سواء تمكن من الاضطراري منهما أم لا. و أما إذا منعنا ظهور أدلة العدول فيما ذكر و قلنا ان موردها خوف فوت الوقوفين حتى الاضطراري منهما فلا يجوز العدول إلا إذا لم يتمكن من درك الوقوفين حتى الاضطراري، و كذا الحال لو سلمنا ظهور أدلة العدول فيما تقدم، من دلالتها على خوف فوت الوقوفين الاختياريين و لكن منعنا حجية ذلك الظهور بمعارضته بما هو أقوى منه.

هذا إذا قلنا ان الدليل الدال على اجزاء الاضطراري من الوقوفين يشمل ما لو ترك الاختياري لو لا تمام العمرة، و الا فلا مناص من العدول الى الافراد إذا خاف فوت الاختياري من الوقوفين فقط، لو لإتمام عمرته. و الإنصاف أن المستفاد من الأدلة و الاخبار الواردة في المقام أن الوقوف بعرفة ما بين الزوال الى غروب الشمس مما يشترط في صحة حج التمتع، و إذا خاف المتمتع عدم درك هذا

ص: 111

المقدار من الوقوف يجب عليه العدول الى الافراد.

(الثانية) من أحرم بالعمرة المتمتع بها الى الحج تطوعا

، يجب عليه إتمام العمرة بلا اشكال، ما لم يمنع عنه مانع و يصد عنه صاد، أو يتضيق الوقت عن الإتيان بالحج بعد إتمام العمرة أو لم يفت وقتها بناء على التوقيت، و يأتي حكم كل ذلك إنشاء اللّه.

(الثالثة) من أتم العمرة المندوبة المتمتع بها و أحل منها،

فهل يجب عليه الحج بعد ذلك؟ قال في القواعد: فيه اشكال.

و منشأه كما في التوضيح و كشف اللثام و جامع المقاصد أن العمرة و الحج هل هما عملان مستقلان لا يرتبط أحدهما بالاخر، فالأصل حينئذ البراءة من وجوب الإتيان بالثاني بعد الفراغ عن الأول، أو هما عمل واحد بحيث يعدان واحدا من المناسك كما شبك رسول اللّه «ص» أصابعه و قال «دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة» فيجب الإتيان بالثاني بعد الفراغ من الأول، لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1).

الظاهر من الإتمام في الآية وجوب الإتيان بجميع الاجزاء و الشرائط المعتبرة في العمرة و الحج، بقرينة الذيل، فمن شرع فيه يجب عليه الإتمام إلا إذا أحصر فيكفيه الهدي. و لا ينافي ذلك ما ورد من أن معنى الإتمام في الحج أداؤه تاما، باتقاء ما يحرم و الاجتناب من الرفث و الفسوق و الجدال، مما يجب على المحرم


1- سورة البقرة الآية 196.

ص: 112

تركه و رفضه، فان كل ذلك يؤيد ما استظهرناه من معنى الإتمام، و حمله على وجوب الإتيان بجميع ما يعتبر في الحج و العمرة، حتى الشرائط المعتبرة في كمالهما.

لكن الإنصاف أن الآية ظاهرة في وجوب إتمام كل من العمرة و الحج بعد الشروع فيهما و عدم البقاء في الإحرام، فما في كشف اللثام، من أن من بقي على إحرامه الى أن يموت لا يعد عاصيا، استنادا الى الأصل و عدم الدليل على وجوب الإتمام، إلا الآية الكريمة التي لا تدل صريحا عليه. غير تام، لما تقدم من ظهور دلالة الآية على وجوب الإتمام بعد الشروع، و تماميته في المقام.

نعم إثبات أن العمرة و الحج عمل واحد بحيث يجب الإتيان بهما إذا شرع بالعمرة، مشكل جدا، فان الآية الشريفة ليست بصدد بيان ذلك بل في مقام وجوب إتمام كل واحد من الحج و العمرة على من شرع فيه، و كذا قوله صلى اللّه عليه و آله «دخلت العمرة في الحج» يكفي في صدق الدخول تشريعا وجوب إتيان حجة الإسلام بعد الإتيان بالعمرة في أشهر الحج متصلا بها، و لا يلزم من هذا كونهما عملا واحدا حتى يجب إتمامهما بالشروع في أحدهما.

هذا، و لكن النصوص الدالة على أن المعتمر مرتبط بالحج حتى يقضيه، و كذا الأخبار الناهية عن الخروج عن مكة بعد العمرة المتمتع بها، كلها ظاهرة في أن الإتيان بالحج لازم بعد العمرة المتمتع بها، و لا يجوز الاقتصار عليها مندوبة كانت أو واجبة، فالأقوى

ص: 113

وجوب الإتيان بالحج بعد العمرة المتمتع بها و ان كانت مندوبة، كما حكي عن المبسوط و النهاية و المهذب و الوسيلة و المختلف و الإيضاح.

(الرابعة) من دخل مكة متمتعا بالحج الواجب

، فان علم أنه يتمكن من إتيان جميع أفعال العمرة ثم اللحوق بالناس و الإتيان بمناسك الحج، يجب عليه إتمام التمتع و لا يجوز له العدول الى الافراد، كما عن الشيخ في النهاية و المبسوط و التهذيب، و حكي عن الإسكافي و القاضي في المهذب و ابن حمزة في الوسيلة، و اختاره في المدارك و الذخيرة.

و يدل عليه قوية أبي بصير المروية في الفقيه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة. فقال عليه السلام: ان كانت تعلم أنها تطهر و تطوف بالبيت و تحل من إحرامها و تلحق الناس بمنى فلتفعل.

و الرواية من جهة السند لا اشكال فيها، فإن أبا بصيرو ان كان مرددا بين ليث بن البختري و عبد اللّه بن محمد الأسدي الا أن كليهما ثقتان، و طريق الصدوق الى ابى بصير أيضا قوي (1).

و أما الدلالة فهي أيضا تامة، لان اللحوق بالناس في منى عبارة عن التمكن عن درك أفعال الحج و قضاء مناسكه تاما، و الا فالذهاب


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 3.

ص: 114

إلى منى قبل عرفات ليس من المناسك، بل الذهاب اليه ثم الإفاضة منه الى عرفات مستحب، و لو ترك الذهاب إلى منى و خرج الى عرفات مستقيما ليس عليه شي ء و لا ينقص حجه، فلو تمكن من إتمام العمرة ثم من درك أعمال الحج يجب عليه ذلك، كما هو مفاد قوله عليه السلام «فلتفعل»، لظهور الأمر في الوجوب.

و احتمال اختصاص الحكم بالمرأة عند طمثها فقط، يدفعه ما في صحيحة الحلبي الاتية، من قوله عليه السلام «يدع العمرة فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه» الظاهر في أن حكم الرجل و المرأة في ذلك واحد.

و ليس في الاخبار ما يعارض ما تقدم و يناقضه، فان ما يدل على وجوب العدول الى الافراد حتى في التمتع الواجب، محمول على من خاف عدم درك الحج، مثل حسنة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعا ثم قدم مكة و الناس بعرفات فخشي ان هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف. قال: يدع العمرة، فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه (1).

و صحيحته عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ما أدرك الناس بمنى (2).


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 6.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 8.

ص: 115

و مرسلة ابن بكير انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المتعة متى تكون؟ قال: يتمتع ما ظن أنه يدرك الناس بمنى (1).

و رواية جميل عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر (2).

و مكاتبة محمد بن مسرور قال: كتبت الى ابى الحسن الثالث عليه السلام، ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافى في غداة عرفة و خرج الناس من منى الى عرفات، أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه، الى أي وقت عمرته إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية و لا ليلة التروية، فكيف يصنع؟ فوقع عليه السلام: ساعة يدخل مكة إنشاء اللّه يطوف و يصلي ركعتين و يسعى و يقصر و يحرم بحجه و يمضي إلى الموقف و يفيض مع الامام (3).

و الظاهر من الإفاضة مع الإمام الإفاضة من عرفات الى المشعر إذ المفروض أنه قدم مكة بعد ما خرج الناس من منى الى عرفات فلا يمكن إرادة الإفاضة من منى الى عرفات. و يظهر من هذا و يعلم أنه يجب إتمام المتعة، إذا تمكن من درك الامام بعرفات قبل الإفاضة منها، الذي هو الركن من الوقوف بها.


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 6.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 15.
3- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 16.

ص: 116

و ظهور إنشاء الحكم بالجملة الخبرية في الوجوب ليس بأخفى من ظهور صيغة الأمر فيه، لما قيل في الأصول أن الأمر إذا رأى المأمور به جزما و لا يرضى بتركه يفرضه محققا في الخارج و يخبر عنه بالوقوع.

و منه يظهر عدم جواز العدول من التمتع الى الافراد لدرك الوقوف بعرفات من أول الزوال، إذ يكفي في وجوب الإتمام درك الوقوف بعرفة قبل الغروب و لو بقليل.

ثم ان المتمتع بالحج الواجب المتمكن من إتمام العمرة و إتيان الحج داخل في تلك الاخبار قطعا، فان احتمال وجوب الإتمام على المتمتع ندبا و حمل الاخبار عليه دون المتمتع واجبا، مشكل جدا، بل مقطوع عدمه، فان المتطوع إذا وجب عليه إتمام حجه و ان لا يجوز له العدول من التمتع الى الافراد، إذا تمكن من درك الوقوف، ففي الواجب يكون كذلك بالأولوية.

فتحصل من جميع ما ذكر أن المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا تمكن من إتمام عمرته و درك الوقوف بعرفات يجب عليه الإتمام ثم الإحرام بالحج إذا علم ذلك، و ما ورد في بعض النصوص من انقضاء مدة المتعة يوم التروية أو يوم عرفة محمول على غير العالم به، مثل صحيحة ابن بزيع قال:

سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل متى تذهب متعتها؟ قال عليه السلام

ص: 117

كان جعفر «ع» يقول: زوال الشمس من يوم التروية، و كان موسى عليه السلام يقول: صلاة الصبح من يوم التروية. فقلت: جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون ثم يحرمون بالحج. فقال: زوال الشمس، فذكرت له رواية عجلان أبى صالح فقال: لا، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة. فقلت: فهي على إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال: لا هي على إحرامها. قلت:

فعليها هدي. قال: لا، الا أن تحب أن تطوع. ثم قال: اما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فأتتنا المتعة (1).

هذه الرواية محمولة على من حاضت قبل أن تحل و لم تكن عالمة بأنها متى تطهر، فقال عليه السلام «ان متعتها قد ذهبت بزوال الشمس يوم التروية» و لا يجب عليها الصبر و الانتظار إلى غداة عرفة بل ينتقل متعتها الى الافراد عند الزوال و تذهب الى عرفات.

و لا تنافي بينها و بين ما ورد في رواية أبي بصير من أنها ان كانت تعلم انها تطهر و تطوف فلتفعل.

و المراد من ذهاب المتعة رفع الحكم بوجوب إتمامها و جواز تبديل التمتع بالإفراد أو وجوبه، إذا كان الحج في معرض الفوت يقينا لو لم تفعل ذلك على ما سيأتي.

و يشهد لما حملنا عليه الرواية ما في ذيلها من قوله عليه السلام «أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فأتتنا المتعة»


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.

ص: 118

إذ الظاهر أن أهل المدينة إذا رأوا هلال ذي الحجة فاتتهم المتعة على ما هو المتعارف، لاحتمال عدم الوصول إلى مكة و عدم التمكن من إتمام العمرة ثم الإتيان بالحج، لموانع يحتمل في السير و في العمل أحيانا، و ان كان الوصول و التمكن من الحج ممكنا بحسب الواقع، و لكن أهل المدينة كانوا إذا أرادوا التمتع يحرمون قبل هلال ذي الحجة بيوم أو يومين، و أما بعد الهلال ما كانوا يريدون التمتع بل يرونه في معرض الفوت على ما هو المتعارف بينهم حين ذاك.

و يعلم من هذا أن قول جعفر عليه السلام بفوات المتعة إذا زالت الشمس، و قول موسى عليه السلام بفواتها صلاة الصبح يوم التروية، انما كان كل منهما مبنيا على الاحتياط، و انها تقع معرضا للفوت.

و على هذا يحمل أيضا أكثر ما ورد في تحديد فوات المتعة بيوم التروية أو ليلة عرفة أو غداة عرفة، مثل صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج قال: أرسلت الى ابى عبد اللّه عليه السلام أن بعض من معنا من صرورة النساء قد اعتللن، فكيف تصنع؟ قال عليه السلام: تنتظر ما بينها و بين التروية، فإن طهرت فلتهل، و الا فلا يدخلن عليها التروية الا و هي محرمة (1).

و هذه الرواية تدل على أنها ان طهرت قبل التروية أحلت من


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 15.

ص: 119

العمرة ثم تهلل بالحج بعد الإحلال منها، و ان لم تطهر بقيت على إحرامها إلى يوم التروية لتحج مع الناس، و على هذا فهي اما منصرفة عمن تعلم أنها تطهر قبل التروية و تتمكن من أداء الوظيفة المقررة لها من العمرة و الحج، و اما محمولة على غير العالمة به.

و موثقة إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه السلام قال:

سألته عن المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج الى عرفات. قال: تصير حجة مفردة. قلت: عليها شي ء؟

قال: دم تهريقه و هي أضحيتها (1).

و مورد الموثقة أيضا غير مورد رواية أبي بصير المصرحة فيها بأنها ان كانت تعلم أنها تطهر و تطوف البيت فلتفعل.

و صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية. قال: تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة (2).

و ظاهر الصحيحة أيضا المرأة التي لم تكن عالمة بأنها تطهر و تتمكن من إتمام العمرة و درك الحج بعده.

تلك الطائفة من النصوص الواردة في توقيت متعة الحائض بأوقات مختلفة، كلها محمولة على مورد يكون حجها معرضا للفوت


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 13.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 2.

ص: 120

بإدامة طمثها، و انها لا تعلم متى تطهر، و أما إذا علمت بطهرها و تمكنها من إتمام العمرة قبل الوقوف بعرفات ثم الإحرام بالحج و درك عرفات، فوظيفتها و فرضها التمتع كما صرح به في رواية أبي بصير المتقدمة.

هذا كله في تحديد متعة المرأة، و أما الرجل ففي توقيت متعته روايات لا بد من نقلها و التأمل فيها و بيان مفادها و محاملها، منها:

رواية علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل و المرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج، يدخلان مكة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال عليه السلام: يجعلانها حجة مفردة، و حد المتعة إلى يوم التروية (1).

لا يبعد حمل هذه الرواية على من يخاف فوت حجه ان أتم اعمال العمرة ثم خرج الى عرفات، و لهذا أمره عليه السلام بالعدول الى الافراد، إذ الغالب أن من ورد مكة يوم عرفة لا يتمكن كثيرا ما من إتمام أعمال العمرة و درك الحج، سيما إذا ورد بعد الزوال، مع حاجة السير الى عرفات الى ساعات عديدة، الملازمة لخوف فوت الحج لكثير من الناس في ذلك العصر.

و أما الفقرة الأخيرة في الرواية من قوله عليه السلام «و حد المتعة إلى يوم التروية» محمولة على غروب يوم التروية، بناء على دخول الغاية في الحد، لما تعارف بين الناس من الحركة قبل


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 11.

ص: 121

الغروب إلى منى ليفيضوا منه الى عرفات. و على هذا المقصود من التحديد اما عدم جواز التأخير عمدا عن الغروب لكونه خلاف الاحتياط في الحركة مع الرفقة و يمكن أن ينجر الى عدم الوصول الى عرفات في الوقت المقرر، و اما تحديد لوجوب إتمام العمرة بمعنى أنه يجب إتمام العمرة و الإتيان بوظيفة المتمتع الى غروب يوم التروية، و أما ليلة عرفة فيجوز لمن دخل مكة فيها العدول من التمتع الى الافراد.

و حينئذ يدور الأمر في جواز العدول من التمتع الى الافراد بين القول بالجواز ليلة عرفة مطلقا سواء كان واجبا أو مندوبا، و بين حمل الرواية الدالة على جواز العدول على خصوص المندوب من التمتع فعلى الأول تكون الرواية مخصصة للاية و النصوص الدالة على أن النائي فرضه التمتع (1)، فيكون المستفاد من المجموع أن النائي فرضه التمتع الا من لم يتم عمرته الى غروب يوم التروية، فله أن يعدل الى الافراد، و ان كان متمكنا من التمتع في نفس الأمر و الواقع و لا يجب عليه إتمام التمتع واجبا كان أو مندوبا.

و على الثاني يخصص بها عموم الأدلة الدالة على وجوب إتمام العمرة المتمتع بها الى الحج و الحج بعدها، و يبقى العموم الدال على أن فرض النائي التمتع بحاله، و لا يلزم تخصيص فضلا عن


1- أضاف الأستاذ مد ظله في الحاشية ما هذا لفظه: و موجبا لتخصيص الأكثر للأدلة الدالة على وجوب تتميم ما شرع فيه من التمتع انتهى.

ص: 122

تخصيص الأكثر. نعم يخرج التمتع المندوب عن عموم وجوب الإتمام، و إذا دار الأمر بين الاحتمالين فالمتعين هو الثاني، لأنه المتيقن من التخصيص، إذ الأصل عدم التخصيص في الآية و الروايات الكثيرة الدالة على وجوب التمتع على النائي و عدم التخصيص الزائد في أدلة وجوب إتمام التمتع.

و بتعبير أوفى ان الأدلة الدالة على جواز العدول في مقام بيان عدم وجوب إتمام المتعة بما هي متعة، و لا تعرض فيها لتكليف النائي حتى يؤخذ بإطلاقها، و يخصص بها الآية و الرواية التي تدل على أن فرض النائي التمتع. فعلى هذا يبقى قوله تعالى ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1) سليما عن التخصيص و سالما عن المعارض.

و توضيح المقام: ان المستفاد من الآية الكريمة ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أن الواجب على النائي التمتع و انه فرضه، يجب عليه الإتيان به، و لازم ذلك عدم جواز العدول منه الى غيره مع التمكن من إتمامه، و عدم تبدل فرضه الى غيره الا بدليل شرعي تعبدي.

و كذا المستفاد من قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ (2) بمعونة الأخبار الدالة على أن العمرة دخلت في الحج الى يوم القيامة


1- سورة البقرة الآية 196.
2- سورة البقرة الآية 196.

ص: 123

أن من أحرم بعمرة التمتع يجب عليه إتمامها و الإتيان بالحج بعدها و لا يجوز له العدول الى غيره، سواء كان التمتع واجبا أو مندوبا.

و في قبال هذين الحكمين الأخبار الدالة على جواز العدول، و لكن ما يستفاد منها بادئ النظر هو تحديد وجوب إتمام العمرة و حرمة العدول الى الافراد الى غروب يوم التروية، لا تبدل الفرض من التمتع الى الافراد و فوات وقته.

و يشهد لما ذكرنا رواية أبي بصير المتقدمة، الدالة على أن المرأة إذا طهرت ليلة عرفة و تمكنت من إتيان التمتع فلتفعل (1) و غيرها من الروايات التي تدل على عدم فوت وقت التمتع يوم عرفة أو الى زوال الشمس من يوم عرفة كما في مكاتبة محمد بن مسرور المتقدمة (2).

و أما ما يتراءى منه من انقضاء وقت التمتع يوم التروية كصحيحة عمر بن يزيد و موسى بن عبد اللّه و إسحاق بن عبد اللّه و زكريا بن عمران(أو آدم) فكلها مأولة بما يأتي عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا قدمت مكة يوم التروية و قد غربت الشمس فليس لك متعة، امض كما أنت بحجك (3).

عن موسى بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 3.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 15.
3- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 12.

ص: 124

المتمتع يقدم مكة ليلة عرفة؟ قال عليه السلام: لا متعة له يجعلها حجة مفردة و يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة و يخرج إلى منى و لا هدي عليه، و انما الهدي على المتمتع (1).

و المراد من خروجه إلى منى الخروج اليه للبيتوتة، و من الطواف طواف الحج بعد الوقوفين و الرجوع الى مكة، و كذا السعي.

و رواية إسحاق بن عبد اللّه عن ابى الحسن عليه السلام قال:

المتمتع إذا قدم مكة ليلة عرفة فليس له متعة يجعلها حجة مفردة، إنما المتعة إلى يوم التروية (2).

و رواية زكريا بن آدم(أو عمران على اختلاف نسختي التهذيب و الاستبصار) قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة. قال: لا متعة له يجعلها عمرة مفردة (3).

و كل تلك الروايات اما محمولة على من لا يطمئن من إتمام العمرة ثم الإتيان بالحج من جهة الضعف أو الخوف، و اما تحمل على عدم وجوب إتمام العمرة بعد الشروع و جواز العدول الى الافراد. فحينئذ تحمل على المندوب من التمتع لا الواجب منه، و قد تقدم الكلام في رواية زكريا بن آدم و رواية موسى بن عبد اللّه


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 10.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 9.
3- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 8.

ص: 125

و لا نعيده.

(الخامسة) لو علم المحرم بالعمرة الواجبة المتمتع بها الى الحج

بأنه لو أتى بأفعال العمرة يفوته الحج، حتى الوقوف الاضطراري منه، سواء كان لضيق الوقت أو لعذر آخر، كالطمث و النفاس و عدم الرفيق في الطريق و الخوف وحده، يجب عليه العدول الى الافراد و الذهاب الى عرفات و إتمام مناسك الحج ثم الإتيان بعمرة مفردة بعده، و وقت العدول من زوال يوم التروية الى ما يتمكن من درك الوقوف الاختياري. و هذا ما لا كلام فيه، و تقدم ما دلت عليه من النصوص.

و انما الكلام فيما إذا علم انه لا يدرك الاختياري من حج الافراد بعد العدول اليه، و لكنه يتمكن من درك الاضطراري من مناسكه، فهل يجب عليه العدول أيضا أم لا؟

الظاهر أنه لا خلاف في وجوب العدول الى الافراد و ان لا يتمكن الا من الوقوف الاضطراري منه، و تدل جملة من الاخبار المتقدمة الدالة على وجوب العدول الى الافراد من يوم التروية الى ما يتمكن من درك حج الافراد، و حيث أنه لم يقيد جواز العدول فيها بدرك الاختياري منه، يشمل ما لو تمكن من درك الاضطراري من حج الافراد، بعد انقضاء وقت التمتع و انقلاب التكليف منه الى الافراد.

(السادسة) إذا علم المعتمر بعمرة التمتع، انه يتمكن من إتمام اعمال العمرة و الحج بإتيان جميع أعمالهما

، الا أنه لا يتمكن من

ص: 126

الوقوف بعرفات من أول زوال يوم عرفة، بل يتمكن منه بقدر ما يتحقق به الركن من الوقوف بها، فهل يجوز أو يجب العدول الى الافراد، لكي يقف بعرفات من الزوال الى الغروب مستوعبا لجميع الوقت، أو يجب عليه إتمام العمرة ثم إنشاء الإحرام للحج و الوقوف بعرفات قبل الغروب، بمقدار يتحقق به الركن و ان لم يحصل الاستيعاب؟ الظاهر هو الثاني. و تدل عليه صحيحة جميل عن ابى عبد اللّه عليه السلام: المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر (1).

لوضوح أن منتهى وقت العمرة إذا كان زوال الشمس من يوم عرفة، لا يتمكن أحد من الوقوف بها باستيعاب الوقت من الزوال الى الغروب، بل يتمكن مقدارا من الوقوف بها، سيما في تلك الأزمنة المعمول فيها السير بالقوافل و الإبل.

و مثلها مكاتبة محمد بن مسرور المتقدمة، قال: كتبت الى ابى الحسن الثالث عليه السلام: ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافى غداة عرفة و خرج الناس من منى الى عرفات، أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه، الى أي وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية و لا ليلة التروية، فكيف يصنع؟ فوقع عليه السلام: ساعة يدخل مكة إنشاء اللّه يطوف و يصلي ركعتين و يسعى و يقصر و يحرم بحجته و يمضي إلى الموقف


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 15.

ص: 127

و يفيض مع الامام (1).

و من الواضح أن كل من وافى مكة غداة عرفة، لا يتمكن من درك الوقوف جميع الوقت، فان الظاهر أنه ساعة دخوله مكة غداة عرفة يتم أعمال العمرة و يذهب الى عرفات حتى يفيض مع الامام منها، و ظاهر ذلك كفاية درك الامام قبل الإفاضة.

و رواية يعقوب بن شعيب الميثمي، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا بأس للمتمتع ان لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له، ما لم يخف فوت الموقفين (2).

و من البين أن فوت الموقف لا يصدق إذا أدرك ساعة من يوم عرفة أو أقل منها، بل إذا أدرك مقدارا يتحقق به الركن من الوقوف و قد أوضحنا فيما تقدم أن كل ما يدل على توقيت المتعة و انقضاء وقتها ليلة عرفة أو يومها أو يوم التروية محمول على من خاف فوت الحج، أو محمول على المندوب من التمتع، أو على جواز العدول الى الافراد، أو يحمل على جواز العدول الى الافراد في الحج المندوب، بمعنى أنه لا يجب عليه إتمام العمرة بل له العدول الى الافراد.

(السابعة) إذا علم المعتمر بعمرة التمتع أنه لا يقدر على إتمام أعمال العمرة

و درك الوقوف الاختياري بعرفة و المشعر، و لكنه يتمكن


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 16.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 5.

ص: 128

بعد العمرة من درك الوقوفين الاضطراريين، بأن يقف بعرفات ليلة النحر و بالمزدلفة قبل زوال الشمس من يوم النحر، فهل يجب عليه العدول من التمتع الى الافراد لكي يدرك الاختياري من الوقوفين أو يجب عليه إتمام العمرة المتمتع بها ثم الإحرام بحجه و لو أدرك الاضطراري من الموقفين؟ فيه وجهان.

و منشأ التردد أن قوله عليه السلام في رواية يعقوب بن شعيب «لا بأس للمتمتع ان لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له ما لم يخف فوت الموقفين» هل هو ظاهر في الوقوف الاختياري بعرفات و مزدلفة، أو أعم منه و من الاضطراري. الظاهر هو الثاني، لأن فوت الموقفين لا يصدق بفوت الاختياري منهما فقط، و يؤيده أن الوقوف الاختياري و الاضطراري حكمهما معا حكم السجدتين في الصلاة، فكما تبطل الصلاة بتركهما معا سهوا أو عمدا أو اضطرارا فكذلك الوقوفان، فان ترك الوقوف الاختياري و الاضطراري معا سهوا كان أو جهلا أو عمدا، موجب لبطلان الحج، و أما بفوت أحدهما فلا يفسد الحج إلا إذا كان عن عمد و اختيار كما في ترك السجدة الواحدة في الصلاة، و بذلك يدفع قول من ادعى أن الظاهر من فوت الموقفين فوت الوقوف الاختياري منهما.

و لعل ما ذكرناه يستظهر من صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعا ثم قدم مكة و الناس بعرفات فخشي ان هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته

ص: 129

الموقف. قال عليه السلام: يدع العمرة، فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه (1).

إذ يعلم منها أن المناط في وجوب إتمام التمتع درك الموقف و كان هذا مرتكزا في ذهن السائل أيضا، و لما خشي فوت الموقف تردد في حكمه، و الظاهر من خوف فوت الوقوف أعم من الاختياري و الاضطراري، كما استظهرناه من الرواية المتقدمة.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في المقام، و لكن الإنصاف انه لا صراحة في الاخبار لبقاء وجوب التمتع و إتمامه ما لم يخش فوت الموقفين، إلا في رواية يعقوب بن شعيب، و هي غير نقية السند.

و أما صحيحة الحلبي فليس فيها إلا اشعار بتقرير الامام عليه السلام ما كان مرتكزا في ذهن السائل، مضافا الى إمكان إرادة الاختياري من الموقفين، كما استظهره غير واحد من أصحابنا، فالحكم بوجوب إتمام العمرة المتمتع بها و إتمام الحج تمتعا و لو بدرك الاضطراري من الوقوفين، و عدم جواز العدول الى الافراد الذي يتمكن فيه من درك الوقوف الاختياري بعرفات و مزدلفة، خلاف ظواهر النصوص و الفتاوى، و كذا مخالف للاحتياط، لتظافر النصوص الظاهرة في جواز العدول الى الافراد حينئذ و إفتاء الفقهاء على طبقها، الا بعض منهم كابن إدريس و بعض المتأخرين.

اللهم أن يقال ان وظيفة النائي عن مكة هو حج التمتع، كما


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 6.

ص: 130

تدل عليه الآية و الروايات، حتى فيما إذا لم يتمكن من درك الوقوف الاختياري بل تمكن من الاضطراري، بضميمة النصوص التي تدل على كفاية الاضطراري من الوقوفين إذا لم يتمكن من الاختياري منهما، فالاضطراري من النسك يقوم مقام الاختياري، و لا يحتاج الى العدول و لا تصل النوبة اليه.

و من تلك النصوص ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه «ص» في سفر فإذا شيخ كبير فقال:

يا رسول اللّه ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له: ان ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و ان ظن انه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها فقد تم حجه (1).

و إطلاق الرواية شامل لكل من المتمتع و المفرد، فيجب على النائي إتمام عمرته و حجه إذا تمكن من الوقوف الاضطراري ما لم يقم دليل معتبر على جواز العدول الى الافراد، و القدر المتيقن من النصوص الدالة على جواز العدول الى الافراد من التمتع إذا خشي فوت الموقفين هو فوت الاختياري و الاضطراري معا، لا الاختياري فقط كما عليه البعض.

فعموم الدليل الدال على وجوب التمتع على النائي و إطلاقه سليم عن التخصيص و التقييد، و الحكم بعدم جواز العدول إلى


1- وسائل الشيعة ج 10 من أبواب الوقوف بالمشعر الباب 22 الحديث 4.

ص: 131

الافراد إذا تمكن من درك الوقوف الاضطراري من حج التمتع، مطابق للقواعد الأولية، كما أفتى به ابن إدريس و بعض المتأخرين.

و لقائل أن يقول: انه لو حملنا النصوص الدالة على وجوب العدول من التمتع الى الافراد إذا خشي فوت الموقفين على من لا يدركهما حتى الاضطراري منهما، لا يبقى لها الا موارد نادرة، فإن من لا يتمكن من درك الوقوف الاختياري و الاضطراري إذا أتم متعته، بأن لا يتمكن بعد إتمام العمرة من الوقوف بعرفات حتى ليلة النحر و لا يتمكن من درك المشعر حتى قبل الزوال من يوم النحر- أي الاضطراري من الموقفين لا يتمكن منهما أيضا إذا عدل الى الافراد أيضا، فما معنى وجوب العدول اليه و الحال أن النصوص انما توجب ذلك ليتمكن من درك الوقوفين الاختياريين بالعدول الى الافراد و ترك التمتع، كما قاله الشيخ قدس سره حيث أفتى بأن من لم يتم أعمال عمرته الى زوال يوم عرفة يجب عليه العدول الى الافراد.

(الثامنة) [الحج المندوب فحكمه أيضا مثل ما تقدم]

قد تقدم حكم العدول الى الافراد من التمتع إذا ضاق الوقت عن إتمام العمرة المتمتع بها الى الحج في الحج الواجب، و أما الحج المندوب فحكمه أيضا مثل ما تقدم، فمن دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع تطوعا و لا يتمكن من إتمام أفعال العمرة و درك الأفعال الاختيارية للحج معا وجب عليه العدول الى الافراد و الإتيان بعمرة مفردة بعد إتمام أفعال الحج، و كذا لو خاف

ص: 132

فوت الحج أصلا. و يدل عليه ما تقدم من النصوص الدالة على وجوب العدول الى الافراد إذا لم يتمكن من درك الحج لضيق الوقت أو خاف فوته.

و أما إذا ورد مكة زوال يوم التروية معتمرا بعمرة التمتع تطوعا و علم أنه يتمكن من إتمام أفعال العمرة و درك الحج بجميع أفعاله الاختيارية، فهل يجب عليه إتمام التمتع لقدرته عليه و تمكنه منه أو يجوز له العدول الى الافراد، لدلالة بعض الاخبار عليه، و انه جائز من زوال يوم التروية الى أن يخاف فوت الحج، فيجب حينئذ العدول؟ الظاهر هو الثاني، و الحكم بجواز العدول من زوال يوم التروية في الحج المندوب، لما تقدم من الجمع بين الروايات الدالة على ذهاب المتعة و انقضاء وقتها يوم التروية أو زواله أو غروبه كصحيحة ابن بزيع و ما يتحد مضمونه معها، و بين الاخبار الدالة على بقاء وقت التمتع الى زوال يوم عرفة كرواية جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر (1). أو إلى ليلة عرفة، كرواية محمد بن ميمون قال: قدم أبو الحسن عليه السلام متمتعا ليلة عرفة فطاف و أحل و اتى جواريه، ثم أحرم بالحج و خرج (2) أو ما يدل على بقاء وقتها ما أدرك الناس بمنى، كرواية


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 15.
2- الوسائل ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 2.

ص: 133

يعقوب بن شعيب و موثقة ابن بكير و مرفوعة سهل و رواية شعيب و صحيحة محمد بن مسلم (1) و غيرها من الروايات التي تدل على بقاء وقت المتعة بعد التروية أيضا.

و مقتضى الجمع بين تلك الاخباركما تقدم أن تحمل الطائفة الأولى الدالة على انتهاء وقت المتعة و انقضائه على ذهاب الأمر الوجوبي التعييني، المتعلق بإتمام التمتع في الحج المندوب من زوال يوم التروية، لا الأمر الجوازي بمعنى أنه لا يجب عليه إتمام العمرة و حج التمتع إذا ورد مكة يوم التروية، بل يجوز له أن يعدل الى الافراد كما أنه يجوز له أن يتم عمرته و أن يأتي بالتمتع الى أن يخاف فوت الحج، فيجب حينئذ العدول.

و تحمل الطائفة الثانية الدالة على بقاء وقت التمتع على جواز التمتع لا الوجوب و التعيين، ما يتمكن من أعمال الحج، بمعنى أنه يجوز له التمتع الى وقت يتمكن فيه من إتمام العمرة و الحج الى يوم عرفة أو ليلة عرفة أو بعد زوال عرفة و ان كان يجوز له العدول الى الافراد أيضا من يوم التروية.

و أما الحمل على المندوب من حج التمتع لا الواجب منه، فهو مقتضى عموم الآية الكريمة الدالة على أن فرض النائي التمتع و الروايات الصريحة في وجوب إتمام المتعة على من يتمكن منه


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 5 6، 7، 1، 4، 9.

ص: 134

و لو في يوم عرفة. و لا مجال لتخصيص الآية و تلك الروايات بما تقدم من النصوص الدالة على جواز العدول من يوم التروية، فإن المتيقن من التخصيص تخصيص ما يدل على أن المعتمر مرتهن بحجه الشامل للواجب و المندوب، فيخصص بالمندوب، و أما الفرض من حج التمتع المستفاد من الآية و الرواية فيبقى على عمومه و لا يخصص بما تقدم، للشك فيه، و الأصل بقاؤه على عمومه، و قد مر توضيحه، و لعل الشيخ «قده» جمع بين الاخبار بما ذكر لما أشير إليه في طي البحث.

ينبغي التنبيه على أمور

(الأمر الأول) قد تقدم أن مما يوجب العدول من التمتع الى الافراد عروض الطمث على المرأة المحرمة

، بحيث لا تتمكن من إتيان أعمال العمرة بعد حصول الطهر و الإتيان بالحج بعدها و الشك في التمكن من الإتيان بأفعال الحج بعد العمرة و خوف فوته.

و قد مر ما يمكن أن يستدل به لذلك من النصوص، و لكن في قبال تلك النصوص أخبار تدل على أنها تتم عمرتها و تسعى بين الصفا و المروة و تقصر و تقضي طوافها بعد الفراغ من مناسك الحج و أفعاله و لا تعدل الى الافراد.

و أصح ما في المقام سندا صحيحة رواها أربعة من أصحاب الصادق عليه السلام منهم علي بن رئاب عنه أنه قال: المرأة المتمتعة

ص: 135

إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا و المروة، و ان لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت و احتشت ثم سعت بين الصفا و المروة ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت بالبيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثم طافت طوافا للحج ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم الا فراش زوجها، فإذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها (1).

و نقل غير واحد عن عجلان ابى صالح قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة متمتعة قدمت مكة فرأت الدم. قال: تطوف بين الصفا و المروة ثم تجلس في بيتها، فان طهرت طافت بالبيت و ان لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلت بالحج من بيتها و خرجت إلى منى و قضت المناسك كلها، فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا و المروة (2).

و في رواية أخرى عنه: فإذا طهرت و انصرفت من الحج قضت طواف العمرة (3).

و قد أفتى بعض الأصحاب بالتخيير بين العدول الى الافراد و بين تتميم العمرة و قضاء الطواف بعد الحج، كما في رواية علي ابن رئاب المتقدمة.


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 1.
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 2.
3- وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 3.

ص: 136

و لكن التحقيق أن يقال: ان كان المراد من التخيير هو التخيير الواقعي المجعول لهابمقتضى الجمع بين طائفتين من الروايات- فلا شاهد له و ليس جمعا عرفيا و يأبى العرف عنه، لأن الأخبار الدالة على العدول ظاهرة في تعين العدول، و أن وظيفة الحائض ليس الا ذلك، و كذا الظاهر من أخبار الباب تعين إتمام العمرة عليها ثم قضاء طوافها بعد الحج ليكون حجها تمتعا، فالأمر الوارد في الطائفتين ظاهر في الوجوب التعييني، و لا شاهد لحمله على التخييري، بل لا يحتمله بعض العبارات أصلا، فإن قوله عليه السلام في رواية عجلان: «لا إذا زالت الشمس ذهبت المتعة» (1) و قوله «تمت عمرتها» كما في رواية أبي بصير (2) تعبيران مختلفان و متناقضان من جميع الوجوه لا يمكن حملهما على التخيير، و ارادة الأمر التخييري منها مما لا يساعده العرف بل يبعده و ينفيه.

و لا ينافي هذا ما تقدم منا من حمل قوله «ذهبت متعتها» على انقضاء التعيين، و ذهاب الأمر التعييني، جمعا بينه و بين قوله «و لها المتعة»، إذ لا اشكال و لا استبعاد في ذلك الجمع بخلاف النصوص المتعارضة في المقام، فان قوله «تصير حجها مفردة»، و قوله «متعتها تامة و تقضي طوافها» غير قابل لتحمل الجمع المذكور بإرادة التخيير منهما.


1- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 4.

ص: 137

هذا إذا كان المراد من التخيير هو الحكم الواقعي، و أما لو كان المقصود من التخيير، الحكم الظاهري، في التخيير في العمل بين المتعارضين من باب الأخذ بأحد الخبرين، فهذا انما يصح بعد ثبوت التكافؤ المفقود في المقام، لأن الأخبار التي تدل على العدول مطابقة لفتوى المشهور.

و أما رواية عجلان ابى صالح الدالة على بقاء التمتع و قضاء الطواف بعد الحج، ضعيفة. لاشتراك ابى صالح بين الثقة و الضعيف فلا يعتمد على روايته و لا يستدل بها.

و لا يثبت مضمون رواية أبي صالح بما روى عن درست بن ابى منصور عن عجلان في حديث قال: كنت أنا و عبد اللّه بن صالح سمعنا هذا الحديث في المسجد، فدخل عبد اللّه على ابى الحسن عليه السلام فخرج الي فقال: قد سألت أبا الحسن عليه السلام عن رواية عجلان فحدثني بنحو ما سمعناه من عجلان (1).

و ذلك لان عبد اللّه بن صالح أيضا مجهول، فكيف يوثق مجهول بمجهول آخر و ضعيف بضعيف، مضافا الى نفي ابى الحسن عليه السلام مضمون رواية عجلان، كما في صحيحة ابن بزيع المتقدمة بعد ما سأل الراوي عنه. فقال أبو الحسن: لا إذا زالت الشمس ذهبت المتعة (2).


1- وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 6.
2- وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.

ص: 138

فان الظاهر من النفي نفي ما ذكر في رواية عجلان من الحكم ببقاء المتعة و تمامية العمرة و قضاء الطواف بعد الحج، لا نفي الوقت المذكور في صدر الرواية، بل لا وجه أصلا لرجوع النفي إليه، إذ لا تنافي بين صحيحة ابن بزيع و رواية عجلان من جهة التوقيت، بل التمانع و التنافي من جهة الحكم و انقضاء المتعة و ذهابها، و عدم الانقضاء زوال يوم التروية و قضاء الطواف، بل يمكن تصور اتحادهما في الوقت بخلاف الحكم، إذ المذكور في رواية ابن بزيع ان متعتها تذهب إذا زالت الشمس و تصير حجها مفردا، و أما ما ذكر في رواية عجلان «انها اغتسلت و احتشت وسعت بين الصفا و المروة و تقضى طوافها».

