حوارات في اصل العقيده

اشارة

سرشناسه : حميد، سعد، 1336 -

عنوان و نام پديدآور : حوارات في اصل العقيده/تاليف سعد حميد .

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1388.

مشخصات ظاهري : 171 ص.

شابك : 16000 ريال:978-964-540-209-7

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.

موضوع : شيعه -- دفاعيه ها و رديه ها

موضوع : شيعه -- عقايد -- احاديث

موضوع : اهل سنت -- دفاعيه ها و رديه ها

موضوع : فقه تطبيقي

رده بندي كنگره : BP212/5/ح83ح9 1388

رده بندي ديويي : 297/479

شماره كتابشناسي ملي : 1893101

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين وعلى آل بيته الطّيبين الطّاهرين وأصحابه المنتجبين.

الحقيقة كانت ومازالت ذلك الهدف الّذي يسعى له كثير من النّاس بغض النّظر عن معتقداتهم وظرفهم المكاني والزّماني، ولكن عبر الزمن لم تتحقّق كلّ مستلزمات البحث، كما تحقّقت بعد أن بعث الله عزّ وجلّ خاتم أنبيائه ورسله المصطفى محمّد(ص)، وأنّ الله سبحانه وتعالى جعل من أدوات البحث عن الحقيقة متيسّرة بكلّ جوانبها في خاتم رسالاته الدّين الإسلامي، لكي تكون تلك العقيدة حجّة على النّاس إلى يوم القيامة.

حوارات في أصل العقيدة، هي عبارة عن عدّة أبحاث تعتمد بالأساس على مجموعة حوارات تقوم على التّفكّر والتّدبّر والتّحليل في معاني بعض الأحاديث؛ للوصول إلى قناعات ترتبط ارتباطاً مباشراً بأصل العقيدة الإسلاميّة؛ وذلك باتّباع نهج القرآن، الّذي فرضه علينا ربّ العزّة في مختلف الآيات، وأذكر منها:(أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ

ص: 6

وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (1)، وقال عزّ وجلّ:(بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (2)، وقال عزّ وجلّ:(لَوْ أنزَلْنَا هَذَا الْقُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدّعًا مّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَ تِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). (3)

من هنا يتبيّن لنا أنّ التّدبّر والتّفكّر هما جزءان أساسيان في المنهج القرآني، والّذي أمرنا الله تعالي أن نأخذ به على أنّه سبيل الوصول إلى المعرفة.

لهذا وجدت وبعد فترة ليست بالقصيرة من الدّراسة المتواضعة أن أجعل تلك الأبحاث بين يدي القارئ الكريم، ومن هنا ستكون الحوارات القادمة إن شاء الله بيني وبين القارئ، فقد حاولت جهد إمكاني بأن يكون هذا البحث عبارة عن أسئلة وأجوبة تعتمد المنطق البسيط الميسّر، والأخذ والردّ باسلوب الحوار البعيد عن التّعصّب والتّشنّج، وفرض الرّأي، بل بالعكس أنّ محاولة معرفة الرّأي الآخر، يخدم الغرض الّذي بدأت أصلًا في طلبه إلّا، وهو التّحرّي عن الحقيقة في أصل العقيدة الإسلاميّة، وأيضاً حاولت جهد إمكاني اعتماد الاسلوب المختصر المركّز، حتّى لايكون البحث مملّاً ومسهباً


1- النساء: 82.
2- النحل: 44.
3- الحشر: 21.

ص: 7

في نقاشات جانبية تبعد القارئ عن أصل الفكرة المحوريّة.

أمّا بالنسبة إلى اعتمادي لغة الحوار، فذلك راجع إلى سبب رئيسي وأساسي، ألا وهو أنّ لغة الحوار هي لغة القرآن الكريم، والّذي أنشأها الله عزّ وجلّ، وجعلها منهجاً وأساساً لنا في فهمنا وتطبيقنا للشريعة الإسلاميّة، فعند النّظر ملياً في لغة القرآن سنجد أنّ الله عزّ وجلّ قد صوّر لنا بلوغ قمة ما يرتقي به الخطاب يكمن في لغة الحوار للتعاطي مع جميع مايدور حولنا من أفكار وأفعال؛ ليجعل منّا نحن البشر نرتقي بأفكارنا وأفعالنا إلى المنطق الحضاري السّليم، فلغة الحوار استعملها الله عزّ وجلّ مع الملائكة، وهم خلق الله الّذين يمثلون الإيمان والطّاعة والتّسليم له عزّ وجلّ، واستعملها سبحانه وتعالى أيضاً مع إبليس الّذي يمثل الكبر والعصيان لأمره عزّ وجلّ، فعند النّظر ملياً سنجده بكبريائه وعظمته تعالى قد جسّد لنا عظمة لغة الحوار، في أن أعطى نفس الحقّ في الاعتقاد ونفس الفرصة في الردّ إلى كلّ من أطاعه ومن عصيه، مع أنّه هو الحقّ، وهو القادر المقتدر.

ولكن عندما نتصفّح القرآن الكريم نجد أنّ الله عزّ وجلّ قد جعل شروطاً وضوابط لاستكمال مستلزمات الحوار، حتّى يجعل من وسيلة التّفاهم البشريّة ترتقي إلى اللغة المثاليّة، الّتي توصلنا إلى التّكامل في الفهم وإدراك الحقائق كما يجب، ومن تلك الشّروط:

أوّلًا: أن تؤمن بما تحاور من أجله، وفي هذه الحوارات يجب

ص: 8

على المحاور أن يؤمن بأنّ الحوار خالص لوجه الله تعالى، ولا يكون لهوى النفس، ولا لأي عصبية ضيقة، مدخلًا أو أساساً في بلورة عقيدته، حتّى لو كانت فكرة بسيطة، فقد قال الله عزّ وجلّ:(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). (1) ثانياً: يجب أن يبنى الحوار على أساس المعرفة، وأن لا ينطلق المحاور من نقطة جهل، أو عدم إدراك، حتّى لا يكون ذلك الحوار عبارة عن نقاشى عقيم لايمت إلى الحقيقة بأي شكل من الأشكال، فقد قال الله عزّ وجلّ(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). (2) ثالثاً: اسلوب الحوار، وهو من الامور المهمّة جدّاً، حيث إنّ الاسلوب هو ما سيشكّل الاطر الأساسيّة للحوار وكيفية بناء صيغة الأخذ والردّ والاستماع والإجابة، وكيفية جعل الحوار حواراً بناءً لا جدالًا هدّاماً يوسّع هوة خلافاتنا ويؤسّس قواعد للكراهية والابتعاد عن جوهر العقيدة الإسلاميّة، فقد قال الله عزّ وجلّ(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). (3) فلو تأملنا بالمعاني العظيمة لهذه الآية الكريمة نجد أنّ الله عزّ وجلّ قد حدّد


1- الأنعام: 162.
2- آل عمران: 66.
3- النحل: 125.

ص: 9

بشكل واضح طرق الدّعوة، حيث إنّه ابتدأ هذه الدّعوة بالحكمة لا بالجهل، ثمّ بالموعظة الحسنّة لا بفضاضة الخلق، ثمّ أعقبها الجدال بالّتي هي أحسن.

فإنّنا نجد في أيّامنا هذه وللأسف الشّديد أنّ كثيراً ممّن يتصدّى إلى الدّعوة الإسلاميّة، بأنّهم يبتعدون كلّ البعد عن هذه الأخلاقيات القرآنيّة العظيمة، فإنّك لا تجد في دعوتهم أي حكمة، ولا أي موعظة حسنة، ولا أي جدال بالّتي هي أحسن، حيث إنّهم يبدؤون بتكفير الآخر وإضفاء لغة العنف، حتّى أنّهم ينتهون بالوصول إلى لغة التّحريض على القتل.

أمّا لماذا كانت هذه الحوارات في أصل العقيدة؟ فهو يرجع إلى بدايات تفكري وتأملاتي، فقد وجدت أنّي قد أكون على خطأ في امور ثانويّة تتعلّق بالعقيدة، وهذا بلا شكّ سيدخلني في باب الخطيئة، ولكن في نفس الوقت سيكون هذا الأمر قريباً من باب التّوبة والهداية والغفران بفضل الله ومساعدته، كما قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ). (1) ولكن عندما يكون الأصل فيما اعتقد فيه، هو طريقاً آخر غير طريق الهداية، والّذي سيفضي في النّهاية إلى طريق الهلاك، هذا ما أدخل الرعب في قلبي وجعلني أبحث بكلّ ما استطيع عن طريق


1- النجم: 32.

ص: 10

الحقّ، فمنذ البداية كان الهدف المحوري والنّقطة الأساسيّة في بحثي، هو أصل العقيدة، والآيات الكريمة جاءت كثيرة في هذا الباب، ومنها قوله تعالى:(أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (1)، وقد جاء الإيمان قبل العمل الصالح في كثير من إشارات القرآن الكريم؛ وذلك كدلالة على أنّ العقيدة الصّحيحة هي المدخل إلى الهداية والصّلاح، كما في الآية الكريمة:(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ). (2) ومن الامور الّتي وجدت أن نذكرها هنا، هي أنّ الانتساب إلى دين أو مذهب إنّما يجب أن يكون انتساباً عقائديّاً، أي يجب أن نؤمن بما نتّبع من فكر ومنهج، ولا نكون كمن وصفهم الله عزّ وجلّ في كثير من آيات القرآن بأنّهم وجدوا آباءهم على تلك العقيدة، وهم على آثارهم سائرون وأذكر من تلك الآيات(وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (3)، وفي آية اخرى:(قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (4)، فهنا يأمرنا الله تعالي على أن نتّبع ما نؤمن به نحن لا ما يؤمن به آباؤنا، لهذا فإنّ من الواجب على كلّ إنسان أن


1- التوبة: 109.
2- الانشقاق: 25.
3- لقمان: 21.
4- الشعراء: 74.

ص: 11

يبحث عن الحقيقة بنفسه، وأن يؤمن بما يعتقد أنّه هو الصّحيح.

وبعد التّوكّل على الله تعالى اريد أن أضع بين يدي القارئ الكريم ما دارت به من حوارات وتأملات مع نفسي، وقد حاولت جهد إمكاني هنا أن أصيغ تلك الحوارات بشكل يكون الطّرف الآخر فيها هو القارئ، واريد أن أذكر إلى أنّ الأفكار المطروحة هي عبارة عن وجهات نظر قد تندرج تحت باب الصّواب أو تحت باب الخطأ، وأنّي قد قطعت عهداً على نفسي مع الله بأنّي سأستمع إلى أي رأي وأتفكر فيه مادام الغرض منه هو الوصول إلى طريق الهداية، ألا وهو الطريق الّذي سيؤل إلى رضوان الله تعالى، وإن شاء الله سنصل معاً إلى الحقيقة، كما أرادها الله عزّ وجلّ، وكما أمرنا أن نأخذ بها وأن نتخلى عن حجّتنا عندما تصبح داحضة، وكما حذّرنا وبيّن لنا في محكم كتابه العزيز:(وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) (1)، وأن لا نكون كمن يجادل لغرض الجدال مبتعداً عن الحقّ، كما وصف لنا الله تلك الحالة في الآية الكريمة:(وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَ كانَ الإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ ءٍ جَدَلًا). (2) وأيضاً أمرنا الله الابتعاد عن التّطرّف والغلو عندما ننوي الذّهاب إلى أي حوار مع أي من كان، وأن نبدأ بروح التّواضع والانفتاح على


1- الشورى: 16.
2- الكهف: 54.

ص: 12

الآخرين، بما سيتيح لنا الفرصة في التّفكّر والتّأمّل والوصول إلى الحقيقة، وقد وجدت في الآية الكريمة:(وَ إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (1)، أنّها البداية المثالية للُاسلوب الحضاري، الّذي يقوم على أساس أنّ الحوار يبدأ بصورة متكافئة بين الطّرفين، والّذي سيؤدي إلى الارتقاء في حواراتنا كمسلمين إلى صفوة البشر، ونكون كما قال عنّا ربّ العزّة:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ). (2) الشّي ء الآخر المهمّ الّذي أردت أن أتطرق إليه قبل الدّخول في صلب الموضوع، هو أنّي حاولت الاعتماد في تلك الحوارات على أحاديث تعتبر على أنّها أحاديث صحيحة للأطراف المتحاورة؛ لتكون بذلك حجّة في موضع الحوار، ممّا سيحافظ على تلك الحوارات، ويجعلها في محيط دائرة المساحات والأرضيات المشتركة، الّتي يتعاطى فيها جميع المتحاورين، ولأمانة النقل فقد حرصت على أن أضع تلك الأحاديث بكاملها وفي صورتها الأساسيّة، الّتي وجدتها عليها. والله ولي التّوفيق.

سعد حميد


1- سبأ: 24.
2- آل عمران: 110.

ص: 13

المدخل

يتّفق المسلمون جميعاً على أنّ العقيدة الإسلاميّة ترتكز على مصدرين أساسيين في كلّ التّشريعات ألا وهما كتاب الله وسنّة النبيّ(ص)، فقد أشارت كثير من الآيات إلى هذا المعنى، كما في الآية الكريمة:(وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (1)، فكما نعلم أنّ إطاعة الله هي اتّباع كتابه عزّ وجلّ، وإطاعة الرّسول هي اتّباع سنّته(ص)، وفي إشارة اخرى لنفس المعنى، كما في الآية الكريمة:(وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً) (2)، وهنا الأمر الإلهي مباشر وصريح ولايقبل الأخذ والردّ، فالإنسان المؤمن يتّبع كتاب الله وسنّة النبيّ(ص) دون أن يكون له الحقّ في الردّ على أي منهما، فطاعتهما يجب أن تكون على شكل سواء وبتسليم كامل.

أمّا بالنسبه إلى القرآن فإنّنا نعلم جميعاً على أنّ القرآن الّذي بين


1- التغابن: 12.
2- الأحزاب: 36.

ص: 14

أيدينا اليوم هو نفس القرآن لجميع المسلمين، فأينما تذهب في أوطان المسلمين وعلى جميع اختلاف مذاهبهم ستجد أنّ القرآن هو نفس القرآن، وبأدقّ تفاصيله، وليس هناك أدنى اختلاف، وهذا ما اعتبره الغالبية السّاحقة من المسلمين على أنّه من الامور المسلَّم بها، والّتي لاتقبل النّقاش. واريد هنا أن أتطرّق بشكل موجز إلى بعض الآيات الّتي تشير إلى أنّ القرآن محفوظ من قبل الله عزّ وجلّ، وليس هناك قدرة لأَي كائن على أن يحدث أي تغيّر أو تحريف في آياته، فقد قال الله عزّ وجلّ:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (1)، وكما قال عزّ وجلّ:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (2)، وفي آية اخرى:(قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ). (3)

ولا اريد هنا أن اطيل، فكما اعتقد أنّ هذا الأمر مسلّم به بين جميع المسلمين، وتتفق عليه جميع المذاهب الإسلاميّة، فكما أشارت الآيات أنّ الله وعد بحفظه وصيانته من أي تحريف، أو زيادة، أو نقصان.

أمّا بالنسبة إلى طاعة الرّسول(ص) فهو أيضاً من الامور المسلَّم بها


1- الحجر: 9.
2- فصلت: 41 و 42.
3- الزمر: 28.

ص: 15

بين المسلمين، ولكن قد تكون هناك اختلافات في الآيات، ولهذا وجدت أن أقف عندها بعض الشّي ء، وأذكر إلى القارئ بما هو قد يكون مادّة للحوار.

الآيات الكريمة كثيرة هنا أيضاً، ولكن دعني اشير إلى بعض منها، فقد قال الله عزّ وجلّ:(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (1)، تبيّن لنا الآية أنّ طاعة الرّسول هي من طاعة الله، فكما يجب علينا أن نسلم إلى أوامر الله ونواهيه يجب علينا أن نسلم إلى أوامر الرّسول(ص) ونواهيه، وقال أيضاً عزّ وجلّ:(وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (2)، والآية تبيّن لنا على أنّنا يجب أن نأخذ بكلّ ما آتانا الرّسول(ص) به، وأن ننتهي عن كلّ ما نهانا(ص) عنه، وقال عزّ من قائل:(وَ النَّجْمِ إِذا هَوى، ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى، وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (3)، أمّا هذه الآيات فتشير بشكل متسلسل إلى أنّ النبيّ(ص) لايضلّ ولا يخرج عن طريق الهداية، وأنّه لا يقول إلّا الحقّ، وأنّه لاينطق عن هوى نفسه، بل كلامه كلّه بوحي وأمر من عند الله عزّ وجلّ، وأنّ معلم رسول الله(ص) هو الله بعظمته وسلطانه، وجميع الآيات السّابقة تشير بشكل


1- النساء: 80.
2- الحشر: 7.
3- النجم: 1- 5.

ص: 16

لا شكّ فيه بأنّ الطّاعة والتّسليم إلى رسول الله(ص) هو أمر واجب ومسلَّم به، ولكن هنا ما هو معنى الطّاعة، الّتي أشارت لها آيات القرآن الكريم؟ فكما هو معروف فإنّ الطّاعة، هي أنّك تتبع بدون أي اعتراض، كما أشار النّصّ القرآني على ذلك(وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً) (1)، فقوله عزّوجلّ:(أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي إنّه لاخيار لهم، ومعنى ذلك هو السّمع والطّاعة إن كنّا مؤمنين، وأن نعتبر أوامر الرّسول(ص) هي امتداد لأوامر الله عزّ وجلّ، وهنا الأمر المهمّ والأساسي في هذا الباب ألا وهو أنّ كلّ تلك الآيات تشير بالنتيجة وبشكل واضح وصريح إلى عصمة الرّسول(ص)، وإلّا لو كان هناك أي شكّ أو إمكانية إلى أن يكون الرّسول(ص) على غير طريق الحقّ- استغفر الله- فالنتيجة بطاعتنا له(ص) سنكون نحن على الطريق ذاته باتباعنا له(ص) وبأمر من عند الله عزّ وجلّ، وهذا سيفضي إلى أنّنا سنكون على طريق الخطأ، وهنا كيف سيحاسبنا الله تعالى على خطأ قد ارتكبناه بأمر من عنده عزّ وجلّ، فهنا يتبيّن لنا أنّ عصمة الرّسول(ص) هي من الامور المسلَّم بها، فيجب علينا أن نسلم بأنّنا نتّبع إنساناً لا يخطأ ولا يضلّ، ونتّخذ من سنّته قانوناً وشريعة نهتدي بها إلى الحقّ ونسلم بها تسليماً.


1- الأحزاب: 36.

ص: 17

ثمّ إنّ القرآن والسنّة كما تقدّم هما المصدران الأساسيان لكلّ مايتعلّق بالعقيدة الإسلاميّة. أمّا بالنسبة إلى القرآن فقد جعله الله في متناول كلّ من يريد أن ينهل من هذا العطاء الّذي لاينضب، ولكن الأمر الّذي يجب أن نقف عنده، هو أنّ هناك وجهتي نظر قد اختلف عليها العلماء والباحثون والمشرعون منذ بدايات انتشار الدّعوة الإسلاميّة في أمر السنّة النّبويّة المطهّرة، والّتي أعقبت وفاة الرّسول(ص)، فوجهة النّظر الاولى تقول: إنّ الوصول إلى سنّة الرّسول(ص) تمرّ عبر جميع صحابته، وأنّهم هم من كان المصدر الأساس الّذي نقل لنا كلّ تفاصيل تلك السنّة المطهّرة، أمّا وجهة النّظر الاخرى فتقول: إنّ من نقل لنا تلك السنّة هو مصدر واحد، ألا وهم أهل بيت النبيّ(ص).

وسنبدأ إن شاء الله بوجهة النّظر الثّانية؛ وذلك عبر دراستها وتحليلها معاً، ثمّ ننتقل إلى وجهة النّظر الاولى، ونقوم بدراستها وتحليلها، ونقارن ما بين الاثنين؛ للوصول إلى ما يقبله العقل والضمير، والله المستعان.

ص: 18

ص: 19

الفصل الاول: مذهب الشيعة أتباع اهل البيت

المبحث الأوّل: من نتّبع بعد النبيّ (ص)؟

ص: 20

ص: 21

كما تمّ ذكره سابقاً، فإنّ اتّباع الرّسول(ص) أمر مسلّم به، ويجب على كلّ مسلم أن يأخذ كلّ كلمة أو فعل له(ص) ويضعها في ميزان التّدبّر والتّفكّر؛ ليكون إيمانه وفعله نابعاً من عقيدة حقيقية، ويكون تحت نفس الاتجاه الّذي حدّده لنا مبلّغ الرّسالة.

ابتداءً سأدرج هنا بعض الأحاديث الّتي لفتت انتباهي، والّتي أمر بها الرّسول(ص) بأن نتّبع شيئين عظيمين بعده، هما سفينة النّجاة، والأمان، من أن نتّبع سبل الضّلالة، لنتفكّر جميعاً، ونناقش تلك الأحاديث بتأمّل وتدبّر.

عن أبي النَّضْر، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، يَعْنِي ابْنَ طَلْحَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَن النّبيّ(ص) قَالَ: «إِنِّي أوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثّقلينِ، كِتَابَ اللَّهِ عَزّ وجلَّ وَعِتْرَتِي، كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرضِ، وَعِتْرَتِي أهلَ بَيْتِي، وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أخْبَرَنِي أنّهما لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَ

ص: 22

الْحَوْضَ، فَانْظُرُونِي بِمَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا». (1) يبدأ الرّسول(ص) هذا الحديث بقوله: «إِنِّي أوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ» أي إنّي قد اقترب أجلي، وإنّي ميّت عن قريب، وهذا ما يجعل من هذا الحديث بمثابة وصيّة له(ص)، وهذا ما يوجب على المسلمين التّفكّر مَلياً والأخذ به، فهي وصيّة من بعده، ثمّ يكمل(ص) بقوله: «وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ» وهذا مايعزّز الرّأي بأنّ الرّسول(ص) كان يتحدّث عن ما يجب أن يكون عليه شكل مرجعية الامّة وقيادتها من بعد وفاته، ويُكمل الرّسول(ص) حديثه بكلمة «الثّقلين» أي لما فيهما من عظمة وأهميّة، ثمّ يقول: «كِتَابَ اللَّهِ عزّ وجلّ وَعِتْرَتِي» فقد حدّد(ص) ما هو تارك من بعده ألا وهما القرآن وعترته، ثمّ يبدأ بشرح تفصيلي لهذين الثّقلين، مما يتبيّن لنا على أنّه(ص) أراد أن يؤكّد بشكل لايقبل الشّكّ، أو النّقاش من هما هذان الثّقلان؟ وما هي أهميّتهما؛ وذلك بقوله(ص): «كِتَابُ اللَّهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ، مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرضِ، وَعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي» وهنا يبيّن ممّا لايقبل اللبس في أنّ عترته(ص) هم أهل بيته، وسيتمّ تحليل ودراسة، من هم أهل بيته(ص) في المبحث التّالي إن شاء الله.

ثمّ يذكر(ص) شيئاً آخر في غاية الأهمّية ألا وهو: «وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أخْبَرَنِي أنّهما لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدا عَلَيَّ الْحَوْضَ» أي إنّ هذين الثّقلين لن يفترقا حتّى يعودا ليلتقيا معه على الحوض في يوم القيامة،


1- احمد بن حنبل، مسند، ج 3، ص 17.

ص: 23

وهذه بالطّبع نبوءة واضحة؛ وذلك بقوله: «وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أخْبَرَنِي» ثمّ ينتهي الحديث بتحذير شديد، وهو: «فَانْظُرُونِي بِمَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا» أي كيف أنّكم أيّها المسلمون ستتعاطون وتتعاملون معهما بعد وفاتي؟ وهل أنّكم سائرون على النّهج الّذي قد بيّنته وفصّلته لكم وأمرتكم باتّباعه؟

كما وجدت من خلال بحثي المتواضع، أنّ هذا الحديث جاء بطرق كثيرة ومختلفة، لايسعنا أن نمرّ عليها جميعاً، ولكن سنحاول معاً أن نمرّ بشكل موجز على المعاني المختلفة الّتي أحاطت بهذا الحديث، وفي الحديث التّالي صيغة مطوّلة بعض الشّي ء، ولكن المعنى الإجمالي جاء بنفس السّياق مع بعض الاختلافات البسيطة الّتي سنتوقف عندها ونناقشها معاً.

عن زُهَيْرِ بْنِ حَرب، وَشُجَاعِ بْنِ مَخْلَدٍ جَمِيعاً، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَالَ: زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أبُو حَيَّانَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أنَا وَحُصَيْنُ بْنُ سَبْرَةَ، وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ، إلى زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ، فَلَمَّا جَلَسْنَا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْراً كَثِيراً، رَأيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ، وَغَزَوْتَ مَعَهُ، وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ، لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْراً كَثِيراً، حَدِّثْنَا يَا زَيْدُ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَا بْنَ أخِي، وَاللَّهِ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَقَدُمَ عَهْدِي وَنَسِيتُ بَعْضَ الّذي كُنْتُ أعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا وَمَا لا فَلا

ص: 24

تُكَلِّفُونِيهِ، ثمّ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْماً فِينَا خَطِيباً بِمَاءٍ يُدْعَى خُمّاً بين مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثمّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ ألَا أيُّهَا النّاس فَإنّما أنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أنْ يَأتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأجِيبَ وَأنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أوّلهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثمّ قَالَ: وَأهل بَيْتِي اذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أهل بَيْتِي اذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أهل بَيْتِي اذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أهل بَيْتِي.

فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أهلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ ألَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أهلِ بَيْتِهِ.

قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أهل بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أهل بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ.

قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟

قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ.

قَالَ: كُلّ هَؤُلاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ.

قَالَ: نَعَمْ.

و عن مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ حَدَّثَنَا حَسَّانُ يَعْنِي ابْنَ إبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ بِمَعْنَى حَدِيثِ زُهَيْرٍ.

عن أبي بَكْرِ بْنِ أبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ وحَدَّثَنَا إسحاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أخْبَرَنَا جَرِيرٌ كِلاهُمَا، عَنْ أبِي حَيَّانَ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ إِسماعيلَ وَزَادَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ

ص: 25

مَنِ اسْتَمْسَكَ بِهِ وَأخَذَ بِهِ كَانَ عَلَى الْهُدَى وَمَنْ أخْطَأهُ ضَلَّ.

عن مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ حَدَّثَنَا حَسَّانُ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدٍ وَهُوَ ابْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ لَقَدْ رَأيْتَ خَيْراً لَقَدْ صَاحَبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أبِي حَيَّانَ غَيْرَ أنَّهُ قَالَ: ألا وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أحَدُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ عزّ وجلّ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلالَةٍ، وَفِيهِ فَقُلْنَا: مَنْ أهل بَيْتِهِ نِسَاؤُهُ؟ قَالَ: لا وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ الْمَرْأةَ تَكُونُ مَعَ الرّجل الْعَصْرَ مِنَ الدَّهْرِ، ثمّ يُطَلِّقُهَا فَتَرْجِعُ إلى أبِيهَا وَقَوْمِهَا، أهل بَيْتِهِ أصْلُهُ وَعَصَبَتُهُ الّذين حُرِمُوا الصَّدَقَةَ. (1) لقد بدأ ناقل الحديث زيد بن أرقم بسرد قصّة خطبة غدير خم تلك المنطقة الواقعة بين المدينة ومكّة وكيف أنّ الرّسول(ص) بدأ بالحمد والثّناء، ثمّ بالوعظ لينبه ويذكر النّاس ويشد انتباههم، وهذا يدلّ على أنّ ما سيأتي بالخطبة هو شي ء مهمّ، ثمّ ذكر(ص): «فَإنّما أنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أنْ يَأتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأجِيبَ» وهذا كما ذكرنا سابقاً يدلّ على أنّ ما سيأتي بمثابة الوصية وأنّ موعد وفاة الرّسول(ص) قد اقترب، ثمّ ذكر(ص) «وَأنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أوّلهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ» فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثمّ قَالَ «وَأهل بَيْتِي أذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أهل بَيْتِي أذَكِّرُكُمُ اللَّهَ


1- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 7، ص 123.

ص: 26

فِي أهل بَيْتِي اذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أهل بَيْتِي» فكما نرى أنّه(ص) قد أتى بنفس تسلسل الحديث السّابق وهو وجوب الاستمساك واتّباع كتاب الله وأهل البيت، ولكن اللافت إلى النّظر هو أنّه قد كرّر «أذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أهل بَيْتِي» ثلاث مرّات، وهذا إن دلّ على شي ء فإنّما يدلّ على أهمّية هذا الجزء من الحديث وما نبّه وشدّد إليه(ص) بأنّ المسلمين قد ينسون أو يبتعدون أو يخالفون ما أمرهم به، فبالتّأكيد أنّ تشديد الرّسول(ص) وذكره ثلاث مرّات لتلك الجملة هو يعني أنّ شيئاً مهماً أراد(ص) أن يوصله إلى المسلمين وهو وجوب التمسّك بالقرآن وأهل البيت(عليهم السلام).

