حاشيه كتاب المكاسب

اشارة

سرشناسه : انصاري، مرتضي بن محمدامين، ق 1281 - 1214

عنوان قراردادي : [المكاسب. حاشيه]

عنوان و نام پديدآور : حاشيه كتاب المكاسب/ لمولفه محمدكاظم الاخوند الخراساني؛ صحه و علق عليه مهدي شمس الدين

مشخصات نشر : [تهران]: وزارت ارشاد اسلامي، 1406ق. = 1364.

مشخصات ظاهري : ص 282

شابك : بها:600ريال

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس

عنوان ديگر : المكاسب

موضوع : معاملات (فقه)

شناسه افزوده : آخوند خراساني، محمدكاظم بن حسين، 1329 - 1255ق. حاشيه نويس

شناسه افزوده : شمس الدين، محمدمهدي، 1931 - ، مصحح

شناسه افزوده : ايران. وزارت ارشاد اسلامي

رده بندي كنگره : BP190/1/الف 18م 7032 1364

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 65-1353

ص: 1

[مقدمة التحقيق]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة على سيدنا محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين في كل أفق من آفاق العالم الإسلامي أسماء رجال معدودين، امتازوا بمواهب و عبقريات رفعتهم الى الأوج الأعلى من آفاق العلم و المعرفة.

و ثمة رجال ارتسمت أسماؤهم في كل أفق من تلك الآفاق، و هم قليلون للغاية، شذت بهم طبيعة هذا الكون.

و من تلك القلّة شيخنا و شيخ الكل، علامة الآفاق الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني أعلى اللّه درجاته و أجزل أجره، و قد كرس- قدس اللّه نفسه- حياته طوال عمره لخدمة الدين و المذهب.

توجد ترجمته في كثير من التراجم المؤلّفة في عصره و من بعد مشفوعة بالاكبار و التبجيل و الإطراء، و قصارى قولهم فيه: انه جماع الفضائل و مختبؤ المآثر كلها، و قد سبر ترجمة (قدس سره) حفيده في كتاب مستقل فتصفح عن ترجمته صفحا.

و اما الكتاب الحاضر و هو «التعليقة على المكاسب» فهو من امتن التعاليق على الكتاب مع وجازتها، مشتملة على معظم كتاب البيع و الخيارات.

و حيث كانت النسخة المطبوعة من الكتاب مصحفة محرفة، فبذلت

ص: 2

الوسع في تصحيح الكتاب و مقابلته مع النسخة الاصيلة بقلم مؤلفه و استخراج مصادر الروايات و كلمات الأصحاب و لم آل جهدا في تنميقه و تحقيقه حق التحقيق.

و من الواجب علىّ أن أقدم ثنائي العاطر الى حفيد المؤلف الفاضل البارع الشيخ الكفائي في بذله النسخة الأصلية للتحقيق، فجزاه اللّه عنى خير جزاء المحسنين و نرجو من العلماء الأفاضل الذين يراجعون الكتاب ان يتفضلوا علينا بما لديهم من النقد و تصحيح ما لعلنا وقعنا فيه من الأخطاء و الاشتباهات و الزلات.

و الحمد للّه الذي هدانا لهذا، و ما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا اللّه، و نستغفره مما وقع من خلل و حصل من زلل، و نعوذ من شرور أنفسنا و سيّئات أعمالنا، و زلات أقدامنا و عثرات أقلامنا، فهو الهادي إلى الرّشاد، و الموفق للصواب و السداد، و السلام على من اتبع الهدى.

6- 6- 1405 قم المشرفة السيد مهدي شمس الدين هذه تعليقة شريفة أنيقة، و حاشية رشيقة، على مكاسب آية اللّه في الأنام، الشيخ مرتضى الانصارى طاب ثراه المتعلقة على مبحث البيع و ما بعده.

ص: 3

1- كتاب البيع

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد سيد النبيّين و آله، سادات الخلائق أجمعين، و لعنة اللّه على أعدائهم، إلى يوم الدين.

[في تعريف البيع]

اشارة

قوله (ره): (مبادلة مال بمال- إلخ-)

التعبير بالمبادلة، لا يخلو عن مسامحة، و حقّه ان يقال: تبديل مال بمال، فإنه فعل الواحد، لا اثنين، فافهم.

قوله (ره): (و امّا عمل الحرّ، فان قلنا انه قبل المعاوضة- إلخ-)

لا إشكال انه من الأموال، بداهة انّ حاله حال عمل العبد، في كونه ممّا يرغب فيه، و يبدل بإزائه المال، و ان كان قبل المعاوضة، لا يكون ملكا، بخلاف عمل العبد، لانّه ملك لسيّده بتبعه، و لا شبهة في عدم اعتبار الملكيّة قبلها، لوضوح جعل الكلى، عوضا في البيع، مع عدم كونه ملكا قبله.

و بالجملة، المالية و الملكية، من الاعتبارات العقلائية الصحيحة، و لكل منهما منشأ انتزاع، و بينهما بحسب الموارد، عموم من وجه، يفترقان في الكلي المتعهّد به، و المباحات قبل الحيازة، و في مثل حبّة من الحنطة، و الماء على الشط، و الثلج في الشتاء، الى غير ذلك. فانقدح انه يجوز جعل عمل الحرّ عوضا، و ان قيل باعتبار كون العوضين مالا، قبل المعاوضة. فتدبر جيّدا.

قوله (ره): (و اما الحقوق الأخر- إلخ-)

لا يخفى انّه كلام مختلّ النظام، فإنّه في مقام انّها تجعل عوضا، أم لا،

ص: 4

فلا يناسبه التّعليل بقوله: لان البيع تمليك الغير، و لا النقض ببيع الدّين أصلا، فإنه إنّما يناسب إذا كان بصدد بيان انها لا يجعل معوّضا في البيع.

فالتحقيق ان يقال: انّه لو قيل باعتبار الماليّة في العوض كالمعوض، كما يظهر من المصباح، فلا إشكال في عدم صحة جعل الحقّ عوضا، و ان كان قابلًا للانتقال. فان الحقيّة و ان كانت من الاعتباريات، كالمالية و الملكيّة، الّا انّها غيرهما، و لو قيل بعدم اعتبارها، فلو قيل بعدم اعتبار الانتقال في العوض، و ان أخذه فيه، انما هو لمجرّد انّه ليس بتمليك مجانيّ، فلا إشكال في جعلها، عوضا مطلقا، و الّا في خصوص القابل منها للانتقال.

قوله (ره): (و السرّ انّ الحقّ سلطنة فعليّه- إلخ-)

لا يخفى ان الحق بنفسه ليس سلطنة، و انما كانت السلطنة من آثاره، كما انّها من آثار الملك، و انّما هو كما أشرنا إليه، اعتبار خاص، له آثار مخصوصة، منها السلطنة على الفسخ، كما في حقّ الخيار، أو التملّك بالعوض، كما في حقّ الشّفعة، أو بلا عوض، كما في حقّ التحجير، الى غير ذلك. و هي لا يقتضي ان يكون هناك من يتسلّط عليه، و الّا كانت من آثار الملك أيضا، و ان لم يكن نفسه، فيلزم في بيع الدّين، إمّا محذور تسلّط الشّخص على نفسه، و إمّا التفكيك بين الملك و أثره، مع انّ ذلك انّما يلزم في بيع الحقّ، ممّن كان عليه، لا من غيره، و قد عرفت انه أجنبيّ عمّا هو بصدده، كما يظهر من صدر كلامه و ذيله.

قوله (ره): (الّا ان الفقهاء، قد اختلفوا في تعريفه- إلخ-)

الظاهر انّ اختلافهم، ليس لأجل الاختلاف في حقيقته و ماهيته، بل لأجل ان البيع الحقيقي، لما كان له سبب، يتسببّ به اليه، و لوازم تترتّب عليه أخذ كلّ منهم، بطرف من أطرافه، لا بتمام جوانبه و أكنافه، حيث انّ الغرض، ليس إلا الإشارة إليه من نحوه و معرفته بوجه، لا معرفته بحدة أو برسمه، و بذلك يوفق بين كلمات الأعلام، و ينقدح انه لا وقع، لما وقع من النقض و الإبرام في المقام، بل لا اختلاف حقيقة فيه بين العرف و الشرع، و انّما الاختلاف بينهما، فيما يعتبر في تحققه، و ان شئت ان تعرفه بأطرافه،

ص: 5

فاستمع لما يتلى عليك، و هو ان البيع المأخوذ في، بعت، و سائر المشتقّات، من أوضح المفاهيم العرفية، و هو التّمليك بالعوض، و ان كان ممّا لا يكاد يمكن ضبطه، بحيث لا يبقى اشتباه في بعض المصاديق، كما هو الشأن في جميع المفاهيم. و لا يخفى انّه شرعا و عرفا، لا يكاد يصدر مباشرة، بل بالتّسبيب، و التّوسل اليه بالعقد عليه تارة، و بالمعاطات اخرى، على القول بها. و لا بدّ في سببه عقدا كان، أو معاطاة، كسائر المعاملات، من إيجاب، و هو إنشائه، و قصد حصوله، بلفظه، أو بفعل دالّ عليه من واحد، و من إنشاء قبول ذلك كذلك من آخر. و من المعلوم انّ لازمه إذا حصل، هو نقل الملك من البائع إلى المشترى، و لازمه الانتقال اليه، كما انّ لازمه، التّبديل و التّبادل بين العوضين، و قد يطلق على نفس السّبب، إلى المعاملة الخاصّة، القائمة بالبيعين، كما ربّما يطلق على جزئه، و هو الإيجاب القائم بالموجب، كما سيأتي الإشارة إليه في كلامه (ره) الّا انّه ليس على الحقيقة، ضرورة صحة سلبه عنه، فليس هو ببيع، و لا موجبه ببايع، و كذا صحّة سلبه عن نفس المعاملة، كما يشهد به جميع مشتقاته، لكن لا يبعد تداوله في السنة الفقهاء، الّا انّه بالقرينة. و عليك بالتّأمل في المقام.

قوله (ره) (لأن المقصود معرفة مادّة بعت- إلخ-)

و عليه يتوقّف معرفة البيع، على معرفة (بعت) بمادته، و معرفته كذلك يتوقف على معرفة البيع، و هو دور صريح، كما هو واضح. و الظاهر تعيّن ارادة الشقّ الثّاني، و عدم الاقتصار على النقل أو التمليك، للإشارة الى عدم كفاية مطلق الصيغة، و لو كانت كناية.

قوله (ره): (فالأولى تعريفه بأنّه إنشاء تمليك عين بمال- إلخ-)

كيف هذا، و البيع الذي عرّفه بذلك، هو المأخوذ في صيغة (بعت)، و غيره من المشتقات، كما يصرّح به عن قريب، و ليس المراد في الإخبار بوقوعه قبل أو بعد، بمثل: باع، أو يبيع، الّا نفس البيع، لا إنشائه، فالصّواب تعريفه، بتمليك العين بالعوض، لما عرفت انّ إنشاء التمليك، ليس ببيع، كما انّه ليس بتمليك. نعم انّما هو جزء سببه، فيما إذا قصد التوسّل

ص: 6

اليه. و يرد عليه أيضا، انّ إنشاء التمليك، لا يعقل إنشائه، و ما يقبل لهذا الطّور من الوجود، و سائر أطواره هو التمليك، فيتصوّر تارة، و ينشأ أخرى، و يوجد في الخارج ثالثة، و يختلف آثاره باختلاف أطواره، و يكون لكل طور منه اثر لا يكاد يترتّب على الآخر. فتدبّر.

قوله (ره): (منها انه موقوف على صحة الإيجاب- إلخ-)

لا يخفى عدم التوقف، فإنه لو قيل بعدم جوازه، لأجل اعتبار الصراحة في الإيجاب، و لزوم كونه بلفظ البيع، و ما يرادفه، و عدم كونه مرادفا له، لعدم صحة ما حكاه عن الفخر (ره) من كون (بعت) في لغة العرب، بمعنى ملّكت، لوضوح انه أعم، كان التعريف به بضميمة ما دلّ على خصوصيّته جائزا، كما هو واضح.

قوله (ره) (إذ ليس المقصود الأصلي منه، المعاوضة- إلخ-)

بل التمليك لا مجّانا، بل بنحو الغرامة، و لذا لا يجب تعيين ما عليه عينا، من المثل، أو القيمة، و لا كما إذا علم كونه قيميّا، بل يتعيّن عليه المثل، ان كان مثليّا، و قيمته، ان كان قيميّا، بمجرد تمليكه بالغرامة.

فافهم.

قوله (ره): (كان بيعا- إلخ-)

إذا لم يقصد به الصلح، أو الهبة المعوضة، و الّا يصحّ صلحا، أو هبة، لو قلنا بوقوعها بغير الألفاظ الصريحة، و الّا فلا يصح بيعا، و لا واحدا منهما. اما البيع، فلعدم كونه بمقصود، و العقود تابعة للقصود. و امّا هما، فلعدم الصراحة في عقدهما.

[استعماله في معان آخر]

قوله (ره): (أحدها التمليك المذكور، لكن بشرط تعقّبه- إلخ-)

أي التمليك الإنشائي، كما هو الظاهر، و يشهد به سائر كلماته، و لا يخفى انّه لا يلائمه ما استشهد لما ادّعاه، من تبادر التمليك المقرون بالقبول بقوله، و لهذا لا يقال: باع فلان- إلخ- بل يلائم ما أشرنا إليه، من انّه التمليك، ضرورة انّه لا يقال: باع، إذا عقد، و قد أخلّ ببعض الشّرائط، صحّة ان يقال: ما باع فتدبّر جيّدا.

ص: 7

قوله (ره): (و لعله لتبادر التمليك المقرون- إلخ-)

بل لتبادر التمليك الحقيقي الذي لا يكاد ينفك عن تملّك المشترى، و تبادر اقترانه بقبوله، انّما هو لكونه ممّا لا بدّ منه في حصوله، لا من نفس اللفظ، بل يتّبع معناه، و منه ظهر حال صحّة السّلب عن المجرّد، و انّه من جهة عدم التّمليك مع المجرّد، لا لذلك، و لا لما افاده بقوله (أقول- إلخ-).

فافهم.

قوله (ره): (تحقّق القبول شرط للانتقال في الخارج- إلخ-)

لا يخفى انّ الذي لا يكاد يكون القبول شرطا له، هو الانتقال الإنشائي التابع لإنشاء النّقل، و امّا الانتقال بنظر النّاقل، فيختلف بحسب الانظار، فربّما يكون شرطا له بحسب نظر، و لا يكون كذلك بنظر آخر.

و بالجملة، النقل بحسب كلّ مرتبة و نظر، لا يكاد يمكن انفكاكه عن الانتقال، بحسب تلك المرتبة، و ذاك النّظر، إذ الأثر لا ينفك عن التأثير، لاتحادهما ذاتا، و اختلافهما اعتبارا، فيكون تأثيرا من جهة انتسابه الى الفاعل، و أثرا من جهة الانتساب الى القابل، و ان كان انفكاكه عنه بحسب مرتبة اخرى، أو نظر أخر، بمكان من الإمكان، و كذلك الحال في الوجوب، و الإيجاب، لا يكاد يمكن انفكاكهما في مرتبة واحدة، بحسب نظر واحد، و انّما ينفك الإيجاب في مرتبة، أو بحسب نظر، عن الوجوب في مرتبة اخرى، و نظر آخر.

و من هنا ظهر انه لا فرق بين النّقل و الانتقال، و الوجوب و الإيجاب في مرتبة، و بحسب نظر، و بين الكسر و الانكسار. نعم هما، لمّا كان من الأمور التي تكون موجودة في الخارج، ليست لهما، إلّا مرتبة واحدة، بخلاف مثل الوجوب و الإيجاب، من الأمور النّفس الأمريّة الاعتباريّة الّتي لا واقع لها، الّا بحسب الاعتبار المختلف بحسب الانظار، و صحة الانتزاع عن منشأ بنظر، و عدم صحته بآخر. هذا مع ثبوت الانفكاك، بين الذّهني من الكسر و الانكسار، و الخارجي منهما أيضا، فلا تغفل.

قوله (ره): (و الى هذا، نظر جميع ما ورد- إلخ-).

لا يخفى إمكان إرادة ما ذكره، من معناه في هذه الإطلاقات، لو لم نقل

ص: 8

بظهورها فيه، و جعله بهذا المعنى من العقود، بملاحظة انّه لا بدّ في تحققه من العقد، قبالا للمعاني الإيقاعيّة، كالطلاق، و العتاق، و نحوهما.

قوله (ره): (ثمّ انّ الشهيد ره- إلخ-).

اعلم انّ الصحة و الفساد، لما كانا من الأمور المتضايفة، لا يكاد يتصف الشي ء بواحد منهما، إلّا إذ أصحّ تواردهما عليه، فما لا يتّصف بالفساد أصلا، لا يتّصف بالصحة أيضا، كان البيع بمعنى التمليك مطلقا، حقيقيا كان أو إنشائيّا، لا يتصف بواحد منهما، بل يكون مع علّته، و لا يكون بدونها، و كذا البيع بمعنى النقل و الانتقال، و انّما يتّصف بهما البيع، بمعنى الإيجاب، و القبول، فيكون صحيحا لو كان واجدا لما اعتبر في تأثيره، و فاسدا فيما إذا كان فاقدا، لكلّه، أو بعضه، فلا ينافي ذلك، تأثيره شيئا أخر، إذا لم يكن ممّا يترقّب منه، أو لم يكن فعلا ممّا يتوسّل به اليه، و ان كان في نفسه مرغوبا، لو كان مما يتوسّل اليه، لكن لا وحده، بل مع اثر آخر، فإن الصحة و الفساد، من الأمور الإضافيّة، فيصح ان يتّصف بالصحة، بملاحظة أثر، و بالفساد، باعتبار آخر.

ثم لا يخفى انّ ما نقله عن الشهيد الثاني (ره) هيهنا، ينافي ما نقله عنه سابقا، من كون إطلاق البيع على العقد، مجاز، بعلاقة السببيّة، الّا ان يكون مراده، كون إطلاقه عليه، مجازا في الأصل، و حقيقة بالنقل، فتأمل.

[في أن العقود حقيقة في الصحيح]

قوله (ره): (فلان الخطابات لما وردت على طبق العرف- إلخ-).

فينكشف بإطلاقها، انّ الصحيح عندهم، يكون صحيحا عند الشارع، و لا يخفى انّه انما يجدي، فيما شك في اعتباره شرعا، و قد علم عدم اعتباره عرفا.

قوله (ره): (فيستدلّ بإطلاق الحكم يحله- إلخ-).

أي يستدل بإطلاقه على كون البيع الإنشائي، بمثل (بعت)، على إطلاقه، من دون اعتبار ما شكّ في اعتباره، يكون مؤثّرا نافذا، غاية الأمر، قد علم تقييده بالقبول. و من هنا ظهر انّه على الوجهين، يكون المراد بالبيع، هو

ص: 9

السبب القابل للاتصاف بالصحة، و الفساد. و الفرق بينهما انّما يكون بالتّماميّة، و النّقصان. فافهم.

[في المعاطاة]

اشارة

قوله (ره): (و المعاطاة (1) على ما فسّره جماعة- إلخ-).

لا يخفى، انّ المعاطاة، ما جعل موضوعا لحكم في آية، أو رواية، و لا في معقد إجماع، و انّما عبّر به، عمّا يتداول بين الناس، من المعاملة بلا صيغة، فالمهمّ تعيين ما هو المتداول بينهم، و الظاهر عدم اختصاصه بما إذا كان هناك تعاطى من الطرفين، كما في السّلف، و النّسية، و لا بما إذا كان كلّ واحد من الإيجاب، و القبول به، لو كان، بل كما يكون به، يكون بالإعطاء إيجابا، و بالأخذ قبولا، و يكون إعطاء الأخر، وفاء بالمعاملة، لا متمّما لها، بل لا يبعد دعوى ان الغالب في المعاملات المتعارفة، بحسب قصد المتعاملين ذلك كما لا يخفى، فلا يضرّ بالمعاملة، لو ظهر ما أعطاه الثاني، مستحقا للغير، أو من غير ما عيّن من الجنس في المقاولة، بل يضرّ بالوفاء بها، بل ربّما يقال، بحصولها بالتّراضي المنكشف بالقطع، و الفصل في المساومة، و يكون التعاطي، أو الإعطاء، و الأخذ، خارجا عنها، و وفاء منهما بها، فيكون كل واحد من الثمن، و المثمن كلّيا، كما كان أحدهما على الوجه السابق. فتأمل.

قوله (ره): (و هو يتصوّر على وجهين- إلخ-).

لا يخفى، ان غرضه، ان كان بيان ما يتصوّر في باب البيع، فلا يتصوّر، الّا على ثاني الوجهين، و ان كان بيان ما يمكن ان يتصور فيه، من دون اختصاص بهذا الباب، فلا وجه للتّخصيص بهما، فإنّه يمكن ان يقع على وجوه عديدة، و قصد به كل ما يقصد باللقط، من إيقاع، أو عقد، بيعا كان، أو غيره، من غير فرق بينهما في ذلك، و ان كان بينهما فرق من حيث انّ دلالته لا يكون بمثابة دلالته، و ذلك مما لا شبهة فيه، و لا ريب يعتريه.

اللّهم الّا ان يكون غرضه، ما يتصور فيه، في هذا الباب، بحسب ما يوهم انه محلّ الكلام، و مؤد النّقض و الإبرام بين الأعلام.


1- و في المصدر: ان المعاطاة على ما فسره جماعة.

ص: 10

قوله (ره): (و الإنصاف ان ما ارتكبه- إلخ-).

فإن مثل هذا التأويل، و ان كان مما يصار إليه في الاخبار، توفيقا بينها، لاحتمال التعويل فيها، على قرينة لم تصل إلينا، لتقطيع الاخبار، أو لاخفائها تقيّة، أو غير ذلك، و لم يأب عنه بعض الكلمات، الّا انه كيف يصار إليه في كلمات مشهور الأصحاب، الظاهر في إرادة الإباحة، و نفى الملك، بل مع صراحة بعضها بلا موجب، و لا داعي، و مجرد عدم مساعدة القواعد، على ما هو ظاهرهم، بل مساعدتها على خلافه، لا يوجب الحمل على ما يساعدها، سيّما مع احتمال مساعدة السّيرة الّتي هي العمدة في هذا الباب على ذلك و اما وجه أبعدية جعل محل النزاع، ما إذا قصد الإباحة، فهو انّه كيف، و قد جعل المعاطاة من فروع اعتبار الصيغة.

لا يقال: على هذا لا يحتمل، فلا وجه لاحتماله. فإنّه يقال:

لاحتمال ان يكون ذلك، لدفع توّهم انعقاد البيع بالمعاطات، مع قصد الإباحة ابتداء، من مشاهدة فائدته، و لو بعد التصرف، و انه لا يكون ذلك أوّلا، بل أوّلا و ما دعاه الى هذا التّحمل، الّا استبعاد تأثير قصد التّمليك للإباحة، لا للتّمليك، مع انّه كما ستعرف انّه ليس كذلك، بل يؤثّر التمليك غاية الأمر، بشرط التّصرف، كالقبض في الصّرف، و السّلف، أمّا الإباحة قبله، فليست شرعيّة، بل مالكيّة ضمنيّة، و لو سلّم انّ مرادهم، هي الإباحة الشرعيّة، فإنّما يستبعد المصير اليه، لو لم يكن هناك ما يمكن ان يتوهم منه ذلك، و السيرة الّتي هي العمدة في الباب مورد لذلك، فتدبّر جيدا.

قوله (ره): (مع انّ إلغاء الشارع للأثر المقصود- إلخ-).

قد أشرنا إلى انّه، ما ألغاه، بل رتّبه عليه بشرط التصرف، كالقبض في الصرف، و ترتّب الإباحة عليه شرعا، لو سلّم، فهو للاستناد إلى السيرة ظاهرا، بتوهم انّها تساعد على ذلك.

قوله (ره): (و يدفع الثاني تصريح بعضهم بان شرط لزوم البيع- إلخ-).

يمكن ان يقال: لزوم البيع، بمعنى عدم جواز فسخه، لا يقتضي لزومه، بمعنى عدم جواز التراد، و بهذا المعنى محل الكلام في المقام، و كون

ص: 11

الإيجاب، و القبول، من شرائط انعقاد البيع بالصيغة، لا يقتضي كونهما من شرائط البيع مطلقا، و لو بالمعاطات، و ليكن المراد بالإيجاب اللفظيين منهما، و الّا لم يكن المعاطاة بخالية عنهما، كما لا يخفى.

قوله (ره): (لكن في عدّ هذا، من الأقوال تأمّل- إلخ-).

وجهه، انّه مع شرط اللفظ، يكون البيع بالصيغة، لا بالفعل، لكنه يمكن ان يقال: انه يكون كذلك، إذا اعتبره، لكي يقع المعاملة به، لا إذا كان لأجل الدّلالة، على انّها بالتّعاطي، فتأمل.

قوله (ره): (و يدلّ عليه أيضا قوله تعالى «وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» (1) حيث دل على حلّية جميع التّصرفات- إلخ-).

و الظاهر انّ سبب التصرف فيها، و صرف الحكم بالحليّة إلى التّصرفات، عدم كون البيع بنفسه اختياريّا، لكونه مترتّبا على سببه بلا اختيار، و أنت خبير، بانّ مجرّد ذلك لا يخرجه عن الاختيار المعتبر في متعلّق الأحكام، و على ذلك، فلا دلالة لها على المدّعى، فإنها مسوقة لبيان تحليل البيع، بمعنى التمليك قبالا لتحريم الرّبا. نعم لو كان البيع فيها، بمعنى ما يوجبه، لدلّت على صحة المعاطاة، و لو كان المراد من الحليّة، مجرد التكليف، فان تحليل الشّارع للبيع بما يتوسل به، الى التّمليك، و ترخيصه فيه كذلك، كما هو ظاهرها، ملازم عرفا لامضائه و إنفاذه، كما ان تحريم معاملة، و النهى عنها كذلك، يدلّ على الردع عنها كما في تحريم الرّبا، و فيما علّقنا على الخيارات، ما له نفع في المقام.

قوله (ره): (فمرادهم بالبيع، المعاملة اللازمة- إلخ-).

بل المعاملة الشرعيّة، و لذا صرّح في الغنية (2)، بكون الإيجاب و القبول، من شرائط الصّحة، لا اللّزوم. فافهم.

قوله (ره): (فهو انّما يجدي، فيما إذا أشكّ في انّ هذا النوع من السلطنة، ثابتة


1- البقرة: 275.
2- الغنية- كتاب البيع- 523.

ص: 12

للمالك- إلخ-).

بل لا يجدي في ذلك، إذا شكّ في تشريع أصل هذا النوع أيضا، حيث انّه مسوق لبيان سلطنة المالك، و تسلّطه، قبالا لحجره، لا لبيان تشريع أنحاء السلطنة، كي يجدي فيما إذا شكّ في تشريع سلطنته، فلا يجوز التمسّك به على صحّة معاملة خاصّة، و جواز تصرّف خاص، مع الشّك فيهما شرعا.

فافهم، كي ينفعك في غير المقام.

قوله (ره): (و امّا ثبوت السيرة و استمرارها على التّوريث- إلخ-).

هذا في سيرة المسلمين، و امّا سيرة العقلاء، بما هم عقلاء، فلا شبهة فيها، و لا ريب يعتريها، حيث استقرّت طريقتهم على ذلك، من غير اختصاص بأهل ملة، و نحلة، و لم يردع عنها، صاحب شريعة، حيث لو ردع، لشاع نقله، و ذاع لتواتر الدّواعي، في مثل هذه المسألة إليه، فالأولى التّمسك بها، كما تمسّك بها في غير مقام، فإنّها أسلم ممّا تمسك به في المقام.

قوله (ره): (ان القول بالإباحة المجردة، مع قصد المتعاطيين- إلخ-).

لا يخفى، انّه انّما يتوجه ما افاده من الاستبعادات، على القول بها، إذا لم يقل القائل بها بالأول إلى البيع، بعد التصرف، أو التّلف، و قال: انّ الملك بعد أحدهما انما يكون به، لا بالمعاطاة بشرطها، بل يكون بالنسبة إليه لغوا، و ان كانت مؤثّرة للإباحة، و اما على القول بالأوّل، فلا يلزم انخرام قاعدة «العقود تابعة للقصود» و لا كون ارادة التصرّف، و لا التّصرف من جانب، و لا التلف السماوي من المملّكات، فان التمليك انّما حصل بنفس التّعاطي، الذي قصد به التمليك، لا بهذه الأمور، بل بشرطها.

و امّا حديث تعلق الأخماس، و الزكوات، و الاستطاعة- إلخ- بغير الاملاك، ففيه انّه لا محذور في ذلك في كثير منها، كالاستطاعة، و أداء الدّين، و النفقة، و الغنى، كما سيشير إليها، و كذا الوصايا، لو لم نقل بكفاية مثل الوصيّة، من التصرف في حصول الملك بالتعاطي، و الّا فلا إشكال، فإنّ نفوذها حينئذ يكون في الملك، و كذا لمواريث، فإنه لا اشكال بناء على الأول بموت أحد المتعاطيين، كتلف أحد الملكين، كما ليس ببعيد، و امّا بناء

ص: 13

على عدمه، فلا بعد في القول بالإرث، و صيرورة الوارث كالمورث فيما له، و قد تركه، ضرورة انّه ليس بلازم ان يكون ممّا ملكه، و في الباقي، لم يعلم التزام القائل بالإباحة في بعضها، فلا يصح إلزامه، و إفهامه، و لو كان بيّنا فساده، فلم يعلم منه القول، بتعلق الخمس، أو الزكاة قبل الأوّل، و لم يعلم فساد بعض الآخر، لو علم التزامه به، كما في الشفعة، فلا ضير في القول بها بمجرّد التعاطي، لشمول دليلها لبيع أحد الشريكين عرفا، و ان كان تأثيره شرعا يتوقف على أمر، لم يحصل بعد، و كذا الربا، إذ لا شبهة على الأوّل في تعلّقه بالمعاطات، و لا يكون حاله قبل التصرف و نحوه، الّا كالصّرف، قبل القبض في ذلك، كما لا شبهة في تبعيّته النماء المتصل، و امّا المنفصل، فلم يعلم انّ القائل بالإباحة، يلتزم بانتقاله إلى الأخذ، كما أشار اليه، مع انّه يمكن ان يقال: ان قضيّة قاعدة التبعيّة، ان يتّبعا في الملكيّة بعد التّصرف، كما يتبعها قبله، و بعبارة أخرى، يكون حالها، حال العين، المبيوعة، و ليس هذا ببعيد، كل البعيد. و بالجملة، على الاولى تكون هذه الأمور، بين ما لا يلزم، أولا يلتزم به القائل بالإباحة، و بين ما لا بعد فيه، لو التزم، أو لا بدّ من ان يلتزم به.

[في لزوم المعاطاة و عدمه]

قوله (ره): (مدفوعة مضافا الى إمكان دعوى كفاية- إلخ-).

لا مجال لدعوى الكفاية على مختاره، من عدم حجية الاستصحاب، مع الشّك في المقتضى، كما لا شبهة في صحتها على ما هو المختار، من حجيّة، و ملخّص ما أفاده في دفع الدعوى، بين منع انقسام الملك الى قسمين، و تنوّعه بنوعين، و الاختلاف في الأحكام، ليس لأجل الاختلاف في ناحيته، بل للاختلاف في ناحية أسبابه، قلت: لو كان الجواز، و اللزوم هيهنا، بمعنى جوازا فسخ المعاملة و عدمه كما في باب الخيار، فلا شبهة في كونهما من أحكام الأسباب و اما لو كان بمعنى تراد العينين، و تملّك ما انتقل عنه، و عدمه، بلا توسيط فسخ المعاملة، كما في الهبة، على ما صرّح به في الملزمات، فهما من أحكام المسببات لا محالة، و اختلافها فيهما، كاشف عن اختلافها في الخصوصيات المختلفة في اقتضاء الجواز، و اللزوم، لئلا يلزم الجزاف في أحكام

ص: 14

الحكيم تعالى شأنه، و ان كان اختلافها فيها، ناشيا عن اختلاف الأسباب ذاتا، أو عرضا.

و بالجملة جواز فسخ المعاملة، بحقّ خيار، أو بمحض حكم، كما في الإقالة، و عدم جوازه، لا ريب في كونهما من أحكام السبب المملك، اما جواز الرّد، أو التراد و عدمه، فهما من أحكام الملك، و الحكم عليه، تارة بالجواز، و اخرى بعدمه، كاشف في مورد كل واحد منهما عن خصوصيّة مقتضية له، غير خصوصيّة في الآخر، و الاختلاف بحسب الخصوصيّة كاف في اختلاف الأحكام، من غير حاجة الى الاختلاف بالحقيقة، و الماهية، و هذا الاختلاف الناشي عن اختلاف الأسباب ذاتا، أو عرضا، لا يجب ان يوجب تفاوتا في المنشأ أصلا، كما لا يخفى، فانقدح بذلك، فساد ما أفاده في بيان كون الجواز، و اللزوم، من أحكام السبب المملّك، لا الملك، فتدبر جيدا.

قوله (ره): (فان مقتضى السلطنة، ان لا يخرج- إلخ-).

يمكن ان يقال: كما أشرنا إليه، انّه ليس الّا لبيان سلطنة المالك على ماله، و تسلّطه عليه، و انّه ليس بمحجور، لا لبيان إثبات أنحاء السلطنة له، ليصير دليلا على لزوم عقد، بمعنى عدم جواز الرّد، لمنافاة جوازه لا طلاقها، فتأمل.

قوله (ره): (فالقول بالملك اللازم، قول ثالث فتأمل).

لكنه لا بأس بالمصير اليه، بعد عدم الاتّفاق عليه نفيه، بل كان عدمه الى الآن، بمجرد الاتّفاق، كما هو الحال، في حدوث القول الثالث في كلّ مسألة، و لعلّه أشار إليه بأمره بالتأمّل.

قوله (ره): (بل يمكن دعوى السيرة- إلخ-).

دعواها، على نحو كانت كاشفة عن رضاء المعصوم، كما ترى، و الإنكار على المنع عن الرّجوع، لو سلّم، لم يعلم انّه من جهة بنائهم على جوازه، و لعله لأجل ما هو المركوز عقلا، و نقلا، من حسن الإقالة، و كون تركها مع الاستقالة، خلاف المروة، و مناف للفتوّة، من غير فرق بين إيقاع البيع بالصيغة، أو التّعاطي.

ص: 15

قوله (ره): (أو باعتبار محلّه و غير محلّه- إلخ-).

أو باعتبار كونه محللا لكلّ من الثمن، أو المثمن، على من انتقل اليه، و محرّما على من انتقل عنه، و يكون الغرض، دفع توهّم كون مجرّد المقاولة، من بيع ما ليس عنده المركوز حرمته، و عدم نفوذه، ببيان انها ليست بمحللة، و محرّمة، و الكلام، و هو البيع ما كان كذلك، فليست ببيع، حتى كانت من بيع ما ليس عنده، و عليه يكون التعبير عنه بالكلام، لا لانّه لفظ بمعناه، بل بما هو نفس المعنى بوجه، كما لا يخفى، و يكون الحصر ليس بحقيقى، بل بالإضافة إلى المقاولة، فلا دلالة فيه على انحصار التحليل، و التحريم، بالبيع بالصيغة، و لا به مطلقا. فتدبر جيّدا.

قوله (ره): (بان يقال (1) حصر المحلّل و المحرم في الكلام، لا يتأتّى إلّا- إلخ-).

هذا إذا كان المراد بالكلام، هو اللفظ بمعناه، و امّا إذا كان المراد به نفس المعنى، كما أشرنا إليه آنفا، أو كان حصر المحلل في المقاولة، و المواعدة، و حصر المحرم في إيجاب البيع و إيقاعه، بالإضافة إلى الآخر، فلا يكاد يمكن استظهار اعتبار الكلام في إيجاب البيع أصلا، كما لا يخفى.

[و ينبغي التنبيه على أمور]

[الأوّل في أن المعاطاة بيع]

قوله (ره): (فالظاهر انه بيع عرفي لم يؤثر شرعا- إلخ-).

لكنه قبل وجود أحد الملزمات، و الّا يصير بيعا شرعيّا، يؤثّر التمليك، و نفى البيع عنها في كلام المشهور، القائلين بالإباحة، هو البيع الشرعي بمجرده، لا بعد وجود أحدها، على ما عرفت من الأول إلى البيع. و من هنا ظهر انّ قوله (فنفى البيع- إلخ-) لا يصحّ ان يكون تفريعا على القول بالإباحة، و انما هو تفريع على القول بالملك، و ان كان خلاف سوق الكلام.

قوله (ره): (و حيث انّ المناسب لهذا القول التمسّك- إلخ-).

قد عرفت انه لا دلالة على مشروعيّة معاملة أصلا، و أنّه لا دلالة الّا على إثبات السلطنة للمالك، قبالا لحجره، كما في بعض أفراده، بأحد


1- و في المصدر: بان يقال ان حصر المحلّل.

ص: 16

أسبابه، و في غيره، الّا بسبب ولاية، أو وكالة، لا إثبات أنحاء السلطنة، كي يجدي فيما إذا شكّ في شرعيّة أصل معاملة، أو فيما اعتبر في صحتها، و لو علم شرعيّتها، و عليه فلو شكّ في أصل مشروعيّة الإباحة العوضيّة، لا وجه للتّمسك به، على مشروعيّتها، فضلا عمّا إذا شكّ في اعتبار شي ء في سببها. نعم يحلّ التّصرف بما لا يتوقّف على الملك، لقوله عليه السلام «لا يحلّ مال امرء الّا بطيب نفسه (1)» و قوله «لا يجوز لأحد التصرف في ملك غيره، الّا بإذن مالكه، إذا كان بطيب من مالكه، أو باذنه (2)» و لو لم يكن هناك معاطاة. فلا تغفل.

قوله (ره): (و اما على المختار، من انّ الكلام فيما إذا قصد- إلخ-).

و نخبة الكلام في المقام، انه لا شبهة في اعتبار ما اعتبر في البيع، بإطلاق، أو عموم، على القول بإفادتها للملك، فإنّها بيع بلا إشكال، الّا ان يقال: انّ السّيرة قد ألغت بعض ما يعتبر بالإطلاق أو العموم، و انّى لها بذلك. نعم لو كان الاشتراط، بدليل يختص بما إذا كان بالصيغة، لا يعتبر فيها، إذا كان الدليل على الصحة، عموم، أو إطلاق، لا مثل السيرة، و كذلك على القول بالإباحة، بناء على الأوّل اليه، و إفادتها التمليك بعد التصرف، أو التلف، فإنّها بيع أيضا، و توقف تأثيره على مثله غير ضائر، كما في الصرف، و السلف، و امّا بناء على عدم الأول، و كون التمليك بعد التصرف به، لا بها، فإطلاق أدلة شروط البيع، و ان كان لا يساعد على اعتبارها فيها، لعدم كونها بيعا شرعا، و لا يجدي كونها بيعا عرفا، بعد كشف الشارع عن حالها، و انها ليست ببيع واقعا، الّا ان إفادتها لإباحة جميع التصرفات شرعا قبل التصرف، و حصول التمليك به بعده، لما كان على خلاف الأصل، وجب الاقتصار في خلافه، على القدر المتيقن، و هو ما إذا كانت واجدة لجميع ما يعتبر في صحة البيع. فتدبّر جيّدا.

قوله (ره): (و اما حكم جريان الخيار فيها، فيمكن نفيه- إلخ-).

إذا لم نقل بالأول إلى البيع بعد التلف، لعدم كونها بيعا، لا لجوازها،


1- وسائل الشيعة: 3- 424- ب 3- ح 1.
2- وسائل الشيعة: 6- 377- ب 3- ح 6 (بهذا المعنى).

ص: 17

و اما بناء عليه، فحالها حال بيع الصرف و السّلم قبل القبض، و مجرّد الجواز، بمعنى التراد، أو الردّ قبل التصرف، أو التلف، لا يمنع عن تعلق حق الخيار، مع ان جواز الفسخ بخيار، لا يمنع عن تعلق خيار آخر.

و من هنا ظهر انّ ثبوت الخيار فيها مطلقا، بناء على إفادتها الملك، أظهر، لا لصيرورتها بيعا بعد اللزوم، كما علّل به، بل لكونها فعلا بيعا عرفا، و شرعا، و الخيار موجود من زمن المعاطاة، و أثره يظهر من حين ثبوته، لصحة إسقاطه، و المصالحة عليه قبل اللزوم، فلا وجه لما افاده من ظهور أثره بعده، كما لا وجه، لما ذكره من احتمال التفصيل، إذ دعوى اختصاص أدلّة الخيار في البيع، بما وضع على اللزوم، مجازفة، كما لا يخفى على من لاحظها.

[الأمر الثاني في المتيقن من موارد المعاطاة]

قوله (ره): (الأمر الثاني: ان المتيقن من مورد المعاطاة- إلخ-).

قد عرفت في بعض الحواشي السابقة، ان لفظ المعاطاة ليس مما ورد في آية، أو رواية، و لا في معقد الإجماع، بل من المعلوم انه عبّر بها، عن المعاملة، المتعارفة، المتداولة، فالمدار في ترتيب الأحكام و الآثار، على ما هو المتعارف، و ان لم يصدق عليه معنى المعاطاة، بل معنى الإعطاء، بل و لو لم يصدق عليه بناء على حصول التمليك، و تحقق المعاملة بالمقاولة، و يكون الإعطاء من طرف أو طرفين، من باب الوفاء بها، لا إحداثا، أو تتميما لها، على ما احتملناه، فالعمدة تحقيق ذلك، و عليك بالتحقيق.

[الأمر الثالث تمييز البائع من المشترى]

قوله (ره): (الثالث: تمييز البائع من المشترى- إلخ-).

لا يخفى، انّه ليس هذا من تنبيهات المعاطاة، لعدم اختصاصه بها، و ان المنشئ للتمليك بالعوض، بايع، و منشى ء التملك به، مشتري، من غير فرق فيما قصدا به، بين اللقط، و الفعل، فلو لم يقصد كل واحد منهما، الّا ما قصد الآخر، فهما بائعان، أو مشتريان كذلك، اى من غير فرق بينهما، فلا فرق فيما هو المميّز لكلّ منهما عن الآخر، مفهوما بينهما.

نعم بينهما فرق في التّميز خارجا، و هو انه غالبا يكون في البيع بالصيغة، ما يدل بظاهره على انّ أيّهما بائع، و أيّهما مشتري، بخلاف الفعل،

ص: 18

لعدم دلالته بنفسه، و يكون الدلالة بالقرينة، و ربّما لا يكون، أو لا يكون محفوظة، و ربّما يعكس الأمر، لو قلنا بكفاية المجاز، و الكفاية في الصيغة، فافهم. فتدبر جيدا.

[الرابع أن أصل المعاطاة و هو إعطاء كل منهما الآخر ماله يتصور على وجوه]
اشارة

قوله (ره): (فيكون الآخر في أخذه، قابلًا و مملكا- إلخ-).

لا يخفى، انه لا يتعين هذا، على هذا الوجه، لا مكان ان لا يقصد بأخذه التّمليك، بل بدفعه، و انّما أخذ مقدمّة لقبوله بدفع العوض، فلو مات قبل الدفع، مات قبل تمام المعاطاة، فلا تغفل.

قوله (ره): (فيكون تمليك بإزاء تمليك، بالمقابلة- إلخ-).

بل يكون المقابلة، بين مال المعطى، و تمليك الآخر، و يكون تمليكه ثمنا، كفعل آخر جعل ثمنا، فاذا قصد بأخذه القبول، فالمعاملة يتمّ، من دون توقّف على تمليكه، و ان وجب عليه الوفاء، و يستحقه عليه المعطى، فلو مات، لم يفت منه، الّا الوفاء، بالمعاملة، الحاصلة بالمعاطات، و لو كان الغرض من المعاملة، المقابلة بين التمليكين، بان يكون عمل كل منهما و تمليكه، جعل بإزاء عمل الآخر، و تمليكه، لم يقع بهذه المعاملة، تمليك من أحدهما، بل يستحق كلّ على الآخر، بعد وقوعها تمليك الآخر وفاء بها، كسائر الأعمال، إذا وقعت المعاوضة بينهما، كما لا يخفى.

و بالجملة، إذا قصد بنفس المعاملة، تمليك مال، بعوض تمليك الآخر شيئا، كان التمليك عوض المال، كما يظهر من مقايسته على بيع الأموال بالأعمال، فظهر انه بيع، لا انه بعيد عنه، و قريب من الهبة، كما افاده (ره). فانقدح بذلك مواضع الخلل في كلامه، زيد في علوّ مقامه، في هذا الوجه، و الوجه الرابع، فلا تغفل.

[في مفاد الإباحة المعوضة]

قوله (ره): (فاذا كان بيع الإنسان مال غيره- إلخ-).

تحقيقه ان يقال: انه لا شبهة و لا إشكال في انّه يعقل تمليك الإنسان، مال غيره، بعوض يملكه باذنه، كما يعقل تمليك ماله، بعوض يملكه غيره، و ان لم يصدق عليه عنوان البيع، لاعتبار خصوصية تملك المالك للعوض في صدقه، و لم يصح الاستدلال على صحته، بما دل على صحته،

ص: 19

و إمضائه، مع ان مجال المنع عنه واسع، و تعريفه بمبادلة مال بمال، انما يكون في قبال التمليك مجانا، كيف، و في بيع مال المضاربة بالمرابحة للعامل من الثمن ما جعل له من المقدار، مع انّ مال المضاربة للمالك، و لو سلّم، فيمكن ان يستدل عليه بمثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) و «المؤمنون عند شروطهم» (2)، لا يقال:

لا يكاد يصح الاستدلال على صحته بأدلّة البيع، و لو سلّم صدقه عليه، لمكان ما دلّ على النّهى عن بيع ما ليس عنده، فإنه مع الاذن في بيعه، كذلك يمنع عن كونه من بيع ما ليس عنده، و امّا العتق عن غير المالك، فلا مانع عنه عقلا، و انّما منع شرعا عن عتق غير المالك، لا عن عتقه عن غيره، فاذا صح عتقه عن غيره، صح له ان يأذنه في ذلك، و اما الوطي، فلا بأس بالقول بجوازه للمباح له، بدعوى انه تحليل، و ان اعتبار لفظ خاص فيه، دعوى بلا دليل.

فتلخص مما ذكرنا، انّه لا بأس بأن يقال بصحّة إباحة جميع التصرفات التي منها البيع، و العتق، و الوطي، فتأمل.

قوله (ره): (فيشكل الأمر فيه، من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة- إلخ-).

إنما يشكل من هذه الجهة، إذا أريد الاستدلال عليه، بما دلّ على صحّتها بعناوينها، و الّا فلا إشكال في صحة الاستدلال عليها، بالمؤمنون عند شروطهم، و بأوفوا بالعقود (3)، الّا ان يدعى ان المراد بالعقود، هي المعهودة المتعارفة مها، لا مطلقا، و هو كما ترى، و قد عرفت الإشكال في الاستدلال ب «النّاس مسلطون» (4) في تشريع المعاملات، و أنحاء التسلطات. فتدبر جيّدا.


1- المائدة: 1.
2- بحار الأنوار- 2- 272.
3- المائدة: 1.
4- بحار الأنوار- 2- 272.

ص: 20

قوله (ره): (ففي لزومها مطلقا لعموم «المؤمنون عند شروطهم» (1)- إلخ-).

قد بيّنا فيما علّقناه على مبحث الخيارات من الكتاب، الإشكال في الاستدلال بمثل عمومه على اللّزوم، فليراجع ثمة، و في الاستصحاب كفاية، لكن قد يشكل بان اللزوم في مثله من العقود الإذنيّة، لا يكاد يعقل، لتقوّمه بالإباحة و الاذن، و مع الفسخ أو المنع، لا اباحة و لا اذن، و حلّه ان جواز التصرف في العقود الإذنيّة، ان كان مستندا الى الاذن الفعلي، فلا إشكال في زواله بزواله، و لكنه ليس كذلك، بل بالعقد على إباحته له، و الاذن في تصرفه مطلقا، و تعقّل لزوم العقد على ذلك، مما لا ريب فيه و لا شبهة يعتريه.

نعم لزومه لا يمنع عن جواز تصرف المالك فيه، بما يذهب موضوعه، لعموم «الناس مسلطون- إلخ-» (2). فافهم و تأمل، كي لا يشتبه عليك الأمر.

[الخامس في حكم جريان المعاطاة في غير البيع]

قوله (ره): (لكن الأظهر بناء على جريان المعاطاة- إلخ-).

بل الظاهر جريانها فيها، لإطلاق أدلتها، و السيرة بالنّهج الذي فرّرناها في البيع، و عدم القول بالفصل بينه و بينها، ظاهرا، و الاشكال في مثل الرهن لأجل منافات ما هو قضيّته، و ما هو لازم المعاطاة من الجواز، لا يوجب و هنا في جريانها في غيره ممّا لا يكون هناك منافاة، مع انّ المنع عن كون الجواز لازم المعاطاة، بمكان عن الإمكان، و قضيّة الإطباق، على توقف العقود اللازمة على اللفظ، لو سلّم، فهو انّما إذا كان اللزوم من عوارض العقد، و جاز تبادله مع الجواز، لا ما إذا كان اللزوم، من مقتضيات ذاته، و حقيقته، كما في الرهن.

و من هنا ظهر، انّه من كان يبالي بمخالفة المشهور، فضلا عن المتفق عليه في فسخه عن هذا الاشكال، مع انّ ما أطبقوا عليه، ليس الا بنحو القاعدة، مخالفته بلا دليل على خلافه، لا يجوز، الّا بالدليل، و السّيرة في خصوص الرهن، دليل، فظهر انّ مخالفة ما أطبقوا عليه هيهنا، ليس لأجل


1- المستدرك- 2- 473.
2- بحار الأنوار: 2- 272.

ص: 21

عدم المبالات بالمخالفة. فافهم و اغتنم.

[السادس في ملزمات بيع المعاطاة]

قوله (ره): (اعلم انّ الأصل على القول بالملك- إلخ-).

قد ظهر مما علّقناه على مبحث الخيارات، ان اللزوم المناسب للمقام، و هو بالمعنى المقابل لجواز التّراد، أو لجواز الفسخ، بمجرد الحكم به، لا بحقّ الخيار، ممّا يدلّ عليه بعض الوجوه المتقدمة، فمن أراد الاطلاع، فعليه المراجعة ثمة، ثم ان المهم في المقام، إذا شكّ في اللزوم و الجواز، بعد التلف مثلا، و قد قطع بالجواز قبله، بيان انه من موارد الرجوع الى استصحاب حكم المخصص عند الشك، أو الرجوع الى العام، فاعلم انه، و ان كان مثل «أَوْفُوا» و «المؤمنون» مما دلّ على عدم جواز فسخ العقد، إذا خصّص من موارد الرجوع الى استصحاب حكم المخصّص، لا الرجوع الى حكم العام، فان حكم وجوب الوفاء، أو لزوم الالتزام بالشرط، انّما لو حظ بنحو استمرار أمر وحداني في الأزمنة، لا متعددا بحسبها، فاذا قطع فلا يرجع إليه إذا شكّ، بل الى استصحاب حكم الخاص، الّا انه في المقام حيث ما انقطع حكمه من البين، بل منع عنه من الأول في الجملة قبل انقضاء المجلس، و حصول التلف مثلا، فاذا شكّ في انّه صار محكوما أولا، فالمرجع هو الحكم العام، لإطلاق العقود، أو الشروط، لو كان لهما إطلاق، فإن قضيّته ان يكون محكوما به مطلقا، و دليل الخيار، أو الجواز في المعاطاة، قيّده و جعل المحكوم به، هو العقد به انقضاء المجلس، أو حصول التلف، فاذا شكّ في زيادة التقييد، فالمرجع هو الإطلاق، الا ان يمنع عنه، بتقريب انّه غير مسوق بلحاظ الطّوارى بل بلحاظ نفس العقد، و الشرط، فليرجع الى استصحاب حكم المخصّص، هذا بالنسبة إلى جواز الفسخ، و اما بالنسبة إلى جواز التّراد، فكذلك، اى المتبع هو إطلاق مثل «لا يحل مال امرء- إلخ-» (1) لو كان، و الّا فاستصحاب جوازه، و لا يمنع عنه مثل تلف احدى العينين، لامتناع التّراد، كما أفاد، لأنّه ليس متعلّقه نفسهما، كي يمتنع ترادهما في الخارج، بل


1- وسائل الشيعة: 3- 424- ب 3- ح 1.

ص: 22

ملكيّتهما، و الملكية كما صح انتزاعها عن الموجود، صحّ انتزاعها عن التالف، فإنها من الاعتبارات، و هي مما لا يتوقّف على موضوع موجود، بل إذا كان هناك منشأ انتزاع، تنتزع عن غيره، و ليست هي بالجدة، التي هي إحدى المقولات، كما توهم، حتى يحتاج الى موضوع موجود، كيف، و قد وقع التّراد مع التلف، فيما إذا فسح العقد بخيار، و لا يتفاوت في الامتناع، ان يكون التراد بلا واسطة، أو بواسطة الفسخ، لا يقال: في الفسخ لا تراد أصلا، بل يرجع الى بدل التّالف، فإنّه لو لا التراد، لم يكن وجه للرجوع الى البدل، بقاعدة ضمان اليه، أو الإتلاف.

هذا كلّه على القول بإفادتها الملك الجائز، و امّا على القول بالإباحة، فبناء على الاولى الى البيع، كما أشرنا إليه، يكون المرجع عند الشّك فيها، ما هو المرجع عند الشّك في جواز الفسخ، أو التراد من إطلاق وجوب الوفاء، أو لزوم الالتزام بالشرط، الى غير ذلك لو كان، و الّا فاستصحاب الإباحة طابق النعل بالنعل، و بناء على عدم الأوّل إليه، فما لم يعلم حصول الملك، فالأصل بقاؤها، لو كانا باقيين، أو الباقي منهما على الملكيّة للمالك قبل حدوث ما يوجب الشك فيجوز تصرفه فيه بما شاء، كما يباح لصاحبه التّصرف فيه بعده، كما كان قبله قطعا، إذا علم بانّ المالك لم يحدث فيه شيئا، لا يبقى معه الإباحة، و استصحابا لو شكّ فيه، امّا إذا أحدث فيه ذلك، فلا مجال لاستصحاب جواز التصرفات، لحكومة استصحاب نفوذ تصرف المالك، على استصحاب جوازها، كما لا يخفى. فانقدح بما حققناه، مواضع الخلل في كلامه، زيد في علو مقامه، قد أشرنا إلى بعضها، و ربما نشير الى بعض آخر.

فتدبر جيدا.

قوله (ره): (و المتيقن من مخالفتها، جواز تراد العينين- إلخ-).

قد عرفت جواز ترادهما ملكا، لا خارجا، فلا وجه للامتناع بمجرد التلف، و الارتفاع، فالوجه في عدم التّراد، هو اتباع إطلاق «الناس مسلطون» (1) و «لا يحل مال امرء» (2) و نحوهما، و الّا كان استصحاب جوازه


1- بحار الأنوار- 2- 272.
2- وسائل الشيعة: 3- 424- ب 3- ح 1.

ص: 23

مقتضيا لجوازه، مثل استصحاب الجواز في البيع الخياري بلا تفاوت أصلا، و لو كان التلف مانعا عن التراد ملكا، لكان مانعا عنه في صورة الفسخ، مع ان الظاهر، ان يكون الجواز هيهنا، كالجواز في البيع الخياري، من عوارض المعاملة، لا العوضين، غاية الأمر هناك بحق الخيار، و هيهنا بمحض الحكم به، و ذلك لان الدليل عليه، ليس إلّا السّيرة التي استقرّت على انّ البيع بها، ليس بالصيغة في عدم جواز الفسخ، بل يجوز فسخه لعدم استحكام المعاطاة عندهم، استحكام الصيغة.

و بالجملة، بنائهم في المعاملة المعاطاتية، على نفوذ الفسخ من أحد المتعاطيين، و لو مع عدم رضاء الآخر.

قيل: استحكامها بالتصرف، أو التلف، و نحوهما، لا على جواز تراد العينين بلا توسيط الفسخ، كما يظهر ذلك من الاستفسار منهم، كما صرّح بجواز الفسخ في السرائر، و امّا التعبير بالتراد، الظاهر فيما ذكره (ره) فهو انما يكون من القائلين بالإباحة. فافهم.

و قد انقدح بذلك، فساد العلاوة الّتي ذكرها بقوله «مع ان الشّك- إلخ-» و ذلك لما علم من انّ الإطلاق لو كان، لكان مانعا من الاستصحاب مطلقا، و لو علم ان الجواز كان عن عوارض البيع، كما في البيع الخياري، و لولاه، فلا مانع من استصحابه، و لو علم بكونه عن عوارض البيع، كما في البيع الخياري، و لولاه، فلا مانع عن استصحابه، و لو علم بكونه من عوارض العوضين، لا مكان تحقّه مع تلفهما، و ما لا يكاد يتحقق معه ترادّهما خارجا، لا ملكا. و منه يعلم حكم ما لو تلف أحد العينين، أو بعضها، على القول بالملك، و اما على القول بالإباحة، فالأصل عدم اللزوم، كما استوجهه بعض المشايخ على ما حكاه، لأصالة السلطنة، بل لقاعدتها، بناء على شمول دليلها لمثل هذه الطّوارى.

ص: 24

قوله (ره): (و على المال التالف بأخذ بدله الحقيقيّ، و هو المثل أو القيمة- إلخ-).

قد مرّ غير مرة، انه ليس لعمومه هذا الشأن، و انما شأنه، إثبات السلطنة للمالك، قبالا لحجره فيما سوغ من التصرفات، فلا دلالة له على تجويز تصرف، فضلا عن الدلالة على الضمان بالمثل أو القيمة، و لعلّه أشار إليه بقوله فتدبّر.

قوله (ره): (و الظاهر انه في حكم التلف لان الساقط لا يعود- إلخ-).

لا يكاد يعود نفس الساقط، حقيقة لامتناع ارادة المعدوم، لكنه لا يختص بالساقط، بل الملكيّة الزّائلة عن العين الموجودة، كذلك لا تعود لذلك، و اعادة مثله كما في الملكيّة بمكان من الإمكان، فالعمدة مع الشك، هو أصالة عدم العود، و عدم زوال ملكه عمّا انتقل اليه بعوض الدين، و لا استصحاب للجواز ههنا، ليحكم عليها كما لا يخفى.

قوله (ره): (و الظاهر ان الحكم كذلك على القول بالإباحة، فافهم- إلخ-).

فإنّ الظاهر ان اباحة الدّين على من عليه الدّين لا يعقل لها معنى، الّا سقوطها، فيعود انّ السّاقط لا يعود مع ما علّقناه عليه طابق النعل بالنفل.

فافهم.

قوله (ره): (فهو كالتلف على القول بالملك- إلخ-).

قد عرفت ان التلف لا يمتنع معه التّراد، خلافا له (ره)، لكن الظاهر امتناعه مع النقل، و لو كان جائزا أيضا، و ذلك لان المراد به هو ردّ العين الى ملكه عن ملك حدث لصاحبه بنفس المعاملة، لا من ملك غيره، و لا عن ملكه بسبب غيرها، و لو كان فسخ ما يوجب ارتفاعها، لعدم إمكان التّراد بالمعنى المراد قبل فسخه، لكونه عن غير ملك المتعاطيين و بعده، لكونه عن غير ملكه الحاصل بالمعاملة، فإن فسخ المعاملة، كعقدها سبب مستقل، و ان أبيت فلا أقل من الشّك، و معه فالأصل عدم جوازه، لانقطاع الجواز بتخلّل ملك الغير، و بذلك ظهر عدم التفاوت بين ان يكون بعقد لازم، أو

ص: 25

جائز، فلا تغفل.

قوله (ره): (اتجه الحكم بجواز التراد مع بقاء العين الأخرى- إلخ-).

لا يخفى انّ المتّجه، عدم جوازه، فان تملّك المالك للعين الموهوبة، تملك بوجه آخر، غير التملّك بالرّد في المعاطاة، ليحجب ردّ الأخرى إلى مالكها، كي حصل التراد، و لم يلزم الجمع بين العوضين، فالعينان و ان اجتمعا عنده، الّا انّ إحديهما بالمعاطات ابتداء، أو بعد التصرف في إحديهما بالهبة، و الأخرى بالرجوع الى العين في الهبة، لا المعاطاة. نعم لو كان الرجوع إليها بالفسخ، يمكن ان يقال بعود العلقة السّابقة، بحسب الاعتبار، و ان لم يكن عودها بحسب الحقيقة، لامتناع اعادة المعدوم، فكأنّه لم يكن هناك هبة، فيكون المعاطاة على ما كانت محلّا للتّراد، لكن الرجوع في الهبة، ليس فسخا لها، مع انّه لو كان من باب الفسخ، فلا يحكم بجواز التراد لعدم القطع به، و لا لاستصحابه، لانقطاعه قبل الرجوع قطعا، فافهم.

قوله (ره): (سقط الرجوع على القول بالملك لامتناع التّراد- إلخ-).

لو قيل بحصول الشركة بمجرد الامتزاج، و الّا لم يمتنع التّراد، لبقاء الأجزاء الممتزجة على ما كانت عليه من الملك، أو الإباحة، لمن صارت اليه من المتعاطيين، فيصح ردّها الى من انتقل عنه. فتدبر جيّدا.

[السابع إن الشهيد الثاني في المسالك ذكر وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف]

قوله (ره): (لإطباقهم على انها ليست بيعا حال وقوعها، فكيف يصير- إلخ-).

قد عرفت بما لا مزيد عليه انّه لا غرابة فيه أصلا، و ليس حالها، الّا حال بيع الصّرف و السّلف في عدم كونهما بيعا قبل القبض في المجلس بالاتفاق، و صيرورتهما بيعا بعده كذلك، و من هنا ظهر انّ حالها في ترتيب أحكام الخيار و غيرها حالها، كما لا يخفى.

[الثامن لا إشكال في تحقق المعاطاة بما إذا تحقق الإنشاء بالفعل]
اشارة

قوله (ره): (فان قلنا بعدم اشتراط اللزوم أي- إلخ-).

لا يخفى، انه خلف إذا افترض فيما إذا حصل بالقول غير الجامع لشرائط اللزوم، فلا يكاد يتأتّى فيه، الّا بالخلف، ثم ان الفاقد لشرائط اللزوم، فان كان واجدا لجميع ما يعتبر في الصحة عند الجميع، فلا يعقل ان

ص: 26

يحتمل ان يكون من باب المعاطاة التي هي محل الخلاف، و ان كان فاقد البعض ما يعتبر فيها كذلك، فكذلك، و ان كان فاقدا لبعض ما يعتبر عند البعض دون الآخر، فيكون فاسدا عند من اعتبره، و صحيحا عند غيره، فكذلك أيضا، و انّما يصح الترديد في تمشية النزاع و الخلاف في الإنشاء القولي، فيما إذا جعل المحلّ الإنشاء بصيغة كذا أو بغير صيغة كذا، فيصح حينئذ ان يردّد في انه كالإنشاء بالمعاطات في كونه معركة للآراء و الخلاف بين العظماء- فافهم.

قوله (ره): (أقول: المفروض ان الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط- إلخ-).

يمكن ان يقال انّ الصّيغة المفروضة، و ان لم تتضمن إلّا إنشاء واحدا، و المفروض فسادها، للإخلال ببعض ما اعتبر فيها، الّا انّ الصحة و الفساد، لمّا كان من الأمور الإضافيّة، كما أشرنا إليه في بعض الحواشي السابقة، كان فساد الصيغة المنشاء بها التمليك بما هي عقد البيع، و لا يترتب عليها شي ء ممّا يكون آثار العقد، من اللزوم و غيره، لا ينافي كونها معاطاتا و داخلة في المسألة التي تكون معركة للآراء، و صحيحة بما هو بيع عند بعض، و اباحة عند آخر، الى غير ذلك من الأقوال فيها، و الحكم بضمان المقبوض بالعقد الفاسد يمكن ان ينزل على انّه حكم اقتضائي لا فعلى، بمعنى ان قضية فساده بما هو عقد، ذلك لو لم يجي ء في البين الحكم بصحته بوجه آخر، اى بما هو بيع بغير العقد، و هذا أحسن ما يقال، توفيقا بين ما ذكر في المقامين.

فتفطّن.

[مقدمة في خصوص ألفاظ عقد البيع]

اشارة

قوله (ره): (ثم الكلام في الخصوصيات المعتبرة في اللفط- إلخ-).

و المرجع في عدم اعتبار خصوصية مادة، أو هيئة، هو الإطلاق المنافي لاعتبارها، لو كان، و الّا فأصالة الصحة، لو كان الشك في اعتبارها فيها، و أصالة اللزوم لو كان الشّك في اعتبارها فيه، كما مرّت إليه الإشارة.

قوله (ره): (اما الكلام من حيث المادّة، فالمشهور عدم الوقوع- إلخ-).

لكن مقتضى الإطلاقات في باب البيع، وقوعه بالكنايات، و أنحاء

ص: 27

المجازات، بلا فرق أصلي بين ان يكون القرينة على التّجوز لفظا أو غيره، لاستناد إنشاء التّمليك الى اللفظ على كل تقدير، كما لا يخفى. نعم ربما يمكن المناقشة في صدق العقد على ما إذا وقع بالكناية، فإنّه عهد مؤكّد، و لا يبعد ان يمنع عن تأكّده فيما إذا وقع بها، و ذلك لسراية الوهن من اللفظ، الى المعنى لما بينهما من شدّة الارتباط، بل نحو من الأنحاء.

[مسألة الأشهر لزوم تقديم الإيجاب على القبول]

قوله (ره): (ان القبول الذي هو أحد ركني العقد، فرع الإيجاب- إلخ-).

و محصل ما ذكره وجها للتفصيل على طوله و جواز تقديم مثل اشتريت، و عدم جواز تقديم مثل قبلت، هو اشتمال هذا على المطاوعة التي لا بدلها من الفرعيّة، و التابعيّة، فكيف يقدّم بخلاف ذاك فإنّه لا مطاوعة فيه، فيؤخّر و يقدّم، قلت: لا يخفى انّ العقد و ان كان ينعقد بفعل الاثنين، و يتقدم بركنين، الّا انّه أمر واحد، لا يكاد تحققه، الّا من تواطئهما على أمر وحداني يوقعه أحدهما، و يقبّله الأخر، و يظهر الرّضاء به، و لا يكاد يتحقق بإيقاع كل واحد معنى على حدة، بل يتحقق هناك من كل إيقاع، لا منهما، عقد، فلا بد في تحققه من إيجاب من أحدهما، و إنشاء الرضاء بما أوحيه، و قبوله بما يدل عليه، مطابقة أو التزاما من الأخر، فالتّبعية الّتي لا بد منها في القبول، بأيّ صيغة كانت، لو اقتضت التأخر، فليكن القبول مطلقا مؤخّرا، و الّا فلا مقتضى لوجوب تأخره إذا كان مثل لفظ، قبلت، و المطاوعة الّتي تكون مأخوذة في معناه، ليست الّا تلك التبعيّة الّتي لا بد منها في كلّ قبول، و هي غير مقتضية لوجوب تأخّره، الّا انّها لازمة نفس المعنى في (قبلت)، و لازم كونه في مقام القبول في مثل (اشتريت)، و هذا لا يوجب التفاوت بينهما في ذلك، كما لا يخفى.

و دعوى أن المطاوعة بمعنى أخر، تكون مأخوذة فيه، ممنوعة، مع انّ مطاوعة القبول مطاوعة ايقاعية، إنشائيّة، تحصل بأيّ شي ء كان، بمجرد قصد حصولها باستعمال اللفظ فيها، كما هو الشأن في جميع المعاني الإنشائيّة، و الّتي لا تكاد تكون إلّا متأخرة، هي المطاوعة الحقيقّية، كالانكسار حيث

ص: 28

لا يكاد يتحقق الا عن كسر، لا المطاوعة الإنشائيّة، بداهة صحة استعمال اللفظ في المعنى المطاوعي إنشاء، كما يصحّ اخبارا، و ان لم يكن هناك مما يكون هذا مطاوعة عين، و لا اثر واقعا، و لا إنشاء، و ذلك لكون الإنشاء خفيفة المؤنة، يمكن ان يعبّر إنشاء من اىّ معنى، و لو كان محالا، غاية الأمر يقع لغوا لو لم يكن بداعي عقلائي، فانقدح بما حقّقناه، انّه لا مانع عقلا عن تقديم مثل (قبلت). نعم يمكن ان يدّعى انّ تقديمه غير متعارف، و لا بدّ في تحقق العقد، ان يكون صيغته بالنحو المتعارف، فتأمّل، و لا اعتناء بما نقل من الإجماع في مثل المسألة، حيث يطمئن بأنّه ما ورد من صاحب الشرع، ما يدل بالخصوص على عدم جواز تقديم مثل (قبلت)، و انّما ذهب اليه، من ذهب لمثل ما افاده (ره)، أو أشرنا إليه، لا أقل من احتمال ذلك في من لهم الدّخل في تحصيله، لو لم يكن في الكل، أو الجلّ، و هو كاف في حصول الياس عن الكشف بالحدس، و عليك بالتأمل التام فيما افدناك في المقام.

قوله (ره): (فتلخص مما ذكرنا انّ القبول في العقود على ثلاثة أقسام- إلخ-).

قد عرفت بما حقّقناه، انّه لا بد في القبول الذي يتقوم به العقد، و يكون أحد ركنيه من التبعية مفهوما ركنه الأخر، تقدم في الخارج أو تأخر، تقدم في الخارج أو تأخر، و أزيد منها لا يكون فيه بمعتبر، مع انّك قد عرفت، انّه لا يوجب تأخره، و ان كان معتبرا. فتدبّر جيّدا.

[و من جملة شروط العقد الموالاة بين إيجابه و قبوله]

قوله (ره): (و ما ذكره حسن، لو كان الملك- إلخ-).

مع انه يمكن مع اعتبار الموالاة عرفا من صدق العقد أيضا، و دعوى صدقه على ما إذا كان تأخير القبول بتواطؤ منهما، بلا إخلال بشي ء آخر ممّا يعتبر فيه. اللّهم الّا ان يدّعى انصرافه عنه، فتأمل.

[و من جملة الشرائط التي ذكرها جماعة التنجيز في العقد]

قوله (ره): (و تسلّط الناس على أموالهم- إلخ-).

قد عرفت انه غير كاف في إثبات أنحاء التّسلّطات، فضلا عن أسبابها. فلا تغفل.

ص: 29

قوله (ره): (و بالجملة فإثبات هذا الشرط في العقود، مع عموم أدلتها و وقوع كثير منها في العرف، على وجه التعليق بغير الإجماع- إلخ-).

و تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة، من الاتفاق لو كان أشكل، لاحتمال تشبّث البعض، لو لا الجلّ، أو الكلّ، بما أشار إليه من الوجوه الاعتباريّة بما فيها من الضعف، و المنقول منه في مثلها ليس بحجة، و لو قيل بحجّيته في نفسه، فالعمل بإطلاقات أبواب المعاملات، لا يخلو من قوّة.

[و من جملة شروط العقد التطابق]

قوله (ره): (و من جملة شروط العقد التطابق- إلخ-).

ضرورة انّه لو لا التطابق لما قصدا امرا واحدا بل فان لكلّ همّ و قصد، فلا يكون بينهما عقد، نعم لو كانت الخصوصية التي اختلفا فيها بحسب القصد، غير مهمة لهما، و المهمّ كان الجامع المقصود لهما، لا بأس بعدم التطابق، فلو قصد الموجب البيع من القابل، و قد قصد قبوله لموكله صحّ العقد، فان مهم الموجب ليس الّا تمليك ماله من الأعمّ، من الشخص و موكله، و انّما قصده لأجل أنّه اعتقد انّه قصد الشراء لنفسه، و هذا بخلاف عقد المزاوجة، فإنّه لا بدّ فيه من تعيين الزوج، و انّه له أو لموكّله، فإنّه المهم فيه كالعوضين في البيع.

[و من جملة الشروط في العقد أن يقع كل من إيجابه و قبوله في حال يجوز لكل واحد منهما الإنشاء]

قوله (ره): (لانّ المعتبر فيه عرفا رضاء كل منهما- إلخ-).

لا يخفى انّ الرّضا ممّا يعتبر في صحة العقد، و تأثريه شرعا و عرفا، لا ممّا يعتبر في تحقّقه، و انما المعتبر فيه القصد، لطيب كان، أو كره منه. نعم في تحقّق الإكراه في مثل العقد ممّا يتقوّم بالقصد، بحث يأتي. و بالجملة لا ينبغي الإشكال في انعقاده فيما إذا قصد التوسّل الى تحقّق مضمونه، و لو كان عن كره، غاية الأمر، عدم ترتب الأثر عليه ما لم يلحقه الطيّب و الرضاء، فلا يكون صحة بيع المكره إذا لحقه الرضاء على خلاف القاعدة، للإجماع.

[فرع لو اختلف المتعاقدان في شروط الصيغة]

قوله (ره): (و الأولان مبنيان على انّ الأحكام الظاهرية- إلخ-).

هذا إذا قلنا بأنّها، أحكام واقعيّة مطلقا، و لو في حق من رأى خلافها، و لو قلنا باختصاص ذلك بمن رأى بواقعيتها، كما هو الأظهر، فلا يتفاوت كونها أحكاما واقعية، أو عذرية فيما هو المهمّ في المقام، و انّما التفاوت

ص: 30

بينهما في مقام أخر عند كشف الخلاف، فلا تغفل.

[مسألة في أحكام المقبوض بالعقد الفاسد]

[أحدها الضمان]
[قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده]
اشارة

قوله (ره): (و كيف كان، فالمهمّ بيان معنى القاعدة- إلخ-).

و حيث انّ هذه القاعدة بألفاظها، ليست ممّا دلّت بها آية، و لا وردت في رواية، و ما وقعت في معقد إجماع، لم يكن بيان معناها من المهم بشي ء، ضرورة انّه لا بدّ ان يراد منها ما يساعد عليه سائر القواعد، و انّما المهم، بيان ان قضيّتها الضمان في أيّ الموارد، ساعد عليه ظاهر القاعدة، أو لم تساعد، و هكذا الحال في عكسها.

قوله (ره): (و المراد بالضمان في الجملتين، هو كون درك المضمون عليه- إلخ-).

لا يخفى، انّ الضمان هو اعتبار خاص، يترتب عليه آثار تكليفا، و وضعا، منها لزوم أداء المضمون الى المضمون له، لو تمكن منه، و أداء بدله من قيمته أو مثله، لو لم يتمكن من أدائه، لتلف و نحوه، و هو بهذا المعنى لا يكاد يكون في مال نفس الضامن، بل في مال غيره، فلا يكون في العقد الصحيح ضمان بمعناه الحقيقي، فلا بد ان يراد في القضيّة الأولى بالمعنى المجازي، و أقرب المجازات الى المعنى الحقيقي كون تلفه عليه، فإنّه من أظهر آثاره. لا يقال انّه لا يوجب صحّة التجوز، و الّا لجاز أن يقال، ان المالك يضمن أمواله، فإنّه لو سلّم فصحّة التجوّز هيهنا، انّما هو لخصوصيّة المقارنة مع الضمان في القضيّة الثّانية، كما في قوله تعالى «فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ- الآية-» (1) و لمثلها دخل في صحته، أو حسنه و ملاحته، و لا يصحّ ان يراد بالضّمان في القضيّة الأولى، ما افاده من درك المضمون، و خسارته في ماله الأصلي، كيف، و لا يكون ضمان بهذا المعنى في العقد الصحيح بالنسبة إلى الوارث، مع انّه من موارد القاعدة أصلا، و عكسا، حيث لا ضمان عليه فيما انتقل اليه من مورثه، من مال ملكه بالعقد الصحيح، الّا بمعنى كون تلفه عليه، و انّما كان خسارته هكذا على البائع بمجرد العقد، و لو لم يتلف، فافهم.


1- البقرة: 194

ص: 31

قوله (ره): (فالمتعيّن بمقتضى هذه القاعدة، الضمان في مسألة البيع- إلخ-).

لا يخفى، ان البيع بلا ثمن، ليس من إفراد القاعدة، فإنّه ليس ببيع و ان كان بصيغته، لأنه مبادلة مال بمال، لا انّه ليس بصحيحة، بل هو من إفراد عكس القاعدة، فهبة صحيحة، ان قلنا بكفاية المجاز و الكناية، و فاسدة ان لم نقل بالكفاية. و كيف كان المتيقن بمقتضى عكسها، عدم الضمان في المسألة، هذا لو قصد التمليك بلا عوض، و امّا إذا قصد ما هو حقيقة البيع و بلا ثمن، فكما لا بيع، لا هبة، و لا يكون هناك عقد للمناقصة في القصد.

قوله (ره): (و اما لمطلق السبيّة- إلخ-).

في كلتا القضيتين حقيقة بناء على ان يكون السبب للضمان في العقد الفاسد، هو الاقدام، و مجازا في الثانية، لأجل المشاكلة، و المقاومة مع الاولى، بناء على ان يكون اليد سببا فيه، كما لا يخفى.

قوله (ره): (و لأنهما إنّما أقدما، و تراضيا، و تواطئا بالعقد الفاسد- إلخ-).

يمكن ان يقال، بأنّهما أقدما على أصل الضمان، في ضمن الاقدام على ضمان خاص، و الشارع انّما لم يمض الضمان الخاص، لا أصله، مع انّ دليل فساد العقد، ليس بدليل على عدم إمضائه، فافهم، لكن لا دليل على كون الاقدام سببا للضمان أصلا.

قوله (ره): (الّا ان مورده، مختصّ بالأعيان، فلا يشمل المنافع- إلخ-).

و مورده و ان كان مختصّا بالأعيان، الّا انّ قضيّة كونها مضمونة، ضمان منافعها، فضمان المنافع في الإجارة الفاسدة، انّما يكون بتبع ضمان العين المستأجرة. و بالجملة قضيّة ضمان اليد، ضمان المنافع فيما كانت العين مضمونة بها، فاختصاص مورده بالأعيان، لا يوجب اختصاص الضمان بها، نعم الحرّ، حيث لم يكن نفسه مضمونة باليد، لم يكن اعماله مضمونة في الإجارة الفاسدة بها، فافهم.

قوله (ره): (الّا ان يستدلّ على الضّمان فيها، بما دلّ على احترام مال المسلم- إلخ-).

لكنه لا يخلو عن الاشكال، لدعوى انصراف مال المسلم عن

ص: 32

إعماله، أولا، و عدم قضية الاحترام الّا حرمة التصرف فيها بدون الاذن لا الضمان، ثانيا، و لا أقل من عدم قضية الضمان إلّا إذا كان الغير سببا لا تلافها، ثالثا. ضرورة انّه ليس في عدم الضمان شي ء من المنافاة، للاحترام فيما إذا كان المالك باختياره متلفا لها، كما في المقام، حيث ان العاقد يعمل وفاء بالعقد اختيارا، بل و ربّما كان على خلاف ميل الأخر و رضاه، حيث لحقه الندم، و كون العقد فعل الاثنين، لا يقتضي عدم استقلال كل منهما في وفائه، و العمل على وفقه.

و من هنا انقدح الإشكال في الاستدلال بقاعدة الضرر أيضا، إذا كان عمله وفاء باختياره، كما هو محل الكلام.

فتلخص انّه، لا مدرك للقاعدة، للإجازة الفاسدة المتعلّقة بعمل الحرّ، و في المسابقة الفاسدة مطلقا، فيمكن ان يكون القاعدة، بعد انه لا مدرك لها على حدة، بل مصطادة من الموارد التي حكم فيها بالضمان بأحد أسبابه غالبيّة، لا كليّة، كما هو الشأن في سائر القواعد الّتي كان لها مدرك على حدة، حيث انّه ما من واحدة منها، الّا و قد خرج منها بعض الموارد.

قوله (ره): (و مورد العقد في الإجارة، المنفعة- إلخ-).

كما هو المتوهم من تعريفها بتمليك المنفعة، و لكن التّحقيق، انّ مورده فيها، نفس العين، و لذا يقال «آجرت الدار، و استأجرتها» و انّ الإجارة عبارة عن، إضافة خاصة بين العين المؤجرة و المستأجر، و من آثارها تملّك منفعتها. و التعريف بالتمليك، تعريف بالرّسم، مع انّه لو سلّم انّه بالحدّ، كان مورد عقدها أيضا، نفس العين، فإنّها تمليك المنفعة، و لا يكاد يكون مورده، و متعلّقه، الّا العين، فافهم.

قوله (ره): (عموم ما دلّ على ان من استأمنه- إلخ-).

فإنّ بطلان استئمان المالك، بما هو وديعة، أو عارية، أو غيرهما، و عدم ترتيب الآثار الخاصة لهذه العقود عليها، لا يوجب خروجه عن الاستيمان المانع من الضمان.

ص: 33

[في عكس هذه القاعدة]

قوله (ره): (اما في الهبة (1)، فيمكن الاستدلال- إلخ-).

قضيّة الفتوى، ليست الّا عدم الضمان فيما إذا لم يكن هناك إفراط و تفريط، لا و لو كان كما هو المهمّ في الهبة الفاسدة، كي يكون كصحيحها، كما لا يخفى، هذا، مع انّ منع الفحوى، بمكان من الإمكان، إذ لعلّ ملاك عدم الضمان مع الاستيمان، ما نجده بالوجدان من الملائمة التّامة بينهما في الجملة، و لا يكاد يدركها بينه و بين الهبة الفاسدة، فضلا عن ان يكون بالأولى.

[الثاني من الأمور المتفرعة على المقبوض بالعقد الفاسد وجوب رده فورا]

قوله (ره): (الّا ان يقيّد بغيرها، بأدلة نفى الضّرر- إلخ-).

إنّما يقيّد بها، فيما إذا كانت المئونة الكثيرة، زائدة على ما يتوقّف عليه الرّد بحسب المتعارف و الّا كان دليله مقيّدا لها، و ذلك لما حقّق في محلّه، من ان أدلّة نفى الضرر كما يقيّد بها أدلّة الأحكام، كذلك يقيّد بها فيما لا بدّ منه، و يقتضيه طبعها بحسب المتعارف.

قوله (ره): (و لو نوقش في كون الإمساك تصرّفا، كفى عموم- إلخ-).

لا يخفى، ان المناقشة في عموم مثل «لا يحل» لغير التصرفات أوضح، مع انّه لو سلّم دلالته على حرمة الإمساك، فلا دلالة على وجوب الردّ تعيّنا أصلا، و لو على القول بمقدميّة الضّد، فان الردّ، و الإمساك، و ان كانا ضدّين، الّا انّه لهما ثالث، و هو التّخلية بينه و بين مالكه، فلا يجب عليه على هذا القول، إلّا أحدهما، لا خصوص الردّ، فافهم.

قوله (ره): (و اما توهم انّ هذا باذنه- إلخ-).

يمكن ان يقال: انّه إذا علم الدّافع بالفساد، لا يكون دفعه و قبض الغير الّا برضاه، و كون الدفع وفاء بالعقد، لا ينافي كونه برضاه في الصورة المذكورة. نعم لا يكون التصرف فيه، بمجرد العقد أو بعد الدّفع، و الجهل بالفساد برضاء المالك. فافهم.


1- و في المصدر: اما في الهبة الفاسدة فيمكن الاستدلال.

ص: 34

[الثالث في ضمان المنافع المستوفاة]

قوله (ره): (و يدلّ عليه عموم قوله: لا يحلّ (1)- إلخ-).

قد تقدم الإشكال في الاستدلال بعمومه على الضمان، و انّ الدّليل على ضمان المنافع، هو الدّليل على ضمان الأعيان، لكون ضمانهما من آثار ضمانها و لوازمه، و لا يتفاوت في ذلك بين كونها مستوفاة أو غير مستوفاة، كما لا يخفى، و الظاهر انّ هذا هو الوجه في ضمانها مطلقا في باب الغصب، قولا واحدا، و لا أظن اختصاص ذلك الباب بوجه غير جار في الباب، الّا ان يكون هو إجماع الأصحاب، لكنه لا يظن ان يكون مدركهم أيضا، إلّا ما ذكرنا.

فافهم.

ثم انّ مثله في الاشكال، في الاستدلال به على الضمان، الاستدلال بما دل على احترام مال المسلم، كما تقدّم، و انقدح بما ذكرنا انه لا موجب للضمان في المنافع الّا اليد، بالتقريب الذي ذكرنا، لا ما ذكره، من غير فرق بين المستوفى منها و غير المستوفى. نعم لو سلم دلالة عدم حلّ مال الغير، و احترام مال المسلم، على الضمان، لاختّص بالمستوفى، فان غيره ما تصرّف فيه و ما انتفع به، كي لا يحلّ بلا عوض، أو ينافيه الاحترام.

قوله (ره): (محتجّا بان الخراج بالضمان (2)- إلخ-).

لا يخفى ضعف الخبر سندا، و دلالة، بإرساله و إجماله، لاحتمال ان يكون المراد به، هو ان خراج الأرض كمّا و كيفا على من ضمنها، انما هو بحسب ضمانها، أو معنى أخر، حيث لم يعلم انّه في أيّ مورد ورد. فتدبّر.

[الرابع في بيان ضمان المثلي]

قوله (ره): (و قد اختلف كلمات أصحابنا في توقف- إلخ-).

و حيث انّ هذا اللفظ لم يرد في أية أو رواية، لبيان حكم ضمانه بالمثل، بل غايته، وقوعه في معقد الإجماع، لا يجدي في الحكم به تعيين واحد من المعاني التي اختلفوا فيها، بل لا بدّ فيه ممّا اتّفقوا عليه من المعنى، و الرّجوع فيما اختلفوا فيه الى ما يقتضيه القواعد، و الخلاف في معناه، مع وقوعه في معقد


1- وسائل الشيعة: 3- 424- ب 3- ح 1.
2- التاج الجامع للأصول- 2- 204.

ص: 35

الإجماع، انّما لا يمنع عن تعيينه بقواعده، إذا كان بماله من المعنى مجمعا عليه، كي لا ينافي خلافهم في ذاك، إجماعهم عليه بما له من المعنى، لا إذا كان بمعنى مجمعا عليه، فينافي الخلاف، الإجماع، إلّا فيما اتّفقت عليه المعاني المختلفة فيها، كما لا يخفى، و لم يعلم بعد انعقاده على النحو الأوّل، فافهم.

