سرشناسه : حسینی قزوینی ، محمد
عنوان و نام پديدآور : حدیث الغدیر و شبهه شکوی جیش الیمن: (دراسه علمیه تحلیلیه)/ محمد الحسینی القزوینی.
مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1387.
مشخصات ظاهری : 147 ص.
شابک : 6000 ریال :978-964-540-144-1
وضعیت فهرست نویسی : فیپا
يادداشت : عربی .
یادداشت : کتابنامه: ص. [129] - 142؛ همچنین به صورت زیرنویس .
موضوع : علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- اثبات خلافت.
موضوع : غدیرخم.
رده بندی کنگره : BP223/5/ح565ح4 1387
رده بندی دیویی : 297/452
شماره کتابشناسی ملی : 1322881
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
لا يضير الحقائق أن تكتنفها الشبهات، وتعتريها التشكيكات، وتثار بوجهها التساؤلات، فهي كالشمس لا يحجبها تراكم السحاب أو تكاثف الضباب الذي سرعان ما ينقشع عن وجهها، فيعود نورها يتشعشع في الآفاق.
ومن تلك الحقائق الناصعة حقيقة الإمامة الإلهية والنص عليها، ذلك النص الذي جاء بأشكال وصيغ مختلفة ومناسبات متعددة بدأت بحديث الدار في السنة الثالثة للبعثة وتوّجت في واقعة غدير خم، أمام ذلك الحشد الهائل من الصحابة، وفي ذلك اليوم المميز بكل شي ء، وأهم ميزاته كونه اليوم الذي اكتمل فيه الدين، وتمّت به النعمة بتنصيب علي(ع) إماماً وخليفة على رؤوس الأشهاد، بأمر من الله تعالى؛ لتتمّ بذلك حلقات الدين الإسلامي، وتكتمل فصوله؛
ص: 8
ليعلن ذلك البارئ سبحانه بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَليْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا (1).
إن حديث الغدير من الأحاديث التي قلّ نظيرها في الشهرة وكثرة الطرق ووسعتها، فقد ورد هذا الحديث بطرق كثيرة، وأسانيد صحيحة، ونقله جم غفير من علماء أهل السنة عن عدد كبير من الصحابة، بل ادّعى عدد منهم تواتر الحديث، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك، ولكنه ومما يؤسف له، فإن البعض أخذ يثير الشبهات والتشكيكات حول هذا الحديث تارة في صحة أسانيده، وأخرى في دلالة ألفاظه على الإمامة وثالثة بأن حديث الرسول(عليهما السلام) لم يأت لتنصيب علي(ع) إماماً وولياً وخليفة على المسلمين، وإنما جاء جواباً عن شكوى صدرت من بعض المسلمين ضد علي(ع) من الجيش الذي بعثه رسول الله(عليهما السلام) إلى اليمن، وأمّر عليه علياً(ع)، وأراد رسول الله(عليهما السلام) في جوابه هذا أن يزيل ما علق في نفوسهم تجاه علي(ع)، ويبيّن مكانته ويثبت محبته في قلوبهم، وليس في الحديث ما يدلّ على الإمامة، كما يدّعي الشيعة.
ص: 9
ونحن في هذا الكتاب سوف نتعرض في بداية الأمر إلى طرق الحديث إجمالًا، ثم ننقل بعض ألفاظه وطرقه مع شهادات علماء أهل السنة بصحتها، ونشير أيضاً إلى شهرته وبلوغه حدّ التواتر، ثم نجيب عن شبهة شكوى جيش اليمن ضدّ أمير المؤمنين(ع).
ص: 10
ص: 11
ورد حديث الغدير بألفاظ مختلفة، وأسانيد وطرق متعددة تتجاوز حدّ الإحصاء بحيث أخرجه كبار الأعلام من محدّثي أهل السنة عن أكثر من مائة صحابي (1) فالحديث على سبيل المثال:
ينتهي إلى أبي الطفيل عن سبعة عشر رجلًا (2).
وينتهي إلى عميرة عن ثمانية عشر رجلًا (3).
وينتهي إلى زيد بن أرقم عن ستّة عشر رجلًا (4).
وينتهي إلى زياد بن أبي زياد عن اثني عشر بدريّاً.
وينتهي إلى زاذان عن ثلاثة عشر رجلًا، وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن اثني عشر رجلًا.
وينتهي إلى عبد خير وعمرو ذي مُرّة وحَبَّة العُرَني، عن اثني عشر رجلًا (5).
وينتهي إلى أبي قِلابة، عن بضعة عشر رجلًا (6).
ص: 12
وإلى أبي هريرة وأنس وأبي سعيد عن تسعة رجال (1).
قال الأميني في كتابه(الغدير): «وقد رواه أحمد بن حنبل من أربعين طريقاً، وابن جرير الطبري من نيّف وسبعين طريقاً، وابن عقدة من مائة وخمس طرق، وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقاً، وأبو بكر الجُعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً، وفي تعليق هداية العقول(ص 30) عن الأمير محمد اليمني أحد شعراء الغدير في القرن الثاني عشر: أنّ له مائة وخمسين طريقاً» (2).
وقال في موضع آخر: «وقال العلوي الهدّار في القول الفصل(1/ 445): كان الحافظ أبو العلاء العطّار الهمداني يقول: أروي هذا الحديث بمائتين وخمسين طريقاً» (3).
والمصادر السنّية التي أخرجت الحديث بطرق متضافرة كثيرة جدّاً، كابن عساكر الذي أخرج في تاريخه أكثر من مائة حديث بألفاظ وطرق وأسانيد مختلفة، وأخرج الطبراني في معاجمه أكثر من أربعين حديثاً مختلفة أيضاً متناً وسنداً، كما جمع الهيثمي في مجمع الزوائد أكثر من ثلاثين حديثاً
ص: 13
بالوصف المذكور، وجمع أيضاً المتقي الهندي في الكنز أكثر من ثلاثين حديثاً كلّها قد تعرّضت لواقعة الغدير.
وأخرج النسائي في الخصائص والسنن الكبرى ما يزيد على خمسة وثلاثين حديثاً.
وأخرج أحمد في المسند والفضائل ما يربو على الثلاثين حديثاً.
وصحح الحاكم في مستدركه ما يزيد على العشرة أحاديث، وهكذا هو حال بقية المحدّثين وأرباب المجامع الروائية.
وقد ألّف بعض العلماء كتباً في جمع طرق حديث الغدير، منهم:
أبو العباس بن عقدة، قال عنه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: «وأما حديث(من كنت مولاه فعلي مولاه) فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان» (1).
وقال أيضاً في معرض كلامه عن حديث الغدير: «واعتنى
ص: 14
بجمع طرقه أبو العباس ابن عقدة، فأخرجه من حديث سبعين صحابياً أو أكثر» (1).
ومحمد بن جرير الطبري، قال عنه الذهبي: «رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير، فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق» (2).
وقال الذهبي أيضاً في سير أعلام النبلاء عند ترجمته للطبري: «قلت: جَمَعَ طرق حديث غدير خم في أربعة أجزاء، رأيت شطره، فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك» (3)، كما قال ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة الطبري: «أبو جعفر بن جرير الطبري ... وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين، وكتاباً جمع فيه طريق حديث الطير» (4).
ص: 15
وقال أيضاً في تذكرة الحفّاظ، «وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً قد أفردتها بمصنّف، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل، وأما حديث(من كنت مولاه) فله طرق جيّدة، وقد أفردت ذلك أيضاً» (1).
هناك عدد من الألفاظ والطرق لحديث الغدير حكم عليها العلماء بالصحة بخصوصها بحيث أصبح من الصعوبة تضعيفها والتشكيك بصدورها؛ لذا عندما شكك ابن تيمية في سند بعض ألفاظه، وحكم بكذب بعض- حين قال: «وأما قوله:(من كنت مولاه فعلي مولاه) فليس هو في الصحاح، لكن هو مما رواه أهل العلم، وتنازع الناس في صحته ... وأما الزيادة وهي قوله:(اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله) فلا ريب أنه كذب» (2)- لم يقبل ذلك منه العلماء والمحدثون، واعتبروا ذلك سوء تقدير منه وتسرّع، قال الألباني: «فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنني رأيت شيخ
ص: 16
الإسلام ابن تيمية قد ضعّف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر فزعم أنه كذب، وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها، والله المستعان» (1).
وإليك بعض ألفاظ وطرق الحديث الصحيحة والمعتبرة:
أخرج الترمذي في سننه بسنده عن النبي(عليهما السلام)، قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال أبو عيسى: «هذا حديث حسن صحيح» (2).
وقد أدرجه الألباني في صحيح سنن الترمذي، قائلًا: «صحيح» (3)، وذكره أيضاً في كتابه(سلسلة الأحاديث الصحيحة)، حيث قال: «أخرجه الترمذي، قال: حديث حسن صحيح، قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين» (4).
ص: 17
وقد أخرج هذا الحديث أيضاً بألفاظه أحمد بن حنبل في مسنده بسند صحيح (1)، قال عنه الهيثمي في زوائده: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح» (2)، وقد صحح هذا الحديث كلّ من حقّق كتاب المسند وعلّق عليه، منهم شعيب الأرنؤوط، قال: «إسناده صحيح» (3)، ومنهم حمزة أحمد الزين، حيث قال أيضاً: «إسناده صحيح» (4).
وهكذا أخرج ابن ماجة في سننه بسند صحيح، عن سعد بن أبي وقاص، قال: «قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه سعد، فذكروا علياً، فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا الرجل، سمعت رسول الله(عليهما السلام) يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه» (5)، قال الألباني في حكمه على هذا الحديث من السنن: «صحيح» (6).
ص: 18
وأخرج أحمد في مسنده بسند صحيح عن رياح بن الحرث، قال: «جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يوم غدير خم يقول:(من كنت مولاه فإن هذا مولاه) قال رياح: فلما مضوا تبعتهم، فسألت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري» (1).
قال حمزة أحمد الزين في تعليقه على الحديث: «إسناده صحيح» (2)، وقال الهيثمي في حكمه على الحديث: «ورجال أحمد ثقات» (3)، وقال شعيب الأرنؤوط في الحديث: «إسناده صحيح» (4)، وقال الألباني حول الحديث: «وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات» (5).
ص: 19
أخرج ابن ماجة في سننه بسند صحيح أيضاً، عن البراء بن عازب، قال: «أقبلنا مع رسول الله(عليهما السلام) في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي رضي الله عنه، فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فهذا وليّ من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه» (1)، وقال الألباني أيضاً في حكمه على الحديث: «صحيح» (2).
ص: 20
وأخرج النسائي في الخصائص بسند صحيح عن زيد بن أرقم، قال: «لما رجع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات (1)، فقمن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت، إني تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي، فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وسلم)؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه» (2).
وقد أخرج الحاكم في المستدرك هذا الحديث بالسند ذاته، وقال عنه: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله» وسكت عنه الذهبي في التلخيص (3)، وقال
ص: 21
ابن كثير بعد أن أخرج الحديث: «قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح» (1)، وقد وافق الألباني الحاكم، وأقرّه على أن هذا الحديث على شرط الشيخين، بقوله في السلسلة الصحيحة: «وهو كما قال» ثم أضاف: «لو لا أن حبيباً كان مدلّساً» (2).
ولا أدري ما هي قيمة هذا الاستثناء، بعد أن كان حبيب بن أبي ثابت من رجال البخاري ومسلم، بل روى له الستة واحتجّوا بحديثه، فقد احتج البخاري بحديثه في كتاب الصوم (3)، وكذا في كتاب البيوع، وكتاب الجهاد والسير، وكتاب بدء الخلق، وكتاب المناقب، وكتاب المغازي، وكتاب التفسير، وكتاب الطب، وكتاب الفتن وغيرها من الكتب (4).
كما احتج بحديثه أيضاً مسلم في صحيحه في كتاب
ص: 22
الصلاة (1)، وكتاب الجنائز، وكتاب الزكاة، وكتاب الصوم، وكتاب الحج، وكتاب الجهاد والسير، وكتاب السلام وغيرها من الكتب (2).
وقال عنه الذهبي في الكاشف: «كان ثقة مجتهداً فقيهاً» (3)، كما قال عنه أيضاً في السير إنه: «الإمام الحافظ، فقيه الكوفة» (4)، كما قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: «من ثقات التابعين ... قلت: وثّقه يحيى بن معين وجماعة، واحتجّ به كل من أفراد الصحاح بلا تردد» (5).
وفي تهذيب التهذيب قال ابن حجر: «وقال ابن عدي: هو أشهر وأكثر حديثاً من أن أحتاج أذكر من حديثه شيئاً، وقد حدّث عن الأئمة، وهو ثقة حجة، كما قال ابن معين» (6).
ص: 23
والسؤال المطروح في هذا المجال: هو أن الألباني لماذا يذكر مسألة التدليس لتضعيف الرواية، ويُغفل تلك التوثيقات، وينسى أن حبيباً من رجال الستة؟ فهل أن رجال البخاري ومسلم جازوا القنطرة إلّا في أحاديث فضائل علي(ع)؟!
روى ابن كثير في البداية والنهاية، عن ابن جرير قال:) ثنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء، ثنا محمد بن خالد بن عثمة، ثنا موسى بن يعقوب الزمعي وهو صدوق، حدثني مهاجر بن مسمار، عن عائشة بنت سعد، سمعت أباها يقول: «سمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقول يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب، ثم قال: أيها الناس إني وليكم؟ قالوا: صدقت، فرفع يد علي، فقال: هذا ولييّ والمؤدّي عنّي، وإن الله موالي من والاه ومعادي من عاداه» ثم قال ابن كثير: «قال شيخنا الذهبي: وهذا حديث حسن غريب» وتابع قائلًا: «ثم رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر بن أبي كبير، عن مهاجر بن مسمار، فذكر الحديث، وأنه(ع) وقف حتى لحقه من بعده وأمر بردّ
ص: 24
من كان تقدّم، فخطبهم، الحديث» (1).
قال ابن حجر في المطالب العالية: «وقال إسحاق أخبرنا أبو عامر العقدي، عن كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي(رضي الله عنه) قال: إن النبي(صلى الله عليه وسلم) حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذاً بيد علي(رضي الله عنه)، قال: ألستم تشهدون أن الله تبارك وتعالى ربكم؟ قالوا: بلى، قال(صلى الله عليه وسلم): ألستم تشهدون أن الله- عز وجل- ورسوله أولى بكم من أنفسكم وأن الله تعالى ورسوله أولياؤكم؟ فقالوا: بلى، قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإنّ هذا مولاه، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله تعالى سببه بيده، وسببه بأيديكم، وأهل بيتي»، ثم قال ابن حجر: «هذا إسناد صحيح، وحديث غدير خم قد أخرجه النسائي من رواية أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم وعلي وجماعة من الصحابة(رضي الله عنهم) وفي هذا زيادة ليست هناك،
ص: 25
وأصل الحديث أخرجه الترمذي أيضاً» (1).
وقال البوصيري في تعليقه على الحديث: «رواه إسحاق بسند صحيح» (2).
أخرج الخطيب البغدادي بسنده، قال: «أنبأنا عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، حدثنا علي بن سعيد الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي(صلى الله عليه وسلم) بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست ولي المؤمنين، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ
ص: 26
بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبرئيل(ع) على محمد(صلى الله عليه وسلم) بالرسالة».
قال الخطيب: «اشتهر هذا الحديث من رواية حبشون، وكان يقال: إنه تفرد به، وقد تابعه عليه أحمد بن عبد الله بن النيري، فرواه عن علي بن سعيد، أخبرنيه الأزهري، حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي ميمي، حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد بن العباس بن سالم بن مهران المعروف بابن النيري إملاءً، حدثنا علي بن سعيد الشامي، حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن بن شوذب، عن مطر، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمانية عشرة من ذي الحجة، وذكر مثل ما تقدم أو نحوه» (1).
