سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :2
ص :3
منتهی المطلب فی تحقیق المذهب
للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر
تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
ص :4
سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :5
ص :6
و فيه مقدّمة و مقاصد
ص:7
ص:8
الزكاة في اللغة:يقال بمعنيين:الزيادة و النموّ.و الثاني:التطهير (1).يقال:زكا المال إذا نما (2)،و قال اللّه تعالى أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً (3)أي مطهّرة.
و في الشرع:عبارة عن حقّ يثبت (4)في المال بشرائط (5)يأتي ذكرها.
و قولنا:يثبت (6)،يتناول (7)الوجوب و الندب،و هو أولى من قول من قال:حقّ يجب في المال (8)،لأنّه يخرج منه الزكاة المندوبة.
إذا ثبت هذا فنقول:الوضع (9)الشرعيّ لمح فيه المعنى اللغويّ،لزيادة الثواب، و تطهير المال من حقّ المساكين،و تطهير المؤدّي من الإثم،و إذا أطلقت فهم منها المعنى الشرعيّ لا غير.
ص:9
و هي واجبة بالكتاب و السنّة و الإجماع،قال اللّه تعالى وَ آتُوا الزَّكاةَ (1).و قال:
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها (2).و الآيات في ذلك كثيرة.
و بعث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله معاذا إلى اليمن فقال:«أعلمهم أنّ اللّه افترض (3)عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم» (4).
و روى الجمهور عن ابن مسعود قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول:«ما من رجل لا يؤدّي زكاة ماله إلاّ مثّل (5)له يوم القيامة شجاعا (6)أقرع يفرّ منه و هو يتبعه حتّى يطوّقه في عنقه»ثمَّ قرأ علينا سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (7)» (8).
ص:10
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من تمام الصوم إعطاء الزكاة،كالصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من تمام الصلاة،و من صام و لم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمّدا،و من صلّى و لم يصلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ترك ذلك متعمّدا فلا صلاة له،إنّ اللّه عزّ و جلّ بدأ بها قبل الصلاة فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى (1)» (2).
و عن ابن مسكان عن رجل،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المسجد إذ (3)قال:قم يا فلان،قم يا فلان (4)حتّى أخرج خمسة نفر،فقال:
اخرجوا من مسجدنا،لا تصلّوا فيه و أنتم لا تزكّون» (5).
و روى ابن بابويه في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«إنّ (6)اللّه تعالى فرض الزكاة كما فرض الصلاة» (7)الحديث.و قد أجمع المسلمون كافّة على وجوبها.
ص:11
من منع الزكاة جاهلا عرّف وجوبها و بيّن له و ألزم بأدائها (2)،فإن امتنع قوتل على ذلك.و هذا حكم من نشأ في بادية لم يخالط أهل الإسلام،أو كان قريب العهد بالإسلام.
أمّا (3)من نشأ بين المسلمين و عرف أحكامهم إذا (4)أنكر وجوبها جهلا به،كان مرتدّا عن الإسلام،لإنكاره ما علم من الدين بالضرورة ثبوته.
أمّا لو منعها عالما بوجوبها غير مستحلّ،بل معتقد (5)لتحريم ما ارتكبه،فإنّه تؤخذ منه من غير زيادة عليها.و هو قول علمائنا أجمع،و أكثر أهل العلم (6).و قال إسحاق بن راهويه:تؤخذ منه و شطر ماله (7).و به قال الشافعيّ في القديم (8).
ص:12
لنا:قوله عليه السلام:«ليس في المال حقّ سوى الزكاة» (1).و قوله عليه السلام:
«لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه» (2).خرج منه ما أجمع على إخراجه، لخروجه عن كونه مالا له (3)،فيبقى الباقي على المنع.
احتجّ إسحاق (4)و الشافعيّ (5)بما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«في كلّ أربعين من الإبل السائمة بنت لبون،من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها،و من منعها فإنّا آخذوها (6)و شطر ماله عزمة من عزمات ربّنا،ليس لآل محمّد فيها شيء» (7).
و الجواب:اتّفق العلماء على نسخه،فقد روي أنّه كان في ابتداء الإسلام العقوبات في المال ثمَّ نسخ ذلك (8).
وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (1).
و روى الجمهور عن ابن مسعود قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:
«ما من رجل لا يؤدّي زكاة ماله إلاّ مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع يفرّ منه و هو يتبعه حتّى يطوّقه في عنقه»ثمَّ قرأ علينا سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ » (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«ما من ذي مال ذهب أو فضّة يمنع زكاة ماله إلاّ حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر (3)،و سلّط عليه شجاعا أقرع يريده و هو يحيد عنه،فإذا رأى أنّه لا يتخلّص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل،ثمَّ يصير طوقا في عنقه،و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ و ما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلاّ حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر يطأه كلّ ذات ظلف بظلفها،و ينهشه (4)كلّ ذات ناب بنابها،و ما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاته إلاّ طوّقه اللّه عزّ و جلّ ريعة (5)أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة» (6).
و روى الشيخ عن ابن مسكان،عن رجل،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المسجد إذ (7)قال:قم يا فلان،قم يا فلان،قم يا فلان،قم
ص:14
يا فلان (1)حتّى أخرج خمسة نفر،فقال:اخرجوا من مسجدنا،لا تصلّوا فيه و أنتم لا تزكّون» (2).
و في الحسن عن عبيد بن زرارة قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«ما من رجل منع (3)درهما في حقّه إلاّ أنفق اثنين في غير حقّه،و ما من رجل يمنع حقّا في ماله إلاّ طوّقه اللّه عزّ و جلّ به حيّة (4)من نار يوم القيامة» (5).
و روى ابن بابويه في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن الباقر عليه السلام قال:«ما من عبد منع من زكاة ماله شيئا إلاّ جعل اللّه ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب،و هو قول اللّه عزّ و جلّ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني ما بَخِلُوا بِهِ من الزكاة» (6).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن و لا مسلم،و سأل الرجعة عند الموت،و هو قول اللّه تبارك و تعالى حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ (7)» (8).
و قال عليه السلام:«ما ضاع مال في برّ أو بحر إلاّ بتضييع الزكاة» (9).و الأخبار في ذلك كثيرة مشهورة.
ص:15
.و هو قول العلماء.
روى الجمهور أنّ أبا بكر قاتل مانع الزكاة،و أنكر عليه عمر و قال له:أ تريد أن تقاتل العرب و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه،فإذا قالوها عصموا منّى دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها،و حسابهم على اللّه»فقال (1)أبو بكر:الزكاة من حقّها (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن أبان بن تغلب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«دمان في الإسلام حلال من اللّه تبارك و تعالى (3)لا يقضي فيهما أحد حتّى يبعث اللّه عزّ و جلّ (4)قائمنا أهل البيت،فإذا بعث اللّه عزّ و جلّ قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم (5)اللّه تعالى:الزاني المحصن يرجمه،و مانع الزكاة يضرب عنقه» (6).
و لأنّ المنع فسوق،فيجب على الإمام إزالته مع القدرة.
لنا:أنّ عمر و غيره من الصحابة امتنعوا من القتال (1)،و لو كانوا كفرة لقاتلوهم.
أمّا لو علم (2)منه إنكار وجوبها فإنّه يكون كافرا.
الثاني:لا يحلّ سبي ذراريّ المانعين و إن حلّ قتالهم،لأنّ الجناية (3)من غيرهم.
و لأنّ سبي المانع حرام،فسبي ذراريّه أولى بالتحريم.
الثالث:إن ظهر المانع للإمام دون ماله ضيّق عليه (4)و حبسه حتّى يظهره.و إن ظهر و ماله ضيّق عليه حتّى يؤدّيها،فإن امتنع أخذها الإمام قهرا.
الرابع:ليس في المال حقّ سوى الزكاة و الخمس،و الثاني يأتي البحث فيه.
و قال الشيخ في الخلاف:يجب إخراج الضغث و الكفّ عند الصرام و الحصاد (5).و به قال مجاهد،و الشعبيّ (6).و الأقرب الاستحباب و ليس من الزكاة.
لنا:قوله عليه السلام:«ليس في المال حقّ سوى الزكاة» (7).
و احتجّ الشيخ بقوله تعالى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (8)و الزكاة لا تؤتى وقت الحصاد (9).
و الجواب:المراد بذلك إيجاب الحقّ يوم الحصاد،و لو سلّم المغايرة فالأمر هنا للندب.
ص:17
و هي (1)من أركان الدين و الفرائض (2)المجمع عليها،و قد ورد في فضلها شيء كثير.
روى الشيخ عن معلّى بن خنيس،عن الصادق عليه السلام:إنّ اللّه لم يخلق شيئا إلاّ و له خازن يخزنه إلاّ الصدقة،فإنّ الربّ يليها بنفسه،و كان أبي إذا تصدّق بشيء وضعه في يد السائل،ثمَّ ارتدّه منه فقبّله و شمّه،ثمَّ ردّه في يد السائل،إنّ صدقة الليل تطفئ غضب الربّ تعالى و تمحو الذنب العظيم و تهوّن الحساب،و صدقة النهار تثمر (3)المال و تزيد في العمر» (4).
و عن السكونيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الصدقة بعشرة،و القرض بثمانية (5)عشر،و صلة الإخوان بعشرين،و صلة الرحم بأربعة و عشرين» (6).
ص:18
و عن سالم بن أبي حفصة (1)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إنّ اللّه تعالى يقول:
ما من شيء إلاّ و قد كلّفت (2)به من يقبضه (3)غيري إلاّ الصدقة فإنّي (4)أتلقّفها بيدي تلقّفا حتّى أنّ الرجل يتصدّق بالتمرة أو بشقّ تمرة (5)فأربّيها،كما يربّي الرجل فلوه (6)و فصيله، فيلقاها (7)يوم القيامة و هي مثل جبل أحد و أعظم من أحد» (8).
و في الصحيح عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«من أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ إشباع جوعة المؤمن و تنفيس كربته و قضاء (9)دينه» (10).و عن عبد اللّه بن سنان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«داووا مرضاكم بالصدقة،و ادفعوا البلاء بالدعاء،و استنزلوا الرزق بالصدقة،فإنّها تفكّ (11)من بين لحيي سبعمائة شيطان،و ليس
ص:19
شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن،و هي تقع في يد (1)الربّ قبل أن تقع في يد العبد» (2).و الأخبار في ذلك كثيرة شهيرة.
ص:20
ص:22
،و هو يتضمّن العقل و البلوغ، فلا تجب زكاة العين من الذهب و الفضّة على الصبيّ و المجنون.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال الحسن البصريّ،و سعيد بن المسيّب،و سعيد بن جبير،و النخعيّ (1)،و أبو حنيفة (2).
و قال الشافعيّ:تجب الزكاة في مالهما (3).و به قال جابر،و ابن سيرين،و عطاء،و مجاهد، و ربيعة (4)،و مالك (5)،و أحمد (6)،و إسحاق،و أبو ثور (7).
و روي عن ابن مسعود،و الثوريّ،و الأوزاعيّ أنّهم قالوا:تجب الزكاة و لا تخرج
ص:23
حتّى يبلغ الصبيّ و يفيق المجنون (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«رفع القلم عن ثلاثة:
عن الصبيّ حتّى يبلغ،و المجنون حتّى يفيق» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:قلت له في مال اليتيم:عليه زكاة؟فقال:«إذا كان موضوعا فليس عليه زكاة فإذا عملت (3)به فأنت له (4)ضامن و الربح لليتيم» (5).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام قال:سألته عن مال اليتيم،فقال:«ليس فيه زكاة» (6).
و في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«ليس في مال اليتيم زكاة» (7).
و لأنّهما ليسا من أهل التكليف فلا وجوب عليهما فلا تجب في مالهما.و لأنّ الزكاة عبادة محضة (8)تفتقر إلى النيّة فلا تجب على من يتعذّر (9)عليه النيّة.و لأنّها عبادة فلا تجب عليهما كالصلاة و الحجّ.
ص:24
احتجّ المخالف (1)بما رواه الدار قطنيّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من ولي يتيما له مال فليتّجر له،و لا يتركه حتّى تأكله الصدقة» (2).
و عن عليّ عليه السلام أنّه كان عنده مال لأيتام بني أبي رافع،فلمّا بلغوا سلّمه إليهم، و كان قدره عشرة ألف دينار،فوزنوه فنقص،فعادوا إليه عليه السلام و قالوا (3):إنّه ناقص، قال:«أ فحسبتم الزكاة؟»قالوا:لا،قال:«فاحسبوها»فحسبوها (4)فخرج المال مستويا، فقال عليّ عليه السلام:«أ يكون (5)عندي مال لا أؤدّي زكاته؟!» (6).
و لأنّ من يجب العشر في زرعه يجب ربع العشر في ورقه كالبالغ.و لأنّها حقّ في المال فيجب إخراجها من مالهما كالنفقة و قيم المتلفات (7).
و الجواب عن الأوّل:أنّ بعض أئمّة (8)الحديث قال:إنّه حديث موقوف على عمر (9)فلا يبقى (10)حجّة،و في طريقه المثنّى بن الصبّاح (11)،و فيه
ص:25
و عن الثاني-بعد تسليم السند-أنّه محمول على أنّه عليه السلام دفعه إليهم بعد بلوغهم بسنة (3)،إمّا ليحصل (4)الإيناس بالرشد،أو لأنّهم تركوه بعد بلوغهم عنده فتعلّقت الزكاة به.
و عن الثالث:بالمنع من وجود الجامع في الفرع،و مع التسليم ثبوت الفرق،فإنّ العشر يجب مرّة واحدة فلا تأكله الزكاة،بخلاف العين،و لا يلزم من وجوب الزكاة مع أدنى الضررين (5)وجوبها مع أعلاهما.
و عن الرابع:بأنّ النفقة لا تحتاج إلى النيّة،و قيم المتلفات تترتّب (6)على الإتلاف و إن فقد القصد،كما في حقّ النائم.
-نظرا و إرفاقا بهما-أن يخرج عنهما زكاة التجارة.و عليه فتوى علمائنا أجمع.
روى الشيخ في الصحيح عن يونس بن يعقوب قال:أرسلت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ لي إخوة صغارا،فمتى تجب عليهم الزكاة؟قال:«إذا وجبت عليهم الصلاة وجبت الزكاة»قال:قلت:فما (7)لم تجب عليهم الصلاة؟قال:«إذا اتّجر به فزكّوه» (8).
و عن سعيد السمّان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«ليس في مال اليتيم
ص:26
زكاة إلاّ أن يتّجر به،فإن اتّجر به فالربح لليتيم،و إن وضع (1)فعلى الذي يتّجر به (2). (3)
و في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:امرأة من أهلنا مختلطة،عليها زكاة؟فقال:«إن كان عمل به فعليها زكاة،و إن لم يعمل به فلا» (4).
و عن موسى بن بكر قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها،هل عليه (5)زكاة؟فقال:«إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة» (6).و لأنّ القدر المخرج من الزكاة ينجبر بالتجارة فاستحبّ الإخراج كالبالغ العاقل.
الأوّل:لو ضمن الوليّ المال و اتّجر لنفسه و كان مليّا كان الربح له،و عليه زكاة التجارة استحبابا،قاله الشيخ (7)،و رواه عن منصور الصيقل قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مال اليتيم يعمل به،قال:«إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال (8)،و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن المال» (9).
ص:27
الثاني:لو لم يكن مليّا أو لم يكن وليّا ضمن (1)المال و الربح لليتيم،و لا زكاة هنا على واحد منهما.
روى (2)الشيخ عن سماعة بن مهران،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:قلت له:
الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر (3)به أ يضمنه؟قال:«نعم»قلت:فعليه (4)زكاة؟ قال:«لا،لعمري لا أجمع عليه خصلتين:الضمان،و الزكاة» (5).
الثالث:قال الشيخ:إذا كان وليّا و اتّجر لليتيم كان الربح له و يأخذ منه قدر كفايته (6).
روى عن أبي الربيع قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون في يده (7)مال لأخ له يتيم و هو وصيّه،أ يصلح له أن يعمل به؟قال:«نعم،كما يعمل بمال غيره و الربح بينهما»قال:قلت:فهل عليه ضمان؟قال:«لا،إذا كان ناظرا له» (8).
و الحسن بن عليّ عليهما السلام (1)،و جابر بن زيد،و ابن سيرين،و عطاء،و مجاهد، و إسحاق،و أبي ثور (2).
و قال السيّد المرتضى (3)،و سلاّر (4)،و الحسن بن أبي عقيل،و ابن الجنيد (5)، و ابن إدريس (6)بالاستحباب،و هو الوجه.
لنا:عموم قوله عليه السلام:«رفع القلم عن ثلاثة (7).» (8).
و ما رواه الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سمعته يقول:«ليس في مال اليتيم زكاة،و ليس عليه صلاة،و ليس على جميع غلاّته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة،و إن بلغ اليتيم (9)فليس عليه لما مضى زكاة،و لا عليه لما يستقبل حتّى يدرك،فإذا أدرك كانت (10)عليه زكاة واحدة،و كان عليه (11)مثل ما على غيره من الناس (12)».
و عموم قولهم عليهم السلام (13):ليس في مال اليتيم زكاة (14).و لأنّ وجوب الزكاة نوع
ص:29
تكليف،و هو ساقط عنهم.
احتجّ الشيخ بما رواه في الصحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:«مال اليتيم ليس عليه في العين و الصامت شيء،فأمّا الغلاّت فإنّ عليها الصدقة واجبة» (1).
و الجواب:المراد بالوجوب هنا شدّة الاستحباب،جمعا بين الأدلّة .
.و هو اختيار جماعة من أصحابنا (2).و قال الشيخان:تجب الزكاة في مواشيهم (3).
لنا:ما تقدّم من الأدلّة،فإنّها عامّة للمواشي و غيرهم (4)،و لا نعرف للشيخين حجّة في ذلك،و القياس باطل عندنا مع أنّ الفرق موجود،فإنّ النموّ في الغلاّت أكثر منه في المواشي،و لا يلزم من إيجاب الزكاة هناك إيجابها (5)هنا،على أنّ الأصل ممنوع و قد تقدّم.
و قال الشيخ:إنّه لا يملك شيئا (1).و هو الحقّ،لقوله تعالى ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ (2).
و قال تعالى ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ (3).
و لأنّه مال فلا يملك شيئا،و حينئذ لا (4)تجب الزكاة عليه،و تجب على السيّد،لأنّه مالك متصرّف في المال كيف شاء.و لو ملّكه مولاه شيئا لم يملكه،لأنّه مال فلا يملك بالتمليك كالبهيمة (5)،قاله أصحابنا،فلا تجب الزكاة على العبد و تجب على السيّد.
و للشافعيّ قولان،ففي القديم:إنّه يملك بالتمليك (6)-و به قال ابن عمر،و جابر، و الزهريّ،و قتادة (7)،و مالك (8)،و أحمد في إحدى الروايتين (9)-و في الجديد:إنّه لا يملك (10).و به قال سفيان الثوريّ،و إسحاق (11)،و أصحاب الرأي (12)،و أحمد في الرواية الأخرى (13).
ص:31
فعلى القول الأوّل:لا زكاة على العبد،لأنّ العبد و إن كان يملك،لأنّه آدميّ يملك النكاح فيملك المال كالحرّ،لأنّه (1)بالآدميّة يتمهّد للملك،لأنّ اللّه تعالى خلق المال لبني آدم ليستعينوا به على القيام بوظائف العبادات،فبالآدميّة يتمهّد للملك كما يتمهّد للتكليف و العبادة،إلاّ أنّه ملك ناقص،و شرط الزكاة تمام الملك.
و لا على السيّد،لأنّ المال لغيره و هو العبد،و لا يجب على الإنسان زكاة غيره.
و على القول الثاني:لا تجب الزكاة على العبد و تجب على السيّد،لأنّه المالك و قد جعل المال في يد غيره فجرى مجرى الوكيل.
الأوّل:لو كان نصفه (2)حرّا و نصفه عبدا،ملك (3)من كسبه بقدر حرّيته،فإن (4)بلغ نصابا وجبت عليه الزكاة،خلافا للشافعيّ (5).
لنا:أنّه يملك بجزئه الحرّ و يورث (6)عنه و يتصرّف فيه كيف شاء،فالملكيّة كاملة فيه،فوجبت عليه الزّكاة كالحرّ الكامل.
احتجّ (7)بأنّ الرقّ الّذي فيه،يمنع من تمام ملكه (8).
و الجواب:المنع من عدم التماميّة.
ص:32
الثاني:المدبّر و أمّ الولد كالقنّ سواء،لعدم خروجهما بوصفيهما (1)عن الرّقّيّة (2).
الثالث:لا زكاة على المكاتب المشروط و لا المطلق إذا لم يتحرّر منه شيء.و هو قول العلماء إلاّ أبا حنيفة،فإنّه أوجب الزكاة في غلّته (3)،و أبو ثور أوجب الزكاة في ماله (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا زكاة في مال المكاتب» (5).
و لأنّ الزكاة تجب بطريق المواساة،فلا تجب في مال المكاتب،كنفقة الأقارب.
و لأنّه ممنوع من التصرّف في ماله فملكيّته غير تامّة.
لا يقال:ينتقض بالمحجور عليه و المال المرهون.
لأنّا نقول:الفرق بينهما أنّ الملكيّة هناك تامّة و النقص إنّما حصل في التصرّف (6).أمّا في (7)المحجور فلنقص تصرّفه.و أمّا في المرهون،فالمنع بعقد (8)فلا يسقط حقّ اللّه،بخلاف صورة النزاع،فإنّ المكاتب منع من التصرّف،لنقص ملكه (9).
و أمّا سقوط الزكاة عن المولى،فلأنّه ممنوع من التصرّف فيما في يد المكاتب،فالملكيّة ناقصة فيه.
ص:33
الرابع:إذا عجز المشروط عليه و ردّ في الرقّ زال المنع عن السيّد،و تصرّف فيه كيف شاء،و استقرّ الملك في يده،و استقبل الحول و ضمّه إلى ماله كالمال الواحد.
الخامس:إذا أدّى المكاتب نجوم كتابته تحرّر و استقرّ الملك (1)و استقبل الحول، فتجب الزكاة عليه إذا بلغ ما في يده نصابا،و لا يزكّيه عمّا مضى،بخلاف الضالّ،لأنّ الملك هناك تامّ لم يزل بالاختفاء،و إنّما تعذّر التصرّف فيه فاستحبّت (2)الزكاة فيه،بخلاف المكاتب،لنقصان ملكه (3).
،بل تجب الزكاة على الكافر إذا اجتمعت الشرائط فيه،عملا بعموم الأوامر،و قد تقدّم في الأصول ما يدلّ على كون الكفّار مخاطبين بالعبادات (4).
نعم لا يصحّ (5)منه أداؤها،لأنّها مشروطة بنيّة القربة،و هي لا تصحّ منه،فإذا أسلم فلا قضاء عليه بل سقطت عنه،لقوله عليه السلام:«الإسلام يجبّ ما قبله» (6).و يستأنف الحول عند الإسلام.
ص:34
ص:36
تجب الزكاة في تسعة أصناف هي:إنعام،و أثمان،و أثمار.
فالأنعام ثلاثة:الإبل،و البقر،و الغنم.
و الأثمان:الذهب،و الفضّة.
و الأثمار:الحنطة،و الشعير،و التمر،و الزبيب.
و قد اتّفق علماء الإسلام على وجوب الزكاة في هذه الأصناف،و لا تجب في غيرها.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال ابن عمر،و موسى بن طلحة (1)،و الحسن البصريّ، و ابن سيرين،و الشعبيّ،و الحسن بن صالح بن حيّ،و ابن أبي ليلى،و ابن المبارك، و أبو عبيد (2)،و أحمد في إحدى الروايتين (3).
قال الشافعيّ:لا تجب الزكاة في شيء من الثمار إلاّ التمر،و الزبيب (1)،و به قال أحمد في إحدى الروايتين،و هو مذهبنا.و قال في الأخرى:تجب في كلّ ثمر اجتمع فيه هذه الأوصاف:الكيل،و البقاء،و اليبس ممّا ينبته الآدميّون،كالتمر،و الزبيب،و اللوز، و الفستق،و البندق (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن عبد اللّه بن عمر قال:إنّما سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الزكاة في هذه الأربعة:الحنطة،و الشعير،و التمر و الزبيب (3).
و عن أبي بردة،عن أبي موسى و معاذ،أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعثهما إلى اليمن يعلّمان الناس أمر دينهم،فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلاّ من هذه الأربعة:الحنطة، و الشعير،و التمر،و الزبيب (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و بريد بن معاوية العجليّ و الفضيل بن يسار عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:«فرض اللّه الزكاة مع الصلاة في الأموال،و سنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في تسعة أشياء و عفا عمّا سواهنّ:في الذهب،و الفضّة،و الإبل،و البقر،و الغنم، و الحنطة،و الشعير،و التمر،و الزبيب،و عفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمّا سوى ذلك» (5).
ص:38
و عن زرارة قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن صدقات الأموال،قال:«في تسعة أشياء ليس في غيرها شيء:في الذهب،و الفضّة،و الحنطة،و الشعير،و التمر،و الزبيب، و الإبل،و البقر،و الغنم السائمة و هي الراعية،و ليس في شيء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شيء،و كلّ شيء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شيء حتّى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج» (1).
و لأنّ الأصل عدم الوجوب،فيصار (2)إليه إلى أن يظهر المنافي.و لأنّ غير هذين من الثمار غير منصوص عليه و لا مجمع عليه و لا هو في معناهما في غلبة الاقتيات (3)و كثرة (4)النفع (5)،فلا يصحّ قياسه عليهما.و احتجاجهم (6)بقوله عليه السلام:«فيما سقت السماء العشر» (7)بعد تسليم عمومه،أنّه مخصوص بما تلوناه من الأحاديث.
لا تجب الزكاة في الزيتون.و عليه علماؤنا أجمع،و به قال ابن أبي ليلى، و الحسن بن صالح (8)،و الشافعيّ في الجديد.
ص:39
و قال في القديم:تجب فيه الزكاة (1).و به قال الزهريّ،و الأوزاعيّ،و الليث (2)، و مالك (3)،و الثوريّ،و أبو ثور،و أصحاب الرأي (4).و عن أحمد روايتان (5).
لنا:ما تقدّم من الأحاديث (6).و لأنّه ليس بمقتات في الاختيار (7)،فلا تجب فيه الزكاة،كالتين.و لأنّه لا يدّخر يابسا فأشبه الخضراوات.
احتجّوا (8)بقوله تعالى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (9)عقيب قوله وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمّانَ (10).
و الجواب:إنّما تدلّ الآية على الإيتاء فيما يثبت فيه الحصاد،و لهذا لا تجب الزكاة في الرمّان و إن ذكر بعد الزيتون،على أنّه قد قيل:إنّ (11)الآية مكّيّة،و الزكاة فرضت في المدينة.و قيل:إنّها منسوخة،قاله النخعيّ (12).و مع هذه الاحتمالات فلا حجّة فيها على مطلوبهم.
ص:40
لا تجب الزكاة في شيء من الحبوب إلاّ الحنطة،و الشعير (1).ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أحمد في إحدى الروايتين (2).
و قال الشافعيّ:تجب في كلّ مقتات يدّخر من جنس ما يزرعه الآدميّون و هي القطنيّة (3)،كالعدس،و الماش،و الحمّص،و أشباهها،و سمّيت قطنيّة،لأنّها تقطن في البيت أي تمكث (4).و به قال مالك (5)،و أبو حنيفة (6)،و أبو يوسف،و محمّد (7).
لنا:ما تقدّم،و القياس على الحنطة و الشعير بالاقتيات لا يعارض النصّ،مع أنّ المعنى المقصود في الأصل أتمّ منه في الفرع فلا يتعدّى الحكم.
و قال علماؤنا:إنّما تجب فيما عدّدناه من الأربعة المزروعة (1)خاصّة،عملا بما تقدّم من الأحاديث (2).و حديث أبي حنيفة عامّ فيكون أخبارنا (3)مقدّمة (4)عليه.
و يعارضه:ما رواه الجمهور عن عليّ عليه السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«ليس في الخضراوات صدقة» (5).
و عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر صدقة» (6).و لأنّه لا يقتات في الغالب،فلا يجب فيه العشر،كالحشيش و القصب.
و الجواب:لا حجّة في ذلك،لجواز أن يكون عن (1)رأي،أو يكون على جهة الاستحباب.
الزعفران لا زكاة فيه.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أكثر الجمهور (2)، و للشافعيّ قولان (3).
لنا:ما تقدّم.و لأنّه ليس له أصل ثابت،فلا يقاس على غيره.
لنا:ما تقدّم.
لا زكاة في البزور كبزر الكتّان و القثّاء و الخيار.و عليه علماؤنا،خلافا لأكثر الجمهور (1)،و الحجّة ما تقدّم.
احتجّوا (1)بأنّ رجلا يقال له هلال (2)أدّى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عشور نحل له (3).
و الجواب:الأداء لا يستلزم الوجوب.
لا زكاة في الخضراوات،كالبطّيخ،و الباذنجان،و البقول.و لا في الورق،كورق السدر،و الآس.و لا في الأدهان،كدهن البنفسج،و الشيرج،و لا في شيء من الأزهار،كالعصفر،و الزعفران.و لا فيما ليس بحبّ،كالقطن،و الكتّان.و عليه علماؤنا أجمع،خلافا لبعض الجمهور (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن عليّ عليه السلام قال:«ليس في الخضراوات صدقة» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«ليس على الخضر،و لا على البطّيخ،و لا على البقول،و أشباهه زكاة،إلاّ ما اجتمع عندك من غلّته (6)فبقي (7)سنة» (8).
ص:45
و في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام[أنّهما] (1)قالا:
«عفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الخضر»قلت:و ما الخضر؟قال:«كلّ شيء لا يكون له بقاء:كالبقل،و البطّيخ،و الفواكه و شبه ذلك ممّا يكون سريع الفساد»قال زرارة:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:هل في القضب (2)شيء؟قال:«لا» (3).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن الخضر فيها زكاة و إن بيع بالمال العظيم؟قال:«لا،حتّى يحول عليه الحول» (4).
العلس،قال الشيخ:إنّه نوع من الحنطة،يقال:إذا ديس بقي كلّ حبّتين في كمام،ثمَّ لا يذهب ذلك حتّى يدقّ أو يطرح في رحى خفيفة[و] (5)لا يبقى بقاء الحنطة، و بقاؤها في كمام،و يزعم أهلها أنّها إذا هرست أو طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف،فإذا كان كذلك تخيّر أهلها بين أن يلقى عنها الكمام و يكال على ذلك،فإذا بلغت النصاب أخذ منها الزكاة أو يكال على ما هي عليه،و يؤخذ من كلّ عشرة أوسق زكاة، و لو اجتمع عنده حنطة و علس ضمّ بعضه إلى بعض،لأنّها كلّها حنطة (6).و على قول الشيخ إنّه نوع من الحنطة تجب فيه الزكاة و يضمّ إلى الحنطة كما قال.
السلت،قال الشيخ:إنّه نوع من الشعير تجب فيه الزكاة كالشعير و يضمّ إليه إذا بلغا نصابا وجبت الزكاة (7).و عندي في هذين إشكال.
ص:46
لا زكاة في جميع ما يخرج من البحر من اللؤلؤ،و العنبر و غير ذلك، بل يجب فيه الخمس على ما يأتي.و قال عبيد اللّه بن الحسن العنبريّ:تجب الزكاة في جميع ما يستخرج من البحر غير السمك (1).
لنا:ما تقدّم (2).و ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّه قال:لا زكاة في العنبر (3).
و عن عائشة قالت:ليس في اللؤلؤ زكاة (4).و لم يخالفها أحد من الصحابة.و لأنّه ليس بنام (5)فأشبه السمك.
احتجّ بأنّه مال (6)مخرج (7)من معدنه فوجبت فيه الزكاة،كالذهب و الفضّة.
و الجواب:يبطل قياسهم بالسمك.
لا زكاة في شيء من الحيوان إلاّ الثلاثة الأصناف التي ذكرناها (8)، فلا تجب في البغال و الحمير و الرقيق (9)و لا تستحبّ،و لا تجب في الخيل،و تستحبّ في إناثها السائمة عن كلّ عتيق ديناران،و عن كلّ برذون دينار واحد.و قال أبو حنيفة:تجب في الخيل الإناث أو المجتمع (10)منها و من الذكور في كلّ فرس دينار،و لا تجب في الذكور
ص:47
و المنفردة (1).و أنكر ذلك الشافعيّ (2)،و مالك (3)،و أحمد (4).
لنا على عدم الوجوب:ما تقدّم من الأخبار الدالّة على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عفا عمّا سوى التسعة (5).
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«ليس على المسلم في فرسه و غلامه زكاة» (6).
و عنه عليه السلام قال:«ليس في الجبهة و لا في الكسعة و لا في النخّة صدقة» (7).
و الجبهة:الخيل،و الكسعة:الحمير،و النخّة:الرقيق.و قيل:البقر العوامل (8).
و على الاستحباب:ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:هل في البغال شيء؟فقال:«لا»قلت (9):فكيف صار على الخيل و لم يصر
ص:48
على البغال؟فقال:«إنّ (1)البغال لا تلقح و الخيل الإناث ينتجن و ليس على الخيل الذكور شيء» (2)قال:قلت:هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شيء (3)؟فقال:
«لا (4)،ليس على ما يعلف شيء إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها (5)عامها الذي يقتنيها فيه الرجل،فأمّا سوى ذلك فليس فيه شيء» (6).
و في الحسن عن محمّد بن مسلم و زرارة عنهما (7)عليهما السلام قالا:«وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين،و جعل على البراذين دينارا» (8).
احتجّ أبو حنيفة (9)بما روى جابر،قال:«في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار» (10).
و لأنّه حيوان يطلب نماؤه فكان كالنعم.
و الجواب عن الأوّل:إنّا نقول بموجبة و نحمله (11)على الاستحباب.
و عن الثاني:بالفرق (12)،فإنّ فائدة الخيل أضعف من فائدة غيرها،و معارض
ص:49
بالنصّ و العمل عليه.
لا زكاة في بقر الوحش.و هو قول الفقهاء.و قال أحمد في إحدى الروايتين:تجب فيها محتجّا (1)بقوله عليه السلام:في ثلاثين من البقر تبيع (2).و هو خطأ، لأنّه ينصرف بإطلاقه إلى الأهليّة.و لأنّه حيوان وحشيّ لا يجزئ في الأضحيّة،و لا يسام في العادة فلا تجب فيه الزكاة.
.و هو قول العلماء كافّة،فلا تجب الزكاة على غير المالك (3).
و التمكّن من التصرّف شرط أيضا،فلا تجب الزكاة في المال (4)المغصوب،و المسروق، و المجحود،و الضالّ،و الموروث عن غائب حتّى يصل إلى الوارث أو وكيله،و الساقط في البحر حتّى يعود إلى مالكه و يستقبل به الحول.و عليه فتوى علمائنا،و به قال أبو حنيفة (5)، و أحمد في إحدى الروايتين،و الثانية:عليه زكاة (6).و للشافعيّ قولان (7).
لنا:أنّه ممنوع من التصرّف فيه،فليس محلاّ للزكاة،كالمكاتب.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام
ص:50
قال:«لا صدقة على الدين،و لا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك» (1).
احتجّوا بأنّه مال مملوك ملكا تامّا،فتجب فيه الزكاة،كما لو نسي عند من أودعه أو حبس أو أسر دونه (2).
و الجواب:الملك و إن كان موجودا،إلاّ أنّ أثره و فائدته مفقودان،فجرى (3)مجرى مال المكاتب،و المقيس عليه يمنع ثبوت الحكم فيه.
الأوّل:إذا عاد المغصوب أو الضالّ إلى ربّه،استحبّ له أن يزكّيه لسنة واحدة.ذهب إليه علماؤنا،و قال مالك:يجب (4).
لنا:أنّ المقتضي للسقوط في السنين المتقدّمة موجود في السنة فثبت (5)الحكم كغيرها،و أمّا بيان الاستحباب:فلأنّه برّ،فيدخل تحت قوله تعالى وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ (6).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه،قال:«لا زكاة عليه حتّى يخرج،فإذا خرج زكّاه لعام واحد،و إن (7)كان يدعه متعمّدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من
ص:51
السنين» (1).
و في الحسن عن رفاعة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثمَّ يأتيه و لا يزيد على رأس المال كم يزكّيه؟قال:«سنة واحدة» (2).
و دلّ على أنّ الأمر هنا لاستحباب:ما تقدّم.
احتجّ مالك بأنّ ابتداء الحول كان في يده ثمَّ حصل بعد ذلك في يده فوجب أن لا تسقط الزكاة عن حول واحد و لا يعتبر ما تخلّل ذلك (3).و هذا غلط،لأنّ المانع من وجوب الزكاة إذا وجد في بعض الحول منع كنقصان النصاب.
الثاني:قال الشيخ:لو كان عنده أربعون شاة فضلّت واحدة،ثمَّ عادت قبل حؤول الحول أو بعده،وجب عليه فيها شاة،لأنّ النصاب و الملك و حؤول الحول قد حصل فيه، فإن لم يعد إليه أصلا فقد انقطع الحول بنقصان النصاب فلا يلزمه شيء و إن قلنا إنّها حين ضلّت انقطع الحول،لأنّه لم يتمكّن من التصرّف فيها،مثل مال الغائب،فلا يلزمه شيء و إن عادت،كان قويّا (4).و ما قوّاه الشيخ عندي هو الوجه.
الثالث:لا فرق بين أن يكون الضالّ من النعم سائما أو غير سائم،و لا فرق بين السائم و غيره عند الغاصب،أو عند المالك،أو عندهما في سقوط الزكاة،لعدم الشرط،و هو إمكان التصرّف.نعم،على تقدير الاستحباب إذا كانت سائمة عند هما استحبّت الزكاة،و إن كانت معلوفة عند المالك سائمة (5)عند الغاصب ففي استحباب الزكاة تردّد ينشأ من كون المالك لم يرض بسومها فلا يستحبّ بفعل الغاصب،و من كون الشرط،و هو السوم موجود
ص:52
من الغاصب فلا يسقط الاستحباب،كما لو غصب حبّا من رجل فبذره فإنّ الزكاة تجب فيه مع التمكّن،و كذا لو تناثر الحبّ من مالكه فأنبته السيل (1)،و إن كان بالعكس ففيه احتمال استحباب الزكاة،لأنّ علف الغاصب محرّم فلا يسقط المستحبّ (2)،و العدم،لأنّ الشرط و هو السوم لم يوجد.و لو كانت معلوفة عندهما لم تستحبّ الزكاة.هذا كلّه على تقدير اشتراط السوم في الاستحباب،و فيه إشكال.
الرابع:لو أسر في بلد الشرك و له مال في بلد الإسلام،لم تجب عليه زكاته.
و للشافعيّ قولان (3).
لنا:أنّه غائب عن ماله و الغيبوبة يتحقّق من (4)الطرفين،فيسقط وجوب الزكاة عنه.
الخامس:الوقف من النعم السائمة لا زكاة فيه،لنقصان الملك،فجرى مجرى المكاتب، فإنّه لا يمكنه التصرّف فيه بغير الاستنماء.و لأنّ الزكاة تجب في العين،فلو أخرجناها خرج الوقف عن كونه وقفا،و هو باطل.
عن فطرة،و عن غيرها.
فالأوّل:يجب قتله على كلّ حال،و تبين (5)منه زوجته من حين الارتداد،و تزول أمواله و تنتقل إلى ورثته.
إذا ثبت هذا-فيما بعد إن شاء اللّه تعالى-فإن حال الحول على ماله ثمَّ ارتدّ وجبت الزكاة فيه تؤخذ منه،و إن لم يحل الحول على ماله،انتقل إلى ورثته و استقبلوا الحول من حين ارتداده.
ص:53
و الثاني:لا يجب قتله إلاّ بعد امتناعه من التوبة إذا عرضت عليه،و لا تزول أمواله إلاّ بعد قتله أو فراره إلى دار الحرب،فإن حال الحول على ماله وجبت عليه الزكاة،و إن لم يحل عليه الحول و لم يحصل موجبا الانتقال أتممنا (1)الحول،فإذا تمَّ وجبت الزكاة،و إن حصل أحد الموجبين انتقل ماله إلى ورثته و استأنفوا الحول حينئذ.و بما قلناه قال الشافعيّ في أحد أقواله.
و في الآخر:لا زكاة،لأنّه بالارتداد زال ملكه عنه.
و في الثالث:إن أسلم تبيّنّا أنّ ملكه لم يزل،و إن قتل على الردّة تبيّنّا زوال ملكه (2).
و البحث هاهنا (3)مبنيّ على زوال ملك المرتدّ،و سيأتي.
أبو حنيفة:تسقط عنه (1).
لنا:أنّه حقّ ماليّ وجب،فلا يسقط بالارتداد،كالدين.
احتجّ أبو حنيفة بأنّ من شرطها النيّة (2).
و الجواب:لا يسقط الواجب بعدم الشرط مع إمكان (3)حصوله.
الثالث:لو أخذ الإمام الزكاة ثمَّ أسلم،سقطت عنه،لأنّه واجب أخرج على وجهه، فلا يتعقّب القضاء.و خالف فيه بعض الجمهور اعتبارا بالنيّة (4).
و جوابه أنّ نيّة الإمام كافية.و كذا البحث في نائب الإمام.أمّا لو أخذها غيرهما،فإنّه لا يسقط عنه،لأنّ الآخذ لا ولاية له على الأخذ،فلا يقوم مقام المالك.
الرابع:لو أدّاها بنفسه في حال ردّته لم تجزئ عنه،لعدم النيّة المعتبرة من المالك و من يقوم مقامه.
الخامس:من أخفى ماله أو بعضه (5)حتّى لا تؤخذ منه صدقة،عزّر،إلاّ أن يدّعي الشبهة المحتملة،و تؤخذ منه الزكاة من غير زيادة.
السادس:المتغلّب إذا أخذ الزكاة لم يجزئ عن المالك،و يجب عليه إعادتها إلى مالكها،لأنّه ظالم.قال (6)الشيخ:و قد روي أنّه يجزئه،و الأوّل أحوط (7).
ص:55
أحدهما:الوجوب (1).و رواه الجمهور عن عليّ عليه السلام،و به قال الثوريّ، و أبو ثور (2)،و أصحاب الرأي (3)،و جابر،و طاوس،و النخعيّ،و الحسن،و الزهريّ، و قتادة،و حمّاد (4)،و الشافعيّ (5)،و أحمد (6)،و إسحاق (7).
و الثاني:عدم الوجوب (8).و به قال عكرمة،و عائشة،و ابن عمر (9)،و الشافعيّ في القديم (10).و قال سعيد بن المسيّب:يزكّيه لسنة واحدة (11).و الأقرب عندي عدم الوجوب.
لنا:أنّه ملك لا ينمي فأشبه عروض القنية.و لأنّه غير متعيّن إلاّ بالقبض فيكون
ص:56
كغير المملوك.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا صدقة في الدين» (1).و في الموثّق عن محمّد بن عليّ الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:قلت له:ليس في الدين زكاة؟قال:«لا» (2).
و في الصحيح عن إسحاق بن عمّار و صفوان بن يحيى قال:قلت لأبي إبراهيم عليه السلام:الدين عليه زكاة؟فقال:«لا،حتّى يقبضه»قال:قلت:فإذا قبضته أزكّيه (3)؟قال:«لا،حتّى يحول الحول في يديه» (4).
احتجّ الشيخان بأنّه مال مملوك اجتمعت فيه شرائط الوجوب،فثبت الوجوب (5).
و بما رواه درست (6)عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«ليس في الدين زكاة إلاّ أن
ص:57
يكون صاحب الدين هو الذي يؤخّره (1)،فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتّى يقبضه» (2).
و عن عبد العزيز (3)قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون له الدين أ يزكّيه؟قال:«كلّ دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته،و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة (4)» (5).
و الجواب عن الأوّل:المنع من اجتماع الشرائط فإنّ الدين غير متعيّن على ما قلناه.
و عن الروايتين:أنّ سند رواياتنا أصحّ،فالعمل عليها،مع موافقتها للأصل.
الأوّل:الشيخان إنّما أوجبا الزكاة في الدين على تقدير أن يكون التأخير من جهة صاحبه بأن يكون على مليّ باذل،و هو حالّ.أمّا لو كان التأخير من جهة من عليه الدين، بأن يكون المدين عاجزا عنه،أو يكون متمكّنا إلاّ أنّه جاحد،أو يكون غير حالّ،فإنّ الزكاة ساقطة هنا (6).
و قال أبو يوسف:إذا كان جاحدا في الظاهر معترفا به في الباطن،لا تجب عليه
ص:58
الزكاة (1).و قال الشافعيّ:تجب عليه الزكاة (2).و عن أحمد روايتان (3).
لنا-تفريعا على القول بالوجوب-:أنّه لا يقدر على قبضه،فكان كالمحجور عليه.
احتجّ الشافعيّ بأنّه مليّ معترف به في الباطن،فأشبه المعترف به ظاهرا (4).
و الجواب:الفرق،إنّ التمكّن مفقود (5)هنا.
و لو كان جاحدا في الظاهر و الباطن،أو كان معترفا به و هو معسر فلا زكاة.
و للشافعيّ قولان (6)،و عن أحمد روايتان (7).
لنا:أنّه غير متمكّن،و التمكّن شرط.
و لو كان له بيّنة،أو كان الحاكم يعلمه،فعلى القول بالوجوب ينبغي الوجوب هنا، لأنّه متمكّن من أخذه في الظاهر.و قال محمّد بن الحسن:إن علمه الحاكم وجبت،و إن كان له بيّنة لم تجب،لأنّ الحاكم قد يقبلها و قد لا يقبلها (8).و هو ضعيف،لأنّه إذا ترك إقامة البيّنة حتّى مضى حول فقد ترك الأخذ مع الإمكان.
الثاني:الدين المؤجّل لا زكاة فيه.و للشافعيّ قولان (9).
لنا:أنّه غير مقدور عليه و لا تحلّ المطالبة به قبل الأجل فلا تجب فيه.
ص:59
احتجّوا بأنّه مملوك له فأشبه الدين الحالّ (1).
و الجواب:التمكّن من التصرّف شرط،و قد فقد.
الثالث:قال الشيخ:لو كان له مال و دين ضمّ أحدهما إلى صاحبه (2).
و هو بناء على أصله من وجوب الزكاة في الدين،و نحن لمّا لم نوجبها فيه لم يجب الضمّ عندنا.
الرابع:يستحبّ له إذا قبضه أن يزكّيه لسنة (3)واحدة،لأنّه يجري (4)مجرى المغصوب و المفقود (5).
الخامس:اللقطة بعد الحول يملكها الملتقط إذا نوى التمليك و كانت في غير الحرم.
إذا ثبت هذا فالزكاة إنّما تجب عليه إذا استقبل بها حولا آخر و مضى،و لا يحتسب (6)الحول الأوّل،لأنّه غير مالك فيه،فإذا جاء ربّها (7)و أخذها فلا زكاة عليه وجوبا، و يستحبّ له أن يزكّيها عن الحول الذي منع الملتقط منها فيه.
و اعلم أنّ الملتقط يجب عليه بعد الحول و نيّة التملّك ضمانها بالمثل أو القيمة،و لا يجب عليه ردّها على (8)مالكها،و به قال الشافعيّ (9)-و سيأتي البحث فيه-فحينئذ نقول:هو مالك بعد الحول فتجب عليه الزكاة.و خالف فيه بعض الجمهور بناء على أنّ الدين يمنع من
ص:60
الزكاة (1)،و ليس بشيء.
السادس:صداق المرأة إذا قبضته (2)و حال عليه الحول وجبت الزكاة فيه،لأنّه مملوك لها و (3)سواء دخل بها أو لم يدخل،و لو طلّقها قبل الدخول انقطع الحول في النصف و تمّمت (4)الحول في المتخلّف إن بلغ نصابا،و إن لم تقبضه كان بمنزلة الدين،و قد مضى البحث فيه (5).
و لو انفسخ النكاح لعيب (6)فسقط المهر كلّه فلا زكاة إذا لم يكن مقبوضا لا وجوبا و لا استحبابا،و لو كان مقبوضا ففيه (7)إشكال أقربه الوجوب،و تضمن هي (8)المأخوذ في الزكاة.
و لو كان الصداق دينا على الزوج فحال عليه الحول و هو نصاب وجبت الزكاة على أحد القولين لأصحابنا (9).و على القول الآخر:استحبّت (10).فلو سقط نصفه (11)بالطلاق قبل الدخول قبضت النصف و استحبّت الزكاة فيه خاصّة،و لا تجب فيما لم تقبضه،و لا تستحبّ أيضا،لأنّه دين لم يتعوّض عنه (12)،و لم تقبضه فأشبه التالف.
إذا ثبت هذا:فالزكاة في الصداق إنّما تثبت في المقبوض لا ما سقط بالطلاق،فلو كان
ص:61
كلّه نصابا و حال عليه الحول ثمَّ طلّقها (1)فسقط نصفه فعليها زكاة المقبوض خاصّة إمّا وجوبا،أو استحبابا على أحد القولين،لأنّ الزكاة وجبت فيه ثمَّ سقطت عن نصفه لمعنى اختصّ به فلا يتعدّى السقوط.
و لو أصدقها نصابا معيّنا ليس بدين ملكته بالعقد،فإن دخل استقرّ في ملكها و وجبت الزكاة،و يستقبل الحول من حين العقد قبل القبض و بعده،لأنّه حين الملك.
و لو (2)لم يدخل عاد النصف إليه بالطلاق،فإن طلّق قبل الحول فلا زكاة في نصفه،و تجب في نصفها إن بلغ نصابا،و إن طلّق بعد الحول فإن كانت قد أخرجت الزكاة من العين رجع عليها بالنصف موفّرا و كان المأخوذ من حصّتها (3)،لأنّه نصف ما أعطاها،و إن أخرجت من غيرها رجع عليها بالنصف أيضا،و إن لم تكن قد أخرجت شيئا أخذ الزوج النصف موفّرا و كان عليها حقّ الفقراء.
(و لو طلّقها قبل الدخول بعد الحول فأراد قسمة المال كان لهما ذلك و هو أحد قولي الشافعيّ.و في الآخر:لا يجوز،لأنّ الفقراء شركاء (4).و هو غلط،لأنّ ربّ المال مخيّر في تعيين حقّ الفقراء فيما اختاره من المال أو غيره،فلم يمنع القسمة،فإذا قسّمت مع الزوج و طلب الساعي الزكاة أخذها من نصيبها،و إن (5)لم يجد لها شيئا أخذ ممّا في يد الزوج،لأنّ الزكاة وجبت بسببه،فإذا أخذ منها شاة ففي بطلان القسمة نظر،من حيث أنّ حقّ المساكين تعيّن في المال المقسوم فيلزم بطلان القسمة،و يمكن القول بالصحّة،لأنّ التعيين في الحصّة حصل بعد القسمة و يرجع الزوج بالقيمة،و هو أقرب.
و لو أصدقها حيوانا في الذمّة لم تثبت الزكاة لا وجوبا و لا استحبابا،لأنّ الشرط
ص:62
السوم و هو لا يتحقّق في الدين) (1).
و لو هلك النصف أخذ الساعي الزكاة من نصيب الزوج،لأنّها تجب في العين و رجع (2)الزوج عليها بالمأخوذ،لأنّه تلف في يدها.
و قال الشافعيّ:إذا طلّقها قبل الدخول و كان الجميع باقيا أخذ الزوج نصف الموجود و رجع عليها بنصف قيمة المخرج (3).
لنا:قوله تعالى فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ (4).و لأنّه يمكنه أخذ العين فلا يجب الرجوع إلى القيمة كما لو لم يأخذ المصدّق شيئا.
احتجّ الشافعيّ بأنّه لو تلف الجميع رجع بنصف القيمة فكذا لو تلف البعض (5).
و الجواب:الفرق التعذّر من الرجوع في العين هناك،بخلاف صورة النزاع.
و لو طلّقها قبل الدخول بعد الحول و قبل الإخراج لم يخرج من العين إلاّ بعد القسمة، لأنّه مشترك بينهما.و لو كان الصداق دينا فأبرأته منه بعد الحول (6)تثبت الزكاة عليها وجوبا أو استحبابا على الخلاف،لأنّها المتلفة (7).
و قال أحمد:تجب الزكاة على الزوج،لأنّه مالك له لم يزل عنه (8).و هو خطأ،لأنّ الزوج لم يملك شيئا و إنّما سقط الدين عنه.
،فإن تركه المقترض بحاله و هو ممّا تجب فيه الزكاة
ص:63
حتّى حال عليه الحول،وجبت الزكاة على المقترض،لوجود المقتضي.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:
قلت له:رجل دفع إلى رجل ما لا قرضا على من زكاته؟أعلى المقرض أو على المقترض؟ قال:«لا،بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض»قال:قلت:فليس على المقرض زكاتها؟قال:«لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد،و ليس على الدافع شيء، لأنّه ليس في يده شيء،لأنّ المال في يد الآخر،فمن كان المال في يده زكّاه»قال:قلت:
أ فيزكّي مال غيره من ماله؟فقال:«إنّه ما له ما دام في يده و ليس (1)ذلك المال لأحد غيره» ثمَّ قال:«يا زرارة أرأيت في وضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو؟و على من؟»قلت:
المقترض (2)،قال:«فله الفضل و عليه النقصان،و له أن يلبس و ينكح و يأكل منه و لا ينبغي له أن يزكّيه (3)؟!بل (4)يزكّيه فإنّه عليه» (5).
و في الصحيح عن الحسن بن عطيّة (6)قال:قلت لهشام بن
ص:64
أحمر (1):أحبّ أن تسأل لي أبا الحسن عليه السلام أنّ لقوم عندي قروضا (2)ليس يطلبونها منّي،أ فعليّ فيها (3)زكاة؟فقال:«لا تقضي و لا تزكّي؟!زكّ» (4).
و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة،و السنتين،و الثلاث،أو ما شاء اللّه على من الزكاة؟على المقرض،أو على المستقرض (5)؟فقال:«على المستقرض (6)،لأنّ له نفعه و عليه زكاته» (7).
الأوّل:لو لم يتركه المستقرض بحاله،بل أداره في التجارة استحبّت الزكاة عليه على
ص:65
ما يأتي في باب التجارة.
الثاني:لو أخذه المقرض لم تجب عليه الزكاة حتّى يحول عليه الحول،لأنّه لم يتمكّن منه إلاّ وقت الأخذ،فإذا تمَّ الحول وجبت الزكاة،لوجود المقتضي.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام:الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما ثمَّ يأخذهما،متى تجب عليه الزكاة؟قال:«إذا أخذهما (1)ثمَّ يحول عليه الحول يزكّي» (2).
الثالث:لو أدّى القارض الزكاة عن المقترض،برئت ذمّته،لأنّه بمنزلة قضاء الدين عنه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل استقرض مالا فحال (3)عليه الحول و هو عنده،فقال:«إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه،و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض» (4).
الرابع:قال الشيخ:لو اشترط (5)المقترض الزكاة على القارض سقطت عنه و وجبت على القارض (6).و ليس بوجه،و الأقرب:وجوب الزكاة على المقترض،شرط أو أطلق.
،فلو وهب له نصاب لم يعتبر الحول إلاّ بعد القبض،سواء كانت الهبة لرحم أو لأجنبيّ،لأنّ الهبة بمجرّدها لا تقتضي الملك و إنّما تقتضيه بعد القبض.و كذا لو أوصى له بنصاب لم يجر في الحول إلاّ بعد القبول و الوفاة،
ص:66
لأنّ الوصيّة بمجرّدها لا توجب الملك.
الأوّل:لو رجع الواهب في (1)هبته في موضع له الرجوع فيه على ما يأتي،فإن كان قبل الحول سقطت الزكاة قولا واحدا،و إن كان بعد الحول وجبت الزكاة،و هل يضمنها الموهوب؟الأقرب أنّه لا يضمن،لأنّ استحقاق الفقراء جرى مجرى الإتلاف.
الثاني:إذا باع بخيار له أزيد (2)من الحول فحال الحول في يد المشتري ثمَّ فسخ البائع فالبحث فيه كما في الهبة المرجوع (3)فيها.
و قال بعض الشافعيّة:تجب الزكاة على البائع مع تسليم القول بالانتقال (4)إلى المشتري،لأنّ الفسخ استند (5)إلى العقد بالشرط المذكور فيه (6).و الوجه (7)ما قلناه.
الثالث:الغانمون يملكون أربعة أخماس الغنيمة بالحيازة،فإذا بلغ حصّة الواحد منهم نصابا و حال عليها الحول وجبت الزكاة،و هل يتوقّف الحول على القسمة؟الوجه ذلك، لأنّه قبل القسمة غير متمكّن فلا يكون الشرط موجودا،سواء كانت الغنيمة من جنس واحد أو أجناس مختلفة.
و قال الشافعيّ:إنّهم يملكون التملّك،لأنّ الواحد منهم لو أسقط حقّه سقط، و لو ملكوا العين لم يسقط بالإسقاط،كما لو أسقط حقّه من الميراث،فإذا اختاروا التملّك
ص:67
ملكوا،فإن كانت الغنيمة جنسا واحدا و بلغ النصيب النصاب وجبت الزكاة بعد الحول، و إن كانت أجناسا،كإبل،و بقر،و غنم،و ذهب،و فضّة لم تجب الزكاة مطلقا،لأنّ للإمام أن يقسّم بينهم قسمة تحكّم (1)فيعطي كلّ واحد من أيّ أصناف المال شاء،فلم يتمّ ملكه على شيء معيّن،بخلاف الورثة إذا ملكوا بالإرث أجناسا،لأنّ كلّ واحد منهم ملك جزءا (2)من كلّ عين فلا تخصيص (3). (4)و هو قويّ.
إذا ثبت هذا فإذا عزل الإمام لبعض المقاتلة قسطا من الغنيمة و حال عليه الحول وجبت الزكاة إن كان حاضرا،لتمكّنه،و إن كان غائبا لم تجب،لعدم التمكّن من التصرّف، و يجرى (5)الحول عند وصوله إليه أو وكيله.
أمّا الخمس الباقي فلإمام ثلاثة أسهم إن بلغت نصابا فوجبت الزكاة فيها و إلاّ فلا، و للأصناف الثلاثة ثلاثة أخرى لا تجب فيه الزكاة،لأنّ أربابه غير معيّنين (6)،و الأنفال للإمام خاصّة إن بلغت نصابا وجبت فيها الزكاة،و إلاّ فلا.
الرابع:الوقف لا تجب فيه الزكاة و إن كان من جنس ما تجب فيه الزكاة،لنقصان ملكه باعتبار مشاركة غيره من الطبقات في الاستحقاق.
قال الشيخ:فإن ولدت الغنم الموقوفة و بلغ الأولاد نصابا و حال عليها (7)الحول وجبت الزكاة،إلاّ أن يكون الواقف شرط أن يكون الغنم و ما يتوالد (8)منها وقفا و إنّما
ص:68
للموقوف (1)المنافع من اللبن و الصوف (2).
الخامس:لو خلّف لأهله نفقة قدر النصاب فما زاد و حال عليها الحول،قال الشيخ:
وجبت الزكاة إن كان حاضرا،و إن كان غائبا لم تجب (3).و هو اختيار المفيد رحمه اللّه (4).
و منع بعض المتأخّرين الفرق و سوّى بين الفرضين (5)في الوجوب و عدمه (6).
لنا:أنّه مع الحضور مالك متمكّن من التصرّف فتجب عليه الزكاة،لوجود المقتضي و انتفاء المانع،أمّا مع الغيبة فإنّه غير متمكّن من التصرّف،إذ قد سلّط أهله على إتلاف عينه،فجرى مجرى المغصوب.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمّار،عن أبي الحسن الماضي عليه السلام،قال:قلت له:رجل خلّف عند أهله نفقة ألفين لسنتين هل عليها زكاة؟قال:
«إن كان شاهدا فعليه زكاة،و إن كان غائبا فليس عليه زكاة» (7).
و في الموثّق عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت له:الرجل يخلّف لأهله نفقة ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين عليه زكاة؟قال:«إن كان شاهدا فعليها (8)زكاة، و إن كان غائبا فليس فيها شيء» (9).
احتجّ بأنّ الشرط إن وجد وجبت في الصورتين،و إلاّ فلا (10).
ص:69
و الجواب:الشرط موجود في إحدى الصورتين دون الأخرى.
السادس:لو نذر الصدقة بالنصاب في الحول،سقطت الزكاة،لخروجه عن ملكه قبل استيفاء الحول و تعيينه (1)للصدقة.أمّا لو نذرها بعد الحول أخرجت الزكاة و تصدّق بالباقي في النذر.
السابع:إذا اشترى بخيار ملك بالعقد،سواء اشترك الخيار أو اختصّ بأحدهما و وجبت الزكاة بعد الحول و إن كان الخيار باقيا.و هو قول أحمد في إحدى الروايتين (2)، و الشافعيّ في أحد أقواله (3).
و قال الشيخ:إن كان الخيار للبائع أو لهما لزم البائع (4)الزكاة،و إن كان للمشتري استأنف الحول بناء على أنّ الانتقال لا يحصل إلاّ بعد انقضاء الخيار (5).و به قال مالك (6)، و أحمد في إحدى الروايتين (7).
و قال أبو حنيفة:لا ينتقل إن كان للبائع،و إن كان للمشتري خرج عن البائع و لم يدخل في ملك المشتري (8).
و للشافعيّ قول ثان،كما لك،و ثالث:أنّه مراعى،إن فسخا[5] (9)تبيّنّا أنّه لم ينتقل،
ص:70
و إن أمضياه تبيّنّا الانتقال (1).
لنا:أنّ المقتضي و هو العقد ثابت فيترتّب عليه الحكم،و لأنّ (2)النماء للمشتري فالمبيع له-و سيأتي تحريره إن شاء اللّه-فإن اشتراه البائع أو ردّ (3)عليه استأنف حولا، لتجدّد الملك.
على قول الشيخ رحمه اللّه،لو حال الحول في الخيار المشترك أو خيار البائع
وجبت الزكاة على البائع،لعدم انتقال ملكه عنه،فإن أخرج من غيرها فالبيع باق،و إن أخرج من العين بطل من المخرج و ثبت للمشتري الخيار.و لو انقضت مدّة الخيار لزم البيع فيه،فإن لم يكن قد أخرج فالوجه الإخراج من العين،لاستحقاق الفقراء قبل الانتقال،و الزكاة تجب في العين.
الثامن:إمكان التصرّف شرط في الضمان و الوجوب-و قد سلف (4)-و إمكان الأداء شرط في الضمان لا الوجوب،فلو تلف من النصاب شيء قبل التمكّن من الإخراج سقط من الفريضة بحسابه.
التاسع:لو كان له نصاب فأقرض آخر و أرهن الأوّل وجبت عليه الزكاة بعد الشرائط في القرض على المقترض،لما تقدّم (5).
و لا زكاة عليه في الرهن،لعدم تمكّنه من التصرّف،و لا زكاة على القارض،لانتقال مال القرض إلى المقترض و عدم دخول الرهن في ملكه.و اختاره الشيخ في موضع من
ص:71
المبسوط (1)،و قال في آخر منه:لو رهن قبل الوجوب فحال (2)الحول و هو رهن وجبت الزكاة و إن كان رهنا،لأنّ ملكه حاصل،و يكلّف الراهن إخراج الزكاة من غيرها إن كان موسرا،و منه إن كان معسرا (3).
العاشر:لو كان له أربعون شاة فاستأجر راعيا بشاة منها ملك المستأجر الشاة بالعقد و لا زكاة هنا،لنقصان النصاب،و كذا لو استأجر ناظرا للثمرة بشيء منها فنقصت عن (4)النصاب.أمّا لو استأجر بشاة في الذمّة أو بثمره (5)في الذمّة فالزكاة ثابتة على المستأجر،لأنّ الدين لا يمنع من الزكاة.
الحادي عشر:لو استأجر بنصاب معيّن وجبت الزكاة على الأجير،و لو استأجر في الذمّة ابتني (6)على القول بالزكاة في الدين و قد مضى (7).
عبّاس (1).
و قال بعض أصحابنا بالوجوب (2).و هو قول الفقهاء السبعة:سعيد بن المسيّب، و سليمان بن يسار،و عروة بن الزبير،و خارجة بن زيد (3)،و القاسم بن محمّد،و عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود،و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (4).و به قال الشافعيّ (5)،و أبو حنيفة (6)،و الثوريّ (7)،و أحمد (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«عفوت لكم عن صدقة الخيل و الرقيق» (9).و قوله عليه السلام:«ليس في الجبهة و لا في النخّة و لا في الكسعة صدقة» (10).و انتفاء الزكاة عن هذه مطلقا يستلزم الانتفاء في غيرها،لعدم القائل بالفصل.
ص:73
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمّار قال:قلت لأبي إبراهيم عليه السلام:الرجل يشتري الوصيفة بثبتها عنده لتزيد و هو يريد بيعها أعلى ثمنها زكاة؟قال:«لا،حتّى يبيعها»قلت:فإن باعها أ يزكّي ثمنها؟قال:«لا،حتّى يحول عليه الحول و هو في يديه (1)» (2).
و في الصحيح عن زرارة قال:كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه السلام و ليس عنده غير ابنه جعفر عليه السلام فقال:«يا زرارة إنّ أبا ذرّ و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال عثمان:كلّ مال من ذهب أو فضّة يدار به (3)و يعمل به و يتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول،فقال أبو ذرّ:أمّا ما اتّجر (4)به أو دير و عمل به فليس فيه زكاة،إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا (5)موضوعا،فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، فاختصما (6)في ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال (7):فقال:القول ما قال أبو ذرّ» (8).
و في الحسن عن سليمان بن خالد قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعا ثمَّ وضعه،فقال:هذا متاع موضوع (9)فإذا أحببت بعته فيرجع إليّ رأس مالي و أفضل منه هل عليه فيه صدقة و هو متاع؟قال:«لا،حتّى يبيعه»قال:
ص:74
فهل يؤدّي عنه إذا باعه لما مضى إذا كان متاعا؟قال:«لا» (1).
و في الموثّق عن عبد اللّه بن بكير و عبيد و جماعة من أصحابنا قالوا:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«ليس في المال المضطرب به زكاة» (2).
و لأنّه قد ثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه عفا عمّا عدا التسعة و لا فارق.و لأنّ الوجوب مناف للأصل و شاغل للذمّة (3)بعد يقين البراءة،فيتوقّف (4)على الدليل.
و لأنّه مال فلا يحلّ إلاّ عن طيب نفس صاحبه،لقوله عليه السلام:«لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه (5)» (6).
احتجّ الموجبون من أصحابنا بما رواه الشيخ عن أبي الربيع الشاميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد كان زكّى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتّى يبيعه؟فقال:«إن كان أمسكه التماس الفضل على رأس المال (7)فعليه الزكاة» (8).
و في الحسن عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشترى
ص:75
متاعا فكسد عليه و قد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكّيه؟فقال:«إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة،و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال»قال:و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها؟فقال:«إذا حال الحول (1)فليزكّها» (2).
و احتجّ (3)الموجبون من الجمهور بما رواه أبو ذرّ قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«في الإبل صدقتها،و في البقر صدقتها،و في الغنم صدقتها،و في البزّ (4)صدقته» (5)بالزاي.
و عن سمرة بن جندب قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأمرنا أن نخرج الزكاة ممّا نعدّه للبيع (6). (7)و لأنّ عمر أمر (8)بالزكاة فيها (9)،و لم يعارضه (10)أحد فكان إجماعا.
و الجواب عن الحديثين الأوّلين:أنّهما محمولان على الاستحباب،و أحاديثنا أصحّ طريقا مع اعتضادها بالأصل.
و عن الثالث:أنّه معارض (11)برواية أهل البيت عليهم السلام عن
ص:76
أبي ذرّ (1)،و هو أولى بالعمل،على أنّا نقول بموجبة،فإنّا نثبت الصدقة على جهة الاستحباب.
و عن الرابع:أنّه لم ينقل كلام من رسول اللّه (2)صلّى اللّه عليه و آله (3)،فلعلّه توهّم ما ليس بأمر أمرا.و لعلّه أمره على جهة الاستحباب.
و بالجملة فالاستدلال (4)به لا يخلو عن وهن،على أنّه محمول على الأجناس التسعة،فإنّ الزكاة تجب فيها و إن كانت معدّة للتجارة.
و عن الخامس:أنّ أمر عمر ليس بحجّة،على أنّه قد خالفه ابن عبّاس و أنكر الوجوب (5)،و أبو ذرّ و هما من علماء الصحابة (6).
،و قد تقدّم (1).
و الشرط فيه:الملك،و النصاب،و السوم و الحول (2)،بلا خلاف بين العلماء في ذلك.
و يشترط (3)أيضا إمكان التصرّف،و كمال العقل على خلاف قد (4)تقدّم (5).
و أوّل نصب الإبل خمس،فلا شيء فيما دون الخمس بلا خلاف بين العلماء (6).
روى (7)الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال (8):«من لم يكن معه إلاّ أربع من الإبل فليس عليه فيها صدقة إلاّ أن يشاء ربّها» (9).
ص:78
و قال عليه السلام:«ليس فيما دون خمس ذود (1)صدقة» (2).
و قال عليه السلام:«فإذا بلغت خمسا ففيها شاة» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن الزكاة،فقال:«ليس فيما دون خمس من الإبل شيء،فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر (4)،فإذا كانت عشرا (5)ففيها شاتان إلى خمس عشرة،فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين،فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس و عشرين،فإذا كانت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم،فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض (6)إلى خمس و ثلاثين فإن لم يكن ابنة مخاض فابن لبون (7)ذكر،فإذا زادت واحدة على خمس و ثلاثين ففيها ابنة لبون أنثى إلى خمس و أربعين،فإذا زادت واحدة ففيها حقّة (8)إلى ستّين،فإذا زادت واحدة ففيها جذعة (9)إلى خمس و سبعين،فإذا زادت واحدة
ص:79
ففيها بنتا لبون إلى تسعين،فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين و مائة،فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة،و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار (1)إلاّ أن يشاء المصدّق يعدّ صغيرها و كبيرها» (2).
و في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«في خمس قلائص (3)شاة،و ليس فيما دون الخمس شيء،و في عشر شاتان،و في خمس عشرة ثلاث (4)،و في عشرين أربع،و في خمس و عشرين خمس،و في ستّ و عشرين ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين،فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس و أربعين،فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين،فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين،فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين[فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين و مائة] (5)،فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة» (6).
و لأنّ وجوب الزكاة مناف للأصل فيثبت (7)في المتّفق عليه.
،و في خمس عشرة ثلاث شياه،و في عشرين أربع شياه، بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك،لما تقدّم من الأحاديث.
و ليس فيما بين الخمس و العشر شيء،و كذا في العشر و الخمس عشرة،و كذا في
ص:80
الخمس عشرة و العشرين،بلا خلاف.ثمَّ ليس فيها شيء بعد العشرين إلى أن يبلغ خمسا و عشرين بلا خلاف،فإذا بلغت ذلك وجبت فيها خمس شياه.ذهب إليه أكثر علمائنا (1).
و قال ابن أبي عقيل منّا:تجب فيها بنت مخاض (2)،و هو مذهب الجمهور كافّة.و قال ابن الجنيد من أصحابنا:تجب فيها بنت مخاض أو ابن لبون،فإن تعذّر فخمس شياه (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن زهير (4)،عن أبي إسحاق السبيعيّ،عن عاصم بن ضمرة (5)،عن عليّ عليه السلام قال:«في خمس و عشرين من الإبل خمس شياه» (6).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في (7)حديثي أبي بصير و عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
و ما رواه الشيخ عن زرارة،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:«ليس في الإبل شيء حتّى تبلغ خمسا،فإذا بلغت خمسا ففيها شاة،ثمَّ في كلّ خمس شاة حتّى تبلغ
ص:81
خمسا و عشرين،فإذا زادت (1)ففيها ابنة مخاض» (2).
و لأنّ الخمس الزائدة على العشرين كالمتقدّمات (3).و لأنّا لا ننتقل من الشاة إلى الجنس بزيادة خمس في شيء من نصب الزكاة.
احتجّ ابن أبي عقيل (4)بما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و بريد العجليّ و الفضيل (5)عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا في صدقة الإبل:«في كلّ خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا و عشرين،فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض» (6).
و احتجّ الجمهور (7)بما روي عن أبي بكر أنّه كتب لأنس لمّا وجّهه إلى البحرين:فإذا بلغت خمسا و عشرين إلى خمس و ثلاثين ففيها بنت (8)مخاض (9).و لأنّه ليس في النصب (10)نصابان متواليان.
و الجواب عن الأوّل:أنّه محمول على الإضمار،و معناه:فإذا بلغت ذلك و زادت واحدة ففيها ابنة مخاض.ذكره الشيخ قال:لأنّ قوله عليه السلام:«في كلّ خمس شاة إلى أن
ص:82
تبلغ خمسا و عشرين»يقتضي التسوية في الحكم و وجوب الشاة في كلّ خمس إلى هذا العدد،ثمَّ قوله بعد ذلك:«فإذا بلغت خمسا و عشرين ففيها ابنة مخاض»أراد:و زادت واحدة،و أهمل (1)ذلك لفهم (2)المخاطب،و لو صرّح-فقال:في كلّ خمس شاة إلى خمس و عشرين ففيها خمس شياه،فإذا بلغت خمسا و عشرين و زادت واحدة ففيها ابنة مخاض- لم يكن فيه تناقض،و كلّ ما لو صرّح به لم يحصل معه التناقض جاز تقديره،و لم يقدّر إلاّ ما دلّت الأخبار المفصّلة عليه (3).و هذا تأويل جيّد ليس ببعيد كما توهّم (4)بعض المتأخّرين (5).
و يقرّبه (6)-مع ما ذكره الشيخ-قولهما عليهما السلام في تتمّة الحديث:«و ليس فيها شيء حتّى تبلغ خمسا و ثلاثين،فإذا بلغت خمسا و ثلاثين ففيها ابنة لبون،ثمَّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ خمسا و أربعين،فإذا بلغت خمسا و أربعين ففيها حقّة طروقة الفحل،ثمَّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ ستّين،فإذا بلغت ستّين ففيها جذعة،ثمَّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ خمسا و سبعين،فإذا بلغت خمسا و سبعين ففيها ابنتا لبون،ثمَّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها حقّتان طروقتا (7)الفحل،ثمَّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ عشرين و مائة،فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها حقّتان طروقتا الفحل،فإذا زادت واحدة على عشرين و مائة ففي كلّ خمسين حقّة،و في كلّ أربعين بنت لبون» (8).
ص:83
و إضمار ما ذكره الشيخ واجب في كلّ عدد ذكراه عليهما السلام،لوقوع الاتّفاق على أنّ بنت اللبون إنّما تجب في ستّ و ثلاثين،و أنّ الحقّة إنّما تجب في ستّ و أربعين،و هكذا إلى آخره على ما يأتي.
و تأوّل الشيخ الرواية بتأويل آخر،و هو الحمل على التقيّة.
و يؤيّده:ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج في حديثه الذي تلوناه:«و في خمس و عشرين خمس شياه،و في ستّ و عشرين بنت مخاض إلى خمس و ثلاثين».و قال عبد الرحمن:هذا فرق بيننا و بين الناس (1).ثمَّ ساق الحديث،و الأوّل أقرب.
و بالجملة:فهذا خبر شاذّ لا يعارض ما تقدّم من الأحاديث الصحاح المعتضدة بعمل الأصحاب (2).قال السيّد المرتضى رحمه اللّه:إجماع الإماميّة تقدّم من خالف و تأخّر عنه،و ابن الجنيد إنّما عوّل في هذا المذهب على بعض الأخبار المرويّة عن الأئمّة عليهم السلام،و مثل هذه الأخبار لا يعوّل عليها،ثمَّ قال:و يمكن أن نحمل (3)ذكر بنت المخاض و ابن اللبون في خمس و عشرين على أنّ ذلك على سبيل القيمة لما هو الواجب من خمس شياه،و عندنا أنّ القيم يجوز أخذها في الصدقات (4).
و عن الثاني:أنّ ما ذكرناه من الأحاديث أولى،لجواز أن يكون أبو بكر قاله عن رأي.
فإن قالوا:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كتبه لأبي بكر و أبو بكر كتبه لأنس،أجبنا بأنّ عليّا عليه السلام خالف في ذلك،و لو صحّ ذلك لما خالف فيه.و قول ابن المنذر:إنّه لم يصحّ النقل عن عليّ عليه السلام بذلك (5)،و قول الثوريّ:إنّما هو من غلط الرجال (6)،ضعيفان،لما ثبت
ص:84
من النقل عن (1)أهل البيت عليهم السلام.
و عن الثالث:بالمعارضة بما قلناه أوّلا.
.أمّا عندنا:فلأنّه النصاب.و أمّا عند المخالف:تجب إلى ستّ و ثلاثين،ثمَّ ليس في الزائد شيء حتّى تبلغ ستّا و ثلاثين ففيها بنت لبون،ثمَّ ليس في الزائد شيء حتّى تبلغ ستّا و أربعين ففيها حقّة،ثمَّ ليس في الزائد شيء حتّى تبلغ إحدى و ستين ففيها جذعة،ثمَّ ليس في الزائد شيء حتّى تبلغ ستّا و سبعين ففيها بنتا لبون،ثمَّ ليس فيها شيء إلى أن تبلغ إحدى و تسعين،ففيها حقّتان إلى مائة و عشرين بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك.
روى الجمهور عن أبي بكر لمّا كتب لأنس حين وجّهه (2)إلى البحرين:فإذا بلغت خمسا و عشرين إلى خمس و ثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى،فإذا بلغت ستّا و ثلاثين إلى خمس و أربعين ففيها بنت لبون أنثى،فإذا بلغت ستّا و أربعين إلى ستّين ففيها حقّة طروقة الفحل،فإذا بلغت واحدة و ستّين إلى خمس و سبعين ففيها جذعة،فإذا بلغت ستّا و سبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون،فإذا بلغت إحدى و تسعين إلى عشرين و مائة ففيها حقّتان طروقتا الفحل،فإذا زادت على عشرين و مائة ففي كلّ أربعين بنت لبون،و في كلّ خمسين حقّة (3).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الأحاديث (4).
أخذ من كلّ أربعين بنت لبون،و من كلّ خمسين حقّة بالغا ما بلغ،فيكون في مائة و إحدى و عشرين ثلاث بنات
ص:85
لبون،و في مائة و ثلاثين حقّة و بنتا لبون،و في مائة و أربعين حقّتان و بنت لبون،و في مائة و خمسين ثلاث حقاق،و على هذا الحساب بالغا ما بلغ.و به قال الشافعيّ (1)،و الأوزاعيّ، و أبو ثور،و إسحاق (2)،و أحمد في إحدى الروايتين (3).
و في الأخرى:أنّه لا يتغيّر الفرض إلى مائة و ثلاثين (4).و هو الظاهر من كلام السيّد المرتضى في الانتصار (5)،و رجع إلى ما اخترناه في المسائل الناصريّة (6)،و هو الظاهر من كلامه في الجمل (7).
و اختار مالك في إحدى الروايتين كلام السيّد في الانتصار،و في الأخرى أنّه إذا زادت واحدة تخيّر الساعي بين الحقّتين و ثلاث بنات لبون (8).
و قال الثّوريّ (9)،و النخعيّ (10)،و أبو حنيفة:في مائة و عشرين حقّتان،فإذا زادت استؤنفت الفريضة فتجب في الخمس شاة ففي مائة و خمس و عشرين حقّتان و شاة،و في
ص:86
مائة و ثلاثين حقّتان و شاتان،و في مائة و خمس و ثلاثين حقّتان و ثلاث شياه،و في مائة و أربعين حقّتان و أربع شياه،و في مائة و خمس و أربعين حقّتان و ابنة مخاض،و في مائة و خمسين ثلاث حقاق،ثمَّ تستأنف الفريضة فتجب في الخمس شاة ففي مائة و ستّين ثلاث حقاق و شاتان،و في مائة و خمس و ستّين ثلاث حقاق و ثلاث شياه،و في مائة و سبعين ثلاث حقاق و أربع شياه،و في مائة و خمس و سبعين ثلاث حقاق و ابنة مخاض،و في مائة و ستّ و ثمانين ثلاث حقاق و ابنة لبون،و في مائة و ستّ و تسعين أربع حقاق،و في كلّ مائتين أربع حقاق هكذا ثمَّ تستأنف الفريضة (1).
لنا:ما رواه الجمهور في حديث أبي بكر:فإذا بلغت مائة و عشرين و زادت واحدة ففي كلّ أربعين بنت لبون،و في كلّ خمسين حقّة (2).
و في حديث آخر:فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها ثلاث بنات لبون (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير،عن الصادق عليه السلام:«.إلى عشرين و مائة،فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة» (4).و مثله في رواية عبد الرحمن بن الحجّاج (5)،و زرارة عنهما عليهما السلام (6).
ص:87
و لأنّ سائر ما جعله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله غاية للفرض (1)إذا زاد عليه واحدة تغيّر الفرض فكذا هنا.
احتجّ مالك بأنّ الخبر اقتضى زيادة تكون الحقّة و بنتا اللّبون،و أقلّه:إذا بلغت مائة و ثلاثين،و لأنّ الفرض لا يتغيّر بزيادة الواحدة كسائر الفروض (2).
و احتجّ أبو حنيفة (3)بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كتب لعمرو بن حزم كتابا ذكر فيه الصدقات و الديات و غيرها فذكر فيه:«إنّ الإبل إذا زادت على مائة و عشرين استؤنفت الفريضة في (4)كلّ خمس شاة،و في عشر شاتان» (5).
و الجواب عن الأوّل:أنّ أحد الخبرين:«فإذا زادت واحدة»و في الثاني:
«فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها ثلاث بنات لبون»و هذان ينافيان ما ذكره مالك.
و عن الثاني:بالمنع من الحكم (6)و منع حكم الأصل،كما بيّنّا في الانتقال من خمس و عشرين إلى ستّ و عشرين.و أيضا:الانتقال هنا لم يحصل بالواحدة،بل بها مع ما قبلها، كالواحدة مع التسعين و غيرها.
و عن الثالث:أنّ عمرو بن حزم اختلفت روايته،فقد روى عبد اللّه بن
ص:88
أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن (1)حزم عن الكتاب مثل ما قلناه (2)،و هو أقرب إلى الأصل و القياس،فإنّ الجنس إذا وجب فيه من جنسه لا يجب من (3)غير جنسه،و إنّما جاز في الابتداء،لعدم احتمال وجوب الجنس فيه،بخلاف صورة النزاع،لزيادة المال و كثرته.
و أيضا:فإنّه انتقل عن حقّتين و بنت مخاض بزيادة خمس إلى حقّة ثالثة،و هي زيادة يسيرة لا تقتضي الانتقال إلى ذلك،فإنّا لم ننتقل عن بنت مخاض إلى حقّة في محلّ الوفاق إلاّ بزيادة إحدى و عشرين.و قد تؤوّل الحديث بأنّ معنى قوله:«استؤنفت الفريضة»أي:
استقرّت به على هذين الشيئين.
و قوله:«في كلّ خمس شاة»يحتمل أن يكون تفسير الراوي،لظنّه (4)ذلك.
واحدة» (1).و لأنّ سائر الفروض (2)لا يتغيّر بالجزء فكذا هنا.
الثاني:لو اجتمع في مال ما يمكن إخراج الفريضتين كالمائتين تخيّر المالك-ذهب إليه علماؤنا-إن شاء أخرج الحقاق الأربع،و إن شاء أخرج خمس بنات لبون.و به قال الشافعيّ في أحد القولين،و أحمد في إحدى الروايتين.و في القول الآخر للشافعيّ (3)و الرواية الثانية عن أحمد:أنّه يخرج الحقاق وجوبا (4).و للشافعيّ قول ثالث:أنّ الساعي يأخذ أحظّهما للفقراء (5).