و لا يخفى أن المعمول و المتعارف بين الحجاج أنهم يشتغلون بمقدمات الحج من الغسل و غيره من أول الزوال غالبا، فتحمل الرواية عليه، فتكون متحدة مع رواية ابن بزيع من جهة الوقت و لكنها تخالفها من جهة الحكم بعدم ذهاب المتعة و عدم جواز العدول الى الافراد و وجوب قضاء الطواف بعد الحج، و حيث أن الصحيحة متعرضة لرواية عجلان و نافية لمضمونها، تكون حاكمة و مقدمة عليها.

و احتمال كون المنفي في رواية أبي الحسن عليه السلام غير رواية عجلان الموجودة بأيدينا بعيد جدا، و لو فرضنا ذلك لأمكن أن يقال: ان لعجلان رواية مخالفة لوجوب العدول الى الافراد،

ص: 139

و فوت المتعة زوال يوم التروية قد نفاها أبو الحسن وردها بقوله «لا»، فحينئذ يقال الرواية المردودة و المنفية اما هي الموجودة عندنا أو غيرها، و على كل حال يوجب ذلك و هنا و ضعفا في مفاد الرواية الموجودة، و لا ينبغي أن يجعل معارضا لغيره.

و كذا يوجب ذلك و هنا و ضعفا في رواية ابن رئاب التي تطابق مضمونها، فيحكم بتقدم الأخبار الدالة على العدول الى الافراد و ذهاب المتعة زوال يوم التروية.

و قد يجمع بينها بنحو آخر، و هو أن يقال: ان المرأة إذا كانت طاهرة حين الإحرام ثم طمثت قبل الإتيان بأفعال العمرة، فعمرتها تامة لكنها تقضي طوافها بعد الحج، و أما إذا كانت حين الإحرام طامثا فتعدل الى الافراد ان لم تطهر قبل أعمال الحج، بحيث تتمكن من إتيان أعمال العمرة، و قد تجعل رواية أبي بصير شاهدا لهذا الجمع قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في المرأة المتمتعة: إذا أحرمت و هي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت و لم تطف حتى تطهر ثم تقضي طوافها و قد قضت عمرتها، و ان هي أحرمت و هي حائض لم تسع و لم تطف حتى تطهر (1).

و يرد على هذا الجمع:

أولاأن نفس ما جعل شاهدا لرفع التعارض مبتلى بمعارض آخر، و هو صحيح ابن بزيع حيث قال: سئل عن المرأة تقدم مكة


1- الوسائل ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 5.

ص: 140

متمتعة ثم حاضت قبل أن تحل. الى ان قال عليه السلام: إذا زالت الشمس ذهبت المتعة (1).

و ثانياأن رواية أبي بصير قد أعرض عنها الفقهاء و لم يفت بمضمونها الا قليل منهم، كابن جنيد على ما نسب اليه، و لهذا حملها الشيخ على من حاضت أثناء الطواف، كما يأتي حكمه إنشاء اللّه تعالى. و لكنه أيضا خلاف الظاهر و السياق، و يصعب حملها عليه حتى في مقام الجمع لصراحتها في أنها حاضت قبل أن تحل، و هو ظاهر في عروض الطمث قبل الطواف لا في أثنائه. اللهم الا أن يقال ان حملها على ذلك أولى من الطرح.

(الأمر الثاني) لو حاضت امرأة أثناء الطواف

، ففيه ثلاثة أقوال:

الأول البطلان مطلقا، و الثاني الصحة مطلقا، و الثالث التفصيل بين عروض الحيض قبل النصف فيبطل أو بعده فيحكم بصحة الطواف و هو المشهور المنصور لعدة من الروايات:

منها مرسلة أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ قال: حدثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة. و زاد في التهذيب: و تقضي ما فاتها من الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة و تخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف الأخر (2).


1- الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.
2- وسائل الشيعة ج 9 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 2.

ص: 141

أما الرواية فمخدوشة من جهة السند، لأن أبا الحسن بياع اللؤلؤ أو إسحاق صاحب اللؤلؤ كلاهما مجهولان، و قال الممقاني «ره» لم أر من ذكره الا الشيخ، حيث عده من أصحاب الصادق عليه السلام في رجاله. مضافا الى كونها مرسلة، الا أن نقل صفوان الذي هو من أصحاب الإجماع و كذا عبد اللّه بن مسكان على ما نقل من الكشي يجعلها كالصحيحة.

و أما من جهة الدلالة فهي تامة بناء على نقل الكافي، حيث تدل منطوقا على أن عروض الحيض لا يبطل الطواف إذا كان بعد أربعة أشواط و لا تبطل متعثها. و مفهومها أنه لو كان قبل إتمام أربعة أشواط فتبطل و متعتها غير تامة، الا أنها ساكتة عن وجوب قضاء الطواف عليها في الصورة الاولى.

و أما بناء على ما نقله التهذيب فتدل على وجوب قضاء ما بقي من الطواف، و لكنها ساكتة عن بيان وقت القضاء، و مقتضى القاعدة فيه أنها إذا طهرت قبل الخروج إلى منى تقضيها قبله، و الا تقضي بعد الرجوع من منى، و قد فسر بعض الشراح قوله «قبل أن تطوف الطواف الأخر بقضاء ما فاتها من الطواف»، بمعنى عدم الحاجة الى الزائد على أربعة أشواط، بل تخرج إلى منى و تكون متعتها تامة.

فيكون المحصل من الرواية أن المرأة المفروضة ممنوعة عن إتمام الطواف، بل تخرج إلى منى للذهاب الى عرفات و لا شي ء عليها الا قضاء ما فات من طوافها،(و هي ثلاثة أشواط) المصرح به في

ص: 142

صدر الرواية، و ان كان المراد من قوله «قبل أن يطوف الطواف الأخر» طواف الزيارة بعد مراجعتها من مني أو طواف النساء، بمعنى أنه يجب عليها بعد المراجعة من منى أن تقضي أولا ما فاتها من الأشواط قبل طواف الزيارة و طواف النساء. فالمعنى أيضا أنه لا يجب عليها إلا قضاء ما فات منها قبل الإتيان بطواف الزيارة، و ان كان ذلك خلاف الظاهر، لكن الرواية على كل حال تدل على تمامية المتعة إذا عرضها الحيض بعد أربعة أشواط.

و يدل عليه أيضا ما رواه الشيخ بسنده عن إبراهيم بن أبي إسحاق عن سعيد الأعرج قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تتم طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة، فلها أن تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك لأنها زادت على النصف، و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحج (1) و رواها الشيخ مرسلة عن إبراهيم بن إسحاق و زاد فيه: و ان هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج، فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو الى التنعيم فلتعتمر (2).

و ما رواه عن أحمد بن محمد عمن ذكره عن أحمد بن عمر الحلال عن ابى الحسن عليه السلام قال: سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت؟ قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف


1- الوسائل ج 9 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 4.

ص: 143

بالبيت أو بالصفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله (1).

و ما رواه الكافي عن أبى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة، فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته، فإن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله (2).

و هذه الروايات كما ترى تدل على تمامية المتعة إذا عرض الحيض أثناء الطواف بعد النصف، و على وجوب قضاء ما فات من الأشواط، و هي و ان كان أكثرها لا يخلو من الضعف في السند و اختلال و اضطراب في المضمون، الا أنها منجبرة بعمل الأصحاب بها و الإفتاء بمضمونها (3).

و احتمال كون مستند فتاواهم غير ما ذكر من الاخبار المودعة في كتب الأصحاب لا يضر بجبر الضعف فيها، مع تطابق عبارة الفتاوى و النصوص المتقدمة.


1- الوسائل ج 9 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1.
3- الرواية بالنسبة إلى وجوب إعادة السعي غير معمول بها و لكن تحمل على الأفضلية، فإن السعي بين الصفا و المروة و ان لم يكن مشروطا بالطهارة الا انه معها أفضل.

ص: 144

و لا يعارض تلك الأخبار المتقدمة مع تطابق الفتاوى عليها، ما روي عن ابن بزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة، ثم حاضت قبل أن تحل متى تذهب متعتهاالى ان قال: قال عليه السلام: إذا زالت الشمس ذهبت المتعة (1).

و هذه الرواية و نظائرها مستند صاحب المدارك تبعا لابن إدريس في الحكم ببطلان المتعة بعروض الحيض قبل الإحلال مطلقا، و لكنها قابلة للتقييد بما تقدم من النصوص و أن المتعة لا تبطل إذا طمثت بعد تجاوز النصف، و كذا يطرح أو يأول ما يدل على صحة الطواف و المتعة بعروض الحيض قبل تجاوز النصف، مثل ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما. قال: تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت و اعتدت بما مضى (2)، و رواه الصدوق بإسناده عنه عن أحدهما و قال: و بهذا أفتي لأنه رخصة و رحمة.

فإنه معرض عنه، و الصدوق منفرد في الإفتاء بمضمونه، و لذا حمله الشيخ على طواف النافلة و لم يعمل به في الفريضة.

بقي في المقام شي ء ينبغي التعرض له، و هو أنه قد جعل ملاك تمامية المتعة في الاخبار عروض الحيض بعد تجاوز النصف، و ملاك


1- الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.
2- الوسائل ج 9 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 3.

ص: 145

البطلان العروض قبله، و هي ساكتة عن حكم عروض الحيض في النصف من سبعة أشواط، إذ ما ذكر فيها هو أربعة أشواط في الحكم بالصحة و ثلاثة أشواط في الحكم بالبطلان، و لم يذكر ثلاثة أشواط و نصف لا في الرواية و لا في كلام العلماء، فان كلامهم أيضا مختلف، فجعل بعض ملاك التمامية التجاوز عن النصف و مناط البطلان قبل النصف، و ذكر بعض آخر أربعة أشواط و ثلاثة أشواط.

و حيث أنه قد علل تمامية المتعة في رواية سعيد، بأنها زادت على النصف، يمكن أن يجعل الميزان في الحكم بالصحة التجاوز عن النصف، و في البطلان عدم التجاوز عنه.

و أما ذكر الأربعة و الثلاثة في الروايات فإنما هو لبيان أحد المصاديق للقسمين لا لخصوصية فيها، فالحكم إذا زاد على النصف و لو يسيرا الصحة و التمامية و إذا قل عن النصف و لو يسيرا بطلان التمتع. و أما النصف الحقيقي لا أقل و لا أكثر منه فيتوجه البطلان فيه أيضا، لعدم صدق التجاوز عن النصف عليه.

و يمكن أن يقال أيضا: ان موضوع الحكم في التمامية انما هو أربعة أشواط بتمامها و كمالها، و التجاوز عن النصف انما يعتبر ان يتحقق في ضمن الأشواط التامة لا الناقصة منها، و هو لا يتحقق و لا يوجد إلا في ضمن أربعة أشواط تامة، و كذا يعتبر أن يتحقق الأقل من النصف الذي هو الملاك في الحكم بالبطلان في ضمن أشواط تامة كاملة، و هي الثلاثة المذكورة في الرواية، فحينئذ يكون

ص: 146

الميزان في تمامية المتعة تحقق أربعة أشواط، و مفهوم ذلك البطلان في الثلاثة. و أما الثلاثة و النصف فهو أيضا من مصاديق المفهوم المستفاد من قيد الأربعة.

هذا غاية ما يمكن أن يقال، و لكن النفس لا تطمئن به و لا تستريح، فلا بد في المقام من دليل قوي يعتمد عليه. و حيث أن مقتضى صحيحة ابن بزيع بطلان التمتع بعروض الحيض قبل الإحلال فيقال: ان الخروج من مقتضاها و تخصيصها يحتاج الى دليل معتبر، و ورود التخصيص عليها بعد أربعة أشواط قطعي لا شبهة فيه، و أما التخصيص في أقل من أربعةو لو كان الثلاثة و النصف فمشكوك فيه، و المخصص مجمل لا يصح التمسك به، و الشبهة أيضا مفهومية. و المرجع فيها عموم العام، فيبقى غير الأربعة باقيا تحت العام و يحكم بالبطلان في أقل من أربعة أشواط و كذا في النصف الحقيقي ثلاثة أشواط و نصف.

(الأمر الثالث): ان الحيض كما تقدم لا يمنع عن الإحرام و صحته

، فيجوز الإحرام حال الطمث. فلو ان امرأة حاضت عند الميقات فان علمت انها تطهر قبل أيام الحج و تتمكن من أعمال العمرة أحرمت من الميقات و نوت العمرة المتمتع بها الى الحج و تدخل مكة و لا تدخل المسجد حتى تطهر، فإذا تطهرت طافت وصلت ركعتين وسعت و قصرت، فان لم تطهر الى يوم التروية أولا تعلم أنها تطهر قبل يوم عرفة أو زوال يوم التروية يجوز لها

ص: 147

العدول من الافراد الى التمتع زوال يوم التروية، و يجوز لها أيضا الصبر الى أن يضيق الوقت، فان لم تطهر وجب عليها العدول.

أما عدم كون الحيض مانعا عن الإحرام فتدل عليه الروايات:

منها رواية منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام المرأة الحائض تحرم و هي لا تصلي؟ قال: نعم إذا بلغت الوقت فلتحرم (1).

و رواية يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض تريد الإحرام. قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة، و لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير الصلاة (2).

و رواية زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام فتطمث؟ قال: تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم، فإذا كان الليل خلعتها و لبست ثيابها الأخرى حتى تطهر (3).

و رواية معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض تحرم و هي حائض. قال: نعم تغتسل و تحتشي و تصنع كما تصنع المحرمة و لا تصلى (4).


1- الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 2.
3- الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 3.
4- الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 4.

ص: 148

و رواية عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام أ تحرم المرأة و هي طامث؟ قال: نعم تغتسل و تلبي (1).

و هذه الروايات المنقولة في كتب الأصحاب كما ترى ظاهرة في أن الحيض لا يمنع عن الإحرام، و أما الأحكام الأخرى من وجوب العدول و جوازه فقد علم مما تقدم من المسائل، و لا اشكال فيها، و انما الكلام في المقام أن إطلاق الاخبار الدالة على عدم منع الحيض عن الإحرام، هل هي شاملة للمرأة التي تعلم أنها لا تطهر الى انقضاء وقت العمرة فيجب عليها الإحرام بالعمرة المتمتع بها إذا كانت نائية، ثم العدول الى الافراد أولا تشملها فمشكل.

و وجه الإشكال أنها إذا كانت عالمة بعدم الطهر الى آخر وقت العمرة لا تتمكن من قصد التمتع حتى يجب عليها فتحرم بها. اللهم الا أن يقال: ان الاخبار الواردة في المقام لم تعين لها وظيفة خاصة من التمتع و الافراد، فلها أن تنوي الافراد إذا علمت أنها لا تطهر الى آخر الوقت.

و فيه: ان الحائض كغيرها من المكلفين ان لم تكن حاضرة المسجد الحرام فوظيفتها التمتع، و يشملها إطلاق الآية و الروايات، و لا يجزيها غير ما تكون مكلفة به الا بالدليل، كما أنها لو كانت حاضرة لم يكن فرضها إلا الافراد و لا يجزي غيره الا بالدليل الخاص، فان كان الدليل إطلاق عدم مانعية الحيض عن الإحرام


1- الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 5.

ص: 149

المستفاد من النصوص فهو غير تام، لان مفادها أن الخلو من الحيض ليس شرطا للإحرام، و أما أن الفرض في هذا الحال التمتع أو الافراد فهي ساكتة عنه و غير ناظرة إليه حتى يتمسك بالإطلاق في المقام.

اللهم الا أن يقال: ان المرأة المسئول عن حكمها في النصوص هي المرأة العالمة بعدم طهرها الى انقضاء وقت متعتها، فيكون الجواب بوجوب الإحرام عليها من الميقات ظاهرا في الإحرام بالإفراد، لعدم تمكنها من العمرة المتمتع بها الى الحج.

و يمكن أن يقال: ان السؤال انما وقع عن النسوة في الزمن السابق و كان ميقات أكثرهن ذا الحليفة أو الجحفة، و كان المتعارف في ذلك الزمان الخروج من المدينة و ما شابهها أواخر شهر ذي القعدة، و الحائض منهن في الأغلب انما تكون عالمة بأنها تطهر قبل انقضاء الوقت، أو محتملة له، و الروايات محمولة و منزلة على ما هو المتعارف في زمان صدورها، فلا تشمل الحائض التي تعلم بعدم الطهر الى انقضاء وقت التمتع.

لا يقال: ان لازم ما ذكر أن لا تكون المرأة العالمة بعدم طهرها الى آخر وقت عمرتها مكلفة بالحج أصلا، فإن النساء اللاتي عادتهن أن يحضن من خامس ذي الحجة مثلا إلى خمسة عشر يوما منها لا يستطعن من حج التمتع أبدا. و الحال انهن مكلفات به، كغيرهن ممن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.

ص: 150

فإنه يقال: ان المفروضة ان كانت متمكنة من الخروج الى عمرتها و ان تأتي بأفعالها قبل أيام العادة، يجب عليها الخروج، و أداء مناسك العمرة قبل ذلك ثم تحرم للحج و تأتي بجميع المناسك الا الطواف، فإذا طهرت أتت به مع ركعتي الطواف ان أمكنها التوقف بمكة بعد الطهر بذلك المقدار، و أما إذا لم تتمكن من التوقف بعد الطهر لان تأتي بطوافها، أو لم تمهلها السيارة و الرفقة أو الحكومة استنابت شخصا يطوف عنها، فيكون حجها تاما و متعتها كاملة.

مضافا الى أن استقرار العادة على رؤية الدم في خامس ذي الحجة مثلا انما هي أمارة غالبية اعتبرها الشارع، لا قطعية و يقينية بحيث لا يحتمل خلافها أصلا، بل يمكن التخلف. فعلى هذا لا يوجد العلم بعدم الطهر الى فوت زمان العمرة، بحيث يصح أن يقال ان الاخبار و الآيات منصرفة عن تلك النسوة، فكل حائض تحتمل الطهر قبل مضي وقت العمرة تحرم و تنوي التمتع، فان لم تطهر قبل ذلك تعدل الى الافراد.

نعم لو علمت و تيقنت امرأة انها لا تطهر الى آخر وقت العمرة، فأمرها دائر بين القول بوجوب الإحرام عليها بالتمتع و الاستنابة لطواف العمرة و ركعتيه، أو قضائهما بعد الطهر أو الإحرام لحج الافراد و حيث ان الأمر مردد و لم يعلم وظيفتها من أخبار الباب أيضا، فلا مناص من وجوب الاحتياط عليها حتى تحصل البراءة اليقينية عن

ص: 151

الاشتغال اليقيني (1).

قال المحقق القمي: يجب عليها العدول الى الافراد قبل الإحرام، بمعنى لزوم الإحرام للإفراد، كما يجب على كل من ضاق عليه وقت العمرة و لم يتمكن من التمتع، و استدل لذلك بالإجماع و نفي الحرج و الضرر و بأولوية المقام عن عروض الحيض بعد الإحرام، و مال اليه السيد في العروة مستدلا بعدم التمكن من قصد التمتع.

أما الإجماع المدعى في كلام المحقق فغير ثابت، نعم لا يخلو بعض الاخبار عن الظهور فيما ذكر، و لكنه أيضا ليس بحيث يعتمد الفقيه عليه في فتواه.

و أما الحرج و الضرر، فغاية ما يترتب عليه نفي التكليف الحرجي و الضرري، و أما تبدل التكليف و وجوب العدول الى الافراد من التمتع فيحتاج الى دليل آخر و لا يستفاد من رفع التكليف الحرجي و الضرري، نظير ما قيل في المسح على المرارة، فإن رفع وجوب المسح على البشرة بعدم الحرج و نفيه لا يثبت بدلية المسح على المرارة عن مسح البشرة بل يحتاج ذلك الى دليل آخر كما قال


1- أقول: يمكن لكل امرأة أن تؤخر عادتها بابتلاع الحب المعد لذلك الرائج في عصرنا، يستعمله كثير من النسوان في شهر رمضان و سائر الأيام و لا حظر فيه، كما يجوز لها ان تأكل طعاما أو تشرب شرابا يوجبه بل يستحب ذلك كما ورد في الحديث. راجع الوسائل ج 9 الباب 92 و 93 من أبواب الطواف.

ص: 152

«امسح على المرارة».

و أما الأولوية فادعاؤها و الجزم بها موقوف على العلم بالمصالح و الحكم الواقعية، المقتضية لجعل الأحكام الشرعية على الموضوعات الخارجية، و أنى لنا ذلك.

و أما ما استدل به صاحب العروة من عدم تمكنها من قصد التمتع، فهو مبني على القول بعدم جواز الاستنابة في الطواف أو عدم وجوب الإتمام بلا طواف و صلاة، ثم قضائهما حال الطهر، و الا فيتمشى منها قصد التمتع و القربة كغيرها.

هذا كله إذا قلنا بعدم سقوط التكليف عنها في هذه السنة، و أما إذا شككنا في أنها مكلفة بالحج في هذه السنة مع علمها بأنها لا تطهر الى آخر وقت العمرة فالمرجع البراءة من الوجوب.

و يمكن استفادة ما اختاره المحقق القمي من وجوب العدول الى الافراد قبل الإحرام من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال:

أرسلت الى ابى عبد اللّه عليه السلام أن بعض من معنا من صرورة النساء قد اعتللن فكيف تصنع؟ قال: تنتظر ما بينها و بين التروية، فإن طهرت فلتهل و الا فلا يدخلن عليها التروية الا و هي محرمة (1).

بناء على أن يكون المراد من الإهلال بعد الطهارة الإهلال بالعمرة، و من الإحرام الإحرام للحج، مع فرض أن المرأة كانت مكلفة بالتمتع لكونها مدنية، و مع العلم بعدم تمكنها من إتمام


1- الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 15.

ص: 153

العمرة أمرها الإمام عليه السلام بالإحرام للحج، و اما عدم أمرها بالخروج لإحرام العمرة المفردة بعد إتمام الحج، انما هو للتقية.

و فيه: أن الصحيحة لا ظهور لها فيما ذكر، و لا يصح الاستدلال بها اعتمادا على الاحتمالات التي لا شاهد لها.

فتحصل من جميع ما تقدم أن من أحرم لعمرة التمتع و لم يتمكن من إتمامها لضيق الوقت أو لمانع كعروض الحيض و النفاس يعدل الى الافراد، ثم يأتي بعد الحج بعمرة مفردة. و أما من علم قبل الإحرام بأنه لا يتمكن من أعمال العمرة قبل الحج الى انقضاء آخر وقت العمرة التي يتمتع بها الى الحج، فان كان في بلده و كان عدم التمكن من جهة ضيق الوقت، مسببا عن إهماله و تأخيره مع تمكنه من التعجيل و البدار إلى العمرة، فهو عاص بالتأخير، و عليه الحج في العام القابل.

و أما مع عدم التمكن من الخروج و التعجيل فهو غير مستطيع في عامه هذا، و ان تمكن من العدول الى الافراد، إذ لم يعهد من الفقهاء و الأصحاب الحكم بتبدل وظيفة النائي من التمتع الى الافراد، و كذلك المرأة إذا كانت في بلدها و علمت بعدم التمكن من العمرة قبل الحج، فإنها عاصية لو كان ذلك بإهمالها في وظيفتها و عليها الحج في القابل.

نعم لو علمت أنها لا تتمكن منها في جميع السنوات في أشهر الحج، فبعد عدم وجود الدليل على تبدل تكليفها الى الافراد،

ص: 154

فلا بد من القول بوجوب التمتع عليها و الاستنابة للطواف و صلاته أو قضائهما بعد الطهر، لصحة الإتيان بالعمرة و طواف الحج في تمام شهر ذي الحجة.

هذا ما يقتضيه الدليل في مفروض المقام من عدم التمكن من الإتيان بالعمرة، و لكن تحقق الفرض في الخارج بعيد جدا، لإمكان الإتيان بالعمرة المتمتع بها في جميع أشهر الحج، و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة إلى يوم عرفة، فيشمله الدليل العام الدال على وجوب التمتع على النائي المتمكن من الإتيان به و لو بهذه الكيفية أي في جميع أشهر الحج.

و لو فرضنا أن الدليل العام لا يشمله اما للإجمال فيه أو لاحتمال تبدل التكليف من التمتع بالإفراد في ذلك الموردفلا مناص من أن يقال: لو شك في أصل التكليف تمتعا كان أو غيره فالأصل عدمه و البراءة منه، كما أنه لو شك في تبدل التكليف من التمتع الى الافراد بعد العلم بثبوته، فالأصل عدم التبدل و بقاء وجوب التمتع، و لو فرض تحقق الإجماع على عدم سقوط التكليف في هذا الحال أو الضرورة القطعية، فيحصل العلم الإجمالي بوجوب الإحرام إما بالتمتع مع الاستنابة للطواف و الصلاة، و اما بالإفراد بمباشرة الإتيان لجميع المناسك، و مقتضاه الجمع بين الحجين في سنتين إذا تمكن من ذلك و الا تتخير بين أحدهما.

(الرابع) ان حكم النفساء حكم الحائض في جميع ما ذكر

ص: 155

للإجماع على اتحاد حكمهما، و لما رواه معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن ابى بكر بالبيداء لا ربع بقين من ذي القعدة في حجة الوداع، فأمرها رسول اللّه «ص» فاغتسلت و احتشت و أحرمت و لبت مع النبي و أصحابه، فلما قدموا مكة لم تطهر حتى نفروا من منى، و قد شهدت المواقف كلها عرفات و جمعا، و رمت الجمار و لكن لم تطف بالبيت و لم تسع بين الصفا و المروة، فلما نفروا من منى أمرها رسول اللّه فاغتسلت و طافت بالبيت و بالصفا و المروة (1).

و الرواية كما ترى تدل على وجوب الإحرام على النفساء، الا أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر.


1- الوسائل ج 9 الباب 49 من أبواب الإحرام الحديث 1. و في الرواية اضطراب، فان كل امرأة إذا رأت الدم إذا ابتلت بالنفاس في أربع بقين من ذي القعدة تطهر في اليوم السابع من ذي الحجة قطعا و تتمكن من الطواف و الصلاة، إذ لا تزيد أيام النفاس و الحيض على عشرة أيام، فلا بد من توجيه الرواية «المقرر».

ص: 156

شروط حج الافراد

اشارة

أما شروط حج الإفراد فهي ثلاثة:

(الأول) النية، و قد مر الكلام فيها تفصيلا في التمتع فلا نعيده.

(الثاني) وقوع الإحرام و جميع المناسك في أشهر الحج و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجةبلا خلاف بيننا كما في الجواهر، و عليه الاتفاق على ما في المعتبر، و يدل عليه قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (1) خلافا لبعض العامة حيث جوز الإحرام للافراد قبل أشهر الحج.

(الثالث) الإحرام من الميقات الذي يمر به ان كان منزله قبل الميقات و الا فمن دويرة أهله إذا كان منزله دون الميقات، كما تقدم في المواقيت. و لا خلاف في ذلك كما في الجواهر الا عن مجاهد


1- سورة البقرة الآية 196.

ص: 157

فإنه جوز الإحرام من مكة لحج الافراد، و أما المقيم بمكة فإنه يحرم له من مكة للحج، و للعمرة من أدنى الحل.

و ذكر الشيخ في المبسوط شرطا رابعا، و هو أن يقع الحج في سنة، و المراد من ذلك الشرط وقوع الحج في السنة التي وقع الإحرام في أشهر الحج من تلك السنة، فلو أحرم بالحج مفردا ثم لم يقف الوقوفين حتى ينقضي الوقت، لا يصح الحج في العام القابل بذلك الإحرام لو بقي عليه، بل يجب عليه الطواف و السعي و التحليل، فيصير عمرة مفردة كما في الدروس. و الظاهر أنه المقصود أيضا في كلمات العلماء قدس سرهم، و لا يبعد أن يقال ببطلان الحج بعدم الوقوف بعرفات، و التحلل بأعمال العمرة أيضا.

و أما حج القران فهو عين الافراد، و لا فرق بينهما إلا في سوق الهدي كما تقدم تفصيلا، و يشترط فيه ما يشترط في الافراد، و أما العدول منهما الى التمتع فيأتي تفصيله بعد هذا.

العدول من الافراد و القران الى التمتع

قد تقدم أن الافراد و القران فرض أهل مكة و من بحكمهم، و التمتع يختص بالنائي فقط، كما تدل عليه الآية و الرواية و عليه فتاوى العلماء، و قد أشبعنا الكلام في النائي و الحاضر في المسجد الحرام و أهل مكة و نواحيها و حكم التمتع و العدول منه الى الافراد و القران جوازا و عدما، و لنذكر هنا بعض ما يختص بالمفرد و القارن

ص: 158

و منه جواز العدول منهما الى التمتع.

فهل يجوز لمن وظيفته و فرضه الافراد أو القران، العدول الى التمتع مطلقا أو لا يجوز كذلك، أو يفرق بين حال الاضطرار و الاختيار فيحكم بالجواز في الأول دون الثاني؟ أقوال.

قال المحقق قدس سره في الشرائع، بعد ذكر أن الافراد و القران فرض أهل مكة و من بحكمهم، أنه لو عدل هؤلاء إلى التمتع حال الاضطرار جاز، كخوف الحيض المتأخر عن النفر من منى مع عدم إمكان تأخير العمرة الى أن تطهر و أما حال الاختيار فقيل نعم، كما حكي عن الشيخ في أحد قوليه، و قيل لا، و هو الأكثر بل هو المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه، و لو قيل بالجواز لم يلزمهم هدي انتهى.

و تفصيل البحث أن التمتع كما هو المستفاد من الآية يختص بالنائي، و أنه ليس لأهل مكة تمتع ابتداء و لا عدولا كما هو المتبادر من النصوص المفسرة للاية الكريمة. فعلى هذا جواز العدول الى التمتع ابتداء أو بعد الشروع يحتاج الى الدليل المجوز لذلك حتى حال الاضطرار، فإذا اضطر المفرد أو القارن الى ترك العمرةبأن علم أنه لا يتمكن بعد الحج من الإتيان بالعمرة المفردة، بناء على اشتراط تأخرها عنه لحيض أو عدم توقف الرفقةيمكن أن يقال انه غير مستطيع بالنسبة إلى العمرة أصلا، و لا يجب عليه الا الحج

ص: 159

فان استطاع إلى العمرة بعد ذلك يأتي بها و الا فلا تجب عليه.

هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية المستفادة من الآية و الرواية، و قد يستدل لجواز العدول الى التمتع حال الاضطرار بالإجماع المدعى في كلام الأصحاب.

قال صاحب الجواهر بعد نقل كلام المحقق: لو عدل هؤلاء إلى التمتع اضطرارا جاز العدول و لو بعد الشروع فيه، لا أجد فيه خلافا حتى في القران، على ما اعترف به غير واحد، بل عن بعضهم دعوى الاتفاق عليه انتهى.

و فيه: ان الإجماع و الاتفاق غير ثابت، بل حكي عن التبيان و الاقتصاد و الغنية و السرائر عدم الجواز، بل هو ظاهر كل من قال ان القران و الافراد فرض أهل مكة و من بحكمهم، كما في الجواهر.

و قد يتمسك لجواز العدول الى التمتع بالروايات الواردة في حج النبي «ص» حجة الوداع. و يرد بأن النصوص الواردة فيه انما هي في بيان تبديل تكليف النائي و اختصاصه بالتمتع دون غيره، لا جواز العدول لمن فرضه الافراد أو القران الى التمتع ابتداء أو بعد الشروع فيهما.

و استدل له أيضا برواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل لبى بالحج مفردا ثم دخل مكة و طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة. قال: فليحل و ليجعلها متعة، الا أن يكون

ص: 160

ساق الهدي فلا يستطيع أن يحل حتى يبلغ الهدي محله (1).

و فيه: ان الرواية صريحة في عدم جواز العدول من القران الى التمتع، خلافا لمن يقول بالجواز، و أما بالنسبة الى الأفراد فهي أيضا غير صريحة في جواز العدول منه الى التمتع لمن فرضه الافراد تعينا، بل لا إطلاق فيها بالنسبة اليه، و المتيقن من مفادها و من نظائرها أن من كانت المتعة مشروعة له كمن أتى بالإفراد استحبابا أو من كانت وظيفته التمتع فأحرم بالإفراد جهلايجوز له أو يجب عليه العدول الى ما هو المفروض عليه أو المشروع له، فلا تنهض الرواية لمعارضة الأخبار الدالة على أن أهل مكة ليس لهم متعة.

نعم حيث أن تلك الأخبار الواردة في تفسير الآية في مقام بيان ما هو الواجب على المكلفين من حجة الإسلام لا يشمل غيره، و لا ينافي جواز الإتيان بالمتعة ندبا لأهل مكة أيضا.

و ملخص الكلام: ان العدول من الافراد و القران الى التمتع لا يجوز لمن فريضته و الواجب عليه أحدهما لا اختيارا و لا اضطرارا مضافا الى أن الاضطرار الى العدول من الافراد و القران الى التمتع لا يتحقق الا على القول بلزوم الإتيان بالعمرة المفردة بعد الحج، و علم المفرد أيضا بعدم القدرة على إتيانها بعد الحج، و اضطر الى العدول الى التمتع و الإتيان بالعمرة قبل الحج، سواء كان ذلك قبل


1- الوسائل ج 9 الباب 22 من أبواب الإحرام الحديث 5.

ص: 161

الشروع في الافراد أو بعده. و لكنه أيضا غير ثابت كما حققناه في محله، و اخترنا جواز الإتيان بالعمرة المفردة قبل الحج هناك.

و لو سلمنا ذلك لأمكن القول بأن من لا يقدر على الإتيان بالعمرة المفردة بعد حج الافراد، لا يكون مستطيعا بالنسبة إلى العمرة، كما أشير اليه، و لا تجب عليه.

قد يقال: ان العدول من الافراد و القران الى التمتع أولى من العدول من التمتع الى الافراد، فإذا صح العدول الى الافراد عند الضرورة جاز العكس أيضا.

و يدفع: بأن الأولوية في المقام ممنوعة، فإن المتمتع الذي لا يقدر على الإتيان بالعمرة قبل الحج، لو لم يعدل الى الافراد لزمته المشقة الشديدة و الضرر الكثير، لوجوب اعادة الحج في العام القابل من ميقات أهله بعد الرجوع الى وطنه، أو الإقامة في مكة إلى العام القابل، و الخروج الى أحد المواقيت ثم الإحرام منه ناويا للتمتع بخلاف المفرد المقيم بمكة أو حواليها، إذ لا حرج عليه و لا عسر في عدم جواز العدول من الافراد الى التمتع، و وجوب إعادة حجه مع العمرة المفردة في العام القابل.

و أما ما استدل به الشيخ «ره» لجواز العدول من أن المتمتع يأتي بأفعال الحج مع الزيادة، فلا ينقص من نسك الافراد شي ء لو عدل منه الى التمتع. ففيه أيضا أن ميقات حج الإفراد دويرة أهله إذا كان المفرد من غير أهل مكةأي المقيم بهاو أما ميقات حج

ص: 162

التمتع بطن مكة، فلا يشتمل التمتع على جميع ما اشتمل عليه الافراد. على أن الرواية و الآية إذا دلتا على أن أهل مكة لا متعة لهم، فلا يجوز رفع اليد عنهما الا بدليل خاص معتبر، لا بما ذكر من المناسبات و الاستحسانات.

ص: 163

العمرة المفردة

اشارة

(الأمر الخامس) العمرة واجبة على المستطيع لها، كما يجب الحج على من استطاع اليه، و يشترط فيها ما يشترط فيه، و هي على قسمين: عمرة مفردة، و عمرة متمتع بها الى الحج.

أما الثاني فيشترط فيه أن يؤتى بها في أشهر الحج قبل الإحرام لحج التمتع، و لا يجوز للمعتمر بتلك العمرة أن يخرج من مكة بعد الإتيان بها، حتى يأتي بالحج أيضا على ما مر تفصيله، و أما المفردة فيصح الإتيان بها في كل زمان، و لا يرتبط بالحج أصلا، بل هي واجبة مستقلة. نعم يكفي العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة، بل يمكن أن يقال: ان النائي لا يكلف إلا بالعمرة التي يتمتع بها الى حجه.

و تدل على اجزاء عمرة حج التمتع عن العمرة المفردةمضافا الى الإجماع المدعى في كلام غير واحد من الأصحاب روايات

ص: 164

منها ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة (1).

و عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث، قال: قلت فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أ يجزي عنه ذلك؟ قال:

نعم (2).

و عن أحمد بن محمد بن ابى نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن العمرة أ واجبة هي؟ قال: نعم. قلت: فمن تمتع يجزى عنه؟ قال: نعم (3).

و روى الشيخ في الموثق عن يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: قول اللّه عز و جل وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج فكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك أمر رسول اللّه أصحابه (4).

و روى الصدوق بإسناده عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: العمرة مفروضة مثل الحج، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة (5).


1- الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 1.
2- الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 2.
3- الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 3.
4- الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 4.
5- الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 6.

ص: 165

(تنبيه) [الواجب أولا و بالذات على الناس العمرة المفردة]

قد تكرر في الروايات السابقة سؤالا و جوابا أن العمرة المتمتع بها الى الحج تجزي عن العمرة المفردة، و هذا التعبير مشعر بأن الواجب أولا و بالذات على الناس العمرة المفردة، إلا ان العمرة المتمتع بها الى الحج مجزية عنها و مسقطة للتكليف بها. و هذا ينافي ما تقدم و تكرر أن تكليف النائي التمتع، الظاهر في أن الواجب عليه العمرة و الحج معا دون الحج فقط.

و لعل السر فيه: أن الواجب على الناس قبل تشريع التمتع العمرة المفردة و الحج افرادا و لما فرض التمتع على النائي بقوله تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1)، و علّم النبي «ص» كيفية حج التمتع و قال: دخلت العمرة إلى الحج الى يوم القيامة وقع الشك في أن العمرة الواجبة على الناس مرة واحدة في تمام العمر قبل ذلك، هل هي باقية على حالتها الاولى و لا يغيرها وجوب حج التمتع و دخول العمرة فيه، أو ليست كذلك بل رفع وجوبها بعد تشريع التمتع و زالت حالتها الاولى، و لهذا وقع السؤال عنها في الروايات، و أجيب بأن العمرة المتمتع بها الى الحج تجزي عن العمرة المفردة، و لا يجب على النائي عمرة غير ما تمتع به الى حجه.


1- سورة البقرة الآية 196.

ص: 166

(الأمر السادس) المفرد بالحج إذا كانت عليه عمرة مفردة يأتي بها بعد حجه

اشارة

، و أما إذا لم تكن واجبة عليه لعدم الاستطاعة أو لإتيانه بها قبل وجوب الحج عليه فلا يجب عليه الإتيان بها بعد الحج، لعدم التلازم بين حج الافراد و العمرة المفردة و وجوبها، كما هو ثابت بين حج التمتع و العمرة المتمتعة بها، فله أن يأتي بعمرة مفردة و أن لا يأتي بها.

و يظهر من عبارة بعض الأصحاب بل عن غير واحد منهم وجوب الإتيان بالعمرة المفردة بعد حج الافراد، و إطلاقها يشمل من أتى بعمرته المفردة الواجبة عليه قبل ذلك و من لم تجب عليه العمرة أصلا، لعدم استطاعته لها، أو من نذر حج الافراد فقط بدون عمرة مفردة. و لكن ما هو الظاهر من فتاوى الأصحاب أن العمرة المفردة لا تجب بالذات في الشرع الإمرة واحدة كالحج، فعلى هذا إرادة الإطلاق من عبائر القوم من الحكم بوجوب العمرة المفردة كما تقدم بعيد جدا، مع تصريح كثير منهم بأن من وجب عليه الإفراد بالاستطاعة إليه يجب عليه الحج دون العمرة، و عدم تعرض الأخبار التي وردت في كيفية حج الافراد لذكر العمرة بعده و بيان حكمها.

و يمكن أن يقال: ان مساق كلامهم و محط النظر في عباراتهم ان من وجب عليه الحج و العمرة مفردين يجب عليه ان يأتي بالعمرة بعد حجه، بمعنى أنه لا يجوز تقديمها عليه كما لا يجوز تقديم حج التمتع على عمرته.