ثمّ الظاهر، انّ الاختلاف في تعريفه، ليس لأجل الخلاف في حقيقته و ماهيته، ضرورة انّ مثل هذه التعريفات، ليس بحدّ، بل و لا رسم، بل من باب شرح الاسم، كما هو الشأن في التفسيرات اللغوية، و لعلّه أشار الكلّ الى المعنى الواحد، و المفهوم الفارد من وجه التفت اليه من طرفه، فلا مجال للنقص و الإبرام فيها طردا و عكسا، و ليس اختلافهم في مثليّة بعض الأشياء و قيمته، كاشفا عن اختلافهم في المعنى، و سعة دائرته و ضيقها، لاحتمال ان يكون الاختلاف، للاختلاف في التضييق و صدق ذاك المعنى عليه، و عدم صدقة. فافهم.

و كيف كان فتعريف المشهور بأنّه ممّا يتساوى اجزائه بحسب القيمة، لا يعمّ كثيرا من المثليات، مثل المسكوكات، و سائر المصنوعات المشتبهات، كالسّاعات، و الظروف، و الآلات الفرنجية، حيث انّ كل واحد منهما يكون مثليّا، و ليس ممّا يتساوى، اجزائه بحسب القيمة، فالأولى تعريفه بما كثر افراده التي لا تفاوت فيها بحسب الصفات المختلفة، بحسب الرّغبات.

قوله (ره): (و لا يبعد ان يقال: ان الأصل هو تخيير الضامن- إلخ-).

لا يخفى، انّه لو كان الضمان، بالقيمة في القيميات مجرد إرفاق، بحيث لو تمكن من مثل العين التالفة، و ما يشابهها بحسب الصفات فيها، كان له دفعه، و لا يتعيّن عليه قيمته، كان الأمر من باب الدوران بين التّخيير و التّعيين، و الأصل عدم الخروج عن العهدة إلّا بالمعيّن للشك في الخروج بدونه، فلا وجه للتخيير، و لو كان الضمان بها فيها على نحو التّعيين، كان الأمر من باب الدوران بين المتباينين، و يتعيّن فيه الاحتياط لا التّخيير، الّا ان الاحتياط حيث يحصل هنا بمجرّد تسليمهما، ليختار المضمون له، اى

ص: 36

واحد شاء يكفى تسليمهما لذلك، لا دفع كليهما، كما انّ الاحتياط له ان لا يختار واحدا منهما، الّا برضاء الضامن، فالاحتياط لهما ان يختار أحدهما بتراضيهما.

قوله (ره): (و يمكن ان يقال: ان القاعدة المستفادة- إلخ-).

انما يمكن إذا لم يكن المتعارف في القيميات، ضمانها بالقيمة، و لو مع التمكن من المثل، بل كان المتعارف، هو الضمان مطلقا، بالأقرب إلى التالف فالأقرب، و لا إشكال في انّ المثل مطلقا أقرب، و الّا فقضيّة الإطلاقات، ليس الّا الرّجوع فيما علم انّه مثلي إلى المثل، و فيما علم انه قيميّ إلى القيمة، و امّا ما لم يعلم انّه من أيّهما، فهي ساكتة عن بيان حكمها، فلا بد فيه من الرجوع الى ما يقتضيه الأصل، و قد عرفت. لكن الظاهر انّ المرتكز في الأذهان في باب الضمان، بعد تعذّر ردّ نفس العين، هو دفع المثل مع الإمكان، و هو ظاهر الآية (1)، حيث دلّت على اعتبار المماثلة في الاعتداء الملازمة للاحتياط في المتعدي به، هذا، و لو سلّم انّه لبيان اعتبارها في الاعتداء، كما في المناقشة فيها، مع انّه ممّا يساعده الاعتبار، و التضمين بالقيمة في بعض الاخبار، كما يأتي، انّما يكون في مورد يتعذّر فيه المثل عادة.

[الخامس لو لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل]

قوله (ره): (و لكن الأقوى مع ذلك، وجوب الشراء- إلخ-).

و ذلك لان ضرر الضامن في الشراء بأزيد من ثمنه، يزاحم بضرر المالك في منعه عما يستحقّه من المثل، فيبقى ما دلّ على الضّمان بالمثل بلا مزاحم، و عدم العلم باستحقاقه للمثل شرعا، لا ينافي استحقاقه له عرفا، و اعتبارا، و هو كاف في صدق الضرر حقيقة. فافهم.

[السادس لو تعذّر المثل في المثلي]
[فرع لو دفع القيمة في المثل المتعذّر مثله، ثم تمكّن]

قوله (ره): (لو دفع القيمة في المثل المتعذّر مثله، ثم تمكّن- إلخ-).

لا إشكال في عدم عود المثل، فيما إذا كان دفع القيمة بتراضى منهما عوضا عما هو عليه، و انما الإشكال فيما إذا كان دفعها استحقاقا لها فعلا، و منشئه احتمال كونه وفاء حقيقة في هذه الصورة، أو كونه من قبيل بدل الحيلولة، و من هنا انقدح الفساد و اخلل فيما علّل به (ره) عدم العود، بان المثل كان دينا في الذّمة، سقط بأداء عوضه مع التراضي، و انّه في غير المحل، ثم انه حيث لم يعلم ان أداء القيمة من باب الوفاء، أو بدل الحيلولة، و استصحاب بقاء المثل في الذّمة يعارض باستصحاب بقاء القيمة المدفوعة على ملك المدفوع اليه، و عدم عودها الى ملك الدافع. و كيف كان لم يثبت للمالك بعد أخذ القيمة حق مطالبة الضامن بالمثل بعد تمكنه منه، و المرجع أصالة البراءة عن وجوب دفع المثل، لو طولب به. فتدبر جيّدا.

قوله (ره): (احتمل وجوب المثل عند وجوده، لأن القيمة بدل الحيلولة).

لا يخفى: ان القيمة بناء على انقلاب المثل بالقيمة، و سقوطه عن الذّمة يكون وفاء حقيقة، لا بدل الحيلولة، و احتمال عدم كونها وفاء، انما هو على القول بعدم الانقلاب، كما عرفت فلا تغفل.

اشارة

قوله (ره): (لو تعذّر المثل في المثلي، فمقتضى القاعدة- إلخ-).

ربّما يشكل بأنّ القاعدة يقتضي الصبر الى ان يتمكّن منه حيث تعذّر، فلا يكون لذلك ظلما، و لا دليل على الانتقال الى البدل، بمجرد التعذّر في الحال، و لا اعتداء منه ثانيا يوجب جواز الاعتداء عليه بالإلزام بالقيمة


1- البقرة: 194

ص: 37

بعد الاعتداء عليه بمثل ما اعتدى بإلزامه، و الحكم باشتغال ذمّته بالمثل أوّلا، فإلزامه معه بها اعتداء عليه بغير اعتداء منه، فلا دلالة للاية على جواز إلزامه بها. فافهم.

و لا يخفى انّ الاشكال، انّما يكون لو قيل باشتغال الذّمة بالمثل، و تبدّل عهدة العين المضمونة بالذّمة، كما هو ظاهر المشهور. و امّا لو قيل ببقاء العهدة على حالها، كما هو قضية ظاهر الأدلة، فلا إشكال، فإن أثر العهدة يختلف بحسب الأحوال، ففي صورة بقاء العين، هو وجوب أداء نفس العين مع التّمكن منه و مع عدمه بدل الحيلولة إلى أوان التمكن منه و في صورة عدم البقاء، هو وجوب أداء البدل من المثل في المثلي، فيما إذا تمكّن منه، و القيمة فيما إذا تعذر فيه، و في القيميّ. هذا، مع انّه يمكن ان يقال: ان الانتقال إلى القيمة في صورة تعذّر المثل، كالانتقال الى بدل الحيلولة عند تعذّر ردّ العين في الحال، و انّه مما هو متعارف في التّضمينات العرفية، فيكون متّبعا في الشّرعية منها، لعدم ورود نحو خاص من الشارع في باب التضمين، كما لا يخفى.

قوله (ره): (لأن المثلي ثابت في الذمة- إلخ-).

هذا على المشهور من اشتغال الذّمة بالمثل، و امّا على ما هو ظاهر الأدلة، فلانّ العين باقية على العهدة إلى ذاك الزمان، فيكون العبرة بقيمة يوم الدفع، لأنها قيمة العين لا المثل. فافهم.

قوله (ره): (و عن جامع المقاصد الرجوع فيه الى العرف- إلخ-).

الظاهر انّ مراده الرجوع الى العرف في تعيين ما يتحقق به الإعواز الموجب للانتقال إلى القيمة، و هو كذلك، لما مرّت الإشارة إليه، من ان المدار في باب كيفيّة التّضمين شرعا، هو العرف، لا الرجوع من تعيين مفهوم الإعواز، كي يتوقّف تعيينه على ما إذا انعقد الإجماع على ثبوت القيمة عند الإعواز، فافهم. و لعلّ المحكى عن التذكرة، كان في بيان ما يتحقق به ذلك، اى ما يوجب الانتقال إلى القيمة عرفا، و الّا كان بلا دليل. فتدبّر جيّدا.

ص: 38

قوله (ره): (ثم انّ معرفة قيمة المثل (1) مع فرض عدمه إشكال- إلخ-).

لا بد من تعيين ما هو المرجع في صورة الشك في التعيين، و انّه أصالة البراءة عن الأكثر، أو أصالة الاشتغال، فربّما يقال: انّ قضيّة بقاء العين المضمونة في العهدة مع التلف، و عدم تبدّل الذّمة بالاشتغال، على ما قوّيناه، هو لزوم الخروج عن العهدة بالأكثر، استصحابا لها مع الشك فيه، لو اقتصر على الأقل، أو قيل ببقاء المثل في الذمة مع التعذّر، بناء على التبدل، لكنه كان دفع المثل أو القيمة، خروجا عن العهدة كأداء نفس العين، و امّا لو كانت عهدتا باقية مع الدفع، و كان لزومه من أحكامها و آثارها، لا أفعالها، كما من بدل الحيلولة، أو قيل بعدم البقاء، و التّبدل بالذّمة، و عدم بقاء المثل فيها عند التعذّر، و الانتقال إلى القيمة، كان الأصل، البراءة عن الأكثر، حيث لم يعلم الّا وجوب الأقل.

قوله (ره): (فهل له المطالبة بأعلى القيمتين، أم يتعيّن قيمة بلد المطالبة؟

- إلخ-).

لا يبعد تعيّن قيمة بلد المطالبة، فإنّه محلّ الخروج عمّا عليه، و الوفاء بما في ذمّته، بناء على المشهور، من بقاء اشتغال ذمّته بالمثل مع تعذّره، و عدم تبدّل الاشتغال به، بالاشتغال بالقيمة، و كذا على ما قرّبناه من بقاء العين على العهدة، فإنّه محل العمل بما هو قضيّة كون العين، مضمونة، و في العهدة، و لو منع عن انّه لم يعلم استقرار سيرة العقل، على ذلك، فلا بدّ من الرجوع الى ما يقتضيه الأصل، و قد مرّ تحقيقه.

[بقي الكلام في انّه هل يعد من تعذّر المثل خروجه عن القيمة]

قوله (ره): (بقي الكلام في انّه هل يعد من تعذّر المثل، خروجه عن القيمة؟

- إلخ-).

و لنقدّم الكلام في بيان حكم ما إذا خرج نفس العين المضمونة عن المالية، ثم نتبعه ببيان ما إذا خرج المثل.

فاعلم انّه لا ريب في دفع نفس الى مالكها على الملكيّة و عدم


1- و في المصدر: ثم ان في معرفة قيمة المثل.

ص: 39

الخروج بذلك عنها مع انّه لو سلّم بالخروج، فلا أقلّ من ان يكون له حق اختصاص بها كما لا يخفى. و امّا دفع القيمة مع ذلك لو أوجب، لو قلنا بكون وجوب الدّفع من آثار العهدة و أحكامها عند العقلاء، حتى يقتضيه إطلاق دليل ضمان العين، و الّا فلا دليل عليه أصلا، لعدم شمول من أتلف لما إذا تلف المالية، فضلا عمّا إذا تلف، و الخروج عن عهدة العين و ضمانها النّاشى عن اليد، يكون بدفعها، و المفروض عدم كون دفع القيمة من آثار العهدة.

و ضرر صاحب العين، معارض بضرر ذي اليد، فلا وجه لتقديم ضرره على ضرره على ضرره، مع ان الضرر ابتداء متوجه عليه بلا أقدام من الأخر، حيث انّه ما أقدم، الّا على ان يكون العين تحت يده، و وجوب دفع المثل، أو القيمة عند تلف العين أو الإتلاف، انّما هو لأجل قاعدة اليد، أو الإتلاف، لا أقدام على ضرر دفع البدل. هذا كله في العين.

امّا المثل، فبناء على بقاء العين مع التلف على العهدة، كما قويّناه، لا يعبد ان يكون من آثارها حينئذ، دفع القيمة، كما كان في صورة تعذّر المثل، فإنّه حينئذ لا يكون قابلًا لان يعوض به عن الماليات، و بناء على تبدّل العهدة بالاشتغال، كما هو ظاهر المشهور في وجوب دفع المثل، فإنّه الوفاء بما في ذمّته حقيقة، أو وجوب دفع القيّمة، فإنّ المثل في نظر العقلاء بذلك، خرج عمّا يوفى به الدّين، و جهان: أظهرهما الأول، و مع الشّك، فالمرجع هو الأصل، و قضيّته وجوب دفع القيمة، بناء على بقاء العهدة، استصحابا لها ما لم يدفعها، و كذلك بناء على اشتغال الذّمة بالمثل، لو كان دفع القيمة أيضا من باب الوفاء بما فيها، لا لأجل انتقال اشتغال الذّمة بها، لاستصحاب بقائه فيها ما لم يدفعها للقطع بكون القيمة حينئذ، مما يوفى به، بخلاف المثل، كما لا يخفى. و عدم وجوب دفعها، بناء على ان منشأ الشّك فيه، و الشك في انتقال الاشتغال بالتعذّر الى الاشتغال بالقيمة، استصحابا للاشتغال به و عدم الاشتغال بها، ثم ان قضيّة الأصل فيما إذا شك في انّ اىّ قيمة وجب دفعها مع اختلافها، هو وجوب دفع أعلى القيم، بناء على انّه الوفاء للأصل و قاعدة الاشتغال، و أقلّها بناء على بقاء العهدة و انّه من آثارها، أو الانتقال

ص: 40

الى الاشتغال بها، لأصالة البراءة عن الزائد، و استصحاب عدم الاشتغال به، و قد مرّت الإشارة إليه. فلا تغفل.

[السابع لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا]
اشارة

قوله (ره): (فيكون الفصل بين التّيسير و عدمه، قولا ثالثا- إلخ-).

لا بأس بالمصير اليه، حيث لم يظهر اتفاق و إجماع على عدمه، لاحتمال كونه من باب الاتفاق.

قوله (ره): (ثم (1) اختلفوا في تعيين القيمة- إلخ-).

الظاهر تعيّن قيمة يوم التلف، لو قيل باشتغال الذّمة بالقيمة، و تبدّل العهدة به، كما هو المشهور، و يوم الدفع، لو قيل ببقاء العين على العهدة، كما قوّيناه، لانّ الاشتغال انّما يكون بما هو قيمته بقول مطلق، و ما


1- و في المصدر: ثم انهم اختلفوا في تعيين القيمة.

ص: 41

هو إلّا قيمة يوم التلف، كما انّ قضيّة العهدة، دفع ما هو قيمته كذلك، و ليست إلّا قيمة يوم الدفع، فافهم.

[تحقيق حول صحيحة أبي ولّاد]

قوله (ره): (اما بإضافة القيمة المضافة إلى البغل ثانيا- إلخ-).

فيه إشكال، فإنّ إضافة المضاف بما هو مضاف ثانيا، يستلزم ان يكون الإضافة، بما هي إضافة و ملحوظة باللحاظ الالى طرفا لها، و ملحوظة على الاستقلال، فإنها من مقوماته في الإضافة الثانية، و لو كان المراد إضافته ثانيا، لا بما هو كذلك، اى مضاف يلزم ان يكون حين التلفظ به طرفا لهذا على حدة، و لذاك كذلك، و هذا يستلزم ان ينظر اليه ذاك الحين بالنظرين المتباينين، ضرورة تنافي النظر اليه بما هو مضاف لأحدهما، للنظر اليه بما هو مضاف للآخر، كما لا يخفى على من تدبّر، مع انّه غير مفيد، فإنّه لا يوجب اختصاص قيمة البغل بيوم المخالفة. و قد انقدح بذلك حال اضافة مجموع المضاف المضاف إليه، فإنّه لا بد فيها من ملاحظة الإضافة الأولى ثانيا على حدة، لكونها من مقومات المضاف في الثانية. اللهم الّا ان لا يكون اللحاظ الثاني الاستقلالي، حين اللحاظ الالى، و هو حال التلفظ بالمضاف و المضاف إليه في الإضافة الاولى، بل بعده، بان يكون اضافة المجموع، أو اضافة المضاف بحسب المعنى. فافهم فإنه دقيق.

نعم لو كان المراد إضافة القيمة المضافة إلى البغل المضاف الى اليوم، فهو و ان كان ممّا لا إشكال في صحّتها، الّا انّه لا يجدي فيما هو المهمّ، فإنّ إضافة البغل الى يوم المخالفة، لا يقتضي اختصاص القيمة بيومها، كما لا يخفى. هذا، مع انّ الموجود في بعض نسخ الكافي و الاستبصار، البغل مع اللّام.

قوله (ره): (بل غير ممكن، لأنّ السائل إنّما سأل- إلخ-).

بل إنما سأل عن اللزوم أو الملازمة بينه، و بين العطب، و ليس في كلامه ما يشهد بكون سؤاله عما يلزمه، ضرورة ظهور قوله «أ ليس له عطب أو نفق- إلخ-» في السؤال عن الملازمة أو اللزوم، لا عما يلزم، كما هو واضح، و عليه كونه قيد النعم، بمكان من الإمكان، فيكون لبيان انّ زمان

ص: 42

الملازمة التي هي مبني الضمان، يوم المخالفة، دفعا لتوهم كون زمانه، يوم الاكتراء، أو لبيان اللزوم، يوم المخالفة، نحو الوجوب المتعلق على المتأخّر، دفعا لتوهم كون زمانه يوم الاكتراء، أو يوم العطب، و وجه السؤال عليهما، ما اختلج بباله من فتوى أبي حنيفة، من الملازمة بين لزوم اجرة المثل، و عدم ضمان العين، فافهم.

فظهر انّ اليوم كما يمكن ان يكون قيدا للقيمة، يمكن ان يكون قيدا لنعم، بل هذا أظهر، لأنّ جعله قيدا للقيمة امّا بإضافتها اليه، و لا بدّ فيه من التحمل، كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة، و امّا بجعله قيدا للاختصاص الحاصل لها من الإضافة، و لا بد فيه من التقدير، لان الاختصاص بما هو غير قابل لأن يكون متعلقا، و التقدير على خلاف الأصل، لكن ربّما يستشهد لكونه قيدا للقيمة، قوله عليه السلام «أو يأتي صاحب البغل بشهود- إلخ-» (1)، فإنّ الظرف في هذه الفقرة، يكون قيدا للقيمة لا محالة، و قد استظهر اتحاده مع يوم المخالفة، فهي دالّة على ان الضّمان انّما يكون لقيمة يوم التّلف، و كيف كان، فلو سلّم انّ الرّواية ظاهرة في كون العبرة بقيمة يوم الضمان، لاختّص بالعين المغصوبة، ففي اجزاء هذا الحكم الى محلّ البحث، لا بدّ من إجماع على عدم الفصل بين المغصوب و غيره من الأعيان المضمونة، أو استظهار عدم دخل الغصبيّة في ذلك، بل هو حكم مجرد الضمان. فتأمل.

قوله (ره): (إذ لا عبرة في أرش العيب بيوم الردّ- إلخ-).

لا يخفى، انّ يوم ردّ البغل و ان كان ممّا لا عبرة به أصلا، الّا انّ يوم ردّ الأرش به العبرة، و يكون على وفق القاعدة، و لا بد ان يراد منه هذا اليوم، و انّما عبّر به لاتّحادهما غالبا، و كون المتعارف ردّ الأرش، يوم ردّ العين، و لا محيص عن ذلك، و لو قيل بتعلّق الظرف بعليك، فان يوم العين كما ليس به العبرة في الأرش، لا عبرة به في حدوث الضمان، و هو واضح، و لا في فعليّته، فان زمانها يوم ردّ الأرش، لا يوم ردّها، مع انّ تعلّقه بعليك، يستلزم ان


1- وسائل الشيعة: 13- 255- ب 17- ح 1.

ص: 43

لا يكون، عليك، بيانا للحكم الشرعي، و هو بعيد في كلام الامام (ع)، خصوصا في المقام، فلا بد من جعل الظرف، قيدا لليوم، و بذاك الإجماع يستكشف بطريق الإن انّ العبرة في قيمة أصل العين بيوم ردّ القيمة. فافهم.

قوله (ره): (و حمل الحلف هيهنا على الحلف المتعارف- إلخ-).

ربّما يأتي عنه، انّه الحلف الفاصل للخصومة في مقام الحكومة، و ليس هو الّا الحلف عند الحاكم، و يمكن ان يقال: انّ الامام (ع) انّما يكون بصدد الإشارة الى ما لا يقع معه الخصومة، لا في مقام بيان موازين الحكومة لدى التّشاجر و المخاصمة، حيث انّ الإنسان يحصل له الاطمئنان بحلف خصمه غالبا، لو لم يكن دائما، و كان مراده من الحلف أو الرّد، الحلف في صورة اطمينانه بمقدار القيمة دون صاحبه، و الردّ في صورة العكس، فيحصل للجاهل منهما الاطمئنان بحلف الأخر. فتدبّر. و لا يخفى بعد ما افاده من التّوجيه عن ظاهر الرّواية. فتأمل.

قوله (ره): (فان تسلّط النّاس على أموالهم الذي فرض كونه في عهدته- إلخ-).

لا يخفى، انّ السلطنة على المال، لا يقتضي جواز المطالبة بالبدل عند تعذّر ردّ عينه، نعم لا يبعد ان يكون جوازها، من آثار الضمان و العهدة، فيكون قضيّته وجوب ردّ العين مع التمكن، و جواز المطالبة ببدل الحيلولة مع التعذر في زمان، و بالبدل مع التعذّر مطلقا، كيف، و لو كان جواز المطالبة من أحكام السلطنة، لكانت جائزة فيما إذا كان التعذّر في زمان يسير جدّا.

قوله (ره): (و لو لا ظهور الإجماع و أدلة الغرامة في الملكية- إلخ-).

لا يخفى، انّ الإباحة المطلقة، من أول الأمر، حتّى بالنسبة إلى التّصرفات المتوقّفة على الملك، لا يكاد يكون إلّا إذا كان موردها ملكا للمباح له، و لا يفيد التّمليك آنا ما قبل التّصرف، فإنّه مسلتزم للتّقييد، فلا يكون اباحة جميع التصرفات مطلقة، بل مقيّدة بالنسبة إلى الموقوف، منها على التصرف لتعذّر التّملك قبله آنا ما فيباح، فافهم. الّا ان يكون الإباحة بالنسبة إلى الموقوف، بمعنى انّ له هذا التصرف لتمكّنه من ان ينسب إلى

ص: 44

إباحته بإيجاده، و ان لم يتّصف بالمباحيّة بدونه.

قوله (ره): (و على اىّ حال لا ينتقل الى الضامن (1)، فهي غرامة- إلخ-).

لا عوض كي يلزم الجمع بين العوض و المعوض، و انّما يلزم الضامن بغرامة العين بلا عوض، لأجل ما فات على المالك من نفس العين المضمونة، أو سلطنتها، أو قيمتها، أو ماليتها، أو غير ذلك، فالغرامة و ان كانت لنفس العين في جميع صور لزوم الغرامة، الّا انّه ليس بعوض العين، ليلزم الجمع بينهما، و لا بإزاء ما فات منها، من سلطنة، أو قيمة، أو مالية، كما يظهر منه (ره)، حيث جعلها بإزاء السلطنة الفاسدة، و بإزاء الأوصاف، أو الأجزاء التي خرجت العين بفواتها عن التقويم، و الّا لوجب عليه تداركها، لو لم يدفع الغرامة إلى زمان التمكن من العين، أو رجوعها إلى القيمة أو المالية، نعم انما يكون لزوم غرامة نفس العين، بملاحظتها، و هذا غير كونها عوضا لها، كما لا يخفى.

قوله (ره): (لم يبعد انكشاف ذلك من انتقال العين الى الغارم- إلخ-).

لا وجه لهذا الانكشاف أصلا، لوضوح ان دفع تمام القيمة، انما يكون من باب الغرامة، و قد عرفت عدم اقتضائها الانتقال، و خصوصيتها تعبدا غير موجبة لخروجها عمّا هو قضيّة بابها، كما لا يخفى.

قوله (ره): (و من ان الموضوع في المستصحب ملك المالك- إلخ-).

لا يخفى، ان الموضوع بمقتضى اليد، هو نفس العين، لا ببعض عناوينها، و هي حقيقة باقية، فلا إشكال في صحة استصحاب وجوب أدائها أصلا، مع ان استصحاب حق الاختصاص الذي حصل للمالك قبل دفع القيمة، و بعد الانقلاب بلا ارتياب، فان البحث في ارتفاعها يدفعها، لا في حدوثه بسببه. فتأمل.

قوله (ره): (ثم انّ مقتضى صدق الغرامة خروج الغارم عن عهدة العين- إلخ-).

بل خروجه عما هو قضيّة عهدتها و ضمانها، و ان كانت نفس العهدة


1- و في المصدر: و على اى حال فلا ينتقل العين الى الضامن.

ص: 45

باقية، و لا مخرج عنها إلّا أداء نفس العين، كما هو قضيّة على اليد، كما لا يخفى، فبغرامة العين يخرج عمّا هو مقتضى الضمان بالنسبة إلى العين، و النماءات المتجددة بعد الغرامة، و كذا المنافع مطلقا، أو خصوص المستوفاة منها، على الخلاف فيها، و اما الحادثة قبلها، فلا بدّ من ان يخرج عن عهدتها على حدة. هذا في صورة التّعذر في الجملة، و اما التعذّر المطلق، فلا يبعد ان لا يكون لما تجدد من النماء و المنفعة بعد التعذر، ضمان على حدة، فان العين حينئذ يعامل معها معاملة التّالف. فتدبر جيّدا.

قوله (ره): (ثم انّه لا إشكال في انّه إذا ارتفع تعذر ردّ العين و صار متمكنا، وجب ردها- إلخ-).

فإنه أيضا مما يقتضيه ضمان العين، حيث انه لا يخرج عن عهدة نفس العين و ضمانها الّا بالرّد، كما هو قضيّة على اليد المغيى بالأداء، كما لا يخفى. ثم الظاهر ان الغرامة المدفوعة، لا يعود الى ملك الغارم بمجرد حدوث تمكنه من ردّ نفس العين ما لم يردها، حيث ان العرف الحاكم في باب كيفيّة الغرامات انّما يكون بنائهم على العود بالرّد، لا بالتمكن، و عليه فليس للغارم مطالبة ما دفعه الا بعد الرّد، كما انّه ليس له حبسها مطلقا، و ان قلنا بالعود بالتمكن، كما انّه ليس للمالك حبس الغرامة، بل يجب على كلّ، ردّ ما عنده، و ليس من باب المعاوضة، حتى جاز لكل منهما الامتناع عن التسليم قبل تسليم الأخر، اللهم الّا ان يدّعى انّه مقتضى باب الغرامة أيضا، لكنه لم يثبت، فتدبر.

[الكلام في شروط المتعاقدين]

[مسألة المشهور بطلان عقد الصبي]

قوله (ره): (المشهور كما عن الدروس (1) و الكفاية (2)، بطلان عقد الصبي- إلخ-).

و مجمل الكلام في صحة معاملة الغلام قبل البلوغ بالسن، أو


1- الدروس- 335.
2- كفاية الأحكام- 89.

ص: 46

الاحتلام، و عدم صحتها، انّه لا شبهة في عدم نفوذ المعاملة التي استقلّ بها، و لو فيما إذا و كلّه المالك فيها، أو أوكل الولي إليه أمرها، للإجماع المنقول في لسان جمع من الأصحاب الاخبار، و غير واحد من الاخبار. و امّا إذا و كلّ في مجرد إجراء الصيغة، أو أوكل إليه أمره بعد المساومة و المقاطعة، ممن بيده إنفاذ المعاملة، ففيه اشكال، للعمومات، و عدم نهوض المنقول من إجماع الأصحاب، و اخبار الباب، لتخصيصها، اما الإجماع فإنّ المتيقّن من معقده، غير هذه الصّورة، و استثناء العلامة عنه، إيصال الهدية، و اذنه في دخول الدار، لا يكشف عن شموله لجميع أفعال الصبي الّتي منها محل البحث، فإنّ استثنائهما، إنّما يكشف عن دخول مثلهما، لا عن دخول عمل لم يستقلّ به، بل يكون إله في مجرّد إيقاع الصيغة كاللسان من الإنسان، و امّا حديث رفع القلم (1) ففيه مضافا الى مكان دعوى ظهورها في رفع خصوص المؤاخذة عنه كحديث الرفع ان رفع القلم عنه مطلقا، وضعا و تكليفا، لا يقتضي رفع القلم عن غيره بسبب فعله إذا كان باذنه، ففعله انّما لا يكتب بما هو مضاف اليه، لا بما هو مضاف الى الغير و قد صدر باذنه. و اما خبر عمد الصبي- إلخ- (2) فلان ظاهره ان الفعل الذي يقع على نحوين: عن عمد و عن خطأ، و يختلف بحسبهما حكمه، كما في باب الجنايات إذا صدر عن الصبيّ عمدا يكون كما إذا صدر خطأ، فلا يعم ما لا يكون الّا متقوما بالعمد و القصد، كالإيقاع و العقد، و لا يكون له حكم الّا بعنوانه و ان كان لا يكاد يكون الّا بالقصد.

و اما خبر «انّ الغلام أو اليتيم لا يجوز امره» (3)، فظهوره فيما إذا استقلّ في العمل مما لا يكاد يخفى، كما افاده (ره)، فلا يعمّ ما إذا كان وكيلا في مجرد إيقاع الصيغة، و بمنزلة اللسان من الإنسان. فافهم.


1- وسائل الشيعة: 1- 32- ب 4- ح 10.
2- وسائل الشيعة: 19- 307- ب 11- ح 2.
3- وسائل الشيعة: 1- 30- ب 4- ح 2.

ص: 47

[منها قصدهما لمدلول العقد]

اشارة

قوله (ره): (بل بمعنى عدم تعلق إرادته و ان أوجد مدلوله- إلخ-).

أي بمعنى عدم التوسل بإنشائه إلى حصول البيع و التسبيب اليه، حيث لا يكاد العقد بدون هذا القصد، و لا يخفى، انّ كلّ واحد من القصد الى اللفظ، و الى المعنى الاستعمالى، و الى هذا المعنى، من مقومات العقد، لا يكاد يتحقق بدون واحد منها، و معه لا وجه لجعله بأحد هذه المعاني من شروط المتعاقدين.

قوله (ره): (أقول مقتضى قضية المعاوضة و المبادلة، دخول كل من العوضين في ملك (1) الأخر- إلخ-).

فيه ان انتزاع مفهوم المعاوضة و المبادلة عن البيع، لبئس بلازم لا محالة، إلّا إذا قيل بأنّه قد أخذ في حقيقته دخول كل من الثمن و المثمن في ملك مالك الأخر، و هو محل تأمل، و كونه تمليكا بالعوض، لا يكون إلّا في قبال انّه ليس مجانيا، و على هذا، فالقصد، الى العوض و تعيّنه، لا يغني عن تعيين المالك المنتقل اليه الثمن أو المثمن، بل لا بدّ منه مطلقا، و ان قيل انّه قد أخذ في حقيقة البيع، دخول كل منهما في ملك الأخر، غاية الأمر عليه، لا يكاد ان يقصد أصل البيع بدونه، و على الأول لم يقصد بشخصه، لعدم قصد التّعيين الذي به تشخّصه، و لا بد من قصده، لعدم نفوذ العقد على المبهم، و لا يجدي التّعيين بعده. فافهم.

[في اعتبار تعيين الموجب و القابل للبائع و المشتري]

قوله (ره): (و اما تعيين الموجب لخصوص (2) المشترى، و القابل لخصوص البائع- إلخ-).

لا يخفى، ان العقد لما كان امرا ربطيّا بين الاثنين، لم يكد يتحقق إلّا إذا تواطئا و توافقا بحسب القصد، فلو قصد أحدهما تمليك الأخر نفسه، و قصد الأخر تمليك غيره وكالة أو فضولا، لم يتواطئا على واحد، فلا عقد بينهما، بل من كل واحد منهما إيقاع، نعم ربما يقال، بأنه يكفي قصد أحدهما


1- و في المصدر: أقول مقتضى قضية. كل من العوضيين في ملك مالك الآخر.
2- و في المصدر: لخصوص المشترى المخاطب.

ص: 48

ما يقصده الأخر إجمالا في البيع، و ان لم يعرفه تفصيلا، إذ لم يقم دليل على تعيينه، كما في النكاح، بالنسبة إلى تعيين الزوج و الزوجة، كما ان دليل نفى الفور، دلّ على لزوم تعيين العوضين فيه، و عدم كفاية توافقهما على ما عينه أحدهما بحسب قصده.

و بالجملة، اعتبار تعيين ما توافقا عليه، شي ء آخر، و الذي لا بد منه في تحقق العقد، التواطؤ على واجب بحسب القصد، فيكون وجه صحة البيع، لأجل قصد البائع غالبا ما قصده القابل، من دون تعلّق غرضه أصلا بشخص خاصّ و عدم دليل على تعيين من ينتقل اليه العين، بخلاف النكاح، حيث ان الغرض غالبا، متعلّق بخصوص شخص، و الدليل قد دلّ على اعتبار تعيينه، و إسناده إلى الوكيل غير صحيح عرفا، بخلاف البيع. فالفرق بين البيع و النكاح، ليس بعد توافقهما على لزوم التّواطؤ على واحد معيّن واقعا و لو إجمالا، إلّا في لزوم التعيين في النكاح شرعا، دون البيع، و صحة إسناد البيع عرفا الى القابل، و لو لم يكن باصيل، بل فضول، أو وكيل، فيكون قصد الموجب، بعتك لذاك الشخص الذي قصدته من نفسك أو غيرك، و عدم صحة إسناد النكاح الّا الى الأصيل. فتأمل في كلامه، زيد في علوّ مقامه، لعلّه يرجع الى ما ذكرنا، و ان كان ربّما يأبى ظاهر بعض فقرأته.

[فيما يتعلق بعقد المكره]

اشارة

قوله (ره): (و غير ذلك مما يوجب القطع بان المراد بالقصد المفقود في المكره، هو القصد الى وقوع اثر العقد- إلخ-).

أي القصد الى وقوعه شرعا، لو كان ملتفتا الى اعتبار الطيب في تأثيره، و امّا القصد الى وقوعه عرفا، و التوسل بإنشاء مضمونه الى تحققه كذلك ممّا لا بدّ منه في تحقّق العقد، و لا يكاد يكون إنشاء مضمون عقد بدون هذا القصد كما عرفت.

و بالجملة، محل الكلام بين الأعلام في عقد المكره، هو الذي لا يقصر عن عقد غيره، الّا انّه ليس برضاء و طيب منه، بل بالكره.

قوله (ره): (لكن الإنصاف انّ وقوع الفعل عن الإكراه- إلخ-).

لا يبعد دعوى صدق وقوع الفعل كرها فيما إذا وقع بسبب الإكراه،

ص: 49

بحيث لولاه لما وقع و ان كان التفصّى ممكنا، و لكن لا يتفصّى لعدم داعي عقلائي اليه كالتّورية، أو لوجود داعي كذلك الى عدمه، و ان أبيت إلّا عن عدم صدق وقوع الفعل كرها، الّا مع عدم إمكان التّفصىّ و لو بالتّورية، أمكن ان يقال بعدم الصّحة مع إمكانه، لمكان عموم «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ- إلخ-» (1) و «لا يحل مال امرء- إلخ-» (2) بناء على ثبوت الواسطة بين الإكراه و طيب النفس. فتدبّر.

قوله (ره): (و يظهر الثمرة فيما لو ترتّب اثر على خصوصيّة المعاملة الموجودة- إلخ-).

ظاهره انّ ترتّب الأثر على أحد الأمرين الّذين اكره على أحدهما دون الأخر، يمنع عن وقوعه مكرها عليه، فلو اختاره لترتب عليه أثره، و أنت خبير بان اختلافهما في الترتّب و عدمه، لا يوجب تفاوتهما في الوقوع كرها، ضرورة انّ الغرض انّه لو لا الإكراه لما اختار واحدا منهما و اختار أحدهما، لا محالة عن داعي أخر مطلقا اختصّ بالأثر أم لا، كما لا يخفى.

و بالجملة، يكون الإكراه على أحد الأمرين كافيا في وقوع ما اختاره مكرها عليه مطلقا، كان لكلّ واحد منهما بخصوصه أثر، أو كان لخصوص أحدهما. نعم يمكن ان يقال، انّ دليل ذي الأثر في الفرض أظهر، ففيما اكره مثلا على مباح أو محرم أو عقد فاسد أو صحيح، يقدم دليله على دليل رفع الإكراه، كما يقدّم لذلك دليل رفعه على دليله في غير مقام.

قوله (ره): (فاحتمل في المالك عدم الصحة نظر الى ان الإكراه يسقط حكم اللفظ- إلخ-).

لكن الظاهر هو الصحة، فإنّ الإكراه، إنّما يوجب رفع الأثر فيما كان رفعه منّه على المكره، و لا يكون في رفع صحة العقد الصادر عن الوكيل منة عليه. كما لا يخفى.


1- البقرة: 188.
2- وسائل الشيعة: 3- 424- ب 3- ح 1.

ص: 50

[فروع لو أكرهه على بيع واحد غير معين من عبدين فباعهما]

قوله (ره): (و الأوّل أقوى- إلخ-).

انّما يكون أقوى إذا كان بيع الجميع بداعي غير الإكراه، و امّا إذا لم يكن إلّا بداعي الإكراه، كما إذا كانت هناك ملازمة بحسب غرضه بين بيع أحدهما و بيع الأخر، حيث ان الإكراه حينئذ على بيع أحدهما يكون اكراها على بيع الأخر. و من هنا ظهر حال ما لو اكره على معيّن فضمّ اليه غيره و باعهما دفعة، بل لا يبعد ذلك فيما باع العبدين تدريجا أيضا. فتدبّر جيدا.

قوله (ره): (بل من جهة دفع الضرر (1) عن المكره بالكسر- إلخ-).

لا يخفى، انّ التّوعيد بالضرر على الغير، انّما يكون إكراها إذا كان الضرر عليه، يعدّ ضررا على المكره بالفتح، كما إذا كان الغير مثل من مثله به (ره)، أو كان دفع الضرر عنه فعلا و أحيا عليه، و الّا لا يكون اكراها، كما لا يخفى.

قوله (ره): (إذ يكفي فيه مجرّد قصد الإنشاء المدلول عليه- إلخ-).

قد عرفت في بعض الحواشي السابقة عدم كفاية ذلك، بل لا بد في صدق العقد و تحققه من قصد التّوسل به الى تحقق مضمونه.

و بالجملة لا بدّ فيه من ان يكون قصد الإنشاء بداعي التّوسل، كما إذا لم يكن هناك إكراه و لم يكن بينهما تفاوت، الّا ان اختياره هيهنا، لأجل الفرار عمّا وعده به، بخلاف سائر الموارد.

قوله (ره): (و كذلك على القول بالكشف بعد التأمل- إلخ-).

لكن مع القول بدخله بطور الشرط المتأخّر في التأثير، و امّا على القول بعدم الدّخل فيه أصلا، بل انّما يكون له الكشف عما هو المؤثر فمشكل، فان الرّضاء حينئذ يكشف عن نفوذ عقده الصادر عنه كرها. فافهم.

قوله (ره): (الّا ان يقال ان أدلة الإكراه كما ترفع السببيّة المستقلّة- إلخ-).

إنّما ترفع مطلق الأثر فيما كان ذاك الأثر، بمقتضى الإطلاقات


1- و في المصدر: بل من جهة دفع الضرر اللاحق عن المكره بالكسر.

ص: 51

نفسها وحدها، لا فيما إذا كان ثبوته بملاحظة أدلة الإكرام، كما هو الفرض.

فافهم.

قوله (ره): (و هذا أمر عقلي قهري، يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام هو المجموع منه و من الرضاء- إلخ-).

فكيف يمكن دفعه بأدلّة الإكراه من غير فرق بين ان يكون دخل الرضاء بنحو الشرط المتقدم أو المتأخر، و اما لو لم نقل بدخله أصلا بل به الكشف عماله تمام الدخل سابقا، فقد عرفت انه مشكل، و لعله أشار إليه بأمره بالتأمل، كما يمكن ان يكون إشارة الى ما ذكره من جعل الشرط على الكشف وصف التعقّب بالرضا، خلاف ظاهر القائلين بالكشف، بل الشرط نفس الرضاء، كما إذا كان متقدما على ما سيجي ء تحقيقه منا بما لا مزيد عليه إن شاء اللّه تعالى، فانتظر.

[بقي الكلام في أن الرضا المتأخر ناقل أو كاشف]

قوله (ره): (و فيه ان مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه بل نفس النقل- إلخ-).

و ذلك لانّ مفاد العقد بإطلاقه، ليس إلّا إرسال النقل و إطلاقه لا تحديده، و تعيين زمان حدوثه و لازمه حدوثه عند وجود علّته، و هذا غير إبهام النقل كي لا يصحّ العقد عليه. فافهم.

[فيما يتعلق بعقد العبد]

قوله (ره): (قال اللّه تعالى ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً الآية (1)-).

الاستدلال بها على عدم استقلال العبد في أموره، يتوقّف على كون لا يقدر صفة موضحة، كما كان قوله تعالى «مَمْلُوكاً» (2) كذلك، لا مقيّدة، كما انّه الظاهر المؤيّد بأنّ قضية المملوكيّة، عدم استقلاله في امره، و يساعد عليه، استشهاد الامام (ع) على عدم نفوذ طلاقه (3)، لكن لا يبعد ان يكون الشي ء قد كنى به عن خصوص عناوين المسببات، من نكاح، و طلاق، و بيع، و شراء، و نحو ذلك، و يكون المراد من عدم قدرته عليه، عدم القدرة


1- النحل: 75.
2- النحل: 75.
3- وسائل الشيعة: 15- 343- ب 45- ح 1.

ص: 52

على الاستقلال بإيقاعها بنفسه بلا اذن و رضاء من سيّده، فلا يعمّ إيقاعها باذنه له، و لا إيقاعهما لغيره بدون اذن السيّد و باذنه، فلا دلالة لهذه الآية على عدم نفوذ ما أوقعه لغيره باذنه، من نكاح، أو طلاق، أو غيرهما من المسببات، فضلا عن الأسباب، كما إذا اذن الغير في مجرد إيقاع الصيغة له، و ان أبيت، إلّا عن عدم ظهور الآية في خصوص ذلك، فلا أقل من كونه المتيقن من إطلاقها، و ان أبيت عن ذلك أيضا، فلا أقلّ من كون سائر العمومات و الإطلاقات الدّالة على النّفوذ أظهر منها في عدم نفوذ إيقاع المسبّبات لغيره باذنه، فضلا عن مجرّد إيقاع الصيغة.

قوله (ره): (الا ان الأقوى، هو لحوق اجازة المولى- إلخ-).

بناء على شمول إطلاق الشي ء للأسباب، كما هو مفروض كلامه- ره- يمكن منع لحوق الإجازة، فإنّه يستلزم استقلاله في إيجاد السبب الاستعدادي، الا ان يمنع عن الشمول لمثل هذا الأمر، و لو قيل بالشمول للأسباب. فتدبّر جيّدا.

قوله (ره): (بل يمكن جعل نفس الإيجاب موجبا للاذن- إلخ-).

بل كاشفا عن سبق الرضاء فيكون المشترى قابلًا في زمان الإيجاب أيضا. فلا تغفل.

قوله (ره): (و فيه ما عرفت من انّ وجه المنع، أدلة عدم استقلال العبد في شي ء- إلخ-).

لكنه يوجب المنع و الفساد هيهنا، لو لم يكن للوكيل وكالة مطلقة، بحيث يعمّ، بيعه منه، و الّا كان صحيحا لما عرفت في بيع المولى، كما لا يخفى.

[القول في العقد الفضولي]

اشارة

قوله (ره): (و ان كان الذي يقوى في النفس لو لا خروجه- إلخ-).

لا يخفى، أن كفاية الرّضاء السّابق و عدم التوقف على الإجازة، انّما يكون لو كانت قضيّة الإطلاقات و العمومات، نفوذ العقد على ملك أحد، و لو لم يكن منه و لم يصر عقده إذا كان برضاه، مع ان الظاهر من الآية، انّما هو وجوب الوفاء على كل أحد بعقده، لا بعقد غيره، و لو على ملكه ما لم يصر عقده، و مجرد رضاه بمضمونه، لا يوجب كونه عقده و عهده، ما لم يكن بإذنه، أو

ص: 53

تلحقه أجازته، و كذلك المنساق من إطلاق مثل «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ- الآية-» (1)، انّما هو نفوذ بيعه الصادر منه، أو المضاف اليه، و لو بإجازته، مع ما عرفت سابقا، من منع إطلاقه لوروده في مقام تحريم الرّبا، كما لا يخفى.

نعم لو كان العقد صادرا عن المالك فيما يتعلّق به حقّ الغير، كالعين المرهونة، لا يبعد كفاية رضاء الغير و عدم التّوقف على إجازته، فإنّ رعاية حقّه، لا يقتضي إلّا مراعاة رضائه في نفوذ عقد المالك على ملكه المرهون.

[المسألة الأولى أن يبيع للمالك مع عدم سبق منع للمالك]

قوله (ره): (و لكن لا يخفى انّ الاستدلال بها، يتوقّف على دخول المعاملة المقرونة برضاء المالك في بيع الفضولي).

قد عرفت دخولها فيه، فيما عقد على ملك الغير، لكنه يتوقّف على عدم كون (عروة) (2) وكيلا في معاملاته (صلى اللّه عليه و آله)، و لا يكون امره بالاشتراء ظاهرا في عدم كونه وكيلا، و لا بتركه ظاهرا في الإجازة، كما لا يخفى.

قوله (ره): (و يمكن ان يكون الوجه في ذلك ان إبطال النكاح- إلخ-).

كما يمكن ان يكون الوجه هو ان احتياط الشارع، و حرمة عدم إبطال النكاح و التوسعة في امره، لئلا يقع الناس كثيرا في الزنا، و كذلك شرع عقد التمتع، و لم يقتصر على الدائم، فيكون المراد، هو احتياط الشارع بهذا المعنى، لا احتياط المكلّف، كي يشكل بان الأمر فيه دائر بين المحذورين بلا احتياط في البين، كما لا يخفى.

قوله (ره): (و عدّ هذا خارجا عن الفضولي (3) بالنّص- إلخ-).

يمكن خروجه عنه موضوعا بدعوى انّ المالك، و ان عيّن ضربا من المتاع، الّا انه بنحو العقد في المطلوب، فيكون ما اشتراه العامل في صورة ظهور الرّيح على وفق غرضه أيضا، و يقتضه عقد مضاربته، و ليس قضيّة التّعيين،


1- البقرة: 275.
2- مستدرك الوسائل- 2- 462- ب 18.
3- و في المصدر: وعد هذا خارجا عن بيع الفضولي بالنّص.

ص: 54

الّا ضمان العامل فيما إذا تخلّف، لا الخروج عمّا هو مقتضى المضاربة رأسا.

فافهم.

قوله (ره): (مع انّ تحريمه لا يدلّ على الفساد- إلخ-).

انما لا يدلّ قوله «لا يجوز لأحد التصرف على الفساد- إلخ-» إذا كان الجواز المنفي، هو الجواز التكليفي، و امّا إذا كان بمعنى النفوذ، ففي موارد التكليف، يكون منعا تكليفيّا، و في موارد الوضع منعا وضعيّا، فتفطّن.

قوله (ره): (خصوصا إذا كانت الإجازة ناقلة- إلخ-).

أو كانت كاشفة مع دخلها بنحو الشرط المتأخّر، على ما سيأتي تحقيقه، امّا لو قيل بالكشف و عدم الدخل أصلا، فلا ريب في صدق التّصرف على بيع الفضول، كما لا يخفى.

[المسألة الثانية في ما لو سبق المنع من المالك]

قوله (ره): (و امّا ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد و لو آنا ما، فلم يدل دليل على كونه فسخا- إلخ-).

هذا مع انّه لو كان المنع الباقي مؤثرا، كان مجرّد عدم الرّضاء بالعقد مانعا عن تأثير الإجازة أيضا، و ان لم يسبق منه منع، و كان المنع السابق غير مؤثر مع ارتفاعه حال العقد، و يمكن الاستدلال على عدم تأثير الإجازة هيهنا، بما استدل به على عدم تأثيرها مع سبق العقد، من انّه معنى لا يضاف العقد بها الى المجيز عرفا كالردّ، لكن الظاهر انّه ليس كذلك، فان المنع و الردّ يتفاوتان في ذلك عرفا، فلا حظ.

[المسألة الثالثة في بيع الفضولي لنفسه]

قوله (ره): (إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الأخر- إلخ-).

قد مرّ في باب المعاطاة، انّ حقيقة البيع، ليس الّا التّمليك بالعوض، و لا يعتبر دخول أحد العوضين في ملك من خرج عن ملكه الأخر، فيكون مع قصده الى بيع مال الغير لنفسه قاصدا الى ما هو البيع و ما هو المعاوضة بهذا المعنى، و اما بناء على ما افاده، من اعتبار ذلك في قوامه، فالتّفصى عن هذا الاشكال بما ذكره، مع انّه غير سديد، إذ لا يكون بيع الغاصب مترتبا على هذا البناء غير مفيد، إذ الدخول لو كان معتبرا كان هو

ص: 55

الدخول حقيقة و لو عرفا، و مجرّد البناء على المالكية، لا يوجب ذلك، و انّما يوجب قصده الى دخول عوضه في ملكه، و يدعوه الى قصد تملكه بنفسه و شخصه، لا بما هو المالك، فلا يكون بذلك قاصدا إلى المعاوضة. نعم لو كان مجرّد ذلك البناء مملكا و لو بنظر العرف، كان موجبا للقصد إلى المعاوضة، و ليس كذلك، كما هو واضح.

و بالجملة، لو كان هناك من الغاصب بناء، لا يكاد يكون الّا داعيا الى قصد تملك العوض بشخصه و بذاته، لا تملك المالك، مع دعوى انطباقه عليه، و البناء على انه المالك، كما هو ظاهر، ثم انّه على ما ذكرنا، من عدم الاعتبار، ربّما يشكل أيضا تحقّق العقد منه، حيث لا يتأتّى منه القصد الى التّوسل الى تحقق ما إنشائه بعد علمه بعدم تأثيره أصلا، لا شرعا، و لا عرفا، الّا ان يمنع عن ذلك، و قيل: بكفاية قصد التّوسل الى مضمونه، و لو بحسب نظره قبالا لما إذا كان داعيه على إنشاء غير ذلك هذا.

قوله (ره): (و اما كون الثمن مالا له أو لغيره، فإيجاب البيع ساكت عنه- إلخ-).

لا يخفى انّ البائع لنفسه لا محالة، يكون قاصدا لتملّك الثّمن و صيرورته ملكا له ابتداء بإزاء ما ملكه كذلك، أو بعد البناء منه على ملكيته عدوانا، أو اعتقادا، على ما عرفت في الحاشية السابقة إذ لا معنى لعدم قصد تملك الثمن أصلا و لا لقصد تملك المالك بنحو العنوان كما لا يخفى و ان الملكية اعتبار خاص بين الشي ء و أعيان الأشخاص لا عنوان المالك مع انه قد عرفت في الحاشية السابقة انّ البناء على الملكيّة لا يكون الّا داعيا له الى قصد تملّكه بنفسه، بلا قصد تملّك المالك أوّلا، و قصد تملّكه ثانيا، للبناء على انّه المالك عدوانا، أو اعتقادا، و مجرّد كون هذا مملكا أيضا، لا يوجب ان يكون بلا داعي يدعو اليه، و لا يكاد يكون له بحسب المتعارف داعي، و لو اتفق حصوله أحيانا، لاختّص التّصحيح بما افاده به و لا يعم ما هو المتعارف من بيع الغاصب لنفسه. فتفطّن. و قد انقدح بذلك، فساد ما افاده بقوله «فالمنسوب اليه التّملك انّما هو المتكلم- إلى أخر كلام-».

ص: 56

قوله (ره): (اما الأول فلانّ صحة الاذن في بيع المال لنفسه أو الشراء لنفسه ممنوعة- إلخ-).

لا يخفى، ان قضيّة ما تقدّم، لو سلّم انّما هو عدم صحة الإذن لو لم يكن تمليكا ضمنيّا، بل كان الاذن بتملّك الثّمن بإزاء ملكه لما ادّعاه من عدم معقولية التملك بعوض مال الغير، لا فيما لو كان منضما للتّمليك أيضا ضرورة عدم تأتى ما افاده- ره- معه، معه، مع انّك قد عرفت منعه.

قوله (ره): (لأن الاذن في البيع يحتمل فيه ان يوجب من باب الاقتضاء تقدير الملك آنا ما قبل البيع- إلخ-).

لا يخفى، انّ تقدير الملك من باب الاقتضاء لا يكاد يصار اليه الّا إذا كان هناك دليل على نفوذ البيع بإذن المالك للبائع، مع انّه لا يكون معقولا بدون ملكه، فيقدر ليعقل، و هذا بعينه جار في الإجارة، ضرورة انّه إذا نهض الدّليل على صحة البيع للفضول مع الإجازة، فلا محيص عن تقدير الملك من باب الاقتضاء قبله، كي يعقل، فالقياس بلا فارق أصلا، و لو لم يقم دليل على صحة البيع لما كان وجه للتقدير مع الاذن من هذا الباب، هذا على ما هو المفروض في كلامه (ره) من الملك التقديري، و هو غير الملك الضّمني في كلام البعض، فإنّه ملك حقيقي حصل ضمنا بسبب الاذن هيهنا، و البيع و العتق في باب: أعتق عبدك عنّى، و عليه يمكن ان يكون الإجازة متضمّنا كالإذن، لكنه يصير حينئذ من قبيل: باع ثم ملك، و يأتي تحقيق القول فيه، مع انّه على تقدير الدليل على صحة البيع بالإجازة للمالك، يمكن ان يكون وجه المقايسة انّه كما ان صحة البيع في صورة الإذن بالالتزام بالتّمليك الضّمني، كان صحة البيع مع الإجازة بالالتزام بالتّمليك التّقديري. فافهم و تأمل، فإن المقام لا يخلو عن دقّة.

قوله (ره): (و امّا الثاني فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع- إلخ-).

قد عرفت منع منافاته لحقيقته، فتلخّص مما ذكرنا في هذه الحواشي، انّ الإجازة في الصورة، انّما تكون موجبة لوقوعه للبائع لا للمجيز، نعم لو كان قاصدا لوقوعه له لما كان مجيزا للعقد، فلو قام دليل على نفوذه له، فلا محيص

ص: 57

عن القول بنفوذه تعبّدا على خلاف القواعد، لكن بقي شي ء، و هو انّه يمكن ان يقال: انّ الغاصب في بيعه لنفسه، لا يقصد إلا إنشاء التّمليك بالعوض، من دون قصد تملكه للثمن بنفس العقد، بل انّما قصد التّصرف فيه بعد التوسل به اليه، كما كان متصرّفا في المثمن عدوانا على المغصوب عنه، حيث لا داعي له الى قصد التملّك بالعقد بعد التمكّن من مبهمة بدونه، و عدم مدخليّته أصلا في الوصول الى مقصوده، كما لا يخفى و حينئذ فلو قام دليل على نفوذه للمالك في الصّورة يمكن ان ينزل على ذلك، اى ما إذا قصد كذلك نعم انما يشكل فيما إذا كان البائع معتقدا لملكيّة المبيع. فتأمل.

قوله (ره): (ثم ان مما ذكرنا من ان نسبة تلك العوض حقيقة- إلخ-).

لا يخفى انّ الاشكال النّاشى من قبل عدم جواز الرجوع الى الغاصب بحاله ضرورة ان عدم جواز الرجوع لو كان كاشفا عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقيّة، كما هو مبني الاشكال، كان كاشفا عنه، و لو مع قصد الغاصب تملّك المالك الحقيقي أولا، و نسبته المالك إليه حقيقة، و نسبته اليه ثانيا، للبناء على انّه المالك، نعم لو قيل بجواز الرّجوع مع هذا القصد، لا يكون هناك اشكال من رأس، كما لم يكن أصلا، لو قيل به مطلقا، كما لا يخفى.

و بالجملة، لا يكاد ينفع بذلك الاشكال الاتى من قبل القول بعدم جواز الرّجوع، و مع القول بجوازه، لا اشكال قيل بما ذكره أوّلا، فتفطّن.

قوله (ره): (انما يتوجه على القول بالنقل حيث انّ تسليط المشترى للبائع- إلخ-).

انما يتوجه على هذا القول، لو قيل بجواز التصرّفات المنافية من الأصيل و نفوذها، و الّا فلا، حيث لم يكن له قبل الرّد تسليطه على الثمن، و يأتي تحقيق القول فيه، إن شاء اللّه تعالى.

[بقي هنا أمران]
[الأوّل أنه لا فرق على القول بصحة بيع الفضولي بين كون مال الغير عينا أو دينا أو في الذمة]

قوله (ره): (فكذلك قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين الثمن الكلي بإضافته- إلخ-).

إنّما يغني عنه، إذا كان قاصدا بذلك للمعيّن إجمالا، و الّا فمجرّد قصده، لا يوجب تعيّنه، و مجرّد استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير من

ص: 58

خرج عنه الأخر لو سلم، لا يوجب ذلك بلا قصد، و الّا يلزم حصول تمليك شخص خاصّ، أو تملّكه بلا عقد، لوضوح تبعيّة العقد للقصد، فانقدح بذلك انه لا يكاد يتحقق تمليك أحد لشي ء أو تملكه بدون قصده تفصيلا أو إجمالا و الّا كان بلا عقد فانقدح فساد ما افاده فيما بعد من صرف الكلّي إلى ذمّة أحد، أو صرف البيع، أو الشراء اليه، و ان لم يقصده، أو لم يضفه اليه، الّا ان يكون مراده، ان يقصده تفصيلا لا مطلقا. فافهم.

[الثاني الظاهر أنه لا فرق فيما ذكرنا من أقسام بيع الفضولي بين البيع العقدي و المعاطاة]

قوله (ره): (بناء على إفادتها للملك- إلخ-).

بل مطلقا، بناء على ما أسلفناه من انّها يصير بيعا شرعا بالتصرف، و ان كانت قبله مؤثّرة، للإباحة المالكيّة أو الشرعية، و ليس حال التصرف فيه، الّا كحال القبض في الصرف و السّلم، لكن هذا، اى عدم التفرقة بين البيع العقدي و المعاطاة، انّما يتمّ على تقدير كون صحّة المعاطاة على القاعدة، و اما لو نوقش فيه كما تقدم، و قيل بها لأجل السيرة، فلا بدّ في الفضولي من الاقتصار على العقدي، لأن المتيقن من موردها، غير الفضولي من المعاطاة.

قوله (ره): (مع انّ حصول الإباحة قبل الإجازة غير ممكن- إلخ-).

لو كانت الإباحة مالكية، و اما إذا كانت شرعية، فيمكن الحكم بها قبل الإجازة على الكشف فيما إذا علم لحوقها، فإنّ الإباحة على هذا أثرها أيضا كالملكيّة بعد التصرف، فاذا كانت المعاطاة واجدة للشرط واقعا، من لحوق الإجازة، كانت ثبوتها لها قبل التّصرف، كما كانت مؤثرة للملكيّة بعده. فافهم.

[القول في الإجازة و الرد]
[الكلام في الإجازة]
[أمّا حكمها]

قوله (ره): (و عن فخر الدّين الاحتجاج لهم بأنّها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود- إلخ-).

و ليكن مراده بأنّها لو لم تكن كاشفة عن سبق الملكية بعلّتها التّامة، بلا مدخلّيتها أصلا، و بلّا لزم دخل المعدوم في التأثير، كما لا يخفى.

و بالجملة، الإشكال بتأثير المعدوم في الموجود، يرد على كل واحد، من القول بالكشف، بناء على دخل الرّضا، و القول بالنقل، فلا وجه للفرار

ص: 59

عن أحدهما إلى الأخر لذلك. و امّا بناء على عدم دخله، فيلزم كون الفضولي على خلاف قاعدة اعتبار رضاء المالك في نفوذ تصرّف الغير في ملكه، اى على خلاف قاعدة وجوب الوفاء بالعقود، ضرورة ان المخاطب بوجوب الوفاء، انّما هو المالك، و لا يكاد يكون العقد الفضولي، عقدا للمالك بلا اجازة لا حقة منه، فلا بدّ من الاقتصار في نفوذ الفضولي على مقدار مساعدة خصوص الدليل عليه، و من الواضح انّه لا خلاف ما عليه القائلون به، من انّ صحته تكون على القاعدة، و لا يخفى انّ الاشكال تأثير ما عدم في اللّاحق، أو لم يوجد في السابق، مما لا اختصاص له بالمقام، بل سار في العبادات المركّبة أو المقيّدة بأمر قد انعدم، أو لم يوجد في قاطبة المعاملات، بل الإيقاعات، الى غير ذلك، ضرورة تأثير الإيجاب المعدوم، بل القبول بغير جزية الأخير، بل مطلقا فيما يعتبر فيه شرط، من قبض، كما في الهبة، و الرهن، و نحوها، أو تصرّف كما في المعاطاة في الموجود من الملكيّة، و الزوجيّة، و نحوهما، و هكذا حال الإيقاعات، فإنّ صيغتها متصرّمة غير قارة باجزائها وجودا، فلا يكون تمام ما هو المؤثر في الانفكاك عن الرّقية، أو الزّوجية في العتاق، و الطلاق عند التأثير بموجود، و من هنا انقدح عدم اختصاص الاشكال بالشرط المتأخر، كما اشتهر، بل يعمّ المقتضى المتصرم، أو الشرط المتقدّم، المتقدّمين حال التأثير، و قد حققنا القول في التّفصي عن الإشكال في البحث، و في بعض فوائدنا بما خلاصته، انّ ما يتخيّل انّه سبب متصرم، أو شرط غير موجود بعد، أو متقدم، لا يكون إلّا في الاعتبارات التي تكون واقعيّتها بمنشإ انتزاعها، و تحقق ما يصحّ به اختراعها، و لا يكون لها تحقّق في الخارج، الّا بتحققه و وجوده، كالزوجية، و الملكيّة، و الحريّة، و الرّقية، و الوجوب، و الحرمة، الى غير ذلك من الاعتبارات التي ليست من المقولات الّتي تكون محمولة بالضمية، و موجودة في الخارج، و لو في الموضوع، حيث يتخيّل فيها، انّ الأمور المتقدمة عليها، أو المتأخّرة عنها، صارت مؤثّرة فيها في غير واحد من المقامات، كما أشرنا إليها إجمالا، و الّا في الأفعال الاختياريّة بما هي اختياريّة، حيث يتخيّل انّ لبعض ما سبقها أو يلحقها، ربّما يكون له دخل فيها، بحيث لو

ص: 60

لا سبقة أو لحوقه، لما كادت تكون و ليس الأمر كما تخيّل في واحد من المقامين:

اما الأوّل: فلانّ العلة حقيقة، و الذي يوجب اعتبارا من تلك الاعتبارات واقعا، ليس الّا لحاظ ما هو منشأ الانتزاع، و تصور ما به يصحّ الاختراع، فلا يكون دخل ما يسمّى سببا كالعقد، أو شرطا كالقبض في الصّرف، أو غيرهما، مقارنا كان للأثر، أو مقدما، أو مؤخّرا، الّا بلحاظه و اعتباره، و وجوده في الذهن، فيقارن المؤثر لأثره، لا بوجوده في الخارج، كي لا يقارن له، و من الواضح انه كما يصح اختراع اعتبار بلحاظ ما يقارنه، يصح بلحاظ أمر سابق، أو لاحق، بل ربّما لا يكاد يصحّ بلحاظه مع مقارنته، ضرورة انّ حسن فعل، أو قبحه، أو مطابقته لغرضه، انّما يكون بلحاظ لحوق شي ء أو سبقه، بحيث لولاه، لما كان يتصف بأحدهما، أو بالمطابقة للغرض، كما لا يخفى.

و امّا الثاني: فلان العلة في الفعل الاختياري بما هو اختياري، ليس الّا تصورّه بأطرافه و خصوصياته العارضة عليه بلحاظ أكنافه بما سبقه، أو قارنه، أو لحقه، و تصوّر ما يترتب عليه، من الأثر، و هيجان الرّغبة فيه، و الجزم و العزم المتعقّب بتحريك العضلات، و ليس واحد من أطرافه، و لا ما هو فائدته بوجوده في الخارج، مؤثرا في تحريكها بالإرادة، كي يلزم تأخر السبب أو الشّرط عن مسبّبه أو مشروط أو عدم مقارنته معه، بل بوجودها في الذهن، مع سائر المبادي الوجدانيّة، و هي مقارنته لوجوده، كما هو واضح، فأين انثلام القاعدة و انحزامها.

هذا بعض الكلام بما يناسب المقام، و من أراد الاطّلاع التّام فعليه المراجعة إلى الفوائد. (1)

فإذا ظهر لك انّه لا يلزم على واحد من القولين محذور تأثير المعدوم في


1- أي الرسالة التي سمّيت بفوائد الأصول و قد طبعت مرتين مع حاشية الفرائد منه- قدس سره- و من شاء فلينظر بها.

ص: 61

الموجود، علمت انّ المتّبع في تعيين أحدهما، هو الدّليل، و لا يخفى انّ قضيّة قاعدة وجوب الوفاء بالعقود، بعد التّقييد بطيب المالك، و رضاء من له الاختيار، هو تحقق مضمونها، بعد تحقق العقد و الرضاء، فكما لا يكاد يكون بحسب القواعد، تحقق مضمون عقد ينعقد فيما بعد من قبل، كذلك هيهنا لا يكون العقد الفضولي، عقد المالك قبل الإجازة، فكيف يكون مضمونه من قبل بمجرد وجودها فيما بعد، و كذا الحال في عقد المكره، فلا وجه للقول بالكشف بمعنى تحقق المضمون قبل ذلك، لأجل تحققها فيما بعد، نعم بمعنى الحكم بعد الإجازة بتحقّق مضمونه حقيقة، مما لا محيص عنه بحسب القواعد، فلو أجاز المالك مثل الإجازة الفضوليّة بعد انقضاء بعض مدّتها، أو الزوج، أو الزّوجة عقد التّمتع كذلك، اى بعد انقضاء بعض المدّة، فيصح اعتبار الملكية حقيقة للمستأجر، و الزوجية لهما في تمام المدّة الّتي قد انقضى بعضها، بل و لو انقضى تمامها، لتحقق منشأ انتزاعها.

فان قلت: كيف يصح هذا، و كان قبل الإجازة ملكا للموجر؟ و لم يكن هناك زوجيّة الّا انّه يكون مساوقا لكون شي ء بتمامه ملكا لاثنين في زمان واحد، و اجتماع الزّوجية و عدمها كذلك، أي في زمان واحد. قلت:

لا ضير فيه، إذا كان زمان اعتبار ملكية لأحدهما في زمان، غير زمان اعتبار الملكية للآخر في ذاك الزمان، لتحقق ما هو منشأ انتزاعها في زمان واحد لكل منها في زمانيين، و كذا الزوجيّة و عدمها، و حيث لم يكن قبل الإجازة، ما يصح معه انتزاع الملكيّة أو الزّوجية للمجيز من العقد، لم يصح الّا انتزاع ما صحّ انتزاعه قلة، و لما وجد معها ما يصحّ معه ذلك، كان اعتبار الملكيّة أو الزوجية له من حينه حينئذ مما لا محيص عنه، ضرورة ان قضيّة صحة العقد و نفوذه بالإجازة، صحة اعتبار مضمونه، و صيرورته منشأ لانتزاعه و سيا لاختراعه، فيترتّب على الملكيّة في ذاك الزمان، أو الزوجيّة، كل ما كان لها من الآثار التي يمكن ترتّبها عليها في الان. هذا فيما إذا كان العقد من مثل الإجارة و التمتع، و كذا إذا كان مثل البيع، و النكاح الدّائم، فإن قضيّة إطلاقها، هو القصد الى مضمونه مطلقا، و مرسلا بلا تحديد في اوّله و لا في

ص: 62

آخره، و لم يلحظ فيه تقييد و تحديد بزمان، الّا إرسال و الإطلاق، و لازمه تحقّقه مقارنا لزمان وجود علته، و هذا غير الإبهام و الإهمال الذي لا يكاد يصحّ العقد عليه، كما مر في عقد المكره. و اما كشف الإجازة عن سبق العلة التامة، كما يظهر من المحقق الثاني، و كذا اكشفها عن سبق الأثر مع دخلها في التأثير، كذا النقل و الكشف الحكمي، كما افاده- ره- فعلى خلاف ما يقتضيه القواعد، لاقتضائها دخل الرّضاء و الطيّب في التأثير، دخل الشرط المقارن، كما انّ قضيّة الصحة بعد لحوق الإجازة، هو تحقق مضمون العقد كما قصد على ما عرفت فلا بد في المصير الى واحد منها، من دليل خاص، و ليس، فان ما افاده لا يوجب ظهور صحيحة ابى عبيدة (1) في الكشف فان ما في الكشف من المخالفة للقاعدة، ليس بأهون مما في العزل على تقدير عدم الحمل على الكشف. فتأمل.

قوله (ره): (كان العزل مخالفا لقاعدة تسلط الناس- إلخ-).

و كان تلقى الزّوجية لنصيبها من الورثة، لا من الميت، ثم لا يخفى ان ذلك انما يكون إذا قيل بدخول المعزول في ملك الورثة، و الّا لم يلزم الّا مخالفة قاعدة ما تركه الميت فلوارثه.

قوله (ره): (اما الثمرة على الكشف الحقيقي بين كون نفس الإجازة- إلخ-).

لا يكاد يظهر بينهما على الكشف ثمرة عملية أصلا كما لا يخفى. نعم فيما إذا شكّ في لحوق الإجازة، لا بد من الرجوع الى أصالة عدم لحوقها، بناء على كون نفس الإجازة شرطا، و من الرجوع الى أصالة عدم تحقق ما هو سبب النقل من العقد الملحوق بالرضاء، بناء على كونها كاشفة عن السبب التامّ، فيتاوتان في طريق إثبات حكم العمل مع انفاقهما فيه.

قوله (ره): (فإن الوطي على الكشف الحقيقي حرام ظاهرا، لأصالة عدم الإجازة- إلخ-).

لا يخفى انّ أصالة عدم الإجازة انما يجرى إذا كان نفس الإجازة


1- وسائل الشيعة: 15- 71- ب 58- ح 2.

ص: 63

شرطا، كما هو مبني كلامه (ره) «ظاهرا» و امّا إذا كانت كاشفة عن السبب التام فلا مجال لها بلا كلام، فلا بد في الحكم بأنّه حرام، من أصالة عدم ذاك العقد الخاص عند الشك، في أنّ الموجود من أفراده أو من سائر أفراد العام.

قوله (ره): (و ضابط الكشف الحكمي، الحكم بعد الإجازة- إلخ-).

ضابطه انما يكون ذلك، إذا ساعد دليل على ترتيب جمع الآثار، و الّا فلا بدّ من الاقتصار على مقدار يساعد عليه، أو متيقن منه، حيث لم يكن قبل الإجازة ملكيّة حقيقيّة على هذا الكشف، بل تنزيليّة. و من هنا يظهر الإشكال في صيرورة الجارية الموطوئة قبل الإجازة، أمّ ولد. نعم جميع الآثار يترتب، بناء على الكشف بالمعنى الذي ذكرناه، لاعتبار الملكيّة حقيقة من حين العقد بالإجازة، و من جملتها الحكم بصيرورة الجارية أمّ ولد. فتدبّر.

قوله (ره): (فان العقد تامّ من طرف الأصيل- إلخ-).

لا يخفى، انّ العقد لو كان تاما، نافذا من طرفه، كان كذلك على النقل أيضا، ضرورة ان التفاوت بينهما في دخل الرضاء في التأثير بنحو الشرط أو المتأخّر، لا يوجب تفاوتهما في تمامية العقد من طرف الأصيل و عدم تماميته. نعم العقد على الكشف، بمعنى كون الإجازة كاشفا محضا بلا دخل في التأثير أصلا، و ان كان تاما من طرفه على تقديرها، الّا انه كذلك من طرف الفضولي، و من هنا ظهر انّ ما جعله مبنىّ لجواز الفسخ من طرف الأصيل على النقل، لو صحّ، لكان موجبا لجوازه على الكشف أيضا، لاستواء نسبته إليهما، كما لا يخفى.

قوله (ره): (بل مقتضى العموم وجوبه حتى مع العلم بعدم اجازة المالك- إلخ-).

لا يخفى، انّه لا وجه لوجوب الوفاء في صورة العلم بعدمها أصلا، ضرورة التّقييد بالإجازة، أو بما هي كاشفة عنه، أو محققة له، على الاحتمالات في الكشف الحقيقي، فكيف يجب الوفاء في هذه الصورة على الأصيل، بناء على الكشف المشهودى، مع مساواته مع الكشف عند المعاصر

ص: 64

له في التقييد بها و هو منتف في الصورة، و لو كان المراد من الكشف المشهودى، هو كشف الإجازة عمّا هو السبب التّام، بلا دخل لها في التأثير، كما يدلّ عليه قوله «فيما بعد»، فالذي يجب الوفاء به، هو نفس العقد، من غير تقييد، ضرورة ان مراده من نفى التقييد، انما هو نفى التقييد بالرضاء، و الّا فالتخصّص و التقيّد بما يكشف عنه الإجازة، مما لا محيص عنه، كما لا يخفى، فمع عدم الإجازة، لا يكون العقد الواقع، ذاك المقيّد أو الخاصّ، فلا يجب الوفاء به على الأصيل أيضا، و قد أشرنا سابقا، و في بعض الحواشي على الخيارات، ان الأمر بالوفاء بالعقود في الآية (1)، كناية من تحقّق مضامينها، و هو مما لا يكاد يختلف بالنسبة إلى طرفيها، و بيّنا بما لا مزيد عليه، انّه لا يصحّ ان يراد منه وجوب ترتيب الآثار، كي يمكن اختلافه بالنسبة إليهما، و بالنسبة إلى الآثار، كما افاده- ره- فراجع.

قوله (ره): (و اما على المشهور في معنى الكشف من كون نفس الإجازة شرطا لكون العقد (2) مؤثرا- إلخ-).

ربّما يقال، انّ قضية الشّرطية ان يكون العقد المقيّد واجب الوفاء، لا نفس العقد، من غير تقييد، كما هو واضح. اللهم الّا ان يقال، انّ الإجازة انّما تكون شرطا و موجبا لصيرورة العقد سببا، و علة تامة، لا جزء لها، و بعبارة أخرى، يكون شرطا لصيرورته مقتضيا، لا لاقتضائه، فتأمل.

قوله (ره): (و مقتضى الوفاء في العقد حرمة رفع اليد- إلخ-).

لا يخفى، انّ الوفاء بالعقد أو العهد، هو العمل على طبقه، و المشي على وفقه، إذا كان مضمونه امرا اختياريّا، كما في نذر السبب و الفعل و الالتزام به، إذا لم يكن كذلك، كما هو الحال في العقود، و في نذر النتيجة، و قد بيّنا في غير المقام، انّ الأمر بالوفاء بالعقود، كناية عن صحتها و تحقّق مضمامينها، كما ان النّهى عن عقد، كناية عن عدم تحقّق مضمونه، و عدم


1- المائدة: 1.
2- و في المصدر:. لكون العقد السابق بنفسه مؤثرا.

ص: 65

نفوذه و صحته، و ليس بمعنى وجوب ترتيب الآثار، مع انّه لو كان بمعناه، فمن الواضح انّ وجوب ترتيبها، انّما يكون متفرّعا على صحته، و تحقق مضمونه، و لذا يكون دليله، دليلا عليه، و كيف كان، فلا يكون هناك دليل على نفوذ العقد في خصوص ما عليه من الآثار دون ما له، كما في دليل نفوذ الإقرار، بل مع تماميّة العقد بشرائطه و خصوصيّاته المعتبرة فيه، فالدّليل قد دلّ على نفوذه مطلقا، و بدونها لا دليل على نفوذه أصلا، كما لا يخفى.

[و ينبغي التنبيه على أمور لبيان شرطها]
[الأوّل انّ الخلاف في كون الإجازة كاشفة ليس في مفهومها اللغوي]

قوله (ره): (الأوّل انّ الخلاف في كون الإجازة كاشفة- إلخ-).

بل بعد الفراغ عن انّها إمضاء ما وقع من العقد بمضمونه، و الاتفاق على اتفاذه و الرضاء به، وقع الخلاف في انّ قضية الأدلة تأثيره شرعا من حينه أو من حينها، فلو قصد المجيز إمضائه كذا، فلا إشكال في صحّتها، و لو على القول الذي لا يوافقه، و لو قصد لا كذلك، فلا ينبغي الإشكال في فسادها، و لو على القول الذي يوافقه، فليس المناط في صحّتها و فسادها، مطابقتها لما هو المختار من القول بالكش أو النّقل أصلا، فلا وجه لما فرّع بقوله- ره- «فلو قصد المجيز الإمضاء من حين العقد- إلخ-» كما لا يخفى، حيث يظهر منه احتمال إناطة الصحة على كل قول بموافقة الإجازة له، بل الوجه ان يفرع ما فرّعناه، فتفطّن، و قد تقدّمت الإشارة الى ان تأثيره بنحو الكشف موافق لمضمون العقود، لا بنحو النقل.

[الثاني أنه يشترط في الإجازة ان يكون باللفظ الدّال عليه]

قوله (ره): (و يشترط (1) في الإجازة ان يكون باللفظ الدّال عليه- إلخ-).

اعلم أنّ الحاجة إلى الإجازة، ان كانت لمجرد حصول الرّضاء و الطيّب بالعقد، فمن اعتبر في نفوذ العقد رضاه، كما في نكاح العبد بدون اذن سيّده، أو بيع الرهن للعين المرهونة بدون اذن المرتهن و نحوهما، فلحوق الرضاء بالعقد كاف في تأثيره، كما في عقد المكره، حيث يكفي في تأثيره بمجرد لحوقه و ان كان لتصحيح استناد العقد الى المجيز مع ذلك، كما في العقد على ما له بدون اذنه، فالظاهر انّ مجرد لحوق الرضاء به لا يصح الاستناد، بل لا بد في


1- و في المصدر: انه يشترط.

ص: 66

صحته من إنشاء إمضاء العقد و أجازته. نعم في كفاية إنشائه قلبا، أو لزوم إنشائه، و لو بفعل أو بلفظ و ان لم يكن بدال، و لو كناية، أو لزوم إنشائه بلفظ دال، و لو بالكناية، وجوه، لا يبعد ان يكون أوجهها كفاية الإنشاء القلبي، و قد انقدح بذلك ان كفاية مجرّد الرّضا في بعض الموارد، لا شهادة فيها، لكفايته في جميعها، كما لا يخفى، كما لا شهادة في كفاية السكوت في الباكرة على كفاية مجرّد الرضا فان السكوت منها في ذاك المقام إظهار الرضاء و إنشائه. فتدبّر جيّدا.

[الثالث من شروط الإجازة ان لا يسبقها الرّد]

قوله (ره): (الثالث من شروط الإجازة ان لا يسبقها الرّد- إلخ-).

الظاهر انّ اعتبار ذلك، انّما هو لأجل انّ الإجازة مع سبقه، لا توجب صحة إسناد العقد عرفا الى المجيز، فكما ان العقد الفضولي على ما له يصير عقد إله و مسندا إليه بإجازته، كذلك يسقط عن قابليته لذلك بردّه، فلا يضاف إليه بالإجازة مع سبقه عرفا، و لا أقلّ من الشك فيه، و معه لا دليل على نفوذ هذا العقد عليه، فان التّمسك بالعمومات، يكون من باب التّمسك بالعام، فيما اشتبه صدقه عليه، فان المراد من العقود في الآية (1)، عقود من لهم الولاية على العقد، كما مرّت إليه الإشارة، لا لأجل التعبّد به على خلاف القاعدة، فإنّه من البعيد جدّا، اعتبار أمر زائد في الفضولي، و مع ذلك لا يكاد يتحقق الإجماع، و لو من اتفاق الكلّ، لاحتمال ان يكون ذهاب الجلّ، بل الكلّ الى ذلك، لذلك. فتفطّن.

قوله (ره): (و قد تقرّر انّ من شروط الصيغة- إلخ-).

لا دخل لذلك في المقام، ضرورة ان اعتبار ذلك لتحقّق العقد هناك، و قد كان العقد محققا هيهنا، و الإجازة انّما تكون لتصحيح إضافته، لا لأصل تحقّقه، نعم لو قيل بمنع تحقق العقد من الفضولي بدعوى انّه يعتبر في قوامه، صدور إنشائه، ممن كان له ولاية على مضمونه، و ليس من الفضولي إلّا الإنشاء، و بالإجازة يصير عقدا، و مضافا الى المجيز، كان له الدّخل، فان الرّد


1- المائدة: 1.

ص: 67

على ذلك، يكون من قبيل ردّ الإيجاب قبل القبول، لكنّهم لا يقولون بذلك و يقولون بتحقق العقد من الفضولي، و ان احتملناه في مجلس البحث. فتدبّر جيدا.

قوله (ره): (مع ان مقتضى سلطنة النّاس على أموالهم (1)- إلخ-).

لا يخفى انّه ليس من أنحاء السلطنة على المال، السلطنة على إسقاط العقد الواقع عليه من الفضولي عن قابلية لحوق الإجازة، به، فإنّه السلطنة على الحكم، لا على المال، مع انّه لو كان منها، لا دلالة لمثل النّاس مسلطون الّا على انّ المالك ليس محجورا عن التصرفات النافذة شرعا، و يكون مسلّطا.

و بعبارة اخرى، انّما يكون بصدد بيان انّه السلطان على التّصرفات النافذة، لا لبيان انّ له أنحاء السلطنة، كي يمكن التّمسك به على تشريع نحو سلطنة شكّ في انّه يكون شرعا أو لا، كما لا يخفى، الا ترى انّه لا مجال لتوهّم دلالة الناس مسلطون، على مثل جواز وطي السيّد عبده، و انّه انما خصّص بالإجماع، فاحفظ ذلك، ينفعك في غير المقام، و لعلّه أشار إليه بالأمر بالتأمّل في المقام.

[الرابع الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك على ماله]

قوله (ره): (و الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك- إلخ-).

أي تأثير الإجازة و نفوذها، فكما للمالك بيع ماله ابتداء، له ان يجيز ما وقع عليه فضولا، فبإجازته يصير بيعه فينفذ.

قوله (ره): (فلو مات المالك لم يورث الإجازة- إلخ-).

و ذلك لأنّها ليست مما تركه الميت حيث انّها ليست بمال و لا بحقّ، بل من الأحكام، كما أشرنا إليه في الحاشية السّابقة. نعم المال الذي بيّع فضولا يورث، فلكلّ وارث اجازة البيع في خصوص ما ورثه، لو قيل بجواز المغايرة بين المجيز و المالك حال البيع، بخلاف ما لو قيل بإرث الإجازة، فإنّه بعينه يكون كإرث الخيار، فيشترك جميع الورثة فيها حتى من ليس له من المبيع نصيب، فقد ظهر بذلك الفرق بين إرث الإجازة وارث المال.


1- و هذا مستفاد من رواية معروفة وردت في البحار- 2- 272.

ص: 68

[الخامس إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن]

قوله (ره): (لان مرجع اجازة القبض إلى إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري- إلخ-).

لا يخفى ان ضمان الثمن و المثمن قبل القبض و الإقباض، انّما هو ضمان المعاوضة، و هو من الأحكام لا يرتفع بالإسقاط، فلو أسقطه المشتري أو البائع بعد البيع، لا يسقط، بل يكون تلف الثمن أو المثمن قبل القبض معه من مال البائع أو المشتري أيضا، و انّما السّاقط به الضمان باليد، فلو تلف المبيع بعد اجازة العقد لا يفسخ العقد، و لو أجاز المشتري القبض، لعموم قاعدة كل مبيع تلف قبضه. لا يقال: انّ قبض الفضولي بالإجازة، صار قبض الأصيل، فيكون التلف بذلك تلفا بعد القبض. فإنّه يقال: ليس كل فعل يصح انتسابه الى غير مباشرة بإجازته، و القبض لم يعلم انّه من قبيل العقد، و البيع، و نحوهما مما يصحّ انتسابه الى غير المباشر بالإجازة، أو من قبيل الأفعال الخارجيّة الّتي لا يحدث له بذلك انتساب، كالأكل، و الشّرب، و غيرهما، كما لا يخفى، بل دعوى انّه مثلها، غير مجازفة، و مجرد الفرق بينه و بينها، من لزوم المباشرة فيها في صحة انتسابها، و عدم كفاية النيابة، و الوكالة فيها، أصلا، بخلاف القبض، ضرورة كفاية الوكالة في صحة انتسابه، غير مجد في صحة الانتساب بمجرد الرضا، و الإجازة، بعد عدم صدوره منه تسبيبا و لا مباشرة، و لا يبعد ان يكون مورد الإجازة، هو خصوص العناوين الاعتبارية المنتزعة من أسباب خاصة يتوسّل بها إليها، كالبيع، و العقد، و المبيعة، و نحوها، مما يتوسل إليها بأسباب خاصة صادرة ممن يقوم بها حقيقة، أو من غيرها وكالة، أو فضولة مع لحوق الإجازة بها، فالبيع و العقد حقيقة يقوم بالموكّل، و المجيز، و ينسب إليهما، حيث ترى صحّة اعتبار العقد، و البيع و انتزاعها بالإجازة للمجيز، مثل اعتبارهما للأصيل، أو لغيره بالتّوكيل، و هذا بخلاف نفس الأفعال الخارجيّة، كالقبض، و الإيجاب، و القبول، فإنّها لا يكاد ينسب الى غير المباشرة إلا تسبيبا، و لا مباشرة و لا تسبيب هيهنا من المجيز أصلا، كما لا يخفى.