وهذه الرواية طريقها صحيح فإن ابن بشران من شيوخ الخطيب البغدادي، وقال عنه: «كتبت عنه وكان سماعه
ص: 27
صحيحاً» (1)، وأما علي بن عمر الحافظ، فهو الدارقطني صاحب السنن، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: «قال أبو بكر الخطيب: كان الدارقطني فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال، مع الصدق والثقة» (2).
وأما حبشون الخلال، فقال عنه الخطيب: «وكان ثقة يسكن باب البصرة» ثم قال: «أنبأنا الأزهري، أنبأنا علي بن عمر الحافظ [الدارقطني] قال: حبشون بن موسى بن أيوب الخلال صدوق» (3).
وأما علي بن سعيد الرملي، فهو ابن أبي حملة، قال عنه الذهبي في الميزان: «ما علمت به بأساً، ولا رأيت أحداً الآن تكلّم فيه، وهو صالح الأمر، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة مع ثقته» (4)، وتابعه ابن حجر في لسان الميزان قائلًا: «وإذا كان ثقة ولم يتكلم فيه أحد فكيف نذكره في
ص: 28
الضعفاء؟!» (1).
وقال عنه الذهبي في موضع آخر في الميزان: «يتثبت في أمره، كأنه صدوق» (2).
وأما ضمرة بن ربيعة، فقال عنه أحمد بن حنبل: «من الثقات المأمونين، رجل صالح، صالح الحديث، لم يكن بالشام رجل يشبهه» (3).
وأما عبد الله بن شوذب، قال عنه ابن حجر: «سكن البصرة والشام، صدوق عابد» (4)، وأما مطر الوراق، فقال عنه الذهبي: «الإمام الزاهد الصادق، أبو رجاء بن طهمان الخراساني، نزيل البصرة، مولى علباء بن أحمر اليشكري، كان من العلماء العاملين، وكان يكتب المصاحف، ويتقن ذلك» (5)، وقال في
ص: 29
الميزان: «فمطر من رجال مسلم، حسن الحديث» (1).
وأما شهر بن حوشب، فهو من رجال مسلم، وفي تاريخ الإسلام للذهبي: «قال حرب الكرماني: قلت لأحمد بن حنبل: شهر بن حوشب، فوثّقه، وقال ما أحسن حديثه، وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: شهر ليس به بأس. قال الترمذي: قال محمد، يعني البخاري: شهر حسن الحديث، وقوي أمره» (2).
وقال العجلي في معرفة الثقات: «شهر بن حوشب شامي، تابعي، ثقة» (3).
إذن فهذا الحديث بالألفاظ المذكورة عن أبي هريرة لا إشكال في سنده.
ص: 30
ناشد أمير المؤمنين(ع) في زمن خلافته الصحابة الذين سمعوا حديث الغدير من النبي(عليهما السلام) أن يحدثوا به المسلمين؛ وذلك عندما جمعهم في الرحبة (1)، فقد أخرج أحمد في مسنده أيضاً، بسند صحيح، عن حسين بن محمد وأبي نعيم، قالا: «حدثنا فطر، عن أبي الطفيل، قال: جمع علي- رضي الله تعالى عنه- الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقول يوم غدير خم ما سمع لمّا قام، فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير، فشهدوا: حين أخذ بيده، فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت علياً- رضي الله تعالى عنه- يقول: كذا وكذا، قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقول ذلك له» (2).
ص: 31
قال الهيثمي بعد أن أورد الحديث: «رواه البزار وأحمد ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة وهو ثقة» (1)، وقال حمزة أحمد الزين: «إسناده صحيح» (2).
وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على الحديث: «إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير فطر بن خليفة فمن رجال أصحاب السنن، وروى له البخاري مقروناً» (3)، وقال الألباني في سلسلته الصحيحة: «أخرجه أحمد(4/ 370) وابن حبان في صحيحه(2205- موارد الظمآن)، وابن أبي عاصم(1367 و 1368) والطبراني(4968) والضياء في المختارة(رقم- 527 بتحقيقي)» ثم قال: «قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري» (4).
حديث الغدير ليس من الأحاديث الصحيحة فحسب، بل هو من الأحاديث المشهورة والمستفيضة، بل المتواترة التي
ص: 32
تفيد القطع بصدور مضمونها عن النبي الأكرم(عليهما السلام)، فبالإضافة إلى أن كل من يطالع طرق وأسانيد حديث الغدير يجزم بتواتر الحديث ويقطع بصدور مضمونه، فإن جملة وافرة من علماء أهل السنة صرّحوا بتواتر الحديث، وكثرة طرقه، وشهرته حتى قال الذهبي: «فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق»، ونشير فيما يلي إلى بعض أقوالهم في هذا المجال:
1- ما نقله ابن كثير عن الذهبي في معرض كلامه عن حديث الغدير، حيث قال: «وصدر الحديث(من كنت مولاه فعلي مولاه) متواتر، أتيقّن أن رسول الله(صلى اللّه عليه وسلم) قاله، وأما(اللهم وال من والاه) فزيادة قوية الإسناد» (1).
2- قال الهيتمي في الصواعق المحرقة عند كلام له حول حديث الغدير: «إنه حديث صحيح لا مرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وطرقه كثيرة جدّاً، ومن ثم رواه ستة عشر صحابياً، وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي(صلى اللّه عليه وسلم) ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته، كما مرّ وسيأتي، وكثير من أسانيدها
ص: 33
صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته» (1).
3- قال الملّا علي القاري في المرقاة: «والحاصل: أن هذا الحديث صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفّاظ عدّه متواتراً، إذ في رواية لأحمد أنه سمعه من النبي(عليهما السلام) ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لمّا نوزع أيام خلافته» (2).
4- ما تقدّم عن الذهبي، حيث قال: «فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك» (3).
5- قال العجلوني في كتابه(كشف الخفاء): «(من كنت مولاه فعلي مولاه)، رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة، عن زيد بن أرقم وثلاثين من الصحابة، بلفظ(اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)، فالحديث متواتر أو مشهور» (4).
6- قال الأمير الصنعاني (5) في كتابه(توضيح الأفكار):
ص: 34
«حديث(من كنت مولاه فعلي مولاه) أخرجه جماعة من أئمة الحديث، منهم أحمد والحاكم من حديث ابن عباس، وابن أبي شيبة وأحمد من حديث ابن عباس، عن بريدة وأحمد بن ماجة، عن البراء، والطبراني وابن جرير وأبو نعيم، عن جندع الأنصاري، وابن قانع، عن حبشي بن جنادة، وأخرجه أئمة لا يأتي عليهم العدّ، عن جماعة من الصحابة، وقد عدّه أئمة من المتواتر» (1).
7- قال الفقيه المحدث الكتاني في كتابه(نظم المتناثر في الحديث المتواتر): «وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي(صلى الله عليه وسلم) ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته، وممن صرح بتواتره أيضاً المناوي في التيسير نقلًا عن السيوطي، وشارح المواهب اللدنيّة وفي الصفوة للمناوي» (2).
8- قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد: «قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، له شواهد كثيرة تبلغ
ص: 35
حدّ التواتر» (1).
9- ما تقدّم في عبارة الألباني، حيث قال: «وجملة القول أن حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأول متواتر عنه(صلى الله عليه وسلم)، كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه» (2).
10- قال أبو المظفّر سبط ابن الجوزي الحنفي: «اتّفق علماء السير على أنّ قصّة الغدير كانت بعد رجوع النبي(صلى عليه وسلم) من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجّة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرون ألفاً، وقال:(من كنت مولاه فعلي مولاه) الحديث، نص(صلى عليه وسلم) على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة» (3).
وقد أثبت العلّامة الأميني في كتابه الغدير أسماء ثلاثة وأربعين نفراً من شخصيّات وعلماء أهل السنّة، ممّن صرّحوا بصحّة حديث الغدير أو تواتره (4).
ص: 36
والحاصل: أن من يلاحظ طرق حديث الغدير يحصل له القطع والجزم بصدوره عن النبي(عليهما السلام)؛ وذلك لتواتره بالإضافة إلى صحّته.
ص: 37
ومن يطالع حديث الغدير بألفاظه المختلفة، وينظر إليها بعين الإنصاف والموضوعية، يرى أنها قد تضمّنت ألفاظاً وشواهد كثيرة، كلّها تثبت مقام الولاية والإمامة والخلافة لعلي(ع) بعد رسول الله(عليهما السلام)، ونحاول فيما يلي الإشارة إلى بعض تلك الألفاظ والشواهد:
إن النبي(عليهما السلام) قد خاطب الصحابة والمسلمين في خطبة الغدير، قائلًا: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه»، وفي لفظ آخر: «إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ... من كنت وليه فهذا وليه»، وفي لفظ ثالث: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»، ويشير النبي(عليهما السلام) في هذا المقطع من حديثه إلى قول الله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ (1)، وولاية النبي(عليهما السلام) في هذه الآية المباركة بمعنى أنه الأحقّ والأولى بأمور المسلمين وشؤونهم من
ص: 38
أنفسهم، وهذا ما يؤكّده أعلام المفسرين من أهل السنة، ونذكر في هذا المجال بعض كلماتهم في تفسير الآية المباركة:
1- قال الطبري في تفسيره للآية: «يقول: أحق بالمؤمنين به من أنفسهم، أن يحكم فيهم بما شاء من حكم، فيجوز ذلك عليهم، كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما أنت أولى بعبدك، ما قضى فيهم من أمر جاز، كما كلّما قضيت على عبدك جاز» (1).
2- قال ابن كثير في تفسيره: «قد علم الله تعالى شفقة رسول الله(عليهما السلام) على أمته ونصحه لهم، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم مقدّماً على اختيارهم لأنفسهم، كما قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً» (2).
3- قال البغوي في تفسيره، بعد ذكر الآية: «يعني من
ص: 39
بعضهم ببعض في نفوذ حكمه فيهم، ووجوب طاعته عليهم، وقال ابن عباس وعطاء: يعني إذا دعاهم النبي(عليهما السلام) ودعتهم أنفسهم إلى شي ء كانت طاعة النبي(عليهما السلام) أولى بهم من أنفسهم» (1).
4- قال ابن الجوزي في تفسيره: «أي: أحق، فله أن يحكم فيهم بما يشاء، قال ابن عباس: إذا دعاهم إلى شي ء، ودعتهم أنفسهم إلى شي ء، كانت طاعته أولى من طاعة أنفسهم، وهذا صحيح؛ فإن أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم والرسول [عليه السلام] يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم» (2)، والعبارة ذاتها أوردها الخازن في تفسيره (3).
5- قال النسفي في تفسيره للآية: «أي أحق بهم في كل شي ء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، فعليهم أن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه» (4).
6- قال الشوكاني في فتح القدير، بعد أن ذكر عبارة قريبة
ص: 40
من عبارة النسفي المتقدمة: «وبالجملة: فإذا دعاهم النبي(صلى الله عليه وسلم) لشي ء ودعتهم أنفسهم إلى غيره وجب عليهم أن يقدّموا ما دعاهم إليه ويؤخّروا ما دعتهم أنفسهم إليه، ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم، ويقدّموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم وتطلبه خواطرهم» (1).
والمضمون ذاته ذكره الصابوني في تفسيره (2).
7- قال القاضي عياض في كتابه(الشفا): «قال أهل التفسير(أولى بالمؤمنين من أنفسهم): أي ما أنفذه فيهم من أمر فهو ماض عليهم، كما يمضي حكم السيد على عبده» (3).
وهذه الأولوية على المؤمنين، التي تعني الأحقّ بالأمر والأولى في الطاعة ووجوب الاتباع والانصياع، هي التي أثبتها النبي(عليهما السلام) لعلي(ع) في حديث الغدير؛ وذلك لأن النبي(عليهما السلام) قد جعل ولاية علي(ع) على المؤمنين متفرّعة عن ولايته(عليهما السلام)، حيث قال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟
ص: 41
قالوا: بلى، قال: فهذا وليّ من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه»، قال الألباني في حكمه على الحديث: «صحيح» (1).
وقال في لفظ آخر للحديث: «أن النبي(صلى الله عليه وسلم) قام بحضرة الشجرة بخم، وهو آخذ بيد علي، فقال: أيها الناس! ألستم تشهدون أن الله ربكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: وأن الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فإن هذا مولاه» (2) قال الألباني في تقييمه لطريق الحديث: «حسن» (3).
والتفريع بالفاء في سياق الحديث صريح في أن المراد إثبات ولاية النبي(عليهما السلام) على المؤمنين لعلي(ع)، وهذا صريح في أن الحديث بصدد إثبات وجوب الانقياد والطاعة لعلي(ع)؛ وذلك لأن ولاية النبي(عليهما السلام) هي ولاية طاعة
ص: 42
وانقياد وتسليم بصريح الآيات القرآنية، وأقوال المفسرين المتقدّمة.
وكأن النبي(عليهما السلام) يريد أن يقول بأن ولايتي عليكم، التي أثبتها الله تعالى لي في القرآن الكريم، والتي هي ولاية إطاعة وتسليم، هي بعينها وبذاتها وبجميع خصائصها ثابتة لعلي(ع).
إن الأحاديث الصحيحة تنصّ على نزول قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (1) في واقعة الغدير قبل خطبة النبي الأكرم(عليهما السلام)، وهذا ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: «نزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ في علي بن أبي طالب» (2).
وقد التزم ابن أبي حاتم في مقدّمة تفسيره بإخراج أصح
ص: 43
الأخبار إسناداً، حيث قال: «فتحريت إخراج ذلك بأصح الأخبار إسناداً وأثبتها متناً» (1).
وقال ابن تيمية في معرض حديثه عن مثل هذه التفاسير: «باتفاق أهل النقل من أئمة أهل التفسير، الذين ينقلونها بالأسانيد المعروفة كتفسير ابن جريج، وسعيد بن أبي عروبة، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وأحمد، وإسحاق، وتفسير بقي بن مخلد، وابن جرير الطبري، ومحمد بن أسلم الطوسي، وابن أبي حاتم وأبي بكر بن المنذر، وغيرهم من العلماء الأكابر الذين لهم في الإسلام لسان صدق، وتفاسيرهم متضمّنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير» (2).
وأخرج هذا الحديث أيضاً الواحدي في أسباب النزول بسنده عن أبي سعيد الخدري أيضاً، وقال فيه: «نزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ في يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه» (3).
ص: 44
وقد التزم الواحدي (1) أيضاً في مقدّمة كتابه بنقل ما هو صحيح وحقّ من الروايات، حيث قال بعد أن انتقد من يكتب في مجال أسباب النزول عن غير علم: «وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن والمتكلمون في نزول [هذا] القرآن، فيعرفوا الصدق، ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجدّوا في تحفّظه بعد السماع والطلب» (2).
وأخرج ابن عساكر الحديث بنفس السند والمضمون (3).
وسند الحديث كالتالي: «أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر، نا
ص: 45
أبو حامد الأزهري، نا أبو محمد المخلّدي، أنا محمد بن إبراهيم الحلواني، نا الحسن بن حمّاد سجادة، نا علي بن عابس، عن الأعمش وأبي الجحّاف، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري» وهؤلاء كلّهم ثقات.
أما أبو بكر وجيه بن طاهر:
فقد قال عنه الذهبي: «الشيخ العالم العدل، مسند خراسان، أبو بكر أخو زاهر، الشحّامي النيسابوري، من بيت العدالة والرواية» (1).