ص: 167

و بعبارة أخرى: ان العمرة المفردة إذا كانت واجبة مع الحج يجب تأخيرها عنه، بخلاف العمرة المتمتع بها فإنها يجب تقديمها على الحج، و لا يجوز تأخيرها عنه كما أفتى به جماعة من الفقهاء بل ادعي عليه الإجماع.

قال في الجواهر بعد نقل فتوى الأصحاب: كما هو ظاهر بعض العبارات، بل في الرياض أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، و في المنتهى و غيره الإجماع عليه، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي التصريح بالإجماع عليه انتهى.

و الدليل المدعى في كلامهم ليس إلا الإجماع، فإن تم فهو و الا فإثبات الحكم أيضا مشكل، بل ظاهر بعض الاخبار جواز تقديم العمرة على حج الافراد، مثل ما عن الصدوق قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أمرتم بالحج و العمرة فلا تبالوا بأيهما بدئ (1).

و عنه أيضا بإسناده عن سماعة بن مهران عن ابى عبد اللّه عليه السلام انه قال: من حج معتمرا في شوال و من نيته أن يرجع الى بلاده فلا بأس بذلك، و ان هو أقام إلى الحج فهو متمتع لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن اعتمر فيهن و أقام إلى الحج فهي متعة، و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة، و ان اعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام إلى الحج فليس بمتمتع، و انما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج


1- الوسائل ج 10 من أبواب العمرة الحديث 6.

ص: 168

بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة(بعمرة) إلى الحج، فان هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها (1).

قوله في الفقرة الأخيرة «فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة» يشمل من كان منزله دون ثمانية و أربعين ميلا، الذي يجب عليه الافراد من الحج مع كون العمرة المأتي بها واجبة عليه و أما قوله «فمن اعتمر فيهن و أقام إلى الحج فهي متعة» فيحمل على من كانت المتعة له مشروعة، واجبة كانت أو مستحبة. و بالجملة التصريح بأن من أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة و يلبى منها، مع تقديم العمرة المأتي بها على حجة الذي يجب أن يفرده، تدل على جواز تقديم العمرة المفردة على حج الافراد.

و يمكن الاستدلال لعدم وجوب الإتيان بها بعد الحج على من لا يجب العمرة عليه، بفعل النبي «ص»، فإنه لم يأت بالعمرة بعد الحج، فيدل على عدم وجوبها بعد الحج على نحو الإطلاق.

نعم لا يدل فعله «ص» على نفي وجوب الإتيان بعده عمن وجبت عليه، لعدم وجوبها عليه «ص» (2).


1- الوسائل ج 8 الباب 10 من أقسام الحج الحديث 1.
2- روى عن ابن عباس أن النبي «ص» اعتمر أربع عمرالى أن قال- الرابعة التي مع حجه. فعلى هذا عدم إتيانه «ص» بالعمرة في حجه غير ثابت حتى يستدل به على عدم لزوم الإتيان بالعمرة كما استدل به الأستاذ مد ظله، و تأتي الرواية في ميقات العمرة إنشاء اللّه.

ص: 169

و أما التمسك بالسيرة في ذلك فلا يصح أيضا، لعدم وجود السيرة المستمرة الى زمان المعصوم عليه السلام على إتيان العمرة المفردة بعد الحج ملتزمين بذلك على نحو اللزوم الشرعي.

فعلى ما ذكر يمكن حمل كلام العلماء «و عليه عمرة مفردة بعد الحج» على من وجبت عليه العمرة المفردة و لم يأت بها. فعليه أن يأتي بعمرة مفردة بعد حجه، لا أن كل من كان مفردا للحج يجب عليه أن يأتي بالعمرة المفردة بعده مطلقا.

هذا ما يمكن أن يقال على حسب ما تقتضيه الأدلة مع قطع النظر عن الأصل الجاري في المقام. و اما إذا شك في وجوب العمرة زائدا على مرة واحدة في تمام العمرسواء كان بعد الحج أو قبله فالمرجع البراءة.

و كذا لو شك في أن من شروط حج الافراد أن يكون متعقبا بالعمرة المفردة أم لا، فتجري أصالة عدم الاشتراط. كما أنه لو شك في وجوب الترتيب بين الحج و العمرة اما تعبدا أو شرطا لصحة العمرة، بمعنى أن من شرائط صحة العمرة المفردة أن تقع بعد الافراد من الحج، فينفى بالأصل و يحكم بعدم الوجوب و الاشتراط مطلقا. و لكن الأحوط و مقتضى الورع أن من وجب عليه الحج و العمرة المفردتين، أن يأتي بالعمرة بعد الحج لا قبله.

ص: 170

(فروع)

(الأول) انه لو كان مستطيعا بالنسبة إلى العمرة فقط دون الحج

فيجب عليه الإتيان بالعمرة من دون ترقب حصول الاستطاعة للحج، فإنهما فريضتان مستقلتان. نعم حيث أن النائي مكلف بحج التمتع لا يستطيع للعمرة المكلفة بها إلا إذا استطاع لحج التمتع أيضا.

(الثاني) من استطاع للحج و العمرة المفردة كليهما قبل أشهر الحج

، فالأحوط أن يبادر بإتيان العمرة المفردة مع التمكن قبل موسم الحج، و لكن الاولى أن يأتي بها بعد الحج أيضا ان كان متمكنا من الإتيان بالعمرتين قبل الحج و بعده، و أما إذا لم يتمكن الا من إتيان عمرة واحدة اما قبل الحج أو بعده، فالأحوط كما تقدم أن يأتي بها بعد الحج.

(الثالث) أنه هل للعمرة المفردة وقت معين يؤتى بها فيه أم لا

و كذا هل يجب الإتيان بها فورا ففورا أم يجوز التأخير و التراخي؟

اما التوقيت فما هو الظاهر من الاخبار عدمه، روى الكليني في الموثق عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المعتمر بعمرة في أي شهور السنة شاء، و أفضل العمرة عمرة رجب (1).

علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن العمرة متى هي؟ قال: يعتمر فيما أحب من الشهور (2).


1- الوسائل ج 10 الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 13.
2- الوسائل ج 10 الباب 6 من أبواب العمرة الحديث.

ص: 171

و يظهر من بعض النصوص أفضلية تأخير العمرة و رجحانه بعد حج الافراد، و لكنه لا يدل على التوقيت، مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللّه عن المعتمر بعد الحج؟ قال: إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن (1).

و يقرب منه ما نقله الصدوق عن معاوية بن عمار (2) و روى الكليني عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام قال: قلت له: العمرة بعد الحج؟ قال: إذا أمكن الموسى من الرأس (3).

و المستفاد من هذه الروايات أن تأخير العمرة الى أن تمكن الموسى من رأسه حسن، و لا يستفاد منها وجوب التأخير و التوقيت.

نعم قد أمر النبي «ص» عائشة بإتيان العمرة بعد الحج من غير تأخير، روى الشيخ مرسلا أن المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة اعتمر بعد الحج، و هو الذي أمر به رسول اللّه «ص» عائشة. قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: قد جعل اللّه ذلك فرضا للناس (4).

عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون في يوم عرفة و بينه و بين مكة ثلاثة أميال و هو متمتع بالعمرة إلى الحج؟


1- الوسائل ج 10 الباب 8 من أبواب العمرة الحديث 2.
2- الوسائل ج 10 الباب 8 من أبواب العمرة الحديث 1.
3- الوسائل ج 10 الباب 8 من أبواب العمرة الحديث 3.
4- الوسائل ج 10 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 4.

ص: 172

فقال: يقطع التلبية تلبية المتعة و يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر و يمضي الى عرفات فيقف مع الناس و يقضي جميع المناسك، و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شي ء عليه (1).

و رووا مرسلا عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة أقام إلى هلال المحرم و اعتمر فأجزأت عنه مكان عمرة المتعة (2).

و المستفاد منها ان درك عمرة المحرم أرجح و لا يستفاد منها التوقيت، حتى لو قلنا بالمفهوم في المرسل، لا يستفاد منه الا عدم الاجزاء عن عمرة المتعة لو لم يقم الى هلال محرم، و لا ينافي ذلك صحة العمرة المفردة إذا أتى بها قبل شهر محرم.

و لعل وجه أرجحية التأخير إلى محرم انه إذا أتى بالعمرة المفردة في شهر محرم بعد حجه، فقد أدى وظيفة ذلك الشهر أيضا، فيزداد الأجر على أجر العمرة، فإن المستفاد من قولهم عليهم السلام «لكل شهر عمرة» (3) أنه ينبغي للمؤمن أن يأتي بعمرة في كل شهر، و أن لا يمضي عليه شهر الا و قد أتى بعمرة ذلك الشهر، و حيث أنه زار البيت في ذي الحجة فإن أتى بالعمرة في غيرها أدى وظيفة شهر محرم أيضا، ضمن الإتيان بما كان عليه واجبا أو مستحبا قبل ذلك.


1- الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 7.
2- الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 5.
3- الوسائل ج 10 الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 1- 2- 4- 5.

ص: 173

و أما الفورية فالمستفاد من تلك الروايات عدم الفورية، بحيث يجب عليه الإتيان بها أول أزمنة الإمكان بعد حصول الاستطاعة و تعلق الوجوب عليها. نعم لا تنافي بين عدم وجوب الفورية بهذا المعنى، و الفورية بمعنى لزوم الإتيان بالعمرة المفردة في سنة استطاعتها، إذ لا إشكال في وجوب الفورية بهذا المعنى، بل يدل عليه ما يدل على وجوب الحج فورا بالمعنى الذي أشير إليه، مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: قال اللّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا؟ قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة، و ان كان سوقه للتجارة فلا يسعه، و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا هو يجد ما يحج به (1).

العياشي في تفسيره عن إبراهيم بن علي عن عبد العظيم الحسني عن الحسن بن محبوب عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا مثل ما تقدم (2).

العياشي في تفسيره أيضا عن عمر بن أذينة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يعني به الحج دون العمرة؟ قال: لا، و لكنه


1- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب وجوب الحج الحديث 11.

ص: 174

الحج و العمرة جميعا لأنهما مفروضان (1).

و غيرها من الروايات الدالة على أن المراد من قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا هو الحج و العمرة معا، فحيث أن الثابت من الشرع أن أمر الحج فوري لا يجوز التسويف فيه لتجارة و غيرها و ان لم يكن موقتا، فتكون العمرة أيضا كذلك، و لا يجوز التسويف فيها. نعم المستفاد من أدلة فورية أمر الحج، انه لا يجوز تأخيره عن سنة الاستطاعة إلى سنة أخرى، و لا يبعد القول بجواز تأخير العمرة إلى أوان الحج.

فتحصل من جميع ما ذكرناه أن أمر العمرة كأمر الحج فوري، بمعنى أنه لا يجوز التسويف فيها بالتأخير من سنة الى سنة أخرى، لا بمعنى أنه لا يجوز تأخيرها و لو ساعة أو أيام. و علم أيضا أنها ليست موقتة مخصوصة بشهر دون شهر، بل يجوز الإتيان بها في كل شهر من الأشهر. نعم يشترط أن يكون الإحرام بعمرة في حال أحل من إحرامه للحج لعدم جواز إنشاء الإحرام في حال الإحرام.

(الرابع) أنه يجب الإحرام للعمرة المفردة من أدنى الحل أو أحد المواقيت

، و أما الإحرام بين أدنى الحل و أحد المواقيت فهو خلاف الاحتياط، كما أنه لو أحرم بها في الحرم لا يجزي، و ان خرج بعد الإحرام إلى أدنى الحل ما لم يجدد الإحرام منه، بل يجب عليه استيناف الإحرام من خارج الحرم.


1- الوسائل ج 10 الباب 1 من أبواب العمرة الحديث 7.

ص: 175

في المواقيت و أحكامها

اشارة

و هي جمع «ميقات» التي بمعنى مقدار من الزمان في اللغة، و في عرف المتشرعة عبارة عن أماكن مخصوصة معينة لإحرام الحج أو العمرة منها، و هي ستة أماكن: ذو الحليفة، و العقيق، و جحفة، و يلملم، و قرن المنازل، و مكة.

و قد يطلق على كل موضع يصح الإحرام منه و لو أحيانا و هو أربعة عشر موضعا: الستة المتقدمة و المحاذاة للميقات لمن لا يمر بها و ينزل من كان منزله أقرب الى مكة من الميقات، و الفخ للصبيان، و محل الإمكان لمن تعذر عليه الإحرام من الميقات، و المكان المنذور فيه الإحرام، و المكان الذي يخاف انقضاء عمرة شهر رجب لو لم يحرم فيه، و المكان الذي يساوي أقرب المواقيت و أدنى الحل كما تدل على ذلك روايات.

و يظهر من بعض الروايات أن الجعرانة هي أيضا من المواقيت

ص: 176

أحرم منها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حين رجع من غزوة حنين.

عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انى أريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة فأحرم منها بالحج- الحديث (1).

و عن صفوان عن ابى الفضل قال: كنت مجاورا بمكة، فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام: من أين أحرم بالحج؟ فقال: من حيث أحرم رسول اللّه «ص» من الجعرانة، أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف فتح الخيبر و الفتح (2).

و ما هو المهم في المقام نقل الأخبار الدالة على اختصاص بعض تلك المواقيت بقوم دون آخر، و بيان ما يظهر من كلمات الأصحاب و أرباب اللغة في ذلك، و تعيين ما هو الأفضل من المواقيت المذكورة:

(منها) ما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام: الإحرام من مواقيت خمسة، وقتها رسول اللّه «ص» لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر ان يحرم قبلها و لا بعدها، وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصلي فيه و يفرض الحج، و وقت لأهل الشام الجحفة، و وقت لأهل النجد العقيق، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل اليمن يلملم، و لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّه «ص» (3).


1- الوسائل ج 8 الباب 9 من أقسام الحج الحديث 5.
2- الوسائل ج 8 الباب 9 من أقسام الحج الحديث 6.
3- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 3.

ص: 177

و عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه، لا تجاوزها الا و أنت محرم، فإنه وقت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق، و وقت لأهل اليمن يلملم، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل المغرب الجحفة و هي مهيعة، و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله (1).

و منها ما رواه الكليني بإسناده عن أبي أيوب الخزاز قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: حدثني عن العقيق أ وقت وقته رسول اللّه أو شي ء صنعه الناس؟ فقال: ان رسول اللّه «ص» وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، و وقت لأهل المغرب الجحفة، و هي عندنا مكتوبة مهيعة و وقت لأهل اليمن يلملم، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل نجد العقيق و ما أنجدت (2).

و قد ذكر في رواية الحلبي المتقدمة بدل أهل «المغرب» أهل الشام.

و في رواية معاوية بن عمار ذكر بدل «لأهل نجد» لأهل العراق بطن العقيق.

و منها ما رواه الصدوق بإسناده عن العمركي عن علي بن


1- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 2.
2- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 178

جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن إحرام أهل الكوفة و أهل خراسان و ما يليهم و أهل الشام و مصر من أين هو؟

فقال: اما أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق، و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة، و أهل الشام و مصر من الجحفة، و أهل اليمن من يلملم، و أهل السند من البصرة يعني من ميقات أهل البصرة (1).

و منها ما رواه بإسناده عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: وقت رسول اللّه «ص» لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة، و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و لأهل نجد قرن المنازل، و لأهل الشام الجحفة، و لأهل اليمن يلملم (2).

و ذكر قرن المنازل لأهل نجد في هذه الرواية اما سهو من النساخ و اما محمول على القسمة و المنطقة التي تقع نحو المشرق من الحرم من ناحية نجد، لما تقدم في رواية أبي أيوب الخزاز و الحلبي:

أن العقيق ميقات لأهل نجد.

و منها رواية قرب الاسناد: عن محمد بن عيسى عن الحسن ابن محبوب عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأوقات التي وقتها رسول اللّه «ص» للناس؟ فقال: ان رسول اللّه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هي الشجرة، و وقت لأهل الشام


1- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 5.
2- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 6.

ص: 179

الجحفة، و وقت لأهل اليمن قرن المنازل، و لأهل نجد العقيق (1).

و تعيين قرن المنازل وقتا لأهل اليمن في هذه الرواية لا يلائم ما تقدم من الاخبار المصرحة فيها بأنه «ص» وقت لأهل يمن يلملم لان قرن المنازل وقع في شرق يمن و طريقهم إلى مكة يلملم.

و منها رواية أخرى في قرب الاسناد: عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن إحرام أهل الكوفة و خراسان و من يليهم و أهل مصر من أين هو؟ قال: إحرام أهل العراق من العقيق و من ذي الحليفة، و أهل الشام من الجحفة، و أهل اليمن من قرن المنازل، و أهل السند من البصرة أو مع أهل البصرة (2).

و هنا روايات أخرى لا يهمنا ذكرها، و انما المهم البحث عن حدود تلك المواقيت و بيان الأحكام المترتبة عليها:

(أما ذو الحليفة) و هو مسجد الشجرة، فقد وقع الخلاف في المسافة بينه و بين المدينة.

عن السمهودي في خلاصة الوفاء أنه قال: قد اختبرت ذلك فكان من عتبة باب المسجد النبوي المعروف بباب السلام الى عتبة مسجد الشجرة بذي الحليفة تسعة عشر ألف ذراع و اثنان و ثلاثون ذراعا و نصف ذراع.

و عن القاموس أنه موضع على ستة أميال من المدينة، و هو ماء


1- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 7.
2- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 8.

ص: 180

لبني جشم، و قيل سبعة، و قيل أربعة، و أما من مكة فالمسافة إلى ذي الحليفة عشر مراحل و قيل غير ذلك.

عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث:

و مسجد ذي الحليفة الذي كان خارجا من السقائف عن صحن المسجد ثم اليوم ليس شي ء من السقائف منه (1).

و بالجملة ان ذا الحليفة ميقات أهل المدينة و هو أفضل المواقيت و أحرم منها رسول اللّه «ص».

في العلل بإسناده عن الحسين بن الوليد عمن ذكره قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: لأي علة أحرم رسول اللّه «ص» من مسجد الشجرة و لم يحرم من موضع دونه؟ فقال عليه السلام: لانه لما اسري به الى السماء و صار بحذاء الشجرة نودي: يا محمد؟ قال:

لبيك. قال: أ لم أجدك يتيما فآويتك، و وجدتك ضالا فهديتك؟

فقال النبي: ان الحمد و النعمة لك و الملك لك لا شريك لك. فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلها (2).

و ما هو الجدير بالبحث في المقام أن «ذا الحليفة» الذي أحرم منه رسول اللّه أفضل المواقيت هل هو مسجد الشجرة بلا زيادة و نقيصة، أو هو أوسع من المسجد بل هو جزء منه. و على الثاني فهل مساحة ذي الحليفة معلومة تفصيلا أو هي مجهولة، و حينئذ لا


1- الوسائل ج 8 الباب 4 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 13.

ص: 181

مناص من الأخذ بالقدر المتيقن منها عند الشك فيها، ان ثبت أن ذا الحليفة أو الميقات منها هو المسجد فقط فلا يجوز الإحرام خارج المسجد حتى للجنب و الحائض، فيجب عليهما أن يؤخرا الإحرام إلى حصول الطهارة أو الإحرام حال العبور من المسجد، و ان لم يتمكنا يجب عليهما تأخير الإحرام إلى الجحفة للضرورة المسوغة لذلك كما يأتي.

أقول: الظاهر من الاخبار المصرحة فيها بأن ذا الحليفة هو مسجد الشجرة، ان خارج المسجد ليس منه و من الميقات، كرواية الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: الإحرام من مواقيت خمسة، وقتها رسول اللّه «ص» لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها، و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة (1).

و عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأوقات التي وقتها رسول اللّه «ص» للناس. فقال: ان رسول اللّه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، و هي الشجرة (2).

و عن الأمالي في حديث: ان رسول اللّه «ص» وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة (3).

بناء على أن يراد من المسجد نفس المسجد لا المحل الذي وقع المسجد فيه كما هو الظاهر من اللفظ أيضا، مع قطع النظر


1- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 3.
2- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 7.
3- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 12.

ص: 182

عن القرائن الخارجية الدالة على خلاف ذلك، و لكن الظاهر من رواية الحلبي أن الميقات أوسع من المسجد لما ذكر فيها: أن رسول اللّه حين حج حجة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى الشجرة فصلى بها، ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها و أهل بالحج و ساق مائة بدنة و أحرم الناس كلهم بالحج (1).

و يقرب منها رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام و فيها: فخرج رسول اللّه «ص» في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى الى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر و عزم(أحرم) بالحج مفردا، و خرج حتى انتهى الى البيداء عند الميل الأول فصف الناس له سماطين فلبى بالحج مفرداالخبر (2).

الظاهر منها أن ذا الحليفة كان أوسع من المسجد الواقع عند الشجرة، فإنه «ص» اغتسل في ناحية من ذي الحليفة و خرج من المغتسل و انتهى الى المسجد الذي كان بعيدا من المغتسل كما هو المتبادر من قوله «حتى أتى المسجد»، إذ لو كان متصلا بالمغتسل لما يصح هذا التعبير و الإطلاق، كما ان الظاهر من قوله «عزم بالحج» أنه «ص» نوى الحج مفردا و لبى به في البيداء عند الميل الأول


1- الوسائل ج 8 الباب 2 من أقسام الحج الحديث 14.
2- الوسائل ج 8 الباب 2 من أقسام الحج الحديث 4.

ص: 183

و ساق هديه هناك.

و المسافة بين الميل الأول و المسجدو ان كانت مجهولة عندناالا ان المسلم أنه خارج عن المسجد و أنه من الميقات الواقع في ذي الحليفة.

و يظهر من الرواية أيضا ان رسول اللّه «ص» لما انتهى الى ذي الحليفة زالت الشمس و اغتسل و أتى المسجد و صلى فيه، و خرج حتى أتى البيداء قبل صلاة العصر و لبى بالبيداء و كذا الذين صفوا سماطين لبوا بالبيداء، إذ لا يمكن لهم الإحرام في المسجد لعدم سعته لجماعة كثيرة بل لبوا خارج المسجد و أحرموا منه. و لا يستقيم هذا الا على القول بأن خارج المسجد من الميقات و ذي الحليفة. و يمكن استفادة ذلك من رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه، فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء (1).

لوضوح أن البيداء لو لم يكن من الميقات لكان الأنسب أن يقال حذاء الشجرة. فتحصل من جميع ما ذكر أن ذا الحليفة الذي هو ميقات لأهل المدينة أوسع من المسجد الذي وقع عند الشجرة، و تفسيره بالمسجد و إطلاق المسجد عليه كما في الروايات، ليس الا من باب تسمية الكل باسم الجزء، و ارادة الكل منه تعظيما للمسجد


1- الوسائل ج 8 الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 184

كما في قوله تعالى سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حيث أريد من المسجد مكة المكرمة، و كما في قوله تعالى ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ المفسر في الرواية بمن لم يكن حاضرا بمكة مطلقا.

مضافا الى أن من الممكن و المحتمل أن يغلب اسم المسجد على ذي الحليفة في عصر الأئمة عليهم السلام عند الناس لكثرة الاستعمال أو لاهمية المسجد الذي في ذي الحليفة، و لذا فسروه بالمسجد و قالوا في كلماتهم «و هو المسجد».

على أنه لا يبعد أن يقال: ان رسول اللّه «ص» انما وقّت المواقيت للإحرام منها لاعتبار مسافة بينها و بين مكة لئلا يجوزها الناس بلا إحرام، و ان يراعوا أدبا خاصا بالنسبة إلى حرم اللّه تعالى من تلك المسافة، لا من جهة وقوع المسجد في جانب منها.

و لذا جعل الدروس الإحرام من المسجد أفضل من غيره في ذي الحليفة، و في جامع المقاصد جواز الإحرام من جميع مواضع ذي الحليفة لا يكاد يدفع فالأقوى بحسب الأدلة جواز الإحرام من خارج المسجد اختيارا.

و لا يجب على الجنب و الحائض الإحرام من المسجد اجتيازا و ان كان ذلك جائزا لهما أيضا، و لا يجب الاحتياط عليهما إذا لم يمكن العبور من المسجد و الإحرام منه اجتيازا، بأن يحرما من خارج المسجد و يجددا الإحرام بالجحفة رجاء، و ان كان الاحتياط على

ص: 185

نحو ما ذكر حسنا.

ثم انه هل يجب على أهل المدينة أن يحرموا من مسجد الشجرة و لا يجاوزوا المسجد الا محرما، أم يجوز لهم تأخير الإحرام إلى الجحفة اختيارا أو اضطرارا؟ ففيه خلاف يأتي في ذكر الجحفة إنشاء اللّه تعالى.

و اما الجحفة التي هي وقت لأهل الشام، فهي موضع على سبع مراحل من المدينة و ثلاث عن مكة، و بينها و بين البحر ستة أميال، و قيل ميلان، و لعله لاختلاف البحر باختلاف الأزمنة، و كانت قرية جامعة على اثنين و ثلاثين ميلا من مكة، و سميت «جحفة» لإجحاف السيل بها و بأهلها، و عن المصباح المنير: منزل بين مكة و المدينة قريب من رابغ بين بدر و خليص.

لا اشكال و لا خلاف في أن الجحفة أحد المواقيت التي وقتها رسول اللّه «ص»، و هي وقت لأهل الشام و مصر و المغرب، ان لم يمروا بميقات غيرها قبل ذلك.

و يدل عليه ما تقدم من النصوص الصحيحة في أول البحث، و لا كلام فيه، و انما هو في أن الجحفة كما هي وقت لأهل المغرب، هل هي وقت لأهل المدينة مطلقا أو عند الاضطرار؟ ففيه خلاف بين الأصحاب.

نقل عن ظاهر الجعفي و ابن حمزة جواز الإحرام من جحفة لأهل المدينة مطلقا، و يظهر أيضا من رواية قرب الاسناد المتقدمة، و فيها

ص: 186

«أما أهل الكوفة و خراسان فمن العقيق، و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة» (1).

و كذا من رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

خصال عابها عليك أهل مكة. قال: و ما هي؟ قلت: قالوا أحرم من الجحفة و رسول اللّه «ص» أحرم من الشجرة، قال عليه السلام:

الجحفة أحد الوقتين، فأخذت بأدناهما و كنت عليلا (2).

و رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة، و لا يجاوز الجحفة إلا محرما (3).

و لكن ظاهر بعض الروايات اختصاص الجواز بالضرورة و أنه لا يجوز الإحرام من الجحفة لأهل المدينة في غير تلك الصورة.

(و منها) رواية أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: انى خرجت بأهلي ماشيا فلم أهل حتى أتيت الجحفة و قد كنت شاكيا، فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون: لقيناه و عليه ثيابه، و هم لا يعلمون، و قد رخص رسول اللّه «ص» لمن كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة (4).

و يظهر أيضا من رواية أبي بصير المتقدمة قال: قلت لأبي عبد


1- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 5.
2- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 4.
3- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 3.
4- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 5.

ص: 187

اللّه عليه السلام: خصال عابها عليك أهل مكة. قال: و ما هي؟ قلت:

قالوا أحرم من الجحفة و رسول اللّه «ص» أحرم من الشجرة. قال:

الجحفة أحد الوقتين و كنت عليلا (1).

و(منها) رواية معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان معي والدتي و هي وجعة. قال: قل لها فلتحرم من آخر الوقت، فان رسول اللّه «ص» وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و لأهل المعرب الجحفة، و لا تجاوز الجحفة إلا محرما (2).

بناء على أن المراد من آخر الوقت الميقات الأخر من المواقيت كما في الحدائق، أو الوقت الأخر و هي الجحفة في طريقهم إلى مكة.

و ليس فيما بأيدينا من الروايات ما يخالفها، مضافا الى أن معظم الأصحاب قد عملوا بها، فيقيد بها ما يدل على أن الجحفة أحد المواقيت لأهل المدينة مطلقا، و عمل الأصحاب بها يجبر ضعفها، و ان كان من الممكن أن يقال: ان فتوى الأصحاب بجواز الإحرام من الجحفة عند الضرورة ليس من باب العمل بالروايتين و الاستناد إليهما حتى يجبر ضعفهما، بل من جهة الأخذ بالقدر المتيقن من الأدلة الدالة على أن الجحفة أحد الميقاتين لأهل المدينة، و حينئذ يشكل تقييدها بها، و لكن ما ذهب اليه المعظم موافق لقاعدة الاحتياط، و هو الذي اختاره في الجواهر أيضا.


1- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 4.
2- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 3.

ص: 188

ثم انه بناء على وجوب الإحرام من مسجد الشجرة، لو عصى و جاوز بلا إحرام منه أو نسي أو جهل، فهل يصح له الإحرام من جحفة أو يجب عليه الرجوع الى ذي الحليفة و الإحرام منها؟ الظاهر هو الأول، لكفاية الإحرام من الجحفة لكل من يمر منها، و ان أثم بترك الإحرام قبل ذلك عند المرور من الميقات.

و يدل عليه أيضا رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلا محرما (1).

و رواية معاوية بن عمار أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة. فقال: لا بأس (2).

و لا يعارضهما ما تقدم من الاخبار المقيدة لجواز الإحرام من الجحفة بصورة الضرورة و الاضطرار، إذ لا مانع بين عدم جواز تأخير الإحرام من الشجرة إلا عند الضرورة و بين اجزاء الإحرام من الجحفة لو عصى و جاوز الشجرة من غير ضرورة، فإن الأول حكم تكليفي مقيد بما ذكر، و الثاني حكم وضعي لا قيد له، و نقل عن بعض انه قال: و ينبغي القطع بذلك.

لا يقال: ان الاخبار الدالة على وجوب الرجوع الى الميقات على من نسي و جاوز بغير إحرام عمدا أو جهلا إذا تمكن يشمل ما نحن فيه، فيجب الرجوع على من مر بالشجرة و لم يحرم منها من غير عذر.


1- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 3.
2- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 189

فإنه يقال: ان تلك الروايات واردة فيمن نسي الميقات و مر بها، من دون إحرام و لم يكن وقت بعدها حتى يحرم منها إذا مر بخلاف المقام، فإن الرواية التي تدل على ان الجحفة أحد الميقاتين تشمل بإطلاقها لمن جاوز الشجرة من دون إحرام، فتكون حاكمة عليها، لأنها وردت فيمن مر من المسجد بلا إحرام، و يصح إحرامه و لا يجب عليه الرجوع الى ذي الحليفة.

(مسألة) من دخل المدينة و أراد الحج منها فهل يجب عليه الإحرام من مسجد الشجرة كأهل المدينة أو يجوز له العدول الى طريق ينتهي إلى ميقات آخر من غير مرور بالمسجد فيحرم منه؟ الظاهر أن ذلك جائز، و لا إشكال في اجزاء الإحرام منه أيضا إذا كان المرور عن غير طريق المسجد، و لا ينافي ما ذكر ما روي عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبى الحسن موسى عليه السلام قال: سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرةو أرادوا أن يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها؟

فقال: لا و هو مغضب، من دخل المدينة فليس له الا أن يحرم من المدينة (1).

و وجه عدم التنافي: أن الرواية محمولة على من أراد العبور من مسجد الشجرة بدون الإحرام منه حتى يمروا بميقات آخر خوفا من البرد و كثرة الأيام، و يمكن حملها على الكراهة كما اختاره الجواهر.


1- الوسائل ج 8 الباب 8 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 190

(مسألة) ثم انه بناء على جواز تأخير الإحرام من الشجرة إلى الجحفة عند الضرورة للمريض و غيره، فهل هو أمر ترخيصي له أن يحرم من مسجد الشجرة أو يؤخر إلى الجحفة، أو يجب على المعذور التأخير؟ الظاهر هو الأول، إذ لا يستفاد من الأدلة إلا جواز التأخير لا تعينه و لزومه. فعلى هذا لو أحرم من المسجد في حال المرض و ارتكب في مسيره ما يوجب الكفارة أو الفدية يلزمه حكم ما ارتكب و إحرامه صحيح.

و اما يلملم فهو وقت لأهل اليمن، يقال له أيضا ألملم و يرمرم و هو جبل على مرحلتين من مكة، و قيل انه في زماننا محاط بالماء، و أهل اليمين يحرمون من محاذاته، و قيل انه جبل من جبال تهامة يبعد عن مكة أربعة و تسعون كيلو مترا.

و على كل حال لا خلاف في كونه وقتا لأهل اليمن.

و اما قرن المنازل فهو ميقات أهل الطائف، و هو بفتح القاف و سكون الراء، و عن الجوهري فتحهما جبل مشرف على عرفات على مرحلتين من مكة معروف في زماننا.

و في بعض الروايات انه ميقات لأهل نجد، و لعله وقت لمن يمر منهم من طريق الطائف.

و يدل على كونه وقتا لأهل الطائف رواية الحلبي المتقدمة و معاوية بن عمار، مضافا الى عدم نقل الخلاف فيه.

و اما وادي العقيق فهو ميقات من كان طريقه من العراق. عن

ص: 191

الوسيلة بطن العقيق و هو لأهل العراق و من حج على طريقهم، و عن المراسم ان ميقات أهل العراق بطن العقيق و اوله مسلخ و أوسطه غمرة و آخره ذات عرق، و لا يتجاوز ذات عرق الا لعذر.

قال المرتضى في المسائل الناصريات في مسألة(140):

ميقات أهل العراق العقيق، و اليه يذهب أصحابنا و يقولون: ان ميقات أهل العراق و كل من حج من المشرق على طريقهم بطن العقيق، و أوله المسلخ و وسطه الغمرة و آخره ذات عرق، و الأفضل الإحرام من المسلخ، و دليلنا على ذلك الإجماع.

و العقيق لغة كل واد عقه السيل أي نسقه فأنهره و وسعه، و سمي به أربعة أودية في بلاد العرب، أحدها الميقات و هو واد يندفق سيله في غوري تهامة، كما عن تهذيب اللغة.

و المشهور أن أفضل العقيق أوله، و يقال له المسلخ بالخاء أو المسلح بالحاء المهملة، بل نسب إلى الأصحاب و ادعي الإجماع، و أوسطه غمرة بالغين المعجمة و الراء المهملة و الميم الساكنة سميت بها لزحمة الناس فيها، نهل من مناهل مكة، و هو فصل ما بين نجد و تهامة، و آخره ذات عرق.

و المشهور كما تقدم أن الإحرام جائز في أول العقيق و وسطه و آخره ذات عرق، و الأفضل أوله.

و لكن ظاهر كلام الشيخ في النهاية و الصدوق في المقنع و ابن بابويه، يشعر بعدم جواز التأخير إلى ذات عرق الا لمرض و تقية،

ص: 192

و يدل على الجواز ما روى عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: حد العقيق أوله المسلخ و آخره ذات عرق (1) و مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: وقت رسول اللّه «ص» لأهل العراق العقيق، و أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق، و أوله أفضل (2).

و يدل بعض الاخبار على عدم جواز تأخر الإحرام إلى ذات عرق، بل يظهر من بعضها خروجها عن العقيق، و لعلها مستند الشيخ و الصدوقين في المنع عن التأخير إلى ذات عرق الا لعذر.

عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: وقت رسول اللّه «ص» لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة (3).

و عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال: حد العقيق ما بين المسلخ الى عقبة غمرة (4).

و روى الكليني بإسناده عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: آخر العقيق بريد أوطاس. و قال:

بريد البعث دون غمرة ببريدين (5).


1- الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 7.
2- الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 9.
3- الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 6.
4- الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 5.
5- الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 193

و عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري أنه كتب الى صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متصلا بهم يحج و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق، فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز الا أن يحرم من المسلخ؟ فكتب إليه في الجواب: يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبي في نفسه، فإذا بلغ الى ميقاتهم أظهره (1).

فيستفاد منها عدم جواز تأخير الإحرام إلى ذات عرق، و ان كان الحمل على الأفضلية أيضا مما يساعده الدليل.

و اما ميقات من منزله أقرب الى مكة من الميقات، منزله.

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، و ادعي عدم الخلاف فيه، و كذا بين العامة إلا مجاهد، و لم ينقل الخلاف من الخاصة إلا عن المجلسي «قده»، و لا بد في هذه المسألة من بيان أمور:

(الأول) انه لا يخفى على المتتبع في الاخبار المأثورة أن للإحرام مواقيت خاصة يجب على من يريد دخول مكة أن يحرم منها، و لا يصح الإحرام من أي مكان شاء، و الى ذلك يشير قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه (2).


1- الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 10.
2- الوسائل ج 8 الباب 16 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 194

(الثاني) ان من كان منزله دون الميقات فوقته منزله، كما صرح به في الصحيحة المتقدمة حيث قال عليه السلام: «و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله» و كذا في الفقه الرضوي ففيه «و من كان منزله دون هذه المواقيت ما بينها و بين مكة فعليه أن يحرم من منزله» و في صحيح مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام: إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله (1).

و عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي سعيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة. قال: يحرم منه (2).

و غير ذلك من الروايات.

(الأمر الثالث) ان تلك الروايات شاملة لأهل مكة، و لا فرق بينهم و بين غيرهم ممن يعيشون دون الميقات و يكون منزلهم دون المواقيت إلى مكة.

فما عسى يتوهم من عدم شمول الأخبار لأهل مكة و اختصاصها بمن كان منزله دون الميقات خارج مكة، في غير محله و لا يعتنى به، ضرورة أنها ظاهرة في كل من كان منزله دون الميقات، و لا فرق في ذلك بين المكي و غيره.


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أبواب المواقيت الحديث 3.
2- الوسائل ج 8 الباب 17 من أبواب المواقيت الحديث 4.

ص: 195

و بالجملة كما أن غير أهل مكة مكلفون بالإحرام من المواقيت الخاصة المعينة و من كان منزله دون الميقات فمن منزله، فكذلك المكي يجب أن يحرم من الأمكنة الخاصة لا من أي مكان أراد، فإذا لم يجب عليه الإحرام من الميقات فيجب من منزله لا من الجعرانة أو التنعيم.

و أما الرواية الواردة في أن الامام عليه السلام إنما أمر أصحابه من أهل مكة بالإحرام من التنعيم، فإنما هي شاذة لم يعمل بها، أو هي مخصوصة بالمجاور بمكة، كما في الحدائق عن ابن مسكان عن إبراهيم بن ميمون قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان أصحابنا مجاورون بمكة و هم يسألوني لو قدمت عليهم كيف يصنعون؟ فقال قل لهم إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا الى التنعيم فليحرموا- الخبر (1).

(الأمر الرابع) ان الإحرام من المنزل لأهل مكة و من كان منزله دون الميقات ليس على نحو العزيمة و الوجوب بل على نحو التوسعة و الترخيص، فلو خرج مكي أو من كان منزله دون الميقات الى أحد المواقيت فأحرم منه يصح إحرامه، بل هو أفضل.


1- الوسائل ج 8 الباب 9 من أقسام الحج الحديث 4.

ص: 196

المحاذاة

اشارة

من حج على ميقات لزم الإحرام منه، و من حج على طريق لا يفضي و لا يمر بأحد المواقيت يحرم من محاذاة أقرب المواقيت التي تقع في طريقه.

قال المحقق في الشرائع: يحرم من أقرب المواقيت إلى مكة، و أطلق ابن إدريس و ابن سعيد محاذاة الميقات، و صرح في التصريح بأقرب المواقيت الى من يريد الإحرام، و اختاره الفاضل في المنتهى، و للمنتهى قول آخر و هو الإحرام من أبعد المواقيت.

و استجود صاحب المدارك ما اختاره صاحب الشرائع.

فعلى هذا المسألة ذات أقوال أربعة:

(الأول) الإحرام من محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة، و هو خيرة الشرائع.

(الثاني) محاذاة أبعد المواقيت إلى مكة، كما في المنتهى

ص: 197

في أحد قوليه.

(الثالث) محاذاة أقرب المواقيت الى من يريد الحج من ذلك الطريق.

(الرابع) جواز الإحرام من محاذاة أي ميقات من المواقيت و هو مقتضى إطلاق عبارة أبي حمزة و ابن سعيد.

و إذا عرفت ذلك فأقول: وجوب الإحرام من المحاذاة و جوازه قد يكون من جهة النصوص الواردة في المسألة، و أخرى من جهة مقتضى القواعد الفقهية.

أما الأولى فمقتضاها الإحرام من محاذاة أول ميقات يمر به في طريقه، سواء كان أقرب المواقيت الى من يريد الحج أو الى مكة أو أبعدها كذلك، لان المستفاد من الصحيح الوارد في المقام وجوب الإحرام متى تحققت المحاذاة.

عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه، فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء (1).

و في رواية أخرى رواها الصدوق عنه عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من أقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له ان يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة


1- الوسائل ج 8 الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 198

و البيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها (1).

الرواية من حيث السند صحيحة، عمل بها جمع من الأعاظم، بل ادعي عمل المشهور عليها. و أما من حيث الدلالة فبالنسبة إلى محاذاة مسجد الشجرة صريحة لا إجمال فيها، فإذا خرج أحد من المدينة و سار ستة أميال يكون محاذيا للمسجد، كما صرح به الامام عليه السلام في الرواية، و لا حاجة الى البحث في معنى المحاذاة هنا أو معنى الأقربية.

و أما محاذاة سائر المواقيت و جواز الإحرام منها فيمكن أن يقال:

ان رواية ابن سنان وردت في مورد خاص، و تسرية الحكم الى غيره يشبه القياس.

و أجاب عنه في المستند بالإجماع المركب، بمعنى أن الإجماع قائم على الملازمة بين جواز الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة و بين جوازه من محاذاة غيره، فإذا ثبت الحكم في أحد المتلازمين بصراحة الصحيحة يثبت في ملازم آخر ايضا، و هو جواز الإحرام من محاذاة سائر المواقيت.

و يمكن أن يجاب عنه بنحو آخر، و هو أن المناسبة بين الحكم و الموضوع يقتضي عدم دخالة شي ء من خصوصيات المورد في الحكم، عدي كونه محاذيا للميقات كما يشعر به قوله عليه السلام فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة، و واضح


1- الوسائل ج 8 الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 3.

ص: 199

ان الشجرة من حيث أنه ميقات يقتضي ذلك دون سائر الخصوصيات و لعل ما ذكرناه هو السر في كلام من افتى بجواز الإحرام من سائر المحاذاة أيضا.

و أما مقتضى القاعدة الموجودة في المسألة، فتارة يقال انه قد تحصل من النصوص الواردة و ثبت بها أن لكل من يريد الإحرام لدخول مكة وقتا خاصا يجب إحرامه منها، و أخرى انه لم يثبت من النصوص هذا الحكم على نحو العموم الشامل لكل من يريد الإحرام لدخول مكة.

فإن قلنا بالأول فيجب على من يسير في طريق لا يفضي الى ميقات، ان يذهب الى أحد المواقيت و أحرم منه، لان ذمته قد اشتغلت بوجوب الإحرام من المواقيت الخاصة، و الشغل اليقيني يقتضي البراءة كذلك، فإذا لم يحرم من أحد المواقيت و ان أحرم من المحاذاةحذاء الشجرة أو غيرهالا يحصل القطع بالبراءة و الفراغ من الذمة، لو لا الدليل الخاص على كفاية الإحرام من المحاذاة كما في محاذاة مسجد الشجرة.

و أما إذا قلنا بعدم ثبوت ميقات خاص لكل واحد من المحرمين بل قلنا ان المستفاد من الأدلة أن من مر في طريقه بأحد المواقيت الخمسة أو الستة يجب عليه ان لا يجاوزه الا محرما، فحينئذ لا يجب عليه العبور و المرور بأحد المواقيت، و لو شك في الوجوب فينفيه الأصل و البراءة.

ص: 200

نعم لا يجوز له الدخول في الحرم بغير إحرام، فيجب الإحرام لذلك. و حيث أن مقتضى النص الوارد في المسألة وجوب الإحرام عند تحقق المحاذاة فيحرم حذاء أول ميقات يمر بحذائه في طريقه، و أما ما اختاره المحقق في الشرائع من وجوب الإحرام بحذاء أقرب الميقات إلى مكة لا يمكن اقامة الدليل عليه.

ثم انه هل يعتبر العلم بالمحاذاة أو يكفي الظن به، صرح في الجواهر بالثاني، و استدل عليه بالأصل و الحرج و انسباق الذهن إلى إرادة الظن و كفايته في أمثال ذلك.

أما الحرج فيرد على الاستدلال به في المقام: أولا بعدم لزوم الحرج في تحصيل العلم بالمحاذاة، و ثانيا بأن دليل الحرج انما يرتفع به التكليف الذي يكون بنفسه حرجا على المكلف، و أما الحرج الاتي من الامتثال و القطع بالبراءة فلا يرفعه، إذ لا حرج في أصل التكليف لوجوب الإحرام من المحاذاة في حد نفسه، و انما الحرج في العلم بامتثال هذا التكليف، نظير الصلاة الى جوانب أربعة إذا اشتبهت عليه القبلة و جهل بها، فان الحرج في تلك المسألة لم يأت من جعل وجوب الصلاة و تشريعها على المكلف، بل هو أمر تعلق بوجوب صلاة واحدة إلى القبلة، و انما الحرج من ناحية الجهل بها.

و بالجملة المجعول شرعا صلاة واحدة إلى القبلة، لا الصلاة الى أربع جهات، و دليل الحرج انما يرفع و ينفي المجعول الحرجي

ص: 201

لا غيره. و ما نحن فيه أيضا كذلك، إذ لا حرج في وجوب الإحرام من المحاذاة حتى ينفى بدليل نفي الحرج.

و أما الاستدلال بالأصل، فالظاهر أنه لا مورد له في المقام، لثبوت التكليف بالإحرام من المحاذاة. نعم لو كان تحصيل العلم بالمحاذاة تكليفا شرعيا مستقلا مشكوكا قبال وجوب الإحرام من المحاذاة لأمكن إجراء البراءة منه عند الشك في وجوب تحصيل العلم، و يقال الأصل عدم وجوب تحصيل العلم به، و ان المتيقن من التكليف وجوب تحصيل الظن، و الزائد مشكوك فينفى بالأصل، و لكنه أول الكلام و إثباته مشكل.

و أما دعوى انسباق الذهن إلى كفاية الظن في أمثال المورد- و ان كان لا يبعد في مثل الموارد التي يكون باب العلم فيها مسدودا غالباالا أنه ليس بحيث يوجب الاطمئنان بحصول البراءة من التكليف الثابت القطعي.

نعم لو سأل أهل الخبرة عن ذلك و أخبروه بالمحاذاة لا يبعد كونه حجة مطلقا حتى فيما إذا لم يحصل منه العلم أو الظن، كما في رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يجزيك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس و الاعراب عن ذلك (1).

لوضوح أن الأخذ بقول أهل الخبرة و الاطلاع في مثل تلك الموارد كان معمولا بين الناس و عليه السيرة المستمرة، كما في


1- الوسائل ج 8 الباب 5 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 202

الأخذ بالأمارات و قول ذي اليد.

لكن الاحتياط مع هذا كله تحصيل العلم بالحذاء إن أمكن أو الأخذ بقولهم فيما إذا أفاد الظن و ان كان الظاهر من الرواية كفاية قولهم مطلقا.

ثم أنه لا فرق في كفاية الإحرام من حذاء أحد المواقيت بين كون السير على الأرض أو على طريق الجو أو البحر لشمول الأدلة للجميع و لا وجه لانصراف الأدلة إلى طريق الأرض، و ذكر طريق الأرض انما هو من باب المثال لا الخصوصية، فلو وصل في الجو الى موضع علم بحذائه لأحد المواقيت أو ظن ذلك بناء على كفايته يحرم منه، بل يكفي الإحرام فوق الميقات أيضا إذا علم به.

(تنبيه) [الظاهر أنه لا يتصور طريق إلى مكة لا يعبر بأحد المواقيت أو بمحاذاتها]

قال صاحب العروة قدس سره: الظاهر أنه لا يتصور طريق إلى مكة لا يعبر بأحد المواقيت أو بمحاذاتها، فان المواقيت محيطة بالحرم، فعلى هذا لا يتصور خط من الخطوط المتصلة إلى الحرم الا و هو اما محاذ لميقات من المواقيت أو نفسها و لا يكون خارجا عنها.

و قد أورد عليه الفقيه الفقيد البروجردي قدس سره في الحاشية على العروة بما لا يخلو من الاشكال، قال «قده»: ليس الأمر كما ذكره صاحب العروة من إحاطة المواقيت بالحرم، فان ذا الحليفة و الجحفة كليهما في شمال الحرم على خط واحد تقريبا، و قرن المنازل

ص: 203

في شرقه، و العقيق بين الشمال و المشرق، فيبقى يلملم وحده لثلاثة أرباع الدائرة المحيطة بالحرم، و بينهما و بين قرن المنازل أكثر من ثلاثة أثمان الدائرةانتهى.

و قد كتبنا في الحاشية على العروة مطابقا للخريطة الجغرافيائية الحديثة: ان يلملم يقع في جنوب مكة، و قرن المنازل في مشرقها و مسجد الشجرة في الشمال، و الجحفة في الشمال الغربي، و وادي العقيق في الشمال الشرقي، و لا يضر كون يلملم في ثلاثة أرباع الدائرة، فان ميقات تلك الناحية بأجمعها يلملم، فالمواقيت في شتى مواردها محيطة بالحرم، و ان كانت المسافة بينها مختلفة و الجهات متباينة، فما اختاره السيد في العروة من إحاطة المواقيت بالحرم من جميع الجوانب يكون صحيحا، و لا يرد الاشكال عليه.

و لو سلمنا اشكال سيدنا الفقيه البروجردي قدس سره من أن يلملم يبقى وحده لثلاثة أرباع الدائرة لا يضر بما ذكرناه لتحقق المحاذاة عرفا أيضا.

(في معنى المحاذاة)

ثم ان المحاذاة تتحقق بأن يصل المسافر في طريقه الى مكة إلى موضع يكون الميقات على يمينه أو شماله بالخط المستقيم، و لكن عبارة العروة في المسألة مضطربة أو محرفة غير وافية بالمقصود، و الظاهر تحقق المحاذاة بوقوع الميقات على يمين المسافر أو شماله،

ص: 204

و لا يعتبر كون المسافة بينه و بين مكة كما بين ذلك الميقات و بين مكة و على هذا ينزل ما عن ابن إدريس من أن ميقات أهل مصر و من صعد البحر جدة، بناء على أن الجدة محاذية لأحد المواقيت لا أنها ميقات بنفسها، و ان كان ذلك غير محرز لنا.

(فرع) لو أحرم في موضع ظن انه محاذ لأحد المواقيت و لم يتبين الخلاف، فلا إشكال في صحة إحرامه و حجه، و اما لو تبين بعد الإحرام انه كان قبل المحاذاة و لم يتجاوزها، أعاد الإحرام و ان جاوزها أو تبين كون الإحرام بعد المحاذاة يجب عليه العود إلى المحاذاة إن أمكن و تجديد الإحرام منها، و الا يجدد الإحرام من مكانه، إلا إذا علم أنه حين الإحرام بعد المحاذاة لم يكن متمكنا في نفس الأمر من العود إليها، فيكفي حينئذ الإحرام السابق بعد المحاذاة و ان كان تجديد الإحرام في هذا الفرض أيضا أولى.

ص: 205

ميقات العمرة المفردة

اشارة

و أما العمرة المفردة للقارن و المفرد إذا كانا في مكةسواء كانا مكيين أو مجاورين أو قادمين بمكةفميقاتها أدنى الحل بلا خلاف في ذلك، و يستحب أن يحرم بها من الجعرانة أو من الحديبية أو من التنعيم، للتصريح بها في الروايات.

و عن التذكرة ينبغي الإحرام من الجعرانة، فإن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم اعتمر منها، فمن فاتته فمن التنعيم، و قد أمر رسول اللّه «ص» عائشة بالإحرام منه، فمن فاته فمن الحديبية.

قال في الجواهر: استفادة الترتيب في الفضل من النصوص مشكل انتهى.

و أما النصوص فمنها ما عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: اعتمر رسول اللّه «ص» ثلاث عمر متفرقات: عمرة ذي القعدة أهل من عسفان و هي عمرة الحديبية، و عمرة أهل من الجحفة

ص: 206

و هي عمرة القضاء، و عمرة من الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين. و رواه الصدوق مرسلا، الا أنه قال: ثلاث عمر متفرقات كلهن في ذي القعدة (1).

هذا ما عثرت عليه في كتب الخاصة، و أما العامة فقد روى عن ابن عباس ان النبي «ص» اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبية، و عمرة القضاء من قابل، و الثالثة من الجعرانة، و الرابعة التي مع حجه (2).

و عن سماعة في حديث عن ابى عبد اللّه عليه السلام: من دخلها لعمرة في غير أشهر الحج ثم أراد ان يحرم فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها (3).

و عن جميل ابن دراج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية. قال: تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر، فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة (4)

(فخ)

و هو موضع معروف على فرسخ من مكة يجرد الصبيان منه.


1- الوسائل ج 10 الباب 2 من أبواب العمرة الحديث 2.
2- الوسائل ج 10 الباب 2 من أبواب العمرة الحديث 6.
3- الوسائل ج 8 الباب 8 من أقسام الحج الحديث 1.
4- الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 2.

ص: 207

لا إشكال في أصل المسألة حكما، و يدل عليه رواية أيوب أخي أديم قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام من أين تجرد الصبيان. قال: كان ابى يجردهم من فخ. و روى مثله علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام (1).

انما الكلام في أن تجريد الصبيان من فخ كناية عن إحرامهم منه، أو المراد أن الصبيان بعد ما أحرموا كغيرهم من المواقيت يجوز لهم لبس المخيط حال إحرامهم، الى أن يصلوا الى فخ فيجردوا منها؟ قولان، ذهب الى كل منهما جماعة.

و المهم في المقام نقل الأخبار الواردة في المسألة و التأمل في مقتضاها، و هي على طوائف ثلاث:

(منها) ما أمر فيها بتجريد الصبيان من فخ، كصحيحة علي بن جعفر و أيوب.

و(منها) ما تدل على إحرامهم من مكان أبعد من فخ، كبطن مرو و الجحفة، كرواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

أنظروا من كان معكم من الصبيان فقدموا إلى الجحفة أو الى بطن مرو و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه (2).

و(منها) ما تدل على وجوب إحرامهم من العرج، روى يونس


1- الوسائل ج 8 الباب 18 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 3.

ص: 208

ابن يعقوب عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ان معي صبية صغارا و أنا أخاف عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال:

ائت بهم العرج فليحرموا منها، فإنك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة. ثم قال: فان خفت عليهم فأت بهم الجحفة (1).

قال في المدارك: المراد من التجريد هو الإحرام بهم من فخ كما صرح به المصنف في المعتبر و العلامة في جملة من كتبه، بل ربما نسب إلى الأكثر، و عن الرياض يظهر من آخر عدم الخلاف فيه، و قد نص الشيخ قدس سره و غيره كما في المدارك. على ان الأفضل الإحرام بالصبيان من الميقات، لكن رخص في تأخير الإحرام بهم حتى يصيروا الى فخ، و جواز التأخير إلى فخ ليس على نحو العزيمة، بل هو رخصة لهم، هذا هو القول الأول.

و القول الثاني أن إحرام الصبيان من الميقات كغيرهم من المكلفين، الا أنه رخص لهم لبس المخيط الى فخ فيجردون منه كما عن السرائر و المقداد و الكركي و قواه في الجواهر.

و استدلوا بعموم نص المواقيت و النهي عن تأخير الإحرام عنها و هو يشمل الصبي، سواء قلنا بأن عبادته شرعية أو تمرينية، فميقاته مثل ميقات المكلفين، الا أنه رخص له في لبس المخيط الى أن يتمكن من التجريد، و هو يختلف بحسب اختلاف الأزمنة و الأمكنة.

و لعل القول الثاني هو الأقوى، لما يوجد في الروايات من


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 7.

ص: 209

التلويح و الإشارة الى أن الشارع لم يجعل حج الصبيان خارجا عن حكم حج سائر المكلفين من جهة الميقات و غيره، فيشملهم ما يشمل الكبير من العمومات الدالة على وجوب الإحرام من المواقيت التي وقتها رسول اللّه «ص» و عدم جوازه قبلها، و غيرها من الأحكام الا في لبس المخيط و تجريدهم من فخ، لخوف الضعف و العسر على الصبيان.

و أشكل صاحب المدارك بأن شمول العام و تناوله غير البالغين المكلفين ممنوع، مضافا الى ظهور التجريد فيما اخترناه من الإحرام بهم من فخ انتهى.

و فيه: ان العمومات التي تدل على عدم جواز المرور و العبور من الميقات إلا بالإحرام لا قيد فيها و لا خصوصية بالنسبة الى من يمر بها، من ذكر و أنثى و صغير و كبير و قريب و غريب، بل انما هي في مقام بيان أصل الحكم، و ان للحرم و الكعبة حرمة خاصة يجب رعايتها من المسافة المعينة من جوانبها، و لا يجاوز تلك الأمكنة أحد إلا محرما مؤديا لحق الحرم و مكة و المسجد و الكعبة. و هذا حكم عام شامل لكل صغير و كبير، يشمل الصغار و غير البالغين كما يشمل الكبار و البالغين، كما يستفاد من بعض النصوص أن من تمام الحج الإحرام من المواقيت. فعلى هذا يبقى العموم بحاله و لا يرد عليه التخصيص أصلا.

و أما جواز تأخير التجريد الى فخ، انما هو لضعف الصبيان

ص: 210

و عدم تحملهم المشاق، فيكون مخصصا لأدلة حرمة لبس المخيط فقط.

و أما النصوص التي يمكن استفادة العموم منها بالنسبة إلى الصبيان:

(فمنها) ما تقدم كرواية علي بن جعفر و ابن حر و معاوية بن عمار و يونس بن يعقوب.

و(منها) ما عن عبد الرحمن بن حجاج عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قلت له: ان معنا صبيا مولودا فكيف نصنع به؟ فقال: مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها. فأتتها و سألتها كيف تصنع فقالت: إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و جردوه و غسلوه كما يجرد المحرم وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه، ثم زوروا به البيت، و مري الجارية أن تطوف به بالبيت و بين الصفا و المروة (1).

و رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: أنظروا من كان معكم من الصبيان فقدموهم إلى الجحفة أو الى بطن مرو، يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه (2).

و الظاهر أن تخصيص أدلة حرمة لبس المخيط على المحرم،


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 3.

ص: 211

أولى من تخصيص أدلة وجوب الإحرام من الميقات على من يمر به، لإباء بعضها عن التخصيص.

و بتقريب أوضح: ان الرواية ظاهرة في جواز تأخير الإحرام إلى فخ و صريحة في جواز لبس المخيط و تأخير التجريد إليه، فالأمر يدور بين القول بجواز تأخير الإحرام إلى فخ، و القول بجواز لبس المخيط اليه مع إنشاء الإحرام من الميقات، و الثاني هو المتيقن، و الأول محتمل، و ليس ظهوره بحيث يكافؤ عمومات وجوب الإحرام من الميقات.

ثم ان ترخيص تجريد الصبيان الى فخ انما هو بلحاظ ضعف الصبيان و رعاية حالهم، و الا فيجوز الإحرام من الميقات كما عليه صريح بعض الأعاظم، فالأحوط إحرامهم من الميقات و تجريدهم في فخ مع الحاجة.

ص: 212

في أحكام المواقيت

اشارة

قال المحقق في الشرائع: و فيها مسائل:

(الاولى) انه لا يصح الإحرام قبل الميقات الا لناذر، أما عدم صحة الإحرام قبل الميقات لغير الناذر فلا خلاف فيه بين الأصحاب، بل ادعي الإجماع عليه بقسميه.

و تدل عليه أيضا أخبار مستفيضة كثيرة، و في المدارك استفاضت الاخبار على عدم صحة الإحرام قبلها، و المحكي عن المنتهى أن بطلان الإحرام قبل الميقات قول علمائنا أجمع، و في الجواهر لا خلاف بيننا بل الإجماع عليه بقسميه، فما عن العامة من جواز ذلك فواضح البطلان، فعن الشافعي و الحنفي ان الإحرام من الميقات انما هو من باب الترخيص، بمعنى أن الشارع لم يوجب الإحرام بالحج و العمرة قبل تلك المواقيت و من المنزل بل رخص تأخيره إلى المواقيت، و نقل عن بعض أن هذا قول ابن الخطاب أيضا.

ص: 213

و لكن الأخبار المروية عن الأئمة عليهم السلام من طرق أصحابنا تدل على أن الإحرام قبل الميقات بدعة و تشريع الا لناذر كما يأتي.

(منها) ما رواه الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللّه «ص»، و لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها. و ذكر المواقيت ثم قال: و لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّه «ص» (1).

و عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلام في حديث: و ليس لأحد ان يحرم دون المواقيت التي وقتها رسول اللّه «ص»، فإنما مثل ذلك مثل من صلى في السفر أربعا و ترك الثنتين (2).

و عن ميسر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل أحرم من العقيق و آخر من الكوفة أيهما أفضل؟ فقال: يا ميسر، أ تصلي العصر أربعا أفضل أم تصليها ستا. فقلت: أصليها أربعا أفضل. قال «ع»:

فكذلك سنة رسول اللّه «ص» أفضل من غيرها (3).

و عنه أيضا قال: دخلت على ابى عبد اللّه عليه السلام و أنا متغير اللون فقال لي: من أين أحرمت؟ قلت: من موضع كذا و كذا.

فقال: رب طالب خير تزل قدمه. ثم قال: يسرك ان صليت الظهر أربعا في السفر. قلت: لا. قال: فهو و اللّه ذاك (4).


1- الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 3.
3- الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 6.
4- الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 5.

ص: 214

و في رواية حنان بن سدير قال: كنت أنا و أبى و أبو حمزة الثمالي و عبد الرحيم القصير و زياد الأحلام حجاجا، فدخلنا على ابى جعفر عليه السلام فرأى زيادا فقد تسلخ جسده فقال له: من أين أحرمت؟ قال: من الكوفة. قال: و لم أحرمت من الكوفة. فقال:

بلغني عن بعضكم أنه قال: ما بعد من الإحرام فهو أفضل و أعظم للأجر. فقال: و ما بلغك هذا الا كذاب الخبر (1).

و غيرها من الاخبار الصريحة في أن الإحرام قبل الميقات باطل و ان من أحرم قبلها كمن صلى الظهر ست ركعات.

ثم انه قد استثني من هذا الحكم(عدم جواز الإحرام قبل الميقات) موردان: الأول من نذر أن يحرم قبل الميقات، و الثاني الإحرام لدرك عمرة شهر رجب قبلها.

أما المورد الأول فلا بد من البحث فيه من جهتين: الاولى في الدليل الدال على ذلك، و الثانية من جهة الأدلة الدالة على أنه يعتبر في متعلق النذر أن يكون راجحا حتى ينعقد النذر.

(اما الجهة الأولى) فقد روى الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة.

قال: فليحرم من الكوفة و ليف للّه بما قال (2).

و عن علي بن أبي حمزة قال: كتبت الى ابى عبد اللّه عليه السلام


1- الوسائل ج 8 الباب 9 من أبواب المواقيت الحديث 7.
2- الوسائل ج 8 الباب 13 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 215

أسأله عن رجل جعل للّه أن يحرم من الكوفة. قال: يحرم من الكوفة (1).

و عن ابي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول:

لو أن عبدا أنعم اللّه عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم (2).

و ظاهر تلك الاخبار أن النذر إذا تعلق بالإحرام قبل الميقات ينعقد و يجب الوفاء به، حتى إذا كان من بلاد بعيدة كخراسان، المشهد الذي دفن فيه الامام علي الرضا عليه السلام(أو بلدة من نواحي بغداد) و على كل حال إذا نذر الإحرام قبل الميقات كما لو نذر أن يحرم من خراسان أو المدينةقبل الوصول الى مسجد الشجرة يجب الوفاء بالنذر، كما هو مدلول الروايات التي لا اشكال فيها من جهة الدلالة و الصراحة.

و أما السند فقد قال في الجواهر: المناقشة في السند لو سلمت في الجميع، مدفوعة بالشهرة، و في الدلالة باحتمال ارادة الذهاب الى أحد المواقيت ليحرم منه كما ترى. و لا ينافي الظهور الذي هو المدار في الأحكام، خصوصا مع عدم المعارض سوى قاعدة اعتبار مشروعية متعلق النذر و رجحانه في نفسه، التي يجب الخروج عنها بما عرفت، خصوصا مع وجود النظير له في الفقه كما في نذر


1- الوسائل ج 8 الباب 13 من أبواب المواقيت الحديث 2.
2- الوسائل ج 8 الباب 13 من أبواب المواقيت الحديث 3.

ص: 216

الصوم في السفر.

و قد يدعى الوهن في رواية الحلبي التي عليها الاعتماد في المسألة و في رواية البطائني، أما في رواية البطائني بأنها قد نقلت تارة بنحو المكاتبة مع الامام الصادق عليه السلام و أخرى على نحو المشافهة مع ابى الحسن الامام موسى بن جعفر عليه السلام كما في الوافي الباب(41) في أخبار الإحرام قبل الميقات عن التهذيب عن الحلبي، و في أبواب النذر و الايمان من التهذيب.

و أما الوهن المدعى في رواية الحلبي فخلاصة ما أفاده الأستاد في ذلك: ان صاحب المنتقى قد أورد على الرواية بما حاصله:

ان كلمة المتعرضين لتصحيح الاخبار اتفقت على صحة هذا الخبر، أو لهم العلامة في المنتهى، و لا شك عند الممارس أنه غير صحيح فان حمادا المذكور في سند الرواية ان كان ابن عثمان فلم يثبت رواية الحسين بن سعيد عنه بغير واسطة، و ان كان حماد بن عيسى فروايته عن الحلبي غير معهودة في الروايات انتهى.

و فيه: ان حماد بن عثمان يروي عنه الحسين بن سعيد كثيرا ما كما في جامع الرواة و التهذيب، و أما حماد بن عيسى فهو أيضا يروي عن الحلبي كثيرا ما كما قاله المجلسي، فيثبت أنه لا يحتمل في الرواية سهو و لا نسيان، فالرواية صحيحة من جهة السند و عمل بها جمع من العلماء (1).


1- يقول المقرر: ان دليل صحة النذر قبل الميقات لا ينحصر برواية الحلبي حتى يورد عليه بما نقل من صاحب المنتقى و يجاب عنه بما ذكره الأستاذ مد ظله من تحقيقاته، بل هذا المضمون نقل من طرق عديدة لا تنتهي إلى الحلبي كما في كتاب ترتيب التهذيب المطبوع جديدا. مضافا الى ما يمكن أن يقال: لا يبعد دعوى أن الإحرام و التلبس بلباس الخضوع و الخشوع لزيارة بيت اللّه، و التعري عن لباس أهل الدنيا، و الخروج عن زي الجبابرة و الفراعنة و عامة الناس انما هو أمر راجح في حد نفسه يعده العرف نوعا من الأدب و الحرمة، و لكن الشرع رخص للناس ترك هذا الإحرام قبل الميقات هدية منه إليهم و أوجبه من الميقات، الا من جعل للّه على نفسه أن يحرم قبل الميقات شكرا له تعالى. فعلى هذا لا يرد تخصيص على قاعدة اعتبار الرجحان في متعلق النذر، و لا يرد إشكال أصلا. هذا ما يمكن أن يقال في جواب اشكال ابن إدريس و غيره. نعم لو أحرم قبل الميقات مع العلم بأن الشارع لا يريد ذلك منه تسهيلا للمكلفين و رحمة بهم يكون محرما و بدعة، كما لو صلى أربعا في السفر مع العلم بأن الشارع وضع عنهم الركعتين هدية منه إليهم، تكون باطلا وردا للهدية فكذلك في الإحرام قبل الميقات.

ص: 217

(و أما الجهة الثانية) و هي أنه يعتبر في متعلق النذر أن يكون راجحا في حد نفسه، و الإحرام قبل الميقات ليس كذلك. بل هو كما في الروايات نظير من صلى الظهر ست ركعات. هذا ما يمكن ان يقال في الاشكال.

لكنه بعد دلالة الروايات على صحة النذر المتعلق بالإحرام قبل الميقات، و وجوب الوفاء به و لو كان من مسافة بعيدة، يكشف به رجحانه الذاتي، و مطلوبيته في نفسه، و يستفاد أيضا ان اللّه رخص

ص: 218

لغير الناذر ترك الإحرام قبل الميقات، هدية منه تعالى لعباده، و يجب أن يؤخذ برخصه كما يجب أن يؤخذ بعزائمه، كما في نذر الصوم في السفر. فعلى هذا لا داعي للالتزام بالخروج عن قاعدة اعتبار رجحان متعلق النذر بالنصوص الخاصة الواردة في المقام.

هذا إذا كان النذر للحج و عمرة التمتع له و وقع الحج في أشهره و أما إذا بعدت المسافة بحيث لا يمكن من إتمام النسك لو أحرم في أشهر الحج فلا ينعقد النذر بالنسبة الى هذه السنة، فان صحة وقوع الإحرام قبل الوقت المكاني لا يقتضي صحته قبل الوقت الزماني.

و أما العمرة المفردة، فيصح النذر للإحرام بها قبل الميقات في كل وقت و يشمله الأدلة.

((فرع)) فهل العهد و اليمين كالنذر إذا تعلقا بالإحرام قبل الميقات فيجب الوفاء به، أو يختص ذلك بالنذر فقط و لا يتعدى منه الى غيره. وجهان لا يبعد دعوى شمول قوله «جعل للّه عليه شكرا» لمن حلف للّه أو تعاهد له الإحرام قبل الميقات شكرا على نعمة أو دفع بلية، كما استظهره بعض، و لكن الحكم لما كان مخالفا للقاعدة فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن من مفاد الأدلة، و هو النذر.

فعلى هذا إلحاق العهد و اليمين بالنذر مشكل، مضافا الى أن معقد فتاوى العلماء هو النذر، لكن الأحوط إذا حلف على الإحرام قبل الميقات أو تعاهد عليه، الإحرام من المكان المعهود فيه أو المقسم

ص: 219

فيه، رجاء ثم تجديد الإحرام من ميقات أهله، و أحوط منه ترك العهد و الحلف على ذلك.

(المورد الثاني) عمرة شهر رجب، فقد صرح جماعة بأن الإحرام قبل الميقات لدرك عمرة شهر رجب إذا خشي فوتها لو لم يحرم قبلها، فيجوز له الإحرام قبل الوقت و يحسب له عمرة رجب و ان وقع بقية النسك في شهر شعبان، أو وصل الى الميقات بعد انقضاء شهر رجب، و يكفي ذلك في درك فضيلة عمرة رجب، نظير من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت.

و ادعي عدم الخلاف فيه، و عن المعتبر عليه اتفاق علمائنا، و عن المسالك موضع نص و وفاق، و يدل عليه رواية معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول اللّه «ص» الا أن يخاف فوت الشهر في العمرة (1).

و هي تدل على أن الإحرام قبل الميقات جائز ان خاف فوت العمرة في شهر، و لا وجه لاختصاصه بشهر رجب، بل هو مطلق بالنسبة الى كل شهر يخاف فوت عمرته إذا لم يحرم قبل الميقات، و لا دليل للقول بأن الألف و اللام للعهد، لعدم ذكر «الرجب» في الرواية قبله أو بعده، و لكن الأصحاب لم يعملوا بهذا الإطلاق و لم يفتوا على طبقه، فعلى هذا يشكل الفتوى به في غير شهر رجب.


1- الوسائل ج 8 الباب 12 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 220

و رواية إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال هلال شعبان قبل أن يبلغ العقيق، فيحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أم يؤخر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان؟ قال: يحرم لرجب قبل الوقت، فان لرجب فضلا و هو الذي نوى (1).

و ظاهرها أن المحرم ان نوى الأفضل إذا خاف فوته و أحرم قبل الميقات يحسب ذلك له و يكتب أفضلهما، و هذا الأمر لا يختص بعمرة رجب بل كل عمرة تكون له فضيلة على غيره فهي أيضا كذلك الا أن الفتوى استقر على عمرة رجب، و الاحتياط في المقام أيضا يقتضي ذلك.

و من أحكام المواقيت انه لا يجوز تأخير الإحرام من الميقات

عمدا و اختيارا، إجماعا بقسميه، كما في الجواهر و نصا.

و أما التأخير لمانع و عذر من مرض و غيره، فعن الشيخ قدس سره جوازه، قال في النهاية: من عرض له مانع جاز له أن يؤخر الإحرام عن الميقات، فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى اليه و زال عذره فيه.

فهل مراد الشيخ ترك الإحرام حتى النية و التلبية، أو المراد ترك التعري و كشف الرأس و لبس الثوبين لا النية و التلبية، فان المرض لا يمنع عنهما.


1- الوسائل ج 8 الباب 12 من أبواب المواقيت الحديث 2.

ص: 221

و في السرائر بعد نقل قول الشيخ «جاز له أن يؤخر» قال:

مقصوده ترك كيفية الإحرام الظاهرة، و هو التعري و كشف الرأس و الارتداء و الاتزار و التوشح، و أما النية و التلبية فلا يجوز له ترك ذلك لعدم المانع عنها و لا ضرورة و لا تقية فيها. و عن الحدائق مثل ذلك. و اختاره العلامة في جملة من كتبه التحرير و المختلف و المنتهى، و أما المحقق في الشرائع فظاهر كلامه تأخير الإحرام حتى النية و التلبية لتقية أو مرض، و لكن نقل عنه في المعتبر ما يوافق أول كلامه ما اختاره ابن إدريس و يخالفه آخره، قال في المدارك بعد نقل كلام الشيخ و الحلي: و فصل المصنف في المعتبر تفصيلا حسنا فقال: من منعه مانع عند الميقات فان كان عقله ثابتا عقد الإحرام بقلبه، و لو زال عنه عقله بإغماء و شبهه سقط عنه الحج، و لو أخر و زال المانع عاد الى الميقات ان يمكن، و الا أحرم من موضعه.

و المنقول من المعتبر كما ترى يوافق أوله كلام ابن إدريس و يخالفه آخره.

و استدل لمختار الشيخ بعدة من الاخبار:

فمنها ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن صفوان ابن يحيى عن ابى الحسن الرضا عليه السلام قال: كتبت اليه أن بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق، و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل، و عليهم في ذلك مؤنة شديدة و يعجلهم أصحابهم و جمالهم، و من وراء بطن عقيق بخمسة عشر ميلا منزل فيه ماء،

ص: 222

و هو منزلهم الذي ينزلون فيه، فترى أن يحرموا من موضع الماء لرفقه بهم و خفته عليهم. فكتب عليه السلام: ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وقت المواقيت لأهلها، و من أتى عليها من غير أهلها و فيها رحمة لمن كانت به علة، فلا تجاوز الميقات الا من علة (1).

و عن شعيب المحاملي عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا خاف الرجل على نفسه أخر الإحرام إلى الحرم (2).

و قد عمل بهما عدة من الأصحاب وفاقا للشيخ «قده» و قالوا:

إذا زال المانع يحرم، و يجوز التأخير إلى الحرم إذا خاف على نفسه كما في الخبر الثاني.

و أما ابن إدريس فقد خالف الشيخ و لم يعمل بالروايتين بناء على مذهبه من عدم حجية الخبر الواحد.

و استدل صاحب الجواهر لما اختاره ابن إدريس بقاعدة الميسور و خبر الحميري الاتي في التقية.

و لقائل أن يقول: ان مقتضى القاعدة أن الإحرام عبارة عن أمور متعددة من النية و التلبية و لبس الثوبين، و له شرائط و أجزاء و أحكام يجب على كل من مر بالميقات أن يحرم و يلتزم بالأحكام المقررة له، فإذا تعذر جزء أو شرط مما يعتبر في الإحرام يرتفع هذا الجزء و الشرط، و لا دليل على ارتفاع شرطية غيره أو جزئيته،


1- الوسائل ج 8 الباب 15 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 16 من أبواب المواقيت الحديث 3.

ص: 223

بل يبقى على حاله، و التقية و المرض لا يمنعان عن النية و التلبية، فما اختاره ابن إدريس موافق للقاعدة و مطابق لرواية الحميري.

و أما خبر الحميري ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد ابن عبد اللّه بن جعفر الحميري أنه كتب الى صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متصلا بهم يحج و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق، فيحرم معهم لما يخاف الشهرة، أم لا يجوز الا أن يحرم من المسلخ؟ فكتب «ع» إليه في الجواب: يحرم من ميقاته، ثم يلبس الثياب و يلبي في نفسه، فإذا بلغ الى ميقاتهم أظهره (1).

و الاشكال بأن مورد المكاتبة التقية و إلحاق المرض و الخوف بها قياس ممنوع في الشرع. غير وارد، فان مضمون المكاتبة موافق لقاعدة الميسور، و كأنه إمضاء لها، لا يختص بالتقية حتى يشكل في المرض و الخوف بأن إلحاقهما بها في الحكم قياس، فلا اشكال من تلك الجهة. مضافا الى إطلاق الخوف في رواية شعيب المتقدمة الشامل للتقية و غيرها.

نعم ما يمكن أن يقال في المكاتبة: ان الاستدلال بها في التقية فقط المتحققة في إظهار الإحرام، إذ المورد ان الامام عليه السلام فرض السائل ممن يتمكن من النية و التلبية في نفسه و لكنه لا يظهر


1- الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 10.

ص: 224

التلبية إلا في المسلخ.

و الحاصل ان التقية التي هي موجبة لتأخير الإحرام من الميقات لم تكن في نفس عقد الإحرام حتى النية و التلبية عند نفسه خفاء، بل كانت في إظهار التلبية و الجهر بها و التجريد و التعري من المخيط فلا تكون مجوزة لتأخير النية و التلبية إلا إذا تحققت فيهما أيضا، و هو فرض نادر.

فعلى هذا لا تكون المكاتبة ردا على الشيخ و معارضا لروايتي صفوان و المحاملي، مع فتوى الأصحاب على مضمونهما و دلالتهما على جواز تأخير أصل الإحرام من الميقات إذا منع منه خوف أو مرض الى أن يزول المانع عنه. نعم لو فرضنا أن الخوف و المرض لا يتحققان في أصل الإحرام من عقد القلب و التلبية عند نفسه بل في إظهار التلبية و التعري، ينوي الإحرام و يؤخر الجهر بالتلبية و التجريد عن المخيط.

و أما قاعدة الميسور فهي مخصوصة بما إذا تمكن من أصل الإحرام و لم يتمكن من بعض الاجزاء و الشرائط، و أما إذا كان أصل الإحرام ممنوعا و غير ميسور فلا تجري فيه القاعدة.

و بعبارة أخرى: ان في المقام فرعين: فرع تعرض له الشيخ و هو ما إذا عرض له مانع عن أصل الإحرام، و فرع تعرض له ابن إدريس، و هو ما إذا عرض له مانع عن إظهار الإحرام و التعري و التجريد.

ص: 225

اما الفرع الأول فيجوز تأخير الإحرام من الميقات كما اختاره الشيخ، و دليله رواية صفوان و مرسلة المحاملي المتقدمان. و أما الفرع الثاني فلا يجوز فيه ترك النية و التلبية، بل ينوي الإحرام و يلبى، و لكن يؤخر إظهار التلبية و التجريد الى زوال المانع، كما اختاره ابن إدريس. فعلى هذا لا يبقى لابن إدريس اعتراض على ما ذكره الشيخ، لاختلاف الموردين في كلامهما.

في حكم الإغماء و المغمى عليه

(فرع) لو كان ترك الإحرام من الميقات لإغماء و نحوه مما لا يمكن معه من النية و التلبية، فقد ورد أنه يحرم عنه رجل و يلبى عنه.

عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الوقت. فقال عليه السلام:

يحرم عنه رجل (1).

و تفصيل المقام: ان الإغماء قد يكون من الميقات و يستمر الى بعد الأضحى، و قد يحصل في برهة من الزمان عند العبور من الميقات ثم يفيق بعد ذلك قبل الإتيان بأعمال الحج و انقضاء الوقت.

أما الأول فيكشف أنه لم يكن مكلفا بالحج و لا بأمر واجب أصلا، سواء أحرم عنه رجل آخر أم لا، أو لم يحرم عنه، حتى أنه لو أحرم عنه آخر لا يجزي عنه، لأن النيابة عن الحي تحتاج الى


1- الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 4.

ص: 226

الاذن، و التبرع عن الميت انما خرج بالدليل، كما أن إحرام الصبي لدليل خاص، و لا يستفاد من مرسلة جميل الا مشروعية ذلك الإحرام و أما الاجزاء و النيابة فلا، فان قوله «يحرم عنه»، أما يراد منه الإحرام عن المغمى عليه بالنيابة عنه في النية و التلبية، أو الإحرام به بمباشرته، لأمر الإمام بذلك من باب الولاية كما في إحرام الصبي.

