مفتاح الشريعه في شرح تحريرالوسيله: كتاب الخمس [امام خميني]

اشارة

سرشناسه : موسوي تبريزي، حسين، 1326 - ، شارح

عنوان قراردادي : تحريرالوسيله. برگزيده. شرح

عنوان و نام پديدآور : مفتاح الشريعه في شرح تحريرالوسيله: كتاب الخمس (امام خميني)/ تاليف حسين الموسوي التبريزي

مشخصات نشر : تهران : موسسه تنظيم و نشر آثارالامام الخميني(س)، 1383.

مشخصات ظاهري : (359) ص

شابك : 964-335-566-7 :33000 ريال

يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : عربي

يادداشت : كتابنامه: ص. (347) - 357؛ همچنين به صورت زيرنويس

عنوان ديگر : كتاب الخمس

موضوع : خميني، روح الله، رهبرانقلاب و بنيانگذار جمهوري اسلامي ايران، 1368 - 1279. تحريرالوسيله -- نقد و تفسير

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

موضوع : خمس

شناسه افزوده : خميني، روح الله، رهبرانقلاب و بنيانگذارجمهوري اسلامي ايران ، 1368 - 1279.، تحريرالوسيله. برگزيده. شرح

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثارامام خميني (س)

رده بندي كنگره : BP183/9/خ 8ت 3023776 1383

رده بندي ديويي : 297/3422

شماره كتابشناسي ملي : م 84-20039

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

كلمة الناشر

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

إنّ «تحرير الوسيلة» هو خير وسيلة يبتغيها المكلّف في سيره وسلوكه، وهو أوثقها عُرىً، وأصلحها منهاجاً؛ لِما امتاز به من سداد في تحديد الموقف العمليّ، وإصابة في تشخيص الوظائف المُلقاة على عاتق المكلّفين، وذلك على ضوء الدليلين: الاجتهاديّ والفقاهتيّ، النابعين من الكتاب والسنّة. ناهيك عن جمعه للمسائل العمليّة، ونأيه عن المسائل ذات الصبغة النظريّة التي لا تمسّ إلى واقعنا المُعاش بصلة.

ولئن كتب الشهيد الأوّل قدّس اللَّه نفسه الزكيّة كتاب «اللّمعة الدمشقيّة» وهو سجين، فإنّ إمامنا العظيم نوّر اللَّه ضريحه قد أ لّف هذا الكتاب حينما كان منفيّاً في مدينة بورسا التركيّة من قبل الطاغوت الغاشم، ولم يكن بحوزته إلّا «وسيلة النجاة» و «العروة الوثقى» و «وسائل الشيعة».

نعم لم تكن بيده المباركة إلّاهذه الكتب الثلاثة، ولكنّ نفسه العلويّة لو لم تكن خزانة للعلوم الحقّة، وفؤاده مهبطاً للإلهام والتحديث، لامتنع وجود هذا السِفر الخالد في تلك الظروف العصيبة.

ونظراً إلى أهمّية هذا الكتاب، وضرورة نشره على مختلف المستويات والأصعدة؛ لذا فقد أخذت مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره على

ص: 6

عاتقها نشر شروح وتعاليق العلماء المحقّقين على «تحرير الوسيلة» ومن نفقتها الخاصّة.

ويعدّ الكتاب الذي بين يديك، واحداً من هذه السلسلة الضخمة التي تروم مؤسّستنا طبعها، وهو شرح لمباحث كتاب الخمس من «التحرير»، تأليف السيّد حسين الموسوي التبريزي دام بقائه.

نسأل اللَّه تعالى أن يوفّقه وإيّانا وأن يختم لنا جميعاً بالحسنى إنّه سميع الدعاء.

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره

فرع قم المقدّسة

ص: 7

مقدّمة المؤلّف

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على

رسول اللَّه خاتم النبيّين، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

وبعد، فإنّنا نشكر اللَّه تعالى لما منّ به علينا من وافر نعمه التي لا يتسنّى لنا إحصاءها عدداً، غير أنّ بعض هذه النعم كبيرة ومشهودة في حياتنا؛ بحيث يجب أن نذكرها على الدوام من باب شكر النعمة.

والمثال البارز على ذلك إدراكنا الفقيه الجليل، ومرجع الشيعة الكبير، مؤسّس الجمهورية الإسلامية، المجاهد النحرير، سماحة آية اللَّه العظمى الإمام الخميني قدس سره فقد كانت حياته زاخرة بالعطاء على مختلف الميادين والأصعدة، خصوصاً المعطيات السياسية في مقارعة الظلم والجور، والاستعمار والاستبداد، تلك المعطيات التي تكلّلت في ختام المطاف بإقامة النظام الإسلامي، بعد ما كان حُلُماً يراود أذهان الشيعة على مدى مئات السنوات من الآمال والانتظار لتشييد صرح حكم عادل؛ وذلك بفضل ما اتّصف به سماحته من قيادة حكيمة نهضت بأعباء ترسيخ أركان النظام وتوجيه مسيرته.

وفضلًا عن كلّ ذلك، فقد كانت له مساهمته المشهودة في تعليم وإعداد فقهاء كبار في الحوزة العلمية بمدينة قم المقدّسة، ومن بعدها في النجف الأشرف؛ إذ يفخر اليوم كبار مراجع الحوزة العلمية في قم وعلماء وأساتذة المدارس الدينية في شتّى أرجاء البلاد، بتلمّذهم على يده وحضور درسه.

ص: 8

كما أنّ من أوجه عطائه أيضاً تأليف وتدوين كتب في حقول علم الكلام، والعرفان، والفلسفة، والاصول، والفقه، ويعدّ هذا التراث الثرّ من البركات الكبرى ومن النعم الإلهية التي قلّما يرى المرء لها نظيراً.

ويمكننا أن نشير- من بين هذه الكتب- إلى كتاب «تحرير الوسيلة» الذي يتصف بالجامعية والشمول، ويضمّ بين دفّتيه أبواباً مختلفة: منها العبادية، والسياسية، والاقتصادية، والقضائية، والأحكام الحكومية، ويحتوي على فروع شتّى يقلّ مثيلها؛ إنْ لم نقل: إنّها لا مثيل لها؛ فقد كانت هناك منذ سنوات طويلة، امنية تراود أذهان أكثر أعلام الحوزة العلمية؛ وهي تأليف كتاب فقهي شامل وجامع، وقد تحقّقت هذه النعمة الإلهية الكبرى بكتاب «تحرير الوسيلة» واكتسى ثوبَ الطباعة بحمد اللَّه ومنّه، وبإرادة وعزم هذه الشخصية الفقهية والدينية الكبيرة؛ وذلك في عهد الحكم البهلوي البائد بعد ما أقدم هذا النظام- بأمر ودعم القوى الشيطانية- على نفي هذا المرجع الجليل إلى تركيا.

وقد أضحى هذا الكتاب اليوم واحداً من المصادر الفقهية التي يعوّل عليها الحوزويّون، وبات كبار الفقهاء والمراجع والمدرّسون الأفاضل، يتخذون من هذا الكتاب قطباً تدور عليه رحى تدريسهم وبحوثهم ومؤلّفاتهم الفقهية.

وفي ظلّ الألطاف الخفيّة للبارئ عزّوجلّ، كُتب لي توفيق البحث والتحقيق والتنقيب والتدريس في محور هذا الكتاب الشريف، ونظراً إلى ما يتّصف به من شمول وجامعيّة، فقد جعلت أبوابه- في الغالب- المدار الذي يدور حوله تدريسي لبحث مرحلة الخارج في الفقه.

ووفّقت حتّى الآن- بحمد اللَّه ومنّه- لشرح وتحقيق عدد من أبوابه، وقد طبع بعض ما أنجزته في هذا المجال، وبعضه الآخر ماثل للطبع.

ص: 9

وقد أخذت على عاتقها مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره فرع قم المقدّسة- بفضل ما لديها من همّة عالية- مهمّة طباعة ونشر هذا الكتاب الذي بين أيديكم، وهو شرح وتحقيق باب الخمس والأنفال من كتاب «تحرير الوسيلة».

وإضافة إلى ما يتّسم به هذا الشرح من اهتمام وتركيز على الاستدلالات الفقهية المستقاة من القرآن والحديث والآراء المعروفة عند كبار فقهاء الشيعة والتلقّي الاصولي لمعطياتها، فهو يتميّز بخاصّة واضحة؛ وهي أ نّه يسلّط مزيداً من الضوء على الفقه الحكومي والسياسي لمسألة الخمس والأنفال وتطوّرها تأريخياً من عهد الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم إلى حين الغيبة الصغرى للإمام المهدي أرواحنا فداه وإلى جانب نقل فتاوى كبار علماء الشيعة، هناك اهتمام أيضاً بفتاوى المذاهب الأربعة.

أرجو أن يكون هذا العمل خطوة- وإن كانت متواضعة- على طريق خدمة فقه أهل بيت العصمة والطهارة؛ وإظهار ما يتّسم به من حيوية وفاعلية. وسمّيت هذا الكتاب- في ضوء محتوياته- مفتاح الشريعة في شرح تحرير الوسيلة.

وأودّ هنا أن اعبّر عن جزيل امتناني وتقديري لجميع المسؤولين والباحثين والأفاضل في مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره بقم المحترمين، وأخصّ منهم بالذكر رئيسها الموقّر.

كما أرجو الباحثين والأفاضل الكرام وأساتذة الحوزات العلمية المبجّلين، أن ينبّهونا إلى ما يعثرون عليه من أخطاء، ويدعوا لنا بما يدعون به من الخير لأنفسهم.

والسلام

الحوزة العلمية في قم المقدّسة

السيّد حسين الموسوي التبريزي

ص: 10

ص: 11

كتاب الخمس

اشارة

ص: 12

ص: 13

كتاب الخُمس

اشارة

وهو الذي جعله اللَّه تعالى لمحمّد صلى الله عليه و آله و سلم وذرّيّته- كثّر اللَّه نسلهم المبارك- عوضاً عن الزكاة- التي هي من أوساخ أيدي الناس- إكراماً لهم، ومن منع منه درهماً كان من الظالمين لهم والغاصبين لحقّهم (1)،

1- ويدلّ على وجوب الخمس قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍقَدِيرٌ(1).

فلا إشكال في وجوب الخمس إجمالًا بين الفريقين، وكذا لا إشكال في كون وجوبه في الجملة من ضروريات الإسلام، ويدلّ عليه الآية المذكورة وقد صدّر سبحانه وتعالى كلامه بقوله: اعْلَمُوا خطاباً لعموم المؤمنين، وأكّد أمره بكلمة أنَ للتنبيه على الاهتمام والعناية الخاصّة بالحكم، وقوله: أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَى ءٍ يدلّ باعتبار لفظة مَا الموصولة ولفظة: شَى ءٍ على التعميم وأ نّه لا يختصّ بأمرٍ دون آخر، وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى توضيح الغنيمة في محلّه.


1- الأنفال( 8): 41 ..

ص: 14

فعن مولانا الصادق عليه السلام: «إنّ اللَّه لا إله إلّاهو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال»، وعنه عليه السلام: «لا يُعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول: ياربّ اشتريته بمالي؛ حتّى يأذن له أهل الخمس»، وعن أبي جعفر عليه السلام: «ولايحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا نصيبنا».

والكلام فيما يجب فيه الخمس، وفي مستحقّيه، وكيفيّة قسمته بينهم، وفي الأنفال.

وتدلّ عليه أيضاً- مضافاً إلى الإجماع من الفريقين بوجوب الخمس في الجملة- الروايات الكثيرة التي سيأتي نقلها، فمن كان مستحلًاّ لأصل الخمس صار من المرتدّين والكافرين؛ لكونه من الضروريات باتفاق الفريقين. وأمّا إنكار الخمس في غير غنائم الحرب فلا يكون كفراً بل إنكاراً لما هو الضروري من المذهب، كما أنّ ادعاء الاستحلال في عصر الغيبة لأجل أخبار التحليل- كما سيأتي- ليس من خلاف الضروري حتّى من المذهب أيضاً.

ص: 15

القول: فيما يجب فيه الخمس

يجب الخمس في سبعة أشياء: الأوّل: ما يُغتنم قهراً (2)،

2- الأصل في الخمس من الكتاب كما ذكرناه قوله تعالى: أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ... ولكنّ البحث قد وقع في معنى الغنيمة؛ فقد قال الراغب في «المفردات»: «الغَنَمُ معروف، والغُنْمُ: إصابته والظفر به، ثمّ استعمل في كل مظفور به من جهة العِدى وغيرهم، والمَغْنَمُ: ما يُغنَم، وجمعه مغانِم»(1).

قال خليل بن أحمد: «الغُنم هو الفوز بالشي ء من غير مشقّةٍ»(2).

وعن «القاموس»: «الغُنم والمَغْنَم والغنيمة في اللغة: ما يصيبه الإنسان ويناله ويظفر به من غير مشقّةٍ»(3).

وفي «المصباح المنير»: «غنمتُ الشي ء أغنمه غُنماً، أصبته غنيمةً ومَغنماً والجمع الغنائم والمغانم، والغُنم بالغرم أي مقابل به»(4).


1- مفردات ألفاظ القرآن: 615 ..
2- كتاب العين 4: 426 ..
3- انظر تفسير القرآن الحكيم( المنار) 10: 3، القاموس المحيط 4: 159 ..
4- المصباح المنير: 454 ..

ص: 16

وفي «لسان العرب»: «الغُنم: الفوز بالشي ء من غير مشقّة»(1).

وفي «تاج العروس»: «الغُنم: الفوز بالشي ء من غير مشقّة»(2).

وفي «أقرب الموارد»: «غنم الشي ء غنماً: فاز به بلا مشقّة وناله بلا بدل»(3).

وفي «مجمع البحرين»: «الغنيمة في الأصل: هي الفائدة المكتسبة، ولكن اصطلح جماعة على أنّ ما أخذ من الكفّار من غير قتال فهو في ء، وإن كان مع القتال فهو غنيمةٌ»(4).

وفي «المنجد»: «غَنِم الشي ء: فاز به وناله بلا بدل».

هذه جملة من كلمات اللغويين.

وأمّا التفاسير، فمن العامّة: من فسّر قوله تعالى: أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ بما يغنمه المسلمون في الحرب ضدّ الكفّار فقط(5).

وبعضهم قد اعترف بكون معنى اللفظ في اللغة عامّاً، إلّاأنّ المراد منه في الآية الشريفة هو الغنائم الحربية؛ لاتفاق علماء أهل السنّة بذلك.

قال القرطبي: «واعلم: أنّ الاتفاق حاصل على أنّ المراد بقوله تعالى: أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ مال الكفّار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر، ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيّناه، ولكن عرف الشرع قيّد اللفظ بهذا النوع»(6).


1- لسان العرب 10: 133 ..
2- تاج العروس 9: 7 ..
3- أقرب الموارد 2: 890 ..
4- مجمع البحرين 6: 129 ..
5- تفسير البيضاوي 1: 384، الجامع لأحكام القرآن 8: 1، الدرّ المنثور 3: 187، تفسير القرآن العظيم 2: 410، تفسير الطبري 6: 248 ..
6- الجامع لأحكام القرآن 8: 1 ..

ص: 17

وقال الفخر الرازي: «الغُنم: الفوز بالشي ء، والغنيمة في الشريعة ما دخلت في أيدي المسلمين من أموال المشركين على سبيل القهر بالخيل والركاب»(1).

وقال السيّد محمّد رشيد رضا: «الغُنم- بالضم- والمغنم والغنيمة في اللغة ما يصيبه الإنسان ويناله ويظفر به من غير مشقّة- كذا في «القاموس»- إلى أن قال:

والتحقيق أنّ الغنيمة في الشرع ما أخذه المسلمون من المنقولات في حرب الكفّار عنوةً، وهذه هي التي تخمّس، فخمسها للَّه وللرسول»(2).

وقال المراغي: «الغُنم والمغنم والغنيمة: ما يناله الإنسان ويظفر به بلا مقابل مادّي، وقولهم الغُرم بالغُنم: أي يقابَل به، إلى أن قال في تفسير الآية: أي واعلموا أيّها المؤمنون أنّ كلّ ما غنمتموه من الكفّار المحاربين، فاجعلوا أوّلًا خمسه للَّه تعالى...»(3).

وأمّا مفسّري الإمامية؛ فقال الشيخ الطوسي رحمه الله: «وعند أصحابنا، الخمس يجب في كلّ فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات والكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك ممّا ذكرناه في كتب الفقه. ويمكن الاستدلال على ذلك بهذه الآية؛ لأنّ جميع ذلك يسمّى غنيمةً»(4).

وقال الأردبيلي: «والغنيمة في اللغة بل العرف- أيضاً- الفائدة»(5). وفي «كنز العرفان»: «الغنيمة في الأصل: هي الفائدة المكتسبة»(6).


1- التفسير الكبير 15: 164 ..
2- تفسير القرآن الحكيم( المنار) 10: 3 و 4 ..
3- التفسير المراغي 4: 4 ..
4- التبيان في تفسير القرآن 5: 123 ..
5- زبدة البيان: 210 ..
6- كنز العرفان 1: 248 ..

ص: 18

وقال الفاضل الجواد: «ظاهر الغنيمة، ما اخذت من دار الحرب، ويؤيّده الآيات السابقة واللاحقة، وعلى ذلك حملها أكثر المفسّرين، والظاهر من أصحابنا أ نّهم يحملونها على الفائدة مطلقاً وإن لم يكن من دار الحرب- إلى أن قال- وقد أدرجوا السبعة الأشياء التي أوجبوا فيها الخمس في ذلك- إلى أن قال- والحقّ أنّ استفادة ذلك من ظاهر الآية بعيدة، بل الظاهر منها كون الغنيمة غنيمة دار الحرب والخبر غير صحيح، والأولى حمل الغنيمة في الآية على ذلك وجعل الوجوب في غير الغنيمة من المواضع السبعة ثابتاً بدليل من خارج كالإجماع، إن كان أو الأخبار، ويبقى ما عدا ذلك على الأصل الدالّ على العدم»(1).

وقال الطبرسي: «وقال أصحابنا: أنّ الخمس واجب في كلّ فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات، وفي الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك ممّا هو مذكور في الكتب، ويمكن أن يستدلّ على ذلك بهذه الآية، فإنّ في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك اسم الغنم والغنيمة»(2).

وقال العلّامة الطباطبائي رحمه الله: «الغنم والغنيمة إصابة الفائدة من جهة تجارةٍ أو عمل أو حرب، وينطبق بحسب مورد نزول الآية على غنيمة الحرب- إلى أن قال في آخر كلامه- وظاهر الآية أ نّها مشتملة على تشريع مؤبّد- كما هو ظاهر التشريعات القرآنية- وأنّ الحكم متعلّق بما يسمّى غنماً وغنيمة، سواء كان غنيمةً حربية مأخوذة من الكفّار، أو غيرها ممّا يطلق عليه الغنيمة لغةً، كأرباح المكاسب والغوص والملاحة والمستخرج من الكنوز والمعادن، وإن كان مورد نزول الآية


1- مسالك الأفهام 2: 76- 81 ..
2- مجمع البيان 3- 4: 836 ..

ص: 19

هو غنيمة الحرب، فليس للمورد أن يخصّص»(1).

هذه جملة من أقوال المفسّرين في الآية من العامّة والخاصّة.

وقد علمت أنّ أكثر المفسّرين من العامّة قد اختصّوها بغنائم الحرب، مع أنّ أكثر الإمامية فسّروها بما تعمّ الغنائم الحربية وغيرها أيضاً.

وأمّا أقوال الفقهاء: أمّا الإمامية؛ فمنهم من استدلّ بوجوب الخمس في غير غنيمة الحرب- كأرباح المكاسب- بالآية، ومنهم من لم يستدلّ بها:

قال الشيخ في «الخلاف»: «مسألة: كلّ ما يؤخذ بالسيف قهراً من المشركين يسمّى غنيمةً بلا خلاف، وعندنا: أنّ ما يستفيده الإنسان من أرباح التجارات والمكاسب والصنائع يدخل أيضاً فيه، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.

دليلنا: إجماع الفرقة وأيضاً قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ(2) عامٌّ في جميع ذلك، فمن خصّصه فعليه الدلالة»(3).

وقال أيضاً في «النهاية»: «الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان، والغنائم كلّ ما اخذ بالسيف من أهل الحرب الذين أمر اللَّه تعالى بقتالهم من الأموال والسلاح والكراع والثياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه.

ويجب الخمس أيضاً في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح التجارات والزراعات وغير ذلك بعد إخراج مؤنته ومؤنة عياله. ويجب الخمس أيضاً في جميع المعادن:

من الذهب والفضّة والحديد والصفر والملح والرصاص والنفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم المعدن على اختلافها. ويجب أيضاً الخمس من الكنوز المذخورة


1- الميزان في تفسير القرآن 9: 89- 91 ..
2- الأنفال( 8): 41 ..
3- الخلاف 4: 181 ..

ص: 20

على من وجدها وفي العنبر وفي الغوص»(1).

وحيث عدّ رحمه الله أرباح التجارات والزراعات ممّا يغنمه الإنسان فتشملها الآية.

وفي «فقه الرضا عليه السلام»: «وكلّ ما أفاده الناس فهو غنيمةٌ، لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ومال الفي ء الذي لم يختلف فيه، وهو ما ادعي فيه الرخصة، وهو ربح التجارة وغلّة الضيعة، وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها؛ لأنّ الجميع غنيمة وفائدة من رزق اللَّه تعالى»(2).

وقال ابن زهرة في «الغنية»: «ويجب الخمس أيضاً في الفاضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد من كلّ مستفاد بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة أيّ وجهٍ كان، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط»(3).

والظاهر منه أ نّه رحمه الله لم يعتقد بشمول الآية ولفظ الغنيمة لأرباح المكاسب؛ لأنّه لم يستدلّ بها فيها، مع استدلاله بها في الغنائم الحربية والمعادن والكنوز والمستخرج بالغوص.

وقال العلّامة في «التذكرة»: «الصنف الخامس: أرباح التجارات والزراعات والصنائع وسائر الاكتسابات بعد إخراج مؤونة السنة له ولعياله على الاقتصاد يجب فيها الخمس عند علمائنا كافة- خلافاً للجمهور كافّة- لعموم قوله تعالى:

وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ(4).


1- النهاية: 196 ..
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 294 ..
3- غنية النزوع 1: 129 ..
4- تذكرة الفقهاء 5: 420 ..

ص: 21

وقال في «المنتهى»: «الصنف الخامس: أرباح التجارات والزراعات والصنائع وجميع أنواع الاكتسابات... يجب فيها الخمس، وهو قول علمائنا أجمع، وقد خالف فيه الجمهور كافّة. لنا قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ... الآية.

وجه الاستدلال: أ نّه تعالى أوجب الخمس في كلّ ما يغنم، وهو يتناول غنيمة دار الحرب ويتناول غيرها، فالتخصيص من غير دليل باطل»(1).

وقال المفيد رحمه الله في «المقنعة»: «والخمس واجبٌ في كلّ مغنم، قال اللَّه عزّوجلّ:

وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ... الآية. والغنائم كلّ ما استفيد بالحرب من الأموال والسلاح والثياب والرقيق، وما استفيد من المعادن والغوص والكنوز والعنبر، وكلّ ما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات عن المؤونة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد»(2).

وقال السيد رحمه الله في «الانتصار»: «وممّا انفردت به الإمامية: القول بأنّ الخمس واجبٌ في جميع المغانم والمكاسب وما استخرج من المعادن والغوص والكنوز وما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد المؤونة والكفاية في طول السنة على اقتصاد»(3).

وكذا غيرهم من الفقهاء، لكن عدّة من الفقهاء مع أ نّهم قد أفتوا بوجوب الخمس في سبعة أشياء لم يستدلّوا له بالآية، بل بالروايات والإجماع، مع أنّ الآخرون قد استدلّوا فيها بالآية، كما مرّ، فليس في الاستدلال بالآية على وجوب الخمس في أرباح المكاسب إجماع عند فقهائنا، مع كون أصل وجوبه مجمع عليه.


1- منتهى المطلب 8: 537 ..
2- المقنعة: 276 ..
3- الانتصار: 225 ..

ص: 22

وأمّا أهل السنّة والجماعة: فالشافعي في «الامّ»، وابن قدامة في «المغني»، وفي «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» وغير ذلك قد استدلّوا بوجوب الخمس في الغنيمة فقط بالآية دون غيرها، فلا إشكال عندهم في عدم شمول الآية لغير الغنيمة.

والحقّ أنّ الغنيمة والغنم والمغنم كما عرفت هي أعمّ من الغنائم الحربية وتشمل المنافع كلّها، ولا دليل على حمل الآية على الغنيمة الحربية، بصرف نزول الآية في البدر؛ لأنّ المورد لا يكون مخصّصاً، وإلّا لوجب تخصيصها بغنائم غزوة بدر أيضاً، ولم يقل به أحد. ولا مانع من كون المورد الخاصّ موجباً لنزول حكم كلّي يشمل المورد أيضاً بعمومه؛ لأنّه المعمول في الكتاب العزيز وفي القوانين المصوّبة في المجالس المقنّنة وفي الحكومات؛ لأنّه قد يتفق أمرٌ ويكون هو موجباً لتصويب قانون كلّي، كما لا يخفى.

نعم، يستفاد من اللغة أنّ الغنم والغنيمة لا يصدق على ما يظفر الإنسان به بتبديل ماله بلا حصول ربح أو ربح قليل متوقّع مع المشقّة الكثيرة أو المتوسطة، بل المراد منها هو المال الذي يصل بيد الإنسان من دون مشقّة كثيرة مع كونه غير متوقّع، كالربح الكثير في المعاملات، والمال الحاصل الكثير من الغوص والمعادن والزراعات والصناعات؛ بحيث كان ربحه أكثر من رأس ماله المصروف فيها والفعل والعمل الذي عمل فيها، وكان أكثر من مخارج نفسه وعياله ومتعلّقيه في طول السنة، فخروج مخارج السنة يكون تخصّصاً وموضوعاً، لا تخصيصاً.

وأمّا ما يقال: من أنّ الغنيمة في الحرب أيضاً تحصل بالمشقّة، ففيه: أنّ المشقّة في الحرب إنّما هو للظفر على العدوّ وإعمال السلطة عليه أو رفع سلطته، وإنّما الغنيمة قد تحصل تطفّلًا ومن غير متوقّع، فالمشقّة لم تكن مصروفةً للغنيمة بل لما ذكر.

ص: 23

فلا إشكال في شمول الآية بعمومها للمعادن والكنوز والغوص وأرباح المكاسب، ولا دليل على كون المورد مخصّصاً.

مضافاً إلى دلالة الأخبار المفسّرة للآية أيضاً على ذلك، وأهل البيت أدرى بتفسير الكتاب ومعانيه، وسيأتي أكثرها في مواردها السبعة ونذكر بعضها:

1- وصيّة النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: «يا علي، إنّ عبد المطّلب سنّ في الجاهلية خَمس سُنن أجراها اللَّه له في الإسلام» إلى أن قال: «ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس، وتصدّق به، فأنزل اللَّه: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ... الآية»(1).

وفيه: أنّ سند الصدوق إلى حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد فيه مجاهيل، كما في «جامع الرواة»(2)، والحمّاد غير موثوق به، وأنس بن محمّد مجهول.

2- قوله عليه السلام في صحيحة علي بن مهزيار: «... فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عامّ، قال اللَّه تعالى: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ...» إلى آخر الرواية(3).

3- ما رواه حكيم مؤذّن بني عيس عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلت له: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَى ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ قال: «هي واللَّه الإفادة يوماً بيوم إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكّوا»(4). ولكن سنده ضعيف من جهة حكيم مؤذّن بنى عيس؛ لأنّه لم يوثق، وفي محمّد بن سنان خلاف وإن كان الحقّ


1- وسائل الشيعة 9: 496، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 5، الحديث 3 ..
2- جامع الرواة 2: 533 ..
3- وسائل الشيعة 9: 502، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5 ..
4- وسائل الشيعة 9: 546، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 8 ..

ص: 24

أ نّه لا يمكن الاعتماد على رواياته لو لم تؤيّد بالروايات الاخرى.

وغير ذلك من الروايات، فسيأتي في محلّها في كلّ موردٍ من الموارد الّتي يتعلّق الخمس عليها.

أمّا وجوب الخمس في الغنائم الحربية، فلا إشكال عند العامّة والخاصّة فيه، وتدلّ عليه- مضافاً إلى الآية- عدّة روايات:

منها: صحيحة عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «ليس الخمس إلّافي الغنائم خاصّة»(1) لأنّ الظاهر منها أنّ المراد من الغنائم هو الحربية، ولا أقلّ تشملها قطعاً.

ومنها: رواية أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كلّ شي ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّااللَّه، وأنّ محمّداً رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فإنّ لنا خمسه، ولا يحلّ لأحدٍ أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا»(2).

ومنها: صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام في الرجل من أصحابنا يكون في أوانهم (لوائهم) فيكون معهم فيصيب غنيمةً، قال: «يؤدّي خمسنا ويطيب له»(3). وعلي بن إسماعيل السندي في سند الحديث، ثقة وسائر الأسناد معروف بالثقة والصحّة.

ومنها: صحيحة ربعي بن عبداللَّه بن الجارود، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ...»(4).


1- وسائل الشيعة 9: 485، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 487، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 5 ..
3- وسائل الشيعة 9: 488، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 8 ..
4- وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 3 ..

ص: 25

بل سرقة وغيلة (3)- إذا كانتا في الحرب ومن شؤونه- من أهل الحرب الذين يُستحلّ دماؤهم وأموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم (4)؛

وربعي بن عبداللَّه بصري ثقة، وكذا سائر الأسناد، والحسين بن سعيد الأهوازي ثقة عين جليل القدر صاحب المصنّفات، روى عن الرضا والجواد والهادي عليهم السلام، أصله كوفي وانتقل مع أخيه الحسن إلى الأهواز، ثمّ تحوّل إلى قم وتوفّى فيه.

ومنها: مرسلة أحمد بن محمّد بن عيسى قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز، والمعادن، والغوص، والمغنم الذي يقاتل عليه ولم يحفظ الخامس...» الحديث(1).

فلا إشكال في وجوب الخمس في الغنيمة الحربية إذا اخذت قهراً عند العامّة والخاصّة إجمالًا، وإنّما الخلاف في شرائطه، كما سيأتي.

3- لأنّ إطلاق الآية والروايات تشمل كلّ ما تحسب غنيمة من الكفّار في حال الحرب؛ سواء كانت بالغلبة قهراً، أو بالسرقة والغيلة عليهم، إذا عدّت في ذلك من شؤون الحرب عرفاً وكان مرسوماً عند العرف، ولا ينكرونه العقلاء.

نعم، لو كان تحصيل المال منهم في غير الحرب وفي غير زمانه، كما إذا كان في زمان الهدنة والصلح من غير جهة الحرب، كأخذ الربا منهم أو بالكسب معهم أو غير ذلك، فلا تعدّ غنيمة من جهة الحرب، وإن كان يجب عليه الخمس لو زاد من مؤونة السنة من باب خمس أرباح المكاسب، وسيأتي حكمه.

4- والإجماع قائم على جواز قتل أهل الحرب بل وجوبه عند إثارة الحرب على المسلمين من قبلهم، كما أ نّه قائم على جواز سبي نسائهم وأطفالهم وإن كان


1- وسائل الشيعة 9: 489، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 11 ..

ص: 26

إذا كان الغزو معهم بإذن الإمام عليه السلام (5)؛

لوليّ المسلمين العفو لهم أو تعويضهم بالاسارى أو أخذ الفدية منهم، والتفصيل في كتاب الجهاد، فراجع.

5- وقد استدلّوا على كون الجهاد بإذن الإمام المعصوم عليه السلام بالإجماع، وخبر عبّاس الورّاق عن رجل سمّاه، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس»(1).

وفيه أنّ الإجماع لم يثبت؛ لأنّ أكثر الفقهاء مع ذكر اعتبار كون الجهاد بإذن الإمام لم يتذكّروا كونه بإذن الإمام المعصوم، بل أطلقوا ذلك، الظاهر كون مرادهم منه الإمام العادل الحاكم.

وأمّا الرواية- مضافاً إلى أ نّها ضعيفة سنداً(2)- فلا تدلّ على المطلوب أيضاً؛ لأ نّه يمكن أن يكون المراد منه هو الحاكم الجامع للشرائط والعدالة دون المعصوم فقط. مع أنّ آية الغنيمة عمومها يشمل الجهاد مع إمام الغير المعصوم أيضاً. نعم، الإقدام بالحرب ابتداءً من دون إذن الإمام مطلقاً حرامٌ إجماعاً. ولو وقع الحرب من دون إذنه، كانت الغنيمة كلّها للإمام كما سيأتي.

هذا في الجهاد الابتدائي، وأمّا الدفاع فهو واجب على كلّ مسلم وإن لم يأذن الإمام أو لم يمكن الوصول إليه.


1- وسائل الشيعة 9: 529، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 16 ..
2- لأنّ العبّاس بن موسى أبوالفضل الورّاق وإن كان ثقة إلّاأنّ الرواية مجهولةٌ من جهةالمنقول عنه ومن جهة يعقوب أيضاً ..

ص: 27

من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه (6) كالأرض ونحوها على الأصحّ.

6- لإطلاق الروايات والآية. هذا في غير الأراضي.

وأمّا فيها، فقد اختلفوا في حكمه، فقال الشيخ في الخلاف، في كتاب الفي ء مسألة 18: ما لا ينقل ولا يحوّل من الدور والعقارات والأرضين عندنا، أنّ فيه الخمس، فيكون لأهله، والباقي لجميع المسلمين، من حضر القتال ومن لم يحضر، فيصرف انتفاعه إلى مصالحهم. وعند الشافعي: أنّ حكمه حكم ما ينقل ويحوّل، خمسه لأهل الخمس، والباقي للمقاتلة الغانمين. وبه قال ابن الزبير.

وذهب قوم إلى أنّ الإمام مخيّر فيه بين شيئين، بين أن يقسّمه على الغانمين، وبين أن يقفه على المسلمين. ذهب إليه عمر، ومعاذ، والثوري، وعبداللَّه بن المبارك.

وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنّ الإمام مخيّر فيه بين ثلاثة أشياء: بين أن يقسّمه على الغانمين، وبين أن يقفه على المسلمين، وبين أن يقرّ أهلها عليها ويضرب عليها الجزية باسم الخراج، فإن شاء أقرّ أهلها الذين كانوا فيها، وإن شاء أخرج اولئك وأتى بقوم آخرين من المشركين وأقرّهم فيها وضرب عليهم الجزية باسم الخراج.

وذهب مالك إلى أنّ ذلك يصير وقفاً على المسلمين بنفس الاستغنام، والأخذ من غير إيقاف الإمام، فلا يجوز بيعه ولا شراؤه.

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم. وروي أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم فتح هوازن ولم يقسّم أرضها بين الغانمين، فلو كانت للغانمين لقسّمها فيهم. وروي أنّ عمر فتح قرى بالشام، فقال له بلال: أقسمها بيننا، فأبى عمر ذلك وقال: اللهمّ اكفني شرّ بلال

ص: 28

وذربه، فلو كانت القسمة واجبة لكان يفعلها عمر. وروي أنّ عمر استشار علياً عليه السلام في أرض السواد، فقال علي عليه السلام: «دعها عُدّة للمسلمين» ولم يأمر بقسمتها ولو كان واجباً لكان يشير إليه بالقسمة(1).

وقال المحقّق رحمه الله: الأوّل: غنائم دار الحرب ممّا حواه العسكر وما لم يحوه من أرض وغيرها، ما لم يكن غصباً من مسلم أو معاهد، قليلًا كان أو كثيراً(2).

وقال في «الجواهر»: بل هو من معقد إجماع المدارك(3).

وقال في «الحدائق»: ولا أعرف على هذا التعميم دليلًا سوى ظاهر الآية؛ فإنّ الظاهر من الروايات اختصاص ذلك بالأموال المنقولة.

ثمّ استشهد بصحيحة ربعي بن عبداللَّه السابقة الدالّة على أ نّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس ...(4) إلى آخره، ونحوها غيرها من الأحاديث الدالّة على قسمة الخمس أخماساً أو أسداساً وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وفي بعضها أ نّه يعطيهم على قدر كفايتهم(5)- إلى أن قال:- وهذا كلّه صريح كما ترى في أنّ الخمس إنّما هو في ما ينتقل ويحوّل من غنيمة أو غيرها، وكيف يجري هذا في الأراضي والضياع والدور ونحوها؟

وقد تتبّعت ما حضرني من كتب الأخبار ك «الوافي» و «الوسائل» المشتمل على أخبار الكتب الأربعة وغيرها، فلم أقف فيها على ما يدلّ على دخول الأرض ونحوها ممّا قدّمناه في الغنيمة التي يتعلّق بها الخمس- إلى أن قال- مع أنّ الأخبار


1- الخلاف 4: 194- 196 ..
2- شرائع الإسلام 1: 162 ..
3- جواهر الكلام 16: 6 ..
4- وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 3 ..
5- راجع وسائل الشيعة 9: 520، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 3 ..

ص: 29

الواردة في الأراضي ونحوها بالنسبة إلى المفتوح عنوة، إنّما دلّت على أ نّها في ء للمسلمين، من وجد ومن سيوجد إلى يوم القيامة(1).

أقول: يتلخّص ما قال صاحب «الحدائق» في امور:

الأوّل: أنّ الآية وإن كانت مطلقة تشمل الأراضي ولكن الروايات التي استشهدوا بها للخمس في الغنائم، ظاهرة في المنقول.

الثاني: دلالة الروايات الاخرى على عدم وجوب الخمس في الأراضي المغنومة، وهي على ثلاثة طوائف:

الاولى: ما ورد في تقسيم الغنيمة، حيث لا يستفاد منها حكم الأرض؛ لأنّها ظاهرة في المنقول القابل للتحوّل والتحويل، كصحيحة الربعي عن الصادق عليه السلام، حيث قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا أتاه المغنم...»(2) إلى آخره، والأراضي لا تطلق فيها الإتيان.

والثانية: الأخبار الواردة المبيّنة لعمل النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالنسبة إلى الأرض المفتوحة عنوة، ومنها أرض الخيبر، ولم يتعرّض فيها للتخميس مع بيان الزكاة فيها، ولو كان الخمس واجباً فيها أيضاً لكان عليه أن يذكره، كما في قوله عليه السلام فيما رواه البزنطي وصفوان بن يحيى قالا: ذكرنا له (الظاهر أ نّه الرضا عليه السلام) الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته ...- إلى أن قال عليه السلام:- «وما اخذ بالسيف فذلك إلى الإمام، يقبّله بالذي يرى، كما صنع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بخيبر قبّل سوادها وبياضها (يعني: أرضها ونخلها) والناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض والنخل وقد قبل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم خيبر، قال: وعلى المتقبّلين سوى


1- الحدائق الناضرة 12: 324- 325 ..
2- وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 3 ..

ص: 30

قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم- إلى أن قال:- وإنّ مكّة دخلها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عنوةً وكانوا اسراء في يده فأعتقهم وقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء»(1).

وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة سنداً من جهة علي بن أحمد بن أشيم؛ لأنّه مجهول، إلّاأ نّه قد نقل مثلها(2) الشيخ بسند صحيح عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي وهي صحيحةٌ.

الثالثة: الأخبار التي تدلّ على أنّ الأرض المفتوحة عنوةً في ء لجميع المسلمين، من وجد ومن سيوجد، وهي: صحيحة الحلبي، قال: سئل أبو عبداللَّه عليه السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: «هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد»(3).

وما نقله أبي الربيع الشامي، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا تشتر من أرض السواد شيئاً، إلّامن كانت له ذمّة، فإنّما هو في ء للمسلمين»(4).

وما نقله محمّد بن شريح، قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج؟ فكرهه وقال: «إنّما أرض الخراج للمسلمين» فقالوا له: فإنّه


1- وسائل الشيعة 15: 157، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 72، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 15: 158، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 72، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 25: 435، كتاب إحياء الموات، الباب 18، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 17: 369، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 21، الحديث 5 ..

ص: 31

يشتريها الرجل وعليه خراجها، فقال: «لا بأس إلّاأن يستحيي من عيب ذلك»(1).

وفيه: أنّ الآية بإطلاقها يكفي في الحكم بالتخميس بالنسبة إلى الأراضي المفتوحة عنوةً أيضاً؛ لأنّها عامّة شاملة للمنقول وغيره، ونحوها ممّا دلّت من الروايات(2) على ثبوت الخمس في مطلق الغنيمة، كما في صحيحة عبداللَّه بن سنان، ورواية حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام، ورواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام، وخبر الصفّار عن أحمد بن محمّد بن عيسى، وما نقله المرتضى رحمه الله في رسالة المحكم والمتشابه عن علي عليه السلام: «والخمس يخرج من أربعة وجوه: من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين، ومن المعادن، ومن الكنوز، ومن الغوص».

والروايات فيها صحاح، ولا إشكال في إطلاقها للأراضي المفتوحة، مع كثرتها وكونها معتضدة بعموم الكتاب، وغاية ما يمكن أن يقال في القسم الأوّل من الروايات التي استدلّ بها في «الحدائق»، هو عدم شمولها للأراضي من جهة عدم تقسيمها للمقاتلين، أو من جهة عدم إمكان الإتيان بها، وهو لا ينافي مع التعميم في الآية والروايات الاخرى؛ لأنّ إثبات الحكم في شي ء لا يوجب النفي في الاخرى.

وأمّا القسم الثاني منها، فلا تدلّ أيضاً على عدم وجوب التخميس في الأراضي؛ لأنّ عمل الرسول صلى الله عليه و آله و سلم يمكن أن يكون من باب المصلحة للمسلمين في تلك


1- وسائل الشيعة 17: 370، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 21، الحديث 9 ..
2- وسائل الشيعة 9: 485، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 1 و 4 و 5 و 11 و 12 ..

ص: 32

الأيّام والخمس إنّما وقع لمصالح المسلمين، وعدم أخذ الخمس من الأراضي في زمانه لا تدلّ على عدم الوجوب أو عدم الجواز، كما ذكر ذلك في خمس أرباح المكاسب في عصر النبي صلى الله عليه و آله و سلم وعصر بعض الأئمّة عليهم السلام. وتدلّ الروايات الكثيرة على أنّ الأرض كلّها لهم، والخمس لهم، ولهم أن يصنعوا حيث يشاؤون ولهم أن يجعلوا أموالهم في ذلك من حلٍّ وإباحة، كما فعلوا ذلك في أرباح المكاسب وغيرها(1).

وأمّا الطائفة الثالثة، فقال السيّد الحكيم رحمه الله في ذلك: نعم قد يعارض ذلك العموم إطلاق ما دلّ على أنّ أرض الخراج في ء للمسلمين، وهي أخصّ من العموم المذكور، وإطلاق الخاصّ مقدّم. وحملها على أ نّها في مقام نفي قسمتها بين المقاتلة، فيكون موضوعها ما زاد على الخمس، لا قرينة عليه(2).

وقال شيخنا الاستاذ المنتظري: والحاصل أنّ الروايات الكثيرة الواردة في بيان حكم أرض الخراج وبيان سيرة النبي صلى الله عليه و آله و سلم والأئمّة عليهم السلام فيها مع كونها في مقام البيان، ساكتة عن ثبوت الخمس فيها، وهي أخصّ مورداً من الآية والرواية، بل لأحدٍ أن يدّعي انصراف الآية عن مثل الأراضي التي هي في ء لعنوان المسلمين عموماً، كما نسب إلى السيّد الاستاذ آية اللَّه البروجردي- طاب ثراه- في تقريرات بحثه؛ فإنّ المخاطب بالخمس في الآية من حضر الحرب وجاهد واغتنم، والأراضي ليست غنيمة وفائدة عائدة إليهم كما هو المفروض، بل هي غنيمة للإسلام وعنوان المسلمين، والخطاب في قوله: غَنِمْتُمْ للأشخاص المقاتلين لا الحيثيات والعناوين، فتدبّر(3).


1- وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4 ..
2- مستمسك العروة الوثقى 9: 444 ..
3- الخمس، المحقّق المنتظري: 19- 20 ..

ص: 33

أقول: أمّا ما قاله السيّد الحكيم رحمه الله من كون روايات الفي ء خاصّة للأراضي، والآية والروايات الواردة في الخمس عامّة، فيقدّم الخاصّ على العامّ، ليس بصحيح؛ لأنّ النسبة بينهما عموم من وجه؛ لأنّ الآية والروايات العامّة في باب الخمس وإن كانت عامّة، تشمل الأراضي وغيرها من المنقولات، ولكنّها خاصّة من جهة شمولها لخمس الأراضي المفتوحة عنوة والغنائم فقط، ولكنّ الروايات الواردة في الفي ء ظاهرة في كلّ الأراضي المفتوحة وغيرها، فيتعارضان بالنسبة إلى الخمس من الأراضي المفتوحة عنوة، فبعد تساقط الروايات نراجع الآية، وهي عامّة أيضاً.

وبتعبير آخر نقول: إنّ الآية والروايات الدالّة على وجوب الخمس خاصّة بالنسبة إلى خمس الأراضي المفتوحة عنوة وغيرها، وتدلّ على أ نّه للَّه ولرسوله و .... ولكنّ روايات الفي ء عامّة بالنسبة إلى كلّ الأراضي (الخمس وغيره) بأ نّها للمسلمين، فيقدّم الخاصّ على العامّ.

هذا، ولكنّ التحقيق أنّ الآية والروايات الدالّة على وجوب الخمس في الغنيمة، إنّما تدلّ على أنّ الخمس في ما غنم المقاتلون واحتازوهم من الكفّار الحربيّين، فهو للَّه ولرسوله، والأرض المفتوحة عنوةً ليست ممّا غنم المقاتلين من الكفّار؛ لأ نّها ليست لهم أصلًا؛ لدلالة الروايات على أ نّها للمسلمين كافّة، فلا تشمل إطلاق الآية الأراضي المفتوحة عنوةً، بل هي خارجةٌ موضوعاً؛ لأنّ موضوع الخمس هو ما غنم المقاتلون وتملّكوا بالغنيمة، والأراضي ليست كذلك.

مضافاً إلى أنّ الخطاب للمقاتلين ظاهرة فيما قلناه أيضاً، كما نقل عن السيّد البروجردي رحمه الله.

والأقوى عدم وجوب الخمس في الأراضي المفتوحة عنوةً وأنّ كلّها

ص: 34

وأمّا ما اغتُنم بالغزو من غير إذنه، فإن كان في حال الحضور والتمكّن من الاستئذان منه فهو من الأنفال (7)،

للمسلمين، ولابدّ على الإمام أن يعامل معها بصلاح المسلمين، كما ذهب إليه في «الحدائق»(1)، وأفتى بما قلناه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»(2)، والسيّد الخوئي رحمه الله، حيث قال في «مستند العروة»: فتحصّل أنّ ما ذكره المشهور من التعميم لغير المنقول من الغنائم كالأراضي وأ نّها تخمّس أوّلًا ثمّ تكون لعامّة المسلمين لا يمكن المساعدة عليه لقصور النصوص عن إفادة التعميم حسبما عرفت(3).

7- فيكون كلّه للإمام عليه السلام من حيث الحكومة والإمامة، ويدلّ عليه خبر الورّاق عن رجل سمّاه، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إذا غزا قومٌ بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس»(4).

وهو المشهور، ونقل عن الحلّي الإجماع عليه، كما في «الجواهر»(5).

ويمكن أن يستدلّ له أيضاً بآية الأنفال(6) لعمومها وخروج الغنيمة التي قد حصلت في الجهاد بإذن الإمام فقط، وبقي الباقي تحت عموم الآية.

وفيه: أنّ آية الغنيمة أيضاً بإطلاقها تشمل ما إذا لم يكن الجهاد وحصول الغنيمة


1- الحدائق الناضرة 12: 325 ..
2- مستمسك العروة الوثقى 9: 444 ..
3- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 10 ..
4- وسائل الشيعة 9: 529، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 16 ..
5- جواهر الكلام 16: 11 ..
6- الأنفال( 8): 1 ..

ص: 35

وأمّا ما كان في حال الغيبة وعدم التمكّن من الاستئذان فالأقوى وجوب الخمس فيه (8)، سيّما إذا كان للدعاء إلى الإسلام، وكذا ما اغتُنم منهم عند الدفاع- إذا هجموا (9) على المسلمين في أماكنهم- ولو في زمن الغيبة (10)،

بإذن الإمام، والرواية ضعيفة سنداً، كما مرّ. فإن تمّ الإجماع فلا إشكال في الحكم، وإلّا فالظاهر أ نّه يشمله إطلاق آية الغنيمة؛ فإنّها خاصّةٌ بالنسبة إلى آية الأنفال؛ لأ نّها تشمل ما تتحصّل الإنسان من الكفّار وغيرها من أقسام الأنفال، بخلاف آية الغنيمة، فتقدّم على آية الأنفال.

نعم، يمكن الاستدلال بالمطلوب بصحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف تقسّم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس للَّه وللرسول وقسّم بينهم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ»(1). والظاهر أنّ المراد من قوله: «مع أمير أمّره الإمام» كون القتال بإذن الإمام ونظارته أو نظارة من أمّره.

8- لإطلاق الآية والروايات الدالّة على وجوب الخمس في كلّ غنيمةٍ وفائدة، والإذن من الإمام مختصّ بما إذا كان متمكّناً من تحصيل إذنه.

9- لما مرّ من إطلاق الآية والروايات.

10- لوجوب الدفاع حينئذٍ إجماعاً من دون إذن الإمام، فتكون الغنيمة لهم ويجب الخمس فيها؛ للآية والروايات.


1- وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 3 ..

ص: 36

وما اغتنم منهم بالسرقة والغيلة- غير ما مرّ- وكذا بالربا والدعوى الباطلة ونحوها، فالأحوط إخراج الخمس منها من حيث كونه غنيمة (11) لا فائدة، فلايحتاج إلى مراعاة مؤونة السنة، ولكن الأقوى خلافه (12). ولايعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين ديناراً على الأصحّ (13). نعم يعتبر فيه أن لايكون غصباً من مسلم أو ذمّي أو معاهد ونحوهم من محترمي المال، بخلاف ما كان في أيديهم من أهل الحرب وإن لم يكن الحرب معهم في تلك الغزوة (14).

11- لصدق الغنيمة عرفاً من الكفّار حينئذٍ، فتشملها الآية، ولا دليل على إخراج مؤونة السنة إلّافي أرباح المكاسب، ولا يصدق الكسب على مورد البحث.

12- لإطلاق الروايات الدالّة على استثناء مؤونة السنة من الغنيمة، والأرباح خرج منها ما خرج بالدليل، كالغنيمة لو كان الحرب بإذن الإمام، والمعادن والكنوز، والغوص وغيرها، كما سيأتي. وأمّا الباقي فتدخل تحت عموم الروايات الدالّة على أنّ الخمس بعد المؤونة؛ لأنّها تحسب من الفوائد المكتسبة.

13- لإطلاق الأدلّة من الكتاب والسنّة الدالّة على لزوم التخميس مطلقاً في الغنيمة، من غير تحديدٍ ولا دليل على التقييد المذكور، وعليه المشهور، بل قال في الجواهر: «بل لا أعرف فيه خلافاً سوى ما يحكي عن ظاهر غرّية المفيد من اشتراط بلوغ مقدار عشرين ديناراً، وهو ضعيف جدّاً، لا نعرف له موافقاً ولا دليلًا، بل هو على خلافه متحقّق، كما عرفت»(1).

14- لا إشكال في أنّ مال الذمّي والمعاهد محترم في الإسلام، والتعدّي عليه كالتعدّي على مال المسلمين حرام، والمتعدّي ضامن، ولكنّه لو وقع مالهم في يد


1- جواهر الكلام 16: 13 ..

ص: 37

المحارب واغتنم المقاتلون عند الحرب عن الكفّار المحاربين، فهل يجب ردّه إلى صاحبه أم لا؟

فالمشهور وجوب الردّ إلى مالكه، كما في «المستمسك»(1) و «المستند» للسيّد الخوئي(2)، بل لا يعلم الخلاف إلّاعن الشيخ رحمه الله في «النهاية»، والقاضي في بعض كتبه، ونسب إليهما أنّ المقاتلين يملكون الغنيمة بالقتال عموماً، والإمام يغرم القيمة لأربابها المحترمين من بيت المال(3).

ويدلّ على قول المشهور كلّ ما دلّ على احترام مال المسلم والذمّي والمعاهد، بل يشمله قوله عليه السلام: «لا يحلّ مال امرئ إلّابطيب نفسه»(4)، وقوله تعالى:

لَاتَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ(5) إن قلنا بعمومهما لكلّ الناس وعدم اختصاصهما بالمسلمين.

واستدلّ السيّد الخوئي رحمه الله أيضاً بصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبداللَّه عليه السلام:

قال: سأله رجل عن الترك يغزون على المسلمين، فيأخذون أولادهم، فيسرقون منهم، أيرد عليهم؟ قالَ: «نعم، والمسلم أخو المسلم، والمسلم أحقّ بماله أينما وجده»(6). ثمّ قال في «المستند»: ودلالتها ظاهرة بل صريحةٌ في


1- مستمسك العروة الوثقى 9: 452 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 26 ..
3- انظر المستند في شرح العروة الوثقى 25: 26 ..
4- عوالي اللآلي 1: 222، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1 ..
5- النساء( 4): 29 ..
6- وسائل الشيعة 15: 98، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 35، الحديث 3 ..

ص: 38

المطلوب، كما أ نّها صحيحة السند(1).

أقول: لا إشكال في صحّة سنده؛ لأنّ الشيخ نقله بسنده عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن عيسى، عن منصور، عن هشام بن سالم. وسند الشيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى صحيح، والمراد من محمّد بن عيسى: إمّا محمّد بن عيسى الأشعري أب أحمد بن محمّد فهو ثقة عين لا إشكال فيه، وإمّا محمّد بن عيسى بن العبيد اليقطيني فهو ثقة أيضاً على الأقوى.

وأمّا الدلالة: فلا؛ لأنّها قد وردت ظاهراً في حكم السارقين من الكفّار المحاربين لا المقاتلين معهم، ولا إشكال في أنّ السارق لا يحقّ له أن يأخذ المال لنفسه إذا كان لغيرهم من المسلمين، وأمّا المقاتلون فقد ادّعى بعض: أ نّهم يملكون الأموال بالقتال والاغتنام، وإن كان الإمام يجبر مال المتضرر من المسلمين وغيرهم من المعاهدين من بيت مال المسلمين، كما تدلّ عليه رواية هشام بن سالم عن بعض أصحاب أبي عبداللَّه عليه السلام في السبي يأخذ العدوّ من المسلمين في القتال من أولاد المسلمين أو من مماليكهم فيحوزونه، ثمّ إنّ المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم وسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين وأولادهم الذين كانوا أخذوهم من المسلمين، كيف يصنع بما كانوا أخذوه من أولاد المسلمين ومماليكهم؟ قال: فقال: «أمّا أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين ولكن يردّون إلى أبيهم وأخيهم وإلى وليّهم بشهود. وأمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون وتعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين»(2). ولكنّها مرسلة ولا إشكال في دلالتها، وكونها أخصّ من المدّعى من


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 27 ..
2- وسائل الشيعة 15: 97، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 35، الحديث 1 ..

ص: 39

جهة أ نّها مختصّة بالمماليك؛ أعني العبيد والإماء دون سائر الأموال، لا يضرّ في الاستدلال بها، كما ذكر السيّد الخوئي رحمه الله إشكالًا للرواية؛ وذلك لأنّ المماليك قسم من أقسام المال، ولا فرق بينها وبين سائر الأموال، ولم يذكر قول بالفصل أصلًا.

وكذلك لا تصحّ الإشكال بالمعارضة مع الصحيحة الاولى، كما عن السيّد الخوئي؛ لأنّ الصحيحة كما ذكرناه آنفاً إنّما وردت في السرقة دون المقاتلة، ولكنّ المرسلة قد وردت في مورد القتال وهو محلّ البحث، فلا تعارض بينها وبين الصحيحة.

وقد استدلّ أيضاً بصحيحة الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل لقيه العدوّ وأصاب منه مالًا أو متاعاً، ثمّ إنّ المسلمين أصابوا ذلك، كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال: «إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه، وإن كانوا أصابوه بعد ما حازوه فهو في ء المسلمين فهو أحقّ بالشفعة»(1).

والسند صحيح لا إشكال فيها، وقوله عليه السلام: إذا أصابوه أعمّ من القتال والسرقة وغيرها، فلا يرد عليها إشكال اختصاص الصحيحة الاولى بالسرقة. والضمير في قوله: «أصابوه» ظاهر في الرجوع إلى المتاع والمال، ولكنّه مشكل من جهة أ نّها تدلّ على كون الحيازة لمال المسلم- ولو من يد الكافر المحارب- موجباً لخروج مال المسلم عن ملكه، وهو غريب لا يمكن الاطمئنان عليه. وما في «الجواهر» من إرادة القسمة من كلمة الحيازة بعيد جدّاً لا يصغى إليه.

والخبر بظاهرها مخالف للُاصول المسلّمة من الكتاب والروايات من احترام مال المسلم وعدم جواز تصرّفها بغير إذنها، فلا يمكن الاستدلال بها في مقابل النصوص من الروايات والكتاب.


1- وسائل الشيعة 15: 98، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 35، الحديث 2 ..

ص: 40

والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتُنم منهم وتعلّق الخمس به، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأيّ نحو كان، ووجوب إخراج خمسه (15).

والحقّ هو قول المشهور من كون المال لصاحبه إذا اغتنم بالقتال من يد الكفّار، نعم يمكن أن يقال: إنّه بعد القسمة بين المقاتلين وعدم بقاء عين المال لو ظهر المالك فعلى الإمام جبرانه من بيت مال المسلمين، فلا ضمان على المقاتلين في ذلك، والتفصيل في كتاب الجهاد، فراجع.

هذا حكم مال المحترم، وأمّا الغير المحترم كما إذا كان في أيديهم مال من أموال الحربيّين الآخرين وإن لم يكونوا شريكاً في تلك الحرب، كما إذا غصبوه منهم أو كان عندهم أمانة، فهو للمقاتلين المغانمين، لشمول إطلاق الآية وعمومها وتساوي الجميع في عدم احترام مالهم، مضافاً إلى أ نّه متسالم عليه بين الأصحاب.

15- المشهور عدم احترام مال الناصب، فهو كالكافر الحربي في ذلك، بل أشدّ منه. وقد ورد في الروايات: «أنّ اللَّه تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وأنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه»(1).

ويدلّ على جواز الاغتنام من ماله بل أخذه حيث ما وجد، ووجوب دفع الخمس عدّة روايات:

منها: صحيحة الحفص البختري، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس»(2).


1- وسائل الشيعة 1: 220، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف والمستعمل، الباب 11، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 9: 487، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 6 ..

ص: 41

ومنها: صحيحة معلّى بن خنيس(1) وهي كالاولى في الدلالة.

ومنها: مرسلة إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «مال الناصب وكلّ شي ء يملكه حلال إلّاامرأته؛ فإنّ نكاح أهل الشرك جائز، وذلك أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا تسبّوا أهل الشرك؛ فإنّ لكلّ قوم نكاحاً، ولولا أ نّا نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم برجل منهم ورجل منكم خيرٌ من ألف رجل منهم لأمرناكم بالقتل لهم، ولكن ذلك إلى الإمام»(2).

وقال ابن إدريس في «السرائر»: الناصب المعنّى في هذين الخبرين أهل الحرب؛ لأنّهم ينصبون الحرب للمسلمين، وإلّا فلا يحلّ أخذ مال مسلم ولا ذمّي على وجه من الوجوه(3).

وقال في «الحدائق» بعد نقله كلام ابن إدريس: ولا يخفى ما فيه من الضعف والقصور: أمّا أوّلًا: فإنّ إطلاق الناصب على أهل الحرب خلاف المعروف لغةً وعرفاً وشرعاً؛ فإنّ الناصب لغة هو المبغض لعليّ عليه السلام كما نصّ عليه في «القاموس» وإن كان أصل معنى النصب العداوة، إلّاأ نّه صار مختصاً بالمبغض له عليه السلام. وأمّا في الشرع فالأحاديث الدالّة عليه أكثر من أن تحصى.

وأمّا ثانياً: فإنّ إطلاق المسلم على الناصب وأ نّه لا يجوز أخذ ماله من حيث الإسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقّة سلفاً وخلفاً، من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله، وإنّما الخلاف بينهم في مطلق المخالف هل


1- وسائل الشيعة 9: 488، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 7 ..
2- وسائل الشيعة 15: 80، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 26، الحديث 2 ..
3- السرائر 3: 607 ..

ص: 42

يحكم بإسلامه أم بكفره؟ وهو نفسه ممّن اختار القول بالكفر، كما هو المشهور بين متقدّمي أصحابنا؛ حيث قال في مبحث صلاة الأموات: «ولا تجب الصلاة إلّا على المعتقدين للحقّ، أو من كان بحكمهم من أطفالهم- الذين بلغوا ستّ سنين على ما قدّمناه- ومن المستضعفين، وقال بعض أصحابنا تجب الصلاة على أهل القبلة ومن يشهد الشهادتين، والأوّل مذهب شيخنا المفيد رحمه الله، والثاني مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله، والأوّل أظهر في المذهب، ويعضده القرآن وهو قوله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً(1) يعني الكفّار والمخالف لأهل الحقّ كافر بلا خلاف بيننا(2). ثمّ قال في «الحدائق»: فإذا حكم بكفر المخالف فكيف يحكم بإسلام الناصب؟ ما هذا إلّاغفلة من هذا النحرير وسهو وقع في هذا التحرير(3).

وفيه: أنّ الاعتقاد بكفرهم من حيث العقيدة- بمعنى نفيهم الحقيقة وإخفائهم لها- لم يستلزم الحكم بكفرهم ظاهراً وعدم إجراء أحكام الظاهرية للإسلام كالطهارة الظاهرية وحرمة ماله وزوجته وحرمة سبي أطفاله وطهارتهم عليهم، فلاتعارض بين أن يعتقد الفقيه بكفرهم الواقعية وطهارتهم الظاهرية وحرمة مالهم ودمهم وغير ذلك، كما كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يعمل كذلك في صدر الإسلام مع الذين يتشهّدون الشهادتين ظاهراً وهم منافق بل كافر، والكتاب ناطق:

قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ


1- التوبة( 9): 84 ..
2- السرائر 1: 356 ..
3- الحدائق الناضرة 12: 323 ..

ص: 43

فِى قُلُوبِكُمْ(1). وقوله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا(2). والروايات الكثيرة الدالّة(3) على أنّ من أقرّ


1- الحجرات( 49): 14 ..
2- النساء( 4): 94 ..
3- منها: موثّقة سماعة، قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان؟ فقال عليه السلام:« إنّ الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان». فقلت: فصفهما لي، فقال عليه السلام:« الإسلام شهادة أن لا إله إلّااللَّه والتصديق برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث، وعلى ظاهره جماعة الناس، والإيمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل به، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة، إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن وإن اجتمعا في القول والصفة». الكافي 2: 25/ 1 ومنها: صحيحة حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول:« الإيمان ما استقرّ في القلب وأفضى به إلى اللَّه عزّوجلّ وصدّقه العمل بالطاعة للَّه والتسليم لأمره، والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث، وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ فخرجوا بذلك من الكفر واضيفوا إلى الإيمان. والإسلام لا يشارك الإيمان والإيمان يشارك الإسلام، وهما في القول والفعل يجتمعان، كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة، وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان، وقد قال اللَّه عزّوجلّ:« قالَتِ الْأَعْرابُ...» إلى آخر الآية، فقول اللَّه عزّوجلّ أصدق القول»، قلت: فهل للمؤمن فضل على المسلم في شي ء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك؟ فقال:« لا، هما يجريان في ذلك مجرى واحد، ولكن للمؤمن فضلٌ على المسلم في أعمالها وما يتقرّبان به إلى اللَّه عزّوجلّ...» إلى آخره الحديث. الكافي 2: 26/ 5 ويدلّ على ذلك أيضاً ما رواه عبداللَّه بن جعفر الحميري في« قرب الإسناد» عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه أنّ علياً عليه السلام لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ولكنّه كان يقول:« هم إخواننا بغوا علينا». وسائل الشيعة 15: 82، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 26، الحديث 10.

ص: 44

بالشهادتين فهو مسلم، فيجري عليه أحكام الإسلام ظاهراً، فالتفصيل في محلّه.

وأمّا قوله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً(1) فإنّه نزل في حقّ الكافرين واقعاً المنافقين ظاهراً؛ بحيث كانوا يعاندون مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ويجاهدون معه ويحاربون المسلمين سرّاً، فلذلك قال تعالى بعد قوله السابق:

إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ قال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَ نَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(2). وهذه الآيات لا تشمل من آمن باللَّه ورسوله وجاهد في سبيله، ومع ذلك لم يعتقد بولاية أهل البيت عليهم السلام خصوصاً إذا لم يكن ذلك عناداً وكفراً، كما هو الغالب في أهل السنّة والجماعة حتّى عند علمائهم.

ولذلك قال السيّد البروجردي قدس سره- على ما نقل عنه شيخنا المنتظري من تقريراته محصّلًا-: إنّ الثابت إنّما هو عدم احترام مال الحربي، وأمّا المرتدّ بقسميه فقد اعتصم ماله بإسلامه قبل الارتداد، وأمّا المنتحل بالإسلام مع إنكاره لبعض ما ثبت من الدين ضرورة، فلا دليل أيضاً على لحوقه بالكافر الحربي وحلّية ماله، بل يشمله إطلاق قوله تعالى: لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ(3) وقوله عليه السلام:

«لايحلّ مال امرئ مسلم إلّاعن طيب نفسه»(4) فهو وإن كان بحكم الكافر، ولكنّ


1- التوبة( 9): 84 ..
2- التوبة( 9): 80 ..
3- النساء( 4): 29 ..
4- وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1 ..

ص: 45

الإسلام ولو بالانتحال به، حافظ لمال المنتحل وإن حكم بنجاسته بل بقتله. نعم وردت روايات دلّت بظاهرها على إباحة مال الناصب ووجوب إخراج خمسه، ولكن لم يعمل الأصحاب بظاهرها وأعرضوا عنها، سيّما مع تعميم الناصب كما في بعض الروايات لكلّ من اعتقد الخلافة لغير علي عليه السلام. هذا مع احتمال أن يكون المراد حلّية مال الناصب لخصوص المخاطب، أو يكون المراد من الناصب شخصاً خاصاً، فتكون اللام للعهد، فتكون الروايتان قاصرتين عن الدلالة على حلّية مال كل ناصب لكلّ شيعي(1).

وقال شيخنا الاستاذ المرتضى الحائري قدس سره أيضاً(2): وأمّا ما دلّ على جواز أخذ مال الناصب مطلقاً وإعطاء الخمس، فلا يبعد أن يكون المراد مَن نَصَب الحرب للإمام العادل كما ربما يومي إلى ذلك ما عن الفقيه: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «صنفان من امّتي لا نصيب لهم في الإسلام: الناصب لأهل بيتي حرباً...» الحديث(3).

أقول: المتيقّن من اللغات(4) والروايات- كما مرّ- هو أنّ الناصب من نصب


1- الخمس، المحقّق المنتظري: 31 ..
2- الخمس، المحقّق الحائري: 39 ..
3- الفقيه 3: 258/ 1225، وسائل الشيعة 20: 553، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالكفر، الباب 10، الحديث 14 ..
4- وفي مجمع البحرين: النصب: المعاداة، يقال: نصبت لفلان نصباً: إذا عاديته، ومنه« الناصب» وهو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت أو لمواليهم لأجل متابعتهم لهم. وفي القاموس: النواصب والناصبية وأهل النصب المتدينون ببغضة علي رضى الله عنه؛ لأنّهم نصبوا له أي أعادوه. ومثله في أقرب الموارد. وقال في لسان العرب: ونصب له الحرب نصباً: وضعها وناصبه الشرّ والحرب والعداوة مناصبة: أظهره له، ويقال: نصب فلان لفلان إذا قصد له، وعاداه، وتجرّد له. مجمع البحرين 2: 173، القاموس المحيط 1: 138، أقرب الموارد 2: 1305، لسان العرب 14: 156 ..

ص: 46

نفسه لعداوة أهل البيت عليهم السلام وتديّن بها وأظهر العداء لهم وهو محارب بقوله وعمله. وقد أفتى المشهور بحلّية أخذ ماله؛ لدلالة الروايتين الماضيتين، ولكنّ الأحوط بل الأقوى عدم جوازه إلّابإذن الإمام العادل في كلّ عصر؛ لئلّا يلزم الهرج والمرج والإخلال في نظام المسلمين وضياع حقّ المسلمين بالعداوة الشخصية والاشتباه والخطأ، ولئلّا يتضرّر المسلمين من جهة تحريك عداوتهم على أنفسهم والإقدام على جبران الضرر بقتل المسلمين ونهب أموالهم والتعرّض بأعراضهم.

ويدلّ على ذلك قوله عليه السلام في ذيل رواية إسحاق بن عمّار الماضية: «ولولا أ نّا نخاف عليكم أن يقتل رجلٌ منكم برجل منهم ورجلٌ منكم خيرٌ من ألف رجل منهم لأمرناكم بالقتل لهم، ولكن ذلك إلى الإمام»(1).

وكذلك ما رواه فضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في حديث طويل قال: «فلا يحلّ قتل أحد من النصّاب والكفّار في دار التقيّة إلّاقاتل أو ساعٍ في فساد، وذلك إذا لم تخف على نفسك وعلى أصحابك»(2).

والرواية حسنةٌ ممدوحة سنداً؛ لأنّ الصدوق رحمه الله قد نقل الحديث عن شيخه واستاذه عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس، وقد ترضّى عنه الصدوق رحمه الله، ولكنّه لم يثبت وثاقته في كتب الرجال. وقد نقل محمّد بن عبدوس عن علي بن محمّد بن قتيبة النيشابوري، وهو معتمد الكشّي في كتابه، وقال العلّامة: إنّه تلميذ


1- وسائل الشيعة 15: 80، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 26، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 15: 82، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 26، الحديث 9 ..

ص: 47

فضل بن شاذان فاضلٌ، ولكنّه لم يوثّق صريحاً في الرجال.

فعلى القول بجواز أخذ المال من الناصب يجب الخمس بلا إشكال، ولكنّ الخلاف في أ نّه هل وجوبه بعد مضيّ السنة وبعد إخراج مؤونة السنة أو بالأخذ منهم؟ قال السيّد الخوئي رحمه الله: الأقوى أ نّه يجب بالأخذ وقبل إخراج المؤونة؛ لأنّ الأدلّة الدالّة على إخراج المؤونة ناظر إلى الفوائد المكتسبة من التجارات والصناعات والزراعات وغيرها، وأمّا غنائم دار الحرب والمعادن والمال المختلط بالحرام ومنها المأخوذ من الناصب، فالمستفاد من إطلاق الآية والروايات هو وجوب التخميس فيها إبتداءً، من غير انتظار الزيادة على مؤونة السنة؛ لعدم اندراجها تحت تلك الأدلّة، ثمّ قال: بل يكفينا مجرّد الشكّ في ذلك، والتردّد في أنّ ما دلّ على وجوب الخمس بعد المؤونة، هل يختصّ بأرباح المكاسب والفوائد أو يعمّ مثل المقام؛ نظراً إلى أنّ تعلّق حكم الخمس بالمال وكون الخمس ملكاً للإمام عليه السلام ثابت منذ التسلّط عليه، غاية الأمر قيام الدليل على جواز التأخير والتصرّف في تمام المال إلى نهاية السنة تسهيلًا وإرفاقاً، وهو قد ثبت في الفوائد المكتسبة دون الغنائم(1).

وفيه: أنّ المأخوذ من الناصب لا يطلق عليه الغنيمة الحربية اصطلاحاً، وإن قلنا بعموم الآية أيضاً للفوائد، فهو في أصل وجوب الخمس. وأمّا كونه بعد السنة أو قبلها فالأدلّة الدالّة على إخراج الخمس منها بعد مؤونة السنة تشمل ما نحن فيه أيضاً. وأمّا قوله رحمه الله: من كون الخمس بعد السنة ترخيصاً فلا دليل عليه، بل الظاهر، أنّ أصل تعلّق وجوب الخمس إنّما هو بعد مؤونة السنة، كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى، فانتظر.


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 23 ..

ص: 48

هذا كلّه في الناصب.

وأمّا البغاة: فقال في «الشرائع»: مسائل: الاولى: لا يجوز سبي ذراري البغاة ولاتملّك نسائهم إجماعاً. الثانية: لا يجوز تملّك شي ء من أموالهم التي لم يحوها العسكر؛ سواء كانت ممّا ينقل كالثياب والآلات، أو لا ينقل كالعقارات؛ لتحقّق الإسلام المقتضي لحقن الدم والمال. وهل يؤخذ ما حواه العسكر ممّا ينقل ويحوّل؟ قيل: لا، لما ذكرناه من العلّة وقيل: نعم، عملًا بسيرة عليّ عليه السلام وهو الأظهر(1).

وقال في «الجواهر» في ذيل قوله: «ولا يجوز تملّك شي ء من أموالهم» بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل في المسالك هو موضع وفاق، بل في صريح المنتهى والدروس ومحكي الغنية والتحرير الإجماع عليه، بل يمكن دعوى القطع به بملاحظة ما وقع من أميرالمؤمنين عليه السلام في حرب أهل البصرة والنهر بعد الاستيلاء عليهم، مضافاً إلى ما سمعته من النصوص السابقة(2).

أقول: أمّا المسألة الاولى: فإجماعي كما ذكره المحقّق رحمه الله، كما حكي عن التحرير، بل في المنتهى قد نفى الخلاف فيه بين أهل العلم، وفي «التذكرة» بين الامّة، ولكنّه قد يستشمّ من بعض الروايات جواز ذلك، وأنّ عدم سبي البغاة من قبل علي عليه السلام إنّما كان منّةً منه وحفظاً للشيعة ومصلحتهم في المستقبل:

منها: خبر عبداللَّه بن سليمان قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: إنّ الناس يروون أنّ علياً عليه السلام قتل أهل البصرة وترك أموالهم، فقال: «إنّ دار الشرك يحلّ ما فيها، وإنّ دار الإسلام لا يحلّ ما فيها»، فقال: «إنّ علياً عليه السلام إنّما منّ عليهم كما


1- شرائع الإسلام 1: 308 ..
2- جواهر الكلام 21: 339 ..

ص: 49

منّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على أهل مكّة، وإنّما ترك علي عليه السلام لأنّه كان يعلم أ نّه سيكون له شيعة، وأنّ دولة الباطل ستظهر عليهم، فأراد أن يقتدي به في شيعته، وقد رأيتم آثار ذلك، هوذا يسار في الناس بسيرة علي عليه السلام، ولو قتل علي عليه السلام أهل البصرة جميعاً واتّخذ أموالهم لكان ذلك له حلالًا، لكنّه منّ عليهم ليمنّ على شيعته من بعده»(1).

والرواية وإن كانت ضعيفة سنداً، من جهة وقوع ربيع بن محمّد وعبداللَّه بن سليمان في السند، وهما لم يوثّقا في كتب الرجال، إلّاأ نّه لا إشكال في دلالتها على المطلوب، خصوصاً جواز قتلهم بعد الحرب وأخذ أموالهم.

ومنها: خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال «لولا أنّ علياً عليه السلام سار في أهل حربه بالكفّ عن السبي والغنيمة للقيت شيعته من الناس بلاءً عظيماً، ثمّ قال: واللَّه لسيرته كانت خيراً لكم ممّا طلعت عليه الشمس»(2).

وهذه الرواية على الرغم من تعبير «الجواهر» عنها بالخبر، صحيحة سنداً، ولكنّها لاتدلّ على جواز السبي وأخذ الغنيمة من البغاة؛ مع احتمال أ نّه عدم السبي وأخذ الغنيمة كان من جهة حرمتهما.

نعم قوله عليه السلام: «بالكفّ عن السبي» مشعر بأ نّه كان ذلك جائزاً شرعاً لعليّ عليه السلام، إلّا أ نّه قد كفّ عنه لمصلحة شيعته في المستقبل.

ومنها: ما رواه أبي بكر الحضرمي قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «لسيرة علي عليه السلام في أهل البصرة كانت خيراً لشيعته ممّا طلعت عليه الشمس، إنّه علم أنّ للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته» قلت: فأخبرني عن القائم عليه السلام يسير بسيرته؟


1- وسائل الشيعة 15: 79، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 25، الحديث 6 ..
2- وسائل الشيعة 15: 79، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 25، الحديث 8 ..

ص: 50

قال: «لا، إنّ علياً عليه السلام سار فيهم بالمنّ لما علم من دولتهم، وأنّ القائم يسير فيهم بخلاف تلك السيرة؛ لأنّه لا دولة لهم»(1).

والرواية ضعيفة سنداً من جهة إسماعيل بن مرار وعبداللَّه بن محمّد أبي بكر الحضرمي؛ لأنّهما لم يوثّقا، وأمّا الدلالة فلا إشكال فيها؛ لصراحتها بأنّ سيرة علي عليه السلام كانت لمصلحة شيعته، وأنّ القائم عليه السلام لا يسير بسيرته؛ لعدم المصلحة في ذلك الزمان، فهو يدلّ على جواز السبي وأخذ أموالهم لولا المفسدة فيهما.

ومنها: خبر حسن بن هارون بيّاع الأنماط قال: كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام جالساً فسأله معلّى بن خنيس: أيسير الإمام بخلاف سيرة علي عليه السلام؟ قال: «نعم، وذلك إنّ عليّاً عليه السلام سار بالمنّ والكفّ؛ لأنّه علم أنّ شيعته سيظهر عليهم، وإنّ القائم عليه السلام إذا قام سار فيهم بالسيف والسبي؛ لأنّه يعلم أنّ شيعته لن يظهر عليهم من بعده أبداً»(2).

وسند الرواية ضعيفة من جهة حسن بن هارون؛ لأنّه لم يوثّق في الرجال.

والتحقيق- واللَّه العالم- أنّ حكمة بقاء الحقّ والشيعة ونظام المسلمين كلًاّ في الاجتماع وعدم حصول التفرقة والتشتّت والقتال بينهم، كانت تقتضي أن يعمل علي عليه السلام مع المحاربين عليه كما عمل، ورعاية الحكمة والمصلحة للمسلمين واجبة على كلّ حاكم عادل حكيم، كما أنّ حفظ نظامهم أيضاً من أوجب الواجبات ومن أهمّ الفرائض؛ بحيث إذا تعارضت مع واجب أو حرام اخرى في زمان، فهي مقدّمة وحاكمة عليه بلاإشكال، كما قد عمل كذلك أيضاً علي عليه السلام في مسألة الاجتماع في نافلة شهر رمضان، حيث نهى علي عليه السلام في مسجد الكوفة


1- وسائل الشيعة 15: 76، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 25، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 15: 77، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 25، الحديث 3 ..

ص: 51

أن تقام نوافل رمضان بالجماعة وقد اعترضوا عليه وصاحوا من كلّ جانب المسجد بقولهم: وا سنّة عمراه، فكفّ عن النهي عن ذلك خوفاً من وقوع الفتنة والتشتت بين المسلمين.

وتدلّ عليه روايات؛ منها: ما رواه عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد؟ فقال: «لمّا قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن علي أن ينادي في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليه السلام صاحوا: واعمراه، واعمراه، فلمّا رجع الحسن إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له: ما هذا الصوت؟ قال: يا أميرالمؤمنين، الناس يصيحون: واعمراه، واعمراه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قل لهم صلّوا»(1).

ومنها: ما رواه سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ صلّى على النبي صلى الله عليه و آله و سلم ثمّ قال: «ألا إنّ أخوف ما أخاف عليكم خلّتان: اتّباع الهوى وطول الأمل- إلى أن قال- قد عملت الولاة قبلي أعمالًا خالفوا فيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، متعمّدين لخلافه، فاتقين لعهده، مغيّرين لسنّته، ولو حملت الناس على تركها، وحوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي، أو قليلٌ من شيعتي- إلى أن قال- واللَّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة، وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل


1- وسائل الشيعة 8: 46، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 2. وسند الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضّال فيه علي بن محمّد بن زبير، وهو لم يثبت وثاقته. تهذيب الأحكام 10: 322 ..