نعم لا يبعد كفاية اجازة قبض الفضولي فيما إذا كان العين فعلا تحت

ص: 69

يده، بحيث كان بقائها تحتها باذنه و رضائه، و هذا في الحقيقة ليس من كفاية قبض الفضول، بل كفاية القبض بالإذن، فإنّ القبض و ان كان حدوثا فضولة، الّا انّه بقاء يكون عن اذن و اجازة، هذا كله بناء على اعتبار قبض المشترى في رفع ضمان المعاوضة، لكنه من المحتمل كفاية تخلية المالك و تسليمه و ان لم يقبض المشترى. قال العلامة ره في التذكرة (1): لو أحضر البائع السلعة، فقال المشترى فضعه، ثم القبض، و تمام الكلام في القبض.

قوله (ره): (و إتمام الدليل على ذلك، لا يخلو عن صعوبة- إلخ-).

سيّما مع ما عرفت، من انّ القبض بالإجازة، لا يصير قبضه، و لا يصح انتسابه اليه، لا مباشرة و لا تسبيبا. نعم لو كان المقبوض باقيا في يده الى زمان لحوق الإجازة، لا يبعد كفايته في تشخّصه، لكنه ليس من باب تأثير قبض الفضول بالإجازة، بل من باب تأثير القبض بالرضاء، و الاذن، كما عرفت.

قوله (ره): (كان اجازة العقد، اجازة للقبض- إلخ-).

لا يقال: انّه قد سبق الإشكال في تأثير الإجازة في قبض الفضول، فإنه يقال: نعم، لكنه فيما يحتاج الى قبض المجيز، و في الصرف و السلّم، لا يحتاج اليه، بل الى القبض من المتعاملين، و الإجازة فيهما، انما يكون متعلقا بنفس البيع و العقد الحاصلين، من الإيجاب، و القبول، و القبض في المجلس، كما في غيرهما، لا بنفس القبض.

و بالجملة، حال القبض فيهما، حال الإيجاب و القبول، و قد عرفت ان الإجازة في الحقيقة، لا تلحقهما، بل ما يتسبّب منهما من البيع و العقد.

فافهم. و منه انقدح عدم الحاجة الى إثبات كون اجازة العقد. فيهما اجازة للقبض، و الّا فلا شهادة في لزوم لغويته لولاه عليه، ما لم يكن هناك لها دلالة بحسب متفاهم العرف على كونها اجازة له أيضا، و الّا فليس لزوم اللغوية بمحذور بالنسبة إلى إجازة المجيز، كما لا يخفى.


1- التذكرة (كتاب البيع) 1- 472.

ص: 70

[السادس الإجازة ليست على الفور]

قوله (ره): (تداركه بالخيار، أو إجبار المالك- إلخ-).

وجه الترديد، أو التّخيير، انّ المنفي بقاعدة نفى الضرر، و هو الحكم الضرري عنده. و امّا بناء على ما هو المختار، من انّ المنفي هو حكم الأمر الضرري بنفي نفسه، فالمتعيّن تداركه بالخيار، حيث كان العقد من طرف الأصيل لازما، فاذا صار ضرريّا، انقلب جائزا، فلا مجال لاحتمال الإجبار، و فيما علّقناه على مسألة خيار الغبن، ما يناسب المقام، فراجع.

[السابع هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع أم لا]

قوله (ره): (هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها- إلخ-).

لا ريب في اعتبار المطابقة في الصحة، و الّا لزم تأثير ما لم يقع أو ما لم يجز. نعم لو كان العقد ينحلّ الى العقود، كما في العقد على صفقة واحدة، فلا بأس بإجازته بالنسبة إلى بعضها، فإنها و ان لم تطابق العقد على تمامها، الّا انّها مطابقة لما انحلّ اليه من العقد على بعضها، و هذا خلاف ما إذا عقد على الشرط، و أجيز بدونه، فإنه لا تطابقه، إلّا إذا قيل بالانحلال فيه أيضا، و سيأتي الكلام فيه في باب الشرط الفاسد، فتأمل.

قوله (ره): (أو بطلانها، لأنه إذا لغا الشرط، لغا المشروط، لكونهما التزاما واحدا- إلخ-) (1).

هذا كما في الشرط الفاسد في العقود، فإنّه توجب فسادها بناء على وحدة المقصود فيها. و قد يقال: بالفرق بينهما بان العقد مع الشرط على هذا، انما يكون عقدا خاصا، اما ان يمضي، أو يرد، فلا مجال للتّفكيك، الّا تعبّدا على خلاف قاعدة «العقود تابعة للقصود»، و هذا بخلاف الإجازة معه، فان الشرط إذا كان حاصلا من باب الاتفاق، و لو لم يكن نافذا شرعا، كانت الإجازة مؤثرة، فإنّها بوجودها يؤثر في انتساب العقد الى المجيز، لا بصحّتها، فلا يلزم من تأثيره و عدم نفوذه و صحته، التّفكيك اللازم، من صحة العقد و فساده.

لا يقال: ان الإجازة كما تحقق الإضافة و الانتساب كذلك يحصل


1- و في المصدر:. لكون المجموع التزاما.

ص: 71

بها الرضاء الذي لا بد منه في صحة المعاملة، و مع فساد الشرط الذي هو قيدها، لا يكون منه رضي بالمعاملة.

فإنه يقال: الإجازة انّما تكون مقيّدة بالشرط، و قد حصل على الفرض، فكما يحصل في الفرض بها الانتساب و الإضافة، يحصل بها الرضاء، كما لا يخفى. فتدبّر جيّدا.

[و أمّا القول في المجيز]
[الأوّل يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز التصرف]

قوله (ره): (و لا فرق فيما ذكرنا بين القول بالكشف و النقل- إلخ-).

فإنه على القولين يكون للإجازة دخل في السبب، غايته بنحو الشرط المتأخر على الكشف، و الشرط المتقدم على النقل. نعم على الكشف الحقيقي الذي لا يكون للإجازة دخل أصلا في السبب، بل كانت كاشفة عن تمام السبب، لا يكون حينئذ تصرّفا ماليّا، فينعقد ممن حجر عليه في ماله.

[الثالث لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف حال العقد]
[المسألة الثانية في من باع شيئا ثم ملك]

قوله (ره): (و ربّما لا يجرى فيه بعض ما ذكر هناك- إلخ-).

أي بعض ما ذكر في مقام التّفصى عمّا أشكل به في نفوذ الإجازة في بيع الفضول لنفسه، و لا أظنّ بذلك، بل لا يجرى فيه بعض الإشكالات الجارية هناك، كما افاده- ره-، لعدم مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان هيهنا، فلا يحتاج الى التكلف بما سلف في التّفصي عنه، و لكنّه ربّما يشكل هيهنا بمخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان أيضا، فإن المنتقل عنه المبيع، و المنتقل اليه الثمن، انما هو المالك الحقيقي حين البيع، غاية الأمر ان البائع إنّما قصده لنفسه بدعوى، أو اعتقاد انّه هو، و هو غير المالك حين الإجازة، و هو البائع، فتكون الإجازة مخالفة لما قصداه، حيث قصد البيع عن المالك حين البيع بإزاء الثمن له، و قضيّة الإجازة نفوذه للمالك حين الإجازة، و هو الفضول، فيكون المنشاء غير المجاز، فتأمل جيّدا.

هذا بناء على اعتبار لحاظ طرفي النّقل من المنقول عنه، و المنقول إليه في البيع، كما هو كذلك، لانّه اعتبار خاصّ، و اضافة خاصة، و لا يكاد يتحقّق القصد إليها بالجدّ، الّا مع تعيين المضاف، و المضاف اليه، و ليس هو المالك الكلى، كي ينطبق على الأصيل في زمان، و على الفضول في زمان آخر، بل هو شخص المالك حين العقد، فافهم.

ص: 72

قوله (ره): (و فيه انّ الثابت هو اعتبار رضاء من هو المالك حال الرّضاء- إلخ-).

و فيه ان الإجازة، كما أشرنا إليه سابقا، كما لا بدّ منها، لأجل الرّضاء و الطيب، كذلك لا بد منها لأجل تصحيح انتساب العقد الى المجيز، و لا يكاد يصحّ الانتساب اليه فيما إذا وقع لغيره بإجازته.

قوله (ره): (فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك و المشترى- إلخ-).

و دفعه بالتزام كونه ملكا للمشتري وحدة في صورة اجازة المالك، و كفاية ملكه السّابق على العقد في نفوذ إجازته اللاحقة، فتأمل.

قوله (ره): (نعم لو فرضنا قصد المالك فسخ العقد (1)- إلخ-).

مع انه يمكن ان يقال: ان فسخ المالك و ردّه بالقول أو بالفعل، لا يكون الا فسخا و إبطالا، لأثر العقد بالإضافة إلى المالك حين العقد لا مطلقا، و ذلك لانّ وجه مانعيّة الردّ عن لحوق الإجازة، إمّا الإجماع، أو حديث سلطنة المالك، على قطع علاقة الغير على ماله، أو كون الرّد سببا لعدم حصول اضافة العقد الى المجيز بعده، و القدر المتقين من الإجماع، هو كون الرّد مانعا بالنسبة إلى الرّاد، لا بالنسبة إلى غيره، و السلطنة غير مقتضية لقطعها أصلا، كيف و الّا كانت مقتضية لعدم تعلّقها به بدون اذنه و رضاه من رأس، بطريق اولى، كما لا يخفى، و السّر أنّ مجرّد العقد عليه، و بقاء أثره الى ان تلحقه الإجازة، ليس بتصرف في المال، كي يكون للمالك منعه، أو رفعه، و قطعه، و لو سلّم، فتسلّطه على القطع، انّما يكون بالإضافة إليه، لا الى غيره ممّن حصلت له علقة بملاحظة القواعد، و الرّد إن منع عن حدوث الانتساب بعده، انّما يمنع عنه بالنسبة إلى الرّاد، لا غيره، فتأمّل.

قوله (ره): (و الجواب عن العمومات- إلخ-).

و ربّما يجاب بانّ موجبها، ليس الّا عدم تحقق البيع، و الإرشاد الى عدم تحققه بلا تملّك، و هيهنا يقول بموجبها، إذ لا يكون بيع، و تمليك


1- و في المصدر: نعم لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل فسخ العقد.

ص: 73

حقيقة، قبل الملك، و انّما يكون بعده، و بعد الإجازة، فلا يكون القول بحصول البيع و التمليك بعدها مخالفا لها، كما لا يخفى. فتدبّر جيّدا.

قوله (ره): (فلو باع عن المالك، فاتفق انتقاله إلى البائع فأجازه، فالظاهر أيضا الصحة- إلخ-).

لا يخفى، ان عدم مطابقة المنشاء و المجاز هيهنا، أظهر ممّا إذا قصد البيع لنفسه، ثم ملك، و الظاهر عدم نفوذ إجازته في الصّورتين، لعدم المطابقة بينهما فيهما، كما عرفت في الصورة الأولى.

قوله (ره): (و المقام، مقام استصحاب حكم الخاص، لا الرجوع الى حكم العام، فتأمّل- إلخ-).

لا يخفى، انّ خطاب «أَوْفُوا» لا يعمّ من ليس له الولاية على العقد، و ان كان عاقدا، فليس المقام من ذاك المقام، بل من باب اختصاص العام، و لو سلّم انّه من باب تخصيص العام، فوجوب الوفاء، و ان كان كما افاده- ره- لما أشير إليه غير مرّة، من كون الوفاء امرا واحدا مستمرا، لا يرجع الى عدم دليل وجوبه بعد انقطاعه، تخصيصه، الّا انّه إذا كان تخصيصه بعد العمل به أولا، و امّا إذا كان تخصيصه ابتداء، فالمرجع هو لا حكم العام، لما نبّهنا عليه في غير مقام، و لعلّه أشار الى بعض ذلك، بامره بالتأمل.

[المسألة الثالثة ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف فبان كونه جائز التصرف]

قوله (ره): (فلا ينبغي الإشكال في اللزوم حتّى على القول ببطلان الفضولي- إلخ-).

فإنّه ليس من الفضولي، حيث وقع ممّن بيده امره، نعم يشكل فيما كان جواز تصرّفه من جهة ولايته كالأب و الجدّ مثلا، بان منصرف أدلة نفوذ تصرّفات الوليّ، غير ما إذا كان تصرفه كذلك، اى باعتقاد انّه غير وليّ، و غير جائز التّصرف. فتأمل.

قوله (ره): (فالظاهر أيضا صحة العقد- إلخ-).

بل الظاهر بطلانه و لو أجاز، لمخالفة الإجازة للعقد، و استلزام صحته، لعدم تبعيّته للقصد، حيث قصد لنفسه، و وقع بإجازته لغيره. فتأمّل.

ص: 74

قوله (ره): (لأنّه إنّما قصد نقل المال عن الأب لا عنه- إلخ-).

فلا يجدي إجازته أيضا في صحته لمخالفتها له، و استلزام الصحة لعدم التبعيّة كما عرفت. و دعوى كون المقصود، إخراج الملك عن ملك مالكه، غايته اعتقد أنّه غيره، فلا يلزم عدم المخالفة، و لا عدم التّبعية، مدفوعة بان المقصود في البيع، إخراجه عن شخص غيره، غاية الأمر ان اعتقاد كونه مالكا يدعوه الى قصد ذلك، كيف يكون قصده الإخراج عن المالك كائنا من كان، و هو لا يكاد يقصد الإخراج عن نفسه، لو علم كونه مالكا، و الإجازة مع المخالفة، لا تجدي أيضا فيما اعتبر في الصحة من الطّيب به بما هو بيع. و من ذلك انقدح الإشكال في الصورة الأخيرة، حيث انّه يلزم من صحة العقد فيها، عدم تبعيّته للقصد أيضا، و عدم توقّفها على رضي المالك من حيث انّه مالك لو لم يجز، بل و لو أجاز لمخالفة المجاز للمنشإ، كما عرفت. فتأمل جيّدا.

[و امّا القول في المجاز]
[الأول يشرط كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك]

قوله (ره): (الأول يشرط كونه (1) جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره- إلخ-).

و ذلك ضرورة أنّ البحث في الفضولي، في انّ رضاء اللاحق هل هو كاف، كالمقارن في العقد الجامع لسائر الشروط أولا، فلا إشكال في اعتبارها في الحكم بصحته مع الإجازة، انّما الإشكال في انّ العبرة باجتماعها حال العقد، أو الإجازة، أو هما، و لا يخفى انّه لا بدّ من ملاحظة أدلتها، فربّما يختلف بحسب دلالتها، و لا يهمنا بيان ذلك في المقام، لعدم اختصاص ذلك به، و جريانه في غير المقام.

[الثاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل]

قوله (ره): (إلا إذا بلغ حدّا لا يجوز معه التوكيل- إلخ-).

لا وجه لهذا الاستثناء، لعدم تخديد في الشرع له، بحيث يجوز التوكيل في غير المعيّن ما لم يبلغه، و لم يجز إذا بلغه إن كان الجهل في الموكّل فيه مانعا عن صحة التّوكيل، و نفوذه كان مطلقا مانعا، و الّا فلا يكون مانعا كذلك،


1- و في المصدر: الأول يشترط فيه كونه جامعا.

ص: 75

و الظاهر نفوذه فيه مع إطلاقه و تعمية، بحيث يعمّ أيّ شي ء كان غير المعيّن.

نعم التوكيل في أحدهما بلا تعيين و لا تعميم فاسد، غير نافذ في واحد منهما، و ذلك لعدم تعيّنه واقعا، بخلاف غير المعيّن، لتعيينه واقعا، فيشار اليه بنحو من الإشارة.

قوله (ره): (الّا انّها في معناها، و لذا يخاطب المجيز (1) بالوفاء- إلخ-).

يمكن ان يقال: انّها و إن كانت في معناه، إلّا أنّ التعليق الممنوع، ما إذا كان على ما ليس ممّا لا بدّ منه، و من الواضح وقوع العقد ممّا لا بدّ منه عقلا فيها، مع انّ المنع عن التّعليق، انّما هو بالإجماع، و القدر المتيقن منه التّعليق في نفس العقد، لا فيما هو بمعناه، و لعلّه أشار إليه بأمره بالتّأمل.

[الثالث المجاز إمّا العقد الواقع على نفس مال الغير و إمّا العقد الواقع على عوضه]

قوله (ره): (اما ان يكون المجاز أوّل عقد وقع على المال- إلخ-).

محل الكلام، ما إذا كانت العقود مترتبّة، و امّا إذا كانت غير مترتبّة من فصول واحد، أو متعدد، فلا يكون الصحيح منها إلّا ما أجازه أولا، و لو كان هو العقد الأخير، و معه لا يبقى مجال للإجازة غيره. نعم يكون لمن انتقل اليه المال، اجازة واحد أخر منها مطلقا على النقل، و خصوص العقد السّابق على الكشف، بناء على كفاية كون المجيز جائز التّصرف حال الإجازة، و العقد اللّاحق عليه مطلقا، فإنّه جائز التّصرف حاله أيضا. فافهم.

قوله (ره): (فهي ملزمة للعقود السّابقة- إلخ-).

لتوقّف صحته على صحتها، فإجازته و إمضائه، لا يكاد يكون الّا باجازتها و إمضائها، و الّا لكانت لغوا، فهي موجبة لصحة الأوّل فالأوّل، الى أن تصل النّوبة إلى المجاز، و هذا على الكشف لا اشكال فيه، و امّا على النّقل، فيشكل بانّ المجيز لم يكن بجائز التصرف أصلا، لا حال العقد، و لا حال الإجازة فيها، إلّا العقد الأوّل على نفس ما له، فلا بدّ عليه من اجازة اللّاحق بعد اجازة السابق، فتأمل جيدا.


1- و في المصدر:. يخاطب المجيز بعدها بالوفاء.

ص: 76

قوله (ره): (و للعقود اللّاحقة إذا وقعت على المعوض- إلخ-).

فإنه بالإجازة صار ملكا لبائعه على الكشف، فوقع البيع عنه في حال ملكه، و على النقل تبنى صحته على صحّة بيع من باع ثم ملك بالإجازة أو بدونها، كما تقدّم. و بالجملة كلّما كانت صحة إجازة عقد متوقّفة على صحة ما يترتب عليه من العقود السابقة، أو منقحة لوقوع ما يترتب عليه من العقود اللّاحقة من الأصيل، فهي موجبة لصحتها أيضا، و ما ليس بذا، و لا بذاك منها، فلا يكون مصححة له، كما لا يخفى. فتأمل، كي لا يختلط عليك الأمر.

قوله (ره): (كان اجازة وسط منها فسخا لما قبله، و اجازة لما بعده- إلخ-).

امّا كونها فسخا لما قبله، فلتوقّف صحته المجاز على بطلانه، فتصحيحه بالإجازة، يلازم فسخه و إبطاله، و امّا كونها اجازة لما بعده، اى مصحّحة له فلكونها متّضحة، لوقوعه عن الأصيل بناء على الكشف، و امّا على النقل، فمبنىّ على مسألة (من باع ثم ملك). فتأمل جيدا.

قوله (ره): (و ان وقعت من شخص واحد انعكس الأمر- إلخ-).

اى ان وقعت العقود على مال المجيز ببدله و عوضه، لا خصوص شخصه، انعكس الأمر في الجملة، لا كليّا، و ذلك لأنّها و ان كانت مصححة لما قبله، الّا انّها لتوقّف صحته على صحته، ليست فسخا لما بعده، بل يكون موقوفا على أجازته، على الكشف، و كذا على النّقل، بناء على كفاية جواز التّصرف في مال الإجازة.

قوله (ره): (و إذا تحقّق الرّد، انكشف كون ذلك تسليطا من المشترى على ماله- إلخ-).

لكنه يشكل بأنّه، و ان انكشف كونه تسليطا من المشترى على ماله، الّا انّه بناء على الكشف غير نافذ، لكون تصرّفاته فيه غير جائزة، كما تقدم، إلّا ان يقال: إنّها و إن لم تكن جائزة، الّا انّها نافذة مع الرّد. فتأمل.

ص: 77

قوله (ره): (نعم يمكن ان يقال: حكم الأصحاب بعدم استراد الثمن- إلخ-).

حاصله منع كون التّسليط علّة تامّة، بل تأثيره مشروط بردّ مالك المبيع، كما يمكن ان يقال: انّه بالعقد الفضولي ملك ان يملك الثمن، فهو مانع عن تأثيره، ما لم يقع من العين بالرّد، فافهم.

قوله (ره): (وجب الاقتصار فيه على المتّقين- إلخ-).

بل المتيقّن من حكمهم ان التّسليط مع العلم بالغصب، موجب لعدم الضّمان مطلقا، و لو أتلف، و هو ليس على خلاف القاعدة، فإنّ دليل الضمان، مثل (على اليد) (1) و (من أتلف) (2) منصرف عمّا إذا سلّطه المالك عليه بالتّصرف و لو بالإتلاف، و لو كان بعوض مال الغير، و عدم التّضمين أعمّ من التّمليك، فافهم.

[مسألة في أحكام الرد]
اشارة

قوله (ره): (و شبه ذلك مما هو صريح في الرّد- إلخ-).

أو ظاهر فيه فان العبرة، انّما هو بالرّد و الظّهور حجة عليه، و مع إحرازه بالحجة، لا يبقى مجال، لأصالة بقاء القابليّة، لأن إجماع، انّما يكون على ارتفاع القابليّة بالرّد، و هكذا لو كان وجهه انّ العقد بعد الرّد، لا يضاف بالإجازة إلى المالك المجيز، و لا يبعد ان يكون مراده من الصّريح ما يعمّ الظاهر.

فتأمّل.

قوله (ره): و كذا حصل بكلّ فعل مخرج له عن ملكه بالنّقل أو الإتلاف- إلخ-).

لا ريب في ذلك في الجملة على النّقل، فإنّه خرج قبل الإجازة عن ملكه و صار لغيره، نعم ربّما يشكل في مثلا الإتلاف، فإنّه لا ينافي الإجازة، غاية الأمر يتنزل الى البذل من المثل أو القيمة، كما في الفسخ بالخيار، و في


1- و هي قاعدة: على اليد ما أخذت حتّى تؤدى، المأخوذة من الروايات (المستدرك 3- 145).
2- و هي قاعدة: من أتلف مال الغير فهو له ضامن، المأخوذة من الروايات (في معناها روايات مختلفة في الديات و الشهادات و الإجارة و غيرها و هذه العبارة لم توجد بعينها في رواية).

ص: 78

صورة تلف العوضين، أو أحدهما، إلّا إذا تشبّث بذيل الإجماع على اعتبار بقاء العوضيين هيهنا ان تمّ، لكنّه بعيد، و امّا على الكشف فمجرّد نقله عن ملكه لا ينافي صحة المجاز، نعم صحته ينافيها، فلا بدّ في حصول الرّد به من إثبات صحته، و الّا فمن الممكن، كشف صحة المجاز و فساده، و لا دليل على الصّحة إلّا الإجماع ان تمّ، و من هنا ظهر حال مثل التّلف أو الإتلاف على الكشف. فتأمل.

قوله (ره): (الّا انه مخرج له عن قابليّة وقوع الإجازة- إلخ-).

هذا على الكشف دون النّقل، ضرورة انّه غير مخرج له عن وقوع الإجازة من حينها، إذ لا منافات بين صحّة عقد الإجازة منه، و صحة المجاز من حينها، غاية الأمر لزوم كون المبيع مسلوب المنفعة في مدّتها، و هو لا يوجب الّا الخيار في بعض الصّور، و هكذا الحال في تزويج الأمة، فافهم.

قوله (ره): (و حيث لا سبيل إلى الأخيرين- إلخ-).

يمكن ان يقال: انّه و ان لم يكن سبيل إلى الإبطال، لعدم دليل عليه، إلّا ان وقوع المنافي الأخر على غير وجهه، بان يقع المجاز لا من حينه، بل من حين انقضاء مدّة الإجازة ممّا اليه سبيل، فان العقد بالإجازة انّما يؤثّر من زمان لا مانع عن تأثيره، كما أسلفه- ره- في مقام التّفصى عن إشكالات تأثير الإجازة في مثله ممن باع ثم ملك مرارا.

قوله (ره): (نعم لو انتفع المالك بها قبل الإجازة- إلخ-).

ربّما يشكل بان وجه منافاة مثل البيع قبل الإجازة، يعمّ مثل السّكنى، و ذلك لما عرفت ان صحّة البيع، ينافي صحّة العقد لا نفسه و لم يكن وجه لصحته إلّا الإجماع على نفوذ تصرّفات المالك قبل الإجازة، و انّها كتصرفات سائر الملاك، و منها سكناه، فلا اجرة عليه، كما لا يخفى، فلا وجه لا ثبات الأجرة على مثلها، فاذا لم يكن عليه اجرة، فكانت منه كذلك منافية لصحة المجاز على الكشف، ثم لا يخفى انّه لا يوجب ذلك عدم نفوذ الإجازة على الكشف رأسا، لأجل تحقّق هذا المعنى، اى كون تصرّفه، كتصرف سائر الملّاك، و كتصرّفه قبل العقد من الفضول، فان منافات التّصرفات، لصحته

ص: 79

و نفوذه من المجيز لنفوذه الإجارة، لا يستلزم عدم نفوذها بدون التصرف، فافهم.

[بقي الكلام في التصرفات غير المنافية لملك المشتري]

قوله (ره): (كتعريض المبيع للبيع ان البيع الفاسدة (1)- إلخ-).

لا ريب في انّه ليست بحكم الرّد إذا لم يكن عن التفات، و كذا معه إذا كان بقصد الاختيار، و انه يشترى بأزيد مما بيع فضولا ليبيع، و الّا أجاز، و اما بقصد الإعراض عنه، فان كان المنشأ في رفع القابليّة بالرّد، هو الإجماع على ذلك، فالقدر المتيّقن منه الردّ القولي، و ان كان هو ارتفاع قابليّة العقد، لأن يضاف الى المالك بعده بالإجازة عرفا، فالظّاهر عدم التفاوت بينه و بين الرّد الفعلي في ذلك عند أهل العرف قطعا، و لا يبعد ان لا يكون مدرك للإجماع لو كان الا هذا، و الّا فمن البعيد جدّا في مثل المقام، ان يكون من مدرك أخر تعبّدي على خلاف القاعدة، فتأمل جدا.

[مسألة لو لم يجز المالك فله انتزاع المبيع ممن وجده في يده]
[المسألة الأولى أن المشتري يرجع بالثمن على الفضولي]

قوله (ره): (فان تملكه البائع قبله، يلزم فوات محل الإجازة- إلخ-).

قد عرفت انّ فوات محلّ الإجازة بذلك، انّما هو على النّقل لا على الكشف، و لعله المشهور بين الأصحاب، فلا يلزم من القول به على النقل مخالفة المشهور، و لعلّه أشار إليه بأمره بالتأمّل.

قوله (ره): (و وجهه كما صرّح به بعضهم كالحلّي، و العلامة، و غيرهما، و يظهر من اخيرين (2) انّه سلطة على ماله بلا عوض- إلخ-).

و مع التّسليط كذلك، لا يعمّه دليل الضّمان و الإتلاف، مثل (على اليد) (3) و (من أتلف) (4) كما عرفت، و الّا فدعوى تخصيصه بفحوى ما دلّ على عدم ضمان من استأمنه المالك، ممنوعة، لعدم تنقيح ما هو المناط في


1- و في المصدر: كتعريض المبيع و البيع الفاسد.
2- و في المصدر: و وجهه. و يظهر من آخر أيضا انه سلطة على ماله.
3- و هي قاعدة: على اليه ما أخذت حتّى تؤدّى، المأخوذة من الروايات (المستدرك- 3- 145).
4- و هي قاعدة: من أتلف مال الغير فهو له ضامن، المأخوذة من الروايات (في الديات- و الإجارة و الشهادات و غيرها).

ص: 80

باب الاستيمان، كي يرى تحقّقه في هذا الباب بطريق اولى، كما لا يخفى.

لا يقال: هذا إذا سلّط البائع، و ما سلّط الّا على ملكه في الحقيقة، و قد عرفت انّه انّما ملك المالك، غاية الأمر انّه و البائع قد بيّنا على مالكية البائع.

فإنه يقال: التّسليط ليس من الأمور الاعتباريّة الإنشائيّة، كالتّمليك يتّبع القصد، و البناء، بل من الأمور الخارجيّة، و لا شبهة انّه قد سلّط شخصه و نفسه، و لو بعنوان انه المالك، و لم يسلّط من هو المالك أصلا، و هذا واضح.

قوله (ره): (نعم لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للمالك- إلخ-).

هذا على إطلاقه مشكل، و انّما يتمّ فيما لا يقبل الملكيّة عرفا و شرعا، دون ما يكون ملكا عرفا، فان التّسليط ليس بمجاني حينئذ، كي يمكن الحكم بعدم الضمان، بتقريب قد مرّ، و عدم إمضاء الشارع لماليّته و ملكيّته، لا يستلزم كون التّسليط من المالك بلا عوض. فتدبّر.

[المسألة الثانية إذا اغترم المشتري للمالك غير الثمن]
اشارة

قوله (ره): (و بالجملة فالظّاهر عدم الخلاف في المسألة للغرور- إلخ-).

و قد ذكر لقاعدة الغرور وجوه (أحدها) الخبر المرسل المعروف و هو «ان المغرور يرجع الى من غرّه» (1) (و ثانيها) دعوى الإجماع محصّلا و منقولا.

(ثالثها) انّ المغرور و ان كان مباشرا للإتلاف، الّا انّه ضعيف، و السبب و هو الغار أقوى. (رابعها) قاعدة الضرر و الضرار (2)، لوضوح كون الغار سبب لضرر المغرور، حيث انّ ظاهر نفى الضّرر، انّ من أوجب الضرر فهو ضامن له.

قيل كما دلّ عليه خبر «من أضرّ بطريق المسلمين فهو ضامن» (3).


1- الجواهر- 37- 145 (كتاب الغصب). صرح بعض الأعاظم في هامش الجواهر بانا لم نعثر على هذا النص من أحد المعصومين (ع) و ان حكى عن المحقق الثاني (ره) في حاشية- الإرشاد انه نسب إلى النبي (ص)، و الظاهر انه قاعدة مستفادة من عدة روايات وردت بعضها في التّدليس.
2- المستفاد من الروايات المذكورة في وسائل الشيعة: 17- 340- ب 12.
3- وسائل الشيعة: 19- 181- ب 9- ح 2.

ص: 81

قلت: لا يخفى انّ الخبر لا يصلح للاستناد اليه، لضعفه، و الإرسال، و دعوى الانجبار بالاشتهار، و ان لم يوجد في كتب الاخبار، و كون مضمونه متّفق عليه بن أصحابنا الأخيار، قابلة للمنع، لعدم إحراز استنادهم اليه، بل إلى قاعدة كون السبب أقوى، أو الضرر و الضرار، كما لا يخفى. ثم لو سلّم انجباره به، فالظاهر اعتبار العلم في الغار عند إطلاق نسبته اليه، كما في الخبر، لو لم نقل باعتباره في حقيقته، و كان مثل نسبه الغرور الى مثل الدّين بنحو من العناية، كما لا شبهة في اعتبار جهل الغرور فيها، و عليه يختص بما إذا علم البائع بالحال، بل مع علمه بجهالة المشتري، أو احتماله لها، إذ بدون ذلك، لم يكن الغرور منه، و هو ظاهر النّسبة. و منه قد انقدح انّ الغرور، غير الغرر، بمعنى الخطر المنهي عنه مط، أو عن بيع الغرر في الخبر، كما يوهمه كلامه رفع مقامه، فافهم.

و ان دعوى الإجماع في مثل المسألة، ممنوعة، لاحتمال ان يكون الاتّفاق لو سلّم، لأجل قاعدة الضّرر، أو كون السبب أقوى، أو اختلاف المتّفقين في الاستناد، و انّ المباشر هيهنا يكون أقوى، و انما يكون السبب أقوى، فيما كان المباشر كالآلة، لا فيما إذا استقلّ و عمل بدواعيه، كما في المقام، و الّا لما حكم بضمانه أصلا، مع انّه لا اشكال فيه، و انّما الكلام في قراره عليه، و انّ قاعدة الضرر و الضّرار، انّما تقتضي رفع حكم الضّرر، و عدم ضمان المغرور أصلا، و لا كلام هيهنا في ضمانه، و انما الكلام كما عرفت، في قراره عليه، أو على الغار، و لا تقتضي تداركه بعد تخصيصها بورود الضرر على الأخر، للزومه تخصيص أخر بلا مخصّص، فتدبّر، و من هنا ظهر ما في الاستدلال، لقرار الضمان هيهنا ابتداء بقاعدة نفى الضرر، و امّا لو كان المراد، الاستدلال بنفي الضرر على القاعدة، بتقريب انّ الضّرار، هو الإضرار بالغير، و الغار قد أضرّ المغرور، بإيقاعه في ضرر الضمان، ففيه مضافا الى منع كون الضرار، هو الإضرار، انّه لو سلّم، فإنّما يكون فيما أوقعه في ضرر، لا فيما إذا أوقعه فيما حكم شرعا عليه بالضرر، كالضمان فيما نحن فيه، و ذلك لوضوح انّه ما أضره، غايته انه لو لا فعل الغار،

ص: 82

لما اختار المغرور ما حكم عليه الشارع بالضرر، و هذا المقدار، لا يصحّ إسناد الإضرار و لو تسبيبا، إلّا بالمسامحة. و من هنا ظهر عدم صحّة الإسناد في الحكم بالضّمان بمثل «من أتلف» (1) أو «من أضر» (2)، فظهر انّه لا مستند لقاعدة، الغرور، الّا الخبر إذا انجبر، و لا يبعد جبره بعمل الأصحاب، فإنّهم لا يزالون يتمسّكون بقاعدة الغرور، على وجه يعلم انّه لا مستند أخر من قاعدة الضرر لهم، و نحوها غيرها، فيحصل الوثوق بمضمونه، و هو كاف في جبره، كما ظهر انّه لا وجه للضمان غيرها، فلا بد من الاقتصار في الحكم بالضمان، على مورد صدق انّه غرّه، كما عرفت.

قوله (ره): (لو أتلف لغفلة رجع، لكونه سببا لتنجز الضّمان على السابق- إلخ-).

أي البائع هيهنا، و النّكتة في العدول، هي الإشارة الى عدم اختصاص ذلك بالبائع، بل كل ضامن سابق، و وجه رجوع البائع عليه في هذه الصورة، انّه صار بإتلافه سببا لفعليّة خسارته بالمثل أو القيمة، و إلّا كان نفس الضّمان و العهدة منجّز الحصول، و سببه هو اليد. نعم من آثاره انّه لو تلف يكون خسارته بيده عليه، فافهم.

[في توارد الأيادي على غير واحد]

قوله (ره): (قلت لو صحّ ذلك يحتاج الى الكشف عن كيفيّة اشتغال ذمّة كل من اليدين- إلخ-).

و التحقيق ان يقال: انّ قضية «على اليد» ليس الّا كون المأخوذ في تعاقب الأيدي العارية، في عهدة كلّ واحدة منها عينا، كما إذا كانت- وحدها، و هي ليست الّا اعتبار خاص عقلائي له منشأ مخصوص، و له آثار


1- و هو قوله (ع): «من أتلف مال الغير فهو له ضامن». و لكن هذه العبارة لم توجد في أيّ- رواية مما وردت في كتب الفريقين، كما اعترف به غير واحد. و من المحتمل قويا أنها قاعدة- مصطادة من الروايات الكثيرة الواردة خاصة في أبواب الديات و الشهادات و الإجارة و غيرها، بحيث يعلم بإلغاء الخصوصية عنها.
2- وسائل الشيعة: 19- 181- ب 9- ح 2.

ص: 83

خاصة، من وجوب ردّ العين عينا لو كانت اليد واحدة، و كفائيا لو كانت متعددة، و وجوب التّدارك بالبدل مع تعذّر ردّها، أو تلفها من دون اشتغال الذّمة به أصلا، لا حال التّمكن من الرّد، كما هو واضح، و لا حال التّعذر، أو التّلف، و ذلك لبقاء ضمان العين و عهدتها، لعدم مجي ء الغاية، و هي التأدية، و لذا يجب في صورة التّعذر، لو تدارك ردّ العين نفسها إذا تمكن منه، و كذا مع التّلف، لو اتّفق على خلاف العادة، تمكنه من ردّها، و معه لا وجه، و لا سبب لاشتغال الذّمة ببدلها، كما لا يخفى، كي يلزم اشتغال ذمّة المتعدّد ببدل واحد المستلزم لكون المتعدّد بدلا عن الواحد، و لا يكاد يكون بدل الواحد، الّا الواحد، و امّا كون الواحد في عهدة المتعدّد، بحيث يجب على كل واحد كفائيّا، ردّه الى مالكه، و تخيير المالك في الرجوع الى الكل، فهو بمكان من الإمكان، كما هو قضية (على اليد).

و امّا حديث جواز رجوع اليد السّابقة إلى اللّاحقة، لو رجع إليها المالك، المستلزم لكون قرار ضمان التّالف على من تلف عنده، مع المساواة فيما هو سبب الضمان، فهو أيضا من آثار حدوث سبب ضمان ما كان، في ضمان الأخر، لواحد آخر، و أحكامه عند العرف، و يؤيّده الاعتبار، و لم يردع عنه في الاخبار، فلا بد من الالتزام به شرعا، كما هو الحال في جلّ أحكام الضمان، حيث انّه لا وجه له إلّا الثّبوت عرفا، و عدم الرّدع عنه شرعا، و كشف ذلك عن إمضاء الشارع، فيما إذا أطلق دليل الضّمان، فتدبر جيّدا، و قد انقدح بذلك ما في كلامه من مواضع النظر، كما يشير اليه.

قوله (ره): (كون عهدتها و دركها بعد التلف عليه- إلخ-).

قد عرفت انّ الضّمان و العهدة اعتبار عقلائي، و من آثاره كون دركها و خسارتها بعد التلف على اليد، كما انّ خسارتها عليها قبل التلف، مع تعذّر الرّد ببدل الحيلولة، و وجوب الرّد مع عدم التّعذر، من آثاره، فلا وجه أصلا لتفسير الضمان المستفاد من على اليد بها، كما لا يخفى، و منه ظهر حال تفسيره، بثبوت الشّي ء الواحد في العهدات، مع ما فيه أيضا من أخذ لزوم الخروج عن العهدة في تفسير ثبوت العهدة. فيقال: ما معنى العهدة

ص: 84

الثابتة التي يجب الخروج عنها، و الخروج فرع الثبوت، و لا يكاد ان يكون هو الخروج، فضلا عن لزومه، و تفسير الشّي ء ببعض خواصّه، و أحكامه، و ان كان مما لا بأس به، الّا انّه إذا لم يكن بهذا التّعبير، كما لا يخفى على الخبير.

قوله (ره): (فهو يملك ما في ذمّة كلّ منهم على البدل- إلخ-).

قد عرفت انّه لا وجه، و لا سبب لاشتغال ذمّة الضّامن بالبدل أصلا، بل ضمانه للعين باق ما لم يحصل غايته، و وجوب دفع البدل مع التّلف، ليس إلّا كوجوب دفعه، مع عدم تعذّر دفع العين، و وجوب دفعها، مع عدم التعذّر من أحكامه.

قوله (ره): (فنقول انّ الوجه في رجوعه، هو انّ السابق اشتغل ذمّته- إلخ-).

فيه ما عرفت، انّ اشتغال الذّمة لو كان، لكان بعد تلف العين، و اللّاحق انّما ضمنها قبل تلفها، فلم يحصل له الّا سبب ضمان نفس العين عينا، و لم يحدث بعد سبب ضمان أخر لها و لبدلها على البدل، و ثبوته على السّابق معلّقا على تلفها حين ضمان اللاحق لها، لا يوجب ضمانه مطلقا له، و لمبدله على البدل، لعدم ثبوته على السّابق في زمانه، هذا، مع انّ اشتغال ذمّه السّابق بالبدل فعلا، لا يقتضي ان يكون مجرّد حدوث سبب ضمان العين اللّاحق عينا، موجبا لضمان واحد من العين، و البدل على البدل، و لا محذور أصلا في خروجه، لولاه على البدليّة، بحسب حكم ضمان العين على اللّاحق، بل لا محيص عنه، لاختصاص السّبب بضمانها، و انّما المحذور، خروجه عنها مطلقا، و لو بحسب ما على السّابق، و هو غير لازم، كما لا يخفى.

نعم لو كان هناك دليل عليها، كذلك الحكم بالضمان على البدل، إلّا انّه لا للزوم الحلف لولاه، كما ذكره، بل للدليل، فافهم. و قد عرفت انّ الوجه في ذلك، ضمانه ما كان في ضمان الأخر و عهدته، و قضيّته مثل هذا الضّمان، بحسب الاعتبار، و عند أهل العرف، هو رجوع السّابق الى اللّاحق، لو رجع اليه المالك.

ص: 85

قوله (ره): (مع انه لا يكاد يعرف خلاف من أحد كون كلّ من ذوي الأيدي مشغول الذّمة- إلخ-).

بل الذي لا ريب فيه، و لا شبهة تعتريه، كون كل واحد منهم ضامن، و عليه العهدة في حالتي بقاء العين، و تلفها، و الضّمان أيضا كما عرفت، وضع ليستتبع التكليف، و باق الى ان يؤدّى العين، و الإجبار على دفع البدل، أو الدّفع عنه، و تقديمه على الوصايا، من الآثار المشترك فيها الدّين و الضّمان، فلا شهادة لها على الاشتغال. ثم لا يخفى انّ تفسير العهدة بالتكليف فيما تقدّم، ينافي تشديده النّكير على هذا القائل. فتأمّل جيّدا.

قوله (ره): (نعم ليس للمالك أخذ مؤنة الاسترداد ليباشر نفسه- إلخ-).

فإنّه ليس عليه الّا الرّد، و له اختيار ما شاء من افراده، نعم لا يبعد تعيّن مباشرة المالك بالمؤنة لو لم يرض بتصرّف الغير بالحمل و النّقل، لأنه تصرّف فيه بغير رضاه، بلا ألجأ إليه، لكنه إذا لم يجحف في المؤنة، و إلّا لم يتعيّن عليه الدّفع إليه، لقاعدة نفى الضرر، المحكمة على قاعدة عدم جواز التّصرف في مال الغير بدون اذنه، و غيرهما من القواعد.

قوله (ره): (أو ينزل منزلة التّعذر، فيغرم بدل الحيلولة- إلخ-).

لا وجه للتّنزيل ما دام الى ردّ العين بحسب المتعارف، أو استردادها، سبيل، فان دليل بدل الحيلولة، ليس إلّا أنّه قضيّة الضّمان عرفا، و القدر المتيقّن منه، ليس الّا ما إذا تعذّر ردّ العين، و استردادها، دون ما إذا تمكّن الضّامن من الرّد، و لو بأجرة، أو المالك من الاسترداد.

[مسألة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه]

قوله (ره): (نعم لو لا النّص و الإجماع، أمكن المناقشة فيه، بما سيجي ء في بيع ما يملك و ما لا يملك- إلخ-).

بل لو لا انّ الصحة في المسألتين على طبق القاعدة، لأمكن المناقشة، في النّص، بأنّه لا عموم فيه، و لا إطلاق، بل حكم في واقعة، و في الإجماع، بأنّه يمكن ذهاب جلّ المحقّقين، لو لا الكلّ، إلى الصّحة بناء منهم انّها على القاعدة، فلا مجال مع هذا الاجتمال لتحصيله، و لا يبقى وثوق بنقله، فلا محيص للقابل بالصّحة عن دفع ما سيجي ء من المناقشة،

ص: 86

و حاصلها، انّ الصّحة في البعض على خلاف ما تراضيا و تعاقدا عليه من المجموع، كما انّ التّراضي و التّعاقد على المشروط، غير التّراضي و التّعاقد عليه، مع فساد الشّرط. و التّحقيق في دفعها ان يقال: ان العرض و القصد الذي دعي إلى التعاقد و ان تخلّف، حيث انّه بتمليك تمام الجملة، و لم يمض في غير الملك لهما، الّا أنّ التّعاقد على تمليك الجملة، تعاقد على تمليك كلّ بعض من أبعاضها، لأنّها ليست الّا نفس الأبعاض بالأسر، فيكون التّعاقد على تمليكها في الحقيقة تعاقدا على تمليك كلّ من الأبعاض بإزاء ما يحاذيها من الثّمن، و عدم إمضاء تمليك بعض منها، ليس بضائر بتبعيّة العقود للقصود، لو قيل بالنّفوذ في الباقي لما عرفت من كون التّمليك بإزاء ما تخصّه من الثّمن مقصودا، و انّما يضرّ لو كان تمليك كل بعض مقيّدا بتمليك الباقي، كما في باب الشروط، و لا يكاد يكون هيهنا تقييد، و الّا لكان مع كلّ شي ء بيعا و شرطا، كما في ذاك الباب، و هو واضح البطلان، كما يشهد به الوجدان. و التّراضي المعتبر في الصحة، ليس الّا ان يكون تعاقدهما بصرافة طبع المتعاقدين، قبالا لما إذا تعاقدا إجبارا، أو إكراها، و قد تعاقدا هكذا، و ان لم ينفذ عقدهما في غير مالهما. و من ذلك ظهر الفرق بين فساد الشرط و فساد الجزء و ليس عسرا، كما حكى عن جامع المقاصد.

ان قلت: هب ذلك، و لكن التّبعيض يستلزم الجهالة في الثمن فيما يسلم، و العلم به معتبر في صحة البيع.

قلت: مع ان التّبعيض لا يستلزمه دائما، بل ربّما يوجبه أحيانا، ان المعتبر، هو العلم بما تعاقدا عليه من الثّمن و المثمن، لا ما انحلّ اليه العقد، لعدم إمضاء الشّارع فيما لا يملكه البائع، أو المشتري فلا مانع عن عموم أدلّة نفوذ البيع فيما يملكها، كما لا يخفى.

ان قلت: على هذا لا وجه لكون تبعّض الصفقة، موجبا للخيار، مع انّه من أسبابه عند المشهور، حيث انّه ليس فيه إلّا تخلّف الدّاعي، تخلّفه لا يوجبه.

قلت: وجهه انّه عقد واحد لم يسلم في تمام مضمونه، فالالتزام به

ص: 87

فيما يسلم ضرر، و على خلاف الفرض، فقاعدة نفى الضرر، يقتضي جبره برفع لزومه، و ثبوت الخيار فيه، فالسبب عدم سلامة العقد في تمام ما وقع عليه، لا تخلف ما يدعو إليه، فتأمل في المقام، فإنّه من مزال الأقدام للاعلام.

[مسألة لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار]

قوله (ره): (امّا تعارض ظاهر النّصف، اعنى الحصة المشاعة- إلخ-).

ظهوره فيه بملاحظة إطلاقه و عدم تخصيصه، بالإضافة إلى نفسه، أو شريكه، بل يكون حاله، حال لفظ الكل المضاف الى الدار، فكما انّه بلحاظ حال طروّ الشّركة، و سائر الحالات، فكذا يكون بلحاظها عند إطلاقه، و الّا فلا ظهور له في معنى مبهم، قابل للأنحاء من التّعيّنات. فافهم.

قوله (ره): (و الكلّ خلاف المفروض هنا- إلخ-).

و عليه فيتعيّن في إرادة نصفه المختص به بلا مزاحمة، لظهور النّصف في المشترك، لما عرفت، من ان ظهوره فيه، انّما كان بالإطلاق، و مقدّمات الحكمة، و لا يكاد يتمّ معه، مع انّه- ره- بنى على تقديم ظهور الفعل في الاختصاص على ظهور متعلّقه في العموم في باب الاستصحاب في مقام بيان معنى «لا تنقض اليقين» في اخبار الباب (1)، و من ذلك ظهر انّ قياس ما نحن فيه على بعت غانما ليس قياسا مع الفارق، لكنه عرفت فيما سلف انّه ليس نيّة واحد، ممّا ذكره- قدّس سره- مما لا بد في بيع مال الغير. فافهم.

قوله (ره): (فهل هو كالأجنبيّ؟ وجهان مبنيان على ان المعارض- إلخ-).

فإن كان المعارض، هو الأول، ففيه الاحتمالان، كالأجنبيّ، و ان هو الثّاني، فلا يكون إلّا احتمال واحد، لعدم صلاحيته للمعارضة، و ذلك لتبعيّة ظهور الفعل، لظهور ما يتقيّد به من متعلّقاته، و لكنّه على خلاف ما أفاده، في بيان معنى «لا تنقض» في باب الاستصحاب، كما أشرنا إليه، من تبعيّة المتعلّق في الظّهور، و في العموم و الخصوص، لظهور الفعل المتعلّق به، و الصواب اختلافهما في التّبعية، بحسب اختلاف المقامات، فلا بدّ في كلّ


1- وسائل الشيعة: 5- 321- ب 10- ح 3.

ص: 88

مقام من ملاحظة الخصوصيّات، و الحكم بها لأحدهما، مع التّرجيح، و الجزم بظهور الجملة بحسب متفاهم العرف فيه، و التوقف مع عدمه و البناء على إجماله.

قوله (ره): (لأنه عقد على ما يملكه- إلخ-).

بل عقد على ما يعمّه، و ما يملكه غيره، فصرفه اليه من دون صارف، لا وجه له، كصرفه الى غيره، و لا يمكن ان يجعل الصّارف، ظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه، إذ المفروض انّه لم يقصد الّا مدلول اللفظ من غير ملاحظة وقوعه عنه، أو عن غيره، فالحكم بوقوع البيع عنه تحكم، و لا يقاس على الحكم باستحقاق الزّوج بالطلاق، النّصف الباقي من الصّداق، لكفاية انطباق نصف ما فرضتم عليه، و عدم كفاية مجرّد الانطباق في الحكم بالوقوع عنه في باب العقود لتبعيّتها للقصود، فلا بدّ في بيع الكلّي مطلقا، من التّعيين، بإضافته إلى نفسه أو غيره، الّا أن يكون معيّنا في الكلّي الخارجيّ الذي كان جزء مما هو بتمامه ملكه، كالصّاع من صبرة مملوكة له، فتأمل جيّدا.

قوله (ره): (و نظيره في ظهور المنافاة لما هنا- إلخ-).

إشارة الى ما ذكره- ره- من منع ظهور النّصف، إلّا في الكلي الصّادق على نصفه، الموجب لصرف البيع الى نفسه، و ان صرفه الى غيره من دون صارف، لا وجه له على ما افاده، حيث انّهم في باب الصّلح ما صرفوا الصلح الى نفس المصالح، بل صرفوا اليه، و الى شريكه مع أجازته، و صرفوا الى نفسه في خصوص الرّبع بدونها، و وجه انّ الصلح انّما وقع على ما أقرّ به، و المقرّ به هي الحصة الخارجيّة الّتي تكون مورد العروض، ملك المصالح و شريكه، فلا محيص عن الصّرف إليها مع الإجازة، و اليه في خصوص الرّبع بدونها. نعم لا يبعد صرفه الى نفسه في تمام نصفه المقرّبة، لو لم يكن الصّلح على المقرّبة، بل على النّصف الظاهر، بقرينة ظهور إنشائه الصّلح في الصلح لنفسه في ماله، فلا وجه لما وجهه- ره- عليهم بقوله: «لأنّه ان أوقع الصلح- الى آخره-»، مع ما فيه من الخلل بحسب نظم الكلام على ما لا يخفى على ذوي الأفهام، و قد عرفت انّه لا ضابط في المقام، بل لا بدّ من رعاية

ص: 89

الخصوصيّات في كلّ مقام.

قوله (ره): (دفع المقرّ له نصف ما في يده- إلخ-).

قضيّته الإشاعة و الشّركة حسب اعتراف المقرّ، ان يكون ما في تحت يده من النّصف بين الثلاثة، كما كان الأخر الذي يكون في يد الأخر، فيكون للمقر له بحسب اعترافه، نصف ما له لو لا اعترافه ممّا في يده و يد الأخر، لا نصف ما في يده، فافهم.

[مسألة لو باع ما يقبل التملك و ما لا يقبله]

قوله (ره): (و يمكن دفعه بان اللازم هو العلم بثمن المجموع الذي قصد الى نقله- إلخ-).

يمكن ان يقال: إنّما يكفي هذا فيما صحّ عرفا بذل الثمن بإزائه، كالخمر، و الخنزير، حتّى كان الثمن و المثمن معيّنين، بحسب ما هو البيع العرفي، بخلاف ما إذا لم يصحّ، فان الثمن بحسبه أيضا مجهول، الّا ان يدّعى كفاية التعيّن في الصيغة. و قد ينقدح من ذلك إشكال أخر، و هو انّه لا يكاد يتأتّى في هذه الصورة منهما القصد الجدي إلى التّمليك و التّملك، و لا بدّ منه في العقد، و ان لم يكن بمعتبر في إنشائه. اللهم الّا ان يقال، انّما يعتبر القصد فيما يكون الإنشاء بالإضافة إليه عقد، أو لا يكون عقدا، الّا فيما يقبل التّمليك، و قد قصده بالجد و التّوسل بإنشائه إليه. فتدبّر.

قوله (ره): (مع انّه لو تمّ ما ذكر، لاقتضى صرف مجموع الثمن الى المملوك لا البطلان- إلخ-).

فيه انه لا وجه لصرف مجموعه اليه، بعد انّه جعل في الإنشاء بإزائه و إزاء غيره، فان علم المشترى بعدم وقوع شي ء منه شرعا، بل و لا عرفا بإزاء ما لا يقبل الملكيّة، لا يقتضي جعله بتمامه بإزاء ما يقبل، كيف و قد جعله حسب الفرض بإزائهما. فتدبّر جيّدا.

[مسألة يجوز للأب و الجد أن يتصرفا في مال الطفل]

قوله (ره): (و المشهور عدم اعتبار العدالة للأصل- إلخ-).

لا يخفى انّ قضيّة الأصل اعتبارها، لأصالة عدم نفوذ تصرّفهما في مال الطفل، كما ان الأصل عدم ثبوت الولاية لهما المستتبعة لنفوذ تصرّفهما، فإنّهما من الاعتبارات المصححة العقلائيّة الّتي تكون مستتبعة لآثار تكليفية

ص: 90

و وضعيّة، و منها اباحة التّصرف في مال الغير بدون إذنه الذي لولاها، كان غير جائز، للإطلاق «لا يجوز لأحد التّصرف في مال غيره بدون اذنه (1)». نعم لو كانا عادلين، و عرض الفسق، فشكّ في بقاء ولايتهما، و نفوذ تصرّفهما، فاستصحاب الولاية يقتضي نفوذ تصرّفهما.

قوله (ره): (و يستحيل من حكمة الصانع ان يجعل الفاسق امنيا- إلخ-).

لو سلّم هذا، و أغمض عما وجهه عليه في محكي جامع المقاصد، انّما يتمّ في غير الأب و الجدّ، فإنّهما في الحقيقة ما جعلا امنيا على مال الغير، بل على مال من كان هو و ماله، مالا لهما، كما في غير واحد من الاخبار (2)، و يساعده الاعتبار، كما لا يخفى على ذوي الإبصار.

قوله (ره): (و لعلّه أراد بنصّ القرآن، آية الرّكون الى الظالم (3)- إلخ-).

و تقريب دلالتها انّه تبارك و تعالى، إذا لم يرض بركون العباد الى الظّالم، فهو تعالى اولى بعدم الركون اليه، و الظّالم يعمّ من عصى ربّه و ظلم نفسه، كما في «لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ (4)». و يمكن تقريب الدّلالة بأنّ قضيّة حرمة الرّكون، عدم جواز تسليم مال اليتيم إلى الأب و الجدّ الفاسقين، مع القطع بجوازه على تقدير ولايتهما، بل وجوب التّسليم مع مطالبتهما، لكنّه يمكن ان يقال: انّ ولاية الأب و الجدّ الفاسقين، ليست من باب الرّكون الى الظّالم، بل لما عرفت من انّه من قبيل تسليط المالك على ملكه، فان الطفل و ماله، مالا لأبيه، فافهم.

قوله (ره): (و يشهد للأخير إطلاق ما دلّ على انّ مال الولد للوالد (5)- إلخ-).

لا يخفى عدم دلالة هذه الاخبار، على ولايتهما أصلا. كيف، و قد


1- وسائل الشيعة: 6- 376- ب 3- ح 6.
2- كالأخبار الواردة في وسائل الشيعة: 12- 194- ب 78.
3- هود: 113.
4- البقرة: 124.
5- وسائل الشيعة: 12- 194- ب 78- ح 8.

ص: 91

وردت في مورد كبر الولد و رشده، و لا ولاية لهما عليه بلا ريب فيه، فلا بدّ لها من معنى لا يستلزم الولاية، و يكون محقّقا في حال الكبر و الرّشد، و هو انّه للوالد مرتبة من الاختصاص، و نحو من الإضافة الى مال الولد و نفسه، يقتضي جواز اكله من ماله بقدر الحاجة، أو مطلقا، غاية الأمر دعوى دلالة هذه الاخبار على ملاك، يقتضي ولاية الجدّ و الأب، مع حاجة الولد، لقصوره بعدم البلوغ، أو العقل و الرشد إلى الولي، و كمال الأب و الجدّ بحسبهما، و لكنّه لا إطلاق فيها يقتضي نفوذ تصرّفهما مطلقا، بل لا يكاد يجدي، إلّا فيما إذا أحرز وجود الشّرائط، و فقد الموانع. اللّهم إلّا ان يقال: بانّ العرف يفهمون من مثل هذه الاخبار، و انّ للأب و الجدّ التّصرف في مال الولد، مثل تصرّفه فيه، و نفوذه كنفوذه و ليس ببعيد، كما يشهد به استشهاد الامام (عليه السلام) في معنى نكاح الجدّ بدون إذن الأب، فإنّ البنت و أباها للجدّ (1). فتأمّل.

قوله (ره): (و يدلّ عليه ما دلّ على انّ الشخص و ماله الذي منه مال ابنه لأبيه (2)- إلخ-).

فيه اشكال، حيث لا دلالة في هذه الاخبار، الّا على انّ الولد و ماله حقيقة لوالده، لا مطلقا و لو حكما. نعم في بعض الاخبار (3) تعليل نفوذ نكاح الجدّ بدون إذن الأب، فإنّ البنت و أباها للجدّ، لكنّه لا دلالة له على ولايته في أموال الطفل، الّا بدعوى الملازمة، بين ولايته على النكاح و ولايته على الأموال، بل الأولوية، و الإنصاف انّه غير بعيد.

قوله (ره): (و من ان مقتضى قوله تعالى «وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ (4)»- إلخ-).

الأولويّة في الآية، انّما هو في الإرث، لا فيما يعمّ الولاية، و الّا لزم


1- وسائل الشيعة: 14- 219- ب 11- ح 8 (بهذا المعنى).
2- وسائل الشيعة: 14- 217- ب 11- ح 5.
3- وسائل الشيعة: 14- 219- ب 11- ح 8 (بهذا المعنى).
4- الأنفال: 75.

ص: 92

تخصيص كثير، كما لا يخفى على الخبير.

[في ولاية الفقيه]

قوله (ره): (الولاية يتصوّر على وجهين، الأوّل استقلال الوليّ بالتصرف- إلخ-).

لا يخفى ان اختلاف متعلق الولاية، لا يوجب اختلافها فيها، و لا ينثلم به وحدتها، و ليس نصب المتولي في الموقوفات، و القيّم على القاصرين، و الاذن في الصلاة على الجنازة التي تكون بلا ولي، إلّا مثل تصرّفه بالمباشرة في البيع و الشراء و غيرهما، في انّ كلا منها من متعلقاتها، و نفوذه منه لاستقلاله فيها، و امّا نفوذ استنابته، ليس من شئون ولايته، دائرا مدار سعتها، بل انّما يكون دائرا مدار كون الفعل النّافذ منه بالمباشرة قابلًا للنيابة، و يكون حال الوكالة من الولي، حالها من المالك، أو المتولّي، فافهم.

قوله (ره): قال اللّه تعالى «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (1)»- إلخ-).

في دلالة ما دلّ من الآيات، و الروايات الدّالة على وجوب الإطاعة، أو حرمة المخالفة على الولاية، نظر، لعدم الملازمة بينهما، كما لا يخفى، لكن في هذه الآية، و ما يشابهها من الآيات، و الروايات الدّالة على الأولويّة كفاية.

قوله (ره): (و امّا العقل القطعي، فالمستقلّ منه حكمه بوجوب شكر المنعم- إلخ-).

لا يخفى انّ ما ذكره من حكم العقل بقسميه، لا يثبت به الّا وجوب الإطاعة، لا الولاية، فالأولى ان يقال: إنّ العقل يستقلّ بنفوذ تصرف أولياء النّعم، و منهم الواسطة بين اللّه تبارك و تعالى، و كافّة الأمم، في الأموال و الأنفس، فإنّهم أولى بهما من الأنفس. هذا في العقل المستقل. و امّا الغير المستقل فبأن يقال: انّ الأبوّة إذا اقتضت الولاية، فالنّبوة و الإمامة يقتضيان لها بطريق اولى، لأعظميّة حقّهما من حقّها، لكن لا يخفى انّه لو لا القطع بولاية النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و الامام (عليه السلام) من الآيات و الروايات،


1- الأحزاب: 6.

ص: 93

بل لا يبعد ان يعد من الضروريّات، لم يكد يحصل القطع به من قبل العقل، و لعلّه أشار إليه بأمره بالتأمّل.

قوله (ره): (امّا الولاية على الوجه الأول- إلخ-).

لا يخفى، انّه ليس للفقيه في حال الغيبة، ما ليس للإمام (عليه السلام) و امّا ما كان له، فثبوته له، محل الاشكال و الكلام في المقام، فلا بد هيهنا من البحث أوّلا فيما له (عليه السلام)، و ثانيا في النّقض و الإبرام فيما ذكر دليلا على ثبوته له.

فاعلم، انّه لا ريب في ولايته في مهام الأمور الكلية المتعلّقة بالسياسة الّتي تكون وظيفة من له الرّئاسة، و امّا في الأمور الجزئيّة المتعلّقة بالأشخاص، كبيع دار، و غيره من التصرف في أموال النّاس، ففيه اشكال، ممّا دلّ على عدم نفوذ تصرّف أحد في ملك غيره الّا باذنه (1)، و انّه لا يحلّ مال الّا بطيب نفس مالكه (2)، و وضوح انّ سيرة النبي (صلّى اللّه عليه و آله) انّه يعامل مع أموال النّاس، معاملة سائر النّاس، و ممّا دل من الآيات و الروايات، على كون النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و الامام، أولى بالمؤمنين من أنفسهم. و امّا ما كان من الأحكام المتعلّقة بالأشخاص بسبب خاصّ، من زواج، و قرابة، و نحوهما، فلا ريب في عدم عموم الولاية له، و ان يكون أولى بالإرث من القريب، و اولى بالأزواج من أزواجهم، و آية «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ (3)» انما يدلّ على أولويّته فيما لهم الاختيار، لا فيما لهم من الأحكام تعبّدا، و بلا اختيار. بقي الكلام في انّه، هل يجب على النّاس اتّباع أوامر الإمام (عليه السلام) و الانتهاء بنواهيه مطلقا و لو في غير السياسيات، و غير الأحكام، من الأمور العادية، أو يختصّ بما كان متعلّقا بهما؟! فيه اشكال، و القدر المتيقن من الآيات و الرّوايات، وجوب الإطاعة في خصوص ما صدر


1- وسائل الشيعة: 6- 376- ب 3- ح 6.
2- وسائل الشيعة: 3- 424- ب 3- ح 1 (مع تفاوت يسير).
3- الأحزاب: 6.

ص: 94

منهم، من جهة النّبوة و الإمامة.

و قد انقدح بذلك، انّه لا يلزم تخصيص كثير، أو أكثر، لو نهض الدّليل بعمومه و إطلاقه، على ثبوت ما للإمام (عليه السلام) من الولاية، و وجوب الإطاعة للفقيه. هذا في تعيين ماله (عليه السلام). و امّا ما ذكر دليلا لثبوت الولاية للفقيه، كولايته (عليه السلام)، فاحسنتها دلالة، ما دلّ على كون الفقيه بمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل، و ما دل على كون مجاري الأمور بيد العلماء. أمّا المنزلة، فالمتيقن منها انّها في تبليغ الأحكام بين الأنام، مع عدم ثبوت الولاية المطلقة لانبياء بني إسرائيل، فتأمّل. و امّا كون مجاري الأمور بيد العلماء، و ان كان عبارة أخرى عن ولايتهم، الّا ان الظاهر من «العلماء باللّه الأمناء على حلاله و حرامه (1)» هو خصوص الأئمة، كما يشهد به سائر فقرأته الّتي سيقت في مقام توبيخ النّاس على تفرقهم عنهم (عليهم السلام)، حيث انه صار سببا لغصب الخلاقة و زوالها عن أيدي من كانت مجاري الأمور بأيديهم. و الخبر طويل رواه مرسلا عن ابى عبد اللّه الحسين (عليه السلام) في تحف العقول، فلا حظ تمامه (2)، و لا دلالة في كون اولى الناس بالأنبياء أعلمهم على الولاية، مع انّ الظاهر ان المراد، اولى الناس بالخلافة منهم، و لذا خصّصه بأعلم الناس و لا في إطلاق الخلافة عليهم، و لا في جعلهم حاكما، و لا قاضيا، لعدم إطلاق في الخلافة، و لعلّها في تبليغ الأحكام الّتي هي من شئون الرّسالة، و ظهور كونهم حاكما و قاضيا في خصوص رفع الخصومة، كما يشهد ملاحظة المقبولة و المشهورة، و لا في إرجاع الحوادث الواقعة إليهم، في التوقيع الشريف (3)، لاحتمال معهوديّة الحوادث، و اشارة إلى خصوص ما ذكره في السؤال، و قوّة ان يكون المراد، إرجاع حكم


1- تحف العقول: ص 271 (في كلمات الحسين (ع)).
2- تحف العقول: ص 271 (في كلمات الحسين (ع)).
3- وسائل الشيعة: 18- 101- ب 11- ح 9. عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمرى ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علىّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) اما ما- سألت عنه أرشدك اللّه و ثبتك- الى ان قال: و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة- حديثنا، فإنهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه. و اما محمد بن عثمان العمري فرضي اللّه عنه- و عن أبيه من قبل، فإنه ثقتي و كتابه كتابي.

ص: 95

الحوادث الواقعة، و الفروع المتجدّدة الّتي ليس منها بخصوصها أثر في الاخبار، و لا لجعلهم حجة من قبله، فان الحجيّة من قبله غير مستلزم للولاية المطلقة، لعدم ملازمة عقلا، و لا عرفا بين الحجيّة و الولاية، و ان علم ولاية حجة اللّه عجل اللّه فرجه، كما عرفت، فتأمل جيّدا.

قوله (ره): (و ان لم يعلم ذلك، و احتمل كونه مشروطا في وجوده، أو وجوبه بنظر الفقيه، وجب الرجوع فيه إليه- إلخ-).

لا شبهة في وجوب الرّجوع اليه، فيما احتمل كونه مشروطا في وجوده بحسب أثره الوضعي، لأصالة عدم تأثيره بدونه، لا بحسب أثره التّكليفي، لأنّه ان كان الشّك في جوازه بدون إذنه، فقضيّة أصالة الإباحة، جوازه بدونه، و ان كان الشّك في موافقته للواجب بدونه، فأصالة البراءة عقلا عنده (ره)، و نقلا عندنا، مقتضية للاقتصار عليه، و عدم وجوب الرّجوع فيه الى الفقيه، فانقدح بذلك انه لا وجه لوجوب الرّجوع اليه، فيما احتمل كونه مشروطا في وجوبه أيضا. و بالجملة، انّما يجب الرّجوع فيما شكّ في تأثيره بدونه، سواء كان الأثر مما يجب تحصيله بالتسبيب، أولا، للأصل، و في غيره لا يجب، لأصالة البراءة، أو الجواز، فلا تغفل.

قوله (ره): (و مرجع هذا الى الشك في كون المطلوب (1) وجوده- إلخ-).

بل و مرجعه الى الشّك في كون المطلوب وجوده مطلقا، أو في زمان الحضور، و امّا إذا علم بوجوبه مطلقا، فإن شكّ في اعتبار صدوره من خاص، فقيها كان أو غيره، فالواجب عليه، إتيانه، لعلمه بوجوبه عليه عينا أو كفاية، و الأصل عدم وجوبه على غيره، و ان شكّ في اعتبار نظر شخص


1- و في المصدر: في كون المطلوب مطلق وجوده.

ص: 96

خاصّ، و اذنه في صدوره من اىّ شخص كان، فأصالة البراءة عقلا أو نقلا، يقتضي عدم اعتباره، و كفاية صدوره من الفقيه غيره.

قوله (ره): (امّا وجوب الرّجوع الى الفقيه في الأمور المذكورة فيدل عليه- إلخ-).

قد عرفت الإشكال في دلالتها على الولاية الاستقلاليّة، و الغير استقلاليّة، لكنّها موجبة لكون الفقيه، هو القدر المتيقن من بين من احتمل اعتبار مباشرته أو اذنه و نظره، كما انّ عدول المؤمنين في صورة فقده، يكون كذلك.

[مسألة في ولاية عدول المؤمنين]

قوله (ره): (لعموم «وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ (1)»- إلخ-).

لا يخفى عدم الحاجة الى الاستدلال بما ذكره فيما علم بكونه مطلوبا على كلّ حال، و لو مع فقد الفقيه، و عدم صحة الاستدلال به فيما لا يعلم كونه مطلوبا كذلك، بل احتمل كونه مطلوبا في حال وجوده، و سقوطه حال فقده، لانّه من التّمسك بالعام فيما شكّ في كونه من مصاديقه في الآية و الرواية الأخيرة، لعدم إحراز كونه من البر و التقوى و المعروف في هذا الحال، و عدم إطلاق أصلا في الرّواية الأولى، لوضوح انّه في مقام التّرغيب في عون الأخ بعد الفراغ عن جواز ما أعانه فيه شرعا، كما لا يخفى.

قوله (ره): (و الاحتمال الثالث مناف لإطلاق المفهوم الدّال على ثبوت البأس- إلخ-).

فلا بد من تقييده على هذا الاحتمال، للقطع بعدم البأس على العادل، مع تعذّر الفقيه، و أنت خبير بمنافات كلّ واحد من الاحتمالات، للإطلاق، للقطع بعدم البأس على الفاسق الأمين، مع تعذّر الفقيه، و العدل، و هكذا الخائن، و المخالف، في صورة تعذّر الأمين أيضا، و ذلك لفرض الكلام فيما علم بكونه مطلوبا على كلّ حال، و الّا فلا يكون هذا الاحتمال مناف للإطلاق، لاحتمال ثبوت البأس، مع تعذّر الفقيه، على الإطلاق و لو على


1- المائدة: 2.

ص: 97

العادل. فتأمل جيدا.

قوله (ره): (و انّما حمل على موضوع، هو إصلاح المال و مراعاة الحال- إلخ-).

و هذا الموضوع لا يثبت بأصالة الصّحة، و ان كان ممّا يتوقّف عليه الصحة، لما حقّق في محلّه، ان أصالتها، و ان قلنا بكونها حجة طريقا، و من باب الظن، الّا انّها لا يثبت الّا ما يترتّب عليها شرعا، لا ما يترتّب على ما كانت موقوفة عليه، أو موقوفا عليها. اللّهم إلّا ان يمنع ترتّب جواز شراء مال اليتيم على إصلاحه، و رعاية حاله، و الّا لأشكل الأمر في الشراء من العدل، أو الفقيه، مع عدم إحراز الصّلاح، بل كان مترتّبا على الصّحة المحرزة بالأصل عند الشّك فيها، و لعله أشار إليه بأمره بالتأمّل.

قوله (ره): (فمجرد وضع العدل يده على مال اليتيم- إلخ-).

لا يخفى انّ تصرف العدل، سواء كان من باب النّيابة، أو صرف التّكليف، يمكن ان يوجب المنع عن الأخر و مزاحمته، كما يمكن ان لا يوجبه، و المتّبع في ذلك، دليل جواز تصرّفه على النّيابة، أو التّكليف، و انّه دلّ على المنع، أو الجواز، فلا وجه لتفريعه عدم المنع على كون تصرف العدل على وجه التّكليف دون النّيابة. فتأمّل.

قوله (ره): (لأن دخوله فيه كدخول الامام (عليه السلام)، فدخول الثاني فيه و بنائه على تصرف أخر مزاحمة، فهو كمزاحمة الإمام (عليه السلام).)

و فيه انّه، و ان كان كمزاحمة الإمام، الّا انّه من الامام (عليه السلام).

لا يقال: انّ أدلة النّيابة لا تشمل ما كان فيه مزاحمة الإمام، فلا يكون الّا من قبيل المزاحمة من غير الإمام.

فإنّه يقال: انّ عدم الشّمول، ان كان لعدم المقتضى من إطلاق أو عموم، يعمّ هذا الحال، فعدم الدّليل على الولاية مع المزاحمة، يكفي وجها لعدم الولاية، و نفوذ التّصرف، لأصالة عدمها. و ان كان لأجل المانع عن ثبوتها، و ان كان المقتضي لإثباتها موجودا، كما هو ظاهر كلامه زيد في علو مقامه،

ص: 98

فالمزاحمة و إن كانت مانعة عقلا، إلّا انّها إذا لم يكن كمزاحمته له، و عموم أدلّة النيابة يقتضي كون كلّ منهما نائبا عنه (عليه السلام).

قوله (ره): (فلانّ وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم- إلخ-).

جواز الحكم قبل السؤال، يكفي في المنع عن المزاحمة، الّا ان يمنع عن جوازه قبل السؤال، مع انّه يمكن مع فرض التّرافع الى الغير بعد السؤال و قبل الحكم، بوجه، إلّا ان يمنع عن جواز التّصدي حينئذ، و لعلّ القضاوة منصب، أثبته عموم مثل المقبولة (1)، و غيرها في حال الغيبة لكلّ فقيه، كما أثبته دليل خاص لخصوص اشخاص في حال الحضور، لا النّيابة عنه (عليه السلام).

قوله (ره): (فنقول انّ القرب في الآية (2)، يحتمل معاني أربعة- إلخ-).

القرب إلى الشي ء و ان كانت حقيقة بالأبد أن بحسب المكان، الّا انّه كثيرا ما يستعمل كناية عن الإيجاد إذا نسب إلى الأفعال، كما في قوله تعالى «لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ» (3)، و عن أحدها إذا نسب الى غيرها، ممّا عهد و تعارف انتسابه إليه ففي مثل: فلان لا يقرب القران، أو الكتاب، يراد القراءة أو المطالعة، أو لا يقرب المسجد يراد الصّلاة فيه، أو مطلق العبادة، و المعهود مما ينتسب الى المال عرفا، هو التّصرف فيه بالتّجارة، بالبيع و الشّراء، و الإجارة، و غيرها من أنواع المتاجر، لا مطلق الفعل الاختياري، فضلا عن الأمر الأعمّ من الفعل و التّرك، فتأمّل جيّدا.

قوله (ره): (و من الاحتمالات الأحسن، هو الاحتمال الثاني- إلخ-).

لكنّه لا بدّ ان يراد منه، التصرف الذي لا يكون بأحسن منه، لا ما كان الأحسن مطلقا، ضرورة جواز اختيار أحد التّصرفين المتساويين الذين كانا أحسن من سائر التّصرفات، و عليه لو فرضنا ان كلا من إبقاء الدّراهم، أو تبديلها بالدّينار، أحسن من سائر التّصرفات فيها، جاز له التبديل، حيث


1- وسائل الشيعة: 18- 101- ب 11- ح 9.
2- الأنعام: 152. و هو قوله تعالى «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ».
3- النساء: 43.

ص: 99

لا أحسن منه، و ان لم يكن بالأحسن مطلقا، فتأمل.

قوله (ره): (بناء على انّ المراد من منفعة الدّخول، ما يوازي عوض ما يتصرّفون- إلخ-).

أي ما يعمّه، و ما هو الزّائد عليه، لبعد إرادته بخصوصه، و كيف كان، فلا تنافي بين صدر الرّواية و ذيلها، لكون الشّرطية في كل منهما مسوقة على ما هو الغالب من حصول الضرر، أو النّفع من دخول بيت اليتيم، لندوة الموازاة بين الضّرر و النفع الدّاخلين عليه من الدخول، فلا تعرّض في إحديهما لهذه أصلا، فلا تعارض، كما لا يخفى.

[مسألة يشترط في من ينتقل إليه العبد المسلم أن يكون مسلما]

قوله (ره): (و لو بقرينة سياقها الابى عن التّخصيص، فلا بدّ من حمله على معنى- إلخ-).

و حمله على ما يعمّ الملكيّة، موجب للتّخصيص، لتملّك الكافر للمسلم بالإرث، و بقاء ملكيته له فيما كفر المولى، بعد ما كانا مسلمين، أو أسلم العبد بعد ما كانا كافرين، فلا بدّ من الحمل على ما يعمّ الملكيّة، فلا دلالة على المنع عن بيع عبد المسلم من الكافر.

قلت: يمكن ان يقال: انّ الآية (1)، و لو بقرينة سياقها، لا بدّ من ان يحمل على ما لا يرد عليه التّخصص، الّا انّ حملها على ما يعمّ مثل تملكه له بالاختيار بشرائه، لا يوجبه، فان تملّكه بالإرث، أو ببقاء ملكيته قبل الإسلام، انّما هو بالتّعبد، لا بالاختيار، و كون التّملك بالاختيار، سبيلا، بل من أوضح السّبل، لا يستلزم كون التّملك حدوثا أو بقاء تعبّدا كذلك أصلا كما لا يخفى و من هنا يمكن ان يقال ان المال بالنسبة إلى العلو كذلك. فلا يكون الملكيّة القهرية التعبديّة، بلا استتباعها السلطنة علوّا، و كان سلطنته على تحصيلها بالشّراء علوّا، فافهم.

قوله (ره): (و حكومة الآية (2) غير معلومة، و إباء سياق الآية من التّخصيص).

لا يخفى انّ العرف يساعد على التوفيق بين ما دلّ على الحكم


1- النساء: 141. و هو قوله تعالى «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا».
2- النساء: 141.

ص: 100

للعناوين الثّانية الطّارية، و ما دلّ على الحكم للعناوين الأوليّة، بتقديم الأول على الثّاني، و ان كان بينهما عموما من وجه، و حمل الثاني على الحكم الاقتضائي، و لذا لم يلحظ بين مثليهما تعارض أصلا، و قد عرفت في الحاشية السّابقة عدم لزوم تخصيص فيها من طرف الاستدامة، فتأمل جدّا.

قوله (ره): (و هذا و ان اقتضى التّقييد في إطلاق ما دلّ- إلخ-).

لا يخفى، انّ تقييد إطلاق دليل الاستقلال في مورد ملك الكافر للمسلم، معلوم على كل حال، لوجوب بيعه عليه، و لو لم يكن بطيبة، فلا يكون حجره مع صحة بيعه منه، تقييد أخر، يحتاج ترجيحه على تخصيص الاية (1) الى دعوى اهونيّته.

قوله (ره): (فيثبت في غيره بعدم الفصل- إلخ-).

لا يكاد يثبت في غيره، الّا على الأصل المثبت، اللّهم الّا ان يدعى عدم الفصل بين صحته بالاستصحاب في مورده، و صحته في غير مورده.

و بعبارة أخرى يدّعى عدم الفصل بين الحكمين الظاهرين، لكنه كما ترى.

قوله (قدس سره): (لانّ استصحاب الصّحة متقدّم عليها فتأمل- إلخ-).

لا يكاد يقدم أصل على أصل أخر، إلّا إذا كان سببيّا بالنّسبة اليه، و لا سببيّة بين صحة البيع في مورد استصحابها، و بين صحته في غير هذا المورد، غاية الأمر، بين صحة أحدهما، و صحة الأخر، ملازمة، كما هو الحال في الفساد، و لذا أمر بالتّأمل.

قوله (قده): (و اما تمليك المنافع ففي الجواز- إلخ-).

إنّما الاشكال و الخلاف في الإجارة، و الرّهن، و الإعارة، و غيرهما، لأجل عدم تنقيح السّبيل المنفي، و انّه بمفهومه يعمّ ميل هذا التّسليط النّاشى من قبل أحدهما أولا، و المتّبع في مثله، هو أصالة عموم دليل صحّة البيع، أو


1- النساء: 141.

ص: 101

إطلاقه، لو كان، و إلّا فأصالة الفساد.

قوله (قده): (ثمّ الظّاهر من لفظ الكافر- إلخ-).

بل الظّاهر من لم يؤمن باللّه و رسوله (ص)، و ان لم يحكم بنجاسته، و حكم بنجاسة من حكم بكفره ممن انتحل بالإسلام، و كونهم في الخباثة مثلهم، أو أشدّ، لا يقتضي الاشتراك في تمام الأحكام، و كذلك إطلاق الكفر عليهم في بعض الاخبار، لا يقتضي ترتيب جميع الآثار عليه، مع وضوح انّه بلحاظ ماله من الخباثة الذاتيّة الّتي لا يبعد ان يكون مقتضية لاشتراكه مع الكافر في أحكامه، لو لا شرافة إسلامه.

قوله (قده): (الّا ان يمنع اعتبار مثل هذا العلم الإجمالي فتأمل).

لا وجه له، لعدم جواز تخصيص اعتبار العلم ببعض الإفراد و الموارد، نعم يمكن دعوى عدم حصول العلم هيهنا على صحة البيع واقعا على تقدير الكذب، بسبب نفوذ الإقرار عليه ظاهرا، و عدم كون التملّك و المالكية، سبيلا و سيّارة، فتأمل جيدا.

قوله (قده): (لقوله (عليه السلام) في عبد كافر أسلم: اذهبوه فبيعّوه (1)- إلخ-).

يمكن ان يكون قوله (عليه السلام): اذهبوه، بيان الحكم، و انّ بيعه عليه، تكليف المسلمين، و يمكن ان يكون إذنا لهم في بيعه، لولايته (عليه السلام)، حيث ان بيعه عليه، على خلاف القواعد المتيقّنة، فلا محيص الّا عن الاقتصار على المتيّقن من رعاية الإذن ممّن احتمل ولايته عليه من الفقيه في حال الغيبة، بل العدول مع تعذّره. نعم فيما إذا تعذّر، فلا يبعد دعوى حصول القطع بنفوذ بيع سائر المؤمنين، للقطع بأنّه مطلوب على كل حال.

قوله (قده): (و يمكن ان يبتني على انّ الزّائل العائد، كالّذي لم يزل- إلخ-).

لا وجه لهذا الابتناء أصلا، حيث انّ العائد لو سلّم أنّه كالّذي لم


1- وسائل الشيعة: 12- 282- ب 28- ح 1.

ص: 102

يزل، الّا انّه بحسب النظر المسامحي العرفي، و الّا فلا شبهة انّه غير الأوّل، و الإجماع انّما كان على الأوّل، و الّا لم يحتج إلى أنّه كالّذي لم يزل. نعم ربّما يصحّ الابتناء فيما كان الدّليل على ملكيّته بالإرث، على خلاف قاعدة نفى السبيل، بنصّ دعوى صدق انّه تلك الملكيّة على انّ العائد كغير الزّائل، فتأمل.

قوله (قدس سره): (يشكل في الخيارات النّاشئة عن الضّرر من جهة قوّة أدلة نفى الضرر- إلخ-).

لا يخفى انّ المقام، ليس مقام تعارض الدّليلين، بل من قبيل تعارض المقتضيين، كما في تزاحم الواجبين، و ذلك لأنّ المقتضي لكلّ من النفي و الإثبات، من الضرر، و السّبيل، هيهنا، كما في غيره بلا قصور فيه، و ليس عدم تأثيره، إلّا لابتلائه بالمزاحم الأقوى، كما لا يخفى. و في مثله لا بدّ من التّرجيح بالأهميّة، لا بأقوائيّة الدّليل. نعم لو لم يحرز الأهميّة، فلا بأس بالتّرجيح بها للأوّل إلى تعارض الدّليلين في الحكم الفعلي، و إحراز الأهميّة بها بطريق الان، فافهم، و لا يبعد دعوى أهميّة نفى السبيل المقتضي لنفي الخيار، عن نفى الضرر المقتضي لإثباته.

قوله (قدس سره): (فان هذا الضّرر انّما حصل من كفره الموجب لعدم قابلية تملك المسلم- إلخ-).

فيه انّه ليس من الاقدام بالضّرر المانع عن شمول قاعدته له، كما إذا أقدم على البيع بالأقل عن علم، بل من الاقدام على ما كان حكمه بحسب عموم أدلة الضّرر، لو لا قاعدته، فلو لم نقل بالخيار، فلا بد من تخصيصها بقاعدة السبيل و العلو المنفيين بناء على ما عرفت من انّ مجرّد التملك بلا اختيار، و ان لم يكن سبيلا و علوا، الّا انّ تحصيله بالاختيار بالبيع، أو بالفسخ بالخيار، كان سبيلا و علوّا، فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (مع انّه على تقدير المقاومة يرجع الى أصالة الملك و عدم زواله بالفسخ و الرجوع- إلخ-).

لا بأس باستصحاب الملك، لتحقق ركنيه، و امّا استصحاب عدم

ص: 103

الزّوال بالفسخ، فلا مجال له بلا ارتياب، لعدم التّيقن به سابقا، و انّما يجرى فيما إذا قطع به، ثم طرء ما يوجب الشّك في بقائه و ارتفاعه. نعم لا بأس باستصحاب عدم ثبوت حقّ الخيار، و ازالة الملك بالفسخ بالعقد، للشّك في حدوثه به بعد القطع بعدمه، و لو لعدم سببه و موضوعه.

[القول في شرائط العوضين]

[يشترط في كلّ منهما كونه متموّلا]

اشارة

قوله (قدس سره): (يشترط في كلّ منهما كونه متموّلا- إلخ-).

لا يخفى انّ بين الماليّة و الملكيّة عموما من وجه، لافتراقهما من حبّة حنطة، و الكلى المتعهّد به، حيث انّ الأول ملك و لا مال، و في الثاني يعكس الحال، فإنّه يبذل بإزائه المال، مع انّه ليس بملك قبل البيع لأحد، و ان صار ملكا للمشتري أو البائع بالمال، و قد انقدح به، انّ المعتبر في صحّة البيع هو الماليّة. نعم لو كان بالفعل ملكا، فلا بدّ ان يكون ملكا للبائع، و الّا لكان فضوليّا يتوقّف نفوذه على الإجازة، أو باطلا، على الخلاف، كما تقدم.

قوله (قدس سره): (إذ لا بيع إلّا في ملك- إلخ-).

قد عرفت انّ النسبة بين الملكيّة و الماليّة عموم من وجه، فلا وجه للاستدلال به على اعتبار المالية، مع انّه انّما لا بيع إلّا في ملك فيما هو بالفعل ملك، لما أشرنا إليه من صحة بيع الكلى، بلا خلاف و لا اشكال مع انّه ليس بملك بالفعل، و ان كان بالمال، فالأولى ان يقال: انّ ما ليس عرفا بمال، فلا خلاف و لا إشكال في عدم جواز وقوعه أحد العوضيين في البيع، فإنّه مبادلة مال بمال.