و على كل حال لا يدل الا على مشروعية ذلك الإحرام، و اما إجزاؤه عن حجه الواجب عليه فلا يستفاد منه، مضافا الى أنه من الممكن أن يكون الأمر بالإحرام به أو الإحرام عنه من جهة الاحتياط في أمره، و لاحتمال إفاقته قبل الأعمال فيحرم به أو عنه، لكي يأتي بالأعمال مباشرة إذا أفاق، فان لم يفق حتى انقضى الوقت وفاته الحج يكشف عن عدم كونه مكلفا به و مأمورا بذلك. فعلى هذا لا يبقى مجال للقول بالاحتياط و الجمع بين الحج في هذه السنة بإحرام الغير عنه، و الإتيان بالمناسك و بين حج نفسه في القابل إذا برء و أفاق.

هذا إذا لم يفق قبل مضي الوقت، و أما لو أفاق قبل فوت الوقوفين فان تمكن من الرجوع الى الميقات فيجب عليه العود اليه و الإحرام منه، و الا فيحرم من موضعه و يتم حجه.

و لو أحرم به رجل أو أحرم عنه ثم أفاق و لم يكن عليه حج واجب فهل يجب عليه إتمام الحج و إتمام المناسك كلها للدخول في الحج و الشروع فيه، مندوبا كان أو غيره، أم لا يجب عليه ذلك؟ الظاهر

ص: 227

عدمه لعدم الدليل على وجوب الإتمام على من شرع فيه، و لكن الاحتياط بالإتمام حسن، بل وجوبه لا يخلو عن وجه، لأن مرسلة جميل تدل على مشروعية الإحرام، بمعنى أنه بعد الإفاقة يكون محرما بتنزيل إحرام الغير منزلة إحرامه، و شروعه بمنزلة شروعه، فيشمله دليل وجوب إتمام ما شرع.

و الانصراف في وجوب الإتمام الى ما شرع بنفسه لا ينافي تنزيل إحرام غيره بمنزلة إحرامه حتى في وجوب الإتمام عليه.

نعم لو تمكن من الرجوع الى الميقات و الإحرام منه يجب عليه الرجوع.

(فرع) لو جاوز الميقات بلا إحرام و لم يكن يريد النسك

- كالحطاب و غيره ممن لا يجب عليهم الإحرام لدخول الحرم ثم أراد النسك فحكمه حكم الناسي، فإن أمكن له الرجوع الى الميقات يرجع و الا فيحرم من موضعه، و ليس كالعامد للترك لعدم وجوب الإحرام عليه. و قيل انه لا خلاف في مساواته للناسي، بل هو أعذر من الناسي و أنسب بالتخفيف.

و نقل عن بعض العامة أنه يحرم من موضعه مطلقا أمكن الرجوع أم لا. لكنه واضح الضعف، لوجوب العود عليه مع التمكن منه و شمول إطلاق ما دل على اعتبار الإحرام من الميقات في صحة المأمور به له أيضا.

(مسألة) إذا زال المانع عن الإحرام من الميقات

فهل يجب

ص: 228

الإحرام من محل زوال العذر أو يجب الرجوع الى الميقات؟ وجهان.

قال المحقق في الشرائع: إذا زال المانع عاد الى الميقات، فان تعذر جدد الإحرام حيث زال، و لو دخل مكة خرج الى الميقات و لو تعذر أحرم من مكة.

و عن المدارك أما وجوب العود الى الميقات مع المكنة، فلا ريب فيه، لتوقف الواجب عليه، و أما الاكتفاء بتجديد الإحرام من محل زوال العذر مع تعذر العود الى الميقات، فلان تأخيره لم يكن محرما، فكان كالناسي، و هو كما سيأتي يحرم من موضع الذكر.

و قال صاحب الجواهر: بل ذكر ذلك غير واحد أيضا مرسلين له إرسال المسلمات.

قال الأستاذ مد ظله: ان كلام الأصحاب قدس سرهم موجه إذا لم نعمل بالروايتين المتقدمتين و لم نعتمد عليهما في حكم المسألة، و الا فكلامهم رضوان اللّه عليهم لا يكون صحيحا لدلالة الروايتين على جواز تأخير الإحرام إلى زوال المانع و لا دليل على وجوب العود الى الميقات، و كذا بناء على ما اختاره ابن إدريس في توجيه كلام الشيخ، و ذلك لما عرفت و تقدم أن المراد من تأخير الإحرام عند الخوف و التقية، و هو ترك التعري و تأخير التجريد عن المخيط لا تأخير النية و التلبية، فان المرض و الخوف و التقية لا يمنع عن عقد القلب و التلبية سرا، فلا حاجة الى العود الى الميقات

ص: 229

و الإحرام منها، بل يظهر صورة الإحرام من موضع زوال العذر، و ليس مقتضى المكاتبة و قاعدة الميسور الا ذلك، أي تأخير صورة الإحرام و التعري و التجريد في الميقات لا العبور منها بدون الإحرام نعم الاحتياط أن يرجع الى الميقات إذا زال المانع ان أمكن، و تجديد الإحرام منه رجاء، و الا فمن موضعه.

و أما قياس المقام بالناسي في جواز الإحرام من محل الذكر، فهو قياس مع الفارق لوجود النص في الناسي دون ما نحن فيه.

هذا حكم المعذور في تأخير الإحرام، و أما الناسي فسيأتي حكمه.

(مسألة): لو نسي الإحرام من الميقات و ذكر بعد ذلك

، يجب عليه الرجوع الى الميقات و الإحرام منه ان أمكن ذلك، و لم ينقل خلاف من أحد، و ان لا يتمكن من العود يحرم من محله.

هذا لا اشكال فيه و لا خلاف، و انما الكلام في أنه إذا لم يتمكن من العود الى الميقات و لكن يتمكن من الرجوع الى مسافة محدودة فهل يجب العود بقدر ما أمكن أو لا يجب؟ فيه وجهان، بل قولان و ذلك لاختلاف فقه الحديث و الفهم من الاخبار، فالمهم نقلها أولا و التأمل التام فيها ثانيا.

عن حماد عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم. قال: قال ابى يخرج الى ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، فان

ص: 230

استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم (1).

و عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى اتى مكة، فخاف ان رجع الى الوقت ان يفوته الحج. فقال: يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك (2).

و عن ابي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه السلام عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال: يخرج من الحرم ثم يهل بالحج (3).

و عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال عليه السلام: ان كان عليها مهلة فترجع الى الوقت فلتحرم منه و ان لم يكن عليها وقت و مهلة فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها (4).

و الرواية و ان وردت في الطمث الا أنه يعلم من مناسبة الحكم و الموضوع أن المناط في وجوب الرجوع الى الميقات أو الخروج


1- الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 2.
3- الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 3.
4- الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 4.

ص: 231

من الحرم بقدر ما لا يفوت الحج ثم الإحرام منه هو الجهل بالحكم أو نسيانه للإحرام من الميقات، و لا خصوصية في الطمث بل الملاك ترك الإحرام لعذر من جهل و نسيان.

و غيرها من الروايات الدالة على وجوب العود الى الميقات ان تمكن منه أو الخروج من الحرم و الإحرام منه.

و أما وجوب الرجوع بقدر ما يتمكن من العود و ان لم يصل الى الميقات، فان استظهرناه من الروايات فهو و الا فإثباته بقاعدة الميسور مشكل.

و قد يستدل لعدم وجوب الرجوع بقدر ما أمكن بالأصل و ظاهر بعض الروايات كما عن المدارك، حيث اقتصر بالإحرام في محل زوال العذر، كما أنه قد يستشهد لوجوب الرجوع بقدر ما أمكن برواية معاوية بن عمار المتقدمة، فإن الظاهر منها كما تقدم عدم الخصوصية للطمث و الجهل و النسيان في ترك الإحرام من الميقات و وجوب الرجوع الى الميقات عند ارتفاع العذر إذا تمكن منه، و الا فيرجع بقدر ما يقدر عليه. و مع عدم التمكن من الرجوع يحرم في محله، فلا بد من الجمع بينهما و بين ما تدل على وجوب الإحرام خارج الحرم ان لم يقدر على الرجوع الى الميقات، بحمل الطائفة الثانية على ما لا يقدر على الرجوع مطلقا، و حمل رواية معاوية بن عمار على من يقدر عليه، أو حملها على الاستحباب. و الأول أولى من الثاني، فلا يترك الرجوع بقدر ما يقدر عليه في جميع فروض

ص: 232

المسألة.

(مسألة): لو ترك الإحرام و أخره من الميقات عمدا

لا يصح إحرامه من غيرها حتى يرجع إليها و يحرم منها، فان رجع و أحرم من الوقت صح حجه، و ان تعذر عليه العود و لم يتمكن من الرجوع فهل حكمه حكم الناسي حتى يجوز الإحرام من محله أو ليس كذلك فوجهان. الظاهر انه ليس له الإحرام من محله إذا لم يتمكن من الرجوع الى الوقت، بل حجه باطل وفاقا للأكثر، بل ربما يظهر عدم الخلاف فيه.

مقتضى القاعدة الأولية بطلان الحج بالإحرام بعد الميقات و لو تعذر الرجوع إليها إذا ترك الإحرام منها عمدا، ضرورة أن الحج مركب من الاجزاء و الشرائط التي يوجب تركها عمدا بطلان المأمور به، و منها الإحرام من المواقيت التي وقتها رسول اللّه «ص» و لا يجزي البدل الاضطراري في المقام، كما يجزى فيمن نسي الإحرام من الوقت، إلا إذا كان في دليل البدل الاضطراري إطلاق يشمل المقام، و يدل على صحة الحج بالإحرام بعد الميقات إذا تعذر الرجوع إليها حتى لمن تركه عمدا فيها.

و بالجملة إطلاق دليل الشرطية و الجزئية يوجب بطلان المأمور به بترك الشرط أو الجزء، الا أن يدل دليل على اجزاء البدل الاضطراري حتى في العامد لترك الجزء أو الشرط، كما ورد في التيمم، فإن الطهارة الترابية تكفي عن الطهارة المائية حتى فيما

ص: 233

إذا ترك الوضوء عمدا و لم يبق من الوقت الا مقدار التيمم و أداء الفريضة.

و أما في المقام فيدل الدليل على اجزاء الإحرام بعد الميقات لمن نسيه في الميقات و تعذر الرجوع إليها أو جهل ذلك، و أما التارك للإحرام عمدا من الميقات إذا لم يتمكن من العود إليها، فلا يدل دليل على اجزاء إحرامه من محله، الا أن يدعى إطلاق في أدلة اجزاء البدل الاضطراري.

قد يستظهر ذلك من رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم. فقال: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذين يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه، فان استطاع أن يخرج من الحرم فليرجع (1). بدعوى الإطلاق في سؤال السائل عن رجل ترك الإحرام الشامل للترك عمدا و نسيانا و جهلا، و جواب الامام «ع» عنه و ترك الاستفصال.

و التحقيق أن دعوى الإطلاق في الصحيحة حتى بالنسبة الى من ترك الإحرام من الميقات عمدا و بلا عذر، ليست بصحيحة، مضافا الى انه قول نادر و غير معمول به عند الأصحاب.

و توضيح ذلك: ان ظهور إطلاق صحيحة الحلبي في تقييد الأدلة العامة الدالة على اشتراط الحج بالإحرام من الميقات بغير


1- الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 234

صورة تعذر الرجوع الى الميقات، و لو كان بسوء اختياره و تركه الإحرام منها عمدا ليس بحيث يقاوم ظهور الأدلة العامة في اشتراط الحج بالإحرام من الميقات، و عدم كفاية الإحرام بعدها، و ان من تمام الحج و العمرة الإحرام من مواقيت وقتها رسول اللّه «ص» المقطوع شمولها لتارك الإحرام منها عمدا، خصوصا بعد تقييدها في الأدلة لغير الجاهل بالحكم و الناسي، ضرورة أن لازم دعوى الإطلاق في الصحيحة و القول بكفاية الإحرام بعد الميقات مطلقا، إذا تعذر الرجوع إليها حتى بالنسبة الى من تركها عمدا، ثم تعذر الرجوع إليه، لغوية شرطية الإحرام للحج من الميقات و عدم بقاء المورد للأدلة العامة.

فعلى هذا لا مناص من حمل الصحيحة على غير التارك للإحرام عمدا، و الحكم بأن من ترك الإحرام عمدا في الميقات يبطل حجه و لو تعذر الرجوع إليها لضيق الوقت أو لغيره، فما عن بعض و عن إطلاق عبارة المبسوط من القول بصحة الإحرام من محله مما لا يساعده الدليل بل يعارضه و يعانده.

و بالجملة ان في المقام إطلاقين: إطلاق الدليل العام الدال على أن من تمام الحج و العمرة الإحرام من المواقيت الشامل لتاركه عمدا و سهوا و جهلا، و إطلاق المخصص الدال على كفاية الإحرام بعد الميقات إذا تعذر الرجوع إليها سواء تركه منها عمدا أو سهوا أو جهلا، فيدور الأمر بين تقييد إطلاق الدليل العام في وجوب

ص: 235

الإحرام، بما إذا لم يكن ترك الإحرام من الميقات جهلا و سهوا، و الا فيكفي من مكانه إذا تعذر عليه الرجوع و الحكم ببطلان حج من ترك الإحرام عمدا ثم تعذر عليه الرجوع الى الميقات، و بين ان يقيد إطلاق المخصص الدال على كفاية الإحرام من مكانه إذا تعذر الرجوع، سواء ترك الإحرام عمدا أو سهوا أو جهلا بما إذا لم يكن تاركا للإحرام من الميقات عن عمد.

و القاعدة و ان كانت تقتضي تقديم إطلاق المخصص و رفع اليد عن إطلاق العام و تقييده به، الا أن لإطلاق الأدلة العامة في المقام خصوصية لا يمكن تقييدها، و هي الإباء عن التخصيص و التقييد، فان قوله عليه السلام «ان من تمام الحج و العمرة الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللّه و لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها» (1) آب عن التخصيص، سيما بعد تخصيصه بما ورد في الناسي و الجاهل، فيشكل دعوى الإطلاق في صحيحة الحلبي و الحكم بوجوب الإحرام و صحته من مكانه إذا تعذر الرجوع حتى فيمن ترك الإحرام من الميقات عمدا و هو يريد النسك، خلافا لجماعة من المتأخرين، و يحتمله إطلاق عبارة المبسوط و المصباح أيضا.

لكن مقتضى الاحتياط في المقام أن يجمع بين الحج في هذه السنةبأن يحرم من خارج الحرم أو مما يمكن الإحرام منه و يأتي


1- الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 236

بالمناسك كلهاو الحج في السنة القابلة بالإحرام من الميقات و أداء جميع النسك.

و كذا الحكم فيما إذا ترك الإحرام من الميقات لعذر و مانع، و ارتفع العذر و تمكن من الرجوع الى الميقات و لكنه ترك الرجوع اليه و الإحرام منه، فأحرم من محل زوال العذر حتى ضاق الوقت و تعذر الرجوع، فإنه يجب الاحتياط عليه بالجمع بين حج هذه السنة و الحج من قابل كما تقدم.

هذا إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر، و أما لو كان ميقات فهل يجب عليه الرجوع الى ميقات أهله أيضا، أو يكفي الإحرام من الميقات الذي على طريقه، أو غيره من المواقيت؟

ذهب جمع إلى الأول، مستدلين بأن لكل بلد ميقات، و بالروايات الواردة في الناسي الدالة على وجوب عوده الى ميقات أهله.

و أجيب عنه بأن ذلك انما يصح لو قلنا ان ميقات أهل كل بلد مختص بهم، و هم يختصون به، و ليس كذلك بل المواقيت كلها ميقات لأهل أرضه و كل من يمر به، و أما الروايات الدالة على وجوب الرجوع الى ميقات أهله فهي منصرفة إلى مورد لم يكن في طريقه ميقات آخر.

و قد يستدل له بالروايات الواردة في جواز الإحرام من الجحفة فيمن لم يحرم من الشجرة و كان به علة أو عذر، فعن الحلبي قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟

ص: 237

فقال: من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلا محرما (1).

فان الظاهر من تلك الروايات أن من جاوز ميقاتا من المواقيت و لم يحرم منه لعذر، يصح له الإحرام من ميقات آخر يقع في طريقه و لا يجب عليه الرجوع الى ميقات أهله إذا كان التأخير رخصة لا عزيمة.

ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من الأحكام المترتبة على ترك الإحرام من الميقات بين الحج و العمرة و التمتع و الافراد و القران، غاية الأمران ميقات حج التمتع بطن مكة.

قد يقال: ان بطلان العمرة بترك الإحرام من الميقات عمدا انما هو إذا كانت متعة للحج، و أما إذا كانت مفردة فلا تبطل بترك الإحرام لها من ميقات مر بها، بل يكفي الإحرام لها من أدنى الحل و ان أمكن الرجوع الى ميقات أهله فإنه ميقات اختياري للعمرة المفردة على الأصح.

و ظاهر عبارة الشرائع بطلان الإحرام من غير الميقات و لو للعمرة المفردة إذا تركه من الميقات عمدا، و صرح به بعض الأصحاب، و قيل يحرم تأخير الإحرام عن الميقات عمدا و يأثم به إذا كانت العمرة مفردة، و أما بطلانها و عدم جواز الإحرام لها من غيرها فلا يستفاد من الأدلة.

و قال في الجواهر: يمكن صرف ظاهر عبارة الشرائع و غيره


1- الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 3.

ص: 238

إليه أيضا.

(فروع)

(الأول) لو كان شاكا في وجوب الإحرام من الميقات و عدمه

و ترك الإحرام منها ثم علم به فحكمه حكم الناسي و الجاهل لا العامد، فإن أمكنه الرجوع الى ميقات أهل أرضه يرجع و يحرم منها، و الا فيرجع بما يقدر عليه، و ان لم يتمكن من الرجوع أصلا فيحرم من مكانه.

لصحيحة معاوية بن عمار الواردة في امرأة طمثت و كانت مع قوم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا، فتركوها حتى دخلت الحرم. قد تقدمت الرواية بطولها فليراجع (1).

(الثاني) لو أخر الإحرام من الميقات عمدا و كان مستطيعا للحج

و لم يتمكن من العود الى الميقات و الإحرام منها فحجة باطل، و يجب عليه أن يأتي بحجة في القابل، و أما إذا لم يكن مستطيعا للحج أو أتى بحجة الواجب من قبل، فهل يجب عليه في العام القابل الحج أم لا بل اثم بترك الإحرام فقط؟ وجهان، فعن الشهيد في المسالك ان من دخل الحرم وجب أن يحرم إلا في موارد، فلو ترك عمدا يجب عليه أن يقضى، و خالفه جماعة من العلماء بعدم الدليل على ذلك، و هو المطابق للقواعد و المساعد للدليل.


1- الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 4.

ص: 239

(الثالث) لو نسي الإحرام و لم يذكره حتى أكمل المناسك كلها

و طاف و سعى، قيل يقضي حجه، و هو المحكي عن ابن إدريس و قيل يجزيه، و هو المنسوب إلى الأصحاب و ادعي عليه الشهرة العظيمة و المروي أيضا.

عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل، و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى. قال: تجزيه نيته، إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه و ان لم يهل (1).

فهل مورد السؤال في الرواية نسيان التلبية أو لبس الثوبين بقرينة قوله «لم يهل» بناء على أن الإهلال انما هو بالتلبية، أو نسيان أصل الإحرام كما هو الظاهر من نسيان الإحرام.

و الظاهر أن ظهور قوله «نسي أن يحرم» في نسيان أصل الإحرام ليس بأقوى من ظهور قوله «ان كان قد نوى ذلك» في نسيان التلبية و لبس الثوبين، خصوصا بعد إلحاق الجهل بالنسيان في الحكم، لعدم تمشي النية مع الجهل، فعلى هذا فالمراد من النية أما العزم السابق على الإحرام كما عن الشيخ في النهاية، أو نية جميع اجزاء الحج كما عن بعض الأصحاب لئلا يكون عامدا للترك.

و عن ابن إدريس ما ملخصه: ان الأعمال بالنيات، و هذا عمل بلا نية، فيبطل لعدم القصد حين العمل، و ليس من دأبه العمل


1- الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 1.

ص: 240

بخبر الواحد.

أما قول الشيخ فهو صحيح على مبناه من كفاية الداعي أو العزم السابق و لا يصدق الترك عمدا، و لكن لا يناسبه عطف الجهل على النسيان، لعدم تحقق العزم و الداعي من الجاهل بالحكم، و لعل الشيخ فرض المسألة في الناسي بناء على أن المراد من قوله «نوى ذلك» نية جميع أجزائه الحج كما في الجواهر، فتحقق حينئذ العزم السابق و الداعي في الجاهل أيضا.

و أما حمل النية في قوله «نوى ذلك» على النية الفعلية عند الميقات قبل الإحرام فلا يناسب النسيان، إذ لا يتحقق النسيان مع النية فعلا في الميقات قبل الإحرام.

(الرابع) لو ترك الإحرام و نسي و لم يتذكر إلا في أثناء الأعمال

فهل حكمه حكم من تذكر بعد الفراغ عنها أم لا. يمكن الفرق بينهما بما ورد في المرسلة من التقييد بقوله عليه السلام «و قد شهد المناسك كلها» و قوله «و قد تم حجة»، إذ الظاهر أن الحكم متوجه الى من فرغ عن الأعمال كلها.

(الخامس) بناء على اعتبار تمامية الحج و الفراغ عن المناسك كلها في الحكم بالصحة إذا ترك الإحرام نسيانا

، فلو تذكر بعد إتمام مناسك الحج و قبل طواف النساء فهل يحكم بالصحة لتمامية المناسك و أعمال الحج و ان لم تحل له النساء، أو يحكم بالبطلان لعدم الفراغ عن جميع الأعمال التي يؤتى بها في الحج و طواف النساء أيضا

ص: 241

من جملتها؟ وجهان، بل قولان.

يمكن الاستدلال للأول بقوله عليه السلام «فقد تم حجة»، إذ لا دخل لطواف النساء في تمامية الحج، بل هو واجب مستقل آخر لحلية النساء.

و لكنه أيضا مشكل، و مقتضى القاعدة البطلان، فان الحج بجميع أجزائه و شرائطه من الإحرام و غيره الى أن يحل للمحرم جميع ما حرمه على نفسه بالإحرام له، عمل واحد.

ص: 242

المقصد الثالث (في أفعال الحج و مناسكه)

(منها) الإحرام.

اشارة

و لا بد قبل البحث في الأحكام المتعلقة به من بيان حقيقة الإحرام و هو لغة جعل الشي ء حراما على النفس، و أما اصطلاحا فالظاهر أن المقصود منه تحريم المحرمات على النفس بمعنى جعلها حراما على نفسه، بتوطين النفس و الالتزام على تركها، أو تشريع التحريم على نفسه، كما في قوله تعالى إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ، فيتعلق عليه الحرمة حينئذ شرعا. نظير النذر لترك الشي ء الذي يجب على الناذر تركه بالتزامه له بالنذر، فيكون تحريمه على نفسه التزاما موضوعا للتحريم شرعا، كما هو الظاهر من قول الصادق عليه السلام فيما رواه معاوية بن عمار عنه في كيفية الإحرام حيث قال «ع»:

و تقول «أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخي

ص: 243

و عصبي من النساء و الثياب و الطيب» (1).

و مثله ما رواه ابن سنان و أبو بصير عن الصادق عليه السلام (2).

و الحاصل ان التأمل في الروايات المتعرضة لكيفية الإحرام، يوجب ظنا قويا بأن حقيقة الإحرام هو تحريم المحرمات على النفس بناء، أي اعتبار تحريم المحرمات عليها.

و لعل هذا هو المراد من قول السيد في العروة في المسألة(26) من أحكام المواقيت: بل هو البناء على تحريمها على نفسه انتهى.

فان البناء على تحريم شي ء على النفس ليس الا التحريم البنائي الاعتباري.

و ما ذكرناه هو الظاهر من الصدوق في المقنع و المفيد في المقنعة و الشيخ في النهاية و المراسم، حيث ذكروا في بيان التلفظ بالنية ما ذكر في تلك الروايات «أحرم لك شعري» إلخ، و الظاهر أنه يعتبر عندهم التلفظ بما ذكر في نية الإحرام.

و أوضح العبارات في المقام فيما اخترناه من معنى الإحرام عبارة الغنية حيث تعدى فيها عما ذكر في الروايات إلى سائر المحرمات و قال بعد ما اعتبر تعيين نوع الحج و العمرة: يقول المحرم «أحرم لك لحمي و دمي و شعري و بشري عن النساء و الطيب و الصيد و كل محرم على المحرمين، ابتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة» انتهى.


1- الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 52 من أبواب الإحرام الحديث 2.

ص: 244

إذ الظاهر من ذكر هذا الدعاء أن الإحرام عنده عبارة عن تحريم المحرمات على نفسه قربة الى اللّه تعالى، تلفظ به أو نوى ذلك من دون التلفظ.

و في كشف الغطاء: ان حقيقة الإحرام عبارة عن حالة تمنع عن فعل شي ء من المحرمات المعلومة، و لعل حقيقة الصوم أيضا كذلك فهما عبارة عن المحبوسية عن الأمور المعلومة، فيكونان غير القصد و الكف و الترك و التوطين، فلا يدخلان في الأفعال و لا الاعدام، بل هما حالتان متفرعتان عليهما، و لا يجب على المكلفين من العلماء فضلا عن العوام الاهتداء إلى معرفة الحقيقة، و إلا لزم بطلان عبادة أكثر العلماء و جميع العوام انتهى.

و الظاهر أن مقصوده من الحالة التي تمنع عن المحرمات، الحالة النفسانية التي تتولد منها التروك المذكورة، نظير ملكة العدالة، و تلك الحالة تحدث في النفس بعد العزم و التوطين على ترك المحرمات، و كذا تحدث بعد البناء على تحريم المحرمات على النفس أحيانا.

و لكن ما هو الظاهر من كلمات العلماء و كذا من الاخبار أن الإحرام فعل من أفعال الحج، و يجب على المكلف إيجاده في الخارج، لا أنه حالة نفسانية يجب عليه الاتصاف بها. و أما ما ذكره من أنه لا يجب على المكلفين الاهتداء إلى معرفة الحقيقة، ففيه أيضا انه كيف يجب على المكلف ما لا يتصوره و لا يعلمه و لو إجمالا

ص: 245

و كيف يقصده و يأتي به.

و في المستند: لا نسلم أن الإحرام غير التلبس بأحد النسكين و الشروع فيه مطلقا أو بما يحرم محظورات الحج و العمرة من اجزائهما، فهو لفظ معناه أحد الأمرين، لا انه أمر آخر و جزء مأمور به بنفسه من حيث هوانتهى.

و مراده بما تحرم محظورات الحج و العمرة من أجزائهما، اما خصوص التلبية أو مع لبس الثوبين، أو هما مع نية الحج أو العمرة و لكنه خلاف ما يترائى و يستظهر من قوله عليه السلام فيما رواه أبو المعزا عن ابى عبد اللّه عليه السلام: ان اللّه جعل الإحرام مكان القربان (1). و ما رواه الصدوق مرسلا عن النبي «ص» و الأئمة عليهم السلام: انه وجب الإحرام لعلة الحرم (2).

و عن ابى عبد اللّه عليه السلام على ما في العلل: حرم المسجد لعلة الكعبة و حرم الحرم لعلة المسجد و وجب الإحرام لعلة الحرم (3).

فان الظاهر منها أن الإحرام غير مجرد الدخول و الشروع في الحج، و ان كان جزأ منه و انه عنوان إنشائي يتحقق بالمجموع من لبس الثوبين و النية و التلبية، أو يتحقق بالتلبية بعدهما، و يساعده العرف أيضا، فإن المحرمية عند الناس شي ء يعتبره العقلاء، و قد خاطبهم اللّه بقوله «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» و قوله «غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» و قوله «حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً».


1- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 3.
3- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 5.

ص: 246

فيعلم من مخاطبتهم أن عنوان المحرم عندهم انما كان معلوما بينهم و مرتكزا في أذهانهم، و أما كونه حالة نفسانية أو عبارة عن نفس التروك أو العزم عليها أو التوطين للترك، خلاف ما هو الظاهر عندهم و المعروف بينهم.

و بالجملة الأظهر أن الإحرام أمر إنشائي يوجده المحرم بتحريم المحرمات على نفسه و ان كان لا يؤثر في التحريم قبل التلبية، كما هو المستفاد من المحقق في الشرائع حيث قال في بيان كيفية الحج:

فصورته أن يحرم من الميقات للعمرةالى ان قال ثم ينشئ إحراما آخر للحج من مكة. الظاهر في أن الإحرام أمر إنشائي، و قد عبر بمثل ذلك في التحرير و السرائر.

و قال بعض الأعاظم في تعليقته على العروة: ان الإحرام من العناوين القصدية لا يمكن تحققه بدون القصد اليه.

و لا ينافي ما ذكرناه قولهم في كيفية الإحرام: ان واجباته ثلاثة النية و لبس الثوبين و التلبية، و كذا قولهم: ان الإحرام مركب من النية و لبس الثوبين و التلبية أو الاشعار و التقليد، فان وجوب تلك الأمور في الإحرام لا يلازم كونه عبارة عن تلك الأمور لا غيرها بل يدل على أن الإحرام بأي معنى كان لا يصح بدونها.

و أما كونه مركبا من الأمور المتقدمة فمعناه أنه لا يحكم شرعا بتحريم المحرمات الا بعد الأمور المذكورة من النية و لبس الثوبين و التلبية أو الاشعار و التقليد، و لا يكفي مجرد إنشاء التحريم من

ص: 247

المحرم، بل يحتاج في ترتب الأثر على إنشائه شرعا إلى التلبية أو الإشعار.

هذا ما هو المحقق في معنى الإحرام، و أما ما هو الواجب فيه و المندوب و المكروه فيأتي في ضمن

مسائل

(المسألة الأولى): يستحب الغسل قبل الإحرام

كما هو المشهور بل ادعي الإجماع عليه، بل لم يعرف الخلاف الا من ابن عقيل الذي قال بوجوبه، و لكن لا يعتنى بخلافه.

و تدل عليه النصوص الكثيرة المتواترة، و أصل الحكم مما لا كلام فيه و انما هو فيما إذا لم يجد الماء فهل يجوز التيمم أم لا، قد يقال بالجواز كما عن الشيخ في محكي المبسوط و ابن البراج و لعل نظره الى ما ورد من أن رب الماء و رب التراب واحد يكفيك عشر سنين، إذ يقتضي إطلاقه أن التراب يقوم مقام الماء في كل ما يشترط فيه الطهارة.

لكن الظاهر من الأدلة الواردة في المقام أن الغسل قبل الإحرام انما هو للنظافة و ازالة الخبث و الدرن من الجسد و تحصيل النشاط و لو لم يكن المحرم محدثا بحدث أصغر أو أكبر بل كان متطهرا فتشريع التيمم عند عدم وجدان الماء لا يشمل المورد، بل هو مخالف للنظافة أيضا، بل شرع الغسل أيضا للحائض التي لا مورد للتيمم فيها.

مضافا الى أن الآية الكريمة الدالة على تشريع التيمم، انما

ص: 248

وردت فيما يكون المكلف محدثا بأحد الحدثين و لم يجد ماء لرفع الحدث، فحينئذ يشرع له التيمم بدلا عن الطهارة المائية لأداء ما عليه من التكليف المشروط فيه الطهارة، و اما كونه بدلا عن كل غسل مشروع و لو لم يكن واجبا بل كان لإيجاد النظافة كما في المقام فلا يستفاد من الآيةكما هو واضح لمن تأمل في قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً 4: 43 (1) و كذا في الاخبار الواردة في المقام (2).

و بالجملة أدلة تشريع التيمم بدلا عن الطهارة المائية عند عدم وجدان الماء يشكل شمولها للمورد، خصوصا مع العلم بحكمة تشريع الغسل قبل الإحرام. نعم لا مانع من التيمم رجاء أو تقديم الغسل على الميقات إذا خاف عدم وجدان الماء فيها كما يأتي.

(المسألة الثانية) يجوز تقديم الغسل على الميقات إذا خاف عدم وجدان الماء فيها

، و ادعي عليه الإجماع و عدم الخلاف كما عن المدارك و الذخيرة.

و يدل عليه صحيح هشام بن سالم قال: أرسلنا الى ابى عبد اللّه عليه السلام و نحن جماعة و نحن بالمدينة انا نريد أن نودعك. فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف ان يعز الماء عليكم بذي الحليفة


1- سورة النساء الآية 43.
2- و عن التذكرة ان هذا الغسل غسل مشروع ينوب عنه التيمم كالواجب.

ص: 249

فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى أو مثاني (1).

(المسألة الثالثة) لو أكل المحرم ما لا يجوز أكله أو لبس ما لا يجوز لبسه بعد الغسل قبل الإحرام

أعاده استحبابا، كما في رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اغتسل للإحرام، ثم لبس قميصا قبل أن يحرم. قال: قد انتقض غسله (2).

و رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا لبست ثوبا لا ينبغي لك لبسه أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل (3).

(المسألة الرابعة): يجزي غسل أول الليل لليلته و أول النهار ليومه

، كما في رواية هشام بن الحكم عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: غسل يومك ليومك و غسل ليلتك ليلتك (4).

و عن سماعة بن مهران عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من اغتسل قبل طلوع الفجر و قد استحم قبل ذلك ثم أحرم من يومه اجزاؤه غسله (5).


1- الوسائل ج 9 الباب 8 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 11 من أبواب الإحرام الحديث 1.
3- الوسائل ج 9 الباب 12 من أبواب الإحرام الحديث 1.
4- الوسائل ج 9 الباب 9 من أبواب الإحرام الحديث 2.
5- المصدر الباب 9 من أبواب الإحرام الحديث 5.

ص: 250

(المسألة الخامسة): لو أحرم قبل الغسل أو الصلاة ثم ذكره

يتدارك ما تركه من الغسل و الصلاة و يعيد الإحرام استحبابا كما في الصلاة المعادة، و كما فيمن نسي الأذان و الإقامة و دخل في الصلاة، فإنه يستحب له قطع الصلاة ما لم يركع و إعادتها بالأذان و مثله الوضوء بعد الوضوء.

و أجاب في المختلف عن ذلك بالفرق بين الموضعين بقبول الصلاة الإبطال، دون الإحرام فلا يمكن إعادته. و يمكن أن يقال:

انه إذا كان الإحرام عبارة عن حالة مخصوصة و أمر معنوي يحصل بالافعال المأتي بها حين الإحرام من لبس الثوبين و التلبية فلا يمكن إعادته و لا إبطاله، فإنه لا يبطل و لا يزول الا بما جعله الشارع موجبا للإحلال و مزيلا لذلك الأمر المعنوي الحاصل بالأفعال المخصوصة في وقت معين، فلا معنى لاستحباب الإعادة، بل لا يتصور أصلا. الا أن يقال: ان الإحرام عبارة عن نفس تلك الأفعال من لبس الثوبين و التلبية و الغسل و الصلاة، فعلى هذا لا مانع من إعادة الإحرام بتكرار الأعمال السابقة، و يصح قياسه بالصلاة المعادة أيضا و يصح إعادته، و يكون تبديل الامتثال بامتثال آخر، بل يمكن القول بصحة إعادة الإحرام بناء على كونه أمرا معنويا حاصلا من الأفعال أيضا بعد دلالة الدليل عليه، كما في إعادة الوضوء بعد الوضوء، إذ لا إشكال في أن الوضوء أمر معنوي يحصل من الأفعال الخارجية من المسحتين و الغسلتين يعبر عنه بالطهارة، و هي باقية

ص: 251

بعد تحققها الى أن يزيلها مزيل و يبطلها مبطل، و لا يمكن إعادتها لكونه تحصيل الحاصل.

و مع ذلك وردت روايات في استحباب إعادته و أن الوضوء على الوضوء نور على نور، فكذلك الإحرام بعد الإحرام، فإنه بعد دلالة الدليل على استحباب إعادته بالغسل و الصلاة، يستكشف اشتداد الأمر المعنوي الحاصل بالإحرام السابق، بإعادته ثانيا، و يكون نورا على نور و ضياء فوق ضياء.

عن الحسن بن سعيد قال: كتبت الى العبد الصالح ابى الحسن عليه السلام: رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما، ما عليه في ذلك و كيف ينبغي له ان يصنع؟ فكتب: يعيده (1).

و حمل الرواية على الندب بقرينة قوله «كيف ينبغي له أن يصنع»، هو المفروغ عنه بين الأصحاب أيضا.

و من مندوبات الإحرام أن يقع بعد الصلاة فريضة كانت أو نافلة.

قال المحقق في الشرائع يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها، و ان لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات، و أوسطه أربع ركعات، و أقله ركعتان انتهى.

يظهر من النصوص الواردة في الباب أن وقوع الإحرام بعد الصلاة واجب لا انه ندب، و اختاره الإسكافي.


1- الوسائل ج 9 الباب 20 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 252

و استشكل بأن الأصل يقتضي البراءة من الوجوب، و لكنه غير وارد، إذا لا مورد للأصل بعد ظهور الاخبار في الوجوب لانه دليل حيث لا دليل، و كذا لو قلنا ان الإحرام أمر معنوي و حالة خاصة متحصلة للمحرم بإتيان الأفعال المحصلة له، فإذا شك في اعتبار شي ء و اشتراطه في الإحرام و حصول هذا الأمر المعنوي، يكون شكا في المحصل، و القاعدة في ذلك المورد و أشباهه تقتضي الاشتغال و الإتيان بالمشكوك لا البراءة منه، فالتمسك بالبراءة في المقام غير تام.

و ما هو المهم في الجواب عن القائل بوجوب إيقاع الإحرام بعد الصلاة كالاسكافي و غيره، ان النصوص الواردة في المسألة- و ان كانت ظاهرة في الوجوب و انه يشترط ان يقع الإحرام بعد الصلاةالا أن الأصحاب عدا من عرف حسبه و نسبه أجمعوا على أنه غير واجب، بل هو مستحب و مندوب. و هذا الاتفاق مع كون تلك الأخبار بمرأى و مسمع منهم و بين أيديهم تراها أعينهم و تسمعها آذانهم، يوجب الضعف فيها و ان كانت صحيحة، بل كلما ازدادت صحة و قوة ازدادت ضعفا، لإعراض الجهابذة من الفقهاء عنها، و عدم الإفتاء بظاهرها. و على كل حال ينبغي التعرض لذكر الاخبار و التفقه فيها:

عن الصادق عليه السلام: خمس صلوات لا تترك على حال

ص: 253

إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم الخبر (1).

و في صحيحته الأخر عنه عليه السلام: لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و ان كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرهما (2).

و في رواية أخرى له أيضا عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة (3).

و رواية أبي الصباح الكناني قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أ رأيت لو أن رجلا أحرم في دبر صلاة مكتوبة أ كان يجزيه ذلك. قال: نعم (4).

و رواية عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

و اعلم أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار (5).

و رواية إدريس بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال:

يقيم الى المغرب. قلت: فان ابى جماله أن يقم عليه. قال: ليس له أن يخالف السنة. قلت: إله أن يتطوع؟ قال: لا بأس به و لكني أكرهه للشهرة و تأخير ذلك أحب الي. قلت: كم أصلي إذا تطوعت؟


1- الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الإحرام الحديث 1- 5.
3- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 1.
4- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 2.
5- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 3.

ص: 254

قال: أربع ركعات (1).

و رواية ابن فضال عن ابى الحسن عليه السلام في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة.

قال: لا ينتظر حتى تكون الساعة التي يصلي فيها، و انما قال ذلك مخافة الشهرة (2).

و الجملة الأخيرة يمكن أن تكون كلام ابن فضال و يمكن كونها من الصدوق، و دلالة هذه الرواية على عدم الوجوب أظهر كما لا يخفى.

و عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: تصلى للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها (3).

و عن صفوان عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرها (4).

فهذه جملة من الاخبار الواردة في المقام، و تجد غيرها في أبواب متفرقة. و هي كما ترى تدل على وجوب إيقاع الإحرام بعد الصلاة فريضة كانت أو نافلة.


1- الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الإحرام الحديث 4.
3- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 4.
4- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 5.