لنا:ما رواه الجمهور في قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في كتاب الصدقات:«فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أيّ الصنفين وجدت أخذت» (6).و قوله عليه السلام لمعاذ:«إيّاك و كرائم أموالهم» (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن بريد بن معاوية قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدّقا من الكوفة إلى باديتها فقال له:يا عبد اللّه انطلق (8)و عليك بتقوى اللّه وحده لا شريك له،و لا تؤثرن دنياك على آخرتك،و كن حافظا لما ائتمنتك عليه،راعيا لحقّ اللّه فيه حتّى تأتي نادي بني فلان،فإذا
ص:90
قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم،ثمَّ امض إليهم بسكينة و وقار حتّى تقوم بينهم (1)فتسلّم عليهم،ثمَّ قل لهم (2):يا عباد اللّه أرسلني إليكم وليّ اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم فهل للّه في أموالكم من حقّ فتؤدّونه (3)إلى وليّه؟فإن قال لك قائل:لا،فلا تراجعه،فإن (4)أنعم لك منعم منهم،فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلاّ خيرا،فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلاّ بإذنه،فإنّ أكثره له فقل له:يا عبد اللّه أ تأذن لي في دخول مالك؟ فإن أذن لك فلا تدخل (5)دخول متسلّط عليه فيه و لا عنف به،فاصدع المال صدعين ثمَّ خيّره أيّ الصدعين شاء،فأيّهما اختار فلا تعرض له،ثمَّ اصدع بالباقي صدعين ثمَّ خيّره فأيّهما اختار فلا تعرض له،ثمَّ لا تزال كذلك حتّى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه عزّ و جلّ في ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ اللّه منه،فإن استقالك فأقله ثمَّ اخلطهما و اصنع (6)مثل الذي صنعت أوّلا حتّى تأخذ حقّ اللّه من ماله،فإذا قبضته فلا توكّل به إلاّ ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنّف بشيء منها،ثمَّ احدر ما اجتمع عندك من كلّ ناد إلينا نصيّره حيث أمر اللّه عزّ و جلّ،فإذا انحدر بها رسولك (7)فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة و بين فصيلها،و لا يفرّق بينهما،و لا يمصّرنّ (8)لبنها فيضرّ ذلك بفصيلها،و لا يجهد ركوبا (9)،و ليعدل بينهنّ في ذلك، و ليوردهنّ كلّ ماء يمرّ به (10)،و لا يعدل بهنّ عن نبت الأرض إلى جوادّ الطرق في الساعة
ص:91
التي فيها تريح و تغبق (1)،و ليرفق بهنّ جهده حتّى تأتينا بإذن اللّه سبحانه (2)سحاحا سمانا غير متعبات و لا مجهدات،فنقسّمها (3)بإذن اللّه على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله على أولياء اللّه،فإنّ ذلك أعظم لأجرك و أقرب لرشدك،ينظر اللّه إليها و إليك و إلى جهدك و نصيحتك لمن بعثك و بعثت في حاجته،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:ما ينظر اللّه عزّ و جلّ إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة و النصيحة (4)لإمامه إلاّ كان معنا في الرفيق الأعلى» (5).
و لأنّ الامتثال يحصل مع إخراج المالك أيّ الصنفين (6)شاء فيخرج به عن العهدة.
و لأنّها زكاة ثبت فيها الخيار فكان ذلك للمالك،كالخيرة في الجبران بين الشاتين و العشرين درهما،و بين النزول أو الصعود و تعيين (7)الفريضة.
احتجّ المخالف (8)بقوله تعالى وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (9).
و لأنّ الخيرة ثابتة فتتعلّق بالمستحقّ أو النائب كالقتل الموجب للقصاص أو الدية.
ص:92
و لأنّ الفرض (1)يتغيّر (2)بالسنّ في فرائض الإبل أكثر من تغييره (3)بالعدد،فإنّ في مائة و ستّين أربع بنات لبون،ثمَّ كلّما زاد عشرا زاد سنّا،ففي مائة و تسعين ثلاث حقاق و بنت لبون،فإذا زاد عشرا فيجب أن يصير أربع حقاق.
و الجواب عن الأوّل:أنّا نأخذ الفرض بصفة المال فنأخذ (4)من الكرائم و غيرها من وسطها فلا يكون خبيثا،لأنّ الأدنى ليس بخبيث.
و عن الثاني:بالمنع من التخيير في الأصل،و بالنقض (5)بشاة الجبران،و قياسنا أولى، لأنّ الأصل زكاة،و قياسهم:الأصل فيه دية و قصاص.
و عن الثالث:أنّ المائة و التسعين و غيرها (6)ممّا تقدّم لم يؤخذ إلاّ عدد الفرض الواجب فيه خاصّة،و كلّ موضع يغيّر (7)الفرض بالسنّ فلقصوره عن إيجاب عدد الفرض، بخلاف صورة النزاع.
الثالث:قال الشيخ رحمه اللّه:الأفضل أن يؤخذ أرفع الأسنان-يعني الحقاق- و لا يتشاغل بكثرة العدد (8).
الرابع:إذا كان عنده أحد الصنفين تعيّن (9)للإخراج،و إن شاء المالك اشترى الصنف الآخر،لأنّه مخيّر.و لو لم يكن عنده شيء من الصنفين تخيّر في شراء أيّهما كان، و الأولى أن يشتري الحقاق،لأنّها أرفع في السنّ.
ص:93
الخامس:على قول الشيخ رحمه اللّه ليس لوليّ الطفل و المجنون أن يخرج أعلى الفرضين (1)بل أدناهما،لأنّه هو القدر الواجب،و الوليّ منصوب لمصلحة المولّى عليه و لا مصلحة في اختيار الأعلى.
السادس:لو كان عنده أربعمائة جاز للمالك أن يخرج عشر بنات لبون أو ثمان (2)حقاق،و يجوز أن يخرج خمس بنات لبون و أربع حقاق،خلافا لأبي سعيد الإصطخريّ (3).
لنا:أنّ كلّ واحدة من المائتين منفردة بنفسها،مستقلّة بفرضها فمع الاجتماع تثبت (4)الخيرة كما تثبت (5)حالة الانفراد.
احتجّ بأنّ فيه تفريق الفريضة،فلا يجوز كما في المائتين.
و الجواب:أنّ كلّ واحدة من المائتين غير مستقلّة بنفسها،فإنّه لو أخذ من واحدة حقّتين لم يكن عليه ثلاث بنات لبون من الأخرى،و لا يدفع بنتي لبون منها،بخلاف صورة النزاع.
السابع:لو كان أحد الفرضين ناقصا و الآخر كاملا،كما لو كان عنده خمس بنات لبون و ثلاث حقاق تعيّن (6)الكامل للإخراج.و لو أراد إخراج الحقاق و بنت لبون مع الجبران الشرعيّ لم يكن له ذلك،لأنّه بدل اشترط له (7)عدم المبدل.نعم،له الإخراج بالقيمة السوقيّة،لأنّ القيمة عندنا تجزئ مع وجود الفريضة.و كذا ليس له أن يدفع أربع بنات لبون و حقّة و يطالب بالجبران الشرعيّ.
الثامن:لو كان الفرضان ناقصين كما لو كان عنده ثلاث حقاق و أربع بنات لبون
ص:94
تخيّر في إخراج أيّهما (1)شاء مع الجبران،فله إخراج بنات اللبون و حقّة و استعادة (2)الجبران الشرعيّ،و إخراج ثلاث حقاق و ابنة لبون و دفع الجبران الشرعيّ.و هل له دفع حقّة و ثلاث بنات لبون مع الجبران لكلّ واحدة؟فيه إشكال ينشأ من جواز ذلك مع كلّ واحدة بانفرادها (3)،و من كون الفرض موجودا فلا يعدل إلى الجبران الشرعيّ،و الأخير أصحّ.
التاسع:لو كان الفرضان معدومين أو معيبين و إبله صحاح،فإن اشترى أحد الفرضين خرج عن العهدة،و كذا لو دفع القيمة.و لو دفع الأعلى بسنّ (4)،أو الأنزل بها مع الجبران الشرعيّ جاز،فإن شاء أخرج أربع جذعات و استرجع ثماني شياه أو ثمانين درهما، و إن شاء دفع خمس بنات مخاض و معها عشر شياه أو مائة درهم،لأنّ له الخيرة في الصعود و النزول.
و لو أراد الصعود من بنات اللبون إلى الجذع و استعادة جبرانين شرعيّين،أو النزول من الحقاق إلى بنات المخاض و دفع الجبرانين الشرعيّين لم يكن له ذلك،أمّا على قول المقتصرين في الجبران على الدرجة الواحدة فظاهر،و أمّا على قول (5)المسوّغين للتعدّي عن (6)الواحدة فلأنّ بنات اللبون الخمس منصوص عليهنّ في هذا الباب،فلا ينزل إليهنّ (7)بجبران،و كذلك الحقاق،فالفرض يستقلّ بجبران واحد فلا حاجة إلى الجبرانين،و الخيار في الصعود و النزول هاهنا إلى ربّ المال لا إلى الساعي،لما تقدّم.
،و لا في ما بين النصب من
ص:95
الأشناق (1)،أمّا ما دون الخمس فبالإجماع،و قد سلف (2).و أمّا ما عداه من الأشناق فهو مذهب علمائنا أجمع،و به قال أبو حنيفة (3)و أهل العلم،إلاّ الشافعيّ في أحد قوليه (4)، و محمّد بن الحسن (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن يحيى بن الحكم (6)أنّ معاذا قال:بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصدّق أهل اليمن،و أمرني أن آخذ من البقر من كلّ ثلاثين تبيعا (7)،و من كلّ أربعين مسنّة (8)،و أمرني أن لا آخذ ممّا بين ذلك شيئا (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و بريد العجليّ و الفضيل (10)عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:«ليس
ص:96
على النيّف شيء،و لا على الكسور شيء» (1).
و لأنّ تقدير النصب لتعلّق الفريضة بها فالزائد عفو،و لأنّه عدد ناقص عن نصاب تجب فيه الزكاة،فلا يتعلّق به الوجوب كالأربعة.
احتجّ الشافعيّ بحديث أنس،فإنّه قال فيه:«فإذا بلغت خمسا و عشرين إلى خمس و ثلاثين ففيها بنت مخاض» (2).
و لأنّه حقّ يتعلّق بنصاب (3)فوجب أن يتعلّق به و بما زاد عليه إذا وجد معه و لم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة (4).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الغاية ليس المراد منها إثبات الوجوب في الجميع و تعلّقه به،و إنّما المراد إثبات الواجب في العدد الذي تعلّق به الوجوب و لا يحصل الانتقال إلى الغاية الأخرى.
و عن الثاني:بالفرق،فإنّ القطع بنصاب القطع (5)لذاته و بما (6)زاد عليه،لاشتماله على النصاب،و لا يتغيّر الحكم بتغيّر الزيادة،بخلاف صورة النزاع.
الأوّل:لا تجب الزكاة في الأشناق لا منضمّة و لا منفردة،و لا يجب الأزيد من السنّ الواجب باعتباره.
ص:97
الثاني:لو كان معه تسع من الإبل فتلفت منها أربع وجبت الشاة بكمالها،سواء تلفت قبل الحول أو بعده،قبل إمكان (1)الأداء أو بعده،لأنّ الحول حال على نصاب كامل، و الزائد عفو فلا اعتداد به و لا أثر له حالتي وجوده و عدمه.
الثالث:لو هلك (2)من التسع خمس،فإن كان قبل الحول فلا شيء،لنقصان النصاب قبل الحول،و لو كان بعد الحول سقط من الشاة خمسها إن تلفت (3)قبل إمكان الأداء، و لو كان بعده وجبت الشاة بكمالها.
و عند الشافعيّ:يسقط (4)خمسة أتساعها (5)،و قد تقدّم بطلانه.
الرابع:لو كان معه ستّ و عشرون فهلك منها ستّ بعد الحول،فإن كان قبل إمكان الأداء سقط من بنت المخاض بنسبة التالف.و به قال الشافعيّ (6).
و قال أبو حنيفة:يجب أربع شياه،لأنّ التالف كالمعدوم (7).
لنا:أنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض،و بتلف البعض لا يتغيّر الواجب،بل يسقط منه بنسبة التالف،لأنّ التالف (8)منه و من المساكين.
الخامس:لو كان معه ثمانون شاة فتلف منها أربعون وجبت عليه الشاة كاملة، سواء كان التلف قبل الحول أو بعده،قبل إمكان الأداء أو بعده،لأنّ النصاب باق و الزائد عفو.
ص:98
و للشافعيّ قولان:في أحدهما:يجب نصف شاة (1)،و قد سلف بطلانه (2).
،قال الشيخ:ينبغي أن يكون الجذعة من الضأن و الثنيّة (3)من المعز (4).و به قال الشافعيّ (5)،و أحمد (6).
و قال أبو حنيفة:الواجب الثنيّة فيهما (7).
و قال مالك:الواجب الجذعة فيهما (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن سويد بن غفلة قال:أتانا مصدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:نهينا أن نأخذ الراضع،و أمرنا بالجذعة و الثنيّة (9).و لأنّ التضييق (10)بأحدهما ينافي الإرفاق،و أيّهما (11)أخرج أجزأه.
الثاني:يجزئ الذكر و الأنثى في ذلك،سواء كانت الإبل ذكورا أو إناثا،قاله الشيخ (1).
و به قال الشافعيّ في أحد الوجهين.و قال في الآخر:يعتبر كونها أنثى (2).
لنا:أنّ الواجب ما يسمّى (3)شاة،و هو يتناولهما معا،فيخرج عن العهدة بأيّهما شاء.
الثالث:يجزئ (4)أن يخرج من غنمه أو من غير غنمه،لأنّ كلاّ منهما يتناوله اسم الشاة.
الرابع:قال الشيخ رحمه اللّه:يؤخذ من نوع البلد،لا من نوع بلد آخر،لأنّ الأنواع تختلف (5)،فالمكّيّة بخلاف (6)العربيّة،و العربيّة بخلاف (7)النبطيّة،و كذلك الشاميّة و العراقيّة (8)،و به قال الشافعيّ (9).و الأقرب عندي جواز الإخراج من أيّ نوع شاء،لما تقدّم.و لأنّه لو أخرج ضأنا و غالب غنم البلد المعز أجزأه إجماعا،و كذا بالعكس،فما ذكرناه أولى،لأنّ التناسب بين الشاتين من الضأن إذا اختلف بلدهما أقرب من التناسب بين الضأن و المعز.
الخامس:يجوز أن يخرج عن الإبل الكرام الشاة (10)الكريمة و اللئيمة و السمينة و المهزولة،لتناول الاسم.و لا تؤخذ المريضة من الإبل الصحاح،و لو كانت مراضا،فإن
ص:100
أخرج صحيحة فلا بحث،و إن لم يفعل أخذ شاة بقيمة المراض بأن يقوّم (1)الخمس صحيحة و مريضة،و تؤخذ الشاة ناقصة عن بدل الصحاح بنسبة النقصان.
السادس:لو أخرج بعيرا عن الشاة لم يجزئه.و به قال مالك (2)،و داود (3).و قال الشافعيّ (4)،و أبو حنيفة:يجزئ (5).و عن أحمد روايتان (6).
لنا:أنّه أخرج غير الواجب فلا يجزئه.و لأنّ النصّ ورد بالشاة فلا يجوز التخطّي،كما لو أخرج بعيرا عن أربعين شاة.نعم،إن أخرج البعير بالقيمة السوقيّة أجزأه،لما يأتي من جواز إخراج القيم.
احتجّ المخالف بأنّه يجزئ عن خمسة و عشرين بعيرا،و الخمسة داخلة،و المجزئ عن المجموع مجزئ عن الأقلّ (7).
و الجواب:المنصوص عليه الشاة،و جاز أن يكون أكثر قيمة،فإذا أخرج الأقلّ يكون فيه نقصا على الفقراء.
لا يقال:إذا أجزأ عن الأكثر أجزأ عن الأقلّ.
ص:101
لأنّا نقول:الأوصاف (1)التي هي غير مضبوطة لا يجوز ردّ الأحكام إليها،لما فيها من الاضطراب،بل يجب الرجوع إلى أوصاف مضبوطة تناط بها الأحكام.
إذا ثبت هذا فنقول:لمّا كان البعير في الغالب أكثر قيمة من الشاة وجب في الأكثر، و لم يجب في الأقلّ للإرفاق (2)،لكن (3)قد يمكن فرض زيادة قيمة الشاة على قيمة البعير، فلو أخذ البعير في الأقلّ عن الشاة في هذه الصورة كان إجحافا بالفقراء.و على هذا التحرير لو كانت السنّ الواجبة في ستّ و عشرين مثلا أقلّ قيمة من الشاة جاز إخراج الشاة عنها.
و بالجملة فالاعتبار بالقيمة في الإبدال،إلاّ ما نصّ عليه.
السابع:إذا كان البعير بقيمة الشاة فأخرجه،أجزأ عندنا و عند الشافعيّ (4).أمّا نحن فللمساواة في القيمة.و أمّا عنده فلأنّه مجز (5)و لا تعتبر القيمة،بل لو كان البعير أقلّ قيمة من الشاة أجزأ عنده.
إذا ثبت هذا،فإذا (6)أخرج البعير كان كلّه واجبا،لأنّه بدل الواجب.
و للشافعيّ قولان:أحدهما مثل ما قلناه،لأنّه مخيّر بين الشاة و البعير فأيّهما أخرج كان واجبا.
و الثاني:أنّ خمسة واجب و الباقي تطوّع،لأنّه واجب في خمسة (7)و عشرين (8).
ص:102
و ليس بوجه و إلاّ لأجزأه (1)خمس بعير،و ليس كذلك إجماعا.
الثامن:كما لا يجزئ البعير عن الشاة إلاّ بالقيمة السوقيّة،فكذا لا يجزئ عن عشر من الإبل،و لا عن خمسة عشر،و لا عن عشرين،و قد خالف الشافعيّ في ذلك كلّه (2)، و الأصل ما قدّمناه.
التاسع:لو لم يجد شاة اشترى شاة أو أخرج قيمتها على ما يأتي،و الاعتبار بالقيمة السوقيّة،و لا يجزئه عشرة دراهم إذا كانت أدون قيمة،خلافا لبعض الجمهور،حيث قاس على شاة الجبران (3)،و هو باطل،لأنّه وافق على أنّ الشاة الواجبة في القيم (4)لا تجزئ عنها القيمة الشرعيّة.
،و هي التي كملت لها سنة و دخلت في الثانية،سمّيت بذلك،لأنّ أمّها ماخض أي حامل.و المخاض اسم جنس لا واحد له من لفظه،و الواحدة:خلفة (5).
ثمَّ بنت اللبون،و هي التي تمَّ لها سنتان و دخلت في الثالثة،سمّيت بذلك،لأنّ (6)أمّها ولدت و صارت ذات لبن.
ثمَّ الحقّة و هي التي كملت لها ثلاث سنوات و دخلت في الرابعة فاستحقّت للحمل أو لطرق (7)الفحل.
ثمَّ الجذعة-بفتح الذال-و هي الكاملة أربعا و دخلت في الخامسة،لأنّها تجذع أي
ص:103
تسقط سنّها،و هي أعلى أسنان الزكاة،كما أنّ بنت المخاض هي أصغر أسنانها،فإذا تعدّت (1)الخامسة و دخلت في السادسة فهي الثنيّة،و إن دخل في السابعة فهو الرباع و الرباعية،و إن دخل في الثامنة فهو سديس و سدس (2)،فإذا دخل في التاسعة فهو بازل أي طلع نابه،ثمَّ يقال بعد ذلك:بازل عام،و بازل عامين.
و البازل و المخلف (3)واحد،و يقال له أوّل انفصاله بالولادة:فصيل و حوار (4)،ثمَّ بنت مخاض (5)،و على ما قلناه (6)من الترتيب.
و استردّ شاتين أو عشرين درهما.و لو وجد الأدون دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما،فمن وجب عليه بنت مخاض و ليست (7)عنده،و لا ابن لبون (8)ذكر و عنده بنت لبون،دفعها و أخذ شاتين أو عشرين درهما من المصدّق-بتشديد الدال خاصّة.
و كذا لو وجب (9)عليه بنت لبون و فقدها و عنده حقّة،أو حقّة و عنده جذعة الحكم في ذلك سواء.و لو وجب (10)عليه جذعة و فقدها و وجد الحقّة دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما،و هكذا إلى آخر المراتب.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال
ص:104
الشافعيّ (1)،و النخعيّ (2)،و أحمد (3)،و ابن المنذر (4)،و مالك (5).
و قال الثوريّ:يخرج شاتين أو عشرة دراهم (6).
و قال أصحاب الرأي:يدفع قيمة ما وجب عليه،أو دون السنّ الواجبة مع فاضل ما بينهما من الدراهم (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن أنس،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«و من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة و ليست عنده جذعة و عنده حقّة فإنّها تقبل منه الحقّة و يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما،و من بلغت عنده صدقة الحقّة و ليست عنده و عنده الجذعة فإنّها تقبل منه الجذعة و يعطيه المصدّق عشرين درهما أو شاتين، و من بلغت عنده صدقة الحقّة و ليست عنده إلاّ بنت لبون فإنّها تقبل منه بنت لبون و يعطي شاتين أو عشرين درهما،و من بلغت صدقته بنت لبون و عنده حقّة فإنّها تقبل منه الحقّة و يعطيه المصدّق عشرين درهما أو شاتين،و من بلغت صدقته بنت لبون و ليست عنده و عنده بنت مخاض فإنّها تقبل منه بنت مخاض و يعطي معها عشرين درهما أو شاتين» (8).
ص:105
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن زمعة (1)،عن أبيه،عن جدّه،عن جدّ أبيه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب له في كتابه الذي كتبه (2)له بخطّه حين بعثه على الصدقات:«من (3)بلغت عنده من إبل (4)الصدقة الجذعة و ليس عنده جذعة و عنده حقّة فإنّه تقبل منه الحقّة و يجعل معها شاتين أو عشرين درهما،و من بلغت عنده صدقة الحقّة و ليست عنده الحقّة،و عنده جذعة (5)فإنّه (6)تقبل منه الجذعة و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما،و من بلغت صدقته حقّة و ليست عنده حقّة،و عنده ابنة لبون فإنّه تقبل منه (7)و يعطي معها شاتين أو عشرين درهما،و من بلغت صدقته ابنة (8)لبون و ليست عنده ابنة لبون،و عنده حقّة فإنّه تقبل منه الحقّة و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة لبون و ليست عنده ابنة لبون،و عنده ابنة مخاض فإنّه تقبل منه ابنة مخاض و يعطي معها شاتين أو عشرين درهما.و من بلغت صدقته ابنة مخاض و ليست عنده ابنة مخاض،و عنده ابنة لبون فإنّه تقبل منه ابنة لبون،و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما،و من لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها،و عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون و ليس معه شيء،و من لم يكن معه إلاّ أربعة من الإبل و ليس معه مال غيرها
ص:106
فليس فيها شيء إلاّ أن يشاء ربّها،فإذا بلغ ماله خمسا من الإبل ففيه شاة» (1).
و لأنّ مبنى الزكاة على التخفيف و المواساة،و في تكليف المالك شراء الفرض (2)نوع إضرار.
احتجّ الثوريّ (3)بما رواه عاصم بن ضمرة عن عليّ عليه السلام قال:«إذا أخذ الساعي من الإبل سنّا فوق سنّ أعطى شاتين أو عشرة دراهم» (4).
و لأنّ الشاة في الشرع قيمتها[خمسة] (5)دراهم،فإنّ نصاب الغنم أربعون و نصاب الدراهم (6)مائتان (7).
و احتجّ أبو حنيفة بأنّ ما ذكره مخلّص للفريقين (8)من الضرر فيكون متعيّنا.
و الجواب عن الأوّل:أنّ عاصم بن ضمرة مطعون فيه،و قد نقلنا نحن عن عليّ عليه السلام ما ينافي ذلك (9).
و عن الثاني:أنّه لا اعتبار بذلك،فإنّ نصاب الإبل خمسة و نصاب الذهب عشرون، و ليس البعير مقوّما بأربعة.
و عن الثالث:أنّ مراعاة المالك أولى،و لا ضرر مع نصّ الشارع.
ص:107
الأوّل:لو وجب (1)عليه بنت مخاض و عدمها و كان عنده ابن لبون ذكر أجزأه،لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«فإن لم تكن فيها ابنة (2)مخاض فابن لبون ذكر» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رويناه في حديث عليّ عليه السلام:«فإن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها و عنده ابن لبون ذكر فإنّه تقبل منه ابن لبون و ليس معه شيء» (4).
و لأنّ علوّ السنّ يوجب اتّصاف البعير بالرعي (5)،و امتناعه من السباع،و هو أفضل بالسنّ و ذلك يقاوم فضل الأنوثة.
الثاني:لا يجزئ ابن اللبون مع وجود بنت مخاض (6)،لاشتراط الفقدان في الخبر.
الثالث:لو كانت عنده ابنة (7)مخاض معيبة و عنده ابن اللبون (8)أجزأه و تعيّن عليه إخراجه،لأنّ المعيبة لا تجزئ في الفرض فجرى مجرى المعدومة.و لقول عليّ عليه السلام (9):
«فإن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها» (10).
الرابع:لو كان عنده بنت مخاض أعلى صفة من الواجب،و عنده ابن لبون لم يجزئه
ص:108
إخراجه،لأنّه واجد لبنت مخاض على وجهها،و يخيّر (1)بين إخراجها من غير أخذ جبر و بين شراء مجزئة.
الخامس:لو عدم بنت المخاض و ابن اللبون أجزأه شراء أيّهما كان.و به قال الشافعيّ (2).
و قال مالك (3)،و أحمد:يتعيّن شراء بنت مخاض و لا يجزئ ابن لبون (4).
لنا:قوله عليه السلام:«فإن لم يكن في إبله ابنة مخاض فابن لبون ذكر» (5)و شراؤه (6)له يكون واجدا لابن اللبون فيجزئه.
احتجّ مالك بأنّهما استويا في العدم فوجب بنت مخاض،كما إذا استويا في الوجود (7).
و هذا قياس باطل،لأنّ مع الوجود شرط إجزاء ابن اللبون مفقود،بخلاف العدم.
السادس:لا يتعدّى الحكم بجبران علوّ السنّ في الذكر للأنوثة مع نزول السنّ في غير بنت مخاض و ابن اللبون (8)،فلو وجبت عليه بنت لبون لم يجزئه أن يخرج حقّا،و لو وجبت عليه حقّة لم يجزئه جذعا إلاّ بالقيمة السوقيّة،خلافا لبعض الجمهور (9).
ص:109
لنا:أنّ الواجب بنت اللبون،فإخراج غيره مع احتمال نقص قيمته عنه غير مبرئ للذمّة.و لأنّ تخصيص ابن اللبون بالذكر يشعر بانتفاء الحكم عن (1)غيره.
احتجّ المخالف بأنّ التنصيص على العالي في السنّ في ابن اللبون يدلّ بالتنبيه على إجزاء الحقّ عن بنت اللبون (2).
و الجواب:أنّه يدلّ بدليل الخطاب على انتفاء الإجزاء،على أنّ التنبيه مقصود (3)هنا،لأنّا صرنا في المجمع عليه لمعنى،فإنّ علوّ السنّ هناك مقتضية للاستغناء عن الأمّ بالرعي و ورود الماء و الامتناع عن السباع،بخلاف الحقّ و ابنة اللبون،فإنّ بنت اللبون ممتنعة عن السباع و ترعى و ترد الماء،فلم يكن لعلوّ السنّ هنا أثره هناك.
السابع:لو أخرج عن ابن اللبون حقّا أو جذعا أجزأه،لأنّه أعلى سنّا مع مساواته للمبدل منه في الذكوريّة.
الثامن:لو أخرج عن بنت المخاض بنت اللبون،أو عن بنت اللبون،حقّة أو عن الحقّة جذعة أجزأ (4)،فإنّه روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه بعث أبيّ بن كعب مصدّقا، قال:فمررت برجل[فلمّا] (5)جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلاّ بنت مخاض،فقلت له:أدّ بنت مخاض،فإنّها صدقتك،فقال:ذاك ما لا لبن فيه و لا ظهر،و لكن هذه ناقة فتيّة عظيمة، سمينة فخذها،فقلت:ما أنا بآخذ ما لم أومر به،و هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منك قريب،فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما أعرضت (6)عليّ فافعل،فإن قبله منك قبلت، و إن ردّه عليك رددته،قال:فإنّي فاعل،فخرج معي و خرج بالناقة التي عرض عليّ حتّى
ص:110
قدمنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال له:يا نبيّ اللّه أتاني رسولك ليأخذ منّي صدقة مالي،و ايم اللّه ما قام في مالي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا رسوله قطّ قبله،فجمعت له مالي فزعم أنّ ما عليّ فيه بنت مخاض،و ذلك (1)ما لا لبن فيه و لا ظهر،و قد عرضت عليه ناقة فتيّة سمينة،عظيمة ليأخذها،فأبى[عليّ] (2)و ها هي ذه،قد جئتك بها خذها،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ذاك الذي وجب عليك،فإن تطوّعت بخير آجرك اللّه فيه و قبلناه منك»قال:فها هي ذه يا رسول اللّه[قد جئتك بها فخذها] (3)،قال:فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقبضها،و دعا له في ماله بالبركة (4).
و لأنّها تجزي مع أخذ الجبران فمع عدمه أولى.
التاسع:لا يجوز أن يؤخذ أنزل من بنت المخاض مع الجبران،بل بالقيمة السوقيّة.
و كذا لا يجزئ (5)أخذ ما فوق الجذعة إلاّ كذلك،لعدم النصّ،و احتمال الإضرار بالمالك أو بالفقراء،أمّا (6)مع القيمة السوقيّة،فالمحذور مندفع.
العاشر:لو عدم السنّ الواجبة و ما يليها ارتفاعا و نزولا لم ينتقل إلى الثالثة بتضاعف الجبران،كمن عدم بنت مخاض (7)و قد وجبت عليه،و لم يكن عنده إلاّ حقّة أو بالعكس.و اختاره ابن المنذر (8).
و قال الشافعيّ:ينتقل بتضاعف الجبران (9)،و هو مذهب بعض
ص:111
علمائنا (1).
لنا:أنّ الانتقال عن الواجب على خلاف مقتضى (2)الدليل،فيصار إليه مع النصّ في صور (3)وجوده،أمّا مع عدمه فلا،تقليدا لمخالفة الدليل (4).و لأنّ بنت المخاض بالنسبة إلى الحقّة في عدم النصّ كالتي دون بنت المخاض.
احتجّ بأنّ بنت اللبون تجزئ عن الحقّة مع الجبران (5)إذا كانت موجودة،و بنت المخاض تجزئ عنها مع عدمها مع الجبران،فتكون مجزئة عن الحقّة (6).
و الجواب:الإجزاء هناك،للتخفيف مع قلّة ضرر الفقراء،بخلاف صورة النزاع،فإنّه يجوز أن يكون ذلك أضرّ بهم.أمّا لو وجبت الحقّة و لم توجد و وجدت بنت اللبون فليس له النزول إلى بنت المخاض مع تضاعف الجبران قولا واحدا.
و على قياس قول الشافعيّ،يجوز النزول إلى بنت المخاض لمن وجبت عليه الجذعة مع دفع الجبرانات،و كذا بالعكس،و اختاره بعض أصحابنا (7)،و لا يخلو عن (8)قوّة.
الحادي عشر:لو أراد أن يجبر (9)بشاة و عشرة دراهم لم يجز،لأنّ النصّ ورد بشاتين أو عشرين درهما،فالتبعيض لا يجوز كما في الكفّارة.
الثاني عشر:لو أخرج عن الجذعة بنتي لبون أو بنتي مخاض،فإن كانتا (10)أكثر قيمة
ص:112
أو مساوية (1)أجزأت قطعا،و لو عجزتا (2)عنها فالوجه عدم الإجزاء،لأنّهما غير الواجب (3)و بدله.
الثالث عشر:لو كانت إبله مراضا و الفريضة معدومة و عنده أدون و أعلى (4)دفع الأدون و الجبران،و ليس له أن يدفع الأعلى و يأخذ الجبران،لجواز أن يكون الجبران جبرا (5)من الأصل،و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جعل ذلك الجبران بين الفرضين الصحيحين فلا يدفعه بين (6)المريضين،لأنّ قيمتها أقلّ من قيمة الصحيحين،و كذلك قيمة ما بينهما.
و لو كان المخرج وليّ اليتيم-على القول بثبوت الزكاة-تعيّن (7)عليه شراء الفريضة مريضة،و ليس له دفع الناقص و الجبران،لأنّه إضرار باليتيم،و لا العكس،لأنّه إضرار بالفقراء،و لو انتفى الضرر جاز.
الرابع عشر:لا يثبت الجبران في غير الإبل،فإنّ الغنم لا تتفاوت كثيرا بتفاوت أسنانها،و ما بين الفريضتين (8)من البقر يخالف (9)ما بينهما من الإبل فامتنع القياس، و الاقتصار على المنصوص (10)خاصّة،فإذا (11)عدم فريضة البقر و وجد الأنزال دفعها و تمّمم القيمة السوقيّة،و لو دفع الأعلى متطوّعا كان أفضل.
ص:113
الخامس عشر:بخاتيّ (1)الإبل و عرابها (2)و نجيبها و كريمها و لئيمها سواء في وجوب الزكاة يضمّ (3)بعضها إلى بعض،فإذا بلغت نصابا أخرج منها الفريضة،فإن تطوّع بالأجود فلا بحث،و إلاّ لم يكن له دفع الأنقص بل يؤخذ من أوسط المال،فيخرج عن البخاتيّ بختيّة،و عن العرابيّ عربيّة،و عن السمان سمينة.
و لو قيل بإخراج ما شاء إذا جمع الصفات المشترطة،كان وجها.
-و الهرمة:الكبيرة- و لا ذات العوار من السليمة (4)-و ذات العوار:هي المعيبة-و لا نعلم فيه خلافا.
قال اللّه تعالى وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (5).
و روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا تؤخذ في الصدقة هرمة، و لا ذات عوار،و لا تيس (6)،إلاّ أن يشاء المصدّق» (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«و لا تؤخذ هرمة،و لا ذات عوار،إلاّ أن يشاء المصدّق» (8).و لأنّ في ذلك ضررا (9)للفقراء.
ص:114
الأوّل:لا تؤخذ الربيّ،و هي:الوالدة التي تربّي ولدها إلى خمسة عشر يوما-و قيل:إلى خمسين (1)-لما في ذلك من الإضرار بولدها.
و لا الأكولة،و هي:السمينة المتّخذة للأكل،لأنّه إضرار بالمالك (2).
و قال عليه السلام للمصدّق:«إيّاك و كرائم أموالهم» (3).
و لا فحل الضراب،لأنّ فيه نفعا للمالك،و هو من كرائم المال،إذ المعدّ لذلك إنّما هو الجيّد غالبا.
و لا الحامل،لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يأخذ شافعا (4)أي:حاملا.
الثاني:لو تطوّع المالك بذلك جاز بلا خلاف،لأنّ النهي في هذه (5)منصرف إلى الساعي،لتفويت المالك النفع،و للإرفاق (6)به،لا لعدم إجزائها.
الثالث:لو كانت إبله مراضا كلّها لم يجب عليه شراء صحيحة.ذهب إليه علماؤنا، و به قال الشافعيّ (7).و قال مالك:يجب عليه أن يشتري صحيحة (8).و عن أحمد
ص:115
روايتان (1).
لنا:قوله عليه السلام:«إيّاك و كرائم أموالهم».نهاه عن أخذ الكريمة و إن وجدت، إرفاقا به،و تكليف شراء صحيحة عن المعيبة ينافي ذلك.و قال (2)عليه السلام:«فإنّ اللّه لم يسألكم خيره،و لم يأمركم بشرّه» (3).و لأنّ مبنى (4)الزكاة على المواساة،و بشراء صحيحة عن المعيبة يبطل ذلك.و لأنّ المال إذا وجب فيه من جنسه لم يجب الجيّد من الرديء،كالحبوب.
احتجّ مالك بقوله عليه السلام:«لا تؤخذ في الصدقة هرمة و لا ذات عوار» (5).
و لأنّه لو كان بعض المال صحاحا (6)وجب صحيح،فكذا (7)لو كان الجميع مراضا.
و الجواب عن الأوّل:أنّ المراد به:لا تؤخذ من الصحيح صرفا للإطلاق إلى المعتاد.
و عن الثاني:بالمنع.
الرابع:لو لم يكن في إبله المراض الفريضة كلّف شراؤها،و لا يجب شراء صحيحة، فلو اشترى مريضة أجزأه،لأنّها (8)الواجب عليه،و كذا لو أخرج قيمة المريضة،و لو تطوّع بالصحيح كان أفضل.
الخامس:لو كانت إبله صحاحا و مراضا،كلّف فرضا صحيحا بقيمة صحيح و مريض،فيقال:لو كان النصف صحاحا و قيمة الفرض الصحيح عشرون و المريض
ص:116
عشرة،أخرج فرضا (1)قيمته خمسة عشر.
السادس:إذا كانت إبله مراضا كلّها و الفرض صحيح،فإن أخرجه فلا بحث،و إن أخرج مريضا لم يجزئ،لأنّ في إبله صحيحا،بل يشتري بقيمة الصحيح و المريض،فإذا كان الفرض بنت لبون،كلّف شراء بنت لبون صحيحة بقيمة جزء من ستّة و ثلاثين جزءا من صحيحه،و خمسة و ثلاثين جزءا من مريضه.
السابع:لو كانت إبله صحاحا كلّها،و الفرض مريض،كلّف شراء صحيح على ما تقدّم بعد إسقاط التفاوت بين الصحيح و المريض من الفرض.
الثامن:ليس للساعي أن يأخذ الحامل إلاّ برضا المالك.و قال داود:لا تجزئه لو أخرجها المالك،و كذا قال:لا تجزئه السنّ الأعلى (2)،و هو سهو.و لا ينتقض علينا بكون الحبل عيبا في الأمة،و لا يذبح في الأضحيّة حاملا،لأنّ كون الحبل عيبا مخصوص بالإماء، و الأضحيّة،المراد منها اللحم،و الغرض (3)من الزكاة منفعة الفقراء (4)،و الحامل أنفع، لحصول الدرّ (5)و النسل.
و لو لم يظهر بها حمل و لكن طرقها الفحل لم يكن للساعي أخذها إلاّ برضا المالك.
التاسع:لو كانت أمراضها متباينة أخذ من وسطها لا الأجود و لا الأردى.
،و ما يتعلّق به الفريضة يسمّى نصابا، و ما نقص عن النصاب يسمّى في الإبل شنقا (6).
ص:117
و قد ظهر ممّا تقدّم أنّ نصب الإبل ثلاثة عشر،خمسة متجانسة (1)،و ثمانية مختلفة.
و الأوقاص أيضا ثلاثة عشر،خمسة منها متجانسة (2)أربعة أربعة.و اثنان تسعة تسعة ما بين ستّ و عشرين إلى ستّ و ثلاثين،و ما بينها (3)و بين ستّ و أربعين.و ثلاث بعد ذلك،كلّ واحد أربع عشرة ما بين ستّ و أربعين إلى إحدى و ستّين،و ما بين إحدى و ستّين إلى ستّ و سبعين،و ما بين ستّ و سبعين إلى إحدى و تسعين.و واحد تسع و عشرون،و هو ما بين إحدى و تسعين إلى مائة و إحدى و عشرين.و واحد ثمانية ما بين مائة و إحدى و عشرين إلى مائة و ثلاثين،ثمَّ بعد ذلك يستقرّ (4)الأشناق تسعة تسعة لا إلى نهاية،و قد بيّنّا ذلك كلّه فيما تقدّم.
و شرائط زكاة الإبل قد بيّنّا (5)أنّها أربعة:الملك،و النصاب،و السوم،و الحول (6).
أمّا الملك و النصاب فقد تقدّما (7).و أمّا الباقيان فسيأتي البحث فيهما إن شاء اللّه تعالى.
و ينبغي أن يزاد (8)مع الشروط إمكان التصرّف و التكليف،و قد سلف (9).
-و عليه فتوى علمائنا أجمع-فلا تجب في المعلوفة و لا العوامل.و به قال عليّ عليه السلام،و معاذ بن جبل،و جابر بن عبد اللّه.و من التابعين:سعيد بن جبير،و عطاء،و مجاهد،و الحسن البصريّ،
ص:118
و النخعيّ (1).و به قال في الفقهاء:أبو حنيفة (2)،و الشافعيّ (3)،و الثوريّ،و الليث بن سعد (4)،و أحمد (5)،و إسحاق،و أبو ثور (6).
و قال مالك:تجب في العوامل و المعلوفة (7).و به قال ربيعة،و مكحول،و قتادة (8).
و قال داود:تجب في عوامل الإبل و البقر و معلوفتها،دون الغنم (9).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«في أربعين من الغنم السائمة شاة» (10).و تقييد الحكم بالوصف يدلّ على نفيه عمّا عداه.
و روى عمرو بن شعيب (11)عن أبيه،عن جدّه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
ص:119
«ليس في البقر العوامل صدقة» (1).و كذا رووه عن عليّ عليه السلام (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و بريد العجليّ و الفضيل،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:
«ليس على (3)العوامل شيء،إنّما ذلك على السائمة الراعية»قال:قلت:ما في البخت (4)السائمة؟قال:«مثل ما في الإبل العربيّة» (5).
و لأنّ مبنى الزكاة على المواساة و التخفيف،و إنّما تجب فيما يطلب نماؤه و نتاجه، و العلف يستوعب النماء،فلو أوجبنا الزكاة في المعلوفة لزم الإضرار بالمالك.
احتجّ المخالف (6)بظاهر قوله عليه السلام:«في أربعين شاة شاة،و في ثلاثين من البقر تبيع» (7).
و الجواب:دلائلنا أخصّ فيقيّد (8)به العامّ،على أنّا نمنع العموم و هو ظاهر.
الأوّل:لو علفها بعض الحول،قال الشيخ:يعتبر الأغلب،فإن كان الأغلب السوم وجبت الزكاة،و إن كان الأغلب العلف سقطت (9).
ص:120
و قال الشافعيّ:ينقطع الحول بالعلف و لو يوما إذا نوى العلف و علف (1).
و قال بعض أصحابه:إن علفها ثلاثة أيّام انقطع حكم السوم و إلاّ فلا،لأنّها لا تصبر ثلاثة أيّام عن العلف (2).
احتجّ الشيخ بأنّ اسم السوم لا يزول بالعلف اليسير،و غير الأغلب بالنسبة إليه يسير.و لأنّ اعتبار السوم في جميع الحول يقتضي إسقاط الزكاة غالبا.و لأنّ خفّة المئونة موجودة هنا فأشبه السائمة في جميع الحول.و لأنّ الأغلب معتبر في سقي الغلاّت فكذا يعتبر في السوم (3).
و احتجّ الشافعيّ بأنّ السوم شرط كالملك،و الحول ينقطع بزواله و لو يوما فكذا السوم،و لأنّ السوم موجب،و العلف مسقط و مع الاجتماع يثبت مقتضى المسقط،كما لو كان معه أربعون سائمة إلاّ واحدة معلوفة،فإنّ الزكاة تسقط هنا،و اسم السوم ليس بثابت حال العلف فلا يطلق عليه الاسم في جميع الحول (4).
و الأقرب عندي اعتبار الاسم،و ما ذكره الشافعيّ ضعيف،فإنّه يلزم لو اعتلفت لحظة واحدة أن تخرج عن اسم السوم و ليس كذلك.و لو تساويا سقطت الزكاة.
الثاني:لو اعتلفت من نفسها حتّى خرجت عن اسم السائمة انقطع الحول،لانتفاء الشرط.
الثالث:لو منعها مانع من الثلج و غيره (5)عن السوم فعلفها المالك أو غيره (6)،بإذنه أو بغير إذنه حتّى خرجت عن اسم السائمة انقطع الحول،لما تقدّم.
ص:121
،و الذهب،و الفضّة.و هو قول أهل العلم كافّة،إلاّ ما حكي عن ابن عبّاس،و ابن مسعود أنّهما قالا:إذا استفاد المال زكّاه في الحال،ثمَّ يتكرّر بتكرّر الحول (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول» (2).
و عن ابن عمر،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ليس في مال المستفيد زكاة حتّى يحول عليه الحول» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير،و بريد و الفضيل،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:«كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه حتّى يحول عليه (4)الحول،فإذا حال عليه الحول وجب فيه (5)» (6).
و في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال:«الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول و لم يحرّكه» (7).
و في الصحيح عن محمّد الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يفيد
ص:122
المال،قال:«لا يزكّيه حتّى يحول عليه الحول» (1).
و في الحسن عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:قلت له:رجل كان عنده مائتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا،ثمَّ أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر فكملت (2)عنده مائتا درهم،أ عليه زكاتها؟قال:«لا،حتّى يحول عليه (3)الحول و هي مائتا درهم» (4).
و عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال:«ليس في شيء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة:الإبل،و البقر،و الغنم،و كلّ شيء من هذه الأصناف من[الدواجن و] (5)العوامل فليس فيها شيء،و ما كان من هذه الأصناف فليس فيها شيء حتّى يحول عليها (6)الحول منذ[يوم] (7)ينتج» (8).و الإجماع دالّ عليه،و خلاف المذكورين قد انقرض فلا اعتداد به.
احتجّا بأنّه مال مستفاد فتجب فيه الزكاة حين الاستفادة كالحبوب و الثمار.
و الجواب:الفرق،فإنّ نماء الثمار (9)يتكامل دفعة واحدة و لهذا تجب الزكاة مرّة واحدة،و هذه الأموال نماؤها تقليبها فاحتاجت إلى الحول،و إنّ المال الذي تجب فيه الزكاة من الغلاّت نماء لا غير،و غيرها مال معدّ للنّماء.
ص:123
الأوّل:إذا أهلّ الثاني عشر فقد حال على المال الحول.ذهب إليه علماؤنا.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:
قلت له:رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله،فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلّها بشهر،فقال:«إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت عليه فيها الزكاة» (1).
الثاني:الملك و النصاب معتبر (2)من أوّل الحول إلى آخره.
و حكي عن أبي حنيفة اعتبار وجود النصاب طرفي الحول فتجب الزكاة و لو نقص في وسطه (3).
لنا:قوله عليه السلام:«لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة،عن أبي جعفر الباقر عليه السلام،قال:قلت (5):رجل كان عنده مائتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا،ثمَّ أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر فكملت (6)عنده مائتا درهم،أ عليه زكاة؟ قال:«لا،حتّى يحول عليه الحول و هي مائتا درهم»ثمَّ قال:«فإن لم يمض عليها جميعا الحول فلا شيء عليه فيها» (7).
ص:124
الثالث:القول قول المالك في حولان الحول و عدمه،لأنّها عبادة شرعيّة فيرجع إلى قوله فيها.
و قال عليّ عليه السلام:«لا تدخل عليهم (1)دخول متسلّط» (2).و لا يلزمه يمين، و لا يقبل قول الساعي عليه.نعم،لو شهد عليه (3)عدلان بحول (4)الحول قبل ذلك أخذ (5)منه الحقّ.
الرابع:إذا مات المالك انتقل النصاب إلى الوارث (6)،و استأنف (7)الحول حين الانتقال.
الخامس:لو كان (8)معه خمس من الإبل و حال الحول،فإن أخرج من العين أو لم يخرج حتّى جاء (9)الحول الثاني وجبت عليه الشاة الواحدة لا غير،و لو أخرج من غيرها و بقيت بصفة الواجب وجب عليه شاتان.
و لو كان معه أزيد من نصاب،و حال عليه أحوال وجبت الزكاة متعدّدة عن كلّ سنة بعد إسقاط ما يجب في السنة المتقدّمة عن نصاب المتأخّرة إلى أن ينقص عن النصاب، فلو كان معه ستّ و عشرون و حال عليه حولان وجبت عليه بنت مخاض و خمس شياه.
ص:125
و لو حال عليه ثلاثة أحوال وجبت عليه بنت مخاض و تسع شياه،فإن حال عليها (1)أربعة أحوال وجبت عليه بنت مخاض عن السنة الأولى،و خمس شياه عن السنة الثانية، و أربع عن الثالثة،ثمَّ إن نقصت عن العشرين وجب عليه في الرابعة ثلاث شياه، و إن لم تنقص وجب عليه أربعة أخرى و هكذا.
ص:126
و قد أجمع المسلمون على وجوب الزكاة فيها.
قال اللّه تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً (1).
و روى الجمهور عن أبي ذرّ رحمه اللّه أنّه دخل المسجد بالمدينة فاستند (2)إلى سارية من سواري المسجد فاحتوشه (3)الناس و قالوا له:حدّثنا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال (4):سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«و في البقر صدقتها.»الحديث (5).
و عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:من كان له بقر لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر،و هي أوفر ما تكون تطؤه بأظلافها (6)و تنطحه بقرونها،كلّما نفدت أخراها خلف عليه أولاها (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
ص:127
«ما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلاّ حبسه اللّه تعالى يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه كل ذات ظلف بظلفها،و تنهشه كلّ ذات ناب بنابها» (1).
و في أحاديث كثيرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وضع (2)الزكاة على تسعة أصناف و عدّ من جملتها البقر (3)،و الإجماع دالّ عليه.
،فلا تجب الزكاة في شيء من البقر إلى أن تبلغ (5)ثلاثين بلا خلاف بين العلماء في ذلك-إلاّ الزهريّ،و سعيد بن المسيّب، فإنّهما قالا:في كلّ خمس شاة (6)-فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن معاذ أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمره أن يأخذ من كلّ ثلاثين تبيعا،و من كلّ أربعين مسنّة (8)،و أتي بما دون ذلك فقال:لم أومر في الأوقاص بشيء (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة و محمّد بن مسلم، و أبي بصير و بريد بن معاوية العجليّ و الفضيل عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:«في البقر في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حوليّ،و ليس في أقلّ من ذلك شيء،و في أربعين
ص:128
[بقرة] (1)بقرة مسنّة،و ليس فيما بين (2)الثلاثين إلى الأربعين شيء حتّى تبلغ أربعين،فإذا بلغت أربعين ففيها مسنّة (3)،و ليس فيما بين الأربعين إلى الستّين شيء،فإذا بلغت الستّين ففيها تبيعان (4)إلى السبعين،فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنّة إلى الثمانين فإذا بلغت ثمانين ففي كلّ أربعين مسنّة إلى تسعين،فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبائع (5)حوليّات،فإذا بلغت عشرين و مائة ففي كلّ أربعين مسنّة،ثمَّ ترجع البقر على أسنانها،و ليس في النيف (6)شيء،و لا على الكسور شيء،و لا على العوامل شيء،إنّما الصدقة على السائمة الراعية، و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه حتّى يحول عليه الحول،فإذا حال عليه [الحول] (7)وجبت فيه» (8).
و لأنّ النصب أمور تقديريّة و لا مجال للعقل فيه،فلا تثبت إلاّ بالنصّ و التوقيف،و ما ذكروه (9)لا نصّ فيه.و لأنّ الأصل عدم شغل الذمّة فيعمل به إلى أن يظهر المنافي.
و لأنّ الإجماع من الصحابة واقع على انتفاء ما ذكراه،فلا اعتداد بمخالفتهما.و لأنّ خلافهما قد انقرض فلا اعتبار به.
احتجّ المخالف بأنّ البقر عدلت الإبل في الهدي و الأضحيّة،فكذا في الزكاة (10).
و الجواب:القياس هنا باطل،و مع ذلك فهو منقوض عندهم بخمس و ثلاثين من
ص:129
الغنم،فإنّها تعدل خمسا من الإبل في الهدي و لا زكاة فيها.
،و هو الذي سنّه قد دخل (1)في الثانية، سمّي بذلك،لأنّه يتبع أمّه في الرعي.و قيل:لأنّ قرنه يتبع أذنه،لتساويهما (2)،و يسمّى جذعا و الأنثى جذعة،ثمَّ ليس فيها شيء إلى أن تبلغ أربعين و فيها حينئذ مسنّة،و هي التي تمّت لها سنتان و دخلت في الثالثة و هي الثنيّة.و لا يؤخذ في البقر غيرهما،فإذا استكمل ثلاثا و دخل في الرابعة فهو رباع و رباعية،فإذا دخل في الخامسة فهو سدس و سديس، فإذا دخل في السادسة فهو صالغ-بالصاد غير المعجمة و الغين المعجمة-و لا اسم له بعد ذلك،بل يقال:صالغ عام و صالغ عامين و هكذا.
إذا ثبت هذا،فنقول:أجمع المسلمون على وجوب التبيع أو التبيعة في الثلاثين، و وجوب المسنّة في الأربعين،و أجمعوا على أنّ هذين السنّين (3)هي المفروضة في زكاة البقر.
و يدلّ عليه ما تقدّم من الأحاديث (4)،ثمَّ كلّما زادت كان على هذا الحساب.
الأوّل:نصب البقر أربعة:
الأوّل:ثلاثون،و فيه تبيع أو تبيعة.
و الثاني:أربعون،و فيه مسنّة.
و الثالث:ستّون،و فيه تبيعان أو تبيعتان.
و الرابع:ما زاد،يؤخذ من كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة،و من كلّ أربعين مسنّة.
ص:130
و الأوقاص أربعة:
الأوّل:تسع و عشرون.
و الثاني:تسعة،ما بين ثلاثين إلى أربعين.
و الثالث:تسعة عشر،ما بين أربعين إلى ستّين.
و الرابع:تسعة تسعة بالغا (1)ما بلغ.
و قد جرت العادة أن يسمّى ما لا يتعلّق به الزكاة من البقر وقص-بإسكان القاف (2)-و قيل:بفتحها،لأنّه جمع على أوقاص،و أفعال جمع فعل لا جمع فعل (3).و هو ضعيف،لأنّ أكثر أهل اللغة على التسكين (4)،و قد جاء أفعال جمعا لفعل،كزند و أزناد (5)، و فرخ و أفراخ،و فرد و أفراد،و أنف و آناف،و كبر و أكبار.
قال الأصمعيّ:الشنق-بفتح النون-يختصّ بأوقاص الإبل،و الوقص مشترك بين البقر و الغنم (6).
و قال غيره:لا فرق بين الشنق و الوقص (7).
الثاني:لا شيء في الزائد على الأربعين إلى أن تبلغ ستّين.و هو قول علمائنا أجمع،
ص:131
و به قال مالك (1)،و الشافعيّ (2)،و أبو يوسف،و محمّد (3)،و أحمد (4)،و أبو حنيفة في إحدى الروايات.و في الثانية:أنّ ما زاد بحسابه،في كلّ بقرة ربع عشر مسنّة.و في الثالثة:
لا شيء فيها حتّى تبلغ خمسين فيكون فيها مسنّة و ربع (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن معاذ أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال له:«خذ من كلّ ثلاثين تبيعا أو تبيعة،و من كلّ أربعين مسنّة» (6).
و هذا نصّ في أنّ الاعتبار بهذين العددين (7).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم عن الباقر و الصادق عليهما السلام:«و ليس فيما بين الأربعين إلى الستّين شيء» (8).
و لأنّ هذه الزيادة لا يحصل بها تتميم أحد العددين (9)فلا يجب بها شيء،كما إذا زاد على الثلاثين و لم يبلغ الأربعين.و لأنّها أحد بهائم الأنعام فلا (10)يجب الكسر في فريضتها
ص:132
كغيرها،و لا ينتقل من فرض إلى فرض بغير و قص كغيرها.
احتجّ أبو حنيفة على الرواية الثانية بأنّ (1)جعل الوقص تسعة عشر مخالف لغيره من الأوقاص،و جعله تسعة يكون إثباتا للوقص بالقياس،فيجب في الزيادة بحصّتها.
و على الثالثة بأنّ سائر الأوقاص تسعة،كذلك هاهنا (2).
و الكلّ ضعيف،فإنّ أوقاص الإبل مختلفة،بل أوقاص البقر نفسها فيبطل القياس.
الثالث:لو اتّفق في النصاب الفرضان-كمائة و عشرين-يخيّر (3)المالك بين إخراج أربع تبائع و ثلاث مسنّات.و البحث فيه و التفريع عليه كما تقدّم في الإبل.
الرابع:لو وجب (4)عليه تبيع أو تبيعة فأخرج مسنّة أجزأه إجماعا،لأنّه أعلى من الواجب.و لو وجب عليه مسنّة فأخرج تبيعين أو تبيعتين ففي الإجزاء نظر:ينشأ من إجزائه عن الستّين فعن (5)الأربعين أولى،و من التخطّي عن الواجب بغير دليل،و الأقرب اعتبار القيمة السوقيّة.
الخامس:الفريضة المأخوذة في الإبل و البقر إنّما هي الإناث خاصّة،إلاّ ابن اللبون و ليس أصلا بل هو بدل،و التبيع في البقر خاصّة،و لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين، للأحاديث.و لأنّها أفضل بالدرّ و النسل،فلو (6)أعطى مسنّا بدل مسنّة لم يجزئه قولا واحدا،لأنّه دونها.أمّا لو كانت إبله ذكورا كلّها ففي تكليفه الأنثى نظر،الأقرب الإخراج من الذكور كالمعيب (7).
ص:133
السادس:لو فقد السنّ الواجبة في البقر لم يكن له الصعود أو النزول (1)بالجبران الشرعيّ في الإبل،بل يكلّف شراء السنّ،أو يدفع بالقيمة السوقيّة،لأنّ ذلك خلاف الأصل صير إليه بالنصّ فلا[تعدّي] (2)خصوصا مع عدم الجامع الصالح للعلّيّة،و من علّل بأنّ الإبل تجب الغنم فيها ابتداء فجاز أن تدخل في جبرانها بخلاف البقر،فقد أخطأ،لأنّ تعليله ينكسر بالدراهم (3)في الجبران.
على ما تقدّم (4)،خلافا لمالك (5)،و البحث فيه كما في الإبل.
يجب في كلّ واحد منهما الزكاة مع الشرائط،و يضمّ أحدهما إلى الآخر لو نقص عن النصاب.و هو قول أهل العلم كافّة،لأنّها نوع من أنواع البقر،كما أنّ البخاتيّ نوع من أنواع الإبل.
و يؤخذ من كلّ نوع بحصّته،فإن تطوّع المالك بالأعلى فلا بحث،و إن ماكس أخذ منه الفريضة بالنسبة إلى الجيّد و الرديء،فإذا (6)كانت الجواميس عشرة و البقر عشرين نظر في قيمة الفريضة منهما،فإذا كانت قيمتها من الجواميس ستّة دنانير،و من البقر ثلاثة،كلّف جاموسة بأربعة،أو بقرة بها.و قيل:يؤخذ من الجنس الغالب.ذكره الشافعيّ (7)،و ليس
ص:134
بجيّد.
و كذا لو كانت البقر مختلفة،بأن يكون بعضها عرابا،و هي الجرد الملس (1)الحسان، و بعضها ليس كذلك.أمّا لو كانت جيّدة كلّها و الفريضة رديّة،فإن كانت معيبة لم تجزئ، و إن كانت صحيحة ففي الإجزاء نظر،و قد سلف البحث فيه (2).
الأوّل:الاختيار (3)إلى ربّ المال،لا إلى الساعي.نعم،لا يجوز لربّ المال دفع الأنقص إلاّ بالقيمة (4).
الثاني:لا زكاة في بقر الوحش.و هو قول العلماء كافّة.و قال أحمد:تجب (5).
و قد سلف البحث فيه (6).
الثالث:المتولّد بين الوحشيّ و الإنسيّ،قال أحمد:تجب فيها (7)الزكاة مطلقا (8).و قال مالك (9)،و أبو حنيفة:إن كانت الأمّهات أهليّة وجبت
ص:135
فيه (1).
و قال الشافعيّ:لا زكاة فيها (2).و الأقرب عندي اعتبار الاسم.
لنا:أنّ الزكاة وجبت فيما يسمّى بقرا و غنما،و الإطلاق ينصرف إلى المعهود،و غيره مجاز،فإن صدق اسم الحقيقة على المتولّد وجبت الزكاة فيه،و إلاّ فلا.
احتجّ أحمد بأنّها متولّدة بين ما تجب فيه الزكاة مطلقا،أو بين ما تجب فيه و ما لا تجب،فتجب فيها كالمتولّدة بين السائمة و المعلوفة.و لأنّ غنم مكّة متولّدة من الظباء و الغنم،و تجب الزكاة فيها (3).
و احتجّ أبو حنيفة بأنّ ولد البهيمة يتبع أمّه (4).
و احتجّ الشافعيّ بأنّها متولّدة من وحشيّ فأشبه المتولّدة من وحشيّين (5).
و كلام أحمد ضعيف،لأنّ السوم و العلف معتبر بما يجب فيه لا بأصله،بخلاف صورة النزاع،فإنّه لو علف المتولّدة من السائمة،أو سام المتولّدة من المعلوفة لوجبت الزكاة في الثاني دون الأوّل و لم يعتبر الأصل و لم يصحّ ما ذكره عن غنم مكّة و إلاّ لحرم ذبحها كالمتولّدة (6)من الوحشيّ و الإنسيّ،على أنّا نقول:إنّما وجبت فيها الزكاة لإطلاق الاسم عليها حقيقة.
و كلام أبي حنيفة ضعيف،لأنّا نمنع التبعيّة إذا كذب الاسم،و كلام الشافعيّ ضعيف،
ص:136
لوقوع الفرق.و بالجملة فالاسم عندنا هو المراعى (1).
الرابع:الزكاة إنّما تتعلّق بالنصاب لا بالأوقاص،و قد سلف البحث فيه (2).
ص:137
و الزكاة فيها ثابتة (1)بالنصّ و الإجماع،قال اللّه تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً (2).
و روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«و في الغنم صدقتها» (3).
و عن أبي هريرة،أنّ (4)النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها،بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه تطؤه بأظلافها،و تنطحه بقرونها،كلّما انقضى آخرها عاد أوّلها،حتّى يقضي اللّه تعالى بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«ما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله،إلاّ حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر،تطؤه
ص:138
كلّ ذات (1)ظلف بظلفها،و تنهشه كلّ ذات (2)ناب بنابها» (3).
و تواترت الأخبار عن الأئمّة عليهم السلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وضع الزكاة على تسعة أشياء،و عفا عمّا سوى ذلك (4).و لا نعلم خلافا في وجوب الزكاة فيها.
-الملك،و النصاب،و السوم،و الحول، إلاّ أنّ أمر (5)النصاب هنا مخالف له هناك.و قد أجمع كلّ من يحفظ عنه العلم أنّ أوّل نصب الغنم أربعون فلا تجب في سائمة الغنم إلاّ إذا بلغتها ففيها شاة،ثمَّ لا يجب فيها شيء حتّى تبلغ مائة و إحدى و عشرين ففيها شاتان،ثمَّ مائتان و واحدة ففيها ثلاث شياه.
و هذا كلّه وفاق إلاّ ما حكاه الشعبيّ عن معاذ قال:في مائتين و أربعين ثلاث شياه، و في ثلاثمائة و أربعين أربع شياه (6).و هي شاذّة مخالفة للإجماع،مع أنّ الشعبيّ لم يلق معاذا، فهي إذن ساقطة.
إلى ثلاثمائة و واحدة، بلا خلاف بيننا.ثمَّ اختلفوا إذا بلغت ثلاثمائة و واحدة،فقال المفيد رحمه اللّه (7)،و السيّد المرتضى رضي اللّه عنه:تجب في كلّ مائة شاة،ثمَّ كلّما زادت مائة كان فيها شاة،ففي أربعمائة أربع شياه،و في خمسمائة خمس شياه،و هكذا بالغا ما بلغت (8). (9)و به قال
ص:139
الشافعيّ (1)،و أبو حنيفة (2)،و مالك (3)،و أحمد في إحدى الروايات (4).
و قال الشيخ رحمه اللّه و من تابعة:إذا بلغت ثلاثمائة و واحدة ففيها أربع شياه ثمَّ ليس فيها شيء إلى أن تبلغ أربعمائة،فإذا بلغتها ففي كلّ مائة شاة بالغا ما بلغت (5). (6)و قال النخعيّ،و الحسن بن صالح بن حيّ:إذا بلغت ثلاثمائة و واحدة ففيها أربع شياه إلى أربعمائة و واحدة ففيها خمس إلى خمسمائة ففي كلّ مائة شاة (7).و هو رواية عن أحمد (8)،و الأقرب عندي خيرة المفيد.
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا كتب الكتاب الذي للسعاة:«إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاة إلى مائة و عشرين،فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين،فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة،فإذا زادت ففي كلّ مائة شاة» (9).
ص:140
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن قيس،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«ليس فيما دون الأربعين من الغنم شيء،فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة،فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين،فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة،فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة،و لا تؤخذ هرمة،و لا ذات عوار، إلاّ أن يشاء المصدّق،و لا يفرّق بين مجتمع،و لا يجمع بين متفرّق و يعدّ صغيرها و كبيرها» (1).
و ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة،عن الباقر عليه السلام:إلى مائتين، فإن (2)زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة،فإذا كثر (3)الغنم أسقط (4)هذا كلّه و أخرج من (5)كلّ مائة شاة (6).
و لأنّ الأصل براءة الذمّة،و إيجاب أربع في ثلاثمائة و واحدة شغل لها بالزائد،فيقف على الدلالة.
احتجّ الشيخ (7)بما رواه في الحسن عن زرارة و محمّد بن مسلم،و أبي بصير و بريد العجليّ،و الفضيل عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام في الشاة:«في كلّ أربعين شاة شاة،و ليس فيما دون الأربعين شيء،ثمَّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ عشرين و مائة،فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها[مثل ذلك شاة واحدة،فإذا زادت على عشرين و مائة
ص:141
ففيها] (1)شاتان،و ليس فيها أكثر من شاتين حتّى تبلغ مائتين،فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك،فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه،ثمَّ ليس فيها شيء أكثر من ذلك حتّى تبلغ ثلاثمائة،فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه،فإذا زادت واحدة ففيها أربع[شياه] (2)حتّى تبلغ أربعمائة،فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة و سقط الأمر الأوّل،و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شيء،و ليس في النيّف شيء»و قالا:«كلّ ما لا يحول عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه،فإذا حال عليه الحول وجب عليه» (3).
و لأنّ الاحتياط يقتضي ذلك فيصار إليه ليحصل يقين البراءة.
و الجواب عن الأوّل:أنّ طريق حديثنا أوضح (4)من طريق حديثهم،و اعتضد بالأصل،فتعيّن العمل به،و الاحتياط لا يقتضي إيجاب ما ليس بواجب،فإنّ الواجبات لا تثبت احتياطا بالشكّ،و لهذا من تيقّن الطهارة و شكّ في الناقض لا تجب عليه الطهارة.
الأوّل:ظهر أنّ النصب في الغنم أربعة:
الأوّل:أربعون،و فيها شاة.
و الثاني:مائة و إحدى و عشرون،و فيه شاتان.
و الثالث:مائتان و واحدة،ففيها (5)ثلاث شياه.
و الرابع:ثلاثمائة و واحدة فيؤخذ من كلّ مائة شاة بالغا ما بلغ.
و ما لا يتعلّق به الزكاة في الغنم يسمّى عفوا،و هو أربع أيضا.
ص:142
الأوّل:تسعة و ثلاثون.
الثاني:ثمانون،و هو ما بين أربعين إلى مائة و إحدى و عشرين (1).
الثالث:تسعة و سبعون،و هو ما بين مائة و واحدة و عشرين (2)إلى مائتين و واحدة.
الرابع:تسعة و تسعون،و هو ما بين مائتين و واحدة إلى ثلاثمائة و واحدة،ثمَّ يستقرّ العفو على تسعة و تسعين.
و على قول الشيخ:النصب خمسة و العفو خمسة،قال الشيخ في الجمل:العفو الثالث:
ثمانون،و هو ما بين مائة و أحد و عشرين (3)إلى مائتين و واحدة.و ليس بجيّد،بل هو كما قلناه.و قال (4)الشيخ أيضا في المبسوط،و في بعض نسخ الجمل:ثمانون إلاّ واحدة (5).و هو صحيح،فلعلّ إسقاط الاستثناء من الناسخ.
الثاني:ما بين النصب لا تجب فيه الزكاة.و قد سلف البحث فيه.
الثالث:الضأن و المعز سواء،يضمّ أحدهما إلى الآخر كالصنف الواحد.و لا نعلم فيه خلافا.
و يؤخذ من كلّ شيء بقسطه،و إن تطوّع المالك بالأعلى فهو أفضل،فإذا كان عنده عشرون من المعز و عشرون من الضأن،فإذا كان قيمة الثنيّة من المعز عشرون و الجذع من الضأن ثمانية عشر،أخذ ثنيّة قيمتها تسعة عشر،أو جذعا قيمته ذلك.و لو قيل:له إخراج ما يسمّى شاة،كان حسنا.
ص:143
الرابع:الظباء لا زكاة فيه بلا خلاف،و في المتولّد منها و من الغنم خلاف.قال الشافعيّ:لا تجب فيه مطلقا (1).و قال أحمد:تجب مطلقا (2).و قال أبو حنيفة:يتبع الأمّهات (3).و الأصحّ اعتبار الاسم،و قد سلف (4).
الخامس:قيل:في مائتين و واحدة ثلاث شياه،و في ثلاثمائة و واحدة ثلاث شياه، و لا يتغيّر الفرض إلى أربعمائة.و كذا على مذهب الشيخ في ثلاثمائة و واحدة أربع شياه، و في أربعمائة أربع شياه،و لا يتغيّر الفرض إلى خمسمائة (5)فما الفائدة في ذلك؟ قلنا:الفائدة تظهر مع التلف،فإنّه لو كان معه مائتان و عشرون مثلا،فتلف منها تسعة عشر،وجبت عليه ثلاث شياه،لبقاء النصاب،و الزكاة عندنا لا تتعلّق بالعفو،و لو كان معه ثلاثمائة و واحدة و تلف منها تسعة عشر مثلا،سقط عنه من الثلاث الواجبة بقدر التالف.
السادس:لو ملك أربعين شاة فحال عليها ستّة أشهر،ثمَّ ملك أربعين أخرى وجبت عليه شاة عند تمام حول (6)الأولى،فإذا تمَّ حول الثانية فهل تجب فيها (7)الزكاة أم لا؟قيل:
ص:144
تجب فيها (1)شاة (2)،لقوله عليه السلام:«في كلّ أربعين شاة شاة» (3).
و لأنّه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه بنفسه إذا انفرد فتجب مع الانضمام.
و قيل:لا يجب فيها شيء (4)،لأنّه لم يتمّ (5)لها نصاب،و الثمانين لواحد فلا تجب فيها إلاّ شاة واحدة،كما لو ملكها دفعة.و هو أقرب.
و قوله عليه السلام:«في كلّ أربعين شاة شاة»يريد به النصاب المبتدأ،إذ لو ملك ثمانين دفعة واحدة لم يجب عليه شاتان إجماعا.
و قولهم:-تجب مع الانفراد فتجب مع الانضمام-مدفوع بأنّها لا تجب لو ملكها دفعة واحدة،فكذا بالتفريق.
السابع:لو ملك أربعين شاة ستّة أشهر مثلا،ثمَّ ملك تمام النصاب الثاني و زيادة واحدة مثلا وجب عليه عند تمام حول الأولى شاة،و هل يحصل ابتداء انضمام النصاب الأوّل إلى النصاب الثاني عند ملك الثاني أو عند أخذ الزكاة من الأوّل؟الأقرب الأوّل،لأنّه صدق عليه وقت ابتداء الملك أنّه ملك مائة و إحدى و عشرين،فحينئذ إذا مضت سنة من ابتداء ملك الزيادة وجبت عليه شاتان فتجب عليه في سنة و نصف ثلاث شياه،إلاّ أنّه يبقى فيه إشكال من حيث أنّ النصاب الأوّل أخرج عنه الزكاة منفردا فلا يجوز اعتباره منضمّا مع الغير في ذلك الحول.
و لو قيل بسقوط حكم النصاب الأوّل عند ابتداء ملك تمام النصاب الثاني و صيرورة
ص:145
الجميع نصابا واحدا كان حسنا.
أمّا لو ملك تمام النصاب الثاني بغير زيادة مثلا،ملك أحدا و ثمانين بعد مضيّ ستّة أشهر على الأربعين لم يجب عليه عند تمام سنة الزيادة شيء،لنقصان النصاب عند استحقاق الفقراء من الأربعين.
.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أبو حنيفة (1).و قال مالك:التمكّن شرط فيه (2).و للشافعيّ قولان (3).
لنا:قوله عليه السلام:«لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول» (4)فجعله غاية للوجوب،و ما بعد الغاية مخالف لما قبلها.و لأنّ المالك لو أتلف المال بعد الحول لم تسقط عنه،فلو لم تجب عليه لسقطت،كما لو أتلفها قبل الحول.و لأنّه لو مضى عليه أحوال و لم يتمكّن من الإخراج،ثمَّ تمكّن أخرج زكاة ما تقدّم من الأحوال،و لا يجوز وجوب فروض في نصاب واحد في حالة واحدة.و لأنّ إطلاق النصّ يقتضي عدم الاشتراط.
احتجّ المخالف بأنّ الزكاة عبادة فيشترط في وجوبها إمكان أدائها كالصلاة و الصوم و الحجّ.و لأنّ المال لو تلف قبل إمكان الأداء سقطت عنه فدلّ على أنّها لم تجب (5).
ص:146
و الجواب عن الأوّل:أنّها عبادات كلّف فعلها،فإذا تعذّر لم تجب،و إمكان الأداء شرط في استقرارها،أمّا صورة النزاع،فإنّ مشاركة الفقراء في ماله ممكن قبل أدائه فيجب،و ليس البحث في التسليم بل في استقرار الفريضة في المال،و ليس التمكّن شرطا فيه.
و عن الثاني:أنّه أمين فالتلف (1)لا يقتضي عدم الوجوب،لأنّه كالمودع.
الأوّل:إمكان الأداء شرط في الضمان.و هو فتوى علمائنا،و عن أحمد روايتان (2).
لنا:أنّ الزكاة تجب في العين فإذا تلف الواجب قبل إمكان أدائه لم يجب على المالك العوض،لأنّه كالأمانة.نعم،لو فرّط أو أتلف ضمن بلا خلاف.
الثاني:لو تلف النصاب كلّه قبل التمكّن من الأداء من غير تفريط لم يضمنه المالك، و لو تلف بعضه سقط من الواجب بقدر نسبته من التالف.
الثالث:يجوز للمالك أن يتولّى الإخراج بنفسه،و أن يدفعها إلى الإمام أو نائبه على ما يأتي،فإمكان الأداء وجود الإمام أو نائبه أو أهل السّهمان،سواء كان المال ظاهرا أو باطنا.و به قال الشافعيّ في الجديد.
و قال في القديم:يجوز له أن يفرّق الأموال الباطنة كالذهب و الفضّة،بخلاف الظاهرة (3).و به قال أبو حنيفة (4)،و مالك (5).
ص:147
فإمكان الأداء في الظاهرة على القديم وجود الإمام أو نائبه.و سيأتي البحث في ذلك.
الرابع:لو تمكّن من الدفع إلى الإمام أو النائب و لم يدفع فتلفت ضمن،سواء طالبه الإمام أو النائب،أو لا.و به قال الشافعيّ (1).
و قال أكثر الحنفيّة:لا يضمن إلاّ بعد المطالبة من الإمام أو الساعي (2).
لنا:أنّها زكاة واجبة تمكّن (3)من أدائها فيضمن مع التلف كما لو طولب (4).
احتجّ المخالف بأنّه أمين فلا يضمن قبل المطالبة كالوديعة.
و الجواب:الفرق،فإنّ الوديعة لا تجب دفعها قبل المطالبة،بخلاف صورة النزاع.
الخامس:لو مات المالك بعد إمكان الأداء لم تسقط الزكاة.و به قال الشافعيّ (5).
و قال أبو حنيفة:تسقط (6).
لنا:أنّه حقّ وجب في المال للفقراء فلا يورث و لا يسقط بالموت كالوديعة و الديون.
احتجّ المخالف بأنّها عبادة من شرطها النيّة فتسقط بالموت كالصلاة (7).
و الجواب:النيّة معتبرة في الإخراج لا في الوجوب فلا تسقط بوفاة المخرج،على أنّا نمنع سقوط الصلاة مع الوصيّة.
و لو مات قبل إمكان الأداء بعد الحول فكذلك لا تسقط الزكاة،لأنّ إمكان الأداء ليس شرطا عندنا في الوجوب.
ص:148
السادس:لو دفع المالك الزكاة إلى الساعي فتلفت في يده من غير تفريط أجزأت عن المالك،لأنّه فعل المأمور به من القبض للوكيل،و يد الوكيل يد الموكّل و لا يضمن الساعي،لأنّه أمين كغيره من الوكلاء في سائر الأموال.
للذكر و الأنثى في الضأن و المعز،ثمَّ يقال بهمة كذلك،فإذا بلغت أربعة أشهر فهي من المعز جفر-بالجيم المفتوحة و الفاء الساكنة و الراء غير المعجمة-و الأنثى (1)جفرة و الجمع جفار،فإذا جازت (2)أربعة أشهر فهي عتود و جمعها عتدان،و عريض و جمعها عراض (3)،و من حين تولد إلى هذه الغاية يقال لها عناق للأنثى و جدي للذكر،فإذا استكملت سنة فالأنثى عنز و الذكر تيس،فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة و الذكر جذع،فإذا دخلت في الثالثة فهي الثنيّة و الذكر الثنيّ،فإذا دخلت في الرابعة فرباع و رباعية،فإذا دخلت في الخامسة فهي سديس و سدس،فإذا دخلت في السادسة فهي صالغ،ثمَّ لا اسم له بعد ذلك،بل يقال:صالغ عام و صالغ عامين،و على هذا أبدا.
و أمّا الضأن فالسخلة و البهمة كما في المعز،ثمَّ هو حمل للذكر،و للأنثى:رخل (4)إلى سبعة أشهر،فإذا بلغت سبعة أشهر فهو جذع إن كان بين شابّين،و إن كان بين هرمين فلا يقال:جذع حتّى يستكمل ثمانية،ثمَّ هو جذع إلى سنة،فإذا دخل في الثانية فهو الثنيّ و الثنيّة،ثمَّ يلتحق (5)بالمعز في الاسم على ما قلناه.
و أخذ في الزكاة الجذع من الضأن،لأنّه إذا بلغ سبعة أشهر كان له نزو و ضراب، و الثنيّ من المعز،لأنّه لا ينزو إلاّ في السنة الثانية،و لهذا أقيم الجذع من الضأن مقام الثنيّ من
ص:149
المعز في الأضحيّة.ذكر ذلك كلّه الشيخ رحمه اللّه (1).
،و ليس حول أمّهاتها حولها.و عليه فتوى علمائنا أجمع،و به قال الحسن البصريّ،و إبراهيم النخعيّ (2).
و قال أكثر الجمهور:إنّ السخال تضمّ إلى الأمّهات في حولها بثلاث شرائط:الأوّل:
أن تكون متولّدة منها.
الثاني:أن تكون الأمّهات نصابا.
الثالث:أن توجد معها في بعض الحول،فلو كانت متولّدة من غيرها،أو كان النصاب ناقصا فكمل (3)بها،أو وجدت بعد حولان الحول لم تضمّ إلى الأمّهات (4)إجماعا إلاّ أبا حنيفة فإنّه لم يشترط الأوّل (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول» (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«ليس في صغار الإبل و البقر و الغنم شيء إلاّ ما حال عليه الحول» (7).
ص:150
و في الصحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم،و أبي بصير و بريد العجليّ،و الفضيل بن يسار،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:«ليس على العوامل من الإبل و البقر شيء،إنّما الصدقات على السائمة الراعية،و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه فيه،فإذا حال عليه الحول وجب عليه» (1).
و عن زرارة عنهما عليهما السلام قالا (2):«و ما كان من هذه الأصناف الثلاثة:الإبل، و البقر،و الغنم،فليس فيها شيء حتّى يحول عليها (3)الحول» (4).
و لأنّها أحد (5)الأنعام،فلا تجب فيها الزكاة إلاّ بعد الحول كالأمّهات.و لأنّ مبنى الزكاة على التخفيف و المواساة و المسامحة،و ذلك ينافي وجوب الزكاة فيها من دون الحول.
احتجّ المخالف بما رووه (6)عن عليّ عليه السلام أنّه قال لساعيه:«اعتدّ عليهم بالصغار و الكبار» (7).
و عن أبي بكر:و اللّه لو منعوني عناقا (8)كانوا يؤدّونها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لقاتلتهم عليها (9).و هو يدلّ على أنّهم كانوا يؤدّون العناق.و لأنّه نماء تابع للأصل في
ص:151
الملك،فيتبعه في الحول كأموال التجارة.
و الجواب عن الأوّل:أنّ المراد بالصغار إذا حال عليها الحول،جمعا بين الأدلّة.
و عن الثاني:أنّ الحديث روي:لو منعوني عقالا (1).و مع اختلاف الرواية فلا حجّة، على أنّ المراد بذلك المبالغة في أخذ الواجب.
و يؤيّده:ما نقلناه.
و عن الثالث:بالمنع من ثبوت الحكم في الأصل.
الأوّل:لو كان معه دون النصاب فنتجت في أثناء الحول حتّى كمل النصاب استأنف الحول عند كمال النصاب.و به قال الشافعيّ (2)،و إسحاق،و أبو ثور،و أصحاب الرأي (3).
و قال مالك:يعتبر الحول من حين ملك الأصول (4).
و عن أحمد روايتان (5).
لنا:أنّه مال لم يحل عليه الحول،فلا تجب الزكاة فيه كما لو تمّت بغير سخالها.
ص:152
احتجّ مالك بالقياس على أرباح التجارات (1).
و الجواب:المنع من الأصل.
الثاني:لو ملك نصابا من الصغار انعقد عليه الحول من حين الملك.و به قال الشافعيّ (2).
و قال أبو حنيفة:لا تجب في العجاجيل (3)و لا الفصلان (4)و لا صغار الغنم حتّى يكون معها كبار (5).
و عن أحمد روايتان (6).
لنا:أنّها تعدّ مع غيرها فتعدّ منفردة كالأمّهات.
و يؤيّده:قول الصادق عليه السلام:«و ما كان من هذه الأصناف الثلاثة ليس فيه شيء حتّى يحول عليه الحول منذ نتج (7)» (8).
احتجّ المخالف بقوله عليه السلام:«ليس في السخال زكاة» (9)و قال:«لا تأخذ من
ص:153
راضع لبن» (1).و لأنّ السنّ معنى يتغيّر[به] (2)الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد.
و كلام أبي حنيفة لا يخلو من قوّة،لأنّا قد بيّنّا أنّ السوم شرط (3).
و يؤيّده:ما رواه ابن بابويه عن إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
سألته عن السخل متى تجب فيه الصدقة؟قال:«إذا أجذع» (4).
الثالث:إذا قلنا:إنّ الزكاة تجب في السخال المنفردة مع الحول،أخذ منها.و به قال الشافعيّ (5).
و قال مالك:لا يجزئه إلاّ كبيرة (6).
و عن أحمد روايتان (7).
لنا:أنّ الزكاة تجب في العين،و مبناها على التسهيل،فلا يكلّف الزائد.
احتجّ مالك بقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّما حقّنا في الجذعة أو الثنيّة» (8).
و الجواب:أنّه محمول على من عنده كبار.
الرابع:لو كان معه أربعون شاة فحال عليها الحول فولدت شاة منها،ثمَّ حال عليها
ص:154
الحول الثاني،ثمَّ ولدت شاة ثانية،ثمَّ حال عليها ثالث (1)وجب عليه ثلاث شياه،لأنّ النقصان باستحقاق الشاة في كلّ حول ينجبر بالناتج.
الخامس:إذا حال على أربعين الحول و قد نتجت قبل الحول أربعين،و تلفت الأمّهات قبل إمكان الأداء،سقطت الزكاة فيها،و لا تجب الزكاة في السخال و انقطع حول الأمّهات و استؤنف حول السخال.
السادس:لو كان عنده أربعون شاة فماتت واحدة قبل الحول بعد أن نتجت واحدة استأنف الحول منذ وقت الولادة،لأنّ الحول لم يحل على نصاب،و السخال عندنا لا تعدّ مع (2)الأمّهات،و إن ماتت بعد الحول و إمكان الأداء وجبت الشاة،و إلاّ سقط منها بقدر التالف.
ص:155
و هي واجبة بالنصّ و الإجماع،قال اللّه تعالى وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (1).
و قال تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً (2).
و روى الجمهور عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ما من صاحب ذهب و لا فضّة لا يؤدّي منها حقّها،إلاّ إذا كان يوم القيامة صفّحت له صفائح من نار،فأحمي عليها في نار جهنّم،فيكوى بها جنبه و جبينه و ظهره،كلّما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتّى يقضى بين العباد» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن حريز،عن الصادق عليه السلام قال:
«ما من ذي مال ذهب أو فضّة يمنع زكاة ماله،إلاّ حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر،و سلّط (4)عليه شجاعا أقرع يريده و هو يحيد عنه،فإذا رأى أنّه لا يتخلّص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل (5)،ثمَّ يصير طوقا في عنقه،و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ:
ص:156
سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (1). (2)
و قد أجمع المسلمون على وجوب الزكاة في الذهب و الفضّة.