إلى هنا ينتهي زيد بن أرقم من سرد حديث الرّسول(ص)، ولكن يتبعه حصين بسؤال آخر وهو «وَمَنْ أهل بَيْتِهِ يَا زَيْدُ ألَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أهل بَيْتِهِ» فيجيب زيد بما يعلم هو، ولم يذكر بذلك حديث للرّسول(ص) وإنّما كانت إجابته بما يعلم كما ورد، قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أهل بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أهل بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ.

قَالَ: وَمَنْ هُمْ.

قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ.

قَالَ: كلّ هَؤُلاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ.

قَالَ: نَعَمْ.

وإذا استطردنا في قراءة الحديث سنجد أنّ الحديث قد جاء بطريق آخر وباختلاف بسيط، وكان الاختلاف في «فَقُلْنَا مَنْ أهل بَيْتِهِ

ص: 27

نِسَاؤُهُ، قَالَ: لا وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ الْمَرْأةَ تَكُونُ مَعَ الرّجلِ الْعَصْرَ مِنَ الدَّهْرِ، ثمّ يُطَلِّقُهَا فَتَرْجِعُ إلى أبِيهَا وَقَوْمِهَا، أهل بَيْتِهِ أصْلُهُ وَعَصَبَتُهُ الّذين حُرِمُوا الصَّدَقَةَ» في بداية الحديث قال: نساؤه من أهل بيته، وأمّا في نهاية الحديث فقد قال: لا، ثمّ أقسم وشدّد على أنّ نساءه هم ليس من أهل بيته، وهذا ما سنناقشه في المبحث القادم بشكل تفصيلي؛ لنعلم من هم أهل بيته(ص) بالأحاديث الصّحيحة المتواترة.

ودعنا نقرأ الحديث التّالي:

عن نَصْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْكُوفِيِّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ هُوَ الأنْماطِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَابِرِ، قَالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَخْطُبُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَا أيُّهَا النّاس إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أهل بَيْتِي». قَالَ وَفِي البَاب عَنْ أبِي ذَرٍّ وَأبِي سَعِيدٍ وَزَيْدِ بْنِ أرْقَمَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أسيد، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجهِ، قَالَ: وَزَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ قَدْ رَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أهل العِلمِ. (1) في هذا الحديث نقرأ أنّ الرّسول(ص) قد تطرّق إلى نفس معنى الحديث السّابق في خطبته في حجّتة يوم عرفةِ، وهذا مايدلّل على أنّ الّذين استمعوا إلى الحديث هم من كان معه(ص) في حجّته، وهذا مايدلّ على أنّ عدداً كبيراً من الصّحابة قد سمع الحديث، وبالتّالي


1- محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي، ج 5، ص 328.

ص: 28

فهذا ما يفسّر أنّ الحديث قد جاء بطرق متعددة ومختلفة.

والإشارة الاخرى المهمّة والّتي يجب أن نقف عندها، هي قول الرّسول(ص): «مَا إِنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا» فيحدّد لنا الرّسول(ص) طريق الهداية، وذلك هو أنّنا إذا أخذنا وتمسّكنا بهذين الثّقلين فإنّنا سنكون في أمان من أن نسلك طريق الضّلالة، وإنّنا سنلتزم طريق الهداية إذا ما التزمنا بكلام رسول الله(ص). الشّرط هنا كما وضعه لنا رسول الله(ص) لكي نسلك طريق الهداية، هو التمسّك بالقرآن وأهل البيت واتّباعهما والسّير على نهجهما.

ونقرأ في الحديث التّالي نفس المعنى مع إشارة اخرى مهمّة.

عن إبْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، يَعْنِي ابْنَ أبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثّقلين أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الأخر كِتَابُ اللَّهِ عزّ وجلّ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأرْضِ وَعِتْرَتِي أهل بَيْتِي ألا أنّهما لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ». (1) الإشارة الاخرى المهمّة هي في قوله(ص) «أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخر» وهذا يعني أنّ كلاهما بنفس الأهمّية، وأنّهما متوازيان بالثّقل، وأنّ على المسلم أن يتمسّك وأن يأخذ بكلّ منهما، وترك أي منهما يعني هناك نقصاناً وخللًا في العقيدة.

ولنقرأ الحديث التّالي:


1- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 3 ص 27.

ص: 29

عن إبْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي الثّقلين أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنْ الآخر كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأرْضِ وَعِتْرَتِي أهل بَيْتِي ألا وَأنّهما لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» (1).

في هذا الحديث- وبالرّغم من اختصاره- نجد أنّه قد احتوى على معظم المعاني الّتي أراد الرّسول(ص) أن يوصلها إلى المسلمين، فإنّه ابتدأ بقوله(ص): «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ» أي: ما ستأخذون بعدي أو بعد وفاتي، واستطرد بقوله(ص): «لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي» أي: إنّ ماسيترك(ص) هو السبيل الوحيد إلى طريق الهداية، ثمّ وصف ذلك الإرث العظيم الّذي سيتركه «الثّقلين» ثمّ بيّن أنّ كلاهما بنفس القدر من الأهميّة وذلك بقوله: «أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخر» وأكمل ذلك بشرح مفصّل عن هذين الثّقلين: «كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأرض وَعِتْرَتِي أهل بَيْتِي» ثمّ ختم حديثه(ص) بقوله: «ألا وَأنّهما لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» تلك النّبوءة العظيمة بأن جعل القرآن وأهل البيت يسيران معاً حتّى يوم القيامة، والّذي سنتحقّق منه فيما سيأتي.

وكما قلنا في بداية البحث فإنّ كلّ شي ء هنا خاضع إلى النّقاش وإبداء الرّأي، من أجل معرفة طريق الهداية.


1- المصدر السابق، ص 59.

ص: 30

ص: 31

المبحث الثّاني: من هم أهل البيت (عليهم السلام)؟

في المبحث السّابق وجدنا أنّ الرّسول(ص) قد أخبرنا في كثير من المناسبات بأن نتّبع بعده(ص) القرآن وأهل البيت، وقد أقام علينا الحجج، ومن هذه الحجج حديث الثّقلين، وأنّه(ص) ذكر هذا الحديث في مختلف المناسبات وأمام مختلف الصّحابة وفي مختلف الأماكن، وقد اتّفق المسلمون على صحّه ذلك الحديث. والشّي ء المهمّ هنا، هو أنّه(ص) ماذا يقصد بأهل البيت؟ وهذا ماسنسلط الضّوء عليه، وكما فعلنا في المبحث الأوّل سنقف عند كلّ حديث ونتفكّر في معناه، ولنبدأ بالحديث التّالي:

عن أبي بَكْرِ بْنِ أبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَاللَّفْظُ لأبِي بَكْرٍ قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ:

خَرَجَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ

ص: 32

مُرَحَّلٌ (1) مِنْ شَعْرٍ أسْوَدَ فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأدْخَلَهُ، ثمّ جَاءَ الْحُسَيْنُ، فَدَخَلَ مَعَهُ، ثمّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأدْخَلَهَا، ثمّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأدْخَلَهُ، ثمّ قَالَ:(إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). (2) و (3) تذكر هنا ام المؤمنين عائشة أنّ الرّسول(ص) جمع تحت الكساء معه الحسن والحسين وفاطمة وعلي، وتلا الآية الكريمة:(إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وقد أشار الله عزّ وجلّ في الآية الكريمة إلى أنّه قد أذهب الرِّجس عن أهل البيت وطهّرهم تطهيراً، وقد كان فعل الرّسول(ص) بأنّ جمع معه تحت الكساء هؤلاء الأربعة، وتلاوته لتلك الآية يعطينا أو يدلّنا على أنّ المقصود بأهل البيت هم أولئك الّذين جمعهم الرّسول(ص) وحدّد مكانهم بذلك الكساء ليدلّ حصراً على هؤلاء الّذين هم تحت الكساء، والّا لماذا يجمعهم تحت ذلك الكساء، ويتلوا الآية إذا لم يكونوا هم المقصودون بالتّحديد؟ وإذا كان المقصود أشخاصاً آخرين، فلماذا استعمل الكساء، وأدخل مجموعة معينة من الأشخاص، بل يتلوا الآية بشكل عام وبدون كساء، أو إذا أراد أن


1- مرط مرحّل: المرط: كساء من صوف و ربّما كان من خزّ أو من غيره، والمرحّل هو الموشّي المنقوش(انظر: محمد بن مكرّم المصري الأنصاري، لسان العرب، ج 13، ص 83؛ مبارك بن محمد الجزري(ابن أثير)، النهاية في غريب الحديث و الاثر، ج 4، ص 319).
2- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 7، ص 13.
3- الأحزاب: 33.

ص: 33

يعني أشخاصاً آخرين فسيدعوهم أيضاً ليدخلوا معهم تحت الكساء وينضمون إلى البقية، ولكن نرى فعل الرّسول(ص) إنّما جعل نفسه وعلياً وفاطمة والحسن والحسين تحت ذلك الكساء ليرى اختصاص صفة أهل البيت الّتي ذكرها الله عزّ وجلّ في الآية الكريمة لمن كان تحت الكساء، أي: ضمن تلك المساحة المحدّدة.

وفي الحديث التّالي نرى أنّ الرّسول(ص) قد فعل نفس الشّي ء وفي مكان آخر.

عن عَفَّانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِفَاطِمَةَ: ائْتِينِي بِزَوْجِكِ وَابْنَيْكِ فَجَاءَتْ بِهِمْ فَألْقَى عَلَيْهِمْ كِسَاءً فَدَكِيًّا، قَالَ ثمّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ ثمّ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلاءِ آلُ مُحَمَّدٍ فَاجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَرَفَعْتُ الْكِسَاءَ لأدْخُلَ مَعَهُمْ فَجَذَبَهُ مِنْ يَدِي: وَقَالَ: «إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ». (1) في هذه المرّة ام المؤمنين ام سلمة هي من تذكر الحديث، وإذا نظرنا إلى ذلك الحديث نرى أنّ الرّسول(ص) يفعل نفس الشّي ء الّذي فعله سابقاً ويكرّر نفس العمل، بأن يجعل من نفسه وعلي وفاطمة والحسن والحسين تحت الكساء، ويتّبع ذلك الفعل هذه المرّة بأن يضع يده(ص) عليهم، ثمّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ، وهذا يؤكّد(ص) نفس


1- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 6، ص 323.

ص: 34

الدّلالة السّابقة، وهي أنّ أهل البيت هم من كان تحت الكساء، ثمّ يعزّز هذا الفعل بالقول: «اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلاءِ آلُ مُحَمَّدٍ»، وهذا تحديد صريح على أنّ هؤلاء هم أهل البيت، ثمّ يقول: «فَاجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» وهذا دعاء لهم. وتبقى النّقطة المهمّة في هذا الحديث، هي أنّ ام المؤمنين ام سلمة قالت: «فَرَفَعْتُ الْكِسَاءَ لأدْخُلَ مَعَهُمْ» أي: إنّها أرادت أن تدخل معهم تحت الكساء لتكون من أهل البيت، ولكن بعد رفعها الكساء لتدخل معهم قالت: «فَجَذَبَهُ مِنْ يَدِي» أي: إنّه(ص) لم يدعها أن تدخل معهم، وهنا أرادت ام المؤمنين ام سلمة بهذا الحديث أن تدلّي بتلك التّفاصيل، وتجعل منها شهادة واضحة النّصّ والاستدلال، بأنّ أهل البيت إنّما هم فقط من كان تحت الكساء والّا فهي زوجة الرّسول(ص) وإذا كانت هي أيضاً من أهل البيت لسمح لها الرّسول(ص) بأن تدخل وتلتحق بهم، ولكنّه(ص) جذب الكساء من يدها، وقال: «إِنَّكِ عَلَى خَيْر» وهذا لايقبل الّا معنى واحد، وهو أنّك لست ممّن ذكرهم الله في هذه الآية وأنّك إلى خير.

لابدَّ وأنّ هناك إشارة مقصودة من الرّسول(ص) بأن يقوم بنفس الفعل أمام كلتا زوجتيه، وتلك إنّما كانت دلالة على أن يجعل من زوجتيه شاهدتين على من هم أهل البيت، حيث إنّ أوّل مايتبادر إلى الذهن هو أنّ الزّوجة هي من أهل البيت، وحتّى لايقع المسلمون بذلك الخطأ، فقد جعل الرّسول(ص) كلًّا من ام المؤمنين عائشة،

ص: 35

وام المؤمنين ام سلمة من يشهد على عكس ذلك، وهذا لايدع مجالًا إلى الشّكّ بأنّ أهل بيت الرّسول(ص) هم علي وفاطمة والحسن والحسين.

لنقف بعض الشّي ء عند حديث آخر، فهو جاء بنفس السّياق وتحت نفس الظّروف:

عن مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا أبُو أحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ امِّ سَلَمَةَ، أنَّ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَّلَ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ كِسَاءً، ثمّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أهلُ بَيْتِي وَحَامَّتِي أذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجسَ وَطهّرهُم تَطْهِيراً» فَقَالَتْ امُّ سَلَمَةَ: وَأنَا مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّكِ على خَيْرٍ».

قَالَ أُبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أحْسَنُ شَيْ ءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي الْبَاب عَنْ عُمَرَ بْنِ أبِي سَلَمَةَ وَأنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأبِي الْحَمْرَاءِ وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَعَائِشَةَ. (1) استعمال الكساء من قبل الرّسول(ص) في هذا الحديث كان لنفس الغرض، وكان إنّما ليؤكّد على أنّ أهل بيته(ص) هم علي وفاطمة والحسن والحسين، كما ورد بالحديث ثمّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أهل بَيْتِي وَخَاصَّتِي أذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجسَ وَطهّرهم تَطْهِيراً».

الحديث التّالي يدور في نفس السّياق واريد أن أذكره هنا فقط


1- محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي، ج 5، ص 361.

ص: 36

لتأكيد الدّلالة السّابقة، والوقوف عند بعض مفرداته ليكون الأمر واضحاً ومتكاملًا عند القارئ.

عن عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، يَعْنِي ابْنَ أبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أبِي رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ امَّ سَلَمَةَ تَذْكُرُ أنَّ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي بَيْتِهَا فَأتَتْهُ فَاطِمَةُ بِبُرْمَةٍ فِيهَا خَزِيرَةٌ فَدَخَلَتْ بِهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: ادْعِي زَوْجَكِ وَابْنَيْكِ. قَالَتْ: فَجَاءَ عَلِيٌّ وَالْحُسَيْنُ وَالْحَسَنُ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَجَلَسُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تِلْكَ الْخَزِيرَةِ وَهُوَ عَلَى مَنَامَةٍ لَهُ عَلَى دُكَّانٍ تَحْتَهُ كِسَاءٌ لَهُ خَيْبَرِيٌّ، قَالَتْ: وَأنَا اصَلِّي فِي الْحُجْرَةِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عزّ وجلّ هَذِهِ الآية:(إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

قَالَتْ: فَأخَذَ فَضْلَ الْكِسَاءِ فَغَشَّاهُمْ بِهِ، ثمّ أخرجَ يَدَهُ فَألْوَى بِهَا إلى السَّمَاءِ، ثمّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أهل بَيْتِي وَخَاصَّتِي فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجس وَطهّرهم تَطْهِيراً، اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أهل بَيْتِي وَخَاصَّتِي فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجس وَطهّرهم تَطْهِيرًا» قَالَتْ: فَأدْخَلْتُ رَأسِي الْبَيْتَ، فَقُلْتُ: وَأنَا مَعَكُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّكِ إلى خَيْرٍ إِنَّكِ إلى خَيْرٍ».

قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَحَدَّثَنِي أبو لَيْلَى، عَنْ امِّ سَلَمَةَ مِثْلَ حَدِيثِ عَطَاءٍ سَوَاءً، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَحَدَّثَنِي دَاوودُ بْنُ أبِي عَوْفٍ أبُوالْحَجَّافِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ امِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِهِ سَوَاءً. (1) لنقف عند التّتابع الّذي يسرده هذا الحديث، فقد وضع


1- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 6، ص 292.

ص: 37

الرّسول(ص) الكساء فوقه وفوق علي وفاطمة والحسن والحسين، بعد أن نزلت الآية الكريمة:(إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وبذلك يريد الرّسول(ص) أن يشرح بالتّفصيل تفسير تلك الآية ليس فقط بالقول، بل وبالفعل أيضاً ليبيّن المعنى الكامل وراء تلك الآية الكريمة وبدون أي شك بأنّها نزلت في حقّ الرّسول(ص) وهؤلاء الأربعة، وأنّه عندما يذكر أهل البيت إنّما يذكر هؤلاء تحديداً، فعندما يقول الرّسول(ص): «إنّي تارك فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، فإنّما يعني إنّي تارك فيكم القرآن وهؤلاء الأربعة، وما يعزّز ذلك القول هو التّكرار الّذي جاء في الحديث «اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أهل بَيْتِي وَخَاصَّتِي، فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجس وَطهّرهم تَطْهِيراً، اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أهل بَيْتِي وَخَاصَّتِي فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجس وَطهّرهم تَطْهِيرا» وبالتّأكيد فإنّ وراء ذلك التّكرار مدلولات ومعاني، حيث إنَّه ليس هناك في كلام الرّسول(ص) زيادة ليست لها معنى، فإنّ جميع كلامه(ص) ذو معانٍ، فذلك التّكرار إنّما جاء ليؤكّد المعنى بأنّ هؤلاء هم أهل البيت. ومرة اخرى تريد أن تبيّن لنا ام المؤمنين ام سلمة أنّها أرادت أن تكون معهم، ولكن الرّسول(ص) لايسمح لها بذلك، ويقول لها: «إِنَّكِ إلى خَيْرٍ إِنَّكِ إلى خَيْرٍ».

ص: 38

ص: 39

المبحث الثّالث: الخلفاء بعد النبيّ (ص)

من خلال ماسبق، يتبيّن لنا أنّ الرّسول(ص) قد أوصى المسلمين باتّباع كتاب الله وعترته أهل بيته، ولكن عندما نمرّ على أحاديث اخرى نجد أنّه(ص) قد ذهب إلى أبعد من ذلك، فقد حدّد لنا بأنّه سيكون من بعده خلفاء، وقد حدّد لنا عددهم ونسبهم وكيف سيكون منيعاً بهم ومحفوظاً، وهذا ما سيجعل الصّورة تتكامل وتتوضّح على كيفية ما سينتهي إليه أمر المسلمين تجاه من سيتبعون من بعده ليكونوا بمأمن، وألا يكونوا على ضلالة. وفي البداية أحبّ أن أذكر هنا على أنّ الرّسول(ص) عندما يتنبأ بشي ء يجب علينا كمسلمين أن نؤمن إيماناً كاملًا بأنّ تلك النّبوءة سوف تتحقّق، وكما مرّ سابقاً، فإنّي احبّ أن أذكر على أنّي أعتمد على تلك الأحاديث الّتي تعتبر حجّة في موضع الحوار.

نقرأ في الحديث التّالي:

ص: 40

قال مسلم حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، وحَدَّثَنَا أحْمَدُ بْنُ عُثمانَ النَّوْفَلِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنَا أزْهَرُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي أبِي فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لا يَزَالُ هَذَا الدّين عَزِيزاً مَنِيعاً إلَى اثْنَي عَشَرَ خَلِيفَةً» فَقَالَ كَلِمَةً صَمَّنِيهَا النّاس، فَقُلْتُ لأبِي مَا قَالَ، قَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ. (1) يقول الرّسول(ص) في هذا الحديث: «لا يَزَالُ هَذَا الدّين عَزِيزاً مَنِيعاً» وهنا ينسب منعة الدّين وعزّته إلى سبب آخر وهو «اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً» أي: إنّه سيكون الدّين عزيزاً ومنيعاً بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر، وهذا مايؤكّد على مكانة هؤلاء الخلفاء وما سيقومون به من جهد لحفظ العقيدة، فمنعة الدّين وعزته تكمن بحفظ العقيدة من التّغيير والتّحريف، وكما يبيّن لنا الحديث، فعدد هؤلاء الخلفاء هو اثنا عشر خليفة وكلّهم من قريش، كما جاء: «فَقَالَ كَلِمَةً صَمَّنِيهَا النّاس فَقُلْتُ لأبِي مَا قَالَ، قَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».

ودعنا نمرّ على حديث آخر جاء في نفس السّياق.

وعنه حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأزْدِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرب، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لا يَزَالُ الإِسْلامُ عَزِيزاً إلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً»، ثمّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أفْهَمْهَا فَقُلْتُ لأبِي: مَا قَالَ، فَقَالَ: كُلُّهُمْ


1- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 6، ص 3.

ص: 41

مِنْ قُرَيْشٍ. (1) وهنا يذكر الحديث: «لا يَزَالُ الإِسْلامُ عَزِيزاً» أي ربط بالخلفاء الاثني عشر، كما في الحديث السّابق وللتّأكيد على هذا السّياق نقرأ في الحديثين التّاليين:

وعن قُتَيْبَةِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ح

وعن رِفَاعَةِ بْنِ الْهَيْثم الْوَاسِطِيِّ(وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانَ، عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أبِي عَلَى النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا الأمر لا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»، قَالَ ثمّ تَكَلَّمَ بِكَلامٍ خَفِيَ عَلَيَّ قَالَ: فَقُلْتُ لأبِي مَا قَالَ، قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ». (2) الشّي ء المهمّ في هذا الحديث الأخير هو قوله(ص): «إِنَّ هَذَا الأمر لا يَنْقَضِي» وهي نبوءة على أنّ أمر هذه الامّة لاينتهي حتّى يرتبط بشي ء آخر ألا وهو كما وصفه الرّسول(ص): «حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً» أي: إنّ أمر هؤلاء الخلفاء الاثني عشر أمر محتوم، وأنّه سيكون لهذه الامّة اثنا عشر خليفة شرعيّاً.

و في حديث آخر:


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.

ص: 42

وأيضاً عنه قال حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لا يَزَالُ أمْرُ النّاس مَاضِياً مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، ثمّ تَكَلَّمَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَلَيَّ فَسَألْتُ أبِي مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».

وفي حديث آخر:

وعن قُتَيْبَةِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ لايَزَالُ أمْرُ النّاس مَاضِياً. (1) فقد بيّن الرّسول(ص) أنّ هناك اثني عشر رجلًا سيقومون بتولي امور النّاس، كما جاء في الحديث: «لا يَزَالُ أمْرُ النّاس مَاضِياً مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا».

ونذكر حديثاً آخر في نفس السّياق فقط لنبيّن أنّ ذلك الحديث جاء بطرق وفي كتب مختلفة ممّا يؤكّد صحّته:

قال البخاري: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أمِيراً، فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أسْمَعْهَا، فَقَالَ: أبِي إِنَّهُ قَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ. (2)


1- المصدر السابق.
2- محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح بخاري، ج 8، ص 127.

ص: 43

وهنا يذكر الحديث هؤلاء الاثني عشر على أنّهم امراء، والمعنى الإجمالي يبقى في نفس السّياق وإشارة الرّسول(ص) تدلّ على أنّهم سيكونون قاده الامّة الشّرعيين.

من كلّ تلك الأحاديث يتبيّن لنا أنّ هؤلاء الخلفاء أو القادة هم من سيقوم بالحفاظ على العقيدة، وقد وصف لنا الرّسول(ص) في الحديث التّالي، بأنّهم سيقومون بتلك المهمّة حتّى وإن كان أنصارهم هم القلّة، ومن خذلهم هم باقي المسلمين، كما يبيّن لنا الحديث.

قال مسلم: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأبو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أبِي قِلابَةَ، عَنْ أبِي أسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ امَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللَّهِ»، وَهُمْ كَذَلِكَ(وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ وَهُمْ كَذَلِكَ). (1) يتبيّن من هذا الحديث أنّ هذه الطّائفة هم من سيكونون على الحقّ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ امَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ» وقد أكّد أيضاً الرّسول(ص)، كما في الأحاديث السّابقة على أنّ هؤلاء هم من سيتحمل مسؤولية تلك المهمّة حتّى آخر الزّمان: «حَتَّى يَأتِيَ أمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» وهم من سيضحي ويقاتل من أجل إعلاء كلمة الحقّ، كما يبيّن لنا الحديث التّالي.

وعنه قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا


1- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 6، ص 52.

ص: 44

مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرب، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّهُ قَالَ: لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدّين قَائِماً يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ المُسلمينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. (1)

هنا يبيّن لنا الحديث أنّ هؤلاء القادة الاثني عشر ومن تبعهم هم من سيضحي من أجل إعلاء كلمة الله والحفاظ على العقيدة، كما مرّ بالحديث: «لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدّين قَائِماً يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ المُسلمينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».

من كلّ تلك الأحاديث يتبيّن لنا أنّ الرّسول(ص) قد تنبأ لنا بأنّه سيكون للأمّة اثنا عشر قائداً، وأنّه(ص) قد أكّد على أنّ هذا الأمر متحقّقاً لامحالة وهو مرتبط ارتباطاً أساسيّاً بصيانة العقيدة. وقد جاء في الأحاديث السّابقة ذكر كلمة خليفة ورجل وأمير، ولكن كلّها جاءت مرتبطة بثلاثة أشياء الّا، وهي:

أوّلًا: العدد اثنا عشر.

ثانياً: أنّهم من سيصان بهم الدّين وتحفظ بهم العقيدة.

ثالثاً: أنّهم من سيكونون قادة الامّة الشّرعيين.

ولم أجد أي حديث يذكر عدداً آخر من الخلفاء بعد الرّسول(ص) غير ذلك العدد «اثنا عشر» وهذا يعني عندما نذكر الخلفاء من بعد الرّسول(ص) يجب أن نجد اثني عشر خليفة.

وهنا يظهر السّؤال الّذي يفرض نفسه، وهو بما أنّ تلك كانت


1- المصدر السابق، ص 53.

ص: 45

نبوءة ويجب أن تتحقّق، فبعد مرور أربعة عشر قرناً من الزّمن، فمَن هؤلاء القادة الاثنا عشر؟ وإذا لم نتعرّف عليهم بعد لحدّ الآن، فهذا يعني أنّ نبوءة المصطفى(ص) لم تتحقّق ولا يمكن لها أن تتحقّق، فمن سيكون له السّلطة الشّرعية ليدلّنا على هؤلاء القادة، وهذا بالتّأكيد سيكون خللًا كبيراً في عقيدتنا الإسلاميّة.

فعندما نتفحص الألف وأربعمائة سنة السّابقة في تاريخ الأُمّة الإسلاميّة، نجد أنّ هناك فرقة واحدة من بين فرق المسلمين قد اعتقدوا وآمنوا بهؤلاء الاثني عشر قائداً ألا وهم الفرقة الإماميّة أو مايسمّون الشّيعة الاثني عشرية، أو أتباع مذهب أهل البيت:، أو الشّيعة الجعفرية، والّذين قالوا بإمامة الإمام علي بن أبي طالب وأبنائه، وقد كان في تراثهم العقائدي التّفاصيل الكاملة لهؤلاء الأئمة الاثني عشر، وما هو دورهم في قيادة الامّة وصيانة العقيدة، وكيف أنّ تلك النّبوءة قد تحقّقت، وكيف أنّ هؤلاء الأئمة حملوا مسؤوليّة حفظ العقيدة، وكيف أعلنوا عن أنفسهم، وكيف أنّهم قد كانوا ومازالوا المرجع الوحيد لمعرفة القرآن والسنّة النّبويّة؟

ص: 46

ص: 47

المبحث الرابع: ولاية الإمام علي (ع)

بعد أن تحدّثنا عن الامور المتعلّقة بإشارة الرّسول(ص) إلى أنّه تارك من بعده كتاب الله وعترته أهل بيته، وأنّ هناك اثنا عشر خليفة من بعده هم من سيصان الدّين بهم، وهنا سنتحدّث عن المرجع الّذي سترجع إليه الامّة من بعد الرّسول(ص) مباشرة ألا وهي الإشارة إلى أوّل هؤلاء الخلفاء، وهل أنّ الرّسول(ص) قد أمر أو أشار بذلك، وفي أي المناسبات قد فعل هذا؟ واريد أن أذكر هنا مرّة اخرى على أنّني اعتمدت في حواراتي فقط وبالتّحديد على تلك الأحاديث الّتي تعتبر حجّة في موضع الحوار، ولكن بالتّأكيد فإنّ هناك أحاديث كثيرة يمكن الأخذ بها، ولكن قد لا تكون حجّة في موضع الحوار هنا؛ لعدم الأخذ بها من قبل بعض أطراف ذلك الحوار.