وأما أبو حامد الأزهري:
ذكره الذهبي بقوله: «العدل المسند الصدوق، أبو حامد، أحمد بن الحسن بن محمد بن أزهر الأزهري النيسابوري الشروطي، من أولاد المحدثين ... وله أصول متقنة، حدّث عنه زاهر ووجيه ابنا طاهر» (2).
وأما أبو محمد المخلّدي:
فقد قال عنه الذهبي: «الإمام الصادق المسند ... العدل، شيخ العدالة، وبقية أهل البيوتات» (3).
ص: 46
وأما محمد بن إبراهيم الحلواني:
فقد ذكره الخطيب البغدادي بقوله: «أبو بكر الحلواني، قاضي بلخ، سكن بغداد وحدّث بها ... وكان ثقة» (1).
وأما الحسن بن حماد سجّادة:
فقد قال عنه الذهبي: «ثقة صاحب سنة» (2)، وقال عنه ابن حجر: «صدوق من العاشرة» (3).
وأما علي بن عابس:
فقد أخرج له أحمد في مسنده روايات عديدة (4)، وأخرج له الترمذي في مسنده، ولم يضعّف ما أخرجه عنه من حديث، وإنما قال عنه غريب، وغرابته من جهة مسلم الأعور فحسب، حيث قال بعد أن أخرج حديثاً عن علي بن عابس: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسلم الأعور، ومسلم الأعور ليس عندهم بذلك القوي» (5).
ص: 47
كما أخرج له الحاكم أيضاً في المستدرك في جملة من الموارد (1).
وقال المزّي في تهذيب الكمال عند ترجمة علي بن عابس: «وقال أبو أحمد بن عدي: له أحاديث حسان» (2).
وأخرج له الدارقطني في سننه، وقال عنه: «كوفي يعتبربه» (3).
وقد جعل ابن حجر لفظ(يعتبر به) في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل، فهو بعد أن جعل مراتب التجريح ثلاثة أقسام، ومثلها مراتب التعديل، قال: «وأدناها [أي أدنى مراتب التعديل] ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح، كشيخ ويروي حديثه، ويعتبر به ونحو ذلك، وبين ذلك مراتب لا تخفى» (4).
وقد ذكر الزبيدي في(البلغة) أن لفظ(يعتبر به) من ألفاظ
ص: 48
التعديل، فهو بعد أن ذكر أربع مراتب من مراتب التعديل جعل هذا اللفظ من المرتبة الثالثة، حيث قال: «ويليها: محلّه الصدق، روي عنه، شيخ، يروى حديثه، يعتبر به، وسط صالح الحديث، مقارب الحديث، جيد الحديث، حسن الحديث» (1)، فجعل هذه الألفاظ كلّها في مرتبة واحدة من مراتب التعديل.
فعلي بن عابس لم يضعّفه القوم إلا من جهة ما يرويه من أحاديث في فضائل علي(ع) والتي وسموها بالغرائب والمناكير، أمثال(حديث الطير) وحديث(وقعة فدك)، وهذا الحديث الذي نحن بصدده (2).
وأما أبو الجحّاف:
فقد قال عنه الذهبي: «وثقه أحمد، ويحيى، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، قليله» (3).
وأما عطية العوفي:
ص: 49
فقد روى له البخاري في الأدب المفرد، وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجة، وقال عنه ابن حجر في التقريب: «صدوق يخطئ كثيراً» (1).
وقال المزّي في ترجمته لعطية العوفي: «وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: صالح» (2)، وقد أخرج له أحمد في مسنده روايات كثيرة، وقال الهيثمي عندما أخرج حديثاً في فضل الصوم عن عطية العوفي: «رواه أحمد وفيه عطية بن سعيد، وفيه كلام، وقد وثّق» (3).
وقال الملّا علي القاري في شرحه لمسند أبي حنيفة عند تعليقه على طرق بعض الروايات: «ذكر إسناده عن عطية بن سعد العوفي، وهو من أجلاء التابعين» (4).
وقال ابن حجر: «وقال ابن سعيد: خرج عطية مع ابن الأشعث، فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم أن يعرضه على سبّ علي، فإن لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحيته، فاستدعاه فأبى أن يسب، فأمضى حكم الحجاج فيه، ثم خرج
ص: 50
إلى خراسان، فلم يزل بها حتى ولي عمر بن هبيرة العراق فقدمها، فلم يزل بها إلى أن توفي سنة(11) [بعد المائة]، وكان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة» (1).
وقال الذهبي في تعليقه على ما فعله الحجاج في عطية العوفي: «وكان شيعياً رحمه الله، ولا رحم الحجاج» (2).
وقد أخرج له الترمذي في سننه روايات عديدة، وقال في تعليقه على بعض الأحاديث التي وقع في طريقها عطية العوفي: «هذا حديث حسن غريب» (3)، وقد حسّن له أحاديث أخرى، قال عنها: «هذا حديث حسن» (4)، بل إن الترمذي صحح لعطية العوفي جملة من الأحاديث في أبواب صفة الجنة، وقال عنها: «هذا حديث حسن صحيح» (5).
وبعد هذا التوثيق والتعديل للتابعي الكبير عطية العوفي، لا قيمة لما ورد من تضعيف وجرح مبهم غير مفسّر في بعض
ص: 51
الكلمات؛ لأنه قد تقرّر في قواعد علوم الحديث أن الراوي إذا ورد في حقّه جرح وتعديل، وكان الجرح مبهماً وغير مفسّر ينبغي ردّه وعدم الاعتناء به، والأخذ بالتعديل الذي جاء في حقّه.
قال ابن حجر: «والجرح مقدّم على التعديل، وأطلق جماعة، ولكن محلّه: إن صدر مبيّناً من عارف بأسبابه؛ لأنه إن كان غير مفسّر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته، وإن صدر من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به أيضاً» (1).
ولعل الذين جرحوا عطية العوفي وطعنوا في وثاقته، لم يتقبّلوا منه رفضه لأوامر السلطان، وامتناعه عن سبّ علي(ع).
وقد أخرج الثعلبي نزول آية البلاغ في يوم الغدير في حقّ علي(ع) بأربعة طرق، فلاحظ (2).
والحاصل: أن هذا الطريق للحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم والواحدي وابن عساكر وغيرهم صحيح الإسناد، ورجاله
ص: 52
كلّهم ثقات، وهو يتضمّن نزول قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ في علي(ع) في يوم الغدير بعد حجّة الوداع، وفي نزول هذه الآية المباركة في تلك الواقعة دليل واضح على أنها جاءت لتأكيد أمر في غاية الأهمية والخطورة، بحيث يجب على النبي الأكرم(عليهما السلام) تبليغه في يوم الغدير، حيث تبيّن الآية أن ما وقع في يوم الغدير لو لم يفعله النبي(عليهما السلام) فلا يكون قد بلّغ رسالة الإسلام، وليس ذلك إلا لانهدام ركن الإمامة والولاية الذي تتوقف عليه ديمومة الإسلام واستمراره، فترك تنصيب علي بن أبي طالب(ع) للولاية على الأمة مساوق لترك تبليغ الرسالة بكاملها؛ لأن الإمامة الإلهية بعد النبي(عليهما السلام) هي التي تتكفل قيادة الأمة من الناحية الدينية والسياسية والحكومية ونحوها.
إن الأحاديث الصحيحة تنصّ أيضاً على نزول قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) بعد خطبة الغدير، وهذا ما
ص: 53
تقدّم إخراجه بسند صحيح عن أبي هريرة، حيث قال: «لما أخذ النبي(صلى الله عليه وسلم) بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فانزل الله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» (1).
ونزول هذه الآية المباركة بعد حديث الغدير من الأدلة الواضحة على أن المراد من قول النبي(عليهما السلام): «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» هو إثبات الإمامة والخلافة لعلي(ع) من بعده(عليهما السلام)؛ إذ لا يوجد ما يصلح لإكمال الدين وإتمام النعمة في حديث الغدير إلا مقام الخلافة والإمامة في الأمة؛ لأن الإمامة تعني حفظ الدين وقيادة الأمة والدفاع عن حريم الرسالة الإسلامية بعد وفاة النبي(عليهما السلام).
بعد أن أورد ابن كثير في تفسيره رواية عمر بن الخطاب- الآتي ذكرها- والتي تتعرض لسبب نزول آية الإكمال،
ص: 54
وأنه بعرفة يوم الجمعة، قال: «وقال ابن جرير: وقد قيل ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس، ثم روى من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يقول: ليس بيوم معلوم عند الناس، قال: وقد قيل: إنها نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في مسيره إلى حجة الوداع، ثم رواه من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس. قلت: وقد روى ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يوم غدير خم حين قال لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم رواه عن أبي هريرة، وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة يعني مرجعه(عليه السلام) من حجة الوداع. ولا يصح لا هذا ولا هذا، بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية أنها أنزلت يوم عرفة وكان يوم جمعة» (1).
وقال ابن كثير أيضاً في سيرته وتاريخه: «فأما الحديث الذي رواه ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: لما أخذ رسول الله(صلى الله
ص: 55
عليه وسلم) بيد علي قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خم، من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً. فإنه حديث منكر جداً، بل كذب؛ لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة، ورسول الله(صلى الله عليه وسلم) واقف بها» (1).
الجواب عن هذه الشبهة:
إن ردّ ابن كثير للحديث النبوي الصحيح الوارد في بيان سبب نزول الآية المباركة، اعتماداً على ما رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب، من أن الآية نزلت في يوم عرفة، لا يخلو من تعارض وتضادّ مع سنّة النبي(عليهما السلام) الثابتة بطرق صحيحة ومعتمدة، وذلك لما تقدّم من صحّة حديث أبي هريرة.
ص: 56
إن الذي يشهد على عدم صحة كلام ابن كثير، هو أن الآية أو السورة قد يتكرر نزولها أكثر من مرة؛ لأسباب كثيرة، كتعظيم شأنها، أو تعدّد أسباب نزولها أو نحو ذلك.
وقد صرّح العلماء بذلك في مباحث علوم القرآن، قال الزركشي في كتابه(البرهان): «وقد ينزل الشي ء مرتين تعظيماً لشأنه، وتذكيراً به عند حدوث سببه، خوف نسيانه؛ وهذا كما قيل في الفاتحة نزلت مرتين، مرة بمكة وأخرى بالمدينة» (1).
ثم استشهد الزركشي على صحّة مقالته ببعض الأمثلة، حيث أورد جملة من الآيات التي ورد سبب نزولها في الصحيحين بنحو، وفي المجامع الحديثية الأخرى بنحو آخر، قال الزركشي: «ومثله ما في الصحيحين، عن ابن مسعود في قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ أنها نزلت لمّا سأله اليهود عن الروح، وهو في المدينة، ومعلوم أن هذه في سورة(سبحان) (2) وهي مكّية بالاتفاق، فإن المشركين لما سألوه عن
ص: 57
ذي القرنين وعن أهل الكهف، قيل ذلك بمكّة، وأن اليهود أمروهم أن يسألوه عن ذلك، فأنزل الله الجواب، كما قد بسط في موضعه.
وكذلك ما ورد في قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أنها جواب للمشركين بمكة، وأنها جواب لأهل الكتاب بالمدينة» ثم قال: «والحكمة في هذا كلّه: إنه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضي نزول آية، وقد نزل قبل ذلك ما يتضمّنها، فتؤدّى تلك الآية بعينها إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) تذكيراً لهم بها، وبأنها تتضمّن هذه ... وما يذكره المفسّرون من أسباب متعدّدة لنزول الآية قد يكون من هذا الباب، لا سيما وقد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا، فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم، لا أن هذا كان السبب في نزولها» (1).
ثم إن البخاري ومسلماً قد ذكرا في صحيحيهما أسباباً وأزمنة وأمكنة متعدّدة ومختلفة لنزول آية واحدة، بل وأخرج البخاري وغيره اختلاف بعض الصحابة فيما بينهم
ص: 58
في سبب نزول بعض الآيات المباركة، والشواهد على ذلك كثيرة:
فمن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه تفسيراً لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا (1)، حيث أورد سببين مختلفين زماناً ومكاناً ومورداً لنزول الآية الكريمة:
السبب الأول: ما أخرجه عن الأشعث بن قيس، حيث قال: «فيّ أنزلت، كانت لي بئر في أرض ابن عمّ لي، قال النبي(عليهما السلام): بيّنتك أو يمينه ... الحديث» (2).
السبب الثاني: ما أخرجه عن عبد الرحمن بن أبي أوفى: «أن رجلًا أقام سلعة في السوق، فحلف فيها لقد أعطي بها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلًا من المسلمين، فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا» (3).
وأما بالنسبة إلى اختلاف الصحابة في أسباب نزول بعض الآيات، فموارده كثيرة جداً، ومن تلك الموارد ما أخرجه
ص: 59
البخاري في صحيحه عن زيد بن وهب، قال: «مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر(رضي الله عنه) فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك ... الحديث» (1).
وأخرج أيضاً في كتاب الحجّ في صحيحه الخلاف بين عائشة وأبي بكر بن عبد الرحمن في سبب نزول قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا (2) (3).
إذن بناء على هذا البيان قد تكون آية الإكمال نزلت مرتين، إحداها في يوم عرفة والأخرى في يوم الغدير، ولعلّ اليهودي الذي كان في مجلس الخليفة عمر بن الخطاب كان يقصد نزول الآية في يوم الغدير، ولكن الخليفة أجابه
ص: 60
بنزولها في يوم عرفة، للالتفاف على ما كان يرمي إليه اليهودي، حيث إن البخاري ومسلم أخرجا في صحيحيهما عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب: «أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي(صلى الله عليه وسلم) وهو قائم بعرفة يوم الجمعة» (1).
وهذا الجواب من عمر بن الخطاب لا غرابة فيه؛ لأنه إذا قال بأن اليوم الذي نزلت فيه الآية هو الثامن عشر من ذي الحجة وفي غدير خم، فإنه يكون قد أقرّ لعلي(ع) بالخلافة والإمامة، وهذا ما لا يرتضي الخليفة ذكره في الملأ العام، ولا يريد أن يستذكر قوله لعلي(ع): «بخ بخ لك يا بن أبي طالب» في يوم الغدير، كما تقدّم في الحديث عن أبي هريرة.
والحاصل: أن مخالفة بعض الروايات الصحيحة لما ورد
ص: 61
في صحيح البخاري ومسلم في تعيين سبب النزول، ليس فيه أي محذور يقتضي تكذيب تلك الروايات، بل هو يكشف عن تعدّد وتغاير أسباب وأزمنة وأمكنة النزول للآية الواحدة، ويشهد على ذلك ما ورد في الصحيحين من اختلاف أسباب النزول وزمان ومكان الآية الواحدة.
إن رواية عمر بن الخطاب المتقدمة تتعارض مع جملة من مضامين الأحاديث الصحيحة الواردة في المقام، نشير فيما يلي إلى بعضها:
لقد ورد في رواية عمر بن الخطاب أن آية الإكمال نزلت في يوم الجمعة، مع أن هذا يتنافى مع ما ورد عن ابن عباس بسند معتبر من أن آية الإكمال نزلت في يوم الاثنين، أخرج الطبراني بسنده عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش بن عبد الله الصنعاني، عن ابن عباس، قال: «ولد نبيّكم(صلى الله عليه وسلم) يوم الاثنين، ويوم الإثنين خرج من مكة، ودخل المدينة يوم الاثنين، وفتح بدراً يوم الاثنين،
ص: 62
ونزلت سورة المائدة يوم الاثنين الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ورفع الركن يوم الاثنين» (1).