الملك،و النصاب،و الحول بلا خلاف،و كونهما مضروبين منقوشين بسكّة المعاملة،أو ما كان يتعامل بها دراهم أو دنانير،فإنّ النقار و السبائك لا تجب فيهما الزكاة،لأنّها ليست نماء في نفسها و لا متّخذة له،فجرت مجرى الأمتعة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن يقطين،عن أبي إبراهيم عليه السلام قال:قلت له:إنّه يجتمع عندي الشيء الكثير (4)نحوا من سنة أ نزكّيه؟فقال:«لا،كلّ ما لم يحل عندك عليه الحول (5)فليس عليك فيه زكاة،و كلّ ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شيء»قال:قلت:و ما الركاز؟قال:«الصامت المنقوش»ثمَّ قال:«إذا أردت ذلك فاسبكه، فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة زكاة» (6).
و عن جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السلام قالا:«ليس على التبر زكاة إنّما هي على الدنانير و الدراهم» (7).
،فلا تجب فيما دون
ص:157
ذلك زكاة (1)،و هو إجماع المسلمين كافّة.
و قال عليّ بن بابويه من علمائنا:إنّ أوّل نصاب تجب فيه الزكاة أربعون دينارا،فلا يجب فيما دون ذلك شيء (2).و به قال عطاء،و طاوس،و الزهريّ،و سليمان بن حرب (3).
و قال الفقهاء الأربعة (4)،و أكثر الجمهور بما قلناه أوّلا (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن عاصم بن ضمرة،عن عليّ عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:ليس عليك في الدنانير شيء حتّى يكون لك عشرون دينارا ففيها نصف دينار و ما زاد فبحساب ذلك» (6).
و عن عليّ عليه السلام:«لا شيء في الدنانير حتّى تبلغ عشرين مثقالا،فإذا بلغتها ففيها نصف دينار» (7).
و عن سعيد،عن عليّ عليه السلام:«على كلّ أربعين دينارا دينار،و في كلّ عشرين دينارا نصف دينار» (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار،و ليس فيما دون
ص:158
العشرين شيء» (1).
و عن عليّ بن عقبة و عدّة من أصحابنا،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:«ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شيء،فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين،فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين،و على هذا الحساب كلّما زاد أربعة» (2).
و عن يحيى بن أبي العلاء (3)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«في عشرين دينارا نصف دينار» (4).
و لأنّ مقتضى العمومات (5)وجوب الأخذ من كلّ قليل و كثير،ترك العمل به في المجمع عليه،فيبقى الباقي على العموم،و لأنّه أحوط فكان أولى،و لأنّ مائتي درهم بقدر عشرين مثقالا أو أقلّ غالبا،فلمّا وجب في تلك،وجب في هذه.
ص:159
احتجّ (1)ابن بابويه بما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم و أبي بصير،و بريد و الفضيل، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:«في الذهب في كلّ أربعين مثقالا مثقال،و في الدراهم في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم (2)،و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شيء،و لا في أقلّ من مائتي درهم شيء،و ليس في النيّف شيء حتّى يتمّ أربعون (3)فيكون فيه واحد» (4).
و لأنّ الأصل براءة الذمّة.
و احتجّ عطاء و أصحابه بأنّ الأموال الزكاتيّة (5)لم يبدأ في شيء منها بالكسر،فينبغي أن يكون الذهب كذلك فلا يجب إلاّ دينار.
و الجواب عن الأوّل:أنّ في طريقه ابن فضّال،و هو ضعيف،و إبراهيم بن هاشم، و لم ينصّ أصحابنا على تعديله صريحا.
قال الشيخ:يجوز (6)أن يكون المراد بقوله:و ليس فيما دون الأربعين شيء،نفي الدينار،لأنّ الشيء محتمل للدينار و الزائد و الناقص فاحتاج (7)إلى بيان،و قد بيّنّا أنّ في عشرين نصف دينار فيحمل النفي على ما ذكرنا (8).و لا ريب في بعد هذا التأويل.
و عن الثاني:أنّ البراءة منتفية (9)مع ورود العمومات،كقوله تعالى:
ص:160
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ (1).و قوله (2)عليه السلام:«هاتوا ربع عشر أموالكم» (3).
و عن الثالث:أنّه لا اعتبار بذلك خصوصا مع النصوص.
الأوّل:إذا بلغ الذهب عشرين مثقالا وجب فيه نصف دينار،و قد تقدّم دليله (4).
الثاني:إذا بلغ الذهب عشرين وجبت الزكاة،و لا اعتبار بتقديره بالفضّة.و هو قول أهل العلم،إلاّ ما حكي عن طاوس،و مجاهد،و عطاء أنّهم قالوا:هو معتبر بالفضّة،فما كان قيمته مائتي درهم ففيه الزكاة و إلاّ فلا (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأخذ من عشرين دينارا فصاعدا نصف دينار،و من الأربعين دينارا دينارا (6).
و عن عمرو بن شعيب (7)،عن أبيه،عن جدّه،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:
«ليس في أقلّ من عشرين مثقالا من الذهب،و لا في أقلّ من مائتي درهم صدقة» (8).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من حديث زرارة عن الباقر عليه السلام و غيره من الأحاديث (9).و لأنّه أحد الأموال الزكويّة تجب في عينه،فلا يعتبر بغيره،كغيره منها.
ص:161
احتجّ المخالف بأنّه لم يثبت عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تقدير في نصابه،فيحمل على الفضّة (1).
و الجواب:يبطل ذلك بما ذكرناه من الأحاديث (2).
لا يقال:قد روى الشيخ في الحسن عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الذهب كم عليه من الزكاة؟فقال:«إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة (3)» (4).
لأنّا نقول:لا منافاة بين هذا الحديث،و ما ذكرناه أوّلا،لأنّ الدينار في ذلك الزمان قد كانت قيمته عشرة دراهم،و لهذا خيّر في الديات و غيرها بين الدينار و عشرة دراهم، فهو عليه السلام أخبر عن ذلك الوقت،لأنّ المائتين أصل و الذهب فرع عليه.
الثالث:لو نقص النصاب عن العشرين لم تجب الزكاة،سواء كان النقص يسيرا أو كثيرا.و به قال الشافعيّ (5)،و إسحاق (6)،و أبو حنيفة (7)،و ابن المنذر (8)،و أحمد في إحدى الروايات (9).
ص:162
و قال مالك:تجب الزكاة و إن نقص شيئا يسيرا كالحبّة و الحبّتين (1).
لنا:قوله عليه السلام:«ليس عليك في الذهب شيء حتّى يبلغ عشرين مثقالا» (2).
احتجّ مالك بأنّها تؤخذ أخذ الوازنة فأشبهت الوازنة (3).و هو ضعيف،لأنّها إذا أخذت أخذ الوازنة لا تدلّ على وجوب الزكاة،كما أنّ أربعة أوسق من البرنيّ (4)خير من خمسة من أردأ الدقل (5)،و لا تجب هناك و تجب هنا.
الرابع:لو اختلفت الموازين فنقص النصاب في بعضها دون بعض بما جرت العادة به وجبت الزكاة،أمّا لو تساوت الموازين في النقيصة لم تجب،لما تقدّم (6).
ففيها خمسة دراهم،و قد أجمع المسلمون على ذلك.
روى الجمهور عن أبي سعيد الخدريّ أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة» (7).و الأوقيّة بالحجاز أربعون درهما.
و عن عليّ عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:هاتوا ربع العشور من كلّ أربعين درهما درهما،و ليس عليكم شيء حتّى تبلغ مائتي درهم،فإذا بلغتها ففيها
ص:163
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن زرارة،عن أحدهما عليهما السلام قال:
«ليس في الفضّة زكاة حتّى تبلغ مائتي درهم،فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فإذا زادت فعلى حساب (3)ذلك في كلّ أربعين درهما درهم،و ليس في الكسور شيء» (4).
و في الصحيح عن زرارة،عن الباقر عليه السلام:«و في الفضّة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم (5)،و ليس فيما دون المائتين شيء،فإذا زادت تسعة و ثلاثين على المائتين فليس فيها شيء حتّى تبلغ الأربعين،و ليس في شيء من الكسور شيء حتّى تبلغ الأربعين» (6).
الأوّل:الدراهم في بدأ (7)الإسلام كانت على صنفين:بغليّة-و هي السود (8)- و طبريّة،و كانت السود كلّ درهم منها ثمانية دوانيق،و الطبريّة أربعة دوانيق،فجمعا في الإسلام و جعلا درهمين متساويين،وزن كلّ درهم ستّة دوانيق،فصار وزن كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الذهب،و كلّ درهم نصف مثقال و خمسه،و هو الدرهم الذي قدّر به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله المقادير الشرعيّة في نصاب الزكاة،و القطع،و مقدار الديات،و الجزية و غير ذلك.
ص:164
و الدانق:ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير.
الثاني:الاعتبار في بلوغ النصاب بالميزان لا بالعدد.و هو قول العلماء.
و حكي عن أهل الظاهر اعتبار العدد (1)،و هو خطأ،لمخالفة (2)الإجماع.و لما رواه أبو سعيد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة» (3).
و الأوقيّة أربعون درهما،لما روت عائشة قالت:كان صداق أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله اثنتي عشرة أوقيّة و نشّ،أ تدرون ما النشّ؟و نصف أوقيّة،عشرون درهما (4).
الثالث:لو نقص النصاب عن المأتين بشيء (5)سقطت الزكاة،قليلا كان النقصان أو كثيرا.و به قال الشافعيّ (6)،و أبو حنيفة (7).
و قال مالك:إذا نقصت نقصا (8)يسيرا تؤخذ كما تؤخذ الوازنة،وجبت الزكاة (9).
ص:165
و عن أحمد روايتان (1).
لنا:ما تقدّم (2).
حتّى يبلغ أربعة دنانير ففيها قيراطان،و هكذا كلّما زاد أربعة كان فيها قيراطان بالغا ما بلغ.
و كذا ليس فيما زاد على المائتين في الفضّة شيء،حتّى تبلغ أربعين ففيها درهم واحد، و هكذا كلّما زاد أربعين كان فيها درهم بالغا ما بلغ.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أبو حنيفة (3)،و هو مذهب سعيد بن المسيّب، و عطاء،و طاوس،و الحسن،و الشعبيّ،و مكحول،و الزهريّ،و عمرو بن دينار (4).
و قال عمر بن عبد العزيز،و النخعيّ (5)،و مالك (6)،و الثوريّ،و ابن أبي ليلى (7)، و الشافعيّ (8)،و أحمد (9)،و أبو يوسف،و محمّد،و أبو ثور:كلّما زاد على عشرين دينارا
ص:166
وجبت فيه الزكاة،قلّ أو كثر يجب فيه ربع العشر،و كذا يجب ربع العشر في كلّ ما زاد على مائتي درهم (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«في كلّ أربعين درهما درهم» (2).و هذا تقدير شرعيّ فتسقط الزكاة عمّا دونه.و عن معاذ،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا بلغ الورق مائتين ففيه خمسة دراهم،ثمَّ لا شيء فيه حتّى يبلغ أربعين درهما» (3).و أربعة دنانير في مقدار أربعين درهما،و الدّرهم في مقدار قيراطين فيدخل تحت هذا النصّ.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا زاد على المائتي درهم أربعون درهما ففيها (4)درهم،و ليس فيما دون الأربعين شيء»فقلت:فما في تسعة و ثلاثين درهما؟قال:«ليس على التسعة و ثلاثين درهما شيء» (5).
و عن زرارة و بكير ابني أعين أنّهما سمعا أبا جعفر عليه السلام يقول:«و ليس في مائتي درهم و أربعين درهما غير درهم إلاّ خمسة دراهم (6)،فإذا بلغت أربعين
ص:167
و مائتي درهم ففيها ستّة دراهم (1)،فإذا بلغت ثمانين و مائتي (2)درهم ففيها سبعة دراهم (3)،و ما زاد فعلى هذا الحساب،و كذلك الذهب» (4).
و عن عليّ بن عقبة و عدّة من أصحابنا،عنهما عليهما السلام قالا:«ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شيء،فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين،فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين،فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة» (5).
و لأنّه أحد الأموال الزكويّة متّخذ للنماء،ليس نماء في نفسه و له عفو في الابتداء فكان له عفو بعد النصاب كالماشية.
احتجّ المخالف (6)بما روى الحارث عن عليّ عليه السلام أنّه قال:«هاتوا ربع العشور من كلّ أربعين درهما درهما،و ليس عليكم شيء حتّى يتمّ مائتين،فإذا كانت مائتي درهم ففيها (7)خمسة دراهم،فما زاد فبحساب ذلك» (8).
و لأنّ عليّا عليه السلام و ابن عمر ذهبا إليه و لم يخالفهما أحد من الصحابة فكان إجماعا (9).
ص:168
و لأنّه مال يتجزّى (1)فلم يكن له عفو بعد النصاب كالحبوب.
و الجواب عن الأوّل:أنّا نقول بموجبة،فإنّ المراد:و ما زاد من الأربعينات فبالحساب.و يؤيّده تقديم قوله عليه السلام:«من كلّ أربعين درهما درهما»،و ما نقلناه من طرق (2)الخاصّة.
و عن الثاني:بالمنع من ذلك،فإنّ أهل البيت عليهم السلام نقلوا عن عليّ عليه السلام ما ذهبنا إليه و هم أعرف بمذهبه.
و عن الثالث:أنّ التجزئة و التبعيض (3)لا مدخل لهما في التعليل فيبقى القياس خاليا عن الجامع،بخلاف ما ذكرناه نحن،فإنّ الجامع فيه صالح للعلّيّة.
الأوّل:ظهر ممّا ذكرناه (4)أنّ لكلّ واحد من الذهب و الفضّة نصابين و عفوين.
فأوّلهما:في الذهب عشرون دينارا،فلا يجب فيما قلّ.و ثانيهما:فيه أربعة.
و أوّلهما:في الفضّة مائتا درهم فلا يجب فيما نقص عنها (5).و ثانيهما:أربعون درهما.
و العفو الأوّل في الذهب ما نقص عن عشرين،و الثاني ما نقص عن أربعة.و في الفضّة ما نقص عن المائتين،و ما نقص عن الأربعين.
الثاني:المال الذي تجب الزكاة في عينه،كالذهب،و الفضّة،و الأنعام إذا نقص
ص:169
في أثناء الحول انقطع،فإذا تمَّ استؤنف به الحول.و به قال مالك (1)،و الشافعيّ (2)،و أحمد (3).
و قال أبو حنيفة:إذا نقص في أثناء الحول و كمل في طرفيه وجبت فيه الزكاة بشرط بقاء شيء منه جميع الحول،فمتى زال ملكه عن جميع النصاب انقطع الحول (4).
لنا:قوله عليه السلام:«لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يفيد المال؟قال:«لا يزكّيه حتّى يحول عليه الحول» (6).
و في الحسن عن الباقر عليه السلام:«فإن كانت مائة و خمسين فأصاب خمسين بعد أن يمضي شهر،فلا زكاة عليه حتّى يحول على المائتين الحول» (7).
و لأنّ الناقص لم يحل عليه الحول فبطل الحول،كما لو زال ملكه عن الجميع.
احتجّ بأنّ النصاب وجد في طرفي الحول مع وجود شيء منه في جميعه،فوجبت فيه الزكاة كمال التجارة (8).
و الجواب:المنع من ثبوت الحكم في الأصل على ما يأتي.
ص:170
الثالث:ليس في العفو شيء كما قلنا في الأنعام (1)،فلو ملك إحدى و عشرين وجبت الزكاة في العشرين لا في العفو،و تظهر الفائدة مع (2)التلف بمعنى أنّه لو تلف الزائد لم يسقط من الواجب شيء،و قد مضى الخلاف فيه (3).
الرابع:لو ملك عشرين دينارا و مرّ عليها نصف الحول فملك أربعة أخرى أكملنا حول النصاب الأوّل و أخرجنا منه نصف دينار،ثمَّ استؤنف (4)حول العشرين،لحصول الجبران من الأربعة،و سقط اعتبار النصاب الثاني،أمّا لو ملك في نصف الحول خمسة دنانير مثلا أخذنا الواجب من العشرين عند إكمال حولها و ابتدئ بحول الزائد من حين الملك و أخذ منه الواجب.
لنا:قوله عليه السلام:«ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة» (1)و ما تقدّم من الأحاديث الدالّة على سقوط الزكاة في الفضّة حتّى تبلغ مائتي درهم (2).
الأوّل:يحرم إنفاق الدراهم المغشوشة إلاّ بعد إبانة حالها.و لو كان عليه دين دراهم جيّدة فدفع المغشوشة (3)لم تبرأ ذمّته إجماعا.
الثاني:إذا بلغ صافي المغشوشة نصابا وجبت الزكاة فإن أخرج (4)عنها جيّدا بمقدار المغشوش (5)فقد أدّى الواجب،و زيادة،و فعل الأفضل،و إن أخرج من العين،فإن كان الغشّ لا يختلف،أجزأه،لأنّه يكون مخرجا ربع العشر،و إن اختلف،فإن أخرج الأجود فقد فعل الواجب و زيادة،و إن لم يخرج الأجود،فإن علم مقدار الغشّ،كما لو كان معه ثلاثون دينارا مغشوشة ثلثها غشّ،فإن أخرج من الجيّد عن عشرين نصف مثقال أجزأه،لأنّه القدر (6)الواجب في العشرين،و الغشّ لا زكاة فيه إلاّ أن يكون ممّا يجب فيه الزكاة و يبلغ نصابا أو يكمل به ما عنده نصابا،و إن لم يخرج من الجيّد و أخرج من العين ما يحصل به الاستظهار في البراءة أجزأه أيضا،و إن لم يعلم مقدار الغشّ استظهر (7)في الإخراج إمّا من غير العين أو منها ما يحصل اليقين بالبراءة،و إن لم يفعل الاحتياط،قال الشيخ:يؤمر
ص:172
بسبكها (1).و به قال الشافعيّ (2)،لاشتغال الذمّة بيقين،و لا يحصل يقين البراءة إلاّ بالسبك فيجب.
و فيه إشكال من حيث إنّه إضرار بالمالك،فلو قيل يخرج ما تيقّن شغل الذمّة به إمّا من العين أو من الخالص،و ترك المشكوك فيه،لعدم العلم باشتغال الذمّة به،كان وجها.
الثالث:لو كان المغشوش نصابا لا غير لم تجب فيه الزكاة،خلافا لأبي حنيفة (3)، لنقصان الصافي عن النصاب.
الرابع:لو لم يعلم أنّ الخالص من المغشوش بلغ نصابا استحبّ له أن يخرج احتياطا و استظهارا للبراءة،و إن لم يفعل لم يؤمر بالسبك و لا الإخراج،لأنّ بلوغ النصاب شرط و لم يعلم حصوله.
الخامس:لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس و بلغ كلّ واحد من الغشّ و المغشوش نصابا،أو كمل به ما معه من غير المغشوش نصابا وجبت الزكاة فيهما أو في البالغ.
السادس:لو كان معه نصاب خال من الغشّ فأخرج عنه (4)مغشوشا،فإن كان أزيد من الخالص بحيث يبلغ في القيمة مبلغه أجزأه و إلاّ فلا،خلافا لأبي حنيفة (5).
السابع:لا اعتبار باختلاف الرغبة في السكّة مع تساوي الجوهرين في العيار،فإذا كان معه دراهم جيّدة الثمن مثل الرضويّة (6)و الراضية،و دراهم دونها في القيمة و مثلها في
ص:173
العيار (1)ضمّ بعضها إلى بعض و أخرج منها الزكاة،و يستحبّ له إخراج الأعلى أو من وسطها،و إن اقتصر على الإخراج من الأدون أجزأه،و لو أخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون،مثلا يخرج ثلث دينار جيّد قيمته نصف دينار أدون لم يجزئه،لأنّ النصّ تناول (2)نصف دينار و يكون ربا.
و قال بعض الجمهور:لا ربا هنا،لأنّ الزكاة حقّ اللّه تعالى و لا ربا بين العبد و سيّده.
و لأنّ المساواة في المقدار معتبرة في المعاوضات،و القصد في الزكاة المواساة و شكر نعمة اللّه تعالى (3).
الثامن:قال الشيخ رحمه اللّه:الزكاة تجب في المكسور من الدراهم و الدنانير بعد ضربها و نقشها (4).و هو جيّد،لإطلاق اسم الدراهم و الدنانير عليها،و ليست حليّا و لا سبائك.
،محلّلا كان كالخلخال و السوار و الخاتم و القرط (5)و الدّملج للمرأة و المنطقة و السيف و خاتم الفضّة للرجل،أو محرّما كحليّ الرجل للمرأة،و حليّ المرأة للرجل.و به قال الحسن،و عبد اللّه بن عتبة،و قتادة (6).
و قال أحمد بن حنبل:خمسة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقولون:
ليس في الحليّ زكاة (7).
ص:174
و قال أبو حنيفة:تجب الزكاة في المحلّل و المحرّم (1).
و قال الشافعيّ:تجب الزكاة في المحرّم،و له في المحلّل قولان (2).
و قال مالك:يزكّي عاما واحدا (3).
و عن أحمد روايتان كأبي حنيفة و الشافعيّ (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن جابر،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ليس في الحليّ زكاة» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن الحليّ أ فيه زكاة؟قال (6):«لا» (7).
و في الحسن عن رفاعة قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام و سأله بعضهم عن الحلّي فيه (8)زكاة؟فقال:«لا،و إن بلغ مائة ألف» (9).
ص:175
و عن أبي الحسن (1)قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحليّ عليه زكاة؟قال:«إنّه ليس فيه (2)زكاة و إن بلغ مائة ألف درهم،كان أبي يخالف (3)الناس في هذا» (4).
و ما تقدّم من قولهم عليهم السلام:«إنّما هي على الدراهم و الدنانير» (5).و لأنّه متّخذ للاستعمال فلا تجب فيه الزكاة كالعوامل.و لأنّه ليس بنماء و لا متّخذ له فكان كثياب القنية.
احتجّ أبو حنيفة (6)بعموم قوله عليه السلام:«في الرقة ربع العشر» (7).
و قوله:«ليس فيما دون خمس أواق صدقة» (8)مفهومه ثبوتها في الخمس.
و ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه،عن جدّه قال:أتت امرأة من أهل اليمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معها ابنة لها في يديها مسكتان من ذهب،فقال (9):«هل تعطين زكاة هذا؟»فقالت:لا،فقال:«أ يسرّك أن يسوّرك اللّه بسوارين من نار؟»فخلعتهما و ألقتهما إلى
ص:176
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و قالت:هما للّه و لرسوله (1).
و لأنّه من جنس الأثمان فأشبه التبر و السبائك.
و الجواب عن الأوّل:أنّ الرقة هي الدراهم،قال أبو عبيد:لا نعلم هذا الاسم في الكلام[المعقول] (2)عند العرب إلاّ على الدراهم المنقوشة ذات السكّة السائرة في الناس، و كذلك الأواقي ليس معناها إلاّ الدراهم،كلّ أوقيّة أربعون درهما (3).
و عن الثاني:بالطعن في سنده،قال أبو عبيد:حديث المسكتين لا نعلم (4)إلاّ من وجه قد تكلّم الناس فيه قديما و حديثا (5).و قال الترمذيّ:ليس يصحّ في هذا الباب شيء (6).
و يحتمل أن يكون المراد بالزكاة هنا العارية،قال أحمد:ذهب خمسة من الصحابة إلى أنّ زكاة الحليّ إعارته (7).و قد ورد (8)ذلك في أحاديثنا (9)،و يحتمل أن يكونا عملا من ذهب وجبت فيه الزكاة و لم يؤدّ (10)عنه.
و عن القياس:بالمنع من ثبوت الحكم في الأصل،و قد تقدّم (11).
ص:177
الأوّل:أنّ زكاة الحليّ إعارته.رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«زكاة الحليّ أن يعار» (1).و ليس المراد بذلك (2)وجوب العارية،لأنّها مستحبّة.
الثاني:لا فرق بين كثير الحليّ و قليله في الإباحة و الزكاة.
و قال بعض الجمهور:إذا بلغ ألف مثقال حرم،و فيه الزكاة (3).و هو خطأ،لعموم قوله عليه السلام:«ليس في الحليّ زكاة» (4).و قول الصادق عليه السلام:«ليس فيه زكاة و إن بلغ مائة ألف» (5).
و لأنّ الشارع أباح الحليّ مطلقا و التقييد (6)مناف.
احتجّ المخالف (7)بما رواه عمرو بن دينار قال:سئل جابر عن الحلّي هل فيه زكاة؟ قال:لا،فقيل له:ألف دينار؟فقال:إنّ ذلك لكثير (8).
و الجواب:أنّ ذلك لا يدلّ على التحريم،و لا على وجوب الزكاة،أقصى ما في الباب
ص:178
أنّه يدلّ على استكثار هذا المقدار،أمّا على التحريم فلا.
و يعارضه:ما رواه أبو الزبير قال:سألت جابر بن عبد اللّه عن الحلّي فيه زكاة؟قال:
لا،قلت:إنّ الحلّي يكون فيه ألف دينار؟قال:و إن كان فيه يعار و يلبس (1).و مع ذلك فقول الصحابيّ ليس بحجّة مع عدم المعارض،فكيف مع وجوده.
الثالث:لا فرق بين أن يتّخذ الحليّ للاستعمال أو للإعارة أو للإجارة أو غيرها من وجوه الاكتساب في سقوط الزكاة.
و للشافعيّ في المتّخذ للإجارة قولان:
أحدهما:تجب فيه الزكاة.و به قال أحمد بن حنبل (2).
و الثاني:لا زكاة فيه (3).و به قال مالك (4).
لنا:العمومات الدالّة على السقوط في الحليّ (5).
احتجّ المخالف بأنّه مرصد للنماء،فتجب فيه كمال التجارة (6).
و الجواب:المنع من حكم الأصل على ما يأتي.
و الفرق:أنّ النماء يسير هنا لا يتعلّق به وجوب الزكاة فكان كالمواشي المعدّة للكراء.
الرابع:لا فرق بين أن يكون الحليّ متّخذا للذخيرة أو للاستعمال في سقوط الزكاة.
و قال الشافعيّ:تجب فيما يعدّ للذخيرة (7).
ص:179
لنا:العمومات.
احتجّ بأنّه غير معدّ لاستعمال مباح فأشبه المحرّم (1).
و الجواب:المنع في الأصل على ما مضى و بالفرق بعدم التحريم هنا بخلاف المقيس عليه.
الخامس:ما يجري على السقوف و الحيطان من الذهب حرام،سواء الكعبة و المساجد و غيرها في ذلك.و اختاره الشيخ في بعض كتبه (2)،و رجّح في الخلاف الإباحة (3)،و بالأوّل قال ابن إدريس من أصحابنا (4)،و على القولين لا زكاة فيه،سواء بلغ النصاب أو لا.
و قال الشافعيّ و أكثر الفقهاء:لو جمع و سبك و بلغ نصابا وجبت الزكاة (5).
لنا:ما تقدّم من اشتراط النقش و الضرب (6)،و مع عدم الشرط يسقط الوجوب.
السادس:حلية السيف و اللجام بالذهب حرام،قاله الشيخ (7)،و ابن إدريس (8)، و به قال الشافعيّ (9)،و عن أحمد روايتان (10).
لنا:ما رواه (11)عليّ عليه السلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه خرج يوما و في
ص:180
يده قطعة حرير،و قطعة ذهب فقال:«هذان حرام على ذكور أمّتي،حلّ لإناثها» (1).
و لأنّه من الخيلاء و السرف فتسقط عنه الزكاة،لأنّا (2)قد بيّنّا التساوي في المحرّم و المحلّل في السقوط (3).و لأنّه غير متّخذ للنماء فأشبه الأمتعة.
السابع:قال الشيخ في الخلاف:لا نصّ لأصحابنا في تذهيب المحاريب و تفضيضها، و تحلية المصاحف،و ربط الأسنان بالذهب،و الأصل الإباحة (4).و اختلف أصحاب الشافعيّ في ذلك،المباح لا تجب فيه الزكاة و تجب في المحرّم عندهم (5)،و عندنا لا زكاة في الجميع.
الثامن:لا بأس بما يجري من الفضّة على الحيطان و إن كان مكروها،و يجوز تحلية السيف بها،و اتّخاذ الخواتيم منها،و تحلية المنطقة و السيف و اللّجام،و تردّد فيهما الشيخ (6)، و لا زكاة في ذلك كلّه.
قال الشيخ:لا يجوز أن يحلّى المصحف بفضّة،لأنّه حرام (7).و عندي فيه إشكال.
التاسع:يحرم اتّخاذ الأواني من الذهب و الفضّة و قد سلف البحث فيه (8)،و لا زكاة فيها،لعدم الشرط.و أوجب الجمهور الزكاة.أمّا تضبيب الأواني بالفضّة،فمكروه للحاجة و غير الحاجة،قاله الشيخ رحمه اللّه (9).
ص:181
العاشر:الحلي و الموروث لا زكاة فيه،و كذا المشترى،سواء تحلّى به أو لا،يحلّى به أهله و أقاربه أو لا،أعدّه للادّخار أو لا،لما تقدّم (1)،خلافا للشافعيّ (2).
،أو بجعل الدراهم و الدنانير حليّا أو أواني،فإن كان بعد الحول وجبت الزكاة إجماعا،لثبوت المقتضي،فلا أثر للسبك بعد تحقّق الوجوب.
و لو كان قبل الحول لم تجب الزكاة عند الحول.و به قال الشيخ رحمه اللّه (3)في النهاية و التهذيب و الاستبصار (4)،و السيّد المرتضى رحمه اللّه في المسائل الطبريّة (5)،و المفيد (6)، و ابن البرّاج (7)،و ابن إدريس (8)،و به قال الشافعيّ،و أبو حنيفة (9).
و قال الشيخ في الجمل (10)،و السيّد المرتضى في جمل العلم و العمل:تجب فيه الزكاة (11).و به قال مالك،و أحمد (12).
لنا:قوله عليه السلام:«ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة» (13).و هو إنّما يتناول المنقوش.
ص:182
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن يقطين،عن أبي إبراهيم عليه السلام قال:«و كلّ ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شيء».قال قلت:و ما الركاز؟ قال:«الصامت المنقوش»ثمَّ قال:«إذا أردت ذلك فاسبكه،فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة زكاة» (1).
فإرشاده عليه السلام إلى سقوط الزكاة بالسبك نصّ في الباب.
و ما رواه في الحسن عن هارون بن خارجة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت له:إنّ أخي يوسف (2)ولي لهؤلاء (3)أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة،و إنّه جعل ذلك المال حليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة،أ عليه الزكاة؟قال (4):«ليس على الحليّ زكاة،و ما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر ممّا يخاف من الزكاة» (5).
و لأنّ شرط الوجوب منتف فينتفي الوجوب.و لأنّه غير منقوش و لا مضروب، فأشبه الأمتعة في عدم الانتفاع بها و الاستنماء.
احتجّ أصحابنا بما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحليّ فيه زكاة؟قال:«لا،إلاّ ما فرّ به من الزكاة» (6).
ص:183
و عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت له:الرجل يجعل (1)لأهله الحليّ من مائة دينار و مأتي دينار (2)،و أراني قد قلت له:ثلاثمائة فعليه الزكاة؟قال:
«ليس عليه (3)زكاة» (4)،قال:قلت:فإنّه فرّ من الزكاة فقال:«إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة،و إن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» (5).
و لأنّه قصد إسقاط الزكاة،فلا تسقط،كما لو طلّق في مرضه فرارا من مشاركة الزوجة في الميراث للورثة.و كما لو قتل مورّثه ليتعجّل الميراث.
و الجواب عن الحديثين:أنّهما محمولان على ما إذا فعل ذلك بعد الحول.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الموثّق-عن زرارة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:
إنّ أباك قال:«من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها»قال:«صدق أبي،إنّ عليه أن يؤدّي ما وجب عليه،و ما لم يجب عليه فلا شيء عليه فيه (6)»ثمَّ قال لي:«أرأيت لو أنّ رجلا أغمي عليه يوما،ثمَّ مات فذهبت صلاته،أ كان عليه و قد مات أن يؤدّيها؟»قلت:لا،قال:«إلاّ أن يكون أفاق (7)من يومه»ثمَّ قال لي:«أرأيت لو أنّ رجلا مرض في شهر رمضان ثمَّ مات فيه أ كان يصام عنه؟»قلت:لا،قال:«و كذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلاّ ما حلّ عليه» (8).
ص:184
و عن الثاني:بتسليم حصول القصد إلى الإسقاط و نمنع عدم الإسقاط،و القياس على المريض باطل،لثبوت حقّ الوارث بما زاد على ثلث التركة،و لهذا منع من الوصيّة بالزائد على الثلث،و الطلاق مسقط للثابت فلا يقبل منه،بخلاف الزكاة،فإنّها لم تثبت هنا فلا يكون إسقاطا (1)للثابت،و القياس على القتل باطل،لأنّ الطمع في (2)الميراث يحمل على القتل،و هو مراد العدم للّه تعالى،فالمنع من الميراث مناسب لمراد اللّه تعالى،بخلاف تصرّف المالك في ماله.
الأوّل:لو فعل ذلك لا فرارا،بل لغرض صحيح سقطت الزكاة عنه قطعا إن كان قبل الحول.
الثاني:لا تضمّ النقار إلى الفضّة،و لا السبائك إلى الذهب،خلافا للجمهور.
لنا:أنّه ضمّ ما لا تجب فيه الزكاة إلى ما تجب،فلا تتعلّق الزكاة بالجميع،كما لو ضمّ الأمتعة.
الثالث:لا يضمّ عروض التجارة إلى الذهب و لا إلى الفضّة،خلافا للجمهور.
لنا:أنّهما مالان مختلفان،فلا يضمّ أحدهما إلى الآخر كالأجناس المختلفة من الزكويّات (3).
احتجّوا بأنّ الزكاة تجب في قيمة العروض (4).
و الجواب:القيمة ليست كالعين،فإنّ القيمة غير مملوكة مع بقاء العروض فلا يضمّ إلى الملوك.
ص:185
الرابع:لو كان له إناء من فضّة وزنه مائتا درهم،و قيمته لأجل الصنعة ثلاثمائة،فلا زكاة فيه عندنا،و من أوجب الزكاة من أصحابنا مع الفرار (1)هل يجزئه أن يخرج خمسة دراهم عنده؟الوجه:عدم الإجزاء،لأنّ للصنعة قسطا من الثمن،و لهذا تزيد بجودتها، و يضمن الغاصب إتلافها.و به قال الشافعيّ (2)،و محمّد (3).و قال أبو حنيفة (4)،و أبو يوسف:
يجزئه،لأنّه يجزئه أن يخرج المغشوشة عن الجياد عندهما (5).
إذا ثبت أنّه لا يجزئه فإن (6)طلب كسره و دفع ربع عشره لم يجز،لأنّه إتلاف لماله و مال الفقراء.
و إن أخرج خمسة دراهم،قيمتها سبعة دراهم و نصف أجزأه،مصاغة كانت أو مضروبة،لأنّه القدر الواجب،و إن (7)دفع سبعة دراهم و نصف لم يجز،لأنّه ربا،قاله الشيخ، و إن دفع ذهبا أو غيره بقيمة سبعة دراهم و نصف أجزأه،و إن جعل للفقراء ربع عشرها إلى وقت بيعها قبل (8)،هذا إن قلنا:إنّ اتّخاذ الأواني من الذهب و الفضّة مباح،و إنّ المحرّم هو الاستعمال،أمّا إذا قلنا:إنّ اتّخاذها محرّم،فإذا طلب كسرها أجيب إليه.و لو كسرها غاصب لم يضمن القيمة.
الخامس:قد بيّنّا أنّه إذا أخرج المغشوشة عن الجياد لم يجزئه (9)،و هل له أن يرجع في المغشوشة؟قال بعض الجمهور:ليس له ذلك،لأنّه أخرج المعيب في حقّ اللّه تعالى،
ص:186
فأشبه ما إذا وجب عليه عتق عبد فأعتق معيبا لا يجزئ (1).
و قال بعضهم:له الرجوع،لأنّه أخرجه بشرط الأجزاء،فإذا لم يجزئه كان له استرجاعه،كما لو سلف الزكاة فتلف ماله،و يفارق العتق،لأنّه إتلاف.هذا إذا دفعها و قال:
هذه زكاة هذا المال بعينه،أمّا لو أطلق،لم يرجع (2).و هذا عندنا ساقط،لأنّا نجوّز إخراج القيمة،فالواجب عليه إمّا دفع الناقص بالغشّ من الجياد بحيث يكمل المخرج جيّدا،و إمّا أن يخرج جيّدا فحينئذ يرجع على أحسن الوجهين.
السادس:لو انكسر الحلّي لم تجب فيه الزكاة،سواء انكسر كسرا يتعذّر معه اللبس و لا يمكن إلاّ بإعادة صياغته،أو لا يتعذّر،نوت كسره أو لم تنو.خلافا للشافعيّ (3)،لعدم الشرط،و هو الضرب و النقش.
ص:187
و هي واجبة بالنصّ و الإجماع،قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (2).
و الزكاة تسمّى إنفاقا،لقوله تعالى وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ (3).
و قال اللّه تعالى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (4).قال ابن عبّاس:حقّه:الزكاة المفروضة (5).
و قال تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً (6).
و روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«فيما سقت السماء و الأنهار و العيون أو كان بعلا (7)العشر» (8).و قال لمعاذ لمّا بعثه إلى اليمن:«خذ الحبّ
ص:188
من الحبّ» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«ما من ذي مال نخل أو كرم،أو زرع يمنع زكاته إلاّ طوّقه اللّه تعالى ريعة (2)أرضه إلى سبع أرضين،إلى يوم القيامة» (3).
و قد أجمع المسلمون على وجوب الزكاة في الأجناس الأربعة من الحنطة،و الشعير، و التمر،و الزبيب.
و الأقرب إلحاق العلس،و السلت بها في الوجوب.
و باقي العلماء اشترطوا بلوغها خمسة أوسق،فلا يجب فيما دونها شيء (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدريّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«ما أنبتت الأرض من الحنطة،و الشعير،و التمر،و الزبيب ما بلغ خمسة أو ساق-و الوسق ستّون صاعا،فذلك ثلاثمائة صاع-ففيه العشر (3)،و ما كان منه يسقى (4)بالرشاء (5)و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر،و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا،و ليس فيما دون ثلاثمائة صاع شيء،و ليس فيما أنبتت الأرض شيء إلاّ في هذه الأربعة أشياء (6)» (7).
و عن عبد اللّه بن بكير،عن بعض أصحابنا،عن أحدهما عليهما السلام قال:«في زكاة الحنطة،و الشعير،و التمر،و الزبيب،ليس فيما دون خمسة أو ساق زكاة» (8).
و لأنّه مال تجب فيه الزكاة فيشترط فيه النصاب كغيره من أموال الزكاة.
ص:190
احتجّ أبو حنيفة (1)بقوله عليه السلام:«فيما سقت السماء العشر» (2).
و لأنّه مال لا يعتبر فيه الحول فلا يعتبر فيه النصاب.
و الجواب عن الأوّل:أنّ أحاديثنا أخصّ فيعمل عليها و يخصّص بها هذا العموم،كما في قوله عليه السلام:«في الرقة ربع العشر» (3).و قد خصّ بقوله عليه السلام:«ليس فيما دون مائتي درهم صدقة» (4).
و قياسه باطل،لأنّ العلّة فيه عدميّة لم يشهد لها شيء من الأصول بالتأثير (5)،مع أنّا نقول:الزرع يكمل نماؤه عند انعقاده (6)فلا يعتبر فيه الحول،أمّا غيره فإنّ الحول مظنّة لاستكمال النماء غالبا و مع الفرق لا قياس (7).
رطلان و ربع بالبغداديّ يكون (1)الصاع تسعة أرطال.و هو قول أكثر علمائنا (2).
و قال ابن أبي نصر منّا:المدّ:رطل و ربع (3).
و قال الشافعيّ:رطل و ثلث (4).
و قال أبو حنيفة:رطلان (5).
لنا:الأصل:عدم الوجوب،و اعتبار الأكثر في النصاب موافق لهذا الأصل فيصار إليه.و قد روى الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتوضّأ بمدّ و يغتسل بصاع،و المدّ:رطل و نصف،و الصاع:
ستّة أرطال» (6)بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقيّ.
و لأنّ النصاب شرط،و بالتقدير الأدون لا يتيقّن حصوله،و الأصل عدم شغل الذمّة،فيقف الوجوب على الأعلى.
احتجّ ابن أبي نصر بما رواه سماعة قال:كان الصاع على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خمسة أمداد،و المدّ:قدر رطل و ثلاثة أواق (7).
ص:192
و احتجّ الشافعيّ (1)بأنّ أبا يوسف دخل المدينة فسألهم عن الصاع،فقالوا:خمسة أرطال و ثلث،فسألهم عن الحجّة،فقالوا:غدا،فجاء من الغد سبعون شيخا كلّ واحد منهم آخذ صاعا تحت ردائه فقال:صاعي وزنه هذا (2).
و احتجّ أبو حنيفة (3)بأنّ أنس بن مالك قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتوضّأ بالمدّ،و هو رطلان،و يغتسل بالصاع (4).
و الجواب عن الأوّل:أنّ سماعة فطحيّ،و مع ذلك فلم يسنده إلى إمام،و مع ذلك فإنّه حكم بأنّ الصاع خمسة أمداد فيكون مقاربا لما قلناه،من أنّ الصاع أربعة أمداد، و الأرطال هنا بمعيار المدينة.
و عن الثاني:بضعف هذه الرواية،فإنّ الباقر عليه السلام ما كان يخفى عنه صاع المدينة،و هو سيّد علمائها و إمامهم،و قد أخبر مالك أنّ عبد الملك (5)تحرّى صاع عمر، و قد كان ينبغي له أن يتحرّى صاع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (6).
و عن الثالث:أنّها معارضة بما رواه الشافعيّ،فيجب التوقّف فيهما و المصير إلى غيرهما،و ذلك يوجب الأخذ برواياتنا،و قد كتب موسى بن جعفر عليهما السلام:«الصاع
ص:193
ستّة أرطال بالمدنيّ و تسعة أرطال بالعراقيّ» (1)و ذلك نصّ في الباب.
الأوّل:الرطل العراقيّ مائة درهم،و ثمانية و عشرون درهما،و أربعة أسباع درهم، و هو تسعون مثقالا،و المثقال درهم و ثلاثة أسباع درهم،و قد روى الشيخ عن سليمان بن حفص المروزيّ،عن أبي الحسن عليه السلام:«إنّ الصاع خمسة أمداد،و المدّ:وزن مائتين و ثمانين درهما،و الدرهم وزن ستّة دوانيق،و الدانق:ستّ حبّات،و الحبّة:وزن حبّتين من شعير من أوسط الحبّ،لا من صغاره و لا من كباره» (2).
الثاني:هذا التقدير تحقيق لا تقريب،فلو نقص النصاب عن خمسة الأوسق و لو قليلا سقطت الزكاة،خلافا لبعض الشافعيّة (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة قالت:جرت السنّة أنّه ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة،و الوسق:ستّون صاعا (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن عبيد اللّه الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«ليس في النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق،و العنب مثل ذلك» (5).
و عن ابن بكير،عن بعض أصحابنا،عن أحدهما عليهما السلام قال:«ليس فيما دون
ص:194
خمسة أوساق زكاة» (1).
و لأنّه نصاب يتعلّق به وجوب الفرض فكان محدّدا كغيره.و لأنّ القلّة (2)غير معتبرة في الشرع،لعدم ضبطها فلا بدّ من ضابط،و هو ما قلناه.
احتجّ المخالف بأنّ الوسق في اللّغة الحمل،و هو يزيد و ينقص (3).
و الجواب:التحديد الشرعيّ حظر الزيادة و النقصان.
الثالث:النصب معتبرة بالكيل بالأصواع،و اعتبر الوزن للضبط و التحفّظ (4)،فلو بلغ المكيل النصاب بالكيل و الوزن معا وجبت الزكاة قطعا،و لو بلغ بالوزن دون الكيل فكذلك،و لو بلغ بالكيل دون الوزن كالشعير،فإنّه أخفّ من الحنطة-مثلا-لم تجب الزكاة على الأقوى.
و قال بعض الجمهور:تجب (5)،و ليس بالوجه.
الرابع:لو تساوت الموازين في النقصان اليسير كالرطل-مثلا-لم تجب الزكاة- خلافا لبعض الشافعيّة (6)-لما تقدّم من أنّ التقدير تحقيق لا تقريب.و لو اختلفت الموازين الصحيحة لم يؤثّر النقص اليسير في الوجوب.
الخامس:لو شكّ في وجوب الزكاة فيه،و ليس هناك مكيال و لا ميزان و لم يوجدا لم تجب الزكاة،لوقوع الشكّ في بلوغ النصاب،و الأحوط الإخراج.
السادس:إنّما يعتبر الأوساق عند الجفاف،فلو بلغ الرطب النصاب أو العنب لم يعتبر ذلك،و اعتبر النصاب عند جفافه تمرا أو زبيبا،و هو إجماع.
ص:195
نمت (1)في ملكه (2)،فلو ابتاع غلّة أو استوهب أو ورث بعد بدوّ الصلاح لم تجب عليه الزكاة.و هو قول العلماء كافّة.
و إذا أخرج الزكاة منها لم يتكرّر عليه،و إن بقيت (3)أحوالا.و هو إجماع العلماء إلاّ الحسن البصريّ (4)،و لا اعتداد بخلافه،لأنّها غير معدّة للنماء،فلا تجب فيها الزكاة كالثياب.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة و عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها،فليس عليه شيء و إن حال عليه الحول عنده،إلاّ أن يحوّله مالا،فإن فعل (5)فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكّيه، و إلاّ فلا شيء عليه و لو بقيت ألف عام إذا كان بعينه،و إنّما عليه (6)صدقة العشر،فإذا أدّاها مرّة واحدة فلا شيء عليه فيها حتّى يحوّل (7)مالا،و يحول عليه الحول و هو عنده» (8).
الأوّل:لو ابتاعها للتجارة تعلّقت زكاة التجارة بها،إمّا وجوبا أو استحبابا،على الخلاف.
الثاني:لو اشتراها قبل بدوّ الصلاح على وجه يصحّ،و بدا صلاحها في يده،وجبت
ص:196
الزكاة على المشتري،لأنّها قبل بدوّ الصلاح كالمعدومة،فكأنّها (1)نمت (2)في ملكه، و سقطت الزكاة عن البائع،و لو عاد البائع[و] (3)اشتراها بعد بدوّ الصلاح وجبت الزكاة على البائع الثاني،كما لو باعها المالك أوّلا بعد بدوّ الصلاح.
الثالث:لو اشترى (4)نخلا و ثمرته (5)قبل بدوّ الصلاح فالزكاة على المشتري،و لو كان بعد بدوّ الصلاح فالزكاة على البائع،لما تقدّم (6).
الرابع (7):لو مات المالك و عليه دين،فظهرت (8)الثمرة و بلغت لم تجب الزكاة على الوارث،لتعلّق الدين بها،و لو قضى الدين و فضل منها النصاب لم تجب الزكاة،لأنّها على حكم مال الميّت،أمّا لو صارت تمرا (9)و المالك حيّ،ثمَّ مات وجبت الزكاة،و إن استغرق الدين التركة،و لو قصرت التركة قدّمت الزكاة.و قيل:يقع التحاصّ (10)،و الوجه:الأوّل، لتعلّق الزكاة بالعين قبل تعلّق الدين بها.
إن لم يفتقر سقيها إلى مئونة كالمسقى سيحا أو بعلا أو عذيا (11).و إن افتقر سقيها إلى مئونة كالدوالي و النواضح،وجب فيها نصف العشر.و عليه فقهاء الإسلام.
ص:197
روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«فيما سقت السماء و العيون أو كان عثريّا العشر،و ما يسقى بالنضح نصف العشر» (1).
و روى مسلم عنه عليه السلام:«فيما يسقى بالسانية (2)نصف العشر» (3).
و عن معاذ قال:بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى اليمن فأمرني أن آخذ ممّا سقت السماء أو سقي بعلا العشر،و ما سقي بدالية نصف العشر (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن زرارة،عن الباقر عليه السلام قال:«ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالي،و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء أو السيح،أو كان بعلا ففيه العشر تامّا» (5).
و عن ابن بكير،عن بعض أصحابنا،عن أحدهما عليهما السلام:«و الزكاة فيها العشر فيما سقت السماء أو كان سيحا،أو نصف العشر فيما سقي بالغرب و النواضح» (6).
و في الصحيح عن زرارة و بكير،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء و الدوالي و النضح ففيه نصف العشر،و إن كان يسقى من غير علاج بنهر أو
ص:198
عين،أو بعل (1)أو سماء،ففيه العشر كاملا» (2).
و عن معاوية بن شريح،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«فيما سقت السماء و الأنهار، أو كان بعلا فالعشر،فأمّا ما سقت السواني و الدوالي فنصف العشر» (3).
و لأنّ الكلفة تسقط أصلا كالمعلوفة فالبعض أولى.و لأنّ النموّ شرط في الزكاة غالبا، و لهذا لا يجب في غير الباقي،و للكلفة تأثير في تقليله،فأثّرت في تقليل الواجب.
لا يقال:قد روى الشيخ عن زرعة،عن سماعة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الزكاة في التمر و الزبيب،فقال:«في كلّ خمسة أو ساق وسق-و الوسق:ستّون صاعا- و الزكاة فيهما سواء» (4).
و عن عثمان بن عيسى،عن سماعة قال:سألته عن الزكاة في الزبيب و التمر،فقال:«في كلّ خمسة أوساق وسق-و الوسق:ستّون صاعا-و الزكاة فيهما سواء،فأمّا الطعام فالعشر فيما سقت السماء،و أمّا ما سقي بالغرب و الدوالي فإنّما عليه نصف العشر» (5).
لأنّا نقول:الحديثان ضعيفان،فإنّ زرعة و سماعة فطحيّان،و الحديث الثاني لم يسنده سماعة إلى إمام،فلا يعارض بهما ما ثبت بالإجماع و الأحاديث الصحاح.
ص:199
الأوّل:قال أبو عبيد:العثريّ ما تسقيه السماء،و تسمّيه العامّة العذي (1).و السواني:
هي النواضح،و هي الإبل يستقى بها لشرب الأرض،و العذي:ما سقته السماء،و البعل:ما يشرب (2)بعرقه (3)من غير سقي،لقرب الماء من وجه الأرض،أو كانت عروقه تصل إلى نهر أو ساقية.
الثاني:لا يؤثّر-حفر الأنهار و السواقي،و احتياجها إلى ساق يسقيها،و يحوّل الماء من موضع إلى آخر-في نقصان الزكاة،لأنّ الحفر (4)من جملة إحياء الأرض،و لا يتكرّر كلّ عام،و الساقي لا بدّ منه في كلّ سقي فجرى مجرى الحرث.
و لو كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الأرض،و يستقرّ في مكان قريب من وجهها،و لا يصعد إلاّ بآلة،فهو من الكلفة المسقطة.
الثالث:قيل:لا موجب للتفريق (5)بين ما سقي بالسماء أو بالآلة،لأنّ الزكاة عندكم تجب بعد المئونة و حينئذ يتساوى ما خرج عليه المئونة،و ما لم يخرج (6).
قلنا:حقّ أنّ الإخراج (7)بعد المئونة،لكن تعجيل التعب (8)و الخسارة كاف في الفرق.
الرابع:لو سقي نصف السنة بكلفة،و نصفها بغير كلفة،أخرج من النصف،العشر و من النصف،نصف العشر،فيجب عليه ثلاثة أرباع العشر.و هو إجماع العلماء،لأنّ دوام
ص:200
كلّ واحد منهما في جميع السنة يوجب مقتضاه،فإذا وجد في نصفه أوجب نصفه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت له:فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي،ثمَّ يزيد الماء و تسقى سيحا،فقال:«إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟»قلت:نعم،قال:«النصف،و النصف:نصف بنصف العشر،و نصف بالعشر» (1).
الخامس:لو غلب أحد الأمرين على الآخر كان (2)الاعتبار له.و به قال أبو حنيفة (3)،و عطاء،و الثوريّ (4)،و أحمد (5)،و الشافعيّ في أحد القولين.
و في الآخر:يؤخذ بالقسط،فإن شرب بالسيح ثلث السقي-مثلا-كان في ثلثه العشر،أو الربع كان فيه العشر و على هذا (6).
لنا:أنّ اعتبار السقيات و تقسيط الزكاة بعددها ممّا يشقّ جدّا،فيسقط اعتباره، كالعدل إذا كانت طاعاته أكثر لم يعتدّ بالمعصية الأقلّ في سقوط عدالته.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قلت:
الأرض تسقى بالدوالي،ثمَّ يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين (7)سيحا؟قال:«و كم تسقى
ص:201
السقية و السقيتين (1)سيحا؟»قلت:في ثلاثين ليلة،أربعين ليلة،و قد مكث قبل ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر،قال:«نصف العشر» (2).
احتجّ المخالف بأنّ التقسيط ثابت مع النقيصة،فكذا (3)مع الزيادة (4).
و الجواب:مع التنصيف لا أولويّة و لا مشقّة في ضبط السيح من غيره،بخلاف الأغلبيّة.
السادس:لو سقي بالسيح و الدولاب و لم يعلم الأغلب،جعلهما (5)نصفين و أخذ من كلّ واحد بالحصّة.
و قال أحمد:يؤخذ العشر (6).
لنا:تساويهما في الاحتمال،فيقسّط (7)عليهما (8)بالسويّة كما لو تنازعا دارا،لعدم المرجّح.
احتجّ أحمد بأنّ الأصل وجوب العشر،و مع عدم تحقّق المسقط يكون ثابتا.و لأنّ الكلفة مشكوك (9)فيها فلا يعتبر مع الشكّ (10).
و الجواب:الأصل براءة الذمّة،و الشكّ في الكلفة يقتضي الشكّ في عدمها فلا
ص:202
ترجيح.
السابع:لو كان له زرعان يسقي أحدهما سيحا و الآخر ناضحا ضمّا في تكميل النصاب و أخذ من كلّ واحد منهما ما وجب فيه (1).
الثامن:لو تنازع المالك و الساعي في أيّهما سقي أكثر،كان القول قول المالك بغير يمين،لأنّ المتصدّق لا يحلف على صدقته.
،وجب فيه العشر أو نصف العشر،على التفصيل المتقدّم،قلّ أو كثر،بلا خلاف بين العلماء في ذلك،لأنّه نماء في نفسه فلم يعتبر له نصاب ثان، و قد ظهر من هذا أنّ للغلاّت الأربع (2)نصابا واحدا،و هو خمسة أوسق،و عفوا واحدا، و هو ما نقص عن ذلك.
،و بالثمار إذا بدا صلاحها (3).و هو قول أكثر الجمهور (4).
و قال بعض أصحابنا:إنّما يتعلّق الوجوب بها إذا صار الزرع حنطة أو شعيرا،و الثمار تمرا و (5)زبيبا (6)،و كان والدي رحمه اللّه يذهب إلى هذا،و الوجه عندي:الأوّل،لأنّه قد ورد في وجوب الزكاة في العنب:إذا بلغ خمسة أوسق زبيبا (7).و لأنّ النّصّ (8)تناول (9)
ص:203
الحنطة،و الشعير،و التمر،و الزبيب،و لا ريب في تسمية الحبّ إذا اشتدّ بالحنطة و الشعير، و في تسمية البسر بالتمر،فإنّ أهل اللّغة نصّوا على أنّ البسر نوع من التمر (1)،و كذا نصّوا على أنّ الرطب نوع من التمر.
و الفائدة تظهر فيما لو تصرّف قبل صيرورته تمرا و (2)زبيبا لم يضمن على القول الثاني، و يكون ضامنا على قولنا،لتحقّق الوجوب.
و قد اتّفق العلماء على أنّه لا يجب الإخراج في الحبوب إلاّ بعد التصفية،و في التمر (3)إلاّ بعد التشميس و الجفاف.
الأوّل:لو تلف قبل الجفاف بتفريط ضمن،و إن كان بغير تفريط لم يضمن.أمّا الأوّل:فعلى قولنا خاصّة.و أمّا الثاني:فإجماع.
و لو تلف بعد الجفاف بتفريط ضمن إجماعا،و إن كان بغير تفريط،فإن تمكّن من الأداء ضمن أيضا،و إلاّ فلا،لما تقدّم من أنّ إمكان الأداء شرط في الضمان (4).
الثاني:إنّما يعتبر النصاب في التمر و الزبيب بعد الجفاف،فلو بلغ العنب و الرطب نصابا لم يعتدّ به و إن تعلّقت الزكاة بجنسه،بل إذا (5)بلغ مع التشميس و الجفاف نصابا وجبت فيه الزكاة،و إلاّ فلا.
الثالث:لو قطع الثمرة (6)قبل أن يبدو صلاحها لحاجة فلا زكاة عليه إجماعا،و ذلك
ص:204
كما لو أصابها عطش،أو احتاج إلى بيعها طلعا أو خلالا.و لا يكره له ذلك،لأجل الحاجة، أمّا لو فعل (1)فرارا من الزكاة،فإنّ الزكاة لا تجب عليه أيضا،و يكون قد فعل مكروها.
و قال مالك (2)،و أحمد:تجب عليه الزكاة (3).و ليس بالمعتمد.
الرابع:لو قطع طلع الفحّال لم يجب عليه شيء إجماعا،لأنّه لا يجيء منه شيء تجب فيه الزكاة،فكان بمنزلة الثمار التي لا زكاة فيها.
الخامس:لو تلف بعض الثمرة (4)بعد بدوّ الصلاح،قبل الجذاذ بغير تفريط،فإن كان الباقي نصابا وجبت الزكاة فيه إجماعا،و لا يضمن حصّة التالف قولا واحدا،و إن لم يكن الباقي نصابا وجبت الزكاة فيه إذا كانت قبل التلف نصابا على ما اخترناه،يجب فيه بقدره، لأنّ المسقط اختصّ بالبعض فاختصّ السقوط به،كما لو تلف بعض الماشية بعد تعلّق الوجوب بها.
و على قول بعض أصحابنا لا شيء عليه،لأنّ التلف وقع قبل تعلّق الوجوب،و الباقي ليس بنصاب.
السادس:الذمّيّ و إن وجبت الزكاة عليه عندنا،إلاّ أنّها لا تؤخذ منه.
إذا ثبت هذا فإذا باعه المسلم زرعا قبل بدوّ صلاحه فتركه الذمّيّ حتّى اشتدّ،لم تؤخذ منه الزكاة و لا من البائع،لأنّه حين وجوب الزكاة كان ملكا للكافر.و لو ردّه الذمّيّ لعيب فيه بعد اشتداده لم تجب الزكاة عليه،أمّا لو ظهر فساد البيع من أصله،بأن ظهر استحقاق الثمن المعيّن،هل تجب (5)الزكاة؟فيه تردّد،أقربه عدم الوجوب على البائع،لعدم تمكّنه من التصرّف ظاهرا.
ص:205
السابع:لو مات المدين قبل اطلاع النخل تعلّق الدين بالنخل،فإن قلنا:إنّ الدين لا يمنع من انتقال الملك إلى الورثة،فإذا أطلع (1)و بدا صلاحه (2)وجبت الزكاة فيه،لحدوثها في ملكهم.و إن قلنا بالمنع من الانتقال،فلا زكاة هنا.
أمّا لو مات بعد الاطلاع فإنّ الدّين يتعلّق بالأصول و الثمرة،و ينتقل (3)الأصول و الثمرة إلى الوارث إن قلنا:إنّ الدّين لا يمنع من الانتقال،فإذا بدا صلاحها وجبت الزكاة.
هكذا قاله الشيخ (4).و ليس بالوجه،لأنّ إمكان التصرّف شرط في الوجوب.
الثامن:لو كان له رطب لا يجفّف مثله-كالهلباث (5)و البرنيّ (6)،فإنّ هذا لا يجفّف في العادة-وجبت الزكاة فيه،لقوله عليه السلام:«فيما سقت السماء العشر» (7).
و يعتبر بلوغه خمسة أوسق تمرا،و هل يعتبر بنفسه أو بغير جنسه؟قال بعض الجمهور:يعتبر بجنسه و يعتبر بأقرب الأرطاب إليه ممّا يجفّف (8).و الوجه عندي:اعتباره بنفسه.
،بأن يكون في بلدين مزاج أحدهما أسخن من الآخر،فتدرك الثمرة (9)في الأسخن قبل إدراكها في الآخر،فإنّه يضمّ
ص:206
الثمرتان إذا كان (1)لعام واحد و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر،لأنّ اشتراك إدراك الثمار في الوقت الواحد متعذّر،و ذلك يقتضي إسقاط الزكاة غالبا،و لا نعرف في هذا خلافا.
الأوّل:لا فرق بين النخل و الزرع و الكرم في ذلك،فلو أدرك بعض الزرع في بعض الأمكنة دون بعض ضممنا (2)مال المالك الواحد،فإن (3)بلغ النصاب وجبت الزكاة، و إلاّ فلا.
الثاني:لو كان له نخل في بعضها رطب،و في بعضها بسر،و في بعضها بلح (4)فجذّ الرطب،فإن كان نصابا أخذت الزكاة منه،و إذا أدرك الباقي أخذت الزكاة منه مطلقا قلّ أو كثر،و إن لم يبلغ نصابا ضممناه إلى الباقي،فإذا (5)بلغ البسر و البلح وجبت الزكاة إن بلغ الجميع نصابا،و إلاّ فلا.
الثالث:لو كان له نخيل يطلع بعضها قبل بعض ضممنا الجميع،فإنّه كما لم يشترط التوافق في زمن الإدراك،فكذا لا يشترط التوافق في زمن الاطلاع.
الرابع:لو كان له نخل بتهامة،و نخل بنجد فأثمرت التهاميّة و جذّت،ثمَّ بلغت النجديّة فإنّها تضمّ إلى التهاميّة بلا خلاف،فإن (6)أطلعت التهاميّة مرّة ثانية في ذلك العام قبل أن تجذّ النجديّة ضمّت إحداهما إلى الأخرى،خلافا للشيخ (7)،
ص:207
و للشافعيّ (1).
لنا:أنّهما ثمرة عام واحد فأشبه ما لو اتّفقا في الاطلاع.
احتجّ بأنّا لو ضممناها إلى النجديّة،لوجب ضمّها إلى التهاميّة،فيكون قد ضممنا ثمرة نخلة إلى ثمرتها مرّة أخرى،و يجب بذلك ضمّ ثمرة عام إلى ثمرة عام آخر (2).
و الجواب:المنع من الملازمة.
الخامس:لو كان له نخل يطلع في السنة مرّتين،قال الشيخ:لا تضمّ إحداهما إلى الأخرى،لأنّها في حكم ثمرة سنتين (3).و ليس بالوجه،و الأقرب:الضمّ،لأنّهما ثمرة عام واحد.
،و هو أجود نخل بالحجاز أخذ من ثمرها، فإن أخرج من غيرها و كان مساويا جاز،و إن كان أردأ لم يجز،لقوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ (4).
و إن كان كلّه رديئا كالجعرور (5)و مصران الفأرة (6)أخذ منه و أجزأ،لأنّ الحقّ يجب فيه فلا يكلّف غيره.
و لو كان له جيّد و رديء،أخرج ما يسمّى تمرا،و إن تطوّع بالأجود فهو أفضل، و لو أخرج من كلّ نوع بقسطه فهو حسن.
روى الشيخ-في الحسن-عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن
ص:208
التمر و الزبيب،ما أقلّ ما تجب فيه الزكاة؟فقال:«خمسة أوساق و يترك معافارة (1)و أمّ جعرور و لا يزكّيان و إن كثرا» (2).
و الوجه في هذه الرواية:أنّه لا يزكّى منهما،لا أنّه لا يجب فيهما الزكاة لو بلغا النصاب.
،كأجرة السقي و العمارة،و الحصاد و الجذاذ و الحافظ،و بعد حصّة السلطان.و به قال أكثر أصحابنا (3)،و اختاره الشيخ أيضا في النهاية (4)،و ذهب إليه عطاء (5).
و قال في المبسوط و الخلاف:المئونة على ربّ المال دون الفقراء (6)،و هو قول الفقهاء الأربعة (7).و الأقرب:الأوّل.
لنا:أنّه مال مشترك بين المالك و الفقراء،فلا يختصّ أحدهم بالحيازة عليه،كغيره من الأموال المشتركة.و لأنّ المئونة سبب في الزيادة فيكون على الجميع.و لأنّ إلزام المالك بالمئونة كلّها حيف عليه و إضرار به و هو منفيّ.و لأنّ الزكاة مواساة فلا تتعقّب الضرر.
و لأنّها في الغلاّت تجب في النماء و إسقاط حقّ الفقراء من المئونة مناف.
ص:209
احتجّ المخالف (1)بقوله عليه السلام:«فيما سقت السماء العشر» (2).
و بقوله عليه السلام:«ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة» (3).
و الجواب:العشر إنّما يجب في النماء و الفائدة،و ذلك لا يتناول المئونة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«و يترك للحارس العذق (4)و العذقان،و الحارس يكون في النخل ينظره فيترك ذلك لعياله» (5).و إذا ثبت ذلك في الحارس،ثبت في غيره،ضرورة عدم القائل بالفرق.
الأوّل:البذر من المئونة،لأنّ الزكاة إنّما تجب في النماء و ليس هو منه.و لأنّ إيجاب الزكاة في البذر يستلزم تكرير وجوب الزكاة في الغلاّت،و قد أجمع المسلمون على خلافه.
الثاني:المؤن تخرج وسطا من المالك و الفقراء،فما فضل و بلغ نصابا أخذ منه العشر أو نصفه.
الثالث:خراج الأرض يخرج وسطا،ثمَّ يزكّى ما بقي إن بلغ نصابا،إذا كان المالك مسلما.و هو مذهب علمائنا،و أكثر الجمهور (6).
ص:210
و قال أبو حنيفة:لا زكاة في الأرض الخراجيّة (1).
لنا:قوله تعالى وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (2).
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«فيما سقت السماء العشر» (3).
و ذلك عامّ.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن أبي بصير و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام أنّهما قالا له:هذه الأرض التي تزارع أهلها ما ترى فيها؟فقال:
«كلّ أرض دفعها إليك سلطان (4)فما حرثته فيها فعليك فيما (5)أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه،و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر،إنّما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» (6).
و عن صفوان بن يحيى،و أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال:«و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يراه (7)كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر قبّل سوادها و بياضها-يعني أرضها و نخلها-و الناس يقولون:لا تصلح قبالة الأرض و النخل، و قد قبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر،و على المسلمين سوى قبالة الأرض،العشر
ص:211
و نصف العشر في حصصهم» (1).
و لأنّهما حقّان مختلفان لمستحقّين متغايرين،يجوز وجوب كلّ واحد منهما على المسلم،فجاز اجتماعهما كالكفّارة و القيمة في الصيد المملوك.
احتجّ المخالف (2)بقوله عليه السلام:«لا يجتمع العشر و الخراج في أرض مسلم» (3).
و لأنّهما حقّان سببا هما متنافيان،فلا يجتمعان كزكاة السائمة و التجارة.
و بيان التنافي:أنّ الخراج وجب عقوبة،لأنّه جزية الأرض،و الزكاة وجبت شكرا.
و الجواب عن الأوّل:أنّ راويه يحيى بن عنبسة (4)و هو ضعيف،و مع ذلك فهو محمول على الخراج،الذي هو جزية و حينئذ لا يجتمعان،و ليس البحث فيه،لأنّا نتكلّم في زرع المسلم.
و عن الثاني:بالفرق بين زكاة التجارة و السائمة و صورة النزاع،لأنّ التجارة و زكاة السوم زكاتان،و لا يزكّى المال من وجهين،أمّا الخراج فليس زكاة،لأنّ الخراج يلزم الأرض،و الزكاة في الزرع،و المستحقّان مختلفان.
و قوله:الخراج وجب عقوبة،مسلّم في حقّ الذمّيّ،أمّا في حقّ المسلم فهو أجرة (5)و ليس عقوبة.
لا يقال:قد روى الشيخ-في الصحيح-عن رفاعة بن موسى قال:سألت أبا عبد اللّه
ص:212
عليه السلام عن الرجل له الضيعة فيؤدّي خراجها هل عليه فيها عشر؟قال:«لا» (1).
و عن أبي كهمس (2)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه (3).
لأنّا نقول:المراد بذلك أنّه لا زكاة عليه في جميع ما تخرج الأرض،بل تجب عليه بعد الخراج.
على الناس من يخرص عليهم كرومهم و ثمارهم (1)و خرص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على امرأة بوادي القرى حديقة لها (2).و بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عبد اللّه بن رواحة إلى يهود،فخرص عليهم النخل حتّى يطيب قبل أن يؤكل منه (3)،و لأنّ أرباب الثمار يحتاجون إلى الأكل و التصرّف في ثمارهم،فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر.
احتجّوا بأنّ الخرص تخمين و حزر،فلا يجوز العمل به (4).
و الجواب:أنّه تخمين مشروع،لأنّه اجتهاد في معرفة القدر فجرى مجرى تقويم المتلفات.
الثاني:قال الشيخ:يجزئ الخارص الواحد (1).و به قال مالك (2)،و أحمد (3)، و الشافعيّ في أحد القولين،و في الآخر قال:لا يجزئ إلاّ اثنان (4).
لنا:ما روت عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعث عبد اللّه بن رواحة خارصا (5)، و لم يذكر معه غيره.و لأنّه يقدّر على حسب اجتهاده،فهو (6)بمنزلة الحاكم.
احتجّ المخالف بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعث عبد اللّه بن رواحة و غيره.و لأنّ الخارص يقدّر الواجب،فجرى مجرى التقويم (7).
و الجواب:المعارضة بما رويناه،و يحتمل أن يكون الآخر معينا و كاتبا،و يحتمل أن يكون ذلك في وقت آخر.و لأنّه جائز،و البحث في الوجوب.
و الفرق بين الخارص و المقوّم أنّ المقوّم ناقل إلى الحاكم فاعتبر العدد كالشهادة.
الثالث:يشترط (8)كون الخارص أمينا،لعدم الوثوق بقول الفاسق،و لو كانا اثنين كان أفضل،لازدياد (9)الظنّ حينئذ.
الرابع:إن كانت الثمرة نوعا واحدا طاف الخارص بكلّ نخلة أو شجرة و قدّرها فيها
ص:215
رطبا و عنبا،ثمَّ جمع الكلّ و قدّره تمرا و (1)زبيبا.و إن كانت أنواعا مختلفة خرص كلّ نوع على حدته (2)،لاختلاف الأنواع في كثرة الثمر (3)و قلّته،فإنّ الطبرزد (4)يكثر ثمره،لكثرة لحمه و قلّة رطوبته،و البرنيّ بعكس ذلك،فإذا بلغ الأوساق وجبت الزكاة،و إلاّ فلا.
الخامس:إذا عرّف الخارص المقدار خيّر الملاّك بين تركه في يدهم (5)أمانة إذا كانوا أهلا لذلك،و بين تضمينهم حقّ الفقراء و (6)يضمّن للملاّك حقوقهم،فإن ضمنوا تصرّفوا كيف شاءوا بالبيع و الهبة و الأكل و غير ذلك،لأنّ فائدة الضمان جواز التصرّف،و إن اختاروا الأمانة لم يكن لهم التصرّف بالأكل و البيع و الهبة،لأنّ حقّ المساكين ثابت فيها، و لا يجوز للشريك التصرّف من دون شريكه.
السادس:ينبغي للخارص أن يخفّف عن المالك و لا يجحف به،و لا يستقصي بل يقدّر ما يكون المالك به مستظهرا و ما يجعل للمارّة،و ما يتساقط فتأكله الهوامّ و ما ينتابه الطير.
و قال أحمد بن حنبل:يترك (7)الثلث (8).و ليس بالمعتمد.
لنا على التخفيف:ما رواه مكحول أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا بعث الخرّاص قال:«خفّفوا على الناس،فإنّ في المال العريّة و الواطية
ص:216
و الآكلة» (1).
و الواطية:السابلة:سمّوا بذلك،لوطئهم بلاد الثمار مجتازين.
و الآكلة:أرباب الثمار و أهلهم.
و لأنّ استيفاء الكلّ في الخرص إضرار بالمالك،لما يعتور الثمار من النقص.
و احتجّ (2)أحمد (3)بما رواه سهل بن أبي حثمة (4)عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إذا خرصتم[فخذوا] (5)و دعوا الثلث،فإن لم تدعوا الثلث[فدعوا] (6)الربع» (7).
و الجواب:يحتمل الأمر بإيداع الثلث لتفرقة المالك بنفسه في أهله و جيرانه،لما في ترك الثلث من الإضرار بالفقراء،و هو منفيّ بالأصل.
إذا ثبت هذا فإنّ النظر إلى الخارص في تقدير المتروك باعتبار (8)كثرة المارّة و قلّتهم، أمّا التقدير (9)بالثلث و الربع فلا.
السابع:الخرص مع التضمين لا يفيد الضمان،لأنّها في يده أمانة كالوديعة،و بقول
ص:217
الساعي لا تصير مضمونة و إن اختار المالك الضمان،كالوديعة لا يضمن بالشرط.
و فائدة الخرص أنّ المالك إذا تصرّف في الثمرة ببيع أو أكل أو غير ذلك و لم يعلم قدر ما تصرّف فيه،وجب عليه إخراج الزكاة بحكم الخرص.
الثامن:إذا تلفت الثمرة بغير تفريط من المالك،كالآفات السماويّة أو الأرضيّة سقطت الحصّة المضمونة بالخرص،و لو تلف البعض سقط من الواجب بقدره.و به قال الشافعيّ (1)،و أحمد (2).و قال مالك:يضمن ما قال الخارص (3).
لنا:ما تقدّم من كون الزكاة أمانة فلا يضمن بالشرط كالوديعة.
احتجّ مالك بأنّ الحكم انتقل إلى ما قال الساعي.
و الجواب:المنع.
التاسع:إذا اختار المالك الحفظ ثمَّ أتلف الثمرة أو تلفت بتفريطه ضمن حصّة الفقراء بالخرص،و لو أتلفها أجنبيّ ضمن المتلف بالقيمة،هكذا قال بعض الجمهور (4)،و ليس عندي بالوجه،و الأقرب:التسوية،لأنّا قد بيّنّا (5)أنّ الخرص يصار إليه مع الجهالة بالمتناول (6)،أمّا مع العلم به فلا.
احتجّ بأنّ المالك يجب عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبيّ فصار كمن أتلف أضحيّته يجب عليه أضحيّة،و لو أتلفها أجنبيّ وجبت عليه القيمة (7).
و الجواب:أنّ ذلك غير مؤثّر في الفرق.
العاشر:لو ادّعى المالك التلف أو تلف البعض بعد الخرص،فإن كان بسبب ظاهر
ص:218
كالبرد و وقوع الجراد،قال بعض الجمهور:يجب عليه إقامة البيّنة (1).و ليس عندي بالوجه،لأنّه أمين فلا يكلّف البيّنة (2)على التلف.فإن اتّهمهم الساعي في ذلك،قال الشيخ:
حلفوا (3).و عندي فيه إشكال،إذ لا يمين في الصدقة،فإذا أوجبنا اليمين أخذت منه الزكاة مع الامتناع،و إن قلنا باستحباب اليمين لم يجب عليه شيء بالامتناع.أمّا لو ادّعى التلف بشيء خفيّ فالقول قوله إجماعا،و هل يحلف وجوبا أو استحبابا أو لا؟يحلف على ما تقدّم.
إذا ثبت هذا،فإذا (4)ادّعى تلف البعض سقط من الواجب بحسابه و أخذ من الباقي بقدر نصيبه،و لو قال:أكلت البعض و تلف البعض و بقي البعض الآخر ضممنا المأكول إلى الباقي و سقط النصيب من التالف.
الحادي عشر:لو ادّعى المالك غلط الخارص،فإن ادّعى بالمحتمل قبل قوله،و هل يحلف أم لا؟فيه التردّد،فإن حلف مع القول به صدّق،و إن نكل،فإن قلنا:اليمين واجبة سقطت دعواه،و إن قلنا بالاستحباب فلا.
و إن ادّعى غير المحتمل،مثلا ادّعى الغلط بالنصف أو الثلث لم تسمع دعواه،لتحقّق الكذب،أمّا لو قال:أخذت كذا و بقي كذا و لا أعلم شيئا سوى ذلك قبل قوله و إن كان ذلك ممّا لا يقع غلطا في الخرص،لعدم إسناد النقصان هنا إلى غلط الخارص فيجوز أن يذهب بسبب.
الثاني عشر:لو زاد الخرص فهو للمالك،و يستحبّ للمالك بذل الزيادة-قاله ابن الجنيد (5)-و لو نقص فعليه،و فيه إشكال من حيث أنّ الحصّة أمانة،فلا يستقرّ ضمانها
ص:219
كالوديعة.
الثالث عشر:لو اختار المالك الحفظ أو الضمان و لم يتصرّف (1)و حفظها إلى وقت الإخراج وجب عليه زكاة الموجود خاصّة زاد الخرص أو نقص.و به قال الشافعيّ (2).
و قال مالك:يلزمه (3)ما قال الخارص (4).
و عن أحمد روايتان (5).
لنا:أنّها أمانة فلا يضمن بالشرط.
الرابع عشر:لو لم يخرج الإمام خارصا جاز للمالك إخراج خارص،و أن يخرص بنفسه و يحتاط في التقدير و الخرص،لأنّا قد بيّنّا أنّ فائدة الخرص التوسعة للمالك في أخذ شيء من الثمار و البناء عليه عند عدم العلم بالمقدار،لا أنّه علّة في التضمين.
الخامس عشر:لو ادّعى المالك السرقة بعد وضعها في البيادر،فإن كان بعد إمكان الأداء إلى المستحقّين أو إلى الساعي ضمن إجماعا،و إن كان قبله فالقول قوله،لأنّه أمين، و في توجّه اليمين إشكال.
السادس عشر:لو اقتضت المصلحة تخفيف (6)الثمرة بعد بدوّ صلاحها بأن يصيب الأصول عطش و ترك الثمرة بأجمعها ممّا يضرّ بالنخلة و يشرب ماء جمّارها (7)،
ص:220
خفّفت (1)قولا واحدا،لأنّ الزكاة تجب مواساة فلا يكلّف المالك ما يهلك أصل ماله.و لأنّ التخفيف (2)فيه إصلاح حال المالك بحفظ نخله و إصلاح حال الفقراء بتكرّر (3)الزكاة كلّ سنة موفّرة فصاروا بمنزلة الشركاء.
السابع عشر:لو لم يكف التخفيف (4)و احتاج إلى القطع قطعت مراعاة للمصلحة، فإذا قطعها تخيّر الساعي بين القسمة مع المالك على النخل أو على الأرض و بين بيع نصيب المساكين من المالك و غيره،و يجوز للمالك تقويم نصيب الفقراء من غير اختيار الساعي، لأنّ القيم (5)مجزئة (6)عندنا.
الثامن عشر:يجوز للمالك قطع الثمرة و إن لم يستأذن الخارص،سواء ضمن أو لم يضمن.
و منع الشيخ في المبسوط ذلك إلاّ مع ضمان الخرص (7).
لنا:أنّه مؤتمن على الحفظ فله التصرّف بما يراه من المصالح.
احتجّ بأنّه تصرّف في مال الغير فيقف على الإذن.
و الجواب:المشترط المصلحة.
التاسع عشر:الأقرب اختصاص الخرص بالنخل و الكرم.و به قال مالك (8)،
ص:221
و أحمد (1)،و اختاره ابن الجنيد (2)،لأنّه نوع تخمين و حزر فلا يثبت إلاّ في الموضع المنصوص عليه،و التشبيه بالنخل و الكرم قياس فاسد مع وقوع الفرق،و هو من وجهين.
أحدهما:أنّ الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه و تبدّده و عدم اجتماعه و قلّة التطلّع على مقدار كلّ سنبلة منه بخلاف النخل فإنّ ثمرته ظاهرة مجتمعة يتمكّن الخارص من إدراك كلّ عذق منها،و كذا الكرم.
الثاني:أنّ الحاجة في النخل و الكرم ماسّة إلى الخرص،لاحتياج أربابها إلى تناولها رطبة غالبا قبل الجذاذ و الاقتطاف بخلاف الزرع،فإنّ الحاجة إلى تناول الفريك (3)قليلة جدّا.
العشرون:لا يجوز للساعي أخذ الرطب عن التمر،فإن أخذه اعتبر حاله عند الجفاف،فإن كان بقدر الواجب أجزأ،و إن زاد ردّ الفاضل،و إن نقص أخذ من المالك النقيصة (4)،و لو دفع المالك الرطب عن التمر لم يجزئه و لو كان عند الجفاف بقدر الواجب،إلاّ بالقيمة السوقيّة،لأنّه غير الواجب.و عندي فيه إشكال من حيث تسمية الرطب تمرا لغة، فإذا أخرج ما لو جفّ كان بقدر الواجب،فالأقرب الإجزاء،فإذا قلنا:لا يجزئ وجب على الساعي دفعه إلى المالك،فإن هلك في يده أعاد الساعي مثله أو القيمة عند تعذّر المثل.
الحادي و العشرون:يضمّ الزروع بعضها إلى بعض إذا كانت لمالك واحد و إن تباعدت أمكنتها،سواء اتّفقت في الإدراك أو اختلفت إذا كانت لعام واحد.
الثاني و العشرون:لو أكل المالك رطبا،فإن كان بعد الخرص و التضمين جاز إجماعا،لأنّ فائدة الخرص إباحة التناول،و إن كان بعد الخرص و قبل التضمين بأن خرص عليه الخارص و لم يرض بخرصه جاز أيضا إذا ضمن نصيب الفقراء.و كذا لو كان قبل
ص:222
الخرص إذا خرصها هو بنفسه،أمّا مع عدم الخرص فلا.و لو كان رطبه لا يصير تمرا غالبا استحبّ للمالك إعلام الوالي بذلك ليخرصه عليه،و يجوز له قسمته حملا و مقطوعا،لأنّ القسمة عندنا تمييز حقّ لا بيع.
.ذهب إليه علماؤنا، و به قال مالك (1)،و الشافعيّ (2)،و أبو يوسف،و محمّد (3).
و قال أبو حنيفة:يجب على صاحب الأرض (4).
لنا:أنّ المستأجر هو المالك للزرع،و الزكاة تجب على المالك.
احتجّ أبو حنيفة بأنّ الأجرة عوض عن منفعة الأرض فإذا حصلت،وجبت الزكاة عليه كما لو زرعها (5).
و الجواب:أنّ الزكاة لا تجب لمنفعة الأرض،و إنّما تجب في الزرع فإنّه يختلف باختلاف أجناسه.و لأنّ الزرع قد يكثر فيزيد العشر على الأجرة و ذلك يستلزم إيجاب الزائد على النفع على المالك و هو خطأ،و لكان يتقدّر بقدر الأرض لا بقدر الزرع،و لوجب
ص:223
صرفه إلى أرباب الفيء لا إلى أرباب الزكاة،و لوجب على الذمّيّ كالخراج و ليس كذلك إجماعا.
الأوّل:لو استعار أرضا فزرعها فالزكاة عليه لا على المالك على ما تقدّم.
الثاني:لو غصب أرضا فزرعها فالزكاة عليه،سواء أخذ زرعه بعد حصاده،أو أخذ المالك أرضه قبل اشتداده أو بعده.و قال أحمد:إن أخذ المالك أرضه قبل اشتداده وجبت الزكاة على المالك،و كذا إن أخذها بعد اشتداده،أمّا إذا أخذ الغاصب زرعه بعد حصاده وجبت الزكاة على الغاصب (1).
لنا:أنّه نماء على ملك الغاصب فالزكاة عليه،لأنّه المالك،و غصب الأرض لا يخرج الزرع عن ملك الغاصب.
الثالث:لو زارع مزارعة فاسدة وجبت الزكاة على مالك الحبّ إن بلغ النصاب،و إن كانت المزارعة صحيحة وجبت الزكاة على كلّ واحد منهما في (2)قدر نصيبه إن بلغ نصابا، و لو تلفت حصّة أحدهم وجبت الزكاة على الآخر.