ص: 52

عسكري ممّن يقاتل معي: يا أهل الإسلام، غيّرت سنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري...» إلى آخره(1).

فالحقّ هو أنّ للحاكم العمل في كلّ زمان على مقتضى مصلحة المسلمين ودفع المفسدة بينهم، ولابدّ للمسلمين الإطاعة في ذلك لحفظ مصالحهم، بل الحقّ أنّ هذه الامور من الامور التي قد جعلها اللَّه المسلمين في ذلك في وسعة وفسحة حتّى عملوا في كلّ زمان بما تقتضي مصلحتهم، ولا يجوز لكلّ مسلم في كلّ زمان العمل بنفسه ابتداء ومستقلًاّ، من غير إذن من الحاكم كما مرّ.

وأمّا المسألة الثانية: وهي تملّك أموالهم التي لم يحوها العسكر، سواء كانت ممّا تنقل أو لا، وهو أيضاً لا يجوز لتحقّق الإسلام المقتضي لحقن الدم والمال، كما ذكره المحقّق رحمه الله، وقال في «الجواهر»: بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل في «المسالك» هو موضع وفاق كما مرّ. ويدلّ عليه قطعاً عمل علي عليه السلام في حرب البصرة والنهروان بعد الاستيلاء عليهم. مضافاً إلى النصوص السابقة الدالّة على حقن مال المسلم بإظهار الإسلام ولكن الإشكال السابق في سبي الذراري والنسوان يجي ء هنا أيضاً؛ لدلالة بعض الروايات كما مرّ على أنّ عمل علي عليه السلام كان منّةً لهم وحفظاً لمصلحة الشيعة، مع كون سبيهم واغتنام مالهم جائزاً له، وقد مرّ تفصيل الكلام فيه.

وأمّا المسألة الثالثة: وهي تملّك الأموال التي حواها العسكر، قد يقال:- كما عن المرتضى وابن إدريس والفاضل في بعض كتبه والشهيد في «الدروس» على ما


1- الكافي 8: 58/ 21، وسائل الشيعة 8: 46، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 4. ولا إشكال في سند الحديث إلّامن جهة سليم بن قيس، والتحقيق أ نّه ثقة ..

ص: 53

حكي عنهم في «الجواهر»(1)- لا يؤخذ الأموال من المقاتلين بعد ما حواه العسكر ممّا ينقل ويحوّل، كالسلاح والدواب وغيرهما؛ لدلالة النصوص عليه عموماً وخصوصاً.

ولكنّه قال في «المبسوط»: إذا انقضت الحرب بين أهل العدل والبغي؛ إمّا بالهزيمة أو بأن عادوا إلى طاعة الإمام، وقد كانوا أخذوا الأموال وأتلفوا أو قتلوا، نظرت فكلّ من وجد عين ماله عند غيره كان أحقّ به؛ سواء كان من أهل العدل أو أهل البغي؛ لما رواه ابن عباس أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يحلّ دمه وماله إلّابطيبة من نفسه». وروي أنّ علياً عليه السلام لمّا هزم الناس يوم الجمل قالوا له: يا أمير المؤمنين ألا تأخذ أموالهم؟ قال: «لا، لأنّهم تُحرّموا بحرمة الإسلام، فلا يحلّ أموالهم في دار الهجرة». وروى أبو قيس أنّ عليّاً عليه السلام نادى: «من وجد ماله فليأخذه» فمرّ بنا رجل فعرف قدراً يطبخ فيها، فسألناه أن يصبر حتّى ينضج فلم يفعل، ورمى برجله فأخذها. وقد روى أصحابنا: أنّ ما يحويه العسكر من الأموال فإنّه يغنم، وهذا يكون إذا لم يرجعوا إلى طاعة الإمام، فأمّا إن رجعوا إلى طاعته فهم أحقّ بأموالهم(2).

وقال السيد في «الناصريات» بعد ما نقل عن الناصر جواز اغتنام ما احتوت عليه عساكر أهل البغي: هذا غير صحيح؛ لأنّ أهل البغي لا يجوز غنيمة أموالهم وقسمتها كما تقسّم أموال أهل الحرب، ولا أعلم خلافاً بين الفقهاء في ذلك، ومرجع الناس كلّهم في هذا الموضع إلى ما قضى به أمير المؤمنين عليه السلام في محاربي


1- جواهر الكلام 21: 339 ..
2- المبسوط 7: 266 ..

ص: 54

البصرة، فإنّه منع من غنيمة أموالهم، فلمّا روجع عليه السلام في ذلك قال: «أيّكم يأخذ عائشة في سهمه؟!».

وليس يمتنع أن يختلف حكم قتال أهل البغي مع حكم أهل دار الحرب في هذا الباب، كما أ نّه لا يجوز لنا أن نتّبع مولّيهم وإن كان اتّباع المولّي من باقي المحاربين جائزاً، واختلف الفقهاء في الانتفاع بدوابّ أهل البغي وبسلاحهم في حال قيام الحرب، فقال الشافعي: لا يجوز ذلك، وقال أبوحنيفة: يجوز مادامت الحرب قائمةً.

وليس يمتنع عندي أن يجوز قتالهم بسلاحهم على وجه لايقع التمليك له؛ لأنّ ما منع من غنيمة أموالهم وقسمتها لا يمنع من قتالهم بسلاحهم لا على وجه التملك له، كأ نّهم رموا حربة إلى جهة أهل الحقّ، فيجوز أن يرموا بها على سبيل المدافعة والمقاتلة(1).

وقال في «السرائر»: «الصحيح ما ذهب إليه المرتضى رضى الله عنه، وهو الذي أختاره وأفتي به، والذي يدلّ على صحّة ذلك، ما استدلّ به رضى الله عنه، وأيضاً فإجماع المسلمين على ذلك، وإجماع أصحابنا منعقد على ذلك ... وقول الرسول عليه السلام: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّاعن طيب نفس منه». وهذا الخبر قد تلقّته الامّة بالقبول، ودليل العقل يعضده ويسنده؛ لأنّ الأصل بقاء الأملاك على أربابها، ولا يحلّ تملّكها إلّا بالأدلّة القاطعة للأعذار»(2).

أقول: لاإشكال في أنّ الأصل عدم جواز تملّك مال المسلم وتصرّفه من غير دليل.


1- مسائل الناصريات: 443 ..
2- السرائر 2: 19 ..

ص: 55

وأمّا القتال معهم بإذن الإمام العادل وإن يكون جائزاً، إلّاأ نّه لا دليل على أخذ مالهم مطلقاً وعموماً، إلّاما كان بإذن الإمام إذا رأى المصلحة في ذلك.

وأمّا الإجماع: فنقله الفريقان من الفقهاء على كلا القولين، فتعارضا فلا يكون حجةً، فلا يبقى إلّاالروايات وسيرة علي عليه السلام.

أمّا السيرة: فقد مرّ ذكرها، وأمّا الروايات: فتدلّ عليه عدّة روايات:

منها: ما رواه في المستدرك: أنّ رجلًا من عبد القيس قام يوم الجمل فقال: يا أمير المؤمنين، ما عدلت حين (حتّى) تقسم بيننا أموالهم، ولا تقسم بيننا نساءهم ولا أبناءهم، فقال له: «إن كنت كاذباً، فلا أماتك اللَّه حتّى تدرك غلام ثقيف، وذلك أنّ دار الهجرة حرّمت ما فيها، وإنّ دار الشرك أحلّت ما فيها، فأيّكم يأخذ امّه في سهمه!؟»(1).

ولكنّها مع إرسالها لا تدلّ على عدم جواز تقسيم الأموال التي لم يحوها العسكر غير الذراري والنساء، بل تدلّ على أ نّه عليه السلام كان قد قسّم بينهم قسم من الأموال دون الذراري والنساء، ولكنّه لا يعلم منها أنّ المراد من المال المقسوم هل هو الأموال التي كانوا يحاربون بها، كالسيف والفرس والجمل والدرع، أم غيرها؟

والظاهر هو الأوّل، كما يظهر من بعض الروايات الاخر أيضاً.

وما قاله شيخنا المنتظري (حفظه اللَّه) من أنّ أصل وقوع التقسيم في حرب الجمل قطعي مسلّم ويبعد جدّاً وقوعه بدون إذن علي عليه السلام، فالردّ إليهم وقع منّاً منه عليه السلام(2).


1- مستدرك الوسائل 11: 61، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 23، الحديث 10 ..
2- الخمس، المحقّق المنتظري: 39 ..

ص: 56

مخدوش؛ لأنّه يمكن أن يكون التقسيم من الوسائل الحربية، كما يدلّ عليه ما نقله عن الهداية للحسين بن حمران في حديث طويل يذكر فيه محاجّة أهل النهروان مع علي عليه السلام: قلت لنا يوم الجمل: «لا تقتلوهم مولّين ... وأحللت لنا سبي الكراع والسلاح، وحرّمت علينا سبي الذراري ...»(1) إلى آخره.

حيث إنّ الكراع هو القوام من الفرس والحمار وغيرهما التي تستفاد في الحرب والنقل فيه وكذا السلاح، فلا تدلّ هذه الرواية على وقوع التقسيم في غيرهما من الأموال.

فالأظهر عدم الجواز إلّابإذن الإمام إذا رأى مصلحة في ذلك، هذا إذا تمّ القتال ووضع الحرب أوزارها، وأمّا في أثناء الحرب فلا يبعد أن يقال بجواز التصرّف في أموالهم، خصوصاً الحربية منها؛ لأنّ الإذن في الحرب إذن في التصرّفات التي يتوقّف القتال عليها، من فرس الباغي أو درعه أو غيرهما.

وقال السيد الخوئي: «وأمّا بعد انتهاء القتال ووضع الحرب أوزارها، فلا إشكال في الجواز أيضاً إذا كان البغاة من النصّاب؛ لما تقدّم من حلّية مال الناصب وعدم احترامه وإن لم يقاتل فضلًا عمّا لو قاتل. وأمّا إذا لم يكن من النواصب، وإنّما خرج وقاتل طلباً للرئاسة وحرصاً على حطام الدنيا من غير أن يحمل بغض أهل البيت عليهم السلام، فلا دليل على الجواز وعدمه؛ لأنّه لم يرد في المقام نصّ، إذن فلابدّ من العمل على مقتضى القواعد العامّة، وهي تقتضي عدم الجواز عملًا بإطلاقات احترام مال المسلم ما لم يثبت خلافه»(2).


1- مستدرك الوسائل 11: 59، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 23، الحديث 9 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 24- 26 ..

ص: 57

أقول: الحقّ هو ما ذكرنا سابقاً، من أنّ في هذه المسائل التي ترتبط بالحكومة ونظام المسلمين وروابطهم مع المخالفين والكفّار وكيفية إدارة نظامهم، قد جعل الشارع الأمر فيها بعهدة المسلمين ونظامهم وحاكمهم، ولابدّ للحاكم من رعاية المصلحة وفقاً للشرائط، ومقتضى المصلحة زماناً ومكاناً تختلف.

قد تقتضي أخذ أموال البغاة مصلحة لهم وللنظام؛ للتضييق عليهم حتّى لايمكن لهم العود إلى القتال، وقد تقتضي خلاف ذلك لجلب المحبّة وإيجاد الالفة بينهم حتّى يفيئوا إلى أمر اللَّه، ويضعوا الحرب، ويقيموا بالعدل والقسط والواقع هو كذلك، فلا يمكن القول بأنّ للشارع في أمثال المورد حكماً واحداً مشتركاً في جميع الأزمنة والأمكنة.

وتدلّ على ذلك، الروايات وسيرة مولانا علي عليه السلام في العمل مع المقاتلين في الجمل والنهروان والصفّين، فراجع.

ومع ذلك لو قلنا بجواز اغتنام أموالهم أو إذن الإمام بذلك، فلابدّ من أداء الخمس؛ لأنّه يحتسب غنيمة والأحوط أداء الخمس قبل إخراج مؤنة السنة؛ لأنّ عموم الآية وإطلاقها تشمل المورد أيضاً.

وتدلّ عليه أيضاً عدّة روايات:

منها: ما في «المستدرك» عن «دعائم الإسلام»: روينا عن أمير المؤمنين عليه السلام أ نّه لمّا هزم أهل الجمل، جمع كلّ ما أصابه في عسكرهم ممّا أجلبوا به عليه، فخمّسه وقسّم أربعة أخماسه على أصحابه ومضى، فلمّا صار إلى البصرة قال أصحابه: يا أمير المؤمنين اقسم بيننا ذراريهم وأموالهم، قال: «ليس لكم ذلك» قالوا: وكيف أحللت لنا دمائهم ولم تحلّل لنا سبي ذراريهم؟ قال: «حاربنا

ص: 58

الرجال فقتلناهم، فأمّا النساء والذراري فلا سبيل لنا عليهنّ؛ لأنّهنّ مسلمات وفي دار هجرة، فليس لكم عليهنّ من سبيل، وما أجلبوا به واستعانوا به على حربكم وضمّه عسكرهم وحواه فهو لكم، وما كان في دورهم فهو ميراث على فرائض اللَّه...»(1)، الحديث.

ومنها: ما نقله أيضاً عن «الدعائم» عن أمير المؤمنين عليه السلام أ نّه قال: «ما أجلب به أهل البغي من مال وسلاح وكراع ومتاع وحيوان وعبدٍ وأمة وقليل وكثير، فهو في ء يخمّس ويقسم كما تقسم غنائم المشركين»(2).

ومنها: ما في شرح الأخبار لصاحب «الدعائم»، عن موسى بن طلحة بن عبيداللَّه، وكان فيمن اسر يوم الجمل وحبس مع من حبس من الاسارى بالبصرة، فقال: كنت في سجن علي عليه السلام بالبصرة، حتّى سمعت المنادي ينادي: أين موسى بن طلحة بن عبيداللَّه؟ قال: فاسترجعت واسترجع أهل السجن، وقالوا: يقتلك، فأخرجني إليه، فلمّا وقفت بين يديه قال لي: «يا موسى»، قلت: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال: «قل: أستغفر اللَّه» قلت: أستغفر اللَّه وأتوب إليه ثلاث مرّات، فقال لمن كان معي من رسله: «خلّوا عنه» وقال لي: «إذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتقِ اللَّه فيما نستقبله من أمرك، واجلس في بيتك» فشكرتُ وانصرفت، وكان علي عليه السلام قد أغنم أصحابه ما أجلب به أهل البصرة إلى قتاله- أجلبوا به يعني أتوا به في عسكرهم-


1- مستدرك الوسائل 11: 56، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 23، الحديث 1 ..
2- مستدرك الوسائل 11: 56، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 23، الحديث 2 ..

ص: 59

ولم يعرض لشي ء غير ذلك لورثتهم، وخمّس ما أغنمه ممّا أجلبوا به عليه، فجرت أيضاً بذلك السنّة(1).

وهذه الرواية- مضافاً إلى دلالتها على وجوب الخمس في الغنيمة من البغاة وعدم لزوم مضيّ السنة- تدلّ على ما قلناه: من أنّ أحكام الحرب والغنائم وغيرها من المسائل المهمّة الاجتماعية قد قرّر الشارع حكمها في كلّ زمان على نظر الحاكم ورعاية مصالح المسلمين، ولابدّ له أن يعمل طبق المصلحة كما عمل بذلك علي عليه السلام بالنسبة إلى موسى بن طلحة.

هنا مسائل:

الاولى: قال السيد في «العروة»: «مسألة 5: السلب من الغنيمة، فيجب إخراج خمسه على السالب»(2).

أقول: قد وقع الخلاف بين الفقهاء في حكم السلب، وأ نّه هل هو يختصّ بالسالب المقاتل أو يدخل في الغنائم التي للمقاتلين كلّهم بعد إخراج خمسه، وعلى القول الأوّل: فقد اختلفوا أيضاً في أ نّه هل يجب عليه الخمس أم لا؟

المعروف بين الفقهاء العامّة هو الأوّل:

قال ابن حزم الأندلسي في «المحلّى»: «مسألة: وكلّ من قتل قتيلًا من المشركين فله سلبه؛ قال ذلك الإمام، أو لم يقله كيفما قتله صبراً، أو في القتال؟ ولا يخمّس السلب قلّ أو كثر ... والسلب: فرس المقتول وسرجه ولجامه وكلّ ما عليه من لباس، وحلية، ومهاميز وكلّ ما معه من سلاح، وكلّ ما معه من مال في نطاقه أو في


1- مستدرك الوسائل 11: 57، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، الباب 23، الحديث 5 ..
2- العروة الوثقى 4: 235 ..

ص: 60

يده أو كيفما كان معه. روينا عن أبي قتادة أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال بعد انقضاء القتال في حنين: «من قتل قتيلًا عليه بيّنة فله سلبه». ومن طريق البخاري قال:

أتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عين من المشركين وهو في سفر فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «اطلبوه واقتلوه» قال سلمة: فقتلته فنفله رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم سلبه.

وعن أنس بن مالك: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال يوم حنين: «من قتل كافراً فله سلبه» فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلًا وأخذ أسلابهم.

إلى أن قال: «وهذا صحيح حسن لا ننكره، وهو قول الأوزاعي، وسعيد بن عبدالعزيز، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وأبي عبيد، وأبي سليمان، وجميع أصحاب الحديث، إلّاأنّ الشافعي وأحمد قالا: إن قتله غير ممتنع فلا يكون له سلبه. إلى أن قال: وذهب أبو حنيفة وسفيان ومالك: إلى أ نّه لا يكون السلب للقاتل؛ إلّاأن يقول الأمير قبل القتال: من قتل قتيلًا فله سلبه، فإذا قال ذلك، فهو كما قال ولا يخمّس»(1).

وقال الشيخ رحمه الله في كتاب الفي ء من «الخلاف» في المسألة 8: «السلب لايستحقّه القاتل، إلّاأن يشرط له الإمام. وبه قال أبو حنيفة ومالك. وقال الشافعي: هو للقاتل وإن لم يشرط له الإمام. وبه قال الأوزاعي، والثوري، وأحمد بن حنبل».

ثمّ قال في المسألة 9: «إذا شرط له الإمام السلب لا يحتسب عليه من الخمس، ولا يخمّس. وعند أبي حنيفة يحتسب عليه من الخمس. وقال الشافعي:

لا يخمّس. وبه قال سعد بن أبي وقاص. وقال ابن عباس: يخمّس السلب، قليلًا


1- المحلّى بالآثار 5: 399- 402 ..

ص: 61

كان أو كثيراً. وقال عمر: إن كان قليلًا لا يخمّس، وإن كان كثيراً يخمّس.

دليلنا: أ نّه ينبغي أن يكون لشرط الإمام تأثير، ولو احتسب عليه من الخمس لم يكن فيه فائدة، وكذلك لو خمّس. على أنّ ظاهر شرط الإمام يقتضي أ نّه له، ومن قال: إنّه يحتسب عليه أو يخمّس فعليه الدلالة»(1).

أقول: الظاهر من عموم قوله تعالى: أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ...(2) الآية، هو وجوب الخمس للسلب أيضاً، وأ نّه للمقاتلين، ولم يثبت عندنا دليل خاصّ لكونه للسالب، وإن ثبت ما نقل من طريق أهل السنّة أيضاً فهو لا يدلّ على كونه حكماً كلّياً في كلّ مقام؛ لأنّه يمكن أن يكون حكماً خاصّاً في مورد خاصّ مع الشرائط الخاصّة، ولذلك قد أفتى كثير من فقهائنا على كونه من الغنائم، ويخمّس أوّلًا ثمّ يقسّم بين المقاتلين، إلّافيما إذا جعل الإمام قبل الحرب السلب للسالب فقط لمصلحة خاصّة. فحينئذٍ يكون للسالب على الشرط الذي شرطه الإمام من كونه له بعد الخمس أو قبله، أو كونه له عند الامتناع والقتال أو غير ذلك من الشرائط، فإذا كان السلب للسالب من دون تخميس، فعليه الخمس بعد إخراج مؤونة السنة؛ لأنّه يحسب من الفوائد المكتسبة كالجعل والإجارة والشرط، فيكون كأرباح المكاسب.

ولذلك قال السيد الخوئي رحمه الله: «لو جعله الإمام للسالب وخصّه به لمصلحة؛ حيث إنّه وليّ الأمر ويجوز له ذلك لم يجب تخميسه، لاستثنائه بالجعل عن الغنائم، فينصرف دليل الخمس عن مثله- إلى أن قال:- لاإشكال في وجوب خمسه من


1- الخلاف 4: 185 ..
2- الأنفال( 8): 41 ..

ص: 62

حيث الفائدة، أي الغنيمة بالمعنى الأعمّ وهو أمر آخر»(1).

المسألة الثانية: فيما اخرج من الغنيمة قبل القسمة وقبل التخميس، فهو امور:

الأوّل: المؤن التي انفقت على الغنيمة بعد تحصيلها؛ بحفظ وحمل ورعي ونحوها.

أقول: المشهور هو إخراج المؤنة للمذكورين، كما نقله «الجواهر» عن جهاد «الشرائع»، و «اللمعة»، و «الروضة»، وقال: «وهو الأقوى في النظر والموافق للعدل المناسب لغيره ممّا يتعلّق فيه الخمس»(2).

أقول: وجه كونه موافقاً للعدل هو كون المال على القول بالإشاعة للمقاتلين وللَّه ولأرباب الخمس. والمؤنة للحفظ قد صرفت لمصلحة في جميع الأموال توسّط الإمام إلى موقع التقسيم إحساناً منه وقرضاً، فلابدّ له من أن يردّ القرض من المقاتلين المالكين للغنيمة، فالتقسيط مطابق للعدل والإنصاف والقواعد العرفية والشرعية، من لزوم إخراج المصارف المتعلّقة بالعين المشتركة من نفس العين.

ويمكن الاستدلال له أيضاً بروايات:

منها: صحيحة البزنطي قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام: الخمس اخرجه قبل المؤونة أم بعد المؤونة؟ فكتب: «بعد المؤونة»(3). وبيان الدلالة: هو أنّ المصارف التي تصرف على حفظ الغنائم تحسب من المؤنة.

وقد يقال كالسيد الحكيم: أنّ المؤنة إنّما هي المصارف قبل تحصيل الغنائم، لا بعده لحفظها(4).


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 31 ..
2- جواهر الكلام 16: 9 ..
3- وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب مايجب فيه الخمس، الباب 12، الحديث 1 ..
4- مستمسك العروة الوثقى 9: 445 ..

ص: 63

وفيه: أنّ الغنائم ما لم يحفظ لم يحصل في يد المقاتلين وبصرف المؤنة تجمع وتحفظ وتقسم بين المقاتلين، فكونهم ذا مال ومالك للغنيمة يحتاج إلى المؤنة قبلها، سواء كانت قبل الحرب أو بعده وبعد حصول الغنيمة وقبل تقسيمها.

ومنها: ما رواه إبراهيم بن محمّد الهمداني، أنّ في توقيعات الرضا عليه السلام إليه: «أنّ الخمس بعد المؤونة»(1).

ومنها: ما نقله الفقيه مرسلًا، قال: وسئل أبو عبداللَّه عليه السلام عن الرجل يأخذ منه هؤلاء زكاة ماله أو خمس غنيمته، أو خمس ما يخرج له من المعادن، أيحسب ذلك له في زكاته وخمسه؟ فقال: «نعم»(2).

وهو يدلّ على أنّ ما صرف في المعادن من المؤنة ومنها ما يأخذه الجائر بعنوان الزكاة أو الخمس، يحسب من المؤنة.

ومنها: ما نقله محمّد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام، أخبرني عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المؤونة»(3).

وإشكال السند في بعضها لا يضرّ بعد كونها موافقة للقاعدة، وللروايات الكثيرة الاخرى وانجبارها بعمل الأصحاب.

الثاني: ما جعله الإمام من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح.

ولا إشكال في جوازه بعد كون الولاية له في صرف بيت المال في مصالح


1- وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب مايجب فيه الخمس، الباب 12، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب مايجب فيه الخمس، الباب 12، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1 ..

ص: 64

المسلمين ومنها: جعلها لشخص خاصّ لمصلحة فيه للناس، فصار بذلك مستحقّاً للمجعول له، فلا يدخل في ملك الغانمين.

وتدلّ عليه ما رواه حمّاد عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام في حديث قال: «وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم وغير ذلك ممّا ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي ء اخرج الخمس منه فقسّمه في أهله...»(1) إلى آخره، وعليه المشهور أيضاً.

الثالث: صفايا الغنيمة، كالجارية الورقة(2)، والمركب الفاره، والسيف القاطع، والدرع؛ فإنّها للإمام عليه السلام وكذا قطايع الملوك. وقد ادّعي الإجماع في ذلك.

وتدلّ عليه عدّة من الروايات:

منها: مرسلة حمّاد، قال: «وللإمام صفو المال، أن يأخذ من هذه الأموال، صفوها الجارية الفارهة، والدابّة الفارهة، والثوب والمتاع بما يحبّ أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة وقبل إخراج الخمس...»(3) الحديث.

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن صفو المال؟ قال:

«الإمام يأخذ الجارية الروقة، والمركب الفاره، والسيف القاطع، والدرع، قبل أن تقسّم الغنيمة، فهذا صفو المال»(4)

ومنها: صحيحة ربعي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا أتاه


1- وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4 ..
2- الورقة: خضراء حسنة والروقة: جميل الناس جدّاً وكذا الفارهة يعني الجميلة، المنجد: 288 و 580 ..
3- وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4 ..
4- وسائل الشيعة 9: 528، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 15 ..

ص: 65

الثاني: المعدن (16)، والمرجع فيه العرف، ومنه الذهب، والفضّة، والرصاص، والحديد، والصفر، والزئبق، وأنواع الأحجار الكريمة، والقير، والنفط، والكبريت، والسبخ، والكحل، والزرنيخ، والملح، والفحم الحجري، بل والجصّ، والمغرة، وطين الغسل والأرمني على الأحوط. وما شُكّ أ نّه منه لايجب فيه الخمس من هذه الجهة.

المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثمّ يقسّم...»(1) الحديث.

وأمّا قطائع الملوك، فقد استفاضت النصوص أ نّها للإمام ومن الأنفال:

منها: خبر داود بن فرقد عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قطائع الملوك كلّها للإمام، وليس للناس فيها شي ء»(2).

ومنها: موثّقة سماعة: «... أو شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام...»(3) الحديث.

16- يدلّ على وجوب الخمس في المعدن امور:

الأوّل: الإجماع منقولًا ومحصّلًا، قال في «الجواهر»: «إجماعاً محصّلًا ومنقولًا صريحاً في «الخلاف» و «السرائر» و «المنتهى» و «التذكرة» و «المدارك» وغيرها ...

بل في ظاهر «الغنية» نفي الخلاف بين المسلمين عن معدن الذهب والفضّة»(4).


1- وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 9: 525، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 6 ..
3- وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 8 ..
4- جواهر الكلام 16: 13 ..

ص: 66

الثاني: الكتاب وهو قوله تعالى: أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ...(1) الآية. بناءً على كون المراد من الغنيمة مطلق الفائدة كما تدلّ عليه بعض الأخبار كمكاتبة علي بن مهزيار حيث كتب عليه السلام فيها: «... والغنائم والفوائد يرحمك اللَّه فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر...»(2) الحديث.

وخبر حكيم قال: قلت له: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ... قال: «هي واللَّه الإفادة يوماً بيوم إلّاأنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلٍّ ليزكّوا»(3).

الثالث: عدّة من الروايات:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن معادن الذهب والفضّة والصُفر والحديد والرَصاص؟ فقال: «عليها الخمس جميعاً»(4).

ومنها: صحيحة الحلبي قال: سألت أباعبداللَّه عليه السلام عن الكنز، كم فيه؟ قال:

«الخمس» وعن المعادن كم فيها؟ قال: «الخمس» وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان من المعادن كم فيها؟ قال: «يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضّة»(5).


1- الأنفال( 8): 41 ..
2- وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5 ..
3- وسائل الشيعة 9: 546، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 8 ..
4- وسائل الشيعة 9: 491، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 1 ..
5- وسائل الشيعة 9: 492، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 2 ..

ص: 67

والتكرار في السؤال يمكن أن يكون مشيراً إلى الاختلاف الواقع بين علماء العامّة والخاصة؛ حيث قالوا باختصاصه بالذهب والفضّة.

ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن المعادن، ما فيها؟

فقال: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس»، وقال: «ما عالجته بمالك ففيه- ما أخرج اللَّه سبحانه منه من حجارته مصفّى- الخمس»(1).

وما قد يقال من أنّ الركاز عند أهل الحجاز مختص بالكنوز ولا يشمل المعادن، ويمكن أن يكون جواب الإمام عليه السلام بلسان أهل الحجاز، مدفوع بأ نّه بعيد في الغاية أن يجيب الإمام جواباً لا ينطبق على السؤال، مع أنّ السؤال كان من خمس المعادن.

مضافاً إلى أ نّه الظاهر من ذيل الحديث «ما عالجته بمالك ففيه- ما أخرج اللَّه سبحانه منه من حجارته مصفّىً- الخمس» هو الأعمّ من الذهب والفضّة؛ لأنّ غيرهما أيضاً يحتاج إلى صرف المال حتّى يخلص ويصفّى مثلهما. والركاز في اللغة، كما في «المنجد»: «هو الشي ء المعدني من الذهب والفضّة وغيرهما»(2).

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الملاحة؟ فقال:

«وما الملاحة»؟ قال: فقال: قلت: أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً، فقال: «هذا المعدن فيه الخمس» فقلت: والكبريت والنفط يخرج من الأرض؟ فقال: «هذا وأشباهه فيه الخمس»(3).


1- وسائل الشيعة 9: 492، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 3 ..
2- المنجد: 277 ..
3- وسائل الشيعة 9: 492، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 4 ..

ص: 68

وهذا الخبر يدلّ بالصراحة على عدم اعتبار كون المعدن من الذهب والفضّة بالخصوص، وعلى عدم اعتبار كونه جامداً، وكونه منبت الجواهر، وكونه حجراً يستخرج منه شي ء ينتفع به، كما قيل وسيأتي إن شاء اللَّه تفصيله. وكذا يدلّ على عدم اعتبار كونه مركوزاً ومدفوناً في الأرض.

فلا إشكال في كون المعدن أعمّ من الذهب والفضّة عند الخاصّة وأكثر العامّة، ووجوب الخمس فيه، كما قال الشيخ رحمه الله في «الخلاف» في المسألة 138:

«المعادن كلّها يجب فيها الخمس من الذهب والفضّة والحديد والصُفر والنُحاس... وغيره».

وقال الشافعي: لا يجب في المعادن شي ء إلّاالذهب والفضّة؛ فإنّ فيهما الزكاة، وما عداهما ليس فيه شي ء، انطبع أو لم ينطبع.

وقال أبو حنيفة: كلّما ينطبع مثل الحديد والرصاص والذهب والفضّة، ففيه الخمس. وما لا ينطبع فليس فيه شي ء مثل الياقوت والزمرّد والفيروزج، فلا زكاة فيه؛ لأنّه حجارة.

إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ... وهذه الأشياء كلّها ممّا غنمه الإنسان»(1).

فلا إشكال في أصل وجوب الخمس في المعدن، وإنّما الإشكال في تفسيره والمعنى المراد منه:

ففي «القاموس»: «والمعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب ونحوه لإقامة أهله فيه دائماً أو لإنبات اللَّه عزّوجلّ إيّاه فيه»(2).


1- الخلاف 2: 116 ..
2- القاموس المحيط 4: 248 ..

ص: 69

وفي «الصحاح»: «عدنتُ البلد: توطّنتُه، وعدنت الإبل بمكان كذا: لزمته فلم تبرح، ومنه جَنَّاتُ عَدْنٍ أي: جنّات إقامة، ومنه سمّي المعدن- بكسر الدال- لأنّ الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء، ومركز كلّ شي ء: معدنه»(1).

وفي «النهاية» في حديث بلال بن الحارث: «أ نّه أقطعه معادن القبلية، المعادن:

المواضع التي تستخرج منها جواهر الأرض كالذهب والفضّة والنحاس وغير ذلك، واحدها: معدن، والعَدَن: الإقامة والمعدن: مركز كلّ شي ء»(2).

وفي «مجمع البحرين»: «قوله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ أي: جنّات إقامة- إلى أن قال- ومنه سمّي «المعدن» كمجلس؛ لأنّ الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء.

ومركز شي ء: معدنه والمعدن: مستقرّ الجواهر»(3).

والظاهر من كلّهم إجمالًا: أنّ المعدن اسم للأرض والمكان الذي يخرج منه الجواهر، أو يجتمع الإنسان فيه؛ يعني المحلّ دون الحالّ، خلافاً للفقهاء الإمامية؛ فظاهرهم الاتّفاق على أ نّه اسم للحالّ لا للمحلّ؛ فإنّهم عرّفوه بما استخرج من الأرض، وقد اختلفوا من حيث التعميم والتخصيص، فقد مرّ كلام الشيخ في «الخلاف»(4).

وقال العلّامة في «التذكرة»: «المعادن كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة، سواء كان منطبعاً بانفراده كالرصاص والصفر والنحاس والحديد، أو مع غيره كالزئبق، أو لم يكن منطبعاً كالياقوت والفيروزج والبلخش


1- الصحاح 6: 2162 ..
2- النهاية 3: 192 ..
3- مجمع البحرين 6: 281 ..
4- تقدّم في الصفحة: 68 ..

ص: 70

وغيرها، أو كان مائعاً كالقير والنفط والكبريت عند علمائنا أجمع- وبه قال أحمد، إلّا أ نّه جعله زكاةً- لعموم قوله تعالى: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ(1)»(2).

وقال الشيخ في «المبسوط»: «ويجب أيضاً الخمس في جميع المعادن، ما ينطبع منها مثل الذهب والفضّة والحديد والصفر والنحاس والرصاص والزئبق، وما لا ينطبع مثل الكحل والزرنيخ والياقوت والزبرجد والفيروزج والعقيق. ويجب أيضاً في القير والكبريت والنفط والملح والموميا»(3).

وقال في «الشرائع»: «الثاني: المعادن، سواء كانت منطبعة، كالذهب والفضّة والرصاص، أو غير منطبعة، كالياقوت والزبرجد والكحل، أو مائعة، كالقير والنفط والكبريت، ويجب فيه الخمس بعد المؤنة»(4).

وقال في «المسالك»: «المعادن: جمع معدن بكسر الدال، وهو هنا كلّ ما استخرج من الأرض ممّا كان منها؛ بحيث يشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها، ومنها الملح، والجصّ، وطين الغسل، وحجارة الرحى، والمَغْرة»(5).

ولكنّه مع ذلك كلّه قال في «المدارك»: «وجزم الشهيدان بأ نّه يندرج في المعادن المغرة، والجصّ، والنورة، وطين الغسل، وحجارة الرحى، وفي الكلّ توقّف»(6).


1- البقرة( 2): 267 ..
2- تذكرة الفقهاء 5: 409 ..
3- المبسوط 1: 236 ..
4- شرائع الإسلام 1: 162 ..
5- مسالك الأفهام 1: 458 ..
6- مدارك الأحكام 5: 364 ..

ص: 71

ويعتبر فيه- بعد إخراج مؤونة الإخراج والتصفية- بلوغه عشرين ديناراً (17)

واستدلّ على التوقّف بالشكّ في إطلاق اسم «المعدن» عليها على سبيل الحقيقة، وانتفاء ما يدلّ على وجوب الخمس فيه على الخصوص.

أقول: قد عرفت معنى اللفظ؛ وأنّ اللغويين فسّروا المعدن بالمحلّ، دون الحالّ. ولكن صريح الروايات وأقوال الفقهاء العامّة والخاصّة، تفسيره بالحالّ وما يستخرج من الأرض، ويمكن أن يكون من باب تسمية الحالّ باسم المحلّ، والمتّبع هو النصوص، وقد عرفت الصحاح منها، خصوصاً صحيحتي الحلبي وزرارة الدالّتين على وجوب الخمس في كلّ ما يستخرج من الأرض بالعمل فيها، أو من دون عمل، الظاهرة منها والباطنة، فلا إشكال في أصل وجوب الخمس فيه.

نعم، لو شككنا في إطلاق الروايات وشمولها لبعض الموارد، فالأصل عدم الوجوب، فتشملها حينئذٍ آية الغنيمة بمعنى الفائدة، والروايات التي تدلّ على وجوبه في كلّ فائدة.

وتظهر الثمرة في إخراج مؤنة السنة أو عدم إخراجها، وكذا اعتبار النصاب وعدمه لو قلنا به في المعدن.

17- في اعتبار النصاب في وجوب الخمس في المعدن أقوال ثلاثة:

القول الأوّل: عدم اعتبار النصاب مطلقاً، فيجب الخمس في المعدن قليلًا كان أو كثيراً، وقد اختاره الشيخ في «الخلاف» وابن إدريس في «السرائر» قال الشيخ:

ص: 72

«قد بيّنا أنّ المعادن فيها الخمس، ولا يراعى فيها النصاب. وبه قال الزهري، وأبوحنيفة، كالركاز سواء، إلّاأنّ الكنوز لا يجب فيها الخمس إلّاإذا بلغت الحدّ الذي تجب فيه الزكاة...

دليلنا: إجماع الفرقة، وروى أبو هريرة أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «في الركاز الخمس» قلت: يا رسول اللَّه، وما الركاز؟ فقال: «الذهب والفضّة اللّذان خلقهما سبحانه في الأرض يوم خلقها» وهذه صفة المعادن.

وقال الشافعي في القديم والامّ والجديد والإملاء: إنّ الواجب ربع العشر، وبه قال أحمد وإسحاق»(1).

وقال ابن إدريس رحمه الله: «إنّ إجماعهم منعقد على وجوب إخراج الخمس من المعادن جميعها؛ على اختلاف أجناسها، قليلًا كان المعدن أو كثيراً، ذهباً كان أو فضّة، من غير اعتبار مقدار، وهذا إجماع منهم بغير خلاف»(2).

وقد نسب في «الدروس» هذا القول إلى الأكثر(3)، واستدلّوا بإطلاق الروايات الدالّة على وجوب الخمس في المعدن مطلقاً. وقد نقل في «المدارك» هذا القول أيضاً عن ابن الجنيد، والسيّد المرتضى، وابن أبي عقيل، وابن زهرة، وسلّار، وغيرهم(4).

القول الثاني: اعتبار بلوغه عشرين ديناراً في وجوبه، قال في «الجواهر»:

«والقائل به الشيخ في نهايته، وعن مبسوطه، وابن حمزة في وسيلته، ووافقهما


1- الخلاف 2: 119 ..
2- السرائر 1: 488 ..
3- الدروس الشرعية 1: 260 ..
4- مدارك الأحكام 5: 364 ..

ص: 73

جماعة من المتأخّرين، بل في «المدارك» نسبته إلى عامّتهم»(1).

قال في المدارك: «وإليه ذهب عامّة المتأخّرين، وهو المعتمد»(2).

واستدلّوا لذلك بصحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عمّا اخرج المعدن من قليلٍ أو كثير، هل فيه شي ء؟ قال: «ليس فيه شي ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة؛ عشرين ديناراً»(3).

ولا إشكال في سندها، ودلالتها صريحة في عدم وجوب شي ء عليه قبل البلوغ عشرين ديناراً، وتعمّ الخمس أيضاً.

ولكنّه قد يستشكل على الصحيحة بإشكالين:

الأوّل: أنّ الأصحاب قد أعرضوا عنها، وهذا موهن للرواية.

وفيه: أنّ أكثر المتأخّرين وعدّة من المتقدّمين- كالشيخ وابن حمزة من القدماء- قد عملوا بها. مع أنّ أكثر المتقدّمين أيضاً لم يتعرّضوا للنصاب في المعادن، لا أ نّهم تعرّضوا واختاروا عدم اعتبار النصاب.

مضافاً إلى أنّ إعراض عدّة من الفقهاء القدماء، لا يوجب وهناً في الرواية بعد صحّة سندها وظهور دلالتها على المطلوب.

الثاني: أ نّه لا تعرّض فيها للخمس من المعدن، بل الظاهر أنّ السؤال ناظر إلى الزكاة في الذهب والفضّة، فبما أنّ الزكاة لا تجب إلّافي المسكوك، فتحمل الرواية على التقية؛ لمطابقتها لقول الشافعي.


1- جواهر الكلام 16: 18 ..
2- مدارك الأحكام 5: 365 ..
3- وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 4، الحديث 1 ..

ص: 74

وفيه أوّلًا: أنّ المعدن وما اخرج منه، مطلق يشمل غير الذهب والفضّة أيضاً.

وثانياً: أنّ «الشي ء» في الجواب عامّ يشمل الخمس، والزكاة، وكلّ ما يمكن أن يجب في المعدن.

وثالثاً: حمل الرواية على التقية خلاف الأصل، مع إمكان حمل الكلام على الجدّ، ولا يمكن القول بالتقية بصرف قول الشافعي فقط، مع ذهاب غيره من العامّة إلى خلافه أيضاً.

ورابعاً: أنّ الظاهر من السؤال كون مورده غير زكاة الذهب والفضّة؛ حتّى يصدق كونه مماثلًا لهما، وإلّا كان قوله عليه السلام «ما يكون في مثله زكاة» لغواً.

ويؤيّده أنّ البزنطي قد سأل الرضا عليه السلام في حديث آخر عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(1)، فيكشف أنّ السؤال في الصحيحة الاولى أيضاً، إنّما كان عن الخمس.

القول الثالث: اعتبار كونه بمقدار دينار في وجوب الخمس فيه، اختاره أبوالصلاح مستنداً إلى رواية اخرى عن البزنطي، عن محمّد بن علي بن أبي عبد اللَّه، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضّة، هل فيها زكاة؟ فقال: «إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس»(2).

وفيه: أنّ الرواية ضعيفة سنداً بمحمّد بن علي بن أبي عبداللَّه؛ فإنّه


1- وسائل الشيعة 9: 495، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 5، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 9: 493، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 5 ..

ص: 75

مجهول. وقال السيّد الخوئي: «إنّه لم يرد عنه في مجموع الفقه إلّاروايتان، إحداهما هذه الرواية»(1)، ولم يعمل بها من الفقهاء المتقدّمين ولا المتأخّرين إلّا أبو الصلاح الحلبي، فلا تقاوم الصحيحة الاولى الدالّة على اعتبار النصاب عشرين ديناراً.

والأقوى اعتبار العشرين وعدم وجوب الخمس قبله. وهو المطابق للأصل أيضاً. هذا مع إمكان اختصاص الجواب في الرواية بالغوص واعتبار الدينار فيه فقط، دون المعدن، كما قاله في «وسائل الشيعة».

ويؤيّده ضمير المذكّر في قوله عليه السلام: «قيمته» فإنّ الظاهر رجوعه إلى الغوص، وإلّا فلابدّ أن يثنّى الضمير، كما لا يخفى.

وقد أفتى بهذا القول النراقي في «المستند»(2) والهمداني في «مصباح الفقيه»(3)، والسيّد الحكيم في «المستمسك»(4) والسيّد الماتن، والسيّد الخوئي في «المستند»(5) وشيخنا المنتظري في «كتاب الخمس»(6).

هذا كلّه في أصل اعتبار النصاب.

وأمّا حكم مؤونة الإخراج والتصفية فنقول: لا خلاف بيننا في إخراج مؤونة الاستخراج والتصفية ونحوهما ظاهراً، قال في «المدارك»: «إنّه مقطوع به في كلام


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 40 ..
2- مستند الشيعة 10: 19 ..
3- مصباح الفقيه 14: 30 ..
4- مستمسك العروة الوثقى 9: 457 ..
5- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 40 ..
6- الخمس، المحقّق المنتظري: 50 ..

ص: 76

الأصحاب»(1)، بل ظاهر «الخلاف» إجماع الفرقة عليه؛ حيث قال: «وأمّا احتساب النفقة من أصله، فعليه إجماع الفرقة»(2).

وقد استدلّ أيضاً بالنصوص المتضمّنة لكون الخمس بعد المؤونة. واستشكل عليه السيّد الحكيم رحمه الله: «بأنّ ظهورها لما نحن فيه مشكل، ولا سيّما بملاحظة ما في النصوص من استثناء مؤونته ومؤونة عياله، أو مؤونته(3)، ودخول مؤونة الإخراج في مؤونته محلّ نظر، فتختصّ هذه النصوص بخمس الفائدة، ولا تشمل ما نحن فيه، فالعمدة إذن في الاستثناء المذكور الإجماع»(4).

وفيه: أنّ الروايات ليست منحصرة فيما ذكر، بل منها قوله عليه السلام: «الخمس بعد المؤونة»(5)، ومنها ما دلّت على أنّ ما أخذه الحاكم الجائر يحتسب له عن الخمس(6)، فيشمل مؤونة الإخراج والتصفية أيضاً.

هذا مع أ نّه لا تصدق الغنيمة والفائدة عرفاً قبل إخراج مؤونة التصفية والاستخراج؛ لأنّه قد لا يبقى شي ء بعد استثناء مؤونته حتّى يتعلّق به الخمس، أو يطلق عليه «الفائدة» فالأقوى هو الاستثناء.


1- مدارك الأحكام 5: 392 ..
2- الخلاف 2: 119 ..
3- وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 2 و 4 ..
4- مستمسك العروة الوثقى 9: 458 ..
5- وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 12، الحديث 2 ..
6- وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 12، الحديث 3 ..

ص: 77

وأمّا اعتبار النصاب بعد إخراج المؤونة، فعليه جماعة، وهو المشهور. وذهب الآخرون إلى اعتبار النصاب ابتداءً في جميع المعادن المستخرجة قبل احتساب المؤونة، واختاره السيّد الخوئي رحمه الله فقال بوجوب الخمس في المعدن إن كان بمقدار عشرين ديناراً قبل استثناء المؤونة، لكن أداء الخمس لابدّ أن يكون ممّا بقي بعد إخراج المؤونة وإن كان ديناراً واحداً. واستدلّ على ذلك بإطلاق صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: «ليس فيه شي ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة؛ عشرين ديناراً»(1).

حيث إنّه يشمل حتّى ما كان مقداره عشرين ديناراً قبل إخراج المؤونة(2).

أقول: إنّ مقتضى إطلاق قوله عليه السلام «حتّى يبلغ» وإن كان ذلك، ولكنّ الظاهر من قوله عليه السلام «عشرين ديناراً» أنّ الخمس إنّما يجب عن كلّ عشرين، مع أ نّه لو قلنا بإخراج المؤونة منه، يمكن أن لا يبقى شي ء أو يبقى أقلّ من عشرين، فلا يكون الخمس حينئذٍ من العشرين. مع أنّ أصل إخراج المؤونة إجماعي لا إشكال فيه، وهو الأقوى، والمطابق للأصل؛ لأنّ الأصل عدم وجوب الخمس في المعدن بالخصوص في أقلّ من عشرين ديناراً بعد إخراج المؤونة، كما استدلّ به في «الجواهر»(3).

وأمّا ما أجاب به السيّد الخوئي: «من أنّ أصل وجوب الخمس مقطوع به ولو من باب الفوائد المكتسبة» فغير وارد؛ لأنّ البحث هنا في خمس المعدن


1- وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 4، الحديث 1 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 44 ..
3- جواهر الكلام 16: 19 ..

ص: 78

أو مائتي درهم عيناً أو قيمة على الأحوط (18). ولو اختلفا في القيمة يلاحظ أقلّهما على الأحوط، وتلاحظ القيمة حال الإخراج، والأحوط الأولى إخراجه من المعدن البالغ ديناراً بل مطلقاً، بل لا ينبغي تركه. ولايعتبر الإخراج دفعة على الأقوى، فلو اخرج دفعات وبلغ المجموع النصاب وجب خمس المجموع؛ حتّى فيما لو أخرج أقلّ منه وأعرض ثمّ عاد وأكمله على الأحوط لو لم يكن الأقوى (19).

بالخصوص مع شروطه الخاصّة به، فالأقوى عدم وجوب الخمس إلّاإذا بلغ عشرين ديناراً بعد إخراج المؤونة.

18- الظاهر من صحيحة البزنطي الماضية، أنّ الأصل في النصاب بلوغه عشرين ديناراً، وقد كانت العشرون ديناراً في صدر الإسلام، مساوية لمائتي درهم قيمة. وأمّا إذا لم تكن مساوية- كما أ نّه كان كذلك في بعض الأزمنة- فلا اعتبار إلّا بعشرين ديناراً. والأصل عدم وجوب الخمس من حيث المعدن في الأقلّ منه.

19- اختلف الأصحاب في وجوب الخمس فيما إذا كان مجموع ما اخرج من المعدن بالدفعات بمقدار النصاب، وفي أنّ شرط وجوب الخمس هل هو كون المستخرج من المعدن بمقدار النصاب دفعة واحدة، أم لا؟

ذهب الأكثرون إلى عدم الاشتراط، وقال في «الجواهر»: «إنّ هذا القول ظاهر جماعة وصريح الآخرين؛ لإطلاق الأدلّة»(1)، والمراد من الأدلّة هو صحيحة البزنطي الماضية.


1- جواهر الكلام 16: 19 ..

ص: 79

أقول: وهو الحقّ؛ لأنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «ليس فيه شي ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة؛ عشرين ديناراً»(1)، المشمول للاستخراج دفعة واحدة أو دفعات.

مضافاً إلى أنّ الغالب في المعادن استخراجها دفعات، كما في النفط وغيره، خصوصاً في الأزمنة السابقة، حيث كان الاستخراج بالآلات والأدوات البسيطة وباليد، والاستخراج كان صعباً وبالدفعات المتعدّدة، فما كان يحصل مقدار عشرين ديناراً غالباً إلّابالدفعات المتعدّدة.

وقال في «المدارك»: «لا يعتبر في النصاب الإخراج دفعةً، بل لو أخرج المعدن في دفعات متعدّدة، ضمّ بعضه إلى بعض واعتبر النصاب من المجموع- وإن تخلّل بين المرّتين الإعراض- لعموم النصّ»(2).

ولكن قال العلّامة في «المنتهى»: «يعتبر النصاب فيما أخرجه دفعةً، أو دفعات لا يترك العمل بينها ترك الإهمال، فلو أخرج دون النصاب وترك العمل مهملًا له، ثمّ أخرج دون النصاب، وكملا نصاباً، لم يجب عليه شي ء»(3).

وذهب إليه أيضاً السيّد الحكيم بشرط الإعراض عن استخراج المعدن بعد استخراجه أوّلًا؛ لأنّه مع الإعراض لا تضمّ الدفعات بعضها إلى بعض؛ لأنّه خلاف الظاهر(4).

وقال السيّد الخوئي: «لا ريب في وجوب الخمس إذا بلغ المخرج النصاب بإخراج واحدٍ؛ سواء أكانت الوحدة حقيقية، أو حكمية ... وإنّما الكلام فيما لو تعدّد


1- وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 4، الحديث 1 ..
2- مدارك الأحكام 5: 367 ..
3- منتهى المطلب 8: 550 ..
4- مستمسك العروة الوثقى 9: 460 ..

ص: 80

الإخراج حتّى عرفاً؛ لما بينهما من فاصل زماني بمقدار معتدّ به، كما لو أخرج في هذا اليوم كمّية دون النصاب، ثمّ أخرج في اليوم الآتي أو في الاسبوع أو الشهر الآتي كمّية اخرى يبلغ المجموع منهما حدّ النصاب، فهل ينضمّ اللاحق إلى السابق ليشكّل النصاب ويجب الخمس، أو يلاحظ كلّ إخراج بحياله، فلا يجب في شي ء منهما؟ فيه خلاف ... والأقوى- تبعاً لجمع آخرين- عدم الانضمام؛ نظراً إلى أنّ المنسبق من النصّ بحسب الفهم العرفي في أمثال المقام، كون الحكم انحلالياً ومجعولًا على سبيل القضية الحقيقية، فيلاحظ كلّ إخراج بانفراده واستقلاله بعد انعزاله عن الإخراج الآخر» وقد استشهد على هذا بقول المولى: «متى اشتريت منّاً من الحنطة فتصدّق بكذا» «فمن اشترى نصف منّ ثمّ اشترى ثانياً نصفاً آخر، لايشمله الدليل...»(1).

وفيه: أنّ الظاهر من الروايات كون موضوع الخمس المعدن، دون الاستخراج، والاستخراج إنّما هو وسيلة لتحصيل المعدن، ولا دخل له في موضوع الخمس، ولذلك لو أقدم على الاستخراج مائة مرّة ولم يبلغ العشرين، فليس عليه شي ء، فالأقوى- كما عليه الماتن رحمه الله- وجوب الخمس في مقدار العشرين؛ سواء اخرج دفعة واحدة، أو دفعات.

وأمّا المثال الذي ذكره فيتصوّر بصورتين:

الاولى: موضوعية المنّ من الحنطة، ولا دخل لكيفية الشراء في الحكم، فحينئذٍ يجب عليه التصدّق وإن اشتراها في ثلاث دفعات أو أكثر.

الثانية: دخالة المقدار المذكور في الحكم؛ وهو كونه منّاً.


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 45 ..

ص: 81

ولو اشترك جماعة في استخراجه، فالأقوى اعتبار بلوغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب؛ وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ المجموع ذلك (20).

فإذا قال الأب لابنه: «إذا قدرت على أن تشتري ألف متر- مثلًا- من الأرض الكذائية فعليّ كذا» فالظاهر منه هو القدرة على الشراء بالمقدار المذكور من الأرض ولو في أكثر من معاملة واحدة، بخلاف ما لو قال: «إذا قدرت على حمل أكثر من مائة منٍّ فعليّ كذا» فإنّ الظاهر هو حمله دفعة واحدة، وما نحن فيه من قبيل الأوّل، دون الثاني.

فالأقوى وجوب الخمس؛ سواء حصل النصاب في دفعة واحدة، أو أكثر، وسواء كان مع الفاصلة بين الدفعات، أم لا، بل حتّى مع الإعراض عن الدفعة الاولى ثمّ الرجوع إليه؛ لما قلناه من شمول الرواية له أيضاً.

20- ذهب جماعة إلى وجوب الخمس إن كان مشتركاً بين جماعة وبلغ مقدار النصاب، كالسيّد رحمه الله في «العروة» ومال إليه في «الجواهر» حيث قال: «وكذا لا فرق قطعاً بين اتحاد المستخرج للمعدن وتعدّده- بحيث اشتركوا في حيازته- إذا بلغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب. أمّا إذا لم يبلغ فقد صرّح غير واحد بعدم الوجوب على أحدٍ منهم، بل لا أعرف من صرّح بخلافه. لكن قد يقال بظهور صحيح ابن أبي نصر السابق(1)- بل وغيره من الأخبار- بخلافه، كما اعترف به الشهيد في بيانه، وهو أحوط إن لم يكن أولى»(2).


1- وسائل الشيعة 9: 493، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 5 ..
2- جواهر الكلام 16: 20 ..

ص: 82

ولو اشتمل معدن واحد على جنسين أو أزيد، كفى بلوغ قيمة المجموع نصاباً على الأقوى (21).

والأقوى وجوب الخمس في المعدن الواحد إذا كان بمقدار النصاب؛ سواء كان المستخرج- بالكسر- واحداً، أو متعدّداً بالشركة؛ لظهور صحيحة البزنطي في ذلك، لأنّ الموضوع هو وصول المعدن إلى حدّ النصاب المذكور، لا حصّة كلّ واحد من الشركاء، والخمس في المعدن إنّما هو من جهة كونه معدناً، لا من جهة الفائدة المكتسبة؛ لأنّ لها حكماً خاصّاً سيأتي الكلام فيه، وعليه فلا يرد عليه ما استشكله شيخنا المنتظري من كون الخمس فيه من جهة عنوان الغنيمة(1).

وذهب إلى ما قوّيناه السيّد الخوئي رحمه الله في «المستند»(2)، واستقر به السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» وقال: «كما مال إليه في «الجواهر» وشيخنا الأعظم الأنصاري رحمه الله، وحكي ذلك عن «الحدائق» و «المستند» أيضاً؛ لإطلاق الصحيح»(3).

21- لإطلاق قوله عليه السلام في صحيحة البزنطي: «ما أخرج المعدن» الشامل لما إذا كان الخارج من جنسين أو أزيد أيضاً. وقد أفتى به صاحب «الجواهر» والعلّامة في «المنتهى» والشهيد في «الدروس» والسيّدان الحكيم والخوئي، وصاحبا «المدارك» و «المسالك»(4) وغيرهم.


1- الخمس، المحقّق المنتظري: 54 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 47 ..
3- مستمسك العروة الوثقى 9: 460 ..
4- جواهر الكلام 16: 20، منتهى المطلب 8: 550، الدروس الشرعية 1: 260، مستمسك العروة الوثقى 9: 460، المستند في شرح العروة الوثقى 25: 48، مدارك الأحكام 5: 367، مسالك الأفهام 1: 459 ..

ص: 83

ولو كانت معادن متعدّدة لا يُضمّ بعضها إلى بعض- على الأقوى- (22) وإن كانت من جنس واحد. نعم لو عدّت معدناً واحداً تخلّل بين أبعاضها الأجزاء الأرضيّة يضمّ بعض إلى بعض.

وقد نقل العلّامة في «المنتهى» عن بعض العامّة الخلاف فيه، وقالوا بعدم وجوب الخمس بضمّ المعدن بعضه إلى بعض، بل لابدّ أن يكون كلّ من المعادن المستخرجة مقدار النصاب.

واستدلّ شيخنا المنتظري للانضمام: «بأنّ الموضوع للخمس ليس خصوص عنوان المعدن، بل الموضوع هو الاستغنام، وفي المقام الاستغنام من المعدن بما أ نّه معدن؛ بلانظر إلى خصوص جنسه، فلايضرّ بوحدة الموضوع تعدّد الجنس في المخرَج»(1).

22- قال صاحب «الجواهر»: «نعم، لا فرق- في الظاهر- بين ما يخرج من معدن واحد أو معادن متعدّدة؛ إذا بلغ مجموع الخارج منها نصاباً، كما صرّح به الاستاذ في كشفه تبعاً للشهيد في مسالكه، وسبطه في مداركه في وجهٍ فيهما؛ لإطلاق الأدلّة. إلّاأنّ الإنصاف عدم خلوّه عن الإشكال؛ للأصل، وانسياق المتحد من الأدلّة السابقة، خصوصاً صحيح النصاب»(2).


1- الخمس، المحقّق المنتظري: 55 ..
2- جواهر الكلام 16: 20 ..

ص: 84

(مسألة 1): لا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين كونه في أرض مباحة أو مملوكة (23)؛ وإن كان الأوّل لمن استنبطه، والثاني لصاحب الأرض وإن أخرجه غيره،

واستدلّ بعضهم على القول الأوّل بظهور «المعدن» في صحيحة البزنطي في جنسه، الصادق على الواحد والمتعدّد. وأضاف شيخنا المنتظري: «أنّ الخمس إنّما يخرج من الاستغنام والغنيمة، ولا فرق فيها بين المعدن الواحد والمتعدّد؛ لأنّ الموضوع ليس نفس المعدن بما هو مركوز في الأرض، بل الموضوع في باب الخمس هو استخراجه والاستغنام منه، في مقابل الاستغنام من الكنز والتجارة. وذلك نظير ما تراه في باب الزكاة من ضمّ ما حصل للإنسان من الغلّات في قرية، إلى ما حصل له في اخرى إذا بلغ مجموعهما النصاب»(1).

أقول: الظاهر أنّ قوله عليه السلام في الصحيحة: «ما أخرج المعدن» شامل للمعدن الواحد والأكثر، كما مرّ، ومن جنس واحد أو أكثر. وما قاله في «الجواهر» من انسياق المتحد من الأدلّة، هو خلاف الظاهر، بل المنساق منها جنس المعدن؛ سواء كان من واحد، أو متعدّد.

نعم، يشترط أن لا يفصل بين المعادن- من حيث الزمان والمكان- مقدار يخرج عرفاً عن استخراج واحد.

23- لا إشكال في وجوب الخمس في المعدن إن كان المستخرِج صاحب حقّ في المعدن، ككونه مالكاً للأرض؛ لو قلنا بأنّ مالكية الأرض تشمل كلّ ما فيها ولو


1- الخمس، المحقّق المنتظري: 56 ..

ص: 85

بلغ ما بلغ، وكذا إذا كان مأذوناً عمّن له الإذن في ذلك؛ أي المالك، أو الإمام في أراضي الأنفال أو الأراضي المفتوحة عنوة؛ لأنّ إذنها بيد الإمام وإن كان ملكها للمسلمين جميعاً.

وإنّما الإشكال في أنّ المعادن، هل تملك بتملّك الأرض بالنسبة إلى الأشخاص، أم لا، بل إنّما هي من الأنفال، وهي ملك للإمام بعنوان الإمام؛ أي أنّ الحكومة مالكة لها؟

وسيأتي منّا في باب الأنفال- إن شاء اللَّه تعالى- أنّ الحقّ هو الثاني؛ وأنّ المعادن أيضاً من الأنفال على ما يظهر من الأخبار، ويؤيّده الاعتبار، فلا تكون ملكاً للأشخاص وإن كانت المعادن في الأراضي المملوكة للأشخاص، فعلى هذا لا يجوز استخراجها إلّابإذن الإمام والحاكم للمسلمين؛ إمّا باجرة، أو من دون اجرة؛ على ما يراه الحاكم من المصلحة في إحياء المعادن وحقوق الناس، فبإذن الإمام يجب على المستخرج الخمس؛ إذا بلغ ما استخرجه مقدار عشرين ديناراً بعد المؤونة.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ المعادن الظاهرة في الأرض أو ما يتبع الأرض عرفاً، تابعة للأرض في الملكية، وتعدّ عرفاً من توابعها، فهي للمالك، فمن أخرجها من دون إذنه لا يملكها، ويكون ما اخرج منها لصاحب الأرض، وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة؛ لأنّه لم ينفق عليه مؤونة، كما ذكره السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»(1) وسيأتي البحث مفصّلًا في باب الأنفال إن شاء اللَّه، فانتظر.


1- العروة الوثقى 4: 242 ..

ص: 86

وحينئذٍ إن كان بأمر من مالكها يكون الخمس بعد استثناء المؤونة (24)، ومنها اجرة المخرج إن لم يكن متبرّعاً، وإن لم يكن بأمره يكون المخرج له وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة؛ لأنّه لم يصرف مؤونة، وليس عليه ما صرفه المخرج.

ولو كان المعدن في أرض مفتوحة عنوة، فإن كان في معمورتها حال الفتح التي هي للمسلمين، وأخرجه أحد منهم ملكه، وعليه الخمس إن كان بإذن والي المسلمين، وإلّا فمحلّ إشكال (25)، كما أ نّه لو أخرجه غير المسلمين ففي تملّكه إشكال (26).

24- الظاهر منه أنّ المعدن للمالك والخمس عليه بعد أداء حقّ المخرِج إن لم يكن متبرّعاً.

ولكنّه يمكن أن يقال: إنّ المالك لو أذن للآخر باستخراج المعدن في ملكه في ضمن عقد- بأن كان المستخرج مالكاً للمعدن بعوض أو بدون عوض- فالمعدن المستخرج للمخرِج، دون المالك، والخمس يجب عليه.

وأمّا لو كان المخرِج أجيراً صرفاً في إخراجه أو كان متبرّعاً فيه، فالمعدن المستخرج للمالك، فعليه الخمس.

25- بل منع؛ لأنّه تصرّف في أموال المسلمين من دون إذن الوليّ، وبالتصرّف غير المجاز لا يملك ما استخرجه منها، فما استخرجه يكون للمسلمين جميعاً، فيأخذه الإمام، ويصرفه في صلاح المسلمين. وليس له اجرة أيضاً؛ لأنّ عمله حينئذٍ غير محترم، لأنّه تصرّف غير مجاز.

26- فيه: أ نّه لو كان الاستخراج بإذن الإمام، فلا إشكال في تملّكه بمقدار

ص: 87

وإن كان في مواتها حال الفتح يملكها المخرج (27)، وعليه الخمس ولو كان كافراً كسائر الأراضي المباحة، ولو استنبط المعدن صبيّ أو مجنون تعلّق الخمس به على الأقوى، ووجب على الوليّ إخراجه (28).

الاشتراط في الإذن مع عدم تخلّفه عن الشرائط وليس عليه إلّاما اشترط عليه الإمام في إذنه، كما إذا استخرجه المسلم.

27- وفيه: أ نّه إن قلنا بأنّ المعادن من الأنفال وأ نّها للإمام، فلا يجوز استخراجه من دون إذنه، ولو استخرجه لا يملكه. هذا إذا كان الإمام مبسوط اليد.

وأمّا في زمان حضوره وعدم بسط يده، فلابدّ من إذنه أيضاً خصوصاً، أو عموماً، كما أ نّهم عليهم السلام أذنوا للشيعة وأباحوا لهم، كما سيأتي.

وأمّا في زمان الغيبة؛ فإن كان للمسلمين حكومة مسلمة عادلة، فلابدّ من استئذان الحاكم والعمل بإذنه، ولو كان الاستخراج من دون إذنه لم يملك أيضاً؛ لأنّه تصرّف عدواني في الأموال العامّة، وعمله ليس بمحترم حتّى يوجب التملّك. هذا إذا قلنا: إنّ المعادن من الأنفال، وإنّ الأنفال للإمام.

وأمّا إذا قلنا: إنّها من المباحات الأصلية التي يجوز لكلّ أحد استخراجها، فهي- كما قاله الماتن رحمه الله- للمخرج، وعليه الخمس ولو كان كافراً، كسائر الأراضي المباحة، وكذلك الصبي؛ لأنّ عمله محترم.

28- وجوب إخراج الخمس على الولي مشكل لا دليل عليه، والأصل عدم وجوبه.

ص: 88

(مسألة 2): قد مرّ: أ نّه لا فرق في تعلّق الخمس بما خرج عن المعدن؛ بين كون المخرج مسلماً أو كافراً بتفصيل مرّ ذكره، فالمعادن التي يستخرجها الكفّار- من الذهب والفضّة والحديد والنفط والفحم الحجري وغيرها- يتعلّق بها الخمس، ومع بسط يد والي المسلمين يأخذه منهم، لكن إذا انتقل منهم إلى الطائفة المحقّة لايجب عليهم تخميسها؛ حتّى مع العلم بعدم التخميس، فإنّ الأئمّة عليهم السلام قد أباحوا لشيعتهم خُمس الأموال غير المخمّسة، المنتقلة إليهم ممّن لايعتقد وجوب الخمس؛ كافراً كان أو مخالفاً، معدناً كان المتعلَّق أو غيره من ربح التجارة ونحوه (29).

29- تدلّ عليه عدّة من الروايات:

منها: صحيحة الفقهاء- محمّد بن مسلم، وزرارة، وأبي بصير- عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: هلك الناس في بطونهم وفروجهم؛ لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلٍّ»(1).

ومنها: معتبرة أبي خديجة سالم بن مكرم، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قال رجل وأنا حاضر: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبداللَّه عليه السلام فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنّما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوّجها، أو ميراثاً يصيبه، أو تجارة، أو شيئاً اعطيه، فقال: «هذا لشيعتنا حلال؛ الشاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحيّ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما واللَّه لا يحلّ إلّا


1- وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 1 ..

ص: 89

لمن أحللنا له، ولا واللَّه ما أعطينا أحداً ذمّة، ولا لأحد عندنا ميثاق»(1).

ومنها: ما رواه يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام فدخل عليه رجل من القمّاطين فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت، وإنّا عن ذلك مقصّرون، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام: «ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم»(2).

وكذا غيرها من الروايات، كصحيحة زرارة، ومعتبرة الحارث، ورواية الاخرى عن أبي عمارة(3).

وتعارضها روايات اخرى تدلّ على وجوب الخمس وعدم التحليل ظاهراً:

منها: معتبرة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره اللَّه؛ اشترى ما لا يحلّ له»(4).

ومنها: ما رواه أبو بصير أيضاً عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: «لا يحلّ لأحدٍ أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا»(5).

ومنها: ما رواه علي بن إبراهيم، عن أبيه قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل وكان يتولّى الوقف بقم، فقال: يا سيّدي، اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ؛ فإنّي قد أنفقتها، فقال له: «أنت في حلٍ» فلمّا خرج صالح قال أبوجعفر عليه السلام: «أحدهم يثب على أموال آل محمّد وأيتامهم


1- وسائل الشيعة 9: 544، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 9: 545، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 6 ..
3- وسائل الشيعة 9: 550، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 15 و 14 و 9 ..
4- وسائل الشيعة 9: 484، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 1، الحديث 5 ..
5- وسائل الشيعة 9: 484، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 1، الحديث 4 ..

ص: 90

ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذه، ثمّ يجي ء فيقول: اجعلني في حلٍّ، أتراه ظنّ أ نّي أقول: لا أفعل؟! واللَّه ليسألنّهم اللَّه يوم القيامة عن ذلك سؤالًا حثيثاً»(1).

وكذا غير ذلك من الروايات، فراجع(2).

وقبل البحث في الروايات وعمّا نستفيده منها، ننقل أقوال الفقهاء؛ ليعلم أنّ بينهم لم ينعقد إجماع أو اتفاق على الحكم، بل اختلفوا على أقوال:

قال المفيد رحمه الله في «المقنعة»: «واعلم- أرشدك اللَّه- أنّ ما قدّمته في هذا الباب من الرخصة في تناول الخمس والتصرّف فيه، إنّما ورد في المناكح خاصّة؛ للعلّة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمّة عليهم السلام لتطيب ولادة شيعتهم، ولم يرد في الأموال وما أخّرته عن المتقدّم ممّا جاء في التشديد في الخمس والاستبداد به، فهو يختصّ بالأموال»(3).

وقال الشيخ رحمه الله في «النهاية»: «فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم- ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها- فيما لابدّ لهم منه من المناكح، والمتاجر، والمساكن. فأمّا ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرّف فيه على حالٍ»(4).

وقال في «التهذيب»: «أمّا الغنائم والمتاجر والمناكح وما يجري مجراها- ممّا يجب للإمام فيه الخمس- فإنّهم عليهم السلام قد أباحوا لنا ذلك، وسوّغوا لنا التصرّف فيه ...


1- وسائل الشيعة 9: 537، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 538، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 2 و 3 و 7 و 8 و 10 ..
3- المقنعة: 285 ..
4- النهاية: 200 ..

ص: 91

وأمّا أراضي الخراج وأراضي الأنفال والتي قد انجلى أهلها عنها، فإنّا قد أبحنا أيضاً التصرّف فيها مادام الإمام مستتراً، فإذا ظهر يرى هو عليه السلام في ذلك رأيه، فنكون نحن في تصرّفنا غير آثمين»(1).

وقال المحقّق رحمه الله في «الشرائع»: «الثالثة: ثبت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة؛ وإن كان ذلك بأجمعه للإمام أو بعضه، ولا يجب إخراج حصّة الموجودين من أرباب الخمس منه»(2).

وقال العلّامة رحمه الله في «التذكرة»: «قد أباح الأئمّة عليهم السلام لشيعتهم المناكح والمساكن والمتاجر حال ظهور الإمام وغيبته؛ لعدم إمكان التخلّص من المآثم بدون الإباحة، وذلك من أعظم أنواع الحاجة»(3).

أقول: إنّ الظاهر من الروايات إباحة التصرّف في كلّ ما وصل بيد الشيعة من الأعيان؛ سواء حصل بالتجارة، أو النكاح، كالإماء والعبيد، أو الهبة أو غيرها من العقود؛ حتّى وإن كانت الأعيان من الأنفال، أو من الأموال غير المخمّسة، وكان حقّهم عليهم السلام فيها، أو من الغنائم في زمان حكومة الجائرين؛ سواء كان في زمان الحضور وعدم بسط أيديهم، أو في زمان الغيبة، دون ما يكتسبه الشيعي بنفسه، من استخراج المعدن والكنز، واستحصال الغنيمة والفوائد وأرباح التجارات التي يتّجر بها، فإنّه يجب فيها أداء الخمس، كما مرّ وسيجي ء. وكذلك لا يجوز التصرّف في نفس أموال الخمس التي للإمام عليه السلام من دون إذنهم والقسم الثاني من الروايات يدلّ على ذلك.


1- تهذيب الأحكام 4: 143 و 144 ..
2- شرائع الإسلام 1: 167 ..
3- تذكرة الفقهاء 5: 443 ..

ص: 92

نعم لو وصل إليهم ممّن لايعتقد الوجوب- في بعض أقسام ما يتعلّق به الخمس- من الإماميّة- اجتهاداً أو تقليداً- أو يعتقد عدم وجوبه مطلقاً- بزعم أ نّهم عليهم السلام أباحوه مطلقاً لشيعتهم- ما يتعلّق به الخمس، يجب عليهم التخميس مع عدم تخميسه. نعم مع الشكّ في رأيه لايجب عليه الفحص ولا التخميس مع احتمال أدائه، ولكن مع العلم بمخالفة رأيهما فالأحوط- بل الأقوى- التجنّب حتّى يخمّس (30).

الثالث: الكنز (31)، والمرجع في تشخيص مسمّاه العرف،

فما أباحوه لنا هو الأموال التي تصل بأيدينا من الغير ولم تخمّس، وما نهوا عن التصرّف فيه هو مال الخمس، وسيأتي تفصيل الكلام في الأنفال.

30- لا فرق فيما قلناه بين كون المال منتقلًا إلينا من الكافر، أو المخالف غير المعتقد بالخمس، أو الموافق من الشيعة، ولكن كان ممّن لا يبالي بأداء الخمس، ونحن لا نعلم بأدائه، أو نعلم بعدم أدائه، أو كان ممّن لا يرى وجوب الخمس في زمان الغيبة؛ لتحليلهم عليهم السلام أو عدم الوجوب في بعض الموارد؛ لأنّ الروايات الدالّة على الإباحة بعمومها أو إطلاقها، تشمل كلّ ذلك، كما تشمل كلّ الأسباب التي بها تنتقل المال إلينا، كالإرث، والبيع، والصلح، والهبة، وغيرها، وسيأتي البحث عنها مفصّلًا.

31- لا إشكال في وجوب الخمس في الكنز؛ لاتفاق المسلمين عليه من العامّة والخاصّة، قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في «الخلاف»: «الركاز هو الكنز المدفون؛ يجب فيه الخمس بلا خلاف، ويراعى عندنا فيه أن يبلغ نصاباً يجب في

ص: 93

مثله الزكاة. وهو قول الشافعي في الجديد. وقال في القديم: يخمّس قليله وكثيره، وبه قال مالك وأبو حنيفة.

دليلنا: إجماع الفرقة. وأيضاً ما اعتبرناه لا خلاف أنّ فيه الخمس، وما نقص فليس عليه دليل»(1).

وتدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع- الروايات المستفيضة:

منها: ما رواه الصدوق رحمه الله بسند صحيح عن الحلبي: أ نّه سأل أبا عبداللَّه عليه السلام عن الكنز كم فيه؟ فقال: «الخمس ...»(2).

وسند «الفقيه» إلى الحلبي صحيح، كما في «جامع الرواة» وعبيد اللَّه بن علي بن أبي شعبة الحلبي كوفي ثقة، كان يتّجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب، وكانوا جميعهم ثقات، وكان عبيد اللَّه كبيرهم ووجههم، وصنّف الكتاب المنسوب إليه، وعرضه على الصادق عليه السلام وصحّحه واستحسنه وقال عند قراءته: «ليس لهؤلاء في الفقه مثله» وهو أوّل كتاب صنّفه الشيعة.

ومنها: ما رواه ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:

«الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، والمعادن، والغوص ...»(3).

والسند لا غبار عليه؛ فإنّ أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، شيخ الصدوق رحمه الله وقد وثّقه صريحاً فقال: «هو ثقةٌ فاضل ديّن» ونقل ابن أبي عمير عن غير واحد، يوجب الوثوق بالخبر وإن لم نعرف المروي عنه؛ لأنّه لا يرسل إلّاعن ثقة، كما قد قيل.


1- الخلاف 2: 121 ..
2- وسائل الشيعة 9: 495، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 5، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 7 ..

ص: 94

ومنها: ما رواه الصدوق بإسناده عن عمّار بن مروان، قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام- إذا لم يعرف صاحبه- والكنوز، الخمس»(1).

وسند الصدوق رحمه الله إلى عمّار صحيح لا بأس به. وأمّا عمّار فقال السيّد الخوئي رحمه الله: «هو مشترك بين اليشكري الثقة الذي هو معروف، وله كتاب، والراوي عنه محمّد بن سنان غالباً، والحسن بن محبوب أحياناً، وبين الكلبي الذي هو مجهول، ويروي عنه الحسن بن محبوب بواسطة أبي أيّوب ...» إلى أن قال: «ولاينبغي التأمّل في أنّ المراد هو الأوّل؛ لانصراف اللفظ عند الإطلاق إلى ما هو الأشهر الأعرف الذي له أصل أو كتاب، دون الشاذّ غير المعروف، ولا سيّما أنّ الراوي عنه هو الحسن بن محبوب بلا واسطة، والأظهر أنّ الرواية صحيحة»(2).

ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن المعادن، ما فيها؟

فقال: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس ...»(3).

فالركاز يشمل المعادن وغيرها وإن كان السؤال مختصّاً بالمعادن، فلا إشكال في وجوب الخمس في الكنز إجمالًا بين الخاصّة والعامّة.

نعم، يقع البحث في جهات:

الجهة الاولى: في مفهومه


1- وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 6 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 72 ..
3- وسائل الشيعة 9: 492، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 3 ..

ص: 95

قال الإمام الخميني رحمه الله: «المرجع في تشخيص مسمّاه العرف» ولكنّه قد عرّف بالمال المذخور، كما في «العروة»(1).

وهل يعتبر قصد ادخار المال ليوم الفاقة، أم لا يعتبر القصد، بل يشمل كلّ مال مستتر في الأرض ولو لا عن قصد، أو بقصد حفظه موقّتاً؟

والقدر المتيقّن فيه وإن كان الذهب والفضّة المسكوكين المذخورين في الأرض قصداً، إلّاأ نّه يجب البحث عن اعتبار هذه القيود في مفهومه.

قال الراغب: «الكنز: جعل المال بعضه على بعض وحفظه. وأصله من كنزت التمر في الوعاء، وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ(2) أي يدخرونها»(3).

وقال ابن منظور: «الكنز: اسم للمال إذا احرز في وعاء، ولما يحرز فيه، وقيل:

الكنز المال المدفون، وجمعه كنوز، وتسمّي العرب كلّ كثير مجموع يتنافس فيه:

كنزاً ...» إلى أن قال: «الكنز في الأصل المال المدفون تحت الأرض، فإذا اخرج منه الواجب عليه لم يبق كنزاً وإن كان مكنوزاً، وهو حكم شرعي تجوّز فيه عن الأصل»(4).

وكذلك قال ابن الأثير أيضاً(5).

وقال في «أقرب الموارد»: «الكنز: المال المدفون في الأرض؛ تسمية بالمصدر


1- العروة الوثقى 4: 245 ..
2- التوبة( 9): 34 ..
3- مفردات ألفاظ القرآن: 727 ..
4- لسان العرب 12: 165 ..
5- النهاية 4: 203 ..

ص: 96

- وقيل: اسم للمال إذا احرز في وعاء- وكلّ كثير مجموع يتنافس فيه مدخر، جمع كنوز، والذهب والفضّة، ومايحرز فيه المال، كالمخزن والصندوق»(1).

فالظاهر من كتب اللغة- كما عرفت، خصوصاً من قولهم: المال المدفون تحت الأرض- عدم اعتبار قصد حفظ المال في الوعاء المذخور بالدفن في الأرض أو في غيرها إلى مدّة خاصّة، فيشمل ما لا يقصد حفظه للمستقبل وللفاقة، كما إذا صار المال مدفوناً في الأرض بسبب آفة سماوية، أو الحرب والتخريب من العدوّ من جهة العداوة أو غيرهما. ولكنّه لا يشمل المال الذي جعل في صندوق البيت، أو الدكّاكين، أو البنوك، أو غير ذلك، ولا يشمل أيضاً ما يقصد حفظه للمستقبل، ولكن لا بالدفن في الأرض، بل بأسبابٍ اخرى، كما هو المرسوم اليوم، مثل ادخاره في البنوك.

حول اعتبار قصد الادخار وعدمه

ومع ذلك فقد ذهب عدّة من الفقهاء إلى لزوم القصد للادخار في صدق الكنز، قال المحقّق رحمه الله: «الكنوز: كلّ مال مذخور تحت الأرض»(2).