وطريق هذا الحديث معتبر، لم يقع كلام في سنده إلا من جهة ابن لهيعة، قال الهيثمي في زوائده: «رواه أحمد والطبراني في الكبير، وزاد فيه: وفتح بدراً يوم الاثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الاثنين الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. وفيه: ابن لهيعة وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات، من أهل الصحيح» (2).
ولكن هذا الكلام من الهيثمي غير تام، فإن ابن لهيعة من الثقات، فقد أخرج له مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي وابن ماجة (3)، وقد حسّن له الترمذي (4) وقال عنه الحاكم: «وعبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي أحد الأئمة إنما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره» (5)، وقال المزي في تهذيب الكمال: «وقال- أبو عبيد الله الآجري- أيضاً: سمعت
ص: 63
أبا داود يقول: أحمد بن حنبل يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه! وحدث عنه أحمد بحديث كثير» (1).
وقال ابن حجر في حقّه: «أبو عبد الرحمن المصري القاضي صدوق من السابعة» (2)، وقال ابن حجر أيضاً في التهذيب: «وحكى الساجي عن أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة من الثقات ... وقال ابن شاهين: قال أحمد بن صالح: ابن لهيعة ثقة، ما روي عنه من الأحاديث فيها تخليط يطرح ذلك التخليط، وقال مسعود عن الحاكم: لم يقصد الكذب وإنّما حدّث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ» (3)، وقال العيني: «وعبد الله بن لهيعة ثقة عند أحمد والطحاوي» (4)، وقد حسّن الهيثمي نفسه أحاديث ابن لهيعة، حيث قال في تعليقه على بعض الأحاديث: «وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن» (5).
ص: 64
إذن فطريق هذا الحديث معتبر، وهو يثبت أن آية الإكمال نزلت في يوم الإثنين، وهذا يعارض ما رواه عمر من أن الآية نزلت في يوم الجمعة.
إن ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمر بن الخطاب، من أن آية الإكمال نزلت في يوم الجمعة والنبي(عليهما السلام) قائم بعرفات (1)، يتقاطع ويتنافى مع ما رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب، من أن الآية نزلت في ليلة جمع(ليلة المزدلفة)، وهي ليلة العيد التي يزدلف فيها المسلمون من عرفات إلى منى، بعد إتمام الوقوف بعرفات، وذلك ما أخرجه مسلم عن قيس ابن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: «قالت اليهود لعمر: لو علينا معشر يهود نزلت هذه الآية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً نعلم اليوم الذي أنزلت فيه، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: فقال عمر: فقد علمت اليوم الذي أنزلت فيه، والساعة، وأين رسول الله(صلى الله عليه وسلم)
ص: 65
حين نزلت، نزلت ليلة جمع ونحن مع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بعرفات» (1).
فهل الآية نزلت في يوم الجمعة والنبي(عليهما السلام) قائم بعرفة، أم أنها نزلت ليلة جمع والنبي(عليهما السلام) قد أتم الوقوف بعرفة وهو في طريقه للازدلاف إلى منى؟!!
إن ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمر بن الخطاب، من أن آية الإكمال نزلت في يوم الجمعة والنبي(عليهما السلام) قائم بعرفات، يتقاطع ويتنافى أيضاً مع ما رواه النسائي في سننه بسند صحيح، من أن الآية نزلت ليلة الجمعة، حيث روى عن قيس ابن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: «قال يهودي لعمر: لو علينا نزلت هذه الآية لاتخذناه عيداً الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه، والليلة التي أنزلت، ليلة الجمعة، ونحن مع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بعرفات» (2).
ص: 66
وقد أدرج الألباني هذا الحديث في صحيح سنن النسائي، وقال عنه: «صحيح» (1).
أخرج البخاري في صحيحه تشكيك سفيان الثوري في نزول الآية يوم الجمعة، حيث روى عن طارق بن شهاب، قال: «قالت اليهود لعمر: إنّكم تقرؤون آية، لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً، فقال عمر: إنّي لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت، وأين رسول الله(صلى الله عليه وسلم) حين أنزلت. يوم عرفة وإنّا والله بعرفة. قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة، أم لا» (2).
وهناك إشكالات وتناقضات أخرى في مضمون رواية عمر بن الخطاب، أعرضنا عنها رعاية للاختصار.
تقدّم أن النبي(عليهما السلام) قال في حديث الغدير: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبّه، وأبغض من يبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» وقد تقدّم تصحيح
ص: 67
الهيثمي وغيره لهذا المقطع من الحديث، حيث قال في زوائده: «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة» (1).
فالنبي(عليهما السلام) أراد أن يبين في هذا المقطع من الحديث وجوب موالاة علي(ع) ومناصرته والوقوف إلى جانبه ضد أعدائه، ويدعو الله تعالى أن يؤيد أنصاره ومواليه، ويخذل كل من يحاول خذلانه ومعاداته، وهذا المعنى لا يليق إلا بمن سيكون له أولياء وأنصار وأعداء يخذلونه، وهو يحتاج إلى النصرة ويتضرر بالخذلان وعدم الانقياد له، وليس هذا إلا لمن يكون له مقام الخلافة والإمامة والولاية على الأمة، وهذا يعني أن النبي(عليهما السلام) أراد أن يثبت في حديث الغدير مقام الخلافة لعلي(ع)، ثم حاول أن يحثّ الناس على موالاته واتباعه ونصرته، ويردعهم عن خذلانه ومعاداته.
فالنبي(عليهما السلام) «لما صدع بما خول الله سبحانه وصيّه من المقام الشامخ بالرياسة العامة على الأمة جمعاء، والإمامة المطلقة من بعده، كان يعلم بطبع الحال أن تمام هذا الأمر بتوفر الجنود والأعوان وطاعة أصحاب الولايات والعمّال، مع
ص: 68
علمه بأن في الملأ من يحسده، وفيهم من يحقد عليه، وفي زمر المنافقين من يضمر له العداء لأوتار جاهلية، وستكون من بعده هنات تجلبها النهمة والشره من أرباب المطامع لطلب الولايات والتفضيل في العطاء، ولا يدع الحق علياً(ع) أن يسعفهم بمبتغاهم، لعدم الحنكة والجدارة فيهم فيقلبون عليه ظهر المجن، وقد أخبر(عليهما السلام) مجمل الحال بقوله: «إن تؤمروا علياً ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً» (1)، وفي لفظ «إن تستخلفوا علياً وما أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً» (2).
فطفق(عليهما السلام) يدعو لمن والاه ونصره، وعلى من عاداه وخذله، ليتم له أمر الخلافة، وليعلم الناس أن موالاته مجلبة لموالاة الله سبحانه، وأن عداءه وخذلانه مدعاة لغضب الله وسخطه، فيزدلف إلى الحق وأهله، ومثل هذا الدعاء بلفظ العام لا يكون إلا فيمن هذا شأنه، ولذلك إن أفراد المؤمنين الذين أوجب الله محبة بعضهم لبعض لم يؤثر فيهم هذا القول، فإن منافرة بعضهم لبعض جزئيات لا تبلغ هذا المبلغ،
ص: 69
وإنما يحصل مثله فيما إذا كان المدعو له دعامة الدين، وعلم الإسلام، وإمام الأمة، وبالتثبط عنه يكون فت في عضد الحق وانحلال لعرى الإسلام» (1).
إن ولاية علي(ع) في حديث الغدير جاءت في سياق حديث الثقلين، حيث قال النبي(عليهما السلام): «إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»، ثم قال: «إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه، فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه» (2).
وسياق هذا الحديث واضح الدلالة على أن النبي(عليهما السلام) أراد أن ينصب بحديث الغدير الخليفة من بعده، فهو(عليهما السلام) بعد أن بين الدور الأساس للكتاب والعترة في مسيرة الأمة والرسالة الإسلامية، وحثّ الناس على التمسّك بهما لأجل النجاة من
ص: 70
الهلكة والورود عليه(عليهما السلام) عند الحوض، بعد ذلك كلّه أراد النبي(عليهما السلام) أن يعيّن للمسلمين الرجل الأول من العترة- التي لا تفارق القرآن الكريم- وهو علي(ع)، الذي لا يفارق القرآن ولا القرآن يفارقه، وقد قال النبي(عليهما السلام) لعموم المسلمين في مناسبات أخرى: «علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض»، قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء، ثقة مأمون ولم يخرجاه» (1).
فالنبي(عليهما السلام) قد ترك في أمته بعد وفاته، كتاب الله عز وجل وعترته، ثم بين وأوضح بعد ذلك أن أول العترة هو علي(ع)، ثم أمر بتولّيه ومناصرته، ونهى أصحابه عن خذلانه والتخلّف عن ركبه الذي لا يفترق عن القرآن أبداً.
إذن فالنبي(عليهما السلام) قد ترك في أمته خليفتين، خليفة صامت وهو كتاب الله تعالى، وخليفة ناطق بالحقّ، وهو علي(ع) والعترة من بعده.
لقد بادر الصحابة لتهنئة علي(ع) على تتويجه بمقام
ص: 71
الولاية، وقد تقدّم في الأحاديث السابقة أن أول من قام لتهنئة علي(ع) هو عمر بن الخطاب، حيث قال: «بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم» (1)، وهذا يكشف عن أن النبي(عليهما السلام) قد أثبت لعلي(ع) مقاماً ومنزلة خاصة، استحق على ضوئها التهنئة والمباركة من قبل الصحابة وسائر المسلمين، وليست هذه المنزلة إلا الولاية والخلافة.
قال أبو حامد الغزالي في كتابه(سر العالمين وكشف ما في الدارين): يقول(عليهما السلام): من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. فهذا تسليم ورضى وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرياسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار، سقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأول، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلًا، فبئس ما يشترون» (2).
ص: 72
ونقله سبط ابن الجوزي في كتابه: تذكرة الخواص (1).
والذهبي بعد أن ذكر العبارة المتقدمة للغزالي، قال: «وما أدري ما عذره في هذا؟ والظاهر أنه رجع عنه، وتبع الحق، فإن الرجل من بحور العلم، والله أعلم» (2).
الشاهد السابع: استشهاد علي(ع) بحديث الغدير
إن ما قام به علي(ع) في رحبة الكوفة يدلّ بوضوح على ما ذكرناه، حيث جمع(ع) الناس وجملة من صحابة النبي(عليهما السلام) وناشدهم واستشهدهم على حديث الغدير، وذلك في مقام الردّ على من خالفه في أمر الخلافة، وهذا ما تقدّم نقله في الشبهة الأولى بطرق كثيرة وصحيحة، منها ما تقدم عن أحمد في مسنده عن أبي الطفيل، قال: «جمع علي(رضي الله تعالى عنه) الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم: فقام
ص: 73
ناس كثير فشهدوا» (1).
قال الهيثمي بعد أن أورد الحديث: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة وهو ثقة» (2)، وقال حمزة أحمد الزين: «إسناده صحيح» (3).
وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على الحديث: «إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير فطر بن خليفة فمن رجال أصحاب السنن، وروى له البخاري مقروناً» (4).
وقال الألباني في سلسلته الصحيحة: «أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه، وابن أبي عاصم والضياء في المختارة» ثم قال: «قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري» (5).
وهذا الاستشهاد من علي(ع) يدلّ على أن حديث الغدير مضمونه الخلافة وقيادة الأمة، ولو لم يكن دليلًا على أحقّية علي(ع) بالخلافة، لما صح الاستشهاد به والردّ على
ص: 74
من خالف علياً(ع) ونازع في خلافته وأنكرها.
ويؤكد ذلك- كما مرّ- قول الملّا علي القاري وابن حجر الهيتمي والكتاني عن حديث الغدير من رواية أحمد بن حنبل:) أنه سمعه من النبي(صلى الله عليه وسلم) ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته(.
ويؤكّد ما ذكرناه أيضاً، ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن إياس الضبي، عن أبيه، عن جدّه، قال: «كنا مع علي يوم الجمل، فبعث إلى طلحة بن عبيد الله أن القني، فأتاه طلحة، فقال: نشدتك الله هل سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: نعم، قال: فلم تقاتلني؟ قال: لم أذكر. قال: فانصرف طلحة» (1)، فلو كان حديث الغدير لا دلالة فيه على الأحقّية بالخلافة وولاية الأمر، فلماذا يحتجّ به علي(ع) على طلحة لإثبات أحقّيته في ذلك؟ ولماذا لم يعترض طلحة على دلالة الحديث، كما اعترض ابن تيمية ومن تابعه؟!
ص: 75
مع وجود الروايات المتعددة التي نقلت حديث الغدير وشهادة العلماء بصحة طرقها وتواترها ودلالتها الواضحة على إمامة علي بن أبي طالب(ع) إلا أن البعض حاول أن يشكك في ذلك عبر إلقاء الشبهات والتوهّمات، والتي كان من أهمها شبهة أن حديث الغدير كان نتيجة شكوى تقدم بها بعض أفراد السرية التي بعثها رسول الله(عليهما السلام) إلى اليمن، ضد علي(ع) لأمور فعلها معهم، وقد ساعد على تسويق هذه الشبهة الاختلاط الناتج من كثرة الروايات التى نقلت تلك الحادثة وتضاربها، واختلاف مضامينها، وتباين النتائج التي توصل لها المؤرخون في هذه المسألة.
ونحن وبعد دراسة مستفيضة للروايات والوقائع التاريخية وجدنا من الضروري أن نكشف عن هذا الالتباس الذي ساهم في ذلك الفهم الخاطئ، محاولين- قدر الإمكان- أن نلتزم جانب الموضوعية، وأن يكون بحثنا وفق مباني ومصادر أهل السنة في الحديث والتاريخ، والاستناد إلى أمهات المصادر عندهم.
وتعدّ هذه الدراسة- بحسب ظننا- أول دراسة مفصلة
ص: 76
تناولت هذا الموضوع، وكشفت عنه الغموض والتشويش الذي أوقع الكثير في أخطاء منهجية ما كان ينبغي أن تصدر منهم، فقد تناولنا أهم الروايات المرتبطة بالموضوع، وتم تحليلها ودراستها وطرح معظم أقوال الباحثين ومن تناولوا هذه الشبهة، ثم أجبنا عن تلك الإشكالية بأجوبة علمية استدلالية نترك تقييمها للقارئ الكريم.
وهذه الشبهة ذكرها بعض المتقدمين من علماء أهل السنة وحذا حذوهم بعض المتأخرين، ومن أولئك العلماء والباحثين:
قال: «وأما حديث الموالاة، فليس فيه- إن صح إسناده- نصّ على ولاية علي بعده، فقد ذكرنا من طرقه في كتاب الفضائل ما دلّ على مقصود النبي(صلى الله عليه وسلم) من ذلك، وهو أنه لما بعثه إلى اليمن كثرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه، فأراد النبي(صلى الله عليه وسلم) أن يذكر اختصاصه به ومحبّته إيّاه ويحثّهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته،
ص: 77
فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه» (1).
بعد أن أورد كثيراً من الروايات التي وردت في قضيّة جيش اليمن، وخلط بين شكاية بريدة وشكاية جيش اليمن في قصّة البَز وغدير خم، قال: «والمقصود أنّ علياً لمّا كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إيّاهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه، وعليّ معذور فيما فعل، لكن اشتهر الكلام فيه في الحجيج. فلذلك- واللّه أعلم- لمّا رجع رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) من حجّته، وتفرّغ من مناسكه ورجع إلى المدينة، فمرّ بغدير خم، قام في الناس خطيباً، فبرّأ ساحة علي، ورفع من قدره ونبّه على فضله؛ ليزيل ما وقر في نفوس كثيرمن الناس» (2).