الرابع:يجوز إجارة الأرض بالحنطة و الشعير،فلو استأجر أرضا بغلّة منها بطلت الإجارة و عليه أجرة المثل و زكاة الغلّة،و إن استأجر بغلّة من غيرها صحّت الإجارة و لا تلزمه الزكاة،لأنّها انتقلت إليه أجرة و لا زكاة في الأجرة.
الخامس:لو اشترى ثمرة بشرط القطع قبل بدوّ الصلاح فلم يقطعها حتّى بدا صلاحها،فإن طالب البائع بالقطع أو اتّفقا أو طالب المشتري جاز ذلك،لأنّ بقاء الثمرة في رؤوس النخل غير مشروع إلاّ برضاء المالك و لا يجب على المشتري التبقية مع رضاء المالك أيضا.
ص:224
إذا ثبت هذا،فهل تسقط الزكاة هنا؟قال الشيخ:تسقط (1).و هو مشكل على مذهبه من تعلّق الزكاة بالثمار إذا بدا صلاحها (2).
و لو قيل بوجوب الزكاة على المشتري كان وجها،أمّا لو اتّفقا على التبقية أو بقيت برضاء البائع حتّى جذّت وجبت الزكاة على المشتري قولا واحدا.
السادس:المكاتب المشروط (3)لا زكاة عليه،لأنّه مملوك،و كذا المطلق إذا لم يؤدّ من مكاتبته شيئا،و إن أدّى و بلغ ما يصيبه بقدر حرّيّته نصابا وجبت الزكاة عليه في ذلك النصيب.
السابع:إذا وجب العشر كان لربّ المال تسعة و أخذ المصدّق واحدا،و إذا (4)وجب نصف العشر كان للمالك تسعة عشر و للمصدّق واحد،و إذا وجب ثلاثة أرباع العشر كان لربّ المال سبعة و ثلاثون (5)و للمصدّق واحد.
و يبدأ بالأخذ صاحب المال.و يترك في المكيال (6)ما يحتمله من الحبّ.
ص:225
سقطت الزكاة،سواء فعل ذلك فرارا من الوجوب أو لغرض صحيح،و قد تقدّم البحث في ذلك (2).
الأوّل:لو بادل جنسا تجب الزكاة فيه بجنس مخالف،كإبل ببقر،أو بقر بغنم أو ذهب بعد الحول وجبت الزكاة عليه و لم تصحّ المبادلة (3)في نصيب الفقراء،أمّا لو فعل ذلك قبل الحول سقطت الزكاة عن المبادل و استأنف الحول في المبادل به من حين المبادلة،سواء اتّفق الجنس أو اختلف،و سواء قصد الفرار أو لم يقصد،و سواء الماشية في ذلك و غيرها.
و قال الشيخ رحمه اللّه:إن بادل بالمخالف و لم يقصد الفرار سقطت الزكاة،و إن قصد وجبت،و إن بادل بالموافق لزمت الزكاة (4).و الشافعيّ اختار قولنا (5).
و قال أبو حنيفة في الماشية مثل ما قلناه،أمّا في الذهب و الفضّة فإنّه بنى حول أحدهما
ص:226
على الآخر (1).
و قال مالك:إن بادل بالجنس بنى على حوله،و إن كان بغير الجنس ففيه روايتان إذا كان من الحيوان،و إن كان من الأثمان لم يبن على الحول (2).
و قال أحمد:يبنى حول الجنس على جنسه من الحيوان و لا يبنى على غير جنسه منه، و يبنى حول الذهب على الفضّة إذا بادل به (3).
لنا:قوله عليه السلام:«لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول» (4).
و لأنّه مال تجب الزكاة في عينه فلم يبن حوله على غيره كالجنسين.
احتجّ المخالف بأنّ الذهب و الفضّة مالان زكاتهما واحد فيبنى (5)حول أحدهما على الآخر كعروض التجارة (6).
و الجواب:المعتبر في التجارة بالقيمة بخلاف صورة النزاع،فإنّ المعتبر العين.
الثاني:لو بادل عينا بعين و كانت المبادلة صحيحة سقط حول الأوّل و استأنف الحول للثاني (7)،فلو وجد به عيبا قبل الحول ردّه و استرجع النصاب و استأنف الحول في الراجع،لتجدّد ملكه حين الفسخ،و لهذا لا يملك النماء الحاصل في يد المشتري،و إن وجد بعد الحول فإمّا أن يكون قبل أداء الزكاة أو بعدها،فإن كان قبل الأداء لم يكن له الردّ
ص:227
بالعيب،أمّا على قولنا من وجوب الزكاة في العين فلاستحقاق الفقراء جزءا من المال و الشركة عيب حدث (1)في يد المشتري فليس له الردّ بالسابق.
و أمّا على قول من أوجب الزكاة في الذمّة:فلأنّ قدر الزكاة من العين مرهون فلا يملك الردّ،كما لو اشترى شيئا ثمَّ رهنه ثمَّ وجد به عيبا،و إذا بطل حقّه من الردّ تعيّن له أخذ الأرش و وجب عليه إخراج الزكاة،و إن وجد العيب بعد الإخراج،فإن أخرج من العين لم يكن له الردّ،لتصرّفه في المبيع و له الأرش،و إن أخرج من غيرها كان له الردّ،لبقاء النصاب بحاله،و ما تعلّق به من وجوب الزكاة فقد زال بإخراج المالك من غير النصاب.
و قال بعض الجمهور:ليس له الردّ،لأنّه زال ملكه فرجع إليه (2).و ليس بجيّد،لما قلناه من بقاء المبيع بحاله و ينزل ذلك منزلة (3)من اشترى شيئا و وجد فيه عيبا،ثمَّ حدث فيه عيب آخر،ثمَّ زال العيب الحادث فإنّ (4)له أن يردّ بالسابق.
و قال بعض الجمهور:إذا أخرج من العين جاز له الردّ بناء على تفريق الصفقة (5)، فحينئذ يردّ ما بقي و يسقط من الثمن بقدر حصّة الشاة المأخوذة فيقوّم و يقوّم الباقي و يقسّط على النصاب الذي بادل به فما يخصّ الشاة المأخوذة يرجع به.
و لو اختلفا في قيمة الشاة المأخوذة،ففيه وجهان:
أحدهما:أنّ القول،قول المشتري،لأنّ الشاة تلفت في يده،فالقول قوله.
و الثاني:القول قول البائع،لأنّه يجري مجرى الغارم،لأنّه إذا كثرت قيمتها قلّ ما يغرمه،فإذا قلّت كثر ما يغرمه.و سيأتي البحث في ذلك إن شاء اللّه تعالى.
الثالث:لو كانت المبادلة فاسدة،قال الشيخ:لم يزل مال واحد منهما عنه و هو
ص:228
جار (1)في حوله،فإذا تمَّ حوله وجبت عليه الزكاة (2).و عندي فيه تردّد ينشأ من عدم إمكان التصرّف فيجري مجرى المغصوب و الضالّ،و من كون المغصوب و الضالّ قد حيل بينه و بين المالك و هاهنا لم تحصل الحيلولة و إنّما أعتقد أنّه غير مالك،و لو طالب لأخذ (3)، فكان كالعارية.
الرابع:لو باع النصاب قبل الحول انقطع و قد بيّنّا ذلك (4)،و كذا لو باع بعضه أو أتلف بعضه،سواء قصد الفرار،أو لا.و به قال الشافعيّ (5)،و أبو حنيفة (6).
و قال مالك (7)،و أحمد:إذا فعله فرارا وجبت الزكاة إلاّ إذا كان ذلك في ابتداء الحول (8).
لنا:ما تقدّم.
احتجّوا (9)بقوله تعالى إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَ لا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (10).
ص:229
عاقبهم اللّه تعالى بذلك لفرارهم من الصدقة.
و الجواب:إنّما كان ذلك،لأنّهم لم يستثنوا بالمشيّة.
الخامس:لو باع بعد الحول قبل الأداء،قال الشيخ:مضى البيع في نصيبه و بطل في نصيب الفقراء،و إن أدّى الزكاة من غيره صحّ البيع في الجميع (1).و للشافعيّ قولان:
أحدهما:بطلان البيع،لأنّ الزكاة إن وجبت في العين فقد باع ما لا يملك،و يبنى على القول بتفريق الصفقة،و إن وجبت في الذمّة فقدر الزكاة مرتهن،و بيع الرهن غير جائز.
و الثاني:الصحّة،لأنّ الزكاة إن وجبت في الذمّة و العين مرتهنة فالتعلّق بالعين بغير اختياره (2)،فلا يمنع صحّة البيع،كالجناية إذا تعلّقت بالعبد،فإنّه يجوز بيعه بخلاف الرهن، لأنّه تعلّق باختياره.و إن وجبت في العين فملك المساكين غير مستقرّ و له إسقاطه بدفع غيره فصار البيع اختيارا منه،لدفع غيره (3).
و الأقرب عندي:أنّه يصحّ البيع في نصيبه و يكون في نصيب الفقراء موقوفا،فإن أدّى من غيره صحّ،و إلاّ بطل.
إذا ثبت هذا،فنقول:إن أدّى الزكاة من غير المال،لزم البيع،و إن لم يؤدّ،كان للمشتري الفسخ،لتبعيض الصفقة عليه،و له الإمساك بحصّته (4)من الثمن.
السادس:لو باع نصيبه بعد عزل حصّة الفقراء صحّ البيع.و للشافعيّ وجهان (5).
لنا:أنّه باع ما يملك التصرّف (6)فيه فيصحّ.
احتجّ بأنّه بالعزل لا يتعيّن زكاة،كما لو عزل الزكاة من غيره (7).
ص:230
و الجواب:المنع من الحكم في الأصل فإنّا نقول:لو عزل الزكاة من غيره،صحّ البيع.
،وجبت الزكاة فيه،سواء كان في يد الزوج أو المرأة،و قد سلف بيان ذلك (2).و به قال الشافعيّ (3)، و أحمد (4).
و قال أبو حنيفة:لا تجب فيه الزكاة إلاّ بعد القبض (5).
لنا:أنّها استحقّته بالعقد و ملكته،فإذا وجبت فيه الزكاة بعد القبض وجبت قبله.
احتجّ أبو حنيفة بأنّه بدل عمّا ليس بمال،فلا تجب فيه الزكاة قبل قبضه،كمال الكتابة (6).
و الجواب:مال الكتابة غير معيّن و هو دين فلا تجب فيه الزكاة،و لأنّه لم يستحقّ قبضه،لأنّ للمكاتب أن يعجز نفسه،بخلاف الصداق،فإنّ المرأة تملك القبض.
ففي صحّة الرهن تردّد أقربه صحّته في نصيب المالك و كون نصيب الفقراء موقوفا إن أدّى المالك الزكاة من غيره صحّ،و إلاّ فلا.
إذا ثبت هذا،فإن لم يؤدّ المالك الزكاة من غيره أخذ الساعي الزكاة منه و صحّ الرهن في الباقي.و للشافعيّ قولان:
ص:231
أحدهما:فساد الرهن،لتفريق (1)الصفقة كالبيع.
و الثاني:الصحّة (2)،و الفرق بأنّ تفريق الصفقة في البيع مبطلة،لجهالة (3)العوض فيما يصحّ العقد فيه،بخلاف الرهن فإنّه لا يقابله عوض.
و إذا فسد الرهن في الزكاة،فإن لم يكن الرهن شرطا في بيع (4)لم يكن للمرتهن مطالبة الراهن بشيء،لأجل فساد الرهن،و إن كان شرطا في بيع فهل يفسد البيع بفساد الرهن؟ فيه إشكال،و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه (5).
و للشافعيّ قولان:أحدهما:أنّه يفسد بفساده كغيره من الشروط.
و الثاني:لا يفسد،لأنّ الرهن عقد منفرد (6)يجري مجرى الصداق مع النكاح،لأنّه ينعقد بعده و ينفرد عنه (7).
إذا ثبت هذا فنقول:إذا قلنا بفساد البيع رجع كلّ عوض إلى صاحبه،و إن قلنا بعدمه فللبائع الخيار،لأنّه لم يرض بذمّة المشتري من غير وثيقة.
فرع:قد قلنا:إنّ الرهن لا تجب فيه الزكاة،لعدم إمكان التصرّف (8)،و للشيخ قولان (9)،فعلى القول بالصحّة لا تجب على المالك دفع الزكاة من غير العين-خلافا
ص:232
للشافعيّ (1)-لأنّها تجب في العين.
احتجّ الشافعيّ بأنّها من مئونة الرهن و المئونة على الراهن (2).
و الجواب:المنع من كون الزكاة مئونة.
إذا ثبت هذا،فإن وجبت الزكاة في الجنس أخذت منه و كان الباقي رهنا،و إن وجبت من غيره-كالشاة في الخمس-بيع منها بقدر الشاة،فإن تعذّر،بيع بعير (3)و اشتري منه شاة و كان الباقي رهنا.
و يخرج من ماله،سواء أوصى بها أو لم يوص.
و عليه فتوى علمائنا.و به قال عطاء،و الحسن،و الزهريّ،و قتادة (4)،و مالك (5)، و الشافعيّ (6)،و إسحاق،و أبو ثور (7)،و أحمد (8).
و قال الأوزاعيّ،و الليث:تؤخذ من الثلث مقدّما على الوصايا و لا تجاوز (9)الثلث (10).
و قال الشعبيّ،و النخعيّ،و حمّاد بن أبي سليمان،و الثوريّ:لا يخرج إلاّ مع الوصيّة (11).
ص:233
و به قال أصحاب الرأي (1).
لنا:أنّها انتقلت عن (2)ملكه إلى الفقراء بحولان الحول،فلا تنتقل إلى الوارث.
و لأنّها حقّ واجب تصحّ الوصيّة به فلا يسقط بالموت كدين الآدميّ.و لأنّها حقّ ماليّ واجب فلا يسقط بموت من هو عليه كالدين.
احتجّوا بأنّها عبادة تفتقر إلى النيّة،فتسقط بالموت كالصوم (3). (4)
و الجواب:المنع من ثبوت الحكم في الأصل مع الوصيّة،و بالفرق بين العبادة الماليّة و البدنيّة.
،و إن كان بتفريط أو بعد إمكان الأداء لم تسقط.ذهب إليه علماؤنا،و به قال الشافعيّ (5)،و إسحاق،و أبو ثور (6)، و أحمد في إحدى الروايتين.
و في أخرى:لا تسقط مطلقا (7).
و قال أبو حنيفة:تسقط مطلقا،إلاّ أن يكون الإمام قد طالبه[بها] (8)فمنعه (9).
لنا:أنّها أمانة في يده،فتسقط بالتلف من غير تفريط كغيرها من الأمانات،و يجب
ص:234
مع التفريط الضمان كغيرها أو مع إمكان الأداء،لأنّه بمنزلة مطالبة صاحب الوديعة،و المنع و لأنّها عبادة يتعلّق وجوبها بالمال فيسقط فرضها بتلفه قبل إمكان أدائها كالحجّ.
احتجّ أبو حنيفة بأنّها تلفت قبل محلّ الاستحقاق فسقطت كما لو تلفت الثمرة قبل الجذاذ (1).
و الجواب:أنّها بحولان الحول مستحقّة.
و احتجّ أحمد على روايته الثانية بأنّها تجب في الذمّة فلا تسقط بتلف المال كالدين (2).
و الجواب:سنبيّن أنّها تجب في العين إن شاء اللّه تعالى.
،سواء كان ما وجبت الزكاة فيه ذهبا أو فضّة أو إحدى الغلاّت أو إحدى الحيوانات.و هو اختيار الشيخ رحمه اللّه (3)،و أكثر علمائنا (4)، و هو مذهب أبي حنيفة (5).
و قال المفيد رحمه اللّه:يجوز إخراج القيمة في الذهب و الفضّة و الغلاّت دون الحيوان (6).
و قال الشافعيّ:لا يجوز إخراج القيمة في الجميع (7).و به قال مالك (8)،
ص:235
و أحمد (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن معاذ أنّه كان يأخذ من أهل اليمن الثياب في الصدقات عوضا عن الزكاة على سبيل القيمة (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن البرقيّ،عن أبي جعفر الثاني عليه السلام،قال:كتبت إليه:هل يجوز جعلت فداك أن يخرج ما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوّى أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟فأجاب عليه السلام:«أيّما تيسّر يخرج» (3).
و في الصحيح عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام قال:سألته عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة،أ يحلّ ذلك له؟ قال:«لا بأس به» (4).
و في الصحيح عن محمّد بن خالد (5)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ثمَّ ليأخذ صدقته-يعني المصدّق-فإذا أخرجها فليقوّمها فيمن يريد،فإذا قامت على ثمن فإن
ص:236
أرادها (1)صاحبها فهو أحقّ بها،و إن لم يردها فليبعها» (2).و إنّما يكون أحقّ بها لو جاز له العدول إلى القيمة،و فيه نظر.
و لأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة و تسامح صاحبها،و في تعيين العين (3)ضيق بالمالك فإنّه ربّما احتاج إلى العين.و لأنّ القصد نفع الفقراء و ذلك متساو (4)بالنسبة إلى العين و القيمة.
احتجّ الشافعيّ بأنّه عدل عن المنصوص عليه إلى غيره بقيمته فلم يجزئه (5).
و الجواب:لا نسلّم عدم النصّ في القيمة.
أمّا الشيخ المفيد رحمه اللّه فإنّه استدلّ بالحديثين الأوّلين على جواز إخراج القيمة فيما ذكره،و لم يجد دلالة على الجواز في الباقي،و القياس باطل،و الحديث الثالث لا يدلّ ظاهرا على الجواز فاقتصر بالجواز على ما عيّنه،و نحن قد بيّنّا وجه الدلالة،و أنّ (6)المراد بالزكاة سدّ الخلّة و دفع الحاجة،و هو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين.
و في أصحابه من قال:الواجب أحد الشيئين،فأيّما (1)أخرج،كان أصلا (2).
و قال مالك:يخرج الذهب عن الفضّة و بالعكس على وجه البدل لا القيمة (3).
و عن أحمد روايتان (4).
لنا:أنّ المنصوص عليه العين،و الأحاديث إنّما دلّت على القيمة،على أنّها قيمة لا بدل،و أصل في نفسها.
الثالث:هل يجوز إخراج المنافع كسكنى الدار؟الأقرب عندي الجواز،خلافا للجمهور (5).
لنا:أنّه حقّ ماليّ فجاز إخراجه قيمة كالأعيان.
،بل يخرج كلّ واحد من المالكين ما يخصّه (6)من ماله إن بلغ نصابا،و إلاّ فلا شيء عليه و لو بلغ المجموع النصاب أو أكثر،سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف.و به قال أبو حنيفة (7)،و الثوريّ (8).
و قال الشافعيّ:إنّ الخليطين يزكّيان زكاة الواحد (9)،خلطة أعيان كانت أو خلطة أوصاف،فإذا كان بين اثنين أربعون من الغنم أو أكثر من اثنين،وجبت عليهم شاة،و إذا
ص:238
كانت ثمانون بين جماعة أو اثنين لكلّ واحد أربعون،وجبت فيهما شاة أيضا (1).و به قال الأوزاعيّ،و الليث (2)،و أحمد (3)،و إسحاق (4).
و قال مالك:تصحّ الخلطة إذا بلغ مال كلّ واحد نصابا مع الاشتراك في المرعى و الراعي (5).
و قال عطاء،و طاوس:المعتبر بخلطة (6)الأعيان دون الأوصاف (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن أنس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين،فليس فيها صدقة إلاّ أن يشاء ربّها» (8).
و عنه عليه السلام:«من لم يكن له (9)إلاّ أربع من الإبل فليس فيها صدقة» (10).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن زمعة،عن أبيه،عن جدّ أبيه (11)
ص:239
أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب له في كتابه:«و من لم يكن معه (1)إلاّ أربعة من الإبل و ليس معه (2)مال غيرها فليس فيها شيء إلاّ أن يشاء ربّها،فإذا بلغ ماله خمسا من الإبل ففيه شاة» (3).
و لأنّ النصاب شرط كالحول و لا يبنى حول إنسان على غيره،فكذا (4)النصاب.
احتجّ المخالف (5)بقوله عليه السلام:«لا يجمع بين متفرّق،و لا يفرّق بين مجتمع خشية الصدقة و ما كان من خليطين،فإنّهما يتراجعان بينهما بالسويّة» (6).
و لأنّ في الخلطة تخفيف المئونة فجاز أن يؤثّر في وجوب الزكاة كالسوم.
و الجواب عن الأوّل:أنّه حجّة لنا،لأنّ المراد:لا يجمع بين متفرّق في الملك، و لا يفرّق بين مجتمع فيه،و لا اعتبار بالمكان و إلاّ لزم أن لا يجمع بين مال الواحد إذا تفرّق في الأمكنة،و هو منفيّ إجماعا.
و قوله:و يترادّان الفضل.أراد بذلك:إذا اشتركا في الأعيان-مثلا-لأحدهما ستّون،و للآخر أربعون،فإنّ المصدّق يأخذ شاتين من الوسط،فيرجع صاحب الأكثر على صاحبه.
لا يقال:الخلطة لا تكون إلاّ بالأوصاف.
لأنّا نقول:الخلطة الحقيقيّة تطلق على الاشتراك في الأعيان،إمّا في الأوصاف فبالمجاز.
ص:240
لا يقال:قد روى سعد بن أبي وقّاص قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«لا يجمع بين متفرّق،و لا يفرّق بين مجتمع خشية الصدقة،و الخليطان ما اجتمعا في الحوض و الفحل و الراعي» (1).
لأنّا نقول:هذا حديث لا نعرف (2)صحّته من طريق صحيح،و قد طعن فيه أبو حنيفة،و مالك،فلا احتجاج به،و مع تسليمه احتمل أن يكون من استكمل هذه الصفات يسمّى خليطا،و لا يلزم منه وجوب الزكاة مع القصور عن النصاب،كما أنّه لا يلزم وجوب الزكاة مع التسمية خليطا إذا كان أحدهما ذمّيّا و إن سمّي خليطا.
الأوّل:خلطة الأعيان هي (3)أن تكون الماشية مشتركة بينهما لكلّ واحد منهما نصيب مشاع بأن يرثا نصابا أو يشترياه أو يوهب لهما.
و خلطة الأوصاف أن يكون مال كلّ واحد منهما متميّزا في ذاته،و مشتركا مع الآخر في المسرح و المبيت و المحلب و المشرب و الفحل.و شرط آخرون الراعي (4)و مالك اعتبر الراعي و المرعى لا غير (5)،و لا أثر لذلك عندنا على ما مضى.
الثاني:كما لا أثر للخلطة في إيجاب الزكاة مع نقصان النصاب لكلّ واحد،فكذا لا أثر لها في إسقاط بعض حقّ الفقراء لو زاد على النصاب،فلو كان لثلاثة،مائة و عشرون شاة،وجب عليهم ثلاث شياه.و القائلون بالخلطة أوجبوا شاة واحدة،و هو مذهب
ص:241
مالك (1)،و قد ألزم التناقض،فإنّه أثبت حكم الخلطة فيما زاد على النصاب،فقيل له:إذا كان النصاب لكلّ واحد منهم إذا خلط بنصاب الآخر نقصت زكاتهم،فكذلك إذا كان لكلّ واحد منهم أقلّ من نصاب فإذا خلطوه جعل كمال الواحد و وجبت الزكاة كما جعلته في الزائد و أسقطت حقّ الفقراء،و نحن لا اعتبار عندنا بذلك.
الثالث:كما لا أثر للخلطة في الماشية فكذا في غيرها.و للشافعيّ في غير الماشية قولان:
أحدهما:لا أثر لها فيه.و به قال مالك (2).
و الثاني:أنّها معتبرة (3).
و عن أحمد روايتان (4).
الرابع:لو كان له أربعون شاة فباع نصفها بعد ستّة أشهر بطل الحول و سقطت الزكاة عندنا.
و قال الشافعيّ:يجب عليه نصف شاة بعد إتمام حوله،و على شريكه نصف شاة بعد إتمام حوله اعتبارا بالخلطة (5)،هذا إذا أخرج الأوّل من غير العين،أمّا لو أخرج منها أو من غيرها سقطت عن الثاني،لنقصان النصاب.
الخامس:لو كان له أربعون شاة منفردة،و بينه و بين آخر أربعون أخرى وجب (6)
ص:242
على صاحب الستّين شاة و لا شيء على صاحب العشرين.
و قال الشافعيّ:يجب على صاحب الستّين ثلاثة أرباع شاة و على صاحب العشرين ربعها اعتبارا بالخلطة (1).
السادس:لو كان له ستّون خالط كلّ (2)رجل بعشرين وجب عليه شاة،و لا شيء على الشركاء.
و قال الشافعيّ:يجب عليه نصف شاة،و على كلّ واحد سدسها اعتبارا بالخلطة (3).
السابع:لو كان له أربعون من الغنم في بلدين في كلّ واحد منهما عشرون وجب (4)عليه شاة،سواء تباعد البلدان أو تقاربا.و به قال الشافعيّ (5).
و قال أحمد:لا يجب فيها شيء إذا تباعد البلدان (6).
لنا:أنّه مالك للنصاب فيجب عليه الزكاة،لقوله عليه السلام:«في أربعين من الغنم شاة» (7)و لم يفصّل.
و لأنّ النصاب جميعه ملك لواحد،فأشبه ما إذا كانا في بلدين متقاربين.
ص:243
احتجّ (1)بقوله عليه السلام:«لا يجمع بين متفرّق،و لا يفرّق بين مجتمع» (2).
و الجواب:المراد منه في الأملاك المتفرّقة.
الثامن:إذا كان له ثمانون في بلدين متباعدين أو متقاربين،وجب عليه شاة واحدة.
و قال أحمد:يجب عليه شاتان (3)،و الاحتجاج لنا و له.
و الجواب:ما تقدّم.
.ذهب إليه علماؤنا أجمع،سواء كان المال حيوانا أو غلّة أو أثمانا.و به قال أكثر أهل العلم (4)،و للشافعيّ قولان (5)،و عن أحمد روايتان (6).
لنا:قوله عليه السلام:«في أربعين شاة شاة،و في خمس من الإبل شاة» (7)«و في ثلاثين من البقر تبيع» (8)«و فيما سقت السماء العشر» (9).
ص:244
و قوله:«في عشرين مثقالا نصف مثقال» (1)«و في الرقة ربع العشر» (2).و لفظة في، للظرفيّة،و هي تدلّ على الوجوب في العين،و إخراج القيمة إنّما كان إرفاقا و تسهيلا للمالك.
و لأنّها تجب بصفة المال و تسقط بتلفه.و لأنّها مطهّرة للمال فكانت في عينه كخمس الغنائم و الركاز.
احتجّ الشافعيّ بأنّها لو وجبت في العين لوجب الإخراج منها،و لمنع (3)المالك من التصرّف فيها،و لتسلّط المستحقّ على إلزام (4)المالك بالأداء من العين،و لسقطت (5)الزكاة بتلف النصاب (6)من غير تفريط،و التوالي باطلة فالمقدّم مثله،و لأنّها زكاة فتجب في الذمّة كالفطرة (7).
و الجواب عن الملازمة الأولى:أنّ الزكاة وجبت معونة و إرفاقا،فجاز العدول عن العين تسهيلا للمالك و تخفيفا عنه ليسهل (8)عليه دفعها،و هو الجواب عن الملازمتين الآخرتين (9).
و عن الرابعة:بتسليم الملازمة،و المنع من بطلان التالي.
ص:245
و عن القياس:بالفرق،فإنّ زكاة الفطرة مطهّرة للبدن فوجبت في الذمّة بخلاف زكاة المال.
الأوّل:فائدة الخلاف تظهر فيما إذا حال على نصابه (1)حولان و لم يؤدّ زكاته،فعلى قولنا تسقط الزكاة في الحول الثاني،لنقصان المال عن الحول باستحقاق الفقراء في الحول (2)الأوّل لجزء (3)من العين و على قول المخالف:تجب عليه زكاتان لعدم النقصان،إذا الزكاة تجب في الذمّة (4).
الثاني:لو كان معه أكثر من نصاب فحال عليه حولان أو أزيد و لم يؤدّ،وجبت عليه زكاة الأحوال حتّى ينقص النصاب،لحصول (5)الجبران بالعفو.
الثالث:لو كان عنده خمس من الإبل فحال عليها حولان،فإن لم يؤدّ في الأوّل وجبت عليه شاة واحدة،و إن أدّى وجبت عليه شاة أخرى،لعدم نقصان عين النصاب بالإخراج.
و قال بعض الجمهور ممّن أوجب (6)الزكاة في العين:لو مضى عليه أحوال لم يؤدّ زكاته وجبت عليه شاة عن كلّ سنة،لأنّ الفرض يجب من غيرها (7).و هو خطأ،لأنّه يلزم عليه لو كان معه خمس و عشرون و ليس فيها بنت مخاض و حال عليها أحوال أن يجب عليه في كلّ سنة بنت مخاض،و هو لا يقول بذلك،بل أوجب في السنة الأولى بنت مخاض،
ص:246
و في كلّ سنة أربع شياه.و إن فرّق بأنّه يجوز أن يخرج أكثر (1)من بنت مخاض فيمكن تعلّق الزكاة بعينها،لإمكان الأداء منها،أجبنا بأنّه يجوز أن يخرج بعيرا أكثر من قيمة الشاة عنها فيمكن الأداء من العين.
.و قد أجمع العلماء كافّة على ذلك في غير الحبوب و الأثمان (3)،فمن كان عنده أربع من الإبل و تسعة و عشرون من البقر لا يجب عليه شيء إجماعا.و كذا من كان عنده أربعة أوسق من الحنطة و مثلها من الزبيب لا يجب عليه شيء،و إنّما الخلاف في الحنطة و الشعير،و الذهب و الفضّة،فالذي عليه علماؤنا أجمع أنّه لا يضمّ جنس من هذه إلى غيره.و به قال عطاء،و مكحول،و ابن أبي ليلى،و الأوزاعيّ،و الثوريّ (4)،و الشافعيّ (5)،و أبو ثور،و أصحاب الرأي (6).
و قال مالك:يضمّ بعضها إلى بعض (7).
و عن أحمد روايتان (8).
ص:247
لنا:قوله عليه السلام:«ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة» (1).
و قوله عليه السلام:«ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة» (2).«و ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة» (3).«و ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمّار قال:سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير[أ] (5)عليه زكاة؟قال:«لا، إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة»قلت:لم يفرّبها،ورث مائة درهم و عشرة دنانير، قال:«ليس عليه زكاة»قلت:فلا تكسر الدراهم على الدنانير و لا الدنانير على الدراهم؟ قال:«لا». (6)
و لأنّهما مالان مختلفان في الجنس و النصاب فلا يضمّ أحدهما إلى الآخر كالماشية (7).
احتجّ المخالف بأنّها متّفقة في كونها أثمانا و أروشا و قيما للمتلفات،و الحنطة و الشعير متّفقة في كونها (8)قوتا فيضمّ أحدهما إلى الآخر كالعلس و السلت (9).
و الجواب:الاشتراك فيما ذكرتم لا يستلزم الضمّ من غير دلالة،و السلت و العلس
ص:248
ضمّا للاتّفاق في الاسم.
،سواء كان للمالك مال سوى النصاب أو لم يكن،و سواء استوعب الدين النصاب أو لم يستوعبه،و سواء كانت أموال الزكاة ظاهرة كالنعم و الحرث (1)أو باطنة كالذهب و الفضّة.و عليه علماؤنا أجمع،و به قال حمّاد بن أبي سليمان، و ربيعة بن أبي عبد الرحمن (2)،و القاضي ابن أبي ليلى (3)،و الشافعيّ في الجديد.
و قال في القديم:إذا لم يبق بعد قدر الدين نصاب لم تجب الزكاة (4).و به قال الحسن البصريّ،و الليث،و الثوريّ،و إسحاق (5)،و أحمد في الأموال الباطنة،و عنه في الظاهرة روايتان (6).
و قال مالك:الدين يمنع الزكاة في الذهب و الفضّة دون غيرهما (7).
و قال أبو حنيفة:الدين الذي يتوجّه فيه المطالبة يمنع وجوب الزكاة في سائر الأموال إلاّ الحبوب و الثمار،لأنّها خراج الأرض عنده (8).
لنا:عموم الأمر بالزكاة فلا يختصّ بعدم حالة الدين إلاّ بدليل و لم يثبت.
و لأنّه حرّ مسلم ملك نصابا حولا فوجبت (9)الزكاة عليه كمن لا دين عليه.
ص:249
و لأنّ سعاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كانوا يأخذون الصدقات من غير مسألة عن الدين،و لو كان مانعا لسألوا عنه.
و لأنّ كلّ مال وجبت فيه الزكاة مع عدم الدين وجبت فيه مع الدين كالأموال الظاهرة مع مالك،و مع أبي حنيفة:الحبوب و الثمار،و الدين إذا كان عن كفّارة أو نذر أو حجّ.
احتجّ المخالف (1)بما رواه ابن عمر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا كان لرجل ألف درهم و عليه ألف درهم فلا زكاة عليه» (2).
و بقوله عليه السلام:«أمرت أن آخذ الزكاة من أغنيائكم فأردّها على فقرائكم» (3).
و المدين فقير،لأنّه يعطى الزكاة.و لأنّه محتاج (4)إلى قضاء الدين فصرف المال فيه أولى من الزكاة.
و الجواب عن الأوّل:أنّه خبر واحد فيما يعمّ به البلوى مع عدم اعتضاده بدليل فلا يكون مقبولا،مع أنّ جماعة من العلماء أنكروا هذا الحديث.على أنّه يحتمل أنّ صاحب الدين طالب به قبل حلول الحول.
و عن الثاني:أنّ اختصاص الغنيّ بذلك عرف بدليل الخطاب،و هو غير مقبول عند (5)المحقّقين،و مع تسليمه فإنّ الزكاة قد تجب على من يأخذها،كمن ملك مائتي درهم و هي لا تقوم به.و كذا لا تجب زكاة المال على من يقبل زكاة الفطرة إذا كان المال يعجز (6)عن مئونته.
ص:250
و عن الثالث:أنّه يجب عليه قضاء دينه من ماله،لا من مال الفقراء.
الأوّل:لا فرق بين حقوق اللّه تعالى و دين الآدميّ في عدم المنع من الزكاة.
الثاني:لو كان له مال تجب فيه الزكاة،و عليه دين،و له مال لا تجب فيه الزكاة،كان الدين فيما لا زكاة عليه و وجبت في الآخر،و لو كان له نصابان و عليه دين بقدر أحدهما وجبت الزكاة أيضا.و قال المانعون:إن كان من جنس أحدهما وجبت الزكاة في الآخر،و إن لم يكن من جنسهما روعي حظّ (1)الفقراء في ذلك (2).
الثالث:لو حجر الحاكم على المدين فإن كان قد فرّق المال بين غرمائه ثمَّ حال الحول،فلا زكاة،لاستحقاق الغرماء المال قبل الحول،و إن حجر ثمَّ حال عليه الحول و لم يفرّق المال و لا عيّنه فلا زكاة أيضا،لعدم إمكان التصرّف.
الرابع:لو أقرّ بالزكاة قبل الحجر قبل قوله-سواء صدّقه (3)الغرماء أو لم يصدّقه- من غير يمين،أمّا لو أقرّ بعد الحجر فالأقرب القبول أيضا،لأنّه أمين فيها فيكون قوله مقبولا لكن لا يقاسم الغرماء بل يأخذ الغرماء المال و تثبت الزكاة في ذمّته.
الخامس:لو استأجر لأربعين شاة راعيا بشاة في الذمّة موصوفة،ثمَّ حال الحول و ليس له ما يزيد على الأربعين وجبت الزكاة عليه عندنا،لأنّ الدين لا يمنع الزكاة، و القائلون بالمنع أسقطوا الزكاة هنا،لنقصان النصاب بمال الإجارة (4).
السادس:لو استقرض ألفا و رهن عليها ألفا وجبت الزكاة على مال القرض،و هل
ص:251
تجب في الرهن؟فيه تردّد الشيخ في المبسوط و الخلاف بين الوجوب،لأنّه مال مملوك قادر على التصرّف فيه فجرى مجرى المال الغائب في يد الوكيل،و بين السقوط،لأنّه ممنوع منه (1).و القائلون بمنع الدين أوجبوا الزكاة في ألف واحدة (2).
السابع:لو التقط نصابا و حال عليه الحول بعد التعريف سنة،فإن كان قد نوى بعد حول التعريف التملّك (3)وجبت الزكاة في الحول الثاني و إن لم يكن له سواه،و القائلون بأنّ الدين مانع،أسقطوا الزكاة هنا إذا لم يكن له سواه،لوجوب مثله عليه لصاحبه (4).و هل تجب الزكاة في المثل الذي في ذمّته؟فيه قولان:إن قلنا بوجوب الزكاة في الدين وجبت هنا، و إلاّ فلا،و إن لم ينو التملّك لم تجب الزكاة على واحد منهما.
الثامن:إذا نذر الصدقة ببعض النصاب،فإن كان بعد الحول لم تسقط الزكاة و لم يتداخلا،إلاّ أن ينوي في نذره الصدقة بالزكاة فإن كان قبل الحول سقطت الزكاة، فلو كان معه مائتان فحال عليها بعض الحول فنذر الصدقة بمائة إذا حال الحول فلا زكاة.
و للشافعيّ قولان (5).
و قال محمّد بن الحسن:يخرج خمسة دراهم من كلّ مائة درهمان و نصف و يتصدّق بسبعة و تسعين درهما و نصف (6).
لنا:أنّ النذر تعلّق بالعين فخرج عن ملكه فلا يبقى النصاب تامّا.
التاسع:لو حال الحول على مائتين فتصدّق بها،فإن نوى الزكاة صحّ،و إن لم ينو
ص:252
صحّ و ضمن حصّة الفقراء.
و للشافعيّ قولان:أحدهما:كما قلنا (1).
و الثاني:يقع قدر الزكاة عن الفرض و الباقي عن النفل (2).
لنا:أنّ الزكاة تفتقر إلى النيّة فلا تصحّ بدونها،و الوجه عندي أنّ نصيب الفقراء لا تصحّ (3)الصدقة به،و لا ينتقل إلى المتصدّق عليه إلاّ أن يضمن المالك.
ص:253
هو (1)المال المنتقل بعقد معاوضة قصد به الاكتساب عند التملّك،و لا يكفي مجرّد النيّة من دون الشراء.و لو (2)انتقل إليه بهبة أو ميراث أو نوى القنية فلا زكاة فيه،و إنّما تثبت الزكاة مع تحقّق ما قلناه.
إذا ثبت هذا فنقول:اختلف علماؤنا في وجوب الزكاة،فقال أكثرهم بالاستحباب (3)، و قال آخرون بالوجوب (4)،و قد سلف تحقيق المذهب في ذلك (5).
و قد اتّفق العلماء على ثبوت الزكاة إمّا وجوبا أو استحبابا مع شرائط تنظّمها (6)مسائل.
الحول شرط في زكاة التجارة
،سواء قلنا بالوجوب أو الاستحباب.و هو قول علماء
ص:254
الإسلام.
روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها،فقال:«إذا حال عليها (2)الحول فليزكّها» (3).
و لأنّه مال تثبت فيه الزكاة فيعتبر فيه الحول كزكاة العين.
الأوّل:لو كان عنده متاع قيمته نصاب فزاد في أثناء الحول لم يبن حول الزيادة على الأصل بل تثبت زكاة رأس المال عند تمام حول الأصل،و في الزيادة عند تمام حولها إن (4)بلغت نصابا،سواء نضّ المال (5)في أثناء الحول أو لم ينضّ.
و قال مالك (6)،و إسحاق،و أبو يوسف (7)،و أبو حنيفة (8)،و أحمد:يبنى حول الزيادة
ص:255
على حول الأصل (1).
و قال الشافعيّ:إن نضّ المال لم يبن حول الزيادة على حول الأصل،و إن لم ينضّ بنى (2).
لنا:قوله عليه السلام:«لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول» (3).و هو صادق على الزيادة كصدقه على الأصل.
احتجّوا بالقياس على النتاج (4).
و الجواب:قد بيّنّا منع الحكم في الأصل (5).
الثاني:لو اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو دنانير،قال الشيخ:لا ينقطع حول الدراهم بل يبنى حول العرض على حول الأصل (6).و به قال أبو حنيفة (7)،و الشافعيّ (8)، و أحمد (9)،لأنّ المعتبر في زكاة التجارة القيمة و هي تثبت فيها فكانا كالمال الواحد.و لأنّ العلّة في إيجاب الزكاة النموّ،و هو إنّما يثبت في مال (10)التجارة بالتقليب و المبادلة،فلو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي وجبت فيه الزكاة لأجله مانعا.
ص:256
الثالث:قال الشيخ رحمه اللّه:لو اشترى بنصاب من غير الأثمان مثل خمس من الإبل أو ثلاثين من البقر أو أربعين من الغنم استأنف الحول،لأنّه مردود إلى القيمة بالدراهم و الدنانير لا إلى أصله (1).
و للشافعيّ قولان (2):
لنا:أنّه مال لم يحل عليه الحول،فلا تجب فيه الزكاة.
قال الشيخ:و إذا كان معه سلعة ستّة أشهر ثمَّ باعها بنى على حول الأصل،لأنّ له ثمنا و ثمنه من جنسه (3).
الرابع:لو اشترى سلعة للتجارة بسلعة للقنية جرت في الحول من حين انتقالها إليه.
و به قال الشافعيّ (4)،و أبو حنيفة (5)،و أحمد (6).
و قال مالك:لا يجري (7)في الحول حتّى يكون ثمنه عينا (8).
لنا:عمومات الأدلّة المقتضية لثبوت الزكاة في عروض التجارة تدلّ على صورة النزاع.و لأنّه اشتراه (9)للتجارة فوجب أن يجري في الحول كما لو اشتراه بالعين.
ص:257
احتجّ بأنّ زكاة التجارة تجب تبعا لزكاة العين،و بمجرّد النيّة لا تجب،كما لو ورث أو غنم أو استوهب و نوى به التجارة (1).
و الجواب:الفرق،فإنّ الصور الّتي ذكرتموها لم يوجد فيها إلاّ مجرّد النيّة و هاهنا وجدت التجارة مع النيّة فتثبت التجارة قطعا.
الخامس:عروض التجارة يبنى حول بعضها على بعض،فلو كان في يده عرض للتجارة تثبت (2)فيه الزكاة أقام في يده ستّة أشهر،ثمَّ اشترى به عرضا آخر للتجارة فأقام (3)في يده ستّة أشهر أخرى تثبت (4)الزكاة،بخلاف ما إذا بادل أحد النصب بغيره من جنسه أو من غير جنسه،لأنّ الزكاة هناك تجب في العين،و هاهنا الاعتبار بالقيمة،و كذا لو نضّ المال بنى على حول العرض.
السادس:زكاة التجارة تثبت في كلّ حول.و به قال بعض أصحابنا (5)،و الثوريّ و الشافعيّ و إسحاق و أصحاب الرأي و أحمد (6).
و قال مالك:لا يزكّيه إلاّ لعام واحد (7).و به قال قوم من أصحابنا (8).
ص:258
لنا:أنّه مال ثبتت (1)فيه الزكاة في الحول الأوّل لم ينقص و لم تتبدّل (2)صفته فتثبت فيه الزكاة في الحول الثاني كما لو نضّ في أوّله،و كزكاة العين.
السابع:لو اشترى سلعا في أوقات متعاقبة،فإن كانت قيمة كلّ واحدة نصابا زكّى كلّ سلعة عند تمام حولها،و إن لم يكن شيء منها نصابا و كان المجموع نصابا زكاه إذا حال عليه أجمع الحول،و لو كان الأوّل نصابا و ليس الباقي كذلك فكلّ ما حال عليه الحول ضمّ إلى الأوّل و زكّي كالمال الواحد.
و يشترط في ثبوت الزكاة:بلوغ النصاب
.و هو قول علماء الإسلام،فلو ملك دون النصاب و حال عليه الحول لم تثبت الزكاة إجماعا.
و هل يشترط وجود النصاب في جميع الحول أم لا؟فالذي عليه علماؤنا اشتراط وجود النصاب في جميع الحول،فلو كان في ابتداء الحول دون النصاب ثمَّ كمل نصابا بأن زادت قيمته السوقيّة،أو نمى فبلغ نصابا،أو ملك عرضا آخر للتجارة حتّى بلغ النصاب اعتبر بالحول منذ كمل النصاب.
و كذا لو ملك للتجارة نصابا ثمَّ نقص في وسط الحول ثمَّ بلغ نصابا في آخره فإنّه لا اعتبار بذلك،بل المعتبر حولان الحول على نصاب كامل.و به قال من الشافعيّة أبو العبّاس بن سريج (3)،و أحمد (4).
و قال الشافعيّ:المعتبر بلوغ النصاب آخر الحول (5).و به قال مالك (6).
ص:259
و قال أبو حنيفة:يعتبر النصاب طرفي الحول (1).
لنا:أنّه ناقص عن النصاب فلا تثبت فيه الزكاة و لا يعقد عليه الحول كزكاة العين.
و لأنّه مال يعتبر له الحول و النصاب فيجب اعتبار كمال النصاب في جميع الحول كغيره من الأموال و لأنّه لو وجبت الزكاة مع نقصانه في وسط الحول لوجبت في الزيادة المتجدّدة إذا (2)لم يحل عليها الحول.
احتجّوا بأنّه يشقّ التقويم في جميع الحول فيسقط اعتباره (3).
و الجواب:لا نسلّم ثبوت المشقّة مع المعرفة بالأسواق و قيم المبيعات خصوصا للمقارب (4)للنصاب،فإنّه يسهل فيه التقويم،أمّا غير المقارب (5)فلا يحتاج إلى التقويم، و لو سلّم فالمالك يأخذ بالاحتياط كما قلنا (6)في زكاة العين،أو ببراءة الذمّة على ما تقدّم (7). (8)
الأوّل:لو نقصت السلعة عن النصاب من يوم شرائها و حال عليها الحول على النقصان فلا زكاة إجماعا،فلو زادت القيمة بعد شهر و بلغت نصابا لم تثبت الزكاة حينئذ بل
ص:260
ابتدأ بالحول من حين البلوغ.
و قال أبو عليّ بن أبي هريرة:تجب فيه الزكاة،لأنّه يصير أوّل الحول بعد الشراء بشهر،لأنّ شرط الزكاة قد وجد (1).و هو خطأ،لأنّ الحول الأوّل لم يبلغ فيه نصابا فسقط حكمه فيه و استؤنف به الحول الثاني،و على مذهبنا فالبحث أظهر.
الثاني:لو اشترى شقصا للتجارة بعشرين فحال عليه الحول و هو يساوي مائة و قد حال الحول على الزيادة أيضا فعليه زكاة مائة،فإذا قدم الشفيع أخذ بالعشرين،لأنّ الشفعة تملك في حال الأخذ بها بالثمن الأوّل.
الثالث:لو اشترى شقصا فحال عليه الحول ثمَّ وجد به عيبا فردّه به،ثبتت (2)الزكاة عليه،لأنّ الردّ استحداث زوال ملك،لا إبطال الملك من رأس.
الرابع:لو باع السلعة في أثناء الحول،قال الشيخ في الخلاف:استأنف حول الثمن عند من لا يوجب زكاة التجارة و بنى على قول من يوجب،لأنّ الزكاة تجب في القيمة فكانا مالا واحدا (3).
و قيل بالاستئناف على التقديرين،لأنّ الحول معتبر في السلعة،و الثمن مغاير فلا يكون حول أحدهما حول الآخر.و لأنّهما زكاتان متغايرتان فلم يكن حول إحداهما حول الأخرى كما لو كان الأصل ماشية (4)،و هو الأقرب عندي.
الخامس:تقوّم السلعة بعد الحول بالثمن الذي اشتريت به،سواء كان نصابا أو أقلّ و لا تقوّم بنقد البلد.
و قال الشافعيّ:إن اشتراه بعرض للقنية قوّم بنقد البلد،و إن اشتراه بدنانير أو بدراهم قوّم بهما إن كان الثمن نصابا،و إن كان دون النصاب،ففيه وجهان:
ص:261
أحدهما:يقوّم بالثمن.
و الثاني:يقوّم بنقد البلد (1).
و قال أبو حنيفة (2)،و أحمد:يعتبر الأحظّ للفقراء (3).
لنا:أنّ نصاب السلعة يبنى على ما اشتريت به.و ذلك يقتضي اعتباره به.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن عبد الخالق قال:سأله سعيد الأعرج و أنا أسمع فقال:إنّا نكبس الزيت و السمن نطلب به التجارة فربّما مكث عندنا السنة و السنتين هل عليه زكاة؟قال فقال:«إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة (4)، و إن كنت إنّما تربّص به لأنّك لا تجد إلاّ وضيعة فليس عليك زكاة حتّى تصيّرها ذهبا أو فضّة،فإذا صار ذهبا أو فضّة فزكّه للسنة التي اتّجرت فيها» (5).
و اعتبار رأس المال أو الربح إنّما يعلم بعد الاعتبار بما قوّمت به.
احتجّوا بأنّ تقويمها بالأحظّ،فيه نفع للفقراء (6).
و الجواب:أنّ فيه إضرارا بالمالك.
السادس:قال الشيخ رحمه اللّه:لو بادل ذهبا بذهب أو فضّة بفضّة بنى على حول الأصل،و لو بادل بغير الجنس انقطع الحول،لقولهم عليهم السلام:«الزكاة في الدنانير
ص:262
و الدراهم» (1)و هو عامّ للتبدّل (2)و البقاء (3).
و الجواب:الحول معتبر بالإجماع فينتفي (4)العموم،فالحقّ انقطاع الحول كما لو بادل بغير الجنس.
السابع:لو بلغت السلعة نصابا بأحد النقدين دون الآخر تثبت الزكاة،لأنّه يصدق عليها بلوغ النصاب كما لو كان عينا.
الثامن:القدر المخرج هو ربع عشر القيمة من النقد الذي كان رأس المال بلا خلاف (5).
نيّة الاكتساب بها عند التملّك شرط لثبوت الزكاة
وجوبا أو استحبابا.و هو قول العلماء كافّة.
فلو نوى القنية وقت الشراء لم تثبت الزكاة قولا واحدا،و لو نوى التجارة بعد ذلك أو ورث مالا أو استوهب و قصد أنّه للتجارة لم يصر للتجارة بمجرّد النيّة.
و عن أحمد روايتان (6).
لنا:أنّ الأصل القنية،و التجارة عارضة،فلا يصرف إليها بمجرّد النيّة،كما لو نوى الحاضر السفر لم يثبت له حكمه بمجرّد النيّة،و كما لو نوى سوم المعاملة و لم يسمها.
ص:263
احتجّ أحمد (1)بما رواه سمرة قال:أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن نخرج الصدقة ممّا نعدّه للبيع (2).و بالنيّة يصير كذلك.
و الجواب:المنع من صيرورته كذلك بالنيّة.
يشترط أن يكون الاكتساب بفعله كالابتياع
و الاكتسابات المحلّلة،فلو ملكه (3)بميراث لم يصر للتجارة و إن نواه لها على ما مضى،و هل يشترط أن يكون التملّك بعوض؟ الأقرب أنّه شرط،فلو ملكه بالهبة،أو بالاحتطاب (4)،أو الاحتشاش،أو النكاح،أو الخلع، أو قبول الوصيّة لم تثبت الزكاة،لأنّه لم يملكه بعوض فأشبه الموروث.
و يؤيّده:رواية سعيد الأعرج و قد تقدّمت (5)،فإنّه اشترط رأس المال أو الربح، و هو إنّما يتحقّق مع العوض.
يشترط في وجوب الزكاة أو استحبابها-على الخلاف-وجود رأس المال طول
الحول
،فلو نقص رأس ماله و لو حبّة في الحول أو بعضه سقطت الزكاة و إن كان ثمنه أضعاف النصاب،و إذا بلغ رأس المال استأنف الحول حينئذ.ذهب (6)إلى ذلك علماؤنا أجمع،خلافا للجمهور.
ص:264
لنا:أنّ الزكاة مبنيّة (1)على المواساة و مشروعة للإرفاق بالمساكين فلا تثبت مع الإضرار بالمالك و مع الخسران يتحقّق الضرر،و لا ينتقض بزكاة العين،لأنّها تجب في المتخلّف (2)،إذ هو قائم مقام النماء،بخلاف مال التجارة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه (3)و قد زكّى ماله قبل أن يشتري (4)المتاع،متى يزكّيه؟فقال:«إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة،و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال» (5).
و عن أبي الربيع الشاميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد كان زكّى ماله قبل أن يشتري به،هل عليه زكاة،أو حتّى يبيعه؟فقال:
«إن كان أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة» (6).
لو اشترى مائتي قفيز بمائتي درهم فبعد حولان الحول نقصت مائة،فإن كان بعد إمكان الأداء لم تسقط الزكاة في الناقص،لأنّه حصل بتفريطه بعد ثبوت الزكاة في المائتين، و إن كان قبل إمكان الأداء لم يضمن النقصان،لعدم التفريط و لزمه خمسة أقفزة أو قيمتها درهمان و نصف.
ص:265
و قال أبو حنيفة:يلزمه خمسة دراهم أو خمسة أقفزة،لأنّه القدر الواجب عند الحول (1).و هو ضعيف،لأنّ النقصان من غير سببه فلا يضمنه كزكاة العين.
أمّا لو زادت القيمة فصارت (2)إلى أربعمائة تخيّر (3)بين خمسة دراهم أو قفيزين و نصف،لأنّ الواجب هو الدرهم عند الحول و البدل يراعى قيمته وقت العطاء.
و قال محمّد،و أبو يوسف:يخرج عشرة دراهم أو خمسة أقفزة،لأنّ المعتبر بالقيمة وقت الإخراج (4).
و تجب فيها (5).و هو قول أحمد (6)،و الشافعيّ في أحد قوليه.
و قال في الآخر:هو مخيّر بين الإخراج من العين و (7)من القيمة (8).و به قال أبو حنيفة (9).
و قال أبو يوسف،و محمّد:الواجب الإخراج من العين (10).
و احتجّ الشيخ رحمه اللّه بأنّ النصاب معتبر من القيمة،و ما اعتبر النصاب منه وجبت
ص:266
الزكاة فيه كسائر الأموال (1).
و بما رواه إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم و الدنانير» (2).
و احتجّ أبو حنيفة (3)بقوله عليه السلام:«و في البزّ صدقته» (4)بالزاي.
و لأنّها زكاة مال،فتجب في عينه كغيره.
و الجواب عن الأوّل:بمنع الحديث.
و عن الثاني:بالمنع من وجوب الزكاة في المال،و إنّما وجبت في قيمته.
و قال أبو حنيفة:لا يجتمعان،فتسقط زكاة الفطرة (1).
لنا:أنّه من أهل الفطرة بمئونة (2)من تجب عليه الفطرة مع القدرة فيجب عليه الإخراج عنه كما لو كان للقنية.
احتجّ بأنّهما زكاتان،فلا تجبان بسبب مال واحد كالسوم و التجارة (3).
و الجواب:الزكاة في الفطرة تتعلّق بالبدن دون المال،و زكاة التجارة تتعلّق بالمال فافترقا لافتراق المحلّ،بخلاف زكاة السوم و التجارة.
،لقوله عليه السلام:
«لاثنى في الصدقة» (5).
إذا ثبت هذا،فلو ملك أربعين شاة سائمة للتجارة و حال الحول و قيمتها نصاب سقطت زكاة التجارة على قولنا باستحبابها و تثبت زكاة العين،لأنّ الواجب يقدّم على (6)المستحبّ.
أمّا على قول من قال بالوجوب ففيه خلاف بينهم،قال الشيخ:تجب زكاة العين دون التجارة (7).و به قال مالك (8)،و الشافعيّ في الجديد.
ص:268
و قال في القديم:يزكّيها زكاة التجارة (1).و به قال أبو حنيفة (2)،و الثوريّ (3)، و أحمد (4).
احتجّ الشيخ بأنّ زكاة العين أقوى،للإجماع على وجوبها و وقوع الخلاف هنا.
و لأنّها تتعلّق بالعين فتكون أولى (5).
و احتجّ أبو حنيفة بأنّ زكاة التجارة أحظّ للمساكين،لأنّها تجب فيما زاد بالحساب (6).
و لقائل أن يقول:على الأولى:لا نسلّم وقوع الإجماع هنا (7)،و في غير هذه الصورة لا يفيد القوّة،على أنّ القائل بالوجوب موجب كما يوجب زكاة المال،فلا رجحان عنده.
و على الثانية:باحتمال أولويّة ما يثبت (8)في القيمة.
و على الثالثة:بالمنع من مراعاة الأحظّ للفقراء،فإنّ الزكاة مواساة و عفو المال فلا تكون سببا لإضرار المالك و لا موجبا للتحكّم (9)في ماله.
الأوّل:لو كانت قيمة الأربعين دون النصاب فحال الحول على النقصان وجبت زكاة
ص:269
المال و سقطت زكاة التجارة،لثبوت المقتضي لزكاة المال مع انتفاء المانع،و هو وجوب زكاة التجارة.
الثاني:لو سبق حول زكاة المال على حول زكاة التجارة،مثلا اشترى بمائة و خمسين، أربعين من الغنم فمضت ستّة أشهر،ثمَّ بلغت القيمة مائتين فالوجه وجوب زكاة المال عند الحول،لوجود المقتضي من غير معارض فإذا تمَّ حول التجارة تثبت (1)الزكاة في الزائد عن (2)النصاب،لوجود المقتضي،و لا تجب الزكاتان بكمالها كما تقدّم.
الثالث:لو سبق حول زكاة التجارة كما لو اشتراه بمائتي درهم حال عليها بعض الحول و قلنا:إنّ حول الأصل من الأثمان يبنى عليه الحول العرض تثبت (3)زكاة التجارة و سقطت زكاة المال-خلافا للشافعيّ في أحد قوليه (4)-لثبوت المقتضي عند تمام حول التجارة و انتفاء المانع.
الرابع:لو اشترى أرضا للتجارة فزرعها،أو نخلا لها فأثمر،فإذا وجبت زكاة العين في الزرع و الثمر (5)،أخرجها.و هل تسقط زكاة التجارة في الأرض و النخل؟للشافعيّ قولان:
أحدهما:السقوط-و اختاره الشيخ رحمه اللّه (6)-لأنّ المقصود بالأرض:الزرع، و بالنخل:الثمر (7)و قد زكّيا.
و الثاني:الثبوت في قيمة النخل و الأرض،لأنّ المخرج من الثمر (8)و الزرع،و الثابت
ص:270
في القيمة للأرض و النخل فلم يتنافيا كالخراج (1).و هذا الأخير عندي أقرب.
الخامس:لو كان مكان النخل غرسا لا زكاة فيه،أو زرعا لا تثبت فيه الزكاة،تثبت زكاة التجارة إجماعا،لثبوت المقتضي و انتفاء مانعيّة وجوب زكاة العين،كما لو اشترى معلوفة للتجارة.و كذا لو كانت العين لا تبلغ نصابا إلاّ بالقيمة،كما لو ملك ثلاثين من الغنم للتجارة قيمتها مائتا درهم.و لو ملك نصابا سائما قيمته أقلّ من نصاب الأثمان وجبت زكاة العين إجماعا.
السادس:لو كان معه مائتا درهم فاشترى بمائة و خمسين عرضا فلمّا تمَّ الحول قوّم العرض و لم ينقص عن القيمة ضمّ إلى الخمسين و تثبت الزكاة،و إن لم تبلغ قيمته ذلك سقطت الزكاة.
السابع:لو كان معه مائة درهم فاشترى عرضا بلغت قيمته وسط الحول مائة و خمسين و استفاد (2)خمسين درهما أخرى ضممنا الجميع من حين بلوغ النصاب و استأنفنا حولا.
الثامن:لو كان معه أربعون شاة سائمة فمضى عليها ستّة أشهر للتجارة،ثمَّ بادلها بأربعين سائمة للتجارة سقطت زكاة العين،لانقطاع الحول بالمبادلة،و تثبت زكاة التجارة، و على قول الشيخ رحمه اللّه تثبت زكاة العين خاصّة (3).
فربح ألفا،ضممنا حصّة المالك من الربح إلى رأس ماله و أخذنا الزكاة منه.
هذا إذا اتّفق الربح و الأصل في الحول،أمّا لو لم يتّفقا أخذنا منه زكاة رأس المال،فإذا حال الحول على الزيادة أخذنا الزكاة من حصّته و الباقي على العامل إن قلنا:إنّ له قسطا من
ص:271
الربح و هو المشهور في المذهب،و إن أوجبنا له أجرة المثل فزكاة الجميع على المالك.
و الشافعيّ و إن أثبت للعامل حصّة اختلف قوله،فتارة أوجب زكاة الجميع على المالك،لأنّ العامل إنّما يملك بعد القسمة،و تارة أوجب على العامل زكاة نصيبه،لأنّه يملكها بالظهور (1).و الصحيح-بناء على القولين-إسقاط زكاة ما يصيب العامل من الربح عن المالك،لأنّه متردّد بين أن يكون وقاية فلا يكون للمالك و بين أن تسلم للعامل،فإلزام المالك بما ليس له بوجه البتّة باطل.
إذا قلنا:إنّ العامل يملك الحصّة،متى يخرج؟
تردّد الشيخ بين تعجيل الإخراج و تأخيره إلى القسمة (2)،و وجه التردّد:أنّ الربح وقاية لرأس المال فيتأخّر الإخراج حتّى يقسّم،لأنّه يعرضه الذهاب،و لهذا منع من التصرّف فيه بحقّ نفسه و الاختصاص به.
و لأنّه لو ملكه ملكا مستقرّا لاختصّ بربحه و ليس كذلك،فإنّه لو كان رأس المال عشرة فربح عشرين،ثمَّ اتّجر فربح ثلاثين كان ربح الخمسين بينهما و لو كان يملك الحصّة بالاستقرار بمجرّد ظهور الربح لكانت له عشرة من العشرين الأولى و اختصّ بربح عشرة من الثلاثين بقسطها و قسّمت العشرون الباقية بينهما نصفين فيملك المضارب ثلاثين و ربّ المال مثلها،و ليس كذلك إجماعا.
و يبنى حصول الملك للعامل بظهور الربح،و يملك الفقراء حصّتهم منه بظهوره فلا يكون وقاية،و الأقرب عندي:الأوّل.
ص:272
لو أذن كلّ واحد من الشريكين لصاحبه في إخراج الزكاة (1)
،أو أذن كلّ واحد من غير الشريكين للآخر في إخراج زكاته،فأخرج كلّ واحد منهما زكاته و زكاة صاحبه دفعة واحدة،قيل:يضمن كلّ واحد منهما نصيب صاحبه،لأنّ كلّ واحد منهما انعزل حكما من حيث إنّ الموكّل فعل ما تعلّقت الوكالة به فانعزل الوكيل (2).
و الوجه أن يقال:إن علم المخرج بإخراج صاحبه ضمن،و إن لم يعلم،فإن قلنا:
الوكيل لا ينعزل قبل العلم بالعزل لم يضمن أيضا،و إن قلنا:إنّه ينعزل بالعزل و إن لم يعلم فهل يضمن أم لا؟الأقرب عدم الضمان،لأنّه غرّه بتسليطه على الإخراج و الأمر به.و لو أخرج أحدهما قبل الآخر فلا ضمان على المتقدّم و لا على المتأخّر على الخلاف فيه.
لو كان عنده نصاب للتجارة فنوى في وسط الحول القنية
،فإن كان سائما من أوّل الحول إلى آخره،فالأقرب البناء على ما تقدّم من الحول.
و قال أبو حنيفة:يبتدئ حولا من حين نيّة الاقتناء (3).
لنا:وجد (4)المقتضي و السوم ثابت فيثبت الحكم.
إذا اشترى سلعة بدراهم فحال عليها الحول و باعها بالدنانير
قوّمت السلعة دراهم و أخرج منها الزكاة،لأنّ الزكاة تجب في ثمنها و قد كان دراهم.و لو باعها قبل الحول بدنانير
ص:273
و حال الحول قوّمت الدنانير دراهم،لأنّها ثمن الدراهم التي حال عليها الحول.
لو نتج مال التجارة كان النتاج مال التجارة أيضا
-و للشافعيّ وجهان (1)-و يجبر به (2)نقصان الولادة في نصاب التجارة،و ليس حوله حول الأصل،خلافا للشافعيّ (3).
على ما تقدّم (4)،و لها شروط أربعة:
الأوّل:الملك،فلا تستحبّ الزكاة في المستعار،و يشترط تماميّته،فلو كانت مغصوبة أو ضالّة لم تستحبّ الزكاة أيضا.
الثاني:السوم،فلا تستحبّ في المعلوفة زكاة.
الثالث:الحول،فلا تستحبّ إلاّ بعد الحول.
الرابع:الأنوثة،فلا تستحبّ (5)في الذكور.
و الأوّل:مجمع عليه بين القائلين بالوجوب أو الاستحباب.
و كذا الثاني،لأنّ العلف يستوعب الفائدة،فإيجاب الزكاة زيادة إضرار فتسقط به الزكاة كالأنعام.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
قلت:هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شيء (6)؟فقال:«لا (7)،ليس على
ص:274
ما يعلف شيء،إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها (1)عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شيء» (2).
و أمّا الثالث:فهو مجمع عليه بين القائلين بثبوت الزكاة وجوبا أو استحبابا،لقوله عليه السلام:«لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول» (3).
و أمّا الرابع:فهو إجماع علمائنا.و أبو حنيفة أوجب في الذكور مع الإناث،و لو انفردت الذكور أو الإناث فروايتان (4).
لنا:أنّ النتاج في الحيوان معتبر في إيجاب الزكاة فيه،و ليس ذلك موجودا في الذكور.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام هل في البغال شيء؟فقال:«لا»قلت:فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟فقال:
«لأنّ البغال لا تلقح،و الخيل الإناث ينتجن،و ليس على الخيل الذكور شيء» (5).
،و عن كلّ برذون في كلّ عام دينار.ذهب إليه علماؤنا أجمع.
و قال أبو حنيفة:تخيّر أربابها بين أن يؤدّوا عن كلّ فرس دينارا واحدا،أو يقوّم الجميع و يؤخذ عن كلّ مائتي درهم خمسة دراهم (6)،و لم يفصّل.
ص:275
لنا:أنّ العتيق أشرف من البرذون و النفع (1)به أكثر،و زيادة النموّ تناسب زيادة في الإخراج.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن محمّد بن مسلم و زرارة،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:«وضع أمير المؤمنين عليه السلام (2)على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين،و جعل على البراذين دينارا» (3).
احتجّ أبو حنيفة بكتاب عمر إلى أبي عبيدة في صدقة الخيل،فإنّه لم يفصّل فيه (4).
و الجواب:خبرنا أرجح،لأنّ فيه تفصيلا،و تحمل رواية عمر على البراذين.
التي تجب فيها الزكاة بشرط الكيل أو الوزن كالأرزّ و السمسم و العدس و الذرة و أشباهها،لأنّه نام فاستحبّ إخراج الزكاة منه شكرا لنعمة اللّه تعالى فيه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن محمّد بن مسلم قال:سألته عليه السلام عن الحرث ما يزكّى منه؟فقال:«البرّ،و الشعير،و الذرة،و الدخن،و الأرزّ،و السلت، و العدس،و السمسم كلّ هذا يزكّى و أشباهه» (5).
و في الصحيح عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة»و قال (6):«جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الصدقة في كلّ شيء
ص:276
أنبتته الأرض إلاّ الخضر و البقول و كلّ شيء يفسد من يومه» (1).
و قلنا:الزكاة هنا على الاستحباب،لما تقدّم من سقوط الزكاة فيما عدا التسع (2).
الأوّل:الشرط هنا كما في الغلاّت الأربع من الملك و النصاب،لقوله عليه السلام:
«ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» (3).و حديث زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
و لا نعلم فيه خلافا.
الثاني:القدر المخرج العشر إن كان سقي سيحا أو شبهه،و نصف العشر إن كان سقي بالدوالي و النواضح و أشباهها (4)بلا خلاف.
الثالث:البحث في اختلاف السقي و اتّفاقه كما تقدّم في الغلاّت الأربع (5)بلا خلاف.
الرابع:لا تستحبّ الزكاة في الخضر كالبقول و البطّيخ و أشباهه إلاّ أن يباع و يحول على ثمنه الحول إذا كان الثمن من أموال الزكاة بلا خلاف.
روى الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما قالا:«عفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الخضر»قلت:و ما الخضر؟قالا:«كلّ شيء لا يكون له بقاء،كالبقل،و البطّيخ،و الفواكه،و شبه ذلك ممّا يكون سريع الفساد»قال زرارة:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:هل في القضب شيء؟قال:«لا» (6).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن الخضر
ص:277
فيها زكاة و إن بيع بالمال العظيم؟فقال (1):«لا،حتّى يحول عليه الحول» (2).
إذا كانت للغلّة تخرج من غلّتها الزكاة،أمّا إذا لم تكن دار غلّة،و لا عقارا متّخذا للأجرة لم تستحبّ الزكاة إجماعا.
و لا تستحبّ أيضا في الأقمشة،و الأثاثات،و الفرش،و الأواني،و الرقيق،و الماشية، عدا ما تقدّم (3).
ص:278
في وقت الوجوب،و المتولّي للإخراج،
و كلام في النيّة،و فيه مباحث:
ص:279
ص:280
لا تجب الزكاة في الأنعام و الأثمان حتّى يحول عليهما الحول
أحد عشر شهرا ثمَّ يهلّ الثاني عشر و هي على الشرائط طول الحول-و قد تقدّم بيان ذلك كلّه (2)-فإذا أهلّ الثاني عشر وجب دفع الزكاة على الفور،و كذا إذا صفّت الغلّة و اقتطفت الثمرة وجب الإخراج على الفور.و هو قول علمائنا،و به قال الشافعيّ (3)،و أحمد (4).
و قال أبو حنيفة:له التأخير (5)ما لم يطالب (6).و به قال أبو بكر الرازيّ من أصحاب أبي حنيفة (7).
لنا:قوله تعالى وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ (8)و الأمر عند بعض أصحابنا
ص:281
و عندهم على الفور (1).
و لأنّ الفقراء لحاجتهم مطالبون (2)بشاهد الحال فيجب التعجيل كالوديعة و الدين الحالّ.
و لأنّ القرينة ثابتة دالّة على الفوريّة،و هي حاجة الفقراء،فإنّها ناجزة فيثبت الفور، لأنّ فيه دفعا للحاجة ناجزا.
و لأنّها عبادة تتكرّر فلا تتأخّر إلى وجوب مثلها كالصلاة و الصوم.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن عمر بن يزيد قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:الرجل يكون عنده المال أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟قال (3):«لا،و لكن حتّى يحول عليه الحول و يحلّ عليه،إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلاّ لوقتها،و كذلك الزكاة،و لا يصوم أحد شهر رمضان إلاّ في شهره إلاّ قضاء،و كلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت» (4).و الاستدلال به من وجوه:
أحدها:قوله:«حتّى يحول عليه الحول»جعله غاية لعدم الوجوب بقوله:أ يزكّيه؟ و الجواب يتضمّن السؤال،فكأنّه في تقدير:نعم،يزكّيه بعد الحول،و الأمر للوجوب.
الثاني:التشبيه بالصلاة،فكما منع عليه السلام من التقديم تشبيها بالصلاة،فكذا (5)في التأخير،عملا بقوله عليه السلام:«و كذلك الزكاة»الدالّ على الشبهيّة (6).
الثالث:تشبيهه عليه السلام بالصوم،و يؤكّده قوله:«إلاّ قضاء».
و في الحسن عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا وجد لها
ص:282
موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتّى يدفعها» (1).
الأوّل:إذا بعث (2)إليه زكاة ليفرّقها (3)و وجد المستحقّ و أخّر ضمن بالتلف،لأنّ التأخير مع إمكان الدفع تفريط،و كذا الوصيّ إذا أخّر الدفع لما أوصي إليه بدفعه،مع الإمكان.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته (4)ليقسّمها فضاعت،فقال:«ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان»قلت:فإنّه (5)لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال:«لا،و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن من حين أخّرها (6)» (7).
الثاني:لو كان عليه ضرر في الإخراج جاز له التأخير إجماعا،لأنّ الزكاة معونة فلا تعود بالضرر على المالك.
و لأنّ تأخير دين الآدميّ جائز مع الضرر،فكذا حقّ اللّه تعالى.
الثالث:لو أخّرها ليدفعها إلى من هو أحقّ بها كالقرابة أو ذي الحاجة الشديدة مع وجود المستحقّ،ضمن،قليلة كانت أو كثيرة،لأنّه (8)قد فعل حراما.
ص:283
و قال أحمد:يجوز في القليلة دون الكثيرة (1).
لنا:أنّه أخّر الواجب على الفور عن وقته فلا يجوز،كالكثيرة (2).
الرابع:يجوز التخصيص و الإشراك (3)على ما يأتي.
فلو كثر المستحقّون في البلد و تمكّن من (4)الدفع إليهم جاز له التأخير في الإعطاء لكلّ واحد بمقدار ما يعطي غيره و في الضمان حينئذ تردّد.
(5)و إفرادها من دون إذن الساعي،لأنّ له ولاية الإخراج بنفسه،فيكون له ولاية التعيين قطعا.و لأنّ الساعي يخيّر المالك في إخراج أيّ فرد شاء من أفراد الواجب.و لأنّه أمين على حفظها،إذ الزكاة تجب في العين،فيكون أمينا على تعيينها و إفرادها.
و لأنّ له دفع القيمة و تملّك العين فله إفرادها.و لأنّ منعه من إفرادها يقتضي منعه من التصرّف في النصاب،و ذلك ضرر عظيم.و لأنّ له دفع أيّ قيمة شاء فيتخيّر في الأصل.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الموثّق عن يونس بن يعقوب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا حال الحول فأخرجها من مالك،و لا تخلطها بشيء،و أعطها كيف شئت» (6).
ضمن بالتأخير و لا يكفي التعيين و الإفراد،لأنّا قد بيّنّا وجوب الإخراج إلى الفقير (1)على الفور.
الثاني:لو أخرجها عن ملكه و لم يجد الساعي و لا الفقير فتلفت من غير تفريط سقطت عنه.و به قال مالك (2).
و قال الشافعيّ:إذا لم يفرّط في الإخراج و لا في حفظ المخرج رجع إلى ماله فإن كان الباقي نصابا أخرج الزكاة و إلاّ فلا (3).
و قال أحمد:لا تسقط الزكاة مطلقا (4).و به قال الثوريّ،و الزهريّ،و حمّاد (5).
و قال أبو حنيفة:يزكّي ما بقي إلاّ أن ينقص عن النصاب،فتسقط الزكاة فرّط أو لم يفرّط (6).
لنا:أنّها تعيّنت زكاة بتعيين المالك و سقطت الزكاة عن المال بالتعيين على ما تقدّم، فإذا تلفت لم يضمن كالوديعة،أمّا مع التفريط في الحفظ أو في الإخراج فإنّه يضمن كالوديعة إذا فرّط في حفظها،أو منع الدفع مع المطالبة و إمكانه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:قلت له:رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم (7)فضاعت،هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال:«إذا (8)وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتّى يدفعها،و إن لم يجد لها من
ص:285
يدفعها إليه فيبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان،لأنّها قد خرجت من يده» (1).
احتجّ المخالف بأنّها حقّ على ربّ المال تلف قبل وصوله إلى مستحقّه فيضمن (2).
و الجواب:المنع من ثبوتها في الذمّة على ما سلف (3).
الثالث:لو دفع إلى الفقير زكاته فقال له الفقير:اشتر لي بها ثوبا أو طعاما و لم يقبضها،فذهبت،ضمن المالك،لأنّ الفقير إنّما يملك الزكاة بالقبض و لم يحصل،و التوكيل (4)قبل الملك فاسد،و قد تمكّن المالك من الدفع إليه و لم يفعل،فكان الضمان لازما.أمّا لو قبضها الفقير ثمَّ دفعها ليشتري له بها شيئا فتلفت،لم يضمن إلاّ مع التفريط.
الرابع:روي جواز التأخير إلى شهر و شهرين مع العزل،رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب في الموثّق،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:قلت له:زكاتي تحلّ عليّ شهرا فيصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة (5)؟فقال:«إذا حال الحول فأخرجها من مالك و لا تخلطها بشيء و (6)أعطها كيف شئت»قال:قلت:فإن أنا كتبتها و أثبتّها يستقيم لي؟قال:«نعم،لا يضرّك» (7).
و عن حمّاد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين» (8).
ص:286
و الأقرب عندي في هذا الباب:أنّ التأخير إنّما يجوز للعذر،فلا يتقدّر بوقت بل يتقدّر بقدره،لما بيّنّا من وجوبها على الفور (1).و لو أخّر مع إمكان الأداء ضمن على ما تبيّن (2).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها الموضع (3)فيكون بين أوّله و آخره ثلاثة أشهر،قال:«لا بأس» (4).
و هذا يدلّ على جواز التأخير مع العذر،أمّا مع عدمه فلا،لما سبق.
حلول الحول» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن عمر بن يزيد قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:الرجل يكون عنده المال أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟قال:«لا، و لكن حتّى يحول عليه الحول و تحلّ عليه (2)،إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلاّ لوقتها و كذلك الزكاة،و لا يصوم أحد شهر رمضان إلاّ في شهره إلاّ قضاء،و كلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت» (3).
و في الصحيح عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:أ يزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟قال:«لا،[أ] (4)يصلّى الأولى قبل الزوال؟!» (5).
و التشبيه يفهم منه بطريق الفحوى التعميم بين ثلث السنة و غيره.
و لأنّ الحول شرط فلا يجوز تقديم الزكاة عليه كالنصاب.و لأنّها عبادة مؤقّتة فلا تقدّم على الوقت كالصلاة.
احتجّ المخالف (6)بما رواه عليّ عليه السلام أنّ العبّاس سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ فرخّص له في ذلك (7).
ص:288
و عن عليّ عليه السلام أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لعمر:«إنّا قد أخذنا زكاة العبّاس عام الأوّل للعام» (1).
و لأنّه حقّ آدميّ فجاز تعجيله كالدين المؤجّل.و لأنّ كفّارة الحنث تؤدّى قبل الحنث،فكذا هنا.
و الجواب عن الحديثين:بأنّا نحمل التعجيل على سبيل القرض على الزكاة،لا أنّه زكاة معجّلة،كما ذهب إليه ابن الجنيد من علمائنا (2)،و الشيخ رحمه اللّه في بعض أقواله (3).
و عن الأقيسة:بالمنع من ثبوت الحكم في الأصول التي ذكروها إلاّ في الدين المؤجّل، فإنّ الحكم ثابت فيه لكنّ الفرق ظاهر،لأنّه مستقرّ في الذمّة و حقّ ثابت،بخلاف الزكاة، فإنّها لا تجب في الذمّة و لا في العين إلاّ بعد الحول،فالتعجيل ثمَّ لما هو ثابت في الذمّة فجاز، بخلاف صورة النزاع.
قال المفيد رحمه اللّه:قد جاء رخص عن أهل البيت عليهم السلام في تقديمها شهرين قبل محلّها،و جاء ثلاثة أشهر و أربعة أشهر عند الحاجة إلى ذلك (4).رواه في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم؟قال:«لا بأس»قلت:فإنّها لا تحلّ عليه إلاّ في المحرّم فيعجّلها في شهر رمضان؟قال:«لا بأس» (5).
و عن الحسين بن عثمان،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن الرجل يأتيه المحتاج فيعطيه من زكاته في أوّل السنة؟فقال:«إن كان محتاجا
ص:289
فلا بأس» (1).
و عن حمّاد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين» (2).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن الرجل يعجّل زكاته قبل المحلّ،فقال:«إذا مضت خمسة أشهر فلا بأس» (3).
قال الشيخ رحمه اللّه:هذه الروايات منزّلة على القرض و يكون صاحبها ضامنا متى جاء الوقت و قد أيسر المعطى و لا يضمن لو بقي على الاستحقاق (4)،و استدلّ على تأويله بما رواه ابن أبي عمير عن الأحول،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،عن رجل عجّل زكاة ماله ثمَّ أيسر المعطى قبل رأس السنة؟قال:«يعيد المعطي الزكاة» (5).
الأوّل:لو كان معه أقلّ من نصاب فأخرج زكاة نصاب ناويا أنّه إن تمَّ النصاب كان ما أخرجه زكاة معجّلة،لم يجز إجماعا،لأنّه قدّم الزكاة على سببها فصار كما لو قدّم الكفّارة على اليمين و الحنث.أمّا لو كان معه نصاب فأخرج زكاة نصابين معجّلة لم يجز عندنا على
ص:290
ما تقدّم (1).
أمّا القائلون بجواز التعجيل فقد اختلفوا هنا،فقال الشافعيّ (2)،و أحمد (3)،و زفر:
يجوز عن نصاب واحد (4).
و قال أبو حنيفة:يجوز عن النصابين بناء على أصله من أنّ ما يستفاد يضمّ إلى ما عنده في الحول،و وجود النصاب سبب في وجوب الزكاة فيما يستفيده،فإذا وجد سبب الوجوب جاز التعجيل (5).
و الوجه:ما قاله الشافعيّ،لأنّه عجّل زكاة مال ليس في ملكه فلم يجز كالنصاب الأوّل.و لأنّ الزائد من الزكاة سببه الزائد من الملك و لم يوجد.
الثاني:لو كان له مائتا شاة فعجّل زكاة أربعمائة عن الموجودة و ما يتوالد منها فتوالدت أجزأت عند أبي حنيفة (6)،و هو ظاهر.
و تردّد الشافعيّ من حيث إنّ السخال تابعة للأمّهات (7)،و الوجه:عدم الإجزاء، لأنّ التبعيّة إنّما تكون مع الوجود و هي حين التعجيل معدومة.
و لو كان معه عشرون شاة حوامل فعجّل شاة عنها و عن أولادها فتوالدت عشرين
ص:291
لم يجزئه عند الشافعيّ،لأنّها لا تتبع ما نقص عن النصاب (1).
الثالث:لو عجّل زكاة أربعمائة درهم عن سلعة للتجارة (2)قيمتها مائتان ثمَّ زادت عند الحول إلى أربعمائة فعندنا لا يجوز.
و قال الشافعيّ:يجوز،لأنّ الواجب في قيمة العرض و الاعتبار بالقيمة في آخر الحول عنده،بخلاف السخال،فإنّها تتعلّق بالعين.و لو كان معه أقلّ من نصاب للتجارة فأخرج عن نصاب أجزأه إذا زادت القيمة و بلغت نصابا عنده (3).
الرابع:لو عجّل زكاة أربعين شاة ثمَّ توالدت أربعين سخلة فماتت الأمّهات قبل الحول و بقيت السخال لم تجزئ عندنا.
و تردّد الشافعيّ من حيث إنّ السخال دخلت في حول الأمّهات و قامت مقامها، و من حيث إنّه عجّلها قبل ملكها مع تعلّق الزكاة بعينها (4).
الخامس:كما لا يجوز تعجيل زكاة حول واحد عندنا،فعدم جواز تعجيل زكاة حولين أولى.
و اختلف القائلون بالجواز هنا،فجوّزه قوم،لأنّه تعجيل لها بعد وجود النصاب، فأشبه تقديمها على الحول الواحد (5).و منع منه آخرون،لأنّ النصّ ورد بتعجيل زكاة حول واحد (6).
ص:292
السادس:اختلفوا في جواز تقديم زكاة الزرع،فمنع منه قوم (1)،و جوّزه آخرون بعد وجود الطلع و الحصرم و نبات الزرع،لأنّ وجود الزرع سبب فيها،و إدراكه يجري مجرى الحول (2).
كما قاله الشيخ (3)،بمعنى أنّه يستحقّه القابض عوضا عن الزكاة،إذا استكملت شرائط الوجوب و الاستحقاق،فإن بقي المال على صفة الوجوب و المستحقّ على صفة الاستحقاق احتسب ذلك القرض من الزكاة عند حولان الحول،و إن تغيّرت حال المالك أو حال القابض استعيدت العين إن كانت موجودة و القيمة عند القبض إن تلفت.
و لو زادت العين زيادة متّصلة استعادها المالك مع الزيادة،و لو كانت منفصلة كاللبن و الصوف و الولد،قال الشيخ:يستعيدها المالك أيضا (4).
قيل:إنّه نماء حصل في ملك القابض فلا يستعيده المقرض (5).
و الجواب:المنع من تملّك (6)القابض للعين،لأنّه قبضها على سبيل الزكاة المعجّلة في الحقيقة،لأنّ المالك إنّما أقرضها كذلك،و حينئذ يمنع الملك (7)هنا،و لو ملك القابض كما في غيره من القرض لم يكن للمالك استعادة العين.