وقال الشهيد الثاني رحمه الله: «ويعتبر في الادخار كونه مقصوداً؛ ليتحقّق الكنز، فلا عبرة باستتار المال بالأرض بسبب الضياع، بل يلحق باللقطة، ويعلم ذلك بالقرائن الحالية»(3).

وهو ظاهر كلّ من عرّفه بالمال المذخور تحت الأرض، كالمحقّق؛ لأنّ الظاهر من تلك العبارة اعتبار القصد.


1- أقرب الموارد 2: 1106 ..
2- شرائع الإسلام 1: 162 ..
3- مسالك الأفهام 1: 460 ..

ص: 97

ولكنّ المشهور ذهب إلى أنّ الكنز كلّ مال مذخور أو مستتر في الأرض ولو لا عن قصد، أو بقصد غير الادخار، كحفظه موقّتاً، كما هو الظاهر من كتب اللغة أيضاً.

وقال السيّد الخوئي: «وهو الصحيح؛ إذ التقييد بالقصد لم نتحقّقه في مفهوم الكنز، لا عرفاً، ولا لغةً، بل لا يكاد يتأمّل العرف في إطلاق «الكنز» على المال الذي عثر عليه في جوف الأرض وإن لم يحرز قصد المالك؛ لعدم القرينة على ذلك من وعاء ونحوه، بل حتّى مع إحراز عدم القصد وإحراز كون استتار المال كان بسبب الضياع ونحوه، كما يكشف عنه بوضوح الكنز المستخرج من المُدُن التي أنزل اللَّه عليها العذاب وجعل عاليها سافلها، وسافلها عاليها؛ فإنّ الادخار غير مقصود حينئذٍ بالضرورة، مع إطلاق اسم «الكنز» عليه قطعاً.

ولو تنازلنا وشككنا في تناول المفهوم لغير المقصود أو أحرزنا العدم، فإنّما نسلّمه في لفظ «الكنز» وأمّا «الركاز» المجعول بعنوانه موضوعاً للحكم في صحيحة زرارة المتقدّمة، فلا ينبغي التأمّل في شموله لغير المقصود؛ ضرورة أنّ من أبرز مصاديقه المعدن، ولا قصد في مورده، كما هو واضح»(1).

وقال المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه»: «وحكي عن كاشف الغطاء أ نّه لم يعتبر القصد فيه، بل فسّر الكنز الذي يجب فيه الخمس: بما كان من النقدين مذخوراً بنفسه، أو بفعل فاعل. ولكنّك خبير بأنّ إطلاق المذخور على العاري عن القصد، مبني على ضرب من التوسّع، فلا يبعد أن يكون إطلاق اسم «الكنز» عليه أيضاً من هذا الباب، فالإنصاف أنّ صدق اسم «الكنز» حقيقةً على المال المستتر بالأرض بنفسه لا بفعل فاعل، لا يخلو عن تأمّل.


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 73 ..

ص: 98

وكيف كان: فإن سلّمنا صدق اسم «الكنز» على مثل الفرض حقيقةً فهو، وإلّا فهو بحكمه في تعلّق الخمس به، كما يدلّ عليه الصحيحة المتقدّمة»(1).

أقول: التحقيق أنّ المعنى اللغوي للكنز- كما نقلناه عن اللغويين- لا يختصّ بما كان منه مذخوراً بقصد، بل يشمل ما لم يكن بقصد بل ما لم يكن بفعل فاعل أصلًا، كما أنّ الروايات المذكورة- خصوصاً صحيحة زرارة المذكورة آنفاً- تشمل ما كان مذخوراً في الأرض ولو كان من دون قصد، بل من دون فعل فاعل مختار، كما إذا كان بسبب بلاء سماوي أو أرضي، كالزلزلة، أو غيرها، أو انجلاء أهل بلد وتخريب منازلهم، أو كان الركاز من جهة الحرب وتخريب بلادهم به، وغير ذلك.

ويساعده العرف في بعض استعمالاتهم، كقولهم: «عثر فلان على كنز» فإنّهم يطلقون ذلك ولا يلتفتون إلى كون الكنز عن قصد، أم لا، بفعل فاعل مختار، أم لا، أو كان الكنز من جهة حفظه للفاقة، أم لا، فلا إشكال في وجوب الخمس في جميع ذلك؛ لشمول الروايات لها، ومساعدة فهم العرف واللغة.

الجهة الثانية: في كفاية الذخر في غير الأرض

هل يختصّ الكنز- موضوعاً، أو حكماً- بكون المال مذخوراً في الأرض، أو يعمّ ما كان مذخوراً ومحفوظاً في الجدار والشجر ونحوهما؟

قد نقل صاحب «الجواهر» عن استاذه كاشف الغطاء، التصريح بعدم الخمس في المذخور في جدار أو بطن شجرة أو خباء من بيوت، أو خشب، أو تحت حطب(2).


1- مصباح الفقيه 14: 45، والمراد من الصحيحة، صحيحة زرارة:« كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس». وسائل الشيعة 9: 492، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 3 ..
2- جواهر الكلام 16: 25 ..

ص: 99

وقال الهمداني قدس سره: «إنّ المراد من تحت الأرض بحسب الظاهر، ما يعمّ جوف الأبنية والسقوف؛ إذ لا خفاء في صدق اسم «الكنز» عليه بمقتضى وضعه واستعماله في المحاورات العرفية. نعم هو متجه في مثل المذخور تحت حطب، أو بطن شجر أو خشبة ونحوها، فإنّه لا يطلق اسم «الكنز» على مثله عرفاً، ولا أقلّ من انصراف إطلاقه عنه»(1).

أقول: العبرة في ذلك هو الصدق العرفي، والتحقيق أنّ العرف يطلق الكنز على كلّ ما كان مستوراً عن الأنظار؛ على نحو لايمكن الوصول إليه بسهولةٍ عادة، فلا فرق في ذلك بين كونه مستوراً في الأرض، أو الجبل، أو السقف، أو بطن شجر، أو جدران، أو حيطان، أو غير ذلك ممّا يتعسّر العثور عليه.

وأمّا اختفاؤه لوقت قليل معيّن- كالصندوق، ووراء الكتب، أو أجوافها، أو تحت خشب، أو فرش، أو غير ذلك ممّا يتيسّر الوصول إليه-، فلا يعدّ كنزاً عرفاً، ولا يطلق على من وجده أ نّه قد وجد كنزاً، فلا يجري عليه حكم الكنز؛ أي كونه لواجده بعد التخميس، بل يكون له حكم اللقطة إذا لم يعرف صاحبه، وإن عرفه فلابدّ أن يوصله إليه.

الجهة الثالثة: في شمول الكنز لغير الذهب والفضّة أيضاً

الظاهر من الروايات ومن اللغة ومن كلّ من عرّف الكنز بالمال المذخور في الأرض، هو شمول الكنز لكلّ مال مذخور، سواء كان من النقدين الذهب والفضّة، أو غيرهما من الأحجار الكريمة والنفائس والتحف الأثرية الثمينة، وهو ظاهر كلّ من فسّر الكنز بالمال المذخور؛ لصدق المال عليه.


1- مصباح الفقيه 14: 46 ..

ص: 100

قال في «الجواهر»: «بل صرّح في «التذكرة» و «المنتهى» و «الدروس» و «البيان» بذلك، بل قد تشعر عبارة الأوّلين- بعد التأمّل فيها بالإجماع عليه عندنا. لكن في كشف الاستاذ: أنّ الظاهر تخصيص الحكم بالنقدين، وغيره يتبع حكم اللقطة»(1).

وقال النراقي رحمه الله في «المستند»: «ظاهر إطلاق جماعة وصريح المحكيّ عن «الاقتصاد» و «الوسيلة» و «التحرير» و «المنتهى» و «التذكرة» و «البيان» و «الدروس» عدم الفرق في وجوب الخمس بين أنواع الكنز- من ذهب، وفضّة، وجوهر، وصفر، ونحاس، وغيرها- لعموم الأخبار.

وظاهر الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الجمل» والحلّي في «السرائر» وابن سعيد في «الجامع» الاختصاص بكنوز الذهب والفضّة، ونسبه بعض من تأخّر إلى ظاهر الأكثر، وهو الأظهر؛ لمفهوم صحيحة البزنطي المتقدّمة»(2).

أقول: المراد من صحيحة البزنطي ما رواه الصدوق بإسناده عنه، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «مايجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(3)؛ بدعوى أنّ ما تجب الزكاة فيه هو الذهب والفضّة، دون الأشياء الاخرى الثمينة، فيجب أن يتعلّق الخمس بما تتعلّق الزكاة به، وبهذه الصحيحة يخصّص عموم الأخبار الماضية. مع أ نّه في إطلاق «الكنز» على غير الذهب والفضّة، شي ء من التأمّل.

وقد ذهب السيّد الخوئي أيضاً إلى اختصاص وجوب خمس الكنز بالذهب


1- جواهر الكلام 16: 25 ..
2- مستند الشيعة 10: 28 ..
3- وسائل الشيعة 9: 495، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 5، الحديث 2 ..

ص: 101

والفضّة؛ من جهة الصحيحة المذكورة وتخصيص الروايات الاخرى بها(1).

ولكنّ التحقيق: أنّ عموم الأخبار لا يخصّص بمثل صحيحة البزنطي المحتملة لأمرين؛ لأنّ السؤال فيها قد وقع عمّا يجب فيه الخمس، ولفظ «عمّا» يحتمل أن يراد منه المقدار، كما أ نّه يحتمل أن يراد منه الجنس، وأحدهما ليس أظهر من الآخر. ولا دليل على ظهوره في الجنس، كما قاله السيّد الخوئي رحمه الله بل وجود الروايات الكثيرة الدالّة على وجوب الخمس في الكنز مطلقاً واطلاع مثل البزنطي يقيناً عليها، يوجب الاطمئنان بأنّ مراده من قوله: «عمّا» هو المقدار؛ لأنّ الجنس كان معلوماً عنده، وإنّما المجهول هو المقدار.

ويؤيّده سؤاله الآخر في صحيحته الاخرى عن مقدار الخمس الذي يجب في المعدن؛ حيث قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عمّا اخرج المعدن من قليل أو كثير، هل فيه شي ء؟ قال: «ليس فيه شي ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة؛ عشرين ديناراً»(2).

وكذا يؤيّد ما قلنا، مرسلة المفيد رحمه الله في «المقنعة» قال: سئل الرضا عليه السلام عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس، فقال: «مايجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس، وما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه»(3).

وما ذكر الاستاذ المنتظري: «من أ نّه يمكن أن يكون من اجتهاد المفيد» فيه أ نّه خلاف الظاهر، بل الظاهر كون السؤال عن المقدار، ومن البعيد من مثل المفيد أن ينسب اجتهاده إلى سؤال الإمام عليه السلام.


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 75 ..
2- وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 4، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 9: 497، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 5، الحديث 6 ..

ص: 102

فإذا لم يعرف صاحبه- سواء كان في بلاد الكفّار، أو في الأرض الموات أو الخربة من بلاد الإسلام؛ سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا- ففي جميع هذه الصور (32) يكون ملكاً لواجده وعليه الخمس.

ويدلّ على المختار أيضاً ما ذكره شيخنا الفقيه المنتظري من تنقيح المناط؛ حيث قال: «فإنّك إذا توجّهت إلى أنّ الشارع حكم في مطلق المعادن بثبوت الخمس فيها مع بلوغها إلى نصاب خاصّ، وحكم أيضاً في الكنز- مع اختلافه سنخاً مع المعدن- بالخمس وبعين النصاب بلا تفاوت، تطمئنّ بأنّ مساقهما واحد، وكأنّ موضوع الحكم هو الاستغنام الخاصّ؛ أعني الاستغنام بحفر الأرض وإخراج شي ء ذي قيمة منها، وحينئذٍ فكما لا فرق في المعدن بين النقدين وغيرهما، فكذلك في الكنز. ولعلّه لذلك أيضاً ألحق الأصحاب بباب الكنز ما يوجد في بطن الدابّة أو السمكة»(1). فالأقوى عدم الفرق في وجوب الخمس بين النقدين وغيرهما، والمسكوك وغيره، وفي اعتبار النصاب في كلٍّ منها.

32- الكنز إمّا أن يوجد في دار الإسلام، أو في دار الحرب، وعلى التقديرين، إمّا أن يكون عليه أثر الإسلام، أو لا، وعلى التقادير إمّا أن يوجد في أرض مباحة، أو في الأمكنة العامّة، كالأنفال، والمفتوحة عنوة، أو يوجد في ملك شخصي، وهو أيضاً قد يكون في ملك واجده، أو لغيره:

أمّا الموجود في دار الحرب مطلقاً في كلّ الصور الستّ المذكورة، فلا إشكال في كون الواجد مالكاً للكنز؛ لشمول الروايات لذلك، إلّاإذا وجده في ملك شخصي


1- الخمس، المحقّق المنتظري: 80 و 81 ..

ص: 103

كان لمسلم في دار الحرب وإن انتقل عنه، فإنّه لابدّ للواجد حينئذٍ من التعريف؛ فإن وجد صاحبه وعرفه فلابدّ أن يردّ الكنز إليه، وإلّا فلواجده أيضاً.

وأمّا الموجود في دار الإسلام، فالصور فيه أيضاً ستّ.

وما يوجد فيها في ملك شخصي- عرف صاحبه أم لا- سيأتي حكمه.

وما وجد فيها في الأملاك العامّة وكان في الكنز أثر الكفر أو الشرك قبل الإسلام، فلا إشكال عند الفقهاء في كونه لواجده بعد التخميس، فليس عليه إلّا الخمس.

وإنّما الخلاف فيما وجد في الأملاك العامّة أو المباحة في دار الإسلام، وكان عليه أثره، فقد اختار الشيخ رحمه الله في «الخلاف» وابن إدريس في «السرائر» والمحقّق في لقطة «الشرائع» وصاحب «المدارك» كون الكنز لواجده بعد الخمس، ونقله في «المدارك» عن جماعة(1) وهو الأقوى كما أفتى به سيّدنا الماتن قدس سره، بينما ذهب الشيخ في «المبسوط» إلى كونه لقطة(2)، وتبعه العلّامة(3)، والشهيدان(4)، والمحقّق في كتاب الخمس من «الشرائع»(5) بل نسب إلى أكثر المتأخّرين.

أدلّة القول الأوّل:

1- أنّ الظاهر من الأخبار كون الواجد للكنز، مالكاً له بعد الخمس؛ لأنّها وإن لم تكن في مقام بيان ملكية الأربع أخماس الباقية بعد التخميس، ولكن يظهر منها


1- الخلاف 2: 122، مسألة 149، السرائر 1: 487، شرائع الإسلام 3: 234، مدارك الأحكام 5: 370 ..
2- المبسوط 1: 236، مختلف الشيعة 3: 192 ..
3- مختلف الشيعة 3: 192، تذكرة الفقهاء 5: 414 ..
4- الدروس الشرعية 1: 260، اللمعة الدمشقية 2: 69، مسالك الأفهام 1: 460 ..
5- شرائع الإسلام 1: 163 ..

ص: 104

ومن أخبار وجوب الخمس في المعدن، كون مالكية المستخرج والواجد للكنز لما بقي منهما بعد الخمس، كانت أمراً مفروغاً عنه عند السائل والمسؤول؛ بحيث لو لم يجب عليهما الخمس لكانا يملكان جميعهما.

2- أنّ استخراج الكنز كان من الامور العقلائية التي يقصدها العقلاء حسب احتياجاتهم بحسب الأزمنة والأمكنة، ولم يرد ردع عنه من ناحية الشارع، وهو يكفي في الملكية، خرج منها الخمس فقط بدليل إيجاب الشارع، والباقي يبقى تحت ملك الواجد والمستخرج، فالكنوز- مثل المعادن- أيضاً تعدّ بنظر العرف ممّا لا مالك لها؛ لأنّ الكنز بسبب مرور الزمان عليه، انقطعت عنه لدى العرف علاقة المالك بالكلّية، ويرى من قبيل المباحات المغتنمة، ولا يعدّ عندهم من الأملاك الشخصية، كالمجهول المالك.

3- أنّ الكنوز والمعادن من الأملاك العامّة عند العرف، المعبّر عنها في الروايات والكتاب بالأنفال، فالنظر فيها إلى الإمام عليه السلام وفي غيبته إلى الحكّام العدول، ويستفاد من أدلّة الخمس فيها إذن الإمام عليه السلام في التصرّف فيها والاستفادة منها بعد التخميس.

4- أنّ الأصل في الأشياء، الإباحة وجواز التصرّف فيها، خرج منه ما ثبت كون المال لشخص محترم، أو تعلّق به نهي خصوصاً أو عموماً، وهو منتفٍ هنا.

وقد استشكل في ذلك بأ نّه خلاف التوقيع المشهور عن مولانا صاحب الأمر عجّل اللَّه تعالى فرجه إلى أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي، حيث قال عليه السلام:

«فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا؟»(1)


1- وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7 ..

ص: 105

لأ نّه يدلّ على حرمة التصرّف في مال الغير مطلقاً؛ سواء كان مسلماً، أو كافراً.

ويرد عليه أوّلًا: أنّ الظاهر من التوقيع هو المال الذي كان للغير المعلوم، دون مثل الكنز الذي لا يعرف صاحبه غالباً، وما كان معلوماً فلا نقول فيه بتملّك المستخرِج.

وثانياً: أنّ عمومه مخصّص بالكافر الحربي قطعاً، ومع الشكّ في المالك تكون الشبهة موضوعية يرجع فيها إلى أصالة الإباحة. مضافاً إلى أنّ ما ورد في الإسلام وأحكامه انحصار عصمة المال بالإسلام أو الذمام في الكفّار، فأصالة عدمهما تقتضي عدم العصمة وجواز التملّك.

5- صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الورق يوجد في دارٍ، فقال: «إن كانت الدار معمورة فهي لأهلها، وإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت»(1).

حيث يظهر منها: أنّ ما يوجد في الدار الخربة من حيث إنّه لم يعلم تعلّق حقّ خاصّ به، فهو لواجده. والكنز كذلك إذا لم تكن عليه علامة كونه ملكاً لشخص معيّن، فهو لواجده وإن كانت عليه علامة دار الإسلام.

6- كون ذلك العمل بمرأى ومسمعٍ من الأئمّة المعصومين عليهم السلام كثيراً، مع أ نّهم عليهم السلام لم يمنعوا ولم ينهوا أصحابهم عن استخراج الكنز وتملّكهم، بل أقرّوا تملّكهم بأمرهم بالتخميس فقط إذا كان بحدّ النصاب.

وعليه فلا إشكال في أنّ الكنز لواجده بعد التخميس، وإن وجد في دار الإسلام،


1- وسائل الشيعة 25: 447، كتاب اللقطة، الباب 5، الحديث 2 ..

ص: 106

إذا كان في دارٍ خربة قد جلا عنها أهلها، أو في الأراضي المباحة أو العامّة.

نعم، للحاكم أن يقرّر قوانين للحفر واستخراج الكنز والاستفادة منه، وأن يمنع تخريب الأرض بلا ضابطة، وأن يجعل على المستخرج أكثر من الخمس عند اللزوم؛ لإدارة شؤون المسلمين.

ثمّ إنّ ما قرّره الحاكم الإسلامي المنتخب من قبل المسلمين، يجب عليهم العمل به؛ لأنّ الوفاء بالعقد واجب؛ لقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ(1)، والمسلمون- بانتخاب الحكومة- قد عقدوا البيعة والطاعة للقوانين المجعولة من قبل الحكومة.

هذا مع أ نّه لو كان الحاكم منصوباً من قبل اللَّه تعالى أيضاً- كالنبيّ والأئمّة المعصومين عليهم السلام- فتجب إطاعتهم في كلّ ما قرّروه علينا؛ لأمره تبارك وتعالى بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ(2).

أدلّة القول الثاني:

واستدلّوا على القول الثاني- أي كونه لقطة إن كان عليه أثر الإسلام- بوجوه أيضاً:

1- أنّ ما عليه أثر الإسلام يصدق عليه أ نّه مال ضائع عليه أثر ملك إنسان، ووجد في دار الإسلام، فيكون لقطة كغيره.

وفيه منع إطلاق اسم «اللقطة» عليه عرفاً؛ لأنّ المتبادر من «اللقطة» غير الكنز، وهو مايوجد على ظاهر الأرض من دون حفر وطلب من قبل شخص. مضافاً إلى


1- المائدة( 5): 1 ..
2- النساء( 4): 59 ..

ص: 107

أ نّه يلزم من ذلك عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره، وهم لا يقولون به.

2- أنّ أثر الإسلام يدلّ على سبق يد مسلم عليه، والأصل بقاء ملكه عليه.

وفيه: أنّ وجود أثر الإسلام لا يدلّ على كونه للمسلم؛ لأنّه أعمّ من أن يكون ملكاً لمسلم أو غيره، إلّاأن تكون عليه علامة مسلمٍ خاصّ تدلّ على كونه مالكاً لذلك، وهو خارج عن البحث.

3- ما رواه الشيخ رحمه الله بسنده عن محمّد بن قيس، عن الباقر عليه السلام قال: «قضى علي عليه السلام في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها، فإن وجد من يعرفها، وإلّا تمتّع بها»(1).

ولا إشكال في اعتبار سندها.

وفيه: أنّ مقتضى الجمع بين هذه الرواية وصحيحة محمّد بن مسلم الماضية(2)، حملها على ما إذا كانت الأرض الخربة لشخصٍ معلوم، أو كان الورق غير مكنوز.

وتؤيّده صحيحة ابن أبي عمير، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في المال يوجد كنزاً، يؤدّي زكاته؟ قال: «لا».

قلت: وإن كثر؟ قال: «وإن كثر» فأعدتها عليه ثلاث مرّات(3).

حيث تدلّ على كون الكنز إذا وجد فهو للمالك مطلقاً، ولا تجب عليه الزكاة بعد الخمس وإن كثر. مضافاً إلى دلالة سؤال السائل على كون الواجد مالكاً للكنز عند المسلمين؛ لأنّه لو لم يكن له لم يبق وجه للسؤال عن الزكاة أو الخمس.


1- وسائل الشيعة 25: 448، كتاب اللقطة، الباب 5، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 25: 447، كتاب اللقطة، الباب 5، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 25: 448، كتاب اللقطة، الباب 5، الحديث 6 ..

ص: 108

نعم لو وجده في أرض مملوكة له- بابتياع ونحوه- عرّفه المالك قبله مع احتمال كونه له، وإن لم يعرفه عرّفه السابق إلى أن ينتهي إلى من لايعرفه أو لايحتمل أ نّه له، فيكون له وعليه الخمس (33)،

33- ذهب المشهور إلى أ نّه لو انتقلت الأرض التي اخرج الكنز منها عن مالك قبل المستخرِج- سواء كان بهبةٍ، أو بيع، أو إرث، أو غيره- فلابدّ أن يرجع المستخرج إلى اليد السابقة عليه، فإن عرفه فهو، وإلّا فيرجع إلى المالك قبله ... وهكذا، فإذا يئس من عرفانه يتعامل معه معاملة مجهول المالك، فليتصدّق به على الفقراء، ولا يدخل في عنوان الكنز؛ فإنّ له مالكاً محترماً؛ ولذا يتصدّق عنه إن كان مجهولًا.

واستدلّ له تارة: بقاعدة اليد، بتقريب أنّ اليد التي كانت على هذا المال أمارة الملك، ولذا يجب الرجوع إلى البائع، فإن عرفه فهو، وإلّا فالسابق عليه، إلى أن ينتهي إلى من اعترف بالملكية وعرفه. وإن لم يعرف ويئس الواجد من معرفة المالك فيتعامل معه معاملة مجهول المالك، فيتصدّق به على الفقراء.

وفيه أوّلًا: أنّ اليد لو كانت معتبرة في هذا المقام، فاللازم الدفع إلى ذي اليد من غير إناطة بالتعريف، إلّاأن ينفي عن نفسه الملكية ويعترف بعدم كونه مالكاً له؛ لأنّ اليد أمارة الملكية من غير توقّف على التعريف؛ ولذا لو كان البائع ميّتاً يدفع إلى وارثه، أو كان مجنوناً يدفع إلى وليّه من غير سؤال وتعريف.

وثانياً: أنّ اليد أمارة عقلائية قد أمضاها الشارع، وقد أثبتنا هذا في كتاب «ميزان القضاء»(1)، وليست قاعدة تأسيسية أسّسها الشارع، والعرف يرى اليد أمارة


1- ميزان القضاء: 340 ..

ص: 109

الملكية إذا لم تنتقل الملكية عنه إلى الآخر، وفي المقام قد انتقلت، فلا تشمل القاعدة هذا المورد عرفاً؛ لأنّ العرف لا يقبل أمارية يده في أمثاله.

هذا مضافاً إلى ما قد قيل:- من أنّ العادة قاضية غالباً بجهالة ذي اليد بما في الأرض من الكنز، وإلّا فلا يبيع الأرض للغير من دون استخراجه لنفسه. نعم قد ينسيه عند البيع وإن كان عالماً به قبله، ولكنّه نادر جدّاً.

وخلاصة الكلام: أنّ مستند قاعدة اليد إمّا السيرة العقلائية، كما هو العمدة، أو بعض النصوص الواردة فيها، وعلى كلّ حال فهو مختصّ بما إذا كانت اليد ثابتة فعلًا، فهي كاشفة عن الملكية خاصّة، وأمّا اليد الزائلة فلا أمارية لها عند العرف، خصوصاً في أمثال الكنز الذي يتعلّق غالباً بالقرون السابقة على الأيادي المتأخّرة ويكون البائع جاهلًا عنه فهي ساقطة عن درجة الاعتبار، كما هو الظاهر من صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق، فقال: «إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها، فالذي وجد المال أحقّ به»(1).

وكذا صحيحته الاخرى عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: وسألته عن الورق يوجد في دار، فقال: «إن كانت الدار معمورة فهي لأهلها، وإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت»(2).

حيث دلّتا على أنّ اليد تسقط عن الدلالة على الملكية بالإعراض، فالإعراض موجب لعدم دلالة اليد السابقة على الملكية، ولأجله كان الواجد أحقّ به، فإذا


1- وسائل الشيعة 25: 447، كتاب اللقطة، الباب 5، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 25: 447، كتاب اللقطة، الباب 5، الحديث 2 ..

ص: 110

سقطت بالإعراض فسقوطها بالبيع والهبة ونحوهما بطريق أولى.

فعلى هذا يكون حكم الكنز في الأرض المبتاعة، حكمه في الأرض الموات، فإن قلنا فيها بوجوب التعريف إن احتمل وجود مالك محترم للكنز، ففي المقام أيضاً كذلك، فبعد التعريف لو لم يوجد المالك يحسب المال من المجهول المالك، فلابدّ أن يتصدّق به إن قلنا به، وإلّا فيكون مالكاً. وإن قلنا: بعدم وجوب التعريف عليه ولو مع الاحتمال، بل يكون للواجد بعد التخميس- كما هو الحقّ، وعليه الأكثر، وظهر ممّا مرّ- ففي المقام أيضاً كذلك.

هذا، ولكنّه يمكن أن يقال: إنّ صحيحتي محمّد بن مسلم، تدلّان على كون الواجد مالكاً إذا كانت العين في أرض خربة جلا عنها أهلها، والظاهر أنّ الواجد لايعرفها؛ لأنّ الغالب في المنازل التي قد جلا أهلها انعدام أهلها؛ لأنّه انقضى عصرهم ومضى من زمانهم مدّة طويلة، ولا يعلم أين ارتحلوا واتخذوا منزلًا، وإلّا فلو كان للأرض الخربة أهل معروفون، فلابدّ أن يعرّفهم الشي ء وإن انجلوا عنها، كما ذكر في الجمع بين هاتين الصحيحتين وبين صحيحة محمّد بن قيس الماضية؛ حيث قضى الإمام عليه السلام بالتعريف، فتحملان على ما إذا كان للخربة مالك معلوم.

فتحصّل ممّا مرّ: أنّ الاحتياط يقتضي أ نّه لو كان للأرض مالك معلوم في السابق وقد انتقلت عنه الأرض إلى الواجد- إمّا بالبيع، أو بالهبة، أو بالإرث، أو بانجلاء المالك وإعراضه عن الأرض، أو غير ذلك من الأسباب الناقلة الشرعية- فلابدّ من التعريف عليه؛ فإن عرفه فهو، وإلّا عرّفه السابق عليه حتّى ييأس من عرفان المالك السابق، فحينئذٍ فعليه الخمس، وهو له بعده، كما أفتى به الإمام الخميني رحمه الله.

ص: 111

إذا بلغ عشرين ديناراً في الذهب ومائتي درهم في الفضّة، وبأيّهما كان في غيرهما (34).

34- في المسألة احتمالات وأقوال منشؤها قوله عليه السلام في صحيحة البزنطي الماضية: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(1)، فذهب بعضهم إلى عدم وجوب الخمس أصلًا في الكنز إذا لم يكن من الذهب والفضّة المسكوكين، ويجب فيهما إذا بلغا عشرين ديناراً في الذهب ومائتي درهم في الفضّة المسكوكين؛ لأنّ قوله عليه السلام: «ما» ظاهر في الجنس، فيختصّ وجوب الخمس في الكنز بجنس الذهب والفضّة المسكوكين؛ لأنّ وجوب الزكاة يختصّ بهما.

ولكنّه قد مرّ منّا: أنّ المراد منه هو المبلغ والمقدار، دون الجنس؛ لدلالة صحيحته الاخرى في المعدن عليه(2)، ولمرسلة المفيد في «المقنعة»(3) فراجع، فعلى هذا أيضاً تكون الاحتمالات ثلاثة:

الأوّل: كون النصاب عشرين ديناراً في كلّ شي ء، كما يظهر من صحيحة البزنطي الواردة في المعدن، فلابدّ أن يقاس كلّ شي ء بالذهب حتّى الفضّة، فإذا بلغ مقداره عشرين ديناراً ففيه الزكاة، وإلّا فلا. وورود الصحيحة في باب المعدن لايخلّ بالمطلوب؛ لأنّ السائل والمسؤول واحدٌ، والجوابين متشابهان في الصحيحتين.

الثاني: كون النصاب في الذهب بالذهب، وفي الفضّة بالفضّة، وغيرهما بأقلّهما قيمةً، وهو الأحوط.


1- وسائل الشيعة 9: 495، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 5، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 4، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 9: 497، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 5، الحديث 6 ..

ص: 112

ويلحق بالكنز على الأحوط ما يوجد في جوف الدابّة المشتراة مثلًا، فيجب فيه بعد عدم معرفة البائع، ولايعتبر فيه بلوغ النصاب (35)،

الثالث: كالثاني، ولكن يؤخذ في غيرهما بأكثرهما قيمةً.

والظاهر: هو القول الأوّل؛ لظهور كون الذهب أصلًا في كلّ زمان عند العرف في أخذ قيمة الأشياء وتعيينها، كما أوضحناه في بحث الدية؛ لأنّ الفضّة وغيرها في كلّ عصر يلاحظ ثمنها مع الذهب، ولا يلاحظ أبداً ثمن الذهب مع الفضّة، ولا مع غيره، فالذهب أصل في الأثمان، وأوّل الأثمان في تمدّن الإنسان الاجتماعي وصيرورة المبادلات بالأثمان، بعد كونها في السابق بالأعيان، حيث تعسّر ذلك، فعيّن الذهب ثمناً، وقوبلت الأعيان بالأثمان في كلّ المعاملات، وصارت الأثمان من الذهب، وأمّا غيره فكان يقايس معه.

فالتحقيق في نصاب الكنز أيضاً هو الذهب؛ أي كونه عشرين ديناراً. وتؤيّده صحيحة البزنطي في المعدن.

35- يقع الكلام في مقامين:

الأوّل: في وجوب الخمس

وهو المعروف بين الأصحاب؛ إلحاقاً له بالكنز، قال في «الشرائع»: «وكذا لو اشترى دابّةً ووجد في جوفها شيئاً له قيمةٌ»(1).

وقال في «المدارك»: «وأمّا وجوب الخمس في هذا الموجود فقد قطع به الأصحاب، ولم ينقلوا عليه دليلًا، وظاهرهم اندراجه في مفهوم الكنز، وهو بعيد.


1- شرائع الإسلام 1: 163 ..

ص: 113

نعم يمكن دخوله في قسم الأرباح»(1).

أقول: أمّا اندراجه في مفهوم «الكنز» فلا دليل عليه؛ لا من العرف، ولا من اللغة، ولا من الروايات، فإن قام إجماع فهو، وإلّا فلا دليل على وجوب الخمس بعنوانه. نعم يمكن أن يدخل تحت عنوان «الغنيمة» بمعناه العامّ؛ أعني الفائدة، ولذا ذهب الحلّي رحمه الله في «السرائر» إلى وجوب الخمس بعد استثناء مؤونة السنة، وقال:

«لأ نّه من جملة الغنائم والفوائد»(2).

والأقوى: ما ذهب إليه صاحب «السرائر» لعدم وجوب الخمس فيه بعنوان «الكنز» ولا غيره من العناوين؛ لعدم الدليل عليه، فبقي كونه من الفوائد، فيجب فيه الخمس بعد استثناء مؤونة السنة.

وأمّا ما قاله شيخنا المنتظري: «من كونه من أظهر مصاديق مَا غَنِمْتُمْ(254) ففيه: أ نّه وإن كان كذلك، إلّاأ نّه ليس من الغنيمة الخاصّة الحربية، بل من الفائدة التي يشترط فيها استثناء مؤونة السنة، وسيأتي بحثه في خمس أرباح المكاسب.

الثاني: في وجوب التعريف للبائع

وتدلّ عليه صحيحة عبداللَّه بن جعفر قال: كتبت إلى الرجل عليه السلام- يعني موسى بن جعفر عليهما السلام- أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم، أو دنانير، أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟

فوقّع عليه السلام: «عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك اللَّه إيّاه»(3).


1- مدارك الأحكام 5: 373 ..
2- السرائر 2: 106 .. 254) ( 3) الخمس، المحقّق المنتظري: 97 ..
3- وسائل الشيعة 25: 452، كتاب اللقطة، الباب 9، الحديث 1 ..

ص: 114

ومثلها صحيحة عبداللَّه بن جعفر الحميري، قال سألته عليه السلام في كتاب عن رجل اشترى جزوراً، أو بقرة، أو شاة، أو غيرها للأضاحي، أو غيرها، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم، أو دنانير، أو جواهر، أو غير ذلك من المنافع، لمن يكون ذلك؟ وكيف يعمل به؟ فوقّع عليه السلام: «عرّفها البائع، فإن لم يعرفها فالشي ء لك رزقك اللَّه إيّاه»(1).

وظاهرهما اختصاص التعريف بالنسبة إلى البائع لا الغير، فلا يجب التعريف بالإضافة إلى الأيادي السابقة على البائع؛ وإن احتمل كونه لها.

كما أنّ الظاهر منهما اختصاص وجوب التعريف بما إذا احتمل كون ما في جوفها للبائع، وأمّا إذا علم عدم كونه له من قرائن خارجية فلا؛ لأنّ التعريف حينئذٍ لغو وباطل، والتعريف ليس له موضوعيّة في الأحكام الشرعية، بل إنّما هو طريق للوصول إلى المالك.

كما أنّ مقتضاهما كون الواجد، مالكاً لما في جوف الدابّة بعد التعريف للبائع، وهذا تخصيص بالنسبة إلى أدلّة مجهول المالك الدالّة على التصدّق بعد التعريف(2)، فلا تجب الصدقة في خصوص المورد، بل يملكه الواجد حتّى مع العلم بكون الشي ء لمالك مجهول محترم، كما هو الظاهر من الروايات الواردة في الدوابّ؛ لأنّ الغالب أنّ الدابّة لا تعيش سنين متمادية؛ بحيث يعلم أو يحتمل قويّاً انقراض نسل


1- وسائل الشيعة 25: 452، كتاب اللقطة، الباب 9، الحديث 2 ..
2- كما في رواية الحسين بن كثير، عن أبيه قال: سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام عن اللقطة، فقال:« يعرّفها، فإن جاء صاحبها دفعها إليه، وإلّا حبسها حولًا، فإن لم يجئ صاحبها أو من يطلبها تصدّق بها، فإن جاء صاحبها بعد ما تصدّق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده، وكان الأجر له، وإن كره ذلك احتسبها، والأجر له» ومثلها غيرها. راجع وسائل الشيعة 25: 441، كتاب اللقطة، الباب 2، الحديث 2 و 7 و 14 ..

ص: 115

بل يلحق به أيضاً على الأحوط ما يوجد في جوف السمكة، بل لا تعريف فيه للبائع إلّافي فرض نادر، بل الأحوط إلحاق غير السمكة والدابة من الحيوان بهما (36).

مالكها وورّاثه، بل إنّما هي لمالك مجهول مع كونه في بلاد المسلمين، فتدلّ عادة على كون المالك مسلماً أو ذمّياً محترماً ماله.

وأمّا ما قاله السيّد الخوئي رحمه الله: «من أ نّه لا يبعد كونه بمنزلة التخصّص؛ لانصراف دليل مجهول المالك عنه ولو بمعونة النصّ»(1) ففيه: أنّ النصّ يخرجه عن كونه في حكم مجهول المالك، ولكنّه لا يخرجه عن موضوعه، كما لا يخفى، والعرف والعقل يقتضي كونه لمالك مجهول محترم، إلّاأنّ الشارع اعتبره للواجد، كما في السفينة إذا غرقت واستخرجت أموالها بالغوص.

36- أقول: أمّا كون الواجد مالكاً لما في جوف السمكة، فعليه الإجماع. وتدلّ عليه الروايات المتعدّدة(2) وإن كانت مخدوشة سنداً، ولكن يجبر ضعفها بالشهرة القوية وفتوى القدماء كلّهم بها. مضافاً إلى دلالة الروايات الماضية في الدابّة؛ لأنّه لا فرق بينهما عرفاً من هذه الجهة.

وأمّا التعريف للبائع فلا دليل عليه. إلّاأن يقال: إنّ ما يوجد في بطن السمكة إذا كان من الأشياء التي يمكن أن تكون ملكاً للبائع قبل البيع- كالدرهم والدينار مثلًا- وقد أخذها واصطادها من حوض داره أو بستانه مثلًا، يكون حكمه حكم ما لو وجد في بطن الدابّة المشتراة شيئاً، فالأحوط حينئذٍ التعريف للبائع. و أمّا


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 101 ..
2- وسائل الشيعة 25: 454، كتاب اللقطة، الباب 10، الحديث 1- 4 ..

ص: 116

إذا اصطادها من البحر أو الأنهار العامّة التي لا مالك لها، فلا يجب التعريف، ولا دليل عليه.

وأمّا وجوب الخمس فيه بخصوصه فلا دليل عليه أيضاً، كما قلنا في الدابّة. نعم يجب الخمس فيه؛ لدخوله تحت عنوان أرباح المكاسب؛ لأنّ الصيد من المكاسب عرفاً، فيشمل ما في بطنها أيضاً.

وأمّا غير الدابّة والسمكة من الحيوانات، فهو كالصيد الوحشي الذي يعيش في البرّ، كالغزال يصيبه الصيّاد ثمّ يبيعه في السوق، فإنّ ما في جوفه للمشتري، ولا يجب التعريف؛ لأنّ احتمال كون ما في جوفه له بعيد جدّاً.

وهاهنا مسائل:

الاولى: لابدّ في الكنوز المتعدّدة أن يصل كلّ واحد منها لحدّ النصاب مستقلّاً؛ لظهور صحيحة البزنطي الماضية(1) في اعتبار بلوغ كلّ كنز بحياله حدّ النصاب، فلو لم يبلغ كلّ واحد منها حدّ النصاب لم يجب فيها الخمس؛ وإن بلغ مجموعها بالانضمام الحدّ المذكور.

الثانية: لا يعتبر الإخراج دفعة واحدة في الكنز الواحد، بل لو اخرج دفعات من الكنز الواحد وبلغ مجموعها حدّ النصاب أو أكثر، وجب الخمس فيه وإن لم تبلغ كلّ دفعة مقدار النصاب؛ وذلك لإطلاق صحيحة البزنطي وأدلّة الخمس في الكنز.

الثالثة: المشهور أ نّه يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مؤونته، كما أفتى به السيّد رحمه الله في «العروة» ولكنّه لا دليل عليه، بل الروايات مطلقة في إخراج الخمس منه، ولم تستثنَ منها المؤونة، فالخمس واجب- إن قلنا به- وإن بقي


1- تقدّم في الصفحة 111 ..

ص: 117

الرابع: الغوص، فكلّ ما يخرج به من الجواهر- مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما ممّا يُتعارف إخراجه بالغوص- يجب فيه الخمس (37)

بعد إخراج المؤونة أقلّ من عشرين ديناراً. نعم لو قلنا بأنّ الخمس في الكنز مختصّ بالدرهم والدينار، فلا يجب الخمس في غيرهما قبل إخراج المؤونة، بل ومؤونة السنة أيضاً.

الرابعة: قال السيّد في «العروة»: «إذا اشترك جماعة في كنز، فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصاباً وإن لم يكن حصّة كلّ واحد بقدره»(1).

ولكنّ الظاهر من الروايات أنّ الخمس قد تعلّق بالاغتنام، وأنّ كلّ فرد من المكلّفين موضوع مستقلّ للخمس، فالتخميس واجب إذا كان سهم كلّ واحد من المستخرجين بحدّ النصاب، وإلّا فلا يجب. وإن شككنا في وجوبه أيضاً فالأصل البراءة.

وأمّا قول السيّد الخوئي رحمه الله: «إنّ الظاهر من إطلاق الدليل أنّ اعتبار النصاب في نفس الكنز، لا في الحصّة الواصلة إلى الواجد»(2)، ففيه: أنّ الظاهر من الروايات وجوب الخمس في سهم نفس الواجد للكنز، دون الكنز؛ لأنّ المكلّف- كما قلناه- هو الواجد، فلابدّ أن يكون السهم بمقدار النصاب.

37- أصل وجوب الخمس فيما يخرج من البحر بالغوص- إجمالًا- إجماعي لا خلاف فيه، وفي «المستمسك»: «بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به في «الحدائق» بل في ظاهر «الانتصار» وصريح «الغنية» و «المنتهى» الإجماع عليه،


1- العروة الوثقى 4: 251 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 106 ..

ص: 118

إذا بلغ قيمته ديناراً فصاعداً (38)،

كظاهر نسبته إلى علمائنا في «التذكرة» كما في «الجواهر»(1).

وتدلّ عليه عدّة روايات:

الاولى: صحيحة عمّار بن مروان قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام- إذا لم يعرف صاحبه- والكنوز، الخمس»(2). والسند صحيح لا إشكال فيه؛ لأنّ عمّار بن مروان هو اليشكري الثقة، كما مرّ.

الثانية: صحيحة ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:

«الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، والمعادن، والغوص، والغنيمة» ونسي ابن أبي عمير الخامس(3).

الثالثة: صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ، فقال: «عليه الخمس...»(4) الحديث.

الرابعة: مرسلة الصدوق رحمه الله قال: سئل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضّة، هل فيها زكاة؟ فقال: «إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس»(5).

38- المشهور شهرة عظيمة أنّ وجوب الخمس في الغوص، إنّما هو فيما إذا


1- مستمسك العروة الوثقى 9: 481 ..
2- وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 6 ..
3- وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 7 ..
4- وسائل الشيعة 9: 498، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 7، الحديث 1 ..
5- وسائل الشيعة 9: 493، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 5 ..

ص: 119

ولا فرق بين اتّحاد النوع وعدمه، وبين الدفعة والدفعات، فيضمّ بعضها إلى بعض، فلو بلغ المجموع ديناراً وجب الخمس (39). واشتراك جماعة في الإخراج هاهنا كالاشتراك في المعدن في الحكم (40).

بلغت قيمته ديناراً واحداً شرعياً، بل قال في «المدارك»: «ذهب الأكثر إلى ذلك»(1).

واستدلّ عليه بما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن علي بن أبي عبداللَّه، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عمّا يخرج من البحر في اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضّة، هل فيها زكاة؟ فقال: «إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس»(2).

وفيه: أنّ السند ضعيف بمحمّد بن علي بن أبي عبداللَّه؛ لأنّه لم يوثّق في الرجال، وقد نقلها الصدوق أيضاً مرسلة، ولم يعمل بها الأصحاب في معادن الذهب والفضّة مع ورودها في الروايتين، فلا يمكن تقييد الإطلاقات الصحيحة بهذه الرواية الضعيفة، إلّاأن يثبت إجماع على اعتبار الدينار، وهو لم يثبت، فالأقوى الموافق للاحتياط عدم اشتراط النصاب في الغوص.

39- لإطلاق الأدلّة، كما مرّ في المعادن والكنز.

40- قد مرّ أنّ الأقوى اعتبار كون حقّ كلّ واحد من الشريكين بمقدار النصاب، وإلّا فالأصل عدم الوجوب.


1- مدارك الأحكام 5: 375 ..
2- وسائل الشيعة 9: 493، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 5 ..

ص: 120

(مسألة 3): لو أخرج الجواهر من البحر ببعض الآلات من دون غوص يكون بحكمه على الأحوط (41). نعم لو خرجت بنفسها على الساحل أو على وجه الماء، فأخذها من غير غوص تدخل في أرباح المكاسب لا الغوص إذا كان شغله ذلك، فيعتبر فيها إخراج مؤونة السنة، ولايعتبر فيها النصاب. وأمّا لو عثر عليها من باب الاتّفاق، فتدخل في مطلق الفائدة، ويجي ء حكمه.

41- لا إشكال في أصل وجوب الخمس في الغوص إذا استخرج من البحر بالغوص- إجماعاً- بمقدار الدينار، أو مطلقاً، ولكنّ الكلام والخلاف إنّما يقع في مسائل نذكر منها اثنتين لأهميّتهما:

المسألة الاولى: هل يعتبر كون الإخراج من البحر وبالغوص، أو يكفي كونه من البحر ولو بآلة من دون الغوص، أو لايشترط أصلًا كونه من البحر، بل المعتبر هو الغوص خاصّة، أو يكفي أخذه من قعر الماء؛ سواء كان من البحر أو الشطّ أو النهر الكبير وبالغوص، أو بالآلة والوسائل من دون غوص؟

الظاهر من بعض الروايات اختصاصه بالغوص، ومن بعضها الآخر اختصاصه بالبحر، فلذلك أفتى جماعة بأنّ الخمس واجب إذا اخرج من البحر بالغوص فقط، وقال السيّد الحكيم رحمه الله: «التحقيق أنّ النصوص المشتملة على ذكر الغوص، واردة في مقام الحصر، ولا كذلك نصوص ما يخرج من البحر فتعيّن أن تكون مقيّدة لإطلاق غيرها، وحينئذٍ فلا مجال لتعميم الحكم للإخراج لابطريق الغوص»(1).

ولكنّ التحقيق يقتضي الجمع بين الطائفتين والعمل بهما؛ لأنّ النسبة بينهما وإن كانت عموماً من وجه، إلّاأنّ مفادهما واحد، فلا تنافي بين الحكمين، حتّى يلزم


1- مستمسك العروة الوثقى 9: 483 ..

ص: 121

حمل المطلق على المقيّد؛ لأنّ كلّاً منهما يدلّ على وجوب الخمس على ما يخرج من البحر، والغوص قسم منه، لأنّه نوع من الإخراج، ورواياتهما صحيحة في الحكمين، فالحقّ وجوب الخمس في كلّ ما يخرج من البحر وغيره من الأنهار الكبيرة والشطّ، كما أفتى به الماتن؛ سواء كان بالغوص، أو بالآلات؛ لو كان فيهما أيضاً أشياء ثمينة متكوّنة من قبل اللَّه تعالى. والعرف يؤيّد ما قلناه أيضاً؛ لأنّه لا يفرّق بين ما يخرج بالغوص أو بالآلة، وبين البحر أو الشطّ.

ويؤيّد ذلك أيضاً عدّ الغوص في عداد المعدن والكنز، حيث يدلّ على أنّ ما يخرجه الإنسان من قعر الأرض أو البحر ففيه الخمس. مضافاً إلى أنّ الاحتياط يقتضي ذلك أيضاً.

وأمّا ما ذكره المحقّق الهمداني(1): من أنّ الظاهر من النصوص والفتاوى، انحصار ما يجب فيه الخمس في الخمسة، فلو كان كلّ من العنوانين المزبورين موضوعاً مستقلّاً للحكم، لصار ستّة، وهو مناف للحصر المذكور، كما قد يظهر من السيّد الحكيم رحمه الله أيضاً(2).

ففيه: أ نّه يمكن أن يقال بأنّ ما يخرج من البحر والشطّ بالغوص وغيره، عنوان عامّ واحد شامل لجميع أقسامه، كما هو الظاهر من الروايات، وليس عناوين متعدّدة حتّى تصير الأقسام ستّة، كما لا يخفى.

المسألة الثانية: يجب الخمس في كلّ ما يخرج من البحر بالغوص وغيره من الأشياء النفيسة المتكوّنة في البحر، كاللؤلؤ، والمرجان، واليسر، والعنبر إن كان من البحر، وغيرها.


1- مصباح الفقيه 14: 86 ..
2- مستمسك العروة الوثقى 9: 483 ..

ص: 122

(مسألة 4): لا فرق فيما يخرج بالغوص بين البحر والأنهار الكبيرة (42)- كدجلة والفرات والنيل- إذا فرض تكوُّن الجواهر فيها كالبحر.

(مسألة 5): لو غرق شي ء في البحر وأعرض عنه مالكه فأخرجه الغوّاص ملكه، والأحوط (43) إجراء حكم الغوص عليه إن كان من الجواهر، وأمّا غيرها فالأقوى عدمه.

وما ناقش به صاحب «المدارك» من اختصاص صحيحة الحلبي بالعنبر واللؤلؤ(1)، مردود بعموم الروايات الصحاح التي وردت في الغوص والبحر وإطلاقها، فلا نحتاج إلى عدم القول بالفصل في إثبات الحكم.

42- قد ظهر وجهه ممّا ذكرنا في ذيل المسألة الثالثة.

43- لعلّ وجه الاحتياط، احتمال شمول إطلاقات روايات الغوص وما يخرج من البحر لذلك أيضاً.

ولكنّ التحقيق يقتضي خلافه؛ لأنّ الظاهر منها- بل المنصرف منها- إخراج ما يتكوّن في البحر من قبل اللَّه تعالى، دون ما كان بفعل أحد غيره، بل هو لصاحبه- على القاعدة- ما لم يعرض عنه، ومع الإعراض يكون لِمُخرِجه. ولكنّه يحسب من أرباح المكاسب، فيجب عليه الخمس بعد إخراج مؤنة السنة، والأصل عدم وجوب الخمس قبله.

ويدلّ على كونه للغوّاص روايات:

الاولى: معتبرة السكوني، عن أبي عبداللَّه عليه السلام- في حديث- عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «وإذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه الناس، فما قذف


1- مدارك الأحكام 5: 375 ..

ص: 123

(مسألة 6): لو أخرج العنبر بالغوص جرى عليه حكمه (44)، وإن اخذ على وجه الماء أو الساحل، فمن أرباح المكاسب إذا أخذه المشتغل بذلك، ومع العثور الاتّفاقي دخل في مطلق الفائدة.

به البحر على ساحله فهو لأهله، وهم أحقّ به، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم»(1).

الثانية: رواية الشعيري قال: سئل أبو عبداللَّه عليه السلام عن سفينة انكسرت في البحر، فاخرج بعضها بالغوص، وأخرج البحر بعض ما غرق فيها، فقال: «أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله؛ اللَّه أخرجه، وأمّا ما اخرج بالغوص فهو لهم، وهم أحقّ به»(2).

والرواية الثانية وإن كانت مطلقة ولم تقيّد بإعراض صاحب السفينة والأموال، إلّا أنّ الصحيحة الاولى تقيّدها؛ لقوله عليه السلام: «وتركه صاحبه».

هذا مضافاً إلى كونها مطابقة للقاعدة؛ لأنّ الأموال لصاحب السفينة إلّاأن يعرض عنها، ومضافاً إلى ضعف سند الرواية الثانية باميّة بن عمرو، ومنصور بن عبّاس، فراجع.

44- العنبر قد يخرج بالغوص من عمق البحر، وقد يخرج من بطن السمك أو بعض دوابّ البحر؛ لأنّها قد تأكل العنبر في البحر، وقد قيل: «إنّ قسماً خاصّاً من الحوت يأكل العنبر» وقيل: «إنّ مدفوع بعض الدابّة هو العنبر» أو «إنّه يتكوّن من النحل والعسل، ويجري في البحر، ويأكله الحوت، ويموت به، ويخرج من بطنه».

وهو من العطور المعروفة.


1- وسائل الشيعة 25: 455، كتاب اللقطة، أبواب اللقطة، الباب 11، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 25: 455، كتاب اللقطة، أبواب اللقطة، الباب 11، الحديث 2 ..

ص: 124

ويدلّ على وجوب الخمس فيه صحيحة الحلبي(1)، ومرسلة المفيد رحمه الله عن الصادق عليه السلام قال: «في العنبر الخمس»(2)، فلا إشكال في وجوب الخمس في العنبر.

إلّا أ نّهم اختلفوا في مقدار النصاب، بل في اشتراطه، فالسيّد الحكيم رحمه الله- بعد نقله عن «الجواهر» و «الحدائق» نفي الخلاف في وجوب الخمس فيه في الجملة، بل حكاية إجماع الأصحاب عليه- قال: «وأمّا اعتبار النصاب فيه، ففيه خلاف؛ فعن «النهاية» و «الوسيلة» و «السرائر» العدم، وعن «المدارك» الميل إليه، وعن «عزية المفيد»: أنّ له حكم المعدن، وفي «كشف الغطاء»: والعنبر من الغوص، أو بحكمه، وعن الأكثر- كما في «الحدائق» وعن غيرها- أ نّه إن اخرج بالغوص فله حكمه، وإن جني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعدن»(3).

واستدلّوا على القول الأوّل بإطلاق صحيحة الحلبي(4)، وأ نّه ليس من جنس المعدن، ولا من الغوص، فلا يشمله حكم نصابهما.

والأقوى: أ نّه لو اخرج بالغوص لشمله حكم الغوص، وإن كان من المعدن شمله حكم المعدن. لكنّ التحقيق يقتضي أ نّه ليس من المعادن، كما يظهر من كتب اللغة وغيرها، فالأقوى عدم النصاب فيه، كما مرّ منّا في الغوص أيضاً، فإن اخرج بالغوص فهو، وإلّا فإن اخذ من وجه الماء يكون من أرباح المكاسب أو الفوائد المطلقة، وسيأتي حكمهما.


1- وسائل الشيعة 9: 498، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 7، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 7، الحديث 3 ..
3- مستمسك العروة الوثقى 9: 487 ..
4- وسائل الشيعة 9: 498، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 7، الحديث 1 ..

ص: 125

(مسألة 7): إنّما يجب الخمس في الغوص والمعدن والكنز، بعد إخراج ما يغرمه على الحفر والسبك والغوص والآلات ونحو ذلك، بل الأقوى اعتبار النصاب بعد الإخراج (45).

الخامس: ما يفضل عن مؤونة (46) السنة له ولعياله من الصناعات والزراعات وأرباح التجارات، بل وسائر التكسّبات؛ ولو بحيازة مباحات، أو استنماءات، أو استنتاجات، أو ارتفاع قيم، أو غير ذلك ممّا يدخل في مسمّى التكسّب، ولاينبغي ترك الاحتياط بإخراج خمس كلّ فائدة وإن لم يدخل في مسمّى التكسّب، كالهبات والهدايا والجوائز والميراث الذي لا يحتسب، وكذا فيما يملك بالصدقة المندوبة؛ وإن كان عدم التعلّق بغير أرباح ما يدخل في مسمّى التكسّب، لا يخلو من قوّة،

45- قد مرّ: أ نّه لا دليل على إخراج مؤونة الإخراج في تعلّق الخمس بالمعدن والكنز، وكذلك العنبر والغوص مطلقاً، والإجماع لم ينقل منهم على ذلك مع إطلاق الروايات.

إلّا أن يقال: إنّ الخمس مطلقاً إنّما يتعلّق بالفائدة، وما لم يخرج منها الغرم والمخارج لا يصدق عليها الفائدة. كما أنّ الأصل عدم وجوب الخمس إلّا بعد إخراجها، فحينئذٍ يعتبر بلوغ النصاب بعد إخراج المؤونة، كما عليه نظر الماتن رحمه الله.

46- لابدّ من البحث في جهات:

الجهة الاولى: في أدلّة وجوب الخمس في أرباح المكاسب وما فيها

لا إشكال عند الإمامية في أصل وجوب الخمس فيها إجمالًا؛ وإن لم يوافقنا

ص: 126

أحدٌ من المخالفين في ذلك، وقد استدلّ الإمامية لذلك بالكتاب، والإجماع، والأخبار المستفيضة:

أمّا الكتاب، فبعموم قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ(1)؛ لأنّه كما مرّ نقله من كتب اللغة والتفاسير، يشمل كلّ الفوائد، وتخصيص الآية بمورد غنائم الحرب- من جهة نزولها في مورد حرب بدر- لا يصغى إليه بعد عموم لفظ «الغنيمة».

مع أ نّه لو قيل بالانصراف فإنّما هو في لفظ «الغنيمة» لا في صيغة فعل الماضي الواردة في الآية ولو كان المورد مخصّصاً للزم تخصيص الآية بغنائم حرب بدر خاصّة. هذا مضافاً إلى أ نّه قد عدّ في الروايات الكنز والأرباح من مصاديق الآية الشريفة، كما مرّ بعضها، وسيأتي بعضها الآخر، ولا شكّ أنّ أكثر مخاطبي الأئمّة عليهم السلام كانوا من الناطقين والعارفين بلغة العرب، فلا يبقى شكّ في عموم الآية للأرباح والفوائد.

وتشهد لذلك أخبار كثيرة تدلّ على أنّ الغنيمة هي الإفادة يوماً فيوماً، وهي بضميمة نصوص التحليل- كما سيأتي- بالغة حدّ التواتر؛ لأنّ التحليل أيضاً يدلّ على ثبوت التشريع أوّلًا، لأنّه لا يصحّ التحليل إلّابعد تشريع الوجوب.

وأمّا الإجماع، فقال في «الجواهر»: «بلا خلاف معتدّ به أجده فيه، بل في «الخلاف» و «الغنية» و «التذكرة» و «المنتهى» الإجماع عليه، بل في ظاهر «الانتصار» و «السرائر» أو صريحهما ذلك، بل أرسله في «الرياض» عن الشهيد الثاني أيضاً، بل في الأخيرين من الأربعة دعوى تواتر الأخبار به، وهو الذي استقرّ عليه المذهب والعمل في زماننا هذا، بل وغيره من الأزمنة السابقة التي يمكن


1- الأنفال( 8): 41 ..

ص: 127

دعوى اتصالها بزمان أهل بيت العصمة عليهم السلام»(1).

نعم، قد نقل عن ابني عقيل والجنيد الخلاف في ذلك، إلّاأ نّه لا يضرّ بالإجماع؛ لأ نّه لا يظهر منهم المخالفة في أصل وجوب ذلك. مع أنّ دليل مخالفتهم معلوم؛ حيث قال ابن الجنيد- على ما حكاه في «المعتبر»-: «فأمّا ما استفيد من ميراث أو كدّ بدن أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك، فالأحوط إخراجه؛ لاختلاف الرواية في ذلك، ولأنّ لفظ «فرضه» محتمل هذا المعنى، ولو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها»(2) انتهى. وهذا الكلام لا يدلّ على مخالفة المشهور وإن كان لا يدلّ على الوجوب أيضاً.

وقال ابن أبي عقيل- كما في «المستمسك»(3)-: «وقد قيل: الخمس في الأموال كلّها؛ حتّى على الخيّاط والنجّار وغلّة الدار والبستان والصانع في كسب يده، لأنّ ذلك إفادة من اللَّه تعالى وغنيمة» انتهى. وهو أيضاً غير ظاهر في الخلاف؛ لأنّه رحمه الله نقل الوجوب عن الغير، وما خالفه صريحاً.

وقال في «البيان»: «وظاهر ابني الجنيد وأبي عقيل العفو عن هذا النوع؛ وأ نّه لا خمس فيه»(4)، وهو يدلّ على وجوب أصله، والعفو عنه بعد وجوبه.

وأمّا الأخبار، فهي كثيرة:

1- صحيحة علي بن مهزيار، عن محمّد بن الحسن الأشعري القمّي قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أخبرني عن الخمس، أعلى جميع ما


1- جواهر الكلام 16: 45 ..
2- المعتبر 2: 623 ..
3- مستمسك العروة الوثقى 9: 515 ..
4- البيان: 348 ..

ص: 128

يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟

فكتب بخطّه: «الخمس بعد المؤونة»(1).

2- موثّقة سماعة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(2).

3- صحيحة علي بن مهزيار، عن علي بن محمّد بن شجاع النيسابوري: أ نّه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكّى، فأخذ منه العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً، وبقي في يده ستّون كرّاً، ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقّع عليه السلام: «لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونته»(3).

4- صحيحته الاخرى قال: قال لي أبو علي بن راشد: قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شي ء حقّه؟

فلم أدر ما اجيبه، فقال: «يجب عليهم الخمس».


1- وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1. وقد اطلق لفظ الصحيحة على هذه الرواية في بعض الكتب، كالمستمسك، مع أ نّه لم يوثّق محمّد بن الحسن الأشعري في كتب الرجال، إلّاأ نّه شيعي وممدوح من جهة أ نّه قد جعله سعيد بن سعد الأشعري القمّي الثقة من أجلّاء الرواة وأصحاب مولانا الرضا والجواد والهادي عليهم السلام وأوصيائهم، وهو يدلّ على وثاقته في المال والعمل والصدق؛ وإن قال السيّد الخوئي رحمه الله: إنّه لا يدلّ على الوثاقة والعدالة، ولا تدلّ على الاعتماد والوثوق به بما هو راوٍ، وإنّما يدلّ على الوثوق بأمانته وعدم خيانته، وبين الأمرين عموم من وجه، وعليه فالرجل مجهول الحال. وفيه: أنّ الوصي لابدّ أن يكون موثّقاً وإن لم يكن عادلًا، وهو يكفي في صحّة الرواية. معجم رجال الحديث 15: 204.
2- وسائل الشيعة 9: 503، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 6 ..
3- وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 2 ..

ص: 129

فقلت: ففي أيّ شي ء؟ فقال: «في أمتعتهم وصنائعهم».

قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(1).

5- صحيحة الاخرى لعلي بن مهزيار قال: كتب إليه إبراهيم بن محمّد الهمداني:

أقرأني علي كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع: أ نّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، وأ نّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس، ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة؛ مؤونة الضيعة وخراجها، لا مؤونة الرجل وعياله، فكتب- وقرأه علي بن مهزيار-: «عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان»(2).

6- صحيحته الاخرى قال: كتب إليه أبو جعفر عليه السلام- وقرأت أنا كتابه إليه في


1- وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 4. قال ابن منظور: ضيعة الرجل: حرفته وصناعته ومعاشه وكسبه، يقال: ما ضيعتك؟ أي ما حرفتك، وإذا انتشرت على الرجل أسبابه قيل: فشت- أي كثرت- ضيعته حتّى لا يدري بأيّها يبدأ. قال شمر: كانت ضيعة العرب سياسة الإبل والغنم، قال: ويدخل في الضيعة الحرفة والتجارة، يقال للرجل: قم إلى ضيعتك. و قال الأزهري: الضيعة والضياع عند الحاضرة: مال الرجل من النخل والكرم والأرض، والعرب لا تعرف الضيعة إلّاالحرفة والصناعة... إلى أن قال: والضيعة العقار. والضيعة: الأرض المغلّة. لسان العرب 8: 106. وقال في أقرب الموارد: الضيعة جمع ضياع وضيعات، حرفة الرجل وصناعته، يقال: تركنا الضيعات؛ أي المعايش. أقرب الموارد 1: 694. وقال الطريحي في« مجمع البحرين»: الضيعة بالفتح فالسكون: العقار و الأرض المغلّة، والجمع ضياع، كالكلاب... والضيعة أيضاً الحرفة. مجمع البحرين 4: 367 ..

ص: 130

طريق مكّة- قال: «إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه- وهذه سنة عشرين ومأتين- فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار، وسافسّر لك بعضه إن شاء اللَّه، إنّ مواليّ- أسأل اللَّه صلاحهم أو بعضهم- قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك، فأحببت أن اطهّرهم وازكّيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس...».

إلى أن قال: «ولم اوجب ذلك عليهم في كلّ عام، ولا اوجب عليهم إلّاالزكاة التي فرضها اللَّه عليهم، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع، ولا آنية، ولا دوابّ، ولا خدم، ولا ربح ربحه في تجارة، ولا ضيعة، إلّاضيعة سافسّر لك أمرها تخفيفاً منّي عن مواليّ، ومنّاً منّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم، ولما ينوبهم في ذاتهم، فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عامّ ...».

إلى أن قال: «فأمّا الذي اوجب من الضياع والغلّات في كلّ عام، فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤونته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك»(1).

أقول: هذه الرواية لا إشكال في سندها؛ لأنّ سند الشيخ إلى علي بن مهزيار صحيحٌ، كما في «جامع الرواة» وعلي بن مهزيار لا إشكال في وثاقته.

وأمّا الدلالة، فقد أورد السيّد صاحب «المدارك»(2) عليها بامور:

الأوّل: اقتضاؤها وجوب الخمس في الذهب والفضّة فيما حال عليهما الحول، مع أ نّه لم يعمل به أحدٌ.


1- وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5 ..
2- مدارك الأحكام 5: 383 ..

ص: 131

وفيه: أنّ الإمام عليه السلام في هذه الرواية، إنّما هو في مقام تطهير أموال مواليه في تلك السنة؛ وهي سنة عشرين ومأتين، التي هي سنة ارتحاله عليه السلام من هذه الدنيا، فيمكن أن يكون ذلك من باب الضرورة لبعض الامور اللازمة والمصارف الواجبة لإحياء حقّ، أو لإماتة باطل، وهو وليّ اللَّه في ذلك، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فيأخذ منهم خمس الذهب والفضّة التي حال عليهما الحول في هذه السنة فقط، دون غيرها. ويدلّ عليه قوله عليه السلام: «ولم اوجب ذلك عليهم في كلّ عام» وقوله أيضاً: «إنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه» ويمكن أن يكون ذلك عوضاً عن الخمس الذي كان قد تعلّق بربح تجارة وضيعة، وكان قد أعرض عليه السلام عنه في الأعوام والسنوات السابقة.

الثاني: اقتضاء الرواية اندراج الجائزة الخطيرة والميراث الذي ملكه من حيث لا يحتسب والمال الذي لا يعرف صاحبه وما يحلّ تناوله من مال العدوّ في اسم «الغنائم» فيكون مصرف الخمس فيها مصرف الغنائم.

وفيه: أ نّا لا نتعقّل وجه الإشكال في ذلك؛ لأنّه لا خلاف في إطلاق «الفوائد» على ما ذكره وإن قلنا بعدم إطلاق «الغنائم» عليها. مع أنّ «الغنيمة» أيضاً تطلق عليها، كما مرّ نقله من كتب اللّغة.

وأمّا المصرف فهو مصرف الخمس في الغنائم، ولا مصرف له غير ذلك، إلّا أ نّه في يد الإمام، فيضعه كيف يشاء وأين يشاء في زمان حضورهم عليهم السلام. مع أنّ الإمام عليه السلام في هذه الرواية ليس في مقام بيان مصرف الخمس؛ لا في الغنائم، ولا في غيرها، بل إنّما هو في مقام بيان إيجاب الخمس وإيصاله إليه، وأمّا المصرف ففي زمانهم عليهم السلام يكون في يدهم واختيارهم، وفي زمان الغيبة يعرف من الروايات مصارفها.

ص: 132

الثالث: عدم ذكر مصرف السدس في آخر الرواية الذي يؤخذ من الضياع.

وكذا لا قائل به من الفقهاء.

وفيه: ما مرّ من أنّ الإمام عليه السلام ليس في مقام بيان المصرف، بل في مقام وجوب الإيصال إليه أو إلى وكيله. وأمّا عدم القائل به فلا يوجب إشكالًا؛ لأنّ الإمام عليه السلام إنّما هو في مقام التطهير والتخفيف لمواليه، ويمكن أن يكون أخذ السدس من باب التخفيف عليهم والتحليل لما بقي عندهم، كما في الروايات الاخرى.

7- صحيحة الريّان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام: ما الذي يجب علي يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبَردي وقصب أبيعه من أجمّة هذه القطيعة؟ فكتب: «يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللَّه تعالى»(1).

قال في «المدارك»: «إنّها قاصرة من حيث المتن؛ لاختصاصها بالأرض القطيعة، وهي- على ما نصّ عليه الجوهري- طائفة من أرض الخراج، أو محالّ ببغداد أقطعها المنصور اناساً من أعيان دولته ليعمّروها ويسكنوها، كما ذكره في «القاموس» ومستحقّ الخمس فيها غير مذكور، فجاز أن يكون غير مستحقّ الغنائم»(2).

وفيه أوّلًا: أنّ كون الأرض من القطيعة غير معلوم؛ لأنّ «القطيعة» تطلق على مقدار من الأرض.

وثانياً: كونها منها لا يوجب الخمس في حاصلها وفوائدها إلّامن جهة كونها من المنافع وأرباح المكاسب، فوجوب الخمس ظاهرٌ في ذلك؛ لأنّه لو كان الخمس


1- وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 9 ..
2- مدارك الأحكام 5: 382 ..

ص: 133

ووجوبه مرتبطاً بكون الأرض قطيعة، لكان على الإمام ذكره، ولم نعهد من الفقهاء ذكر قطائع السلطان ضمن الموارد التي يجب الخمس فيها.

مع أ نّه لا دليل على كون الأرض القطيعة للإمام عليه السلام لأنّه كما يمكن أن تكون له عليه السلام من جهة كونها من الأنفال أو من الموات، كذلك يمكن أن تكون من أرض الخراج، فتكون للمسلمين كافّة، فحينئذٍ يجب عليهم الخراج فقط بمقدار ما عيّنه السلطان.

إلّا أن نقول: إنّ الخمس إنّما جعل للإمام عليه السلام في الأرض القطيعة عوض الخراج؛ لأنّ السلطان غاصب، وهو بعيد.

8- الروايات الدالّة على التحليل وإباحة الخمس بالنسبة إلى أرباح المكاسب وغيرها؛ لأنّ الإباحة والتحليل إنّما تصحّ بعد كونه واجباً.

فبعد ضمّ هذه الروايات إلى الروايات السابقة، لا يبقى شكّ في أنّ الخمس واجب في أرباح المكاسب وما زاد على مؤونة السنة إجمالًا.

الجهة الثانية: حول الإشكال المعروف بين الفقهاء

قد اشتهر أ نّه لا عين ولا أثر على وجوب الخمس في أرباح المكاسب والفوائد من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وعلي أمير المؤمنين وبعده من الأئمّة عليهم السلام إلى زمان الصادقين عليهما السلام مع كون الرسول وعلي عليهما السلام حاكمين في زمانهما، ولم ينقل في حديث أ نّهما قد جعلا وكيلًا أو نائباً عنهما في استلام خمس الأرباح، أو عاملًا كذلك، ولم يرد في حديث أ نّهما قد أخذا ذلك من شخص، فما علّة ذلك؟!

والحاصل: أ نّه لو كانت آية الخمس مطلقة وكان هذا النوع من الخمس ثابتاً في الشريعة المقدّسة، فلماذا لم يعهد أخذه من صاحب الشرع، كما عهد منه كثيراً أخذ الزكوات وبعث الأشخاص والعمّال لجبايتها؟! بل قد جعل سهم خاصّ للعاملين

ص: 134

عليها فلو كان ذلك متداولًا- كالزكاة- لنقل إلينا طبعاً.

وقد أجاب السيّد الخوئي رحمه الله أوّلًا: «بأ نّه يندفع الإشكال بناءً على مسلكنا من كون الأحكام تدريجيّة؛ وأ نّه يجوز تأخير إبلاغ الأحكام عن عصر التشريع بإيداعها من النبي إلى الأئمّة عليهم السلام لبيانها في الزمان المناسب حسب المصالح الوقتية، بل قد يظهر من بعض النصوص أنّ جملة من الأحكام لم تنشر لحدّ الآن؛ وأ نّها مودعة عند ولي العصر عجّل اللَّه تعالى فرجه وهو المأمور بتبليغها في ظهوره»(1).

وفيه: أنّ هذا ادعاء محض، ولا ننكر إمكانه، ولكنّه لا يثبت بذلك وجوب الخمس تشريعاً في أرباح المكاسب في زمان النبي صلى الله عليه و آله و سلم، مع أ نّه يبعد أن يكون مانع عن أخذ الخمس في زمانه صلى الله عليه و آله و سلم بحيث يمنع عن تبليغ أحكامه وإعلامها، فإنّه صلى الله عليه و آله و سلم قد بلّغ أحكام الزكاة، وأخذها، وكذا خمس الغنائم، والكنز، وغير ذلك.

هذا مضافاً إلى ما سيأتي من إبلاغ الخمس أيضاً بطور مطلق يشمل الفوائد المكتسبة.

وأجاب ثانياً: «وأمّا مع الغضّ عن ذلك فبإبداء الفرق بين الزكاة والخمس؛ نظراً إلى أنّ الأوّل ملك للفقراء، وحقّ يُصرف في مصالح المسلمين، هو صلى الله عليه و آله و سلم مأمور بالأخذ، قال اللَّه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ... الآية، فمقدّمةً للأخذ الواجب عليه لا محيص له صلى الله عليه و آله و سلم من بعث العمّال لجباية الزكوات، وأمّا الخمس فهو حقّ له صلى الله عليه و آله و سلم ولأقربائه، فيشبه الملك الشخصي، حيث لا تعود فائدته لعامّة المسلمين، ومن ثمّ لم يؤمر في مورده إلّابمجرّد التبليغ، كما في سائر الأحكام من الصلاة


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 197 ..

ص: 135

والصيام، فلم يكن ثمّة باعث على جبايته، بل قد لا يناسب ذلك شأنه وجلالته، كما لا يخفى، فلا مجال لقياس الخمس على الزكاة؛ فإنّه مع الفارق، فعدم بعث العمّال لأخذ الأخماس لا يكشف عن عدم الوجوب»(1).

وفيه أوّلًا: أنّ هذا الكلام منافٍ لما مرّ منه من المصلحة في عدم تبليغه.

وثانياً: أنّ الخمس أيضاً ليس له بمثابة الملك الشخصي، بل مصرفه الرسول صلى الله عليه و آله و سلم والأقرباء، لا أ نّه ملك لهم. ويدلّ عليه أنّ أقرباءه عليهم السلام في تلك الأيام لم يكونوا كثيرين، بل كانوا قليلين، ومن البعيد أن يكون خمس الغنائم والمعادن والأنفال والكنوز وأرباح المكاسب، بمثابة الملك الشخصي لهم يفعلون به ما يشاؤون، بل كان الخمس- كالزكاة- لإدارة شؤون الدولة الإسلامية، ورفع حوائجها، وسدّ ثغورها، والدفاع عن حريمها، وتبليغ أحكام الإسلام وترويجها ونشرها، وتقوية شوكة الدين والمسلمين، ومنها سدّ احتياجات الأقرباء المنتسبين إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم.

ويدلّ على كون ما ذكرناه من المصارف أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يصرفون الخمس فيها، فلم يكن الرضا والجواد والهادي عليهم السلام يصرفون الخمس في محاويج أولاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وأقربائه فقط، وهذا لا سترة عليه.

و ثالثاً: عدم الأمر بالأخذ في آية الخمس، لا يدلّ على عدم وجوب الأخذ؛ لأنّ مقدّمة الواجب- كما قال رحمه الله- واجبة، فإذا كان أصل الخمس واجباً لرفع حوائج أقرباء الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وغيره، فأخذه أيضاً واجب من باب مقدّمة الواجب، والدفاع عن حقوق الناس، والأمر بالمعروف.

ورابعاً: عدم المناسبة لشأنه صلى الله عليه و آله و سلم إنّما هو فيما إذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 198 ..

ص: 136

- كالسلاطين- محتكراً الأموال لنفسه ولعياله، وكان- نعوذ باللَّه- مسرفاً مترفاً في صرفها على نفسه وأقربائه، مع أ نّه لم يعهد ذلك منه صلى الله عليه و آله و سلم في أمواله الشخصية وفي أموال زوجته خديجة عليها السلام، وكذلك كان عمل علي عليه السلام حيث قال في «نهج البلاغة»: «لو كان المال لي لسوّيتُ بينهم، فكيف وإنّما المال مال اللَّه؟!»(1)، والمال الذي كان في يدهما لم يكن من الزكاة فقط، بل كان من الأنفال والخراج والأخماس والزكوات جميعاً.

كما أ نّه عليه السلام لم يعط عقيلًا درهماً أكثر من سائر الفقراء والمساكين، كما هو المعروف، وما أعطى الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة ولا علياً ولا الحسن والحسين عليهم السلام درهماً من أموال الغنائم وغيرها أكثر من غيرهم، وعلي عليه السلام كان قد أدّى كلّ منافع فدك للفقراء والمساكين حتّى قد لا يبقى درهم من حاصلها لفاطمة وابنيها عليهم السلام.

هذا مضافاً إلى أ نّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يأخذ خمس الغنائم والركاز والمعادن ويصرفه في مصارفه، وكان مناسباً لشأنه، ولم ينقل من أحد التنقيص له صلى الله عليه و آله و سلم في ذلك؛ لأ نّه صلى الله عليه و آله و سلم لم ينفقه على اموره الشخصية، بل كان يقسمه بين المسلمين ولتقوية شوكتهم. وهكذا فعل علي عليه السلام أيضاً.

وقد نقل عبداللَّه بن بشر الخثعمي، عن رجل من قومه: أنّ رجلًا سقطت عليه جرّة من دير بالكوفة، فاتي به عليّاً عليه السلام فقال: «اقسمها أخماساً» ثمّ قال: «خذ منها أربعة أخماس، ودع واحداً» ثمّ قال: «من حيّك فقراء ومساكين؟» قال: نعم، قال:

«خذ فاقسمها فيهم»(2).

وعن الشعبي: أنّ علياً عليه السلام اتي برجل وجد في خربة ألفاً وخمس مائة درهم


1- نهج البلاغة: 183، الخطبة 126 ..
2- السنن الكبرى، البيهقي 4: 157، كنز العمّال 6: 555/ 16925 ..

ص: 137

بالسواد، فقال عليه السلام: «لأقضينّ فيها قضاء بيّناً؛ إن كنت وجدتها في قرية خربة تحمل خراجها قرية عامرة فهي لهم، وإن كانت لا تحمل فلك أربعة أخماس، ولنا خمسه»(1).

هذا مضافاً إلى أ نّهما عليهما السلام كانا أولياء للمؤمنين، واختارا الحكومة على الناس، والحكومة- لو نظر إليها بالنظر المادّي والدنيوي- أمرها أهمّ من الأخماس التي يمكن أن يأخذها الرسول أو الوصيّ، فلا يكون قبولها مناسباً لشأنهما، ولكنّه يحسن بل يجب قبولها إذا نظر إليها بالنظر الإلهي ونظر الرسول والوصيّ عليهما السلام، قال عبداللَّه بن عبّاس: دخلت على علي عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: «ما قيمة هذا النعل؟» فقلت: لا قيمة لها، فقال عليه السلام: «واللَّه لهي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلّا أن اقيم حقّاً، أو أدفع باطلًا»(2).

وقال عليه السلام أيضاً: «أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لو لا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر وما أخذ اللَّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز»(3).

وخامساً: لو سلّمنا عدم المناسبة لشأنه صلى الله عليه و آله و سلم فلابدّ أن نقول بعدم المناسبة لشؤون الأئمّة عليهم السلام أيضاً بعد الصادقين، فكيف يكون أخذ الأخماس وجبايتها وجعل العامل عليها، مناسباً لشؤون الرضا والجواد والهادي والعسكري عليهم السلام، وكذلك لوكلاء صاحب الأمر عجّل اللَّه تعالى فرجه والفقهاء الكرام، ولا يكون


1- السنن الكبرى، البيهقي 4: 156، كنز العمّال 6: 553/ 16914 ..
2- نهج البلاغة: 76، الخطبة 33 ..
3- نهج البلاغة: 50، الخطبة 3 ..