قوله (قدس سره): (و الّا فلا يخفى وجوب الرجوع الى عمومات صحة البيع- إلخ-).

فيه ما لا يخفى، فان الرجوع إليها تمسّك بالعام فيما اشتبه كونه من مصاديقه، بناء على اعتبار ماليّة العوضين في البيع، كما أشرنا إليه. نعم- يصحّ الرّجوع الى عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) لو لم نقل باعتبار ذلك في صدق-


1- المائدة: 1.

ص: 104

العقد عرفا أيضا، كما صحّ الرّجوع الى عمومات البيع أيضا، فيما إذا شكّ في- ماليّته شرعا، فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (ثمّ انّهم احترزوا باعتبار الملكيّة (1)، من بيع ما يشترك فيه النّاس- إلخ-).

أي ما يباع لهم و جاز لهم التّملك بالاحتطاب، و الاصطياد، و الاتّخاذ، و عدم جواز بيعها قبل تملّكها ليس لعدم ملكيتها لأحد، و الّا فقد عرفت عدم اعتبار الملكيّة قبل البيع، بل لعدم كونها قبل التّملك مالا يبذل بإزائه المال، و يكون بذله بإزائه سفها، و أكل المال بإزائه باطلا، فافهم.

[الكلام في أحكام الأرضين]

قوله (قدس سره): (و احترزوا به أيضا عن الأرض المفتوحة عنوة- إلخ-).

لا يخفى انّ مجرد اعتبار الملكية، لا يوجب الاحتراز عنها، لكونها مملوكة أيضا للمسلمين بنحو من الملك، مع انّه لا وجه للاحتراز عنها، لصحة بيعها إذا رأى الامام (عليه السلام) فيه المصلحة، و توقف صحة بيعها على المصلحة، غير عدم جواز بيعها.

قوله (قدس سره): (ربّما يكون في بعض الاخبار (2)، وجوب أداء خراجه الى الامام (عليه السلام) إلخ-).

و هذه الاخبار ظاهرة في بقائها في ملك الامام (عليه السلام) أيضا، و هي أظهر مما دلّ على حصول الملك بالاحياء لمن أحيا، و لو سلّم عدم كونها أظهر، فالتّوفيق بحمل ما كان ظاهرا في حصول الملك على حصول الاختصاص، ما يساعد عليه العرف، فيتعيّن لو لا الإجماع على حصول الملك.

قوله (قدس سره): (فدخل في عموم النبوي: من سبق الى ما لا يسبقه أحد (3)- إلخ-).

انّما سيق الإطلاق مساق أحقيّة السابق، و عدم جواز مزاحمة


1- و في المصدر: باعتبار الملكية في العوضيين من بيع.
2- وسائل الشيعة: 17- 328- ب 3- ح 2.
3- السنن للبيهقي: 6- 142 (باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد).

ص: 105

اللاحق، لا في مساق جواز السبقة حتى كان عدم جواز السبق إلى أموال الناس بدليل خاص، فلا يجوز التّمسك بإطلاقه فيما إذا أشك في جوازه، كالأرض العامرة التي هي تكون ملكا للإمام (عليه السلام).

قوله (قدس سره): (فان كانت العمارة اصلية فهي الإمام (عليه السلام) إلخ-).

بلا اشكال و لا كلام إذا لم يملكها غيره بالحيازة، بناء على التّملك بها، و الّا فحالها حال الأرض المحياة الّتي عرضها الموت التي قضيّة الاستصحاب، و بعض الاخبار، بقائها على ملك مالكا، و بعض الاخبار دلّ على ان الأرض الخربة تركها أهلها و عمرها غيرها فهي لمعمرها (1).

قوله (قدس سره): (ثم ما يملكها الكفّار من الأرض (2)- إلخ-).

كانت محياة، أو عامرة بالأصل، أو ميتة إذا عرضها الموت، بناء على بقائها في ملك مالكها، إذا الظاهر من الدّليل حكم المفتوحة عنوة، صيرورة كلّما كان مملوكا للكفّار، ملكا للمسلمين، فليراجع الأدلة.

قوله (قدس سره): (و ظاهره كما ترى عدم جواز بيعها- إلخ-).

و عليه يشكل بيع ارض العراق و شرائها، فإنّها فتحت عنوة، مع انّه من المتعارف بلا نكير، و يدفع بأنّ المحياة منها حال الفتح، كانت ملكا للمسلمين، و امّا الميتة حاله فهي لمحييها، فكل ارض منها لم يعلم كونها محياة حاله، و كانت تحت يد، يحكم بكونها ملكا لذي اليد، فجاز بيعها و شرائها، مع انّ ما كانت محياة حاله، يمكن ان يكون الامام (عليه السلام) قد نقلها.

لا يقال: نعم، و لكن لا يكاد و يكون اليد الامارة الملك في الطرف العلم الإجمالي.

فإنه يقال: نعم، لكنه لو لا الانحلال الى العلم التّفصيلي و الشّك


1- وسائل الشيعة: 17- 328- ب 3.
2- و في المصدر: ثم ما ملكه الكافر من الأرض.

ص: 106

البدوي، و ذلك لانّ ما علم تفصيلا من الأراضي الخراجيّة، بالمقدار المعلوم بالإجمال، و لو لم يكن بذاك المقدار، فاطرافه غير محصورة بلا اشكال.

قوله (قدس سره): (ففي عدم جواز التّصرف الّا فيما أعطاه السلطان الذي حلّ قبول الخراج- إلخ-).

الظّاهر انّه لا إشكال في جواز التّصرف فيما أعطاه السّلطان و قبله مما كان تحت سلطانه، لما دلّ من الاخبار على جواز التّقبيل منه، و امّا ما لا يكون بيده و تحت سلطانه، ففيه اشكال، لاحتمال ان يكون الفقيه مرجعا في مثله في حال الغيبة أو السّلطان، كما كان في غيره ممّا يكون تحت يده، فلا بدّ في التّصرف فيه من إذنهما، لدوران الأمر بينهما لو أمكن، و الّا فيما أمكن للعلم بان الشّارع لا يرضى بتعطيله مطلقا، و لا ينافي هذا، توقّفه على اذن الفقيه أو السلطان لو أمكن، كما لا يخفى. نعم لا يبعد دعوى كفاية إذن الفقيه فيه مطلقا، و عدم الاعتداد بإذن السّلطان في غير ما نهض عليه الدّليل، لما دلّ على عدم جواز الرّكون الى الظالم (1).

قوله (قدس سره): (و يؤيّد بل يدل عليه استمرار السّيرة خلفا عن سلف، على بيع الأمور المعمولة- إلخ-).

لا يخفى انّه لا تأييد فيه، فضلا عن الدّلالة، لعدم إحراز كون الأراضي الّتي يؤخذ منها الأمور المعمولة محياة حال الفتح، كي يكشف السيرة إذا كانت واجدة لشرائط الاعتبار عن كونها كالمباحات، و قد عرفت انّ إطلاق (من سبق) (2) انما يكون في مساق بيان أحقيّة السّابق من اللّاحق.

فتذكر.

[و اعلم أنه ذكر الفاضلان في في شروط العوضين بعد الملكية كونه طلقا]

اشارة

قوله (قدس سره): (فالتّعبير بهذا المفهوم المنتزع تمهيد لذكر الحقوق المانعة- إلخ-).

هذا بحسب النظر الجلي العرفي، و اما بحسب النّظر الدّقيق، فالمانع هو


1- هود: 113.
2- ورد بهذا المعنى في السنن لأبي داود- 3- 178.

ص: 107

الجامع بين الحقوق، فإنّه على شتاتها، و تفرقها، يكون مجتمعة في المنع عن تأثير البيع، فلا بدّ ان يكون هذا بما يجمعها يكون مشتركة فيه، و يكون الشرط هو فقد ذاك الجامع الذي عبّر عنه بكونه طلقا، اى فاقدا لذاك المانع، فليس الأمر في الأصالة و الفرعة في هذا الشرط، و فروعه على العكس، فافهم.

[مسألة لا يجوز بيع الوقف إجماعا]
اشارة

قوله (قدس سره): (و مما ذكرنا ظهر انّ المانع من بيع الوقف أمور ثلاثة- إلخ-).

و التّحقيق انّ واحدا منها لا يصلح للمنع عن البيع، امّا الواقف فلانقطاع العين الموقوفة منه بالوقف، و صيرورته أجنبيّا عنها كغيره، و استحقاقه الأجر و الثواب بنفس وقفه كسائر عباداته، و كونها صدقة جارية، لا يقتضي كونها متعلّقة لحقّه، غاية الأمر انتفاعه بها ما دامت باقية، لأجل خصوصية عمله، مثل «من سنّ سنة حسنة (1)» من دون تعلق حق منه بها أصلا، و اما اللّه تبارك و تعالى، فالأعيان الموقوفة كسائر الأعيان من السموات و الارضيين، و ان كانت ملكا له تعالى، الّا انّه ليس بمانع عن البيع، و كون نفس الوقف للّه تعالى، و هذا العمل له، و عليه عوضه، لا يقتضي كون العين الموقوفة متعلّقة بحقّ له، مانع عن بيعها، كما لا يخفى، و اما البطون اللّاحقة، فلو سلّم كون العين فعلا متعلّقة لحقّها، فإنّما يكون مانعا عن بيعها على ان يكون الثمن ملكا للموجودين من الموقوف عليهم، لا على ان يكون الثّمن كالمثمن متعلّقا لحقوقها، إذا كان البيع صلاحا للوقف، فلم يبق ما يمنع عنه، الّا الإجماع، و الاخبار. و دعوى كون جوازه منافيا لمقتضى العقد، سواء كان عدم البيع و مثله، مأخوذا في قوامه، أو كان من لوازمه و أحكامه، و هذه الدّعوى بينّة في الجملة، ضرورة انّ حبس الأصل الذي لا معنى له، الّا الممنوعيّة عن التّصرفات النّاقلة أو المتلفة له، داخلة في قوامه، و لا أقلّ من كونه من لوازمه و أحكامه.

نعم كونه كذلك مطلقا، و لو طرء عليه من الأداء الى الخراب،


1- كنز العمال- ح 43079 و 43077 (و بهذا المعنى ورد في البحار- 71- 258).

ص: 108

و الخلف، و الفساد بين الأرباب، و غير ذلك، أو ما لم يطرء عليه مثل ذلك، و الّا فالحبس انّما كان معتبرا فيه ببدله، بان يكون حبسه بمالية غايته يكون حبسه بنفسه قبل طروّ أحد الطّوارى، كما هو المقصود الاولى الأصلي و ببدله، فيما إذا طرء أحدها، و هو المقصود الثّانوي، محلّ اشكال بل و خلاف. و قد انقدح بذلك، انّ جواز البيع، ينافي الحبس الذي يكون به قوامه، أو يكون من لوازمه و خاصيّته على وجه و قول، فلا محيص على هذا عن بطلانه، و على وجه آخر يكون كذلك، بالنسبة إلى مرتبة منه، و هي المرتبة الاولى، و المقصود الأقصى، لا بحسب حقيقته و ماهيّته، كي يوجب بطلانه كلّا، و اضمحلاله أصلا.

و بذلك ظهر ان من يقول ببطلانه بالجواز، كان نظره الى ان المنع عنه من لوازمه و أحكامه، لو لم يكن داخلا في قوامه، و ان من يقول بعدم بطلانه به، بل بالبيع كان نظره الى انّه من لوازم بعض مراتبه، لا من خواصّ حقيقية أو من مقومات ماهيّته، لكنه لا يخفى انّه بالبيع على هذا، لا يبطل الوقف أيضا، إلّا بالنسبة إلى العين نفسها، لا ببدلها. و قد عرفت ان حبسها بنفسها مرتبة من المقصود، لإتمامه، مع انّ صريح كلامه- ره- عدم بطلانه بالجواز، بل بالبيع فيما إذا قبل به، لضرورة البطن الموجود، مع انّه ينافي الحبس المعتبر فيه رأسا، و لعلّ نظره (قدس سره) الى انّ الوقف معه لا يصير كأنّه ما كان عن رأس، بحيث لو اتّفق عدم بيعه، مع جوازه الى ان ارتفع ما كان سوّغه كان كما إذا لم يرتفع، بل يصير كما إذا لم يكن هناك ما سوّغه.

و لا يذهب عليك انّ عدم البطلان بهذا المعنى، لا يستلزم عدمه مطلقا، ضرورة بطلانه فعلا بطروّ ما ينافيه بذاته أو بخاصيّته، عرفا و شرعا، فما دام هذا المنافي، كان الوقف غير نافذ، فباطل، و إذا ارتفع بارتفاع موجبه، كضرورة أربابه، أو خلفهم المؤدّي إلى خرابه، عادت صحته، فيصير صحيحا شرعا، كما كان أولا، و لا غرر فيه أصلا، و يمكن بذلك التّصالح بين القولين، كما لا يخفى. فتدبر جيّدا.

ص: 109

ثم انّه لا يلزم على هذا مخالفة لقاعدة (العقود تابعة للقصود)، فإنّه أيضا مقصود، غايته انّه ليس بالمقصود الأقصى.

ان قلت: كيف إدراج هذه المرتبة في العقد، مع انّه لا يكاد تدرج في إرادته من مثل (وقفت كذا) مع وضوح تبعيّته للقصد.

قلت: لا بدّ في إدراجه فيه، و قصده من دلالة أخرى، و هي كون الواقف بصدد جعلها صدقة جارية ينتفع بها، و العين غالبا بنفسها لا تصلح لذلك، لكونها في معرض الخراب، و غيره ممّا ينسدّ به باب الانتفاع بها، فيكون قرينة على حبسها بنفسها، ما لم يطرء مثل ذلك، و ببدلها فيما إذا طرء، فافهم. و بالجملة فالوقف لا ينافي جواز البيع، الّا فيما إذا لم يكن هناك طار أصلا، و اما مع طروّه فلم يظهر انّه ينافيه، و يأتي تفصيل القول فيه، في ذيل كلامه- ره- و الإجماع أيضا لم يقم الّا على عدم الجواز كذلك، و الاخبار الدّالة على المنع (1)، و ان كانت مطلقة، الّا ان إطلاقها، ليس بلحاظ الطّوارى، فلا مجال للتّمسك به في الحكم بعدم الجواز مع أحدها عند الشّك فيه بلا اشكال، فلم يبق إلّا أصالة عدم الجواز الثابت قبل طروّها، فلا بدّ من اتباعها الى ان يقوم دليل على الجواز.

[فاعلم أن الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور]
[الأولى أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه]

قوله (قدس سره): (و الحاصل انّ جواز بيعه تبعا غير مناف لما قصده الواقف- إلخ-).

و ذلك انّه و ان أخذ في حقيقة الوقف بقاء العين الموقوفة، الّا انّه فيما إذا لم يؤدّ الى انعدامها أصلا، و امّا فيما يؤدّي إليه، فإن كان البقاء ممّا لا بد منه في الوقف، فلا محيص عن ان يكون بماليتها لا بنفسها، كما لا يخفى، غاية الأمر لا بدّ من بقائها بنفسها ما دام يمكن، و لا يؤدّى الى التّلف، و بماليّتها و بدلها فيما يؤدّى، كيف و ليس هذا الحبس، إلّا لأجل الانتفاع بها، فكيف يوجد فيما يوجب ضياع أصل العين. و بالجملة دعوى القطع بأنّ أخذ حبس العين بشخصها في الوقف، انّما يكون ما دام لم يؤدّ الى الانعدام، و الّا فيبدلها


1- وسائل الشيعة: 13- 303- ب 6.

ص: 110

ليست مجازفة.

قوله (قدس سره): (فينتهي ملكه الى من أدرك أخر أزمنة بقائه- إلخ-).

فكان حاله حال ما لا يمكن تبديله، و لا ينافي ذلك، الأبديّة المعتبرة في الوقف، ضرورة انّها انّما يكون في قبال التّوقيت، الّا ان يدّعى اعتبار التأبيد و لو بالبدل، فافهم.

قوله (قدس سره): (و مما ذكرنا يظهر انّ الثمن لا يختصّ به البطن الموجود (1)- إلخ-).

لا ريب فيه على تقدير كون الوقف ممّا يتعدّد فيه المطلوب، و يكون بحسب حقيقته ذا مرتبتين: حبس العين بنفسها ما دام ممكنا، و حبسها ببدلها فيما لم يكن. و اما على تقدير كون الوقف ذا مرتبة واحدة، فإن قلنا انها تمليك العين لخصوص من يبقى الى زمانه من البطون، فالثمن للبطن الموجود، لعدم دخل للبطون اللّاحقة في العين أصلا، كما لا يخفى، و ان قلنا انّها التّمليك لجميع البطون، ففي اختصاص الثمن بالبطن الموجود، أو كالمثمن لجميع البطون، اشكال من كون العين فعلا مملوكا للبطن الموجود و لا ملكيّة فعلية للبطون المعدومة، و هو واضح، و لا شأنيّة، فإنّ الواقف و ان أنشأ ملكيّتهم، الّا انّه حيث لا يكاد يبقى العين الى زمانهم، فلا يكاد يصير ملكا لهم، فكيف لهم ملكيّة شأنيّة، و لا حق لهم فيها فعلا إذ مع عدم صحة اعتبارها للمعدوم، فلا موجب له في العين، و من انّ البطن الموجود و ان كان فعلا مالكا، الّا انّ ملكهم لها ليس بملك طلق لها حيث انّه بمقتضى جعل الواقف ما دام حياته، و لذا لا يكون ممّا تركه، و قضيّة العوضيّة ان يكون الثمن كذلك، لا طلقا بحيث صار ممّا تركه لو مات، و تعمّه أدلة الإرث. فافهم.

قوله (قدس سره): (و ممّا ذكرنا ظهر عدم وجوب شراء المماثل- إلخ-).

و هذا ظاهر ان كان التّبديل من أحكام الوقف، لا مرتبة من حقيقته و يجعل الواقف، و الّا ففي شراء المماثل، أو البيع بالمماثل إن أمكن، و عدمه


1- و في المصدر: و مما ذكرنا يظهران الثمن على تقدير البيع لا يختص به البطن الموجود.

ص: 111

لا بدّ من ملاحظة غرض الواقف انّه تعلّق في هذه المرتبة بما هو الأصلح للموقوف عليهم، أو بما هو المماثل للعين الموقوفة، فيتعيّن ما عيّنه، و تعلّق به غرضه. هذا فيما علم غرضه، و فيما لا يعلم فلا بدّ من ببعد بالمماثل أو شرائه إذا كان فيه الصّلاح، و اما إذا لم يكن في المماثل صلاح، ففيه اشكال. و في التّعيين بالقرعة وجه. و بذلك قد انقدح اختلافه- قدس اللّه روحه- مع العلامة- أعلى اللّه مقامه- لاختلاف نظرهما في انّ التّبديل من أحكامه، أو من مراتبه، كما انقدح مواقع النّظر في كلامهما. فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (ثم انّ المتولّي للبيع، هو البطن الموجود بضميمة الحاكم- إلخ-).

لا اشكال فيه ان كان هذا من أحكامه و لم يختص الثمن بالبطن الموجود، اما إذا كان من مراتبه فالمتولّي له هو المتولّي المنصوب من الواقف، الّا ان لا يكون توليته بحسب جعله بحيث يعمّ المرتبة الثانية من الوقف.

[الصورة الثانية أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به]

قوله (قدس سره): (لكن الخروج بذلك من عموم أدلة وجوب العمل بمقتضى وقف الواقف- إلخ-).

و لو نوقش في عموم تلك الأدلّة لهذه الصورة كالصّورة السّابقة، فلا أقلّ من استصحاب عدم الجواز قبل عروض الخراب، فلا يجوز الخروج بذلك عمّا هو مقتضى الإصلاح، إلّا بالقطع بالجواز، كالصّورة الأولى، و انى لنا دعواه و ان كانت غير بعيدة.

قوله (قدس سره): (و ان أريد بالعنوان شي ء آخر فهو خارج- إلخ-).

لا يبعد ان يقال، انه لو أريد به كون قصد الواقف حبس العين في وقفها ما دامت معنونة بعنوان كذا، و قيل بعدم بطلان مثله لعدم التأييد، لما عرفت من انّه ما يقابل التّوقيت، و لا توقيت هيهنا، لا يبعد ان يقال بالبطلان بزوال العنوان بمعنى انتهاء الوقف إلى الغاية و النّهاية.

[الصورة الرابعة أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف عليه]

قوله (قدس سره): (على جواز البيع بمجرد الأنفعيّة إشكال- إلخ-).

حيث لا دلالة فيها على الجواز، الّا فيما احتاجوا و رضوا، و كان البيع خيرا لهم.

ص: 112

[الصورة السادسة أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة]

قوله (قدس سره): (لعدم ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضى الوقف- إلخ-).

و مع عدم ثبوت المنافاة، قد صح التّمسك بعموم «المؤمنون عند شروطهم (1)» بضميمة أصالة عدم كون الشرط مما وقع بينه و مقتضى العقد، المنافاة، و مثله باق تحت العموم، لكنه لا يصح معه التّمسك بأدلّة نفوذ الوقف لاحتمال المنافاة، و كون مقتضى العقد ينافيه، فلا عقد أصلا لأجل المناقضة لو قصد الواقف و لو إجمالا أولا عند الوقف، أو قصد ثانيا بسبب الشرط، فلا يترتّب عليه ما يختص من الأحكام بالوقف، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (فان التّحقيق كما عرفت سابقا ان جواز البيع لا يبطل الوقف- إلخ-).

قد عرفت ما هو التحقيق في ذلك من التفصيل، و انه لا يبطله لو كان عدم جواز البيع من أحكامه لا ممّا له دخل في قوامه، و انّه انّما لا يوجب بطلانه أصلا بمعنى انفساخه و اضمحلاله، فراجع هناك.

قوله (قدس سره): (و امّا حبس شخص الوقف فهو لازم لإطلاقه- إلخ-).

لا يخفى انّ الوقف لو كان ذا مرتبة واحدة فحبس الشّخص كان لازم، فإنه لو لم يكن من ذاتياته و ان كان ذا مرتبتين، فحبسه و ان كان ما دام تجردّه عن المسوغات، و معها كان حبس الوقف بماليته لا بشخصه، الّا ان حبس الشخص في الجملة بدونها مقتضى ذاته، و لذا لا يصح شرط جواز البيع مطلقا بلا شرط المصلحة أو الحاجة قطعا. نعم لمّا لم يعلم ان حبس الشّخص مع الحاجة أو المصلحة في البيع إذا لم يكونا من المسوغات، كان للإطلاق أو مقتضى الذات في المرتبة الأولى، كان الحكم بصحة شرط جواز البيع مع أحدهما، و نفوذه مما لا بد فيه من أصالة عدم المنافاة، كما عرفت.


1- مستدرك الوسائل: 2- 473.

ص: 113

قوله (قدس سره): (و السّند صحيح و التأويل مشكل- إلخ-).

لا يخفى على من نظر في الرّواية (1) على طولها، من صدرها الى ذيلها، عدم إبائها عن الحمل على انّه (عليه السلام) اوصى بصدقة ما عيّنه من أمواله ببيع و غيره، كما يدلّ عليه قوله (عليه السلام) في صدرها بعد البسملة، «هذا ما اوصى به في ماله عبد اللّه على» و ان كان في بعض فقرأتها، شهادة على انّه أوقفها مثل قوله: «و انّ الذي كتب من أموالي هذه صدقة واجبة تبلة، حيّا أنا أو ميتا». لكنّه لا يأبى عن الحمل على التأكيد في صدقة ما كتبه بعد موته، و انّه لا يكاد يرجع عن هذه الوصيّة، لا أنّه جعله صدقة في حال حياته، كيف، و الّا فلا بدّ من حمل قوله «هذا ما اوصى به في ماله» على مجرد الإقرار، و هو بعيد جدا، كما يظهر من ملاحظة سائر الفقرات، فراجع فيها.

[الصورة العاشرة أن يلزم فساد تستباح منه الأنفس]

قوله (قدس سره): (فاذا فرض القطع أو الظّن بانقطاع شخصه- إلخ-).

الظاهر انّ جواز البيع يدور مدار التأدية إلى الخراب، بحيث لو قطع بالتّأدية اليه، ثم ظهر انّه أخطأ ظهر انه لم يكن هناك جواز أصلا، و عليه لا دليل على إلحاق الظّن به هيهنا، الّا ان يقال: انّه لو لا اعتباره، لوقع في المخالفة كثيرا، و هو مما يقطع بأنّه خلاف غرض الشارع، بل يمكن بذلك ان يستكشف ان جواز البيع، بناء على كونه من مراتب الوقف، و تعلّق به قصد الواقف في الجملة، يكون بمجرد الظّن بالتّأدية، لا مرتّبا على نفسها، فتأمل.

قوله (قدس سره): (و فيه انّ الغرض من الوقف، استيفاء المنافع (2)- إلخ-).

هذا انّما يتم لو كان مبني كلامهم على انّ الوقف، هو حبس خصوص العين، و اما إذا كان مبناه على انّه حبسها بنفسها ما دام الانتفاع بها و ببدلها، فيما إذا لم يكن لها انتفاع، فلا ضرورة انّ الانتفاع بالبدل عليه يكون من الوجوه و المقصود بالوقف، لا الأقرب بمقصود الواقف. نعم يقع الكلام معهم في الصّغرى، و ان الانتفاع بالبدل من مراتبه، أو ليس له، الّا


1- وسائل الشيعة: 13- 312- ب 10- ح 4.
2- و في المصدر: و فيه ان الغرض من الوقف، استيفاء منافعه.

ص: 114

مرتبة الانتفاع بالشّخص، كما مرّت الإشارة إليه، فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (عدى المكاتبة المشهورة (1)).

و لا يخفى انّ المكاتبة مع اشتمالها على ما لا يقول به أحد، و هو جواز البيع بلا طرو عارض أصلا فيما هو سهم الامام (عليه السلام) من الوقف، غير دالّة الّا على جواز البيع في بعض الصّور، و لم يعلم عمل المشهور بما هو ظاهرها، كي يوجب بذلك انجبارها. الّا ان يقال: انّما يكون الانجبار بتوافقهم على العمل بها، و ان اختلفوا فيما استفادوا عنها، لكنه إذا علم انّ استنادهم فيما صاروا اليه كان إليها، و هو محل تأمّل، بل منع، فتأمّل جيّدا.

[و أمّا الوقف المنقطع]

قوله (قدس سره): (اشكال من حيث لزوم الغرر بجهالة وقت- إلخ-).

يمكن ان يقال: انّ الجهالة انّما توجب الغرر المضرّ فيما إذا كانت في نفس العوضين، لا في منافعهما، حيث انّ المنافع ليست موردا للبيع، و لذا لو لم يعلم مقدارها، و انّ منفعة هذه العين، قليلة أو كثيرة، لم يضر قطعا. نعم تفاوت المنفعة، توجب تفاوت ماليّة ذي المنفعة، و الجهل بها ربّما يوجب الجهل بمقدار ماليّته، لكن الجهل بمقدار الماليّة مع العلم بالمال، لا يوجب الغرر، و لو سلّم فلا يكون بمضرّ بلا اشكال.

قوله (قدس سره): (لان حقيقته وقف مؤبّد (2)- إلخ-).

هذا إذا كان صرفه في سبيل اللّه بعد انقطاع الموقوف عليهم بجعل الواقف، بحيث كان داخلا بنحو في إنشائه، و امّا إذا كان تعبّدا من دون دخوله في جعله و إنشائه، و كان صرفه في سبيل اللّه، لانّه مال اللّه حيث خرج عن ملك الواقف و لم يدخل في ملك الموقوف عليهم، ملك طلق ليرثه ورثتهم، فاذا انقطعوا فيبغى بلا مالك، فيصرف في سبيله تعالى، فافهم.

[مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا صيرورة المملوكة أم ولد لسيدها]
اشارة

قوله (قدس سره): (ثم انّ المنع عن بيع أمّ الولد قاعدة كليّة- إلخ-).

يمكن المناقشة في استفادتها من الاخبار التي ذكرها، و ذلك لانّ


1- وسائل الشيعة: 13- 303- ب 6- ح 5.
2- و في المصدر: لأنه حقيقة وقف مؤبد.

ص: 115

رواية محمد بن مارد (1)، ظاهرة في كون الكلام فيها مسوق البيان جواز البيع قبل حدوث الحمل عنده، و عدم كون الولد بالتّرويج، مانعا لا لبيان المنع عنه بعد حدوثه عنده أيضا، كي يدلّ بالمفهوم على الكليّة، كما يظهر من التأمل في السؤال عنه (عليه السلام) و جوابه. و رواية السكوني (2) لا دلالة فيها على المنع أصلا، بل على انّ المكاتبة إذا وطئها مولاها و صارت حبلى، و عجزت عن أداء مال الكتابة، كانت من أمهات الأولاد، و يترتّب عليها، ما يترتب من الأحكام عليها، كما لا يخفى. و صحيحة عمر بن يزيد (3)، غاية دلالتها ان المقتضى للمنع في أمّهات الأولاد، كان مرتكزا في ذهن السّائل حيث سئل عن الوجه المسوغ للمبيع، و الامام (عليه السلام) قد قرّره عليه، و هو غير الدّلالة على عموم المنع فعلا، كما هو المدّعى.

ان قلت: فيما ذكرت من الدّلالة، كفاية في البناء على عدم جواز البيع على نحو القاعدة في الموارد المشبهة لثبوت المقتضى، و أصالة عدم ثبوت المزاحم.

قلت: نعم لو لا كون هذا الأصل مثبتا، ضرورة انّ ترتّب المقتضى بالفتح على عدم المانع عند ثبوت المقتضي، عقلي و ان كان حكما شرعيّا.

و امّا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (4) في جواب السؤال عن بيع امة أرضعت ولده، «خذ بيدها و قل من يشتري أم ولدي» فغايته الدّلالة على ما في بيع أم الولد في نفسه من الاستهجان و الاستنكار عرفا، لا المنع عنه شرعا مطلقا، كما هو المدّعى، كيف و لا منع ظاهرا عن بيع أمّ الولد رضاعا. فافهم. فالمتّبع عند الشّك في جواز بيعها، هو استصحاب الجواز لو لم يكن إطلاق الأدلّة وافيا، و الّا كان هو المرجع. و اما حديث سلطنة الناس على أموالهم (5)، فيمكن


1- وسائل الشيعة: 14- 589- ب 85- ح 1.
2- وسائل الشيعة: 16- 97- ب 14- ح 2.
3- وسائل الشيعة: 13- 51- ب 24- ح 1.
4- لم أعثر عليه بهذه العبارة نعم هناك روايات تدل على ذلك. راجع وسائل الشيعة 16- 104.
5- بحار الأنوار: 2- 272.

ص: 116

منع دلالته فإنّه بصدد بيان، انّ الملك هو السلطان على ما هو جائز من التّصرفات، كما بيّنا في غير المقام، في قبال حجره، و الشّك هيهنا في جواز البيع لخصوصيّة في أمّ الولد، ضرورة انّه لا شكّ في سلطنته على تقدير جوازه.

فتدبّر جيّدا.

[أمّا المواضع القابلة للاستثناء]
[القسم الأول إذا تعلق بها حق للغير أولى من الاستيلاد]
[منها ما إذا كان على موليها دين و لم يكن له ما يؤدي هذا الدين]

قوله (قدس سره): (و اندفاع التوهم بكلا شقّيه واضح- إلخ-).

اما الأوّل فلانّ السؤال لم يكن من تمام موارد جواز بيع أمّ الولد، ليقيّد الجواب الحصر بما ذكره من الموارد، بل كان عن وجه بيع الأمير (1) (عليه السلام) لها، فلا ينافي ان يكون هناك وجه أخر لجواز بيعها، كما لا يخفى. و اما الثاني فلانّ الظاهر من السؤال في ذيل الرّواية، انّه يكون عن جواز البيع في الدّين بعد الموت، فلا يشمل الجواب صورة بيعها في الدّين في حال الحياة. اللّهم الّا ان يدعى الأولويّة، فافهم.

قوله (قدس سره): (نعم ربّما يمنع عدم القاعدة على هذا الوجه- إلخ-).

كما عرفت وجه المنع بما لا مزيد عليه، و الّا فلا يكون الخلاف في المورد مضرا بالإجماع على القاعدة و لزوم اتباعها فيه ما لم يخرجه دليل عن تحتها، كما لا يخفى، و قد عرفت انّ مجرّد ثبوت ما يقتضي المنع عن البيع، لا يقتضي العموم في مقام الإثبات، و هو المجدي عند الشك بالجواز، لأجل ثبوت ما يشكّ في مزاحمته له الّا مجرد ثبوت المقتضى، كما مرّ.

قوله (قدس سره): (كما يظهر بالتّأمل- إلخ-).

و ذلك لقوّة احتمال ان يكون المنع في رواية ابن مارد (2)، اقتضائيّا، و كان الجواز في الرواية بملاحظة ما عرض من الخصوصية الماليّة الموجبة لجواز البي ء، مع انّه لو ادّعى مساواة ظهورهما في المنع و الجواز، لكان التوفيق بينهما بحمل رواية ابن مارد على كون المنع كذلك، أي اقتضائيّا، لكن سند الرّواية


1- وسائل الشيعة: 13- 51- ب 24- ح 1.
2- وسائل الشيعة: 14- 589- ب 85- ح 1.

ص: 117

ضعيف الّا أن يجبر بعمل الأكثر، و الصحيحة ظاهرة فيما بعد الموت، و لا أقلّ من عدم ظهورها فيما يعمّ قبله، فافهم.

قوله (قدس سره): (لان الحكم بالجواز في هذه الصّورة في النّص و الفتوى- إلخ-).

هذا، مع انّ هيهنا حقوقا ثلاثة: حقّ أمّ الولديّة، و حقّ الديّان، و حقّ المالك في المستثنيات عن الدّين، فاذا لم يزاحم الأوّل، الثاني، فكيف يزاحم الثالث الغير المزاحم بالثاني؟ فافهم.

قوله (قدس سره): (بل ربما تأمل فيما قبله فتأمل- إلخ-).

بل ربّما يدعى ظهور قوله «أيّما رجل اشترى جارية فأولدها و لم يؤدّ ثمنها (1)- الخبر-» و كذا قوله (عليه السلام) في رواية أخرى (2): نعم في ثمن رقبتها في الاختصاص بكون ثمنها بنفسه دينا للبائع، و لعله أشار إليه بأمره بالتأمّل.

قوله (قدس سره): (و لو ادّعى الولد نصيبه تنعتق عليه (3)- إلخ-).

لو قصد بذلك فكّ نصيبه على اشكال في تأثير قصده، و اما إذا لم يقصد به ذلك، بل فك مقدار نصيبه منها، فإنّما تنعتق عليه نصيبه من هذا المقدار، و يكون في الباقي كالمتبوع فينتقل إلى سائر الورثة. فافهم.

قوله (قدس سره): (و لعل وجه تفصيل الشيخ، انّ الورثة، لا يرثون مع الاستغراق- إلخ-).

و لكنه غير وجيه، فان الاستغراق انّما يمنع عن الإرث على القول به فيما كان قابلًا لأداء الدّين منه، و ليست أم الولد كذلك، لإطلاق دليل المنع عن بيعها، فيرثها ولدها بمقدار حصّته، فتنعتق بتمامها بالإرث و السّراية، فيما كان معه غيره من الورثة و بالإرث وحده، فيما لم يكن، و لو عورض الإطلاق


1- وسائل الشيعة: 16- 104- ب 2- ح 1.
2- وسائل الشيعة: 13- 51- ب 24- ح 2.
3- و في المصدر: و لو ادّى الولد ثمن نصيبه انعتق عليه.

ص: 118

ما دلّ على منع الاستغراق، كان قضية الجمع بينهما، الحكم ببقائه على حكم مال الميت، فتوجر لوفاء دينه، ثم تورث فتنعتق بالإرث وحده، أو مع السّراية.

و بالجملة، لا وجه لرفع اليد عن إطلاق دليل المنع مع الاستغراق، و لو قلنا بإطلاق منعه عن الإرث، غايته بقائها على حكم مال الميّت، و لزوم أداء الدّين بإجارتها و نحوها، و التوارث بعد الأداء، فتنعتق، أو بقائها بلا مالك أصلا لو منع عن البقاء على حكم ماله، لانقطاع علاقته عن ماله إلّا في ثلاثة إذا اوصى به، أو ببعضه، و يكون هذا مساوقا لحرّيتها، كما لا يخفى.

[و منها تعلق كفن مولاها بها]

قوله (قدس سره): (هو مفقود مع الحاجة الى الكفن- إلخ-).

هذا أوّل الكلام، لإطلاق المنع عن بيع أم الولد في غير ثمن رقبتها، و لو لأجل كفن مولاها، و عليه فلا مانع عن إرثها لأنّ المنع لغاية الكفن بثمنها و هو مفقود هيهنا، كما لا يخفى، فلا بد مع الزاحمة بين الجهة المقتضية للمنع عن البيع، و الجهة المقتضية للمنع عن الإرث المقتضي لجوازه، و عدم مرجّح في البين لإحدى الجهتين، و لا لأحد الإطلاقين، من استصحاب جواز البيع قبل صيرورتها أمّ الولد. و امّا ما ذكره (قدس سره) من الترجيح بما حاصله، انّ تقدّم حقّ الميّت على حق أم الولد فيما إذا كان هناك مقدار تجهّز به، حيث يجهّز بذاك المقدار، و لا يؤدّى به ثمن رقبتها، بل يباع لذلك، يقتضي ترجيحه على حقّ أمّ الولديّة فيما لا يكون هناك ذاك المقدار، ففيه انّه لا ملازمة، إذ لعلّ في بيعها في ثمن رقبتها، خصوصيّة من عدم الحزازة، أو قلّتها، لم يكن فيما إذا بيعت في غيره، و لو لأجل تجهيز سيّدها، كما لا يخفى، و المقام محتاج إلى زيادة تأمّل، فتأمل.

[و منها إذا جنت على غير موليها في حياته]

قوله (قدس سره): (و كيف كان فاطلاقات حكم جناية مطلق المملوك، سليمة عن المعارض- إلخ-).

هذا، و لو قلنا بظهور الروايتين في كون جناية أم الولد على المولى بمعنى خسارتها في غيرها من أمواله، و ذلك فإنّ قضيّة التّوفيق بينهما، و بين تلك الإطلاقات. هو حملها على ما ذكره من المعنى، و لو سلم تساوى الطرفين في

ص: 119

الظهور، مع انّه لا أقلّ من كون الإطلاقات أظهر. فتدبر جيّدا.

قوله (قدس سره): لانّ ترك فدائها و التخلية بينها و بين المجني عليه، ليس نقلا لها- إلخ-).

بل تملك المجني عليه لها بسبب ناش منها، و استحقّ به ذلك بلا توسيط نقل السيّد لها، كما لا يخفى. فافهم.

قوله (قدس سره): (فتعيّن عليه الأخر- إلخ-).

إنما يتعين عليه الأخر فيما لو كانت جناية المملوك موحيا على السيّد دفع الجاني أو فدائه إلى المجني عليه و هو أوّل الدعوى. و ما إذا قيل بأنّها إنّما يوجب استحقاق المجني عليه لاسترقاقه، غاية الأمر جعل للمولى من جهة التّوسعة عليه، و الإرفاق به، الفك بالفداء، كما لا يخفى، و بذلك ظهر انّ ما ذكره تأييدا مصادرة. فافهم.

[و منها إذا جنت على موليها بما يوجب صحة استرقاقها لو كان المجني عليه غير المولى]

قوله (قدس سره): (فمندفع بما لا يخفى- إلخ-).

و هو انّ الاستيلاد إذا كان رافعا للاستقلال، كان رافعا له بطريق اولى، و لم يعلم وجه مقايسة الاسترقاق لترك القصاص على فكاك الرقاب الذي أنيط به جواز البيع، مع وضوح الفرق بينهما، من كون الاستقلال رعاية للمولى، بخلاف البيع في فكاك الرّقاب، فإنّه رعاية لحق الغير، كما لا يخفى.

[و منها ما إذا جنى حرّ عليها]

قوله (قدس سره): (و منها ما إذا جنى حرّ عليها- إلخ-).

لا يخفى انّه انّما يكون من المستثنيات، بناء على الاحتمال الاتى في كلامه، كما انّه عليه انّما يكون منها بناء على كون الاستثناء، من مطلق نقلها، لا خصوص بيعها، كما هو الحال في غير واحد من موارده الاتية و الماضية، فلا تغفل.

[و منها ما إذا لحقت بدار الحرب]

قوله (قدس سره): (و منها ما إذا لحقت بدار الحرب- إلخ-).

اللحوق بدار الحرب ان كان موحيا لزوال رقيّتها لمولاها و استرقها غير مولاها، فلا إشكال في جواز بيعها، بل لا يكون من موارد الاستثناء من القاعدة الّتي ذكرها، لوضوح عدم شمولها له، و ان استرقها المولى، فيه إشكال، لإطلاق الأدلّة، و من دعوى انصرافها عن هذه الصّورة، أو عدم

ص: 120

ظهورها فيما يعمّها. فتأمّل.

[و أمّا القسم الثاني و هو ما إذا عرض لها حق لنفسها أولى بالمراعاة من الاستيلاد]
[منها إذا أسلمت و هي أمة ذمي]

قوله (قدس سره): (كان المرجع عمومات صحة البيع- إلخ-).

بل كان المرجع، هو استصحاب عدم جواز البيع، فان المقام من موارد استصحاب حكم المخصّص، لا الرّجوع الى العام، فتدبّر.

قوله (قدس سره): (و الظاهر انّ الأوّل أولى للاعتبار- إلخ-).

لا يخفى عدم الاعتبار بالاعتبار، و قاعدة نفى السّبيل و علوّ الإسلام، غير مقتضية لبيعها عليه، لعدم منافاتهما لإضافة ملكية لها، و الّا كانا مقتضيين لخروجها عن ملكه، بل تسليطه عليها، فالحكم بعدم جواز بيعها و عدم تسلّطه عليها، هو مقتضى القواعد، فتأمل جيدا.

[و منها إذا مات قريبها و خلف تركة و لم يكن له وارث سواها]

قوله (قدس سره): (و بذلك يمكن ترجيح أخبار الإرث- إلخ-).

أي أخبار شراء المملوك، لكي يرث، و الّا فأخبار الإرث (1) لا يقتضي ذلك، بل قضيّتها التنزّل إلى مرتبة اخرى من الورثة، و لو كان الامام (عليه السلام)، و لا يخفى انّ بين دليل المنع عن بيع أمّ الولد، و دليل شراء المملوك ليعتق و يرث عن قريبه، عموما من وجه، فلا بد في الحكم بجواز الشّراء من دعوى أظهريّة دليله من الدليل المنع، و هو غير بعيد لو قيل بعموم دليله، و قد عرفت انّه في محلّ المنع.

[و أمّا القسم الثالث و هو ما يكون الجواز لحقّ سابق على الاستيلاد]

قوله (قدس سره): (و هو ما يكون الجواز لحقّ سابق- إلخ-).

لا يخفى انّ مجرّد سبق الحق، لا يوجب ترجيحه على اللّاحق منه، بل ربّما يجب ترجيحه عليه فيما إذا كان أهمّ. نعم فيما إذا لم يعلم ترجيح بينهما، فالاستصحاب يقتضي الحكم على طبق السابق.

[مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا]

قوله (قدس سره): (و يدفعه انّ القائل يلتزم بكشف الإجازة عن عدم الرّهن- إلخ-).

يعني يلتزم بالكشف عن زواله آنا ما، قبل البيع، لا عن عدم حدوثه من الأوّل، ضرورة انّه لا وجه له أصلا، كما لا يخفى.


1- وسائل الشيعة: 17- كتاب الفرائض و المواريث- أبواب موجباته.

ص: 121

قوله (قدس سره): (فكما انّ ردّ المالك في الفضولي مبطل للعقد- إلخ-).

لا يخفى انه لم ينهض دليل دلّ على رفع اثر العقد أصلا بذلك، غايته الإجماع على انّ رفع الموجب قبل القبول يده عن الإيجاب، يوجب بطلانه رأسا، و لا وجه لقياس غيره عليه ممن كان لرضاه دخل، مع انّه مع الفارق، و تأثيره الرّد في بيع الفضولي من المالك، قد عرفت انّه لأجل عدم حصول اضافة العقد اليه بعد الرّد، و لا بدّ منها هناك، و لا يكون كذلك هيهنا، كما لا يخفى، و لو كان هناك إجماع لم يكن بحيث يعم المقام بلا كلام.

قوله (قدس سره): (ثم انّ الظاهر انّ فكّ الرّهن بعد البيع- إلخ-).

و ذلك لارتفاع ما هو المانع عن تأثير العقد، و لم يكن لرضاء المرتهن، بما هو مرتهن، إلّا لأجل رعاية حقّه المانع عن نفوذه. نعم لو كان له دخل في تأثيره بما هو، فلم يكن الفكّ كالإجارة، بل يمتنع معه التأثير، لامتناع حصول الشّرط معه، فتأمل.

[مسألة إذا جنى العبد عمدا فالأقوى صحة بيعه]

قوله (قدس سره): (و يرده انّ البيع إذا كان متعلّقا للحقّ، فلا يقع لازما لأدائه إلى سقوطه- إلخ-).

و يردّه انّه انّما يؤدّى الى السّقوط إذا كان متعلّقا بالعين بما هي ملك لشخص خاص، و امّا إذا كان متعلّقا بها بما هي هي، بحيث ينتقل حيثما ينتقل، كما انّ حقّ القتل أو الاسترقاق كذلك فلا، كما لا يخفى، مع انّه لو شكّ في انّه يسقط بنقلها، أو يبقى، فالاستصحاب يقتضي انّه يبقى، فتأمل.

[مسألة إذا جنى العبد خطأ صح بيعه على المشهور]

قوله (قدس سره): (و لو امتنع كان للمجنى عليه أولويّة انتزاعه فيبطل البيع و كذا- إلخ-).

يعني نفوذه و صحّته، كما يشهد به التّفريع و هو واضح، و قد عرفت انّ نفوذه لا يوجب بطلان الحقّ، فلا يصحّ استدلال الحلّي على بطلان البيع باستلزامه لبطلانه. ثم ان الاسترقاق هل هو موجب لانفساخ العقد كي يكون الخسارة على البائع برجوع المشترى الى الثمن أولا، بل كان غاية الأمر للمشتري الرّجوع إليه بقيمة العبد، لو قيل بقرار الخسارة على السيّد؟

و جهان، فتأمل.

ص: 122

قوله (قدس سره): (و على هذا فلا يكون البيع موجبا لضمان البائع- إلخ-).

و ذلك لعدم كونه التزاما بالفداء مع انّه لو كان لما كان ملزما، مسقطا لما تعلّق بالعين من الحقّ، بلا إسقاط من ذي الحق، بل قهرا، و لا يقتضي إسقاطه بابعدية جواز الاسقاط بالالتزام بها، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (لتعلّق الدّين هناك بالذّمة و تعلّق الحق هنا بالعين، فتأمل- إلخ-).

أمره بالتّأمل إشارة إلى انّ في كلا المقامين قد تعلّق الحق بالعين هناك حقّ الرّهانة، و هيهنا حق الجناية، فلا يكون هذا اولى بعدم الفكّ، كما لا يخفى.

[الثالث من شروط العوضيين القدرة على التّسليم]

اشارة

قوله (قدس سره): (الثالث من شروط العوضيين القدرة على التّسليم- إلخ-).

الظاهر انّ المراد به أعمّ من القدرة على التسليم، بل أعم من حصوله في يد المشترى، كما إذا علم بانّ العبد الآبق سيجي ء، أو يرجعه الأجنبي من دون قدرة لأحد المتبايعين على تسليمه، أو تسلّمه لو لا ذلك، فتأمل.

و كيف كان فظاهر التّعبير عن هذا الشّرط بالقدرة، انّ الشرط أمر واقعي من دون دخل العلم أو الجهل، فالشرط حاصل مثلا فيما لم يكن العبد آبقا، و لو قطع بإباقه و ليس بحاصل فيما كان آبقا، و لو قطع بعدم إباقه. و لكن الاستدلال على اعتباره بنهي النّبي (صلّى اللّه عليه و آله) عن الغرر (1) الذي هو المضطر، كما سيظهر ممّا ذكره في تفسيره، لا يناسبه، ضرورة أنّ الخطر لا يدور مدار القدرة واقعا لتحقّقه مع الجهل بها، و عدم الثقة بالحصول للمتبايعين. نعم كان عدم القدرة غالبا ملازما للغرر و عدم الثّقة و الخطر، فتدبّر.


1- وسائل الشيعة: 12- 330- ب 40- ح 3.

ص: 123

قوله (قدس سره): (ضرورة حصوله في بيع كل غائب- إلخ-).

فيه انّه كثير ما يحصل الثقة بحصول المال الغائب، بحيث لا يعتنى باحتمال عدمه، و معه ليس فيه غرر الحصول و خطره، و بيع الثمّار و الزّرع، و ان كان من أظهر أفراد غرر الحصول، الّا انّ جوازه كان لدليل خاصّ، مع انّه ليس مطلقا بل مشروطا، فلا حظ.

قوله (قدس سره): (الّا انّه أخصّ من المدّعي- إلخ-).

بل يكون مباينا له، أشرنا اليه، و انّما صحّ الاستدلال به على اعتبار العلم بالقدرة، و ان كان أخصّ لا القدرة، فتدبّر جيّدا.

قوله (قدس سره): (و يضعف بأنّه ان أريد- إلخ-).

بل يمكن منع الملازمة مطلقا، فإنّه لا دليل عليها سوى ما ربّما توهم من كون الوجوب مقتضى العقد، كما يأتي منه في مسئلة القبض، أو كونه لأجل حرمة الغصب، أو كونه من جهة الوفاء بالعقد، و فيه انّ العقد لا يقتضي سوى حصول ما هو مضمونه من التّمليك و التّملك، و حرمة الغصب لا يقتضي إلّا عدم الامتناع عن تسليمه لو كان تحت يده، لا وجوب تسليمه لو أمكن و لو بتحصيله. و الوفاء بالعقد ليس الّا القيام بمضمونه قبالا لفسخه و نقضه، فيكون «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) إيجابا للوفاء لو كان الوفاء و الفسخ بالاختيار، و إرشادا الى عدم حصول الانفساخ لو لم يكونا كذلك، كما هو قضيّة غالب الأوامر و النواهي في المعاملات، و لا وجه هذا الفرض لإرجاع وجوب الوفاء الى وجوب ترتيب الآثار، مع انّه لو سلّم فليس التسليم فيما أمكن من آثار النّقل و الانتقال، و قد فصّلنا المقال في بيان معنى وجوب الوفاء فيما علّقناه على الخيارات، فراجع ثمة.

قوله (قدس سره): (و يضعفه منع توقف مطلق الانتفاع- إلخ-).

مع انّه لو سلّم، غير مقتضى للاشتراط، ضرورة انّ كون الغرض من البيع نوعا متوقّفا على التّسليم، لا يقتضي بطلانه لو حصل أحيانا، لا لهذا


1- المائدة: 1.

ص: 124

الغرض اوّله و لكن لم يترتّب عليه و تخلّف عنه. و توّهم كونه سفهيّا لو لم يكن لهذا الغرض، في غاية السّقوط، ضرورة ان صرف المال بإزاء ما تعذّر تسليمه فيما إذا كان هناك غرض أخر عقلائي، كعتق العبد الآبق في الكفّارة و غيرها، ليس بسفهي قطعا، فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (و فيما لم يعتبر التّسليم فيه رأسا، كما إذا اشترى من ينعتق عليه- إلخ-).

ربّما يشكل بانّ انعتاق المبيع على المشترى الموجب لعدم استحقاقه التّسليم، من أحكام البيع و آثاره، و لا يكاد يترتّب عليه آثاره إلّا إذا كان واجدا لشرائط الصّحة، و منها القدرة على التّسليم، فكيف يسقط ما يعتبر في صحّته بما يترتّب عليها من الآثار؟ اللهم الّا ان يقال بانّ دليل الاعتبار ما دل إلّا على اعتباره في غير مثل هذا البيع، فافهم.

قوله (قدس سره): (ثم انّ الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين).

ظاهره كما يشهد به ما فرّعه عليه انّ الشّرط هي القدرة الواقعيّة المعلومة، فلا يكفي القدرة الواقعية بدون القطع بها، و لا القطع بها بدونها، مع انّ الدليل عليه لو كانت حديث نفى الغرر (1)، كان قضية الاكتفاء بالقطع، ضرورة عدم الغرر و الخطر معه و حصول الثقة بكمالها به، و عليه فلو باع ما لا يتمكن من تسليمه باعتقاد تمكنه منه صحّ و لو لم يتجدّد، اللّهم الّا ان يدّعى إجماع على اعتبار القدرة، و حديث نفى الغرر دلّ على اعتبار العلم بها أيضا، لكنّه كما ترى لا يلائم الاستدلال به على اعتبارها، فافهم.

قوله (قدس سره): (و هل يكفى قدرة الموكّل؟ الظاهر نعم- إلخ-).

إذ لا غرر معه أصلا فيما علم به، كما لا يخفى، و هكذا فيما اعتقد بقدرة الوكيل، فإنّه و ان أخطأ في اعتقاده، الّا انّ اعتقاده قد صادف الشرط، و بالجملة لا غرر مع الاعتقاد و لا فقد لشرط القدرة مع القدرة، فافهم.


1- وسائل الشيعة: 12- 330- ب 40- ح 3.

ص: 125

[مسألة لا يجوز بيع الآبق منفردا]

قوله (قدس سره): (لأنه مع اليأس عن الظفر بمنزلة التّالف- إلخ-).

لا يخفى، انّه لا دليل على هذه المنزلة شرعا، و ثبوتها عرفا ممنوع مع إمكان الانتفاع بالعتق و غيره، فيمكن الحكم بصحة بيعه بلا ضميمة، لاختصاص دليل اعتبارها بصورة رجاء الظفر و مع اليأس لا غرر، الّا ان يقال باعتبار القدرة على التّسليم أيضا، كما أشرنا إليه، فتدبّر.

قوله (قدس سره): (و من عدم التّسليط على مطالبة الثمن فافهم- إلخ-).

و ليس هذا من باب رفع الغرر بما رتّب عليه من الأثر، بل منع شمول إطلاق نفى الغرر (1) فيما له مثل هذا الأثر، فتأمل.

[مسألة يجوز بيع الآبق مع الضميمة في الجملة]

قوله (قدس سره): (و ان اقتضى قاعدة التّلف قبل القبض استرداد ما قابله من الثمن- إلخ-).

لا يخفى انّ هذه القاعدة لا يقتضي الاسترداد، و ذلك لمنع كون البقاء على الإباق تلفا مع إمكان الانتفاع بالإعتاق و غيره، كيف و الّا فقد ظهر انّ بيعه كان من رأس باطلا، لظهور كونه تالفا، و كيف كان فلا مجال لقاعدة التّلف قبل القبض هيهنا أصلا، فعدم رجوع المشترى الى البائع بشي ء، ليس على خلاف هذه القاعدة و على وفق القاعدة، فافهم.

قوله (قدس. سره): (لكن ظاهر النّص انّه لا يقابل الآبق بجزء من الثمن- إلخ-).

فيه نظر فان الظّاهر انّ قوله (عليه السلام) في موثقة سماعة «فان لم يقدر على العبد كان الذي فقده فيما اشترى معه» (2) ليس بصدد بيان انّ المقابلة شرعا في هذه الصورة يكون بين المثمن و الضميمة، بل بيان الحكمة في ضمّ الضّميمة في هذه المعاملة و انّه مع عدم القدرة على العبد، و يكون ما فقده في مقابلة الضّميمة خارجا، فافهم.


1- وسائل الشيعة: 12- 330- ب 40- ح 3.
2- وسائل الشيعة: 12- 263- ب 11- ح 2.

ص: 126

[في اشتراط عدم الغرر في العوضين]

[مسألة العلم بمقدار المثمن كالثمن شرط]

قوله (قدس سره): (ثم انّ ظاهر إطلاق جميع ما ذكر، ان الحكم ليس منوطا بالغرر الشخصي- إلخ-). (1)

بل ظاهر لفظ الغرر في النّبوي، هو الغرر الشخصي. نعم لا يبعد ذلك في اخبار (2) اعتبار الكيل و الوزن في المكيل و الموزون، لكنه يمكن ان لا يكون ذلك لأجل الغرر، بل لرفع الجهالة كما دل بعض الاخبار على إخلال الجهالة بالصحة، و قد نقله المحدّث المعاصر في مستدركات الوسائل (3)، فراجع.

[مسألة في تقدير المبيع بالمتعارف من الكيل أو الوزن]
اشارة

قوله (قدس سره): (فالظاهر أيضا الجواز مع البناء، على ذلك المقدار- إلخ-).

فيه إشكال، فإنّ البناء على ذلك المقدار لا يخرجه عن الغرر و الجهالة بالمقدار، و الّا لكفى البناء على مقدار و لو لم يقدر بوزن أو كيل أصلا، و مقايسته على الاخبار بالمقدار مع الفارق، لاعتبار الاخبار مع عدم دليل على اعتباره، فتأمّل.

[بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشي ء مكيلا أو موزونا]

قوله (قدس سره): (فقد قيل ان الموجود في كلام الأصحاب- إلخ-).

لا يخفى انّ أخذ المكيل و الموزون في حكم هذا الباب، و في حكم عدم جواز التّفاضل في باب الرّبا، يمكن ان يكون بنحو السببيّة و الموضوعية، و يمكن ان يكون بنحو العنوانيّة و الكشف عمّا يكال أو يوزن من الأجناس مثل الحنطة، و الشعير، و الذهب، و الفضة، و غيرها، فان كان بنحو الموضوعيّة كما هو الظاهر في هذا الباب، فلا يبعد ان يكون قضيّة إطلاقات أدلّته كون المناط فيهما تعارف رفع الغرر و الجهالة بالكيل أو الوزن، فما تعارف رفعهما عنه بأحدهما في زمان أو مكان، فهو مكيل أو موزون في ذاك الزّمان و المكان، فلا بد فيه من رفعهما من أحدهما، و ان لم يكن كذلك في زمان أو مكان أخر،


1- وسائل الشيعة: 12- 330- ب 40- ح 3.
2- وسائل الشيعة: 12- 254- ب 4- ح 2.
3- مستدرك الوسائل: 2- 460.

ص: 127

ضرورة عدم رفع الجهالة و الغرر عنه فيهما بغيرهما، و لا بدّ من اعتباره بغيرهما في الزّمان أو المكان الأخر ما تعارف فيه من العدّ أو المشاهدة، كما تعارف في بعض الآلات المصوّغة، و الدراهم، و الدّنانير، و ان كان بنحو الكشف و العنوانيّة لأجناس مخصوصة، كما هو غير بعيد في باب الرّبا، فقضيّة إطلاقات أدلته ان يكون المناط ما كان في زمان الشارع و مكانه، فإنّ الحكمة عند عدم نصب دلالة، مع كونه في مقام البيان و اختلاف جنس واحد في كونه مكيلا، أو موزونا، أو معدودا في زمانين أو مكانين، يقتضي إرادة ما كان بحسب زمانه و مكانه يكون كذلك، لتعيّنه و عدم تعيّن غيره ممّا كان كذلك في زمان أو مكان أخر، فكلّما كان في زمانه و مكانه مكيلا أو موزونا، فلا يجوز بيعه بجنسه متفاضلين في مكان أو زمان آخر، و ان كان معدودا، و لا بدّ فيه من اعتباره بالعدّ، و عدم كفاية الوزن أو الكيل في رفع الجهالة و الغرر، و المسألة بعد لا تصفو عن الاشكال، فتدبّر.

[مسألة لو أخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه على المشهور]

قوله (قدس سره): (فلو لم يفد ظنا فإشكال- إلخ-).

بل و لو أفاد ظنا ما لم يفد وثوقا ليرتفع به الغرر، ضرورة انّه لا يكاد يزول الخطر بمجرد الظّن و لا يبعد ان يكون التقييد بذلك هو قضيّة الجمع بين الاخبار، و يشهد به قوله (عليه السلام) في بعضها «إذا ائتمنك فلا بأس (1)»، فراجع.

قوله (قدس سره): (و يندفع الغرر ببناء المتعاملين على ذلك المقدار- إلخ-).

فيه نظر فان البناء على ذلك المقدار لو كان رافعا للغرر، لكان البناء على مقدار في مجهول المقدار ممّا يندفع و لو لم يكن هناك به اخبار و لا أظنّ أحدا يلتزم به، مع ان مرجع البناء إمّا الى اشتراط المطابقة في المبيع، أو الى تقييده بصورتها و شرطها غرري، لعدم العلم بها فكيف يندفع به غرر الأخر المشروط بها و ثبوت الخيار أو جواز الاسترداد للمقدار الزّائد من الثمن، أو


1- وسائل الشيعة: 12- 257- ب 5- ح 6.

ص: 128

الرّجوع الى البائع بالمقدار النّاقص من ذاك المقدار من أحكام الصّحة المشروطة بان لا يكون هناك جهالة في العوضيين و لا غرر، و التقييد موجب لظهور بطلان البيع، مع ظهور عدم المطابقة مع انّه تعليق و هو يورث بطلانه مطلقا، و بيع الغائب بالوصف امّا تعبد على خلاف قاعدة نفى الغرر، أو يقيّد بما يوجب الثقة بتحقق ما ذكر له من الأوصاف، كما هو الغالب. فافهم.

[مسألة في بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء]
اشارة

قوله (قدس سره): (و ليست صفة وجودية متأصّلة- إلخ-).

بل و لو كانت صفة كذلك، لكنّها إذا كانت ذات اضافة، كالقطع بطهارة أحد الشيئين أو بنجاسته مع طهارتهما أو نجاستهما، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (و في هذا الوجه أمر كلي غير متشخص و لا متميّز بنفسه- إلخ-).

بل صادق على الأشخاص و يتميّز بالوجود الخاصّ العارض عليه في ضمن افراده الخارج عنه، ما هو لازم كل واحد من المشخّصات بخلاف الوجه الأوّل، فإنّ أحد المشخصات لها من المقومات، و له الدّخل التّام في المبيع، فافهم.

[مسألة لو باع صاعا من صبرة]

قوله (قدس سره): (و يمكن دفع الأوّل بأنّ مقتضى الوضع في قوله صاعا من صبرة- إلخ-).

و فيه انّ مقتضى الوضع فيه ان يكون كليّا كسائر ألفاظ الأجناس على ما استقرّ عليه مذهب المحققين فيها و ان كان المنساق عنه في العرف الفرد المشير، و كون المقدّر بالصّاع من الصبرة، كما يكون بنحو الإشاعة في جملتها تارة كذلك يكون بنحو الانتشار في صيعانها و الانطباق عليه اخرى، فلا دلالة في إضافته إلى الصّبرة إلى إحدى هذه الخصوصيّات، فافهم.

قوله (قدس سره): (لأن الكلي المبيع ثانيا انما هو سار في مال البائع و هو ما عدا الصّاع من الصّبرة- إلخ-).

يمكن ان يقال ان المبيع الثاني و ان كان ساريا فيما عدا الصّاع الّا ان المبيع الأول بعد البيع الثاني أيضا يكون ساريا في خصوص ما عدا

ص: 129

الصّاع، و يكون كلّ واحد من الصّيعان قابلًا، لان يعيّن كلّا منهما فيه، كما إذا وقع البيعان دفعة فيكون الباقي بعد التّلف قابلًا لهما، كما كان قبل التّلف فتخصيصه بالأوّل بلا مخصّص حيث لا مخصّص الّا تعيينه، و لذا لو عيّنه للثّاني ثم تلف سائر الصّيعان، كان له كما عيّنه بلا ريب، فتأمل جيّدا.

ثم لا يبعد ان يكون الباقي على هذا بينهما، كما إذا كان بيع واحد، و احتمال تخصيص أحدهما بالقرعة أو تعيين مالك الصّبرة، بعيد جدّا.

قوله (قدس سره): (الا دعوى ان المتبادر من الكلّي المستثنى، هو الكلّي الشائع- إلخ-).

فلا بحسب التّالف عليهما، بل يختص بالمشتري، و هذا بخلاف ما إذا كان المستثنى كليا شائعا في الموجود وقت البيع، فإنّه يقتضي حساب التالف عليهما، لكن دعوى انّ المتبادر ذلك، مع كون الاستثناء من الموجود في وقته لا يخلو عن جزاف. اللّهم الّا ان يدّعى ذلك بملاحظة قرينة بناء المتعاملين غالبا، الظاهر من مساواتهما، فتأمّل.

قوله (قدس سره): (أمكن ان يكون الوجه في ذلك انّ المستثنى كما يكون ظاهرا في الكلّي- إلخ-).

لا يخفى انّ استثناء الصّاع في بيع الصّبرة، و الأرطال في بيع الثّمرة، ليس الّا لتحديد المبيع و انّه غير الأرطال و الصّاع منهما لا لإخراج المستثنى عن ملك المشترى بعد ما دخل في ملكه فيكون الباقي بعد التّحديد باق على ملك البائع كالباقي في بيع الصّاع بلا تفاوت أصلا، فحال البائع في بيع الثّمرة لم يقع موضوعا لحكم، كما في بيع الصّاع من الصّبرة، كي يلحظ بعنوان كلّى، و انّما الموضوع للحكم الملحوظ بهذا العنوان في كلا المبيعين هو المبيع، فلا بدّ من اتّحاد الحكم في الموضعين. اللّهم الا ان يدّعى انّ الاختلاف انّما جاء مما هو المتعارف جعله و شرطه في بيع الثمرة نوعا للمتبانى عليه المتبايعان لو لا تساومهما من كون المشترى مختارا في التّصرف و تعيين مال البائع، و لا يخفى انّ التزامه أهون ممّا تكلّف به- ره- في بيان الفرق، مع انّه لا يكاد يجدي

ص: 130

بدون ذلك، ضرورة انّه ليس قضية اعتبار مال كلّ واحد منها بعنوان كلي استقلال المشترى في التّصرف و في التعيّن، بل عدم استقلال واحد منهما أو استقلالهما، كما هو واضح لا يكاد يخفى، و معه لا يحتاج الى ما تكلّف به أصلا، فافهم و اغتنم.

قوله (قدس سره): (ليكون الباقي بعد تلف البعض صادقا على هذا العنوان- إلخ-).

الظاهر انّه غلط من قلمه الشّريف و حقّ العبارة ان يقول: مصداقا لهذا العنوان و لعنوان الصاع، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (و لو كان من استصحاب الاشتمال (1)- إلخ-).

لا يكاد يجدي الاستصحاب إلّا إذا كان يفيد الاطمئنان بالاشتمال، هذا و لو على القول بالأصل المثبت فان رفع الغرر من آثار الثّقة به، لا من آثارها الواقعيّة، فافهم.

[مسألة إذا شاهد عينا في زمان سابق على العقد فهل يجوز بيعها]
اشارة

قوله (قدس سره): (لأنّ الأصل من الطّرق الّتي يتعارف التّعويل عليها- إلخ-).

لا يخفى انّ الأصل و ان كان مما يعول عليه، الّا انّه في ترتيب الآثار، لا إثبات ماله الأثر، الا على القول بالأصل المثبت، فإنّه عليه يثبته إذا كان من لوازم المستصحب لا من لوازم الوثوق به، و عدم الغرر ليس لا جرم عدم الثّقة، بل من لوازم الوثوق به، كما أشرنا إليه في الحاشية السّابقة، و قد عرفت انّ البناء لا يوجب رفع الغرر و إلّا لم يحتج معه الى الأصل و غيره، فتذكّر.

قوله (قدس سره): (لانّه لا ينتقض عن الغائب الموصوف الذي جاز بيعه (2)- إلخ-).

قد عرفت الاشكال ممّا مرّ في تأثير مجرّد الوصف في رفع الغرر، ما لم


1- و في المصدر: و لو كان من جهة استصحاب الاشتمال.
2- و في المصدر: الذي يجوز بيعه.

ص: 131

يفد الوثوق بما وصف به، فان كان إجماع على صحة بيعه بالوصف مطلقا، فليقتصر على مورده، و الّا فالصّحة محل نظر، لأجل الغرر، فتدبّر.

[فرعان]
[الأول لو اختلفا في التغير فادعاه المشتري]

قوله (قدس سره): (و يمكن ان يضعف الأوّل بأن يد المشتري- إلخ-).

لا يخفى ان التّغيير انّما يوجب الخيار لأجل الضّرر، فيدور الخيار وجودا و عدما مداره كذلك، و لم يكن الضّرر أو عدمه بأثر شرعيّ يترتب على استصحاب موضوع آخر، فلا أصل يجدي في البين مع دعوى الخيار لأجل التّغيير إلّا أصالة عدم ثبوت الخيار، و الّا سائر الأصول غير مجدية فيما هو المهم هيهنا من إثبات الضرر الموجب للخيار أو نفيه المستتبع لنفيه الّا على القول بالأصل المثبت في بعضها، فلا بدّ من التنزّل إلى أصالة عدم الخيار، و كيف كان فالظاهر كون مدّعى التغيّر هو المدّعى، فعليه إقامة البيّنة و اليمين على من أنكر، فتأمّل جيّدا.

[الثاني لو اختلفا في تقدم التغير على البيع]

قوله (قدس سره): (فالمرجع إلى أصالة عدم وصول حقّ المشترى إليه كما في المسألة السابقة- إلخ-).

قد عرفت ان هذا الأصل غير مجد فيما هو المهم في المسألتين من إثبات الضرر الموجب لعدم لزوم البيع و ثبوت الخيار، إلّا على الأصل المثبت، فان عدم اللّزوم إنما يكون مترتّبا على الضّرر، لا على عدم وصول الحقّ و ان استلزمه، فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (فلا تأثير له عقلا في تمليك العين- إلخ-).

بل لا عقد فان مجرّد الإنشاء ما لم يتعلّق بأمر قابل عقلا ليتعلّق به ما أنشأ به، و أصالة الصحة انّما يجدي فيما إذا كان الشّك في الصّحة و الفساد العارضيين، لا فيما إذا كان الشّك في أصل وجود المعروض، و أصالة الصّحة في الإنشاء غير جارية، أو غير مجدية، فإنّه لا يكاد يحرز بها فيما إذا شكّ إلا الصحة التّأهلية و هي مع القطع بها لا يوجب الحكم بوقوع البيع صحيحا، فضلا عمّا إذا شكّ فيها و قد أحرزت بأصالتها، فتدبّر.

[في اختبار الطعم و اللون فيما يختلف القيمة باعتبارها]

قوله (قدس سره): (و يمكن ان يقال بعد منع جريان أصالة السّلامة في الأعيان- إلخ-).

بل مع جريانها فيها، فإنّه لا يقيد إلّا في ترتيب الآثار المترتبة على

ص: 132

نفس السّلامة، و امّا آثار المترتبة بواسطة الثقة بها فلا، و لو قيل بالأصل المثبت، فإنّ نفى الغرر يكون ملازما للوثوق بها، و هكذا حال كلّ امارة و أصل محرز لها شرعا، فان كان مع قطع النظر عن اعتباره واقعا للغرر فهو، و الّا فلا يجدي اعتباره، كما مرّت الإشارة إليه غير مرّة.

ان قلت: إذا كان بناء العقلاء على السّلامة في الأعيان، و الاقتحام في المهام مع الشك فيها بناء عليها كانت أصالة السّلامة واقعا للغرر و الخطر، و الّا فكيف وقع منهم الإقدام في الغرر و الخطر؟

قلت: بناء العقلاء على السّلامة مع الشّك فيها، انّما يجدي في جواز الاقدام على ما لا يؤمن ضرره، لأجل عدم سلامته و عدم قبح الاقتحام فيه، لا في حصول الأمن و رفع الغرر المعتبر في الصّحة شرعا، فتدبّر.

قوله (قدس سره): (و متى كانت مقصودة لا على هذا الوجه، فلم يجب إحرازها- إلخ-).

حيث كانت السّلامة حينئذ كسائر الأوصاف المحتملة الّتي لا يعتنى بها كانت، أو لم تكن بلا تفاوت أصلا، فلا يكون مع عدم إحرازها خطر، فلا غرر، لكن هذا فيما إذا كانت كذلك نوعا، و اما إذا كانت كذلك شخصا و عند خصوص المتبايعين، فلا يجدي في رفع الغرر، بل اقتحام منهما فيه، لعدم المبالات بغرره، كما هو الحال في جميع الموارد الغرريّة الّتي يقتحم فيها، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (و لكن الإنصاف ان مطلق العيب- إلخ-).

بل الإنصاف، بعد الاعتراف بان الشّك في السلامة عن بعض العيوب لا يستلزم الغرر كما منه (قدس سره) و قد أوضحناه في الحاشية السّابقة، فلا وجه لوجوب إحراز السّلامة عنه لعدم الغرر، مع احتماله، ضرورة انّ الغرر و الخطر انّما يكون فيما يتفاوت الحال مع هذا العيب و السّلامة عنه، لا فيما لا يتفاوت أصلا، ضرورة انّه مع احتمال عدم نبات الشّعر في عانة الجارية مثلا، لا غرر عرفا، فلا يكون المستفاد من كلماتهم مخالفا لقاعدة نفى

ص: 133

الغرر، فتدبّر.

[مسألة يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون الاختبار إجماعا]

قوله (قدس سره): (و كفاية الاعتماد على أصالة السّلامة- إلخ-).

قد عرفت انّ أصالة السّلامة غير مجدية في رفع الغرر، و لو قيل باعتبارها مطلقا أو في الجملة، فإن قام الإجماع على صحّة البيع مع عدم الاختبار، أوامر أخر يرفع به الغرر، فهو، و الّا فلا بد من اعتبار ما يندفع به، لعموم نفى الغرر بلا مخصّص يوجب تخصيصه بغير بيع ما يفسده الاختبار.

قوله (قدس سره): (فينفسخ البيع حينئذ- إلخ-).

لا وجه لانفساخه مع وقوعه على المال الواقعي، و سقوطه عن الماليّة انّما كان بعده بالكسر، و نحوه، كما انّه ليس له الرّد بفساد السّابق لأجل التّصرف فيه بما يسقطه عن الماليّة، فليس له إلّا الأرش.

قوله (قدس سره): (و حيث ان خروجه عن الماليّة لأمر سابق على العقد كان مضمونا على البائع- إلخ-).

و ذلك لعله لأجل ان التّلف في زمن الخيار ممن لا خيار له، و كان هذا وجه لزوم تدارك فوات الماليّة بتمام الثمن، لكنّه خلاف ظاهر ما فرع عليه بقوله: (فيكون الأرش هيهنا بتمام الثمن) فافهم.

قوله (قدس سره): (و اما إذا انكشف الفساد حكم بعدم الماليّة الواقعة من أول الأمر- إلخ-).

لا وجه لهذا الحكم فإنّه خلف حيث انّ الفرض انّما يكون فيما إذا كان مالا واقعا، و بالكسر و نحوه سقط عن المالية، فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (فالعيب حادث في ملك المشترى- إلخ-).

نعم لكنه لعيب سابق مجهول، فيكون مضمونا على البائع بناء على انّ ثبوته واقعا موجب للخيار، لا ظهوره، و الّا فلا يكون في زمن الخيار، بل قبله، فتدبر في أطراف كلامه، زيد في علو مقامه، فإنّه لا يخلو عن اغتشاش.

قوله (قدس سره): (و اعترض عليه بان الغرور قد لا يختص- إلخ-).

فيه انّ الغرور و ان لم يكن مختصا بهذه الصورة، الا ان كون البائع غارا، مختص بها، كما لا يخفى.

ص: 134

قوله (قدس سره): (و اما لو لم يكن قابلًا للتّملك فلا يبعد- إلخ-).

بل في غاية البعد، فإنّه و ان لم يدخل بالفسخ في ملك البائع الّا انّه له حقّ اختصاص به، فكأنه ما باعه، و الحاصل انّه بالفسخ يرجع إليه، فإن كان قابلًا للتّملك يملكه، و الّا يخصّه، كما إذا باعه و صار كذلك بالفسخ، فافهم.

قوله (قدس سره): (من القطع بانّ الحكم بماليّة المبيع هنا شرعا و عرفا حكم ظاهري- إلخ-).

هذا فيما، إذا لم يكن قبل الكسر و نحوه، من الأموال الواقعيّة، و قد خرج به عن الماليّة، و لو علم بفساده، و الّا فالحكم بماليّة حكم واقعي و قد حدث ارتفاعها في يد المشترى، و لعلّ ظاهر المحكى عن الشيخ- ره- و اتباعه، من انّه لو تبرأ البائع عن العيب فيما لا قيمة لمكسوره، صحّ هوذا، لا ما، لا مالية له أصلا، و لا الأعم منهما حيث قال: فيما لا قيمة لمكسوره، و ما قال: فيما لا قيمه له، و به يوفق بينه و بين ما نقله عن الشيخ في المبسوط، و الحلي، و العلّامة فيما لم يشترط البراءة من الحكم ببطلان البيع، و التّعليل بأنّه لا يجوز بيع ما لا قيمة له، حيث انّ ظاهره، ما لا قيمة له أصلا لا لخصوص مكسوره، و عليه فالتوجيه وجيه. نعم يردّ على الموجّه انّ ما استظهره منهم في هذه المسألة في غير محلّه، مع التّصريح بالبطلان و التّعليل بما ذكر، فتأمّل جيّدا.

قوله (قدس سره): (ثم انّ الجمع بين عدم خروجه عن المالية، و بين عدم القيمة لمكسوره- إلخ-).

وجه الجمع انّ عدم القيمة لمكسوره لا يوجب خروجه عن الماليّة مطلقا، و لو حال البيع و قبل الكسر و ان كان يوجب خروجه عنها في حالة الكسر، فافهم.

قوله (قدس سره): (لأنّ الأرش كما صرّحوا به، تفاوت ما بين قيمتي الصحيح و المعيب- إلخ-).

و لعلّه تفسير ما هو الغالب فيه، و الّا فهو تفاوتهما بحسب القيمة وجودا

ص: 135

و عدما، أو قلّة و كثرة، كما يشهد كلام العلامة- ره.

[المشهور جواز بيع المسك في فأره]

قوله (قدس سره): (و يندفع ما تقدم من بناء العرف على الأصل في نفى الفساد- إلخ-).

و قد تقدّم انّه لو سلّم فإنّه انّما يجدي في ترتيب ما يترتّب على الصّحة من الآثار، لا في رفع الغرر المعتبر في صحّة البيع شرعا، و لو على القول بالأصل المثبت، فتذكّر، و لا يندفع به الغرر، فان كان إجماع على صحّة بيعه كذلك، فهو المخصّص لعموم نفى الغرر، و الّا فلا يجوز بيعه بدون ما يحصل به الوثوق من الاختبار أو الاخبار.

قوله (قدس سره): (فالأولى ان يباشر البائع ذلك- إلخ-).

أو يباشره المشترى من قبل البائع بإذنه، أو وكالته، لا مجرّد اذنه في مباشرته، فافهم.

[مسألة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه و عدمه]

قوله (قدس سره): (لو كان الشرط تابعا عرفيّا، خرج عن بيع الغرر- إلخ-).

و التّحقيق انّه لو كان الاشتراط من قيود البيع، فإنّه و ان خرج عن معقد الإجماع على اشتراط كون المبيع معلوما لكونه كذلك، الّا انّ البيع لا يخرج عن بيع الغرر لما فيه من الخطر من قبل قيده، الّا ان يكون المراد من الغرر المنهيّ عنه (1)، هو الغرر في البيع من قبل العوضين، لا فيه مطلقا، فتأمل.

و لو كان من قيود العوضين فلا يخرج عن الغرر، و لا عن معقد الإجماع على الاشتراط، لكون المبيع مجهولا، ضرورة سراية الجهالة إليه من قيده، الّا ان يدّعى انّ المتيقن من معقده، ما كان مجهولا بنفسه لا بقيده، و يؤيده الخلاف هيهنا و هو كما ترى، و الخلاف انّما يكون في الصغرى، و تطبيق القاعدة الكليّة عليها، لا في الكبرى، فافهم.

[مسألة يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه]

قوله (قدس سره): (بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع الى هذا- إلخ-).

لانّ الاستثناء في الحقيقة تحديد ما هو المبيع و تعبيته، و البيع انّما تعلّق


1- وسائل الشيعة: 12- 330- ب 40- ح 3.

ص: 136

في الواقع بما بقي بعد الاستثناء من المستثنى منه، فتدبر جيّدا.

قوله (قدس سره): فيجي ء مسألة الإندار للحاجة إلى تعيين ما يستحقّه البائع من الدراهم- إلخ-).

بل للحاجة إلى تعيين الثمن، فإنّه لو لم يكن الإندار لم يعلم انّ الثمن اىّ مقدار، و انّه مثلا ثمانية دراهم أو عشرة، و لا أظنّ اكتفائهم فيما يباع على نحو التسعير بتعيين مقدار الثمن بعد البيع فيكون الإندار لتعيين ما يستحقّه البائع، و بالجملة بعد البناء على الإكتفاء في تعيين مقدار المبيع بوزنه مع ظرفه، لا بد من إيقاع البيع فيما يباع على وجه التّسعير بعد تعيين مقدار الثمن بالإندار لئلّا يقع بإزاء المجهول بحسب المقدار و عليه فالمدار فيه على ما تراضيا عليه تعارف به الإندار عند التّجار أولا، علم زيادته أو نقيصته أو احتمل، كما لا يخفى.

و قد انقدح بذلك عدم توجّه الاعتراض على اعتبار التّراضي بأنّه لا يدفع غررا، و لا يصحّ عقدا، حيث ظهر انّ اعتبار التّراضي ليس لأجل دفع الغرر، بل لأجل اعتباره العقد، فهو يصحّح العقد و ان لم يدفع الغرر. فتدبّر.

نعم لو كان الإندار لأجل عدم الاكتفاء في تعيين المظروف بوزنه مع ظرفه، و اعتباره في الجملة في تعيينه بوزنه كذلك لتوجّه الاعتراض، فافهم.

قوله (قدس سره): (و كيف كان فالّذي يقوى في النظر- إلخ-).

قد عرفت ان الإندار إذا لم يكن له دخل في صحة بيع المظروف، و كفاية وزنه مع ظرفه في صحته، و كان لتعيين مقدار الثمن، لم يعتبر فيه الّا التراضي، و ان علم انّه يزيد أو ينقص. نعم لو قيل بصحة البيع على وجه تعيين الثمن بالتّسعير، من دون تعيين مقداره الّا بعد البيع، كان مقدار الثمن من الدراهم بمقدار ما للمبيع من الأرطال مثلا، كان الإندار لتعيين ذاك المقدار، فلا بد من ان لا يزيد و لا ينقص علما أو تعبّدا، حيث لم يرضيا الّا بما هو الثّمن، و أصالة عدم زيادة المبيع عليه، لا يثبت انّ مقداره ما بقي بعد

ص: 137

الإندار الّا على الأصل المثبت، و أصالة عدم استحقاق البائع أزيد مما يعطيه المشترى، غير مجدية لتعيين ما على المشترى، و أصالة برأيه ذمّته عن الزّائد، توجب اقتصاره على ما علم باشتغال ذمته به، فيجوز الإندار بما يحتمل زيادته و لا يحتمل نقيصته، فتأمّل.

[مسألة يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه]

قوله (قدس سره): (فالقطع بالجواز منضما، إذ لم يحصل من الانضمام مانع و لا ارتفع شرط- إلخ-).

إذا كان المجموع منهما ممّا يرتفع غرره لوزنهما معا و بيعهما جملة، و الّا فلا، لحصول الغرر من الانضمام مثلا إذا كان ظرف الزّيت و نحوه مما يجوز ان يباع منفردا مع جهالة وزنه الموزون مع ظرفه صفرا، أو نحاسا، أو غيرهما مما غلت قيمته، و يختلف حسب اختلاف وزنه، فلا شبهة في انّ بيعهما جملة بوزن واحد غرري، فلا تغفل.

[تنبيهات كتاب البيع]

[في التفقه في التجارات]

قوله (قدس سره): (و عدم تقبيح عقاب من التفت الى وجود الحرام في إفراد البيع الّتي بزوالها تدريجا- إلخ-).

لا يخفى انّ صحة العقاب على ارتكاب الحرام من الإفراد، لا يقتضي وجوب معرفة حلالها و حرامها مقدمة، لعدم توقف ترك الحرام منها عليها، لإمكان التحرز عنه بترك الاقتحام فيما علم وجوده فيها، كما يتّفق معه عدم ارتكابه، غاية الأمر مع الالتفات حينئذ كان متجرّيا لإقدامه على ما لا يؤمن حرمته. و قد انقدح بذلك انّه لا وجه لوجوب التّفقه عقلا من باب المقدّمة، لعدم توقّف ترك الحرام عليه للتّمكن منه بدونه و ارتكابه معه.

نعم ربّما يقع مع عدمه فيما لا يقع فيه من الحرام معه، و لعلّه أشار إليه قول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام (1) «من اتّجر بغير علم فقد ارتطم في الرّبا» و قول الصادق (عليه السلام): «من لم يتفقّه في دينه ثم اتّجر- الخبر-» و لا دلالة لهما، بل الإرشاد الى ما لا يقع معه في الرّبا بلا بصيرة أحيانا، غايته الدلالة على الاستحباب. و الأخبار الدّالة على وجوب طلب العلم، و انّه


1- وسائل الشيعة: 12- 283- ب 1- ح 2.

ص: 138

فريضة (1)، لا ظهور لها في إرادة خصوص العلم بالأحكام و معرفة الحلال و الحرام، أو ما يعمّه، لقوّة احتمال ارادة خصوص المعارف و الاعتقادّيات الّتي لا بدّ من معرفتها لكلّ من قدر عليها، و لا محيص عنها، بخلاف المسائل الفرعية في باب التّجارات فان المطلوب فيها، ليس الّا الاجتناب عن المحرمات، و هو كما يكون مع معرفتها، يكون مع التّورع و عدم الاقتحام في الشّبهات، بل و كذا الحال في العبادات، فان المطلوب فيها أيضا، الإتيان بالواجبات، و هو ممكن مع عدم المعرفة بها، بمراعات الاحتياط في الشّبهات، و هذا لا ينافي وجوب تحصيل العلم بالأحكام كفاية على الأنام، بلا اشكال و لا كلام. فتأمل جيّدا.

[في بيان تلقي الركبان]

قوله (قدس سره): (نعم لا بأس بحملها على الكراهة- إلخ-).

لكنه مع ذلك لا يكون دليلا على الكراهة، إلّا بناء على المسامحة في دليلها، كالاستحباب، و فيه نظر. نعم لا بأس بالالتزام بالكراهة الرّجائية الّتي يكفي فيها مجرّد احتمالها من دون حاجة الى دلالة خبر أصلا، كما لا يبعد ان يكون هو المراد ممّا يوهم دلالته على المسامحة في أدلة المستحبّات، فتدبّر جيّدا.