ص:293
الأوّل:لو عجّل الزكاة على ما قاله الشيخ من كونها قرضا لا أنّها زكاة معجّلة،جاز له استرجاعها عند حولان الحول و دفعها إلى غيره،سواء تغيّرت حاله أو لم تتغيّر،و سواء تغيّرت حال المالك أو لم تتغيّر،لأنّ الزكاة عندنا لا يجوز تعجيلها،و القرض يجوز المطالبة به.و المجوّزون لتقديم الزكاة لم يجعلوا له الاسترجاع إن بقيت الشرائط على حالها (1).
أمّا لو تغيّرت حال الآخذ بموت،أو غنى،أو ردّة،فالذي يقتضيه مذهبنا عدم الإجزاء،و جواز المطالبة.و به قال الشافعيّ (2).
و قال أبو حنيفة (3)،و أحمد:ليس له الاسترجاع (4).
لنا:أنّ بقاء صفات الاستحقاق شرط،و قد عدم قبل الحول،فجرى مجرى ما لو عدم المال قبله أو مات ربّ المال.
احتجّوا بأنّه حقّ أدّاه إلى مستحقّه فأجزأه،كما لو أدّى الدين المؤجّل قبل الأجل (5).
و الجواب:الفرق بأنّ الدين مستقرّ في الذمّة بخلاف الزكاة.
الثاني:لو تسلّف (6)الساعي الزكاة من غير مسألة المالك و لا الفقراء،فإن حال الحول و المالك و القابض على الصفات المعتبرة وقعت موقعها،و إن تغيّرت حال الدافع أو المدفوع إليه أو حالهما معا استردّها الإمام و يدفعها إلى غيره إن كان التغيّر من الفقير خاصّة،و إلاّ ردّها على المالك.
ص:294
هذا إذا تغيّرت بعد الدفع،و إن تغيّرت قبل الدفع ضمنها الساعي،سواء فرّط أو لم يفرط.و به قال الشافعيّ (1).
و قال أبو حنيفة (2)،و أحمد:لا يضمن إلاّ مع التفريط (3).
لنا:أنّه قبضه من أهل الرشد من غير ولاية فكان ضامنا،كالأب يقبض لابنه الكبير.
احتجّ المخالف بأنّ الساعي له ولاية القبض (4).
و الجواب:المنع من ثبوت الولاية مع عدم وجوب الدفع.
الثالث:لو تسلّفها الساعي بمسألتهما و حال الحول و لم يتغيّر الحال وقعت موقعها، و إن تغيّرت بعد الدفع فالحكم كما تقدّم.
و إن تغيّرت قبله و هلكت من غير تفريط،قال الشيخ:الأولى أن يكون منهما،لأنّ كلّ فرقة لها إذن في ذلك،و لا ترجيح لأحدهما على صاحبه (5).
و للشافعيّ وجهان:أحدهما:أنّه من ضمان المالك،لأنّه أقوى جنبا من الفقراء.
و الثاني:أنّه من ضمان الفقراء،لأنّه قبضه لمنفعتهم بإذنهم،فكان من ضمانهم (6).
و هذا البحث لا يتأتّى على القرض،لأنّ الفقراء لا اعتبار لمسئلتهم (7)،إذ لا يستحقّون شيئا على التعيين،فيكون الساعي في الحقيقة وكيلا للمالك في التسليم،فتجب
ص:295
عليه الإعادة،كما لو تلفت في يد الوكيل.
الرابع:لو تسلّفها بإذن الفقراء خاصّة،فإن حال الحول و لم يتغيّر الحال وقعت موقعها،و إن تغيّرت الحال بعد الدفع،فالحكم ما تقدّم،و إن كان قبله و هلكت في يد الساعي،قال الشيخ:ضمن أهل السهمان،لإذنهم (1)،و على ما حرّرناه لا يتأتّى هذا.
و لو تسلّفها بإذن المالك خاصّة و لم يتغيّر الحال وقعت موقعها،و إن تغيّرت بعد الدفع،فالحكم ما تقدّم،و إن كان قبله و هلكت في يد الساعي،فالمالك ضامن،لأنّ الساعي أمينه.
الخامس:ما يتعجّله المستحقّون يقع متردّدا بين الزكاة و أن يستردّ.و به قال الشافعيّ (2).
و قال أبو حنيفة:هو متردّد بين الزكاة و التطوّع (3).و ليس بالمعتمد،لأنّ المالك لم يقصد التطوّع،فلا ينصرف إلى غير ما قصده.
إذا ثبت هذا،فنقول:إن حال الحول و لم يتغيّر حال المالك و لا حال الفقراء وقعت الزكاة موقعها،و إن تغيّرت حال المالك بموت،أو ردّة،أو نقص النصاب لم تقع زكاة،و يجوز له استرجاعه.و به قال الشافعيّ (4)،و أحمد (5).
ص:296
و قال أبو حنيفة:ليس له الاسترجاع إلاّ أن يكون في يد الساعي أو الإمام (1).
لنا:مال (2)دفع عوضا عمّا يستحقّ في ذمّته في ثاني الحال،و قد طرأ مانع الاستحقاق،فللدافع الاسترداد،كما لو دفع أجرة الدار فانهدمت.
احتجّ بأنّها وصلت إلى يد الفقير،فليس له استرجاعها،كما لو لم يشترط (3)أنّها زكاة معجّلة (4).
و الجواب:أنّه مع عدم الاشتراط يحتمل التطوّع،فلا يقبل قوله في الرجوع بناء على الظاهر.أمّا لو مات الفقير فإنّها تجزئه و يحتسب بها من الزكاة،لأنّ الدين على الميّت يجوز احتسابه من الزكاة إذا لم يخلف شيئا يمنعه من أخذ الزكاة فأشبه أخذ الزكاة لو كان حيّا (5).و لو تغيّرت حاله بردّة أو غنى لم يجزئه و جاز له استرجاعها.و به قال الشافعيّ (6)، و أحمد (7).
و قال أبو حنيفة:ليس له الاسترجاع (8).
لنا:أنّ بقاء حال الفقير على صفة الاستحقاق شرط في الإجزاء و قد فقد قبل الحول، فلم يجزئ كما لو مات المالك.
ص:297
السادس:في كلّ موضع للمالك الاسترجاع فإنّه تسترجع العين إن كانت باقية، و مثلها إن كانت تالفة،و إن تعذّر المثل أو لم يكن من ذوات الأمثال وجبت القيمة.
و هل تعتبر القيمة يوم التلف أو يوم القبض؟فيه تردّد ينشأ من تملّكه للعين (1)،فما زاد أو نقص فإنّما هو في ملكه فالمعتبر وقت القبض كما لو تلف الصداق في يدها ثمَّ طلّقها فإنّها تضمن النصف يوم القبض،و من كون حقّه انتقل إلى القيمة من العين يوم التلف فكان المعتبر يوم التلف كالعارية،بخلاف الصداق فإنّ الواجب نصف المسمّى و لهذا زيادته مانعة من الرجوع في العين،و الأخير عندي أقوى.
السابع:لو أيسر الفقير،فإن كان بعين المدفوع،وقعت الزكاة موقعها و لا تسترجع، لأنّها دفعت إليه ليستغني (2)بها و ترتفع حاجته و قد حصل الغرض فلا يمنع الإجزاء.و لأنّا لو استرجعناها منه لصار (3)فقيرا فجاز صرفها بعد ذلك إليه و ذلك لا معنى له.
و إن أيسر بغيرها،كما لو ورث أو غنم أو وجد كنزا،استرجعت منه،لأنّا أعطيناه على جهة الدين،و إنّما تحتسب (4)عليه بعد الحول،و حينئذ لا تجزئ عنه،لأنّه غنيّ.
أمّا لو أيسر بنمائها،كما لو كانت إبلا فتوالدت،أو أموالا فاتّجر بها،قال الشيخ:
لا ترتجع الزكاة أيضا،لما ذكرنا (5)من العلّة (6).و فيه نظر،لأنّ المقبوض كان قرضا عنده، و نماء القرض للمقترض.
الثامن:إذا كان النصاب يتمّ بالمدفوع،فالوجه عندنا سقوط الزكاة،لأنّه يدفعها قرضا فتخرج عن ملكه،و الدين لا يضمّ إلى العين عندنا،أمّا المجوّزون للتعجيل و القائلون
ص:298
بوجوب الزكاة في الدّين،فالبحث فيه كما لو تمَّ بغيره.
إذا ثبت هذا،فلو كان في يده أربعون شاة فعجّل واحدة منها ثمَّ حال الحول سقطت الزكاة عندنا،لما قلنا.
و عند الشيخ تثبت الزكاة،قال:لأنّها تعدّ في ملكه ما دامت عينها باقية فإن أتلفها المدفوع إليه قبل الحول فقد انقطع النصاب و لا يجب على صاحبها زكاة و له استرجاع الثمن (1).و هذا الكلام من الشيخ يدلّ على أنّ المدفوع ليس قرضا محضا و لا زكاة معجّلة.
التاسع:لو أيسر بعد الدفع ثمَّ افتقر قبل الحول و حال الحول و هو فقير،قال الشيخ:
جاز الاحتساب،لأنّ المراعى في صفة المستحقّ حال حؤول الحول و لا عبرة بالمتقدّم (2).
و هو أحد الوجهين للشافعيّ.
و في الثاني:لا يجزئه،لأنّه بالاستغناء بطل قبضه فلم يجز،كما لو دفعها إلى غنيّ ثمَّ افتقر (3).
أمّا لو دفعها إلى غنيّ ثمَّ افتقر عند الحول قال الشافعيّ:لا يجزئه،لأنّ التعجيل للإرفاق،و هو ليس من أهله فلا يصحّ التعجيل (4).و على ما قلناه نحن من أنّ الدفع على سبيل القرض جاز الاحتساب.
العاشر:إذا دفع القرض،فإن ذكر حال الدفع أنّه قرض جاز له الاسترجاع،و إن لم يذكر بل قال:هذه زكاتي و أطلق،بنى على الظاهر من كونه صدقة فلا يرجع.
و لو اختلفا فادّعى المالك الذكر فالقول قول القابض مع اليمين.و كذا لو قال المالك:
هذه صدقة لم يكن له الاسترجاع،لأنّها تقع على الواجب و الندب،و ليس له الرجوع في كلّ واحد منهما إلاّ مع تقييد التعجيل.
ص:299
قال الشيخ:و لو كان الدافع هو الوالي لا المالك كان له الاسترجاع،أطلق أو قيّد (1).
و هو جيّد،لأنّ التهمة منتفية هنا،بخلاف المالك،فإنّ الساعي نائب عن الفقراء فقبل قوله عليهم،بخلاف المالك،فإنّه يدّعي لنفسه.
الحادي عشر:لو دفع خمسة دراهم معجّلة عن مائتي درهم ثمَّ أتلف درهما قبل الحول سقطت الزكاة لنقصان النصاب،و له الاسترجاع لفقدان الشرط و إن كان قد فرّط في ذلك طلبا للاسترجاع،لأنّ الزكاة لم تجب عليه عند التفريط.
الثاني عشر:ما يعجّله إلى الفقراء يكون في حكم المفقود و يزول ملكه عنه عندنا و عند أبي حنيفة (2)،خلافا للشافعيّ (3).
إذا ثبت هذا فنقول:إذا كان معه أربعون شاة فعجّل واحدة ثمَّ حال الحول سقطت الزكاة عنه عندنا و عند أبي حنيفة (4)،و أجزأت عند الشافعيّ (5).
و لو كانت معه مائة و عشرون فعجّل شاة،ثمَّ نتجت شاة،ثمَّ حال الحول لم يجب عليه إخراج شيء آخر عندنا و عند أبي حنيفة (6)،خلافا للشافعيّ (7).
الثالث عشر:لو كان معه خمس من الإبل فعجّل عنها شاة و له أربعون من الغنم
ص:300
فهلكت الإبل فأراد صرف الشاة إلى الغنم جاز له ذلك،لأنّ له الاسترجاع على ما قلنا، فالصرف أولى.
الرابع عشر:إذا مات المالك بعد تعجيل الزكاة انتقل النصاب إلى الوارث و انقطع الحول و ابتدأ الوارث بالحول.و هل يجزئ ما عجّله المورّث؟فيه احتمال للإجزاء،لأنّ الوارث يقوم مقام الميّت في الملك فيقوم مقامه في حقّه،و لعدمه،لأنّه يؤدّي إلى تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب.فإن قلنا بعدم الإجزاء استرجعوها إن كان الميّت اشترط التعجيل و إلاّ فلا.
ص:301
،سواء كان المال ظاهرا أو باطنا.و هو قول أكثر الفقهاء (1).
و قال أبو حنيفة (2)،و مالك:لا يفرّق الأموال الظاهرة إلاّ الإمام (3).
لنا:أنّه حقّ لأهل السّهمان،فجاز صرفه إليهم كسائر الحقوق.
و يؤيّده:ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لو أنّ رجلا حمل زكاته على عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسنا جميلا» (4).
احتجّ أبو حنيفة بقوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً (5).و لأنّ أبا بكر طالبهم بالزكاة و قاتلهم عليها (6).
ص:302
و الجواب:أنّ ما ذكرتموه لا ينافي ما قلناه،لأنّ الآية تدلّ على الأخذ،و أنّ للإمام ولاية الأخذ،و نحن لا نمنع ذلك،و قتال أبي بكر إنّما كان لأنّ أهلها منعوها و نحن نقول بموجبة.و لأنّ ما ذكره ينتقض بالأموال الباطنة.
.و به قال الشافعيّ (2)، و الشعبيّ،و الأوزاعيّ.
و قال الحسن،و مكحول،و سعيد بن جبير:يفرّقها المالك (3)،و هو إحدى الروايتين عن أحمد.
و في الأخرى:الأفضل حمل زكاة الزروع (4)إلى الإمام خاصّة (5).
لنا:أنّ الإمام أبصر بمواقعها و أعرف بأحوال المستحقّين،و لأنّ دفعها إليه متّفق عليه،و صرفها إلى المستحقّين (6)مختلف فيه،فيكون أولى.و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الصحابة كانوا ينفذون السعاة لأخذها،و لو كان صرف المالك بنفسه أفضل لكان الأولى أمرهم بتفريقها.و لأنّ أخذ الإمام يبرئه (7)ظاهرا و باطنا بخلاف دفعها بنفسه،لجواز أن يعطى من ظاهره الفقر و إن لم يكن فقيرا،فإنّه يبرئه (8)ظاهرا لا باطنا عندهم.
ص:303
احتجّوا بأنّه إذا دفعها بنفسه إلى المستحقّين (1)تيقّن البراءة (2).
و الجواب:أنّ ذلك يحصل إذا دفعها إلى الإمام.
فالأفضل دفعها إلى الفقيه المأمون العدل، لما ذكرنا (3)من العلّة.
،ففيه روايتان:
إحداهما:الإجزاء.و هو قول الجمهور.
روى الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الزكاة فقال:«ما أخذه منكم بنو أميّة فاحتسبوا به،و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم،فإنّ المال لا يبقى على هذا أن يزكّيه مرّتين» (4).
و في الصحيح عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صدقة المال يأخذه السلطان،فقال:«لا آمرك أن تعيد» (5).
و عن سليمان بن خالد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«إنّ أصحاب أبي أتوه فسألوه عمّا يأخذه السلطان،فرقّ لهم و إنّه ليعلم أنّ الزكاة لا تحلّ إلاّ لأهلها،فأمرهم أن يحتسبوا به،فجاز ذا (6)و اللّه لهم،فقلت:أي أبه إنّهم إن سمعوا
ص:304
ذلك (1)لم يزكّ أحد،فقال:أي بنيّ حقّ أحبّ اللّه أن يظهره» (2).
و الرواية الثانية:عدم الإجزاء،رواها الشيخ عن أبي أسامة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:جعلت فداك إنّ هؤلاء المصدّقين يأتونا فيأخذون منّا الصدقة فنعطيهم إيّاها أ تجزئ عنّا؟فقال:«لا،إنّما هؤلاء قوم غصبوكم (3)»أو قال:«ظلموكم أموالكم،و إنّما الصدقة لأهلها» (4).
قال الشيخ رحمه اللّه:الأفضل إعادتها مرّة ثانية جمعا بين الأخبار (5).
دفعها إلى الجائر (1).
لنا:أنّه ليس محلاّ (2)للأمانة و هو من أهل الخيانة،و هو غير مأمور بأخذها، و لا المالك مأمور بإعطائه،فلا يحصل الإجزاء،و القياس على العادل باطل،للفرق الظاهر.
الثاني:لو عزلها المالك فأخذها الظالم أو تلفت لم يضمن المالك إذا لم يفرّط،لأنّ له ولاية العزل على ما قدّمنا (3)،فتصير بعد العزل أمانة،فلا يضمن مع عدم التفريط،أمّا لو فرّط ضمنها.
الثالث:لو (4)أخذها قبل العزل لم يضمن المالك حصّة الفقراء ممّا أخذه الظالم إجماعا إذا لم يفرّط و يؤدّي زكاة ما بقي معه على ما تقدّم من الخلاف.
،لأنّ الأمر بالأخذ للوجوب و هو يستلزم الأمر بالإعطاء،و فيه بحث.و لأنّ له ولاية التفريق و التعيين،و لو فرّقها المالك حينئذ لم يجزئ عنه،لأنّ التقدير وجوب دفعها إلى الإمام مع الطلب،و عندي في هذا توقّف.
قد بيّنّا (5)أنّه يجوز للمالك أن يفرّقها بنفسه و أن يحملها إلى بعض إخوانه المؤمنين ليفرّقها،فإن فعل ذلك سقط سهم السعاة،لأنّهم إنّما يستحقّون بالعمل،و هاهنا لم يعملوا.
و كذا إذا حملها إلى الإمام ففرّقها الإمام بنفسه سقط سهم العامل أيضا،لأنّه لم يعمل شيئا،و لم يجز للإمام أن يأخذ منها شيئا،أمّا عندنا،فلأنّه هاشميّ،و هي محرّمة عليهم.و أمّا
ص:306
عند المخالف (1)،فلأنّه يأخذ رزقه من بيت المال و هذا من جملة مصالحهم،و كذلك (2)خليفة الإمام على إقليم أو بلد إذا عمل على الصدقات لم يستحقّ عوضا،و إن تطوّع جاز،لأنّه قائم مقام الإمام.
البلوغ،و العقل،و الحرّيّة،و الإسلام، و العدالة،و الفقه،لأنّها ولاية شرعيّة،فلا تثبت للطفل و المجنون،و العبد لا يملك،و مولاه لم يعمل،و الكافر ليس أهلا للأمانة،قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ (3).
و دفع أبو موسى الأشعريّ إلى عمر حسابا فاستحسنه فقال:من كتب هذا؟فقال:
كاتبي،قال:فأين هو؟قال:على باب المسجد،فقال:أجنب هو؟قال:لا و لكنّه نصرانيّ، فقال:لا تأتمنوهم و قد خوّنهم اللّه و لا تقرّبوهم و قد بعّدهم اللّه (4).
و لأنّ ذلك ولاية على المسلمين و قد قال اللّه تعالى وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (5).
و عن أحمد رواية (6)بجواز تولية الكافر،لعموم قوله تعالى وَ الْعامِلِينَ (7)و هو ضعيف لما تقدّم.
و العدالة معتبرة،لأنّه يلي مال غيره،و الفاسق ليس محلاّ للأمانة.
ص:307
و الفقه مشترط (1)ليكون عارفا بقدر الواجب،و على من يستحقّ الزكاة.
و عندي في اشتراط الحرّيّة نظر،و عمل العبد كعمل المولى مع الإذن.
إنّما يشترط الفقه في الزكاة خاصّة لا في بقيّة الأحكام
،و عندي فيه توقّف أيضا، لحصول الاكتفاء بسؤال العلماء.
منع الأصحاب من ذلك.و للشافعيّ قولان (2).
لنا:أنّ ما يأخذه زكاة و هي محرّمة عليهم.و لأنّ الفضل بن العبّاس و المطّلب بن ربيعة (3)سألا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يولّيهما العمالة فقال لهما:«الصدقة أوساخ الناس، و أنّها لا تحلّ لمحمّد و آل محمّد» (4).قال الشيخ:هذا مع تمكّنهم من الخمس،أمّا مع القصور فيجوز لهم ذلك (5).
احتجّ الشافعيّ بأنّ ما يأخذه أجرة عمل (6)فكان بمنزلة الحافظ (7).و الفرق ظاهر، فإنّ ما يأخذه العامل سهم من الصدقة.
ص:308
الأوّل:لو تولّى جباية (1)زكاة الهاشميّ،فالأقرب جواز أخذ النصيب منها،لأنّه مسوّغ له أخذ زكاة الهاشميّ،و كذا لو بذل له الإمام أجرة من غير الزكاة.
الثاني:لو تطوّع بالعمالة من غير أجرة و لا سهم جاز ذلك،و لا نعلم فيه خلافا.
الثالث:يجوز لمولى الهاشميّ ذلك.و به قال الشافعيّ في أحد الوجهين و منع منه في الآخر (2).و به قال أبو حنيفة (3).
لنا:قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ (4).و هو بعمومه يتناول صورة النزاع.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن جميل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«تحلّ لمواليهم و لا تحلّ لهم» (5).
احتجّوا (6)بقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأبي رافع (7):«إنّ الصدقة حرام على محمّد
ص:309
و آل محمّد،و إنّ مولى القوم من أنفسهم» (1).
و الجواب:المنع هاهنا للكراهية.و بالجملة:العمل بعموم الآية أولى.
بأجرة معلومة مدّة معلومة،و إن شاء جعل له جعالة على عمله إذا وفّى العمل دفع إليه العوض،فإذا عمل العمل و استحقّ العوض فإن قصر النصيب عنه تمّم له من بقيّة السهام،لعموم الآية.و هو أحد قولي الشافعيّ.
و في الآخر:من بيت المال،لأنّه من المصالح،و إن فضل دفع الباقي إلى أهل الزكاة (2).
و لو قيل:إنّ ذلك ليس بلازم،لأنّ اللّه تعالى جعل له نصيبا،كان حسنا.
و يؤيّده:ما رواه الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قلت:ما يعطى المصدّق؟قال:
«ما يرى الإمام و لا يقدّر له شيء» (3).
لجباية (4)الصدقات،لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يبعثهم في كلّ عام و متابعته واجبة (5).
و ما ذكره الشيخ جيّد إذا عرف الإمام أو غلب على ظنّه أنّ الصدقة لا تجتمع (6)إلاّ بالعامل،أمّا لو علم من قوم أداؤها إليه أو إلى المستحقّين،و الأقرب عندي عدم الوجوب.
و قال في الآخر:على أهل الصدقة (1).
لنا:أنّ الواجب على أرباب الأموال دفع الزكاة و لا يتمّ إلاّ بالأجرة فتكون واجبة عليهم،كما وجبت على البائع.
احتجّ بأنّ اللّه تعالى أوجب في المال الزكاة،فإيجاب الأجرة زيادة على الواجب.
و الجواب:إيجاب الزكاة لا يمنع من إيجاب غيرها مع (2)الدليل،و قد قام.قال الشيخ:
و يعطى الحاسب و الوزّان و الكاتب من سهم العاملين (3).و الصحيح أنّ حكم الوزّان ما تقدّم.
إلاّ بإذن الإمام (4).و هو جيّد،لأنّ ولايته مقصورة (5)على جباية المال،أمّا التفرقة فمنوطة بنظر الإمام،فإن أذن له جاز و يأخذ سهمه،لأنّه أجير،ثمَّ يفرّق الباقي.
و ينبغي أن يعرف أهل الصدقات بالاسم و النسب و الحلية (6)،و يعرف قدر حاجتهم،فإذا أعطى شخصا أثبته و حلاه،لئلاّ تتكرّر عليه الصدقة من غير شعور.
و لا ينبغي له أن يؤخّر التفرقة مع الإذن لحصول الحاجة و التخلّص من الغرامة لو تلفت.
الأصبهانيّ (1)،لظاهر الآية (2).
و قال في المبسوط بالاستحباب (3)،و هو مذهب أكثر الجمهور (4).
و هو أولى،لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا بعث معاذا إلى اليمن قال له:«أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم» (5)و لم يأمره بالدعاء،و لو كان واجبا لذكره.و لأنّ الأصل براءة الذمّة.و لأنّ الفقراء لو أخذوا الصدقة بأنفسهم لم يجب عليهم الدعاء فنائبهم أولى.و لأنّ هذا أداء عبادة فلا يجب الدعاء لها كالصلاة،و الآية محمولة على الاستحباب،و لا شيء مؤقّت في هذا الدعاء فأيّ دعاء ذكره كان حسنا.
آذانها (1).و إجماع الصحابة على ذلك.و لأنّ فيه فائدة لا تحصل بدونه و هي تمييزها (2)عن غيرها،فربّما شردت فيعرفها من يجدها فيردّها،و ربّما رآها صاحب المال فامتنع من شرائها.
احتجّ أبو حنيفة بأنّ ذلك مثلة (3).
و الجواب:فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أولى.
الأوّل:ينبغي أن توسم (4)في أصلب موضع و أكشفه،لئلاّ يضرّ الوسم بالحيوان،ففي الإبل و البقر على إفخاذها،و في الغنم في أصول آذانها.
الثاني:ينبغي أن يكون ميسم الإبل و البقر أكبر (5)من ميسم الغنم،لأنّها أضعف.
الثالث:ينبغي أن يكتب على الميسم ما أخذت له،ففي إبل الصدقة:صدقة أو زكاة، و في الجزية:جزية أو صغار.و ينبغي أن يكتب فيها اسم اللّه تعالى تبرّكا به.
حملها إلى الإمام أو فرّقها إن كان قد أذن له في التفريق،و ليس له أن يبيع (6)منها شيئا إلاّ مع الحاجة و العذر،كما إذا مرضت الشاة و خاف عليها التلف قبل إيصالها إلى المستحقّ،أو كان الطريق مخوفا،أو احتاج في نقله إلى مئونة تستوعبه،فأمّا لغير عذر فلا يجوز،لقوله عليه السلام لمعاذ بن جبل:«أعلمهم أنّ عليهم
ص:313
صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم» (1).
و لمّا بعث أمير المؤمنين عليه السلام المصدّق قال له:«ثمَّ احدر ما اجتمع عندك من كلّ ناد إلينا نصيّره حيث أمر اللّه عزّ و جلّ» (2).و لمّا عدل عن البيع الذي هو أرفق إلى الأشقّ،دلّ على أنّ الواجب ذلك،أمّا مع العذر فلا بأس،لأجل الضرورة.و قد روى الشيخ رحمه اللّه عن محمّد بن خالد،عن أبي عبد اللّه عليه السلام بيع الصدقة (3)،و هو محمول على ما قلناه.
إذا ثبت هذا،فإن باع،لا لضرورة لم يصحّ البيع،فإن كانت العين باقية استرجعت، و إن نقصت ضمن المشتري الأرش،و إن كانت تالفة ضمن المشتري المثل،فإن تعذّر أو لم تكن مثليّة ضمن القيمة.
ص:314
ذهب العلماء كافّة-إلاّ الأوزاعيّ (1)-إلى أنّ النيّة شرط في أداء الزكاة،لقوله عليه السلام:«إنّما الأعمال بالنيّات» (2).
و لأنّ الزكاة عبادة فتفتقر إلى النيّة،لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (3).
و لأنّها عبادة تشتمل على الواجب و الندب فافتقرت إلى النيّة كالصلاة و الصوم.
و لأنّ الدفع يحتمل وجوها فلا يقع على أحدها إلاّ بالنيّة.
احتجّ الأوزاعيّ بأنّها دين فلا تفتقر إلى النيّة كسائر الديون.و لأنّ وليّ اليتيم يخرجها و الحاكم من (4)الممتنع (5).
و الجواب:الفرق بين الدين و الزكاة من حيث إنّ الزكاة عبادة بخلاف الدين و إن
ص:315
تعلّق به حقّ اللّه و لهذا يسقط بإسقاط المالك.و لأنّ الدين متعيّن (1)للمالك فيكفي قبضه، بخلاف الزكاة فإنّها لا تتعيّن للقابض،و الوليّ و الحاكم ينوبان (2)في النيّة عند الحاجة.
-على ما سلف بيانه (3)- فإذا اعتقد عند الدفع أنّها زكاة و اعتقد التقرّب إلى اللّه تعالى كفاه ذلك.و كذا ينوي النائب عن غيره،كالوليّ و الحاكم و الوكيل.
و لا بدّ في النيّة من القصد إلى القربة،لأنّه شرط في العبادة.
و من القصد إلى الوجوب أو الندب،لأنّ الفعل صالح لهما فلا يتخلّص أحدهما إلاّ بالنيّة.
و من القصد إلى كونها زكاة مال أو فطرة،للاشتراك في الصلاحية،فلا بدّ من مائز.
و لا يفتقر إلى تعيين المال،بأن يقول:هذه زكاة مالي-الفلانيّ-إجماعا.
،لما تقدّم (4).
و لو دفعها إلى الإمام و نوى وقت الدفع إلى الإمام أجزأه (5)ذلك أيضا،لأنّ الإمام كالوكيل للفقراء.و كذا لو دفعها إلى الساعي،سواء نوى الإمام أو الساعي حال الدفع إلى الفقراء أو لم ينويا.
و لو دفع المالك الزكاة إلى وكيل له ليفرّقها و نوى حال الدفع إليه و نوى الوكيل حال الدفع إلى الفقراء أجزأ إجماعا،لوقوع العبادة على وجهها.
و لو نوى الوكيل حالة الدفع و لم ينو المالك،قال الشيخ:لم يجزئ عنه،لأنّ الوكيل
ص:316
ليس بمالك و الفرض يتعلّق بالمالك و الإجزاء يقع عنه (1).
و عندي فيه توقّف.
و لو نوى الموكّل حال الدفع إلى الوكيل و لم ينو الوكيل حال الدفع إلى الفقراء،قال الشيخ:لم تجزئ عنه،لأنّ المقارنة معتبرة،و الوكيل غير مستحقّ فلا تؤثّر النيّة في الدفع إليه (2).
،فإن أخذها كرها أجزأه ذلك،لأنّ النيّة تعذّرت في حقّه فصار بحكم (3)الطفل و المجنون من سقوط النيّة في حقّه.
و لأنّ للإمام الولاية على الممتنع فقامت نيّته مقام نيّته،كوليّ الطفل و المجنون.
و قال بعض الجمهور:لا يجزئ (4)إذا أخذها كرها و إن جاز أخذها،لأنّها عبادة، و جواز أخذها كالصلاة فإنّه يجبر الممتنع عليها و إن لم تجزئه إذا لم ينو في نفسه (5).و هو ضعيف،لأنّ الزكاة حقّ ماليّ في يد المالك للفقراء،و للإمام الإجبار على قسمة المشترك و تسليمها،فجاز له إفرادها مع امتناع المالك،و تصحّ النيابة في تسليمها،بخلاف الصلاة.
و لأنّها لو لم تجزئ لم يجز له أخذها،أو وجب عليه أخذها ثانية و ثالثة حتّى ينفد (6)ماله، لأنّ الأخذ إن كان للإجزاء فهو لا يحصل بدون النيّة،و إن كان لوجوبها فالوجوب باق بعد الأخذ.
أمّا إذا أخذها طوعا و لم ينو المالك،فقد قال الشيخ:لا يجزئه فيما بينه و بين اللّه تعالى
ص:317
غير أنّه ليس للإمام مطالبة (1)بها دفعة ثانية (2).
و قال الشافعيّ:تجزئه (3).
لنا:أنّها عبادة فتفتقر إلى النيّة.و لأنّ الإمام نائب عن الفقراء،و النيّة معتبرة إذا دفع المالك إليهم فكذا إلى نائبهم.
احتجّ الشافعيّ بأنّ الإمام بمنزلة القاسم بين الشركاء،فلا يفتقر إلى النيّة.و لأنّ له ولاية على الأخذ،و لهذا يأخذ من الممتنع (4).
و الجواب:كونه بمنزلة القاسم لا يخرج الزكاة عن العبادة،و هو المقتضي لوجوب النيّة،و الولاية لا تمنع من وجوب النيّة أيضا،و ما ذكره الشافعيّ قويّ،لأنّ الإجزاء لو لم يتحقّق لما جاز للإمام أخذها،أو لأخذها دائما،و القسمان باطلان،و قد تقدّم بيان الملازمة.
و لأنّ الإمام كالوكيل،و هذه عبادة تصحّ فيها النيابة فاعتبرت نيّة النائب،كالحجّ.
فلا اعتبار بما تقدّم،لأنّه إن استدام عليه فهو المطلوب،و إلاّ خلا الدفع عن النيّة.
احتجّ المخالف بأنّها عبادة تجوز فيها النيابة بغير عذر فجاز تقديم النيّة عليها.و لأنّ ذلك يؤدّي إلى تغرير المالك بماله،لأنّ النيابة جائزة و الحاجة إليها ماسّة،فإذا دفع الزكاة إلى وكيله،توقّف الإجزاء على نيّة الوكيل (1).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من (2)كون ما ذكروه (3)علّة.
و عن الثاني:بأنّه لا تغرير مع القول بضمان الوكيل إذا لم يحصل منه النيّة.و لو نوى بعد الدفع ففي الإجزاء نظر.
لم يجزئه.و به قال الشافعيّ (4)،و أحمد (5).
و قالت الحنفيّة:يجزئه استحبابا (6). (7)
لنا:أنّه لم يؤدّ الواجب على ما أمر به فلا يكون مجزئا،كمن صلّى مائة ركعة بنيّة التطوّع،فإنّ الفرض لا يسقط عنه بذلك.
احتجّوا بأنّه تصرّف تصرّفا لم يتعدّ به فلا يضمن الزكاة (8).
و الجواب:المنع من عدم التعدّي،لأنّ الواجب عليه التصدّق بالزكاة بنيّة الفرض
ص:319
فإذا نوى به التطوّع فقد تعدّى.
و لو تصدّق ببعضه،قال محمّد بن الحسن:أجزأه عن زكاة ذلك البعض.و قال أبو يوسف:لا يجزئه (1).
احتجّ محمّد بأنّه لو تصدّق بجميعه أجزأه عن جميعه،فإذا تصدّق ببعضه أجزأه عن ذلك البعض (2).
احتجّ أبو يوسف بأنّ المقتضي للإجزاء هناك زوال ملكه عن المال على وجه القربة، و هاهنا لم يزل عن جميعه (3).
قد بيّنّا (4)وجوب تعيين الفرض أو النفل،فإذا كان له مال غائب فأخرج زكاته و قال:إن كان مالي سالما فهذه زكاته،أو تطوّع،لم يجزئه،لأنّه شرّك بين الفرض و النفل،فلا يتخلّص لأحدهما بعينه.
و قال الشيخ:إنّه يجزئه (5).
أمّا لو قال:إن كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته،و إن كان تالفا فهي تطوّع،أجزأ عنه إذا كان سالما،لأنّه لم يشرّك بين الفرض و النفل،و إنّما رتّب النفل على الفرض.و لأنّه لو نواها عن ماله أجزأه و يكون حكمه ذلك،لأنّه مع التلف يكون تطوّعا،فالتصريح غير مناف للأمر نفسه.
ص:320
الأوّل:لو أخرج مالا و نوى بجميعه الزكاة و التطوّع،لم يجزئه.و به قال الشافعيّ (1)، و محمّد (2).
و قال أبو يوسف:يجزئه عن الزكاة (3).
لنا:أنّه شرّك بين الفرض و النفل في النيّة فلا يتخلّص النفل للفرض،فلا يكون مجزئا.
احتجّ بأنّ النفل لا يفتقر إلى تعيين النيّة،فصار كأنّه نوى الزكاة و الصدقة (4).
و الجواب:عدم الافتقار لا ينافي التعيين،و التقدير:وقوعه.
الثاني:لو كان له مال حاضر و غائب فأخرج الزكاة و قال:هذه عن أحدهما،أجزأه ذلك،لأنّا قد بيّنّا أنّه لا يشترط تعيين الجنس المخرج عنه،و لهذا لو أخرج خمسة دراهم عن أربعمائة درهم أجزأه عن مائتين (5)و إن لم تكن متعيّنة.
الثالث:لو قال:هذه زكاة مالي الغائب إن كان سالما،و إن لم يكن سالما فعن مالي الحاضر،أجزأه ذلك،لما تقدّم.
الرابع:لو أخرج عن ماله الغائب فبان تالفا،قال الشيخ:لم يجز له صرفه إلى غيره (6).و به قال الشافعيّ (7).و الأقرب عندي:الجواز.
لنا:أنّه باق على ملكه،إذ الإخراج وقع على وجه بان بطلانه،فيجوز له صرفه إلى غير ذلك المال.
ص:321
احتجّ الشيخ بأنّ وقت النيّة قد فات (1).
و احتجّ الشافعيّ بأنّه عيّنه لذلك المال،فصار كما لو كان عليه كفّارة،فأعتق عبدا عن كفّارة أخرى عيّنها فلم يقع عنها،كما لو كان عليه كفّارة ظهار فجرح رجلا و قدّم العتق عن كفّارة القتل،فبرئ المجروح،فإنّه لا يجوز له صرفها إلى الظهار و إن كان في الابتداء لا يلزمه تعيين الكفّارة بسببها،فكذا (2)الزكاة (3).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من فوات الوقت.
و عن الثاني:بالمنع من الحكم في الأصل.
الخامس:لو كان له مورّث غائب فأخرج زكاة و قال:إن كان قد مات مورّثي فهذه زكاته،لم يجزئ عنه عند الشافعيّ (4)،لأنّه أخرجها عن غير أصل يبنى عليه.
أمّا عندنا:فالمال الغائب لا تجب فيه الزكاة إلاّ مع التمكّن من التصرّف،فهاهنا لا تجب عليه الزكاة ما لم يعلم بموت المورّث و يتمكّن من التصرّف في ماله.
السادس:لو دفع الزكاة إلى الوالي تطوّعا،فدفعها (5)و قال:هذه عن مالي الغائب، فبان تالفا قبل الوجوب،رجع بها عليه إن كانت في يده،و إن كان قد فرّقها،لم يضمنها الساعي،لأنّه بإعطائه إيّاها تطوّعا جرى مجرى الوكيل له،و يرجع هو على الفقراء.
ص:322
في مستحقّ الزكاة و لواحقه،و فيه مباحث:
ص:323
ص:324
المستحقّ للزكاة ثمانية أصناف بالنصّ و الإجماع،قال اللّه تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ (1).
و روي أنّ رجلا قال:يا رسول اللّه أعطني من هذه الصدقات،فقال:«إن اللّه تعالى لم يرض في قسمتها بنبيّ مرسل و لا ملك مقرّب حتّى قسّمها بنفسه فجزّأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقّك» (2).
و سأل سماعة أبا عبد اللّه عليه السلام عن المستحقّين،فقال:«هي تحلّ للذين وصف اللّه تعالى في كتابه» (3)و عدّهم إلى آخرهم.و لا خلاف بين المسلمين في ذلك.
الفقراء و المساكين
،و لا تمييز (4)بينهما مع الانفراد،بل العرب قد استعملت كلّ واحد من اللفظين في معنى الآخر،أمّا مع الجمع بينهما فلا بدّ من المائز،كما في الآية.
ص:325
و قد اختلف العلماء في (1)أيّهما أسوأ حالا من الآخر،قال الشيخ في المبسوط و الجمل:الفقير:الذي لا شيء له،و المسكين:الذي له بلغة لا تكفيه (2).و به قال الشافعيّ (3)،و الأصمعيّ (4).
و قال الشيخ في النهاية:المسكين أسوأ حالا من الفقير (5).و به قال أبو حنيفة (6)، و الفرّاء (7)، (8)و ثعلب (9)، (10)و ابن قتيبة (11). (12)
ص:326
حجّة الأوّلين:ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه تعوّذ باللّه من الفقر و قال:«اللّهمّ أحيني مسكينا و أمتني مسكينا،و احشرني في زمرة المساكين» (1).
و لأنّ العرب تبدأ بالأهمّ،و ذكر الفقراء متقدّما يدلّ على شدّة حاجتهم و كثرة العناية بهم.
و لأنّه مشتقّ من كسر الفقار و هو مهلك،فإنّه فعيل بمعنى مفعول،أي مكسور فقارة الظهر.
و لقوله (2)تعالى أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ (3).و السفينة البحريّة تساوي جملة من المال.
حجّة الآخرين:قوله تعالى أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (4).و هو المطروح على التراب، لشدّة حاجته.
و لأنّه يؤكّد الفقير به إذا أريد المبالغة في الحاجة،فيقال:فقير مسكين.
و لقول الشاعر:
أمّا الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد (5)
و لأنّ أهل اللغة نصّوا على ذلك،قال يعقوب:رجل فقير له بلغة،و مسكين أي
ص:327
لا شيء له (1).و به قال يونس (2)،و أبو زيد (3)، (4)و أبو عبيدة،و ابن دريد (5).و قول هؤلاء حجّة.
قال يونس:قلت لأعرابيّ:أ فقير أنت؟فقال:لا و اللّه بل مسكين (6).
و قد روي هذا القول عن أهل البيت عليهم السلام،روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«الفقير:الذي لا يسأل الناس (7)،و المسكين أجهد منه،و البائس أجهدهم» (8).
و لا فائدة في تحقيق الحقّ من هذين القولين في هذا الباب،لأنّ كلّ واحد منهما له استحقاق و تدفع الزكاة إلى كلّ واحد منهما،بل الأصل في هذا:عدم الغنى-الشامل للمعنيين-إذا تحقّق استحقّ صاحبه الزكاة بلا خلاف.
،فقال الشيخ في الخلاف:
الغنيّ من ملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمته (9).و جعله في المبسوط قولا لبعض
ص:328
أصحابنا (1).و به قال أبو حنيفة (2).
و قال الشيخ في المبسوط:الغنى الذي يحرم معه أخذ الصدقة أن يكون قادرا على كفايته و كفاية من يلزمه (3)كفايته على الدوام (4).و به قال الشافعيّ (5)،و مالك (6)،و أحمد في إحدى الروايتين.و في الأخرى:من ملك خمسين درهما أو قيمتها فهو غنيّ (7).و به قال الثوريّ،و النخعيّ،و إسحاق.و قال الحسن،و أبو عبيد:الغنيّ:من يملك أربعين درهما (8).
و الذي ذكره الشيخ في المبسوط،عندي هو الوجه.
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لقبيصة بن المخارق:
«لا تحلّ الصدقة إلاّ لأحد ثلاثة:.رجل أصابته فاقة حتّى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه:قد أصابت فلانا فاقة فحلّت له المسألة حتّى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش» (9).فجعل نهاية إباحة المسألة وجود القوام و السداد.
ص:329
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن هارون بن حمزة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:يروى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا تحلّ الصدقة لغنيّ و لا لذي مرّة سويّ»فقال:«لا تصلح لغنيّ»قال:فقلت له:الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعته و له عيال،فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها؟قال:«فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو و من يسعه ذلك،و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله» (1).
و في رواية سماعة قال:«[و قد] (2)تحلّ الزكاة لصاحب سبعمائة،و تحرم على صاحب خمسين درهما»فقلت له:كيف يكون هذا؟فقال:«إذا كان صاحب السبعمائة (3)له عيال كثير،فلو قسّمها بينهم لم تكفه،فليعفّ عنها نفسه و ليأخذها لعياله،و أمّا صاحب الخمسين فإنّها تحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب فيها ما يكفيه» قال:و سألته عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟فقال:«نعم،إلاّ أن تكون داره دار غلّة فيخرج له من غلّتها دراهم تكفيه لنفسه و عياله،و إن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم في غير إسراف فقد حلّت له الزكاة،و إن كانت غلّتها تكفيهم فلا» (4).
و لأنّ الفقر و الحاجة مترادفان.
و يؤيّده:قوله تعالى يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ (5)أي المحتاجون إليه،و من ليس له كفاية فهو محتاج فيصدق عليه اسم الفقر (6).
احتجّ أبو حنيفة (7)بقوله عليه السلام لمعاذ:«أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من
ص:330
أغنيائهم فتردّ في فقرائهم» (1)فجعل الغنيّ من تجب عليه الزكاة،و ذلك يدلّ على أنّ من تجب عليه (2)غنيّ،و من لا تجب عليه ليس بغنيّ،فيكون فقيرا فيجوز له أخذها.
احتجّ أحمد (3)بما رواه ابن مسعود عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«من سأل و له ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشا،أو خدوشا،أو كدوحا في وجهه»فقيل:
يا رسول اللّه ما الغنى؟قال:«خمسون درهما أو قيمتها من الذهب» (4).
و لأنّ عليّا عليه السلام قال:«لا تحلّ الصدقة لمن له خمسون درهما أو قيمتها من الذهب» (5).
احتجّ الحسن (6)بما رواه (7)أبو سعيد الخدريّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«من سأل و له قيمة أوقيّة فقد ألحف (8)» (9)و كانت الأوقيّة على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أربعين درهما.
و الجواب عن الأوّل:أنّ الحكم بوجوب أخذ الزكاة من الأغنياء لا يستلزم أنّها
ص:331
لا تؤخذ من غيرهم.و أيضا:يحتمل أنّه أطلق اسم الأغنياء على المزكّين اعتبارا بالأكثر.
و أيضا:الغنى الموجب للزكاة غير المانع منها،و إطلاق اللفظ عليهما بحسب الاشتراك و إن كان الأصل عدمه فقد يصار إليه لدليل و قد وجد.
و عن الثاني:باحتمال أن يكون صاحب الخمسين يحصل له بمعيشته بها ما يكفيه،كما ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام،و مع ذلك فقد طعن جماعة في هذا الحديث بأنّ راويه حكيم بن جبير (1)،و كان شعبة لا يروي عنه،و ذلك لضعفه في الحديث عنده.
و عن الثالث:أنّ الإلحاف في السؤال لا ينافي الاستحقاق،و قد ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام بمنع (2)الزكاة لصاحب الأربعين.
روى الشيخ عن زرارة و ابن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا تحلّ لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها،و إن أخذها أخذها حراما» (3).و لكن هذا الحديث يدلّ على استغنائه عنها،و يدلّ عليه قوله:«يحول عليها الحول»و ذلك دليل على أنّ المئونة من غيرها.
الأوّل:قد روي جواز إعطاء الزكاة لصاحب الدار و الخادم.رواه الشيخ عن عمر بن أذينة،عن غير واحد،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما سئلا عن
ص:332
الرجل له دار و خادم و عبد يقبل الزكاة؟فقالا:«نعم،إنّ الدار و الخادم ليسا بملك» (1).
و عن سعيد بن يسار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«تحلّ الزكاة لصاحب الدار و الخادم» (2).لأنّ أبا عبد اللّه عليه السلام لم يكن يرى أنّ الدار و الخادم شيئا،لأنّهما لا يباعان في الدين،فليس غنيّا بهما،فجاز له تناول الزكاة.
الثاني:من له كفاية باكتساب أو صناعة أو مال غير زكويّ أو أجرة عقار أو غيره لا تحلّ له الزكاة.و به قال الشافعيّ (3)،و أحمد (4)،و إسحاق (5).
و قال أبو حنيفة:تحلّ له (6).
لنا:قوله عليه السلام:«لا تحلّ الصدقة لغنيّ و لا لقويّ مكتسب» (7).
و في حديث آخر:«لا تحلّ الصدقة لغنيّ و لا لذي مرّة سويّ» (8).
و لأنّه يملك ما يغنيه عن الزكاة فلا يكون محتاجا كما لك النصاب،و أبو حنيفة عوّل على حجّته المتقدّمة،و قد أجبنا عنها.
الثالث:لو ملك نصابا زكاتيّا أو أكثر لا تتمّ به الكفاية جاز له أخذ الزكاة.و به قال الشافعيّ (9)،و أحمد (10).
ص:333
و قال أصحاب الرأي:لا يجوز (1).
لنا:أنّه مع ملكه لهذه الأشياء محتاج (2)،فيصدق عليه أنّه فقير.و لأنّ الغني لا يتعلّق بأعيان معيّنة،فلو كان غنيّا بالنصاب لكان غنيّا بقيمته،و قد وافقنا على بطلان التالي، و حجّته أنّه غنيّ،لأنّه يجب عليه دفعها،و قد سلف البحث في هذا (3).
الرابع:لو كان له مال معدّ للإنفاق و لم يكن ذا كسب و لا صناعة اعتبرت الكفاية حولا له و لعياله-و به قال ابن الجنيد (4)-لأنّه حينئذ لا يسمّى فقيرا عادة.
و لو قصر عن الحول،جاز له تناولها،و لا ينتظر بإعطائه إخراج ما معه في الإنفاق، لما روي من جواز إعطاء صاحب ثلاثمائة (5)و سبعمائة (6)،لقصوره عن التكسّب بها مع وجوده،فمع عدم التكسّب أولى.
الخامس:لو كانت له دار غلّة تكفيه غلّتها و لعياله،حرمت عليه الزكاة و لو لم (7)تكفه جاز له تناولها،لأنّه مع الاكتفاء غنيّ و بدونه محتاج.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟فقال:«نعم،إلاّ أن تكون داره دار غلّة فيخرج [له] (8)من غلّتها دراهم تكفيه لنفسه و عياله،فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم في (9)غير إسراف،فقد حلّت له الزكاة،و إن كانت غلّتها
ص:334
تكفيهم فلا» (1).
السادس:يجوز لصاحب الفرس أخذ الزكاة إذا كان محتاجا و كان له عادة باتّخاذ الفرس للركوب،لأنّه محتاج.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال:قال أبو جعفر عليه السلام:«أعط السائل و لو كان على ظهر فرس» (2).و لأنّه يحتاج إليها،فكان كالخادم و الدار.
السابع:لو كان معه ما يقصر عن مئونته (3)و مئونة (4)عياله حولا جاز له أخذ الزكاة،لأنّه محتاج و لا يتقدّر بقدر.
و قيل:إنّه لا يأخذ زائدا عن تتمّة المئونة حولا (5).و ليس بالوجه.
الثامن:لو كان قادرا على التكسّب بما فيه كفايته،حرمت عليه الزكاة،لما تقدّم (6)، خلافا لأبي حنيفة (7).
و لو كان التكسّب يمنعه عن (8)التفقّه (9)،فالوجه عندي جواز أخذها،لأنّه مأمور بالتفقّه (10)في الدين إذا كان من أهله.
ص:335
التاسع:لا يشترط الزمانة في استحقاق الفقراء،و لا التعفّف عن السؤال-و به قال الشافعيّ في الجديد (1)-لأنّه بدونهما محتاج،فيدخل تحت العموم.
العاشر:الزوجة الفقيرة إذا كان زوجها موسرا،فإن كان ينفق عليها لم يجز له دفع صدقته إليها إجماعا،لأنّها ذات كفاية بنفقته،فأشبهت صاحب العقار إذا كانت أجرته تكفيه.و لو لم ينفق عليها جاز لها أخذ الصدقة من غيره،لأنّها فقيرة و نفقة الزوج مصروفة عنها،فأشبهت ما لو تعطّلت منفعة العقار.
و هل يجوز لها مع الإنفاق أخذ الصدقة من غيره؟الوجه:عدم الجواز،لأنّ نفقتها كالعوض،فأشبهت أجرة العقار.
الحادي عشر:الولد إذا كان مكتفيا بنفقة أبيه،أو الأب المكتفي بنفقة الولد هل يجوز له أخذ الزكاة؟أمّا منه فلا إجماعا،لما يأتي.و لأنّه يدفع بذلك وجوب الإنفاق عليه،و أمّا من غيره،فالأقرب عندي الجواز،لأنّه فقير.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج،عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام،قال:سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته، أ يأخذ من الزكاة فيتوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟فقال:
«لا بأس» (2).و فيه إشكال.
و هم جباة الصدقات،و لا خلاف في استحقاقهم لقوله تعالى وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها (3)و إنّما يستحقّ الصدقة إذا عمل.و لو أخلّ بالجباية لم يستحقّ شيئا،كما لو دفعها المالك إلى
ص:336
الفقراء أو إلى الإمام من غير واسطة الساعي.
و للإمام الخيار بين أن يقرّر له أجرة معلومة عن مدّة معيّنة،أو يجعل له جعالة،أو يجعل له نصيبا من الصدقات.
و إذا فرّقها الإمام بنفسه لم يكن له أخذ شيء منها،لأنّ استحقاق سهمه من الخمس لما يفعله من المصالح و هذا منها.
و قد وقع الخلاف بين الفقهاء في وجه استحقاقهم،فعندنا أنّه يستحقّ نصيبا من الزكاة.و به قال الشافعيّ (1).
و قال أبو حنيفة:يعطي عوضا و أجرة لا زكاة (2).
لنا:قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها (3).و العطف بالواو يقتضي التسوية في المعنى و الإعراب.
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ اللّه تعالى لم يرض في قسمتها بنبيّ مرسل و لا ملك مقرّب حتّى قسّمها بنفسه فجزّأها ثمانية أجزاء (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه زرارة و محمّد بن مسلم-في الحسن-عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قالا:قلنا له:أرأيت قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ -الآية-أ كلّ هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟فقال:«إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا» (5).
ص:337
و عن سماعة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الزكاة لمن يصلح أن يأخذها؟ قال:«هي تحلّ للذين وصف اللّه تعالى في كتابه لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ (1)إلى آخرها.
و لأنّه لو استحقّها على سبيل الأجرة لافتقر إلى تقدير العمل أو المدّة و تعيين الأجرة،و ذلك منفيّ إجماعا،لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام بعده لم يعيّنوا شيئا من ذلك.و لأنّه لو كان أجرة لما منع منها الهاشميّ.
احتجّ أبو حنيفة بأنّه لا يعطي إلاّ مع العمل،و لو فرّقها المالك أو الإمام لم يكن له نصيب.و لأنّه يأخذها مع الغنى،و الصدقة لا تحلّ لغنيّ (2).
و الجواب:كونهم لا يأخذون إلاّ مع العمل لا ينافي استحقاقهم منها،و نحن ندفعها إليهم على وجه استحقاقهم لها بشرط العمل،لا أنّها عوض عن عملهم،لعدم اعتبار التقدير،و إعطاؤه لا ينافي غناه،لأنّه يأخذها باعتبار عمله لا باعتبار فقره،كما يعطى ابن السبيل مع غنائه في بلده.
و يدخل في العاملين:الكاتب،و القسّام،و الحاسب،و الحافظ،و العريف.أمّا الإمام و القاضي و نائب الإمام،فلا.
و استحقاقهم للسهم ثابت بالنصّ و الإجماع،و اَلْمُؤَلَّفَة قُلُوبُهُمْ :هم الذين يستمالون إلى الجهاد و يتألّفون بإسهامهم من الصدقة.
و أجمع علماؤنا على أنّ من المشركين قوما مؤلّفة يستمالون بالزكاة لمعاونة المسلمين في جهاد غيرهم من المشركين أيضا.
و هل هاهنا مؤلّفة غيرهم من المسلمين؟قال الشيخ في المبسوط:و لا يعرف
ص:338
أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام (1).
و قال المفيد رحمه اللّه:المؤلّفة ضربان:مسلمون و مشركون (2).و به قال الشافعيّ (3).
و قسّمهم الشافعيّ قسمة أوّليّة إلى قسمين:مسلمين،و مشركين،فالمشركون ضربان:أحدهما:لهم شرف و طاعة في الناس،و حسن نيّة في الإسلام-مثل:صفوان بن أميّة (4)-فهؤلاء يعطون من غير الصدقة،بل من سهم المصالح،لما روي أنّ صفوان لمّا أعطاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الأمان يوم فتح مكّة خرج معه إلى هوازن،و استعار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله منه ثلاثين درعا،و كانت أوّل الحرب على المسلمين،فقال قائل:غلبت هوازن و قتل محمّد صلّى اللّه عليه و آله،فقال صفوان:بفيك الحجر،لربّ قريش أحبّ إلينا من ربّ هوازن (5).و لمّا أعطى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله العطايا،قال صفوان:مالي،فأومأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى واد فيه إبل محمّلة،فقال:«هذا لك»فقال صفوان:هذا عطاء من لا يخشى الفقر (6).
و الثاني:مشركون ليس لهم نيّة حسنة في المسلمين،و لا رغبة في الإسلام،بل يخاف
ص:339
شرّهم،و مع العطاء يكفّون شرّهم و يكفّون غيرهم،و هؤلاء أعطاهم الرسول صلّى اللّه عليه و آله.
روى ابن عبّاس أنّ قوما كانوا يأتون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فإن أعطاهم مدحوا الإسلام و قالوا:هذا دين حسن،و إن منعهم ذمّوا و عابوا (1).
و هل يعطى هذان الضربان بعد وفاة الرسول صلّى اللّه عليه و آله (2)؟فيه قولان:
أحدهما:الإعطاء،اقتداء بالرسول صلّى اللّه عليه و آله (3)،و لوجود المقتضي.
و الثاني:المنع،لأنّ مشركا التمس من عمر فمنعه،و قال:من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر.و إذا قيل بالعطاء فمن أين يعطون؟قولان:أحدهما:من الزكاة،و الثاني:من المصالح،لأنّهم مشركون،و لا يستحقّ الزكاة مشرك.
أمّا المسلمون فعلى أربعة أضرب:
أحدها:أشراف مطاعون،لهم نيّة حسنة في الإسلام،و علم طاعتهم و نيّاتهم عليه إلاّ أنّ لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا رغب نظراؤهم في الإسلام فهؤلاء يعطون،لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أعطى عديّ بن حاتم (4)و الزبرقان بن
ص:340
بدر (1)،مع ثباتهم و حسن نيّتهم (2).
الثاني:أشراف في قومهم نيّتهم ضعيفة في الإسلام إذا أعطوا رجي حسن نيّتهم و ثباتهم،فهؤلاء يعطون ليقوي نيّاتهم (3)،مثل أبي سفيان بن حرب (4)،أعطاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مائة من الإبل،و أعطى عيينة بن حصن (5)مائة،و أعطى الأقرع بن حابس (6)
ص:341
مائة،و أعطى العبّاس بن مرداس (1)أقلّ من مائة،فقال عاتبا:
أ تجعل نهبي و نهب العبيد بين عيينة و الأقرع؟
و ما كان حصن و لا حابس يفوقان مرداس في مجمع
و ما كنت دون امرئ منهما و من تضع اليوم لا يرفع
فتمّم له عليه السلام المائة (2).
و هل يعطون هؤلاء بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؟فيه قولان:
أحدهما:المنع-و هو اختيار أبي حنيفة (3)-لظهور الإسلام و قوّة شوكته.و لأنّ الصحابة لم يعطوا شيئا من ذلك بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله (4).
و الثاني:الإعطاء،اقتداء بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و أعطى أبو بكر عديّ بن حاتم ثلاثين بعيرا لمّا قدم عليه بثلاثمائة جمل من الصدقة (5).
و مع القول بالإعطاء (6)فمن أين؟فيه قولان:
أحدهما:من سهم المؤلّفة.
و الثاني:من سهم المصالح.
ص:342
الثالث:قوم من المسلمين أعراب أو عجم في طرف من أطراف المسلمين لهم قوّة و طاقة بمن يليهم من المشركين إن أعطوا قاتلوا عن المسلمين،و إن منعوا لم يقاتلوا، و احتاج الإمام في قتلهم إلى مئونة شديدة لتجهيز الجيوش،فهؤلاء يعطون و يتألّفون ليقاتلوا المشركين.
الرابع:مسلمون من الأعراب أو غيرهم في أطراف بلاد الإسلام بإزائهم قوم يؤدّون الصدقات خوفا منهم،إن أعطاهم الإمام جبوا الصدقات و أخذوها من أهلها،و إن منعهم لم يجمعوها (1)،و احتاج الإمام في تحصيلها إلى مئونة،فهؤلاء يعطون للمصلحة.
و من أين يعطون؟فيه أربعة أقوال:
أحدها:من سهم المؤلّفة،لأنّهم يتألّفون على ذلك.
و الثاني:من سهم الغزاة،لأنّهم غزاة أو مشابهون.
و الثالث:من سهم المصالح.
و الرابع:من سهم المؤلّفة،و سهم الغزاة (2).
قال الشيخ:و هذا التفصيل لم يذكره أصحابنا،غير أنّه لا يمتنع (3)أن نقول (4):إنّ للإمام أن يتألّف هؤلاء القوم و يعطيهم إن شاء من سهم المؤلّفة،و إن شاء من سهم المصالح، لأنّ هذا من فرائض الإمام،و فعله حجّة،و ليس يتعلّق علينا في ذلك حكم اليوم،فإنّ هذا قد سقط،و فرضنا تجويز ذلك و الشكّ فيه (5).و ما قاله الشيخ جيّد.
و نقل الشيخ عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره،عن العالم عليه السلام أنّ
ص:343
اَلْمُؤَلَّفَة قُلُوبُهُمْ قوم كفّار (1).
،لأنّ الذي يتألّفهم إنّما يتألّفهم للجهاد،و أمر الجهاد موكول إلى الإمام و هو غائب (2).
و قال الشافعيّ (3)،و أبو حنيفة:إنّه ساقط،لأنّ اللّه تعالى أعزّ الدين و قوّى شوكته فلا يحتاج إلى التأليف (4).
و كلام الشيخ يدلّ على سقوطه مدّة غيبة الإمام عليه السلام،أمّا مع ظهوره فالنصيب باق إن احتيج إلى التأليف،و هو جيّد،لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يسهم المؤلّفة إلى حين وفاته،و النسخ بعد وفاته عليه السلام باطل،فالاستحقاق موجود،و نحن نقول:إنّه قد يجب الجهاد في حال غيبة الإمام عليه السلام بأن يدهم المسلمين-و العياذ باللّه-عدوّ يخاف منه عليهم،فيجب عليهم الجهاد لدفع الأذى لا للدّعاء إلى الإسلام،فإن احتيج إلى التأليف حينئذ جاز صرف السهم إلى أربابه من المؤلّفة.
،استعان بالمؤلّفة،و صرف إليهم السهم،كالمؤلّفة لجهاد الكفّار.
ص:344
و استحقاقهم للنصيب ثابت بالنصّ و الإجماع،و اختلف الناس في المراد من الرقاب هاهنا،فالذي ذهب إليه علماؤنا أنّهم المكاتبون و العبيد إذا كانوا في ضرّ و شدّة يشترون ابتداء و يعتقون،و يعطى المكاتبون ما يصرفونه في كتابتهم.
و قال الشافعيّ:إنّهم المكاتبون خاصّة-و نقله عن عليّ عليه السلام (1)-و هو مذهب سعيد بن جبير،و النخعيّ،و الليث بن سعد،و الثوريّ (2)،و أصحاب الرأي (3).
و قال مالك (4)،و أحمد (5)،و إسحاق:إنّهم العبيد خاصّة و لم يشترطوا الضرّ و الشدّة (6).و هو مرويّ عن ابن عبّاس،و الحسن البصريّ (7).
ص:345
لنا:قوله تعالى وَ فِي الرِّقابِ (1)و هو يتناول المكاتب و القنّ،لأنّ المراد إزالة قيد الرقّ،و هو مشترك بين القسمين فيتناولهما معا،و إنّما شرطنا الضرّ (2)و الشدّة،لأنّ المملوك مع فقدهما غير محتاج إلى العتق حاجة الفقراء و المساكين إلى الزكاة،فكان دفعها إلى المذكورين أولى.و لا ينتقض علينا بالمكاتب،لأنّ الضرر (3)لم يشترط في حقّه من حيث إنّ الحاجة ماسّة من جهته و جهة المولى،فلا حاجة إلى الاشتراط.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عمرو بن أبي نصر (4)في الصحيح،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و السّتمائة يشتري منها نسمة يعتقها؟فقال:«إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم»ثمَّ مكث:مليّا،ثمَّ قال:«إلاّ أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه» (5).
احتجّ الشافعيّ (6)بأنّ الآية تقتضي الدفع إلى الرقاب كما هو في سبيل اللّه فإنّه يقتضي الدفع إلى المجاهدين،كذلك هنا،و لا يجوز الدفع إلى المملوك،أمّا أوّلا:فلأنّه لا يملك.
و أمّا ثانيا:فلأنّه يعود النفع إلى المعطي،لثبوت الولاء له (7).و لقوله عليه السلام:
«فكّ الرقبة أن تعين في عتقها» (8).
ص:346
احتجّ مالك (1)بأنّ الرقبة إذا أطلقت انصرفت إلى القنّ،كقوله (2)تعالى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (3).
و الجواب عن الأوّل:بمنع اشتراط الملك (4)في كلّ الأصناف،و النفع عندنا لا يعود إلى المعتق هنا،لأنّ الولاء لأرباب الزكاة على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.
و عن الثاني:أنّ قوله عليه السلام:«فكّ الرقبة أن تعين في عتقها»لا ينافي ما ذكرناه، فإنّ شراء الجميع معونة في العتق.
و عن الثالث:بأنّ الرقبة مشتركة بين المكاتب و القنّ،و اختصّت في الآية التي ذكروها بالقنّ (5)لقرينة التحرير.
جاز أن يعطى من الزكاة ما يشتري به رقبة و يعتقها في كفّارته.ذهب إليه جماعة من أصحابنا (6).
قال الشيخ في المبسوط:الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لفقره،أي من سهم الفقراء،فيشتري هو و يعتق عن نفسه (7).
و ما ذكرناه أوّلا (8)،رواه عليّ بن إبراهيم في كتاب التفسير،عن العالم عليه السلام قال وَ فِي الرِّقابِ قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم و ليس (9)عندهم ما يكفّرون به و هم مؤمنون فجعل اللّه تعالى لهم سهما في
ص:347
الصدقات ليكفّر عنهم» (1).
و هذا يدلّ على إعطائهم ما يشترون به الكفّارة و إن لم يكن عتقا.
و قيل:إنّه يعطى من سهم الغارمين،لأنّ القصد إبراء الذمّة ممّا تعلّق (2)بها و ثبت (3)في العهدة.و يمكن أن يعطى من سهم الرقاب،لأنّ القصد إعتاق الرقبة (4).
جاز أن يشترى العبد بمال الزكاة و يعتق و إن لم يكن تحت ضرّ و شدّة،لأنّه أحد مصارف الزكاة،فإذا فقد غيره من أربابها تعيّن هو كغيره من الأصناف.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع فيمن يزيد (5)فاشتراه بتلك الألف درهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه،هل يجوز ذلك؟قال:«نعم،لا بأس بذلك»قلت:فإنّه لمّا أن أعتق و صار حرّا اتّجر و احترف فأصاب مالا ثمَّ مات و ليس له وارث،فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟قال:«يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون الزكاة،لأنّه إنّما اشتري بمالهم» (6).
و إلى المكاتب بإذن السيّد و بغير إذنه.و لا يعطى المكاتب من سهم الرقاب إلاّ إذا لم يكن معه ما يؤدّيه في كتابته، و هل يعطى قبل حلول (7)النجم؟فيه تردّد ينشأ من عدم الحاجة إليه حينئذ،و من كونه
ص:348
قد يحلّ عليه و ليس معه شيء (1)،فيفسخ المالك الكتابة فيتحقّق الحاجة،و الأخير أقرب.
و هم المدينون في غير معصية،و قد أجمع المسلمون على دفع النصيب إلى من هذا شأنه.
و لو أنفقه في المعصية لم يقض.و هو مذهب علمائنا أجمع،و للشافعيّ قولان (2).
لنا:أنّ قضاءه حمل له و إغراؤه على المعصية و هو قبيح عقلا،فلا يكون متعبّدا به شرعا.
و يؤيّده:ما روي عن الرضا عليه السلام قال:«يقضى ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ،و إن كان أنفقه في معصية اللّه فلا شيء له على الإمام» (3).
و قال عليّ بن إبراهيم بن هاشم في كتاب التفسير عن العالم عليه السلام قال:
وَ الْغارِمِينَ قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف،فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يكفيهم من مال الصدقات» (4).
و لأنّ الزكاة إرفاق و معونة على جهة التقرّب إلى اللّه تعالى،و ذلك غير حاصل في قضاء دين المعصية.
،لوجود المعنى فيهما.
ص:349
و فرّق الشافعيّ بينهما فجوّز القضاء مع التوبة دونها (1).و هو ضعيف،لما تقدّم.و لأنّه استدانة للمعصية فلا يقضى عنه،كما لو لم يتب.
و لأنّه لا يؤمن عوده إلى الاستدانة للمعصية،لأنّه إذا علم أنّه يقضى عنه عاود الاستدانة.نعم،لو تاب و هو فقير،جاز أن يعطى من سهم الفقراء و يقضي هو الدين.أمّا لو جهل فيما ذا أنفقه،قال الشيخ:لا يقضى عنه (2).و خالف فيه ابن إدريس (3)،و هو الوجه.
لنا:أنّ الأصل في تصرّفات المسلم وقوعها على الوجه المشروع،و لا يحمل (4)أفعاله على المحرّم،بل على المحلّل دائما.و لأنّ تتبّع مصارف الأموال و التطلّع على ما يخرجه المسلم دائما عسر جدا في بعض آحاد الناس في بعض الأوقات فكيف في حقّ الجميع دائما،فلا يجوز إيقاف إعطاء الزكاة عليه.
احتجّ الشيخ (5)بما رواه محمّد بن سليمان عن أبي محمّد رجل من أهل الجزيرة (6)،عن الرضا عليه السلام،قلت:فهو لا يعلم فيما ذا أنفقه في طاعة أم معصية؟قال:«يسعى في ماله فيردّه عليه و هو صاغر» (7).
و لأنّ النفقة في الطاعة شرط،فلا بدّ من العلم بتحقّقه.
ص:350
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من صحّة السند.و لأنّه يحتمل (1)عدم العلم بالنظر إلى عدم التطلّع على مصرفه،و إلى أصالة تصرّفات المسلم،و ذلك يكون في حقّ من يعلم منه الإقدام على المعاصي في كلّ وقت و عدم التحرّي (2)عن الفسوق،ففي حقّ مثل هذا لا تحمل تصرّفاته في مصارف أمواله على الطاعات دائما.
و عن الثاني:أنّ الشرط عدم العلم بالإنفاق في المعصية.سلّمنا،لكن نمنع اشتراط العلم،بل غلبة الظنّ كافية،و هي تحصل بالبناء على الأصل في تصرّفات المسلم.
لم يجز له أخذ عوضه من الزكاة إلاّ أن يكون قضاه من دين آخر،لفوات المصرف و بقائه مع القضاء من الدين.
و إذا (3)استغرق السهم الدين جاز للإمام أن يدفعه إلى الغرماء،و أن يدفعه إلى الغارم ليقضي هو،لأنّه قد استحقّ عليه الدفع و للإمام أن ينوب عنه فيه.و لو كان السهم يقصر عن الدين فأراد أن يتّجر به ليستفضل ما يحصل به تمام الدين لم أستبعد (4)جوازه.
سبيل اللّه،أو عامل عليها،أو غارم.» (1).أو قوم تحمّلوا في ضمان مال،و ذلك بأن يتلف مال الرجل و لا يدرى من أتلفه،و كاد يقع بسببه فتنة فتحمّل رجل قيمته و أطفأ الفتنة، سواء (2)كان التحمّل لإطفاء الفتنة النائرة (3)بالقتل أو بتلف المال.
و جوّز الشافعيّ أداء ما تحمّل (4)بسبب القتل و الدم،أمّا لو قامت النائرة (5)بسبب تلف المال فتحمّل الغارم ما يصلح به ذات البين لإطفاء الفتنة ففيه عنده وجهان (6).
و الأقرب:جواز الأخذ،لصدق اسم الغرم،و للحاجة إلى إصلاح (7)ذات البين.
و لا اعتبار بالمتلف،سواء كان نفسا أو مالا،لأنّ الغرض تعلّق بإطفاء الفتنة،و هو مشترك.
الثاني:من استدان لمنفعة نفسه،إمّا للإنفاق في الطاعة أو في المباح،فإنّه يعطى من سهم الغارمين،و قد تقدّم البحث فيه (8).
أمّا لو ضمن دينا على زيد و كان هو و المضمون عنه موسرين لم يؤدّ من سهم الغارم، و إن كانا معسرين جاز الأداء قطعا.و لو كان المضمون عنه موسرا دون الضامن،فالأقرب أنّه لا يصرف إليه،لأنّه يعود النفع إلى المضمون عنه و هو موسر.و لو كان العكس فالأقرب الصرف إلى الأصيل،لأنّه ممكن،و لا يصرف إلى الضامن،لإيساره مع إمكان الصرف إلى الأصيل.
ص:352
و إن كان ممّن تجب نفقته مع العجز،لعموم اللفظ المتناول لصورة النزاع.و لأنّ القضاء مصرف النصيب لا تمليك المدين (1)،و يجوز أن يقاصّ بما عليه للمزكّي من الزكاة،أمّا لو كان الدين على الميّت فإنّه يجوز أن يقضى عنه و أن يقاصّ و إن كان ممّن تجب نفقته أيضا،خلافا لأحمد (2).
لنا:قوله عليه السلام:«و رجل تحمّل بحمالة» (3)و هو يصدق على الميّت.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال:
سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل عارف فاضل توفّي و ترك عليه دينا قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا مسرف و لا معروف بالمسألة هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال:«نعم» (4).
و لأنّ القصد براءة الغارم و إخلاء ذمّته من الغرم و هو مشترك بين الحيّ و الميّت و لا يحصل إلاّ بالقضاء عنه.
احتجّ المخالف بأنّ الغارم هو الميّت و لا يمكن الدفع إليه،و الغريم ليس بغارم فلا يدفع إليه (5).
و الجواب:قد بيّنّا أنّ الغرض (6)إخلاء الذمّة لا تمليك الغارم،و لهذا يجوز للإمام أن يقضي و يدفع إلى الغرماء من غير أن يدفع إلى الغارم.
ص:353
و لا خلاف في استحقاق هذا الصنف للنصيب من الزكاة،و إنّما الخلاف في تفسيره، فالذي عوّل عليه الشيخ في النهاية و الجمل:أنّه الجهاد (2). (3)و به قال الشافعيّ (4)،و أبو حنيفة (5)،و مالك (6)،و أبو يوسف (7).
و قال أحمد (8)،و محمّد بن الحسن:يجوز أن يصرف في معونة الحاجّ (9).
و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف:يدخل فيه الغزاة و معونة الزوّار و الحاجّ و قضاء الديون عن الحيّ و الميّت و بناء القناطر و المساجد و جميع سبل (10)الخير و مصالح
ص:354
المسلمين (1).و اختاره ابن إدريس (2)،و هو الحقّ.
لنا:أنّ جميع ما ذكرناه يدخل تحت سبيل اللّه لا على سبيل الاشتراك اللفظيّ البحت لا غير،لأنّ الأصل عدمه فيبقى الاشتراك (3)في المعنى،و هو الثواب،لأنّ السبيل هو الطريق،فإذا أضيف إلى اللّه تعالى أفاد ما يكون وصلة إلى الثواب.
و يؤيّده:ما ذكره عليّ بن إبراهيم في كتاب التفسير،و رواه عن العالم عليه السلام قال وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما ينفقون،و قوم من المؤمنين و ليس عندهم ما يحجّون به،أو في جميع سبل الخير فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتّى يقووا على الحجّ و الجهاد» (4).
احتجّ الشيخ بأنّ إطلاق السبيل ينصرف إلى الجهاد فيحمل عليه قضيّة لدلالة الحقيقة.
احتجّ أحمد (5)بما روي أنّ رجلا جعل بعيره في سبيل اللّه فأمره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يحمل عليه الحاجّ (6).
و الجواب عن الأوّل:بمنع الانصراف إلى الجهاد على أنّه كلّ المراد.
و عن الثاني:بأنّه أمره بذلك لدخوله تحت المصالح و سبل الخير،لا لخصوص كونه معونة الحاجّ (7).
أحدهما:المطوّعة الذين ليسوا بمرابطين و لا اسم لهم في الديوان،و ليسوا من جنده
ص:355
الذين لهم نصيب في الفيء،و إنّما يغزون إذا نشطوا،و بعض الفقهاء يسمّيهم الأعراب (1).
و الثاني:الذين لهم سهم من الفيء و هم جند الديوان الذين هم برسم الجهاد و الغزو، فالأوّلون يأخذون النصيب إجماعا،و هل يأخذ القسم الثاني من الصدقات شيئا غير الفيء أم لا؟تردّد الشيخ في المبسوط بين المنع-و هو قول الشافعيّ (2)-و بين الإعطاء،لعموم الآية،و قوّى الثاني (3)،و هو الوجه عندي،عملا بعموم اللفظ.و لو أراد صاحب الفيء الانتقال إلى الغزو و بالعكس،جاز ذلك.
و هو مستحقّ للنصيب (4)بالنصّ و الإجماع،و إنّما الخلاف في تفسيره،فالذي اختاره الشيخ أنّه المجتاز بغيره بلده المنقطع به و إن كان غنيّا في بلده خاصّة و يدخل الضيف فيه (5)و به قال مالك (6)،و أبو حنيفة (7).
و قال الشافعيّ:ابن السبيل المجتاز و المنشئ للسفر (8).و اختاره ابن الجنيد منّا (9).
ص:356
لنا:أنّه إنّما يسمّى بابن (1)السبيل لملازمته الطريق و كونه (2)فيه،و هو إنّما يتحقّق في المجتاز،أمّا المنشئ فلا يسمّى ابن الطريق.
و يؤيّده:ما ذكره عليّ بن إبراهيم في كتاب التفسير عن العالم عليه السلام قال:
« اِبْنِ السَّبِيلِ أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع (3)عليهم، و يذهب ما لهم،فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات» (4).
احتجّ المخالف بأنّه يسمّى (5)ابن السبيل (6)،لأنّه يريد الطريق.و لأنّه يريد إنشاء سفر في غير معصية فجاز أن يعطى من سهم ابن السبيل،كما لو نوى إقامة مدّة ينقطع سفره فيها ثمَّ أراد الخروج فإنّه يدفع إليه من الصدقة و إن كان منشئا للسفر (7).
و الجواب عن الأوّل:إن أردتم بالتسمية على سبيل الحقيقة فهو ممنوع،و إن أردتم على سبيل المجاز تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه فهو مسلّم،و لكن عند الإطلاق،و عراء اللفظ عن القرائن إنّما ينصرف اللفظ إلى الحقيقة مع إمكان إرادتها و هي مرادة هنا بالإجماع،فلا يجوز إرادة المجاز و إلاّ لزم التناقض.
و عن الثاني:أنّ انقطاع السفر فيما ذكرتموه من الصورة حكم شرعيّ لا عرفيّ و لا لغويّ،و لا يسمّى الخارج من غير بلده بعد مقام خمسة عشر يوما أو عشرة أيّام-على اختلاف المذهبين-أنّه منشئ للسفر لغة و لا عرفا.
إن كان فقيرا،لا من سهم
ص:357
أبناء السبيل،و يدفع إلى ابن السبيل ما يكفيه لذهابه و عوده إن كان قاصدا لغير بلده، و ما يكفيه لوصوله إلى بلده إن قصده،لأنّ الغرض إيصاله إلى بلده و لا يحصل بدون الكفاية،و إنّما يعطى إذا كان سفره طاعة أو مباحا عندنا،و منع الشافعيّ في أحد الوجهين إعطاءه في السفر المباح (1).
لنا:عموم الآية.و لأنّ سفره غير معصية فأشبه سفر الطاعة،و لهذا يترخّص (2)في السفر كالمطيع.
احتجّ بأنّه لا حاجة له إليه فكان كالغنيّ (3).
و الجواب:المنع من المساواة.
ص:358
و هي أربعة،وقع الاتّفاق على ثلاثة منها و اختلفوا في الرابعة،و نحن نأتي على الجميع (1)بعون اللّه تعالى.
و قد اتّفق العلماء كافّة على اعتباره في غير المؤلّفة فلا يعطى كافرا إجماعا،إلاّ ما حكي عن الزهريّ،و ابن سمرة أنّهما أجازا صرفها إلى المشركين (2).
و جوّز أبو حنيفة صرف صدقة الظاهر (3)إليهم (4).و هو ضعيف،لقوله صلّى اللّه عليه و آله لمعاذ:«أعلمهم أنّ في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم» (5).
و الإضافة تدلّ على الاختصاص.
ص:359
،فلا يعطى غير الإماميّ.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،خلافا للجمهور كافّة،و اقتصروا على اسم الإسلام.
لنا:أنّ الإمامة من أركان الدين و أصوله،و قد علم ثبوتها من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ضرورة،فالجاحد بها لا يكون مصدّقا للرسول عليه السلام في جميع ما جاء به، فيكون كافرا فلا يستحقّ الزكاة.
و لأنّ الزكاة معونة و إرفاق،فلا يعطى غير المؤمن،لأنّه محادّ للّه و رسوله،و المعونة و الإرفاق موادّة فلا يجوز فعلها مع غير المؤمن،لقوله تعالى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ (2).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:«الزكاة لأهل الولاية،و قد بيّن اللّه لكم موضعها في كتابه» (3).
و عن إسماعيل بن سعد الأشعريّ قال:سألت الرضا عليه السلام عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟قال:«لا،و لا زكاة الفطرة» (4).
و عن محمّد بن الحسن الصفّار،عن يعقوب بن يزيد،عن محمّد بن عمر،عن محمّد بن عذافر،عن عمر بن يزيد قال:سألته عن الصدقة على النصّاب و على الزيديّة،قال (5):«لا تصدّق عليهم بشيء و لا تسقهم من الماء إن استطعت»و قال:«الزيديّة هم النصّاب» (6).
و في الحسن عن زرارة و بكير و الفضيل و محمّد بن مسلم و بريد بن معاوية العجليّ، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء
ص:360
الحروريّة و المرجئة و العثمانيّة و القدريّة،ثمَّ يتوب و يعرف هذا الأمر،و يحسن رأيه،أ يعيد كلّ صلاة صلاّها أو صوم أو زكاة أو حجّ،أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟قال:«ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة[و] (1)لا بدّ أن يؤدّيها،لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها،و إنّما موضعها أهل الولاية» (2).و الأخبار في ذلك كثيرة مشهورة (3).
الأوّل:لو أخرج الزكاة إلى غير المستحقّ ممّن ليس بمؤمن لم تجزئ عنه،لأنّ أربابها معيّنون،فلا يجوز صرفها إلى غيرهم،كالدين إذا دفع إلى غير صاحبه.و لأنّ الإيمان شرط فكان حكمه حكم الفقر،و سواء (4)دفع إليه عمدا أو جهلا.
و يؤيّده:ما تقدّم في حديث محمّد بن مسلم و أصحابه عنهما عليهما السلام (5).
و فارقت الصلاة و الصوم،لأنّها حقّ ماليّ للآدميّين،بخلاف الصلاة و الصوم.
الثاني:لو لم يوجد (6)المؤمن هل يصرف إلى غيرهم؟فيه قولان:أصحّهما المنع.
لنا:ما تقدّم من الأحاديث (7)،و هي عامّة للوجدان و عدمه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن إبراهيم الأوسيّ (8)،عن الرضا عليه السلام قال:«سمعت أبي يقول:كنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال:إنّي رجل من أهل الريّ ولي زكاة،فإلى من
ص:361
أدفعها؟فقال:إلينا،فقال:أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟فقال:بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا،قال (1):إنّي لا أصيب (2)لها أحدا قال (3):فانتظر بها سنة،قال:فإن لم أصب لها أحدا؟قال:انتظر بها سنتين حتّى تبلغ أربع سنين،ثمَّ قال له:إن لم تصب لها أحدا فصرّها صررا و اطرحها في البحر فإنّ اللّه عزّ و جلّ (4)حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا» (5).
و هذا نصّ في تحريم إعطائهم مع فقد المستحقّ،و أمّا الأمر بالطرح في البحر،فيحتمل أن يكون مع التيقّن لفقد المستحقّ دائما،و إنّما الأصل حفظها إلى أن يوجد المستحقّ و لا يتقدّر بقدر.
و في رواية يعقوب بن شعيب عن العبد الصالح قال:«إذا لم يجد دفعها إلى من لا ينصب» (6).و لا تعويل عليها،لأنّها شاذّة،و في طريقها أبان بن عثمان،و هو ضعيف.
الثالث:حكم زكاة الفطرة حكم زكاة المال.و جوّز أبو حنيفة دفعها إلى المشركين (7).
و جوّز بعض أصحابنا دفعها إلى المستضعف من مخالفي الحقّ مع عدم المستحقّ (8)، و الصحيح ما تقدّم.
لنا:ما تقدّم من تضليل مخالفي الحقّ،و هو يمنع من الاستحقاق.
و ما رواه إسماعيل بن سعد الأشعريّ قال:سألت الرضا عليه السلام عن الزكاة هل
ص:362
توضع فيمن لا يعرف؟فقال:«لا،و لا زكاة الفطرة» (1).