ولندخل في صلب الموضوع ونناقش الحديث التّالي:

قال احمد حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ،

ص: 48

حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أرْقَمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أبِي لَيْلَى، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيّاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرَّحَبَةِ يَنْشُدُ النّاسَ؛ أنْشُدُ اللَّهَ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ» لَمَّا قَامَ فَشَهِدَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ: فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ بَدْرِيًّا كَأنِّي أنْظُرُ إلى أحَدِهِمْ، فَقَالُوا نَشْهَدُ أنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: ألَسْتُ أولى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ وَأزْوَاجِي أُمَّهَاتُهُمْ، فَقُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ». (1) يتبيّن لنا من هذا الحديث أنّ هناك أمراً وقضية قد أشار لها الرّسول(ص) يوم خطبة غدير خم، وهذا الأمر حسب ما يدلّ عليه هذا الحديث يعني شيئاً كبيراً وأمراً مهمّاً إلى الإمام علي، وإلّا ماذا جعل من الإمام علي في الرَّحَبَةِ يستحلف النّاسَ بالله ليسألهم أن يشهدوا على ذلك الأمر بما يسوقه الحديث: «شَهِدْتُ عَلِيّاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرّحبة يَنْشُدُ النّاس أنْشُدُ اللَّهَ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ»، كما يبيّن الحديث أنّ الإمام عليّاً يسأل عن شهود في قضية، وهذا يعني أنّ تلك القضيّة مهمّة جدّاً ليطلب لها الشّهود حتّى يقيم بتلك الشّهادة الحجّة على ذلك الأمر، ثمّ بعد ذلك يذكر ما يريد أن يشهدوا عليه، وهو قول الرّسول(ص) له: «مَنْ كُنْتُ


1- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 1، ص 119.

ص: 49

مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ» وهنا يقوم اثنا عشر بدريّاً «فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ بَدْرِيّاً» أي: كلّهم من الّذين شهدوا معركة بدر، وهذا يعني أنّهم من الصّحابة الّذين عاصروا الدّعوة الإسلاميّة منذ بداياتها، ثمّ تبدأ شهادتهم: «فَقَالُوا نَشْهَدُ أنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ» أي: إنّهم يشهدون على ما سمعوه من الرّسول(ص) وهو حديث: «ألَسْتُ أولى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ وَأزْوَاجِي امَّهَاتُهُمْ» وهنا أراد الرّسول(ص) بهذه العبارة الموجودة في الحديث أن يذكّر من كان حاضراً بالآية الكريمة(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ). (1)

وهوبذلك يريد أن يؤكّد على ولايته(ص) على المؤمنين، وأنّه هو أولى بالمؤمنين عليهم من أنفسهم، وما تدلّ به الآية الكريمة على أنّ الله عزّ وجلّ قد فرض الولاء والطّاعة على المؤمنين لنبيّهم، وكما نرى فإنّ جواب من كان حاضراً يوم غدير خم هو الإيجاب بقولهم: «بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ» ثمّ يقول(ص): «فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ» وهنا وبعد ما قدم الرّسول(ص) بأنّ ولايته واجبة ينتقل الآن إلى مرحلة اخرى في مسيرة المسلمين بأن يقول: «فعلي مولاه» أي: أنّ كلّ شخص منكم يقرّ بأنّي مولاه فكان وجوباً عليه في أن يقرّ بأنّ عليّاً 7 مولاه، ثمّ يمضي بنا الحديث إلى الدّعاء العظيم من قبل الرّسول(ص) إلى الإمام علي 7: «اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاه»


1- الأحزاب: 6.

ص: 50

وكما نعلم فإنّ دعاء الرّسول(ص) مستجاب، وهذا يعني بالدّليل القاطع أنّ الله سيوالي من والى الإمام عليّاً(ع) وأنّه سيعادي من عادى الإمام عليّاً(ع). ولا أدري ما تبرير هؤلاء الّذين عادوا الإمام عليّاً. وأحبّ أن أذكر هنا بأنّ الرّسول(ص) في خطبة غدير خم قد قال، كما ذكر لنا حديث الثّقلين في فصل سابق «إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي» وهنا في هذا الحديث يكمل الرّسول(ص) وصيته في نفس تلك الخطبة بأن يجعل الإمام عليّاً 7 وصيّاً من بعده.

وفي حديث آخر:

قال ابن ماجه: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أبُو الْحُسَيْنِ، أخْبَرَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: أقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ الّتي حَجَّ فَنَزَلَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَأمَرَ الصّلاة جَامِعَةً فَأخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ «ألَسْتُ أولى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ».

قَالُوا: بَلَى.

قَالَ: «ألَسْتُ أولى بِكلّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ».

قَالُوا: بَلَى.

قَالَ: «فَهَذَا وَلِيُّ مَنْ أنَا مَوْلاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ اللَّهُمَّ عَادِ مَنْ عَادَاهُ». (1)


1- محمد بن يزيد القزويني(ابن ماجه)، سنن ابن ماجة، ج 1، ص 43.

ص: 51

يأتي الحديث بنفس السّياق السّابق والشّي ء الّذي اريد أن أقف عنده هو أنّه عندما يوقف الرّسول(ص) النّاس، ثمّ يأمر بالصّلاة جامعة. كما ذكر الحديث: «فَأمَرَ الصّلاة جَامِعَةً» فهذا يدلّ على أنّ شيئاً مهمّاً أراد الرّسول(ص) إيصاله لمن كان حاضراً، والّا لماذا يوقف الرّسول(ص) تلك الجموع من النّاس إذا لم يكن الأمر مهمّاً، وكما يبيّن الحديث هنا؟ فإنّ الرّسول(ص) يؤكّد ولايته على المؤمنين بشكل تفصيلي بقوله: «ألَسْتُ أولى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ألَسْتُ أولى بِكلّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، قَالُوا: بَلَى» فأمر الولاية أراد الرّسول(ص) أن يجعله واضحاً، وجلياً وهو يخصّ كلّ مسلم. ونقرأ في الحديث التّالي:

حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ، حَدَّثَنَا أحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ نِزَارٍ الْعَنْسِيُّ، حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْعَبْسِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أبِي لَيْلَى فَحَدَّثَنِي أنَّهُ شَهِدَ عَلِيّاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرّحبة، قَالَ: أنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ الّا قَامَ وَلا يَقُومُ الّا مَنْ قَدْ رَآهُ فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَقَالُوا: قَدْ رَأيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ، حَيْثُ أخَذَ بِيَدِهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ» فَقَامَ الّا ثَلاثَةٌ لَمْ يَقُومُوا فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَأصَابَتْهُمْ دَعْوَتُهُ. (1)


1- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 1، ص 119.

ص: 52

نجد أنّ سياق الحديث جاء بشكل مطابق للحديث الأوّل ولا اريد أن نعيد الشّرح السّابق، ولكن فقط اريد أن أشير إلى آخر الحديث وهو: «فَقَامَ الّا ثَلاثَةٌ لَمْ يَقُومُوا فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَأصَابَتْهُمْ دَعْوَتُهُ» ويتبيّن من الحديث أنّ هناك ثلاثة كانوا يعلمون ذلك الحديث، ولكن لم يشهدوا، وهذا يؤكّد على أنّ المؤامرات كانت تحاك ضد الإمام علي 7 ومن قبل بعض الصّحابة، وهذا ما جعل الإمام علي 7 يدعو عليهم وأنّ دعوته قد استجيبت، كما يذكر الحديث، ونستدلّ من كلّ ذلك أهمّية موضوع حديث غدير خم عند الإمام علي 7 وما كان يريد أن يبرهن ويثبت به للمسلمين من حقّه فيهم، وكيف أنّ الله عزّ وجلّ قد استجاب لدعوته في كتمان هؤلاء الثّلاثة لتلك الشّهادة. ولننظر إلى مسألة ولاية الإمام علي 7 من وجهة نظر اخرى، ولنقرأ هذا الحديث:

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ، قَالَ: قَالَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «أمَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى». (1) هنا يضع الرّسول(ص) منزلة إلى الإمام علي 7 ألا وهي منزلة هارون من موسى. لنقف هنا ونتعرّف على تلك المنزلة الّتي كان يحظى بها هارون من موسى، وعندها نعرف قصد الرّسول(ص) بتلك


1- محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج 4، ص 208.

ص: 53

المنزلة الّتي أراد أن يضع بها الإمام علي(ع).

أنّنا نعلم أنّ هارون كان نبيّاً وكان أخاً للنّبي موسى، وأنّ الإمام عليّاً(ع) لم يكن نبيّاً ولا أَخاً للرّسول(ص)، ولكن كان أخاه في الإِسْلامِ وزوج ابنته، فماذا كان يقصد(ص) بتلك المنزلة؟ فلو قرأنا قصّة موسى في القرآن وتتبعناها، لوجدنا أنّه بعد أن ذهب موسى إلى مقابلة ربّه استخلف أخاه هارون في قومه، كما ذكر القرآن لنا ذلك(وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَ قالَ مُوسى لأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (1) أي كن خليفتي من بعدي على قومي، وذلك بقوله:(اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي)، وهذا ما أراد به الرّسول(ص) أن يشير بتلك المنزلة الّتي أعطاها إلى الإمام علي(ع)، فلو قرأنا الحديث التّالي سنجد أنّ الظّروف الّتي أحاطت بالمسلمين هي مشابهة لتلك الظّروف الّتي أحاطت ببني إسرائيل من حيث غياب رسولهم عنهم وقيام الشّخص الّذي يليه بالمنزلة بمهمّة الخلافة عليهم، حيث كان النبيّ هارون خليفة النبيّ موسى في بني إسرائيل، والإمام علي(ع) خليفة الرّسول(ص) في المسلمين كما يبيّن لنا الحديث.

وعن أبي بَكْرِ بْنِ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ


1- الأعراف: 142.

ص: 54

أبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» فَقَالَ: «أمَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي». (1)

وعن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ فِي هَذَا الإِسْنَادِ.

وبالرّجوع إلى تلك الآية: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» نجد أنّها كانت في تلك الظّروف الّتي وقعت عندما ابتعد النبيّ موسى عن قومه وكان خليفة النبيّ هارون والّذي تولّى أمر قومه من بعده، وعند تتبع الحديث نجد أنّ الرّسول(ص) أراد أن يبيّن للمسلين أنّ الإمام عليّاً(ع)، هو من يخلفه في قومه وهو من يولى من بعده ولم يعطِ الرّسول(ص)، تلك الصّفة إلى أي شخص آخر غير الإمام علي(ع) وهذا هو الفهم المنطقي لمعنى ذلك التّشبيه.

وهناك عملية مقارنة اخرى أراد بها الرّسول(ص) أن يوصلها لنا، والّتي تجسِّد لنا ما ستكون عليه مهمّة الإمام علي(ع) كخليفة إلى المسلمين في الحديث التّالي، والّتي أرى أنّها في غاية الأهمّية من حيث تصويرها لنا وما ستنتهي لها الأوضاع بعد الرّسول(ص).

وعن حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا فِطْرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ


1- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 7، ص 120.

ص: 55

الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ أبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا جُلُوساً نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ عَلَيْنَا مِنْ بَعْضِ بُيُوتِ نِسَائِهِ، قَالَ: فَقُمْنَا مَعَهُ فَانْقَطَعَتْ نَعْلُهُ فَتَخَلَّفَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ يَخْصِفُهَا فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَضَيْنَا مَعَهُ، ثمّ قَامَ يَنْتَظِرُهُ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ: «إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأويلِ هَذَا الْقرآن، كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ» فَاسْتَشْرَفْنَا وَفِينَا أبوبَكْرٍ وَعُمَرُ، فَقَالَ: «لا، وَلَكِنَّهُ خَاصِفُ النَّعْلِ» قَالَ: فَجِئْنَا نُبَشِّرُهُ قَالَ: وَكَأنَّهُ قَدْ سَمِعَهُ. (1) من خلال سرد الحديث يتبيّن لنا أنّ الرّسول(ص) يخبر الصّحابة بشي ء أرى أنّه أحد المفاصل المحوريّة والأجزاء الأساسيّة في العقيدة الإسلاميّة الّتي لا يمكن التّغاضي عنها، أو تركها في قوله(ص): «إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأويلِ هَذَا الْقرآن كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ» وهنا، يصوّر الرّسول(ص) عملية مقارنة واستمراريّة في نفس الوقت لما سيحيط بجوهر العقيدة الإسلاميّة وعمودها الفقري ألا وهو القرآن الكريم، فتأويل القرآن هو بالتّأكيد له من الأهمّية ما للتنزيل، فلم ينزل الله عزّ وجلّ لنا القرآن ليكون حبراً على ورق، بل أراد له أن يقرأ ويفهم ويعمل به وقد اعطيت مهمّة الحفاظ على ذلك المعنى إلى الإمام علي(ع).

فنحن نعلم أنّ سبب حروب الرّسول(ص) إنّما كانت بسبب تنزيل القرآن، والّذي كان الكفر من يمثل ذلك المعسكر الّذي قاتل وقاوم


1- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 3، ص 82.

ص: 56

ومانع ذلك التّنزيل، وعندما يقارن الرّسول(ص) ذلك المشهد وهو مشهد القتال على التّنزيل ويجعله مساوٍ إلى المشهد الّذي يليه وهو مشهد القتال من أجل التّأويل، فإنّما قد جعل بذلك القتال عملية استمراريّة واستكمالًا لمهمّة الرّسول(ص) الّتي بدأها، وبذلك سيكون لهذا الصّراع أيضاً طرفان، وهما جانب الحقّ والمتمثل في معسكر الإمام علي 7، وجانب الباطل والمتمثل بالطّرف الآخر. ونستدلّ من هذا الحديث على أنّ هناك صراعاً مستمّراً بين معسكري الحقّ والباطل، ومن أراد أن ينجو ويكون مع الحقّ فعليه الالتحاق بمعسكر الرّسول(ص) في حياته أو الالتحاق بمعسكر الإمام علي 7 بعد وفاته(ص).

ولو نظرنا في نهاية الحديث نجد أنّه عندما أرادوا أن يخبروا الإمام عليّاً 7 بما بشر به الرّسول(ص) وما سيناله من مكانة وعظمة، فقد وجدوا أنّه كان يعلم بذلك: «قَالَ فَجِئْنَا نُبَشِّرُهُ قَالَ: وَكَأنَّهُ قَدْ سَمِعَهُ» وهذا ما يدلّ على أنّ الرّسول(ص) كان يخبر الإمام عليّاً 7 بكلّ التّفاصيل المهمّة المتعلقّة بحمل أعباء الرّسالة من بعده، ونستدلّ أيضاً أن هذا الحديث يدعم ويؤكّد المعاني الّتي جاءت بالأحاديث السّابقة بأن يجب أن نتّبع كتاب الله وأهل البيت:، فالإمام عليّاً 7 هو من أهل البيت وما جاء في حديث الخلفاء الاثني عشر، وهنا نجد أنّ الإمام عليّاً 7 هو أوّل أولئك الخلفاء، وما جاء أيضاً في حديث «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، فهذا الحديث يبيّن لنا

ص: 57

ماستصير إليه الامور بعد الرّسول(ص) وما يجب على المسلمين أن يفعلوا بعده(ص) لكي ينجوا، وعند النّظر إلى التاريخ نجد أنّ كلّ ما قاله الرّسول(ص) قد تحقّق، وهذا ما يثبت صحّة نبوته وصدق رسالته.

وللتّأكيد على ماجاء بالحديث السّابق، فإنّ الرّسول(ص) كان يشير على الدّوام إلى أنّ الإمام عليّاً 7 أنّه جزء منه(ص) كما في الحديث التّالي:

وعن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ إسْرَائِيلَ، عَنْ أبِي إِسْحاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ أنَّ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ: «أنْتَ مِنِّي وَأنَا مِنْكَ». (1) كما بيّن لنا الحديث: «أنَّ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ: أنْتَ مِنِّي وَأنَا مِنْكَ». فإنّ الرّسول(ص) يريد أن يبيّن للنّاس بأنّه والإمام علي 7 من معدن واحد ويجب على المسلمين أن يستجيبوا لهما بشكل واحد وبذلك أوجب عليهم اتّباع الإمام علي 7 واعتبار ذلك إنّما هو جزء من اتّباعه هو(ص) ولننظر في الحديث التّالي لنرى المسألة من زاوية اخرى:

عن عَبْد اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ حَنَشٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ عَشْرُ آيات مِنْ بَرَاءَةٌ عَلَى النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا


1- محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج 3، ص 168.

ص: 58

النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَعَثَهُ بِهَا لِيَقْرَأهَا عَلَى أهل مَكَّةَ، ثمّ دَعَانِي النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي أدْرِكْ أبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَيْثما لَحِقْتَهُ فَخُذِ الْكِتَابَ مِنْهُ فَاذْهَبْ بِهِ إلى أهل مَكَّةَ فَاقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ فَلَحِقْتُهُ بِالْجُحْفَةِ فَأخَذْتُ الْكِتَابَ مِنْهُ وَرَجَعَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَزَلَ فِيَّ شَيْ ءٌ، قَالَ: لا وَلَكِنَّ جِبْرِيلَ جَاءَنِي فَقَالَ: لَنْ يُؤَدِّيَ عَنْكَ الّا أنْتَ أو رَجُلٌ مِنْكَ» (1).

لقد جعل الله عزّ وجلّ تبليغ رسالته إلى النّاس عبر حلقة وصل إلّا وهي تلك الحلقة الّتي كرم بها رسوله(ص) بأن جعله الشاهد والمبلّغ إلى رسالته، ثمّ بيّن إلى النّاس إنّ استكمال هذه الحلقة هو أن تمرّ عبر الإمام علي 7 بعد الرّسول(ص)، كما جاء في الحديث، حيث إنّ الرّسول(ص) بعث بتلك الآيات أبابكر: «دَعَا النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبَابَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَبَعَثَهُ بِهَا لِيَقْرَأهَا عَلَى أهل مَكَّةَ» ولكن مالبث أن بعث الإمام علياً 7 خلفه ليبلغ هو تلك الآيات؛ لأنّ ذلك هو أمر الله الّذي أراد أن يبيّنه للنّاس، كما جاء في الحديث: «قَالَ: لا، وَلَكِنَّ جِبْرِيلَ جَاءَنِي فَقَالَ: لَنْ يُؤَدِّيَ عَنْكَ الّا أنْتَ أو رَجُلٌ مِنْكَ».

وهنا يتبيّن بشكل جلي المقام الّذي يحتله الإمام علي 7 حيث إنّ تلك الدرجة وهي درجة تبليغ تلك الآيات إنّما اعطيت إلى


1- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 1، ص 151.

ص: 59

الشّخص الّذي يلي مقامه بعد مقام الرّسول(ص) ونقرأ في الحديث التّالي نفس المعنى السّابق لنكون على بيّنة تامّة ممّا كان يقصد به الرّسول(ص):

عن إِسْماعِيلِ بْنِ مُوسَى أخبرنا شَرِيكٌ، عَنْ أبِي إِسْحاقَ عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلِيٌّ مِنِّي وَأنَا مِنْ عَلِيٍّ وَلا يُؤَدِّي عَنِّي إلّا أنَا أو عَلِيٌّ». (1) قَالَ أبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.

نجد أنّ الحديث جاء تماماً بنفس المعنى، كما تبيّن: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِيٌّ مِنِّي وَأنَا مِنْ عَلِيٍّ وَلا يُؤَدِّي عَنِّي إلّا أنَا أو عَلِيٌّ» فهذا التّكرار على نفس التّأكيد السّابق من قبل الرّسول(ص)، فإنّما يدلّ على أنّ الله عزّ وجلّ قد بيّن للمسلمين بأنّ مقام الإمام علي(ع) إنّما هو بعد مقام الرّسول(ص).

ونرى أنّ الحديث التّالي يؤكّد على جميع المعاني السّابقة الّتي جاءت بالأحاديث الّتي تمّ ذكرها والّذي سيحتوي بشكل مختصر على ماتضمّنته الحوارات السّابقة:

عن قُتَيْبَةِ بْنِ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ(وَتَقَارَبا فِي اللَّفْظِ)، قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْماعِيلَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: أمَرَ مُعَأويَةُ بْنُ أبِي سُفْيَانَ سَعْدًا،


1- محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي، ج 5، ص 300.

ص: 60

فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أنْ تَسُبَّ أبَا التّراب، فَقَالَ: أمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلاثًا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَنْ أسُبَّهُ؛ لأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ.

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أمَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إلّا أنَّهُ لا نُبُوَّةَ بَعْدِي»، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لأعْطِيَنَّ الرّايةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، قَالَ: فَتَطَاولنَا لَهَا، فَقَالَ: ادْعُوا لِي عَلِيّاً فَاتِيَ بِهِ أرْمَدَ فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرّايةَ إِلَيْهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآية:(فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) (1)، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أهلي». (2) نرى من خلال الحديث أنّ الإمام علي(ع) هو من خلفه الرّسول(ص) من بعده وأعطاه صفة هارون من موسى: «أمَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إلّا أنَّهُ لا نُبُوَّةَ بَعْدِي» والّتي تشير وتدلّ على أنّ هارون كان الشّخص الثّاني بعد النبيّ موسى(ع)، وقد لقي في غيابه الجحود والإنكار من قومه، وأنّه هو خليفته ومن يمثله ويمثل جانب الحقّ من بعده، أي إنّ كلّ تلك الصّفات إنّما تتحقّق


1- آل عمران: 61.
2- صحيح مسلم، ج 7، ص 120.

ص: 61

في شخص الإمام علي 7، ونجد أيضاً في الحديث أنّ الإمام عليّاً(ع) من حمل الرّاية عندما أراد الله أن ينصر رسوله(ص)، حيث ذكر لنا الحديث في يَوْمَ خَيْبَرَ: «لأعْطِيَنَّ الرّايةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَتَطَاولنَا لَهَا، فَقَالَ: ادْعُوا لِي عَلِيّاً، فَاتِيَ بِهِ أرْمَدَ فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرّايةَ إِلَيْهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ» والشّي ء المهمّ هنا في هذا الحديث والّذي أرى بأن يجب أن نتوقّف عند هذه الدّلالة على من هم أهل البيت؟ حيث يأخذنا الحديث إلى هَذِهِ الآية:(فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ)، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أهلي».

فقد جعل الله من تلك الآية الكريمة(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (1) جعلها برهاناً آخر على أنّ من هم أهل البيت؟ فإنّ نزول تلك الآية، كما يتّفق المسلمون عندما أمر الله الرّسول(ص) على أن يدعو نصارى نجران إلى المباهلة ولا اريد أن أدخل في التّفاصيل التّاريخيّة لتلك القصّة، ولكن فقط نبيّن ما نحن بصدده الآن، حيث يقول الله عزّ وجلّ في الآية:(فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ) وهنا يأخذ الرّسول(ص) الحسن والحسين ممّن يمثل أبناءه:(أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) ويأخذ فاطمة ممّن يمثل نساء


1- آل عمران: 61.

ص: 62

الرّسول(ص):(وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ) ولم يأخذ أحداً من أزواجه، ثمّ يأخذ الإمام عليّاً 7 ممّن يمثّل نفس الرّسول(ص):(وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ) أي إنّ الإمام عليّاً 7 جزء من الرّسول(ص) ونفسه، كما مرّ سابقاً، والّذي جاء هنا بأمر من الله عزّ وجلّ وفي إحدى آيات القرآن الكريم. فقد تشابه ما وقع في حديث الكساء الّذي تمّ ذكره وما وقع في هذا الحديث، وهذا مايؤكّد على أنّ من هم أهل البيت بقوله(ص) في نهايه الحديث فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أهلي» وما هي منزلتهم الّتي أراد الله من رسوله الكريم أن يباهل بهم نصارى نجران لما لهم من منزلة عظيمة أراد الله أن يظهرها إلى النّاس جميعاً، وقد جعل الرّسول(ص) من المسلمين عامّة شهوداً على حقيقة أنّ من هم أهل البيت؟

ويبقى شي ء مهمّ في الحديث أود أن نتوقّف عنده وهو إذا ما نظرنا في بداية الحديث نجد أنّ معاوية بن أبي سفيان يأمر سعد بن أبي وقاص أن يسب أبا التّراب، وأبو تراب هو أحد أسماء الإمام علي 7 والّذي سمّاه الرّسول(ص) به، حيث يذكر لنا الحديث «أمَرَ مُعَاويَةُ بْنُ أبِي سُفْيَانَ سَعْدًا، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أنْ تَسُبَّ أبَا التّراب» وهذا ما يجعل سؤالًا يفرض نفسه هو أنّ بعد كلّ ما بيّنه الرّسول(ص) إلى الامّة وفي مختلف المناسبات لما يحظى به الإمام علي 7 من منزلة عظيمة ولما يجب على المسلمين من مسؤولية وواجب تجاهه، ونجد أنّ بعض المسلمين من أبغض الإمام عليّاً 7 وسبّه وحاربه،

ص: 63

وقد نهى الرّسول(ص) وبشدّة عن كلّ ذلك لعلمه بما ستنتهي إليه امور المسلمين، وفي الأحاديث التّالية نرى كيف أنّ الرّسول(ص) قد نهى عن تلك الأفعال المشينة.

فالحديث التّالي يبيّن لنا أنّ من يبغض الإمام عليّاً(ع) فهو منافق كما جاء:

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ، أخْبَرَنَا أبُو معاوية عَنْ الأعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «وَالّذي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهِدَ النّبيُّ الأمِّيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أن لا يُحِبَّنِي إلّا مُؤْمِنٌ وَلا يُبْغِضَنِي إلّا مُنَافِقٌ». (1) فلو نظرنا في الحديث نجد أنّه حبّ الإمام علي(ع) وبغضه هو حدّ فاصل بين الإيمان والنّفاق، كما ورد في الحديث: «إِنَّهُ لَعَهِدَ النّبيّ الأمِّيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أن لا يُحِبَّنِي إلّا مُؤْمِنٌ وَلا يُبْغِضَنِي إلّا مُنَافِقٌ» فهنا نجد أنّه من العناصر الأساسيّة لأن يكون المرء مؤمناً هو ممّن يحبّ الإمام عليّاً(ع) وأنّ من شروط ألايدخل المسلم في باب النفاق هو أن لا يبغض الإمام عليّاً(ع).

أمّا بالنسبة إلى سبّ الإمام علي(ع) فقد وضّح لنا الحديث التّالي ما معنى ذلك:

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى امِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ لِي:


1- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 1، ص 61.

ص: 64

أيُسَبُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيكُمْ، قُلْتُ: مَعَاذَ اللَّهِ أو سُبْحَانَ اللَّهِ أو كَلِمَةً نَحْوَهَا، قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَبَّ عَلِيّاً فَقَدْ سَبَّنِي». (1) يبيّن لنا الحديث أنّ هناك من كان يسبّ الإمام عليّاً 7 وقد وضّحت ام المؤمنين ام سلمة بأنّ من سبَّ الإمام علي 7 إنّما سبَّ الرّسول(ص)، كما بيّن الحديث: «قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَنْ سَبَّ عَلِيّاً فَقَدْ سَبَّنِي» فكما هو محرم سبّ رسول الله(ص) فقد كان محرماً سبّ الإمام علي 7 فلا أدري إن كان معاوية لايفقه ذلك أم أنّه يفقه ذلك، ولكن أراد أن يتناساه ويجعله وراء ظهره، ولا أدري بماذا أقحم نفسه في أن يسبّ الإمام عليّاً 7، بل ويذهب إلى أبعد من ذلك بأن يحاربه، ويبيّن لنا الحديث التّالي ما يعني أن تكون على حرب مع الإمام علي 7.

وعن تَلِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو الْحَجَّافِ، عَنْ أبِي حَازِمٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَظَرَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ: «أنَا حَرب لِمَنْ حَارَبَكُمْ وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ». (2) الحديث واضح النّص ولا يحتاج إلى تفسير وهو أن من حارب أحد هؤلاء الأربعة علي وفاطمة والحسن والحسين فقد حارب


1- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 6، ص 323.
2- المصدر السابق، ج 2، ص 442.