قوله (قدس سره): (و مما ذكرنا ظهر انّ النّهى في سائر الأخبار أيضا محمول على الكراهة- إلخ-).

قد عرفت النظر في كفاية الخبر القاصر عن إفادة الحرمة سندا و دليلا على الكراهة، و لا يكفي في إثباتها الأصل، لمخالفتها، بمعنى الاستصحاب، و قاعدة الحليّة، و انّما الموافق له، هو عدم الحرمة، هو أعم من الكراهة، فافهم.

[مسألة إذا دفع إنسان إلى غيره مالا ليصرفه في قبيل يكون المدفوع إليه منهم]

قوله (قدس سره): (كما انّ الظّهور الخارجي الذي يستفاد من القرائن الخارجية- إلخ-).

يعني القرائن الخارجيّة المكتنفة باللفظ بحيث كان اللفظ بملاحظتها عرفا، ظاهرا في هذا المعنى و ان كان ظاهرا في غيره عرفا إذا لم يكن


1- الكافي: 1- 30.

ص: 139

مكتنفا بها، و الّا لم يكن الظّن و الظّهور الغير اللّفظي، متبعا، فضلا عن ان يقدّم على الظهور العرفي اللفظي. و بالجملة المتّبع هو الظهور اللّفظي الفعلي مطلقا، سواء كان هو الظّهور الوضعي، أو الظّهور الناشي مما يكتنف به من مقال أو حال، فافهم.

[في الاحتكار]

قوله (قدس سره): (فان الظاهر منه انّ علة عدم البأس، وجود الباذل- إلخ-).

لا يخفى انّ قضيّة عليّته ليس الّا ثبوت البأس على تقدير عدمه، و هو أعم من الحرمة. اللهم الّا ان يكون الاحتكار عندهم معروف الحرمة، و هو غير معلوم، أو كان قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «إيّاك ان تحتكر (1)»، دالّا على الحرمة، و هو محل نظر، بل منع، لكثرة استعمال هذا التّركيب في كلامه (صلّى اللّه عليه و آله) في الكراهة. و منه ظهر عدم دلالة سائر الأخبار الدّالة على ثبوت البأس بالمفهوم، و امّا ما دلّ منها على ثبوت الكراهة له بالمنطوق، فلو لا ظهور لفظ الكراهة في خصوصها، فلا أقلّ من عدم ظهور في الحرمة و التقييد بصورة عدم الباذل، مع دلالة ما دلّ على كراهة الاحتكار مطلقا، لا يصلح قرينة على إرادة الحرمة، لاحتمال الحمل على شدة الكراهة، كما ربّما يشهد به إطلاق لفظها، و الّا يلزم التّقييد بصورة وجود الباذل فيما دلّ على كراهة الاحتكار مع إطلاقه، و التأييد بما عن المجالس فيه، انّه لو سلم دلالته على الحرمة، فهو أعمّ من مقصوده من الحرمة في صورة عدم الباذل، من وجه، كما هو أخصّ منه من جهة التّقييد بأربعين يوما، فلا محيص عن حمله على شدّة الكراهة الّتي لا ترتفع حزازتها بتصدّق تمام ثمن ما احتكره، فكما يحصل الشّدة بعدم وجود الباذل، و لو لم يحسبه أربعين يوما، كذلك يحصل مع وجوده إذا حبسه كذا، فافهم.

و امّا وجوب البيع على المحتكر، فهو حكم مخالف للقاعدة على كلّ حال، إذ مجرّد حرمة الاحتكار، لا يقتضي أزيد من إلزامه على تركه من باب


1- وسائل الشيعة: 12- 316- ب 28- ح 3.

ص: 140

النّهى عن المنكر بأيّ نحو يريد، لا خصوص وجوب البيع عليه. و ما عن الشيخ الجليل، و ان كان فيه التّأييد على الحرمة، الّا انّه لا شهادة فيه على الفرض، و محلّ الحاجة، و لعلّه أريد قسم خاص أخر ممّن احتكر، و إطلاقه غير وارد في مقام البيان، كما هو أوضح من ان يحتاج الى بيان. فافهم.

و للّه الحمد على ما هدانا لهذا، و ما كنّا لنهتدي به لو لا ان هدانا. و قد فرغ عنه مؤلّفه الجاني في العشر الثّاني من شهر ربيع الثاني من شهور سنة ثمانية عشر بعد ثلاثمأة و الالف من الهجرة النبويّة، على هاجرها ألف ألف صلاة و تحية.

ص: 141

2- كتاب الخيارات

اشارة

ص: 142

ص: 143

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين. و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين.

[مقدمتان]

[الثانية في أصالة اللزوم في البيع و الاستثناء منه]

قوله (قدس سره): (فيدخل ملك فسخ العقد- إلخ-).

الظاهر انّ المراد من الملك هيهنا، هو السلطنة، لا الاختصاص الخاص المستتبع لها، و من فسخ العقد، نقضه و حله، لا مجرّد رفع أثره بدونه، كما في رد العين في الهبة، و التّراد في المعاطاة، و السلطنة على الفسخ ليست بخيار نفسه، بل من آثاره و أحكامه، فإنّه من الحقوق تورث و تسقط، و هي كسائر الأحكام لا تورث و لا تسقط، كيف و قد لا يكون لذي الخيار سلطنة على الفسخ لحجره، كما قد يكون لغيره، كما في أحد المتعاملين بعد استقالة الأخر، فإنّ له الفسخ بناء على انّ الإقالة فسخ. و قد انقدح بذلك انّ خروج الجواز في العقود الجائزة عن التفسير، انّما هو لأجل عدم الفسخ، لا لأجل التّعبير بالملك، كيف و قد عرفت انّ ملك الفسخ ليس بحقّ الخيار نفسه و لا من خواصّه. و مما ذكرنا ظهر انّ الخيار، حقّ خاصّ، و هو اعتبار و اضافة مخصوصة بين العقد و الأشخاص يستتبع آثارا، منها السلطنة على الفسخ.

قوله (قدس سره): (ففيه ان مرجعه إلى إسقاط حقّ الخيار- إلخ-).

يمكن ان يقال: انّ إقرار العقد، هو إمضائه و إبرامه، و هو ليس إسقاط حق الخيار، و ان كان سببا لسقوطه، كما انّ الفسخ يكون كذلك،

ص: 144

حيث انّه يضمحل به بتبع انحلال موضوعه. و بالجملة فرق واضح بين إسقاطه و إعماله، إبراما و إنفاذا، أو فسخا و حلا، و ان كان كلّ من الإبرام و الفسخ سببا لسقوطه و ارتفاعه أولا، أو بتبع موضوعه. و لا يبعد انّ الاعتبار يساعد على ان يكون الشّيئان اللّذان لا بدّ منهما في متعلّق الخيار، و حقه يقتضي اختيار صاحبه اىّ واحد منهما شاء إبرام العقد بالتزامه به و فسخه، لا الفسخ و تركه. و ربّما يشهد به ما في بعض الاخبار، مثل ذلك رضي منه، كما لا يخفى، فافهم.

قوله (قدس سره): (و هذا حسن).

لكن لا يناسب ما ذكره في التّذكرة في توجيه الأصل أيضا، مع عدم اختصاصه كسابقه بالبيع، بل يجريان في كلّ عقد شكّ في جوازه و لزومه، كما يأتي الإشارة في كلامه، زيد في علوّ مقامه.

قوله (قدس سره): (انّما ينفع مع الشّك في ثبوت الخيار في خصوص البيع- إلخ-).

بل ينفع مع الشّك في ثبوت الخيار فيه و في غيره، كما هو واضح، و انّما لا ينفع إذا كان الشك في اللّزوم و الجواز من حيث الحكم الشرعي، و لو كان في البيع، كما في المعاطاتي منه إذا شك في جواز التّراد فيه، كجواز الرّد في الهبة عدم جوازه، كما في البيع بالصيغة، فإنّه من حيث الشّك في الحكم الشرعي بالجواز بلا خيار أو اللزوم، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (و منها قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)»- إلخ-).

قبل بيان دلالتها على أصالة اللزوم لا بدّ من تمهيد مقدّمة ينفع في النّقض و الإبرام فيما هو المهم في المقام، و هي: انّ لزوم العقد (تارة) بمعنى وجوب الوفاء به تكليفا مع نفوذ فسخه و نقضه وضعا، كما في تدر الفعل و عهده قبالا لجوازه كذلك. (و اخرى) بمعنى وجوب العقد و ثبوته وضعا و عدم نفوذ فسخه و نقضه قبالا للجواز، بمعنى نفوذ سبب حقّ الخيار أو بمجرد الحكم


1- المائدة: 1.

ص: 145

كما في الإقالة، بناء على انّها فسخ. (و ثالثة) بمعنى الحكم بثبوته بأثره بحيث لا يرتفع أصلا قبالا للجواز، بمعنى الحكم بنفوذ رفعه حقّا، كما في الأخذ بالشّفعة، أو حكما، كما في الرّد، و الهبة، و التّراد في المعاطاة. فالعقد اللازم من جميع الجهات كالنكاح، فيما إذا لم يكن في البين عيب يوجب الخيار، و كما انّ الجائز من جميعها بيع أحد الشريكين بالمعاطات، و من بعضها غيره من إفراد البيع، و سائر أنواع التّجارات، و بعض الهبات.

و لا يخفى انّ اللّزوم في محل الكلام، و مورد النّقض و الإبرام في المقام، انّما هو بالمعنى المقابل لجواز الفسخ بالخيار، بخلاف ما هو البحث في مسألة المعاطاة، فإنّه بالمعنى المقابل لجواز رفع الأثر بالتّراد، أو بالمعنى المقابل لجواز الفسخ بمجرد الحكم على احتمال غير بعيد.

و إذا عرفت هذا، فمجمل الكلام في الآية، انّ الوفاء يكون عبارة عن القيام بمضمون ما يتعلّق به من عقد، أو عهد، أو وعد، و الالتزام به و ما يتحقق به، هذا يختلف باختلاف مضمونها، فان كان فعلا اختياريّا، كما في الوعد، و نذر الفعل كالتّصدق بماله، فهو العمل على وفقه، و الحركة على طبقه. و ان لم يكن كذلك، كما في نذر النتيجة، ككون ماله صدقة، في العقود، فان مضامينها و ان كانت أفعالا اختياريّة، كالتّمليك، و التّزويج، و غيرهما، الّا انها تسبيبة يتحقق قهرا بمجرد انعقادها، فالوفاء بها يكون عبارة عن إقرارها و البناء عليها، قبالا لنقضها و حلّها شرعا فيما ينقض، أو تشريعا فيما لا ينقض، و ليس مجرد عدم ترتيب البائع أو المشتري، أثار ملكية المشتري أو البائع للمثمن أو الثمن، بانّ تصرّف كلّ فيما صار الى الأخر بدون اذنه بعنوان التعدي عليه، مضرّا بالوفاء، ان لم يكن مؤكّدا له، كما لا يخفى. و لا يذهب عليك انّ الآية، على هذا، لا دلالة لها على ما هو المهم في الباب من اللزوم، قبالا لجواز نفوذ الفسخ بالخيار، و لا على ما هو المهم في مثل باب المعاطاة، و بعض الهبات من جواز الرّد، و التّراد، و نفوذهما. و انّما تدلّ على وجوب إقرار العقود، و البناء عليها، و عدم نقضها و حلّها تكليفا لا وضعا. و كذا يمكن منع دلالتها على ما أفاده- ره- لها من المعنى، لا مكان منع الإطلاق أوّلا، و عدم

ص: 146

جواز التمسك به لو كان، ثانيا، إذ مع الشّك في تأثير الفسخ يكون من باب التّمسك بالعموم أو الإطلاق، فيما لا يعلم عليه انطباق المطلق أو العام، ضرورة انّه مع تأثيره، ليس عدم ترتيب الأثر، من النقض و عدم الوفاء، حتى يقال بعدم جوازه بإطلاقها.

و من هنا ظهر انّه لا وجه لتخصيص هذا الاشكال بالآيتين الأخيرتين (1)، كما يأتي في كلامه زيد في علو مقامه. و هذا كلّه لو كان المراد من العقد، كما افاده، مطلق العهد أو ما يسمّى عقدا لغة و عرفا. و اما إذا كان المراد خصوص عهود اللّه تعالى، أو عهودهم في الجاهليّة، كما نقل التّفسير بهما عن ابن عباس (2) و غيره، فالآية أجنبيّة عمّا نحن بصدده.

ثم لا يخفى ما في عبارته- ره- «و المراد من وجوب الوفاء العمل- إلخ-» من الخلل، و حقّها ان يقال: و المراد من الوفاء. أو يقال: لزوم العمل. و قد عرفت انّ الوفاء و ان كان بحسب المفهوم واحدا، الّا انّه يختلف بحسب ما يتحقق به عملا و التزاما، حسب اختلاف العقود، و النذور، و العهود.

قوله (قدس سره): (بل قد حقّق في الأصول، ان لا معنى للحكم الوضعي- إلخ-).

قد حقّقنا فيما علّقناه على الاستصحاب من الرّسائل، ان الوضع يختلف، فمنه ما لا معنى له الّا ذلك، كالشرطيّة، و الجزئيّة، و المانعيّة، و نحوها. و منه ما هو إضافة خاصة، و اعتبار خاصّ، يترتب عليه عرفا و شرعا، آثار ينتزع عن منشأ انتزاع من عقد، أو إيقاع، و نحوهما كالملكية، و الولاية، و الوكالة، و نحوها، لا يكاد ان ينتزع بدون منشأ انتزاعها من الآثار التّكليفيّة. نعم ربما يكشف عنها بترتّب ما يخصّها منها، و من جملة ما يصحّ انتزاعها عنها، جعل من له السلطنة ايّاها، فمجرد جعل الشارع الولاية له


1- «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» (البقرة: 275) و «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» (البقرة: 188).
2- تفسير مجمع البيان- 2- 8 (في تفسير قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- سورة المائدة- الآية 1).

ص: 147

على أحد، أو ملكيته لشي ء، يصير وليّا و مالكا، و في العرف بمجرد جعل السّلطان له واليا أو حاكما، أو غيرهما، يصير كذلك، و يصحّ اتّصافه بذاك المنصب. و منه ما ليس بذا و لا بذاك فلا يكون مجعولا بنفسه، و لا بمنشإ انتزاعه كالعليّة، و السببيّة، و نحوهما مما لا يكاد يكون حقيقة لشي ء ما لم يكن بينه و بين غيره ربط خاص لا يكاد يكون بمجرد الجعل الشّرعي. و من أراد الاطلاع على حقيقة الحال، فليراجع ما علّقناه على الاستصحاب.

قوله (قدس سره): (فإنّ حلية البيع التي لا يراد منها الّا حلية جميع التّصرفات- إلخ-).

فيه منع لقوة احتمال إحلال البيع وضعا، بمعنى إنفاذه و إمضائه المستتبع لإحلال التّصرفات تكليفا مع إمكان إرادة إحلاله تكليفا من حيث التّسبب به الى ترتيب الآثار، كما هو الظاهر من التّحليل و التحريم المتعلّقين بالمعاملات، فيدل بالملازمة العرفيّة على الصّحة و الفساد. فلا وجه لأن يراد من الآية (1) حلية التّصرفات، لاحتياج ذلك الى التّصرف، و هو بلا موجب تعسف، مع انه لو سلم، فلا إطلاق فيها، حيث انّها في مقام بيان إمضاء المنع و الرّدع عن الرّبا.

و منه ظهر الإشكال في الاستدلال على اللّزوم بإطلاق حلية أكل المال بالباطل، فإنّ الإطلاق مسوق لبيان التّصرف عن الأكل بالباطل إلى الأكل بالتّجارة، لا لبيان انّها سبب لها على كل حال و على كل كيفيّة، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (و تملكه من دون اذن صاحبها باطل عرفا- إلخ-).

و احتمال عدم كونه باطلا شرعا، غير ضائر بعد الاستظهار من إطلاق الباطل، ان المدار فيه ما يعد عند العرف باطلا، و ان نظرهم هو المتبع في تعينه شرعا، و حينئذ لا بدّ من الاقتصار في ترخيص الأكل بالباطل العرفي على موضع الدّليل الدّال على جواز الأكل به. و لا يخفى انّه من باب التّخطئة،


1- البقرة: 275.

ص: 148

لا التخصيص، فافهم.

و قد انقدح بذلك انّه لا يكاد يتم تقريب الاستدلال على المهمّ، الّا فيما إذا أحرز انّ استحقاقه الفسخ في هذا العقد، و في هذا الحال باطل عرفا، و هو غير مجد في تمام المطلوب.

قوله (قدس سره): (كشف ذلك عن حق للفاسخ متعلّق بالعين- إلخ-).

لا يخفى انّ جواز تملك العين كما انه يكون عن حقّ متعلّق بها، موجب لصحته، كما في حق الشفعة، كذلك يكون عن محض حكم بجوازه، كما في الهبة و المعاطاة، أو يكون عن حقّ متعلّق بالعقد، مورث لانفساخه وحلة بالفسخ، فكيف يكون كاشفا عمّا ذكره، الّا ان يكون مراده ذلك كله، فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (و ممّا ذكرنا ظهر وجه الاستدلال بقوله: لا يحلّ (1)- إلخ-).

لا يخفى أنّه دلالة له على اللزوم الّا بالمعنى الذي في قبال جواز الرّد أو التّراد، لا بمعناه المهم المقابل لنفوذ الفسخ بسبب حقّ الخيار، و ليس التّمسك به مع الشك فيه الّا من باب التّمسك بالعام فيما لا يعلم انّه من مصاديقه. منه يظهر الإشكال في الاستدلال بقوله «الناس مسلطون- إلخ- (2)»، بداهة انّه لا دلالة على عدم ثبوت الخيار في العقد و عدم انفساخه و انحلاله بالفسخ، فإنّه إنّما دلّ على السلطنة على الأموال، لا على الأحكام، و مع الشك في نفوذ فسخه لم يعلم انّ تصرّفه فيما انتقل عنه بالعقد تصرّف في مال، أو مال غيره، فيكون التّمسك بالنّاس، على عدم جوازه من ذاك الباب، اى التّمسك بالعام فيما لم يعلم انّه من مصاديقه.

قوله (قدس سره): (لكن لا يبعد منع صدق الشرط- إلخ-).

سيأتي منه (قدس سره) في باب الشرط، صحة استعماله في الإلزام


1- وسائل الشيعة: 3- 424- ب 3- ح 1.
2- بحار الأنوار- 2- 272.

ص: 149

الابتدائي، لوقوعه في الاخبار كثيرا، و عدم حجيّة ما في القاموس مع تفرده، فراجع. و لا يبعد ان يكون من ذلك، استعماله في الزّمانين، إذ ليس مجرّد ربطه بغيره، كافيا في إخراجه عن الابتدائيّ، بل لا بدّ في ذلك من كون الإلزام و الالتزام في البيع و نحوه، لكن لا يخفى انّه لا دلالة له أيضا على اللزوم و بالمعنى المهم، بل على اللّزوم التّكليفي، و انّه لا يجوز الّا عن ان يرفع اليه عن شرطه، و يحرم عليه التخلّف عن موجبه، كما عرفت في الآية الاولى، و لو سلّم دلالته على التقريب المتقدم فيها، فلا دلالة له أيضا، لما عرفت فيها و في غيرها، من منع الإطلاق أولا، و عدم جواز التّمسك به مع الشك في تأثير الفسخ ثانيا، فتأمل جيدا.

قوله (قدس سره): (و منها الأخبار المستفيضة (1)- إلخ-).

يمكن المناقشة فيها بان دلالتها على وجوب البيع، و انّه لا خيار لهما بعد الرّضاء، انّما هو بلحاظ ما هو بمقتضى نفس البيع، لا للأمور العارضة أحيانا، من غبن، و عيب، و نحوهما. و لأجل هذا لا يكون أدلة سائر الخيارات مخصّصة لها، كما لا يخفى، فتأمّل.

قوله (قدس سره): (و هذا الاستصحاب حاكم على الاستصحاب المتقدم- إلخ-).

لا يخفى انّه لو سلّم الشّك في بقاء العلاقة، و عدم دعوى القطع بانقطاعها، فلا يكون استصحابها حاكما على ذاك الاستصحاب، فإنّ مستصحبة ليس من آثار مستصحبة شرعا قد رتّب عليه في خطاب، ليحكم على استصحابه، استصحابه.

قوله (قدس سره): (بناء على ان الواجب هنا- إلخ-).

هذا، و ان كان الواجب الرّجوع الى استصحاب حكم المخصّص في مثل خيار الغبن إذا شكّ في فوريّته، لا الرجوع الى عموم الوفاء، فإنّه بمثل دليل خيار المجلس لا ينقطع عمومه، بل يمنع عن مجيئه و تعلّقه مع ثبوت


1- وسائل الشيعة: 12- 345.

ص: 150

المقتضي له، من إطلاق متعلّقه، فقصر في تقييده على المتيقّن، لكنه كذلك لو كان إطلاق العقود مسوقا لبيان الحكم فيها بلحاظ حالاتها و طواريها، و لم يكن مسوقا لبيانه، لا بلحاظهما، كما هو ليس ببعيد، و عليه يكون الواجب، الرّجوع الى الاستصحاب في زمان الشّك، لا عموم الآية (1).

قوله (قدس سره): (فيبقى ذلك الاستصحاب سليما عن الحاكم فتأمل- إلخ-).

لا يخفى انّه مع تواتر الاخبار بانقطاع الخيار، فلا يبقى مجال لذلك الاستصحاب أيضا، و لعله أشار إليه بأمره بالتأمّل.

قوله (قدس سره): (نعم هو حسن في خصوص المسابقة و شبهه- إلخ-).

لا حسن له في مثلها أيضا أصلا، فإنّ لها أثرا لا محالة لم يكن قبل انعقادها، و يرتفع بعده بفسخها، إذا أثر، و مع الشّك فيه، فالأصل بقائه و عدم زواله، و لعلّه أظهر من ان يخفى.

قوله (قدس سره): (بناء على ان المرجع- إلخ-).

لكن بناء على ذلك أيضا يشكل الرّجوع الى العمومات السابقة مع الشّك في تأثير الفسخ بما عرفت في الشّك في الحكم باللّزوم، من انّه من باب التّمسك بالعام فيما لا يعلم انطباق عنوانه عليه، فإنّه مع الشّك في تأثير الفسخ في الفرد المردّد يكون التّمسك به من هذا القبيل أيضا، فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (فإن الأصل عدم قصد القربة- إلخ-).

قد يعارض بأن الأصل عدم قصد غيرها، اللّهم الّا ان يقال اللّزوم انّما رتّب شرعا على قصدها، و ما رتّب الجواز على قصد غيرها، كي يعارض أصالة عدم قصدها بأصالة عدم قصده، و الجواز انّما رتّب على الهبة و ان قيّدت بدليل الصّدقة، فلا تغفل.

[القول في أقسام الخيار]

[الأوّل في خيار المجلس]

[مسألة لا إشكال في ثبوته للمتبايعين إذا كانا أصيلين و لا في ثبوته للوكيلين في الجملة]

قوله (قدس سره): (و الاولى ان يقال، ان الوكيل- إلخ-).

و التّحقيق ان يقال: ان الظّاهر من البيع، انّما هو المتصدي لأصل


1- المائدة: 1.

ص: 151

البيع أو الشّراء، مالكا كان، أو وليا، أو وكيلا، ضرورة صدقه عرفا على الولي، أو الوكيل المباشرين له، و عدم صحّة صلبه عنه، و مجازفة دعوى الانصراف مع كثرة صدوره من الأولياء، و الوكلاء، بل كثرة استعمال البائع و المشترى فيهما، كما لا يخفى، لا الوكيل في خصوص الصّيغة، لصحّة سلبه عنه عرفا، و تبادر غيره منه قطعا، كما ان الظاهر من الأخبار ان جعل مثل هذا الخيار، انما هو لأجل الإرفاق بالبيعين لترويا في بيعهما فيفسخاه، أو يمضياه بالرضا، و لا يخفى انّه انّما يتأتّى في خصوص ما إذا كان لكلّ منهما اختيار في فسخ البيع برضى الأخر و حلّه، كما كان لهما اختيار عقده كذلك و شده، دون من لم يكن له الّا اختيار العقد دون إمضائه و فسخه بعد إيقاعه، كالوكيل في خصوص بيع شي ء أو ابتياعه، بحيث يكون بعد صدوره منه أجنبيّا عنه، إذ معه بعيد جدّا ان يجعل له الخيار إرفاقا به ليتروى فيختار، و ان أبيت إلا عن عدم انصراف الإطلاق لمسوق مساق الإرفاق الى ذلك، فلا أقلّ من انّه المتيقّن منه في مقام التّخاطب به، و معه لا يكون دليلا على غيره.

و من هنا ظهر عدم دلالة الاخبار على ثبوت الخيار للوكيل في بيع شي ء إذا لم يكن مستقلّا في عقده بالحل كشدة، و ان كان مستقلا في التصرف في مال الموكّل قبل العقد و بعده بأنحائه، كما انه لا مانع عن دلالتها على ثبوت الخيار للوكيل المفوّض اليه حلّه كعقده، و ان كان ممنوعا عن التّصرف في ماله أصلا، و ذلك لما عرفت من انّ الخيار يكون حقّا متعلّقا بالعقد مستتبعا للسلطنة على فسخه و إمضائه، لا بالمال.

و بذلك قد انقدح الخلل فيما علّل به عدم ثبوت الخيار للوكيل في مثل شراء العبد، أو في مجرى صيغة العقد. ثم انّ الظاهر من الأخبار (1) بقرينة الغاية، ان الخيار انّما يكون للبيعين، فيما إذا كان لهما اجتماع للبيع، لا فيما إذا لم يكن هناك اجتماع، أو كان و لم يكن للبيع، فلا دلالة لتلك الاخبار على


1- وسائل الشيعة: 12- 345.

ص: 152

ثبوت الخيار للموكّلين و ان صدق انهما بيّعان ما لم يجتمعا على البيع، كما إذا اجتمعا للمعاملة بنفسهما و لم يكن توكيلهما إلّا في إجراء الصيغة. اما إذا لم يجتمعا، أو اجتمعا لا في مجلس عقد الوكيلين، بل و لو اجتمعا في مجلسهما، حيث انّه ليس لأجل المعاملة، لاستقلال الوكيلين بها، كما هو الفرض على اشكال، من إطلاق الغاية، و من انّ المنساق منه بقرينة السّياق الافتراق عن الاجتماع البيعي، و لا أقل من انّه المتيقّن منه، و كون المستفاد من سائر أدلة الخيارات كونها للمالك، لا يقتضي كون هذا الخيار له مطلقا، و كذا اقترانه في بعض النّصوص بخيار الحيوان الثابت فيه لصاحب الحيوان، كما لا يخفى، فان صاحب الحيوان هو المشترى و ان كان وكيلا، كما عبّر به في غير واحد من نصوص خيار الحيوان لا خصوص المالك، مع انّه لو سلّم ظهوره فيه، فهو لا يقتضي بوجه كون البيّعين ظاهرا في المالكين، مع انّه لو سلم فيختص حينئذ بالموكّلين، و هو خلف، ضرورة انّ الغرض شموله للوكيلين، و ثبوت حقّ أو حكم للوكيل بما هو نائب و وكيل لا يستلزم ثبوته لموكّله إذا لم يكن بالتّوكيل، بل بما يخصّه من موجب أو دليل، مع انّه لو سلّم فإنّما هو فيما إذا ثبت له بما هو وكيل، لا بعنوان أخر، و ان توقّف به تحقّقه له على وكالته، كما في المقام، و كيف و لا خيار للموكلين إذا لم يحضرا بلا اشكال، و مجرد كون الخيار إرفاقا بالمالك فيما ثبت له الخيار بالدليل، لا يستدعي ثبوته له كذلك بلا دليل.

نعم ربّما يقال بوجوب مراعاة المصلحة على الولي، و الوكيل، أو عدم المفسدة في الفسخ، أو الإمضاء، إلّا برضاء الموكّل، فكما ليس لهما التّصرف في مال المولى عليه، و الموكل، و القرب منه بالعقد، الّا عن المصلحة، أو مع عدم المفسدة كذلك، لا يجوز لهما القرب منه و التصرف فيه بفسخه، لعدم اختصاص الآيات و الروايات الدّالة على اعتبار ذلك بالتّصرف فيه بالعقد، و مجرد كون التّصرف بالعقد عن حكم، و بالفسخ عن حق، لا يوجب تفاوتا بينهما في شمول تلك الآيات و الرّوايات لأحدهما دون الأخر، كما لا يخفى، فلا يجوز منهما الفسخ، أو الإمضاء مع المفسدة، أو بدون المصلحة على

ص: 153

اختلاف الأولياء، أو الخلاف فيها الّا عن الوكيل برضاء الموكل، فعلى هذه لا خيار للموكّلين الّا فيما إذا لم يستقل الوكيلان بالتّصرف، و انقدح الخلاف فيما ذكره من الوجوه على ثبوته لهما أيضا، فيما إذا استقلّا، إذا كان لهما ذلك، ثم هذا عزل الوكيل المستقلّ بعد البيع و قبل الافتراق، أو انعزال الوالي كذلك، يوجب سقوط خيارهما و جهان: من انّ ثبوته لهما بما هو وكيل أو وليّ. و من الاستصحاب و الإطلاق المقتضي لامتداده الى الافتراق ان لم يمنع عنه بأنه مسوق للبيان من غير هذه الجهة، و لكنّه في الاستصحاب كفاية، ما لم يقم دليل على انّ الخيار يدور مدار ولايتهما، أو وكالتهما، و صيرورتهما بذلك بيّعين، فيعمهما الاخبار، و يثبت لهما الخيار، لا يستلزم ان يدور بقائه مدار ذلك. نعم لو كان ثبوته في الدّليل معلّقا على أحد العنوانين، لا يبعد استظهار ذلك، و أين هذا مما إذا كان الحكم معلّقا على عنوان باق، و لو كان تحقّقه موقوفا على أخر زائل، فتدبّر جدا.

و اما لو مات الوليّ أو الوكيل في المجلس، ففي انتقال الخيار الى الوارث، أو الى المالك، أو سقوطه، وجوه: من انّه حقّ تركه الميّت، فلو إرثه.

و من ان ملك المالك أقوى من ملك الوارث، كما علّل العلّامة في التّذكرة على ما حكاه. و من كونه مبنىّ بالافتراق عن اجتماع على البيع، كما عرفت استظهاره من رواياته و مثله، مما لا يتركه، بل ممّا يزول بموته.

لا يقال: ان الغاية هيهنا أيضا لا محالة تكون، فان الاجتماع و الافتراق، و ان كانا بالأبدان، الّا انّ التّصرف منهما عند الإطلاق حال الحيوة، فمع موت أحد البيّعين في مجلس العقد، لم يبق من طرفيهما إلّا أحدهما، فلا اجتماع، فلا افتراق. نعم لو كان المراد ثبوته ما لم يتحقق هناك افتراق، و لو لأجل انتفاء موضوعه و طرفه، كان هذا الخيار ممّا يترك لكنّه كما ترى، خلاف ما هو ظاهر الأخبار من ثبوته للبيّعين الذين من شأنهما، الاجتماع، و الافتراق، و امتداده الى زمان الافتراق، و لا تفاوت فيها في ذلك بين ما يكون فيه حتّى يفترقا، و ما يكون فيه ما لم يفترقا، كما لا يخفى.

و بالجملة عموم أدلّة الإرث له، مشكل، و أشكل منه ما ذكره

ص: 154

العلامة- أعلى اللّه مقامه- في التّذكرة في وجه انتقال الخيار الى الموكل دون الوارث، فان كان مراده منه، ان ملك الموكّل للخيار و استحقاقه له، أقوى من ملك الوارث من باب «أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ (1)» فهو عين الدّعوى، كما ترى. و ان كان مراده غير ذلك، فهو غير بيّن و لا مبيّن. و كيف كان، فالأصل عدم الانتقال، لا الى الوارث، و لا الى المالك، و لم ينهض دليل على خلافه. و لا يخفى انه يلزم من ذلك عدم انتقاله الى الوارث مطلقا، و لو كان الميت مالكا و لا ضير في الالتزام به. و لا ينافيه اتّفاقهم ظاهرا، على انّ الخيار ممّا يورث، فإنّه فيما إذا لم يكن هناك خصوصية له، لا يكاد يترك لأجلها، فتدبّر.

قوله (قدس سره): (مضافا الى انّ أدلة الخيارات إثبات حق و سلطنة- إلخ-).

لا يخفى انّ حقّ الخيار لا تعلّق له بما انتقل عنه بالعقد، حتّى يصح دعوى انّ مفاد أدلته ما افاده- ره- بل بالعقد كما مرّت إليه الإشارة غير مرّة. و الصحيح ما أشرنا إليه من دعوى انصرافها إلى إتيانه المتعاقدين بعد الفراغ عن نفوذ فسخهما للعقد بالتّراضي، كما مرّ.

و قد انقدح بذلك، انّ وجه عدم رجوع المشترى الشاك في الانعتاق، أو وجوب الإنفاق، و الإعتاق، إلى أدلة الخيار، انّ هذه الأدلة لا تعلّق لها بما انتقل اليه، بل بالعقد، فلا دلالة لها في إثبات الخيار على جواز ردّه على البائع، فلا ينعتق، و لا يجب ان ينفق أو يعتق، و جواز فسخ العقد لا ينافي حصول الانعتاق، أو وجوب الإنفاق أو الإعتاق، غاية الأمر انّه إذا فسخ العقد، و قد أنفق أو أعتق، فعليه البدل، كما إذا انعتق، لا ما زعمه- ره- من انّ الوجه هو عدم المفروغيّة من السّلطنة على ما انتقل اليه، للشّك في السلطنة عليه حسب الفرض.


1- الأنفال: 75.

ص: 155

قوله (قدس سره): (فكلّ من سبق من أهل الطرف الواحد- إلخ-).

هذا إذا تحقّق لهم الخيار، لا بما هم اشخاص، بل بما هم بيّع، و الّا كان المقام أيضا من تقديم الفاسخ على المجيز مثل تلك المسألة، فليس التّفاوت بينهما في ذلك، لأجل انّ الغرض هيهنا في طرف واحد و هناك في طرفين، كما يظهر ممّا ذكره في بيان الفرق بين المقامين، بل لأجل انّ الخيار هيهنا للجنس، و قضيّته نفوذ اعمال السّابق من افراده، و في تلك المسألة كان الخيار لكل واحد من الطّرفين بشخصه، و لو فرض العكس بان يكون الخيار للجنس الشّامل للبيّعين، كان اعمال من سبق من الطرفين إجازة أو فسخا نافذا، كما انه إذا كان الخيار في مسئلتنا لكل واحد من افرادهما كان من مسألة تقديم الفاسخ، فافهم.

قوله (قدس سره): (اقويها الأخير- إلخ-).

و ذلك لانّ الغاية افتراق الجنسين البائع و المشترى، و ما دام كان واحد من الأصيل أو الوكيل من كل واحد مع أحدهما من الأخر في المجلس لم يفترق الجنسان، بل بعض مصاديقهما، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (لان المتيقّن من الدليل ثبوت الخيار- إلخ-).

لا يخفى انه من الواضح عدم دلالته، الّا على ذلك، لا انه المتيقن من دلالته، و لو قيل بثبوته له، فإنّما هو لأجل دعوى انّه قضية تفويض الموكّل بسبب كالصلح فالوجه في عدم ثبوته له بذلك، هو الأصل، مع ما أشرنا إليه من انه لا يقبل لان ينتقل.

قوله (قدس سره): (فالوجه في عدم ثبوته للفضوليين- إلخ-).

بل الوجه ما ذكرنا في الوكيل في البيع، و مجرد العقد عليه، لا فسخه و حله، فان الفضول لا يكون له بعد العقد فسخه، و لو برضاء الأخر، كما في الإقالة. و هذا بخلاف المالك العاقد في الصرف، و السّلف قبل القبض، فله الفسخ بعده، بل قبله، فلا يجدي معه القبض.

[مسألة لو كان العاقد واحدا لنفسه أو غيره]

قوله (قدس سره): (مندفع باستقراء سائر أحكام المتبايعين- إلخ-).

بل مندفع بعدم دليل على الاشتراط، مع إطلاق دليل الخيار لو كان،

ص: 156

و الّا لا يفيد استقراء الأحكام، فإنّه ليس بتام، مع انه ما لم يقد القطع لا يجدي مطلقا، لكنّه لا إطلاق مع جعل الغاية، الافتراق، و كونه مبنيّا على الغالب، يمنع أيضا عن شمول إطلاق المغيّى لغير الغالب، و لا يكاد يتم الإطلاق بالنّسبة إلى الغالب و غيره، مع اختصاص الغاية به، كما لا يخفى. نعم لو كان الغاية، هو الافتراق المقابل لعدمه بتقابل السّلب و الإيجاب، لا العدم و الملكة، كان الخيار ثابتا للواحد الواجد للعنوانين، كما هو ثابت للاثنين، الّا انّ الظّاهر انّه بتقابل العدم و الملكة، فتدبّر جيّدا.

قوله (قدس سره): (الّا ان يدّعى ان التّفرق غاية مختصة- إلخ-).

قد عرفت ان اختصاص الغاية بصورة يمنع عن شمول إطلاق المغيّى لغيرها، و انّما لا يمنع عن شمول الحكم لها واقعا لغيرها. و بالجملة لا يمنع عن الشمول ثبوتا لا إثباتا، فافهم.

قوله (قدس سره): (لكن الاشكال فيه- إلخ-).

لقوّة احتمال اختصاص المناط بما إذا كان هناك افتراق، كما هو قضية ظاهر الدّليل.

قوله (قدس سره): (فالظاهر بقائه الى ان يسقط- إلخ-).

و لا دليل على افتراقه عن المجلس، كما قيل، فإن الغاية هو افتراق البيّعين، لا الافتراق عن المجلس.

[مسألة قد يستثني بعض أشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار]
[منها من ينعتق على أحد المتبايعين]

قوله (قدس سره): (و المشهور، كما قيل، عدم الخيار- إلخ-).

تحقيق المقام انّ متعلّق الخيار لمّا كان هو العقد لا العوضين، و ان كان يسري إليهما أثره إذا فسخه، كان تلفهما بنفسهما أو بماليتهما، غير مناف لثبوته، فاذا عمل بدليل الخيار، و اختار الفسخ، يرجع الباقي، منهما بنفسه و التالف ببدله، الى المالك الأوّل. و انما المنافاة بين جواز التّراد، أو الرّد، كما في المعاطاة على وجه، و في الهبة، و بين تلف العين بنفسها أو بماليتها، كما لا يخفى. و ما افاده (قدس سره) بناء على القول باعتبار خروج الملك عن ملك من انتقل إليه، إلى ملك من انتقل عنه في الفسخ و لو تقديرا، من انّه لا وجه للخيار فيما نحن فيه، فإنّه يمتنع خروج المعتق عن ملك المشترى الى ملك البائع

ص: 157

و لو تقديرا، فإنه لا يترتب على ملكه له، لو قدّر سوى الانعتاق. فلا يبقى مجال للانتقال منه الى البائع، فيمتنع الخيار بامتناع شرطه فيه انّه انما يترتّب الانعتاق على ملكيّته له حقيقة، و اما الملكيّة التّقديريّة، فلا يترتّب عليها، إلّا ما لأجله تقديرها، و فيما نحن فيه يكون تقديرها لأجل الانتقال.

لا يقال: ملكية المشتري للمنعتق عليه، المعقّبة بالانعتاق، ليست بحقيقيّة، بل تقديريّة، فإنّه لو سلّم هذا فإنّما يكون تقديرها هيهنا لأجل ذا توفيقا بين ما هو قضيّة البيع من التّمليك و ما دلّ على الانعتاق به، لا انّ تقديرها مطلقا مستلزم للانعتاق.

و بالجملة لا بد في الانعتاق في البيع، من التقدير، لا أنّه يترتّب عليه لا محالة في أيّ مقام، بل لا يكاد يترتب عليه، الّا ما تدعوا الضرورة و ضيق الخناق الى التقدير لأجله، و في المقام ليس الّا تلقى الفاسخ عن المفسوخ عليه، لا الانعتاق. هذا، مع انّ تلقى الفاسخ عنه لا يتوقّف على صحة تقدير الملك و اعتباره، فيما إذا تعذّر تلقى العين بنفسها، فإنّه و ان كان التّلقي كذلك متعذرا، الّا انّه لا يتعذّر تلقى ملك العين ببدلها، فكان العين محفوظة ببدلها و بماليتها، فتنقلب بالبيع بنفسها، و رجعت بالفسخ ببدلها. و تصحيح التّلقي عن المفسوخ عليه بذلك، ليس بأقل من تصحية بالتّقدير، فان فيه اعتبار الملكيّة، و لا ملكية حقيقة، و في ذلك اعتبار بقاء العين المملوكة، و لا بقاء لها كذلك. و لا يخفى انّه لا بد في أصل العقد بالفسخ من أحد الاعتبارين، و الّا لم يكن فسخا و حلا، بل كان عقدا على حدة.

فانقدح بذلك انّه بناء على القول بانّ الفسخ لا يقتضي أزيد من ردّ العين لو كانت موجودة، و بدلها ان كانت تالفة، لا محيص عن انّ الفاسخ يتلقى الملك عن المفسوخ عليه. غايته التّلقي عليه بالبدل، و على القول الأول تقدير تلقى العين بنفسها.

فتلخص انّ شرط صحة الفسخ، و هو تلقى الفاسخ عن المفسوخ عليه تقديرا بأحد الاعتبارين، حاصل على كلّ حال، فلا يكون هناك مانع عن إعمال دليل الخيار.

ص: 158

و امّا ما افاده- ره- من انّ إقدام المتبايعين مع علمهما بالانعتاق على المشترى، أقدام على إتلاف ماليته، و الاقدام عليه كأنّه شرط سقوط الخيار في العقد، حيث انّه حق في العين، ففيه انّهما ما أقد ما الّا على نفس المعاملة الموجبة للانعتاق المحكومة بالخيار الى الافتراق و الحاصل انّ الخيار ليس من أحكام المعاملة المستتبعة للانعتاق، بل هما معا من آثار نفس ما أقدما عليه من العقد على العبد، كما هو قضيّة دليلهما، فلا بد من ترتيب كل منهما عليه إذا لم يكن بينهما تناف، و ترتيب خصوص ما كان العقد علّة تامّة له، أو لعلته التّامة دون الأخر، لو كان بينهما الشافي، و عدم ترتيب واحد منهما لو لم يكن بينهما تفاوت في النّسبة إلى العقد مع التّنافي، لاستحالة الترجيح بلا مرجّح، و لا يتفاوت فيما ذكرنا بين كون تأثير العقد في الخيار أو الانعتاق بلا واسطة أو معها، بل التفاوت انّما يكون بما أشرنا إليه، كما لا يخفى. و قد انقدح بما حقّقناه موارد النّظر فيما افاده (قدس سره) أو نقله في المقام. و عليك بالتأمل التّام في أطرف الكلام.

قوله (قدس سره): (فدفع الخيار به اولى و أهون من رفعه- إلخ-).

لا يخفى ان رفع الخيار بالإتلاف أو النّقل، انما هو لأجل أنّه الرضاء بالعقد و كاشف عن إمضائه، و أين هذا من الاقدام على عقد يترتّب شرعا عليه الخيار، و الانعتاق معا بمقتضى دليلهما، كما أشرنا إليه، فيكون كلّ منهما أثرا شرعا لما أقدما عليه، لا ما أقدما عليه خارجا، كي يكون اولى بالدّفع، مع انه مجرد اعتبار في قبال دلالة غير واحد من الاخبار (1) على ثبوت الخيار، و لعلّه أشار الى بعض ذلك بامره بالتّأمل، فتأمل.

[و منها العبد المسلم المشترى من الكافر]

قوله (قدس سره): (و ان تردد في القواعد بين استرداد العين- إلخ-).

وجه تردّده، التّردد في كون الملك مطلقا سبيلا منفيا، أو كون المنفي، هو خصوص الابتدائي، و الملك الحاصل بالفسخ، و ان كان بحسب الحقيقة ابتدائيا يتلقاه الفاسخ من المفسوخ عليه من الحين، الّا انّه اعادة الملك


1- وسائل الشيعة: 12- 345.

ص: 159

الأوّل بحسب اللّحاظ، و اعتبار انّ الفسخ هو انحلال السبب الأوّل، و ارتفاعه، و رجوع العوضين الى ما كانا عليه، كأنّه لم يكن من الأوّل شي ء في البين. و يمكن ان يكون وجه التردّد، هو ما في الفسخ من اللحاظين، فافهم.

[و منها شراء العبد نفسه بناء على جوازه]

قوله (قدس سره): (و منها شراء العبد نفسه- إلخ-).

عدم ثبوت الخيار فيه بناء على انّ البيع هو التّمليك ممّا لا ينبغي ان يرتاب فيه، و لا شبهة تعتريه، حيث انّه على هذا ليس ببيع حقيقة لعدم تعقّل تملّك الإنسان نفسه و ان كان بلفظ البيع، و اما بناء على انّه تبديل مال بمال فلا وجه لعدم ثبوته. و دعوى انصراف أدلة الخيار عنه بلا وجه بعد كونه من إفراد البيع حقيقة و ترتيب سائر أحكامه عليه بأدلتها شرعا، و لو صح دعوى الانصراف فيها، لكانت أدلتها منصرفة عنها، فلم يكن دليل عليها، الّا ما قام في خصوصه عليه دليل، فافهم. و مع الشّك في صدق البيع، فالمرجع هو أصالة اللزوم، لا إطلاق أدلة الخيار، فان التّمسك به كان من باب التّمسك بالإطلاق فيما اشتبه من المصداق.

قوله (قدس سره): (و لعلّه من جهة احتمال اعتبار قابلية العين للبقاء بعد العقد- إلخ-).

لا وجه لاعتباره بعد ما عرفت من كون الخيار متعلّقا بالعقد لا بالعين، فاندفع، الاشكال بما في جامع المقاصد، من انّ الخيار لا يسقط بالتّلف، فان غرضه بيان انّ متعلّق الخيار ليس العين، كي يكون تلفها مانعا عن ثبوت الخيار، أو دافعا له، فلا يتوجه عليه ما علّل به- ره- عدم اندفاع الاشكال به، و لعلّه أشار إليه بأمره بالتأمّل.

[مسألة لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوى البيع]

قوله (قدس سره): (الا انّ ملاحظة كلام الشيخ في المقام بقرينة- إلخ-).

و ان كان يبعده نفيه الخيار عن غير واحد ممّا يدخله الخيار، فيما إذا وقع في ضمن البيع، و كلام المبسوط لا يخلو عن تهافت، فراجع.

[القول في مسقطات الخيار]
[مسألة لا خلاف في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد]
اشارة

قوله (قدس سره): (و موافقة عمل الأصحاب لا يصير مرجحا بعد العلم- إلخ-).

فإن عملهم بعد العلم بذلك، لا يكشف عما لو ظفرنا به كما ظفروا،

ص: 160

لرجحناها به على أدلة الخيارات، فتفطّن.

قوله (قدس سره): (لأنّها مسوقة لبيان ثبوت الخيار بأصل الشرع- إلخ-).

لا يخفى انّه بمجرد كونها مسوقة لذلك لا يرتفع المعارضة من البين، بداهة تحقّقها لو دلت على ثبوته فعلا مطلقا و لو بملاحظة الطّوارى، و انّما يرتفع المعارضة لو كانت مسوقة لبيان ثبوته اقتضاء، من غير نظر الى الطّوارئ أصلا، كما هو مقتضى التوفيق بينها و بين ما دلّ على الأحكام للعناوين، الطارية عليها، بحيث لا يرتاب فيه و لا شبهة تعتريه، لو كانت ظاهرة في ثبوتها فعلا مطلق و لو مع طروها، و الّا بان لم يكن دالّا الا على ثبوتها اقتضاء، كما هو ليس ببعيد، فلا يكون أدلتها معارضة بأدلتها أصلا، كي يوفق بينهما، كما لا يخفى.

و كيف كان فالمتّبع هو أدلّة أحكام الطّوارى، و أدلة الشروط بالإضافة إلى أدلّة الخيار من هذا القبيل، فلا إشكال في لزوم اتباعها، إمّا لعدم معارضتها بها، أو توفيقا بينهما. و امّا دعوى تبادر صورة الخلو عن الاشتراط في دليل الخيار، كما سيأتي التصريح منه (قدس سره)، فمجازفة، ضرورة انه لو لم يكن دليل المشروط، لم يظن باحد ان يدعى تبادر صورة الخلو عن دليله، و لذا لو أخل بواحد من شروط نفوذها في شرط عدم الخيار يحكم بثبوته لا محالة، مع انه لو كان الدّعوى صادقة، فلا دليل على ثبوته مع شرط عدمه، و ان أخل بشرطه، فافهم.

قوله (قدس سره): (لانّ الشّرط في ضمن العقد الجائز لا يريد حكمه- إلخ-).

لا محيص عن تبعيّة مثل هذا الشرط للعقد، و ان قلنا بلزوم الشرط في ضمن العقد الجائز و نفوذه، و ان المتيقن من تخصيص أدلة الشروط، هي الشروط الابتدائية، و ذلك لعدم إمكان بقاء هذا الشرط مع انحلال العقد، كما هو واضح، و كذا الحال في كل شرط و عقد جائز كان موضوعا له، و مما يتقوم به، فتفطن.

ص: 161

قوله (قدس سره): (قد يستشكل التّمسك بدليل المشروط- إلخ-).

كما يشكل من وجه آخر و هو انّ عدم الخيار كثبوته، من الأحكام، لا من الأفعال التي تحت الاختيار، كي يصحّ شرطه، و يجب الوفاء به.

و بالجملة «المؤمنون عند شروطهم (1)» لا يوجب ان يكون الشّارط مشرعا، و انما يوجب الوفاء فيما صح له التّسبب اليه لو لا الشرط شرعا حتى يجب بشرطه الالتزام به، و ليس له جعل حكم أو نفيه لولاه بنحو، فيلزمه بشرطه، كما هو واضح.

و الجواب ان الحقيّة كالملكيّة من الاعتبارات العقلائية الّتي يتوسّل إليها بما جعل سببا لها ابتداء، أو إمضاء و منشأ لانتزاعها، و الشرط جعل شرعا من أسبابها، لعموم وجوب الوفاء بالشروط (2).

لا يقال: انّما الخيار من الحقوق لا عدمه.

لأنا نقول: إذا كان ثبوته مما صحّ له التّوسل اليه، و كان ممّا يقدر عليه، كان عدمه كذلك، إذ لا يعقل ان يكون أحد الطرفين تحت الاختيار، دون الأخر. فتفطّن.

قوله (قدس سره): (فلزومه الثّابت بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالشرط (3)، عين لزوم العقد- إلخ-).

فلا يتوقف على لزومه، فيدور. و بالجملة مجرد دليل نفوذ الشرط، كاف في الحكم بلزوم الشرط، و العقد، من غير توقف في البين بين اللزومين.

فافهم.

قوله (قدس سره): (و بعبارة أخرى، المقتضى للخيار، العقد بشرط لا- إلخ-).

و قد عرفت عدم صحته، و ان المنساق من إطلاق مثل (البيعان) هو ثبوت الخيار اقتضاء، لا بنحو العلية و الفعليّة، و لو سلّم الانسباق، فلا بد من الحمل عليه، لا العقد بشرط لا توفيقا، إذ ظهور هذه القضيّة في الطبيعة


1- مستدرك الوسائل: 2- 473.
2- مستدرك الوسائل: 2- 473.
3- مستدرك الوسائل: 2- 473.

ص: 162

لا بشرط، أقوى من ظهورها في كونها فعلية و بنحو العليّة، كما لا يخفى، فتدبر جيدا.

قوله (قدس سره): (الّا ان مجمل القول في دفع ذلك فيما نحن فيه، انا حيث علمنا- إلخ-).

بل القول الفصل في دفعه، انه إذا علم ان الحكم ثبت على نحو الفعلية و العلية التّامة بنصّ دليله أو بالقرائن المقالية، أو الحالية، أو الأمور الخارجية، يكون شرط خلافه، مخالفا للكتاب و السنة، و هو ليس ممّا لا يوجد و ان قلّ، من دون حاجة في الحكم بصحّة الشرط إلى إثبات ان خلاف الشرط ممّا يكون شرعا، فلو لم يعلم ان الخيار، كما أفاد، لقلنا بصحة الشرط جمعا، و تمام الكلام في مبحث الشرط فانتظر.

ان قلت: إذا كان لدليل الخيار، دلالة على ثبوته بنحو الفعلية و العلية مطلقا، و لو بملاحظة الطوارئ، فلا بد من العمل به لعدم معارضته بدليل الشرط، لكان استثناء الشرط المخالف للكتاب أو السنّة فيه، لوضوح انّه لا يعارضه معه، ضرورة انّه ما دلّ لأجله، الّا على وجوب الوفاء بالشرط الغير المخالف، و دليل الخيار دل على كون شرط عدمه، شرط مخالف، فلا معارضة بينهما أصلا، كي يوفق بالحمل على ثبوته بنحو الاقتضاء، فافهم.

قلت: نعم لا معارضة بينهما لمكان الاستثناء، لكن لا يبعد ان يكون مثل دليل الشرط المتعرض لحكم العناوين الطواري، بمجرده قرينة على الحمل، و ان مثل دليل الخيار اقتضائيّ.

و بالجملة دعوى ان العرف بعد ملاحظة إثبات الحكم للعناوين الثواني بأدلتها، يحكم بأنّ أدلتها متّبعة في الحكم الفعلي، لا أدلة العناوين الأوّلية، و ان كانت دالة على ثبوت الأحكام لها بنحو الفعليّة غير بعيدة. هذا لو قيل بان الاستثناء من المخصص المتّصل. و امّا لو قيل بأنه من المنفصل فلا إشكال في معارضة مثل دليل الخيار بدليل الشرط، هذا، مع انّ العمدة كون أدلة الخيار مهملة بملاحظة الطواري، كما هو الشأن في جميع أدلة الأحكام، كما عرفت.

ص: 163

قوله (قدس سره): (و اما عن الثالث، فيما عرفت من ان المتبادر من النّص- إلخ-).

قد عرفت انّ دعوى تبادره، مجازفة، و ان المتبادر هو اقتضاء البيع مطلقا للخيار، فالصواب في الجواب ان الشرط مانع عن ثبوته، مع وجود مقتضيه، لا إبطالا له، و لا إسقاطا لما لا يجب، بل معه لا يكاد يتم علّته، فعدمه بعدم العلة، إلّا بإسقاطه. فافهم.

قوله (قدس سره): (و الاحتمال الأوّل أوفق بعموم (وجوب الوفاء بالشرط (1)) الدال على وجوب ترتيب آثار الشرط، و هو عدم الفسخ- إلخ-).

لا يخفى ان الاستدلال بعموم وجوب الوفاء، لعدم نفوذ الفسخ، لا يكاد يتم الّا بوجه دائر، أو التّمسك بالعام فيما اشتبه كونه من مصاديقه، ضرورة انّه لا معنى لوجوب الوفاء بالشرط، مع انحلال البيع، و انفساخه بالفسخ، فيكون التّمسك بالعام بلا إحراز عدم تأثير الفسخ به، يكون تمسكا به في المصداق المشتبه، و معه يلزم الدور، لتوقف عدم تأثيره على شموله، و هو يتوقف على عدم تأثيره، و هو واضح. و اما منذور التصدق ففيما إذا تمكن من استرداد العين بوجه، بخيار، أو استيهاب، أو غيرهما، فلا مجال لتوهم عدم نفوذ بيعه، غايته انّه يجب عليه استرداده و التصدق به. و فيما إذا لم يتمكن من الاسترداد، فالاستدلال بعموم وجوب الوفاء لعدم صحة بيعه، يستلزم أحد المحذورين، بداهة عدم تعقل الوفاء مع صحته، فالاستدلال بعموم وجوب الوفاء على عدم صحته، مع إحراز عدم الصّحة به، يستلزم الدور، و بدونه تمسّك بالعام في المصداق المشتبه. فظهر ان الظاهر هو صحة الفسخ في المقام، و البيع في منذور التصدّق.

نعم لو نذر صدقته بنحو نذر النتيجة، فيكون بيعه فضوليا، لا ينفذ منه بلا اجازة، و لا يبعد ان يكون منذور بنذر النتيجة، هو مراد من منع عن


1- مستدرك الوسائل: 2- 473.

ص: 164

نفوذ بيعه. و من هنا ظهر الحال في شرط الاسقاط. فتدبر جيدا.

قوله (قدس سره): (بقي الكلام في انّ المشهور، ان تأثير الشرط- إلخ-).

ربما يشكل صحة شرط عدم الخيار في السابق، و لو قيل بصحة الشروط الابتدائيّة، أو كان في ضمن عقد أخر بأنّ شرط عدمه يرجع الى شرط عدم تأثير العلّة التّامة لأثرها، فان البيع مطلقا، و ان لم يكن بعلّة تامة كما عرفت، الّا انّ البيع المطلق يكون علّة تامة، و البيع حسب الفرض وقع مطلقا لا مقيدا.

و بالجملة البيع مع هذا الشرط السّابق، وقع كما إذا لم يكن شرط أصلا، كما لا يخفى. و هذا بخلاف ما إذا وقع شروطا بعدم الخيار، فشرط عدمه في خارجه، لا يوجب تفاوتا في ناحيته.

فان قلت: نعم، لكنه يستكشف بدليل الشرط أيضا ان البيع المطلق مقتضى، و ليس بعلة تامة.

قلت: انى لدليل هذا الشرط، هذا الشأن حيث لا يحدث بنفسه خصوصيّة موجبة لطرو عنوان أخر عليه، فيحكم بحكم آخر لا يقتضيه بنفسه، بل يقتضي نقضه أو ضده. و مجرد عنوان كونه ممّا شرط خارجا عدم الخيار فيه، ليس مما يلتفت إليه في عناوين الأفعال، و الّا كان باب احتمال منع ما يطرء عليه من قبيل هذا العنوان، مفتوحا من وجوه لا تعدو لا تحصى، و لا يجوز سدّه بالرجوع الى دليل ثبوت الخيار، إلّا إذا قيل بكون مقتضاه فعلّيا بملاحظة مثل الوجود المنتزعة من الأمور الخارجية، و حينئذ يقع التعارض بينه و بين دليل الشّرط، و لا شبهة في كونه أظهر. هذا مع قطع النظر عن استثناء الشرط المخالف للكتاب أو السنّة، و معه فالأمر أوضح، فتدبّر. هذا كلّه بملاحظة نفس دليل الخيار و الشرط، لكن صحيحة مالك بن عطية (1)، لا يخلو من الاشعار، بل الدلالة على نفوذ شرط عدم الخيار في الخارج، و الفرق بين موردها، و ما نحن فيه، بكون الشرط في المورد ليس سابقا على ما يوجب الخيار


1- وسائل الشيعة: 16- 95- ب 11- ح 1.

ص: 165

لولاه، بخلاف ما نحن فيه، غير فارق، بعد اشتراكهما في كون الشرط في خارج السبب، فتأمّل.

[فرع لو نذر المولى أن يعتق عبده]

قوله (قدس سره): (لم يصحّ لصحة النذر- إلخ-).

عدم صحة البيع أو الشرط بناء على انّ النذر المتعلق بالعين، يوجب عدم تسلّط النّاذر على التصرفات المنافية له، انما يكون فيما إذا لم يتمكّن من استرجاع العين باستيهاب، أو شراء، أو نحوهما و الّا فليس شرط سقوط الخيار بمناف له، كما لا يخفى. لكن قد عرفت ان الأقوى ان النّذر لا يوجب ذلك، و كذلك الشرط.

[مسألة و من المسقطات إسقاط هذا الخيار بعد العقد]
اشارة

قوله (قدس سره): (فحوى ما سيجي ء من النص الدال- إلخ-).

لا يخفى إمكان منع الفحوى، فإن السلطنة على اعمال الخيار بإيجاب كفسخه، لا يستلزم السلطنة على أصل الخيار بإسقاطه و إبقائه بوجه، فضلا عن الفحوى، كما انّ تسلّط المالك على الملك، غير مستلزم لتسلطه على الملكيّة بحيث يتمكن من رفع اليد عنها و الاعراض عن الملك على القول بتأثيره، انما هو من أنحاء السلطنة على نفس الملك لا الملكيّة، و يكون حاله حال الأسباب النّاقلة، و لو سلم انه من باب السلطنة على الملكيّة، فإنّما هو بدليل على حدة، لا بفحوى دليل السلطنة على المال (1)، و لذا كان محلّ الخلاف و الاشكال.

لا يقال: دلالة الإسقاط على الرضاء بالبيع، أقوى من دلالة التصرف عليه، و قد علل الامام (عليه السلام) سقوط الخيار بأنّه الرّضاء (2).

فإنه يقال: انما الكلام في سقوط الخيار بالإسقاط بنفسه، لا بما هو كاشف عن اعمال الخيار بالرضا بالبيع، و إقراره، و الّا لم يكن بمسقط على حدة، فضلا عن كونه هو المسقط الحقيقي، كما افاده قدس سره.

و بالجملة، الكلام انما يكون في انّ حقّ الخيار، أو غيره من الحقوق هل


1- بحار الأنوار: 2- 272.
2- وسائل الشيعة: 12- 351- ب 4- ح 1.

ص: 166

يسقط بالإسقاط أو لا، كما هو الحال في الأحكام، فتفطّن.

قوله (قدس سره): (و لعله لفحوى تسلّط الناس على أموالهم (1)- إلخ-).

لا يخفى انّ تسلط الناس على أعيان الأموال ليس إلّا لأجل علاقة الملكية و اختصاصها الخاص بهم، و ليس بين الأشخاص و حقوقهم اختصاص أصلا، فضلا عن ان يكون أقوى من ذاك الاختصاص، كي دلّ دليل التسلط على الأموال، على التسلّط على الحقوق بالفحوى، و انّما يكون الحق نفسه، هو اعتبار خاص بين ذي الحق و متعلّقه، و يكون بإزاء الملكية لا الملك، بل لو كان دليل على حدة على تسلّط النّاس على حقوقهم، لم يكن بدال على تسلّطهم على إسقاطها لما مرّ منّا انّ مثل دليل السلطنة، ليس في مقام تشريع السبب و لا المسبب من التّصرفات، بل انما يكون في مقام إثبات السلطنة للمالك على ما ثبت جوازه و نفوذه من التّصرفات و أسبابها، قبالا لحجره، و لعل وجه القاعدة كون الحق عند العقلاء، اعتبارا خاصا يسقط بإسقاط صاحبه، و لذا صارت مسلّمة، ضرورة انّه لو كان الوجه ما ذكره من الفحوى، لما كانت بهذا التّسالم، كما لا يخفى.

و قد انقدح بذلك ما في استدلاله (قدس سره) بالفحوى المتقدّمة على سقوط الخيار بكل لفظ يدلّ عليه بإحدى الدلالات العرفية، و لا يخفى ما في استدلاله عليه بفحوى ما دلّ على كفاية بعض الأفعال في إجازة عقد الفضوليّ من منع الملازمة أصلا، فضلا عن الفحوى، لوضوح تحقّق ما هو الصغرى لما هو الكبرى في الفضولي من صيرورة العقد للمالك و بطيبة بذلك، و عدم لزومه تحقق السقوط بكل لفظ، كما لا يخفى، و كذا ما في استدلاله عليه بصدق الإسقاط النافذ، يقتضي ما تقدّم من التّسلط على إسقاط الحقوق، من انّه عرفت ان نفوذ الاسقاط بمقتضى تسلّط الناس على الأموال، لو سلّم لا يقتضي تحقّقه بأيّ لفظ كان، و ليس هناك لفظ إسقاط، كي يدعي صدقه على الاسقاط بكل ما يدل عليه من الألفاظ. نعم لا يبعد


1- بحار الأنوار: 2- 272.

ص: 167

دعوى القطع بتحققه كذلك بعد الفراغ عن نفوذه. فافهم.

[مسألة لو قال أحدهما لصاحبه اختر]

قوله (قدس سره): (و ان اختار الإمضاء ففي سقوط خيار الأمر خياره- إلخ-).

لا يخفى ان النزاع على بعض الأقوال يكون صغرويا، و على بعضها يكون كبرويا، فلو كان النزاع في انّ هذا الأمر يكون غاية تعبّدا لهذا الخيار، كما في بعض الاخبار من غير نظر الى دلالته، فالمختار انه لا يكون غاية بنفسه، لعدم دليل عليه الّا ذاك البعض من الأخبار، و هو ليس من طرقنا، و لو كان النّزاع في انّه يكون دالا على إمضائه و إيجابه البيع، فالظاهر انه يختلف حسب اختلاف الحالات و المقالات، ضرورة انه لا دلالة له بنفسه على ذلك، و المرجع مع الشك، هو أصالة بقاء الخيار.

قوله (قدس سره): (و منه انّه لو أجاز أحدهما و فسخ الأخر- إلخ-).

هذا لو كان الخيار بمعنى ملك فسخ العقد و عدمه، أو كان بمعنى ملك فسخه و أجازته، لكن من خصوص ذي الخيار بان يكون إجازته، موجبة للزوم العقد من طرفه، كما إذا لم يكن له خيار، لا من الطرفين، كما إذا لم يكن خيار في البين، و الّا كان بين اجازة أحدهما، و فسخ الأخر تعارض، لو كانا في زمان واحد، و ينفذ المقدم منهما لو كانا في زمانين. و مجمل الكلام انّه لو لم يكن إجماع في المقام، لا يبعد دعوى انّ قضيّة إطلاق دليل الخيار للبيّعين، هو ثبوته لكلّ منهما، كثبوته للأجنبي في كون ولاية إمضاء العقد مطلقا و فسخه لكلّ منهما، كما كان له كذلك، كما لا يخفى. اللهم الّا ان يقال: وضوح كون جعل الخيار لهما للإرفاق، يأبى إلّا عن كونه بمعنى نفوذ أجازته من طرفه و فسخه. فافهم.

[مسألة و من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين]
اشارة

قوله (قدس سره): (و لا إشكال في سقوط الخيار به و لا في عدم اعتبار ظهوره في رضاهما بالبيع- إلخ-).

هذا ينافي ما يأتي من اعتبار الرّضاء بالبيع و دعوته ان المتبادر من الافتراق ما كان عن رضي بالعقد، كما لا يخفى.

ص: 168

قوله (قدس سره): (فاذا حصل الافتراق الإضافي و لو بمسّماه ارتفع الخيار، فلا يعتبر الخطوة- إلخ-).

قضيّة إطلاق الافتراق عدم ارتفاع الخيار ما لم يحصل الافتراق المطلق و بقائه ما دام صدق الاجتماع، بالجملة، فمقتضى الإطلاق كون الغاية للخيار هو الافتراق المطلق، لا مطلق الافتراق، كي يرتفع بالاضافى، و لو بمسمّاه، فلا تكفي الخطوة و الخطوتان، بل لا بدّ ممّا يصدق معه، انّهما افترقا بقول مطلق. و لعله وجه انّه مشى (عليه السلام) خطأ و لم يقتصر على خطوة و لا خطوتين (1) فافهم. اللهم الّا ان يدعى قيام الإجماع على كفاية الخطوة، و هو كما قوى.

قوله (قدس سره): (فذات الافتراق من المتحرك و اتصافها بكونها افتراقا من السّاكن- إلخ-).

لا يتّصف الحركة بالافتراق، كالسكون أصلا، و انّما هما معا سبب واحد بحصوله لكل من الساكن و المتحرك بنحو حصوله للآخر، بلا تفاوت، كما لا يخفى. و بالجملة الافتراق القائم بالاثنين كما يحصل بحركة كل الى جانب أخر يحصل بحركة أحدهما، و سكون الأخر من غير فرق بين الصورتين في عدم اتّصاف الحركة به، بل انما كان حصوله لهما بدخلهما، فتطفن.

قوله (قدس سره): (و منه يظهر انّه لا وجه للاستدلال بحديث رفع الحكم عن المكره (2) للاعتراف بدخول المكره- إلخ-).

يمكن ان يقال، ان الاعتراف بذلك لا يمنع عن الاستدلال بحديث الرّفع في غير هذه الصورة، إذ لعلّ وجه الاعتراف حسبان أظهرية أدلة قابلية الاقتران في شمول هذه الصورة من دليل الرفع، و الّا فلا وجه للذهاب الى عدم سقوط الخيار في غير الصورة، مع إطلاق ما دلّ على سقوطه بالافتراق من


1- وسائل الشيعة: 12- 347- ب 2.
2- وسائل الشيعة: 11- 295- ح 1.

ص: 169

اخبار الباب. امّا صحيحة فضيل (1)، فلا وجه للاستدلال بها، لإجمالها لو لم نقل بظهورها في كون الافتراق بالرّضا، كما هو قضية دليل الرّفع، مع احتمال ان يكون المراد بعد الرضا بالعقد بذاك الرضاء المعتبر في صحته، فيكون على وفق سائر أخبار الباب، بلا دلالة على التقييد، مع انّه بنحو التفريع على الغاية مع إطلاقها بعيد بلا نهاية.

و دعوى تبادر كون التّفرق عن الرّضاء بالعقد، مجازفة، بعد القطع بشمول الإطلاق للافتراق إذا كان بالاختيار بلا كره و لا إجبار، و لو كان مع الغفلة عن البيع أو عن الخيار.

و دعوى خروجه عن الإطلاق و الحاقة بالإجماع، كما ترى. و ما ادّعاه من تحقق الشهرة، غير محقّق لنا، بل يظهر من الجواهر، انّ القول بسقط الافتراق عن الاعتبار بالإكراه بعد كره، حيث نسب اعتبار عدم التّمكن من التخاير إلى جماعة، فراجع. فالأولى الاستدلال بحديث الرفع، فان تمّ ما أشرنا إليه، من أظهريّة الأخبار منه في شمولها، لصورة التمكن من التّخاير، و الّا فقضيّته عدم الاعتبار بالافتراق عن إكراه مطلقا و لو في هذه الصورة.

فتدبّر جيدا.

[مسألة لو أكره أحدهما على التفرق و منع عن التخاير]
اشارة

قوله (قدس سره): (و مبني الأقوال على ان افتراقهما المجعول غاية لخيارهما هل يتوقف- إلخ-).

لا يخفى ان مبني الخلاف، هو الاختلاف في الانظار فيما يستظهر من الاخبار، و الظّاهر منها انّ افتراق البيّعين جعل غاية لخيار كل منهما، و حيث انّه قائم بالاثنين، فلا بد من كونه برضا منهما، لما عرفت من تقييده بدليل الإكراه، فلا يكفى رضاء أحدهما مع إكراه الأخر في سقوط خياره، فضلا عن سقوط خيارهما، لا افتراق كل منهما غاية لخياره، كي يكفى رضاه به في سقوطه، و لا ينافي ذلك إطلاق ما يستفاد من الرّواية الحاكية لفعل الامام (2) (عليه السلام)


1- وسائل الشيعة: 12- 346- ح 3.
2- وسائل الشيعة: 12- 347- ب 2.

ص: 170

فان قضيّته ليست إلّا سقوط الخيار في صورة حصول الافتراق بحركة أحدهما برضاه، عدم مصاحبته الأخر بلا إكراه و لا اضطرار، حيث لا يكون الافتراق القائم بها بإكراه منه.

ان قلت: نعم، لكنه كان على حين غفلة منه.

قلت: نعم، لكنّه غير مرفوع بحديث الرّفع، فإنّه ليس أحد التّسعة المرفوعة، و منه قد انقدح وجه سقوط الخيار فيما فارق أحدهما في حال نوم الأخر، أو غفلته.

و بالجملة قضيّة إطلاق الأخبار، و حديث الرّفع، هو سقوط خيارهما فيما إذا حصل الافتراق بينهما، لا بكره و اضطرار من أحدهما اليه، و لو كان على حين غفلتهما، أو غفلة أحدهما، و لو كان المراد من بعد الرضاء في صحيح الفضيل (1)، بعد الرّضاء بالافتراق، كان بالمعنى المقابل للإكراه و الاضطرار، و ان أبيت إلّا عن كونه بمعنى الطّيب، فيكفي منه ما هو لازم عدم المواظبة و عدم المبالات بالمفارقة قبل التخاير، و لا دليل على اعتبار أزيد منه، مع ما عرفت من منع ظهور الصحيح في التّقييد، فتأمل جيّدا. ثم انّه و ان كان لا يبعد مساعدة الاعتبار على بقاء خيار المكره منهما، دون المختار، حيث كان الخيار لكل منهما على حدة، فينبغي ان يكون الغاية لخياره، افتراقه باختياره، الّا انّ ظاهر الأخبار، كما أشرنا إليه، كون افتراقهما غاية لما لهما من الخيار.

فافهم.

[مسألة لو زال الإكراه]

قوله (قدس سره): (فالنّص ساكت عن غاية هذا الخيار- إلخ-).

ربّما يقال بأن الغاية تحصل بزوال الإكراه، حيث يلحق بالافتراق، الرضاء، حيث انّها ليست الّا الافتراق المقيّد بالرّضاء، لكنّه ليس كذلك، فان الظاهر الاخبار، كون الغاية لهذا الخيار، و هو حدوث الافتراق، و بعد ضمّ ما دلّ على اعتبار الرّضاء و الاختيار، يصير الغاية، هو حدوثه كذلك، لا مجرّد حصوله، و لو ببقائه، و عليه يمتنع تحقق ما هو الغاية بعد حدوثه بالكره.


1- وسائل الشيعة: 12- 346- ب 1- ح 3.

ص: 171

فافهم.

قوله (قدس سره): (و لعله لأنه المقدار الثابت يقينا- إلخ-).

لا يخفى كون هذا المقدار متيقنا لا يمنع عن القول بالتّراخي، لاستصحاب الخيار، و انما المانع عنه كون المتيقن عدم بقائه، فلا وجه لجعله وجها للقول بالفور، و انما يكون وجها له فيما صحّ فيه الرجوع الى مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) مع الشك، و معه لا يبقى مجال للاستصحاب. و بالجملة ما كان من الخيارات متّصلا بالعقد و شك في غايته، فلا بد من الاقتصار على المتيقن و الرجوع الى مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، و ما لم يكن متصلا بها، فلا بد من استصحاب الخيار، لا الرجوع اليه، كما نشير الى وجهه فيما يأتي، فانتظر.

[الثاني خيار الحيوان]

اشارة

قوله (قدس سره): (و في منتهى خياره مع عدم بقائه إلى الثلاثة وجوه- إلخ-).

(أحدها) إلى الثلاثة. (ثانيها) الى زمان بقائها. (ثالثها) الوجهان في كل خيار لم يظهر حاله من الأوّل. و لا يخفى انّ الأقوى هو الأوّل، و لا منافات بين عدم البقاء لها إلى الثلاثة، و بقاء خيارها إليها و الرجوع الى «أَوْفُوا» انما يكون مع الشّك و عدم دليل على بقائه، و إطلاق ما دلّ على الامتداد إلى الثلاثة، دليل عليه. فتفطن.

قوله (قدس سره): (و لعله الأقوى- إلخ-).

كيف ذا، مع الاعتراف بان المتراءى من النص و الفتوى، هو الثاني، و الحكمة في الخيار لا يضرّ عدم جريانها فيه، مع انّها ليست الّا الإفارق بصاحب الحيوان، و هو جار في الكلّي. غاية الأمر انّها في المعيّن يكون أقوى. فافهم.

[مسألة المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري]

قوله (قدس سره): (و يثبت الباقي بعدم القول بالفصل- إلخ-).

بل بنفس مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» من دون حاجة الى عدم القول بالفصل بناء على ما حققناه و أشرنا إليه عن قريب، من انّه المرجع فيما إذا


1- المائدة: 1.

ص: 172

كان الشّك في مقدار استمرار الخيار المتصل بالعقد، لا استصحاب حكم المخصّص، و انّما يكون هو المرجع فيما إذا كان الشّك في مقدار الخيار المنفصل عنه، كما ربما يأتي الإشارة إلى وجهه.

قوله (قدس سره): (و هي أرجح بحسب السند من صحيحة ابن رئاب (1)- إلخ-).

لا يخفى انّ هذه الصحيحة (2) و ان كانت أرجح لأرجحية راويها، و كونها في الكتب الأربعة، الّا انّ صحيحة ابن رئاب أرجح منها من جهة موافقتها لغير واحد من الصّحاح و غيرها، و ليس بينها فرق إلا في الدّلالة على الاختصاص بالظّهور و النّصوصيّة، و هو غير فارق في حصول الوثوق بصدور مضمونه، و من جهة موافقتها للمشهور بحسب الفتوى. و بالجملة لو لم تكن هذه الصحيحة أرجح لذلك، فلا أقلّ من التّساوي. و معه لا بدّ من التّوفيق بينهما.

و لا يأبى صحيحة ابن مسلم عن الحمل على ما إذا كان العوضان حيوانين، و لعلّ النكتة لتعرّضه (عليه السلام) بخصوص هذه الصورة، هي بيان ان كلا المتبايعين يمكن ان يكونا بالخيارين. فافهم.

قوله (قدس سره): (مع ان المرجع بعد التكافوء، عموم أدلّة لزوم العقد بالافتراق- إلخ-).

و كذا ما دلّ على لزومه مطلقا بناء على ما أشرنا إليه، من انه المرجع، لا استصحاب حكم المخصص، و لكن لا يخفى انّ ذلك فيما إذا لم نقل بالتّخيير مع التّكافؤ، بل بالتساقط، و الّا فلا بد من اختيار أحد الخبرين و العمل على طبقه، كما هو المختار فيما إذا تكافئا، حسبما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (لأن الغلبة قد يكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها- إلخ-).

و ذلك لان بعض مراتب الغلبة، ربما يصير داعيا الى التّعبير على


1- وسائل الشيعة: 12- 350- ب 4- ح 1.
2- وسائل الشيعة: 12- 349- ب 3- ح 3.

ص: 173

وفقه، كما في «رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ» (1) و لا يكاد يكون موجبا لكون الأفراد الغالبة، قدرا متيقّنا في مقام التّخاطب بالمطلق المسوق في مقام البيان، و بدون ذلك لا يوجب تنزيله عليها، كما هو واضح.

قوله (قدس سره): (من جهة قوة انصرافه إلى المشتري- إلخ-).

لا قوّة فيه أصلا بعد تعارف ما إذا كان كل من العوضين حيوانا، كما لا يخفى، مع ما عرفت من انّه قضيّة التّوفيق بين صحيحة محمد بن مسلم، و بين الصحاح، فلا يبعد المصير اليه، فتدبّر جيّدا.

[مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد]

قوله (قدس سره): (و العقد لم يثبت قبل التّفرق- إلخ-).

لا يخفى انه لا مجال لان يقال بالعكس، و ان العقد لم يثبت قبل الثلاثة، فإنّه عليه يلزم ان يكون خيار المجلس كاللّغو، و اختصاصه بالنّادر، و هو ما إذا لم يفترقا الى انقضاء الثّلاثة، أو سقط خيار الحيوان بالشرط، أو بالإسقاط قبل الافتراق. ثم ان مراد الشيخ (قدس سره) من ثبوت العقد، ثبوته من قبل، غير هذا الخيار، فلا ينافيه عدم الثّبوت النّاشى من قبله.

قوله (قدس سره): (و ان اتحدا فكذلك- إلخ-).

أي لا بأس بالتّعدد بحسب السبب لا المسبّب امّا لأنّ الأسباب معرّفات، و إمّا لأنّها مؤثرات غير مستقلّة بالتّأثير في صورة التّوارد، لاستحالة تأثير كلّ على الاستقلال، و كذا أحدها، لبطلان التّرجيح بلا مرجّح، فلا محيص عن كونها بجملتها مؤثّرة، و علّة تامّة واحدة لواحد، و ذلك لامتناع اجتماع فردين من حقّ لأحد، فإنّه و ان كان من الاعتبارات و الإضافات، الّا انّه من الاعتبارات الصحيحة، و الإضافات النّفس الأمريّة، و تشخصّها كسائر المقولات، انّما يكون بالموضوع، فلا يعقل تعدّدها مع وحدته، لكنّه ربّما يشكل هذا، بأنّ قضيّة انه لو أسقط خياره من جهة سقط خياره رأسا، فإنّه لم يكن له الّا خيار واحد و ان تعدّد سببه.

اللّهم الّا ان يدّعى انّ له إسقاط ما لأحد الأسباب من الدّخل،


1- النساء: 23.

ص: 174

فيستقلّ الباقي في التأثير في البقاء، فكما كان له ذلك من الأوّل باشتراط سقوط أحد الخيارين، فيكون السبب الأخر علة تامّة لحدوثه، كان له ذلك بالنّسبة إلى البقاء بإسقاط أحدهما، فيبقى الخيار مستندا إلى الأخر، الّا انّ الثّابت هو انّ لذي الخيار إسقاطه بنفسه، لا إسقاط سببه و جهته مع بقائه، و الاتّفاق عليه لو كان، لا يكاد يكشف في مثله، لاحتمال تخيّل بعضهم تعدد الخيارات بحسب الحقيقة، أو إمكان اجتماع الفردين، و عدم الالتفات الى استحالته، و امتناع اجتماع فردين من مقولة من المقولات في واحد، و لو كانت من الإضافات، و الاعتبارات، كما عرفت.

[مسألة يسقط هذا الخيار بأمور]
[أحدها اشتراط سقوطه في العقد]

قوله (قدس سره): (و لو شرط سقوط بعضه، فقد صرّح بعض بالصحة- إلخ-).

لا بأس به إذا شرط سقوط شي ء من أوّله أو آخره، و اما سقوط شي ء من وسطه بحيث يبقى طرفاه، فلا يكاد يكون إلّا إذا كان الخيار بحسب امتداده حقوقا متعدّدة، لا حقا واحدا، و اضافة خاصة مستمرة، كالملكية، و الزّوجية، و الّا فلا بدّ من سقوطه بتمامه، بسقوط وسطه، ضرورة انّه إذا تخلّل العدم مثلا بإسقاطه في اليوم الثاني، لا موجب له في اليوم الثالث، فان ما أوجبه العقد من شخص الخيار، قد انعدم، و الخيار في الثالث لو وجد لكان شخصا أخر، لا ما كان بالعقد، و انعدم بالإسقاط، لاستحالة إعادة المعدوم، مع انّه على تقدر إمكانه محتاج الى المعيد، و لا دليل على كون العقد بمعيد، كما لا دليل على كونه موجبا لخيار، فلا تغفل.

[و الثالث التصرف]

قوله (قدس سره): (هو في غاية الإشكال، لعدم تبادر ما يعمّ ذلك من لفظ الحدث و عدم دلالة ذلك على الرضاء- إلخ-).

مع انّ ظاهر الاخبار، انّها ليست بصدد جعل الحدث، رضا بالبيع تعبّدا، كما انّ ظاهرها انّ الرّضاء المستكشف بالحدث الذي أحدثه، ليس الّا ما هو أحد طرفي التّخاير، لا أمر أخر، جعل تعبّدا مسقطا للخيار، و ذلك لانّه ليس الّا الرّضاء بالعمل على طبق العقد، و ترتيب الأثر على وفقه، و من الواضح انّ مثل التّقبيل و اللّمس، إذا لم يكن عن غفلة و اختيار، كما هو كذلك

ص: 175

يكون مرادا في الأخبار ظاهرا ملازم عادة لهذا الرضاء، فلا محالة يكون كاشفا عنه، و حمله عليه انّما يكون لأجل ذلك، لما بين الكاشف، و ما هو كاشف عنه نحو من الاتّحاد.

و بالجملة، دعوى ظهور الاخبار في كون الرّضاء، هو أحد طرفي التّخاير، كدعوى كون مثل التّقبيل فيما إذا لم يكن هناك غفلة أو اختيارا، ملازما عادة للرضاء بالعقد، ليست بمجازفة، ضرورة أنّ سياقها آب عن كونها بصدد جعل شي ء مسقطا للخيار، على خلاف ما هو قضيّة التّخاير، لولاه، أو جعل شي ء أمارة تعبّدية على تحقّق ما لا يبقى معه الخيار على وفقه لو كان، فلا بد فيما لا يلازم الرّضاء بهذا المعنى من الحكم ببقاء الخيار.

و من هنا يظهر انّ النّظر إلى الجارية إذا كان للاختيار، و لو كان الى ما يجوز النّظر اليه لغير السيّد، ليس بمسقط للخيار، و لا يعمّه إطلاق الحدث في الاخبار، لما عرفت من الانسباق الى ما إذا كان الأحداث لا للاختبار، و لا مع الغفلة عن العقد. ثم لا يخفى انّه لا يبعد دعوى انسباق هذا من إطلاق سائر الاخبار، و انّها انّما تكون بصدد بيان انّ التّصرف فيما إذا كان من جهة العمل على وفق العقد يكون مسقطا من جهة انّه التزم بالعقد و رضاء به، كما صرّح به في صحيحة ابن رئاب، و حيث قد عرفت ان هذه الصحيحة، ظاهرة في ان الرّضاء بالمعنى المتقدم لما كان أخذا بالخيار، كان مسقطا له، لا أنّه مسقط تعبدا، ظهر انّه لا مجال لتوّهم انّ مجرد الرضاء بالعقد، و العمل على طبقة في الجملة، لا يكون أحد طرفي التخاير ما لم يكن رضا و التزاما به مطلقا، و انه يكفى فيه، و في سقوط الخيار به، فتدبّر جيّدا.

قوله (قدس سره): (الّا انّ المستفاد من تتبع الفتاوي، الإجماع على عدم اناطة الحكم- إلخ-).

لو سلّم اتفاق فتاويهم على ذلك لكان تحصيل الإجماع منه ممنوعا، لوضوح ان منشئه، ليس الّا ما استظهروا من هذه الاخبار.

ان قلت: نعم، و لكن اتفاقهم يكشف عن الظّفر باحتفافها بما يكون معها ظاهرة فيما اتّفقوا عليه.

ص: 176

قلت: ليس ظهورها في خلاف ما صاروا إليه بمثابة لا يكون مصيرهم اليه، الّا بذلك، و بدون ذلك لا يكشف عنه، كما لا يخفى. هذا، مع انّ الظّاهر من الرّضاء في كلمات اصحبانا الأخيار كما في الأخبار، هو الرّضاء الفعلي، لا النّوعي، ضرورة انّه ليس بالرّضاء، فلا وجه لتعيّن المعنى الثالث، بل المتيّقن هو المعنى الرّابع، و عليه فالمدار على الرضاء الفعلي، و ان لم يكن تصرّفه بكاشف نوعا، فيكون امرا لجارية بغلق الباب و نحوه، من جهة الرّضاء بالشراء، و انّها ملكه مسقطا، و ليس النّظر الى ما لا يجوز النّظر اليه منها، الّا لمالكها إذا كان للاختيار، أو الغفلة بمسقط واقعا. و ربما يوفق بذلك بين كلمات الأعلام في المقام، فتأمّل.