و لأنّ المستحقّ لها (2)قوم معيّنون،فلا يخرج عن العهدة بالصرف إلى غيره.
و في رواية الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كان جدّي[عليه السلام] (3)يعطي فطرته الضعفة[و من لا يجد] (4)و من لا يتولّى و قال:هي لأهلها إلاّ أن لا تجدهم فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب» (5).و الأولى أشهر.
احتجّ أبو حنيفة بأنّ صدقة الفطرة ليس للإمام فيها حقّ القبض،فجاز دفعها إلى أهل الذمّة،كالتطوّع (6).و هذا القياس باطل بالنصّ،و يبطل بالأموال الظاهرة،و صدقة التطوّع يجوز صرفها إلى الحربيّ و هذا لا يجوز فيبطل القياس.
و احتجّ بقوله عليه السلام:«أعطوا أهل الأديان من صدقاتكم» (7).
و الجواب:أنّه محمول على التطوّع،جمعا بين الأخبار.
الرابع:يجوز أن يعطى أطفال المؤمنين و إن كان آباؤهم فسّاقا.اختاره السيّد المرتضى في الطبريّات (8)،و الشيخ أبو جعفر الطوسيّ في التبيان (9)،و هو حسن،لأنّ حكم أولاد المؤمنين حكم آبائهم فيما يرجع إلى الإيمان و الكفر.
الخامس:لا يجوز أن يعطى أولاد المشركين و لا أولاد مخالفي الحقّ،لأنّ
ص:363
حكمهم تابع لحكم آبائهم.
و قد اختلف علماؤنا في اشتراطها،فاشترطه الشيخ (1)،و السيّد المرتضى (2)،إلاّ في المؤلّفة.و اقتصر المفيد (3)،و ابنا بابويه (4)،و سلاّر رحمهم اللّه تعالى على الإيمان و لم يشترطوا العدالة (5).و به قال أبو حنيفة (6)،و الشافعيّ (7)،و مالك (8)،و أحمد (9)،و هو الأقرب،و اعتبر آخرون من علمائنا مجانبة الكبائر (10).
لنا:عموم اللفظ المتناول لصورة النزاع و الأصل عدم اشتراط الزائد على المنطوق.
و ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من قوله:«لكلّ كبد حرّى أجر» (11).
ص:364
و قوله عليه السلام:«أعط من وقعت في قلبك الرحمة له» (1).
و ما رواه الشيخ عن سدير الصيرفيّ قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أطعم سائلا لا أعرفه مسلما؟فقال:«نعم،أعط من لا تعرفه بولاية و لا عداوة للحقّ،و لا تطعم من نصب لشيء من الحقّ،أو دعا إلى شيء من الباطل» (2).
و لأنّه بإيمانه يستحقّ الثواب الدائم فيستحقّ الزكاة،كالعدل.
احتجّ السيّد المرتضى (3)رحمه اللّه بالإجماع،و الاحتياط،و ما ورد في القرآن و الأخبار من المنع من معونة الفاسق،و بما رواه داود الصرميّ قال:سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟قال:«لا» (4).و لا قائل بالفرق،و هذا حجّة من عوّل على اشتراط مجانبة الكبائر.
و الجواب:أنّ الإجماع لا يتحقّق مع وجود الخلاف،و الاحتياط لا يعمل به إذا عارض عمومات القرآن،و المنع من معونة الفاسق محمول على معونته على فسقه،و حديث داود ضعيف لعدم المسند إليه.نعم،ما قاله السيّد المرتضى أولى للتخلّص من الخلاف،و لأنّ غير الفاسق أشرف منه و أولى بالمعونة.
و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم،و قد وقع الاتّفاق على وجوب الإنفاق على
ص:365
الوالدين و إن علوا،و الأولاد (1)و إن نزلوا،و الزوجة،و المملوك (2)،و في غيرهم خلاف يأتي تحقيقه إن شاء اللّه تعالى.
فكلّ من تجب نفقته لا يجوز للمنفق أن يعطيه زكاته،لأنّهم أغنياء به.و لأنّ المالك تجب عليه شيئان:الزكاة و الإنفاق،و مع صرف الزكاة إلى من تجب نفقته يسقط أحد الواجبين فيكون الدفع في الحقيقة عائدا إليه،كما لو قضى دين نفسه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا:الأب،و الأمّ،و الولد،و المملوك، و المرأة،و ذلك أنّهم عياله لازمون له» (3).
و عن زيد الشحّام،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«و لا يعطى الجدّ و لا الجدّة من الزكاة» (4).
و روي عن عدّة من أصحابنا،عن أبي الحسن موسى عليه السلام قلت:من الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتّى لا أحتسب الزكاة عليه؟قال:«.الوالدان و الولد» (5).
لا يقال:قد روى الشيخ عن عمران بن إسماعيل القمّيّ (6)قال:كتبت إلى أبي الحسن
ص:366
الثالث عليه السلام:إنّ لي ولدا رجالا و نساء فيجوز أن أعطيهم من الزكاة؟فكتب لي:
«ذلك جائز لك» (1).
لأنّا نقول:لو أجري هذا الخبر على حقيقته لزم مخالفته للإجماع،فلا بدّ من التأويل، و هو من وجوه:
أحدها:يحتمل أن يكون الرجال و النساء من ذوي الأقارب،و أطلق عليهم اسم الولد مجازا بسبب مخالطتهم للأولاد.
و ثانيها:يحتمل أن يكون بضاعته خمسمائة درهم و هي لا تكفي عياله،فلا يجب عليه إخراج الزكاة إلى الأباعد،بل يجوز صرفها إلى أولاده،تتمّة لمؤنتهم و تكملة لما يحتاجون إليه.
و يؤيّده:رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا تعط[من] (2)الزكاة أحدا ممّن تعول»و قال:إذا كان لرجل خمسمائة درهم و كان عياله كثيرا،قال:«ليس عليه زكاة،ينفقها على عياله يزيدها في نفقتهم و (3)كسوتهم و طعامهم (4)،و في طعام لم يكونوا يطعمونه» (5)الحديث.
و ثالثها:يحتمل أنّه أراد الزكاة المندوبة.
،أمّا الزوجة فإنّه
ص:367
يجوز لها أن تعطي زوجها من زكاتها.و به قال الشافعيّ (1)،و أبو يوسف،و محمّد.و قال أبو حنيفة:لا يجوز (2).و عن أحمد روايتان (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن زينب امرأة عبد اللّه بن مسعود (4)قالت:يا نبيّ اللّه إنّك أمرت اليوم بالصدقة و كان عندي حلي لي فأردت أن أتصدّق به فزعم ابن مسعود أنّه هو و ولده أحقّ من تصدّقت عليهم،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«صدق ابن مسعود، زوجك و ولدك أحقّ من تصدّقت به عليهم» (5).
و عن عطاء قال:أتت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله امرأة فقالت:يا رسول اللّه،إنّ عليّ نذرا أن أتصدّق بعشرين درهما،و إنّ لي زوجا فقيرا أ فيجزئ أن أعطيه؟قال:«نعم،لك كفلان من الأجر» (6).
و لأنّ المقتضي و هو الفقر موجود،و المانع و هو وجوب الإنفاق مفقود،فيجوز الدفع إليه.و لأنّه لا يجب عليها نفقته فكان كالأجنبيّ.
ص:368
احتجّ أبو حنيفة بأنّه أحد الزوجين،فلا يجوز دفع الزكاة إليه كالآخر،و لأنّ النفع عائد إليها في الحقيقة،لأنّها تلزمه حينئذ نفقة (1)الموسر فجرى مجرى دفع الزكاة إلى المملوك (2).
و الجواب عن الأوّل:بالفرق،فإنّ الزوجة تجب لها النفقة بخلاف الزوج.
و عن الثاني:بالمنع من كون هذا القدر من النفع مؤثّرا في المنع من الزكاة،و لهذا جاز لصاحب الدين دفع الزكاة إلى مدينة المعسر و النفع متحقّق،لصيرورته غنيّا حينئذ،فيجوز له المطالبة بعد أن كانت حراما عليه،فكما لم يعتدّ بهذا النفع في طرف المدين (3)،فكذا في الزوجة.
،بل صرفها إلى الأقارب أفضل،سواء كان وارثا أو لم يكن.و به قال أكثر أهل العلم (5).
و قال أحمد في إحدى الروايتين:لا يعطى الوارث كالأخ و العمّ و الخال و يعطى غيره كالأخ مع الولد (6).
لنا:قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ (7).و هو يدلّ بعمومه على صورة النزاع.
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«الصدقة على المسكين
ص:369
[صدقة] (1)و هي لذي الرحم اثنتان:صدقة و صلة» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن أحمد بن حمزة (3)قال:قلت لأبي الحسن عليه السلام:رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك (4)،و له زكاة،أ يجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟قال:«نعم» (5).
و عن عليّ بن مهزيار،عن أبي الحسن عليه السلام،قال:سألته عن الرجل يضع زكاته كلّها في أهل بيته و هم يتولّونك؟قال:«نعم» (6).
و عن زيد الشحّام،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في الزكاة:«يعطى منها الأخ، و الأخت و العمّ،و العمّة،و الخال،و الخالة،و لا يعطى الجدّ و لا الجدّة» (7).
و لأنّه ليس من عمودي النسب فأشبه الأجنبيّ،و أمّا أنّهم أفضل من غيرهم،فلما دلّ عليه الحديث عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أنّه صلة.
و ما رواه الشيخ عن عدّة من أصحابنا،عن أبي الحسن موسى عليه السلام،قال:
قلت:لي قرابة أنفق على بعضهم،و أفضّل بعضهم على بعض،فيأتيني إبّان (8)الزكاة أ فأعطيهم منها؟قال:«أ مستحقّون لها»؟قلت:نعم،قال:«هم أفضل من غيرهم،
ص:370
أعطهم» (1).
احتجّ أحمد بأنّ على الوارث نفقة الموروث،فدفع الزكاة إليه يعود نفعها إلى الدافع (2).
و الجواب:المنع من إيجاب النفقة على ما يأتي إن شاء اللّه.
كيتيم أجنبيّ جاز دفع الزكاة إليه و الإنفاق عليه من الزكاة.و عن أحمد روايتان (3).
لنا:العموم الوارد في القرآن و السنّة.
احتجّ أحمد بأنّه يستغنى بها عن تحمّل مئونته فيعود النفع على المنفق (4).و هذا ضعيف،لأنّ مئونته ليست واجبة عليه،فالدفع إليه لا يسقط واجبا و لا يجلب نفعا،فكان سائغا.
و قد أجمع علماء الإسلام على أنّ الصدقة المفروضة من غير الهاشميّ محرّمة على الهاشميّ.
روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد، إنّما هي أوساخ الناس» (5).
ص:371
و قال عليه السلام:«الصدقة محرّمة على بني هاشم» (1).
و قال عليه السلام:«هذه الصدقة أوساخ الناس،فلا تحلّ لمحمّد و آل محمّد» (2).
و عن أبي هريرة أنّ الحسن عليه السلام أخذ تمرة من تمر الصدقة فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«كخ كخ»ليطرحها،و قال:«أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة؟» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا:يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه عزّ و جلّ للعاملين عليها فنحن أولى به،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا بني عبد المطّلب، إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم و لكنّي قد وعدت الشفاعة.فما ظنّكم يا بني عبد المطّلب إذا أخذت بحلقة[باب] (4)الجنّة أ تروني مؤثرا عليكم غيركم؟!» (5).
و في الحسن عن محمّد بن مسلم و زرارة،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس،و إنّ اللّه حرّم عليّ منها و من غيرها ما قد حرّمه،فإنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطّلب ثمَّ قال:أما و اللّه لو قد قمت على باب الجنّة ثمَّ أخذت بحلقته لقد علمتم أنّي لا أوثر عليكم فارضوا لأنفسكم بما رضي اللّه و رسوله لكم،قالوا:رضينا يا رسول اللّه» (6).
ص:372
و في الصحيح عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس و لا لنظرائهم من بني هاشم» (1).
لا يقال:قد روى الشيخ عن أبي خديجة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها منهم فإنّها تحلّ لهم و إنّما تحرم على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و على الإمام الذي يكون بعده و على الأئمّة عليهم السلام» (2).
لأنّا نقول:في طريقه ابن فضّال و هو ضعيف،فلا يعارض ما ثبت بالإجماع و السنّة المتواترة،و يحتمل (3)أن يكون ذلك في حال الضرورة.
.و عليه فتوى علمائنا،خلافا للجمهور كافّة،إلاّ أبا يوسف فإنّه جوّزه (4).
لنا:العموم في قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ (5).و إنّما حرّمنا الصدقة على بني هاشم،لكونها أوساخ الناس بالنصّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و هو غير متناول لصورة النزاع،لأنّ الأوساخ كلمة ذمّ لمن تضاف إليه،فلا يندرج فيها بنو هاشم،فلا تكون زكاتهم أوساخا فلا يثبت المقتضي للمنع.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:قلت له:
صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحلّ لهم؟قال:«نعم،صدقة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله تحلّ لجميع الناس من بني هاشم و غيرهم،و صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم،و لا تحلّ لهم
ص:373
صدقات إنسان غريب» (1).
و عن إسماعيل بن الفضل الهاشميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قلت:أ فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟قال:«نعم» (2).
و عن زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«و لم تحرم علينا صدقة بعضنا على بعض» (3).
و عن جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته هل تحلّ لنبي هاشم الصدقة؟قال:«لا»قلت:تحلّ لمواليهم؟قال:«تحلّ لمواليهم،و لا تحلّ لهم إلاّ صدقات بعضهم على بعض» (4).
و ما رواه الجمهور عن عليّ و فاطمة عليهما السلام أنّهما وقفا على بني هاشم (1)، و الوقف صدقة،و لا خلاف في جواز معونتهم و العفو عنهم و غير ذلك من وجوه المعروف، و قد قال عليه السلام:«كلّ معروف صدقة» (2).
و ما رووه عن جعفر بن محمّد،عن أبيه عليهما السلام أنّه كان يشرب من سقايات بين (3)مكّة و المدينة«فقلت له:أ تشرب من الصدقة؟فقال:إنّما حرّمت علينا الصدقة المفروضة» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن جعفر بن إبراهيم الهاشميّ (5)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:قلت له:تحلّ الصدقة لبني هاشم؟فقال:«إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا فأمّا غير ذلك فليس به بأس،و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكّة،هذه المياه عامّتها صدقة» (6).
و عن زيد الشحّام،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن الصدقة التي حرّمت
ص:375
عليهم،فقال:«هي الصدقة المفروضة» (1).
و لأنّ المفروضة مطهّرة للمال فينفى (2)الوسخ عن المندوبة.
عندي فيه تردّد.قال (3)أكثر علمائنا بعدمه (4)،و للشافعيّ قولان (5)،و عن أحمد روايتان (6).
احتجّ (7)المحرّمون بعموم قوله عليه السلام:«إنّا لا نأكل الصدقة» (8)و وصف واصف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لسلمان لمّا أسلم فقال له:إنّه يأكل الهديّة و لا يأكل الصدقة (9).
و كان إذا أتي بطعام سأل عنه،فإن قيل:صدقة قال لأصحابه:«كلوا»و لم يأكل،و إن قيل:
هديّة ضرب بيده فأكل معهم (10).
و قال عليه السلام:«إنّي لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثمَّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» (11).
و لأنّ له مزيّة على آله عليهم السلام و قد ثبت تحريم المفروضة عليه و عليهم،
ص:376
فيختصّ هو عليه السلام بتحريم المندوبة.
احتجّ (1)المجوّزون بأنّه عليه السلام كان يقترض و يقبل الهديّة،و كلّ ذلك صدقة، لقوله عليه السلام:«كلّ معروف صدقة» (2).و فيه نظر،لأنّ المراد بالصدقة المحرّمة ما يدفع من المال إلى المحاويج على سبيل سدّ الخلّة و مساعدة الضعيف طلبا للأجر،لا ما جرت العادة بفعله على سبيل التودّد كالهديّة و القرض،و لهذا لا يقال للسلطان إذا قبل هديّة بعض رعيّته:إنّه تصدّق منه.
و هم الآن بنو أبي طالب من العلويّين و الجعفريّين و العقيليّين و بنو العبّاس و بنو الحارث و بنو أبي لهب،لقوله عليه السلام:«إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم يا بني عبد المطّلب» (3).
و قوله عليه السلام:«إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطّلب» (4).
و قول الصادق عليه السلام:«إنّ الصدقة لا تحلّ لولد العبّاس و لا لنظرائهم من بني هاشم» (5).
لا نعرف خلافا في تحريم الزكاة على هؤلاء و استحقاقهم للخمس،و قد وقع الخلاف في بني المطّلب و هو عمّ عبد المطّلب،فقال المفيد من علمائنا في الرسالة العزّيّة:إنّهم يدخلون
ص:377
في حكم بني عبد المطّلب فلا تحلّ لهم الزكاة و لهم الأخذ من الخمس (1).و به قال الشافعيّ (2).
و قال أكثر علمائنا:لا يدخلون معهم،و يجوز لبني المطّلب الأخذ من الزكاة و لا يستحقّون الخمس (3).و به قال أبو حنيفة (4)،و عن أحمد روايتان (5).
لنا:عموم قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ (6)خرج منه بن و عبد المطّلب لشدّة قربهم و علوّ منزلتهم بالإجماع فيبقى الباقي على العموم،و قياس بني المطّلب على بني هاشم باطل،لأنّ بني هاشم أقرب و أشرف و هم آل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و تخصيص الصادق عليه السلام التحريم يدلّ على نفيه عمّا عدا المخصوص (7)،و ذلك في قوله:«لا تحلّ لولد العبّاس و لا لنظرائهم من بني هاشم» (8).
و كذا في قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم يا بني عبد المطّلب» (9).و المراد بذلك كلّه شرف المنزلة و تعظيم آله عليهم السلام،فلو شاركهم بنو المطّلب في ذلك لذكره،لأنّه في معرض التعظيم لنسبه.و لأنّ المقتضي لاستحقاق
ص:378
الخمس و منع الزكاة إن كان هو القرب في بني المطّلب وجب مشاركة بني نوفل و عبد شمس في ذلك،و قد وافقنا الشافعيّ (1)،و أحمد (2)على عدم استحقاقهم الخمس و جواز إعطائهم الزكاة،فكذا (3)مساويهم في القرابة،و هم بنو المطّلب.
احتجّ المفيد (4)رحمه اللّه بما رواه الشيخ عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال:«لو كان عدل (5)ما احتاج هاشميّ و لا مطّلبيّ إلى صدقة،إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم»ثمَّ قال:«إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة،و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلاّ أن لا يجد شيئا،و يكون ممّن تحلّ له الميتة» (6).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أنا و بنو المطّلب لم نفترق في جاهليّة و لا إسلام،و نحن و هم شيء واحد» (7).و هذا حجّة الشافعيّ (8).
و لأنّ ذلك حكم يتعلّق بقرابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فاستوى فيه بنو المطّلب و بنو هاشم.
و الجواب عن الأوّل:أنّه خبر نادر فلا يخصّ به عموم القرآن،و مع ذلك فإنّ في طريقه عليّ بن فضّال و هو ضعيف،و معارض (9)بالأخبار من أهل البيت عليهم السلام،
ص:379
و قد ذكرنا طرفا منها.
و عن الثاني:أنّ حقيقته غير مرادة (1)،و ليس له لفظ يدلّ بالعموم على شيء، و ظاهره غير مراد،إذ ليس أحدهما الآخر مع احتمال إرادة اتّحادهما في الشرف و التعظيم و المودّة و الصحبة و النصرة.
و يؤيّده:قوله عليه السلام:«لم نفترق في جاهليّة و لا إسلام»فإنّه مشعر بالنصرة، و مع هذه الاحتمالات فلا حجيّة فيه.
و عن الثالث:بأنّ مطلق القرابة غير كاف،لعدم استحقاق بني نوفل و عبد شمس مع مساواتهم لبني المطّلب في القرابة.
-و نعني (2)بالموالي:من أعتقه هاشميّ- و عليه علماؤنا،و للشافعيّ قولان (3).
لنا:العموم،و ما رواه الشيخ في الصحيح عن ثعلبة بن ميمون قال:كان أبو عبد اللّه عليه السلام يسأل شهابا من زكاته لمواليه،و إنّما حرّمت الزكاة عليهم دون مواليهم (4).
و عن جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته هل تحلّ لبني هاشم الصدقة؟قال:«لا»قلت:تحلّ لمواليهم؟قال:«تحلّ لمواليهم و لا تحلّ لهم إلاّ صدقات بعضهم على بعض» (5).
و لأنّ منع الزكاة في مقابلة استحقاق الخمس،و مواليهم لا يستحقّون الخمس، فلا يمنعون.
ص:380
احتجّ المخالف (1)بقوله عليه السلام:«موالي القوم منهم» (2).
و الجواب:أنّه لا يدلّ على المنع من الزكاة.
لا يقال:قد روى الشيخ عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«مواليهم منهم و لا تحلّ الصدقة من الغريب لمواليهم» (3).
لأنّا نقول:في طريقه ابن فضّال،و هو ضعيف.و لأنّه محمول على الكراهية أو على الموالي الذين هم مماليك،لأنّ نفقتهم واجبة على ساداتهم فيكون في الحقيقة إعطاء لهم، ذكرها (4)الشيخ (5).
الصدقة فردّتها و قالت:إنّا آل محمّد لا تحلّ لنا الصدقة (1).
و الجواب:المنع من صحّة الحديث،فإنّ أكثر الجمهور لم يعملوا به و لو صحّ عندهم لعملوا بموجبة،فلا يخصّ به عموم القرآن.
لهم تناول الزكاة.و عليه فتوى علمائنا أجمع،و به قال أبو سعيد الإصطخريّ من الشافعيّة (2)،و أطبق الجمهور على المنع.
لنا:أنّ المنع من الزكاة إنّما هو لاستغنائهم بالخمس،فمع تعذّره ينتفي المقتضي للتحريم،فيبقى على أصالة الإباحة.
و يؤيّده:ما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال للفضل بن العباس:
«أ ليس في خمس الخمس ما يكفيكم عن أوساخ الناس؟» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلاّ أن لا يجد شيئا و يكون ممّن تحلّ له الميتة» (4).
و عن أبي خديجة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها[منهم] (5)فإنّها تحلّ لهم،و إنّما تحرم على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و على الإمام الذي
ص:382
يكون بعده و على الأئمّة» (1).
قال الشيخ:هو (2)محمول على الضرورة.و هو جيّد،جمعا بين الأخبار،و استثناء (3)النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام،لأنّه لا يبلغ حالهم في الضرورة إلى أكل الزكوات،بخلاف غيرهم،فإنّه قد يضطرّ إلى ذلك (4).
احتجّوا بأنّ المنع ثبت تشريفا و تعظيما،و هو موجود مع المنع من حقّهم (5).
و الجواب:قد بيّنّا عليه المنع.
إذا ثبت جواز إعطائهم عند منعهم من مستحقّهم فهل يجوز أن يأخذوا بقدر الحاجة و ما يزيد عنها أم لا؟الأقرب منعهم ممّا يزيد عن (6)قدر ضرورتهم،لأنّه مفهوم من المناهي.
ص:383
،و إن عرف صدقه أعطي،و إن لم يعلم حاله قبلت دعواه و لم يكلّف بيّنة و لا يمينا،لأنّه يدّعي الأصل و هو عدم المال، و الأصل:عدالة المسلم،فكان قوله مقبولا.أمّا لو عرف أنّ له مالا و ادّعى تلفه،قال الشيخ:يكلّف بيّنة على التلف،لأنّ الأصل بقاء المال (1).و الأقرب:أنّه لا يكلّف بيّنة، عملا بعدالته.
و لو ادّعى المريض أو الشيخ أو الشابّ الذي هو ضعيف البنية العجز عن الحركة و الاكتساب،قبل قوله إجماعا،لأنّه يدّعي ما يشهد له الظاهر بصدقه.
و إن كان قويّ البنية جلدا فادّعى العجز عن الاكتساب،فالأقرب قبول قوله من غير يمين،عملا بعدالته.و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أعطى الرجلين اللذين سألاه و لم يحلّفهما (2).
و قال الشافعيّ:يحلف،لأنّه يدّعي خلاف الظاهر (3).
و لو ادّعى عيالا يعجز عن مؤونتهم،فالأقرب أيضا قبول قوله من غير يمين،كما يقبل
ص:384
قوله أنّه غير مكتسب.
و قال الشافعيّ:يطالب بالبيّنة،لإمكانها (1).
،فإن أقام بيّنة أو علم صدقه فلا بحث،و إن لم يقم بيّنة و لم يعلم صدقه،فإن كذّبه السيّد لم يقبل قوله إلاّ بالبيّنة،لأنّ الأصل عدم الكتابة و بقاء رقّيّته (2)،و إن صدّقه السيّد قبل قوله،لأنّ إقرار السيّد هاهنا في حقّه،فكان مقبولا.
و قال الشافعيّ:لا يقبل،لجواز التواطؤ لأخذ الزكاة (3).و الأقرب الأوّل،لأنّ هذا الدفع يقع (4)مراعى في حقّ السيّد،فإن أعتق العبد و إلاّ طولب بالردّ.
قال الشيخ:الأولى:الأوّل فيمن عرف أنّ له عبدا،و الثاني أحوط فيمن لا يعرف ذلك من حاله (5).
و لو لم يعلم حال السيّد من تصديق أو تكذيب،فالأقرب القبول،عملا بالعدالة الثابتة بالأصالة للمسلم.
و قال الشافعيّ:لا يقبل إلاّ بالبيّنة،لإمكانها (6).
أحدهما:غارم لمصلحة ذات البين،و أمره ظاهر مشهور،لأنّه يتحمّل حمالة ظاهرة، فهذا يعطى من الصدقات.
و الثاني:غارم لمصلحة نفسه،فإن أقام البيّنة بأنّ عليه دينا قبلت،و كذا إن علم صدقه،و إن لم يحصل أحدهما،فإن صدّقه المدين،فالوجه القبول،عملا بالعدالة كما قلنا في
ص:385
الكتابة،و إن كذّبه لم يعط شيئا،و إن لم يعلم حاله من تصديق و تكذيب فالأقرب القبول من غير يمين.
قبل قوله من غير يمين،عملا بالأصل،و كذا لو قال:كان لي مال فتلف.
و قال الشيخ:لا تقبل دعواه إلاّ بالبيّنة،لإمكان إقامتها على التلف مع مخالفة دعواه لأصليّة (1)البقاء (2).و الأقرب ما قلناه،و كذا لو قال:لي مال في بلدي و ليس لي هاهنا شيء.
،عملا بعموم الآية (3)، و لا يشترط عدالة الأب،عملا بالعموم.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:
قلت:الرجل يموت و يترك العيال،أ يعطون من الزكاة؟قال:«نعم،حتّى ينشأوا و يبلغوا و يسألوا،من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم؟!»فقلت له:إنّهم لا يعرفون؟قال:
«يحفظ فيهم ميّتهم و يحبّب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يهتمّوا بدينهم (4)،فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم» (5).
الأوّل:لا يعطى أولاد المشركين،لأنّ أحكامهم ملحقة بأحكام آبائهم،و كذا لا يعطى أولاد المخالفين.
ص:386
الثاني:لا يعطى المملوك و إن كان طفلا،لأنّ الإعطاء في الحقيقة يكون للمالك.
الثالث:تدفع الزكاة إلى وليّ الطفل،لأنّه المتولّي لأمره،سواء (1)كان رضيعا أو لا، أكل الطعام أو لا.
و منع أحمد في إحدى الروايتين من الرضيع (2).
لنا:العموم،و لأنّه محتاج (3)إلى الزكاة في أجرة الرضاع و الكسوة و النفقة كأكل الطعام،و يجوز أن يدفع إليه إن كان مراهقا.
الرابع:يجوز الدفع إلى وليّ المجنون،لحاجته إليها.
أعاد،لأنّ المستحقّ متعيّن و لم يصل إليه حقّه فيبقى المخرج في العهدة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة و بكير و الفضيل و محمّد بن مسلم و بريد بن معاوية العجليّ،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء:الحروريّة،و المرجئة،و العثمانيّة،و القدريّة،ثمَّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه أ يعيد كلّ صلاة صلاّها أو صوم أو زكاة أو حجّ،أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟قال:«ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة لا بدّ (4)أن يؤدّيها،لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها و إنّما موضعها أهل الولاية» (5).
لم يضمن الدافع
ص:387
و لا المالك بلا خلاف،أمّا المالك،فلأنّه أدّى الواجب و هو الدفع إلى الإمام فيخرج عن العهدة.
و أمّا الدافع،فلأنّه نائب عن الفقراء أمين لهم،لم يوجد منه تفريط من جهته (1)فلا يضمن.و لأنّه فعل المأمور به،لأنّ الواجب الدفع إلى من يظهر منه الفقر،إذ الاطّلاع على الباطن متعذّر فيخرج عن العهدة،و لا نعلم فيه خلافا.
الأوّل:للإمام و النائب له أن يستردّ ما دفعه مع ظهور غناه،شرط حال الدفع ذلك أو لم يشرط (2)،أعلمه أنّها زكاة أو لم يعلمه،لأنّ الظاهر من حال الإمام أنّه إنّما يفرّق الزكوات غالبا،فإن وجد المدفوع بعينه استردّه و إلاّ استردّ بدله إمّا المثل أو القيمة،و إن تعذّر ذلك ذهب من مال المساكين.
الثاني:لو كان الدافع هو المالك،قال الشيخ في المبسوط:لا ضمان عليه (3).و به قال الحسن البصريّ (4)،و أبو حنيفة (5).
و قال أبو يوسف:لا يجزئه (6).و به قال الثوريّ،و الحسن بن صالح بن حيّ،
ص:388
و ابن المنذر (1).و للشافعيّ قولان (2)،و عن أحمد روايتان (3).و الأقرب:سقوط الضمان مع الاجتهاد،و ثبوته مع عدمه.
لنا:أنّه أمين في يده مال لغيره فيجب عليه الاجتهاد و الاستظهار في دفعها إلى مالكها.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن عبيد بن زرارة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:رجل عارف أدّى الزكاة إلى غير أهلها زمانا،هل عليه أن يؤدّيها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟قال:«نعم»قال (4):قلت:فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدّها،أو لم يعلم أنّها عليه فعلم بعد ذلك؟قال:«ليؤدّيها إلى أهلها لما مضى»قال:قلت:فإنّه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل و قد كان طلب و اجتهد ثمَّ علم بعد سوء ما صنع؟قال:
«ليس عليه أن يؤدّيها مرّة أخرى» (5).
و عن زرارة مثله غير أنّه قال:«إن اجتهد فقد برئ،و إن قصّر في الاجتهاد و الطلب فلا» (6).
و لأنّه مأمور بالإخراج و مسوّغ له التفرقة بنفسه،و التكليف بمعرفة الباطن تكليف بما لا يطاق،فكان مكلّفا بالبناء على الظاهر مع الاجتهاد و قد امتثل،فيخرج عن العهدة.
و لأنّه دفعها إلى من ظاهره الاستحقاق فيجزئه،كالإمام.
ص:389
احتجّ المخالف بأنّه دفعها إلى غير مستحقّها فلا تقع مجزئة،كالدين (1).
و الجواب:أنّه دفع مشروع،فلا يستعقب وجوب القضاء تحقيقا للإجزاء.
و ما رواه الشيخ عن[الحسين بن] (2)عثمان،عمّن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى أنّه معسر فوجده موسرا،قال:«لا يجزئ عنه» (3)محمول على عدم الاجتهاد و الاستظهار،لحديث زرارة.
الثالث:إن وجد المالك العين استردّها إن كان شرط وقت الدفع أنّها زكاة فرض، لعدم تملّك من دفعت إليه و بقاؤها إلى أربابها،و إن لم توجد استردّ المثل أو القيمة،و إن تعذّر بموت أو فقر فلا ضمان مع الاجتهاد و يضمن مع عدمه.
أمّا لو لم يشترط (4)فإنّه لا يرجع،لأنّ دفعه محتمل للوجوب و التطوّع فليس له الرجوع.
الرابع:لو بان المدفوع إليه عبده فالوجه:عدم الإجزاء مطلقا،لأنّه في الحقيقة دفع إلى المالك.
الخامس:لو دفع إلى من ظاهره الإسلام أو الحرّيّة أو العدالة،فبان كافرا أو رقّا أو فاسقا أو هاشميّا أو من تجب نفقته،قال الشيخ:الحكم فيه كما مضى في الغنيّ (5).
و قال أحمد:لا يجزئه،و تجب عليه الإعادة (6).
و للشافعيّ قولان:أحدهما:أنّه كالفقير (7).
ص:390
و الثاني:إن كان من المالك أعاد قولا واحدا،و إن كان من الإمام فقولان (1).
لنا:أنّ الواجب الدفع إلى من يظهر منه الاستحقاق،و التطلّع على الأمور الباطنة غير مأخوذ عليه و لا واجب فلا يضمن،لعدم التفريط مع الاجتهاد.
و يؤيّده:حديث عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام (2).
احتجّ المخالف بأنّه دفعه إلى غير المستحقّ فيضمن،كالدين إذا دفع (3)إلى غير مالكه.
و لأنّ الفقر (4)يخفى،لقوله تعالى يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ (5)بخلاف ما ذكر،فإنّ الكفر و الفسوق و القرابة و الاتّصال بالرسول صلّى اللّه عليه و آله (6)لا يخفى مع الطلب و الاجتهاد (7).
و الجواب عن الأوّل:أنّ مستحقّ الدين متعيّن،فلا يوقع إلاّ مع اليقين (8).
و عن الثاني:أنّ الخفاء و الظهور مشترك في ذلك كلّه،كيف و الاعتقاد من الأمور الباطنة و الفسوق قد يخفى خصوصا من المتظاهر بالعدالة؟
أمّا الرقاب،و الغارمون،و في سبيل اللّه،و ابن السبيل فإنّهم يعطون عطاء مراعى (1)على خلاف.
و الفرق بين هذه الأربعة و المتقدّمة أنّ هؤلاء يأخذون الزكاة لمعنى،فإذا لم يحصل استعيدت.أمّا المتقدّمة فإنّ المقصود حصل بدفعهم و هو غنى الفقراء و المساكين و تأليف المؤلّفين و أداء أجر العاملين،و نحن نبيّن ذلك فنقول:
المكاتب إن صرف ما أخذه في (2)مال الكتابة و عتق فقد وقع موقعه إجماعا،لحصول المقصود بالدفع،و إن دفعه إلى المالك و لم يف بما عليه و استرقّه سيّده فهل يرتجع أم لا؟قال الشيخ:لا يرتجع (3). (4)و للشافعيّ وجهان (5).
لنا:أنّه دفعه إليه ليدفعه إلى سيّده،و قد حصل فلا يرتجع (6)كما لو حصل العتق.
احتجّ الشافعيّ بأنّ القصد تحصيل العتق له،فإذا لم يحصل استرجع (7).و الصحيح:
الأوّل.
و لو لم يدفعه إلى المالك بل أبرأه المولى،أو تطوّع عليه متطوّع بالأداء عنه،أو عجّز نفسه فاسترقّه المولى هل يرتجع أم لا؟قال الشيخ:لا يرتجع (8).و الأقرب:أنّه إن دفع إليه ليصرفه في الكتابة ارتجع.
لنا:أنّ الآية دلّت على تمليك الفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلّفة (9)،لأنّه
ص:392
تعالى بيّن استحقاقهم بلام التمليك،أمّا الأربعة الأخرى فإنّه تعالى أتى فيهم بفاء الظرفيّة (1)، فجعلهم ظرفا للزكاة لا مستحقّين لها.
و لأنّ المالك مخيّر (2)في صرف الزكاة إلى من شاء من الأصناف،فبالمخالفة له الاسترجاع.
و الغارم يعطى بقدر دينه،فإن صرفه فيه فلا بحث و وقعت الزكاة موقعها،و إن لم يصرفه فيه،قال الشيخ:لا يرتجع (3).
و قال الشافعيّ:يرتجع (4).و هو الوجه،لمخالفة المالك.
احتجّ الشيخ بأنّه ملكه بالقبض فلا يحكم عليه (5).
و الجواب:ملكه مراعى،فإنّ المالك ملّكه ليصرفه في وجه مخصوص،فلا يسوغ مخالفته.
و لو دفع الغارم الغرم (6)من ماله،لم يعط شيئا،لأنّه قد أسقط الغرم و المطالبة، أمّا لو استدان و أدّاه،فإنّه يجوز أن يأخذه و يؤدّي الدين،لبقاء الغرم و المطالبة.
و الغازي يعطى ما يحتاج إليه و يقبل قوله إذا قال:أريد الغزو،و يدفع إليه دفعا مراعى،و يختلف قدر كفايته لذهابه و عوده باعتبار كونه فارسا و راجلا،فإن صرف ما دفع إليه في الغزو وقع موقعه،و إن لم يغز استعيد منه على ما تقدّم.
و إن فضل معه شيء بعد الغزو لم يستعد،لأنّا دفعنا إليه قدر كفايته و لكنّه ضيّق على
ص:393
نفسه فلا يستردّ منه.
و ابن السبيل يدفع إليه قدر كفايته لوصوله إلى بلده مع الحاجة أو قصور النفقة،فإن صرفه في ذلك وقع موقعه،و إن صرفه في غيره،قال الشيخ:لا يرتجع،لأنّه مستحقّ بسبب السفر،فلا يتحكّم عليه (1).
و الأقرب عندي:الاستعادة،لأنّ المالك قصد بالدفع المعونة،فيقتصر على قصده.
و لو فضل معه شيء من الصدقة بعد وصوله إلى بلده استعيد،لغنائه (2)في بلده،بخلاف الغازي،لأنّ المدفوع إليه كالأجرة،و هاهنا للمعونة و الحاجة،و قد زالت.
و ابن السبيل المنشئ للسفر من بلده يأخذون الزكاة مع الفقر و الحاجة و لا يأخذون مع الغني (3)،أمّا الفقير و المسكين فلزوال وصفهما مع الغناء،و أمّا الباقي،فلقوله عليه السلام:«أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأضعها في فقرائكم» (4).
و أمّا العاملون،فإنّهم يأخذون الصدقة مع الغنى و الفقر،عملا بعموم الآية.و لأنّ ما يأخذه أجرة عن (5)عمله فلا يعتبر فيه الفقر،كالحاسب و الحافظ.
و الغارمون لمصلحة ذات البين يأخذون مع الغنى و الفقر،عملا بالعموم السالم عن المخصّص،و بما رواه أبو سعيد الخدريّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا تحلّ الصدقة
ص:394
لغنيّ إلاّ لخمس» (1)و ذكر رجلا تحمّل بحمالة (2).و لأنّ تحمّله و ضمانه إنّما يقبل إذا كان غنيّا فالحاجة به ثابتة مع الغناء.
أمّا الغارم لمصلحة نفسه فقد بيّنّا أنّه يأخذ مع الفقر خاصّة،و الفرق بينهما أنّه هنا يأخذ من غير حاجة بنا إليه،فاعتبر بفقره كالفقراء و المكاتبين و أبناء السبيل.و الأوّل يأخذ لحاجتنا إليه،فلا يعتبر (3)فقره كالمؤلّفة (4).و للشافعيّ فيه قولان (5).
و الغازي يأخذ مع الغنى و الفقر،قاله الشيخ رحمه اللّه (6).و به قال الشافعيّ (7).
و قال أبو حنيفة:لا يدفع إليه إذا كان غنيّا (8).
لنا:عموم القرآن،و ما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدريّ أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلاّ لخمس» (9).و قال:«أو غاز في سبيل اللّه».
و لأنّه يأخذ لحاجتنا إليه فلا يشترط فقره كالعامل.
احتجّ بأنّه تجب عليه الزكاة،فلا يدفع إليه كباقي السهمان (10).
ص:395
و الجواب:أهل السهمان من يأخذ منهم لحاجتنا إليه لا يعتبر فقره كالعامل و المؤلّفة،و من يأخذ لحاجته إلينا يعتبر فقره.
و ابن السبيل المجتاز يعطى مع الغناء و الفقر،عملا بالعموم.و لأنّ حاجته عندنا ثابتة و لا يندفع إلاّ بأخذ الصدقة فشرعت (1)له،و ماله في بلده غير منتفع به فكان كالفقير.
جاز أن يدفع إليه من سهم من اتّصف بصفته.
و كذا كلّ من تجب نفقته عليه،لأنّ ما يأخذه الغازي و العامل كالأجرة و لا يجب على الإنسان فكّ رقبة من تجب نفقته،و لا مئونة السفر الزائدة على الحضر.
إذا ثبت هذا،فإن كان من تجب نفقته ابن سبيل دفع إليه ما يحتاج إليه لسفره ممّا يزيد عن نفقته الأصليّة كالحمولة و مئونة الطريق.
و لو كان مملوكه مكاتبا جاز أن يدفع إليه المولى من زكاته ما يعينه (2)على فكّ رقبته.
و قال أبو حنيفة:لا يعطيه المولى (3).و به قال ابن الجنيد (4).
لنا:عموم الآية و قوله وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ (5).
احتجّ أبو حنيفة بأنّ ما يعطيه المولى يكون ملكا له،فلا يكون مخرجا (6).
ص:396
و الجواب:أنّ تصرّفات المولى انقطعت عن العبد بالكتابة فكان (1)ما يدفعه بمنزلة التكسّب (2).
و لو سافرت الزوجة بإذنه كان ما يزيد عن (3)نفقة الحضر محتسبا من سهم أبناء السبيل،و لو كانت بغير إذنه كانت عاصية فلا تعان عليه بالإعطاء.
و لو كانت مكاتبة جاز أن يدفع إليها زوجها ما يعينها على فكّ رقبتها،لأنّه ليس بلازم له،و كذا لو كانت غازية (4).
.و به قال ابن عبّاس،و حذيفة،و عمر،و سعيد بن جبير،و الحسن البصريّ،و النخعيّ،و عطاء، و الثوريّ،و أصحاب الرأي (5).
و روي عن النخعيّ أنّه قال:إن كان المال كثيرا يحتمل الأصناف قسّمه عليهم،و إن كان قليلا جاز وضعه في صنف واحد (6).
و قال مالك:يتحرّى موضع الحاجة منهم و يقدّم الأولى فالأولى (7).
و قال الشافعيّ:يجب أن يقسّم زكاة كلّ صنف من ماله على الموجودين من الأصناف الستّة الذين سهامهم ثابتة بالسويّة،و لا يصرف حصّة كلّ صنف منهم إلى أقلّ
ص:397
من ثلاثة (1).و به قال عكرمة (2)،و عن أحمد روايتان (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لمعاذ:«أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ (4)في فقرائهم» (5).فأخبر بأنّه مأمور بردّ الزكاة بأسرها إلى صنف واحد،هم الفقراء،و لم يذكر سواهم.ثمَّ إنّه عليه السلام جاءه مال فجعله في صنف آخر غير الفقراء،و هم المؤلّفة كالأقرع بن حابس،و عيينة بن حصن،و علقمة (6)،و زيد الخيل (7)،قسّم فيهم (8)الصدقة التي بعث بها عليّ عليه السلام إليه من اليمن (9).
ص:398
و جاءه مال آخر فجعله في صنف واحد،لأنّه عليه السلام أعطاه لقبيصة (1)بن المخارق لمّا تحمّل حمالة،فقال له عليه السلام:«أقم يا قبيصة حتّى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» (2).و أمر لسلمة بن صخر (3)بصدقة قومه (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن عبد الكريم بن عتبة الهاشميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي،و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر،و لا يقسّمها بينهم بالسويّة إنّما يقسّمها بينهم على قدر ما يحضره منهم»و قال:«ليس في ذلك شيء مؤقّت» (5).
و لأنّه لا يجب صرفها إلى جميع الأصناف إذا أخذها الساعي،فلا يجب ذلك إذا فرّقها المالك.و لأنّه لا يجب عليه تعميم أشخاص كلّ صنف،فجاز الاقتصار على واحد،كما لو أوصى لجماعة منتشرين.
احتجّ المخالف (6)بقوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ (7).شرّك بينهم فيها، فلا يجوز الاقتصار على بعضهم كالخمس.
و الجواب:المراد من الآية بيان المصرف و الأصناف التي تصرف الزكاة إليهم لا إلى
ص:399
غيرهم.
الأوّل:الأفضل صرفها إلى الأصناف بأسرهم و التشريك بينهم،لأنّ لكلّ واحد منهم قسطا.و لأنّه يخرج به عن الخلاف.
الثاني:يجوز تفضيل بعضهم على بعض،لأنّ حرمان بعضهم سائغ،فالتفضيل عليه أولى.
الثالث:يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه و ما يزيد على غناه.و هو قول علمائنا أجمع، و به قال أصحاب الرأي (1).
و قال الثوريّ (2)،و مالك (3)،و الشافعيّ (4)،و أبو ثور:يعطى قدر ما يغنيه من غير زيادة (5).و به قال أحمد في إحدى الروايتين،و في الأخرى:لا يجوز أن يدفع إليه قدر غناه بل دونه (6).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«خير الصدقة ما أبقت غنى» (7).
ص:400
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن سعيد بن غزوان (1)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة؟قال:«أعطه من الزكاة حتّى تغنيه» (2).
و عن زياد بن مروان،عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال:«أعطه ألف درهم» (3).
و عن؟؟؟ بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام.قلت:خمسمائة؟قال:«نعم، حتّى تغنيه» (4).
و عن عمّار بن موسى،عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل،كم يعطى الرجل من الزكاة؟قال:قال أبو جعفر عليه السلام:«إذا أعطيته فأغنه» (5).
و لأنّه بدون الغنى يستحقّ الأخذ،فيجوز (6)الدفع إليه.و لأنّ الغارم (7)و المكاتب و ابن السبيل يدفع إليهم قدر كفايتهم،فكذا الفقير،و هذا يبطل قول أحمد الثاني.
ص:401
احتجّ المانع بأنّ الغنيّ يمنع ابتداء،فكذا مقارنه (1).
و الجواب:المنع من الدفع إلى الغنيّ لا يستلزم المنع من دفع ما يصير به غنيّا.نعم، لو دفع إليه ما يصير به غنيّا حرم عليه الزائد.
الرابع:الغارم يعطى ما يدفع قدر حاجته لا غير،كثر الدّين أو قلّ،و لا يدفع إليه ما يزيد عن دينه،لأنّه لو أخرجه في غيره استعيد.
و كذا المكاتب و ابن السبيل يعطى ما يبلغه بلده.و الغازي يعطى ما يكفيه لغزوه.
و العامل يعطى قدر أجرته أو سهمه،فإن قدّر له الإمام أجرة و لم يبلغ نصيبه تلك الأجرة دفع إليه الإمام باقي أجرته من بيت المال.و لو أعطاه الإمام من سهم غيره جاز بناء على مذهبنا.و للشافعيّ هنا قولان (2).
و لو زاد نصيبه عن الأجرة المقرّرة كان الزائد مصروفا إلى بقيّة الأصناف.
و قال أبو حنيفة:يجوز (1)،و به قال المفيد من علمائنا (2)،و الشيخ في بعض كتبه (3)، و هو الأقرب عندي،و للشافعيّ قولان (4).
حجّة أصحابنا ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لمعاذ:«فإن أجابوك فأعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم» (5).و هذا يدلّ على اختصاص فقراء بلدهم.و[لمّا] (6)بعث معاذ الصدقة من اليمن إلى عمر أنكر ذلك عمر و قال:لم أبعثك جابيا و لا آخذ جزية و لكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردّ في فقرائهم،فقال معاذ:ما بعثت إليك بشيء و أنا أجد أحدا يأخذه منّي (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن محمّد بن مسلم قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:رجل بعث زكاة (8)ماله لتقسّم فضاعت،هل عليه ضمانها؟قال:«إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتّى يدفعها،و إن لم يجد من يدفعها إليه فبعث (9)بها إلى أهلها،فليس عليه ضمان،لأنّها قد خرجت من يده» (10).
ص:403
و لنا على جواز النقل:ما رواه الجمهور عن معاذ أنّه قال لأهل اليمن ائتوني بخميس (1)أو لبئس (2)آخذه منكم في الصدقة مكان الذرة و الشعير،فإنّه أسهل عليكم و أنفع للمهاجرين و الأنصار بالمدينة (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن درست بن أبي منصور،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده،فقال:«لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع»الشكّ من أبي محمّد (4).
و عن يعقوب بن شعيب الحدّاد،عن العبد الصالح عليه السلام،قال:قلت له:الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟قال:«يضعها في إخوانه و أهل ولايته» قلت:فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟قال:«يبعث بها إليهم»قلت:فإن لم يجد من يحملها إليهم؟قال:«يدفعها إلى من لا ينصب»قلت:فغيرهم؟قال:«ما لغيرهم إلاّ الحجر» (5).
و عن أحمد بن حمزة قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك؟قال:«نعم» (6).
و الجواب عن الأوّل:بمنع اقتضاء الإضافة اختصاص فقراء المدينة،فإنّ الشيء قد يضاف إلى غيره بأدنى ملابسة،و لهذا يقال لأحد حاملي الخشبة:خذ طرفك،و مع التساوي في الأثمان (7)تصحّ الإضافة،و إنكار عمر ليس بحجّة و لا يدلّ على التحريم، أقصى ما في الباب أنّه يدلّ على الكراهية لخوف الطريق و تعلّق الضمان،و حديث محمّد بن
ص:404
مسلم يدلّ على وجوب الضمان مع التلف و ليس (1)موضع النزاع.
الأوّل:إذا قلنا:بجواز النقل كان مكروها،و الأولى صرفها إلى فقراء بلدها دفعا للخلاف.
الثاني:لو نقلها مع وجود المستحقّ ضمن إجماعا،لأنّ المستحقّ موجود و الدفع ممكن،فالعدول إلى الغير يقتضي وجوب الضمان.
و يؤيّده:رواية محمّد بن مسلم (2)،و ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها،فضاعت،فقال:«ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان»قلت:فإن لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟قال:
«لا،و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن من حين أخّرها» (3).
الثالث:لو قلنا بتحريم النقل فنقلها أجزأته إذا وصلت إلى الفقراء.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول أكثر أهل العلم (4)،و للشافعيّ قولان (5)،و عن (6)أحمد روايتان (7).
لنا:أنّه دفع المال إلى مستحقّه فيخرج عن العهدة،كما لو فرّقها في بلدها.
احتجّ المخالف بأنّه دفع إلى غير من أمر بالدفع إليه،فأشبه ما لو دفعها إلى غير
ص:405
الأصناف (1).
و الجواب:المنع من المقدّمة الأولى.
الرابع:لو لم يوجد المستحقّ في بلدها جاز نقلها مع ظنّ السلامة،و لا يضمن مع التلف حينئذ بلا خلاف،لأنّ الدفع واجب و لا يمكن إلاّ بالنقل فيكون جائزا،و لا يضمن، لأنّه تصرّف تصرّفا مشروعا مأذونا فيه،فلا يترتّب عليه الضمان.
و يؤيّده:روايتا محمّد بن مسلم،و زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام.
الخامس:إذا نقلها اقتصر على أقرب الأماكن التي يوجد المستحقّ فيها استحبابا عندنا،و وجوبا عند القائلين بتحريم النقل.
السادس:لو كان المال في بلد و صاحبه في آخر استحبّ له أن يخرج الزكاة في بلد المال،و لو كان بعضه عنده و بعضه في مصر آخر فالأولى أن يخرج زكاة كلّ مال حيث هو.
أمّا زكاة الفطرة فالأولى أن يخرجها في بلده و إن كان المال في غير بلده،لأنّه سبب وجوبها فاستحبّ له إخراجها في بلد السبب.
السابع:لو وجد بعض السهمان في بلد،فالأولى قسمتها أجمع عليهم،سواء فقد الباقي من (2)كلّ البلاد أو لم يفقد.
و الشافعيّ لمّا حرّم النقل جوّزه هنا على أحد القولين إن كانوا موجودين في غيره من البلاد (3)،لأنّه يوجب التشريك،و إن فقدوا في الجميع أخرج الزكاة على الموجودين.
الثامن:لو لم يوجد المستحقّ استحبّ له عزلها،لأنّه مال لغيره فلا يتصرّف فيه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«إذا حال الحول فأخرجها من مالك و لا تخلطها بشيء،ثمَّ أعطها كيف شئت»قلت (4):فإن
ص:406
أنا كتبتها و أثبّتها أ يستقيم لي؟قال:«نعم،لا يضرّك (1)» (2).
و يستحبّ الإيصاء بها،لأنّه ربّما اشتبهت على الورثة لو فجئه الموت،فيكون سببا لمنع المستحقّ عن حقّه.أمّا لو أدركته الوفاة و لم يوص بها وجبت عليه الوصيّة.
يستحقّ بكلّ واحدة منها الزكاة جاز أن يدفع إليه بكلّ صفة نصيبا،فلو كان الفقير غازيا جاز أن يدفع إليه من سهم الفقراء و الغزاة،و كذا في باقي الأوصاف.و للشافعيّ قولان (3).
لنا:أنّ السبب علّة في المسبّب و لا تنافي بينهما،فيؤثّر كلّ منهما في الاستحقاق،كما لو كان في الغانمين ذوو القربى (4)،فإنّه يدفع إليه سهم الحضور و سهم ذوي القربى.
احتجّ الشافعيّ (5)بقوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ (6)و هو يدلّ على التغاير.
و الجواب:التغاير ثابت و إن اتّحد الشخص باعتبار تغاير الصفة.
و قال سلاّر:يجوز الاقتصار على ما يجب في النصاب الثاني،و هو درهم أو قيراطان (1).و به قال ابن الجنيد (2).و لم يقدّره علم الهدى (3)،و لا الجمهور،و الأشهر في الروايات ما ذكره الشيخان،روى الشيخ عن أبي ولاّد الحنّاط،عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:سمعته يقول:«لا يعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم و هو أقلّ ما فرض اللّه من الزكاة في أموال المسلمين فلا تعطوا أحدا (4)أقلّ من خمسة دراهم فصاعدا» (5).
و عن معاوية بن عمّار و عبد اللّه بن بكير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قالا:قال:
«لا يجوز أن تدفع الزكاة أقلّ من خمسة دراهم،فإنّها أقلّ الزكاة» (6).
احتجّ سلاّر بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن أبي الصهبان قال:كتبت إلى الصادق عليه السلام:هل يجوز لي يا سيّدي أن أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة الدراهم فقد اشتبه ذلك عليّ؟فكتب:«ذلك جائز» (7).
و احتجّ السيّد المرتضى بقوله تعالى وَ آتُوا الزَّكاةَ (8)و هذا الأمر مطلق فكما يجوز إعطاء الأكثر،فكذا الأقلّ.
و الجواب عن الأوّل:أنّ ما ذكرناه أكثر في الأحاديث و يشتمل على المشافهة،
ص:408
و هذا الحديث يتضمّن المكاتبة،و المشافهة أولى،و يحتمل أنّ العطيّة من النصاب الثاني و الثالث،فإنّه يجوز إذا أدّى ما وجب في الأوّل إلى الفقير أن يعطي ما وجب في النصاب الثاني إليه أو إلى غيره بحيث لا يعطي الفقير أقلّ ممّا وجب في النصاب الذي أخرج منه الزكاة.
و عن الثاني:أنّ الأمر بالإيتاء لا يدلّ على كيفيّته فيرجع فيه إلى المنقول.
و لا حدّ لأكثر ما يعطى،فإنّه يجوز أن يعطى الواحد ما يزيد على غناه دفعة واحدة.
و لو أعطاه ما يغنيه حرّم عليه أن يعطيه الزيادة،و قد مضى ذلك (1).
أهل الفقر و المسكنة المعروفين بأخذ الزكوات،و زكاة النعم أهل التجمّل المترفّعين عن أخذها.
روى ذلك عبد اللّه بن سنان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«إنّ صدقة الخفّ و الظلف (2)تدفع إلى المتجمّلين من المسلمين،و أمّا صدقة (3)الذهب و الفضّة و ما كيل بالقفيز ممّا أخرجت الأرض فللفقراء (4)المدقعين (5)»قال ابن سنان:قلت:و كيف صار هذا هكذا؟ (6)فقال:«لأنّ المتجمّلين (7)يستحيون من الناس،فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس» (8).
ص:409
و لو أستحيي الفقير من طلبها استحبّ أن يواصل (1)بها و لا يعلم بأنّها صدقة،لأنّ القدر الواجب الأداء،و هو يتحقّق بدون الإعلام،و في تركه تعظيم للمؤمن،فكان مستحبّا.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن أبي بصير قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة،فأعطيه من الزكاة و لا أسمّي له أنّها من الزكاة؟قال:
«أعطه و لا تسمّ له و لا تذلّ المؤمن» (2).
يكره لمستحقّ الزكاة مع الحاجة منعها و عدم قبوله لها للضرورة
،و لما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن هلال قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«تارك الزكاة و قد وجبت له مثل مانعها و قد وجبت عليه» (3).
أو غيرها من الصدقات ليفرّقها على الفقراء أو غيرهم من الأصناف و كان متّصفا بالصفة التي اتّصف بها من أمر بالتفرقة عليهم، جاز له أن يأخذ مثل ما يعطى غيره إن لم يكن المالك قد عيّن له قوما بأعيانهم،لأنّه مأمور بالإيصال إلى المستحقّين،و هو من جملتهم،فكان داخلا تحت الأمر.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن عثمان،عن أبي إبراهيم عليه السلام في رجل أعطي مالا ليفرّقه فيمن يحلّ له،إله أن يأخذ منه شيئا لنفسه و لم يسمّ له؟قال:
قال:«يأخذ[منه] (4)لنفسه مثل ما يعطي غيره» (5).
و هل له أن يأخذ أكثر ممّا يعطى غيره أو يأخذه بأسره و يمنع غيره؟منع الأصحاب
ص:410
منه،لدلالة الحديث عليه.
أمّا لو عيّن المالك له أقواما بأعيانهم،لم يجز له التخطّي و إعطاء غيرهم،و لا أن يساهمهم إجماعا،لأنّ الأغراض قد تختلف،و للمالك الخيرة في صرفه إلى من شاء، فالتعدّي حرام.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها،و هو ممّن تحلّ له الصدقة؟قال:«لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره»قال:«و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلاّ بإذنه» (1).
،و لو خصّ صنفا بل شخصا واحدا،جاز على ما تقدّم (2)،إلاّ أنّ الأفضل التشريك.
إذا ثبت هذا،فإنّه ينبغي له أن يكتب أسماء الفقراء عنده ثمَّ يستجبي الصدقات،لأنّ ذلك أحفظ لها،فإذا جباها أخذ سهمه،لأنّه يأخذ على طريق الأجرة و المعاوضة،فكان مقدّما على غيره،و ليس له شيء موظّف،بل ما يقدّره الإمام بنظره من أجرة أو سهم.
و لو أذن له مطلقا و لم يقدّر شيئا أخذ أجرة مثله ثمَّ يعطي كلّ صنف نصيبه فيقسّم (3)عليهم بقدر كفايتهم،فإن فضل نصيب كلّ صنف نقل الفاضل إلى أقرب المواطن من ذلك البلد و فرّقه فيه،و إن فضل نصيب بعضهم نقل فاضلهم،و لو فضل بعض و قصر بعض (4)ردّ الفاضل على من قصر نصيبه.
و للشافعيّ قولان:أحدهما هذا،و الثاني:ينقله إلى أقرب البلدان فيفرّقه في أربابه (5)
ص:411
أهل النصيب بناء على وجوب التشريك (1).
(2)إن احتاج إليها،و فرسا إن كان فارسا أو احتاج إليها،و ما يشتري به السلاح.
و يعطى ابن السبيل ما يوصله إلى موطنه أو إلى البلد الذي يريده.و إن احتاج إلى العود دفع إليه ما يكفيه ذهابا و عودا.
و لو أقام في البلد الذي قصده أخذ نفقة أيّام إقامته إذا لم يزد على عشرة أيّام،فإن كانت عشرة فهل يعطى شيئا أم لا؟فيه تردّد ينشأ من خروجه عن اسم السفر إلى كونه مقيما شرعا،و من بقاء الاسم حقيقة و عرفا،و الأقرب:جواز إعطائه (3)،خلافا للشيخ (4).
و لو طلب حمولة أعطي مع الحاجة،سواء كان السفر طويلا أو قصيرا،و سواء كان ضعيفا أو قويّا.و لو احتاج إلى كسوة أعطي للصيف و الشتاء بحسبهما.
و لو اجتمع حقّ أهل السهمان في بعير أو بقرة أو شاة جاز للإمام أن يبيعه و يفرّق ثمنه فيهم على حسب نظره،و يجوز له أن يدفعه إليهم يكون مشتركا بينهم.
و الشافعيّ بناه على أصله من وجوب التشريك،و قد أبطلناه (1).
فلو مات فقير بعد وجوب الزكاة قبل الدفع إليه لم يستحقّ وارثه شيئا.
و قال الشافعيّ:يستحقّ (2).و قد سلف بطلانه (3).
و بالجملة تملّكها اختيارا،و لا بأس بعودها إليه بميراث و شبهه.ذهب إليه علماؤنا أجمع و أكثر أهل العلم (4).
و قال مالك (5)،و أحمد:لا يجوز (6).
لنا على الجواز:قوله تعالى إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (7).و التقدير وجود الرضا من المالك و الفقير.
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلاّ لخمسة:لغاز في سبيل اللّه،أو لغارم،أو لعامل عليها،أو لرجل اشتراها بماله،أو رجل له جار مسكين فتصدّق على المسكين فأهدى المسكين للغنيّ» (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن محمّد بن خالد،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«فإذا أخرجها-يعني الشاة-فليقوّمها فيمن يريد،فإذا قامت على ثمن فإن أراد صاحبها فهو أحقّ بها،و إن لم يردها فليبعها» (9).
ص:413
و لأنّ دفع القيمة جائز على ما سلف بيانه (1)،فابتياعها أولى.
احتجّوا (2)بما روي عن عمر قال:حملت على فرس في سبيل اللّه فأضاعه الذي كان عنده،فظننت (3)أنّه بائعه (4)برخص فأردت أن أشتريه،فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«لا تبتعه و لا تعد في صدقتك و لو أعطاكه (5)بدرهم،فإنّ العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه» (6).
و الجواب:الظاهر أنّ عمر كان وقف ذلك الفرس،و لهذا قال:لا تعد في صدقتك، فأمّا الشراء فليس عودا فيها.و يحتمل انصراف النهي إلى الاسترجاع بغير عوض،فإنّ اللفظ لا يتناول الشراء،كالعود في الهبة.و يعضده:قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«العائد في هبته كالعائد في قيئه» (7).
و لو اشترى الواهب ما وهبه لم يكن مكروها،و يحتمل انصراف النهي إلى الكراهية جمعا بين الأدلّة.
الأوّل:الجواز و إن كان ثابتا لكنّه مكروه بلا خلاف،لأنّها طهارة للمال فيكره شراء طهور ماله.و لأنّه ربّما أستحيي الفقير فيغابن معه و أرخصها عليه فيكون ذلك
ص:414
وسيلة إلى استرجاع بعضها،و ربّما طمع الفقير في غيرها منه فأسقط بعض ثمنها.
الثاني:لو اشتراها انعقد البيع و ملكها المشتري بلا خلاف بين العلماء،إلاّ من أحمد فإنّه قال ببطلان البيع (1).
لنا:ما تقدّم من الجواز.
الثالث:لو عادت إليه بميراث لم يكن مكروها بلا خلاف،إلاّ من الحسن بن حيّ، و ابن عمر (2).
لنا:ما رواه الجمهور أنّ رجلا تصدّق على أمّه بصدقة ثمَّ ماتت فسأل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:«قد قبل اللّه تعالى صدقتك و ردّها إليك الميراث» (3).
الرابع:لو احتاج إلى شرائها بأن يكون الفرض جزءا من حيوان لا يتمكّن الفقير من الانتفاع به و لا يشتريه غير المالك،أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره جاز شراؤها و زالت الكراهية إجماعا.
ورثه أرباب الزكاة.ذهب إليه علماؤنا،لأنّه اشتري من مال الزكاة فكان في الحقيقة لأربابها.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه،فنظر إلى مملوك يباع فيمن يزيده (4)فاشتراه بتلك الألف الدرهم (5)التي أخرجها من زكاته فأعتقه،هل يجوز ذلك؟قال:«نعم،لا بأس بذلك»قلت:فإنّه لمّا (6)أعتق و صار حرّا اتّجر و احترف
ص:415
فأصاب مالا ثمَّ مات و ليس له وارث،فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟قال:«يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون الزكاة لأنّه إنّما اشتري بمالهم» (1).
و هاهنا وجه آخر و هو أن يقال:ميراثه للإمام،لأنّ الفقراء لا يملكونه،لأنّه أحد مصارف الزكاة فيكون سائبة.و يقوّي هذا الوجه ضعف الرواية،فإنّ في طريقها ابن فضّال و ابن بكير،و هما فطحيّان،غير أن محقّقي علمائنا على العمل بها،فكان أولى.
،قبل قوله،و لم يكلّف بيّنة و لا يمينا،و كذا لو قال:
هي وديعة أو لم يحل على المال الحول.
و قال الشافعيّ:إن ادّعى خلاف الظاهر كلّف اليمين،فإن حلف و إلاّ ألزم (2).
لنا:أنّه أمين،و لأنّ له ولاية الإخراج فيكون قوله مقبولا،كالوكيل.
و لأنّها عبادة،فلا يفتقر أداؤها إلى اليمين،كغيرها من العبادات.
و لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لعامله:«فإن أجابك منهم مجيب، فامض معه،و إن لم يجبك فلا تراجعه» (3).
إجماعا،لقوله تعالى:
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ (4).
و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان إذا أتي بصدقة قال:«اللّهمّ صلّ على آل فلان» (5).و هل هذا الدعاء واجب؟الأقرب الاستحباب.و به قال
ص:416
الشافعيّ (1).
و قال داود الظاهريّ:إنّه للوجوب (2). (3)و للشيخ قولان (4).
لنا:الأصل عدم الوجوب.و ما نقل عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا أنفذ معاذا و عرّفه فقال:«أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتوضع في فقرائهم» (5).و لم يأمره بالدعاء،و لو كان واجبا لم يخلّ به.و لأنّه غير واجب على الفقير المدفوع إليه فنائبه أولى.
احتجّ الشيخ بظاهر الآية.
و الجواب:أنّها محمولة على الاستحباب.
ص:417
ص:418
في زكاة الفطرة،و فيه مباحث:
ص:419
ص:420
و قد أجمع العلماء كافّة على وجوب زكاة الفطرة،إلاّ ما نقل عن داود (1)و بعض أصحاب مالك من أنّها سنّة (2)،و اختلفوا،هل هي فرض أم لا؟فقال الموجبون:إنّها فرض (3)،إلاّ أبا حنيفة فإنّه جعلها واجبة غير فرض (4).
و يدلّ على الوجوب النصّ و الإجماع،قال اللّه تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى (5).قال علماء أهل البيت عليهم السلام:المراد زكاة الفطرة.و مثله قول سعيد بن المسيّب،و عمر بن عبد العزيز (6).
و روى الجمهور عن عبد اللّه بن عبّاس قال:فرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صدقة الفطرة طهرة للصائم من الرفث و طعمة للمساكين (7).
ص:421
و عن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرض صدقة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كلّ حرّ أو عبد،ذكر أو أنثى من المسلمين (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه» (2).
و في الصحيح عن صفوان الجمّال قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفطرة فقال:
«على الصغير و الكبير و الحرّ و العبد،عن كلّ إنسان صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من زبيب» (3).
و أمّا الإجماع،فقد اتّفق علماء الإسلام على وجوبها،و خلاف داود حادث لا تأثير له (4)،و منازعة أبي حنيفة في إطلاق اسم الفرض عليه ضعيفة،لأنّها معلومة الوجوب.
لنا:قوله عليه السلام:«رفع القلم عن الصبيّ حتّى يبلغ،و المجنون حتّى يفيق» (1).
و هو ظاهر في سقوط الأحكام الشرعيّة عنهم.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام،قال:سألته عن مال اليتيم،فقال:«ليس فيه زكاة» (2).
و في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«ليس في مال اليتيم زكاة» (3).
و عن محمّد بن القاسم بن الفضيل البصريّ قال:كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن الوصيّ يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا[كان] (4)لهم مال؟قال:
فكتب:«لا زكاة على مال يتيم» (5).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«ليس في مال اليتيم زكاة،و ليس عليه صلاة[و ليس على جميع غلاّته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة،و إن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه لما يستقبل] (6)حتّى يدرك،فإذا أدرك[كانت عليه زكاة واحدة و] (7)كان عليه مثل ما على غيره من الناس» (8).
ص:423
و لأنّه ليس محلاّ للخطاب،فلا يتناوله العموم و إطلاق الأوامر.و كذا البحث في المجنون.
و لأنّها جعلت طهرا للصائم من الرفث و اللغو،و هو إنّما يصحّ في حقّ البالغ العاقل.
احتجّوا بعموم الأمر (1).
و جوابه:ما تقدّم.
و احتجّوا أيضا بقول ابن عمر (2):فرض النبيّ عليه السلام زكاة الفطرة من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كلّ حرّ أو عبد،ذكر أو أنثى،صغير أو كبير (3).
و الجواب:أنّ أكثر الروايات خالية من قوله:صغير أو كبير،و على تقدير ثبوتها فالمراد بلفظة:على،عن،و إلاّ لزم التكرار.
قال الشاعر:
إذا رضيت عليّ بنو قشير لعمر اللّه أعجبني رضاها (4)
،فلا تجب على المملوك.ذهب إليه علماؤنا أجمع، و أهل العلم كافّة إلاّ داود،فإنّه قال:تجب على العبد و يلزم السيّد تمكينه من الاكتساب ليؤدّيها (5).
ص:424
لنا:أنّه لا مال له،و الشرط في وجوبها:الغنى.
احتجّ داود (1)بقوله عليه السلام:«على كلّ حرّ و عبد» (2).
و الجواب:قد بيّنّا أنّ المراد بذلك:عن كلّ حرّ و عبد.
الأوّل:الأقرب أنّ الوجوب هنا على السيّد ابتداء.و هو أحد قولي الشافعيّ.و في الآخر:تجب على العبد و يتحمّلها السيّد (3).
لنا:أنّها تجب في مال السيّد فكانت عليه ابتداء،كفطرة نفسه.
الثاني:حكم أمّ الولد و المدبّر و المكاتب المشروط عليه،حكم العبد القنّ،لأنّهم رقّ لم يتحرّر منهم شيء،فلا تجب عليهم.
الثالث:المكاتب المطلق إذا لم يتحرّر منه شيء لم تجب عليه الفطرة،و إن تحرّر بعضه وجبت عليه و على السيّد بالحصص إذا ملك بالحرّيّة ما تجب فيه الزكاة.و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.
،فلا تجب على الفقير.و هو قول علمائنا أجمع إلاّ ابن الجنيد (4)،و نعني بالغنيّ:من يحرم عليه أخذ الزكاة.و به قال أصحاب
ص:425
الرأي (1).
و قال ابن الجنيد:تجب على من فضل عن مئونته و مئونة عياله ليوم و ليلة صاع (2).
و به قال الشافعيّ (3)،و أحمد (4)،و الشعبيّ،و عطاء،و الزهريّ (5)،و مالك (6)،و أبو ثور (7).
لنا:قوله عليه السلام:«لا صدقة إلاّ عن ظهر غنى».رواه الجمهور (8)،و الفقير لا غنى له فلا تجب عليه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟قال:«لا» (9).
و في الصحيح عن الفضيل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت له:لمن تحلّ الفطرة؟قال:«لمن لا يجد،و من حلّت له لم تحلّ عليه،و من حلّت عليه لم تحلّ له» (10).
و في الصحيح عن إسحاق بن عمّار قال:قلت لأبي إبراهيم عليه السلام:على الرجل
ص:426
المحتاج صدقة (1)الفطرة؟قال:«ليس عليه فطرة» (2).
و عن يزيد بن فرقد (3)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سمعه يقول:«من أخذ من (4)الزكاة،فليس عليه فطرة» (5).و الأخبار في ذلك كثيرة (6).
و لأنّ الزكاة معونة للمحتاجين،و إرفاق للفقراء،فأخذها من الفقير مضادّ للحكمة و مناف للغرض.
احتجّ المخالف (7)بقوله عليه السلام:«أدّوا صدقة الفطر (8)عن كلّ إنسان صغير أو كبير،غنيّ أو فقير،أمّا غنيّكم فيزكّيه[اللّه] (9)،و أمّا فقيركم فيردّ اللّه عليه أكثر ممّا أعطى» (10).
و الجواب:الإخراج عن الفقير لا يستلزم الوجوب عليه.
ص:427
من ملك قوت سنة (2)له و لعياله،أو يكون ذا كسب أو صنعة تقوم بأوده و أود عياله سنة و زيادة مقدار الزكاة.
و قال الشيخ في الخلاف:أن يملك نصابا زكاتيّا أو قيمته (3).
و قال في المبسوط:أن يملك ما تجب فيه زكاة المال (4).
و قال ابن إدريس:من ملك نصابا تجب فيه الزكاة لا قيمته،و ادّعى الإجماع (5).
و قال أبو حنيفة:من ملك مائتي درهم أو ما قيمته نصاب،غير مسكنه و ثياب جسمه (6)و أثاثه و خادمه (7).
لنا:أنّه مكتف،فلا يحلّ له أخذ الصدقة،فتجب عليه،لقول أبي عبد اللّه عليه السلام:
«من حلّت له لا تحلّ عليه،و من حلّت عليه لا تحلّ له» (8).
احتجّ الشيخ بأنّ الزكاة تجب عليه،و هي لا تجب إلاّ على غنيّ فتلزمه الفطرة (9).و هو ضعيف،لأنّا نمنع من استلزام وجوب الزكاة الغنى،بل من ملك نصابا لا يكفيه لمئونة السنة جاز له أخذ الزكاة،و لهذا حلّت لصاحب سبعمائة درهم،و قد سلف تحقيق ذلك (10).و ادّعاء الإجماع من ابن إدريس لا نحقّقه.و أمّا رواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أعلى من
ص:428
قبل الزكاة زكاة؟فقال:«أمّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة،و ليس عليه لما قبله زكاة.و ليس على من قبل (1)الفطرة فطرة» (2)فمع ضعف سندها محمولة على الاستحباب.
،و لا يصحّ منه أداؤها و تسقط بالإسلام،فهاهنا أحكام ثلاثة:
الأوّل:الوجوب،و تدلّ عليه:عمومات الأدلّة.و لأنّا قد بيّنّا أنّ الكفّار مخاطبون (3).و قد خالف في ذلك أبو حنيفة (4)،و أحمد (5)،و للشافعيّ قولان (6).
و احتجّوا بأنّها مطهرة،و الكافر ليس من أهل المطهرة (7).و بقول ابن عمر:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أوجبها على كلّ ذكر و أنثى من المسلمين (8).
و الجواب عن الأوّل:أنّه من أهل المطهرة بشرط تقديم الإسلام.
ص:429
و عن الثاني:أنّه لا يدلّ على المراد إلاّ بدليل الخطاب،و قد بيّن في الأصول ضعفه و عدم دلالته مع وجود دليل مخالف (1).
الثاني:عدم صحّتها منه،و ذلك لأنّها مشروطة بالنيّة،لكونها عبادة تحتمل وجوها و اعتبارات لا يتخلّص بعضها عن بعض إلاّ بالنيّة،و هو ليس من أهلها،لأنّه لا يعرف اللّه تعالى،فلا يصحّ منه التقرّب إليه.
الثالث:سقوطها عنه بالإسلام و ذلك مجمع عليه،لقوله عليه السلام:«الإسلام يجبّ ما قبله» (2).هذا إذا أسلم بعد الهلال،أمّا لو أسلم قبله فإنّها تجب عليه،لأنّ السبب وجود الهلال.
الكافر لا يصحّ أن يملك المسلم عندنا
،بل يباع عليه إذا أسلم عنده،خلافا للجمهور، و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.
إذا ثبت هذا فإن أسلم العبد قبل الهلال في آخر جزء و لم يبع،لم يكلّف مولاه إخراج الفطرة.و قال أحمد يكلّف (3).
لنا:أنّ الفطرة عبادة تفتقر إلى النيّة على ما تقدّم،و هي لا تصحّ من الكافر.و لأنّه لا يكلّف إخراج الفطرة عن نفسه لمعنى موجود فيه،فلا يكلّف عن غيره.
احتجّ المخالف بأنّه من أهل الطهرة،فوجب أن يخرج عنه،كما لو كان مولاه مسلما (4).
و الجواب:أنّه و إن كان كذلك لكنّه فقير فلا تجب عليه.و لو قال:إنّه غنيّ بمولاة،
ص:430
منعنا ذلك،لأنّه لا يفضل عن قوته في ملكه قدر الزكاة.
أي يمونه.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول أكثر أهل العلم (1)،إلاّ أبا حنيفة فإنّه اعتبر الولاية الكاملة،فمن لا ولاية له عليه لا تجب عليه فطرته و لم يوجب على الأب فطرة ابنه البالغ الزمن (2)و إن وجبت عليه نفقته،و كذا لم يوجب على الابن فطرة أبيه و إن وجبت عليه نفقته،اعتبارا بالولاية (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بصدقة الفطرة على الحرّ و العبد و الصغير و الكبير ممّن يمونون (4).
و عن عليّ عليه السلام أنّه قال:«من جرت عليه نفقته أطعم عنه نصف صاع من برّ، أو صاعا من تمر،أو صاعا من شعير» (5).
ص:432
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه» (1).
و في الصحيح عن صفوان الجمّال قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفطرة، فقال:«على الصغير و الكبير و الحرّ و العبد عن كلّ إنسان صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من زبيب» (2).
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك الصغير و الكبير و الحرّ و المملوك و الغنيّ و الفقير عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين»و قال:«التمر أحبّ ذلك إليّ» (3).
و قال الشافعيّ (1)،و أحمد:يشترط فيهم الإسلام (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«أدّوا عن كلّ حرّ و عبد، صغير أو كبير،يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ،نصف صاع من برّ» (3)و عدم عرفان بعضهم هذا (4)الحديث لا يوجب الطعن فيه مع نقل الباقين له.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى رفعه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«يؤدّي الرجل زكاته عن مكاتبه و رقيق امرأته و عبده النصرانيّ و المجوسيّ و ما أغلق عليه بابه» (5).
و ما تقدّم من العموم في الأحاديث المتقدّمة.و لأنّ المقتضي للزكاة وجوب النفقة، و هو عامّ في الكافر و المسلم.و لأنّ كلّ زكاة وجبت بسبب عبده المسلم وجبت بسبب عبده الكافر،كالتجارة.
احتجّوا (6)بحديث ابن عمر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:من المسلمين (7).و لأنّ
ص:434
الفطرة طهرة للصائم،و هو لا يتحقّق في الكافر.
و الجواب عن الأوّل:أنّه دالّ على قولهم بدليل الخطاب،و هو مع ضعفه لا يعمل به مع وجود غيره من الأدلّة.
و عن الثاني:أنّها طهرة في حقّ من يخرج عنه إذا كان من أهلها،و في حقّ المخرج إذا لم يكن من أهلها،كالطفل و المجنون،فإنّه ليس لأحدهما ما يوجب التطهير.
.ذهب إليه علماؤنا،و به قال مالك (1)،و الشافعيّ (2)،و أحمد (3)،و إسحاق،و الليث بن سعد،و أبو ثور (4).
و قال أبو حنيفة:تجب الفطرة في مالها عليها،لا على الزوج (5).و به قال الثوريّ،و ابن المنذر (6).
لنا:ما رواه الجمهور أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرض الفطرة على كلّ حرّ
ص:435
و عبد،ذكر و أنثى ممّن يمونون (1).
و عن عليّ عليه السلام قال:«من جرت عليه نفقته أطعم عنه» (2)الحديث.
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الأحاديث (3).و ما رواه الشيخ عن حمّاد و بريد و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالوا:سألناهما عن زكاة الفطرة، قالا:«صاع من تمر أو زبيب أو شعير،أو نصف ذلك كلّه حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت عن الصغير و الكبير و الذكر و الأنثى و البالغ و من تعول في ذلك سواء» (4).
و لأنّ النكاح سبب وجوب النفقة فتجب به الفطرة،كالقرابة و الملك.
احتجّوا (5)بقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«صدقة الفطر على كلّ ذكر و أنثى» (6).
و لأنّها زكاة،فتجب عليها،كزكاة المال.
و الجواب عن الأوّل:أنّا نقول بموجبة إذا لم يحصل من يتحمّل عنها.و لأنّ المراد بعلى:عن،كما في قوله:«.و صغير و كبير» (7).
و عن الثاني:بالفرق،فإنّ زكاة المال لا تتحمّل بالقرابة و الملك،بخلاف الفطرة.
ص:436
الأوّل:لو نشزت المرأة قال الشيخ في المبسوط:تسقط نفقتها و لا تجب عليه فطرتها (1).و هو قول العلماء إلاّ من شذّ (2).
و قال ابن إدريس:تجب عليه الفطرة (3).
لنا:أنّ النشوز مسقط للنفقة،و الفطرة تابعة لها فتسقط بسقوطها،لقوله عليه السلام:«ممّن يمونون» (4).
و لقول أبي عبد اللّه عليه السلام:يخرجها عن نفسه و من يعوله (5).
و ادّعاء ابن إدريس إجماع أصحابنا على ذلك (6)ضعيف،إذ لم يفت به أحد من علمائنا فيما نعلم،و لا أحد من الجمهور إلاّ الشذوذ،فكيف يتحقّق الإجماع.
الثاني:الزوجة الصغيرة و غير المدخول بها إذا لم تمكّنا من أنفسهما (7)،لا تجب عليه نفقتهما و لا فطرتهما (8)،لما تقدّم.خلافا لابن إدريس (9).
الثالث:الطلاق الرجعيّ لا يوجب البينونة و لا تسقط به العيلولة،أمّا البائن فإنّ
ص:437
العصمة منقطعة معه،و النفقة ساقطة.
إذا ثبت هذا،وجبت الفطرة عن المطلّقة رجعيّة،أمّا البائن فيجب فطرتها عليها لا على الزوج،و لو كانت حاملا،فإن قلنا:النفقة للحمل فلا فطرة أيضا،و إلاّ وجبت.
الرابع:المتمتّع بها لا تجب نفقتها على الزوج،فلا تجب عليه فطرتها إلاّ أن يعولها تبرّعا.
الخامس:زوجة المعسر إذا كانت موسرة،أو كانت موسرة تحت مملوك،أو أمة تحت مملوك أو معسر،سقطت عن الزوج فطرتها،لإعساره و عدم تمكّنه.و هل تسقط عن الزوجة الموسرة و عن مولى الأمة؟قال الشيخ في الخلاف:نعم (1).و للشافعيّ قولان (2).
لنا:أنّها من عيال الزوج و نفقتها عليه فتسقط عنها.و عن مولاها و تجب على الزوج،فإذا كان فقيرا أو مملوكا سقطت عنه أيضا،لعجزه.
احتجّ الشافعيّ بأنّ الزوج العاجز كالمعدوم،و لو كان معدوما وجبت عليها نفسها، فكذا إذا كان عاجزا (3).
و ما ذكره الشافعيّ قويّ أيضا،لأنّها ممّن يصحّ أن يزكّي و الشرط المعتبر موجود فيها،و إنّما تسقط عنها بوجوبها على الزوج،فإذا لم تجب وجب عليها أو على مولاها، و الأصل في ذلك أنّ الوجوب هل يثبت ابتداء على الزوج أو عليها و يتحمّلها الزوج؟إن قلنا بالأوّل،سقطت عنها و عن مولاها،و إن قلنا بالثاني،وجبت عليها.
السادس:لو أخرجت المرأة الزكاة عن نفسها،قال الشيخ:إن كان بإذن الزوج أجزأ عنها،و إلاّ فلا (4).
ص:438
و للشافعيّ قولان:أحدهما مثل ذلك.و الثاني:يلزم الزوج و إن أذن (1).
لنا:أنّه مع الإذن يكون بمنزلة المخرج،كما لو أمرها بأداء الدين عنه،أو بالعتق.
احتجّ المخالف بأنّها لازمة للزوج و ساقطة عن الزوجة (2).
و الجواب:لا منازعة في ذلك غير أنّا نقول:إنّه مع الإذن يكون بمنزلة المخرج.