ص: 138

مناسباً لشؤون النبي وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام؟!

فلا مناص إلّاأن نقول: إنّ أصل الحكم كان ثابتاً في زمان النبي صلى الله عليه و آله و سلم بنحو الوجوب، ولكن بما أنّ الحكم من الموارد التي ترتبط بالحكومة والدولة الإسلامية، فقد أوكل اللَّه تعالى أمر تبليغه وأخذه وكيفية أخذه وتحليله والعفو عن بعضه أو كلّه، إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم وبعده إلى الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام لذا تجد أ نّهم عليهم السلام بلّغوا في بعض الموارد، كالغنائم الحربية، والركاز، والمعدن، بينما أخّروا تبليغ خمس أرباح المكاسب لظروف مناسبة لجهات من المصالح، أو لعدم الضرورة والحاجة إليه في ذلك الزمان؛ على ما يظهر من الروايات، من جهة قلّة المسلمين ووجود الزكاة والغنائم الحربية بكثير، بحيث كانت تكفي محاويجهم. مع أنّ أكثر المسلمين لم يكن غنياً بحيث تزيد أرباحهم عن مؤونة سنتهم.

ويدلّ على هذا روايات التحليل والإباحة حتّى في خمس أرباح المكاسب وما زاد على المؤونة في بعض الأحيان، كما مرّ وسيأتي، وما مرّ من رواية السدس في أرباح المكاسب وما زاد على المؤونة، وغيرها.

فالحاصل: أنّ أصل وجوب الخمس ثابت في الشريعة لا إشكال فيه، إلّاأنّ اللَّه تعالى قد جعله تحت اختيار رسوله صلى الله عليه و آله و سلم وأهل البيت عليهم السلام من حيث الأخذ والعفو.

هذا مضافاً إلى ورود هذا النوع من الخمس في مسانيد العامّة أيضاً:

منها: ما رووه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في «صحيح البخاري» و «الترمذي»: «أنّ رجلًا من بني عبد قيس جاء إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فلمّا أراد الانصراف أمره صلى الله عليه و آله و سلم الصلاة والصيام والزكاة وإعطاء الخمس ممّا غنم»(1).


1- صحيح البخاري 1: 91/ 52، سنن الترمذي 4: 121/ 2741 ..

ص: 139

حيث إنّه لا يراد بما غنم الغنائم الحربية؛ لأنّ الحرب والجهاد إنّما كان بأمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وإذنه، وكان يصدر الأمر به من قبله في مركز الحكومة الإسلامية، فكانت الغنائم الحربية تجمع عنده، وهو صلى الله عليه و آله و سلم- بعد إخراج خمسها- كان يقسمها بين المقاتلين، ولا يحتاج إلى الحكم والأمر بإعطاء الخمس منها في جنب الصلاة والصيام والزكاة، فالظاهر من الرواية هو أ نّه صلى الله عليه و آله و سلم قد أمره بالواجبات الفردية للمسلمين والمواظبة عليها، كالصلاة، والزكاة، وغيرهما، ومنها إعطاء الخمس.

ومنها: أ نّه كتب كتاباً لقوم عبد القيس في سنة تسع من الهجرة- سنة الوفود-:

«بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمّد رسول اللَّه لعبد القيس وحاشيتها من البحرين وما حولها: آمركم بأربع: آمركم بالإيمان باللَّه، وهل تدرون ما الإيمان باللَّه؟ شهادة أن لا إله إلّااللَّه، وأنّ محمّداً رسول اللَّه، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتعطوا الخمس من المغنم».

وفي «صحيح البخاري» و «مسلم» و «مسند أحمد» وغيرها: أنّ وَفْد عبد القيس لمّا قالوا لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: إنّ بيننا وبينك المشركين من مصر، وإنّا لا نصل إليك إلّا في أشهر حرم، فمرنا بجمل الأمر إن عملنا به دخلنا الجنّة، وندعوا إليه من وراءنا، فكتب صلى الله عليه و آله و سلم ذلك الكتاب(1).

ولا يخفى عليك: أنّ وفد عبد القيس لم يكونوا مقدمين على الجهاد الابتدائي بنفسهم من دون إذن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حتّى يغنموا الغنائم الحربية، بل المراد من «المغنم» هو الفوائد.

ومنها: كتابه صلى الله عليه و آله و سلم إلى الفجيع ومن تبعه: «ومن أسلم، وأقام الصلاة، وآتى


1- صحيح البخاري 1: 91/ 52، صحيح مسلم 1: 74/ 23 و 24 ..

ص: 140

الزكاة، وأطاع اللَّه ورسوله، وأعطى من المغنم خمس اللَّه، ونصر نبيّ اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وأشهد على إسلامه، وفارق المشركين، فإنّه آمن بأمان اللَّه وأمان محمّد»(1).

حيث يدلّ الكتاب على أ نّهم كانوا حديثي عهد بالإسلام، وقد طلبوا من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم الأمان، ولم يكونوا بحيث يقدمون على الجهاد بنفسهم حتّى يجب عليهم الخمس من الغنائم الحربية.

ومنها: كتابه صلى الله عليه و آله و سلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا بيان من اللَّه ورسوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوُا أوْفُوا بِالْعُقُودِ عهد من محمّد النبي رسول اللَّه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: أمره بتقوى اللَّه في أمره كلّه... وأمره أن يأخذ من المغانم خمس اللَّه، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء، ونصف العشر ممّا سقى الغَرْب ..»(2).

نعم، قد يكون ذكر صفو المال في بعض تلك الروايات، قرينة على كون المراد من «الغنائم» هو الغنائم الحربية.

ومنها: كتابه صلى الله عليه و آله و سلم لجهينة: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من اللَّه العزيز على لسان رسوله- بحقّ صادق وكتاب ناطق- مع عمرو بن مرّة لجهينة بن زيد:

إنّ لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها؛ على أن ترعوا نباتها، وتشربوا ماءها، على أن تؤدّوا الخمس، وتصلوا الخمس، وفي التبيعة والصُّرَيْمَة شاتان إذا اجتمعا، فإن فرقتا فشاة فشاة، وليس على أهل المثير صدقة»(3).


1- الإصابة 5: 270/ 6974 ..
2- السيرة النبوية، ابن هشام 4: 241 ..
3- البداية والنهاية 2: 391، كنز العمّال 13: 501/ 37292 ..

ص: 141

ومنها: ما كتبه صلى الله عليه و آله و سلم إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل: ذي رعين ومعافر وهمدان: «أمّا بعد، فقد رجع رسولك، وأعطيتم من المغانم الخمس، وما كتب اللَّه على المؤمنين من العشر في العقار ما سقت السماء...»(1).

ومنها: غيرها من الروايات الكثيرة والكتب التي كتبها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إلى البعيدين من حكومته لأخذ الخمس والزكوات، فعلى هذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قد بلّغ حكم الخمس من الغنائم بالمعنى العامّ أيضاً، بل أرسل الأشخاص لجباية الخمس وجمعه.

هذا مضافاً إلى الروايات الصحيحة الواردة من الأئمّة المعصومين عليهم السلام مع كونها موافقة لكتاب اللَّه العزيز بالمعنى الذي قد فسّره اللّغويون، ونقلناه في أوّل كتاب الخمس، فلا إشكال في وجوبه في الفوائد المكتسبة.

وأمّا ما قاله السيّد الخوئي رحمه الله: «من أ نّه يؤكّد المطلب» أي وجوب الخمس في الأرباح «أ نّه لا خلاف بيننا وبين العامّة في عدم جواز دفع الزكاة لبني هاشم؛ وأنّ الصدقة عليهم حرام، حتّى أ نّه لا يجوز استعمالهم عليها والدفع من سهم العاملين؛ لأنّه قد عوّض اللَّه تعالى عنها الخمس إكراماً لهم وتنزيهاً عن أوساخ ما في أيدي الناس ...» إلى أن قال: «وعليه فلو كان الخمس مقصوراً على غنائم دار الحرب ولم يكن متعلّقاً بما له دوام واستمرار- من الأرباح والتجارات- فكيف يعيش الفقراء من بني هاشم في عصر الهدنة الذي هو طويل الأمد بعيد الأجل ولاتقام فيه الحرب حتّى تحصل الغنائم الحربية؟! فلا مناص


1- كنز العمّال 6: 312/ 15829 ..

ص: 142

من الالتزام بتعلّقه- كالزكاة- بما له دوام واستمرار وثبات ...»(1).

ففيه أوّلًا: أ نّه لا يمكن إثبات وجوب الخمس في أرباح التجارات بمثل هذا البيان.

وثانياً: أ نّه يكفي لبني هاشم- بل أكثر منهم عشرة مرّات- خمس المعادن، والكنوز، والغوص، والأنفال، وغير ذلك من مجهول المالك، وإرث من لا وارث له من الأموال التي للإمام عليه السلام وقد يكفي جميع محاويجهم ويغنيهم، فلا يحتاجون إلى خمس الأرباح، وهي مستمرّة دائماً، بل هي أكثر بمراتب من خمس الأرباح في زماننا الذي يسهل الانتفاع فيه بكثير من الأنفال والمعادن، كالبترول وغيره، فيكفيهم ذلك.

بقي سؤالان:

الأوّل: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يبعث عمّالًا لأخذ الزكوات، فلماذا لم يبعث عمّالًا لأخذ أخماس الأرباح؟ وما هو وجه ذلك؟

الثاني: لماذا لم تصل إلينا أخبار النبي صلى الله عليه و آله و سلم بأخذ أخماس الأرباح وجبايتها؟

والجواب عن الأوّل أوّلًا: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يبعث العمّال بعد انتشار الإسلام لأخذ الصدقات؛ عملًا بقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً(2) وكان هذا شائعاً في زمانه، وقد نقله جمّ غفيرٌ من المؤرّخين، ويمكن أن يراد بقوله تعالى:

صَدَقَةً كلّ الصدقات الشاملة للأخماس أيضاً.

وثانياً: أنّ أخذ الخمس من قبل النبي أيضاً كان شائعاً في زمنه، كما مرّ في الكتب التي أرسلها صلى الله عليه و آله و سلم إلى القبائل والوفود، والتأريخ قد ضبط بعث العمّال


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 201 ..
2- التوبة( 9): 102 ..

ص: 143

لأخذ الأخماس، كما ضبط بعثهم لأخذ الصدقات، إلّاأنّ الأخماس من غير الغنائم كانت قليلة في زمن النبي صلى الله عليه و آله و سلم خصوصاً من جهة الأرباح؛ لأنّ معايش الناس آنذاك كانت من الزراعات والأنعام الثلاثة التي تجب الزكاة فيها، ولم تكن بحيث تزيد عن مؤونة السنة حتّى يتعلّق بها الخمس.

ومع هذا فقد نقل أيضاً لبعث العمّال لأخذ الأخماس من قبله صلى الله عليه و آله و سلم مستقلّاً، أو مع الزكاة والصدقات، ونذكر منها موارد:

منها: بعث النبي صلى الله عليه و آله و سلم عمرو بن حزم إلى أهل اليمن ليُفقّههم في الدين ويعلّمهم السنّة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم وأخماسهم، وكتب لهم كتاباً:

«بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا بيان من اللَّه ورسوله، عهد من محمّد النبي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن وأمره بتقوى اللَّه في أمره كلّه؛ فإنّ اللَّه مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ...» إلى أن قال صلى الله عليه و آله و سلم:

«وأمره أن يأخذ من المغانم خمس اللَّه، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء، وعلى ما سقى الغرب نصف العشر»(1).

والمتأمّل في هذا العهد، يعلم أ نّه صلى الله عليه و آله و سلم في مقام بيان الأحكام الفردية للإسلام وتعليم المسلمين إيّاها، ولم يكن أهل اليمن في معرض قتال الكفّار الحربيين حتّى تحصل لهم المغانم الحربية، فالمراد من أخذ خمس المغانم هو الفوائد كلّها.

ومنها: كتابه صلى الله عليه و آله و سلم إلى سعد هذيم من قضاعة وأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه ابيّ وعنبسة أو من أرسلاه(2).

ومنها: ما ذكره ابن قيّم الجوزيّة في كتاب «زاد المعاد في هدى خير العباد»:


1- تقدّم في الصفحة 140 ..
2- الطبقات الكبرى 1: 270 ..

ص: 144

«وولّى علي بن أبي طالب الأخماس باليمن والقضاء بها»(1).

ومنها: غيرها من الكتب التي نقلنا بعضها آنفاً. هذا، وسيظهر لك أنّ هذه الكتب والروايات قد نقلت في التواريخ والروايات والآثار مع ما في نقلها من الإشكالات.

والجواب عن الثاني- أي وصول أخبار النبي صلى الله عليه و آله و سلم-: فهو أ نّه قد منع عن كتابة الأحاديث وضبطها وكتابتها بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم عشرات السنين إلى زمان عمر بن عبد العزيز، ولم يوجد كاتب للحديث وناقل له في ذلك التأريخ إلّاالأوحدي من موالي علي عليه السلام مع الخوف الشديد والتقيّة، كما لا يخفى على من تتبّع التأريخ، مع أ نّه صلى الله عليه و آله و سلم قد أمر بكتابة الحديث في موارد:

الأوّل: ما عن عبداللَّه بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كلّ شي ء أسمعه من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فنهتني قريش وقالوا: تكتب كلّ شي ء سمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم؟! بشر يتكلّم في الغضب والرضا، فأمسكتُ عن الكتابة، فذكرت هذا لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: «اكتب، فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلّاالحقّ»(2).

ولكنّ الخلفاء بعده صلى الله عليه و آله و سلم منعوا الناس من الكتابة، فقد روى الذهبي: «أنّ أبابكر جمع الناس بعد وفاة نبيّهم فقال: إنّكم تحدّثون عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب اللَّه، فاستحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه»(3).


1- زاد المعاد في هدى خير العباد 1: 32 ..
2- سنن أبي داود 2: 342/ 3646؛ مستدرك الحاكم 1: 105 ..
3- تذكرة الحفّاظ 1: 1- 2 ..

ص: 145

الثاني: ما ذكره في «كنز العمّال» قال: «قد كان أبو بكر أجمع أيّام خلافته على تدوين الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فجمع خمس مائة حديث ليلته يتقلّب كثيراً، قالت عائشة: فغمّني تقلّبه، فلمّا أصبح قال: أي بنيّه، هلمّي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فأحرقها»(1).

الثالث: ما رواه أيضاً عن قرظة بن كعب أ نّه قال: «لمّا سيّرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر إلى صرار، ثمّ قال: أتدرون لم شيّعتكم؟ قلنا: أردت أن تشيّعنا وتكرمنا، قال: إنّ مع ذلك لحاجة؛ إنّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل، فلا تصدّوهم بالأحاديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وأنا شريككم، قال قرظة:

فما حدّثت بعده حديثاً عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم».

وفي حديث آخر: «إذا قدم قرظة بن كعب قالوا: حدّثنا، فقال: نهانا عمر»(2).

الرابع: أخرج الطبراني عن إبراهيم بن عبد الرحمان: «أنّ عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا مسعود الأنصاري، فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، حبسهم بالمدينة حتّى استشهد»(3).

ثمّ لمّا وصل الحكم إلى عثمان أقرّ ذلك، حيث قال على المنبر: «لا احلّ لأحدٍ يروي حديثاً لم يسمع به على عهد أبي بكر ولا عهد عمر»(4).

ولنِعم ما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله حيث قال: «وقد تخلّل بيننا عصر الأمويين الذين بدّلوا الحكومة الإسلامية حكومةً جاهلية، ومحقوا أحكام الدين؛ حتّى أنّ


1- كنز العمّال 5: 237/ 4845 ..
2- سنن الدارمي 1: 85؛ سنن ابن ماجة 1: 16؛ مستدرك الحاكم 1: 102 ..
3- تذكرة الحفّاظ 1: 7 ..
4- كنز العمّال 10: 295/ 29490 ..

ص: 146

كثيراً من الناس لم يعرفوا وجوب الزكاة الثابت بنصّ القرآن، كما يحكيه لنا التأريخ والحديث.

بل في «صحيح أبي داود» و «سنن النسائي»: «أنّ أكثر أهل الشام لم يكونوا يعرفون أعداد الفرائض».

وعن ابن سعد في «الطبقات»: «أنّ كثيراً من الناس لم يعرفوا مناسك حجّهم».

وروى ابن حزم عن ابن عبّاس: «أ نّه خطب في البصرة وذكر زكاة الفطرة وصدقة الصيام، فلم يعرفوها حتّى أمر من معه أن يعلّم الناس».

فإذا كان الحال هذه بالإضافة إلى مثل هذه الأحكام التي من ضروريات الإسلام ومتعلّقة بجميع الأنام، فما ظنّك بمثل الخمس الذي هو حقّ خاصّ له ولقرابته!!»(1).

أقول: ومع ذلك كلّه يكفينا كتاب اللَّه تعالى، مع ما نقلناه في معنى الغنيمة سابقاً، والروايات الكثيرة الواصلة إلى حدّ الاستفاضة من الأئمّة المفترضي الطاعة؛ بحيث لا يبقى لنا شكّ في وجوب الخمس تشريعاً في زمانهم، بل في زمان الغيبة الصغرى أيضاً، إلّاأ نّه يمكن أن يقال: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وهكذا أمير المؤمنين- كالأئمّة بعده إلى زمان الكاظم والرضا والجواد والهادي عليهم السلام- لم يهتمّوا ببعث العمّال وأخذ الأخماس- خصوصاً من أرباح المكاسب- لمصالح اقتضت ذلك، كحبّهم لشيعتهم وتخفيفهم عنهم، أو عدم احتياجهم إلى خمس أرباح المكاسب، أو غير ذلك من العلل التي قد توجب الإغماض عن بعض الواجبات المالية، كما أ نّها قد توجب خلافه وجباية الأموال من المتموّلين، ولابدّ للولي أن يلاحظ المصالح في كلّ زمان بخصوصه.


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 199 ..

ص: 147

وقال شيخنا المنتظري في كتاب خمسه: «ويمكن أن يقال أيضاً: إنّ هذا القسم من الخمس وظيفة وميزانية حكومية جعلت من قبل الأئمّة المتأخّرين عليهم السلام حسب الاحتياج؛ حيث كانت الزكوات ونحوها في اختيار خلفاء الجور، ولذلك ترى الأئمّة عليهم السلام محلّلين له تارةً، ومطالبين اخرى، وللحكومة الحقّة هذا النحو من الاختيار، ومقتضى ذلك جواز تجديد النظر للحكّام بحسب مقتضيات الزمان، وتزييد هذا الحقّ تارة، وتنقيصه أو تحليله اخرى»(1).

وفيه أوّلًا: أ نّه- كما التفت إليه نفس الشيخ أيضاً- منافٍ لاستدلالهم في روايات الباب بالآية الشريفة؛ وتطبيقهم الآية على خمس أرباح المكاسب أيضاً.

اللّهم إلّاأن يقال: إنّ أصل تشريع الخمس وجواز أخذه، هو من أحكام اللَّه تعالى المستفادة من الكتاب، ولكن تعيين مصاديق متعلّق الخمس وميزانه وكيفية العمل به والإقدام عليه في أيّ زمان مع الشروط الخاصّة، إنّما هو بيد الحاكم العادل، كما يظهر من الأئمّة أحياناً التحليل لجميع الخمس أو بعضه، كما في صحيحة علي بن مهزيار أو غيرها، حيث عيّن عليه السلام السدس أو نصف السدس في الضيعة، كما مرّ(2).

وثانياً: لو كان الأمر كذلك فلابدّ أن ينحصر جواز أخذه بزمان إقامة الحكومة العادلة وقيام العادل العالم بإدارة شؤون المسلمين، ولا يجوز لغيره وإن كان مجتهداً مطلقاً عادلًا، بل أعلم.

والحقّ ثبوت أصل وجوبه- حتّى في الأرباح- تشريعاً من قبل اللَّه، ولكن أخذه والعفو عنه وتعيين مقداره، أوكل إلى الأئمّة عليهم السلام والحكومات العادلة الحقّة. وهذا


1- الخمس، المحقّق المنتظري: 150 ..
2- تقدّم في الصفحة: 129- 130 ..

ص: 148

مطابق للاعتبار وعمل العقلاء في حكوماتهم بالنسبة إلى أخذ الضرائب لإدارة شؤون الحكومة وتقديم الخدمات للمجتمع، حيث يراعون فيه مصالح المجتمع، فتارة تكون المصلحة في أخذها، واخرى في عدمه، كما أ نّه قد تقتضي المصلحة ازديادها أو تنقيصها؛ لغرض تنمية اقتصاد المجتمع أو غيره.

الجهة الثالثة: في بيان المراد من أخبار التحليل والإباحة

أقول: إنّ روايات التحليل والإباحة- كما مرّ في بحث المعادن- إنّما رويت عن أمير المؤمنين عليه السلام بواسطة الصادقين، أو عن الصادقين بلا واسطة، إلّاروايتين نقلتا عن أبي جعفر الثاني وصاحب الزمان عليهما السلام وسيأتي تفصيل الكلام حولهما، وأمّا روايات الأخذ وجباية الخمس ونصب الوكلاء على الأخذ، فإنّما نقلت عن الكاظم عليه السلام ومن بعده إلى آخر زمان الغيبة الصغرى.

وعليه فيمكن أن يقال: أوّلًا: إنّ المصلحة كانت تقتضي عدم أخذه إلى عصر الصادقين عليهما السلام لعدم احتياجهم إلى الخمس، أو عدم إمكان الوصول إلى شيعتهم؛ لتفرّقهم وخوفهم من الحكّام، أو احتياج مواليهم لذلك، أو التقيّة، أو غير ذلك، ولكنّ المصالح كلّها كانت تقتضي أخذه في زمان الكاظم عليه السلام وبعده.

وتدلّ عليه صحيحة علي بن مهزيار السابقة، حيث قال عليه السلام: «إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار، وسافسّر لك بعضه إن شاء ...»(1).

وثانياً: إنّ الأخبار المذكورة- كما مرّ منّا تفصيله- منها ما هو مختصّ بما يشترى أو يؤخذ من أيدي من لا يعتقد بالخمس، كالكفّار، أو المسلم غير المعتقد به،


1- وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5 ..

ص: 149

أو من لا يعمل به ولا يبالي بالخمس وإن كان معتقداً إمامياً، كما هو كثير في زماننا هذا، أو مختصّة بالنكاح والمسكن ممّا يغتنم في الحرب من دون إذن الإمام العادل، حيث كان موالي الأئمّة عليهم السلام يشترون من أموال الغنيمة الإماء، وكانوا ينكحون الإماء التي غنمت مع عدم أداء الخمس للإمام عليه السلام وكذا المساكن والمزارع التي كانت من المفتوحة عنوةً، أو من الأنفال، أو غير ذلك ممّا يتعلّق الخمس فيه ولم يؤدّ خمسه إلى أهله، فقد أباحوه عليهم السلام لمواليهم وجعلوهم في حلّ من ذلك، كما مرّ. ولم يكن هذا من الموارد التي اكتسبها الشيعة بأنفسهم في تجاراتهم وزراعاتهم وصنائعهم وغير ذلك.

ومنها: ما هو مختصّ بزمان علي عليه السلام أو الصادقين عليهما السلام كما مرّ، فراجع(1).

نعم، بعضها مختصّ أو شامل للمكاسب والمنافع التي تحصل من التجارات والزراعات وغيرها للمكلّف نفسه، وهي عدّة روايات:

منها: صحيحة علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السلام من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب بخطّه: «من أعوزه شي ء من حقّي فهو في حلّ»(2).

ولكنّها تدلّ بصراحتها على حلّ من اعتاز لشي ء من حقّ الإمام عليه السلام حيث قال:

«لشي ء من حقّي» وضمير «هو» يرجع إلى الشخص، دون الحقّ، فالمقدار الذي يعوزه يكون حلالًا، دون ما لا يعوزه، فتدلّ بمفهومها على وجوب الخمس ووجوب أدائه فيما لا يعوزه.


1- وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4 ..
2- وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 2 ..

ص: 150

ومنها: ما رواه في «الاحتجاج» عن الكليني، عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمّد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه السلام ... إلى أن قال: «وأمّا المتلبّسون بأموالنا، فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنّما يأكل النيران، وأمّا الخمس فقد ابيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا؛ لتطيب ولادتهم ولاتخبث»(1).

وفيه:- مع ضعف سنده من جهة إسحاق بن يعقوب؛ لأنّه لم يوثّق، ومن جهة عدم نقل الكليني رحمه الله له في «الكافي» مع كون الحديث عنه، وهو يدلّ على عدم اعتماده عليه- أ نّه لا يمكن الاستدلال به؛ لأنّ الجواب ناظر إلى السؤال الذي لا نعلمه ماذا؟ فلعلّه كان عن موضوع خاصّ أو مورد خاصّ يكون دخيلًا في الحكم.

هذا مضافاً إلى ظهوره في المناكح؛ لاستدلاله عليه السلام للتحليل بطيب الولادة، ومضافاً إلى أنّ النوّاب الأربعة عليهم الرحمة والرضوان كانوا قد أخذوا الخمس في زمان الغيبة الصغرى نيابة عنه عليه السلام(2)، فلو أباح الإمام عليه السلام الخمس للشيعة، لما جاز للنوّاب أخذه، بل كان عليهم أن يعلنوا أنّ الخمس ليس واجباً عليهم، ولم يرد ذلك في رواية ولا تأريخ، فلا يمكن العمل بهذه الرواية وأمثالها.

ومضافاً إلى قلّة الروايات الشاملة لتحليل أرباح المكاسب أيضاً، وثبوت روايات كثيرة صحيحة السند وصريحة الدلالة على وجوب الخمس في أرباح المكاسب، ودلالة بعض الروايات على عدم التحليل صريحاً، كما مرّ(3).


1- الاحتجاج 2: 542، وسائل الشيعة 9: 550، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 16 ..
2- وسائل الشيعة 9: 537، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 1 و 6 و 8 ..
3- وسائل الشيعة 9: 539، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 2 و 3 ..

ص: 151

الجهة الرابعة التي تقع مورد البحث في مسألة الخمس

إنّ الموضوع في خمس الفوائد، هل هو كلّ الأرباح والفوائد وإن لم يحتسب في العرف من التكسّب، أم أ نّه يختصّ بالأرباح الحاصلة من التكسّب المتعارف؟

والمحتملات بدواً أربعة:

الأوّل: اعتبار صدق التكسّب المتعارف المستمرّ الحاصل عن القصد إلى تحصيل المال عن طريق المهنة والصنعة أو الشغل.

الثاني: اعتبار التكسّب وإن لم يكن شغلًا مستمرّاً ولم يقصد منه الفائدة.

الثالث: عموم الحكم للتكسّب وكلّ الفوائد الاتفاقية بشرط حصولها بالاختيار والقصد، كالهبة؛ لاعتبار القصد فيها، وهو اختياري.

الرابع: عمومه لكلّ فائدة تحصل ولو بلا توسّط للاختيار والقصد، كالإرث، ونذر النتيجة لو كان صحيحاً.

قال في «المدارك»: «المشهور بين الأصحاب وجوب الخمس في جميع أنواع التكسّب من تجارة، وصناعة، وزراعة، وغير ذلك، عدا الميراث، والصداق، والهبة، وفي كثير من الروايات- بإطلاقها- دلالة عليه. وقال أبوالصلاح: يجب في الميراث والهبة والهدية أيضاً، وأنكر ذلك ابن إدريس وقال: هذا شي ء لم يذكره أحد من أصحابنا غير أبي الصلاح»(1).

وقال المحقّق رحمه الله: «الخامس: ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من أرباح التجارات، والصناعات، والزراعات»(2).

وقال في «الجواهر» في شرحه: «النصوص ومعاقد إجماعات الأصحاب- فضلًا


1- مدارك الأحكام 5: 384 ..
2- شرائع الإسلام 1: 163 ..

ص: 152

عن عباراتهم- لا تخلوا من اختلاف فيه في الجملة؛ ففي «المقنعة» و «القواعد» و «الإرشاد» ومعقد إجماع «الانتصار» كما في المتن، بل إليه يرجع ما في «النافع» و «اللمعة» و «البيان» و «التنقيح» و «التذكرة» وإن كان في الأوّل الاقتصار على أرباح التجارات كالثاني، لكن مع إبدالها بالمكاسب ... وفي «السرائر» تارة:- كالتحرير ومعقد إجماع «المنتهى»- أرباح التجارات والمكاسب وفيما يفضل من الغلّات والزراعات على اختلاف أجناسها عن مؤنة السنة، واخرى: سائر الاستفادات والأرباح والمكاسب والزراعات، كالنهاية»(1).

أقول: مضافاً إلى العبارة الاولى(2)، والثانية(3)، قال في «السرائر» في موضع آخر: «قال بعض أصحابنا: إنّ الميراث والهدية والهبة فيه الخمس، ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي في كتاب «الكافي» الذي صنّفه، ولم يذكره أحد من أصحابنا إلّا المشار إليه، ولو كان صحيحاً لنقل نقل أمثاله متواتراً، والأصل براءة الذمّة، فلا نشغلها ونعلّق عليها شيئاً إلّابدليل. وأيضاً قوله تعالى: وَلَا يَسْأَلْكُمْ أمْوَالَكُمْ(4)»(5).

والظاهر منه عدم الوجوب عند الأصحاب في الموارد المذكورة، بل هو ممّا تسالم عليه الأصحاب، ولم يذكره إلّاأبو الصلاح. هذا حال فتوى الفقهاء، وهي- كما عرفت- مختلفة، فلا إجماع على وجوب الخمس في الهدية والهبة،


1- جواهر الكلام 16: 51 ..
2- السرائر 1: 486 ..
3- نفس المصدر: 489 ..
4- محمّد( 47): 36 ..
5- السرائر 1: 490 ..

ص: 153

أو عدم وجوبها، فلابدّ من الرجوع إلى الأدلّة:

أمّا الكتاب، فإن قلنا: إنّ آية الخمس تعمّ غير الغنائم الحربية- كما هو المشهور عند فقهائنا- فهي تشمل الهدايا والهبات أيضاً؛ لأنّ «الغنيمة» في اللغة تعمّ كلّ ما يفوز به الإنسان، وقد قيّد بعض اللّغويين الفوز بلا مشقّة، وهو تشمل الهبة بلا إشكال؛ لأنّه لا مشقّة غالباً في قبول الهبة والهدايا، قال الخليل بن أحمد: «الغنم:

هو الفوز بالشي ء من غير مشقّة»(1).

وقال في «القاموس»: «الغنم والغنيمة: الفوز بالشي ء بلا مشقّة»(2).

وفي «لسان العرب»: «الغنم: الفوز بالشي ء من غير مشقّة»(3).

وفي «تاج العروس»: «الغنم: الفوز بالشي ء من غير مشقّة»(4).

وفي «أقرب الموارد»: «غنم الشي ء غنماً: فاز به بلا مشقّةٍ وناله بلا بدل»(5).

فإن قام دليل على تخصيص الآية بالغنيمة الحربية- كما هو المعروف عند العامّة والمفسّرين منهم- من سياق الآية أو القرائن الخارجية فهو، وإلّا فتشمل الآية بمعناها اللّغوي كلّ فائدة مكتسبة من التجارة، أو يناله الإنسان ويفوز به من غير اكتساب، بل من غير قصد، كما يظهر هذا من لفظ «الفوز» لغة؛ لأنّ مال الإرث أيضاً هو مال فاز الإنسان به بلا مشقّة، وناله بلا بدل. بل شمول ما قاله اللّغويون في معنى الغنيمة للهبة والهدية والإرث أولى؛ لأنّهم قيّدوها غالباً بالفوز


1- كتاب العين: 613 ..
2- القاموس المحيط 4: 159 ..
3- لسان العرب 10: 133 ..
4- تاج العروس 9: 7 ..
5- أقرب الموارد 2: 890 ..

ص: 154

بلا مشقّة وبلا بدل، وأرباح المكاسب والصنائع والزراعات تكون غالباً مع المشقّات الكثيرة، كما لا يخفى.

والعجب من أكثر الفقهاء الكرام، حيث استدلّوا على وجوب الخمس في غير الغنائم الحربية بالآية الشريفة، ولكنّهم غفلوا عن هذا في الهبة والهدية والإرث، ومن توجّه للآية وأفتى بعدم شمولها لها قال: إنّ القصد والاختيار معتبر في صدق الغنيمة!!

وفيه: ما مرّ من عدم اعتبار القصد في معناها لغة، ولذا قال شيخنا المنتظري:

«وأمّا الآية الشريفة فالمذكور فيها عنوان «الغنم» المضاف إلى الفاعل، فكلّ من صدق عليه أ نّه غنم، يصير مصداقاً للآية، وإنكار صدق الغنيمة على مثل الجائزة والهدية- بل والميراث الذي لا يحتسب- مكابرة»(1).

نعم، ما أفاده حفظه اللَّه تعالى من التشكيك في صدق الغنيمة على الميراث المتعارف؛ بدعوى «أ نّه أمر مترقّب مرجوّ الحصول، فلا يصدق على الوارث أ نّه غنم؛ إذ عدم الترقّب والرجاء كأ نّه مأخوذ في صدق عنوان «الغنم» خصوصاً في نسبته إلى الفاعل»(2) مكابرة أيضاً؛ لأنّه لا إشكال في أنّ الإنسان في كلّ مكاسبه وصنائعه، يرجو ويترقّب الفائدة والغنيمة، فلو كان ما اعتبره صحيحاً لما شمل أكثر المكاسب أيضاً.

وأمّا الأخبار فكثيرة:

منها: صحيحة علي بن مهزيار الماضية، حيث قال عليه السلام في تفسير الآية


1- الخمس، المحقّق المنتظري: 160 ..
2- نفس المصدر ..

ص: 155

الشريفة: «والغنائم والفوائد يرحمك اللَّه فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن...»(1).

قال السيّد الخوئي رحمه الله: «تقييدها بالتي لها خطر، يمكن أن يكون من جهة أنّ الجائزة غير الخطيرة لا تبقى غالباً إلى آخر السنة، بل تصرف في المؤنة غالباً بين السنة، وعليه لا تدلّ على عدم الوجوب فيها وإن لم يكن لها خطر إذا لم تصرف في السنة وتبقى إلى آخرها»(2).

ولكن الظاهر أ نّها تدلّ بمفهومها على عدم الوجوب في الهدية غير الخطيرة والإرث المتعارف، كإرث الولد من الوالد، وإلّا لغا القيد؛ لأنّ الإرث يبقى غالباً إلى آخر السنة أيضاً، فتكون الرواية بمفهومها مخصّصة للعمومات، أو مقيّدة لإطلاقات الآية والروايات الدالّة على الوجوب مطلقاً.

ومنها: موثّقة سماعة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس، فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(3).

وهي بعمومها تدلّ على وجوب الخمس في مطلق الفائدة الشاملة للهدية وغيرها، والخطيرة وغيرها، ولكنّها تخصّص بمفهوم صحيحة علي بن مهزيار السابقة.

ومنها: ما رواه ابن إدريس في آخر «السرائر» عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كتبت إليه في الرجل يهدي


1- وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 213 ..
3- وسائل الشيعة 9: 503، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 6 ..

ص: 156

إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم، أو أقلّ، أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السلام: «الخمس في ذلك»(1).

وسنده مخدوش بأحمد بن هلال؛ لأنّه قد يضعّف في الرجال، فلا يمكن الاستدلال به وإن كان خاصّاً بالهدية، ويشمل القليل أيضاً، إلّاأ نّه لا يمكن الاستدلال به لضعفه.

ومنها: ما رواه في «الكافي» عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن يزيد قال: كتبت: جعلت لك الفداء، تعلّمني ما الفائدة وما حدّها؟

رأيك أبقاك اللَّه أن تمنّ علي ببيان ذلك؛ لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب: «الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها، وحرث بعد الغرام، أو جائزة»(2).

ويزيد مردّد بين أشخاص متعدّدين، والظاهر أ نّه يزيد بن إسحاق شعر؛ بقرينة نقل أحمد بن محمّد بن عيسى عنه، ولم يوثّق في الرجال وإن كان العلّامة رحمه الله قد وثّق طريق الصدوق إلى هارون بن حمزة وهو فيه، وهذا يقتضي توثيقه.

وكيفما كان: ففي سائر الروايات كفاية على وجوب الخمس في الهدية والجائزة، مع كثرتها، وشمول إطلاقات الروايات الدالّة على وجوب الخمس في كلّ فائدة وغنيمة لها، منها صحيحة علي بن مهزيار السابقة، حيث سأل عن أيّ شي ء يجب الخمس فيه، فقال عليه السلام: «في أمتعتهم وصنائعهم».


1- السرائر 3: 606، وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 10 ..
2- وسائل الشيعة 9: 503، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 7 ..

ص: 157

قال: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(1).

و «الأمتعة»- بحسب اللغة- تشمل كلّ ما يتمتّع به من الحوائج، فتشمل جميع حوائج الحياة ولوازمها وإن حصلت بالهبة ونحوها، وعن «القاموس» تفسيرها بالسلعة والأداة وكلّ ما تمتّعت به من الحوائج. إلّاأنّ الروايات مخصّصة بمفهوم صحيحة علي بن مهزيار الطويلة(2)، فالأقوى أنّ الخمس واجب في الهدايا والجوائز الخطيرة والإرث ممّن لا يحتسب.

وأمّا الإرث الذي يحتسب- كالإرث من الأب والابن والجدّ- أو الهدايا غير الخطيرة، فالأقوى عدم وجوبه فيها؛ لتخصيص إطلاقات الروايات وعموماتها بمفهوم صحيحة علي بن مهزيار، وإلّا لم تبق فائدة في التقييد بالخطيرة والذي لا يحتسب، كما ذهب إليه الماتن رحمه الله وإن كان الأحوط استحباباً إخراج الخمس فيهما مطلقاً.

ثمّ إنّه قال شيخنا الأنصاري رحمه الله: «المشهور- كما قيل- عدم وجوب الخمس في الميراث والهبة ... واستدلّ لهم بالأصل وصحيحة ابن سنان: «ليس الخمس إلّافي الغنائم خاصّة» وأمثالها ممّا دلّ على حصر الخمس في خمسة أو أربعة، والكلّ كماترى، فالوجوب لا يخلو عن قوّة»(3) انتهى.

أقول: ولعلّ المشهور أعرضوا عن إطلاقات وجوب الخمس من جهة دلالة مفهوم صحيحة علي بن مهزيار، فما قوّيناه جامع لقول المشهور وغيره؛ من جهة عدم الوجوب في الهبة والهدية من جهة، ومن إيجابه في الخطيرة منهما من جهة اخرى.


1- وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5 ..
3- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 191 ..

ص: 158

كما أنّ الأقوى عدم تعلّقه بمطلق الإرث والمهر وعوض الخلع (47)، والاحتياط حسن.

47- أمّا الإرث فقد عرفت حكمه؛ وأنّ الأقوى تعلّقه بالإرث غير المحتسب، وأمّا الإرث المتعارف فلا.

وأمّا المهر وعوض الخلع، فيمكن أن يقال: إنّهما يعدّان من الاكتساب؛ لأنّ المهر عوض عن البضع، والثاني عوض عن الخلع، كما هو الظاهر من لفظيهما، فيجب عليهما الخمس؛ لشمول الغنيمة والفائدة لهما، لكنّهما عند عرف المتشرّعة لا يعدّان من الاكتساب، بل هما نوع من الهدية، وقد قلنا: إنّه لا يجب الخمس فيها إذا لم تكن خطيرة.

وقال السيّد الخوئي رحمه الله ما خلاصته: أنّ موضوع الحكم في وجوب الخمس هو الفائدة وما يغنمه الإنسان ويحصّله، وهذا لا ينطبق على عوض الخلع، ولا المهر: أمّا في المهر، فلأجل أ نّه إنّما يقع بإزاء الزوجية؛ حيث إنّها تجعل نفسها تحت تصرّف الزوج وطوع رغبته وإرادته، في مقابل ما تأخذه من المهر، فهو شبه معاوضة وإن لم يكن المهر ركناً في العقد، فهو من قبيل تبديل مال بمال، ولايصدق على مثل ذلك الفائدة. مع أ نّه لم يصرّح بوجوب الخمس فيه ولا فقيه واحد. وأمّا عوض الخلع، فإنّه أيضاً بإزاء رفع الزوج يده عن سلطانه، عكس المهر(1).

وفيه: أنّ المهر وعوض الخلع- كما مرّ- لا يعدّان في العرف واصطلاح الفقهاء


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 218 ..

ص: 159

من المعاوضة، بل هما عرفاً هدية من قبل الزوج للزوجة في قبال قبول الزوجية، وهدية وبذل من قبل الزوجة للزوج في قبال رفع اليد عن علقة الزوجية، فلا يعدّان من الاكتساب أصلًا.

ومع ذلك ليس الخمس واجباً فيهما؛ بناءً على التحقيق من كونه واجباً للخطير الغير المترقّب، لأنّ المهر وعوض الخلع لا يكونان خطيرين غالباً، مع أ نّهما مترقّبان في العرف، ولذلك لم يصرّح القول بوجوب الخمس فيهما، كما ذكره رحمه الله وكونهما معاوضة لا يوجب عدم الخمس، وإلّا فلابدّ أن نقول بعدم الخمس فيما إذا آجر الإنسان نفسه وأخذ الاجرة في مقابل العمل.

وقال السيّد الخوئي رحمه الله أيضاً: «ولا يقاس ذلك بباب الإجارات؛ ضرورة أنّ متعلّق الإجارة- من عمل أو منفعة- ليس له بقاء وقرار، ولا يمكن التحفّظ عليه، فلو لم ينتفع منه هو أو غيره يتلف ويذهب سدى ... فلو آجر نفسه أو داره من زيد وأخذ الاجرة، فيصحّ أن يقال: «إنّه استفاد وربح» وهذا بخلاف الزوجية، إذ للزوجة أن تبقي السلطنة لنفسها وتكون هي المالكة لأمرها دون غيرها، وهذه السلطنة لها ثبات وبقاء، كما أنّ لها بدلًا عند الفقهاء والشرع؛ وهو المهر، فما تأخذه من الزوج يكون بدلًا عمّا تمنحه من السلطنة، فيكون من قبيل تبديل مال بمال»(1).

وفيه: أنّ عمل العامل في الإجارة أيضاً يقع في مقابل الاجرة، فلا إشكال في كونها عند العقلاء من تبديل مال بمال؛ لأنّهم لا يرتبطون الاجرة في الإجارة إلّا بالعمل، وأمّا المهر فليس كذلك عند العرف؛ فإنّ العرف- كما مرّ- لا يعدّ المهر من


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 217 ..

ص: 160

ولا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة وإن زاد عن مؤونة السنة (48).

الاجرة المجعولة في مقابل البضع، أو رفع السلطنة عن نفس الزوجة.

هذا مضافاً إلى أنّ العامل في الإجارة، أيضاً يسلّط المستأجر على نفسه، وله أن لا يسلّطه على نفسه، ويعمل عملًا مفيداً لنفسه ولا يترك سدى، وينتفع من سلطنته وماله لنفسه، فكما أنّ الزوجة لو لم تسلّط الزوج على نفسها لم ينتفع إلّابعدم سلطة الزوج، فكذلك العامل ينتفع بعدم سلطة المستأجر.

وأمّا كون الخمس في باب الإجارة منصوصاً، فلا يدلّ على إيجاد الفرق بينهما مع شمول الأدلّة بعمومها للمهر أيضاً وإن لم يكن دليل بالخصوص فيه.

نعم لو قامت السيرة القطعية على خلافه وثبتت في جميع الأعصار والأمصار- بحيث ثبت استمرارها إلى زمان المعصومين عليهم السلام- فهي تدلّ مستقلّاً على عدم وجوب الخمس فيهما، ولكن دون إثباته كذلك خرط القتاد. ومع ذلك لا نقول بوجوب الخمس فيهما من جهة كونهما هدية عرفاً، وإن قلنا: إنّهما معاوضة لا نبالي بالقول بوجوب الخمس فيهما حينئذٍ؛ إن لم تقم السيرة المذكورة.

48- ذهب جماعة إلى أ نّه لا خمس فيما يملك بالخمس، وعلّله بعضهم- كالشيخ الأعظم الأنصاري(1) وكاشف الغطاء(2) 0-: «بأنّ المستحقّ من السادة أو الفقراء مالك للخمس والزكاة، ويدفع إليه ما هو ملك له ويطلبه، ولا يحتسب من


1- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 195 ..
2- كشف الغطاء 4: 197، انظر مستمسك العروة الوثقى 9: 525 ..

ص: 161

الفائدة، كما أ نّه لو حصل في يد شخص ملكه، نحو ما لو أدّى المدين دينه إلى صاحبه؛ لأنّه لا يصدق أ نّه فائدة له».

وقد استدلّ أيضاً بقول الرضا عليه السلام في حديث علي بن الحسين بن عبد ربّه قال:

سرّح الرضا عليه السلام بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل علي فيما سرّحت إليّ خمس؟

فكتب إليه: «لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس»(1).

والحديث ضعيف من جهة سهل بن زياد، ومن جهة علي بن الحسين الذي لم يوثّق وإن كان وكيلًا للعسكري عليه السلام.

وأمّا الدلالة، فهي مختصّة بالخمس وبما إذا كان المعطي هو الإمام عليه السلام الذي صاحب الخمس؛ لأنّ له الولاية على الخمس، وإذا أعطى منه شيئاً لأحد لامعنى لإيجاب الخمس عليه مجدّداً؛ أعني إرجاع مقدار منه إلى المُهدي، فلا ربط لهذه الرواية بما يملك الإنسان بالخمس أو الزكاة أو الصدقات المستحبّة.

فالأقوى- إن لم يكن إجماع في البين، كما هو الظاهر- أنّ مال الخمس والزكاة لو وصل إلى أحد من جهة العمل الذي يعمله للحكومة أو للإمام عليه السلام أو للناس- من اجرة قضاء، أو إقامة جمعة، أو جماعة، أو مرابطة، أو جهاد، أو غيره؛ على القول بجواز أخذ الاجرة على الواجبات، كما هو الحقّ- فحينئذٍ يعدّ المال الذي اخذ من جهة العمل اكتساباً، فتشمله عمومات الغنيمة والفائدة من الضياع والصنائع والمكاسب، فإن زادا عن مؤونة السنة يجب عليه الخمس بلا إشكال.


1- وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 11، الحديث 2 ..

ص: 162

نعم يجب الخمس في نمائهما إذا قصد بإبقائهما الاسترباح والاستنماء لا مطلقاً (49).

وهذا هو المتعارف في الحكومات المعاصرة، حيث تأخذ الضرائب من موظفيها، مع أ نّهم قد أخذوا رواتبهم من الحكومة نفسها.

وإن كان ما اخذ من الخمس من قبيل الهدية والهبة والجائزة، فقد قلنا: إنّه يعتبر في وجوب الخمس فيها كونها خطيرة، فلا يجب أيضاً في غير الخطيرة؛ لصحيحة علي بن مهزيار الماضية(1).

ولو قلنا: إنّه ملك السادات والمستحقّين منهم وقد اخذ بعنوان التملّك، فإن قلنا بجواز أخذ ما زاد عن مؤونة السنة لهم، يكون غنيمة وفائدة، فتشمله العمومات أيضاً، فيجب الخمس فيه. ولا فرق في ذلك بين الخمس والزكاة.

وأمّا الصدقات المستحبّة فهي هدية يعتبر فيها قصد القربة، فيشملها حكمها، فلو كانت خطيرة يجب الخمس فيها، وإلّا فلا.

49- إن اريد بإبقائهما الاسترباح والاكتساب، فحينئذٍ لو كان النماء أكثر من مؤونة سنته يجب الخمس فيه؛ لما مرّ في أصله من صدق الغنيمة والفائدة والكسب، فتشمله العمومات.

وإن قصد من اقتنائهما وإبقائهما الانتفاع بنمائهما وإن حصل تدريجاً بمرور الزمان- كالبيض في الدجاجة، واللبن في البقر والغنم وولدهما لو اريد منه الانتفاع بلحمه أو لبنه أو غيرهما بنفسه- فلا خمس فيه.


1- وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5 ..

ص: 163

(مسألة 8): لو كان عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس، أو أدّى خمسها وارتفعت قيمتها السوقية، لم يجب عليه خمس تلك الزيادة إن لم تكن الأعيان من مال التجارة ورأس مالها، كما إذا كان المقصود من شرائها وإبقائها اقتناءها والانتفاع بمنافعها ونمائها، وأمّا إذا كان المقصود الاتّجار بها، فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة (50)،

50- لأنّه مادام لم تعدّ الأعيان من أموال التجارة ورأس مالها، لا يطلق على نمائها- متصلًا كان أو منفصلًا- «الفائدة» و «الغنيمة» لأنّ المنزل والدكّان أو المفروشات والملبوسات والمأكولات المحتاج إليها في حياته، لا تحتسب نفسها من الغنائم مادام محتاجاً إليها؛ لأنّه لو باع ما يحتاج إليه وأخذ قيمته النقدية، فلايقال: «إنّه قد أفاد واغتنم» ولابدّ له من شرائه مجدّداً بالسعر الذي قد باعه به أو بأكثر منه؛ حتّى أ نّه لو باعها بأغلى ممّا اشتراه سابقاً فلا يجب عليه الخمس لو كانت القيمة السوقية في ذلك الزمان هي ما باعها به؛ لأنّه لم يغنم عرفاً، لأنّه لو أراد أن يشتري ذلك الشي ء حينئذٍ لا يمكن إلّابما اشتراه أو أكثر منه، ومعه لا يعدّ غنيمة وفائدة، خلافاً للسيّد الخوئي رحمه الله وغيره.

وأمّا لو كانت الأموال من الأموال التجارية أو كان اشتراها وأبقاها وحفظها للتجارة- كمن باع في الصيف شيئاً بأغلى ممّا اشتراه في الشتاء- فحينئذٍ تعدّ الزيادة عمّا اشتراها ربحاً وفائدة، فلابدّ من أداء الخمس لو كانت زائدة عن مؤونة سنة التي قد باعها، لا السنة التي اشتراها.

وقال الشيخ الأنصاري رحمه الله في كتابه الخمس: «وأمّا زيادة القيمة، فإن باعها فالظاهر تعلّق الخمس بالزائد- على إشكال- حيث إنّه في مقابل ماله، فلا يحتسب

ص: 164

إن أمكن بيعها وأخذ قيمتها (51)، وإن لم يمكن إلّافي السنة التالية تكون الزيادة من أرباح تلك السنة- لا الماضية- على الأظهر.

فائدة. وإن لم يبعه فالظاهر عدم ثبوت الخمس فيه؛ لأنّ رغبة الناس أمر اعتباري لا يؤثّر في العين، ولا يوجب صدق الفائدة والغنيمة»(1).

أقول: يمكن أن يكون وجه الإشكال ما قلناه؛ من أنّ البيع من باب الاضطرار أو تعويضه بشي ء آخر مثله- ممّا يحتاج إليه- لا يحسب في العرف من الغنيمة، ولا عوضه فائدة؛ لأنّه يضطرّ إلى شرائه مجدّداً، كما أ نّه لو ورث من أبيه مالًا ثمّ اضطرّ إلى بيعه لمرض وتحصيل غيره أو تبديله بغيره، لا يحتسب ذلك عرفاً فائدة، ولا يقال: «إنّه غنم وافاد» وكذلك الملك، مثل المزرعة، والمسكن، ومركز تجارته الذي يتّجر فيه ويحتاج إليه.

51- لأنّه حينئذٍ يحتسب من الغنيمة والفائدة عند العرف، ولا يتوقّف صدقها على تحقّق البيع خارجاً؛ فإنّ الاستفادة في نظر العقلاء منوطة بزيادة القيمة السوقية المقتضية لإمكان التبديل بمال أكثر، ولا تعتبر عندهم فعلية التبديل مع الإمكان، فيجب الخمس في الزيادة سواء باع أم لا. وأمّا إذا لم يمكن التبديل فعلًا فلا يجب الخمس إلى حين الإمكان، فإن أمكن في السنة الآتية تحسب من منافع تلك السنة، لا الماضية، كما قاله الماتن رحمه الله.

فما في خمس الشيخ رحمه الله: «ثمّ إنّ الظاهر تعلّق الوجوب بمجرّد ظهور الربح- من غير حاجة إلى الإنضاض- لصدق الاستفادة بمجرّد ذلك»(2)، يحمل على ما


1- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 195 ..
2- نفس المصدر: 212 ..

ص: 165

(مسألة 9): لو كان بعض الأموال التي يتّجر بها وارتفعت قيمتها، موجوداً عنده في آخر السنة، وبعضها ديناً على الناس، فإن باع الموجود أو أمكن بيعه (52) وأخذ قيمته، يجب عليه خمس ربحه وزيادة قيمته، وأمّا الذي على الناس فإن كان يطمئنّ باستحصاله متى أراد- بحيث يكون كالموجود عنده- يخمّس المقدار الزائد على رأس ماله، وما لايطمئنّ باستحصاله يصبر إلى زمان تحصيله، فمتى حصّله تكون الزيادة من أرباح سنة التحصيل.

إذا كان البيع ممكناً، ولكنّه لا يريد البيع، فيجب الخمس حينئذٍ، كما مرّ.

كما أنّ قول الهمداني رحمه الله: «ولا عبرة بزيادة القيمة السوقية؛ لأنّها أمر اعتباري لا يعدّ ربحاً بالفعل، ولذا يقال عرفاً: «إنّه لو باعه بتلك القيمة كان يربح» فمتى باعه بأكثر من رأس ماله دخلت حينئذٍ في الأرباح»(1)، يحمل على ما إذا لم يمكن البيع مع قصده.

فالأقوى ما في المتن من وجوب الخمس في الزيادة إن أمكن بيعها وأخذ قيمتها، وإلّا فلا، والسرّ في ذلك أنّ الشي ء والمتاع إذا قصد الاتّجار به وأمكن ذلك، لا ينظر إلى شخصه وصورته النوعية حتّى يقال: إنّه لم يزد عمّا كان، بل ينظر عرفاً إلى ماليته وقيمته السوقية التي تعطى له إن شاء التبديل، فحينئذٍ إن زادت قيمته وأمكن تحصيلها من غير محذور، فيصدق عليه أ نّه غنم وأفاد، فيجب عليه الخمس.

52- يعتبر في وجوب الخمس عليه حينئذٍ- مضافاً إلى الاطمئنان بتحصيله متى


1- مصباح الفقيه 14: 124 ..

ص: 166

أراد- الاطمئنان بزيادة القيمة السوقية وإمكان بيعه كذلك من دون محذور؛ لأنّه (مسألة 10): الخمس في هذا القسم، بعد إخراج الغرامات والمصارف التي تُصرف في تحصيل النماء والربح (53)،

يحسب حينئذٍ من الفائدة، وأمّا لو لم يطمئنّ بذلك واحتمل نزول القيمة إلى زمان بيعه وتحصيل الجنس من أيدي الناس، فلا يجب الخمس. وكذلك حكم ما كان في أيدي الناس، فالعرف قاضٍ بحصول الفائدة المطمئنة وغيرها.

53- لأنّه لا تطلق «الغنيمة» و «الفائدة» عرفاً إلّابعد إخراج الغرامات والمصارف، فلا يجب الخمس إلّافيما تطلق عليه «الغنيمة» فيكون استثناؤها من قبيل التخصّص لا التخصيص.

هذا مضافاً إلى إطلاق الروايات:

منها: ما عن أبي جعفر الثاني عليه السلام: «الخمس بعد المؤونة»(1).

ومنها: ما في توقيعات الرضا عليه السلام: «الخمس بعد المؤونة»(2).

ومنها: ما رواه أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام:

الخمس اخرجه قبل المؤونة، أو بعد المؤونة؟ فكتب: «بعد المؤونة»(3).

وهذه الروايات بإطلاقها تشمل مؤونة الشغل والحرفة والصنعة في الحرف والصناعات، ومؤونة الغرس والحرث واجرة العاملين وغيرها في الزراعات


1- وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 12، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 12، الحديث 1 ..

ص: 167

والأشجار، وكذا تشمل مؤونة الرجل وعياله في كلّ ما يحتاجه ويناسب شأنه.

ولكنّ الجواب في الرواية الاولى ظاهرة في مؤونة الشخص والعيال؛ إذ المفروض في السؤال تحقّق الاستفادة، وقبل إخراج مؤونة تحصيل المال لا يصدق عليه الاستفادة.

ومنها: قوله عليه السلام في رواية أبي علي بن راشد: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(1)، وهو كالصريح في أنّ المراد من المؤونة مؤونة شخصهم وعيالهم، لا مؤونة التحصيل فقط.

ومنها: قوله عليه السلام في صحيحة علي بن مهزيار: «عليه الخمس بعد مؤونته، ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان»(2) وهو ظاهر في كلّ المؤونات.

ومنها: ما رواه محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:

كتبت إليه ... وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال، إنّما يبيع منه الشي ء بمائة درهم، أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب: «أمّا ما أكَلَ فلا، وأمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع»(3). هذا كلّه في استثناء المؤونة.

وأمّا التقييد بالسنة فالروايات- كما عرفت- خالية منه، ولكنّ الإجماع قام على التقييد بها، كما ذكره السيّد الخوئي رحمه الله(4)، وقال الشيخ محمّد حسن النجفي في «الجواهر»: «ويزيد» هذا القسم من الخمس يعني أرباح المكاسب «باختصاص


1- وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 10 ..
4- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 210 ..

ص: 168

تعلّقه بالفاضل عن مؤونة السنة له ولعياله، كما صرّح به أكثر الأصحاب، بل في «المدارك» نسبته إليهم مشعراً بدعوى الإجماع عليه، كنسبته في «المنتهى» و «التذكرة» إلى علمائنا، بل في «السرائر» دعواه صريحاً عليه غير مرّة، كظاهر إجماع غيرها، وهو- بعد شهادة التتبع له والأصل- الحجّة»(1).

وقد استدلّ السيّد الخوئي رحمه الله عليه «بانصراف اللفظ إليها عرفاً لدى الإطلاق بعد عدم الدليل على إرادة مؤونة اليوم أو الاسبوع أو الشهر؛ نظراً إلى قيام التعارف الخارجي- ولا سيما في الأزمنة السابقة، وخاصّة في القرى- على تهيئة مؤونة سنتهم في كلّ فصل من الفصول المناسبة لما يحتاجون إليه من الحبوبات وغيرها ممّا تمسّ به الحاجة، فكانوا يدّخرونه للصرف في العام القابل ...» إلى أن قال:

«وكيفما كان: فمؤونة الشخص لدى العرف تقدّر بالسنين، لا بالأيّام أو الشهور أو الفصول؛ لعدم انضباطها ... وهذا هو السرّ فيما فهمه الأصحاب من مثل هذه الأخبار من التقييد بالسنة»(2).

أقول هذا صحيح لا إشكال فيه، كما أنّ المتعارف لدى الحكومات في العصر الحاضر في أخذ الضرائب أيضاً، ملاحظة السنة.

ثمّ إنّ هذه الروايات أكثرها مختصّ بخمس أرباح المكاسب والضياع، ويحمل العمومات منها عليها؛ لأنّ الظاهر من روايات المعدن والكنز والمال المختلط بالحرام واشتراء الأرض الذمّي، تعلّق الخمس بالمال المذكور في الروايات من دون تأخير وتعليق على مضيّ سنة، ومن دون تقييد بإخراج مؤونة السنة، بل يجب إخراج الخمس بعد إخراج مؤونة التحصيل، كالمعدن، والغوص،


1- جواهر الكلام 16: 58 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 210 ..

ص: 169

وإنّما يتعلّق بالفاضل من مؤونة السنة؛ التي أوّلها حال الشروع في التكسّب (54) فيمن عمله التكسّب واستفادة الفوائد تدريجاً يوماً فيوماً مثلًا، وفي غيره من حين حصول الربح والفائدة، فالزارع مبدأ سنته حين حصول فائدة الزرع (55) ووصولها بيده، وهو عند تصفية الغلّة، ومن كان عنده الأشجار المثمرة مبدأ سنته وقت اقتطاف الثمرة واجتذاذها. نعم لو باع الزرع أو الثمار قبل ذلك، يكون مبدأ سنته وقت أخذ ثمن المبيع، أو كونه كالموجود بأن يستحصل بالمطالبة.

والغنائم الحربية، وغير ذلك، فالتقييد بالسنة مختصّ بأرباح المكاسب، كما ذكره صاحب «الجواهر» ولعلّ الدليل في ذلك عدم عدّ المنافع والفوائد التي تستفاد وتصرف في مؤونته ومؤونة عياله في السنة من الغنائم، بل يعدّ عندهم عوضاً عن العمل الذي قد عمله لكسبه ولمعاشه.

54- لأنّ العرف يرى شروع حصول الربح من ذلك الزمان؛ وإن كان قد يتصرّف في المنفعة متدرّجاً، وقد لا تبقى فائدة يوم إلى يوم آخر، ولكنّه تحسب فوائد كلّ السنة عند العرف واحدة، كما أنّ مؤونتها تحسب واحدة، وبعد تمام السنة واستثناء المؤونة لو بقي من المنافع شي ء زائداً على رأس المال، يصدق عليه أ نّه فائدة السنة الماضية، فيجب تخميسه.

55- هذا إذا كان شغله منحصراً بالزراعة.

وأمّا إذا كانت له مكاسب كثيرة، فكانت له حرفة وتجارة، وينتفع منهما متدرّجاً، وله زراعات وأشجار أيضاً ينتفع بمنافعها، وله أنعام ينتفع منها، فإنّه يحسب كلّها معاً فوائد السنة، ولابدّ أن يجعل لمنافعه جميعاً سنة، كأوّل الربيع

ص: 170

مثلًا، ويحسب كلّ سنة منافعها الزائدة من مؤونة سنته من ذلك اليوم.

وقد تعرّض رحمه الله لهذه المسألة في المسألة (12) حيث قال فيها: «لو كان له أنواع من الاستفادات- من التجارة، والزرع، وعمل اليد، وغير ذلك- يلاحظ آخر السنة مجموع ما استفاده من الجميع، فيخمّس الفاضل عن مؤونة سنته، ولايلزم أن يلاحظ لكلّ فائدة سنة على حدة».

وقد أفتى بما قلناه صاحب «الحدائق» حيث قال: «ولا يعتبر الحول في كلّ تكسّب، بل مبدأ الحول من حين الشروع في التكسّب بأنواعه، فإذا تمّ الحول خمّس ما بقي عنده»(1).

وقال في «الجواهر»: «وهو جيّد ... موافق للاحتياط، بل وللاقتصار على المتيقّن خروجه عن إطلاق الأدلّة، بل قد يدّعى القطع به في نحو الصنائع المبنيّ ربحها على التجدّد يوماً فيوماً، أو ساعة بعد اخرى؛ تنزيلًا لها باعتبار إحرازها قوّةً، منزلةَ الربح الواحد الحاصل في أوّل السنة، ولذا كان يعدّ صاحبها بها غنيّاً. بل لعلّ بعض الحرف مثلها فيما ذكرناه»(2) وبه قال السيّد أيضاً في «العروة» في المسألة (56) في كتاب الخمس.

ولكن ظاهر الشهيد الثاني في «المسالك» و «الروضة» هو أنّ لكلّ ربح سنةً، حيث قال في «المسالك»: «وإنّما يعتبر الحول بسبب الربح، فأوّله ظهور الربح، فيعتبر منه مؤونة السنة المستقبلة، ولو تجدّد ربح آخر في أثناء الحول كانت مؤونة بقيّة حول الأوّل معتبرة منهما، وله تأخير إخراج خمس الربح الثاني إلى آخر حوله، ويختصّ بمؤونة بقيّة حوله بعد انقضاء حول الأوّل، وهكذا، فإنّ المراد


1- الحدائق الناضرة 12: 354 ..
2- جواهر الكلام 16: 81 ..

ص: 171

بالسنة هنا ما تجدّدت بعد الربح، لا بحسب اختيار المكتسب»(1).

واختاره السيّد الخوئي رحمه الله مستدلّاً: «بأنّ المستفاد من الآية المباركة- بناءً على شمولها لكلّ فائدة- وكذا الروايات الدالّة على أنّ الخمس في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير، أنّ الحكم انحلالي، فكلّ فرد من أفراد الربح والفائدة موضوع مستقلّ لوجوب التخميس، كما هو الحال في المعادن والكنوز، فلو كنّا نحن وهذه الأدلّة ولم يكن دليل على استثناء المؤونة، لالتزمنا بوجوب الخمس فوراً، ولكنّه أوجب ارتكاب التقييد في الوجوب التكليفي إرفاقاً وإن كان الحقّ ثابتاً من الأوّل، وأمّا ارتكاب تقييد آخر- أعني ضمّ الأرباح بعضها إلى بعض- فهذا لم يقم عليه دليل»(2).

أقول: الأقوى هو القول الأوّل، والدليل عليه الروايات الكثيرة الدالّة على استثناء المؤونة في الأرباح، وقد عدّ في بعضها الأرباح والضياع والحرف والصنائع منشأً واحداً للفائدة(3). ويدلّ عليه إطلاق استثناء المؤونة المحمولة عند الفقهاء جميعاً على مؤونة السنة، ومع كون بعض الأفراد ذوي حرف متعدّدة في زمان الأئمّة عليهم السلام قطعاً، ما ورد سؤال منهم عن الأئمّة أو جواب عنهم عليهم السلام يدلّ على احتساب كلّ فائدة مستقلّاً وجعل السنة والحول لها كذلك.

هذا مضافاً إلى ظهور بعض الأحاديث في احتسابها واحدةً، كما في رواية محمّد بن الحسن الأشعري، عن كتاب بعض أصحابنا، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام


1- مسالك الأفهام 1: 468 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 244 ..
3- وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1 و 3 و 4 و 5، والباب 12، الحديث 1 و 2 ..

ص: 172

قال: أخبرني عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المؤونة»(1).

حيث إنّ الإمام عليه السلام ما فصّل بين أقسام المكاسب، مع إطلاق السؤال في الأشخاص من حيث الصنعة والحرفة وكونهم ذوي حرفة واحدة أو أكثر. ومثلها صحيحة علي بن مهزيار عن أبي علي بن راشد(2).

ففي كلّ الروايات المقيّدة لوجوب الخمس بإخراج المؤونة، قد عدّ المستثنى- أعني مؤونة السنة- أمراً وحدانيّاً، مع أ نّه يمكن أن يكون للفائدة المستثناة مناشئ متعدّدة، كمن كانت له حرفٌ متعدّدة، فلابدّ أن تسري الوحدة إلى المستثنى منه أيضاً.

ويشهد لهذا ملاحظة كيفية وضع الضرائب السنوية في الحكومات المعاصرة، حيث يحتسبون طبيعة الفائدة في السنة عندهم من دون ملاحظة كونها من أيّ منشأ؛ وهل هو واحد، أو متعدّد؟

ومن المعلوم: أنّ خمس أرباح المكاسب في الإسلام، تحسب من الضرائب التي وضعت لاستفاداتهم التدريجية السنوية، كما يستفاد من صحيحة علي بن مهزيار: «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام»(3)، حيث إنّ


1- وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5 ..

ص: 173

(مسألة 11): المراد بالمؤونة (56) ما ينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم، ومنها ما يصرفه في زياراته وصدقاته وجوائزه وهداياه وضيافاته ومصانعاته، والحقوق اللازمة عليه بنذر أو كفّارة ونحو ذلك، وما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو دار أو فرش أو أثاث أو كتب، بل ما يحتاج إليه لتزويج أولاده واختتانهم ولموت عياله وغير ذلك ممّا يعدّ من احتياجاته العرفية. نعم يعتبر فيما ذكر الاقتصار على اللائق بحاله دون ما يعدّ سفهاً وسرفاً، فلو زاد على ذلك لا يُحسب منها، بل الأحوط مراعاة الوسط من المؤونة المناسب لمثله، لا صرف غير اللائق بحاله وغير المتعارف من مثله، بل لا يخلو لزومها من قوّة. نعم التوسعة المتعارفة من مثله من المؤونة.

ظاهرها كون هذا القسم من الخمس أمراً سنوياً لوحظت فيه وحدة جميع استفادات السنة وفوائدها.

وأمّا ما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله من تعلّق الخمس بكلّ فائدة مستقلّة استظهاراً من الروايات، ففيه ما مرّ منّا من أنّ الظاهر من الروايات، تعلّقه بفائدة السنة الأعمّ من أن يكون منشؤها واحداً، أو أكثر، في أوّل السنة، أو وسطها.

56- لا إشكال في كون ما ذكره رحمه الله من الموارد مؤونةً عرفاً وإن لم يكن واجباً على المنفق، بل ولا مستحبّاً، ويكفي في احتساب المصارف من المؤونة، كونها مصارف عقلائية له غير مبذّر ولا مسرف فيها.

وأمّا اشتراط المناسبة لشأن المنفق اللائق بحاله ولزوم الاقتصار على هذا، فلا دليل عليه؛ لأنّ اللائق لكلّ إنسان عند اللَّه واحد، إلّاأ نّه قد يكون الإنسان غنيّاً

ص: 174

يسع ماله لاستئجار الأفراد لبعض أعماله، وقد لا يكون كذلك، ولكنّه إذا أمكن يستأجر، وكذا اتخاذ المركب لائق بحال كلّ إنسان، إلّاأ نّه قد يمكن، وقد لا يمكن، فإذا لم يتمكّن الشخص من اشتراء المركب لنفسه سنين متوالية كثيرة ثمّ تمكّن واحتاج إليه واشتراه، لم يعدّ هذا اسرافاً غير لائق بشأنه، بل يعدّ من المؤونة المحتاج إليها.

فالأولى اشتراط عدم التبذير والإسراف في الامور الدنيوية خاصّة. وأمّا الاخروية فلا إسراف فيها أيضاً لكلّ أحد تمكّن منها؛ سواء كان غنيّاً أو فقيراً، فمن كان فقيراً سنين متمادية ثمّ صار غنيّاً فتصدّق على الفقراء كثيراً، لايقال: «إنّ هذا ليس لائقاً بحاله» بل يحسب من المؤونة من دون إشكال. ولا فرق في ذلك في كلّ ما ذكر في المتن.

وأمّا صرف المال في ازدياد رأس المال للتجارة، أو ازدياد مكان التجارة، أو عوامل الكسب والصنعة وآلاتها، فقد قيل: «إنّه لا يحتسب من مؤونة السنة؛ لأنّه قد قيّدت المؤونة بالسنة، وازدياد ما ذكر ليس من مؤونة السنة الحاضرة».

وقد نقل الشيخ رحمه الله عن «الغنائم»(1) أ نّه قال: «الظاهر أنّ تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في المعاش من المؤونة، كاشتراء الضيعة لأجل المستغلّ.

والظاهر أ نّه لا يشترط التمكّن من تحصيل الربح منه بالفعل، فيجوز صرف شي ء من الربح في غرس الأشجار لينتفع بثمرها ولو بعد سنين، وكذلك اقتناء إناث أولاد الأنعام لذلك»(2).

وقال المحقّق الهمداني رحمه الله: «مساعدة العرف على عدّ مثل هذه الأشياء


1- غنائم الأيّام 4: 331 ..
2- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 201 ..

ص: 175

من مؤونته مشكلة، بل لا فرق عرفاً بين ادّخار عين الفائدة التي اكتسبها لأن يصرفها في المستقبل في نفقته، أو شراء ضيعة أو دار ونحوها ممّا يحتاج إليه في ذلك الوقت، أو يشتري الضيعة ونحوها في هذه السنة لأن ينتفع بثمرها، أو يعيش بها أولاده في المستقبل؛ إذ لا يكفي في إطلاق اسم «المؤونة» مجرّد صرف الربح في مصرف حتّى مع بقاء مقابله وعدم احتياجه إليه بالفعل، بل هو من قبيل مبادلة مال بمال أصلح بحاله وأعظم فائدة فيما يستقبل، فالمقابل بعينه حينئذٍ يندرج فيما استفاده هذه السنة ولم يصرفه في مؤونتها. نعم ما يحتاج إلى الانتفاع به بالفعل في تعيّشه من بستان أو غنم ونحوهما، لا يبعد أن يعدّ عرفاً من المؤونة»(1).

وفيه: أ نّه لو لم تكن ضيعته أو مكان حرفته أو كسبه أو رأس ماله بحيث لايكفي لمؤونته في السنوات الآتية والاعتيادية- كمن كانت فوائده في هذه السنة من منابع اخرى غير الكسب، مثل الإرث الذي لا يحتسب، أو من الحصول على جائزة خطيرة، أو غيرهما كإعانات الناس والوجوه البرّية- كان صرف هذا الشخص المال لازدياد رأس المال المحتاج إليه عرفاً من المؤونة، وكذا الآلات والأدوات والمسكن للتجارة والحرفة، ولا فرق بينها وبين البستان والغنم المحتاج إليها بالفعل عرفاً؛ لأنّ كلّاً منهما يعدّ من المصارف المحتاج إليها، وتعدّ من مؤونة السنة أيضاً.

نعم المؤونة المصروفة لابدّ وأن تكون ممّا يحتاج إليه عرفاً، لا زائدة عنه؛ لأنّ ما كان زائداً عمّا يحتاج إليه في معيشته الاعتيادية، لا يعدّ من المؤونة السنوية.

وكذا لا يعتبر الاقتصاد في المعيشة، كما قيّده بذلك غير واحد في فتاويهم؛ لعدم


1- مصباح الفقيه 14: 130 ..

ص: 176

الدليل، لذلك قال شيخنا الأنصاري رحمه الله: «فإن اريد به ما يقابل الإسراف فلا مضايقة، وإن اريد به التوسّط ففي اعتباره نظر، بل يمكن التأمّل في بعض أفراد الإسراف إذا لم يصدق عرفاً معه إضاعة المال وإن كان شرعاً كذلك؛ لدخوله عرفاً في المؤونة، لكنّ الأقوى خلافه»(1).

والتحقيق: أ نّه لا يجب الاقتصاد، بل يحرم الإسراف شرعاً، ولكن لو صرف المال بنحو لا يعدّ إسرافاً وتضييعاً للمال عرفاً، يحسب من المؤونة؛ لأنّ نظر العرف محكّم في موارد الإسراف أيضاً، كالمؤونة، فلا دليل على تحديدها بعدم كونه إسرافاً شرعياً.

إلّا أن يقال: إنّ الإسراف بما أ نّه محرّم شرعاً، لا يعدّ من المؤونة أيضاً شرعاً، وإنّ فهم العرف حجّة في فهم العبارة إذا لم تكن مقيّدة شرعاً، كما أ نّه لا يحتسب من المؤونة المال المصروف في اشتراء الخمر لشربه؛ وإن كان عند البعض من أبلغ المؤونة.

وكيفما كان: إذا لم يمنع الشارع عن مصرف خاصّ، فالمدار في كونه من المؤونة على العرف.

ومع الشكّ في اندراجه فيها عرفاً- كما في الصرف لازدياد رأس المال مثلًا- فقد يقال: إنّ المرجع حينئذٍ هو عموم الآية والروايات الدالّ على وجوب الخمس في الغنائم والفوائد المكتسبة؛ حيث يقتصر في تخصيصه على القدر المتيقّن(2).


1- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 201 ..
2- مصباح الفقيه 14: 131، الخمس، المحقّق المنتظري: 199 ..

ص: 177

والمراد من المؤونة ما يصرفه فعلًا لا مقدارها، فلو قتّر (57) على نفسه أو تبرّع بها متبرّع لم يُحسب مقداره منها، بل لو وجب عليه في أثناء السنة صرف المال في شي ء- كالحج أو أداء دين أو كفارة ونحوها- ولم يصرف فيه عصياناً أو نسياناً ونحوه، لم يحسب مقداره منها على الأقوى.

وفيه: أنّ هذا من قبيل التمسّك بالعامّ في الموارد المشتبه كونها من مصاديق المخصّص، وهو لا يجوز عندنا حتّى فيما إذا كان المخصّص في كلام منفصل؛ لأنّه لا يبقى ظهور للعامّ عرفاً مع المخصّص المجمل حتّى يتمسّك به، فلابدّ من الرجوع إلى البراءة؛ وإن كان الاحتياط حسناً على كلّ حال.

57- حكى الشيخ رحمه الله عن غير واحد- كالعلّامة، والشهيدين، والمحقّق الثاني- التصريح بأ نّه لو قتّر حسب له من المؤونة، فهي في نظرهم ممّا يحتاج إليه الإنسان، والخمس قد تعلّق بما عدا مقدار المؤونة، فمقدارها مستثنى ممّا يتعلّق به الخمس؛ سواء أنفقه فعلًا، أم لا(1).

وفيه: أنّ الظاهر من قولهم عليهم السلام: «الخمس بعد المؤونة» في الروايات، ثبوت الخمس بعد استثناء المقدار الذي انفق فعلًا في المؤونة، كما في مصارف استخراج المعدن والكنز، فالحقّ هو ما قاله الماتن رحمه الله.

ولكنّه لو قصّر في أداء بعض التكاليف المتوقّفة على صرف المال كالحجّ في عام استطاعته، أو أداء دين معجّل مع إمكانه ومطالبة الدائن دينه، فهل يحسب أمثاله من المؤونة وإن لم يصرف فعلًا فيها، أم لا؟


1- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 207 ..

ص: 178

أفتى بعض الأعلام- كالإمام الخميني رحمه الله- بعدم كونها من المؤونة.

ولكنّ التحقيق في الدين أ نّه يعدّ من المؤونة؛ لأنّه يجب عليه فعلًا أداؤه مع مطالبة الدائن، بل يحرم استنكافه عن ذلك، فلابدّ من استثناء ذلك قبل التخميس.

وأمّا الحجّ، فبما أ نّه قد استقرّ عليه التكليف بالاستطاعة، فإن احتمل أ نّه لايتمكّن من الاستطاعة المالية بالحجّ في السنة الآتية، فيحتسب أيضاً مقدار المال اللازم صرفه في الحجّ من المؤونة؛ لأنّه حينئذٍ صار كالدين، فلا يجب عليه الخمس في مؤونته. وأمّا إذا كان ماله كثيراً- بحيث يتمكّن عرفاً من الحجّ من دون عسر في السنة الآتية- فلا يحتسب من المؤونة.

وقد تفطّن لهذا المطلب العلّامة الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» حيث قال: «نعم لو لم يتمكّن فيما بعد أن يحجّ إلّابحفظ هذا الربح لمؤونته، لا يبعد أن يعدّ من مؤونته في هذه السنة؛ حيث يجب عليه حفظه لتفريغ ذمّته عن الواجب، كما لو وجب عليه أمر بنذر وشبهه، ولم يتمكّن من الخروج عن عهدته إلّابجمع ما يفضل عن مؤونته من الأرباح في سنين متعدّدة، فإنّه- على الظاهر- يعدّ حينئذٍ من المؤونة، بل من أهمّها، كما أنّ من جملة المؤونة- بل من أهمّها- تفريغ ذمّته عمّا عليه من الديون، واروش الجنايات، والديات، وقيم المتلفات»(1).

والتحقيق: هو ما قاله المحقّق الهمداني؛ لأنّ ما تعلّق بذمّة الإنسان مع فورية أدائه، يعدّ من المؤونة وإن قصّر إلى الآن ولم يصرف المال فيه فعلًا؛ لأنّه يجب عليه الصرف تكليفاً وإفراغ ذمّته عنه شرعاً فعلًا. نعم لو قصد عدم أدائه أصلًا عصياناً، يجب عليه الخمس من دون استثناء.


1- مصباح الفقيه 14: 133 ..

ص: 179

(مسألة 12): لو كان له أنواع من الاستفادات- من التجارة والزرع وعمل اليد وغير ذلك- يلاحظ آخر السنة مجموع ما استفاده من الجميع، فيخمّس الفاضل عن مؤونة سنته، ولا يلزم أن يلاحظ لكلّ فائدة سنة على حدة (58).

(مسألة 13): الأحوط- بل الأقوى- عدم احتساب رأس المال مع الحاجة إليه من المؤونة (59)، فيجب عليه خمسه إذا كان من أرباح المكاسب، إلّاإذا احتاج إلى مجموعه في حفظ وجاهته أو إعاشته ممّا يليق بحاله، كما لو فرض أ نّه مع إخراج خمسه، يتنزّل إلى كسب لا يليق بحاله أو لا يفي بمؤونته، فإذا لم يكن عنده مال، فاستفاد بإجارة أو غيرها مقداراً، وأراد أن يجعله رأس ماله للتجارة ويتّجر به، يجب عليه إخراج خمسه، وكذلك الحال في الملك الذي يشتريه من الأرباح ليستفيد من عائداته.