وقال في موضع آخر: «خطب بمكان بين مكّة والمدينة مرجعه من حجّة الوداع قريب من الجحفة- يقال له غدير خم- فبيّن فيها فضل علي بن أبي طالب وبراءة عرضه ممّا كان تكلّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه
ص: 78
إليهم من المَعْدِلة التي ظنّها بعضهم جوراً وتضييقاً وبخلًا، والصواب كان معه في ذلك، ولهذا لمّا تفرّغ(ع) من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بيّن ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة عامئذ، وكان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك، فبيّن فيها أشياء. وذكر من فضل عليّ وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه» (1).
قال: «فسبب ذلك [حديث الغدير] كما نقله الحافظ شمس الدين الجزري عن ابن إسحاق: إن علياً تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلمّا قضى رسول الله حجّه خطبها تنبيهاً على قدره، وردّاً على من تكلّم فيه كبريدة، كما في البخاري أنّه كان يبغضه، وسبب ذلك ما صحّحه الذهبي أنّه خرج معه إلى اليمن، فرأى منه جفوة فنقّصه للنبي، فجعل يتغيّر وجهه، ويقول: يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول اللّه، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه» (2).
ص: 79
قال: «وإنّ سبب هذه الخطبة- كما روى المؤرّخون وأهل السير- يدلّ بصراحة على أنّ الغرض إفادة محبّة الأمير؛ وذلك: إنّ جماعة من الأصحاب الذين كانوا معه في اليمن، مثل بريدة الأسلمي، وخالد بن الوليد وغيرهما من المشاهير، جعلوا يشكون لدى رجوعهم من الأمير عند النبي(صلى اللّه عليه وسلم) شكايات لا مورد لها، فلمّا رأى رسول اللّه شيوع تلك الأقاويل من الناس، وأنّه إن منع بعضهم عن ذلك حمل على شدّة علاقته بالأمير، ولم يفد في ارتداعهم، لهذا خطب خطبة عامّة، وافتتح كلامه بنصّ من القرآن، قائلًا: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم. يعني: أنّه كلّ ما أقوله لكم ناشئ من شفقتي عليكم، ورأفتي بكم، وليس الغرض الحماية عن أحد، وليس ناشئاً عن فرط المحبّة له، وقد روى محمد بن إسحاق وغيره من أهل السير هذه القصّة بالتفصيل» (1).
قال: «والمعنى الذي في الحديث [حديث الغدير] يعمّ كلّ مؤمن، ولكن خصّ بذلك علياً- رضي الله عنه- لأنّه قد نقم منه
ص: 80
بعض أصحابه، وأكثروا الشّكاية ضدّه حينما أرسله النّبي(صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن قبل خروجه من المدينة لحجّة الوداع؛ ولذلك قال البيهقي: ...» (1) ثمّ أورد كلام البيهقي المتقدم ذكره.
لاشكّ بأنّ البيهقي وابن كثير ومن تابعهما قد ذكروا شيئاً، اعتماداً على حدسهم، من دون أن يستندوا إلى أي دليل أوقرينة أو شاهد علمي؛ لأنّ الذي يطالع الأحاديث الصحيحة والمعتبرة في كتب أهل السنة، يتبيّن له بوضوح أنّ علياً(ع) ذهب إلى اليمن أكثر من مرّة، ولا ربط لذلك من حيث الوثائق التاريخية والروائية المعتبرة بواقعة الغدير.
ففي المرّة الأولى: ذهب إلى اليمن داعياً إلى الإسلام، وخاض الجيش الإسلامي بقيادته(ع) معركة مع بعض قبائل اليمن، دخلت على إثرها قبيلة همدان في الإسلام طواعية، وفي هذا الخروج ذهب بريدة إلى النبي(عليهما السلام) في المدينة بأمر من خالد بن الوليد ليشكو علياً(ع)، فردّه النبي(عليهما السلام)، وبيّن فضل علي(ع)، وكان ذلك قبل خروج
ص: 81
رسول اللّه(عليهما السلام) إلى الحج، ففي هذا الخروج كانت الشكوى على علي(ع) قد وقعت في المدينة، كما يأتي تفصيله.
وفي المرّة الثانية: بعث النبي(عليهما السلام) علياً(ع) إلى اليمن؛ للقضاء بينهم بعد أن دخلوا الإسلام، فتوجّه علي(ع) للحكم والقضاء في تلك البلاد.
وفي هذا الخروج لم تكن هناك شكوى من أحد في حقّ علي(ع).
وفي المرّة الثالثة: خرج علي(ع) إلى اليمن لجباية الأموال والصدقات، وفي هذا الخروج الثالث جعل علي(ع) أميراً على أصحابه، وقفل راجعاً إلى مكة، حيث التحق بالنبي(عليهما السلام) في حجة الوداع وأتم الحج معه، ثمّ أبدى بعض أصحابه في مكّة المكرّمة الشكاية على علي(ع)، فقام رسول اللّه(عليهما السلام) خطيباً، قال: «أيها الناس، لا تشكوا علياً، فو الله إنه لأخشن في ذات الله وفي سبيل الله» (1). وفي هذا الخروج قد حصلت الشكوى في مكة المكرمة من بعض المسلمين.
كما أنه يظهر من بعض الروايات التي ستأتي أن بعض
ص: 82
المسلمين قد أظهر نفس الشكاية في المدينة، فزجرهم النبي(عليهما السلام) وأمرهم أن لا ينتقصوا علياً(ع). وسوف يتضح أنه لا صلة لهذه الشكايات بقضيّة الغدير إطلاقاً.
ولكي يتبين صحّة ما ذكرناه من التسلسل التاريخي لعدد مرات خروج علي(ع) إلى اليمن، تارة داعياً للإسلام، وأخرى قاضياً، وثالثة جابياً للصدقات، سنحاول أن نستعرض الروايات والأحاديث التي ذكرت في هذا المجال:
أخرج البخاري في صحيحه بسنده إلى البراء، قال: «بعثنا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال: ثم بعث علياً بعد ذلك مكانه، فقال: مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقّب معك فليعقّب، ومن شاء فليُقبل، فكنت فيمن عقّب معه، قال: فغنمت أواقي ذوات عدد (1)» (2).
ثم أخرج البخاري هذه القصّة بنحو آخر عن عبد الله بن
ص: 83
بريدة، عن أبيه، قال: «بعث النبي(صلى الله عليه وسلم) علياً إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض علياً، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلمّا قدمنا على النبي(صلى الله عليه وسلم) ذكرت له ذلك، فقال: يا بريدة، أتبغض علياً؟ فقلت: نعم، قال: لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثرمن ذلك» (1).
أخرج أحمد في المسند والنسائي في السنن والخصائص، عن بريدة واللفظ للأول، قال: «بعث رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعليٌّ على الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده، فلقينا بني زيد(زبيد) من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يخبره بذلك، فلما أتيت النبي(صلى الله عليه وسلم) دفعت الكتاب، فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فقلت: يا رسول الله! هذا مكان العائذ،
ص: 84
بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أرسلت به، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي، وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي» (1).
وقال حمزة أحمد الزين في حكمه على الحديث: «إسناده صحيح» (2).
وروى أحمد أيضاً عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: «بعثنا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في سرية، قال: لما قدمنا، قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟ قال: فإما شكوته أو شكاه غيري، قال: فرفعت رأسي وكنت رجلًا مكباباً، قال: فإذا النبي(صلى الله عليه وسلم) قد احمرّ وجهه، قال: وهو يقول: من كنت وليه فعلي وليه» (3).
قال الهيثمي: «ورواه البزار ورجاله رجال الصحيح» (4).
ص: 85
رواه ابن حجر (1)، وابن عساكر (2)، والصالحي الشامي (3).
وهذه الرواية ورواية ابن أبي شيبة- التي سوف تأتي- وإن لم يذكر فيها اليمن بالخصوص، وإنما وردت فيها كلمة(سرية) فقط، ولكن بضميمة الروايات الأخرى يفهم أن المقصود هو سرية اليمن.
روى الطبراني بإسناده عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: «بعث رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) علياً أميراً على اليمن، وبعث خالد بن الوليد على الجبل، فقال: إن اجتمعتما فعليّ على الناس، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله، وأخذ علي جارية من الخمس، فدعا خالد بن الوليد بريدة، فقال: اغتنمها فأخبر النبي(صلى اللّه عليه وسلم) بما صنع، فقدمت المدينة، ودخلت المسجدورسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) في منزله وناس من أصحابه على بابه.
فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خير، فتح اللّه على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي(صلى اللّه عليه وسلم) قالوا:
ص: 86
فأخبره فإنّه يسقطه من عين رسول اللّه- ورسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) يسمع الكلام- فخرج مغضباً، وقال: ما بال أقوام ينتقصون علياً، من ينتقص علياً فقد تنقّصني، ومن فارق علياً فقد فارقني. إنّ علياً منّي وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض واللّه سميع عليم.
يا بريدة: أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ وأنه وليّكم من بعدي؟! فقلت: يا رسول الله، بالصحبة إلّا بسطت يدك حتى أبايعك على الإسلام جديداً، قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام.
لا يروى هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا بهذا الإسناد تفرد به: حسين الأشقر» (1).
قال الهيثمي: «رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جماعة لم أعرفهم، وحسين الأشقر ضعّفه الجمهور ووثقه ابن حبان» (2).
ص: 87
قال: «حدثنا عفان، قال: ثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثني يزيد الرشك، عن مطرف، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله(صلى الله عليه وسلم) سرية واستعمل عليهم علياً، فصنع علي شيئاً أنكروه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أن يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله(صلى الله عليه وسلم) فسلموا عليه ونظروا إليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم، قال: فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فقام أحد الأربعة، فقال: يا رسول الله! ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا، فأقبل إليه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يعرف الغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ علي مني وأنا من علي، وعلي ولي كل مؤمن بعدي» (1).
وأخرج هذا الحديث الطبراني في الكبير، وفيه بدل «فصنع علي شيئاً أنكروه» قد ذكر عبارة «فأصاب علي جارية فأنكروا ذلك عليه» (2)، وكذا أخرجه ابن حبان في
ص: 88
صحيحه (1)، وأخرجه أحمد أيضاً، ولكن قال: «فأحدث شيئاً في سفره» (2) وكذا أخرجه الترمذي وقال: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان» (3)، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية: «وقد رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة عن جعفر بن سليمان، وسياق الترمذي مطول وفيه(أنه أصاب جارية من السبي) ثم قال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان» (4). وقال الذهبي: «أخرجه أحمد في المسند والترمذي، وحسنه، والنسائي» (5).
وقال الحاكم في مستدركه: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» (6).
وقد نقل الذهبي قصّة بعث اليمن بنحو آخر عن البراء، قال: «إن النبي(صلى الله عليه وسلم) بعث خالد بن الوليد إلى
ص: 89
اليمن، يدعوهم إلى الإسلام، فكنت فيمن خرج مع خالد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، ثم إن النبي(صلى الله عليه وسلم) بعث علياً(رضي الله عنه)، فأمره أن يقفل خالد، إلا رجل كان يمّم (1) مع خالد أحب أن يُعقّب مع علي فليعقّب معه، فكنت فيمن عقّب مع علي، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلّى بنا علي، ثم صفّنا صفّاً واحداً، ثم تقدّم بين أيدينا، وقرأ عليهم كتاب رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فأسلمت همدان جميعاً، فكتب علي إلى رسول الله، فلما قرأ الكتاب خرّ ساجداً، ثم رفع رأسه، فقال: السلام على همدان، السلام على همدان» ثم قال الذهبي: «هذا حديث صحيح، أخرج البخاري بعضه بهذا الإسناد» (2).
وقد ذكره الألباني وصحّحه، ثمّ قال: «وأقرّه ابن التركماني فلم يعقّبه بشي ء» (3).
ص: 90
الظاهر أن خروج علي(ع) إلي اليمن غازياً كان في سنة ثمان بعد فتح مكة، قبل حجة الوداع بسنتين كما صرح بذلك زيني دحلان مفتي مكة المكرمة في سيرته، قائلا: «في التاريخ سنة عشر وهم؛ لأن بعث علي إلى همدان لم يكن سنة عشر، إنما كان سنة عشر بعثه إلى بني مذحج، وأما بعثه إلى همدان فكان سنة ثمان بعد فتح مكة» (1).
هذه الروايات تتفق على مسألة واحدة، وهي أن الشكوى قد وقعت في المدينة قبل حجة الوداع، فلا علاقة لها بحديث الغدير، كما في صريح كلام الطبراني: «فقال: اغتنمها فأخبر النبي(صلى اللّه عليه وسلم) بما صنع، فقدمت المدينة، ودخلت المسجد ورسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) في منزله وناس من أصحابه على بابه» (2).
ص: 91
وفي رواية ابن أبي شيبة، قال عمران: «وكانوا إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) فنظروا إليه وسلّموا عليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم» (1) فهذه الرواية دلت بوضوح على أن الشكوى وقعت في المدينة بقرينة «بدؤوا برسول الله ... قبل أن ينصرفوا إلى رحالهم» وهذا يناسب المدينة لا مكة.
وفي كل الأحوال فهي لا تؤثر على حديث الغدير، كما سيأتي.
دلّت بعض روايات هذا الصنف على وجود مواقف غير وديّة من بعض الصحابة تجاه علي بن أبي طالب(ع)، كما في رواية الطبراني عن بريدة، قال: «ودخلت المسجد، ورسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) في منزله، وناس من أصحابه على بابه. فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خير، فتح اللّه على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي(صلى اللّه عليه وسلم) قالوا:
ص: 92
فأخبره فإنّه يسقطه من عين رسول اللّه» (1).
وفي رواية ابن أبي شيبة وكل الروايات التي ذكرت تعاقد أربعة من الصحابة، قال: «فتعاقد أربعة من أصحاب رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) إذا لقينا النبي أخبرناه بما صنع علي» (2).
وقال ابن الأثير: «واستعمل عليهم علي بن أبي طالب فمضى في السرية، فأصاب جارية، فأنكروا عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب النبي(صلى اللّه عليه وسلم)» (3).
قال الذهبي: «فأصاب علي جارية، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله» إلى أن قال: «ما تريدون من علي، علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. أخرجه أحمد في المسند والترمذي، وحسنه، والنسائي» (4).
نلاحظ في هذه الروايات أن النبي(عليهما السلام) قد غضب على من شكا علياً(ع)، وهذا يكشف عن أن فعل علي(ع) لم يكن
ص: 93
مخالفاً لله، وكشف أيضاً خطأ الشاكين عليه، وأن مافعلوه من شكاية قد أدى بالنبي الحليم إلى أن يغضب ويحمرّ وجهه، ما يكشف عن الخطأ الفادح الذي ارتكبوه بانتقاص علي(ع)، كما فى رواية أحمد السابقة عن بريدة: «فرأيت الغضب في وجه رسول الله(صلى الله عليه وسلم)» (1).
وفي رواية الطبراني عن بريدة، قال: «فخرج مغضباً، وقال: ما بال أقوام ينتقصون علياً، من ينتقص علياً فقد تنقّصني، ومن فارق علياً فقد فارقني» (2).
وفي رواية ابن أبي شيبة: «فأقبل إليه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يعرف الغضب في وجهه» (3).
وفي رواية أحمد: «فإذا النبي(صلى الله عليه وسلم) قد احمرّ وجهه» (4).
نجد أن النبي(عليهما السلام) قد صرّح بعدما غضب من شكوى الشكاة بما يدلّ على إمامة علي بن أبى طالب(ع) وولايته، وأنّه ولي كلّ مؤمن بعده، كما في رواية الطبراني، قال
ص: 94
رسول اللّه(عليهما السلام): «يا بريدة، أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليّكم من بعدي؟! فقلت: يا رسول الله، بالصحبة إلّا بسطت يدك حتى أبايعك على الإسلام جديداً، قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام» (1).