ص: 65

الرّسول(ص) ومن حارب الرّسول(ص) فقد حارب الله عزّوجلّ، واتخذ لنفسه مكاناً في معسكر الضّلالة. وهنا مرّة اخرى يشير لنا الرّسول(ص) إلى هؤلاء الأربعة ويبيّن لنا منزلتهم الخاصّة وكيف يجب على المسلمين أن يتصرّفوا معهم، ونفهم أيضاً من الحديث تلك الإشارة إلى أنّ هؤلاء هم أهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرِّجس وطهّرهم تطهيراً، حيث أنَّ الرّسول(ص) يؤكّدعلى أنّ هؤلاء الأربعة سيكونون دائماً على حقّ، حيث أنّه(ص) جعل من حربهم على أنّها حربه، وهو، إشارة واضحة على أنّهم سوف يمثلون جانب الصّواب دائماً ولن يكونوا على خطأ أبداً.

و الحديث التّالي يبيّن لنا أنّه كيف يكون رد فعل الرّسول(ص) فيما لو كان هناك أحد يؤذي الإمام علياً 7.

عن يَعْقُوبِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ ابْنِ نِيَارٍ الأسْلَمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شَأسٍ الأسْلَمِيِّ، قَالَ وَكَانَ مِنْ أصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَلِيٍّ إلى الْيَمَنِ فَجَفَانِي فِي سَفَرِي ذَلِكَ حَتَّى وَجَدْتُ فِي نَفْسِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ أظْهَرْتُ شَكَايَتَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ذَاتَ غُدْوَةٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاسٍ مِنْ أصْحَابِهِ فَلَمَّا رَآنِي أمَدَّنِي عَيْنَيْهِ يَقُولُ: حدّد إِلَيَّ النّظر حَتَّى إِذَا جَلَسْتُ، قَالَ: يَا عَمْرُو، وَاللَّهِ لَقَدْ آذَيْتَنِي، قُلْتُ: أعُوذُ بِاللَّهِ أنْ

ص: 66

اوذِيَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى مَنْ آذَى عَلِيّاً فَقَدْ آذَانِي. (1)

يبيّن لنا الحديث أنّ من يؤذي الإمام عليّاً فكأنّما آذى الرّسول، كما جاء بالحديث: «قَالَ: بَلَى، مَنْ آذَى عَلِيّاً فَقَدْ آذَانِي» ونرى دائماً في أنّ الرّسول(ص) يربط ما يتعلّق بالإمام علي 7 به وينسبه إليه بشكل مباشر، ويجعل من كلّ قضية تتعلّق بالإمام علي إنّما تعنيه هو شخصياً.

وفي الحديث التّالي يبيّن لنا الرّسول(ص) في أنّ الإمام عليّاً 7 كان دائماً على حقّ حتّى قبل أن يستمع إليه عندما يكون في خصومة مع أي شخص آخر، ونريد هنا أن نتوقّف لنجد ما هي مدلولات ذلك بالنسبة لنا، كما بيّن الحديث:

عن عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَعَفَّانِ الْمَعْنَي، وَهَذَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالا: حدّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ الرِّشْكُ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً وَأمَّرَ عَلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ فَأحْدَثَ شَيْئًا فِي سَفَرِهِ فَتَعَاهَدَ، قَالَ: عَفَّانُ فَتَعَاقَدَ أرْبَعَةٌ مِنْ أصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يَذْكُرُوا أمْرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: عِمْرَانُ وَكُنَّا إِذَا قَدِمْنَا مِنْ سَفَرٍ بَدَأنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، قالَ: فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَلِيّاً فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَأعْرَضَ عَنْهُ، ثمّ


1- المصدر السابق، ج 2، ص 483

ص: 67

قَامَ الثّاني، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَلِيّاً فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَأعْرَضَ عَنْهُ، ثمّ قَامَ الثّالث، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَلِيّاً فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَأعْرَضَ عَنْهُ، ثمّ قَامَ الرّابع فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ عَلِيّاً فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَأقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرّابع وَقَدْ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَقَالَ: «دَعُوا عَلِيّاً دَعُوا عَلِيّاً إِنَّ عَلِيّاً مِنِّي وَأنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّ كلّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي». (1) الشّي ء الملفت للنظر والّذي يجب الانتباه له في هذا الحديث هو أنّ الرّسول(ص) عندما استمع إلى شكوى هؤلاء الأربعة لم يتحقّق من مدى صحّة دعواهم أو يطلب في إحضار الإمام علي 7 ليسمع منه، كما يجب أن يفعل في القضايا الاخرى الاعتياديّة حسب الشّريعة الإسلاميّة، وكما نعلم أنّه(ص) أعدل النّاس ولا يمكن أن يكون غير ذلك، ولكن مع هذا فإنّه(ص) بعد ما استمع لهم يغضب ويأمرهم بألّا يشكوا الإمام علي 7 بقوله: «فَأقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرّابع وَقَدْ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَقَالَ: «دَعُوا عَلِيّاً دَعُوا عَلِيّاً» ثمّ لم يكتفِ بذلك، بل جعل من الإمام علي 7 على أنّه جزء منه بقوله: «إِنَّ عَلِيّاً مِنِّي وَأنَا مِنْهُ» وهنا يجعل الرّسول(ص) من نفسه والإمام علي على أنّهما من معدن واحد وكلاهما لايخطأ أو أن يزل، ولم يتوقّف عند ذلك، بل قال: «وَهُوَ وَلِيُّ كلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي» وهذا يعني أنّه من سيتولاكم من بعدي وهو من توجب له الطّاعة، واريد أن أرجع إلى


1- المصدر السابق، ج 4، ص 438.

ص: 68

النقطة السّابقة وهي أنّه لا يمكن أن يكون الرّسول(ص) إلّا عادلًا وأنّه لايمكن أن يظلم، ولكن مع ذلك فهو لم يتحقّق من شكواهم ويجعل من تلك الشّكوى إنّما كانت ضدّه هو شخصياً ثمّ بعد ذلك كلّه يأمرهم بأن يطيعوا الإمام عليّاً(ع)، وهذا كما أرى أنّه لايعني إلّا شيئاً واحداً لا ثاني له إلّا وهو أنّ الرّسول(ص) كان قد صرّح بذلك الفعل على عصمة الإمام علي(ع).

وفي الحديث التّالي إشارة اخرى إلى ما ذكرناه سابقاً:

حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنِي أجْلَحُ الْكِنْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أبِيهِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثَيْنِ إلى الْيَمَنِ عَلَى أحَدِهِمَا عَلِيُّ بْنُ أبِي طَالِبٍ، وَعَلَى الأخر خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقَالَ: إِذَا الْتَقَيْتُمْ فَعَلِيٌّ عَلَى النّاس وَإِنِ افْتَرَقْتُمَا فَكلّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى جُنْدِهِ، قَالَ: فَلَقِينَا بَنِي زَيْدٍ مِنْ أهل الْيَمَنِ فَاقْتَتَلْنَا فَظَهَرَ المسلمونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلْنَا الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَيْنَا الذُّرِّيَّةَ فَاصْطَفَى عَلِيٌّ امْرَأةً مِنَ السَّبْيِ لِنَفْسِهِ، قَالَ بُرَيْدَةُ: فَكَتَبَ مَعِي خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أتَيْتُ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعْتُ الْكِتَابَ فَقُرِئَ عَلَيْهِ فَرَأيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مَكَانُ الْعَائِذِ بَعَثْتَنِي مَعَ رَجُلٍ وَأمَرْتَنِي أنْ أطِيعَهُ فَفَعَلْتُ مَا أرْسِلْتُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«لا تَقَعْ فِي عَلِيٍّ، فَإِنَّهُ مِنِّي وَأنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي وَإِنَّهُ مِنِّي وَأنَا مِنْهُ

ص: 69

وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي». (1) وهذه قصّة اخرى اختلف فيها الإمام علي مع خالد بن الوليد، وكما نرى في الحديث فإنّ ردّة فعل الرّسول(ص) كانت إنّما مشابهة تماماً لما كانت عليه ردّة فعله في الحديث السّابق، فهو أيضاً لم يستمع إلى أطراف الخلاف، كما هو مفروض بالحالات الاعتياديّة ولكنّه(ص) غضب، وقال إلى رسول خالد بن الوليد: «لا تَقَعْ فِي عَلِيٍّ فَإِنَّهُ مِنِّي وَأنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي وَإِنَّهُ مِنِّي وَأنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي» فكما نرى أنه(ص) يكرّر ما يقول مرّتين ليؤكّد أنّ الإمام عليّاً 7 هو جزء منه، وأنّه هو من يجب أن يتولّى أمر المسلمين من بعده، وكما هو واضح فإنّ الرّسول(ص) لم يترك مناسبة إلّا وذكر فيها ولاية الإمام علي 7.

كثيراً ما يثار السّؤال التّالي وهو: إن كان الرّسول(ص) قد أوصى إلى الإمام علي 7 بالخلافة، فلماذا لم يداع الإمام علي بذلك حتّى وإنصار الأمر إلى القتال؟ ونحن نعلم أنّ الإمام عليّاً 7 قد عارض ما حصل بعد وفاة الرّسول(ص) ولم يبايع، كما هو متفق عليه وأنّ ما يأتي سوف يوضح ما حصل.

نقرأ في الحديث التّالي:

حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ يَعْنِي النُّمَيْرِيَّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أبِي يَحْيَى، عَنْ إِيَاسِ بْنِ


1- المصدر السابق، ج 5، ص 356.

ص: 70

عَمْروٍ الأسْلَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي اخْتِلافٌ أو أمْرٌ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَكُونَ السِّلمَ فَافْعَلْ». (1) هنا يشير الرّسول(ص) إلى أنّه سيكون اختلاف من بعده بقوله: «إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي اخْتِلافٌ أو أمْر» وهذا ما حصل في أمر الخلافة، وقد أوصى الرّسول(ص) الإمام علي بأن يلتزم جانب السّلم بقوله: «فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَكُونَ السِّلمَ فَافْعَلْ» وهذا ما فعله الإمام علي(ع) حيث إنّه عارض ماحصل بعدم المبايعة مع الحفاظ على وحدة الامّة وخاصّة في تلك الظّروف الحرجة والّتي فقد بها المسلمون نبيهم(ص).

وفي الحديث التّالي كانت نفس الوصية من الرّسول(ص)، ولكن هذه المرّة إلى أبي ذرّ:

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيِّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ عَنْ أبِي الْجَهْمِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ وَهْبَانَ، عَنْ أبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أنْتُمْ وَأئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَسْتَأثِرُونَ بِهَذَا الْفَيْ ءِ» قُلْتُ: إِذاً وَالّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ أضَعُ سَيْفِي عَلَى عَاتِقِي، ثمّ أضْرب بِهِ حَتَّى ألْقَاكَ أو ألْحَقَكَ، قَالَ: «أو لا أدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ تَصْبِرُ حَتَّى تَلْقَانِي». (2)


1- المصدر السابق، ج 1، ص 90.
2- سليمان بن أشعث السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، ج 2، ص 427.

ص: 71

وهنا أيضاً يبيّن لنا الرّسول(ص) ما سيكون بعده بقوله: «كَيْفَ أنْتُمْ وَأئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَسْتَأثِرُونَ بِهَذَا الْفَيْ ء» أي إنّه سيستأثر أئمة ويستولون على ما تحقّق من سلطان للدّولة الإسلاميّة بما ليس لهم الحقّ فيه فيكون جواب أبي ذر: «قُلْتُ إِذَاً وَالّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ أضَعُ سَيْفِي عَلَى عَاتِقِي، ثُمَّ أضْرب بِهِ حَتَّى ألْقَاكَ أو ألْحَقَكَ» ومعنى قول أبي ذرّ هو أنّه سيقاتل ذلك الانحراف، ولكن الرّسول(ص) يوصيه، كما أوصى الإمام عليّاً 7 بقوله: «أَوَلا أدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ تَصْبِرُ حَتَّى تَلْقَانِي» فكما نرى أنّ الرّسول(ص) أمر أبا ذرّ بأن يصبر، أي إنّ الأمر سيكون صعباً وفيه من المعاناة لما فيه من الظّلم، وبذلك يريد(ص) حفظ دماء المسلمين وحفظ وحدة الامّة مع إعلانه(ص) بأنّه ستكون بعده فتن ومن الأئمة كما وصفهم من سيستأثر بما ليس له حقّ فيه وعندما ندرس حياة أبي ذرّ فإنّنا سنجد أنّه عاش بعد الرّسول(ص) خلال فترة خلافة أبي بكر وعمر وجزء من خلافة عثمان، وكان من أشد المعارضين، ولكن بقي كما أوصاه الرّسول(ص) صابراً ولم يحمل السيف.

وفي الحديث التّالي إشارة اخرى من الرّسول(ص) إلى أنّ هناك من سيستأثر بإمرة المسلمين من بعده بما ليس لهم حق فيه، كما مرّ سابقاً ويوصي من يعرف طريق الحقّ بأن يصبروا:

عن مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

ص: 72

وَسَلَّمَ لِلأنْصَارِ: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي اثرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي وَمَوْعِدُكُمُ الْحَوْضُ». (1) وهنا يشير(ص) إلى أنّه سيكون من بعده اثرة، وكما هو واضح من الحديث بأنّ تلك الاثرة هي غير شرعيّة كما بيّن لنا الحديث: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي اثرَةً» وقد أوصى(ص) مرّة اخرى بأن يصبروا «فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي وَمَوْعِدُكُمْ الْحَوْضُ». وفي الحديث التّالي يبيّن الرّسول(ص) الأمر بشكل تفصيلي، وكيف على المسلمين أن يتعاملوا مع الأحداث من بعده:

وعن هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ الأزْدِيِّ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ امِّ سَلَمَةَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَتَكُونُ امَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا: أفَلا نُقَاتِلُهُمْ، قَالَ: لا مَا صَلَّوا». (2) هنا لو تابعنا الحديث بشكل دقيق سنجد أنّه(ص) قد بدأ حديثه بأن سيكون من بعده من الامراء الّذين يعرفهم، ولكن من الّذين سينكر من يعرف الحقّ عليهم فعلتهم الّتي تتمثل بأخذهم تلك الإمارة الّتي ليس لهم حقّ فيها، كما مرّ بالحديث: «سَتَكُونُ امَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ» وقد أمر(ص) بشكل تفصيلي كيف


1- محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج 4، ص 225.
2- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 6، ص 23.

ص: 73

على المسلمين التّعامل مع ذلك الحدث، كما ذكر لنا الحديث: «فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» أي إنّه من عرف حقيقة الأمر برئ من ذلك الفعل ومن أنكر ذلك الفعل فقد سلم وما عليه من إثم، ولكن من رضي بذلك فهو آثم، ثمّ يوصي(ص) مرّة اخرى بالصّبر، كما أشار الحديث: «قَالُوا: أفَلا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ: لا مَا صَلَّوا».

من خلال كلّ ذلك نجد أنّ الرّسول(ص) قد تنبأ وبشكل لايقبل الشّكّ بأنّ أمر قيادة الامّة الإسلاميّة من بعده سيكون غير شرعي، ولن يسير على النّهج الّذي رسمه هو(ص) إلى المسلمين، وكما نعلم بأنّ نهج الرّسول(ص) إنّما هو النّهج الّذي يأمر به الله تعالى، وكما تبيّن أيضاً فإنّ الرّسول(ص) كان دائماً يأمر المسلمين بأن يلتزموا جانب الصّبر ليحقّقوا بذلك السّلام للُامّة وكان على رأس من أوصاهم الإمام علي 7.

ولايخفى تأييد مدلولات هذه الأحاديث بالآيات الّتي تحكي عمّا مضى على امم الأنبياء السّلف في غيبة أنبيائهم، فلو نظرنا في تاريخ الرّسالات السّماويّة سنجد أنّ ذلك المشهد قد كان مشابهاً في حدث غياب النبيّ موسى(ع) عن قومه، وكيف أنّ قومه قد ضلّوا بعده، كما وضحت لنا الآية الكريمة(وَ لَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَ أَلْقَى الأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي

ص: 74

وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (1) ولطالما انحرفت الامم وضلّت عن طريق الحقّ بعد وفاة أنبيائها.

وهناك حديث يذكر لنا بأنّ الإمام عليّاً 7 كان أقرب النّاس إلى الرّسول(ص) قبل وفاته ويتبيّن من الحديث بأنّه(ص) كان يناجيه ويسرّه حتّى آخر لحظات حياته كما يبيّن لنا الحديث:

وعن احمد قال حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَمِعْتُهُ أنَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ أبِي شَيْبَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ امِّ مُوسَى، عَنْ امِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: وَالّذي أحْلِفُ بِهِ إِنْ كَانَ عَلِيٌّ لأقْرب النّاس عَهْداً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ عُدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً بَعْدَ غَدَاةٍ: يَقُولُ: جَاءَ عَلِيٌّ مِرَاراً، قَالَتْ: وَأظُنُّهُ كَانَ بَعَثَهُ فِي حَاجَةٍ، قَالَتْ: فَجَاءَ بَعْدُ فَظَنَنْتُ أنَّ لَهُ إِلَيْهِ حَاجَةً فَخَرَجْنَا مِنَ الْبَيْتِ فَقَعَدْنَا عِنْدَ الْبَابِ فَكُنْتُ مِنْ أدْنَاهُمْ إلى الْبَابِ فَأكَبَّ عَلَيْهِ عَلِيٌّ فَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَيُنَاجِيهِ، ثمّ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَكَانَ أقْرب النّاس بِهِ عَهْدًا. (2) وكما نرى بأنّ الإمام عليّاً 7 كان قريباً ولم يفارق الرّسول(ص) حتّى توفاه الله عزّ وجلّ وقد تبيّن أنّ الرّسول(ص)


1- الأعراف: 150.
2- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 6، ص 300.

ص: 75

كان يساره حتّى آخر اللحظات وقد شهدت بذلك ام المؤمنين ام سلمة، كما بيّن لنا الحديث: «فَأكَبَّ عَلَيْهِ عَلِيٌّ فَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَيُنَاجِيهِ» وهذا ما يؤكّد بأنه(ص) كان على اتّصال بمن سيخلفه من بعده.

ونقرأ في الحديث التّالي مسائل ونقاطاً في غاية الأهمّية حتّى يتبيّن لنا بشكل كامل وجلي كيف أنّ الرّسول(ص) كان يعني بقوله: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» هو أنّ علياً خليفتي من بعدي وأنّه هو الوصي الّذي أوصى(ص) له بأنّ على المسلمين أن يتبعوه ويبايعوه ويأتمرون بأمره، وكيف أنّ الخلاف كان عميقاً وجذرياً بين الإمام علي(ع) والخلفاء الّذين سبقوه في المسائل العقائديّة الأساسيّة، والّتي تتعلّق بأمر الخلافة وما جرى من أحداث، والّتي اعتبرها الإمام علي(ع) أنّها غبن وإجحاف في حقّه ولنقرأ هذا الحديث:

وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أسماء الضُّبَعِيِّ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: إنَّ مَالِكَ بْنَ أوْسٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: أرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَجِئْتُهُ حِينَ تعالى النَّهَارُ، قَالَ فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِهِ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ مُفْضِياً إِلَى رُمَالِهِ مُتَّكِئاً عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أدَمٍ فَقَالَ لِي: يَا مَالكُ إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أهْلُ أبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ وَقَدْ أمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَخُذْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُم، قَالَ: قُلْتُ: لَوْ أمَرْتَ بِهَذَا غَيْرِي، قَالَ خُذْهُ يَا مَالكُ، قَالَ فَجَاءَ يَرْفَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ يَا

ص: 76

أمِيرَالْمُؤْمِنِينَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِالرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ، فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ فَأذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ قَالَ: نَعَمْ: فَأذِنَ لَهُمَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيني وَبين هَذَا الْكَاذِبِ الآثِمِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: أجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ وَأرِحْهُمْ،(فَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: يُخَيَّلُ إِلَيَّ أنَّهُمْ قَدْ كَانُوا قَدَّمُوهُمْ لِذَلِكَ) فَقَالَ عُمَرُ اتَّئِدَا أنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الّذي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرض أتَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ، فَقَالَ: أنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ الّذي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرض أتَعْلَمَانِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:

لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ، قَالا: نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَاصَّةٍ لَمْ يُخَصِّصْ بِهَا أحَدًا غَيْرَهُ. قَالَ:(ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ).

(مَا أدْرِي هَلْ قَرَأ الآيَةَ الّتي قَبْلَهَا أمْ لا)، قَالَ: فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينكُمْ أمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ فَوَاللَّهِ مَا اسْتَأثَرَ عَلَيْكُمْ وَلا أخَذَهَا دُونَكُمْ حَتَّى بَقِيَ هَذَا الْمَالُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأخُذُ مِنْهُ نَفَقَةَ سنةٍ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ اسْوَةَ الْمَالِ، ثُمَّ قَالَ أنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الّذي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرض أتَعْلَمُونَ ذَلِكَ قَالُوا: نَعَمْ ثُمَّ نَشَدَ عَبَّاساً وَعَلِيّاً بِمِثْلِ مَا نَشَدَ بِهِ الْقَوْمَ أتَعْلَمَانِ ذَلِكَ، قَالا:

ص: 77

نَعَمْ، قَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أبُو بَكْرٍ أنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُمَا تَطْلُبُ مِيرَاثَكَ مِنِ ابْنِ أخِيكَ وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأتِهِ مِنْ أبِيهَا، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا نُورِّثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ فَرَأيْتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِراً خَائِناً وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أبُو بَكْرٍ وَأنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّ أبِي بَكْرٍ فَرَأيْتُمَانِي كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ فَوَلِيتُهَا، ثُمَّ جِئْتَنِي أنْتَ وَهَذَا وَأنْتُمَا جَمِيعٌ وَأمْرُكُمَا وَاحِدٌ فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ أَنْ تَعْمَلا فِيهَا بِالّذي كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأخَذْتُمَاهَا بِذَلِكَ، قَالَ: أكَذَلِكَ، قَالَا: نَعَمْ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُمَانِي لأقْضِيَ بينكُمَا وَلا وَاللَّهِ لا أقْضِي بينكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَرُدَّاهَا إِلَيّ. (1) نلاحظ هنا كيف أنّ عمر بن الخطّاب استعمل كلمة «ولي» عندما أراد أن يصف أبو بكر على أنّه خليفة رسول الله(ص)، كما مرّ في الحديث: «فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أبُوبَكْرٍ أنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» واستعمل عمر بن الخطّاب


1- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 5، صص 150- 151.

ص: 78

كلمة ولي مرّة اخرى عندما أراد أن يصف نفسه على أنّه خليفة رسول الله(ص) وخليفة أبي بكر، كما وضّح لنا الحديث: «ثُمَّ تُوُفِّيَ أبُو بَكْرٍ وَأنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّ أبِي بَكْرٍ» وهذا دليل قاطع في أنّ كلمة «ولي» عندما استعملها الرّسول(ص) في هذا المقام، حيث قال: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» فإنّما قد قصد بها وبما لا لبس فيه على أنّ الإمام عليّاً 7 هو خليفتي من بعدي. ونقرأ الشّي ء الأساسي والمهمّ في هذا الحديث والمتعلّق في مسألة العقيدة هو كيف أنّ الخلاف كان جذريّاً وعميقاً بين الإمام علي 7 وما سبقه من الخلفاء، حيث نقرأ في الحديث: «فَقَالَ أبُو بَكْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا نُورِّثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ فَرَأيْتُمَاهُ كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً» حيث إن عمر بن الخطّاب يصف لنا الاتّهام الكبير والخطير من الإمام عليّاً 7 إلى أبي بكر في سرد تلك الصّفات: «فَرَأيْتُمَاهُ كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً» وقد أشار عمر بن الخطّاب إلى نفس الاتّهام الخطير له هذه المرّة من قبل الإمام علي 7 كما مرّ في الحديث: «ثُمَّ تُوُفِّيَ أبُو بَكْرٍ وَأنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّ أبِي بَكْرٍ فَرَأيْتُمَانِي كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً».

وهذا يبيّن لنا بشكل تفصيلي ما كان من خلاف جذري بين الإمام علي 7 والخلفاء الّذين سبقوه، مّما يؤكّد لنا بأنّ الإمام عليّاً 7 كان يؤمن ايماناً قاطعاً على أنّ الخلافة كانت يجب أن تنتهي إليه من بعد

ص: 79

الرّسول(ص)، ولكن كما مرّ سابقاً فقد التزم جانب السّلم ولم يحارب في تلك الظّروف المحدّدة كما أمره الرّسول(ص).

ونختم هذا المبحث بالحديثين التّاليين، حيث إنّ الحديث الأوّل يصف لنا به الإمام الحسن أباه عليّاً 7، وأمّا الحديث الثّاني فإنّ الإمام عليّاً 7 يصف به نفسه، وأترك لكم الأمر في أن تتفكّروا بمعانيهما وأن تعلقوا عليهما:

عن وَكِيعٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ خَطَبَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ:

لَقَدْ فَارَقَكُمْ رَجُلٌ بِالأمْسِ لَمْ يَسْبِقْهُ الأوّلونَ بِعِلْمٍ وَلا يُدْرِكُهُ الآخرونَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُهُ بِالرّايةِ جِبْرِئيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ. (1) وعن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْماعِيلَ الرَّازِيِّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أنْبَأنَا الْعَلاءُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «أنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأخُو رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأنَا الصِّدِّيقُ الأكْبَرُ. لايَقُولُهَا بَعْدِي إلّا كَذَّابٌ صَلَّيْتُ قَبْلَ النّاس بِسَبْعِ سِنِينَ». (2) ويبقى الأمر كما ذكرنا سابقاً خاضعاً إلى النّقاش مادام ذلك النّقاش هو لمعرفة الحقيقة لما سيقودنا إلى معرفة طريق الهداية، ويأخذنا في النّهاية إلى سبيل الله الواحد الأحد.


1- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 1، ص 199.
2- محمد بن يزيد القزويني(ابن ماجه)، سنن ابن ماجة، ج 1 ص 44.

ص: 80

ص: 81

المبحث الخامس: الإمام المهدي (ع) في العقيدة الإسلاميّة

لقد نقل لنا التّراث الإسلامي الكثير عن الإمام المهدي، وهو ثابت في العقيدة الإسلاميّة بأنّه سيظهر في آخر الزّمان ليملأ الْأرض قسطاً وعدلًا بعد أن ملئت ظلماً وجوراً. واريد أن أمر على بعض الأحاديث الّتي تعتبر حجّة هنا أيضاً في هذا الموضع، ولكن بالتّأكيد هناك الكثير من الأحاديث لن نمرّ عليها؛ لأنّها قد لايؤخذ بها من قبل هذا الطّرف أو ذاك في إطار هذا الحوار، ولكن بالتّأكيد هي أحاديث تعتبر صحيحة بالنسبة لكثير من المسلمين الّذين يعتبرونها جزءاً مهمّاً في تركيبة عقيدتهم الإسلاميّة.

نقرأ بالحديث التّالي:

عن مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ أبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَمْتَلِئَ الأ رض ظُلْماً وَعُدْوَاناً، قَالَ: ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي أو مِنْ أهلِ بَيْتِي يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً

ص: 82

وَعُدْوَاناً». (1) إنّ الإمام المهدي 7 كما يذكر الرّسول(ص) هو من عترته أو من أهل بيته، كما يقول: «ثمّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي أو مِنْ أهل بَيْتِي» وهذا ما يذكّرنا بالمبحث السّابق(من هم أهل البيت) ليتبيّن لنا أنّ المهدي هو من أهل البيت، من ذرية تلك العترة الطّاهرة، وأنّه سيملأ الْأرض عدلًا بعد أن ملئت ظلماً، كما يبيّن لنا الحديث: «يَمْلَؤُهَا قِسْطاً وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَعُدْوَاناً» وهذا مايعود بنا إلى تلك الأحاديث الّتي أمرنا بها الرّسول(ص) أن نتّبع تلك العترة الطّاهرة من بعده، وحتّى يتوضّح لنا الأمر بشكل كامل. نقرأ الحديث التّالي:

عن أحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا أبُو الْمَلِيحِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ بَيَانٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ امِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ». (2) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: وَسَمِعْتُ أبَا الْمَلِيحِ يُثْنِي عَلَى عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ، وَيَذْكُرُ مِنْهُ صَلاحاً.

هنا يبيّن لنا الرّسول(ص) بشكل لا لبس فيه بأنّ المهدي 7 هو من عترته من ولد فاطمة 3، كما بيّن الحديث: «يَقُولُ الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ» وهذا ما يجعله مرتبطاً مع حديث الثّقلين


1- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 3، ص 36.
2- سليمان بن أشعث السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، ج 2، ص 310.