ص: 255

قد يقال: انها لا تدل على الوجوب لاختلاف المضامين فيها ففي بعضها «يصلي ست ركعات» و في أخرى «ركعتين» و في ثالثة «بعد الفريضة»، و هذه الاختلافات شاهدة على عدم اعتبار الصلاة في الإحرام. لكن الاشكال غير وارد، فإنها و ان كانت مختلفة المضامين من جهة الفريضة و النافلة و عدد الركعات، الا أن الجميع متفق في اعتبار وقوع الإحرام بعد الصلاة و لا اختلاف فيه، و انما الاختلاف في كيفية هذه الصلاة و كميتها، فأصل الصلاة معتبر في الإحرام و لا شبهة فيه و لا اشكال، و لا يضره الاختلاف في الكمية و الكيفية فريضة كانت أو نافلة ست ركعات أو أقل منها.

إنما الإشكال في أن العلماء و الفقهاء لم يفتوا بالوجوب عدا الإسكافي المعلوم حاله، فعلى هذا تكون تلك الاخبار معرضا عنها من جهة الدلالة على الوجوب أو جهة الصدور.

و قد يقال: انه كيف يتصور أن تكون النافلة شرطا لواجب.

و فيه: انه لا مانع من أن يكون الأمر المندوب شرطا لواجب لو لا كونه شرطا لكان نفلا و ندبا، و أما نظرا الى كونه شرطا يكون واجبا من جهة الشرطية للغير، كما إذا قيل الوضوء بالماء البارد أفضل، فإن هذا الفرد من الماء مع كونه أفضل الافراد و مندوبا يقع شرطا لواجب و لا حذر في ذلك.

ثم ان المقصود من كلام المحقق «يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها و ان لم يتفق يصلي للإحرام ست ركعات» أن يقع

ص: 256

الإحرام بعد الفريضة من دون أن يأتي بنافلة الإحرام، أو أن المراد أن يأتي المحرم بست ركعات أو أربع أو ركعتين للإحرام ثم يصلي الفريضة و يحرم بعدها. وجهان.

و قد اتفق أكثر عبارات الأصحاب أن كلامه قاصر عن افادة المراد، قال في المسالك: المقصود انه يصلي ست ركعات للإحرام ثم يصلي الظهر و يحرم في دبرها. و أورد عليه في المدارك و قال:

لا وجه لحمل كلام المصنف على ذلك. و شدد على من قال بقصور العبارة عن تأدية المراد، و اختار نفسه سقوط نافلة الإحرام إذا اتفق وقت الفريضة و حمل عبارة المحقق أيضا على ذلك و نقل الجواهر عن محكي المبسوط و النهاية عدم سقوط النافلة للإحرام، بل يقدمها على الفريضة ثم يصلي الفريضة و يحرم دبرها. و هو أيضا مختاره، بل ادعى صراحة العبارة في ذلك.

و ذيل عبارة المحقق يدل على أن نافلة الإحرام لا يسقط إذا اتفق وقت الفريضة بل يقدم على الفريضة ست ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين ثم يأتي بالفريضة و يحرم دبرها، لا أن النافلة تسقط.

و يدل على ما ذكرناه قول الصادق عليه السلام في حديث معاوية بن عمار: خمس صلوات لا تترك على حال إذا طفت بالبيت و إذا أردت أن تحرم الخبر (1).


1- الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 257

و الحاصل انه وقع الخلاف بين الاعلام في أن نافلة الإحرام إذا اتفق وقت الفريضة هل يسقط أم لا؟ قيل يسقط كما اختاره المسالك و اختار جماعة عدم السقوط كما هو المحكي عن المبسوط و المقنعة و التذكرة و النهاية، و اختاره صاحب المدارك و الجواهر.

وفد يستدل للقول الثاني بالروايات الخاصة و أخرى بالعمومات:

أما الأولى مثل ما في الفقه المنسوب الى ابى الحسن الرضا عليه السلام قال: فان كان وقت صلاة فريضة فصل هذه الركعات قبل الفريضة ثم صل الفريضة. و روي أن أفضل ما يحرم الإنسان في دبر صلاة الفريضة ثم أحرم في دبرها ليكون أفضل (1).

و هذا كما ترى صريح في لزوم الإتيان بالنوافل قبل الفريضة، و ان نافلة الإحرام لا تسقط إذا اتفقت وقت الفريضة، بل يأتي بها قبلها ثم يأتي بالفريضة و يحرم دبرها ليكون أفضل. و لكن الإشكال في أن فقه الرضا وحده لا يكون دليلا و حجة، و ان قال صاحب الحدائق كثيرا ما يعتمد العلماء عند ما لم يجدوا نصا على فقه الرضا عليه السلام.

و أما الثانية فمنها صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام: خمس صلوات لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم (2).


1- المستدرك الباب 13 من أبواب الإحرام الحديث 2.
2- الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 258

و هي بإطلاقها تدل على مشروعية نافلة الإحرام، سواء وافقت وقت الفريضة أو لم تكن في وقتها.

و منها صحيحة أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام: خمس صلوات تصليها في كل حال، منها صلاة الإحرام (1).

و منها صحيح عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و اعلم أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار (2).

و منها ما تقدم من رواية محمد بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و ان كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرهما (3).

الظاهر من الرواية أنه لو اتفق الإحرام وقت الفريضة يحرم عقيبها، و تدل بضميمة الأخبار المتقدمة الدالة على أن نافلة الإحرام لا تسقط على حال، على أن النافلة التي شرعت للإحرام يؤتى بها قبل الفريضة ثم يصلى المكتوبة و يحرم دبرها.

و يشعر بما ذكرناه قول الصادق عليه السلام في رواية معاوية ابن عمار: إذا أردت الإحرام في غير وقت الفريضة فصل ركعتين


1- المصدر ج 9 الباب 19 من أبواب الإحرام الحديث 2.
2- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 3.
3- الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 259

ثم أحرم في دبرها (1).

و المفهوم من الرواية أن الإحرام بعد الركعتين انما هو إذا وقع في غير وقت الفريضة، و أما إذا اتفق وقت الفريضة فيأتي بالركعتين ثم بالفريضة و يوقع الإحرام بعدها.

و لا يعارض ما اخترناه صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و ان كانت نافلة صليت ركعتين (2).

بدعوى أن الظاهر منها أن الإحرام لا بد أن يقع بعد المكتوبة أو النافلة، و أما الجمع بينهما خلاف ما هو الظاهر منهما.

و ذلك لان المترائى و المتبادر من الرواية أن الإحرام لا بد من وقوعه بعد الصلاة اما المكتوبة أو النافلة على طريق منع الخلو، و أما الجمع بينهمابأن يصلي النافلة ثم المكتوبة و يوقع الإحرام- فلا يستفاد منها منعه و عدم جوازه إذا اتفق وقت الفريضة، و لا تعارض الأخبار المتقدمة الدالة على أن نافلة الإحرام لا تسقط على حال.

فتحصل من جميع ما ذكرناه أن الإحرام شرع قبله ست ركعات أو أربع أو ركعتان، و لا يسقط على كل حال، غاية الأمر أنه إذا لم يتفق وقت الفريضة يأتي بالنافلة و يحرم دبرها، و أما إذا


1- الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الإحرام الحديث 5.
2- الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 260

صادف وقت الفريضة فالأفضل أن يأتي بالنافلة أو لإثم يصلي الفريضة و يقع الإحرام دبرها ليكون تبعا لها و متصلا بها، فان ذلك أفضل أفراد الإحرام على ما في الروايات.

و استدل صاحب المستند على عدم سقوط النافلة برواية معاوية ابن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا كان يوم التروية إنشاء اللّه تعالى فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك- الخبر (1).

بناء على أن المراد من الركعتين ركعتا الإحرام لا التحية للمسجد، و انه لا فرق بين إحرام العمرة و بين إحرام الحج و لكنه لا يخلو من وجه.

ثم انه لا فرق في وقت الإحرام من جهة الوقت ليلا كان أو نهارا قبل الظهر أو بعده، و ان كان الجميع مشتركا في أن يوقع الإحرام دبر الصلاة الا أنه من جهة الوقت في فسحة و سعة كما في رواية معاوية بن عمار «لا يضرك ليلا أحرمت أو نهارا» (2).

و رواية عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام: و اعلم أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار (3).


1- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 15 من أبواب الإحرام الحديث 4.
3- الوسائل ج 9 الباب 15 من أبواب الإحرام الحديث 2.

ص: 261

و لكن أفضل أوقاته كما قيل الظهر، لان رسول اللّه «ص» إنما أحرم في ذلك الوقت، و التأسي به في كل أمر حسن.

و لكنه كما يظهر من بعض الاخبار أن إحرام الرسول «ص» في ساعة الظهر انما كان لعدم وجدان الماء في غير تلك الساعة و كان هو السبب في التأخير لا غير، فلا يستفاد منه أفضلية وقت الظهر، لأن تأخيره «ص» الإحرام إلى الظهر انما كان لأمر طبيعي عرفي لا لأمر شرعي معنوي عبادي.

عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: سألته أ ليلا أحرم رسول اللّه «ص» أم نهارا؟ قال: نهارا. فقلت: أي ساعة. قال:

صلاة الظهر. فسألته: متى ترى أن نحرم؟ قال: سواء عليكم، إنما أحرم رسول اللّه صلاة الظهر لان الماء كان قليلا كان في رؤوس الجبال فيهجر الرجل الى مثل ذلك من الغد، و لا يكاد يقدرون على الماء، و انما أحدثت هذه المياه حديثا (1).

اللهم أن يقال: ان التأسي بالرسول في كل أمر و لو كان طبيعيا عاديا حسن يحبه أهل بيته و ورثة علمه و حفظة دينه، كما ورد فيما رواه معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في حديث، بين فيه شطرا من آداب الإحرام الى أن قال: و ليكن فراغك من ذلك إنشاء اللّه عند زوال الشمس، و ان لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرك ذلك غير انى أحب أن يكون ذلك عند زوال الشمس (2).


1- الوسائل ج 9 الباب 15 من أبواب الإحرام الحديث 5.
2- الوسائل ج 9 الباب 15 من أبواب الإحرام الحديث 6.

ص: 262

هذا كله في الإحرام من الميقات للعمرة أو الحج، و أما الإحرام للحج من مكة فيظهر من الروايات أن له أن يحرم في كل وقت حتى قبل صلاة الظهر، بل يظهر من بعض النصوص أن الفضل له أن يحرم قبل الظهر و يصلي الفريضة في منى، كما في مرسلة الكليني و رواها الصدوق عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام، و يأتي أيضا في أحكام الحج إنشاء اللّه.

(كيفية نافلة الإحرام)

ثم ان نافلة الإحرام ست ركعات أو أربع، و أقلها ركعتان.

قال المحقق: يقرأ في الأولى الحمد و قل يا ايها الكافرون، و في الثانية الحمد و قل هو اللّه أحد. و فيه رواية أخرى تدل على العكس.

و قال صاحب الجواهر و الحدائق المتبحران في الاخبار: لم نقف فيها الا على خبر معاذ بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: لا يدع أن يقرأ قل هو اللّه أحد و قل يا أيها الكافرون في سبعة مواطن: في الركعتين قبل الفجر، و ركعتي الزوال، و الركعتين بعد المغرب، و ركعتين في أول صلاة الليل، و ركعتي الإحرام و الفجر إذا أصبحت بها، و ركعتي الطواف (1).

و هذه الرواية لا تدل على الترتيب، بل تدل على أن سورتي التوحيد و الجحد ينبغي أن لا يتركا في تلك الصلوات التي فيها ركعتا


1- الوسائل ج 4 الباب 15 من أبواب القراءة الحديث 1.

ص: 263

الإحرام و لا يستفاد الترتيب من ذلك. اللهم الا أن يقال: ان ذكر التوحيد أولا و الجحد ثانيا يشير الى الترتيب بينهما، و هو غير واضح.

و لكن التهذيب بعد ذكر الرواية قال: و في رواية أخرى: يبدأ في كل منها بقل هو اللّه أحد إلا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو اللّه أحد. و أشار إليها أيضا في الجواهر، و ذكرها صاحب الوسائل بعد رواية معاذ بقوله: و في رواية أخرى.

(مسألة) هل الفريضة التي ينبغي أن يوقع الإحرام بعدها يشمل القضاء أو يختص بالأداء. وجهان، الظاهر الثاني، فإن المتبادر من الاخبار أن الإحرام إذا اتفق وقت الفريضة يصليها، و يحرم دبرها، و هذا ظاهر في وقت الأداء و لا يشمل القضاء.

(في مكروهات الإحرام)

و يكره الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد أو بالعصفر و في الثياب الوسخة و في الثياب المعلمة.

و يكره الخضاب للمرأة إذا بقي أثره بعد الإحرام، و نسب ذلك الى ظاهر الأكثر، و قيل انه حرام، و الرواية الواردة في المقام و ان كانت في المرأة الا أن الحكم شامل للرجل أيضا، فيكره الخضاب له قبل الإحرام ان بقي أثره بعده.

ص: 264

عن ابى الصباح الكناني عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم، هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال: ما يعجبني أن تفعل.

و دلالة الرواية على الكراهة واضحة.

ص: 265

في واجبات الإحرام

اشارة

الواجبات في الإحرام ثلاثة:

(الأول) النية
اشارة

، و هي أن يقصد أمورا أربعة: ما يحرم به من حج أو عمرة متقربا الى اللّه تعالى، و نوعه من تمتع و قران و افراد و صفته من وجوب و ندب، و ما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها.

لا اشكال و لا خلاف في وجوب النية، بل الإجماع عليه بقسميه و لا فرق في ذلك بين أن يكون الإحرام إنشاء التحريم على نفسه كما في إيجاب البيع، أو التصميم و العزم على ترك المحرمات، أو يكون أمرا معنويا متحصلا من الأفعال المعتبرة عند الإحرام من لبس الثوبين و التلبية.

فعلى جميع التقادير يحتاج إلى النية عند الإحرام. و لا ينعقد بدونها، خلافا لصاحب المستند حيث قال: ان التروك لا تحتاج إلى النية. و فيه: ان الإحرام أمر عبادي يحتاج الى القصد و التقرب

ص: 266

و ليس أمرا توصليا كتطهير الثوب و غسل اليد الذي لا يحتاج في امتثاله إلى النية و قصد التقرب.

و أما التعيين الذي اعتبرناه في الإحرام من كونه لحج أو عمرة فقد يقال انه لا يحتاج الى التعيين. و لا يشترط ذلك في انعقاد الإحرام بوجوه:

(الأول) ان رسول اللّه «ص» أهل بالحج و لم يعين شيئا، و كان ينتظر الوحي في ذلك و فيه: ان رسول اللّه «ص» أحرم و ساق معه الهدي، و ظاهر ذلك أن إحرامه كان للقران و كان قارنا، و بقي في إحرامه حتى يبلغ الهدي محله.

(الثاني) ان عليا عليه السلام كان في حجة الوداع باليمن و أهل بالحج منه و لم يعين شيئا من العمرة و نوع الحج، و قال: إهلالا كإهلال رسول اللّه «ص».

و فيه: انه لم يثبت أنه عليه السلام لم يكن عالما بإحرام النبي صلى اللّه عليه و آله، بل كان عالما بإحرامه و أهل كاهلا له فالاستدلال به عين المدعى و مصادرة بالمطلوب.

(الثالث) من الوجوه: أن تعيين الحج أو العمرة ليس مما يعتبر بعد نية أصل الإحرام و القصد اليه و ليس شرطا فيه، و لهذا لا يبطل الحج إذا تركه، بل له تجديد نية الحج أو العمرة قبل مضي الوقت و انقضائه، و ليس هو الأمثل الطهارة المعتبرة في الصلاة في القصد

ص: 267

إلى أصل الطهارة و نفسها، و لا يعتبر أن ينوي المشروط بها، بل يكفي القصد إلى أصل الطهارة، و كذا الإحرام يكفي القصد الى نفسه. و لا يشترط في الطهارة أن ينوي الصلاة المشروط بها من صلاة واجب و ندب.

و فيه: ان عدم بطلان الحج بترك التعيين، و جواز تجديده لو فرض صحته، و ان لم نعثر على دليل هذا الدعوى، انما هو لدليل خاص، كما ورد في العدول في موارد خاصة و لا يلزم منه عدم الاحتياج الى التعيين، و أما التنظير بالطهارة المشروطة بها الصلاة فهو في غير محله.

(الرابع) انه يعلم من أخبار العدول من التمتع الى الافراد، أن التعيين ليس شرطا، بل الإحرام أمر مستقل غير مرتبط بالحج أو العمرة، كما في الطهارة المشروطة بها الصلاة التي لا يعتبر فيها بعد نية أصل الطهارة تعيين الظهر أو العصر المشروط بها لانه واجب مستقل في القصد، فكذا الإحرام.

و فيه: ان دليل جواز العدول من نوع الى نوع آخر لا يكون دليلا على عدم اشتراط التعيين، و لا يجعل الإحرام شيئا مستقلا كما ادعاه المستدل، بل هو دليل خاص في مورد خاص، و لا يكون دليلا و حجة لأحد الخصمين.

و قد يتمسك لعدم اشتراط التعيين للحج و العمرة و عدم لزوم ذلك في انعقاد الإحرام و صحته، بإطلاقات الأدلة الدالة على وجوب

ص: 268

الإحرام و لزومه، من دون تقييد بتعيين ما يحرم به، و لو كان التعيين معتبرا و شرطا في صحة الإحرام و انعقاده، لكان المناسب ذكره و الإشارة إليه أيضا.

و فيه: ان الأدلة الواردة في المقام لو لم تدل على جزئيته، و ارتباطه بالحج و العمرة، فلا تدل على كونه مستقلا و واجبا نفسيا لوضوح أنه بعد ما ثبت وجوبه و اشتراط الحج به في ضمن وجوب سائر الأجزاء التي تدل عليه الاخبار يكون كسائر الأجزاء مربوطا بالحج و مرتبطا به و لا يعلم استقلاله لو لم يعلم خلافه، فإطلاق الأدلة لو لم تدل على الجزئية و الارتباط لا تدل على استقلاله.

و استدل أيضا على عدم وجوب التعيين بأصالة البراءة من الوجوب، بدعوى أن وجوب أصل الإحرام معلوم و ثابت، و أما تقييده بالتعيين لما يحرم به فغير ثابت بل مشكوك، فالأصل يقتضي عدمه.

و فيه: ان الأصل لا مورد له في المقام، فان وجوب الإحرام معلوم لا شك فيه حتى يتمسك فيه بالأصل، و ينفى بالبراءة، و انما المشكوك وجوب ارتباطه بما يحرم به، بأن ينوي الحج أو العمرة عند الإحرام. و هذا ليس تكليفا زائدا تعبدا، بل التعيين لو كان واجبا انما يجب بحكم العقل بلزوم ارتباط الاجزاء بالمأمور به بالقصد اليه و تعيينه، إذا أراد الإتيان به، كما في سائر العناوين القصدية.

ص: 269

مثلا: لو أراد تعظيم رجل و قام لا يكون هذا القيام تعظيما له و لا يعنون بعنوان الاحترام الا بالقصد و ربط القيام له. مضافا الى انه بعد تعلق الأمر بالمأمور به المشتمل على أجزاء متعددة مختلفة إذا شك في أن الإتيان بالجزء المعلوم، من دون أن يربطه بالمأمور به و يقيده به، هل يجزي في إسقاط التكليف أم لا؟ تقتضي القاعدة الاشتغال لا البراءة.

و بعبارة أخرى و أوفى: ان الشك في المقام شك في الامتثال و المحصل بعد العلم بتعلق الأمر بالمركب، و الأصل حينئذ الاشتغال لا البراءة، إذ لا مجرى لأصل البراءة في هذا المورد، لعدم تمامية قبح العقاب بلا بيان، فان ما هو الواجب بيانه على الشارع أصل التكليف، و أما كيفية الامتثال للتكليف فليس وظيفته، و انما هو وظيفة حكم العقل.

و لا فرق في ذلك بين القول بكون الإحرام أمرا معنويا متحصلا من الأفعال، و بين كونه إنشاء التحريم أو توطين النفس على ترك المحرمات، لوضوح أنه على كل تقدير يشك في أن المأمور به هل يتحقق و يمتثل أمره إذا لم يعين ما يحرم به أولا يمتثل، بعد العلم بوجوب الإحرام و الشك في لزوم تقييده بما يحرم به، و القاعدة تقتضي الاشتغال، إذ الشك في المقام ليس في أنه نفسي أو غيري، كما لو أمر بنصب السلم و شك في أنه للصعود الى السطح أم لا حتى يقال ان الأمر بالنصب معلوم و أما نصبه للصعود مشكوك و الأصل

ص: 270

عدمه، فكذلك الإحرام معلوم وجوبه، و اما تقييده بما يحرم به و تعيينه مشكوك و الأصل عدمه.

و وجهه: ان وجوب التعيين في المقام من القيود العقلية التي يحكم العقل باعتباره، و لا يمكن نفيه بالبراءة أو إطلاق الأدلة، كما في أخذ قصد القربة في متعلق الأمر، ان قلنا انه بحكم العقل لا بالجعل الثاني، كما ذكر مفصلا في دوران الأمر بين التعبدي و التوصلي.

و بالجملة وجوب تعيين ما يحرم به عند الإحرام لازم، و تدل عليه أيضا الأخبار التي تدل على اعتبار نية التمتع و العمرة، كما في صحيح حماد بن عثمان تقول «اللهم اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج» (1).

و في صحيح عبد اللّه بن سنان: إذا أردت الإحرام و التمتع فقل «اللهم اني أريد ما أمرت من التمتع بالعمرة إلى الحج» (2).

و في رواية أبي الصلاح قال: أردت الإحرام بالمتعة فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام كيف أقول؟ قال: تقول «اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج» (3).

و يظهر من تلك الروايات أن لزوم تعيين ما يحرم به من حج أو عمرة انما كان مفروغا عنه عند العرف، بمعنى انهم لا يرون الحج


1- الوسائل ج 9 الباب 17 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الإحرام الحديث 2.
3- الوسائل ج 9 الباب 17 من أبواب الإحرام الحديث 2.

ص: 271

الا مركبا من إحرام و سائر الأفعال الواجبة فيه، لا بمعنى التعبد بوجوب الإحرام مستقلا، من غير ربط له بما يحرم به.

(في كفاية التعيين الإجمالي)
اشارة

ثم انه بناء على اعتبار التعيين لما يحرم به، لا يجب أن يعين مفصلا بل يكفي التعيين الإجمالي، إما بحصر المأمور به في فرد معين، فيقصد ما هو الواجب عليه، كما لو علم بترك احدى الصلاتين الظهر أو العصر، فيأتي بأربع ركعات ناويا لما في ذمته.

هذا إذا كانت الفريضة مشتركة بين فردين متحدين في جميع العنوان، و أما لو كانت متفاوتة و مختلفةكما في القران و الافراد- فيجب التعيين بالتفصيل، فلو أحرم و لم يعين أحدهما بطل.

هذا، و أما قصد الوجوب و الندب فليس معتبرا، بل يكفي قصد الأمر و انقداح الداعي في النفس، و تحرك العضلات به، و بعث الأمر إلى العمل. فان قصد الوجوب و الندب، فهو مما ذكره المتكلمون في ابحاثهم الكلامية، و أما الفقهاء فلا يعتبرونه بل يقولون بكفاية قصد الأمر، إلا إذا توقف التعيين على قصد الوجوب أو الندب، كما إذا نوى الإتيان بركعتين من دون قصد لفريضة الصبح أو نافلته، فإنهما لا تكونان فريضة الصبح الا بالقصد لها، و كذا لا ينطبق عنوان النافلة عليهما الا بالقصد إياها.

نعم لا يشترط في النية و القصد الاخطار بالبال حين الشروع

ص: 272

و التلفظ به، بل يكفي الداعي المستمر الى حين العمل إذا لم يكن غافلا عنه، بحيث لو سئل عنه يبقى متحيرا و لا يدري ما يصنع، و الا يجب عليه تجديد النية.

ثم انه لا يعتبر في الإحرام استدامة نية ترك المحرمات و عدم الإتيان بها بعد انعقاد الإحرام، كما يعتبر في الصوم بالنسبة إلى المفطرات، بل لا يضر نية قطع الإحرام و إبطاله، كما يضر نية الإفطار في الصوم، إذ ليس الإحرام كالصوم، حتى انه لو ارتكب محرما من تروك الإحرام يبقى الإحرام على حاله إلا في بعض المحرمات كما سيأتي تفصيله.

(فروع)
اشارة

و هنا فروع ينبغي الإشارة إليها:

(الأول) لو نوى العمرة و الحج معا بإحرام واحد

، فان قصدهما بوصف الاجتماع و الانضمام و الإتيان بهما و امتثال أمرهما المتعلق لكل واحد منهما، بحيث يكون كل واحد منهما جزأ للنية من دون أن يأتي بإحرام آخر بينهما، فالإحرام باطل لعدم مشروعيته بهذا النحو و عدم مشروعية العمرة و الحج كذلك.

و ان قصد امتثال الأمر المتعلق بكل واحد من الحج و العمرة على نحو الاستقلال لا الاجتماع و الانضمام، بحيث يكون كل واحد من الأمرين مؤثرا تاما لقصده و امتثاله، فان كان ذلك في غير أشهر

ص: 273

الحج، يصح إحرامه للعمرة فيأتي بها و يلغو نية الحج، لعدم صحته كذلك، لاشتراط الصحة بوقوع عمرته في أشهر الحج، و لا يضر ضم نية الحج بالعمرة و صحتها. و كذلك لو كان في أشهر الحج و تعين عليه أحدهما المعين في الواقع، بأن لا يصح منه الا العمرة المفردة أو الحج فيصح الإحرام فيأتي بما هو المتعين عليه، و يلغو نية غيره و لا يضره ضمه اليه.

و أما إذا صح كل واحد من العمرة و الحج منه بأن لم يتعين و لم يجب عليه واحد منهمافالأقوى بطلان الإحرام، لعدم صحتهما بإحرام واحد و عدم الترجيح في البين. نعم لا بأس بنية العمرة و الحج معا في الإحرام بالعمرة المتمتع بها الى الحج، بأن ينوي العمرة مريدا بها الى حج التمتع الذي دخلت العمرة فيه، بل هو مستحب كما في بعض الروايات.

فتحصل من جميع ما ذكر أن الجمع في النية بين العمرة و الحج- بحيث يكون كل منهما علة تامة مستقلة مؤثرة في العمل غير صحيح لعدم تعين المنوي، و يكون الإحرام باطلا، و لا يكون مخيرا في تعيين أحد الفردين بعده، كتزويج الأختين معا من دون تعيين أحدهما حين العقد في البطلان و عدم جواز التعيين بعده و عدم التخيير بينهما.

و قد يستدل لصحة الجمع بين العمرة و الحج في النية، بما روى عن علي عليه السلام في قضية عثمان، عن الحلبي عن ابى

ص: 274

عبد اللّه عليه السلام قال: ان عثمان خرج حاجا فلما خرج الى الأبواء أمر مناديا ينادي في الناس اجعلوها حجة و لا تمتعوا، فنادى المنادي فمر المنادي بالمقداد بن الأسود فقال: أما لتجدن عند الغلائص رجلا ينكر ما تقول، فلما انتهى المنادي الى على «ع» و كان عند ركائبه يلقمها خبطا و دقيقا، فلما سمع النداء تركها و مضى الى عثمان و قال: ما هذا الذي أمرت به. فقال: رأي رأيته. فقال:

و اللّه لقد أمرت بخلاف رسول اللّه، ثم أدبر موليا رافعا صوته: لبيك بحجة و عمرة لبيك معا (1).

و ظاهر الرواية أنه عليه السلام نوى الحج و العمرة معا و فيه:

ان عليا عليه السلام كان بذلك رادا على عثمان و منكرا لعمله المخالف لسنة رسول اللّه «ص» و معلنا بأن الواجب على النائي حج التمتع لا القران، كما نطق به القرآن الكريم و أمر به النبي «ص»، و كان علي عليه السلام بذلك ناويا للعمرة إلى الحج، و الا كان هو أيضا مخالفا لعمل الرسول و الكتاب الكريم.

(الفرع الثاني) لو أحرم و نوى و قال «أحرم كإحرام فلان»،

فتارة يعلم أنه أحرم كذا، فلا اشكال فيه لانه تعيين تفصيلي، و أخرى لا يعلم نوع إحرامه أصلا بل يعلم انه أحرم إجمالا، فلا يبعد القول ببطلانه لعدم التعيين أصلا.

قد يقال: انه صحيح، مستدلا بما روي عن علي عليه السلام


1- الوسائل ج 9 الباب 21 من أبواب الإحرام الحديث 7.

ص: 275

انه أحرم و أهل كإهلال رسول اللّه «ص» في حجة الوداع، و كان وقتئذ باليمن.

و فيه: انه كما تقدم لم يثبت عدم كونه عالما بإحرام النبي «ص» حينما أحرم، و لعله كان يعلمه من قبل بإخبار النبي أو من طريق آخر فالاستدلال به مع عدم ثبوت جهله بإحرام الرسول غير صحيح.

(الفرع الثالث) لو نسي ما أحرم به و لم يعلم أنه أحرم بالحج أو بالتمتع

، قال المحقق: كان مخيرا بين الحج و العمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما المعين، و الا صرف اليه. و نقل ذلك عن الفاضل و الشهيدين و غيرهم.

و استدل له: بأنه كان له الإحرام بأيهما شاء فله صرف إحرامه إلى أيهما شاء، و الوجه في ذلك استصحاب حال المكلف قبل الإحرام، إذ المحرم قبل الإحرام كان له أن يصرف إحرامه الى أي من النسكين، و يختار أيا منهما شاء و الان كذلك، فله التخيير كما كان له ابتداء بناء على اتحاد الموضوع و ان نسيانه لما أحرم به لا يوجب تعدد الموضوع. بدعوى أن الموضوع هو الشخص، و هو في الحالتين متحد.

و لكن التحقيق أن الاستصحاب في المقام لا يجري للتعارض.

كما في الإنائين المشتبهين، فان المكلف قبل العلم بوقوع الدم في أحدهما كان مخيرا أن يتوضأ من أي من الإنائين، و لكن بعد العلم بالنجاسة يتعارض الاستصحاب في كل منهما مع الأخر. و في

ص: 276

المقام أيضا كذلك، فان المحرم قبل إحرامه و ان لم يتعين عليه العمرة أو الحج، و كان له التخيير في صرف الإحرام الى أي منهما شاء، و لكنه بعد الإحرام لأحدهما و نسيانه ذلك يعلم وجوب إتمام ما أحرم له و عين عليه و عدم جواز صرفه الى غيره، فيتعارض استصحاب جواز التعيين في كل واحد منهما مع الأخر و لا يجري الاستصحاب.

ثم ان صاحب الجواهر نقل عن المستدل تعليله للحكم بعدم الرجحان في أحدهما، و عدم جواز الإحلال له بدون النسك، إلا إذا صد أو أحصر، و عدم إمكان الجمع بين النسكين فيتخير بين الفردين.

فهل عدم الرجحان المذكور في دليل المستدل دليل مستقل قبال الاستصحاب، أو هو من تتمة الدليل الأول فيتخير بين النسكين و الظاهر أن عدم الرجحان لأحدهما بنفسه لا يوجب التخيير بينهما في الحكم، كما أن التخيير بين النسكين إذا عرض عارض لا يوجب التخيير هنا، فان عدم القدرة على الجمع انما هو من جهة أمر خارجي و منع و صد، فيصح القول بالتخيير بعد الإحرام لأحدهما.

و أما عدم القدرة على الجمع في المقام انما هو من جهة أن المحرم لا يدري ما نوى و لا يعلم ما قصده، و هذا لا يوجب التخيير بل يمكن أن يحكم بالبطلان رأسا، و عدم توجه التكليف إليه أصلا و ان لا يكون مسقطا للتكليف الواجب لو اختار أحدهما.

ص: 277

و أما عدم جواز الإحلال له، فهو أمر آخر، و تكليف مستقل لا يلزم منه التخيير شرعا. فان من أحرم و نسي ما أحرم به، يجب عليه أن يحل بأي وجه يمكن له، و لكن مع ذلك كله، التكليف الثابت عليه في الواقع باق على عهدته و لا يبرء ذمته عنه. هذا إذا لم يمكن الاحتياط، و هو في المقام ممكن بالعدول إلى العمرة.

و بالجملة التخيير هنا ليس حكما شرعيا، بل طريق الى التخلص من تعهدات الإحرام و التحليل مما كان ممنوعا منه، كما لو عقد إحدى الأختين و نسي المعقودة، إذ لا يمكن القول بالتخيير بينهما و انه يمسك أيتهما شاء، بل لا بد له من الاحتياط أما بالنسبة إلى النفقة و حق السكنى فيعطى كل واحدة منهما نفقتها و سكناها، و أما التماس الجنسي فلا يقرب آية منهما و لا يجامعها، و لكن يمكن له ان يحتاط و يطلق كل واحدة منهما. و في المقام أيضا كذلك ان أمكن له الاحتياط كما تقدم اختياره يحتاط بالعدول إلى العمرة و الا فلا تخيير له شرعا.

هذا كله إذا لم يلزمه أحد النسكين، و أما إذا لزمه فيأتي حكمه في الفرع الاتي.

(فرع) لو أحرم و نسي ما أحرم به و كان أحد النسكين فرضا عليه في الواقع

، صرف اليه كما في الشرائع. و لعله لظاهر الأمر، و ان المكلف لا يقدم الا على ما هو الواجب عليه، و انه حين العمل أذكر. و هو الذي يقتضيه أصالة الصحة في العمل أيضا، فإنه يشك

ص: 278

في أن إحرامه صحيح، بأن كان لما يجب عليه و لزمه، أو باطل لكونه لغير الواجب عليه، كما في صوم شهر رمضان إذا شك في أنه نوى صوم شهر رمضان أو غيره من الواجب و المندوب، فيحكم بصحة صومه، و انه نوى صوم شهر رمضان، فكذلك في المقام يحكم بأن إحرامه انما كان لما كان واجبا و لازما عليه دون غيره. هذا غاية تقريب أصالة الصحة.

و فيه: ان الحكم بصحة صوم رمضان إذا شك أنه نواه أم نوى غيره، انما هو لدليل خاص شرعي غير ثابت في المقام، و أما أصالة الصحة فهي تجري فيما إذا أحرز عنوان العمل و فرغ عن وجوده، ثم شك في انه أتى به صحيحا أم باطلا، كما إذا فرغ عن صلاة الظهر أو العصر، و شك في أنه أتى بها صحيحا أو باطلا، يحكم بالصحة بحكم الأصل.

و أما لو شك في أنه نوى الظهر أو العصر، فلا يمكن الحكم بأن المنوي هو الظهر بأصالة الصحة، بخلاف ما لو نوى الظهر تعيينا و فرغ منه، ثم شك في أنه صحيح أم باطل. فعلى هذا لو شك في أنه أحرم لما لزمه حتى يكون إحرامه صحيحا، أو أحرم لغيره فيقع باطلا، لا يمكن إثباته لما يجب عليه بأصالة الصحة في العمل، كما في إثبات عنوان الظهر بها. نعم لو أحرم بالحج أو بالعمرة و فرغ من الإحرام ثم شك في أنه كان صحيحا أو باطلا، فيحكم بالصحة بحكم الأصل، بخلاف الأول فإن أمكن فيه الاحتياط و الا فيحكم

ص: 279

بالبطلان.

و عن الشيخ في الخلاف يجعله عمرة، لأنه ان كان متمتعا فقد وافق و ان كان غيره فالعدول منه الى غيره جائز. و قال: و إذا أحرم بالعمرة(في الواقع) لا يمكنه أن يجعلها حجة مع القدرة على أفعال العمرة، فلهذا قلنا يجعلها عمرة على كل حال انتهى.

و حسنه في التحرير و المنتهى، و لعل الوجه أن الموافقة الاحتمالية مرجح على المخالفة القطعية إذا لم يمكن الامتثال القطعي. لكن لا وجه لهذا الاحتمال، لأن الموافقة الاحتمالية حاصلة على التخيير ايضا. هذا إذا كان العدول جائزا، و أما إذا لم يمكن العدول كما لو نسي أنه أحرم لحج الافراد أو العمرة المفردةفيأتي بأيهما شاء.

و في الجواهر قوى البطلان و سقوط الخطاب أصلا، و قد تقدم منا في الفروع السابقة، أنه ان أمكن الاحتياط في الموارد المشتبهة يعمل به.

فهل الاحتياط هنا ممكن أم لا؟ لا يبعد أن يقال لو نسي أنه أحرم لحج الافراد أو العمرة المفردة يمكن الاحتياط، بأن يأتي بالطواف و السعي و يقف بالعرفات و المشعر رجاء، إذ لا مانع من تقديم الطواف و السعي في حج الافراد، ثم يرمي الجمرة يوم العيد رجاء و يحلق أو يقصر بقصد ما في الذمة من الحج أو العمرة، و يأتي بسائر أعمال الحج رجاء، ثم يطوف طواف النساء ناويا لما في الذمة

ص: 280

في التلبية
اشارة

(الثاني) من واجبات الإحرام التلبية، و الكلام فيها في مواقع:

الأول في وجوبها، و الثاني في أن الإحرام لا ينعقد الا بها بمعنى أنه يجوز ارتكاب ما يحرم على المحرم قبل التلبية، و الثالث في كيفيتها و عددها.

(اما الأول) فلا إشكال في وجوبها و لا خلاف، بل ادعي الإجماع و عدم الخلاف فيه في الجملة. و تدل عليه أخبار معتبرة كثيرة:

(منها) رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث: و اعلم انه لا بد من التلبيات الأربع في أول الكلام، و هي الفريضة و هي التوحيد و بها لبى المرسلون (1).

و عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:


1- الوسائل ج 9 الباب 36 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 281

سألته عن التلبية لم جعلت؟ قال: ان إبراهيم «ع» حين قال اللّه عز و جل له وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا نادى و أسمع فأقبل الناس من كل وجه يلبون، فلذلك جعلت التلبية (1).

و عن الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: جاء جبرئيل إلى النبي «ص» و قال له: ان التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية (2).

(و أما الثاني) مضافا الى الإجماع بقسميه كما عن الانتصار و الغنية و الخلاف و التذكرة، تدل عليه أخبار كثيرة متظافرة:

منها صحيح معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال: لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة و يقول الذي يريد أن يقوله و لا يلبى، ثم يخرج فيصيب من الصيد و غيره فليس عليه فيه شي ء (3).

و في صحيح ابن الحجاج في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلب. قال: ليس عليه شي ء (4).

و في رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد اللّه عليه السلام: صلى ركعتين في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثم خرج


1- الوسائل ج 9 الباب 36 من أبواب الإحرام الحديث 8.
2- الوسائل ج 9 الباب 37 من أبواب الإحرام الحديث 3.
3- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 1.
4- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 2.

ص: 282

فأتي بخميص فيه زعفران فأكل قبل أن يلبى منه (1).

و في مرسلة جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السلام أنه قال في رجل صلى في مسجد الشجرة و عقد الإحرام و أهل بالحج ثم مس الطيب و أصاب طيرا أو وقع على اهله. قال: ليس بشي ء حتى يلبى (2).

و منها صحيح حريز عن ابى عبد اللّه عليه السلام في الرجل إذا تهيأ للإحرام فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلب (3).

(و منها) رواية زياد بن مروان قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: ما تقول في رجل تهيأ للإحرام و فرغ من كل شي ء إلا الصلاة و جميع الشروط الا أنه لم يلب، إله أن ينقض ذلك و يواقع النساء؟ فقال: نعم (4).

و في رواية الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن بعض أصحابه قال: كتبت الى ابى إبراهيم عليه السلام رجل دخل مسجد الشجرة فصلى و أحرم و خرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبى أن ينقض ذلك بمواقعة النساء إله ذلك؟ فكتب: نعم أولا بأس به (5).


1- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 6.
3- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 8.
4- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 10.
5- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 12.

ص: 283

و في رواية حفص بن البختري عن ابى عبد اللّه عليه السلام فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبى.

قال: ليس عليه شي ء (1).

و في رواية أبان عن ابى عبد اللّه عليه السلام يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: الاشعار و التلبية و التقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم (2).

و عن محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب قال: قال ابن سنان: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الإهلال بالحج و عقدته. قال: هو التلبية إذا لبى و هو متوجه فقد وجب عليه ما يجب على المحرم (3).