وفي رواية ابن أبي شيبة وغيرها، فقال(عليهما السلام): «وعلي ولي كل مؤمن بعدي» (2).
وفي رواية أحمد بن حنبل: «فإذا النبي(صلى الله عليه وسلم) قد احمرّ وجهه، قال: وهو يقول: من كنت وليه، فعلي وليّه» (3).
قال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح» (4).
لنا هنا بعض الملاحظات:
1- إن هذه الروايات التي نقلت زواج الإمام علي(ع) بامرأة جارية تتعارض مع اعتقادنا بأن الإمام(ع) لا يمكن أن
ص: 95
يتزوج مع وجود الزهراء(س) (1)؛ حفاظاً على كرامة الزهراء، كما أن الرسول(عليهما السلام) لم يتزوج على خديجة في حياتها.
2- كما نعتقد بأن هذه الروايات التي في دلالتها زواج علي(ع) من امرأة أخرى هي روايات؛ إما أنها موضوعة قد وضعها أعداء علي(ع) في زمن بني أمية؛ لما يحمله البعض من بغض شديد له، وهو شبيه بما وضعوه من قصة خطبة علي(ع) لابنة أبي جهل التي فصلنا البحث فيها في محله (2).
وإما أن بريدة وأمثاله هم من اختلقوا قصة زواجه بالجارية التي اصطفاها، وهدفهم من ذلك هو إسقاط علي(ع) من عين رسول الله(عليهما السلام) من خلال إثارة النبي(عليهما السلام)
ص: 96
بنقل زواج علي(ع) على ابنته الزهراء(س)، ويؤيده ما ذكرناه في رواية الطبراني: «فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خير، فتح اللّه على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي(صلى اللّه عليه وسلم) قالوا: فأخبره فإنّه يسقطه من عين رسول اللّه».
وكذا يؤيد ذلك، ما نقله الشيخ المفيد المتوفى(413 ه-)، قال: «وكان أمير المؤمنين(ع) قد اصطفى من السبي جارية، فبعث خالد بن الوليد بريدة الأسلمي إلى النبي(عليهما السلام) وقال له: تقدم الجيش إليه فأعلمه ما فعل علي(ع) من اصطفائه الجارية من الخمس لنفسه، وقع فيه. فسار بريدة حتى انتهى إلى باب رسول الله(عليهما السلام) فلقيه عمر بن الخطاب فسأله عن حال غزوتهم وعن الذي أقدمه، فأخبره أنه إنما جاء ليقع في علي(ع)، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه، فقال له عمر: امض لما جئت له، فإنّه سيغضب لابنته مما صنع علي(ع)» (1).
ومن المحتمل قوياً أن تلك الجارية التي أخذها الإمام علي(ع) هي نفسها التي ذكرها بعض علماء أهل السنة من أنها خولة أم محمد الحنفيّة قد جاء بها علي بن أبي
ص: 97
طالب(ع) من اليمن ووهبها فاطمة(س)، وهي التي تزوجها أمير المؤمنين(ع) بعد وفاة الزهراء(س)، فولدت له محمد بن الحنفية.
كما قال أبو نصر في السلسلة العلوية: «روى عن أسماء بنت عميس أنها قالت: رأيت الحنفية سوداء، حسنة الشعر، اشتراها علي(ع) بذي المجاز- سوق العرب- أوان مقدمه من اليمن، فوهبها فاطمة الزهراء(س) وباعتها فاطمة من مكمل الغفاري فولدت له عونة بنت مكمل وهي أخت محمد لأمه ...» (1).
3- ثم إن هناك شاهداً قرآنياً يؤيد ما ذكرناه أيضاً وهو أن سورة(هل أتى) التي اشتهر نزولها في علي وأهل بيته(عليهم السلام) فقد ذكرت الآية أغلب نعم الجنة، ولكنها لم تتعرض لمسألة الحور العين، وقد ذكر المفسرون أن سبب ذلك هو الحفاظ على كرامة الزهراء(س)، قال الآلوسي: «ومن اللطائف على القول بنزولها فيهم أنه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين وإنما صرح عز وجل بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول وقرة عين الرسول» (2).
ص: 98
هناك روايات كثيرة وصحيحة دلّت على أن النبي(عليهما السلام) قد بعث علياً(ع) إلى اليمن قاضياً، نشير فيما يلي إلى جملة من نصوصها:
النص الأول: ما أخرجه أحمد في مسنده عن علي(ع)، قال: «بعثني رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن، قال: فقلت: يا رسول الله، تبعثني إلى قوم أسنّ مني، وأنا حديث لا أبصر القضاء؟ قال: فوضع يده على صدري، وقال: اللهم ثبّت لسانه واهد قلبه، يا علي، إذا جلس إليك الخصمان، فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء، قال: فما اختلف عليّ قضاء بعد، أو ما أشكل عليّ قضاء بعد».
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في حكمه على الحديث: «إسناده صحيح» (1).
النص الثاني: ما أخرجه أحمد أيضاً في مسنده عن علي(ع)، قال: «بعثني رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، إنك تبعثني إلى قوم هم أسنّ مني
ص: 99
لأقضي بينهم، قال: اذهب، فإن الله تعالى سيثبّت لسانك ويهدي قلبك». وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في حكمه على الحديث: «إسناد صحيح» (1).
النص الثالث: ما أخرجه ابن ماجة في سننه عن علي(ع)، قال: «بعثني رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء؟ قال: فضرب بيده في صدري، ثم قال: اللهم أهد قلبه وثبّت لسانه، قال: فما شككت بعد في قضاء بين اثنين»، قال الألباني في حكمه على الحديث: «صحيح» (2).
وفي هذا الخروج لم ينقل أن هناك شكوى على علي(ع).
ص: 100
قال ابن هشام: «نقل ابن إسحاق تحت عنوان(موافاة علي في قفوله من اليمن رسول الله في الحج): حدثني يحيى بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، قال: لمّا أقبل علي رضى اللّه عنه من اليمن ليَلْقَى رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) بمكة، تَعجَّل إلى رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) واستخلف على جنده الذين معه رجلًا من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا كلّ رجل من القوم حُلة من البَزّ (1) الذي كان مع علي رضى اللّه عنه، فلمّا دنا جيشه خرج ليَلقاهم، فإذا عليهم الحُلل، قال: ويلك! ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك! انْزع قبل أن تنتهي به إلى رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) قال: فانتزع الحُلل من الناس، فردّها في البَزّ، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم» (2).
ص: 101
وقال ابن إسحاق: «فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب، وكانت عند أبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد الخدري، قال: اشتكى الناس علياً رضوان الله عليه، فقام رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيها الناس، لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله، من أن يشكى. ثمّ مضى رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) على حجّه، فأرى الناس مناسكهم، وأعلمهم سنن حجّهم، وخطب الناس خطبته التى بيّن فيها ما بيّن، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، اسمعواقولي ...» (1).
وقد روى الطبري هذا المضمون نفسه، قال: «حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، قال: ثم مضى رسول الله(صلى الله عليه وعلى آله وسلم) على حجه فأرى الناس مناسكهم وأعلمهم سنن حجهم وخطب الناس خطبته ...» (2).
كذلك أخرج أحمد هذا المضمون في مسنده مختصراً عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب
ص: 102
بنت كعب- وكانت عند أبي سعيد الخدري- عن أبي سعيد الخدري، قال: «اشتكى علياً الناس، قال: فقام رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيهاالناس، لا تشكوا علياً فو الله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله» (1).
فعبارة «ثمّ مضى رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) على حجّه» في بعض الروايات السابقة تدلّ صراحة على كون هذه القضيّة في مكة قبل مراسم الحجّ.
أخرج البيهقي في الدلائل بسند معتبر، حيث قال: «أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ببغداد، أنبأنا أبو سهل بن زياد القطان، حدثنا أبو إسحاق، إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثنا أخي، عن سليمان بن بلال، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: بعث رسول الله(صلى الله عليه وسلم) علي بن أبي طالب إلى اليمن، قال أبو سعيد: فكنت ممن خرج معه، فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا،
ص: 103
فكنا قد رأينا في إبلنا خللًا، فأبى علينا، وقال: إنما لكم منها سهمٌ كما للمسلمين.
قال: فلما فرغ عليٌ وانطلق من اليمن راجعاً أمّر علينا إنساناً، وأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجّته، قال له النبي(صلى الله عليه وسلم): ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم، قال أبو سعيد: وقد كنّا سألنا الذي استخلفه ما كان عليٌ منعنا إياه ففعل، فلما جاء عرف في إبل الصدقة أن قد ركبت، رأى أثر المركب، فذمّ الذي أمّره ولامه، فقلت: أنا إن شاء الله إن قدمت المدينة لأذكرنّ لرسول الله(صلى الله عليه وسلم) ولأخبرنّهُ ما لقينا من الغلظة والتضييق.
قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم) أريد أن أفعل ما كنت حلفت عليه، فلقيتُ أبا بكر خارجاً من عند رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فوقف معي ورحّب بي وسألني وسألته، وقال: متى قدمت؟ قلت: قدمت البارحة، فرجع معي إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فدخل فقال: هذا سعد بن مالك بن الشهيد، قال: ائذن له، فدخلت فحييت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وجاءني وسلّم عليّ، وسألني عن نفسي وعن أهلي فأحفى المسألة،
ص: 104
فقلت له: يا رسول الله، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، فانتبذ رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، وجعلتُ أنا أعدد ما لقينا منه، حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله(صلى الله عليه وسلم) على فخذي، وكنت منه قريباً، ثم قال: سعد بن مالك الشهيد! مه، بعض قولك لأخيك عليّ، فوالله لقد علمتُ أنه أخشن في سبيل الله، قال: فقلت في نفسي، ثكلتك أمك سعد بن مالك ألا أراني كنتُ فيما يكره منذ اليوم، وما أدري لا جرم والله لا أذكره بسوء أبداً سرّاً ولا علانيةً» (1).
وسند هذا الحديث معتبر، كما اعترف بذلك ابن كثير، فهو بعد أن نقل هذا الحديث عن البيهقي في الدلائل، قال: «وهذا إسنادجيد، على شرط النسائي، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة» (2).
ص: 105
قال أحمد بن حنبل في مسنده: «حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، ثنا محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن الفضل بن معقل بن سنان، عن عبد الله بن نياز الأسلمي، عن عمرو بن شاس الأسلمي، قال: وكان من أصحاب الحديبية، قال: خرجت مع علي إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك، حتى وجدت في نفسي عليه، فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد، حتى بلغ ذلك رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فدخلت المسجد ذات غدوة ورسول الله(صلى الله عليه وسلم) في ناس من أصحابه، فلما رآني أبدني عينيه- يقول: حدّد إليّ النظر- حتى إذا جلست، قال: يا عمرو، والله لقد آذيتني، قلت: أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله، قال: بلى من آذى علياً فقد آذاني» (1).
وهذه الرواية لا تدل صراحة على أن المسألة مرتبطة بجباية الصدقات، إلا أنه بقرينة جفاني يمكن أن نفهم ذلك، كما تدل على أن الشكوى وقعت في المدينة بقرينة قوله: «فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد».
والرواية صحيحة، كما قال الهيثمي في تعليقه على
ص: 106
الحديث: «رواه أحمد والطبراني باختصار والبزار أخصر منه، ورجال أحمد ثقات» (1).
وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» (2).
وقال حمزة أحمد الزين في حكمه على الحديث أيضاً: «إسناده حسن ... والحديث رواه ابن أبي شيبة 12/ 75 رقم 21157 في الفضائل، فضائل علي، وابن حبان 543 رقم 2202(موارد) مختصراً، والحاكم وصححه 3/ 122 ووافقه الذهبي» (3).
قال الواقدي: «قالوا: بعث رسول الله الله(صلى الله عليه وسلم) علي بن أبي طالب في رمضان سنة عشر، فأمره رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أن يعسكر بقُباء، فعسكر بها حتى تتامّ أصحابه، فعقد له رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم) يومئذ لِواءً أخذ عِمامةً فلفّها مثنيَّة مُرَبّعة، فجعلها في رأس الرُمح ثمّ دفعها
ص: 107
إليه، وقال: هكذا اللِّواء وعمّمه عِمامة ثلاثة أكوار، وجعل ذراعها بين يديه وشبراً من ورائه، ثمّ قال: هكذا العمامة.
قال: فحدّثني أسامة بن زيد، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع، قال: لمّا وجهه رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم) قال: امض ولا تلتفت!
فقال على: يا رسول الله، كيف أصنع؟ قال: إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك. فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منك قتيلًا، فإن قتلوا منك قتيلًا فلا تقاتلهم، تَلوَّمْهُم (1) حتى تريهم أناة، ثم تقول لهم: هل لكم أن تقولوا: لا إله إلا الله؟ فإن قالوا: نعم، فقل هل لكم إلى أن تصلّوا؟ فإن قالوا: نعم، فقل لهم: هل لكم إلى أن تخرجوا من أموالكم صدقة تردونها على فقرائكم؟ فإن قالوا: نعم، فلا تبغ منهم غير ذلك، والله لأن يهدي الله على يديك رجلًا واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت.
قال: فخرج في ثلاثمائة فارس فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد (2) ... فلمّا انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد وهي أرض مَذْحِج فرّق أصحابه، فأتوا بنهب وغنائم وسبي نساء
ص: 108
وأطفال ونِعَم وشاء وغير ذلك، فجعل على الغنائم بُريدة بن الحُصيب، فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقاهم جمع.
ثمّ لقي جمعاً فدعاهم إلى الإسلام وحرّض بهم،، فأبَوا ورموا في أصحابه، ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السُلمي فتقدّم به، فبرز رجل من مَذحِج يدعو إلى البِراز، فبرز إليه الأسود بن الخُزاعي السُلمي، فتجاولا ساعة، وهما فارسان، فقتله الأسود وأخذ سَلبَه، ثمّ حمل عليهم علي(ع) بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلًا، فتفرقّوا وانهزموا، وتركوا لواءهم قائماً، فكفّ عن طلبهم ودعاهم إلى الإسلام، فسارعوا وأجابوا وتقدّم نفر من رؤسائهم، فبايعوه على الإسلام، وقالوا: نحن على مَن وراءنا من قومنا، وهذه صدقاتنا فخذ منها حقَّ اللّه» (1).
ثمّ قال الواقدى: «فحدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، قال: وجمع علي الغنائم وجزأها خمسة أجزاء. وأقرع عليها، وكتب في سهم منها، فخرج أول السهام سهم الخمس، ولم ينفّل منه أحداً من الناس شيئاً، وكان من قبله من الأمراء يعطون أصحابهم- الحاضر دون غيرهم- من الخمس، ثم يخبر بذلك رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فلا يردّه عليهم، فطلبوا
ص: 109
ذلك من علي، فأبى وقال: الخمس أحمله إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يرى فيه رأيه، وهذا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يوافي الموسم، ونلقاه به، فيصنع ما أراه الله، فانصرف راجعاً، وحمل الخمس، وساق معه ما كان ساق، فلمّا كان بالفُتُق (1)، تعجّل وخلّف على أصحابه والخمس أبا رافع، فكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن أحمال معكومة (2)، ونَعَم ممّا غَنِموا، ونَعَم من صدقة أموالهم.
قال أبو سعيد الخدري- وكان معه في تلك الغزوة- قال: وكان علي(ع) ينهانا أن نركب على إبل الصدقة، فسأل أصحاب علي(ع) أبا رافع أن يكسوهم ثياباً، فكساهم ثوبين ثوبين، فلما كانوا بالسِّدرة داخلين مكة خرج علي(ع) يتلقاهم ليقدَم بهم، فيُنزلهم فرأى على أصحابنا ثوبين ثوبين على كلّ رجل، فعرف الثياب، فقال لأبي رافع: ما هذا؟ قال: كلّموني ففَرِقتُ من شكايتهم، وظننت أنّ ذلك يسهل عليك، وقد كان مَن كان قبلك يفعل هذا بهم، فقال: رأيت إبائي عليهم ذلك وقد أعطيتهم، وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلّفتُ فتعطيهم؟!