ص: 83

وحديث آية التّطهير، فهو من أبناء تلك العترة الطّاهرة الّذين جمعهم الرّسول(ص) تحت ذلك الكساء في حديث آية التّطهير، ثمّ أمر المسلمين بطاعتهم في حديث الثّقلين.

وفي الحديث التّالي يبيّن لنا الرّسول(ص) بشكل أكثر تفصيلًا ما سيكون عليه زمان الإمام المهدي(ع).

عن عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنِي أبِي، حَدَّثَنَا دَاودُ، عَنْ أبِي نَضْرَةَ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ، قَالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي آخر الزّمان خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ وَلا يَعُدُّهُ». (1) وهنا يصف الرّسول(ص) الإمام المهدي على أنّه خليفة: «يَكُونُ فِي آخر الزّمان خَلِيفَةٌ» وهذا ما يذكّرنا بحديث الخلفاء الاثني عشر، فعندما نضع كلّ هذه الأحاديث مجتمعة، فإنّنا نرى أنّ المهدي هو من عترة الرّسول(ص) الّتي أمرنا أن نتّبعها بعده، وهوخليفة مكمل إلى حديث الخلفاء الاثني عشر، وهو بالتّأكيد آخر هؤلاء الخلفاء الّذين وعد الرّسول(ص) بأن لاينقضي أمر النّاس حتّى يمضي أمر هؤلاء الخلفاء فيهم.

وفي حديث آخر:

حَدَّثَنَا عُثمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: بينمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ


1- احمد بن حنبل، مسند أحمد، ج 3، ص 38.

ص: 84

أقْبَلَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَلَمَّا رَآهُمْ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا نَزَالُ نَرَى فِي وَجْهِكَ شَيْئاً نَكْرَهُهُ، فَقَالَ: إِنَّا أهل بَيْتٍ اخْتَارَ اللَّهُ لَنَا الأخرةَ عَلَى الدُّنْيَا وَإِنَّ أهل بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلاءً وَتَشْرِيداً وَتَطْرِيداً حَتَّى يَأتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ فَيَسْألُونَ الْخَيْرَ فَلا يُعْطَوْنَهُ فَيُقَاتِلُونَ فَيُنْصَرُونَ فَيُعْطَوْنَ مَا سَألُوا فَلا يَقْبَلُونَهُ حَتَّى يَدْفَعُوهَا إلى رَجُلٍ مِنْ أهل بَيْتِي فَيَمْلَؤُهَا قِسْطاً كَمَا ملَؤُوها جَوْراً فَمَنْ أدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَأتِهِمْ وَلَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْجِ. (1)

هنا كما نرى فإنّ الرّسول(ص) يتنبأ بما سيحدث إلى أهل بيته من بعده، فيقول: «إِنَّا أهل بَيْتٍ اخْتَارَ اللَّهُ لَنَا الآخرةَ عَلَى الدُّنْيَا وَإِنَّ أهل بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلاءً وَتَشْرِيداً وَتَطْرِيداً» وهذا تماماً ما حدث بعده(ص) فقد أصاب أهل بيته(ص) ذلك البلاء والتشريد والتطريد، وقد عانوا من جور الحكام الظّلمة ونكران أكثر المسلمين إلى حقّهم ثمّ يصف(ص) كيف ستكون الأمور عند مجي ء الإمام المهدي(ع) وبعدها يخلص إلى القول: «رَجُلٍ مِنْ أهل بَيْتِي فَيَمْلَؤُهَا قِسْطاً كَمَا مَلَؤوهَا جَوْراً» وهي إشارة إلى أهل بيته(ص) ثمّ يحثّ المسلمين دائماً عند مجي ء ذكر أهل البيت إلى طاعتهم والاقتداء بهم، وأن يتَّبعوا الإمام المهدي 7 ويناصروه بكلّ ما يستطيعون، كما بيّن لنا الحديث: «فَمَنْ أدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَأتِهِمْ وَلَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْجِ» وهذا ما يجب أن


1- محمد بن يزيد القزويني(ابن ماجه)، سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1366.

ص: 85

نعدّ له أنفسنا كمسلمين، فهو الواجب الّذي يجب أن يضعه المسلمون في أولى سِلم اولوياتهم.

وفي الحديث التّالي نقرأ:

حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى الْمِصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا أبُو صَالِحٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاودَ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أبِي زُرْعَةَ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنَ جَزْءٍ الزَّبِيدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ فَيُوَطِّئُونَ لِلْمَهْدِيِّ يَعْنِي سُلْطَانَهُ» (1).

نجد في هذا الحديث أنّ من سيناصر المهدي هم أولئك النّاس الّذين يأتون من المشرق، كما قال(ص) في سياق الحديث: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ فَيُوَطِّئُونَ لِلْمَهْدِيِّ يَعْنِي سُلْطَانَهُ».

من كلّ ذلك نجد أنّ الشّيعة الإماميّة هم الوحيدون الّذين آمنوا بتلك الحلقة المتكاملة من العقائد المرتبطة ببعضها البعض، والّتي وجدنا أدلّتها وبراهينها في الكتب الّتي يعتمدها أهل السنّة، وقد تمّ اختيار فقط تلك الأحاديث الّتي يعتبرها علماء أهل السنّة على أنّها أحاديث صحيحة، وبالتّأكيد فإنّ الكتب الّتي يعتمدها أتباع أهل البيت تحفل بتلك الأدلّة والبراهين الّتي تدعم وتوثق أدلّه وبراهين حلقة تلك العقائد.


1- المصدر السابق، ج 2، ص 1368.

ص: 86

ويبقى الأمر كما هو دائماً خاضعاً إلى النّقاش مادام أنّ ذلك النّقاش هو لله عزّ وجلّ، وغايته هو الوصول إلى الحقيقة.

وسنقوم في الفصل التّالي مناقشة الرّأي الآخر، والقائل بأنّ السنّة النّبويّة تؤخذ عن طريق جميع الصّحابة.

ص: 87

الفصل الثانى: مذهب أهل السنة

المبحث الأوّل: السنّة عن طريق جميع الصّحابة

ص: 88

ص: 89

المدرسة العقائديّة الاخرى في الدّين الإسلامي هي تلك المدرسة الّتي ترتكز على نفس المبدأ العام، والقائل بأنّ العقيدة الإسلاميّة تؤخذ من كتاب الله وسنّة النبيّ(ص) كما هي المدرسة العقائديّة الّتي تمّ المرور عليها في الفصل الأوّل من هذا البحث، ولكن الاختلاف هنا في أنّ هذه المدرسة العقائديّة تؤمن بأنّ سنّة الرّسول(ص) قد نقلها وأوصلها للمسلمين جميع صحابة رسول الله(ص)، فقد كانوا هم المرجع الشّرعي بعد الرّسول(ص) للوصول إلى أي مسألة تتعلّق في كلّ امور الدّين إن كانت في نقل القرآن وتفسيره، أو إلى تفاصيل سنّة الرّسول(ص) من تشريعات وأحكام.

ونرى في تراث هذه المدرسة العقائديّة بأنّ نفراً كبيراً من صحابة الرّسول(ص) قد قاموا بنقل حديث رسول الله(ص) وقد تمّ بناء مرتكزات العقيدة في هذه المدرسة وجميع محاورها على تلك الأحاديث الّتي نقلها هؤلاء الصّحابة، فمن كانت له صحبة مع

ص: 90

رسول الله(ص) فهو مؤهل لنقل الحديث عنه(ص)، وأنّنا ملزمون بالأخذ عنه، وقد وجدنا في تراث هذه المدرسة ومن خلال كتب الحديث المعتبرة لدى أهل السنّة أنّها قد نقلت أحاديث رسول الله(ص) عن طريق مختلف الصّحابة الّذين عاصروا حياة الرّسول(ص) أو عاصروا إحدى مراحل حياته، وقد تمّ الأخذ بتلك الأحاديث مادامت قد نقلت عن طريق من ثبتت صحبته مع الرّسول(ص)، ولكن هناك آيات عديدة في القرآن الكريم ما يدعم و يؤكّد الرّأي القائل بعدم تنزيه جميع الصّحابة، ومنها نذكر على سبيل المثال قبل الدخول في حديث الرّسول(ص) ولنقرأ في الآية الكريمة:

(وَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ). (1) المعنى واضح في هذه الآية، وهو أنّ بعضهم من يقول بأنّه آمن، ولكن يصف لنا الله عزّ وجلّ بأنّ قسماً من هؤلاء القائلين:(آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنا) يعرضون عن مقتضى قولهم من بعد ما قالوا ذلك. ونجد في الآية الكريمة:

(وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ). (2)


1- النور: 47.
2- التوبة: 101.

ص: 91

هنا في هذه الآية الوصف دقيق ومحدّد، فإنّ الله عزّ وجلّ يخبر الرّسول(ص) ويصف له بأنّ من أهل المدينة الّذين يعيشون بالقرب منه(ص) وحوله أي من صحابته أنّهم منافقون ويخبره أيضاً بأنّ الله عزّ وجلّ هو فقط يعلمهم، فكيف لنا نحن أن نميزهم ونعرفهم؟

ودعنا نتوقّف عند بعض تلك الأحاديث الّتي نقلوها لنا هؤلاء الصّحابة لنجد أنّ هناك إشارة من الرّسول(ص) تتناقض كليّاً مع ماجاء في هذا المعتقد، وقد وجدت أنّها مادّة من الممكن أن تكون موضعاً للحوار، وسأبدأ بسرد بعض تلك الأحاديث ومناقشتها للوقوف عند الحقائق الّتي قد تكون غابت عنّي، أو عن أي أحد من المسلمين، ولنبدأ بالحديث التّالي عن البخاري قال:

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أنَسٍ، عَنْ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أصْحَابِيَ الْحَوْضَ حَتَّى عَرَفْتُهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي فَأقُولُ أصْحَابِي، فَيَقُولُ لا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ». (1) نجد في هذا الحديث أنّ الرّسول(ص) يذكر لنا أنّه في يوم القيامة وعلى الحوض الّذي وعدنا أنّه(ص) سيكون عنده، سيأتي ناس من أصحابه(ص) يعرفهم، كما يذكر في الحديث: «لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أصْحَابِيَ الْحَوْضَ» فالصّورة واضحة كما يصفها الرّسول(ص) أنّ قسماً


1- محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج 7، ص 207.

ص: 92

من أصحابه الّذين يعرفهم: «حَتَّى عَرَفْتُهُمْ» عند قدومهم إلى الحوض الّذي سيقف عنده الرّسول(ص) يوم القيامة يؤخذون إلى طريق جهنم، كما بيّن لنا(ص): «اخْتُلِجُوا دُونِي»، ثمّ بعد ذلك يظهر الرّسول(ص) تعجبه ويقول إنّهم أصحابه: «فَأقُولُ أصْحَابِي» أي إنّ هؤلاء الصّحابة ممّن كان مع الرّسول(ص) في حياته، ولكن يبدو أنّ الأمر قد اختلف بعد وفاة الرّسول(ص)، حيث يبيّن لنا الحديث: «لا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ» أي إنّهم تغيّروا بعده(ص).

وحتّى تتبيّن لنا الصّورة واضحة نستمرّ بسرد بعض تلك الأحاديث والّتي جاءت في نفس السّياق ونقوم بتحليلها لمعرفة المشهد كاملًا ففي الحديث التّالي نقرأ:

وحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ أبَا وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَلَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجَالٌ مِنْكُمْ، ثمّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي فَأقُولُ يَا ربّ أصْحَابِي، فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ».

تَابَعَهُ عَاصِمٌ، عَن أبِي وَائِلٍ، وَقَالَ حُصَيْنٌ، عَنْ أبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنْ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (1) وهنا لو نظرنا بدقّة في هذا الحديث سنجد أنّ الرّسول(ص) بعد وصفه لنفس المشهد: «أنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» يبيّن لنا بشكل


1- المصدر السابق.

ص: 93

لايقبل الشّكّ بأنّ رجالًا من أصحابه يؤخذون إلى طريق الهلاك حيث إنّه يشير هذه المرّة إلى أصحابه الّذين كان يتكلّم معهم بقوله: «وَلَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجَالٌ مِنْكُمْ» وهذا ما يدلّ وبالدّليل القاطع على أنّ الرّسول(ص) كان يخاطب أصحابه، فناقل الحديث هو صحابي، والرّسول(ص) يشير إليهم بقوله: «مِنْكُمْ» ثمّ يكمل الرّسول(ص) نفس ما جاء بالحديث الآخر.

ونقرأ في الحديث التّالي:

حَدَّثَنَا أحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أصْحَابِ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ رِجَالٌ مِنْ أصْحَابِي فَيُحَلَّؤونَ عَنْهُ فَأقُولُ: يَا ربّ أصْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ لا عِلْمَ لَكَ بِمَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ أنّهم ارْتَدُّوا عَلَى أدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى».

وَقَالَ شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَانَ أبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُجْلَوْنَ، وَقَالَ عُقَيْلٌ: فَيُحَلَّؤونَ، وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبِي رَافِعٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. (1) نجد أنّ ناقل الحديث كان يتحدّث عن أصحاب رسول الله(ص) بقوله: «عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أصْحَابِ النبيّ صَلَّى اللهُ


1- المصدر السابق، ص 208.

ص: 94

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ويعني أنّ ناقل الحديث ابن المسيب كان يذكر شيئاً يخصّ أصحاب الرّسول(ص) ويسرد الحديث بنفس السّياق السّابق، وهو أنّ قسماً من الصّحابة من سينحرف أو يرتد أو ينقلب على العقيدة، ولكن كما هو واضح من خلال تلك الأحاديث أنّه(ص) لم يذكر من هم هؤلاء الصّحابة؟

ولنقرأ الحديث التّالي:

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أبِي مَرْيَمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ:

قَالَ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي فَأقُولُ: يَا ربّ مِنِّي وَمِنْ امَّتِي، فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ وَاللهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أعْقَابِهِمْ.

فَكَانَ ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أنْ نَرْجِعَ عَلَى أعْقَابِنَا أو نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا» (1).

أوّل مانقرأ أنّ ناقل هذا الحديث هي أسماء بنت أبي بكر، كما جاء في الحديث: «عَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَتْ» ثمّ بعد ذلك نقرأ أنّ الرّسول(ص) يصف نفس المشهد السّابق وعلى مسمع من الصّحابة أيضاً: «إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أنْظُر» ثمّ يؤكّد بما لايقبل الشّكّ أنّه قسم من الصّحابة من سينتهي به المطاف يوم القيامة


1- المصدر السابق، ج 7، ص 209.

ص: 95

إلى ما انتهى إليه مصير من ذكرهم بالأحاديث السّابقة، أي إلى نار جهنّم، فيشير هذه المرّة بشكل مباشر إلى الصّحابة الّذين حضروا هذا الحديث، بقوله: «مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ» ثمّ يكمل بما أكمل فيه من قبل، كما مرّ بنا في الأحاديث السّابقة.

ونقرأ في الحديث التّالي:

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنَا أبِي قَالَ: حَدَّثَنِي هِلالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بينا أنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بيني وَبينهمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ، فَقُلْتُ: أيْنَ؟ قَالَ: إلى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: وَمَا شَأنُهُم؟، قَالَ: إنّهم ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى، ثمّ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بيني وَبينهم، فَقَالَ: هَلُمَّ، قُلْتُ أيْنَ؟ قَالَ: إلى النَّارِ وَاللهِ: قُلْتُ: مَا شَأنهم؟ قَالَ: إنّهم ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى فَلا أرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ». (1) نقرأ في هذا الحديث نفس السّياق السّابق، ولكن الّذين تكلّم عنهم الرّسول(ص) هم لم يكونوا قلّة، بل كانوا أكثر من ذلك، كما بيّن لنا الحديث: «إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بيني وَبينهِمْ فَقَالَ: هَلُمَّ فَقُلْتُ: أيْنَ؟ قَالَ إلى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: وَمَا شَأنهم، قَالَ: إنّهم ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى ثمّ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ


1- المصدر السابق، ج 7، ص 209.

ص: 96

رَجُلٌ مِنْ بيني وَبينهِمْ، فَقَالَ هَلُمَّ، قُلْتُ: أيْنَ قَالَ إلى النَّارِ وَاللَّهِ قُلْتُ مَا شَأنهم، قَالَ: إنّهم ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى فَلا أرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ» والزّمرة هي عبارة عن مجموعة من النّاس، ثمّ أنّنا نرى أنّه يكرّر ذلك(ص) أي أنّهم لم يكونوا مجموعة واحدة، بل عبارة عن مجاميع ممن سينقلب على العقيدة وأنّ القليل من الصّحابة الّذين التزموا جانب الحقّ بعد الرّسول(ص) والّذين سينجون من الهلاك، كما بيّن لنا الحديث «فَلا أرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ الّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ».

ونقرأ في الحديث التّالي:

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ:

قَالَ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأ أبَداً، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوَامٌ أعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثمّ يُحَالُ بيني وَبينهُمْ».

قَالَ أبُو حَازِمٍ فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ أشْهَدُ عَلَى أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَزِيدُ فِيهَا: «فَأقُولُ: إنّهم مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأقُولُ سُحْقاً سُحْقاً لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي»، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سُحْقاً بُعْداً، يُقَالُ: سَحِيقٌ بَعِيدٌ سَحَقَهُ وَأسْحَقَهُ أبْعَدَهُ، وَقَالَ أحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَبَطِيُّ: حَدَّثَنَا أبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ

ص: 97

بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أصْحَابِي فيجلونَ عَنِ الْحَوْضِ فَأقُولُ: يَا ربّ أصْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ لا عِلْمَ لَكَ بِمَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ أنّهم ارْتَدُّوا عَلَى أدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى» (1).

هنا في هذا الحديث وبعد مايسرد لنا نفس المشهد السّابق يذكر ويؤكّد لنا بأنّ هؤلاء الصّحابة الّذين سينقلبون ويرتدّون هم عبارة عن أعداد كبيرة، كما يبيّن لنا الحديث: «يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أصْحَابِي فَيجلونَ». وكما نقرأ في الحديث تلك التّأكيدات السّابقة وبشكل من التّفصيل والبيان الّذي أراد له الرّسول(ص) أن يكون واضحاً وجلياً، ولا أعتقد أنّه يحتاج إلى شرح وتفصيل فهو واضح المعاني، ويؤكّد كلّ ماجاء بالأحاديث السّابقة.

ويسرد لنا الحديث التّالي نفس السّياق، ولكن بتفاصيل أكثر فقط لتكون الصّورة واضحة لدينا.

عن أبي بَكْرِ بْنِ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أبِي كِلاهُمَا، عَنْ شُعْبَةَ، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيباً بِمَوْعِظَةٍ فَقَالَ: «يَا أيُّهَا النّاس إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إلى اللَّهِ حُفَاةً


1- المصدر السابق، ص 208.

ص: 98

عُرَاةً غُرْلًا».

(كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ)، ألا وَإِنَّ أوّل الْخَلائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السّلام ألا وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ امَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأقُولُ: يَا ربّ أصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ:(وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ، إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). (1) قَالَ: فَيُقَالُ لِي: «أنّهم لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ».

وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ وَمُعَاذٍ، فَيُقَالُ: «إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ». (2) ينقل لنا الحديث ما جاء من معاني في تلك الأحاديث الّتي مرّ الكلام عنها، وفي هذه المرّة يكون الأمر أكثر تفصيلًا ويبيّن لنا الحديث شيئاً مهمّاً آخر، وهو أنّ الرّسول(ص) يذكر ذلك الحديث على الملأ، وفي خطبة له(ص) موجّهاً كلامه إلى جميع الصّحابة، كما يذكر لنا الحديث: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيباً بِمَوْعِظَةٍ فَقَالَ: ...».


1- مائدة: 117 و 118.
2- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 8، ص 157.

ص: 99

وهذا إن دلّ على شي ء فإنّما يدلّ على أن الرّسول(ص) أراد أن يوصل تلك الرّسالة، وذلك التّحذير إلى جميع الصّحابة ولم يستثنِ منهم أحداً.

يبيّن لنا الحديث التّالي ما أراد الرّسول(ص) أن يوصله لنا عن أنّ رحمه، أي ذريته وأهل بيته هم من سينتفع بهم النّاس، وهم من يجب أن تثق الامّة بهم، وأمّا أصحابه فمن الممكن أن يكونوا على خطأ أو على صواب، كما يبيّن لنا الحديث التّالي عن الاحمد قال:

حَدَّثَنَا أبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُونَ إِنَّ رَحِمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَنْفَعُ قَوْمَهُ؟ بَلَى وَاللَّهِ إِنَّ رَحِمِي مَوْصُولَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالأخرةِ، وَإِنِّي أيُّهَا النّاس فَرَطٌ لَكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَإِذَا جِئْتُمْ»، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ، وَقَالَ أخُوهُ: أنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ، قَالَ لَهُمْ: «أمَّا النَّسَبُ فَقَدْ عَرَفْتُهُ وَلَكِنَّكُمْ أحْدَثْتُمْ بَعْدِي وَارْتَدَدْتُمْ الْقَهْقَرَى».

وعن زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: فَذَكَرَ مَعْنَاه. (1) فهنا أراد الرّسول(ص) أن يضع حدّاً، كما يبدو لُاولئك المتآمرين


1- احمد بن حنبل، مسند أحمد، ج 3، ص 18.

ص: 100

على أهل بيته والمتقولين عليهم، حيث يقول(ص): «مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُونَ: إِنَّ رَحِمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَنْفَعُ قَوْمَهُ» حيث من الواضح أنّ بعض الصّحابة من كان يتآمر على أهل البيت، ويقول: إنّ رحم رسول الله(ص) لاتنفع ويتبع ذلك(ص) بأن يؤكّد على أنّ رحمه إنّما هي نجاة لمن أراد أن يقتدي بهم، حيث يقول(ص) «بَلَى وَاللَّهِ إِنَّ رَحِمِي مَوْصُولَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالأخرة» وهذا ما يؤكّد على ما تمّ ذكره سابقاً بأنّه قد ترك لنا(ص) القرآن وأهل البيت، وهما سيقودان إلى طريق النّجاة والهداية، ثمّ يذكر(ص) بأنّه سيكون عند ذلك الحوض يوم القيامة، كما مرّ بالأحاديث السّابقة، حيث يقول: «وَإِنِّي أيُّهَا النّاس فَرَطٌ لَكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» ثمّ يؤكّد على ما ذكر في الأحاديث السّابقة على أنّ من الصّحابة من سيكون على ضلالة، كما جاء في الحديث: «فَإِذَا جِئْتُمْ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ، وَقَالَ أخُوهُ أنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ، قَالَ لَهُمْ: أمَّا النَّسَبُ فَقَدْ عَرَفْتُهُ، وَلَكِنَّكُمْ أحْدَثْتُمْ بَعْدِي وَارْتَدَدْتُمْ الْقَهْقَرَى» وهنا يريد الرّسول(ص) أن ينشئ مقارنة ويبينها إلى المسلمين في ذلك الفرق والاختلاف بين أهل بيته وبين باقي أصحابه، ويجب على المسلمين بشكل عام وأصحابه بشكل خاصّ أن يتّبعوا أهل البيت من بعده ليكونوا بأمان من أن يضلّوا.

يتبيّن لنا من كلّ ماتقدّم أنّ الرّسول(ص) أخبرنا على أنّ مجموعة من صحابته من سينقلب على العقيدة بعد وفاته(ص) ولم يذكر لنا من

ص: 101

هم هؤلاء الصّحابة، وبالتّأكيد أن من سينقلب على العقيدة ويرتد عن الدّين، فإنّما هو خارج عن دائرة الإيمان، وهذا ما يجعل من ذلك الشّخص شخصاً غير موثوقٍ به ولايمكن الأخذ عنه، فكيف لنا أن نعتبره أهلًا لنقل حديث رسول الله(ص) ونثق بما سينقله لنا من مفردات ومستلزمات إيماننا؟ وهذا سيتعارض مع عقيدة الوصول إلى سنّة الرّسول(ص) عن طريق جميع الصّحابة، فكيف أنّ الرّسول(ص) يأمرنا بأن نأخذ سنّته(ص) من جميع الصّحابة ويجب أن نتّبعهم، ثمّ يخبرنا بأنّ من بين هؤلاء الصّحابة ممّن سينقلب على العقيدة واريد أن أذكر هنا إلى أنّ مجاميع من الصّحابة ممّن سينقلب وهذا ما يجعل الأمر متناقضاً.

وأنّنا لو تفحّصنا التاريخ الإسلامي لوجدنا أنّ الخلافات قد ذهبت إلى أبعد مدياتها بين الصّحابة بعد وفاة الرّسول(ص) حتّى أنّ حروباً قد نشبت بينهم، ودماء كثيرة قد سالت، وقد وصل الاختلاف بينهم إلى انقسام الامّة الإسلاميّة إلى مجاميع، فكيف لنا أن نأخذ عنهم جميعاً مع العلم أنّهم قد اختلفوا فيما بينهم، وكيف لنا أن نتّبعهم جميعاً وقد أخذ العداء والقتال مأخذاً عظيماً فيما بينهم؟ وهنا السّؤال المهمّ الّذي سيظهر وهو كيف لنا أن نميّز مَن هو صادق لنأخذ عنه ممّن هو كاذب لنتجنب الأخذ عنه؟ وهذا ما سيجعل الأهواء والآراء المختلفه تدخل أيضاً في دائرة الصّراع.

ص: 102

ص: 103

المبحث الثّاني: اختلافات الصّحابة

لقد اختلف الصّحابة كثيراً فيما بينهم في امور نقل الحديث، فإنّك لو قرأت كتب الحديث ستجد كثيراً من الأحاديث الّتي تتعارض وتتناقض مع بعضها البعض، وأودّ أن أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر بعض تلك الاختلافات والّتي كانت بين أولئك الّذين كان لهم الدّور الكبير في نقل الحديث، وإليك بعض هذه الاختلافات.

إنّ اثنين من أكثر الّذين نقلوا الحديث قد اعترض أحدهم على الآخر في الاسلوب الّذي نقل به الحديث، أي في الأساس الّذي تمّ نقل الحديث فيه، وهما امّ المؤمنين عائشة، وأبوهريرة، وكما بيّن لنا الحديث:

عن حَرْمَلَةِ بْنِ يَحْيَى التُّجِيبِيِّ، أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَني يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «ألا يُعْجِبُكَ أبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إلى جَنْبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْمِعُنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ اسَبِّحُ، فَقَامَ قَبْلَ أنْ أقْضِيَ

ص: 104

سُبْحَتِي وَلَوْ أدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ. إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ». (1) حيث إنّ اعتراض ام المؤمنين عائشة واضح في أمر سرد أبي هريرة إلى أحاديث رسول الله(ص) بقولها: «وَلَوْ أدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ» أي إنّ الاعتراض كان على سرد الحديث بشكل عام، ولم يكن الاعتراض على كلمة أو جزء بسيط من حديث معين، فالاعتراض كان شاملًا ولم يكن محدّداً.

وفي الحديث التّالي الأمر أكثر وضوحاً في أمر اعتراض ام المؤمنين عائشة على أبي هريرة.

عن هَارُونِ بْنِ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: «كَانَ أبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ: اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ، وَعَائِشَةُ تُصَلِّي فَلَمَّا قَضَتْ صَلاتَهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ ألا تَسْمَعُ إلى هَذَا وَمَقَالَتِهِ آنِفاً إنّما كَانَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأحْصَاهُ». (2) هنا وكأنّ ام المؤمنين عائشة تعترض على أبي هريرة، وأنّه يأتي بأحاديث من عنده وينسبها إلى الرّسول(ص)! وذلك بقولها: «ألا تَسْمَعُ إلى هَذَا وَمَقَالَتِهِ آنِفاً إنّما كَانَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا


1- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 7، ص 167
2- المصدر السابق، ج 8، ص 229.

ص: 105

لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأحْصَاهُ». أي: إنّ ما ينقله أبو هريرة هو ليس بصيغة كلام الرّسول(ص).