و المستفاد من تلك النصوص التي ادعي استفاضتها، أن من نوى الحج أو العمرة و عقد الإحرام إما بإنشاء التحريم أو توطين النفس على ترك المحرمات، و لم يلب فله أن ينقض إحرامه، بمعنى ان له ارتكاب ما يحرم على المحرم الى أن يلبى لا بمعنى إبطال الإحرام و نقضه. و المراد من النقض الوارد في الروايات، هو عدم وجوب الوفاء بما التزم من ترك المحرم، و لو ارتكب شيئا من المحرمات قبل التلبية فليس عليه شي ء، و إذا لبى يجب الوفاء


1- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 13.
2- المصدر الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 5.
3- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 15.

ص: 284

بما التزم بالإحرام.

و يعلم من هذا كما قيل ان التلبية في الإحرام بمنزلة القبض في السلف في وجوب الوفاء بما أنشأ، فإن العقد السلفي و ان كان تاما من جهة الإنشاء و القصد و سائر الشروط المعتبرة فيه، الا أنه لا يجب الوفاء به الا بعد القبض في المجلس، فكذلك الإحرام لا يجب الوفاء به الا بعد التلبية.

لكنه مشكل، بل لا يبعد استفادة كون التلبية جزءا أخيرا للإحرام و لا يحرم المحرمات الا بعد تمامية الإحرام، كما يشير اليه قوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ.

و لا يعارض تلك الروايات المتقدمة إلا خبر احمد بن محمد قال: سمعت ابى يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيأ للإحرام ثم يواقع اهله قبل أن يهل بالإحرام. قال: عليه دم (1).

لكنه محمول على الاستحباب أو متروك، و نقل عن الشيخ أنه حمله على من لبى سرا و لم يجهر بالتلبية، و احتمل الحمل على من عقد الإحرام بالإشعار أو التقليد أيضا، و لكنه بعيد (2).


1- الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الإحرام الحديث 14.
2- أقول: ان الرواية من جهة الاعتبار ساقطة عن الحجية رأسا، لعدم اتصالها بالإمام، فان احمد بن محمد نقل عن أبيه يقول كذا و لم يروه عن المعصوم.

ص: 285

(في جواز تأخير التلبية عن الميقات)

ثم انه يظهر من النصوص جواز تأخير التلبية إلى البيداء و عدم وجوب المقارنة زمانا و لا مكانا بينها و بين عقد الإحرام و نيته، و من الغريب أن بعض المحدثين مال الى وجوب تأخير التلبية إلى البيداء في هذا الميقات عملا بالأوامر الواردة فيها، و لكن لم يعرف القول به من أحد من الفقهاء.

و قد يقال: انه بناء على كون النية هو الداعي لا يتصور انفكاك الداعي عن التلبية، فإن الداعي مستمر الى أن يلبي فلا ثمرة غالبا في ذلك.

و فيه: ان القول في المقام في أن التلبية، هل يجوز تأخيرها مكانا و زمانا عن عقد الإحرام و نيته و ان كانت النية هي الداعي لا غير و بعبارة أوفى: ان البحث في أن الحاج إذا عقد الإحرام و نوى الحج في مسجد الشجرة مثلا هل يجب عليه أن يلبى في ذلك المكان و الزمان حتى تحرم عليه المحرمات و يتم الأمر و لا يجوز له ارتكاب المحرمات، أم يجوز له تأخير التلبية زمانا و مكانا؟ فلا ملازمة بينه و بين القول بكون الداعي هو النية و القول بالمقارنة و وجوبها.

قد يستدل على عدم وجوب المقارنة بأصل البراءة عن الوجوب إذا شك فيه، و لكنه غير تام، فان الشك في المقام شك في المحصل بعد العلم باشتغال الذمة بالإحرام الذي يوجب العلم بالفراغ،

ص: 286

فالأصل الجاري في المقام الاشتغال لا البراءة.

فالعمدة في المقام هي الأخبار الواردة في المسألة، و لا بد من ذكرها و التأمل في مفادها و كيفية دلالتها، ثم الجمع بينها بما يقتضيه النظر الدقيق، فإنها مختلفة الدلالة و المضامين جدا:

فمنها صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل الى يسارك فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلب (1).

و صحيح عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان رسول اللّه «ص» لم يكن يلبى حتى يأتي البيداء (2).

و صحيح الفضلاء حفص بن البختري و عبد الرحمن بن الحجاج و حماد بن عثمان عن الحلبي جميعا عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا صليت في مسجد الشجرة فقل و أنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلب (3).

و صحيح منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس


1- الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الإحرام الحديث 6.
2- الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الإحرام الحديث 5.
3- الوسائل ج 9 الباب 35 من أبواب الإحرام الحديث 3.

ص: 287

يخسف بالجيش (1).

و صحيح معاوية بن عمار أو حسنته عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيئة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب (2).

و صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التهيؤ للإحرام فقال في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول اللّه «ص» و قد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول: لبيك اللهم لبيك الحديث (3).

و صحيح عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: ان كنت ماشيا فاجهر باهلا لك و تلبيتك من المسجد، و ان كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء (4).

و رواية عبد اللّه بن سنان انه سأل أبا عبد اللّه هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: نعم انما لبى النبي «ص» في البيداء لان الناس لم يعرفوا التلبية فأحب


1- الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الإحرام الحديث 4.
2- الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الإحرام الحديث 2.
3- الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الإحرام الحديث 3.
4- الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 288

ان يعلمهم كيف التلبية (1).

و أما التلبية

فكيفيتها على ما في الشرائع و نقل عن التحرير و المنتهى «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك» و هي خيرة الكركي و كذا في الفقه الرضوي، و اختلف في إضافة «ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك».

و منشأ الخلاف ما نقل في رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام: و التلبية ان تقول «لبيك، اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك داعيا الى دار السلام لبيك» الى أن قال عليه السلام: و اعلم انه لا بد من التلبيات الأربع التي كن في أول الكلام، و هي الفريضة، و هي التوحيد و بها لبى المرسلون الخبر.

فهل التلبيات الأربع عبارة عن أربع تلبيات مذكورة في أول الكلام وحدها، أو هي مع ما يليها من الدعاء بحيث يعد كل تلبية مع ما بعدها من الدعاء واحدة من التلبيات الأربع المفروضة.

فعلى الأول تتم أربع تلبيات بالتلبية الرابعة قبل «أن الحمد»


1- الوسائل ج 9 الباب 35 من أبواب الإحرام الحديث 2. يقول المقرر: هذه جملة من الاخبار التي أشار إليها الأستاذ مد ظله في أثناء بحثه ثم تعرض للجمع بينها و الرد على بعض الأقوال فيها.

ص: 289

و يكون الباقي مستحبا كسائر الجملات الواقعة في الرواية، و أما بناء على الثاني يلزم و يجب إضافة «ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك» حتى تتم التلبيات الأربع، كما عن ظاهر المختلف و عن رسالة ابن بابويه و المقنع و الفقيه.

و قيل صورة التلبية «لبيك اللهم لبيك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك» كما عن جمل السيد و المبسوط و السرائر و الغنية.

و لكن ما هو الأظهر الأقوى القول الأول، و ينطبق عليه ايضا صحيح معاوية بن عمار أيضا، لصدق التلبيات الأربع بإتمام التلبية الرابعة نفسها، و لا يحتاج في صدق تمامية الأربع الى ما بعدها من الجملات، و ان كان الأحوط إضافتها أيضا.

الثالث من واجبات الإحرام لبس الثوبين
اشارة

كما في كثير من متون الفقه، و ما يصلح أن يكون دليلا عليه أمور:

(الأول) الأمر الوارد بلبسهما في المعتبرة المستفيضة المروية عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا كان يوم التروية إنشاء اللّه تعالى فاغتسل ثم البس ثوبيك، و ادخل المسجد بالسكينة و الوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر- الخبر (1).


1- الوسائل ج 9 الباب 52 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 290

و حيث أن المعتبرة مشتملة على الواجب و المندوب لا تكون ظاهرة في وجوب لبس الثوبين و اشتراط الإحرام به. اللهم أن يقال: ان ظهور الأمر في الوجوب بحسب الوضع الاولي، لا يرفع اليد عنه الا بالقرينة الصارفة، و مجرد الاشتمال على الأمور المندوبة و وقوع لبس الثوبين في سياق المستحبات الواقعة تحت الأمر، لا يمنع عن الظهور في الوجوب بالنسبة اليه، و لا يصرفه عن ذلك فتأمل.

(الثاني) فعل النبي «ص»، إذ المسلم أنه لبس الثوبين عند الإحرام. و يتم الاستدلال به إذا علم أن لبسه الثوبين انما كان من باب الوجوب، لان فعله «ص» لا يختص بالواجب بل يعمه و الندب.

و لكن إثبات ذلك مشكل، و لو بالسيرة المستمرة بين المسلمين، فان الظاهر من العامة عدم وجوبه.

نعم غاية ما يمكن إثباته تحقق السيرة من زمان الأئمة عليهم السلام الى زماننا، على أصل لبس الثوبين فقط، و هي أيضا لا تفيد الوجوب.

(الثالث) الإجماع المدعى على وجوب لبس الثوبين في كلمات الأصحاب، كما في التحرير و ان وقع الترديد في عبائر بعضهم و صرح غير واحد منهم أيضا بعدم الخلاف فيه. و ظاهر ذلك الإجماع المصطلح بين العلماء.

و يرد عليه أولا: ان عدة من أعاظم الفقهاء لم يصرحوا بالوجوب

ص: 291

كالشيخ المفيد و الصدوق و الشيخ و غيرهم. بل كلماتهم مطابقة لما ورد في النصوص من الأمر بلبس الثوبين و غيره من الواجب و المستحب، و هذا لا يزيد على ما في الاخبار من الإجمال و عدم الظهور في الوجوب، و لذا أشكل عليه كاشف اللثام.

نعم صرح الشهيدان و كذا المقنعة و المراسم و الشرائع و القواعد بالوجوب، و القول بذلك احتياط في الدين فلا يترك اقتداء بأئمة المسلمين.

هذا من جهة الوجوب التكليفي و عدمه، و أما الحكم الوضعي و اشتراط صحة الإحرام به، فوجوب لبس الثوبين و عدم انعقاده بدونه لو أحرم عاريا أو بغيرهما، فهو أيضا مما اضطربت فيه كلمات القوم، و لم أجد من صرح بذلك. نعم قد ينسب الى ابن الجنيد حيث قال على ما في المختلف: ثم اغتسل و يلبس ثوبي إحرامه و يصلي لإحرامه و لا يجزيه غير ذلك إلا الحائض فإنها تحرم بغير صلاة. ثم قال بعد كلام طويل: و لا ينعقد الإحرام الا من الميقات بعد الغسل و التجردانتهى.

و الظاهر من صدر كلامه وجوب لبس الثوبين و الغسل و الصلاة أيضا، و أما ما يعطي الذيل أن الإحرام لا ينعقد الا من الميقات، و لم يذكر لبس الثوبين و لا غيرها شرطا لانعقاد الإحرام، و ظاهره شرطية الميقات و التجرد له فقط دون غيرهما، و في الدروس: أن ظاهر الأصحاب انعقاد الإحرام بدون لبس الثوبين لما قالوا لو أحرم

ص: 292

و عليه قميص نزعه و لا يشقه و لو لبسه بعد الإحرام شقه و أخرجه من تحته كما هو مروي انتهى.

و ظاهر كلام الدروس و نقله كلمات الأصحاب انه فتوى منه بعدم شرطية الثوبين في انعقاد الإحرام كما هو المترائى من النصوص أيضا:

منها ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام: إذا لبست قميصا و أنت محرم فشقه و أخرجه من تحت قدميك (1).

و في صحيح آخر عنه و عن غير واحد عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل أحرم و عليه قميصه. قال: ينزعه و لا يشقه، و ان كان لبسه بعد ما أحرم شقه و أخرجه مما يلي رجليه (2).

و عن عبد الصمد بن بشير عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث:

ان رجلا أعجميا دخل المسجد يلبى و عليه قميصه، فقال: انى كنت رجلا أعمل بيدي و اجتمعت لي نفقة فحيث أحج لم أسأل أحدا عن شي ء، و أفتوني هؤلاء أن أشق قميصي و أنزعه من قبل رجلي و ان حجي فاسد و ان علي بدنة. فقال له: متى لبست قميصيك، أبعد ما لبيت أم قبل؟ قال: قبل أن ألبي. قال: فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه طف بالبيت سبعا و صل ركعتين عند مقام


1- الوسائل ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
2- المصدر ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ص: 293

إبراهيم واسع بين الصفا و المروة و قصر من شعرك، فإذا كان يوم التروية فاغتسل و أهل بالحج و اصنع كما يصنع الناس (1).

و هذه الروايات كلها تدل على صحة الإحرام من دون لبس الثوبين، حتى رواية عبد الصمد، فإنها و ان كانت تدل بمفهوم المخالفة على أن من أحرم في قميصه عن علم، يجب عليه شق الثوب و إخراجه من قبل رجليه، و يبطل حجه و عليه البدنة و الحج من قابل، كما أفتوا هؤلاء، الا أن دلالتها على اعتبار الثوبين في انعقاد الإحرام غير واضحة، بل ثابت عدمها، فان وجوب شق الثوب و إخراجه عن قبل الرجل في هذا الحال لا وجه له ان قلنا ببطلان الإحرام، بترك لبس الثوبين، و كونه غير محرم في الواقع، لان وجوب شق الثوب على غير المحرم و إخراجه من تحت قدميه خلاف ما ارتكز عند المسلمين و لم يعهد ذلك منهم.

مضافا الى أن جميع ما في هذه الرواية غير معمول به عند الأصحاب على ما هو الظاهر منهم، كما نسب الدروس ذلك إليهم، فإنهم قالوا بعدم وجوب الشق و عدم فساد الحج و عدم وجوب البدنة عليه إذا أحرم في قميصه، و لم يفرقوا بين العالم و الجاهل في ذلك الحكم.

و مثلها رواية خالد بن محمد الأصم (2)، في إعراض الأصحاب


1- الوسائل ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

ص: 294

عن العمل بمضمونها، حيث علل وجوب شق الثوب و إخراجه من قبل الرجل بالجهل، فان الظاهر من كلماتهم انعقاد الإحرام مطلقا.

و الفرق بين قبل الإحرام و بعده في وجوب الشق و عدمه انما هو للاستناد بصحيح معاوية بن عمار و غيره عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل أحرم و عليه قميصه. فقال: ينزعه و لا يشقه، و ان كان لبسه بعد ما أحرم شقه و أخرجه مما يلي رجليه (1).

و ما قاله كاشف اللثام من أن كلامهم هذا و الفرق في شق الثوب و عدمه بين اللبس قبل الإحرام و بعده، يدل على عدم انعقاد الإحرام فإن وجوب الشق انما هو للتحرز عن ستر الرأس المحرم على من أحرم، و عدم وجوبه يكشف عن عدم انعقاد الإحرام إذا أحرم و عليه قميصه، خلاف ظاهر النص و الفتوى، إذ المتبادر منهما انعقاد الإحرام في قميص لبسه، الا أنه يجب عليه نزعه و لا يشقه، و لا يترتب على ذلك كفارة أيضا و لا عقوبة، بخلاف ما إذا لبسه بعد ما أحرم، فيجب عليه الشق و يأثم به، بل كاد أن يكون ذلك مقطوعا به في كلامهم.

و مما يدل على عدم اشتراط انعقاد الإحرام بلبس الثوبين، ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الاشعار و التقليد، فإذا فعل شيئا


1- الوسائل ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ص: 295

من هذه الثلاثة فقد أحرم (1).

إذ يستفاد منها أن ما يعتبر في انعقاد الإحرام، هي الأمور الثلاثة و تدل بإطلاقها على عدم اشتراط شي ء فيه غيرها. و لكن ذلك الإطلاق و نظائره ليس بحيث يعارض و يقاوم ما يدل على الاشتراط و الاعتبار لو ثبت، كالأوامر الواردة في لبس الثوبين، بناء على تمامية الدلالة، و النواهي التي تدل على عدم لبس المخيط، فيقيد بها المطلقات.

و ان كان من الممكن القول بأن تلك الأوامر و النواهي تحمل على الأحكام التكليفية لا الوضعية، بقرينة ما تدل على صحة الإحرام في القميص.

و لكن ما هو الظاهر من الأوامر الواردة في العبادات المركبة الدالة على اعتبار شي ء فيها هو الجزئية أو الشرطية، دون التكليفية المحضة. اللهم الا أن يحمل عليها بمعونة الأخبار الدالة على عدم شرطيته فيها و صحة الإحرام و عليه قميصه المعمول بها عند الأصحاب أيضا.

في كيفية لبس الثوبين
اشارة

ثم انه بعد اعتبار لبس الثوبين في انعقاد الإحرام بأي معنى كان فهل يعتبر الكيفية الخاصة فيه، بأن يرتدي بأحدهما و يتزر بالاخر،


1- الوسائل ج 8 الباب 12 من أقسام الحج الحديث 2.

ص: 296

كما هو المتعارف و المعمول به في عصرنا، أم لا؟ الظاهر اتفاق الأصحاب و إجماعهم على ذلك، مضافا الى أنه الموافق للاحتياط.

و تدل عليه أيضا بعض الروايات الواردة في كيفية حج النبي صلى اللّه عليه و آله، و فيه: فلما نزل «ص» الشجرة أمر الناس بنتف الإبط و حلق العانة و الغسل و التجرد في إزار و رداء أو إزار و عمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء (1).

(مسألة) هل يجوز عقد الإزار و شده بشي ء آخر مثل الإبرة و غيرها، أم لا يجوز بل يعتبر لبسه، و كذا الرداء على النحو المتعارف.

قد عقد صاحب الوسائل بابا لهذه المسألة و قال «باب عدم جواز عقد المحرم ثوبه إلا إذا اضطر الى ذلك لقصره»، فيعلم من العنوان انه رحمه اللّه لا يجوز ذلك حال الاختيار، و روى فيه اخبارا منها:

عن سعيد الأعرج انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال: لا (2).

و النهي في الرواية انما تعلق بعقد الإزار و شده، و احتمال كون المراد من العقد جمعه و وضعه على عنقه، خلاف الظاهر، و ان كان محتملا في رواية الاحتجاج كما سيأتي.

عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السلام انه كتب إليه يسأله عن المحرم يجوز أن يشد المئزر من


1- الوسائل ج 8 الباب 2 من أقسام الحج الحديث 15.
2- الوسائل ج 9 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

ص: 297

خلفه على عنقه(عقبه خ ل) بالطول و يرفع طرفيه الى حقويه و يجمعهما في خاصرته و يعقدهما و يخرج الطرفين الأخيرين من بين رجليه و يرفعهما الى خاصرته و يشد طرفيه الى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك، فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك و هذا أستر. فأجاب «ع»: جائز ان يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض و لا ابرة تخرجه به عن حد المئزر و غرزه غرزا و لم يعقده و لم يشد بعضه ببعض، و إذا غطى سرته و ركبته كلاهما فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة و الركبتين، و الأحب إلينا و الأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة و المعروفة للناس جميعا إنشاء اللّه (1).

و عنه أيضا انه سأله: هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة؟

فأجاب: لا يجوز شد المئزر بشي ء سواه من تكة أو غيرها (2).

و في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته، و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده (3).

فهل المراد من جواب الامام عليه السلام في رواية الاحتجاج:

«جائز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا


1- الوسائل ج 9 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
2- المصدر الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
3- الوسائل ج 9 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

ص: 298

بمقراض و لا ابرة تخرجه به عن حد المئزر و غرزه غرزا و لم يعقده» ان المانع نفس قرضه أو إدخال الإبرة فيه، أو المنهي احداث أي عمل يخرج الإزار عن كونه مئزرا و يجعله شبيها بالسراويل، أو المراد النهي عن المخيط و كونه مخيطا، و ان لم يكن شبيها بالسراويل ثم ان قوله «غرزه غرزا» هل هو جملة مستقلة أو مربوطة و معطوفة بما تقدم؟ و الثاني خلاف الظاهر (1).

و على كل حال تدل الرواية على عدم جواز العقد و الشد بشي ء إذا أخرجه عن كونه مئزرا بأي نحو كان و أي عمل حدث، و أما غيره من العقد و الشد فيحتاج الى الدليل.

و كيف كان ان الإزار و الرداء المذكور في رواية ابن سنان المعتبر عند الإحرام، معروف عند العرف يفهمه العرب و العجم، كما يعلم مفهوم الماء و غيره من الأشياء، و يصدق المفهوم و يتحقق إذا كان مطلقا و غير مشدود و لا معقود، و أما مع الشد و العقد فان خرج بهما عن انطباق العنوان عليه فلا يجوز قطعا و لا اشكال، و الا فعدم الجواز يحتاج الى دليل يثبته. و الاخبار المذكورة غير منقحة من جهة السند، بل روي عن على عليه السلام انه كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلى فيه و ان كان محرما (2).


1- غرز الإبرة في الشي ء أدخلها فيه، و على هذا تكون الجملة عطفا على ما سبق.
2- الوسائل ج 9 الباب 53 من أبواب التروك الحديث 2.

ص: 299

نعم بناء على التسامح في أدلة السنن، حتى في الكراهة لا مانع من القول بكراهة العقد، بل هو حسن، و ان كان الاحتياط يقتضي ترك العقد مطلقا سيما في العقد في العنق.

و أما الرداء فهو أن يتردى به، أى يلقيه على عاتقيه جميعا و يسترهما به كما هو المعمول و المتعارف، و لعل رعاية تلك الهيئة أولى و أنسب.

و أما التوشح بأن يدخل طرفه تحت إبطه الأيمن و يلقيه على عاتقه الأيسر كالتوشح بالسيف فان صدق التردي به فلا إشكال في جوازه و عدم وجوب هيئة خاصة فيه، سواء كان التوشح من طرف الأيمن أو الأيسر. نعم يشترط في الرداء من جهة الطول و العرض أن يكون مقدارا يستر المنكبين، كما يشترط في الإزار أن يستر السرة و الركبتين.

و قد يقال: ان الميزان فيها الصدق العرفي، فإن صدق كفى و ان كان أقل مما ذكر و الا فلا يكفي.

(فرع): لو شك في اعتبار ذلك المقدار و عدمه بعد صدق المفهوم العرفي

، فهل الأصل يقتضي الاشتغال أو البراءة من وجوب الزائد المشكوك؟ الظاهر هو الثاني، لأن الشك انما تعلق بوجوب الأكثر بعد العلم بوجوب الأقل، و المرجع في المقام البراءة من وجوب الزائد، نعم لو احتمل دخالة ذلك المقدار في تحقق الإحرام و انعقاده فالأصل هو الاشتغال كما مر.

ثم هل يكفي ثوب واحد طويل يستر المنكبين و السرة و الركبتين

ص: 300

أم يعتبر التعدد و ان حصل الستر بواحد منه؟ قولان، ظاهر النص و الفتوى اعتبار التعدد و عدم كفاية ثوب واحد، و نقل عن كاشف اللثام أن الميزان في لباس الإحرام، رعاية الستر و لو حصل من واحد، و عن الشهيد رحمه اللّه بعد ما أوجب لبس الثوبين انه قال: لو كان الثوب طويلا فاتزر ببعضه و ارتدى بالباقي أو توشح به أجزأه.

و لكنه مشكل، فان حمل ما تدل على لبس الثوبين على ما يحصل به الستر، و جعل ذلك هو الملاك و الميزان في ثوبي الإحرام اجتهاد في مقابل النص، مضافا الى أن المتعارف في ستر المنكبين و السرة إلى الركبتين أيضا هو التعدد لا الواحد، و لا دليل على كونه في الأزمنة السابقة واحدا.

فيما يشترط في ثوبي الإحرام
اشارة

قال المحقق رحمه اللّه: و لا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبسه في الصلاة، أما عدم الجواز في بعض ما لا يجوز الصلاة فيه فمما لا اشكال و لا خلاف فيه و لا يحتاج الى دليل خاص، بل يكفي الدليل العام فيه، كعدم جواز الإحرام في المغصوب و اجزاء الميتة، و الذهب و الحرير الخالص للرجال. فإن الإحرام أمر عبادي يشترط فيه القربة و لا يتمشى التقرب بما يكون لبسه و التقلب فيه حراما، سواء قلنا باجتماع الأمر و النهي أم لم نقل، لعدم حصول القربة بما ذكر، ففي مثل هذه لا يحتاج الى دليل خاص.

ص: 301

و أما غيرهاكاشتراط الطهارة و عدم كونه نجسافيحتاج الى الدليل و لا يكفي دليل عدم جواز الصلاة فيه، في إثبات الحكم، و القول بعدم جواز الإحرام فيه أيضا، كأجزاء غير المأكول، فلا بد من التأمل في الأخبار المروية لكي يتضح الحال:

منها ما عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: كل ثوب تصلي فيه فلا بأس أن تحرم فيه (1).

و مفهومه أن كل مالا تصح الصلاة فيه، ففي الإحرام فيه بأس و منع، فيستفاد من الرواية أن كل ما لا تجوز الصلاة فيه كالميتة و أجزاء ما لا يؤكل لحمه و الذهب و الحرير الخالص للرجال لا يصح الإحرام فيه، و ان كان دعوى الكلية في المفهوم لا يخلو من بحث.

و أما شرطية الطهارةمضافا الى شمول عموم المفهوم له- يؤيدها رواية معاوية بن عمار قال: سألته(أبا عبد اللّه) عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة. قال: لا يلبسه حتى يغسله و إحرامه تام (2).

و صحيحة الأخر عن ابى عبد اللّه عليه السلام أيضا قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها و بين غيرها. قال: نعم إذا كانت طاهرة (3).

يعلم من الروايتين أن المحرم لا يجوز له لبس الثوب النجس سواء كان ثوبا أحرم فيه أو غيره. و لا فرق في ذلك بين الابتداء


1- الوسائل ج 9 الباب 27 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 37 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- الوسائل ج 9 الباب 37 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ص: 302

و الاستدامة، بل يستأنس منهما شرطية طهارة البدن أيضا و ان لم يتعرض له الأصحاب إلا بعض المتأخرين، و كذا يستأنس أن لبس كل ثوب نجس سواء كان معفوا في الصلاة أم لا، لا يجوز للمحرم و لكن يقيد هذا الإطلاق بما تقدم عن حريز عن ابى عبد اللّه عليه السلام من قوله «كل ثوب يصلى فيه فلا بأس أن تحرم فيه»، فيستفاد ان ما كان معفوا في الصلاة فهو معفو أيضا في ثوبي الإحرام.

و أما الحرير الخالص فلا يجوز لبسه للرجال و لا الإحرام فيه، و يدل عليه ما تقدم في رواية حريز من المفهوم العام.

مضافا الى أن الإحرام لما كان امرا عباديا يشترط فيه قصد التقرب، فحيث أن لبس الحرير حرام على الرجال لا يتمشى منه قصد التقرب لكونه مبغوضا عند الشارع، فلا يكون مطلوبا عنده.

عن ابى بصير قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الخميصة سداها إبريسم و لحمتها من غزل. قال: لا بأس بأن يحرم فيها، انما يكره الخالص (1).

و مثله رواية سعيد الأعرج عن ابى الحسن النهدي قال: سأل سعيد الأعرج و أنا عنده عن الخميصة سداها إبريسم و لحمتها من غزل(مرغزي). فقال: لا بأس بأن يحرم فيها، انما يكره الخالص منها (2).

و الظاهر أن المسئول عنه هو الامام عليه السلام، و كذا المراد


1- الوسائل ج 9 الباب 29 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 29 من أبواب الإحرام الحديث 3.

ص: 303

من الكراهة هو النهي، لمعروفية حرمة الخالص من الحرير.

و أما المخلوط من الحرير فلا إشكال في جواز الإحرام فيه، و يدل عليه ما روى حنان بن سدير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

كنت جالسا عنده فسئل عن رجل يحرم في ثوب فيه حرير، فدعا بإزار قرقبي فقال: فأنا أحرم في هذا و فيه حرير (1).

هذا بالنسبة إلى الرجال، و أما النساء فلبس الحرير الخالص و الإحرام فيه لا يبعد القول بجوازه لهن، و لكن الأحوط تركه.

قال المحقق: و هل يجوز الإحرام في الحرير للنساء؟ قيل نعم لجواز لبسهن في الصلاةانتهى. و اختاره المفيد و ابن إدريس و نسب الى أكثر المتأخرين أيضا و لا يبعد القول به.

و قيل لا يجوز كما عن الشيخ و الصدوق و ظاهر عبارتي السيد و المفيد، و هو المطابق للاحتياط، لاختلاف الاخبار في المسألة، و ان نفينا البعد عن القول بالجواز نظرا إلى رواية حريز المتقدمة عن ابى عبد اللّه عليه السلام «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه» و صلاة المرأة في الحرير الخالص لا اشكال فيها، فيكون إحرامها فيه أيضا كذلك، و لكن الاخبار كما أشير مختلفة الدلالة، و الأولى الإشارة إليها أيضا:

عن يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

المرأة تلبس القميص تزره عليها، و تلبس الحرير و الخز و الديباج


1- الوسائل ج 9 الباب 29 من أبواب الإحرام الحديث 2.

ص: 304

فقال: نعم لا بأس به و تلبس الخلخالين و المسك (1) و دلالتها على الجواز صريحة.

و عن النضر بن سويد عن ابى الحسن عليه السلام سألته عن المرأة المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس، و لا تلبس القفازين، و لا حليا تتزين بها لزوجها، و لا تكتحل الا من علة، و لا تمس طيبا، و لا تلبس حليا و لا فرندا، و لا بأس بالعلم في الثوب (2).

و هي تدل على جواز الإحرام في الحرير الخالص و لبسه بقوله «تلبس الثياب كلها» الشامل بإطلاقه الحرير.

و يظهر من بعض الروايات أيضا عدم الجواز في الحرير الخالص للنساء، فمنها ما روي عن أبي عيينة عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته ما يحل للمرأة ان تلبس و هي محرمة. فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير. قلت: أ تلبس الخز؟ قال: نعم.

قلت: فان سداه إبريسم و هو حرير. قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس (3).

و هذه الرواية كما ترى تدل على عدم جواز الإحرام في الحرير المحض للنساء، و مثلها ما روي عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه


1- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 49 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
3- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 3.

ص: 305

السلام قال: لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب و الخز و ليس يكره الا الحرير المحض (1).

و عن ابى بصير المرادي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن القز تلبسه المرأة في الإحرام. قال: لا بأس، إنما يكره الحرير المبهم (2).

و عن سماعة انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرمة تلبس الحرير. فقال: لا يصلح أن تلبس حريرا محضا لا خلط فيه (3).

و عن عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين (4).

و عن إسماعيل بن الفضيل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة هل يصلح لها أن تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة. قال:

لا و لها أن تلبس في غير إحرامها (5).

و عن ابى الحسن الاخمسي عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن العمامة السابرية فيها علم حرير تحرم فيها المرأة. قال:

نعم انما يكره ذلك إذا كان سداه و لحمته جميعا حريرا.

و تلك الرواية تدل على عدم جواز الإحرام في الحرير الخالص


1- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 4.
2- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 5.
3- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 7.
4- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 9.
5- الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 11.

ص: 306

للنساء و الكراهة في المبهم.

و الروايتان المتقدمتان عن يعقوب بن شعيب و نضر بن سويد تدلان بالصراحة أو بالإطلاق على الجواز.

و قد جمع الشيخ رحمه اللّه في التهذيب بحمل الطائفة الثانية على الممزوج و الاولى على الخالص، و قال صاحب الجواهر:

و لا ريب ان الاجتناب هو الأحوط، و ان كان التدبر في النصوص و لو بملاحظة «لا ينبغي» و «لا يصلح» و لفظ «الكراهة» و نحو ذلك يقتضي الحمل على الكراهة جمعا بين النصوص، و هو أولى من الجمع بينها بحمل نصوص الجواز على الممتزج و نصوص المنع على الخالص، من وجوه. و ما اختاره الجواهر هو المختار كما تقدم.

(فرع) ثم انه بناء على جواز الإحرام في الحرير للنساء، فهل يلحق الخنثى بالأنثى

أو الرجل؟ فيه وجهان بل قولان، أقواهما وجوب الاحتياط عليه كما يأتي وجهه.

و اما إذا قلنا بعدم الجواز لهن مثل الرجال، فلا يأتي البحث في الخنثى لعدم الجواز على كل حال، و قال صاحب الجواهر: في إلحاق الخنثى في ذلك بالرجل أو بالمرأة، نظر كما في المسالك من تعارض الأصل و الاحتياط، بل الإشكال في أصل جواز لبسه لها

ص: 307

و ان كان قد يقوى الأول، لأن الاحتياط ما لم يكن واجبا للمقدمة لا يعارض الأصل.

و الحق أن الاحتياط في المقام واجب، للعلم إجمالا إما بوجوب ستر البدن من الرجال أو حرمة لبس الحرير في ثوبي الإحرام، فيجب الاجتناب عن كليهما، و أما في غير ثوبي الإحرام من سائر الألبسة و الثياب فيجوز لها لبسه كما للنساء (1).

(فرع) كما أن لبس ثوبي الإحرام واجب على الرجل، فهل يجب على المرأة المحرمة

، أم لا يجب عليها؟ قال صاحب الجواهر:

الظاهر عدم وجوب لبس ثوبين لخصوص الإحرام للمرأة تحت ثيابها و ان احتمله بعض، بل جعله أحوط، و لكن الأقوى ما عرفت خصوصا بعد عدم شمول النصوص السابقة للإناث الا بقاعدة الاشتراك التي يخرج منها هنا بظاهر النص و الفتوى انتهى.

و التحقيق أن اعتبار لبس الثوبين على النساء ان لم يكن أقوى فهو الأحوط، فإن ظاهر القول بوجوب لبس ثوبي الإحرام على الحاج، عام شامل للرجل و المرأة، و قد تقدم في صحيحة عبد اللّه ابن سنان الواردة في حج النبي «ص» أنه أمر الناس بأشياء منها لبس


1- هكذا أفاد الأستاذ مد ظله، الا أن الفرق بين ثوبي الإحرام و غيره غير واضح لتحقق العلم الإجمالي فيه أيضا.

ص: 308

الثوبين، و ظاهرها أن جميع الناس من الرجال و النساء كانوا مأمورين به، مضافا الى أن قاعدة الاشتراك تقتضي ذلك و لا دليل على الخروج منها.

و قد نقل عن الشيخ في النهاية أن ما يحرم على الرجال يحرم على النساء المحرمات أيضا، و يجب عليهن ما يجب عليهم، الا ما أخرجه الدليل كجواز لبس المخيط و الحرير، و لم أجد في كتب أصحابنا بابا خاصا لإحرام النساء. نعم روى في الجعفريات بسنده عن علي بن الحسين عليه السلام ان أزواج رسول اللّه «ص» كن إذا خرجن حاجات خرجن بعبيدهن معهن عليهن الثيابين و السراويلات (1).

و في الدعائم و نجاة العباد: تتجرد المحرمة في ثوبين أبيضين ثم قال: و هو محمول على الندب. و مع ذلك كله الاحتياط عدم تركهن لبس الثوبين، بل الاولى الجمع بين الثوبين و لباس آخر.

(فرع) يجوز للمحرم أن يلبس أكثر من ثوبين

، و لا يحتاج ذلك الى دليل خاص إذا لم يكن ممنوعا لبسه كالمغصوب و نحوه للأصل، و لان ما يدل على وجوب لبس الثوبين لم يقيد بعدم الزيادة عليهما بل هو حكم لا بشرط، مع دلالة بعض النصوص عليه أيضا، و لا يختص بصورة الاضطرار و الضرورة.


1- الجعفريات المطبوعة مع قرب الاسناد ص 64.

ص: 309

عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرم يتردى بالثوبين. قال: نعم و الثلاثة ان شاء يتقى بها البرد و الحر (1).

و شرط الاتقاء من البرد ليس قيدا للجواز، بل هو بيان الداعي من هذا الأمر، فلا يختص بصورة الحاجة و لا يقيد بها، و ان كان العلامة في المنتهى عبر بمضمون الرواية، و لكن كلامه يدل على عدم تقيد الحكم بالضرورة حيث قال: انه حكم موافق للأصل.

نعم يشترط في الزائد أن لا يكون متنجسا و لا مغصوبا و لا حريرا و لا مخيطا و غيرها مما يكون ممنوعا في ثوبي الإحرام و لا يجوز الصلاة فيه، لرواية حريز «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه» (2).

ثم انه هل يشترط أن يكون الزائد رداء أو إزارا على هيئة تكون في الثوبين أو لا يعتبر ذلك؟ الظاهر عدم اعتباره، للأصل و عدم الدليل على لزوم هيئة خاصة في غيرهما.

(مسألة) يجوز للمحرم أن يبدل و يحول ثياب إحرامه

، و المراد منه التبديل بثوب غير ما أحرم فيه لا القلب و النقل.

و قال صاحب الجواهر: لا يجب استدامة اللبس ما دام محرما


1- الوسائل ج 9 الباب 30 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 27 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 310

كما قطع به في المدارك، للأصل بعد صدق الامتثال.

عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث: و لا بأس أن يحول المحرم ثيابه. قلت: إذا أصابها شي ء يغسلها. قال: نعم ان احتلم فيها (1).

و عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو عبد اللّه: لا بأس بأن يغير المحرم ثيابه، و لكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيها و كره أن يبيعها (2).

قال الصدوق: و قد روى رخصة في بيعها مع الكراهة (3).

و عن الحلبي في حديث سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرم يحول ثيابه. فقال: نعم. و سألته: يغسلها إذا أصابها شي ء. قال:

نعم (4).

و عنه أيضا عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: لا بأس أن يحول المحرم ثيابه (5).

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ. قال: لا و لا أقول انه حرام و لكن


1- الوسائل ج 9 الباب 38 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الإحرام الحديث 1.
3- الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الإحرام الحديث 3.
4- الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الإحرام الحديث 4.
5- الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الإحرام الحديث 3.

ص: 311

تطهيره أحب الي و طهوره غسله، و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل و ان توسخ الا أن تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله (1).

و هي تدل على وجوب استدامة اللبس، و أنه لا يجوز التبديل إلا إذا أصابه شي ء، فما عن المدارك من أنه لا يجب الاستدامة بعد صدق الامتثال للأصل، لا يخلو من شي ء، فان الامتثال في لبس الثوب ظاهره الاستدامة فيه، و ليس نظير التلبية و صلاة الإحرام التي يتحقق الامتثال فيهما بوجود الطبيعة و حدوثها، و لا يحتاج إلى الاستدامة.

مضافا الى ان السيرة قبل البعثة و كذا بعدها، على استدامة اللبس، بل يكره بيع ثوب الإحرام و يستحب الكفن به و الطواف معه (2).

فعلى هذا، الأحوط لو لم يكن أقوى ان لا يبدل ثوب الإحرام إلا إذا اقتضت الضرورة من اصابة شي ء و جنابة، راعيا في ذلك أيضا الهيئة في الرداء و الإزار، بل يستحب الطواف في الثوب الذي أحرم فيه كما في صحيح معاوية بن عمار المتقدمة. فعلى هذا ان كان مراد المدارك تبديل ثوبي الإحرام بثوب آخر مثلهما مع حفظ هيئة الإحرام و عدم وجوب استدامة عين ثوب الإحرام، فلا مانع منه، و تدل عليه الروايات، و أما لو كان المراد تبديل ثوبي الإحرام


1- الوسائل ج 9 الباب 38 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 312

بغيرهما و تغيير هيئة الإحرام و الخروج عن زي المحرم، فهو مشكل.

(مسألة) إذا لم يكن معه ثوبا الإحرام و كان له قباء جاز لبسه مقلوبا
اشارة

، بأن يجعل ذيله على كتفه أو يجعل باطنه ظاهرا، و لا يدخل يديه في كميه، أو لبسه مقلوبا منكوسا، بأن يجعل أسفله أعلاه و ظاهره باطنا كما يجوز له لبسه كذلك إذا اضطر اليه لبرد أو مرض و ان كان له ثوبا الإحرام.

و ادعي عدم الخلاف في أصل الحكم، و عن التذكرة انه موضع وفاق، و تدل عليه النصوص:

منها ما عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: إذا اضطر المحرم الى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء (1).

و عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين، و ان لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه(عاتقه) أو قباء بعد أن ينكسه (2).

و عن مثنى الحناط عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من اضطر الى ثوب و هو محرم و ليس معه الا قباء فلينكسه و ليجعل أعلاه أسفله


1- الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ص: 313

و يلبسه (1).

و عن علي بن أبي حمزة عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و ان اضطر الى قباء من برد و لا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء (2).