قال: فأبى علي(ع) أن يفعل ذلك حتى جرّد بعضهم من
ص: 110
ثوبيه، فلما قَدِموا على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) شكوه، فدعا علياً، فقال: ما لأصحابك يشكونك؟ فقال: ما أشكيتهم؟ قسّمت عليهم ما غنموا، وحبست الخمس حتى نقدم عليك، وترى رأيك فيه، وقد كانت الأمراء يفعلون أموراً: يُنفِّلون من أرادوا من الخمس، فرأيت أن أحمله إليك لترى فيه رأيك! فسكت النبي(صلى اللّه عليه وسلّم)» (1).
«قال: فحدّثني سالم مولى ثابت عن سالم مولى أبي جعفر، قال: لمّا ظهر عليّ(ع) على عدوّه ودخلوا في الإسلام جمع ما غنم واستعمل عليه بريدة بن الحصيب وأقام بين أظهرهم، فكتب إلى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه وسلّم) كتاباً مع عبد اللّه بن عمرو بن عوف المزنيّ يخبره أنّه لقي جمعاً من زبيد وغيرهم، وأنّه دعاهم إلى الإسلام وأعلمهم أنّهم إن أسلموا، كفّ عنهم فأبوا ذلك وقاتلهم. قال عليّ(ع): فرزقني اللّه الظّفر عليهم حتّى قتل منهم من قتل. ثمّ أجابوا إلى ما كان عرض عليهم، فدخلوا في الإسلام وأطاعوا بالصّدقة وأتى بشر منهم للدّين وعلّمهم قراءة القرآن، فأمره رسول اللّه(صلّى اللّه عليه وسلّم) يوافيه في الموسم، فانصرف عبد اللّه بن عمرو بن عوف
ص: 111
إلى عليّ(ع) بذلك» (1).
وهذه الرواية دلت على أن الشكوى وقعت في مكة المكرمة في حجة الوداع.
أقول: يظهر من هذه الرواية أن اليمن لم تكن قد أسلم جميع أهلها في وقت واحد، فيظهر أن هناك بعضاً من قبائلها لم تكن أسلمت، لذا حين خرج علي(ع) لجباية الصدقات منها، قد واجه بعض تلك القبائل غير المسلمة وخاض حرباً معها، ثم بعد ذلك أسلمت.
كما يظهر من بعض مقاطع الرواية أنها تنسجم مع الخروج الثالث، بقرينة الموافاة في مكة(يوافي الموسم) و(السنة العاشرة) كما يظهر أيضاً من بعض مقاطعها أن الخروج هو الخروج الأول الذي كان علي فيه داعياً وغازياً، بقرينة أنها ذكرت أنه قاتل زبيداً وأسلموا، وفي الجملة يشعر القارئ للرواية أن هناك خلطاً قد وقع فيها، وأن هناك تهافتاً في مضامين فقراتها.
ص: 112
قال ابن الأثير تحت عنوان:(ذكر بعث رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أمراءه على الصدقات): «وفيها أي: في السنة العاشرة بعث رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أمراءه وعماله على الصدقات، فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء» إلى أن قال: «وبعث علي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم ويعود، ففعل وعاد، ولقي رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بمكة في حجّة الوداع، واستخلف على الجيش الذي معه رجلًا من أصحابه، وسبقهم إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) فلقيه بمكّة، فعمد الرجل إلى الجيش، فكساهم كل رجل حلّة من البز الذي مع علي، فلمّا دنا الجيش خرج علي ليتلقّاهم، فرأى عليهم الحلل، فنزعها عنهم، فشكاه الجيش إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فقام النبي(صلى الله عليه وسلم) خطيباً، فقال: أيها الناس، لا تشكوا علياً، فو الله إنه لأخشن في ذات الله وفي سبيل الله» (1).
وهذه الرواية واضحة في جباية الصدقات، وأنها في السنة العاشرة للهجرة، وأن الإمام بعد جمعه للصدقات عاد والتقى
ص: 113
برسول الله(عليهما السلام) في مكة، مما يدل أن الشكوى قد وقعت في مكة.
يفهم من كلام الواقدي وابن الأثير المتقدم: أن الخروج الثالث للإمام علي(ع) لليمن كان في السنة العاشرة للهجرة سنة حجة الوداع، حيث وافى رسول الله(عليهما السلام) في مكة (1).
قد عبّر في الروايات عن الشكاة بعدة ألفاظ، منها: لفاظا لالا االا كمت كمبى كما
1-(الناس) كما في رواية ابن إسحاق، وأحمد بن حنبل، وابن عبد البر، عن أبي سعيد الخدري، قال: «اشتكى الناس علياً رضوان اللّه عليه» (2).
ص: 114
2-(أصحاب علي) كما في رواية الواقدي عن أبي سعيد: «فلما قدموا على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) شكوه، فدعاه، وقال: ما لأصحابك يشكونك؟» (1).
3-(الجيش) كما في رواية ابن هشام، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن رُكانة: «وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم» (2).
4-(عمرو بن شاس الأسلمي) فقد عبّر عن الشاكي بهذا الاسم، قال: «خرجت مع علي(ع) إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك، حتى وجدت في نفسي عليه، فلما قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد» (3).
وقال الهيثمي: «رواه أحمد والطبراني باختصار والبزار أخصر منه ورجال أحمد ثقات» (4).
5-(أبو سعيد الخدرى بن مالك بن سنان) فقد عبّر أيضاً عن المشتكي بهذا الاسم، كما في رواية البيهقي، قال: «فلمّا
ص: 115
قدمنا المدينة غدوت إلى رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) ... فقلت: يا رسول اللّه، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق» (1).
فلم تتفق الروايات على مشتكٍ بعينه، فهي مختلفة، كما يظهر منها.
قد مرّ بأن شكوى عمرو بن شاس وأبي سعيد الخدري كانت بالمدينة، وأمّا شكوى الناس أو الجيش فيبدو أنّهاكانت بمكّة، كما في رواية الواقدي عن أبي سعيد الخدري «... فلما كانوا بالسِّدرة داخلين مكة خرج علي(ع) يتلقاهم ليقدَم بهم فيُنزلهم، فلمّا قَدِموا رسول اللّه شكوا ....» (2).
وقال ابن الأثير: «وسبقهم إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) فلقيه بمكة، فعمد الرجل إلى الجيش، فكساهم كل رجل حُلة
ص: 116
من البَزّ الذي كان مع علي، فلما دنا الجيش خرج علي ليتلقاهم، فرأى عليهم الحلل فنزعها عنهم، فشكاه الجيش إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)» (1).
وفي رواية ابن إسحاق والطبري: «فلمّا دنا جيشه خرج ليَلقاهم، فإذا عليهم الحُلل، قال: ويلك! ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك! انْزِع قبل أن تنتهي به إلى رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم). قال: فانتزع الحُلل من الناس، فردّها في البَزّ، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم» (2).
فيظهر من دنو الجيش أنه كان إلى مكة.
التساؤل الرابع: لو كانت الشكوى في مكة هل كانت قبل مراسم الحج أم بعده؟
تدلّ رواية ابن إسحاق ورواية الطبري بأنّ الشكوى كانت قبل إتمام مراسم الحج؛ لأنّه قد ورد فيهما- بعد نقل شكوى
ص: 117
الجيش وقول رسول اللّه(عليهما السلام): «لا تشكوا علياً» «ثمّ مضى رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) على حجّه، فأرى الناس مناسكهم، وأعلمهم سنن حجّهم» (1).
يفهم من رواية الواقدي، وكذا رواية ابن الأثير أن الشكوى التي صدرت من الجيش كانت قد حدثت بعد إكمال مراسم الحج، قال الواقدي: «خرج عليّ(ع) يتلقّاهم ليقدم بهم فينزلهم».
وقال ابن الأثير: «فلما دنا الجيش خرج علي ليتلقاهم» (2).
ومن الواضح أن خروج علي لملاقاة الجيش لم يكن قبل انقضاء مراسم الحج، كيف ذلك وقد ذكرت الروايات أن علياً(ع) قد سبق الجيش، وتعجّل ليلتحق بمراسم الحج مع النبي(عليهما السلام)؟ ففي رواية البيهقي السابقة: «فأسرع هو، فأدرك الحج، فلما قضى حجته، قال له النبي(عليهما السلام): ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم».
ص: 118
وبعد هذه المقدمات عن واقعة اليمن، وشكاية الناس علياً(ع) تبيّن أنّ قضية الشكوى- حتى مع كونها وقعت في مكة- لا ربط لها بمسألة واقعة الغدير التي نصّب النبي(عليهما السلام) فيها علياً(ع) خليفة للمسلمين، فنجيب أن حديث الغدير كان نتيجة شكوى جيش اليمن، بعدّة أجوبة:
لو كانت الشكوى قد حصلت قبل مراسم الحج، كما هو مضمون رواية الطبري وابن إسحاق اللتين نقلناهما، فحينئذ لا علاقة للشكوى بواقعة الغدير المتأخرة زماناً؛ لأن النبي(عليهما السلام)- كما هو مفاد الروايات- قد قام خطيباً بعد هذه الشكوى مباشرة، وقال: «أيها الناس، لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأخشن في ذات الله». فهذه الخطبة قد سبقت خطبة الغدير التي كانت بعد إتمام مراسم الحج، وترك النبي لمكة متوجهاً إلى جهة المدينة حيث وقعت خطبة الغدير في مكان يقال له: غدير خم والذي يبعد مسافة ليست بالقصيرة عن مكة.
أما لو كانت الشكوى بعد إتمام مراسم الحج، كما هو
ص: 119
مضمون رواية الواقدي وابن الأثير كما بيّناه سابقاً، فكذا سوف لن تكون خطبة الشكوى مرتبطة بحادثة الغدير؛ لنفس السبب السابق؛ لأن الظاهر من الروايات أن خطبة الشكوى كانت بعد الشكاية مباشرة في مكة، وقبل تحرك النبي ومسيره متوجهاً إلى المدينة ومروره بغدير خم.
قد بيّنا في جواب التساؤل الثالث أن روايات الصنف الثالث قد انقسمت إلى قسمين من حيث بيان مكان وقوع الشكوى، فقسم حددها في مكة وقسم حددها في المدينة، فعلى تقدير أنها وقعت في المدينة كما هو مضمون رواية عمرو بن شاس الأسلمي، قال: «فلما قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد» (1).
ورواية أبي سعيد الخدري، قال: «فلمّا قدمنا المدينة غدوت إلى رسول اللّه(صلى اللّه عليه وسلم) ... فقلت: يا رسول اللّه، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق» (2) فحينئذ سوف يكون عدم الارتباط بين واقعة
ص: 120
الشكوى وواقعة الغدير أكثر وضوحاً، كما لا يخفى.
على أن الاختلاف في مكان الشكوى يوجب وهناً في قبول أصل الرواية، فالتضارب في كون الواقعة تارة حدثت في المدينة، وتارة حدثت في مكة، هو تناف يسلب التصديق بالحادثة بشكل كلي.
إنّ حديث الغدير كان بأمر من الله تعالى، ولا ربط له بشكوى جيش اليمن، حيث نزل الوحي على رسول الله يأمره بوجوب إبلاغ المسلمين خلافة علي(ع) وإمامته، كما دلّ على ذلك جملة من الروايات الصحيحة، منها ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند صحيح عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال:
«نزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِل إِليْكَ مِن رَّبِّكَ في علي بن أبي طالب(ع)» (1).
وروى الثعلبي بأربع طرق في تفسيره أن الآية الكريمة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِل إِليْكَ مِن رَّبِّكَ «لما نزلت أخذرسول الله
ص: 121
بيد علي(ع) وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه» (1).
وأخرج الخطيب البغداي عن «عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، حدثنا علي بن سعيد الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي(صلى الله عليه وسلم) بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» (2).
ص: 122
وهذه الرواية طريقها صحيح، فإن ابن بشران من شيوخ الخطيب البغدادي، وقال عنه: «كتبت عنه وكان سماعه صحيحاً» (1).
وأمّا علي بن عمر الحافظ، فهو الدارقطني صاحب السنن، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: «قال أبو بكر الخطيب: كان الدارقطني فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علو (2) الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال، مع الصدق والثقة» (3).
وأمّا حبشون الخلال، فقال عنه الخطيب: «وكان ثقة يسكن باب البصرة، ثم قال: أنبأنا الأزهري، أنبأنا علي بن عمر الحافظ [الدارقطني] قال: حبشون بن موسى بن أيوب الخلال صدوق» (4).
ص: 123
وأمّا علي بن سعيد الرملي، فهو ابن أبي حملة، وقال عنه الذهبي في الميزان: «ما علمت به بأساً، ولا رأيت أحداً الآن تكلّم فيه، وهو صالح الأمر، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة مع ثقته» (1).
وتابعه ابن حجر في لسان الميزان قائلًا: «وإذا كان ثقة ولم يتكلم فيه أحد فكيف نذكره في الضعفاء؟!» (2).
وقال عنه الذهبي في موضع آخر في الميزان: «يتثبت في أمره، كأنه صدوق» (3).
وأما ضمرة بن ربيعة، فقال عنه أحمد بن حنبل: «من الثقات المأمونين، رجل صالح، صالح الحديث، لم يكن بالشام رجل يشبهه» (4).
وعبد الله بن شوذب، قال عنه ابن حجر: «سكن البصرة والشام، صدوق عابد» (5).
وأما مطر الوراق، فقال عنه الذهبي: «الإمام الزاهد الصادق، أبو رجاء بن طهمان الخراساني، نزيل البصرة، مولى علباء بن
ص: 124
أحمر اليشكري، كان من العلماء العاملين، وكان يكتب المصاحف، ويتقن ذلك» (1).
وقال في الميزان: «فمطر من رجال مسلم، حسن الحديث» (2).
وأما شهر بن حوشب، فهو من رجال مسلم، وفي تاريخ الإسلام للذهبي: «قال حرب الكرماني: قلت لأحمد بن حنبل: شهر بن حوشب، فوثّقه، وقال ما أحسن حديثه، وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: شهر ليس به بأس. قال الترمذي: قال محمد، يعني البخاري: شهر حسن الحديث، وقوي أمره» (3).
وقال العجلي في معرفة الثقات: «شهر بن حوشب شامي، تابعي، ثقة» (4).
إذن فرواية الخطيب بالألفاظ المذكورة عن أبي هريرة لا إشكال في سندها، وأنّ واقعة الغدير واقعة إلهية قرآنية، وليس من الإنصاف أن نربطها بمسألة جزئية كشكوى جيش اليمن.
ص: 125
لوكانت الشكوى موجبة لحديث الغدير، فلابدّ من الإشارة لها إمّا من قبل رسول اللّه(عليهما السلام) كما أشار في خطبته بمكة، بقوله: «لا تشكوا علياً» أو من جانب الشكاة، بأنّ تنقل لنا الرواية بعد خطبة النبي أن الشكاة قد رضوا عن علي(ع) وندموا على شكواهم، كما في قضيّة شكاية بريدة وابن مالك وغيرهما، وفي رواية عمرو بن شاس بعد قول رسول اللّه(عليهما السلام): «يا عمرو، والله لقد آذيتني».
فأجاب: «أعوذ باللّه أن أوذيك يا رسول الله، قال: بلى من آذى علياً فقدآذاني» (1).