وفي الحديث التّالي نجد أنّ ام المؤمنين عائشة قد اختلفت مع عمر بن الخطّاب، وعبدالله بن عمر في نقل أحد الأحاديث؛ حيث نقرأ في الحديث التّالي عن الاحمد قال:

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ جَنَازَةَ أمِّ أبَانَ ابْنَةِ عُثمانَ بْنِ عَفَّانَ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثمانَ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُودُهُ قَائِدُهُ، قَالَ: فَأرَاهُ أخْبَرَهُ بِمَكَانِ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إلى جَنْبِي وَكُنْتُ بينهُمَا، فَإِذَا صَوْتٌ مِنْ الدَّارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أهلهِ عَلَيْهِ» فَأرْسَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ مُرْسَلَةً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنَّا مَعَ أمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ نَازِلٍ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ فَاعْلَمْ مَنْ ذَاكَ، فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا هُوَ صُهَيْبٌ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: إِنَّكَ أمَرْتَنِي أنْ أعْلَمَ لَكَ مَنْ ذَاكَ وَإِنَّهُ صُهَيْبٌ، فَقَالَ: مُرُوهُ فَلْيَلْحَقْ بِنَا، فَقُلْتُ: إِنَّ مَعَهُ أهلهُ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أهلهُ وَرُبَّمَا قَالَ أيُّوبُ: مَرَّةً فَلْيَلْحَقْ بِنَا، فَلَمَّا بَلَغْنَا الْمَدِينَةَ لَمْ يَلْبَثْ أمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أنْ أصِيبَ فَجَاءَ صُهَيْبٌ، فَقَالَ: وَا أخَاهُ وَا صَاحِبَاهُ فَقَالَ عُمَرُ ألَمْ تَعْلَمْ أولمْ تَسْمَعْ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أهلهِ عَلَيْهِ»، فَأمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَأرْسَلَهَا مُرْسَلَةً، وَأمَّا عُمَرُ، فَقَالَ:

ص: 106

بِبَعْضِ بُكَاءِ.

فَأتَيْتُ عَائِشَةَ فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ عُمَرَ، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أحَدٍ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ الْكَافِرَ لَيَزِيدُهُ اللَّهُ عزّ وجلّ بِبُكَاءِ أهلهِ عَذَاباً، وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ أضْحَكَ وَأبْكَى، وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اخرى.

قَالَ أيُّوبُ، وَقَالَ ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ، قَالَتْ: إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونِي عَنْ غَيْرِ كَاذِبين وَلا مُكَذِّبين، وَلَكِنَّ السّمع يُخْطِئُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنْبَأنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي مُلَيْكَةَ فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ أيُّوبَ إلّا أنَّهُ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِعَمْرِو بْنِ عُثمانَ وَهُوَ مُوَاجِهُهُ: ألا تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أهلهِ عَلَيْهِ» حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنْبَأنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: تُوُفِّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثمانَ بْنِ عَفَّانَ بِمَكَّةَ فَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَإِنِّي لَجَالِسٌ بينهُمَا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِعَمْرِو بْنِ عُثمانَ وَهُوَ مُوَاجِهُهُ: ألا تَنْهَى عَنِ الْبُكَاء، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أهلهِ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ. (1) يبيّن لنا الحديث أنّ عبدالله بن عمر، يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أهلهِ عَلَيْهِ» وأنّ


1- احمد بن حنبل، مسند أحمد، ج 1، ص 41.

ص: 107

عمر بن الخطّاب كان يقول أيضاً نفس الشّي ء: «عُمَرُ ألَمْ تَعْلَمْ أولمْ تَسْمَعْ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أهلهِ عَلَيْهِ» ولكن بيّن لنا الحديث بأنّ ام المؤمنين عائشة لها رأي آخر، حيث قالت: «فَأتَيْتُ عَائِشَةَ فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ عُمَرَ، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أحَدٍ» فقد أقسمت على أنّ ما قاله عمر هو ليس بالشّي ء الصّحيح وذكرت ما اعتبرته على أنّه هو الحديث الصّحيح، حيث قالت: «وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ الْكَافِرَ لَيَزِيدُهُ اللَّهُ عزّ وجلّ بِبُكَاءِ أهلهِ عَذَاباً» ومن هنا يتبيّن لنا الاختلاف والتّناقض بينهم بشكل واضح، فعلى أي أساس سيتمّ لنا بناء ذلك المبدأ العقائدي.

ونقرأ في الحديث التّالي أنّ عمر بن الخطّاب، يقول: إنّ الرّسول(ص) قد قال أن لا صلاة بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشّمس.

وعن أبي الْمُغِيرَة، حَدَّثَنَا الأوزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ إلى طُلُوعِ الشّمس وَلا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشّمس». (1) حيث إنّه يفترض من الحديث أنّ الرّسول(ص) قد نهى عن أي


1- المصدر السابق، ص 19.

ص: 108

صلاة بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشّمس، كما تبيّن «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ إلى طُلُوعِ الشّمس وَلا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشّمس»، ولكن عندما نقرأ الحديث التّالي فسوف نجد أنّ ام المؤمنين عائشة تختلف تماماً مرّة اخرى مع عمر بن الخطّاب، كما يوضّح لنا الحديث:

عن مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبِي إِسْحَاقَ قَالَ رَأيْتُ الأسْوَدَ وَمَسْرُوقًا شَهِدَا عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إلّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.

فقد ذكرت ام المؤمنين عائشة عكس ما قاله عمر بقولها: «مَا كَانَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إلّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» فكما هو واضح فإنّ ذلك كان اختلافاً وتناقضاً فكيف أنّ الرّسول(ص) ينهى مرّة عن الصّلاة بعد العصر إلى غروب الشّمس، ومرّة اخرى يصلّي هو في ذلك الوقت، وفي حديث آخر تذكر لنا ام المؤمنين عائشة على أنّ الرّسول(ص) كان لن يدع تلك الصّلاة، أي الصّلاة بعد العصر، كما يبيّن لنا الحديث التّالي:

عن مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ الأسْوَدِ عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُمَا سِرّاً وَلا عَلانِيَةً، رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ».

كما يتبيّن لنا فإنّ ام المؤمنين عائشة كانت تقول: إنّ الرّسول(ص)

ص: 109

كان مستمرّاً على تلك الصّلاة في السّر والجهر، كما بيّن الحديث: «رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُمَا سِرّاً وَلَا عَلانِيَةً، رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ». فبعد كلّ ما تقدّم يظهر لنا السّؤال التّالي هل أنّ الصّلاة بعد صلاة العصر إلى غروب الشّمس هي سنّة مؤكّدة كما بيّنت لنا ام المؤمنين عائشة أم أنّ الرّسول(ص) قد نهى عنها بشكل مطلق، كما ذكر لنا عمر بن الخطّاب.

وقد ذكرت لنا كتب الحديث عن تغيير بعض الصّحابة إلى سنن رسول الله(ص)، كما هو في حال عثمان بن عفّان فقد غيّر كثيراً من سنن رسول الله(ص) ونذكر على سبيل المثال منها، كما يبيّن لنا الحديث التّالي:

عن وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ:

«كُنَّا نَسِيرُ مَعَ عُثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِذَا رَجُلٌ يلبّي بِهِمَا جَمِيعًا، فَقَالَ عُثمانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ هَذَا؟، فَقَالُوا: عَلِيٌّ، فَقَالَ: ألَمْ تَعْلَمْ أنِّي قَدْ نَهَيْتُ عَنْ هَذَا، قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَمْ أكُنْ لأدَعَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِكَ». (1) فكما هو واضح من الحديث فإنّ الإمام عليّاً(ع) كان يلبّي فيعترض عليه عثمان بقوله: «ألَمْ تَعْلَمْ أنِّي قَدْ نَهَيْتُ عَنْ هَذَا» فيجيب الإمام علي(ع) «بَلَى» أي إنّ الإمام عليّاً(ع) كان


1- المصدر السابق، ص 95.

ص: 110

يعلم بنهي عثمان، ولكن كان يصرّ على فعل ذلك كون أنّها سنّة رسول الله(ص)، كما بيّن لنا الحديث: «وَلَكِنْ لَمْ أكُنْ لأدَعَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِكَ» أي أنّ ما قصد به الإمام علي(ع) على أنّ تلك كانت هي سنّة رسول الله(ص) وقد قام عثمان بتغييرها، فلهذا بقي الإمام علي(ع) سائراً على نهجها ولم ينحرف عنها.

وفي الحديث التّالي يختلف عمر بن الخطّاب مع جميع المسلمين، حيث يقول بنقصان القرآن، كما يذكر لنا الحديث:

عن هُشَيْمٍ أنْبَأنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَالَ هُشَيْمٌ: مَرَّةً خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللهَ تعالى وَأثْنَى عَلَيْهِ فَذَكَرَ الرّجم، فَقَالَ لا تُخْدَعُنَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تعالى ألا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ وَلَوْلا أنْ يَقُولَ قَائِلُونَ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ لَكَتَبْتُهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْمُصْحَفِ شَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَالَ هُشَيْمٌ: مَرَّةً وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ وَفُلانٌ وَفُلانٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا مِنْ بَعْدِهِ. ألا وَإِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِكُمْ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالرّجم وَبِالدَّجَّالِ وَبِالشَّفَاعَةِ وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَبِقَوْمٍ يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَ مَا امْتَحَشُوا. (1)


1- المصدر السابق، ص 23.

ص: 111

وهنا يبيّن لنا الحديث أنّ عمر بن الخطّاب يصرّ على أنّ آية الرّجم قد حذفت من القرآن: «وَلَوْلا أنْ يَقُولَ قَائِلُونَ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ لَكَتَبْتُهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْمُصْحَفِ» حيث يبدو من ذلك أنّه قد اختلف مع جميع المسلمين وللتّأكيد على ذلك نقرأ الحديث التّالي:

حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النّاس فَسَمِعَهُ، يَقُولُ: «ألا وَإِنَّ انَاساً يَقُولُونَ مَا بَالُ الرّجم فِي كِتَابِ اللَّهِ الْجَلْدُ وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ وَلَوْلا أنْ يَقُولَ قَائِلُونَ أو يَتَكَلَّمَ مُتَكَلِّمُونَ أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَادَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ لأثْبَتُّهَا كَمَا نُزِّلَتْ». (1) حيث يقول في الحديث: «وَلَوْلا أنْ يَقُولَ قَائِلُونَ أو يَتَكَلَّمَ مُتَكَلِّمُونَ» أي: إنّه يخاف أن يعترض عليه المسلمون في إضافة تلك الآية إلى القرآن، والّتي يعتقد على أنّها جزء من القرآن وقد حذفت، كما بيّن لنا الحديث: «أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَادَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ» أي: إنّه يؤمن بأنّ هناك نقصاً في كتاب الله، وكما هو واضح فإنّه قد اختلف بذلك مع جميع المسلمين، حيث إنّه يصرّ على ذلك بقوله: «لأثْبَتُّهَا كَمَا نُزِّلَتْ» أي إنّه يريد بذلك على أنّه يعلم


1- المصدر السابق، ص 29.

ص: 112

نصّ تلك الآية، وكما هو معروف فإنّ عمر بن الخطّاب كان أحد المصادر المهمّة بالنسبة إلى نقل حديث رسول الله(ص) في الكتب الّتي يعتمدها أتباع مذهب أهل السنّة. ويبيّن لنا الحديث التّالي بأنّ عمر بن الخطّاب قد أقرّ على أنّ رأيه هو إنّما رأي عامّة النّاس، فقد يكون صواباً، أو يكون خطأً.

قال أبوداود حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاودَ الْمَهْرِيُّ، أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «يَا أيُّهَا النّاس إِنَّ الرّأي إنّما كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصِيباً؛ لأنَّ اللهَ كَانَ يُرِيهِ وَإنّما هُوَ مِنَّا الظَّنُّ وَالتَّكَلُّفُ» (1).

فهذا القول يصف لنا الفرق بين المعصوم وغير المعصوم، ومن هنا فإنّ أتباع مذهب أهل البيت يؤمنون بأنّ الله عزّ وجلّ عادل ولا يمكن أن يترك لهم أمر دينهم مع من هو قد يكون على الصّواب، أو الخطأ، بل ترك لهم أمر دينهم مع الّذين عصمهم من الخطأ من أهل البيت، لكي يهدوهم إلى الصّراط المستقيم.

أقف عند هذا الحدّ في مناقشة ما تعتمد عليه هذه المدرسة، حيث إنّ التّناقض قد ظهر في المبدأ الأساسي الّذي قام عليه البناء الفكري والعقائدي لهذه المدرسة.


1- سليمان بن أشعث السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، ج 2، ص 161.

ص: 113

الفصل الثالث: اختلافات و حجج

اشارة

ص: 114

هناك اختلافات ظاهريّة بين المدرستين العقائديتين يكثر الحديث عنها وتكثر النّقاشات فيها، وجدت أن نمرّ عليها بشكل سريع لنجد ما هي الحجج الّتي تدعم آراء أصحابها، فقد وجدت أنّها قد تكون مادّة للحوار هنا، وكما سبق في البحث فإنّي سأكتفي بتلك الأحاديث الّتي تعتبر حجّة في موضع الحوار، وبالطّبع هذا لايعني أن ليس هناك أحاديث اخرى يعتبرها كثير من المسلمين على أنّها أحاديث صحيحة تدعم تلك الحجج الّتي نريد أن نبيّنها هنا، ولكن قد لا تكون حجّة هنا، كون أنّ بعض أطراف الحوار لايأخذون بتلك الأحاديث، ولهذا سنكتفي بالرّجوع إلى تلك الكتب الّتي يعتبرها أهل السنّة على أنّها المرجع للوصول إلى السنّة النّبويّة وفي نفس الوقت الأخذ فقط بتلك الأحاديث الّتي يعتبرها علماء أهل السنّة على أنّها أحاديث صحيحة.

ص: 115

المبحث الأوّل: عصمة الرّسول (ص)

لقد اختلف أتباع مذهب أهل السنّة مع الشّيعة أتباع مذهب أهل البيت في مسألة عصمة الرّسول(ص)، حيث قال أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) بعصمة الرّسول(ص) المطلقة، وهو منزه عن أي خطأ، بَيْنَما يعتبر أتباع مذهب أهل السنّة بأن الرّسول(ص) معصوم في مسألة التّبليغ عن الوحي، ولكنّه قد يخطأ في الامور الاخرى، فهو بشر كسائر البشر، ويذكرون بذلك قصص عن أخطاء له(ص) حيث لايتفق معهم الشّيعة في صحّة تلك الرّوايات، وقد اختلف الشّيعة معهم أيضاً في تفسير بعض آيات القرآن الّتي تخصّ عصمة الرّسول(ص) ولكي نقف عند من هو الطّرف الصّحيح بذلك سوف نمرّ على بعض الأحاديث الّتي يعتبرها أتباع مذهب أهل السنّة على أنّها أحاديث صحيحة. نقرأ في الحديث التّالي:

عن أبي داود قال حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الأخْنَسِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

ص: 116

أبِي مُغِيثٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ أكْتُبُ كلّ شَيْ ءٍ أسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: أتَكْتُبُ كُلَّ شَيْ ءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأومَأ بِأصْبُعِهِ إلى فِيهِ، فَقَالَ: «اكْتُبْ فَوَالّذي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلّا حَقٌّ» (1).

نقرأ في الحديث أنّ عبد الله بن عمرو كان يكتب كلّ شي ء يسمعه من الرّسول(ص) كما مرّ بالحديث: «كُنْتُ أكْتُبُ كلّ شَيْ ءٍ أسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارِيدُ حِفْظَهُ» وقد توقف عن ذلك بعدما نهته قريش عن الكتابة وأخبرته بأنّ الرّسول(ص) بشر يتكلّم في الرّضاء والغضب: «فَنَهَتْني قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: أتَكْتُبُ كلّ شَيْ ءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا» أي إنّه(ص) قد يخطأ أو يصيب، وبذلك فإنّ قريش قد قالوا بتلك الفرضيّة وهي احتماليّة أن يكون الرّسول(ص) على خطأ في بعض أقواله، ولكن كان جواب الرّسول(ص) بنقض تلك الفرضيّة بعد أن أخبره ابن عمرو بذلك، حيث قال: «فَأمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأومَأ بِأصْبُعِهِ إلى فِيهِ، فَقَالَ: اكْتُبْ فَوَالّذي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ الّا حَقٌّ» حيث إنّ الرّسول(ص) يقسم بالله ما يخرج من فمه الطّاهر إلّا حقّ، أي ليس هناك أي


1- المصدر السابق، ص 176.

ص: 117

احتماليّة بأنّه(ص) سيقول خطأ ويشدّد على ابن عمرو في أن يكتب عنه كلّ مايسمعه، وهذا مايثبت بالدّليل القاطع على عصمة الرّسول(ص) في كلّ شي ء وحتّى يتبيّن لنا الأمر بشكل متكامل وواضح نستمرّ في سرد الأحاديث ونقرأ الحديث التّالي عن الاحمد قال:

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيِدَ، قَالا أخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أكْتُبُ مَا أسْمَعُ مِنْكَ، قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ فِي الرِّضَا وَالسُّخْطِ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِي أنْ أقُولَ فِي ذَلِكَ إلّا حَقّاً، قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ فِي حَدِيثِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أسْمَعُ مِنْكَ أشْيَاءَ فَأكْتُبُهَا، قَالَ: نَعَمْ». (1) هنا وفي نفس السّياق، ولكن في مناسبة اخرى نرى أنّ الرّسول(ص) يؤكّدعلى نفس الحقيقة السّابقة ألا وهي عصمته(ص) وبنفس التّشديد، كما بيّن لنا الحديث: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أكْتُبُ مَا أسْمَعُ مِنْكَ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فِي الرِّضَا وَالسُّخْطِ، قَالَ: نَعَمْ فَإِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِي أنْ أقُولَ فِي ذَلِكَ إلّا حَقّاً» أي إنّه(ص) لايمكن أن يخرج عن دائرة العصمة وأنّه ليس هناك أدنى إمكانية في أنّه سيقول أي شي ء خارج دائرة الصّواب، وكما شهد أبو بكر في الحديث التّالي:


1- احمد بن حنبل، مسند أحمد، ج 2، ص 207.

ص: 118

حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى يَعْنِي ابْنَ الْمُسَيَّبِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أبِي حَازِمٍ، قَالَ: إِنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاةِ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرٍ فَذَكَرَ قِصَّةً فَنُودِيَ فِي النّاس أنَّ الصّلاة جَامِعَةٌ وَهِيَ أوّل صَلاةٍ فِي المسلمينَ نُودِيَ بِهَا أنَّ الصّلاة جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعَ النّاس فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ شَيْئاً صُنِعَ لَهُ كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهِ وَهِيَ أوّل خُطْبَةٍ خَطَبَهَا فِي الإِسْلامِ، قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثمّ قَالَ: «يَا أيُّهَا النّاس وَلَوَدِدْتُ أنَّ هَذَا كَفَانِيهِ غَيْرِي وَلَئِنْ أخَذْ تُمُونِي بِسنّة نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أطِيقُهَا إِنْ كَانَ لَمَعْصُوماً مِنَ الشَّيْطَانِ وَإِنْ كَانَ لَيَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ». (1) هنا يضع أبو بكر مقارنة ما بين الرّسول(ص) كإنسان معصوم وبينه هو كإنسان كسائر البشر، كما بيّن لنا الحديث: «وَلَئِنْ أخَذْتُمُونِي بِسنّة نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أطِيقُهَا إِنْ كَانَ لَمَعْصُوماً مِنَ الشَّيْطَانِ» حيث إنّه قد شهد بذلك على أنّ الرّسول(ص) إنسانٌ معصومٌ من الخطأ.

ونقرأ في الحديث التّالي كيف أنّ الرّسول(ص) يأمر النّاس باتّباعه في كلّ شي ء:

حَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي صَالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:


1- المصدر السابق، ج 1، ص 14.

ص: 119

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أمَرْتُكُمْ بِهِ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا». (1) حيث يبيّن لنا الحديث بأنّه(ص) يفرض على النّاس بأن يأخذوا أوامره، وأن ينتهوا عن نواهيه، فكيف يأمر(ص) بذلك إذا كان هناك أي افتراض بأنّه قد يكون على خطأ في أي مسألة، وهذا ما يثبت أيضاً عصمته(ص).

وفي الحديث التّالي يبيّن لنا الرّسول(ص) أنّ طاعته هي من طاعة الله عزّ وجلّ:

حَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أبُو معاوية وَوَكِيعٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي صَالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أطَاعَنِي فَقَدْ أطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ». (2) هنا يبيّن لنا الرّسول(ص) أنّ طاعته إنّما هي طاعة الله عزّ وجلّ، كما بيّن لنا الحديث، فلو كان هناك أي افتراض في أنّ الرّسول(ص) قد يكون على خطأ(استغفر الله) وبهذا وبعد طاعتنا له(ص) سنكون نحن على خطأ، أي إنّ تلك الطّاعة، والّتي قادتنا إلى ذلك الخطأ إنّما هي طاعة الله عزّ وجلّ، وهذا افتراض خاطئ من كلّ جوانبه ولايمكن أن يكون الرّسول(ص) إلّا معصوماً.


1- محمد بن يزيد القزويني(ابن ماجه)، سنن ابن ماجة، ج 1، ص 3.
2- المصدر السابق، ص 4.

ص: 120

واريد أن أبيّن هنا كيف كانت ردود فعل الرّسول(ص) على من يشكك في عصمته(ص)، ونقرأ في الحديث التّالي:

حَدَّثَنَا عُثمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انَاساً فِي الْقِسْمَةِ فَأعْطَى الأقْرَعَ ابْنَ حَابِسٍ مائَةً مِنَ الإبِلِ، وَأعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأعْطَى انَاساً مِنْ أشْرَافِ الْعَرب فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ، قَالَ رَجُلٌ، وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا ارِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأخْبِرَنَّ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأتَيْتُهُ فَأخْبَرْتُهُ.

فَقَالَ: «فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أوذِيَ بِأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» (1).

لقد بيّن لنا الحديث بأنّ رجلًا قد شكك في عصمة الرّسول(ص)، حيث قال: «وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا ارِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ» أي إنّ ذلك الرّجل اعتبر فعل الرّسول(ص) خارج دائرة الصّواب فنجد جواب الرّسول(ص) بعد أن أخبر بذلك، فَقَالَ: «فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، حيث جعل عدالته(ص) من عدالة الله عزّ وجلّ أي ضمن حدود الكمال، وهذا مايؤكّد عصمته، وقد أنكر قول ذلك الرّجل واعتبره من دواعي الكفر بقوله: «رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ اوذِيَ بِأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ».


1- محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج 4، ص 60.

ص: 121

وفي الحديث التّالي تفاصيل أكثر عن كيفية تشكيك بعض من كان مع الرّسول في عصمته(ص) وكيفية إنكاره(ص) على ذلك وإعلانه عن عصمته كما بيّن الحديث عن البخاري قال:

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ أبِي نُعْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، قَالَ: فَقَسَمَهَا بين أَرْبَعَةِ نَفَرٍ بين عُيَيْنَةَ ابْنِ بَدْرٍ وَأقْرَعَ بْنِ حابِسٍ وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرّابع إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاءِ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ألا تَأمَنُونِي وَأنَا أمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحاً وَمَسَاءً، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاشِزُ الْجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأسِ مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ، قَالَ: وَيْلَكَ أولسْتُ أحَقَّ أهل الأرض أنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ، قَالَ: ثمّ وَلَّى الرّجل، قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أَضْرب عُنُقَهُ، قَالَ: لا لَعَلَّهُ أنْ يَكُونَ يُصَلِّي، فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَمْ اومَرْ أنْ أنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النّاس وَلا أشُقَّ بُطُونَهُمْ، قَالَ: ثمّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ، فَقَالَ: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا الرَّجُل قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْباً لا يُجَاوزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدّين، كَمَا

ص: 122

يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ وَأظُنُّهُ، قَالَ: «لَئِنْ أدْرَكْتُهُمْ لأقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثمودَ» (1).

لقد كان التّأكيد الأوّل من الرّسول(ص) على عصمته بقوله: «ألا تَأمَنُونِي وَأنَا أمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحاً وَمَسَاءً» أي: إنّ الله عزّ وجلّ قد جعل أمانة خلقه عند الرّسول(ص) فهل يدع الله عزّ وجلّ مثل هذه الأمانة عند من لايكون إلّا معصوماً، وقد أشار الرّسول(ص) إلى عصمته مرّة اخرى، كما مرّ في الحديث، قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ، قَالَ: وَيْلَكَ أولسْتُ أحَقَّ أهل الأرض أنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ»، أي: إنّه(ص) لايكن له إلّا أن يكون متقيّاً لله وهذا لايتحقّق إلّا بالعصمة. ونلاحظ ممّا تقدّم أنّ ذلك التّشكيك في عصمة الرّسول(ص) كان يؤجج غضباً شديداً في نفس رسول الله(ص).


1- المصدر السابق، ج 5، ص 110.

ص: 123

المبحث الثّاني: مقتل الإمام الحسين (ع) في كربلاء

إنّ ما حصل في واقعة الطّف في أرض كربلاء هو حدث عظيم في تاريخ الامّة الإسلاميّة كما يتفق عليه جميع المسلمين، ولكن قد يختلف البعض في كيفية التعاطي مع ذلك الحدث، فمنهم كما هو الحال في أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) يعتبر أنّ ماحدث في كربلاء هو حلقة مكملة من حلقات العقيدة الإسلاميّة ويجب إحياء ذكراها في كلّ عام باعتبار أنّ ذلك الإحياء هو مواساة إلى الرّسول(ص)، ويجب دراسة تفاصيلها؛ لأنّها جزء مهمٌّ من العقيدة الإسلاميّة. أمّا البعض الآخر، فإنّهم يتعاطون معها على أنّها حدث تاريخي كسائر الأحداث التّاريخيّة ولايرون في أنّ هناك ضرورة إلى إحياء ذكراها.

ولنقف عند حجّة أتباع مذهب أهل البيت، وكما ذكرنا فإنّنا سنذكر فقط تلك الأحاديث الّتي تعتبر حجّة هنا، والّتي يعتبرها أتباع مذهب أهل السنّة على أنّها أحاديث صحيحة، وأنّنا في هذا البحث

ص: 124

لانمرّ على تلك الأحاديث الّتي يعتبرها أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) على أنّها أحاديث صحيحة، والّتي تحفل بها كتبهم عن واقعة كربلاء؛ وذلك كون أنّها لاتعتبر حجّة هنا في هذا الموضع، حيث إنّ بعض أطراف الحوار لايأخذ بها.

ولنبدأ بتلك الأحاديث الّتي أخبرنا بها الرّسول(ص) عن تلك الواقعة. عن الاحمد قال:

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ، أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أو امِّ سَلَمَةَ، قَالَ وَكِيعٌ: شَكَّ هُوَ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ أنَّ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِإِحْدَاهُمَا: لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا فَقَالَ لِي: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنٌ مَقْتُولٌ وَإِنْ شِئْتَ أرَيْتُكَ مِنْ تُرْبَةِ الأرض الّتي يُقْتَلُ بِهَا، قَالَ: فَأخرجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ. (1)

يبيّن لنا الحديث بأنّ الله عزّ وجلّ يرسل ملكاً لم يدخل من قبل على الرّسول(ص)، كما يذكر الحديث: «لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا»، وهذا يعني مالأهمّية تلك الرّسالة الّتي بعث الله بها ذلك الملك، ويذكر لنا الحديث تلك الرّسالة: «فَقَالَ لِي: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنٌ مَقْتُولٌ» من هنا نفهم أنّ مقتل الحسين هو ليس كأي مقتل، فإنّ الله عزّ وجلّ يبعث ملكاً إلى الرّسول(ص) ليخبره بذلك الحدث، ونحن نعلم أنّ الكثير من المسلمين من استشهد في ذلك الوقت،


1- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 6، ص 294.

ص: 125

ولكن الله عزّ وجلّ يختصّ ذلك القتل بتلك المكانة، ثمّ يذكر لنا الحديث بأنّ ذلك الملك يؤكّدعلى شي ء آخر ألا وهو: «وَإِنْ شِئْتَ أرَيْتُكَ مِنْ تُرْبَةِ الأرض الّتي يُقْتَلُ بِهَا قَالَ: فَأخرجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ» وهنا الإشارة جاءت إلى التّربة الّتي ستسيل عليها دماء الإمام الحسين(ع) وما لها من الشأن، حيث إنّ الملك يأتي بها إلى الرّسول(ص)، وبالطّبع فإنّ تلك التّربة قد أخذت مكانتها من مكانة تلك الدّماء الزّكية الّتي سالت عليها والهدف الّذي سالت من أجله.