السابع:المرأة إن لم تكن من أهل الإخدام حتّى اتّخذت خادما،فإن عاله الزوج وجبت عليه فطرته من حيث العيلولة و إن كانت تبرّعا على ما مضى،و إن لم يعله لم تجب عليه فطرته.
أمّا لو كانت من أهل الإخدام فاتّخذت خادما بأجرة لم تجب على الزوج فطرته إذا لم يعله،لأنّ الواجب هو الأجرة لا النفقة.و إن كان ملكا لها نظرت فإن اختار الزوج الإنفاق عليه وجبت عليه فطرته،لأنّه اختار أحد الواجبات المخيّرة.
و إن اختار شراء خادم لها،لم تجب عليه فطرة خادمها،لأنّ الواجب الإخدام لا الإنفاق على خادمها،و كذا لو استأجر لها خادما أو خدمها بنفسه.أمّا لو استأجرت خادما و شرطت نفقته،فإن اختار الزوج ذلك وجبت عليه فطرته و إلاّ فلا.
فلو كان موسرا كانت نفقته في ماله،فإذا لم يعله الأب تبرّعا هل تسقط عنه فطرته أم لا؟قال الشيخ:لا تسقط،لأنّه من عياله (1).
و قال الشافعيّ:يخرج الأب من مال الولد (2).
و الوجه عندي:سقوط الفطرة عن الأب،لأنّه غير منفق عليه تبرّعا و لا وجوبا، و عن الطفل،لعدم التكليف.
أمّا الكبير فإن كان غنيّا وجبت عليه فطرة نفسه،كما تجب عليه مئونتها،و إن كان فقيرا فالنفقة على أبيه،و تجب عليه فطرته،لوجود المقتضي.
و كذا البحث في الأبوين و الجدّين و إن علوا،لقوله عليه السلام:«على الصغير و الكبير و الذكر و الأنثى ممّن تمونون» (3).
حكم ولد الولد حكم الولد،سواء كان ولد ابن أو بنت،قاله الشيخ (4).
لو كان لابنه الصغير خادم
،فإن كان الابن محتاجا إليه للزمانة أو الصغر،قال الشافعيّ:تجب فطرته على الأب مع إعسار الولد،و على الولد إن لم يكن كذلك (5).و عندي فيه توقّف.
.و قد أجمع أهل العلم كافّة على وجوب إخراج الفطرة عن العبيد الحاضرين،غير المكاتبين و المغصوبين و الآبقين و عبيد التجارة، صغارا كانوا أو كبارا،لأنّ نفقته واجبة على المولى،فيندرج تحت العموم بإيجاب الفطرة عن
ص:440
كلّ من يعوله.
و قد روى الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه» (1).
الأوّل:العبد الغائب تجب على المولى فطرته إن علم حياته،و كذا الآبق و المرهون و المغصوب،سواء رجي عوده أو يئس منه،و سواء كان مطلقا أو محبوسا.ذهب إليه علماؤنا،و به قال الشافعيّ (2)،و أحمد (3)،و أكثر العلماء (4).و قال الزهريّ:تجب عليه فطرته إذا علم مكانه.و قال الأوزاعيّ:إن كان في بلاد الإسلام (5).و قال مالك:إن كانت غيبته قريبة (6).و لم يوجب أبو حنيفة (7)،و الثوريّ،و عطاء زكاة الفطرة عن الآبق (8).
لنا:أنّ النفقة واجبة عليه بالرقّيّة فتجب الزكاة،لثبوت المقتضي،و المعارض لا يصلح للمانعيّة،لعدم خروج الرّقيّة،و لهذا من ردّ الآبق وجب على المولى ردّ نفقته، فالنفقة لازمة.
احتجّ المخالف بسقوط النفقة كما تسقط عن الناشزة (9).
ص:441
و الجواب:المنع من سقوط النفقة و الاكتفاء بغير المالك لا يسقط النفقة،كما لو اكتفى بكسبه،و لهذا أوجبنا على المالك ردّ نفقة صاحب الجعالة مع الجعالة.
الثاني:لو لم يعلم حياته،قال الشيخ في الخلاف:لا يلزمه فطرته (1).و أوجبها ابن إدريس (2)،و للشافعيّ قولان (3).
لنا:أنّ الإيجاب شغل للذمّة بعد براءتها فيقف على ثبوت المقتضي و هو الحياة،و هي غير معلومة.و لأنّ الأصل عصمة مال الغير،فيقف انتزاعه على السبب و لم يعلم (4)ثبوته.
احتجّوا بأنّ الأصل البقاء فيجب الإخراج عنه،و بأنّه يجزئ في الكفّارة،و هو إنّما يتحقّق بعد الحكم ببقائه (5).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الأصل معارض بأصل براءة الذمّة.
و عن الثاني:بالمنع من الإجزاء في الكفّارة،و بالفرق بأنّ العتق إسقاط ما في الذمّة من حقوق اللّه تعالى،و هي مبنيّة على التخفيف،بخلاف الفطرة،فإنّها إيجاب مال على المكلّف لم يثبت سبب وجوبه.
الثالث:العبد المغصوب يجب أن يخرج عنه المالك.و هو قول أكثر العلماء (6).
و قال الشيخ في المبسوط:لا يجب على الغاصب،لأنّه غير مالك،و لا المالك،لعدم تمكّنه (7).و ليس بالوجه،إذ إيجاب الفطرة لا يقف على التمكّن،بل على الملكيّة.
ص:442
الرابع:لو ملك عبيدا و نوى بها (1)التجارة،وجبت على المولى فطرتهم و لم تسقط زكاة التجارة فيهم إمّا وجوبا أو استحبابا على القولين.و به قال مالك (2)،و الليث، و الأوزاعيّ (3)،و الشافعيّ (4)،و أحمد (5)،و إسحاق (6).
و قال عطاء،و النخعيّ،و الثوريّ (7)،و أصحاب الرأي:تسقط الفطرة (8).
لنا:عموم الأحاديث الدالّة على وجوب الزكاة عن كلّ حرّ و عبد (9).و لأنّ النفقة واجبة،فتجب الفطرة عنهم كعبيد القنية.و لأنّه مسلم تجب مئونته فتجب فطرته.
احتجّ المخالف بأنّها زكاة و لا تجب في مال واحد زكاتان،و قد وجبت زكاة التجارة فتسقط الأخرى،كالسائمة إذا كانت للتجارة (10).
و الجواب:لا تجب الزكاتان في محلّ واحد،لأنّ زكاة التجارة في القيمة،و الفطرة عن البدن لطهارته،بخلاف السائمة،لأنّ المتعلّق هناك واحد.
ص:443
الخامس:لو كان له عبيد للتجارة في يد المضارب وجبت فطرتهم على المالك.و به قال الشافعيّ (1)،خلافا لقوم (2).و التحقيق أنّ الربح إن ظهر و قلنا:إنّ العامل يملك بالظهور، كان حكمهم حكم العبيد المشتركة،و إلاّ وجب على المالك.
السادس:لو ملّك عبده عبدا،فإن قلنا بإحالة الملك فالزكاة على المولى قطعا،و إن قلنا بجوازه فهل يجب على المالك أو على العبد؟الذي يقتضيه المذهب وجوبها على المولى، لأنّه المالك في الحقيقة،و العبد مالك بمعنى إساغة (3)التصرّف.و لأنّ ملكه ناقص.و عن أحمد روايتان (4).
السابع:حكم أمّ الولد و المدبّر و المدبّرة حكم القنّ في ذلك سواء.
الثامن:المكاتب إن كان مشروطا عليه،وجبت فطرته على مولاه،لاستقرار ملكه عليه،و كذا المطلق إذا لم يتحرّر منه شيء،و إن كان قد تحرّر منه فإن انفرد المولى بمئونته لزمته فطرته،و إن أنفق (5)من كسبه توزّعت الفطرة عليه و على المولى بالحصص،قاله الشيخ رحمه اللّه (6).
و قال الشافعيّ:لا تجب عليه و لا على السيّد (7).و به قال أبو حنيفة (8).
ص:444
و قال الشافعيّ في رواية أبي ثور عنه:تجب على السيّد (1).
و قال أحمد:تجب في كسبه (2).
و قال مالك:تجب على المولى (3).
و الحقّ ما قاله الشيخ،إن ملك المكاتب بالحرّيّة ما تجب عليه الزكاة،أمّا الوجوب، فللعموم،و أمّا التقسيط،فلأنّ نصيب الحرّيّة لا يتعلّق به الرقّيّة (4)بوجه من الوجوه،فلا يجب على السيّد أداء الزكاة عنه،و أمّا النصيب الآخر،فلأنّ المالك تجب نفقته عليه فيه للملك فتجب الفطرة.
احتجّ الشافعيّ بسقوط النفقة عن المولى،لعدم العيلولة،فتسقط الفطرة (5).
و احتجّ مالك ببقاء الرقيّة،فتجب على المولى (6).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من سقوط النفقة في نصيبه.
و عن الثاني:بالمنع من ثبوت الرّقّيّة في جميعه،أمّا المشروط عليه،فإنّه عندنا مملوك ما بقي عليه درهم واحد فتجب فطرته على المولى كسائر عبيده،خلافا لمن ذكرنا.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى رفعه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«يؤدّي الرجل زكاته عن مكاتبه و رقيق امرأته» (7).
و لأنّ ما في يده ملك لمولاه و منع المولى منه بسبب الكتابة،فيدخل تحت من تجب
ص:445
مئونته على المولى.
التاسع:عبد المكاتب تجب فطرته على المولى إن كان مشروطا.
و قال الشافعيّ:لا تجب على المولى و لا على المكاتب (1).
و قال أحمد:تجب على المكاتب (2).
لنا:أنّه ملك للمولى كما هو ملك للمكاتب،فتلزمه فطرته.
احتجّ الشافعيّ بأنّه ليس من عيال المولى،و ملك المكاتب ناقص (3).
و احتجّ أحمد بأنّ مئونته على المكاتب (4).
و الجواب:أنّ المشروط عليه رقّ،فالنفقة المأخوذة من الكسب في الحقيقة هي من المولى،و هو الجواب عن الثاني.
أمّا زوجة المكاتب المشروط عليه،فالوجه أنّها بمثابة زوجة القنّ.
العاشر:من نصفه حرّ و نصفه مملوك،فعلى المولى نصيب الرقّيّة،و على العبد نصيب الحرّيّة إن ملك بها نصابا.و به قال أحمد (5)،و الشافعيّ (6)،و أبو ثور (7).
ص:446
و قال مالك:على الحرّ بحصّته و ليس على العبد شيء (1).
لنا:أنّ الخطاب متوجّه إليه،لعمومه و صحّة تناوله له،و قد ملك ما تجب معه الزكاة، فتجب عليه بحصّته،و على المولى حصّة الرقّ،كما لو كان مشتركا بين اثنين،و تجب عليهما بالحصص.
و لو كان أحدهما معسرا سقط نصيبه و وجب على الآخر.
و لو كان بين السيّد و العبد مهاياة أو بين أرباب العبد المشترك لم تدخل الفطرة فيه، لأنّ المهاياة معاوضة كسب بكسب و الفطرة حقّ للّه (2)تعالى،فلا يدخل فيها كالصلاة.
الحادي عشر:العبد إذا تزوّج بإذن مولاه وجبت فطرة المرأة على سيّد العبد.و به قال بعض الجمهور (3).
و قال قوم منهم:إن كانت حرّة وجبت عليها،و إن كانت أمة وجبت على سيّدها (4).
لنا:أنّ نفقتها واجبة على سيّد العبد،فتجب الفطرة عليه،و لهذا وجب عليه فطرة خادم المرأة و إن لم يملكها،لوجوب نفقتها عليه.
أمّا لو تزوّج بغير إذن مولاه،فإن كانت حرّة فالفطرة عليها،و إن كانت أمة فعلى سيّدها.
الثاني عشر:المملوك الكافر إذا كان له زوجة كافرة وجب على المولى فطرتهما، خلافا للشافعيّ (5).
ص:447
و أوجب أبو حنيفة الزكاة عن الزوج دون الزوجة،لأنّ الفطرة عنده لا تتحمّل بالزوجيّة (1).
لنا:عموم الأحاديث (2)،و ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«أدّوا صدقة الفطرة عمّن تمونون» (3).
الثالث عشر:لو زوّج أمته من عبد أو مكاتب و سلّمها إليه،وجبت النفقة على سيّد العبد و سيّد (4)المكاتب،فتجب على المولى فطرتها.
و إن زوّجها من حرّ معسر،سقطت فطرتها عن السيّد،لانتقال وجوب النفقة عنه بالتسليم،و عن الزّوج لإعساره (5).
و لو زوّجها بموسر و سلّمها إليه،وجبت فطرتها على الزوج.و لو لم يسلّم الأمة في المواضع كلّها،كانت الفطرة على السيّد.
الرابع عشر:لو أوصى لرجل برقبة عبد،و لآخر بمنفعته،كانت الفطرة على مالك الرقبة،كما أنّ النفقة عليه،لأنّ الفطرة عن الرقبة فكانت على صاحبها،و لهذا لو آجر عبده، كانت فطرته عليه لا على المستأجر.
و محمّد بن الحسن،و أبو ثور (1).
و قال أبو حنيفة:لا فطرة على واحد منهم (2).و به قال الحسن البصريّ،و عكرمة، و[الثوريّ] (3)،و أبو يوسف (4).
لنا:قوله عليه السلام:«الصدقة على كلّ حرّ و عبد ممّن يمونون» (5).و المئونة عليهما فزكاته عليهما.
و لأنّه عبد مملوك من أهل الفطرة و هو عاجز عنها،فتجب على مواليه،كالمنفرد.
احتجّ أبو حنيفة بأنّه ليس لواحد من الموالي عليه ولاية كاملة،فلا تجب عليه، كالمكاتب.و لأنّ من لا يلزمه جميع الفطرة لا يلزمه بعضها كالوصيّ (6).
و الجواب عن الأوّل:أنّ المكاتب إن كان مشروطا ففطرته على مولاه و قد سلف (7)،و إن كان قد تحرّر بعضه وجبت على مولاه بقدر الرقّيّة،فالحكم في الأصل ممنوع، و لو سلّم فالفرق ثابت،لأنّ المكاتب إن لم تجب على مولاه فطرته وجبت على المكاتب، بخلاف المشترك،فإنّ سقوطها عن المولى لا يستتبع وجوبها على العبد،فلهذا لم يسقطها عن المولى.
و عن الثاني:بأنّ الأقرب تعليل سقوط الجميع بسقوط البعض،و لو سلّم فالقياس لا يعارض عموم النصّ خصوصا إذا كان الجامع سلبيّا.
ص:449
الأوّل:لا فرق بين أن يكون العبد مشتركا بين اثنين أو ما زاد في إيجاب الزكاة على الجميع.و كذا لو كان بين اثنين عبيد،وجبت عليهما فطرتهم.و كذا لو كان بين ثلاثة فما زاد عبيد مشترك (1)أو عبدان.
الثاني:تجب على الشّركاء بالحصص،فلو كان عبد بين اثنين لكلّ واحد النصف، كان على كلّ واحد منهما نصف صاع.و لو كان لواحد الثلث و للآخر (2)الثلاثين،وجبت الزكاة كذلك.و به قال أكثر أهل العلم (3).
و عن أحمد روايتان:إحداهما:هذا.
و الثانية:أنّ على كلّ واحد من الشركاء صاعا كاملا،قلّت حصّته أو كثرت،قلّ الشركاء أو كثروا (4).
لنا:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أوجب عن (5)كلّ صغير و كبير،ذكر أو أنثى،حرّ أو عبد،صاعا (6).و هو عامّ.
و لأنّ الفطرة تابعة للنفقة،و هي تتقسّط عليهما بالحصص،فكذا الفطرة.
و لأنّه شخص واحد فلا يجب له صاعان،كالمنفرد.
احتجّ أحمد بأنّها طهرة،فوجب تكميلها على كلّ واحد من الشركاء،ككفّارة القتل (7).
ص:450
و الجواب:كفّارة القتل عقوبة تتعلّق بفعل الجميع كما تتعلّق بفعل البعض،بخلاف زكاة الفطرة،فإنّها طهرة تحصل بالصاع الواحد،فتجب بالحصص،كماء الغسل من الجنابة لو احتاج المشترك إليه.
الثالث:يجوز أن يتّفق الشركاء في جنس المخرج و أن[يختلفوا] (1)،لأنّ الواجب صاع من أحد الأقوات.
.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول علماء الأمصار.
و في رواية عن أحمد وجوب الإخراج عنه (2).و هو قول عثمان (3).
لنا:قوله عليه السلام:«ممّن تمونون» (4).و هو في بطن أمّه لا يصدق عليه هذا الوصف،فلا يتعلّق به الفرض،عملا بالأصل.
و لأنّ التّخصيص بالوصف يدلّ ظاهرا على نفي الحكم عمّا عداه.
و لأنّ الفطرة طهرة،و هي غير متحقّقة في الجنين في بطن أمّه.
و لأنّه غير متيقّن الحياة،فلا يتعلّق الوجوب به و لا بوليّه.
احتجّ أحمد بأنّه يوصى له و يرث (5)،فتتعلّق به الزكاة،كالمولود (6).
ص:451
و الجواب:الفرق بأنّ المولود متيقّن الحياة،بخلاف الجنين.و أمّا الوصيّة و الميراث فإنّما يملكها مع ولادته حيّا،و لهذا لو ولد ميّتا لم يحكم بانتقال الميراث و الوصيّة إليه،لعدم العلم بحياته.
مثل أن يمون أجنبيّا أو يتيما أو ضيفا، تبرّعا و يهلّ الهلال عليه و هو في عائلته.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أحمد في إحدى الروايتين (1)،و أكثر الجمهور على أنّه لا يجب عليه فطرتهم (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«أدّوا صدقة الفطرة ممّن تمونون» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو عبد فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه» (4).
و في الصحيح عن زرارة و بكير ابني أعين،و الفضيل بن يسار،و محمّد بن مسلم، و بريد بن معاوية،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما قالا:«على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حرّ و عبد،صغير (5)و كبير» (6).
و عن عمر بن يزيد قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر أ يؤدّي عنه الفطرة؟قال:«نعم الفطرة واجبة على كلّ
ص:452
من يعول من ذكر أو أنثى،صغير أو كبير،أو مملوك أو حرّ» (1).و لأنّه شخص ينفق عليه فتجب الفطرة عنه،كالعبد.
احتجّ المخالف بأنّ نفقته غير واجبة،فلا تجب فطرته،كما لو لم ينفق عليه (2).
و الجواب:المقتضي هو العيلولة و المئونة،للحديث فكيف يتساوى (3)الحكم مع وجوده و عدمه،و القياس لا يعارض النصّ؟.
،فقال بعضهم:
يشترط ضيافة الشهر كلّه (4).و شرط آخرون ضيافة العشر الأواخر (5).و اقتصر آخرون على آخر ليلة من الشهر بحيث يهلّ الهلال و هو في ضيافته (6).و هو الأقرب عندي، لإطلاق اسم الضيف عليه عند الهلال.و لقوله عليه السلام:«ممّن تمونون» (7)و هو صالح للحال و الاستقبال،و حمله على الحال أولى،لأنّه وقت الوجوب،و إذا علّق الحكم على وصف ثبت مع ثبوته،لا قبله و لا بعده.
-ذهب إليه علماؤنا أجمع إلاّ من شذّ-عن نفسه (8)و عن عياله،و لو استحقّ أخذها أخذها و دفعها مستحبّا،و لو ضاق عليه أدار صاعا على عياله،ثمَّ تصدّق به على الغير.
ص:453
و قال بعض أصحابنا بوجوبها على الفقير (1).و قد بيّنّا بطلان ذلك (2).
و أمّا الاستحباب،فلما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قلت:الفقير الذي يتصدّق عليه[هل] (3)عليه صدقة الفطرة؟قال:«نعم،يعطي ممّا يتصدّق به عليه» (4).
و ما رواه إسحاق بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:الرجل لا يكون عنده شيء من الفطرة إلاّ ما يؤدّي عن نفسه من الفطرة وحدها،يعطيه غريبا أو يأكل هو و عياله؟قال:«يعطي بعض (5)عياله ثمَّ يعطي الآخر عن نفسه يردّدونها فتكون عنهم جميعا فطرة واحدة» (6).
ص:454
،كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط و اللبن.ذهب إليه علماؤنا أجمع.
و قال الشافعيّ:يخرج ما كان قوتا من غالب قوت البلد.
و في قول آخر:من غالب قوت المخرج (1).
و له في الأقط قولان،و في اللبن قولان (2)،و قال مالك كالقول الأوّل للشافعيّ (3).
و قال أبو حنيفة:لا يخرج من الأقط إلاّ على وجه القيمة (4).
و قال أحمد:يتعيّن إخراج الخمسة خاصّة:الحنطة،و الشعير،و التمر،و الزبيب، و الأقط (5).
ص:455
لنا على جواز الأقط:ما رواه الجمهور عن أبي سعيد قال:كنّا نخرج،إذ (1)كان فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،الفطرة صاعا من طعام،أو صاعا من شعير،أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب،أو صاعا من أقط (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ،عن أبي الحسن العسكريّ عليه السلام قال:«و من سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط» (3).و لأنّه مقتات،فجاز إخراجه كالبرّ.
و لنا على إخراج اللبن:ثبوت المقتضي،و هو الاقتيات،بل هو في اللبن أكثر منه في الأقط،و هو قوت أهل البادية غالبا بخلاف الأقط،فإنّ اقتياتهم به نادر.و لأنّه أكمل من الأقط،لإمكان تحصيل الأقط منه و غيره.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«الفطرة على كلّ قوم ما يغذون عيالاتهم من (4)لبن أو زبيب أو غيره» (5).
و لأنّه قوت فيكون مجزئا،لما رواه الشيخ عن يونس،عمّن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت له:جعلت فداك هل على أهل البوادي الفطرة؟قال:فقال:«الفطرة
ص:456
على كلّ من اقتات قوتا فعليه أن يؤدّي من ذلك القوت» (1).
و لنا على إخراج الأرز:ما بيّنّاه من كونه مقتاتا،فيكون مجزئا،كالبرّ.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ،عن أبي الحسن العسكريّ عليه السلام قال:«و على أهل طبرستان الأرز» (2).
،جاز بلا خلاف بين علمائنا في ذلك.و للشافعيّ قولان (3).
لنا:ما دلّ على التخيير من طريق الجمهور و الخاصّة،و هو يدلّ على عدم التضييق (4).
احتجّ الشافعيّ (5)بقوله عليه السلام:«أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم» (6).
و إنّما يحصل ذلك بقوت أهل البلد،لأنّهم إذا أخذوا غير قوتهم احتاجوا إلى إبداله.
و احتجّ على قوله:بفاضل قوته أنّ الواجب فيما فضل عن قوته،فوجب الاعتبار بقوته (7).
ص:457
و الجواب عن الأوّل:أنّ الاغتناء (1)عن الطلب يحصل بأحد الأقوات المعيّنة و لا يحتاج إلى الإبدال.
و عن الثاني:أنّه لا يعارض ما ذكرناه من النصّ.
.و به قال أحمد (2)و مالك (3).و قال الشافعيّ:
الأفضل البرّ (4).
لنا:أنّ فيه قوتا و حلاوة،و هو أسرع تناولا و أقلّ كلفة،فكان أولى.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«التمر في الفطرة أفضل من غيره،لأنّه أسرع منفعة،و ذلك أنّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه» (5).
و عن زيد الشحّام،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لأن أعطي صاعا من تمر أحبّ إليّ من أن أعطى صاعا من ذهب في الفطرة» (6).
و عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«التمر أحبّ إليّ،فإنّ لك بكلّ تمرة نخلة في الجنّة» (7).
ص:458
احتجّ الشافعيّ بأنّه يحتمل الادّخار (1).
و الجواب:أنّه غير مراد في الصدقات.
،لمشاركته في سرعة الانتفاع (2)و قلّة الكلفة،و وجود القوت و الحلاوة فيه.و قال آخرون:البرّ (3).
و قال قوم:الأفضل من رأس إخراج ما كان أعلى قيمة (4).
و قال آخرون:الأفضل ما يغلب على قوت البلد (5).و هو قريب،لحديث إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ عن العسكريّ عليه السلام في تمييز (6)فطرة أهل البلاد قال:كتب عليه السلام:«إنّ الفطرة صاع من قوت بلدك على أهل مكّة و اليمن و الطائف و أطراف الشام و اليمامة و البحرين و العراقين و فارس و الأهواز و كرمان التمر،و على أهل أوساط الشام الزبيب،و على أهل الجزيرة و الموصل و الجبال كلّها البرّ أو الشعير،و على أهل طبرستان الأرز،و على أهل خراسان البرّ،إلاّ أهل مرو و الريّ فعليهم الزبيب،و على أهل مصر البرّ،و من سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم،و من سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط» (7).
و هذا التفصيل منه عليه السلام على جهة الاستحباب.
بصاع الرسول صلّى اللّه عليه و آله.و به
ص:459
قال مالك (1)،و الشافعيّ (2)،و أحمد (3)،و إسحاق (4).
و قال سعيد بن المسيّب،و عطاء،و طاوس،و مجاهد،و عروة بن الزبير (5)، و أصحاب الرأي:يجزئ نصف صاع من البرّ (6).
و عن أبي حنيفة،في الزبيب روايتان:إحداهما:صاع.و الأخرى:نصف صاع (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدريّ قال:كنّا نخرج،إذ (8)كان فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله زكاة الفطرة عن كلّ صغير أو كبير،حرّ أو مملوك صاعا من طعام،أو صاعا من أقط،أو صاعا من شعير،أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن سعد بن سعد الأشعريّ،عن أبي الحسن الرضا عليه السلام،قال:سألته عن الفطرة كم تدفع عن كلّ رأس من الحنطة و الشعير
ص:460
و التمر و الزبيب؟قال:«صاع بصاع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله» (1).
و في الصحيح عن صفوان الجمّال قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفطرة، فقال:«على الصغير و الكبير و الحرّ و العبد عن كلّ إنسان صاع من برّ،أو صاع من تمر،أو صاع من زبيب» (2).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن المغيرة،عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في الفطرة، قال:«يعطى من الحنطة و من الشعير و من الأقط صاع» (3).
و لأنّه جنس يجوز إخراجه في زكاة الفطرة،فكان مقدّرا بالصاع،كالتمر.
احتجّ المخالف (4)بما رواه ثعلبة بن أبي صعير (5)،عن أبيه،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«صاع من قمح بين كلّ اثنين» (6).
و الجواب:أنّ ابن المنذر أنكر هذا الحديث (7).و لأنّ ما ذكرناه أحوط و أقرب إلى
ص:461
القياس.
لا يقال:قد روى الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن[صدقة] (1)الفطرة،فقال:«على كلّ من يعول الرجل على الحرّ و العبد و الصغير و الكبير صاع من تمر أو نصف صاع من برّ،و الصاع أربعة أمداد» (2).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في صدقة الفطرة، فقال:«تصدّق عن جميع من تعول من صغير أو كبير،حرّ أو مملوك على كلّ إنسان نصف صاع من حنطة،أو صاع من تمر،أو صاع من شعير،و الصاع أربعة أمداد» (3).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سمعته يقول:
«الصدقة لمن لم يجد الحنطة و الشعير يجزئ عنه القمح و العدس و الذرة نصف صاع من ذلك كلّه،أو صاع من تمر أو زبيب» (4).
لأنّا نقول:قد ذكر أصحابنا و الجمهور أنّ ذلك غيّر في زمن عثمان و معاوية.روى الأصحاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«صدقة الفطرة (5)صاع،فلمّا كان في زمن عثمان حوّله مدّين من قمح» (6).
ص:462
و روى الجمهور عن أبي سعيد قال:كنّا نخرج،إذ (1)كان فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صدقة الفطرة صاعا من طعام،أو من شعير،أو من تمر،أو زبيب،أو أقط،فلم نزل نخرجه حتّى قدم معاوية فكان فيما كلّم الناس به:إنّي لأرى مدّين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر.فأخذ الناس بذلك.قال أبو سعيد:و لا أزال أخرجه كما كنت أخرجه (2).
و روى أصحابنا عن عبد الرحمن الحذّاء،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لمّا كان (3)زمن معاوية،عدل الناس[عن] (4)ذلك إلى نصف صاع من حنطة» (5).
و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سئل عن الفطرة،فقال:«صاع من طعام» فقيل:أو نصف صاع؟فقال «بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ» (6).و إذا كان التغيير (7)حادثا،حملنا الأحاديث من طرقنا على التقيّة،و كان العمل بما ثبت في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متعيّنا.
،و المدّ:رطلان و ربع بالعراقيّ،و هو أيضا مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف.و الدرهم:ستّة دوانيق.و الدانق:ثمان حبّات من أوسط حبّات الشعير،يكون مقدار الصاع تسعة أرطال بالعراقيّ،و ستّة أرطال بالمدنيّ.ذهب إليه علماؤنا.
ص:463
و قال الشافعيّ:الصاع خمسة أرطال و ثلث بالبغداديّ (1).و به قال مالك (2)،و أحمد (3)،و إسحاق،و أبو يوسف (4).
و قال أبو حنيفة:الصاع ثمانية أرطال (5).
لنا:ما نقله الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يتوضّأ بمدّ و يغتسل بصاع (6).مع أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان كثيف الشعر تامّ الخلقة مستظهرا في أفعال الوضوء و الغسل،فاعلا للمندوب منه من المضمضة و الاستنشاق و تكرار الغسلات،و يتعذّر (7)فعل هذا كلّه برطل و ثلث في الوضوء،و بخمسة أرطال و ثلث في الغسل.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ،عن العسكريّ أبي الحسن عليه السلام قال:«يدفع (8)الصاع وزنا ستّة أرطال برطل المدينة،و الرطل مائة
ص:464
و خمسة و تسعون درهما» (1).
و عن عليّ بن بلال قال:كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة و كم تدفع؟قال:«ستّة أرطال من تمر بالمدنيّ،و ذلك (2)تسعة أرطال بالبغداديّ» (3).
و عن جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (4)عن أبي الحسن عليه السلام،قال:كتب إليّ:«الصاع:ستّة أرطال بالمدنيّ،و تسعة أرطال بالعراقيّ.و بالوزن ألف و مائة و سبعون وزنه» (5).
و يؤيّد ما قلناه أيضا:ما قاله أبو عبيد:إنّ صاعين و نصفا مكّوك بالعدل (6)الملجم
ص:465
العراقيّ (1)،فيكون الصاع خمسي (2)مكّوك.و هو يقارب ما قلناه.
احتجّ أبو حنيفة (3)بما رواه أنس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يتوضّأ بالمدّ و يغتسل بالصاع (4).و المدّ:رطلان.
و احتجّ الشافعيّ بأنّه لمّا اجتمع الرشيد مع مالك بالمدينة و معه أبو يوسف و اختلفوا في قدر الصاع،حمل مالك قوما كثيرا و عددا جمّا معهم آصع نقلوا عن آبائهم أنّهم كانوا يؤدّون بها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فغيّرت،فكانت خمسة أرطال و ثلثا،فرجع أبو يوسف إلى ذلك (5).
و الجواب عن الأوّل:أنّه حكاية حال،و قوله:و المدّ:رطلان،من كلام الراوي، فلا حجّة فيه،مع أنّ أهل النقل طعنوا فيه.
و عن الثاني:أنّه محمول على أرطال المدينة و ذلك يقارب ما قلناه.
قال:سئل عن رجل في البادية لا يمكنه الفطرة،قال:«يتصدّق بأربعة أرطال من لبن» (1).
و الاستدلال بهذه الرواية باطل من وجهين:
الأوّل:ضعفها و إرسالها.
و الثاني:أنّها تضمّنت السؤال عن فاقد الفطرة،و نحن نقول بموجبة،إذ لا يجب على من لم يتمكّن شيء،فإخراج أربعة أرطال على جهة الاستحباب.و أمّا تفسيره بالمدنيّ،فلما رواه الشيخ عن محمّد بن الريّان قال:كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة كم تؤدّى؟فكتب:
«أربعة أرطال بالمدنيّ» (2).و ضعف هذه الرواية لا يخفى.
الأوّل:الأصل في الإخراج:الكيل،و قدّره العلماء بالوزن،لأنّه أضبط،و ليحفظ و ينقل.
الثاني:يجزئه الصاع من سائر الأجناس إذا اعتبر الكيل،سواء كان أثقل أو أخفّ، لأنّه المقدّر في الإخراج.
و هل يجزئه الوزن من غير الكيل؟منع منه محمّد بن الحسن الشيبانيّ،لأنّ في البرّ ما هو أثقل و أخفّ،فلو أخرج من الأثقل بالوزن،يكون قد أخرج دون الصاع،فلا يكون مجزئا (3).
ص:467
و الأحوط عندي:أنّه إن أخرج من الأخفّ كالشعير تسعة أرطال فقد أجزأه،و إن أخرج من الأثقل،أن يخرج ما يزيد على المقدّر بالوزن،ليكون بالغا قدر الصاع.
الثالث:لو أخرج صاعا من جنسين من الأجناس المنصوصة،قال الشيخ:لا يجزئه (1).و به قال الشافعيّ (2)،و الأقرب عندي:الإجزاء.و به قال أبو حنيفة (3)،و أحمد (4).
لنا:أنّه أخرج من المنصوص عليه،فأجزأه،كما لو أخرج من الجنس الواحد.و لأنّ أحد النصفين إن كان أعلى من الآخر أجزأه،لأنّه مع إخراج الأدون يجزئ فمع الأعلى أولى، و إن كان مساويا فكذلك خصوصا و عندنا يجوز إخراج القيم في الزكوات.
احتجّ الشيخ بأنّه مخالف للخبر (5).
و الجواب:المنع من مخالفته للخبر.
الرابع:هل يجوز أن يخرج أقلّ من صاع من جنس أعلى إذا ساوى صاعا من أدون، كنصف صاع من حنطة إذا ساوى صاعا من شعير في القيمة على سبيل إخراج القيمة؟فيه تردّد ينشأ من كون الواجب إخراج صاع تامّ من الأجناس أو قيمته،و هو يدلّ على أنّ القيمة تغايره (6)،و من كونه قد أخرج قدر الواجب و هو بدل الصاع المساوي،فيكون مجزئا.و لم نقف فيه للمتقدّمين على قول.
الخامس:لو أخرج صاعين من جنسين (7)،أو أصواعا من أجناس مختلفة عن رؤوس متعدّدة،جاز بلا خلاف.
ص:468
السادس:لو غلب على قوته جنس،جاز أن يخرج من جنس آخر،و لو كان دونه قيمة،و الأفضل أن يخرج الأعلى.
السابع:لا يجزئه المعيب كالمسوّس من التمر،و المدوّد من الحبّ.و يجوز أن يخرج صاعا من طعام قديم إذا لم يتغيّر طعمه و إن نقصت قيمته عن قيمة الحديث،لأنّ القدم (1)ليس بعيب.
.و هو قول علمائنا أجمع،و به قال أبو حنيفة (2)، و الثوريّ،و الحسن البصريّ،و عمر بن عبد العزيز (3).و منع الشافعيّ (4)،و مالك (5)،و أحمد من ذلك (6).
لنا:ما رواه الجمهور عن معاذ أنّه طلب من أهل اليمن،العرض (7). (8)
و عن عمر بن الخطّاب أنّه كان يأخذ العروض في الصدقة (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمّار الصيرفيّ قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:جعلت فداك،ما تقول في الفطرة،يجوز أن أؤدّيها فضّة بقيمة هذه الأشياء التي سمّيتها؟قال:«نعم،إنّ ذلك أنفع و يشتري
ص:469
و عن إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا بأس بالقيمة في الفطرة» (3).
و لأنّ القيمة أعمّ نفعا و أكثر فائدة،فكان إخراجها مجزئا.
و لأنّ القصد دفع الحاجة و هو غير مختلف باختلاف صور الأموال بعد اتّحاد قدر المال.
احتجّ المخالف بأنّه عدول عن النصّ،إذ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فرض الصدقة من هذه الأجناس (4).
و الجواب:ليس في ذلك دلالة على المنع من القيمة،و إنّما خرج ذلك مخرج بيان قدر الواجب لا عينه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص (1)المروزيّ قال:سمعته يقول:«إن لم تجد من تضع الفطرة فيه،فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة و الصدقة بصاع من تمر أو قيمته في تلك البلاد دراهم» (2).
فإن احتجّوا برواية إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا بأس أن يعطيه قيمتها درهما» (3).
أجبنا:أوّلا:بضعف الرواية،فإنّ في طريقها أحمد بن هلال،و هو ضعيف جدّا.
و ثانيا:باحتمال أن يكون قيمة الصاع ما قدّره الإمام عليه السلام في ذلك الوقت.
قال الشيخ:هذه الرواية شاذّة،و الأحوط أن تعطى بقيمة الوقت،قلّ ذلك أم كثر، قال:و هذه رخصة لو عمل الإنسان بها لم يكن مأثوما (4).
و قال أبو حنيفة (1)،و أحمد:يجوز (2).و به قال ابن إدريس منّا (3)،و الأقرب عندي ما قاله الشيخ.
لنا:أنّ المنصوص (4)الأجناس المعدودة فيقتصر عليها،و إنّما عدلنا إلى القيمة لمساواتها في الأمور المطلوبة.و لأنّ منافعه قد نقصت.
احتجّ المخالف (5)بما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«أدّوا الفطرة قبل الخروج،فإنّ على كلّ مسلم مدّين من قمح أو دقيق» (6).
و ما رواه الشيخ عن حمّاد و بريد و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالوا:سألناهما عليهما السلام عن زكاة الفطرة،قالا:«صاع من تمر أو زبيب أو شعير،أو نصف ذلك كلّه حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت،عن الصغير و الكبير و الذكر و الأنثى و البالغ و من تعول في ذلك سواء» (7).
و عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته.يعطي الفطرة دقيقا مكان الحنطة؟قال:«لا بأس،يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحنطة و الدقيق» (8).
و لأنّه أعجل منفعة و أقلّ مئونة،فكان أولى بالإخراج.و لأنّ الأجزاء باقية
ص:472
و لم يحصل غير تفرّقها بالطحن،فكان مجزئا،كما هو قبل التفرّق.
و الجواب عن الأوّل:أنّ لفظة:أو،قد تأتي للتفصيل كما تأتي للتخيير،و ليس حملها على الثاني أولى من الأوّل،فيحمل على من لم يجد الأجناس.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:
«الصدقة لمن لم يجد الحنطة و الشعير:القمح و العدس و الذرة نصف صاع من ذلك كلّه،أو صاع من تمر أو صاع من زبيب» (1).و هو الجواب عن الحديث الثاني.
و عن الثالث:أنّ فيه تنبيها على اعتبار القيمة،لأنّه عليه السلام ذكر المساواة بين أجزاء الطحن و التفاوت.و تعجيل المنفعة معارض (2)بقلّتها حينئذ.و بقاء الأجزاء مع تفريقها غير كاف،لفوات بعض المنفعة الحاصلة قبل التفرّق،فبطل الإلحاق.
الأوّل:و في إجزاء الخبز على أنّه أصل لا قيمة تردّد أقربه عدم الإجزاء،خلافا لابن إدريس (3)،مع وقوع الاتّفاق على الإخراج بالقيمة.
لنا:أنّ النصّ يتناول الأجناس المعيّنة،فلا يصار إلى غيرها إلاّ بدليل،و لم يقم على المتنازع فيه دليل،و القياس على الطعام ضعيف،لقيام الفرق و هو إمكان الادّخار و الكيل في الأصل دون الفرع.
الثاني:السلت،إن قلنا إنّه نوع من الشعير،أجزأ،على أنّه أصل لا قيمة و إلاّ اعتبرت القيمة.و كذا البحث في العلس.
الثالث:لا يجوز إخراج الخلّ و الدبس و ما أشبههما،لأنّهما غير منصوصين
ص:473
و لا مشاركين في معنى الاقتيات.
الرابع:لا يجزئ الحبّ المعيب،كالمسوّس و المبلول،و لا ما تغيّر طعمه،لتقادم عهده،لقوله تعالى وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (1).أمّا لو تقادم عهده و لم يتغيّر طعمه، فإنّه يكون مجزئا و إن كان أدون من الحديث قيمة،و الأفضل إخراج ما غلت قيمته.
الخامس:الطعام الممتزج بالتراب يجوز إخراجه إذا لم يخرج بالامتزاج (2)إلى حدّ المعيب،لأنّ تكليف إزالته مشقّة،و الزيادة على الصاع منفيّة (3)بالأصل.
و لو انتهى في الكثرة إلى حدّ المعيب،وجب إزالته أو الزيادة المقاومة.
ص:474
القديم (1)،و أبو حنيفة و أصحابه (2)،و مالك في الرواية الأخرى (3)،و أبو ثور (4).و اختاره ابن الجنيد منّا (5)،و المفيد (6).
و قال بعض أصحاب مالك:تجب بطلوع الشمس يوم الفطر (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس (8)أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فرض زكاة الفطر (9)طهرة للصائم من الرفث و اللغو (10)،و هو في يوم العيد يكذب عليه اسم الصوم حقيقة،و الأصل:عدم المجاز.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مولود ولد ليلة الفطر،عليه فطرة؟قال:«لا،قد خرج الشهر» و سألته عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر،عليه فطرة؟قال:«لا» (11).
لا يقال:قد روي أنّ من ولد له مولود قبل الزوال،أو أسلم،أخرج عنهما،و إن كان
ص:476
بعد الزوال فلا (1).
لأنّا نقول:إنّه محمول على الاستحباب،قاله الشيخ في التهذيب (2)،و هو حسن،جمعا بين الأحاديث.و لأنّها تضاف إلى الفطر فتجب به،كزكاة المال،لأنّ الإضافة تقتضي الاختصاص،و السبب أخصّ بحكمه من غيره.
و لأنّ طلوع الفجر يستدام فيه الفطر،فلا يتعلّق به وجوب الفطرة،كما بعده.
احتجّ المخالف (3)بقوله صلّى اللّه عليه و آله:«أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم» (4).
و برواية ابن عمر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أنّه كان يأمرنا أن نخرج الفطرة قبل الخروج إلى المصلّى،و هو لا يأمر بتأخير الواجب عن وقته (5).
و بما روي من طريق الخاصّة:أنّ من أسلم قبل الزوال وجبت عليه الفطرة (6).و كذا من ولد له مولود قبل الزوال (7).
و لأنّها قربة متعلّقة بالعيد فلم يتقدّم وقتها على يوم العيد،كالأضحيّة.
و الجواب عن الأوّل:أنّ الإغناء قد يكون بغير الزكاة،فالصرف إليها يحتاج إلى دليل.و لأنّه قد يحصل الإغناء بالدفع ليلة الفطر.و لأنّ وقت الوجوب عندنا ليلة الفطر، و ما ذكرتموه يدلّ على الإخراج،فلا دلالة فيه حينئذ.
و عن الثاني:أنّ الأمر بالإخراج قبل الفطر كما يتناول يوم الفطر يتناول ليلته.و لأنّه
ص:477
من الواجب الموسّع عندنا،و يتأكّد الإخراج قبل الخروج إلى المصلّى فصرف الأمر إليه، لا أنّه قبل ذلك ليس بواجب.و لأنّه يحتمل أن يكون الأفضل إخراجها قبل الخروج إلى المصلّى،و يجوز التأخير في الواجب الموسّع إذا اشتمل على المصلحة و هي الجمع بين إيتاء الزكاة و إقام الصلاة،كما يؤخّر كثير من العبادات عن أوّل وقتها،كالظهر للمتنفّل،و المغرب في عرفات للجمع،و المستحاضة (1)لإيقاع الصلاتين بغسل واحد،و غير ذلك من النظائر.
و أيضا:الفقراء نهارا أشدّ حاجة إليها من الليل،فكان دفعها في وقت الحاجة أفضل، فلهذا النوع من المصلحة أمر (2)بالتأخير.
و أيضا:الأمر بالإخراج قبل الخروج لا يدلّ على وقت الوجوب بالإجماع،لأنّ وقت الصلاة انبساط الشمس،و الوجوب عند المخالف يتحقّق قبل طلوعها.
و عن الثالث:ما تقدّم.
و عن الرابع:بالفرق،فإنّ الأضحيّة لا تتعلّق بطلوع الفجر فلا تشبه مسألتنا، و لا هي واجبة أيضا،بخلاف صورة النزاع.
فهو باق على ملكيّة الواهب،فالزكاة عليه.و عند مالك:أنّه ليس بشرط.و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه.
الثاني:لو قبل الموهوب له الهبة و لم يقبض و مات قبل شوّال فقبضه الوارث،قال الشيخ في المبسوط:تجب الفطرة على الورثة (1).و ليس بمعتمد،إذ القبض شرط في الانتقال و لم يحصل،فكيف ينتقل إلى الوارث؟.
الثالث:لو ولد له ولد بعد الهلال،أو تزوّج زوجة،أو اشترى مملوكا بعد الهلال،لم تجب عليه زكاته،و لو كان قبله وجبت و لو كان قبل الغروب بشيء يسير.و على القول الآخر لأصحابنا الاعتبار بطلوع الفجر (2).
و كذا البحث لو مات له ولد أو مملوك،أو طلّق زوجته،أو باع عبده،فإن كان قبل الغروب فلا زكاة عليه إجماعا،و إن كان بعده فعلى الخلاف،إن قلنا:إنّ الزكاة تجب بالغروب كما اخترناه (3)،وجبت الزكاة،و إن قلنا:إنّها تجب بطلوع الفجر كان الاعتبار به، و كذا لو قلنا:إنّ المعتبر مجموع الوقتين،كما هو مذهب الشافعيّ في أحد أقواله (4).
و على هذا الثالث لو طلّق زوجته،أو زال ملكه وسط الليل،ثمَّ عاد في الليل،ففي الزكاة وجهان.
الرابع:لو مات العبد بعد الهلال و قبل إمكان أداء الزكاة عنه وجب أن يخرج عنه الزكاة،لأنّها تتعلّق بالذمّة و العبد سبب فيها،فلا تسقط بموته،كالظهار إذا ماتت المرأة قبل إمكان أداء الكفّارة.
و قال بعض الشافعيّة:تسقط،لأنّه قد تلف المال الذي هو سبب في وجوبها قبل
ص:479
إمكان أدائها،كالنصاب (1).و ليس بجيّد،لأنّ الزكاة تجب في عين النصاب،و هنا تجب في الذمّة.
و أيضا:فإنّ زكاة المال تجب مواساة من المال،فإذا تلف بغير تفريط خرج عن أن يكون من أهل المواساة،بخلاف الزكاة هنا،فإنّها تجب تطهيرا،فلا تسقط بالموت،كالكفّارة.
الخامس:لو أوصى له بعبد،فإن مات الموصي بعد الهلال،فالزكاة عليه،لبقاء الملك عليه وقت الوجوب،و إن مات قبل الهلال،فإن قبل الموصى له قبل الهلال أيضا،فالزكاة على الموصى له،لوجوبها في ملكه،و إن قبل بعده،قال الشيخ في المبسوط:لا زكاة على أحد،لأنّه ليس ملكا لأحد و هو غير مالك (2).
و للشافعيّ ثلاثة أقوال تبنى على ثلاثة أصول:
أحدها:أنّه مع القبول يتبيّن.
لنا:أنّ الملك انتقل إليه بموت الموصي،فالزكاة على الموصى له حينئذ.
و ثانيها:أنّه يكون على حكم مال الميّت،و تملّك الموصى له من حين القبول،فالفطرة في مال الموصي.
و الثالث:أنّ الموصى به يدخل في ملك الموصى له بموت الموصي بغير اختيار الموصى له،فالزكاة على الموصى له،قبل أو لم يقبل (3).و الوجه عندي ما قاله الشافعيّ ثانيا،و إن كان قول الشيخ لا يخلو من قوّة.
السادس:لو مات الموصى له،قام وارثه مقامه في القبول،فإن قبلوا قبل الهلال وجبت الفطرة،و هل تجب عليهم أو في مال الموصى له؟قال الشيخ بالأوّل (4)،و هو جيّد، لأنّهم بالقبول ملكوه فكان الميّت لم يملك شيئا.
ص:480
و على الوجه الأوّل من أقوال الشافعيّ تكون الفطرة في مال الميّت.
السابع:لو مات و عليه دين بعد الهلال،ففطرة عبده في تركته،لاستقرار الوجوب عليه،و يقع التحاصّ بينها و بين الديّان مع القصور.
و إن مات قبل الهلال،قال الشيخ:لا يلزم أحدا فطرته،لأنّه ليس ملكا لأحد (1).
و الأقرب عندي التفريع على أصل آخر و هو أنّ التركة هل تنتقل إلى الورثة و يمنعون من التصرّف فيها كالمرهون،أو تنتقل إلى الديّان إن استوعبتها الديون أو بقدر الدين إن لم يستوعب،أو تكون على حكم مال الميّت لا تنتقل إلى أحد إلاّ بعد قضاء الدين؟.و الثاني من هذه الوجوه ضعيف،و يقوّي الأوّل أنّ الميّت لو كان له دين و عليه دين فجحد الدين الذي له،حلف الوارث مع شاهده،و لو لا الانتقال لم يكن له ذلك.
و أيضا:لو مات بعض الورثة و خلّف ورثة قبل القضاء،ثمَّ أبرأ من له الدين الميّت، كانت التركة للأحياء و ورثة الميّت،و الآية (2)محمولة على القسمة،فعلى الأوّل:الفطرة على الورثة.
و على الثاني:الزكاة على أرباب الديون،و ليس بالمعتمد.
و على الثالث:لا زكاة.
الثامن:الولد إذا ملك ليلة العيد قوت يومه سقط عن والده نفقة ذلك اليوم،فإذا لم يعله فيه لم تجب الزكاة عليه،لعدم المقتضي و هو العيلولة،و لا على الولد،لعجزه.
التاسع:العبد الذي نصفه حرّ إذا وقعت بينه و بين مولاه مهاياة فوقع الهلال في نوبة أحدهما ففي اختصاصه بالفطرة وجهان.
قبل الخروج إلى المصلّى و يتضيّق عند الصلاة،لما رواه ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فرض زكاة الفطرة طهرة للصائم من اللغو و الرفث،و طعمة للمساكين،فمن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة،و من أدّاها بعد
ص:481
الصلاة فهي صدقة من الصدقات (1).
و قوله عليه السلام:«أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن ميمون قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«الفطرة إن أعطيت قبل أن تخرج إلى العيد فهي فطرة،و إن كان بعد ما تخرج إلى العيد فهي صدقة» (3).
و في الصحيح عن زرارة و بريد بن معاوية،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما قالا:«يعطي يوم الفطر فهو أفضل» (4).
و لأنّ المراد:إغناء الفقراء عن الطلب فيه و السعي،و هو إنّما يتحقّق بإخراجها قبل الصّلاة.
الشافعيّ (1).
و قال أحمد:يجوز تقديمها قبل الهلال بيوم أو يومين خاصّة (2).
و قال بعض الجمهور:يجوز تقديمها من بعد نصف الشهر (3).
و قال أبو حنيفة:يجوز تقديمها من أوّل الحول (4).
لنا:أنّ سبب الصدقة الصوم و الفطر معا،فإذا وجد أحد السببين (5)جاز التقديم، كزكاة المال.و لأنّ في تقديمها مسارعة إلى الثواب و المغفرة،فيكون مأمورا به.و لأنّ في التقديم جبر حال الفقراء على القطع،و مع التأخير على الشكّ،لجواز موته أو فقره،فيكون مشروعا.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة و بكير بن أعين و الفضيل بن يسار و محمّد بن مسلم و بريد بن معاوية،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما قالا:«على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حرّ و عبد،صغير و كبير،يعطي يوم الفطر فهو أفضل،و هو في سعة أن يعطيها في أوّل يوم يدخل في شهر رمضان إلى آخره» الحديث (6).
و لأنّ جواز التقديم يوما و يومين يقتضي جوازه من أوّل الشهر،إذ سببيّة الصوم
ص:483
موجودة هنا،و أمّا تقديمها على شهر رمضان فغير جائز،عملا بالأصل السالم عن معارضة سببيّة الصوم.
و لأنّ تقديمها قبل الشهر تقديم للزكاة قبل السببين معا،فيكون ممنوعا منه،كتقديم زكاة المال قبل الحول و النصاب.
احتجّ ابن إدريس بأنّ شغل الذمّة إنّما يثبت بعد الهلال،فيكون الأداء قبله إبراء للذمّة قبل شغلها،و هو باطل (1).
و احتجّ أحمد (2)بقوله عليه السلام:«أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم» (3)و هو لا يحصل بتقديمها من أوّل الشهر،مع أنّ الأمر للوجوب.
و لما رواه البخاريّ عن ابن عمر قال:كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين (4).و هو إشارة إلى جميعهم،فيكون إجماعا.
و احتجّ المجوّز لإخراجها بعد نصف الشهر بجواز الخروج من المزدلفة قبل نصف الليل (5).
و احتجّ أبو حنيفة بأنّها زكاة مخرجة عن بدنه،فإذا كان المخرج عنه موجودا،جاز إخراجها قبل الوقت الموظّف،كزكاة المال بعد وجود النصاب (6).
و الجواب عن الأوّل:بأنّ شغل الذمّة في صورة التقديم غير متحقّق،لأنّه وقت الدفع غير مشتغل الذمّة،و بعده كذلك،لسقوطها عنه بالدفع المتقدّم،و الإبراء هاهنا
ص:484
تقديريّ،لا أنّه (1)ثابت حقيقة.
و عن الثاني:بأنّه متروك الظاهر،إذ الواجب ليس إغناء الجميع،بل و لا واحد معيّن،و مع خروجه عن حقيقته يسقط دلالته،على أنّه كما يقتضي المنع من تقديمها في أوّل الشهر،يقتضي المنع من إخراجها قبله بيوم أو يومين (2).و حديث ابن عمر نحن نقول بموجبة،إذ ليس فيه دلالة على المنع من التقديم قبل ذلك.
و عن احتجاج أبي حنيفة:بالفرق بين زكاة المال و زكاة الفطرة،لأنّ السبب هناك ملك النصاب،و قد حصل في الحول كلّه،فجاز إخراجها فيه،و زكاة الفطرة سببها الفطر بدليل إضافتها إليه.و لأنّ المقصود إغناء الفقراء هناك في الحول كلّه،و إغناؤهم هنا في هذا اليوم.
لنا:قوله عليه السلام:«أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم» (1).و هو لا يحصل بالتأخير عن يوم العيد و لا عن الصلاة،لفوات بعض اليوم.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفطرة متى هي؟قال:«قبل الصلاة يوم الفطر» (2).
و لأنّه تأخير للواجب عن وقته،فكان حراما.
و الأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة و تحريم التأخير عن يوم العيد،لما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفطرة متى هي؟قال:«قبل الصلاة يوم الفطر»قلت:فإن بقي منه شيء بعد الصلاة؟فقال:«لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثمَّ يبقى فنقسّمه» (3).
نعم،الإخراج قبل الصلاة أولى،لما تضمّنه هذا الحديث من الأولويّة.و لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في رواية إبراهيم بن ميمون:«الفطرة إن أعطيت قبل أن تخرج إلى العيد فهي فطرة،و إن كان بعد ما تخرج إلى العيد فهي صدقة» (4).
لا يقال:قد روى الشيخ عن الحارث (5)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا بأس
ص:486
بأن تؤخّر الفطرة إلى هلال ذي القعدة» (1).
لأنّا نقول:إنّها ضعيفة السند،و هي شاذّة لم يعمل بها (2)أحد من علمائنا،فلا تعويل عليها.و لأنّها محمولة على المنتظر للمستحقّ،قاله الشيخ (3).
،لم يأثم بالتأخير بالإجماع،لعدم التمكّن الذي هو شرط في التكليف.ثمَّ لا يخلو إمّا أن يكون قد عزلها،أو لا،فإن كان قد عزلها أخرجها مع الإمكان،لأنّها قد تعيّنت للصدقة فلا تسقط بفوات وقتها،كما لو عدم المستحقّ في زكاة المال.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الفطرة:«إذا عزلتها و أنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها رجلا فلا بأس به» (4).
و عن إسحاق بن عمّار و غيره قال:سألته عن الفطرة قال:«إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها قبل الصّلاة أو بعد الصلاة» (5).
و إن لم يكن قد عزلها ففيها لأصحابنا ثلاثة أقوال:
أحدها:السقوط.و به قال الحسن بن زياد (6).
ص:487
و ثانيها:أنّها تكون قضاء.ذهب إليه الشيخان (1)،و به قال الشافعيّ (2)، و أبو حنيفة (3)،و أحمد (4).
و ثالثها:تكون أداء دائما.اختاره ابن إدريس (5)،و الأقرب عندي مذهب الشيخين.
لنا على عدم السقوط:أنّه حقّ ثابت في الذمّة للفقراء،فلا يسقط بخروج وقته، كالدين المؤجّل،و زكاة المال.
و على كونها قضاء أنّها عبادة مؤقّتة فات وقتها و فعلت بعد فواته،فتكون قضاء.
احتجّ القائلون بالسقوط بأنّها حقّ موقّت فتسقط بفواته (6)،كالأضحيّة.و لأنّ الأمر لا يقتضي القضاء إلاّ بأمر متجدّد.و لقوله عليه السلام:«هي قبل الصلاة زكاة مقبولة و بعد الصلاة صدقة من الصدقات» (7).و هو يدلّ على أنّها ليست زكاة بعد الصلاة،بل صدقة مستحبّة.
و احتجّ القائل (8)بكونها أداء بأنّها زكاة تجب بوقتها (9)،فلا تكون قضاء بفواته،
ص:488
كزكاة المال (1).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من السقوط بعد الفوت،لتحقّق شغل الذمّة و لم يثبت المسقط.
و عن الثاني:أنّ الحقّ و إن كان ذلك،لكنّ الاحتياط يقتضي عدم السقوط،و هذا الوجه قويّ.
و عن الثالث:بالمنع من كونها مستحبّة،و كونها صدقة لا ينافي وجوبها،و منع كونها زكاة،لأنّ ثوابها يقصر عن ذلك.
و عن الرابع:أنّ امتداد وقتها إلى العمر ينافي تضييقها عند الصلاة،و قد أجمعنا على ذلك.و لأنّها لو امتدّ وقتها لوجبت أو استحبّت على من بلغ أو أسلم بعد الزوال،كما تجب الصلاة على من أسلم أو بلغ في وقتها.
الأوّل:يصحّ العزل إذا عزلها المالك،كزكاة المال.
الثاني:لو عزلها و لم يخرجها،فإن لم يجد المستحقّ لم يضمن بالتأخير،و إن وجده ضمن.و كذا لو لم يجده أوّلا ثمَّ وجده و أخّرها مع المكنة.
و قال أحمد:يضمنها مطلقا (2).و ليس بمعتمد،لأنّ العذر مبيح للتأخير،فلا يضمن معه.
الثالث:يجوز له نقلها إلى غير بلده مع عدم المستحقّ إجماعا،و مع وجوده على الخلاف لكن يضمن معه لو تلفت،و يجوز أن يخرجها من المال الغائب عنه و إن كان الأفضل إخراجها من بلد المالك و تفريقها فيه.
ص:489
و تصرف الفطرة إلى من يستحقّ زكاة المال،و هم ستّة أصناف:الفقراء، وَ الْمَساكِينِ، وَ فِي الرِّقابِ،وَ الْغارِمِينَ،وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ،وَ ابْنِ السَّبِيلِ ،لأنّها زكاة فتصرف إلى من يصرف إليه سائر الزكوات.
و لأنّها صدقة فتدخل تحت قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ. الآية (1).
لنا:أنّها زكاة،فلا تصرف إلى غير المسلم،كزكاة المال.
احتجّ أبو حنيفة بقوله:«تصدّقوا على أهل الأديان» (1).
و لأنّها صدقة ليس للإمام فيها حقّ القبض،فجاز صرفها إلى أهل الذمّة، كالتطوّع (2).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من الرواية أوّلا،و بحملها (3)على صدقة التطوّع ثانيا، و على زكاة المال أخرى،لأنّهم من المؤلّفة تألّفا.
و عن الثاني:بأنّ الجامع عدميّ،فلا يصلح (4)للعلّيّة،و النقض بالأموال الباطنة، و بأنّ التطوّع يجوز صرفها إلى الحربيّ إجماعا،و هذا لا يجوز صرفها إليه.
،سواء وجد المستحقّ أو فقده، و ينتظر بها،و يحملها من بلده مع عدمه إلى آخر.و لا يعطى المستضعف،خلافا للشيخ رحمه اللّه (5).
و لو لم يجد المستحقّ لم يضمن بالتأخير مع وجود المستضعف،و قد سلف بيان ذلك في مستحقّ زكاة المال (6).
قال الشيخ رحمه اللّه:فإن لم يوجد مستحقّ من أهل المعرفة،جاز أن يعطى المستضعف من غيرهم،و لا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له إلاّ عند التقيّة أو عدم المستحقّ من أهل المعرفة،و الأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة و يضع الفطرة في مواضعها (7).و الحقّ ما ذكرناه أوّلا.
ص:491
.و به قال أبو حنيفة (1).
و قال الشافعيّ:يجب صرفها في الأصناف الستّة،و أقلّ كلّ صنف ثلاثة نفر (2).و قد تقدّم البحث في ذلك (3).
و يجوز للجماعة صرف صدقتهم إلى الواحد دفعة،و على التعاقب ما لم يبلغ إلى حدّ الغنى بالإجماع.
و لو أخرجها إلى المستحقّ فأخرجها آخذها إلى دافعها،أو جمعت الصدقة عند الإمام ففرّقها في المستحقّين فرجعت صدقة واحد إليه لم يكن به بأس،و هو يأتي على قولنا بالاستحباب،و على قول ابن الجنيد منّا (4)،و من تبعه من المخالفين،بالوجوب (5)،إذ لا يعتبر الغنى،لأنّ قبض المستحقّ أو الإمام أخرج المدفوع عن ملكه،فإذا عاد إليه بسبب آخر،ملكه،كما لو عادت بالميراث.
و منع بعض الجمهور منه،لأنّها طهرة له،فلا يجوز له أخذها (6).و قد سلف (7).
،ثمَّ الجيران مع وجود الأوصاف فيهم، لقوله عليه السلام:«لا صدقة و ذو رحم محتاج» (8).
ص:492
و قوله عليه السلام:«أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» (1).
و قوله عليه السلام:«جيران الصدقة أحقّ بها» (2).
و روى الشيخ عن إسحاق بن عمّار،عن أبي الحسن موسى عليه السلام،قال:قلت له:لي قرابة أنفق على بعضهم فأفضّل بعضهم على بعض فيأتيني إبّان الزكاة،فأعطيهم (3)منها؟قال:«أ مستحقّون لها؟»قلت:نعم،قال:«هم أفضل من غيرهم،أعطهم» (4).
و عن إسحاق بن المبارك (5)،عن أبي إبراهيم عليه السلام و قد سأله عن صدقة الفطرة،فقال:«الجيران أحقّ بها» (6).و لا نعرف في ذلك خلافا.
و يستحبّ ترجيح أهل الفضل في الدين و العلم،لأنّهم أفضل من غيرهم،فكانت العناية بهم أولى.
ص:493
و يؤيّده:ما رواه السكونيّ (1)قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:إنّي ربّما قسّمت الشيء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟فقال:«أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و الفضل (2)» (3).
بغير خلاف بين العلماء كافّة،أمّا عندنا فظاهر،و أمّا عند المخالف،فلأنّها من الأموال الباطنة.
و يستحبّ صرفها إلى الإمام أو من نصبه،لأنّه الحاكم و هو أعرف بمواقعها.و لما رواه الشيخ عن أبي عليّ بن راشد،قال:سألته عن الفطرة لمن هي؟قال:«للإمام» (4).
و لو تعذّر ذلك صرفت إلى الفقيه المأمون من فقهاء الإماميّة فإنّهم أبصر بمواقعها و أعرف بالمستحقّ.و لأنّ فيه إبراء للذمّة،و تنزيها للغرض فيكون أولى.
و زكاة المال و لا يكلّف بيع ذلك و لا بعضه،للحاجة إليها،فجرى مجرى الثوب و غيره ممّا يضطرّ إليه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عمر بن أذينة،عن غير واحد،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما سئلا عن الرجل له دار و خادم و عبد،يقبل الزكاة؟فقالا:
«نعم» (5).
ص:494
و عن سعيد بن يسار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«تحلّ الزكاة لصاحب الدار و الخادم» (1).و قد مضى البحث فيه (2).
.و أطبق الجمهور على خلافه.و الأقرب عندي أنّه محمول على الاستحباب لا الوجوب.
لنا:أنّه بدفعها (4)إلى أكثر،يكون قد صرف الصدقة إلى مستحقّها،فيكون سائغا،كما يجوز صرفها إلى الواحد.و لأنّ الأمر بالإعطاء مطلق فيجزئ إعطاء الجماعة،كما يجزئ الواحد،عملا بالإطلاق.
و يؤيّده:ما رواه إسحاق بن المبارك قال:سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن صدقة الفطرة أ هي ممّا قال اللّه تعالى وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ (5)؟فقال:«نعم»و قال:
«صدقة التمر أحبّ إليّ،لأنّ أبي صلوات اللّه عليه كان يتصدّق بالتمر»قلت:فيجعل قيمتها فضّة فيعطيها رجلا واحدا أو اثنين؟فقال:«يفرّقها (6)أحبّ إليّ،و لا بأس بأن يجعلها فضّة، و التمر أحبّ إليّ» (7).و هو يدلّ بمفهومه على صورة النزاع.
و لأنّ صدقة المال لا تتقدّر بقدر وجوبا على ما تقدّم (8)،فكذا صدقة الفطرة.
احتجّ المخالف بما رواه أحمد بن محمّد عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السلام
ص:495
قال:«لا تعط أحدا أقلّ من رأس» (1).
و الجواب:أنّها مرسلة،فلا تعويل عليها مع وجود المنافي،على أنّه يحتمل أن يكون النهي للكراهية،فلذلك قلنا بالاستحباب.
و يجوز أن يعطى الواحد أصواعا كثيرة بغير خلاف (2)،سواء كانت من دافع واحد أو من جماعة،على التعاقب و دفعة واحدة،ما لم يحصل الغنى في صورة التعاقب،لأنّ المقتضي و هو الفقر موجود مع الكثير و القليل.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا بأس بأن يعطى الرجل عن الرأسين و ثلاثة و أربعة»يعني الفطرة (3).و لا نعرف فيه خلافا.
،و تخرج من أصل التركة كالدين.و به قال الشافعيّ (4)،و أحمد (5).
و قال أبو حنيفة:تسقط بالموت،إلاّ أن يوصي بها،فتخرج من الثلث حينئذ (6).
لنا:عموم الأمر بالدفع،و لأنّه حقّ تعلّق بالذمّة فلا يسقط بالموت،كالدين.
ثمَّ إن خلّف تركة تفي بالزكاة أخرجت،و إلاّ أخرجت التركة بأجمعها.
و إن كان عليه دين،فإن وسعت التركة لهما أخرجتا،و إن ضاقت التركة،وقع التحاصّ.
و إن كان عليه زكاة المال و الفطرة و الدين فزكاة المال و الفطر واحدة،لاتّحاد
ص:496
المصرف فتحاصّان (1)الدين.
أو نائبه،إذ للمالك التخيير في الدفع إلى من شاء،فلو مات الفقير لم يكن لوارثه المطالبة بها،و كذا زكاة المال.
و مال الغنيمة يملكه الغانمون بالحيازة،و يستقرّ بالقسمة،فلو بلغ نصيبه نصابا لم يجر في الحول-على ما تقدّم-إلاّ بعد القبض،لعدم تمكّنه منه،و لا يجب باعتباره زكاة الفطر (2).
ص:497
تستحبّ الصدقة المتطوّعة في جميع الأوقات،قال اللّه تعالى إِنْ تُقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ (1).
و قال تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً (2).
و الآيات كثيرة في استحبابها (3).و قد روى الجمهور عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من تصدّق بعدل تمرة من كسب طيّب-و لا يصعد إلى اللّه تعالى إلاّ طيّب-فإنّ اللّه-يقبلها بيمينه،ثمَّ يربيها لصاحبها،كما يربي أحدكم فلوه (4)،حتّى تكون مثل الجبل» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:
«أرض القيامة نار ما خلا ظلّ المؤمن،فإنّ صدقته تظلّه» (6).
ص:498
و قال الباقر عليه السلام:«البرّ و الصدقة ينفيان الفقر،و يزيدان في العمر،و يدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء» (1).
و عن الصادق عليه السلام:«الصدقة باليد تقي ميتة السوء،و تدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء،و تفكّ عن لحيي (2)سبعين شيطانا كلّهم يأمره أن لا يفعل» (3).
و الصدقة باليد أفضل
،لكثرة المشقّة حينئذ.و يؤيّده:ما تقدّم.
و يزاد التأكيد في المريض.و يؤيّده:ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنّه قال:«يستحبّ للمريض أن يعطي السائل بيده و يأمر (4)السائل أن يدعو له» (5).
و صدقة السرّ أفضل من صدقة العلانية
بالنصّ و الإجماع،قال اللّه تعالى إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ (6).
و لا خلاف بين المسلمين في ذلك.
روى الجمهور عن أبي هريرة،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«سبعة يظلّهم اللّه في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه» (7)و ذكر منهم رجلا تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى
ص:499
لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ و ابن بابويه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ جلّ جلاله» (1).
و عن عمّار،عن الصادق عليه السلام قال:قال لي:«يا عمّار،الصدقة و اللّه في السرّ أفضل من الصدقة في العلانية،و كذلك و اللّه العبادة في السرّ أفضل من العبادة في العلانية» (2).
و عن معلّى بن خنيس،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إنّ صدقة الليل تطفئ غضب الربّ تعالى و تمحو الذنب العظيم و تهوّن الحساب،و صدقة النهار تثمر المال و تزيد في العمر» (3).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«من فطّر في هذا الشهر مؤمنا صائما كان له بذلك عند اللّه عزّ و جلّ عتق رقبة و مغفرة لما مضى من ذنوبه»فقيل له:يا رسول اللّه،ليس كلّنا نقدر على أن نفطّر صائما؟فقال:«إنّ اللّه تبارك و تعالى كريم يعطي هذا الثواب منكم من لم يقدر إلاّ على مذقة (1)من لبن يفطّر بها صائما،أو شربة من ماء عذب،أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك» (2).
و كذلك كلّ وقت شريف كالجمع و الأعياد
و بالخصوص أوقات الحاجات،لقوله تعالى أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (3).
و الصدقة على القرابة أفضل من غيرهم
بلا خلاف،قال اللّه تعالى يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (4).
و روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«الصدقة على المسكين صدقة،و هي على ذي الرحم اثنتان:صدقة و صلة» (5).
و عن زينب امرأة ابن مسعود أنّها سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،هل يسعها أن تضع صدقتها في زوجها و بني أخ لها يتامى؟قال:«نعم،لها أجران:أجر القرابة و أجر
ص:501
الصدقة» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ و ابن بابويه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه سئل:أيّ الصدقة أفضل؟قال:«على ذي الرحم الكاشح» (2).
و قال عليه السلام:«لا صدقة و ذو رحم محتاج» (3).
و قال عليه السلام:«ملعون ملعون من ألقى كلّه على الناس،ملعون ملعون من ضيّع من يعول» (4).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى و ابدأ بمن تعول» (1).
و عن الوليد بن صبيح قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فجاءه سائل فأعطاه، ثمَّ جاءه آخر فأعطاه،ثمَّ جاءه آخر فأعطاه،ثمَّ جاءه آخر فقال:«وسّع اللّه عليك»ثمَّ قال:
«إنّ رجلا لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألف درهم،ثمَّ شاء أن لا يبقي منها شيئا إلاّ وضعه في حقّ لفعل فيبقى لا مال له،فيكون من الثلاثة الذين يردّ دعاؤهم»قال:قلت:من هم؟قال:«أحدهم رجل كان له مال فأنفقه في وجهه،ثمَّ قال:يا ربّ ارزقني فيقول:
[الربّ عزّ و جلّ] (2):ألم أرزقك؟و رجل يجلس في بيته و لا يسعى في طلب الرزق و يقول:
يا ربّ ارزقني،فيقول عزّ و جلّ:ألم أجعل لك سبيلا إلى طلب الرزق؟و رجل له امرأة تؤذيه فيقول:يا ربّ خلّصني منها،فيقول عزّ و جلّ:ألم أجعل أمرها بيدك» (3).
و لو قصّر في نفقته أو نفقة من يلزمه مئونته
أثم بالصدقة،لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» (4).
و لأنّ في ذلك تقديم النفل على الواجب،و هو غير جائز.
ص:503
فإن كان الرجل وحده،أو كان له من يمونه
و له كفايتهم و كان ذا كسب،فأراد الصدقة بجميع ماله وثوقا منه بحسن التوكّل و السعي في كسبه بقدر كفايته و كفاية من يمونه، كان سائغا،لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد سئل عن أفضل الصدقة:«جهد من مقلّ إلى فقير في السرّ (1).
فإن فقد هذان الوصفان في الرجل،كره له التصدّق بجميع ماله،لما رواه جابر بن عبد اللّه قال:كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ جاءه رجل بمثل بيضة من ذهب،فقال :يا رسول اللّه،أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها،فأعرض عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ أتاه من قبل ركنه الأيمن و قال مثل ذلك،فأعرض عنه،ثمَّ أتاه من قبل ركنه الأيسر،فأعرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ أتاه من خلفه، فأخذها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فحذفه بها،فلو أصابته لأوجعته،أو لعقرته،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«يأتي أحدكم بما يملك ثمَّ يقول:هذه صدقة،ثمَّ يقعد يستكفّ الناس،خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» (2)و معنى قوله عليه السلام:«يستكفّ الناس» يتعرّض للصدقة و يأخذها ببطن كفّه.
و لأنّ إخراج جميع المال لا يؤمن معه فتنة الفقر،فيذهب ماله و يبطل أجره،و يصير كلاّ على الناس.
و يستحبّ العطاء من غير مسألة
،لأنّ في المسألة إذلالا بالمؤمن.
روى ابن بابويه عن مسعدة بن صدقة،عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بعث إلى رجل بخمسة أو ساق من تمر
ص:504
البغيبغة (1)و كان الرجل ممّن يرجو نوافله و يرضى (2)نائله و رفده،و كان لا يسأل عليّا عليه السلام و لا غيره شيئا،فقال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام:و اللّه ما سألك فلان شيئا،و لقد كان يجزئه من الخمسة الأوساق وسق واحد،فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:
«لا كثّر اللّه في المؤمنين ضربك،أعطي أنا و تبخل أنت،للّه أنت،إذا أنا لم أعط الذي يرجوني إلاّ من بعد مسألتي ثمَّ أعطيته بعد المسألة فلم أعطه إلاّ ثمن ما أخذت منه،و ذلك لأنّي عرّضته أن يبذل لي وجهه الذي يعفّره في التراب لربّي و ربّه عزّ و جلّ عند تعبّده له و طلب حوائجه إليه،فمن فعل هذا بأخيه المسلم و قد عرف أنّه موضع لصلته و معروفه فلم يصدّق اللّه عزّ و جلّ في دعائه له حيث يتمنّى له الجنّة بلسانه و يبخل عليه بالحطام من ماله،و ذلك أنّ العبد قد يقول في دعائه:اللّهمّ اغفر للمؤمنين و المؤمنات،فإذا دعا له (3)بالمغفرة فقد طلب له (4)الجنّة،فما أنصف من فعل هذا بالقول و لم يحقّقه بالفعل» (5).
و يستحبّ التصدّق أوّل النهار و أوّل الليل
،لاستدفاع بلاء الوقتين بها،فقد روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنّه قال:«باكروا بالصدقة،فإنّ البلايا لا تتخطّاها، و من تصدّق بصدقة أوّل النهار دفع اللّه عنه شرّ ما ينزل من السماء في ذلك اليوم،فإن تصدّق أوّل الليل دفع اللّه عنه شرّ ما ينزل من السماء في تلك الليلة» (6).
ص:505
و يكره ردّ السائل مع القدرة
،لما فيه من المنع من النفع و إذلال المؤمن.
و يؤيّده ما رواه ابن بابويه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تقطعوا على السائل مسألته،فلو لا أنّ المساكين يكذبون ما أفلح من ردّهم» (1).
و عن الباقر عليه السلام قال:«كان فيما ناجى اللّه عزّ و جلّ به موسى عليه السلام أن قال:يا موسى،أكرم السائل ببذل يسير،أو بردّ جميل،لأنّه يأتيك من ليس بإنس و لا جانّ،ملائكة من ملائكة الرحمن يبلونك فيما خوّلتك و يسألونك عمّا نوّلتك فانظر كيف أنت صانع يا ابن عمران» (2).
و يكره السؤال
،لأنّ اللّه تعالى قرن الرزق بالسعي بقوله تعالى فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ (3).و في السؤال مذلّة عظيمة،و منع عن السعي النافع لنوع الإنسان.
و يؤيّده:ما رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:«اتّبعوا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فإنّه قال (4):من فتح على نفسه باب مسألة فتح اللّه عليه باب فقر» (5).
و عن الصادق عليه السلام:«إيّاكم و سؤال الناس،فإنّه ذلّ الدنيا،و فقر تتعجّلونه، و حساب طويل يوم القيامة» (6).
و روى ابن بابويه قال:جاءت فخذ من الأنصار إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص:506
فسلّموا عليه فردّ عليهم السلام،فقالوا:يا رسول اللّه لنا إليك حاجة،قال:«هاتوا حاجتكم»قالوا:إنّها حاجة عظيمة،قال:«هاتوا ما هي؟»قالوا:تضمن لنا على ربّك الجنّة،قال:فنكس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رأسه و نكت في الأرض ثمَّ رفع رأسه، فقال:«أفعل ذلك بكم على أن لا تسألوا أحدا شيئا»قال:فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لإنسان ناولنيه فرارا من المسألة،فينزل فيأخذه، و يكون على المائدة و يكون بعض الجلساء أقرب منه إلى الماء فلا يقول:ناولني حتّى يقوم فيشرب (1).
و قال عليه السلام:«استغنوا عن الناس و لو بشوص (2)السواك» (3).
و يتأكّد كراهية السؤال من غير حاجة
،لما فيه من المذلّة بغير ضرورة.
و يؤيّده:ما رواه ابن بابويه عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال:«ضمنت على ربّي أن لا يسأل أحد من غير حاجة إلاّ اضطرّته المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة» (4).
و قال الصادق عليه السلام:«ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتّى يحوجه اللّه عزّ و جلّ إليها و يثبت له بهار النار» (5).
و المنّ يبطل ثواب الصدقة
،لما يشتمل عليه من كسر قلب المؤمن،قال اللّه تعالى:
ص:507
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى (1).
و روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنّه قال:«المنّ يهدم الصنيعة» (2).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ اللّه تبارك و تعالى كره لي ستّ خصال و كرهتهنّ للأوصياء من ولدي و أتباعهم من بعدي:العبث في الصلاة،و الرفث في الصوم، و المنّ بعد الصدقة،و إتيان المساجد جنبا،و التطلّع في الدور،و الضحك بين القبور» (3).
و لا بأس بطلب الدعاء منهم فربّما كان فيهم مستجاب الدعاء.
روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنّه قال:«إذا أعطيتموهم فلقّنوهم الدعاء، فإنّه يستجاب لهم فيكم و لا يستجاب لهم في أنفسهم» (4).
و قال عليه السلام:«يستحبّ للمريض أن يعطي السائل بيده و يأمر السائل أن يدعو له» (5).
و يستحبّ الصدقة مطلقا و إن كان السائل غير معلوم الحال
،لأنّه من المعروف، روى الشيخ عن سدير الصيرفيّ قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أطعم سائلا لا أعرفه مسلما؟فقال:«نعم،أعط من لا تعرفه بولاية و لا عداوة للحقّ،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:
وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً (6)و لا تطعم من نصب لشيء من الحقّ،أو دعا إلى شيء من
ص:508
الباطل» (1).
و عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن السائل يسأل و لا يدري ما هو؟فقال:
«أعط من وقعت في قلبك له الرحمة»و قال:«أعط دون الدرهم»قلت:أكثر ما يعطى؟ قال:«أربعة دوانيق» (2).
و الصدقة على بني هاشم أفضل من غيرهم
خصوصا العلويّون،لشرفهم على غيرهم.
روى الشيخ عن عيسى بن عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافيته يوم القيامة» (3).
و عن إبراهيم بن هاشم،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف و لو جاءوا بذنوب أهل الدنيا:رجل نصر ذرّيّتي،و رجل بذل ماله لذرّيّتي عند الضيق،و رجل أحبّ ذرّيّتي باللسان و القلب،و رجل سعى في حوائج ذرّيّتي إذا طردوا و شردوا» (4)و روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام قال:«إذا كان يوم القيامة،نادى مناد:
أيّها الخلائق،أنصتوا،فإنّ محمّدا يكلّمكم،فتنصت الخلائق،فيقوم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيقول:يا معشر الخلائق،من كانت له عندي يد،أو منّة،أو معروف فليقم حتّى أكافئه، فيقولون:بآبائنا و أمّهاتنا،و أيّ يد و أيّ منّة و أيّ معروف لنا،بل اليد و المنّة و المعروف للّه و لرسوله على جميع الخلائق،فيقول:بلى من آوى أحدا من أهل بيتي،أو برّهم،أو كساهم
ص:509
من عرى،أو أشبع جائعهم فليقم حتّى أكافئه (1)،فيقوم أناس قد فعلوا ذلك فيأتي النّداء من عند اللّه:يا محمّد يا حبيبي قد جعلت مكافاتهم إليك فأسكنهم من الجنّة حيث شئت،قال:
فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمّد و أهل بيته صلوات اللّه عليهم» (2).
و يحرم على المعطى كفران النعمة
و ينبغي له الثناء على المنعم،فإنّ شكر المنعم واجب عقلا.
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من أتى إليه المعروف فليكاف به،و إن عجز فليثن،فإن لم يفعل فقد كفر النعمة» (3).
و قال الصادق عليه السلام:«لعن اللّه قاطعي سبيل المعروف»قيل:و ما قاطعي سبيل المعروف؟قال:«الرجل يصنع إليه المعروف،فيكفره فيمنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره» (4).
ص:510
و مباحثه أربعة
ص:511
ص:512
فيما يجب فيه و هو أصناف:
،ما يحويه العسكر و ما لم يحوه،أمكن نقله كالثياب و الأموال و الأناسيّ و الدوابّ و غير ذلك،أو لا يمكن كالأرضين و العقارات و غير ذلك ممّا يصحّ تملّكه،بشرط أن يكون ممّا يصحّ (1)تملّكه،و أن يكون مباحا في أيديهم،لا غصبا من مسلم أو معاهد،قليلا كان أو كثيرا.
و هذه الغنائم لم تكن (2)محلّلة لأحد من الأنبياء عليهم السلام،و إنّما حلّت (3)لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لقوله (4):«أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي».و ذكر فيها:
«و أحلّت لي الغنائم» (5).
و كانت في (6)بدو الإسلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصنع بها ما شاء،ثمَّ نسخ
ص:513
ذلك فصار أربعة (1)الأخماس للمجاهدين،و الخمس الباقي للأصناف المستحقّين للخمس، و سيأتي بيان ذلك كلّه إن شاء اللّه تعالى.
،و هي جمع معدن،و اشتقاقه من عدن بالمكان يعدن إذا أقام به، و منه سمّيت جنّة عدن،لأنّها دار إقامة و خلود،و هو كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة.
إذا ثبت هذا،فنقول:لا خلاف في جواز (3)إخراج شيء من المعادن،و يدلّ عليه النصّ و الإجماع،قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (4).
و ما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أقطع بلال بن الحارث المزنيّ (5)المعادن القبليّة جلسيّها و غوريّها و حيث يصلح للزرع من قدس و لم يعطه (6)حقّ مسلم و أخذ منه الزكاة (7).
و القبليّة منسوبة إلى ناحية من ساحل البحر بينها و بين المدينة خمسة أيّام، و جلسيّها:نجديّها،و نجد تسمّى جلس،و القبليّة-بتحريك الباء-منسوبة إلى القبل و هو
ص:514
كلّ نشز من الأرض يستقبلك،و جلس-بالجيم المفتوحة و اللام الساكنة-نجد،و غوريّها منسوب إلى غور،و قوله:من قدس و هو المرتفع من الأرض،الذي (1)يصلح (2)للزراعة (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:سألته عن معادن الذهب و الفضّة،[و الصفر] (4)و الحديد و الرصاص،فقال:«عليها (5)الخمس جميعا» (6).