58- قد مرّ البحث في ذلك وأدلّته، والأقوى ما ذهب إليه الماتن، فراجع.

59- قد يقال بوجوب الخمس فيه مطلقاً؛ سواء مع الحاجة إليه، وعدمها، وسواء كان رأس المال بمقدار يناسب كسب مؤونة سنته، أو كان زائداً عليه. وقد يقال بعدم الوجوب مطلقاً. ويحتمل التفصيل بين رأس مال يعادل مؤونة سنته، وبين الزائد عليه، فلا خمس في الأوّل، دون الثاني، فإنّه يجب فيه.

واستدلّوا على القول الأوّل: بأنّ الواجب إخراج الخمس من كلّ فائدة وغنيمة، وقد استثني منها المؤونة، وحملت على مؤونة السنة، والمراد بالمؤونة القوت وما هو من سنخه من الملبس والمأكل والمسكن المحتاج إليها وغيرها، ولا تشمل رأس المال وآلات الصناعة ووسائل التوليد وإن احتاج إليها في هذه السنة، فضلًا عمّا يصرف لتحصيل الفائدة في السنوات الآتية. وإن كنّا في شكّ أيضاً في صدق

ص: 180

عنوان «المؤونة» وشمولها لرأس المال تكون المؤونة المستثناة من الوجوب مجملة، فإذا كان المخصّص المنفصل مجملًا، كان العامّ بالنسبة إلى غير القدر المتيقّن من المستثنى باقياً على عمومه، وهو الحجّة، فعموم قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ(1) محكّم.

واستدلّوا للاحتمالين الآخرين: بأنّ المؤونة هي ممّا يحتاج إليه الإنسان في معاشه، أو مصارفه لتحصل زاد معاده، فإذا كان الإنسان محتاجاً في معاشه وإدارة حياته لرأس مال أو وسائل وآلات الصناعة أو التجارة أو الزراعة- ولو في السنين الآتية- يعدّ هذا في العرف من المؤونة، وتدخل في المستثنى من دون إشكال.

قال الشيخ رحمه الله في كتاب الخمس- بعد أن عدّ من المؤونة تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في المعاش، وفاقاً للغنائم(2)، كاشتراء الضيعة لأجل المستغلّ-: «والظاهر أ نّه لا يشترط التمكّن من تحصيل الربح منه بالفعل، فيجوز صرف شي ء من الربح في غرس الأشجار لينتفع بثمرتها ولو بعد سنين، وكذلك اقتناء إناث أولاد الأنعام»(3).

وما قاله الشيخ رحمه الله هو الصحيح؛ بشرط أن لا يكون رأس المال الموجود مناسباً لشأنه في إدارة امور معاشه، أي بأن لا تكون منافعه كافية لمؤونته في كلّ سنة، وتكون ناقصةً عنه، فيجوز له التتميم من دون التخميس، فيحتسب التتميم من المؤونة.

وإن أراد تتميمه زائداً عمّا يحتاج إليه في مؤونته لازدياد منافعه وغنائمه،


1- الأنفال( 8): 41 ..
2- غنائم الأيّام 4: 331 ..
3- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 201 ..

ص: 181

فلا يحتسب من المؤونة، فلابدّ من التخميس أوّلًا، ثمّ الزيادة على رأس المال، وفاقاً للسيّد الخوئي رحمه الله حيث قال: «لابدّ من التفصيل بين ما إذا كان محتاجاً إلى رأس المال ولم يكن له رأس مال آخر- بحيث توقّفت إعاشته اليومية على صرف هذا المال عيناً أو منفعة- فلا خمس فيه، وبين غيره ففيه الخمس؛ ضرورة عدم كون مطلق رأس المال- بلغ ما بلغ كعشرة آلاف مثلًا- من مؤونة هذه السنة، وقد عرفت أنّ المستثنى هو مؤونة السنة لا غيرها»(1).

فالحقّ هو التفصيل بين ما يحتاج إليه في إمرار معاشه في السنوات الآتية وما يكون مناسباً لشأنه، وبين غيره، ففي الأوّل لا يجب التخميس وتحتسب من المؤونة، بخلاف الثاني.

والإشكال: بأ نّه لا يرى العرف فرقاً بين ادّخار عين الفائدة لأن يصرفها في السنوات الآتية في نفقته، وبين أن يصرفها في رأس مال التجارة وآلات الكسب والصناعة والزراعة؛ لصدق الغنيمة على كليهما.

مندفع: بأنّ المستثنى هو المؤونة، وإنّما قيّدت بالسنة من جهة الإجماع، وما ذكرنا داخل عرفاً في مؤونة السنة، والإجماع على الخلاف لم يثبت في المقام، بل قد ثبت عدمه، كما نقلنا قول الشيخ، وهو يدلّ على عدم الإجماع في ذلك. مع أنّ صرف بعض الربح في إصلاح الأرض والأشجار للسنين الآتية أو صرفه في تحصيل آلات الصناعة أو لتعميرها أو لتعويضها وتبديلها بأحسن منها، كان متعارفاً بين الناس والمسلمين.

ويؤيّده قول السائل لأبي الحسن الثالث عليه السلام: وذهب منه بسبب عمارة الضيعة


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 249 ..

ص: 182

(مسألة 14): لو كان عنده أعيان من بستان أو حيوان- مثلًا- ولم يتعلّق بها الخمس، كما إذا انتقل إليه بالإرث، أو تعلّق بها لكن أدّاه، فتارة يُبقيها للتكسّب بعينها، كالأشجار غير المثمرة التي لا ينتفع إلّابخشبها وأغصانها، فأبقاها للتكسّب بهما، وكالغنم الذكر الذي يُبقيه ليكبر ويسمن فيكتسب بلحمه.

واخرى للتكسّب بنمائها المنفصل، كالأشجار المثمرة التي يكون المقصود الانتفاع بثمرها، وكالأغنام الانثى التي ينتفع بنتاجها ولبنها وصوفها. وثالثة للتعيّش بنمائها وثمرها؛ بأن كان لأكل عياله وأضيافه. أمّا في الصورة الاولى:

فيتعلّق الخمس بنمائها المتّصل، فضلًا عن المنفصل. كالصوف والشعر والوبر. وفي الثانية: لا يتعلّق بنمائها المتّصل، وإنّما يتعلّق بالمنفصل منه.

كما أنّ في الثالثة: يتعلّق بما زاد على ما صرفه في معيشته (60).

ثلاثون كرّاً، وبقي في يده ستّون كرّاً، ما الذي يجب لك من ذلك؟ فوقّع عليه السلام: «لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونته»(1).

فالأقوى عدم وجوب الخمس في رأس المال المناسب لشأنه والمحتاج إليه؛ وإن كان الأحوط استحباباً تخميسه.

60- لا فرق عندنا في تعلّق الخمس في كلّ من الأقسام الثلاثة المذكورة؛ لو بقيت فائدة زائدة بعد إخراج مؤونة سنته أو استفادته منها بعينه، ففي الثمار مثلًا لا يتعلّق الخمس بالثمار التي كان يأكل منها، وكذا عياله، ولا يتعلّق أيضاً بما يبيعه ويشتري بثمنه شيئاً لمعاشه، أو لتحصيل معاده، ففي كلّ ذلك لو بقي مازاد عن مؤونة سنته يجب عليه الخمس، فلا فرق بين الأقسام من هذه الجهة.


1- وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 2 ..

ص: 183

(مسألة 15): لو اتّجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة، فباع واشترى مراراً، فخسر في بعضها وربح في بعض آخر، يجبر الخسران بالربح، فإذا تساويا فلا ربح (61)، وإذا زاد الربح فقد ربح في تلك الزيادة.

وكذا لو اتّجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد- ممّا تعارف الاتّجار بها فيه- من غير استقلال كلّ برأسه، كما هو المتعارف في كثير من البلاد والتجارات، بل وكذا لو اتّجر بالأنواع المختلفة في شعب كثيرة يجمعها مركز واحد، كما لو كان لتجارة واحدة- بحسب الدفتر والجمع والخرج- شعب كثيرة مختلفة، كلّ شعبة تختصّ بنوع تجمعها شعبة مركزية، أو مركز واحد بحسب المحاسبات والدخل والخرج، كلّ ذلك يجبر خسران بعض بربح بعض. نعم لو كان أنواع مختلفة من التجارة، ومراكز متعدّدة غير مربوطة بعضها ببعض بحسب الخرج والدخل والدفتر والحساب، فالظاهر عدم جبر نقص بعض بالآخر (62)، بل يمكن أن يقال: إنّ المعيار استقلال التجارات لا اختلاف أنواعها.

61- لأنّه يعدّ عرفاً كلّ ذلك تجارة للشخص، والمراد من «الغنيمة» و «الفائدة»- كما مرّ منّا- هو غنيمة الشخص واستفادته من التكسّب؛ سواء كان من كسب واحد، أو أكثر، ومن تجارة شي ء واحد، أو أكثر، فيجب الخمس بعد المؤونة، وإذا خسر في تجارة واحدة في بعض السنة وربح في بعضها الآخر وكان الربح مساوياً للخسارة، لا يقال عرفاً: «إنّه غنم وأفاد» وأمّا إذا كانت الفائدة أكثر من الخسران فيقال: «إنّه أفاد» فيجب عليه الخمس بعد المؤونة.

62- فيه: أ نّه إذا كانت كلّ الشعب لشخص واحد وتاجر واحد، فلا دليل على

ص: 184

(مسألة 16): لو اشترى لمؤونة سنته من أرباحه بعض الأشياء، كالحنطة والشعير والدهن والفحم وغير ذلك، وزاد منها مقدار في آخر السنة، يجب إخراج خمسه قليلًا كان أو كثيراً (63)، وأمّا لو اشترى فرشاً أو ظرفاً أو فرساً ونحوها ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها، فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها (64)، إلّا إذا خرجت عن مورد الحاجة، فيجب الخمس فيها على الأحوط (65).

عدم جبران بعضها ببعض؛ لأنّه إذا خسر في واحدة من الشعب واستفاد في واحدة اخرى بمقدار الخسارة، لا يقال: «إنّه أفاد في السنة واغتنم» حتّى وإن كانت الشعب متعدّدة والحساب غير مرتبط بعضه ببعض؛ لأنّ المعيار إنّما هو غنيمة الشخص، لا تجارة واحدة أو كسب واحد خاصّ.

ويدلّ عليه قوله تعالى: أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ حيث نسب الغنيمة إلى المكلّفين، والتجارات والصناعات والزراعات كلّ ذلك يحسب للشخص وسيلة للغنيمة، كما أنّ المؤونة تستثنى من جمع الغنائم دون بعض منها، فالمعيار استقلال الغانم، دون التجارات.

63- لأنّ الباقي لا يحتسب من مؤونة السنة وإن اشتراه وصرف ماله في ذلك؛ لأنّ العين باقية، ولها ماليّة، فتعدّ من الغنيمة.

64- لأنّ ما كان منها محتاجاً إليه في معاشه والاستفادة منه في حياته، يحسب من المؤونة وإن بقيت عينه، كالمسكن، والمفروشات، والمركب، وغير ذلك، وأمّا إذا زاد عن مقدار حاجته عرفاً- كما إذا فرش بيته فرشاً فوق ما يتناسب شأنه- فيجب الخمس في الزائد عمّا يحتاج إليه على الأقوى؛ لأنّه لا يكون من المؤونة حينئذٍ.

65- بل الأقوى وجوبه حينئذٍ.

ص: 185

(مسألة 17): إذا احتاج إلى دار لسكناه- مثلًا- ولا يمكنه شراؤها إلّامن أرباحه في سنين عديدة، فالأقوى أ نّه من المؤونة (66) إن اشترى في كلّ سنة بعض ما يحتاج إليه الدار، فاشترى في سنة أرضها مثلًا، وفي اخرى أحجارها، وفي ثالثة أخشابها وهكذا، أو اشترى- مثلًا- أرضها وأدّى من سنين عديدة قيمتها إذا لم يمكنه إلّاكذلك. وأمّا إبقاء الثمن في سنين للاشتراء فلا يُعدّ من المؤونة، فيجب إخراج خمسه (67). كما أنّ جمع صوف غنمه من سنين عديدة- لفراشه اللازم أو لباسه- إذا لم يمكنه بغير ذلك، يُعدّ من المؤونة على الأقوى. وكذلك اشتراء الجهيزيّة لصبيّته من أرباح السنين المتعدّدة في كلّ سنة مقدارها، يعدّ من المؤونة لا إبقاء الأثمان للاشتراء.

66- لأنّ الدار من أظهر مصاديق مايحتاج إليه الإنسان، واشتراء بعض ما يحتاج إليه الدار يحسب ممّا يحتاج إليه الإنسان، فصرف مال في هذا يعدّ من المؤونة، وهذا لا إشكال فيه.

67- قال الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره: «ولو حصلت الاستطاعة» أي استطاعة الحجّ «من فضلات سنين متعدّدة وجب كلّ سنة إخراج خمس ما فضل؛ لسبق تعلّق الخمس على وجوب الحجّ. وهذا بخلاف غير الحجّ من الواجبات الشرعية والعرفية التي يجب تحصيل الاستطاعة لها، كالكفّارات، والغرامات، وشراء الدار، ونحوها ممّا يلزم عرفاً، فإنّ ما يفضل عن مؤونة سنته وإن لم يفِ بتحصيل ذلك الأمر اللازم، إلّا أنّ حفظه ليضمّ إليه ما يفضل عنه في سنة اخرى، فمحصّل ذلك الأمر اللازم معدود عرفاً من المؤونة»(1).


1- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 214 ..

ص: 186

(مسألة 18): لو مات في أثناء حول الربح، سقط اعتبار إخراج مؤونة بقيّة السنة على فرض حياته (68)، ويخرج خمس ما فضل عن مؤونته إلى زمان الموت.

ولكنّه مشكل جدّاً؛ لأنّ «المؤونة» ظاهرة فيما ينفقه الإنسان فعلًا فيما يحتاج إليه، وإن لم يصرفه فيها- بأيّ سبب كان- لا تحسب من المؤونة، فالأقوى تعلّق الخمس فيما زاد عن المؤونة المصروفة حتّى وإن احتاج إليه لتحصيل المسكن في المستقبل.

نعم، إذا كان تحصيله عليه واجباً لضرورة معاشه وإدارة حياته، أو لوقوعه في الحرام إذا لم يحصل المسكن، أو في العسر والحرج المنفيان وهو لا يمكن إلّا بجمع ماله في سنوات متعدّدة، فحينئذٍ يكون وجوب الخمس مزاحماً لوجوب حفظ ماله لتحصيل المسكن، فيقدّم الأقوى، فلا بُعد أن نقول بوجوب حفظ ماله وسقوط الخمس عنه.

ولعلّ نظر الشيخ رحمه الله إلى هذا. وهذا هو الكلام بعينه فيما يعدّ لفراشه اللازم، أو لباسه، أو لجهاز ابنته، وغير ذلك؛ إذا اشترى أجناسها وأعدّها للفراش والثوب.

ولكنّه يمكن أن يقال: ما الفرق بين جمع صوف غنمه من سنين عديدة لفراشه، وبين جمع الأثمان من سنين لاشتراء الدار، أو المركب اللازم، أو جهاز العرس؛ إذا كان الصوف من عوائد الأغنام وزاد عن مؤونة سنته؟! فالاحتياط فيه أيضاً يقتضي التخميس، إلّافيما فرضناه آنفاً.

68- لانتفاء موضوع المؤونة، فيرجع إلى عموم أدلّة الخمس، لأنّ المعتبر هو المؤونة الفعلية، لا التقديرية. نعم يمكن أن يقال بعدم الوجوب؛ لما مرّ من تعلّق

ص: 187

(مسألة 19): لو كان عنده مال آخر لا يجب فيه الخمس، فالأقوى جواز إخراج المؤونة من الربح خاصّة (69) وإن كان الأحوط التوزيع، فلو قام بمؤونته غيره- لوجوب أو تبرّع- لم تُحسب المؤونة، ووجب الخمس من جميع الربح.

الوجوب بعد تمام السنة. ولا يجب الخمس في الإرث أيضاً، فلا يجب على الورثة التخميس. ولكن الظاهر من الرواية مؤونة سنة صاحب المال، وبعد موتها لا يحتسب من مؤونته.

69- وقد نقل في المسألة أقوال ثلاثة:

الأوّل: جواز صرف الربح في المؤونة مطلقاً.

الثاني: عدم جوازه مطلقاً، ونسب إلى الأردبيلي رحمه الله(1).

الثالث: التوزيع كما عن «الدروس»(2) و «المسالك» أي توزيع المؤونة بين الربح والمال الآخر الذي لا خمس فيه بالنسبة.

وقد استدلّوا على القول الأوّل بإطلاق الروايات الدالّة على أنّ «الخمس بعد المؤونة» وهي يشمل من كان له مال آخر وغيره، فوجوب الخمس إنّما هو بعد المؤونة.

واستدلّ الأردبيلي رحمه الله: «بأنّ ما دلّ على جواز صرف الربح في المؤونة، ضعيفة السند، والعمدة الإجماع في ذلك ودليل نفي الضرر، والقدر المتيقّن هو صورة الاحتياج وعدم وجود مال آخر له، أمّا مع وجود مال آخر فلا دليل على صرف الربح فيها، ومقتضى إطلاق أدلّة الخمس إخراجه من غير استثناء، ومعقد


1- مجمع الفائدة والبرهان 4: 318 ..
2- الدروس الشرعية 1: 259، مسالك الأفهام 1: 465 ..

ص: 188

(مسألة 20): لو استقرض في ابتداء سنته لمؤونته، أو اشترى بعض ما يحتاج إليه في الذمّة، أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح، يجوز له وضع مقداره من الربح (70).

الإجماع لا يشمل ذلك المقام»(1).

وفيه: أنّ بعض الروايات الدالّة على استثناء المؤونة- كصحيحة ابن مهزيار- صحيحة، أو معتبرة، ولا خَلل في سندها. ودعوى الانصراف إلى صورة الحاجة غير ظاهرة، فلا دليل عليه، والمرجع في تعيين الحاجة هو العرف، وهي متحقّقة عرفاً.

واستدلّ القائلون بالتوزيع بقاعدة العدل والإنصاف.

وفيه: أ نّه لا معنى للرجوع إلى هذه القاعدة في هذه الموارد؛ لتمامية الإطلاق في الروايات الدالّة على استثناء المؤونة الشامل للمقام أيضاً، فالأقوى هو القول الأوّل؛ وإن كان الأحوط استحباباً التوزيع، أو إخراجها من غير الربح.

ثمّ إنّ الظاهر جواز جبران المال المنفق في المؤونة بربح آخر في آخر السنة، كما إذا أنفق رأس ماله في المؤونة في أثناء السنة، ثمّ ظهر الربح من المال الآخر، فإنّه يجبر المال المصروف فيها من الربح.

70- لأنّه لا يصدق عليه عرفاً أ نّه غنم أو أفاد إلّابوصفه كذلك؛ سواء استقرض، أو اشترى في الذمّة، أو أنفق رأس ماله، فلا تشمله عمومات وجوب الخمس.

هذا مضافاً إلى دلالة الروايات على وجوب الخمس بعد المؤونة؛ لأنّها مطلقة شاملة لأيّ نوع من اشتراء ما يحتاج إليه في سنته؛ بالقرض، أو بالذمّة، أو برأس


1- مجمع الفائدة والبرهان 4: 318 ..

ص: 189

(مسألة 21): الدين الحاصل قهراً- مثل قيم المتلفات واروش الجنايات، ويُلحق بها النذور والكفّارات- يكون أداؤه في كلّ سنة من مؤونة تلك السنة، فيوضع من فوائدها وأرباحها كسائر المؤن (71)، وكذا الحاصل بالاستقراض (72) والنسيئة وغير ذلك؛ إن كان لأجل مؤونة السنوات السابقة إذا أدّاه في سنة الربح، فإنّه من المؤونة على الأقوى، خصوصاً إذا كانت تلك السنة وقت أدائه.

المال، وقد مرّ منّا أنّ مبدأ السنة إنّما يحسب من حين الشروع في الاكتساب.

وأمّا بناءً على أنّ مبدأها ظهور الربح مطلقاً- كما اختاره السيّد الخوئي- فقد ذهب قدس سره إلى أ نّه لا دليل على إخراج المؤونة المصروفة سابقاً ووضعه من الربح المتأخّر، إلّاإذا كانت المؤونة مصروفة في سبيل تحصيل الربح، كالسفر إلى بلاد بعيدة، فبطبيعة الحال ينفق أموالًا في مأكله ومشربه ومسكنه، فإنّ هذا كلّه يجوز أن يخرج من الربح المتأخّر قطعاً(1).

وفيه ما مرّ من احتساب كلّ سنة لجميع الأرباح من مبدأ شروع الاكتساب؛ وإن كانت له مكاسب ومتاجر متعدّدة، وبعضها يحصل ربحها في أوّل السنة، وبعضها في آخرها.

71- لا إشكال في كون أداء الدين من المؤونة التي يحتاجها الإنسان، بل من أظهرها، فيوضع من فوائد السنة وأرباحها، فلا فرق فيه بين أن يحصل قهراً، أو اختياراً.

72- الدين يتصوّر على أقسام، فإنّ الدين الحاصل في عامه قبل حصول الربح،


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 260 ..

ص: 190

أو بعده، إمّا أن يكون لأجل المؤونة في هذا العام، أو لغيرها، وهو قد يكون مع بقاء عين ما استدان له، واخرى مع تلفها، كما في الغرامات واروش الجنايات، فالصور المفروضة في هذا القسم مختلفة:

الصورة الاولى: ما إذا كان الدين لأجل المؤونة في هذا العام، ولا إشكال في وضعه من الربح؛ لأنّه يحتسب من المؤونة بلا إشكال، سواء كان الدين قبل حصول الربح وظهوره، أو بعده، وسواء بقيت عين ما استدان له، أم لا؛ إذا كانت العين من المؤونة عرفاً، كالمسكن والأواني المحتاج إليها عرفاً؛ فإنّه إذا أدّى الدين من الربح، يعدّ هذا من صرف الربح في المؤونة.

بل وإن لم يؤدّ إلى أن مضت السنة، جاز الأداء من الربح قبل التخميس؛ لأنّه ما دام لم يؤدّه لا يصدق عند العقلاء أ نّه ربح واغتنم، لأنّهم لا يعتبرون الربح الذي بإزائه دين، ربحاً حقيقةً، ولا يصدق أيضاً أ نّه فاضل عن مؤونته إلّاإذا أدّى الدين منه، فمجرّد اشتغال الذمّة بالدين في هذه السنة، كافٍ في عدم إطلاق الرابح عليه. ولا فرق في هذا بين كون الدين والاستدانة قبل حصول الربح، أو بعده.

ويكفي في صدق المؤونة صرف المال في المؤونة ولو باشتغال ذمّته به؛ لأنّه وجب عليه إفراغ ذمّته منه.

الصورة الثانية: ما إذا لم يكن الدين للمؤونة، كما إذا اشترى سيّارة للتكسّب والاسترباح، فحينئذٍ يجوز أداء الدين من الربح، إلّاأ نّه إذا كانت عين ما اشتراه باقية- كالمفروض- تحسب نفسها من فوائد السنة، فيجب خمسها؛ سواء زادت قيمتها عمّا اشتراه، أو نقصت، أو كانت مساوية.

وأمّا إذا تلفت العين ولم يبق شي ء بإزائها، فلا إشكال أيضاً في أداء الدين من الربح؛ لأنّه قد اشتغلت ذمّته بالدين، ومن أهمّ الحوائج أن يفرّغ ذمّته منه، فأداء

ص: 191

الدين حينئذٍ يعدّ من المؤونة بلا إشكال. هذا إذا كان قد أدّاه قبل مضيّ السنة.

وأمّا إذا لم يؤدّه حتّى مضت السنة، فلا يحتسب من المؤونة على المشهور، ولا يستثنى من ربح السنة الماضية، بل من اللاحقة؛ لأنّه يصير حينئذٍ كمن قد قتّر على نفسه في صرف المؤونة، فلا يستثنى منها؛ لأنّ الصرف شرطٌ فيها. إلّاأنّ الأقوى فيه أيضاً الاستثناء؛ لأنّه قد اشتغلت ذمّته بهذا ووجب إفراغه منه، فلابدّ من الإفراغ، فيحتسب من المؤونة عرفاً.

ولا فرق في هذا بين الدين الاختياري، كما لو استدان، وبين الإجباري، كالاروش وضمان المتلفات في الجنايات.

الصورة الثالثة: الدين الحاصل قبل عامه الحالي؛ بأن ثبت قبله ولم يؤدّه، فبقي على ذمّته إلى أن دخل عامه هذا؛ سواء كان متمكّناً من أدائه قبلًا، أم لا، وفي هذه الصورة قد أفتى بعضهم بالفرق بين من تمكّن من أدائه سابقاً، فلا يحتسب من المؤونة، وبين من لم يتمكّن من ذلك، فيحتسب من مؤونة هذه السنة، كما في «العروة الوثقى» حيث قال: «أداء الدين من المؤونة إذا كان في عام حصول الربح، أو كان سابقاً، ولكن لم يتمكّن من أدائه إلى عام حصول الربح»(1).

وفيه: أ نّه لا دخل للتمكّن في السابق وعدمه في المقام، ولا دليل على هذا التقييد، بل العبرة بصدق المؤونة، وقد مرّ أنّ أداء الدين وإفراغ الذمّة، من أهمّ الحوائج، ويحتسب من المؤونة عرفاً بلا إشكال؛ لأنّه يجب عليه الخروج عن عهدته، ولا سيّما مع مطالبة الدائن، فسبق سبب الدين لا يخرجه عن كونه مؤونة، كما إذا كان مريضاً سابقاً ولم يتمكّن من العلاج آنذاك، فيتعالج في هذه السنة، فلا إشكال في أنّ إنفاق المال في العلاج يحتسب من المؤونة.


1- العروة الوثقى 4: 290 ..

ص: 192

وكذا يحتسب من المؤونة إن لم يكن عند استدانته محتاجاً إليه؛ لأنّه لادخل في احتياجه في ذلك الزمان وعدمه، لأنّ الأداء حينئذٍ واجب محتاج إليه، كما إذا استدان وصرف في غير ما يجب عليه. هذا إذا كان قد أدّاه في أثناء السنة.

وأمّا لو لم يؤدّه فخرجت السنة، فلا يستثنى من الربح حينئذٍ؛ لأنّه لايحتسب من مؤونة السنة على الفرض، لأنّه كان باقياً من السنوات السابقة، بخلاف الدين الحاصل المنفق في المؤونة في هذه السنة، كما مرّ(1). هذا كلّه إذا لم يكن بدل الدين باقياً.

وأمّا إذا كان باقياً، فإن كان أخذ الدين لأمر خارجي غير المؤونة، فقد قال السيّد الخوئي قدس سره: «إنّه لا يجوز أداؤه من الربح قبل التخميس؛ لأنّه بعد أن كان الدين مقابلًا بالمال، فلو أدّاه من الربح غير المخمّس يبقى هذا المال خالصاً له بلا دين، فيكون زيادة على المؤونة، فلابدّ من تخميسه، فليس له أن يؤدّي دينه بلا تخميس؛ لا بالنسبة إلى الربح، ولا الثمن، بل لابدّ وأن يحاسب آخر السنة»(2).

وفيه: أ نّه لا إشكال في جواز أدائه الدين قبل التخميس؛ لأنّه يحتسب من المؤونة، وإذا كانت العين باقية إلى آخر السنة تحتسب من الربح في هذه السنة، فلابدّ من تخميسها، كما ذكره رحمه الله.

الصورة الرابعة: ما إذا كان الدين للمؤونة المحتاج إليها كالدار مثلًا، فله أن يؤدّي دينه من أرباح هذه السنة، ولا يجب تخميس العين حينئذٍ، وكذلك أداء مقدار من مهر الزوجة في كلّ سنة، فلا تخميس بالنسبة إليه؛ لأنّه يحتسب من صرف الربح في المؤونة.


1- تقدّم في الصفحة 190 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 271 ..

ص: 193

وأمّا الدين الحاصل من الاستقراض عن وليّ الأمر من مال الخمس- المعبّر عنه ب «دستگردان»- فلا يُعدّ من المؤونة (73) حتّى لو أدّاه في سنة الربح، أو كان زمان أدائه في تلك السنة وأدّاه، بل يجب تخميس الجميع ثمّ أداؤه من المخمّس، أو أداؤه واحتسابه حين أداء الخمس وردّ خمسه.

(مسألة 22): لو استطاع في عام الربح، فإن مشى إلى الحجّ في تلك السنة يكون مصارفه من المؤونة (74)، وإذا أخّر لعذر أو عصياناً يجب إخراج خمسه،

73- لأنّ ما استقرضه حينئذٍ كان من نفس خمس السنة السابقة، لا من المؤونة.

ولكنّه يمكن أن يقال: إنّه لو استقرضه وصرفه على ما احتاج إليه ولم يتمكّن فعلًا من أدائه، يعدّ من المؤونة، كما إذا كان من فقراء السادات، فيصرفه في مصارفه اللازمة. بل وكذلك غيرهم إذا احتاج إلى الدين في عام الاستقراض؛ لأنّه يحتسب ديناً عليه، فيجب عليه أداؤه في السنة الحاضرة، فيحتسب أداؤه من المؤونة عرفاً.

74- لا إشكال في كون مصارف الحجّ- وجوباً أو استحباباً- من المؤونة؛ إذا كانت مصارفه قد حصلت من فوائد السنة الحاضرة عرفاً وشرعاً.

وأمّا إذا لم يتمكّن من الحجّ لجهات- كالمرض، أو الحرج، أو الخوف، أو غير ذلك- وبقي المال إلى آخر السنة، فيجب عليه التخميس؛ لأنّه كما مرّ قد اعتبر الإنفاق الفعلي في صدق المؤونة، فإذا لم يستهلك المال في شي ء من الحوائج الشرعية أو العرفية لا تطلق عليه «المؤونة» وكذا إذا عصى ولم يحجّ عصياناً؛ لأنّ هذا لا يعدّ من المؤونة إذا لم يصرفه في مصرفه، كما هو الحال فيما لو قتّر على نفسه في العيش وبقي المال. إلّاإذا أدّى المال إلى الجهة المتصدّية لإرسال الحجّاج، كما في إيران، فإنّه يحتسب حينئذٍ ما أدّاه من المؤونة وإن لم يحجّ في السنة.

ص: 194

ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة، وجب الخمس (75) فيما سبق على عام الاستطاعة. وأمّا المقدار المتمّم لها في تلك السنة فلا خمس فيه لو صرفه في المشي إلى الحج. وقد مرّ جواز صرف ربح السنة في المؤونة، ولا يجب التوزيع بينه وبين غيره ممّا لا يجب فيه الخمس، فيجوز صرف جميع ربح سنته في مصارف الحجّ، وإبقاء أرباح السنوات السابقة المخمّسة لنفسه.

(مسألة 23): الخمس متعلّق بالعين (76)، وتخيير المالك بين دفعه منها أو من مال آخر لا يخلو من إشكال؛

نعم، بناءً على القول بأ نّه لو قتّر حسب له ولم يجب الخمس في مقدار ما قتّر عليه، كان الحكم في مسألة الحجّ أيضاً كذلك، فلا يجب التخميس في المقدار المحتاج إليه في مصرف الحجّ الواجب. ولكنّه قد مرّ أ نّه اشترط في استثناء المؤونة الإنفاق والاستهلاك الفعلي، وهو غير حاصل في المثال.

75- لأنّ الأرباح المذكورة قد حال عليها الحول، فوجب الخمس فيها، بخلاف ما حصل في هذا الحول، فإنّه يحتسب من مؤونة السنة إذا مشى إلى الحجّ وصرف المال فيه. وكذلك لو أنفق جميع ما يحتاجه في الحجّ من المال المكتسب من هذه السنة، مع تمكّنه من إنفاق المال المكتسب من السنوات الماضية المخمّسة؛ لأنّه قد مرّ أ نّه لا يجب التوزيع في المؤونة، بل له أن ينفق من فوائد سنته هذه.

76- لا خلاف ظاهراً في تعلّق الخمس بالعين، كما اختاره شيخنا الأعظم قدس سره حيث قال: «المظنون عدم الخلاف في ذلك»(1).


1- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 278 ..

ص: 195

ويدلّ عليه ظاهر أدلّة الخمس، كالآية الشريفة: فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ(1)، والروايات المتضمّنة لعبارات، مثل «الخمس عليه»(2) أو «منه»(3) أو «فيه»(4) أو نحو ذلك من التعبيرات التي يظهر منها تعلّقه بنفس الأرباح الخاصّة.

وأيضاً فقد ألحقوا الخمس بالزكاة المتعلّقة بالعين، ووجّهوا الإلحاق بالزكاة من جهتين:

الاولى: كونه عوضاً عن الزكاة لرفع حوائج السادات.

والثانية: كونهما معاً من الضرائب الإسلامية العامّة الحكومية، فيكون عدم ذكر الأصحاب بعض مسائل الخمس- كهذه المسألة- في كتاب الخمس، اعتماداً على ذكرهم إيّاها في كتاب الزكاة.

ثمّ إنّ الظاهر من لفظ «الخمس» وإن كان الإشاعة؛ لأنّ اللفظ- مثل «النصف» و «الربع» و «السدس» وغيره- موضوع للكسر المشاع، لكنّ المتبادر من لفظ «على» ولفظ «في» في الروايات كما مرّ، كون الخمس حقّاً مفروضاً على العين، خصوصاً في الثاني؛ لأنّ الظاهر أنّ الظرف يباين المظروف.

هذا مضافاً إلى الإشكالات الواردة على الإشاعة والشركة في باب الزكاة والخمس:


1- الأنفال( 8): 41 ..
2- وسائل الشيعة 9: 486، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 2 والباب 3، الحديث 1 و 7 ..
3- وسائل الشيعة 9: 487، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 4 و 9- 13 ..
4- وسائل الشيعة 9: 491، كتاب الخمس، أبواب مايجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 15، والباب 3، الحديث 3- 6 ..

ص: 196

منها: اشتراط قصد القربة في الصحّة، مع أنّ الخمس لو كان مشاعاً بين المستحقّين، لم يكن قصد القربة في أدائه واجباً، بل لزم أن تحصل البراءة بوصول المال إلى صاحبه ولو بدون القربة؛ لأنّ المال له.

إلّا أن يقال: إنّ اعتبار قصد القربة من جهة تحصيل الثواب، والتقرّب إلى اللَّه، وتحصيل المنازل العالية عنده سبحانه، لا أ نّها معتبرة في براءة الذمّة من الخمس، فتحصل البراءة ولو لم يكن الأداء بقصد القربة إذا أدّاه إلى مستحقّيه، كالإمام المعصوم عليه السلام.

ومنها: الحكم بجواز إخراج الخمس من غير العين، كما سيأتي، وأنّ الإخراج من حقّ المالك، مع أ نّه لو كان مشاعاً لم يجز ذلك إلّامع رضا الشركاء؛ وهم المستحقّون.

إلّا أن يقال: إنّ أصل الخمس للَّه، وقد أجاز تعالى للمالك تبديل العين بالثمن أو بالأعيان الاخرى في الزكاة والخمس.

وعلى أيّ حال: المشهور- بل نسب إلى مذهب الأصحاب- تخيير المالك بين دفع خمس العين، أو دفع قيمته من مال آخر نقداً أو جنساً، كما استظهره الشيخ رحمه الله في خمسه، مستظهراً من حاشية المحقّق الخوانساري نسبته إلى مذهب الأصحاب(1).

ويمكن أن يستدلّ له- مضافاً إلى إلحاقه بباب الزكاة، كما مرّ- بظهور أخبار واردة في الخمس في موارد خاصّة:

منها: رواية الأزدي عن علي عليه السلام في مورد الركاز بعد أن باعه واجده، حيث


1- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 278 ..

ص: 197

قال عليه السلام لواجده: «أدّ خمس ما أخذت؛ فإنّ الخمس عليك، فإنّك أنت الذي وجدت الركاز، وليس على الآخر شي ء؛ لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه»(1).

حيث يظهر منه أنّ الخمس تعلّق بالثمن، ولابدّ من أدائه منه، ولو كان متعلّقاً بالعين صرفاً كان البيع بالنسبة إلى مقداره فضولياً. نعم لو أجازه الوليّ فلابدّ من أخذه من الثمن؛ وهو الشياه والغنم، دون المثمن وهو الركاز.

ومنها: مصحّحة ريّان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام: ما الذي يجب علي يا مولاي في غلّة رحى أرضٍ في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: «يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللَّه تعالى»(2).

وهي أيضاً تدلّ على عدم وجوب أداء الخمس من العين، بل يجوز بيع العين وأداء خمس الثمن.

ومنها: رواية أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام: عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال، إنّما يبيع منه الشي ء بمئة درهم، أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب عليه السلام: «أمّا ما أكل فلا، وأمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع»(3).

ومنها: صحيحة أبي سيّار قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: إنّي كنت ولّيت الغوص


1- وسائل الشيعة 9: 497، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 6، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 9 ..
3- وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 10 ..

ص: 198

فأصبت أربع مائة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم ... إلى آخره(1).

هذا، وقد أورد السيّد الحكيم رحمه الله بقوله: «لكنّ مفادها جواز إيقاع المعاملة على المال الذي فيه الخمس، فينتقل إلى الثمن، ولا تدلّ على جواز دفع القيمة إلّاأن يكون نوعاً من المعاوضة، ولا يخلو من تأمّل»(2).

وفيه: أ نّه لو كان الخمس متعلّقاً بالعين لا غير، كان على الإمام أن ينكر على السائل بيعه، مع أنّ إمضاءهم عليهم السلام لذلك البيع وقبول خمس ثمنه، يدلّ على أنّ البائع مختار في دفعه من العين أو القيمة، فما الفرق بين أن يبيع العين ويأخذ الثمن ويؤدّي الخمس منه، وبين أن يبقي العين لنفسه ويؤدّي القيمة خمساً؟!.

ثمّ قال رحمه الله: «نعم قد يشكل الاعتماد عليها؛ من جهة عدم ظهورها في جواز ذلك بعد تمام الحول، ولا إطلاق لها يقتضيه؛ لعدم ورودها لبيان هذه الجهة، فغاية مدلولها جواز إيقاع المعاملة عليه، والظاهر أ نّه لا إشكال فيه في أثناء الحول ...

ولهمّ إلّاأن يتعدّى إليه باستصحاب الولاية الثابتة في أثناء الحول»(3).

وفيه: أنّ سكوت الأئمّة المعصومين عليهم السلام في مقابل عمل الأصحاب في بيع الأموال التي قد تعلّق بها الخمس وعدم تنبيههم عليهم السلام على عدم جواز بيعها ولو بعد الحول، يدلّ على الجواز. مع أنّ مورد بعض الروايات الغوص والركاز، ولا يشترط فيهما الحول، وقد وجب الخمس فيهما بعد الإخراج والوجدان، مع أ نّهم عليهم السلام لم يمنعوا أصحابهم عن بيع الغوص والركاز اللذين قد تعلّق الخمس بهما، فبعدم القول بالفصل بينهما وبين أرباح المكاسب نقول بجواز أداء الخمس من القيمة.


1- وسائل الشيعة 9: 548، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 12 ..
2- مستمسك العروة الوثقى 9: 555 ..
3- نفس المصدر: 556 ..

ص: 199

ولعلّ السيرة العملية في جميع الأعصار- حتّى عصر الأئمّة عليهم السلام ونوّابهم- تدلّ على جواز ذلك، حيث استقرّت على الاكتفاء بخمس القيمة وإرسالها إلى الأئمّة عليهم السلام ونوّابهم والعلماء الأعلام من بعدهم في زمان الغيبة، دون إرسال خمس الأعيان التي تعلّق بها الخمس على كثرتها وشتاتها.

ثمّ إنّ الحكم في الزكاة أيضاً كذلك، فقد وردت روايات في باب الزكاة تدلّ على الاجتزاء بالقيمة، مع إلحاقهم الخمس بباب الزكاة؛ لكونهما من الضرائب الإسلامية، وهكذا هو الحال في جميع الضرائب المالية في العرف والحكومات.

و أمّا أخبار الزكاة فكثيرة:

منها: صحيحة محمّد بن خالد البرقي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: هل يجوز أن اخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب، دراهم بقيمة ما يسوي، أم لا يجوز إلّاأن يخرج من كلّ شي ء ما فيه؟ فأجاب عليه السلام:

«أيّما تيسّر يخرج»(1).

ومنها: صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير، وعن الدنانير دراهم بالقيمة، أيحلّ ذلك؟ قال:

«لا بأس به»(2).

ومنها: صحيحة أو موثّقة عبداللَّه بن جعفر، عن محمّد بن وليد، عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة؛ فأشتري لهم منها ثياباً وطعاماً، وأرى أنّ ذلك خير لهم، قال: فقال: «لا بأس»(3).


1- وسائل الشيعة 9: 167، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة، الباب 14، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 167، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة، الباب 14، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 9: 168، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة، الباب 14، الحديث 4 ..

ص: 200

ولا إشكال في ظهورها في أنّ الزكاة كما يمكن أن تؤدّى بالعين، كذلك يمكن أن تؤدّى بالقيمة، بل يجوز تبديلها بالأعيان الاخرى.

وقد ألحق الفقهاء الخمس بباب الزكاة، ووجهه كونه عوضاً عن الزكاة، وكونهما معاً من الضرائب، ولذا فقد تعرّضوا لكثير من الأحكام في باب الزكاة، ولم يتعرّضوا لها في باب الخمس اعتماداً على ذلك.

وقال السيّد قدس سره في «العروة»: «الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين، ويتخيّر المالك بين دفع خمس العين، أو دفع قيمته من مال آخر نقداً وجنساً»(1).

نعم، استشكل بعض كالإمام الخميني رحمه الله في حاشيته على «العروة» بالنسبة إلى الجنس بقوله: «لا يخلو من إشكال، إلّاأن يرى الحاكم مصلحة فيه».

وكذلك السيّد الخوئي رحمه الله حيث قال: «في جواز الدفع من جنس آخر إشكال».

ولعلّه من جهة ما رواه سعيد بن عمر، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلت: يشتري الرجل من الزكاة الثياب، والسويق، والدقيق، والبطّيخ، والعنب، فيقسّمه، قال:

«لا يعطيهم إلّاالدراهم، كما أمر اللَّه»(2).

وفيه: أنّ الرواية ضعيفة من جهة محمّد بن أبي عبداللَّه، وسهل بن زياد، وسعيد بن عمر. مع احتمال عدم المصلحة في التبديل بالأعيان المذكورة بالنسبة إلى المستحقّ في خصوص مورد الرواية، مع أ نّه يجب أن يراعى في ذلك مصلحة المستحقّ للخمس من السادات والإمام عليه السلام ومع عدم المصلحة أو كان بضرر المستحقّ لا يجوز أداء الخمس من العين الاخرى.


1- العروة الوثقى 4: 296 ..
2- وسائل الشيعة 9: 168، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة، الباب 14، الحديث 3 ..

ص: 201

وإن لا يخلو من قرب إلّافي الحلال المختلط بالحرام (77)، فلا يترك الاحتياط فيه بإخراج خمس العين، وليس له أن ينقل الخمس إلى ذمّته (78) ثمّ التصرّف في المال المتعلَّق للخمس. نعم يجوز للحاكم الشرعي ووكيله المأذون أن يصالح معه ونقل الخمس إلى ذمّته، فيجوز- حينئذٍ- التصرّف فيه. كما أنّ للحاكم المصالحة في المال المختلط بالحرام أيضاً.

77- لا دليل على الاستثناء، بل الحكم فيه عيناً كالحكم في سائر أقسام الأموال التي يتعلّق بها الخمس، كما ذهب إليه السيّد قدس سره في «العروة» حيث قال في المال المختلط بالحرام: «كما يجوز دفعه» أي الخمس «من مال آخر وإن كان الحقّ في العين»(1)، ومثله أكثر المحشّين للعروة. وقد قال الإمام الخميني رحمه الله في حاشيته على «العروة»: «الأحوط أن يكون الدفع من مال آخر- إذا كان عروضاً- برضا المستحقّ أو وليّ الأمر؛ وإن كان عدم الاعتبار لا يخلو من وجه».

78- قال في «الجواهر» في مسألة بيع المعدن قبل إخراج خمسه: «إنّ الخمس وإن كان متعلّقاً بها» أي العين «وجاز له بيعه، وكان الخمس عليه، لكن له ضمانه على أن يؤدّيه من مال آخر، فيتّجه حينئذٍ تعلّق الخمس بالأصل خاصّة، دون الزيادة الحاصلة بالاكتساب»(2).

وقال في مسألة جواز تأخير خمس الأرباح: «وقد يشعر تعليل المصنّف وغيره التأخير بالاحتياط وتخصيص فائدته به- بل ظاهر غيره حصرها فيه- بعدم جواز التصرّف والاكتساب بالخمس، وهو كذلك؛ لكونه مال الغير. نعم لو ضمنه وجعله


1- العروة الوثقى 4: 264 ..
2- جواهر الكلام 16: 22 ..

ص: 202

في ذمّته جاز له ذلك، لكن ليس في الأدلّة هنا تعرّض لبيان أنّ له ضمانه مطلقاً، أو بشرط الملاءة، أو الاطمئنان من نفسه بالأداء، أو غير ذلك، بل لا تعرّض فيها لأصل الضمان، وجواز التأخير أعمّ من ذلك، بل هو أمانة في يده يجري عليه حكم الأمانات»(1).

وهذا الكلام وإن كان ناظراً إلى أثناء السنة، إلّاأ نّه لا يبعد أن نقول بعدم الفرق بين الأثناء وبعدها في أصل مسألة ضمان الخمس في الذمّة؛ لأنّه إذا تعلّق الخمس بالعين وقلنا بعدم اشتراط وجوبه بإتمام الحول، فتكون المسألة من وادٍ واحد من حيث جواز الضمان في الذمّة وعدمه.

وقال الشيخ رحمه الله في خمسه(2) بجواز التصرّف في الأعيان الخمسية مع ضمان الخمس؛ مستدلّاً عليه بسيرة الناس، وبأ نّه مقتضى الجمع بين ما مرّ من الأخبار الدالّة على جواز المعاملة(3)، وبين ما ورد في بعض الأخبار من أ نّه: «لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا»(4).

أقول: إنّ الأخبار الماضية غير دالّة على صحّة الضمان في الذمّة؛ لأنّ بعضها وارد في الجاهل بوجوب الخمس أصلًا، فلا ضمان أصلًا. مع أنّ الظاهر من بعضها قصد السائل لأداء الخمس خارجاً، بل وأدّاه عملًا.

ثمّ إنّ الأصل عدم جواز الضمان في الذمّة والتصرّف في العين المتعلّقة للخمس؛


1- جواهر الكلام 16: 80 ..
2- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 279 ..
3- وسائل الشيعة 9: 497، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 6، الحديث 1، والباب 8، الحديث 9 و 10 ..
4- وسائل الشيعة 9: 484، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 1، الحديث 4 ..

ص: 203

لأ نّه لا دليل على الضمان مع كون العين مشتركة بين المالك وأرباب الخمس. ولو كانت الشركة بنحو الشركة في المالية، فلا يجوز التصرّف من دون إذن الشريك أو وليّه، فحينئذٍ تكون المعاملة فضولية. وإذا أدّى الخمس من ماله الآخر جاز؛ لأنّه ملك بالأداء جميع العين، فيصير من قبيل من باع ثمّ ملك، فلا يحتاج حينئذٍ إلى الإجازة اللاحقة. وأمّا إذا لم يؤدّ من ماله الآخر فيحتاج إلى الإجازة؛ لأنّه حينئذٍ يصير البيع فضوليّاً، والتصرّف موقوفاً على إجازة مالكه أو وليّه.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ السيرة قائمةٌ على البيع والاشتراء والتصرّفات الاخر في الأموال غير المخمّسة المتعلّق بها الخمس، ولم يردع عنه الشارع والأئمّة عليهم السلام ولا الفقهاء الكرام، وهذا كالإذن منهم في التصرّف مع قصد أداء الخمس من مال آخر، كما ذهب إليه الشيخ رحمه الله، ولذا قال المحقّق العراقي رحمه الله في حاشيته على «العروة»:

«الأقوى ولايته على معاوضته بعين اخرى أو غيرها ممّا يراه صلاحاً للسادة، كما هو الشأن في الزكاة. وهكذا له تضمينه على نفسه والتصرّف في العين بعده لنفسه إذا لم يكن ممتنعاً من الأداء. وأمّا جواز إتلافه قبل التضمين أو صرفه بوجه آخر، ففيه إشكال، بل منع، كصورة تضمينه على نفسه مع امتناعه ...»(1).

وقال السيّد الأصفهاني رحمه الله: «ثمّ إنّه لا يبعد جواز التصرّف فيه مع الضمان؛ إذا لم يتمكّن من إيصاله إلى أهله فعلًا، وكان عازماً على الأداء عند التمكّن، سيّما إذا كان مليّاً»(2).

والحقّ هو جواز الضمان والتصرّف مع قصد الأداء عند التمكّن والوصول إلى الإمام، أو نائبه، أو السادات المستحقّين، والدليل هو السيرة المستمرّة، كما مرّ.


1- العروة الوثقى 4: 297 ..
2- نفس المصدر: 296 ..

ص: 204

(مسألة 24): لا يعتبر الحول (79) في وجوب الخمس في الأرباح وغيرها؛ وإن جاز التأخير إلى آخره في الأرباح احتياطاً للمكتسب، ولو أراد التعجيل جاز له، وليس له الرجوع على الآخذ لو بان عدم الخمس؛ مع تلف المأخوذ وعدم علمه بأ نّه من باب التعجيل.

79- لا إشكال في أ نّه لا يعتبر الحول في وجوب الخمس وتعلّقه في المعدن، والكنز، والغوص، والغنائم الحربية، كما مرّ؛ لظهور الآية والروايات في تعلّق الخمس بنفس الأموال المذكورة من دون شرط إخراج مؤونة السنة. نعم يستثنى منها مؤونة كسبها ومقدّمات تحصيلها، كما مرّ.

وإنّما الإشكال في الفوائد والأرباح المكتسبة من التجارات والصناعات والضياع؛ من جهة اعتبار استثناء مؤونة السنة، فقد اختلفوا في ذلك، فالمشهور أنّ مقتضى إطلاق الأدلّة تعلّق الوجوب بالمال بنفس الاكتساب، واستثناء المؤونة إنّما هو تخفيف على المكلّف وتسهيل ومنّة عليه، وإنّما جاز التأخير إلى آخر السنة احتياطاً لحفظ منافع المكلّف؛ من جهة احتمال ازدياد المؤونة وعدم بقاء الربح أصلًا، أو نقصانه عمّا كان عليه في أثناء السنة.

وأمّا ادّعاء الإجماع أو عدم الخلاف- كما عن بعض(1) في المسألة- فغير وجيه؛ لأ نّ المسألة لم تكن معنونة في كلمات القدماء من الأصحاب. مع أنّ المتبادر من بعض الأخبار- كما سيأتي- بل وكثير من الفتاوى، تعلّق الخمس بالباقي بعد المؤونة، وقلنا: إنّ المراد بالمؤونة إنّما هو مؤونة السنة، فيكون مقتضاه أنّ تعلّق الخمس ووجوبه إنّما هو بعد صرف مؤونة السنة.


1- جواهر الكلام 16: 79 ..

ص: 205

ولذلك قال ابن إدريس في «السرائر»: «وأمّا ما عدا الكنوز والمعادن- من سائر الاستفادات والأرباح والمكاسب والزراعات- فلا يجب فيها الخمس بعد أخذها وحصولها، بل بعد مؤونة المستفيد ومؤونة من تجب عليه مؤونة سنة هلالية على جهة الاقتصاد، فإذا فضل بعد نفقته طول سنته شي ء، أخرج منه الخمس؛ قليلًا كان الفاضل، أو كثيراً، ولا يجب عليه أن يخرج منه الخمس بعد حصوله له وإخراج ما يكون بقدر نفقته؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة، وإخراج ذلك على الفور أو وجوبه ذلك الوقت، يحتاج إلى دليل شرعي، والشرع خالٍ منه، بل إجماعنا منعقد- بغير خلاف- أ نّه لا يجب إلّابعد مؤونة الرجل طول سنته، فإذا فضل بعد ذلك شي ء أخرج منه الخمس؛ من قليله وكثيره.

وأيضاً: فالمؤونة لا يعلمها ولا يعلم كمّيتها إلّابعد تقضّي سنته؛ لأنّه ربّما ولد له الأولاد، أو تزوّج الزوجات، أو انهدمت داره ومسكنه، أو ماتت دابّته التي يحتاج إليها، أو اشترى خادماً يحتاج إليه، أو دابّة يحتاج إليها ... إلى غير ذلك ممّا يطول تعداده وذكره، والقديم ما كلّفه إلّابعد هذا جميعه، ولا أوجب عليه شيئاً إلّافيما يفضل عن هذا جميعه طول سنته ...»(1).

قال في «الجواهر»: «إنّ عبارته غير صريحة- بل ولا ظاهرة- في اعتبار الحول في تعلّق الوجوب»(2).

وفيه: أ نّه لا إشكال في صراحتها، خصوصاً قوله: «فلا يجب فيها الخمس بعد حصولها، بل بعد مؤونة السنة».

نعم، اورد عليه: «بأنّ الظاهر من الروايات المتضمّنة أنّ «الخمس بعد المؤونة»


1- السرائر 1: 489 ..
2- جواهر الكلام 16: 79 ..

ص: 206

ليس المراد منه البعدية الزمانية، وإلّا كان اللازم بعد مضيّ السنة تخميس جميع المال؛ حتّى ما صرف في المؤونة، بل المراد تحديد موضوع الخمس بذلك؛ يعني:

يجب الخمس في غير المؤونة»(1)، فالمراد من البعدية إنّما هي البعدية الرتبيّة، نظير قوله تعالى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ(2)، أي أنّ مرتبة الخمس متأخّرة عن المؤونة، كما أنّ مرتبة الإرث متأخّرة عن الوصية والدين.

وقال السيّد الخوئي رحمه الله: «مقتضى الجمع بين هذه الروايات الدالّة على أنّ الخمس بعد المؤونة وما دلّ على تعلّقه من لدن ظهور الربح، أنّ الحكم ثابت من الأوّل، لكن مشروطاً بعدم الصرف في المؤونة بنحو الشرط المتأخّر؛ فإنّ البعدية الرتبية لا تنافي الثبوت من الأوّل، كما في الإرث، غايته أ نّه من قبيل الواجب المشروط بالشرط المتأخّر ...».

إلى أن قال: «وممّا يرشدك إلى إرادة البعدية الرتبية، أنّ لازم إرادة الزمانية جواز إتلاف الربح أثناء السنة، أو الصرف في غير المؤونة- من هبة لا تليق بشأنه ونحوها- لعدم لزوم حفظ القدرة قبل تعلّق التكليف، ومرجع هذا إلى سقوط الخمس عنه، ولعلّ الحلّي أيضاً لا يلتزم بذلك»(3).

وفيه: أنّ الوجوب بنحو الشرط المتأخّر لا دليل عليه؛ لأنّ الشرط المتأخّر إنّما هو فيما إذا ثبت الوجوب أوّلًا، مع كونه خلاف المتعارف والعادة، وقد وقع الاختلاف بين الفقهاء والاصوليين في أصل صحّته، بل إمكانه، وأمّا كون أصل الوجوب مشروطاً بشروط متقدّمة أو مقارنة، فهو ممّا يتعارف عرفاً وشرعاً،


1- مستمسك العروة الوثقى 9: 550 ..
2- النساء( 4): 12 ..
3- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 274 ..

ص: 207

والظاهر من العبارات الواردة في استثناء المؤونة في الروايات، هو اشتراط وجوب الخمس- بل تعلّقه- بما بعد المؤونة، كما يدلّ عليه قوله عليه السلام: «الخمس بعد المؤونة»(1) الظاهر في تعلّقه ووجوب أدائه معاً، بل على الأوّل أدلّ.

وكذلك التوقيع: «لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونته»(2).

وكذلك قوله عليه السلام: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(3).

وكذلك قوله عليه السلام: «عليه الخمس بعد مؤونته، ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان»(4).

هذا مضافاً إلى ظهور قوله عليه السلام في صحيحة علي بن مهزيار: «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» وقوله: «وأمّا الذي اوجب من الضياع والغلّات في كلّ عام ...»(5) في أنّ الخمس إنّما هو في كلّ عام مرّة، ولو كان الخمس متعلّقاً بالمال بصرف ظهور الربح، فلابدّ أن يتعلّق الخمس في كلّ عام مرّات إذا كان للشخص أرباح متعدّدة، وقد قلنا سابقاً: إنّ الأرباح تعدّ عرفاً واحدة في كلّ سنة.

وأمّا ما قاله رحمه الله: «من أ نّه يلزم من عدم تعلّق الخمس في أثناء السنة، جواز إتلاف الربح في أثناء السنة، أو الصرف في غير المؤونة من هبة لا تليق بشأنه» ففيه: أ نّه أيّ إشكال في ذلك؟! ولماذا نحكم بحرمته إذا لم يكن إسرافاً؟! نعم لو كان مسرفاً فمن جهة الإسراف، يمكن القول بالحرمة، ولزوم الخمس في آخر


1- وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 3 ..
4- وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 4 ..
5- وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5 ..

ص: 208

السنة للمصروف أيضاً من جهة استهلاكه وإنفاقه في غير محلّل، وأمّا الإنفاق من غير إسراف فلا، كما أ نّه كذلك في بعض القوانين الاقتصادية في الحكومات العرفية.

هذا مضافاً إلى ما قلناه سابقاً من أنّ الصرف فيما لا يليق بشأنه، لا دليل على حرمته؛ فإنّ الشؤون عند اللَّه واحدة، وحقّ الاستفادة والتلذّذ من نعم اللَّه على الخلائق متساوٍ، والإسراف والتبذير حرام على كلّهم من دون إشكال، كما هو الحال في المحرّمات الاخرى، نحو حرمة الخمر، والميسر، وغير ذلك، فالأقوى تعلّق الخمس بعد السنة وبعد استثناء المؤونة؛ لأنّها مقيّدة بمؤونة السنة، ولا يعلم مقدارها إلّابإتمام السنة.

لو أراد التعجيل في تأدية الخمس، فلابدّ أن يكون بقصد الدين والقرض، ثمّ احتساب طلبه من الخمس، كما في الزكاة(1).

والاحتياط أيضاً يقتضي ذلك؛ لأنّ الصبر إلى آخر السنة، لا إشكال في جوازه وعدم ضمانه لو تلف حتّى مع التفريط، ولكنّ الأداء بنيّة الخمس قبل حلول الحول فيه إشكال، ولا أقلّ من الشبهة، والاحتياط حسن على كلّ حال.

ثمّ إذا أدّاه قبل الحول وبان عدم تعلّق الخمس، فله الرجوع مع بقائه، خصوصاً مع علم الآخذ بذلك، كما هو الحال فيما لو أدّى مالًا بنية أداء قرضه، ثمّ انكشف عدم القرض، ولا إشكال في ذلك.

ولكنّ الإشكال في الضمان لو تلف في يد الآخذ حتّى مع علمه بذلك، فيمكن أن يقال بشمول أدلّة ضمان اليد وضمان إتلاف مال الغير للمورد.


1- وسائل الشيعة 9: 299، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 49 ..

ص: 209

ولكنّه مشكل؛ لأنّ الظاهر منها ما إذا كان التصرّف عدوانياً؛ ومن دون إذن المالك، والمورد ليس كذلك.

وفي «المسالك»: «لو عجّل الإخراج فزادت المؤونة، لم يرجع على المستحقّ مع عدم علمه بالحال وتلف العين. وفي جواز رجوعه عليه مع بقاء العين أو علمه بالحال نظر، وقد تقدّم مثله في الزكاة، إلّاأنّ عدم الرجوع هنا مطلقاً متوجّه»(1).

وقال في «الجواهر»: «بل ومع العلم أيضاً وبقاء العين في وجه قويّ ... لاحتمال كون المعتبر عند إرادة التعجيل، تخمين المؤونة وظنّها وإن لم تصادف الواقع»(2).

أقول: على ما ذهبنا إليه من وجوب الخمس بعد مؤونة السنة وبعد حلول الحول، وعلى ما ذهب إليه السيّد الخوئي رحمه الله- من اشتراط الوجوب بها ولو بشرط متأخّر- فلابدّ أن نقول بجواز استرجاع العين من المستحقّ لو أخذها وبقيت عينها.

بل يمكن أن يقال بضمانه العين وإن تلفت مع علمه بالحال؛ أي عدم حلول حول الخمس، بل وحتّى مع عدم علمه لو لم يكن مغروراً في ذلك. ولكنّه لو صدق الغرور بالنسبة إلى الآخذ، فلا ضمان عليه؛ لأنّ المالك قد سلّطه على ماله مع علمه بالحال اختياراً.

والأقوى عدم الضمان حتّى مع العلم بذلك ومع عدم الغرور؛ لأنّ المالك مع علمه بالحال قد سلّطه على ماله، فلا ضمان عليه. وأمّا على القول بعدم اشتراط حلول الحول في وجوب الخمس أو تملّك المستحقّ للخمس- بصِرف ظهور الربح، أو كون التخمين كافياً في وجوب الخمس- فلا موجب لضمان المستحقّ، بل ولا على ردّه حتّى مع بقاء عين المال؛ لأنّه صار مالكاً للمال بالأخذ والقبول.


1- مسالك الأفهام 1: 468 ..
2- جواهر الكلام 16: 80 ..

ص: 210

نعم، لا دليل على كفاية التخمين في وجوب الخمس وتعلّقه، كما احتمله في «الجواهر» لأنّ الظاهر من الروايات كون الشرط هو المؤونة المستهلكة بالفعل في سنته، دون تخمينها، ولهذا لو انكشف خلاف تخمينه وعلم أنّ ما زاد على المؤونة أزيد ممّا قد تخمّنه ابتداءً، يجب عليه خمس الزائد، كما أ نّه لو نقص يجوز له إرجاع ما أدّاه خمساً مع بقاء العين، كما مرّ.

قال في «الجواهر»: «ثمّ المراد بالحول في معقد الإجماعات وغيرها هنا، تمام الاثني عشر، كما صرّح به بعضهم؛ لأصالة الحقيقة، فلا يكفي الطعن في الثاني عشر قياساً على الزكاة»(1).

أقول: لا إشكال في كون «الحول» لغة(2) وعرفاً، اثني عشر شهراً، وكذلك «السنة» والظاهر أنّ مراد الفقهاء وأصحابنا الإمامية من حمل المؤونة في روايات الخمس على مؤونة السنة، هو السنة العرفية واللغوية، وهي اثنا عشر شهراً.

نعم، ورد في باب الزكاة عن الباقر والصادق عليهما السلام: «إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول، ووجبت الزكاة»(3)، فصارت عند بعض الفقهاء الأحد عشر شهراً حولًا شرعياً في الزكاة.

وقال في «الشرائع» في باب الزكاة: «وحدّه أن يمضي له أحد عشر شهراً، ثمّ يهلّ الثاني عشر، فعند هلاله تجب ولو لم يكمل أيّام الحول»(4).

وقال في «المسالك»: «وفي طريق الخبر كلام»(5).


1- جواهر الكلام 16: 80 ..
2- لسان العرب 11: 184، الصحاح 4: 1679 ..
3- وسائل الشيعة 9: 164، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة، الباب 12، الحديث 2 ..
4- شرائع الإسلام 1: 133 ..
5- مسالك الأفهام 1: 371 ..

ص: 211

السادس: الأرض التي اشتراها الذمّي من مسلم، فإنّه يجب على الذمّي خمسها (80)، ويؤخذ منه قهراً إن لم يدفعه بالاختيار،

أقول: لعلّ نظره رحمه الله إلى إبراهيم بن هاشم؛ لأنّه لم يوثّق في كتب الرجال، ولكنّا قد قلنا سابقاً: إنّ إبراهيم قد مدح في الرجال، ونقل عنه ابنه علي أحاديث كثيرة، وقال في أوّل تفسيره: «إنّه لا ينقل إلّاعمّن يثق به» وهذا يدلّ على كونه من الثقات عنده وعند الصدوق رحمهما الله وغيرهما.

نعم، الخبر مضطرب متناً على نقل زرارة. مع أ نّه لابدّ وأن يقتصر على مورده، ولا يتعدّى إلى غيره؛ لأنّه خلاف الظاهر من «الحول» ولا يقاس الخمس على الزكاة، والتفصيل في محلّه.

فالأقوى ما اختاره في «الجواهر» وهو كون الحول تمام اثني عشر شهراً هلالية، لا دخول الهلال الثاني عشر. ولذا لم يتعرّض أكثر الفقهاء في باب الخمس لبحث الحول اعتماداً على ظاهر معناه اللغوي والعرفي.

80- في «الجواهر»: «يجب الخمس على الذمّي للأرض التي اشتراها من مسلم عند ابن حمزة، وابن زهرة، وأكثر المتأخّرين من أصحابنا، بل في «الروضة» نسبته إلى الشيخ والمتأخّرين أجمع ... ومع ذلك لم يذكر ذلك جماعة من القدماء، كابن أبي عقيل، وابن الجنيد، والمفيد، وسلّار، والتقي»(1).

ويمكن الاستدلال عليه بصحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس»(2).


1- جواهر الكلام 16: 65 ..
2- وسائل الشيعة 9: 505، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 9، الحديث 1 ..

ص: 212

وبمرسلة المفيد رحمه الله عن الصادق عليه السلام قال: «الذمّي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس»(1).

والرواية الثانية وإن كانت مرسلة، ولكنّ الاولى صحيحة سنداً، فإنّ المراد من أحمد بن محمّد في السند، إمّا أحمد بن محمّد بن خالد، أو أحمد بن محمّد بن عيسى، وكلاهما ثقتان، فلا إشكال في سندها.

وأمّا الدلالة فلا إشكال فيها أيضاً؛ لأنّها صريحة في اشتراء الذمّي الأرض من مسلم، وفي وجوب الخمس عليه.

نعم، حملت على التقيّة(2) نظراً إلى خلوّها عن ذكر متعلّق الخمس ومصرفه؛ لأنّه لا يدرى أنّ المراد منها خمس نفس الأرض، أو حاصلها، ومن الممكن كون المراد منها حاصلها، كما نسب إلى مالك، حيث قال: «إنّ الذمّي إذا اشترى أرضاً من المسلم وكان عشرية، ضوعف عليه العشر، واخذ منه الخمس»(3) ويعضده خلوّ الروايات الاخرى عن هذا الخمس مع كونها في مقام حصر موارد الخمس.

وفيه: أنّ الصحيحة قد صدرت من الباقر عليه السلام ولم تكن فتوى مالك في ذلك الزمان صادرة ومعتبرة عند الظلمة حتّى تصدر الرواية تقيّة؛ لأنّ الباقر عليه السلام قد توفّي سنة (114) وكانت إمامته عليه السلام سنة (95) بعد وفاة أبيه، وأمّا مالك فقد ولد سنة (96) وكان عمره عند وفاة الباقر عليه السلام عشرين سنة فقط، ولم يعلم صدور هذه


1- وسائل الشيعة 9: 505، كتاب الخمس، أبواب مايجب فيه الخمس، الباب 9، الحديث 2 ..
2- منتقى الجمان 2: 443 ..
3- المغني، ابن قدامة 2: 593 ..

ص: 213

الرواية عن الباقر في آخر عمره الشريف، فمن المحتمل أن لا يكون مالك في زمان ولا فرق بين كونها أرض مزرع أو بستان أو دار أو حمّام أو دكّان أو خان أو غيرها (81)،

صدورها بالغاً أصلًا، فكيف يتّقي من فتوى مالك في ذلك الزمان مع أ نّه لم يكن صاحب فتوى، فضلًا عن شهرتها وإمضائها لدى الحكومة؟!

مع أنّ «الأرض» المذكورة في الرواية، مطلقة تعمّ الزراعية وغيرها، وتشمل الزكوية وغيرها، ولا دليل على تخصيصها بالعشرية حتّى تحمل على التقيّة.

وأمّا عدم ذكرها في الروايات، فلعلّه كان من جهة اختصاص هذا الخمس بالذمّي وبالأرض المشتراة من المسلم فقط، بخلاف تلك الأخماس، فإنّها عامّة لكلّ مسلم وغيره.

81- لإطلاق الصحيحة، كما مرّ، وهي تشمل كلّ أرض ذكر في المتن.

وقد نقل(1) عن جماعة- كالفاضلين، والمحقّق الثاني(2)- تخصيصه بالأرض الزراعية، فلا تعمّ المشتملة على البناء والأشجار وغيرها؛ لظهورها في كون المشتراة هي الأرض مستقلّاً. مع أ نّه لا يطلق على من اشترى منزلًا أو بستاناً أو خاناً أو حمّاماً: «أ نّه اشترى أرضاً».

وفيه: أنّ الرواية مطلقة، وعدم الإطلاق إنّما هو في بادئ النظر، فالأرض جزء مقوّم للمبيع عرفاً، ويقسّط الثمن عليها وعلى البناء وغيره، وتتبعّض الصفقة فيما لو انكشف أنّ البناء مثلًا للغير؛ لأنّه قد يتّفق كون الأرض لشخص، والبناء لآخر.


1- مصباح الفقاهة 14: 143 ..
2- المعتبر 2: 624، جامع المقاصد 2: 52 ..

ص: 214

مع تعلّق البيع والشراء بأرضها مستقلًاّ (82)، ولو تعلّق بها تبعاً؛ بأن كان المبيع الدار والحمّام- مثلًا- فالأقوى عدم التعلّق بأرضه. وهل يختصّ وجوب الخمس بما إذا انتقلت إليه بالشراء أو يعمّ سائر المعاوضات؟ فيه تردّد (83)،

نعم، الرواية لا تشمل شراء البناء مستقلّاً عن الأرض مع بقاء الأرض على ملك مالكها، كالأبنية الواقعة في الموقوفات العامّة أو الخاصّة، أو بناء الدكاكين والمحالّ التجارية في زماننا، حيث يشترون غالباً البناء مع بقاء الأرض على ملك المالك الأوّل، أو يشترون حقّ السرقفلية كذلك، فلا خمس فيها على الذمّي؛ لعدم شمول الروايات لذلك.

82- اشترط الماتن رحمه الله تعلّق البيع والشراء بالأرض مستقلّاً. إلّاأ نّه لادليل عليه؛ لشمول الروايات لما إذا تعلّق البيع بها تبعاً. نعم لا يجب الخمس فيما إذا لم تكن الأرض مورداً لهما؛ لعدم شمول الرواية لذلك.

83- المشهور أنّ الحكم بوجوب الخمس يختصّ بالشراء؛ لظاهر النصّ، والأصل.

واختار كاشف الغطاء رحمه الله تعميمه للانتقال بالمعاوضة مطلقاً(1)؛ من جهة تنقيح المناط وتعميمه لكلّ انتقال مع العوض.

وذهب الشهيدان في «البيان» و «اللمعة»(2) و أخيراً السيّد الخوئي رحمه الله إلى عمومه لكلّ انتقال حتّى الهبة غير المعوّضة، وقال في توجيهه: «إنّ مناسبة الحكم


1- كشف الغطاء 4: 204 ..
2- البيان: 346، اللمعة الدمشقية 2: 72 ..

ص: 215

والموضوع، تقتضي إلغاء خصوصية الشراء بحسب الفهم العرفي، وإنّ الاعتبار بمطلق الانتقال من المسلم إلى الذمّي كيفما اتفق، وإنّ التعبير بالشراء من أجل أ نّه الفرد الغالب من أسباب النقل؛ لندرة غيره»(1).

وفيه: أ نّه إن كان إلغاء الخصوصية وتنقيح المناط قطعيّاً، يمكن القول بالتعميم، وإلّا فبالاحتمال- بل الظنّ- لا يمكن الحكم بالتعميم، بل يمكن القول بأنّ البيع والشراء من جهة غلبتهما ومعروفيتهما في العلاقات التجارية بين المسلمين وغيرهم، ومن جهة حصول المنافع للكفّار الذمّيين بسبب هذه التجارات، فقد جعل اللَّه الخمس عليهم، كما جعله على المسلمين في إفاداتهم ومكاسبهم، وأمّا الهبة والصلح وغيرهما فلا؛ لأنّها لا تحتسب من المنافع غالباً، كما أنّ في وجوب الخمس في الهدية على المسلمين، أيضاً اختلافاً، والأقوى عدم وجوبه كما هو المشهور.

والأصل يقتضي عدم الوجوب في المسألة، كما أنّ الاحتياط يقتضيه؛ لأنّه لابدّ حينئذٍ أن يؤخذ الخمس من الكفّار، والاحتياط يقتضي عدم أخذه منهم؛ لعدم الدليل عليه، ولكونه من مصاديق التصرّف والتجاوز على أموالهم من غير دليل، والأصل عدم جوازه.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ هذا الحكم من الأحكام الحكومية، ويجوز للحاكم الإسلامي أن يقرّر الخمس- بل أكثر منه- على الكفّار عند انتقال أرض للكفار من المسلمين إليهم بالبيع وبغيره حتّى الهبة، والكفّار- مع التوجّه لهذا القانون- إن أقدموا على تقبّل الأرض منهم بأيّ نحو كان، يجب عليهم الخمس أو المقرّر ولو كان أكثر منه مقداراً.


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 179- 180 ..

ص: 216

والأحوط اشتراط أداء مقدار خمس الأرض عليه في عقد المعاوضة؛ لنفوذه في مورد عدم ثبوته (84)، ولا يصحّ اشتراط سقوطه في مورد ثبوته (85)، فلو اشترط الذمّي- في ضمن عقد المعاوضة- مع المسلم عدم الخمس أو كونه على البائع بطل (86). نعم لو اشترط عليه أن يعطي مقداره عنه صحّ (87).

ولو باعها من ذمّيّ آخر أو مسلم لم يسقط عنه الخمس بذلك (88)، كما لا يسقط لو أسلم بعد الشراء (89)،

84- لأنّ الشرط في ضمن العقد، يجب الوفاء به على كلّ أحد من المسلم والذمّي، فيجب عليه حينئذٍ الوفاء، ويجوز للمسلم اشتراط ذلك بلا إشكال.

85- لثبوت الحكم حينئذٍ- كما في الاشتراء- من قِبل الشارع، فيكون اشتراط سقوطه شرطاً مخالفاً للشرع، وهو غير نافذ.

86- لما مرّ من كون ذلك شرطاً محرّماً؛ لأنّ الشارع جعل الخمس على الذمّي، دون المسلم.

87- لشمول قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «المؤمنون عند شروطهم»(1) لذلك أيضاً. وهذا ليس شرطاً محرّماً؛ لأنّه شرط فعل، ولا ينافي اشتراطه وجوب الخمس على الذمّي، وهو قد يدفع عنه.

88- لتعلّق الخمس بذمّته بالشراء، كما هو ظاهر النصّ والفتوى، ولا دليل على سقوطه بالبيع لغيره؛ مسلماً كان، أو كافراً، والأصل بقاء الوجوب عليه.

89- لعين ما قلناه، والإسلام إنّما يجبّ ما قبله من الأحكام العبادية والتكليفية،


1- وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4 ..

ص: 217

ومصرف هذا الخمس كغيره على الأصحّ. نعم لا نِصاب له، ولا نيّة حتّى على الحاكم، لا حين الأخذ ولا حين الدفع على الأصحّ (90).

(مسألة 25): إنّما يتعلّق الخمس برقبة الأرض، والكلام في تخييره كالكلام فيه على ما مرّ قريباً (91)، ولو كانت مشغولة بالغرس أو البناء- مثلًا- ليس لوليّ الخمس قلعه، وعليه اجرة حصّة الخمس لو بقيت متعلّقة له (92)،

كالصلاة، والصوم، وارتكاب الأعمال المحرّمة، وأمّا الأموال المتعلّقة بذمّته فالواجب عليه إفراغ ذمّته منها؛ سواء كان مديناً للأشخاص، أو الحكومة الإسلامية، ويجب على الحاكم أخذه.

نعم، للحاكم العفو إذا انتقل إلى المسلم، كما له أن يقرّر قانوناً في كلّ المعاملات بين المسلم والمسلم، وبينه وبين الذمّي على السواء، فيأخذ منهم عند المعاملات مقداراً خاصّاً من الضرائب، بينما لا يأخذ الخمس أصلًا، كما هو كذلك اليوم في الحكومات الإسلامية، وخاصّة في الجمهورية الإسلامية؛ لاقتضاء المصلحة تساوي كلّ من عاش في لواء الإسلام في المقرّرات المالية عليهم، ولإمكان ضبط ذلك في دوائر تسجيل العقارات والأملاك.

90- للأصل، وعدم الدليل على النصاب، ووجوب النيّة.

91- لظهور النصّ في تعلّق الخمس بالرقبة، كما في الأعيان الاخرى غير الأرض. وقد مرّ جواز تأدية الخمس مطلقاً من الأثمان والأعيان، وأنّ الشارع قد أذن للمالك في ذلك.

92- أمّا حرمة القلع، فلكون المال محترماً، فيكون قلعه محرّماً، ولنفي الضرر، فله أن يبقيه في الأرض ويؤدّي اجرة حصّة الخمس، ويأخذ منافع الأرض بمقدار

ص: 218

ولو أراد دفع القيمة في الأرض المشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء، تقوّم مع وصف كونها مشغولة بها بالاجرة، فيؤخذ خمسها (93).

(مسألة 26): لو اشترى الذمّي الأرض المفتوحة عنوة (94)، فإن بيعت بنفسها في مورد صحّ بيعها كذلك- كما لو باعها وليّ المسلمين في مصالحهم- فلا إشكال في وجوب الخمس عليه. وأمّا إذا بيعت تبعاً للآثار فيما كانت فيها آثار من غرس أو بناء، وكذا فيما إذا انتقلت إليه الأرض الزراعية بالشراء من المسلم المتقبّل من الحكومة- الذي مرجعه إلى تملّك حقّ الاختصاص الذي كان للمتقبّل- فالأقوى عدم الخمس وإن كان الأحوط اشتراط دفع مقدار الخمس إلى أهله عليه.

خمسه، كما أنّ له المطالبة بقيمة الأرض من الذمّي بمقدار الخمس.

93- لأنّ للذمّي اختيار دفع القيمة من الأرض، فحينئذٍ لابدّ من تقويم الأرض بما فيها من الغرس والزرع والبناء، وتأدية خمس قيمتها كذلك؛ لأنّه يجب عليه خمس ما اشتراها بما لها من القيمة السوقية مع ما فيها من الصفات الموجبة لازدياد القيمة أو نقصانها.

94- هذه المسألة لها فروض:

الأوّل: ما إذا اشترى الذمّي الأرض من أهل الخمس، كالسادة إن قلنا بوجوب الخمس في الأراضي المفتوحة عنوةً، وقد أخذ السادة هذه الأرض خمساً، ثمّ باعوها للذمّي، فحينئذٍ بما أ نّه تملّك رقبة الأرض فيجب عليه الخمس؛ لشمول النصّ لذلك.

ص: 219

(مسألة 27): إذا اشترى الذمّي من وليّ الخمس الخمس الذي وجب عليه بالشراء، وجب عليه خمس ذلك الذي اشتراه وهكذا على الأحوط؛ وإن كان الأقوى عدمه (95) فيما إذا قوّمت الأرض التي تعلّق بها الخمس وأدّى قيمتها.

نعم لو ردّ الأرض إلى صاحب الخمس أو وليّه ثمّ بدا له اشتراؤها، فالظاهر تعلّقه بها.

الثاني: ما إذا باع وليّ المسلمين رقبة الأرض في مصالحهم، وهو أيضاً كالأوّل في الحكم؛ لتملّكه رقبة الأرض، وشمول النصّ لها.

الثالث: ما إذا اشترى الأرض تبعاً للآثار؛ من بناء، وغرس، وأشجار، فحينئذٍ لا يتملّك رقبة الأرض، بل يحصل له بالاشتراء حقّ فيها من جهة ما فيها من الآثار، كما في بيع الأراضي الموقوفة تبعاً للآثار، فلا يجب الخمس فيها على الأقوى؛ لعدم شمول النصّ لها؛ لأنّ الأرض لم تكن مشتراة في الواقع، بل المشترى هو الآثار.