ونرى في الحديث التّالي تفاصيل أكثر نودّ أن نقف عندها:

عن مُؤَمَّلٍ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ: إنَّ مَلَكَ الْمَطَرِ اسْتَأذَنَ رَبَّهُ أنْ يَأتِيَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأذِنَ لَهُ، فَقَالَ لِامِّ سَلَمَةَ: امْلِكِي عَلَيْنَا الْبَابَ لا يَدْخُلْ عَلَيْنَا أحَدٌ، قَالَ: وَجَاءَ الْحُسَيْنُ لِيَدْخُلَ فَمَنَعَتْهُ، فَوَثَبَ فَدَخَلَ فَجَعَلَ يَقْعُدُ عَلَى ظَهَرِ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مَنْكِبِهِ وَعَلَى عَاتِقِهِ، قَالَ: فَقَالَ الْمَلَكُ للنّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتُحِبُّهُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أمَا إِنَّ امَّتَكَ سَتَقْتُلُهُ وَإِنْ شِئْتَ أرَيْتُكَ الْمَكَانَ الّذي يُقْتَلُ فِيهِ فَضَربَ بِيَدِهِ، فَجَاءَ بِطِينَةٍ حَمْرَاءَ فَأخَذَتْهَا امُّ سَلَمَةَ فَصَرَّتْهَا فِي خِمَارِهَا، قَالَ: قَالَ ثَابِتٌ: بَلَغَنَا أنَّهَا كَرْبَلاءُ (1).

هنا ساق الحديث قصّة مشابهة لما سبق، ولكن يبيّن لنا هذه المرّة اموراً أكثر تفصيليّة، فكما يذكر لنا الحديث: «قَالَ: أمَا إِنَّ امَّتَكَ


1- المصدر السابق، ج 3، ص 242.

ص: 126

سَتَقْتُلُهُ» وهنا يذكر الملك بأنّ امة النبيّ(ص)- يقصد المسلمين- سيقومون بتلك الجريمة العظمى، ألا وهي قتل الإمام الحسين 7، ثمّ يذكر لنا الحديث تربة الإمام الحسين 7: «وَإِنْ شِئْتَ أرَيْتُكَ الْمَكَانَ الّذي يُقْتَلُ فِيهِ فَضَرب بِيَدِهِ فَجَاءَ بِطِينَةٍ حَمْرَاءَ» وهذا إنّما يدلّ على أهمّية تلك التّربة ومكانتها حيث إنّ ام المؤمنين امّ سلمة قد احتفظت بها: «فَأخَذَتْهَا امُّ سَلَمَةَ فَصَرَّتْهَا فِي خِمَارِهَا» وقد ارتضى لها الرّسول(ص) ذلك العمل؛ ممّا يجعلنا نعتقد أنّ تلك التّربة لها أهمّية خاصّة عند الرّسول(ص)، ثمّ يذكر لنا الحديث المكان بالتّحديد، قَالَ ثَابِتٌ: «بَلَغَنَا أنَّهَا كَرْبَلاء».

ونفهم من كلا الحديثين على أنّ كلًّا من مقتل الإمام الحسين والمكان الّذي قتل فيه وتربته إنّما لهما من المكانة الّتي رفعها الله عزّ وجلّ وأعطاها من الأهمّية بشكل خاصّ، حيث إنّه يبعث ملكاً ليخبر به الرّسول(ص).

وفي الحديث التّالي سنقف عند بعض الإشارات المهمّة والّتي يعتبرها أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) جزءاً من عقيدتهم.

حدثنا عبدالله حدثني أبي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُدْرِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ، عَنْ أبِيهِ أنَّهُ سَارَ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ صَاحِبَ مِطْهَرَتِهِ فَلَمَّا حَاذَى نِينَوَى وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إلَى صِفِّينَ فَنَادَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اصْبِرْ أَبَاعَبْدِ اللَّهِ اصْبِرْ أبَا عَبْدِ اللَّهِ بِشَطِّ الْفُرَاتِ، قُلْتُ: وَمَاذَا؟ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ

ص: 127

يَوْمٍ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أغْضَبَكَ أحد مَا شَأنُ عَيْنَيْكَ تَفِيضَانِ؟ قَالَ: بَلْ قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِئيلُ قَبْلُ فَحَدَّثَنِي أنَّ الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ، قَالَ: فَقَالَ: هَلْ لَكَ إلى أنْ اشِمَّكَ مِنْ تُرْبَتِهِ، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ فَمَدَّ يَدَهُ فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأعْطَانِيهَا فَلَمْ أمْلِكْ عَيْنَيَّ أنْ فَاضَتَا. (1) يذكر لنا الحديث في البداية على أنّ ما سيقع في أرض كربلاء هو مهمّة عظيمة قد أوكلها الله عزّ وجلّ إلى الإمام الحسين 7، حيث يذكر لنا الحديث: «فَنَادَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اصْبِرْ أبَا عَبْدِ اللَّهِ اصْبِرْ أبَا عَبْدِ اللَّهِ بِشَطِّ الْفُرَاتِ» وبذلك يعلن الإمام علي 7 أنّ حدثاً عظيماً وأمراً مهمّاً سيقع هناك ويحثّ الإمام الحسين 7 على الصّبر ليؤدّي تلك المهمّة الكبيرة حيث إنّه يكرّر «اصْبِرْ أبَا عَبْدِ اللَّهِ» مرّتين، وهذا يعني ما لتلك المهمّة من عظمة وما يحتاج الإمام الحسين 7 من صبر لكي يؤدّيها وينفذ أمر الله فيها، ثمّ بعد ذلك يروي الإمام علي 7 القصّة، حيث يقول: «دَخَلْتُ عَلَى النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ» هنا يجب أن نقف ونتأمّل هذا المشهد فقد كان الرّسول(ص) حزيناً وعيناه تفيض بالدّموع وعندما نسير بالحديث سنعرف على ماذا كان حزن الرّسول(ص) وبكاؤه، وهنا يسأل الإمام علي 7 الرّسول(ص): «يَا نَبِيَّ اللهِ أغْضَبَكَ أحد مَا شَأنُ عَيْنَيْكَ تَفِيضَانِ» فيجيب الرّسول(ص): «بَلْ قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِئيلُ قَبْلُ فَحَدَّثَنِي أنَّ الْحُسَيْنَ


1- المصدر السابق، ج 1، ص 85.

ص: 128

يُقْتَلُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ». وهنا يأتي الجواب على ذلك السّؤال لماذا كان الرّسول، حزيناً وعلى ماذا كان يبكي؟

والجواب على هذا السّؤال هو كان بكاء الرّسول وحزنه على مقتل الإمام الحسين، وهذا يعني بأنّ الحزن والبكاء على الإمام الحسين(ع) إنّما هو سنّة رسول الله(ص)، كما يعتبرها أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ولهذا يقومون بإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين(ع) كلّ عام، وإذا نظرت هذه المرّة فإنّك ستجد أنّ جبرئيل(ع) هو الّذي قام بإخبار الرّسول(ص)، بتلك الواقعة، وهذا مايدلّ على عظمتها ومكانتها، ثمّ يقول الرّسول(ص): «قَالَ: فَقَالَ: هَلْ لَكَ إلى أَنْ أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبَتِهِ» وهنا تأكيد آخر على مكانة تلك التّربة الطّاهرة الّتي سالت عليها دماء الإمام الحسين وأصحابه، وما لذلك المكان من قدسيه ويجيب الإمام علي(ع): «قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ فَمَدَّ يَدَهُ فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأَعْطَانِيهَا» هنا يتبيّن مكانة تلك الدّماء الزّكية وأهمّية تلك الواقعة، حيث إنّ التّربة الّتي سالت عليها تلك الدّماء حملها كلّ من جبرئيل(ع) والرّسول، والإمام علي(ع)، ثمّ يخبرنا الحديث: «فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ أَنْ فَاضَتَا» وهنا يتبيّن لنا أنّ أوّل من سار على تلك السنّة المطهرة- الا وهي سنّة البكاء على الإمام الحسين- هو الإمام علي.

من تلك الأحاديث نستنتج أنّ الإمام الحسين(ع) إنّما كان يؤدّي مهمّة قد أوكلها الله عزّ وجلّ له، وحتّى نعرف ما تلك المهمّة يجب أن نمرّ ولو بشكل سريع على تلك الظّروف الّتي أحاطت بتلك

ص: 129

الواقعة حتّى يتبيّن لنا ما هي الأسباب الّتي أدّت إليها وكيف تمّت وما هي النتائج الّتي تمخضت عنها؟ ولنعرف ما هو سبب اعتبار الشّيعة أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) على أنّ ذلك الحدث العظيم مكملًا إلى العقيدة الإسلاميّة؟

لقد وصلت الأوضاع بالامّة الإسلاميّة إلى أسوأ حال وصلت إليه في ذلك الوقت الّذي تولّى به يزيد الخلافة الامويّة عبر توريثها له من قبل أبيه معاوية، والّتي كانت سابقة كبيرة في تاريخ الامّة الإسلاميّة قد ابتدعها معاوية لم يسبق لها مثيل، وقد أنذرت بتحوّل خطير استهدف العقيدة الإسلاميّة في الصميم، وبدأت في ذلك الوقت تظهر آثار الفساد وتستشري معالم الانحراف في العقيدة الإسلاميّة كشرب يزيد الخمر وتركه للصّلاة.

بدأت ترتفع أصوات الحقّ بين المؤمنين من رجال الامّة، وكان على رأسهم صوت الإمام الحسين(ع) ليوقفوا ذلك التّدهور، كما نعلم أنّ أنصار أهل البيت وشيعتهم كانوا يسكنون العراق في ذلك الوقت وقد بعثوا إلى الإمام الحسين(ع) آلاف الرّسائل تطلب منه أن يأتي إلى العراق حتّى يعطوه البيعة ويناصروه على الوقوف بوجه يزيد وإيقاف ذلك التّدهور الخطير الّذي حصل بالامّة، وفي هذه الأثناء بدأ يزيد باستعمال جميع الأساليب بالضغط على الإمام لاستنزاع البيعة منه، ولكن الإمام رفض وبشكل قاطع إعطاء البيعة؛ لأنّ ذلك كان سيشكل بالتّأكيد خطراً حقيقياً على صلب العقيدة

ص: 130

الإسلاميّة، حيث إنّ إعطاء البيعة من الإمام إلى يزيد يعني أنّ خلافة يزيد أصبحت شرعيّة، وهذا أخطر ما في الأمر فكلّ ما غَيّر يزيد من مفاهيم إسلامية وما سَيُغير كانت ستكون شرعيّة، لهذا قرّر الإمام الذّهاب إلى العراق ليلبّي ذلك النّداء ويقيم الحجّة على أهل العراق بشكل خاصّ والمسلمين بشكل عامّ، ولهذا السّبب لم تثنِ الإمام كلّ اعتراضات المقرّبين منه، وعند سفره وفي طريقه إلى العراق سمع بمقتل ابن عمّه وسفيره مسلم بن عقيل وما حدث له من مأساة، وبالرّغم من ذلك واصل المسير إلى العراق لإكمال المهمّة وإثبات الحجّة على النّاس حتّى لايأتي يوم ويقول قائل: بأنّ أهل العراق دعوا الإمام الحسين ليعطوه البيعة وينصرونه ضد الظّلم والانحراف، ولكنّه لم يلبّ نداءهم وكذلك ليعلن بشكل صريح وواضح أنّ خلافة يزيد هي خلافة غير شرعيّة، وأنّ الإمام قد أدّى واجبه، ولكن أهل العراق بشكل خاصّ والمسلمين بشكل عامّ قد تخلوا عن واجبهم، وهم يدفعون ثمن تخليهم إلى يومنا هذا، بالتّأكيد كان الإمام(ع) يعلم بما ينتظره من مآساة فقد أخبر الله رسوله بتلك الواقعة وأعطاها شرعيتها ومكانتها العظيمة.

عند وصول الإمام الحسين(ع) إلى أرض كربلاء وجد أنّ أنصاره وشيعته قد تخلوا عنه وقد أحاط به وبعائلته وأصحابه الجيش الّذي بعثه يزيد، وبأمر وتخطيط من قبل عبيد الله بن زياد والي الكوفه آنذاك وتحت إمرة عمر بن سعد بن أبي وقاص بدأت جيوش يزيد

ص: 131

تحيط بالإمام ومن معه، وبدأت الأحداث تتوالى، ولا اريد أن أدخل في التّفاصيل فهي ليست موضوعنا اليوم، ولكن الشّي ء المهمّ هو أنّ الشّرط الأساسي للجيش الأموي في إخلاء سبيل الإمام ومن كان معه والسّماح لهم بالرّجوع هو أن يعطي الإمام البيعة إلى يزيد، وهذا ما رفضه الإمام وقد أصرّ على ذلك حتّى بعد أن رأى أهل بيته وأصحابه يُقتلون الواحد تلو الآخر، وحتّى أن وصل الأمر أن ينزل إلى ساحة المعركة ويقاتل بنفسه وهذه إشارة واضحة من الإمام على أنّ تلك التضحيات جاءت لتثبت ركائز الدّين، وكما ذكرنا السّبب من قبل إلّا وهو أنّ أعطاء البيعة إلى يزيد يعني شرعيّة خلافة يزيد، وهذا يعني نهاية العقيدة الإسلاميّة بأسرها.

كلّ ذلك أدّى إلى ما آلت إليه الأحداث من فاجعة كبرى وتضحيات جسام، كما يعلم الجميع حتّى لايكونوا امراء بني اميه هم من يمثل العقيدة الإسلاميّة الّذين كانوا سيغيرون تلك العقيدة ولاتصل إلينا اليوم، ولكن أراد الله بتلك الدّماء الزّكية الّتي سالت على أرض كربلاء أن يحفظ لنا هذا الدّين ويعزّه، فكما نعلم أنّ الإمام الحسين(ع) هو ثالث هؤلاء الخلفاء أو الأئمة الاثني عشر الّذين تمّ ذكرهم سابقاً والّذي وعدنا الرّسول(ص) بأنّ بهم ستصان العقيدة ويحفظ الدّين.

ويوم وقع ذلك الاعتداء على الإمام الحسين، فإنّه وقع على شخص الرّسول(ص) كما يبيّن لنا الحديث التّالي عن ابن ماجه قال:

ص: 132

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثمانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي رَاشِدٍ أنَّ يَعْلَى ابْنَ مُرَّةَ حَدَّثَهُمْ أنّهم خَرَجُوا مَعَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ، فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي السِّكَّةِ، قَالَ: فَتَقَدَّمَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَامَ الْقَوْمِ وَبَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ الْغُلامُ يَفِرُّ هَا هُنَا وَهَا هُنَا وَيُضَاحِكُهُ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَالاخرى فِي فَأسِ رَأسِهِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأنَا مِنْ حُسَيْنٍ أحَبَّ اللَّهُ مَنْ أحَبَّ حُسَيْناً حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأسْبَاطِ». (1) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ مِثْلَهُ.

فالحديث يشرح لنا مدى حبّ الرّسول(ص) إلى الإمام الحسين(ع)، ولكن المهمّ في ذلك الحديث هو قوله(ص): «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأنَا مِنْ حُسَيْنٍ» فقول الرّسول(ص) حسين منّي قد يفهم منه كون أنّ الحسين سبط الرّسول(ص): ولكن عندما يقول: «وأنا من حسين» فهذا لايقبل إلّا معنى واحد وهو أنّ الحسين جزء من المصطفى(ص)، فيوم قتل الحسين كان ذلك اعتداء مباشر على الرّسول(ص) فهل وقفت الامّة في ذلك الوقت الموقف الواجب اتخاذه للردّ على ذلك الاعتداء السافر على حرمة رسول الله(ص) بقتل أقرب وأعزّ النّاس إليه؟ وأكثر من ذلك هو سبي نساء بيت النبيّ وهتك حرمة عرضه،


1- محمد بن يزيد القزويني(ابن ماجه)، سنن ابن ماجة، ج 1، ص 51.

ص: 133

وهل أنّ موقف الامّة اليوم يتناسب مع ذلك الاعتداء؟ فإن لم تنهض حميتنا وتتفجر فينا ثورة الكرامة غضباً على عرض رسول الله(ص) فعلى ماذا ستتحرك غيرتنا؟ من هنا تأتي أهمّية واقعة الطّف.

أراد الله أن يبيّن لنا الشّواهد والعبر لتلك الواقعة حتّى تكون مناراً يستضاء به ونهجاً يقتدى به، ومن تلك الشّواهد نذكر أن رسول الله(ص) كان قد بيّن للمسلمين، بأنّه كان حاضراً وشاهداً لتلك الواقعه، ويذكر لنا الحديث التّالي عن الاحمد قال:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَأيْتُ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أشْعَثَ أغْبَرَ مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ أو يَتَتَبَّعُ فِيهَا شَيْئاً، قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟ قَالَ: دَمُ الْحُسَيْنِ وَأصْحَابِهِ لَمْ أزَلْ أتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمِ. قَالَ عَمَّارٌ: فَحَفِظْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَوَجَدْنَاهُ قُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ. (1) وهنا يذكر لنا ابن عبّاس قد شاهد في منامه الرّسول(ص): «رَأيْتُ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أشْعَثَ أغْبَر»، أي إنّ الرّسول(ص) كان قد أتى من مكان عاصف قد على منه التّراب، وكان معه(ص) قارورة فيها دم، كما يذكر الحديث: «مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ أو يَتَتَبَّعُ فِيهَا شَيْئًا» أي إنّه يحمل قارورة فيها دم وكان يفعل بها شيئاً، وهنا يسأله ابن عبّاس: «قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا هَذَا؟»


1- احمد بن حنبل، مسند أحمد، ج 1، ص 242.

ص: 134

ويجيب الرّسول(ص) قَالَ: «دَمُ الْحُسَيْنِ وَأصْحَابِهِ لَمْ أزَلْ أتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمِ» فيخبره الرّسول(ص) بأنّ تلك الدّماء هي دماء الحسين وأصحابه وأنّه سيتتبعها منذ ذلك اليوم، ومن هذا نفهم بأنّ الرّسول(ص) سوف يبقى يشتكي بها إلى الله عزّ وجلّ، وهذا أيضاً يبيّن لنا مكانة تلك الواقعة العظيمة وما لها من أهمّية، حيث إنّ الرّسول(ص) يحضر بنفسه الواقعة ويحمل تلك الدّماء ويشتكي بها إلى الله، وهذا مايبيّن لناماذا سيحلّ بأولئك المجرمين وعلى رأسهم عبيدالله بن زياد، والّذي كان المنفذ الأوّل لتلك الجريمة الّتي أمر بارتكابها يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ويبيّن لنا الحديث ما تمادي ذلك الفاجر وإيغاله بمعصية الله. عن البخاري قال:

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أتِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأسِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السّلام، فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ، وَقَالَ: فِي حُسنة شَيْئاً، فَقَالَ انَسٌ:

كَانَ أشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَخْضُوباً بِالْوَسْمَةِ. (1) هنا يبيّن لنا الحديث ماوصلت إليه وقاحة ابن زياد وتماديه في معصية الله حيث يبيّن لنا الحديث: «اتِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأسِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السّلام، فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ فَجَعَلَ يَنْكُتُ»، ولكن الله


1- محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج 4، ص 216.

ص: 135

عزّوجلّ جعل من مقتل بن زياد آية للنّاس، كما بيّن لنا الحديث التّالي عن الترمذي قال:

حَدَّثَنَا وَاصل بْنُ عَبْدِ الأعْلَى، حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا جِي ءَ بِرَأسِ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ زِيَادٍ وَأصْحَابِهِ نُضِّدَتْ فِي الْمَسْجِدِ فِي الرّحبة فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ جَاءَتْ قَدْ جَاءَتْ، فَإِذَا حَيَّةٌ قَدْ جَاءَتْ تَخَلَّلُ الرُّؤوسَ حَتَّى دَخَلَتْ فِي مَنْخَرَيْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَمَكَثَتْ هُنَيْهَةً، ثمّ خَرَجَتْ فَذَهَبَتْ حَتَّى تَغَيَّبَتْ، ثمّ قَالُوا: قَدْ جَاءَتْ قَدْ جَاءَتْ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أو ثَلاثًا. (1) لقد انتقم الله من عبيد الله بن زياد وممّن شاركه بالجريمة، كما يبيّن لنا الحديث، وكما نرى فإنّ الله عزّ وجلّ أراد أن يجعل من مقتل هذا المجرم آية لمن أراد أن يتفكّر ويعتبر، كما يمضي بنا الحديث: «لَمَّا جِي ءَ بِرَأسِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَأصْحَابِهِ نُضِّدَتْ فِي الْمَسْجِدِ فِي الرّحبة فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِمْ» وهنا يصوّر لنا الحديث كيف أنّ الله عزّ وجلّ جعل من نفس مشهد مقتل الإمام الحسين وأصحابه يتكرّر بقتلة الإمام، ثمّ يجعل الله عزّ وجلّ من رأس ابن زياد آية، حيث يذكر لنا الحديث: «وَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ جَاءَتْ قَدْ جَاءَتْ، فَإِذَا حَيَّةٌ قَدْ جَاءَتْ تَخَلَّلُ الرُّؤوسَ حَتَّى دَخَلَتْ فِي مَنْخَرَيْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَمَكَثَتْ هُنَيْهَةً، ثمّ خَرَجَتْ فَذَهَبَتْ حَتَّى تَغَيَّبَتْ، ثمّ قَالُوا: قَدْ


1- محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي، ج 5، ص 325.

ص: 136

جَاءَتْ قَدْ جَاءَتْ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أو ثَلاثاً» نرى كيف أنّ الله عزّ وجلّ قد جعل من تلك الحية تدخل في منخري ابن زياد عدّة مرّات لتري النّاس معجزة تثبت لهم فيها ما هي الجريمة العظمى الّتي قام بها هذا الفاسق.

أودّ أن أضيف هنا شيئاً مهمّاً وهو أنّ البكاء والحزن وذكر الإمام الحسين له من البراهين والدّلائل ما تجعله جزءاً من العقيدة الإسلاميّة، ولكن البعض ممّن يغالي ويذهب إلى أن يضرب رأسه بالسّيف، والبعض يذهب إلى أن يؤذي نفسه، وهذا ما لم أجد له أي مبرّر شرعي، وقد نهى عنه أكثر علماء شيعة أهل البيت(عليهم السلام)، ويعتبرون ذلك العمل إنّما هو دخيل على المذهب والعقيدة واعتقد في أنّ الحجّة هنا قائمة على هؤلاء المغالين.

ص: 137

المبحث الثّالث: زواج المتعة

زواج المتعة من الامور الّتي قيل عنها الكثير وخاضت بها الأهواء وتجنت عليها الآراء، وقد فتحت باب الظّلم ألا وهو ذلك الظّلم الّذي جنى به المسلمون على نبيّهم(ص) ولهذا وجدت في أن أقف عند هذا الأمر واناقشه وابيّن حججه من تلك الأحاديث الموجودة في تلك الكتب الّتي يعتمدها أهل السنّة، والّتي يعتبرها علماء أهل السنّة على أنّها أحاديث صحيحة.

دعنا نمرّ على بعض تلك الأحاديث الّتي ستوضح لنا بشكل جلي ما هي قصّة زواج المتعة، والّذي مع الأسف يقول به كثير من المسلمين على أنّه زنا والعياذ بالله.

لننظر في الحديث التّالي عن مسلم قال:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ، قَالا: خَرَجَ عَلَيْنَا، مُنَادِي

ص: 138

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أذِنَ لَكُمْ أنْ تَسْتَمْتِعُوا، يَعْنِي مُتْعَةَ النِّسَاءِ. (1) إنّ هذا الحديث يكفي لأن يكون حجّة على أنّ زواج المتعة إنّما هو زواج شرعي قد أحلّه الله، وقد صرّح بذلك رسوله الكريم(ص) كما ذكر لنا الحديث: «خَرَجَ عَلَيْنَا مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أذِنَ لَكُمْ أنْ تَسْتَمْتِعُوا يَعْنِي مُتْعَةَ النِّسَاء» ولكن بما أنّ الموضوع في غاية من الأهميّة، سنحاول أن ننظر إليه من جميع جوانبه، ونقرأ في الحديث التّالي:

وعن مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أخْبَرَنِي أبُو الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُول: كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الأيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأبِي بَكْرٍ حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ. (2) هنا يبيّن لنا الحديث بأنّ المسلمين قد استمتعوا في زمن الرّسول(ص) وأبي بكر، ولكن نهى عن ذلك عمر، فهذا يعني أنّ زواج المتعة كان حلالًا حتّى وفاة الرّسول(ص)، وكما نعلم فإنّ الحلال والحرام كان قد وضع الرّسول(ص) أحكامهما وقد تبيّن بأنّ هذا


1- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 4، ص 130.
2- المصدر السابق، ص 131.

ص: 139

الزّواج كان شرعيّاً في حياة الرّسول، وعندما توفي النبيّ بقي هذا الزّواج وأحكامه في خلافة أبي بكر.

ونقرأ في الحديث التّالي:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا أبِي وَوَكِيعٌ وَابْنُ بِشْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ، يَقُولُ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: ألا نَسْتَخْصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثمّ رَخَّصَ لَنَا أنْ نَنْكِحَ الْمَرْأةَ بِالثَّوْبِ إلى أجَلٍ، ثمّ قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).

وحَدَّثَنَا عُثمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبِي خَالِدٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: ثمّ قَرَأ عَلَيْنَا هَذِهِ الآية وَلَمْ يَقُلْ قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ، وحَدَّثَنَا أبُوبَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: كُنَّا وَنَحْنُ شَبَابٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ألا نَسْتَخْصِي وَلَمْ يَقُلْ نَغْزُو. (1) يبيّن لنا الحديث بشكل صريح وواضح على أنّ زواج المتعة وهو الزّواج إلى أجل قد أقرّه الرّسول(ص)، وهو زواج شرعي كما يبيّن الحديث: «ثمّ رَخَّصَ لَنَا أنْ نَنْكِحَ الْمَرْأةَ بِالثَّوْبِ إلى أجَلٍ» وكما بيّن لنا الحديث أنّه لا يحلّ لنا في أن نحرّم ما أحلّ الله عزّ وجلّ، حيث يسوقنا الحديث في ذلك إلى: «ثمّ قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا


1- المصدر السابق، ص 130.

ص: 140

لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)» وهو واضح من الآية الكريمة على أنّ ذلك الزّواج على أنّه زواج شرعي لا يحلّ لنا أن نحرمه من تلقاء أنفسنا.

ونقرأ في الحديث التّالي:

وحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتَانَا فَأَذِنَ لَنَا فِي الْمُتْعَةِ. (1) حيث إنّ الحديث يبيّن لنا أنّ الرّسول(ص) قد أعلن على أنّ ذلك الزّواج هو زواج شرعي، بقوله: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتَانَا فَأذِنَ لَنَا فِي الْمُتْعَةِ».

ونقرأ في الحديث التّالي عن الاحمد قال:

حَدَّثَنَا بَهْزٌ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أبِي نَضْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَأمُرُ بِهَا، قَالَ: فَقَالَ لِي: عَلَى يَدِي جَرَى الْحَدِيثُ، تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَفَّانُ: وَمَعَ أبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النّاس، فَقَالَ: «إِنَّ الْقرآن هُوَ الْقرآن وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الرّسول، وَأنّهما كَانَتَا مُتْعَتَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


1- المصدر السابق، ص 131.

ص: 141

إِحْدَاهُمَا مُتْعَةُ الْحَجِّ وَالأخرى مُتْعَةُ النِّسَاء». (1) هنا يبيّن لنا الحديث بأنّ ابن عبّاس كان يأمر بالمتعة، أي إنّه كان يحلّلها حتّى بعد أن حرّمها عمر بن الخطّاب، كما جاء في الحديث: «إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَأمُرُ بِهَا» ثمّ يسرد لنا الحديث نفس التّفاصيل السّابقة بأنّ زواج المتعة كان حلالًا في عهد الرّسول(ص) وأنّ عمر بن الخطاب، قال بشكل واضح وصريح بأنّ ذلك الزّواج زواج شرعي، وأنّه سنّة رسول الله(ص)، كما يبيّن لنا الحديث: «فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النّاس، فَقَالَ: إِنَّ الْقرآن هُوَ الْقرآن وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الرّسول وَأنّهما كَانَتَا مُتْعَتَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهُمَا مُتْعَةُ الْحَجِّ وَالأخرى مُتْعَةُ النِّسَاءِ» وهذا إنّما هو دليل قاطع وكافٍ، ولكن بما أنّ الموضوع هو في غاية من الأهميّة لذلك سأستمرّ في سرد الأحاديث لكي أعطي من الحجج والبراهين لما سيغلق كلّ تلك المنافذ لمن يريد أن يتقوّل على ذلك الزّواج ويجعل من سنّة رسول الله(ص) على أنّها زنا.