[الثالث خيار الشرط]

[مسألة لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا عنه]

قوله (قدس سره): (لصيرورة المعاملة بذلك غررية- إلخ-).

لأنّها مقيّدة بشرطه، فيوجب جهالته الغرر فيها. نعم لو لم يكن مقيّدة به، بل كان الشرط في ضمنها من دون ان يكون قيدا لها، لا يكون جهالته موجبة له، و لعلّ الاستدلال بان اشتراط المدّة المجهولة مخالف الكتاب و السنّة، لأنه غرر ناظر الى ذلك، فلا يرد عليه ما أورده عليه، و ان كان يرد عليه ان جهالته حينئذ، لا يوجب الغرر في المعاملة أصلا، كما لا يخفى، و يكون شرط الخيار فيه في ضمنه، كشرط الخيار فيه في ضمن عقد أخر.

فتدبّر.

[مسألة لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة و بين عدم ذكر المدّة أصلا]

قوله (قدس سره): (و بين عدم ذكر المدّة أصلا كان يقول بعتك- إلخ-).

هذا، مع إرادة مدة معينة واقعا، أو غير معينّة. و امّا إذا كان المراد ثبوت الخيار في العقد بلا غاية و مطلقا، بان يكون العقد بالشرط عقدا جائزا مطلقا الى ان يسقط الخيار بأحد المسقطات، فالمنع عن كون ذلك غرريا، مجال واسع، ضرورة انّه لا خطر فيما أقدما عليه من العقد الخياري كذلك أصلا، كما لا يخفى.

[مسألة يصح جعل الخيار لأجنبي]

قوله (قدس سره): (فان اختلفوا في الفسخ و الإجازة قدم الفاسخ- إلخ-).

هذا مبنىّ على ان يكون الخيار ملك الفسخ. و اما بناء على ان يكون

ص: 177

ملك الفسخ و الإمضاء، فلا يقدم الّا ما تقدم، و يكون مرجع الإجازة إلى إنفاذ العقد و إمضائه، لا إلى إسقاط خيار المجيز.

لا يقال: مرجعه حينئذ و لو كان الى إمضاء العقد و إنفاذه، الّا انّه من طرفه، فيصير لازما من جانبه، كما إذا لم يكن له خيار لا من الأخر، كما إذا لم يكن خيار أصلا.

لأنّا نقول: اجازة العقد، انّما يكون إمضائه من طرف المجيز فيما كان الخيار للمتعاقدين شرعا، أو بجعلهما شرطا، فان الظّاهر من إطلاق دليل الخيار، أو شرطه هو ذلك، بخلاف ما إذا جعل بالشرط للاجنبيّين، فان الظاهر هو جعل ولاية فسخ العقد، و إمضائه مطلقا لكل منهما و بالجملة، المتبع في إمضائه مطلقا، أو الإمضاء من خصوص طرفه هو الشرط مطلقا، الّا انّ الظاهر من الإطلاق فيما إذا جعل الخيار للمتعاقدين، هو اختيار كل منهما للفسخ و الإمضاء من طرفه، بخلاف ما إذا جعل للاجنبيّين، فان الظاهر منه اختيار الفسخ و الإمضاء المطلق فتأمّل، و لكن من الممكن جعل خلاف ما هو قضية الإطلاق و الدلالة عليه. فافهم.

[مسألة من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع و يقال له بيع الخيار]
[الأوّل إن اعتبار رد الثمن في هذا الخيار يتصور على وجوه]

قوله (قدس سره): (عدا الرابع فان فيه إشكالا- إلخ-).

و عدا الأوّل فإن فيه أيضا اشكالا من جهة انّ تحديد مبدء الخيار بالرّد موجب لجهالة مدّة الخيار، كما يأتي في كلامه- ره-، لكن لا وجه للإشكال من جهة واحد منهما. اما الإشكال في الرّابع فلأنّ نفس الشرط من الأسباب، كما هو قضيّة دليله. و احتمال ان يكون الانفساخ مما لا بد فيه، من سبب خاص كالزّوجيّة، مدفوع بعموم دليله.

(و توّهم) انّه لا مجال للرجوع اليه بعد تخصيصه بما خالف السنّة، مع احتمال كونه على خلافها، و ليس الّا من باب الرّجوع الى العموم، في الشبهات المصداقيّة. (مندفع) بانّ ذلك فيما لو لم يكن في البين استصحاب عدم كون هذا الشرط مما لم يرد على خلافه السنّة، فان إحراز هذا بالاستصحاب يكفي، فإنّه مما بقي تحت العموم، فتأمل جيدا.

ص: 178

و امّا الإشكال في الأوّل، فلأنّ الجهالة في مدّة الخيار، لا ضرر فيه، الّا من جهة الغرر، و لا غرر أصلا فيما إذا كان منشأ الخيار في المدّة المعيّنة بيده، بحيث يكون له في أيّ جزء منها شاء احداثه و إنشائه، كما لا يخفى.

[الأمر الثاني الثمن المشروط رده إمّا أن يكون في الذمة و إمّا أن يكون معينا]

قوله (قدس سره): (و يحتمل العدم بناء على اشتراط الرّد بمنزلة اشتراط القبض- إلخ-).

حيث لا يكاد يكون ردّ بلا قبض، ففي صورة عدم القبض، لا خيار حيث لا ردّ، لكن لا يخفى ان هذا التّرديد و الاحتمال، انما هو لأجل عدم إحراز ما هو الشّرط، و انّه جعل الخيار بشرط الرّد مطلقا، أو بشرط القبض، و لا اشكال مع إحراز ما هو الشرط في الحكم أصلا، و مع عدم الإحراز، فلا بدّ من الاقتصار على المتيقن من الخيار بعد الرّد، فافهم.

قوله (قدس سره): (على اشكال في الأخير من حيث اقتضاء- إلخ-).

إنّما الإشكال فيما إذا كان الشرط منحلا الى شرط الخيار بردّ ما يعمّ البدل، و شرط تملك المبيع بعوض البدل فيما إذا ردّه مع التّمكن من العين، و اما إذا لم يكن هناك الّا شرط واحد، و هو الخيار بالرّد، و لو في هذه الصورة.

فلا إشكال في تحقق الخيار بردّ البدل، و لو مع بقاء العين، و ان كان قضيّة الفسخ حينئذ ارتجاع العين، بل لا اشكال على تقدير الانحلال الى شرطين أيضا، الّا ان يكون الاشكال من جهة عدم إحراز ذلك الانحلال، فتأمل جيّدا.

[الأمر الثالث لا يكفي مجرد الرد في الفسخ]

قوله (قدس سره): (و لعلّ منشأ الظهور انّ هذا القسم- إلخ-).

لا ريب في انّه لا يكفى مجرّد الرد في الفسخ على الوجهين الأوّلين، لتأخر نفوذ فسخه و سلطنته عليه من الرّد بمرتبة أو مرتبتين، فكيف يصير فسخا، و لو علم انّه قصده به، و كذا على الوجه الأخير، لعدم سلطنته على الفسخ مطلقا، كما لا ريب في حصول الفسخ أو الانفساخ على الوجهين الأخيرين. و من هنا ظهر انّ عدم كفايته في الفسخ، انّما يكون لأجل عدم السلطنة على الفسخ ما لم يتحقّق، لا لأجل عدم دلالته عليه.

فانقدح بذلك ما في التعليل بعدم الدلالة، و فيما أورده عليه (ره) بعد

ص: 179

تحسينه، مع عدم الدّلالة بقوله (ره) «و امّا لو فرض الدّلالة عرفا- الى قوله- فلا وجه لعدم الكفاية حينئذ- إلخ-»، لما عرفت من انّ الوجه فيه، عدم السلطنة على الفسخ بعد، لا عدم الدلالة، فلا ينافي اعترافهم بتحقّقه بما هو أخفى، و ذهابهم الى عدم الكفاية، كما لا يخفى.

[الأمر الرابع يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد]

قوله (قدس سره): (بل و على الوجه الأوّل بناء على ان تحقق السبب، و هو العقد كاف- إلخ-).

في كفايته اشكال، حيث انّه لا دليل على الاسقاط، مع انّه خلاف الأصل، و الثابت انّما هو إسقاط نفس الحقّ لا سببه. و كون سببه بيده، لا يقتضي أزيد من انّه يكون مختارا في إيجاده و عدمه، لا مختارا في تأثيره، كي لا يؤثر إذا أسقطه، فافهم.

قوله (قدس سره): (و لو ظهر معيبا كفى في الرّد و الاستبدال- إلخ-).

لا يكفي إلّا إذا كان هناك تصريح أو إطلاق يعمّه، و مجرّد الإطلاق غير كاف لانصرافه الى الصحيح، كما هو واضح.

قوله (قدس سره): (إذ لا منافات بين فسخ العقد و صحّة هذا التّصرف و استمراره- إلخ-).

لا يخفى انّ قضيّة الفسخ رجوع ما أعطاه، وفاء بما عليه من الثّمن الكلّي، كرجوع الثمن العيني، و لا يصحّ التّصرف فيه بعد الفسخ، الّا بسبب أخر حادث، فيكون تصرف ذي الخيار فيه منافيا للفسخ. نعم في خصوص هذا الخيار، غير كاشف عن الرّضا، لما افاده (قدس سره) من تواطئ المتعاقدين، أو العلم بعدم الالتزام بالعقد بمجرد التّصرف في الثمن، و قد مرّ انّ التّصرف انّما يكون مسقطا فيما يكون كاشفا و ملازما للرّضاء لا مطلقا تعبّدا، فتدبّر.

قوله (قدس سره): (و الظّاهر عدم الإشكال في جواز إسقاط الخيار قولا قبل الرّد- إلخ-).

قد عرفت الاشكال فيه، فيما إذا توقّف حدوث الخيار على الرّد، كما في الوجه الأوّل، و هو يصرح به.

ص: 180

قوله (قدس سره): (ففيه انّها لا يقدح مع تحديد زمان التّسلط على الرّد- إلخ-).

لما عرفت من انّها منه لا يوجب الغرر، و الفرق بين هذا المقام، و ما إذا جعل الخيار من حين التّفرق، هو جهالة مبدء الخيار بنفسه و سببه بحسب جعلهما في الثاني، فيكون فيه الغرر، بخلاف المقام، فإنّ أمر سببه بيده من حين العقد، فلا غرر، فافهم.

[الأمر الخامس لو تلف المبيع كان من المشتري]

قوله (قدس سره): (و يحتمل عدم الخيار بناء على ان مورد هذا الخيار- إلخ-).

لا يخفى انّه لا يكاد يكون اختلاف الحكم بثبوت الخيار و بعدمه في مثله، الّا من جهة الاختلاف فيما شرطاه، فلا إشكال في بقاء الخيار مع التّلف، فيما إذا لم يشترط البقاء، كما لا إشكال في عدمه معه، فيما إذا شرط، و المرجع في تعيين الاشتراط، هو الظهور لو كان، و مع عدمه فالمتّبع هو أصالة الإطلاق و عدم الاشتراط. و من هنا ظهر انّه لا وجه لاحتمال الخيار، مع استظهار الاشتراط، الّا بلحاظ الواقع و عدم اصابة الظهور له. فتفطّن.

قوله (قدس سره): (و انّما المخالف لها هي قاعدة- إلخ-).

فإن قضيّتها كون التّلف من البائع الذي يكون مالكا للنّماء بالإجماع، لكنّه إذا كان المراد منها، ان الخراج، انّما يكون بإزاء ضمان العين أو سببه، كما هو مذهب أبي حنيفة، و يحتمل قريبا ان يكون المراد منها، ان الخراج يكون مضمونا كالعين، أو انّه يكون بمقدار ضمانه، و بحسب تعهده كمّا و كيفا. و يؤيّد ذلك، انّه لم يكد يوجد مورد حكم بمضمونها بذاك المعنى، و المنافع في العارية المضمونة، ليست بسبب الضّمان أو بإزائه، كما لا يخفى.

[الأمر السادس لا إشكال في القدرة على الفسخ برد الثمن]

قوله (قدس سره): (لانّ الظاهر من الرّد إلى المشتري حصوله عنده- إلخ-).

أي الظاهر من إطلاق الرّد إلى المشترى، و عدم التّصريح بإرادة خصوصه، هو ارادة الوصول اليه، بنفسه، أو بوليّه، أو وكيله، و يكون وضوح

ص: 181

الغرض قرينة على إلغاء خصوصيّة المشتريئية، و انّ المراد من لفظ المشترى، من يعمه، و من يقوم مقامه، و الّا فمجرد ظهور ان الغرض ذلك ما لم يصر قرينة موجبة لظهور اللفظ في العموم، غير مجد، كما لا يخفى.

[الأمر الثامن كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن كذا يجوز للمشتري اشتراط الفسخ برد المثمن]

قوله (قدس سره): (و في جواز اشتراط ردّ بدله مع التمكن من العين، إشكال- إلخ-).

لا إشكال في جواز هذا الاشتراط و صحته، و كفاية ردّ البدل في حدوث الخيار، غاية الأمر انّ قضيّة الفسخ، هو رجوع العين بنفسها، فيرد البدل، و لا منافات أصلا بين قضيّتهما، كما هو أوضح من ان يخفى.

[مسألة لا إشكال في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع]

قوله (قدس سره): (فلا معنى لدخول خيار الشرط فيه- إلخ-).

فإنّه لغو و بلا طائل، حيث انّه شرط أمر حاصل، لكنّه إذا كان الجواز فيها، بمعنى جواز فسخها، لا جواز رفع الأثر الحاصل بها، و إلّا لا يكون بحاصل، كما لا يبعد ان يكون كذلك الجواز في الهبة، و الوكالة، و نحوهما، فإنّ غاية ما يكون فيها، عزل الوكيل، و استرجاع العين في الهبة، و الوديعة، و العارية، لا جواز فسخ عقدها الحاصل بالخيار.

لا يقال: انّه بذلك لا يخرج عن اللّغوية، فإنّه يكفي في الخروج تمكنه به عن الفسخ، حيث انّه ربّما يلجأ اليه، فيما إذا لم يجز له الرّجوع لنذر و شبهه اشكال، و دفع.

ربما يقال: هذا بناء على انّ الخيار، هو ملك الفسخ، و امّا بناء على انّه ملك الإمضاء و الفسخ، فلا معنى لامضائه، مع جوازه ذاتا و لو بذاك المعنى.

لكنه يقال: انّ جوازه كذلك، لا ينافي لزومه، و رفع تزلزله النّاشى من قبل شرط الخيار، فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (فالأولى الاستدلال عليه، مضافا الى إمكان منع صدق الشرط- إلخ-).

يمكن ان يقال: انّه لا يعتبر في نفوذ الشّرط و صحته، مشروعية ما شرط، بل يكفى كونه ممّا صحّ اعتباره عقلا، و نقد اشتراطه عرفا، ضرورة

ص: 182

شمول «المؤمنون عند شروطهم» (1) له، و لو قيل بتخصيص الشروط بما صحّ اشتراطه لدى العرف. و بالجملة يكون مثله دليلا على إمضاء الشارع، لما يكون عرفا ماضيا، و ان لم يعهد منه إمضائه بالخصوص، فافهم. نعم لا يبعد ان يقال: انّ الإيقاعات لم يعهد منه إمضائه بالخصوص، فافهم. نعم لا يبعد ان يقال: انّ الإيقاعات لم يعهد من العرف انحلالها، و نقض آثارها بعد وقوعها، حتّى يصحّ اشتراط ذلك فيها.

قوله (قدس سره): (و عدم مشروعيّة التّقابل فيه- إلخ-).

لا يخفى انّه يكفى مشروعية الخيار فيه بالعيب في صحّة شرطه شرعا، بل قد عرفت في الحاشية السّابقة، كفاية صحّة اعتباره عقلا، و نفوذ اشتراطه عرفا في شمول العموم له، و ان لم يعهد من الشارع إمضائه بالخصوص، فينحصر الوجه في عدم دخول الخيار في النّكاح بالإجماع ان تمّ، و إلّا فقضيّة العموم دخوله فيه، فافهم.

قوله (قدس سره): (و الأظهر بحسب القواعد اناطة دخول خيار الشرط بصحّة التّقابل- إلخ-).

لا يخفى انّ صحة التّقابل لا يجدي في دخول الشرط في العقد، إذا كان اللّزوم حكمه ذاتا، فان شرط الخيار معه، يكون منافيا لما هو قضيّة العقد، و لا يعتبر فيه إذا كان حكمه إطلاقا، فإنّه معه، لا يكون مخالفا لمقتضاه، و لا يكون داخلا فيما حرم الحلال أو حلّل الحرام، فيكون باقيا تحت العام، فينفذ بلا كلام، فتأمل جيّدا.

[الرابع خيار الغبن]

اشارة

قوله (قدس سره): (و لو أبدل- قدس سره- هذه الآية (2) بقوله تعالى «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ (3)» كان أولى- إلخ-).

لا يخفى انّه لا وجه للأولوّية أصلا، ضرورة أن الآية تدلّ على بطلان ما يعد الأكل معه في العرف، أكلا بالباطل، و المهمّ هو نفوذ فسخ ما يكون


1- مستدرك الوسائل: 2- 473.
2- النساء: 29.
3- البقرة: 189.

ص: 183

صحيحا، و جواز إبطاله، فكيف يصحّ الاستدلال بها على المرام في المقام و حرمة الأكل بعد الفسخ فيما نقد شرعا، ليس من باب الأكل بالباطل عرفا، بل من جهة نفوذ الفسخ في الصحيح شرعا، فلا يكون الأكل بعد نفوذ الفسخ داخلا فيما نهى عنه أيضا، و ان كان حراما.

و بالجملة حرمة الأكل بالسبب الباطل، غير الحرمة بعد إبطال السّبب الصحيح و انحلاله. و انقدح بذلك ما فيما افاده (قدس سره) بقوله «و مقتضى الآية و ان كان حرمة الأكل- إلخ-»، كما انقدح انّه لا معارضة بينها و بين قوله تعالى «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً» (1) كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): و لكن يمكن الخدشة في ذلك، بان انتفاء اللزوم و ثبوت التّزلزل في العقد، لا يستلزم ثبوت الخيار في العقد- إلخ-).

هذا إذا كان المرفوع بحديث (لا ضرر) (2) الحكم النّاشى منه الضرر.

و امّا إذا كان المرفوع ما كان للضّرر من الحكم، مع قطع النّظر عن هذا الحديث، كما استظهرناه في البحث، و فيما علقناه على البراءة، كان المرفوع في المعاملة الغبنيّة، وجوب الوفاء بها، و هو يستلزم جوازها، كما لا يخفى. نعم لا يستلزم ثبوت الخيار، ضرورة انّ عدم وجوب الوفاء عليه، لا يقتضي ثبوت حق له، يسقطه و يصالح عنه، كما هو واضح، مع انّه لو شكّ في حدوث الحقّ، فالمتّبع هو أصالة عدم سقوطه بالإسقاط بعد تساقط أصالة عدم حدوثه بالمعارضة، مع أصالة عدم حدوث الجواز فافهم.

[مسألة يشترط في هذا الخيار أمران]
[الأول عدم علم المغبون بالقيمة]

قوله (قدس سره): (ثم انّ المعتبر الصّحة حال العقد- إلخ-).

من غير فرق في ذلك بين اعتبار ظهور الغبن في حصول الخيار شرعا، و بين عدم اعتباره فيه، و كونه كاشفا عنه عقلا، و هذا واضح.

[الأمر الثاني كون التفاوت فاحشا]

قوله (قدس سره): (الأمر الثاني، كون التفاوت فاحشا، فالواحد بل الاثنان- إلخ-).

اعتباره واضح، لو كان الدّليل على الخيار بالغبن، هو الإجماع،


1- النساء: 29.
2- وسائل الشيعة: 17- 340- ب 12- ح 3.

ص: 184

اقتصارا على القدر المتيّقن من معقده، و امّا لو كان الدليل عليه، قاعدة نفى الضرر و الضرار، فلا وجه لاعتباره، و انّما المعتبر هو ان لا يكون الضرر بسببه قليلا جدّا، بحيث ينصرف عن مثله لا ضرر، و لا يكون ممّا يتعارف أقدام المتعاملين عليه في مثل هذه المعاملة، كي لا يعمّه، بقرينة وروده في مقام الامتنان المنافي لنفي الضرر، مع الاقدام، فالضرر الحادث بالغبن إذا لم يكن قليلا كذلك، و لا مما يقدّم عليه في مثل هذه المعاملة، يوجب الخيار، و لو لم يكن فاحشا، و لا يوجبه إذا كان قليلا، أو ممّا يقدم عليه، و ان كان فاحشا بالإضافة إلى المعاملة التي وقع فيها الغبن، فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (لانّه ضرر لم يعلم تسامح النّاس فيه، و يحتمل الرّجوع- إلخ-).

لكنه ضعيف، فان المخصّص لأصالة، أو الحاكم عليه هو (لا ضرر و لا ضرار) و هو يعم كلما لم يعلم عليه الاقدام، لا يقال انه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية لخروج ما عليه الإقدام فإنّه لا ضير فيه فيما إذا كان المخصص لبيّا كما في المقام، فان العقل يخصّصه بما إذا لم يكن هناك إقدام بملاحظة أنّه سيق في مقام الامتنان.

فان قلت: نعم لكنه إذا لم يكن متّصلا بالعام، و الّا فلا يجز التمسك فيه أيضا.

قلت: نعم، إذا كان متصلا به، بحيث لا ينعقد للعام معه ظهور، إلّا في الباقي، و ليس كذلك في المقام، فان حكم العقل بالاختصاص بما لا أقدام عليه من الضّرر، ليس الّا كحكمه بعدم جواز لعن المؤمن، و لو كان من بنى أميّة، بالإضافة الى ما دلّ على جواز لعنهم قاطبة. فافهم.

قوله (قدس سره): (بل لعدم كونه ضررا بملاحظة ما بإزائه من الأجر- إلخ-).

لا يخفى أنّ ملاحظة ما بإزائه في الآخرة، لا يخرجه عن الضرر، بل يكون من أجل تحمله، اطاعة للأمر به، و حديث (لا ضرر) (1) ظاهر في نفى ما


1- وسائل الشيعة: 17- 340- ب 12- ح 3.

ص: 185

للضّرر الدّنيوي من الحكم بإطلاق دليله، از عمومه على ما استظهرناه، أو في نفى الحكم الناشي من قبله الضرر، على ما استظهره (قدس سره)، فراجع كلامه، و ما علّقناه عليه.

[مسألة ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي]

قوله (قدس سره): (فظاهر عبارة المبسوط و الغنية و الشرائع- إلخ-).

حيث قال في المبسوط: «و إذا اشترى شيئا فبان له الغبن، فان كان من أهل الخبرة لم يكن له ردّه- إلخ-» (1). و قال في الشرائع: «من اشترى شيئا و لم يكن أهل الخبرة و ظهر فيه غبن، لم يجر العادة بالتّغابن فيه- إلخ-» (2). و أنت خبير بعدم ظهور العبارتين في اشتراط الظهور شرطا، لو لم نقل بظهورهما في كون الشرط نفس الغبن، لتعارف التعبير بمثل بان، و ظهر، في مقام تحقّق ما هو الموضوع المكشوف بلا دخل للكشف فيه أصلا.

قوله (قدس سره): (فان ظاهره حدوث الخيار بعد دخول السوق- إلخ- (3)).

يمكن منع دلالته أيضا، بل يكون التّعليق بلحاظ انّ الدّخول سبب تبيّن الخيار بعد الفراغ، عن انّه ليس شرط حصوله، ضرورة انّ شرطه هو الغبن أو ظهوره. و بالجمله دخول السوق على كل حال، ليس بنفسه شرط حصول الخيار، و وقته، كما هو ظاهر اللفظ، بل هو سبب تبيّن الخيار بالغبن، أو سبب تبيّنه بظهور الغبن به.

قوله (قدس سره): (فلا يحدث الّا بعد ظهور الغبن- إلخ-).

لا يخفى انّ فعليّة السلطنة غر متوقّفة على العلم بالغبن، بناء على عدم الاشتراط، فلو فسخ قبله اقتراحا نفذ واقعا، و ليس الجهل هيهنا دافعا للفعليّة، كما في الأحكام التّكليفيّة. نعم معه غالبا لا يتخاير و لا يفسخ، كما هو الحال في الجاهل بحكمه، أو بحكم سائر الخيارات، و السقوط بالتّصرف


1- المبسوط 2- 87.
2- شرائع الإسلام- 2- 22.
3- و في المصدر: فان ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول الموجب.

ص: 186

الكاشف عن الرّضاء و الإمضاء، لا يختص بما بعد الظّهور، بل لو فرض انّه يكشف عنه قبله، لأسقطه، و ما ليس بكاشف عنه، لا يسقطه، و لو كان بعده، غاية الأمر اختلاف التّصرفات في الكشف و عدمه بعد الظهور و قبله، فافهم.

و الظاهر ان حال التّلف قبل الظّهور بناء على ثبوت الخيار بنفس الغبن، ليس الّا كما في سائر الخيارات، مع الجهل بها، بناء على عموم قاعدة التّلف في زمان الخيار لمثل هذا الخيار، كما انّ الظاهر ان المنع من التّصرفات النّاقلة في زمن الخيار واقعا يدور مدار ثبوته كذلك. و حكم بعض من منع من التّصرف في زمان الخيار يمضى التّصرفات من الغابن قبل علم المغبون، لا دلالة له أصلا على كون المنع، انّما هو لأجل السلطنة الفعليّة، لقوّة احتمال ان يكون ممّن يقول بالاشتراط حقيقة، أو من لا يرى بحدوث حقّ الخيار مطلقا، و انّما كان الغبن عنده موجبا لجواز فسخ العقد، أو جواز الرّد، بلا حقّ يمنع التّصرفات، أو غير ذلك. فالأولى ان يقال في بيان الإرجاع: أنّ إدراج مثل لفظ الظّهور في بعض الكلمات، انّما هو كشفا و حكاية، لا سببا و موضوعا، كما أشرنا إليه في رواية تلقّى الرّكبان، (1) فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (و ظاهره عدم ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب- إلخ-).

و الّا لم يقيّد العيب بقبليّة العلم، فان التّقييد بدون ذلك غير مفيد، فان العيب الحادث، بناء على ثبوت الخيار مطلقا، غير مضمون على المشترى أصلا، فلا يمنع عن الرّد بالتّدليس مطلقا، قبل العلم، أو بعده، لكنه انّما يفيد ذلك، لو كانت قاعدة التّلف في زمن الخيار، شاملة لخيار العيب، إذ لولاه لكان العيب الحادث مضمونا على المشترى، و لو قيل بثبوت الخيار له من قبل، و لم يكن وجه للتّقييد، كما افاده- ره- في جامع المقاصد، و لا يقبل ما ذكره بقوله «الّا ان يقال» فافهم.


1- كما في وسائل الشيعة: 12- 326- ب 36.

ص: 187

[مسألة يسقط هذا الخيار بأمور]
[أحدها إسقاطه بعد العقد]

قوله (قدس سره): (فلا إشكال في صحة إسقاطه بلا عوض مع العلم- إلخ-).

هذا، إذا كان الحادث بالغبن حقّ الخيار، و انّما إذا كان الحكم بجواز الردّ و الاسترداد، أو الفسخ، كما هو قضيّة قاعدة نفى الضرر و الضّرار، حسبما تقدمت إليه الإشارة، فلا إشكال في عدم صحته و عدم سقوطه بالإسقاط فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (ففي السقوط و جهان من عدم طيب نفسه- إلخ-).

بل كان بطيب نفسه فيما إذا لم يكن خطائه الّا من باب تخلف الدّواعي كما انه لا إسقاط أصلا إذا لم يكن من هذا الباب، و لا يخفى، انّ هذا يختلف باختلاف الأشخاص، و الأحوال، و التفارتات، فلا بدّ من الإحراز في الحكم بالسّقوط و عدمه، و مع الاختلاف فالمتبع هو ظهور اللفظ بما حفّت به من القرائن الحاليّة و المقاليّة لو كان، و إلّا فالأصل هو عدم السقوط.

و من هنا ظهر حال الصلح عن الغبن، فيما إذا هو أزيد ممّا زعمه، و انّ صحته و بطلانه يدوران مدار أنّ خطائه من اىّ باب، فيكون صحيحا بلا ارتياب إذا كان من باب تخلّف الدّواعي، و فاسدا إذا كان من غير هذا الباب، ضرورة أنّه صلحه عما ليس واقع، و لا صلح عما هو الواقع. فانقدح بذلك ما في كلامه، زيد في علو مقامه.

قوله (قدس سره): (ضرورة انّه كما كان التّفاوت المحتمل أزيد ببدل- إلخ-).

لا يخفى انّ بدل المال مع الجهل بالحال، انما يختلف زيادة و نقيصة بحسب الاحتمال، لا بحسب الواقع، و ان المدار في حصول الغبن في الصلح عنه، هو ملاحظة انه مع احتمال هذا المقدار من الغبن، اى مقدار من المال يبذل بإزاء الصلح عنه و انّه وقع بذاك المقدار أو بالأقل، و ذلك لضرورة انّه لا بدّ أن يلحظ في معرفة الغبن في المعاملة و عدمه، انها وقعت بمقدار ما يبذل بإزائه غالب المتعاملين من المال أولا، فلا بدّ في حصول الغبن و عدمه في الصلح عنه مع الجهل بمقداره، ان المبذول بقدر ما يبذله الغالب مع الجهل

ص: 188

به، و احتمال انّه بمقدار كذا، أو لم يكن بذاك المقدار.

قوله (قدس سره): (إذ يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضى للخيار- إلخ-).

ربما يشكل بأن إسقاط المسبب بمجرد سببه قبل الشّرط مساوق لئلا يكون السبب بعد الشرط مؤثرا، أو ليس هذا ممّا يرجع إليه، كي يقدر عليه، و الّا فمجرد الشك في السبب، غير قادح، و لو قيل بقدح التّعليق، حيث لا تعليق في السبب، فان المفروض انه ينشأ الإسقاط بداعي احتمال السبب، كما ينشؤه بداعي الجزم به، فيوثره لو كان، و الّا فكان لغوا، فلا تعليق أصلا في السبب. فتوهم انّه قادح فيدفع بأنه غير قادح هيهنا، فان الممنوع منه هو التعليق على ما لا يتوقف تحقق مفهوم الإنشاء عليه، كما افاده- قدس سره- و لكن مراده من مفهوم الإنشاء هو ما يتسبّب به اليه، لا معناه، فإنه لا يكاد يتوقّف على شي ء مطلقا أصلا، لإمكان إنشاء أيّ معنى كان، فافهم.

قوله (قدس سره): (فإنّه لا بد من وقوع شي ء بإزائه و هو غير معلوم- إلخ-).

يمكن ان يقال بانّ العوض مثل هذا الصّلح انّما يكون بإزاء نفس الصّلح، لا بإزاء المصالح عنه المجهول.

لا يقال: ان نفس الصلح عنه غير قابل لان يقع بإزاء العوض ما لم يكن المصالح عنه ثابتا في الواقع، و الّا كان في غير محلّه و لغوا.

فإنه يقال: ان الصلح مع الجهل بالحال ممّا يرغب فيه العقلاء حيث يرتّب عليه خروج المعاملة عن المعرضيّة للجواز بظهور الغبن، فافهم.

[الثالث تصرف المغبون بعد علمه بالغبن بأحد التصرفات المسقطة للخيارات]

قوله (قدس سره): (و هو إطلاق بعض معاقد الإجماع، بأنّ تصرّف ذي الخيار- إلخ-).

إنما دلّ الإطلاق و العلّة على السّقوط بالتّصرف، إذا كان الثابت بالغبن، حق الخيار، لا مجرّد الحكم بالجواز، كما مرت إليه الإشارة، و مع الشّك يستصحب جواز الرّد الثابت سابقا على كل تقدير.

ص: 189

لا يقال: هب ان الثابت بقاعدة نفى الضرر ليس الّا الحكم بالجواز، و هو مما لا يسقط بمسقطات الخيارات، الّا انه كما لا يجرى مع الاقدام عليه، فكذلك لا يجرى مع الرّضاء به بعده.

فإنه يقال: لا حاجة الى جريان نفى الضرر ثانيا، كي يقال بأنّه لا يجرى، بل يكفى جريانه أوّلا في ثبوت الجواز الباقي بعد الرّضاء إطلاقا، أو استصحابا، بناء على ثبوت الخيار بعد ظهور الغبن. و اما بناء على ثبوته من حين العقد، فالمرجع هو إطلاق «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) لو لم يكن هناك إطلاق لدليل الخيار، كما أشرنا إليه غير مرّة. و منه انقدح حال الإجماع، و لذا استدرك (قدس سره) انّ الشك في الرّفع، لا في الدّفع، بعد بيان عدم مساعدة ما هو دليل الخيار من نفى الضرر، و الإجماع عليه بعد الرضاء، و امره بالتأمل لعلّه إشارة الى ما شرحناه، أو الى انّ الشّك فيه، في المقتضى، و الاستصحاب فيه غير حجة على مختاره، و ان كان حجة على المختار، كما بيّناه تقريرا و تحريرا.

[الرابع من المسقطات تصرف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن تصرفا مخرجا عن الملك]

قوله (قدس سره): (و يمكن ان يوجه بان حديث نفى الضرر (2) لم يدلّ على الخيار، بل المتيقن منه جواز ردّ العين- إلخ-).

حديث نفى الضرر و ان لم يدلّ على الخيار، لكنه دلّ على عدم وجوب الوفاء بالعقد الضّرري و عدم لزومه، فإنه دالّ بلسان نفى الموضوع الضّرري على نفى حكمه الذي دلّ عليه دليله بإطلاقه، أو عمومه. و من الواضح انّ الموضوع الضرري هيهنا هو العقد الغبني المحكوم بلزوم الوفاء بمثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (3)، فليكن هو المنفي بحديث نفى الضّرر، فيجوز فسخه، و لم يمنع عنه عدم ردّ العين ليتنزّل الى بدله، كما في الفسخ بالخيار. و هذا، مع انّ بناء المشهور على ثبوت الخيار للمغبون، و معه لا مجال للتّوجيه أصلا، كما لا يخفى.


1- المائدة: 1.
2- وسائل الشيعة: 17- 340- ب 12- ح 3.
3- المائدة: 1.

ص: 190

قوله (قدس سره): (و تضرر المغبون من جهة زيادة الثمن معارض بتضرر الغابن- إلخ-).

قبول المثل أو القيمة، ليس من الضرر أصلا، كي يعارض به ضرر المغبون، كما لا يخفى. نعم يكون التنزّل الى البدل على خلاف عموم التّسلط على الأموال (1) فيما كان ابتدائيّا بلا توسيط فسخ العقد. و امّا معه فإنّه انّما يكون بمقتضى كون تلف ماله على متلفه، و كونه في عهدته و ضمانه، و هو ليس على خلاف عموم التّسلط، لو لم يكن على وفقه، فافهم.

قوله (قدس سره): (ففي جواز الرّد و جهان: من انّه متمكن حينئذ، و من استقرار البيع- إلخ-).

بل يتعيّن الوجه الأوّل في أمّ الولد، لمنع استقرار البيع بمجرّد الاستيلاد، بل مراعى بعدم موت الولد حين الاسترداد. و في فسخ العقد اللازم يكون و جهان مبنيّان على ان الزّائل العائد بالفسخ كالّذي لم يزل، أو كالذي لم يعد حيث انّ الملكيّة العائدة به بحسب الدّقة و الحقيقة، ملكية جديدة، و بملاحظة انّ اعتبار فسخ العقد و انحلاله، اعتبار إعادة نفس الملكيّة السّابقة الزّائلة. و منه قد انقدح عدم جريان الوجهين فيما كان العود بناقل جديد، فان الثابت انّما هو جواز ردّ العين عن الملكيّة الّتي حدثت للآخر بالمعاملة الغنيّة، لا عن ملكية جديدة. نعم لو كان الثابت له، فسخ العقد و لو حكما، ففسخ، كان له استرداد العين المنتقلة إلى الأخر مطلقا، و لو بسبب جديد و ان لم ينتقل اليه بنفس الفسخ، حيث لا وجه للتنزّل الى البدل، مع التمكن من نفس المبدل، فتأمّل جيّدا.

قوله (قدس سره): (من امتناع الرد و هو مختار الصيمري- إلخ-).

لا امتناع لرد نفس العين المبيعة، و انما الممتنع ردّ منافعهما لاستيفائها المغبون بالإجازة. و في لزوم الغرامة عليه، وجه، و هو لزوم الضرر على الغابن لو لا لزومها على المغبون من دون ضرر عليه. فتأمّل.


1- بحار الأنوار: 2- 272.

ص: 191

قوله (قدس سره): (و في لحوق الامتزاج مطلقا، أو في الجملة، وجوه).

اى الامتزاج و لو بغير المثل، أو خصوص الامتزاج بالمثل، و يحتمل ان يكون المراد الامتزاج و لو بنحو يتمكّن من التميّز، أو خصوص ما لا يتمكن منه عادة، فتأمل. و يحتمل قويا ان يكون المراد الامتزاج و لو مع ملك الغابن أو خصوص ما إذا كان مع ملك المغبون، لتمكن المغبون من الرّد، فيما إذا كان الامتزاج مع ملك الغابن. و مجرّد صيرورة المغبون مالكا للجزء المشاع من الممتزجين، لا بمنع عن ردّ ما انتقل اليه بالبيع الى الغابن، فافهم.

[أمّا تصرف الغابن]

قوله (قدس سره): (اما تصرف الغابن فالظاهر انّه لا وجه لسقوط خيار المغبون به- إلخ-).

لا يخفى ان ما ذكر وجها لسقوط خيار المغبون قبل علمه، يكون وجها لسقوطه بتصرّف الغابن بمثل تصرّفه، فإنّه يمنع عن الاسترداد، كما هو كان مانعا عن الرّد. و دعوى انّ العبرة بإمكان الرّد، مجازفة، ان لم نقل بان الاعتبار يساعد على ان يكون العبرة بإمكان الاسترداد ابتداء، و ان يكون له ذلك كما لا يخفى. نعم لو كان الحادث بسبب الغبن، هو الخيار، لم يكن وجه لسقوطه أصلا بتصرّف أحدهما، كما أشار إليه (قدس سره) في تصرف المغبون، فتدبر جيّدا.

قوله (قدس سره): (وجوه، من وقوع العقد في متعلق حقّ الغير- إلخ-).

انما يكون العقد في متعلق حق الغير، فيكون فضوليا، فيكون له الرّد و الإبطال، إذا كان الموجب لحق الخيار، موجبا لحق أخر في العين الذي الخيار، و دون إثباته خرط القتاد. غاية الأمر عدم نفوذ تصرفات غير ذي الخيار في زمانه و بطلانها، و هو غير التّسلط على ابطالها، كما لا يخفى. هذا لو قلنا بحدوث جواز الفسخ حقّا أو حكما، و كذلك لو قلنا بانّ الغبن لا يوجب إلّا جواز الاسترداد، فإنّ غاية ما يحدث بسببه، هو جوازه حكما، لا حقّا، فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (و يحتمل هنا تقديم حقّ الخيار- إلخ-).

قد مرّ غير مرة انّ متعلّق حق الخيار هو العقد، و قضيّة الفسخ بسببه،

ص: 192

ليست الّا رجوع كل عوض الى صاحبه الأوّل بنفسه فيما أمكن عقلا و شرعا، أو ببدله فيما إذا لم يكن، فلا يقتضي تقدم سبب حق الخيار لتقديمه، الّا ان يقال: ان الاستيلاد في زمنه وقع في غير محله.

قوله (قدس سره): (و يمكن النظر فيه بان فسخ المغبون إما بدخول العين في ملكه- إلخ-).

يمكن ان يقال: انّ فسخه و ان لم يكن في مثل المقام مقتضيا بنفسه لدخول العين في ملكه، لخروجها عن ملك من انتقل اليه، الّا انّ التّنزل الى البدل انّما يكون فيما إذا لم يتمكّن من عين المبدل. و المفروض في المقام تمكنه منها، لكن لا يخفى انّ قضيّة تحصيلها أيضا في العقد اللازم بالاستقالة و نحوها إذا أمكن. و لا أظنّ أن يلتزم به الشهيد- ره- و قد انقدح بما ذكرناه، ان لزوم الفسخ لأجل ان الخروج عن عهدة تلك العين المنتقلة عن ملك الغابن، انما يكون بردّها مع الإمكان بلا توسيط التّنزل الى البدل بالفسخ، لأجل الحيلولة.

ان قلت: إذا كان الفسخ غير مقتضى لدخول العين في ملك من خرج عن ملكه بالعقد في مثل المقام، فلا محيص عن ان يكون مقتضيا لدخول بدلها، لئلّا يلزم الجمع بين العوضين، و معه لا وجه لوجوب تحصيلها، كما افاده- قدس سره.

قلت: الفسخ و ان كان غير مقتضى لدخول العن في ملكه حقيقة، الّا انّه لا بدّ من تقديره و دخوله في ملكه حكما، بعد تقدير ملك من خرج عن ملكه بالعقد الثاني، ليصحّ اعتبار انتقاله عنه الى الفاسخ، فيصح الفسخ، جمعا بين نفوذ الفسخ الذي ليس الّا حلّ العقد بين العوضين، المقتضى لرجوع كل الى ملك الأخر الذي خرج عن ملكه به، و بين نفوذ العقد الثاني على أحدهما و صحته. و انّما يكون التّنزّل الى البدل لأجل كون المبدل الرّاجع بالفسخ على عهدته و ضمانه، و عدم تمكنه من ردّه، لا لأجل اقتضاء الفسخ إيّاه في هذه الصورة، ضرورة ان الفسخ ليس بمعاوضة جديدة، بل حلّ العقد السابق، و لا يكاد يكون الحلّ الّا برجوع ما صار الى كل واحد من المتعاقدين

ص: 193

بالعقد إلى الأخر و لو تقديرا، فيما إذا لم يكن الرّجوع حقيقة، و اما مع تمكنه من ردّه بنفسه، فلا وجه للتّنزل الى بدله، ضرورة انّ قضية الضمان، لزوم ردّ العين المضمونة مع الإمكان. فتأمل في المقام فإنّه لا يخلو عن دقّة.

قوله (قدس سره): (لكن ذلك انّما يتمّ مع كون العين على ملك المغبون- إلخ-).

لا يعتبر في بدل الحيلولة كون العين على ملك المضمون له، بل يكون ثابتا، و لو خرجت، كما إذا صار الخلّ في يد الغاصب خمرا، فلا يبعد ان يلزم بالبذل و بالعلاج، كي صار خلّا. و الدليل على وجوب تحصيل العين، هو كون تلك العين المنتقلة عنه بالعقد الراجعة بالفسخ الى ملك من انتقل عنه اليه بالعقد الأوّل تقديرا، كما عرفت في ضمانه، فافهم.

و مما ذكرنا قد انقدح وجوب ردّ العين، فيما إذا فسخ الغابن بعد فسخ المغبون، أو ملك بسبب جديد، لا لاقتضاء الفسخ كما افاده، و قد عرفته، بل لما مرّ من انّه قضيّة الضمان للعين المنتقلة إليه بفسخه العقد الأول و لو تقديرا، فتأمل.

قوله (قدس سره): (فامّا ان يكون نقصا يوجب الأرش- إلخ-).

كما إذا كان بتلف جزء من العين، و اما إذا كان بإزاء صفة الصّحة، و احداث عيب فيها، ففي الأرش إشكال من ثبوته فيما ظهر المبيع مبيعا، و من انّ الثمن بتمامه انّما يكون بإزاء العين، لا أن يكون شيئا منه بإزاء صحّتها، و ان كانت موجبة لزيادة قيمتها، كسائر الأوصاف، و انّما كان ثبوت الأرش عند فواتها في عيب المبيع دونها تعبدا لأجل دليل خاص، فتدبّر جيّدا.

قوله (قدس سره): (لأن المنفعة من الزّوائد المنفصلة المتخلّلة بين العقد و الفسخ- إلخ-).

و انما صارت منفصلة بعقد الإجارة، فقد استوفاها الغابن به قبل الفسخ، فيكون حالها حال المنافع الّتي تكون لها قبل الفسخ في الانفصال بالاستيفاء. هذا، لكنّه يمكن ان يقال: انّ ضرر الغبن في هذه الصورة، لا يكاد

ص: 194

يتدارك بمجرد فسخ البيع، كي يكتفى في نفيه بجواز الفسخ، حيث انّه كما كان بقاء هذه المعاملة ضررا، كان فسخها بلا اجرة المثل للمنفعة في هذه الإجارة ضررا، فكما ان قضيّة نفى الضّرر كان نفى ما للضرر الأول من الحكم لولاه، كان قضيّته أيضا نفى ما للضّرر الثاني. فيكون قضيّته جواز الفسخ مع الأجرة.

و قد انقدح ممّا قرّرناه، ان الضّررين، مما لا مناص له عن أحدهما، فلا يكون مجال لتوهم ان الضّرر الثاني يكون بإقدام منه بالفسخ، فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (و فيه نظر، لمنع تزلزل ملك المنفعة- إلخ-).

و انما يكون متزلزلا فيما كانت المنفعة باقية على تبعيّتها له في الملكيّة، و غير خارجة عنها بالإجارة و نحوها، فحينئذ كما لم ينتقل بانتقاله بإرث و نحوه، كذلك لا ينتقل بفسخ عقده. نعم لما كانت المنفعة في غير مدّة الإجارة باقية على تبعيّتها له، كانت متزلزلة مثله ينتقل بالفسخ بتبعه.

قوله (قدس سره): (و سيجي ء ما يمكن فارقا بين المقامين- إلخ-).

و لعل الفارق هو انّ التفاسخ هناك من رأس، و الفسخ هيهنا من حينه.

قوله (قدس سره): (فالظّاهر ثبوت الشّركة فيه- إلخ-).

فيه اشكال لاحتمال ان يكون الزّيادة الحكميّة، كزيادة القيمة السّوقية غير موجبة لها. نعم لا يبعد القول بوجوب دفع اجرة المثل دفعا للضرر، فان دفع العين الزّائدة بهذه الزيادة بدون الأجرة، يكون ضررا على الغابن، فتأمّل جيّدا.

قوله (قدس سره): (فلكلّ منهما تخليص ماله عن مال صاحبه- إلخ-).

ربّما يشكل بان التّخليص انما يكون للكل، إذا لم يستتبع تخليصه ضررا، و تخليص الأرض بقلع الشّجر مستتبع للضرّر على الغابن، و الأرش انّما يكون تداركا له، فيكون الحكم بجواز القطع مع الأرش، مساوقا للحكم بجواز الإضرار و تداركه، و المنفي بقاعدة نفى الضرر و الضرار، جواز الإضرار، و ليس

ص: 195

بقاء الغرس بالأجرة، ضررا على صاحب الأرض و تداركه، كي يعارض به ضرر التّخليص، فيصير قاعدة التّسلط مرجعا و ذلك لان استفاء منفعة ملك الغير، من أنحاء انتفاعه بملكه، بخلاف تنقيص ملكه بقلع، أو كسر مع الأرش، فإنّه إضرار به مع الجبر، فلا يكون الحكم ببقاء الغرس بالأجرة و عدم جواز قلعه بالأرش، إلّا حجر المالك بهذا المقدار، لقاعدة نفى الضّرر و الضرار، بخلاف الحكم بالقلع بالأرش، فإنه مخالف لهذه القاعدة، و قاعدة التّسلط.

فان القلع بدون رضاء مالك الغرس، على خلاف تسلّطه على ماله، و ان كان من جهة تخليص أرضه على وفق القاعدة، و من المعلوم انّ قاعدة نفى الضرر، تقدم على قاعدة التّسلط، كسائر القواعد.

لا يقال: ربّما يوجب حجر المغبون، و عدم تسلّطه على تخليص أرضه، ضررا عليه، لأجل نقص قيمة الأرض أحيانا بذلك.

فإنه يقال: لا بأس به، فان الضّرر النّاشى من قبل حجر المالك بقاعدة نفى الضّرر، لا ينفى بها، كما يظهر من رواية سمرة بن جندب (1)، فتأمّل.

و قد انقدح بما ذكرنا، انّه لا فرق بين ما نحن فيه، و بين مسألة التّفليس، حيث ذهب الأكثر فيها إلى انّه ليس للبائع الفاسخ، قلع الغرس، و لو مع الأرش. و ما ذكره من الفرق، يكون حدوث ملك الغرس في ملك متزلزل فيما نحن فيه، فحقّ المغبون، انّما تعلّق بالأرض قبل الغرس، بخلاف مسألة التّفليس فيه، انّه ليس للمغبون حقّ في الأرض أصلا، و انّما كان له الخيار، و حق فسخ العقد، أو مجرد جواز فسخه، أو استرداد العين، بلا تعلّق حق له بالعين، كما مرّت إليه الإشارة، فتدبر جيّدا.

قوله (قدس سره): (من حصول الاشتراك قهرا لو كانا لمالكين- إلخ-).

قد عرفت انّ قضيّة الفسخ، هو رجوع كل من العوضين الى ملك صاحبه الأول حقيقة، أو تقديرا، فالاجزاء الخليّة هيهنا بالفسخ يصير ملكا للآخر، فيحصل الاشتراك قهرا، حيث كان كل من الممتزجين لمالك، كما


1- وسائل الشيعة: 17- 340- ب 12- ح 3.

ص: 196

في صورة الامتزاج بالجنس، حيث لا وجه للاشتراك الّا ذاك، و مجرّد التّفاوت بتغيّر الحقيقة في أحدهما دون الأخر، لا يوجب اختلافهما في الحكم بعد الاتفاق، مع عدم التّمكن من ردّ نفس العوض، كما لا يخفى. فلا يكون الامتزاج بغير الجنس، كالتّلف الرافع للخيار، مع ما في كون التّلف واقعا من النظر، بل المنع، كما يأتي.

[بقي الكلام في حكم تلف العوضين مع الغبن]

قوله (قدس سره): (فمقتضى ما تقدم من التّذكرة في الإخراج عن الملك- إلخ-).

ربّما يقال بان سقوط الخيار بالخروج عن الملك، لا يقتضي سقوطه بالتّلف، إذ مع الخروج لا يمكن الفسخ، لا لامتناع رجوع كل عوض الى ملك صاحبه الأوّل، و هو قضيّة الفسخ، كما عرفت، و عدم امتناعه مع التّلف لصحة اعتبار رجوع التّالف الى ملك صاحبه الأوّل بعد الفسخ، كما كان في ملك الأخر قبله. و كون غرامته عليه لضمانه، لا يمنع عن الرجوع، و لا يكون من باب الجمع بين العوض و المعوّض، كما مرّت إليه الإشارة، فيصح اعتبار الفسخ فيه لذلك.

نعم لو قام دليل على نفوذ الفسخ مع الخروج، فلا مناص عن اعتبار الرّجوع تقديرا، كما مرّ، أو المنع عن كون قضيّته، رجوع كلّ عوض بنفسه الى صاحبه، بل بماليته، و لو ببدله من قيمته أو مثله، فيما إذا لم يتمكّن عن رجوعه بعينه، لكنه عرفت ان الفسخ ليس معاوضة جديدة، بل حل العقد السابق، و من الواضح انّه بين العوضين بعينهما، فلا بد من رجوع البدل بالفسخ من ذاك الاعتبار، و الّا لم يكن بفسخ أصلا، كما لا يخفى. و لا يكاد يصار اليه، الّا إذا كان دليل على نفوذ الفسخ، فيما إذا تعذر الرّد حقيقة، فافهم.

قوله (قدس سره): (فاذا فسخ غرم قيمته يوم التلف، أو يوم الفسخ- إلخ-).

أو يوم الدّفع، وجوه، أضعفها الأوّل، حيث لا منشأ له الّا توّهم انّه لا بد في البيع المتزلزل، من اعتبار بقاء العين و لو ببدلها، فيكون الى البدل يوم

ص: 197

التلف، و هو كما ترى. و يتعيّن الوجه الثاني، بناء على ان يكون التّنزل الى البدل بعد الفسخ ابتداء في صورة التّلف، و اما على ما عرفت من ان قضيّة الفسخ، رجوع ملك نفس العين مطلقا، و انّما يكون دفع المثل أو القيمة غرامة عنها، فالمتيقّن هو القيمة يوم الدّفع، فإنه يوم الخروج عن عهدتها، و لا يكاد يكون الّا بدفعها أو بدلها في هذا اليوم، كما لا يخفى. و بذلك قد انقدح الحال في بعض الفروع الاتية، فتأمل.

[مسألة الظاهر ثبوت خيار الغبن في كلّ معاوضة مالية]

قوله (قدس سره): (الظاهر ثبوت خيار الغبن في كلّ معاوضة مالية بناء على الاستناد- إلخ-).

و عدم الحاجة في الاستناد الى نفى الضرر، الى الجبر بعمل معظم الأصحاب، و الّا فلا يصحّ الاستناد إليه في ثبوته في غير البيع، لعدم ظهور الاستناد من المعظم اليه، الّا في البيع.

قوله (قدس سره): (و لعله للإقدام في هذين على رفع اليد- إلخ-).

يمكن منع كون مثل هذا الاقدام على الضرر مانعا عن نفيه، فإنّه لا دليل على استثناء صورة الإقدام مطلقا، بل الوجه في خروج صورة الإقدام، إنّما هو عدم المنة في نفيه مع الاقدام، مع كونه في مقام المنّة، ففي كل مقام لم يكن هناك منة في نفيه، كان الإقدام مانعا عن نفيه، بخلاف ما إذا كان هناك المنّة، كما إذا لم يكن هناك إقدام أصلا كالمقام، حيث ان المصالح لو فرض انه أقدم باعتقاد النفع، أو عدم الضرر، أو رجاء ذلك، فلا شبهة في انّ نفيه يكون منة. نعم لو فرض اقدامه عليه بدون ذلك، بل كائنا ما كان، فلا منة مع اقدامه كذلك في نفيه، و يكون كالإقدام مع العلم، و لا يبعد ان يكون الإقدام على الصّلح في مقام رفع الخصومة كذلك، بل يمكن ان يقال:

انّ الصلح في هذا المقام، و لو لم يكن بذاك الاقدام، لا منة في الحكم بجوازه لنفى الضرر، بل الحكمة تقتضي لزومه دفعا للتّشاجر و الخصومة، و فيه كمال المنة، فتدبّر.

[مسألة اختلف أصحابنا في كون هذا الخيار على الفور أو على التراخي]

قوله (قدس سره): (فلا يخفى ان هذا العموم في كل فرد من موضوع الحكم، تابع لدخوله تحت العموم- إلخ-).

حيث انّ عمومه إلا زماني المستفاد من الإطلاق، لم يلحظ بحيث

ص: 198

يوجب كون كل فرد من إفراد الموضوع افرادا كثيرة، بحسب كثرة السّاعات أو الأيّام، فيكون كل عقد في كلّ ساعة أو يوم فردا من العام، كيلا يكون مناص عن الرّجوع اليه فيما شكّ في تحصيصه من الإفراد، لا كلام، بل غاية ما يستفاد من الإطلاق، هو استمرار الحكم لكلّ فرد لم يخرج عن العام. و امّا الخارج في الجملة، فالمتّبع فيه إذا شكّ في زمان في كونه محكوما بحكمه، أو بحكم الخاص، هو استصحاب حكمه، لا أصالة العموم، لعدم كونه في هذا الزّمان فردا شكّ في تخصيص العام به، كتخصيصه به في الزمان الأول، بل هو فرد واحد خصّص به العام هذا.

قلت: نعم، لو كان خروجه عن تحت حكمه في الزّمان الثاني، لا من الأوّل. و امّا إذا كان خروجه من الأوّل، و شكّ في مقدار خروجه، فلا بدّ من الاقتصار على المقدار المتيقن من الخروج، و الرّجوع الى حكم العام في القدر الزّائد، مثلا لو شكّ في طول الخيار المجلس و قصره، و كذا فيما هو المعتبر في الصّرف و السّلف من القبض في المجلس، كان المرجع في المقدار الزّائد على المتيقن، هو «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) اقتصارا على المقدار المتيقن من التّقييد، و ذلك لان احكم الواحدانى المستمر المتعلّق بكل عقد في «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» قد انقطع فيما إذا دلّ دليل على حدوث الخيار في عقد بعد لزومه، فلا وجه للرجوع إلى إطلاقه، حيث لم يكن العقد في غير ما علم فيه الخيار من الزمان، مشمولا له على حدة، كي يرجع اليه ما لم ينهض دليل على تقييده، بخلاف ما إذا كان تقييده، من الأوّل، فإنّ إطلاقه يقتضي وجوب الوفاء به، بعد تقييده بما علم التّقييد به، فذاك الحكم الواحدانى المستر، انّما يكون متعلّقا به بعد مضى الزمان المعلوم خروجه فيه، فلا انقطاع له أصلا، بل غايته عدم تعلّقه به، الّا بعد زمان و كان مقتضى الإطلاق تعلّقه بمجرد انعقاده.

و مما ذكرنا قد انقدح انّ حال انقطاع الحكم عن الأخر حال عدم


1- المائدة: 1.

ص: 199

تعلّقه من الأوّل، و انّه لا بدّ من الاقتصار في انقطاعه بالمقدار المعلوم، و النباء على حكم العام الى زمان علم التقييد، و انقطاعه فيه. فتأمل جيدا.

كما انقدح انّ خيار الغبن ان كان من الأوّل، فالمرجع هو «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) فيما لم يعلم ثبوته، و ان كان بعد ظهور العين، فالمرجع هو استصحاب الخيار، بناء على المسامحة في موضوع الاستصحاب، و أصالة عدم تأثير الفسخ، بناء على المداقّة فيه.

قوله (قدس سره): (لما عرفت سابقا من ان مرجع العموم الزماني- إلخ-).

قد عرفت انّ ذلك انّما يمنع عن الرّجوع اليه بعد عروض الانقطاع عليه، لا عن الرجوع اليه بعد مضى الزمان الذي علم تقييده، و عدم ترتّب ذاك الحكم الاستمراري عليه فيه من الأوّل، فيكون إطلاق «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» دليلا على كون الخيار على الفور، بناء على ثبوته من الأوّل، لا بعد ظهور الغبن، كما ان قضيّته الاستصحاب، انّه على التّراخي، بناء على انه بعده، حيث انّه شك في بقاء الخيار للمغبون بعد القطع بثبوته له، و لا يعتنى باحتمال ان يكون الموضوع له، هو الذي لا يتمكّن من تدارك ضرره أصلا، و إلّا لا نسدّ باب الاستصحاب في الأحكام بالمرّة، كما لا يخفى.

و لا وجه لاستظهار ذلك من حديث «لا ضرر و لا ضرار» (2)، إذ غاية دلالته، ثبوت الخيار للمتضرّر، و لا اشارة فيه الى أنّ المدار على عدم التّمكن من التدارك، كما هو واضح.

قوله (قدس سره): (و ليس ترك الفحص عن الحكم الشرعي منافيا لمعذوريّته- إلخ-).

لإطلاق حديث نفى الضرر، و كمال المنة في نفيه عن تارك الفحص، و ان كان متمكّنا من الفسخ معه، و هذا هو الوجه في معذوريّة


1- المائدة: 1.
2- وسائل الشيعة: 17- 341- ب 12- ح 3.

ص: 200

الجاهل بالفوريّة، و ان تمكنه من الفسخ ليس بضائر، و الّا كان التّمكن منه في الصورة الأولى ضائرا.

و بالجملة، وجه المعذوريّة و هو الإطلاق و المنة في النفي مع الجهل، مشترك بينهما، كما لا يخفى. و بذلك قد انقدح وجه معذورية الشّاك في ثبوت الخيار، فتدبّر جيّدا.

[الخامس خيار التأخير]

اشارة

قوله (قدس سره): (من ان الصبر أبدا مظنّة الضّرر- إلخ-).

لا يخفى ما في الاستدلال بقاعدة نفى الضّرر و الضّرار في ثبوت الخيار من النّظر، حيث ان الضّرر هيهنا انّما هو ناش من تأخير القبض، لا في نفس المبيع، كي يوجب نفى ما لولاه، كان له من لزوم الوفاء به، و لا وجه لأن يتدارك ضرر ناش من قبل شي ء ينفى حكم شي ء أخر أصلا، كما لا يخفى. و كيف يصح الاستدلال به على ثبوت الخيار، مع اعتبار أمور في ثبوته، مع اختلال الجلّ، لو لا الكلّ، الّا ان يدعى نهوض الإجماع أو غيره على التّخصيص، و هو بعيد فتأمّل.

قوله (قدس سره): (الّا انّ فهم العلماء و حملهم على نفى اللزوم (1)- إلخ-).

لا يخفى انّه لا يكاد يقربه فهمهم، بحيث صح لنا الاستناد الى الاخبار، في ثبوت الخيار، إلّا إذا كان هناك اطمينان بظفرهم بما لو ظفرنا به لكنا نفهمه منها، كما فهموا، و لا اطمينان. نعم يمكن ان يقال: انّ مثل هذا التّركيب، و ان كان بحسب أصل الوضع لنفى الماهيّة، الّا انّه حيث قد غلب استعماله في نفى صفة الصحّة، أو الكمال، أو غيرهما من الأحكام، كما في «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (2) بناء على وضع أسامي العبادات للأعمّ، و «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» (3) و «لا ضرر و لا ضرار» (4) و نحوهما،


1- و في المصدر: و حملهم الاخبار على نفس اللزوم.
2- وسائل الشيعة: 4- 732- ب 1- ح 1.
3- وسائل الشيعة: 3- 478- ب 1- ح 1.
4- وسائل الشيعة: 17- 341- ب 2- ح 1.

ص: 201

فيراد منه نفى احدى هذه الصفات، حسب اختلاف المقامات، و ملاحظة مناسبة الموضوعات، لا يبعد دعوى ظهور الأخبار في إرادة نفى اللزوم، لبعد بطلان البيع، و ارتفاعه بنفسه بمجرد التّأخير، يؤيّده فهم الأصحاب، فتأمل.

[ (ثم انّه يشترط في هذا الخيار أمور]
[أحدها عدم قبض المبيع]

قوله (قدس سره): (ثم انّه يشترط في هذا الخيار أمور، أحدها عدم قبض المبيع- إلخ-).

لو كان الإجماع مدركا لهذا الخيار، فلا محيص عن اعتبار هذه الأمور، للاقتصار على المقدار المعلوم. و لو كان المدرك هي قاعدة نفى الضّرر و الضّرار، فلا وجه لاعتبار الجلّ، لو لا الكلّ، ضرورة انّ المدار في ثبوت الخيار حينئذ، ثبوت الضّرر، أو الضّرار، و لا شبهة في ثبوت الضّرر مع فقدان بعضها، كما لا يخفى. و اما لو كان المدرك هو الأخبار، فظاهر بعضها و ان كان عدم الاعتبار الّا بعدم قبض المثمن، كما هو ظاهر رواية على بن يقطين (1). و ظاهر بعض الأخر اعتبار عدم قبض الثمن (2). و التّوفيق بينهما كما يكون بتقييد إطلاق كلّ بالآخر، كي يعتبر عدم قبض الثمن و المثمن معا، كذلك يكون بالحمل على كفاية عدم قبض أحدهما، الّا انّ التّوفيق الأوّل لو لم يكن بأظهر، فليس الثّاني كذلك، أي بأظهر، و الأصل يقتضي اعتبار عدمها، فتدبّر.

قوله (قدس سره): (مع إمكان إجراء أصالة عدم التّشديد- إلخ-).

لا اعتبار بمثلها، الّا من باب الأصل المثبت، مع انّ التّشديد كالتّخفيف، من الكيّفيات الّتي تكون الكلمة توجد اما مكيّفة به، أو بعهده، فلا حالة سابقة لها يستصحب، و ليست من الأصول العقلائيّة، حيث لم يحرز بناء العقلاء على العدم عند الشّك، هذا، مع معارضتها بأصالة عدم التّشديد في قبض، فلا تغفل.


1- وسائل الشيعة: 12- 357- ب 9- ح 3.
2- وسائل الشيعة: 12- 356- ب 9- ح 2.

ص: 202

قوله (قدس سره): (و كلاهما ممكن الاندفاع بأخذ المبيع مقاصة- إلخ-).

يمكن ان يقال ان خيار التأخير، انّما كان ارفافا بالبائع من جهة الضّرر النّاشى من قبل تأخير الثّمن، لا من جهة كون المبيع في ضمانه، و تلفه منه قبل قبضه. و المقاصة ربّما لا يكون جائزة بحدود هذه الخيار، مع انّه ربّما لا يندفع الضّرر فيما كانت قيمة العين أقل من الثمن، بل و لو كانت أزيد إذ حينئذ لا يمكن أخذ تمامها مقاصة، و أخذ بعضها المساوي للثمن مساوق للتّملك المشترى لبعضها، بلا عوض، مع انّه ربّما لا يكون قابلًا للتبعيض، أو يكون تبعيضه موجبا للتّنقيص، و معه لا يبعد ان لا يكون مجالا للمقاصّة فتأمل جيدا.

[الشرط الرابع أن يكون المبيع عينا أو شبهه]

قوله (قدس سره): (و اما حديث نفى الضرر (1)، فهو مختصّ بالشّخصي- إلخ-).

قد عرفت في بعض الحواشي، انّ ضرر تأخير الثمن مع استحقاقه له معجلا، و لو كان مشروطا بتمكينه من الإقباض مع تمكينه، كاف في ثبوته الخيار، إرفاقا به، فلا اختصاص له بالشّخصي.

قوله (قدس سره): (و لا مناسبة في إطلاقه على الكلي- إلخ-).

المناسبة في الكلي المعرض للبيع المتعهد به في الذمة، هي المناسبة في العين، كما لا يخفى، فنفى المناسبة فيه، و إثباتها فيها، تحكّم، و لفظ الشي ء يعمّ المعيّن و الكلّي، كما افاده. و دعوى ظهوره في الموجود الخارجي، لا بيّنة و لا مبيّنة، فلا يبعد دعوى دلالة بعض الاخبار، على ثبوت الخيار في الكلي أيضا، و يؤيّده حديث نفى الضرر و الضّرار، و يساعده لاعتبار، فتدبّر.

[يسقط هذا الخيار بأمور]
[أحدها إسقاطه بعد الثلاثة]

قوله (قدس سره): (و من ان العقد سبب الخيار، فيكفي وجوده في إسقاطه- إلخ-).

لا يخفى ان العقد ليس سببا له، بل السبب انما هو التّأخير، فلا يكفى وجوده في إسقاطه، و لو قيل بكفاية وجود السبب في إسقاط السبب، و التّهيّؤ


1- وسائل الشيعة: 17- 341- ب 12- ح 3.

ص: 203

الحاصل بالعقد للخيار، غير الخيار، مع انّه لم ينهض دليل على سقوطه بالإسقاط. اللّهم إلّا ان يقال: بأنه إسقاط لما يثبت بعد الثلاثة فيثبت بعدها بالتأخير، فيسقط به، و ليس هذا من إسقاطه ما لم يثبت، كي لا يعقل، فافهم. و ما ادعاه من فحوى الاشتراط، ففيه انه لا يرى أولوية فيه من الاشتراط، ضرورة انه يكون بالشرط ما لم يكون بدونه، فتأمّل.

[الثاني اشتراط سقوطه في متن العقد]

قوله (قدس سره): (فان الشرط انّه يسقط به ما يقبل الإسقاط بدون الشرط- إلخ-).

و قد عرفت ان الإسقاط هيهنا لا يعقل، فإنه إسقاط لما لم يثبت، و عليه فلا يكاد يمكن تحقق إجماع على السقوط بالشرط، كما لا يخفى. نعم يمكن تصحيحه بان يقال، انه شرط سقوطه بعد ثبوته، فيثبت بعد الثلاثة آنا ما، فيسقط، كما أشرنا إليه في تصحيح الإسقاط، فلا تغفل.

[الثالث بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة]

قوله (قدس سره): (و دعوى ان حدوث الضّرر قبل البدل، يكفي في بقاء الخيار، مدفوع- إلخ-).

فيه ان حدوث الضّرر و ان كان لا يكفى بمجرّده في بقاء الخيار، لعدم دلالة حديث نفى الضرر (1)، الّا على ثبوته و عدم لزوم البيع في الجملة في الحالة الأولى، من غير تعرّض للحالة الأخرى، كما لا يخفى، إلّا انّه بضميمة استصحاب الخيار، كاف في بقاء الخيار، و انما يكون الأحكام المترتّبة على نفى الضرر، تابعة للضرر الفعلي، لو كان حديث النفي دالا على كون الضرر علة تامة منحصرة، و دون إثبات ذلك خرط القتاد، و إلّا فمن المحتمل ان يكون حدوثها بسبب الضرر، و بقاؤها بسبب أخر، فتدبّر.

[الرابع أخذ الثمن من المشتري]

قوله (قدس سره): (الرابع أخذ الثمن- إلخ-).

فيه إشكال، فإنّ أخذ الثمن هيهنا، ليس إلّا كأخذه في خياري المجلس و الحيوان، فكما لا يكون هناك مسقطا، لعدم كونه بمجرّده تصرّفا كاشفا عن الرضاء بالمعاملة، و إمضائها، بل يحسب تتمّة لها، كذلك هيهنا،


1- وسائل الشيعة: 17- 341- ب 12- ح 3.

ص: 204

كما لا يخفى.

[مسألة في كون هذا الخيار على الفور أم لا قولان]

قوله (قدس سره): (و قد عرفت ان الأقوى الفور- إلخ-).

قد عرفت بما حققناه في بعض الحواشي السابقة، أنّ الأقوى في مثل المقام، مما لم يكن الخيار من الأول التّراخي، للاستصحاب، كما قوّاه أخيرا، و الفور فيما كان من الأوّل، فتذكّر.

[مسألة لو تلف المبيع بعد الثلاثة كان من البائع]

قوله (قدس سره): (و قد يعارض النبوي (1) بقاعدة الملازمة بين النماء و الدّرك- إلخ-).

إنّما يعارض بها إذا كان التّالف ملكا للمشتري، و قد كان تلفه على البائع، حتى كان ضمانه على البائع، مع كون منافعه و نمائه للمشتري، كي ينافي قاعدة الملازمة. و اما إذا صار ملكا للبائع آنا ما، قبل التّلف و لو تقديرا، كما هو المراد بالنبوي على ما يأتي، فلا يعارض بها، حيث ان التّلف حينئذ ليس الّا كالفسخ الموجب لانفساخ البيع و انحلاله، و ليس ضمان البائع للمبيع في صورة التّلف قبل القبض، الّا تلفه في ملكه، كما في التّلف بعد فسخ البيع، و هو لا ينافي قاعدة الملازمة، كما لا يخفى.

[مسألة لو اشترى ما يفسد من يومه]

قوله (قدس سره): (لكن المراد من اليوم، اليوم و ليله- إلخ-).

لكن الظاهر من اليوم في الرّواية (2)، ما قابل اللّيل لوضعه له و قرينة المقابلة، كما لا يخفى. و مجرد كون الخيار حينئذ، لا يجدي للبائع شيئا لو سلّم، لا يصلح قرينة لإرادة اليوم بليلة، مع انّه يجدي، فإن الغالب فيما يفسد ليومه، عدم الوصول الى التلف، و عدم الانتفاع به أصلا، فيتدارك بالخيار، ضرر عدم الوصول اليه، الّا بالاختيار. اللهم الّا ان يكون مدرك هذا الخيار عندهم، حديث نفى الضرر و الضرار (3)، و عليه فلا وجه للتّحديد بهذا المقدار، بل يختلف زيادة و نقيصة، كما هو واضح.


1- مستدرك الوسائل: 2- 437.
2- وسائل الشيعة: 12- 358- ب 11- ح 1.
3- وسائل الشيعة: 17- 341- ب 12- ح 3.

ص: 205

السادس خيار الرؤية

اشارة

قوله (قدس سره): (منها صحيحة جميل بن درّاج (1)- إلخ-).

و تقريب الاستدلال بها، يتوقف على ان يكون الحكم بثبوت خيار الرّؤية، لأجل كون البيع بتوصيف القطعة بما لا يكون فيها، لا لمجرّد عدم رؤيتها، كما هو ظاهرها. الّا ان لا تكون الرّواية، إلّا بصدد بيان ان بيع الصّيغة، مع عدم رؤية قطعة منها، يكون معرضا لخيار الرّوية المعهود، من دون ان يكون بصدد بيان ما يعتبر فيه، فتأمل.

[مسألة مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة]

قوله (قدس سره): (و المسألة محلّ اشكال (2)، و أشكل من ذلك- إلخ-).

و التحقيق في حسم مادّة الإشكال، إذ ان الذي يرتفع به الغرر حقيقة و هو نحو اطلاع و إحاطة بالمبيع، يختلف ما يحقّه في العين الحاضرة و الغائبة، فربّما في العين الحاضرة ذاك الاطلاع، و ان لم يطلع على بعض ما لا يرتفع الغرر في الغائبة، إلّا بالاطلاع عليه بالتّوصيف، ضرورة انّه لا غرر حقيقة في الأمة الحاضرة التي يراها المشترى، و ان لم يطلع على انّه حبشية، أو غيرها مثلا، و لا يكاد يرتفع الغرر في الغائبة، إلّا بالاطلاع على ذلك، و سرّ ذلك ان الاطلاع الحاصل بالرّؤية، لا يكاد يحصل بالوصف، و ان اطلع به على بعض ما يخفى معها من الأوصاف، و من هنا ظهر انّ المراد في صحّة بيع العين الغائبة على ذكر ما يرتفع به الغرر، من دون خصوصية في ذكر الأوصاف التي يختلف بها القيمة أو الرغبات، و لكن لا يخفى انّ المدار في خيار الرؤية على التّخلف عما ذكر له من الأوصاف، و ان لم يكن مما له دخل في رفع الغرر أصلا.

قوله (قدس سره): (و يمكن ان يقال: ان أخذ الأوصاف في معنى الاشتراط- إلخ-).

كيف و في الأوصاف ربما يكون ما له دخل في حقيقة المبيع، و يكون تخلّفه موجبا لبطلان البيع بلا اشكال و لا خلاف، كما يأتي منه


1- وسائل الشيعة: 12- 361- ب 15- ح 1.
2- و في المصدر: و المسألة لا يخلو عن اشكال.

ص: 206

(قدس سره)، فيكون أخذه موجبا للغرر، هذا، مضافا الى ان الغرر حينئذ في نفس الشّرط، و الغرر في الشّرط كما يوجب بطلانه، يوجب بطلان البيع، و لو نقل بفساده، بفساد الشرط، لاستلزام الغرر فيه، الغرر في البيع، فغائلة الغرر لا تكاد تندفع إلّا بأنّه لا غرر مع ذكر الأوصاف و الإخبار بالاتصاف، كما لا يكون غرر في المقدار، مع الإخبار بوزنه أو كيله.

قوله (قدس سره): (لعدم الدليل على البطلان بعد انعقاده صحيحا- إلخ-).

هذا لو كان مراد القائلين بالبطلان، بطلان البيع من حين ظهور الخلاف. و اما لو كان مرادهم بطلانه من رأس، كما هو ظاهرهم، فلا مساس له بمرامهم، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (و يضعف بان محل الكلام في تخلّف الأوصاف التي لا توجب مغايرة الموصوف للموجود عرفا- إلخ-).

و لا يوجب تقييد البيع و لا المبيع أصلا، و ان كانت داعية الى البيع، أو مؤكّدة لداعيه، لانّ ظهور الخلاف فيها، كما لا يوجب البطلان، و هو واضح، لا يوجب تخلّفها الخيار، إذ ليس حالها، الّا كما إذا تخيّل الاتّصاف به، مما لا اتّصاف به من الأوصاف في العين المرئيّة، فكما لا يوجب الخيار هناك، لا يوجبه هيهنا، فيشترى لذلك، بل خصوص الأوصاف الّتي يوجب ذكرها نوعا، ما لم تقم هناك قرينة على الخلاف، تقييد البيع، أو المبيع ببعض مراتبهما، لا مطلقا، و الّا لأوجب تخلّفها البطلان، لانتفاء المقيّد بانتفاء قيده.

و بالجملة محل الكلام فيما كان التقييد بالأوصاف بنحو التعدد المطلوبي. و عليه فلو تردّد الأمرين كون الوصف ممّا يوجب التّقييد هكذا، أو لا يوجبه، فأصالة الإطلاق محكمة، فلا خيار مع التّخلف. و لو تردّد بين كونه ممّا يوجبه هكذا، أو يوجبه مطلقا، فيتردّد ما وقع بين ان يكون عقدا مع التّخلف، و ان لا يكون ضرورة انّه لا يكون عقدا معه، لو كان التّقييد به مطلقا، حيث انّه يظهر بالتّخلف انّه لم يكن ما قصد بيعه، و ما يكون لا يقصد

ص: 207

بيعه، فلم يتحقق بعد، بيع و لا عقد، كي يصح التّمسك بإطلاق مثل «أَحَلَّ الهُٰ ا الْبَيْعَ» (1) أو عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (2) فيكون أصالة عدم البيع العين الموصوفة مع التّخلف، محكمة، فتأمل جيدا.

[مسألة الأكثر على أن الخيار عند الرؤية فوري]

قوله (قدس سره): (و لم أجد لهم دليلا صالحا على ذلك- إلخ-).

و انما يتمّ ذلك لو كان الخيار ثابتا من الأوّل، و امّا لو كان الخيار من حين ظهور الخلاف، فاستصحابه كان محكما، كما عرفته في خيار الغبن، فراجع.

[مسألة يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا و بإسقاطه بعد الرؤية و بالتصرف بعدها]

قوله (قدس سره): (و جهان مبنيان على انّ الرؤية سبب أو كاشف- إلخ-).

يمكن ان يقال بجواز الإسقاط، و لو بناء على كون الرّؤية سببا، بان يكون إسقاطا لما ثبت بعد الرّؤية ليثبت، فيسقط، لا أن يكون إسقاطا فعلا، كي يكون إسقاطا لما لم يثبت، فتدبر جيّدا.

قوله (قدس سره): (لو جعلت الرّؤية شرطا لا سببا، أمكن جواز الإسقاط- إلخ-).

لا يكاد يمكن الّا بما نبّهنا عليه في الحاشية السّابقة، ضرورة انّه لا يتفاوت في عدم معقولية إسقاط ما لم يثبت بين ان يكون عدم الثبوت، لعدم السبب، أو لعدم الشرط. نعم لو جعل الإسقاط، إسقاطا لما ثبت فعلا بالسبب من التهيؤ، فهو و ان كان يعقل، الّا انه يحتاج الى دليل، فلعله لم يكن من قبيل الحقوق قابلة للإسقاط، بل كان من قبيل الأحكام.

قوله (قدس سره): (فان الخيار حكم شرعي لو أثر في دفع الغرر، جاز بيع كل مجهول متزلزلا- إلخ-).

هذا، مضافا الى انّه لا يكاد ان يكون دفع الغرر بالخيار، الّا على وجه دائر، ضرورة توقف صحة البيع حينئذ على ثبوت الخيار، و هو يتوقّف


1- البقرة: 275.
2- المائدة: 1.

ص: 208

على صحّته، فإنّه لا يكاد يكون خيار بدونها، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (الّا انّه لأجل سبب الخيار، و هو اشتراط تلك الأوصاف- إلخ-).

لا يخفى ان دفع الغرر، لا يتوقّف على اشتراط تلك الأوصاف، ضرورة اندفاعه بالعلم بالصفات، أو الاطمئنان الحاصل بإخبار البائع، أو غيره، كما تقدم منه- قدس سره- أيضا، و كان الخيار لأجل دفع الضرر، و لو كان نقض الغرض، لا النّقص، لا لأجل تخلّف الشّرط، كما كان في خيار العيب، و لو سلّم انه هيهنا بالاشتراط، فشرط سقوط الخيار، انّما ينافيه، إذا كان الاشتراط علّة تامة، دون ما إذا كان مقتضيا له، فان الشرط حينئذ و ان كان يمنعه عن التّأثير فيما يقتضيه، إلّا أنّه لا ينافيه، بل ربّما يؤيده حيث التزم باقتضائه، و صار بصدد إبداء المانع عن التأثير فعلا فيه، فتأمل جيّدا.

[مسألة لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت]

قوله (قدس سره): (و من المعلوم عدم نهوض الشرط لإثبات ذلك- إلخ-).

انما لا ينهض فيما علم انّه لا بد في كل واحد من انفساخ العقد و التّمليك من سبب خاص، كما علم في الزّواج، و الطلاق، و في غيره، فالشرط ناهض به، لعموم دليله، كما سيأتي توضيحه.

قوله (قدس سره): (و فيه انّه لا موجب للفساد مع ظهوره على الوصف- إلخ-).

فيه انّ الشرط و ان كان معلقا على ظهور الخلاف، الّا انه شرط البيع مطلقا، و فساده يوجب فساده مطلقا، لا انّ الشّرط انّما يكون في صورة ظهور الخلاف، كي يختص فساده بهذه الصورة، فافهم.

[مسألة لو اختلفا فقال البائع لم يختلف صفة و قال المشتري قد اختلف]

قوله (قدس سره): (و كيف كان فيمكن ان يخدش بأن المشتري- إلخ-).

و الاولى ان يخدش بان الاختلاف ان كان من جهة الاختلاف في ذكر بعض الأوصاف، و عدم ذكره، فالأصل عدم ذكره و التقييد به، و ان كان من جهة الاختلاف في ظهور الخلاف و عدمه، فالأصل عدم ظهور

ص: 209

الخلاف. و ما افاده- قدس سره- بقوله «و يمكن دفع ذلك- إلخ-» فيه انّه و ان كان الاشتراط بنحو التّقييد، الّا انّه بنحو التّعدد المطلوبي، و إلّا لزم البطلان، مع ظهور الخلاف لا الخيار، و معه يكون البيع متعلّقا بالعين الملحوظة فيها صفات موجودة، أو ما يعمها لا محالة، و انّما الشّك في تقييدها في المرتبة الأقصى من المطلوب بالصفات المفقودة، فأصالة عدم التّقييد بها محكمة، و اللّزوم من أحكام العقد على شي ء بلا تقييده بما هو فاقدة، فموضوع اللزوم محرز هيهنا بالأصل و الوجدان. و قد انقدح بذلك انّه هنا ليس مجالا، لأصالة البراءة أصلا، بعد ما كان الأصل فيما هو سبب الشّك فيها جاريا، كما لا يخفى. فتدبر جيّدا.

[السابع خيار العيب]

اشارة

قوله (قدس سره): (و انّما ترك اشتراطه صريحا، اعتمادا على أصالة السّلامة- إلخ-).

لا يخفى انّ إطلاق العقد لو كان مقتضيا للاشتراط، كما افاده قدس سره، كان هو المعتمد في ترك الاشتراط صريحا، لا أصالة السّلامة، مع انّ الاعتماد عليها لا يكاد يجدي في الاشتراط شيئا، غايته يجدي في إحراز السلامة و رفع الغرر كالقطع، مع ان رفع الغرر هيهنا انما يكون بالاشتراط الدّال عليه بالإطلاق، على ما تقدم منه قدس سره، من رفع الغرر في الأوصاف باشتراطها.

و بالجملة، أصالة السّلامة انّما تكون مجدية في رفع الغرر، فيما إذا لم يكن قضيّة الإطلاق، أو ظهور الإقدام اشتراطها، و عليه لا يكون قضيّة الاعتماد عليها في إحرازها، إلّا رفع الغرر كالقطع بها، لا اشتراطها كما لا يخفى. ففيما لا يجرى فيه أصالة السّلامة مما غلب فيه عدمها، كان الإطلاق أو غيره لو كان، مقتضيا لاشتراطها، فلا غرر، و فيما يجرى لم يكن هناك دليل على الاشتراط، لو لم يكن غيرها دليلا عليه، و لم يكن معه وجه للخيار مع ظهور العيب، لو كان منشئه اشتراط السّلامة.

و دعوى ان قضيّة الإطلاق أو ظهور الإقدام، انما يكون الاشتراط في خصوص مجرى أصالة السلامة، مجازفة، كما لا يخفى، ضرورة عدم الارتباط

ص: 210

بين اعتبارها، و قضية الإطلاق، أو ظهور الإقدام، مع انّه لو سلم ذلك، لما كان مجديا فيما أفاد من الاعتماد على أصالتها في الاشتراط، بل على الإطلاق في موارد جريانها، و أين هذا من الاعتماد عليها.

فانقدح بذلك انّ الاستثناء عن ذكر وصف الصحة، انّما هو بالإطلاق المقتضى لاشتراطها، أو ظهور الاقدام المقتضى لذلك، فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (ثم انّ المصرّح به في كلام جماعة ان اشتراط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد- إلخ-).

يعنى انّه تصريح بما ينزل عليه الإطلاق بقرينة الحكمة لو لا التّصريح به، أو بخلافه، لا بمعنى افادة الاشتراط لظهور الإطلاق مرّة، و بالتّصريح به اخرى، لعدم دلالة الإطلاق، و مع التّصريح أصلا، فإن دلالته انّما يكون بقرينة الحكمة، و من مقدّماته عدم البيان كما لا يخفى.

ثم انّ ذلك لو قيل بان مبني خيار العيب على تخلف الشرط، فلو لم يكن هناك شرط الصّحة، كما إذا قطع بها فبيع و اشترى، لم يكن هناك خيار، و لا أظنّ أحدا يلتزم به. و اما لو قيل بان مبناه الأخبار الدّالة على ثبوته مع العيب، كان اشتراط الصّحة موجبا لخيار أخر عند ظهور العيب، غير خيار العيب الثابت بنفس العقد على المعيب، و يشهد بأنّه غيره اختصاصه بأحكام، و أثار، و ثبوته، و لو لم يكن هناك اشتراط أصلا، كما هو قضيّة الأخبار.

قوله (قدس سره): (و يؤيد ما ورد من رواية يونس (1)- إلخ-).

فيه انّه انّما يؤيد لو كان خيار التّخلف غير ساقط بمثل الوطي الكاشف عن الالتزام بالبيع و الرضاء به، كما افاده (قدس سره)، و هو ممنوع لما أسلفناه، من ان سقوط خيار الحيوان بمثله، انّما هو على القاعدة، و لذا يتعدى منه الى سائر الخيارات، و لا خصوصية لخيار التّخلف من بينها.


1- وسائل الشيعة: 12- 418- ب 6- ح 1.

ص: 211

لا يقال: قضيّة اشتراط البكارة لا يعلم تحقّقه أو تخلّفه إلّا بالوطي.

فإنه يعلم بغيره أيضا، كما هو واضح، مع كون الثيبوبة عيبا في الإماء، محل اشكال، بل منع، كما يشهد به ما عن سماعة عن رجل باع جارية على انها بكر فلم تجدها كذلك، قال: «لا تردّ عليه، و لا يجب عليه شي ء انه قد يكون يذهب في حال مرض أوامر يصيبها» (1).