الرابع: انتقال الأرض للذمّي من المسلم المتقبّل الأرض المفتوحة عنوة من الحكومة الإسلامية، فينتقلها إلى الذمّي مع ما فيها من الآثار، فهذا أيضاً كسابقه لا يجب الخمس فيها؛ للأصل، ولعدم شمول النصّ لها.

95- لانصراف النصّ عن ذلك، والأصل عدمه. ولكنّه يمكن أن يفصّل- كما في المتن- بين ما إذا أدّى الخمس من نفس الأرض، ثمّ اشتراه ثانياً، فحينئذٍ يشمله النصّ، كما هو الظاهر، وبين ما إذا أدّى قيمة الأرض؛ لأنّ له أداءها عن العين، كما مرّ، فحينئذٍ لا يصدق اشتراء الأرض، فلا يجب عليه الخمس، والأصل يقتضي عدمه.

ص: 220

السابع: الحلال المختلط بالحرام (96) مع عدم تميّز صاحبه أصلًا ولو في عدد محصور، وعدم العلم بقدره كذلك؛ فإنّه يخرج منه الخمس حينئذٍ.

96- قال في «الجواهر»- بعد نقل قول «الشرائع» بوجوب الخمس في المال المختلط-: «وفاقاً للنهاية، و «الغنية» و «الوسيلة» و «السرائر» و «النافع» ... بل في «المنتهى» نسبته إلى أكثر علمائنا، و «المفاتيح» إلى المشهور، بل في ظاهر «الغنية» أو صريحها الإجماع عليه، وهو- بعد شهادة التتبّع له- في الجملة الحجّة»(1).

واستدلّ بوجوب الخمس فيه بعدّة روايات:

منها: صحيحة عمّار بن مروان قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام- إذا لم يعرف صاحبه- والكنوز، الخمس»(2).

ومنها: ما رواه الحسن بن زياد، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إنّ رجلًا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي أصبت مالًا لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال؛ فإنّ اللَّه عزّوجلّ قد رضي من المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يعلم»(3).

وسند الرواية مخدوش من جهة الحكم بن بهلول، وأبي همام، والحسن بن زياد، فلا يمكن الاستناد إليها.

ومنها: موثّقة السكوني، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام


1- جواهر الكلام 16: 69 ..
2- وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 6 ..
3- وسائل الشيعة 9: 505، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 1 ..

ص: 221

فقال: إنّي كسبت مالًا أغمضت في مطالبه (طلبه) حلالًا وحراماً، وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط علي، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «تصدّق بخمس مالك؛ فإنّ اللَّه رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك حلال»(1).

ولا إشكال في سندها ودلالتها، وظاهر قوله عليه السلام: «إنّ اللَّه رضي بالخمس» كون المراد منه خمساً متعارفاً، فكان مصرفه الخمس المتعارف المعهود عند الإمامية.

ومنها: ما رواه الصدوق مرسلًا قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، أصبت مالًا أغمضت فيه، أفلي توبة؟ قال: «إيتني بخمسه» فأتاه بخمسه فقال: «هو لك؛ إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه»(2).

قال شيخنا المنتظري: «إنّ الظاهر رجوع الضمير في قوله: «هو لك» إلى أصل المال»(3).

ويمكن أن يقال: إنّ القريب يمنع البعيد، وإنّه يرجع إلى نفس الخمس، ولا بعد في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد أعطاه الخمس بعد ما رأى منه التوبة واقعاً. مع أ نّه يمكن أن يكون الشخص مستحقّاً للخمس لفقره، وإن كان، الظاهر ما قاله شيخنا المنتظري حفظه اللَّه.

ومنها: ما رواه عمّار، عن أبي عبداللَّه عليه السلام: أ نّه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلّاأن لا يقدر على شي ء يأكل ولا يشرب، ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(4).


1- وسائل الشيعة 9: 506، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 9: 506، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 3 ..
3- الخمس، المحقّق المنتظري: 109 ..
4- وسائل الشيعة 9: 506، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 2 ..

ص: 222

ولكن يحتمل أن يكون المراد منه هو الخمس إذا أفاد واغتنم، وكان أزيد من مؤونة السنة؛ لجواز أن يكون المال الواصل إليه من السلطان، حلالًا بتمامه، مع كونه مضطرّاً إليه، كما في الخبر.

قال في «المدارك»- بعد نقل روايتي الحسن بن زياد والسكوني الماضيتين-:

«وفي الروايتين قصور من حيث السند، فيشكل التعلّق بهما. مع أ نّه ليس في الروايتين دلالة على أنّ مصرف هذا الخمس مصرف خمس الغنائم، بل ربّما كان في الرواية الثانية إشعار بأنّ مصرفه مصرف الصدقات، ومن ثمّ لم يذكر هذا القسم المفيد، ولا ابن الجنيد، ولا ابن أبي عقيل. والمطابق للُاصول وجوب عزل ما تيقّن انتفاءه عنه، والتفحّص عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من العلم به، فيتصدّق به على الفقراء، كما في غيره من الأموال المجهولة المالك. وقد ورد بالتصدّق بما هذا شأنه روايات كثيرة، ومؤيّدة بالإطلاقات المعلومة وأدلّة العقل، فلا بأس بالعمل بها إن شاء اللَّه»(1).

وفيه: أنّ بعض الروايات- كما مرّ- صحيحة أو معتبرة سنداً. مع أنّ الظاهر ورودها فيما إذا لم يعلم ولم يعرف صاحب المال، أو كان مأيوساً عن تشخيصه، ولم يكن المقدار معلوماً. ولفظ «التصدّق» لا يدلّ على إرادة التصدّق المعروف على الفقراء؛ لكون لفظ «الخمس» قرينة على غير ذلك.

هذا مضافاً إلى أنّ إعطاء الخمس المتعارف، أيضاً تصدّق من جانب المعطي على صاحب الحقّ. مع أنّ الاحتياط يقتضي أن يعطي لمستحقّ الخمس حتّى يتيقّن بحصول الفراغ باشتغال الذمّة.

وأمّا الروايات، فلم نجد لها عيناً ولا أثراً إلّاما ذكر.


1- مدارك الأحكام 5: 388 ..

ص: 223

أمّا لو علم قدر المال فإن علم صاحبه دفعه إليه (97) ولا خمس، بل لو علمه في عدد محصور فالأحوط التخلّص منهم، فإن لم يمكن فالأقوى الرجوع إلى القرعة (98)، ولو جهل صاحبه، أو كان في عدد غير محصور، تصدّق بإذن الحاكم- على الأحوط- (99) على من شاء ما لم يظنّه بالخصوص، وإلّا فلا يترك الاحتياط بالتصدّق به عليه (100) إن كان محلًاّ له. نعم لا يجدي ظنّه بالخصوص في المحصور (101). ولو علم المالك وجهل بالمقدار تخلّص منه بالصّلح.

ومصرف هذا الخمس كمصرف غيره على الأصحّ (102).

وأمّا العقل، فيدلّ على لزوم إيصال المال إلى صاحبه ولو بآثاره في الآخرة، ولا طريق له إلّاذلك؛ أي التأدية إلى مستحقّي الخمس.

97- لأنّ المال له، وإذا كان معلوماً فلابدّ من الدفع إليه، فلا يبقى محلّ للخمس، وكذا لو كانوا محصوراً، فالأحوط التخلّص منهم مهما أمكن.

98- لأنّها لكلّ أمر مشكل.

99- لأنّ المال معلوم مقداره، والمالك مجهولٌ كاللقطة، فالتصدّق عنه هو السبيل لوصول منافع المال إليه ولو في الآخرة، والأحوط كون ذلك بيد الحاكم؛ لأ نّه وليّ الغُيّب والقُصّر.

100- لأنّه موجب لإفراغ ذمّته يقيناً إذا كان فقيراً، فإن كان المدفوع إليه صاحب المال فنعم المطلوب، وإلّا فهو محلّ للتصدّق من جهة فقره.

101- لأنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، ومع فرض أداء المال إليه لم يحصل اليقين بالفراغ، والأصل العدم، فلابدّ من التصدّق أيضاً.

102- في المسألة أقوال ثلاثة:

ص: 224

القول الأوّل: أنّ مصرفه مصرف الخمس، وهذا هو المشهور. ويدلّ عليه ظاهر صحيحة عمّار بن مروان الماضية الدالّة على أنّ الخمس المتعلّق بالمال المختلط بالحرام، هو مثل الخمس المتعلّق بالمعادن والغوص والغنيمة(1)، الظاهر كونه للَّه ولرسوله ولذي القربى بنصّ الآية.

ويؤيّده أيضاً معتبرة عمّار، عن أبي عبداللَّه عليه السلام الواردة فيمن يعمل للسلطان، حيث قال عليه السلام: «فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(2).

بل يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من الروايات السابقة- خصوصاً موثّقة السكوني، حيث قال عليه السلام: «تصدّق بخمس مالك؛ فإنّ اللَّه رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك حلال»- أنّ المال المختلط بالحرام يكون ملكاً لمن صار في يده إذا أراد التحليل وقصد أداء الواجب منه، ومع أدائه يكون المال ماله، كما نسب إليه في الموثّقة، ويحتسب من الغنيمة، فيكون حينئذٍ خمسه خمس الغنيمة.

وهذا ما يظهر أيضاً من الروايات الواردة في المال المختلط بالربا المحرّم:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «أتى رجل أبي عليه السلام فقال:

إنّي ورثت مالًا، وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي، وقد أعرف أنّ فيه رباً وأستيقن ذلك، وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه، وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا: لا يحلّ أكله، فقال أبو جعفر عليه السلام: إن كنت تعلم بأنّ فيه مالًا معروفاً رباً وتعرف أهله، فخذ رأس مالك، وردّ ما سوى ذلك، وإن كان مختلطاً فكله هنيئاً؛ فإنّ المال مالك، واجتنب ما كان يصنع صاحبه؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قد وضع ما مضى من الربا، وحرّم عليهم ما بقي،


1- وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 6 ..
2- وسائل الشيعة 9: 506، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 2 ..

ص: 225

فمن جهل وسع له جهله حتّى يعرفه، فإذا عرف تحريمه حرم عليه، ووجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه، كما يجب على من يأكل الربا»(1).

حيث يظهر منه: أ نّه إذا أراد الحلّية يصير المال له حلالًا. وأمّا عدم أخذه الخمس منه في المورد فيمكن أن يكون من باب التحليل؛ لأنّه كان شائعاً في زمان الباقر والصادق عليهما السلام كما مرّ وذكرنا أخباره.

ومنها: موثّقة سماعة الواردة في غير الربا، قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل أصاب مالًا من عمل بني اميّة، وهو يتصدّق منه، ويصل منه قرابته، ويحجّ؛ ليغفر له ما اكتسب، ويقول: إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ(2)، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام: «إنّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة، وإنّ الحسنة تحطّ الخطيئة».

ثمّ قال: «إن كان خلط الحرام بالحلال فاختلطا جميعاً فلم يعرف الحرام من الحلال، فلا بأس»(3).

فالأقوى: هو وجوب الخمس في زماننا، هذا على المال المختلط بالحرام حتّى يكون التصرّف فيه حلالًا إذا لم يعرف صاحبه وقدره، وهذا إمّا من جهة كونه غنيمة له، وإمّا من جهة لزوم تحليل ذلك المال المختلط بالخمس؛ للروايات التي ذكرناها، وظاهرها- كما قلناه- هو الخمس المعروف المركوز المعهود في الروايات عند الإمامية، خصوصاً موثّقة الساباطي حيث قال فيها: «فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(4)، فتحمل عليه، فلابدّ أن يكون مصرفه مصرف الخمس المعهود، نعم


1- وسائل الشيعة 18: 129، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 5، الحديث 3 ..
2- هود( 11): 114 ..
3- وسائل الشيعة 17: 88، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 2 ..
4- وسائل الشيعة 9: 506، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 2 ..

ص: 226

لو كان الخمس من باب الفائدة يجب بعد المؤونة، بخلاف ما إذا قلنا أ نّه يجب لتحليل المال المخلوط بالحرام، فإنّه يخرج منه من دون استثناء المؤونة.

القول الثاني: وجوب صرفه في الصدقة على الفقراء، وكونه صدقة أصلًا، كما يظهر من جمع من متأخّري المتأخّرين؛ على ما نقله النراقي رحمه الله في «المستند» وقال: «أمّا الخمس بالمعنى المعهود فالظاهر عدم ثبوته؛ لأنّ الأصل ينفيه، والروايات المذكورة غير ناهضة لإثباته».

وقال في مقام إثبات مدّعاه: «إنّ رواية «الخصال» قد نقلت من طريق آخر بعد الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ونسي ابن أبي عمير الخامس» ثمّ قال:

«الخامس الذي نسيه: «مال يرثه الرجل وهو يعلم أنّ فيه من الحلال والحرام» فيخرج منه الخمس».

ثمّ قال: «وأنا تفحّصت ولم أجد الرواية بالطريقين المذكورين»(1).

وفيه: أ نّه نقله الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله في «الوسائل» عن «الخصال» وهو الحجّة، فلاإشكال فيها من هذه الجهة، مع أنّ عدم الوجدان لايدلّ على عدم الوجود.

ثمّ قال: «وأمّا موثّقة الساباطي فلعدم دلالتها على أنّ الخمس للمال المختلط بالحرام؛ فإنّ «الشي ء» فيه مطلق شامل للحلال محضاً، والحرام كذلك، والمشتبه، والحرام والحلال المختلطين، فلا وجه للحمل على الأخير»(2).

وفيه: أ نّها وإن كانت كذلك، ولا يمكن الاستدلال بها لوحدها، ولكنّها- بضميمة الروايات الدالّة على تخميس المال المختلط- تفيد المطلوب.

وقد استدلّ أيضاً بموثّقة سماعة الماضية؛ أي بقول سماعة في السؤال وهو


1- مستند الشيعة 10: 39- 40 ..
2- نفس المصدر ..

ص: 227

يتصدّق منه ويصل منه قرابته ... إلى أن قال: «فلا بأس» حيث تدلّ على أنّ التصدّق به يوجب تحليله، وظاهرها التصدّق المعروف على الفقراء، لا الخمس للسادات والإمام عليه السلام.

وفيه: أنّ عمل من قد سأل سماعة عن حكم عمله، لا يكون حجّة لنا، وقول الإمام عليه السلام «لا بأس» لا يدلّ على تأييده كذلك في كلّ مورد، بل كما مرّ يمكن أن يكون عدم البأس في المورد من جهة تحليل الإمام الباقر والصادق عليهما السلام لمصلحة في زمانهما، كما تدلّ عليه الروايات، فراجع.

أمّا قوله عليه السلام في موثّقة السكوني الماضية: «تصدّق بخمس مالك»، فيمكن أن يكون المراد التصدّق على السادة بمعنى الإعطاء. ويؤيّده قوله: «إنّ اللَّه رضي من الأشياء بالخمس».

القول الثالث: القول بالتخيير، ذهب إليه المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» عملًا بكلتا الروايتين(1)، فله الصرف في مصارف الخمس، كما له التصدّق على الفقراء، وملخّص استدلاله أنّ تعلّق الخمس بالمختلط، لا يدلّ على كونه ملكاً فعلياً للإمام والسادة، بل يمكن أن يكون مطهّراً كما هو الظاهر، وعليه فله التصدّي للتطهير بنحو الخمس، كما له التطهير بنحو الصدقة.

وفيه: أنّ التطهير بالصدقة إنّما هو من جهة الروايات المطلقة الدالّة على التصدّق بالمال المجهول المالك، وأمّا روايات الخمس فهي خاصّة، فالاولى تخصّص بالثانية أو يقيّد إطلاقها بها.

هذا مضافاً إلى اقتضاء الاحتياط ذلك، خصوصاً إذا أدّيناه إلى السيّد الفقير؛ لأنّه


1- مصباح الفقيه 14: 160- 161 ..

ص: 228

(مسألة 28): لو علم أنّ مقدار الحرام أزيد من الخمس ولم يعلم مقداره، فالظاهر كفاية إخراج الخمس (103) في تحليل المال وتطهيره، إلّاأنّ الأحوط- مع إخراج الخمس- المصالحةُ عن الحرام مع الحاكم الشرعي- بما يرتفع به اليقين بالاشتغال- وإجراء حكم مجهول المالك عليه، وأحوط منه تسليم المقدار المتيقّن إلى الحاكم والمصالحة معه في المشكوك فيه، ويحتاط الحاكم بتطبيقه على المصرفين.

(مسألة 29): لو كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله لا محلّ للخمس (104)، بل- حينئذٍ- لو علم مقداره ولم يعلم صاحبه- حتّى في عدد محصور- تصدّق بذلك المقدار عن صاحبه بإذن الحاكم الشرعي، أو دفعه إليه. وإن علم صاحبه في عدد محصور فالأقوى الرجوع إلى القرعة (105).

يحصل به الفراغ اليقيني، دون غيره؛ لأنّ إعطاء الصدقة- غير الزكاة الواجبة- للسادة لا إشكال فيه.

103- للإطلاقات الماضية الدالّة على لزوم التخميس وأداء الخمس فقط في حلّ ما بقي؛ وإن كان الأحوط أيضاً مع ذلك المصالحة؛ لأنّه إذا علم أ نّه قد بقي في المال حقّ الغير، فالأصل عدم جواز تصرّفه إلّابإذن وليّه، والحاكم وليّ الغائب المجهول. بل هذا هو الأحوط وجوباً؛ لأنّ الروايات تحمل على ما إذا لم يعرف مقدار الحلال والحرام، لا ما إذا علم بزيادة الحرام عن الخمس.

104- لأنّه لم يتعلّق حقّ الغير في عين المال الخارجي، والذمّة تبرأ بالتصدّق.

105- لأنّ القرعة لكلّ أمر مشكل.

ويمكن القول بتقسيمه بينهم بالسويّة لو كانوا مدّعين للمال جميعاً؛ جمعاً بين

ص: 229

وإذا لم يعلم مقداره وتردّد بين الأقلّ والأكثر، أخذ بالأقلّ ودفعه إلى مالكه (106) لو كان معلوماً بعينه. وإن كان مردّداً بين محصور فحكمه كما مرّ (107). ولو كان مجهولًا أو معلوماً في غير محصور تصدّق به كما مرّ، والأحوط (108)- حينئذٍ- المصالحة مع الحاكم بمقدار متوسّط بين الأقلّ والأكثر، فيعامل معه معاملة معلوم المقدار.

(مسألة 30): لو كان الحرام المختلط بالحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العامّ، فهو كمعلوم المالك، ولا يجزيه إخراج الخمس (109).

الحقّين أو الحقوق، ولرعاية العدل والإنصاف، وهو الأقوى.

106- لأنّه يعلم كونه للمالك، والأصل براءة ذمّته من الأكثر.

107- بل الأقوى التقسيم بالسويّة بينهم، كما مرّ.

108- الاحتياط مستحبّ لا واجب؛ لأنّ الأصل براءة ذمّته عن الأزيد من الأقلّ المتيقّن.

109- الاختلاط بالأموال المذكورة أيضاً كالاختلاط بالمال الخاصّ للأشخاص؛ لأ نّه إن كان مقداره معلوماً، فلابدّ من ردّه إلى صاحب الحقّ من السادة، أو الفقير، أو الموقوف عليه الخاصّ، أو العامّ؛ سواء كان أقلّ من الخمس، أو أكثر، أو بمقدار الخمس.

وإن لم يكن معلوماً، فإن كان مردّداً بين الأقلّ والأكثر فلابدّ أن يردّ الأقلّ، والأصل براءة ذمّته من الأكثر؛ وإن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي إعطاء الأكثر. وإن لم يعلم شيئاً من ذلك يمكن أن يقال بوجوب الخمس للتحليل، وبما أنّ المالك معلوم فلابدّ من إعطاء الخمس للمالك المعلوم من السادة،

ص: 230

(مسألة 31): لو كان الحلال الذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس، وجب عليه بعد تخميس التحليل خمس آخر للمال الحلال الذي فيه (110)، وله الاكتفاء بإخراج خمس القدر المتيقّن من الحلال (111)؛ إن كان أقلّ من خمس البقيّة بعد تخميس التحليل (112)، وبخمس البقيّة إن كان بمقداره أو أكثر على الأقوى (113)، والأحوط المصالحة مع الحاكم في موارد الدوران بين الأقلّ والأكثر (114).

أو الفقراء، أو الموقوف عليهم؛ لإطلاق الروايات.

110- لأنّ التخميس الأوّل إنّما كان لتحليل المال المخلوط بالحرام، ولا ربط له بخمس المنافع، وهذا تخميس للمنافع بعد مؤونة السنة.

111- لأنّ هذا المقدار من المنفعة، هو المتيقّن حلّيته والواجب قطعاً تخميسه، والأصل عدم وجوب الزائد عليه.

112- كمن كان له خمس مائة دينار مختلطة بالحرام، وقد أدّى خمسها للمال المختلط، وبقي أربع مائة، ولكنّ المتيقّن من الحلال منه مائتان، فخمسها أربعون ديناراً، مع أنّ خمس البقيّة ثمانون، فيكفي أداء أربعين ديناراً للخمس.

113- أمّا إذا كان بمقداره- كما إذا كان الحلال المتيقّن في المثال المذكور آنفاً أربع مائة دينار- فلا إشكال في وجوب تخميس هذا المقدار؛ لأنّه المعلوم.

وأمّا إذا كان أكثر منه، فلأنّه بعد التخميس الأوّل يبقى له هذا المقدار، وفي الواقع صار الزائد من الأربع مائة في المثال من المؤونة، فلم يجب خمسه، بل الواجب تخميس الباقي.

114- الأقوى فيه الاكتفاء بالأقلّ؛ لأنّه معلوم، والباقي مجهول، والأصل عدم وجوب تخميس أزيد من الأقلّ. نعم الاحتياط حسن على كلّ حال.

ص: 231

(مسألة 32): لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس ضمنه، فعليه غرامته له (115) على الأحوط،

وأمّا المصالحة مع الحاكم، فهي معتبرة إن قلنا بولايته في زمان الغيبة على الخمس، كما ذهب إليه الإمام الخميني رحمه الله في بحث ولاية الفقيه، وأمّا إذا لم نقل بولايته أصلًا أو في الخمس- كما ذهب إليه عدّة من الفقهاء، منهم السيّد الخوئي رحمه الله- فلا دليل حينئذٍ على المصالحة معه.

إلّا أن يقال: إنّه القدر المتيقّن من جواز التصرّف في ملك الغير بعد أن كان الأصل عدم جواز تصرّفه بغير إذنه.

115- يعني لو تبيّن مالك المجهول أو الحرام بعد التخميس، فهو ضامن للمال، فلابدّ من تغريمه؛ لأنّه متلف، فتشمله قاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» كالتصدّق بالمال المجهول المالك، ومجرّد إذن الشارع بالتخميس والتصدّق فيهما، لا يستوجب سقوط حقّ الغير؛ لأنّ إذنه بالتخميس مقدّمة للحكم التكليفي؛ وهو جواز التصرّف في الباقي بعد التخميس، وأمّا عدم الضمان فلا يستفاد من أدلّة التخميس، فيبقى الضمان على طبق القاعدة.

ولكنّ الأقوى عدم الضمان لا في المال المخلوط بالحرام، ولا التصدّق بالمال المجهول؛ لظهور أدلّة الخمس في عدم الضمان بعد أدائه، كما في موثّقة السكوني، عن أبي عبداللَّه عليه السلام حيث نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام أ نّه قال: «تصدّق بخمس مالك؛ فإنّ اللَّه رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك حلال»(1).


1- وسائل الشيعة 9: 506، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 4 ..

ص: 232

ولو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أقلّ منه لايستردّ الزائد (116)، ولو علم أ نّه أزيد منه فالأحوط التصدّق بالزائد؛ وإن كان الأقوى عدم وجوبه لو لم يعلم مقدار الزيادة (117).

لأنّ الظاهر منها أنّ الشارع بولايته على الناس وأموالهم، قد حكم بكفاية أداء الخمس في حلّية الباقي، كما هو الحال في سائر الأشياء من المعادن، والكنوز، وغيرهما، والإتلاف- إن صدق- فإنّما كان بأمر الوليّ وإذنه وحكمه بحلّية الباقي، ففي الواقع الوليّ قد أخذ حقّ الغير من المال ورضي بمقدار الخمس بولايته على الغير، فلا ضمان حينئذٍ، ولعلّه لذلك قال الماتن رحمه الله: «فعليه غرامته له على الأحوط».

116- لإطلاق الأدلّة الدالّة على تخميس المال المختلط؛ وشمولها لما إذا انكشف كون الخمس أزيد من المال الحرام.

هذا مضافاً إلى أنّ الخمس إنّما وجب هنا بإزاء جواز التصرّف فيما بقي؛ حيث إنّ مقتضى العلم الإجمالي بوجود الحرام في المال، يوجب الاجتناب عن جميعه حذراً من الوقوع في الحرام، وقد دفع الخمس بأمر الشارع وفي إزاء إذنه في التصرف في الباقي.

ومضافاً إلى أنّ دفعه لابدّ وأن يكون بقصد التقرّب، ويكون عبادة، ويشمله قولهم عليهم السلام: «إنّ ما كان للَّه لا يرجع»(1).

117- في المسألة وجوه، بل أقوال:


1- راجع وسائل الشيعة 19: 243، كتاب الهبات، الباب 3، الحديث 1 و 2 والباب 6، الحديث 3 ..

ص: 233

الأوّل: ما في المتن من عدم وجوب التصدّق بالزائد إن علم أنّ الحرام كان أزيد من الخمس، وقوّاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس، والسيّد رحمه الله في «العروة»(1)، وعدّة من المحشّين.

والدليل عليه إطلاق الروايات الدالّة على وجوب الخمس فقط في المال المختلط، الشاملة لما إذا انكشف الخلاف بزيادة الخمس عن الحرام، أو نقصه عنه.

وفيه: أنّ الروايات- خصوصاً موثّقة السكوني- ظاهرة في كون الموضوع فيها من لا يدري مقدار الحلال من الحرام، كما مرّ، حيث قال السائل فيها: «ولا أدري الحلال منه ولا الحرام، وقد اختلط علي»(2)، وفي رواية الحسن بن زياد قال الرجل لأمير المؤمنين عليه السلام: «إنّي أصبت مالًا لا أعرف حلاله من حرامه»(3)، فهاتان الروايتان وأمثالهما خاصّة بمن كان جاهلًا بالمقدار، فالاجتزاء بالتخميس أيضاً له مراعى بعدم انكشاف الخلاف، وأمّا من تبيّن له الحال وعلم بوجود الحرام في ماله حتّى بعد التخميس، فالنصّ منصرف عنه، ولا يشمله، بل الأصل عدم جواز تصرّفه في مال الغير والحرام.

الثاني: وجوب التصدّق بمقدار كلّ الحرام على أهل الصدقة، فيسترجع الخمس الذي أدّاه إن أمكن، وإن لم يمكن الاسترجاع أجزأ، وتصدّق بالزائد. وقد نقل في «الجواهر» احتماله عن «البيان»(4).


1- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 271، العروة الوثقى 4: 265 ..
2- وسائل الشيعة 9: 506، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 9: 505، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 1 ..
4- جواهر الكلام 16: 79 ..

ص: 234

(مسألة 33): لو تصرّف في المال المختلط بالحرام بالإتلاف قبل إخراج الخمس، تعلّق الحرام بذمّته، والظاهر سقوط الخمس، فيجري عليه حكم ردّ المظالم (118)، وهو وجوب التصدّق،

وفيه: أ نّه خلاف ظاهر الروايات المقتضي كون المدفوع خمساً، لا صدقة، كما مرّ. هذا مضافاً إلى أ نّه لا دليل على حرمة كلّ صدقة على بني هاشم، بل هي مختصّة بالزكاة الواجبة، فلا مقتضي للاسترجاع، بل اللازم التصدّق بالزائد إن كان معلوماً.

الثالث: كون ذلك المال- بعد علمه بوجود الحرام فيه بعد التخميس- موضوعاً جديداً للمال المخلوط بالحرام، وهو الأقوى؛ فإن عرف مقدار الحرام ومالكه دفعه إليه، وإن عرف مقداره ولم يعرف صاحبه تصدّق عنه، وإن لم يعرف مقداره ولا صاحبه يجب عليه التخميس ثانياً؛ لشمول الروايات ذلك أيضاً.

118- لأنّ المال الحرام كان لصاحبه وإن كان مجهولًا، ولابدّ من ردّه إلى صاحبه، وإذا كان مجهولًا يجري عليه حكم ردّ المظالم، إلّاأ نّه قد دلّت الروايات على كفاية تخميس المال المختلط الموجود في جواز التصرّف في الباقي من المال، وأمّا إذا أتلف المال قبل التخميس فلا تشمله الروايات، بل حيث إنّ الحرام قد تعلّق بذمّته فلابدّ له التصدّق بما تيقّن الاشتغال به، ولا يكفيه الخمس إلّاإذا تيقّن الفراغ به وأدّاه إلى الفقراء من السادات.

ولكنّه يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من الروايات، كون الإمام مالكاً للخمس مشاعاً في المال المختلط قبل التصرّف، فالخمس بعينه ينتقل إلى ذمّة المتصرّف، فلابدّ له

ص: 235

والأحوط الاستئذان من الحاكم (119)، كما أنّ الأحوط دفع مقدار الخمس إلى الهاشمي بقصد ما في الذمّة بإذن الحاكم (120). ولو تصرّف فيه بمثل البيع يكون فضوليّاً بالنسبة إلى الحرام المجهول المقدار (121)، فإن أمضاه الحاكم يصير العوض- إن كان مقبوضاً- متعلَّقاً للخمس (122)؛ لصيرورته من المختلط بالحرام الذي لا يعلم مقداره ولم يعرف صاحبه، ويكون المعوّض بتمامه ملكاً للمشتري. وإن لم يمضه يكون العوض المقبوض من المختلط بالحرام الذي جهل مقداره وعلم صاحبه، فيجري عليه حكمه (123).

من أدائه إلى الإمام فقط، كما ذهب إليه السيّد الخوئي رحمه الله(1).

119- لأنّه وليّ للغيّب والقصّر، والمجهول يحتسب من الغيّب.

120- لأنّ به يحصل الجمع بين الحقّين والقولين الماضيين؛ فإنّه إن كان خمس المال حقّاً للسادة فقد أدّاه إليهم، وإن كان صدقة فهي للفقراء، وفقراء السادة يجوز لهم التصرّف في المال المجهول المالك، خصوصاً إذا كان بإذن الحاكم، فالاحتياط يقتضي أداؤه على فقراء السادة دون غيرهم.

121- لعدم كونه مالكاً لتمام المبيع، فيكون بالنسبة إلى خمسه فضولياً.

122- لأنّ الحاكم وليّ المال المجهول مالكه، وله الإجازة، فإن أجاز كان البيع صحيحاً، فينتقل حقّ الوليّ- أي الخمس- إلى العوض إن كان مقبوضاً، فيكون المعوّض بتمامه للمشتري بمقتضى المعاوضة.

123- لا دليل على كون العوض من المال المختلط بعد عدم إمضاء الحاكم البيع؛


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 172 ..

ص: 236

وأمّا المعوّض فهو باقٍ على حكمه السابق، فيجب تخميسه (124)، ولوليّ الخمس الرجوع إلى البائع، كما أنّ له الرجوع إلى المشتري بعد قبضه.

لأنّ البيع فضولي بالنسبة إلى الخمس، فإذا لم يمضه الحاكم صار البيع بالنسبة إليه باطلًا، فيبقى خمس العوض في ملك المشتري، فيكون شريكاً مع البائع في العوض، وأمّا الحاكم فيجوز له الرجوع لأخذ خمسه على البائع، كما يجوز له الرجوع على المشتري؛ لاقتضاء حكم اليد ذلك، كما في تعاقب الأيادي على مال الغير وتلفه في يد أحدهم.

124- لأنّ الخمس قد تعلّق بالعين، وهو باق، وللوليّ الرجوع على كلّ من المتبائعين.

ص: 237

القول: في قسمته ومستحقّيه

(مسألة 1): يقسّم الخمس ستّة أسهم (1): سهم للَّه تعالى، وسهم للنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، وسهم للإمام عليه السلام، وهذه الثلاثة الآن لصاحب الأمر أرواحنا له الفداء وعجّل اللَّه تعالى فرجه.

1- على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً، بل هي كذلك في صريح «الانتصار» وظاهر «الغنية» و «كشف الرموز» كما في «الجواهر»(1) وعلى الحقّ المعروف بين أصحابنا- بل عليه الإجماع- عن صريح السيّدين و «الخلاف» وظاهر «التبيان» و «مجمع البيان» و «فقه الراوندي» بل هو إجماع حقيقة؛ لعدم ظهور قائل منّا بخلافه سوى شاذّ غير معروف لا تقدح مخالفته في الإجماع، كما في «المستند» للنراقي(2).

وقال الشيخ رحمه الله في «الخلاف» في كتاب الفي ء: «عندنا أنّ الخمس يقسّم ستّة أقسام: سهم للَّه، وسهم لرسوله، وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة أسهم كانت


1- جواهر الكلام 16: 84 ..
2- مستند الشيعة 10: 83 ..

ص: 238

للنبي صلى الله عليه و آله و سلم وبعده لمن يقوم مقامه من الأئمّة، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل من آل محمّد صلى الله عليه و آله و سلم لا يشركهم فيه غيرهم.

واختلف الفقهاء في ذلك؛ فذهب الشافعي إلى أنّ خمس الغنيمة يقسّم على خمسة أسهم: سهم لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، فأمّا سهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فيصرف في مصالح المسلمين، وأمّا سهم ذي القربى فإنّه يصرف إلى ذوي القربى على ما كان يصرف إليهم على عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم على ما نبيّنه فيما بعد.

وذهب أبو العالية الرياحي إلى أنّ الخمس من الغنيمة والفي ء على ستّة أسهم:

سهم للَّه تعالى، وسهم لرسوله، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل.

وذهب مالك إلى أنّ خمس الغنيمة وأربعة أخماس الفي ء، مفوّض إلى اجتهاد الإمام ليصرفه إلى من رأى أن يصرفه إليه.

وذهب أبو حنيفة إلى أنّ خمس الغنيمة وأربعة أخماس الفي ء، يقسّم على ثلاثة أسهم: سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل»(1).

وإنّما ذكرنا كلامه بطوله؛ من جهة نقله أقوال العامّة أيضاً.

واستدلّ المشهور على التقسيم كذلك- مضافاً إلى الإجماع وعدم الخلاف- بالكتاب والروايات:

أمّا الكتاب، فقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ


1- الخلاف 4: 209 ..

ص: 239

وَمَا أنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ...(1) الآية.

والمتصوّر في الآية احتمالان بالنظر البدوي:

الأوّل: التقسيم والتسهيم؛ فيكون المراد لزوم تقسيم الخمس إلى ستّة أقسام، كما عليه المشهور، أو خمسة بجعل سهم اللَّه تعالى والرسول واحداً، كما نسب إلى بعض. ويؤيّد هذا الاحتمال عدّة من الأخبار الآتية.

والثاني: أن يراد من الآية الترتيب في الاختصاص؛ أي كون الخمس حقّاً وحدانياً ثابتاً بأجمعه للَّه تعالى في يد ولي الأمر، وقد جعله اللَّه تعالى بأجمعه تحت اختيار الرسول في عصره، وبعده لذوي القربى؛ أي الإمام المنصوب من قبله بعده.

ويقرّب هذا الاحتمال كون الخمس ضريبة مالية قد جعل لإدارة الحكومة الإسلامية المعبّر عنها في لسان الشرع بالإمامة.

ولا يخفى: أنّ الحكومة أوّلًا وبالذات للَّه تعالى، وقد جعلها اللَّه لرسوله وفوّضها إليه بقوله تعالى: النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ(2) وفوّضها الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إلى الأئمّة الاثني عشر من ذوي القربى عند الإمامية بدلالة الأحاديث المتواترة، خصوصاً الأحاديث الناقلة لحادثة يوم الغدير؛ وقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟» قالوا: بلى، فقال: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»(3)، وبدلالة النصوص الصريحة على نصب الأئمّة الاثني عشر للإمامة واحداً بعد واحدٍ، ومن المعلوم أنّ ميزانيّة الحكومة لابدّ وأن تكون تحت اختيار الحاكم والوليّ، وتصرف تحت ولايته وإشرافه.


1- الأنفال( 8): 41 ..
2- الأحزاب( 33): 6 ..
3- راجع الغدير 1: 9 ..

ص: 240

ويؤيّد هذا الاحتمال من الآية كون اللام في الثلاثة الأوائل- أي في قوله تعالى:

فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى- ظاهراً في الاختصاص والاستقلال.

ويؤيّده أيضاً: عدم كون خمس الغنائم بالمعنى الأعمّ- كما مرّ منّا- كثيراً إلى الغاية؛ بحيث يختصّ بمعايش النبي وذي القربى والمساكين واليتامى وابن السبيل منهم.

ويؤيّده أيضاً: عدم دخول اللام على الثلاثة الآخرين؛ أي اليتامى ومن بعدهم، لأنّ الخمس ليس ملكاً لهم، ولا مختصّاً بهم، بل إنّما يصرف في حوائجهم ومعايشهم بقدر اللزوم والاحتياج، وإنّما ذكروا لشدّة اتصالهم بالرسول وبذوى القربى؛ وكون إدارة امورهم من شؤون الحكومة والإمامة. مع أ نّهم محرومون من الزكاة، وأنّ اللَّه قد جعل الخمس لهم عوضاً عن الزكاة، كما في بعض الروايات.

ويؤيّده أيضاً: ذكر اللَّه تعالى والرسول وذي القربى في عداد مصرف الخمس، مع أنّ اللَّه تعالى أجلّ من أن يحتاج إليه، ومن البعيد أن يراد بكون الرسول وذي القربى ذوي سهم منه، أنّ الخمس كالملك الشخصي والخصوصي لهم؛ بحيث يرث أولادهم كلّ ما بقي منهم بعد وفاتهم. مع أ نّا قد أشرنا إلى كثرة الخمس، خصوصاً مع إرادة تعميم الغنيمة، وبعيد في الغاية من مذاق الشرع كون ذلك ملكاً مختصّاً بهم، بل الظاهر أ نّه يعتبر من الامور المالية للحكومة، والحاكم هو اللَّه تعالى ورسوله وذوو القربى بعده، كما هو الحقّ.

وأمّا قوله تعالى: وَلِذِى الْقُرْبَى ففيه- قبل النظر إلى الروايات- ثلاثة احتمالات:

القول الأوّل: أن يراد منه أقارب من تعلّق الخمس بذمّته؛ أي المالك، فيكون المراد أنّ من موارد ومصارف الخمس صلة أقارب وأرحام صاحب المال، كما في

ص: 241

قوله تعالى: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ(1).

وقوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ...(2) الآية.

وقوله تعالى: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى(3).

ولكنّه لم يقل بهذا الاحتمال من الفريقين أحد، ولا تؤيّده الروايات، بل تخالفه.

القول الثاني: أن يكون المراد مطلق ما يقرب النبي صلى الله عليه و آله و سلم في النسب من الهاشميين والمطّلبيين، وقد اختار هذا الاحتمال فقهاء العامّة، ونسب إلى ابن الجنيد من الخاصّة فقط. والمراد ب ذِى الْقُرْبَى هنا هم بنو هاشم وبنو طالب، دون بني عبد شمس وبني نوفل؛ لأنّ الأوائل لم يفارقوا الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في جاهلية ولا إسلام، كما قال الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وشبّك بين أصابعه(4). ويصرف اليوم في المصالح العامّة.

والخلاصة: أنّ مذاهب الفقهاء في قسمة خمس الغنيمة بعد عهد النبوّة ما يأتي:

قال الحنفيّة: تقسم على ثلاثة أسهم: سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل. وأمّا ذكر اللَّه تعالى في الخمس، فإنّما هو لافتتاح الكلام تبرّكاً باسمه تعالى. وسهم النبي صلى الله عليه و آله و سلم سقط بموته، كما سقط الصفيّ. وسهم ذوي القربى كانوا يستحقّونه في زمن النبي بالنصرة له، وبعد وفاته بالفقر؛ لانقطاع النصرة.

وقال الشافعي وأحمد والظاهرية وجمهور المحدّثين: توزّع الغنيمة على خمسة


1- البقرة( 2): 177 ..
2- النساء( 4): 36 ..
3- النحل( 16): 90 ..
4- جامع الاصول 2: 693/ 1195 ..

ص: 242

أسهام: أوّلها سهم المصالح؛ سهم اللَّه ورسوله، وثانيها: سهم ذوي القربى، وهم بنو هاشم من أولاد فاطمة وغيرها، وثلاثة أسهم اخرى إلى ما نصّ اللَّه عليهم.

وقال مالك: إنّ القسمة مفوّض أمرها إلى الإمام يفعل ما يراه مصلحة(1).

وقال ابن حزم في «المحلّى»: «ويقسم خمس الركاز وخمس الغنيمة على خمسة أسهم: فسهم يضعه الإمام حيث يرى من كلّ ما فيه صلاح وبرّ للمسلمين، وسهم ثانٍ لبني هاشم والمطّلب بني عبد مناف؛ غنيّهم وفقيرهم وذكرهم وانثاهم وصغيرهم وكبيرهم وصالحهم وطالحهم، فيه سواء ... وسهم ثالث لليتامى من المسلمين كذلك أيضاً، وسهم رابع للمساكين من المسلمين، وسهم خامس لابن السبيل من المسلمين ... برهان ذلك قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ ... الآية.

ومن طريق أبي داود: أخبرنا الزهري، عن سعيد بن المسيّب قال: أخبرني جبير بن مطعم قال: لمّا كان يوم خيبر وضع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني عبد المطّلب، وترك بني نوفل وبني عبد شمس، قال: فانطلقت أنا وعثمان بن عفّان إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقلنا: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك اللَّه به منهم، فما بال إخواننا بني المطّلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة؟! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّا وبنو المطّلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنّما نحن وهم شي ء واحد» وشبّك بين أصابعه.

وهذا بيان جليّ وإسناد في غاية الصحّة»(2) ثمّ نقل روايات اخرى أيضاً.

وهذا القول لا يؤيّده ظاهر الآية، كالقول الأوّل، ولا الروايات الواردة من


1- الفقه الإسلامي وأدلّته 8: 5902 ..
2- المحلّى بالآثار 5: 388، مسألة 949 ..

ص: 243

طرق أهل البيت عليهم السلام الذين هم أدرى بما في البيت.

القول الثالث: إرادة خصوص الإمام المعصوم المنصوب من قبل النبي صلى الله عليه و آله و سلم ويؤيّده ذكر ذِى الْقُرْبَى بصيغة المفرد؛ لأنّ الإمام في كلّ زمان شخص واحد. وقد اختار هذا القول جميع أصحابنا الإمامية. وتؤيّده الأخبار الواردة من طرق الأئمّة عليهم السلام وقد أمرنا بالتمسّك بهم كالتمسّك بالقرآن في حديث الثقلين المنقول من جهة الفريقين(1). ولم ينسب الخلاف إلّاإلى ابن الجنيد بحمل الآية على مطلق القرابة.

وقال السيّد الخوئي رحمه الله: «إنّ الروايات الدالّة على أنّ المراد به الإمام عليه السلام كثيرة جدّاً، وإن كانت ضعيفة السند بأجمعها فهي نصوص مستفيضة متظافرة جدّاً. مضافاً إلى التسالم والإجماع، وفيه الكفاية.

بل يمكن الاستفادة من نفس الآية؛ نظراً إلى أنّ المراد من اليتيم والمسكين وابن السبيل، خصوص السادة وأقرباؤه صلى الله عليه و آله و سلم من بني هاشم- دون غيرهم- بالضرورة؛ فإنّ لهم الزكاة، وعليه فلو اريد من ذوي القربى مطلق القرابة، كانت الأسهم حينئذٍ خمسة لا ستّة، فلا مناص من إرادة الإمام خاصّة؛ ليمتاز أحد السهمين عن الآخر»(2).

وفيه: أنّ القائل بكون المراد من قوله تعالى: ذِى الْقُرْبَى هم بنو هاشم وعبد المطّلب جميعاً، يقول بكون المراد من الباقي جميع المسلمين عامّة؛ مساكينهم ويتاماهم، فالعمدة هو الأخبار فلا يرد الإشكال عليهم.


1- بحار الأنوار 23: 117/ 33، كنز العرفان 1: 186/ 945 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 312 ..

ص: 244

وأمّا الأخبار فهي كثيرة:

منها: مرسلة حمّاد الطويلة عن الكاظم عليه السلام وفيها: «فيقسّم بينهم الخمس على ستّة أسهم: سهم للَّه، وسهم لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، فسهم اللَّه وسهم رسول اللَّه لُاولي الأمر من بعد رسول اللَّه وراثة، وله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، وسهم مقسوم له من اللَّه، وله نصف الخمس كَمَلًا، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم يقسّم بينهم على الكفاف والسعة إلى ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شي ء يستغنون عنه فهو للوالي، وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به. وإنّما صار عليه أن يموّنهم لأنّ له ما فضل عنهم ... وهؤلاء الذين جعل اللَّه لهم الخمس هم قرابة النبي صلى الله عليه و آله و سلم الذين ذكرهم اللَّه عزّوجلّ قال اللَّه تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ(1) وهم بنو عبد المطّلب أنفسهم؛ الذكر والانثى منهم ... ومن كانت امّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش، فإنّ الصدقة تحلّ له، وليس له من الخمس شي ء؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ(2) ...» إلى آخر الحديث(3).

أمّا السند، فهذه الرواية وإن كانت مرسلة، إلّاأنّ مرسلها حمّاد بن عيسى، فقد يقال: إنّه من أصحاب الإجماع، وقد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ


1- الشعراء( 26): 214 ..
2- الأحزاب( 33): 5 ..
3- تهذيب الأحكام 4: 128/ 366، وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 8 ..

ص: 245

عنهم، فلا إشكال في إرساله(1).

وفيه: أنّ الإجماع لم يثبت بعدُ، وإن ثبت لا يوجب حجّية الحديث؛ لأنّ الحجّية تتبع الوثوق والاطمئنان بصدور الحديث عن المعصوم، وعدالة الراوي- بل كونه في أعلى درجات الوثوق- لا تثبت صدور هذه الرواية عن المعصوم، ولا سماع الراوي عن العادل؛ لأنّ المروي عنه غير معلوم لنا. مع أنّ العدول والثقات قد ينقلون الأحاديث عن الضعاف؛ لأنّ نقل الحديث عن الضعاف لا يوجب ضعف الراوي، وكذا نقل الثقات عن آخرين لا يوجب توثيق الآخرين؛ إلّاأن يثبت وثوقهم من دليل آخر، والإرسال كذلك. وتصريح حمّاد بكون الراوي من أصحابه، لا يدلّ أيضاً على الوثوق؛ لأنّ من أصحاب الأئمّة عليهم السلام من لا نثق به، فكيف بأصحاب حمّاد بن عيسى؟! فلا حجّية للحديث بانفراده.

نعم، يمكن تأييده بالروايات الاخرى وحصول الاطمئنان والوثوق بالحكم بها؛ لأ نّها مستفيضة. مضافاً إلى التسالم والإجماع، كما تقدّم عن السيّد الخوئي رحمه الله.

وأمّا الدلالة، فقد يستفاد منها امور:

الأوّل: أنّ السهام ستّة، وسهم اللَّه ورسوله صلى الله عليه و آله و سلم بعده لوليّ الأمر.

الثاني: أنّ المراد من ذِى الْقُرْبَى هو وليّ الأمر بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم.

الثالث: أنّ نصف الخمس يقسّم بين اليتامى والمساكين وأبناء السبيل على الكفاف والسعة؛ بنحو ما يستغنون به في سنتهم.

الرابع: أنّ المراد من الثلاثة المذكورين في آخر الآية، هم السادة من آل هاشم؛ وهم كلّ بني عبد المطّلب من الذكر والانثى.

الخامس: أنّ أمر النصف الآخر أيضاً بيد الإمام؛ إن فضل عنهم شي ء فهو له، وإن


1- الخمس، المحقّق المنتظري: 259 ..

ص: 246

نقص كان عليه أن ينفق عليهم من أمواله الاخرى بقدر ما يستغنون به، وأمر التقسيم أيضاً ومقداره بيده ونظره، فهو يدلّ أيضاً على أنّ الثلاثة أيضاً موارد مصرف الخمس فقط، لا أ نّهم مالكون له، بل أمره بيد الإمام عليه السلام.

السادس: أنّ من انتسب بالامّ إلى عبد المطّلب لا يجوز له أخذ الخمس، ويجوز له أخذ الصدقات والزكاة.

السابع: أ نّه لا يجوز لمن انتسب إلى عبد المطّلب بالأب أو الأبوين أخذ الصدقة؛ أي الزكاة.

الثامن: كون أمر الخمس بتمامه بيد الإمام قوله عليه السلام: «وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه، من قبيل إعطاء المؤلّفة قلوبهم، وغير ذلك من صنوف ما ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي ء أخرج الخمس منه فقسّمه في أهله، وقسم الباقي على من ولي ذلك»(1).

حيث يدلّ على كون أمر الغنائم مطلقاً- الخمس وغيره- بيد الإمام، فله أن يصرفها في مصالح المسلمين على ما يراه مصلحة؛ حتّى وإن لم يبقَ شي ء منها للسادة من الأيتام والمساكين وأبناء السبيل والمقاتلين.

ومنها: مرسلة عبداللَّه بن بكير، عن بعض أصحابه، عن أحدهما عليهما السلام في قول اللَّه عزّوجلّ: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ ... الآية، قال: «خمس اللَّه للإمام، وخمس الرسول للإمام، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام، واليتامى يتامى آل الرسول، والمساكين منهم، وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم»(2).


1- تهذيب الأحكام 4: 129/ 366 ..
2- وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 2 ..

ص: 247

ومضمون هذا الحديث قريب لما يستفاد من مرسلة حمّاد، كما أ نّه مرسل أيضاً.

ومنها: صحيحة ربعي بن عبداللَّه بن جارود، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوة، وكان ذلك له، ثمّ يقسم ما بقي خمسة أخماس، ويأخذ خمسه، ثمّ يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، ثمّ قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس؛ يأخذ خمس اللَّه عزّوجلّ لنفسه، ثمّ يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى، واليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل؛ يعطي كلّ واحد منهم حقّاً، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول صلى الله عليه و آله و سلم»(1).

وهذا الحديث يؤيّد ما استفدناه من الآية ومرسلة حمّاد؛ من أنّ ولاية الخمس بيد الرسول والإمام بعده، وإذا كان كلّ الخمس بيدهما فلهما أن يقسما بما اقتضته المصلحة في زمانهما، فيمكن أن تقتضي المصلحة في زمانٍ خاصّ تقسيم الخمس لغير الهاشمي أيضاً، كما فعله النبي صلى الله عليه و آله و سلم لأنّه لا يبعد أن يكون المراد من الحديث، اليتامى والمساكين وأبناء السبيل غير الهاشميين إذا رأى في تقسيمه كذلك مصلحة؛ لأنّه كان سهم ذي القربى كافياً للهاشميين؛ لقلّتهم في زمانه صلى الله عليه و آله و سلم ويكفيهم سهم واحد، مع كثرة المساكين واليتامى وأبناء السبيل من غيرهم، فلا تدلّ هذه الصحيحة على التقسيم كذلك في كلّ زمان.

ومنها: صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن الرضا عليه السلام قال: سئل عن قول اللَّه عزّوجلّ: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبَى فقيل له: فما كان للَّه فلمن هو؟ فقال: «لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وما كان لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فهو للإمام».


1- وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 3 ..

ص: 248

فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر، وصنف أقلّ، ما يصنع به؟

قال: «ذاك إلى الإمام؛ أرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كيف يصنع، أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟! كذلك الإمام»(1).

ومنها: ما رواه أبو خالد الكابلي قال: قال عليه السلام: «إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كلّ ما في بيت المال رجلًا واحداً فلا يدخلنّ في قلبك شي ء؛ فإنّه يعمل بأمر اللَّه»(2).

وهذان الحديثان يدلّان بصراحة على ما قلناه واستظهرناه من الروايات والآية أيضاً؛ وهو أنّ أمر الخمس للإمام عليه السلام وأنّ الثلاثة المذكورين في الآية إنّما هم مصارف للخمس فقط، فعلى الإمام عليه السلام أن يموّنهم ويعينهم من الخمس بقدر ما يكفيهم، وعلى ما يراه مصلحة في ذلك.

ومنها: ما رواه زكريا بن مالك الجعفي، عن أبي عبداللَّه عليه السلام: أ نّه سأله عن قول اللَّه عزّوجلّ: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ ... فقال: «أمّا خمس اللَّه عزّ و جلّ فللرسول يضعه في سبيل اللَّه، وأمّا خمس الرسول فلأقاربه، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم، وأمّا المساكين وابن السبيل فقد عرفت أ نّا لا نأكل الصدقة، ولا تحلّ لنا، فهي للمساكين وأبناء السبيل»(3).

وظاهرها أنّ سهم الرسول وذوي القربى من الخمس لأقرباء رسول اللَّه، كما أنّ اليتامى هم اليتامى من أهل بيته، وأمّا المساكين وأبناء السبيل فهما من غير أهل


1- وسائل الشيعة 9: 519، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 2، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 520، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 2، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 9: 509، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 1 ..

ص: 249

بيته، فتقرب دلالتها ممّا أفتى به العامّة.

ولكنّ الحديث ضعيف سنداً من جهة زكريّا بن مالك الجعفي؛ لأنّه لم يوثّق. مع أ نّه معارض للأخبار التي تدلّ على لزوم كون المساكين واليتامى وأبناء السبيل من السادة، فيمكن صدورها تقية.

مع أ نّه لا منافاة بينه وبين ما قلناه من كون الولاية للرسول والإمام في ذلك؛ وأنّ له أن يقسم الخمس- كما في الرواية- في زمان خاصّ.

ومنها: ما رواه سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «نحن- واللَّه- الذين عنى اللَّه بذي القربى الذين قرنهم اللَّه بنفسه وبنبيّه، فقال: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ(1)؛ منّا خاصّة، ولم يجعل لنا سهماً في الصدقة؛ أكرم اللَّه نبيّه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس»(2).

والحديث ضعيف سنداً من جهة أبان بن أبي عيّاش.

وأمّا الدلالة، فالآية وإن كانت في مورد الفي ء دون الخمس، ولكنّه يمكن أن يقال: إنّ المراد من الآيتين من ذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيِلِ واحد، وهو قوله: «منّا خاصّة» مع تأييده عليه السلام بأنّ اللَّه لم يجعل لهم سهماً في الصدقة.

ومنها: ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللَّه تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ ... قال: «هم قرابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم والخمس للَّه وللرسول صلى الله عليه و آله و سلم ولنا»(3).


1- الحشر( 59): 7 ..
2- وسائل الشيعة 9: 511، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 9: 511، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 5 ..

ص: 250

وهذا الحديث ضعيف سنداً من جهة معلّى بن محمّد؛ لأنّه مضطرب الحديث والمذهب ولكنّه يؤيّد ما استظهرناه من الروايات الاخرى.

ومنها: ما رواه سليم بن قيس الهلالي أيضاً، والظاهر اتحاده مع الحديث المذكور قبل رواية محمّد بن مسلم، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام وذكر خطبة طويلة يقول فيها: «واعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال اللَّه عزّوجلّ: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ(1) فنحن- واللَّه- عنى بذي القربى الذي قرننا اللَّه بنفسه وبرسوله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فينا خاصّة كَىْ لَايَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ في ظلم آل محمّد إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2) لمن ظلمهم؛ رحمة منه لنا، وغنى أغنانا اللَّه به، ووصّى به نبيّه صلى الله عليه و آله و سلم ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً؛ أكرم اللَّه رسوله صلى الله عليه و آله و سلم وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذّبوا اللَّه، وكذّبوا رسوله، وجحدوا كتاب اللَّه الناطق بحقّنا، ومنعونا فرضاً فرضه اللَّه لنا، ما لقي أهل بيت نبيٍّ من امّته ما لقينا بعد نبيّنا صلى الله عليه و آله و سلم واللَّه المستعان على من ظلمنا، ولا حول ولا قوّة إلّاباللَّه العلي العظيم»(3).

والسند معتبر؛ فإنّ سليم بن قيس الهلالي لا إشكال فيه بعد تأييد الشيخ والمفيد


1- الأنفال( 8): 41 ..
2- الحشر( 59): 7 ..
3- الكافي 8: 63/ 21 ..

ص: 251

والنجاشي إيّاه.

كما أنّ دلالتها على اختصاص ذِى الْقُرْبَى بأهل البيت وكذا الطوائف الثلاث، واضحة لا إشكال فيها.

ومنها: ما رواه الصدوق رحمه الله بسند ممدوح، عن الريّان بن الصلت، عن الرضا عليه السلام في حديث طويل قال: «وأمّا الثامنة فقول اللَّه عزّوجلّ: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ ... فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ...» إلى أن قال: «فبدأ بنفسه، ثمّ برسوله، ثمّ بذي القربى، فكلّ ما كان في الفي ء والغنيمة وغير ذلك ممّا رضيه لنفسه فرضيه لهم ...» إلى أن قال: «فسهم ذي القربى قائم إلى يوم القيامة فيهم للغني والفقير؛ لأنّه لا أحد أغنى من اللَّه، ولا من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فجعل لنفسه منها سهماً، ولرسوله سهماً، فما رضيه لنفسه ولرسوله رضيه لهم، وكذلك الفي ء...»(1) الحديث.

والسند لا بأس به إجمالًا، فكلّ رجاله ثقات، إلّاجعفر بن محمّد بن مسرور، ومع هذا فإنّه لا بأس به؛ لأنّه من مشايخ الصدوق، وقد ترحّم عليه عند ذكره، فيكون ممدوحاً من هذه الجهة.

والحقّ: أنّ ما يستفاد قطعاً من مجموع الروايات بما هو مجموع، كون جميع الخمس بيد الإمام واختياره، وهو يقسّم على المصالح على ما يراه مصلحة، نعم من المصارف الأوّلية للخمس أيتام السادة، ومساكينهم، وأبناء سبيلهم، كما مرّ.

ولذا قال الإمام الخميني رحمه الله في «كتاب البيع» في بحث ولاية الفقيه(2): «والذي يظهر لي من مجموع الأدلّة في مطلق الخمس- سواء فيه سهم الإمام عليه السلام أو سهم السادة كثّر اللَّه نسلهم الشريف- غير ما أفادوا:


1- وسائل الشيعة 9: 515، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 10 ..
2- البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 655 ..

ص: 252

أمّا في سهم السادة، فلأنّه لا شبهة في أ نّهم مصرف له، لا أ نّهم مالكون لجميع السهام الثلاثة؛ ضرورة أنّ الفقر شرط في أخذه، والمراد به عدم واجديّة مؤونة سنته حسب المتعارف ...» إلى أن قال: «ولا شبهة في أنّ نصف الخمس يزيد عن حاجة السادة بما لا يحصى، وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ جعل الخمس في جميع الغنائم والأرباح، دليل على أنّ للإسلام دولة وحكومة، وقد جعل الخمس لأجل نوائب الحكومة الإسلامية، لا لأجل سدّ حاجات السادة فحسب؛ إذ نصف خمس سوق كبير من أسواق المسلمين، كاف لذلك، بل الخمس لجميع نوائب الوالي، ومنها سدّ حاجة السادة ...»(1).

«كما أ نّه لا شبهة في أنّ السهام، لا تقسم بين الطوائف الثلاث على السواء، بل هو موكول إلى نظر الوالي، ففي صحيحة البزنطي قال عليه السلام: «ذاك إلى الإمام، أرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كيف يصنع، أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟! كذلك الإمام»(2).

ويشهد على ذلك ما رواه السيّد المرتضى رحمه الله في «رسالة المحكم والمتشابه» عن «تفسير النعماني» عن أمير المؤمنين عليه السلام: «وأمّا ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق وأسبابها، فقد أعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه: وجه الإمارة، ووجه العمارة، ووجه الإجارة، ووجه التجارة، ووجه الصدقات، فأمّا وجه الإمارة فقوله تعالى: واعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ ... فجعل للَّه خمس الغنائم، والخمس يخرج من أربعة وجوه: من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين، ومن المعادن، ومن الكنوز، ومن الغوص»(3).


1- البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 656 ..
2- وسائل الشيعة 9: 519، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 2، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 9: 489، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 12 ..

ص: 253

حيث يدلّ على كون الخمس من وجوه الإمارة والحكومة. والرواية وإن كانت ضعيفة سنداً من جهات، ولكن دلالتها واضحة، وتؤيّدها الروايات السابقة وما استظهرناه منها.

«وأمّا في سهم الإمام عليه السلام فلأنّ المفهوم من الكتاب والسنّة، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وكذا الأئمّة عليهم السلام أولياء التصرّف في السهم؛ كلّ في عصره، لا أ نّه ملك لهم. كما أنّ الآية ظاهرةٌ فيما ذكرناه عند التأمّل؛ لأنّه لا إشكال في كون مالكيته تعالى للسهم، ليست كمالكية زيد لثوبه؛ أي المالكية الاعتبارية. مع أنّ اعتبار الملكية الاعتبارية له تعالى غير معقول. والملكية التكوينية في الآية لا معنى لها؛ لأ نّها في مقام بيان حكم فقهي عقلائي. وأمّا مالكية التصرّف والأولوية من كلّ أحد، فلا مانع من اعتبارها له تعالى عند العقلاء، بل يرى العقلاء أ نّه تعالى أولى بالتصرّف في كلّ مال ونفس، ومعناه أنّ اللَّه تعالى ولي أمر الخمس، كما أنّ مالكية رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كذلك، ولذا يرث الإمام بعده، لا الورثة غير الإمام»(1).

هذا مضافاً إلى تأييده بالاعتبار العقلائي؛ فإنّ الخمس ضريبة مالية، ولابدّ أن يكون بيد الحكومة والحاكم لإدارة شؤون المسلمين، فلا إشكال في لزوم كون الخمس في زمان الأئمّة في يدهم، كما أنّ مصرفه لابدّ وأن يكون بإذنهم عليهم السلام.

وأمّا في زمان الغيبة فإن قلنا: إنّ ما للإمام من حيث ولاية الناس، قد ثبت للفقهاء العدول المبسوطي اليد- كما أفتى به السيّد البروجردي، والنراقي، وصاحب «الجواهر» وغيرهم، وأخيراً الإمام الخميني رحمه الله- فلابدّ أن يكون الخمس بيد الوالي من الفقهاء، دون غيره وإن كان من المجتهدين، ولا يجوز لهم التصرّف


1- البيع، الإمام الخميني قدس سره 2: 658 ..

ص: 254

وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل ممّن انتسب بالأب إلى عبدالمطلب (2)، فلو انتسب إليه بالامّ لم يحلّ له الخمس، وحلّت له الصدقة على الأصحّ.

فيه إلّابإذنه، كما أنّ أداء الخمس إلى السادات بالنسبة إلى سهمهم أيضاً لابدّ وأن يكون بإذنه أيضاً.

ولكنّا إن لم نقل بولاية الفقيه، فلابدّ من البحث عن كيفية التصرّف بالخمس في زمان الغيبة، وسيأتي في المسألة: (7) من «التحرير» فانتظر.

2- كما هو الأشهر، بل عليه عامّة أصحابنا، كما اعترف به في «الرياض» عدا المرتضى وابن حمزة؛ على ما حكي عنهما، وفي «الجواهر»: «ووافقه» أي المرتضى رحمه الله «المحدّث البحراني في حدائقه»(1).

وتدلّ على المشهور مرسلة حمّاد الماضية: «ومن كانت امّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش، فإنّ الصدقات تحلّ له، وليس له من الخمس شي ء ...»(2).

ومثلها الروايات الدالّة على تحريم الزكاة على بني هاشم، وتعويض الخمس لهم عن الزكاة، وجواز زكاة بعضهم على بعض؛ لأنّ العنوان المذكور فيها هو «الهاشمي» أو «بنو هاشم» ونحو هذه العناوين لا يصدق إلّاعلى من انتسب بالأب إلى هاشم، كالتميمي وغيره:

فمن هذه الروايات: صحيحة عيص بن القاسم، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إنّ


1- جواهر الكلام 16: 90 ..
2- وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 8 ..

ص: 255

اناساً من بني هاشم أتوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل اللَّه عزّوجلّ للعاملين عليها، فنحن أولى به، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: يا بني عبد المطّلب (يا بني هاشم) إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم، ولكنّي وعدت الشفاعة ...» إلى أن قال: «أتروني مؤثراً عليكم غيركم؟!»(1).

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة وأبي بصير كلّهم، عن أبي جعفر وأبي عبداللَّه عليهما السلام قالا: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس، وإنّ اللَّه قد حرّم علي منها ومن غيرها ما قد حرّمه، وإنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبدالمطّلب...»(2).

ومنها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم»(3).

ومنها: صحيحة زرارة عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث قال: «إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة؛ إنّ اللَّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» ثمّ قال: «إنّ الرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّاأن لا يجد شيئاً، ويكون ممّن تحلّ له الميتة»(4).

ومنها: غير ما ذكر من الروايات الدالّة على حرمة الزكاة والصدقة الواجبة على الهاشمي والمطّلبي، وجعل الخمس لهم عوضاً عنها، وعنوان «الهاشمي» أو


1- وسائل الشيعة 9: 268، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 29، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 268، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 29، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 9: 269، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 29، الحديث 3 ..
4- وسائل الشيعة 9: 276، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 33، الحديث 1 ..

ص: 256

«المطّلبي» لا يصدق إلّاعلى من انتسب بالأب إلى هاشم أو عبد المطّلب.

هذا مضافاً إلى أ نّه لو كان الخمس جائزاً لمن انتسب بالامّ إليهما، لقلّ وجود غير الهاشمي بين الناس في ذلك الزمان؛ إذ قلّما كان يوجد شخص لا تكون إحدى جدّاته هاشمية، فلو تزوّجت هاشمية بغير هاشمي كان نسله كلّه من بني هاشم، وجاز له الخمس، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به وكان يجوز على ذلك أخذ الخمس وإعطائه على أكثر بني اميّة وبني عبد مناف وغيرهم.

قال صاحب «الحدائق»: «ذهب السيّد المرتضى رحمه الله إلى أ نّه يكفي في الاستحقاق الانتساب بالامّ، ويكون الحكم فيه حكم المنتسب بالأب من غير فرق.

ومنشأ هذا الخلاف أنّ أولاد البنت أولاد حقيقة، أو مجازاً، فالمرتضى ومن تبعه على الأوّل، والمشهور الثاني. والأصحاب لم ينقلوا الخلاف هنا إلّاعن المرتضى رحمه الله وابن حمزة، مع أنّ شيخنا الشهيد الثاني في شرح «المسالك» في بحث ميراث أولاد الأولاد، نقله عن المرتضى، وابن إدريس، ومعين الدين المصري، ونقله في بحث الوقف على الأولاد عن الشيخ المفيد، والقاضي، وابن إدريس، ونقل بعض أفاضل العجم في رسالة له صنّفها في هذه المسألة- واختار فيها مذهب السيّد- هذا القول أيضاً عن القطب الراوندي، والفضل بن شاذان، ونقله المقداد في كتاب الميراث من كتابه «كنز العرفان» عن الراوندي، والشيخ المحقّق الشيخ أحمد بن المتوّج البحراني، ونقله في الرسالة المشار إليها أيضاً عن ابن أبي عقيل، وأبي الصلاح، والشيخ الطوسي في «الخلاف» وابن الجنيد، وابن زهرة في «الغنية»، ونقل عن المحقّق المولى أحمد الأردبيلي الميل إليه أيضاً، وهو مختار المحقّق المولى العماد مير محمّد باقر الداماد، وله في المسألة رسالة جيّدة، وقد وقفت عليها، واختاره المحقّق المولى محمّد صالح المازندراني

ص: 257

في شرح الاصول، والسيّد المحدّث نعمة اللَّه الجزائري»(1).

وقال الشهيد الثاني رحمه الله في مسألة إرث أولاد الأولاد: «وقال المرتضى وتبعه جماعة- منهم معين الدين المصري وابن إدريس-: إنّ أولاد الأولاد يقتسمون تقاسم الأولاد من غير اعتبار من تقرّبوا به؛ حتّى لو خلّف بنت ابن وابن بنت، فللذكر الثلثان، وللُانثى الثلث، ولو كان مع ابن البنت أحد الأبوين أو هما، فكما لو كانا مع الابن للصلب، ولو كانا مع بنت الابن فكما لو كانا مع البنت.

ومستندهم: أ نّهم أولاد حقيقة، فيدخلون في عموم قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْانْثَيَيْنِ.

ويدلّ على كونهم أولاداً وإن انتسبوا إلى انثى، تحريم حلائلهم بقوله تعالى:

وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ، وتحريم بنات الابن والبنت بقوله تعالى: وَبَنَاتُكُمْ، وحلّ رؤية زينتهنّ لأبناء أولادهنّ مطلقاً بقوله تعالى: أَوْ أَبْنَائِهِنَ، وحلّها لأولاد أولاد بعولتهنّ مطلقاً بقوله تعالى: أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَ.

وللإجماع على أنّ أولاد الابن وأولاد البنات، يحجبون الأبوين عمّا زاد عن السدسين، والزوج إلى الربع، والزوجة إلى الثمن، وكلّ ذلك في الآية متعلّق بالولد، فمن سمّاه اللَّه تعالى «ولداً» في حجب الأبوين والزوجين، هو الذي سمّاه «ولداً» في قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ فكيف يعطى في بعض الأموال للذكر مثل حظّ الانثيين، وفي بعضها نصيب آبائهم الذي يختلف؛ ويزيد وينقص؟!...».

إلى أن قال: «وهذه توجيهات حسنة، إلّاأنّ الدليل قد قام أيضاً على أنّ أولاد البنات ليسوا أولاداً حقيقة؛ لثبوت ذلك في اللغة والعرف، وصحّة السلب التي هي


1- الحدائق الناضرة 12: 390 ..

ص: 258

علامة المجاز ... لأنّه يصدق: «ما هو ولدي، ولكن ولد ولدي» ولأ نّه لا يتبادر إلى الذهن إطلاق «الولد» إلّاعلى ولد الصلب، وهو آية الحقيقة، وخلافه آية المجاز.

وهذه الأحكام التي ذكرت- من التحريم وغيره- مستفادة من الإجماع أو من دليل خارج دلّ على إرادة المذكورين، ولا إشكال في صحّة الحمل على المعنى المجازي بالقرينة. وقد دلّت الأخبار الصحيحة هنا على أنّ أولاد الأولاد، يأخذون نصيب من تقرّبوا به من ذكر وانثى، وهي مؤيّدة لما ذكر»(1).

واستدلّ السيّد المرتضى وابن إدريس وغيرهما: بأ نّه يطلق على أولاد الأولاد «الولد» حقيقة وإن كانوا أولاداً لبنات، ولذا حجبوا الأبوين إلى السدسين بولد الولد، قال: «وأمّا مخالفونا فإنّهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأ نّه «ولد» على الحقيقة، وفيهم من وافق على ذلك، ووافق جميعهم على أنّ ولد الولد وإن هبط يسمّى «ولداً» على الحقيقة...».

إلى أن قال: «وممّا يدلّ على أنّ ولد البنين والبنات يقع عليهم اسم «الولد» قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ امَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وبالإجماع على أنّ بظاهر هذه الآية نستدلّ على حرمة بنات أولادنا، ولذا قال اللَّه تعالى: وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْاخْتِ ولم يحتج أن يقول: «وبنات بناتكم». وكذا قوله تعالى: وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ، وقوله: لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ... إلى قوله: أوْ أَبْنَائِهِنَ.

ويستدلّ أيضاً بالإجماع على تسمية الحسن والحسين عليهما السلام: «بأ نّهما أبناء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم» وأ نّهما يفضلان بذلك ويمدحان، ولا فضيلة في وصف مجاز مستعار.


1- مسالك الأفهام 13: 125 ..

ص: 259

وبأنّ العرب في الجاهلية لم تزل تنسب الولد إلى جدّه؛ إمّا في موضع مدح، أو ذمّ، وقد كان يقال للصادق عليه السلام أبداً: «أنت ابن الصدّيق» لأنّ امّه بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر. وكذا لا خلاف في أنّ عيسى عليه السلام من بني آدم وولده، وإنّما ينسب إليه بالامومة، دون الابوّة، والأصل في الإطلاق الحقيقة. وقد ثبت إطلاق «الولد» أيضاً في قوله صلى الله عليه و آله و سلم في الحسن والحسين عليهما السلام: «هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا»(1).

وكذا استدلّوا على ذلك القول وإطلاق «الولد» حقيقة، بالروايات الواردة في إثبات كون الحسن والحسين أبناء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بالاحتجاج بالآيات، وعدّ عيسى من ذرّية إبراهيم ونوح. وكذا بقوله تعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ. والروايات الاخرى تدلّ على كون الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام أبناء رسول اللَّه حقيقةً، مع أ نّهم أبناء علي عليه السلام واحتجاجهم في مقابل المنكرين لذلك بالآيات، فراجع»(2).

وفيه أوّلًا: أنّ الإطلاق أعمّ من الحقيقة.

وثانياً: أ نّا لا ننكر الحقيقة في إطلاق «الولد» على أولاد البنت، ولكن نحن تابعون في كلّ مسألة لأدلّة تلك المسألة خاصّة، ولذا قلنا: إنّ الخمس مختصّ بالهاشمي على طبق الروايات الواردة في الزكاة والخمس، وأنّ المراد بالهاشمي من انتسب إليه بالأب، دون الامّ وإن كانوا أولاداً لهاشم حقيقةً، وتمسّكنا بالإجماع الوارد في المقام؛ لأنّ ذهاب ابن إدريس والعلّامة والمحقّق الأردبيلي- و غيرهم من الفقهاء الفحول- إلى كون أولاد البنات كالأولاد في الحكم في مسائل الإرث


1- عوالي اللآلي 4: 93/ 130 ..
2- رسائل الشريف المرتضى 3: 263 ..

ص: 260

والنكاح وغيرها، لا يدلّ على كون نظرهم في الخمس أيضاً كذلك، وكما أنّ استدلال الأئمّة عليهم السلام في الروايات أيضاً على كونهم أبناء رسول اللَّه، لا يدلّ على حلّية الخمس عليهم من تلك الجهة، بل في كلّ مسألة المتَّبع دليلها، والإجماع والروايات في المسألة كافيان، مع استبعاد الذي قلنا في أوّل المسألة.

هذا مضافاً إلى الأصل؛ أي أصالة اشتغال الذمّة بأداء الخمس فيما لو أدّاه إلى من انتسب لهاشم من جهة الامّ.

ثمّ إنّه لا ينحصر الاعتبار بالانتساب لعبد المطّلب؛ لأنّه يكفي الانتساب إلى هاشم وإن لم ينتسب إلى عبد المطّلب، للروايات الكثيرة الواردة في باب الخمس والزكاة، ولذا قال السيّد في «العروة»: «مستحقّ الخمس من انتسب إلى هاشم بالابوّة، فإن انتسب إليه بالامّ لم يحلّ له الخمس، وتحلّ له الزكاة، ولا فرق بين أن يكون علوياً، أو عقيلياً، أو عبّاسياً»(1).

وأضاف السيّد البروجردي رحمه الله في تعليقته على «العروة»: «أو جعفرياً، أو نوفلياً، أو لهبياً».

وأضاف إليه السيّد الگلبايگاني رحمه الله: «أو غيرهم إذا وجد، كالنوفلي، واللهبي، والجعفري» وهذا صحيح لو كان المراد منهم أبناء عبد المطّلب، أو هاشم.

هذا، ولكنّي لم أر في كتب التأريخ من يذكر لهاشم عقباً إلّاشيبة؛ وهو عبد المطّلب، وله عشر ولد، وقد عدّ منهم نوفل، وأبو لهب، وأبو طالب، وعبداللَّه، فلو لم يكن له إلّاعبد المطّلب فيكون كلّ أولاد هاشم حينئذٍ من عبد المطّلب، فيكون تعبير الإمام الخميني رحمه الله بعبد المطّلب- عوضاً عن هاشم- صحيحاً بلا إشكال.


1- العروة الوثقى 4: 306- 307 ..

ص: 261

(مسألة 2): يعتبر الإيمان (3)- أو ما في حكمه- في جميع مستحقّي الخمس،

3- قال في «الشرائع»: «الإيمان معتبر في المستحقّ؛ على تردّد، والعدالة لا تعتبر على الأظهر»(1).

وقال في «الجواهر»: «بل لا أجد فيه خلافاً محقّقاً، كما اعترف به بعضهم، بل في «الغنية» الإجماع عليه؛ للشغلِ المقتضي للاقتصار على المتيقّن، وكونِ الخمس كرامة ومودّة لا يستحقّهما غير المؤمن المحادد للَّه، ولأ نّه عوض الزكاة المعتبر فيها ذلك إجماعاً في «المدارك» وغيرها»(2).

والحاصل: أ نّه قد يستدلّ على اشتراط الإيمان- مضافاً إلى الإجماع- بامور:

الأوّل: قاعدة الاشتغال؛ فإنّ المكلّف قد اشتغلت ذمّته بإعطاء الخمس لمستحقّه، وكون غير المؤمن مستحقّاً له غير معلوم، فلابدّ من إعطائه ممّن يعلم بفراغ ذمّته معه؛ وهو المؤمن.

وفيه: أ نّه مع عموم الكتاب والسنّة وإطلاقهما، لا تصل النوبة إلى القاعدة.

الثاني: أنّ الخمس كرامة من قبل اللَّه تعالى، ولا يستحقّها غير المؤمن، كما في مرسلة حمّاد الماضية، حيث قال عليه السلام: «وإنّما جعل اللَّه هذا الخمس خاصّة لهم- دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم- عوضاً لهم من صدقات الناس؛ تنزيهاً من اللَّه لهم، لقرابتهم برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وكرامةً من اللَّه لهم عن أوساخ الناس»(3).


1- شرائع الإسلام 1: 166 ..
2- جواهر الكلام 16: 115 ..
3- وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 8 ..

ص: 262

فإنّ من المعلوم: أنّ اللائق بكرامة اللَّه هو المؤمن، دون غيره من الكافر أو غير العارف بولاية الأولياء عليهم السلام.

وفيه: أنّ الانتساب إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم يكفي في استحقاق الكرامة، ولا أقلّ من كون ذلك محتملًا، وهو يكفي مع فرض عدم الدليل على اشتراط الإيمان خصوصاً.

الثالث: أ نّه عوض عن الزكاة المعتبر فيها الإيمان إجماعاً، ويدلّ على اشتراط الإيمان في الزكاة نصوص كثيرة، منها: ما نقله ضريس قال: سأل المدائني أبا جعفر عليه السلام قال: إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟ فقال: «في أهل ولايتك».

فقال: إنّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك، فقال: «ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم، ولا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غداً إلى أمرك لم يجيبوك، وكان واللَّه الذبح»(1)، والرواية صحيحة سنداً. وكذا غيرها فراجع.

وأمّا بدليّة الخمس عن الزكاة، فقد يظهر من روايات الخمس، فراجع(2).

والروايات وإن كان بعضها ضعيفاً سنداً، لكنّ بعضها معتبر لا بأس به. وهذا الدليل هو العمدة في اشتراط الإيمان في مستحقّي الخمس، مضافاً إلى قاعدة الاشتغال.

ولكنّه يمكن أن يقال في جواب هذا الدليل أيضاً: إنّ بدليّة الخمس عن الزكاة للسادات وآل هاشم، إنّما هي من جهة أنّ الزكاة لا يجوز أخذها عليهم فقط، ولا دليل على جريان الأحكام المختصّة بالزكاة في الخمس أيضاً في مسائل


1- وسائل الشيعة 9: 222، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 9: 511، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 4، 7، 9، 10 ..

ص: 263

اخرى، كشروط المستحقّ، والمعطي، والإعطاء، ومقدار الإعطاء، وغيرها ممّا يفترق الحكم في الخمس عن الزكاة.

مضافاً إلى أ نّه يمكن أن تكون عوضيته عن الزكاة في لسان الروايات، حكمة للحكم، لا علّة حتّى يقاس عليها في كلّ مسألة. بل ومع كونها علّة أيضاً لا تقتضي إلّاوجود الحكم في تمام موارد جعل الزكاة بالنسبة إلى فقراء السادات، ولا تقتضي عدم الخمس في فرض عدم جعل الزكاة؛ لإمكان وجود علّة اخرى غير العوضية.