ونقرأ في الحديث التّالي عن مسلمٍ قال:

حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَأويُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أبِي نَضْرَةَ، قَالَ:

كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأتَاهُ آتٍ، فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ


1- احمد بن حنبل، مسند أحمد، ج 1، ص 52.

ص: 142

اخْتَلَفَا فِي الْمُتْعَتَيْنِ، فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا. (1) يتبيّن كما سبق أنّ زواج المتعة زواج شرعي وكان حلالًا في زمن الرّسول(ص)، ولكن تمّ تحريمه في زمن خلافة عمر، وهذا ما سيتمّ مناقشته.

وفي الحديث التّالي يشهد ابن عبّاس على شرعيّة زواج المتعة:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأمُرُ بِالْمُتْعَةِ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَإِنَّ الْقرآن قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَأتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، كَمَا أمَرَكُمْ اللَّهُ وَأبِتُّوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ فَلَنْ اوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأةً إلى أجَلٍ الّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ».

وحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرب، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: «فَافْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ أتَمُّ لِحَجِّكُمْ وَأتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ». (2) هنا يبيّن لنا الحديث بأنّ زواج المتعة إنّما هو سنّة رسول الله(ص)


1- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 4، ص 59.
2- المصدر السابق، ص 38.

ص: 143

حيث إنّ ابن عبّاس كان ممّن يحلل ذلك الزّواج حتّى بعد أن حرّمه الخليفة عمر، كما يبيّن لنا الحديث: «كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأمُرُ بِالْمُتْعَةِ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا» وقد بيّن لنا الحديث كيف تمّ تحريم زواج المتعة: «فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَإِنَّ الْقرآن قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَأتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» وقد ذهب الخليفة عمر إلى أبعد من ذلك، حيث إنّه قال: «وَابِتُّوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ فَلَنْ اوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأةً إلى أجَلٍ الّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ» ولا أعلم على ماذا تمّ بناء ذلك الحدّ مع أنّ الخليفة عمر قد صرّح بأنّ زواج المتعة سنّة الرّسول(ص) فقد يكون ذلك التّحريم موقتاً.

وهنا اريد أن انبِّه واحذِّر هؤلاء الّذين يقولون بأنّ زواج المتعة أنّه زنا، ويصفون من يحلل هذا الزّواج بأبشع الأوصاف، فهذا يعني أنّهم يصفون الرّسول(ص) على أنّه ارتضى الزنا ومارسه، وارتضى لأصحابه أن يمارسوه، فيا إخوة الإسلام لاتجعلوا الخلافات المذهبيّة تأخذ بكم إلى الطّعن في نبيّكم والتّشكيك في دينكم، فتريثوا قبل أن تطلقوا الاتهامات جزافاً، فإنّكم والله مسؤولون أمام الله عمّا تصفون.

ص: 144

ص: 145

المبحث الرّابع: الجمع في الصّلاة

يصف بعض المسلمين أنّ الشّيعة الإماميّة لايتّبعون أوقات الصّلاة الصّحيحة أو أنّ لهم ثلاثة أوقات فقط لصلواتهم، وذلك بأنّهم يجمعوا بين صلاة الظّهر والعصر وبين صلاة المغرب والعشاء، ولتوضيح ذلك الأمر فإنّ في الكتب الفقهية للشّيعة نجد أنّ لكلّ صلاة وقت فضيلتها وهناك خمسة أوقات للصّلاة، ولكن هناك رخصة، وهي أنّك تتمكّن من أن تصلي العصر بعد صلاة الظّهر، وتصلّي العشاء بعد صلاة المغرب، وقد أخذ معظم الشّيعة بتلك الرّخصة؛ لأنّها تسهّل الصّلوات اليوميّة، ودعنا نرى هل أنّ تلك الرّخصة موجودة أيضاً في كتب أهل السنّة. لننظر في الحديث التّالي عن البخاري قال:

حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعاً جَمِيعاً وَثمانِياً جَمِيعاً.

ص: 146

هنا يصرّح ابن عبّاس على أنّ الرّسول(ص) قد صلّى المغرب والعشاء، حيث ذكر لنا الحديث، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعاً جَمِيعاً» وصلّى أيضاً الظّهر والعصر «وَثمانِياً جَمِيعاً» وهذا تصريح بأنّ تلك الرّخصة أيضاً موجودة في الكتب المعتمدة لدى أهل السنّة. (1) ونجد في الحديث التّالي عنه قال:

حَدَّثَنَا أبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعاً وَثمانِياً الظّهر وَالْعَصْرَ وَالْمَغْربَ وَالْعِشَاءَ، فَقَالَ أيُّوبُ: لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ، قَالَ: عَسَى ... (2).

الحديث يؤكّد ماسبق في أنّ هناك رخصة بأن تصلّي العصر بعد الإتيان بالظّهر وأن تصلّي العشاء بعد الإتيان بالمغرب.


1- محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج 1، ص 140.
2- المصدر السابق، ص 137.

ص: 147

المبحث الخامس: الصّلاة على قرص التّراب

يجتمع علماء الشّيعة على أنّ موضع السّجود في الصّلاة له شروط ولايمكن السّجود على المواد المصنوعة، بل حدّد لها الشّرع شروطها وضوابطها الفقهية، ولهذا نجد الشّيعة الإماميّة في صلاتهم يستعملون ذلك القرص المعمول من طين الأرض أو مواد اخرى قد حدّد العلماء طبيعتها في موضع سجودهم، ولكن هناك من المسلمين من يصف ذلك العمل بالبدعة، ودعنا ننظر في بعض الأحاديث الّتي تعتبر صحيحة عند أهل السنّة، ولننظر في هذا الحديث عن المسلم قال:

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأبُوبَكْرٍ بْنُ أبِي شَيْبَةَ وَأبُوكُرَيْبٍ، قَالَ يَحْيَى أخْبَرَنَا، وَقَالَ الأخرانِ: حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَاولينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ

ص: 148

فِي يَدِكِ». (1) نجد من الحديث أنّ الرّسول(ص) طلب في إحضار الخمرة، كما بيّن لنا الحديث: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَاولينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ» فلنجد ما هي الخمرة والّتي كانت موجودة في المسجد لكي نعرف لماذا يطلبها الرّسول(ص). فلننظر إلى ذلك التّعريف الموجود في شرح صحيح مسلم.

«أمّا «الخمرة» فبضم الخاء وإسكان الميم، قال الهروي وغيره هي هذه السّجادة، وهي ما يضع عليه الرّجل جزء وجهه في سجوده، من حصير أو نسيجة من خوص، هكذا قاله الهروي والأكثرون، وصرّح جماعة منهم بأنّها لا تكون إلا هذا القدر، وقال الخطابي: هي السّجادة يسجد عليها المصلّي».

يتّضح من التّعريف السّابق والّذي جاء في صحيح مسلم أنّ الخمرة هي ما يسجد عليه المصلّي، وأنّها تصنع كما ذكر لنا التّعريف «من حصير أو نسيجة من خوص» والّذي يطابق أوصاف القرص أو المواد الاخرى الّتي يستعملونها الشّيعة عند سجودهم في صلاتهم.

والحديث التّالي يبيّن لنا أن الرّسول(ص) كان يصلّي على تلك الخمرة:

عن الْحَسَنِ بْنِ مُدْرِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: أخْبَرَنَا أبُو عَوَانَةَ اسْمُهُ الْوَضَّاحُ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: أخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ


1- مسلم بن حجاج نيشابوري، صحيح مسلم، ج 1، ص 168.

ص: 149

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتي مَيْمُونَةَ زَوْجَةَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضاً لا تُصَلِّي وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إِذَا سَجَدَ أصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ (1).

هنا يبيّن لنا الحديث بأنّ الرّسول(ص) كان يسجد على الخمرة في صلاته: «وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إِذَا سَجَدَ أصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ» حيث نجد أنّه(ص) يأمر بالحديث الأوّل بأن يحضّروا له تلك الخمرة، ثمّ يبيّن لنا الحديث الثّاني أنّه(ص) كان يسجد في صلاته على تلك الخمرة، وهذا ما يدلّ على أنّ تلك الخمرة والّتي طابقت مواصفاتها مايجب السّجود عليه عند فقه الشّيعة الإماميّة إنّما كانت جزءاً من صلاة الرّسول(ص).

وحتّى يتبيّن الأمر بشكل جلي نقرأ الحديث التّالي:

وعن أبي الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: كَانَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ (2).

وهذا الحديث يبيّن لنا بما لايقبل الشّكّ بأنّ تلك الخمرة إنّما كانت جزءاً من صلاة الرّسول(ص)، كما بيّن لنا الحديث: «كَانَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ» وأنّ مايفعله اليوم الشّيعة


1- محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج 1، ص 85.
2- المصدر السابق، ص 100.

ص: 150

الإماميّة بأن يضعوا ذلك القرص أو أي مادة اخرى حدّدها الشّرع في موضع سجودهم إنّما هو مطابق إلى صلاة رسولهم الّذي أمرنا الله عزّ وجلّ بأن نقتدي به، ونسير على نهجه، ففِعْلِ الرّسول(ص) هذا إنّما هو جزء من عقيدة الشّيعة الإماميّة، فكيف يصف هؤلاء المسلمون هذا الفعل على أنّه بدعة، فهل كان مايقوم به الرّسول(ص) هو بدعة أو أنّه سنّة أمرنا الله عزّ وجلّ أن نبحث عنها ونتّبعها.

ص: 151

المبحث السّادس: عبارة «عليه السّلام» بعد ذكر أسماء أهل البيت

هنالك اعتراضات تظهر بعض الأحيان عندما يذكر أحد من الشّيعة الإماميّة عبارة «(ع)» بعد ذكر أحد أسماء أهل البيت ولا أدري لماذا الاعتراض إذا كانت تلك الكتب الّتي يعتمدها أهل السنّة تذكر لنا بعض الأحيان نفس عبارة «(ع)» بعد ذكر أحد أسماء أهل البيت، وسأذكر هنا بعض تلك الأحاديث من تلك الكتب الّتي يعتمدها أهل السنّة والّتي تذكر عبارة «(ع)» بعد ذكر أحد أسماء أهل البيت فقط، ولأبيّن بأنّ هذه العبارة قد تمّ ذكرها في تلك الكتب وليست لمعاني تلك الأحاديث دلالات أو إشارات تتعلّق هنا في موضوعنا الخاصّ في عبارة «(ع)». عن البخاري قال:

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ ابْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اتِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأسِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السّلام فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ فَجَعَلَ يَنْكُتُ، وَقَالَ: فِي حُسنة شَيْئًا، فَقَالَ أنَسٌ: كَانَ أشْبَهَهُمْ

ص: 152

بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَخْضُوبًا بِالْوَسْمَةِ (1).

نجد عبارة «(ع)» في هذا الحديث بعد ذكر اسم الحسين «الْحُسَيْنِ(ع)».

ونقرأ الحديث التّالي:

عن مُوسَى، عَنْ أبِي عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا فِرَاسٌ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ امُّ الْمُؤْمِنِيِنَ، قَالَتْ: إِنَّا كُنَّا أزْوَاجَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ جَمِيعاً لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ فَأقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السّلام تَمْشِي لا وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ، قَالَ: مَرْحَباً بِابْنَتِي ثمّ أجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ او عَنْ شِمَالِهِ، ثمّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً فَلَمَّا رَأى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثّانية، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَقُلْتُ لَهَا: أنَا مِنْ بين نِسَائِهِ خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّرِّ مِنْ بيننا، ثمّ أنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَألْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ، قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنْ الْحَقِّ لَمَّا أخْبَرْتِنِي، قَالَتْ: أمَّا الأنَ فَنَعَمْ فَأخْبَرَتْنِي، قَالَتْ: أمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الأمر الأوّل فَإِنَّهُ أخْبَرَنِي أنَّ جِبْرِئيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقرآن كلّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلا أرَى الأجَلَ الّا قَدْ اقْتَرب فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَإنِّي نِعْمَ السّلف أنَا لَكِ، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الّذي رَأيْتِ فَلَمَّا رَأى


1- المصدر السابق، ج 4، ص 216.

ص: 153

جَزَعِي سَارَّنِي الثّانية، قَالَ: يَا فَاطِمَةُ ألا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أو سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأمَّةِ. (1) نجد هنا عبارة «(س)» جاءت بعد اسم فاطمة «فَاطِمَةُ(س)».

ونجد في الحديث التّالي:

عن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، إنَّ عَائِشَةَ امَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أخْبَرَتْهُ أنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السّلام ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَألَتْ أبَابَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا أبُوبَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَجَرَتْ أبَابَكْرٍ فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أشْهُرٍ، قَالَتْ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْألُ أبَابَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ وَصَدَقَتَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَأبَى أبُوبَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكاً شَيْئاً كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ الّا عَمِلْتُ بِهِ فَإِنِّي أخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئاً مِنْ أمْرِهِ أنْ أزِيغَ، فَأمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إلى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، وَأمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ فَأمْسَكَهَا عُمَرُ، وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ


1- المصدر السابق، ج 7، ص 141.

ص: 154

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الّتي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ وَأمْرُهُمَا إلى مَنْ وَلِيَ الأمر، قَالَ: فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إلى الْيَوْمِ (1).

قَالَ أبُو عَبْد اللَّهِ: «اعْتَرَاكَ افْتَعَلْتَ مِنْ عَرَوْتُهُ فَأصَبْتُهُ وَمِنْهُ يَعْرُوهُ وَاعْتَرَانِي».

هنا أيضاً جاءت عبارة «(س)» بعد اسم فاطمة، «فَاطِمَةَ(س)».

ونقرأ الحديث التّالي عن أبي داود قال:

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ أبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: أخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ الْجُهَنِيُّ أنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الّذين كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السّلام الّذين سَارُوا إلى الْخَوَارِجِ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السّلام: «أيُّهَا النّاس إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ امَّتِي يَقْرَؤونَ الْقرآن لَيْسَتْ قِرَاءَتُكُمْ إلى قِرَاءَتِهِمْ شَيْئاً وَلا صَلاتُكُمْ إلى صَلاتِهِمْ شَيْئاً وَلا صِيَامُكُمْ إلى صِيَامِهِمْ شَيْئاً يَقْرَؤونَ الْقرآن يَحْسِبُونَ أنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ لا تُجَاوزُ صَلاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الّذين يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ وَآيَةُ ذَلِكَ أنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ وَلَيْسَتْ لَهُ ذِرَاعٌ عَلَى عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ.

أفَتَذْهَبُونَ إلى مُعَاويَةَ وَأهلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هَؤُلاءِ يَخْلُفُونَكُمْ


1- المصدر السابق، ج 4، ص 42.

ص: 155

فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأمْوَالِكُمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لأرْجُوا أنْ يَكُونُوا هَؤُلاءِ الْقَوْمَ فَأنّهم قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ وَأغَارُوا فِي سَرْحِ النّاس فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ».

قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا مَنْزِلًا حَتَّى مَرَّ بِنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ، قَالَ: فَلَمَّا الْتَقَيْنَا وَعَلَى الْخَوَارِجِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ، فَقَالَ لَهُمْ: الْقُوا الرِّمَاحَ وَسُلُّوا السُّيُوفَ مِنْ جُفُونِهَا، فَإِنِّي أخَافُ أنْ يُنَاشِدُوكُمْ، كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ، قَالَ: فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ وَاسْتَلُّوا السُّيُوفَ وَشَجَرَهُمْ النّاس بِرِمَاحِهِمْ، قَالَ: وَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضِهِمْ، قَالَ: وَمَا اصِيبَ مِنْ النّاس يَوْمَئِذٍ الّا رَجُلانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْتَمِسُوا فِيهِمْ الْمُخْدَجَ فَلَمْ يَجِدُوا، قَالَ: فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أتَى نَاساً قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: اخرجُوهُمْ فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الأرضَ فَكَبَّرَ، وَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السّلمانِيُّ، فَقَالَ: يَا أمِيرَالْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ الّذي لا إِلَهَ الّا هُوَ لَقَدْ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أي وَاللَّهِ الّذي لا إِلَهَ الّا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلاثاً وَهُوَ يَحْلِفُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو الْوَضِئ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السّلام: اطْلُبُوا الْمُخْدَجَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَاسْتَخْرَجُوهُ مِنْ تَحْتِ الْقَتْلَى فِي طِينٍ قَالَ أبُو الْوَضِئ، فَكَأنِّي أنْظُرُ إِلَيْهِ حَبَشِيٌّ عَلَيْهِ قُرَيْطِقٌ لَهُ إِحْدَى يَدَيْنِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأةِ عَلَيْهَا شُعَيْرَاتٌ مِثْلُ شُعَيْرَاتِ الّتي تَكُونُ

ص: 156

عَلَى ذَنَبِ الْيَرْبُوعِ (1).

هنا يذكر الحديث اسم الإمام عليّ ثلاث مرّات مع ذكر عبارة «(ع)»، ففي بداية الحديث تمّ ذكر ذلك مرّتين: «أنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الّذين كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ(ع) الّذين سَارُوا إلى الْخَوَارِجِ، فَقَالَ عَلِيٌّ «(ع)» وفي نهاية الحديث أيضاً تمّ ذكر ذلك «قَالَ عَلِيٌّ(ع)».

ونقرأ أيضاً الحديث التّالي:

عن مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ أخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ ابْنِ أبِي نُعْمٍ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:

بَعَثَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السّلام إلى النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا فَقَسَّمَهَا بين أرْبَعَةٍ بين الأقْرَعَ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ، ثمّ الْمُجَاشِعِيِّ وَبين عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَبين زَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ، ثمّ أحد بَنِي نَبْهَانَ وَبين عَلْقَمَةَ بْنِ عُلاثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثمّ أحد بَنِي كِلابٍ، قَالَ: فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالأنْصَارُ، وَقَالَتْ: يُعْطِي صَنَادِيدَ أهل نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، فَقَالَ: إنّما أتَألَّفُهُمْ، قَالَ: فَأقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاتِئُ الْجَبين كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: مَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ أيَأمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أهل الأرض وَلا تَأمَنُونِي، قَالَ: فَسَألَ رَجُلٌ قَتْلَهُ أحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، قَالَ: فَمَنَعَهُ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا أو فِي عَقِبِ هَذَا قَوْماً يَقْرَؤونَ الْقرآن لا يُجَاوزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ


1- سليمان بن أشعث السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، ج 2، ص 429.

ص: 157

الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أهل الإِسْلامِ وَيَدَعُونَ أهل الأوثَانِ لَئِنْ أنَا أدْرَكْتُهُمْ قَتَلْتُهُمْ قَتْلَ عَادٍ. (1) نقرأ عبارة «(ع)» أيضاً بعد ذكر اسم الإمام عليّ، «بَعَثَ عَلِيٌّ(ع)».

ولا أدري لماذا الاعتراض على الإتيان بعبارة «(ع)» بعد ذكر أسماء أهل البيت(عليهم السلام) إذا كانت صحاح أهل السنّة تذكر ذلك.


1- المصدر السابق، ص 428.

ص: 158

ص: 159

المبحث السّابع: المسح على القدمين عند الوضوء

هناك اختلاف فقهي بين مدرستي أهل السنّة وأتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) في هل يجب غسل القدمين عند الوضوء أو المسح عليهما، وسنمرّ على بعض الأحاديث لنقف عند ذلك الاختلاف، ونقرأ في هذا الحديث عن احمدٍ قال:

حَدَّثَنَا عَبْداللَّهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَأبُو خَيْثمةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الأعْمَشُ عَنْ أبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «كُنْتُ أرَى أنَّ بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ أحَقُّ بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا حَتَّى رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا». (1) يبيّن لنا الحديث أنّ الإمام عليّاً(ع) ذكر لنا بأنّ الرّسول(ص) كان يمسح على القدمين عند الوضوء، كما ذكر الحديث «حَتَّى رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا» ولايحتاج الحديث إلى شرح أو تفسير.


1- احمد بن حنبل، مسند أحمد، ج 1، ص 95.

ص: 160

ونقرأ الحديث التّالي:

حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ مَرَّةً اخرى، قَالَ: رَأيْتُ عَلِيّاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَضَّأ فَمَسَحَ ظُهُورَهُمَا. (1) وهنا أيضاً يتبيّن لنا بأنّ المسح على القدمين هو ما يجب فعله عند الوضوء، حيث يبيّن لنا الحديث: «رَأيْتُ عَلِيّاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَضَّأ فَمَسَحَ ظُهُورَهُمَا» ويؤكد الحديث التّالي ما ورد بالحديثين السّابقين. وعن البخاري قال:

حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ عَنْ أبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: تَخَلَّفَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأدْرَكَنَا وَقَدْ أرْهَقْنَا الْعَصْرَ فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأ وَنَمْسَحُ عَلَى أرْجُلِنَا فَنَادَى بِأعْلَى صَوْتِهِ: «وَيْلٌ لِلأعْقَابِ مِنَ النَّارِ» مَرَّتَيْنِ أو ثَلاثاً. (2) الحديث كما ذكرنا يؤكّد على أنّ المسح على القدمين هو ما يجب عمله عند الوضوء، كما جاء «فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأ وَنَمْسَحُ عَلَى أرْجُلِنَا». أعتقد بأنّه بات واضحاً بأنّ المسح هو ما يجب فعله عند الوضوء.


1- المصدر السابق، ص 124.
2- محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج 1، ص 21.

ص: 161

المبحث الثّامن: لبس الخاتم

لقد أصبح لبس الخاتم هو من العلامات المميزه إلى أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ويكثر الاستفسار والحديث عن ذلك الفعل، لننظر ما دلالات ذلك في الكتب الّتي يأخذ بها أهل السنّة، ولنقرأ هذا الحديث عن الاحمد قال:

حَدَّثَنَا يَزِيدُ أنْبَأنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: رَأيْتُ ابْنَ أبِي رَافِعٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ فَسَألْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ أنَّهُ رَآى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ. (1) كما يتبيّن من هذا الحديث أن الرّسول(ص) كان يتختَّم في يمينه: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ» أي إنّ ذلك كان من أفعاله(ص)، وهذا يعني أنّ التختَّم هي سنّة من سنن الرّسول(ص). ونقرأ أيضاً الحديث التّالي:


1- احمد بن حنبل، مسند أحمد، ج 1، ص 204.

ص: 162

وعن عَفَّانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ أبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَزَعَمَ أنَّ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ. (1) وقد أشار الحديث إلى نفس السّياق السّابق: «إنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ جَعْفَرٍ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَزَعَمَ أنَّ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ» وأكّد على أنّ لبس الخاتم إنّما هي سنّة رسول الله(ص).

ونقرأ أيضاً:

عن عَفَّانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أنْبَأنَا عَمَّارُ بْنُ أبِي عَمَّارٍ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآى فِي يَدِ رَجُلٍ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: «ألْقِ ذَا فَألْقَاهُ فَتَخَتَّمَ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ» فَقَالَ: «ذَا شَرٌّ مِنْهُ فَتَخَتَّمَ بِخَاتَمٍ مِنْ فِضَّةٍ فَسَكَتَ عَنْهُ». (2) نرى هنا أيضاً في هذا الحديث أنّ الرّسول(ص) وضع الشّروط والضوابط لتلك السنّة، وهذا ما يعمل به اليوم الشّيعة الإماميّة، فإنّهم يلبسون الخاتم المصنوع من الفضة، وهم يتمسّكون بذلك كون أنّ ذلك العمل إنّما هو سنّة نبيّهم(ص).


1- المصدر السابق، ص 205.
2- المصدر السابق، ص 21.

ص: 163

المبحث التّاسع: صلاة التّراويح

من الشّعائر الدّينيّة الكبيرة والظّاهرة الّتي تميز أتباع مذهب أهل السنّة في شهر رمضان هي صلاة التّراويح، والّتي يعطيها أتباع هذا المذهب أهمّية خاصّة، حيث إنّهم يواظبون على إقامتها وضمن أوقاتها وصيغتها الّتي تميّزها عن باقي صلوات السنّة والنوافل، وفي بعض الأحيان نسمع بعضهم من ينتقد الشّيعة أتباع مذهب أهل البيت بعدم إحياء تلك الصّلاة، حيث إنّهم يقولون إنّ لها أجراً كبيراً، وحتّى نرى ما مدى صحّة هذا الافتراض، سنحاول أن نجد ما هو أصل تلك الصّلاة وما هو الأساس الّتي قامت عليه من أحاديث يعتبرها أتباع مذهب أهل السنّة على أنّها أحاديث صحيحة ونقرأ الحديث التّالي عن البخاري قال:

حدثنا إبْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إلى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النّاس أوزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرّجل لِنَفْسِهِ

ص: 164

وَيُصَلِّي الرّجل فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي أرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أمْثَلَ، ثمّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى ابَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثمّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً اخرى وَالنّاس يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ: عُمَرُ نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالّتي يَنَامُونَ عَنْهَا أفْضَلُ مِنَ الّتي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخر اللَّيْلِ وَكَانَ النّاس يَقُومُونَ أوّلهُ. (1) يتبيّن من الحديث أنّ تلك الصّلاة كانت تقام بشكل مختلف عمّا تقام عليه اليوم في الزّمن الّذي كان قبل خلافة عمر، أي في زمن الرّسول(ص) وأبي بكر وقسم من خلافة عمر، وأنّها لم تكن تحمل الاسم الّذي تحمله اليوم، وأنّها كانت كباقي صلوات النّوافل، كما بيّن الحديث: «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إلى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النّاس أوزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرّجل لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرّجل فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ»، حيث إنّه من الواضح أنّها لم تكن صلاة مشابهة لما نشاهده اليوم، ولكن كما يبيّن لنا الحديث فقد قرّر عمر تغيير صيغة تلك الصّلاة بقوله «فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي أرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أمْثَلَ» حيث إنّ عمر بن الخطاب قد اتّخذ قراره بأن يجمعهم على قارئ واحد، ثمّ جمعهم، كما يبيّن الحديث: «ثمّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى ابَيِّ بْنِ كَعْبٍ» وكما هو واضح وغير قابل للشكّ بأنّ تلك الصّلاة قد تأسّست في ذلك اليوم، حيث يبيّن لنا الحديث: «ثمّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً


1- محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج 2، ص 252.

ص: 165

اخرى وَالنّاس يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ» فكان ذلك اليوم هو أوّل يوم اقيمت به تلك الصّلاة على الصيّغة الّتي نراها في أيّامنا، والغريب أنّ عمر بن الخطاب قد وصفها على أنّها بدعة، حيث قال: «قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ» وهذا ما يؤكّد وبالدّليل القاطع على أنّ تلك الصّلاة لم تكن سنّة رسول الله(ص) ولا أدري لماذا يعطيها أهل السنّة هذا الاهتمام إذا كانت كما وصفها عمر نفسه على أنّها بدعة؟

ص: 166

ص: 167

الخاتمة

إنّ كلّ ما تقّدم من حوارات هي كما ذكرت في مقدّمة البحث على أنّها آراء خاضعة إلى النّقاش ندعو بها جميع المسلمين لأن يتأمّلوا فيها ويناقشوها بعقول تنشد الحقيقة وقلوب ترجوا الهداية، وأسأل المسلمين لأن يتحلّوا بالصّبر والإيمان في نقاشهم وأن يؤمنوا بأنّ كلّ ما نريد أن نصل إليه في حواراتنا هذه هو رضوان الله تعالى فيما يتعلّق باتّباع كتابه عزّ وجلّ وسنّة نبيّه(ص).

أدعو جميع من قرأ هذه الحوارات بأن يتفكّر في معانيها ويناقشها من وجهة نظر محايدة ليرى ماهي حججها إن كانت هناك حجج؟ وماهي متناقضاتها إن كانت هناك متناقضات؟ وأدعو بالذات أهل السنّة لمناقشة تلك الحوارات بعد الأخذ بنظر الاعتبار على أنّ ماجاء فيها من أحاديث إنّما هي من الكتب الّتي يعتمدها أهل السنّة، والأخذ فقط بتلك الأحاديث الّتي يعتبرها علماء أهل السنّة على أنها أحاديث صحيحة.

قد نختلف أو نتفق، ولكن هذا ليس هو الشّي ء الأهمّ، بل إنّما الشّي ء الأهمّ هو أن نبقى ضمن إطار أخلاقيات الدّين الإسلاميّ،

ص: 168

ذلك الدّين الّذي أنار بحضارته ما كان يحيط بهذا العالم من ظلمة، فيجب أن نحافظ على كلامنا وردود أفعالنا، وأن ننتهي كما بدأنا اخوة فيما يوحدنا به الإِسْلامِ وهي شهادة أن لا إله الّا الله وأنّ محمّداً رسول الله.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.