[مسألة ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري على الرد و أخذ الأرش]

قوله (قدس سره): (و لذا لم يبطل البيع فيما قابله من الثمن- إلخ-).

كيف و لم يكن البيع الّا التّمليك بالعوض، و ما يكون قابلًا للتّمليك و التّملك، ليس الّا نفس العين، فيكون الثمن بتمامه بإزائها، غاية الأمر وصف الصحة كسائر الأوصاف في الجملة، يوجب ازدياد الرّغبة الموجبة لبذل زيادة على ما يبذل بإزاء فاقدها.

قوله (قدس سره): (ثم منع كون الجزء الفائت- إلخ-).

لا يخفى انّه إذا كان المبيع شخصيا على ان يكون له مقدار كذا، لم يكن فيما إذا ظهر ناقصا الّا فاقدا للوصف و الكميّة المأخوذة فيه، لا للجزء، ضرورة أن الكميّة كالكيفيّة من الأوصاف، كيف و اعتبار الشّي ء جزءا و داخلا، يباين أخذه شرطا و خارجا كما لا يخفى، فافهم.

قوله (قدس سره): (بل الإجماع، على التخيير بين الرد- إلخ-).

و دعوى الإجماع، مع مخالفة الشيخ، و احتمال ان يكون بعض القائلين به انّما قال به بتوهّم انه مقتضى القاعدة، لا يخلو عن اشكال، و ان كان مخالفة المشهور فيما صار و اليه أشكل، و ذاك يمنع عن حصول الوثوق بظفرهم بقرينة في الاخبار، لكنّا نصار الى ما صار و اليه، لو كنا ظفرنا.

قوله (قدس سره): (و ان كان ظاهر كثير من كلماتهم توهم حدوثه بظهور العيب- إلخ-).

لكنه قد عرفت انه منزّل على المتعارف من التعبير عما هو موضوع للاحكام بمثل إذا ظهر لك كذا أو علمت كذا مع ان الموضوع لها نفس


1- وسائل الشيعة: 12- 418- ب 6- ح 2.

ص: 212

الواقعيات و ذلك لأجل دخل مثل العلم في ترتيب الإطعام عليها و العمل على وفقها كما لا يخفى فتدبر.

قوله (قدس سره): (و يؤيّد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب، ان استحقاق المطالبة بالأرش- إلخ-).

وجه التأييد وضوح انّ الأرش يكون بإزاء وصف الصّحة، و تداركا لفقدها، لا بظهور العيب و الفقد، فليكن العيب سببا للتّخيير بينه و بين الرّد، لا ظهوره. و فيه انّه لا ضير في ان يكون ظهوره سببا، لا أقل شرطا، لاستحقاقه الأرش بإزاء العيب، فلا يكون التّأييد بذلك خاليا عن شائبة المصادرة.

[القول في مسقطات هذا الخيار بطرفيه أو أحدهما]
[مسألة يسقط الرد خاصة بأمور]
[الثاني التصرف في المعيب]

قوله (قدس سره): (و يدل عليه مرسلة جميل (1)- إلخ-).

لا يخفى انّ المرسلة انّما تدل على انّ تعيين المبيع، و عدم قيامه بعينه بما هو تغيير، مانع عن التخاير و اختيار الرّد، و أين هذه من الدّلالة، على ان تصرف المشترى فيه بما هو تصرف منه، موجب لمضي البيع عليه، لرضائه به، و التزامه، على ما أسلفناه في خيار الحيوان، من ان تصرف المشترى فيه بما لا يكون الّا من المالك تخاير و اختيار، لمضيّة، أو تعبّدا، كما احتمله- قدس سره- هيهنا.

و قد انقدح بذلك انّه لا معارضة بينها، و بين الصحيحة (2) أصلا، و ذلك لأنّها يكون في مقام بيان ما يمنع عن التّخاير، و الصحيحة بصدد بيان ان تصرف المشترى رضا منه، و التزام بالبيع، فتأمل جيدا.

قوله (قدس سره): (فلا يدلّ على أزيد ممّا دلّ عليه ذيل المرسلة (3)، من ان العبرة- إلخ-).

قد عرفت انّ كلا من الخبرين بصدد بيان أمر غير ما كان الأخر بصدده، فلا وجه لمنع دلالة الصحيحة (4) على أزيد مما دلّ عليه ذيل المرسلة، مع انّ وطي الجارية و تقبيلها، من أوضح مصاديق إحداث شي ء فيها، مع


1- وسائل الشيعة: 12- 363- ب 16- ح 3.
2- وسائل الشيعة: 12- 362- ب 16- ح 2.
3- وسائل الشيعة: 12- 363- ب 16- ح 3.
4- وسائل الشيعة: 12- 362- ب 16- ح 2.

ص: 213

انهما لا يوجبان تغييرا فيها أصلا، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (فاذا كان مجرد النّظر المختص بالمالك حدثا، دل على سقوط الخيار (1) لكلّ تصرف- إلخ-).

أي لكل تصرف كان من قبيل التّصرف الذي دلّ عليه النّص في خيار الحيوان، و لا يبعد مساعدة العرف عليه، و انّما لا يساعد على شموله، لمثل الأمر بغلق الباب، و عليه فالبيّنة على اتحاد معنى الحدث في المقامين قائمة، فافهم.

ثم انه ظهر بذلك انّ الظاهر ان سقوط الخيار باحداث شي ء في المبيع، انما هو لأجل الرضا، و الالتزام، كما أشرنا إليه هيهنا، و بيّناه في خيار الحيوان، لا تعبّدا، فلا بد من الاقتصار على التّصرف الملازم للرضاء بمثل ما مثّل به في النّص في خيار الحيوان، فتأمّل جيّدا في المقام.

قوله (قدس سره): (و مقتضى ذلك انّه لو وقع التّصرف قبل العلم بالعيب لم يسقط- إلخ-).

يمكن ان يقال: ان مقتضى ذلك ان يكون التصرف الكاشف عن الرضاء بالبيع، مسقطا، و لو كان قبل العلم، و لا يلزم ان يكون الرّضاء به بعنوان انه بيع المعيب، كما لا يلزم في الفسخ الذي هو طرفه و عدله، فلو فسخ قبل العلم بالعيب، لا ينفسخ إلّا إذا قيل باشتراط الخيار بظهور العيب.

و بالجملة طرفا الخيار، الرضا بالبيع الواقع على المعيب، و فسخه، فلو كان له الخيار واقعا لأثر التخاير و اختيار الرضاء، أو الفسخ، و ان لم يعلم بثبوته له، و لا يعتبر في سقوطه بالتّخاير، العلم بثبوته، فإنه وضع لا تكليف، فافهم.

قوله (قدس سره): (خصوصا ما إذا كان هذا التقييد فيه في غاية البعد كالنّص برّد الجارية- إلخ-).

و هو ما روى عن الصادق (عليه السلام) انه بعد ما سئل عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتّى مضى لها ستّة أشهر و ليس لها


1- و في المصدر: دل على سقوط الخيار هنا بكل تصرف.

ص: 214

حمل. قال: «ان كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك من كبر، فهذا عيب ترد منه- الحديث-» (1). لكن يمكن ان يقال: انّ الإطلاق في الرّواية مسوق لبيان انّه عيب يرد به، لا لبيان الردّ به، كي دلّ بإطلاقه على الرّد به، و لو أحدث فيها في هذه المدّة، ما أحدث، كما لا يخفى، و عليه فلا يكون هناك إطلاق حتى يكون تقييده تعبّدا. و من هنا ظهر حال سائر إطلاقات الرّد، فافهم.

قوله (قدس سره): (و يرده مع ان مثلهما تصرف يؤذن بالرضاء و مثله (2) الحبل- إلخ-).

يشكل بأنّه لو لا كون مثلهما تصرفا كاشفا عن الرضاء، بان المبيع معهما، يكون قائماً بعينه، ضرورة أن المتصرف فيه بمثلهما، لا يوجب تغيّرا فيه لا يصدق معه انّه ليس قائماً بعينه، كما لا يخفى.

[الثالث تلف العين أو صيرورته كالتالف]
اشارة

قوله (قدس سره): (فان الظاهر منه، اعتبار بقائها في ملكه، فلو تلف- إلخ-).

قد عرفت في الحاشية السابقة الإشكال فيه، و انّ الظاهر هو بقاء العين على حالها بلا تغيّر، بمثل قطع، أو خياطة، أو صبغ، فلو لم يكن التّصرف بالنّقل، أو الرّهن، أو الإجارة، بما هو كاشف عن الرضاء مسقطا، لم يكن بمسقط أصلا، لصدق انّ المبيع يكون قائماً بعينه مع التّصرف بأحدها، كما لا يخفى.

[فرع لا خلاف نصا و فتوى في أن وطء الجارية يمنع عن ردها بالعيب]

قوله (قدس سره): (و هذا قد (3) وقع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مبنيا على تقرير رعيته على ما فعله الثاني- إلخ-).

أو ردّا من أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) و غيره من الأئمة (عليهم السلام) عليه، على ما حكى عنه ابن ابى ليلى، من انّها تردّ و يردّ معها مهر مثلها، كما هو في محكي التذكرة (4)، أو لأحل انّه لا معنى يعقل


1- وسائل الشيعة: 12- 413- ب 3- ح 1.
2- و في المصدر: يؤذن بالرضا و مرسلة جميل.
3- تذكرة الفقهاء- 1- 526.
4- و في المصدر: و هذا انما وقع عن أمير المؤمنين.

ص: 215

للأجرة على وطي المالك، فإنّه منه ليس الّا كاستيفائه سائر المنافع من ملكه، و هذا واضح.

قوله (قدس سره): (أحدهما من حيث مخالفة ظهورها في وجوب ردّ الجارية، أو تقييد الحمل- إلخ-).

لا يخفى انّه انما يكون ذلك من وجوه مخالفة الظاهر التي يستلزمها العمل بظاهر الأخبار، إذا كان بكلا شقّيه مما يستلزمه العمل، و ليس كذلك، كما هو واضح، بل أحد الشّقين لازم على كل حال، عمل أو لم يعمل. اللّهم الّا ان يكون غرضه، انّه لا بد من التّقييد على تقدير الحمل، و مخالفة الظاهر، بناء على العمل، و أمر التّقييد أهون، فافهم.

قوله (قدس سره): (مخالفة لزوم العقر على المشترى- إلخ-).

مع الاستفادة منه غير واحد من الاخبار، و على الحمل يكون الحمل من المولى، لا يلزم المخالفة أصلا، حيث ظهر بطلان البيع، و كون الوطي في غير الملك بشبهة، فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (و الّا لم يكن لذكر جهل البائع في السؤال فائدة- إلخ-).

لعل الفائدة تخيّل انه ربّما يكون له دخل في صحّة البيع أو لزومه.

هذا، مع انّه لم يظهران بطلان بيع أم الولد، كان في الصّدر الأول من الواضحات، فتأمل.

قوله (قدس سره): (و تقييدها بصورة عدم هذه التصرفات- إلخ-).

لا يخفى ان العمل بظاهر الأخبار، لا يستلزم هذا التّقييد، لعدم دليل على سقوط الخيار بمثلها تعبدا، و عدم دلالتها على الرّضاء، و الالتزام بالبيع، كما مرت الإشارة إليه مرارا، فلا دوران في الأخبار بين التقييدين. ثم لا يخفى انّه يتوجه على هذا الوجه، ما وجّهنا على الوجه الأول، فلا تغفل.

ص: 216

قوله (قدس سره): (و يمكن الرجوع الى ما دلّ على جواز الرّد مع قيام العين- إلخ-).

قد عرفت في بعض الحواشي السابقة انّه لا وجه للرّجوع اليه مع التّصرف الكاشف عن الالتزام بالبيع، حيث لا يبقى معه مجال للطرف الأخر للخيار، فافهم.

قوله (قدس سره): (لكن يبقى لزوم العقر مما لا دليل عليه الّا الإجماع المركّب- إلخ-).

و هذا الإجماع و عدم الفصل انّما يجدي لو قيل بعدم جواز الفصل بين ما يقضيه الأصل. و ما يلازمه واقعة، بخلاف ما إذا قيل بجوازه، و عدم ملازمة بين عدم الفصل في الواقع، و عدم الفصل في الظاهر، كما لا يخفى، و لعله أشار إليه بقوله، فافهم.

قوله (قدس سره): (و لا بأس به في مقام الجمع- إلخ-).

انما لا بأس به إذا كان الجمع تبرعيّا، لا الجمع المتّبع المرتفع به التّعارض بين الأخبار، كما اذاك ان أحد الخبرين المتنافيين حجة لترجيحه، أو لإخلال شرائط الحجيّة في الأخر، فيئول تبرّعا بما يلائم الحجة، فافهم.

قوله (قدس سره): (و في لحوق التّقبيل أو (1) اللمس، بالوطي و جهان: من الخروج عن مورد النص- إلخ-).

لا يخفى عدم الاعتبار بالأولوّية، إذا لم يكن بقطعيّة، و الاولى الاستدلال على اللحوق بالملازمة بينهما، و بين الوطي عادة، حيث لا يكاد ينفك عنهما غالبا، و معه كيف يكون الحكم بعدم السقوط به، مع الحكم بالسّقوط بهما، و التّفصيل بين ما كان منهما معه، و بين ما لا يكون كما ترى، فتأمل.


1- و في المصدر: و في لحوق التقبيل و اللمس بالوطي.

ص: 217

[الرابع من المسقطات حدوث عيب عند المشتري]
اشارة

قوله (قدس سره): (و اما الحادث في زمن الخيار، فكذلك لا خلاف في انه غير مانع عن الرّد- إلخ-).

كيف، و هو يقتضي الرّد مثل العيب السّابق، و لا يكاد يكون الشي ء مانعا عما يقتضيه، ضرورة انّه لا بدّ ان يكون المانع علة لعدم الشي ء، كي يمنع المقتضى له عن اقتضائه و تأثيره، لا مقتضيا لثبوته، و الّا يؤيّده لا انّه يزاحمه و يعانده.

لا يقال: مقتضى إطلاق مرسلة جميل (1)، سقوط الرد به، حيث انّ المبيع بسبب حدوث العيب، لا يكون قائماً بعينه. لأنه لو لم يكن منصرفا عن التّغيير المضمون على البائع المقتضى للأخبار، مثل ما كان به من العيب السابق. فلا بدّ من تقييده عقلا، بعد فرض كونه مقتضيا شرعا، لما عرفت، الّا ان يمنع عن ذلك و هو خلف.

لا يقال: كونه مقتضيا شرعا، انما يمنع عن كونه مانعا عقلا، لو كان الخيار العيب، لا لخيار أخر، فإنه مضافا الى انّه موجب له، إذ لا معنى له الّا ما كان ناشئا عن قبل العيب، يكفي في ذلك اقتضائه لخيار أخر، لاشتراك لخيارات، في التّخاير بين الرّد و الإمساك، و هو يقتضي ان يكون بين مقتضياتها جهة مشتركة، لما قرر في محله، في باب العلة و المعلول. و اختلاف لخيارات في الأحكام و الآثار، انما هو لاختلاف مقتضياتها في الخصوصيات. فتدبر جيّدا.

قوله (قدس سره): (لكنه يندفع بان الظاهر من قيام العين بقائه بمعنى ان لا ينقص ماليته- إلخ-).

و ذلك لوضوح انّ هذا الشرط، انّما هو لرعاية بايع المعيب، و ان لا يرد اليه ما باعه ناقصا، و لا رعاية له مع الزّيادة أصلا، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (و الوجه المذكور في التذكرة (2) قاصراً- إلخ-).

انّما كان قاصراً، إذا كان غرض العلّامة- قدس سره- إبداء الشّك


1- وسائل الشيعة: 12- 363- ب 16- ح 3.
2- تذكرة الفقهاء: 1- 525.

ص: 218

بذلك، و اما إذا كان غرضه إبداء المانع عما يقتضيه العيب السّابق، فلا، و عليه فلا يتوجّه على ما ذكره، الّا منع كونه مانعا لعدم نهوض برهان به، فافهم.

قوله (قدس سره): (فان النّقص الحاصل بالصّبغ (1)، انما هو لتعلّق حق المشترى- إلخ-).

بل انما هو لأجل التّغيير الحاصل به حسا، كالتغيّر الحاصل بالقطع، من دون ملاحظة ما حدث به بذلك، عن تعلّق حقّ المشترى أصلا، كما لا يخفى على من تأمّل.

قوله (قدس سره): (امّا الفرق بين إفراد النّقص الغير الموجب للأرش بين مغير العين حسّا- إلخ-).

بل لا محيص عنه، لدخول المبيع مع النّقص الغير المغيّر في الشرطيّة الأولى، حيث يصدق انّه قائم بعينه، و مع النّقص المغيّر في الشرطيّة الثّانية، يصدق انه ليس كذلك، بل تغيّر كما في التغيّر بالقطع، كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة.

قوله (قدس سره): (ثم مقتضى الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب الحادث- إلخ-).

يمكن ان يقال هذا كذلك لو كان الشك في الثبوت بعد السقوط، و امّا إذا كان الشك في أصل السقوط، بمثله، لعدم نهوض ما في التذكرة به، كما هو واضح. و كذلك المرسلة (2) بدعوى الاختصاص بالتّغير الباقي الى حين الرّد، لما أشرنا إليه من استظهار انّ اعتبار عدم التّغير في الرّد، انما كان بمراعات البائع، و لا تفاوت أصلا بين ان لا يحدث فيه تغير، و ما إذا حدث و قد زال قبل الرّد، كما لا يخفى، فتأمل.


1- و في المصدر: فان النقص الحاصل بالصبغ و الخياطة انما هو لتعلق حق المشترى.
2- وسائل الشيعة: 12- 362- ب 16- ح 1.

ص: 219

فأصالة الثّبوت متّبعة، لو كان خيار العيب بعد ظهوره، و إلّا فأصالة اللزوم، لما مرّت إليه الإشارة، من ان المرجع هو مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) لو كان الشك في أصل ثبوت الخيار، أو في بقائه، يعد ثبوته من الابتداء. و اما إذا كان حدوثه في الأثناء، فالمرجع هو استصحاب الخيار، فتدبر جيدا.

قوله (قدس سره): (لان عدم الجواز لحق البائع- إلخ-).

و بمراعاته كما أشرنا اليه، فاذا رضي بالرّد مجبورا، أو غير مجبور، فللمشتري التّخاير، و اختيار كل واحد من الرّد، و الإمساك بالأرش، بماله الخيار، كما إذا لم يكن حدوث عيب أصلا، فلا يتوهم انّ الرّد مع الرضاء به، اقالة، كما لا يخفى. فتدبر جيدا.

قوله (قدس سره): (و الحادث مضمون بضمان إليه- إلخ-).

بأن يكون العيب الحادث على المشترى المالك، و خسرانه عليه، بسبب كونه مالكا للمبيع، و حدوثه و زوال وصف الصّحة كان تحت يده و استيلائه، لا بمعنى ما هو مضمون «على اليد ما أخذت- الحديث- (2)» حتى لا يكاد يكون إلّا في غير المالك، فافهم.

[تنبيه أن من العيب المانع من الرد بالعيب القديم تبعض الصفقة على البائع]

قوله (قدس سره): (بل الظاهر المصرح به في كلمات بعض، الإجماع عليه، لأن المردود و ان كان جزءا مشاعا- إلخ-).

و الإجماع ان تم، و الّا فيما أفاده إشكال، و ذلك لأنّ المستند في المنع بذلك عن الرّد بالعين ان كان هو دخول المعيب بالتّبعيض فيما لا يكون قائماً بعينه، فلا يجوز ردّه، للمرسلة. ففيه منع دخوله فيه، و لو قلنا بعدم الاختصاص بالتغيّر الحسّي و الشمول لمثل نسيان العبد للكتابة، و الدابّة للطحن، لوضوح انّه على ما كان بلا تغيير. و تفريقه عما ضمّ اليه، و قد بيعا صفقة، لا يوجب كونه غير قائم بعينه، و لو سلّم، فإنّما هو يكون بالرّد، و المرسلة ظاهرة في كون المانع، ما كان قبله، كما لا يخفى. و ان كان هو كون التّبعيض ضررا، ففيه


1- المائدة: 1.
2- مستدرك الوسائل: 3- 145.

ص: 220

منع كون مجرد التّبعيض ضررا، ينفيه حديث نفى الضرر (1)، و لو سلّم، فأخبار (2) جواز الرّد بالعيب ما دام قائماً بعينه و لم يحدث فيه شيئا في شموله له، أظهر، فتدبّر.

هذا، مع ان الصبر على المعيب ضرر، و لا يعارض بضرر التّبعض على البائع، فإنّه يجي ء من قبل نفيه، و لا يعارض الضّرر بما يجي ء من قبل حكمه و نفيه، ضرورة انّه لا يعمّه دليل النفي، فافهم.

و قد انقدح بذلك ما في كلامه (قده) «و هذا الضرر، و ان أمكن جبره بالخيار- إلخ-» من الخلل، فإنه ناش من قبل نفى الضّرر، فلا يعارض به ضرر صبر المشترى على المعيب، و إلّا فلا يعارض بما ربّما يستتبعه من الخيار، من ضرر نقض غرض المشتري بإمساك الجزء الصحيح. ثم انّه لا دلالة على المنع بالتّبعيض للنّص المانع عن الرّد بالخياطة، و الصبغ أصلا، فإنه ظاهر في تغيّر الحسّي، خصوصا بقرينة القطع.

و قد ظهر وجه انّه لا يمنع الرّد مع ذلك، إذا كان بالزيادة من بعض الحواشي السّابقة، مع انّه لو سلم شموله لمثل الشّركة، فإنّما هو إذا كان قبل الرّد، ليمنع عنه، لا بسببه، كما أشرنا إليه هيهنا، فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (و اما لصدق المعيوب على المجموع كما تقدم- إلخ-).

لا يخفى ان هذا لا يصلح وجها، الّا لكون محل الخيار، هو مجموع ما وقع عليه العقد، لا خصوص ما فيه العيب، بلا شبهة، و لا ريب.

قوله (قدس سره): (و منع سلطنة أولا أولى (3)- إلخ-).

قد انقدح بما ذكرنا في الحاشية الّتي قبل الحاشية السابقة، انّه لا وجه لمنع سلطنته على الرّد، فضلا عن كونه اولى، و حدوث الخيار للبائع بذلك.

و سلطنته على الفسخ المستتبع لرفع سلطنته على إمساك الصحيح، لا يوجب


1- وسائل الشيعة: 17- 341- ب 12- ح 3.
2- وسائل الشيعة: 12- أبواب أحكام العيوب.
3- و في المصدر: و منع سلطنته على الرد أوّلا أولى.

ص: 221

كون منع السلطنة على الرّد الّتي تقتضيها القاعدة أولى، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (و كيف كان فمبنى المسألة على ما يظهر من كلام الشيخ (قدس سره) إلخ-).

و لا ينبغي لأحد أن يرتاب في تعدده بتعدّده، و ان كان كل واحد من الإيجاب و القبول بلفظ واحد، و ذلك لوضوح ان العقد عبارة عن اعتبار عقلائي يكون بين الاثنين، ناش منهما فيما قصد بهما التوسل و التّسبب الى حصول مضمونها، و ان تشخّص الاعتبارات، و الإضافات، انّما يكون بما هي قائمة، بمالها من الأطراف، فكيف يكون العقد الواقع بين البائع، واحد المشتريين، عين العقد الواقع بينه و بين الأخر، بمجرد وحدة الإيجاب و القبول، مع كون الإيجاب لاثنين، و القبول من قبلهما. و هل يكون الّا كما إذا جمع في الإيجاب و القبول، بين البيع و التزويج لواحد، أو لاثنين، فكما لا يوجب هذا الجمع و وحدة القبول، كون عقد البيع و التّزويج واحدا، كذلك هيهنا. و تجرّد وحدة المنشاء (1)، لا توجب وحدة المنشاء مع تعدد أطرافه.

و كيف كان فالأقوى في المسألة، جواز الافتراق في التّخاير، لإطلاق الاخبار و عمومها في ثبوت الخيار لكلّ من اشترى معيبا. و دعوى انصراف الإطلاق الى غير المقام مجازفة، كيف و معه يلزم ان يبقى المقام بلا دليل أصلا، مع انه لو سلّم ذاك الانصراف، لا يضرّ بعموم بعض الأخبار، كما لا يخفى. و كون الرّد منفردا، نقصا، لو سلّم، لا يمنع عن الرّد، و انّما يمنع عنه ما كان قبله، لا ما كان بسببه، كما عرفت. و مثل هذا النّقص، لا يوجب صدق انّه ليس قائماً بعينه، مع انّه لو سلّم، لا يوجب شمول إطلاق الخبر له، لظهوره فيما ليس كذلك قبل الرّد. و من ذلك علم قوّة جواز الافتراق، و ان قيل بوحدة العقد، إذ المدار على تعدد المشترى، لا العقد.

قوله (قدس سره): (فيه انه أخرجه غير مبعّض، و انّما يبعّض بالإخراج، و المقصود حصوله- إلخ-).

لا يخفى انه شبه مصادرة، مع انّه لو كان كذلك، لا وجب عدم جواز


1- المنشئ (خ. ل).

ص: 222

الافتراق فيما إذا باع الجزء المشاع بعقد، و الجزء الأخر بعقد مستقل أخر، لأنه أخرجه غير مبعّض، و انما تبعّض- إلخ- و هذا كما ترى. و من هنا ظهر انه لا وجه لمقايسة هذه المسألة مع المسألة الاولى، و ان كان الافتراق فيها، لا يخلو من بعد، كما عرفت.

[مسألة يسقط الأرش دون الرد في موضعين]
[أحدهما إذا اشترى ربويا بجنسه]

قوله (قدس سره): (لكن يمكن ان يدّعى ان المستفاد- إلخ-).

أو يدعى ان المستفاد من أدلة تحريم الربا، انّه كما لا يجوز الزّيادة في الرّبويين من ابتداء البيع، كذلك لا يجوز في حال استقراره، و لزومه، ضرورة انّ الأرش يكون موجبا لان يكون قراره على الزّيادة في طرف المعيب، حيث كانت في طرفه زيادة الأرش، جزاء كانت، أو غرامة، و يكون حال زيادته، كحال زيادة الشّرط في طرف أحد الربويّين، فافهم.

[مسألة يسقط الرد و الأرش معا بأمور]
[أحدها العلم بالعيب قبل العقد]

قوله (قدس سره): (لان الخيار انما يثبت مع الجهل- إلخ-).

فيه من المصادرة ما لا يخفى، و لعلّ وجه النّظر في الاستدلال بمفهوم الصحيحة (1)، هو ان عدم تبيين البائع العيب للمشتري، لا يستلزم جهله به، فافهم.

قوله (قدس سره): (فسد الشرط و أفسد لكونه مخالفا للشرع- إلخ-).

يمكن ان يقال: انه انّما يكون مخالفا للشّرع، إذا كان عمله بالعيب علة تامة لعدم الخيار، و امّا إذا لم يكن إلّا مقتضيا له، فلا، و يكون شرط الخيار به حينئذ، كشرط عدم الخيار به، مع الجهل، أو كشرط عدم خيار المجلس، أو الحيوان، أو غيرهما، و كما لا يكون شرط عدم الخيار فيها شرطا مخالفا للشّرع، كان شرط ثبوته هيهنا غير مخالف له، و فيما لم يحرز ان ما يقتضي عدمه علة تامة، أو مقتضى نعامل معه معاملة المقتضي، على ما سيأتي ان شاء اللّه تعالى. هذا، و اما إذا شرط نفس الفسخ، أو الإمساك بالأرش، فيما إذا علم مقداره، فلا إشكال في نفوذه، فلا تغفل.


1- وسائل الشيعة: 12- 362- ب 16- ح 2.

ص: 223

[الثاني تبري البائع عن العيوب]

قوله (قدس سره): (أقول: المفروض ان الخيار لا يحدث الّا بسبب حدوث العيب- إلخ-).

فيكون التّبري أيضا مما لم يوجد بنفسه و لا سببه.

قلت: يمكن ان يقال، انّ الخيار حيث كان من أحكام العقد و آثاره، كان العقد مقتضيا له، غاية الأمر، بشرط حدوث العيب، أو قدمه، ضرورة انّ حكم الشي ء من آثاره و مقتضياته، فيدخل بذلك فيما وقع محل الإشكال و الخلاف و انّه هل يكفي في صحّة الإسقاط ثبوت المقتضي، أو لا يكفى، كما مرت الإشارة اليه، و قد تقدم منه تقوية انّه يكفى، فراجع.

قوله (قدس سره): (و بالجملة فلا فرق بين البراءة من خيار العيب- إلخ-).

لا يخفى انه كلام مستأنف، لا دخل له بسابقه، و قد عرفت في بعض الحواشي السابقة، انّ البراءة لا توجب الغرر، لو كان مرتفعا لولاها، بسبب أصالة السّلامة هيهنا، و الوصف هناك، أو بغيرهما، فتذكر.

قوله (قدس سره): (الأوّل عهدة العيوب- إلخ-).

يمكن ان يقال انّ البراءة، مضافة الى نفس العيوب، لا الى عهدتها، و يكون البراءة ضدا لعهدتها، غاية الأمر يكون قضيّة التّضاد بينهما انتفاء الالتزام بالسّلامة، و تهدّها مع البراءة، لا رجوعها اليه، فمعها كأنّه باعه مع علم المشترى بعيبه، لا كأنّه باعه على كلّ تقدير، فان البيع كذلك مطلقا، و لو مع عدم البراءة، و الّا يلزم بطلانه فيما ظهر فيه العيب، بل مطلقا، فإنه بيع على تقدير غير معلوم الوقوع، فافهم.

قوله (قدس سره): (و امّا سائر الأحكام (1)، فلا، فلو تلف بهذا العيب في أيام خيار المشتري- إلخ-).

و الظاهر انّ مراده من عموم النّص، عموم قاعدة التّلف في زمن الخيار، ممن لا خيار له، و ذلك، اى عدم سقوط سائر الأحكام، لأن دليل


1- و في المصدر: و اما سائر أحكامه.

ص: 224

التّبري، لم يدلّ الّا على سقوط الخيار. و عموم أدلتها، أو إطلاقها يبقى سالما عن المخصّص أو المقيّد. نعم لم يكن لها عموم أو إطلاق يشمل صورة التبري، فالمرجع هو أصالة عدم ثبوتها معه، فتدبّر جيّدا.

[ثم إن هنا أمورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الرد و الأرش بها]
[منها زوال العيب قبل العلم به]

قوله (قدس سره): (لأنّ ظاهر الدّلالة الرد، خصوصا بملاحظة انّ الصّبر على العيب ضرر، هو ردّ المعيوب- إلخ-).

بل ظاهرها ردّ ما كان به العيب، بل لو فرض كون الرّد في الدليل متعلّقا بالمعيوب، لم يكن ظاهرا في خصوص ما هو المعيوب حال الرّد، لقوّة احتمال انّه بلحاظ حال تلبّه بالعيب، أخذ هذا عنوانا له، و لا يلزم مجاز، بناء على كون المشتق حقيقة في خصوص من تلبّس، و ان زال عنه العيب حين الرّد، كما لا يلزم في مثل «وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا» (1) و «لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ» (2) و ان لم يكن متلبّسا بالمبدء حال القطع و النيل، و ذلك لان الإطلاق يعمّ حال الزّوال، فاستصحاب الخيار بلا إشكال، ضرورة ان العيب يعد عرفا من العوارض و الأحوال، لا من المقومات، فتأمل جيدا.

قوله (قدس سره): (و اما الأرش، فلما ثبت استحقاق المطالبة به، لفوات وصف الصحّة حال (3) العقد، فقد استقرّ بالعقد- إلخ-).

لا يخفى اتحاد الرّد و الإمساك مع الأرش سببا و موضوعا، فلو كان العقد على المعيب موجبا لاستقرار المطالبة بالأرش، لكان موجبا لاستحقاق الرّد، و ذلك لبداهة ان العقد لم يوجب خصوص الأرش، بل إنّما أوجبه لأجل أنه ضميمة أحد طرفي الخيار، فكيف يكون العقد على المعيب موجبا لاستقرار المطالبة، دون استقرار الاستحقاق. و ما ذكره من ظهور أدلة الرّد، خصوصا بملاحظة انّ الصبر على المعيب ضرر، لو سلّم، فهو بعينه جار في الأرش، فالقول بالتّفصيل بين الأرش و الرّد، لا وجه له أصلا، كما ان القول بثبوتهما،


1- المائدة: 38.
2- البقرة: 124.
3- و في المصدر:. لفوات وصف الصحة عند العقد.

ص: 225

كما كان في غاية الوجاهة للإطلاق، و الاستصحاب، لو قيل باشتراط ظهور العيب، على ما مرّت الإشارة إليه غير مرّة.

[و منها التصرف بعد العلم بالعيب]

قوله (قدس سره): (و حيث لم يدلّ التّصرف عليه- إلخ-).

حيث انّ غايته الدّلالة على الرّضا بالبيع، و إمساك المبيع، و هو أعمّ من إمساكه بالأرش، أو مع إسقاطه. نعم لو جعل التّصرف كاشفا عن إسقاط الخيار، لا التّخاير، و اختيار أحد طرفيه، كما هو لازم ما بنى عليه في بيان حقيقة الخيار، من انّه ملك فسخ العقد، و عدمه، لكان التّصرف موجبا لسقوط الأرش أيضا. فتأمل جيدا.

[و منها التصرف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب]

قوله (قدس سره): (و النّص الدالّ على اشتراط الردّ بقيام العين- إلخ-).

فيه، مع منع الاختصاص، انه لو سلّم، فلا يكون دليل على ثبوت الخيار فيه بالخصوص، إلّا أصالة جواز الرّد الثابت قبل حدوث العيب، فلا بد منها في إثبات جواز الرّد، فلا يكون هذه اضافة كما جعلها، كما لا يخفى، مع انها لا يجري إلّا بناء على اشتراط ظهور العيب. و دليل نفى الضرر، لا يعمّه، لأجل معارضة ضرره بضرر البائع بالفسخ، فافهم.

[و منها ثبوت أحد مانعي الرد في المعيب الذي لا يجوز أخذ الأرش فيه]

قوله (قدس سره): (و الأول أولى- إلخ-).

بل الثاني، و ذلك لأن الأوّل يستلزم إمّا الالتزام باختلاف البيوع بحسب قصد المتبايعين، و كون صحة المبيع مما يجعل مقابلا بالمال في غير الربويّين، و لا يجعل مقابلا به فيهما، أو الالتزام بلزوم الرّبا في بيع أحد الربويّين بالآخر مع عيب أحدهما، فيما إذا لم يكن المعيب زائدا على الصحيح، ليقع الزّيادة بإزاء الصّحة في الأخر، و لا يكاد يلتزم بأحدهما أحد، ضرورة عدم اختلاف البيوع، و بطلان بيع الربويّين، مع زيادة أحدهما و لو في طرف المعيب.

و هذا بخلاف الثاني، فإنّه لا بعد في التزام تمشي الرّبا في الفسخ مع الأرش، فإنّه و ان كان ليس ببيع و لا عقد، بل حلّ البيع و العقد اعتبارا، الّا انّه في الحقيقة تمليك بالعوض. هذا، مع انّه ظاهر كلام العلامّة، بل صريحه، في مسألة ما إذا كان المبيع آنية من ذهب أو فضة، حيث قال

ص: 226

(قدس سره): فان حدث عند المشترى عيب أخر، لم يكن له الأرش، لما تقدم، و لا الرّد مجانا، إذ لا يجبر البائع على الضّرر، و لا الرّد مع الأرش، لاشتماله على الرّبا، لان المردود حينئذ يزيد على وزن الانية.

قوله (قدس سره): (فاذا فرض ان صفة الصحة لا يقابل بجزء من المال في عقد المعاوضة الربويّة، فيكون تلفها في يد المشتري- إلخ-).

لا يخفى انّ صفة الصّحة، و ان كانت كسائر الأوصاف، لا يقابل بالمال في عقد المعاوضة مطلقا، لما تقدم منه الاعتراف، و ان كانت موجبة لبذل الزّيادة بإزاء المتّصف بها، الّا انها من بين الأوصاف يضمن و يغرم، فكما ان المشترى انّما يكون ضامنا للمبيع لو تلف، لأجل تقدير رجوعه الى ملك البائع، و ان كان تلفه في ملك المشترى، فكذلك وصف صحته.

و بالجملة انّما كان ضمانها، و لزوم الغرامة لها، لأجل كونها شرعا و عرفا يقوم بالمال، كالموصوف بها، لا لكونها يقابل بإزاء شي ء من الثمن في البيع، فيكون تلفها هيهنا بعد تقدير الرجوع و تنزيله منزلته، كتلفها في المقبوض بالسّوم، في أنّها تالفة في ملك مالكها، فيضمنها المشترى القابض، غاية الأمر تقديرا، و تنزيلا هيهنا، و حقيقة هناك. و لا محيص عن هذا التّقدير، و الّا لا يعقل ضمان الإنسان، و الغرامة لما له، و قد بيّنا مفصلا في بعض الحواشي المتقدمة، انّه لا يصح الانتقال الى البدل بعد الفسخ، الّا بالتقدير، فراجع.

قوله (قدس سره): (و لا يقدر في ملك البائع، إلّا بعد رجوع مقابله من الثمن إلى المشترى و المفروض- إلخ-).

يكفي في تقدير كون تلفها في ملك البائع، رجوع ما يقابل الصحيح من الثمن إلى المشتري، كما في غير الربويّين، حيث انّها فيه أيضا لا يقابل بإزاء شي ء من الثمن، كما عرفت، و اعترف به (قدس سره)، فتأمل جيدا.

قوله (قدس سره): (و لعلّه لأن التأخير دليل الرضاء و يردّه- إلخ-).

بل لأن خيار العيب عنده على الفور، فإذا تراخى في التخاير، و اختار الرّد، أو الإمساك بالأرش، سقط الخيار بكلا طرفيه، بانتهاء أمده

ص: 227

و استعداده. اللّهم الّا ان يجعل الأرش ضميمة أحد طرفيه، بل أمر ثبت مع عدم الرّد، و لو بدون اختياره، لكنّه لم ينهض عليه دليل، فافهم.

قوله (قدس سره): (و التحقيق رجوع المسألة إلى اعتبار الاستصحاب- إلخ-).

و قد عرفت غير مرّة، اعتباره بناء على كون ظهور العيب شرطا، و عدم اعتباره بناء على كونه كشفا عن ثبوته من الأوّل.

[مسألة من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل محظورا و كان المشتري بالخيار]

قوله (قدس سره): (ان كتمان العيب الخفي، و هو الذي لا يظهر بمجرد الاختبار المتعارف قبل البيع، غش- إلخ-).

كون كتمانه بمجرد عدم إظهاره، مع كون اعتماد المشتري انّما كان بأصالة الصّحة و السّلامة في اشترائه غشا، ممنوع، غايته انّه ما نصحه، لا انّه غشّه. نعم لو سأله عن حاله و لم يبيّن له ما فيه، أو أخفى ما فيه مما يظهر بمجرد الاختبار المتعارف من العيب، لو لا إحقائه، كان غشا.

و بالجملة، الغش و ان كان خلاف النّصح، إلّا أنهما مما لهما الثالث، فليس في كل ما لا يكون هناك أحدهما، ان يكون الأخر، فتدبر جيدا.

[مسائل في اختلاف المتبايعين]
[أما الأول في موجب الخيار]
[الثالثة لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخره عن ذلك]
اشارة

قوله (قدس سره): (و لعلّه لأصالة عدم تسليم البائع العين إلى المشتري- إلخ-).

لا يخفى ما في هذه الأصول، من عدم ترتّب الخيار شرعا على عدم التّسليم، و استحقاق، تمام الثّمن بمجرد العقد، و لو في العقد على المعيب، إلّا إذا قيل بمقابلة وصف الصّحة بجزء من الثمن، و حدوث العقد من رأس لازما أو غير لازم، فلا حالة سابقة له يستصحب، بل قضية استصحاب بقاء ملك البائع للثمن بعد الفسخ، لزومه، فلعلّه لأصالة عدم العقد الى حين حدوث العيب، و انه يثبت وقوع العقد على المعيب، بناء على اعتبار الأصل المثبت لدى ابن الجنيد، فتدبر جيّدا.

قوله (قدس سره): (كما يحلف على طهارة المبيع- إلخ-).

في جواز حلفه على الطّهارة، استنادا الى الأصل، و الإكتفاء به في رفع الخصومة أيضا، تأمّل، فيما إذا ادعى النّجاسة واقعا، خصوصا مع

ص: 228

الاعتراف بعدم علم البائع به، بل منع. نعم لو صح منه دعوى فعلية نجاسته عليه، جاز حلفه على الطهارة، استنادا إليه، فتأمل.

قوله (قدس سره): (نعم لو أريد سقوط الدّعوى الى ان يقوم البنيّة، فله وجه- إلخ-).

لا وجه لسقوط الدّعوى به الى قيام البنيّة أصلا، حيث لم يدلّ على تشرعه لذلك، كما لا يخفى، و انّما شرع فيما يذهب به حق الدّعوى، و يسقط به الدّعوى رأسا، و ان كان المدعى ثابتا واقعا، و يقدر على إثباته بإقامة البنيّة فيما بعد، فتدبر جيّدا.

[فرع لو باع الوكيل فوجد به المشتري عيبا يوجب الرد رده على الموكل]

قوله (قدس سره): (فهل للوكيل ردّها الى الموكّل أم لا، و جهان- إلخ-).

أوجههما عدم جواز الردّ، الّا فيما علم بصدق المشترى، و ذلك لعدم نهوض دليل على كون اليمين المردودة، كالبيّنة في إثبات الواقع، بترتيب جميع آثاره عليه، و ان لم ينهض دليل أيضا على قيامها مقام الإقرار، بحيث رتّب عليها ما له من الآثار، بل لم ينهض الّا على ثبوت المدّعى به على المنكر.

هذا، مضافا الى ما أفاده في جامع المقاصد، فافهم.

[الرابعة لو رد سلعة بالعيب فأنكر البائع أنها سلعته قدم قول البائع]

قوله (قدس سره): (و أصالة عدم كونها سلعته- إلخ-).

لا يخفى انه ليس لها حالة سابقة أصلا، بداهة أنّها إمّا سلعته من رأس، أو ليس بتلك كذلك. نعم هناك أصالة عدم ردّ سلعته بردّها، و عدم وقوع العقد عليها، فلا تغفل.

[و أما الثاني و هو الاختلاف في المسقط]
[الثالثة لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه فادعى البائع حدوثه عند المشتري و المشتري سبقه]

قوله (قدس سره): (و امّا هنا فلا يرجع الى ثبوت المسقط بل المسقط- إلخ-).

هذا إذا كان مصبّ الدعوى، سقوط الخيار و عدمه. و امّا إذا كان مصبّها مقدار الأرش، و انّه ما به التفاوت بين الصّحيح و المعيب، لعيب واحد، أو لعيبين، فأصالة عدم التقدم راجع الى عدم سبب زيادة الأرش، عما هو معلوم، فيحلف البائع، كالعيب المنفرد، فافهم.

ص: 229

[الرابعة لو اختلف في البراءة قدم منكرها فيثبت الخيار]

قوله (قدس سره): (و في كلّ منهما نظر- إلخ-).

أما وجه النظر فيما عن المحقّق، فلعدم قدح الضّعف، و الكتابة في الحجيّة، مع الوثوق بها، و لا مخالفة لها للقاعدة، لما نشير اليه من كون دعوى المشتري، مخالفة للظاهر فيكون مدعيا و امّا فيما عن الكفاية، فلعدم الإشارة في المكاتبة إلى القاعدة أصلا. و مجرد الحكم بكون الثمن على المشترى فيها، و انه مدعى، كما أشير إليه، لا يقتضي ثبوت القاعدة بوجه، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (إمّا بالتزام كفاية تقدّم الشرط على العقد- إلخ-).

و إمّا لكون البراءة قبل العقد، قرينة على عدم تعهد الصّحة و السّلامة في العقد، و بدونه لا وجه لضمانه لها، و هذا أحسن مما تفصّى به عن الإشكال، فتفطّن.

قوله (قدس سره): (لانّه الموجب لسقوط الخيار- إلخ-).

فيكون الحلف على نفى العلم هيهنا في الحقيقة على البت، فإنه الموضوع الواقعي لا البراءة، و عدمها واقعا، كي يكون الحلف على عدم العلم بها على نفى العلم بما هو الموضوع، فلا تغفل.

[و أما الثالث و هو الاختلاف في الفسخ]
[الأولى لو اختلفا في الفسخ]

قوله (قدس سره): (و لعله لما اشتهر من ان من ملك- إلخ-).

بل لأنّ الأخبار بفسخه يلزم التزامه به عرفا، فيكون كتصرفه الكاشف من عدم الالتزام بالبيع و فسخه، هذا و لو لم نقل بهذه القاعدة.

و بالجملة يكون حال هذا الإقرار في كونه فسخا حال كون إنكار الزّوج في العدّة للطلاق رجوعا، فكما لا يكون هذا لأجل تلك القاعدة، لا يكون ذاك لأجلها، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (و يبقى قدر الأرش مستحقّا على التّقديرين- إلخ-).

هذا فيما دار الأمر بين فسخ العقد، و الإمساك بالأرش، و لم يكن هناك احتمال إسقاط الخيار، و إلّا فلا يعلم استحقاق الأرش، و لم يكن إنكار البائع، فسخ المشترى، اعترافا باستحقاقه الأرش، كما هو واضح.

[الثانية لو اختلفا في تأخر الفسخ عن أول الوقت]

قوله (قدس سره): (أو مدّعى عدمه لأصالة صحة الفسخ- إلخ-).

لا يقال: لا مجال لأصالة الصّحة في إحراز تأثير الفسخ، فان صحّته

ص: 230

التأهليّة، لا يقتضي ذلك، و صحّته الفعليّة، و ان كانت مقتضية، الّا انّها لا تثبت بأصالتها، كما أنّ أصالة صحّة العقد في الصّرف، لا يقتضي حصول القبض المعتبر في صحّته و تأثيره.

لأنّا نقول: هذا فيما إذا كان وقوعه في أوّل الزّمان شرطا في حصول الأثر، و قد اعتبر في حصوله، كما اعتبر أصل الفسخ، كالعقد و القبض في الصّرف، لا فيما إذا انتزع من الخصوصيّات المأخوذة في نفس الفسخ، كالقرينة المعتبرة مثلا في العقد، فإنّه لا شبهة في انّ أصالة الصّحة مجدية عند الشك فيها، كما لا يخفى.

[الثالثة لو ادعى المشتري الجهل بالخيار أو بفوريته]

قوله (قدس سره): (يسمع (1) قوله ان احتمل في حقّه الجهل، للأصل- إلخ-).

إنّما يسمع قوله مع احتمال الجهل في حقه، لو قيل بسماعه مع العلم بجهله، و هذا لو قيل مع الجهل بالخيار، بدعوى اختصاص دليل الفورية، بصورة العلم بالخيار، لا وجه للقول به مع الجهل بالفوريّة لعدم إمكان اختصاص الفوريّة بصورة العلم بها، بداهة استحالة تقييد الحكم بالعلم، أو الجهل به، كما لا يخفى على من له أدنى تأمل، فتأمل.

[القول في ماهية العيب]

قوله (قدس سره): (اما العيب فالظاهر من اللغة و العرف- إلخ-).

لا يخفى ان العيب يكون من المفاهيم الواضحة عرفا و لغة. و التّشكيك في بعض مصاديقه، غير ضائر، فإنّه لا يكاد يخلو عنه ما هو أوضح المفاهيم.

و اختلاف العبادات في تعريفها، انّما يكون لأجل انّهم في مقام شرح الاسم، لا في بيان الحدّ أو الرّسم، فلا وجه للنّقض عليها طردا، أو عكسا، و مع ذلك فالأولى ان يقال: انّه النّقض عمّا يقتضيه أصل الماهيّة بما يرغب في وجوده نوعا، أو الزيادة بما ترغب عنه كذلك، و ان كان مما يرغب فيه أحيانا، أو يرغب فيه خصوص طائفة، لتعلّق غرضهم به، كالخصا في العبيد، فلا يكون عدم نبات الشعر على ظهار الإماء، و لا الثّيبوبيّة فيها عيبا، و يكون خصاء


1- و في المصدر: سمع قوله.

ص: 231

عيبا، و ان كان يوجب زيادة بذل المال، فإنّه ممّا يرغب عند الغالب. و انّما الرّاغب فيه القليل، كالسّلاطين، و بعض الأمراء، و الخوانين، لبعض أغراض صحيحة، كالاطمينان من الخيانة بالإعراض، أو أغراض فاسدة، كما تقدم من بعض.

و قد ظهر بذلك ان الحمل في الإماء يكون عيبا، دون سائر الحيوانات، فإنّه مما يرغب عنه في الإماء و يرغب فيه نوعا فيها، كما لا يخفى.

و قد ظهر أيضا حال سائر ما ذكر في المقام من العيوب، و ما وقع من النّقض و الإبرام، فلا ينبغي التّعرض للكلام في كل واحد على حدة، فتدبر جيّدا.

[القول في الأرش]
اشارة

قوله (قدس سره): (الّا ان التأمل فيها قاضٍ بخلافه- إلخ-).

فإن قوله (عليه الصلاة و السلام) في الصحيح (1) «و يرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك» لو لم يكن به ظاهر في ان المردود بعض الثمن، و كذلك ظاهر التشقيق في مرسلة جميل (2). و المقابلة انّ الرّجوع في الشّق الثاني، ليس بتمام الثّمن الذي يرجع إليه في الشّق الأوّل، بل ببعضه، فافهم.

قوله (قدس سره): (لكن له دخل (3) في وجود مقدار من الثمن- إلخ-).

لا يخفى انّ غير واحد من الأوصاف كذلك، اى له مدخل في وجود مقدار من الثمن، مع ان تعهدّه لا يوجب شيئا غير الخيار، فلا أوثق من ان يقال: ان الأرش غرامة تعبديّة، ليس من باب ضمان المعاوضة، و لا من قبيل ضمان اليد، فالمتبع في تعيينه ما هو قضيّة دليل ثبوته من النّص و الإجماع، فافهم.

قوله (قدس سره): (لأصالة عدم تسلّط المشترى على شي ء من الثمن- إلخ-).

لا يخفى انّه لا مجال لهذا الأصل، إلّا إذا لم يكن هناك الّا التّكليف،


1- وسائل الشيعة: 12- 362- ب 16- ح 2.
2- وسائل الشيعة: 12- 363- ب 16- ح 3.
3- و في المصدر: لكن له مدخل في وجود.

ص: 232

و قد شك فيه، و لم يحدث بسبب العيب حق للمشتري على البائع، يجب الخروج عن عهدته، و الّا فقضيّة أصالة عدم الخروج من العهدة، وجوب دفع ما يخرج بدفعه عنها يقينا، كما لا يخفى. و لا شبهة ان الحادث بسببه حق، يسقط بالإسقاط، لا مجرّد تكليف، و الّا لم يكد يسقط به، فتأمل.

قوله (قدس سره): (لأنّهما الأصل في ضمان المضمونات- إلخ-).

و ذلك حيث كان النقدان مما يقدر و يعين به ماليّة الأموال، و كان غيرهما يحدّد مقدار ماليّته بالمقايسة معهما، كانا في نفسهما قيمة المضمونات القيميّة، فلا بد ان يكون الضمان بهما، عند إطلاق الضمان بالقيمة في القيميّات، و هكذا الغرامة، عند إطلاق دليلها بتفاوت القيمة، كما في هذا الباب، و باب ديات الجنايات، و كونهما كذلك أصلا في باب الصمانات، و غرامة النقصانات، و دية الجنابات، بمعنى انه لا بد منهما عند المخاصمة و اللجاج لا ينافي كون الأرش في هذا الباب، و التّدارك في غير هذا الباب من غير النقدين مع التّراضي به ابتداء نفس الأرش و التدارك، لا عوضا عنه. و انّما يصح ان يكون عوضا عما هو عليه فيما إذا استقر أحدهما في الذّمة، كما يكون وفاء، لا فيما يستقر فيها، كما في المقام، على ما اعترف به- قدس سره- من انّه حق لو أعمله جاز له المطالبة بالمال، فإنه لا يكون الّا وفاء. نعم له الصّلح عن حقه بمال، فيسقط.

قوله (قدس سره): (فاستشكل ذلك بان الحقوق الماليّة، انّما يرجع فيها الى النقدين- إلخ-).

لا يخفى ان العلامة، أعلى اللّه مقامه، لا يكون بصدد بيان تعيّن النّقدين، للأرش و عدم تعيّنهما، بل انّما هو بصدد بيان مطلب آخر، و هو ان الأرش في معاملة النقدين بعد التّفرق، لا يجوز ان يكون منهما، و الّا لزم بطلان معاملة الصّرف بالإضافة إليه، لأجل التّفرق قبل قبضه، فإنّه من تتمة الثمن، أو المثمن، بخلاف ما إذا كان من غيرهما، فان البيع بالنسبة إليه، ليس بصرف، فلا يكون التصرف قبل قبضه، بضائر، فلا مجال لما وجه عليه المحقق

ص: 233

من الإشكال، و لا حاجة في دفعه الى ما افاده- قدس سره- و ان كان مما يحتاج اليه تتميما لما أفاده العلامة- قدس سره-، حيث لا يكاد يتم، إلّا إذا كان ما تراضيا عليه من غير النّقدين أرشا، لا عوضا عنه، فافهم.

و اما لو كان العلامة أعلى اللّه مقامه، بصدد بيان عدم تعيّن الأرش منهما، فما وجهه عليه المحقق في محله، و لا يندفع بما افاده- قدس سره- فتأمل جيدا.

قوله (قدس سره): (لأن المعيب ان لم يكن مما يتمول و يبذل في مقابله شي ء من المال، بطل بيعه، و الّا فلا بد من ان يبقى له من الثمن قسط- إلخ-).

لا يخفى انّه انّما يتم، فيما إذا كان العيب نقصا في نفس المعيب يوجب تارة خروجه عن الماليّة، و ان يبذل بإزائه المال، و اخرى نقصانه بحسبها، مع بقائه عليها، لا فيما لم يكن كذلك، بل كان حقا تعلّق به للغبن، كحقّ الجناية، ضرورة ان الجناية، و لو استوعب القيمة، لا يوجب سقوط الجاني عن المالية، فإنّه مما يبذل بإزائه المال على كلّ حال فكه المولى بالفداء أولا، بل استرقه المجني عليه، كما لا يخفى، فلا وجه لبطلان بيعه فيما إذا استوعب ما رجع به المشترى الى البائع من الأرش ثمنه، بعد رجوع المجني عليه اليه، كما يأتي فيما حكاه عن العلامة- قدس سره- في القواعد و التّذكرة.

و بالجملة لا وجه لبطلان البيع مع استيعاب الأرش للقيمة، إلّا السّقوط عن الماليّة بذلك، و هو غير لازم، الّا في بعض الأموال، ليكون استغراق الأرش للثمن معقولا في بعض الأحوال، كما عرفت، فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (و كيف كان فالعبد المتعلق برقبته حق للمجنى عليه يستوعب قيمته، اما يكون له قيمة- إلخ-).

قد عرفت ان عيب تعلق حق الجناية برقبته، لا يوجب خروجه عن المالية، و لو كان مستوعبا للقيمة، فلا مجال لتشقيقه بما ذكره (قدس سره) مع ما في الشق الأول من عدم بقاء شي ء له، فيما إذا استوعب حقّ الجناية للثمن، فيرجع الى البائع حينئذ بتمامه.

ص: 234

[مسألة يعرف الأرش بمعرفة قيمتي الصحيح و المعيب ليعرف التفاوت بينهما]

قوله (قدس سره): (و يلزم من طرح القول العادل الواحد، و الأخذ بالأقل، لأصالة برأيه ذمّة البائع تضييع حقّ المشترى- إلخ-).

لو سلّم تضييعه من ذلك كثيرا لما كان موجبا لحجيّة خبر الواحد، إلّا إذا علم انّه مخالف لغرض الشارع، بحيث لو لم يجعل خبر الواحد حجة لئلا يبقى مجال لأصالة براءة ذمة البائع عقلا و نقلا لأخلّ بغرضه، و من أين تعلم مخالفته لغرضه.

قوله (قدس سره): (ففي كفاية الظّن أو الأخذ بالأقل، و جهان- إلخ-).

و الوجيه هو الأخذ بالأقل، للأصل. و اما وجه ضعف احتمال الأخذ بالأكثر، فهو ان ضمان العيب لا معنى له، الّا وجوب الأرش على البائع تعبّدا، من دون ان يكون هناك ضمان حقيقة.

[مسألة لو تعارض المقومون فيحتمل تقديم بينة الأقل و بينة الأكثر و القرعة]

قوله (قدس سره): (لان كلا منهما حجة شرعية، فإذا تعذر العمل بهما (1) في تمام مضمونه، وجب العمل به- إلخ-).

وجوب العمل بكل منهما كذلك، لا دليل عليه، بعد عدم مساعدة دليل الاعتبار، على اعتبارهما، مع تعارضهما، و تكافوئهما، الّا على اعتبار أحدهما بلا عنوان، بناء على حجيّة البيّنة على الطريقيّة، و تخييرا، بناء على اعتبارها من باب السببيّة، على ما حققناه في محله. اللّهم الّا ان يدعى قيام الإجماع على الجمع كذلك، و الّا فلا اعتبار فيما ذكره، فإنّه مجرّد اعتبار، لو لم نقل بمساعدته على اعتبار أحدهما في تمام مضمونه، لا بكلّ منهما في بعضه، و ان الموافقة الاحتماليّة في الحقوق أيضا، يكون اولى من المخالفة القطعيّة. و انّما يكون الجمع اولى فيما إذا تزاحم الحقوق الثابتة، لا فيما تعارض طرق إثباتها فتأمل.

نعم يكون الاحتمال الثالث المخالف لكل من البينتين، منفيا بأحدهما، بلا عنوان، أو بأحدهما تخييرا. فتأمل.


1- و في المصدر: لان كلا منهما حجة شرعية يلزم العمل به فاذا تعذر العمل بهما.

ص: 235

قوله (قدس سره): (لأن المأمور به، هو العمل بكل من الدّليلين، لا بالواقع المردد بينهما- إلخ-).

كي يعين بالقرعة. نعم لا بد من القرعة بناء على حجيّة إحدى البينتين بلا عنوان، لو قيل بها في تعيين المردد، و عدم اختصاصها بتعيين المجهول، كما لو قيل بصحة طلاق احدى الزّوجتين، و عتق أحد العبدين، و تعيين المطلقة، و المعتق بها.

قوله (قدس سره): (لأنه إذا فرض لكل نصف من المبيع، قيمة، تغاير قيمة النصف الأخر، وجب ملاحظة- إلخ-).

بيانه انه لما كان اللازم أخذ الأرش بحسب التفاوت بين قيمتي الصّحيح و المعيب، و كان قضيّة قاعدة الجمع، تصديق كل مقوّم في نصف التفاوت بحسب تقويمه بين القيمتين، إذا كان التّعارض بين الطّرفين، و ثلاثة، إذا كان بين الأطراف الثلاثة، و هكذا كان اللازم أخذ بمقدار التفاوت بين كل قيمتين، من الطرفين المتعارضين، أو الأطراف، و الجمع بالتصديق في النصف أو الثلث، حسب اختلاف الأطراف.

[القول في الشروط التي يقع عليها العقد و شروط صحتها و ما يترتب على صحيحها و فاسدها]
اشارة

قوله (قدس سره): (و ظاهره كون استعماله في الالتزام الابتدائي، مجازا- إلخ-).

هذا لو لم يكن تفاسير أهل اللّغة من قبيل شرح الاسم الذي صحّ بالأعمّ و الأخصّ، و لا يبعد ان يكون التّقييد لأجل كون أغلب أفراد الشرط ضمنية، مع قوّة احتمال كونه في حكاية بيع بريرة (1)، و في قول أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) مجازا، للمشاكلة من قبيل «فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ- الآية-» (2) و في مثل ما الشرط في الحيوان، يمكن دعوى عدم استعماله، إلّا في الضّمني، فافهم.

و إطلاق الشرط بمعنى الالتزام، لا يكاد يصح على البيع الذي هو تمليك


1- التاج الجامع للأصول: 2- 202.
2- البقرة: 114.

ص: 236

العين بالعوض، فإنه بهذا المعنى لا بدّ من التّعلق بأمر، بخلاف البيع، كما يظهر لمن تدبّر، فلو أطلق عليه، فهو لا محالة يكون بمعنى أخر، فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (و اما بمعنى جعل الشي ء شرطا بالمعنى الثاني- إلخ-).

هذا لو قيل ببطلان البيع عند تخلّف الشرط و عدم تحقق ما شرط.

و اما لو لم نقل به، فلا مجال لهذا المعنى، كما لا يخفى.

[الكلام في شروط صحة الشرط]
[أحدها أن يكون داخلا تحت قدرة المكلف]

قوله (قدس سره): (لانّ تحقق هذا الشرط بضرب من الاتفاق، و لا يناط بإرادة المشروط عليه، فيلزم الغرر- إلخ-).

لا يخفى ارتفاع الغرر فيما إذا علما أو اطمئنّا بتحققه، فلا وجه لان يكون لزومه وجها لاعتبار هذا الشرط. هذا، مع صحة النقض بما إذا اشترط وصفا حاليا لا يعلم تحققه في المبيع، و عدم صحة ما ذكره- قدس سره- من الفرق، لعدم الوثوق بتحقق الإجماع، و لو مع فرض الاتفاق، كيف، و مع الخلاف لاحتمال ان يكون اتفاقه من جهة توهم الفرق بينهما بما ذكره من ان التزام، وجود الصفة في الحال، بناء على وجود الوصف الحالي (إلى أخر ما ذكره قدس سره)، مع عدم صحته، فان الالتزام بوجودها في الحال، كما كان بناء على وجود الوصف الحالي، كان الالتزام به في الاستقبال، بناء على وجود الوصف الاستقبالي أيضا، ضرورة ان البناء، قضية الالتزام، و هو فيهما سواء.

اللهم إلّا ان يقال: ان الأمر الاستقبالي، لما كان متوغلا في الإمكان و خارجا عن تحت الاختيار، لم يكد يصح التزامه عند العقلاء، بل كان لغوا غير مؤثر أصلا، بخلاف الحالي، فإنه و ان كان خارجا عن تحت الاختيار، إلا انّه لما قد خرج عن حدود الإمكان إلى الإيجاب أو الامتناع، صحّ الالتزام بوجوده، أو عدمه عندهم، فافهم.

قوله (قدس سره): (و يمكن توجيه كلام الشيخ- إلخ-).

قد عرفت بما ذكرنا في الحاشية السابقة، انه لا داعي إلى توجيه كلامه بذلك، مع انه غير مجد في رفع الخلاف بمجرد احتماله لذلك، مع ظهوره في خلافه، فتدبّر جيّدا.

ص: 237

قوله (قدس سره): (الا ان يحمل على صورة الوثوق بالاشتراء- إلخ-).

لا يخفى انه لا يخرج بالوثوق به عن الاستقبالي، و لا يدخل تحت القدرة و الاختيار، و كون الإيجاب اختياريا، انما يجدي إذا كان جزئه الأخر للسبب، و العلة التّامة محققا سابقا، و الّا لا يخرج عن الاستقبالي الخارج عن تحت الاختيار، فتأمل جيّدا.

[الثالث ان يكون ممّا فيه غرض معتدّ به عند العقلاء]

قوله (قدس سره): (الثالث ان يكون ممّا فيه غرض معتدّ به عند العقلاء- إلخ-).

لا يبعد ان يكون هذا ممّا لا بد منه في تحقق الاشتراط عقلا، لا من شروط نفوذه شرعا، كيف و الّا فلا دليل على اعتباره، بل عموم «المؤمنون- الحديث-» (1) دليل على عدم اعتباره.

قوله (قدس سره): (و من ان الإسلام يعلو و يعلى عليه (2)- إلخ-).

فيه مضافا الى منع كون اشتراطه موجبا لأن يعلى على الإسلام، انّه لو سلم و قدم على العموم، كان عدم نفوذه تعبّدا لأجل هذه القاعدة، لا لأجل كون الشرط مما لا يتعلق به غرض العقلاء نوعا و شخصا، فافهم.

[الرابع أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنة]

قوله (قدس سره): (مما لا يرتاب في ضعفه- إلخ-).

لإباء مثل هذا العموم عن التّخصيص، و بعد نفوذ الشرط المخالف للكتاب شرعا إلى الغاية.

قوله (قدس سره): (ثم الظاهر انّ المراد بكتاب اللّه هو ما كتب اللّه على عباده- إلخ-).

و لا يخفى ان الظاهر من لفظ كتاب اللّه، هو القرآن، و اشتراط الولاء للبائع في النبوي (3)، انّما جعل مما ليس في كتاب اللّه، و هو كذلك، لا مخالفا له، حتى صار قرينة على ارادة هذا المعنى منه، مع انه لو جعل مخالفا، لأمكن


1- مستدرك الوسائل: 2- 473.
2- وسائل الشيعة: 17- 376- ب 1- ح 11.
3- سنن ابن ماجة- ج 2- 842- الرقم 2521

ص: 238

ان يقال: انه لا محالة يكون حكم الولاء في الكتاب، حيث «لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ» (1) و ان كنا لا نفهمه منه، و هو (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) يفهم. فافهم.

قوله (قدس سره): (و لا يبعد ان يراد بالموافقة، عدم المخالفة، نظرا إلى موافقة- إلخ-).

و عليه لا حاجة الى إرجاع الموافقة الى عدم المخالفة، كما لا يخفى. و انما الحاجة إليه، فيما إذا كان مدار المخالفة و الموافقة، غير مثل هذه العمومات، و عليه لا يبعد الإرجاع نظرا الى ما يظهر من مجموع اخبار الباب، من ان المانع عن نفوذ الشرط، مع عموم المقتضى له ثبوتا و إثباتا، ليس الا مخالفته لحكم اللّه المبين في السّنة أو الكتاب، فقد عبّر عنه، بمخالفة الكتاب و السنة تارة، و تحليل الحرام، و تحريم الحلال اخرى.

ان قلت: هذا و ان كان لا يأبى عنه غير واحد من الاخبار، و يساعده الاعتبار، الّا ان مثل النبوي (2) يأبى عنه، ضرورة ظهوره في اعتبار كونه في كتاب اللّه.

قلت: نعم، لو لا قوله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) في ذيله (قضاء اللّه- الى آخره-) الظاهر في كون الولاء لمن أعتق، يكون في كتاب اللّه، أو بنحو يفهمه (ص). أو المراد من كونه في كتابه، كونه فيما كتبه اللّه على عباده، و ان بيّنه بلسان نبيّه (صلّى اللّه عليه و آله)، كما أشير إليه. كيف، و قد حكم على نفوذ غير واحد من الشروط التي ليس في الكتاب، ظاهرا في غير واحد من الاخبار، بقولهم «المؤمنون عند شروطهم» (3)، فتأمل جيدا.

قوله (قدس سره): (فاشتراط ترك التزويج و التسري، لا ينافي الكتاب، فينحصر المراد- إلخ-).

لا يخفى انّه لا وجه لهذا التفريع، فإنّه كما ينافي اشتراطهما الكتاب،


1- الأنعام: 59.
2- سنن ابن ماجة- ج 2- 842- الرقم 2521
3- مستدرك الوسائل: 2- 473.

ص: 239

لا ينافيه نفسهما، و انه يكفى في اتّصاف الالتزام بالمخالفة للكتاب عرفا، تعلّقه بفعل، أو ترك ما دل الكتاب على اباحة فعله و تركه، كما يوجبه تعلّقه بفعل الحرام، أو ترك الواجب، مع انّ دليل الحرمة، أو الوجوب أيضا لا دلالة له، الّا على نفس حرمة الفعل، أو وجوبه، فلو التزم بفعل الحرام، و تخلّف و ترك ما اتى بحرام، نعم كان متجرّيا، لو كان عازما على فعله حين التزامه و بالجملة، فكما يصحّ عرفا اتصاف الالتزام بترك الواجب، أو فعل الحرام، بالمخالفة للكتاب، مع عدم دلالته على منعه، كذلك يصح اتصاف الالتزام بذاك المباح، أو فعله بها. و يدل عليه الرواية (1) الدّالة على مخالفة اشتراط ترك التزويج، أو التسري للكتاب، فتأمل جيدا.

قوله (قدس سره): (و مجردا عن ملاحظة عنوان أخر طار عليه- إلخ-).

بل مع ملاحظة كونه مجردا عن طرو عنوان أخر عليه، يتغير بطروه حكمه واقعا. هذا هو المناسب لما هو هو بصدده، من مقام الثّبوت، و كيفية ثبوت الحكم في الواقع، و ما ذكره انّما يناسب مقام الإثبات، و قد صار بصدده بقوله «إذا عرفت- إلى آخره-» كما لا يخفى على المتأمّل في أطراف كلامه، زيد في علو مقامه.

قوله (قدس سره): (فيمكن حمل رواية محمد بن قيس (2)- إلخ-).

الظاهر انه سهو عن قلمه الشريف، و الصحيح رواية ابن مسلم (3).

فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (فإن لم يحصل له، بنى على عدم أصالة عدم المخالفة- إلخ-).

فإن المخالفة مسبوقة بالعدم المحمولي، الذي هو مفاد ليس التّامة،


1- وسائل الشيعة: 15- 46- ب 38- ح 2.
2- وسائل الشيعة: 15- 40- ب 29- ح 1.
3- وسائل الشيعة: 15- 31- ب 20- ح 6.

ص: 240

حين عدم ثبوت طرفها، و ان لم يكن مسبوقة بالعدم الرّبطي، الذي هو مفاد ليس النّاقصة، حيث ان الشرط وجد إما مخالفا، أو غير مخالف.

فان قلت: أصالة عدم المخالفة بهذا المعنى، لا يثبت كون الشرط غير مخالف، الّا على الأصل المثبت، كما لا يخفى.

قلت: نعم، و لكنه لا حاجة الى إثباته، و يكفى ما يثبت به، و هو عدم ثبوت وصف المخالفة له، و به ينقح ما هو موضوع «المؤمنون عند شروطهم» (1) فان الخارج عنه بالاستثناء، ليس الّا عنوان خاص، و الباقي تحته كل شرط كان غيره، بلا اعتبار خصوص عنوان، بل بأيّ عنوان لم يكن بذاك العنوان، و من الواضح انّ الشرط الذي لم يثبت له المخالفة من ذلك، فتأمّل، فإنّه لا يخلو من دقّة.

قوله (قدس سره): (و مرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم هذا الحكم- إلخ-).

لا يخفى انّ أصالة عدم هذا الحكم على هذا الوجه لا يثبت عدم تحقق المخالفة، الّا على الأصل المثبت، فلا وجه لإرجاع أصالة عدم المخالفة إليها، مع أنها وافية بإثبات ما هو المهم، و لو لم نقل بالأصل المثبت، و لعلّ وجهه بنظره- قده- كون الشك في المخالفة مسببا عن الشك في كيفيّة جعل الحكم، و هو و ان كان كذلك، الّا ان عدم مخالفة الشرط ليس من الآثار الشرعية المترتبة عليه، كي يكون المرجع، هو الأصل فيها، فتأمل جيّدا، في المقام، فإنّه ينفعك في غير مقام.

قوله (قدس سره): (و فيه من الضعف ما لا يخفى- إلخ-).

حيث ان تخصيصه الشرط المخالف بذلك، ينافيه ما دلّ من الأخبار على عدم نفوذ الشرط، لكونه مخالفا، مع كون المشروط نفس الفعل كالتسرى، و الهجر، و الطلاق، على ان ذلك يستلزم كون الاستثناء منقطعا، ضرورة الشرط، و ان الالتزام الجدي، لا يكاد يتعلّق بما هو فعل الغير،


1- مستدرك الوسائل: 2- 473.

ص: 241

و باختياره، فكيف يتعلق بالأحكام الشرعية الخارجة عن تحت قدرة المشترط و اختياره بالمرة. هذا، مع ان الأمر لو كان كما ذكره، من خروج التزام فعل المباح، أو الحرام عن مدلول الاخبار، لزم تقديم دليل نفوذ الشرط حكومة، أو توفيقا، كما تقدم أدلة سائر العناوين الطّارية من العسر و الضّرر، فلا وجه لملاحظة التعارض و الترجيح بأمر خارج. فافهم.

قوله (قدس سره): (و ربّما يتخيّل ان هذا الاشكال مختص- إلخ-).

لعل وجه تخيّل الفرق. ان الإباحة إذا كانت تكليفيّة، فهي تكون غالبا لأجل عدم المقتضي للإيجاب أو التّحريم، بخلاف الإباحة المترتبة على الوضع، فإنها باقتضائه، لكنه، لا يجدي ما لم يكن فعليّة، و اقتضائه لها بالعليّة، فتختلف و لا تنضبط. نعم عليه يكون الشرط المحرم للحلال، عزيزا جدّا، بل غير محقق، حيث لم يعلم بعد اباحة تكليفيّة، كانت لاقتضاء مقتضى، فضلا عن ان يكون بنحو العليّة، فافهم.

قوله (قدس سره): (و للنظر في مواضع من كلامه مجال- إلخ-).

منها تخصيصه الشرط المحلّل للحرام، أو المحرم للحلال، بما إذا كان على نحو القاعدة و العموم، من دون نظر الى فرد خاصّ، مع وضوح كون شرط شرب خمر خاصّ، و ترك فريضة خاصة، شرطا محللا للحرام، و كون شرط شرب التتن، أو تركه مدة، ليس كذلك.

و منها انه- قده- قد استشكل فيما اشترطت عليه، ان لا يتزوج، أو لا يتسرى بفلانة خاصة، مع انّه لا وجه على ما بناه، ضرورة انّه لا يوجب إحداث قاعدة كليّة، فتأمل جيدا.

[الشرط الخامس أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد]

قوله (قدس سره): (ان لا يكون منافيا لمقتضى العقد- إلخ-).

اشتراط المنافي، تارة على نحو لا يتأتى منه القصد الى تحقق مضمون العقد أصلا، لأجل المناقضة، و ان يأتي منه إنشائه، فإنه خفيفة المؤنة، كما إذا أريد من لفظ (بعت) حقيقة البيع الذي هو التّمليك بالعوض، مع اشتراط عدم الثمن، و اخرى على نحو يتأتى منه القصد الى مضمونه حقيقة، غايته

ص: 242

بالاشتراط، لقصد عدم ترتب بعض لوازمه و أحكامه، مما له شرعا أو عرفا، و ثالثة على نحو قصد الى ما لا ينافيه الاشتراط، و ان كان ينافيه بظاهره، كما إذا أريد مع اشتراط عدم الثمن في الصيغة بلفظ (بعت) التّمليك بلا عوض. و من الواضح انه يكون قصده بمكان من الإمكان، و ان كان خلاف ظاهر (بعت). فان كان اشتراط المنافي على النحو الأوّل، فلا عقد و لا شرط، سواء لم يقصد الى مضمون العقد حقيقة من رأس، أو بدأ له بعد إنشائه، فأتى بما يناقضه و ينافيه، و ان كان على النحو الثّاني، فالشرط غير نافذ، لمخالفته للكتاب أو السنّة، و كذا العقد، لو قيل بكون الشرط الفاسد مفسدا، و ان كان على النحو الثالث، كان عقدا لما قصده، فيقع. الّا ان يقال، باعتبار لفظ خاصّ في عقده، فتأمل فيما ذكرناه، لكي تعرف ان اشتراط ما ينافيه طاهر العقد، يختلف صحة و فسادا و وجها فيما يفسد. فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (و لو شك في مؤدّى الدّليل، وجب الرّجوع الى أصالة ثبوت ذلك الأثر- إلخ-).

إنما وجب الرجوع إليها، فيما إذا رجع الشك فيه الى الشك في مخالفة الشرط للكتاب أو السنّة. و اما إذا رجع الشك فيه، الى الشك في انّ الاشتراط مع القصد الى ما هو حقيقة العقد، موجب للمناقصة في القصد، فلا يجدي الرجوع إليها، كما لا يخفى. بل يكون في الحقيقة شكا في أصل تحقق العقد و الشرط. و كذا لو رجع الشك فيه، الى الشك في انّ الشرط ينافي حقيقته هذا العقد، و انه مع الشرط يصير حقيقة أخرى، كما عرفت في النحو الثالث، فحينئذ شك في تحقّق تلك الحقيقة، و لا يشك في تحقق ما قصده، و لا أصل يرجع إليه في إثبات تلك الحقيقة، و ترتيب آثارها الخاصّة، و لا حاجة أصل أصلا في ترتب آثار ما قصد، كما لا يخفى. فتأمل جيدا.

[الشرط السادس أن لا يكون الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر في البيع]

قوله (قدس سره): (لكن الإنصاف أن جهالة الشرط يستلزم- إلخ-).

و ذلك لانّه قيد للبيع، أو أحد العوضيين، و ليس بأمر مستقل في ضمن عقده، قصارى ما يمكن ان يقال، ان إطلاق النهي عن بيع الغرر

ص: 243

ينصرف الى ما كان الجهالة في نفس العوضيين بأنفسهما، لا يقيدهما. و لو سلّم فلا أقلّ من كون جهالتهما كذلك قدرا متيقنا في مقام التّخاطب، فلا يشمل ما إذا كانت الجهالة بالسّراية من القيد. لكنه كما ترى.

ان قلت: لو سلم سراية الجهل، فإنما يوجب بطلان العقد ببعض مراتبه، لا بتمامها، بناء على كون العقد المشروط بتعدّد المطلوب.

قلت: لو سلّم كونه كذلك، فإنّما يبخل، و يبقى ببعض مراتبه، لو كان العقد جامعا لتمام الشرائط المعتبرة فيه، و منها ان لا يكون غرريا فافهم.

نعم للخصم ان يقال: ان المتيقن، هو ما إذا كانت الجهالة في العوضين و لو بالسراية، و لم يحرز كون الشرط قيدا لأحدهما، بل لعله كان قيدا لنفس البيع، و لعله يرجع الى ما أفاده العلامة أعلى اللّه مقامه، من تعليل عدم ضرر جهالة الشرط بأنّه تابع، اى تابع البيع لا تابع المبيع- الى آخر كلامه. يتوجه عليه ان جهالة التابع، انما لا يسري إذا كان مما لا يقصد في البيع، كأساس الجدرات و نحوها، لا مثل الشرط المقصود بالخصوص في البيع. فافهم.

[الشرط السابع أن لا يكون مستلزما لمحال]

قوله (قدس سره): (لان بيعه له يتوقّف على ملكية المتوقّفة على بيعه- إلخ-).

لا يخفى عدم توقف ملكيته على بيعه، و لعل توهم التوقف عليه، انما كان لأجل انّه شرط، و لا يكاد يؤثر المقتضى بدونه، لكنه فاسد، فان بيعه و ان كان شرطا، الّا انّه لا بمعنى كونه جزء العلة و ما يلزم من عدمه العدم، بل بمعنى آخر كما مرّ، و الّا لزم الملكيّة في البيع قبل حصول الشرط مطلقا، أيّ شي ء كان شرطا.

لا يقال: لا يعقل بيع الشي ء من مالكه البائع، فشرط بيعه منه في نفسه غير معقول.

فإنه يقال: انما لا يعقل إذا كان الشرط بيع ملكه الفعلي، لا بيعه منه بعد خروجه عن ملكه، و صيرورته ملكا للمشتري. و بالجملة، يكون الشرط، بيع المشترى للمبيع منه، بعد ما ملكه و صار له، فلا تغفل.

ص: 244

[الشرط الثامن أن يلتزم به في متن العقد]

قوله (قدس سره): (و لو تواطئا عليه قبله، لم يكف ذلك- إلخ-).

و التحقيق ان يقال: ان التواطؤ عليه ان كان بمجرد المقاولة على الاشتراط في ضمن العقد مع إيقاعه مطلقا، كما إذا يكن هناك مقاولة عليه أصلا، فلا ينبغى الإشكال في عدم كفاية المقاولة في الاشتراط، و وقوع العقد مطلقا، كما لا يخفى. و ان كان مع إنشاء الاشتراط قبله مع وقوعه كذلك، اى مطلقا، فيبتني على نفوذ الشرط الابتدائي و عدم نفوذه. و ان كان مع إنشائه في ضمن العقد، بان وقع العقد مقيدا و مشروطا، و ان لم يذكر اعتمادا على تلك المقاولة، فيبتني على انّه لا بدّ في نفوذ الشرط من ذكره، أو يكفي إنشائه بدونه، مع القرينة عليه. و ان كان بمجرد المقاولة من دون اشتراطه، مع وقوع صيغة العقد مبهما و مهملا، اى قابلًا لان يقيّد و يشترط، لا مطلقا، و لا مشروطا و مقيّدا، فلا شرط، و هو واضح، و لا عقد، فان المبهم و ان كان ينشأ، الّا انّه لا يتسبّب بإنشائه إلى تحقّقه، حيث لا يكاد يوجد في الخارج، ما لم يتشخّص بالإطلاق، أو الاشتراط، و ما لم يكن قابلًا لذلك، لكي يقصد بإنشائه التّسبب اليه، لم يكن إنشائه عقده، فافهم.

قوله (قدس سره): (و عموم «المؤمنون عند شروطهم» (1) مختص بغير هذا القسم- إلخ-).

اختصاصه بغيره مبني على ان لا يكون الوفاء، يتم ترتيب الآثار، و لم يكن بمعنى الالتزام بالشرط، و عدم فسخه، و رفع اليد عنه، أو بمعنى الإرشاد إلى نفوذه و تحقق مضمونه، و إلّا يعمّه و لم يختص بغيره. و الظاهر ان مثل «المؤمنون عند شروطهم» يدل على نفوذ الشرط و لزومه، بلسان كون الشّارط عند شرطه، و ملازما إياه لا ينفك عنه، من غير دلالة على وجوب الوفاء، كي يلزم اختصاصه ببعض أقسام الشّرط، أو تنزيله على شموله، لترتب الآثار، مع ان ترتب الآثار على ما حصل بسبب العقد أو الشرط، انّما هو بما دلّ على ترتبها عليه، لا بدليل وجوب الوفاء بهما، كما لا يخفى.


1- مستدرك الوسائل: 2- 473.

ص: 245

و من هنا ظهر انه لا بد ان ينزل مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)» على وجوب الالتزام بها، و عدم فسخها، و المعاملة معها، كما إذا لم تكن، أو على الإرشاد إلى تحقق مضامينها، كما ينزل النهي في باب المعاملات على الإرشاد الى عدم تحقّق ما هو قضيّة المعاملة المنهي عنها. فتأمل جيدا.

[مسألة في حكم الشرط الصحيح]
اشارة

قوله (قدس سره): (و ان أريد حصول الغاية بنفس الاشتراط، فان دل دليل- إلخ-).

لا يخفى انه لا مجال لهذا الكلام، مع عنوان المسألة في بيان ما للشرط الصحيح من الأحكام، فإنّه كلام في انه فاسد أو صحيح، فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (و من ان الوفاء لا يختص بفعل ما شرط- إلخ-).

بل قضيّة نفوذ الشرط فيما إذا تعلّق بالفعل أيضا، هو صيرورته ملكا للمشروط له، و مستحقا له، نظر ما إذا صار أجيرا في عمل، فوجوب الفعل المشروط على المشروط عليه مع المطالبة، كوجوب العمل على الأجير عندها، انما هو لوجوب أداء كلّ حقّ الى صاحبه، كما مرت الإشارة إليه عن قريب، فتذكر.

لا يقال: انّ التّمسك بالعموم، مع تخصيصه بغير الشرط المخالف للكتاب و السنّة، مع احتمال اعتبار سبب خاص في تحقّق ما شرط، يكون من باب التّمسك به في الشبهات المصداقية.

فإنه يقال: هذا لو لم يكن هناك ما ينقّح به عدم المخالفة، و قد مرّ ان عدم المخالفة هو قضيّة الأصل، فراجع.

[و الكلام فيه يقع في مسائل]
[الأولى في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي]

قوله (قدس سره): (المشهور، هو الوجوب، لظاهر النبوي (2)- إلخ-).

فإنّه و ان لم يكن دالّا، الّا على نفوذ الشرط و صحته، الّا انّ صحته توجب استحقاق المشروط له لما شرط، فيجب على المشترط عليه مع المطالبة الأداء، لئلا يمنع الحق عن صاحبه، كما مرّ فتأمل.


1- المائدة: 1.
2- مستدرك الوسائل: 2- 473.

ص: 246

قوله (قدس سره): (من ان اشتراط ما سيوجد (1) أمر منفصل، و قد علّق عليه- إلخ-).

بل متصل و قد حصل أثره، و هو استحقاق المشروط له لما شرط من الفعل، و قد قيّد به العقد، و لا تعليق له على ذاك الفعل المنفصل عنه أصلا.

و لعلّ منشأ التّوهم، كون الفصل شرطا، و إطلاق الشرط عليه، و تعليق المشروط عقلا على الشرط، مما هو واضح. لكنه قد عرفت سابقا انّ الشّرط هيهنا بمعنى أخر، و ليس بذاك الشرط الذي يكون من أجزاء العلّة التامة.

كيف، و لو كان ذاك، لتوجّه عليه انّ قضيّة ارتفاع العقد من رأس، لا انقلابه، جائزا، كما وجّه عليه المصنّف- قده- فلا تغفل.

[الثانية في أنه لو قلنا بوجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي فهل يجبر عليه لو امتنع]

قوله (قدس سره): (فان الخيار انّما شرع بعد تعذّر الإجبار، دفعا لضرر- إلخ-).

حيث لا ضرر مع إمكان الإجبار، مع انّ الضرر النّاشى من قبل المخالفة، و عدم العمل بالعقد و الشرط، مع تأثيرهما لتمام مراتب المقصود، و هو ملك المثمن أو الثمن، و ملك الشرط على المشروط عليه، لا يوجب تزلزلا و خيارا في العقد، و انّما يؤثّر لو كان نفس العقد و الشرط ضرريا، كما في الغبن، و كما إذا تخلّف الشرط، و لم يكن المبيع بتلك الصفة الّتي شرط ان يكون متصفا بها، فان العقد مع الشرط حينئذ، حيث لا يكاد يؤثر تمام المقصود، بل انّما يؤثر استحقاق هذا الشّخص الفاقد لها، كما لا يخفى، كان نفس هذه المعاملة ضرريّة، فيكون اللزوم الذي كان حكم المعاملة، لو لم يكن كذلك، منفيّا بقاعدة «لا ضرر و لا ضرار» (2)، فلو قيل بالخيار، لم يكن إلّا للإجماع. و من الواضح انّه لا إجماع، مع إمكان الإجبار، فتأمل جيدا.