الرابع: خبر إبراهيم الأوسي عن الرضا عليه السلام قال: «سمعت أبي يقول: كنت عند أبي يوماً، فأتاه رجل فقال: إنّي رجل من أهل الريّ، و لي زكاة، فإلى من أدفعها؟

فقال: إلينا.

فقال: أليس الصدقة محرّمة عليكم؟ فقال: بلى؛ إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا.

فقال: إنّي لا أعرف لها أحداً، قال: فانتظر بها سنة، فقال: فإن لم اصب لها أحداً؟ قال: انتظر بها سنتين حتّى بلغ أربع سنين.

ثمّ قال له: إن لم تصب لها أحداً فصرّها صرراً واطرحها في البحر؛ فإنّ اللَّه عزّ و جلّ حرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدوّنا»(1).

وفيه: أ نّه ضعيف سنداً من جهة إرساله، ومن جهة محمّد بن جمهور؛ لأنّه غالٍ، ضعيف في الحديث، فاسد المذهب، ومن جهة إبراهيم الأوسي؛ فإنّه مجهول.

وفي متنه أيضاً موارد من الإشكال:


1- وسائل الشيعة 9: 223، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 8 ..

ص: 264

ولا يعتبر العدالة على الأصحّ، والأحوط عدم الدفع إلى المتهتّك المتجاهر بالكبائر (4)،

الأوّل: أنّ المقصود من الزكاة وأخذها، هو الدفع إلى فقراء الشيعة، أو الصرف في موارد اخرى، فلِمَ لم يقل عليه السلام من الأوّل: «إدفعها إلى موالينا»؟! مع أ نّه كان الأولى أن يقول: «إنّا نأخذ ونعطي الفقراء والمستحقّين أو غيرهم من مصارف الزكاة» وذلك لأنّها لا تختصّ بالفقراء فقط.

الثاني: عدم وجود مستحقّ للزكاة في الريّ بعيد جدّاً، خصوصاً في أربع سنين.

الثالث:- وهو العمدة- أنّ الحكم بوضعه في الصرّة وإلقائه في البحر، إتلاف وتبذير للمال. مع أنّ المصارف كانت كثيرة في زمانه عليه السلام فلا يمكن الاستدلال بهذه الرواية، فلا يبقى دليل على اعتبار الإيمان إلّاالإجماع، وهو مدركي.

ومع هذا كلّه فمقتضى الاحتياط الأداء إلى المستحقّين من فقراء سادات الشيعة، إلّا إذا كان في الأداء إلى غيرهم أيضاً مصلحة للمسلمين والإسلام، فلا إشكال في أنّ على الإمام والحاكم المبسوط اليد، العمل بالمصلحة في كلّ زمان.

4- أمّا العدالة فلا دليل على اعتبارها في مستحقّي الخمس، كما في الزكاة أيضاً.

وقال السيّد الخوئي رحمه الله: «نعم ورد هناك» أي في باب الزكاة «عدم جواز الدفع لشارب الخمر، وقلنا ثمّة: إنّه يمكن التعدّي إلى ما هو أهمّ، كتارك الصلاة، فيمكن التعدّي حينئذٍ إلى الخمس بمقتضى البدلية؛ وأنّ موردهما واحد لا يفترق عن الآخر إلّا من حيث الهاشمية وعدمها. ولا أقلّ من الاحتياط في ذلك»(1).


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 316 ..

ص: 265

بل يقوى عدم الجواز؛ إن كان في الدفع إعانة على الإثم والعدوان وإغراء بالقبيح، وفي المنع ردع عنه. والأولى ملاحظة المرجّحات في الأفراد (5).

وفيه: ما مرّ من أنّ العوضية والبدلية إنّما هي في أصل بدليته للزكاة، لا في جميع الأحكام؛ وكيفية تقسيمه، وشروط التقسيم، والمستحقّ، وغيرها.

مع أ نّه قد نقل عن بشر بن بشّار أ نّه قال: قلت للرجل- يعني أبا الحسن عليه السلام-:

ما حدّ المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال: «يعطى المؤمن ثلاثة آلاف» ثمّ قال: «أو عشرة آلاف، ويعطى الفاجر بقدر؛ لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللَّه، والفاجر في معصية اللَّه»(1).

وهو يدلّ على جواز إعطائها للفاجر، ولكن بمقدار الضرورة، وهو يشمل شارب الخمر أيضاً. ويمكن أن يراد من «القدر» أ نّه يجب أن يعطى بقدر قوته الاضطراري؛ حتّى لا يبقى له مال زائد يمكنه استهلاكه في شرب الخمر والفجور.

5- لو كان الدفع إليه إعانة على الإثم والعدوان والمعصية للَّه تعالى، وعلم المعطي بذلك، فلا إشكال في حرمته من هذه الجهة. والأقوى عدم براءة ذمّته حينئذٍ؛ لقوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(2).

وكذا لو كان عدم الإعطاء له مصداقاً للنهي عن المنكر؛ بحيث يتوجّه السادة


1- وسائل الشيعة 9: 249، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 17، الحديث 2 ..
2- المائدة( 5): 2 ..

ص: 266

المستحقّ إلى أنّ عدم إعطائه الخمس من هذه الجهة، ويحتمل التأثير في ترك المعصية، فلا يجوز الإعطاء حينئذٍ؛ لإطلاق أدلّة النهي عن المنكر الشاملة للإنكار القولي والعملي.

لكنّ هذا فيما إذا علم أ نّه أراد المنكر من أخذه الخمس، ويستعمله في المنكر، وأمّا إذا شكّ في هذا فلا يحرم الإعطاء. وفي الصورة الاولى لو أعطى متوجّهاً إلى ارتكابه المنكر وكون ترك الإعطاء مصداقاً للنهي عن المنكر، فالظاهر عدم الصحّة، وعدم براءة ذمّته من الخمس؛ لأنّ الخمس والزكاة من العبادات، ولابدّ من قصد القربة عند الأداء في الحكم بالصحّة الواقعية.

وقد يستدلّ على جواز إعطاء الخمس والزكاة للفاسق أيضاً بخبر الحلبي، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام وسأله إنسان فقال: إنّي كنت انيل البهميّة من زكاة مالي حتّى سمعتك تقول فيهم، فاعطيهم، أم أكفّ؟ قال: «بل أعطهم؛ فإنّ اللَّه حرّم أهل هذا الأمر على النار»(1).

والرواية لا إشكال فيها من حيث السند. وأمّا الدلالة فغير واضحة.

ولكنّه يمكن أن يستفاد من قوله عليه السلام: «فإنّ اللَّه حرّم أهل هذا الأمر على النار» أ نّهم كانوا على خطأ وفساد من حيث العقيدة، أو العمل، ثمّ تابوا فحرّمهم اللَّه على النار، فعلى هذا لا تدلّ على جواز الإعطاء حين المعصية، بل على عدمها أدلّ؛ لأنّ مفهوم استدلال الإمام على الجواز بتوبتهم وحرمة النار عليهم، يدلّ على حرمة الإعطاء لو كانوا مرتكبين للمعصية ومداومين عليها مع عدم التوبة؛ لأنّه لا تحرم النار عليهم حينئذٍ.


1- وسائل الشيعة 9: 225، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 16 ..

ص: 267

(مسألة 3): الأقوى اعتبار الفقر في اليتامى، أمّا ابن السبيل- أي المسافر في غير معصية- فلا يعتبر فيه في بلده. نعم يعتبر الحاجة في بلد التسليم وإن كان غنيّاً في بلده، كما مرّ في الزكاة (6).

6- أمّا اليتامى، فالمشهور فيهم- كما في «الروضة»(1) و «الجواهر»(2) و «الانتصار»(3) و «الإرشاد»(4)- هو اعتبار الفقر فيهم؛ لما مرّ من الأخبار الدالّة على أنّ الخمس عوض عن الزكاة من قبل اللَّه تعالى للسادة، فكما أنّ الفقر معتبر في مستحقّ الزكاة، فكذلك في الخمس. ولدلالة قوله عليه السلام في مرسلة حمّاد: «وجعل للفقراء قرابة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم نصف الخمس، فأغناهم به عن صدقات الناس»(5).

ولقوله عليه السلام في مرفوعة أحمد بن محمّد: «والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمّد الذين لا تحلّ لهم الصدقة، ولا الزكاة؛ عوّضهم اللَّه مكان ذلك بالخمس، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم، فإن فضل شي ء فهو له، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمّه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان»(6).

والحديثان وإن كانا ضعيفين سنداً، إلّاأنّ المشهور قد عمل بهما، كما أ نّهما مؤيّدان بالروايات الصحيحة السابقة الدالّة على أنّ الخمس عوض عن الزكاة


1- الروضة البهية 2: 82 ..
2- جواهر الكلام 16: 113 ..
3- الانتصار: 226 ..
4- إرشاد الأذهان 1: 293 ..
5- وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 8 ..
6- وسائل الشيعة 9: 521، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 3، الحديث 2 ..

ص: 268

ولا إشكال في اعتبار الفقر في مستحقّ الزكاة، إلّافي الموارد المستثناة فكذلك الخمس. بل هما مؤيّدان بالاعتبار؛ لأنّ الحكمة هي رفع حاجات اليتامى السادة وإغناؤهم عن السؤال والاستجداء وأخذ أوساخ الناس. بل لا يتناسب إعطاء الخمس له مع الغنى؛ لأنّه يمكن أن يكون ذلك شيناً لهم عرفاً، ولا معنى لإعطاء الخمس من لا يحتاج في معاشه إليه بصِرف انتسابه إلى هاشم.

وذهب الشيخ في «المبسوط»(1) والحلّي في «السرائر»(2) وصاحب «الجامع للشرائع»(3) إلى عدم اعتبار الفقر في اليتامى، واستدلّوا عليه بامور:

الأوّل: عموم الآية.

والثاني: أ نّه لو اعتبر فيهم الفقر فلا معنى لذكرهم مع ذكر المساكين؛ لأنّهم لا يكونون قسماً برأسه.

ويضعّف الأوّل: بأنّ العموم قد خصّص بما مرّ من الأدلّة.

والثاني: باحتمال أن يكون الذكر لمزيد التأكيد، كما هو كذلك في آية الزكاة(4)، فالأقوى اعتبار الفقر فيهم.

وأمّا ابن السبيل، فلا يعتبر فقره في بلده إجماعاً، كما في «الجواهر»(5)، ولإطلاق الآية.

وأمّا اعتبار فقره في بلد تسليم الخمس، فلا إشكال في اعتبار حاجته إليه وإن


1- المبسوط 1: 262 ..
2- السرائر 1: 496 ..
3- الجامع للشرائع: 150 ..
4- التوبة( 9): 60 ..
5- جواهر الكلام 16: 112 ..

ص: 269

كان غنيّاً في بلده؛ لأنّ العبرة بالحاجة الفعلية. وتشعر به كلمة «ابن السبيل» فإنّها بمعنى المنقطع به في سفره الذي ليس له مال يتمكّن به من الوصول إلى وطنه، وإلّا لما صدق عليه أ نّه ابن سبيل؛ لأنّ إطلاق «ابن السبيل» عليه معناه أ نّه ليس له ما يعينه إلّاالسبيل.

هذا مضافاً إلى دلالة مرسلة حمّاد ومرفوعة أحمد بن محمّد الماضيتين على اشتراط الفقر حين التسليم.

ثمّ إنّه هل يعتبر عدم تمكّنه من الاستقراض أيضاً؟ قال السيّد الخوئي رحمه الله:

«يعتبر أن لا يكون متمكّناً من القرض؛ لعدم صدق الحاجة حينئذٍ»(1).

وفيه: أ نّه لا دليل عليه؛ للإطلاق، ولصدق المحتاج عند العرف ولو مع إمكان القرض؛ لأنّ رفع الحاجة بالقرض لا يعدّ في العرف من الغنى.

وهل يعتبر في ابن السبيل أن لا يكون سفره في معصية، أم لا؟

قد يقال- كما هو المشهور-: «إنّه لا يعتبر ذلك، بل يجوز إعطاء الخمس للمسافر فعلًا المحتاج إلى الخمس؛ سواء كان سفره في معصية، أو طاعة».

وقال السيّد في «العروة» أيضاً: «ولا فرق بين أن يكون سفره في طاعة، أو معصية»(2).

وقال السيّد الخوئي رحمه الله: «هذا مشكل جدّاً، كما تقدّم في الزكاة، وقد عرفت أنّ الخمس بدل عن الزكاة، فيجري عليه حكمها، بل قد تقدّم الإشكال في جواز الإعطاء لأيّ غاية محرّمة ولو في غير السفر إذا كان ذلك إعانة على الحرام»(3).


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 315 ..
2- العروة الوثقى 4: 305 ..
3- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 315 ..

ص: 270

(مسألة 4): الأحوط- إن لم يكن الأقوى- عدم دفع من عليه الخمس إلى من تجب نفقته عليه، سيّما زوجته إذا كان للنفقة (7)،

وفيه: ما تقدّم من أنّ الخمس بدل عن الزكاة في رفع حاجة السادة في معاشهم، ولكنّه لا دليل على كونه في حكمها في كلّ الجوانب.

وأمّا الإعانة على الحرام، فإن قلنا بحرمتها فإنّما هي فيما إذا كانت إعانة على الحرام، وليس الأمر كذلك في كلّ مقام؛ لأنّه يمكن أن يكون بدء سفره معصية، ولكنّه قد عزم على الرجوع عن الحرام في باقي السفر، أو قد ارتكب المعصية قبلًا، وعزم على الرجوع إلى وطنه، فلا يكون حينئذٍ إعطاء الخمس إعانة على الإثم والمعصية.

نعم، لو عدّ الإعطاء إعانة على المعصية، لأشكل إعطاؤه، كما أ نّه لو كان عدم الإعطاء نهياً عن المنكر أيضاً فيحرم الإعطاء من هذه الجهة.

7- قد جزم الشيخ الأنصاري رحمه الله في بحث الخمس بعدم جواز ذلك(1)، كما عليه السيّد الحكيم(2) والخوئي(3) قدّست أسرارهما ويدلّ عليه امور:

الأوّل: صحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب، والامّ، والولد، والمملوك، والمرأة؛ وذلك أ نّهم عياله لازمون له»(4).


1- الخمس ضمن تراث الشيخ الاعظم 11: 713 ..
2- مستمسك العروة الوثقى 9: 577.
3- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 327 ..
4- وسائل الشيعة 9: 240، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 13، الحديث 1 ..

ص: 271

ولا يخفى: أنّ العلّة- وهي لزوم نفقتهم على المعطي- ثابتة في الخمس أيضاً، فلا يصدق عليهم الفقير، والحال أ نّه يشترط الفقر في مستحقّي الخمس.

الثاني: مرفوعة عدّة من أصحابنا، عن أبي عبداللَّه عليه السلام أ نّه قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد، والوالدان، والمرأة، والمملوك؛ لأنّه يجبر على النفقة عليهم»(1).

ولا يخفى: أنّ التعليل عامّ يشمل إعطاء الخمس أيضاً. مضافاً إلى ما قيل من اتحادهما في الحكم إلّافي مسألة المستحقّ.

ويمكن أن يقال: إنّه إن كان المقصود من الصحيحة عدم صدق الفقير عليهم مطلقاً بصِرف لزوم نفقتهم على الغير ووجوب تأمين معاشهم عليه، ففيه: أ نّه أخصّ من المدّعى؛ لأنّ صِرف ذلك لا يوجب الغنى لهم في كلّ الموارد؛ لأنّه قد لا يكون الزوج أو المالك أو الوالد، قادراً على إعطاء نفقتهم؛ لفقره، وقد يكون للمملوك أو الولد أو الزوجة من يجب نفقته عليهم، فيكونون فقراء من هذه الجهة وإن كانوا أغنياء من جهة وجوب نفقة أنفسهم على الغير.

إلّا أن يقال: إنّ المراد من الصحيحة والمرفوعة، هو أنّ لزوم إنفاق شخص على شخص، مانع عن أداء الزكاة أو الخمس لهم من حيث النفقة الواجبة، وأمّا إعطاؤهما في الموارد التي لا يجب عليه النفقة، كما في إعطائه لزوجته للإنفاق على أبويها الفقيرين، أو إعطائه للمملوك ليعطيها لعياله أو ولده لذلك، فلا إشكال فيه.

وكذا لا إشكال في إعطاء الخمس والزكاة للولد والمملوك والزوجة أنفسهم أيضاً إذا لم يكن قادراً على إنفاقهم لفقره، ولكنّه وجب عليه الخمس أو الزكاة، لأنّه


1- وسائل الشيعة 9: 241، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 13، الحديث 4 ..

ص: 272

أمّا دفعه إليه لغير ذلك ممّا يحتاج إليه ولم يكن واجباً عليه فلا بأس (8)، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليه (9) ولو للإنفاق حتّى الزوجة المعسر زوجها (10).

(مسألة 5): لايصدّق مدّعي السيادة بمجرّد دعواه. نعم يكفي في ثبوتها كونه معروفاً ومشتهراً بها في بلده من دون نكير من أحد (11)،

قد يجب عليه الزكاة والخمس مع كونه فقيراً نفسه، فإنّه حينئذٍ يجوز له إعطاؤهما لمن وجبت نفقته عليه؛ لأنّه مع فقره لا يجب عليه نفقة غيره، حيث لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسَاً إِلَّا وُسْعَهَا(1).

8- هذا إشارة إلى ما ذكرناه آنفاً في القسم الأوّل من القسمين، حيث قلنا: إنّه يجوز أداء الخمس إلى من وجبت نفقته عليه.

9- لأنّ الغير لا يجب عليه نفقة عيال المعطي، كما إذا كان بيد المعطي مقدار من الخمس قد أخذه من الغير، وهو فقير، فيجوز له إعطاؤه لعياله الواجبي النفقة؛ ولو من باب أداء الخمس من قبل الغير. وإن كان أداؤه لنفقته فلا إشكال فيه.

10- إشارة إلى القسم الثاني الذي ذكرناه آنفاً.

11- قد يقال بتصديق مدّعي النسب إن لم يكن متّهماً، كمدّعي الفقر في الزكاة والخمس كما في «الدروس» ونقل(2) عن كاشف الغطاء أيضاً.

والحقّ: أنّ دعوى النسب- كغيرها من الدعاوي- تحتاج إلى ثبوت شرعي بالعلم، أو بالبيّنة، أو الشياع المفيد للعلم، أو الاطمئنان العرفي بصدق دعواه؛ حتّى وإن كان منشأ الاطمئنان الاشتهار في بلده بكونه سيّداً من السادة المنسوبين لهاشم.


1- البقرة( 2): 286 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 325 ..

ص: 273

وأمّا قياسه على دعوى الفقر في ثبوتها بادعاء الفقير، فهو مع الفارق؛ لأنّ غناه مسبوق بالعدم، فتجري أصالة عدم غناه، وهذا بخلاف النسب، لأنّ مقتضى الأصل الأزلي فيه عدم انتسابه لهاشم، فدعوى الانتساب مخالفة للأصل. ولا يعارض عدم انتسابه إلى غير هاشم أيضاً؛ لأنّ الانتساب لهاشم موضوع للحكم، دون عدم الانتساب إلى غيره؛ لأنّه لا أثر له، فيحتاج الانتساب إلى ثبوت شرعي.

وكذا الاستدلال بالثبوت بأصالة الصحّة في دعوى المسلم فيما لا يعارضها أحد، فإنّه غير صحيح؛ لأنّ أصالة الصحّة لا تكفي في إثبات موضوع الخمس؛ وهو النسب، لأنّه مثبت، ولا يحرز الامتثال مع عدم إحراز النسب بالعلم والحجّة، ولا تبرأ ذمّة الدافع، بل غاية ما يمكن أن يستفاد من أصالة الصحّة عدم الحكم بكذب مدّعي النسب، وأمّا إثبات الموضوع فلا.

فلابدّ من إثباته بالعلم، أو بالشياع المفيد للاطمئنان؛ لقيام السيرة العقلائية على الأخذ بما هو المشهور بين أهل البلد، خصوصاً إذا أوجب الاطمئنان العرفي أو الشخصي.

ويؤيّده ما رواه الصدوق رحمه الله مرسلًا عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن البيّنة إذا اقيمت على الحقّ، أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة إذا لم يعرفهم من غير مسألة؟ فقال: «خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا فيها بظاهر الحكم:

الولايات، والتناكح، والأنساب، والذبائح، والشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهراً مأموناً جازت شهادته، ولا يسأل عن باطنه»(1).

وفي «الكافي»، «المواريث» بدل «الأنساب»، ولا بأس به؛ لأنّ المواريث تثبت بالأنساب.


1- وسائل الشيعة 27: 289، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، الباب 22، الحديث 1 ..

ص: 274

ويمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال- بعد إحراز عدالته- بالدفع إليه بعنوان التوكيل في الإيصال إلى مستحقّه؛ أيّ شخص كان حتّى الآخذ (12)،

12- لأنّه إذا احرز أ نّه عادل ومسلم، فهو لا يتصرّف في الخمس إلّاإذا اطمأنّ بأ نّه من بني هاشم، ومن جهة حمل فعل المسلم على الصحّة، مع كون الوكالة بهذه الجهة بلا إشكال عند جلّ الفقهاء؛ لشمول عمومات الوكالة وإطلاقها له أيضاً.

وعلّله في «الجواهر»(1): «بأنّ المدار في ثبوت الموضوع علم الوكيل دون الموكّل ما لم يعلم الخلاف».

ويؤيّد هذا ما رواه شهاب بن عبد ربّه في الزكاة، قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام:

إنّي إذا وجبت زكاتي أخرجتها، فأدفعها منها إلى من أثق به يقسمها؟ قال: «نعم، لا بأس بذلك؛ أما إنّه أحد المعطين»(2).

وكذا ما روي في الصحيح عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عمّن يلي صدقة العشر على من لا بأس به؟ فقال: «إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها، وإن لم يكن ثقة فخذها منه وضعها في مواضعها»(3).

وما رواه جميل بن درّاج عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في الرجل يعطي الدراهم يقسمها، قال: «يجري له مثل ما يجري للمعطي، ولا ينقص المعطي من أجره شيئاً»(4).


1- جواهر الكلام 16: 106 ..
2- وسائل الشيعة 9: 280، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 35، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 9: 280، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 35، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 9: 280، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 35، الحديث 2 ..

ص: 275

ولكن الأولى عدم إعمال هذه الحيلة (13).

ويؤيّده أيضاً عمل الأئمّة بإرجاع الخمس إلى وكلائهم، وكذلك السيرة المستمرّة للشيعة على إعطاء الخمس لفقهاء ووكلاء الأئمّة عليهم السلام فالعبرة في الوصول إلى المستحقّ بعلم الوكيل، دون الموكّل. وإذا علم الاستحقاق كفى إيصاله في براءة ذمّة الموكّل مادام لم يظهر له عدم الاستحقاق؛ لأنّه مقتضى أصالة الصحّة الجارية في عمل الوكيل أو النائب عن غيره في العبادات أو المعاملات.

13- لعلّه للشكّ في كون المورد من موارد حمل فعل المسلم على الصحّة؛ لأنّ القدر المتيقّن منها في السيرة العقلائية، إنّما هو ما إذا لم يعرف الموكّل كيفية إجراء الوكيل، وأمّا إذا عرف كيفيته- كما إذا وكّل في إجراء الصيغة، وعرف أ نّه قد أجراها بصيغة فارسية، وشكّ في صحّتها كذلك بشبهة حكمية، فشمول دليل أصالة الصحّة لهذا غير معلوم، وكذلك المقام؛ لأنّه وإن كانت الشبهة فيها موضوعية، إلّاأنّ الموكّل يعلم أ نّه أخذ المال لنفسه باعتقاد صحّته، ويشكّ في كونه من السادة، فيشكّ في استحقاقه للخمس.

وفيه: أ نّه إذا كان عادلًا ووكّل في أدائه للمستحقّ، فلابدّ من حمل عمله على الصحّة، وهو يكفي، ولا يلزم حصول اطمئنان الموكّل، كما هو كذلك في كلّ المقلّدين المؤدّين للخمس والزكاة إلى المراجع، فإنّهم لا يعلمون استحقاق الآخذين، ولكنّهم يطمئنّون بأنّ مرجعهم لا يؤدّي الزكاة والخمس إلّاإلى المستحقّ وهو يكفي. ويؤيّده إطلاق الروايات السابقة.

ص: 276

(مسألة 6): الأحوط عدم دفع الخمس إلى المستحقّ أزيد من مؤونة سنته ولو دفعة (14)، كما أنّ الأحوط له عدم أخذه.

14- أفتى به الشهيد الأوّل(1) في «الدروس» و «البيان» والثاني في «المسالك»(2) وقوّاه في «الجواهر» وقال: «لا أجد فيه خلافاً»(3).

وقد يستدلّ عليه بمرسلة حمّاد بن عيسى(4)، وفيه: «يقسم» أي الوالي «بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شي ء فهو للوالي» ونحوها مرفوعة أحمد(5).

وقد استشكل في الاستدلال الشيخ رحمه الله في رسالته: «بأنّ محطّ النظر فيهما، صورة كون الإمام حاضراً، ومبسوط اليد، واجتماع الخمس لديه، فلعلّه حينئذٍ يقتصر على الكفاية؛ لئلّا يحصل الإعواز ويدخل النقص على بعض المستحقّين، فيكون ضيقاً عليهم، ولا يتعدّى إلى غير الإمام»(6).

وهذا هو الحقّ، مع ضعف سند الروايتين ودلالتهما، كما سيأتي.

واستدلّ السيّد الخوئي رحمه الله على عدم الجواز في الدفعات: «بأنّ إعطاءه ثانياً- بعد الدفعة الاولى بمقدار يكفيه لمؤنة سنته- إعطاء إلى الغنيّ، لا إلى الفقير».


1- الدروس الشرعية 1: 262، البيان: 351 ..
2- مسالك الأفهام 1: 471 ..
3- جواهر الكلام 16: 112 ..
4- تهذيب الأحكام 4: 129/ 366، وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمةالخمس، الباب 1، الحديث 8 ..
5- تهذيب الأحكام 4: 126/ 364 ..
6- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 344 ..

ص: 277

(مسألة 7): النصف من الخمس الذي للأصناف الثلاثة المتقدّمة أمره بيد الحاكم على الأقوى، فلابدّ إمّا من الإيصال إليه أو الصرف بإذنه وأمره، كما أنّ النصف الذي للإمام عليه السلام أمره راجع إلى الحاكم، فلابدّ من الإيصال إليه حتّى يصرفه فيما يكون مصرفه بحسب نظره وفتواه، أو الصرف بإذنه فيما عيّن له من المصرف (15).

واستدلّ أيضاً على عدم جواز إعطاء أكثر من مؤنة سنته دفعة واحدة: «بأ نّه إذا أعطى ما يزيد على مؤنته السنوية، فهو بتملّكه مقدار المؤونة صار غنياً، فليس له وقتئذٍ تملّك ما يزيد عليه؛ لزوال فقره بتملّك ذلك المقدار، فإعطاء الزائد إعطاء إلى الغني ولو كان غناه قد حصل مقارناً للإعطاء المزبور»(1).

أقول: استدلاله رحمه الله في مورد الدفعات صحيح، ولكنّه مشكل في الدفعة الواحدة؛ لأنّه حين التملّك كان فقيراً، فهو يتملّك كلّ المال دفعة واحدة، فيصير غنياً بذلك، لا أ نّه يتملّك بمقدار يصير به غنياً، ثمّ يتملّك الزائد ثانياً.

فالأقوى جواز إعطائه أكثر من مؤنة سنته دفعة واحدة؛ للإطلاقات في الآية والروايات وإن كان الاحتياط يقتضي عدمه، خصوصاً إذا كان الفقراء منهم كثيرين. وأمّا الروايتان فضعيفتان سنداً، فلا تدلّان على الوجوب وعدم جواز إعطاء أكثر من كفاية السنة دفعة واحدة، بل تدلّان على لزوم رعاية ذلك المقدار على الإمام عليه السلام.

15- لا إشكال عندنا في أنّ أمر الخمس وصرفه وتقسيمه بيد الإمام عليه السلام في زمان الحضور؛ لظاهر الآية والروايات الدالّة بظاهرها على أنّ كلّ الخمس للإمام


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 328 ..

ص: 278

يضعه حيث يشاء، وأمره إليه، وأنّ الأقسام الثلاثة هم مصارف له، وللإمام أن يمونهم، وإن زاد شي ء فهو له، وإن نقص فعليه أن يستكمله، كما مرّ في الروايات.

ولذلك قال الشيخ رحمه الله في «النهاية»: «والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام ...

وعلى الإمام أن يقسم سهامهم بينهم على قدر كفايتهم ومؤنتهم في السنة على الاقتصاد، فإن فضل من ذلك شي ء كان له خاصّة، وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته ...» إلى أن قال: «وليس لأحد أن يتصرّف فيما يستحقّه الإمام- من الأنفال والأخماس- إلّابإذنه، فمن تصرّف في شي ء من ذلك بغير إذنه، كان عاصياً»(1).

وقال المحقّق رحمه الله: «الرابعة: ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه مع وجوده عليه السلام»(2) وقال في «الجواهر»: «كما هو ظاهر الأكثر، وصريح البعض، كالفاضل في قواعده وغيره، بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى حصّته؛ ضرورة وجوب إيصال المال إلى أهله. أمّا حصّة قبيله فالظاهر أ نّها كذلك أيضاً، خصوصاً خمس الغنائم؛ تحصيلًا للفراغ اليقيني، ولأ نّه الواقع والمأثور، بل كان وكلاؤهم عليهم السلام على قبض الخمس في كثير من النواحي حتّى في الغيبة الصغرى، ولظهور سياق أكثر الأخبار فيه؛ من إضافته إليهم، وتحليلهم بعض الناس منه، وغير ذلك ممّا يومئ إلى أنّ ولاية التصرّف والقسمة إليه عليه السلام وللأمر بإيصاله إلى وكيله في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة.

بل لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب، لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أنّ الخمس جميعه للإمام عليه السلام وإن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، ولذا لو زاد كان له عليه السلام ولو نقص كان


1- النهاية: 198- 200 ..
2- شرائع الإسلام 1: 167 ..

ص: 279

الإتمام عليه من نصيبه، وحلّلوا منه من أرادوا»(1).

أقول: قد مرّ منّا التحقيق في ذلك(2)؛ وأنّ ظاهر الروايات هو ما ذهب إليه في «الجواهر» وأنّ الخمس ضريبة مالية إسلامية لإدارة الحكومة، وإذا كان الإمام رئيس الحكومة فلابدّ أن يكون الخمس تحت ولايته، ولا يجوز لغيره التصرّف فيه في زمانه وحضوره، فراجع. هذا في زمان حضورهم.

وأمّا في زمان الغيبة، فاختلفوا في أصل وجوبه وعدمه وكيفية التصرّف فيه أو حفظه- بعد القول بأصل وجوبه- على أقوال شتّى؛ بحيث قلّما يكون كثرة الاختلاف في مسألة ككثرته في هذه المسألة:

قال الشيخ رحمه الله في «النهاية»: «فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لابدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن، وأمّا ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرّف فيه على حال.

وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة، فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن، إلّاأنّ كلّ واحد منهم قال قولًا يقتضيه الاحتياط، فقال بعضهم: إنّه جارٍ في حال الاستتار مجرى ما ابيح لنا من المناكح والمتاجر.

وقال قوم: إنّه يجب حفظه مادام الإنسان حيّاً، فإذا حضرته الوفاة وصّى به إلى من يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلّمه إلى صاحب الأمر إذا ظهر، أو يوصي به حسبما وصِّي به إليه إلى أن يصل إلى صاحب الأمر.

وقال قوم: يجب دفنه؛ لأنّ الأرضين تخرج كنوزها عند قيام القائم عليه السلام.


1- جواهر الكلام 16: 155 ..
2- تقدّم في الصفحة 253 ..

ص: 280

وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستّة أقسام: فثلاثة أقسام للإمام؛ يدفن أو يودع عند من يوثق بأمانته، والثلاثة أقسام الاخر يفرّق على مستحقّيه من أيتام آل محمّد، ومساكينهم، وأبناء سبيلهم.

وهذا ممّا ينبغي أن يكون العمل عليه؛ لأنّ هذه الثلاثة أقسام مستحقّها ظاهر وإن كان المتولّي لتفريق ذلك فيهم ليس بظاهر، كما أنّ مستحقّ الزكاة ظاهر وإن كان المتولّي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر، ولا أحد يقول في الزكاة: إنّه لا يجوز تسليمها إلى مستحقّيها»(1).

وقال شيخنا المفيد رحمه الله في «المقنعة»: «وقد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك» أي في خمس الأموال «عند الغيبة، وذهب كلّ فريق منهم فيه إلى مقال:

فمنهم من يسقط فرض إخراجه؛ لغيبة الإمام، وما تقدّم من الرخص فيه من الأخبار.

وبعضهم يوجب كنزه، ويتأوّل خبراً ورد: «أنّ الأرض تظهر كنوزها عند ظهور القائم مهدي الأنام، وأ نّه عليه السلام إذا قام دلّه اللَّه سبحانه وتعالى على الكنوز، فيأخذها من كلّ مكان».

وبعضهم يرى صلة الذرّية وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب. ولست أدفع قرب هذا القول من الصواب.

وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر عليه السلام فإن خشي إدراك المنيّة قبل ظهوره، وصّى به إلى من يثق به في عقله وديانته ليسلّمه إلى الإمام عليه السلام إن أدرك قيامه، وإلّا وصّى به إلى من يقوم مقامه في الثقة والديانة، ثمّ على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان عليه السلام.


1- النهاية: 200- 201 ..

ص: 281

وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدّم؛ لأنّ الخمس حقّ وجب لغائب لم يرسم فيه قبل غيبته رسماً يجب الانتهاء إليه، فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه، أو التمكّن من إيصاله إليه، أو وجود من انتقل بالحقّ إليه ...».

إلى أن قال: «وإن ذهب ذاهب إلى صنع ما وصفناه في شطر الخمس الذي هو حقّ خالص للإمام عليه السلام وجعل الشطر الآخر في يتامى آل الرسول عليهم السلام وأبناء سبيلهم ومساكينهم- على ما جاء في القرآن- لم تبعد إصابته الحقّ في ذلك، بل كان على صواب.

وإنّما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه فيه من صريح الألفاظ، وإنّما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة، مع إقامة الدليل- بمقتضى العقل والأثر- من لزوم الاصول في خطر التصرّف في غير المملوك إلّابإذن المالك، وحفظ الودائع لأهلها، وردّ الحقوق»(1).

فالأقوال في المسألة كثيرة، وقد عدّ في «الحدائق» أربعة عشر منها:

الأوّل: عزله والوصية به من ثقة إلى آخر إلى وقت ظهوره عليه السلام.

الثاني: القول بالتحليل وسقوطه مطلقاً.

الثالث: القول بدفنه جميعاً.

الرابع: دفع النصف إلى الأصناف الثلاثة، وأمّا حقّه عليه السلام فتودع أو تدفن.

الخامس: كالرابع بالنسبة إلى حصّة الأصناف، وأمّا حقّه فيجب حفظه إلى أن يوصل إليه.

السادس: دفع حقّ الأصناف إليهم، وكذا حصّته عليه السلام تتميماً لهم.

السابع: صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة، والنصف الآخر يجب إيصاله إليه


1- المقنعة: 285 ..

ص: 282

مع الإمكان، وإلّا فيصرف إلى الأصناف، ومع عدم الحاجة يباح للشيعة.

الثامن: صرف حصّة الأصناف إليهم، وصرف حصّته في مواليه العارفين.

التاسع: صرف حصّة الأصناف إليهم، وإباحة حصّته عليه السلام للشيعة.

العاشر: تخصيص التحليل بخمس الأرباح، فإنّه بأجمعه للإمام، وأمّا سائر ما فيه الخمس فهو مشترك بينه وبين الأصناف.

الحادي عشر: عدم إباحة شي ء بالكلّية؛ حتّى من المناكح والمساكن والمتاجر.

الثاني عشر: قصر أخبار التحليل على جواز التصرّف في المال الذي فيه الخمس قبل إخراج الخمس منه.

الثالث عشر: صرف حصّة الأصناف عليهم، والتخيير في حصّته بين الدفن والوصيّة، وصلة الأصناف مع الإعواز بإذن نائب الغيبة؛ وهو الفقيه.

الرابع عشر: صرف النصف إلى الأصناف وجوباً أو استحباباً، وحفظ نصيب الإمام وجواز صرف العلماء إيّاه في المستحقّين من الأصناف(1).

وللمتأخّرين أيضاً قولان آخران:

الأوّل: صرف حصّة الأصناف إليهم، والتصدّق بنصيب الإمام عليه السلام من قبله؛ لما يستفاد من أخبار التصدّق بالمال المجهول مالكه.

الثاني: صرف حصّة الأصناف إليهم، وصرف حصّة الإمام فيما يعلم برضاه أو يوثق به من تتميم إعاشة الذرّية الطاهرة، أو إعانة فقراء الشيعة، أو إدارة الحوزات العلمية، وما فيه تشييد مباني الدين والشيعة.

وهؤلاء أيضاً منهم من يقول: إنّه لابدّ أن يكون صرف حصّة الإمام بيد الفقيه؛ لأنّه أبصر بمصالح الدين وبما يرتضيه الإمام عليه السلام بخلاف سهم


1- الحدائق الناضرة 12: 437- 444 ..

ص: 283

الأصناف، فإنّ المالك نفسه يصرفه إليهم.

ومنهم من يقول: إنّه لابدّ أن يكون كلا السهمين بيد الإمام أو الفقيه الجامع للشروط؛ أي الحاكم.

ومنهم من يقول بعدم لزوم إذن الفقيه مطلقاً.

إذا عرفت الأقوال فلابدّ أن نبحث في امور:

الأوّل: قد مرّ منّا في أوائل بحث الخمس، البحث في أخبار التحليل؛ وقلنا: إنّها- مع كثرتها- لا تقاوم أخبار وجوب الخمس مطلقاً فيما يجب، إلّافي المناكح والمتاجر والمساكن بالنسبة إلى من يتجر، أو يشتري مسكناً، أو عقاراً، أو ينكح أو يشتري أمة ممّن لا يخمّس ماله، فالشيعة يجوز لهم التصرّف في أموال هؤلاء الأشخاص والمعاملة معهم ونكاحهم وإن كان يعلم أنّ ماله غير مخمّس، ولا تشمل الروايات نفس مال الخمس الذي أدّاه المالك، أو تعلّق في ماله؛ فإنّ الظاهر من الروايات أ نّه يجب عليه أداء الخمس.

نعم، بعضها يدلّ على أنّ الإمام عليه السلام أحلّ منه شخصاً خاصّاً، أو زماناً خاصّاً، ولكنّه لا يمكن التعدّي من موردها إلى غيرها، فراجع.

الثاني: تقدّم أنّ ولاية التصرّف في الخمس مطلقاً، للإمام عليه السلام في زمان حضوره، وأنّ الأصناف مصارف للخمس، لا أ نّهم مالكون له.

الثالث: تقدّم أيضاً أنّ الخمس ضريبة مالية للحكومات الإسلامية العادلة، والحكّام هم المعصومون عليهم السلام في زمان حضورهم.

وأمّا في زمان الغيبة فلابدّ من إثبات كون الحاكم للمسلمين من قبلهم، الفقهاء العدول، وإلّا فالحاكم هو من يختاره المسلمون للحكومة، فإذا كان عادلًا فقيهاً فلابدّ له من جمع الخمس والصرف في احتياجات الحكومة، ومنها تأمين معايش

ص: 284

السادة المستحقّين من الأصناف الثلاثة، ولا يجوز لغيره من الفقهاء التصرّف في الخمس.

الرابع: قلنا: إنّ خمس الأرباح إنّما جعل في زمان بعض الأئمّة المتأخّرين عليهم السلام ولم يكن منه في زمان رسول اللَّه وعلي والحسنين عليهم السلام عين ولا أثر، ولم يقدموا على جمعه وأخذه، وإلّا لنقل إلينا، مع أ نّه لم ينقل حتّى خبر واحد مرسل. والظاهر أنّ الأئمّة عليهم السلام بعدهم كانوا محتاجين إلى خمس الأرباح لإدارة معاش فقراء السادة، أو محاويج آخرين لتشييد أركان الدين، ورفع احتياجات الشيعة، وسدّ خلّتهم، وتبليغ الدين والمذهب، وغير ذلك؛ لأنّ الزكاة والأخماس الاخر كلّها كانت في يد حكّام الجور، ولم تصل ليد الأئمّة عليهم السلام ولذا فقد أوجبوه في بعض الأحيان والأزمنة، وأخذوه من الشيعة، بينما أحلّوهم منه في حين آخر، لذا فنحتمل أن يكون هذا الخمس وقتياً ومختصّاً بزمانهم، وإثباته في عصرنا مشكل جدّاً. اللهمّ إلّاأن يقال: إنّ إطلاق الجعل منهم محكّم ما لم يثبت خلافه، كجعلهم الفقهاء حكّاماً وقضاةً لو قلنا به.

وفيه تأمّل، خصوصاً في الجعليات المالية التي يعتبر العقلاء في الحكومات فيها شرائط الزمان والمكان والمحاويج وسعة الناس وضيقهم في المعاش.

إذا عرفت هذا فاعلم: أ نّه لو قلنا بأنّ جميع الفقهاء العدول في زمان الغيبة، منصوبون من قبل الأئمّة المعصومين عليهم السلام للولاية والحكومة بين الناس، ولهم الولاية في جميع موارد ولاية الأئمّة عليهم السلام فلابدّ أن يقال: إنّ ولايتهم تشمل الخمس أيضاً، كولاية الأئمّة عليهم السلام أنفسهم، وبما أ نّه قلنا سابقاً: إنّ الولاية على جميع الخمس للإمام، فتكون نفس هذه الولاية للفقيه العادل الحاكم، فلا يجوز التصرّف فيه إلّابإذنه؛ حتّى في صرف سهم السادات إليهم، وحينئذٍ

ص: 285

فإن قلنا: إنّ كلّ الفقهاء قد جعلت لهم الولاية وإن كان أحدهم مبسوط اليد، فلا إشكال في تصرّفهم.

وأمّا لو قلنا: إنّ الولاية لأحدهم خاصّة؛ وهو المبسوط اليد، لا لكلّ منهم- كما عليه أكثر القائلين بولاية الفقيه- فحينئذٍ لابدّ أن نقول بأ نّه لا يجوز لغير الفقيه المبسوط اليد التصرّف في الخمس، ولا الإذن في التصرّف لأحد، بل لابدّ أن يرجع إلى الفقيه الحاكم كما أنّ الأئمّة عليهم السلام ما كانوا يتصرّفون فيه إلّابإذن الإمام الفعلي، كالإمام الحسين عليه السلام حيث لم يكن يتصرّف في زمان أخيه الحسن عليه السلام.

وكذلك لو قلنا بعدم كونهم منصوباً للولاية من قبل الأئمّة عليهم السلام ولكنّهم أقرّوا الناس بانتخابهم لأحد الفقهاء العدول للحكومة، فله التصرّف في الخمس جمعاً وصرفاً، ولا يجوز لغيره إلّابإذنه.

وأمّا إذا لم نقل بولاية الفقيه أصلًا، أو بالنسبة إلى الخمس، فلا دليل على استجازة الفقيه في مصرف الخمس. إلّاأن يدّعى أ نّه أعلم وأعرف بموارد المصرف الذي هو مورد الرضا للإمام عليه السلام.

وفيه: أ نّه قد يكون شخص المالك أعرف من الفقيه بموارد المصرف الذي يطمئنّ برضا الإمام عليه السلام.

الخامس: وجوب خمس الغنائم والغوص والكنز والمعدن ومجهول المالك، ثابت بالروايات الكثيرة والآية مطلقاً، فلا إشكال في بقاء وجوبها حتّى يثبت التحليل خاصّة، ولا دليل على التحليل بالنسبة إلى أصل الخمس، كما مرّ، فحينئذٍ لابدّ لنا من التخميس في الموارد المذكورة لو حصلنا على هذه الأموال، ثمّ الصرف فيما نعلم برضا الإمام عليه السلام كالسادات المستحقّين من بني هاشم، وترويج الدين وتشييد أركانه بأيّ وجه كان، وحلّ مشكلات المسلمين قدر المستطاع،

ص: 286

وحفظ الحوزات العلمية، مع رعاية الاحتياط والتوجّه بخدمتهم للإسلام والمسلمين وغيرها.

وأمّا الدفن والوصية فلا دليل عليهما. مع استلزام الدفن ضياع المال وإتلافه والتفريط فيه، ولا سيّما بالنسبة إلى الأجناس والأوراق النقدية التي ليست بذهب ولا فضّة، فلا يجوز هذا في الإسلام وفي المذهب بل يصير الحكم حينئذٍ لغواً لا فائدة في وجوبه. هذا إذا لم تستقرّ حكومة عادلة إسلامية، وإلّا ففي الحكومة الحقّة العادلة إذا كان على رأس الحكومة فقيه عادل ومنتخب من قبل الناس ومرضي عندهم، فلابدّ من العمل بما يصوّبه مجلس الشورى المنتخب مع إنفاذه من قبل الفقيه العادل في كلّ الموارد.

وأمّا لزوم كونه بإذن الفقيه الجامع للشروط مع عدم القول بولاية الفقيه مطلقاً، وعدم حكومة الفقيه العادل من قبل الناس، فلا دليل عليه مع إمكان حصول العلم بالموارد المرضية للإمام عليه السلام لنفس المالك والمؤدّي للخمس.

نعم، لو لم يعلم بذلك واطمأنّ بأنّ الفقيه العادل أعلم وأعرف بموارد مصرف الخمس منه، فحينئذٍ لابدّ من أدائه إلى الفقيه احتياطاً لزوماً، ولا فرق في ذلك بين سهم السادات، أو الإمام عليه السلام.

وأمّا التصدّق من قبله كما قوّاه في «الجواهر» من جهة إجراء حكم مجهول المالك عليه؛ نظراً إلى أنّ المناط في جواز التصدّق بالمال عن مالكه، ليس هو الجهل بالمالك، بل عدم إمكان إيصاله إليه؛ سواء علم به، أم جهل، كما هو مورد بعض نصوصه، مثل ما ورد في الرفيق في طريق مكّة من التصدّق عنه بمجرّد الجهل بمكانه وإن كان عارفاً بشخص المالك.

ففيه: أنّ ذلك صحيح إن قلنا: إنّ الإمام عليه السلام مالك للخمس، كما قيل، وأمّا على

ص: 287

ويشكل دفعه إلى غير من يقلّده، إلّاإذا كان المصرف عنده هو المصرف عند مقلّده كمّاً وكيفاً، أو يعمل على طبق نظره (16).

ما اخترناه من ولاية الإمام عليه السلام على التصرّف فيه بما يراه صلاحاً، فلابدّ من صرفه فيما يطمأنّ بكونه مرضياً له؛ لأنّ حكمة جعل الخمس تقتضي ذلك.

هذا مضافاً إلى أنّ التصدّق من قبل المالك، إنّما هو فيما إذا لم نعلم أو نطمئنّ بأنّ المالك لو كان حاضراً لصرف المال في موارد خاصّة، وأمّا إذا كنّا مطمئنّين بذلك فلا يجوز التصدّق حينئذٍ، كما إذا علمنا بأنّ المالك كان عازماً على صرف مال معيّن في عمارة مسجد من المساجد، فإنّه لا يجوز حينئذٍ صرفه في التصدّق على الفقراء نيابة عنه. هذا في غير خمس الأرباح.

وأمّا فيها فلابدّ من الاحتياط وجوباً والإعطاء للسادة الفقراء، أو الصرف فيما يرضى الإمام عليه السلام من مصالح المسلمين وتقويت شوكتهم وإن كانت الفتوى بوجوبه مشكلة في زمان الغيبة إلّابأمر الحاكم الفقيه العادل، والاحتياط يقتضي التصالح عند أخذ المال من المالك بعنوان الخمس، خصوصاً من الأشخاص الذين قد يتّفق وجوب الخمس عليهم مع فقرهم واحتياجهم إليه في معاشهم وإن كان الأحوط الأداء عليهم.

16- قلنا: إنّه لا إشكال في صرفه بنفسه أو على حسب نظر غير من يقلّده إذا لم نقل بولاية الفقيه، أو لم يكن الفقيه الجامع للشروط مبسوط اليد.

وأمّا إذا قلنا بها، فحينئذٍ إمّا أن تكون لكلّ الفقهاء الولاية والإذن في التصرّف، فلا فرق بين الأعلم وغيره. إلّاأن نقول بولاية الأعلم فقط دون غيره، كوجوب تقليد الأعلم.

ص: 288

(مسألة 8): الأقوى جواز نقل الخمس إلى بلد آخر (17)، بل ربما يترجّح عند وجود بعض المرجّحات حتّى مع وجود المستحقّ في البلد؛ وإن ضمن- حينئذٍ- لو تلف في الطريق أو البلد المنتقل إليه، بخلاف ما إذا لم يوجد فيه المستحقّ فإنّه لا ضمان عليه.

وفيه: أ نّا وإن قلنا بوجوب تقليد الأعلم، إلّاأنّ إثبات ولاية الفقيه للأعلم فقط، لا دليل عليه من الآيات والروايات حتّى وإن قلنا بدلالة الروايات على نفس الولاية. وأمّا إذا لم نقل بها- كما هو المشهور- فلا دليل على ولاية الفقيه أصلًا ولو كان أعلم، فلا يجب استئذانه في صرف الخمس إذا لم يكن منتخباً من قبل الناس للحكومة.

17- إن قلنا بولاية الفقيه في زمان الغيبة؛ وأ نّها شاملة للخمس أيضاً حتّى في مورد إفراز الخمس من المال المشترك، فلابدّ أن يكون العزل والنقل والإفراز كلّها بإذن الحاكم، وحينئذٍ إذا كان نقله إلى مكان آخر بإذنه وأمره، فلا دليل على ضمان المالك بالنقل لو تلف في الطريق حين الحمل وإن وجد المستحقّ أيضاً في المحلّ؛ للأصل، ولأنّ يده يد أمانة، وليست بعدوانية؛ لأنّه بعد كون يده مأذوناً بها من الوليّ على الفرض، تكون يده بأمر الحاكم يد الوكيل من قبله، والقبض كان من قبله، فإذا قبض الوكيل المال من قبل الولي فقد حصل الإيصال الواجب، وتلف المال بعد ذلك بالنقل لا يوجب ضمان الناقل؛ لأنّ يده يد أمانة، ولا ضمان فيها.

ولا ضمان على الوليّ الآذن في ذلك أيضاً؛ بعد ثبوت ولايته على المال، ومشروعية تصرّفه. وكذا لو كان النقل بإذن الحاكم والوليّ من دون توكيل في القبض؛ لأنّه مع إذنه تخرج يده عن كونها يد ضمان، كلّ ذلك إذا لم يكن الولي في

ص: 289

الإذن والوكيل في الأخذ والحمل والحفظ مفرطاً، وإلّا ضمن المفرط منهما.

وأمّا إذا لم يكن بإذنه وأمره، ونقل المال مستقلّاً من دون إذن وتلف المال، فحينئذٍ لا يحسب التلف من الخمس، بل من ماله؛ لأنّه لم يفرز الخمس بعد، وليست يده يداً أمانية بالنسبة إلى الخمس، فيضمن الخمس. ولكنّه لا دليل على حرمة نقله تكليفاً؛ لأنّه حينئذٍ ماله، ولم يتشخّص كونه مال الخمس بعد؛ لأنّه لم يفرز، ولا دليل على حرمة نقل ماله مع تعلّق الخمس به.

وأمّا لو لم نقل بولايته، وقلنا بوجوب أداء الخمس على نفس المالك في زمان الغيبة، فهل يجوز له نقله من بلده إلى آخر لأدائه قبل الإفراز أو بعده؟.

فنقول: الظاهر من الإطلاقات أنّ عزل الخمس وإفرازه، بيد المكلّف في زمان الغيبة بناءً على عدم ثبوت الولاية للفقيه، بل حتّى مع ظهور الإمام عليه السلام أو ثبوت الولاية للفقيه في الغيبة؛ لأنّ الولاية إنّما تثبت لهما بالنسبة إلى التصرّف في الخمس، لا العزل، والظاهر من سيرة المتشرّعة في زمان الأئمّة عليهم السلام هو عزل المكلّفين أنفسهم الخمس وكذا الزكاة والإيصال إلى الإمام، لا نقل كلّ أموال الخمس إلى محضر الإمام عليه السلام ولا أقلّ من استفادة الإذن العامّ في الإفراز والقسمة، ولم ير في الروايات النهي عن ذلك، أو التنبيه على أنّ الإفراز لابدّ وأن يكون بإذن الإمام عليه السلام. وقال النراقي رحمه الله: ولربّ المال القسمة بالإجماع وظاهر الأخبار(1) المتضمّنة لإفراز ربّ المال خمسه وعرضه على الإمام وتقريره عليه. وتدلّ عليه أخبار الزكاة أيضاً(2).

وقد يتوهّم وجوب الأداء في المحلّ؛ تمسّكاً بوجوب الفورية في الإيصال


1- وسائل الشيعة 9: 537، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3..
2- مستند الشيعة 10: 138 ..

ص: 290

المنافي للحمل والنقل إلى بلد آخر، لاستلزامه التأخير في التأدية.

وفيه: أ نّه لا دليل على وجوب الفورية؛ وإن كان لا يجوز التسامح والتهاون في أداء الحقّ الواجب للمستحقّ. مع أ نّه قد يكون النقل إلى بلد آخر، أسرع في الإيصال إلى الفقير.

وأمّا عدم رضا مستحقّي البلد بالنقل فلا يقدح أيضاً؛ لأنّ المراد من المستحقّين ليس الموجودين في البلد فقط، بل المستحقّ طبيعة ذرّية بني هاشم، وكلّ المصارف التي نطمئنّ برضا الإمام عليه السلام بالنسبة إلى سهمه؛ سواء كان في بلد المال، أو غيره، وإذا كان في النقل والتأخير غرض عقلائي ومرجّح شرعي أو عرفي وقصد إيصاله إليه، فيجوز النقل، بل النقل حينئذٍ أولى.

ويدلّ على الجواز إطلاق بعض النصوص، كصحيحة هشام بن الحكم وغيرها(1).

وأمّا الضمان فالأقوى ثبوته على تقدير التلف مع وجود المستحقّ في البلد، بخلاف ما إذا لم يكن في البلد مستحقّ. وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم الواردة في الزكاة، قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتّى يدفعها، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان؛ لأنّها قد خرجت من يده. وكذلك الوصيّ الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه، فإذا لم يجد فليس عليه ضمان»(2).

دلّ صدر هذه الصحيحة مع ذيلها على الضمان لو وجد الأهل في البلد. ولا فرق


1- وسائل الشيعة 9: 282، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 37، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 285، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 1 ..

ص: 291

وكذا لو كان النقل بإذن المجتهد وأمره (18)، فإنّه لا ضمان عليه- حينئذٍ- حتّى مع وجود المستحقّ في البلد، وربما وجب النقل لو لم يوجد المستحقّ في البلد ولم يتوقّع وجوده بعدُ (19)، أو أمر المقلَّد بالنقل، وليس من النقل لو كان له دين على من في بلد آخر، فاحتسبه مع إذن الحاكم الشرعي (20).

(مسألة 9): لو كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلد الخمس يتعيّن نقل حصّة الإمام عليه السلام إليه، أو الاستئذان منه في صرفها في بلده (21)، بل الأقوى جواز ذلك لو وجد المجتهد في بلده أيضاً، لكنّه ضامن إلّاإذا تعيّن عليه النقل، بل الأولى والأحوط النقل إذا كان من في البلد الآخر أفضل، أو كان هنا بعض المرجّحات،

في الحكم بين الزكاة والخمس؛ لأنّهما حقّ المستحقّين معاً، فلا ميز بينهما من هذه الجهة.

18- هذا إذا قلنا بولايته على الخمس، وإلّا فلا أثر لإذنه، فيكون حكمه حكم الصورة الاولى؛ أي ما إذا كان بلا إذن، فيجوز حمله، ولكنّه يضمن لو كان في البلد مستحقّ، كما مرّ.

19- لوجوب إيصال الخمس إلى المستحقّ، فوجب النقل مقدّمةً.

20- لعدم صدق عنوان «النقل» مع الفرض المذكور.

21- هذا إذا قلنا بولاية الفقيه في ذلك، وإلّا فلا دليل عليه. ويجوز له الحمل والصرف في البلد مع وجود المستحقّ في البلد. ولو حمل وتلف حين النقل فهو ضامن، إلّاإذا تعيّن النقل عليه من جهة كون المستحقّ في البلد المنقول إليه أفضل، أو أكثر اطمئناناً، أو كونه مورداً لرضا الإمام عليه السلام قطعاً.

ص: 292

ولو كان المجتهد الذي في البلد الآخر مقلَّده يتعيّن النقل إليه، (22) إلّاإذا أذن في صرفه في البلد، أو كان المصرف في نظر مجتهد بلده موافقاً مع نظر مقلَّده، أو كان يعمل على طبق نظره.

(مسألة 10): يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر وإن كان عروضاً (23)، ولكن الأحوط أن يكون ذلك بإذن المجتهد حتّى في سهم السادات.

22- هذا إذا قلنا بولاية المجتهد الأعلم فقط في باب الخمس، وقد قلّد المالك الأعلم، فيجب حينئذٍ النقل إليه، أو الصرف بإذنه، ولا يجوز الصرف بإذن المجتهد الآخر وإن كان نظره في المصرف موافقاً للأعلم، إلّاإذا أذن في ذلك.

ولكنّه مرّ: أ نّه لا دليل على ولاية الأعلم فقط، فحينئذٍ إن كان الأعلم حاكماً مبسوط اليد فلابدّ من النقل إليه، أو صرفه بإذنه. وإن لم تكن الحكومة للأعلم فلابدّ من أن يكون التصرّف بإذن الحاكم المبسوط اليد لو كان جامعاً للشروط، ومع عدم جمعه للشروط يجوز لجميع الفقهاء الإذن في ذلك وإن لم يكونوا أعلم؛ لأنّ الولاية قد جعلت لجميعهم على الفرض.

23- قال السيّد الخوئي رحمه الله: «ولعلّ هذا هو المتسالم عليه بين الأصحاب»(1).

واستظهر الشيخ رحمه الله في رسالته من حاشية المدقّق الخونساري رحمه الله نسبته إلى مذهب الأصحاب(2).

ويمكن أن يستدلّ عليه بإلحاقه بباب الزكاة، حيث وردت الروايات في الاجتزاء بالقيمة، مضافاً إلى شمول بعضها للخمس أيضاً، كما في صحيحة البرقي قال: كتبت


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 285 ..
2- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 279 ..

ص: 293

إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: هل يجوز أن اخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب، دراهم قيمة ما يسوى، أم لا يجوز إلّاأن يخرج عن كلّ شي ء ما فيه؟ فأجاب عليه السلام: «أيّما تيسّر يخرج»(1).

فإنّ الظاهر ممّا يجب في الحرث- بعد التقييد بالحنطة والشعير- وإن كان هو الزكاة، إلّاأنّ قوله: «ما يجب على الذهب» وقوله: «إلّا أن يخرج عن كلّ شي ء ما فيه؟» مطلق يشمل الخمس أيضاً.

هذا مضافاً إلى أنّ أوّل السؤال وإن كان ظاهراً في الزكاة، إلّاأ نّه من المقطوع به عدم الفرق في نظر السائل بين الخمس والزكاة، كما أنّ الجواب مطلق أيضاً.

وكذا يمكن التأييد بالأخبار الواردة في موارد خاصّة:

منها: قول علي عليه السلام في رواية الأزدي لصاحب الركاز الذي باعه وأخذ ثمنه:

«أدّ خمس ما أخذت»(2)، حيث لم يعترض عليه من جهة البيع، مع أنّ الخمس قد تطلق بالركاز أوّلًا.

ومنها: رواية أبي سيّار الذي ولي الغوص، فجاء إلى الصادق عليه السلام بخمسه ثمانين ألف درهم(3).

ومنها: مصحّحة ريّان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام: ما الذي يجب علي- يا مولاي- في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: «يجب عليك فيه الخمس»(4).


1- وسائل الشيعة 9: 192، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 9، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 497، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 6، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 9: 548، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 12 ..
4- وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 9 ..

ص: 294

ومنها: خبر أبي بصير، حيث سأل أبا عبداللَّه عليه السلام عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال، إنّما يبيع منه الشي ء بمئة درهم، أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب: «أمّا ما أكل فلا، وأمّا البيع فنعم، فهو كسائر الضياع»(1).

والمستفاد من جميعها عدم لزوم دفع العين وتعيّنه، بل يجوز تبديل العين بالقيمة- بالبيع ونحوه- وأداء القيمة، فلا إشكال في أداء القيمة بدل العين في الخمس، كالزكاة.

هل يختصّ جواز دفع البدل بأدائه من الأثمان المتعارفة، كالذهب والفضّة، أو الأوراق النقدية الرائجة في يومنا، كالريال والدينار والدولار ونحوها، أم يجوز دفعه من جنس الآخر من العروض أيضاً؟

قال السيّد الخوئي رحمه الله: «دفع القيمة بما كان من قبيل العروض، مشكل جدّاً. نعم لا إشكال في التعدّي إلى سائر النقود وعدم الاختصاص بالدراهم»(2) ووجهه ظهور الروايات في الأثمان المتعارفة.

وفيه: أنّ ما يجب على المكلّف أداء مقدار المالية للخمس، وإذا جاز تبديل العين بالدرهم جاز بأثمان وعروض اخرى أيضاً؛ لأنّه لا فرق في ذلك.

نعم، لابدّ من مراعاة مصلحة المستحقّ فقد تكون مصلحته في العين أقوى من غيره وقد تكون مصلحته في أداء حقّه من الأثمان والأجناس الاخر، فالأقوى رعاية مصلحة المستحقّ في ذلك. ولذا قال السيّد قدس سره في «العروة»: «ويتخيّر المالك


1- وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 10 ..
2- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 286 ..

ص: 295

(مسألة 11): إذا كان في ذمّة المستحقّ دَين، جاز له احتسابه خُمساً مع إذن الحاكم (24) على الأحوط لو لم يكن الأقوى، كما أنّ احتساب حقّ الإمام عليه السلام موكول إلى نظر الحاكم.

بين دفع خمس العين، أو دفع قيمته من مال آخر نقداً أو جنساً».

وأمّا كون ذلك بإجازة المجتهد الحيّ، فهو تابع للقول بولايته على الخمس، فإن قلنا به فهو، وإلّا فلا.

24- مقتضى القول بتعلّق الخمس بعين المال، عدم الاجتزاء بالأداء من مال آخر، وعدم الولاية للمالك عليه؛ إلّاما أثبته الدليل، ولكنّه مرّ أنّ له التبديل بمال آخر نقداً أو عروضاً، فلا إشكال في ذلك.

وقال السيّد الخوئي رحمه الله: «إنّ التبديل باحتساب الدين خمساً- بجعل ماله في ذمّة المستحقّ خمساً بدلًا من الخمس المتعلّق بالعين- يحتاج إلى الدليل، ولم يرد عليه دليل في المقام كما ورد في الزكاة»(1).

وفيه: أنّ ما دلّ على جواز التبديل بالعين الاخرى أو النقد الآخر- كما مرّ- يدلّ على جواز تبديله بالدين أيضاً في ذمّة المستحقّ؛ لأنّ الدين في الذمّة أيضاً مال عرفاً، وتبديل الخمس به تبديل بالمال، ولافرق عرفاً بينه وبين التبديل بعين اخرى.

نعم لابدّ من رعاية مصلحة المستحقّ.

هذا مضافاً إلى ما ورد في تبديل الزكاة بالذمّة، وهي والخمس من وادٍ واحد، منها: صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج قال: سألت أباالحسن عليه السلام عن رجل عارف


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 343- 344 ..

ص: 296

(مسألة 12): لايجوز للمستحقّ أن يأخذ من باب الخمس ويردّه على المالك (25)، إلّا في بعض الأحوال، كما إذا كان عليه مبلغ كثير ولم يقدر على أدائه؛ بأن صار معسراً لايرجى زواله وأراد تفريغ ذمّته، فلا مانع- حينئذٍ- منه لذلك.

فاضل توفي وترك عليه ديناً قد ابتلي به؛ لم يكن بمفسدٍ، ولا بمسرف، ولا معروف بالمسألة، هل يقضى عنه من الزكاة الألف والألفان؟ قال: «نعم»(1).

ومثلها غيرها(2) فإنّ هذه الروايات شاملة لما إذا كان نفس المعطي مالك الدين في ذمّة الآخر، فتبرأ ذمّته بالزكاة التي تجب عليه.

فالأقوى أ نّه لا إشكال في جواز التبديل لو كان المديون مستحقّاً، وأجاز الفقيه الجامع للشروط لو قلنا بولايته على الخمس، وإن لم نقل بها فللمالك تبديله أيضاً لو كان المديون مستحقّاً من دون إشكال.

ثمّ إنّه لا دليل على لزوم القبض والإقباض في ذلك، وإنّما قيل باعتبارهما احتياطاً، كالسيّدين البروجردي والخونساري رحمهما الله(3).

25- وذلك لأنّه تفويت للحقّ ومنافٍ لحكمة تشريع الخمس والزكاة، كما يظهر من الأخبار الكثيرة، منها: مرسلة حمّاد الطويلة(4)، لأنّ الظاهر منها أنّ اللَّه تعالى جعل الزكاة والخمس بنحو لو ادّيا، لم يبق فقير هاشمي ولا غيره، ولو كان


1- وسائل الشيعة 9: 295، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 46، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 295، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 46، الحديث 2 و 3 و 4 ..
3- العروة الوثقى 4: 312، الهامش 4 ..
4- وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4 ..

ص: 297

(مسألة 13): لو انتقل إلى شخص مال فيه الخمس ممّن لايعتقد وجوبه- كالكفّار والمخالفين- لايجب عليه إخراجه كما مرّ (26)؛ سواء كان من ربح تجارة أو معدن أو غير ذلك، وسواء كان من المناكح والمساكن والمتاجر أو غيرها، فإنّ أئمّة المسلمين عليهم السلام قد أباحوا ذلك لشيعتهم،

المفروض في المسألة جائزاً، لكان منافياً للحكمة المذكورة؛ لأنّه يجيز أن يتصرّف بعض الفقراء في الخمس بأن يأخذه، ثمّ يردّه إلى صاحب المال.

نعم، لو كان بنحو لا يعدّ منافياً لتشريعه وحكمته، ولم يكن تضييعاً لحقّ الآخرين، فلا إشكال فيه، كما هو المفروض في المتن من عدم رجاء اليسر، وأمّا مع رجائه فلا يجوز أيضاً. بل الأقوى أ نّه لا يجوز حتّى مع عدم الرجاء إلّاإذا كان فيه مصلحة وكان ذلك بتشخيص الحاكم.

هذا، مع أنّ تفريغ ذمّة المسلم العاجز عن أدائه، وإن كان حسناً ومرغوباً فيه شرعاً، لكنّه إنّما هو فيما إذا كان المعطي مالكاً لما في ذمّة المعطى من غير جهة الخمس، كما مرّ. مع أ نّه مع الإعسار لا وجه على هذا التكليف وإن وجب عليه قبلًا، فيتوب فعلًا مع الإعسار، وسيغفر اللَّه تعالى له إن شاء.

26- قد مرّ منّا في أوائل بحث الخمس: أنّ الأخبار الواردة في التحليل على ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: ما دلّ على التحليل مطلقاً- أي سهم الإمام عليه السلام وسهم السادات- من أداء الخمس بالنسبة لمن تعلّق على ماله الخمس ومن انتقل إليه المال المتعلّق به الخمس، ويعلم أنّ ذلك المال غير مخمّس، وأنّ الشيعة في حلّ من ذلك، ولا يجب عليهم أداؤه في زمان الغيبة إلى قيام القائم عجّل اللَّه تعالى فرجه

ص: 298

فكأنّ التشريع بالإضافة إليهم في مرحلة الإقتضاء، ولم يبلغ مرتبة الفعلية، وهي عدّة روايات:

منها: صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: هلك الناس في بطونهم وفروجهم؛ لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباؤهم في حلّ»(1)، أو «أبناءهم» كما في «العلل»(2).

ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: أ نّه قال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام حلّلهم من الخمس» يعني الشيعة «ليطيب مولدهم»(3).

والصحيحة الاولى مطلقة تشمل الخمس أيضاً، والثانية مختصّة به.

ومنها: رواية الحارث بن المغيرة النصري قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فجلست عنده فإذا نجيّة قد استأذن عليه، فأذن له ... قال: «يا نجيّة، إنّ لنا الخمس في كتاب اللَّه، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال ... اللهمّ إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا ...» فقال: «يانجيّة، ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا»(4).

والرواية ضعيفة من جهة جهالة جعفر بن محمّد بن حكم وإن كان قد وقع في إسناد «كامل الزيارات» وهذا يوجب كونها مؤيّدة للروايات الماضية، وليست بموثّقة كما ذكره في «الحدائق»(5).

ومنها: روايته الاخرى عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلت له: إنّ لنا أموالًا من


1- وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 1 ..
2- علل الشرائع: 377/ 2 ..
3- وسائل الشيعة 9: 550، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 15 ..
4- وسائل الشيعة 9: 549، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 14 ..
5- الحدائق الناضرة 12: 439 ..

ص: 299

غلّات وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أنّ لك فيها حقّاً؟ قال: «فلم أحللنا إذن لشيعتنا؟! إلّالتطيب ولادتهم، وكلّ من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا، فليبلغ الشاهد الغائب»(1).

وهي أيضاً ضعيفة من جهة أبي عمارة، فإنّه مجهول ومشترك بين عدّة من الرواة.

وهذه الروايات مطلقة أو عامّة شاملة للخمس أيضاً بجميع أقسامه، وفيها ما هي صحاح، إلّاأ نّها معارضة بالقسم الثاني الآتي من الروايات الدالّة على وجوب الخمس؛ ولزوم أدائه بأجمعه للإمام عليه السلام، وحرمة أكله والتصرّف فيه، وعدم التحليل مطلقاً. وكذلك معارضة بالروايات الكثيرة الآمرة بدفع الخمس في الموارد المتفرّقة والأجناس المتعدّدة، كالكنوز، والركاز، والمعدن، وأرباح المكاسب، ومال الناصب، وغيرها، فلو كان مباحاً للشيعة مطلقاً فلماذا أمروا بدفع الخمس إليهم في الموارد المذكورة؟!

هذا مضافاً إلى أ نّها منافية لتشريع الخمس المجعول لرفع حاجات السادة والفقراء من بني هاشم، ولو كان مباحاً للشيعة بأجمعه ولا يجب دفعه، لم يبقَ مورد لإعاشة فقراء السادة مع حرمة الزكاة عليهم.

القسم الثاني: ما دلّ على نفي التحليل مطلقاً، وهو عدّة روايات:

منها: معتبرة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره اللَّه؛ اشترى ما لا يحلّ له»(2).

وسندها معتبر؛ لأنّ المراد من الحسين في السند، هو الحسين بن سعيد


1- وسائل الشيعة 9: 547، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 9 ..
2- وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 6 ..

ص: 300

الأهوازي الذي يروي عنه أحمد بن محمّد، والمراد من القاسم هو ابن محمّد الجوهري، فالرواية معتبرة لا إشكال في سندها.

ولكن لا يعرف المراد من قوله عليه السلام: «من اشترى شيئاً من الخمس» وهل هو المقصود اشتراء الشي ء الذي قد احرز كونه من أموال الخمس؛ أي من سهم الإمام أو السادة من دون إجازتهم، أو اشترى شيئاً بالمال الذي فيه الخمس، أو اشترى مالًا قد تعلّق به الخمس؟ إلّاأ نّه ومع هذا لا إشكال في دلالته على عدم حلّية الخمس بأيّ معنى كان؛ لأنّ قوله عليه السلام: «لم يعذره اللَّه» يدلّ على عدم التحليل مطلقاً.

ومنها: ما رواه إبراهيم بن هاشم قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل- وكان يتولّى له الوقف بقم- فقال: يا سيّدي، اجعلني من عشرة آلاف في حلّ؛ فإنّي قد أنفقتها، فقال له: «أنت في حلّ» فلمّا خرج صالح قال أبو جعفر عليه السلام: «أحدهم يثب على أموال آل محمّد عليهم السلام وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذه، ثمّ يجي ء فيقول: اجعلني في حلّ، أتراه ظنّ أ نّي أقول: لا أفعل؟! واللَّه، ليسألنّهم اللَّه يوم القيامة عن ذلك سؤالًا حثيثاً»(1).

فإنّ الظاهر- بمقتضى القرائن الموجودة فيها- أنّ المراد من «الأموال» هو الخمس، كما لايخفى، ولا أقلّ من شمول «الأموال» المضافة إلى «آل محمّد عليهم السلام» للخمس والأنفال أيضاً مضافاً إلى مال الوقف.


1- وسائل الشيعة 9: 537، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 1 ..

ص: 301

ومنها: رواية محمّد بن زيد الطبري عن الرضا عليه السلام قال: «لا يحلّ مال إلّامن وجه أحلّه اللَّه»(1).

وروايته الاخرى عنه قال: «لا نجعل لأحد منكم في حلّ»(2).

وهما صريحتان في عدم التحليل، ولكنّهما ضعيفتان سنداً من جهات، فراجع.

ومنها: غير ذلك من الروايات، فراجع.

قال صاحب «الحدائق»- بعد نقل أخبار عدم التحليل-: «نعم ظاهر توقيع(3) التحليل هو التحليل في مجموع الخمس، ولكن مقتضى الجمع بينه وبين الأدلّة التي قدّمناها- من الآية والروايات الدالّة على أنّ النصف للأصناف الثلاثة- تخصيص التحليل بحقّه عليه السلام ...» إلى أن قال: «فيجب دفع حصّة الأصناف إليهم ... وبالجملة فهذا القول عندي أظهر الأقوال»(4).

وفيه: أ نّه لا دليل على ذلك في الروايات، بل مقتضى التعليل في أكثر الروايات التحليل والإباحة- بطيب الولادة- تعلّق الحلّية بتمام الخمس؛ لعدم تحقّق طيب الولادة بدون ذلك. وأمّا تضمّن بعضها اختصاص التحليل بحقّه عليه السلام(5) لظهور قوله:

«من حقّي» في الاختصاص، فهو لا يدلّ على عدم التحليل في غيره.

مضافاً إلى ما سبق منّا: من أنّ كلّ الخمس يحسب من حقّهم من جهة الولاية لهم عليه.


1- وسائل الشيعة 9: 538، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 9: 539، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 9: 550، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 16..
4- الحدائق الناضرة 12: 451 ..
5- وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 2 ..

ص: 302

والأقوى حمل نصوص التحليل على ما انتقل إلى الشيعة ممّن لا يعتقد بوجوب الخمس، أو ممّن لا يخمّس ماله من الشيعة وإن كان معتقداً به، وحمل روايات التحريم على ما يجب على نفس المكلّف ويتعلّق الخمس بماله بالانتفاع والكسب، فيجب عليه أداؤه.

ويؤيّد هذا الجمع عدّة من الروايات أيضاً:

منها: معتبرة يونس بن يعقوب- من طريق الصدوق رحمه الله- قال: كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام فدخل عليه رجل من القمّاطين فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت، وإنّا عن ذلك مقصّرون، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام: «ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم»(1).

والظاهر منها: أنّ الأموال كانت تنتقل إليهم ممّن لم يخمّس ماله بشراء وهبة وغيرهما، فلا يجب على الآخذ إعطاء الخمس؛ لأنّهم عليهم السلام حلّلوه من ذلك.

ومنها: معتبرة أبي خديجة عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قال رجل- وأنا حاضر-:

حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبداللَّه عليه السلام فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنّما يسألك خادماً يشتريه، أو امرأة يتزوّجها، أو ميراثاً يصيبه، أو تجارة أو شيئاً اعطيه، فقال: «هذا لشيعتنا حلال؛ الشاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحيّ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما وإنّه لايحلّ إلّالمن أحللنا له...»(2) الحديث.

ومنها: ما في التفسير المنسوب إلى الحسن العسكري عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام(3).


1- وسائل الشيعة 9: 545، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 6 ..
2- وسائل الشيعة 9: 544، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 9: 552، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 20 ..

ص: 303

ويدلّ عليه أيضاً كلّ ما دلّ على أنّ التحليل إنّما كان منهم لطيب أولاد الشيعة وعدم ارتكاب الزنا(1)؛ لأنّ من لم يعط الخمس وإن كان فاسقاً وعاصياً للَّه تعالى، لم يرتكب الزنا، ولم يكن ولده من الزنا حتّى لا يطيب، بخلاف الأموال التي تعلّق بها الخمس كالإماء، ولم يؤدّ صاحبها الخمس، فاشتراها الشيعي ممّن لا يعتقد بالخمس، أو لا يؤدّيه، فيكون مورداً للزّنا وعدم طيب الولادة لأنّ الإمام عليه السلام شريك في مالكية الإماء حينئذٍ، فالتحليل إنّما وقع منه.

نعم، بعض الروايات مطلقة لا يقبل الحمل المذكور، ولكنّ بعضها ضعيفة سنداً، وبعضها يحمل على ما قلناه جمعاً.

فالتحقيق وجوب الخمس في زمان الغيبة وعدم حلّه مطلقاً، مع أنّ مقتضى الاحتياط أداؤه، إلّاأ نّه قد حلّلوا عليهم السلام ما انتقل من الغير ممّن لا يخمّس، ولا فرق في ذلك بين من يعتقد، أو لا؛ لأنّه لا دليل على التفصيل، والروايات مطلقة وشاملة لما كان من المتاجر، أو المناكح، أو المساكن، أو غيرها، وتشمل عندنا حتّى الإرث، إلّاأ نّه لو علم أنّ المورّث لم يؤدّ خمسه، وعلم مقدار ما تعلّق بذمّته، فلابدّ أن يخرج الخمس من التركة قبل القسمة؛ لأنّه يصدق عليه الدين، وتقسيم الإرث إنّما هو مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ(2) وأمّا ما تعلّق من الخمس بالعين فلا يجب الخمس فيه إذا لم يعلم استقرار الخمس في ذمّة المورّث.


1- راجع وسائل الشيعة 9: 544، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 3، 5، 9، 10، 15، 16 ..
2- النساء( 4): 11 و 12 ..

ص: 304

كما أباحوا لهم في أزمنة عدم بسط أيديهم تقبّل الأراضي الخراجية من يد الجائر والمقاسمة معه، وعطاياه في الجملة، وأخذ الخراج منه، وغير ذلك ممّا يصل إليهم منه ومن أتباعه. وبالجملة: نزّلوا الجائر منزلتهم، وأمضوا أفعاله بالنسبة إلى ما يكون محلّ الابتلاء للشيعة؛ صوناً لهم عن الوقوع في الحرام والعسر والحرج (27).

27- تدلّ عليه عدّة روايات:

منها: صحيحة الحذّاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة، وهو يعلم أ نّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم، قال: فقال: «ما الإبل إلّامثل الحنطة والشعير وغير ذلك؛ لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه».

قيل له: فما ترى في مصدَّق يجيئنا فيأخذ منّا صدقات أغنامنا، فنقول:

بعناها فيبيعناها، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: «إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس».

قيل له: فما ترى في الحنطة والشعير؛ يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا، ويأخذ حظّه بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: «إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل»(1).

وهي بفقراتها الثلاث، تدلّ على نفوذ عمل الجائر وأخذه الزكوات والأخماس، وجواز شرائه منه وقبول هديّته وجواز سائر معاملاته.


1- وسائل الشيعة 17: 219، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 52، الحديث 5 ..

ص: 305

ومنها: صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: أشتري من العامل الشي ء وأنا أعلم أ نّه يظلم، فقال: «اشترِ منه»(1).

نعم، لابدّ من حمل هذه الرواية على صورة عدم العلم بكون ما اشتراه من الأموال التي أخذها ظلماً؛ وإن علم أ نّه قد يظلم. وتدلّ عليه موثّقة عمّار الآتية.

ومنها: موثّقة عمّار قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم، قال:

«يشترى منه ما لم يعلم أ نّه ظلم فيه أحداً»(2).