و عن جميل عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من اضطر الى ثوب و هو محرم و ليس له الا قباء فلينكسه و ليجعل أعلاه أسفله و ليلبسه (3).

و عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام في حديث قال:

و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء و يقلب ظهره لباطنه (4).

فهذه ستة روايات في المسألة و يوجد أكثر منها لا حاجة لذكرها فهل مفاد الجميع أن من يريد الإحرام و أداء هذا التكليف و ليس له رداء و معه قباء فليحرم في قبائه مقلوبا أو منكوسا عوضا عن الرداء أو المفاد أن المحرم بعد تحقق إحرامه و انعقاده إذا اضطر الى لبس القباء لبرد أو مرض فليلبسه مقلوبا أو منكوسا.

الظاهر من جملة «إذا اضطر المحرم» كما في الرواية الاولى و الثالثة و الرابعة و الخامسة الاضطرار الى لبس القباء في قضاء حوائجه


1- الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
3- الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8.
4- الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7.

ص: 314

الشخصية الطبيعية لا لأداء التكليف الثابت عليه من لزوم الإحرام لحج أو عمرة.

و هذا لا اشكال فيه و لا كلام، فان المحرم يحل له عند الاضطرار ما كان حرم عليه بالإحرام، سواء كان لبس المخيط أو غيره من تروك الإحرام.

و أما الظاهر من الرواية الثانية و السادسة وجوب لبس القباء مقلوبا أو منكوسا عند الإحرام إذا لم يكن له رداء بدلا عنه، و هذا محط البحث في المسألة.

ثم انه بناء على وجوب الإحرام في القباء مقلوبا إذا لم يجد رداء، لا يشترط فيه عدم وجدان الإزار، بل يجوز لبس البقاء و ان كان الإزار موجودا، كما هو كذلك عند الاضطرار لبرد و غيره.

و أما كيفية اللبس مقلوبابأن يجعل و يقلب ظهره بطنه و لا يدخل يديه في يدي القباءو لا يشترط النكس بأن يجعل أعلاه أسفله لعدم تصور إدخال اليدين في يدي القباء حينئذ حتى ينهى عنه، كما صرح به في الروايات المتقدمة، و هو المتبادر من لبس القباء مقلوبا و ان دخل كتفاه فيه و تسترا به.

و لكن يمكن أن يقال: انه كما يصدق لبس القباء على ما هو المتعارف المتداول لبسه بإدخال اليدين في يديه، فكذلك يصدق على لبسه بإدخال الكتفين فيه و ان قلب ظهره بطنه، فيكون لبسا منهيا عنه، و يصح أن يقال: انه لبس قباءه مثل الرداء حقيقة.

ص: 315

و على هذا فالقدر المتيقن من لبس القباء مقلوبا أن لا يدخل فيه كتفيه أيضا، و لذا أفتى الشيخ بلزوم الكفارة إذا أدخل كتفيه فيه أو لبسه نكسا، كما في رواية جميل و مثنى الحناط.

و لا تنافي بين الروايات في ذلك، إذ المستفاد من جميع النصوص ترخيص اللبس بكلتي الكيفيتين، بل لا يبعد الجمع بين الكيفيتين، بأن يلبسه مقلوبا مع جعل أسفله أعلاه، لشمول إطلاق قوله «و لينكسه و ليجعل أعلاه أسفله» لصورة القلب. و ان كان لا يشمل إطلاق القلب لصورة النكس.

(نكتة): و هي أن جواز لبس القباء منكوسا أو مقلوبا و خروجه عن عموم المخيط المنهي لبسه، هل من باب التخصيص أو التخصص

بمعنى أن لبس القباء مقلوبا أو منكوسا، هل كان داخلا في عموم النهي عن لبس المخيط و مشمولا لذلك العام، فيكون الترخيص في لبسه عند عدم وجدان الرداء أو الاضطرار تخصيصا له أو النهي عن لبس المخيط متعلق باللبس المتعارف المعمول بين الناس.

فعلى هذا لبس القباء منكوسا أو مقلوبا لم يكن منهيا من الأول لانطباق النهي على المصاديق العرفية المعمولة، و انصرافه عن غير المتعارف و الفرد النادر، فلم يكن في حال الاختيار موردا للنهي فضلا عن الاضطرار.

و الظاهر هو الأول، لشمول العموم للكيفيتين من اللبس، و كون الانصراف الى المتعارف المعمول بدويا يزول بأدنى توجه و تأمل.

ص: 316

فإن قيل: بناء على ذلك يلزم جواز اللبس سواء كان مقلوبا أو غيره.

قلت: ان ترخيص اللبس مقلوبا أو منكوسا انما لرعاية الشباهة بالرداء و حفظ الهيئة المختصة بالمحرم، بل يؤيد حصر الترخيص بتلك الحالة و الكيفية كونها محرمة في حال الاختيار.

(مسألة) يجوز لبس السراويل لمن ليس له إزار بدلا عنه
اشارة

، و ان كان له رداء يستر عورتيه، بل الأحوط أن لا يترك ذلك. و يدل عليه ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و لا تلبس سراويل الا أن لا يكون لك إزار (1).

و عن حمران عن ابى جعفر عليه السلام قال: المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار، و يلبس الخفين إذا لم يكن معه نعل (2).

(تذييل) هل يكفي الإحرام في الجلود أم لا

؟ أما المصنوع مما لا يؤكل لحمه فلا إشكال في عدم جواز الإحرام فيه، لمفهوم رواية حريز «كل ثوب تصلى فيه فلا بأس أن تحرم فيه».

و قد تقدم أن مفهوم رواية حريز انما يدل على ثبوت البأس


1- الوسائل ج 9 الباب 50 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 50 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

ص: 317

و المنع فيما لا تصح الصلاة فيه و أما ما يتخذ من الجلود مما يؤكل لحمه، أو من غير الحيوان من المصنوعات البدلية، أو من جنس النايلون فقيل لا، لما ادعي من عدم صدق الثوب عليها و لا أقل من الشك في صدقه على ذلك. و هو بإطلاقه مشكل، لما نرى في زماننا من إطلاق الثوب على أمثال ذلك، و مع ذلك الأحوط ترك الإحرام في الجلود و أمثالها من المصنوعات البدلية و النايلون و البلاستيك.

ص: 318

في أحكام الإحرام

اشارة

و هي في ضمن مسائل:

(الاولى) لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراما آخر حتى يكمل أفعال ما أحرم له، كذا قاله المحقق في الشرائع. و المقصود ان من أحرم لنسك من المناسك لا يجوز له أن يحرم ثانيا لمثل ما أحرم له أو لغيره حتى يكمل مناسك ما أحرم له أولا، إذ يجب عليه الإتمام بلا خلاف، بل ادعي الإجماع عليه بقسميه. و يدل عليه الكتاب و النصوص المشتملة على كيفية الحج.

و ظاهر كلام المحقق عدم الفرق بين العامد و الناسي و الجاهل و العالم. نعم لو كان ذلك عن عمد يبطل الإحرام و يعصى به و يعاقب عليه، بخلاف ما إذا نسي لعدم العصيان فيه أيضا، و ان كان إحرامه الثاني باطلا إلا إذا كان بعد السعي كما يأتي.

(الثانية) لو أحرم متمتعا و دخل مكة و أحرم بالحج قبل التقصير

ص: 319

ناسيا، لم يكن عليه شي ء من دم و قضاء التقصير، و كانت عمرته صحيحة، و إحرامه للحج أيضا صحيحا.

نظير من نسي السلام و شرع في صلاة أخرى. و يدل عليه أيضا رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل تمتع و نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج. قال: يستغفر اللّه (1).

و الأمر بالاستغفار و ان لم يكن صريحا في الحكم، و لكنه بمناسبة الحكم و الموضوع يعلم منه أن ذلك نظير من نسي و تكلم في الصلاة و أمر بالسجدة للسهو بعدها، في أن صلاته صحيحة الا أن السجدة وجبت عليه لتدارك المصلحة الفائتة أو لرفع النقص الحاصل بالتكلم نسيانا. و الاستغفار في المقام أيضا كذلك لكونه أمرا مندوبا على كل حال و قد أمر به في المقام لتدارك ما فات من الثواب و الكمال في حجه، لا لصدور الذنب و تحقق المعصية بترك التقصير نسيانا و بطلان عمله، إذ لو كان العمل باطلا من الأصل لكان اللازم بيانه.

و عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فدخل مكة فطاف و سعى و لبس ثيابه و أحل، و نسي أن يقصر حتى خرج الى عرفات. قال:

لا بأس به، يبنى على العمرة و طوافها و طواف الحج على أثره (2) و هي صريحة في صحة العمرة و الحج إذا نسي التقصير و أحرم للحج.


1- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 2.

ص: 320

و عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل أهل بالعمرة و نسي أن يقصر حتى دخل في الحج. قال:

يستغفر اللّه و لا شي ء عليه و قد تمت عمرته (1).

و يعارض ما تقدم من الروايات، رواية العلاء بن الفضيل قال:

سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر. قال:

بطلت متعته هي حجة مبتولة (2).

و عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبى بالحج قبل أن يقصر فليس له أن يقصر و ليس عليه متعة (3).

و حيث أن الروايتين لم يذكر فيهما النسيان و الجهل و العمد، لا يمكن معارضتهما لما تقدم من النصوص الدالة على تمامية العمرة و الحج إذا نسي التقصير، و لهذا حملهما الشيخ و غيره على العامد و بهذا يرتفع التعارض بين الطائفتين.

و بالجملة المستفاد من النصوص أن من أحرم بالحج قبل أن يقصر من العمرة نسيانا ليس عليه شي ء، و ان عمرته تامة، و كذلك حجه، بل ادعي عليه الإجماع، و ان كانت القاعدة الأولية تقتضي وجوب إتمام النسك الاولى و تكميلها ثم الشروع في النسك الثانية


1- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 4.
3- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 5.

ص: 321

الا أن الاخبار و إجماع العلماء قيدها بغير صورة النسيان.

فهذا مما لا كلام فيه، و انما الكلام في أنه هل يجب عليه دم أم لا؟ فيه وجهان، بل قولان، و منشأهما الروايات المأثورة الدالة بعضها على عدم شي ء عليه كما تقدم. و يظهر من رواية إسحاق بن عمار أن عليه دما يهريقه، قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام:

الرجل متمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج. فقال: عليه دم يهريقه (1).

و قد جمع بينهما بحمل رواية إسحاق على الندب و لا حظر فيه و لان غير الناسي في الصيد ليس عليه كفارة و ان كان ذلك في المحرمات دون ترك الواجبات.

(فرع) لو أحرم متمتعا و دخل مكة و أحرم بالحج قبل التقصير عامدا

بطلت عمرته و صارت حجته مبتولة، كذا ذكره المحقق في الشرائع، و نسبه في الدروس و المسالك إلى الشهرة، و قيل يبقى على إحرامه الأول و كان الثاني باطلا، و الأول هو المروي.

و مقتضى القاعدة في المسألة وجوب تتميم العمرة بالتقصير، و عدم جواز الشروع في الإحرام الثاني الا بعد إتمام الأول بجميع مناسكه، فلو شرع في الثاني قبل إكمال الأول، اما يكون الثاني باطلا فقط، و اما يكون مبطلا للأول أيضا.

و لكن ورد في روايتين موثقتين بل في المنتهى و المختلف


1- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 6.

ص: 322

و المسالك و الروضة تصحيح إحداهماان ترك التقصير عمدا لا يوجب بطلان إحرام العمرة، بل ينقلب الى الحج كما في ذوي الأعذار.

عن العلاء بن الفضيل قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر. قال: بطلت متعته، هي حجة مبتولة (1).

و عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبى بالحج قبل أن يقصر فليس له ان يقصر و ليس عليه متعة.

و المستفاد منها أن الإحرام الأول للعمرة المتمتع بها الى الحج لا يبطل بترك التقصير عمدا و الإهلال بالحج، بل يصير حجا مبتولا لا تمتعا، و هذا يخالف ما نقل عن ابن إدريس في السرائر حيث قال: لا يجوز إدخال العمرة في الحج و لا إدخال الحج في العمرة بمعنى أنه إذا أحرم بالعمرة لا يجوز له أن يحرم بالحج حتى يفرغ من جميع مناسكه، و كذا إذا أحرم بالحج.

و اليه أشار المحقق في كلامه حيث قال: و قيل يبقى على إحرامه الأول و كان الثاني باطلا.

قال في السرائر: و الذي تقتضيه الأدلة و أصول المذهب، انه لا ينعقد إحرامه بحج بعد ما أحرم بالعمرة حتى يتحلل منها، و قد أجمعنا على أنه لا يجوز إدخال الحج على العمرة و لا إدخال العمرة على


1- الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 4.

ص: 323

الحج، قبل الفراغ من مناسكهاانتهى.

و تبعه بعض الأصحاب في ذلك، و استدل له بأمور:

منها: ان الشروع في الثاني يوجب إبطال الإحرام الأول للنقص الحاصل فيه بترك التقصير.

و فيه: انه مدفوع بالروايتين المتقدمتين، إذ المستفاد منها أن الإحرام الأول لا يبطل بل ينقلب الى الحج المبتول، و أما الإحرام الثاني فلا يصح.

و منها: انه نوى التمتع بإحرامه الأول الذي لا يتحقق إلا بإتمام العمرة ثم الشروع في الحج بعدها، و أما صيرورتها الى الحج من دون قصد له من الأول لم يكن منويا، فما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع.

هذا صحيح على مبناه من عدم حجية اخبار الآحاد، و أما بناء على العمل بالروايتين يكون المقام كذوي الاعذار و شبيه الحائض في انقلاب العمرة الى الافراد من الحج، و لا مانع منه بعد الدليل.

و منها: انه ان نوى التمتع من الحج الذي هو فرض للبعيد، فيجب عليه إتمام ذلك حتى يكون آتيا بما هو فرضه، و لا يجوز تبديل الفريضة بفريضة أخرى و عمل آخر.

و فيه: انه بعد فتوى المشهور و دلالة الروايتين لا مانع من الالتزام بصيرورة عمرته حجة مبتولة، اما من حين الإحرام الأول أو من حين الإحرام الثاني، غاية الأمر أنه لا يجزي عن فريضة إذا

ص: 324

كان الواجب عليه التمتع (1).

هذا حكم الناسي و العامد، و أما الجاهل بالحكم فهل هو كالناسي حتى تكون عمرته تامة أو كالعامد فتكون حجته مبتولة؟ فيه وجهان، القدر المتيقن من الرواية الدالة على صحة الإحرام الأول و صيرورة العمرة حجة مبتولة، هو الجاهل بالحكم لخروج الناسي عنه قطعا كما تقدم، و العامد إذا كان عالما بالحكم، لعدم تمشي القربة منه، فيكون إحرامه كالعدم، فالرواية شاملة للجاهل سواء ادعى شمولها للعامد أيضا أولا.

(فرع): لو أحرم لحج الافراد و دخل مكة جاز له أن يطوف و يسعى و يقصر و يجعلها عمرة يتمتع بها ما لم يلب

، فان لبى انعقد إحرامه. و قيل لا اعتبار بالتلبية و انما هو بالقصد.

و قد قلنا فيما تقدم في مكلف يصح منه التمتع و الافراد معا، انه يجوز له العدول الى التمتع إذا أحرم للإفراد و دخل مكة، و يصح إحرامه قبل التلبية، لدلالة الأخبار عليه، و لكنها حملت على من لم يتعين عليه الافراد أو التمتع و الا فلا يجوز. و هكذا من أحرم للعمرة المفردة في أشهر الحج و دخل مكة يصح له أن يجعلها عمرة يتمتع بها الى الحج، للنصوص الدالة عليه.


1- لا مانع من القول بالاجزاء بعد التسليم لدلالة الروايتين كغيره من ذوي الأعذار.

ص: 325

في أحكام إحرام الصبي

قد تقدم أن الصبيان يجردون من فخ، و الإجماع قائم على جواز تأخير إحرام الصبيان الى فخ، و قلنا ان المراد منه هل هو ترك الإحرام من الميقات الى فخ أو المراد ترك التجريد من المخيط المحرم على المحرم.

ثم انه بناء على كون المراد ترك التجريد و جواز لبس المخيط الى فخ، فهل الجواز مختص بالمخيط أو يعم كل ما يحرم على المكلفين ممن أحرموا من الميقات، كالنظر إلى المرأة و الطيب و الصيد و غيرها من المحرمات على المحرم.

كل ذلك يحتاج الى دليل، و المهم نقل الأخبار الواردة في المقام. لا يخفى أن الظاهر من النصوص المميزون من الصبيان لا جميعهم، ضرورة أن رفع التكليف عن الصبي انما يختص بالذين يصح منهم العبادة، الا أن الشارع رفع الإلزام عنهم رحمة لهم

ص: 326

و رفقا بهم، و أما أصل المحبوبية و الرجحان في أعمالهم، فهو باق على حاله.

و أما غير المميز منهم، فان دل الدليل على محبوبية إحرامهم و مطلوبيته، أحرم بهم وليهم ان أراد و الا فلا وجه لشمول الإطلاقات لهم.

و من النصوص ما روي عن أيوب أخي أديم قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام من أين يجرد الصبيان؟ فقال: كان ابى يجردهم من فخ (1).

فهل المراد من التجريد إحرامهم أو تجريدهم عن المخيط كما هو الظاهر من اللفظ، ثم انه بناء على الثاني هل الجواز مختص بالمخيط أو يعم جميع التروك، و كذلك هل يختص بصورة الضرورة و العذر أو شرع لتسهيل الأمر على الصبيان، و ان لم يكن الصبي مضطرا الى لبس المخيط الى فخ؟ فكل محتمل.

و عن يونس بن يعقوب عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان معي صبية صغارا و أنا أخاف عليهم البرد فمن اين يحرمون؟ قال: ائت بهم العرج فليحرموا منها، فإنك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة، ثم قال: فان خفت عليهم فائت بهم الجحفة.

و هذه الرواية يحتمل التعميم فيها و جواز تأخير الإحرام من


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 6.

ص: 327

الأصل، و لكن القدر المتيقن منها جواز تأخير التجريد لا الإحرام، و ان كان الظاهر من سؤال الراوي «فمن أين يحرمون» و جواب الإمام «ائت بهم العرج فليحرموا منها» الرخصة في تأخير الإحرام إلى الجحفة، و لكن لا يستفاد منه تخصيص أدلة وجوب الإحرام من الميقات لأجل أن الجحفة ميقات اضطراري لمن لا يتمكن من الإحرام من مسجد الشجرة أو يشق عليه.

و عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو الى بطن مرو، يصنع بهم ما يصنع بالمحرم يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه (1).

و هذه الرواية أيضا ليست صريحة في تأخير الإحرام، بل يمكن ان يكون المراد من قوله عليه السلام «يصنع بهم ما يصنع بالمحرم» تجريدهم عن المخيط كما يجرد المحرم، فلا يخصص به عموم عدم جواز تأخير الإحرام من الميقات، و لا أدلة سائر المحرمات غير التجريد الذي صرح في الاخبار بجوازه، و يبقى عموم سائر المحرمات بحاله.

ثم ان الهدي هل هو من مال الصبي أو الولي، قال المحقق:

و يجب على الولي الهدي من ماله أيضا، لأنه كالنفقة الزائدة أو الصوم عنه إذا لم يجده.


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 3.

ص: 328

و يظهر من رواية أنه من مال الصبي، و لكنه يمكن حملها على أنه عن الصبي لا من الصبي. و قال في الجواهر: مقتضى القاعدة أن يكون من مال الولي لأنه السبب في صرف المال كما سيأتي إنشاء اللّه تعالى.

عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا الى عرفات بغير إحرام. قال: قل لهم يغتسلون ثم يحرمون، و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم (1).

و هي ظاهره في كون الذبح من مال الولي كما أن ذبحهم عن أنفسهم من مالهم.

و عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو الى بطن مرو، يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه (2).

و هذه الرواية تدل على أن الصبي إذا لم يجد هديا يصوم عنه وليه بدلا عن الهدي الذي لم يجده الصبي، و ظاهرها أنه كان من مال الصبي إذا وجده لا الولي، و ان كان الصوم من الولي عوضا عن الصبي إذا لم يجد الهدي.


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 2.
2- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 3.

ص: 329

و في الجواهر: و أما ما يظهر من صحيح معاوية بن عمار من اعتبار عدم وجدان الصبي الهدي في وجوب الصوم على الولي فلم نجد به قائلا، بل ظاهر الأصحاب خلافه، فيجب حمله على ارادة معنى «عنهم» من قوله «منهم».

و حاصله ان قوله «من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه» بمعنى أن الولي الذي لا يجد الهدى عن الصبيان يصوم عنه.

و عن زرارة عن أحدهما قال: إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره أن يلبى و يفرض الحج، فان لم يحسن أن يلبى لبوا عنه و يطاف و يصلى عنه. قلت: ليس لهم ما يذبحون. قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب، و ان قتل صيدا فعلى أبيه (1).

و المفروض في الرواية أن الصبي إذا لم يجد ما يذبح عنه يذبح ما وجد عن الصغار و يصوم الكبار عوضا عن الهدي، و ليس المراد التفصيل بين الصغار، بأن الكبار من الصبيان أي المميزين منهم يصومون و يذبح عن غيرهم، لعدم مطابقة الجواب للسؤال حينئذ، بل المراد بحسب الظاهر أن الولي يصوم عن نفسه و يذبح الهدي عن الصبي كما في رواية ابن أعين.

عن عبد الرحمن بن أعين قال: حججنا سنة و معنا صبيان فعزت الأضاحي، فأصبنا شاة بعد شاة فذبحنا لأنفسنا و تركنا صبياننا،


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 5.

ص: 330

فأتى بكير أبا عبد اللّه عليه السلام فسأله فقال: انما كان ينبغي أن تذبحوا عن الصبيان و تصوموا أنتم عن أنفسكم، فإذا لم تفعلوا فليصم عن كل صبي منكم وليه (1).

و الرواية صريحة في أن الهدي انما يكون من مال الولي، فان لم يذبح عن الصبي يجب عليه أن يصوم بدله، و مثلها رواية أخرى ذكرها في الوسائل.

ثم انه هل يجب الصوم على الولي بدلا عن الهدي إذا لم يجده مطلقا أو لا يجب عليه الا إذا لم يتمكن الصبي عن الصوم، و الا فيصوم الصبي لا الولي؟ وجهان. قال المحقق: و روي أنه إذا كان الصبي مميزا جاز أمره بالصيام عن الهدي، و لو لم يقدر على الصيام صام عنه وليه مع العجز عن الهدي.

و أورد عليه صاحب الجواهر بعدم العثور على خبر بهذا المضمون.

و لكن يمكن أن يستدل له بما روي عن زرارة عن أحدهما قال: إذا حج الرجل بابنه و هو صغير، فإنه يأمره أن يلبى و يفرض الحج، فان لم يحسن أن يلبى لبوا عنه و يطاف به و يصلى عنه.

قلت: ليس لهم ما يذبحون. قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار- الخبر.

بناء على أن المراد من الكبار المميزون من الصغار، و أما الصغار الذين يذبح عنهم فالمراد منهم غير المميزين على ما صرح


1- الوسائل ج 10 الباب 3 من أبواب الذبح الحديث 3.

ص: 331

به غير واحد من الأصحاب، و لكن قد مر أن المراد غيره و ان هذا الاحتمال مخالف للظاهر.

و ما روي عن سماعة في موثقة سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا. قال: عليه أن يضحي عنهم. قلت:

فإنه أعطاهم دراهم بعضهم ضحى و بعضهم أمسك الدراهم و صام.

قال: قد أجزأ عنهم و هو بالخيار ان شاء تركها. قال: و لو أنه أمرهم فصاموا أجزأ عنهم.

بناء على أن المراد من الغلمان الصبيان، و لكن قد يقال: ان الظاهر ارادة المماليك من الغلمان كما قد يقال ان القاعدة تقتضي أن يصوم الصبي فإنه من النسك، فإذا قدر يجب عليه أن يأتي به بنفسه و لا ينوب عنه غيره كما في التلبية و غيرها من النسك التي يأتي بها الصبي إذا قدر عليها.

و يدفع بأن الهدي انما وجب على الولي لأنه السبب لمؤنة زائدة على الصبي، فإذا لم يتمكن من الهدي عنه يجب عليه الصوم دونه، حتى لو صام الصبي يقتضي الاحتياط أن يصوم الولي عنه أيضا، و لا معنى للقول بأن وجوب الهدي انما هو بملاحظة ملازمة الصبي للولي، فلا يجب الصوم على الولي إذا لم يجد هديا، و ذلك لان ملازمة الصبي لا يلازم إحرامه، فإن الأمر و ان توجه إلى الصبي إلا أن الولي لما كان بإحرامه للصبي سببا لوجوب الهدي عليه يجب عليه أن يذبح عنه، و إذا لم يتمكن يصوم عنه، عوضا

ص: 332

عن الهدي الذي كان سببا لوجوبه عليه.

(فرع): لو لم يجد الا هديا واحدا فهل يذبحه لنفسه أو عن الصبي

أو يتخير بين جعله لنفسه أو للصبي و يصوم عن آخر. وجوه.

و القاعدة تقتضي التخيير، و لكن مقتضى الروايات أن يذبحه عن الصبي و يصوم لنفسه، و هو الأفضل كما تقدم في رواية عبد الرحمن ابن أعين (1).

(فرع): لو أتى الصبي المحرم بما يجب الكفارة به لزم ذلك الولي في ماله

كما قاله المحقق في الشرائع، و نقل عن القواعد و النهاية و الكافي، و تقدم أيضا ما يدل على ذلك فيما رواه زرارة عن أحدهما في رجل حج بابنه الى أن قال و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب، و ان قتل صيدا فعلى أبيه (2).

و هذا لا بحث فيه، و انما ينبغي التأمل في أن المراد من الولي في الروايات هل هو الولي المصطلح عليه في الفقه حتى يشمل الحاكم و لا يشمل غير الولي الشرعي أو المراد من يتولى أمر الصبي في إحرامه، و إتيان النسك و النظارة في أعماله، و انما ذكر الأب من باب المثال لغلبة مباشرته أمر ابنه؟ الظاهر هو الثاني، و وجوب الكفارة عليه انما هو من جهة كونه السبب في ذلك، لأنه أحرم به و فرض الحج عليه لا من جهة الولاية الشرعية.


1- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 5.
2- الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 5.

ص: 333

ثم ان وجوب الكفارة على الولي هل يختص بما إذا قتل الصبي المحرم صيدا أو يعم جميع المحرمات التي يوجب الكفارة عمدا و سهوا مثل الصيد؟

مقتضى القاعدة الأولية ان عمد الصبي خطأ، لا شي ء عليه أصلا لا عمدا و لا سهوا، لكن المشهور ثبوت الكفارة على الصبي إذا قتل الصيد عمدا للصحيحة المتقدمة، بل ثبوتها عليه في كل فعل محرم يوجب الكفارة على البالغ، و عدم تخصيص الحكم بقتل الصيد فقط، فان ذكر الصيد في الصحيحة انما هو من باب أنه أحد المصاديق من المحرمات، غاية الأمران ما يجب على الصبي من الكفارات انما يدفع من مال الولي لأنه السبب في ذلك، و لا يبقى وجه لما استدل به لنفي الكفارة من الوجوه الثلاثة بعد دلالة الصحيحة على ثبوتها فيما ارتكبه الصبي: منها ان أدلة الكفارة منصرفة عن الصبي، و منها ان عمد الصبي خطأ، فلا كفارة عليه في العمد فضلا عن النسيان. و القول بأن عمده خطأ في الديات لا في غيرها، مدفوع بعموم التنزيل و نفي الحكم و عدم الخطاب إليه أصلا. اللهم أن يقال: ان حكم المحرمات في المقام كالأحكام الوضعية المترتبة على أفعال الصبي أيضا، و ان لم يتوجه اليه خطاب تكليفي، و منها ان الكفارة إنما جعلت عقوبة على ما ارتكبه المحرم من العصيان و الخروج عن الوظيفة الشرعية، و لا عقوبة على الصبي الذي رفع القلم عنه حتى يحتلم، لكي يترتب عليها كفارة ليتدارك

ص: 334

بها ما فاته من المصلحة الأخروية، أو يمنع بها عن العقوبة الأخروية.

فإن الاستدلال بهذه الوجوه في مقابل الصحيحة و عمل المشهور اجتهاد في مقابل النص أو قياس منهي في الشرع.

ثم ان حكم الفداء كحكم الكفارة لا فرق بينهما، و ان فصل بعض بأن الفداء من مال الصبي دون الكفارة، لكن الحق أن حكمهما واحد و كليهما من مال الولي. نعم يجب عليه أن ينهى الصبي عما يوجب الكفارة و الفداء أو لا، و أما لو ارتكب و لم ينته عنه يجب على الولي الفداء من ماله و أما غير الكفارة و الفداء فيترتب على أفعال الصبي كما يترتب على الكبير المحرم، فيكون الجماع قبل السعي مفسدا للعمرة و الحج قبل الوقوفين، و كذا حال الإحرام.

نعم وقع النزاع و الخلاف فيما إذا عقد الولي لصبيه حال إحرام الصبي، فهل يحرم عليه إلى الأبد أو يبطل النكاح فقط، أو لا يؤثر عقد الولي شيئا؟ فقد مال بعض الى البطلان و الحرمة الأبدية لكن الحق أن ولاية الأب على الابن فيما هو مشروع له و جائز، و لا ولاية له عليه فيما لا يجوز له شرعا، فعقده كلا عقد في عدم التأثير.

(مسألة) قال المحقق: إذا اشترط في إحرامه أن يحل حيث حبس

ثم أحصر تحلل فهل يسقط الهدي؟ قيل نعم.

لا إشكال في استحباب هذا الشرط شرعا، و كذا في جواز الإحلال من حيث حبس و أحصر إذا اشترط ذلك، كما يجوز له

ص: 335

الإحلال و ان لم يشترط، و انما الإشكال في أن الاشتراط هل يوجب سقوط الهدي أم لا كما إذا لم يشترط ذلك. وجهان، بل قولان، قيل نعم، و نقل عن المرتضى و الحلي و يحيى بن سعيد و عن التذكرة فعلى هذا لو أحرم و اشترط في إحرامه ان يحله اللّه حيث حبسه ثم أحصر يحل بمجرد الإحصار، من غير أن يحتاج إلى الهدي.

و قال صاحب الجواهر في شرح قول المحقق «قيل نعم»:

بل الإجماع عليه، بل لا فائدة لهذا الشرط الا ذلك، و هو الحجة بعد صحيح ذريح المحاربي. و إطلاق الآية الكريمة الدالة على عدم الإحلال حتى يبلغ الهدي محله، محمول على من لم يشترط التحلل في إحرامه، قال عز و جل فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (1).

و المراد من الإجماع المكرر في كلمات الأصحاب الإجماع الدخولي، بمعنى العلم بقول الإمام في المسألة، فيصح دعواه لرواية معتبرة مقطوع بها، فلا يكون دليلا مستقلا.

و أما الصحيح فعن ذريح المحاربي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل متمتع بالعمرة إلى الحج و أحصر بعد ما أحرم كيف يصنع؟ قال: فقال أو ما اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر اللّه؟ فقلت: بلى قد


1- سورة البقرة الآية 192.

ص: 336

اشترط ذلك. قال: فليرجع إلى أهله حلا لا إحرام عليه، ان اللّه أحق من وفى بما اشترط عليه. قال: فقلت أ فعليه الحج من قابل؟

قال: لا (1).

و حيث أن من أحرم لحجة الواجب المستقر عليه إذا أحصر و لم يأت بالفريضة يجب عليه الحج من قابل، فلا بد من حمل الرواية على من حج تطوعا أو إحرام بغير المستقر، و على أي حال لا يجب عليه الهدي و يحل من الإحرام و لا شي ء عليه.

و روى احمد بن ابى نصر البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن محرم انكسرت ساقه أي شي ء يكون حاله و أي شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كل شي ء. فقلت: من النساء و الثياب و الطيب. فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم. ثم قال:

أما بلغك قول ابى عبد اللّه عليه السلام حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت. قلت: أصلحك اللّه ما تقول في الحج؟ قال: لا بد من أن يحج من قابل. فقلت: أخبرني عن المحصور و المصدود هما سواء. فقال: لا. قلت: فأخبرني عن النبي «ص» حين صده المشركون قضى عمرته. قال: لا و لكنه اعتمر بعد ذلك (2).

و ظاهر الرواية أن الامام عليه السلام فرض مورد السؤال صورة اشتراط المحرم الحل من حيث حبسه اللّه، ثم أجابه بأنه حلال من


1- الوسائل ج 9 الباب 24 من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- الوسائل ج 9 الباب 8 من أبواب الإحرام الحديث 1.

ص: 337

كل شي ء، فلما تعجب الراوي فسأل من النساء و الطيب قال «ع»:

أما بلغك قول ابى عبد اللّه عليه السلام «حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ذلك» ثم أجاب عن وجوب الحج عليه من قابل لاستقرار وجوب الحج عليه.

و كيف كان دلالتها على الإحلال بمجرد عروض العارض من غير حاجة الى هدي و حلق و قصد الإحلال تامة لا خفاء فيها الا انها غير معمول بها عند الأصحاب، و لذا قال المحقق بعد نقل القول بسقوط الهدى: و قيل لا يسقط، و هو الأشبه.

و قال صاحب الجواهر في شرح كلام المحقق «و هو الأشبه» بأصول المذهب و قواعده التي منها الأصل و عموم الآية و غيرها، و الاحتياط و قول الصادق عليه السلام في خبر عامر بن عبد اللّه بن جذاعة المروي عن الجامع من كتاب المشيخة لابن محبوب: في رجل خرج معتمرا فاعتل في بعض الطرق و هو محرم. قال «ع»:

ينحر بدنة و يحلق رأسه و يرجع الى رحله و لا يقرب النساء، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما فإن برأ من مرضه اعتمر ان كان لم يشترط على ربه في إحرامه، و ان كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر الا أن يشاء فيعتمرالخبر.

الظاهر أن الاستدلال بالأصل مع وجود الاخبار و دلالتها على عدم سقوط الهدي مضافا الى صراحة الآية غير وجيه. و رواية ذريح المحاربي المتقدمة الدالة على الإحلال بمجرد الحصر لا تدل على

ص: 338

سقوط الهدي، و كذا صحيحة البزنطي، إذ يمكن حملهما على صورة إرسال الهدي و حصول الإحلال بعده، لعدم العمل من الأصحاب على ظاهرهما، و مع الإجمال فيهما يبقى إطلاق الآية على حاله، و يلزم الهدي و لا يحل حتى يبلغ الهدي محله.

و تدل عليه أيضا أخبار:

(منها) ما عن معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: ان الحسين بن علي عليه السلام خرج معتمرا فعرض في الطريق فبلغ عليا ذلك و هو بالمدينة، فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا و هو مريض بها فقال: يا بني ما تشتكي. فقال: اشتكي رأسي فدعا علي ببدنة فنحرها و حلق رأسه ورده إلى المدينة، فلما برأ اعتمر. فقلت: أ رأيت حين برأ أحل له النساء. فقال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة. فقلت:

فما بال النبي «ص» حين رجع الى المدينة حل له النساء و لم يطف بالبيت. فقال: ليس هذا مثل هذا، النبي كان مصدودا و الحسين محصورا (1).

و يظهر من الرواية أن فائدة الاشتراط مع الإجماع على جواز الإحلال إذا أحصرسواء شرط أم لاليس الإحلال قهرا، بل فائدته ترتب الثواب عليه لا سقوط الهدي.

(فرع) إذا تحلل المحصور لا يسقط عنه الحج في القابل

ان


1- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحصار الحديث 3.

ص: 339

كان واجبا، نعم يسقط ان كان مندوباكذا قاله المحقق. و المقصود أنه إذا اشترط في إحرامه التحلل حيث أحصر ثم أحصر فتحلل مع الشرائط المعتبرة فيه، فهل يجب عليه العمرة أو الحج في القابل أم لا؟ وجهان بل قولان، و الاخبار في المقام مختلفة الدلالة، فيدل بعضها على أن عليه الحج من قابل، و بعضها على أنه ليس عليه شي ء.

ففي رواية ذريح المحاربي قال: فقلت أ فعليه الحج من قابل؟

قال: لا.

و روى عن ابى الصباح الكناني فيمن يشترط في إحرامه الإحلال قال: فقلت له فعليه الحج من قابل. قال: نعم (1).

و مقتضى الجمع بين الطائفتين أن يقال: ان من استقر عليه الحج و العمرة سابقا فعليه الإعادة في القابل، و أما إذا كان مندوبا و اشترط الإحلال و أحصر فتحلل لا يجب عليه الإعادة، و الشاهد على هذا الجمع ما تقدم من رواية عامر عن مشيخة ابن محبوب، و فيها «و يجب أن يعود للحج الواجب المستقر و للأداء إن استمرت الاستطاعة في قابل و العمرة الواجبة كذلك في أشهر الداخل و ان كانا متطوعين فهما بالخيار» (2).

(فرع) فهل تحل له النساء إذا أحصر و أحل من موضع الحصر


1- الوسائل ج 9 الباب 24 من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- الجواهر كتاب الحج ص 261.

ص: 340

أو لا يحل الا بعد طواف النساء؟ و المشهور انه لا تحل النساء له الا بعد الطواف في الحج و العمرة إذا كان واجبا، فيجب عليه أن يطوف طواف النساء بنفسه. نعم يجوز في المندوب نيابة الغير عنه و تدل عليه روايات:

(منها) عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: المصدود تحل له النساء و المحصور لا تحل له النساء (1).

و عنه أيضا عن ابى عبد اللّه عليه السلام في حديث: ان الحسين ابن علي «ع» خرج معتمرا فمرض في الطريق الى أن قال فدعا علي ببدنة فنحرها و حلق رأسه ورده إلى المدينة، فلما برأ من وجعه اعتمر. فقلت: أ رأيت حين برأ من وجعه أحل له النساء. فقال:

لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة- الخبر.

و في مقابل القول المشهور روايات أخرى تدل على أن النساء تحل له و لا يحتاج الى الطواف (2).

(منها) ما عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلام قال: المصدود يذبح حيث صد و يرجع صاحبه فيأتي النساء، و المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه. قلت: أ رأيت ان ردوا عليه دراهم و لم يذبحوا عنه و قد أحل فأتى النساء. قال:


1- الوسائل ج 9 الباب 6 من أبواب الإحصار الحديث 1.
2- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحصار الحديث 2.

ص: 341

فليعد و ليس عليه شي ء و ليمسك الان من النساء إذا بعث (1).

و يجمع بين الطائفتين بحمل الطائفة الثانية على الواجب من العمرة أو الحج و الطائفة الأولى على المندوب، فيجب عليه الإتمام في القابل إذا كان إحرامه لحج واجب أو عمرة كذلك، و لكن العمدة في المقام الأخبار الواردة في من نسي الطواف و أحل، فتدل تلك الاخبار على وجوب الإتيان بالطواف و لو بالاستنابة و لا يجب المباشرة فإذا أجزأت النيابة في من نسي الطواف ففي المقام بطريق أولى.

نعم يبقى الاشكال فيما رواه البزنطي عن ابى الحسن عليه السلام في محرم انكسرت ساقه الى أن قال هو حلال من كل شي ء. فقلت: من النساء و الثياب و الطيب. فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم الخبر (2).

و هي صريحة في أن النساء تحل له كما يحل الطيب و غيره، فلا بد من رفع التعارض بينهما و بين ما تقدم و لو كان بالجمع التبرعي و يمكن حملها على من كان محرما بالعمرة المتمتع بها الى الحج، فإذا اشترط في إحرامه بتلك العمرة و أحصر أحل حيث أحصر و يحل له جميع ما حرم على المحرم حتى النساء، و اما الاخبار المتقدمة فتحمل على العمرة المفردة أو الحج.

هذا ان لم يكن له شاهد من الخارج، الا أنه لا مانع منه في


1- الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الإحصار الحديث 5.
2- الوسائل ج 9 الباب 8 من أبواب الإحصار الحديث 1.

ص: 342

مقام الجمع كما قيل فيما روي «لا بأس ببيع العذرة» و ما روى «بيع العذرة سحت» فيحمل الأول على بيع العذرة الطاهرة و الثاني على غير الطاهرة.

و لا وجه للحمل على التقية. نعم لو شك في حلية النساء و عدمها لإجمال الأدلة يجري الاستصحاب و يحكم بالحرمة الى أن يطوف بنفسه أو ينوب عنه غيره.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.