[الثالثة في أنه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الإجبار]

قوله (قدس سره): (بخلاف الشرط، فان المشروط حيث فرض فعلا كالإعتاق، فلا معنى لتملكه- إلخ-).

قد مرّ الإشارة غير مرّة، انّ قضيّة الشرط، هو أيضا استحقاق


1- و في المصدر: و اشتراط ما سيوجد امره.
2- وسائل الشيعة: 17- 341- ب 12- ح 3.

ص: 247

المشروط له لما شرط، و تملكه له، فمجرد امتناع المشروط عليه عنه، لا يكون نقضا له، و لا يكون الّا كالامتناع عن تسليم أحد العوضين، و لعله أشار إليه بأمره بالتأمل، فتدبر جيدا.

[الرابعة لو تعذر الشرط فليس للمشترط إلا الخيار]

قوله (قدس سره): (ففي استحقاق المشروط له لأجرته، أو مجرد ثبوت الخيار له، وجهان- إلخ-).

أوجههما الأوّل، لأن العقد و الشرط قد أثّرا أثرهما، من استحقاق العوضين للمتبايعين، و الشرط للمشروط له، فنفوذهما ليس بضرري، ليتدارك بالخيار، كما في تعذّر الشرط، إذا كان وصفا، و الغبن، و العيب، و تعذره أمر طارئ يوجب التنزّل الى البدل، كما إذا تعذر تسليم أحد العوضين الكليّين.

فتأمّل جيدا.

[الخامسة لو تعذر الشرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ]

قوله (قدس سره): (فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ- إلخ-).

فإن مورد الفسخ هو العقد، و العقد يصحّ فسخه و لو مع امتناع ترادّ العوضين، إذ الظّاهر انّ التّعذر، إنّما يوجب الخيار لأجل الضّرر و الضّرار (1)، فكما انّه يوجبه مع إمكانه، يوجبه مع امتناعه. نعم لو كان الخيار تعبّدا للإجماع، فيمكن ان يقال: ان القدر المتيقّن من معقده، هو صورة إمكانه، فتأمل جيّدا.

قوله (قدس سره): (و اما لو كان منافيا كبيع ما اشترط وقفه على البائع، ففي صحته مطلقا- إلخ-).

و هذا الوجه هو المتجه، فان وجوب أحد المتنافيين لا يؤثر حكما أصلا في الأخر، لا تكليفا و لا وضعا، فلو باع بدون اذن المشروط له، جاز و نفذ، و لو اثم بتركه الواجب عليه، و حينئذ لو فسخ المشروط له، فالأقوى الرجوع الى البدل جمعا بين الأدلة، كما تقدم في كلامه، زيد في علو مقامه، و انما يوجب شرط الضدّ، توقف النفوذ على اذن المشروط له، أو إجازته لو أحدث في العين


1- وسائل الشيعة: 17- 341- ب 12- ح 3.

ص: 248

حقّا له، و لم يثبت، و الأصل عدمه. و انّما الثابت هو استحقاقه عليه الضّد، فلو تعذّر عليه، و لو بسوء اختاره لضدّه، فعليه بدله، و لا موجب لتسلط المشروط له على فسخ العقد أصلا، كما لا يخفى. فتأمل جيّدا.

[السابعة قد عرفت أن الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن]

قوله (قدس سره): (فإرجاع قوله: بعتك هذه الصبرة على انّها عشرة أصواع (1)- إلخ-).

بأن يكون المبيع في الحقيقة كليّا خارجيّا، و هو عشرة أصواع موجودة في هذا المكان، كي يكون الثمن بإزاء العشرة، فيسقط عليها، و ان كان المبيع بحسب الصّورة، شخص الوجود الخارجي، و عليه فيكون النّزاع صغرويّا، و في أنّ المبيع هل هو الكلّي أو الجزئي. و ان شرط مقدار خاص في جزئي، يرجع في الحقيقة إلى بيع ذاك المقدار كليا، أو كان باقيا على بيع الجزئي، و الشرط كشرط أمر أخر فيه. و لا يخفى انّ اختلاف ما شرط، لا يوجب اختلافا في حكم الشرط، فكما لا يكون شرط الكيفيّة موجبا لرجوع بيع الجزئي إلى بيع كلي خارجيّ موصوف بصفة كذا، فكذلك شرط الكميّة، فلا وجه لإرجاعه، و لذا جعل المصنف العلامة أعلى اللّه مقامه، النزاع كبرويا و في ان الثمن يسقط على مثل هذا الشرط، كالجزء، أو لا يسقط عليه، كسائر الشرائط.

و عليه فلا بد في دعوى التّقسيط من دعوى انه بحسب الحكم العرفي، لا أنّه بحسب جعل المتعاقدين، ضرورة انّ حال هذا الشرط بحسب ذلك، حال سائر الشّرائط. و أنت خبير بان دون إثبات حكم العرف بالتّقسيط على هذا الشرط من بين الشروط، خرط القتاد. بل لا يبعد دعوى انّه ليس في صورة تخلّف هذا الشرط، الّا الخيار.

قوله (قدس سره): (و لعل هذا أظهر- إلخ-).

و ذلك لما مر، من ان الاختلاف فيما شرط، لا يوجب اختلافا في حكم الشّرط، فتذكّر.


1- و في المصدر: على انها عشرة أصوع.

ص: 249

قوله (قدس سره): (لأن البائع لم يقصد بيع الزّائد، و المشترى لم يقصد شراء البعض، و فيه تأمل- إلخ-).

وجه التأمّل أنّ هذا الوجه، ان صح لعم جميع صور تخلف الشرط.

لكنه انّما يصحّ لو قيل بعدم تعدّد المقصود في العقود، و عدم تحليلها بحسب القصد، فيما إذا وقع الشّرط في ضمنها، و هو محل كلام بين الأعلام، و يأتي عن قريب تحقيقه.

[القول في حكم الشرط الفاسد]
[الأول أن الشرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به]

قوله (قدس سره): (و لا تأمّل أيضا في انّ الشرط الفاسد لأجل الجهالة، يفسد العقد- إلخ-).

بل لا يخلو عن التأمّل، فإنّ رجوع جهالة الشّرط إلى جهالة أحد العوضين، انما يسلم لو كان الشرط من قيود أحدهما. و اما إذا كان من قيود نفس البيع، فلا وجه له أصلا، كما لا يخفى، و لم يعلم كونه من قيود أيّهما، أو انّه يختلف بحسب الشّروط، أو القصود، لو لم يدعى ظهور انّه من قيوده. نعم جهالته توجب الغرر في البيع، لو لم نقل بان الغرر المنفي، انما هو بملاحظة الخطر في أحد العوضين، لا ما يعم في البيع لأجل قيده، فتدبر جيّدا.

قوله (قدس سره): (لأنه موجب للدّور، أو لعدم القصد الى البيع الأول- إلخ-).

قد عرفت فيما مرّ، انّه لا يوجب الدّور، و لا عدم القصد، بل لا يكاد يتأتى منه القصد الى هذا الشرط، بدون قصد البيع الأوّل، فتأمل.

قوله (قدس سره): (قولان، حكى أولهما عن الشيخ و الإسكافي- إلخ-).

و الظاهر ان القول الأوّل للعلّامة و من بعده، و الثاني للشيخ و من بعده، و يكون العكس سهوا من قلمه الشريف، فراجع.

قوله (قدس سره): (و الحق ان الشرط الغير المقدور من حيث هو غير مقدور، لا يوجب تعذّر التّسليم- إلخ-).

فإنه يتمكّن من تسليمه إذا حصل اتفاقا. نعم ما لا يكون حاصلا في الحال، و لا مقدورا عليه في الاستقبال، لا يكاد يتعلّق تعلّق الاشتراط به. نعم لا يبعد ان يكون حال ما يعلم حصوله في الاستقبال، حال الحاصل في

ص: 250

الحال، في صحّة اشتراطه، و الالتزام به، فتدبّر.

قوله (قدس سره): (لعموم الأدلّة السّالم عن معارضة ما يخصّص (1) عدا وجوه- إلخ-).

لا يخفى انّه مع فساد الشرط، و عدم إمضائه العقد الخاص المشروط، انما يكون شك في خياره رأسا، من جهة الشك في انّ هذا العقد الخاص كان في الحقيقة عقدا على اثنين، كأنّه كان عقدين، أو لم يكن عقدا، الّا على واحد، كما إذا لم يكن شرط في البين. فيكون الشك في المقام في تحقق فرد العام، فلا يجدي فيه العموم في دليل حكم العام، ضرورة أنه يجدي فيما إذا كان الشك في ثبوت حكمه لفرد من افراده و يأتي ان شاء اللّه تعالى تحقيق حاله، و ما يمكن ان يقال في وجه انحلاله، فتدبر جيّدا.

قوله (قدس سره): (و لذا اعترف في جامع المقاصد بان في الفرق- إلخ-).

لا يخفى وضوح الفرق بينهما، فان تحليل العقد، و ان مضمونه بحسب القصد، هو تمليك كل جزء من المثمن بإزاء ما يخصّه من جزء الثمن، كما هو قضيّة المقابلة بينهما، واضح، فيؤثر العقد فيما قابل للتمليك و التملك بينهما، و يبطل فيما لا يقبل لهما. و هذا بخلاف الشرط، فان العقد قد تعلّق بالخاص و هو المشترى، و مع عدم فساد الشرط فلا يكون العقد ابتداء متعلقا بالفاقد.

و لا بد في دعوى تعلّقه به، من دعوى تعلّق القصد به ثانيا، و هو و ان كان ممكنا، الّا أن ثبوته بحسب القصد، و إثباته بحسب دلالة لفظ العقد في هذا الباب، ليس بينا كذاك الباب، كما لا يخفى على ذوي البصائر و الألباب.

و بذلك انقدح انه لا يكفى للمستدل بالعمومات، مجرد المنع، لوضوح انّ قضيّة الاشتراط هو الارتباط بين التراضي بالتجارة و الشرط، و ان لا يكون بدونه تراضى، بل لا بد له من إثبات تعدد القصد في العقد، و ان التقييد بالشرط انما يكون في المرتبة العليا منه، لا انه مرتبة واحدة و هي مقيدة، كي


1- و في المصدر:. عن معارضة ما يخصصه عدا وجوه.

ص: 251

ينتفي رأسا بانتفاء قيده، فافهم.

قوله (قدس سره): (و حلّ ذلك انّ القيود المأخوذة في المطلوبات العرفية (1) ما هو ركن المطلوب- إلخ-).

فإذا صار شي ء متعلقا للطّلب أو للعقد بتلك القيود، فالفاقد لواحد منها لا يكون متعلقا لهما أصلا، و لو فرض أنّه أحيانا مما تطلق به القصد، و ان لم يكن بتمام المقصود، لما كانت صيغتهما وافية بإثباته، بل لا بد من نصب دلالة عليه متصلة بصيغتهما لو أريد إنشاء طلبه، أو عقده بصيغة واحدة، و الّا فلا بدّ من طلب أو عقد أخر، بصيغة أخرى، كما لا يخفى.

و هذا بخلاف ما إذا لم يكن القيد ركنا له، فان كونه كذلك نوعا، قرينة عرفا على ان المنشأ بصيغة كلّ منهما شيئان، طلب الواجد إن كان، و الّا فطلب الفاقد، و هكذا العقد مع صورتي الوجدان و الفقدان، بحيث لو فرض ان أحدا ما أراد إلّا الواجد، و ان الفاقد ليس متعلقا لقصده، أصلا، فلا محيص له عن نصب دلالة على ذلك، و الّا كانت صيغة كلّ منهما لأجل الاحتفاف بتلك القرينة النّوعية، ظاهرة في تعدّد المطلوب، و العرف يحكم فيه بكون الفاقد أيضا بالصيغة مطلوب. فافهم.

قوله (قدس سره): (فان العرف يحكم في هذه الموارد بكون الفاقد نفس المطلوب- إلخ-).

حق العبارة ان يقال: يكون الفاقد أيضا مطلوب، لما عرفت، و تعبيره يوهم ان صحة العقد في صورة الفقد لحكم العرف، باتحاد الفاقد، مع ما هو متعلّق العقد من الواجد، مع عدم حكم العرف به، و عدم جدواه في الحكم بالصحة بعد عدم تعلقه الّا بالواجد، و مسامحة العرف في حكمه، فلا محيص في الحكم بالصّحة عن دعوى تعلّقه بالاثنين، و ان للمقصود منه مرتبتين، فتأمل جيدا.


1- و في المصدر:. في المطلوبات العرفية و الشرعية منها ما هو ركن المطلوب.

ص: 252

قوله (قدس سره): (و الظاهر ان الشرط من هذا القبيل- إلخ-).

كون الشرط مطلقا من هذا القبيل مشكل، فإنه ربما كان ركنا لمشروطه، بحيث لولاه لما تعلّق به القصد و العقد أصلا، فلا بد في تعيين انّه من أحد القبيلين، من التماس قرينة من حال أو مقال دلّت على انّ المتعاقدين قصدا بعقدهما واحدا أو اثنين، و بدونهما يعامل معه كما إذا علم انهما لم يقصدا الّا واحدا، لعدم إحراز انعقاده، مع فساده للشّك في القصد و الدّلالة عليه، بحسب متفاهم العرف الّتي لا بدّ منها في تحقّق العقد، بداهة عدم تحقّقه بدونها بمجرد القصد، فافهم.

قوله (قدس سره): (و أدلة نفى الضرر، قد تقدم غير مرّة انّه لا تصلح- إلخ-).

مع انه يمكن ان يقال: لا يكون مجال لتوهم الخيار، الّا فيما إذا قصد المتعاقدان العقد على العوضين مع فساد الشرط أيضا، و معه كان منهما الإقدام على الضرر، و معه لا يكون محل القاعدة نفى الضرر و الضرار، ليوجب ثبوت الخيار، فتأمل.

قوله (قدس سره): (لان المعلوم إجمالا، انّه لو عمل بعمومها- إلخ-).

فيكشف هذا عن كثرة ورود التّخصيص عليها، فلا يجوز العلم بها.

ان قلت: على هذا يلزم عدم جواز العمل بها، و لو اعتضدت بعمل جماعة من الأعلام، لطرو الإجمال عليها، لأجل العلم الإجمالي بتخصيصها كثيرا.

قلت: انما علم إجمالا بذلك في غير موارد العمل، فلا يكون مورده من أطرافه، فلا تغفل.

[الثالث لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا و لم يذكر في العقد فهل يبطل العقد بذلك]

قوله (قدس سره): (فان اعتبارهما معا في الصحة، يقتضي كون تخلّف أحدهما كافيا في البطلان- إلخ-).

فإن البطلان عدم الصحة، و لعل توهم عدم الكفاية، لأجل توّهم كونهما ضدين و أمرين وجوديّين. فتأمل.

ص: 253

قوله (قدس سره): (إذا أوقعا العقد المجرد على النحو الذي يوقعانه مقترنا بالشرط- إلخ-).

بأن يريدا من اللّفظ الدالّ على المشروط، المعنى المبهم القابل للإطلاق و التّقييد، و أرادا تقييده بما اشترطاه خارج العقد.

قوله (قدس سره): (لعدم الإقدام على العقد مقيّدا- إلخ-).

و الإقدام عليه مطلقا، و يمكن ان يكون مثله، صورة طروّ النسيان في محلّ ذكر الشرط، مع كونه مطلقا، لعدم ذكر شرط، كما إذا بدا له في هذا المحل و أطلق، لعدم ذكر شرط، كما إذا كان من الأول بصدد الإطلاق، ان لم نقل باعتبار قصد الإطلاق أو التقييد من الأوّل.

و قد انقدح بذلك انّ هذه الصورة إنّما لحق بتارك ذكر الشرط عمدا، تعويلا على التّواطؤ السابق، فيما إذا لم يصير بصدد الإطلاق، بعدم ذكر الشرط، كما إذا بدا له ذلك بعد البناء على التقييد قبل هذا المحل، بل كان باقيا على الاشتراط، فتأمّل.

[الكلام في أحكام الخيار]

[الخيار موروث بأنواعه بلا خلاف بين الأصحاب]

اشارة

قوله (قدس سره): (ليصدق انّه مما ترك الميت- إلخ-).

ربما يشكل بعدم صدق انّه ممّا تركه الميت في الحق فان الحق عبارة عن اعتبار خاص منتزع عن منشأ انتزاع مخصوص، كالملكيّة، فوزانه ليس وزان الملك، بل الملكيّة، فكما لا يصدق ما تركه على الملكيّة، بل على الملك بانقطاع ما كان للميّت من العلاقة و تركه بلا إضافة الملكيّة له، كذلك لا يصدق على الحق بانقطاعه بنفسه كالملكية، و انتفائه بارتفاع طرفه و موضوعه لتقوم الأعراض، و الاعتبارات، و الإضافات بالأطراف و الموضوعات، فافهم فإنّه لا يخلو عن دقّة.

[بقي الكلام في أن إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال فعلا]

قوله (قدس سره): (و يضعّفه انّ حق الخيار علقة في الملك المنتقل الى الغير- إلخ-).

و يضعّفه ان الخيار علقة في العقد من حيث التّسلط على فسخه و إمضائه، غاية الأمر أثر الفسخ رجوع كل من العوضين الى ما انتقل عند أو وراثه، كما في الأجنبي، فإنّه أيضا مسلّط على فسخ العقد و إمضائه، و اثر

ص: 254

فسخه، رجوع العوضين إلى ما انتقلا عنه، من دون تعلّق حق بنفس الملك المنتقل الى الغير أصلا، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (و يمكن دفعه بان ملك بائع الأرض للثمن- إلخ-).

فيه انّ كون ملك بائع الأرض للثمن متزلزلا، و في معرض الانتقال الى جميع الورثة، بفسخ المورث ذي الخيار، لا يقتضي ثبوت حق للزّوجة، لو قيل بان الخيار فيما انتقل عنه، من حيث تسلّطه على ردّ ما في يده، ليملك ما انتقل عنه بإزائه، فلا يمكن الدفع الّا بما عرفت، من منع كون الخيار حقّا في الملك المنتقل عنه، بل في العقد، فقد تركه ذو الخيار، فلوارثه و منه الزوجة.

[مسألة في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار مع أنه شي ء واحد غير قابل للتجزية و التقسيم وجوه]

قوله (قدس سره): (الثالث: استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار- إلخ-).

لا يخفى انّ اضافة لفظ المجموع الى الخيار و هو واحد، لا يخلو عن استهجان، لو لم يكن لأجل المشاكلة مع مجموع الورثة. فافهم.

قوله (قدس سره): (فالمتيقّن من مفادها، هو ثبوت الخيار الواحد الشخصي للمجموع- إلخ-).

بل الظاهر منها، و ذلك لان حقّ الخيار الشّخصي الذي كان للميّت، و ان كان بحسب الدّقة يستحيل ان يبقى، لما أشرنا اليه. و ما للورثة من الخيار، كان في الحقيقة خيار أخر، إلّا انه ثبت لهم بعنوان انّه ذاك الخيار الذي كان ثابتا لذي الخيار، و قد تركه بموته، فالورثة بأجمعهم يقوم مقام ذاك الواحد، في صيرورتهم طرفا لذاك الحق الواحد، و قضية عدم التّخاير من اختيار الفسخ أو الإمضاء إلّا باجتماعهم عليه.

و بالجملة يكون ظاهر دليل الإرث، صيرورة ما كان للميت من الخيار الواحد، لمجموع الورثة، كما إذا جعل خيار واحد للاجنبيّين، أو المتبايعين على التوافق، لا الاستقلال بالتّخاير.

قوله (قدس سره): (فان النّص قد دل على انّه لا يسقط بعفو أحد الشريكين- إلخ-).

لا يخفى انّه قضية كون حق واحد للاثنين على التّوافق، و لو كان

ص: 255

لكل واحد إسقاطه، لم يكن على نحو التّوافق، بل بالاستقلال. نعم كان لكلّ منهما إسقاط ماله، فيختص بالآخر، فان الاشتراك انّما يمنعه عما ينافي مع حقّ شريكه، ما كان لذي الحقّ لولاه، و إسقاط ماله منه أصلا، كما لا يخفى. فيكون النّص الدّال على عدم سقوط حقّ القذف (1)، و حق القصاص (2) بعفو بعض الشركاء، و كذا حكم المشهود بعدم سقوط حق الشفعة بعفو بعض الورثة على القاعدة، و قضية كون حق واحد لاثنين، فكل واحد من الورثة، و ان كان ليس له التخاير، لا الفسخ، و لا الإمضاء، و لا إسقاط أصل الخيار، الّا انّ له إسقاط ما له منه، فيصير كأنّه لم يرث الخيار، فيختص به الباقي، فتأمل جيدا.

قوله (قدس سره): (و يمكن ان يفرق بالضرر- إلخ-).

قد عرفت انّه لا فرق بينهما، و ان الحكم بذلك على القاعدة، مع انّ الضّرر لو كان، لكان هو السبب للحكم في باب الشفعة و القصاص، فليكن سببا في هذا الباب، و لعله أشار إليه بأمره بالتأمل، فتأمل.

قوله (قدس سره): (و حاصله انّه متى فسخ أحدهم و أجاز الأخر لغا الفسخ- إلخ-).

و كذا لغا الإجازة، و يبقى الخيار، كما إذا لم يكن هناك فسخ و لا إجازة. و ذلك لما عرفت في أوّل الخيارات، من ان الإجازة يكون أحد طرفي التخاير الذي هو قضيّة الخيار، نعم على ما اختاره- قده- كانت الإجازة من أحدهم إسقاطا لحقه، فيختص الخيار بالباقي، كما عرفت، من تأثير إسقاطه، سقوط ماله منه. فتدبّر.

[فرع إذا اجتمع الورثة كلهم على الفسخ]

قوله (قدس سره): (و من أنهم قائمون مقام الميّت في الفسخ بردّ الثمن أو بدله- إلخ-).

لا يخفى انّ الورثة بعد الفسخ يتلقون من الميت بالفسخ، ما انتقل عنه


1- وسائل الشيعة: 18- 456- ب 22- ح 2.
2- وسائل الشيعة: 19- 85- ب 54- ح 1 و 2.

ص: 256

بالبيع، لا عن المفسوخ عليه، فلا بد من اعتبار انتقال بدله منه اليه، لا منهم.

و بالجملة كما يكون الانتقال الى الميت بالفسخ من المفسوخ عليه، فلا بد من ان يكون بعوض ما انتقل عنه اليه بالبيع، لا بعوض أخر، و الّا لم يكن فسخا، بل معاوضة جديدة، كما لا يخفى. و قياس إرث الخيار، على إرث حق الشفعة، قياس مع الفارق، ضرورة انّه لا مقتضى في الأخذ بها، كون المال من المورث أصلا، فإن المأخوذ بالشفعة إنّما يتلقاه الوارث من المشترى، لا من الميت، و ان كان تلقى منه حقّها، كما لا يخفى، بخلاف الخيار، فإنّ قضيّة الفسخ، و تلقّى الورثة للمال من الميت، كما عرفت هو ذلك.

و قد انقدح بذلك، ما هو أوجه الوجهين اللّذين ذكرهما فيما فرعه على هذا، و ان الأظهر في الفرعين هو كون ولاية الوارث، كولاية الولي، من جهة انه ليس لواحد من طرفي النّقل و الانتقال الحاصلين بالفسخ ابتداء، و ان كان ينتقل اليه ما انتقل الى الميت ثانيا بالإرث. و السيرة لو سلّم انّها جرت بما ذكره، لا شهادة فيها أصلا، لعدم لزوم أداء ديون الميت من مال مخصوص، الّا ان يريد عدم التزامهم بالأداء، لا منه، و لا من غيره، و هو كما ترى، مع عدم شرائط الاعتبار فيها، كما لا يخفى. و المسألة واضحة ان شاء اللّه لمن تأمّل فيما أشرنا إليه، فتأمل تعرف.

[مسألة لو كان الخيار لأجنبي و مات]

قوله (قدس سره): (و من انّ ظاهر الجعل أو محتمله، مدخليّة نفس الأصيل (1)- إلخ-).

لا يخفى انه على هذا يكون النّزاع صغرويّا، و على الوجهين الأوّلين يكون كبرويّا، فلا بد من جعل محلّ النّزاع في المسألة، أعم منهما، و إلّا فلا تأتى لهذا الوجه، أو الأوّلين منها. فافهم.

[مسألة و من أحكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار]

اشارة

قوله (قدس سره): (لكن الأمر هيهنا أسهل، بناء على انّ ذي الخيار إذا تصرف- إلخ-).

لا يخفى انّ البحث هيهنا في مقامين: (أحدهما): انّ الفسخ لما كان


1- و في المصدر:. مدخلية نفس الأجنبي.

ص: 257

امرا تسبيبا، هل يكفي في حصوله الفعل، أو لا بدّ فيه من القول، و هذا بخلاف الإجازة، فإنّها ليست إلّا نفس الرضاء و الإمضاء، فيمكن القول بحصولها بالفعل الكاشف عن الرّضاء دونه، و ان كان الأقوى كفاية الفعل فيه أيضا.

(ثانيها): دلالة تصرّف ذي الخيار فيما انتقل عنه أو إليه، بما لا يجوز الّا للمالك على الفسخ، أو الرّضاء. أما دلالة التصرف فيما انتقل اليه على الرضاء، فعله لعدم الانفكاك مثله عادة عن قصد ترتيب الأثر على البيع أو الشراء، و قصد انّه تصرف في ملكه الحاصل ببيعه أو شرائه، و هذا عين الرّضاء به. و هذا بخلاف التصرف فيما انتقل عنه، فإنّه كما يمكن وقوعه بعنوان الفسخ، يمكن وقوعه عدوانا، أو فضولا، أو بشاهد الحال، أو غفلة عن انتقاله عنه. و حمل فعل المسلم على الصحيح، لا يقتضي إلّا ترتيب اثر الصحيح شرعا عليه، لا اثر ما يتوقّف عليه صحته، كما حقّق في محلّه. و ظهور الأفعال في عدم الفضوليّة، أو كونها مع عدم الغفلة، لو سلم، فلا دليل على اعتباره.

و أصالة عدم الخطاء في الأقوال و الأفعال، لا يقتضي إلّا عدم صدورها خطأ، بحيث لو لا الخطاء لما صدرت، لا عدم صدورها عن قصد مع الغفلة عما لولاها، لربما صدرت أيضا، و كذا الحال في أصالة عدم شاهد الحال، فإنّها لا تثبت انّ التّصرف بقصد الفسخ، و لو على القول بالأصل المثبت.

فانقدح بذلك ان الأمر هيهنا، أشكل من حيث الصغرى و الكبرى، فلا بدّ في الحكم بالفسخ من كون الفعل مكتنفا بقرائن مفيدة لوقوعه فسخا، و بدونها لا يحكم به، لعدم إحراز قصده، بل يمكن دعوى عدم حصوله في هذه الصّورة، و لو مع قصده لاعتبار الدّلالة في حصوله، و عدم كفاية قصده، فتأمل جيدا.

[مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرف أو يحصل قبله متصلا به]

قوله (قدس سره): (و من المعلوم انه لا يصان عنه الّا إذا وقع- إلخ-).

يمكن ان يقال: انّه على السببيّة لما كان الفسخ مؤخرا عن الفعل ذاتا و مقارنا له زمانا، كانت هذه المقارنة الزمانية كافية في صيانة فعل المسلم، إذ لا يعتبر في صحّته الّا وقوعه في حال الملك، و عدم وقوعه قبله زمانا،

ص: 258

لا ذاتا، كيف، و إلّا يلزم على الكشف حصول الفسخ بمجرد قصده السّابق، و هو لا يكاد يحصل، و ان حصله به الإمضاء، لما عرفت انّه نفس الرّضاء بالبيع أو الشراء، و انّه ممّا يحصل بالمعاشرة، بخلاف الفسخ، فإنه لا يكاد يحصل، الّا بالتّسبيب. فانقدح انّه لا ملازمة بين حصول الإمضاء بمجرد قصده و الرّضاء، و بين حصول الفسخ بمجرد القصد و الرّضاء. فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (و البناء على كونه منفسخا من دون ان يدلّ عليها بفعل مقارن له- إلخ-).

لا يخفى انّ اعتبار دلالة الفعل على الفسخ في حصوله، لا يكاد يصحّ، الّا على السببيّة، غاية الأمر حصوله بالتّصرف بنحو الشرط المتأخر من قبل وقوعه، فمع الالتزام بما اتّفقوا عليه، لا محيص عن الالتزام بها، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (لان الفعل لا إنشاء فيه- إلخ-).

لا يحتاج الإنشاء إلى زيادة مئونة، فإذا اختار الفسخ، و اراده بتصرفه الدال عليه، حصل كما يحصل بإرادته بلفظ يدلّ عليه، كما لا شبهة في حصوله بالإشارة و الكتابة، و هما أيضا من الأفعال.

و ما حكاه من العلّامة في بعض مواضع التّذكرة، لا دلالة على الكشف بوجه، لملاءمته بكلا وجهيه مع السببيّة، لما عرفت من انّ عود الملك بالتصرف على السببيّة بنحو الشرط المتأخر بكون قبيل التصرفات. فافهم.

قوله (قدس سره): (و لو قلنا بحصوله بنفس الأفعال، فينبغي عدم صحة التّصرفات المذكورة- إلخ-).

قد عرفت مصادفتها لملك العاقد زمانا بكلا الوجهين في اعتبارها و دخلها، من كونه بنحو الشرط المتقدم، أو الشرط المتأخّر.

قوله (قدس سره): (لأن صحة العقد حينئذ يتوقّف على تقدّم ملك العاقد (1)- إلخ-).

بل يكفى مقارنته زمانا، و قد عرفت انّ التّقدم يكون على نحو السببيّة


1- و في المصدر:. يتوقف على تقدم تملك العاقد.

ص: 259

بنحو الشرط المتأخر، كما هو لازم ما اعترف به- قدس سره- ممّا اتّفقوا عليه من عدم حصول الفسخ بمجرد القصد، من إرادة دلالة الفعل عليه، كما أشرنا إليه، تأمّل تعرف.

قوله (قدس سره): (و إلّا لزم تقدّم وجود المسبّب على السبب- إلخ-).

لا بأس بتقدمه عليه، و لا ينخرم به القاعدة العقليّة، لما حققناه في الفضولي، من انّ السببيّة، و المسببيّة، حقيقة في الملك، و نحوها من الأحكام، و سائر الاعتبارات، بين الاعتبارات الطّارية، و اعتبار ما يكون اعتباره مصححا لها، و يصحّ بلحاظ انتزاعها، أو موجبا لحسن موضوع، أو قبحه المتتبعين للحكم عليه، بإباحة، أو تحريم، أو إيجاب، أو استحباب، فراجع هناك، و إن أردت زيادة بيان فعليك بالفوائد فراجع.

قوله (قدس سره): (فالوطي المحصّل للفسخ، لا يكون بتمامه حلالا- إلخ-).

قد عرفت إمكان ان يقال: انه يكون بتمامه حلالا، لاقترانه مع الملكيّة في الزّمان، و ان تقدّم عليها ذاتا. فقد انقدح بذلك التّوفيق بين حلية الوطي بتمامه، و حصول الفسخ به، لا حصوله بالقصد قبله، لوقوعه مع ذلك بتمامه في حال الملك، فافهم.

[فرع لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار له فقال أعتقهما]

قوله (قدس سره): (و فيه انّ عتق العبد موقوف على عدم عتق الجارية- إلخ-).

يمكن ان يقال: ان إمضاء العقد، لما كان بمجرّد الرّضاء السّابق المنكشف بصيغة عتق العبد، بخلاف الفسخ، فإنه يكون بنفس الفعل، كما عرفت مفصلا، كان الإمضاء، سابقا على الفسخ، فلا يبقى مجال لنفوذ عتق الجارية، فلا يزاحم به عتق العبد الواقع في الحقيقة بعد الإمضاء، و لا مزاحم آخر. فتدبّر.

[مسألة من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع من استرداد العين عند الفسخ]

اشارة

قوله (قدس سره): (فان الثّابت من الخيار (1)، الفسخ بعد ملاحظة جواز


1- و في المصدر: فان الثابت من خيار الفسخ.

ص: 260

التّفاسخ- إلخ-).

يمكن ان يقال: ان الخيار و ان كان متعلّقا بالعقد، لا بالعين، الّا انّ قضيّة الفسخ كما عرفت، لما كان هو رجوع كل من العوضين الى من انتقل عنه، كان جواز الفسخ بحسب الخيار، مانعا عن جواز كل تصرّف يمنع معه الرّجوع. نعم لو دلّ دليل خاصّ على هذا التصرف، لدلّ على انّ أحد طرفي الخيار، و هو الفسخ، يكون بالمعنى الأعم من الفسخ الحقيقي، و حينئذ لا بدّ من اعتبار رجوع العين و تقدير ملكه لمن انتقل عنه، ليصح الانتقال الى البدل، و إلّا لم يكن الفسخ فسخا أصلا، بل معاوضة جديدة كما لا يخفى. و عليه لا يجوز التصرفات الناقلة.

و اما التصرف المتلف، فيمكن ان يقال: انه لا ينافي الفسخ، فان التّالف يرجع الى من انتقل عنه، و يصير حاله معه، حاله مع المنتقل اليه قبل الفسخ، بحيث لو وجد على خلاف العادة، كان ملكا له، و قد علم منه حال التصرف المخرج له عن المالية، كما إذا تصرّف في الخلّ بما ينقلب معه حمزا لغرض صحيح، حيث يرجع اليه بالفسخ، كما إذا لم ينقلب، غاية الأمر، لا يكون قابلًا لإضافة الملكية، فيصير له حقّ الاختصاص. فافهم.

و قد ظهر بذلك حال الوطي في زمان الخيار، و انّه لا يجوز بناء على ان الاستيلاد يمنع من ردّ العين، و كذا حال الإجارة، و انها يجوز لعدم منعها عن الفسخ، تأمل في المقام.

[فرعان]
[الثاني أنه هل يجوز إجارة العين في زمان الخيار بدون إذن ذي الخيار]

قوله (قدس سره): (لأن أخذ البدل بالفسخ، فرع تلف العين في حال حلول الحق فيه، لا مع سقوطه عنه- إلخ-).

لا يخفى انّه لا يخلو عن مصادرة، فإنه لا وجه لسقوط الحق عن العين، بناء على ان الفسخ حقيقة يكون مع انتقال العين الى الغير، كما يظهر منه- قده-، و أثره الانتقال الى البدل، فان التّصرف حينئذ لا يكون منافيا له، كيلا يبقى مجال له، مع وقوعه عن إذن ذي الخيار. نعم بناء على ان الفسخ الحقيقي لا يكون معه، كما عرفت فيما مرّ غير مرّة، لا يبقى مجال له معه.

و من هنا انقدح انّه لا وجه لسقوط الخيار بمجرد الإذن فيه قبل

ص: 261

صدوره أصلا، الّا على الوجه الأوّل. فتأمل.

[مسألة المشهور أن المبيع يملك بالعقد و أثر الخيار تزلزل الملك]

قوله (قدس سره): (لعموم أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ (1)، و أكل المال (2)- إلخ-).

قد مرّ غير مرة بأن مثل «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» في بيان تحليل حقيقة البيع في قبال حقيقة الرّبا، لا بصدد بيان إنفاذ السبب، مع انه لو كان بهذا الصّدد، لا إطلاق فيه. بل انما كان بصدد بيان اعتبار عدم التّفاضل في الأجناس الربويّة، ردعا لقولهم «إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا» (3) كما لا يخفى.

و من هنا انقدح حال «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» (4) حيث انّه انّما بصدد صرف النّاس عن الأكل بالباطل إلى الأكل بالحقّ، و هو الأكل بالتجارة عن تراض. من دون ان يكون في بيان السبب، مع انه لو كان المراد بالتّجارة سببها، لا إطلاق فيها، لما عرفت من انّه بصدد الصرف الى هذا السبب، لا بصدد بيانه فافهم.

قوله (قدس سره): (و يدل عليه لفظ الخيار في قولهم (ع) «البيّعان بالخيار (5)- إلخ-).

بناء على ظهوره في ملك الفسخ، بمعنى حلّ العقد المنعقد المؤثر في مضمونه، لكنه يمكن منع ظهوره، بل بمعنى ما كان للموجب قبل القبول من إبطال الإيجاب. سلّمنا انه بمعنى ملك فسخ العقد، لكنه ليس الّا حلّه و رجوع الأمر، كما كان قبله، كأنه لم يكن عقد في البين أصلا، فتأمل.

قوله (قدس سره): (فحينئذ فيمكن ان يكون سؤال السائل (6) من جهة (7) ركوز مذهب الشيخ- إلخ-).

و الظاهر أنّ سؤاله من جهة تخيّل انّه كيف يكون اشتراء ما كان له


1- البقرة: 275.
2- النساء: 29.
3- البقرة: 275.
4- النساء: 29.
5- وسائل الشيعة: 12- 345- ب 1- ح 1.
6- وسائل الشيعة: 12- 351- ب 5- ح 1.
7- و في المصدر: فحينئذ فيمكن ان يكون سؤال السائل بقوله اشترى متاعي من جهة ركوز مذهب الشيخ.

ص: 262

و قد باعه. فتدبّر.

قوله (قدس سره): (توضيح الضّعف انّ مدلول العقد ليس هو الانتقال من حين العقد- إلخ-).

و إلّا لزم ان يكون الانتقال من حين الإيجاب، فإنّ القبول، هو قبول الإيجاب و مطاوعته، لكنه ليس بمبهم، و مهمل، بل مطلق، و مرسل، قد لوحظ فيه الإطلاق و الإرسال، و ان لم يعيّن لأوّله و لا لآخره حدّ و زمان، كما مرّ في الفضولي، و في عقد المكره. فراجع.

قوله (قدس سره): (و فيه انّه لم يعلم من القائلين بتوقّف الملك على انقضاء الخيار القول- إلخ-).

مع انّه لو علم، فالظاهر من النبوي (1)، كون مضمونه قاعدة جديدة على خلاف القواعد العامة، و لذا استدلّ به على عدم ضمان الغاصب للعين بمطلق منافعها، استوفاها، أولا. و قد مرّ للنبوي معنى أخر، فتذكّر.

قوله (قدس سره): (فيدلّ بضميمة قاعدة كون التلف عن المالك- إلخ-).

مضافا الى قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان (2) «و يصير المبيع للمشتري» الظّاهر في انّه ليس له قبل الانقضاء، ان لم نقل بأنّه من المتعارف، سلب كون الشّي ء لأحد، إذا كان ملكه له في معرض الزوال، كما ربّما يؤيده، انّه لا يبعد دعوى ظهور هذه الأخبار في مضمون جديد، على خلاف القواعد، لا بيان مجرد خسارة المال على ملكه، فتأمل جيدا.


1- التاج الجامع للأصول: 2- 204 (كتاب البيوع).
2- وسائل الشيعة: 12- 352- ب 5- ح 2.

ص: 263

[مسألة و من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار في الجملة]

قوله (قدس سره): (فان ظاهر قولهم: التلف في زمان الخيار- إلخ-).

لا دلالة لإضافة الضمان الى الخيار، الى كون الزمان، الزمان الذي هو حدّ الخيار و أمده، كي يكون الخيار زمانيا، بل الزّمان الذي يكون فيه الخيار، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (مضافا الى استصحاب ضمان المشترى له الثابت قبل القبض- إلخ-).

هذا بناء على ضمان المشترى قبل قبض الثمن، كالبائع للمثمن قبل قبضه، كما سيجي ء. و كون الضمان في زمن الخيار، بمعنى الضمان قبل التلف، و فيه بحث، كما يأتي، و إلّا فلا مجال للاستصحاب، لعدم الحالة السابقة، أو لارتفاعها جزما، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (مدفوع بما أشرنا سابقا من منع ذلك- إلخ-).

و ان شرط ردّ الثمن، أو مثله، انما هو شرط التّخاير، لا الخيار، لكنه لا يخفى انه يختلف بحسب ما تقاولا عليه و تراضيا من الشرط، و إلّا فالشرط صالح لان يكون لنفس الخيار أيضا، فافهم.

قوله (قدس سره): (و دخول الفرد في ملك المشترى، لا يستلزم انفساخ العقد- إلخ-).

فيما إذا تلف في زمن خياره، غايته انه يستلزم ان يكون حاله كما إذا لم يدخل في ملك المشترى، فيبقى الكلي الذي هو محظ العقد على حاله، هذا، لكنه يمكن ان يقال: ان الكلى بعد انطباقه على الفرد، و تعيّنه في الخارج في ضمنه، صار المبيع بذلك شخصا خارجيّا، كان العقد وقع عليه، فاذا كانت قضيّة قاعدة التّلف في زمن الخيار، انفساخ العقد في بيع الشّخصي كانت قضيّتها ذلك في بيع الكلى، حيث كان تلفه على من انتقل عنه، كما إذا لم يكن هناك بيع، لا كما إذا لم يكن قبض، ضرورة ان الكلى بعد ما عيّن في الخارج، و فرغت الذّمة عنه، و تلف الفرد المنطبق عليه المبيع الكلى من مال من انتقل عنه، كما هو قضيّة القاعدة، حسب الفرض، لا يكاد يوجد هناك موجب لاشتغال الذّمة به ثانيا، كي يكون العقد باقيا على حاله، و لعلّه أشار

ص: 264

إليه بأمره بالتأمل، فتأمل.

قوله (قدس سره): (انّ هذا ظاهر الأخبار المتقدمة الدّالة على ضمان البائع (1)- إلخ-).

لا يخفى ان ظاهر لفظ الضمان في بعض تلك الأخبار، ظاهر في كون المبيع على عهدة البائع في مدة خيار المشترى، كما هو المتعارف منه في غير مورد من موارد قواعده من اليد، و الإتلاف و التغرير، و قاعدة عدم ضمان الشخص لما يتلف في ملك مالكه، ليس قضيّتها الّا ان الأصل عدم ضمانه له بلا موجب، و تلك الأخبار دلت على ان الشراء بالخيار، يكون موجبا له، كدليل اليد، و الإتلاف و التغرير، فلا يكون الضمان بسببه مخالفا لهذه القاعدة أصلا مثل دليلها، فافهم.

و قاعدة التلازم بين الضمان و الخراج أيضا، لو سلمت بمعنى ينفع الخصم، كانت مثل القاعدة السابقة، في انّ خسارة المال على مالكه، كما أنّ منافعه له في نفسه، لو لم يكن هناك ما يوجب ان يكون خسارته على غيره، أو منافعه له، و ذلك لا ينافي في التفكيك بينهما، بموجب دلّ دليله، إمّا على انه يوجب كون خسارته على الغير، أو منافعه له، كأدلة موجبات الضمان، أو دليل نفوذ مثل عقد الإجارة، و قد عرفت ان تلك الأخبار (2) تدل على ضمان البائع، لمال المشترى في زمان الخيار، و كون التّلف في زمانه، موجب لضمانه، مع انّه مخالفة هذه القاعدة لازمة لا محالة. و تقدير كون المبيع في ملك البائع آنا ما، مع انه مخالف للأصل، لا يكاد يصار اليه الّا بالحجة، و لو كان هو الجمع بين القاعدتين اللّتين لا يكاد يوفق بينهما، إلّا بذلك، و ليس هيهنا مثل ذلك، لما عرفت من ان النّسبة بين تلك الأخبار و القاعدتين، هو النّسبة بين الدّليل و الأصل، لا يجدي في رفع المخالفة لقاعدة التّلازم، ضرورة انّ الضّمان الذي هو عبارة عن مفاد قضيّة شرطيّة، لو تلف كانت عليه خسارته في تمام الزمان، و تقدير الملك انّما هو في الآن، فالتّفكيك كان بين الضّمان


1- وسائل الشيعة: 12- 355- ب 8.
2- وسائل الشيعة: 12- 355- ب 8.

ص: 265

و المنافع في غير الان من زمان الخيار.

نعم لو فرض له منافع في ذاك الان، و قيل بأنه للبائع، حينئذ، لم يكن تفكيك بينهما في هذا المقدار، فلا يكاد يجدي القول بانفساخ المعاملة، مع انه على خلاف القاعدة في عدم انخرام القاعدة. نعم انما يجدي في عدم انخرام قاعدة عدم ضمان الشخص لما يتلف في ملك غيره، و قد عرفت انّه ليس الّا من قبيل الأصل المخرج عنه بتلك الأخبار، فكيف صحّ الالتزام بالانفساخ على خلاف القاعدة، لمراعاة مثله.

و ممّا يؤيّد انّ الضّمان في الأخبار، يكون بمعنى العهدة لمال الغير، كما في غير مورد من الموارد، لا بمعنى انفساخ العقد، و تلفه من مالكه، شمول هذا الأخبار بالعموم، كما هو صريح بعضها لتلف بعض الصفات، كالصحة في زمن الخيار، مع انّه لا معنى لانفساخ العقد فيها، لما عرفت من عدم كون شي ء من الثمن بإزائها، و ان كان بملاحظتها يزداد فيه، كما لا يخفى، فتأمل جيدا.

قوله (قدس سره): (و على التقديرين في ضمان (1) المتلف- إلخ-).

الّا أنّه على التقدير الثّاني، لا يكون ضامنا للفاسخ، لعدم كونه ملكا له في ذاك الحال، بل ملكا لغير ذي الخيار، فيكون ضامنا له، فلا وجه لرجوع الفاسخ اليه الا بضميمة ما ذكره أولا، كما لا يخفى. و على التقدير الأول، و ان كان ضمان المتلف بالفسخ يصير له بعد ما كان لغيره، الّا انه لا وجه لهذا التقدير أصلا، فإن الفسخ من حينه، و قضيته انّما هو رجوع ما انتقل عنه إلى الأخر بعينه أو ببدله منه اليه، و بالعكس، بان يكون كل واحد متلقّيا عن الأخر، لا عن الغير، و بذلك ظهر فساد ما ذكره أولا، كما يشير اليه، فافهم.

[مسألة قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين]

قوله (قدس سره): (لان الخيار كما عرفت، عبارة عن ملك فسخ العقد- إلخ-).

الخيار فان كان في لسان الأصحاب، هو ذلك. إلّا انّه المراد من


1- و في المصدر: و على التقديرين فهو في ضمان المتلف.

ص: 266

لفظ الخيار في الاخبار، غير معلوم، لاحتمال ان يراد به فيها، جواز استرداد العين بالفسخ، فيشكل التّمسك بمثل «البيّعان بالخيار» (1) و لا مجال للاستصحاب بعد التّلف أصلا، لعدم ثبوت الفرد و الكلّي، و ان ثبت، الا ان استصحابه لا يجدي الّا على القول بالأصل المثبت، حيث ان جواز الفسخ بعد التلف ليس من آثاره، بل من آثار فرده.

[مسألة لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة]

قوله (قدس سره): (لأنها كانت مضمونة قبل الفسخ- إلخ-).

ظاهر العبارة، كما هو صريح سائر العبارات، انّه- قده- أراد من الضمان قبل الفسخ، ضمان اليد، و أنت خبير بأنّه ليس ضمان ما صار الى كل من المتبايعين من العوضين، ضمان يد، بل هو ضمان معاوضة بمعنى خسارته عليه، و تلفه من ماله بعوض ما انتقل عنه بالعقد إلى الأخر، و صار خسارته عليه كذلك، و بالفسخ قد ارتفع ذاك الضّمان قطعا، فلا مجال لاستصحابه، فلو كان للفاسخ يد عليه حين الفسخ، فعموم «على اليد» (2) مقتضى لضمانه فيما إذا لم يكن التّخلية بينه و بين المفسوخ عليه، و الّا كان أمانة شرعية، حيث كان حفظه حينئذ، مجرد إحسان إليه، فتأمل.

[القول في النقد و النسيئة]

[مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد]

قوله (قدس سره): (و قوّى الشهيد الثاني ثبوت الخيار مع الإطلاق أيضا- إلخ-).

وجهه انّ الإطلاق أيضا يقتضي التّعجيل مثل اشتراطه، و فيه ان وجوب الخروج عن العهدة مع المطالبة في صورة الإطلاق انما هو آثار الملكية المطلقة الحاصلة بالعقد و أحكامه فالتأخير مع المطالبة، انما هو مجرد مخالفة تكليف، كما إذا غصب ما باعه، لا التخلّف عن حق ثابت للغير، في عرض الملكية الثّابتة له بنفس العقد، كما في صورة الاشتراط، فلا يكون تخلّف الشرط، إلّا في هذه الصورة.


1- وسائل الشيعة: 12- 345- ب 1- ح 1.
2- مستدرك الوسائل: 3- 145.

ص: 267

و من هنا ظهر انّ شرط التّعجيل لا يخلو عن تأسيس، و انما يكون مؤكدا بملاحظة وجوب الخروج عن العهدة معجلّا مع المطالبة، فافهم.

[مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة]

قوله (قدس سره): (و من الأجل المضبوط و حلوله بموت المشترى، و هو أقرب- إلخ-).

لا يخفى انّ حلول الأجل بالموت من أحكام صحة البيع و آثارها، فلا يكاد يمكن ان يكون صحته بملاحظته أصلا.

و بالجملة لا بد ان يكون البيع في نفسه، غير سفهي، و جامعا للشرائط، و فاقدا للموانع، ليقع صحيحا، فترتب عليه أحكامه و آثاره، فلا يجدي في ذلك حلول الدين بالموت، فما قرّبه بعيد جدا، و ما ذكره- قده- في وجه أقربيّته انّما يصحّ، لو كان البيع في نفسه غير سفهي، لا بملاحظة الحكم بالحلول، فتدبر جيدا.

قوله (قدس سره): (حيث ان الشارع أسقط الأجل بالموت، و الاشتراط المذكور، تصريح ببقائه بعده- إلخ-).

لا يخفى ان حكم الشارع بحلول الأجل، لا يكاد يكون الّا فيما كان هناك بحسب الاشتراط أجل، فالاشتراط المذكور محقق لموضوع الحكم بالحلول، لا انّه ينافيه و يكون على خلافه. نعم لو كان الشرط بقاء الأجل و عدم حلوله بالموت، كما جعله الشارع، كان على خلاف جعله، فكان فاسدا، بل مفسدا، كيف، و الّا لزم ذلك، و لو فيما إذا اشترطا ما يحتمل بقاء المشتري عادة، فيما إذا لم يبق و مات، بل مطلقا، كما لا يخفى على من تأمّل.

[مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجّلا]

قوله (قدس سره): (و لو باع بثمن حالا، و بأزيد منه مؤجّلا- إلخ-).

يحتمل ان يقع ذلك على وجوه:

أحدها: الترديد بين إيجابين، إيجاب البيع نقدا بثمن، و إيجابه نسية بأزيد منه، ليقبل المشتري أحدهما. و لا يبعد دعوى الإجماع على بطلانه، مضافا الى انّ الترديد بين الإيجابين، مستلزم للتّرديد بين العوضين، و الجهالة في انّه بأيّهما يقع التّمليك، و يكون بمنزلة انّه بعته بما اخترت من أحد هذين الشيئين، و الغرر و الجهالة في مثله، مما لا يخفى.

ص: 268

ثانيها: إيقاعه نسية، مع اشتراط التّنزيل، و إسقاط شي ء من الثمن على تقدير أدائه حالا، و لا ينبغي الإشكال في صحّته، لأن الشرط أمر سائغ، و لا يبعد تنزيل بعض الأخبار عليه.

ثالثها: إيقاعه نقدا بثمن، مع اشتراط زيادة عليه، على تقدير عدم وفائه به الى أجل كذا، و لا شبهة في بطلان الشرط، لأنّه من الرّبا، كما يأتي. و امّا البيع ففساده مبني على كون فساد الشرط يفسد، و قد تقدّم الكلام فيه، و لا يبعد أن يكون بعض الأخبار (1) الدّالة على الأخذ بأقل الثمنين و أبعد الأجلين منزلا على ذلك، بان يكون المراد انّه لا يلزم الّا بالأقل، و لو لم يؤدّه إلّا في أبعد الأجلين.

قوله (قدس سره): (بل هي في مقابل إسقاط البائع حقّه من التّعجيل- إلخ-).

قد عرفت ان التّعجيل ليس بحق، بل وجوبه مع المطالبة من آثار الملكيّة الحاصلة بالعقد، فلا يسقط بالإسقاط مطلقا، بالعوض أو بدونه.

و عليه و ان لم يستحق البائع، الزيادة، الّا انّه له المطالبة. نعم يمكن توجيه كلام الشهيد- ره- بان يكون البيع بالأقل، و قد شرط في ضمنه الزّيادة على المشترى، و التأخير له مع المطالبة، كل على حدة، فإذا فسد الشرط الأول لكونه الرّبا، بقي الشرط الأخر على حاله، لعدم الملازمة بينهما، كما لا يخفى، الّا على القول بفساد العقد، لفساد شرطه، و لا يذهب عليك انّه لا يرجع هذا إلى إسقاط حقّ المطالبة، بل هذا يكون قضيّة اشتراط التأخير له، فافهم.

[مسألة لا يجب على المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل و إن طولب]

قوله (قدس سره): (و يمكن تعليل الحكم بأن التّأجيل كما هو حق للمشتري- إلخ-).

لا يخفى انّه لا يساعد الشّرع و لا العرف، على كون التّأجيل منشأ لانتزاع اعتبار أخر غير الملكيّة، لما في ذمّة المشترى مؤجّلا، على ما هو ظاهر المشهور، أو الملكيّة بعد الأجل، كما هو المحتمل، غاية الأمر حكم مثل هذا


1- وسائل الشيعة: 12- 367- ب 2- ح 2.

ص: 269

المال، عدم وجوب قبوله على مالكه، كما لا يجوز له مطالبته، و هو غير ثبوت حقّ له قابل للإسقاط و الصّلح، بل لا يساعدان على انتزاعه للمشتري أيضا، بل جواز تأخيره مع المطالبة إلى الأجل، حكم تعهدّه مؤجّلا، و لذا لا يسقط بإسقاطه.

و بالجملة ثبوت حقّ في بين يحتاج الى ثبوت موجب له، و لا دليل عليه، و مع الشك فالأصل عدمه، و جواز تأخيره مع المطالبة، كجواز عدم القبول مع التّبرع بالدّفع، لا دلالة على ثبوت الحقّ، لأنهما أعم، و اما الدليل على جواز عدم القبول مع ثبوت حق له في التّأخير، فهو عدم دليل على لزومه.

و من هنا ظهر ما في تعليلاتهم، لعدم السقوط بالإسقاط، بل وجهه ان جواز التأخير مع التّأجيل، صرف الحكم لا يسقط بإسقاط من له الحكم.

ان قلت: كيف ذا، و التأجيل بجعله و شرطه، و الشرط قابل لذلك، اى السقوط بالإسقاط، و الّا لما سقط الخيار الحاصل بالشرط.

قلت: نفس الاشتراط لا يكاد يسقط إلّا بإسقاط المشترط لخروجه عن تحت قدرته، لمكان «المؤمنون عند شروطهم» (1)، و لا بإسقاط المشترط له، لعدم سلطنته لأحد على حد التزام غيره بعقد أو شرط. نعم ان كان المشروط حق، كان له إسقاط ذاك الحق، كما انّه إذا كان بالشرط له، ملك عين، أو عمل، أو دين، كان له ذاك، و يترتب ماله من أحكامه و آثاره. و هيهنا بالشرط صار له نفس التأخير، فجاز له تركه، و التّبرع بالتّعجيل، لا حقّه، كي جاز له إسقاط، مع إمكان منع كون التأجيل بشرط في ضمن البيع، بل البيع نسية نحو من البيع، خصوصا لو قيل بما أشرنا إليه من الاحتمال.

ثم لا يخفى انّه لا ينافي ذلك اشتراط شي ء في ضمن عقد أخر، كان اثر، وجوب التعجيل مع المطالبة. فتدبر.

قوله (قدس سره): (امّا لو تقابلا في الأجل، فإنه يصحّ- إلخ-).

بل لا يصح، فإنه راجع الى ان يكون ما أوقعاه من نحو البيع نحو أخر،


1- مستدرك الوسائل: 2- 473.

ص: 270

لما عرفت من منع كون الأجل شرطا في البيع، بل يكون حدّا له، و من مخصّصاته نوعا أو صنفا، مع منع جريان التّقابل في الشرط، و كون التّقابل بمعنى إسقاطهما ما لهما من الحق، كما يأتي منه- قده-، فيه ما ذكرنا انّه ليس هناك حق قابل للإسقاط أصلا.

قوله (قدس سره): (فلا يعود الحق بإسقاط التأجيل- إلخ-).

فيه انّه يمكن ان يقال: لو سلّم، فقضيّته ليس الّا عدم إعادة حقّ المطالبة السّاقط بإسقاطه، لا جوازها الذي هو صرف حكم، فإنّه غير ساقط، و انما لم يكن لانتفاء موضوعه، و بإسقاط حقّ التأجيل قد وجد أيضا له موضوع، فإنه أعمّ، فافهم.

قوله (قدس سره): (لانّه حق واحد يتعلّق بهما، فلا يسقط إلّا بإسقاطهما- إلخ-).

لا يقال: انّ وحدة، الحق و كونه لاثنين لا يمنع عن إسقاط أحدهما فيصير عما إذا لم يكن الّا للآخر، كما في الحق الذي ورثه جماعة.

فإنّه يقال: وحدته انما لا تكون بمانعة فيما إذا كان المتعدد في طرف واحد، لا فيما إذا كان كل واحد من المتعدد مما له و عليه. لكنه لو لم نقل بأنه موجب لتعدده أيضا، فتدبر.

[مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب على مالكه قبوله عند دفعه إليه]

قوله (قدس سره): (و توهم عدم الإضرار و الظلم، لارتفاعه بقبض الحاكم- إلخ-).

لكنه يمكن ان يقال: انّه لا إضرار و لا ظلم إذا كان المعتبر في وفاء الدّين، قبول الدّائن ما عينه المديون، و عدم كفاية مجرد التّعيين و التّخلية بينه و بينه، لعدم مزاحمته له في حق، و لا عين، و لا نفس، و هو أيضا مسلط على نفسه، غاية الأمر ان يكون بقاء الدّين في ذمته ضررا عليه، لكنه قد أقدم عليه، حيث كان ممّا يدوم بنفسه إذا حدث بسببه الذي اتى به، و لو سلّم عدم إقدامه الّا على حدوثه إلى الأجل، فقاعدة نفى الضرر مقتضية لنفى ما هو حكمه لولاه، من اشتراط تحقق الوفاء الواقع له بقبول الدّائن، فيستقلّ بالوفاء بالتّعيين و التخلية، مع إمكان ان يقال: بكفاية ذلك مع الإغماض عن هذه

ص: 271

القاعدة، فلا تصل النّوبة إلى إجبار الحاكم أو قبوله، من جهة كونه وليّ الممتنع، مع انه لو سلّم انه امتنع عمّا يجب عليه فتصدى الفقيه له، مبني على عموم الولاية في زمن الغيبة، و الّا فلا بد في تصدّى الفقيه و غيره، من إثبات ان هذا الأمر ممّا لا يجوز إهماله على كل حال، كما هو الحال في حفظ أموال القاصر الذي يكون بلا ولى، و الأوقاف التي تكون بلا متولّي، و الاقعاية الأمر يجب من باب الأمر بالمعروف في الجملة، حمله على القبول.

و من هنا انقدح ما هو طريق تفريغ ذمة المديون من الاستقلال بالتّعيين و التخلية فيما جاز له، و لو بملاحظة قاعدة نفى الضرر، لا ما أفاده- قده- فإنّه مستلزم للقول بخلاف غير واحد من القواعد، ضرورة أنّ التّفريغ بدون الوفاء و الإبراء، و تلف ما عيّنه على الدّائن مع بقائه على ملكه، و صيرورته متعلّقا لحق له كحق الجناية، أو تقدير ملكه له آنا ما قبل التلف، الى غير ذلك، كلها على خلاف القاعدة، لا يصار إلى واحد منها الّا بدليل. و لا يمكن ان يقال بدونه شرعا، و إن أمكن ثبوته واقعا، فافهم و تأمل في أطراف ما ذكرناه.

قوله (قدس سره): (لكن فيه ان تضرره انما يوجب ولايته على القسمة- إلخ-).

يمكن ان يقال: تضرّر الشريك بالقسمة، إنّما يمنع عنها لو لم يكن الضّرر متوجها ابتداء اليه، و امّا معه فلا وجه لأن يزاحم به ضرر شريكه.

و من الواضح أنّ الضرر هيهنا متوجّه اليه، و بتبعه يرد الضرر على شريكه لو لا القسمة، تضرره اولى بالمراعات من ضرره، كما قرر في محله. فتأمل.

[مسألة إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه قبل حلول الأجل و بعده]

قوله (قدس سره): (و في دلالتها نظر- إلخ-).

لعل وجهه عدم ظهور الرواية في الشراء، فضلا عن شراء ما باع. بل ظاهر في جواز أخذ غير ما عليه من الدّراهم وفاء عنها، و الكلام انما كان في المنع عن شراء ما باع في الجملة إلّا عن أخذه أو مثله وفاء، فافهم.

قوله (قدس سره): (و فيما تقدم عنه في النّهاية- إلخ-).

لكنه عليه لا وجه لغير واحد من القيود الّتي أخذها في موضوع ما

ص: 272

ذكره فيها من المسألة، كما لا يخفى. فتأمل.

قوله (قدس سره): (الّا ان يقال: أخذ الرهن على الثمن و التضمين عليه- إلخ-).

لا يخفى انّ كون شي ء من توابع البيع و مصالحه، لا يندفع به محذور الدّور، حتّى يجوز اشتراطه لأن المنع عنه على تقدير لزوم الدّور عن اشتراطه عقلي، و التبعيّة لا ترفع التّوقف عن واحد من الطرفين، ضرورة توقف الرّهن على البيع المتوقف عليه مع اشتراطه، فالنقض به على حاله، و الحلّ و هو عدم توقّف ملكيّة البائع على بيعه، مشترك. و لعلّ توهّم التوقّف إنّما نشاء من جهة إطلاق الشرط على ما شرط، و توقّف المشروط على الشرط واضح، و الغفلة عن انّ ذاك التّوقف إنّما هو على الشرط الذي هو من اجزاء العلة، و ما هو من أجزائها انّما هو نفس الاشتراط بالبيع، بناء على كونه قيدا للمطلوب الواحد، و انّ فساد الشرط يوجب فساد العقد، و هو حاصل و قد اثر، لا ما اشترط به، كما لا يخفى.

و امّا بناء على تعدّد المطلوب، فهو أيضا ليس من اجزائها. نعم هو من اجزاء علة مرتبة من المطلوب، فافهم.

قوله (قدس سره): (بل لأجل الالتزام به سابقا في متن العقد أو قبله- إلخ-).

بل لأجل الالتزام لا حقا، و إلا فلو كان لأجل الالتزام به سابقا من دون إلزامه به من أحد، لم يكن بيعه أو شرائه بغير طيبه و رضاه، و ان كان لولا التزامه به، لما كاد يبيع أو يشترى بطيبة.

و بالجملة الطّيب المعتبر في صحة المعاملة، ما حصل له من الدّاعي، لأجل الوفاء بوعد، أو التزام، أو رفع ضرورة، الى غير ذلك مما كان في مقابلة الإكراه عليها، كما لا يخفى. و منه قد انقدح ما ينبغي ان يحمل عليه خبر على بن جعفر (1)، فتدبّر.


1- وسائل الشيعة: 12- 371- ب 5- ح 6.

ص: 273

قوله (قدس سره): (و عدم طيب النفس لا يقدح، الّا مع عدم لزوم الوفاء شرعا- إلخ-).

بل يقدح، و لو مع لزوم الوفاء شرعا، كما إذا كان بيعه مع بإلزام، أو إكراه من أحد، بتوعيد و وعيد على عدم اقدامه، فباع لذلك، غاية الأمر مع لزوم الوفاء، ربّما يجوز للحاكم إجباره عليه فيما إذا امتنع عنه، أو تولية عنه، لو قيل بعموم ولاية الحاكم، كما أشرنا إليه سابقا، و هو غير انّه لا يقدح عدم طيبه مع لزوم الوفاء عليه، كما لا يخفى على المتأمل، فتأمّل.

[القول في القبض]

[مسألة اختلفوا في ماهية القبض في المنقول]

قوله (قدس سره): (اختلفوا في ماهية القبض في المنقول- إلخ-).

الظاهر ان لا يكون اختلافهم في ماهية القبض شرعا، بل كان فيما يتحقق به خارجا، بعد الاتفاق على انّه أمر واحد، و مفهوم فأرد، كالاستيلاء، و التمكن من التّصرف فيه بما شاء لغة و شرعا. و انّه كما يتحقّق في غير المنقول بالتّخلية بلا خلاف، يتحقق بها في المنقول، أو لا بدّ معه من النّقل و التحويل، أو الوضع في اليد، أو غير ذلك مما ذكروه. و ذلك لبعد أن يراد منه شرعا، غير ما هو معناه لغة و عرفا، و ان يكون في المنقول غير ما هو في غيره، مع اختلافهم في تعيينه. و هذا بخلاف ان يكون الخلاف في محقّقات معنى، فإنّه لا بعد أصلا في اختلاف المحققات بحسب الانظار، كما انّ اختلاف المنقول و غيره كذلك، أو واقعا، كما لا يخفى.

مع انّه لا يبعد ان لا يكون اختلافهم فيها أيضا، بل في العبارة لأجل المسامحة، كما هو المحتمل في اختلاف عبارات أهل اللغة، أو ان يكون لأجل اختلاف الموارد فيما يعتبر فيها من فعل القابض، أو المقبض. أو اختلاف حكم الوضع و التّكليف، و لو في مورد واحد. و بأحد هذه الوجوه على سبيل منع الخلو يمكن منع التوفيق بين الكلمات، و الجمع بين ما وقع منهم في الموارد من الشتات.

و بالجملة لا بدّ في كلّ باب من ملاحظة الدّليل، و الاقتصار حينئذ مع إجماله على اعتبار ما اجمع عليه الأصحاب في ذاك الباب. و الرجوع فيما شك في اعتباره إلى الإطلاق أو العموم، لو كان، و إلّا فإلى ما هو الأصل بحسب

ص: 274

التّكليف و الوضع. فتأمّل.

قوله (قدس سره): (فقد اعترف غير واحد بأنّه تعبّد، لأجل النصّ (1) الذي ادعى دلالته عليه- إلخ-).

مع انّ المنع عند بمكان من الإمكان، فإنّ الظاهر أنّ الاخبار بعد التّوفيق بينها، كما يظهر بالتأمل فيها، بإرجاع المنع عن البيع قبل الكيل أو الوزن، الى المنع عن البيع قبل القبض، لأجل الملازمة بحسب الغالب المتعارف بينهما، و انّه لا يكاد ينفكّ الكيل أو الوزن عمّا يتحقّق به القبض عادة، كما لا يخفى، انّما يكون بصدد المنع عن البيع قبل القبض تكليفا، حرمة، أو كراهة، أو وضعا، كما يأتي تفصيله في بعض مسائل أحكام القبض، لا في بيان اعتبار الكيل أو الوزن في القبض، أو كفايته في قبض المكيل أو الموزون، كما يظهر بالتأمل فيها.

[فرعان]

[الأول لو باع دارا أو سفينة مشحونة بأمتعة البائع و مكنه منها كان قبضا]

قوله (قدس سره): (فالنّقل عن زاوية إلى أخرى بغير اذن البائع، لا يكفى لجواز التّصرف).

لا يخفى انّه لا يكاد يتم الّا فيما لا يصحّ بيعه بدون القبض كالصرف، و إلّا فجواز التّصرف في المبيع بالبيع، و الشراء، و غيرهما، لا يتوقف على القبض أو الإقباض، لحصول الملك بالعقد، و بناء على القول بعدم حصوله به، بل بانقضاء زمن الخيار، لا يكون القبض كافيا لجواز التصرف، فتأمّل جيدا.

[الثاني لو كان المبيع مكيلا أو موزونا فلا يخلو إما أن يكون قد كيل قبل البيع أو وزن أو لا]

قوله (قدس سره): (و بالجملة فليس في الصحيحة (2) تعرض لصورة كيل الشي ء أولا قبل القبض- إلخ-).

كما لا تعرّض لهذه الصورة في سائر الأخبار، لانصرافها عنها. فلا بد في الصورة مما هو القبض في غير المكيل و الموزون. هذا لو قيل بدلالتها على اعتبار الكيل و الوزن فيهما تعبدا، و قد عرفت عدم دلالتها على ذلك.


1- وسائل الشيعة: 12- 389- ب 16- ح 11 و 12.
2- وسائل الشيعة: 12- 389- ب 16- ح 11.

ص: 275

[القول في وجوب القبض]

[مسألة يجب على كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع]

قوله (قدس سره): (لاقتضاء العقد ذلك- إلخ-).

بل لاقتضاء الملكيّة مطلقا لذلك مع المطالبة، من دون خصوصية لحصولها بالعقد، ضرورة عدم كون مضمونه الّا التّمليك بالعوض، و عدم اقتضاء وجوب الوفاء به، الّا تحقق التمليك كذلك، كما عرفت، الّا ان يدعى انّ مبني عقد البيع، على التّقابض، و التزام كل منهما على التسليم، و هو كما ترى، ضرورة انه لا يكون في ضمن العقد التزام لو لم يكن وجوب التسليم من الأحكام.

و منه انقدح انه لا يكون لكل منهما على صاحبه حقّ غير ما حصل له من الملك، كما يظهر من التذكرة، الّا ان يكون مسامحة في العبارة، و قد عبّر بها عمّا هو قضيّة الملكية، فافهم.

قوله (قدس سره): (و لعل الوجه فيه ان عقد البيع- إلخ-).

بل لعلّ الوجه كون ذلك من الأحكام عرفا، قد أمضاه الشارع بعدم الردع، من دون ان يكون في البين اشتراط و التزام، كما عرفت. و منه قد انقدح وجه عدم جواز الحبس فيما إذا كان أحدهما مؤجّلا.

[مسألة يجب على البائع تفريغ المبيع من أمواله مطلقا و من غيرها في الجملة]

قوله (قدس سره): (فإنّ إطلاق العقد كما يقتضي أصل التّسليم- إلخ-).

قد عرفت الإشكال في اقتضاء العقد لذلك، بل يكون وجه وجوب التفريع كأصل التّسليم بعد المطالبة، عموم السلطنة على الأموال (1)، و عدم جواز التصرف في ملك الغير بدون اذنه (2)، فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (كان له الخيار لو تضرّر بفوات بعض منافع الدار عليه- إلخ-).

يمكن ان يقال: انّه لا ضرر في نفس البيع، كي يوجب نفى الضرر، لزومه و وجوب الوفاء به، حيث انّه حصل به ملك العين بمنفعتها. غاية الأمر


1- بحار الأنوار: 2- 272.
2- وسائل الشيعة: 6- 376- ب 3- ح 6.

ص: 276

أنّه حيث فوت عليه بعضها البائع بوضع متاعه فيه، كان عليه اجرة المثل الى زمان الفراغ. و هذا بخلاف ما إذا كانت مسلوبة المنفعة بالإجارة و نحوها، فان نفس البيع حينئذ يكون ضرريّا، فمع جهل المشترى يكون قضية نفى الضرر، عدم وجوب الوفاء به، فلا يقاس عليه هيهنا. فتدبّر.

قوله (قدس سره): (و لو كان زرع قد أحصد- إلخ-).

لا إشكال في وجوب التفريغ فيما كان الزّرع حصيدا، و الشجر مقلوعا، لما عرفت. و امّا إذا كان كل واحد منهما قائماً على ساقه، فالتحقيق انّه ليس نفس البيع بضرري، كي يوجب نفى الضرر و الضرار (1)، ثبوت الخيار مع الجهل، لا مع العلم، كما هو الحال في البيع الغبني.

نعم يكون القلع ضررا على البائع، و البقاء ضررا على المشترى، فبعد تعارض الضّررين، و عدم ثبوت مرجّح في البين، لو كان أحدهما أكثر ضررا، لما حققناه في محلّه، من عدم كونه مرجحا فيما إذا كان التعارض بين ضرري الشخصين، كان المتّبع هو عموم السلطنة على الأموال (2)، و عدم جواز التصرف في ملك الغير بدون اذنه (3)، و قضيتهما كما عرفت، لزوم التفريغ مع المطالبة، أو البقاء بالأجرة، فتأمّل جيّدا.

[مسألة لو امتنع البائع من التسليم فإن كان لحق فلا إثم]

قوله (قدس سره): (الّا أنّ منافع الأموال الفائتة بحق، لا دليل على ضمانها- إلخ-).

إذا لم يكن فوتها بحيث يصدق انه كان بإتلاف منه لها، استوفاها، أم لا، دالا، فالدليل على الضمان، هو قاعدة الإتلاف، و احترام مال المسلم، و لا منافات أصلا بين حبس العين بحقّ، و ضمان منافعها بإتلافها بالاستيفاء و غيره، كما لا يخفى.


1- وسائل الشيعة: 17- 341- ب 12- ح 3.
2- بحار الأنوار: 2- 272.
3- وسائل الشيعة: 6- 376- ب 3- ح 6.

ص: 277

قوله (قدس سره): (و يمكن الفرق في النفقة بين المقامين- إلخ-).

لإمكان ان يكون تمكين الزّوجة شرطا لثبوت النّفقة على الزّوج، فلم يثبت نفقة عليه، مع امتناعها و لو كان بالحق. و هذا بخلاف المقام، ضرورة انّ ثبوتها انّما يكون لأجل الملكيّة، و هي حاصلة بالعقد و حبس البائع، لا يكاد يكون موجبا لسقوط النفقة عن المشترى، و لا موجبا لثبوتها عليه، كما في حبس غيره، بحق كان أو بغيره. و بالجملة لا مشابهة أصلا بين حبس من له النّفقة هيهنا، و امتناعه هناك، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (ففي وجوب إجابته و جهان- إلخ-).

أوجههما الوجوب، لعموم السلطنة على الأموال (1)، و لا ينافي وجوبها ما هو الفرض، من جواز الحبس من تعجيل المشترى للبذل، و لو سلّم فلم يعلم أنّه العلّة، بل غايته الحكمة، و لا بأس بمخالفتها مع الأصل، فضلا عن الدّليل.

[الكلام في أحكام القبض]

[مسألة من أحكام القبض انتقال الضمان ممن نقله إلى القابض]

قوله (قدس سره): (لكن لما لم يتعقل ذلك تعيّن ارادة وقوع التّلف- إلخ-).

وجه عدم المعقوليّة، عدم قابليّة التالف، لأن تعرضه المالية، ضرورة ان التالف لا يكاد يقابل بالمال، لكنه لا يوجب تعيّن ارادة ذلك، لاحتمال إرادة انّه بالتّلف يصير كأنّه كان مالا للبائع، فتلف، فعبّر عن ذاك الاعتبار، و تلك الإضافة التي تكون بين المال التالف و ذي المال، و لا تكون بينه و غيره بماليّة، و هذا أظهر و اولى، للزوم الالتزام بالملكيّة على ذاك الاحتمال آنا ما قبل التّلف، تقديرا، أو تحقيقا، بلا موجب لها، بخلاف هذا الاحتمال، كما لا يخفى.

قوله (قدس سره): (الّا ان يقال بان التّلف من البائع يدل التزاما على الفسخ الحقيقي- إلخ-).

لا يقال: مع احتمال الفسخ الحكمي لا دلالة له على الحقيقي، فإنّه


1- بحار الأنوار: 2- 272.

ص: 278

ظاهر في انتقال المبيع إلى البائع حقيقة، و معه لا يكون الاحتمال بضائر بالدّلالة، كما لا يخفى. فافهم.

قوله (قدس سره): (ثم انّه يلحق بالتّلف تعذر الوصول- إلخ-).

فيه اشكال، لعدم دلالة النبوي (1) المنجبر ضعفه بالاشتهار عليه، لعدم صدق التّلف على تعذر الوصول. نعم لرواية عقبة بن خالد (2)، دلالة عليه، لو كان ضعفها منجبرا أيضا، و إلّا فلا بدّ من الاقتصار على التّلف، لكون الحكم على خلاف الأصل.

قوله (قدس سره): (امّا لتحقّق سبب الانفساخ و سبب الضمان، فيتخيّر المالك في العمل بأحدهما- إلخ-).

لا يخفى انّه ليس المقام من موارد توارد السببين، و تزاحم المؤثرين، للأثرين المتنافيين في عرض واحد، ليتخيّر المالك، بل يكون سبب الانفساخ، سببا و رافعا لموضوع سبب الضمان، فإنّه معه يكون التّالف مال الغير، كي يكون ضامنا له بإتلافه، بل يكون ماله، فلا مجال له معه أصلا.

و بالجملة لا محيص عن العمل بسبب الانفساخ هيهنا، لو كانت قاعدة التّلف قبل القبض تعمه، و لم تكن منصرفة عما إذا كان بإتلاف البائع، و الّا لزم تخصيصها بلا مخصص، الّا على وجه دائر، و لا يلزم من عدم العمل بسبب الضمان معه، محذور التّخصيص، إذ معه لا يكون إتلاف مال الغير، فيكون تخصّصا بالنسبة إلى قاعدة الإتلاف، فافهم.

قوله (قدس سره): (لجريان دليل تعذر التّسليم هنا- إلخ-).

جريان الدليل فيما إذا تجدد تعذر التّسليم محلّ اشكال، بل منع، و لا يكون الضّرر مع التّجدد من نفس البيع، بل أمر حادث، كما إذا حدث بعد التسليم.


1- المستدرك: 2- 473.
2- وسائل الشيعة: 12- 358- ب 10- ح 1.

ص: 279

[مسألة تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين في جميع ما ذكر]

قوله (قدس سره): (بناء على عود ضمير الحق إلى البائع- إلخ-).

و يمكن الاستظهار أيضا، بناء على عود الضّمير إلى المشترى، فان ضمانه لحقه و ملكه، و هو المبيع، انّما هو لأجل كون البيع في معرض الانفساخ ما لم يرد إلى البائع ماله، و هو الثمن، و صيرورة المثمن في عهدته، و خسارته بثبوت عوضه عليه لو تلف.

و بالجملة فمع تزلزل ملكه يصحّ ان يقال: انه ضامن له، و ان لم يصحّ ان يقال: بضمان الإنسان، لملكه مع عدم تزلزله، لكنه موجب لاختلاف المرجع في الضمائر، الّا انه مع القرينة ليس بضائر، فتأمّل.

قوله (قدس سره): (و ظاهر الكلام (1) كونه مسلما بين الخاصّة و العامّة- إلخ-).

لكن مجرد ظهور كلام العلامة- أعلى اللّه مقامه- غير كاف دليلا في مثل هذا الحكم الذي يكون على خلاف الأصل و القاعدة، الّا ان يدعى ثبوت المناط في غير البيع من المعاملات، بل بطريق اولى، و دون تنقيحه خرط القتاد- كما لا يخفى.

[مسألة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه]

قوله (قدس سره): (بخلاف نقصان الصفة، و فيه تأمل- إلخ-).

وجه التأمّل ان المجموع و ان كان مبيعا و قد نقص جزئه، الّا ان المجموع ليس بمبيع بما هو جملة أجزاء البدن، بل بما هو إنسان، أو حيوان. و من الواضح انّه بما هو كذلك، لا يكون نقص إجزائه إلّا عيبا، و لذا لا يسقط عليه الثمن. و منه ظهر وجه التأمل فيما هو ظاهر الشرائع، فلا تغفل.

قوله (قدس سره): (و انّما ثبت الرّد لدفع تضرّر المشتري- إلخ-).

لا يخفى انه لو لم يكن إجماع على جواز الرّد، لا يكاد يقتضي نفى الضرر جوازه، فان حدوث العيب في المبيع بعد البيع، و قبل القبض، و يكون حاله، حال حدوثه بعد القبض، و لا دخل بالبيع أصلا، كي يقتضي نفى لزومه، كما هو أوضح من ان يخفى.


1- و في المصدر: و ظاهر هذا الكلام.

ص: 280

قوله (قدس سره): (و استدلّوا عليه بانّ الكلّ مضمون قبل القبض، فكذا أبعاضه و صفاته- إلخ-).

و يرد عليه بأنّه قياس، لاختصاص الدّليل بالكل، و عدم شموله للصفات و الإجزاء الّتي لا ينقسط عليه الثمن.

قوله (قدس سره): (و يدفع بان وصف الصحة لا يقابل ابتداء بجزء من عين الثمن- إلخ-).

و فيه ان اتّحادهما في ان العقد، كأنه لم يكن، لا يوجب اتّحادهما في معنى الضمان، كيف، و يكون معنى الضمان في أحدهما تلفه عليه، بما هو ماله، و في الأخر تداركه عليه بشي ء مما له، و ارادة مطلق الخسارة و النقصان في المال من الضمان، انما يصحّ فيما إذا كان لفظه في البين، كما في الصحيحة (1)، لا إذا كان هناك لفظ ظاهر في خصوص أحد المعنيين، مثل «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه» (2). فافهم.

قوله (قدس سره): (الّا انه لما استند في الرّد الى نفى الضرر- إلخ-).

إلا انّك قد عرفت ما في هذا الإسناد، و ان قاعدة نفى الضرر، لا تكاد تكون مقتضية لوجوب تدارك الإنسان، للنّقصان الوارد على مال غيره بلا استناد اليه، لو لم تكن مقتضية لعدم الوجوب، كما هو قضيّة الامتنان.

ثم إنّه يظهر ممّا مرّ منّا غير مرّة من الإشارة الى أن المنفي بقاعدة نفى الضرر، انما هو ما للضّرر من الحكم، بمقتضى إطلاق دليله أو عمومه، لا نفى الحكم الضرري، على ما في كلام العلامة، و كلامه، زيد في علو مقامهما، فتأمل تعرف.

[مسألة الأقوى حرمة بيع المكيل و الموزون قبل قبضه إلا تولية]
اشارة

قوله (قدس سره): (و هو اولى من حمل تلك الأخبار على الكراهة- إلخ-).

فيه نظر، بل منع، فان هذه الإطلاقات في العموم لغير التولية، أظهر من ظهور النهي في الحرمة، مضافا الى ظهور لا يصلح، و في غير واحد من تلك


1- وسائل الشيعة: 12- 352- ب 5- ح 2.
2- المستدرك: 2- 473.

ص: 281

الاخبار في خصوص الكراهة، و كذا مفهوم لأ بأس، بل ظهورهما فيها أقوى من ظهور النهي في الحرمة، كما لا يخفى. فتأمل.

قوله (قدس سره): (الّا انّ المحكى عن المختلف، انّه لو قلنا بالتحريم، لم يلزم بطلان البيع- إلخ-).

لعدم الملازمة بين الحرمة التكليفيّة، و البطلان، عقلا. نعم لا يبعد دعوى الملازمة بينهما عرفا، فيما إذا كانت الحرمة متعلّقة بالبيع من حيث التّسبيب به الى التمليك، و التملّك، و التّوسل به إليهما، و الّا فلا دلالة للنهى عن المعاملات على الفساد، إلّا إذا كانت للإرشاد الى ذلك، كما هو الشائع في النهي في باب المعاملات.

[و ينبغي التنبيه على أمور]
[الأول أن ظاهر جماعة عدم لحوق الثمن بالمبيع في هذا الحكم]

قوله (قدس سره): (و يؤيّده تعليل المنع في طرف المبيع، بقصور ولاية المشتري- إلخ-).

لكن التعليل به عليل، فلا وجه للتعدّي إلى الثمن، مع اختصاص الدليل بالمنع في طرف المثمن، مع مخالفة المنع في هذا الحال، لعموم: تسلط (1) الناس على الأموال في جميع الأحوال.

[الثالث هل المراد من البيع المنهي إيقاع عقد البيع على ما لم يقبض]

قوله (قدس سره): (و هذا لا يسوغ إطلاق البيع على الكلى المتشخص به- إلخ-).

لا يخفى ان تشخّص الكلّي في الفرد، و انطباقه عليه إذا كان بالاستيفاء مسوّغا للإطلاق، كان التشخّص و الانطباق في الحوالة، إذا كانت استيفاء لا معاوضة، مسوّغا لإطلاق المبيع على الكلى المتشخّص به فيها على هذا، بأزيد من الاستيفاء، و هو ممّا لا بدّ منه في التشخّص و الانطباق، و انّما لا يسوغ التشخّص و الانطباق فيها للإطلاق، إذا كانت معاوضة على حدة، لا استيفاء. فان استحقاق المحال لما على المحال عليه من الكلى، يكون بمعاملة أخرى، غير البيع المنصب على ما انطبق عليه بالوفاء.


1- بحار الأنوار: 2- 272.

ص: 282

قوله (قدس سره): (و فيه انّه لا دلالة لها على محلّ الكلام- إلخ-).

و فيه ان تقريب الاستدلال بها، يتم بضميمة ترك الاستفصال و إذا صحّ الاستدلال بها على جواز إبقاء الفرض بمال المسلم، كما حكاه عن العلامة، أعلى اللّه مقامه، فتفطن.

قوله (قدس سره): (و يمكن ان يقال: ان ظاهر الحوالة، بناء على كونه معاوضة- إلخ-).

انما يمكن ان يقال ذلك، لو قيل بكون البيع في الاخبار المانعة، كناية عن مطلق الاستبدال، و قد عرفت انّه لما ليس له مجال، فلا يكاد يتمّ الاستدلال الّا بضميمية ترك الاستفصال، كما عرفت.

فافهم.

[الرابع ذكر جماعة أنه لو دفع إلى من له عليه طعام دراهم و قال اشتر بها لنفسك طعاما لم يصح]

قوله (قدس سره): (و كيف كان فالمعاوضة لا يعقل بدون قيام كل عوض مقام عوضه- إلخ-).

قد مرّ منّا الإشكال في ذلك، و انّ عدم معقوليّة المعاوضة بدون ذلك، لا يقتضي عدم معقولية الاشتراء بمال الغير لنفسه. و كون البيع من عقود المعاوضة، معناه انه تمليك بالعوض، لا مجانا كالهبة، لا بذاك المعنى الذي لا يعقل الّا بدخول كل الى ملك من خرج عن ملكه الأخر. فتذكر.

و هذا أخر ما أوردنا إيراده، و قد فرغنا عنه في اليوم الثلاث تاسع عشر محرم الحرام، من شهور سنة (1319) تسعة عشر و ثلث مأة بعد الالف. حامدا، شاكرا، مصلّيا، راجيا، لان ينتفع به الإخوان، كما انتفعوا بأصله. و ان يعفو عما وقع فيه من الخطاء، و الخلل. و الذّهول، و الزلل. و السهو، و النسيان، فإنّها كالطّبيعة الثانية للإنسان.

الحمد للّه كما هو اهله و مستحقه و الصلاة على نبيّه محمد و آله الطاهرين. و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين، إلى يوم الدين.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.