وهكذا في رواية أبي سعيد الخدري بعد ما قال رسول اللّه(عليهما السلام) لسعد: «سعد بن مالك الشهيد! مه، بعض قولك لأخيك عليّ، فوالله، لقد علمتُ أنه أخشن في سبيل الله، قال: فقلت في نفسي، ثكلتك أمك سعد بن مالك ألا أراني كنتُ فيما يكره منذ اليوم، وما أدري لا جرم والله لا أذكره بسوء أبداً سرّاً ولا
ص: 126
علانيةً» (1).
قال ابن كثير: «وهذا إسناد جيّد» (2).
إنه على فرض الاتحاد بين القضيتين، والتسليم بأن السبب في صدور حديث الغدير عن النبي(عليهما السلام) هو شكوى جيش اليمن ووقوعهم في علي(ع)، تبقى دلالة حديث الغدير محفوظة، بمعنى أن حديث الغدير يدلّ على إمامة علي(ع) وخلافته حتى في صورة كونه جواباً عن تلك الشكوى، كما صرّح القاضي عبد الجبار في كتابه(المغني)، حيث قال: «وقد قال شيخنا أبو الهذيل في هذا الخبر(يعني: حديث الغدير): إنه لو صح لكان المراد به الموالاة في الدين، وذكر بعض أهل العلم حمله على أن قوماً نقموا على علي بعض أموره، فظهرت مقالاتهم له وقولهم فيه، فأخبر(صلى الله عليه وسلم) بما يدلّ على منزلته وولايته، دفعاً لهم عمّا خاف فيه
ص: 127
الفتنة.
وقال بعضهم في سبب ذلك: إنه وقع بين أمير المؤمنين وبين أسامة بن زيد كلام، فقال له أمير المؤمنين: أتقول هذا لمولاك؟ فقال: لست مولاي وإنما مولاي رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فقال: رسول الله(صلى الله عليه وسلم): من كنت مولاه فعلي مولاه.
يريد بذلك قطع ما كان من أسامة، وبيان أنه بمنزلته في كونه مولى له، وقال بعضهم مثل ذلك في زيد بن حارثة، وأنكروا أن خبر الغدير بعد موته والمعتمد في معنى الخبر على ما قدّمناه؛ لأن كل ذلك لو صحّ، وكان الخبر خارجاً عليه، لم يمنع من التعلّق بظاهره وما يقتضيه لفظه، فيجب أن يكون الكلام في ذلك، دون بيان السبب الذي وجوده كعدمه في أن وجود الاستدلال بالخبر لا يتغير» (1).
وفي كلام القاضي ما يؤكد عدم دخالة السبب في فهم الظاهر من الحديث.
إن ما طرحناه من أجوبة وتحليل علمي وموضوعي قد
ص: 128
اعتمدنا فيه على الفهم الصحيح لدلالات الأحاديث الكثيرة المختلفة، التي وردت حول هذه القضية، كل ذلك مع غض النظر عن التطرق لأسانيد الروايات إلا في بعض الموارد، وإلا فإن الروايات التي وردت فيها قضية الشكوى في مكة فيها مؤاخذات كثيرة على إسنادها، لكن قد يقال إن بعضها يقوي البعض الآخر؛ لكثرة الروايات في هذا الباب، لذا تركنا التعرض لسندها بسبب ذلك ورعاية للاختصار، وربما نتعرض للمناقشات السندية في دراسة أوسع مما بيّنا والله ولي التوفيق.
وهكذا يتضح أن ما ذكره البيهقي وابن كثير وغيرهم من أن حديث الغدير كان بسبب الشكوى التي وقعت من البعض، إنما كان مجرد حدس واستحسان، وأن الأدلة التي ذكروها لا تثبت ما زعموه، كما بيّنا في الإجابة عن هذه الشبهة، والله ولي التوفيق.
ص: 129
* القرآن الكريم
1- إتحاف الخيرة المهرة، البوصيري، تحقيق: أبو عبد الرحمن عادل بن سعد، وأبو إسحاق السيد بن محمود بن إسماعيل، الناشر: مكتبة الرشيد- الرياض، ط 1، 1419 ه-.
2- الإرشاد، الشيخ المفيد، الناشر: دار المفيد- بيروت، ط 2.
3- إرواء الغليل، الألباني، المكتب الإسلامي- بيروت، ط 2، 1405 ه-.
4- أسباب النزول، الواحدي النيسابوري، الناشر: مؤسسة الحلبي وشركاؤه- القاهرة، سنة الطبع 1388 ه-.
5- الاستيعاب، ابن عبد البر، الناشر: دار الجيل، ط 1، سنة 1412 ه-.
6- أسد الغابة، ابن الأثير، الناشر: دار الكتاب العربى- بيروت.
7- الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، تحقيق ت: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي
ص: 130
محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط 1، 1415 ه-.
8- أصول مذهب الشيعة، ناصر القفاري، الناشر: دار الرضا للنشر والتوزيع، ط 3، 1418 ه-.
9- الاعتقاد: البيهقي، الناشر: دار الآفاق الجديدة، ط 1، 1401 ه-.
10- بحار الأنوار: العلامة المجلسي، الناشر: مؤسسة الوفاء- بيروت.
11- البداية والنهاية: ابن كثير، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت ط 1، 1408 ه-.
12- البداية والنهاية، ابن كثير، الناشر: مكتبة المعارف- بيروت.
13- البرهان في علوم القرآن، الزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية- بيروت، عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، ط 1، 1376 ه-.
14- البرهان في علوم القرآن، الزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار المعرفة- بيروت، طبعة عام 1391 ه-.
ص: 131
15- بلغة الأريب في مصطلح آداب الحبيب، الزبيدي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية- حلب، ط 2، 1415 ه-.
16- تاريخ الإسلام، الذهبي، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي- بيروت، ط 1، 1407 ه-.
17- تاريخ الخلفاء: السيوطي، الناشر: مكتب السعادة، مصر، ط 1، 1371 ه-.
18- تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط 1، 1407 ه-.
19- تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط 1، 1417 ه-.
20- تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر، تحقيق: علي شيرى، الناشر: دار الفكر- بيروت ط 1، 1415 ه- ..
21- تذكرة الحفاظ، الذهبي، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت.
22- تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي، الناشر: مؤسسة أهل البيت(عليهم السلام)- بيروت، طبعة عام 1401 ه-.
ص: 132
23- تفسير ابن أبي حاتم، ابن أبي حاتم الرازي، تحقيق: أسعد محمد الطيب، الناشر: المكتبة العصرية- صيدا.
24- تفسير ابن كثير، ابن كثير، تقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار المعرفة- بيروت، طبعة عام 1412 ه-.
25- تفسير البغوي، البغوي، الناشر: دار المعرفة- بيروت.
26- تفسير الثعلبي، الثعلبي، تحقيق: ابن عاشور، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت، ط 1، 1422 ه-.
27- تفسير الخازن، الخازن، تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط 1، 1415 ه-.
28- تفسير الطبري(جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، محمد بن جرير الطبري، تقديم: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، الناشر: دار الفكر- بيروت، طبعة عام 1415 ه-.
29- تفسير النسفي، النسفي، تحقيق: مروان محمد الشعار، الناشر: دار النفائس- بيروت، طبعة عام 2005 م.
30- تقريب التهذيب، ابن حجر، دراسة وتحقيق: مصطفى
ص: 133
عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط 2، 1415 ه-.
31- تهذيب التهذيب، ابن حجر، الناشر: دار الفكر- بيروت، ط 1، 1404 ه-.
32- تهذيب الكمال، المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، ط 4، 1406 ه-.
33- توضيح الأفكار، الأمير الصنعاني، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة السلفية- المدينة المنوّرة.
34- خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، النسائي، تحقيق وتصحيح الأسانيد ووضع الفهارس: محمد هادي الأميني، الناشر: مكتبة نينوى الحديثة- طهران.
35- دلائل النبوة: البيهقي، توثيق وتخريج وتعليق د: عبد المعطي قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت ط 2، 1423 ه-.
36- روح المعاني، الآلوسي، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت، ط 4، 1405 ه-.
37- زاد المسير، ابن الجوزي، تحقيق: محمد عبد
ص: 134
الرحمن عبد الله، الناشر: دار الفكر- بيروت، ط 1، 1407 ه-.
38- سؤالات البرقاني للدارقطني، الدارقطني، تحقيق: عبد الرحيم محمد أحمد القشقري، الناشر: كتب خانه جميلي- باكستان، ط 1، 1404 ه-.
39- سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي، تحقيق: الشيخ عادل أحمد، والشيخ علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت.
40- سر العالمين وكشف ما في الدارين، أبو حامد الغزالي، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية- النجف الأشرف، ط 2، 1385 ه-.
41- سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، طبعة عام 1415 ه-.
42- سنن ابن ماجة، ابن ماجة، تعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه: محمد ناصر الألباني، الناشر: دار الفكر- بيروت.
43- سنن الترمذي، الترمذي، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت.
44- سنن الترمذي، الترمذي، تحقيق: عبد الوهاب عبد
ص: 135
اللطيف، الناشر: دار الفكر- بيروت، ط 2، 1403 ه-.
45- سنن النسائي، النسائي، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري، سيد كسروي، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط 1، 1411 ه-.
46- سير أعلام النبلاء، الذهبي، إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط، تحقيق: أكرم البوشي، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، ط 9، 1413 ه-.
47- السيرة النبوية، ابن كثير، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، الناشر: دار المعرفة- بيروت، طبعة عام 1395 ه-.
48- السيرة النبوية، زيني دحلان، الناشر: دار القلم العربي- حلب، ط 1، 1417 ه-.
49- سيرة النبي(عليهما السلام)، ابن هشام، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده- مصر.
50- شرح مسند أبي حنيفة، ملا علي القاري، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت.
51- الشفا بتعريف حقوق المصطفى(عليهما السلام)، القاضي عياض، الناشر: دار الفكر- بيروت، طبعة عام 1409 ه-- 1988 م.
52- شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني، تحقيق: محمد
ص: 136
باقر المحمودي، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر- طهران، ط 1، 1411 ه-.
53- الصحاح، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين- بيروت، ط 4، 1407 ه-.
54- صحيح ابن حبان، ابن حبان البستي، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، ط 2، 1414 ه-.
55- صحيح البخاري، البخاري، الناشر: دار الفكر- بيروت، طبعة عام 1401 ه-.
56- صحيح سنن الترمذي، الألباني، الناشر: مكتبة المعارف- الرياض.
57- صحيح سنن النسائي، الألباني، الناشر: مكتبة المعارف- الرياض، ط 1، 1419 ه-.
58- صحيح مسلم، مسلم النيسابوري، الناشر: دار الفكر- بيروت.
59- صفوة التفاسير، الصابوني، إشراف: مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر، الناشر: دار الفكر- بيروت، طبعة عام 1421 ه-.
ص: 137
60- الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت.
61- الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الله التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، ط 1- 1997 م.
62- العلل، أحمد بن حنبل، تحقيق: الدكتور وصي الله بن محمود عباس، الناشر: دار الخاني- الرياض، ط 1، 1408 ه-.
63- عمدة القاري، العيني، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت.
64- الغدير، الأميني، الناشر: دار الكتاب العربي- بيروت، ط 4، 1397 ه-.
65- الغدير، الأميني، تحقيق ونشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية- قم، ط 1، 1416 ه-.
66- فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، الناشر: دار المعرفة- بيروت، ط 2.
67- فتح القدير، الشوكاني، الناشر: عالم الكتب.
68- الكاشف، الذهبي، تحقيق: محمد عوامة، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية، مؤسسة علو- جدّة، ط 1، 1413 ه-.
ص: 138
69- الكامل في التاريخ، ابن الأثير، الناشر: دار صادر، دار بيروت للطباعة والنشر.
70- كتاب السنة، ابن أبي عاصم، ومعه ظلال الجنة للألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، ط 5، 1426 ه-.
71- كشف الخفاء، العجلوني، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط 3، 1408 ه-.
72- كنز العمال: المتقي الهندي، تصحيح: الشيخ بكري حياني والشيخ صفوة السفا، الناشر: مؤسسة الرسالة، طبعة عام 1409 ه-.
73- الكنى والأسماء، الدولابي، تحقيق: أبو قتيبة الفاريابي، الناشر: دار ابن حزم- بيروت، ط 1، 1421 ه-.
74- لسان العرب، ابن منظور، الناشر: دار صادر- بيروت، ط 1.
75- لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، الناشر: مؤسسة الأعلمي- بيروت، ط 2، 1390 ه-.
76- مجمع الزوائد: الهيثمي، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، طبعة عام 1408 ه-.
77- مجمع الزوائد، الهيثمي، الناشر: دار الفكر- بيروت.
ص: 139
78- مرآة الجنان وعبرة اليقظان، اليافعي، الناشر: دار الكتاب الإسلامي- القاهرة، طبعة عام 1413 ه-.
79- مرقاة المفاتيح، ملّا علي القاري، الناشر: دار الفكر- بيروت، ط 1، 1422 ه-.
80- المستدرك، الحاكم النيسابوري، تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار المعرفة- بيروت.
81- المستدرك، الحاكم النيسابوري، مع تعليقات الذهبي في التلخيص، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط 1، 1411 ه-.
82- مسند أحمد، أحمد بن حنبل، الناشر: دار صادر- بيروت.
83- مسند أحمد، أحمد بن حنبل، تحقيق وتعليق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة قرطبة- القاهرة.
84- مسند أحمد، أحمد بن حنبل، شرحه وصنع فهارسه: حمزة أحمد الزين، الناشر: دار الحديث- القاهرة، ط 1، 1416 ه-.
85- مسند البزار، البزار، الناشر: مكتبة العلوم والحكم- بيروت.
ص: 140
86- المصنف، ابن أبي شيبة، الناشر: دار الفكر- بيروت، ط 1، 1409،
87- المطالب العالية، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: د. سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشتري، الناشر: دار العاصمة/ دار الغيث- السعودية، ط 1، 1419 ه-.
88- المعجم الأوسط: الطبراني، تحقيق: قسم التحقيق بدار الحرمين، نشر: دار الحرمين للطباعة والنشر.
89- المعجم الكبير، الطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت، مكتبة ابن تيمية- القاهرة.، ط 2.
90- معرفة الثقات، العجلي، الناشر: مكتبة الدار- المدينة المنورة، ط 1، 1405 ه-.
91- المغازي: الواقدي، تحقيق: د. مارسدن جونس، الناشر: ممؤسسة إسماعيليان- طهران.
92- المغني في الإمامة، القاضي عبد الجبار.
93- مناقب علي بن أبي طالب(ع)، المغازلي، الناشر: دار الأضواء- بيروت، ط 3، 1424 ه-.
94- منهاج السنة، ابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد
ص: 141
سالم، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط 1، 1406 ه-.
95- ميزان الاعتدال، الذهبي، تحقيق: الشيخ علي محمد عوض، والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط 1، 1995 م.
96- ميزان الاعتدال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار المعرفة- بيروت، ط 1، 1382 ه-.
97- نزهة النظر، ابن حجر، الناشر: مكتبة ابن تيمية- القاهرة. ط 1، 1415 ه-.
98- نظم المتناثر، الكتاني، الناشر: دار الكتب السلفية- مصر، ط 2.
99- نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين(ع) العامة، ط 1، 1377 ه- ش.
100- نفحات الأزهار: علي الميلاني، الناشر: المؤلف ط 1، 1414 ه-.
100- النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، الناشر: مؤسسة إسماعيليان- قم، ط 4.
ص: 142
102- وفيات الأعيان، ابن خلكان، تحقيق: إحسان عباس،
الناشر: دار الفكر- بيروت.