ومنها: موثّقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي- بطريق الصدوق رحمه الله- عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في الرجل يتقبّل بجزية(3) رؤوس الرجال، وبخراج النخل والآجام والطير، وهو لا يدري لعلّه لا يكون من هذا شي ء أبداً، أو يكون، أيشتريه، وفي أيّ زمان يشتريه ويتقبّل منه؟ قال: «إذا علمت أنّ من ذلك شيئاً واحداً أ نّه قد أدرك، فاشتره، وتقبّل به (منه)»(4).

ومنها: رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة، أو بطعام مسمّى، ثمّ آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف، أو أقلّ من ذلك، أو أكثر، وله في


1- وسائل الشيعة 17: 219، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 52، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 17: 221، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 53، الحديث 2 ..
3- في الفقيه:« بخراج الرجال وجزية رؤوسهم، وخراج النخل والشجر والآجام والمصائدوالسمك والطير» ..
4- وسائل الشيعة 17: 355، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 12، الحديث 4 ..

ص: 306

الأرض بعد ذلك فضل، أيصلح له ذلك؟ قال: «نعم، إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك فله ذلك».

قال: وسألته عن الرجل استأجر أرضاً من أرض الخراج بدراهم مسمّاة ... قال:

«إذا استأجرت أرضاً فأنفقت فيها شيئاً أو رمّمت فيها، فلا بأس بما ذكرت»(1).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا بأس أن يتقبّل الأرض وأهلها من السلطان»(2).


1- وسائل الشيعة 19: 127، كتاب الإجارة، الباب 21، الحديث 3 و 4 ..
2- وسائل الشيعة 19: 59، كتاب المزارعة والمساقاة، الباب 18، الحديث 3 ..

ص: 307

القول: في الأنفال

وهي ما يستحقّه الإمام عليه السلام على جهة الخصوص لمنصب إمامته، كما كان للنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لرئاسته الإلهيّة.

1- الأنفال: جمع نفل- بسكون الفاء وفتحه- بمعنى الغنيمة، كما في «المصباح»(1).

وفي «القاموس»(2) و «المعجم الوسيط»(3): «النفل- بالتحريك- الغنيمة والهبة» وكذا في «لسان العرب»(4).

وقال الراغب الأصفهاني: «النفل- بالتحريك- قيل: هو الغنيمة بعينها، لكن اختلفت العبارة عنه؛ لاختلاف الاعتبار، فإنّه إذا اعتبر بكونه مظفوراً به يقال له:

غنيمة، وإذا اعتبر بكونه مِنْحةً من اللَّه تعالى ابتداءً من غير وجوب، يقال له: نَفَل.


1- المصباح المنير: 619 ..
2- القاموس المحيط 4: 60 ..
3- المعجم الوسيط: 942 ..
4- لسان العرب 14: 244 ..

ص: 308

ومنهم من فرّق بينهما من حيث العموم والخصوص؛ فقال: الغنيمة:

ما حصل مستغنماً؛ بتعب كان أو غير تعب، وباستحقاق كان أو غير استحقاق، وقبل الظفر كان أو بعده، والنفل: ما يحصل للإنسان قبل القسمة من جملة الغنيمة.

وقيل: هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال؛ وهو الفي ء.

وقيل: هو ما يُفْصل من المتاع ونحوه بعد ما تقسم الغنائم، وعلى ذلك حمل قوله تعالى: يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ...(1) الآية. وأصل ذلك من النفل؛ أي الزيادة على الواجب، ويقال له: النافلة، قال تعالى: وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً(2)، وعلى هذا قوله: وَوَهَبْنَا لَهُ إسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً(3)، وهو ولد الولد»(4).

والأصل في المسألة قوله تعالى: يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ للَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(5).

والدليل على كون الغنائم زائدة- من النفل- كون المقصود من الجهاد والدفاع ابتداءً، دفع العدوّ والغلبة عليه وتبليغ الإسلام والرسالة، دون الغنيمة، فتكون الغنيمة زيادة على المقصود من الحرب، فبذلك يطلق عليها «النَفَل».


1- الأنفال( 8): 1 ..
2- الإسراء( 17): 79 ..
3- الأنبياء( 21): 72 ..
4- مفردات ألفاظ القرآن: 820 ..
5- الأنفال( 8): 1 ..

ص: 309

قال العلّامة الطباطبائي رحمه الله في تفسيره: «وقد اختلف المفسّرون في معنى الآية وموقعها اختلافاً شديداً من جهات: من جهة معنى قوله: يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ وقد نسب إلى أهل البيت عليهم السلام وبعض آخر- كعبد اللَّه بن مسعود، وسعد بن أبي وقّاص، وطلحة بن مصرف- أ نّهم قرأوا: يَسْأَ لُونَكَ الْأنْفَالَ فقيل:

عَنْ زائدة في القراءة المشهورة.

وقيل: بل مقدّرة في القراءة الشاذّة.

وقيل: إنّ المراد ب الْأَنْفَالِ غنائم الحرب.

وقيل: غنائم غزوة بدر خاصّة؛ بجعل اللام في الْأَنْفَالِ للعهد.

وقيل: الفي ء الذي للَّه والرسول والإمام.

وقيل: إنّ الآية منسوخة بآية الخمس»(1).

والذي ينبغي أن يقال: إنّ سياق الآية يدلّ على وجود المخاصمة والتشاجر بينهم في مسألة تقسيم الغنيمة والفي ء، وقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ يدلّ على كون التشاجر في الأنفال وفي حكمها، وهو يؤيّد القراءة المشهورة بإضافة عَنْ فالسؤال إنّما كان عن حكم الغنائم. وكون مورد نزولها غنائم حرب بدر لا يوجب التخصيص بها؛ لأنّ التشاجر والنزاع لم يكن مختصّاً بغنائم بدر فقط، بل كان يعمّ غيرها أيضاً.

فالظاهر من الآية: أنّ الغنائم كلّها للَّه وللرسول، وقد فصل اللَّه تعالى الخصومة بينهم ورفعها بتشريع تمليكها لنفسه ولرسوله، فنزعها من أيديهم، ووعظهم أن يكفّوا عن المخاصمة، وأن يتقوا اللَّه سبحانه. وعلى هذا انتفى المعارضة بين آية


1- الميزان في تفسير القرآن 9: 7 ..

ص: 310

الخمس وهذه الآية حكماً؛ حيث نزلت بعدها، فيكون كلاهما في حكم الغنائم، وقد أثبت اللَّه تعالى بآية الأنفال أ نّها للَّه تعالى أوّلًا وبالذات ثمّ قد منح اللَّه تعالى تفضّلًا منه بعد جعل خمس الغنائم لنفسه ولرسوله ولذي القربى، وأربعة أخماس للمقاتلين. وأمّا شمول الأنفال لغير الغنائم، فقد يستفاد من عدّة من الروايات الواردة في كلّ باب بخصوصه، وسيأتي.

ويدلّ على نزول الآية في رفع الاختلاف والتشاجر في الغنائم، روايات من طرق العامّة أيضاً، وقد نقل الطباطبائي قدس سره في «تفسير الميزان» بعضها، حيث قال:

«أخرج أحمد و... والحاكم والبيهقي في سننه، عن أبي امامة قال: سألت عُبادة بن الصامت عن الأنفال فقال: فينا- أصحاب بدر- نزلت حين اختلفنا في النفل، فساءت فيه أحلامنا، فانتزعه اللَّه من أيدينا وجعله إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقسمه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بين المسلمين عن سواء».

وفيه: «أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم والبيهقي وابن مردويه، عن عُبادة بن الصامت قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فشهدت معه بدراً، فالتقى الناس فهزم اللَّه العدوّ، فانطلقت طائفة في آثارهم منهزمين يقتلون، وأكبّت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لا يصيب العدوّ منه غرّةً، حتّى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها، فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدوّ: لستم بأحقّ بها منّا؛ نحن نفينا عنها العدوّ وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وخفنا أن يصيب العدوّ منه غرّة واشتغلنا به، فنزلت:

ص: 311

يَسْأَ لُونَكَ ... الآية، فقسمها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بين المسلمين»(1).

ونقل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره بسند موثّق، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «أ نّها نزلت يوم بدر؛ لمّا انهزم الناس كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على ثلاث فرق: فصنف كانوا عند خيمة النبي صلى الله عليه و آله و سلم وصنف أغاروا على النهب، وفرقة طلبت العدوّ وأسروا وغنموا، فلمّا جمعوا الغنائم والأسارى...

تكلّم سعد بن معاذ- وكان ممّن أقام عند خيمة النبي صلى الله عليه و آله و سلم- فقال: يا رسول اللَّه، ما منعنا أن نطلب العدوّ زهادة في الجهاد، ولا جبناً عن العدوّ، ولكنّا خفنا أن نعدوا عن موضعك فتميل عليك خيل المشركين، وقد أقام عند الخيمة وجوه المهاجرين والأنصار، ولم يشكّ أحد منهم، والناس كثير يا رسول اللَّه، والغنائم قليلة، ومتى يعط هؤلاء لم يبق لأصحابك شي ء، وخاف أن يقسم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم الغنائم وأسلاب القتلى بين من قاتل، ولا يعطي من تخلّف على خيمة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم شيئاً فاختلفوا فيما بينهم حتّى سألوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقالوا: لمن هذه الغنائم؟ فأنزل اللَّه تعالى: يَسْأَ لُونَكَ......»(2).

ولا يخفى عليك: أ نّه لا تنافي بين هذه الآية التي جعلت الغنائم للَّه والرسول، وبين جعل خمسها للَّه وللرسول ولذي القربى والسادة في آية الخمس؛ لأنّ ولاية الغنائم كلّها لهم عليهم السلام وللإمام بعد الحرب أن ينفل ما يشاء، ويصرف منها ما يشاء فيما ينوبه عنهم، ثمّ يخرج الخمس منها، ويتفضّل عليهم بتقسيم البقيّة بينهم، فهو المتولّي لأمرها، وليس لهم الاعتراض على ما فعل، كما تدلّ عليه صحيحة زرارة


1- الميزان في تفسير القرآن 9: 15 ..
2- تفسير القمي 1: 254 ..

ص: 312

قال: «الإمام يجري وينفل ويعطي ما شاء قبل أن تقع السهام، وقد قاتل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بقوم ولم يجعل لهم في الفي ء نصيباً، وإن شاء قسم ذلك بينهم»(1).

والأنفال للَّه تعالى بالذات، ولرسوله وللإمام بعده بجعله تعالى إيّاها لهم، وليست لشخص الرسول والإمام حتّى يرثها أولادهم بعدهم، كالملك الشخصي، بل هي لمقام الإمامة، فهي حيثيّة تقييدية لتملّك الإمام عليه السلام، نظير ما يقال من كون الأموال العامّة للدولة والحكومة، فالإمام عليه السلام يصرفها في إدارة شؤون الامّة ومصالحها.

ويؤيّده ما عن «رسالة المحكم والمتشابه» عن «تفسير النعماني» عن علي عليه السلام- بعد ما ذكر الخمس وأنّ نصفه للإمام- قال: «إنّ للقائم بامور المسلمين بعد ذلك الأنفال التي كانت لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم...»(2)، فجعل الأنفال للقائم بامور المسلمين بما أ نّه قائم بها.

ويؤيّده ما دلّ على رعاية العدل والإنصاف في أحكام الإسلام، ولا يناسب العدل أن تجعل الأنفال- مع كثرتها ووفورها- لشخص واحد بعنوان شخصي وإن كان نبيّاً أو إماماً للمسلمين.

هذا مع منافاته أيضاً لقوله تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لَايَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(3).


1- وسائل الشيعة 9: 523، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 9: 530، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 19 ..
3- الحشر( 59): 7 ..

ص: 313

وهي امور:

منها: كلّ ما لم يوجف عليها بخيل وركاب؛ أرضاً كانت أو غيرها، انجلى عنها أهلها أو سلّموها للمسلمين طوعاً (2).

2- قد عرفت: أنّ ما يظهر من الآيات هو الغنائم فقط؛ لأنّ الآية نزلت في وقعة بدر وغنائم الحرب، والوارد وإن لم يكن مخصّصاً ببدر، إلّاأنّ الظاهر منها- لو لا الروايات- هو غنائم الحرب خاصّة، فلابدّ في غيرها من الرجوع إلى الروايات، حيث ذكرت فيها موارد للأنفال، كالأرض التي يملكها المسلمون من غير قتال ولا إيجاف بخيل وركاب؛ سواء كانت أرضاً، أو غيرها، انجلى عنها أهلها، أو سلّموها للمسلمين طوعاً. ولا خلاف في الأرض ظاهراً، وقد أفتى به بعضهم في غير الأرض أيضاً، كما في «الجواهر»(1).

ويدلّ عليه قوله تعالى: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ* مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لَايَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ...(2).

وشأن نزول الآية أموال يهود بني قريظة، حيث نقضوا عهدهم، وغدروا برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فحاصرهم مع أصحابه حتّى أسلموا، فأخرجوهم من ديارهم إلى بلاد الشام، وبعضهم إلى خيبر، وقسم الأموال كلّها في المهاجرين وثلاثة من


1- جواهر الكلام 16: 118 ..
2- الحشر( 59): 6 و 7 ..

ص: 314

الأنصار، فرضى الأنصار بذلك، ونزلت الآيات بعدها.

وتدلّ عليه أيضاً بعض الروايات:

منها: صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «الأنفال: ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة، وبطون الأودية، فهو لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وهوللإمام من بعده يضعه حيث يشاء»(1).

ولا إشكال في دلالتها على حكم الأراضي وغيرها من الأموال المنقولة؛ لأنّ قوله عليه السلام «الأنفال: ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا...» بإطلاقه يشمل المنقول وغيره. كما لا إشكال في سندها أيضاً.

و منها: موثّقة محمّد بن مسلم عن أبي عبداللَّه عليه السلام أ نّه سمعه يقول: «إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة، أو بطون أودية، فهذا كلّه من الفي ء، والأنفال للَّه وللرسول، فما كان للَّه فهو للرسول يضعه حيث يحبّ»(2).

وهذه الموثّقة خاصّة بالأراضي، وتدلّ على كون الأراضي بالصفة المذكورة فيها من الأنفال؛ وأ نّها للرسول صلى الله عليه و آله و سلم.

ومنها: مرسلة حمّاد، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح عليه السلام: «وله بعد الخمس الأنفال، والأنفال: كلّ أرض خربة قد باد أهلها، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، ولكن صالحوا صلحاً وأعطوا بأيديهم على غير قتال ...»(3).


1- وسائل الشيعة 9: 523، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 10 ..
3- وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4 ..

ص: 315

وهي أيضاً- كسابقها- مختصّة بالأرض. وتدلّ عليه أيضاً روايات اخرى يطول بنقلها المقام، فراجع(1).

قال السيّد الحكيم رحمه الله: «وإطلاق بعضها- كالمصحّح- وإن كان يشمل الأرض وغيرها، لكنّه مقيّد بما هو مقيّد بها الوارد في مقام الحصر والتحديد؛ فإنّ وروده كذلك يستوجب ثبوت المفهوم له، وهو النفي عن غير الأرض، فيحمل المطلق في الإثبات عليه»(2).

وفيه: أ نّه وإن كان التحديد والحصر في مقام البيان، ظاهراً في الحصر، ويوجب المفهوم، ولكنّ التحديد الوارد في الروايات ليس في مقام الحصر؛ لأنّه قد ذكر في كلّ منها موارد من الأنفال لا كلّها، حتّى صحيحة محمّد بن مسلم التي عدّ فيها موارد من الأنفال أكثر من غيرها، فإنّها مع ذلك لم يعدّ فيها المعادن، وقطائع الملوك، وميراث من لا وارث له، فيعلم من ذلك أنّ الإمام عليه السلام لم يكن بصدد تحديد الأنفال وحصرها ليدلّ على الانحصار، بل كان بصدد بيان مصاديق خاصّة لها.

هذا مضافاً إلى عموم بعض منها، كصحيحة حفص البختري الماضية، وأظهر منها صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم، أخرج منها الخمس للَّه وللرسول، وقسم بينهم ثلاثة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين، كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ»(3).


1- راجع وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 8، 9، 11، 17 و 23 ..
2- مستمسك العروة الوثقى 9: 597 ..
3- وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 3 ..

ص: 316

حيث إنّ ظهور السؤال فيها في المنقول أقوى؛ لأنّ الإصابة في قول السائل:

«فيصيبون غنائم» ظاهر في المنقول. هذا مع أنّ جوابه عليه السلام: «كلّ ما غنموا للإمام» عامّ يشمل الأراضي وغيرها.

بقي الكلام في دفع توهّم التعارض بين الآيات الشريفة؛ لأنّ ظاهر الآية الاولى في سورة الأنفال(1)، أ نّها للَّه ولرسوله فقط، دون غيرهما، وظاهر آية خمس الغنيمة في آية اخرى من سورة الأنفال- أي قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ(2) الآية- أنّ خمس الغنيمة للَّه، ولرسوله، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وكذلك ظاهر قوله تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...(3) الآية.

فإن حملنا آية الخمس على الغنائم الحاصلة بالحرب والغلبة وإيجاف الخيل والركاب، فتكون تخصيصاً لآية الأنفال، فيبقى تحتها ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، كما هو المنصوص في آية الحشر(4)، فلا تعارض بين آية الأنفال وبين آية الخمس.

وإن قلنا: إنّ آية الأنفال كانت عند الصدور عامّة شاملة للغنائم الحربية أيضاً؛ حتّى مع شروع الحرب وإيجاف الخيل والركاب، إلّاأ نّها قد خصّصت بعدُ بآية


1- الأنفال( 8): 1 ..
2- الأنفال( 8): 41 ..
3- الحشر( 59): 7 ..
4- الحشر( 59): 6 ..

ص: 317

الخمس تخفيفاً على الامّة ومنّة عليهم، فلا إشكال فيه أيضاً؛ لأنّ تخصيص الأحكام العامّة أمر شائع ومتعارف في الشرع والعرف، كما هو الحال في القوانين العرفية أيضاً.

قد تسالم الأصحاب على أنّ ما يؤخذ من غير أن يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فهو في ء وأنفال، وهو للَّه ولرسوله، وبعده للإمام عليه السلام وقد صرّح الكتاب في سورة الحشر والتواريخ، بأنّ المأخوذ من بني النضير كان ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، ولابدّ أن لا يشاركه غير اللَّه ورسوله، لكنّ الآية المتصلة بهذه الآية من دون ذكر عاطف، مصرّحة بتقسيمها إلى ستّة أقسام، كآية الغنيمة والخمس، وقد صرّحوا في بعض التفاسير- كالفيض(1)، والفاضل المقداد في «كنز العرفان»(2) والأردبيلي(3)، والزمخشري(4) وغيرهم- بأنّ الآية الثانية مفسّرة وبيان للآية الاولى، فحينئذٍ تكون الآية الثانية في الحشر منافية للآية الاولى من سورة الأنفال من جهة القسمة.

وإن قلنا: إنّ الآية الثانية من سورة الحشر غير مرتبطة بسابقتها، بل كانت من آيات الخمس، فمفادها وإن اتحد مع آية الخمس في الأنفال وارتفع التعارض بينهما، ولكنّه يشكل تصريحها بكون كلّ ما أفاء اللَّه من أهل القرى بتمامه يقسم إلى السهام الستّة، دون الخمس، فيقع التعارض بينها وبين آية الغنيمة.

وقد نقل عن المحقّق الأردبيلي في «كشف الآيات»: «المشهور بين الفقهاء أنّ الفي ء له صلى الله عليه و آله و سلم وبعده للقائم مقامه يفعل به ما يشاء، كما هو ظاهر الآية


1- الأصفى في تفسير القرآن 2: 1284 ..
2- كنز العرفان 1: 256 ..
3- زبدة البيان في أحكام القرآن: 214 ..
4- الكشّاف 4: 502 ..

ص: 318

الاولى في سورة الحشر، مع أنّ الثانية تدلّ على أ نّه يقسم كالخمس، فإمّا أن يجعل هذا غير مطلق الفي ء، بل فيئاً خاصّاً كان حكمه هكذا، أو منسوخاً، أو يكون تفضّلًا منه»(1).

والظاهر من الشيخ الطوسي رحمه الله في تفسيره «التبيان» أنّ الآيتين تنظران إلى مال واحد؛ هو الفي ء، فيشير الصدر إلى من بيده أمر هذا المال، والذيل إلى من يستحقّ الصرف فيه، وأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم ومن يقوم مقامه يضعه في المذكورين في هذه الآية(2).

وقد نقل شيخنا المرتضى البروجردي رحمه الله في تقريرات درس استاذه السيّد الخوئي رحمه الله: أنّ الاستاذ أجاب عن الإشكال: «بأنّ موضوع الآية الاولى في سورة الحشر، هو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهو راجع إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم والآية ظاهرة في ذلك، وأمّا الآية الثانية فموضوعها ما أفاء اللَّه على رسوله من أهل القرى، والمراد به ما يؤخذ منهم بالقتال وبعد الغلبة عليهم ودخول قراهم؛ بقرينة المقابلة مع الآية الاولى، ولم يذكر فيها أنّ ما يرجع إلى النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم أيّ مقدار ممّا غنمه المسلمون، فبيّن في آية الغنيمة وكشف القناع عنه، فخمسه يرجع إليه»(3).

أقول: أمّا ما احتمله المحقّق الأردبيلي من كونه فيئاً خاصّاً، فبعيد جدّاً؛ لأ نّه لا دليل على خصوصية المورد، فإنّ الآية مطلقة تشمل كلّ ما أفاء اللَّه على رسوله. وأمّا النسخ فأبعد؛ لأنّ سورة الحشر نزلت بعد سورة الأنفال على


1- زبدة البيان في أحكام القرآن: 214 ..
2- التبيان في تفسير القرآن 9: 564 ..
3- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 358 ..

ص: 319

ما حقّقه المحقّقون في هذا، لأنّ رقم سورة الأنفال (88) بينما رقم سورة الحشر (101) على ما ذكر في ترتيب نزول سور القرآن.

وأمّا ما احتمله السيّد الخوئي رحمه الله من حمل الآية الثانية على ما يؤخذ من الكفّار بالقتال، فهو خلاف ظاهر الآية؛ لأنّ الظاهر أنّ الآية الثانية بيان للآية الاولى. مضافاً إلى أنّ كون آية الغنيمة الواردة في سورة الأنفال النازلة قبل سورة الحشر، بياناً لها بعيد جدّاً.

فالتحقيق: أنّ الآية الاولى من سورة الأنفال قد نزلت في بدر، وهي عامّة تشمل كلّ الغنائم؛ سواء حصلت بالحرب والغلبة والقتال، أو بغير قتال، بل ولا حرب، وسواء المنقول منها وغيره، ولكنّها خصّصت بآية الغنيمة في سورة الأنفال الدالّة على كون خمس غنائم الحرب، للَّه، ولرسوله، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل. والدليل على كونها خاصّة ظهور لفظ «الغنيمة» ونسبته إلى المخاطبين بقوله تعالى: أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ... الآية.

والدليل على اختصاصها بغير الأراضي، الروايات الدالّة على كون الأراضي المحياة المفتوحة عنوةً، للمسلمين كافّة، وأنّ الموات للإمام عليه السلام خاصّة. فتقدّم آية الغنيمة على آية الأنفال لكونها خاصّة، وكون الآية الاولى عامّة.

وأمّا آية الفي ء الواقعة في سورة الحشر، فإنّما تدلّ على مصرف الفي ء والأنفال بتولية الرسول؛ لأنّ ما ثبت بآية الأنفال هو ولاية رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على صرف الأموال، وإلّا فقد مرّ أ نّه صلى الله عليه و آله و سلم لا يملك بشخصه تلك الأموال، بل الأموال تحت ولاية مقام رئاسته الإلهية، وكذلك الإمام المنصوب بعده، كما مرّ في حكم الخمس أيضاً، فلذلك له أن يصرف كلّ الغنائم قبل التقسيم أيضاً على ما يراه مصلحة للمسلمين.

ص: 320

ومنها: الأرض الموات (3) التي لا يُنتفع بها إلّابتعميرها وإصلاحها؛ لاستيجامها، أو لانقطاع الماء عنها، أو لاستيلائه عليها، أو لغير ذلك؛ سواء لم يجرِ عليها ملك لأحد كالمفاوز، أو جرى ولكن قد باد ولم يُعرف الآن.

ويلحق بها القُرى التي قد جلى أهلها فخربت، كبابل والكوفة ونحوهما، فهي من الأنفال بأرضها وآثارها كالأحجار ونحوها. والموات الواقعة في الأرض المفتوحة عنوة كغيرها على الأقوى. نعم ما علم أ نّها كانت معمورة حال الفتح، فعرض لها الموتان بعد ذلك، ففي كونها من الأنفال، أو باقية على ملك المسلمين كالمعمورة فعلًا، تردّد وإشكال، لايخلو ثانيهما من رجحان.

ومع ذلك فقد بيّن في مسألة الفي ء في سورة الحشر، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إنّما يصرف في الموارد المذكورة إذا كان صلاحاً، ولا يجب كون المساكين والأيتام ذرّية رسول اللَّه أو من الهاشميين؛ لأنّه لا دليل عليه في الفي ء، بخلاف خمس الغنائم. ويدلّ على ما قلناه عمل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في نفس أموال بني النضير، حيث قسمها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على المهاجرين وثلاثة نفر من الأنصار، دون كلّ الفقراء والمساكين. ولعلّ نظر الشيخ رحمه الله قريب لما حقّقناه.

3- الظاهر أ نّه لا خلاف بين الأصحاب في ذلك، بل نقل(1) عن «الخلاف»(2) و «الغنية»(3) الإجماع على أنّ الموات للإمام عليه السلام وكذا في «جامع المقاصد»(4)


1- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 349 ..
2- الخلاف 3: 526 ..
3- غنية النزوع 1: 293 ..
4- جامع المقاصد 7: 9 ..

ص: 321

وفي «المسالك»: «أ نّه موضع وفاق»(1)، وفي «الرياض»: «أ نّه لا خلاف فيه بيننا»(2).

قال الشيخ في «الخلاف» في بحث إحياء الموات: «الأرضون الموات للإمام خاصّة؛ لا يملكها أحد بالإحياء إلّاأن يأذن له الإمام.

وقال الشافعي: من أحياها ملكها؛ أذن له الإمام، أو لم يأذن.

وقال أبو حنيفة: لا يملك إلّابإذن. وهو قول مالك. وهذا مثل ما قلناه، إلّا أ نّه لا يحفظ عنهم أ نّهم قالوا: هي للإمام خاصّة، بل الظاهر أ نّهم يقولون:

لا مالك لها.

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وهي كثيرة، وروي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أ نّه قال:

«ليس للمرء إلّاما طابت به نفس إمامه» وإنّما تطيب نفسه إذا أذن فيه»(3).

ويدلّ على كونه للإمام عليه السلام أخبار كثيرة:

منها: صحيحة حفص بن البختري المتقدّمة، حيث عدّ من الأنفال: «كلّ أرض خربة»(4).

ومنها: صحيحة حمّاد بن عيسى، عن محمّد بن مسلم المتقدّمة، حيث قال عليه السلام في عداد الأنفال: «وما كان من أرض خربة»(5).

نعم، إطلاقها يشمل ما إذا كان مالكها معلوماً بالفعل، إلّاأ نّه لابدّ من رفع اليد


1- مسالك الأفهام 12: 391 ..
2- رياض المسائل 12: 347 ..
3- الخلاف 3: 525 ..
4- وسائل الشيعة 9: 523، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 1 ..
5- وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 10 ..

ص: 322

عن إطلاقها وتقييده بما إذا انجلى أهلها وأعرضوا عنها؛ وذلك بمقتضى موثّقة عمّار قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الأنفال فقال: «هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي للَّه وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من الأرض الخربة(1) لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن منها، ومن مات وليس له مولى فماله من الأنفال»(2).

ومثلها غيرها من الأخبار.

والظاهر منها أنّ صِرف صيرورة الأرض خربة، لا يوجب زوال ملك مالكها، ولا يكون مجوّزاً للتصرّف فيها مادام المالك معلوماً ولم يكن معرضاً، بل لابدّ من انجلاء أهلها أو إعراضهم عنها حتّى يجوز التصرّف في أملاك الغير، فإذا انجلى أهلها تدخل في ملك الإمام عليه السلام وتعدّ من الأنفال، كما أ نّها إذا لم يسبق إليها ملك أحد فهي ملك للإمام عليه السلام.

هل يختصّ الانجلاء بالملك الشخصي، وبعد إعراض الشخص يكون للإمام، أو يعمّ ما إذا كان الملك لعنوان عامّ، ككونها للمسلمين، كالأراضي الخراجية المفتوحة عنوةً المحياة عند الفتح؛ لأنّها للمسلمين كافّة، فهل تصير للإمام بعد صيرورتها خربة، أو لا؛ لأنّها للمسلمين، وهم أحياء وموجودون في كلّ زمان، فيكون لها حينئذٍ مالك معلوم؟

ظاهر بعضهم- كالمحقّق(3) وصاحب «الجواهر»(4)- أ نّها بعد الخراب تبقى أيضاً


1- في نفس المصدر:« الجزية» بدل« الخربة» ..
2- وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20 ..
3- انظر شرائع الإسلام 1: 166 ..
4- جواهر الكلام 16: 118 ..

ص: 323

في ملك المسلمين، ولا تنتقل إلى الإمام؛ ولعلّه لصدق كونها محياة عند الفتح، وعند الشكّ يجري استصحاب بقاء الملكية وعدم الخروج عن ملكهم.

وقال السيّد الخوئي رحمه الله- على ما في «مستند العروة»-: «لكنّه على تقدير جريانه في الشبهات الحكمية، لا يعارض الروايات الدالّة على كون كل أرض خربة للإمام، كما في صحيحة البختري المتقدّمة.

لا يقال: إنّها معارضة مع إطلاق ما دلّت على كونها للمسلمين كافّة؛ حيث تشمل بعد الخراب أيضاً.

لأ نّه يقال: إنّ دلالتها بالإطلاق، ولا تعارض دلالة أمثال الصحيحة؛ لأنّ دلالتها بالعموم، وهو قوله عليه السلام: «كلّ أرض خربة» لأنّ العموم اللفظي- كما مرّ في الاصول- مقدّم على الإطلاق؛ لأنّ دلالته بمقدّمات الحكمة، ومنها عدم القرينة، والعموم يصلح للقرينية.

ويترتّب على ما قلناه: أ نّه لو عمّر شخص الأراضي المفتوحة عنوة بعد خرابها وانجلاء أهلها بإذن الإمام، كانت له وإن كان الإحياء بالإذن العامّ منهم عليهم السلام كقوله:

«من أحيا أرضاً ميّتة فهي له» فإذا شككنا في كون ذي اليد فعلًا مالكاً لها- من جهة أ نّها كانت محياة عند الفتح- واحتملنا ملكية المسلمين كافّة لها، فحينئذٍ تجري قاعدة اليد؛ لاحتمال مالكيته واقعاً بإحيائه الأرض بعد خرابها وصيرورتها من الأنفال التي تملك بالإحياء بإذن الإمام»(1).

وفيه: أنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «كلّ أرض خربة» وإن كان هو العموم فيشمل الأملاك العامّة أيضاً- كالمفتوحة عنوة المحياة عند الفتح- إلّاأ نّك عرفت أ نّه


1- المستند في شرح العروة الوثقى 25: 364 ..

ص: 324

مخصّص بما ورد في الروايات الاخرى، كما في موثّقة عمّار، لقوله عليه السلام: «وانجلى أهلها» فتكون النتيجة: أنّ كلّ أرض خربة انجلى عنها أهلها وأعرضوا، فهي للإمام، فلا تشمل الأراضي المفتوحة؛ لأنّها ليست ممّا انجلى عنها أهلها، لأنّ مالكها المسلمون كافّة في جميع الأزمنة، فهم موجودون، فلابدّ للإمام عليه السلام من إجارة تلك الأراضي لعمارتها، فتبقى على ملك المسلمين، ولا نحتاج إلى الاستصحاب. ومع هذا فإن شككنا أيضاً فالاستصحاب حاكم.

بقي شي ء: وهو أنّ ظاهر بعض الروايات- كموثّقة إسحاق(1) ومرسلة العيّاشي(2)- أنّ كلّ أرض لا ربّ لها فهي للإمام عليه السلام وهو يشمل الأراضي المحياة والعامرة بالأصل وبقدرة اللَّه تعالى التي لا ربّ لها، فهي للإمام إذا لم يكن لها من يعمرها ويصلحها. ولا يقيّدها قوله عليه السلام في مرسلة حمّاد(3): «وكلّ أرض ميّتة لا ربّ لها» لأنّها- مضافاً إلى إرسالها- لا مفهوم لها؛ لأنّ القيد يمكن أن ينزّل منزلة الغالب، فلا يعارض العموم.

ويؤيّد ما قلناه ما ورد من قوله عليه السلام: «إنّ الأرض كلّها لنا، وما أخرج اللَّه منها من شي ء فهو لنا»(4).

ولذا قال الماتن رحمه الله: «بل كلّ أرض لا ربّ لها؛ على إشكال في إطلاقه وإن لا يخلو من قرب» ومراده رحمه الله من الإشكال ما ذكرناه من التقييد في بعض الروايات، وقد عرفت رفع الإشكال.


1- وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20 ..
2- وسائل الشيعة 9: 533، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 28 ..
3- وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4 ..
4- وسائل الشيعة 9: 548، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 12 ..

ص: 325

ومنها: أسياف البحار (4) وشطوط الأنهار، بل كلّ أرض لا ربّ لها (5)- على إشكال في إطلاقه؛ وإن لايخلو من قُرب- وإن لم تكن مواتاً، بل كانت قابلة للانتفاع بها من غير كلفة، كالجزائر التي تخرج في دجلة والفرات ونحوهما.

ومنها: رؤوس الجبال وما يكون بها من النبات والأشجار والأحجار ونحوها، وبطون الأودية، والآجام (6)- وهي الأراضي الملتفّة بالقصب والأشجار- من غير فرق في هذه الثلاثة بين ما كان في أرض الإمام عليه السلام، أو المفتوحة عنوة، أو غيرهما. نعم ما كان ملكاً لشخص ثمّ صار أجمة- مثلًا- فهو باقٍ على ما كان.

4- سيف البحار: أي ساحلها، وقد ذكر في «الشرائع»(1) وغيره. ولكنّه لا دليل عليه بالخصوص وإن كان يشملها قوله عليه السلام: و «كلّ أرض لا ربّ لها» لأنّها سواء كانت عامرة كساحل النيل أو مواتاً- كسواحل البحار الاخرى غالباً- فهي تحسب من الأراضي التي لا ربّ لها، إلّاأن تكون محياة في السابق من قبل شخص خاصّ بإذن الإمام عموماً أو خصوصاً، فيكون مالكاً لها.

5- يدلّ على كون الإمام عليه السلام مالكاً لكلّ أرض لا ربّ لها- مضافاً إلى إطلاق الروايات الكثيرة، وقد مرّ بعضها- موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام(2) ومرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح عليه السلام(3).

6- يدلّ على كلّ ذلك قوله عليه السلام في الموثّقة الماضية: «كلّ أرض لا ربّ لها»


1- شرائع الإسلام 1: 166 ..
2- وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20 ..
3- وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4 ..

ص: 326

مضافاً إلى الروايات الخاصّة الواردة في كلّ من الموارد المذكورة:

منها: مرسلة حمّاد بن عيسى الطويلة، وفيها: «وله رؤوس الجبال، وبطون الأودية، والآجام»(1).

ومنها: مرفوعة أحمد بن محمّد: «وبطون الأودية ورؤوس الجبال والموات، كلّها هي له»(2).

ومنها: خبر داود بن فرقد عن أبي عبداللَّه عليه السلام قلت: وما الأنفال؟ قال: «بطون الأودية، ورؤوس الجبال، والآجام، والمعادن»(3).

ومنها: خبر محمّد بن مسلم: «وبطون الأودية، ورؤوس الجبال»(4).

ومنها: صحيحتا محمّد بن مسلم: «أو بطون أودية»(5).

ومنها: خبر أبي بصير: «منها المعادن والآجام»(6).

ومنها: صحيحة حفص بن البختري: «وكلّ أرض خربة وبطون الأودية»(7).

وهذه الأخبار وإن ضعف سند بعضها، إلّاأ نّه لا إشكال فيها من جهة صحّة بعضها، وتوثيق بعضها الآخر، بل ومن جهة عمل المشهور بها. ويؤيّدها الاعتبار؛ لأنّ الملاك في الأنفال التي للإمام، كون الأملاك من الأموال العامّة غير التابعة للأشخاص، فهي متعلّقة بالدولة والحكومة عند العقلاء والعرف، وزمام اختيارها بيد


1- وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 9: 529، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 17 ..
3- وسائل الشيعة 9: 534، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 32 ..
4- وسائل الشيعة 9: 532، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 22 ..
5- وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 10 و 12 ..
6- وسائل الشيعة 9: 533، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 28 ..
7- وسائل الشيعة 9: 523، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 1 ..

ص: 327

ومنها: ما كان للملوك من قطائع وصفايا.

ومنها: صفو الغنيمة كفرس جواد، وثوب مرتفع، وسيف قاطع ودرع فاخر، ونحو ذلك (7).

الحاكم، والشرع قد أمضاها كذلك، وليس هذا حكماً تأسيسياً في الشرع.

7- قال في «الشرائع»: «وإذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع وصفايا، فهي للإمام إذا لم تكن مغصوبة من مسلم أو معاهد. وكذا له أن يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرش، أو ثوب، أو جارية، أو غير ذلك؛ ما لم يجحف»(1).

أقول: المراد من «قطائع الملوك» الأراضي النفيسة المختصّة بهم مع ما تشتمل عليه من الأشياء ذات القيمة العالية الموجودة في دورهم، أو بساتينهم، أو مزارعهم، أو مقرّ سلطنتهم من القصور وغيرها، وكذلك الصفايا، فإنّها أشياء نفيسة ينتخبها السلاطين والحكّام لأنفسهم، كالثوب، والدرع، والسيف، والخاتم، والفرس، والأواني، وغيرها. ولا خلاف في كونها من الأنفال، فهي للإمام عليه السلام.

ويؤيّده الاعتبار؛ لأنّها أشياء نفيسة لا تقبل التقسيم غالباً، ولو قبلته أيضاً لأوجب ذهاب نفاستها وسقوطها عن قيمتها الواقعية، ولا يمكن أن تعطى لأحد دون أحد؛ لأنّه يوجب العداوة والبغضاء بين المؤمنين، فمقتضى حكم العقل أن تحفظ في خزينة الحكومة المتعلّقة بعموم الناس، والإمام متولّ لها في الواقع، ويستعملها فيما يكون صلاحاً للمسلمين كافّة، وقد يبيعها إذا كان بيعها صلاحاً.

وتدلّ عليه روايات كثيرة:


1- شرائع الإسلام 1: 166 ..

ص: 328

منها: قوله عليه السلام في صحيحة داود بن فرقد: «قطائع الملوك كلّها للإمام، وليس للناس فيها شي ء»(1).

ومنها: موثّقة سماعة قال: سألته عن الأنفال فقال: «كلّ أرض خربة أو شي ء يكون للملوك، فهو خالص للإمام، وليس للناس فيها سهم»(2).

ومنها: ما عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الأنفال فقال:

«وما كان للملوك فهو للإمام»(3).

ومنها: ما عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ما كان للملوك فهو للإمام»(4).

ومنها: صحيحة ربعي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه، وكان ذلك له، ثمّ يقسم ما بقي خمسة أخماس، ويأخذ خمسه... وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول صلى الله عليه و آله و سلم»(5).

ومنها: صحيحة أبي الصباح قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «نحن قوم فرض اللَّه طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفو المال ...»(6).

ومنها: مرسلة حمّاد: «وللإمام صفو المال؛ أن يأخذ من هذه الأموال صفوها:

الجارية الفارهة، والدابّة الفارهة، والثوب والمتاع ممّا يحبّ أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة وقبل إخراج الخمس... وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم


1- وسائل الشيعة 9: 525، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 6 ..
2- وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 8 ..
3- وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20 ..
4- وسائل الشيعة 9: 534، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 31 ..
5- وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 3 ..
6- وسائل الشيعة 9: 535، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 2، الحديث 2 ..

ص: 329

ومنها: الغنائم التي ليست بإذن الإمام عليه السلام (8).

من غير وجه الغصب؛ لأنّ الغصب كلّه مردود...»(1) إلى آخرها.

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن صفو المال، قال:

«الإمام يأخذ الجارية الروقة والمركب الفاره والسيف القاطع والدرع قبل أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال»(2).

وهذه الأخبار وإن ضعف بعضها سنداً، إلّاأنّ بعضاً منها معتبرة، وقد عمل الأصحاب بها. ويؤيّدها الاعتبار، فلا إشكال في المسألة.

8- ادعى في «الخلاف» في كتاب الفي ء، إجماع الفرقة وأخبارهم عليه(3).

وقد استدلّوا على عدم الفرق بين زمان الحضور والغيبة بمرسلة الورّاق، عن رجل سمّاه، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس»(4).

وكذا بمفهوم صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم، أخرج منها الخمس للَّه وللرسول، وقسم بينهم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ»(5).


1- وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 9: 528، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 15 ..
3- الخلاف 4: 190 ..
4- وسائل الشيعة 9: 529، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 16 ..
5- وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 3 ..

ص: 330

والاولى وإن كانت مرسلة، إلّاأنّ ضعفها ينجبر بعمل الأصحاب.

وأمّا الثانية فقال شيخنا المنتظري: «في دلالتها إشكال؛ لأنّ المفروض في السؤال أنّ السريّة كانت بأمر الإمام عليه السلام وقد فصّل في الجواب بين المقاتلة وعدمه، لا بين الإذن وعدمه»(1).

ولكن يمكن أن يقال: إنّ السؤال وإن كان كذلك، إلّاأنّ الجواب قد اشترط شرطين في كون أربعة أخماس الغنيمة للمقاتلين: الأوّل: القتال، الثاني: كونه بأمر أمير أمّره الإمام عليه السلام فيحكم بعدمه مع عدم أحد الشرطين.

قد يظهر من بعضهم- كصاحبي «المدارك»(2) و «المنتهى»(3)- المساواة بين المأذون به وغيره في لزوم الخمس وتقسيم البقية؛ لعموم قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ...(4).

ولخصوص قوله عليه السلام في حسنة الحلبي: في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم، ويكون معهم، فيصيب غنيمة، قال: «يؤدّي خمسنا ويطيب له»(5).

ولقوله عليه السلام في صحيحة علي بن مهزيار- في عداد ما فيه الخمس-: «ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله»(6).

ولما في بعض أخبار التحليل من إباحتهم لشيعتهم نصيبهم من الفي ء والغنائم،


1- الخمس، المحقّق المنتظري: 24 ..
2- مدارك الأحكام 5: 418 ..
3- منتهى المطلب 8: 577 ..
4- الأنفال( 8): 41 ..
5- وسائل الشيعة 9: 488، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 8 ..
6- وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5 ..

ص: 331

الظاهر في عدم كون الجميع لهم، مع كون موردها زمان استيلاء الجائرين وعدم كون اغتنامهم بإذن الأئمّة عليهم السلام كما في المروي عن العسكري عليه السلام عن أمير المؤمنين: «أ نّه قال لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: قد علمت- يا رسول اللَّه- أ نّه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر، فيستولى على خمسي (من السبي) والغنائم ويبيعونه، فلا يحلّ لمشتريه؛ لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي منه لكلّ من ملك شيئاً من ذلك من شيعتي»(1).

وفيه: أنّ الظاهر من قوله تعالى: أَ نَّمَا غَنِمْتُمْ كون القتال بإذن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لأنّه قد ورد في زمانه وفي حرب بدر. بل الغالب كون القتال في الحكومات بأمر الحاكم.

مع أنّ الثابت في آية الأنفال(2) أنّ الغنائم كلّها للَّه وللرسول، خرج منها قطعاً ما غنمه المسلمون بالقتال بإذن الإمام، وبقي ما بقي تحت عموم الآية.

وتؤيّده الروايات الماضية؛ أي مرسلة الورّاق(3)، ومفهوم صحيحة معاوية بن وهب(4).

إلّا أن يقال: إنّ المعتبر كون القتال بأمر الحاكم وإن كان جائراً، وقد فرض في السؤال في حسنة الحلبي، كون القتال تحت لوائهم، الظاهر كونه بأمر الحاكم، فتصير الغنيمة للمقاتلين بعد الخمس، فيكون مطابقاً لما يظهر من آية الغنيمة.


1- وسائل الشيعة 9: 552، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 20 ..
2- الأنفال( 8): 1 ..
3- وسائل الشيعة 9: 529، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 16 ..
4- وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 3 ..

ص: 332

ومنها: إرث من لا وارث له (9).

وهكذا الحال في صحيحة علي بن مهزيار الماضية، فتحمل على ما إذا كان القتال بإذن الحاكم.

ومثلها ما في «تفسير العسكري عليه السلام» لأنّه عليه السلام قال: «سيكون بعدك ملك عضوض وجبر، فيستولى على خمسي» فالظاهر منه أنّ القتال يكون بإذن الملك، فيكون خمس الغنيمة للإمام عليه السلام وقد أباحه لشيعته، فلا إشكال فيه.

فالتحقيق: أنّ قتال الكفّار الحربيين- سواء كان بإذن الحاكم العادل، أم الجائر في زمان الغيبة، أو عدم بسط يد المعصومين عليهم السلام- يكون خمس غنيمته للإمام عليه السلام وقد أباحه لشيعته في زمان الحضور والغيبة، والباقي للمقاتلين، كما فيما إذا كان القتال بأمر من الإمام المعصوم وبإذنه، وأمّا إذا لم يكن بأمر منهم عليهم السلام ولا بإذن الحاكم ولو الجائر، تكون الغنيمة كلّها للإمام ومن الأنفال، كما يظهر من مرسلة الورّاق المنجبرة بالشهرة، ومن مفهوم صحيحة معاوية بن وهب الماضية.

9- قال في «الخلاف» في كتاب الفرائض: «ميراث من لا وارث له ولا مولى، نعمة لإمام المسلمين؛ سواء كان مسلماً، أو ذمّياً. وقال جميع الفقهاء: إنّ ميراثه لبيت المال، وهو لجميع المسلمين. دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم»(1).

ولا خلاف في المسألة بين الإمامية ولا إشكال. وتدلّ عليه الروايات المعتبرة المذكورة في كتاب الإرث:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من مات وليس له


1- الخلاف 4: 5 ..

ص: 333

وارث من قرابته ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته، فماله من الأنفال»(1).

ومنها: صحيحة محمّد الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قول اللَّه تعالى:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأنْفَالِ قال: «من مات وليس له مولى فما له من الأنفال»(2).

ومنها: صحيحته الاخرى عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من مات وترك ديناً فعلينا دينه، وإلينا عياله، ومن مات وترك مالًا فلورثته، ومن مات وليس له موالٍ فماله من الأنفال»(3).

ومنها: خبر أبان بن تغلب(4)، ومحمّد بن القاسم بن الفضيل(5)، وغيرهما(6).

نعم، يظهر من بعض الأخبار أ نّه يجعل في بيت مال المسلمين، كصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «من أعتق سائبة فليتوال من شاء، وعلى من والى جريرته، وله ميراثه، فإن سكت حتّى يموت


1- وسائل الشيعة 26: 246، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الباب 3، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 26: 247، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الباب 3، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 26: 247، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الباب 3، الحديث 4 ..
4- وسائل الشيعة 26: 249، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الباب 3، الحديث 8 ..
5- وسائل الشيعة 26: 251، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الباب 3، الحديث 13 ..
6- وسائل الشيعة 26: 250، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الباب 3، الحديث 11 ..

ص: 334

اخذ ميراثه فجعل في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له وليّ»(1)، وكصحيحة سليمان بن خالد(2).

والشيخ الحرّ العاملي في «الوسائل» قد حمل «بيت مال المسلمين» على بيت مال الإمام عليه السلام لأنّه متكفّل بأحوالهم(3).

وفي «الجواهر»: «لعلّ في نقله إلى بيت المال إشعاراً بأنّ المأخوذ بحقّ الإمامة، غير باقي أموال الإمام الحاصلة له بكسب ونحوه، ولذا قال في محكي «الغنية» و «السرائر»: إذا مات الإمام انتقل الميراث إلى الإمام، لا إلى غيره من ورثته، بل عن الأوّل إجماع الطائفة عليه»(4).

والتحقيق: أنّ ما ذكره صاحب «الجواهر» صحيح؛ لأنّ الولاية على بيت المال للإمام عليه السلام وهو لا يصرف إلّافي مصالح المسلمين، فيتحد بيت مال المسلمين مع بيت مال الإمام من جهة المصرف.

ويدلّ على ما قلناه خبر أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث عليه السلام:

إنّا نؤتي بالشي ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر عليه السلام عندنا، فكيف نصنع؟ فقال: «ما كان لأبي عليه السلام بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللَّه وسنّة نبيّه»(5).


1- وسائل الشيعة 26: 249، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرةوالإمامة، الباب 3، الحديث 9 ..
2- وسائل الشيعة 26: 244، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الباب 1، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 26: 249، ذيل الحديث 9 ..
4- جواهر الكلام 41: 261 ..
5- وسائل الشيعة 9: 537، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 2، الحديث 6 ..

ص: 335

ومنها: المعادن التي لم تكن لمالك خاصّ تبعاً للأرض أو بالإحياء (10).

10- الأقوال في المعادن ثلاثة:

الأوّل: أ نّها من الأنفال مطلقاً، فتكون للإمام عليه السلام سواء كانت في الملك الشخصي، أم في الملك العامّ، كالمفتوحة عنوةً، غايته أ نّهم عليهم السلام أباحوها لكلّ من أخرجها، فيملكها بعد أداء خمسها وإن لم يكن المخرج من موالي أهل البيت عليهم السلام وقد نقل(1) هذا القول عن المفيد، والشيخ، وسلّار، والقاضي، وغيرهم.

الثاني: عدم كونها من الأنفال مطلقاً، بل إنّما هي من المباحات الأصلية التي قد أحلّها اللَّه للناس، والناس فيها شرع سواء، فيملك المستخرج بعد أداء الخمس.

وقد نقل(2) هذا القول عن المحقّق، والشهيد الأوّل، وجماعة.

الثالث: التفصيل بين ما قد وقع في ملك الأنفال كالموات، وبين غيرها، فالأوّل من الأنفال بتبع الأرض، دون الثاني، كما أ نّه لو كان في الأرض المفتوحة عنوةً المحياة عند الفتح، تكون للمسلمين كافّة تبعاً للأرض الواقع فيها. وقد نسب هذا القول إلى الحلّي رحمه الله وجمع آخر.

ولا إشكال في وجوب التخميس على كلّ حالٍ عندهم إجماعاً، وإنّما الإشكال والبحث في لزوم الإذن بالاستخراج من الإمام، أم لا، فإن كان من الأنفال فلابدّ من إذن الإمام في استخراجها، وإلّا فلا، كما أنّ تملّك الأربعة أخماس الباقية بعد التخميس، لابدّ أن يكون بإذن الإمام لو كان من الأنفال.

وقد استدلّ على كونها من الأنفال بروايات:


1- الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 365 ..
2- انظر جواهر الكلام 16: 129 ..

ص: 336

منها: موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الأنفال فقال: «...

وكلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن منها»(1).

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لنا الأنفال» قلت: وما الأنفال؟

قال: «منها المعادن، والآجام، وكلّ أرض لا ربّ لها»(2).

ومنها: رواية داود بن فرقد عن أبي عبداللَّه عليه السلام- في حديث- قال: قلت: وما الأنفال؟ قال: «بطون الأودية، ورؤوس الجبال، والآجام، والمعادن»(3).

أقول: أمّا الروايتان الأخيرتان فلا إشكال في دلالتهما، ولكنّهما مرسلتان لا يمكن الاستدلال بهما بخصوصها، فالعمدة موثّقة إسحاق بن عمّار.

ولكنّه قد يخدش في دلالتها بأنّ الضمير في قوله عليه السلام: «والمعادن منها» يرجع إلى قوله عليه السلام: «كلّ أرض لا ربّ لها» فيكون المعنى: أنّ المعادن التي قد وقعت في الأراضي التي لا ربّ لها للإمام، فتكون كلمة «منها» صفة للمعادن، لا خبراً لها.

مضافاً إلى أ نّه قد ورد في بعض النسخ «فيها» بدل «منها» وأنّ الواو ظاهر في العطف، ولو كان «منها» خبراً للمعادن فلابدّ أن تكون الواو للاستئناف، وهو خلاف الظاهر.

ولكنّه يمكن أن يقال: إنّ الواو للعطف، ولفظ منها خبر لقوله عليه السلام في صدر الرواية «وما كان من الأرض الخربة» ويكون عطف «كلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن» من عطف المفرد على المفرد. ويؤيّده قوله عليه السلام بعده: «من مات وليس له مولى فماله من الأنفال» حيث أظهر الضمير بقوله: «من الأنفال».


1- وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20 ..
2- وسائل الشيعة 9: 533، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 28 ..
3- وسائل الشيعة 9: 534، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 32 ..

ص: 337

(مسألة): الظاهر إباحة جميع الأنفال للشيعة في زمن الغيبة (11)؛ على وجه يجري عليها حكم الملك؛ من غير فرق بين الغنيّ منهم والفقير،

ويؤيّد كون المعادن من الأنفال- مضافاً إلى الروايتين المرسلتين- الاعتبار؛ فإنّ المتعارف في جميع الدول والحكومات، جعل كلّ شي ء لا مالك له بخصوصه من الأموال العامّة المرتبطة بالحكومات والتابعة لأمرها، كالمعادن، والبحار، والبراري، والقفار، ويلزم أن يكون التصرّف بإذنها، وتصرف منافعها في المصالح العامّة للُامّة، وهذه الامور في شريعتنا قد جعلت للإمام من حيث إنّه إمام، والمعادن من هذا السنخ أيضاً.

فالأقوى- كما مرّ سابقاً-: أنّ المعادن في الأراضي كلّها للإمام؛ سواء كانت في الأراضي العامّة، أو الشخصية. نعم يمكن أن يقال: إنّ المعادن الظاهرية القليلة في الأراضي الشخصية، تكون للمالك، فهي له بعد التخميس.

وقد إختار هذا القول وحكم به الإمام الخميني رحمه الله بعد استقرار الجمهورية الإسلامية في إيران، فأفتى بكون المعادن كلّها- وإن كانت في الأراضي الشخصية- للناس جميعاً، ولابدّ أن يتصرّف فيها بإذن الحكومة، وأن تنفق منافعها في مصالح المسلمين قاطبة. نعم على الحكومة إجارة الأرض من مالكها، أو اشتراؤها منه.

11- تقدّمت الروايات الدالّة على تحليل الخمس والأنفال للشيعة في زمن الغيبة من قِبل الأئمّة عليهم السلام خصوصاً الأراضي التي لا ربّ لها، وكذا الموات منها، الظاهر من بعضها كون المحيي لها مالكاً بعد إذنهم عليهم السلام في الإحياء ولو عموماً، كما في صحيحة مسمع بن عبد الملك كردين عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «يا أبا سيّار،

ص: 338

قد طيّبناه لك وحلّلناك منه، فضمّ إليك مالك، وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا»(1).

وصحيحة عمرو بن يزيد قال: سمعت رجلًا من أهل الجبل يسأل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل أخذ أرضاً مواتاً ترك أهلها، فعمرها، وكرى أنهارها، وبنى فيها بيوتاً، وغرس فيها نخلًا وشجراً، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له، وعليه طسقها يؤدّيه إلى الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه»(2)، ومثلها غيرها.

وغاية مايستفاد منها: أنّ الاستثمار والاسترباح من الأنفال- سواء كانت أراضي أم غيرها- محلّل للشيعة في زمان الغيبة، بل وحضورهم مع عدم بسط أيديهم، وأنّ ذلك تفضّل منهم على الشيعة خاصّةً لإباحة مناكحهم، ومساكنهم، ومتاجرهم، وغير ذلك، إلّاأ نّها لا دلالة لها على تمليك رقبة الأراضي بخصوصها للشيعة خاصّة، أو للمسلمين كافّة، بل مقتضى الصحيحتين كون التحليل إلى زمان ظهور القائم عليه السلام، فإذا قام القائم فقد يأخذها منهم، وهذا لا يناسب تملّك رقبة الأرض.

وكذا ما في صحيحة عمرو بن يزيد: «وعليه طَسقُها يؤدّيه إلى الإمام في حال الهدنة» فإنّه لا يناسب ملكية الرقبة.

ولكنّه مع ذلك كلّه فقد ذهب المشهور إلى ملكية الأراضي الموات بالإحياء؛ لإذنهم عليهم السلام في ذلك، كما في صحيحة الفضلاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «من


1- وسائل الشيعة 9: 548، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 12 ..
2- وسائل الشيعة 9: 549، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 13 ..

ص: 339

أحيا أرضاً مواتاً فهي له»(1)، أو «أرضاً ميتةً فهي له»(2).

وفيه: أنّ بعض الروايات الاخرى، تدلّ على كون المحيي أحقّ بها وأولى من غيره بالإحياء، ولا منافاة بينها وبين قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «فهي له» لأنّه يمكن أن يقال: إنّ المراد منها كون الاستفادة والتصرّف مادام الإحياء له، ولا حقّ لغيره. ويؤيّد ما قلناه ما في الصحيحتين الماضيتين من كون ذلك إلى ظهور القائم عليه السلام.

والحاصل: أ نّه قد دلّت الروايات الكثيرة على أحقّية المحيي وأولويته:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن الشراء من أرض اليهود والنصارى، قال: «ليس به بأس ...» إلى أن قال: «وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها، وهي لهم»(3).

ومنها: صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الرجل يأتي الأرض الخربة ويستخرجها، ويجري أنهارها، ويعمرها، ويزرعها، ماذا عليه؟ قال:

«عليه الصدقة»(4).

ومنها: صحيحة اخرى لمحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمروها، فهم أحقّ بها»(5).

ومنها: صحيحة ثالثة لمحمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «أيّما


1- وسائل الشيعة 25: 412، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 25: 413، كتاب إحياء الموات، الباب 2، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 25: 411، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 25: 411، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 2 ..
5- وسائل الشيعة 25: 411، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 3 ..

ص: 340

قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعمروها فهم أحقّ بها، وهي لهم»(1).

بل يمكن حمل صحيحة عبداللَّه بن سنان أيضاً على الأحقّية والأولوية، قال: سئل- وأنا حاضر- عن رجل أحيا أرضاً مواتاً؛ فكرى فيها نهراً، وبنى بيوتاً، وغرس نخلًا وشجراً، فقال عليه السلام: «هي له، وله أجر بيوتها، وعليه فيها العشر فيما سقت السماء أو سيل وادٍ أو عين، وعليه فيما سقت الدوالي والغرب نصف العشر»(2).

ولذلك قال الشيخ رحمه الله في «التهذيب»: «وأمّا أراضي الخراج وأراضي الأنفال والتي قد انجلى أهلها عنها، فإنّا قد ابحنا أيضاً التصرّف فيها مادام الإمام عليه السلام مستتراً، فإذا ظهر يرى هو في ذلك رأيه، فنكون نحن في تصرّفنا غير آثمين...».

إلى أن قال: «فإن قال قائل: إنّ جميع ما ذكرتموه إنّما يدلّ على إباحة التصرّف لكم في هذه الأرضين، ولم يدلّ على أ نّه يصحّ لكم تملّكها بالشراء والبيع، فإذا لم يصحّ الشراء والبيع فما يكون فرعاً عليه أيضاً لا يصحّ، مثل الوقف، والنحلة، والهبة، وما يجري مجرى ذلك...».

إلى أن قال في جوابه: «وأمّا الأنفال وما يجري مجراها، فليس يصحّ تملّكها بالشراء والبيع، وإنّما ابيح لنا التصرّف حسب»(3).

وقال في «الاستبصار»- بعد ذكر الأخبار التي تدلّ على جواز الإحياء-:

«الوجه في هذه الأخبار وما جرى مجراها، أنّ من أحيا أرضاً فهو أولى بالتصرّف


1- وسائل الشيعة 25: 412، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 25: 412، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 8 ..
3- تهذيب الأحكام 4: 144- 146 ..

ص: 341

فيها دون أن يملك تلك الأرض؛ لأنّ الأرضين من جملة الأنفال التي هي خاصّة للإمام، إلّاأنّ من أحياها أولى بالتصرّف فيها إذا أدّى واجبها للإمام»(1).

وقد استدلّ قدس سره لذلك بصحيحة أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«وجدنا في كتاب علي عليه السلام: إِنَّ الْأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(2) أنا وأهل بيتي الذين اورثنا الأرض، ونحن المتّقون، والأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها، وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها، فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها حتّى يظهر القائم عليه السلام من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها، كما حواها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ومنعها، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم»(3).

وقد اختاره أيضاً ابن زهرة في «الغنية» في كتاب الجهاد وإحياء الموات فقال:

«ويحتجّ المخالف بما رووه من قوله عليه السلام: «من أحيا أرضاً ميتة فهي له» وقوله:

«من أحاط حائطاً على أرض فهي له» والمراد بذلك ما ذكرنا من كونه أحقّ بالتصرّف؛ لأنّه لا يملك رقبة الأرض بالإذن في إحيائها»(4).

وقد عرفت دلالة الأخبار على ذلك أيضاً، خصوصاً صحيحتي عمرو بن يزيد،


1- الاستبصار 3: 108/ 382 ..
2- الأعراف( 7): 128 ..
3- وسائل الشيعة 25: 414، كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 2 ..
4- غنية النزوع 1: 293 ..

ص: 342

إلّا في إرث من لا وارث له، فإنّ الأحوط- لو لم يكن الأقوى- اعتبار الفقر فيه (12)، بل الأحوط تقسيمه على فقراء بلده، والأقوى إيصاله إلى الحاكم الشرعي. كما أنّ الأقوى حصول الملك لغير الشيعي أيضاً؛ بحيازة ما في الأنفال من العشب والحشيش والحطب وغيرها، بل وحصول الملك لهم- أيضاً- للموات بسبب الإحياء كالشيعي.

وأبي خالد الكابلي، فلا يبقى لنا إشكال في كون المحيي للأرض أحقّ بها، وله التصرّف فيها، والاستفادة منها، وبيعها وشراؤها وهبتها تبعاً لما أصلح وأحدث فيها، ولكنّه لا يملك رقبة الأرض بالإحياء، فإن تركها وأخربها يكون المحيي بعده أحقّ بها منه وأولى.

فما أفاده الماتن قدس سره: «من أنّ الظاهر إباحة جميع الأنفال للشيعة في زمن الغيبة؛ على وجه يجري عليها حكم الملك» إن أراد منه أنّ له أن يبيعها أو يشتريها أو يهبها على وجه الملكية؛ أي بنقل رقبة الأرض، ففيه ما مرّ من ظهور الروايات في بقاء ملكية الإمام عليه السلام للأنفال. وإن أراد نقل الآثار التي أحدثها فيها ونقل الأرض بتبعها، فلا إشكال فيه.

ولا فرق فيما قلناه بين الشيعي وغيره من فرق المسلمين. كما أ نّه لا فرق بين المسلمين وغيرهم من الكفّار غير الحربيين؛ فإنّه يحقّ لهم التصرّف والتحجير والاستفادة من الأرض مطلقاً كالشيعة؛ لإطلاق الروايات في ذلك.

12- قد اختلف الفقهاء في حكم إرث من لا وارث له في زمن الغيبة بعد الاتفاق على كونه من الأنفال، فقال الشيخ قدس سره في «الخلاف»: «وإن لم يوجد وجب حفظه

ص: 343

له عندنا، كما يحفظ سائر أمواله»(1).

وفي «الفقيه»: «ومتى كان الإمام غائباً فماله لأهل بلده»(2).

وفي «المقنعة»: «ومن مات وخلّف تركة في يد إنسان لا يعرف له وارثاً، جعلها في الفقراء والمساكين»(3).

وفي «الشرائع»: «وإن كان غائباً قسم في الفقراء والمساكين»(4).

وفي «القواعد»: «وإن كان غائباً حفظه له أو صرف»(5).

وفي «الجواهر»- بعد احتمال كونه من الأنفال التي ثبت تحليلهم عليهم السلام إيّاها-:

«الأصل البقاء، ومصرفه الصدقة به عنه، كغيره من المال المتعذّر وصوله إلى صاحبه ...» إلى أن قال: «والأولى إيصاله إلى نائب الغيبة المأمون، فيصرفه على حسب ما يراه من المصلحة التي تظهر له من أحوال سيّده ومولاه»(6).

أقول: لا دليل على صرفه في الفقراء والمساكين إلّاخبران:

أوّلهما: خبر خلّاد السندي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام يقول في الرجل يموت ويترك مالًا وليس له أحد أعط المال همشاريجه»(7).

وثانيهما: خبر داود، عمّن ذكره، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «مات رجل على


1- الخلاف 4: 23 ..
2- الفقيه 4: 242/ 774 ..
3- المقنعة: 706 ..
4- شرائع الإسلام 4: 34 ..
5- قواعد الأحكام 3: 379 ..
6- جواهر الكلام 39: 262- 263 ..
7- وسائل الشيعة 26: 252، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الباب 4، الحديث 1 ..

ص: 344

عهد أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن له وارث، فدفع أمير المؤمنين عليه السلام ميراثه إلى همشهريجه»(1).

ولكنّهما- مع ضعف سندهما- لا تدلّان بصراحة على لزوم ذلك في كلّ مقام، وعلى كون الفقراء والمستحقّين من أبناء بلد الميّت؛ وإن كان يمكن استشمام ذلك من مذاق الأئمّة عليهم السلام حيث كانوا لا يعطون أمثال هذه الأموال للأغنياء من دون مبرّر، فيحمل على كونه صلاحاً في ذلك الزمان؛ لكون الفقراء والمساكين في بلد الميّت أكثر أو أهمّ من غيرهم.

وقال في «الوسائل»: «حمله الشيخ على فعل ذلك لأجل الاستصلاح؛ لأنّه إذا كان المال له جاز له أن يعمل به ما شاء. وكذلك الأخبار التي تدلّ على جعله في بيت مال المسلمين، كما نقله سليمان بن خالد عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في رجل مسلم قُتل وله أب نصراني، لمن تكون ديته؟ قال: «تؤخذ فتجعل في بيت مال المسلمين؛ لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين»(2).

فالتحقيق: أ نّه لو قلنا بالولاية العامّة للفقيه في زمن الغيبة على كلّ ما للمعصوم عليه السلام في زمان حضوره، فله أن ينفقه في كلّ ما يراه صلاحاً، كإعطائه الفقراء، أو تبليغ الدين، أو سدّ خلّة المسلمين، أو غير ذلك.

وإن لم نقل بذلك، فلابدّ من إنفاق هذا الإرث في مصارف سهم الإمام عليه السلام فينفق فيما نطمئنّ برضاه عليه السلام أي على الفقراء، وتبليغ الدين، وتقوية الحوزات


1- وسائل الشيعة 26: 252، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الباب 4، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 26: 253، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الباب 4، الحديث 5 ..

ص: 345

العلمية الدينية وغيرها فبما أ نّه ليس للميّت ورثة، فلابدّ لحاكم المسلمين- لو كان عادلًا، فقيهاً، منتخباً من قبلهم، ومبسوط اليد- من أن يأخذه ويصرفه فيما يراه صلاحاً.

وإن لم يكن كذلك، فلابدّ للمسلمين ولمن كان في يده هذا المال من العمل بما يطمئنّ برضا الإمام عليه السلام وإيصاله للفقيه العادل العارف برضا الإمام. وموارد مصرف بيت مال المسلمين أولى، بل هو الأقوى إن كان ممكناً، وإلّا ينفقه بنفسه في حوائج الفقراء والمساكين من أهل بلده من الشيعة.

قد تمّ مبحث كتاب الخمس والأنفال- بحمد اللَّه ومنّته- في سلخ شوّال المكرّم عام (1422) ه. ق، المطابق ل (24/ 10/ 1380) في مدرسة آية اللَّه السيّد الگلبايگاني قدس سره في الحوزة المقدّسة العلمية بقم، صانها اللَّه من الحدثان.

ص: 346

ص: 347

فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم».

«أ»

1- الاحتجاج على أهل اللجاج. أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (القرن السادس)، قم، منشورات اسوة، 1413.

2- إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، تحقيق فارس الحسّون، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410.

3- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، إعداد السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390.

4- الإصابة في تمييز الصحابة. أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني (م 852)، بيروت، دار صادر، «بالاوفست عن الطبعة الاولى، مصر، مطبعة السعادة، 1328».

5- الأصفى في تفسير القرآن. المولى محمّد محسن الفيض الكاشاني (1007- 1091)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1420.

ص: 348

6- أقرب الموارد. سعيد الخوري الشرتوني اللبناني، قم، مكتبة آية اللَّه المرعشي، 1403.

7- الانتصار. السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (م 436)، قم، منشورات الشريف الرضي.

«ب»

8- بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمة الأطهار. العلّامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (1037- 1110)، الطبعةالثالثة، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403.

9- البداية والنهاية. أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (701- 744)، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1408.

10- البيان. الشهيد الأوّل شمس الدين محمد بن مكّي العاملي (م 786)، قم، موسسة الإمام المهدي الثقافية، 1412.

11- البيع. الإمام الخميني قدس سره (1320- 1409)، قم، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره، 1375 ش.

«ت»

12- تاج العروس من جواهر القاموس. السيّد محمّد مرتضى الزبيدي (1145- 1205)، بيروت، نشر دار مكتبة الحياة.

13- التبيان في تفسير القرآن. أبو جعفر شيخ الطائفة محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العاملي، بيروت، طبع دار إحياء التراث العربي.

14- تذكرة الحفّاظ. أبو عبد اللَّه شمس الدين الذهبي (م 748)، مكتبة الحرم المكي «إعانة وزارة معارف الحكومة العالية الهندية».

ص: 349

15- تذكرة الفقهاء. جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر، العلّامة الحلّي (648- 726)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414.

16- تفسير البيضاوي المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل. أبو سعيد عبد اللَّه بن عمر بن محمّد الشيرازي البيضاوى (م 791)، بيروت، دار الكتب العلمية، 1408.

17- تفسير الطبري. أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310)، بيروت، دار المعرفة، 1403.

18- تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار. السيّد محمّد رشيد رضا، بيروت، دارالفكر.

19- تفسير القمي. أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمي (م 307)، إعداد السيد الطيب الموسوي الجزائري، الطبعة الثالثة، قم، دار الكتاب، 1404.

20- التفسير الكبير. محمّد بن عمر الخطيب فخرالدين الرازي (544- 606)، الطبعة الثانية، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1411.

21- تفسير المراغي. أحمد مصطفى المراغي، بيروت، دار الفكر، 1421.

22- تهذيب الأحكام. أبو جعفر محمّد بن الحسن، الشيخ الطوسي (385- 460)، إعداد السيد حسن الموسوي الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1364 ش.

«ج»

23- جامع الاصول في أحاديث الرسول. أبو السعادات مجد الدين المبارك بن محمّد بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري (م 606)، بيروت، دار الفكر، 1403.

24- الجامع لأحكام القرآن. أبو عبداللَّه محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م 671)، تحقيق أحمد عبدالعليم البردوني، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

25- جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد. محمد بن علي الأردبيلي (م 1101)، دار الأضواء، بيروت، 1403.

ص: 350

26- الجامع للشرائع. نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي (601- 689)، قم، مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام، 1405.

27- جامع المقاصد في شرح القواعد. المحقّق الثاني عليّ بن الحسين بن عبدالعالي الكركي (868- 940)، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1408- 1411.

28- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام. الشيخ محمد حسن بن باقر النجفي (م 1266)، إعداد عدة من الفضلاء، الطبعة السادسة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1398.

«ح»

29- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة. الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107- 1186)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1406.

«خ»

30- الخلاف. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1407.

31- الخمس. ضمن تراث الشيخ الأعظم مرتضى بن محمد أمين الأنصاري (1214- 1281)، قم، المطبعة باقرى، 1415.

32- الخمس. حسينعلي المنتظري، قم، دار الفكر، 1412.

«د»

33- الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور. جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911)، قم، مكتبة آية اللَّه المرعشي.

34- الدروس الشرعيّة في فقه الإمامية. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (م 786)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1414.

ص: 351

«ر»

35- رسائل الشريف المرتضى. أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355- 436)، قم، دار القرآن الكريم، 1405.

36- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية. الشهيد الثاني زين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي، (911- 965)، قم، مكتبة الداوري.

37- رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل. السيّد عليّ بن محمّد عليّ الطباطبائي (1161- 1231)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1412.

«ز»

38- زاد المعاد في هدى خير العباد. شمس الدين أبو عبد اللَّه محمّد بن أبو بكر المعروف بابن قيم الجوزية (م 751)، مصر، المطبعة الأزهرية، 1328.

39- زبدة البيان في أحكام القرآن. مولانا أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993)، تحقيق محمّد باقر البهبودي، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

«س»

40- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي. أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلي (م 598)، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410- 1411.

41- سنن ابن ماجة. أبو عبداللَّه محمد بن يزيد بن ماجة القزويني (م 275)، تحقيق فؤاد عبدالباقي، بيروت، دار الكتب العلمية.

42- سنن أبي داود. أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275)، بيروت، دارالجنان، 1409.

43- سنن الترمذي. أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (209- 279)، تحقيق أحمد محمد شاكر، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

ص: 352

44- سنن الدارمي. أبو محمد عبداللَّه بن عبدالرحمن السمرقندي الدارمي (181- 255)، بيروت، دار الفكر، 1398.

45- السنن الكبرى. أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (384- 458)، بيروت، دار المعرفة، 1408.

46- السيرة النبوية. أبو محمّد عبد الملك بن هشام، قم، منشورات مصطفوي، 1368 ش.

«ش»

47- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام. المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602- 676)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1409.

«ص»

48- الصحاح. إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393)، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار، الطبعة الثانية، بيروت، دار العلم للملايين، 1399.

49- صحيح البخاري. أبو عبداللَّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256)، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي، الطبعة الاولى، بيروت، دار القلم، 1407.

50- صحيح مسلم. أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206- 261)، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، الطبعة الثانية، بيروت، دار الفكر، 1398.

«ط»

51- الطبقات الكبرى. محمّد بن سعد بن منيع البصري الزهري، بيروت، دار بيروت، 1405.

«ع»

52- العروة الوثقى. السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، مع تعليقات أعلام العصر

ص: 353

ومراجع الشيعة الإمامية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1419.

53- علل الشرائع. أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، الطبعة الاولى، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1386.

54- عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية. محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي، ابن أبي جمهور (م أوائل القرن العاشر)، تحقيق مجتبى العراقي، الطبعة الاولى، قم، مطبعة سيد الشهداء، 1403.

«غ»

55- الغدير في الكتاب والسنة والأدب. العلّامة الشيخ عبدالحسين أحمد الأميني (1320- 1390)، بيروت، دار الكتاب العربي، 1387.

56- غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام. الميرزا أبو القاسم بن الحسن الجيلاني المعروف بالمحقق القمي (1151- 1231)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1418.

57- غنية النزوع إلى علمي الاصول والفروع. السيّد حمزة بن عليّ بن زهرة الحلبي (511- 585)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، 1417.

«ف»

58- الفقه الإسلامي وأدلّته. وهبة الزحيلي، بيروت، دار الفكر، 1404.

59- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام. تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاولى، مشهد المقدس، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام، 1406.

60- الفقيه «كتاب مَن لا يحضره الفقيه». أبو جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق عليّ أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390.

ص: 354

«ق»

61- القاموس المحيط والقابوس الوسيط. أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729- 817)، بيروت، دار الجيل.

62- قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام. العلّامة الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي (648- 726)، الطبعة الحجرية، قم، منشورات الرضي.

«ك»

63- الكافي. ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن إسحاق الكليني الرازي (م 329)، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1388.

64- كتاب العين. أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (100- 175)، بيروت، دار ومكتبة الهلال.

65- كشف الغطاء عن خفيّات مبهمات الشريعة الغرّاء. الشيخ جعفر بن خضر المعروف بكاشف الغطاء (م 1227)، أصفهان، منشورات المهدوي.

66- كنز العرفان في فقه القرآن. الشيخ جمال الدين المقداد بن عبداللَّه السيوري (م 826)، طهران، المكتبة الرضوية، 1384.

67- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال. علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي (م 975)، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1409.

«ل»

68- لسان العرب. أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري (م 711)، بيروت، دار صادر، «بالاوفست عن طبعة البولاق بمصر».

69- اللّمعة الدمشقية في فقه الإمامية. شمس الدين محمّد بن مكي بن العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (734- 786)، بيروت، مؤسسة فقه الشيعة، 1410.

ص: 355

«م»

70- المبسوط. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1387- 1393.

71- مجمع البحرين ومطلع النيّرين. فخر الدين الطريحي (972- 1087)، بيروت، مكتبة الهلال، 1985 م.

72- مجمع البيان. أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548)، تحقيق الميرزا أبي الحسن الشعراني، الطبعة الخامسة، طهران، المكتبة الإسلامية، 1395.

73- مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان. أحمد بن محمد المحقق الأردبيلي (م 993)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1402- 1414.

74- المحلّى بالآثار. أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، بيروت، دار الفكر.

75- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1412- 1418.

76- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام. السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1410.

77- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام. زين الدين بن علي العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني (911- 965)، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1418.

78- مستدرك الحاكم «المستدرك على الصحيحين». الإمام الحافظ أبي عبداللَّه الحاكم النيسابوري (312- 405)، بيروت، دار المعرفة.

79- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل. الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري (1254- 1320)، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1407.

ص: 356

80- مستمسك العروة الوثقى. السيد محسن الطباطبائي الحكيم (1306- 1390)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1411.

81- مستند الشيعة في أحكام الشريعة. أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1418.

82- المستند في شرح العروة الوثقى. (تقريرات السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي).

الشيخ مرتضى البروجردي، قم، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدس سره، 1421.

83- مصباح الفقيه. الحاج آقا رضا بن محمد هادي الهمداني النجفي (م 1322)، طهران، منشورات مكتبة الصدر.

84- مصباح المنير في غريب الشرح الكبير. أحمد بن محمّد بن عليّ المقري الفيومي (م 770)، قم، منشورات دار الهجرة، 1405.

85- المعتبر في شرح المختصر. المحقق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602- 676)، قم، مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام، 1364 ش.

86- معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة. السيّد أبو القاسم بن سيّد علي أكبر الموسوي الخوئي (1317- 1413)، قم، منشورات مدينة العلم، 1403.

87- المعجم الوسيط. عدّة من الادباء من أعضاء مجمع اللغة العربية في مصر، طهران، ناصر خسرو، «بالاوفست عن طبعة مصر».

88- المغني. أبو محمّد عبداللَّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (م 620)، بيروت، دارالكتاب العربي.

89- مفردات ألفاظ القرآن. حسين بن محمّد المفضّل الراغب الأصفهاني (م 425)، قم، منشورات ذوى القربى، 1423.

90- المقنعة. أبو عبداللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410.

ص: 357

91- منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان. الحسن بن زيدالدين العاملي الجباعي، مؤسسة النشر الإسلامي، 1362 ش.

92- منتهى المطلب في تحقيق المذهب. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، مشهد، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للآستانة الرضوية المقدّسة، 1419.

93- المنجد «المنجد في اللغة و الأعلام». اشترك في تأليفه عدّة من المحقّقين، بيروت، دار المشرق.

94- الميزان في تفسير القرآن. العلامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي، قم، مطبعة إسماعيليان، 1412.

95- ميزان القضاء. السيّد حسين الموسوي التبريزي، قم، مطبعة ياران، 1421.

«ن»

96- الناصريات «المسائل الناصريات». أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى، (355- 436)، طهران، مؤسسة الهدى، 1417.

97- النهاية. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، قم، منشورات قدس.

98- النهاية في غريب الحديث والأثر. مجدّد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير (544- 606)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1364 ش.

99- نهج البلاغة. من كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، جمعه الشريف الرضي (359- 406)، صبحي صالح، قم، دار الهجرة، 1395.

«و»

100- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033- 1104)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1409.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.