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن المعادن كم فيها؟قال:«الخمس» (7).و قد أجمع المسلمون على ذلك.
مسألة:و الواجب عندنا في المعادن الخمس لا الزكاة.و به قال أبو حنيفة (8).و قال الشافعيّ:إنّ الواجب زكاة (9).و به قال مالك (10)،و أحمد (11).
ص:515
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ما لم يكن في طريق مأتيّ (1)أو قرية عامرة ففيه و في الركاز الخمس» (2).و عنه عليه السلام:«ما كان في الخراب ففيها و في الركاز الخمس» (3).
و عنه عليه السلام أنّه قال:«في الركاز الخمس»قيل:يا رسول اللّه،ما الركاز؟قال:
«هو الذهب و الفضّة،المخلوقان في الأرض يوم خلق اللّه السموات و الأرض» (4).و هو نصّ في الباب.
و عنه عليه السلام أنّه قال:«و في السيوب الخمس» (5).قال (6):و السيوب عروق الذهب و الفضّة التي تحت الأرض (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر
ص:516
عليه السلام قال:سألته عن المعادن ما فيها؟فقال:«كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس» (1).
و ما تقدّم في حديث الحلبيّ و محمّد بن مسلم.
و لأنّه مال مستفاد من الأرض فيجب فيه الخمس كالركاز (2).
و لأنّه مال مظهور عليه بالإسلام،لأنّه كان في أيدي المشركين فأزلنا يدهم عنه، فيجب فيه الخمس،كالغنائم و الركاز.
احتجّ الشافعيّ (3)(4)بقوله عليه السلام:«في الرقة ربع العشر» (5)و بقوله عليه السلام:«في الركاز الخمس،و في المعدن الصدقة» (6)و بحديث (7)بلال المتقدّم (8).
و لأنّه يحرم على أغنياء ذوي القربى فكان زكاة.
و الجواب عن الأوّل:أنّه غير عامّ بالإجماع فيحمل على الزكاة.
و عن الثاني:باحتمال كون الألف و اللاّم في«الصدقة»للعهد،و المراد الخمس المتقدّم،
ص:517
و هو نوع من الصدقة أيضا.و حديث بلال ليس بحجّة،لأنّه مقطوع برواية (1)ربيعة بن أبي عبد الرحمن،عن غير واحد،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.و لأنّه حكاية فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (2)،فلعلّ الاشتباه من الراوي،أو استعمل لفظة (3)الزكاة في الخمس مجازا.
و عن الرابع:بالمنع من تحريمه (4)على الأغنياء على قول بعض علمائنا (5)، و بالتسليم له تارة أخرى،و الحاصل أنّ الخمس عندنا مختلف فيه،هل يعطى الغنيّ أم لا؟ و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.
،ذهب إليه علماؤنا.و به قال أبو حنيفة (6)، و المزنيّ (7)،و الشافعيّ في أحد أقواله.
و في الثاني:يجب ربع العشر.و به قال أحمد (8)،و إسحاق (9)،و مالك في إحدى الروايتين.
و في الثالث:إن احتاج إلى مئونة و تخليص فربع العشر،و إلاّ فالخمس،للفرق بين ما احتاج إلى مئونة و ما لم يحتج كالغلاّت في الزكوات (10)،و هو الرواية الثانية عن
ص:518
مالك (1)،مع قطع الشافعيّ و مالك بأنّ الواجب زكاة.
لنا:ما تقدّم من الأدلّة،فإنّها و إن دلّت على صفة الواجب من كونه خمسا فقد دلّت على مقداره.
و احتجاج المخالف و الجواب عنه قد تقدّم.
،سواء كان منطبعا (2)بانفراده كالرصاص و النحاس و الحديد،أو مع غيره كالزيبق،أو غير منطبعة (3)كالياقوت و الفيروزج و البلخش (4)و العقيق،أو مائعة كالقار (5)و النفط و الكبريت.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أحمد إلاّ أنّه جعله زكاة (6).
و قال أبو حنيفة:يجب في المنطبعة (7)الخمس خاصّة (8).
و قال الشافعيّ:لا يجب إلاّ في معدن الذهب و الفضّة خاصّة (9)على أنّه زكاة.
ص:519
لنا:عموم قوله تعالى وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (1).
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ما لم يكن في طريق مأتيّ أو قرية عامرة ففيه و في الركاز الخمس» (2)و غيره من أحاديث (3)العامّة (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرصاص و الصفر و الحديد و ما كان بالمعادن كم فيه (5)؟قال:«يؤخذ منها (6)كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضّة» (7).
و في الصحيح عن زرارة قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن المعادن ما فيها؟فقال:
«كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس»و قال:«ما عالجته بمالك فأخرج اللّه منه من حجارته ففيه الخمس» (8).
و عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن الملاحة فقال:«و ما الملاحة؟»فقلت (9):أرض سبخة مالحة يجتمع (10)فيها الماء فيصير ملحا،فقال:«هذا المعدن
ص:520
فيه (1)الخمس».فقلت:و الكبريت و النفط يخرج من الأرض؟فقال (2):«هذا و أشباهه فيه الخمس» (3).
و لأنّه معدن فيجب فيه الخمس كالأثمان.و لأنّه مال لو غنم لوجب فيه الخمس فكذا (4)إذا أخرج من المعدن كالذهب و الفضّة.
احتجّ الشافعيّ (5)بقوله عليه السلام:«لا زكاة في حجر» (6).و لأنّه مال مقوّم مستفاد من الأرض،فأشبه الطين.
و الجواب عن الأوّل:أنّا نقول بموجبة،إذ الواجب عندنا خمس لا زكاة.
و عن الثاني:أنّ الطين ليس بمعدن،لأنّه تراب،و المعدن ما كان في الأرض من غير جنسها،و إيجاب الخمس في المكتسب ذي القيمة لا يستلزم إيجابه في الأدون،لعدم تعلّق الغرض (7)بالتراب،بخلاف المعدن.
عند من يعتبره على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.و لا يعتبر الحول،و هو قول عامّة الفقهاء.
و قال إسحاق،و ابن المنذر:لا شيء في المعدن حتّى يحول عليه الحول (8).
لنا:وجوب الخمس بعد الحول تقييد لعموم الأوامر،لا إيجاب مطلقا بغير دليل فيكون منفيّا.و لأنّه مال مستفاد من الأرض فلا يعتبر في وجوب حقّه الحول كالركاز.
و لأنّ حؤول الحول إنّما يعتبر فيما يتكامل نماؤه للتزايد و هاهنا لا نماء له فلا اعتبار للحول
ص:521
فيه.
احتجّ المخالف (1)بقوله عليه السلام:«لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول» (2).
و الجواب:نفي الزكاة لا يستلزم نفي الخمس و نحن نقول بموجب الحديث،فإنّ الزكاة منفيّة هنا مطلقا.
الأوّل:المعدن إن كان في ملك ملكه صاحب الملك،فيصرف الخمس لأربابه و الباقي له،و إن كان في موضع مباح فالخمس لأربابه و الباقي لمن وجده.
الثاني:قال الشيخ:يمنع الذمّيّ من العمل في المعدن،فإن أخرج منه شيئا ملكه،و هل يؤخذ منه الخمس أم لا؟قال الشيخ:نعم (3).و به قال أبو حنيفة (4).
و قال الشافعيّ:لا يؤخذ منه شيء (5).
لنا:العمومات الواردة بوجوب الإخراج من المعادن.
احتجّ الشافعيّ بأنّ المأخوذ زكاة و لا زكاة على الذمّيّ (6)،و المقدّمتان ممنوعتان، و قد سلف سند المنع (7).
ص:522
الثالث:الخمس يجب في نفس المخرج من المعدن،و يملك المخرج الباقي.
و قال الشافعيّ:يملك الجميع و يجب عليه الزكاة (1).
لنا:قوله عليه السلام:«و في الركاز الخمس» (2).و يستوي في ذلك الصغير و الكبير عملا بالعموم.هذا إذا كان المعدن في موضع مباح،فأمّا إذا كان في الملك فالخمس لأهله و الباقي لمالكه.
الرابع:إذا كان المعدن لمكاتب وجب فيه الخمس.و به قال أبو حنيفة (3).
و قال الشافعيّ:لا يجب (4).
لنا:أنّه من أهل الاكتساب و الاغتنام و هذا غنيمة و كسب فيجب عليه الخمس كالحرّ،و عموم قوله عليه السلام:«و في الركاز الخمس».
الخامس:العبد إذا استخرج معدنا ملكه سيّده،لأنّ منافعه له،و يجب على المولى الخمس في المعدن.هذا إذا أخرجه على أنّه للسيّد أو للعبد و قلنا:إنّ العبد لا يملك،أمّا إذا أخرجه لنفسه بإذن (5)المولى و قلنا:إنّ العبد يملك،فالصحيح أنّه كذلك،خلافا للشافعيّ (6).
لنا:العموم.
ص:523
و الذمّيّ أيضا يجب عليه الخمس،عملا بالعموم على تقدير الملك،خلافا للشافعيّ حيث لم يوجب عليه الخمس،لأنّه لا يساوي المسلمين في الغنيمة و لا يسهم (1)له (2).
السادس:المعادن تملك بملك الأرض،لأنّها من أجزائها فهي كالتراب.و يجوز بيع تراب المعدن بغير جنسه إذا كان ممّا يجري فيه الرّبا،و إن لم يكن،جاز بيعه مطلقا،و الخمس لأربابه،فإذا باعه جميعه فالخمس عليه كالزكاة،فقد روى الجمهور عن أبي الحارث المزنيّ (3)أنّه اشترى تراب معدن بمائة شاة متبع فاستخرج منه ثمن ألف شاة،فقال له البائع:
ردّ عليّ البيع،فقال:لا أفعل،فقال:لآتينّ عليّا فلأثينّ (4)بك،فأتى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال:إنّ أبا الحارث أصاب معدنا،فأتاه عليّ عليه السلام فقال:«أين الركاز الذي أصبت؟»قال:ما أصبت ركازا إنّما أصابه هذا فاشتريته منه بمائة شاة متبع،فقال له عليّ عليه السلام:«ما أرى الخمس إلاّ عليك» (5).
إذا ثبت هذا،فالواجب خمس المعدن لا خمس الثمن،لأنّ الخمس تعلّق بعين المعدن لا بقيمته.
و هو الكنز،مشتقّ من ركز (6)يركز إذا خفي،و منه الركز و هو:الصوت الخفيّ، و المقصود هنا المال المدفون في الأرض،و يجب الخمس فيه بلا خلاف بين أهل العلم كافّة،
ص:524
قال اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ (1)الآية،و هو من جملة الغنائم عندنا.
و قال تعالى وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (2).
و روى الجمهور عن أبي هريرة،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«العجماء [جرحها] (3)جبار.و في الركاز الخمس» (4)و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس» (5).
و لأنّه مال مكتسب فيجب فيه الخمس كالغنائم.و لأنّه مستخرج من الأرض فيجب فيه الخمس كالمعادن.و لا فرق بين الموجود في أرض الحرب و أرض العرب.
و فرّق الحسن بينهما،فأوجب الخمس فيما يوجد في أرض الحرب،و الزكاة فيما يوجد في أرض العرب (6).و هو خلاف ما عليه الفقهاء كافّة.
لا يخلو من أقسام أربعة:
أحدها:أن يوجد في أرض موات أو غير معهودة بالتملّك،كآثار الأبنية المتقادمة على الإسلام،و التلول و جدران الجاهليّة و قبورهم.
و الثاني:أن يوجد في أرض مملوكة له.
و الثالث:أن يوجد في أرض مسلم أو ذمّيّ معاهد.
ص:525
و الرابع:أن يوجد في أرض دار الحرب.
ثمَّ كلّ واحد من هذه الأقسام لا يخلو إمّا أن يكون عليه أثر الإسلام،كالسكّة الإسلاميّة،أو ذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أو أحد ولاة الإسلام.و إمّا أن لا يكون عليه أثر الإسلام.
فالقسم الأوّل:إن كان عليه أثر الإسلام فهو لقطة يعرّف سنة،فإن وجد له مالك و إلاّ تملّكه (1)مع الاختيار على ما يأتي أو استبقاه أمانة.و إن لم يكن عليه أثر الإسلام، ملكه و أخرج خمسه.
و الثاني:لا يخلو من قسمين:إمّا أن ينتقل إليه بالبيع أو بالميراث أو لا،فإن انتقل إليه بالبيع فهو للمالك الأوّل إن اعترف به،و إن لم يعرفه كان للمالك قبله،و هكذا إلى أوّل مالك،فإن لم يعرفه فهو لقطة.و به قال الشافعيّ (2)،و أحمد في إحدى الروايتين،و في الأخرى:يكون لواجده (3).
لنا:أنّ المالك الأوّل يده على الدار فكانت يده على ما فيها،و اليد قاضية بالملك ظاهرا.
احتجّ أحمد بأنّه مال كافر مظهور عليه في الإسلام،فكان لمن ظهر عليه كالغنائم (4).
و الجواب:أنّ اليد تقضي بالملك ظاهرا فيحكم به،و لأنّه لو ادّعاه يقضى (5)له به إجماعا،فيجب أن يعرّف،لجواز الغفلة (6)عنه.
ص:526
و إن انتقل إليه بالميراث،فإن اعترف به الورثة فهو لهم،فإن (1)اتّفق الورثة على أنّه ليس لمورّثهم فهو لأوّل مالك على ما مضى البحث فيه.
و إن اختلفوا فحكم المعترف حكم المالك يكون نصيبه له،و حكم المنكر أن يكون نصيبه لأوّل مالك.
هذا إذا وجد عليه أثر الإسلام،و إن لم يوجد عليه أثر (2)فللشيخ قولان:
أحدهما:أنّه لقطة.و الثاني:يكون لواجده (3).
و الثالث:ما يجده في أرض مملوكة لغيره،مسلم أو معاهد فهي لربّها.و به قال أبو حنيفة (4)،و محمّد بن الحسن (5)،و أحمد في إحدى الروايتين،و في الأخرى:هو لواجده (6).و به قال أبو ثور،و الحسن بن صالح بن حيّ (7)،و استحسنه أبو يوسف (8).
لنا:أنّ يد مالك الدار عليها،فيده على ما فيها،و هي تقضي بالملكيّة (9).
هذا إن اعترف به المالك،و إن لم يعترف به فهو لأوّل مالك.و بهذا التفصيل قال
ص:527
الشافعيّ (1).
و الرابع:ما يجده في أرض دار الحرب فهو لواجده،سواء كان عليه أثر الإسلام أو لا،و يخرج منه الخمس.
و قال أبو حنيفة:إن كان في موات دار الحرب فهو غنيمة لواجده لا يخمّس (2).
و قال الشافعيّ:إن لم يكن عليه أثر الإسلام فهو ركاز،و إن كان عليه أثره مثل آية من القرآن أو اسم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،كان لقطة يجب تعريفها.
و إن كان عليه اسم أحد ملوك الشرك أو صور أو صلبان (3)،فهو ركاز،و إن لم يكن مطبوعا و لا أثر عليه فالأقرب أنّه ركاز،و حكى أبو حامد عنه أنّه لقطة (4).
لنا:أنّه وجده في دار الحرب فكان غنيمة كالظاهر و يجب فيه الخمس،إمّا لعموم آية الغنائم،أو لعموم كونه ركازا.
الأوّل:لو وجد الكنز في أرض مملوكة لحربيّ معيّن،كان ركازا و فيه الخمس.و به قال أبو يوسف،و أبو ثور (5).
ص:528
و قال الشافعيّ (1)،و أبو حنيفة:يكون غنيمة و لا يجب (2)الخمس (3).
لنا:أنّه من دفن أهل الكفر،فأشبه ما لا يعرف صاحبه.
الثاني:لو وجده في قبر من قبور الجاهليّة فالحكم كما تقدّم.روي[عن] (4)ابن عمرو أنّه قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول حين خرجنا[معه] (5)إلى الطائف:«هذا قبر أبي رغال خرج إلى هاهنا فأصيب كما أصيب أصحابه فدفن هاهنا،و آية ذلك أنّه دفن معه غصن من ذهب،فمن نبشه وجده»فابتدره الناس فأخرجوه (6).
الثالث:لو استأجر أجيرا ليحفر له في الأرض المباحة لطلب الكنز فوجده فهو للمستأجر لا للأجير،لأنّه استأجره لذلك فصار بمنزلة ما لو استأجره للاحتطاب و الاحتشاش،و إن استأجره لأمر غير ذلك،فالواجد هو الأجير و الكنز له.
الرابع:إذا استأجره دارا فوجد فيها كنزا،فهو للمالك.
و قال بعض الجمهور:هو للمستأجر (7).
لنا:أنّ المالك يده ثابتة على الدار،فهي ثابتة على ما فيها،فيقضى له به.و هذا قول أبي حنيفة،و محمّد بن الحسن (8).
و احتجّ المخالف بأنّ الكنز لا يملك بملك الدار (9)،و هو قول أبي يوسف (10)،و قد سلف
ص:529
بطلانه.
الخامس:لو اختلف المستأجر و المالك في ملكه،قال الشيخ:القول قول المالك (1)، و به قال المزنيّ (2).
و للشيخ قول آخر ذكره في الخلاف أنّ القول قول المستأجر (3).و به قال الشافعيّ (4)، و عن أحمد روايتان كالقولين (5).
و الاحتجاج الأوّل:أنّ دار المالك كيده فيقضى له به،و لأنّ الدفن تابع للأرض.
و للثاني:أنّه (6)مال مودع في الأرض،و ليس منها،فيكون القول قول من يده على الأرض،كما في الدار من الأقمشة.و لأنّ المالك لا يكري دارا فيها دفين إلاّ نادرا.
أمّا لو اختلفا في مقداره،فالقول قول المستأجر على القولين،لأنّه منكر.
لنا:عموم قوله عليه السلام:«و في الركاز الخمس» (1).
و عموم قول الباقر عليه السلام:«كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس» (2)و لأنّه مال مظهور عليه من مال الكفّار،فيجب فيه الخمس على اختلاف أنواعه،كالغنائم.و لأنّه مال يجب تخميسه،فيستوي فيه جميع أصنافه،كالغنيمة.و لأنّه غنيمة،فيجب فيه الخمس مطلقا.
و احتجّ الشافعيّ بأنّه زكاة،فيجب الخمس في بعض أجناسه،كالحبوب (3).
و الجواب:المنع من المقدّمة الأولى.
و الفرق بينه و بين المعدن عند القائلين باشتراط الحول في المعدن أنّ المعدن قد يطول العمل فيه و يخرج يسيرا يسيرا،فاعتبر فيه الحول،كمال التجارة،بخلاف الكنز الذي يوجد دفعة فصار بمنزلة الثمار و الزروع (1).
من مسلم أو ذمّيّ،و حرّ أو عبد، و صغير أو كبير،و ذكر أو أنثى،و عاقل أو مجنون،إلاّ أنّ العبد إذا وجد الكنز فهو لسيّده.
و هو قول أهل العلم،فإنّهم اتّفقوا على أنّه يجب الخمس على الذمّيّ،إلاّ الشافعيّ،فإنّه قال:
لا يجب الخمس إلاّ على من تجب عليه الزكاة (2).و له في إيجاب الزكاة على الذمّيّ قولان سلفا (3).
لنا:عموم قوله عليه السلام:«و في الركاز الخمس» (4).و قول الباقر عليه السلام:
«و كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس» (5).
و لأنّه مال مظهور عليه،فيجب فيه الخمس كالمسلم و الغنيمة،و احتجاج الشافعيّ بأنّه زكاة ضعيف.
ص:532
الأوّل:ما يجده العبد من الكنز لمولاه،يخرج منه الخمس و الباقي له،لأنّه اكتساب فأشبه الاحتشاش و الاحتطاب و الاصطياد،لأنّ قوله عليه السلام:«و في الركاز الخمس» (1)يدلّ بعمومه على وجوب الخمس في كلّ ركاز،و بمفهومه على أنّ الباقي لواجده.
الثاني:المكاتب يملك الكنز،لأنّه اكتساب،فكان كغيره من أنواع الاكتسابات، فيخرج منه الخمس و الباقي له،لأنّ تسلّط سيّده على مكتسباته منقطع (2)بالكتابة.
الثالث:الصبيّ و المجنون يملكان أربعة أخماس الركاز،و الخمس الباقي لمستحقّيه يخرجه الوليّ عنهما،عملا بالعموم،و كذا المرأة.
و حكي عن الشافعيّ:أنّ الصبيّ و المرأة لا يملكان الكنز (3).
و لنا:ما تقدّم من أنّه اكتساب،و هما من أهله،و بالمفهوم.
الرابع:يجب إظهار الكنز على من وجده.و به قال الشافعيّ (4).
و قال أبو حنيفة:هو مخيّر بين إظهاره و إخراج خمسه،و بين كتمانه (5).
ص:533
لنا:قوله عليه السلام:«و في الركاز الخمس» (1)فيجب إظهاره و إخراج الخمس منه،لأنّ غيره قد استحقّ عليه فيه حقّا،فيجب عليه دفعه إليه.
و هو:كلّ ما يستخرج من البحر،كاللؤلؤ و المرجان و العنبر و غير ذلك.
و يجب فيه الخمس.و هو قول علمائنا أجمع،و به قال الزهريّ،و الحسن البصريّ، و عمر بن عبد العزيز (2).
و قال الشافعيّ (3)،و أبو حنيفة (4)،و مالك (5)،و الثوريّ،و ابن أبي ليلى،و الحسن بن صالح بن حيّ،و محمّد بن الحسن،و أبو ثور:لا شيء في الغوص (6)،و هو قول أحمد في إحدى الروايتين،و في الأخرى:أنّ فيه الزكاة (7).
ص:534
لنا:أنّ الذي يخرج من البحر يخرج من معدن،فيجب فيه الخمس،عملا بالعموم،أو بالقياس على المعادن البرّيّة،و الجامع ما اشتمل عليه من المصلحة الناشئة من الوجوب فيهما.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:سألته عن العنبر و غوص اللؤلؤ،فقال:«عليه الخمس» (1).
و عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد اللّه (2)،قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد،و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيها زكاة؟ قال:«إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» (3).
احتجّ المخالف (4)بقول ابن عبّاس:ليس في العنبر شيء،إنّما هو شيء ألقى البحر (5).
و لأنّه قد كان يخرج على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خلفائه و لم يصحّ عن أحد منهم أخذ شيء منه،و لأنّ الأصل عدم الوجوب.
و الجواب عن الأوّل:أنّ قول ابن عبّاس لا حجّة فيه،لجواز أن يكون فتيا منه، إذ لم يسنده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (6).
ص:535
و عن الثاني:إن عنيتم بعدم النقل،عدمه متواترا فهو مسلّم،لكن عدم النقل المتواتر لا يستلزم عدم الحكم،إذ أكثر القضايا الشرعيّة منقولة آحادا.و إن عنيتم عدمه آحادا فهو ممنوع،لما نقلناه نقلا مستفيضا عن أهل البيت عليهم السلام،و هم أعرف بمآخذ الأحكام.
و عن الثالث:بأنّ الأصل يرجع إليه مع عدم النقل،أمّا مع وجوده فلا.
الأوّل:العنبر،قال الشيخ:إنّه نبات من البحر (1).
و قيل:هو من عين في البحر (2).
و قيل:العنبر يقذفه البحر إلى جزيرة،فلا يأكله شيء إلاّ مات،و لا ينقره طائر بمنقاره إلاّ نصل (3)فيه منقاره،و إذا وضع رجليه عليه،نصلت أظفاره و يموت،لأنّه إذا بقي بغير منقار لم يكن للطائر شيء يأكل به (4).
الثاني:العنبر إن أخذ بالغوص،كان له حكمه في اعتبار النصاب على ما يأتي،و إن جني (5)من وجه الماء،كان له حكم المعادن.
الثالث:قال الشيخ:الحيوان المصاد من البحر لا خمس فيه،فإن أخرج بالغوص أو أخذ قفّيّا (6)ففيه الخمس (7).و فيه بعد (8)،و الأقرب إلحاقه بالأرباح و الفوائد التي يعتبر
ص:536
فيها مئونة السنة،لا بالغوص كيف كان.
الرابع:السمك لا شيء فيه.و هو قول أهل العلم كافّة،إلاّ في رواية عن أحمد، و عمر بن عبد العزيز (1).
لنا:أنّه صيد فلا شيء فيه كصيد البرّ.
أرباح التجارات
و الزراعات و الصنائع و جميع أنواع الاكتسابات و فواضل الأقوات من الغلاّت و الزراعات عن مئونة السنة على الاقتصاد (2)،و هو قول علمائنا أجمع،و قد خالف فيه الجمهور كافّة.
لنا:قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ (3)الآية.
وجه الاستدلال:أنّه تعالى أوجب الخمس في كلّ ما يغنم،و هو كما يتناول غنيمة دار الحرب،يتناول غيرها،فالتخصيص من غير دليل باطل.
و أيضا:قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (4).و قد اتّفق أكثر الفقهاء على أنّ المراد بالمخرج من الأرض:المعادن و الكنوز، و المنفق منها هو الخمس على ما تقدّم (5)،فكذا في المعطوف عليه (6).
و أيضا:ما تواتر من الروايات عن أهل البيت عليهم السلام،روى الشيخ-في
ص:537
الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«على كلّ امرئ غنم أو اكتسب،الخمس ممّا أصاب لفاطمة عليها السلام و لمن يلي أمرها من بعدها من ورثتها (1)الحجج على الناس،فذلك لهم خاصّة يضعونه حيث شاؤوا،و حرّم عليهم الصدقة،حتّى الخيّاط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق،فلنا منه دانق،إلاّ من أحللناه من شيعتنا،لتطيب لهم الولادة،إنّه ليس عند اللّه شيء يوم القيامة أعظم من الزنا،إنّه ليقوم صاحب الخمس فيقول:يا ربّ سل هؤلاء بما أبيحوا (2)» (3).
و في الصحيح عن محمّد بن الحسن الأشعريّ قال:كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام:أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصنّاع (4)،و كيف ذلك؟فكتب بخطّه:«الخمس بعد المئونة» (5).
و عن عليّ بن مهزيار قال:قال لي أبو عليّ بن راشد:قلت له أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك،فأعلمت مواليك بذلك،فقال بعضهم:و أيّ شيء حقّه (6)؟فلم أدر ما أجيبه؟ فقال:«يجب عليهم الخمس»فقلت:في أيّ شيء؟فقال:«في أمتعتهم و صنائعهم»قلت:
فالتاجر عليه و الصانع بيده؟فقال:«إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» (7).
و عن عليّ بن مهزيار:و قد اختلف من قبلنا في ذلك،فقالوا:يجب على الضياع
ص:538
الخمس بعد المئونة[مئونة] (1)الضيعة و خراجها،لا مئونة الرجل و عياله،فكتب -و قرأه عليّ بن مهزيار-:«عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان» (2).
و عن حكيم مؤذّن بني عبس (3)، (4)عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:قلت له:
وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ (5)قال:«هي و اللّه الإفادة يوما بيوم،إلاّ أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا» (6)و الأحاديث في ذلك كثيرة تدلّ على المطلوب.
و لأنّه مال مكتسب فيجب فيه الخمس،كالغنائم في الحرب.و لأنّه نعمة من اللّه تعالى و نفع عاجل،فيجب الشكر عليه بأداء بعضه إلى مستحقّي الخمس،كالكنوز و غيرها من المعادن.
الأوّل:قال أبو الصلاح الحلبيّ من علمائنا:الميراث و الهبة و الهديّة فيه الخمس (7).
و أنكر ابن إدريس ذلك،قال:و هذا شيء لم يذكره أحد من أصحابنا غير
ص:539
أبي الصلاح (1).و يمكن أن يحتجّ لأبي الصلاح بما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عليّ بن مهزيار،قال:كتب إليه أبو جعفر عليه السلام و قرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة.«فأمّا الغنائم و الفوائد:فهي واجبة عليهم في كلّ عام قال اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2)و الغنائم و الفوائد-يرحمك اللّه-فهي الغنيمة التي يغنمها المرء،أو الفائدة يفيدها،و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر،و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن» (3)الحديث.
الثاني:قال ابن الجنيد:فأمّا[ما استفيد] (4)من ميراث،أو كدّ بدن،أو صلة أخ، أو ربح تجارة،أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه،لاختلاف الرواية في ذلك.و لأنّ لفظ (5):
فرضه،محتمل هذا المعنى،و لو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها (6).
و قال ابن أبي عقيل:الخمس في الأموال كلّها حتّى على الخيّاط،و التجّار،و غلّة الدار،و البستان،و الصانع في كسب يده،لأنّ ذلك إفادة من اللّه و غنيمة (7).
و يدلّ عليه رواية عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله:
ص:540
«حتّى الخيّاط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق» (1).
الثالث:لا فرق بين جميع أنواع الاكتسابات في ذلك فلو زرع غرسا فزادت قيمته لزيادة نمائه وجب عليه الخمس في الزيادة.
أمّا لو زادت قيمته السوقيّة من غير زيادة فيه و لم يبعه لم يجب عليه شيء،روى الشيخ-في الصحيح-عن الريّان بن الصلت،قال:كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام:ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى في قطيعة لي،و في ثمن سمك،و برديّ،و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟فكتب:«يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّه تعالى» (2).
الحلال إذا اختلط بالحرام و لم يتميّز
مقدار أحدهما من الآخر و لا مستحقّه أخرج منه الخمس و حلّ الباقي.ذكره أكثر علمائنا (3)،لأنّ منعه من التصرّف فيه ضرر عظيم، و التسويغ له بالكلّيّة إباحة للحرام،و كلاهما منفيّان،فلا بدّ من طريق إلى التخلّص،و أتمّه (4)إخراج خمسه إلى الذرّيّة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن الحسن بن زياد،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أتاه رجل،فقال:يا أمير المؤمنين إنّي أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه،فقال:أخرج الخمس من ذلك المال،فإنّ اللّه تعالى قد رضي من المال بالخمس،
ص:541
و اجتنب ما كان صاحبه يعمل» (1).
و روى السكونيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال أتى رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال:إنّي كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا و حراما،و قد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه من الحرام و قد اختلط عليّ،فقال أمير المؤمنين عليه السلام:«تصدّق بخمس مالك،فإنّ اللّه رضي من الأشياء بالخمس و سائر المال لك حلال (2)» (3).
الأوّل:لو عرف مقدار الحرام وجب عليه إخراجه،سواء قلّ عن الخمس أو كثر، و كذا لو عرفه بعينه.
و لو جهله (4)غير أنّه عرف أنّه أكثر من الخمس،وجب عليه إخراج الخمس و ما يغلب على الظنّ في الزائد.
الثاني:لو عرف صاحبه،وجب صرف ما يخرج إليه،فإن كان حيّا دفعه إليه،و إن كان ميّتا دفعه إلى وارثه،فإن لم يجد له وارثا،كان للإمام.
الثالث:لو ورث مالا ممّن لا يتحرّز في اكتسابه،و يعلم أنّ فيه حلالا (5)و حراما و لم يتميّز،أخرج منه الخمس أيضا،لما تقدّم.
الرابع:روى الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل من أصحابنا يكون في أوانهم فيكون معهم فيصيب غنيمة،قال:«يؤدّي خمسا
ص:542
و يطيب له» (1).و هو دالّ على ما تقدّم من الأحكام أيضا.
الذمّيّ إذا اشترى أرضا من مسلم
،وجب عليه الخمس.ذهب إليه علماؤنا.و قال مالك:يمنع الذمّيّ من الشراء إذا كانت عشريّة (2).و به قال أهل المدينة (3)،و أحمد في رواية (4)،فإن اشتراها ضوعف العشر،فوجب عليه الخمس.
و قال أبو حنيفة:تصير أرض خراج (5).
و قال الثوريّ (6)،و الشافعيّ (7)،و أحمد في رواية أخرى:يصحّ البيع و لا شيء عليه و لا عشر أيضا (8).
و قال محمّد بن الحسن:عليه العشر (9).
لنا:أنّ في إسقاط العشر إضرارا بالفقراء،فإذا تعرّضوا لذلك ضوعف عليهم فأخرج
ص:543
الخمس.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة الحذّاء،قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«أيّما ذمّيّ اشترى من مسلم أرضا فإنّ عليه الخمس» (1).
هل هذا الحكم مختصّ بأرض الزراعة،أو عامّ فيها و في المساكن؟
إطلاق الأصحاب يقتضي الثاني،و الأظهر أنّ مرادهم بالإطلاق الأوّل.
لا يقال:قد روى الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة» (2)لا فيما عداها.
لأنّا نقول:نحن أيضا نقول بموجب هذا الحديث،إذ جميع الفوائد غنيمة،فيدخل تحت هذا الحديث.
ص:544
،فلا يجب فيما دونه خمس.ذهب إليه علماؤنا (1)،و به قال الشافعيّ في الجديد (2).
و قال في القديم:لا يعتبر فيه النصاب،بل يجب في قليله و كثيره (3).و به قال مالك (4)،و أبو حنيفة (5)،و أحمد (6).
لنا:قوله عليه السلام:«ليس فيما دون خمس أواق صدقة» (7).و قوله عليه السلام:
ص:545
«ليس في تسعين و مائة شيء» (1).
و إذا لم يجب فيما دون النصاب في الذهب و الفضّة،لا يجب في غيرهما،لعدم الفاصل.
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،عن أبي الحسن الرضا عليه السلام،قال:سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال:«ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» (2).
و لأنّه معدن في الحقيقة،فيعتبر فيه النصاب كالمعدن عندهم.و لأنّه حقّ ماليّ يجب فيما استخرج من الأرض،فاعتبر فيه النصاب كالمعدن و الزرع (3).
احتجّ المخالف (4)بعموم قوله عليه السلام:«و في الركاز الخمس» (5).و لأنّه مال مخمّس،فلا يعتبر فيه النصاب كالغنيمة.و لأنّه مال كافر مظهور عليه في الإسلام فأشبه الغنيمة.
و الجواب عن الأوّل:أنّه ليس من صيغ العموم،و لئن كان مرادا،إلاّ أنّا نخصّصه بما تقدّم من الأحاديث و الأقيسة.
ص:546
و عن الثاني:بأنّه مال مخمّس،فاعتبر فيه النصاب كالمعدن،ثمَّ نقول:المناسبة بينه و بين أصلنا أشدّ من المناسبة بينه و بين أصلهم،فيكون قياسنا أولى.
و عن الثالث:بذلك أيضا.
الأوّل:ليس للركاز نصاب آخر،بل لا يجب الخمس فيه إلاّ أن يكون عشرين مثقالا،فإذا بلغها وجب الخمس فيه و فيما زاد،قليلا كان الزائد أو كثيرا.
الثاني:هذا المقدار المعيّن-و هو العشرون مثقالا-معتبر في الذهب،و الفضّة يعتبر فيها مائتا درهم،و ما عداهما يعتبر فيه قيمته بأحدهما.
الثالث:لو وجد ركازا دون النصاب،لم يجب عليه شيء،سواء كان معه مال زكاتي أو لا،و سواء استفاد الكنز مع آخر حول المال الزكاتيّ أو قبله أو بعده،و سواء كان المال الزكاتيّ (1)نصابا أو تمَّ بالركاز،خلافا للشافعيّ،فإنّه ضمّه إليه،إذ جعل الواجب زكاة و إن أوجب الخمس (2).
الرابع:لو وجد ركازا دون النصاب،ثمَّ وجد ركازا آخر دون النصاب، و اجتمعا نصابا،ففي وجوب الخمس إشكال أقربه عدم الوجوب،لأنّ الركاز لا يوجب (3)شيئا بعد شيء،فكان بمنزلة ما لو التقط لقطا كثيرة كلّ واحدة أقلّ من درهم.
ص:547
قال الشيخ في النهاية و المبسوط:يعتبر (1)،و به قال الشافعيّ (2)،و مالك (3)، و أحمد (4)،و إسحاق (5).
و قال في الخلاف:لا يعتبر (6)،و به قال ابن إدريس (7)،و أبو حنيفة (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ليس عليكم في الذهب شيء حتّى يبلغ عشرين مثقالا» (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟قال:
«ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» (10).و لأنّه مال مستخرج من الأرض فأشبه الكنوز.
احتجّ ابن إدريس بإجماع الأصحاب على إيجاب الخمس في المعادن،قليلة كانت أو
ص:548
كثيرة (1).
و احتجّ أبو حنيفة بأنّه مال يجب تخميسه،فلا يعتبر فيه النصاب كالفيء و الغنيمة.
و لأنّه مال لا يعتبر فيه حول،فلا يعتبر فيه النصاب (2).
و الجواب عن الأوّل:أنّ دعوى الإجماع في صورة الخلاف ظاهرة البطلان.
و عن الثاني:بالفرق،فإنّ الفيء و الغنيمة لا يستحقّان على المسلم،و إنّما يملكه أهل الخمس من الكفّار بمجرّد الاغتنام.
و عن الثالث:بأنّ الجامع سلبيّ،مع انتقاضه بصدقات الزروع،فإنّه لا يعتبر فيها الحول مع اعتبار النصاب لها.
أحدهما:ما تقدّم (3).
و الثاني:دينار واحد.اختاره ابن بابويه (4)،و أبو الصلاح (5)،و المشهور:الأوّل، لرواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر،و قد تقدّمت (6).
احتجّوا بما رواه الشيخ عن محمّد[بن عليّ] (7)بن أبي عبد اللّه عن أبي الحسن عليه السلام،قال:سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد،و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيه زكاة؟فقال:«إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» (8).
و الجواب:يحتمل أن يكون المراد:ما يخرج من البحر،و الأوّل تناول المعادن
ص:549
خاصّة،قاله الشيخ (1).
و أيضا:فإنّ دلالة حديثنا على ما اعتبرناه من النصاب أقوى من دلالة حديثكم.
و أيضا:فحديثنا تناول المعادن و هو لفظ عامّ،و حديثكم تناول (2)معادن الذهب و الفضّة خاصّة،و إذا احتمل،كان الاستدلال بحديثنا أولى،على أنّ حديثنا معتضد بالأصل،و هو براءة الذمّة،و نفي الضرر.
.
و قال الشافعيّ (4)،و أحمد:المئونة على المخرج (5).
لنا:أنّ المئونة وصلة إلى تحصيل،و طريق إلى تناوله فكانت منهما كالشريكين.
احتجّوا بأنّ الواجب زكاة (6)،و هو ممنوع.
لا يترك العمل بينها ترك الإهمال،فلو أخرج دون النصاب و ترك العمل مهملا له،ثمَّ أخرج دون النصاب و كملا نصابا،لم يجب عليه شيء،و لو بلغ أحدهما نصابا أخرج خمسه و لا شيء عليه في الآخر.
أمّا لو ترك العمل لا مهملا،بل للاستراحة مثلا أو لإصلاح آلة أو طلب أكل و ما أشبهه،فالأقرب وجوب الخمس إذا بلغ المنضمّ النصاب ثمَّ يجب عليه في الزائد مطلقا ما لم يتركه مهملا،و كذا لو اشتغل بالعمل فخرج بين المعدنين تراب أو شبهه.
،و ما عداه يعتبر فيه قيمته.
و لو اشتمل المعدن على جنسين،كالذهب و الفضّة مثلا،ضمّ أحدهما إلى الآخر،
ص:550
و كذا ما عداهما.
و قال بعض الجمهور:لا يضمّ أحدهما إلى الآخر،و قال آخرون:لا يضمّ في الذهب و الفضّة،و يضمّ فيما عداهما حملا على الزكاة (1)،و نحن عندنا المخرج خمس لا زكاة،و هو معتبر بالقيمة،فلا اعتبار باتّحاد الجنس،بخلاف الزكاة.
،فما بلغ قيمته دينارا وجب فيه الخمس و ما نقص عن ذلك ليس فيه شيء،ذهب إليه علماؤنا،و خالف فيه الجمهور كافّة،لأنّهم بين قائلين بنفي شيء فيه،و بين قائلين بنفي النصاب و إن أوجبوا فيه.
لنا:أنّ اعتبار النصاب توسعة على أهل الضيق،و عدم اعتباره إضرار بهم فيكون منفيّا (2)،فلا بدّ من اعتبار نصاب يبقى بعد المواساة ما يتّسع أهل الضائقة (3)و أرباب الغوص به.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد اللّه،عن أبي الحسن عليه السلام،قال:سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد،و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيه زكاة؟فقال:«إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» (4).و هو متناول (5)للغوص خاصّة،لما (6)بيّنّا من اعتبار النصاب في المعادن و أنّه عشرون مثقالا (7).
لو غاص فأخرج ما نقص عن النصاب،ثمَّ غاص مرّة أخرى
فأخرج ما دون
ص:551
النصاب و كملا نصابا،ففي وجوب الخمس تردّد أقربه الوجوب إن كان تركه في الأوّل طلبا للاستراحة أو التنفّس في الهواء و ما أشبهه،و عدمه إن ترك (1)بنيّة الإعراض و الإهمال.
لا يعتبر في الزائد نصاب إجماعا
،بل لو زاد قليلا أو كثيرا وجب الخمس فيه.
في التجارات و الزراعات شيء إلاّ فيما يفضل عن مئونته و مئونة عياله سنة كاملة.ذهب إليه علماؤنا.
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا صدقة إلاّ عن ظهر غنى» (3)و إيجاب الخمس قبل إخراج المئونة مناف لهذا الحديث.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن الحسن الأشعريّ، قال:كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل أو كثير من جميع الضروب؟و على الضياع و كيف ذلك؟فكتب بخطّه:«الخمس بعد المئونة» (4).
و عن عليّ بن مهزيار،عنه عليه السلام أنّه كتب:و قرأه عليّ بن مهزيار:«[عليه] (5)
ص:552
الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان» (1).
،بل يتربّص إلى تمام السنة،و يخرج عن الفاضل خمسه،لعدم الدليل الدالّ على الفوريّة،مع أصالة براءة الذمّة.
و لأنّ في الإيجاب على الفور ضرر عظيم (2)،إذ المئونة غير معلومة المقدار إلاّ بعد أن تقضى (3)المدّة،لجواز أن يولد له،أو يتزوّج (4)النساء،أو يشترى الإماء و المنازل،أو يخرب عقاره فيحتاج إلى عمارته إلى غير ذلك من الأمور المتجدّدة،مع أن الخمس لا يجب إلاّ بعد ذلك كلّه،فكان من عناية اللّه تعالى بالمكلّف تأخير الوجوب إلى تمام الحول.
نعم،لو تبرّع بتعجيله،بأن يحسب (5)من أوّل السنة ما يكفيه على الاقتصاد و أخرج خمس الباقي،كان أفضل،لأنّ فيه تعجيلا بالطاعة و إرفاقا بالمحتاج.
و لا يراعى الحول في شيء ممّا يجب فيه الخمس غير ما ذكرناه هنا.
،و لا في المال المختلط حرامه بحلاله،و لا في الأرض المبتاعة من الذمّيّ نصاب،بل يجب الخمس في قليله و كثيره،عملا بالعمومات السالمة عن معارضة المخصّص (6).
ص:553
سهم للّه تعالى،و سهم لرسوله،و سهم لذي القربى،و سهم لليتامى،و سهم للمساكين،و سهم لأبناء السبيل.و به قال أبو العالية الرياحيّ (2).
و قال بعض أصحابنا:يقسّم خمسة أقسام:سهم اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه و آله، و سهم ذي القربى لهم،و الثلاثة الباقية لليتامى و المساكين و أبناء السبيل (3).و به قال الشافعيّ (4)،و أبو حنيفة (5).
ص:554
لنا:قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ (1)الآية.
و العطف يقتضي التشريك.
و قوله ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ (2)الآية.
و ما رواه الجمهور عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان إذا أتي بالغنائم مدّ يده فقبض على شيء منه،فما حصل في يده جعله في رتاج (3)الكعبة (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن حمّاد بن عيسى،قال:رواه بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال:«و يقسّم الخمس على ستّة أسهم» (5)و ذكرهم بالتعديد (6)كما تضمّنته الآية.
و عن عبد اللّه بن بكير،عن بعض أصحابه،عن أحدهما عليهما السلام في قول اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ الآية،قال:«خمس اللّه للإمام،و خمس الرسول للإمام (7)،و خمس ذي القربى لقرابة الرسول الإمام (8)،و اليتامى يتامى آل الرسول، و المساكين منهم و أبناء السبيل منهم،فلا يخرج منهم إلى غيرهم» (9).
و في حديث أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام،سئل:فما كان للّه
ص:555
فلمن هو؟قال:«للرسول،و ما كان للرسول فهو للإمام» (1).
و عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر رفع الحديث:«فأمّا الخمس فيقسّم على ستّة أسهم:
سهم للّه،و سهم للرسول صلّى اللّه عليه و آله،و سهم لذوي القربى (2)،و سهم لليتامى، و سهم للمساكين،و سهم لأبناء السبيل» (3).و كذا في رواية يونس (4).
احتجّوا:بما رواه ابن عبّاس و ابن عمر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يقسّم الخمس خمسة أقسام (5).
و بما رواه ربعيّ بن عبد اللّه بن الجارود،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له،ثمَّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس،ثمَّ يأخذ خمسه،ثمَّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه،ثمَّ قسّم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس اللّه لنفسه،ثمَّ قسّم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء (6)السبيل (7).
و الجواب:فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يدلّ على مطلوبكم،لجواز إسقاط (8)بعض حقّه.و قولهم:إنّ الإضافة للتبرّك بالافتتاح باسم اللّه تعالى (9)،مجاز لم يدلّ
ص:556
عليه قرينة فلا يصار إليه و ترك الحقيقة الأصليّة.و ظهر من هذا أنّ سهم اللّه تعالى و سهم رسوله لرسوله عليه السلام.
،و هو اختيار السيّد المرتضى (2)،و أكثر علمائنا (3).
و قال بعض أصحابنا:المراد به قرابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من ولد هاشم (4).
و قال الشافعيّ:المراد به قرابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من ولد هاشم و المطّلب أخيه،يستوي فيه الصغير و الكبير،القريب و البعيد،للذّكر مثل حظّ الأنثيين،لأنّه ميراث (5).
و قال المزنيّ من أصحابه،و أبو ثور:الذكر و الأنثى فيه سواء،لأنّه مستحقّ بالقرابة (6).
لنا:أنّ ذي القربى في الآية مفرد فلا يتناول أكثر من الواحد حقيقة،فيكون هو الإمام،و إلاّ لزم خرق الإجماع،و إرادة الجنس من الواحد مجاز،و ابن السبيل و إن كان مفردا إلاّ أنّ المراد به الجنس،و إلاّ لزم الاختلال،إذ لا واحد معيّن هناك،بخلاف صورة
ص:557
النزاع.
و ما رواه الشيخ عن يونس:«فسهم اللّه و سهم رسوله لوليّ الأمر (1)بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وراثة،و سهم له مقسوم من اللّه،فله نصف الخمس كملا،و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته،سهم لأيتامهم،و سهم لمساكينهم،و سهم لأبناء سبيلهم يقسّم بينهم على الكفاف» (2).
و في رواية أحمد بن محمّد رفع الحديث قال:«و الحجّة في زمانه له النصف خاصّة، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله،الذين لا تحلّ لهم الصدقة» (3).
و في رواية ابن بكير عن بعض أصحابنا قال:«و خمس ذي القربى (4)لقرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و هو الإمام» (5).ثمَّ إنّ الشيخ ادّعى الإجماع على ذلك (6).
احتجّوا (7)بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقسّم سهم ذي القربى بين بني هاشم و المطّلب (8).
ص:558
و الجواب:بالمنع من ذلك،فلعلّه قسّم من الخمس قسط الأصناف الأخر الباقية.
عليه السلام،يصنع به في حياته ما شاء من الغنائم في الحرب-و هي الأموال المأخوذة بالغلبة و القهر و القتال-و غير الحرب من أنواع الفوائد.و من الفيء-و هو المال المأخوذ بغير إيجاف خيل و لا ركاب- كالمال الذي انجلوا عنه خوفا،أو بذلوه ليكفّوا المسلمين عن قتالهم،و كالجزية و الخراج و غير ذلك.و بعد وفاته عليه السلام يرجع عندنا إلى الإمام القائم مقامه في مصالح المسلمين.
و قال الشافعيّ:ينتقل سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المصالح،كبناء القناطر، و عمارة المساجد،و أهل العلم و القضاة،و أشباه ذلك (2).
و قال أبو حنيفة:يسقط بموته عليه السلام (3).
لنا:أنّه حقّ له عليه السلام جعل له باعتبار ولايته على المسلمين ليصرف بعضه في محاويجهم و بعضه في مصالحهم،فينتقل إلى المتولّي بالنصّ من قبله عليه السلام.
و يؤيّده:ما تقدّم من الأحاديث المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام (4).و لأنّه سهم له من الخمس فيكون باقيا بعد موته،و لا يسقط كسائر السهام.
فلا يسقط بموت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.و بعدم السقوط قال الشافعيّ (1).
و قال أبو حنيفة:يسقط بموته صلّى اللّه عليه و آله (2). (3)مع اتّفاقهما على أنّ المستحقّ له قرابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
لنا:أنّه تعالى أضاف السهم إلى ذي القربى بلام التمليك،فلا يسقط سهمه بموت الرسول صلّى اللّه عليه و آله (4)،كغيره من أهل السهمان.
(5):من اتّصف بهذه الأوصاف من آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و هم ولد عبد المطّلب بن هاشم-و هم الآن أولاد أبي طالب-و العبّاس،و الحارث،و أبي لهب خاصّة دون غيرهم.ذهب إليه أكثر علمائنا (6).
و قال الشافعيّ:سهم ذي القربى لقرابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و هم أولاد هاشم و آل المطّلب أخيه (7).
و قال أبو حنيفة:إنّه لآل هاشم خاصّة (8)،مع اتّفاقهما على أنّ اليتامى و المساكين
ص:560
و أبناء السبيل غير مختصّ بالقرابة،بل هو عامّ في المسلمين (1).
و قال ابن الجنيد منّا:يدخل بنو المطّلب في الأسهم الثلاثة و يشركهم غيرهم من أيتام المسلمين و مساكينهم و أبناء سبيلهم،لكن لا يصرف إلى غير القرابة إلاّ بعد كفايتهم (2).و أطبق الجمهور كافّة على تشريك الأصناف الثلاثة من المسلمين في الأسهم الثلاثة.
لنا:أنّ حقّ الخمس عوض عن الزكاة،فيصرف إلى من منع منها.و لأنّ لبني هاشم شرفا على غيرهم،فيخصّون (3)بأشرف الصدقتين،كما اختصّ غيرهم بالأدنى.و لأنّ اهتمام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بحسب حال بني هاشم أتمّ من اهتمامه بغيرهم،لقربهم و شرفهم، فلو شاركهم غيرهم لكان الاهتمام بغيرهم أتمّ،إذ قد اختصّوا بالزكاة و شاركوهم في الخمس.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن زكريّا بن مالك الجعفيّ (4)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«و اليتامى يتامى أهل بيته» (5).
و عن عبد اللّه بن بكير،عن بعض أصحابه،عن أحدهما عليهما السلام قال:«خمس
ص:561
اللّه للإمام،و خمس الرسول للإمام،و خمس ذي القربى لقرابة الرسول الإمام (1)،و اليتامى يتامى آل الرسول،و المساكين منهم،و أبناء السبيل منهم،فلا يخرج منهم إلى غيرهم» (2).
و عن سليم بن قيس الهلاليّ (3)،عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:سمعته يقول كلاما كثيرا،ثمَّ قال:«و أعطهم من ذلك كلّه سهم ذي القربى الذي قال اللّه تعالى إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ (4)نحن و اللّه عني بذوي القربى و الذين قرنهم اللّه بنفسه و نبيّه (5)،فقال فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ (6)منّا خاصّة،و لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم اللّه نبيّه و أكرمنا (7)أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس» (8).
و عن أحمد بن محمّد قال:حدّثنا بعض أصحابنا رفع الحديث،قال:«و النصف
ص:562
لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة عوّضهم اللّه مكان ذلك الخمس (1)» (2).
احتجّوا بالعموم (3).
و الجواب:المراد به العهد،لما بيّنّاه من الأدلّة،و خلاف ابن الجنيد لا يعتدّ به، لا نعرف له موافقا منّا.
الأظهر أنّهم لا يستحقّون شيئا في الخمس و تحلّ لهم الزكاة.و به قال أبو حنيفة (4).
و قال ابن الجنيد:إنّهم يستحقّون نصيبا في الخمس و يحرم عليهم الزكاة (5).و هو أحد قولي المفيد (6)،و به قال الشافعيّ (7).
لنا:أنّ بني المطّلب و بني نوفل و عبد شمس قرابتهم واحدة و صلتهم متساوية،و إذا لم يستحقّ بنو نوفل و عبد شمس شيئا،فكذا بنو المطّلب.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن يونس،عن العبد الصالح عليه السلام قال:«الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.و هم بنو عبد المطّلب[أنفسهم] (8)الذكر و الأنثى منهم،ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد،و ليس فيهم
ص:563
و لا منهم في هذا الخمس (1)مواليهم و قد تحلّ صدقات الناس لمواليهم و هم و الناس سواء، و من كانت أمّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له و ليس له من الخمس شيء» (2).
احتجّوا (3)بما رووه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«أنا و بنو المطّلب لم نفترق في جاهليّة و لا إسلام» (4)و شبّك بين أصابعه.
و قوله عليه السلام:«إنّما بنو هاشم و بنو المطّلب شيء واحد» (5).
و الجواب:المراد بذلك النصرة لا استحقاق الخمس و حرمان الزكاة.
.و في استحقاق من انتسب إليه بالأمّ قولان:أقواهما المنع.و هو اختيار الشيخ (6)،و هو قول الجمهور.
و قال السيّد المرتضى بالاستحقاق (7).
لنا:أنّ النسبة ظاهرا يقتضي الانتساب بالأب،كما يقال:تميميّ لمن انتسب إلى تميم بالأب.و لأنّ الاحتياط يقتضي منع من انتسب بالأمّ خاصّة،إذ وجوب الإخراج معلوم الثبوت في الذمّة قطعا،و استحقاق من انتسب بالأمّ غير معلوم قطعا فلا تبرأ به العهدة.
و يؤيّده:ما روي عن العبد الصالح من قوله عليه السلام:«و من كانت أمّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له و ليس له من الخمس شيء،لأنّ اللّه تعالى
ص:564
يقول اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ (1). (2)
و الاحتجاج بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«هذان ولداي» (3)يعني الحسن و الحسين عليهما السلام،ضعيف،إذ المراد به المجاز لا الحقيقة.
مسألة:و يعتبر الإيمان في آخذ الخمس،عملا بالأحوط في براءة الذمّة،و لأنّ الكفر مظنّة للإذلال،و هو لا يناسب أخذ الخمس.و لأنّ فيه مساعدة على كفره و معونة له،و هو منهيّ عن ذلك.و لأنّ فيه مودّة لمن يحادّ اللّه و رسوله،و قد نهي عن ذلك.أمّا العدالة فإنّها غير معتبرة،لأنّه مستحقّ بالقرابة،و هو موجود في الفاسق،و فارق الكافر،لما تقدّم.
،لأنّ المستحقّ مطالب من حيث الحاجة و الفقر،فنقله عن البلد تأخير لصاحب الحقّ عن حقّه مع المطالبة فيكون معاقبا،فإن حمله مع وجوده ضمن،للتعدّي.
و لو فقد المستحقّ جاز النقل حينئذ،للضرورة.و لأنّ في النقل توصّلا إلى إيصال الحقّ إلى مستحقّه،فيكون سائغا.و لا ضمان حينئذ،لعدم التفريط.
و يعطى من حضر البلد،و لا يتبع من غاب ذهب إليه علماؤنا،و هو قول بعض الشافعيّة (4).
و قال الشافعيّ:يقسّم في البلدان كافّة و ينقل من بلد إلى بلد (5).
لنا:أن يدفعه إلى من حضر يكون مؤدّيا للخمس إلى مصارفه في الآية (6)،فتبرأ به
ص:565
العهدة،كالزكاة.و لأنّ في تتبّع الغائب و الأباعد مشقّة عظيمة،و ربّما تلف المال و ذهب أكثره،فيكون فيه حرمان المستحقّ.
احتجّوا بأنّه مستحقّ بالقرابة،فيكون مشتركا بين الحاضر و الغائب،كالميراث (1).
و الجواب:أنّ ذلك لا يقتضي التشريك و إلاّ لزم اختصاص الأقرب،كالميراث.
يأخذه مع الحاجة و اليسر،و قال الجمهور:
المراد بهم قرابة الرسول عليه السلام،و اختلفوا في استحقاق الغنيّ حينئذ،و الوجه عندهم الاستحقاق،لأنّهم يأخذونه بالقربة،فأشبه الميراث.
أمّا اليتيم،فهو من لا أب له ممّن لم يبلغ الحلم،و هو عندنا مختصّ بالذرّيّة من (2)هاشم على ما تقدّم (3)،و عند الجمهور أنّه عامّ.
إذا ثبت هذا فهل يشترط فيه الفقر أم لا؟قال الشيخ في المبسوط:لا يشترط الفقر (4).و هو أحد قولي الشافعيّ،و في الآخر:يشترط (5).
احتجّ الشيخ (6)بعموم الآية (7)،و لأنّه يستحقّ باليتم،فيستوي فيه الغنيّ و الفقير، كذي القربى عندهم،و لأنّه جعل تشريفا فلا يختصّ بالفقير،و لأنّه لو اعتبر فيه الفقر لكان داخلا تحت المساكين،فلا يحتاج إلى إفراده بالذكر،و لم يكن قسما برأسه.
حجّة القول الآخر:أنّ الخمس جعل إرفاقا للمحاويج،و معونة لأهل الخصاصة،
ص:566
فيخصّ (1)به أهل المسكنة،اقتصارا بالحكم على محلّ الغاية،و لأنّه أحوط،إذ البراءة تحصل معه باليقين،بخلاف الدفع إلى الغنيّ،و لأنّ الخمس يصرف على قدر الكفاية،و الغنيّ مكتف بماله عن مساعدة الخمس،و لأنّ الصغير لو كان له أب له مال،لم يستحقّ شيئا،فإذا كان المال له كان أولى بالحرمان،إذ وجود المال له أنفع من وجود الأب.
و أمّا المسكين فالمراد به المعنى المشترك الشامل له و للفقير،و كذا لو أطلق الفقير وحده أريد به ذلك المعنى أيضا،و إنّما يقع الامتياز مع الجمع في الذكر،و المراد به قد تقدّم في باب الزكاة (2).
و أمّا ابن السبيل فلا يعتبر فيه الفقر إجماعا.نعم،يشترط فيه الحاجة في السفر، و البحث فيه قد تقدّم في باب الزكاة (3).
و كذا في تناوله للمنشئ لسفره و المجتاز و عدمه.
الظاهر من كلام الشيخ الوجوب (4)،عملا بظاهر الآية،و لو منع من ذلك كان وجها،و المراد:بيان المصرف،مع أنّ الرواية قد دلّت عليه،روى الشيخ عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،عن أبي الحسن عليه السلام،و سئل عن قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ (5)قال:«فما كان للّه فللرسول،و ما كان للرسول فهو للإمام»قيل:أرأيت إن كان صنف أكثر من صنف أو أقلّ من صنف كيف يصنع؟فقال:«ذلك إلى الإمام أرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كيف صنع؟إنّما كان يعطي على ما يرى،كذلك الإمام» (6).و الأحوط ما قاله الشيخ رحمه اللّه.
ص:567
هو (1)المستحقّ له من الغنائم.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أبو حنيفة (2).
و قال الشافعيّ:مصرفه مصرف الزكوات (3)،و لأحمد روايتان (4).
لنا:أنّه غنيمة على ما تقدّم،فيدخل تحت الغنائم،و قد سلف (5).و كذا البحث في بقيّة الأصناف التي يجب فيها الخمس.
احتجّوا بأنّ عليّا عليه السلام أمر صاحب الكنز أن يتصدّق به على المساكين (6).
و بما رواه عبد اللّه بن بشر الخثعميّ (7)عن رجل من قومه،يقال له:ابن حممة (8)،قال:
سقطت على جرّة من دير قديم بالكوفة عند جبّانة بشر فيها أربعة آلاف درهم،فذهبت بها إلى عليّ عليه السلام فقال:«اقسمها خمسة أخماس»فقسمتها،فأخذ منها عليّ عليه السلام خمسه،و أعطاني أربعة أخماس،فلمّا أدبرت دعاني،فقال:«في جيرانك فقراء و مساكين؟»
ص:568
فقلت:نعم،فقال:«فخذها فاقسمها بينهم» (1).
و الجواب:يحتمل أنّه أمره بصرفه إلى الفقراء و المساكين من الذرّيّة،و حصّته عليه السلام له أن يهبها لهم فلا حجّة فيه حينئذ.
لا يجوز صرف حقّ المعدن إلى من وجب عليه
.و به قال الشافعيّ (2)،و مالك (3)، و أحمد (4).
و قال أبو حنيفة:يجوز ذلك (5).
لنا:أنّه مأمور بإخراجه،فلا يصرف إليه،إذ لا يتحقّق الإخراج حينئذ.و لأنّه حقّ واجب عليه،فلا يصرف إليه،كعشر الزرع.
احتجّ أبو حنيفة بما رواه جابر قال:كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجاء رجل بمثل بيضة من ذهب،فقال:يا رسول اللّه أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة[ما أملك] (6)غيرها،فأعرض عنه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ أتاه من قبل ركنه الأيسر فقال مثل ذلك،فأعرض عنه،ثمَّ أتاه من خلفه،فأخذها فحذفه (7)بها و قال:«يأتي أحدكم بما يملك فيقول:هذه صدقة،ثمَّ يقعد فيستكفّ الناس،خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» (8).
ص:569
و الجواب:يحتمل أن يكون البيضة دون النصاب،فإنّ البيض يختلف قدره، و يحتمل أن يكون قد أدّى حقّ المعدن منها،و يحتمل أن يكون عليه السلام أنكر الصدقة بجميعها مع حاجة المتصدّق و فقره،و الواجب عليه خمسها لا غير.
يملكها و يصنع بها ما شاء في نفقته و نفقة عياله و غير ذلك من مصالحه و منافعه.و الثلاثة الأسهم الباقية للأصناف الأخر، لا يخصّ (1)القريب منهم دون البعيد،و لا الذكر دون الأنثى،و لا الكبير على الصغير (2)، بل يفرّق في الجميع على ما يراه الإمام من تفضيل و تسوية،لتناول الاسم لهم تناولا على التساوي،و يفرّق في الحاضرين،و لا يتبع الأباعد عن البلد،و قد سلف (3).
فإن فرّق في الحاضرين على قدر كفايتهم و فضل منه شيء،جاز حمله عن البلد إلى الأباعد،لأنّ بدفع كفايتهم صاروا أغنياء (4)،فحينئذ يعدم المستحقّ،فيجوز المسافرة به و لا ضمان،و متى حضر الأصناف الثلاثة،قال الشيخ:لا ينبغي أن يخصّ به قوم دون قوم، بل يفرّق في جميعهم-و هو حقّ-قال:و إن لم يحضر في البلد إلاّ فرقة منهم،جاز أن يفرّق فيهم،و لا ينتظر غيرهم،و لا يحمل إلى بلد آخر (5).
ص:570
و كلام في مستحقّ (1)الإمام عليه السلام في حالتي الظهور و الغيبة.
الأنفال جمع نفل-بسكون الفاء و فتحها-و هو الزيادة،و منه سمّيت النافلة،لزيادتها على المطلوب طلبا مانعا من النقيض،و المراد به هنا كلّ ما يخصّ الإمام.
فمنها:كلّ أرض انجلى أهلها عنها،أو سلّموها طوعا بغير قتال،و كلّ أرض خربة باد أهلها إذا كانت قد جرى عليها ملك أحد،و كلّ خربة لم يجر عليها ملك أحد،و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب،و الإيجاف السير السريع،لقوله تعالى وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ (2).
و ما رواه الشيخ في الحسن عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:
سمعته يقول:«إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم،و ما كان من أرض خربة أو بطون أودية (3)فهذا كلّه من الفيء،و الأنفال للّه و للرسول،فما كان للّه فهو للرسول يضعه (4)حيث يحبّ» (5).
ص:571
و بطريق (1)آخر عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:سمعته يقول:
«الفيء و الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء و قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم (2)،و ما كان من أرض خربة أو بطن واد فهو كلّه من الفيء،فهذا للّه و لرسوله،فما كان للّه فهو لرسوله يضعه حيث شاء،و هو للإمام بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله،و قوله ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ قال:ألا ترى هو هذا؟!و أمّا قوله ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى (3)فهذا بمنزلة المغنم،كان أبي يقول ذلك و ليس لنا فيه غير سهمين:سهم الرسول (4)،و سهم القربى (5)،ثمَّ نحن شركاء الناس فيما بقي» (6).
و عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن الأنفال،فقال:«ما كان من الأرضين باد أهلها» (7).
رؤوس الجبال و الآجام و الأرضون الموات التي لا أرباب لها، لما رواه الشيخ عن حمّاد بن عيسى قال:رواه لي بعض أصحابنا،عن العبد الصالح أبي الحسن الأوّل عليه السلام،قال:«و الأنفال كلّ أرض خربة قد باد أهلها،و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صولحوا عليها و أعطوا بأيديهم على غير قتال،و له رؤوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها» (8).
قال ابن إدريس:المراد برؤوس الجبال و بطون الأودية ما كان في ملكه عليه السلام
ص:572
و الأرض (1)المختصّة به،فأمّا ما كان من ذلك في أرض المسلمين و يد مسلم عليه،فلا يستحقّه عليه السلام (2).
،قاله الشيخان (3)،و هي للإمام خاصّة.
و ابن إدريس منع الإطلاق في ذلك،بل له من المعادن ما كان في الأرض المختصّة به، أمّا ما كان في الأرض المشتركة بين المسلمين أو لمالك معروف فلا اختصاص له بها (4).
و الوجه ما قاله ابن إدريس،و لم نقف للشيخين على حجّة في ذلك.
ممّا كان في أيديهم من غير جهة الغصب،بمعنى أنّ كلّ أرض فتحت من أهل الحرب،فما كان يختصّ بملكهم فهو للإمام إذا لم يكن غصبا من مسلم أو معاهد،لأنّ ذلك قد كان للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و قد ثبت أنّ جميع ما كان للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو للإمام بعده.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن داود بن فرقد قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«قطائع الملوك كلّها للإمام،ليس للناس فيها شيء» (5).
و عن حمّاد بن عيسى قال:رواه لي بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن عليه السلام قال:«و له صوافي الملوك ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب،لأنّ المغصوب (6)كلّه مردود» (7).
و عن سماعة بن مهران قال:سألته عن الأنفال،فقال:«كلّ أرض خربة أو شيء
ص:573
يكون عليه للملوك فهو خالص للإمام ليس للناس فيه (1)سهم» (2).
،مثل الفرس الجواد و الثوب المرتفع و الجارية الحسناء و السيف القاطع (3)و ما أشبه ذلك ما لم يجحف بالغانمين.ذهب إليه علماؤنا أجمع.
روى الجمهور أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يصطفي من الغنائم الجارية و الفرس و ما أشبههما في غزاة (4)خيبر و غيرها (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن أبي الصباح قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:«نحن قوم فرض اللّه طاعتنا،لنا الأنفال،و لنا صفو المال،و نحن الراسخون في العلم،و نحن المحسودون الذين قال اللّه تعالى فيهم أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ (6)» (7).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن صفو المال قال:
«للإمام يأخذ الجارية الروقة (8)،و المركب الفاره،و السيف القاطع،و الدّرع قبل أن تقسّم الغنيمة،هذا صفو المال» (9).
و لأنّ المقتضي في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو تحمّله لأثقال (10)غيره،و استناد
ص:574
الناس إليه في دفع ضروراتهم،و بعث الجيوش،و إقامة العساكر،و مقاومة العدوّ (1)موجود في حقّ الإمام،فيكون الحكم ثابتا،خلافا للجمهور،حيث قالوا:إنّه يبطل بموت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (2).
،ذهب علماؤنا أجمع إلى أنّه يكون للإمام خاصّة ينقل (3)إلى بيت ماله.
و خالف فيه الجمهور كافّة و قالوا:إنّه للمسلمين أجمع،فعند الشافعيّ بالتعصيب (4)، و عند أبي حنيفة بالموالاة (5)،و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى في باب المواريث.
روى الشيخ عن أبان بن تغلب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يموت و لا وارث له و لا مولى،فقال:«هو من أهل هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ (6)» (7).
و في رواية حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح عليه السلام:
«و هو وارث من لا وارث له» (8).و سيأتي تمام الدلالة (9)إن شاء اللّه.
و لا فرق بين المسلم و الذمّيّ إذا مات و لم يخلّف وارثا في أنّه (10)يكون للإمام.
إليه الشيخان (1)،و السيّد المرتضى (2)-رحمهم اللّه-و أتباعهم (3).
و قال الشافعيّ:حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام لكنّه مكروه (4).
و قال أبو حنيفة:هي لهم و لا خمس (5)،و لأحمد ثلاثة أقوال،كقولي الشافعيّ و أبي حنيفة،و ثالثها:لا شيء لهم فيه (6).
احتجّ الأصحاب بما رواه العبّاس الورّاق (7)عن رجل سمّاه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا،كانت الغنيمة كلّها للإمام،و إذا غزوا
ص:576
بأمر الإمام (1)فغنموا،كان للإمام الخمس» (2).
احتجّ الشافعيّ (3)بعموم قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ (4)الآية،و هو يتناول المأذون فيه و غيره.
احتجّ أبو حنيفة بأنّه اكتساب مباح من غير جهاد،فكان كالاحتطاب و الاحتشاش (5).
و احتجّ أحمد على ثالث أقواله بأنّهم عصاة بالفعل فلا يكون ذريعة إلى الفائدة و التملّك الشرعيّ (6).
و الجواب عن الأوّل:أنّه غير دالّ على المطلوب،إذ الآية تدلّ على إخراج الخمس في الغنيمة،لا على المالك و إن كان قول الشافعيّ فيه قوّة (7).
و عن الثاني:بالمنع من المساواة،لأنّه منهيّ عنه إلاّ بإذنه عليه السلام.
و عن الثالث:بالتسليم،فإنّه دالّ على المطلوب.
و قال عليه السلام:«لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن يزيد الطبريّ (2)قال:كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس، فكتب إليه:«بسم اللّه الرحمن الرحيم إنّ اللّه واسع كريم،ضمن على العمل الثواب،و على الخلاف العقاب،لا يحلّ مال إلاّ من وجه أحلّه اللّه،إنّ الخمس عوننا على ديننا و على عيالنا و على أموالنا،و ما نبذل و نشتري من أعراضنا ممّن نخاف (3)سطوته،فلا تزووه عنّا، و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه،فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم و تمحيص ذنوبكم، و ما تمهّدون لأنفسكم ليوم (4)فاقتكم،و المسلم من يفي للّه بما عاهد عليه،و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب.و السلام» (5).
و عنه قال:قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس،فقال:«ما أمحل هذا تمحضونا المودّة بألسنتكم و تزوون عنّا حقّا
ص:578
جعله اللّه لنا و جعلنا له و هو الخمس،لا نجعل أحدا منكم في حلّ» (1).
و عن إبراهيم بن هاشم قال:كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل (2)و كان يتولّى له الوقف بقمّ،فقال:يا سيّدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ فإنّي أنفقتها،فقال له:«أنت في حلّ»فلمّا خرج صالح قال أبو جعفر عليه السلام:«أحدهم يثب على أموال آل محمّد و أيتامهم و مساكينهم و فقرائهم و أبناء سبيلهم فيأخذها ثمَّ يجيء فيقول:«اجعلني في حلّ أ تراه ظنّ أنّي أقول:لا أفعل؟و اللّه ليسألنّهم اللّه تعالى يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا» (3).
و لأنّه مال مملوك فلا يجوز التصرّف فيه بغير إذن مالكه.
،كما كان يفعل في زمن الرسول (4)صلّى اللّه عليه و آله فيأخذ نصفه له عليه السلام يفعل به ما شاء،و النصف الآخر يصرفه في الأصناف الثلاثة على قدر حاجتهم و ضرورتهم،فإن فضل كان الفاضل له،و إن أعوز كان عليه التمام،ذكره الشيخان (5)و جماعة من علمائنا (6).و منعه ابن إدريس (7).
ص:579
احتجّ الأوّلون:بأنّ النظر إلى الإمام في قسمة الخمس في الأصناف و تفضيل بعضهم على بعض بحسب ما يراه من المصلحة و زيادة الحاجة،فكان له التسلّط على الفاضل بالتملّك،إذ هو مستحقّ النصف منه،فجاز له أخذ الزائد،و كما كان له الزائد فعليه الإتمام.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن حمّاد بن عيسى قال:رواه لي بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال:«و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته،سهم لأيتامهم،و سهم لمساكينهم،و سهم لأبناء سبيلهم يقسّم بينهم على الكفاف و السعة ما يستغنون به في سنتهم،فإن فضل عنهم شيء[يستغنون عنه] (1)فهو للوالي،و إن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به،و إنّما صار عليه أن يمونهم،لأنّ له ما فضل عنهم»الحديث (2).
و عن أحمد بن محمّد قال:حدّثنا بعض أصحابنا رفع الحديث قال:«.و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل.و هو يعطيهم على قدر كفايتهم،فإن فضل[منهم] (3)شيء فهو له،و إن نقص عنهم و لم يكفهم أتمّه من عنده،و كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان» (4).
احتجّ ابن إدريس بوجوه:
الأوّل:أنّ الأسهم الثلاثة للأصناف الثلاثة بنصّ القرآن،إذ العطف بالواو يقتضي التشريك،و إذا كان ملكا لهم لم يجز له عليه السلام التصرّف فيه بالتملّك (5)،سواء فضل أو لا.
ص:580
الثاني:أنّ فائدة التقدير صرف كلّ مقدّر (1)إلى من قدّر له،فلو كان له التسلّط بأخذ الفاضل و إتمام الناقص بطلت هذه الفائدة بالكلّيّة.
الثالث:أنّ وجوب الإنفاق حكم شرعيّ،و الأصل براءة الذمّة منه إلاّ بدليل و لم يثبت،على أنّه قد حصر (2)من تجب عليه النفقة،و ليس هؤلاء من جملتهم،ثمَّ طعن في الروايتين بالإرسال و ضعّف سند الثانية أيضا و تأوّل كلام أصحابنا أنّ المقصود (3)من قولهم:كان الفاضل له،ليس التملّك،بل القيام بالحفظ و التدبير و القيام عليه،كما في قوله تعالى وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ (4). (5)
و الجواب عن الأوّل:المنع من كونهم مالكين للنصف و لم لا يجوز أن يكون المقصود بيان المصرف دون التملّك،كما في آية الزكاة،و لهذا جاز للإمام أن يفضّل بعضهم على بعض، بل و يحرم بعضا على قول،اعتبارا للمصلحة في سدّ خلّة المحتاج،و نظرا إلى تحصيل الكفاية، و لهذا منع الغنيّ منهم،لحصول المقصود فيه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ،عن أبي الحسن عليه السلام،قال:أرأيت إن كان صنف أكثر من صنف و[صنف] (6)أقلّ من صنف كيف يصنع؟فقال:«ذاك إلى الإمام أرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كيف صنع؟إنّما كان يعطي كما يرى و كذلك الإمام» (7).و لمّا (8)ظهر أنّ الاستحقاق لسدّ الخلّة و دفع الحاجة،
ص:581
ظهر أنّهم غير مالكين بالاستقرار (1)و أنّ القصد من تعديدهم (2)بيان المصرف.
و عن الثاني:بذلك أيضا،إذ التقدير بيان للمصرف لا للمالك.
و عن الثالث:بأنّ وجوب الإتمام لا يستلزم وجوب النفقة في أصلها،لأنّ حصصهم تبسط (3)عليهم بحسب كفايتهم،فلا يتحقّق وجوب النفقة حينئذ،كما أنّه لو فضل من صنف من الأصناف شيء صرف في الصنفين الآخرين،مع أنّ نفقة واحد من الصنفين لا يجب على الآخر،فكذا الإمام،و براءة الذمّة بعد ثبوت شغلها بفتوى الأصحاب و النقل عن الأئمّة عليهم السلام غير ثابت،و الطعن ضعيف،إذ مع الاشتهار لا اعتبار بالرواية و أنّها مرسلة أو ضعيفة السند،كما أنّ أكثر مذاهب الشيعة المختصّ به كالمتعة و شبهها مأخوذة عن أهل البيت عليهم السلام و إن لم يعلم (4)ناقلها على التعيين.و كذا مذهب كلّ فريق اشتهر به و ظهر عنه،و الإضافة حقيقة في التمليك فصرفها إلى ما ذكر مجاز،على أنّه لا يختصّ بالفاضل،فهذا خلاصة ما يمكن ذكره من الجانبين و عليك بتحقيق الحقّ منهما.
مع وجود الإمام بنفسه فيما يكتسبه دون الغنائم على إشكال.و هو قول أصحاب الرأي،و ابن المنذر (5).
و قال أبو ثور:لا يجوز (6).
لنا:أنّ عليّا عليه السلام أمر واجد الكنز بصرفه إلى المساكين،رواه الجمهور (7).
و لأنّه أدّى الحقّ إلى مالكه فيخرج عن العهدة،كما لو فرّق الزكاة بنفسه.
ص:582
احتجّ أبو ثور بأنّه خمس فلا يتولّى تفرقته (1)بنفسه كالغنيمة (2).
و الجواب:الفرق،فإنّ المتسلّط في الغنيمة كلّها الإمام (3)،و النظر فيها إليه خاصّة دون غيره،بخلاف صورة النزاع.
في حالتي ظهور الإمام و غيبته.و عليه علماؤنا أجمع،لأنّه مصلحة لا يتمّ التخلّص من المآثم بدونها،فوجب في نظرهم عليهم السلام فعلها و الإذن في استباحة ذلك من دون إخراج حقّهم منه،لا على أنّ الواطئ يطأ الحصّة بالإباحة،إذ قد ثبت أنّه يجوز إخراج القيمة في الخمس،فكان الثابت قبل الإباحة في الذمّة إخراج خمس العين من الجارية أو قيمته،و بعد الإباحة ملكها الواطئ ملكا تامّا،فاستباح وطأها بالملك التامّ.
و يؤيّد ذلك (4):ما رواه الشيخ عن الفضيل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد اللّه على أوّل النعم»قال:قلت:جعلت فداك،ما أوّل النعم؟ قال:«طيب الولادة»ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام:أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا»ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
«إنّا أحللنا أمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا» (5).
و في الصحيح عن أبي بصير و زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام:هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا،ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ» (6).
ص:583
و عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام قال:«إنّ أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس،فيقول:يا ربّ خمسي،و قد طيّبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم و ليزكو أولادهم» (1).
و عن ضريس الكناسيّ قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟»فقلت:لا أدري،فقال:«من قبل خمسنا أهل البيت إلاّ لشيعتنا الأطيبين،فإنّه محلّل لهم و لميلادهم» (2).
و عن أبي خديجة سالم بن مكرم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:قال له رجل و أنا حاضر:حلّل لي الفروج،ففزع (3)أبو عبد اللّه،فقال له رجل:ليس يسألك أن يعترض الطريق،إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها (4)أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا، قال:«هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم و الغائب و الميّت منهم و الحيّ،و ما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو (5)لهم حلال،أما و اللّه لا يحلّ إلاّ لمن أحللنا له» (6).و الأحاديث في ذلك كثيرة.
.
قال ابن إدريس:المراد بالمتاجر أن يشتري الإنسان ممّا فيه حقوقهم عليهم السلام
ص:584
و يتّجر في ذلك،و لا يتوهّم متوهّم أنّه إذا ربح في ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس (1).
و الدليل على الإباحة:ما رواه الشيخ عن أبي خديجة سالم بن مكرم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:قال له رجل و أنا حاضر:حلّل لي الفروج،ففزع أبو عبد اللّه عليه السلام، فقال له رجل:ليس يسألك أن يعترض الطريق،إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها (2)أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطاه،فقال:«هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم و الغائب و الميّت منهم و الحيّ،و ما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال،أما و اللّه لا يحلّ إلاّ لمن أحللنا له،و لا و اللّه ما أعطينا أحدا ذمّة و ما عندنا لأحد عهد و لا لأحد عندنا ميثاق» (3).
و عن الحارث بن المغيرة النصريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:قلت له:إنّ لنا أموالا من غلاّت و تجارات و نحو ذلك،و قد علمت أنّ لك حقّا فيها،قال:فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلاّ لتطيب ولادتهم و كلّ من والى آبائي فهم في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا فليبلغ الشاهد الغائب» (4).
عليه السلام في أكثر الأحاديث،و الإمام لا يحلّ إلاّ ما يعلم أنّ له الولاية في إباحته و إلاّ لاقتصر على زمانه و لم يقض فيه بالدوام.
و يؤيّده:ما رواه أبو خالد الكابليّ قال:قال:«إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كلّ ما في بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلنّ[في] (1)قلبك شيء،فإنّه إنّما يعمل بأمر اللّه» (2).
،فأسقطه قوم،عملا بالأحاديث الدالّة على ترخيصهم عليهم السلام لشيعتهم فيه.
و منهم من أوجب دفنه،لما روي أنّ الأرض تخرج كنوزها عند ظهوره عليه السلام.
و منهم من يرى صلة الذرّيّة و فقراء الشيعة على وجه الاستحباب.
و منهم من يرى عزله،فإن خشي من الموت وصّى به إلى من يثق بدينه و عقله ليسلّمه إلى الإمام إن أدركه،و إلاّ وصّى به كذلك إلى أن يظهر.و اختاره المفيد رحمه اللّه قال:
لأنّه حقّ وجب لمالك لم يرسم فيه ما يجب الانتهاء إليه،فوجب حفظه و جرى مجرى الزكاة عند عدم المستحقّ،فكما لا يحكم بسقوطها و لا التصرّف فيها،بل وجب حفظها بالنفس و الوصيّة فكذا هنا،قال رحمه اللّه:و إن ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه في النصف الخالص للإمام و صرف النصف الآخر في مستحقّيه من يتامى آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و مساكينهم و أبناء سبيلهم على ما جاء في القرآن كان على صواب (3).و هذا الأخير اختيار شيخنا أبي جعفر الطوسيّ (4)،و أبي الصلاح (5)،و ابن البرّاج (6).
و قال المفيد-رحمه اللّه-أيضا في المسائل العزّيّة:إذا فقد إمام الحقّ و وصل إلى إنسان
ص:586
ما يجب فيه الخمس،فليخرجه إلى يتامى آل محمّد و مساكينهم و أبناء سبيلهم،و ليوفّر قسط ولد أبي طالب،لعدول الجمهور عن صلتهم،و لمجيء الرواية عن أئمّة الهدى بتوفّر ما يستحقّونه من الخمس في هذا الوقت على فقراء أهلهم و أيتامهم و أبناء سبيلهم (1).
و منع ابن إدريس من ذلك،و ذهب إلى ما اختاره المفيد-رحمه اللّه-أوّلا (2).
و الذي ذهب إليه المفيد في الرسالة جيّد،لما بيّنّا من وجوب الإتمام عليه عليه السلام في حال حضوره،و إذا وجب في حال حضوره وجب في حال غيبته،لأنّ الغيبة ممّن عليه الحقّ لا يسقط عنه.
احتجّ ابن إدريس:بأنّه مال للغير،فلا يجوز التصرّف فيه إلاّ بإذنه،و لا إذن،إذ التقدير الغيبة (3).
و الجواب:المنع من عدم الإذن،لوجوده بما تلوناه من الأخبار الدالّة على إتمام ما يعوز الأصناف الثلاثة،و لو عمل أحد بقول جمهور أصحابنا من إيداع حصّته عليه السلام و قسمة الباقي في مستحقّيه،كان حسنا،أمّا الإباحة و التصرّف فيه على وجه التحليل (4)،كما ذهب إليه بعض أصحابنا،فهو غلط.
إذا قلنا بصرف حصّته عليه السلام في الأصناف فإنّما يتولاّه من إليه النيابة عنه عليه السلام في الأحكام،و هو الفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى و الحكم على ما يأتي تفصيلها من فقهاء أهل البيت عليهم السلام على جهة التتمّة لمن يقصر عنه ما يصل إليه عمّا
ص:587
يضطرّ إليه،لأنّه نوع من حكم على الغائب،فلا يتولاّه غير من ذكرنا (1).
ص:588